فتح القدير للكمال ابن الهمام

الكمال بن الهمام

[خطبة الكتاب]

[خِطْبَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَا أَلْهَمَ وَعَلَّمَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ نَعْلَمْ،

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْلَى مَعَالِمَ الْعِلْمِ وَأَعْلَامَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ

وَأَظْهَرَ شَعَائِرَ الشَّرْعِ وَأَحْكَامَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيِّ الْأَكْرَمِ، الْمَبْعُوثِ إلَى سَائِر الْأُمَمِ بِالشَّرْعِ الْأَقْوَمِ وَالْمَنْهَجِ الْأَحْكَمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ -[وَبَعْدُ] فَهَذَا تَعْلِيقٌ عَلَى كِتَابِ الْهِدَايَةِ لِلْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ بُرْهَانِ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْجَلِيلِ الرِّشْدَانِيِّ الْمَرْغِينَانِيِّ

وَبَعَثَ رُسُلًا وَأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - إلَى سُبُلِ الْحَقِّ هَادِينَ، وَأَخْلَفَهُمْ عُلَمَاءَ إلَى سُنَنِ سُنَنِهِمْ دَاعِينَ، يَسْلُكُونَ فِيمَا لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُمْ مَسْلَكَ الِاجْتِهَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْخِ الْإِسْلَامِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ دَارَ السَّلَامِ، شَرَعْت فِي كِتَابَتِهِ فِي شُهُورِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي إقْرَائِهِ لِبَعْضِ الْإِخْوَانِ، أَرْجُو مِنْ كَرَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَهْدِيَنِي فِيهِ صَوَابَ الصَّوَابِ،

مُسْتَرْشِدِينَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ وَلِيُّ الْإِرْشَادِ، وَخَصَّ أَوَائِلَ الْمُسْتَنْبِطِينَ بِالتَّوْفِيقِ حَتَّى وَضَعُوا مَسَائِلَ مِنْ كُلِّ جَلِيٍّ وَدَقِيقٍ غَيْرَ أَنَّ الْحَوَادِثَ مُتَعَاقِبَةُ الْوُقُوعِ، وَالنَّوَازِلُ يَضِيقُ عَنْهَا نِطَاقُ الْمَوْضُوعِ، وَاقْتِنَاصُ الشَّوَارِدِ بِالِاقْتِبَاسِ مِنْ الْمَوَارِدِ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَمْثَالِ مِنْ صَنْعَةِ الرِّجَالِ، وَبِالْوُقُوفِ عَلَى الْمَأْخُوذِ يُعَضُّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَقَدْ جَرَى عَلَى الْوَعْدِ فِي مَبْدَإِ بِدَايَةِ الْمُبْتَدِي أَنْ أَشْرَحَهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى شَرْحًا أَرْسُمُهُ بِكِفَايَةِ الْمُنْتَهِي، فَشَرَعْت فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنْ يَجْمَعَ فِيهِ أَشْتَاتَ مَا تَفَرَّقَ مِنْ لُبِّ اللُّبَابِ، لِيَكُونَ عُدَّةً لِطَالِبِي الرِّوَايَةِ، وَمَرْجِعًا لِصَارِفِي الْعِنَايَةِ فِي طَلَبِ الْهِدَايَةِ، وَإِيَّاهُ سُبْحَانَهُ أَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَمُوجِبًا لِرِضَاهُ الْمُوصِلِ إلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ. هَذَا، وَإِنَى كُنْت قَرَأْت تَمَامَ الْكِتَابِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ عَلَى وَجْهِ الْإِتْقَانِ وَالتَّحْقِيقِ عَلَى سَيِّدِي الشَّيْخِ الْإِمَامِ بَقِيَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَخَلَفِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ سِرَاجِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنَانِيِّ الشَّهِيرِ بِقَارِئِ الْهِدَايَةِ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ، وَهُوَ قَرَأَهُ عَلَى مَشَايِخَ عِظَامٍ مِنْ جُمْلَتِهِمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ السِّيرَامِيُّ، وَهُوَ

وَالْوَعْدُ يُسَوِّغُ بَعْضَ الْمَسَاغِ، وَحِينَ أَكَادُ أَتَّكِي عَنْهُ اتِّكَاءَ الْفَرَاغِ، تَبَيَّنْتُ فِيهِ نُبَذًا مِنْ الْإِطْنَابِ وَخَشِيت أَنْ يُهْجَرَ لِأَجْلِهِ الْكِتَابُ، فَصَرَفْت الْعِنَانَ وَالْعِنَايَةَ إلَى شَرْحِ آخَرِ مَوْسُومٍ بِالْهِدَايَةِ، أَجْمَعُ فِيهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ عُيُونِ الرِّوَايَةِ وَمُتُونِ الدِّرَايَةِ، تَارِكًا لِلزَّوَائِدِ فِي كُلِّ بَابٍ، مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِسْهَابِ، مَعَ مَا أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أُصُولٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا فُصُولٌ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهَا، وَيَخْتِمَ لِي بِالسَّعَادَةِ بَعْدَ اخْتِتَامِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ الْإِمَامِ جَلَالِ الدِّينِ شَارِحِ الْكِتَابِ، وَهُوَ عَنْ شَيْخِهِ قُدْوَةِ الْأَنَامِ، بَقِيَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَاءِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ النَّجَّارِيِّ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ، وَهُوَ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ أُسْتَاذِ الْعُلَمَاءِ حَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ، وَهُوَ عَنْ شَيْخِهِ

حَتَّى إنَّ مَنْ سَمَتْ هِمَّتُهُ إلَى مَزِيدِ الْوُقُوفِ يَرْغَبُ فِي الْأَطْوَلِ وَالْأَكْبَرِ، وَمَنْ أَعْجَلَهُ الْوَقْتُ عَنْهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقْصَرِ وَالْأَصْغَرِ. وَلِلنَّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ وَالْفَنُّ خَيْرٌ كُلُّهُ. ثُمَّ سَأَلَنِي بَعْضُ إخْوَانِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِمْ الْمَجْمُوعَ الثَّانِيَ، فَافْتَتَحْتُهُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي تَحْرِيرِ مَا أُقَاوِلُهُ مُتَضَرِّعًا إلَيْهِ فِي التَّيْسِيرِ لِمَا أُحَاوِلُهُ، إنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَهُوَ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ السِّتَارِ بْنِ مُحَمَّدِ الْكَرْدَرِيِّ، وَهُوَ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ حُجَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَنَامِ الْمَخْصُوصِ بِالْعِنَايَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، فَهَذَا طَرِيقُ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَقَرَأْته قَبْلَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ أَوْ نَحْوِهِ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْحُمَيْدِيِّ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبِهَا قَرَأْت بَعْضَهُ أَيْضًا عَلَى الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ الْمَعْرُوفِ بِالْإِسْكَنْدَرِيِّ الْحَنَفِيِّ بَقِيَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْمُحَقِّقِينَ تَغَمَّدَهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ أَجْمَعِينَ.

[كتاب الطهارات]

كِتَابُ الطَّهَارَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمَّا جَاءَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ أَكْبَرَ مِنْ قَدْرِي بِمَا لَا يَنْتَسِبُ بِنِسْبَةٍ، عَلِمْت أَنَّهُ مِنْ فَتْحِ جُودِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَسَمَّيْته وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ [فَتْحَ الْقَدِيرِ] لِلْعَاجِزِ الْفَقِيرِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [كِتَابُ الطَّهَارَاتِ] ِ جَمَعَهَا عَلَى إرَادَةِ الْأَنْوَاعِ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهَا مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَآلَتُهَا مِنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا قِيلَ الْحَدَثُ وَالْخَبَثُ. وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا يَنْقُضَانِهَا فَكَيْفَ يُوجِبَانِهَا وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَقْضِهِمَا شَرْعًا الصِّفَةَ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاصِلَةَ عَنْ تَطْهِيرٍ سَابِقٍ وَإِيجَابِ تَطْهِيرٍ آخَرَ مُسْتَأْنَفٍ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: السَّبَبِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْجَعْلِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّجْوِيزِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ، وَاخْتَارُوا أَنَّهُ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِرَادَةِ لَا يُظْهِرُ وَجْهَ إيجَابِهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ لُحُوقَ الشُّرُوعِ الْمُسْتَلْزِمِ عَدَمَ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ لَوْ لَمْ تُقَدَّمْ، فَحَقِيقَةُ سَبَبِهَا وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ شَرْطِهِ لَا لَفْظًا لُغَةٌ، وَكَوْنُ الْإِرَادَةِ مُضْمَرَةً فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] يُقَيِّدُ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِالْإِرَادَةِ الْمُسْتَلْحِقَةِ لِلشُّرُوعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مَشْرُوطٌ بِهَا، فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبِ فِعْلِ مَشْرُوطِهَا، إلَّا أَنَّ وُجُوبَهَا بِوُجُوبِهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِنَقْلِهِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْإِرَادَةُ، إذْ لَا وُجُوبَ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ النَّافِلَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِهَا وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا، وَجَعْلُهَا سَبَبًا بِشَرْطِ الشُّرُوعِ يُوجِبُ تَأَخُّرَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَفِيهِ الْمَحْذُورُ، فَإِنَّ

(فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ: غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ) بِهَذَا النَّصِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإيجَابَهُ شَرْطًا بِإِيجَابِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ. وَيُمْكِنُ كَوْنُ إرَادَةِ النَّافِلَةِ سَبَبَ وُجُوبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الْوُضُوءُ، وَإِمَّا تَرْكُ النَّافِلَةِ عَلَى مَعْنَى عَدَمِ الْخُلُوِّ فَيَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا، فَهِيَ حِينَئِذٍ سَبَبُ وُجُوبٍ وَاجِبٍ مُخَيَّرٍ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا سَبَبُ وُجُوبِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، أَمَّا إذَا جُعِلَتْ سَبَبَ أَصْلِ الْوُجُوبِ فَالْإِشْكَالُ أَخَفُّ. وَأَرْكَانُهَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَرْبَعَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ، وَفِي الْأَكْبَرِ غَسْلُ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَفِي الْخَبَثِ إزَالَةُ الْعَيْنِ بِالْمَائِعِ الطَّاهِرِ وَاسْتِعْمَالُهُ ثَلَاثًا فِيمَا لَا يُرَى (قَوْلُهُ بِهَذَا النَّصِّ) لِنَفْيِ أَنَّ وُجُوبَ غَسْلِ الرِّجْلِ بِالْحَدِيثِ فَقَطْ، وَوَجْهُهُ أَنَّ قِرَاءَةَ نَصْبِ الرِّجْلِ عَطْفٌ عَلَى الْمَغْسُولِ، وَقِرَاءَةُ جَرِّهَا كَذَلِكَ وَالْجَرُّ لِلْمُجَاوِرَةِ. وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ بَلْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ، وَقِرَاءَةُ النَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ الرُّءُوسِ وَهُوَ مَحَلٌّ يَظْهَرُ فِي الْفَصِيحِ، وَهَذَا أَوْلَى

وَالْغَسْلُ هُوَ الْإِسَالَةُ وَالْمَسْحُ هُوَ الْإِصَابَةُ. وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا (وَالْمِرْفَقَانِ وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَخْرِيجِ الْقِرَاءَتَيْنِ بِهِ عَلَى الْمُطَّرَدِ، بِخِلَافِ تَخْرِيجِ الْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنَّ الْعَرَبَ إذَا اجْتَمَعَ فِعْلَانِ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى وَلِكُلٍّ مُتَعَلَّقٌ جَوَّزَتْ حَذَفَ أَحَدِهِمَا وَعُطِفَ مُتَعَلَّقُ الْمَحْذُوفِ عَلَى مُتَعَلَّقِ الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ مُتَعَلَّقُهُ كَقَوْلِهِمْ: مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا، وَتَقَلَّدْت بِالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ، وَعَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، وَالْحَمْلُ عَلَى الْجِوَارِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ إذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا كَلَامٍ فَصِيحٍ انْتَهَى إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ إعْرَابُ الْمُتَعَلِّقَيْنِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي عَلَفْتهَا وَسَقَيْتهَا، وَهُنَا الْإِعْرَابُ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَا قَالَ يَكُونُ الْأَرْجُلُ مَنْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُولُ اغْسِلُوا الْمَحْذُوفُ فَحِينَ تُرِكَ إلَى الْجَرِّ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِمُجَاوِرَةِ إعْرَابِ الرُّءُوسِ، فَمَا هَرَبَ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت: حَاصِلُ هَذَا تَجْوِيزُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّصِّ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَتَجْوِيزُهُ لَا يُوجِبُ وُقُوعَهُ بَلْ حَتَّى تُوجِبَهُ قَرِينَةٌ كَتَعْيِينِ بَعْضِ مَفَاهِيمِ الْمُشْتَرَكِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا. فَالْجَوَابُ: بَلْ ثَابِتٌ، وَهُوَ إطْبَاقُ رُوَاةِ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حِكَايَةِ الْغُسْلِ لَيْسَ غَيْرُ، فَكَانَتْ السُّنَّةُ قَرِينَةً مُنْفَصِلَةً تُوجِبُ إرَادَةَ اسْتِعْمَالِ الْمُوَافِقِ لَهَا بِالنَّصِّ، هَذَا. وَقَدْ وَرَدَ الْحَمْلُ عَلَى الْجِوَارِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ. فَإِنْ صَحَّتْ وَقُلْنَا بِجَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ وَلَا كَلَامٌ فَصِيحٌ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الْإِطْلَاقُ، وَالْمَنْعُ، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاوِي عَرَبِيًّا فَنَعَمْ أَوْ عَجَمِيًّا فَلَا. وَحَلَّ النَّصْبُ عَلَى حَالَةِ ظُهُورِ الرِّجْلِ وَالْجَرِّ عَلَى الْمَسْحِ حَالَةَ اسْتِتَارِهَا بِالْخَلْفِ حَمْلًا لِلْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْحَالَتَيْنِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَع: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَى الْخُفِّ لَيْسَ مَاسِحًا عَلَى الرِّجْلِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، لِأَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ أُزِيلَ بِالْمَسْحِ فَهُوَ عَلَى الْخُفِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا (قَوْلُهُ: وَالْغَسْلُ الْإِسَالَةُ) يُفِيدُ أَنَّ الدَّلْكَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَيْهِ، وَمَرْجِعُهُمْ فِيهِ قَوْلُ الْعَرَبِ غَسَلَتْ الْمَطَرُ الْأَرْضَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْإِسَالَةُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِأَنْ وَقَعَهَا مِنْ عُلُوٍّ خُصُوصًا مَعَ الشِّدَّةِ وَالتَّكْرَارِ: أَيْ دَلَكَ وَهُمْ لَا يَقُولُونَهُ إلَّا إذَا نُظِّفَتْ الْأَرْضُ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِدَلْكٍ، وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْمَعْنَى الْمَعْقُولِ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْغُسْلِ وَهُوَ تَحْسِينُ هَيْئَةِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَخْفِيفًا، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ الْكُلُّ، وَالنَّاسُ بَيْنَ حَضَرِيٍّ وَقَرَوِيٍّ خَشِنِ الْأَطْرَافِ لَا يُزِيلُ مَا اسْتَحْكَمَ فِي خُشُونَتِهَا إلَّا الدَّلْكُ، فَالْإِسَالَةُ لَا تُحَصِّلُ مَقْصُودَ شَرْعِيَّتِهَا، ثُمَّ حَدُّ الْإِسَالَةِ الَّتِي هِيَ الْغُسْلُ: أَنْ يَتَقَاطَرَ الْمَاءُ وَلَوْ قَطْرَةً عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْزِئُ إذَا سَالَ عَلَى الْعُضْوِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ (قَوْلُهُ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ) خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ، وَإِنَّمَا طُولُهُ مِنْ مَبْدَإِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى أَسْفَلِ اللَّحْيَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصْلَعَ لَا يَجِبُ مِنْ قِصَاصِهِ، وَيُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الصَّلْعَةِ فِي الْأَصَحِّ وَالْقِصَاصُ مُثَلَّثٌ الْقَافِ (قَوْلُهُ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ) يُعْطِي ظَاهِرُهُ وُجُوبَ

هُوَ يَقُولُ: الْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي بَابِ الصَّوْمِ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا إذْ لَوْلَاهَا لَاسْتَوْعَبَتْ الْوَظِيفَةُ الْكُلَّ، وَفِي بَابِ الصَّوْمِ لِمَدَّ الْحُكْمِ إلَيْهَا إذْ الِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِمْسَاكِ سَاعَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQإدْخَالِ الْبَيَاضِ الْمُعْتَرَضَ بَيْنَ الْعَذَارِ وَالْأُذُنِ بَعْدَ نَبَاتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ هُوَ النَّابِتُ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ، وَيُعْطِي أَيْضًا وُجُوبَ الْإِسَالَةِ عَلَى شَعْرِ اللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ غَسْلَ الْوَجْهِ وَحْدَهُ بِذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَاتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَعَنْهُ يَجِبُ مَسْحُ رُبْعِهَا، وَعَنْهُ مَسْحُ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، وَعَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اسْتِيعَابُهَا. وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ كُلِّهِ، قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْبَشَرَةِ فَتَحَوَّلَ الْفَرْضُ إلَيْهِ كَالْحَاجِبِ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ: إنَّهُمْ رَجَعُوا عَمَّا سِوَى هَذَا، كُلُّ هَذَا فِي الْكَثَّةِ، أَمَّا الْخَفِيفَةِ الَّتِي تُرَى بَشَرَتُهَا فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهَا، وَلَوْ أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى شَعْرِ الذَّقَنِ ثُمَّ حَلَقَهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الذَّقَنِ. وَفِي الْبَقَّالِيِّ: لَوْ قَصَّ الشَّارِبَ لَا يَجِبُ تَخْلِيلُهُ، وَإِنْ طَالَ يَجِبُ تَخْلِيلُهُ وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَى الشَّفَتَيْنِ، وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَطْعَهُ مَسْنُونٌ فَلَا يُعْتَبَرُ قِيَامُهُ فِي سُقُوطِ غَسْلِ مَا تَحْتَهُ، بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ فَإِنَّ إعْفَاءَهَا هُوَ الْمَسْنُونُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَبَتَتْ جِلْدَةٌ لَا يَجِبُ قَشْرُهَا وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهَا، بَلْ لَوْ أَسَالَ عَلَيْهَا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي قَشْرِهَا؛ إذْ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ سُنَّةٌ وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ قِيَامُهَا مَانِعًا مِنْ الْغُسْلِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَنَابِتِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ مِنْ الْآدَابِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَأَمَّا الشَّفَةُ فَقِيلَ تَبَعٌ لِلْفَمِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَا انْكَتَمَ عِنْدَ انْضِمَامِهِ تَبَعٌ لَهُ وَمَا ظَهَرَ فَلِلْوَجْهِ. وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إنْ كَانَ وَافِرَ الْأَظْفَارِ وَفِيهَا دَرَنٌ أَوْ طِينٌ أَوْ عَجِينٌ أَوْ الْمَرْأَةُ تَضَعُ الْحِنَّاءَ جَازَ فِي الْقَرَوِيِّ وَالْمَدَنِيِّ. قَالَ الدَّبُوسِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ الْإِسْكَافُ: يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ إلَّا الدَّرَنَ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهُ. وَقَالَ الصَّفَّارُ فِيهِ: يَجِبُ الْإِيصَالُ إلَى مَا تَحْتَهُ إنْ طَالَ الظُّفْرُ، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَإِنْ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الظَّوَاهِرِ لَكِنْ إذَا طَالَ الظُّفْرُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ عَرُوضِ الْحَائِلِ كَقَطْرَةِ شَمْعَةٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ. وَفِي النَّوَازِلِ يَجِبُ فِي الْمِصْرِيِّ لَا الْقَرَوِيِّ؛ لِأَنَّ دُسُومَةَ أَظْفَارِ الْمِصْرِيِّ مَانِعَةٌ وُصُولَ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْقَرَوِيِّ، وَلَوْ لَزِقَ بِأَصْلِ ظُفْرِهِ طِينٌ يَابِسٌ وَنَحْوُهُ أَوْ بَقِيَ قَدْرُ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِنْ مَوْضِعِ الْغَسْلِ لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَجِبُ نَزْعُ الْخَاتَمِ وَتَحْرِيكُهُ إذَا كَانَ وَاسِعًا، وَالْمُخْتَارُ فِي الضَّيِّقِ الْوُجُوبُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ شَيْءٌ يَسْقُطُ الْغُسْلُ، وَلَوْ بَقِيَ وَجَبَ، وَلَوْ طَالَ أَظْفَارُهُ حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَجَبَ غَسْلُهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ عَلَى الْمَنْكِبِ فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ يَجِبُ غَسْلُهَا، وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ فَمَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهُ وَمَا لَا فَلَا (قَوْلُهُ: هُوَ يَقُولُ الْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ) أَيْ هَذِهِ الْغَايَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا، فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ.

وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ هُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْهُ الْكَاعِبُ. قَالَ (وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ وَهُوَ رُبْعُ الرَّأْسِ) لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ» وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ فَالْتَحَقَ بَيَانًا بِهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي التَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ شَعْرَاتٍ، وَعَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ تَنْظِيرٌ لَا قِيَاسٌ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: الْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ لِزُفَرَ الِاسْتِدْلَال بِتَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْغَايَاتِ مَا يَدْخُلُ وَمِنْهَا مَا لَا فَاحْتَمَلَتْ هَذِهِ كُلًّا مِنْهُمَا فَلَا تَدْخُلُ بِالشَّكِّ، وَأَيْضًا مَا بَعْدَ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ فِي دُخُولِهِ فِي مُسَمًّى الْيَدِ وَالرِّجْلِ اشْتِبَاهٌ، فَبِتَقْدِيرِ دُخُولِهِ تَدْخُلُ وَبِعَدَمِهِ لَا لِلْأَصْلِ الْمُقَرَّرِ، وَهُوَ أَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ إنْ دَخَلَ فِي الْمُسَمَّى لَوْلَا ذِكْرُهَا دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلُ بِالشَّكِّ، وَمَا أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إلَى غَدٍّ لَا يَدْخُلُ مَعَ أَنَّهُ يَدْخُلُ لَوْ تُرِكَتْ لِلْغَايَةِ غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ، وَالْأَيْمَانُ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ، وَجَازَ أَنْ يُخَالِفَ الْعُرْفُ اللُّغَةَ، وَكَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مَرَافِقِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِافْتِرَاضَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ كَالزِّيَادَةِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إلَى أَنْ اسْتَوْعَبَهُ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِنَقْلِ دُخُولِهَا فِي الْمُسَمَّى لُغَةً وَهُوَ أَوْجَهُ الْقَوْلَيْنِ بِشَهَادَةِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَال بِهِ، وَكَوْنِهِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَكُونُ الْغَايَةُ دَاخِلَةً لُغَةً، وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ مَا قَالَ يَثْبُتُ الْإِجْمَالُ فِي دُخُولِهَا فَيُلْتَحَقُ بِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّارِ» بَيَانًا لِلتَّوَعُّدِ عَلَى تَرْكِهِ فَيَكُونُ اقْتِصَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَرَافِقِ وَقَعَ بَيَانًا لِلْمُرَادِ مِنْ الْيَدِ فَيَتَعَيَّنُ دُخُولُ مَا أَدْخَلَهُ. وَقَوْلُهُ: اغْسِلْ يَدَك لِلْأَكْلِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَمَّا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ الَّذِي فِي وَسَطِ الرِّجْلِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، فَإِنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بِذَلِكَ الْكَعْبُ الَّذِي يَقْطَعُ الْمُحْرِمُ أَسْفَلَهُ مِنْ الْخُفَّ إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ) أَيْ فِي حَقِّ الْكَمْيَّةِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُهُ وَيَقُولُ: هَذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقٌ لَا مُجْمَلٌ، وَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَى كَمِّيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ أَجْمَلَ فِيهَا، بَلْ إلَى الْإِطْلَاقِ لِيَسْقُطَ بِأَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَسْحُ الرَّأْسِ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ لَا يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ النَّاصِيَةِ لِجَوَازِ كَوْنِ ذِكْرِهَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْفَوْدِ أَوْ الْقَذَالِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبِكُمْ، وَلَوْ نَظَرْنَا إلَيْهِ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْمُغِيرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ» كَانَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فِي الْبَاءِ كَالْآيَةِ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لَا، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا لِلْإِلْصَاقِ لَزِمَ التَّبْعِيضُ بِصَرِيحِ تَقْرِيرِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] لِدُخُولِهَا عَلَى الْمَحَلِّ كَمَا سَنَذْكُرُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ» وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حُجَّةٌ، وَظَاهِرُهُ اسْتِيعَابُ تَمَامِ الْمُقَدَّمِ، وَتَمَامُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ هُوَ الرُّبْعُ الْمُسَمَّى بِالنَّاصِيَةِ. وَقِطْرِيَّةٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: ثِيَابٌ حُمْرٌ لَهَا أَعْلَامٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى قَطَرَ مَوْضِعٌ بَيْنَ عُمَانَ وَسَيْفِ الْبَحْرِ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَرْبٌ مِنْ الْبُرُودِ فِيهِ حُمْرَةٌ وَلَهَا أَعْلَامٌ فِيهَا بَعْضُ الْخُشُونَةِ، وَمِثْلُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، أَوْ قَالَ نَاصِيَتَهُ» فَإِنَّهُ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا عِنْدَنَا كَيْفَ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِالْمُتَّصِلِ. بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الْفِعْلِ كَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ جَوَازِ الْأَقَلِّ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَمِّ الْمُلَازَمَةِ الْقَائِلَةِ لَوْ جَازَ الْأَقَلُّ لِفِعْلِهِ مَرَّةً تَعْلِيمًا لَجَازَ وَتُسَلَّمُ، وَقَدْ تُمْنَعُ بِأَنَّ الْجَوَازَ إذَا كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ غَيْرِ الْفِعْلِ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ فِيهِ، وَهُنَا كَذَلِكَ نَظَرًا إلَى الْآيَةِ فَإِنَّ الْبَاءَ فِيهَا لِلتَّبْعِيضِ. وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ نَفْيَ جَوَازِ الْأَقَلِّ فَيَرْجِعُ الْبَحْثُ إلَى دَلَالَةِ الْآيَةِ، وَنَقُولُ فِيهِ إنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَهَا، بِخِلَافِ التَّبْعِيضِ فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ يَنْفُونَ كَوْنَهُ مَعْنًى مُسْتَقِلًّا لِلْبَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَ فِي ضِمْنِ الْإِلْصَاقِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ إلْصَاقَ الْآلَةِ بِالرَّأْسِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ لَا يَسْتَوْعِبُ الرَّأْسَ، فَإِذَا أَلْصَقَ فَلَمْ يَسْتَوْعِبْ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِذَلِكَ الْبَعْضِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَادُ بِالْبَاءِ. وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَدِيعِ فِي الْأُصُولِ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَسْتَوْعِبُ قَدْرَهُ غَالِبًا فَلَزِمَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ جَوَازِ قَدْرِ الثَّلَاثِ الْأَصَابِعِ، وَإِنْ صَحَّحَهَا بَعْضُ الْمَشَايِخِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إلْصَاقُ الْيَدِ وَالْأَصَابِعِ أَصْلُهَا؛ وَلِهَذَا يَلْزَمُ كَمَالُ دِيَةِ الْيَدِ بِقَطْعِهَا

الِاسْتِيعَابِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: قَدَّرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَةِ الْمَسْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيُفِيدُ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَنْصُورِ رِوَايَةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَدْرُهُ وَدِرَايَةٌ أَنَّ الْمُقَدَّمَةَ الْأَخِيرَةَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ بِوَاسِطَةِ تَعَدِّي الْفِعْلِ إلَى تَمَامِ الْيَدِ فَإِنَّ بِهِ يَتَقَدَّرُ قَدْرُهَا مِنْ الرَّأْسِ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ عَيْنُ قَدْرِهِ، وَقَوْلُنَا عَيْنُ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَ الْمَطَرُ قَدْرَ الْفَرْضِ سَقَطَ، وَلَا تُشْتَرَطُ إصَابَتُهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ لَمْ تُقْصَدْ إلَّا لِلْإِيصَالِ إلَى الْمَحَلِّ فَحَيْثُ وَصَلَ اُسْتُغْنِيَ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا، وَلَوْ مَسَحَ بِبَلَلٍ فِي يَدِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ جَازَ لَا إنْ أَخَذَهُ وَلَوْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ مَدَّهَا قَدْرَ الْفَرْضِ جَازَ عِنْدَ زَفَرَ وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ، وَعَلَّلُوا بِأَنَّ الْبِلَّةَ صَارَتْ مُسْتَعْمَلَةً، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَمَا قِيلَ الْأَصْلُ ثُبُوتُ الِاسْتِعْمَالِ بِنَفْسِ الْمُلَاقَاةِ لَكِنَّهُ سَقَطَ فِي الْمَغْسُولِ لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ بِإِلْزَامِ إصَابَةِ كُلِّ جُزْءٍ بِإِسَالَةِ غَيْرِ الْمُسَالِ عَلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ، وَلَا حَرَجَ فِي الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْإِصَابَةِ فَبَقِيَ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ، دُفِعَ بِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا عَلَّلَ بِهِ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ إدْخَالِ الرَّأْسِ فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ عِنْدَهُ، فَقَالُوا: الْمَسْحُ حَصَلَ بِالْإِصَابَةِ، وَالْمَاءُ إنَّمَا يَأْخُذُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ وَالْمُصَابُ بِهِ لَمْ يُزَايِلْ الْعُضْوَ حَتَّى عَدَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى التَّعْلِيلِ بِلُزُومِ انْفِصَالِ بِلَّةِ الْأُصْبُعِ بِوَاسِطَةِ الْمَدِّ فَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمُصَابِ فِي إدْخَالِ الرَّأْسِ الْإِنَاءَ، وَهَذَا كُلُّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ مَدَّ أُصْبُعَيْنِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ، وَكَذَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ مَدِّ الثَّلَاثِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ الِاسْتِعْمَالَ بِالْمُلَاقَاةِ أَوْ انْتَقَلَتْ الْبِلَّةُ لَزِمَ ذَلِكَ، لَكِنِّي لَمْ أَرَ فِي مَدِّ الثَّلَاثِ إلَّا الْجَوَازَ وَاخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْمَنْعَ فِي مَدِّ الْأُصْبُعِ وَالِاثْنَتَيْنِ غَيْرُ مُعَلَّلٍ بِاسْتِعْمَالِ الْبِلَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ شَيْءٍ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا خُصُوصًا إذَا تَيَمَّمَ عَلَى الْحَجَرِ الصَّلْدِ، بَلْ الْوَجْهُ عِنْدَهُ أَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ وَالْأُصْبُعَانِ مِنْهَا لَا تُسَمَّى يَدًا، بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَهُوَ حَسَنٌ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي تَعْيِينَ الْإِصَابَةِ بِالْيَدِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بِمَسْأَلَةِ الْمَطَرِ. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْيِينُهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الْآلَاتِ عِنْدَ قَصْدِ الْإِسْقَاطِ بِالْفِعْلِ اخْتِيَارًا، غَيْرَ أَنَّ لَازِمَهُ كَوْنُ تِلْكَ الْآلَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْيَدِ مَثَلًا قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ الْيَدِ، حَتَّى لَوْ

قَالَ (وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عُودًا مَثَلًا لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ الْقَدْرَ قُلْنَا بِعَدَمِ جَوَازِ مَدِّهِ. وَقَدْ يُقَالُ عَدَمُ الْجَوَازِ بِالْأُصْبُعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبِلَّةَ تَتَلَاشَى وَتَفْرُغُ قَبْلَ بُلُوغِ قَدْرِ الْفَرْضِ، بِخِلَافِ الْأُصْبُعَيْنِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَنْحَمِلُ فِيهِ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ الْمَضْمُومَتَيْنِ فَضْلُ زِيَادَةٍ تَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ إلَى قَدْرِ الْفَرْضِ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ أَوْ مَظْنُونٌ فَوَجَبَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ صِحَّةِ الِاكْتِفَاءِ بِقَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ يَجُوزُ مَدُّ الْأُصْبُعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَاءِ يَمْتَدُّ قَدْرَ أُصْبُعٍ ثَالِثٍ، وَعَلَى اعْتِبَارِ تَوَقُّفِ الْإِجْزَاءِ عَلَى الرُّبْعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِمَّا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إيعَابُهُ الرُّبُعَ، إلَّا أَنَّ هَذَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِأُصْبُعَيْنِ. وَأَمَّا الْجَوَازُ بِجَوَانِبِ الْأُصْبُعِ فَإِنَّهُ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ الِاكْتِفَاءِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ إنَاءَ مَاءٍ نَاوِيًا لِلْمَسْحِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ عَنْ الْفَرْضِ. وَالْمَاءُ طَهُورٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَالْمَاءُ مُسْتَعْمَلٌ. وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَاَلَّذِي لَاقَى الرَّأْسَ مِنْ أَجْزَائِهِ لَصِقَ بِهِ فَطَهَّرَهُ وَغَيْرُهُ لَمْ يُلَاقِهِ فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ وَفِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ مَحَلُّ الْمَسْحِ مَا فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ، فَلَوْ مَسَحَ عَلَى شَعْرِهِ أَجْزَأَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ ذُؤَابَتَاهُ مَشْدُودَتَيْنِ عَلَى رَأْسِهِ فَمَسَحَ عَلَى أَعْلَاهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالْمَسْنُونُ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ آخِذًا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ، ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ، وَأَمَّا مُجَافَاةُ السَّبَّاحَتَيْنِ مُطْلَقًا لِيَمْسَحَ بِهِمَا الْأُذُنَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ فِي الْإِدْبَارِ لِيَرْجِعَ بِهِمَا عَلَى الْفَوْدَيْنِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ، لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ حَتَّى جَازَ اتِّحَادُ بِلَتِّهِمَا، وَلِأَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْمَسْنُونَةِ وَهُمْ شَارِعُونَ فِي حِكَايَتِهَا لِتُرْتَكَبَ وَهِيَ غَيْرُ مُتَبَادِرَةٍ لَنَصُّوا عَلَيْهَا. وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ: إذَا دَهَنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمَاءَ لِلدُّسُومَةِ جَازَ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ تَمَامُ مَتْنَيْنِ رَوَاهُمَا الْمُغِيرَةُ أَحَدُهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَالْآخَرُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» فَجَمَعَ الْقُدُورِيُّ بَيْنَ مَرْوِيَّيْ الْمُغِيرَةَ وَوَهَمَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ إذْ جَعَلَهُ مُرَكَّبًا مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ» ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي السُّبَاطَةِ وَالْبَوْلِ قَائِمًا وَهُوَ يَقْتَضِي تَخْطِئَةَ الْقُدُورِيِّ فِي نِسْبَةِ حَدِيثِ السُّبَاطَةِ إلَى الْمُغِيرَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ قَدْ رَوَاهُ أَيْضًا الْمُغِيرَةُ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ (قَوْلُهُ وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ) إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِ السُّنَّةِ مَعَ الطَّهَارَةِ فِي طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ،

إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَلِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ التَّطْهِيرِ فَتُسَنُّ الْبُدَاءَةُ بِتَنْظِيفِهَا، وَهَذَا الْغَسْلُ إلَى الرُّسْغِ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي التَّنْظِيفِ. قَالَ (وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسُنَّةٌ بِلَا طَهَارَةٍ فِي سُنَّةٍ مَثَلًا صَلَوِيَّةٍ، وَطَهَارَةٌ بِلَا سُنَّةٍ فِي طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ فُعِلَتْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السُّنَّةِ. وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ: يَعْنِي الطَّهَارَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ الْوُضُوءُ، فَانْدَفَعَ لُزُومُ كَوْنِ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ سُنَنًا لِغَيْرِ الْوُضُوءِ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ. وَالسُّنَّةُ: مَا وَاظَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَرْكِهِ أَحْيَانًا (قَوْلُهُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ إذَا اسْتَيْقَظَ إلَخْ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ نُونِ التَّوْكِيدِ، وَأَمَّا بِهَا فَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَلَفْظُهُ «فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي طَهُورِهِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا» ثُمَّ غَسْلُهُمَا هَذَا يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ فَهُوَ فَرْضٌ تَقْدِيمُهُ سُنَّةٌ، وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ: ثُمَّ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ. وَأَمَّا تَعْلِيقُهُ بِالِاسْتِيقَاظِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا نَامَ مُسْتَنْجِيًا بِالْأَحْجَارِ أَوْ مُتَنَجِّسَ الْبَدَنِ، أَمَّا لَوْ نَامَ مُتَيَقِّنًا طَهَارَتَهُمَا مُسْتَنْجِيًا بِالْمَاءِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ. وَقِيلَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُطْلَقًا لِلْمُسْتَيْقِظِ وَغَيْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَهُ، وَإِنَّمَا يُحْكَى مَا كَانَ دَأْبُهُ وَعَادَتُهُ لَا خُصُوصُ وُضُوئِهِ الَّذِي هُوَ عَنْ نَوْمٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ اطِّلَاعَهُمْ عَلَى وُضُوئِهِ عَنْ غَيْرِ النَّوْمِ، نَعَمْ مَعَ الِاسْتِيقَاظِ وَتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ السُّنَّةُ آكَدٌّ، أَمَّا الْوُجُوبُ فَإِنَّمَا يُنَاطُ بِتَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ. (قَوْلُهُ وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى) لَفْظُهَا الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ، وَقِيلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِاسْمِ

لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَإِنْ سَمَّاهَا فِي الْكِتَابِ سُنَّةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ الْأَفْضَلُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَعْدَ التَّعَوُّذِ، وَفِي الْمُجْتَبَى يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ بِسْمِ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» وَضُعِّفَ بِالِانْقِطَاعِ، وَهُوَ عِنْدَنَا كَالْإِرْسَالِ بَعْدَ عَدَالَةِ الرُّوَاةِ وَثِقَتِهِمْ لَا يَضُرُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَبِيحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» وَأُعِلَّ بِأَنَّ رَبِيحًا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ. وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ: رَبِيحٌ شَيْخٌ، وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: رَوَى عَنْهُ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ فَقَالَ: أَحْسَنُ مَا فِيهَا حَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا، وَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ أَحْكُمُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ إلَخْ) يَجُوزُ كَوْنُ مُسْتَنَدِهِ فِيهِ ضَعْفَ الْأَحَادِيثِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ بِحَدِيثِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إلَّا أَنِّي كُنْتُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ حَدَّثَنَا نَافِعٌ قَالَ: انْطَلَقْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي حَاجَةٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ إذْ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثُمَّ إنَّهُ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ مَسْحًا ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ كَفَّهُ وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ» وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامَ» . وَرَوَى الْبَزَّارُ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَجُلٌ مِنْ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَادَ وَقَالَ: «إنَّمَا رَدَدْتُ عَلَيْك خَشْيَةَ أَنْ تَقُولَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ، فَإِذَا رَأَيْتَنِي هَكَذَا فَلَا تُسَلِّمْ عَلِيَّ فَإِنِّي لَا أَرُدُّ عَلَيْكَ» وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَوَقَعَ مُصَرَّحًا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ هَذَا فِي مُسْنَدِ السِّرَاجِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأَيْتَنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ إلَخْ» وَلِيُنْظَرْ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذِهِ وَكَيْفَ كَانَ فَهِيَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى عَدَمِ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَمُقْتَضَاهُ انْتِفَاؤُهُ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ الْكَائِنِ عَنْ حَدَثٍ، وَمَا أُعِلَّ بِهِ غَيْرُ قَادِحٍ لِلْمُتَأَمِّلِ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِخَبَرِ التَّسْمِيَةِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِحُسْنِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ طُرُقِ الضَّعِيفِ تُرَقِّيهِ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَوْجُهُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بَلْ بَعْضُهَا بِخُصُوصِهِ حَسَنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ أَهْلِ الشَّأْنِ عَلَيْهَا فَيُخْرِجُهُ مِنْ السُّنَّةِ كَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْإِيجَابِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُهُ، وَكَذَا عَدَمُ نَقْلِهَا فِي حِكَايَةِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّعْفَ مُنْتَفٍ لِمَا قُلْنَا، وَالْمُعَارَضَةُ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ ذِكْرِ اللَّهِ لَا يَكُونُ مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْوُضُوءِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَرَاهَةَ مَا جُعِلَ شَرْعًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَكْمِيلًا لَهُ بَعْدَ ثُبُوتِ جَعْلِهِ كَذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الْحَسَنِ، فَذَلِكَ الذِّكْرُ ضَرُورِيٌّ لِلْوُضُوءِ الْكَامِلِ شَرْعًا فَلَا تَعَارُضَ لِلِاخْتِلَافِ، وَعَدَمُ نَقْلِهَا فِي حِكَايَتَيْهِمَا إمَّا؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا حَكَيَا الْأَفْعَالَ الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ وَالتَّسْمِيَةُ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ ذِكْرٌ يَفْتَتِحُ هُوَ بِهَا، وَصِدْقُ هَذَا التَّرْكِيبِ يُفِيدُ خُرُوجَهَا عَنْ مُسَمَّاهُ، وَإِمَّا لِعَدَمِ نَقْلِ الرُّوَاةِ عَنْهُمَا، وَإِنْ قَالَاهَا؛ إذْ قَدْ يَنْقُلُ الرَّاوِي بَعْضَ الْحَدِيثِ اشْتِغَالًا بِالْمُهِمِّ بِنَاءً عَلَى اشْتِهَارِ الِافْتِتَاحِ بِالتَّسْمِيَةِ بَيْنَ السَّلَفِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ، كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَجْذَمُ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهَا ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِينَ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قُرَّةٌ. وَبِالْجُمْلَةِ عَدَمُ النَّقْلِ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ فَكَيْفَ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ آخَرَ، أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا مِنْ حِكَايَتِهِمَا التَّخْلِيلَ، وَلَا شُبْهَةَ فِي اعْتِقَادِي أَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا لَمْ يَنْقُلُوا السِّوَاكَ وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَبَعْضُ مَنْ حَكَى لَمْ يَحْكِ غَسْلَ الْيَدَيْنِ أَوَّلًا وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِهَا إذَا ثَبَتَ بِطُرُقٍ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ فَإِذَا سَلِمَ خَبَرُ التَّسْمِيَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ حُجِّيَّتِهِ فَمَا مُوجِبُ الْعُدُولِ بِهِ إلَى نَفْيِ الْكَمَالِ وَتَرْكِ ظَاهِرِهِ مِنْ الْوُجُوبِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَدِيثُ «إذَا تَطَهَّرَ أَحَدُكُمْ فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ جَسَدُهُ كُلُّهُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَهُورِهِ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا مَا مَرَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ» فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، إنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ الْأَعْمَشِ يَحْيَى بْنِ هَاشِمٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ حَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ» وَفِي لَفْظٍ «إنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَهُ» الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَسْمِيَةً فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ، فَقَدْ أَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ عَلِيِّ بْنِ خَلَّادٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ وَهُوَ مِنْ رُوَاتِهِ، فَأَدَّى النَّظَرُ إلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ، غَيْرَ أَنَّ صِحَّتَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَاطِعِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ نَسْخُ آيَةِ الْوُضُوءِ بِهِ: يَعْنِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِتَقْدِيرِ الِافْتِرَاضِ لَا الْوُجُوبِ. وَمَا قِيلَ إنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْوُجُوبِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ تَابِعٌ، فَلَوْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ فِيهِ الْمُسَاوِي التَّبَعِ الْأَصْلِ غَيْرُ لَازِمٍ إذْ اشْتِرَاكُهُمَا بِثُبُوتِ الْوَاجِبِ فِيهِمَا لَا يَقْتَضِيهِ لِثُبُوتِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بِوَجْهٍ آخَرَ نَحْوَ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِأَنَّ وَاجِبَهُ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ وَاجِبِ الصَّلَاةِ كَفَرْضِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَرْضِهَا. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. الرَّابِعُ مِنْهَا مَا هُوَ ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ وَأَعْطَوْا حُكْمَهُ إفَادَةَ السُّنِّيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَجَعَلُوا مِنْهُ خَبَرَ التَّسْمِيَةِ، وَصَرَّحَ

وَيُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (وَالسِّوَاكُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَعِنْدَ فَقْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُهُمْ بِأَنَّ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ لِذَلِكَ، فَالْجَوَابُ إنْ أَرَادُوا بِظَنِّيِّ الدَّلَالَةِ مُشْتَرَكَهَا سَلَّمْنَا الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ وَمَنَعْنَا كَوْنَ الْخَبَرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ نَفْيُ الْكَمَالِ فِيهِمَا احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ الظُّهُورُ فَإِنَّ النَّفْيَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فِيهِمَا. فَإِنْ قُلْنَا: النَّفْيُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى نَفْسِ الْجِنْسِ بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى حُكْمِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ فَإِنَّهُ الْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ قُلْنَا يَتَسَلَّطُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ فَيَنْتَفِي شَرْعًا لِعَدَمِ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا، وَإِنْ وُجِدَتْ حِسًّا فَأَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ، فَنَفْيُ الْكَمَالِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ احْتِمَالٌ هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَا فِيهِ احْتِمَالٌ، وَلَوْ مَرْجُوحًا مَنَعْنَا صِحَّةَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَأَسْنَدْنَاهُ بِأَنَّ الظَّنَّ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ مُتَعَلَّقِهِ، وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي خَبَرِ الْفَاتِحَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مِنْ طَرَفِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَعَمَلنَا بِوُجُوبِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. [فَرْعٌ] نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فَذَكَرَهَا فِي خِلَالِ الْوُضُوءِ فَسَمَّى لَا يُحَصِّلُ السُّنَّةَ، بِخِلَافِ نَحْوِهِ فِي الْأَكْلِ. كَذَا فِي الْغَايَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْوُضُوءَ عَمَلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، وَهُوَ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ فِي الْأَكْلِ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِي الْبَاقِي لَا اسْتِدْرَاكَ مَا فَاتَ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ قَبْلَهُ فَقَطْ وَمَا قِيلَ بَعْدَهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ حَالَ الِانْكِشَافِ، وَالْأَصَحُّ قَبْلَهُ أَيْضًا لَا حَالَ الِانْكِشَافِ، وَلَا فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ، وَمِنْ الثَّابِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» وَالْمُرَادُ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ. (قَوْلُهُ وَالسِّوَاكُ) أَيْ الِاسْتِيَاكُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ (لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ) الْمَطْلُوبُ مُوَاظَبَتُهُ عِنْدَ الْوُضُوءِ، وَلَمْ أَعْلَمْ حَدِيثًا صَرِيحًا فِيهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» وَفِي لَفْظٍ «إذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ» وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ» وَفِي أَبِي دَاوُد «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْتَيْقِظُ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ» وَفِي الطَّبَرَانِيِّ «مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَسْتَاكَ» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مُحَافَظَتِهِ عَلَى السِّوَاكِ اسْتِيَاكُهُ بِسِوَاكِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ وَفَاتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِيهِمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» وَعِنْدَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَةٍ «عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» وَرَوَاهَا

يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبُّ. قَالَ (وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ. وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يُمَضْمِضَ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَصَحَّحَهَا الْحَاكِمُ وَذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَلَا دَلَالَةَ فِي شَيْءٍ عَلَى كَوْنِهِ فِي الْوُضُوءِ إلَّا هَذِهِ، وَغَايَةُ مَا يُفِيدُ النَّدْبُ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ سِوَى الِاسْتِحْبَابِ، إذْ يَكْفِيهِ إذَا نَدَبَ لِشَيْءٍ أَنْ يَتَعَبَّدَ بِهِ أَحْيَانَا. وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتِدْلَالُهُ فِي الْغَايَةِ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا ظَاهِرُهُ النَّدْبُ عِنْدَ نَفْسِ الصَّلَاةِ كَوْنُهُ عِنْدَ الْوُضُوءِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ الْغَزْنَوِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: اصْفِرَارُ السِّنِّ، وَتَغَيُّرُ الرَّائِحَةِ، وَالْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ، وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُ غَيْرَهَا، وَفِيمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ. وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثٌ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ وَأَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ لَيِّنًا فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَطُولِ شِبْرٍ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُرَّةِ، وَيَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا. (قَوْلُهُ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ: قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: التَّشْوِيصُ بِالْمُسَبَّحَةِ وَالْإِبْهَامِ سِوَاكٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ «يُجْزِي مِنْ السِّوَاكِ الْأَصَابِعُ» وَتَكَلَّمَ فِيهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَذْهَبُ فُوهُ يَسْتَاكُ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (قَوْلُهُ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) وَالسُّنَّةُ فِيهِمَا الْمُبَالَغَةُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ وَهُوَ فِي الْمَضْمَضَةِ إلَى الْغَرْغَرَةِ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ، وَلَوْ شَرِبَ الْمَاءَ عَبًّا أَجْزَأَ عَنْ الْمَضْمَضَةِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَجَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ، وَمَصًّا لَا يُجْزِئُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ) جَمِيعُ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِعْلًا وَقَوْلًا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ نَفَرًا، وَلَا بَأْسَ بِإِفَادَةِ حَصْرِهِمْ تَكْمِيلًا وَإِسْعَافًا: الْأَوَّلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فِعْلًا، وَفِيهِ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ، وَفِيهِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، رَوَاهُ السِّتَّةُ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَوَهَمَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَعْلِهِ إيَّاهُ ابْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ رَاوِيَ الْأَذَانِ. وَفِي قَوْلِهِ مَسَحَ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ بِمَعْنَى أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. الثَّانِي عُثْمَانُ فِعْلًا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَدَدَ غَرْفَاتٍ، وَلَا فِي الْمَسْحِ إقْبَالًا وَلَا غَيْرَهُ. الثَّالِثُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِعْلًا فِي الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ «أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ» وَفِيهِ «ثُمَّ أَخَذَ

هُوَ الْمَحْكِيُّ مِنْ وُضُوءٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQغَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ» . الرَّابِعُ الْمُغِيرَةُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ. الْخَامِسُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِعْلًا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَفِيهِ «فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً» ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَالَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ. السَّادِسُ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ قَوْلًا دُونَ تَنْصِيصٍ عَلَى عَدَدٍ فِي شَيْءٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. السَّابِعُ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ فِعْلًا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. الثَّامِنُ أَبُو بَكْرَةَ قَوْلًا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ التَّاسِعُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلًا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى، وَزَادَ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَضَحَ تَحْتَ ثَوْبِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا إسْبَاغُ الْوُضُوءِ. الْعَاشِرُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ قَوْلًا، وَفِيهِ «ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا وَظَاهِرِ أُذُنَيْهِ ثَلَاثًا وَظَاهِرِ رَقَبَتِهِ» ، وَأَظُنُّهُ قَالَ وَظَاهِرِ لِحْيَتِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَفَصَلَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، أَوْ قَالَ خَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَرَفَعَ الْمَاءَ حَتَّى جَاوَزَ الْكَعْبَ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى السَّاقِ، ثُمَّ فَعَلَ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَمَلَأَ بِهَا يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى انْحَدَرَ الْمَاءُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَقَالَ: هَذَا إتْمَامُ الْوُضُوءِ، وَلَمْ أَرَهُ يُنَشِّفُ بِثَوْبٍ ". قَالَ الْإِمَامُ: يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرٌ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. الْحَادِيَ عَشَرَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ دُونَ تَنْصِيصٍ عَلَى عَدَدٍ فِي الرَّأْسِ وَغَرْفَاتِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. الثَّانِي عَشَرَ أَبُو أُمَامَةَ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَسٌ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ ذَلِكَ التَّنْصِيصِ. الرَّابِعَ عَشَرَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ قَالَ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ مِنْ تَحْتِ لِحْيَتِهِ فَخَلَّلَهَا» . الْخَامِسَ عَشَرَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو الْيَمَانِيُّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» اهـ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفَصَّلَ مَعْنَى التَّفْصِيلِ وَسَنَذْكُرُهُ عَنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. السَّادِسَ عَشَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَوْلًا، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى دُونَ ذَلِكَ التَّنْصِيصِ. السَّابِعَ عَشَرَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِعْلًا، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كَذَلِكَ. الثَّامِنَ عَشَرَ أَبُو كَاهِلٍ قَيْسُ بْنُ عَائِذٍ قَوْلًا، وَفِيهِ «فَغَسَلَ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ ثَلَاثًا وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ» ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ هُوَ الْوَجْهُ لِلْقَائِلِينَ بِعَدَمِ سُنِّيَّةِ التَّثْلِيثِ فِي غَسْلِ الرِّجْلِ، وَقَدْ ضُعِّفَ بِالْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّازٍ، وَحَدِيثُ الرَّبِيعِ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِي تَثْلِيثِ الرِّجْلَيْنِ. التَّاسِعَةَ عَشَرَ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْهَا قَوْلًا قَالَتْ فِيهِ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا وَوَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً وَوَضَّأَ يَدَهُ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَفِيهِ: وَضَّأَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. الْعِشْرُونَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِعْلًا، رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى، وَفِيهِ: مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إلَى مُؤَخَّرِهِ ثُمَّ مَرَّتْ بِيَدَيْهَا بِأُذُنَيْهَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ التَّسْمِيَةِ إلَّا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَسَّ طَهُورًا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى» . الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِعْلًا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ: مَسَحَ بِرَأْسِهِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا وَمَسَّ أُذُنَيْهِ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَسَنَذْكُرُهَا قَرِيبًا، وَقَدْ أَشَرْنَا فِيهَا إلَى الْأَطْرَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ وَغَرْفَاتِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعَا خِلَافٍ فَتَتَيَسَّرُ الْإِحَالَةُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا، وَكُلُّهَا نَصَّ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ هُوَ الْمَحْكِيُّ) تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ

(وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) وَهُوَ سُنَّةٌ بِمَاءِ الرَّأْسِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاسْتِنْثَارَ لَيْسَ أَخْذَ مَاءٍ لِيَكُونَ لَهُ غَرْفَاتٍ، وَالْمُرَادُ بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ مِثْلُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا، فَكَمَا أَنَّ الْمُرَادَ كُلٌّ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا فَكَذَا كُلٌّ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِثَلَاثِ غَرْفَاتٍ. وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ مُشَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْيَامِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، يَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَاءً جَدِيدًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا مَسَحَ رَأْسَهُ قَالَ هَكَذَا، وَأَوْمَأَ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى بَلَغَ بِهِمَا إلَى أَسْفَلِ عُنُقِهِ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ» وَقَدَّمْنَا رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد مُخْتَصَرًا وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ. وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ سُئِلَ: أَلِكَعْبٍ صُحْبَةٌ؟ فَقَالَ: الْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ إنَّهُ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَهْلُ بَيْتِ طَلْحَةَ يَقُولُونَ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ غَيْرُ قَادِحٍ، فَإِذَا اعْتَرَفَ أَهْلُ الشَّأْنِ بِأَنَّ لَهُ صُحْبَةً تَمَّ الْوَجْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مِقْسَمٍ الْبَرِّيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ الْيَامِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ هَكَذَا، وَوَصَفَ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ جَرَّ يَدَيْهِ إلَى قَفَاهُ» وَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ زَيْدٍ وَكَعْبٍ، وَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَجْدِيدُ الْمَاءِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْيَدَيْنِ ثَلَاثَ غَرْفَاتٍ لَا غَرْفَةٌ وَاحِدَةٌ، فَكَانَ الْمُرَادُ أَخَذَ مَاءً لِلْيُمْنَى ثُمَّ مَاءً لِلْيُسْرَى، إذْ لَيْسَ يَحْكِي الْفَرَائِضَ فَقَدْ حَكَى السُّنَنَ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ لَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ أَدْنَى مَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْمَضْمَضَةِ بِهِ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ أَدْنَى مَا يُقَامُ فَرْضُ الْيَدِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْكِيَّ إنَّمَا هُوَ وُضُوءُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لِيَتَّبِعَهُ الْمَحْكِيُّ لَهُمْ، وَمَا رُوِيَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ فَلِنَفْيِ كَوْنِهِ بِكَفَّيْنِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ بِالْيُمْنَى وَالِاسْتِنْشَاقَ بِالْيُسْرَى (قَوْلُهُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ: يُدْخِلُ الْخِنْصِرَ فِي أُذُنَيْهِ وَيُحَرِّكُهُمَا كَذَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أُذُنَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا السَّبَّابَتَيْنِ، وَخَالَفَ إبْهَامَيْهِ إلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا» وَقَوْلُ مَنْ قَالَ يَعْزِلُ السَّبَّابَتَيْنِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ مَشَايِخِنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُ إدْخَالُهُمَا وَهُوَ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ) قِيلَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ سُنَّةٍ بِمَاءِ الرَّأْسِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ بِمَاءِ الرَّأْسِ لَيْسَ إلَّا مِنْ حَيْثُ اتِّصَالُهُ بِسُنَّةٍ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» ) يَعْنِي فَلَا حَاجَةَ إلَى أَخْذِ مَاءٍ

وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ دُونَ الْخِلْقَةِ. قَالَ (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْفَرِدٍ لَهُمَا، كَمَا لَا يُؤْخَذُ فِي السُّنَّةِ مَاءَانِ لِعُضْوٍ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ التَّكْرَارِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَشْهَرُ إسْنَادٍ لِلْحَدِيثِ هَذَا يَعْنِي رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ قَالَ: الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَانَ حَمَّادُ يَشُكُّ فِي رَفْعِهِ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي أَمِنَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يَرْوِيهِ عَنْ حَمَّادٍ وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ انْتَهَى. وَقَدْ ضُعِّفَ شَهْرٌ أَيْضًا. وَأُجِيب بِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى حَمَّادٍ، فَأَبُو الرَّبِيعِ رَفَعَهُ عَنْهُ وَمَنْ سَمِعَتْ عَلَى مَا عَلِمْت. وَاخْتَلَفَ عَلَى مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِذَا رَفَعَ ثِقَةٌ حَدِيثًا وَوَقَّفَهُ آخَرُ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ شَخْصٌ وَاحِدٌ قُدِّمَ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ، وَالصَّحِيحُ فِي شَهْرٍ التَّوْثِيقُ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَحْمَدُ وَيَحْيَى وَالْعِجْلِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَسِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقَدْ تَوَهَّمَ فِي الْبَيْهَقِيّ التَّحَامُلَ بِسَبَبِ اقْتِصَارِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّكَلُّمِ فِيهِ ، وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» وَهُمَا ثَابِتَانِ لِلِاتِّصَالِ وَثِقَةِ الرِّجَالِ، وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الثَّانِي إسْنَادُهُ وَهَمٌ إنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ مُحْتَجًّا بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَ حُكْمِهِ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ الدَّارَقُطْنِيِّ: لَيْسَ بِقَدْحٍ فِيهِ، وَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَدِيثَانِ مُسْنَدٌ وَمُرْسَلٌ. وَلَنَا أَحَادِيثُ أُخَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ» . وَفِيهِ: ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ بَابَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ مَعَ

وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَالدَّاخِلُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّأْسِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لِفَنَاءِ الْبِلَّةِ قَبْلَ الِاسْتِيعَابِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا انْعَدَمَتْ الْبِلَّةُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْأَخْذِ كَمَا لَوْ انْعَدَمَتْ فِي بَعْضِ عُضْوٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ رَجَّحْنَا كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ أَكْثَرَ وَأَشْهَرَ، فَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كُتُبِ الرِّوَايَةِ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمَا، وَأَمْثَلُ حَدِيثٍ فِيهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عُثْمَانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ» . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ إلَّا عَامِرَ بْنَ شَقِيقٍ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ طَعْنًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ» ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ عَامِرًا ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَحَاصِلُ الْأَوَّلِ طَعْنٌ مُبْهَمٌ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ لَمْ يَقْبَلْهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالثَّانِي: لَا يُخْرِجُهُ إلَى الضَّعْفِ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَغَايَةُ الْأَمْرِ اخْتِلَافٌ فِيهِ لَا يَنْزِلُ بِهِ عَنْ الْحَسَنِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: يَعْنِي الْبُخَارِيَّ أَصَحُّ شَيْءٍ عِنْدِي حَدِيثُ عُثْمَانَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى. وَكَيْفَ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَأَنَسٍ كَمَا رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ رَأَيْتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، وَإِنْ ضُعِّفَ بِالِانْقِطَاعِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ» . رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ نَحْوُهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قَالَ (وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ كَيْ لَا تَتَخَلَّلَهَا نَارُ جَهَنَّمَ» وَلِأَنَّهُ إكْمَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ فِيهِ: فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ. وَفِيهِ: فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَكَذَا الطَّهُورُ؟ قَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. وَرُوِيَ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: «كَانَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ» . وَضُعِّفَ بِخَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ الْعَدَوِيِّ. وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ» . وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ وَضَّأَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ، فَرَأَيْتُهُ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ كَأَنَّهَا أَسْنَانُ الْمُشْطِ» . وَفِيهِ أَضْرَمُ بْنُ غِيَاثٍ النَّيْسَابُورِيُّ مَتْرُوكٌ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِمَّا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَلِّلْ لِحْيَتَكَ» وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّازٍ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» وَسَكَتَ عَنْهُ، وَكَذَا الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ زَرْوَانَ مَجْهُولٌ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامِ: وَهُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ طَلَبِ زِيَادَةِ التَّعْدِيلِ مَعَ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الرَّاوِي. وَقَدْ رَوَى عَنْ الْوَلِيدِ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَكَثِّرَةٌ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا ضَعِيفًا ثَبَتَتْ حُجِّيَّةُ الْمَجْمُوعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَكَيْفَ وَبَعْضُهَا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا الْمُوَاظَبَةُ بَلْ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ، إلَّا فِي شُذُوذٍ مِنْ الطُّرُقِ فَكَانَ مُسْتَحَبًّا لَا سُنَّةً، لَكِنَّ مَا فِي أَبِي دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ: بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي، لَمْ يَثْبُتْ ضَعْفُهُ، وَهُوَ مُغْنٍ عَنْ نَقْلِ صَرِيحِ الْمُوَاظَبَةِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ تَعَالَى حَامِلٌ عَلَيْهَا ، فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَيَتَضَاءَلُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْوُضُوءِ مَا كَانَ إكْمَالًا لِلْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ، وَدَاخِلُ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِهِ بَعْدَ سَلَامَتِهِ فِي نَفْسِهِ مِمَّا نُقِضَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّةٌ وَلَيْسَا فِي مَحَلِّهِ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْوَجْهِ بِالْمَنْعِ، وَادِّعَاءِ أَنَّ مَحَلَّيْهِمَا مِنْهُ حُكْمًا إذْ لَهُمَا حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَفْسُدَ الصَّوْمُ بِإِدْخَالِهِمَا شَيْئًا. (قَوْلُهُ وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) صِفَتُهُ فِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصِرِ يَدِهِ الْيُسْرَى خِنْصِرَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمَ بِخِنْصِرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى فِي الْقُنْيَةِ، كَذَا وَرَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ. (قَوْلُهُ حَكَى لَا تَتَخَلَّلُهَا نَارُ جَهَنَّمَ) مُؤَدَّيْ التَّرْكِيبِ أَنَّ التَّخْلِيلَ يُرَادُ لِعَدَمِ التَّظَلُّلِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ عَدَمَ التَّخْلِيلِ مُسْتَلْزِمٌ تَخَلُّلَ النَّارِ إلَّا لَوْ كَانَتْ عِلَّةٌ مُسَاوِيَةٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ وَإِلَّا كَانَ التَّخْلِيلُ وَاجِبًا بَعْدَ اعْتِقَادِهِمْ حُجِّيَّةَ الْحَدِيثِ، لَكِنَّ الْمَعْدُودَ فِي السُّنَنِ التَّخْلِيلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَهَا وَهُوَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُوَ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ بِتَقْدِيرِ التَّرْكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ فِي السُّؤَالِ الْقَائِلِ خَلِّلُوا يُفِيدُ الْوُجُوبَ فَكَيْفَ وَهُوَ مَقْرُونٌ بِالْوَعِيدِ ثُمَّ تَكَلَّفَ الْجَوَابَ بِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْهُ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَحَادِيثِ حِكَايَةِ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ لَيْسَ فِيهَا التَّخْلِيلُ، وَالْوَعِيدُ مَصْرُوفٌ إلَى مَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، هَذَا وَمَتْنُ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا فِي الدَّارَقُطْنِيِّ: خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ لَا يُخَلِّلُهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِيَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ التَّمَّارِ، نَعَمْ الْمُصَرَّحُ فِيهِ بِالْوَعِيدِ مَا فِي الطَّبَرَانِيِّ: مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمْثَلُ أَحَادِيثِ التَّخْلِيلِ مَا فِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ. قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْتَ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى هُوَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ. قَالَ (وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلَاثِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ، وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ، وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ قَبْلِي، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» . وَالْوَعِيدُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْت فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ» وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَعِنْدِي أَنَّهَا كُلَّهَا لِلْوُجُوبِ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَهَا إفَادَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا خَفِيَ مِمَّا هُوَ بَيْنَهَا كَمَا هُوَ فِي دَاخِلِ اللِّحْيَةِ، وَالتَّخْلِيلُ بَعْدَ هَذَا مُسْتَحَبٌّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ مَعَ كَوْنِهِ إكْمَالًا فِي الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلَاثِ) قُيِّدَ بِهِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ التَّكْرَارُ فِي الْمَسْحِ، ثُمَّ قِيلَ الْأَوَّلُ فَرِيضَةٌ وَالثَّانِي سُنَّةٌ وَالثَّالِثُ إكْمَالٌ، وَقِيلَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: الثَّانِي سُنَّةٌ وَالثَّالِثُ نَفْلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْنَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ الثَّلَاثُ تَقَعُ فَرْضًا كَإِطَالَةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الثَّانِيَ مُضَافٌ إلَى الثَّالِثِ سُنَّةً: أَيْ الْمَجْمُوعَ فَهُوَ الْحَقُّ فَلَا يُوصَفُ الثَّانِي بِالسُّنِّيَّةِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ فَعَلَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ لَيْسَ بِالشَّيْءِ، وَلَا الثَّالِثُ إذَا لَمْ يُلَاحَظْ مَعَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَالْوَعِيدُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةٌ) أَيْ هَذَا الْعَدَدُ وَهَذَا أَحَدُ مَا قِيلَ، فَلَوْ رَآهُ وَزَادَ لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ أَوْ نَقَصَ لِحَاجَتِهِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقِيلَ أُرِيدَ بِهِ مُجَرَّدُ الْعَدَدِ. وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَالنَّقْصُ مِنْهَا وَتَعَدَّى يَرْجِعُ إذَا زَادَ وَظَلَمَ يَرْجِعُ إلَى نَقْصٍ، وَأَصْلُ الظُّلْمِ النَّقْصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] أَيْ لَمْ تَنْقُصْ هَذَا. وَالْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِ هَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، بَلْ صَدْرُهُ رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ يَرْفَعُونَهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ، وَضُعِّفَ بِالْمُسَيِّبِ بْنِ وَاضِحٍ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ يَرْفَعُهُ، وَضُعِّفَ بِزَيْدِ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَضُعِّفَ بِعَلِيِّ بْنِ حَسَنٍ الشَّامِيِّ. وَأَمَّا عَجُزُهُ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطَّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ غَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» . وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ مَاجَهْ «تَعَدَّى وَظَلَمَ» . وَلِلنَّسَائِيِّ: «أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» . قَالَ فِي الْإِمَامِ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عِنْدَ مَنْ يُصَحِّحُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ

قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ) فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَقَعُ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ لِوُقُوعِهِ طَهَارَةً بِاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِصِحَّةِ الْإِسْنَادِ إلَى عَمْرٍو اهـ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُحَدِّثُونَ فِيهِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى صِحَّتِهِ، فَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَسَبَهَا إلَيْهِ، وَلَا عَتْبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسُبُهُ إلَى صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ إلَخْ) لَا سَنَدَ لِلْقُدُورِيِّ فِي الرِّوَايَةِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ فِي جَعْلِ النِّيَّةِ وَالِاسْتِيعَابِ وَالتَّرْتِيبِ مُسْتَحَبًّا غَيْرَ سُنَّةٍ، أَمَّا الرِّوَايَةُ فَنُصُوصُ الْمَشَايِخِ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَلِذَا خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّلَاثَةِ وَحَكَمَ بِسُنِّيَّتِهَا بِقَوْلِهِ فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ وَنَحْوُهُ فِي الْآخَرَيْنِ، وَأَمَّا الدِّرَايَةُ فَسَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ أَرَادَ يُسْتَحَبُّ فِعْلُ هَذِهِ السُّنَّةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْخُرُوجَ عَنْهُ مُسْتَحَبٌّ، لَكِنَّ قَوْلَهُ بِالْمَيَامِنِ عَطْفًا عَلَى تَفْسِيرِ يُرَتِّبُ الْوُضُوءَ قَدْ يُعَكِّرُهُ، فَإِنَّ الْحَاصِلَ حِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ التَّرْتِيبُ، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَبِالْمَيَامِنِ، وَالتَّيَامُنُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمْ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُورِ، وَقَدْ أَوْقَعَهُ فِي تَفْسِيرِ التَّرْتِيبِ فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ بِذَلِكَ الْوَصْفِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ فَمِنْهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ إلَّا بِالْفِعْلِ مَعَ الْغَفْلَةِ وَالذُّهُولِ؛ إذْ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ لَا بُدَّ فِي تَحْقِيقِهِ مِنْ الْقَصْدِ إلَيْهِ، وَهُوَ إذَا قَصَدَ الْوُضُوءَ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثَ أَوْ اسْتِبَاحَةَ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ كَانَ مَنْوِيًّا حَتَّى إنَّ صُورَةَ الْخِلَافِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي نَحْوِ مَنْ دَخَّلَ الْمَاءَ مَدْفُوعًا أَوْ مُخْتَارًا لِقَصْدِ التَّبَرُّدِ أَوْ مُجَرَّدِ قَصْدِ إزَالَةِ الْوَسَخِ، وَوُقُوعِ مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَاتِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ، وَلَوْ تَحَقَّقَ فِي بَعْضِهَا لَا يَنْفِي السُّنِّيَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالتَّرْكِ أَصْلًا كَانَ وَاجِبًا، وَسَنَذْكُرُ الْوَجْهَ الْعَامَّ لِلثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: أَيْ صِحَّتُهَا وَاعْتِبَارُهَا شَرْعًا بِالنِّيَّاتِ، وَالْمُرَادُ الْعِبَادَاتُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ تُعْتَبَرُ شَرْعًا بِلَا نِيَّةٍ كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ وَلَنَا) قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ: أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ بِنِيَّةٍ، وَالْوُضُوءُ لَا يَقَعُ عِبَادَةً بِدُونِهَا وَبِذَلِكَ قَضَيْنَا عُهْدَةَ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذَا بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ حَتَّى لَمْ تَقَعْ عِبَادَةٌ سَبَبًا لِلثَّوَابِ فَهَلْ يَقَعُ الشَّرْطُ الْمُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ حَتَّى تَصِحَّ بِهِ أَوْ لَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِهِ وَلَا إثْبَاتِهِ، فَقُلْنَا نَعَمْ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَقْصُودُ التَّحْصِيلِ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ فَكَيْفَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَصَارَ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَاقِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا يَفْتَقِرُ اعْتِبَارُهَا إلَى أَنْ تُنْوَى،

بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ إلَّا فِي حَالِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ (وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ) وَهُوَ سُنَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ مُخْتَلِفَةٍ اعْتِبَارًا بِالْمَغْسُولِ. وَلَنَا أَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الشَّرْطَ وُضُوءٌ هُوَ عِبَادَةٌ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ) لِأَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا مُطَهِّرًا إلَّا لِلصَّلَاةِ لَا فِي نَفْسِهِ فَكَانَ التَّطْهِيرُ بِهِ تَعَبُّدًا مَحْضًا، وَفِيهِ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، أَوْ هُوَ: أَيْ التَّيَمُّمُ يُنْبِئُ لُغَةً عَنْ الْقَصْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَفَسَدَ قِيَاسُهُ عَلَى التَّيَمُّمِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ فِي التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالصَّوَابُ إفْسَادُهُ بِمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا تَكُونَ شَرْعِيَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ، وَإِلَّا لَثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ بِلَا دَلِيلٍ، وَشَرْعِيَّةُ التَّيَمُّمِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ الْوُضُوءُ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي حُكْمِهِ لَكِنْ هَذَا إذَا قَصَدَ الْقِيَاسَ، أَمَّا إذَا قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِمَعْنَى لَمَّا شُرِعَ التَّيَمُّمُ بِشَرْطِ النِّيَّةِ ظَهَرَ وُجُوبُهَا فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ بِمَعْنَى لَا فَارِقَ فَلَيْسَ جَوَابٌ إلَّا بِهِ كَمَا فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ أَنَسًا إلَخْ) غَرِيبٌ، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ رَاشِدٍ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحِمَّانِيُّ قَالَ: «رَأَيْتُ أَنَسًا بِالزَّاوِيَةِ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ كُنْتَ تُوَضِّئُهُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ أَمَرَّهُمَا عَلَى أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» . قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَيُضَعِّفُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا

وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ التَّثْلِيثِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْمَسْحُ وَبِالتَّكْرَارِ يَصِيرُ غُسْلًا، وَلَا يَكُونُ مَسْنُونًا فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّكْرَارُ. قَالَ (وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَكَرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الرَّأْسِ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَسْحَةٍ مَاءً جَدِيدًا. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً. وَفِيهِ عِبَادَةُ بْنُ مَنْصُورٍ فِيهِ مَقَالٌ وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَسَحَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُثْمَانَ فِي حِكَايَتِهِ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ فِي الْمَعْزُوِّ إلَى مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ سَهْوٌ عَنْهُ، أَوْ كَانَ سَاقِطًا فِي نُسْخَتِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ وُجِدَ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ مُسْنَدِ إبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيّ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُرْوَى) بِالتَّمْرِيضِ يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ، وَفِيهِ ذَلِكَ الْمَقَالُ الْمُتَقَدِّمُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ فَقَالَ: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَطْ. قَالَ: وَأَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالُوا: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ لَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ فِي حِكَايَتِهِ الْمَسْحَ ثَلَاثًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ غَرِيبَةٍ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَكْرَارُ الْمَسْحِ، إلَّا أَنَّهُ مَعَ خِلَافِ الْحُفَّاظِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَشْرُوعٌ) رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا مَسَحَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَانَ مَسْنُونًا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ الْكِتَابِ

وَبِالْمَيَامِنِ) فَالتَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا حَرْفُ الْوَاوِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَتَقْتَضِي إعْقَابَ غَسْلِ جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّه تَعَالَى يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ) فَيُفِيدُ وُجُوبَ تَعْقِيبِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ فَيَلْزَمُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ فَيَلْزَمُ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ إفَادَتَهَا تَعْقِيبَ الْقِيَامِ بِهِ بَلْ جُمْلَةَ الْأَعْضَاءِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمُعَقَّبَ طَلَبُ الْغَسْلِ وَلَهُ مُتَعَلِّقَاتٌ وَصَلَ إلَى أَوَّلِهَا ذِكْرًا بِنَفْسِهِ، وَالْبَاقِي بِوَاسِطَةِ الْحَرْفِ الْمُشْرِكِ فَاشْتَرَكَتْ كُلُّهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ إفَادَةِ طَلَبِ تَقْدِيمِ تَعْلِيقِهِ بِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْوُجُودُ، فَصَارَ مُؤَدَّى التَّرْكِيبِ طَلَبَ إعْقَابِ غَسْلِ جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ، وَهَذَا عَيْنُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ عَيْنُ نَظِيرِ قَوْلِكَ اُدْخُلْ السُّوقَ فَاشْتَرِ لَنَا خُبْزًا وَلَحْمًا حَيْثُ كَانَ الْمُفَادُ إعْقَابَ الدُّخُولِ بِشِرَاءِ مَا ذُكِرَ فَكَيْفَ وَقَعَ، وَدَعْوَى الْمُصَنِّفِ إجْمَاعَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ تَبَعٌ لَلْفَارِسِيِّ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ أَوْ لِلْقُرْآنِ (قَوْلُهُ وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ» وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَى السِّتَّةُ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي طَهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ» وَهُوَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْمَحْبُوبِيَّةِ الْمُوَاظَبَةَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُسْتَحَبَّاتِ مَحْبُوبَةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ

[فصل في نواقض الوضوء]

(فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى كُلِّهَا، وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَبَّةً بَلْ مَسْنُونَةً، لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُصَحَّحَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ حَكَى وُضُوءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحُوا بِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَذَلِكَ يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْكُونَ وُضُوءَهُ الَّذِي هُوَ دَأْبُهُ وَعَادَتُهُ فَيَكُونُ سُنَّةً، وَبِمِثْلِهِ ثَبَتَتْ سُنِّيَّةُ الِاسْتِيعَابِ؛ لِأَنَّهُمْ كَذَلِكَ حَكَوْا الْمَسْحَ. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ: إذَا دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَأْثَمُ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِظُهُورِ رَغْبَتِهِ عَنْ السُّنَّةِ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْكُلَّ سُنَّةٌ. وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ مُسْتَحَبٌّ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ بِلَتِّهِمَا، وَالْحُلْقُومُ بِدْعَةٌ. وَقِيلَ مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَيْضًا بِدْعَةٌ، وَفِيمَا قَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْيَامِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ الرَّقَبَةَ مَعَ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ الْمُقَدَّمِ: وَظَاهِرُ رَقَبَتِهِ. . وَقِيلَ إنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ أَدَبٌ. وَمِنْ السُّنَنِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَالْبُدَاءَةُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَوَجْهُهُ عَلَى مَا عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْمَرَافِقَ وَالْكَعْبَيْنِ غَايَةَ الْغَسْلِ فَتَكُونُ مُنْتَهَى الْفِعْلِ. [الْآدَابُ] تَرْكُ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ وَكَلَامِ النَّاسِ وَالِاسْتِعَانَةِ. وَعَنْ الْوَبَرِيِّ لَا بَأْسَ بِصَبِّ الْخَادِمِ، كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَصُبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ، وَالتَّمَسُّحِ بِخِرْقَةٍ يَمْسَحُ بِهَا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ. وَمِنْهَا اسْتِقَاءُ مَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَنَزْعُ خَاتَمٍ عَلَيْهِ اسْمُهُ تَعَالَى أَوْ اسْمُ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَكَوْنُ آنِيَتِهِ مِنْ خَزَفٍ، وَأَنْ يَغْسِلَ عُرْوَةَ الْإِبْرِيقِ ثَلَاثًا وَوَضْعُهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَاءً يَغْتَرِفُ مِنْهُ فَعَنْ يَمِينِهِ، وَوَضْعُ يَدِهِ حَالَةَ الْغَسْلِ عَلَى عُرْوَتِهِ لَا رَأْسِهِ، وَالتَّأَهُّبُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَذِكْرُ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْوُضُوءِ، وَاسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَتَعَاهُدُ الْمُوقَيْنِ وَمَا تَحْتَ الْخَاتَمِ، وَالذِّكْرُ الْمَلْفُوظُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ، وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، وَإِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ، وَالتَّأَنِّي، وَالدَّلْكُ خُصُوصًا فِي الشِّتَاءِ، وَتَجَاوُزُ حُدُودِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِيَسْتَيْقِنَ غَسَلَهُمَا، وَيُطِيلَ الْغُرَّةَ، وَقَوْلُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ إلَخْ، وَأَنْ يَشْرَبَ فَضْلَ وُضُوئِهِ قَائِمًا مُسْتَقْبِلًا، قِيلَ وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا، وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عَقِيبَهُ، وَمِلْءُ آنِيَتِهِ اسْتِعْدَادًا، وَحِفْظُ ثِيَابِهِ مِنْ الْمُتَقَاطَرِ، وَالِامْتِخَاطِ بِالشِّمَالِ عِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ وَيُكْرَهُ بِالْيَمِينِ، وَكَذَا إلْقَاءُ الْبُزَاقِ فِي الْمَاءِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثِ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ، وَبِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ [تَتِمَّةٌ] شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَعَلَ مَا شَكَّ فِيهِ إنْ كَانَ أَوَّلَ شَكٍّ وَإِلَّا فَلَا عَلَيْهِ وَإِنْ شَكَّ بَعْدَهُ فَلَا مُطْلَقًا. [فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ]

الْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] «وَقِيلَ لِرَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا الْحَدَثُ؟ قَالَ: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ» وَكَلِمَةُ مَا عَامَّةٌ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْضُ فِي الْأَجْسَامِ: إبْطَالُ تَرْكِيبِهَا، وَفِي الْمَعَانِي: إخْرَاجُهَا عَنْ إفَادَةِ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا (قَوْلُهُ كُلُّ مَا يَخْرُجُ) قِيلَ يَعْنِي خُرُوجَ مَا يَخْرُجُ لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمَعَانِي، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ النَّجَسُ الْخَارِجُ لَا خُرُوجُ الْمُخْرَجِ لِلنَّجَسِ عَنْ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا لِلنَّقْضِ، مَعَ أَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ. وَصِفَةِ النَّجَاسَةِ الرَّافِعَةِ لِلطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ قَائِمَةٌ بِالْخَارِجِ، وَغَايَةِ الْخُرُوجِ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً تُحَقِّقُهَا صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ: أَعْنِي صِفَةَ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا شَرْعِيَّةٌ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ إذْ بَعْدَ تَحَقُّقِهَا عَنْ عِلَّتِهَا هِيَ الْمُؤَثِّرَةِ لِلنَّقْضِ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ «مَا الْحَدَثُ؟ قَالَ: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ» ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ صَرْفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لَا إصْلَاحَ عِبَارَةِ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ إذْ الْمَعْنَى قَدْ لَا يُقَابِلُ الْجَوْهَرَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَى الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ جَوْهَرًا كَانَ أَوْ عَرَضًا، وَإِنَّمَا يُقَابِلُهُ الْعَرَضُ. فَالنَّاقِضُ الْخَارِجُ النَّجَسُ، وَالْخُرُوجُ شَرْطُ عَمَلِ الْعِلَّةِ وَعِلَّةٌ لَهَا نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ عِلَّةُ تَحَقُّقِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ النَّجَاسَةُ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ طَهَارَةٌ، فَإِضَافَةُ النَّقْضِ إلَى الْخُرُوجِ إضَافَةٌ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ فِي عُمُومِ مَا يَخْرُجُ دُودَةً كَانَتْ أَوْ حَصَاةً أَوْ رِيحًا إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ الرِّيحُ الْخَارِجُ مِنْ الْقُبُلِ، وَالدُّودَةُ مِنْهُ. وَأَمَّا

(وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ فَتَجَاوَزَا إلَى مَوْضِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّيحُ مِنْ الذَّكَرِ فَهُوَ اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ فَلَا يَنْقُضُ كَالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ جِرَاحَةٍ فِي الْبَطْنِ أَنَّ الْغَائِطَ الْمُطْمَئِنَّ مِنْ الْأَرْضِ يُقْصَدُ لِلْحَاجَةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ نَفْسُ الْمَجِيءِ مِنْهُ نَاقِضًا بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ الْخَارِجِ، وَإِذَا لَزِمَ فِيهِ كَوْنُهُ فِي لَازِمِهِ فَحَمَلَهُ عَلَى أَعَمِّ اللَّوَازِمِ وَهُوَ الْخَارِجُ النَّجَسُ أَوْلَى خُصُوصًا مَعَ مُنَاسَبَةِ النَّجَسِ مُطْلَقًا لِهَذَا الْحُكْمِ، كَذَا فِي شَرَحَ الْجَمْعِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى إرَادَةِ أَعَمِّ اللَّوَازِمِ لِلْمَجِيءِ، وَالْخَارِجُ النَّجَسُ مُطْلَقًا لَيْسَ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْغَائِطَ لَا يُقْصَدُ قَطُّ لِمُجَرَّدِ الرِّيحِ فَضْلًا عَنْ جُرْحِ إبْرَةٍ وَنَحْوِهِ، فَالْأَوْلَى كَوْنُهُ فِيمَا يَحِلُّهُ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى الرِّيحِ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ بِالْخَبَرِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ. رَوَى مَعْنَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ» وَضُعِّفَ بِشُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِي الْكَامِلِ: بَلْ بِالْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: إنَّمَا يُحْفَظُ هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ قَوْلِهِ، وَبِهَذَا «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ: تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» عَيَّنَا حِينَئِذٍ أَصْلَ قِيَاسِ الْخَارِجِ النَّجَسِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الِاعْتِيَادِ، وَفَرْعُهُ الْخَارِجُ النَّجَسُ مِنْ غَيْرِهِمَا فَيُحْتَجُّ عَلَى مَالِكٍ فِي نَفْيِ نَاقِضِيَّةِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَالْخَارِجِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الِاعْتِيَادِ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ الْخُرُوجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ بِالظُّهُورِ، فَلَوْ حُشِيَ الذَّكَرُ فَالِانْتِقَاضُ بِمُحَاذَاةِ بِلَّةِ الْحَشْوَةِ رَأْسُ الذَّكَرِ لَا بِنُزُولِهِ إلَى الْقَصَبَةِ وَإِلَى الْقُلْفَةِ فِيهِ خِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ فِيهِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا بَوْلٌ وَلَمْ يَظْهَرْ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ اهـ. لَكِنْ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إنَّمَا عَلَّلَهُ بِالْحَرَجِ لَا بِالْخِلْقَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَا يُرَدُّ الْإِشْكَالُ، وَلَوْ احْتَشَتْ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَالنَّقْضُ بِمُحَاذَاةِ حَرْفِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تُحْشِهِ لَخَرَجَ نَقَضَ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا فِيهِ نَقَضَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ بِلَّةٍ، وَكَذَا الْعُودُ فِي الدُّبُرِ كَالْمِحْقَنَةِ وَغَيْرِهَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْبِلَّةُ إذَا كَانَ طَرَفٌ مِنْهُ خَارِجًا وَلَوْ غَيَّبَهُ نَقَضَ إذَا أَخْرَجَ بِلَا تَفْصِيلٍ فِي الْفَتَاوَى وَالتَّجْنِيسِ. وَكَذَا الْقُطْنَةُ إذَا غَيَّبَهَا فِي الْإِحْلِيلِ ثُمَّ خَرَجَتْ وَلَوْ ابْتَلَّتْ بِالْبَوْلِ، وَلَمْ تُجَاوِزْ رَأْسَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْلَاهَا خَرَجَ لَمْ يَنْقُضْ، وَالْمَجْبُوبُ إذَا ظَهَرَ بَوْلُهُ بِمَوْضِعِ الْجَبِّ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ مَتَى شَاءَ نَقَضَ، وَإِلَّا فَحَتَّى يَسِيلَ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُرْحِ، وَلَوْ كَانَ بِهِ حَصَاةٌ فَبَطَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَأَخْرَجَهَا فَاسْتَمَالَ الْبَوْلُ إلَيْهِ فَكَالْجُرْحِ، وَإِنْ كَانَ بِذَكَرِهِ بَطٌّ، أَيْ شَقٌّ لَهُ رَأْسَانِ أَحَدُهُمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَاءٌ يَسِيلُ فِي مَجْرَى الذَّكَرِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَنْقُضُ بِالظُّهُورِ وَفِي الثَّانِي بِالسَّيَلَانِ، وَإِذَا تَبَيَّنَ الْخُنْثَى أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَذَكَرُهُ كَالْجُرْحِ أَوْ رَجُلٌ فَفَرْجُهُ كَالْجُرْحِ وَيَنْتَقِضُ فِي الْآخَرِ بِالظُّهُورِ، وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا فَسَالَ مِنْهُ لَا يُنْقَضُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَقَنَ بِالدُّهْنِ ثُمَّ سَالَ حَيْثُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ لِاخْتِلَاطِهِ بِالنَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ الْإِحْلِيلِ لِلْحَائِلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ احْتَشَتْ فِي فَرْجِهَا الْخَارِجَ فَمَا لَمْ تَبْتَلَّ أَوْ تَصِلْ الْبِلَّةُ إلَى حَرْفِ الدَّاخِلِ لَا يَنْقُضُ، أَوْ فِي الدَّاخِلِ فَسَدَ الصَّوْمُ وَلَا يَنْقُضُ (قَوْلُهُ فَتَجَاوَزَا) عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ، فَإِنَّ

يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) ، (وَالْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَلِأَنَّ غَسْلَ غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُرُوجَ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ هُوَ تَجَاوُزُ النَّجَاسَةِ إلَى مَوْضِعِ التَّطْهِيرِ، فَالْمَعْنَى إذَا خَرَجَا بِأَنْ تَجَاوَزَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْخُرُوجُ عَلَى الظُّهُورِ فَلَيْسَ بِهِ، وَالْمَعْنَى إذَا ظَهَرَا فَتَجَاوَزَا، فَلَوْ خَرَجَ مِنْ جُرْحٍ فِي الْعَيْنِ دَمٌ فَسَالَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهَا لَا يُنْتَقَضُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ حُكْمٌ هُوَ وُجُوبُ التَّطْهِيرِ أَوْ نَدْبُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَمِنْ النَّجَاسَةِ فَيُنْقَضُ، وَلَوْ رَبَطَ الْجُرْحَ فَنَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى طَاقٍ لَا إلَى الْخَارِجِ نَقَضَ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْلَا الرَّبْطُ سَالَ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَوْ تَرَدَّدَ عَلَى الْجُرْحِ فَابْتَلَّ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَلَوْ بَزَقَ فَخَرَجَ فِيهِ دَمٌ قَدْرَ الرِّيقِ نَقَضَ لَا إنْ كَانَ الرِّيقُ غَالِبًا، وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ قَبْلَ أَنْ يَسِيلَ مَرَّةً فَمَرَّةً إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ تَرَكَهُ سَالَ نَقَضَ وَإِلَّا لَا. وَفِي الْمُحِيطِ: حَدُّ السَّيْلَانِ أَنْ يَعْلُوَ وَيَنْحَدِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَصَارَ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِهِ نَقَضَ، وَالصَّحِيحُ لَا يُنْقَضُ. وَفِي الدِّرَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحَّ، وَمُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَوْلَى. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: تَوَرَّمَ رَأْسُ الْجُرْحِ فَظَهَرَ بِهِ قَيْحٌ وَنَحْوُهُ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْوَرَمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْوَرَمِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، ثُمَّ الْجُرْحُ وَالنُّقْطَةُ وَمَاءُ الثَّدْيِ وَالسُّرَّةُ وَالْأُذُنُ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: مَنْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ وَسَالَ الْمَاءُ مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ. فَإِذَا اسْتَمَرَّ فَلِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. وَفِي التَّجْنِيسِ الْغَرَبُ فِي الْعَيْنِ إذَا سَالَ مِنْهُ مَاءٌ نَقَضَ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُرْحِ وَلَيْسَ بِدَمْعٍ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ سُرَّتِهِ مَاءٌ أَصْفَرُ وَسَالَ نَقَضَ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ قَدْ نَضِجَ فَاصْفَرَّ وَصَارَ رَقِيقًا. وَالْغَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ: وَرَمٌ فِي الْمَآقِي، وَفِي الْمُحِيطِ: مَصَّ الْقُرَادَ فَامْتَلَأَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُنْقَضُ كَمَا لَوْ مَصَّ الذُّبَابُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا نَقَضَ كَمَصِّ الْعَلَقَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) حَاصِلُ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ لَا يُنْقَضُ مُطْلَقًا، وَيَنْقُضُ عِنْدَ زُفَرَ مُطْلَقًا سَالَ أَوْ لَا، امْتَلَأَ الْفَمُ مِنْ الْقَيْءِ أَوْ لَا، وَعِنْدَنَا يَنْقُضُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَكُلٌّ رَوَى لِمَذْهَبِهِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَلْنَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا. أَمَّا حَدِيثُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» فَلَمْ يُعْرَفْ. وَأَمَّا حَدِيثُ «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ أُخْرَى وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ فَرُّوخَ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ، فَإِنَّ النَّاسَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدْ احْتَمَلُوا حَدِيثَهُ اهـ لَكِنْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: قَدْ كَتَبْنَا عَنْهُ وَمَحَلُّهُ عِنْدَنَا

وَهُوَ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّدْقُ، وَقَدْ تَظَافَرَ مَعَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ لَا: إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ» قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: قَالَ أَبِي: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ كَلَامُ عُرْوَةَ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ لَقَالَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا قَالَ تَوَضَّئِي عَلَى مُشَاكَلَةِ الْأَوَّلِ الْمَنْقُولِ لَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ قَائِلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ لَفْظَ اغْسِلِي خِطَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ وَلَيْسَ عُرْوَةُ مُخَاطِبًا لَهَا لِيَكُونَ قَوْلُهُ ثُمَّ تَوَضَّئِي خِطَابًا مِنْهُ لَهَا فَلَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ الْمُخَاطِبِ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَفْظُهُ «وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» وَصَحَّحَهُ. وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ» فَضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ» إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ» . وَلَفْظُ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ: يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا انْتَهَى. وَقَدْ تُكَلِّمَ فِي ابْنِ عَيَّاشٍ. وَجُمْلَةُ الْحَاصِلِ فِيهِ أَنَّهُ يُحْتَجُّ مِنْ حَيْثُ الشَّامِيِّينَ لَا الْحِجَازِيِّينَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا وَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ يُحْمَلُ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ لَا وُضُوءِ الصَّلَاةِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِلَّا لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجُزْ الْبِنَاءُ. وَابْنُ عَيَّاشٍ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ حُجَّةٌ، وَسَيَأْتِي زِيَادَةٌ فِيهِ مِنْ الْآثَارِ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَهُ فِيهِ، وَالْأَفْصَحُ فِي رَعَفَ الْفَتْحُ، وَالْقَلْسُ: الْخَارِجُ مِنْ الْغَثَيَانِ. وَالْقَيْءُ مَعَ سُكُونِ النَّفَسِ يَكُونُ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ بِسَنَدِهِ إلَى مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَتَوَضَّأَ، قَالَ: فَلَقِيت ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ بِالِاضْطِرَابِ. فَإِنَّ مَعْمَرًا رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعِيشَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَوْزَاعِيَّ. وَأُجِيبَ أَنَّ اضْطِرَابَ بَعْضِ الرُّوَاةِ لَا يُؤَثِّرُ

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ضَبْطِ غَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَحْمَدَ قَدْ اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. فَقَالَ: قَدْ جَوَّدَهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَفِي مُصَنِّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ رُزْءًا أَوْ رُعَافًا أَوْ قَيْئًا فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ تَكَلَّمَ اسْتَقْبَلَ وَلَا اعْتَدَّ بِمَا مَضَى وَالْحَارِثُ ضُعِّفَ، وَمِثْلُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَرَ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُضِيِّ فِي الصَّلَاةِ لِذَلِكَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي جُرِحَ فِي الصَّلَاةِ بِلَا مِرْيَةٍ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَصِحَّ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِهِ بِالدَّمِ وَالْقَيْءِ وَالضَّحِكِ حَدِيثٌ إنْ سَلِمَ لَمْ يَقْدَحْ؛ لِأَنَّ الْحُجِّيَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الصِّحَّةِ بَلْ الْحَسَنُ كَافٍ عَلَى أَنَّهُ رَأَى هَذَا الْقَائِلَ، فَأَمَّا مُجْتَهِدٌ عَلِمَ بِالِاخْتِلَافِ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَغَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِحَّتُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، إذْ مُجَرَّدُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّرْجِيحِ وَثُبُوتِ الصِّحَّةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْقَلَسِ حَدَثَ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِي الْإِطْلَاقِ الْكَائِنِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ غُنْيَةً عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ «لَيْسَ فِي الْفِطْرَةِ» إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ وَفِي الْآخَرِ حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ وَقَدْ ضُعِّفَا، وَلَفْظَةُ الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ كِنَايَةٌ عَلَى الْقِلَّةِ، وَلَفْظُ سَائِلًا كِنَايَةٌ عَنْ الْكَثْرَةِ، فَإِنَّ لَفْظَةَ الْقَطْرَةِ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْقِلَّةُ وَضِدُّهُ مَاءٌ سَائِلٌ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْقَطْرَةِ إذَا وُجِدَتْ نُقِضَ اتِّفَاقًا فَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِطَرِيقٍ صِنَاعِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ أَوْ دَسْعَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ فَلَمْ يُعْرَفْ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ: مِنْ إقْطَارِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ السَّائِلِ وَالْقَيْءِ، وَمِنْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ، وَنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ، وَقَهْقَهَةِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ، وَخُرُوجِ الدَّمِ» . وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ عَفَّانَ وَالْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ، فَحَصَلَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حُجِّيَّةُ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَحَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءَ فَلَا يُعَارِضُهَا غَيْرُهَا مِمَّا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَلَوْ أَرْخَيْنَا الْعِنَانَ وَجَعَلْنَاهَا تَتَعَارَضُ فَإِنْ جَمَعْنَا، وَهُوَ أَوْلَى عِنْدَ الْإِمْكَانِ كَانَ مَحْمَلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْقَلِيلِ فِي الْقَيْءِ وَمَا لَمْ يَسِلْ، وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ عَلَى الْكَثِيرِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَإِنْ أَسْقَطْنَاهَا صِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ: إنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ شَرْعًا، وَهَذَا الْقَدْرُ فِي الْأَصْلِ مَعْقُولٌ: أَيْ عُقِلَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَنَّ زَوَالَ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ أَنَّهُ نَجَسٌ خَارِجٌ مِنْ الْبَدَنِ إذْ لَمْ يَظْهَرْ لِكَوْنِهِ مِنْ خُصُوصِ السَّبِيلَيْنِ تَأْثِيرٌ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِمَا فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ، فَالْأَصْلُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَحُكْمُهُ زَوَالُ طَهَارَةٍ يُوجِبُهَا الْوُضُوءُ، وَعِلَّتُهُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْبَدَنِ، وَخُصُوصُ الْمَحَلِّ مُلْغَى.

وَلِأَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ فِي الْأَصْلِ مَعْقُولٌ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ لَكِنَّهُ يَتَعَدَّى ضَرُورَةَ تَعَدِّي الْأَوَّلِ، غَيْرَ أَنَّ الْخُرُوجَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ لِأَنَّ بِزَوَالِ الْقِشْرَةِ تَظْهَرُ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا فَتَكُونُ بَادِيَةً لَا خَارِجَةً، بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَرْعُ الْخَارِجُ النَّجَسُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَفِيهِ الْمَنَاطُ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ زَوَالُ الطَّهَارَةِ الَّتِي يُوجِبُهَا الْوُضُوءُ فَثَبَتَ أَنَّ مُوجِبَ هَذَا الْقِيَاسِ ثُبُوتُ زَوَالِ طَهَارَةِ الْوُضُوءِ، وَإِذَا صَارَ زَائِلُ طَهَارَتِهِ فَعِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ خِطَابُ الْوُضُوءِ وَهُوَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ تَعْدِيَةِ الِاقْتِصَارِ ضِمْنًا أَصْلًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَقْرِيرِهِ كَمَا فِي الشُّرُوحِ، وَإِذَا صَارَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَخُرُوجِهَا مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: فَلِمَ اشْتَرَطْتُمْ لِلنَّقْضِ فِي غَيْرِهِمَا السَّيَلَانَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِمَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى آخِرِهِ:

لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَضْعَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الِانْتِقَالِ وَالْخُرُوجِ، وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَلِيلُ الْقَيْءِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ النَّقْضَ بِالْخُرُوجِ، وَحَقِيقَتُهُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَذَلِكَ بِالظُّهُورِ فِي السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ لَا بِالظُّهُورِ فِي غَيْرِهِمَا وَبَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَاشْتِرَاطُ مِلْءِ الْفَمِ بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا مُلَاحَظَةً

السَّيَلَانُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقَلَسُ حَدَثٌ» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلًا» وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ جُمْلَةً: أَوْ دَسْعَةً تَمْلَأُ الْفَمَ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْقَلِيلِ، وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ قَدْ بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ يَمْلَأُ الْفَمَ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِبُطُونِ الْفَمِ فَإِنَّ لَهُ بُطُونًا مُعْتَبَرًا شَرْعًا، حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، كَمَا لَوْ انْتَقَلَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ فِي الْجَوْفِ وَظُهُورًا حَتَّى لَا يَفْسُدَ الصَّوْمُ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ فِيهِ فَرَاعَيْنَا الشَّبَهَيْنِ، فَلَا يَنْقُضُ الْقَلِيلُ مُلَاحَظَةً لِلْبُطُونِ وَيَنْقُضُ الْكَثِيرُ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا إذَا لَمْ يَضْبِطْهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ، وَقِيلَ: أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ. وَقِيلَ: أَنْ يَعْجَزَ عَنْ إمْسَاكِهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَمْنَعَهُ الْكَلَامَ، وَقِيلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْفَمَ، وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ)

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ، ثُمَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجَسًا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ حُكْمًا حَيْثُ لَمْ تَنْتَقِضْ بِهِ الطَّهَارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي السَّبِيلَيْنِ وَغَيْرَهُمَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: إنَّهُ نَجِسٌ، وَكَانَ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوانِيُّ يُفْتِيَانِ بِقَوْلِهِ، وَجَمَاعَةٌ اعْتَبَرُوا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رِفْقًا بِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ

(وَهَذَا إذَا قَاءَ مُرَّةً أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً، فَإِنْ قَاءَ بَلْغَمًا فَغَيْرُ نَاقِضٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَاقِضٌ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ. أَمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَجِسٌ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ لَا تَتَخَلَّلُهُ النَّجَاسَةُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ قَلِيلٌ وَالْقَلِيلُ فِي الْقَيْءِ غَيْرُ نَاقِضٍ (وَلَوْ قَاءَ دَمًا وَهُوَ عَلَقٌ) (يُعْتَبَرُ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّرْهَمِ لَا تَمْتَنِعُ الصَّلَاةُ فِيهِ، مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَارِجَ بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ حَدَثٌ، وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَبْلَ الْخُرُوجِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لِإِنْسَانٍ طَهَارَةٌ، فَلَزِمَ أَنَّ مَا لَيْسَ حَدَثًا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا شَرْعًا، وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا لَمْ يُعْتَبَرْ نَجِسًا، فَلَوْ أَخَذَ مِنْ الدَّمِ الْبَادِي فِي مَحَلِّهِ بِقُطْنَةٍ وَأَلْقَى فِي الْمَاءِ لَمْ يَتَنَجَّسْ (قَوْلُهُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ قَلِيلٌ وَالْقَلِيلُ فِي الْقَيْءِ غَيْرُ نَاقِضٍ) وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْحَسَنِ لَوْ تَنَاوَلَ طَعَامًا أَوْ مَاءً ثُمَّ قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يُنْتَقَضُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلْ، وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا فَلَا يَكُونُ نَجِسًا، وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَضَعَ وَقَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ. قِيلَ: هُوَ الْمُخْتَارُ، وَمَا فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ قَاءَ دُودًا كَثِيرًا أَوْ حَيَّةً مَلَأَتْ فَاهُ لَا يُنْقَضُ، وَلَوْ قَاءَ بَلْغَمًا وَطَعَامًا إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ يَبْلُغُ مِلْءَ الْفَمِ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الْبَلْغَمُ مَلَأَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ. وَإِنْ كَانَا سَوَاءً لَا يُنْقَضُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي صَلَاةِ الْمُحْسَنِ قَالَ: الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ، وَلَوْ اسْتَوَيَا يُعْتَبَرُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ. وَعَجْزُ هَذَا أَوْلَى مِنْ عَجْزِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ. هَذَا وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ يَمِيلُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْكَانِ كَالدَّمِ وَالصَّفْرَاءِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِطَرَفِ كُمِّهِ. وَأُلْحِقَ بِالْقَيْءِ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ إذَا صَعِدَ

لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ) وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الدَّمِ فَيَكُونُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ (وَلَوْ) (نَزَلَ) مِنْ الرَّأْسِ (إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ) (نَقَضَ بِالِاتِّفَاقِ) لِوُصُولِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَيَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ (وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ) لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَلَا يَعْرَى عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً، وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ بِهِ، وَالِاتِّكَاءُ يُزِيلُ مَسْكَةَ الْيَقَظَةِ لِزَوَالِ الْمَقْعَدِ عَنْ الْأَرْضِ، وَيَبْلُغُ الِاسْتِرْخَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْجَوْفِ بِأَنْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ مُنْتِنًا عَنْ أَبِي نَصْرٍ، وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ هُوَ كَالْبَلْغَمِيِّ، وَقِيلَ نَجِسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي اللَّيْثِ: وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا. [فَرْعٌ] عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَاءَ طَعَامًا أَوْ مَاءً فَأَصَابَ إنْسَانًا شِبْرًا فِي شِبْرٍ لَا يَمْنَعُ، قَالَ الْمُحْسِنُ: مَا لَمْ يَفْحُشْ اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ نَجَاسَةَ الْقَيْءِ مُخَفَّفَةٌ، وَلَا يَعْرَى عَنْ إشْكَالٍ؛ إذْ لَا خِلَافَ وَلَا تَعَارُضَ فِيهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا فَحَشَ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُ الْمُتَّصِلِ بِهِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ، وَبِمَا دُونَهُ مَا دُونَهُ. (قَوْلُهُ وَيَبْلُغُ الِاسْتِرْخَاءُ إلَخْ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ النَّقْضِ بِهَذَا الِاسْتِنَادِ مَا دَامَتْ الْمَقْعَدَةُ مُسْتَمْسِكَةً لِلْأَمْنِ مِنْ الْخُرُوجِ، وَالِانْتِقَاضُ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ النَّقْضِ الْحَدَثُ لَا عَيْنُ النَّوْمِ، فَلَمَّا خَفِيَ بِالنَّوْمِ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا يَنْتَهِضُ مَظِنَّةً لَهُ، وَلِذَا لَمْ يُنْقَضُ نَوْمُ الْقَائِمِ وَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، وَنُقِضَ فِي الْمُضْطَجِعِ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ مِنْهُ مَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ الِاسْتِرْخَاءُ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ فِي الْمُضْطَجِعِ لَا فِيهَا، وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاسْتِنَادِ إذْ

غَايَتَهُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاسْتِنَادِ، غَيْرَ أَنَّ السَّنَدَ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّقُوطِ، بِخِلَافِ النَّوْمِ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ بَعْضَ الِاسْتِمْسَاكِ بَاقٍ، إذْ لَوْ زَالَ لَسَقَطَ فَلَمْ يَتِمَّ الِاسْتِرْخَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُمْسِكُهُ إلَّا السَّنَدُ، وَتَمَكُّنِ الْمَقْعَدَةِ مَعَ غَايَةِ الِاسْتِرْخَاءِ لَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ، إذْ قَدْ يَكُونُ الدَّافِعُ قَوِيًّا خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْأَكْلِ فَلَا يَمْنَعُهُ إلَّا مَسْكَةُ الْيَقَظَةِ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَنْقُضُ (قَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) هَذَا إذَا نَامَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ الْمَسْنُونِ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِأَنْ جَافَى، أَمَّا إذَا لَصِقَ بَطْنُهُ بِفَخِذَيْهِ فَيَنْقُضُ، ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْقُمِّيُّ. وَفِي الْأَسْرَارِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يَكُونُ النَّوْمُ حَدَثًا فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ. وَكَذَا قَاعِدًا خَارِجَ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَرِّكًا؛ لِأَنَّهَا جِلْسَةٌ تَكْشِفُ عَنْ الْمَخْرَجِ انْتَهَى. وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ عَدَمِ نَقْضِ الْمُتَوَرِّكِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِأَنْ يَبْسُطَ قَدَمَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ. وَفِي الْأَسْرَارِ عَلَّلَهُ بِأَنْ يَكْشِفَ عَنْ الْمُقْعَدَةِ فَهَذَا اشْتِرَاكٌ فِي اسْتِعْمَالِ لَفْظِ التَّوَرُّكِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: مَنْ نَامَ وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَصَارَ شَبَهَ الْمُنْكَبِّ عَلَى وَجْهِهِ وَاضِعًا بَطْنَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ. وَفِي غَيْرِهَا لَوْ نَامَ مُتَرَبِّعًا وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذَيْهِ نَقَضَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ: ثُمَّ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ قَوْلَهُ فِي الصَّلَاةِ فَشَمَلَ مَا كَانَ عَنْ تَعَمُّدٍ وَمَا عَنْ غَلَبَةٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ نَقَضَ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ. وَفِي فَصْلٍ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانَ: لَوْ نَامَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَسَدَتْ فِي السُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ اهـ كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قِيَامِ الْمَسْكَةِ حِينَئِذٍ فِي الرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ. وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يُفَصَّلَ فِي ذَلِكَ السُّجُودِ إنْ كَانَ مُتَجَافِيًا لَا يُفْسِدُ لِلْمَسْكَةِ وَإِلَّا يُفْسِدُ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ ابْنِ شُجَاعٍ: إنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ حَدَثًا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ. وَلَوْ نَامَ قَاعِدًا فَسَقَطَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ جَنْبُهُ الْأَرْضَ أَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِلَا فَصْلٍ لَمْ يُنْتَقَضْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُنْتَقَضُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ يُزَايِلَ مَقْعَدُهُ الْأَرْضَ لَمْ يُنْتَقَضْ، وَإِنْ زَالَ قَبْلَهُ نُقِضَ. وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ قِيلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَوَاءٌ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِنْ نَامَ جَالِسًا يَتَمَايَلُ رُبَّمَا يَزُولُ مَقْعَدُهُ وَرُبَّمَا لَا. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ:

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ اهـ. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي أَبِي دَاوُد «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» وَأَمَّا مَا فِي سُنَنِ الْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فَيَضَعُونَ جَنُوبَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ» فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى النُّعَاسِ. وَقَدْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا ذِكْرَ لِلنُّعَاسِ مُضْطَجِعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ؛ لِأَنَّهُ نَوْمٌ قَلِيلٌ. وَقَالَ الدَّقَّاقُ: إنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ عَامَّةَ مَا قِيلَ حَوْلَهُ كَانَ حَدَثًا، وَإِنْ كَانَ يَسْهُو حَرْفًا أَوْ حَرْفَيْنِ فَلَا وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «نِمْتُ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّيْلِ إلَى أَنْ قَالَ: فَتَأَمَّلْتُ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فِي الْقُنْيَةِ: نَوْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) أَقْرَبُ الْأَلْفَاظِ إلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا حَتَّى يَضَعَ جَنْبَهُ، فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّالَانِيُّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ يَزِيدَ الدَّالَانِيِّ هَذَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ حَتَّى غَطَّ أَوْ نَفَخَ ثُمَّ قَامَ وَصَلَّى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ قَدْ نِمْتَ، قَالَ: إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَوْلُهُ إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ. وَرَوَى أَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا، مِنْ هَذَا اهـ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الدَّالَانِيِّ: كَثِيرُ الْخَطَأِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ عَنْهُمْ؟ وَقَالَ غَيْرُهُ: صَدُوقٌ لَكِنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: فِيهِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَمَعَ لِينِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى رِوَايَتِهِ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ جَنْبُهُ إلَى الْأَرْضِ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ بَحْرِ بْنِ كَثِيرٍ السَّقَّاءِ عَنْ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ «كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ

(وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ) لِأَنَّهُ فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا فِي الِاسْتِرْخَاءِ، وَالْإِغْمَاءِ حَدَثٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّوْمِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَالْإِغْمَاءُ فَوْقَهُ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْفِقُ، فَاحْتَضَنَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَبَ عَلِيَّ وُضُوءٌ؟ قَالَ: لَا حَتَّى تَضَعَ جَنْبَكَ عَلَى الْأَرْضِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ بَحْرُ بْنُ كَثِيرٍ السَّقَّاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ لَمْ يَنْزِلْ عِنْدَكَ الْحَدِيثُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَدِيثُ الَّذِي عَيَّنَّاهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ عَيْنَ النَّوْمِ لَيْسَ حَدَثًا فَاعْتُبِرَتْ مَظِنَّتُهُ إلَخْ يَسْتَقِلُّ بِالْمَطْلُوبِ، هَذَا وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فِي هَذَا كَالصُّلْبِيَّةِ، وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَذَا قِيلَ، وَقِيَاسُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْخِلَافِ فِي عَدَمِ الِانْتِقَاضِ بِالنَّوْمِ فِيهَا. نَعَمْ يُنْتَقَضُ عَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ وَخِلَافُ الْمَشَايِخِ الْمَنْقُولُ فِي الِانْتِقَاضِ بِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْخِلَافِ بِالْخَطَأِ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَقَعُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُنْقَضُ، وَلَوْ صَلَّى الْمَرِيضُ مُضْطَجِعًا فَنَامَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَصُحِّحَ النَّقْضُ. (قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ) بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَطْفًا عَلَى الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ غَلَبَةً عَلَى الْعَقْلِ بَلْ زَوَالُهُ. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: لَمْ يَنْقُضْ لِغَلَبَةِ الِاسْتِرْخَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحِ، بَلْ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ الْحَدَثَ مِنْ غَيْرِهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: السُّكْرُ حَدَثٌ إذَا لَمْ يَعْرِفْ بِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: إذَا دَخَلَ فِي مِشْيَتِهِ تَمَايُلٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّوْمِ) قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْخَارِجِ نَاقِضٌ، وَثُبُوتُ النَّاقِضِ بِالنَّوْمِ لَيْسَ إلَّا إقَامَةٌ لِلسَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ لِخَفَائِهِ، وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ فِيهِ لَيْسَ إلَّا إقَامَةَ الْمُفْضِي الَّذِي يَتَحَقَّقُ مَعَهُ الْخُرُوجُ غَالِبًا، وَذَلِكَ مَا يَتِمُّ بِهِ الِاسْتِرْخَاءُ، وَهُوَ لَا يَتِمُّ بِكُلِّ نَوْمٍ،

(وَالْقَهْقَهَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ نَجَسٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَخَارِجِ الصَّلَاةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا» وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَيْسَ الْقِيَاسُ فِي كُلِّ نَوْمٍ النَّقْضَ. (قَوْلُهُ أَلَا مَنْ ضَحِكَ إلَخْ) حَدِيثُ الْقَهْقَهَةِ رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا. وَاعْتَرَفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِصِحَّتِهِ مُرْسَلًا، وَمَدَارُ الْمُرْسَلِ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ وَإِنْ رَوَاهُ غَيْرُهُ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا. قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَخْرَجَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَنَا حَدَّثْت بِهِ الْحَسَنَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَعَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: أَنَا حَدَّثْت بِهِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَنَّهُ قَرَأَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ اهـ. يَعْنِي وَالْحَسَنُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَيْنَمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ إذْ أَقْبَلَ أَعْمَى يُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَوَقَعَ فِي زُبْيَةٍ فَاسْتَضْحَكَ الْقَوْمُ فَقَهْقَهُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» قِيلَ وَمَعْبَدٌ هَذَا لَا صُحْبَةَ لَهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَعْبَدًا الَّذِي لَا صُحْبَةَ لَهُ هُوَ مَعْبَدٌ الْبَصْرِيُّ الْجُهَنِيُّ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِيهِ: إيَّاكُمْ وَمَعْبَدًا فَإِنَّهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ، وَمَعْبَدٌ هَذَا هُوَ الْخُزَاعِيُّ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا شَكَّ فِي صُحْبَتِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الصَّحَابَةِ، وَرَوَيَا لَهُ أَيْضًا حَدِيثَ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّا بِخِبَاءِ أُمِّ مَعْبَدٍ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْبَدًا وَكَانَ صَغِيرًا فَقَالَ لَهُ: اُدْعُ هَذِهِ الشَّاةَ» الْحَدِيثَ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَإِذَا صَحَّ الْمُرْسَلُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْقَوْلِ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ اسْمُهُ رُفَيْعٌ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ. وَأَمَّا رِوَايَتُهُ مُسْنَدًا فَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَأَغْرَبُهَا طَرِيقٌ عَنْ أَنَسٍ رَوَاهَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ فِي تَارِيخِ جُرْجَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ

وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي صَلَاةِ مُطْلَقَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا. وَالْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ، وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جِيرَانِهِ وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ دُونَ الْوُضُوءِ. (وَالدَّابَّةُ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ شِهَابِ بْنِ طَارِقٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فُورَكٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْأَشْعَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هِلَالٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَهْقَهَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً شَدِيدَةً فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ» وَأَسْلَمُهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ بْنِ بَقِيَّةَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ السَّكُونِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَمَا طُعِنَ بِهِ مِنْ أَنَّ بَقِيَّةَ مُدَلِّسٌ فَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ الضُّعَفَاءِ فَحَذَفَ اسْمَهُ، دُفِعَ بِأَنَّ بَقِيَّةَ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، وَالْمُدَلِّسُ إذَا صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ وَكَانَ صَدُوقًا زَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، وَبَقِيَّةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (قَوْلُهُ وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ) أَمَّا الْوَارِدُ عَلَى وَاقِعَةِ الْحَالِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا نَحْوُ حَدِيثِ بَقِيَّةَ هَذَا فَلِانْصِرَافِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا إلَى ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَهُوَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ النَّقْضُ عَلَيْهَا. وَالْمُرَادُ مَا أَصْلُهَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، فَإِنَّهُ لَوْ قَهْقَهَ فِيمَا يُصَلِّيهِ بِالْإِيمَاءِ لِعُذْرٍ أَوْ رَاكِبًا يُومِئُ بِالنَّفْلِ أَوْ الْفَرْضِ لِعُذْرٍ انْتَقَضَ، وَكَذَا أَيْضًا لَا تَنْقُضُ قَهْقَهَةُ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ. وَقِيلَ تَنْقُضُ وَتُبْطِلُ. وَعَنْ شَدَّادٍ: تَنْقُضُ وَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَقِيلَ عَكْسُهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ حَدَثًا بِشَرْطِ كَوْنِهَا جِنَايَةً، وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ، بِخِلَافِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَلَا يَغْلِبُ وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ سَاهِيًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يُعْذَرُ، وَأَمَّا قَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ فَقِيلَ تُبْطِلُهُمَا، وَقِيلَ لَا تَنْقُضُ. وَفِي قَهْقَهَةِ الْبَانِي فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ الْوُضُوءِ رِوَايَتَانِ وَلَوْ نَسِيَ. وَتَنْقُضُ بَعْدَ الْعُقُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ قَهْقَهَ الْقَوْمُ بَطَلَ وُضُوءُهُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ بِقَهْقَهَتِهِ

الْجُرْحِ أَوْ سَقَطَ اللَّحْمُ لَا تَنْقُضُ) وَالْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الدُّودَةُ وَهَذَا لِأَنَّ النَّجَسَ مَا عَلَيْهَا وَذَلِكَ قَلِيلٌ وَهُوَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَأَشْبَهَ الْجُشَاءَ وَالْفُسَاءَ، بِخِلَافِ الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَذَكَرِ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا لَا تَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُفْضَاةً يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا مِنْ الدُّبُرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ سَلَامِهِ فَلَوْ قَهْقَهُوا بَعْدَ سَلَامِهِ، بَطَلَ وُضُوءُهُمْ، وَجَعَلَ الْأَصَحَّ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هَلْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا. مُحْدِثٌ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَفَنِيَ الْمَاءُ فَتَيَمَّمَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَغْسِلُ بَاقِيَ الْأَعْضَاءِ وَيُصَلِّي، وَعِنْدَهُمَا يَغْسِلُ جَمِيعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هَلْ تُبْطِلُ مَا غُسِلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ؟ عِنْدَهُ لَا وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ. وَلَوْ اغْتَسَلَ جُنُبٌ وَصَلَّى فَقَهْقَهَ هَلْ تَبْطُلُ وَيُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلُ الْمُتَضَمِّنُ، لَا يَبْطُلُ الْمُتَضَمَّنُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ إعَادَتَهُ وَاجِبَةٌ عُقُوبَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ كَسَلَامِهِ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ عَمْدًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّجَسَ مَا عَلَيْهَا) الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَا بِحَيْثُ يَكُونُ نَجِسًا هُوَ مَا عَلَيْهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُفْضَاةً إلَخْ) الْمُفْضَاةُ الَّتِي اخْتَلَطَ سَبِيلَاهَا، وَقِيلَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ. وَفِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ إشَارَةٌ إلَى الْأَوَّلِ، وَالْوُضُوءُ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّهَا لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَظُهُورُ أَثَرِهِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي دُبُرِهَا. وَفِي حُرْمَةِ جِمَاعِهَا عَلَى الزَّوْجِ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ:

(فَإِنْ قُشِرَتْ نَفْطَةٌ فَسَالَ مِنْهَا مَاءٌ أَوْ صَدِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ إنْ سَالَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقَضَ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لَا يَنْقُضُ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْقُضُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقُضُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ نَجِسَةٌ لِأَنَّ الدَّمَ يَنْضَجُ فَيَصِيرُ قَيْحًا ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ صَدِيدًا ثُمَّ يَصِيرُ مَاءً، هَذَا إذَا قَشَرَهَا فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَمَّا إذَا عَصَرَهَا فَخَرَجَ بِعَصْرِهِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ مُخْرَجٌ وَلَيْسَ بِخَارِجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ إتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُ الْوُضُوءِ. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَفْصٍ لِلِاحْتِيَاطِ، وَمَنَعَ أَنَّهَا مُتَوَضِّئَةٌ بِيَقِينٍ وَكَوْنُ الرِّيحِ مِنْ الدُّبُرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الرِّيحِ كَوْنُهَا مِنْ الدُّبُرِ، بَلْ لَا نِسْبَةَ لِكَوْنِهَا مِنْ الْقُبُلِ بِهِ فَيُفِيدُ غَلَبَةَ ظَنٍّ تَقْرُبُ مِنْ الْيَقِينِ وَهُوَ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ لَهُ حُكْمُ الْيَقِينِ فَيَتَرَجَّحُ الْوُجُوبُ. [فَرْعٌ] شَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْحَدَثِ وَتَيَقَّنَ سَبْقَ أَحَدِهِمَا بَنَى عَلَى السَّابِقِ إلَّا إنْ تَأَيَّدَ اللَّاحِقُ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ عَلِمَ الْمُتَوَضِّئُ دُخُولَهُ الْخَلَاءَ لِلْحَاجَةِ وَشَكَّ فِي قَضَائِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، أَوْ عَلِمَ جُلُوسَهُ لِلْوُضُوءِ بِإِنَاءٍ وَشَكَّ فِي إقَامَتِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ لَا وُضُوءَ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ فِي وُجُوبِ وُضُوءِ الْمُفْضَاةِ، وَلَوْ شَكَّ فِي السَّائِلِ مِنْ ذَكَرِهِ أَمَاءٌ هُوَ أَمْ بَوْلٌ، إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْمَاءِ أَوْ تَكَرَّرَ مَضَى وَإِلَّا أَعَادَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَحَدُهُمَا وَلَوْ تَيَقَّنَ تَرْكَ عُضْوٍ وَشَكَّ فِيهِ فَفِي النَّوَازِلِ يَغْسِلُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ يَغْسِلُ الْأَخِيرَ مَثَلًا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ عَيْنًا وَعَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا مِمَّا قَبْلَهُمَا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَا هُوَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّتِمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَيَقُّنَ بِتَرْكِ شَيْءٍ هُنَاكَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ نَجِسَةٌ) يَعْنِي الْمَاءَ وَالْقَيْحَ وَالصَّدِيدَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُخْرَجٌ وَلَيْسَ بِخَارِجٍ) لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، بَلْ النَّقْضُ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا، وَذَاكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ فَصَارَ كَالْفَصْدِ وَقَشْرِ النَّفْطَةِ فَلِذَا اخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ فِي جَمَاعَةٍ النَّقْضَ. وَفِي الْكَافِي: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ انْتَهَى. وَكَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعْلِيقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجَسِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ. [فُرُوعٌ] يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ. وَهِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَا مَعًا مُتَعَانِقَيْنِ مُتَمَاسِّي الْفَرْجَيْنِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ شَيْءٍ. قُلْنَا يَنْدُرُ عَدَمُ مَذْيٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي مَقَامِ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ وَفِي الْقُنْيَةِ: وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُوجِبُ الْوُضُوءُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَجِبُ مِنْ مُجَرَّدِ مَسِّهَا وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَلَوْ فَرْجَهَا، وَلَا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِيَةِ إذَا مَسَّ بِبَاطِنِ

(فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصَابِعِ، وَلِمَالِكٍ فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا، وَفِي الْأُولَى إذَا مَسَّ بِشَهْوَةٍ. لَنَا فِي الْأُولَى عَدَمُ دَلِيلِ النَّقْضِ بِشَهْوَةٍ وَبِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَيَبْقَى الِانْتِقَاضُ عَلَى الْعَدَمِ، وقَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] مُرَادٌ بِهِ الْجِمَاعُ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَوْنُهُ مُرَادًا بِهِ الْيَدُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ، وَرَجَّحْنَا قَوْلَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِالْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَفَاضَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَبَيَّنَ أَنَّهُ الْغُسْلُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] إلَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: 6] إلَى آخِرِهِ، وَلَفْظُ لَامَسْتُمْ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْجِمَاعِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِيَكُونَ بَيَانًا لِحُكْمِ الْحَدَثَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَمَا بَيَّنَ حُكْمَهُمَا عِنْدَ وُجُودِهِ فَيَتِمُّ الْغَرَضُ، بِخِلَافِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ بِالْيَدِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ «مَسِّ عَائِشَةَ قَدَمَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ طَلَبَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَقَدَتْهُ لَيْلًا، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ فِي السُّجُودِ وَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ لِذَلِكَ» ، وَعَنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ فَلَا يَتَوَضَّأُ» ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَلَنَا فِي الثَّانِيَةِ مَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ. وَأَيُّوبُ وَمُحَمَّدٌ تَكَلَّمَ فِيهِمَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَصَحُّ وَأَحْسَنُ، وَبِهِ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ انْتَهَى. فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ الطَّعْنِ مَرَّةً فِي بُسْرَةَ بِالْجَهَالَةِ، وَمَرَّةً بِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ بُسْرَةَ بَلْ مِنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَوْ الشَّرْطِيِّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَمَرَّةً بِالتَّكَلُّمِ فِي مُلَازِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَا يَنْزِلَانِ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، لَكِنْ يَتَرَجَّحُ حَدِيثُ طَلْقٍ بِأَنَّ حَدِيثَ الرِّجَالِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ أَحْفَظُ لِلْعِلْمِ وَأَضْبَطُ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ. وَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْقَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ طَلْقٍ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ. وَمَا رُجِّحَ بِهِ حَدِيثُ بُسْرَةَ مِنْ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِأَنَّ طَلْقًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ سِنِي الْهِجْرَةِ وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «قَرِّبُوا الْيَمَانِيَّ مِنْ الطِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ مَسًّا» وَمَتْنُ حَدِيثِ بُسْرَةَ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ وُرُودَ طَلْقٍ إذْ ذَاكَ ثُمَّ رُجُوعَهُ لَا يَنْفِي عَوْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُمْ قَدْ رَوَوْا عَنْهُ حَدِيثًا ضَعِيفًا

[فصل في الغسل]

(فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ) (وَفَرْضُ الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمَا سُنَّتَانِ فِيهِ لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَقَالَ سَمِعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُضَعَّفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَدِيثِ بُسْرَةَ بَاطِنًا أَنَّ أَمْرَ النَّوَاقِضِ مِمَّا يَحْتَاجُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ إلَيْهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ النَّقْضَ مِنْهُ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ كَعُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ، عَلَى أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ نَظَرًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ سَلَكْنَا طَرِيقَ الْجَمْعِ جُعِلَ مَسُّ الذَّكَرِ كِنَايَةً عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْبَلَاغَةِ يَسْكُتُونَ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَيَرْمِزُونَ عَلَيْهِ بِذَكَرِ مَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ، فَلَمَّا كَانَ مَسُّ الذَّكَرِ غَالِبًا يُرَادِفُ خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ وَيُلَازِمُهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ كَمَا عَبَّرَ تَعَالَى بِالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ عَمَّا يَقْصِدُ الْغَائِطَ لِأَجْلِهِ وَيَحِلُّ فِيهِ، فَيَتَطَابَقُ طَرِيقَا الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي التَّعْبِيرِ فَيُصَارُ إلَى هَذَا الدَّفْعِ التَّعَارُضُ. [فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ] (فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ) (قَوْلُهُ الْمَضْمَضَةُ إلَخْ) وَلَوْ شَرِبَ الْمَاءَ عَبًّا أَجْزَأَ عَنْهَا لَا مَصًّا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا إلَّا أَنْ يَمُجَّهُ، وَلَوْ كَانَ سِنُّهُ مُجَوَّفًا أَوْ بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ أَوْ دَرَنٌ رَطْبٌ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْمَاءَ لَطِيفٌ يَصِلُ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ غَالِبًا، كَذَا فِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ قَالَ: ذَكَرَ الصَّدْرَ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا كَانَ فِي أَسْنَانِهِ كُوَّاتٌ يَبْقَى فِيهَا الطَّعَامُ لَا يُجْزِئُهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ وَيُجْرِي الْمَاءَ عَلَيْهَا. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ وَالْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ خِلَافُ هَذَا، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْعَلَ انْتَهَى. وَالدَّرَنُ الْيَابِسُ فِي الْأَنْفِ كَالْخُبْزِ الْمَمْضُوغِ وَالْعَجِينِ يَمْنَعُ، وَلَا يَضُرُّ مَا انْتَضَحَ مِنْ غَسْلِهِ فِي إنَائِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِرَ كُلُّهُ فِي الْإِنَاءِ. وَيَجُوزُ نَقْلُ الْبِلَّةِ فِي الْغُسْلِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ إذَا كَانَ يَتَقَاطَرُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ إذَا تَمَضْمَضَ وَيُعَاوِدَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، قَالَ فِي الْمُبْتَغَى: إلَّا إذَا احْتَلَمَ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِ أَهْلَهُ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ (قَوْلُهُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) فَيَجِبُ تَحْرِيكُ الْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ الضَّيِّقَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ» أَيْ مِنْ السُّنَّةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَلِهَذَا كَانَا سُنَّتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَهُوَ أَمْرٌ بِتَطْهِيرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، إلَّا أَنَّ مَا يَتَعَذَّرُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ النَّصِّ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْمُوَاجِهَةُ فِيهِمَا مُنْعَدِمَةٌ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ حَالَةَ الْحَدَثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ» . قَالَ (وَسُنَّتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ وَيُزِيلَ نَجَاسَةً إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقُرْطٌ فَدَخَلَ الْمَاءُ الثَّقْبَ عِنْدَ مُرُورِهِ أَجْزَأَ كَالسُّرَّةِ وَإِلَّا أَدْخَلَهُ، وَيُدْخِلُهُ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا، وَفِي النَّوَازِلِ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً، وَتَغْسِلُ فَرْجَهَا الْخَارِجَ لِأَنَّهُ كَالْفَمِ، وَلَا يَجِبُ إدْخَالُهَا الْأُصْبُعَ فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتَى. وَدَرَنُ الْأَظْفَارِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يَجِبُ الدَّلْكُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَكَانَ وَجْهُهُ خُصُوصَ صِيغَةِ اطَّهَّرُوا، فَإِنَّ (فَعُلَ) لِلْمُبَالَغَةِ وَهُوَ أَصْلُهُ وَذَلِكَ بِالدَّلْكِ (قَوْلُهُ عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِفَاضُ الْمَاءِ» قَالَ مَصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ: وَنَسِيت الْعَاشِرَةَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. وَانْتِفَاضُ الْمَاءِ: الِاسْتِنْجَاءُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَمَّارٍ، وَذَكَرَ الْخِتَانَ بَدَلَ إعْفَاءِ اللِّحْيَةِ، وَذَكَرَ الِانْتِضَاحَ بَدَلَ انْتِفَاضِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَهُوَ أَمْرٌ بِتَطْهِيرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ) لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّطْهِيرَ إلَى مُسَمَّى الْوَاوِ وَهُوَ جُمْلَةُ بَدَنِ كُلِّ مُكَلَّفٍ فَيَدْخُلُ كُلُّ مَا يُمْكِنُ الْإِيصَالُ إلَيْهِ إلَّا مَا فِيهِ حَرَجٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَتَعَذَّرُ، وَذَلِكَ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَالْقُلْفَةِ بِالنَّافِي لِلْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ فِي دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فَشَمِلَهُمَا نَصُّ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ كَمَا شَمِلَهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ، فَبُلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ، إذْ كَوْنُهُمَا مِنْ الْفِطْرَةِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ لِأَنَّهَا الدِّينُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ فَلَا يُعَارِضُهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَالْمُرَادُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى الْأَقْوَالِ، وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ الْمَرْوِيِّ عَلَى حَالَةِ الْحَدَثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ» كَأَنَّهُ يَعْنِي مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لِلْجُنُبِ ثَلَاثًا فَرِيضَةً» ، لَكِنْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خُرُوجِ اثْنَتَيْنِ مِنْهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَسُنَّتُهُ إلَخْ) ظَاهِرٌ، وَهَلْ يَمْسَحُ رَأْسَهُ فِي هَذَا الْوُضُوءِ؟ نَعَمْ فِي الصَّحِيحِ، وَفِي

ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَنْتَحِي عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ) هَكَذَا حَكَتْ مَيْمُونَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اغْتِسَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُمَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَلَا يُفِيدُ الْغَسْلُ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى لَوْحٍ لَا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَيْ لَا تَزْدَادَ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ (وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُضَ ضَفَائِرَهَا فِي الْغُسْلِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا، وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الصَّبِّ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُفِيضُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ. وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ الَّذِي سَيُذْكَرُ وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي مَاءِ جَارٍ إنْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ هَكَذَا حَكَتْ مَيْمُونَةُ) رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْهَا قَالَتْ «وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُضَ ضَفَائِرَهَا) هَذَا فَرْعُ قِيَامِ الضَّفِيرَةِ، فَلَوْ كَانَتْ ضَفَائِرُهَا مَنْقُوضَةً فَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَفِي وُجُوبِ نَقْضِ ضَفَائِرِ الرَّجُلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالْمَشَايِخِ.

الشَّعْرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَمَا يَكْفِيكِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِكِ» وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا هُوَ الصَّحِيحُ، بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى أَثْنَائِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاحْتِيَاطُ الْوُجُوبُ، وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ سَلَمَةَ) فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ لَا إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» وَمُقْتَضَى هَذَا عَدَمُ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْأُصُولِ، وَكَذَا مَا فِيهِ مِنْ «أَنَّهُ بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤْسَهُنَّ فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤْسَهُنَّ أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤْسَهُنَّ لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَزِيدُ أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ» . وَكَذَا مَا فِي أَبِي دَاوُد «أَنَّهُمْ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَمَّا الرَّجُلُ فَلْيَنْشُرْ رَأْسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ حَتَّى يَبْلُغَ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا عَلَيْهَا أَنْ لَا تَنْقُضَهُ لِتَغْرِفْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِكَفَّيْهَا» وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْقُضُ رَأْسَهَا فِي الْحَيْضِ، وَذَكَرَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْحَجِّ «أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَكُنْت مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ» الْحَدِيثَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْضِهَا نَقَضَتْ شَعْرَهَا نَقْضًا وَغَسَلَتْهُ بِخَطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْجَنَابَةِ صَبَّتْ عَلَى رَأْسِهَا الْمَاءَ وَعَصَرَتْهُ» اهـ وَلَا أَعْلَمُ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْمَذْهَبِ وَأَجَابَ مُتَأَخِّرٌ بِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ السَّابِقِ، فَإِنَّ فِيهِ فِي رِوَايَةٍ «أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ؟ قَالَ لَا» الْحَدِيثَ. وَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مِنْ حَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ كَانَ لِلتَّنْظِيفِ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ مِنْ حَدَثِ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَائِضًا، هَذَا وَأُورِدَ أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ مُعَارِضٌ لِلْكِتَابِ. وَأُجِيبَ تَارَةً بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ مُؤَدَّى الْكِتَابِ غَسْلُ الْبَدَنِ، وَالشَّعْرُ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مُتَّصِلٌ بِهِ نَظَرًا إلَى أُصُولِهِ، فَعَمِلْنَا بِمُقْتَضَى الِاتِّصَالِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَبِمُقْتَضَى الِانْفِصَالِ فِي النِّسَاءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ إذْ لَا يُمْكِنُهُنَّ حَلْقُهُ، وَتَارَةً بِأَنَّهُ خُصَّ مِنْ الْآيَةِ مَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ فَيُخَصُّ بِالْحَدِيثِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجِبُ

قَالَ (وَالْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَالَةَ النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خُرُوجُ الْمَنِيِّ كَيْفَمَا كَانَ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» أَيْ الْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ، وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ يَتَنَاوَلُ الْجُنُبَ، وَالْجَنَابَةُ فِي اللُّغَةِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، يُقَالُ أَجْنَبَ الرَّجُلُ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلُّهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ. وَفِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ، وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ. وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ وَالْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ) قِيلَ هِيَ تَنْقُضُهُ فَكَيْفَ تُوجِبُهُ. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ بِالْجَنَابَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. وَقِيلَ هِيَ مُوجِبَةٌ لِلْغُسْلِ بِوَاسِطَةِ الْجَنَابَةِ كَقَوْلِنَا شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ سَبَبُهُ وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ. وَحَاصِلُ مَا يُوجِبُ الْجَنَابَةَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ وَالْإِيلَاجُ فِي الْآدَمِيِّ الْحَيِّ لَا الْمَيِّتِ وَالْبَهِيمَةِ مَا لَمْ يُنْزِلْ. لَكِنْ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: بَال فَخَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ إنْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْكَسِرًا لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ. وَهَذَا بَعْدَ مَا عُرِفَ مِنْ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الشَّهْوَةِ فِي الْإِنْزَالِ فِيهِ نَظَرٌ. بِخِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي مُسْتَيْقِظٍ وَجَدَ مَاءً وَلَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا، إنْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ لَا يَجِبُ وَإِلَّا فَيَجِبُ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَنِيٌّ عَنْ شَهْوَةٍ لَكِنْ ذَهَبَ عَنْ خَاطِرِهِ، وَمَحْمَلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَجَدَ الشَّهْوَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي حَالَةَ الِانْتِشَارِ وُجِدَ الْخُرُوجُ وَالِانْفِصَالُ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِيلَاجِ فِي الْآدَمِيِّ يَتَنَاوَلُ إيلَاجَ الذَّكَرِ فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَإِيلَاجُ الْأُصْبُعِ. وَفِي إدْخَالِ الْأُصْبُعِ الدُّبُرَ خِلَافٌ فِي إيجَابِ الْغُسْلِ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ يَتَنَاوَلُ الْجُنُبَ) وَالْجَنَابَةُ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا تُقَالُ مَعَ الشَّهْوَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ بِلَا شَهْوَةٍ فَلَا يُوجِبُ فِيهِ حُكْمًا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ. وَالْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَحْمُولٌ عَلَى

قَضَى شَهْوَتَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ انْفِصَالُهُ عَنْ مَكَانِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظُهُورُهُ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْخُرُوجِ بِالْمُزَايَلَةِ إذْ الْغُسْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَةٍ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ: أَيْ الْمَاءُ الْمَعْهُودُ وَاَلَّذِي بِهِ الْعَهْدُ لَهُمْ هُوَ الْخَارِجُ عَنْ شَهْوَةٍ كَيْفَ وَرُبَّمَا يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ جَمِيعَ عُمُرِهِ وَلَا يَرَى هَذَا الْمَاءَ مُجَرَّدًا عَنْهَا، عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْمَنِيِّ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ عَائِشَةَ أَخَذَتْ فِي تَفْسِيرِهَا إيَّاهُ الشَّهْوَةَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ الْمَذْيِ فَقَالَتْ: إنَّ كُلَّ فَحْلٍ يَمْذِي، وَإِنَّهُ الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ وَالْمَنِيُّ، فَأَمَّا الْمَذْيُ فَالرَّجُلُ يُلَاعِبُ امْرَأَتَهُ فَيَظْهَرُ عَلَى ذَكَرِهِ الشَّيْءُ فَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْتَسِلُ وَأَمَّا الْوَدْيُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْبَوْلِ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَأَمَّا الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ الْمَاءُ الْأَعْظَمُ الَّذِي مِنْهُ الشَّهْوَةُ وَفِيهِ الْغُسْلُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ نَحْوَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مَنِيٌّ إلَّا مِنْ خُرُوجِهِ بِشَهْوَةٍ، وَإِلَّا يَفْسُدُ الضَّابِطُ الَّذِي وَضَعَتْهُ لِتَمْيِيزِ الْمِيَاهِ لِتُعْطَى أَحْكَامَهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ إلَخْ) لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ مَقَرِّهِ مِنْ الصُّلْبِ بِشَهْوَةٍ إلَّا إذَا خَرَجَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ تُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ الشَّهْوَةِ لِلْخُرُوجِ؟ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ، وَعِنْدَهُمَا لَا، فَافْهَمْ مَقْصُودَ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ مَزْلَقَةٌ. وَقَدْ أَخْطَأَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ، وَلَوْ تَأَمَّلَ قَوْلَهُ فِي دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ إذْ الْغُسْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا لَزَالَ الرَّيْبُ عَنْهُ، وَمِنْ فُرُوعِ تَعَلُّقِهِ بِهِمَا لَوْ احْتَلَمَ فَوَجَدَ اللَّذَّةَ وَلَمْ يُنْزِلْ حَتَّى تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَنْزَلَ اغْتَسَلَ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَكَذَا لَوْ احْتَلَمَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُنْزِلْ حَتَّى أَتَمَّهَا فَأَنْزَلَ لَا يُعِيدُهَا وَيَغْتَسِلُ. وَقَوْلُهُمَا أَحْوَطُ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْإِنْزَالِ، فَإِذَا وُجِدَتْ مَعَ

يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَلَهُمَا أَنَّهُ مَتَى وَجَبَ مِنْ وَجْهٍ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْفِصَالِ صَدَقَ اسْمُهَا، وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا ثُبُوتَ حُكْمِهَا وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ، لَكِنْ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ إلَّا بِالْخُرُوجِ، فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ الِانْفِصَالُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَقْوَى مِمَّا بَقِيَ، وَالِاحْتِيَاطُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْأَقْوَى مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَوَجَبَ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي صُوَرٍ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ أَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ أَوْ احْتَلَمَ، فَلَمَّا انْفَصَلَ أَخَذَ إحْلِيله حَتَّى سَكَنَتْ فَأَرْسَلَ فَخَرَجَ بِلَا شَهْوَةٍ يَجِبُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ. وَمِنْهَا اغْتَسَلَ بَعْدَ الْجِمَاعِ قَبْلَ النَّوْمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الْمَشْيِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ بِلَا شَهْوَةٍ يُعِيدُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَبَعْدَ أَحَدِهَا يُعِيدُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا بَعْدَ الْغُسْلِ الْأَوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ مَا تَأَخَّرَ مِنْ الْمَنِيِّ اتِّفَاقًا. قِيلَ وَمِنْهَا مُسْتَيْقِظٌ وَجَدَ بِثَوْبِهِ أَوْ فَخِذِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ يَجِبُ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ انْفِصَالِهِ عَنْ شَهْوَةٍ ثُمَّ نَسِيَ وَرَقَّ هُوَ بِالْهَوَاءِ خِلَافًا لَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ثَابِتٌ فِي الْخُرُوجِ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الِانْفِصَالِ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَاءً عَلَيْهِ بَلْ هُوَ يَقُولُ لَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُمَا احْتَاطَ لِقِيَامِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ وَرَأَى مَاءً رَقِيقًا حَيْثُ يَجِبُ اتِّفَاقًا حَمْلًا لِلرِّقَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ أَقْيَسُ وَأَخَذَ بِهِ خَلْفُ بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو اللَّيْثِ، وَلَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا لَكِنَّ التَّيَقُّنَ مُتَعَذِّرٌ مَعَ النَّوْمِ. وَقَوْلُهُمَا أَحْوَطُ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: لِأَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ الِاحْتِلَامِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مَنِيًّا فَرَقَّ بِوَاسِطَةِ الْهَوَاءِ. وَفِي التَّجْنِيسِ: أُغْشِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَوَجَدَ مَذْيًا أَوْ كَانَ سَكْرَانَ فَأَفَاقَ فَوَجَدَ مَذْيًا لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ، وَلَا يُشْبِهُ النَّائِمَ إذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ عَلَى فِرَاشِهِ مَذْيًا حَيْثُ كَانَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ إنْ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي النَّوْمِ تَذَكُّرٌ أَوْ لَا لِأَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ الِاحْتِلَامِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِالْهَوَاءِ، وَلِلْغِذَاءِ فَاعْتَبَرْنَاهُ مَنِيًّا احْتِيَاطًا، وَلَا كَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمَغْشِيُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمَا هَذَا السَّبَبُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ وَالشَّهْوَةَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ وَجَدَ الزَّوْجَانِ بَيْنَهُمَا مَاءً دُونَ تَذَكُّرٍ وَلَا مُمَيَّزٌ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ غِلَظُهُ وَرِقَّتُهُ وَلَا بَيَاضُهُ وَصُفْرَتُهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ، صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقَيْدَ فَقَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَقِيلَ إذَا كَانَ غَلِيظًا أَبْيَضَ فَعَلَيْهِ، أَوْ رَقِيقًا أَصْفَرَ فَعَلَيْهَا فَيُفِيدُونَهُ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَقْيِيدُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا خِلَافَ إذًا. وَلَوْ احْتَلَمَتْ وَوَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَاؤُهَا إلَى فَرْجِهَا الظَّاهِرِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَبِهِ يُؤْخَذُ. وَقِيلَ يَجِبُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَجْهُ الثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْهَا «أَنَّهَا سَأَلَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى

(وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِنْزَالِ وَنَفْسُهُ يَتَغَيَّبُ عَنْ بَصَرِهِ وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ، وَكَذَا الْإِيلَاجُ فِي الدُّبُرِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ احْتِيَاطًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ» وَالْأَوَّلُ أَصْرَحُ فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْخُرُوجِ، وَيَحْتَمِلُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِمَا يَرَى الرَّجُلُ الِاحْتِلَامَ وَالْمَاءَ فَيُوَافِقُ الْأَوَّلَ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ إذْ الْغَالِبُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مَعَ الِاحْتِلَامِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِوُجُودِ الْمَنِيِّ فِي احْتِلَامِهَا، وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْخِلَافِيَّةِ إنَّمَا يُوجِبُهُ بِنَاءً عَلَى وُجُودِهِ وَإِنْ لَمْ تَرَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ احْتَلَمَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَاءُ إنْ وَجَدَتْ شَهْوَةَ الْإِنْزَالِ كَانَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، وَإِلَّا لَا لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ دَافِقًا كَمَاءِ الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا، فَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفْهِمُك أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا لَمْ تَرَهُ خَرَجَ. فَعَلَى هَذَا الْأَوْجَهُ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْخِلَافِيَّةِ، وَالِاحْتِلَامُ يَصْدُقُ بِرُؤْيَتِهَا صُورَةَ الْجِمَاعِ فِي نَوْمِهَا وَهُوَ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْ وُجُودِ لَذَّةِ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ، فَلِذَا لَمَّا أَطْلَقَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ السُّؤَالَ عَنْ احْتِلَامِ الْمَرْأَةِ قَيَّدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابَهَا بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ فَقَالَ «إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ مُطْلَقًا فَإِنَّهَا لَوْ تَيَقَّنَتْ الْإِنْزَالَ بِأَنْ اسْتَيْقَظَتْ فِي فَوْرِ الِاحْتِلَامِ فَأَحَسَّتْ بِيَدِهَا الْبَلَلَ ثُمَّ نَامَتْ فَمَا اسْتَيْقَظَتْ حَتَّى جَفَّ فَلَمْ تَرَ بِعَيْنِهَا شَيْئًا لَا يَسَعُ الْقَوْلُ بِأَنْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ لَا رُؤْيَةَ بَصَرٍ بَلْ رُؤْيَةُ عِلْمٍ (وَرَأَى) يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً فِي مَعْنَى (عَلِمَ) بِاتِّفَاقِ اللُّغَةِ. قَالَ: رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَوْ جُومِعَتْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى فَرْجِهَا، أَوْ جُومِعَتْ الْبِكْرُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا ظَهَرَ الْحَبَلُ لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ، وَلَوْ جُومِعَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا. امْرَأَةٌ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ، فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ. . (قَوْلُهُ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ) الْخِتَانَانِ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْفَرْجِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلرَّجُلِ مَكْرُمَةٌ لَهَا، إذْ جِمَاعُ الْمَخْتُونَةِ أَلَذُّ، وَفِي نَظْمِ الْفِقْهِ سُنَّةٌ فِيهِمَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ خَشْيَةِ الْهَلَاكِ، وَلَوْ تَرَكَتْهُ هِيَ لَا، وَالتَّعْبِيرُ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ أَوْلَى لِتَنَاوُلِهِ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ، وَلِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْفَرْجِ مُحَاذَاتُهُمَا لَا الْتِقَاؤُهُمَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) مَعْنَى الْحَدِيثِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ

بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ وَمَا دُونَ الْفَرْجِ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ نَاقِصَةٌ. قَالَ (وَالْحَيْضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِالتَّشْدِيدِ وَ) كَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسُّنَنِ كَثِيرًا، وَبِهَذَا اللَّفْظِ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» . وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يُفْتُونَ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ فَصَرَّحَ بِالنَّسْخِ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ: الْوُجُوبُ بِالْإِيلَاجِ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَالْمَيْتَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَأَصْحَابُنَا مَنَعُوهُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ، لِأَنَّ وَصْفَ الْجَنَابَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ ظَاهِرًا أَوْ حُكْمًا عِنْدَ كَمَالِ سَبَبِهِ مَعَ خَفَاءِ خُرُوجِهِ لِقِلَّتِهِ وَتَكَسُّلِهِ فِي الْمَجْرَى لِضَعْفِ الدَّفْقِ لِعَدَمِ بُلُوغِ الشَّهْوَةِ مُنْتَهَاهَا كَمَا يَجِدُهُ الْمَجَامِعُ فِي أَثْنَاءِ الْجِمَاعِ مِنْ اللَّذَّةِ بِمُقَارَبَةِ الْمُزَايَلَةِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَهُ، وَهَذَا عِلَّةُ كَوْنِ الْإِيلَاجِ فِيهِ الْغُسْلُ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ، وَعَلَى الْمُلَاطِ بِهِ إذْ رُبَّمَا يَلْتَذُّ فَيُنْزِلُ وَيَخْفَى لِمَا قُلْنَا، وَأَخْرَجُوا مَا ذَكَرْنَا لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً. وَحَكَى فِي الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي فَرْجِهِ خِلَافًا فِي الْمُبْتَغَى (قَوْلُهُ وَالْحَيْضُ) أَيْ انْقِطَاعُهُ، وَكَذَا فِي النِّفَاسِ قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ انْقِطَاعُهُ طَهَارَةٌ وَإِنَاطَةُ الْغُسْلِ بِالْحَدَثِ: أَعْنِي النَّجَسَ الْخَارِجَ أَنْسَبُ، فَالْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَالْحَيْضُ نَفْسُهُ سَبَبٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ حَالَ قِيَامِهِ كَحَالِ جَرَيَانِ الْبَوْلِ، فَإِذَا انْقَطَعَ أَفَادَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيْضَ مُوجِبٌ بِشَرْطِ انْقِطَاعِهِ، وَالْأُولَى مِنْهُمَا وِزَانُ مَا قَدَّمْنَا فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ وَبِهِمَا تَمَّتْ الِاغْتِسَالَاتُ الْمَفْرُوضَةُ وَشَرَعَ فِي الْمَسْنُونَةِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ، بَقِيَ غُسْلٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ غُسْلُ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ غَيْرَ جُنُبٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ جُنُبًا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ جَنَابَةٌ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْجَنَابَةِ السَّابِقَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْمَشْرُوطِ بِزَوَالِهَا إلَّا بِهِ

(النِّفَاسُ) لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ وَالْإِحْرَامِ» ) نَصَّ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَقِيلَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَسَمَّى مُحَمَّدٌ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَسَنًا فِي الْأَصْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُفْتَرَضُ. وَلَوْ حَاضَتْ الْكَافِرَةُ فَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: لَا غُسْلَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ أَجْنَبَ بَعْدَهُ، وَالِانْقِطَاعُ فِي الْحَيْضِ هُوَ السَّبَبُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدَهُ، فَلِذَا لَوْ أَسْلَمَتْ حَائِضًا ثُمَّ طَهُرَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ. وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ هِيَ بِالْحَيْضِ قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ. قَالَ قَاضِي خَانْ: وَالْأَحْوَطُ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا اهـ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ إذَا أَسْلَمَ مُحْدِثًا. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ، فَإِنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ حَالُ الْبُلُوغِ أَوَانَ انْعِقَادَ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ فَهُوَ كَحَالِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ أَوْ إنْ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ حَتَّى اتَّحَدَ زَمَانُهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا. وَالْحَيْضُ إمَّا حَدَثٌ أَوْ يُوجِبُ حَدَثًا فِي رُتْبَةِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ لِمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي بَابِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُهُ بِاَلَّذِي أَسْلَمَ جُنُبًا. وَجَوَابُهُ أَنَّ السَّبَبَ فِي الْحَيْضِ الِانْقِطَاعُ وَثُبُوتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِتَحَقُّقِ الْبُلُوغِ بِابْتِدَاءِ الْحَيْضِ كَيْ لَا يَثْبُتَ الِانْقِطَاعُ إلَّا وَهِيَ بَالِغَةٌ، بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ) وَهُوَ النَّظَرُ، فَإِنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا مَرَدَّ لِشَرْعِيَّتِهِ، وَكَانَ وَاجِبًا عَلَى مَا يُفِيدُهُ دَلِيلُ مَالِكٍ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» وَبِهَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ، ثُمَّ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» فَإِنْ عُوِّلَ فِي الْجَوَابِ عَلَى النَّسْخِ مَعَ مَا دُفِعَ بِهِ مِنْ أَنَّ النَّاسِخَ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِيهِ تَارِيخٌ أَيْضًا، فَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُقَدَّمُ الْمُوجِبُ، فَإِذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ لَا يَبْقَى حُكْمٌ آخَرُ بِخُصُوصِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ، وَكَذَا إنْ عُوِّلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ، كَمَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا فَقَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا؟ فَقَالَ لَا، وَلَكِنَّهُ طَهُورٌ، وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدْءُ الْغُسْلِ: كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى صَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ حَتَّى آذَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا وَجَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ الرِّيَاحَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا، وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَمْثَلَ مَا يَجِدُهُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ» . وَإِنْ عُوِّلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ النَّدْبُ وَبِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ شَرْعًا عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ بِالْقَرِينَةِ الْمُنْفَصِلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» فَدَلِيلُ النَّدْبِ يُثْبِتُ الِاسْتِحْبَابَ، إذْ لَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمُ النَّدْبِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ بَاقِي الِاغْتِسَالِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ. وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ» وَعَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ الصَّحَابِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ الْفِطْرِ» فَضَعِيفَانِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ» فَوَاقِعَةُ حَالٍ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُوَاظَبَةَ، فَاللَّازِمُ الِاسْتِحْبَابُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إهْلَالُهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَعُمُّ لَفْظُهُ كُلَّ إهْلَالٍ صَدَرَ مِنْهُ فَيُثْبِتُ سُنِّيَّةَ هَذَا الْغُسْلِ، هَذَا وَمِنْ الْأَغْسَالِ الْمَنْدُوبَةِ: الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَالْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَلِلْحِجَامَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَلِلَيْلَةِ الْقَدْرِ إذَا رَآهَا، وَلِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ، وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْغَايَةِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لِلْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ. قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: بِذَلِكَ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَاءَهُ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، وَظَاهِرُهُ وَكَذَا وَاقِعَةُ ابْنِ أُثَالٍ تُفِيدُ أَنَّ الْغُسْلَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لِلْإِسْلَامِ، وَيَكْفِي غُسْلٌ وَاحِدٌ لِسُنَّتَيْ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ إذَا اجْتَمَعَا كَمَا لِفَرْضَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ. وَبَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ نَقَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ مِنْهُمَا أَوْ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْ السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ

الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الصَّحِيحُ لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهَا عَلَى الْوَقْتِ وَاخْتِصَاصِ الطَّهَارَةِ بِهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الْحَسَنِ، وَالْعِيدَانِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ فِيهِمَا الِاجْتِمَاعُ فَيُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ دَفْعًا لِلتَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ. وَأَمَّا فِي عَرَفَةَ وَالْإِحْرَامِ فَسَنُبَيِّنُهُ فِي الْمَنَاسِكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَلَيْسَ فِي الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ غُسْلٌ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلًّا مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَإِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُوجِبَانِهِ فَيَكُونُ مِنْهُمَا، وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ وُجُوبَهُ لِلنَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ الْكَائِنَةِ بِالْحَدَثِ، وَإِذَا جَاءَتْ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ لَا يُؤَثِّرُ السَّبَبُ الثَّانِي إيَّاهَا، وَهَذَا لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ تَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ لَا مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ بِأَحَدِهِمَا اسْتَحَالَ أَنْ تَثْبُتَ بِالثَّانِي حَالَ قِيَامِهَا، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي امْرَأَةٍ حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ جَنَابَةٍ فَحَاضَتْ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ اغْتَسَلَتْ تَحْنَثُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي (قَوْلُهُ لِلصَّلَاةِ إلَخْ) . تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ هَلْ يُسَنُّ لَهُ الْغُسْلُ أَوْ لَا، وَفِيمَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ لَا يَكُونُ لَهُ فَضْلُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِيمَنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَفِي الْكَافِي لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَصَلَّى بِهِ لِلْجُمُعَةِ نَالَ فَضْلَ الْغُسْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُف، وَعِنْدَ الْحَسَنِ لَا. وَاسْتَشْكَلَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ وُجُودَ الِاغْتِسَالِ فِيمَا سُنَّ الِاغْتِسَالُ لِأَجْلِهِ، بَلْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُتَطَهِّرًا بِطَهَارَةِ الْغُسْلِ فَلَا يَحْسُنُ نَفْيُ الْحَسَنِ (قَوْلُهُ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ) أُورِدَ: لَا يُتَصَوَّرُ الْوُضُوءُ مِنْ الْوَدْيِ لِأَنَّهُ يَتَعَقَّبُ الْبَوْلَ فَيَكُونُ الْوُضُوءُ مِنْ النَّاقِضِ السَّابِقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَوْ فُرِضَ خُرُوجُهُ ابْتِدَاءً كَانَ فِيهِ الْوُضُوءُ، وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى إثْرِ بَوْلِهِ بِلَا مُهْلَةٍ ثُمَّ مَشَى فَتَحَلَّلَ وَدْيٌ وَخَرَجَ حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ فَوَجَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ كَانَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِالْبَوْلِ لَا يُنَافِي وُجُوبَهُ بِالْوَدْيِ بَلْ يَجِبُ بِهِمَا، حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَالَ ثُمَّ رَعَفَ ثُمَّ تَوَضَّأَ حَنِثَ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ. فَعُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُوجِبٌ إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْتَ أَنَّ النَّاقِضَ يُثْبِتُ الْحَدَثَ ثُمَّ تَجِبُ إزَالَتُهُ عِنْدَ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَأَنَّ الْحَدَثَ مَانِعِيَّةٌ اُعْتُبِرَتْ قَائِمَةٌ بِالْأَعْضَاءِ شَرْعًا إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ، أَوْ وَصْفٌ اعْتِبَارِيٌّ شَرْعًا يَمْنَعُ إلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ إلَّا فِي أَسْبَابِهِ. فَالثَّابِتُ بِكُلِّ سَبَبٍ هُوَ الثَّابِتُ بِالْآخَرِ، إذْ لَا دَلِيلَ يُوجِبُ خِلَافَ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْوُضُوءِ فِي مِثْلِهِ عَنْ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى السَّبَبِ الثَّانِي، وَأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ الْأَسْبَابُ دُفْعَةً كَأَنْ رَعَفَ وَبَالَ وَفَسَا مَعًا أُضِيفَ ثُبُوتُهُ إلَى كُلِّهَا فَلَا يَنْفِي ذَلِكَ كَوْنُ كُلٍّ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ كَوْنُ الْوَصْفِ يَحْدُثُ لَوْ انْفَرَدَ أَثَرٌ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ لِكُلٍّ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ، كَذَا قَرَّرَ فِي فُصُولِ الْآمِدِيِّ، وَهُوَ مَعْقُولٌ يَجِبُ قَبُولُهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا وَإِنْ كَانَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنَّ الثَّانِيَ أَثَرُ الْحَدَثِ أَيْضًا كَالْأَوَّلِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوُهُ. وَالْحَقُّ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَدَثِ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَبَيْنَ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِنَاؤُهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَدَثِ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ بَوْلٍ

[باب الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي وَفِيهِ الْوُضُوءُ» وَالْوَدْيُ: الْغَلِيظُ مِنْ الْبَوْلِ يَتَعَقَّبُ الرَّقِيقَ مِنْهُ خُرُوجًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ، وَالْمَنِيُّ: خَاثِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ، وَالْمَذْيُ: رَقِيقٌ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ. وَالتَّفْسِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. . بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَمَا لَا يَجُوزُ (الطَّهَارَةُ مِنْ الْأَحْدَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرُعَافٍ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا. وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ تَفْصِيلٌ بَيْنَ كَوْنِ الثَّانِي مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْوُضُوءُ عَنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَمِنْهُمَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي وَفِيهِ الْوُضُوءُ» ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَخْرَجَ إِسْحَاقُ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، وَأَصْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ شَهِيرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالتَّفْسِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عَائِشَةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ. [فَرْعٌ] الْجُنُبُ أَوْلَى بِالْمَاءِ الْمُبَاحِ إذَا وَجَدَهُ هُوَ وَحَائِضٌ أَوْ وَمَعَهُ مَيِّتٌ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ وَالْحَائِضُ وَكَذَا مِنْ الْمُحْدِثِ [بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَمَا لَا يَجُوزُ] بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ

جَائِزٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْبِحَارِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَذِهِ الْمِيَاهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ وَالْحُكْمُ عِنْدَ فَقْدِهِ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عُمُومِ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ كُلُّ الْمِيَاهِ أَصْلُهَا مِنْ السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا سَلَكَتْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] وَعَلَى بَعْضِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى هِيَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضِّي بِهَذِهِ الْمِيَاهِ، وَلَيْسَ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ وَلَا الْأَحَادِيثِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا أَفَادَتْ وَصْفَ الْمَاءِ بِالطَّهُورِيَّةِ، وَالْأَصْحَابُ مُصَرِّحُونَ بِأَنْ لَيْسَ مَعْنَى الطَّهُورِ لُغَةً مَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، بَلْ إنَّمَا هُوَ الْمُبَالَغُ فِي طَهَارَتِهِ، أَيْ طَهَارَتُهُ قَوِيَّةٌ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كَوْنَهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ مَعَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَوْنُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِلَفْظِ طَهُورٍ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ دَلِيلٌ آخَرُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ. وَأَمَّا النَّصُّ الْمَذْكُورُ بِاسْتِقْلَالِهِ لَا يُوجِبُهُ، فَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَحَدِيثُ «الْمَاءُ طَهُورٌ» حَاصِلُ كَلَامِهِمْ فِيهِ أَنَّهُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ ضَعِيفٌ بِرِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ وَبِدُونِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَإِنْ ضَعَّفَهُ بِسَبَبِ الْخِلَافِ فِي تَسْمِيَةِ بَعْضِ أَهْلِ السَّنَدِ، وَقَدْ قَالَ: وَلَهُ إسْنَادٌ صَحِيحٌ

وَالْوَظِيفَةُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ تَعَبُّدِيَّةٌ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ فَيَجُوزُ التَّوَضِّي بِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ، ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَذَكَرَهُ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَدَلُّ بِالْقَدْرِ الصَّحِيحِ عَلَى طُهُورِيَّةِ الْمَاءِ، وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى تَنَجُّسِهِ بِتَغَيُّرِ وَصْفِهِ بِالنَّجَاسَةِ. وَأَمَّا إنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إذًا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَنَجُّسِهِ بِالتَّغَيُّرِ يُفِيدُ أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ. نَعَمْ لَهُ طَرِيقٌ نَذْكُرُهَا عِنْدَ الْكَلَامِ مَعَ الْإِمَامِ مَالِكٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَدِيثُ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَتَتَوَضَّأُ مِنْ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ هَذَا. وَأَمَّا مَا أُعِلَّ بِهِ مِنْ جَهَالَةِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ وَالِاخْتِلَافِ فِي سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ هَلْ هُوَ هَذَا أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ فَمَدْفُوعَانِ بِإِظْهَارِ مَعْرِفَتِهِمَا، وَإِقَامَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ السَّنَدَ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْجُلَاحِ بْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْجُلَاحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فَلَا يَضُرُّ الْخِلَافُ بَعْدَ هَذَا. وَأَمَّا الْإِعْلَالُ بِالْإِرْسَالِ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ رَوَاهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ وَأَثْبَتُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ اللَّذَيْنِ رَوَيَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إرْسَالَ الْأَحْفَظِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصْلِ مِنْ الثِّقَةِ دُونَهُ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا الْإِعْلَالُ بِاضْطِرَابِ هُشَيْمٍ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَأَمَّا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَلَى الصَّوَابِ فَلَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ السُّنَّةُ وَرَدَتْ بِغَسْلِ الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ الَّذِي أُغْلِيَ فِيهِ السِّدْرُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» الْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ غَلْيٌ (قَوْلُهُ وَالْوَظِيفَةُ فِي هَذِهِ) جَوَابُ سُؤَالٍ هُوَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَصَرَ مِنْ الشَّجَرِ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ لَكِنْ لِمَ لَمْ يَلْحَقْ بِالْمُطْلَقِ فِي إزَالَةِ

وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ شَرَطَ الِاعْتِصَارَ. قَالَ (وَلَا) يَجُوزُ (بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ كَالْأَشْرِبَةِ وَالْخَلِّ وَمَاءِ الْبَاقِلَّا وَالْمَرَقِ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الزَّرْدَجِ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاءً مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ بِمَاءِ الْبَاقِلَّا وَغَيْرِهِ مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِدُونِ الطَّبْخِ يَجُوزُ التَّوَضِّي بِهِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ، كَمَاءِ الْمَدِّ وَالْمَاءِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهِ اللَّبَنُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ أَوْ الصَّابُونُ أَوْ الْأُشْنَانُ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: أَجْرَى فِي الْمُخْتَصَرِ مَاءَ الزَّرْدَجِ مَجْرَى الْمَرَقِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ مَاءِ الزَّعْفَرَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا اخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمِيَّةِ كَمَا أَلْحَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِهِ فِي إزَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؟ فَأَجَابَ بِامْتِنَاعِ الْإِلْحَاقِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ: أَعْنِي إزَالَةَ الْحُكْمِيَّةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، إذْ لَا نَجَاسَةَ عَلَى الْأَعْضَاءِ مَحْسُوسَةً يُزِيلُهَا الْمَاءُ لِيَلْحَقَ بِهِ الْمَانِعُ فِي ذَلِكَ، بَلْ الْكَائِنُ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ مَحْضٌ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ إذْ مُنِعَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ، وَقَدْ عُيِّنَ لِإِزَالَتِهِ شَرْعًا آلَةٌ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ غَيْرِهَا بِهَا فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ إنَاطَةِ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ لَمَّا عُقِلَ اعْتِبَارُ خُرُوجِهَا مُؤَثِّرًا فِي ذَلِكَ دَارَ مَعَهُ سَوَاءً كَانَتْ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلَا يُنَافِي كَلَامُهُ هَذَا قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ التَّوَضِّي بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ؟ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو عَنْهَا عَادَةً وَلَنَا أَنَّ اسْمَ الْمَاءِ بَاقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ اسْمٌ عَلَى حِدَةٍ وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّعْفَرَانِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ، وَلِأَنَّ الْخَلْطَ الْقَلِيلَ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا فِي أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَالْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ تَغَيَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّهَارَةِ وَأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) اعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ تُزَالُ بِهِ الْأَحْدَاثُ أَعْنِي مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَاءٌ، وَالْمُقَيَّدُ لَا يُزِيلُ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي النَّصِّ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَهُ الزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِذَلِكَ أَوْ لَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: تَقَيَّدَ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ مَا دَامَ الْمُخَالِطُ مَغْلُوبًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ فِيهِ هَذَا مَاءٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَقَدْ رَأَيْنَاهُ يُقَالُ فِي مَاءِ الْمَدِّ وَالنِّيلِ حَالَ غَلَبَةِ لَوْنِ الطِّينِ عَلَيْهِ، وَتَقَعُ الْأَوْرَاقُ فِي الْحِيَاضِ زَمَنَ الْخَرِيفِ فَيَمُرُّ الرَّفِيقَانِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ هُنَا مَاءٌ تَعَالَ نَشْرَبْ نَتَوَضَّأْ، فَيُطْلِقُهُ مَعَ تَغَيُّرِ أَوْصَافِهِ بِانْتِفَاعِهَا، فَظَهَرَ لَنَا مِنْ اللِّسَانِ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَغْلُوبَ لَا يَسْلُبُ الْإِطْلَاقَ فَوَجَبَ تَرْتِيبُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ. وَقَدْ «اغْتَسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَالْمَاءُ بِذَلِكَ يَتَغَيَّرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ لِلْمَغْلُوبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ كَالْإِضَافَةِ إلَى الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ لَا تَمْنَعُ الْإِطْلَاقَ كَمَا لَا تَمْنَعُهُ الْإِضَافَةُ إلَى الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ، فَالتَّشْبِيهُ لَيْسَ إلَّا فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ وَحَيْثُ قُبِلَ الْمُطْلَقُ كَانَ مُطْلَقًا وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ مِنْ إزَالَةِ الْحُكْمِيَّةِ شَرْعًا، إذْ زَوَالُهُ بِارْتِفَاعِهِ وَهُوَ بِأَنْ يَحْدُثَ لَهُ اسْمٌ عَلَى حِدَةٍ وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ يَنْدَرِجُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَاءُ مَغْلُوبًا إذْ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَجْمُوعِ حِينَئِذٍ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ عَدَمًا وَهُوَ عَكْسُ الثَّابِتِ لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا، بَقِيَ تَحْقِيقُ الْغَلَبَةِ بِمَاذَا يَكُونُ فَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهَا بِالْأَجْزَاءِ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الصَّاحِبِينَ، وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْتَبِرُهُ بِاللَّوْنِ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ، وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ، وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ فَإِنَّ صَاحِبَ الْأَجْنَاسِ نَقَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ نَصَّا بِمَعْنَاهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُطْبَخُ فِيهِ الرَّيْحَانُ وَالْأُشْنَانُ: إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ حَتَّى يَحْمَرَّ بِالْأُشْنَانِ أَوْ يَسْوَدَّ. بِالرَّيْحَانِ وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِهِ. فَمُحَمَّدٌ يُرَاعِي لَوْنَ الْمَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ غَلَبَةَ الْأَجْزَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِمَاءِ السَّيْلِ مُخْتَلِطًا بِالْعَيْنِ إنْ كَانَتْ رِقَّةُ الْمَاءِ غَالِبَةً، فَإِنْ كَانَ الطِّينُ غَالِبًا فَلَا. وَصَرَّحَ

بِالطَّبْخِ بَعْدَ مَا خُلِطَ بِهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضِّي بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَعْنَى الْمُنَزَّلِ مِنْ السَّمَاءِ إذْ النَّارُ غَيَّرَتْهُ إلَّا إذَا طُبِخَ فِيهِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي النَّظَافَةِ كَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ الَّذِي أُغْلِيَ بِالسِّدْرِ، بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ ذَلِكَ عَلَى الْمَاءِ فَيَصِيرَ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ. (وَكُلُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ قَلِيلًا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثِيرًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى اعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ بِالْأَجْزَاءِ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ إذَا طُرِحَ الزَّاجُّ أَوْ الْعَفْصُ فِي الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ إنْ كَانَ لَا يَنْقُشُ إذَا كُتِبَ بِهِ، فَإِنْ نَقَشَ لَا يَجُوزُ وَالْمَاءُ هُوَ الْمَغْلُوبُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نُقِعَ الْحِمَّصُ وَالْبَاقِلَاءُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ التَّوَضِّي بِهِ فَإِنْ طُبِخَ، فَإِنْ كَانَ إذَا بَرَدَ ثَخُنَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، أَوْ لَمْ يَثْخُنْ وَرِقَّةُ الْمَاءِ بَاقِيَةٌ جَازَ. وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ تُعْطِي أَنَّ تَغَيُّرَ وَصْفَيْنِ يَمْنَعُ لَا وَصْفٌ. وَاقْتَحَمَ شَارِحُ الْكَنْزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِإِعْطَاءِ ضَابِطٍ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ التَّقْيِيدَ الْمُخْرِجَ عَنْ الْإِطْلَاقِ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ كَمَالُ الِامْتِزَاجِ وَهُوَ بِالطَّبْخِ مَعَ طَاهِرٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إلَّا بِعِلَاجٍ، فَخَرَجَ الْمَاءُ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ بِنَفْسِهِ. الثَّانِي غَلَبَةُ الْمُخَالِطِ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَبِانْتِفَاءِ رِقَّةِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا مُوَافِقًا لِلْمَاءِ فِي أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَهَارَتِهِ فَبِالْأَجْزَاءِ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُهُ فِيهَا فَبِتَغْيِيرِهِ أَكْثَرَهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا فَبِغَلَبَةِ مَا بِهِ الْخِلَافُ، كَاللَّبَنِ يُخَالِفُ فِي الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ، فَإِنْ غَلَبَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ مُنِعَ وَإِلَّا جَازَ، وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِالطَّعْمِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْأَقْسَامِ مَا خَالَطَ جَامِدًا فَسَلَبَ رِقَّتَهُ وَجَرَيَانَهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَاءٍ مُقَيَّدٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ، بَلْ لَيْسَ بِمَاءٍ أَصْلًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لِمَا رَوَيْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَلَنَا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، وَقَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُخْتَلَطِ بِالْأُشْنَانِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ فَيَصِيرَ كَالسَّوِيقِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ، إلَى قَوْلِهِ: لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي الْمَاءُ طَهُورٌ إلَخْ، وَتَقَدَّمَ عَدَمُ صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ. وَلْنَذْكُرْ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ الْمَوْعُودَةَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ: مِنْ غَرِيبِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ أَخْرَجَاهُ عَنْهُ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «إنَّا نُجَاوِرُ قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ» فَذَكَرَهُ. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَزَادَةِ الْمُشْرِكَةِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْإِنَاءِ وَالثَّانِي عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ، فَجَمْعُهُمَا بِأَنَّ النَّجَاسَةَ مَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْمَاءِ لَمْ تُغَيِّرْهُ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ لِلْكَرَاهَةِ. وَالْأَمْرَ بِالْغَسْلِ لِلنَّدَبِ لَا لِلنَّجَاسَةِ مَا لَمْ تَتَحَقَّقْ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَكْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي سَمَّتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضَافَهُ الْيَهُودِيُّ بِخُبْزٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ» فَإِنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ مَعَ عَدَمِ تَنَجُّسِ الْمَأْكُولِ عَدَمَ تَنَجُّسِ الْإِنَاءِ، إذْ لَا يُقَالُ فِي الطَّعَامِ إنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ طَرِيقَيْنِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ رِشْدِينَ لِلْبَيْهَقِيِّ: أَحَدُهُمَا عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ بَقِيَّةِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ» الثَّانِي عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنَا ثَوْرٌ بِهِ «الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْحَدِيثُ غَيْرُ قَوِيٍّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ فَقَالَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، قِيلَ لَعَلَّهُ فِي غَيْرِ سُنَنِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاضْطِرَابَ الَّذِي وَقَعَ فِي سَنَدِهِ حَيْثُ اُخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ، فَمَرَّةً يَقُولُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِبَادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَمَرَّةً عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنْ دُفِعَ بِأَنَّ الْوَلِيدَ رَوَاهُ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمُحَمَّدَيْنِ فَحَدَّثَ مَرَّةً عَنْ أَحَدِهِمَا وَمَرَّةً عَنْ الْآخَرِ، وَكَذَا دُفِعَ تَغْلِيظُ أَبِي أُسَامَةَ فِي آخِرِ السَّنَدِ إذْ جَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَإِنَّمَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِأَنَّهُمَا ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَيَا عَنْهُ، بَقِيَ فِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٍ فِي مَتْنِهِ، فَفِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ «لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ: سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ وَتَرِدُهُ السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ فَذَكَرَ الْأَوَّلَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ. وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: دَخَلْت مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بُسْتَانًا فِيهِ مَقْرَى مَاءٍ فِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ.

وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ يَضْعُفُ عَنْ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقُلْت لَهُ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ؟ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَرَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيّ عَنْ يَزِيدَ فَلَمْ يَقُلْ أَوْ ثَلَاثًا. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ» وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْقَاسِمِ. وَذَكَرَ أَنَّ الثَّوْرِيَّ وَمَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ وَرَوْحَ بْنَ الْقَاسِمِ رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي الْمُنْكَدِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَنْجُسْ» وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ سُفْيَانَ مِنْ جِهَةِ وَكِيعٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ «إذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ جِهَةِ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ «إذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالُوا أَرْبَعِينَ غَرْبًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ دَلْوًا. وَهَذَا الِاضْطِرَابُ يُوجِبُ الضَّعْفَ وَإِنْ وُثِّقَتْ الرِّجَالُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ فِي مَعْنَاهُ أَيْضًا. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ هُوَ يَضْعُفُ إلَى آخِرِهِ: يَعْنِي لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَيَتَنَجَّسُ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ لَا يَحْمِلُ الْكَلَّ: أَيْ لَا يُطِيقُهُ، لَكِنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّهُ أَجَابَ السُّؤَالَ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ الَّذِي تَنُوبُهُ السِّبَاعُ وَنَجَاسَتُهُ بِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فِي الْقُلَّةِ يَنْجُسُ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إمَّا عَدَمُ تَمَامِ الْجَوَابِ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ شَرْطِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ إذَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَالسُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَيْفَ كَانَ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ لِيَتِمَّ الْجَوَابُ. وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ: إذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ يَنْجُسُ لَا إنْ زَادَ، فَإِنْ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَيْ لَا يَلْزَمَ إخْلَاءُ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ الْمُطَابِقُ كَانَ الثَّابِتُ بِهِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ، إذَا لَمْ نَقُلْ بِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى قُلَّتَيْنِ شَيْئًا مَا لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَى الْقُلَّةِ فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ عَلَى الْحِرَّة وَالْقِرْبَةِ وَرَأْسِ الْجَبَلِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: بِقِلَالِ هَجَرَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُجْعَلَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَإِذَا كَانَ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ كَقِرَبِ الْحِجَازِ لَمْ يَنْجُسْ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ مُنْقَطِعٌ لِلْجَهَالَةِ. ثُمَّ سَبْرُ الْحَدِيثِ لِاسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ السَّنَدِ أَفَادَ وُجُودَ رَفْعِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي سَنَدٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ مُغِيرَةَ بْنِ سِقْلَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَيُذْكَرُ أَنَّهُمَا فِرْقَانِ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَوْلُهُ

(وَالْمَاءُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَتْنِهِ " مِنْ قِلَالِ هَجَرَ " غَيْرُ مَحْفُوظٍ لَا يُذْكَرُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ بْنِ سِقْلَابٍ، يُكَنَّى أَبَا بِشْرٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ فِيهِ مَا هُوَ أَقْطَعُ مِنْ هَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَفِيهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: قُلْت لِيَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ: أَيُّ قِلَالٍ؟ قَالَ: قِلَالُ هَجَرَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: فَرَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَأَظُنُّ كُلَّ قُلَّةٍ تَسَعُ فِرْقَيْنِ. فَهَذَا لَوْ كَانَ رَفْعًا لِلْكَلِمَةِ كَانَ مُرْسَلًا فَكَيْفَ وَلَيْسَ بِهِ. وَفِيهِ أَنَّ مَجْمُوعَ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رِطْلًا، وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سِقْلَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَالْقُلَّةُ أَرْبَعَةُ آصُعٍ. هَذَا تَلْخِيصُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ فِي الْإِمَامِ، وَبِهِ تَرَجَّحَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْإِلْمَامِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّونَ، وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ: لَا يَثْبُتُ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ فَوَجَبَ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِلْمَذْهَبِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» كَمَا هُوَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد، «أَوْ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ أَوْ فِيهِ» كَمَا هُوَ رِوَايَتَا الصَّحِيحَيْنِ لَا يَمَسُّ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي تَقْدِيرِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ تَنَجُّسُهُ عَلَى تَغَيُّرِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَحِينَئِذٍ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ النَّجَاسَةِ فِي الْكَمِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلَّتَانِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: يُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ بِحَيْثُ تَصِلُ النَّجَاسَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَإِلَّا جَازَ، وَعَنْهُ اعْتِبَارُهُ بِالتَّحْرِيكِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ بِالِاغْتِسَالِ أَوْ بِالْوُضُوءِ أَوْ بِالْيَدِ رِوَايَاتٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَصَاحِبُ الْغَايَةِ وَالْيَنَابِيعِ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِأَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَعْنِي عَدَمَ التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ وَالتَّفْوِيضُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ثُبُوتِ تَقْدِيرِهِ شَرْعًا. وَالتَّقْدِيرُ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ وَثَمَانٍ فِي ثَمَانٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ أَخْذًا مِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ غَيْرُ مَنْقُولٍ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْمَذْهَبُ الظَّاهِرُ التَّحَرِّي وَالتَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِالتَّقْدِيرِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُهَا تَنَجَّسَ، وَإِنْ غَلَبَ عَدَمُ وُصُولِهَا لَمْ يَنْجُسْ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ إنْ كَانَ مِثْلَ مَسْجِدِي هَذَا فَكَثِيرٌ، فَقِيسَ حِينَ قَامَ فَكَانَ اثْنَيْ عَشَرَ فِي مِثْلِهَا، فِي رِوَايَةٍ: وَثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ فِي أُخْرَى لَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَهُ بِهِ إلَّا فِي نَظَرِهِ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ كَوْنُهُ مَا اسْتَكْثَرَهُ الْمُبْتَلَى فَاسْتِكْثَارُ وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ بَلْ

إذَا لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ) وَالْأَثَرُ هُوَ الرَّائِحَةُ أَوْ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يَقَعُ فِي قَلْبِ كُلٍّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَجَعَ عَنْ هَذَا قَالَ الْحَاكِمُ: قَالَ أَبُو عِصْمَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُوَقِّتُ فِي ذَلِكَ عَشْرَةً فِي عَشْرَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: لَا أُوَقِّتُ فِيهِ شَيْئًا، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» إنَّمَا يُفِيدُ تَنَجُّسَ الْمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لَا كُلَّ مَاءٍ، فَلَيْسَتْ اللَّامُ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِتَغَيُّرِهِ بِالنَّجَاسَةِ فَيَقُولُ الْخَصْمُ إذًا بِمُوجِبِهِ نَقُولُ، الْمُرَادُ أَنَّ بَعْضَ الْمَاءِ يَنْجُسُ، وَأَنَا أَقُولُ إنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ يَنْجُسُ، وَبِذَلِكَ تَحْصُلُ الْمُطَابَقَةُ لِقَوْلِنَا الْمَاءُ يَنْجُسُ فِي الْجُمْلَةِ. فَالتَّحْقِيقُ فِي سَوْقِ الْخِلَافِيَّةِ أَنْ يُقَالَ: يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ قَوْلُ الْخَصْمِ بَلْ فِيهِ الْمُدْرَكُ وَهُوَ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ قُلْنَا فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُ مَالِكٍ: بَلْ فِيهِ وَهُوَ حَدِيثُ «الْمَاءُ طَهُورٌ» حَيْثُ أَنَاطَ الْكَثْرَةَ بِعَدَمِ التَّغَيُّرِ. قُلْنَا وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: كَانَتْ بِئْرُ بُضَاعَةَ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إلَى الْبَسَاتِينِ، وَهَذَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عِنْدَنَا إذَا وَثَّقْنَا الْوَاقِدِيَّ، أَمَّا عِنْدَ الْمُخَالِفِ فَلَا لِتَضْعِيفِهِ إيَّاهُ مَعَ أَنَّهُ أَرْسَلَ هَذَا خُصُوصًا مَعَ ادِّعَائِهِمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ حَالِ بِئْرِ بُضَاعَةَ فِي الْحِجَازِ غَيْرُ هَذَا، ثُمَّ لَوْ تَنَزَّلُوا عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُخْتَلِفَةِ كَانَ الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَمْلِ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ لَا يَنْتَهِضُ، إذْ لَا تَعَارُضَ لِأَنَّ حَاصِلَ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ تَنَجُّسُ الْمَاءِ الدَّائِمِ فِي الْجُمْلَةِ. وَحَاصِلُ: الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ عَدَمُ تَنَجُّسٍ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بِحَسَبِ مَا هُوَ الْمُرَادُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ مَفْهُومَيْ هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ هُنَا مُعَارِضٌ آخَرُ يُوجِبُ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ وَقَدْ خَرَّجْنَاهُ. قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْيَدِ نَجِسَةً، بَلْ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ مِنَّا لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ: أَعْنِي تَعْلِيلَهُ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ عَيْنًا بِتَقْدِيرِ نَجَاسَتِهَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ الْأَعَمَّ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَنَقُولُ: نَهَى لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُتَنَجِّسَةً بِمَا يُغَيِّرُ أَوْ الْكَرَاهَةِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا بِمَا لَا يُغَيِّرُ، وَأَيْنَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ لَكِنْ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمُعَارِضِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طُهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ» الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْمَاءِ وَلَا تَغَيُّرَ بِالْوُلُوغِ فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ الْحَمْلُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ) وَهُوَ الطَّعْمُ وَأَخَوَاهُ، فَلَوْ

وَالْجَارِي مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنِهِ. قَالَ (وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَالَ إنْسَانٌ فِيهِ فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْجِرْيَةِ أَثَرُهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ كُسِرَتْ خَابِيَةٌ خَمْرٍ فِي الْفُرَاتِ وَرَجُلٌ يَتَوَضَّأُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَمَا لَمْ يَجِدْ فِي الْمَاءِ طَعْمَ الْخَمْرِ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ جَازَ، هَذَا فَلَوْ اسْتَقَرَّتْ الْمَرْئِيَّةُ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ جِيفَةً مَثَلًا إنْ أَخَذَتْ الْجِرْيَةَ أَوْ نِصْفَهَا لَا يَجُوزُ مِنْ أَسْفَلِهَا وَإِنْ لَمْ يُرَ أَثَرٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ الْجِرْيَةِ فِي مَكَان طَاهِرٍ جَازَ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى مُخَصِّصٍ لِحَدِيثِ «الْمَاءُ طَهُورٌ» بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى الْجَارِي، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَجُوزَ التَّوَضِّي مِنْ أَسْفَلِهِ وَإِنْ أَخَذَتْ الْجِيفَةُ أَكْثَرَ الْمَاءِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي سَاقِيَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا كَلْبٌ مَيِّتٌ سَدَّ عَرْضَهَا فَيَجْرِي الْمَاءُ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، نَقَلَهُ فِي الْيَنَابِيعِ عَنْهُ. وَالْعَذِرَاتُ فِي السَّطْحِ كَالْمَيِّتَةِ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا نِصْفُهُ أَوْ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ الْمِيزَابِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً وَأَكْثَرُهُ يَجْرِي عَلَى الطَّاهِرِ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَكَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا جَرَى عَلَى عَذِرَاتٍ وَاسْتَنْقَعَ فِي مَوْضِعٍ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا التَّوَضِّي فِي عَيْنٍ وَالْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ خُرُوجِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْرُهُ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعٍ فَأَقَلَّ، فَإِنْ كَانَ خَمْسًا فِي خَمْسٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَاخْتَارَ السُّغْدِيُّ جَوَازَهُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَخْرُجُ الْمُسْتَعْمَلُ قَبْلَ تَكْرِيرِ الِاسْتِعْمَالِ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمِسَاحَةِ أَوْ لَا، وَهَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ (قَوْلُهُ وَالْجَارِي إلَخْ) وَقِيلَ فِيهِ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا قِيلَ هُوَ الْأَصَحُّ، وَأَلْحَقُوا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهُ حَتَّى لَوْ أُدْخِلَتْ الْقَصْعَةُ النَّجِسَةُ وَالْيَدُ النَّجِسَةُ فِيهِ لَا يَنْجُسُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ تَدَارُكُ اغْتِرَافِ النَّاسِ مِنْهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْيَةِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ جَرَيَانِهِ لِمَدَدٍ لَهُ كَمَا فِي الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَمَا قِيلَ لَوْ اسْتَنْجَى بِقُمْقُمَةٍ فَلَمَّا صَبَّ مِنْهَا لَاقَى الْمَصْبُوبُ الْبَوْلَ قَبْلَ يَدِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَارٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى لَا يَصِيرُ نَجِسًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ: وَنَظِيرُهُ مَا أَوْرَدَهُ الْمَشَايِخُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ مِيزَابٌ وَاسِعٌ وَإِدَاوَةُ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَتَيَقَّنُ وُجُودَ الْمَاءِ لَكِنَّهُ عَلَى طَمَعِهِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا مِنْ رُفَقَائِهِ حَتَّى يَصُبَّ الْمَاءَ فِي طَرَفِ الْمِيزَابِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ وَعِنْدَ الطَّرَفِ الْآخَرِ إنَاءٌ طَاهِرٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا وَطَهُورًا لِأَنَّهُ جَارٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْجَارِيَ إنَّمَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا كَانَ لَهُ مَدَدٌ كَالْعَيْنِ وَالنَّهْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَمِمَّا أَشْبَهَهُ حَوْضَانِ صَغِيرَانِ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَدْخُلُ فِي الْآخَرِ فَتَوَضَّأَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّهُ جَارٍ، وَكَذَا إذَا قُطِعَ الْجَارِي مِنْ فَوْقَ وَقَدْ بَقِيَ جَرْيُ الْمَاءِ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَا يَجْرِي فِي النَّهْرِ. وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَالَ: وَالْمَاءُ الَّذِي اجْتَمَعَ فِي الْحُفَيْرَةِ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ، وَهَذَا مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ نَجِسًا، وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا، فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَلَا فَلْتُحْفَظْ لِيُفَرَّعَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْتَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْفُرُوعِ. وَقَوْلُهُمْ فِي الْحُفَيْرَةِ الثَّانِيَةِ إنَّ الْمُجْتَمِعَ فِيهَا نَجِسٌ بَعْدَ إلْحَاقِ مَحَلِّ الْوُضُوءِ الْجَارِي فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ يُتَوَضَّأُ بِهِ كَمَا يَتَوَضَّأُ الْأَسْفَلُ مِنْ جِرْيَةِ الْمُتَوَضِّي الْأَعْلَى، وَمِثْلُهُ يَجِبُ فِيمَا قُطِعَ أَعْلَاهُ وَتَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِالْجَارِي فِي النَّهْرِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ (قَوْلُهُ وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ) تَقَدَّمَ فِي الْخِلَافِيَّةِ مَا يُغْنِي فِي الْكَلَامِ هُنَا. وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ

إذْ أَثَرُ التَّحْرِيكِ فِي السِّرَايَةِ فَوْقَ أَثَرِ النَّجَاسَةِ. ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّحْرِيكَ بِالِاغْتِسَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ التَّحْرِيكُ بِالْيَدِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّوَضِّي. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْحِيَاضِ أَشَدُّ مِنْهَا إلَى التَّوَضِّي، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرُوا بِالْمِسَاحَةِ عَشْرًا فِي عَشْرٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ سَبْعًا، وَذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ سَبْعٌ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ، وَهَلْ الْمُعْتَبَرِ ذِرَاعُ الْمَسَّاحَةِ أَوْ الْكِرْبَاسِ أَوْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذُرْعَانُهُمْ أَقْوَالٌ كُلٌّ مِنْهَا صَحَّحَهُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ، وَالْكُلُّ فِي الْمُرَبَّعِ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ مُدَوَّرًا فَقُدِّرَ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْمُخْتَارُ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَفِي الْحِسَابِ يُكْتَفَى بِأَقَلَّ مِنْهَا بِكَسْرٍ لِلنِّسْبَةِ لَكِنْ يُفْتَى بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ كَيْ لَا يَتَعَسَّرَ رِعَايَةُ الْكَسْرِ، وَالْكُلُّ تَحَكُّمَاتٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ مَعِينٍ. وَفِي الْفَتَاوَى: غَدِيرٌ كَبِيرٌ لَا يَكُونُ فِيهِ الْمَاءُ فِي الصَّيْفِ وَتَرُوثُ فِيهِ الدَّوَابُّ وَالنَّاسُ ثُمَّ يَمْتَلِئُ فِي الشِّتَاءِ وَيُرْفَعُ مِنْهُ الْجَمْدُ إنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي يَدْخُلُهُ يَدْخُلُ عَلَى مَكَان نَجِسٍ فَالْمَاءُ وَالْجَمْدُ نَجِسٌ وَإِنْ كَثُرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِي مَكَان طَاهِرٍ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ حَتَّى صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ انْتَهَى إلَى النَّجَاسَةِ فَالْمَاءُ وَالْجَمْدُ طَاهِرَانِ. اهـ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ لَا يُنَجِّسُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ غَالِبًا عَلَى الْحَوْضِ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْحَوْضِ الْكَبِيرِ يَصِيرُ مِنْهُ فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَمَاءُ بِرْكَةِ الْفِيلِ بِالْقَاهِرَةِ طَاهِرٌ إذَا كَانَ مَمَرُّهُ طَاهِرًا أَوْ أَكْثَرُ مَمَرِّهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَاءِ السَّطْحِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا لِأَنَّهَا لَا تَجِفُّ

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّهَا بَلْ لَا يَزَالُ بِهَا غَدِيرٌ عَظِيمٌ، فَلَوْ أَنَّ الدَّاخِلَ اجْتَمَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَلِكَ الْمَاءِ الْكَثِيرِ بِهَا فِي مَكَان نَجِسٍ حَتَّى صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ اتَّصَلَ بِذَلِكَ الْمَاءِ الْكَثِيرِ كَانَ الْكُلُّ طَاهِرًا، هَذَا إذَا كَانَ الْغَدِيرُ الْبَاقِي مَحْكُومًا بِطَهَارَتِهِ، وَلَوْ سَقَطَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ دُونَ عَشْرٍ ثُمَّ انْبَسَطَ فَصَارَ عَشْرًا فَهُوَ نَجِسٌ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ مَاءٌ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى صَارَ عَشْرًا، وَلَوْ سَقَطَتْ فِي عَشْرٍ ثُمَّ صَارَ أَقَلَّ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِذَا تَنَجَّسَ حَوْضٌ صَغِيرٌ فَدَخَلَهُ مَاءٌ حَتَّى امْتَلَأَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ نَجِسٌ، أَوْ خَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ جَمَدَ حَوْضٌ كَبِيرٌ فَنَقَبَ فِيهِ إنْسَانٌ نَقْبًا فَتَوَضَّأَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَّصِلًا بِبَاطِنِ النَّقْبِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا جَازَ، وَكَذَا الْحَوْضُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ لَهُ مَشَارِعُ فَتَوَضَّأَ فِي مَشْرَعَةٍ، أَوْ اغْتَسَلَ وَالْمَاءُ مُتَّصِلٌ بِأَلْوَاحِ الْمَشْرَعَةِ وَلَا يَضْطَرِبُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ أَسْفَلَ مِنْهَا جَازَ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ كَالْحَوْضِ الصَّغِيرِ فَيَغْتَرِفُ وَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ لَا فِيهِ، وَفِي الثَّانِي حَوْضٌ كَبِيرٌ مُسَقَّفٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ التَّفَارِيعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ، فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ فَيُوضَعُ مَكَانَ لَفْظِ عَشْرٍ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ لَفْظُ كَثِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ثُمَّ تَجْرِي التَّفَارِيعُ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ إلَى آخِرِهِ) وَقِيلَ ذِرَاعٌ، وَقِيلَ شِبْرٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى عَرْضِ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالِ. قِيلَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ وَجْهَ الْأَرْضِ يَكْفِي، وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاتِّصَالُ الْقَصَبِ بِالْقَصَبِ لَا يَمْنَعُ اتِّصَالَ الْمَاءِ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ غَدِيرًا عَظِيمًا فَيَجُوزُ لِهَذَا التَّوَضِّي فِي الْأَجَمَةِ وَنَحْوِهَا. [فُرُوعٌ] لَوْ تَنَجَّسَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ وَخَرَجَ حَالَ دُخُولِهِ طَهُرَ وَإِنْ قَلَّ، وَقِيلَ لَا حَتَّى يُخْرِجَ قَدْرَ مَا فِيهِ، وَقِيلَ حَتَّى يُخْرِجَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِ. وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ: يَعْنِي كُلَّ مِقْدَارٍ لَوْ كَانَ مَاءً تَنَجَّسَ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَهُ تَنَجَّسَ وَلَوْ كَانَ لِلْمَاءِ طُولٌ دُونَ عَرْضٍ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ يَصِيرُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ، وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ لَوْ ضُمَّ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ عُمْقٌ بِلَا سِعَةٍ وَلَوْ بُسِطَ بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ جَعْلَهُ كَثِيرًا، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَحْكِيمِ الرَّأْيِ فِي عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَعِنْدَ تَقَارُبِ الْجَوَانِبِ لَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ الْخُلُوصِ إلَيْهِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَقَعُ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ فَأَقْرَبُ الْأُمُورِ الْحُكْمُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ عَرْضِهِ، وَبِهِ خَالَفَ حُكْمَ الْكَثِيرِ إذْ لَيْسَ حُكْمُ الْكَثِيرِ تَنَجُّسَ الْجَانِبِ الْآخَرِ بِسُقُوطِهَا فِي مُقَابِلِهِ بِدُونِ تَغَيُّرٍ، وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت الْأَصْلَ الَّذِي بَيَّنَّاهُ قَبِلْت مَا وَافَقَهُ وَتَرَكْت مَا خَالَفَهُ

وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَجَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَنْجُسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِظُهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ الْجَارِي. قَالَ (وَمَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُفْسِدُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ دُودِ الْخَلِّ وَسُوسِ الثِّمَارِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «هَذَا هُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ» وَلِأَنَّ الْمُنَجَّسَ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ مَكَانُ الْوُقُوعِ) وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَجَعَلَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ الْأَصَحَّ وَمَشَايِخُ بُخَارَى وَبَلْخٍ قَالُوا فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ يَتَوَضَّأُ مِنْ جَانِبِ الْوُقُوعِ. وَفِي الْمَرْئِيَّةِ لَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَالْجَارِي لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ الْكَثْرَةِ عَدَمَ التَّنَجُّسِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهُوَ أَيْضًا الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُبْتَغَى: قَوْمٌ يَتَوَضَّئُونَ صَفًّا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ جَازَ، فَكَذَا فِي الْحَوْضِ لِأَنَّ مَاءَ الْحَوْضِ فِي حُكْمِ مَاءٍ جَارٍ. اهـ. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ بِالضَّرُورَةِ. [فُرُوعٌ] يُتَوَضَّأُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يُخَافُ فِيهِ قَذَرٌ وَلَا يُتَيَقَّنُ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ إذْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ، وَالْأَصْلُ دَلِيلٌ يُطْلِقُ الِاسْتِعْمَالَ. وَقَالَ عُمَرُ حِينَ سَأَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَاحِبَ الْحَوْضِ: أَتَرِدُهُ السِّبَاعُ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ؟ لَا تُخْبِرْنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ. وَكَذَا إذَا وُجِدَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ نَجَاسَةٍ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ قَدْ يَكُونُ بِطَاهِرٍ وَقَدْ يَنْتُنُ الْمَاءُ لِلْمُكْثِ، وَكَذَا الْبِئْرُ الَّتِي يُدْلَى فِيهَا الدِّلَاءُ وَالْجِرَارُ الدَّنِسَةُ يَحْمِلُهَا الصِّغَارُ وَالْعَبِيدُ لَا يَعْلَمُونَ الْأَحْكَامَ وَيَمَسُّهَا الرُّسْتَاقِيُّونَ بِالْأَيْدِي الدَّنِسَةِ مَا لَمْ يُعْلَمْ يَقِينًا النَّجَاسَةُ، وَلَوْ ظَنَّ الْمَاءَ نَجِسًا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ جَازَ. وَفِي فَوَائِدِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ: التَّوَضِّي بِمَاءِ الْحَوْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّهْرِ لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يُجِيزُونَهُ مِنْ الْحِيَاضِ فَيُرْغِمُهُمْ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يُفِيدُ الْأَفْضَلِيَّةَ لِهَذَا الْعَارِضِ، فَفِي مَكَان لَا يَتَحَقَّقُ النَّهْرُ أَفْضَلُ. قَالُوا: وَلَا بَأْسَ بِالتَّوَضِّي مِنْ حُبٍّ يُوضَعُ كُوزُهُ فِي نَوَاحِي الدَّارِ وَيُشْرَبُ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ قَذَرٌ، وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ لِنَفْسِهِ إنَاءً يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَا هُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ» إلَى آخِرِهِ)

حَتَّى حَلَّ الْمُذَكَّى لِانْعِدَامِ الدَّمِ فِيهِ وَلَا دَمَ فِيهَا، وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَتِهَا النَّجَاسَةُ كَالطِّينِ. قَالَ (وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فِيهِ لَا يُفْسِدُهُ كَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَوَضُوءُهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا بَقِيَّةٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ اهـ. وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِجَهَالَةِ سَعِيدٍ وَدُفِعَا بِأَنَّ بَقِيَّةَ هَذَا هُوَ ابْنُ الْوَلِيدِ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ مِثْلُ الْحَمَّادَيْنِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَشُعْبَةَ، وَنَاهِيكَ بِشُعْبَةَ وَاحْتِيَاطِهِ. قَالَ يُحْيِي: كَانَ شُعْبَةُ مُبَجِّلًا لِبَقِيَّةِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ، وَقَدْ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا فَذَكَرَهُ الْخَطِيبُ، وَقَالَ: وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَكَانَ ثِقَةً فَانْتَفَتْ الْجَهَالَةُ، وَالْحَدِيثُ مَعَ هَذَا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ (قَوْلُهُ حَتَّى حَلَّ الْمُذَكَّى لِانْعِدَامِ الدَّمِ فِيهِ) يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ الذَّكَاةِ فِي الْأَصْلِ سَبَبًا لِلْحِلِّ زَوَالُ الدَّمِ بِهَا. ثُمَّ إنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ نَفْسَ الْفِعْلِ مِنْ الْأَهْل مَقَامَ زَوَالِهِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْخُرُوجُ بِمَانِعٍ كَأَنْ أَكَلَتْ وَرَقَ الْعُنَّابِ حَلَّ اعْتِبَارًا لَهُ خَارِجًا. (قَوْلُهُ وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ إلَخْ) هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ لَا دَمَ فِيهِ، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَهُ ثُمَّ يُنْقَلُ إلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ، وَغَيْرُ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ لِأَنَّ الْمُنَجِّسَ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُفْسِدُهُ إلَّا السَّمَكُ لِمَا مَرَّ. وَلَنَا أَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْدِنِهِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ كَبَيْضَةٍ حَالَ مُحُّهَا دَمًا، وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا، إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالدَّمُ هُوَ الْمُنَجِّسُ، وَفِي غَيْرِ الْمَاءِ قِيلَ غَيْرُ السَّمَكِ يُفْسِدُهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْدِنِ. وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِعَدَمِ الدَّمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الدَّمُ وَلَا دَمَ لِلْمَائِيِّ، وَلِذَا لَوْ شُمِّسَ دَمُ السَّمَكِ يَبْيَضُّ وَلَوْ كَانَ دَمًا لَاسْوَدَّ. نَعَمْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا تَفَتَّتَ الضُّفْدَعُ فِي الْمَاءِ كَرِهْتُ شُرْبَهُ لَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ لِحُرْمَةِ لَحْمِهِ وَقَدْ صَارَتْ أَجْزَاؤُهُ فِيهِ. وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ كَرَاهَةَ شُرْبِهِ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ فَقَالَ يَحْرُمُ شُرْبُهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا) هَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الْأَصَحُّ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ سَبُعٌ فِي الْبِرِّ لَا يَنْجُسُ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْدِنِهِ كَذَا قِيلَ، وَكَوْنُ الْبَرِّيَّةِ مَعْدِنًا لِلسَّبُعِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ فِي مَعْنَى مَعْدِنِ الشَّيْءِ، وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الشَّيْءُ، وَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فَرْعُ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْبَيْضَةُ مِنْ الدَّجَاجَةِ فِي الْمَاءِ رَطْبَةً أَوْ يَبِسَتْ ثُمَّ وَقَعَتْ، وَكَذَا السَّخْلَةُ إذَا سَقَطَتْ مِنْ أُمِّهَا رَطْبَةً أَوْ يَبِسَتْ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مَعْدِنِهَا. وَقَوْلُنَا النَّجَاسَةُ فِي مَحِلِّهَا لَا يُعْطَى لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى حَامِلُ فَأْرَةٍ حَيَّةٍ جَازَتْ لَا مَيِّتَةٍ لِانْصِبَابِ الدَّمِ عَنْ مَجْرَاهُ بِالْمَوْتِ، وَلِذَا لَوْ قُطِعَ عِرْقٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مِثْلَ هَذَا

وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ وَعَدَمِ الْمَعْدِنِ، وَمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مَا يَكُونُ تَوَلُّدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ دُونَ مَائِيِّ الْمَوْلِدِ مُفْسِدٌ. قَالَ (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ) هُوَ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ بِخِلَافِ الْبَرِّيِّ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الدَّمِ) إنْ ثَبَتَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ مُفْسِدٌ، وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ لِلضُّفْدَعِ دَمٌ سَائِلٌ يُفْسِدُ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ لَوْ مَاتَتْ حَيَّةٌ بَرِّيَّةٌ لَا دَمَ فِيهَا فِي إنَاءٍ لَا يَنْجُسُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَمٌ يَنْجُسْ (قَوْلُهُ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ) تَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ فِي حُكْمِهِ وَصِفَتِهِ وَسَبَبِ ثُبُوتِهَا لَهُ وَوَقْتِ ذَلِكَ، قَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ أَثْبَتَ فِيهِ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ، فَالْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُغَلِّظُ النَّجَاسَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ عَنْهُ مُخَفِّفُهَا، وَمُحَمَّدٌ عَنْهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَكُلٌّ أَخَذَ بِمَا رَوَاهُ. وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: إنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ طَهَارَتَهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ أَنَّ الْآلَةَ الَّتِي تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَتُقَامُ بِهَا الْقُرْبَةُ تَتَدَنَّسُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْعَيْنِ شَرْعًا فَلَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَالُ الزَّكَاةِ تَدَنَّسَ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ حَتَّى جَعَلَ مِنْ الْأَوْسَاخِ فِي لَفْظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَرُمَ عَلَى مَنْ شَرُفَ بِقَرَابَتِهِ النَّاصِرَةِ لَهُ وَلَمْ تَصِل مَعَ هَذَا إلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى حَامِلُ دَرَاهِمِ الزَّكَاةِ صَحَّتْ، فَكَذَا يَجِبُ فِي الْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِلُ إلَى التَّنْجِيسِ، وَهُوَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ إلَّا أَنْ يَقُومَ فِيهِ دَلِيلٌ يَخُصُّهُ غَيْرُ هَذَا الْقِيَاسِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ وَجَدْنَاهُ فَإِنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ مَعَ الْمَاءِ، وَهِيَ قَاذُورَاتٌ يَنْتِجُ مِنْ الشَّكْلِ الثَّالِثِ بَعْضُ الْقَاذُورَاتِ يَخْرُجُ مَعَ الْمَاءِ وَبِذَلِكَ يَنْجُسُ. أَمَّا الصُّغْرَى فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ الْمُؤْمِنُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» وَأَمَّا الْكُبْرَى فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ» فَالْجَوَابُ مَنْعُ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَاذُورَاتِ عَلَى الْخَطَايَا حَقِيقِيٌّ، أَمَّا لُغَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا شَرْعًا فَلِجَوَازِ صَلَاةِ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهَا عَقِيبَ وُضُوئِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ النَّوَاقِضِ دُونَ غَسْلِ بَدَنِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ نَهْيُ الِاغْتِسَالِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا لِكَيْ لَا تَسْلُبَ الطَّهُورِيَّةَ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَيُصَلِّي. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ يَتَنَجَّسُ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِحَالِهِ فِي لُزُومِ الْمَحْذُورِ وَهُوَ الصَّلَاةُ مَعَ الْمُنَافِي فَيَصْلُحُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُشِيرًا لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ. وَجْهُ رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ، قِيَاسُ أَصْلِهِ: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَالْفَرْعُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحُكْمِيَّةِ بِجَامِعِ الِاسْتِعْمَالِ فِي النَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ وَصْفِ الْحَقِيقِيِّ فِي ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ، ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَقِيقِيَّةِ لَيْسَ إلَّا

هُمَا يَقُولَانِ إنَّ الطَّهُورَ مَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْقَطُوعِ. وَقَالَ زُفَرُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُ النَّجَاسَةِ مَوْصُوفًا بِهَا جِسْمٌ مَحْسُوسٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ، لَا أَنَّ وَصْفَ النَّجَاسَةِ حَقِيقَةٌ لَا تَقُومُ إلَّا بِجِسْمٍ كَذَلِكَ. وَفِي غَيْرِهِ مَجَازٌ بَلْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ الْجِسْمِ وَفِي الْحَدَثِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُتَحَقِّقُ لَنَا مِنْ مَعْنَاهَا سِوَى أَنَّهَا اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ مَنَعَ الشَّارِعُ مِنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ حَالَ قِيَامِهِ لِمَنْ قَامَ بِهِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ قَطَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ كُلَّ ذَلِكَ ابْتِلَاءً لِلطَّاعَةِ، فَأَمَّا أَنَّ هُنَاكَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا عَقْلِيًّا أَوْ مَحْسُوسًا فَلَا، وَمَنْ ادَّعَاهُ لَا يَقْدِرُ فِي إثْبَاتِهِ عَلَى غَيْرِ الدَّعْوَى فَلَا يُقْبَلُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اعْتِبَارٌ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهِ فِي شَرِيعَتِنَا وَبِطَهَارَتِهِ فِي غَيْرِهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ سِوَى اعْتِبَارٍ شَرْعِيٍّ أَلْزَمَ مَعَهُ كَذَا إلَى غَايَةِ كَذَا ابْتِلَاءً، وَفِي هَذَا لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الدَّمِ وَالْحَدَثِ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ إلَّا نَفْسَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ نَفْسُ وَصْفِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَثَبَتَ مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ فَيَكُونُ نَجِسًا إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَنْتَهِضُ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ كَوْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ ذَلِكَ كَمَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ يَشْتَرِطُ فِي نَجَاسَتِهِ خُرُوجَهُ مِنْ الثَّوْبِ مُتَغَيِّرًا بِلَوْنِ النَّجَاسَةِ كَالشَّافِعِيِّ فَلَا فَعِنْدَهُ الْمَاءُ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا لَوْنَ لَهَا يُغَايِرُ لَوْنَ الْمَاءِ كَالْبَوْلِ طَاهِرٌ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ بِهِ دُونَ إزَالَةِ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَهُوَ لَا يُقْصِرُ وَصْفَ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى رَافِعِ الْحَدَثِ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَلَامِ مَعَهُ فِي نَفْسِ هَذَا التَّفْصِيلِ وَهُوَ سَهْلٌ، غَيْرَ أَنَّا لَسْنَا إلَّا بِصَدَدِ تَوْجِيهِ رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أُصُولِنَا فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَمَّ مَا ذَكَرْت كَانَ لِلْبَلْوَى تَأْثِيرٌ فِي سُقُوطِ حُكْمِهِ. فَالْجَوَابُ الضَّرُورَةُ لَا يَعْدُو حُكْمُهَا مَحَلَّهَا، وَالْبَلْوَى فِيهِ إنَّمَا هِيَ فِي الثِّيَابِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُتَوَضِّئِ وَتَبْقَى حُرْمَةُ شُرْبِهِ وَالطَّبْخِ مِنْهُ وَغَسْلِ الثَّوْبِ مِنْهُ وَنَجَاسَةِ مِنْ يُصِيبُهُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ مَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كُلٌّ مِنْ رَفْعِ الْحَدَثِ وَالتَّقَرُّبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّقَرُّبُ كَانَ مَعَهُ رَفْعٌ أَوْ لَا، وَعِنْدَ زُفَرَ الرَّفْعُ كَانَ مَعَهُ تَقَرُّبٌ أَوْ لَا، وَالتَّقَرُّبُ هُوَ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ حَتَّى تَصِيرَ عِبَادَةً. لَا يُقَال: مَا ذُكِرَ لَا يَنْتَهِضُ عَلَى زُفَرَ،

إنْ كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ لِأَنَّ الْعُضْوَ طَاهِرٌ حَقِيقَةً، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا لَكِنَّهُ نَجِسٌ حُكْمًا، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ نَجِسًا فَقُلْنَا بِانْتِفَاءِ الطَّهُورِيَّةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَلِأَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنَجُّسَ، إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ فَتَغَيَّرَتْ بِهِ صِفَتُهُ كَمَالِ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ يَقُولُ: مُجَرَّدُ الْقُرْبَةِ لَا يُدَنِّسُ بَلْ الْإِسْقَاطُ، فَإِنَّ الْمَالَ لَمْ يَتَدَنَّسْ بِمُجَرَّدِ التَّقَرُّبِ بِهِ، وَلِذَا جَازَ لِلْهَاشِمِيِّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِالْإِسْقَاطِ مَعَ التَّقَرُّبِ، فَإِنَّ التَّصَرُّفَ: أَعْنِي مَالَ الزَّكَاةِ لَا يَنْفَرِدُ فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَنْهُ، إذْ لَا تَجُوزُ الزَّكَاةُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَيْسَ هُوَ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: غَايَةُ الْأَمْرِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ مَعَ الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ الْمَجْمُوعُ بَلْ ذَلِكَ دَائِرٌ مَعَ عَقْلِيَّةِ الْمُنَاسِبِ لِلْحُكْمِ. فَإِنْ عُقِلَ اسْتِقْلَالُ كُلِّ حُكْمٍ بِهِ أَوْ الْمَجْمُوعِ حُكِمَ بِهِ، وَاَلَّذِي نَعْقِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّقَرُّبِ الْمَاحِي لِلسَّيِّئَاتِ وَالْإِسْقَاطِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّغَيُّرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ انْفَرَدَ وَصْفُ التَّقَرُّبِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَأَثَّرَ التَّغَيُّرُ حَتَّى حَرُمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَأَيْنَا الْأَثَرَ عِنْدَ سُقُوطِ وَصْفِ الْإِسْقَاطِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَشَدُّ فَحَرُمَ عَلَى قَرَابَتِهِ النَّاصِرَةِ لَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلًّا أَثَّرَ تَغَيُّرًا شَرْعِيًّا، وَبِهَذَا يَبْعُدُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ التَّقَرُّبُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ هَذَا مَذْهَبَهُ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدٌ لَهُ وَمِثْلُهُ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ، وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُنْغَمِسِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ حَيْثُ قَالَ مُحَمَّدٌ الرَّجُلُ طَاهِرٌ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ، جَوَابُهُ أَنَّ الْإِزَالَةَ عِنْدَهُ مُفْسِدَةٌ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ كَقَوْلِنَا جَمِيعًا لَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ الَّتِي طَهُرَتْ الْيَدَ فِي الْمَاءِ لِلِاغْتِرَافِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِلْحَاجَةِ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اغْتِسَالَهَا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَكِلَاهُمَا جُنُبٌ، عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ رِجْلَهُ أَوْ رَأْسَهُ حَيْثُ يَفْسُدُ الْمَاءُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَكَذَا مَا فِي كِتَابِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ غَمَسَ جُنُبٌ أَوْ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ فِي إجَّانَةٍ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي الْإِدْخَالِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ بِأَنْ وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْحُبِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمِرْفَقِ لِإِخْرَاجِهِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ، قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ لِلتَّبَرُّدِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، فَهَذَا يُوجِبُ حَمْلَ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى نَحْوِهِ ثُمَّ إدْخَالُ مُجَرَّدِ الْكَفِّ إنَّمَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا لَمْ يُرِدْ الْغُسْلَ فِيهِ بَلْ أَرَادَ رَفْعَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَرَادَ الْغُسْلَ إنْ كَانَ أُصْبُعًا أَوْ أَكْثَرَ دُونَ الْكَفِّ لَا يَضُرُّ مَعَ الْكَفِّ بِخِلَافِهِ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ حَاجَتِهِ،

: هُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ مَاءٌ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ بِمَاءٍ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، ثُمَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى تَأَمُّلِ وَجْهِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كَوْنِهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِدْخَالِ لِلتَّبَرُّدِ مَحْمَلُهُ مَا إذَا كَانَ مُحْدِثًا، أَمَّا إنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَلَا، إذْ لَا بُدَّ عِنْدَ عَدَمِ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ مِنْ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ لِثُبُوتِ الِاسْتِعْمَالِ. وَكَذَا إطْلَاقُ ثُبُوتِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ أَقْرَبُ فِي هَذَا، وَكَذَا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لَا نَجِسًا، فَأَمَّا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ سِوَى الزِّيَادَةِ وَالْغَسْلِ تَبَرُّدًا لَا تَقَرُّبًا وَاسْتِنَانًا يَجِبُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُبْتَغَى وَغَيْرِهِ: بِتَبَرُّدِهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إنْ كَانَ مُحْدِثًا وَإِلَّا فَلَا، وَبِغَسْلِ ثَوْبٍ طَاهِرٌ أَوْ دَابَّةٍ تُؤْكَلُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَكَذَا بِغَسْلِ بَدَنِهِ أَوْ رَأْسِهِ لِلطِّينِ أَوْ الدَّرَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لِظُهُورِ قَصْدِ إزَالَةِ ذَلِكَ. وَوُضُوءُ الصَّبِيِّ كَالْبَالِغِ، وَبِتَعْلِيمِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يُرِدْ سِوَى مُجَرَّدِ التَّعْلِيمِ لَا يُسْتَعْمَلُ، وَبِوُضُوءِ الْحَائِضِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ وُضُوءَهَا مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَلَا يَخْفَى انْتِهَاضُ الْوَجْهِ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ الطَّهُورَ يَطْهُرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَقَوْلُهُ هُوَ كَالْقُطُوعِ لَا يُجْدِيهِ شَيْئًا وَكَشْفُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِ الطَّهُورِ أَنْ يَطْهُرَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَضْلًا عَنْ التَّكَرُّرِ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ لَيْسَ إلَّا الْمُبَالَغَةُ فِي الطَّاهِرِ، كَذَا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى صِيغَةِ فَعُولٍ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ سِوَى الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ لَا تَسْتَلْزِمُ تَطْهِيرَ غَيْرِهِ، بَلْ رَفْعُ مَانِعِ الْغَيْرِ لَيْسَ إلَّا أَمْرًا شَرْعِيًّا لَوْلَا اسْتِفَادَتُهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] لَمَا أَفَادَهُ الْمَاءُ أَخْذًا مِنْ صِيغَةِ

اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيَّةً لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ. قَالَ (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ مَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ وَإِنَّهَا تُزَالُ بِالْقُرَبِ، وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا فَيَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالْأَمْرَيْنِ، وَمَتَى يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعُولٍ، وَتَكَرُّرُ الْقَطْعِ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ قَطُوعٌ لَيْسَ إلَّا لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمُبَالَغَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَطْعَ تَأْثِيرٌ فِي الْغَيْرِ بِالْإِبَانَةِ، وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ صِيغَةِ فَاعِلٍ فَإِنَّ صِحَّةَ إطْلَاقِ قَاطِعٍ مَا دَامَ قَائِمًا كَانَ ثُبُوتُ الْقَطْعِ قَائِمًا وَيَلْزَمُهُ تَكَرُّرُ الْقَطْعِ فَقَدْ ثَبَتَ التَّكَرُّرُ بِدُونِ صِيغَةِ فَعُولٍ فَالْمُبَالَغَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ كَثْرَتِهِ وَجَوْدَتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فَعُولًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُتَعَدِّيًا كَانَ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ قَاصِرًا فِي نَفْسِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ يُصَيِّرُهُ مُتَعَدِّيًا وَصِفَةُ طَاهِرٍ قَاصِرَةٌ فَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ جَوْدَتِهِ فِي نَفْسِهِ، أَمَّا إفَادَةُ الْمُبَالَغَةِ تَعَلُّقَهُ بِالْغَيْرِ فَلَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا، وَانْظُرْ إلَى قَوْلِ جَرِيرٍ: عَذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورٌ ... فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَيْسَ هُوَ بِرَافِعٍ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَسَائِلَ نُقِلَتْ، وَذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا مِنْ كِتَابِ الْحَسَنِ وَذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُرِدْ رَفْعَ شَيْءٍ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِنَاءَ قَيْدٌ، حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ أَوْ يَدَهُ لَا يُفْسِدُهُ

الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، لِأَنَّ سُقُوطَ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ أَدْخَلَ الْجُنُبُ فِي الْبِئْرِ غَيْرَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ الْجَسَدِ أَفْسَدَهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِمَا، وَقَوْلُنَا مِنْ الْجَسَدِ يُفِيدُ الِاسْتِعْمَالَ بِإِدْخَالِ بَعْضِ عُضْوٍ، وَهُوَ يُوَافِقُ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الطَّاهِرِ إذَا أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ وَابْتَلَّ بَعْضُ رَأْسِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. أَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِبَعْضِ الْعُضْوِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَاءَ بِمَاذَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: إذَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ تُقُرِّبَ بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا قَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ لَا غَيْرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي التَّفْرِيعِ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ بَعْضِ عُضْوٍ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ لَمْعَةٌ فَهُوَ بِحَدَثِهِ وَرَفْعُهُ هُوَ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِعْمَالِ أَوْ الْقُرْبَةِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ إنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ رَفْعًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا، وَالْمَخْلَصُ بِتَحْقِيقِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ تَتَبُّعَ الرِّوَايَاتِ فِي الْمُلَاقَاةِ يُفِيدُ أَنَّ صَيْرُورَةَ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: رَفْعُ الْحَدَثِ تَقَرُّبًا أَوْ غَيْرَ تَقَرُّبٍ، وَالتَّقَرُّبُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ لَا. وَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الْعُضْوِ وَعَلَيْهِ تَجْرِي فُرُوعُ إدْخَالِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا لِحَاجَةٍ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ سُقُوطِ الْفَرْضِ وَارْتِفَاعِ الْحَدَثِ، فَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الْيَدِ مَثَلًا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجِبَ إعَادَةُ غَسْلِهَا مَعَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ وَيَكُونُ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ مَوْقُوفًا عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي، وَسُقُوطُ الْفَرْضِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ أَصْلَهُ مَالُ الزَّكَاةِ وَالثَّابِتُ فِيهِ لَيْسَ إلَّا سُقُوطُ الْفَرْضِ حَيْثُ جُعِلَ بِهِ دَنَسًا شَرْعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. هَذَا وَالْمُفِيدُ لِاعْتِبَارِ الْإِسْقَاطِ مُؤَثِّرًا فِيهِ صَرِيحُ التَّعْلِيلِ الْمَنْقُولِ مِنْ لَفْظِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الْحَسَنِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْهُ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَمَتَى يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان مُسْتَدِلِّينَ بِجَوَازِ أَخْذِ الْبِلَّةِ مِنْ مَكَان مِنْ الْعُضْوِ إلَى آخَرَ، وَعَدَمِ جَوَازِهِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ آخَرَ إلَّا فِي الْجَنَابَةِ لِأَنَّ الْبَدَنَ فِيهَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ، وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ بِبَلَلٍ فِي يَدِهِ لَا بَلَلٍ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ سُقُوطَ الِاسْتِعْمَالِ حَالَ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْعُضْوِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَغَايَةُ مَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ مَكَان آخَرَ مُسْتَعْمَلٌ، وَلَا كَلَامَ فِي هَذَا فَإِنَّهُ اتِّفَاقٌ، بَلْ فِيمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَمَسُّهُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ

وَالْجُنُبُ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّجُلُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الصَّبِّ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَالْمَاءُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِلَاهُمَا طَاهِرَانِ: الرَّجُلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ، وَالْمَاءُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كِلَاهُمَا نَجِسَانِ: الْمَاءُ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ وَالرَّجُلُ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْجُنُبُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي خَرَّجَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ اخْتِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي عِلَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مِنْهَا فَقَالَ: عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ الِاسْتِعْمَالُ بِرَفْعِ الْحَدَثِ وَبِالِاسْتِعْمَالِ تَقَرُّبًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا لَمْ يَنْوِ الْقُرْبَةَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَجْهُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ. قَالَ وَصَارَ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ لِلِاغْتِرَافِ زَالَ الْحَدَثُ عَنْ الْيَدِ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَإِذَا انْغَمَسَ وَحَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا، وَلَوْ حَكَمْنَا بِاسْتِعْمَالِهِ لَكَانَ نَجِسًا بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ فَلَا تَحْصُلُ لَهُ الطَّهَارَةُ، فَكَانَ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ مُسْتَلْزِمًا لِلْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ، فَقُلْنَا الرَّجُلُ بِحَالِهِ وَالْمَاءُ بِحَالِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا نَجِسَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَجَاسَةِ الرَّجُلِ عِنْدَهُ، فَقِيلَ نَجَاسَةُ الْجَنَابَةِ فَلَا يَقْرَأُ، وَقِيلَ نَجَاسَةُ الْمُسْتَعْمَلِ فَيَقْرَأُ. وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ لِعَدَمِ أَخْذِ الْمَاءِ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَالْكُلُّ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ أَخْذَ اشْتِرَاطِ

وَقِيلَ عِنْدَهُ نَجَاسَةُ الرَّجُلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. قَالَ (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَجَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَلَا يُعَارَضُ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٍ الْقُرْبَةَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كَوْنُ الرَّجُلِ بِحَالِهِ لِاشْتِرَاطِهِ الصَّبَّ فَإِنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَهُ فِي التَّطْهِيرِ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْجَارِي وَالْمُلْحَقِ بِهِ فِي الْعُضْوِ لَا الثَّوْبِ لَا لِمَا ذُكِرَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ حَالَ الِانْغِمَاسِ وَالْحُكْمِ بِطَهَارَةِ الرَّجُلِ مُسْتَعْمَلًا نَجِسًا وَلَا بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) يَتَنَاوَلُ كُلَّ جِلْدٍ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لَا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ بِهِ كَاللَّحْمِ

وَحُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جِلْدِ الْكَلْبِ وَلَيْسَ الْكَلْبُ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ يُنْتَفَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَوْ أَصْلَحَ مَصَارِينَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ أَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ وَأَصْلَحَهَا طَهُرَتْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ كَاللَّحْمِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ فَيَدْخُلُ جِلْدُ الْفِيلِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي قَوْلٍ إنَّ الْفِيلَ نَجِسُ الْعَيْنِ. وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَسَائِرِ السِّبَاعِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ كَمَا تَرَاهُ عَامٌّ، فَإِخْرَاجُ الْخِنْزِيرِ مِنْهُ لِمُعَارَضَةِ الْكِتَابِ إيَّاهُ فِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِعَوْدِهِ، وَعِنْدَ صَلَاحِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَضَايِفَيْنِ لِذَلِكَ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. وَقَدْ جُوِّزَ عَوْدُ ضَمِيرِ مِيثَاقِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 27] إلَى كُلٍّ مِنْ الْعَهْدِ وَلَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَتَعَيَّنَ عَوْدُهُ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] ضَرُورَةُ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَإِلَى الْمُضَافِ فِي قَوْلِك رَأَيْت ابْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمْته لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ بِالرُّؤْيَةِ، رَتَّبَ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَنْهُ الْحَدِيثَ الثَّانِي فَتَعَيَّنَ هُوَ مُرَادًا بِهِ وَإِلَّا اخْتَلَّ النَّظْمُ، وَإِذَا جَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا لُغَةً، وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ احْتِيَاطٍ وَجَبَ إعَادَتُهُ عَلَى مَا فِيهِ الِاحْتِيَاطُ، وَهُوَ بِمَا قُلْنَا. وَأَمَّا جِلْدُ الْآدَمِيِّ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا كَرَامَتُهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَحُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَقَامٌ آخَرُ غَيْرُ طَهَارَتِهِ بِالدِّبَاغِ وَعَدَمِهَا فَلِذَا صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا دُبِغَ جِلْدُ الْآدَمِيِّ طَهُرَ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَبَقِيَ جِلْدُ الْكَلْبِ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ إذْ نَجَاسَةُ سُؤْرِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ بَلْ نَجَاسَةُ لَحْمِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ اللُّعَابُ فَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ،

بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا، بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ وَحُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ فَخَرَجَا عَمَّا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَطْهُرُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِهِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: فُرُوعٌ عَلَيْهِ: مِنْهَا وَقَعَ الْكَلْبُ فِي بِئْرٍ تَنَجَّسَ، أَصَابَ فَمُهُ الْمَاءَ أَوْ لَمْ يُصِبْ وَلَوْ ابْتَلَّ فَأَصَابَ ثَوْبًا أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ أَفْسَدَهُ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الْعُمُومُ طَهَارَةَ عَيْنِهِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُوجِبُ نَجَاسَتَهَا فَوَجَبَ أَحَقِّيَّةُ تَصْحِيحِ عَدَمِ نَجَاسَتِهَا فَيَطْهُرُ بِالدَّبَّاغِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُتَّخَذُ دَلْوًا لِلْمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إهَابُ الْمَيِّتَةِ أَيْضًا بِطَرِيقِ النَّسْخِ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ بِشَهْرَيْنِ. قُلْنَا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ وَسَنَدِهِ يَمْنَعُ تَقْدِيمَهُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ النَّاسِخَ أَيْ مُعَارَضٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُشَاكَلَتِهِ فِي الْقُوَّةِ. وَلِذَا قَالَ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ: هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ تَرَكَهُ لِلِاضْطِرَابِ فِيهِ. أَمَّا فِي السَّنَدِ فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ كَمَا قَدَّمْنَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ جِهَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: فَدَخَلُوا وَوَقَفْت عَلَى الْبَابِ فَخَرَجُوا إلَيَّ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ أَخْبَرَهُمْ

ثُمَّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ فَهُوَ دِبَاغٌ وَإِنْ كَانَ تَشْمِيسًا أَوْ تَتْرِيبًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ غَيْرِهِ ، ثُمَّ مَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدَّبَّاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدَّبَّاغِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ النَّجِسَةِ، وَكَذَلِكَ يَطْهُرُ لَحْمُهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ» الْحَدِيثَ. فَفِي هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ الدَّاخِلِينَ وَهُمْ مَجْهُولُونَ. وَأَمَّا فِي الْمَتْنِ فَفِي رِوَايَةٍ بِشَهْرٍ، وَفِي أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَفِي أُخْرَى بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي صُحْبَةِ ابْنِ عُكَيْمٍ، ثُمَّ كَيْفَ كَانَ لَا يُوَازِي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّحِيحَ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا فِي مُعَارَضَتِهِ لِأَنَّ الْإِهَابَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ وَبَعْدَهُ يُسَمَّى شَنًّا وَأَدِيمًا. وَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ «هَكَذَا كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيِّتَةِ فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيِّتَةِ بِجِلْدٍ وَلَا عَصَبٍ» فِي سَنَدِهِ فَضْلَةُ بْنُ مِفْضَلٍ مُضَعَّفٌ: وَالْحَقُّ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ ظَاهِرٌ فِي النَّسْخِ لَوْلَا الِاضْطِرَابُ، فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَنْتَفِعُ بِجِلْدِ الْمَيِّتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُسْتَقْذَرٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِهِ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ) فَخَرَجَ مَا جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلْ فَلَا يَطْهُرُ، وَالْإِلْقَاءُ فِي الرِّيحِ كَالتَّشْمِيسِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا هِيَ دُبِغَتْ تُرَابًا كَانَ أَوْ رَمَادًا أَوْ مِلْحًا أَوْ مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَزِيدَ صَلَاحُهُ» وَفِيهِ مَعْرُوفُ بْنُ حَسَّانٍ مَجْهُولٌ، وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ كَافٍ. (قَوْلُهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ) إنَّمَا يَطْهُرُ الْجِلْدُ بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَتْ فِي الْمَحِلِّ مِنْ الْأَهْلِ، فَذَكَاةُ الْمَجُوسِيِّ لَا يَطْهُرُ بِهَا الْجِلْدُ بَلْ بِالدَّبْغِ لِأَنَّهَا إمَاتَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّهُ يَطْهُرُ جِلْدُهُ لَا لَحْمُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُونَ كَصَاحِبِ الْغَايَةِ وَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ وَنَجَاسَةُ السُّؤْرِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِ اللَّحْمِ، وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَطْهُرَ الْجِلْدُ

قَالَ (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَجِسٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَلَنَا أَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِمَا وَلِهَذَا لَا يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِمَا فَلَا يَحُلُّهُمَا الْمَوْتُ، إذْ الْمَوْتُ زَوَالُ الْحَيَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالذَّكَاةِ لِأَنَّهُ وِعَاءُ اللَّحْمِ النَّجِسِ، لَكِنْ قَالُوا بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ جُلَيْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ الْمُمَاسَّةَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَتَنَجَّسُ بِرُطُوبَاتِهِ، لَكِنْ عَلَى هَذَا قَدْ يُقَالُ فَلَا يَظْهَرُ عَمَلُ الذَّكَاةِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ عَنْ الْجِلْدِ لِتَتَوَقَّفَ طَهَارَتُهُ عَلَيْهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمَ طَهَارَةِ لُحُومِ السِّبَاعِ بِالذَّكَاةِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ بَازِيًا مَذْبُوحًا أَوْ الْفَأْرَةُ أَوْ الْحَيَّةُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ لَحْمِهَا، وَكَذَا كُلُّ مَا يَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا انْتَهَى. وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ عَدَمَ طَهَارَةِ لُحُومِ السِّبَاعِ بِالذَّكَاةِ لَيْسَ لِذَاتِ نَجَاسَةِ السُّؤْرِ بَلْ لِنَجَاسَةِ اللَّحْمِ، غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَوْضَحَ نَجَاسَتَهُ بِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ، وَعَدَمُ نَجَاسَةِ سُؤْرِ مَا ذَكَرَ لَيْسَ لِطَهَارَةِ لَحْمِهَا بَلْ لِعَدَمِ اخْتِلَاطِ اللُّعَابِ بِالْمَاءِ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ يَشْرَبُ بِمِنْقَارِهِ وَهُوَ عَظْمٌ جَافٌّ فَلَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ لِيُنَجِّسَهُ، بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَسُقُوطُ نَجَاسَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ لِلضَّرُورَةِ اللَّازِمَةِ مِنْ الْمُخَالَطَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ وَشَيْءٌ مِنْ هَذَا لَا يَقْتَضِي طَهَارَةَ اللَّحْمِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُسْقِطِ لِلنَّجَاسَةِ فِيهِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ) كُلُّ مَا لَا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ مِنْ أَجْزَاءِ الْهُوِيَّةِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ مَا هِيَ جُزْؤُهُ كَالشَّعْرِ وَالرِّيشِ وَالْمِنْقَارِ وَالْعَظْمِ وَالْعَصَبِ وَالْحَافِرِ وَالظِّلْفِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ الضَّعِيفِ الْقِشْرِ وَالْإِنْفَحَةِ، لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِنْفَحَةِ وَاللَّبَنِ هَلْ هُمَا مُتَنَجِّسَانِ؟ فَقَالَا نَعَمْ لِمُجَاوَرَتِهِمَا الْغِشَاءَ النَّجِسِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِنْفَحَةُ

(وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَجِسٌ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ وَالْبَيْعِ لِكَرَامَتِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَامِدَةً تَطْهُرْ بِالْغَسْلِ وَإِلَّا تَعَذَّرَ طُهْرُهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَا بِمُتَنَجِّسَيْنِ، وَعَلَى قِيَاسِهِمَا قَالُوا فِي السَّخْلَةِ إذَا سَقَطَتْ مِنْ أُمِّهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ فَيَبِسَتْ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ لَا يَنْجُسُ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مَعْدِنِهَا، فَهَاتَانِ خِلَافِيَّتَانِ مَذْهَبِيَّةٌ وَخَارِجَةٌ. لَنَا فِيهَا أَنَّ الْمَعْهُودَ فِيهَا حَالَةَ الْحَيَاةِ الطَّهَارَةُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْمَوْتُ النَّجَاسَةَ فِيمَا تَحُلُّهُ وَلَا تَحُلُّهَا الْحَيَاةُ فَلَا يَحُلُّهَا الْمَوْتُ، وَإِذَا لَمْ يَحُلَّهَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ الْمَعْهُودِ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ، وَفِي السُّنَّةِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي شَاةِ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ حِينَ مَرَّ بِهَا مَيِّتَةً إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ «إنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُهَا وَرُخِّصَ لَكُمْ فِي مَسْكِهَا» وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمَهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ وَالشَّعْرُ وَالصُّوفُ فَلَا بَأْسَ بِهِ» وَأَعَلَّهُ بِتَضْعِيفِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَلَا يَنْزِلُ الْحَدِيثُ عَنْ الْحَسَنِ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْت - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ « {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] ، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا» فَأَمَّا الْجِلْدُ وَالْقُرُونُ وَالشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالسِّنُّ وَالْعَظْمُ فَكُلُّهُ حَلَالٌ لِأَنَّهُ لَا يُذَكَّى، وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هَذَا مَتْرُوكٌ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا بَأْسَ بِمَسْكِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ، وَلَا بَأْسَ بِصُوفِهَا وَلَا شَعْرِهَا وَقُرُونِهَا إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ» وَضَعَّفَهُ بِأَنَّ يُوسُفَ بْنَ أَبِي السَّفْرِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ مَتْرُوكٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ» قَالَ: وَرِوَايَةُ بَقِيَّةَ عَنْ شُيُوخِهِ الْمَجْهُولِينَ ضَعِيفَةٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعَاجُ الذَّبِلُ وَهُوَ ظَهْرُ السُّلَحْفَاةِ. وَأَمَّا الْعَاجُ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ عَظْمُ أَنْيَابِ الْفِيلِ فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ انْتَهَى. وَفِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّ الْوَاسِطِيَّ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْآخَرُ إيهَامُهُ بِقَوْلِهِ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْعَاجُ أَنْيَابُ الْفِيَلَةِ، وَلَا يُسَمَّى غَيْرُ النَّابِ عَاجًا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَاجُ عَظْمُ الْفِيلِ الْوَاحِدَةُ عَاجَةٌ فَبِهَذَا يَكُونُ إنْ صَحَّ مَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ تَأْوِيلًا لِلْمُرَادِ لَمَّا اعْتَقَدَ نَجَاسَةَ عَظْمِ الْفِيلِ. فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَوْ كَانَتْ ضَعِيفَةً حُسِّنَ الْمَتْنُ فَكَيْفَ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ وَلَهُ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ، ثُمَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُبْطِلُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مِنْ نَجَاسَةِ عَيْنِ الْفِيلِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَذْهَبِيَّةِ التَّنَجُّسُ بِالْمُجَاوِرَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ

[فصل في البئر]

[فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ] (فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ) (وَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ نُزِحَتْ وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا) بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، وَمَسَائِلُ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلتَّنَجُّسِ شَرْعًا مَا دَامَتْ فِي الْبَاطِنِ النَّجَاسَةُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ شَرْعًا حَالَةَ الْحَيَاةِ لَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ إلَّا إذَا ثَبَتَ شَرْعًا أَنَّ الْمَوْتَ يُزِيلُهُ، لَكِنَّ الثَّابِتَ لِلْمَوْتِ لَيْسَ إلَّا عَمَلُهُ فِي تَنَجُّسِ مَا يَحُلُّهُ فَيَسْتَلْزِمُ تَنَجُّسَ غِشَائِهِمَا وَبَقَاؤُهُمَا عَلَى طَهَارَتِهِمَا بِحُكْمِ عَدَمِ إعْطَاءِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ مَا دَامَ فِي الْبَاطِنِ، وَلَا يَزُولُ هَذَا الْبَقَاءُ إلَّا بِمُزِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ. فَرْعٌ الْأَصَحُّ فِي قَمِيصِ الْحَيَّةِ الطَّهَارَةُ، وَكَذَا فِي نَافِجَةِ الْمَسْكِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ ابْتَلَّتْ لَا تَفْسُدُ. (فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ) (قَوْلُهُ نُزِحَتْ) إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ: أَيْ نُزِحَ مَاؤُهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْنَدَ إلَى النَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَحْوُ الْقَطْرَةِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَالدَّمِ، لَكِنَّ نَزْحَ تِلْكَ الْقَطْرَةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِنَزْحِ جَمِيعِ الْمَاءِ فَكَانَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ ذَلِكَ وَبِهَذَا يَكُونُ الْمُصَنِّفُ مُسْتَوْفِيًا حُكْمَ الْوَاقِعِ مِنْ كَوْنِهِ نَجَاسَةً أَوْ حَيَوَانًا مُوجِبًا نَزْحَ الْبَعْضِ أَوْ الْكُلِّ (قَوْلُهُ دُونَ الْقِيَاسِ) فَإِنَّ الْقِيَاسَ إمَّا أَنْ لَا تَطْهُرَ أَصْلًا كَمَا قَالَ بِشْرٌ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ لِاخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِالْأَوْحَالِ وَالْجُدْرَانِ

(فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ لَمْ تُفْسِدْ الْمَاءَ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُفْسِدَهُ لِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ آبَارَ الْفَلَوَاتِ لَيْسَتْ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ وَالْمَوَاشِي تَبْعَرُ حَوْلَهَا فَتُلْقِيهَا الرِّيحُ فِيهَا فَجَعَلَ الْقَلِيلَ عَفْوًا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ، وَهُوَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ فِي الْمُرَوِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ وَالرَّوْثِ وَالْخِثَى وَالْبَعْرِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَاءُ يَنْبُعُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِمَّا أَنْ لَا يَتَنَجَّسَ إسْقَاطًا لِحُكْمِ النَّجَاسَةِ حَيْثُ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ أَوْ التَّطْهِيرُ. كَمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْجَارِي لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهُ فَلَا يَنْجُسُ كَحَوْضِ الْحَمَّامِ. قُلْنَا وَمَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْزَحَ مِنْهَا دِلَاءً أَخْذًا بِالْآثَارِ، وَمِنْ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَالْأَعْمَى فِي يَدِ الْقَائِدِ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) هَذَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ آبَارِ الْفَلَوَاتِ وَالْأَمْصَارِ، فَلِذَا اُخْتُلِفَ فِيهَا، فَبَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهَا تَتَنَجَّسُ بِالْبَعْرِ وَأَخَوَاتِهِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ حَاجِزٍ، وَبَعْضُهُمْ لَا يُنَجِّسُهَا اعْتِبَارًا لِوَجْهٍ آخَرَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ أَنَّ الْبَعْرَ صُلْبٌ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الرُّطُوبَةِ رُطُوبَةُ الْأَمْعَاءِ فَلَا يَنْتَشِرُ مِنْ سُقُوطِهِ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْجُسَ بِالْمُنْكَسِرِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ سَوَاءٌ لِلضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) احْتِرَازٌ مِمَّا قِيلَ الْكَثِيرُ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ أَنْ يَأْخُذَ رُبْعَ وَجْهِ الْمَاءِ، وَقِيلَ أَكْثَرُهُ، وَقِيلَ كُلُّهُ، وَقِيلَ أَنْ لَا يَخْلُوَ دَلْوٌ عَنْ بَعْرَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ إلَخْ)

تَشْمَلُ الْكُلَّ وَفِي الشَّاةِ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ بَعْرَةً أَوْ بَعْرَتَيْنِ قَالُوا تُرْمَى الْبَعْرَةُ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا قِيلَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّهُ كَالْبِئْرِ فِي حَقِّ الْبَعْرَةِ وَالْبَعْرَتَيْنِ (فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا خَرْءُ الْحَمَامِ أَوْ الْعُصْفُورِ لَا يُفْسِدُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّهُ اسْتَحَالَ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ خَرْءَ الدَّجَاجِ. وَلَنَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِهَا وَاسْتِحَالَتِهِ لَا إلَى نَتْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الرَّوْثَ وَالْمُفَتَّتَ مِنْ الْبَعْرِ مُفْسِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، إلَّا أَنَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ، وَهُوَ الْأَوْجُهُ، فَقَوْلُهُ لَا فَرْقَ إلَخْ فِي كُلٍّ مِنْهَا خِلَافٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوْجَهَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ. (قَوْلُهُ وَفِي الشَّاةِ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ قَالُوا تُرْمَى الْبَعْرَةُ) أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ، فَلَوْ أُخِّرَ أَوْ أَخَذَ اللَّبَنُ لَوْنَهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الْوُقُوعِ لِأَنَّهَا تَبْعَرُ عِنْدَ الْحَلْبِ عَادَةً لَا فِيمَا وَرَاءَهُ، وَذَلِكَ بِمَرْأًى مِنْهُ، وَبَعَرَ يَبْعَرُ مِنْ حَدِّ (مَنَعَ) . وَالرَّوْثُ لِلْفَرَسِ وَالْحِمَارِ مِنْ رَاثَ، يُقَالُ مِنْ حَدِّ (نَصَرَ) ، وَالْخِثْيُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَاحِدُ الْأَخْثَاءِ لِلْبَقَرِ مِنْ بَابِ (ضَرَبَ) (قَوْلُهُ وَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا قِيلَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ) فَإِنَّهُ الْمُتَسَاهَلُ فِي تَرْكِهِ مَكْشُوفًا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي السَّمْنِ «إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» (قَوْلُهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ) وَالْعِلْمُ بِمَا يَكُونُ مِنْهَا مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُرَادُ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ فَإِنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُقِيمَةٌ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِمَا يَكُونُ مِنْهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى بَنِيهِ: أَمَّا بَعْدُ: «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصْنَعَ

رَائِحَةٍ فَأَشْبَهَ الْحَمْأَةَ (فَإِنْ بَالَتْ فِيهَا شَاةٌ نُزِحَ الْمَاءُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُنْزَحُ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا) وَأَصْلُهُ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا. لَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَصَارَ كَبَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسَاجِدَ فِي دُورِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا غَلَبَ الْمَاءُ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا) هَذَا يُقَوِّي مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ حَيْثُ أَفَادَ أَنَّ سَلْبَ الطَّهُورِيَّةِ يُحَقِّقُ نَزْحَ الْمَاءِ. (قَوْلُهُ لَهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ» ) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْإِبِلِ وَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَنَّهُمْ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْحَدِيثِ طُولٌ غَيْرُ هَذَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ، وَأَجْوَدُهَا طَرِيقًا حَدِيثُ

مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِالشِّفَاءِ فِيهِ فَلَا يَعْرِضُ عَنْ الْحُرْمَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي لِلْقِصَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ. قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ أَوْ صَعْوَةٌ أَوْ سُودَانِيَّةٌ أَوْ سَامٌّ أَبْرَصُ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ بِحَسَبِ كِبَرِ الدَّلْوِ وَصِغَرِهَا) يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِلَفْظٍ آخَرَ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَتْ) يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ بَيَانُ الْآثَارِ وَالْفُرُوعِ وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ فَلْنَشْتَغِلْ بِسَرْدِ الْآثَارِ وَفُرُوعِ الْبَابِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا ذُكِرَ عَنْ أَنَسٍ وَالْخُدْرِيِّ ذَكَرَهُ مَشَايِخُنَا غَيْرَ أَنَّ قُصُورَ نَظَرِنَا أَخْفَاهُ عَنَّا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ: إنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُمَا فَيُمْكِنُ كَوْنُهُ فِي غَيْرِ شَرْحِ الْآثَارِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ فِي بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ فَمَاتَتْ يُنْزَحُ مَاؤُهَا، وَبِسَنَدِهِ إلَيْهِ أَيْضًا: إذَا سَقَطَتْ الْفَأْرَةُ أَوْ الدَّابَّةُ فِي الْبِئْرِ فَانْزَحْهَا حَتَّى يَغْلِبَك الْمَاءُ، وَبِسَنَدِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا الْجُرَذُ أَوْ السِّنَّوْرُ فَتَمُوتُ قَالَ: يَدْلُو أَرْبَعِينَ دَلْوًا، وَبِسَنَدِهِ عَنْهُ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ قَالَ: يُنْزَحُ مِنْهَا قَدْرُ أَرْبَعِينَ دَلْوًا، وَبِسَنَدِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الطَّيْرِ وَالسِّنَّوْرِ وَنَحْوِهِمَا يَقَعُ فِي الْبِئْرِ قَالَ: يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَهُ فِي الْإِمَامِ، وَبِسَنَدِهِ عَنْهُ قَالَ: يُدْلِي مِنْهَا سَبْعُونَ دَلْوًا، وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَأَلْنَاهُ عَنْ الدَّجَاجَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ فِيهَا قَالَ: يُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُونَ دَلْوًا، وَبِسَنَدِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ

وَالْعُصْفُورَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا، وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَالثَّلَاثُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ (فَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا حَمَامَةٌ أَوْ نَحْوُهَا كَالدَّجَاجَةِ وَالسِّنَّوْرِ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ دَلْوًا إلَى سِتِّينَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَاجَةِ: إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا» وَهَذَا لِبَيَانِ الْإِيجَابِ، وَالْخَمْسُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ مِنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي دَجَاجَةٍ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ: يُنْزَحُ مِنْهَا قَدْرُ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ ثُمَّ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا. وَأَمَّا فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ يَعْنِي مَاتَ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُخْرِجَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنْزَحَ، قَالَ: فَغَلَبَتْهُمْ عَيْنٌ جَاءَتْ مِنْ الرُّكْنِ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَدُسَّتْ بِالْقَبَاطِيِّ وَالْمَطَارِفِ حَتَّى نَزَحُوهَا، فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ. وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهَا الطَّحَاوِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ حَبَشِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ فَمَاتَ، فَأَمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَنُزِحَ مَاؤُهَا فَجَعَلَ الْمَاءُ لَا يَنْقَطِعُ، فَنَظَرَ فَإِذَا عَيْنٌ تَجْرِي مِنْ قِبَلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: حَسْبُكُمْ. وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ بِاعْتِرَافِ الشَّيْخِ بِهِ فِي الْإِمَامِ. وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَنَا بِمَكَّةَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ أَرَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ الَّذِي قَالُوا إنَّهُ وَقَعَ فِي زَمْزَمَ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: لَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَيْفَ يَرْوِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»

وَقِيلَ دَلْوٌ يَسَعُ فِيهَا صَاعًا، وَلَوْ نُزِحَ مِنْهَا بِدَلْوٍ عَظِيمٍ مَرَّةً مِقْدَارُ عِشْرِينَ دَلْوًا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا شَاةٌ أَوْ كَلْبٌ أَوْ آدَمِيٌّ نُزِحَ جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ) لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَفْتَيَا بِنَزْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَتْرُكُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ فَلِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَوْ لِلتَّنْظِيفِ فَدُفِعَ بِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ كَعِلْمِك أَنْتَ بِهِ. فَكَمَا قُلْت يَتَنَجَّسُ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَقَعَ عِنْدَك لَا يُسْتَبْعَدُ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالظَّاهِرُ مِنْ السَّوْقِ وَاللَّفْظِ الْقَائِلِ مَاتَ فَأَمَرَ بِنَزْحِهَا أَنَّهُ لِلْمَوْتِ لَا لِنَجَاسَةٍ أُخْرَى، عَلَى أَنَّ عِنْدَك لَا تُنْزَحُ أَيْضًا النَّجَاسَةُ، ثُمَّ إنَّهُمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَكَانَ إخْبَارُ مَنْ أَدْرَكَ الْوَاقِعَةَ وَأَثْبَتَهَا أَوْلَى مِنْ عَدَمِ عِلْمِ غَيْرِهِ. وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: كَيْفَ يَصِلُ هَذَا الْخَبَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ، اسْتِبْعَادٌ بَعْدَ وُضُوحِ الطَّرِيقِ، وَمُعَارَضٌ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَحْمَدَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ فَأَعْلِمُونِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ كُوفِيًّا كَانَ أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا، فَهَلَّا قَالَ: كَيْفَ يَصِلُ هَذَا إلَى أُولَئِكَ وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ انْتَشَرَتْ فِي الْبِلَادِ خُصُوصًا الْعِرَاقَ. قَالَ الْعِجْلِيّ فِي تَارِيخِهِ: نَزَلَ الْكُوفَةَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَنَزَلَ قِرْقِيسًا سِتُّمِائَةٍ. وَأَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبِئْرِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ نُزِحَ مَا فِيهَا، فَإِذَا جَاءَ الْمَاءُ بَعْدَهُ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَرْبَعَ كَفَأْرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْخَمْسَ كَالدَّجَاجَةِ إلَى تِسْعٍ، وَالْعَشْرَ كَالشَّاةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: الْفَأْرَتَانِ إذَا كَانَتَا كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ يُنْزَحَ أَرْبَعُونَ، وَفِي الْهِرَّتَيْنِ يُنْزَحُ مَاؤُهَا كُلُّهُ، وَالْهِرَّةُ مَعَ الْفَأْرَةِ كَالْهِرَّةِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَلَوْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ مَجْرُوحَةً نُزِحَ الْكُلُّ لِلدَّمِ، وَلَا يُفِيدُ النَّزْحُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَلَوْ صُبَّ مِنْهَا دَلْوٌ فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ نُزِحَ الْمَصْبُوبُ وَقَدْرُ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّلْوِ مِنْ الثَّانِيَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَدْرُ الْبَاقِي فَقَطْ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. فَعَلَى هَذَا لَوْ صُبَّ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ فِي أُخْرَى طَاهِرَةٍ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ فَقَطْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ صُبَّ مَاءُ بِئْرٍ نَجِسَةٍ فِي بِئْرٍ أُخْرَى وَهِيَ نَجِسَةٌ أَيْضًا يُنْظَرُ بَيْنَ الْمَصْبُوبِ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ فِيهِمَا، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ أَغْنَى عَنْ الْأَقَلِّ. فَإِنْ اسْتَوَيَا فَنَزْحُ أَحَدِهِمَا يَكْفِي. مِثَالُهُ: بِئْرَانِ مَاتَتْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَأْرَةٌ فَنُزِحَ مِنْ إحْدَاهُمَا عَشَرَةٌ مَثَلًا وَصُبَّ فِي الْأُخْرَى يُنْزَحُ عِشْرُونَ، وَلَوْ صُبَّ دَلْوٌ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي بِئْرٍ ثَالِثَةٍ فَصُبَّ فِيهَا مِنْ إحْدَى الْبِئْرَيْنِ عِشْرُونَ وَمِنْ الْأُخْرَى عَشَرَةٌ يُنْزَحُ ثَلَاثُونَ، وَلَوْ صُبَّ فِيهَا مِنْ كُلٍّ عِشْرُونَ نُزِحَ أَرْبَعُونَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ الْمَصْبُوبُ، ثُمَّ الْوَاجِبُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَتَاوَى، وَفِي التَّجْنِيسِ مَا يُخَالِفُ هَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي بِئْرَيْنِ مَاتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا سِنَّوْرٌ فَنُزِحَ مِنْ إحْدَاهُمَا دَلْوٌ وَصُبَّ فِي الْأُخْرَى يُنْزَحُ مَاؤُهَا كُلُّهُ

الْمَاءِ كُلِّهِ حِينَ مَاتَ زِنْجِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ (فَإِنْ انْتَفَخَ الْحَيَوَانُ فِيهَا أَوْ تَفَسَّخَ نُزِحَ جَمِيعُ مَا فِيهَا صَغَرَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبُرَ) لِانْتِشَارِ الْبِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهَا أَخْرَجُوا مِقْدَارَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ) وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تُحْفَرَ حُفْرَةٌ مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَيُصَبُّ فِيهَا مَا يُنْزَحُ مِنْهَا إلَى أَنْ تَمْتَلِئَ أَوْ تُرْسَلَ فِيهَا قَصَبَةٌ وَيُجْعَلَ لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةٌ ثُمَّ يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ مَثَلًا، ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ اُنْتُقِصَ فَيُنْزَحُ لِكُلِّ قَدْرٍ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ، وَهَذَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَزْحُ مِائَتَا دَلْوٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَكَأَنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي بَلَدِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مِثْلِهِ يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْغَلَبَةَ بِشَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ أَخَذَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا يَجِبُ غَسْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَصْبُوبُ فِيهَا طَاهِرَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ نَجِسَةً فَلَا لِأَنَّ أَثَرَ نَجَاسَةِ هَذَا الدَّلْوِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا وَرَدَ عَلَى طَاهِرٍ وَقَدْ وَرَدَ هُنَا عَلَى نَجِسٍ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ نَجَاسَتِهِ فَتَبْقَى الْمَوْرُودَةُ عَلَى مَا كَانَتْ فَتَطْهُرُ بِإِخْرَاجِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ. وَجْهُ دَفْعِهِ عَنْ السَّابِقَةِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْبِئْرِ إلَّا نَجَاسَةُ فَأْرَةٍ وَنَجَاسَةُ الْفَأْرَةِ يُطَهِّرُهَا عِشْرُونَ دَلْوًا، وَلَوْ نُزِحَ بَعْضُ الْوَاجِبِ ثُمَّ ذَهَبَ وَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي يُنْزَحُ مَا بَقِيَ لَيْسَ غَيْرُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَلَوْ غَار الْمَاءُ قَبْلَ النَّزَحِ ثُمَّ عَادَ لَا يَعُودُ نَجِسًا. وَفِي النَّوَازِلِ يَعُودُ نَجِسًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُطَهِّرُ، وَفِي التَّجْرِيدِ جَعَلَ الْأَوَّلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تَطْهُرُ مَا لَمْ تُنْزَحْ، وَإِذَا انْفَصَلَ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ الْمَاءِ حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ يَتَقَاطَرُ فِي الْبِئْرِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْ رَأْسِ الْبِئْرِ، فَلَوْ اسْتَقَى مِنْهُ قَبْلَهُ فَغُسِلَ بِهِ ثَوْبٌ نَجَّسَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرِّشَاءُ وَالْبَكَرَةُ وَنَوَاحِي الْبِئْرِ وَالْيَدُ لِأَنَّ نَجَاسَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ فَتَطْهُرُ بِطَهَارَتِهِمَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَمِثْلُهُ عُرْوَةُ الْإِبْرِيقِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَجَعَلَ يَدَهُ عَلَيْهَا كُلَّمَا صُبَّ عَلَى الْيَدِ، فَإِذَا غَسَلَ الْيَدَ ثَلَاثًا طَهُرَتْ الْعُرْوَةُ بِطَهَارَةِ الْيَدِ وَيَدُ الْمُسْتَنْجِي تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ، وَدَنُّ الْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ. وَقِيلَ الدَّلْوُ طَاهِرَةٌ فِي حَقِّ هَذِهِ الْبِئْرِ لَا غَيْرِهَا كَدَمِ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَلَا يَجِبُ نَزْحُ الطِّينِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْآثَارَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِنَزْحِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ نُزِحَ جَمِيعُ مَا فِيهَا) هَذَا إذَا مَاتَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخْرَجَ حَيًّا إنْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ أَوْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مَعْلُومَةٌ نُزِحَتْ كُلُّهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعْلُومَةً لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْبَقَرِ وَنَحْوِهِ يَخْرُجُ حَيًّا لَا يَجِبُ نَزْحُ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ اشْتِمَالُ بَوْلِهَا عَلَى أَفْخَاذِهَا، لَكِنْ يَحْتَمِلُ طَهَارَتَهَا بِأَنْ سَقَطَتْ عَقِيبَ دُخُولِهَا مَاءً كَثِيرًا، هَذَا مَعَ الْأَصْلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ

كَمَا هُوَ دَأْبُهُ. وَقِيلَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ فِي أَمْرِ الْمَاءِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ. قَالَ (وَإِنْ وَجَدُوا فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً أَوْ غَيْرَهَا وَلَا يُدْرَى مَتَى وَقَعَتْ وَلَمْ تَنْتَفِخْ وَلَمْ تَنْفَسِخْ أَعَادُوا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ أَعَادُوا صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَتْ) لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَصَارَ كَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَظَافَرَا عَلَى عَدَمِ النَّزْحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَقِيلَ يُنْزَحُ مِنْ الشَّاةِ كُلُّهُ، وَالْقَوَاعِدُ تَنْبُو عَنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ يَقِينًا تَنَجُّسُهَا كَمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ نَجِسَ السُّؤْرِ فَقَطْ أَوْ مَكْرُوهَهُ أَوْ مَشْكُوكَهُ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَاهُ الْمَاءَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ نُزِحَ الْكُلُّ فِي النَّجِسِ، وَكَذَا تَظَافَرَ كَلَامُهُمْ فِي الْمَشْكُوكِ وَهُوَ يُنَاسِبُ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا، وَالْمَشْكُوكُ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِطَهُورِيَّتِهِ فَيُنْزَحُ كُلُّهُ، بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَسْلُوبٍ لِلطَّهُورِيَّةِ، فَلِذَا إنَّمَا اسْتَحَبُّوا فِيهِ أَنْ يُنْزَحَ عَشْرُ دِلَاءٍ، وَقِيلَ عِشْرُونَ احْتِيَاطًا، هَذَا وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّجْنِيسِ قَالَ فِي الْمَشْكُوكِ: وَجَبَ نَزْحُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ احْتِيَاطًا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ قَرِيبِ وَرَقَتَيْنِ أَنَّ لُعَابَهُمَا يُفْسِدُ الْمَاءَ، قَالَ: وَمَعْنَى الْفَسَادِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى طَهُورًا لِأَنَّ الْإِشْكَالَ فِي الطَّهُورِيَّةِ. قَالَ: وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ عَرَقِ الْحِمَارِ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَسَائِلَ مَا يُشِيرُ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: فِي الْكَلْبِ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ تُنْزَحُ كُلُّهَا وَإِنْ لَمْ يُصِبْ فَمُهُ الْمَاءَ، وَعَلَّلَهُ بِعِلَّتَيْنِ: نَجَاسَةُ عَيْنِهِ، وَلِأَنَّ مَأْوَاهُ فِي النَّجَاسَاتِ. ثُمَّ قَالَ: وَسَائِرُ السِّبَاعِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى مِثْلِ الْبَقَرَةِ وَلَوْ وَقَعَ عَظْمٌ عَلَيْهِ دُسُومَةٌ أَوْ لَحْمٌ نُزِحَ الْكُلُّ، وَقَالُوا لَوْ تَلَطَّخَ عَظْمٌ بِنَجَاسَةٍ فَوَقَعَ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ تَطْهُرُ الْبِئْرُ بِالنَّزْحِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ غَسْلًا لِلْعَظْمِ، وَلَوْ سَالَ النَّجَسُ عَلَى الْآجُرِّ ثُمَّ وَصَلَ إلَى الْمَاءِ فَنَزْحُهَا طَهَارَةٌ لِلْكُلِّ. [فَرْعٌ] الْبُعْدُ بَيْنَ الْبَالُوعَةِ وَالْبِئْرِ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْبِئْرِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ سَبْعَةٌ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْمُعْتَبَرُ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَازَ وَإِلَّا لَا وَلَوْ

[فصل في الأسآر وغيرها]

رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِلْمَوْتِ سَبَبًا ظَاهِرًا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ الِانْتِفَاخَ وَالتَّفَسُّخَ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ، وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ وَالتَّفَسُّخِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقَدَّرْنَاهُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى: هِيَ عَلَى الْخِلَافِ، فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ فِي الْبَالِي وَبِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الطَّرِيِّ وَلَوْ سُلِّمَ فَالثَّوْبُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ وَالْبِئْرُ غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرٍ فَيَفْتَرِقَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْمَوْتِ سَبَبًا ظَاهِرًا) يَعْنِي أَنَّ الْإِحَالَةَ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ خَفَاءِ الْمُسَبِّبِ، وَالْكَوْنُ فِي الْمَاءِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِلْمَوْتِ، وَالْمَوْتُ فِيهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَدْ خَفِيَ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ أَنَّهُ مَاتَ فِيهِ إحَالَةٌ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ عِنْدَ خَفَاءِ الْمُسَبِّبِ غَيْرَ أَنَّ الِانْتِفَاخَ إلَخْ، وَبَاقِي الْفَصْلِ ظَاهِرٌ حُكْمًا وَدَلِيلًا. [فَرْعٌ] نَزَحَ مَاءَ بِئْرٍ رَجُلٌ فَيَبِسَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ لَا يَمْلِكُ مَاءَهَا، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي حُبِّ رَجُلٍ لَزِمَهُ مِلْؤُهُ لَهُ لِمِلْكِهِ لَهُ، وَلَوْ تَنَجَّسَتْ بِئْرٌ فَأُجْرِيَ مَاؤُهَا بِأَنْ حُفِرَ لَهَا مَنْفَذٌ فَصَارَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى خَرَجَ بَعْضُهُ طَهُرَتْ لِوُجُودِ سَبَبِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ وَصَارَ كَالْحَوْضِ إذَا تَنَجَّسَ فَأَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ حَتَّى خَرَجَ بَعْضُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ [فَصْلٌ فِي الْأَسْآرِ وَغَيْرِهَا]

(فَصْلٌ فِي الْأَسْآرِ وَغَيْرِهَا) (وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ) لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ لَحْمِهِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ صَاحِبِهِ. قَالَ (وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) لِأَنَّ الْمُخْتَلِطَ بِهِ اللُّعَابُ وَقَدْ تَوَلَّدَ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ طَاهِرًا، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْكَافِرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ إلَخْ) الْأَنْسَبُ عَكْسُهُ لِأَنَّ الْفَصْلَ مَعْقُودٌ لِلسُّؤْرِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانُ حُكْمِ الْمُخَالِطِ لَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَذَلِكَ فِي اللُّعَابِ إذْ هُوَ الَّذِي تَكْثُرُ مُخَالَطَتُهُ لَهَا بِخِلَافِ الْعَرَقِ، قَالَ ذَلِكَ لِيَقَعَ السُّؤْرُ أَخِيرًا فَيَتَّصِلُ بِهِ تَفْصِيلَ مَا خَالَطَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ) الْمُتَوَلَّدُ اللُّعَابُ لَا السُّؤْرُ، فَأُطْلِقَ السُّؤْرُ عَلَى اللُّعَابِ لِلْمُجَاوَرَةِ، إذْ السُّؤْرُ مَا يُفْضِلُهُ الشَّارِبُ وَهُوَ يُجَاوِرُ اللُّعَابَ (قَوْلُهُ وَالْكَافِرُ مَا لَمْ يَشْرَبْ خَمْرًا) ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ سَاعَتِهِ، أَمَّا لَوْ مَكَثَ قَدْرَ مَا يَغْسِلُ فَمَه بِلُعَابِهِ ثُمَّ شَرِبَ لَا يَنْجَسُ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَنَظِيرُهُ لَوْ أَصَابَ عُضْوَهُ نَجَاسَةٌ فَلَحِسَهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَثَرُهَا، أَوْ قَاءَ الصَّغِيرُ عَلَى ثَدْيٍ أُمِّهِ ثُمَّ مَصَّهُ حَتَّى زَالَ الْأَثَرُ طَهُرَ. لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَنْجُسَ سُؤْرُ الْجَنْبِ وَالْحَائِضِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمِلِ لِأَنَّ مَا يُلَاقِي الْمَاءَ مِنْ فَمِهِ مَشْرُوبٌ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ لِحَاجَةٍ

(وَسُؤْرُ الْكَلْبِ نَجِسٌ) وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا» وَلِسَانُهُ يُلَاقِي الْمَاءَ دُونَ الْإِنَاءِ، فَلَمَّا تَنَجَّسَ الْإِنَاءُ فَالْمَاءُ أَوْلَى، وَهَذَا يُفِيدُ النَّجَاسَةَ وَالْعَدَدَ فِي الْغَسْلِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ السَّبْعِ، وَلِأَنَّ مَا يُصِيبُهُ بَوْلُهُ يَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ، فَمَا يُصِيبُهُ سُؤْرُهُ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يُسْتَعْمَلُ بِهِ كَإِدْخَالِهِ يَدَهُ فِي الْحُبِّ لِإِخْرَاجِ كُوزِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمِيَاهِ (قَوْلُهُ وَيَغْسِلُ الْإِنَاءَ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ إسْمَاعِيلَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيه عَنْ إسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا، ثُمَّ رَوَاهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرَاقَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا ابْنُ عَدِيِّ فِي الْكَامِلِ بِسَنَدٍ فِيهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ وَلَفْظُهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ، وَالْكَرَابِيسِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا، وَقَالَ: لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى. فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحُكْمُ بِالضَّعْفِ وَالصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ صِحَّةُ مَا حُكِمَ بِضَعْفِهِ ظَاهِرًا وَثُبُوتُ كَوْنِ مَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ قَرِينَةٌ تُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَجَادَهُ الرَّاوِي الْمُضَعَّفُ، وَحِينَئِذٍ فَيُعَارِضُ حَدِيثَ السَّبْعِ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعَ حَدِيثِ السَّبْعِ دَلَالَةُ التَّقَدُّمِ لِلْعِلْمِ بِمَا كَانَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ أَوَّلَ الْأَمْرِ حَتَّى أَمَرَ بِقَتْلِهَا، وَالتَّشْدِيدُ فِي سُؤْرِهَا يُنَاسَبُ كَوْنِهِ إذْ ذَاكَ وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ، فَإِذَا عَارَضَ قَرِينَهُ مُعَارِضٌ كَانَ التَّقْدِمَةُ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ طَرَحْنَا الْحَدِيثَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ فِي عَمَلِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى خِلَافِ حَدِيثِ السَّبْعِ، وَهُوَ رَاوِيهِ كِفَايَةٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَتْرُكَ الْقَطْعِيَّ لِلرَّأْيِ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ ظَنِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ رَاوِيهِ، فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَاوِيهِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْعِيٌّ حَدٌّ يُنْسَخُ بِهِ الْكِتَابُ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فِي مَعْنَاهُ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ إلَّا لَقَطْعِهِ بِالنَّاسِخِ، إذْ الْقَطْعِيُّ لَا يُتْرَكُ إلَّا لِقَطْعِيٍّ فَبَطَلَ تَجْوِيزُهُمْ تَرْكِهِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ نَاسِخٍ فِي اجْتِهَادِهِ الْمُحْتَمِلِ لِلْخَطَإِ. وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ كَانَ

وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ. (وَسُؤْرُ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ) لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ (وَسُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ وَمِنْهُ يَتَوَلَّدُ اللُّعَابُ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَرْكُهُ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ الْآخَرُ مَنْسُوخًا بِالضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ) هَذِهِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا عِنْدَهُ لَيْسَ لِنَجَاسَتِهَا بَلْ كَيْ لَا يَتَعَدَّى خُبْثُ طِبَاعِهَا إلَى الْإِنْسَانِ. قُلْنَا الظَّاهِرُ مِنْ الْحُرْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلْغِذَاءِ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ طَبْعًا كَوْنُهُ لِلنَّجَاسَةِ، وَخُبْثُ طِبَاعِهَا لَا يُنَافِيه بَلْ ذَلِكَ يَصْلُحُ مُثِيرًا لِحُكْمِ النَّجَاسَةِ فَلْيَكُنْ الْمُثِيرُ لَهَا فَيُجَامِعُهَا تَرْتِيبًا عَلَى الْوَصْفِ الصَّالِحِ لِلْعَلِيَّةِ مُقْتَضَاهُ. وَمِنْ الْوُجُوهِ الْإِلْزَامِيَّةِ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» جَوَابًا لِسُؤَالِهِ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ وَمَا تَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ إعْطَاءً لِحُكْمِ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي تَرِدُهُ السِّبَاعُ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ الْجَوَابَ لَا بُدَّ أَنْ يُطَابِقَ أَوْ يَزِيدَ فَيَنْدَرِجَ فِيهِ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ بِمَفْهُومِ شَرْطِهِ فَيَنْجُسُ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَحَقِيقَةُ مَفْهُومِ شَرْطِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا يَتَنَجَّسُ مِنْ وُرُودِ السِّبَاعِ، وَبِهَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ جَابِرٍ «أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْ الْحُمُرُ فَقَالَ: نَعَمْ، وَبِمَا أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا» وَحَدِيثٌ «سُئِلَ عَنْ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقِيلَ: إنَّ الْكِلَابَ وَالسِّبَاعَ تَرِدُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَمَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ» عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ، عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ لَكِنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ

الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ. (وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ مَكْرُوهٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصْغِي لَهَا الْإِنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ» . وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ دُونَ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ، إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ لِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ. وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْغِي لَهَا الْإِنَاءَ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَارِثَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْت أَتَوَضَّأُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ قَدْ أَصَابَتْ مِنْهُ الْهِرَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحَارِثَةُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ الْكِتَابِ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي إحْدَاهُمَا أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، وَضَعَّفَهَا بِعَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَضَعَّفَ الثَّانِيَةَ بِالْوَاقِدِيِّ، وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: جَمَعَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَتْحِ الْحَافِظُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الْمَغَازِي وَالسَّيْرِ وَمَنْ ضَعَّفَهُ وَمَنْ وَثَّقَهُ وَرَجَّحَ تَوْثِيقَهُ وَذَكَرَ الْأَجْوِبَةَ عَمَّا قِيلَ فِيهِ، وَعَنْ «كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ، فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي، فَقُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السِّنَّوْرُ سَبُعٌ» وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِقِصَّةٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي دَارَ قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ دُونَهُمْ دَارٌ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْتِي دَارَ فُلَانٍ وَلَا تَأْتِي دَارَنَا؟ فَقَالَ: لِأَنَّ فِي دَارِكُمْ كَلْبًا، قَالُوا: فَإِنَّ فِي دَارِهِمْ سِنَّوْرًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: السِّنَّوْرُ سَبُعٌ» وَفِي السَّنَدَيْنِ عِيسَى بْنُ الْمُسَيِّبِ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ بِنَاءً عَلَى تَوْثِيقِهِ، قَالَ: لَمْ يُجْرَحْ قَطُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ لِلْمَطْلُوبِ النِّزَاعِيِّ حَاجَةٌ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ النِّزَاعَ لَيْسَ فِي النَّجَاسَاتِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِهَا بَعْلَةِ الطَّوَافِ الْمَنْصُوصَةِ فِي قَوْلِهِ «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» يَعْنِي أَنَّهَا تَدْخُلُ الْمَضَايِقَ وَلَازِمُهُ شِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ صَوْنُ الْأَوَانِي مِنْهَا بَلْ النَّفْسُ وَالضَّرُورَةُ اللَّازِمَةُ مِنْ ذَلِكَ أَسْقَطَتْ النَّجَاسَةَ، كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْجَبَ الِاسْتِئْذَانَ وَأَسْقَطَهُ عَنْ الْمَمْلُوكِينَ {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور: 58] . أَيْ عَنْ أَهْلِهِمْ فِي تَمْكِينِهِمْ مِنْ الدُّخُولِ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلطَّوْفِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَقِيبَهُ {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: 58] إنَّمَا الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ كَانَتْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا قَالَهُ الْبَعْضُ

ثُمَّ قِيلَ كَرَاهَتُهُ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ، وَقُبِلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ وَالْأَوَّلُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ التَّحْرِيمِ. وَلَوْ أَكَلَتْ فَأْرَةً ثُمَّ شَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهِ الْمَاءَ تَنَجَّسَ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لَغُسْلِهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ لِلضَّرُورَةِ. (وَسُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ) مَكْرُوهٌ لِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا لَا يُكْرَهُ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْمُخَالَطَةِ (وَ) كَذَا سُؤْرُ (سِبَاعِ الطَّيْرِ) لِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ فَأَشْبَهَ الْمُخَلَّاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَنْهَضْ بِهِ وَجْهٌ، فَإِذَا قَالَ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ فَبَقِيَتْ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ، إذْ سُقُوطُ وَصْفٍ أَوْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ آخَرَ إلَّا بِدَلِيلٍ كَمَا قُلْنَا فِي نَسْخِ الْوُجُوبِ لَا يَنْفِي عَنْهُ صِفَةَ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى يَخُصَّهَا دَلِيلٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إثْبَاتَ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَسْتَدْعِي دَلِيلًا، فَإِثْبَاتُ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ بَلْ سِيَاقُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي طَهَارَتَهَا وَطَهَارَةَ السِّبَاعِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ عُذْرًا فِي زِيَارَةِ أَصْحَابِ الْهِرَّةِ دُونَ أَصْحَابِ الْكَلْبِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَعْلِيلَهُ عَدَمُ الدُّخُولِ بِوُجُودِ الْكَلْبِ لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا هُوَ فِيهِ بِخِلَافِ السِّبَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، هُوَ الْأَصَحُّ كَفَى فِيهِ أَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ فَيُكْرَهُ كَمَا غَمَسَ الصَّغِيرُ يَدَهُ فِيهِ وَأَصْلُهُ كَرَاهَةُ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ لِلْمُسْتَيْقِظِ قَبْلَ غَسْلِهَا نُهِيَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ فَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ مُنْتَهِضٌ يَتِمُّ بِهِ الْمَطْلُوبُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَيُحْمَلُ إصْغَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِنَاءَ عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ بِأَنْ كَانَتْ بِمَرْأًى مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ غَسْلُهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُمْكِنُ كَوْنُهُ بِمُشَاهَدَةِ شُرْبِهَا مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ قُدُومِهَا عَنْ غَيْبَةٍ يَجُوزُ مَعَهَا ذَلِكَ فَيُعَارِضُ هَذَا التَّجْوِيزَ تَجْوِيزُ أَكْلِهَا نَجِسًا قُبَيْلَ شُرْبِهَا فَيَسْقُطُ فَتَبْقَى الطَّهَارَةُ دُونَ كَرَاهَةٍ لِأَنَّهَا مَا جَاءَتْ إلَّا مِنْ ذَلِكَ التَّجْوِيزِ وَقَدْ سَقَطَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ كَرَاهَةِ أَكْلِ فَضْلِهَا وَالصَّلَاةُ إذَا لَحِسَتْ عُضْوًا قَبْلَ غَسْلِهِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ، بَلْ بِقَيْدِ ثُبُوتِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ، أَمَّا لَوْ كَانَ زَائِلًا بِمَا قُلْنَا فَلَا (قَوْلُهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ) يَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً حِينَئِذٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزَالُ عِنْدَهُ إلَّا بِالْمَاءِ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا إلَخْ) بِأَنْ تُحْبَسَ لِلتَّسَمُّنِ فِي قَفَصٍ وَيُجْعَلُ عَلَفُهَا وَمَاؤُهَا وَرَأْسُهَا خَارِجَهُ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً وَيَعْلَمُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ لَا قَذَرَ عَلَى مِنْقَارِهَا لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ (وَ) سُؤْرُ (مَا يَسْكُنُ الْبُيُوتَ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ) (مَكْرُوهٌ) لِأَنَّ حُرْمَةَ اللَّحْمِ أَوْجَبَتْ نَجَاسَةَ السُّؤْرِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ لِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْهِرَّةِ. قَالَ (وَسُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ) قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا مَا لَمْ يَغْلِبْ اللُّعَابُ عَلَى الْمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا مُخْتَارُ الْحَاكِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَمَّا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَشْرُطْهُ، بَلْ أَنْ لَا تَجِدَ عَذِرَاتِ غَيْرِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُولُ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا، وَالْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجُولُ فِيهَا، وَالْحَقُّ أَنَّهَا لَا تَأْكُلُهُ بَلْ تُلَاحِظُ الْحَبَّ بَيْنَهُ فَتَلْقُطُهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ) يَعْنِي مَكْرُوهٌ، وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ يُفِيدُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ إنْ لَمْ يُشَاهِدْهَا شَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا، وَالْقِيَاسُ نَجَاسَتُهُ لِنَجَاسَةِ اللَّحْمِ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُلَاقِيَ لِلْمَاءِ مِنْقَارُهَا وَهُوَ عَظْمٌ جَافٌّ لَا لِسَانُهَا، بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ (قَوْلُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ) كَانَ الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ يُنْكِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَيَقُولُ: لَا يَجُوزُ كَوْنُ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مَشْكُوكًا فِيهِ بَلْ هُوَ مُحْتَاطٌ فِيهِ. وَفِي النَّوَازِلِ: يَحِلُّ شُرْبُ مَاءٍ شَرِبَ مِنْهُ الْحِمَارُ. وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَلَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ بِهَذَا الْقَوْلِ

وَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ، وَكَذَا لَبَنُهُ طَاهِرٌ وَعَرَقُهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ فَحُشْ، فَكَذَا سُؤْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَيُرْوَى نَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى طَهَارَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَشْرَبَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَ غَسْلِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ، وَالثَّابِتُ الشَّكُّ فِيهَا فَلَا يَتَنَجَّسُ الرَّأْسُ بِالشَّكِّ فَلَا يَجِبُ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَبَنُهُ طَاهِرٌ وَعَرَقُهُ لَا يُمْنَعُ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ، هَذَا فِي الْعَرَقِ بِحُكْمِ الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا فِي اللَّبَنِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ بِنَجَاسَةِ لَبَنِهِ فَقَطْ أَوْ تَسْوِيَةُ نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ بِذَكَرِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْلِيلِ سُؤْرِ الْحِمَارِ: اعْتِبَارُ سُؤْرِهِ بِعَرَقِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَاعْتِبَارُهُ بِلَبَنِهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَجَعَلَ لَبَنَهُ نَجِسًا. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَبَنُ الْأَتَانِ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَعَنْ الْبَزْدَوِيِّ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَعَنْ عَيْنِ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَفِي طَهَارَةِ لَبَنِ الْأَتَانِ رِوَايَتَانِ. وَأَمَّا عَرَقُهُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ غَلِيظٌ وَعَنْهُ خَفِيفٌ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: ظَاهِرٌ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى: لَبَنُ الْأَتَانِ كَلُعَابِهِ، وَعَرَقُهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَلَا يُفْسِدُ الثَّوْبَ وَإِنْ كَانَ مَغْمُوسًا فِيهِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ كَاللُّعَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: وَمَعْنَى فَسَادِ الْمَاءِ مَا ذَكَرْنَا: يَعْنِي بِهِ مَا مُقَدِّمُهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ عِصَامٍ فِي عَرَقِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ يُصِيبُ الْمَاءَ يَفْسُدُ وَإِنْ قَلَّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ سَلْبُ طَهُورِيَّتِهِ فَقَطْ، لَكِنْ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُنْتَقَى ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْفَسَادِ التَّنْجِيسَ كَانَ لِنَجَاسَتِهَا فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ، أَمَّا مُرَادُ عِصَامٍ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَلَّ) لِأَنَّ الْخَالِطَ الطَّاهِرَ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا قَلَّ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) يَعْنِي أَنَّهُ فِي طَهُورِيَّتِهِ

وَسَبَبُ الشَّكِّ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ فِي إبَاحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، أَوْ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَسَبَبُ الشَّكِّ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ فِي إبَاحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ) فَحَدِيثُ خَيْبَرَ فِي إكْفَاءِ الْقُدُورِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي بِإِكْفَائِهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ يُفِيدُ الْحُرْمَةَ وَحَدِيثُ «غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ حَيْثُ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ إلَّا حُمَيْرَاتٌ لِي، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ» يُفِيدُ الْحِلَّ وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَجَاسَتُهُ، وَعَنْ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَجِسٌ تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَالْبَغْلُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ عَبَّاسٍ طَهَارَتُهُ، وَقَدْ زَيَّفَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَوَّلَ بِأَنَّ تَعَارُضَ الْمُحَرِّمَ وَالْمُبِيحَ لَا يُوجِبُ شَكًّا بَلْ الثَّابِتُ عِنْدَهُ الْحُرْمَةُ، وَالثَّانِيَ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ أَيْضًا لَا يُوجِبُهُ، كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ أَحَدُهُمَا بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَالْآخَرُ بِنَجَاسَتِهِ يَتَهَاتَرَانِ وَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ طَهَارَةُ الْمَاءِ، وَالصَّوَابُ عِنْدَهُ أَنَّ سَبَبَهُ التَّرَدُّدُ فِي تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنَّهَا تُرْبَطُ فِي الْأَفْنِيَةِ وَتُشْرِبُ مِنْ الْإِجَّانَاتِ الْمُسْتَعْمَلَةِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمُخَالَطَةِ تَسْقُطُ نَجَاسَةُ سُؤْرِهِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى حُرْمَةِ لَحْمِهِ الثَّابِتَةِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَضَايِقَ كَالْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ يَكُونُ مُجَانِيًا لَا مُخَالِطًا فَلَا تَسْقُطُ، فَلَمَّا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي الضَّرُورَةِ وَجَبَ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ، فَالْمَاءُ كَانَ طَاهِرًا فَلَا يَتَنَجَّسُ بِمَا لَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهُ، وَالسُّؤْرُ بِمُقْتَضَى حُرْمَةِ اللَّحْمِ نَجِسٌ فَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَلَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ بِوُقُوعِهِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا سَقَطَتْ أَسْئِلَةُ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي السُّؤْرِ وَلِلْمَاءِ خُلْفٌ وَجَبَ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ كَمَنْ لَهُ إنَاءَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَلَا مُمَيِّزَ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَيَجِبُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَلْزَمُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَقْدِيمُ

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا يَتَوَضَّأُ وَيَتَيَمَّمُ وَيَجُوزُ أَيُّهُمَا قَدَّمَ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَاجِبُ الِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ. وَلَنَا أَنَّ الْمُطَهِّرَ أَحَدُهُمَا فَيُفِيدُ الْجَمْعُ دُونَ التَّرْتِيبِ. (وَسُؤْرُ الْفَرَسِ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ لَحْمَهُ مَأْكُولٌ (وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِإِظْهَارِ شَرَفِهِ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَرَّمِ. وَالرَّابِعُ أَنَّ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ تَرْكُ الِاحْتِيَاطِ لِتَنَجُّسِ الْعُضْوِ بِتَقْدِيرِ نَجَاسَتِهِ. وَلَا يَلْزَمُ لِعَدَمِ تَنَجُّسِ مُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ. وَالْخَامِسُ أَنَّ مُقْتَضَى عَدَمِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ مَغْلُوبًا بِاللُّعَابِ كَانَ مُقَيَّدًا فَيَجِبُ التَّيَمُّمُ عَيْنًا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا وَجَبَ الْوُضُوءُ عَيْنًا فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ الضَّمُّ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَجِبْ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ لِلتَّرَدُّدِ فِي ثُبُوتِ الضَّرُورَةِ، وَإِذْ قُرِّرَتْ وَكَانَ الْحَدَثُ ثَابِتًا بِيَقِينٍ لَمْ يُزَلْ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا، وَعِنْدَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَقْرِيرَ الْأُصُولِ بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي الضَّرُورَةِ مَعَ الِاحْتِيَاطِ يُبَيِّنُ قَوْلَ أَبِي طَاهِرٍ أَنَّهُ مُحْتَاطٌ فِيهِ وَأَنَّ اللُّعَابَ نَجِسٌ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ مُخَالِطُهُ وَأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي طَهَارَةِ الْعَرَقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي ثُبُوتِ الضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ «رَكِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا» ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ قَوْلِ عِصَامٍ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَصِحَّةُ مَا فِي الْمُنْتَقَى لَوْ حَمَلْنَا الْفَسَادَ عَلَى النَّجَاسَةِ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَاءِ إلَّا إذَا تَعَدَّى إلَيْهِ بِغَسْلِ الثَّوْبِ، وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَنَجَّسَ لِأَنَّهُ غَسَلَ فِيهِ مَا هُوَ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ شَرْعًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَّرَ مِنْ عَرَقِهِ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا مَحْمَلُ مَا فِي الْمُنْتَقَى فِي اعْتِقَادِي. فَإِنْ قُلْت: تَقْرِيرُ الْأُصُولِ أَفَادَ النَّجَاسَةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الْمُخَالِطُ وَنَصُّ مُحَمَّدٍ عَلَى طَهَارَتِهِ يُنَافِيه. قُلْنَا إنَّمَا نَصَّ عَلَى طَهَارَةِ السُّؤْرِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي خَالَطَهُ اللُّعَابُ فَلَا يُنَافِي تَقْرِيرَ الْأُصُولِ، هَذَا وَقَدْ تَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ فِي عَرَقِهِ فَيَجِبُ سُقُوطُ نَجَاسَتِهِ، بِخِلَافِ لُعَابِهِ مُتَرَدِّدٌ فِي ثُبُوتِ الضَّرُورَةِ فَقَرَرْت الْأُصُولُ (قَوْلَهُ وَيَجُوزُ أَيُّهُمَا قَدَّمَ) وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ. فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ. الثَّانِي لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّاهَا صَحَّتْ الظُّهْرُ لِمَا ذُكِرَ فِي دَفْعِ قَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُطَهِّرَ أَحَدُهُمَا لَا الْمَجْمُوعُ. فَإِنْ كَانَ السُّؤْرُ صَحَّتْ بِهِ وَلَغَتْ صَلَاةُ التَّيَمُّمِ، أَوْ التَّيَمُّمُ فَبِالْقَلْبِ (قَوْلُهُ وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي سُؤْرِ الْفَرَسِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ: قَالَ فِي رِوَايَةٍ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ) لِحَدِيثِ لَيْلَةِ الْجِنِّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَضَّأَ بِهِ حِينَ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَلًا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهَا أَقْوَى، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِهَا لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ مَكِّيَّةً. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَوَضَّأُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَكْرُوهٌ كَلَحْمِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَشْكُوكٌ كَسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ طَاهِرٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ لَيْلَةِ الْجِنِّ) عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ: مَا فِي إدَاوَتِكَ؟ قَالَ: نَبِيذُ تَمْرٍ، قَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " فَتَوَضَّأْ مِنْهُ " وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُطَوَّلًا، وَفِيهِ «هَلْ مَعَكَ مِنْ وَضُوءٍ؟ قُلْتُ لَا، قَالَ: فَمَا فِي إدَاوَتِكَ؟ قُلْت: نَبِيذُ تَمْرٍ، قَالَ: تَمْرَةٌ حُلْوَةٌ وَمَاءٌ طَيِّبٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ» قَالُوا ضَعِيفٌ لِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ وَأَبُو زَيْدٍ مَجْهُولٌ، وَأَبُو فَزَارَةَ قِيلَ هُوَ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ، وَقِيلَ رَجُلٌ آخَرُ مَجْهُولٌ. أُجِيبَ أَمَّا أَبُو زَيْدٍ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ مَوْلَى عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ رَوَى عَنْهُ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ وَأَبُو رَوَقٍ وَهَذَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْجَهَالَةِ، وَأَمَّا أَبُو فَزَارَةَ فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ فِي الْإِمَامِ فِي تَجْهِيلِهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلُ سُفْيَانَ وَشَرِيكٍ وَالْجَرَّاحِ بْنِ مَلِيحٍ وَإِسْرَائِيلَ وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَبُو فَزَارَةَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ مَشْهُورٌ وَاسْمُهُ

بِهِ وَيَتَيَمَّمُ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً فَوَجَبَ الْجَمْعُ احْتِيَاطًا. قُلْنَا لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِمِثْلِهِ يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَمَّا مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ الْجِنِّ فَقَالَ: مَا شَهِدَهَا مِنَّا أَحَدٌ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ. وَرَوَى أَيْضًا أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ " وَعَنْهُ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا مِنْ الزُّطِّ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَشْبَهُ مَنْ رَأَيْت بِالْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ وَإِنْ جَمَعْنَا فَالْمُرَادُ مَا شَهِدَهَا مِنَّا أَحَدٌ غَيْرِي نَفْيًا لِمُشَارَكَتِهِ وَإِبَانَةِ اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَطَلْيُوسِيُّ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْخِلَافِ (قَوْلُهُ قُلْنَا لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ) نَظَرٌ فِيهِ بِأَنَّ وَفْدَ نَصِيبِينَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ فِيمَا عُلِمَ، لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي وِفَادَةِ الْجِنِّ أَنَّهَا كَانَتْ سِتَّ مَرَّاتٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا مَرَّةً فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ حَضَرَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَرَّتَيْنِ بِمَكَّةَ وَمَرَّةً رَابِعَةً خَارِجَةً الْمَدِينَةِ حَضَرَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعَلَى هَذَا لَا يُقْطَعُ بِالنَّسْخِ (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ) نَظَرٌ فِيهِ إذْ الْمَشْهُورُ مَا كَانَ آحَادًا فِي الْأَصْلِ ثُمَّ تَوَاتَرَ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ تَكَلَّمَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كَلَامُهُ فَوَجَبَ تَصْحِيحُ الرِّوَايَةِ الْمُوَافَقَةُ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ نَاسِخَةٌ لَهُ

وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ بِهِ فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْوُضُوءِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فَوْقَهُ، وَالنَّبِيذُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حُلْوًا رَقِيقًا يَسِيلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ كَالْمَاءِ، وَمَا اشْتَدَّ مِنْهَا صَارَ حَرَامًا لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ غَيَّرَتْهُ النَّارُ فَمَا دَامَ حُلْوًا رَقِيقًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ اشْتَدَّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لِحُرْمَةِ شُرْبِهِ عِنْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْبِذَةِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ الْقِيَاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَأَخُّرِهَا إذْ هِيَ مَدَنِيَّةٌ وَعَلَى هَذَا مَشَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِوُجُوبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِهِ وَالتَّيَمُّمِ رِوَايَةٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ قَالَ: التَّوَضُّؤُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ جَائِزٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَيَتَيَمَّمُ مَعَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَوَضَّأُ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ. وَرَوَى نُوحٌ الْجَامِعُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ. قَالَ: مَشَايِخُنَا إنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَتُهُ لِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ، وَسُئِلَ مَرَّةً إنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا، قَالَ يَتَوَضَّأُ، وَسُئِلَ مَرَّةً إنْ كَانَتْ الْحَلَاوَةُ غَالِبَةً قَالَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ، وَسُئِلَ مَرَّةً إذَا لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا الْغَالِبُ قَالَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ التَّفْصِيلُ فِي الْغُسْلِ إنْ كَانَ النَّبِيذُ غَالِبَ الْحَلَاوَةِ قَرِيبًا مِنْ سَلْبِ الِاسْمِ لَا يَغْتَسِلُ بِهِ أَوْ ضِدَّهُ فَيَغْتَسِلُ إلْحَاقًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ مُتَرَدَّدًا فِيهِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُلَاحِظُوا هَذَا الْمَبْنَى فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ صُحِّحَ فِي الْمَبْسُوطِ الْجَوَازُ، وَصُحِّحَ فِي الْمُفِيدِ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ الْحَدَثَيْنِ. [فَرْعٌ] إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ التَّوَضُّؤِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِهِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيُنْتَقَضُ بِهِ إذَا وُجِدَ، ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا.

[باب التيمم]

بَابُ التَّيَمُّمِ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَهُوَ مُسَافِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّيَمُّمِ] شُرِعَ «فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ لَمَّا أَضَلَّتْ عَائِشَةُ عُقْدَهَا، فَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَلَبِهِ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَنَزَلَتْ فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَجَعَلَ يَقُولُ مَا أَكْثَرَ بَرَكَتَكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَرْحَمُكِ اللَّهُ يَا عَائِشَةُ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَرَجًا» . وَمَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ الْقَصْدُ مُطْلَقًا وَالشَّرْعِيُّ قَالُوا الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِلتَّطْهِيرِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لَمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَنْ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ، وَالْقَصْدُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ

أَوْ خَارِجَ الْمِصْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ نَحْوُ مِيلٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِدُخُولِ الْمِصْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ) يَجُوزُ كَوْنُهُ حَالًا مُفْرَدًا عَطْفًا عَلَى جُمْلَةٍ حَالِيَّةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا} [النساء: 43] وَأَنْ يَكُونَ ظَرْفَ مَكَان لِأَنَّ خَارِجَ الْبَلَدِ اسْمٌ لِمَا بِظَاهِرِهِ مِنْ الْمَكَانِ وَيَكُونُ عَطْفًا حِينَئِذٍ عَلَى (وَهُوَ مُسَافِرٌ) فَنَصَبَهُ عَلَى الظَّرْفِ وَهُوَ مَعَ الْمُبْتَدَأِ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْضًا إذْ تَقْدِيرُهُ: وَلَا وَهُوَ خَارِجُ الْمِصْرِ مِثْلُ {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 42] وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي النِّهَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ أَرْجَحَ لِأَنَّ خَارِجًا الصِّفَةُ لَا يَصِلُ إلَى الْبَلَدِ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْحَرْفِ كَفِعْلِهِ. لَا يُقَالُ: زَيْدٌ خَارِجُ الْبَلَدِ كَمَا لَا يُقَالُ خَرَجْت الْبَلَدَ وَكَمَا لَا يُقَالُ قَاعِدُ الدَّارِ بَلْ خَارِجٌ عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مِنْهَا فَلَا يُضَافُ حِينَئِذٍ لِفَصْلِ الْحَرْفِ، وَإِسْقَاطُ الْخَافِضِ سَمَاعِيٌّ، وَيَجُوزُ كَوْنُ خَارِجٍ عَطْفًا عَلَى مُسَافِرٍ عَطَفَ مُفْرَدَ خَبَرِ ظَرْفٍ عَلَى خَبَرٍ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: التُّرَابُ إلَخْ) عَنْ «أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ كَانَ يَعْزُبُ فِي إبِلٍ لَهُ وَتُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَهُ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» وَالْبَاقِي بِحَالِهِ، وَيَعْزُبُ يُبْعِدُ (قَوْلُهُ وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ مِيلَانِ

وَالْمَاءُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً وَالْمُعْتَبَرُ الْمَسَافَةُ دُونَ خَوْفِ الْفَوْتِ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِ (وَلَوْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا أَنَّهُ مَرِيضٌ يَخَافُ إنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ اشْتَدَّ مَرَضُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مِيلَانِ إنْ كَانَ الْمَاءُ أَمَامَهُ وَإِلَّا فَمِيلٌ، أَوْ لَوْ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يَسْمَعْهُ أَهْلُ الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَا تَحْرِيرَ لِهَذَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ، وَبِالْمِيلِ يَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ لَوْ أُلْزِمَ الذَّهَابَ إلَى الْمَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ. وَلِذَا قَدَّمَ فِي الْآيَةِ الْمَرْضَى عَلَى الْمُسَافِرِينَ لِأَنَّهُمْ أَحْوَجُ إلَى الرُّخْصَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ الْمِيلُ فِي تَقْدِيرِ ابْنِ شُجَاعٍ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسمِائَةٍ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَفِي تَفْسِيرِ غَيْرِهِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ، وَضُبِطَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: إنَّ الْبَرِيدَ مِنْ الْفَرَاسِخِ أَرْبَعُ ... وَلِفَرْسَخٍ فَثَلَاثُ أَمْيَالٍ ضَعُوا وَالْمِيلُ أَلْفٌ أَيْ مِنْ الْبَاعَاتِ قُلْ ... وَالْبَاعُ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ فَتَتْبَعُوا ثُمَّ الذِّرَاعُ مِنْ الْأَصَابِعِ أَرْبَعٌ ... مِنْ بَعْدِهَا عِشْرُونَ ثُمَّ الْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَةٍ فَظَهْرُ شَعِيرَةٍ ... مِنْهَا إلَى بَطْنٍ لِأُخْرَى تُوضَعُ ثُمَّ الشَّعِيرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ فَقُلْ ... مِنْ شَعْرِ بَغْلٍ لَيْسَ فِيهَا مِدْفَعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ وَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ الْمَسَافَةُ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ الْفَوْتِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا أَنَّهُ مَرِيضٌ يَخَافُ إنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ اشْتَدَّ مَرَضُهُ) أَوْ أَبْطَأَ بُرْؤُهُ يَتَيَمَّمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ بِالتَّحَرُّكِ كَالْمُشْتَكِي مِنْ الْعَرَقِ الْمُدْنِي وَالْمَبْطُونِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَالْجُدَرِيِّ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ وَجَدَ خَادِمًا لَهُ أَوْ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ أَجِيرًا أَوْ عِنْدَهُ مَنْ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ فَعَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ: فِيمَا قُلْنَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَعَهُ قَوْمٌ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى

يَتَيَمَّمُ) لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ فِي زِيَادَةِ الْمَرَضِ فَوْقَ الضَّرَرِ فِي زِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ، وَذَلِكَ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ فَهَذَا أَوْلَى. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ مَرَضُهُ بِالتَّحَرُّكِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ. وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَوْفَ التَّلَفِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِظَاهِرِ النَّصِّ. (وَلَوْ خَافَ الْجُنُبُ إنْ اغْتَسَلَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ أَوْ يُمْرِضُهُ يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) وَهَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَامِ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ زِيَادَةُ الْوَجَعِ فِي قِيَامِهِ وَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ الْحَرَجِ فِي الْوُضُوءِ. قَالَ: وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ مِنْهَاجَ الْأَئِمَّةِ فِيمَا قَرَأْنَا عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ عَلَى قَوْلِهِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ. وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا. وَقَالَ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ أَوْ كَانَ فِي فِرَاشِهِ نَجَاسَةٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ عَنْهُ وَوَجَدَ مَنْ يَحُولُهُ وَيُوَجِّهُهُ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا لَا يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَالْحَجُّ وَالْخِلَافُ فِيهِمَا مَعْرُوفٌ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمُكَلَّفُ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُعَدُّ قَادِرًا إذَا اخْتَصَّ بِحَالَةٍ تُهَيِّئُ لَهُ الْفِعْلَ مَتَى أَرَادَ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا بَذَلَ الِابْنُ الْمَالَ وَالطَّاعَةَ لِأَبِيهِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَكَذَا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَهُوَ مُعْدَمٌ فَبَذَلَ إنْسَانٌ لَهُ الْمَالَ لِمَا قُلْنَا، وَعِنْدَهُمَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِآلَةِ الْغَيْرِ لِأَنَّ آلَتَهُ صَارَتْ كَآلَتِهِ بِالْإِعَانَةِ، وَكَانَ حُسَامُ الدِّينِ يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا اهـ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَتَيَمَّمُ فِي الْمِصْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ، وَكَذَا الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِخِلَافِ مَقْطُوعِهِمَا (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ خَوْفَ التَّلَفِ) أَوْ شِينَ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَسَوَادِ الْيَدِ وَنَحْوِهِ (وَهُوَ مَرْدُودٌ بِظَاهِرِ النَّصِّ) إذْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] الْآيَةُ لَا تُقَيِّدُ فِيهِ بَيْنَ مَرِيضٍ يَخْشَى التَّلَفَ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ الزِّيَادَةِ، وَلَوْلَا مَا عُلِمَ قَطْعًا مِنْ أَنَّ شَرْعِيَّةَ التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ إنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ وَالْحَرَجُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ

هُمَا يَقُولَانِ إنَّ تَحَقُّقَ هَذِهِ الْحَالَةِ نَادِرٌ فِي الْمِصْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ. (وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ، ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ» وَيَنْفُضُ يَدَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَنَاثَرُ التُّرَابُ كَيْ لَا يَصِيرَ مُثْلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ خَوْفِ الِاشْتِدَادِ أَوْ الِامْتِدَادِ لَكَانَ جَائِزًا لِلْمَرِيضِ مُطْلَقًا خَافَ عَاقِبَتَهُ أَوْ لَمْ يَخَفْ (قَوْلُهُ هُمَا يَقُولَانِ إلَخْ) مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ نَشَأَ عَنْ اخْتِلَافِ زَمَانٍ لَا بُرْهَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْحَمَّامِ فِي زَمَانِهِمَا يُؤْخَذُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّمَنِ دَخَلَ ثُمَّ تَعَلَّلَ بِالْعُسْرَةِ وَفِي زَمَانِهِ قَبْلَهُ فَيُعْذَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بُرْهَانِيًّا بَنَاهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِغَيْرِ الْوَاجِدِ قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْ رَفِيقِهِ إذَا كَانَ لَهُ رَفِيقٌ، فَعَلَى هَذَا يُقَيَّدُ مَنَعَهُمَا بِأَنْ يَتْرُكَ طَلَبَ الْمَاءِ الْحَارِّ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ، أَمَّا إنْ طَلَبَ فَمُنِعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا (قَوْله هُمَا يَقُولَانِ إنَّ تَحَقُّقَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمِصْرِ نَادِرٌ) يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: يَعْنِي تَحَقُّقَ خَوْفِ الْهَلَاكِ بَرْدًا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ الْحَارِّ إذْ يَتَنَاوَلُ الْعَجْزُ عَنْهُ لِلطَّلَبِ مِنْ الْكُلِّ وَالْمَنْعُ وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى إعْمَالِ الْحِيلَةِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ. وَقَوْلُهُ فِي وَجْهِ قَوْلِهِ الْعَجْزُ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ يَحْتَمِلُ اعْتِبَارَهُ بِنَاءً عَلَى عَجْزِهِ عَنْ إعْمَالِ الْحِيلَةِ فِي الدُّخُولِ، وَاعْتِبَارُهُ بِنَاءً عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الطَّلَبِ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ لَكِنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَالشِّرَاءِ، وَعِنْدَ انْتِفَاءِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ، وَلِذَا لَمْ يُفَصِّلْ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ثَمَنُ الْمَاءِ بَيْنَ إمْكَانِ أَخْذِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بِالْحِيلَةِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا، بَلْ أَطْلَقُوا جَوَازَ التَّيَمُّمِ إذْ ذَاكَ مَعَ أَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ مِنْ أَخْذِهِ حَالَةَ الْعُسْرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، فَإِنْ تَمَّ هَذَا الْبَحْثُ فَإِطْلَاقُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْحَمَّامِ يُؤْخَذُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيَتَعَلَّلُ بِالْعُسْرَةِ بَعْدَهُ فِيهِ نَظَرٌ، هَذَا وَأَمَّا خَوْفُ الْمَرَضِ مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِهِ هَلْ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَالْغُسْلِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، جَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ مُبِيحًا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ» إلَخْ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سَكَتَ عَنْهُ

وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيعَابِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْوُضُوءِ، وَلِهَذَا قَالُوا: يُخَلِّلُ الْأَصَابِعَ وَيَنْزِعُ الْخَاتَمَ لِيُتِمَّ الْمَسْحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاكِمُ وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ غَيْرَ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ، وَهُوَ صَدُوقٌ، وَقَدْ وَقَفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَهُشَيْمٌ وَغَيْرُهُمَا وَصَوَّبَ وَقْفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَ ابْنِ ظَبْيَانِ عَنْ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَمَّا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْمَاطِيِّ إلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ» قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَقَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: عُثْمَانُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ مَرْدُودٌ، وَبِهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ «عَمَّارٍ بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيُمْنَى وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» وَهُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ قَالَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفَّيْنِ الذِّرَاعَيْنِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، أَوْ الْمُرَادُ ظَاهِرُهُمَا مَعَ الْبَاقِي أَوْ كَوْنُ أَكْثَرِ عَمَلِ الْأُمَّةِ عَلَى هَذَا يُرَجَّحُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى حَدِيثِ عَمَّارٍ، فَإِنَّ تَلَقِّي الْأُمَّةِ الْحَدِيثَ بِالْقَبُولِ يُرَجِّحُهُ عَلَى مَا أَعْرَضْت عَنْهُ، ثُمَّ قَوْلُهُمْ ضَرْبَتَانِ يُفِيدُ أَنَّ الضَّرْبَ رُكْنٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ فَقَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ أَحْدَثَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَبِهِ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ: يَجُوزُ كَمَنْ مَلَأَ كَفِيهِ مَاءً فَأَحْدَثَ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ التُّرَابُ، كَذَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الْغُبَارَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فَمَسَحَ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ لَا يَجُوزُ يَلْزَمُ فِيهِ، إمَّا كَوْنُهُ قَوْلُ مَنْ أَخْرَجَ الضَّرْبَةَ لَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَإِمَّا اعْتِبَارُ الضَّرْبَةِ أَعُمَّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْعُضْوِ مَسَحَا، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَرُ عَدَمَ اعْتِبَارِ ضَرْبَةِ الْأَرْضِ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ شَرْعًا، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَسْحُ لَيْسَ غَيْرَ فِي الْكِتَابِ، قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ» إمَّا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمَسْحَتَيْنِ كَمَا قُلْنَا، أَوْ أَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْغَالِبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ حَتَّى قَالُوا يُخَلِّلُ) عَنْ مُحَمَّدٍ: يُحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ وَضَرْبَةٌ لِتَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ لَكِنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ وَالْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّخْلِيلُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَيَنْزِعُ الْخَاتَمَ، وَفِي الْمُحِيطِ: يَمْسَحُ تَحْتَ الْحَاجِبِينَ، وَفِي الْحِلْيَةِ يَمْسَحُ مِنْ وَجْهِهِ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ

(وَالْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ فِيهِ سَوَاءٌ) وَكَذَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: إنَّا قَوْمٌ نَسْكُنُ هَذِهِ الرِّمَالَ وَلَا نَجِدُ الْمَاءَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَفِينَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ» . (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ وَالرَّمَلِ وَالْحَجَرِ وَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشَّعْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيُقَابِلُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّ الْأَكْثَرَ كَالْكُلِّ لِوَجْهٍ غَيْرِ لَازِمٍ. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إنَّا نَكُونُ بِالرِّمَالِ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ وَيَكُونُ فِينَا الْجُنُبُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ وَلَسْنَا نَجِدُ الْمَاءَ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ لِوَجْهِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا عَلَى يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ» أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ حَدِيثٌ يُعْرَفُ بِالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ فِي آخَرِينَ، وَرَوَاهُ أَبُو يُعَلَّى مِنْ حَدِيثِ أَبِي لَهَيْعَةِ وَهُوَ أَيْضًا مُضَعَّفٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّارُ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ لِسُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَخْ) قِيلَ مَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا حُرِقَ لَا يَنْطَبِعُ وَلَا يَتَرَمَّدُ: أَيْ لَا يَصِيرُ رَمَادًا فَهُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَخَرَجَتْ الْأَشْجَارُ وَالزُّجَاجُ الْمُتَّخَذُ مِنْ الرَّمَلِ وَغَيْرِهِ وَالْمَاءُ الْمُتَجَمِّدُ وَالْمَعَادِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي مَحَالِّهَا فَيَجُوزُ لِلتُّرَابِ

بِالتُّرَابِ وَالرَّمَلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ الْمُنْبِتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ تُرَابًا مُنْبِتًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ زَادَ عَلَيْهِ الرَّمَلَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ سُمِّيَ بِهِ لِصُعُودِهِ، وَالطَّيِّبُ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِمَوْضِعِ الطَّهَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي عَلَيْهَا لَا بِهَا نَفْسِهَا، وَدَخَلَ الْحَجَرُ وَالْجَصُّ وَالنُّورَةُ وَالْكُحْلُ وَالزِّرْنِيخُ وَالْمَغْرَةُ وَالْكِبْرِيتُ وَالْمِلْحُ الْجَبَلِيُّ لَا الْمَائِيُّ وَالسَّبْخَةُ وَالْأَرْضُ الْمُحْرِقَةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْفَيْرُوزَجُ وَالْعَقِيقُ وَالْبَلْخَشُ وَالْيَاقُوتُ وَالزُّمُرُّدُ وَالزَّبَرْجَدُ لَا الْمَرْجَانُ وَاللُّؤْلُؤُ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَاءٌ، وَكَذَا الْمَصْنُوعُ مِنْهَا كَالْكِيزَانِ وَالْجِفَانِ وَالزَّبَادِيِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَطْلِيَّةً بِالدِّهَانِ، وَالْآجُرِّ الْمَشْوِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إنْ خُلِطَ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْ الْأَرْضِ، كَذَا أُطْلِقَ فِيمَا رَأَيْت مَعَ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ التُّرَابُ إذَا خَالَطَهُ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُفَصَّلَ فِي الْمُخَالِطِ لِلَّبِنِ بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ لِاحْتِرَاقِ مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ زَادَ عَلَيْهِ الرَّمَلَ) جَعَلَ هَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلًا لِأَبِي يُوسُفَ مَرْجُوعًا عَنْهُ وَأَنَّ قَرَارَ مَذْهَبِهِ تَعَيُّنُ التُّرَابِ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ) لِصُعُودِهِ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٌ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَفْهُومُهُ وَجَبَ تَعْمِيمُهُ وَأَنَّ تَفْسِيرَ ابْنَ عَبَّاسٍ إيَّاهُ بِالتُّرَابِ تَفْسِيرٌ بِالْأَغْلَبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَأَمَّا رِوَايَةُ «وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُخَصَّصٌ خَطَأٌ لِأَنَّهُ إفْرَادُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ لِأَنَّهُ رَبَطَ حُكْمَ الْعَامِّ نَفْسَهُ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَالتَّخْصِيصُ إفْرَادُ الْفَرْدِ مِنْ حُكْمِ الْعَامِّ فَلَيْسَ بِمُخَصَّصٍ عَلَى الْمُخْتَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالطَّيِّبُ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَفِيهِ أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ اللَّفْظِ يَحْتَمِلُ مَعْنًى لَا يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَيْهِ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَوْنُ الطَّيِّبِ مُرَادًا بِهِ الطَّاهِرُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْإِجْمَاعُ دَلِيلُ إرَادَةِ هَذَا

أَوْ هُوَ مُرَادُ الْإِجْمَاعِ (ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ غُبَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا (وَكَذَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ. (وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَيْسَتْ بِفَرْضٍ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحْتَمَلِ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مُرَادٌ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ غُبَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قُلْنَا: هِيَ لِلِابْتِدَاءِ فِي الْمَكَانِ، إذْ لَا يَصِحُّ فِيهَا ضَابِطُ التَّبْعِيضِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ وَهُوَ وَضْعُ بَعْضِ مَوْضِعَهَا فِي الْأَوْلَى وَلَفْظُ الَّذِي فِي الثَّانِي وَالْبَاقِي فِي الْأَوَّلِ بِحَالِهِ، وَيُزَادُ فِي الثَّانِي جُزْءٌ لِيُتِمَّ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ كَمَا فِي {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ، وَلَوْ قِيلَ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ بَعْضِهِ أَفَادَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ جَعْلُ الصَّعِيدِ مَمْسُوحًا وَالْعُضْوَيْنِ آلَتَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَكَذَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ كَأَنْ يَكُونَ فِي وَحْلٍ وَرَدْغَةٍ بِسَفَرٍ أَوْ بِحَرٍّ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْمَاءَ، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَفِي أُخْرَى لَا يَجُوزُ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَيَمَّمُ بِهِ وَيُعِيدُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تُرَابٌ خَالِصٌ أَوْ غَالِبٌ أَوْ لَا، فَعِنْدَهُ لَا، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ إذْ لَمْ يُفَارِقْهُ إلَّا بِمُمَازَجَةِ الْهَوَاءِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ إلَخْ) هُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ لُغَةً، وَلَيْسَ

أَوْ جَعَلَ طَهُورًا فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَالْمَاءُ طَهُورٌ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا مَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْصُودُ فِي النَّصِّ الْخِطَابُ بِقَصْدِ الصَّعِيدِ فَيَمْسَحُ بِهِ الْعُضْوَيْنِ وَإِلَّا لَكَانَتْ النِّيَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ تِلْكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ قَصَدَهُ لِلْمَسْحِ لَمْ تَكُنْ الْمُعْتَبَرَةُ فَضْلًا عَمَّا هُوَ مَدْلُولُ النَّصِّ مِنْ أَنْ يَقْصِدَهُ فَيُرَتِّبَ عَلَى قَصْدِهِ ذَلِكَ الْمَسْحَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ لَفْظَ التَّيَمُّمِ وَهُوَ الِاسْمُ الشَّرْعِيُّ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ، وَالْأَصْلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يُنْبِئُ عَنْهُ مِنْ الْمَعَانِي عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: النِّيَّةُ الْمَشْرُوطَةُ هِيَ نِيَّةُ التَّطْهِيرِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَمَا زَادَهُ غَيْرُهُ مِنْ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ لَا يُنَافِيه إذْ يَتَضَمَّنُ نِيَّةَ التَّطْهِيرِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِلْقِرَاءَةِ وَلَوْ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ مَسَّهُ أَوْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَوْ دَفْنِ الْمَيِّتِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ أَوْ السَّلَامِ أَوْ رَدِّهِ أَوْ الْإِسْلَامِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إلَّا مَنْ شَذَّ وَهُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ مَعَ وُجُودِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْحَاصِلِ نَوَى التَّيَمُّمَ لِكَذَا، فَعَلِمْنَا أَنَّ نِيَّةَ نَفْسِ الْفِعْلِ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ بَلْ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْمَقْصُودَ مِنْ الطَّهَارَةِ وَلِلصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ. نَعَمْ رُوِيَ فِي النَّوَادِرِ: لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ يَنْوِي التَّيَمُّمَ جَازَ بِهِ الصَّلَاةُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ يَجُوزُ، فَعَلَى هَاتَيْنِ تُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ لَكِنَّهُ غَيْرُ الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ يُرِيدُ بِهِ تَعْلِيمَ الْغَيْرِ دُونَ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا أَنْبَأَ عَنْ قَصْدٍ هُوَ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ نِيَّةً فَلَا يَكُونُ النَّصُّ بِذَلِكَ مُوجِبًا لِلنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، أَلَا يَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] يُنَبِّئُ عَنْ الْإِرَادَةِ حَتَّى اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ شَرَطَ النِّيَّةِ لِلْوُضُوءِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ لِلصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ اتِّفَاقًا وَالْغَسْلُ وَقَعَ جَزَاءً لِذَلِكَ وَالْجَزَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْ الشَّرْطِ فَيُفِيدُ وُجُوبَ الْغَسْل لِأَجَلِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ التَّحْقِيقُ عَدَمَ إفَادَتِهِ وُجُوبِهَا، وَالْكَلَامُ الْمَذْكُورُ تَمْوِيهٌ إذْ الْمُفَادُ بِالتَّرْكِيبِ مَعَ الْمُقَدَّرِ إنَّمَا هُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لِأَجَلِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ لَا إيجَابَ أَنْ يُغْسَلَ لِأَجَلِ الصَّلَاةِ، إذْ عَقْدُ الْجَزَاءِ الْوَاقِعَ طَلَبًا بِالشَّرْطِ يُفِيدُ طَلَبَ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ إذَا تَحَقَّقَ مَضْمُونُ الشَّرْطِ، وَأَنَّ وُجُوبَهُ اُعْتُبِرَ مُسَبِّبًا عَنْ ذَلِكَ فَأَيْنَ طَلَبَهُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ هُوَ فِعْلُهُ عَلَى قَصْدِ كَوْنِهِ لِمَضْمُونِ الشَّرْطِ فَتَأَمَّلْ، وَلَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ حَتَّى لَمْ يُكَافِئْهُ بِالْجَوَابِ. فَإِنْ قُلْت: ذَكَرْت أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لِرَدِّ السَّلَامِ لَا تُصَحِّحُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ» عَلَى مَا أَسْلَفْته فِي الْأَوَّلِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَصْدَ رَدِّ السَّلَامِ بِالتَّيَمُّمِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَوَى عِنْدَ فِعْلِ التَّيَمُّمِ التَّيَمُّمَ لَهُ، بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ نَوَى مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ ثُمَّ يَرُدُّ السَّلَامَ إذَا صَارَ طَاهِرًا (قَوْلُهُ أَوْ جُعِلَ طَهُورًا فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ) إنْ أَرَادَ حَالَةَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَيَانِ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَوَّلَ الْكِتَابِ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْإِرَادَةَ مُرَادَةٌ فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ

(ثُمَّ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَوْ لِلْجَنَابَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. (فَإِنْ تَيَمَّمَ نَصْرَانِيٌّ يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مُتَيَمِّمٌ) لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ. وَلَهُمَا أَنَّ التُّرَابَ مَا جُعِلَ طَهُورًا إلَّا فِي حَالِ إرَادَةِ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَالْإِسْلَامُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ تَصِحُّ بِدُونِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا جُمْلَةُ التَّيَمُّمِ: أَعْنِي آيَةَ الْوُضُوءِ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] إلَى آخَرِ آيَةِ التَّيَمُّمِ عَطْفٌ عَلَيْهَا، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنْ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي إيجَابَ النِّيَّةِ وَلَا نَفْيِهَا، وَأَمَّا جَعْلُ الْمَاءِ طَهُورًا بِنَفْسِهِ مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَمِنْ قَوْلِهِ {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، إذْ كَوْنُ الْمَقْصُودِ مِنْ إنْزَالِهِ التَّطْهِيرَ بِهِ وَتَسْمِيَتُهُ طَهُورًا لَا يُفِيدُ اعْتِبَارَهُ مُطَهِّرًا بِنَفْسِهِ: أَيْ رَافِعًا لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ بِلَا نِيَّةٍ، بِخِلَافِ إزَالَتِهِ الْخَبَثَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْسُوسٌ أَنَّهُ مُقْتَضَى طَبْعِهِ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ إزَالَتِهِ حِسًّا صِفَةً مَحْسُوسَةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ يَرْتَفِعُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ: أَعْنِي الْحَدَثَ، وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَنَّ التَّطْهِيرَ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِ طَهُورٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَالْمُفَادُ مِنْ لِيُطَهِّرَكُمْ كَوْنُ الْمَقْصُودِ مِنْ إنْزَالِهِ التَّطْهِيرُ بِهِ، وَهَذَا يَصْدُقُ مَعَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَدَمُهُ كَمَا قُلْنَا، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى أَخَصَّ بِخُصُوصِهِ. وَالْحَاصِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّلَالَةِ لَفْظًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ النِّيَّةِ وَعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِهَا وَهُوَ الثَّابِتُ فِي الْآيَةِ، فَرَجَعَ إسْنَادُ عَدَمِ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ إلَى عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا وَعَدْنَاهُ فِي سُنَنِ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ يُشْتَرَطُ، قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا تَيَمَّمَ يُرِيدُ الْوُضُوءَ أَجْزَأَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَنْ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ تَصِحُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا حَتَّى لَا يُصَلِّيَ بِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُصَحِّحُ مِنْهُ تَيَمُّمًا إلَّا لِلْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ قُرْبَةٌ تَصِحُّ بِدُونِهَا) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ صَحَّ عِنْدَهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ (وَإِنْ تَوَضَّأَ لَا يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ. (فَإِنْ تَيَمَّمَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيه فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ. وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا فَاعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِيه كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَى الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا لَا يُصَحِّحَانِ مِنْهُ تَيَمُّمًا أَصْلًا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ النِّيَّةِ مِنْهُ فَمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّيَّةَ تُصَيِّرُ الْفِعْلَ مُنْتَهِضًا سَبَبًا لِلثَّوَابِ، وَلَا فِعْلَ يَقَعُ مِنْ الْكَافِرِ كَذَلِكَ حَالَ الْكُفْرِ وَلِذَا صَحَّحُوا وُضُوءَهُ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ وَلَمْ يُصَحِّحْهُ الشَّافِعِيُّ لَمَّا افْتَقَرَ إلَيْهَا عِنْدَهُ. وَقَدْ رَجَعَ الْمُصَنِّفُ إلَى التَّحْقِيقِ فِي التَّعْلِيلِ فِي جَوَابِ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا قُرْبَةً مَقْصُودَةً هُنَا كَوْنُهَا مَشْرُوعَةٌ ابْتِدَاءً يُعْقَلُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لَعَيْنِهَا بَلْ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَنْكِفِينَ مِنْ الْكُفَّارِ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ وَالِانْقِيَادِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلِذَا أُدِّيَتْ فِي ضَمِنَ الرُّكُوعِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ) فَكَمَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ التَّيَمُّمِ وَهُوَ كَافِرٌ لَا يَصِحُّ بَقَاؤُهُ مَعَ الْكُفْرِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، كَمَا يُمْنَعُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ يُمْنَعُ بَقَاؤُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ صَغِيرَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا الْمَرْأَةُ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ، أَوْ كَبِيرِينَ فَمَكَّنَتْ الزَّوْجَةُ ابْنَ زَوْجِهَا ارْتَفَعَ بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مُنَافِيَةٍ الْحُكْمَ يَسْتَوِي فِيهَا الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ بِالنَّصِّ كَبَقَاءِ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ حَتَّى جَازَ الْبِنَاءُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ لَزُفَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ بِنَاءَهُ عَلَى حَبْطِ الْعَمَلِ بِالْكُفْرِ لِيَحْتَاجَ إلَى جَوَابِهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى بَعْدَ قَلِيلِ تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ) حَاصِلُهُ تَسْلِيمُ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَمَنْعُ صِدْقِهِ

مِنْ الْكَافِرِ ابْتِدَاءٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُ. (وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ فَأَخَذَ حُكْمَهُ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ) لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، أَفَادَ هَذَا إدْخَالُ اللَّامَ فِي الْبَاقِي: أَيْ لَيْسَ التَّيَمُّمُ نَفْسُهُ بَاقِيًا لِيَرْتَفِعَ بِوُرُودِ الْكُفْرِ، بَلْ الْبَاقِي صِفَةُ الطَّهَارَةِ الَّتِي أَوْجَبَهَا، وَهَذِهِ لَا يَرْفَعُهَا شَرْعًا إلَّا الْحَدَثُ، وَلِذَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَى الصِّفَةِ الْكَائِنَةِ عَنْ الْوُضُوءِ لَمْ يَرْفَعْهَا وَهِيَ مِثْلُهَا. وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ الْبَقَاءُ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ مِنْ النِّكَاحِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ لَيْسَ إلَّا بَقَاءَ آثَارِهَا فَإِنَّ الْبَاقِيَ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ بَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ لَيْسَ إلَّا الْأَثَرَ مِنْ الْحِلِّ وَالْمِلْكِ، وَمَعَ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ بَقَاءً لَهَا حَتَّى انْتَفَتْ بِوُرُودِ مَا يَنْفِي ابْتِدَاءَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَبَقَاءُ الصِّفَةِ حِينَئِذٍ بَقَاءُ التَّيَمُّمِ وَيَلْزَمُ مَا قُلْته، زَادَ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ ابْتِدَاءٌ لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَهَذَا يُحَوِّلُ التَّقْرِيرَ عَنْ وُجْهَتِهِ الْأُولَى، هَكَذَا التَّيَمُّمُ نَفْسُهُ لَا يُنَافِيه الْكُفْرُ وَإِنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ وَهُوَ النِّيَّةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الِابْتِدَاءِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ وَتَحَقَّقَ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ، فَالصِّفَةُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ كَنَفْسِهِ لَا يَرْفَعُهَا الْكُفْرُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ حِينَئِذٍ حُكْمًا لَيْسَ هُوَ النِّيَّةُ. (قَوْلُهُ وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ) لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادَةُ بِالْوُجُودِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَمُقْتَضَاهُ خُرُوجُ ذَلِكَ التُّرَابِ الَّذِي تَيَمَّمَ بِهِ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ، وَيَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ أَثَرِهِ مِنْ طَهَارَةِ الرَّجُلِ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَطْعَ الِاعْتِبَارِ الشَّرْعِيِّ طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ مُقْتَصَرًا فَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إذْ لَوْ اسْتَنَدَ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَوَاتِ السَّابِقَةِ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ وَصْفٌ يَرْجِعُ إلَى الْمَحِلِّ فَيَسْتَوِي فِيهِ

وَخَائِفُ السَّبُعِ وَالْعَدُوِّ وَالْعَطَشِ عَاجِزٌ حُكْمًا وَالنَّائِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَادِرٌ تَقْدِيرًا، حَتَّى لَوْ مَرَّ النَّائِمُ الْمُتَيَمِّمُ عَلَى الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِمَا دُونَهُ ابْتِدَاءً فَكَذَا انْتِهَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ لَا يُفِيدُ دَفْعًا وَلَا يَمَسُّهُ، وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ «فَإِذَا وَجَدَهُ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» وَفِي إطْلَاقِهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ تَخْصِيصِ النَّاقِضِيَّةِ بِالْوُجْدَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (قَوْلُهُ وَخَائِفُ السَّبُعِ وَالْعَدُوِّ وَالْعَطَشِ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ عَاجِزٌ حُكْمًا فَيُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَكَذَا إذَا خَافَ الْجُوعَ بِأَنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْمَاءِ لِلْعَجِينِ، أَمَّا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْمَرَقَةِ فَلَا يَتَيَمَّمُ، لَكِنْ هَلْ يُعِيدُ إذَا أَمِنَ بِالْوُضُوءِ؟ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قُلْت جَازَ أَنْ تَجِبَ الْإِعَادَةُ عَلَى الْخَائِفِ مِنْ الْعَدُوِّ بِالْوُضُوءِ لِأَنَّ الْعُذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ اهـ. يَعْنِي وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعُذْرِ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَمِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَيُوجِبُونَ فِي الثَّانِي، وَلِذَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَحْبُوسِ إذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ خُلَّصِ، وَقِيلَ فِيمَنْ مَنَعَهُ إنْسَانٌ عَنْ الْوُضُوءِ بِوَعِيدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّي وَيُعِيدَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: الْأَسِيرُ مَنَعَهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ يَتَيَمَّمُ وَيُومِئُ وَيُعِيدُ وَكَذَا الْمُقَيَّدُ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت بِخِلَافِ الْخَائِفِ مِنْهُمْ فَإِنَّ الْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَنَصَّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَالنَّائِمُ) أَيْ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ تُوجِبُ النَّقْضَ كَالنَّائِمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ مَقْدُورِ الِاسْتِعْمَالِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَنْ ذَلِكَ عَبَّرَ فِي الْمَجْمَعِ بِالنَّاعِسِ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ لَا يُنْتَقَضَ عِنْدَ الْكُلِّ، لِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَبِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ فَكَذَا هَذَا. وَفِي زِيَادَاتِ الْحَلْوَانِيِّ قَالَ: فِي انْتِقَاضِ تَيَمُّمِهِ رِوَايَتَانِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فِي وَجْهِ الِانْتِقَاضِ عِنْدَهُ الشَّرْعُ إنْ اُعْتُبِرَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ النَّوْمِ يَقَظَةً كَانَ كَالْيَقْظَانِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ يَقَظَةً كَانَ هَذَا نَوْمًا لَمْ يَلْحَقْ بِالْيَقَظَةِ، وَكُلُّ نَوْمٍ لَمْ يَلْحَقْ بِهَا شَرْعًا فَهُوَ حَدَثٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَلَنَا أَنْ نَخْتَارَ الْأَوَّلَ وَلَا يُفِيدُهُ، فَإِنَّ الْيَقْظَانَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَاءِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَفِي التَّجْنِيسِ: صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَفِي جَنْبِهِ بِئْرٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ جَازَ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْإِدَاوَةِ الْمُعَلَّقَةِ فِي عُنُقِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ إذْ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ. وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. فَإِذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ فِي الْمُسْتَيْقِظِ حَقِيقَةً عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ، فَكَيْفَ يَقُولُ فِي النَّائِمِ حَقِيقَةً بِانْتِقَاضِ تَيَمُّمِهِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ) مِنْ الْمَاءِ: يَعْنِيَ الْمَاءَ فِي قَوْلِهِ وَيَنْقُضُهُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مَا يَكْفِي، فَلَوْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ فَنَقَصَ عَنْ

(وَلَا يُتَيَمَّمُ إلَّا بِصَعِيدٍ طَاهِرٍ) لِأَنَّ الطَّيِّبَ أُرِيدَ بِهِ الطَّاهِرَ فِي النَّصِّ وَلِأَنَّهُ آلَةُ التَّطْهِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ كَالْمَاءِ. (وَيُسْتَحَبُّ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَهُوَ يَرْجُوهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخَرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَإِلَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْدَى رِجْلَيْهِ إنْ كَانَ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ، أَوْ مَرَّةً لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ وَجَدَ مَا يَكْفِيه، إذْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَدْنَى مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ كَفَاهُ بِخِلَافِ الثَّانِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ فَيُفْنِيه فَحِينَئِذٍ يَتَيَمَّمُ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] يُفِيدُهُ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَصَارَ كَمَا إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِإِزَالَةِ بَعْضِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ ثَوْبًا يَسْتُرُ بَعْضَ عَوْرَتِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ فِي النَّصِّ مَاءً يَكْفِي لِإِزَالَةِ الْمَانِعِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَسْحِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ نَقَلَ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِهِ بِقَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: فَاغْسِلُوا وَامْسَحُوا بِالْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً تَغْسِلُونَ بِهِ وَتَمْسَحُونَ مَا عَيَّنْته عَلَيْكُمْ فَتَيَمَّمُوا. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْعَوْرَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّهُمَا يَتَجَزَّءَانِ فَيُفِيدُ إلْزَامَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْقَلِيلِ لِلتَّقْلِيلِ، وَلَا يُفِيدُ هُنَا إذْ لَا يَتَجَزَّأُ هُنَا بَلْ الْحَدَثُ قَائِمٌ مَا بَقِيَ أَدْنَى لَمْعَةٌ فَيَبْقَى مُجَرَّدُ إضَاعَةِ مَالٍ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ عِزَّتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ كَمَا هُوَ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقُدْرَةِ أَعَمُّ مِنْ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ، حَتَّى لَوْ رَأَى مَاءً فِي حَبٍّ لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ قُدْرَةٌ حِسِّيَّةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لِلشُّرْبِ، وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ وَجَبَ الْقَبُولُ وَانْتَقَضَ التَّيَمُّمُ، وَلَوْ وَجَدَ جَمَاعَةً مِنْ الْمُتَيَمِّمِينَ مَاءً مُبَاحًا يَكْفِي أَحَدَهُمْ انْتَقَضَ تَيَمُّمُ الْكُلِّ لِقُدْرَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ لِتَحَقُّقِ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وُهِبَ لَهُمْ بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الْمَاءِ هَذَا لَكُمْ أَوْ بَيْنَكُمْ فَقَبَضُوهُ حَيْثُ لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمْ مَا يَكْفِيه عَلَى قَوْلِهِمَا. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْهِبَةُ لِلشُّيُوعِ، فَلَوْ أَذِنُوا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْوُضُوءِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إذْنُهُمْ لِفَسَادِ الْهِبَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ، فَيُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْوَاهِبُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ دُونَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ إمَامًا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ غَيْرَ إمَامٍ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ الْقَوْمُ سَأَلَهُ الْإِمَامُ فَأَعْطَاهُ تَفْسُدُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ لَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى قَادِرًا عَلَى الْمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ فَرَّعُوا لَوْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ فَطَلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مَعَهُ مَاءٌ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُعْطِيه بَطَلَتْ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَإِنْ غَلَبَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ يَمْضِي ثُمَّ يَسْأَلُهُ، فَإِنْ أَعْطَاهُ وَلَوْ بَيْعًا بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَنَحْوِهِ أَعَادَ وَإِلَّا فَهِيَ تَامَّةٌ. وَكَذَا لَوْ أَعْطَاهُ بَعْدَ الْمَنْعِ إلَّا أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ هُنَا لِصَلَاةٍ أُخْرَى، وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ فَسَادِ الصَّلَاةِ فِي صُورَةِ سُؤَالِ الْإِمَامِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى حَالَةِ الْإِشْكَالِ أَوْ أَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّ عَدَمِ الْإِعْطَاءِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ بَعْدُ إعْطَاؤُهُ. [فَرْعٌ] يُبْتَلَى الْحَاجُّ بِحَمْلِ مَاءِ زَمْزَمَ لِلْهَدِيَّةِ وَيَرْصُصُ رَأْسَ الْقُمْقُمَةِ فَمَا لَمْ يَخَفْ الْعَطَشَ وَنَحْوَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: وَالْحِيلَةِ فِيهِ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَسْتَوْدِعُهُ مِنْهُ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى مَعَ غَيْرِهِ مَاءً يَبِيعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ تَمَلُّكٌ بِسَبَبٍ مَكْرُوهٍ وَهُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ شَرْعًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَ الْمَاءَ مَعْدُومًا فِي حَقِّهِ لِذَلِكَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَاءِ الْحَبِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِصَعِيدٍ طَاهِرٍ) ظَاهِرٌ حُكْمًا وَدَلِيلًا وَانْبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ بِغُبَارِ ثَوْبٍ نَجِسٍ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَقَعَ

لِيَقَعَ الْأَدَاءُ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ فَصَارَ كَالطَّامِعِ فِي الْجَمَاعَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقِّقِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْغُبَارُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ، وَهَلْ يَأْخُذُ التُّرَابُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ؟ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ مِنْ مَكَانٍ فَوَضْع آخِرَ يَدِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَتَيَمَّمَ أَجْزَأَهُ، وَالْمُسْتَعْمَلُ هُوَ التُّرَابُ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ تَصَوَّرَ اسْتِعْمَالِهِ وَكَوْنِهِ بِأَنْ يَمْسَحَ الذِّرَاعَيْنِ بِالضَّرْبَةِ الَّتِي مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ لَيْسَ غَيْرُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقِّقِ) مَعَ قَوْلِهِ فِي وَجْهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلُهُ مَعَ أَنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ فِي الْعُمْرَانَاتِ وَفِي الْفَلَاةِ إذَا أُخْبِرَ بِقُرْبِ الْمَاءِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الطَّلَبِ اعْتِبَارًا لِغَالِبِ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ. ، (وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ طَهُورٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ مَا بَقِيَ شَرْطُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ خِلَافُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ جَازَ التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ عَلَى تَيَقُّنٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ غَالِبُ ظَنِّهِ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِر الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّى، إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِقْدَارُ مِيلٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَلَكِنْ يَخَافُ الْفَوْتَ لَا يَتَيَمَّمُ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ يُجِيزُ النَّوَافِلَ الْمُتَعَدِّدَةَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ تَبَعِيَّةً لِلْفَرْضِ، وَالْخِلَافُ يُبْنَى تَارَةً عَلَى أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ عِنْدَنَا، مُبِيحٌ عِنْدَهُ لَا رَافِعٌ، وَتَارَةً عَلَى أَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ عِنْدَهُ مُطْلَقَةٌ عِنْدَنَا كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَيُدْفَعُ مَبْنَاهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَدَثِ مَانِعِيَّةً عَنْ الصَّلَاةِ شَرْعِيَّةً لَا يَشْكُلُ مَعَهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ لِارْتِفَاعِ ذَلِكَ الْمَنْعِ بِهِ وَهُوَ الْحَقُّ إذْ لَمْ يَقُمْ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ، وَتَغَيُّرُ الْمَاءِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَهُ نَازِلًا عَنْ وَصْفِهِ الْأَوَّلِ بِوَاسِطَةِ إسْقَاطِ الْفَرْضِ لَا بِوَاسِطَةِ إزَالَةِ وَصْفٍ حَقِيقِيٍّ مُدَنِّسٍ، وَيُدْفَعُ الثَّانِي بِأَنَّهُ طَهُورٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْخَصَائِصِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» يُرِيدُ مُطَهِّرًا وَإِلَّا لَمَا تَحَقَّقَتْ الْخُصُوصِيَّةُ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ثَابِتَةٌ، وَإِذَا كَانَ مُطَهِّرًا فَتَبْقَى طَهَارَتُهُ إلَى وُجُودِ غَايَتِهَا مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ نَاقِضٍ آخَرَ. وَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ طَهُورِيَّتِهِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَذَلِكَ أَفَادَتْهُ الطَّهَارَةُ، وَالْكَلَامُ لَيْسَ فِيهِ بَلْ فِي بَقَاءِ تِلْكَ الطَّهَارَةِ الْمُفَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَرْضٍ آخَرَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، فَلَنَا أَنْ نُثْبِتَ نَفْيَهُ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَتِهِ ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِمَنْعٍ مُرَدَّدٍ إنْ سَلِمَ، وَهُوَ إنْ أَرَدْت أَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ ضَرُورَةَ الْمَكْتُوبَةِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ مَنَعْنَاهُ بَلْ ضَرُورَةُ تَحْصِيلِ الْخَيْرَاتِ الْمَشْرُوطَةِ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا أَجَازَ هُوَ النَّوَافِلَ الْكَثِيرَةَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ، فَعَلِمَ أَنَّ اعْتِبَارَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ تَكْثِيرٌ لِأَبْوَابِ الْخَيْرَاتِ إرَادَةٌ لِإِفَاضَةِ كَرَمِهِ، أَلَّا يَرَى أَنَّهُ أَبَاحَ النَّفَلَ عَلَى الدَّابَّةِ بِالْإِيمَاءِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ فَوَاتِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ فِيهَا وَلَا ضَرُورَةَ إلَّا

(وَيَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ فِي الْمِصْرِ إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ) لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ (وَكَذَا مَنْ حَضَرَ الْعِيدَ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ يَفُوتَهُ الْعِيدُ يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ. وَقَوْلُهُ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْإِعَادَةِ فَلَا فَوَاتَ فِي حَقِّهِ (وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُقْتَدِي فِي صَلَاةِ الْعِيدِ تَيَمَّمَ وَبَنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَا يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّ اللَّاحِقَ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَلَا يَخَافُ الْفَوْتَ. وَلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيه ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاجَةُ الْقَائِمَةُ بِالْعَبْدِ لِزِيَادَةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ فَضْلِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ اُبْتُنِيَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَنَعَهُ وَأَجَزْنَاهُ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ صَلَاتِهِ بَطَلَ أَوْ بَعْدَ السَّلَامِ تَمَّتْ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ هَلْ يُخْرِجُهُ سَلَامُهُ عَنْ الصَّلَاةِ فَعِنْدَهُ لَا، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ، وَإِنَّ أَرَدْت غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إبْدَائِهِ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ إلَخْ) مَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ تَيَمُّمٌ مَعَ عَدَمِ شَرْطِهِ. قُلْنَا مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ عَاجِزٌ عَنْ الْوُضُوءِ لَهَا فَيَجُوزُ، أَمَّا الْأَوْلَى فَلِأَنَّ تَعَلُّقَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَبِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ، وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، وَذَكَرَهُ مَشَايِخُنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ الْحَسَنِ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ، ثُمَّ لَوْ صَلَّى بِهِ فَحَضَرَتْ أُخْرَى خَافَ فَوْتَهَا كَذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ: انْتَهَتْ تِلْكَ بِانْتِهَاءِ الضَّرُورَةِ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ أُخْرَى. وَقَالَا: وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ لِتِلْكَ وَهَذِهِ مِثْلُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَجَازَتْ بِهِ، وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَ

عَارِضٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرَعَ بِالْوُضُوءِ، وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَبَنَى بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ فَيَفْسُدُ. (وَلَا يَتَيَمَّمُ لِلْجُمُعَةِ وَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ صَلَّاهَا وَإِلَّا صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا) لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ بِخِلَافِ الْعِيدِ (وَكَذَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ) لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنَازَتَيْنِ وَقْتٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْوُضُوءُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ كَانَ شُرِعَ بِالتَّيَمُّمِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْوُضُوءَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَاحِقٌ فَلَا فَوْتَ عَلَيْهِ كَانَ هَذَا الْإِيجَابُ فَرْعَ الْحُكْمِ شَرْعًا بِوُجُودِ الْمَاءِ، إذْ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مَعَ حُكْمِ الشَّرْعِ بِعَدَمِ الْمَاءِ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ وَاجِدٌ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ وَاجِدٌ فِي الصَّلَاةِ، إذْ لَا فَصْلَ بَيْنَ زَمَانِهِ وَمَا قَبْلَهُ بِشَيْءٍ أَصْلًا. وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ لِأَنَّ الْحُكْمَ شَرْعًا بِالْعَدَمِ السَّابِقِ بِنَاءً عَلَى خَوْفِ الْفَوْتِ وَقَدْ زَالَ بِسَبْقِ الْحَدَثِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَغَيَّرَ الِاعْتِبَارُ الشَّرْعِيُّ فَيُعَدُّ قَبْلَ السَّبْقِ عَادِمًا وَبَعْدَهُ وَاجِدًا. وَقِيلَ فِي التَّعْلِيلِ: لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَيَقَعُ الْفَوَاتُ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ الِانْتِقَاضُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ لِأَنَّ انْتِقَاضَ التَّيَمُّمِ قَدْ وُجِدَ قَبْلَهُ بِسَبْقِ الْحَدَثِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ وَعَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا خَافَ: أَيْ شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ وَعَدَمِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ يَرْجُو الْإِدْرَاكَ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ عُرُوضِ الْمُفْسِدِ لَا يَتَيَمَّمُ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ لَمْ يَتَيَمَّمْ) بَلْ يَتَوَضَّأُ وَيَقْضِيهَا خِلَافًا لَزُفَرَ. لَهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يُشْرَعْ

(وَالْمُسَافِرُ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاءَ لَمْ يُعِدْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعِيدُهَا) وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً لَهُ أَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ فَنَسِيَهُ، وَلِأَنَّ رَحْلَ الْمُسَافِرِ مُعَدٌّ لِلْمَاءِ عَادَةً فَيُفْتَرَضُ الطَّلَبُ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ، وَمَاءُ الرَّحْلِ مُعَدٌّ لِلشُّرْبِ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا لِتَحْصِيلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَوْلُهُمْ إنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتَ، وَلَمْ يَتَّجِهْ لَهُمْ سِوَى أَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يُوجِبُ التَّرْخِيصَ عَلَيْهِ وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا أُخِّرَ لَا لِعُذْرٍ (قَوْلُهُ وَالْمُسَافِرُ إلَخْ) اللَّامُ فِي الْمَاءِ لِلْعَهْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَافِرِ، إذْ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إذْ بِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ عَهْدُهُ بِهِ، وَقُيِّدَ بِالنِّسْيَانِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ فَوَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ فَنِيَ فَلَا خِلَافَ، بَلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْإِعَادَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ مَدْرَكَانِ الْأَوَّلُ نِسْيَانُ مَاءِ الرَّحْلِ نِسْيَانُ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً لِقُوَّةِ ثَبَاتِ صُورَتِهِ فِي النَّفْسِ بِشِدَّةِ تَشَبُّثِهَا بِهِ فِي الْأَسْفَارِ لِعِزَّةِ الْمَاءِ فِيهَا فَصَارَ كَنِسْيَانِ إدَاوَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي عُنُقِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ مُقَدَّمِ إكَافِ مَرْكُوبِهِ أَوْ مُؤَخَّرِهِ وَهُوَ سَائِقٌ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مُقَدَّمَهُ وَهُوَ سَائِقٌ أَوْ مُؤَخَّرَهُ وَهُوَ رَاكِبٌ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِدٌ. الثَّانِي إلْحَاقُ الرَّحْلِ بِالْعُمْرَانِ وَإِخْبَارُ الْمُخْبِرِ وَوُجُودُ طَيْرٍ وَوَحْشٍ بِجَامِعِ وُجُودِ دَلِيلِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مَعْدِنُهُ فَيَجِبُ الطَّلَبُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ، وَلِذَا وَجَبَتْ

وَمَسْأَلَةُ الثَّوْبِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَفَرَضَ السِّتْرَ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ، وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ. (وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ طَلَبُ الْمَاءِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنَّهُ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءٌ) لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْفَلَوَاتِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْوُجُودِ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ هُنَاكَ مَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ حَتَّى يَطْلُبَهُ) لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ، ثُمَّ يَطْلُبُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَلَا يَبْلُغُ مِيلًا كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْ رُفْقَتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ طَلَبَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ) لِعَدَمِ الْمَنْعِ غَالِبًا، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ تَيَمَّمَ لَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ (وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَقَالَا لَا يُجْزِيه لِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِعَادَةُ إذَا صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عُرْيَانًا أَوْ بِنَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ نَاسِيًا الْمَاءَ وَالثَّوْبَ الطَّاهِرَ فِي رَحْلِهِ لِوُجُودِ عِلَّةِ اشْتِرَاطِ الطَّاهِرِ، فَقَوْلُهُمَا لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا يُفِيدُ بَعْدَ هَذَا التَّقْرِيرِ لِثُبُوتِ الْعِلْمِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ الْكُلُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُلْحَقِ بِهَا، وَالْمُفِيدُ لَيْسَ إلَّا مَنْعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ: أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّحْلَ دَلِيلُ الْمَاءِ الَّذِي ثُبُوتُهُ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ: أَعْنِي مَاءَ الِاسْتِعْمَالِ، بَلْ الشُّرْبُ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الشُّرْبِ، وَعَلَى هَذَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ، فَرَحْلُ الْمُسَافِرِ دَلِيلُ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِوَضْعِهِ مَعَ سَائِرِ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ لَا دَلِيلَ مَاءِ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ادِّعَاءِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الثَّوْبِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ، لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ مَعَ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَبَرَ الرَّحْلَ فِيهَا دَلِيلُ مَاءِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ فَرْضَ السِّتْرِ وَإِزَالَةَ النَّجَاسَةِ فَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لَا يُثْلِجُ الْخَاطِرَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لِأَنَّ فَوَاتَ الْأَصْلِ إلَى خَلَفٍ لَا يَجُوزَ الْخَلَفَ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ، بَلْ إذَا فَقَدَ شَرْطَهُ مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ يَصِيرُ فَاقِدًا لِلطَّهُورَيْنِ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ وَهُوَ التَّأْخِيرُ عِنْدَهُ وَالتَّشَبُّهُ عِنْدَهُمَا بِالْمُصَلَّيْنَ، وَوَافَقَ مُحَمَّدٌ أَبَا حَنِيفَةَ فِي التَّأْخِيرِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ) لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَاءِ بِمِلْكِهِ

(وَلَوْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُ ثَمَنُهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ) لَتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ لِأَنَّ الضَّرَرَ مُسْقِطٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِمِلْكِ بَدَلِهِ إذَا كَانَ يُبَاعُ أَوْ بِالْإِبَاحَةِ، أَمَّا مَعَ مِلْكِ الرَّفِيقِ فَلَا لِأَنَّ الْمِلْكَ حَاجِزٌ فَثَبَتَ الْعَجْزُ. وَعَنْ الْجَصَّاصِ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ، فَمُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ، وَمُرَادُهُمَا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ لِثُبُوتِ الْقُدْرَةِ بِالْإِبَاحَةِ فِي الْمَاءِ لَا فِي غَيْرِهِ عِنْدَهُ، فَلَوْ قَالَ انْتَظِرْ حَتَّى أَفْرُغَ وَأُعْطِيَك الْمَاءَ وَجَبَ الِانْتِظَارُ وَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا، فَلَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ دَلْوٌ وَلَيْسَ مَعَهُ لَهُ أَنْ يُتَيَمَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عِنْدَهُ وَلَوْ سَأَلَهُ فَقَالَ انْتَظِرْ حَتَّى أَسْتَقِيَ اُسْتُحِبَّ انْتِظَارُهُ عِنْدَهُ مَا لَمْ يَخَفْ الْفَوَاتَ، وَعِنْدَهُمَا يَنْتَظِرُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ ثَوْبٌ وَهُوَ عُرْيَانُ فَقَالَ انْتَظِرْ حَتَّى أُصَلِّيَ وَأَدْفَعُهُ إلَيْك. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبَحْت لَك مَالِي لِتَحُجَّ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمِلْكُ وَهُنَا الْقُدْرَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ لَا يَبِيعُ إلَّا بِضَعْفِ الْقِيمَةِ فَهُوَ غَالٍ، وَقِيلَ أَنْ يُسَاوِيَ دِرْهَمًا فَيَأْبَى إلَّا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ فِي الْوُضُوءِ وَبِدِرْهَمَيْنِ فِي الْجَنَابَةِ، وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. [فَرْعٌ] لَا تَلْفِيقَ عِنْدَنَا فِي إقَامَةِ طَهَارَةٍ بَيْنَ الْآلَتَيْنِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ شَرْطَ عَمَلِ التُّرَابِ شَرْعًا عَدَمُ الْأَصْلِ، مَثَلًا جُنُبٌ أَكْثَرُ بَدَنِهِ مَجْرُوحٌ تَيَمَّمَ فَقَطْ وَلَا يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ الْأَكْثَرَ صَحِيحًا يَغْسِلُ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ إنْ لَمْ يَضُرُّهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْخِرْقَةِ، فَلَوْ اسْتَوَيَا لَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ أَصْلًا، وَقِيلَ يَغْسِلُ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْبَاقِي، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَالْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ عَدَدِ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ، فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءً كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْجَرِيحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا، وَالْآخَرُونَ قَالُوا: إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَلَا.

[باب المسح على الخفين]

بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) لِيُفِيدَ أَنَّ لَيْسَ مَشْرُوعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ خِلَافًا لِمَنْ حَمَلَ قِرَاءَةَ الْجَرِّ فِي (أَرْجُلَكُمْ) عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لَا يَجِبُ إلَى الْكَعْبَيْنِ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ جَائِزٌ يَعْنِي لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا قُلْت بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي فِيهِ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ. وَعَنْهُ أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَبَرُ الْمَسْحِ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ لِشُهْرَتِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنْ الْمَسْحِ شَيْءٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَفَعُوا وَمَا وَقَفُوا. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي آخَرِينَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَمِمَّنْ رَوَى الْمَسْحَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدٌ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ وَبِلَالٌ وَصَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ وَسَلْمَانُ وَثَوَبَانُ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَيَعْلَى بْنُ مُرَّةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ وَبُرَيْدَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إنْكَارُ الْمَسْحِ إلَّا ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَ

لَكِنَّ مَنْ رَآهُ ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا، وَيَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الْحِسَانِ خِلَافُ ذَلِكَ وَمُوَافَقَةُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا أَحَالَتْ ذَلِكَ عَلَى عِلْمِ عَلِيٍّ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: وَسُئِلْت عَنْهُ أَعْنِي الْمَسْحَ مَالِي بِهَذَا عِلْمٌ. وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَغْدَادِيُّ عَنْهَا: لَأَنْ أَقْطَعُ رِجْلِي بِالْمُوسَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَدِيثٌ بَاطِلٌ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحُفَّاظُ (قَوْلُهُ لَكِنْ مَنْ رَآهُ ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا) لَفْظُ كَانَ مَأْجُورًا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَسْحَ مِنْ النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ الرُّخْصَةِ وَهُوَ مَا لَمْ تَبْقَ الْعَزِيمَةُ مَعَهُ مَشْرُوعَةً كَالرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ لِلْمُسَافِرِ، وَلَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الرَّابِعِ مَا دَامَ الْمُكَلَّفُ لَابِسَ الْخُفِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ نَزْعُهُ، فَإِذَا نَزَعَهُ سَقَطَتْ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ فَيَغْسِلُ، وَإِنَّمَا يُثَابُ بِتَكَلُّفِ النَّزْعِ وَالْغَسْلِ فَيَصِيرُ كَتَرْكِ السَّفَرِ لِقَصْدِ الْأَحْمَزَ. وَقَوْلُ الرُّسْتُغْفَنِيِّ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَمْسَحَ، إمَّا لَنَفِي التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الرَّوَافِضَ لَا يَرَوْنَهُ، وَإِمَّا لِلْعَمَلِ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ مَدْفُوعٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الثَّانِي عَلَى مَا عَلِمْت وَعَدَمُ تَأَتِّي الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعٍ يُعْلَمُ أَنَّ الْحَاضِرِينَ لَا يَتَّهِمُونَهُ لِعِلْمِهِمْ بِحَقِيقَةِ حَالِهِ أَوْ جَهْلِهِمْ وُجُودَ مَذْهَبِ الرَّوَافِضِ، فَلَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ الْجَوَابِ بَلْ إنْ كَانَ مَحِلَّ تُهْمَةٍ، هَذَا وَمَبْنَى السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ، وَمَنَعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ وَخَطَّأَهُمْ فِي تَمْثِيلِهِمْ بِهِ فِي الْأُصُولِ لَهَا لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَاضَ مَاءً بِخُفِّهِ فَانْغَسَلَ أَكْثَرُ قَدَمَيْهِ بَطَلَ الْمَسْحُ، وَكَذَا لَوْ تُكَلَّفَ غَسْلَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ

(مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ) خَصَّهُ بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ لَا مَسْح مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحَدَثٍ سَابِقٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا لَبِسَتْ عَلَى السَّيَلَانِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الْخُفِّ اهـ. وَمَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّته نَظَرٌ، فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورَيْنِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُزَلْ بِهِ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ، إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسْلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخِذِ، وَوِزَانَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْحَدَثِ. وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ، ثُمَّ إذَا نُقِضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ، وَالنَّزْعُ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ. (قَوْلُهُ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ) إسْنَادُ الْمُوجِبِيَّةِ لِلْحَدَثِ إمَّا تَجَوُّزٌ أَوْ لِاعْتِقَادِ أَنَّ سَبَبَ الْوُضُوءِ الْحَدَثُ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ) يُفِيدُ أَنَّ مَنْعَهَا مِنْ الْمَسْحِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَقَطْ فَتَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ كُلَّمَا تَوَضَّأْت لِحَدَثٍ

وَالْمُتَيَمِّمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ كَانَ رَافِعًا. وَقَوْلُهُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْكَمَالِ وَقْتَ اللِّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَكْمَلَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ أَحْدَثَ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ حُلُولَ الْحَدَثِ بِالْقَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ الَّذِي اُبْتُلِيت بِهِ، وَهَذَا أَعْنِي مَنْعُهَا بَعْدَهُ إذَا كَانَ السَّيَلَانُ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ وَاللِّبْسُ. أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَهِيَ كَغَيْرِهَا فَتَمْسَحُ بَعْدَ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ هُنَاكَ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ تَصِيرُ مُحْدِثَةً بِالسَّابِقِ، وَكَذَا الْمُتَيَمِّمُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَإِضَافَةُ الْحَدَثِ إلَى خُرُوجِهِ وَالرُّؤْيَةُ لِلْمَاءِ مَجَازٌ، فَلَوْ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَ اللِّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ أَوْ الْوُضُوءِ الْمُقَارَنِ هُوَ أَوْ اللِّبْسِ لِلْحَدَثِ بَعْدَ الْوَقْتِ كَانَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الَّذِي حَلَّ بِالْقَدَمِ لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ حَلَّ بِهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ أَوْ حَالَ ذَلِكَ الْوُضُوءِ، لَكِنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يُزِيلُ مَا حَلَّ بِالْمَمْسُوحِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْخُفِّ مَانِعًا شَرْعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ الَّذِي يَطْرَأُ بَعْدَهُ إلَى الْقَدَمَيْنِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ بِالْقَدَمَيْنِ لَا يَمْسَحُ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ رَافِعًا لِمَا بِالْقَدَمِ لَجَازَ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْعَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ بِكَوْنِ التَّيَمُّمِ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا كَاَلَّتِي بِالْمَاءِ مَا بَقِيَ الشَّرْطُ. (قَوْلُهُ لَا يُفِيدُ) لَيْسَ الْمُرَادُ لَا يُفِيدُ اللَّفْظَ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لَهُ بَلْ الْقُدُورِيُّ لَا يُفِيدُ بِهَذَا اللَّفْظِ هَذَا الْمَعْنَى بَلْ قَصَدَ بِهِ إلَى إفَادَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَّصِلًا بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ، وَالتَّقْدِيرُ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ إذَا لَبِسَهُمَا ثُمَّ أَحْدَثَ، وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ: أَيْ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ كَائِنًا أَوْ حَادِثًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ

فَيُرَاعَى كَمَالُ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْمَنْعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا (وَيَجُوزُ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا» قَالَ (وَابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ) لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيِّ بِاشْتِرَاطِ الْكَمَالِ وَقْتَ اللِّبْسِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ غَسَلَ إلَخْ تَفْرِيعٌ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ تَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِوَجْهَيْنِ: لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، وَلِعَدَمِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللِّبْسِ. وَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ لِلثَّانِي فَقَطْ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ خُفَّهَا. عِنْدَنَا إذَا أَحْدَثَ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ. وَعِنْدَهُ لَا لِعَدَمِ الْكَمَالِ وَقْتَ اللَّبْسِ (قَوْلُهُ فَيُرَاعِي كَمَالَ الطَّهَارَةِ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ عَمَلِهِ، وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُرَاعِيَ مُدَّتَهُ مِنْ وَقْتِ أَثَرِهِ (قَوْلُهُ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» (قَوْلُهُ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ) لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهَا إنَّمَا التَّقْدِيرُ

(وَالْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ، يَبْدَأُ مِنْ قِبَلِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ وَمَدَّهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْمَسْحِ عَلَى خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّحْقِيقِ تَقْدِيرُ مُدَّةِ مَنْعِهِ شَرْعًا وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ. (قَوْلُهُ يَبْدَأُ مِنْ قِبَلِ الْأَصَابِعِ إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَيُفْرَجُ أَصَابِعَهُ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْمَسْنُونُ. وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَاءِ جَدِيدٍ عَلَى مَوْضِعٍ جَدِيدٍ جَازَ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ وَضَعَ الْكَفَّ وَمَدّهَا مَعَ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا حَسَنٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَمْسَحَ بِجَمِيعِ الْيَدِ: يَعْنِي بِأَصَابِعِهَا. وَلَوْ مَسَحَ بِظَاهِرِ كَفِيهِ جَازَ، وَكَذَا بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ إذَا بَلَغَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ. وَيَجُوزُ بِبَلَلٍ بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ غَسْلِ عُضْوٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَاطِرًا لَا بِمَا بَقِيَ مِنْ مَسْحٍ، وَعَلَّلَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّهَا بَلَّةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ) وَفِيهِ مَسْحَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَخَذُوا مِنْهُ أَنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَأَيْضًا بِالتَّكَرُّرِ لَا يَبْقَى خُطُوطًا لَكِنْ قِيلَ إنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ. وَاَلَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ قَالَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا» وَحَسَّنَهُ لَكِنْ فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدَرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ خُفَّيْهِ فَنَخَسَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا السُّنَّةُ أُمِرْنَا بِالْمَسْحِ هَكَذَا، وَأَمَرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ وَفِي لَفْظِ ثُمَّ أَرَاهُ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفَّيْنِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ مَرَّةً وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَفِي الْإِمَامِ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ حَتَّى رُئِيَ آثَارَ أَصَابِعِهِ عَلَى خُفَّيْهِ خُطُوطًا وَرُئِيَ آثَارَ أَصَابِعِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ

ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الظَّاهِرِ حَتْمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَالْبُدَاءَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ اسْتِحْبَابٌ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ (وَفَرْضُ ذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ) وَقَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْخُفِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ مَحِلِّ الْفَرْضِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الرِّجْلِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ بَقِيَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَسْحِ فَلَبِسَ عَلَى الصَّحِيحَةِ وَالْمَقْطُوعَةِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يُمْسَحُ (قَوْلُهُ فَيُرَاعِي جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ) يَعْنِي فِي الْمَحَلِّ، وَلِذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَلِأَنَّ بَاطِنَهُ لَا يَخْلُو عَنْ لَوَثٍ عَادَةً فَيُصِيبُ يَدَهُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحِلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، لَكِنْ بِتَقْدِيرِهِ لَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ لَوْ كَانَ بِالرَّأْيِ، بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ بَلْ لِلْحَدَثِ، وَمَحِلُّ الْوَطْءِ مِنْ بَاطِنِ الرِّجْلِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِيهِ بِلَفْظِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ يَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَسْفَلِ الْوَجْهُ الَّذِي يُلَاقِي الْبَشَرَةَ لِأَنَّهُ أَسْفَلَ مِنْ الْوَجْهِ الْأَعْلَى الْمُحَاذِي لِلسَّمَاءِ لِمَا ذَكَرنَا. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَجِبْ مُرَاعَاةُ جَمِيعِ مَا وَرَدَ بِهِ فِي مَحِلِّ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيقَاعُ الْبَلَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ حَتَّى جَازَ الْبُدَاءَةُ مِنْ أَصْلِ السَّاقِ إلَى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ، لَكِنْ يَجِبُ فِي حَقِّ الْكَمِّيَّةِ نَظَرًا إلَى ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ إلَّا بِنَصٍّ (قَوْلُهُ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ) فِي كُلِّ رِجْلٍ، فَلَوْ مَسَحَ عَلَى رِجْلٍ أُصْبُعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى قَدْرَ خَمْسَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُصُولِ ذَلِكَ بِيَدِهِ أَوْ بِإِصَابَةِ مَطَرٍ أَوْ مِنْ حَشِيشٍ مَشَى فِيهِ مُبْتَلٌّ وَلَوْ بِالطَّلِّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالطَّلِّ لِأَنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ لَا مَاءً، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ تَفْرِيعٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ، خِلَافًا لِمَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لِلْعَتَّابِيِّ حَيْثُ شَرَطَهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ الْخُفَّ وَنَوَى بِهِ

(وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ يُبَيِّنُ مِنْهُ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ غَسْلُ الْبَادِي وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي. وَلَنَا أَنَّ الْخِفَافَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ خَرْقٍ عَادَةً فَيَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ وَتَخْلُو عَنْ الْكَبِيرِ فَلَا حَرَجَ، وَالْكَبِيرُ أَنْ يَنْكَشِفَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعِ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيمَ دُونَ الطَّهَارَةِ يَصِحُّ (قَوْلُهُ فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ يَبِينُ مِنْهُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي مَحِلِّ الْفَرْضِ مُنْفَرِجًا أَوْ يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، فَإِنْ كَانَ شَقًّا لَا يَظْهَرُ مَا تَحْتَهُ، إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ يَظْهَرُ مِنْهُ دُونَهَا وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا لَا يُمْنَعُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَعْبِ لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ كَثُرَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي الْفَتَاوَى: فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْعَقِبِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ: يُمْسَحُ حَتَّى يَبْدُوَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعَقِبِ. ثُمَّ قَيَّدَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ كَوْنَهَا أَصْغَرَ الْأَصَابِعَ بِمَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ اُعْتُبِرَ ثَلَاثٌ مِنْهَا، فَلَوْ انْكَشَفَ الْأَكْبَرُ وَمَا يَلِيه لَا يُمْنَعُ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الثَّلَاثِ الْأُخَرِ، وَلَوْ كَانَ الْخَرْقُ تَحْتَ الْقَدَمِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ الْقَدَمِ مُنِعَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ بِلَفْظِ قِيلَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهَا فَكَذَا الْقَدَمُ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ لَزِمَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَصْغَرَهَا إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَ أَصْغَرِهَا لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ حِينَئِذٍ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصَابِعُ اُعْتُبِرَ بِأَصَابِعِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ بِأَصَابِعِهِ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْخِفَافَ إلَخْ) لَازِمُهُ إذَا تَأَمَّلْت مَنْعَ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَادِي فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَمًا لِقِلَّتِهِ وَلُزُومِ الْحَرَجِ فِي اعْتِبَارِهِ إذْ غَالِبُ الْخِفَافِ لَا تَخْلُو عَنْهُ عَادَةً، وَالشَّرْعُ عَلَّقَ الْمَسْحَ بِمُسَمَّى الْخُفِّ وَهُوَ السَّاتِرُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي تُقْطَعُ بِهِ الْمَسَافَةُ وَالِاسْمُ مُطْلَقًا يُطْلَقُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ إنْ تَرَكَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِاسْمِ الْخُفِّ تَقْيِيدَهُ بِمَخْرُوقٍ فَهُوَ مُرَادٌ فَلَيْسَ بِخُفِّ مُطْلَقٍ وَلِأَنَّهُ لَا تُقْطَعُ الْمَسَافَةُ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ

هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا فَيُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَاعْتِبَارُ الْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِدُخُولِ الْأَنَامِلِ إذَا كَانَ لَا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْمَعُ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلَا يُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ لِأَنَّ الْخَرْقَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخِرِ، بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلْكُلِّ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرُ النَّجَاسَةِ. (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ وَالْخُفُّ مُطْلَقًا مَا يُقْطَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِهِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ ثَلَاثُ أَصَابِعِ الْيَدِ، وَعَمَّا مَالَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَنَّ ظُهُورَ قَدْرِ ثَلَاثِ أَنَامِلَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ يَمْنَعُ (قَوْلُهُ وَتُجْمَعُ الْخُرُوقُ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا دَاعِيَ إلَى جَمْعِهَا وَهُوَ اعْتِبَارُهَا كَأَنَّهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ لَمَنْعِ الْمَسْحِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَكَانُ حَقِيقَةٌ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْخُفِّ بِامْتِنَاعِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمُعْتَادَةِ بِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِذَاتِ الِانْكِشَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْكِشَافٌ، وَإِلَّا لَوَجَبَ الْغَسْلُ فِي الْخَرْقِ الصَّغِيرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ عِنْدَ تُفَرِّقْهَا صَغِيرَةً كَقَدْرِ الْحِمَّصَةِ والْفُولَةِ لِإِمْكَانِ قَطْعِهَا مَعَ ذَلِكَ وَعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَادِي. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) قِيلَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا

لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا إلَّا عَنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ» وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تُكَرَّرُ عَادَةً فَلَا حَرَجَ فِي النَّزْعِ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ. (وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا نَزْعُ الْخُفِّ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ حَيْثُ زَالَ الْمَانِعُ، وَكَذَا نَزْعُ أَحَدِهِمَا لِتَعْذِرْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاجَةَ إلَى التَّصْوِيرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَجْنَبَ وَقَدْ لَبِسَ عَلَى وُضُوءٍ وَجَبَ نَزْعُ خُفَّيْهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ. وَقِيلَ صُورَتُهُ مُسَافِرٌ أَجْنَبَ وَلَا مَاءَ عِنْدَهُ فَتَيَمَّمَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى الْقَدَمَيْنِ، وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَتِهِ فَيَنْزِعُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا، فَإِذَا فَعَلَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي الْوُضُوءَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَثَ يَمْنَعُهُ الْخُفُّ السِّرَايَةَ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اللِّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَلَوْ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ كَثِيرٍ عَادَ جُنُبًا، فَإِذَا لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى فَقْدَهُ تَيَمَّمَ لَهُ، فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا، فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ، وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْمَسَائِلُ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ إنَّمَا تَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِإِفَادَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ كَوْنُ اللِّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ لَا طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ لَيْسَتْ كَامِلَةً، فَإِنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ كَمَالِهَا عَدَمُ الرَّفْعِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ إصَابَةِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوَظِيفَةِ حِسًّا فَيَمْنَعُ تَأْثِيرُهُ فِي نَفْيِ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي يُعْقِبُهَا اللِّبْسُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ مَنْ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا يُوَسِّعُ مَوْرِدَهُ فَيَلْزَمُ فِيهِ الْمَاءُ قَصْرًا عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ صَرِيحُ مَنْعِهِ لِلْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ) رَوَى النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا

(وَكَذَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَإِذَا تَمُتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَصَلَّى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) وَكَذَا إذَا نَزَعَ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ يَسْرِي الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ كَأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا، وَحُكْمُ النَّزْعِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» . (قَوْلُهُ وَإِذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ) لِسَرَيَانِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلَيْنِ (وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُضُوءِ فَيَنْضَمُّ غَسْلُهُمَا إلَى الْغَسْلِ السَّابِقِ لِلْأَعْضَاءِ فَيَكْمُلُ الْوُضُوءُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حَدَثَ لِيَسْرِيَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ حَلَّ بِالْخُفِّ ثُمَّ زَالَ بِالْمَسْحِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبِهِ مِنْ الْخَارِجِ النَّجِسِ وَنَحْوِهِ، قُلْنَا: جَازَ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّرْعُ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ بِمَسْحِ الْخُفِّ مُقَيَّدًا بِمُدَّةِ مَنْعِهِ، ثُمَّ عَلِمْنَا وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِاسْتِعْمَالِ الصَّعِيدِ تَقَيُّدَهُ بِمُدَّةِ اعْتِبَارِهِ عَامِلًا: أَعْنِي مُدَّةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَيُنَاسِبُ أَنَّ ذَلِكَ لِوَصْفِ الْبَدَلِيَّةِ وَهُوَ فِي الْمَسْحِ ثَابِتٌ بَلْ هُوَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ وَإِنْ كَانَ بِالْمَاءِ لَكِنَّهُ بَدَلٌ عَنْ وَظِيفَةِ الْغَسْلِ وَالْخُفُّ عَنْ الرِّجْلِ فَوَجَبَ تَقَيُّدُ الِارْتِفَاعِ فِيهِ بِمُدَّةِ اعْتِبَارِهِ بَدَلًا يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْأَصْلُ كَمَا تَقَيَّدَ فِي التَّيَمُّمِ بِمُدَّةِ كَوْنِهِ بَدَلًا يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْأَصْلُ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاحْتِيَاطِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَاءَ يَمْضِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي صَلَاتِهِ

لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي حَقِّ الْمَسْحِ، وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ هُوَ الصَّحِيحُ. (وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ لَا فَائِدَةَ فِي النَّزْعِ لِأَنَّهُ لِلْغُسْلِ وَلَا مَاءَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ تَفْسُدُ انْتَهَى. لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَنْعَ الْخُفِّ بِمُدَّةٍ فَيَسْرِي الْحَدَثُ بَعْدَهَا إذْ لَا بَقَاءَ لَهَا مَعَ الْحَدَثِ، فَكَمَا يَقْطَعُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ يَقْطَعُ عِنْدَ عَدَمِهِ لِيَتَيَمَّمَ لَا لِلرِّجْلَيْنِ فَقَطْ لِيَلْزَمَ رَفْوُ الْأَصْلِ بِالْخَلَفِ بَلْ لِلْكُلِّ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا بِحَدَثِ الْقَدَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِهِمَا ارْتَفَعَ كَمَنْ غَسَلَ ابْتِدَاءً الْأَعْضَاءَ إلَّا رِجْلَيْهِ وَفَنِيَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَا لِلرِّجْلَيْنِ فَقَطْ وَإِلَّا لَكَانَ جَمْعُ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ ثَابِتًا فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ بَلْ لِلْحَدَثِ الْقَائِمِ بِهِ فَإِنَّهُ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يُتِمَّ الْكُلَّ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنْ لَمْ يُصِبْ الرِّجْلَ حِسًّا لَكِنَّهُ يُصِيبُهَا حُكْمُ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْمَاءِ مَانِعًا السِّرَايَةَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا غَايَةً لَمَنْعِهِ. وَعَلَى هَذَا فَمَا ذُكِرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِعُ إذَا تَمَّتْ إذَا لَمْ يَخَفْ ذَهَابَهُمَا مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنْ خَافَهُ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ خَوْفَ الْبَرْدِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ السِّرَايَةِ، كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُهَا، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ لَكِنْ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَعَنْ هَذَا نَقَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ تَأْوِيلَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَسْحُ جَبِيرَةٍ لَا كَمَسْحِ الْخُفِّ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَوْعِبَ الْخُفَّ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى أَوْ أَكْثَرُهُ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَفْهُومِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُؤَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ مُسَمَّى الْجَبِيرَةِ يَصْدُقُ عَلَى سَاتِرٍ لَيْسَ تَحْتَهُ مَحَلُّ وَجَعٍ بَلْ عُضْوٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَخَافُ مِنْ كَشْفِهِ حُدُوثَ الْمَرَضِ لِلْبَرْدِ، وَيَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ كُلِّيَّةِ مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ بِخَوْفِ الْبَرْدِ عَلَى عُضْوٍ وَاسْوِدَادِهِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ تَرْكِهِ رَأْسًا وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ إعْطَاؤُهُمْ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ، هَذَا وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ أَيْضًا غَسْلُ أَكْثَرِ الرِّجْلِ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا سَمِعْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ هُوَ الصَّحِيحُ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ فِي الْإِمْلَاءِ بِخُرُوجِ نِصْفِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ مَحِلِّ الْفَرْضِ: أَعْنِي ثَلَاثَةَ أَصَابِعِ الْيَدِ لَا يُنْتَقَضُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْعَقِبِ: يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ قَاصِدًا إخْرَاجَ الرِّجْلِ بَطَلَ الْمَسْحُ حَتَّى لَوْ بَدَا لَهُ إعَادَتُهَا

مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا) عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ آخِرَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ الْمُدَّةَ لِلْإِقَامَةِ ثُمَّ سَافَرَ لِأَنَّ الْحَدَثَ قَدْ سَرَى إلَى الْقَدَمِ وَالْخُفُّ لَيْسَ بِرَافِعٍ (وَلَوْ أَقَامَ وَهُوَ مُسَافِرٌ إنْ اسْتَكْمَلَ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ نَزَعَ) لِأَنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ أَتَمَّهَا) لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُقِيمٌ. قَالَ (وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْبَدَلُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَعَادَهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَعْرَجُ يَمْشِي عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَقَدْ ارْتَفَعَ عَقِبُهُ عَنْ مَوْضِعِ عَقِبِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ لَا يَمْسَحُ، وَإِلَى مَا دُونَهُ يَمْسَحُ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا يَرْتَفِعُ الْعَقِبُ بِرَفْعِ الرِّجْلِ إلَى السَّاقِ وَيَعُودُ بِوَضْعِهَا فَلَا يُمْنَعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ الْبَاقِي بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ فَكَذَلِكَ لَا يُنْتَقَضُ، وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ هُوَ مَرْمَى نَظَرِ الْكُلِّ، فَمَنْ نَقَضَ بِخُرُوجِ الْعَقِبِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَعَ حُلُولِ الْعَقِبِ بِالسَّاقِ لَا يُمْكِنُهُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ وَقَطْعُ الْمَسَافَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَعُودُ إلَى مَحِلِّهَا عِنْدَ الْوَضْعِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَكْثَرِ فَلِظَنِّهِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مَنُوطٌ بِهِ وَكَذَا مَنْ قَالَ بِكَوْنِ الْبَاقِي قَدْرَ الْفَرْضِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ إنَّمَا تُبْنَى عَلَى الْمُشَاهَدَةِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْلَى لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقِبِ فِي السَّاقِ يُقْلِقُ عَنْ مُدَاوَمَةِ الْمَشْيِ دَوْسًا عَلَى السَّاقِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) سَوَاءٌ سَافَرَ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ كَمَالِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ، وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. لَنَا الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ» الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُسَافِرٌ فَيَمْسَحُهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ كَمَالُ مُدَّةِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْحَدَثَ قَدْ سَرَى إلَى الْقَدَمِ، وَإِنَّمَا يُمْسَحُ عَلَى خُفِّ رِجْلٍ لَا حَدَثَ فِيهَا إجْمَاعًا، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ اُبْتُدِئَتْ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا حَالَةُ الِابْتِدَاءِ كَصَلَاةٍ ابْتَدَأَهَا مُقِيمًا فِي سَفِينَةٍ فَسَافَرَتْ وَصَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ مُقِيمًا فَسَافَرَ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ فَغَنِيٌّ عَنْ تُكَلِّفْ الْفَرْقِ لِعَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِ الْجَمْعِ بِالْمُشْتَرِكِ الْمُؤَثَّرِ فِي الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ) إذَا لَبِسَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، فَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَهُ وَهُوَ لَابِسٌ الْخُفَّ

وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا فَصَارَا كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ الْجُرْمُوقَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ بِالْخُفِّ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ إلَّا أَنْ تَنْفُذَ الْبَلَّةُ إلَى الْخُفِّ. (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزُ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْمَسْحِ اسْتَقَرَّتْ لِلْخُفِّ لِحُلُولِ الْحَدَثِ بِهِ فَلَا يُزَالُ بِمَسْحِ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ لَبِسَ الْمُوقَيْنِ قَبْلَ الْحَدَثِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ خُفَّيْهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَسَحَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْحَدَثِ، وَلَوْ نَزَعَ أَحَدَ مُوقَيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا وَجَبَ مَسْحُ الْخُفِّ الْبَادِي وَإِعَادَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْمُوقِ لِانْتِقَاضِ وَظِيفَتِهِمَا كَنَزْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْأَصْلِ: يُنْزَعُ الْآخَرُ وَيَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ لَبِسَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُفِّ الْآخَرَ، فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْعُلْيَا ثُمَّ نَزَعَهَا لَيْسَ عَلَيْهِ مَسْحُ السُّفْلَى لِلْوِحْدَةِ الْحَقِيقَةِ فَهُوَ كَقِشْرِ جَلْدَةِ خُفٍّ مَسَحَ عَلَيْهَا أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ بِلَالٍ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ» وَلِأَبِي دَاوُد «كَانَ يَخْرُجُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُطَرِّزِيُّ: الْمُوقُ خُفٌّ قَصِيرٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعْرَبٌ، ثُمَّ أَلْحَقَهُ بِخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ. وَأَجَابَ عَنْ اعْتِبَارِهِ بَدَلَ الْخُفِّ الْمُسْتَلْزِمِ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ، وَوَجْهُ الْإِلْحَاقِ بِالْخُفِّ وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ فِي الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ)

وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ لَا يَشِفَّانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ إذَا كَانَ ثَخِينًا، وَهُوَ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْبَطَ بِشَيْءٍ فَأَشْبَهَ الْخُفَّ. وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُنَعَّلًا وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعِ وَالْقُفَّازَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالرُّخْصَةُ لَدَفْعِ الْحَرَجِ. (وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُعَارَضُ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ حِكَايَةُ حَالِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُوقِ الصَّالِحِ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ لِكَوْنِهِ كَالْخُفِّ فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ) لَا شَكَّ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَصْلُحُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَاهُ، وَمَعْنَاهُ السَّاتِرُ لِمَحِلِّ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ مُتَابَعَةِ الْمَشْيِ فِيهِ فِي السَّفَرِ وَغَيْرِهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْمَسْحِ بِالْخُفِّ لَيْسَ لِصُورَتِهِ الْخَاصَّةِ بَلْ لِمَعْنَاهُ لِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي النَّزْعِ الْمُتَكَرِّرِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ خُصُوصًا مَعَ آدَابِ السَّيْرِ، فَإِذَا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ الْمَسْحُ عَلَى الْمُكَعَّبِ السَّاتِرِ لِلْكَعْبِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُقَدَّمَتُهُ مَشْقُوقَةً إذَا كَانَتْ مَشْدُودَةً أَوْ مَزْرُورَةً لِأَنَّهَا كَالْمَخْرُوزَةِ، فَوَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمُنَعَّلِ مِنْ الْجَوْرَبِ فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، هَذَا إنْ صَحَّ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ

وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا بِهِ، وَلِأَنَّ الْحَرَجَ فِيهِ فَوْقَ الْحَرَجِ فِي نَزْعِ الْخُفِّ فَكَانَ أَوْلَى بِشَرْعِ الْمَسْحِ، وَيَكْتَفِي بِالْمَسْحِ عَلَى أَكْثَرِهَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» وَإِلَّا فَقَدْ نُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَهْدِي وَمُسْلِمٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: كُلٌّ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَوَقَعَ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ بِلَا نَعْلٍ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَحَقَّقَ كَذَلِكَ، فَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِوُجُودِ النَّعْلِ حِينَئِذٍ قَصْرٌ لِلدَّلِيلِ، أَعْنِي الْحَدِيثَ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ فَلِذَا رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا بِهِ) أَمَّا فَعَلَهُ فَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ» وَضَعَّفَهُ بِأَبِي عُمَارَةَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِصَابَةِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَسَاقَ بِسَنَدِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابَةِ وَغَسَلَ سِوَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ: هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ، وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّ الْأَبْدَالَ لَا تُنْصَبُ بِالرَّأْيِ، وَأَمَّا أَمْرُهُ عَلِيًّا بِهِ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ «عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيَّ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيِّ عَلِيٍّ صَوَابُهُ كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْهِ لِأَنَّ الزَّنْدَ مُذَكَّرٌ وَالزَّنْدَانِ عَظْمًا السَّاعِدِ. ثُمَّ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الْمَسْحِ، فَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعُذْرَ أَسْقَطَ وَظِيفَةَ الْمَحِلِّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا لِانْتِقَالِ الْوَظِيفَةِ إلَى الْحَائِلِ. وَلَهُ أَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَهَا فِي مَحِلٍّ فَلَا تَجُوزُ فِي آخَرَ إلَّا بِنَصٍّ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهِ كَخَبَرِ مَسْحِ الْخُفِّ وَلَيْسَ ذَاكَ فِي مَسْحِ الْجَبِيرَةِ فَاعْتُبِرْنَاهُ

وَلَا يَتَوَقَّتُ لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ بِالتَّوْقِيتِ (وَإِنْ سَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ) لِأَنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا (وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي وُجُوبِ الْعَمَلِ دُونَ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ، أَمَّا الْمَكْسُورُ فَيَجِبُ فِيهِ اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْمَسْحِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمَكْسُورِ. وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ، فَقَوْلُهُمَا بِعَدَمِ جَوَازِ تَرْكِهِ فِيمَنْ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ، وَقَوْلُهُ بِجَوَازِهِ فِيمَنْ يَضُرُّهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْحَرَجَ فِيهِ فَوْقَ الْحَرَجِ فِي نَزْعِ الْخُفِّ فَكَانَ أَوْلَى بِشَرْعِيَّةِ الْمَسْحِ أَنَّهُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ فَرْضًا لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ فَرْضٌ إنْ لَمْ يُنْزَعْ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ السُّقُوطِ رَأْسًا بِالْعُذْرِ كَمَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ بِهِ لَوْلَا الْوَارِدُ فِي هَذَا مِنْ الْآحَادِ الْمُوجِبَةِ لِانْتِقَالِ الْوَظِيفَةِ إلَى الْحَائِلِ مَسْحًا وَغَايَتُهُ الْوُجُوبُ، فَعَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ، فَلِذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا لَمْ يَشْتَهِرْ شُهْرَةَ نَقِيضِهِ عَنْهُ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعْنَى مَا قِيلَ إنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ، ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ أَوْ الْمَسْحُ عَلَى نَفْسِ الْقُرْحَةِ وَالْجِرَاحَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَضُرَّهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِذَا زَادَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى نَفْسِ الْجِرَاحَةِ فَإِنْ ضَرَّهُ الْحَلُّ وَالْمَسْحُ مَسَحَ عَلَى الْكُلِّ تَبَعًا مَعَ الْقُرْحَةِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّاهُ غَسَلَ مَا حَوْلِهَا وَمَسَحَهَا نَفْسَهَا، وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ لَا الْحَلُّ يَمْسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَيَغْسِلُ مَا حَوْلَهَا تَحْتَ الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ إذْ الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلَمْ أَرَ لَهُمْ مَا إذَا ضَرَّهُ الْحَلُّ لَا الْمَسْحُ لِظُهُورِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْعِصَابَةِ إنْ ضَرَّهُ مَسَحَ عَلَيْهَا كُلَّهَا، وَمِنْ ضَرَرِ الْحَلِّ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى رَبْطِهَا بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَرْبِطُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْقُرْحَةِ وَالْكَيِّ وَالْكَسْرِ، وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً أَوْ عَلْكًا أَوْ أَدْخَلَهُ جَلْدَةَ مَرَارَةٍ أَوْ مَرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهُ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ تَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَ بِأَعْضَائِهِ شُقُوقٌ أَمَرَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا مَسَحَ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا تَرَكَهَا وَغَسَلَ مَا حَوْلَهَا (قَوْلُهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا) وَلِهَذَا لَوْ مَسَحَ عَلَى عِصَابَةٍ فَسَقَطَتْ فَأَخَذَ أُخْرَى لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ الْأَحْسَنُ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَلِهَذَا أَيْضًا لَوْ مَسَحَ عَلَى خِرَقِ رِجْلِهِ الْمَجْرُوحَةِ وَغَسَلَ الصَّحِيحَةَ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَيْهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَنْزِعُ الْخُفَّ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَةَ مَغْسُولَةٌ حُكْمًا، وَلَا تَجْتَمِعُ الْوَظِيفَتَانِ فِي الرِّجْلَيْنِ. قَالَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَرْكَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَهُوَ

[باب الحيض والاستحاضة]

بَابُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ (أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَضُرُّهُ يَجُوزُ، يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ الْمَجْرُوحَةِ صَارَتْ كَالذَّاهِبَةِ، هَذَا إذَا لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الصَّحِيحَةِ لَا غَيْرَ، فَإِنْ لَبِسَ عَلَى الْجَرِيحَةِ أَيْضًا بَعْدَمَا مَسَحَ عَلَى جَبِيرَتِهَا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا كَغَسْلِ مَا تَحْتَهَا. [بَابُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ] (بَابُ الْحَيْضِ) قِيلَ هُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الدَّاءِ وَالصِّغَرِ، فَقَيْدُ الرَّحِمِ يُخْرِجُ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْجِرَاحِ، وَالسَّلِيمَةُ مِنْ الدَّاءِ يُخْرِجُ النِّفَاسَ لِأَنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ وَلِذَا اُعْتُبِرَ تَبَرُّعَاتُهَا مِنْ الثُّلُثِ، وَحِينَئِذٍ لَفْظُ الصِّغَرِ مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْخَارِجَ فِي الصِّغَرِ اسْتِحَاضَةٌ، وَقَدْ خَرَجَ بِالرَّحِمِ لِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا رَحِمَ، وَأَيْضًا يَتَكَرَّرُ إخْرَاجُ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّ السَّلِيمَةَ مِنْ الدَّاءِ يُخْرِجُهُ كَمَا يُخْرِجُهُ الْأَوَّلُ، وَتَعْرِيفُهُ بِلَا اسْتِدْرَاكٍ وَلَا تَكَرُّرِ دَمٍ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ، ثُمَّ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْحَيْضِ خَبَثٌ، أَمَّا إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ الْحَدَثُ الْكَائِنُ عَنْ الدَّمِ الْمُحَرِّمِ لِلتِّلَاوَةِ وَالْمَسِّ كَاسْمِ الْجَنَابَةِ لِلْحَدَثِ الْخَاصِّ لَا لِلْمَاءِ الْخَاصِّ، فَتَعْرِيفُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ عَمَّا اشْتَرَطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَعَنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ وَالْقُرْبَانِ وَالْمُعَرِّفُ لِخُرُوجِهِ مِنْ الرَّحِمِ بَعْدَ خُرُوجِهِ حِسًّا مِنْ الْفَرْجِ مَعَ عَدَمِ الصِّغَرِ وَالْحَبَلِ تَقَدَّمَ نِصَابُ الطُّهْرِ وَعَدَمُ نُقْصَانِهِ عَنْ الْأَقَلِّ، وَأَمَّا زِيَادَتُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ بَعْدَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فَالزَّائِدُ فِيهِ اسْتِحَاضَةٌ فَالِامْتِدَادُ الْخَاصُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ مُعَرَّفٌ لَهُ بِالضَّرُورَةِ، وَعَدَمُ الصِّغَرِ يُعْرَفُ بِتَقْدِيرِ أَدْنَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ سِتٌّ وَقِيلَ سَبْعٌ وَقِيلَ تِسْعٌ وَقِيلَ اثْنَتَا عَشْرَةَ، وَالْمُخْتَارُ تِسْعٌ، وَأَلْوَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ التُّرَابِيَّةِ وَالْخُضْرَةِ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ. وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مِنْ أَلْوَانِهِ فِي سِنِّ الْحَيْضِ. وَأَمَّا فِي سِنِّ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّقْدِيرِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَوْمَانِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إقَامَةٌ لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ. قُلْنَا هَذَا نَقْصٌ عَنْ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) لِمَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيَاسِ. فَفِي الْفَتَاوَى بِنْتُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ تَرَى صُفْرَةً غَيْرَ خَالِصَةٍ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَرَى مِثْلُ لَوْنِ التِّبْنِ فَحَيْضٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ مِنْ أَيَّامِهَا شَيْئًا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ: وَإِنْ كَانَ دُونَ التِّبْنِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، إلَّا إذَا رَأَتْهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَلَيْسَ بِصُفْرَةٍ خَالِصَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِفَسَادِ الرَّحِمِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الصَّوْمِ وَالْقُرْبَانِ وَمَا شُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ، وَيَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ بِالْبُرُوزِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ إلَيْهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَفَعَتْهُ بَعْدَهُ تَقْضِي الصَّوْمَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا: يَعْنِي إذَا لَمْ يُحَاذِ حَرْفَ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ، فَإِنْ حَاذَتْهُ الْبَلَّةُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ حَيْضًا وَنِفَاسًا اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْحَدَثُ بِالْبَوْلِ وَالِاحْتِشَاءُ حَالَةَ الْحَيْضِ يُسَنُّ لِلثَّيِّبِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْبِكْرِ، وَحَالَةُ الطُّهْرِ يُسْتَحَبُّ لِلثَّيِّبِ فَقَطْ، وَلَوْ وَضَعَتْهُ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَتْ رَأَتْ الطُّهْرَ تَقْضِي الْعِشَاءَ، فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَرَأَتْ الْبَلَّةَ حِينَ أَصْبَحَتْ تَقْضِيهَا أَيْضًا إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إنْزَالًا لَهَا طَاهِرَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ حِينِ وَضَعَتْهُ وَحَائِضًا فِي الثَّانِيَةِ حِينَ رَفَعَتْهُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا. وَأَدْنَى مُدَّةً يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَإِذَا حَكَمَ بِهِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ ذَلِكَ. قَالَ الصَّدْرُ حُسَامُ الدِّينِ: هَذَا إذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا، ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَفِضُ بِهِ الْإِيَاسُ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشِرَةُ قَبْلَ الْمُعَاوِدَةُ إنْ كَانَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ بَلْ صُفْرَةٌ أَوْ خُضْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ لَا يُنْتَقَضُ الْحُكْمُ بِالْإِيَاسِ، وَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ دَمًا فِي سِنٍّ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيهِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَتْرُكُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ أَنْ تَتَوَضَّأَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَتَجْلِسُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا تُسَبِّحُ وَتُهَلِّلُ كَيْ لَا تَنْسَى الْعَادَةَ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ الثَّلَاثُ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْمَلِكِ مَجْهُولٌ، وَالْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ «الْحَيْضُ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعٌ وَخَمْسٌ وَسِتٌّ وَسَبْعٌ وَثَمَانٍ وَتِسْعٌ وَعَشْرٌ، فَإِذَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ» وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ هَارُونَ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّقْدِيرِ بِخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ الزَّائِدُ وَالنَّاقِصُ اسْتِحَاضَةٌ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ (وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ) حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعَةٌ وَعَشْرَةٌ، فَإِذَا جَاوَزَتْ الْعَشَرَةَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ» وَأَعَلَّهُ بِالْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِالْجَلَدِ بْنِ أَيُّوبَ. وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْحَسَنِ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا جَاوَزَ الْحَدَّ فِي النَّكَارَةِ وَهُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: هِيَ حَائِضٌ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَشَرَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُسْتَحَاضَةً فِي يَوْمِ وَلَا يَوْمَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرْنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ قَالَ: الْحَائِضُ إذَا جَاوَزَتْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. وَعُثْمَانُ هَذَا صَحَابِيٌّ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَخْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَامِي قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الْحَيْضُ ثَلَاثَ عَشَرَ وَأَسْنَدَ مِثْلَهُ عَنْ سُفْيَانَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ» وَضَعَّفَهُ بِجَهَالَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، وَضَعَّفَ مُحَمَّدًا بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَيْضَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا حَيْضَ فَوْقَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ» الْحَدِيثَ، وَضَعَّفَهُ بِمُحَمَّدٍ بْنِ سَعِيدٍ الشَّامِيِّ رَمَوْهُ بِالْوَضْعِ، وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ مُعَاذٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ طُولٍ وَأَعَلَّهُ بِجَهَالَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ بِالنَّقْلِ. وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ وَأَكْثَرُهُ عَشْرٌ، وَأَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» وَضَعَّفَهُ بِسُلَيْمَانَ الْمَكْنِيِّ أَبَا دَاوُد النَّخَعِيّ. فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَدِّدَةُ الطُّرُقِ، وَذَلِكَ يَرْفَعُ الضَّعِيفَ إلَى الْحَسَنِ وَالْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ مِمَّا لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، فَالْمَوْقُوفُ فِيمَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ، بَلْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِكَثْرَةِ مَا رَوَى فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهُ أَصْلٌ

(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ الدَّمِ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي. وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا وَهَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشَّرْعِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ حَدِيثًا حَسَنًا وَلَا ضَعِيفًا، وَإِنَّمَا تَمَسَّكُوا فِيهِ بِمَا رَوَوْهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي صِفَةِ النِّسَاءِ «تَمْكُثُ إحْدَاكُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي» وَهُوَ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا نَذْكُرُ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ) رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. وَالْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ: بَيَاضٌ يَمْتَدُّ كَالْخَيْطِ. وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ إنَّ مِنْ خَاصِّيَّةِ الطَّبِيعَةِ دَفْعَ الْكَدْرِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ عَقِيبَ الصَّافِي لَا يَكُونُ حَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يُجَابُ بِأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ بَعْدَ الصَّافِي يَكُونُ حَيْضًا بِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِأَنَّهَا حَدَثَتْ الْآنَ لَا أَنَّهَا كَانَتْ مُتَحَصِّلَةً فِي الرَّحِمِ مِنْ ابْتِدَاءِ رُؤْيَةِ الْحَيْضِ وَإِلَّا لَخَرَجَتْ قَبْلَ هَذَا. وَمُقْتَضَى هَذَا الْمَرْوِيِّ أَنَّ مُجَرَّدَ الِانْقِطَاعِ دُونَ رُؤْيَةِ الْقَصَّةِ لَا تَجِبُ مَعَهُ أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيمَا يَأْتِي كُلُّهُ بِلَفْظِ الِانْقِطَاعِ حَيْثُ يَقُولُونَ وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَكَذَا وَإِذَا انْقَطَعَ فَكَذَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ انْقِطَاعٌ بِجَفَافٍ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ ثُمَّ تَرَى الْقَصَّةَ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَايَةُ الْقَصَّةَ لَمْ تَجِبْ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ عَنْ سَائِرِ الْأَلْوَانِ وَجَبَتْ، وَأَنَا مُتَرَدِّدٌ فِيمَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِهِمْ وَعِبَارَتِهِمْ فِي إعْطَاءِ الْأَحْكَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَأَيْت فِي الْمَرْوِيِّ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَيْطَةَ مَوْلَاةِ عُمْرَةَ عَنْ عُمْرَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِلنِّسَاءِ:

وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَيَخْرُجُ الْكَدْرُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ تَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ تُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَلَا تَكُونُ حَيْضًا (وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّوْمَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أَدْخَلَتْ إحْدَاكُنَّ الْكُرْسُفَةَ فَخَرَجَتْ مُتَغَيِّرَةً فَلَا تُصَلِّي حَتَّى لَا تَرَى شَيْئًا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغَايَةَ الِانْقِطَاعُ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَيَاضِ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ، فَلَوْ رَأَتْهُ أَبْيَضَ خَالِصًا إلَّا أَنَّهُ إذَا يَبِسَ اصْفَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيَاضِ، أَوْ أَصْفَر وَلَوْ يَبِسَ ابْيَضَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصُّفْرَةِ (قَوْلُهُ فَالصَّحِيحُ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَكَلْت فَصِيلًا عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِكَوْنِهِ حَيْضًا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ) يَعْنِي الْآيِسَةَ، وَكَوْنُهَا لَا تَرَى غَيْرَهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ فِي نَفْيِ كَوْنِ مَا تَرَاهُ حَيْضًا أَنْ لَا تَرَى الدَّمَ الْخَالِصَ (قَوْلُهُ وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ) يُفِيدُ ظَاهِرًا عَدَمَ تَعَلُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَتَهُ، وَهِيَ إمَّا الْأَدَاءُ أَوْ الْقَضَاءُ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِقِيَامِ الْحَدَثِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ رَفْعِهِ، وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ بِإِلْزَامِ الْقَضَاءِ لِتَضَاعُفِ الصَّلَاةِ خُصُوصًا فِيمَنْ عَادَتُهَا أَكْثَرُ، فَانْتَفَى الْوُجُوبُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ لَا لِعَدَمِ

لِقَوْلِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ» ، وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا لِتَضَاعُفِهَا وَلَا حَرَجَ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ (وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) وَكَذَا الْجُنُبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِيَّتِهَا لِلْخَطَّابِ وَلِذَا تَعَلَّقَ بِهَا خِطَابُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ، إذْ غَايَةُ مَا تَقْضِي فِي السَّنَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (قَوْلُهُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ) لَفْظُ الْحَدِيثِ عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ «سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِيَ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنَّنِي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَنْ أَفْلَتَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ تَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ بِزِيَادَةٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: ضَعِّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالُوا: أَفْلَتُ مَجْهُولٌ. قَالَ الْمُنْذَرِي: فِيمَا حَكَاهُ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ أَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ الْعَامِرِيُّ وَيُقَالُ الذُّهْلِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو حَسَّانٍ حَدِيثُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَسْرَةَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَالِحٌ، وَقَالَ الْعَجِلِي فِي جَسْرَةَ: تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهَا عَجَائِبُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: رَأَيْت فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ لِابْنِ الْقَطَّانِ الْمَقْرُوءُ عَلَيْهِ دِجَاجَةً بِكَسْرِ الدَّالِ وَعَلَيْهِ صَحَّ، وَكَتَبَ النَّاسُ فِي الْحَاشِيَةِ بِكَسْرِ الدَّالِ بِخِلَافِ وَاحِدَةِ الدَّجَاجِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ) فِي إبَاحَتِهِ الدُّخُولُ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا بِنَاءً

(وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ (وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى إرَادَةِ مَكَانِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] أَوْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا تَوَهُّمُ لُزُومِ جَوَازِ الصَّلَاةِ جُنُبًا حَالَ كَوْنِهِ عَابِرَ سَبِيلٍ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَنْعِ الْمُغْيَا بِالِاغْتِسَالِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُهَا حَالَ كَوْنِهِ عَابِرَ سَبِيلٍ: أَيْ مُسَافِرًا بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّ مُؤَدَّى التَّرْكِيبِ لَا تَقْرَبُوهَا جُنُبًا حَتَّى تَغْتَسِلُوا إلَّا حَالَ عُبُورِ السَّبِيلِ فَلَكُمْ أَنْ تَقْرَبُوهَا بِغَيْرِ اغْتِسَالٍ، وَبِالتَّيَمُّمِ يَصْدُقُ أَنَّهُ بِغَيْرِ اغْتِسَالٍ. نَعَمْ يَقْتَضِي ظَاهِرُ الِاسْتِثْنَاءِ إطْلَاقُ الْقُرْبَانِ حَالَ الْعُبُورِ، لَكِنْ يَثْبُتُ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ فِيهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَلَيْسَ هَذَا بِبِدْعٍ، وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ دَلِيلُهُمَا عَلَى مَنْعِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ الْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ ظَاهِرًا. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ خَصَّ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ مِنْ مَنْعِهَا كَمَا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فِي الْمَرِيضِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَخْصِيصِ حَالَةِ الْقُدْرَةِ حَتَّى لَا يَتَيَمَّمَ الْمَرِيضُ الْقَادِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَهَذَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ فِي الْمِصْرِ جَازَ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثُ وَأَنْتُمْ تَأْبَوْنَهُ. قُلْنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مُحَصَّلَهَا لَا تَقْرَبُوهَا جُنُبًا حَتَّى تَغْتَسِلُوا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ فَاقْرَبُوهَا بِلَا اغْتِسَالٍ بِالتَّيَمُّمِ، لَا أَنَّ الْمَعْنَى فَاقْرَبُوهَا جُنُبًا بِلَا اغْتِسَالٍ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ بِلَا اغْتِسَالٍ بِالتَّيَمُّمِ، فَالرَّفْعُ وَعَدَمُهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، ثُمَّ اُسْتُفِيدَ كَوْنُهُ رَافِعًا مِنْ خَارِجٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَحْرُمُ، وَلَوْ فَعَلَتْهُ الْحَائِضُ كَانَتْ عَاصِيَةً مُعَاقَبَةً وَتَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ إحْرَامِهَا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ كَطَوَافِ الْجُنُبِ، هَذَا وَالْأَوْلَى عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ الطَّوَافِ جُنُبًا لَيْسَ مَنْظُورًا فِيهِ إلَى دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِالذَّاتِ، بَلْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَسْجِدٍ حَرُمَ عَلَيْهَا الطَّوَافُ (قَوْلُهُ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) وَلَوْ أَتَاهَا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ أَوْ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَتَى كَبِيرَةً وَوَجَبَتْ التَّوْبَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِهِ اسْتِحْبَابًا، وَقِيلَ بِدِينَارٍ إنْ كَانَ أَوَّلَ الْحَيْضِ وَبِنِصْفِهِ إنْ وَطِئَ فِي آخِرِهِ كَأَنَّ قَائِلَهُ رَأَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَتْ حِضْت فَكَذَّبَهَا لِأَنَّ تَكْذِيبَهُ لَا يَعْمَلُ بَلْ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِإِخْبَارِهَا، وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَمَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ لَا يَحْرُمُ مَا سِوَى الْفَرْجِ لِمَا أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلْتِ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصْنَعُوا كُلَّ

(وَلَيْسَ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَائِضِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الْآيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ. وَفِي رِوَايَةٍ إلَّا الْجِمَاعَ» وَلِلْجَمَاعَةِ مَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ حُجَّةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا أَوْ صَحِيحًا، فَمِنْهُمْ مَنْ حَسَّنَهُ لَكِنَّ شَارِحَهُ أَبُو زُرْعَةَ الْعِرَاقِيُّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَهُوَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ رِجَالِ سَنَدِهِ فَثَبَتَ كَوْنُهُ صَحِيحًا، وَحِينَئِذٍ يُعَارِضُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ خُصُوصًا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُسْلِمًا يُخْرِجُ عَمَّنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجُرْحِ، وَإِذَنْ فَالتَّرْجِيحُ لَهُ لِأَنَّهُ مَانِعٌ وَذَاكَ مُبِيحٌ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ السُّرُوجِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ أَحَادِيثَنَا مَفْهُومٌ لَا يُعَارِضُ مَنْطُوقَهُمْ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ كَوْنَهَا مَنْطُوقًا فِي الْمُدَّعِي أَوْ مَفْهُومًا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْمُدَّعِي كَيْفَ هُوَ، فَإِنْ جَعَلَتْ الدَّعْوَى قَوْلَنَا جَمِيعَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ كَانَتْ أَحَادِيثُنَا مَنْطُوقًا: أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» جَوَابًا عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ: مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي الْحَائِضِ؟ ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: جَمِيعَ مَا يَحِلُّ لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، لِأَنَّ مَعْنَى السُّؤَالِ جَمِيعُ مَا يَحِلُّ لِي مَا هُوَ فَيُطَابِقُ الْجَوَابُ السُّؤَالَ، وَإِنْ جُعِلَتْ الدَّعْوَى لَا يَحِلُّ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَقَالُوا يَحِلُّ إلَّا مَحَلَّ الدَّمِ كَانَتْ مَفْهُومًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ فِي الدَّعْوَى صَحِيحٌ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَفْهُومِيَّةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي أَحَادِيثِنَا وَلَا الْمَنْطُوقِيَّةَ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمَ كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ أَقْوَى مِنْ الْمَنْطُوقِ لِأَنَّ زِيَادَةَ قُوَّةِ الْمَنْطُوقِ عَلَى الْمَفْهُومِ لَيْسَ إلَّا لِزِيَادَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى لِلُزُومِهِ لَهُ وَهَذَا الْمَفْهُومُ وَهُوَ انْتِفَاءُ حِلِّ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مُطْلَقًا، لِمَا كَانَ ثَابِتًا لِوُجُوبِ مُطَابَقَةِ الْجَوَابِ السُّؤَالَ لِدَلَالَةِ خِلَافِهَا عَلَى نُقْصَانٍ فِي الْغَرِيزَةِ أَوْ الْعَجْزِ أَوْ الْخَيْطِ كَانَ ثُبُوتُهُ وَاجِبًا مِنْ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْبَلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَبْدِيلًا لِهَذَا الْعَارِضِ، وَالْمَنْطُوقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْطُوقٌ يَقْبَلُ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ التَّرْجِيحُ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ بِالْمَنْطُوقِيَّة وَلَا الْمَرْجُوحِيَّةِ بِالْمَفْهُومِيَّةِ، وَقَدْ «كَانَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ لَا يُبَاشِرُ إحْدَاهُنَّ وَهِيَ حَائِضٌ حَتَّى يَأْمُرَهَا أَنْ تَأْتَزِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْجِمَاعِ عَيْنًا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَثْبُتَ حُرْمَةٌ أُخْرَى فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِالسُّنَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ ذَاكَ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ فَيَقَعُ مَوْقِعُ الْمُعَارِضِ فِي بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ لَا شَرْعَ مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْجِمَاعُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِتَنَاوُلِهِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا أَعْنِي الْجِمَاعَ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، ثُمَّ يَظْهَرُ تَخْصِيصُ بَعْضِهَا بِالْحَدِيثِ الْمُفِيدِ لِحِلِّ مَا سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَيُبْقِي مَا بَيْنَهُمَا دَاخِلًا فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ لِمَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» )

فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَتِهِ (وَلَيْسَ لَهُمْ مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَّا بِغِلَافِهِ، وَلَا أَخْذُ دِرْهَمٍ فِيهِ سُورَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا بِصُرَّتِهِ وَكَذَا الْمُحْدِثُ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا بِغِلَافِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» ثُمَّ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ حَلَّا الْيَدَ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الْمَسِّ وَالْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْفَمُ دُونَ الْحَدَثِ فَيَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إسْنَادِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَفِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَلِيٍّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْجُبُهُ، أَوْ قَالَ لَا يَحْجِزُهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يُثْبِتُونَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَكَانَ قَدْ كَبِرَ وَأُنْكِرَ عَقْلُهُ وَحَدِيثُهُ، وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا بَعْدَ كِبَرِهِ قَالَهُ شُعْبَةُ، لَكِنْ قَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: وَلَمْ يَحْتَجَّا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ، وَقَالَ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَتِهِ مَا دُونَ آيَةٍ) ذَكَرَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدُ أَنَّهُ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ لَا يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا، قَالَ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ» فَكَمَا لَا يُعَدُّ قَارِئًا بِمَا دُونَ الْآيَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ بِهَا الصَّلَاةُ كَذَا لَا يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَقَالُوا: إذَا حَاضَتْ الْمُعَلِّمَةُ تُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ نِصْفُ آيَةٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي عَدِّ حُرُمَاتِ الْحَيْضِ وَحُرْمَةِ الْقُرْآنِ إلَّا إذَا كَانَتْ آيَةً قَصِيرَةً تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ عِنْدَ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ ثُمَّ نَظَرَ وَلَمْ يُولَدْ أَمَّا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ نَحْوَ (بِسْمِ اللَّهِ) وَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إنْ كَانَتْ قَاصِدَةً قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَاصِدَةً شُكْرَ النِّعْمَةِ وَالثَّنَاءِ لَا يُكْرَهُ، وَلَا يُكْرَهُ التَّهَجِّي وَقِرَاءَةُ الْقُنُوتِ انْتَهَى وَغَيْرُهُ لَمْ يُقَيَّدْ عِنْدَ قَصْدِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ بِمَا دُونَ الْآيَةِ، فَصَرَّحَ بِجَوَازِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ، وَيُكْرَهُ لَهُمَا قِرَاءَةُ دُعَاءِ الْوَتْرِ لِأَنَّ أُبَيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْعَلُهُ مِنْ الْقُرْآنِ سُورَتَيْنِ: مِنْ أَوَّلِهِ إلَى اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ سُورَةً، وَمِنْ هُنَا إلَى آخِرِهِ أُخْرَى، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الذِّكْرِ فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْأَذَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَذَانِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ) هُوَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ، وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْيَدَ إلَخْ) يُفِيدُ جَوَازُ نَظَرِ الْجُنُبِ لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ الْعَيْنُ وَلِذَا لَا يَجِبُ غَسْلُهَا، وَأَمَّا مَسُّ مَا فِيهِ ذِكْرٌ فَأَطْلَقَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ

وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ دُونَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرَزِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَيُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ لِأَهْلِهَا حَيْثُ يُرَخَّصُ فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ لِأَنَّ فِي الْمَنْعِ تَضْيِيعَ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ حَرَجًا بِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ) أَيْ مُنْفَصِلًا وَهُوَ الْخَرِيطَةُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ هُوَ الْجِلْدُ أَوْ الْكُمُّ لِأَنَّ الْجِلْدَ الْمُلْصَقَ تَابِعٌ لَهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَمْسُهُ حُكْمُ مَسِّهِ وَالْكُمُّ تَابِعٌ لِلْمَاسِّ فَالْمَسُّ بِهِ كَالْمَسِّ بِيَدِهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ أَنْ يَمَسَّا الْمُصْحَفَ بِكُمِّهِمَا أَوْ بِبَعْضِ ثِيَابِهِمَا لِأَنَّ الثِّيَابَ بِمَنْزِلَةِ يَدَيْهِمَا، أَلَا تَرَى لَوْ قَامَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ فَرَشَ نَعْلَيْهِ أَوْ جَوْرَبَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ، وَخِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْمَكْرُوهُ مِنْ الْكِتَابَةِ لَا مَوْضِعَ الْبَيَاضِ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ يُكْرَهُ كِتَابَةُ كِتَابٍ فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ. وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ لَا يُكْتَبُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ مَا دُونَ الْآيَةِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ، فَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَقْيَسُ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ كَانَ مَسُّهَا بِالْقَلَمِ وَهُوَ وَاسِطَةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَكَانَ كَثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمَسُّهُ بِيَدِهِ. وَقَالَ لِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ: هَلْ يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِمِنْدِيلٍ هُوَ لَابِسُهُ عَلَى عُنُقِهِ؟ قُلْت: لَا أَعْلَمُ فِيهِ مَنْقُولًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِطَرَفِهِ وَهُوَ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِاعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ فِي الْأَوَّلِ تَابِعًا لَهُ كَبَدَنِهِ دُونَ الثَّانِي، قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ عِمَامَةً بِطَرَفِهَا نَجَاسَةً مَانِعَةً: إنْ كَانَ أَلْقَاهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. [فُرُوعٌ] تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ وَمَا يُفْرَشُ، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْس فِي الْحَمَّامِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَتْ رُقْيَةٌ فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِهِ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُرَخَّصُ فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ) يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرَخَّصُ بِلَا كُمٍّ، قَالُوا يُكْرَهُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ مِنْ شُرُوحِ النَّحْوِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ) وَاللَّوْحِ وَإِنْ كَانُوا مُحْدِثِينَ لَا يَأْثَمُ

وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) لِأَنَّ الدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُكَلَّفُ الدَّافِعُ كَمَا يَأْثَمُ بِإِلْبَاسِ الصَّغِيرِ الْحَرِيرَ وَسَقْيِهِ الْخَمْرَ وَتَوْجِيهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ لِلضَّرُورَةِ فِي هَذَا الدَّفْعِ فَإِنَّ فِي أَمْرِهِمْ بِالتَّطْهِيرِ حَرَجًا بَيِّنًا لِطُولِ مَسِّهِمْ بِطُولِ الدَّرْسِ، خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَ تَعْلِيمَهُمْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَعَنْهُ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ) حَاصِلُهُ إمَّا أَنْ يُقْطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ، أَوْ دُونَهَا لِتَمَامِ الْعَادَةِ، أَوْ دُونَهَا. فَفِي الْأَوَّلِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ، وَفِي الثَّالِثِ لَا يَقْرَبُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مَا لَمْ تَمْضِ عَادَتُهَا، وَفِي الثَّانِي إنْ اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَعْنِي خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا حَلَّ وَإِلَّا لَا، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ انْقِطَاعُ النِّفَاسِ إنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فِيهَا فَانْقَطَعَ دُونَهَا لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَمْضِي عَادَتَهَا بِالشَّرْطِ، أَوْ لِتَمَامِهَا حَلَّ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ، أَوْ لِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ حَلَّ مُطْلَقًا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ يَطْهُرْنَ يَطَّهَّرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَمُؤَدَّى الْأُولَى انْتِهَاءُ الْحُرْمَةِ الْعَارِضَةِ عَلَى الْحِلِّ بِالِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا، وَإِذَا انْتَهَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ عَلَى الْحِلِّ حَلَّتْ بِالضَّرُورَةِ. وَمُؤَدَّى الثَّانِيَةِ عَدَمُ انْتِهَائِهَا عِنْدَهُ بَلْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ. فَحَمْلنَا الْأُولَى عَلَى الِانْقِطَاعِ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَيْهِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ فِي تَوْقِيفِ قُرْبَانِهَا فِي الِانْقِطَاعِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْغُسْلِ إنْزَالَهَا حَائِضًا حُكْمًا وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمِ إنْزَالُهُ إيَّاهَا طَاهِرَةً قَطْعًا، بِخِلَافِ تَمَامِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهَا بِالطُّهْرِ بَلْ يَجُوزُ الْحَيْضُ بَعْدَهُ، وَلِذَا لَوْ زَادَتْ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا نُحَقِّقُهُ. بَقِيَ أَنَّ مُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ فَرَفْعُ الْحُرْمَةِ قَبْلَهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ خَصَّ مِنْهَا صُورَةُ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ بِقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فَجَازَ أَنْ تَخُصَّ ثَانِيًا بِالْمَعْنَى، وَعَلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعُ آخِرًا: أَعْنِي أَنْ تَطْهُرَ فِي وَقْتٍ مِنْهُ إلَى خُرُوجِهِ قَدْرَ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمِ لَا أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَمِنْ أَنْ تَطْهُرَ فِي أَوَّلِهِ وَيَمْضِي مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْزِلُهَا طَاهِرَةً شَرْعًا كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يُغْلِظُ فِيهِ: أَيْ يَرَى أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ بِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ لَفْظَةَ أَدْنَى. وَعِبَارَةُ الْكَافِي أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِمُضِيِّ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ بِقَدْرِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ بِأَنْ انْقَطَعَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ. وَجْهُ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّهُ خِلَافُ إنْهَاءِ الْحُرْمَةِ بِالْغُسْلِ الثَّابِتِ بِقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي التَّجْنِيسِ: مُسَافِرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَتَيَمَّمَتْ ثُمَّ وَجَدَتْ مَاءً جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا لَكِنْ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ لِأَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ، فَلَمَّا وَجَدَتْ الْمَاءَ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ كَالْجُنُبِ هَذَا فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ أَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ: فَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ دُونَ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اغْتَسَلَتْ حِينَ تَخَافُ فَوْتَ الصَّلَاةِ وَصَلَّتْ وَاجْتَنَبَ زَوْجُهَا قُرْبَانَهَا احْتِيَاطًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى عَادَتِهَا لَكِنْ تَصُومُ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ احْتِيَاطًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، إنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ جَازَ، وَإِنْ عَاوَدَهَا إنْ كَانَ فِي الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِي، وَكَذَا صَاحِبُ الِاسْتِبْرَاءِ يَجْتَنِبُهَا احْتِيَاطًا انْتَهَى. وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهُ إذَا زَادَ لَا يَفْسُدُ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْعَوْدُ بَعْدَ

يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ (وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةُ حَلَّ وَطْؤُهَا) لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا. (وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ) لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ (وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْقِضَاءِ الْعَادَةِ أَمَّا قَبْلَهَا فَيَفْسُدُ وَإِنْ زَادَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى الْعَادَةِ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَاوَدَهَا فِيهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ هَذَا. وَقَدْ قَدَّمْت مَا عِنْدِي مِنْ التَّرَدُّدِ فِي الِانْقِطَاعِ بِدُونِ الْقَصَّةِ ثُمَّ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِمَا دُونَ الْعَادَةِ وَاجِبٌ، فَلَوْ انْقَطَعَ لِتَمَامِهَا تَغْتَسِلُ أَيْضًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَكِنْ هَذَا التَّأْخِيرَ اسْتِحْبَابٌ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا تَنْتَظِرُ تَمَامَ الْعَشَرَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَكَذَا إذَا كَانَ هَذَا أَوَّلُ مَا رَأَتْ وَانْقَطَعَ الْحَيْضُ عَلَى خَمْسَةٍ وَالنِّفَاسُ عَلَى عِشْرِينَ وَاغْتَسَلَتْ تَثْبُتُ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الْحَيْضِ فِي الِانْقِطَاعِ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ وَإِنْ كَانَ تَمَامَ عَادَتِهَا، بِخِلَافِ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ حَتَّى لَوْ طَهُرَتْ فِي الْأَوَّلِ وَالْبَاقِي قَدْرَ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ. وَفِي النَّوَادِرِ: إنْ كَانَ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَطَهُرَتْ وَبَقِيَ قَدْرُ مَا تَتَحَرَّمُ لَزِمَهَا الْفَرْضُ وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الِاغْتِسَالِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ وَقَدْ بَقِيَ مَا لَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةُ لَا يَلْزَمُهَا، وَمَتَى طَرَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ سَقَطَتْ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَوْ بَعْدَ مَا افْتَتَحَتْ الْفَرْضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ وَهِيَ فِي التَّطَوُّعِ حَيْثُ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، هَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ إذَا طَرَأَ وَالْبَاقِي قَدْرُ الصَّلَاةِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ وَجَبَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ عِنْدَنَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ، وَعِنْدَهُ تَسْتَقِرُّ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي مِنْهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مِقْدَارَ الْأَدَاءِ فَيُعْتَبَرُ عِنْدَنَا حَالُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتِ، وَعِنْدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الْجُزْءُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِالْأَدَاءِ،

إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ (وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يُفْصَلُ، وَهُوَ كُلُّهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا وُجِدَ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَجَبَتْ، وَبَعْدَ الْوُجُوبِ لَا تَسْقُطُ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ فَتَقْضِيهَا، وَإِذَا وُجِدَ وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَجِبْ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ بِآخِرِ الْوَقْتِ لَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ بِاحْتِلَامٍ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْعِشَاءِ وَإِنْ كَانَ صَلَّاهَا قَبْلَ النَّوْمِ وَهِيَ وَاقِعَةُ مُحَمَّدٍ سَأَلَهَا أَبَا حَنِيفَةَ فَأَجَابَهُ بِهَذَا وَقِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ إذَا اسْتَيْقَظَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ تَلْزَمُهُ الْعِشَاءُ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) هِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ، وَمُقْتَضَاهَا أَنْ لَا يَبْدَأَ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَرَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ فِي الْعَشْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ وَبِهِ أَخَذَ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يُفْصَلُ. وَقِيلَ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ افْتِتَاحِ الْحَيْضِ وَاخْتِتَامُهُ بِالطُّهْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ احْتِوَاشِ الدَّمِ بِالطَّرَفَيْنِ، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا كَانَتْ الْعَشَرَةُ الْأُولَى حَيْضًا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ، وَلَوْ رَأَتْ الْمُعْتَادَةُ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشَرَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ حَيْضٌ إنْ كَانَ عَادَتُهَا الْعَشَرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يُفْصَلُ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ تَغْلِيبًا لِلْحُرُمَاتِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فُصِلَ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَهُوَ حَيْضٌ

وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْسَرُ، وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُحْتَوِشَيْنِ حَيْضًا لِكَوْنِ الطُّهْرِ حِينَئِذٍ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ، فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ حَيْضًا لِسَبْقِهِ لَا الثَّانِي، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يَبْدَأَ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ وَصَارَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ حَتَّى صَارَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي، فَقِيلَ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الطَّرَفِ الْأَخِيرِ حَتَّى يَصِيرَ الْكُلُّ حَيْضًا، وَقِيلَ لَا يَتَعَدَّى. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: هُوَ الْأَصَحُّ. مِثَالُهُ: رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكُلُّ حَيْضٌ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ دَمٌ لِاسْتِوَائِهِ بِدَمَيْهِ فَكَأَنَّهَا رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا، وَعَلَى الثَّانِي السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ فَقَطْ. [فَرْعٌ] عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ إنْ كَانَتْ عَادَتَهَا، أَوْ مُبْتَدَأَةً لِأَنَّ الْحَيْضَ يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَعَادَتُهَا فَقَطْ لِمُجَاوَزَةِ الدَّمِ الْعَشَرَةَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ فَقَطْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا لِاخْتِتَامِهَا بِالطُّهْرِ وَتَعَذَّرَ جَعْلُ مَا قَبْلَ الطُّهْرِ الثَّانِي حَيْضًا لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِيهِ لِلطُّهْرِ فَطَرَحْنَا الدَّمَ الْأَوَّلَ، وَالطُّهْرُ الْأَوَّلُ يَبْقَى بَعْدَهُ يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمَانِ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ وَالطُّهْرُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَجَعَلْنَا الْأَرْبَعَةُ حَيْضًا. وَعِنْدَ زُفَرَ: الثَّمَانِيَةُ حَيْضٌ لِاشْتِرَاطِهِ كَوْنَ الدَّمِ ثَلَاثَةَ فِي الْعَشَرَةِ وَلَا يُخْتَمُ عِنْدَهُ بِالطُّهْرِ وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةٌ دَمًا، وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِخُرُوجِ الدَّمِ الثَّانِي عَنْ الْعَشَرَةِ.

(وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا) هَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا (وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرٍ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ آخَرُ] عَادَتُهَا عَشَرَةٌ فَرَأَتْ ثَلَاثَةً وَطَهُرَتْ سِتَّةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُتَوَهِّمَ بَعْدَهُ مِنْ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَالسِّتَّةُ أَغْلَبُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَيُجْعَلُ الدَّمُ الْأَوَّلُ فَقَطْ حَيْضًا، بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ كَانَتْ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعَادَتُهَا تِسْعَةً، اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، قِيلَ لَا يُبَاحُ قُرْبَانُهَا لِاحْتِمَالِ الدَّمِ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَقِيلَ يُبَاحُ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْيَوْمَ الزَّائِدَ مَوْهُومٌ لِأَنَّهُ خَارِجُ الْعَادَةِ، وَفِي نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ إفَادَةٌ أَنَّ الْمُجِيزَ لِلْقُرْبَانِ يَكْرَهُهُ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَزَّاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْعَبَّاسِ إلَى الْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ، قِيلَ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ فَكَانَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ) وَقَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ

وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا بِأَنْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً، وَإِمَّا بِأَنْ بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ عَشَرَةٍ مَثَلًا دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ أَوْ كَانَتْ صَاحِبَةَ عَادَةٍ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَنَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَأَوَّلَهَا وَآخِرَهَا وَدَوْرَهَا، أَمَّا الْأُولَى فَيُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشْرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ فَشَهْرٌ عِشْرُونَ وَشَهْرٌ تِسْعَةَ عَشَرَ وَهِيَ الَّتِي سَتَأْتِي، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ: حَيْضُهَا مَا رَأَتْ وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ، فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِهِ لِلطَّلَاقِ أَوَّلَ الطُّهْرِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَضْبُوطًا فَلَيْسَ هَذَا التَّقْدِيرُ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ كَوْنِ حِسَابِهِ يُوجِبُ كَوْنُهُ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَيَكُونُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَذْكُورِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، أَوْ آخِرَ الطُّهْرِ فِيهِ يُقَدَّرُ بِسَنَتَيْنِ وَأَحَدٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْبُوطًا فَيَنْبَغِي بِأَنْ تُزَادَ الْعَشَرَةُ إنْزَالًا لَهُ مُطْلَقًا أَوَّلَ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَجِبُ أَنْ تَتَحَرَّى وَتَمْضِي عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ وَهِيَ الْمُحَيَّرَةُ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَلَى التَّعْيِينِ، بَلْ تَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَتَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْمَسِّ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقُرْبَانِ الزَّوْجِ، وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَتُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ وَالْوَتْرَ، وَتَقْرَأُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَقَطْ، وَقِيلَ الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ لِأَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ، وَإِنْ حَجَّتْ تَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ ثُمَّ تُعِيدُهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَتَطُوفُ لِلصَّدْرِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَتَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ، ثُمَّ تَقْضِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا

(وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ) كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ لَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الْوَطْءَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الصَّلَاةِ ثَبَتَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءُ بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ) (زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَاضَتْ مِنْ أَوَّلِهِ عَشَرَةً وَمِنْ آخِرِهِ خَمْسَةً أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي الْقَضَاءِ عَشَرَةً فَتُسَلِّمُ خَمْسَةَ عَشَر بِيَقِينٍ. وَهَلْ يُقَدَّر لَهَا طُهْرٌ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا طُهْرًا وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَبَدًا مِنْهُمْ أَوْ عِصْمَةٌ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَجُوزُ إلَّا تَوْقِيفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ فَالْمَيْدَانِيُّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً لِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ عَادَةً فَنَقَصْنَا عَنْهُ سَاعَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلَ الطُّهْرِ. قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ تُزَادَ عَشَرَةً لِمِثْلِ مَا قُلْنَا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ شَهْرَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي سَهْلٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا لِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا، وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْغَالِبِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَذَكَرَ بُرْهَانُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ التَّقْدِيرُ بِشَهْرَيْنِ (قَوْلُهُ تَوَضَّئِي وَصَلِّي إلَخْ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: لَا اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ صَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَفِي سَنَدَيْهِمَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ضَعَّفَ يَحْيَى هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَرَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ «وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا) فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الْعَادَةِ اسْتِحَاضَةً وَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْعَشَرَةِ، وَهَلْ تَتْرُكُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الزِّيَادَةَ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قِيلَ لَا إذَا لَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَوْنِهِ حَيْضًا لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ نَعَمْ

وَاَلَّذِي زَادَ اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَكَوْنُهُ اسْتِحَاضَةً بِكَوْنِهِ عَنْ دَاءٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ الزَّائِدُ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ عَادَةً لَهَا أَوَّلًا إلَّا إنْ رَأَتْ فِي الثَّانِي كَذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى نَقْلِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ لَا فَعِنْدَهُمَا لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالْخِلَافُ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهِيَ أَنْ تَرَى دَمَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ لَا الْجَعْلِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مَا رَأَتْهُ آخِرًا، وَعِنْدَهُمَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَصُورَةُ الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ أَنْ تَرَى أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً وَدِمَاءً مُخْتَلِفَةً بِأَنْ رَأَتْ فِي الِابْتِدَاءِ خَمْسَةً دَمًا وَسَبْعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ أَرْبَعَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ ثَلَاثَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ تَبْنِي عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ مُزَاحِمٍ تَبْنِي عَلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا، وَعَلَى الثَّانِي تَدَعُ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذِهِ عَادَةٌ جَعْلِيَّةٌ لَهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ جَعْلِيَّةً لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عَادَةً لِلضَّرُورَةِ هَكَذَا فِي الْمُصَفَّى، وَفِي غَيْرِهِ مَعْزُوًّا إلَى الْمَبْسُوطِ: إنْ كَانَ حَيْضُهَا مُخْتَلِفًا مَرَّةً تَحِيضُ خَمْسَةً وَمَرَّةً سَبْعَةً فَاسْتُحِيضَتْ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ، وَتُصَلِّي يَوْمَيْنِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَ آخِرَ عِدَّتِهَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ مُرَاجَعَتُهَا فِيهِمَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ فِيهِمَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَهُمَا لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا الْآنَ فَتَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلِّ جَانِبٍ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ خِلَافُ مَا فِي الْمُصَفَّى وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْخُلَاصَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَة وَبِالْأَكْثَرِ فِي التَّزَوُّجِ وَتُعِيدُ الِاغْتِسَالَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ إذَا طَرَأَتْ عَلَى الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ هَلْ تَنْتَقِضُ الْأَصْلِيَّةَ؟ قَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ: لَا لِأَنَّهَا دُونَهَا، وَقَالَ أَئِمَّةُ بُخَارَى. نَعَمْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَتَكَرَّرَ فِي الْجَعْلِيَّةِ خِلَافَ مَا كَانَ فِي الْأَصْلِيَّةِ كَمَا أَرَيْتُك فِي صُورَتِهَا، وَالْجَعْلِيَّةُ تُنْتَقَضُ: بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً بِالِاتِّفَاقِ، هَذَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ، وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ وَهُوَ فِي الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ، فَالْأَوَّلُ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: رَأَتْ الْمُعْتَادَةُ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا، وَفِي أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا، أَوْ رَأَتْ قَبْلَهَا مَا لَا يَكُونُ وَكَذَا فِيهَا وَإِذَا جُمِعَا كَانَا حَيْضًا، أَوْ رَأَتْ قَبْلَهَا مَا يَكُونُ وَلَمْ تَرَ فِيهَا شَيْئًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَى الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ كَذَلِكَ يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ، وَلَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا وَفِيهَا مَا يَكُونُ فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا قَبْلَ أَيَّامِهَا تَبَعٌ لِأَيَّامِهَا الِاسْتِبَاعُ الْكَثِيرُ الْقَلِيلَ، وَقُيِّدَ فِي الْخُلَاصَةِ كَوْنُ الْكُلِّ حَيْضًا بِأَنْ لَا يُجَاوِزَ الْمَجْمُوعُ الْعَشَرَةَ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِلَّا تَرُدُّ إلَى عَادَتِهَا، وَلَوْ رَأَتْ قَبْلَهَا مَا يَكُونُ وَفِيهَا كَذَلِكَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَأَخِّرِ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَفِي أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا يَكُونُ حَيْضًا رِوَايَةً وَاحِدَةً كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْكُلِّ يَكُونُ حَيْضًا عَادَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِلتَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الْمَرْئِيِّ بَعْدَ أَيَّامِهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا زَادَ الدَّمُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا بِحُكْمِ مَا تَقَدَّمَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَوْ كَانَ عَادَتُهَا ثَلَاثَةً فَرَأَتْ سَبْعَةً يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا وَكَانَ الْأَوْلَى التَّقْيِيدُ،

«الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّا عَرَفْنَاهُ حَيْضًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الْمَرْئِيِّ بَعْدَهَا مَعَهَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ عَادَتَهَا وَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مَا يَزِيدُ الْكُلُّ عَلَى عَشَرَةٍ فَعَادَتُهَا فَقَطْ حَيْضٌ، وَمِنْ الرَّدِّ إلَى الْعَادَةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ عَادَتِي فِي الْحَيْضِ عَشَرَةٌ وَفِي الطُّهْرِ عِشْرُونَ، وَالْآنَ أَرَى الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَرَى الدَّمَ تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إلَى تَمَامِ الْعِشْرِينَ ثُمَّ تَتْرُكُ فِي الْعَشَرَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا وَالْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ طُهْرِهَا مَا لَوْ ضَمَّ إلَى أَيَّامِ حَيْضِهَا لَا يُجَاوِزُ الْعَشَرَةَ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، يَصِحُّ مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقَائِلِ بِالْإِبْدَالِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ مَا قَبْلَ أَيَّامِهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا، فَإِنْ كَانَ فَعَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا آنِفًا (قَوْلُهُ الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ إلَخْ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ آنِفًا قَالَ «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ) مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُقَدَّرِ، إذْ الْمُقَدَّرُ الْعَادِي كَالْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ فَالزَّائِدُ عَلَيْهِ كَالزَّائِدِ عَلَيْهِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَعْهُودِ (قَوْلُهُ فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا أَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَعَشَرَةٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا الْخُنْثَى إذَا خَرَجَ لَهُ دَمٌ وَمَنِيٌّ فَالْعِبْرَةُ لِلْمَنِيِّ.

[فصل في الاستحاضة]

فَصْلٌ فِي الِاسْتِحَاضَة (وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ يَتَوَضَّئُونَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَيُصَلُّونَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ مَا شَاءُوا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ لِكُلِّ مَكْتُوبَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَتِهَا ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ فَلَا تَبْقَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاسْتِحَاضَة] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» ) هُوَ الْمَرْوِيُّ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُسْتَحَاضَةِ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَذَكَرَ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ اهـ. وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «وَتَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مُعْضِلًا. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: وَرُوِيَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «وَتَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا

بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ، يُقَالُ آتِيك لِصَلَاةِ الظُّهْرِ: أَيْ وَقْتِهَا، وَلِأَنَّ الْوَقْتَ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ تَيْسِيرًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ (وَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ وَضْؤُهُمْ وَاسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ لِصَلَاةٍ أُخْرَى) وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحْكَمٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ شَاعَ اسْتِعْمَالُهَا فِي لِسَانِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ فِي وَقْتِهَا، فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا» الْحَدِيثَ: أَيْ وَقْتِهَا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ» وَمِنْ الثَّانِي آتِيك لِصَلَاةِ الظُّهْرِ: أَيْ لِوَقْتِهَا، وَهُوَ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُحْكَمِ. وَقَدْ رَجَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ حَقِيقَةَ كُلِّ صَلَاةٍ لِجَوَازِ النَّفْلِ مَعَ الْفَرْضِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ) هَذَا إذَا تَوْضُؤَا عَلَى السَّيَلَانِ أَوْ

وَقَالَ زُفَرُ: اسْتَأْنَفُوا إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ (فَإِنْ تَوَضَّئُوا حِينَ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُ الظُّهْرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ أَجْزَأَهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمَعْذُورِ تُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ: أَيْ عِنْدَهُ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَبِدُخُولِهِ فَقَطْ عِنْدَ زُفَرَ، وَبِأَيِّهِمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَدَ السَّيَلَانَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، أَمَّا إنْ كَانَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَدَامَ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْخُرُوجِ مَا لَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ أَوْ يَسِلْ دَمُهَا (قَوْلُهُ أَيْ عِنْدَهُ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ) فَقَوْلُنَا خُرُوجُ الْوَقْتِ نَاقِضٌ أَوْ الدُّخُولُ مَجَازُ عَقْلٍ فِي الْإِسْنَادِ، وَأَوْرَدَ لَوْ اسْتَنَدَ النَّقْضُ إلَى السَّابِقِ لَوَجَبَ إذَا شَرَعَتْ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ عَدَمُ لُزُومِ قَضَائِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَعْلَمُ أَنَّهَا شَرَعَتْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ طَهُورًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ وَجْهٍ وَاقْتِصَارٌ مِنْ وَجْهٍ، فَأَظْهَرْنَا الِاقْتِصَارَ فِي الْقَضَاءِ وَالظُّهُورَ فِي حَقِّ الْمَسْحِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ: يَعْنِي الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ لِلِاحْتِيَاطِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ اقْتِصَارٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَوْنُهُ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِنَادَ لِيَظْهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ إذْ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدَثَ مَحْكُومٌ بِارْتِفَاعِهِ إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَظْهَرُ عِنْدَهَا مُقْتَصِرًا، لَا أَنْ يَظْهَرَ قِيَامُهُ شَرْعًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَنْ حَقَّقَ أَنَّ هَذِهِ اعْتِبَارَاتٌ شَرْعِيَّةٌ لَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ وَبِدُخُولِهِ فَقَطْ عِنْدَ زُفَرَ وَبِأَيِّهِمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) رَأَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ زُفَرَ لَمْ يَرَ ذَلِكَ وَلَا أَبَا يُوسُفَ، فَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى انْتِقَاضِهِ عِنْدَ الْخُرُوجِ،

وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِيمَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. لِزُفَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الطَّهَارَةِ مَعَ الْمُنَافِي لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا لَمْ يُنْتَقَضْ عِنْدَ زُفَرَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ قِيَامَ الْوَقْتِ جُعِلَ عُذْرًا وَقَدْ بَقِيَتْ شُبْهَتُهُ فَصَلَحَتْ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْعُذْرِ تَحْقِيقًا، وَإِنَّمَا تَحْتَاجُ لِلطَّهَارَةِ لِلظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا تَوَضَّأَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَدَخَلَ وَقْتَ الظُّهْرِ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا ضَرُورِيَّةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الْوَقْتِ لَا لِأَنَّ طَهَارَتَهَا انْتَقَضَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ طَهَارَتَهَا لَمْ تَصِحَّ حَتَّى لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ بِهَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَا أَنَّهَا صَحَّتْ وَانْتَقَضَتْ. وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ (لِزُفَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الطَّهَارَةِ مَعَ الْمُنَافِي لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ) صَرِيحٌ فِي مُوَافَقَةِ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَفِي أَنَّ الطَّهَارَةَ تَقْبَلُهُ لَمْ تَصِحَّ لَا أَنَّهَا انْتَقَضَتْ بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَالْخِلَافُ فِيمَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَ الشَّمْسِ ابْتِدَائِيٌّ فِي نَفْسِ صِحَّةِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِ لَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَنَاطِ النَّقْضِ فَلَيْسَ وَضْعُ الْخِلَافِ صَحِيحًا: فَمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهَا طَهَارَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ النَّفْلِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحَاجَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَدَاءِ الْوَقْتِيَّةِ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ تِلْكَ الطَّهَارَةِ لَا أَنَّهَا

وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ كَمَا دَخَلَ الْوَقْتُ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ دَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ، فَظَهَرَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ الْمَعْذُورُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِهِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ الضُّحَى، وَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ وَأُخْرَى فِيهِ لِلْعَصْرِ فَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ بِهِ لِانْتِقَاضِهِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَفْرُوضَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا حَسَنٌ (قَوْلُهُ فَعِنْدَ هُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ) فَإِنَّمَا خَصَّهُمَا مَعَ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَأْتِي عَلَى قَوْلِهِمَا، إذْ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ عَلَى الْوَقْتِ وَلَا يُنْتَقَضُ بِالدُّخُولِ، وَمَعَ هَذَا لَا يُصَلِّي الْعَصْرَ بِهَذِهِ لِأَنَّهُ دُخُولٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى خُرُوجٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْعَصْرِ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ عَلَى السَّيَلَانِ

وَالْمُسْتَحَاضَةُ هِيَ الَّتِي لَا يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إلَّا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ وُجِدَ بَعْدَهَا وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَاضَةُ هِيَ الَّتِي لَا يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إلَّا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ) لَمَّا أَعْطَى حُكْمَ الْمُسْتَحَاضَةِ أَفَادَ تَصْوِيرَهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى الْحُكْمِ لِتَقَدُّمِ التَّصَوُّرِ عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَصَوَّرِ لَكِنَّهُ بَادَرَ إلَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَهَمُّ مَعَ عَدَمِ الْفَوَاتِ، إذْ قَدْ أَفَادَ التَّصْوِيرُ لَكِنَّهُ أَخَّرَهُ فَإِنَّمَا فِيهِ وَجْهُ التَّقْدِيمِ وَقَدْ انْتَظَمَهُ كَلَامُنَا. قِيلَ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ هِيَ الَّتِي لَا يَخْلُو وَقْتُ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ عَنْ الْحَدَثِ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِدَوَامِهِ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ انْقَطَعَ فَتَوَضَّأَتْ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهَا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ تَفْسِيرُ الْمُسْتَحَاضَةِ لَا تَنْقُضُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ حُكْمُهَا ذَلِكَ. وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ لِلْمُتَأَمِّلِ إنَاطَةُ ثُبُوتِ وَصْفِ الِاسْتِحَاضَةِ وَاسْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِوُجُودِ الْوُضُوءِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تَتَوَضَّأْ وَلَمْ تُصَلِّ لِمَرَضٍ يُعْجِزُهَا عَنْ الْإِيمَاءِ أَوْ فِسْقًا وَهِيَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ دَوَامِهِ وَقْتًا كَامِلًا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً قَطْعًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إنَّمَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهَا بِالْخُرُوجِ إذَا كَانَ السَّيَلَانُ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ وَتَرْكُ التَّقْيِيدِ بِهِ فِي إعْطَائِهَا هَذَا الْحُكْمَ لِظُهُورِهِ وَعَلَيْهِ قُلْنَا لَوْ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ بَعْضَ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ ثُمَّ سَالَ تَتَوَضَّأُ وَتَبْنِي لِأَنَّ الِانْتِقَاضَ بِالْحَدَثِ لَا بِالْخُرُوجِ لِيَكُونَ بِظُهُورِ الْحَدَثِ السَّابِقِ فَتَسْتَقْبِلُ ثُمَّ تُحَقِّقُ كَوْنَهَا مُبْتَلَاةً بِهِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَعْذُورِينَ ابْتِدَاءً بِاسْتِيعَابِهِ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلٍ. وَفِي الْكَافِي: إنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ عُذْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ زَمَنًا يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ. وَالْأَوْلَى عِبَارَةُ عَامَّةِ الْكُتُبِ وَهَذَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهَا، إذْ قَلَّمَا يَسْتَمِرُّ كَمَالُ وَقْتٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ لَحْظَةً فَيُؤَدِّي إلَى نَفْيِ تَحَقُّقِهِ إلَّا فِي الْإِمْكَانِ، بِخِلَافِ جَانِبِ الصِّحَّةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ بِدَوَامِ انْقِطَاعِهِ وَقْتًا كَامِلًا وَهُوَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ، وَبِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِيعَابِ فِي الِابْتِدَاءِ قَالُوا، لَوْ سَالَ جُرْحُهُ انْتَظَرَا آخِرَ

وَكَذَا كُلُّ مَنْ هُوَ مَعْنَاهَا وَهُوَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَمَنْ بِهِ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَدَخَلَ وَقْتُ أُخْرَى فَانْقَطَعَ فِيهِ أَعَادَ الْأُولَى لِعَدَمِ الِاسْتِيعَابِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ حَتَّى خَرَجَ لَا يُعِيدُهَا لِوُجُودِ الِاسْتِيعَابِ، كَمَا لَوْ قَالُوا فِي جَانِبِ الِانْقِطَاعِ لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى السَّيَلَانِ وَصَلَّى عَلَى الِانْقِطَاعِ أَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ إنْ عَادَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَلَا إعَادَةَ لِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ وَقْتًا تَامًّا وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِلِانْقِطَاعِ التَّامِّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا صَلَّتْ صَلَاةَ الْمَعْذُورِينَ وَلَا عُذْرَ، هَذَا. وَمَتَى قَدَرَ الْمَعْذُورُ عَلَى رَدِّ السَّيَلَانِ بِرِبَاطٍ أَوْ حَشْوٍ أَوْ كَانَ لَوْ جَلَسَ لَا يَسِيلُ وَلَوْ قَامَ سَالَ وَجَبَ رَدُّهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِرَدِّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ عُذْرٍ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ إذَا مَنَعَتْ الدُّرُورَ فَإِنَّهَا حَائِضٌ، وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا بِإِيمَاءٍ إنْ سَالَ بِالْمَيَلَانِ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِإِيمَاءٍ لَهَا وَجَرَّدَ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ بِحَالٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ اسْتَلْقَى لَا يَسِيلُ وَجَبَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ كَمَا لَا تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ إلَّا ضَرُورَةً لَا تَجُوزُ مُسْتَلْقِيًا إلَّا لَهَا فَاسْتَوَيَا، وَتَرَجَّحَ الْأَدَاءُ مَعَ الْحَدَثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ الْأَرْكَانِ، وَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا؟ قِيلَ لَا لِأَنَّ الْوُضُوءَ عَرَّفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَالنَّجَاسَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ قَلِيلَهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَأَلْحَقَ بِالْقَلِيلِ لِلضَّرُورَةِ. وَقِيلَ إذَا أَصَابَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَغْسِلُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَشْرَعَ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَفِي الصَّلَاةِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِيهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى: قَالَ الْقَاضِي: لَوْ غَسَلَتْ ثَوْبَهَا وَهُوَ يُحَالُ يَبْقَى طَاهِرًا إلَى أَنْ تَفْرُغَ لَا إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَعِنْدَنَا تُصَلِّي بِدُونِ غَسْلٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ عِنْدَنَا مُقَدَّرَةٌ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَعِنْدَهُ بِالْفَرَاغِ. وَفِي النَّوَازِلِ: وَإِذَا كَانَ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ وَشَدَّ عَلَيْهِ خِرْقَةً فَأَصَابَهُ الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ فَصَلَّى وَلَمْ يَغْسِلْهُ، إنْ كَانَ لَوْ غَسَلَهُ تَنَجَّسَ ثَانِيًا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ جَازَ أَنْ لَا يَغْسِلَهُ وَإِلَّا فَلَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَوْ كَانَتْ بِهِ دَمَامِيلُ وَجُدَرِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَبَعْضُهَا سَائِلٌ ثُمَّ سَالَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ سَائِلًا انْتَقَضَ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ فَصَارَ كَالْمَنْخِرَيْنِ، وَمَسْأَلَةُ الْمَنْخِرَيْنِ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ، وَهِيَ مَا إذَا سَالَ أَحَدُ مَنْخِرَيْهِ فَتَوَضَّأَ مَعَ سَيَلَانِهِ وَصَلَّى ثُمَّ سَالَ الْمَنْخِرُ الْآخَرُ فِي الْوَقْتِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ. [فَرْعٌ] فِي عَيْنِهِ رَمَدٌ يَسِيلُ دَمْعُهَا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ وَقْتٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَدِيدًا. وَأَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ

[فصل في النفاس]

لِأَنَّ الضَّرُورَةَ بِهَذَا تَتَحَقَّقُ وَهِيَ تَعُمُّ الْكُلَّ فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ (النِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ بِالدَّمِ أَوْ مِنْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ أَوْ بِمَعْنَى الدَّمِ (وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ ابْتِدَاءً أَوْ حَالَ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ اسْتِحَاضَةٌ) وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَيْضٌ اعْتِبَارًا بِالنِّفَاسِ إذْ هُمَا جَمِيعًا مِنْ الرَّحِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذَا الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نَعَمْ إذَا عَلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ عَلَامَاتٍ تَغْلِبُ ظَنَّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ. [فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ] (فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ) (قَوْلُهُ هُوَ الدَّمُ) يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا لَا تَكُونُ نُفَسَاءَ، ثُمَّ يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَخْلُو ظَاهِرًا عَنْ قَلِيلِ دَمٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ تَعَلُّقٌ بِالنِّفَاسِ وَلَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ فَيُقَالُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْفَرْجِ، فَإِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا تَكُونُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ سَائِلٍ لَا نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَقَعَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ بِمَعْنَى الدَّمِ) قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَنَا أَنَّ بِالْحَبَلِ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ كَذَا الْعَادَةُ، وَالنِّفَاسُ بَعْدَ انْفِتَاحِهِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ، وَلِهَذَا كَانَ نِفَاسًا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُ يَنْفَتِحُ فَيَتَنَفَّسُ بِهِ (وَالسَّقْطُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدٌ) حَتَّى تَصِيرَ الْمَرْأَةُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ وَكَذَا الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِهِ (وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَسِيلُ عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِ السُّيُوفِ تَسِيلُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ بِالْحَبَلِ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ كَذَا الْعَادَةُ) أَيْ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ عَدَمُ خُرُوجِ الدَّمِ وَهُوَ لِلِانْسِدَادِ ثُمَّ يَخْرُجُ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ لِلِانْفِتَاحِ بِهِ، وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الْحَامِلِ أَنْدَرُ نَادِرٍ فَقَدْ لَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ فِي عُمْرِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ فِي كُلِّ حَامِلٍ بِانْسِدَادِ رَحِمِهَا اعْتِبَارًا لِلْمَعْهُودِ مِنْ أَبْنَاءِ نَوْعِهَا، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ خَارِجٍ مِنْ الرَّحِمِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ حَيْضٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، لِذَا حَكَمَ الشَّارِعُ بِكَوْنِ وُجُودِ الدَّمِ دَلِيلًا عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» مَعَ أَنَّ كَوْنَ الْمَرْئِيِّ حَيْضًا غَيْرَ مَعْلُومٍ لِجَوَازِ كَوْنِهِ اسْتِحَاضَةً وَهِيَ حَامِلٌ وَمَعَ ذَلِكَ أُهْدِرَ هَذَا التَّجْوِيزُ نَظَرًا إلَى الْغَالِبِ فِي أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ عَنْ فَرْجِ الْحَامِلِ دَمٌ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ اسْتِحَاضَةً لِنُدْرَةِ الِاسْتِحَاضَةِ (قَوْلُهُ بِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ) أَيْ أَكْثَرُهُ (قَوْلُهُ وَالسَّقْطُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضَ خَلْقِهِ) كَأُصْبُعٍ أَوْ ظُفْرٍ (وَلَدٌ) فَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا

لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْوَلَدِ عُلِمَ الْخُرُوجُ مِنْ الرَّحِمِ فَأَغْنَى عَنْ امْتِدَادٍ جُعِلَ عِلْمًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ اسْتِحَاضَةً) لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا بِأَنْ امْتَدَّ جَعْلُ إيَّاهُ وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ. وَفِي الْفَتَاوَى: طَهُرَتْ شَهْرَيْنِ فَظَنَّتْ أَنَّ بِهَا حَبَلًا ثُمَّ أَسْقَطَتْ بَعْدَ شَهْرَيْنِ سَقْطًا لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقَهُ وَقَدْ رَأَتْ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ عَشَرَةً دَمًا يَكُونُ حَيْضًا لِأَنَّهُ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ، وَهِيَ لَمَّا أَسْقَطَتْ سِقْطًا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَمْ تُعْطَ حُكْمَ الْوِلَادَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَحُكِمَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ دَمًا انْعَقَدَ ثُمَّ تَحَلَّلَ فَخَرَجَ فَلَمْ يَكُنْ دَمًا حَامِلِ فَكَانَ حَيْضًا (قَوْلُهُ فَأَغْنَى عَنْ امْتِدَادِ جَعْلٍ عِلْمًا عَلَيْهِ فِي الْحَيْضِ) مَرْجِعُ ضَمِيرِ عَلَيْهِ خُرُوجُهُ مِنْ الرَّحِمِ، وَالِامْتِدَادُ الَّذِي جُعِلَ عِلْمًا عَلَى خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ فِي الْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ مِنْ تَقَدُّمِ نِصَابِ الطُّهْرِ وَغَيْرِهِ: أَيْ أَغْنَى عَنْ التَّعَرُّفِ بِهِ خُرُوجُ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الَّذِي يَعْقُبُهُ مِنْ الدَّمِ ظَاهِرُ كَوْنِهِ مِنْ الرَّحِمِ. وَفِي بَعْضٍ مِنْ النُّسَخِ عَنْ امْتِدَادِ مَا جُعِلَ عِلْمًا عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى فِيهِ تَنْوِينُ امْتِدَادٍ فَتَكُونُ مَا هِيَ الْمُنَبِّهَةُ عَلَى وَصْفٍ لَائِقٍ بِالْمَحَلِّ كَقَوْلِهِمْ: لِأَمْرِ مَا جَدَعَ قَصِيرُ أَنْفِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْعُمُومُ فِي الِامْتِدَادَاتِ الْمُعَرِّفَةِ لِكَوْنِ الدَّمِ حَيْضًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إلَى عَشَرَةٍ: أَيْ امْتِدَادُ مَا مِنْ هَذِهِ الِامْتِدَادَاتِ الَّتِي هِيَ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ إلَى عَشَرَةٍ، أَمَّا إنْ قُرِئَ بِإِضَافَةِ امْتِدَادٍ إلَى مَا فَالْمَعْنَى عَنْ امْتِدَادِ دَمٍ جُعِلَ بِوَصْفِ الِامْتِدَادِ عَلَامَةً فَإِنَّهُ نَفْسُهُ لَيْسَ عَلَامَةً بَلْ امْتِدَادُهُ أَوْ هُوَ بِوَصْفِ الِامْتِدَادِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَقْعُدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا» . وَأَثْنَى الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَمَّا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ مُصَنَّفِي الْفُقَهَاءِ إنَّهُ ضَعِيفٌ فَمَرْدُودٌ عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى إعْلَالِ ابْنِ حِبَّانَ إيَّاهُ بِكَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي سَهْلٍ الْخُرَاسَانِيِّ. قَالَ عَنْهُ: كَانَ يَرْوِي الْأَشْيَاءَ الْمَقْلُوبَاتِ فَيُجْتَنَبُ مَا انْفَرَدَ بِهِ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. قِيلَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: كَانَتْ تُؤْمَرُ أَنْ تَجْلِسَ إلَى الْأَرْبَعِينَ لِيَصِحَّ، إذْ لَا يَتَّفِقُ عَادَةُ جَمِيعِ أَهْلِ عَصْرِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَضَعَّفَهُ بِسَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ الطَّوِيلِ. وَرُوِيَ هَذَا مِنْ

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اعْتِبَارِ السِّتِّينَ (وَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْأَرْبَعِينَ وَكَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهَا عَادَةٌ فِي النِّفَاسِ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْحَيْضِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَابْتِدَاءُ نِفَاسِهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ نِفَاسًا (فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنِفَاسُهَا مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ الْوَلَدِ الْأَخِيرِ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا حَامِلٌ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ فَلَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَحِيضُ، وَلِهَذَا تَنْقَضِي الْعِدَّةَ بِالْوَلَدِ الْأَخِيرِ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحَامِلَ إنَّمَا لَا تَحِيضُ لِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ انْفَتَحَ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ وَتَنَفَّسَ بِالدَّمِ فَكَانَ نِفَاسًا، وَالْعِدَّةُ تَعَلَّقَتْ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِدَّةِ طُرُقٍ لَمْ تَخْلُ عَنْ الطَّعْنِ، لَكِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِكَثْرَتِهَا إلَى الْحَسَنِ. قَوْلُهُ وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَلَ فَيُحْكَمُ بِكَوْنِ الْمَرْئِيِّ بَعْدَهُ حَيْضًا إنْ صَلَحَ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ. [فَرْعٌ] أُسْقِطَتْ فِي الْمَخْرَجِ مَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ أَوَّلًا وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ إنْ أَسْقَطَتْ أَوَّلَ أَيَّامِهَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ قَدْرَ عَادَتِهَا بِيَقِينٍ لِأَنَّهَا إمَّا حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ بِالشَّكِّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا نُفَسَاءَ أَوْ طَاهِرَةً، ثُمَّ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ عَادَتِهَا بِيَقِينٍ لِأَنَّهَا إمَّا نُفَسَاءُ أَوْ حَائِضٌ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ بِيَقِينٍ إنْ كَانَتْ اسْتَوْفَتْ أَرْبَعِينَ مِنْ وَقْتِ الْإِسْقَاطِ وَإِلَّا فَبِالشَّكِّ فِي الْقَدْرِ الدَّاخِلِ فِيهَا وَبِيَقِينٍ فِي الْبَاقِي، ثُمَّ تَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا فَإِنَّهَا تُصَلِّي مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ بِالشَّكِّ، ثُمَّ تَتْرُكُ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ بِيَقِينٍ. وَحَاصِلُ هَذَا كُلُّهُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلشَّكِّ وَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ. وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْخُلَاصَةِ غَلَطٌ فِي التَّصْوِيرِ هُنَا مِنْ النُّسَّاخِ فَاحْتُرِسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنِفَاسُهَا) مَا خَرَجَ (مِنْ) الدَّمِ عَقِيبَ (الْوَلَدِ الْأَوَّلِ) مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ تَوْأَمَانِ، وَدَمُ النِّفَاسِ هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ غِذَاءِ الْوَلَدِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ الْمَمْنُوعِ خُرُوجُهُ بِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ بِالْحَبَلِ، وَبِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ ظَهَرَ انْفِتَاحُهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ ذَاكَ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا، وَقَدْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ يَنْتَهِي بِأَرْبَعِينَ حَتَّى لَوْ زَادَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ عَلَيْهَا فِي الْوَلَدِ الْوَاحِدِ حُكِمَ

[باب الأنجاس وتطهيرها]

بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا (تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ، فَظَهَرَ أَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّهَا حَامِلٌ وَصْفٌ لَا أَثَرَ لَهُ: إذْ الْمُؤَثِّرُ فِي نَفْيِ النِّفَاسِ ثُبُوتُ الِانْسِدَادِ لَا ثُبُوتُ الْحَمْلِ، بَلْ عَدَمُهُ فِي حَالَةِ الْحَمْلِ لَيْسَ إلَّا لِلِانْسِدَادِ وَقَدْ زَالَ فَهُوَ الْمَدَارُ، أَمَّا الْحَمْلُ فَعِلَّتُهُ قِيَامُ الْعِدَّةِ. [بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا] (قَوْلُهُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ) أَيْ نَفْسُ مَحَلِّهَا أَمَّا هِيَ فَلَا تُطَهَّرُ (وَاجِبٌ) مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ وَبِمَا إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ ارْتِكَابَ مَا هُوَ أَشَدُّ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهَا إلَّا بِإِبْدَاءِ عَوْرَتِهِ لِلنَّاسِ يُصَلِّي مَعَهَا لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَشَدُّ، فَلَوْ أَبَدَاهَا لِلْإِزَالَةِ فَسَقَ، إذْ مَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَحْظُورَيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَكِبَ أَهْوَنَهُمَا، أَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ إنَّمَا وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى النَّجَاسَةِ لَا الْحَدَثِ لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ فَيَكُونَ مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَتَيْنِ، لَا لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ وَلَا أَنَّهُ صَرَفَ إلَى الْأَخَفِّ حَتَّى يَرُدَّ إشْكَالًا كَمَا قَالَهُ حَمَّادٌ حَتَّى أَوْجَبَ صَرْفَهُ إلَى الْحَدَثِ، وَقَوْلُنَا لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ هُوَ لِيَقَعَ تَيَمُّمُهُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا، أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ صَرْفِهِ إلَى النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الصَّرْفِ إلَيْهَا فَكَانَ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الْحَدَثِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِزَالَةِ لِخَفَاءِ خُصُوصِ الْمَحَلِّ الْمُصَابِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَنَجُّسِ الثَّوْبِ قِيلَ: الْوَاجِبُ غَسْلُ طَرَفٍ مِنْهُ، فَإِنْ غَسَلَهُ بِتَحَرٍّ أَوْ بِلَا تَحَرٍّ طَهُرَ، وَذِكْرُ الْوَجْهِ بَيِّنٌ أَنْ لَا أَثَرَ لِلتَّحَرِّي وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَقَعَ الشَّكُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قِيَامِ النَّجَاسَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَغْسُولِ مَحَلَّهَا فَلَا يُقْضَى بِالنَّجَاسَةِ بِالشَّكِّ، كَذَا أَوْرَدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَالَ: وَسَمِعْت الشَّيْخَ الْإِمَامَ تَاجَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُهُ وَيَقِيسُهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هِيَ إذَا فَتَحْنَا حِصْنًا وَفِيهِمْ ذِمِّيٌّ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِيَقِينٍ، فَلَوْ قُتِلَ الْبَعْضُ أَوْ أُخْرِجَ حَلَّ قَتْلُ الْبَاقِي لِلشَّكِّ فِي قِيَامِ الْمُحَرَّمِ كَذَا هُنَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ مُجَرَّدًا عَنْ التَّعْلِيلِ، فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَلَوَاتٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ فِي طَرَفٍ آخَرَ يَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الثَّوْبُ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَدْرِي مَكَانَهَا يَغْسِلُ الثَّوْبَ كُلَّهُ انْتَهَى. وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ. وَذَلِكَ التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ عِنْدِي، فَإِنَّ غَسْلَ طَرَفٍ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْيَقِينِ بِنَجَاسَتِهِ قَبْلُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْإِزَالَةِ بَعْدَ تَيَقُّنِ قِيَامِ النَّجَاسَةِ، وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْمُتَيَقَّنَ قَبْلَهُ، وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّكِّ فِي كَوْنِ الطَّرَفِ الْمَغْسُولِ وَالرَّجُلِ الْمُخْرَجِ هُوَ مَكَانُ النَّجَاسَةِ وَالْمَعْصُومُ الدَّمِ يُوجِبُ أَلْبَتَّةَ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الْبَاقِي وَإِبَاحَةِ دَمِ الْبَاقِينَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ صَيْرُورَتِهِ مَشْكُوكًا فِيهِ ارْتِفَاعُ الْيَقِينِ عَنْ تَنَجُّسِهِ وَمَعْصُومِيَّتِهِ، وَإِذَا صَارَ مَشْكُوكًا فِي نَجَاسَتِهِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ لَمْ يَبْقَ لِكَلِمَتِهِمْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَعْنِي قَوْلَهُمْ: الْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ مَعْنًى، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ شَكٌّ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِ الْيَقِينِ لِيُتَصَوَّرَ ثُبُوتُ شَكٍّ فِيهِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ ذَلِكَ الْيَقِينُ، فَعَنْ هَذَا حَقَّقَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْلُصُ الْإِشْكَالُ فِي الْحُكْمِ لَا الدَّلِيلِ فَنَقُولُ: وَإِنْ ثَبَتَ الشَّكُّ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي وَنَجَاسَتِهِ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ ذَلِكَ التَّيَقُّنِ السَّابِقِ لِنَجَاسَتِهِ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ غَسْلِ الطَّرَفِ لِأَنَّ الشَّكَّ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ السَّابِقِ عَلَى مَا حُقِّقَ مِنْ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ فَقَتْلُ الْبَاقِي وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْبَاقِي مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي طَهَارَةِ الْمَكَانِ مَوْضِعُ الْقَدَمِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَوْضِعُ السُّجُودِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا: وَلَا يَجِبُ طَهَارَةُ مَوْضِعِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ لِأَنَّ وَضْعَهَا لَيْسَ فَرْضًا عِنْدَهُمْ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ: وَكَذَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ أَوْ مَوْضِعِ الرُّكْبَتَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ: يَعْنِي تُجْمَعُ وَتُمْنَعُ فَإِنَّهُ قَدَّمَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ حُكْمًا لِمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ تَحْتَ كُلِّ قَدَمٍ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، وَلَوْ جُمِعَتْ صَارَتْ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ، قَالَ: وَلَا يَجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ الْعُضْوَ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ صَلَّى رَافِعًا إحْدَى قَدَمَيْهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ وَضَعَ الْقَدَمَ عَلَى النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ انْتَهَى لَفْظُهُ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَكَانِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ هُوَ إذَا لَمْ يَضَعْهُمَا أَمَّا إنْ وَضَعَهُمَا اُشْتُرِطَتْ فَلْيُحْفَظْ هَذَا، وَلْيُعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَكَانِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ لَمْ يُثْبِتْهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَعَلَيْهِ بَنَى وُجُوبَ وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ فِي السُّجُودِ. فِي التَّجْنِيسِ إذَا لَمْ يَضَعْ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ السُّجُودِ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالسُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ هَذَا اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفَتْوَى مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضِعُ الرُّكْبَتَيْنِ نَجِسًا جَازَ. قَالَ: وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يُنْكِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ: إنَّهُ إذَا كَانَ مَوْضِعُ الرُّكْبَتَيْنِ نَجِسًا يَجُوزُ انْتَهَى. ثُمَّ لَوْ كَانَ الْمَكَانُ نَجِسًا فَبُسِطَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ إنْ شَفَّهُ لَا تَجُوزُ فَوْقَهُ وَإِلَّا جَازَتْ وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى جَانِبِهِ وَصَلَّى عَلَى طَرَفٍ طَاهِرٍ آخَرَ مِنْهُ جَازَ سَوَاءٌ

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ» وَإِذَا وَجَبَ التَّطْهِيرُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّوْبِ وَجَبَ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ الْكُلَّ (وَيَجُوزُ تَطْهِيرُهَا بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَانِعٍ طَاهِرٍ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِهِ كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا إذَا عُصِرَ انْعَصَرَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحَرَّكَ النَّجِسُ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي طَرَفِ عِمَامَتِهِ أَوْ مِنْدِيلِهِ الْمَقْصُودُ ثَوْبٌ هُوَ لَابِسُهُ فَأَلْقَى ذَلِكَ الطَّرَفَ عَلَى الْأَرْضِ وَصَلَّى فَإِنَّهُ إنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِتِلْكَ الْحَرَكَةِ يُنْسَبُ لِحَمْلِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِهَا فِي الْمَفْرُوشِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَا لَهُ بِطَانَةٌ مُتَنَجِّسَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى مَا يَلِي مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ الْمُضْرَبِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ ثَوْبَيْنِ، وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمِضْرَبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّجْنِيسِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِضْرَبَ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ لِبَدًا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَقَلَبَهُ وَصَلَّى عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا، وَلَوْ صَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ وَفِي سَرْجِهَا أَوْ رِكَابِهَا نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ فَجَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا لِمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَالدَّابَّةُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ: يَعْنِي أَنَّ بَاطِنَهَا مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَتُتْرَكُ عَلَيْهَا الْأَرْكَانُ وَهِيَ أَقْوَى مِنْ الشَّرَائِطِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَى ظَاهِرِهَا إذْ لَا يَخْلُو مَخْرَجُهَا وَحَوَافِرُهَا وَقَوَائِمُهَا عَنْ النَّجَاسَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» ) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَتْ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ، وَلَفْظُ اغْسِلِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ فِيهِ بَلْ فِي حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُكِّيهِ بِضِلَعٍ وَاغْسِلِيهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَالْحَتُّ: الْقَشْرُ بِالْعُودِ وَالظُّفْرِ وَنَحْوِهِ، وَالْقَرْصُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا وَجَبَ التَّطْهِيرُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّوْبِ وَجَبَ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ) بِطَرِيقِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا أَلْزَمُ لِلْمُصَلِّي مِنْهُ لِتَصَوُّرِ انْفِصَالِهِ بِخِلَافِهِمَا (قَوْلُهُ مِمَّا إذَا عُصِرَ انْعَصَرَ) يُخْرِجُ الدُّهْنَ وَالزَّيْتَ وَاللَّبَنَ وَالسَّمْنَ، بِخِلَافِ الْخَلِّ وَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ الَّذِي لَمْ يُثْخَنْ، فَفِي جَعْلِ الْأَوَّلِ

وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالنَّجِسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْخِلَافِ كَمَا هِيَ قُوَيْلَةٌ نَظَرٌ (قَوْلُهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا فِي الْمَاءِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَشَى وَرِجْلُهُ مُبْتَلَّةٌ عَلَى أَرْضٍ أَوْ لَبِدٍ نَجِسٍ جَافٍّ لَا يَتَنَجَّسُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ وَظَهَرَتْ الرُّطُوبَةُ فِي رِجْلِهِ تَتَنَجَّسُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. قُلْت: يَجِبُ حَمْلُ الرُّطُوبَةِ عَلَى الْبَلَلِ لَا النَّدْوَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا إذَا لَفَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ الرَّطْبَ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ الْجَافِّ فَظَهَرَتْ فِيهِ نَدْوَتُهُ وَلَمْ يَصِرْ بِحَيْثُ يَقْطُرُ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا عُصِرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَكَذَا لَوْ بُسِطَ عَلَى النَّجِسِ الرَّطْبِ فَتَنَدَّى وَلَيْسَ بِحَيْثُ يَقْطُرُ إذَا عُصِرَ الْأَصَحُّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِلَيِّ الثَّوْبِ وَعَصْرِهِ نَبْعُ رُءُوسٍ صِغَارٍ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ السَّيَلَانِ لِيَتَّصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَقْطُرُ بَلْ تُقَرُّ فِي مَوَاضِعِ نَبْعِهَا ثُمَّ تُرْجَعُ إذَا حُلَّ الثَّوْبُ، وَيَبْعُدُ فِي مِثْلِهِ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمُخَالِطِ، فَالْأَوْلَى إنَاطَةُ عَدَمِ النَّجَاسَةِ بِعَدَمِ نَبْعِ شَيْءٍ عِنْدَ الْعَصْرِ لِيَكُونَ مُجَرَّدَ نَدْوَةٍ لَا بِعَدَمِ التَّقَاطُرِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ) مُطْلَقًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ أُورِدَ عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ أُورِدَتْ هِيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ طَهَارَةُ شَيْءٍ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ فَيَحُلُّ الْمَحَلَّ مَاءٌ نَجِسٌ، وَكَذَا كُلُّ مَا بَعْدَهُ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ بَلَلِ السَّابِقِ، وَفِي الْوَارِدِ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ الْمَوْرُودَ لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُ. وَلَمَّا سَقَطَ هَذَا الْقِيَاسُ عِنْدَهُ فِي الْوَارِدِ وَبَقِيَ طَاهِرًا حَالَ كَوْنِهِ فِي الثَّوْبِ بَقِيَ كَذَلِكَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ بِالْعَصْرِ أَيْضًا مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُنْفَصِلِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِطَهَارَتِهِ حَالَ الْمُخَالَطَةِ فِي الْمَحَلِّ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ إلَّا الِانْفِصَالُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنَجَّسٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَثَّرَ لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَثَرِ مُخَالَطَةٌ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَيَتَنَجَّسُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَصَاحِبَيْهِ هُوَ طَاهِرٌ فِي الْمَحَلِّ نَجِسٌ إذَا انْفَصَلَ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالطَّهَارَةِ مَعَ مُخَالَطَةِ النَّجِسِ إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا زَالَتْ بِالِانْفِصَالِ ظَهَرَ أَثَرُ الْمُخَالَطَةِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا أَثَرَ لِلْوُرُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَارِيًا حَقِيقَةً، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الثَّوْبَ النَّجِسَ فِي الْإِجَّانَةِ ثُمَّ أُورِدَ عَلَيْهِ تَحْصُلُ فِيهَا مُخَالِطًا لِلنَّجَاسَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِثُبُوتِ قِيَاسِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ فِي الْمَوْرُودِ فَاتَّحَدَ الْقِيَاسُ فِيهِمَا ثُمَّ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ هَذَا فِي الْمَاءَيْنِ، أَمَّا الثَّالِثُ فَطَاهِرٌ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا وَانْفَصَلَ عَنْ مَحَلٍّ طَاهِرٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَجِسٌ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ فِي الْمَحَلِّ ضَرُورَةُ تَطْهِيرِهِ وَقَدْ زَالَتْ، وَإِنَّمَا حُكِمَ شَرْعًا بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ عِنْدَ انْفِصَالِهِ بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا وَإِلَّا لَمْ تَحْصُلْ طَهَارَةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي اعْتِبَارِ الْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ طَاهِرًا مَعَ مُخَالَطَةِ النَّجِسِ فَيَكُونُ نَجِسًا بِخِلَافِ الرَّابِعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِطْ مَا هُوَ مَحْكُومٌ شَرْعًا بِنَجَاسَتِهِ فِي الْمَحَلِّ فَيَكُونُ طَاهِرًا. [فَرْعٌ] فِي التَّجْنِيسِ غَسَلَ ثَوْبًا ثُمَّ قَطَرَ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ إنْ عَصَرَهُ فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى صَارَ بِحَالٍ لَوْ عَصَرَهُ لَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَالْيَدُ طَاهِرَةٌ وَالْبَلَلُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَسِيلُ فَنَجِسَةٌ فَفِي هَذَا أَنَّ بِلَّةَ الْيَدِ طَاهِرَةٌ مَعَ أَنَّهَا بَعْضُ الثَّالِثِ.

وَلَهُمَا أَنَّ الْمَائِعَ قَالِعٌ، وَالطَّهُورِيَّةَ بِعِلَّةِ الْقَلْعِ وَالْإِزَالَةُ وَالنَّجَاسَةُ لِلْمُجَاوَرَةِ، فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ يَبْقَى طَاهِرًا، وَجَوَابُ الْكِتَابِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ لَمْ يُفَرِّقْ مُحَمَّدٌ بَيْنَ تَطْهِيرِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي الْإِجَّانَةِ وَالْعُضْوِ النَّجِسِ بِأَنْ يَغْسِلَ كُلًّا مِنْهُمَا فِي ثَلَاثِ إجَّانَاتٍ طَاهِرَاتٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي إجَّانَةٍ بِمِيَاهٍ طَاهِرَةٍ فَيَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثِ طَاهِرٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِذَلِكَ فِي الثَّوْبِ خَاصَّةً، أَمَّا الْعُضْوُ الْمُتَنَجِّسُ إذَا غُمِسَ فِي إجَّانَاتٍ طَاهِرَاتٍ نَجَّسَ الْجَمِيعَ وَلَا يَطْهُرُ بِحَالٍ، بَلْ بِأَنْ يُغْسَلَ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى حُصُولَ الطَّهَارَةِ لَهُمَا بِالْغَسْلِ فِي الْأَوَانِي فَسَقَطَ فِي الثِّيَابِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ فِي الْعُضْوِ لِعَدَمِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَنَجِّسُ مِنْ الثَّوْبِ قَدْرَ دِرْهَمٍ فَقَرْصٌ لَا يُجِيزُهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِجَّانَةِ وَعَلَى هَذَا جُنُبٌ اغْتَسَلَ فِي آبَارِ وَلَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَى تَنْجُسُ كُلُّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ، وَإِنْ كَانَ اسْتَنْجَى صَارَتْ فَاسِدَةً وَلَمْ يَطْهُرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَى يَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا وَكُلُّهَا نَجِسَةٌ، وَإِنْ كَانَ اسْتَنْجَى يَخْرُجُ مِنْ الْأُولَى طَاهِرًا وَسَائِرُهَا مُسْتَعْمَلَةٌ كَذَا فِي الْمُصَفَّى، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الِاسْتِعْمَالِ بِمَا إذَا قَصَدَ الْقُرْبَةَ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا) الْحَاصِلُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ كَوْنِهِ قَالِعًا لِتِلْكَ النَّجَاسَةِ، وَسُقُوطُ ذَلِكَ الْقِيَاسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَلْعَ وَالْحُكْمَ بِالتَّطْهِيرِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ، وَالْمَائِعُ قَالِعٌ فَهُوَ مُحَصَّلُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ فَيَسْقُطُ فِيهِ ذَلِكَ الْقِيَاسُ وَتَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ. [فَرْعٌ] غَسْلُ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ بِالدَّمِ بِالْبَوْلِ حَتَّى زَالَ عَيْنُ الدَّمِ، هَلْ يُحْكَمُ بِزَوَالِ تِلْكَ النَّجَاسَةِ اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَيْهِ التُّمُرْتَاشِيُّ حَتَّى لَوْ كَانَ مَا غُسِلَ بِهِ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِالْبَوْلِ لَا يَكُونُ انْتَهَى. وَهُوَ أَحْسَنُ، وَوَجْهُهُ مَا عَلِمْت أَنَّ سُقُوطَ التَّنَجُّسِ حَالَ كَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْمَحَلِّ ضَرُورَةُ التَّطْهِيرِ، وَلَيْسَ الْبَوْلُ مُطَهِّرًا لِلتَّضَادِّ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ فَيَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَةِ الدَّمِ، فَمَا ازْدَادَ الثَّوْبُ بِهَذَا إلَّا شَرًّا إذْ يَصِيرُ جَمِيعُ الْمَكَانِ الْمُصَابِ بِالْبَوْلِ مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةِ الدَّمِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَيْنُ الدَّمِ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى

أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يُجَوِّزْ فِي الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. (وَإِذَا أَصَابَ الْخُفَّ نَجَاسَةٌ لَهَا جِرْمٌ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ فَجَفَّتْ فَدَلَّكَهُ بِالْأَرْضِ جَازَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ (إلَّا فِي الْمَنِيِّ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمُتَدَاخِلَ فِي الْخُفِّ لَا يُزِيلُهُ الْجَفَافُ وَالدَّلْكُ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ كَانَ بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ» وَلِأَنَّ الْجِلْدَ لِصَلَابَتِهِ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ إلَّا قَلِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا اخْتَرْنَاهُ حَيْثُ قَالَ بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ حَيْثُ أَخْرَجَ الْمَائِعَ النَّجِسَ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُجَوِّزْ فِي الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ) لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ وَالْمَاءُ أُدْخِلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ. وَعَنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ تُفَرَّعُ طَهَارَةُ الثَّدْيِ إذَا قَاءَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ ثُمَّ رَضَعَهُ حَتَّى أَزَالَ أَثَرَ الْقَيْءِ، وَكَذَا إذَا لَحِسَ أُصْبُعَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ الْأَثَرُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ رِيقُهُ فِي فِيهِ مِرَارًا طَهُرَ حَتَّى لَوْ صَلَّى صَحَّتْ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَصِحُّ، وَلَا يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَكَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْمَاءِ فِي الْعُضْوِ، وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُسَافِرِ إذَا أَصَابَ يَدَهُ نَجَاسَةٌ يَمْسَحُهَا بِالتُّرَابِ فَمُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ إنَّمَا جَوَّزَا مِثْلَهُ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ بِشَرْطِهِ، وَمُحَمَّدٌ خَالَفَهُمَا فَكَيْفَ يُتَّجَهُ ذَلِكَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِمَسْحِهِ تَقْلِيلًا لِلنَّجَاسَةِ حَالَةَ الِاشْتِغَالِ بِالسَّيْرِ فَلَا يُمْنَعُ لِتَخْفِيفِ الْجِرْمِ بِذَلِكَ ثُمَّ يَغْسِلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلِهِ أَذًى أَوْ قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُ وَلِيُصَلِّ فِيهَا» وَخَرَّجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الْأَذَى بِنَعْلِهِ أَوْ خُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ» وَلَا تَفْصِيلَ فِيهِمَا بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْجَافِّ وَالْكَثِيفِ وَالرَّقِيقِ، فَأَعْمَلَ أَبُو يُوسُفَ إطْلَاقَهُ إلَّا

ثُمَّ يَجْتَذِبُهُ الْجِرْمُ إذَا جَفَّ، فَإِذَا زَالَ زَالَ مَا قَامَ بِهِ (وَفِي الرَّطْبِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَغْسِلَهُ) لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ يُكْثِرُهُ وَلَا يُطَهِّرُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا مَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَإِطْلَاقِ مَا يُرْوَى وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (إنْ أَصَابَهُ بَوْلٌ فَيَبِسَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَغْسِلَهُ) وَكَذَا كُلُّ مَا لَا جِرْمَ لَهُ كَالْخَمْرِ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ تَتَشَرَّبُ فِيهِ وَلَا جَاذِبَ يَجْذِبُهَا. وَقِيلَ مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الرَّمْلِ وَالرَّمَادِ جِرْمٌ لَهُ وَالثَّوْبُ لَا يُجْزِي فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ وَإِنْ يَبِسَ لِأَنَّ الثَّوْبَ لِتَخَلْخُلِهِ يَتَدَاخَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا الْغَسْلُ. وَالْمَنِيُّ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْلُهُ إنْ كَانَ رَطْبًا (فَإِذَا جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ «فَاغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرَّقِيقِ وَقَيَّدَاهُ بِالْجِرْمِ وَالْجَفَافِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى مَا فَرَّعُوا بَيْنَ كَوْنِ الْجِرْمِ مِنْ نَفْسِ النَّجَاسَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ ابْتَلَّ الْخُفُّ بِخَمْرٍ فَمَشَى بِهِ عَلَى رَمْلٍ أَوْ رَمَادٍ فَاسْتَجْسَدَ فَمَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى تَنَاثَرَ طَهُرَ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْجَفَافِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَنَعْلَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ يُفِيدُ طَهَارَتَهَا بِالدَّلْكِ مَعَ الرُّطُوبَةِ، إذْ مَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ لَيْسَ مَسَافَةً تَجِفُّ فِي مُدَّةِ قَطْعِهَا مَا أَصَابَ الْخُفَّ رَطْبًا، فَإِطْلَاقُ مَا يُرْوَى مُسَاعِدٌ بِالْمَعْنَى. وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ فِي الرَّقِيقِ فَقِيلَ هُوَ مُفَادٌ بِقَوْلِهِ طَهُورٌ: أَيْ مُزِيلٌ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْخُفَّ إذَا تَشَرَّبَ الْبَوْلَ لَا يُزِيلُهُ الْمَسْحُ فَإِطْلَاقُهُ مَصْرُوفٌ إلَى مَا يَقْبَلُ الْإِزَالَةَ بِالْمَسْحِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ مَعْنَى طَهُورٍ مُطَهِّرٌ، وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ شَرْعًا بِالْمَسْحِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَكَمَا لَا يُزِيلُ مَا تَشَرَّبَهُ مِنْ الرَّقِيقِ كَذَلِكَ لَا يُزِيلُ مَا تَشَرَّبَهُ مِنْ الْكَثِيفِ حَالَ الرُّطُوبَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى بِاعْتِرَافِ هَذَا الْمُجِيبِ. وَالْحَاصِلُ فِيهِ بَعْدَ إزَالَةِ الْجِرْمِ كَالْحَاصِلِ قَبْلَ الدَّلْكِ فِي الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَشْرَبُ إلَّا مَا فِي اسْتِعْدَادِهِ قَبُولُهُ، وَقَدْ يُصِيبُهُ مِنْ الْكَثِيفَةِ الرَّطْبَةِ مِقْدَارٌ كَثِيرٌ يَشْرَبُ مِنْ رُطُوبَتِهِ مِقْدَارَ مَا يَشْرَبُهُ مِنْ بَعْضِ الرَّقِيقِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ) الَّذِي فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ يَابِسًا، وَأَمْسَحُهُ أَوْ أَغْسِلُهُ، شَكَّ الْحُمَيْدِيُّ، إذَا كَانَ رَطْبًا» وَرَوَاهُ

كَانَ يَابِسًا» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَنِيُّ طَاهِرٌ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارَقُطْنِيُّ وَأَغْسِلُهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، فَهَذَا فِعْلُهَا. وَأَمَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا ذَلِكَ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُصُوصًا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهَا مَعَ الْتِفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى طَهَارَةِ ثَوْبِهِ وَفَحْصِهِ عَنْ حَالِهِ، وَأَظْهَرُ مِنْهُ قَوْلُهَا «كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ» فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُحِسُّ بِبَلَلِ ثَوْبِهِ وَهُوَ مُوجِبُ الِالْتِفَاتِ إلَى حَالِ الثَّوْبِ وَالْفَحْصِ عَنْ خَبَرِهِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَبْدُو لَهُ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَقَرَّهَا عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمَنَعَهَا مِنْ إتْلَافِ الْمَاءِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ سَرَفٌ فِي الْمَاءِ إذْ لَيْسَ السَّرَفُ فِي الْمَاءِ إلَّا صَرْفُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَمِنْ إتْعَابِ نَفْسِهَا فِيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، عَلَى أَنَّ فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ» فَإِنْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَظَاهِرٌ أَوْ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ فَهُوَ فَرْعُ عِلْمِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ» فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ «أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا عَلَى بِئْرٍ أَدْلُو مَاءً فِي رَكْوَةٍ قَالَ: يَا عَمَّارُ مَا تَصْنَعُ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي أَغْسِلُ ثَوْبِي مِنْ نُخَامَةٍ أَصَابَتْهُ، فَقَالَ: يَا عَمَّارُ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَالْقَيْءِ، وَالدَّمِ، وَالْمَنِيِّ، يَا عَمَّارُ مَا نُخَامَتُكَ وَدُمُوعُ عَيْنِكَ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي رَكْوَتِكَ إلَّا سَوَاءٌ» قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَهُ أَحَادِيثُ فِي أَسَانِيدِهَا الثِّقَاتُ وَهِيَ مَنَاكِيرُ وَمَقْلُوبَاتٌ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ وُجِدَ لَهُ مُتَابِعٌ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ. رَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعِجْلِيّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ، فَبَطَلَ جَزْمُ الْبَيْهَقِيّ بِبُطْلَانِ الْحَدِيثِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ سِوَى ثَابِتٍ. وَقَوْلُهُ فِي عَلِيٍّ هَذَا إنَّهُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ دُفِعَ بِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَى لَهُ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَرَوَى لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَوَثَّقَهُ الْبَزَّارُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَنِيُّ طَاهِرٌ) تَمَسَّكَ هُوَ أَيْضًا بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَكْتَفِ بِفَرْكِهِ، وَبِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ: إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ أَوْ الْبُزَاقِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ إذْخِرَةٍ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ

يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ» وَلَوْ أَصَابَ الْبَدَنَ. قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ فَلَا يَعُودُ إلَى الْجِرْمِ وَالْبَدَنُ لَا يُمْكِنُ فَرْكُهُ. (وَالنَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمِرْآةَ أَوْ السَّيْفَ اكْتَفَى بِمَسْحِهِمَا) لِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ. (وَإِنْ أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا وَلَا يَثْبُتُ اهـ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ إمَامٌ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرَفْعُهُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلِأَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مُكَرَّمٌ فَلَا يَكُونُ أَصْلُهُ نَجِسًا، وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَكْرِيمَهُ يَحْصُلُ بَعْدَ تَطْوِيرِهِ الْأَطْوَارَ الْمَعْلُومَةَ مِنْ الْمَائِيَّةِ وَالْمُضْغِيَّةِ وَالْعَلَقِيَّةِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْعَلَقَةَ نَجِسَةٌ، وَأَنَّ نَفْسَ الْمَنِيِّ أَصْلُهُ دَمٌ فَيَصْدُقُ أَنَّ أَصْلَ الْإِنْسَانِ دَمٌ وَهُوَ نَجِسٌ، وَالْحَدِيثُ بَعْدَ تَسْلِيمِ حُجِّيَّتِهِ رَفْعُهُ مُعَارِضٌ بِمَا قَدَّمْنَا، وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ، ثُمَّ قِيلَ: إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ مَذْيٌ، فَإِنْ سَبَقَهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ فَحْلٍ يُمْذِي ثُمَّ يُمْنِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِيَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ لِلضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْغُسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ. وَقِيلَ لَوْ بَالَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزْ الثُّقْبَ فَأَمْنَى لَا يُحْكَمُ بِتَنَجُّسِ الْمَنِيِّ، وَكَذَا إنْ جَاوَزَ لَكِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دَفْقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَشِرَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى مُرُورِهِ عَلَى الْبَوْلِ فِي مَجْرَاهُ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُصَابِ بِطَانَةٌ نَفَذَ إلَيْهَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنِيِّ، وَقَالَ الْفَضْلِيُّ: مَنِيُّ الْمَرْأَةِ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ) يُفِيدُ أَنَّ قَيْدَ صِقَالَتِهَا مُرَادٌ حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ صَدَأٌ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ بِخِلَافِ الصَّقِيلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: صَحَّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِالسُّيُوفِ وَيَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ بِهَا، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا ذُكِرَ: لَوْ كَانَ عَلَى ظُفْرِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا طَهُرَتْ، وَكَذَلِكَ الزُّجَاجَةُ وَالزُّبْدِيَّةُ الْخَضْرَاءُ: أَعْنِي الْمَدْهُونَةَ، وَالْخَشَبُ الْخُرَاطَى وَالْبُورِيَّا الْقَصَبُ. (قَوْلُهُ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ) اتِّفَاقِيٌّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ أَوْ الرِّيحِ، وَالْمُرَادُ

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ (وَ) لِهَذَا (لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ) وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأَثَرِ الذَّاهِبِ: اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ. وَحَدِيثُ ذَكَاةِ الْأَرْضِ يُبْسُهَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَثَرًا عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ: جُفُوفُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا، وَرَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ: أَيُّمَا أَرْضٍ جَفَّتْ فَقَدْ ذَكَتْ. حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد: بَابُ طَهُورِ الْأَرْضِ إذَا يَبِسَتْ وَسَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْت أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنْت فَتًى شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْلَا اعْتِبَارُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ كَانَ ذَلِكَ تَبْقِيَةً لَهَا بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ صِغَرِ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ مَنْ يَتَخَلَّفُ لِلصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ؛ وَكَوْنِ ذَلِكَ يَكُونُ فِي بِقَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ كَانَتْ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ، فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ يُفِيدُ تَكَرُّرَ الْكَائِنِ مِنْهَا أَوْ لِأَنَّ تَبْقِيَتَهَا نَجِسَةً يُنَافِي الْأَمْرَ بِتَطْهِيرِهَا فَوَجَبَ كَوْنُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ، بِخِلَافِ «أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِهْرَاقِ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ» لِأَنَّهُ كَانَ نَهَارًا وَالصَّلَاةُ فِيهِ تُتَابَعُ نَهَارًا، وَقَدْ لَا يَجُوزُ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَأَمَرَ بِتَطْهِيرِهَا بِالْمَاءِ، بِخِلَافِ مُدَّةِ اللَّيْلِ، أَوْ لِأَنَّ الْوَقْتَ كَانَ إذْ ذَاكَ قَدْ آنَ أَوْ أُرِيدَ أَنَّ ذَاكَ أَكْمَلُ الطَّهَارَتَيْنِ لِلتَّيَسُّرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، هَذَا وَإِذَا قَصَدَ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ صَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَجُفِّفَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ، وَكَذَا لَوْ صَبَّ عَلَيْهَا مَاءً بِكَثْرَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَلَا رِيحُهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ، وَلَوْ كَبَسَهَا بِتُرَابٍ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ التُّرَابِ وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَلَفُوا فِي النَّابِتِ كَالشَّجَرِ وَالْكَلَإِ، قِيلَ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَيْهَا، وَبَعْدَ الْقَطْعِ يَجِبُ الْغَسْلُ، وَكَذَا الْحَصَى حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَرْضِ، أَمَّا الْآجُرَّةُ الْمَفْرُوشَةُ فَتَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً تُنْقَلُ فَلَا، فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِيمَا يَلِي الْأَرْضَ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: إذَا صَلَّى عَلَى وَجْهِهَا الطَّاهِرِ إنْ كَانَ مُرَكَّبًا جَازَ، وَإِلَّا قِيلَ لَا يَجُوزُ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي اللَّبِدِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ) فَلَا تَتَأَدَّى هَذِهِ الطَّهَارَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنِّيِّ بِخُصُوصِ هَذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْضِعِ، فَإِنَّ مَا كُلِّفَ بِهِ قَطْعًا لَا يَلْزَمُ فِي إثْبَاتِ مُقْتَضَاهُ الْقَطْعُ بِهِ، فَإِنَّ طَهَارَةَ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ الْمُكَلَّفِ بِتَحْصِيلِهِمَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَصْلِ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بَلْ يُجَوِّزُ الْمُسْتَعْمِلُ نَجَاسَتَهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ تَكُونُ ثَابِتَةً وَالْعُلُومُ لَا تَحْتَمِلُ النَّقِيضَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا عِنْدَ مَنْ قَامَتْ بِهِ لَوْ قَدَّرَهُ، لَكِنْ امْتَنَعَ هُنَا لِاسْتِلْزَامِهِ نَوْعَ مُعَارَضَةٍ لِلْكِتَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ شَرْعًا أَنَّ التَّطْهِيرَ بِاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ وَلَمْ يُفْعَلْ فَلَا يَكُونُ طَاهِرًا فَكَانَ النَّصُّ طَالِبًا لِلتَّيَمُّمِ بِهَذَا التُّرَابِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالْخَبَرُ يُجِيزُ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ، بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ دَلَالَةَ النَّصِّ بَعْدَ دُخُولِهَا التَّخْصِيصَ بِالْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ إجْمَاعًا، وَمَا دُونَ الدِّرْهَمِ عِنْدَنَا تَطَلُّبُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَجَازَ أَنْ يُعَارِضَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَيُثْبِتَ حُكْمَهُ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ النَّصَّ إنَّمَا يَطْلُبُهُ طَاهِرًا فَقَطْ، وَكَوْنُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ عَلَى إرَادَةِ الْحَصْرِ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ عُرِفَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا بِالْجَفَافِ فِي الْأَرْضِ فَيَثْبُتُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَسْبَابِ الطَّهَارَةِ ظَنًّا فَيَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ قَطْعًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ هُوَ نَفْسُ التَّكْلِيفِ بِالطَّاهِرِ، وَمَحَلُّ الظَّنِّ كَوْنُهُ طَاهِرًا فَلَمْ يَتَلَاقَيَا فِي مَحَلٍّ فَلَا تَعَارُضَ. وَالْأَوْلَى مَا قِيلَ إنَّ الصَّعِيدَ عُلِمَ قَبْلَ التَّنَجُّسِ طَاهِرًا وَطَهُورًا وَبِالتَّنَجُّسِ عُلِمَ زَوَالُ الْوَصْفَيْنِ، ثُمَّ ثَبَتَ بِالْجَفَافِ شَرْعًا: أَحَدُهُمَا أَعْنِي الطَّهَارَةَ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ زَوَالِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَهُورًا لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ هَذَا. وَقَدْ ظَهَرَ إلَى هُنَا أَنَّ التَّطْهِيرَ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: بِالْغَسْلِ، وَالدَّلْكِ، وَالْجَفَافِ، وَالْمَسْحِ فِي الصَّقِيلِ دُونَ مَاءٍ. وَالْفَرْكُ يَدْخُلُ فِي الدَّلْكِ، بَقِيَ الْمَسْحُ بِالْمَاءِ فِي مَحَاجِمِهِ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ خِرَقٍ طَاهِرَةٍ، وَقِيَاسُهُ مَا حَوْلَ مَحَلِّ الْقَصْدِ إذَا تَلَطَّخَ وَيُخَافُ مِنْ الْإِسَالَةِ السَّرَيَانُ إلَى الثُّقْبِ، وَآخَرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ تَقَعُ فِي الْمُمْلِحَةِ فَتَصِيرُ مِلْحًا تُؤْكَلُ، وَالسِّرْقِينُ وَالْعَذِرَةُ تَحْتَرِقُ فَتَصِيرُ رَمَادًا تَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّجْنِيسِ ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: خَشَبَةٌ أَصَابَهَا بَوْلٌ فَاحْتَرَقَتْ وَوَقَعَ رَمَادُهَا فِي بِئْرٍ يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَكَذَلِكَ رَمَادُ الْعَذِرَةِ، وَكَذَا الْحِمَارُ إذَا مَاتَ فِي مُمْلِحَةٍ لَا يُؤْكَلُ الْمِلْحُ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الرَّمَادَ أَجْزَاءٌ لِتِلْكَ النَّجَاسَةِ فَتَبْقَى النَّجَاسَةُ مِنْ وَجْهٍ فَالْتُحِقَتْ بِالنَّجِسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِيَاطًا انْتَهَى. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقِيقَةِ، وَتَنْتَفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا فَكَيْفَ بِالْكُلِّ، فَإِنَّ الْمِلْحَ غَيْرُ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ، فَإِذَا صَارَ مِلْحًا تَرَتَّبَ حُكْمُ الْمِلْحِ وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ عَلَقَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ مُضْغَةً فَتَطْهُرُ، وَالْعَصِيرُ طَاهِرٌ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيَنْجَسُ وَيَصِيرُ خَلًّا فَيَطْهُرُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَيْنِ تَسْتَتْبِعُ زَوَالَ الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَرَّعُوا الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ صَابُونٍ صُنِعَ مِنْ زَيْتٍ نَجِسٍ، وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ النَّجِسَيْنِ إذَا اخْتَلَطَ وَحَصَلَ الطِّينُ كَانَ الطِّينُ طَاهِرًا لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ، وَهَذَا بَعِيدٌ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا طَاهِرًا فَقِيلَ الْعِبْرَةُ لِلْمَاءِ إنْ كَانَ نَجِسًا فَالطِّينُ نَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، وَقِيلَ لِلتُّرَابِ، وَقِيلَ لِلْغَالِبِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ أَيَّهُمَا كَانَ طَاهِرًا فَالطِّينُ طَاهِرٌ، فَأَهْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا عَلَى نَجَاسَتِهِ إذَا كَانَا نَجِسَيْنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ فِي الطِّينِ الْمَعْجُونِ بِتِبْنٍ نَجِسٍ بِالطَّهَارَةِ فَيُصَلِّي فِي الْمَكَانِ الْمُطَيَّنِ بِهِ وَلَا يَنْجَسُ الثَّوْبُ الْمَبْلُولُ إذَا نُشِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُرَ عَيْنُ التِّبْنِ لَا إذَا رُئِيَتْ، وَعَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ التِّبْنَ مُسْتَهْلَكٌ إذَا لَمْ تُرَ عَيْنُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا رُئِيَتْ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تُرَ طِبَاعًا نَجِسًا انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَمْثَالِهِ. وَقَالَ قَبْلَهُ فِي عَلَامَةِ النَّوَازِلِ: إذَا نَزَحَ الْمَاءُ النَّجِسُ مِنْ بِئْرٍ كُرِهَ أَنْ يَبُلَّ بِهِ الطِّينَ لِيُطَيِّنَ بِهِ الْمَسْجِدَ أَوْ أَرْضَهُ لِأَنَّ الطِّينَ يَصِيرُ نَجِسًا، وَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ طَاهِرًا تَرْجِيحًا لِلنَّجَاسَةِ احْتِيَاطًا بَعْدَ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِهَا، بِخِلَافِ السِّرْقِينِ إذَا جُعِلَ فِي الطِّينِ لِلتَّطْيِينِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ إذْ ذَلِكَ النَّوْعُ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِذَلِكَ، فَعَرَفْنَا رَأْيَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا إذْ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ كَمَا هُوَ شَأْنُهُ فِيمَا يُخَالِفُ مُخْتَارَهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْعِبْرَةُ لِلنَّجِسِ مِنْهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ نَجِسًا فَالطِّينُ نَجِسٌ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ أَيُّهُمَا كَانَ طَاهِرًا فَالطِّينُ طَاهِرٌ، هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ حَيْثُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا طَهُرَتْ بِالْجَفَافِ وَالْخُفَّ بِالدَّلْكِ وَالثَّوْبَ بِفَرْكِ الْمَنِيِّ وَالسِّكِّينَ بِالْمَسْحِ وَالْبِئْرَ إذَا غَار مَاؤُهَا بَعْدَ تَنَجُّسِهَا قَبْلَ النَّزْحِ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ تَشْمِيسًا أَوْ تَتْرِيبًا ثُمَّ أَصَابَهَا الْمَاءُ هَلْ تَنْجُسُ إذَا ابْتَلَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْآَجُرَّةُ الْمَفْرُوشَةُ إذَا تَنَجَّسَتْ فَجَفَّتْ ثُمَّ قُلِعَتْ هَلْ تَعُودُ نَجِسَةً؟ فِيهَا الرِّوَايَتَانِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقْتَصِرُ فِي بَعْضِهَا عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ، وَالْأَوْلَى طَرْدُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهَا نَظَائِرُ، وَقَدْ قَالَ تَصِيرُ فِي الْبِئْرِ بِالطَّهَارَةِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بِالنَّجَاسَةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ مَا قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ فِي السِّكِّينِ الطَّهَارَةَ، فَلَوْ قَطَعَ الْبِطِّيخَ وَاللَّحْمَ أُكِلَ، وَقِيلَ لَا يُؤْكَلُ، وَاخْتَارَ قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفَرْكِ الطَّهَارَةَ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَفَافِ النَّجَاسَةَ، قَالَ: لِأَنَّ النَّجِسَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالتَّطْهِيرِ وَالْفَرْكُ تَطْهِيرٌ كَالْغَسْلِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأَرْضِ تَطْهِيرٌ. وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِي السِّكِّينِ وَالسَّيْفِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُنَجِّسِ بَوْلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ أَوْ دَمًا فَيَطْهُرُ بِالْمَسْحِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: إذَا فُرِكَ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُمَا، وَفِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقِلُّ النَّجَاسَةُ وَلَا تَطْهُرُ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ مَاءٌ عَادَ نَجِسًا عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَلَهَا أَخَوَاتٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ الْخُفَّ وَجَفَافَ الْأَرْضِ وَالدِّبَاغَةَ وَمَسْأَلَةَ الْبِئْرِ، قَالَ: فَكُلُّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَظَاهِرُهُ كَوْنُ الظَّاهِرِ النَّجَاسَةَ فِي الْكُلِّ، وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا اخْتَارَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ أَبْعَدُ الْكُلِّ إذْ لَا صُنْعَ فِيهَا أَصْلًا لِيَكُونَ تَطْهِيرًا لِأَنَّهُ

(وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنْ النَّجِسِ الْمُغَلَّظِ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَإِنْ زَادَ لَمْ تَجُزْ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ لَمْ يُفَصِّلْ. وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَيُجْعَلُ عَفْوًا، وَقَدَّرْنَاهُ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهَا شَرْعًا بِالْجَفَافِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ مَعْنَى الذَّكَاةِ فِي الْآثَارِ وَمُلَاقَاةُ الطَّاهِرِ الطَّاهِرَ لَا يُوجِبُ التَّنْجِيسَ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجِسٌ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ غَيْرَ الْمَائِعِ لَمْ يُعْتَبَرْ مُطَهِّرًا فِي الْبَدَنِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْجَوَازُ بِغَيْرِهِ لِسُقُوطِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَفْوًا لَا طَهَارَتَهُ فَعَنْهُ آخِذُوا كَوْنِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي النَّجَاسَاتِ عَفْوًا. (قَوْلُهُ وَ) لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ (قَدْرُ الدِّرْهَمِ إلَخْ) حَاصِلُ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَحْثِ إفَادَةُ كَوْنِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ فِي الْغَلِيظَةِ وَمَا لَمْ يَفْحُشْ فِي الْخَفِيفَةِ وَتَقْدِيرِ الدِّرْهَمِ وَالْفَاحِشِ وَإِعْطَاءِ ضَابِطِ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ. وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ مَا لَا يَأْخُذَهُ الطَّرَفُ كَوَقْعِ الذُّبَابِ مُخَصَّصٌ مِنْ نَصِّ التَّطْهِيرِ اتِّفَاقًا فَيَخُصُّ أَيْضًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ بِنَصِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ قَدْرُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي قَلِيلِ مَاءٍ نَجَّسَهُ، أَوْ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجِسًا قَدْرَ دِرْهَمٍ فَانْفَرَشَ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ الْمَنْعُ، فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ اتِّسَاعِهِ جَازَتْ وَبَعْدَهُ لَا، وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ، وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهَيْهِ وَهُوَ جَوْهَرُ سُمْكِهِ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ فِيهِمَا مُتَّحِدَةً، ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ، فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، هَذَا وَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ مَعَ مَا لَا يَمْنَعُ حَتَّى قِيلَ لَوْ عَلِمَ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَرْفُضُهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ اخْتِيَارٌ لِلتَّقْدِيرِ بِعَرْضِ الْكَفِّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاخْتَارَ شَارِحُ الْكَنْزِ تَبَعًا لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مَا قِيلَ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ لِأَنَّ إعْمَالَ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى خُصُوصًا مَعَ مُنَاسَبَةِ هَذَا التَّوْزِيعِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ، فَمَا عُدَّ فَاحِشًا مُنِعَ وَمَا لَا فَلَا حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ تَقْدِيرَهُ، وَقَالَ: الْفَاحِشُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَدِّ طِبَاعِ الْمُبْتَلَى إيَّاهُ فَاحِشًا،

أَخْذًا عَنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ. ثُمَّ يُرْوَى اعْتِبَارُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ فِي الصَّحِيحِ، وَيُرْوَى مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ الْمِثْقَالِ وَهُوَ مَا يَبْلُغُ وَزْنُهُ مِثْقَالًا. وَقِيلَ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْأُولَى فِي الرَّقِيقِ وَالثَّانِيَةَ فِي الْكَثِيفِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَجَاسَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُغَلَّظَةً لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ تَقْدِيرُهُ بِرُبُعِ الثَّوْبِ وَرُبُعِ أَدْنَى ثَوْبٍ يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ. وَعَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ وَمِثْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَدَمَيْنِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ لِاعْتِبَارِ الرُّبُعِ كَثِيرًا كَالْكُلِّ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ يُنَجِّسُ الْأَرْبَعَةَ وَانْكِشَافِ رُبُعِ الْعُضْوِ مِنْ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ فِيهِمَا. غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الثَّوْبَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ شَامِلًا اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ، وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ لِأَنَّهُ الْكَثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّوْبِ الْمُصَابِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَعِنْدَهُمَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُورِثُ شُبْهَةً، وَعِنْدَهُ تَعَارُضُ النَّصَّيْنِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَإِذًا فَالدَّمُ وَالْخَمْرُ وَخُرْءُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَالْغَائِطُ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا الْفَرَسَ وَالْقَيْءُ: غَلِيظٌ اتِّفَاقًا؛ لِعَدَمِ التَّعَارُضِ وَالْخِلَافِ، وَالْمُرَادُ بِالدَّمِ غَيْرُ الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَفِي حُكْمِهِ اللَّحْمُ الْمَهْزُولُ إذَا قُطِعَ، فَالدَّمُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ نَجِسًا وَكَذَا الدَّمُ الَّذِي فِي الْكَبِدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَذَا قِيلَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَمًا فَقَدْ جَاوَرَ الدَّمَ، وَالشَّيْءُ يَنْجَسُ بِمُجَاوَرَةِ النَّجِسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْبَاقِي أَنَّهُ مَعْفُوٌّ فِي الْأَكْلِ لَا الثَّوْبِ، وَغَيْرُ دَمِ الشَّهِيدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مُلَطَّخًا بِهِ فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ. بِخِلَافِ قَتِيلٍ غَيْرِ شَهِيدٍ لَمْ يُغَسَّلْ أَوْ غُسِّلَ وَكَانَ كَافِرًا لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ. وَعَيْنُ الْمِسْكِ قَالُوا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ كَوْنِهِ دَمًا وَلَمْ أَرَ لَهُ تَعْلِيلًا، وَذَاكَرْت بَعْضَ الْإِخْوَانِ مِنْ الْمَغَارِبَةِ فِي الزَّبَادِ فَقُلْت يُقَالُ إنَّهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ، فَقَالَ مَا يُحِيلُهُ الطَّبْعُ إلَى صَلَاحٍ كَالطَّيْبِيَّةِ يَخْرُجُ عَنْ النَّجَاسَةِ كَالْمِسْكِ، وَلَيْسَ دَمُ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ وَالسَّمَكِ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا الْقَيْءُ فَإِذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَنَجِسٌ فَأَمَّا مَا دُونَهُ فَظَاهِرٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ

(وَإِنْ كَانَتْ مُخَفَّفَةً كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ رُبُعَ الثَّوْبِ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ، وَالرُّبُعُ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَعَنْهُ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ، وَقِيلَ رُبُعُ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ كَالذَّيْلِ وَالدِّخْرِيصِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شِبْرٌ فِي شِبْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي فَتَاوَى نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ: صَبِيٌّ ارْتَضَعَ ثُمَّ قَاءَ فَأَصَابَ ثِيَابَ الْأُمِّ، إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَنَجِسٌ، فَإِذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مُنِعَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَذَا فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّوَاقِضِ عَنْ الْمُجْتَبِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي طَهَارَةَ هَذَا الْقَيْءِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ مَعْنَاهُ مَقْطُوعٌ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، فَالْعَمَلُ بِالظَّنِّيِّ وَاجِبٌ قَطْعًا فِي الْفُرُوعِ وَإِنْ كَانَ نَفْسُ وُجُوبٍ مُقْتَضَاهُ ظَنِّيًّا، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يُرِيدُ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الرَّوْثِ وَهُوَ لِلْحِمَارِ وَالْفَرَسِ، وَالْخَثَى وَهُوَ لِلْبَقَرِ، وَالْبَعْرِ وَهُوَ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، فَعِنْدَهُ غَلِيظَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الرَّوْثَةِ «إنَّهَا رِكْسٌ» وَلَمْ يُعَارَضْ وَعِنْدَهُمَا خَفِيفَةٌ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهَا، وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ حَتَّى رَجَعَ مُحَمَّدٌ آخِرًا إلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّوْثَ وَإِنْ فَحُشَ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ مَعَ الْخَلِيفَةِ وَرَأَى بَلْوَى النَّاسِ مِنْ امْتِلَاءِ الطُّرُقِ وَالْخَانَاتِ بِهَا، وَقَاسَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا طِينُ بُخَارَى لِأَنَّ مَشْيَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فِيهَا وَعِنْدَ ذَلِكَ يُرْوَى رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ حَتَّى إذَا أَصَابَتْهُ عَذِرَةٌ يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ. وَفِي الرَّوْثِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّلْكِ عِنْدَهُ، وَلَهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعَمَلِ النَّصُّ لَا الْخِلَافُ، وَالْبَلْوَى فِي النِّعَالِ وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُهَا حَتَّى طَهُرَتْ بِالدَّلْكِ فَإِثْبَاتُ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، وَمَا قِيلَ إنَّ الْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعٍ لِلنَّصِّ عِنْدَهُ كَبَوْلِ الْإِنْسَانِ مَمْنُوعٌ، بَلْ تُعْتَبَرُ إذَا تَحَقَّقَتْ بِالنَّصِّ النَّافِي لِلْحَرَجِ وَهُوَ لَيْسَ مُعَارَضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ وَالْبَلْوَى فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فِي الِانْتِضَاحِ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ لَا فِيمَا سِوَاهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَغْلَبِيَّةِ عُسْرِ الِانْفِكَاكِ وَذَلِكَ إنْ تَحَقَّقَ فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فَكَمَا قُلْنَا، وَقَدْ رَتَّبْنَا مُقْتَضَاهُ إذْ قَدْ أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ، ثُمَّ حَدِيثُ رَمْيِ الرَّوْثَةِ هُوَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ، بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ هَذَا رِكْسٌ» وَأَمَّا الْمُرَادُ بِالنَّصَّيْنِ فِي قَوْلِهِ أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ فَحَدِيثُ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» وَحَدِيثُ

وَإِنَّمَا كَانَتْ مُخَفَّفَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ (وَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ الرَّوْثِ أَوْ أَخْثَاءِ الْبَقَرِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي نَجَاسَتِهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَمَى بِالرَّوْثَةِ وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ، وَبِهَذَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ عِنْدَهُ وَالتَّخْفِيفُ بِالتَّعَارُضِ (وَقَالَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَفْحُشَ) لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ التَّخْفِيفُ عِنْدَهُمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهَا وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُرَنِيِّينَ وَقَدْ تَقَدَّمَا، وَفَرَّقَ زُفَرُ إلْحَاقَ الرَّوْثِ كُلِّ شَيْءٍ بِبَوْلِهِ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ زُفَرُ: رَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ. [فَرْعٌ] مَرَارَةُ كُلِّ شَيْءٍ كَبَوْلِهِ وَاجْتِرَارُهُ كَسِرْقِينِهِ قَالَ فِي التَّنْجِيسِ لِأَنَّهُ وَارَاهُ جَوْفَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يُوَارَى جَوْفَ الْإِنْسَانِ بِأَنْ كَانَ مَاءً ثُمَّ قَاءَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَوْلِهِ اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَذَلِكَ وَإِنْ قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَقَدَّمْنَا فِي النَّوَاقِضِ عَنْ الْحَسَنِ مَا هُوَ الْأَحْسَنُ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ بَعْدَ قَرِيبٍ وَرَقَةٌ فَقَالَ فِي الصَّبِيِّ ارْتَضَعَ ثُمَّ قَاءَ فَأَصَابَ ثِيَابَ الْأُمِّ إنْ زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ مُنِعَ. قَالَ: وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ لِأَنَّهُ

فِي التَّخْفِيفِ، بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ. قُلْنَا: الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ قَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَوَافَقَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ وَرَأَى الْبَلْوَى أَفْتَى بِأَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ لَا يَمْنَعُ أَيْضًا وَقَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى، وَعِنْدَ ذَلِكَ رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ يُرْوَى. (وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ) لِأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ مُخَفَّفٌ نَجَاسَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَحْمُهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ نَجَاسَتُهُ دُونَ نَجَاسَةِ الْبَوْلِ، بِخِلَافِ الْمَرَارَةِ لِأَنَّهَا مُتَغَيِّرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَذَا فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ) مَرَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَصْلِهِ وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالتَّخْفِيفُ لِلتَّعَارُضِ وَهُوَ بَيْنَ قَوْلِهِ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» وَحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي بَعْضِ مُتَنَاوَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَحْمَ الْفَرَسِ طَاهِرٌ وَحُرْمَتَهُ لِكَرَامَتِهِ لَا لِنَجَاسَتِهِ، وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ يُعَارِضُ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» فِي بَعْضِ مُتَنَاوَلَاتِهِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمَأْكُولُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ طَهَارَتِهِ بَوْلُهُ كَوْنُهُ طَاهِرَ اللَّحْمِ إذْ لَا أَثَرَ لِلْأَكْلِ فِي ذَلِكَ إلَّا بِوَاسِطَتِهِ فَصَارَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ دُونَ كَوْنِهِ مَأْكُولًا إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ كَالْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ طَاهِرُ اللَّحْمِ، وَنَجِسُ الْبَوْلِ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّخْفِيفُ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ. (وَإِنْ أَصَابَهُ خُرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجُوزُ) فَقَدْ قِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمِقْدَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَرَسُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَقَدْ قِيلَ إلَخْ) يَعْنِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ قَوْلَهُمَا بِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى طَهَارَةِ خُرْءِ الطُّيُورِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ عَلَى التَّقْدِيرِ فِيهِ بِالْفَاحِشِ فَقَالَ الْكَرْخِيُّ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لِخِفَّتِهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ مُغَلَّظٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الْوَاقِعُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَمَعَ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ: فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَتَحَصَّلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ خَفِيفٌ، وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ غَلِيظٌ، وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَلِيظٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَصَحَّ التَّخْفِيفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ

هُوَ يَقُولُ إنَّ التَّخْفِيفَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِعَدَمِ الْمُخَالَطَةِ فَلَا يُخَفَّفُ. وَلَهُمَا أَنَّهَا تَذَرَّقَ مِنْ الْهَوَاءِ وَالْتِحَامِي عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ فَتَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ قِيلَ يُفْسِدُهُ، وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْأَوَانِي عَنْهُ (وَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ دَمِ السَّمَكِ أَوْ لُعَابِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرُ الدِّرْهَمِ أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَمَّا دَمُ السَّمَكِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ فَاعْتَبَرَهُ نَجِسًا. وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَلِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الطَّاهِرُ (فَإِنْ انْتَضَحَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ لَا تُؤَثِّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَصِلُ إلَى أَنْ يَفْحُشَ فَيَكْفِي تَخْفِيفُهُ (قَوْلُهُ هُوَ يَقُولُ) أَيْ مُحَمَّدٌ (قَوْلُهُ قِيلَ يُفْسِدُهُ وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ) الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ خَفِيفٌ أَوْ غَلِيظٌ وَإِمْكَانُ الِاحْتِرَازِ بِتَخْمِيرِهَا إذْ هُوَ مُعْتَادٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ضَرُورَةٌ بَلْ تَفْرِيطٌ. بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيُمْكِنُ كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الطَّهَارَةِ أَوْ عَلَى سُقُوطِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ مَعَ قِيَامِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَعْرِ الْخِنْزِيرِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ مَعَ إطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْخَرَّازِينَ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ خُرْءِ الطُّيُورِ الْمُحَرَّمَةِ وَبَوْلِ الْهِرَّةِ الَّتِي تَعْتَادُ الْبَوْلَ عَلَى النَّاسِ حَيْثُ رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ؟ فَالْجَوَابُ كَأَنَّهُ بَنَى نَجَاسَةَ الْخُرْءِ عَلَى عَدَمِ الضَّرُورَةِ إذْ قَدْ يُصِيبُ النَّاسَ وَقَدْ لَا يُصِيبُ، بَلْ قَلَّمَا يُشَاهَدُ مُصَابٌ، بِخِلَافِ ذَلِكَ السِّنَّوْرِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ، وَهُمَا بَنَيَا قِيَامَ الضَّرُورَةِ عَلَى عَدَمِ قُدْرَةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، هَذَا إنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَإِلَّا فَفِي التَّجْنِيسِ بَالَ السِّنَّوْرُ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ كُلُّهُ لِأَنَّ بَوْلَهُ نَجِسٌ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَلِذَا لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ أَفْسَدَهُ لَكِنْ الْحَقُّ صِحَّتُهَا، وَحَمْلُ الرِّوَايَاتِ عَلَى الرِّوَايَاتِ الطَّاهِرَةِ أَوْ مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ السِّنَّوْرُ الَّذِي لَا يَعْتَادُ الْبَوْلَ عَلَى النَّاسِ، وَإِلَّا فَقَدْ حَكَى هُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ التَّجْنِيسِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِيمَا إذَا بَالَ عَلَى الثَّوْبِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا بَالَتْ الْهِرَّةُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ تَنَجَّسَ وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُنَجِّسُ الْإِنَاءَ دُونَ الثَّوْبِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ لِعَادَةِ تَخْمِيرِ الْأَوَانِي، هَذَا وَبَوْلُ الْفَأْرَةِ فِي رِوَايَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ لِخِفَّةِ الضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ خُرْئِهَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فِي الْحِنْطَةِ فَقَالُوا: إذَا وَقَعَ فِيهَا فَطُحِنَتْ جَازَ أَكْلُ الدَّقِيقِ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْخُرْءِ فِيهِ طَعْمًا وَنَحْوَهُ. وَفِي الْإِيضَاحِ: بَوْلُ الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ: بَوْلُ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْؤُهُمَا نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ، وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ وَخُرْؤُهُ لَا يُفْسِدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَدَمُ الْحَلَمَةِ وَالْأَوْزَاغِ نَجِسٌ (قَوْلُهُ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ

قَالَ (وَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ: مَرْئِيَّةٌ، وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَرْئِيًّا فَطَهَارَتُهُ زَوَالُ عَيْنِهَا) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حَلَّتْ الْمَحَلَّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَتَزُولُ بِزَوَالِهَا (إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا تَشُقُّ إزَالَتُهُ) لِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ وَإِنْ زَالَ بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَفِيهِ كَلَامٌ (وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ) لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ، وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَالِبُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا قَدَّرُوا بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ، فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQرُءُوسِ الْمِسَلَّةِ مُنِعَ. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ الْجَانِبِ الْآخَرِ اُعْتُبِرَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَعْتَبِرُ الْجَانِبَيْنِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ إذَا أَصَابَهُ مَاءٌ فَكَثُرَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ. وَفِي الْمُجْتَبَى فِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى: لَوْ اُنْتُضِحَ وَيَرَى أَثَرَهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ اهـ. وَقَالُوا: لَوْ أَلْقَى عَذِرَةً أَوْ بَوْلًا فِي مَاءٍ فَانْتُضِحَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ وَقْعِهَا لَا يَنْجَسُ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ أَوْ يَعْلَمْ أَنَّهُ الْبَوْلُ، وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مَا دَامَ فِي عِلَاجِهِ لَا يُنَجِّسُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، بِخِلَافِ الْغُسَالَاتِ الثَّلَاثِ إذَا اسْتَنْقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ فَأَصَابَتْ شَيْئًا نَجَّسَتْهُ، أَمَّا الْمَاءُ الثَّالِثُ وَحْدَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا يَشُقُّ) أَيْ لَوْنُهَا أَوْ رِيحُهَا مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِعْمَالِ غَيْرِ الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ صَبَغَ ثَوْبَهُ أَوْ يَدَهُ بِصَبْغٍ أَوْ حِنَّاءَ نَجِسَيْنِ فَغَسَلَ إلَى أَنْ صَفَا الْمَاءُ يَطْهُرُ مَعَ قِيَامِ اللَّوْنِ، وَقِيلَ يَغْسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ، قَالَ: فَبَقِيَ عَلَى يَدِهِ طَاهِرًا، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الدُّهْنِ يُنَجِّسُ يُجْعَلُ فِي إنَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَعْلُو الدُّهْنُ فَيُرْفَعُ بِشَيْءٍ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ انْتَهَى. وَتَطْهِيرُ الْعَسَلِ النَّجِسِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءً فَيَغْلِيَ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْقَدْرِ الْأَوَّلِ ثَلَاثًا فَيَطْهُرَ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَا فِي التَّجْنِيسِ حَبٌّ فِيهِ خَمْرٌ غُسِلَ ثَلَاثًا يَطْهُرُ إذَا لَمْ تَبْقَ فِيهِ رَائِحَةُ الْخَمْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرُهَا، فَإِنْ بَقِيَتْ رَائِحَتُهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ سِوَى الْخَلِّ لِأَنَّهُ بِجَعْلِهِ فِيهِ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْخَمْرِ يَتَخَلَّلُ بِالْخَلِّ، إلَّا أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ أَفَادَ أَنَّ بَقَاءَ رَائِحَتِهَا فِيهِ بِقِيَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا، وَعَلَى هَذَا قَدْ يُقَالُ فِي كُلِّ مَا بَقِيَ فِيهِ رَائِحَةٌ كَذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْكُوزُ إذَا كَانَ فِيهِ خَمْرٌ تَطْهِيرُهُ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ الْمَاءُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ مَرَّةٍ سَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطْهُرُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا انْتَهَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ بَقَاءِ الرَّائِحَةِ أَوْ لَا، وَالتَّفْصِيلُ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ كَلَامٌ) أَيْ لِلْمَشَايِخِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُغْسَلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ ثَلَاثًا إلْحَاقًا لَهُ بَعْدَهَا بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ مَرَّتَيْنِ كَغَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً، وَقِيلَ إذَا ذَهَبَ الْعَيْنُ وَالْأَثَرُ بِمَرَّةٍ لَا يُغْسَلُ، وَهُوَ أَقْيَسُ لِأَنَّ

وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَجَاسَةَ الْمَحَلِّ بِمُجَاوَرَةِ الْعَيْنِ وَقَدْ زَالَتْ، وَحَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ ضَرُورَةٌ أَنَّهُ مَأْمُورٌ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ وَلِذَا كَانَ مَنْدُوبًا، وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَانَتْ مُحَقَّقَةً وَكَانَ حُكْمُهُ الْوُجُوبَ. (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ، وَتُعْتَبَرُ قُوَّةُ كُلِّ عَاصِرٍ حَتَّى إذَا انْقَطَعَ تَقَاطُرُهُ بِعَصْرِهِ ثُمَّ قَطَرَ بِعَصْرِ رَجُلٍ آخَرَ أَوْ دُونَهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، ثُمَّ هَذَا مُقْتَصِرٌ عَلَى مَا يُعْصَرُ وَمَخْصُوصٌ مِنْهُ أَيْضًا: أَمَّا الثَّانِي فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي إزَارِ الْحَمَامِ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ وَهُوَ عَلَيْهِ يَطْهُرُ بِلَا عَصْرٍ، حَتَّى ذُكِرَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ: لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ دَمًا أَوْ بَوْلًا وَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ كَفَاهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي إزَارِ الْحَمَامِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ وَتُتْرَكُ الرِّوَايَاتُ الظَّاهِرَةُ فِيهِ، وَقَالُوا فِي الْبِسَاطِ النَّجِسِ إذَا جُعِلَ فِي نَهْرٍ لَيْلَةَ طُهْرٍ. وَفِي خُفِّ بِطَانَتِهِ كِرْبَاسٌ دَخَلَ فِي خُرُوقِهِ مَاءٌ نَجِسٌ فَغَسَلَ الْخُفَّ وَدَلَّكَهُ بِالْيَدِ ثُمَّ مَلَأَهُ مَاءً ثَلَاثًا وَأَرَاقَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ عَصْرُ الْكِرْبَاسِ طَهُرَ كَالْبِسَاطِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو كَوْنُ الْمُتَنَجِّسِ مِمَّا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ أَوْ لَا، فَفِي الثَّانِي يُغْسَلُ وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُوَ بِذَهَابِ النَّدْوَةِ. قَالُوا فِي الْجِلْدِ وَالْخُفِّ وَالْمُكَعَّبِ وَالْجُرْمُوقِ إذَا أُمِرَّ الْمَاءُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَجُفِّفَ كُلَّ مَرَّةٍ طَهُرَ، وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْفِيفٍ، وَقِيلَ الْأَحْوَطُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْآجُرِّ الْمُسْتَعْمَلِ الْقَدِيمِ: يَكْفِيهِ الْغَسْلُ ثَلَاثًا بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا الْخِرْقَةُ الْقَدِيمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا بِمَا إذَا تَنَجَّسَتْ وَهِيَ رَطْبَةٌ، أَمَّا لَوْ تُرِكَتْ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى جَفَّتْ فَإِنَّهَا كَالْجَدِيدَةِ لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ اجْتِذَابُهَا حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ ظَاهِرِهَا، وَكَذَا حَصِيرٌ تَنَجَّسَ بِرَطْبَةٍ يُجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءُ إلَى أَنْ يُتَوَهَّمَ زَوَالُهَا لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ سِوَاهُ، وَإِجْرَاءُ الْمَاءِ قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ، فَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلْكِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْحَصِيرِ لِلصَّقِيلَةِ كَأَكْثَرِ حُصْرِ مِصْرَ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَاقِعَاتِ فِي الْبُورِيَّا مِنْ الْقَصَبِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ بِلَا خِلَافٍ، أَمَّا الْجَدِيدَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِمَّا يَتَشَرَّبُ فَسَيَأْتِي، وَفِي الْأَوَّلِ فَلَا تَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبَدًا وَتَطْهُرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالْخَزَفَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالْخَشَبَةِ الْجَدِيدَةِ وَالْبُرْدِيِّ وَالْجِلْدِ دُبِغَ بِنَجِسٍ وَالْحِنْطَةِ انْتَفَخَتْ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، وَالسِّكِّينُ الْمُمَوَّهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ يُمَوَّهُ ثَلَاثًا بِطَاهِرٍ، وَاللَّحْمُ وَقَعَ فِي مَرَقِهِ نَجَاسَةٌ حَالَ الْغَلَيَانِ يُغْلَى ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَلَيَانِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمَرَقَةُ لَا خَيْرَ فِيهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ النَّجَاسَةُ خَمْرًا فَإِنَّهُ إذَا صُبَّ فِيهَا خَلٌّ حَتَّى صَارَتْ كَالْخَلِّ حَامِضَةً طَهُرَتْ، وَفِي التَّجْنِيسِ طُبِخَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْخَمْرِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُطْبَخُ ثَلَاثًا بِالْمَاءِ وَتُجَفَّفُ كُلَّ مَرَّةٍ وَكَذَا اللَّحْمُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طُبِخَتْ فِي الْخَمْرِ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا، وَبِهِ يُفْتِي انْتَهَى. وَالْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا. وَلَوْ أُلْقِيَتْ دَجَاجَةٌ حَالَةَ الْغَلَيَانِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا لِتُنْتَفَ أَوْ كِرْشٌ قَبْلَ الْغَسْلِ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا، لَكِنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَنْ تَطْهُرَ عَلَى قَانُونِ مَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْمِ. قُلْت: وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ هُوَ مُعَلَّلٌ بِتَشَرُّبِهِمَا النَّجَاسَةَ الْمُتَحَلِّلَةَ فِي اللَّحْمِ بِوَاسِطَةِ الْغَلَيَانِ، وَعَلَى هَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّ اللَّحْمَ السَّمِيطَ بِمِصْرَ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ لَكِنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَيَمْكُثَ فِيهِ اللَّحْمُ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ لِلتَّشَرُّبِ وَالدُّخُولِ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي السَّمِيطِ الْوَاقِعِ حَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَلَا يُتْرَكُ فِيهِ إلَّا مِقْدَارُ مَا تَصِلُ الْحَرَارَةُ

لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَخْرَجُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى سَطْحِ الْجِلْدِ فَتَنْحَلُّ مَسَامُّ السَّطْحِ عَنْ الصُّوفِ، بَلْ ذَلِكَ التَّرْكُ يَمْنَعُ مِنْ جَوْدَةِ انْقِلَاعِ الشَّعْرِ، فَالْأَوْلَى فِي السَّمِيطِ أَنْ يَطْهُرَ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا لِتَنَجُّسِ سَطْحِ الْجِلْدِ بِذَلِكَ الْمَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْتَرِسُونَ فِيهِ عَنْ الْمُنَجَّسِ. وَقَدْ قَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا فِي الدَّجَاجَةِ وَالْكِرْشِ وَالسَّمِيطِ مِثْلَهُمَا. [مَسَائِلُ شَتَّى] بِئْرُ بَالُوعَةٍ جُعِلَتْ بِئْرَ مَاءٍ إنْ حُفِرَتْ قَدْرَ مَا وَصَلَ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ طَهُرَ مَاؤُهَا لَا جَوَانِبُهَا، فَإِنْ وُسِّعَتْ مَعَ ذَلِكَ طَهُرَ الْكُلُّ. حَوْضٌ فِيهِ عَصِيرٌ وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مَا يَتَنَجَّسُ يَنْجَسُ وَإِلَّا فَلَا. جِلْدُ الْإِنْسَانِ وَقِشْرُهُ يَسْقُطُ فِي الْمَاءِ، إنْ كَانَ قَلِيلًا مِثْلَ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ شُقُوقِ الرِّجْلِ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَدْرَ الظُّفْرِ أَفْسَدَهُ، وَلَوْ وَقَعَ الظُّفْرُ نَفْسُهُ لَا يُنَجِّسُ لِأَنَّهُ عَصَبٌ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ. مَاءُ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ مُتَحَلِّلًا مِنْ الْفَمِ أَوْ مُرْتَقِيًا مِنْ الْجَوْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُهُ مِنْ الْبَلْغَمِ وَهُوَ طَاهِرٌ وَقَدْ أَسْلَفْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْتِنًا أَوْ أَصْفَرَ نَقَضَ إذَا كَانَ قَدْرَ مِلْءِ الْفَمِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَاءُ فَمِ الْمَيِّتِ قِيلَ نَجِسٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي نَافِجَةِ الْمِسْكِ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ أَصَابَهَا الْمَاءُ لَمْ تُفْسِدْهُ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَإِلَّا فَنَجِسَةٌ، هَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْمَيْتَةِ، أَمَّا مِنْ الذَّكِيَّةِ فَطَاهِرَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلَوْ سَقَطَ بَيْضَةٌ مِنْ الدَّجَاجَةِ أَوْ سَخْلَةٌ مِنْ أُمِّهَا فِي مَاءٍ أَوْ مَرَقَةٍ لَا يَنْجَسُ. تَوَضَّأَ وَمَشَى عَلَى أَلْوَاحٍ مُشَرَّعَةٍ بَعْدَ مَشْيِ مَنْ بِرِجْلِهِ قَذَرٌ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ رِجْلِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى مَوْضِعِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَمِثْلُهُ الْمَشْيُ فِي مَاءُ الْحَمَّامِ لَا يُنَجِّسُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غُسَالَةُ مُتَنَجِّسٍ أَوْ جُنُبٍ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَمَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى مِنْ تَنَجُّسِ مَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ مَوْضِعَ رِجْلِ كَلْبٍ فِي الثَّلْجِ أَوْ الطِّينِ وَنَظَائِرُ هَذِهِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ وَلَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ. جِلْدُ الْحَيَّةِ وَإِنْ ذُكِّيَتْ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لِتُقَامَ الذَّكَاةُ مَقَامَ الدِّبَاغَةِ. وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ قَمِيصُ الْحَيَّةِ طَاهِرٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. وَالشَّعِيرُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بَعْرِ الْإِبِلِ وَالشَّاةِ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ، لَا الَّذِي فِي خَثَى الْبَقَرِ لِأَنَّهُ لَا صَلَابَةَ فِيهِ. وَفِي التَّجْنِيسِ مَشَى فِي طِينٍ أَوْ أَصَابَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَصَلَّى تُجْزِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهَا الْمَائِعُ وَلَمْ تُوجَدْ إلَّا أَنْ يَحْتَاطَ، أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَلَا يَجِبُ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي إعَادَةِ السِّنِّ السَّاقِطَةِ بَيْنَ سِنِّهِ وَسِنِّ غَيْرِهِ الْأَصَحُّ عَدَمُهُ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ السِّنَّ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ لِأَنَّهَا عَظْمٌ أَوْ عَصَبٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي ثِيَابِ الْفَسَقَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَّقُونَ الْخُمُورَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا السَّرَاوِيلُ مَعَ اسْتِحْلَالِهِمْ الْخَمْرَ فَهَذَا أَوْلَى انْتَهَى. بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِخَبَرٍ مُوجِبٍ فِي التَّنْجِيسِ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الدِّيبَاجِ الَّذِي يَنْسِجُهُ أَهْلُ فَارِسٍ لِأَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ فِيهِ الْبَوْلَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي بِرِيقِهِ. فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَجَعَلَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى عُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ كُلَّمَا صَبَّ عَلَى الْيَدِ فَإِذَا غَسَلَ ثَلَاثًا طَهُرَتْ الْعُرْوَةُ مَعَ طَهَارَةِ الْيَدِ لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا بِنَجَاسَتِهَا فَطَهَارَتُهَا بِطَهَارَتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ سِرْقِينٌ يَابِسٌ وَقَعَ فِي ثَوْبٍ مَبْلُولٍ لَا يُنَجِّسُ مَا لَمْ يُرَ أَثَرُهُ. فَأْرَةٌ مَاتَتْ فِي سَمْنٍ إنْ كَانَ جَامِدًا وَهُوَ أَنْ لَا يَنْضَمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ قُوِّرَ مَا حَوْلَهَا فَأُلْقِيَ وَاسْتُصْبِحَ بِهِ وَأُكِلَ مَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا نَجَّسَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْقَدْرَ الْكَثِيرَ عَلَى مَا مَرَّ، وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ تَطْهِيرِهِ. مَرَّتْ الرِّيحُ بِالْعَذِرَاتِ وَأَصَابَ الثَّوْبَ إنْ وُجِدَتْ رَائِحَتُهَا

[فصل في الاستنجاء]

(فَصْلٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ) (الِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنَجَّسَ وَمَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْ بُخَارَاتِ النَّجَاسَةِ قِيلَ يُنَجِّسُهُ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَكَذَا مَا سَالَ مِنْ الْكَنِيفِ الْأَوْلَى غَسْلُهُ، وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ نَجَاسَةً، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَرَّتْ الرِّيحُ عَلَى النَّجَاسَاتِ وَثَمَّةَ ثَوْبٌ تُصِيبُهُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: تَنَجَّسَ. وَلَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَلَمْ يَمْسَحْهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ مَا حَوْلَهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ وَلَكِنْ ابْتَلَّ سَرَاوِيلُهُ بِالْمَاءِ وَبِالْعَرَقِ ثُمَّ فَسَا غَيْرَ أَنَّ جَوَابَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ. وَلَوْ صُبَّ مَاءٌ فِي خَمْرٍ أَوْ بِالْقَلْبِ ثُمَّ صَارَ خَلًّا كَانَ طَاهِرًا فِي الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ ثُمَّ أُخْرِجَتْ بَعْدَ مَا تَخَلَّلَتْ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا تَنَجَّسَتْ بَعْدَ التَّخَلُّلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ قَبْلَ التَّخَلُّلِ. وَلَوْ عَصَرَ عِنَبًا فَأَدْمَى رِجْلَهُ فَسَالَ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يُنَجِّسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَالْمَاءِ الْجَارِي. حَبٌّ فِيهِ مَاءٌ أَوْرَبَ؛ اُسْتُخْرِجَ وَجُعِلَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ أُخِذَ مِنْ آخَرَ وَجُعِلَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ أَيْضًا ثُمَّ وَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً إنْ غَابَ هُوَ سَاعَةً فَالنَّجَاسَةُ لِلْإِنَاءِ خَاصَّةً، وَإِنْ لَمْ يَغِبْ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ الْحُبَّيْنِ هِيَ صُرِفَتْ النَّجَاسَةُ إلَى الْحَبِّ الْأَخِيرِ، هَذَا إذَا تَحَرَّى فَلَمْ يَقَعْ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ وَقَعَ عُمِلَ بِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ فَإِنْ كَانَا لِاثْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ مَا كَانَتْ فِي حَبِّي فَكِلَاهُمَا طَاهِرٌ. وَإِذَا تَلَطَّخَ ضَرْعُ شَاةٍ بِسِرْقِينِهَا فَحَلَبَهَا رَاعٍ بِيَدٍ رَطْبَةٍ فَفِي نَجَاسَتِهِ رِوَايَتَانِ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ] (فَصْلٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ) هُوَ إزَالَةُ مَا عَلَى السَّبِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُزَالِ بِهِ حُرْمَةٌ أَوْ قِيمَةٌ كُرِهَ كَقِرْطَاسٍ وَخِرْقَةٍ وَقُطْنَةٍ وَخَلٍّ قِيلَ يُورِثُ ذَلِكَ الْفَقْرَ (قَوْلُهُ وَاظَبَ عَلَيْهِ) وَلِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. قَالَ. فِي الْخُلَاصَةِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ الْقَلِيلَةَ عَفْوٌ عِنْدَنَا. وَعُلَمَاؤُنَا فَصَلُوا بَيْنَ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى مَوْضِعِ الْحَدَثِ وَاَلَّتِي عَلَى غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَدَثِ، إذَا تَرَكَهَا يُكْرَهُ، وَفِي مَوْضِعِهِ إذَا تَرَكَهَا لَا يُكْرَهُ. وَمَا عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ بِالْمَاءِ، وَمُقْتَضَاهُ كَرَاهَةُ تَرْكِهِ، وَكَذَا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ قَطُّ إلَّا مَسَّ مَاءً» وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ بَيْنَ كَوْنِ

(وَيَجُوزُ فِيهِ الْحَجَرُ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ يَمْسَحُهُ حَتَّى يُنَقِّيَهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِنْقَاءُ فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ (وَلَيْسَ فِيهِ عَدَدٌ مَسْنُونٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ " وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، فَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ " ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسِّ قَبْلَ الْخُرُوجِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ إلَّا تَوَضَّأَ» بَيَانًا لِمُلَازَمَتِهِ الْوُضُوءَ وَالْمَطْلُوبُ يَتِمُّ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ) يَعْنِي مِنْ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ الْمُزِيلَةِ فَخَرَجَ الزُّجَاجُ وَالثَّلْجُ وَالْآجُرُّ وَالْخَزَفُ وَالْفَحْمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ نَحْوُ إقْبَالِهِ بِالْحَجَرِ فِي الشِّتَاءِ وَإِدْبَارِهِ بِهِ فِي الصَّيْفِ لِاسْتِرْخَاءِ الْخَصِيَتَيْنِ فِيهِ لَا فِي الشِّتَاءِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الْمَقْصُودُ الْإِنْقَاءُ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَبْلَغُ وَالْأَسْلَمُ عَنْ زِيَادَةِ التَّلْوِيثِ اهـ. فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْعُدَ مُسْتَرْخِيًا كُلَّ الِاسْتِرْخَاءِ إلَّا إنْ كَانَ صَائِمًا وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، وَلَا يَتَنَفَّسُ إذَا كَانَ صَائِمًا وَيَحْتَرِزُ مِنْ دُخُولِ الْأُصْبُعِ الْمُبْتَلَّةِ كُلُّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ. وَفِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ الْخُلَاصَةِ: إنَّمَا يُفْسِدُ إذَا وَصَلَ إلَى مَوْضِعِ الْحُقْنَةِ وَقَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ اهـ. وَلِلْمَخَافَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُنَشِّفَ الْمَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الصَّائِمِ أَيْضًا حِفْظًا لِلثَّوْبِ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْطُوَ قَبْلَهُ خُطُوَاتٍ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ، وَفِي الْمُبْتَغَى: وَالِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ، وَلَوْ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ كَثِيرًا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بَلْ يَنْضَحُ فَرْجَهُ بِمَاءٍ أَوْ سَرَاوِيلَهُ حَتَّى إذَا شَكَّ حَلَّ الْبَلَلُ عَلَى ذَلِكَ النَّضْحِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلَافَهُ، وَلَا يَمْتَخِطُ وَلَا يَبْزُقُ وَلَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَالَ جُلُوسِهِ وَلَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَبِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الشِّتَاءِ أَفْضَلُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ بِهِ، وَلَا يُدْخِلُ الْإِصْبَعَ، قِيلَ يُورِثُ الْبَاسُورَ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ تَغْسِلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلَوْ غَسَلَتْ بِرَاحَتِهَا كَفَاهَا (قَوْلُهُ وَلْيَسْتَنْجِ إلَخْ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ، إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَيَسْتَنْجِي بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، كُلُّهُمْ بِلَفْظِ «وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَإِنَّمَا عَزَوْنَاهُ لِلْبَيْهَقِيِّ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْكِتَابِ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ «فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، وَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْإِيتَارُ يَقَعُ

وَالْإِيتَارُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ. (وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ كَانُوا يُتْبِعُونَ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، ثُمَّ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَاحِدَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَرَجٌ فِي تَرْكِ الْإِيتَارِ لَمْ يَكُنْ حَرَجٌ فِي تَرْكِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا هُوَ الْإِيتَارُ مِمَّنْ اسْتَنْجَى، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِنَفْيِ إيتَارٍ هُوَ فَوْقَ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّ بِنَفْيِ الْوَاحِدَةِ يَنْتَفِي الِاسْتِنْجَاءُ فَلَا يَصْدُقُ نَفْيُ الْإِيتَارِ مَعَ وُجُودِ الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ إلَّا بِصَرْفِ النَّفْيِ إلَى كُلِّ مَا ذَكَرَ فَيَدْخُلُ فِيهِ أَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ إنْ أَحَبَّ، وَمُجَرَّدُ الْإِيتَارِ فِيهِ، وَالْمَعْنَى: مَنْ فَعَلَ مَا قُلْته كُلَّهُ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ. وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ جَازَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَدُ الْمَسَحَاتِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ كَمَا قَدَّرَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ لَا لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ فِي الْمُسْتَيْقِظِ، لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِجْمَارُ خَاصًّا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لَكِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِعْمَالِ الْجَمْرِ فِي الْبَخُورِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ تَجَمَّرَ الْأَكْفَانُ فِي الْجَنَائِزِ وَاسْتَجْمَرَ فُلَانٌ: أَيْ تَبَخَّرَ وَاسْتَجْمَرَ ابْنُ صَبِيحٍ الْكَاتِبُ عِنْدَ الْمَأْمُونِ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ يَشُمُّ الْبَخُورَ فَأَمَرَ مَنْ يَحْبِسُهُ فَاغْتَمَّ وَكَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ فِي مُثُلٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ نَقْلُهَا، فَيَكُونُ لَفْظُ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ سُنِّيَّةِ الْإِيتَارِ فِي الْبَخُورِ وَالتَّطَيُّبِ وَإِنْ اُسْتُدِلَّ بِأَنَّ الْحَجَرَ لَا يُزِيلُ، وَلِذَا يُنَجَّسُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إذَا دَخَلَهُ الْمُسْتَنْجَى بِهِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيَقُولَ جَازَ اعْتِبَارُ الشَّرْعِ طَهَارَتَهُ بِالْمَسْحِ كَالنَّعْلِ، وَقَدْ أَجْرَوْا الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَرْضِ تُصِيبُهَا النَّجَاسَةُ فَتَجِفُّ ثُمَّ تَبْتَلُّ وَالثَّوْبُ يُفْرَكُ مِنْ الْمَنِيِّ ثُمَّ يَبْتَلُّ فِي عِدَّةِ نَظَائِرَ قَدَّمْنَاهَا، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَجْرِيَا أَيْضًا فِي السَّبِيلِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ إجْمَاعٌ فِي التَّنَجُّسِ بِدُخُولِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ، ثُمَّ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ فِي تِلْكَ النَّظَائِرِ أَنْ لَا يَعُودَ نَجِسًا، وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَعُودَ السَّبِيلُ نَجِسًا وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُنَجِّسَ الْمَاءَ. وَقَدْ صَرَّحَ بِاخْتِلَافٍ فِي تَنَجُّسِ السَّبِيلِ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ، فَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ صَرِيحًا، هَذَا وَأَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ بِالْعَرَقِ حَتَّى لَوْ سَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ وَأَصَابَ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّارِعِ طَهَارَتَهُ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا أُطْلِقَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ يُطَهِّرُ إذْ لَوْ لَمْ يُطَهِّرْ لَمْ يُطْلَقْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْعِلَّةِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) لَا يُطَابِقُ الْمَدْلُولَ وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ أَفْضَلُ مَا ذَكَرَ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْجَمْعَ أَفْضَلُ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَفْضَلِيَّةَ الْمَاءِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْهُ إلَّا ابْنُهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ فَقَالَ: هُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُمْ ضُعَفَاءُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ، وَاَلَّذِي يُطَابِقُ الْمَدْلُولَ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا نَزَلَتْ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] قَالَ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ، فَمَا طُهُورُكُمْ؟ قَالُوا: نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، قَالَ: هُوَ ذَاكُمْ فَعَلَيْكُمُوهُ»

أَدَبٌ. وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا، وَيَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَقَعَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ، وَلَا يُقَدَّرُ بِالْمَرَّاتِ إلَّا إذَا كَانَ مُوَسْوِسًا فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ فِي حَقِّهِ، وَقِيلَ بِالسَّبْعِ (وَلَوْ جَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: إلَّا الْمَائِعُ، وَهَذَا يُحَقِّقُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَطْهِيرِ الْعُضْوِ لِغَيْرِ الْمَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُزِيلٍ إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِهِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ الْمِقْدَارُ الْمَائِعُ وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ مَوْضِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ عُتْبَةُ بْنُ حَكِيمٍ فِيهِ مَقَالٌ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَمْعَ أَفْضَلُ ثُمَّ الْمَاءَ ثُمَّ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا، قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، فَقِيلَ لَهُ إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَتْرُكُونَهُ، فَقَالَ: إنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا وَأَنْتُمْ تَثْلِطُونَ ثَلْطًا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا وَأَنْتُمْ تَثْلِطُونَ ثَلْطًا فَأَتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، هَذَا وَالنَّظَرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُفِيدُ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ لِإِفَادَتِهِ الْمُوَاظَبَةَ، وَإِنَّمَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ إذَا وَجَدَ مَكَانًا يَسْتُرُ فِيهِ نَفْسَهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ لَيْسَ فِيهِ سُتْرَةٌ لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ قَالُوا يَفْسُقُ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْمُصَلِّينَ فِي الْمِيضَأَةِ فَضْلًا عَنْ شَاطِئِ النِّيلِ (قَوْلُهُ مُوَسْوِسًا) بِكَسْرِ الْوَاوِ لِأَنَّهَا حَدِيثُ النَّفْسِ فَهُوَ نَفْسُهُ يَتَحَدَّثُ وَإِذَا فُتِحَ وَجَبَ وَصْلُهُ فَيُقَالُ مُوَسْوَسًا إلَيْهِ أَيْ تُلْقَى إلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ وَفِيمَا نُقِلَ أَيْضًا تَقْدِيرُهُ بِعَشْرِ مَرَّاتٍ أَيْ صَبَّاتٍ لِلْمَاءِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ الثَّلَاثَ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ السَّبْعَ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ الْعَشَرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَّتَ فِي الْإِحْلِيلِ ثَلَاثًا وَفِي الْمَقْعَدَةِ خَمْسًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ فَيَغْسِلُ حَتَّى يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ طَهُرَ اهـ وَكَانَ الْمُرَادُ بِالِاشْتِرَاطِ الِاشْتِرَاطَ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَتَرْكُ الْكُلِّ لَا يَضُرُّهُ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) تَقَدَّمَ أَنَّ كَوْنَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَيْسَ مَانِعًا مَأْخُوذٌ مِنْ سُقُوطِ غَسْلِ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ وَمَعْنَى هَذَا لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ شَرْعًا بِدَلِيلِهِ فَعَرَّفَنَا ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَنَّ قَدْرَهُ وَهُوَ

الِاسْتِنْجَاءِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمَوَاضِعِ (وَلَا يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثٍ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ يُجْزِيهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَمَعْنَى النَّهْيِ فِي الرَّوْثِ لِلنَّجَاسَةِ، وَفِي الْعَظْمِ كَوْنُهُ زَادَ الْجِنِّ. (وَلَا) يُسْتَنْجَى (بِطَعَامٍ) لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ وَإِسْرَافٌ. (وَلَا بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّرْهَمُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُعَرَّفَ فَسُقُوطُهُ أَيْضًا هُوَ لِأَنَّهُ قَدْرُهُ فَيَلْزَمُ الْغَسْلُ إذَا زَادَ بِالْأَصْلِ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَوَّلُ مَحَلٍّ عَرَفْنَا ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ دِرْهَمٌ آخَرُ مَعَهُ وَإِلَّا لَقِيلَ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ سَاقِطٌ فَيُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمَانِعُ وَرَاءَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ الزَّائِدُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ خَرَجَ الْقَيْحُ أَوْ الدَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا يَكْفِيه الْحَجَرُ هَذَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَكْفِيه الْحَجَرُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَكْفِيه وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ. (قَوْلُهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ) فَيُكْرَهُ وَيَصِحُّ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ. قُلْتُ مَا بَالُ الْعِظَامِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ فَإِنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ» وَعَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى طَهَارَةِ الْأَرْوَاثِ كَقَوْلِ مَالِكٍ بِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَحِلَّ طَعَامًا لِلْجِنِّ إذْ الشَّرِيعَةُ الْعَامَّةُ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي حَقِّ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْجَوَابُ قَدْ وُجِدَ الدَّلِيلُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهَا رِكْسٌ أَوْ رِجْسٌ وَلَا يُجْزِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ اسْتَنْجَى بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَرْفٌ آخَرُ لَمْ يَسْتَنْجِ بِهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ وَإِهَانَةٌ) وَإِذَا كَرِهُوا وَضْعَ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ لِلْإِهَانَةِ فَهَذَا أَوْلَى فَلَوْ فَعَلَ فَأَنْقَى أَثِمَ وَطَهُرَ الْمَحَلُّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ الْمَائِعِ فِي الْبَدَنِ وَكَذَا بِالْعَظْمِ. (قَوْلُهُ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ) عَنْ أَبِي قَتَادَةُ قَالَ إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[كتاب الصلاة]

كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ الْمَوَاقِيتِ (أَوَّلُ وَقْتِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ، وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ «إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ أَمَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الصَّلَاةِ] [بَابُ الْمَوَاقِيتِ] ِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ

وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ» ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ لَك ـــــــــــــــــــــــــــــQغَابَ الشَّفَقُ: ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَزَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ. وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ، ثُمَّ الْتَفَتَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ اهـ. لَكِنْ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَلَيَّنَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا بِإِسْنَادِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكَأَنَّهُ أَكَّدَ تِلْكَ الرِّوَايَةَ بِمُتَابَعَةِ ابْنِ أَبِي بُسْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُتَابَعَةِ الْعُمَرِيِّ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ إلَخْ وَهِيَ مُتَابَعَةٌ حَسَنَةٌ، كَذَا فِي الْإِمَامِ. وَبَزَقَ بِالزَّايِ: أَيْ بَزَغَ وَهُوَ أَوَّلُ طُلُوعِهِ. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ الْإِمَامَةِ مِنْ حَدِيثِ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ: «ثُمَّ جَاءَهُ لِلصُّبْحِ حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا: يَعْنِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ كُلُّهُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كُلُّهُمْ فِي الصَّوْمِ، وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ

وَلِأُمَّتِك. وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَجْرِ الْكَاذِبِ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَبْدُو طُولًا ثُمَّ يَعْقُبُهُ الظَّلَامُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَإِنَّمَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» أَيْ الْمُنْتَشِرُ فِيهِ. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) لِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ (وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ وَقَالَا: إذَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَيْءُ الزَّوَالِ هُوَ الْفَيْءُ الَّذِي يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ وَقْتَ الزَّوَالِ. لَهُمَا إمَامَةُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» . (قَوْلُهُ وَأَوَّلُ وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) مَعْرِفَةُ الزَّوَالِ أَنْ تَنْصِبَ عَصًا مَثَلًا بَيْنَ أَوْقَاتِ الضُّحَى، فَمَا دَامَ الظِّلُّ يَنْقُصُ فَهِيَ فِي الِارْتِفَاعِ، فَإِذَا أَخَذَ يَزِيدُ فَأَوَّلُ أَخْذِهِ الزَّوَالُ فَلْيُحْفَظْ مِقْدَارُ الظِّلِّ إذْ ذَاكَ، فَإِذَا بَلَغَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ طُولَهُ أَوْ طُولَيْهِ عَلَى الْخِلَافِ مَعَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ

فِي هَذَا الْوَقْتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ لَا يَنْقَضِي الْوَقْتُ بِالشَّكِّ. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَصْرِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو إذَا بَلَغَ طُولَهُ مَعَ فَيْءِ الزَّوَالِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَى الطُّولَيْنِ. وَقَالَ الْمَشَايِخُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلَّى الْعَصْرُ حَتَّى يَبْلُغَ طُولَيْ الشَّيْءِ وَلَا يُؤَخَّرُ الظُّهْرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ طُولَهُ لِيُخْرَجَ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَلَهُ قَوْلُهُ إلَخْ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ السِّتَّةُ. وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ» إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ) يَعْنِي حَدِيثُ الْإِمَامَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَثُبُوتُ التَّعَارُضِ مُتَعَلِّقٌ بِصِدْقِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ أَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ إذَا كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَلَا يَنْقَضِي الْوَقْتُ بِالشَّكِّ، بَلْ الظَّاهِرُ اعْتِبَارُ كُلِّ حَدِيثٍ رُوِيَ مُخَالِفًا لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ نَاسِخًا لِمَا خَالَفَهُ فِيهِ لِتَحَقُّقِ تَقَدُّمِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ عَلَى كُلِّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا عَمِلَهُ إيَّاهَا، بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْبَحْثُ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَدُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ بِصَيْرُورَةِ الظِّلِّ مَثَلًا غَيْرَ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَنَفْيُ خُرُوجِ الظُّهْرِ بِصَيْرُورَتِهِ مَثَلًا لَا يَقْتَضِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا صَارَ مِثْلَيْنِ حَتَّى إنَّ مَا قَبْلَهُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُوَ الْمُدَّعَى فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ. وَغَايَةُ مَا ظَهَرَ أَنْ يُقَالَ: ثَبَتَ بَقَاءُ وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ صَيْرُورَتِهِ مَثَلًا نَسْخًا لِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ فِيهِ فِي الْعَصْرِ بِحَدِيثِ الْإِبْرَادِ وَإِمَامَتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عِنْدَ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» . (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ) (إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ) (وَآخِرُ وَقْتِهَا) (مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِقْدَارُ مَا يُصَلَّى فِيهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» وَمَا رَوَاهُ كَانَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْكَرَاهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَيْرُورَتِهِ مِثْلَيْنِ يُفِيدُ أَنَّهُ وَقَّتَهُ وَلَمْ يُنْسَخْ هَذَا، فَيَسْتَمِرُّ مَا عَلِمَ ثُبُوتَهُ مِنْ بَقَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ هَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ كَوْنَهُ وَقْتًا لِلْعَصْرِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ، وَالْحَمْلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» يُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ غَيْرُ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى النَّسْخِ وَكَذَا فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلِذَا قُلْنَا إنَّ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ مُطْلَقًا مَكْرُوهٌ وَتَأْخِيرَ الْعِشَاءِ إلَى مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ، وَلِظُهُورِ عَدَمِ صَلَاةِ جِبْرِيلَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ بِخِلَافِهِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ حَيْثُ لَا يَتَأَتَّى هَذَا فَتَعَيَّنَ النَّسْخُ فِيهِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَآخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَأَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ» وَخَطَّأَ الْبُخَارِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ فِي رَفْعِهِ فَإِنَّ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ يَرْوُونَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ،

(ثُمَّ) الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ الْحُمْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: (هُوَ الْحُمْرَةُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَآخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ» وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُوَطَّأِ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ، وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ الثَّانِي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَآخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَفَعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ بِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَشُ سَمِعَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ مُسْنَدًا، فَيَكُونُ عِنْدَهُ طَرِيقَانِ مُسْنَدٌ وَمُرْسَلٌ، وَاَلَّذِي رَفَعَهُ: يَعْنِي ابْنَ فُضَيْلٍ صَدُوقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: أَقِمْ مَعَنَا، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا، فَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ إلَى قُبَيْلِ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ: يَعْنِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّ سَائِلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ» يَعْنِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ» . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: «وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ، فَإِذَا غَابَ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اخْتَارَ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَقَوْلِهِمَا وَلَا تُسَاعِدُهُ رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ فُضَيْلٍ وَأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ،

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَقْدِيرِهِ بِذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْبُوبَتُهُ بِسُقُوطِ الْبَيَاضِ الَّذِي يَعْقُبُ الْحُمْرَةَ وَإِلَّا كَانَ بَادِيًا، وَيَجِيءُ مَا تَقَدَّمَ: أَعْنِي إذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ لَمْ يَنْقَضِ الْوَقْتُ بِالشَّكِّ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي رِوَايَةٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ، وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ يُقَالُ عَلَى الْحُمْرَةِ يَقُولُونَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ كَأَنَّهُ الشَّفَقُ كَمَا يُقَالُ عَلَى الْبَيَاضِ الرَّقِيقُ، وَمِنْهُ شَفَقَةُ الْقَلْبِ لِرِقَّتِهِ، غَيْرَ أَنَّ النَّظَرَ عِنْدَ التَّرْجِيحِ أَفَادَ تَرْجِيحَ أَنَّهُ الْبَيَاضُ هُنَا، وَأَقْرَبُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ الْحُمْرَةُ أَوْ الْبَيَاضُ لَا يَنْقَضِي بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي إبْقَاءِ الْوَقْتِ إلَى الْبَيَاضِ لِأَنَّهُ لَا وَقْتَ مُهْمَلٌ بَيْنَهُمَا فَبِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ اتِّفَاقًا، وَلَا صِحَّةَ لِصَلَاةٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّأْخِيرِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ أَنَّهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَقِيلَ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ ذَلِكَ، وَمُلَخَّصُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا مُوسَى وَالْخُدْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَوَوْا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ أَعْتَمَ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ» ، وَكُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ. قَالَ فَثَبَتَ أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا، وَلَكِنَّهُ عَلَى أَوْقَاتٍ ثَلَاثَةٍ، إلَى الثُّلُثِ أَفْضَلُ، وَإِلَى النِّصْفِ دُونَهُ، وَمَا بَعْدَهُ دُونَهُ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إلَى نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: وَصَلِّ الْعِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْت وَلَا تَغْفُلْهَا. وَلِمُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى» ، فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى، وَدُخُولُ الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْوَتْرِ فَهُوَ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ «خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوَتْرُ،

(وَأَوَّلُ وَقْتِ الْوَتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَآخِرُهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْوَتْرِ «فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّذَكُّرِ لِلتَّرْتِيبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَسَيَأْتِي تَمَامُ مَا تَيَسَّرَ فِيهِ فِي بَابِ الْوَتْرِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهُوَ دَلِيلُهُمَا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّذَكُّرِ لِلتَّرْتِيبِ) فَلَوْ قَدَّمَ نَاسِيًا لَا يُعِيدُ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ نَامَ فَقَامَ تَوَضَّأَ فَصَلَّى الْوَتْرَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ يُعِيدُهَا دُونَ الْوِتْرِ فِيهِمَا وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُهُمَا. وَمَنْ لَا يُوجَدُ عِنْدَهُمْ وَقْتُ الْعِشَاءِ كَمَا قِيلَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ عِنْدَهُمْ، أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ السَّبَبِ، وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَنْزِ كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْ الْوُضُوءِ عَنْ مَقْطُوعِهِمَا مِنْ الْمَرْفِقَيْنِ، وَأَنْكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ ثُمَّ وَافَقَهُ، وَأَفْتَى الْإِمَامُ الْبُرْهَانِيُّ الْكَبِيرُ بِوُجُوبِهَا، وَلَا يَرْتَابُ مُتَأَمِّلٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَبَيْنَ سَبَبِهِ الْجَعْلِيِّ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى الْوُجُوبِ الْخَفِيِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمُعَرِّفَاتِ لِلشَّيْءِ، فَانْتِفَاءُ الْوَقْتِ انْتِفَاءُ الْمُعَرِّفِ، وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءً لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مَا تَوَاطَأَتْ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّلَاةَ خَمْسًا بَعْدَ مَا أُمِرُوا أَوَّلًا بِخَمْسِينَ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْخَمْسِ شَرْعًا عَامًّا لِأَهْلِ الْآفَاقِ، لَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ قُطْرٍ وَقُطْرٍ وَمَا رُوِيَ «ذَكَرَ الدَّجَّالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْنَا مَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا اُقْدُرُوا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَقَدْ أَوْجَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مَثَلًا أَوْ مِثْلَيْنِ، وَقِسْ عَلَيْهِ، فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَمْسٌ عَلَى الْعُمُومِ، غَيْرَ أَنَّ تَوْزِيعَهَا عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَلَا يَسْقُطُ بِعَدَمِهَا الْوُجُوبُ، وَكَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ» ثُمَّ هَلْ يَنْوِي الْقَضَاءَ؟ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ لِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَمَنْ أَفْتَى بِوُجُوبِ الْعِشَاءِ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ الْوِتْرُ أَيْضًا.

[فصل يستحب الإسفار بالفجر]

(فَصْلٌ) (وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ] فَصْلٌ فِي اسْتِحْبَابِ التَّعْجِيلِ) (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلُ بِكُلِّ صَلَاةٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ، وَالْعَفْوُ يَسْتَدْعِي تَقْصِيرًا» وَقَالَ فِي جَوَابِ «أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» (قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ) فِي تَعْمِيمِهِ وَأَنَّ الْوَاقِعَ التَّفْصِيلُ (مَا رَوَيْنَاهُ) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْفَجْرِ «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَبَيُّنُ الْفَجْرِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَكٌّ فِي طُلُوعِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ مَا لَمْ يُتَبَيَّنْ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فَضْلًا عَنْ إصَابَةِ الْأَجْرِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، وَلَوْ صُرِفَ عَنْ ظَاهِرِهِ إلَى عَظِيمٍ كَانَ الْمُنَاسِبُ فِي التَّعْلِيلِ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ التَّأْوِيلِ أَنْ يُقَالَ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَظْهَرُ فِي إفَادَةِ قَصْدِ عَدَمِ إيقَاعِهَا مَعَ شَكِّ الطُّلُوعِ، فَكَيْفَ وَصَرْفُهُ عَنْهُ بِلَا دَلِيلٍ لَا يَجُوزُ، بَلْ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَا يَنْفِيه وَهُوَ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ أَوْ قَالَ لِأُجُورِكُمْ» وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ. وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا فَارَقَهُمْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ لِعِلْمِهِمْ بِنَسْخِ

وَمَا نَرْوِيهِ قَالَ. (وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ وَتَقْدِيمُهُ فِي الشِّتَاءِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِرِوَايَةِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ بَكَّرَ بِالظُّهْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا» (وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ النَّوَافِلِ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّغْلِيسِ الْمَرْوِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَتَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ» وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الصَّحِيحَيْنِ ظَاهِرٌ فِيمَ ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً إلَّا لِمِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا الَّذِي اعْتَادَ الْأَدَاءَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَلَسٌ يَوْمَئِذٍ لِيَمْتَدَّ وَقْتُ الْوُقُوفِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» فَأَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَادَ كَانَ غَيْرَ التَّغْلِيسِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْعُدُ النَّسْخُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ وُجُودِ الْمَنْسُوخِ. وَقَوْلُهُ مَا رَأَيْت يُفِيدُ أَنْ لَا سَابِقَةَ لَهُ فَالْأَوْلَى حَمْلُ التَّغْلِيسِ عَلَى غَلَسٍ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ حُجْرَتَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ فِيهِ وَكَانَ سَقْفُهُ عَرِيشًا مُقَارِبًا وَنَحْنُ نُشَاهِدُ الْآنَ أَنَّهُ يُظَنُّ قِيَامُ الْغَلَسِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَأَنَّ صَحْنَهُ قَدْ انْتَشَرَ فِيهِ ضَوْءُ الْفَجْرِ وَهُوَ الْإِسْفَارُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ هَذَا الِاعْتِبَارُ لِمَا وَجَبَ مِنْ تَرْجِيحِ رِوَايَةِ الرِّجَالِ خُصُوصًا مِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّ الْحَالَ أَكْشَفُ لَهُمْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الدُّخُولُ فِي الْفَجْرِ فِي وَقْتِ التَّغْلِيسِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَ الْأَصْحَابُ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْإِسْفَارِ وَيَخْتِمَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُ اللَّفْظُ، فَإِنَّ الْإِسْفَارَ بِالْفَجْرِ إيقَاعُهَا فِيهِ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِهَا فَيَلْزَمُ إدْخَالُ مَجْمُوعِهَا فِيهِ، قَالُوا: وَحَدُّهُ أَنْ يَبْدَأَ فِي وَقْتٍ يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ أَدَائِهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مَا لَوْ ظَهَرَ لَهُ فَسَادُ صَلَاتِهِ أَعَادَهَا بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ مُرَتَّلَةٍ مَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ آيَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا يَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّغْلِيسَ إلَّا مَنْ لَمْ يَضْبِطْ ذَلِكَ الْوَقْتَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ أَذَانِ الْفَجْرِ وَالصَّلَاةِ قَالَ: يُؤَذِّنُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَمْكُثُ قَدْرَ قِرَاءَةِ عِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ يَثُوبُ ثُمَّ يَمْكُثُ قَدْرَ عِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ يُقِيمُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَشْرَعَ وَأَطْرَافُ الْغَلَسِ قَائِمَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ إسْفَارًا مَا، وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ مَنْ كَانَ مِنْ عَزْمِهِ التَّطْوِيلُ بَدَأَ بِغَلَسٍ وَمَنْ لَا أَسْفَرَ، وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي سُنِّيَّةِ التَّغْلِيسِ بِفَجْرِ مُزْدَلِفَةٍ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» (وَلِرِوَايَةِ أَنَسٍ إلَخْ) فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ «خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ صَلَّى بِنَا أَمِيرُنَا الْجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْرَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ» . وَالْمُرَادُ الظُّهْرُ لِأَنَّهُ جَوَابُ السُّؤَالِ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ) حَاصِلُهُ أَنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى تَغَيُّرِ الْقُرْصِ مَكْرُوهٌ، وَيُسْتَحَبُّ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ

وَالْمُعْتَبَرُ تَغَيُّرُ الْقُرْصِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ) لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَخِّرَهَا لِيَتَوَسَّعَ فِي النَّوَافِلِ لَا إلَى التَّغَيُّرِ بَلْ يُصَلِّيهَا وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ «وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ مَعَ فَيْءِ الزَّوَالِ وَمِنْهُ إلَى التَّغَيُّرِ لَيْسَ كَثِيرًا جِدًّا، فَلَا بُعْدَ فِي كَوْنِ الْأَدَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى التَّعْجِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ تَعْجِيلًا شَدِيدًا. وَرَوَى الْحَسَنُ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ أَذَانِ الظُّهْرِ وَالصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِعَشْرِ آيَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا كُلًّا بِخَمْسِ آيَاتٍ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ «عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: دَخَلْت مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بِالْعَصْرِ وَشَيْخٌ جَالِسٌ فَلَامَهُ، وَقَالَ: إنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِتَأْخِيرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ» ، فَسَأَلْت عَنْهُ فَقَالُوا: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. وَضَعَّفَ بِعَبْدِ الْوَاحِدِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ: يَعْنِي عَبْدَ الْوَاحِدِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ رَافِعٍ غَيْرُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ رَافِعٍ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعَصْرِ ثُمَّ يُنْحَرُ الْجَزُورُ فَيُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ ثُمَّ يُطْبَخُ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ» وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَيْنِ، فَإِنَّهُ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ أَمْكَنَ فِي الْبَاقِي إلَى الْغُرُوبِ مِثْلُ هَذَا الْعَمَلِ، وَمَنْ يُشَاهِدْ الْمَهَرَةَ مِنْ الطَّبَّاخِينَ فِي الْأَسْفَارِ مَعَ الرُّؤَسَاءِ لَمْ يَسْتَبْعِدْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ) هُوَ بِأَنْ لَا يُفْصَلَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ سَكْتَةٍ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَيَأْتِي: وَتَأْخِيرُهَا لِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ، وَهِيَ خِلَافِيَّةٌ وَسَتُذْكَرُ فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا، وَمَا رَوَى الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى بَدَا نَجْمٌ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ هُوَ مَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّجْمِ، وَفِي الْمُنْيَةِ لَا يُكْرَهُ فِي السَّفَرِ وَلِلْمَائِدَةِ أَوْ كَانَ

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْمَغْرِبَ وَأَخَّرُوا الْعِشَاءَ» . قَالَ (وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمُ غَيْمٍ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَخَّرَهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ خِلَافٌ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَلَا يَبْعُدُ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِالْيَهُودِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ» إلَخْ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ، فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ إلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ يَا عُقْبَةُ؟ قَالَ شُغِلْنَا، قَالَ: أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَزَلْ أُمَّتِي بِخَيْرٍ» أَوْ قَالَ «عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» فِيهِ نَظَرٌ إذْ مُقْتَضَاهُ نَدْبٌ، وَبِتَقْدِيرِهِ تَفْوِيتُ مَا نَدَبَ إلَيْهِ لَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الْعِشَاءِ يَنْدُبُ تَأْخِيرُهَا إلَى مَا قَبْلَ الثُّلُثِ وَيُصَلِّيهَا إذْ ذَاكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ إلَى النِّصْفِ انْتَفَى النَّدْبُ وَكَانَ مُبَاحًا، وَمَا بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ، وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ ضَمَانُ الْخَيْرِ وَالْفِطْرَةِ، أَيْ السُّنَّةِ بِالتَّعَجُّلِ، وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ ضِدِّهِمَا فِي التَّأْخِيرِ لِجَوَازِ حُصُولِهِمَا مَعَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَهَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ تَأْخِيرِهَا، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ، هَذَا إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِتَوْثِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ الْحَقُّ الْأَبْلَجُ، وَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ لَا يَثْبُتُ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَقْبَلْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ شُعْبَةُ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ. وَرَوَى عَنْهُ مِثْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ إدْرِيسَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَعَبْدِ الْوَارِثِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَاحْتَمَلَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ، وَقَدْ أَطَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَوْثِيقِهِ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ الْكَلَامِ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ وَاصْطَلَحَ مَعَهُ وَبَعَثَ إلَيْهِ هَدِيَّةً

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهُ، وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ تُعَجَّلُ كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ، وَالتَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ عَارَضَهُ دَلِيلُ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ بِوَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهَا. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ) الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى مَا رَوَى السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا» ، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا رَوَوْهُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا، وَأَجَازَ الْعُلَمَاءُ السَّمَرَ بَعْدَهَا فِي الْخَيْرِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اللَّيْلَةَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَمَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ» يَعْنِي الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ إلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ، أَوْ مُسَافِرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ " أَوْ عَرُوسٍ " وَحَدِيثُ «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَتَمَامُهُ

فَتَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ وَإِلَى النِّصْفِ الْأَخِيرِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ السَّمَرُ قَبْلَهُ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوَتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ» (فَإِذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ تَأْخِيرُهَا، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ تَعْجِيلُهُمَا) لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَرِ، وَفِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَوَهُّمَ الْوُقُوعِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَلَا تَوَهُّمَ فِي الْفَجْرِ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ مَدِيدَةٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّأْخِيرُ فِي الْكُلِّ لِلِاحْتِيَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ» وَذَلِكَ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ فَتَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مَلْزُومٌ لِأَمْرَيْنِ مَكْرُوهٌ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ. وَمَنْدُوبٌ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ. وَإِذَا لَزِمَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَنْدُوبِ كَقَطْعِ السَّمَرِ ارْتِكَابُ مَكْرُوهٍ تُرِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسَائِلَ، فَيَنْبَغِي كَوْنُ التَّأْخِيرِ إلَى النِّصْفِ مَطْلُوبَ التَّرْكِ فَلَا يَكُونُ مُبَاحًا، لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الْمُبَاحِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة]

[فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ] (فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ) (لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ قِيَامِهَا فِي الظَّهِيرَةِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا) لِحَدِيثِ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا: عِنْدَ طُلُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ) اسْتَعْمَلَ الْكَرَاهَةَ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَيَشْمَلُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَغَيْرَهُ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ، أَوْ هُوَ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ الظَّنِّيَّ الثُّبُوتِ غَيْرَ الْمَصْرُوفِ عَنْ مُقْتَضَاهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيُّهُ أَفَادَ التَّحْرِيمَ فَالتَّحْرِيمُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْضِ فِي الرُّتْبَةِ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَالتَّنْزِيهُ بِرُتْبَةِ الْمَنْدُوبِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ مِنْ الْأَوَّلِ، فَكَانَ الثَّابِتُ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَتْ لِنُقْصَانٍ فِي الْوَقْتِ مُنِعَتْ أَنْ يَصِحَّ فِيهِ مَا تَسَبَّبَ عَنْ وَقْتٍ لَا نَقْصَ فِيهِ لَا لِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بَلْ لِعَدَمِ تَأَدِّي مَا وَجَبَ كَامِلًا نَاقِصًا، فَلِذَا قَالَ عَقِيبَ تَرْجَمَتِهِ بِالْكَرَاهَةِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَخْ، لَكِنْ إنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَالصَّلَاةُ عَامٌّ لَمْ يُصَدَّقْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ شُرُوعُهُ حَتَّى وَجَبَ قَضَاؤُهُ إذَا قَطَعَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَيَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِذَلِكَ الشُّرُوعِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْحِلِّ: كَانَ أَعَمَّ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ خُصُوصُ مَا هُوَ حُكْمُ الْقَضَاءِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْإِفَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَهُ الثَّانِي، وَلِذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الْحِلِّ فِي جِنْسِ الصَّلَاةِ دُونَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي بَعْضِهَا بِخُصُوصِهِ. وَالْمُفِيدُ لَهَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، ثُمَّ إذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، وَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا، وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالنَّسَائِيُّ، فَإِنَّهُ أَفَادَ كَوْنَ الْمَنْعِ لِمَا اتَّصَلَ بِالْوَقْتِ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ فِعْلُ الْأَرْكَانِ

الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَعِنْدَ زَوَالِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَحِينَ تَضِيفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَأَنْ نَقْبُرَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ التَّشَبُّهَ بِعِبَادَةِ الْكُفَّارِ، وَهَذَا الْمَعْنَى بِنُقْصَانِ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَالْوَقْتُ لَا نَقْصَ فِيهِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَقْتٌ كَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا النَّقْصُ فِي الْأَرْكَانِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا مَا وَجَبَ كَامِلًا فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ لَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ أَنَّهَا نَاقِصَةٌ تَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لَا يُدْخِلُ النَّقْصَ فِي الْأَرْكَانِ الَّتِي هِيَ الْمُقَوَّمَةُ لِلْحَقِيقَةِ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَرْكَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَعَنْ الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا أَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأَفَاقَ فِي الْجُزْءِ الْمَكْرُوهِ فَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِمْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ كُلَّ الْوَقْتِ حِينَ خَرَجَ إذْ لَمْ يُدْرِكُوا مَعَ الْأَهْلِيَّةِ إلَّا ذَلِكَ الْجُزْءَ فَلَيْسَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِمْ إلَّا إيَّاهُ، وَمَعَ هَذَا لَوْ قَضَوْا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ كَامِلٌ، إذْ لَا نَقْصَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ بَلْ الْمَفْعُولُ فِيهِ يَقَعُ نَاقِصًا، غَيْرَ أَنَّ تَحَمُّلَ ذَلِكَ النَّقْصِ لَوْ أَدَّى فِيهِ الْعَصْرَ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَدَاءِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ لَمْ يُوجَدْ النَّقْصُ الضَّرُورِيُّ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَامِلٌ فَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ كَذَلِكَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِكَامِلٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَضَى فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ مَا قَطَعَهُ مِنْ النَّفْلِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ حَيْثُ يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ آثِمًا، لِأَنَّ وُجُوبَهُ ضَرُورَةُ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ لَيْسَ غَيْرَ، وَالصَّوْنُ عَنْ الْبُطْلَانِ يَحْصُلُ مَعَ النُّقْصَانِ، وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُمَا لِإِظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْكُفَّارِ بِالِانْقِيَادِ وَقَضَاءِ حَقِّ الْمَيِّتِ بِالدُّعَاءِ لَهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ النُّقْصَانِ، أَوْ نَقُولُ عِنْدَ التِّلَاوَةِ يُخَاطِبُ بِالْأَدَاءِ مُوَسَّعًا وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَحَمُّلُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ النَّقْصِ لَوْ أَدَّى عِنْدَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تُلِيَتْ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فَإِنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِأَدَائِهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ مُوَسَّعًا فَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا فِي مَكْرُوهٍ، هَذَا الْوَجْهُ أَسْلَمُ إذْ يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلُ جَوَازَ أَدَائِهَا فِي مَكْرُوهٍ وَإِنْ تُلِيَتْ فِي غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ بِعَيْنِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا فِيهِ أَوْ تَلَا سَجْدَةً فِيهِ وَسَجَدَهَا إلَى قَوْلِهِ: إذْ الْوُجُوبُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَالتِّلَاوَةِ، يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُمَا إذَا تَحَقَّقَ سَبَبُهُمَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ. وَفِي التُّحْفَةِ إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يُؤَخِّرَهَا، بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ

صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الدَّفْنَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَالْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَخْصِيصِ الْفَرَائِضِ، وَبِمَكَّةَ فِي حَقِّ النَّوَافِلِ، وَحُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي إبَاحَةِ النَّفْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الزَّوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهَا وَجَبَتْ لِعَيْنِهَا: أَيْ ابْتِدَاءَ إقَامَةِ فَرَائِضِ الْمَلِكِ سُبْحَانَهُ الْمُسْتَحِقَّةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَوْهَامًا بَعْدَ إتْقَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ (قَوْلُهُ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَخْصِيصِ الْفَرَائِضِ) أَيْ الْمَقْضِيَّاتِ، وَبِمَكَّةَ أَيْ وَتَخْصِيصُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا بِمَكَّةَ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا وَعَلَى أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إبَاحَةِ النَّفْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الزَّوَالِ، أَمَّا إخْرَاجُ الْفَرَائِضِ فَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِمَكَّةَ فَحَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَبِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي مَعْنَاهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: انْقِطَاعٌ مَا بَيْنَ مُجَاهِدٍ وَأَبِي ذَرٍّ فَإِنَّهُ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْهُ، وَضُعِّفَ ابْنُ الْمُؤَمَّلِ، وَضُعِّفَ حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ، وَاضْطِرَابُ سَنَدِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَدْخَلَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ بَيْنَ حُمَيْدٍ هَذَا وَبَيْنَ مُجَاهِدٍ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ فَأَسْقَطَهُ مِنْ الْبَيْنِ. وَأَمَّا إخْرَاجُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» أَمَّا

قَالَ (وَلَا صَلَاةُ جِنَازَةٍ) لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ (إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ عِنْدَ الْغُرُوبِ) لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ بِالْكُلِّ لَوَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَهُ، وَلَوْ تَعَلَّقَ بِالْجُزْءِ الْمَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثُ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» فَهُوَ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّ كَوْنَهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِهَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُقَارَنَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فَهُوَ مُعَارِضٌ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَيُقَدَّمُ حَدِيثُ عُقْبَةَ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى طَرِيقِهِمْ فِي كَوْنِ الْخَاصِّ مُخَصِّصًا كَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ خَاصٌّ فِي الصَّلَاةِ عَامٌّ فِي الْأَوْقَاتِ، فَإِنْ وَجَبَ تَخْصِيصُهُ عُمُومَ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَجَبَ تَخْصِيصُ حَدِيثِ عُقْبَةَ عُمُومَ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ خَاصٌّ فِي الْوَقْتِ، وَتَخْصِيصُ عُمُومِ الْوَقْتِ هُوَ إخْرَاجُهُ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةَ مِنْ عُمُومِ وَقْتِ التَّذَكُّرِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ، كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَ الْآخَرِ هُوَ إخْرَاجُ الْفَوَائِتِ عَنْ عُمُومِ مَنْعِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَارَضَانِ فِي الْفَائِتَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، إذْ تَخْصِيصُ حَدِيثِ عُقْبَةَ يَقْتَضِي إخْرَاجَهَا عَنْ الْحِلِّ فِي الثَّلَاثَةِ، وَتَخْصِيصُ حَدِيثِ التَّذَكُّرِ لِلْفَائِتَةِ مِنْ عُمُومِ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي حِلَّهَا فِيهَا، وَيَكُونُ إخْرَاجُ حَدِيثِ عُقْبَةَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ مَكَّةَ فَبَعْدَ التَّنَزُّلِ فِيهِ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَالْوَقْتِ فَيَتَعَارَضُ عُمُومُهُمَا فِي الصَّلَاةِ، وَيُقَدَّمُ حَدِيثُ عُقْبَةَ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا يَتَعَارَضَانِ

فَالْمُؤَدِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَاضٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْوَقْتِ إذْ الْخَاصُّ يُعَارِضُ الْعَامَّ عِنْدَنَا، وَعَلَى أُصُولِهِمْ يَجِبُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ حَدِيثُ عُقْبَةَ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهُ خَاصٌّ فِيهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْوَاقِعُ بَعْدَ التَّنَزُّلِ فِيهِ أَيْضًا اسْتِثْنَاءُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي فَيَكُونُ حَاصِلُهُ نَهْيًا مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُقْبَةَ الْمُعَارِضُ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ، وَقَدْ يُقَالُ: يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِهِمَا حُكْمًا وَحَادِثَةً (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَحَمَلَهُ

الْكَرَاهَةُ، حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا فِيهِ أَوْ تَلَا سَجْدَةً فِيهِ فَسَجَدَهَا جَازَ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ نَاقِصَةً كَمَا وَجَبَتْ إذْ الْوُجُوبُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَالتِّلَاوَةِ. (وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْتَفِلَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتِّرْمِذِيُّ عَلَى الصَّلَاةِ كَالْمُصَنِّفِ، وَكَذَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَحَمَلَهُ أَبُو دَاوُد عَلَى الدَّفْنِ الْحَقِيقِيِّ، وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى مَوْتَانَا عِنْدَ ثَلَاثٍ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» الْحَدِيثُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ وَزَادَ فِيهِ: قُلْت لِعُقْبَةَ أَيُدْفَنُ بِاللَّيْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ. (قَوْلُهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ) فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ «رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً: رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا «مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْهَا قَالَتْ: وَهِمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَتُصَلُّوا عِنْدَ ذَلِكَ» وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ «عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: وَاَلَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى، وَمَا لَقِيَ اللَّهَ حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلَاةِ، وَكَانَ يُصَلِّيهِمَا وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ تَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَنْهُمْ» ، فَالْعُذْرُ عَنْهُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُمَا جَبْرًا لِمَا فَاتَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ أَوْ قَبْلَ الْعَصْرِ حِينَ شُغِلَ عَنْهُمَا، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ فَدَاوَمَ عَلَيْهِمَا وَكَانَ يَنْهَى غَيْرَهُ عَنْهُمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا فِي مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالْمَغَازِي عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَام مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَقُلْ بَلَغَنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهَا وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُمَا، قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ فَرَجَعْتُ إلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَرَدُّونِي إلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُمَا ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَهُمَا هَاتَانِ» . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ «عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا، وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا» يَعْنِي دَاوَمَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ جِهَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ «بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَيَنْهَى عَنْهُمَا وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ» . وَاسْتَفَدْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ تَرَدُّدَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِيمَا جَزَمَتْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهَا وَهِمَ عُمَرُ إلَخْ، فَإِنَّ إحَالَتَهَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عِنْدَ اسْتِعْلَامِ السَّائِلِ الْحُكْمَ يُفِيدُ تَرَدُّدَهَا أَوْ التَّقَوِّي بِمُوَافَقَتِهَا، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهِمَا. فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَضْرِبُ الْمَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَكَانَ هَذَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ

(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَيَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ وَيُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ كَانَتْ لِحَقِّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ فَلَمْ تَظْهَرْ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ، وَفِيمَا وَجَبَ لِعَيْنِهِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَظَهَرَتْ فِي حَقِّ الْمَنْذُورِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي حَقِّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَفِي الَّذِي شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَتْمُ الطَّوَافِ وَصِيَانَةُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْمُتَقَرِّرَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَدَمُ جَوَازِهِمَا، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ دَأْبَهُ لَا أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ مَرَّةً فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ أَوْ يَجُوزُ رُجُوعُهُ كَمَا يُفِيدُ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ: كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَضْرِبُ الْأَيْدِيَ عَنْ صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إلَخْ) اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا دَلَّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ، ثُمَّ النَّظَرُ إلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ قَوْلِهِمْ الْعِبْرَةُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ، لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مُعَارَضَةَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى، وَالنَّظَرُ إلَى النُّصُوصِ يُفِيدُ مَنْعَ الْقَضَاءِ تَقْدِيمًا لِلنَّهْيِ الْعَامِّ عَلَى حَدِيثِ التَّذَكُّرِ. نَعَمْ يُمْكِنُ إخْرَاجُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ. وَيَكْفِي فِي إخْرَاجِ الْقَضَاءِ مِنْ الْفَسَادِ الْعِلْمُ بِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ، وَأَمَّا مِنْ الْكَرَاهَةِ فَفِيهِ مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ وَفِيمَا وَجَبَ لِعَيْنِهِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) الْمُرَادُ بِمَا وَجَبَ لِعَيْنِهِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ نَفْلًا كَالْمَنْذُورِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمُخَالَفَةِ الْكُفَّارِ وَمُوَافَقَةِ الْأَبْرَارِ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَقَضَاءِ حَقِّ الْمَيِّتِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ الْمَنْذُورُ، وَلَا أَثَرَ لِإِيجَابِ الْعَبْدِ كَمَا لَا أَثَرَ لِتِلَاوَتِهِ فِي إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ فِي السَّجْدَةِ. وَقَدْ يُقَالُ وُجُوبُ السَّجْدَةِ فِي التَّحْقِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّمَاعِ لَا بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا التِّلَاوَةِ، وَذَلِكَ لَيْسَ فِعْلًا مِنْ الْمُكَلَّفِ بَلْ وَصْفٌ

[باب الأذان]

(وَيُكْرَهُ أَنْ يُتَنَفَّلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ (وَلَا يُتَنَفَّلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ الْفَرْضِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ (وَلَا إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ) مِنْ خُطْبَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخُلُقِيٌّ فِيهِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالطَّوَافِ وَالْمَشْرُوعِ فِيهِ وَلَوْلَاهُ لَكَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِلَخْ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَفِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا سَجْدَتَيْنِ " لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ. وَفِي التَّجْنِيسِ: تَطَوَّعَ آخِرُ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ. الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا عَنْ قَصْدِهِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: تُخَفَّفُ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ. هَذَا. وَمِمَّا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ النَّافِلَةُ فِيهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالْكُسُوفِ وَالْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: لَا يُتَنَفَّلُ بَعْدَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَيَتَّصِلُ بِهَذَا كَرَاهَةُ الْكَلَامِ، يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّي إلَّا بِخَيْرٍ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِالْمَشْيِ فِي حَاجَتِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ إلَى الشَّمْسِ، وَقِيلَ إلَى ارْتِفَاعِهَا، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ أَبَاحَهُ قَوْمٌ وَحَظَرَهُ قَوْمٌ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا، وَالْمُرَادُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ خَيْرٌ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْخَيْرُ فِي كَلَامٍ هُوَ عِبَادَةٌ فَإِنَّ الْمُبَاحَ لَا خَيْرَ فِيهِ كَمَا لَا إثْمَ فِيهِ، وَسَنَعْقِدُ لِلرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ كَلَامًا فِي بَابَ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [بَابُ الْأَذَانِ]

بَابُ الْأَذَانِ (الْأَذَانُ سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ دُونَ مَا سِوَاهَا) لِلنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ. (وَصِفَةُ الْأَذَانِ مَعْرُوفَةٌ) وَهُوَ كَمَا أَذَّنَ الْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْأَذَانُ سُنَّةٌ) هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَا الْإِقَامَةُ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَاجِبٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ قَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِكَوْنِ الْقِتَالِ لِمَا يَلْزَمُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ اسْتِخْفَافِهِمْ بِالدِّينِ بِخَفْضِ أَعْلَامِهِ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ لِذَلِكَ لَا عَلَى نَفْسِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ وَلَا يُقَاتَلُونَ بِالسِّلَاحِ كَذَا يَنْقُلُهُ بَعْضُهُمْ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ، وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِوَجْهٍ فَإِنَّ الْمُقَاتَلَةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَعَدَمِ الْقَهْرِ لَهُمْ وَالضَّرْبُ وَالْحَبْسُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قَهْرِهِمْ، فَجَازَ أَنْ يُقَاتَلُوا إذَا امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْأَمْرِ بِالْأَذَانِ وَلَمْ يُسَلِّمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَإِذَا قُوتِلُوا فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ ضُرِبُوا وَحُبِسُوا. وَقَدْ يُقَالُ: عَدَمُ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْأَذَانِ لِذَلِكَ وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ أَهْلُ بَلْدَةٍ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ إذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُضْرَبُوا وَلَمْ يُحْبَسُوا. وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ صَلَّوْا فِي الْحَضَرِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَأَثِمُوا. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَهُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْإِثْمِ لِتَرْكِهِمَا مَعًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَتْرُكَهُمَا مَعًا، لَكِنْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْأَذَانُ لِظُهُورِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلِيلِهِ (قَوْلُهُ دُونَ مَا سِوَاهَا) فَلَا يُؤَذَّنُ لِلْعِيدِ وَالْكُسُوفِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِيدَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي بِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» . وَالْوِتْرُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَكِنْ أَذَانُ الْعِشَاءِ إعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتِهِ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُهَا، وَلَوْلَا مَا رَوَيْنَا فِي الْعِيدِ لَأَذَّنَّا لَهُ عَلَى رِوَايَةِ الْوُجُوبِ. أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ السُّنَّةِ فَلَا لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَبَعٌ لِلْفَرَائِضِ بِاعْتِبَارِ التَّكْمِيلِ فَلَا يُخَصُّ بِأَذَانٍ، وَفِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ حَدِيثُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ فِي الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ كَمَا أَذَّنَ الْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ «قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ رَجُلًا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ نَزَلَ عَلَى جَذْمِ حَائِطٍ مِنْ الْمَدِينَةِ فَأَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ جَلَسَ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَذَانِنَا الْيَوْمَ قَالَ: عَلِّمْهَا بِلَالًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَرَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي» وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ فَإِنَّهُ وُلِدَ لِسِتٍّ بَقَيْنَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَكُونُ سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمُعَاذٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعَ عَشَرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ أَوْ ثَمَانِي عَشَرَةَ وَهَذَا عِنْدَنَا حُجَّةٌ بَعْدَ ثِقَةِ الرُّوَاةِ. وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ ثَعْلَبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْن الْخَزْرَجِ

(وَلَا تَرْجِيعَ فِيهِ) وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ فَيَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ مَا خَفَضَ بِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ ذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالتَّرْجِيعِ» . وَلَنَا أَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِي الْمَشَاهِيرِ وَكَانَ مَا رَوَاهُ تَعْلِيمًا فَظَنَّهُ تَرْجِيعًا. (وَيَزِيدُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَلَاحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ لَيْسَ فِي نَسَبِهِ ثَعْلَبَةُ بَلْ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ. وَلِأَبِي دَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَسَاقَهُ بِلَا تَرْجِيعٍ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَسَاقَ الْإِقَامَةَ وَأَفْرَدَهَا وَثَنَّى لَفْظَةَ الْإِقَامَةِ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ «فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَجَعَلَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُولُ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ الْأَذَانِ أَصَحُّ مِنْ هَذَا إلَى أَنْ قَالَ: وَخَبَرُ ابْنِ إِسْحَاقَ هَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا دَلَّسَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ، وَمَا أَسْنَدَهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّا أَفَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ، فَذَهَبَ يَرْكَبُهَا فَاسْتَصْعَبَتْ، فَقَالَ لَهَا: اُسْكُنِي فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك عَبْدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدٍ فَسَاقَهُ، فَأَفَادَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْإِسْرَاءِ أَذَّنَ مَلَكٌ فَهُوَ خَبَرٌ غَرِيبٌ وَمُعَارِضٌ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَنَّ بَدْءَ الْأَذَانِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ وَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ يُنَادِي لَهَا أَحَدٌ. فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَنْصِبُ رَايَةً. . . الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ) عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ» . . . الْحَدِيثُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا، وَالتَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ مَرَّتَانِ، وَبِهِ يَسْتَدِلُّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِي الْمَشَاهِيرِ) فِيهِ أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ. وَمِنْهَا مَا فِي

«لِأَنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ حِينَ وَجَدَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاقِدًا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً» ، الْحَدِيثُ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِسَنَدٍ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةَ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبِي: سَعِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ثِقَةٌ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُدَّ بِهَا صَوْتَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «ارْجِعْ فَمُدَّ بِهَا صَوْتَكَ» قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنَّفِ: وَكَانَ مَا رَوَاهُ تَعْلِيمًا أَيْ تَعْلِيمًا لِكَيْفِيَّةِ أَذَانِهِ فَظَنَّهُ تَرْجِيعًا، وَاسْتَشْكَلَ بِمَا فِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ «أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَر، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَك، ثُمَّ تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ» فَالْأُولَى إثْبَاتُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ رِوَايَتَيْ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي التَّرْجِيعِ فَهَذِهِ تُفِيدُهُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ «أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ» وَلَمْ يَذْكُرْ تَرْجِيعًا، فَيُعَارِضُهَا فَيَتَسَاقَطَانِ، وَيَبْقَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ سَالِمًا مِنْ الْمُعَارِضِ، وَيُعَارِضُهَا مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَتَرَجَّحُ عَدَمُ التَّرْجِيعِ لِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَذَانِ وَلَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ فَيَبْقَى مَعَهُ إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ، لَكِنَّ خِلَافَهُ مُتَعَارِضٌ فَلَا يَرْفَعُ حُكْمًا تَحَقَّقَ ثُبُوتُهُ بِلَا مُعَارِضٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بِلَالًا قَالَ إلَخْ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ «بِلَالٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَذِّنُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَقِيلَ هُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ فِي تَأْذِينِ الْفَجْرِ» . وَابْنُ الْمُسَيِّبِ لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا بَعْدَ عَدَالَةِ الرُّوَاةِ وَثِقَتِهِمْ، عَلَى أَنَّهُ رَوَى فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَإِذَا كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قُلْتُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ خُصُوصُ مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّائِغِ الْمَكِّيُّ

اجْعَلْهُ فِي أَذَانِكَ» وَخُصَّ الْفَجْرُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ. (وَالْإِقَامَةُ مِثْلُ الْأَذَانِ إلَّا أَنَّهُ يَزِيدُ فِيهَا بَعْدَ الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) هَكَذَا فَعَلَ الْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ثُمَّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ إنَّهَا فُرَادَى فُرَادَى إلَّا قَوْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ «عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْذِنُهُ بِالصُّبْحِ فَوَجَدَهُ رَاقِدًا فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَالُ اجْعَلْهُ فِي أَذَانِكَ» (قَوْلُهُ هَكَذَا فَعَلَ الْمَلَكُ إلَخْ) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أُحِيلَتْ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَسَاقَ نَصْرُ، يَعْنِي: ابْنَ الْمُهَاجِرِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَسَمَّى صَاحِبَ الرُّؤْيَا، قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى أَنْ قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَعْنِي الْمَلَكُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ، قَالَ: ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيَّة ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: زَادَ بَعْدَ مَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِسَنَدٍ قَالَ فِي الْإِمَامِ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا قَامَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ فَأَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى» وَلِابْنِ مَاجَهْ قَالَ: يَعْنِي أَبَا مَحْذُورَةَ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ» الْحَدِيثُ وَفِيهِ التَّرْجِيعُ «وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ» إلَخْ وَفِيهِ تَثْنِيَةُ التَّشَهُّدَيْنِ وَالْحَيْعَلَتَيْنِ " وَقَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " وَلِلتِّرْمِذِيِّ «عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً» (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ إلَخْ) اسْتَدَلَّ هُوَ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِثْنَاءَ فَأَخَذَ بِهَا مَالِكٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ: نَصٌّ عَلَى الْعَدَدِ وَعَلَى حِكَايَةِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فَانْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ أُمِرَ أَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ فَإِنَّ بَعْدَ كَوْنِ الْآمِرِ هُوَ الشَّارِعُ فَالْإِقَامَةُ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الذِّكْرِ وَتَعْلِيقُ الْإِيتَارِ بِهَا نَفْسِهَا لَا يُرَادُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْإِقَامَةَ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ الذِّكْرِ مَرَّةً لَا مَرَّتَيْنِ فَلَزِمَ كَوْنُهُ إمَّا إيتَارَ أَلْفَاظِهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ، أَوْ إيتَارَ صَوْتِهَا بِأَنْ يَحْدُرَ فِيهَا كَمَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الثَّانِي لِيُوَافِقَ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ الْغَيْرِ الْمُحْتَمِلِ. كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: تَوَاتَرَتْ الْآثَارُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ حَتَّى مَاتَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مِثْلَ الْأَذَانِ حَتَّى كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ فَجَعَلُوهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً لِلسُّرْعَةِ إذَا خَرَجُوا: يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ كَمَا قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى فَلَمَّا قَامَ بَنُو أُمَيَّةَ أَفْرَدُوا الْإِقَامَةَ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوَارُثِ الْحَدْرِ فِي الْإِقَامَةِ كَانَ لِثُبُوتِ السُّنِّيَّةِ، لَكِنَّ الْمُصَنَّفَ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِبِلَالٍ: إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِكَ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ مِنْ بَيْنِ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ

قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. (وَيَتَرَسَّلُ فِي الْأَذَانِ وَيَحْدُرُ فِي الْإِقَامَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبِلَالٍ «إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ» وَهَذَا بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ (وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ) لِأَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ أَذَّنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ (وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً) لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ بِهِ (وَإِنْ اسْتَدَارَ فِي صَوْمَعَتِهِ فَحَسَنٌ) مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ تَحْوِيلَ الْوَجْهِ يَمِينًا وَشِمَالًا (مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ) مَكَانَهُمَا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ بِأَنْ كَانَتْ الصَّوْمَعَةُ مُتَّسَعَةً، فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا. (وَالْأَفْضَلُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ وَالْمُعْتَصِرُ إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَلَا تَقُولُوا حَتَّى تَرَوْنِي» وَقَدْ ضُعِّفَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُرَتِّلُ الْأَذَانَ وَيَحْدُرُ الْإِقَامَةَ. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ (قَوْلُهُ وَيَتَرَسَّلُ فِي الْأَذَانِ) هُوَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ مِنْ كَلِمَاتِهِ بِسَكْتَةٍ، وَالْحَدْرُ أَنْ لَا يَفْصِلَ، وَلَوْ تَرَسَّلَ فِيهَا قِيلَ يُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةَ. وَقِيلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ، وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُتَوَارَثَ التَّرَسُّلُ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: أَذَّنَ وَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ فَظَنَّهَا أَذَانًا فَصَنَعَ كَالْأَذَانِ فَعَرَفَ يَسْتَقْبِلُ الْإِقَامَةَ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِقَامَةِ الْحَدْرُ. فَإِذَا تَرَسَّلَ تَرَكَ سُنَّةَ الْإِقَامَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَذَّنَ مَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ بِهِ) وَيَقَعُ لِمَنْ خَلْفَهُ إعْلَامٌ بِذَلِكَ الِالْتِفَاتِ مَعَ ثَبَاتِ الْقَدَمَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ الْمَكْرُوهِ بِاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ اللَّازِمِ مِنْ مُوَاجَهَتِهِمْ، ثُمَّ قِيلَ يَلْتَفِتُ يَمْنَةً لِلصَّلَاةِ وَيَسْرَةً لِلْفَلَاحِ، وَقِيلَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِي أَوْجَهُ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ الصَّوْمَعَةُ) اتِّسَاعُهَا لَا يَنْفِي اسْتِطَاعَةَ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ الَّذِي يُعْطِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ اسْتِطَاعَةِ التَّبْلِيغِ مَعَ التَّحْوِيلِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي جَوْفِهَا فَيُضَعِّفُ بُلُوغَ

يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) بِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْإِعْلَامِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ (وَالتَّثْوِيبُ فِي الْفَجْرِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَسَنٌ) لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ (وَكُرِهَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) وَمَعْنَاهُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَهُوَ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفُوهُ، وَهَذَا التَّثْوِيبُ أَحْدَثَهُ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ بَعْدَ عَهْدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَخَصُّوا الْفَجْرَ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّوْتِ خُصُوصًا لِمَنْ خَلْفَهُ فَيَسْتَدْبِرُ وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ لِيُتِمَّ الْإِعْلَامَ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا) رَوَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ لَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُدْخِلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ: إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِكَ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ) أَيْ الْأَذَانُ حَسَنٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لِعَبْدِ الْقَادِرِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَعَ لَفْظَةِ الْأَمْرِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مَا تَقَدَّمَ مَعَ لَفْظِ الْأَمْرِ مَصْرُوفٌ عَنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ شُرِعَ كَيْفِيَّةً لِمَا هُوَ سُنَّةٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ السُّنِّيَّةُ وَالْأَصْلِيَّةُ أَمْرٌ زَائِدٌ ذَلِكَ عَلَيْهِ صُرِفَ عَنْهُ التَّعْلِيلُ فِي النَّصِّ بِكَوْنِهِ أَرْفَعَ لِلصَّوْتِ (قَوْلُهُ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفُوهُ) يُفِيدُ عَدَمَ تَعَيُّنِ الْحَيْعَلَةِ نَحْوُ: الصَّلَاةَ، أَوْ قَامَتْ قَامَتْ (قَوْلُهُ وَخَصُّوا الْفَجْرَ بِهِ) فَكَرِهُوهُ فِي غَيْرِهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مُؤَذِّنًا يُثَوِّبُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: قُمْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْكَارُهُ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي أَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، وَفَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ الْأَذَانِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ لِلْأَمِيرِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ، وَاسْتَبْعَدَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ النَّاسَ سَوَاسِيَةٌ فِي أَمْرِ الْجَمَاعَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ اشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَيْ لَا تَفُوتَهُمْ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَى هَذَا الْقَاضِي وَالْمُفْتِي. (وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: يَجْلِسُ فِي الْمَغْرِبِ أَيْضًا جَلْسَةً خَفِيفَةً) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ إذْ الْوَصْلُ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَقَعُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ لِوُجُودِهِمَا بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فَيَفْصِلُ بِالْجَلْسَةِ كَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ فَيَكْتَفِي بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا عَنْهُ وَالْمَكَانُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُخْتَلَفٌ، وَكَذَا النَّغْمَةُ فَيَقَعُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُطْبَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَفْصِلُ بِرَكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْرَ قِرَاءَةِ عِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ يُثَوِّبُ ثُمَّ يَمْكُثُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُقِيمُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ خَصَّهُمْ) أَخَّرَ ذِكْرَ وَجْهِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِفَادَةِ اخْتِيَارِهِ، وَكَذَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ اخْتِيَارُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَالْمَكَانُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُخْتَلِفٌ) يُفِيدُ كَوْنَ الْمَعْهُودِ اخْتِلَافَ مَكَانِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ شَرْعًا وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا بُدَّ، وَأَمَّا الْأَذَانُ فَعَلَى الْمِئْذَنَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالُوا لَا يُؤَذَّنُ فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ فَيَقَعُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ) فِي جَامِعَيْ قَاضِي خَانْ والتمرتاشي السَّكْتَةُ الْفَاصِلَةُ عِنْدَهُ قَدْرُ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَعَنْهُ قَدْرُ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ) وَهُوَ كَرَاهَةُ التَّأْخِيرِ، فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الرَّكْعَتَانِ مَنْدُوبًا يَسْتَلْزِمُ كَرَاهَةً كَانَ

(قَالَ يَعْقُوبُ: رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤَذِّنُ فِي الْمَغْرِبِ وَيُقِيمُ وَلَا يَجْلِسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) وَهَذَا يُفِيدُ مَا قُلْنَا، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبِيلُهَا التَّرْكَ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ قَدْرَ أَدَاءِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ، وَقَدَّمْنَا مِنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ التَّأْخِيرِ الْقَلِيلِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِهِمَا إذَا تَوَسَّطَ فِيهِمَا لِيَتَّفِقَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ قَالَ يَعْقُوبُ) هُوَ اسْمُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ) يُفِيدُ بِالِالْتِزَامِ الْعَادِي طَلَبَ أَنْ لَا يَكُونَ صَبِيًّا وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا بَلْ بَالِغًا، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُهُ عَالِمًا عَامِلًا لِأَنَّ الْعَالِمَ الْفَاسِقَ لَيْسَ مِنْ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْ الْجَاهِلِ الْفَاسِقِ عَلَى أَحَقِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا تَشْهَدُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَصَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ أَذَانِ الْفَاسِقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ عَالِمًا أَوْ غَيْرَهُ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا، لَكِنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَاقِلِ، ثُمَّ فِي النُّسَخِ وَيُؤَذِّنُ بِالْوَاوِ، وَاَلَّذِي فِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ» وَفِي إسْنَادِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى نَسَبَ إلَيْهِ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ النَّكَارَةَ فِي حَدِيثِهِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي كَوْنِهِ خِيَارًا أَنْ لَا يَأْخُذَ أَجْرًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُؤَذِّنِ وَلَا لِلْإِمَامِ. وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إمَامَ قَوْمِي، قَالَ أَنْتَ إمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِضَعِيفِهِمْ وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يُشَارِطْهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَكِنْ عَرَفُوا حَاجَتَهُ فَجَمَعُوا لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ شَيْئًا كَانَ حَسَنًا وَيَطِيبُ لَهُ، وَعَلَى هَذَا الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَهْدُوا إلَيْهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمُؤَذِّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابَ الْمُؤَذِّنِينَ انْتَهَى. فَفِي أَخْذِ الْأَجْرِ أَوْلَى، وَلْنَسُقْ بَعْضَ مَا رُوِيَ فِي الْمُؤَذِّنِينَ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ لَتَضَارَبُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ» وَلَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مُنْتَهَى أَذَانِهِ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَهُ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «وَيُجِيبُهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ» وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعِنْدَهُمَا يَشْهَدُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَزَادَ «وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ» وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِثْلُ هَذِهِ، وَلَهُ فِي الْأَوْسَطِ «يَدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَوْقَ رَأْسِ الْمُؤَذِّنِ، وَإِنَّهُ لَيُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ أَيْنَ بَلَغَ» وَلَهُ فِيهِ «إنَّ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُلَبِّينَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ وَيُلَبِّي الْمُلَبِّي» وَلِمُسْلِمٍ «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ «ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ أُرَاهُ قَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «يَغْبِطُهُمْ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَرَجُلٌ يُنَادِي

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» . (وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثَةٌ لَا يَهُولُهُمْ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَلَا يَنَالُهُمْ الْحِسَابُ هُمْ عَلَى كَثِيبٍ مِنْ مِسْكٍ حَتَّى يَفْرُغَ حِسَابُ الْخَلَائِقِ: رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، أَوْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَدَاعٍ يَدْعُوا إلَى الصَّلَاةِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوَالِيهِ» وَرَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ وَلَفْظُهُ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَرَّةً وَمَرَّةً وَمَرَّةً حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ لَمَا حَدَّثْتُ بِهِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَهُولُهُمْ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَلَا يَفْزَعُونَ حِينَ يَفْزَعُ النَّاسُ: رَجُلٌ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فَقَامَ بِهِ يَطْلُبُ وَجْهَ اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ، وَرَجُلٌ يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ يَطْلُبُ وَجْهَ اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ، وَمَمْلُوكٌ لَمْ يَمْنَعْهُ رِقُّ الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ» وَيَدْخُلُ فِي الْخِيَارِ أَيْضًا مَنْ لَا يُلَحِّنُ الْأَذَانَ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ مَطْلُوبٌ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، وَقَيَّدَهُ الْحَلْوَانِيُّ بِمَا هُوَ ذَكَرَهُ فَلَا بَأْسَ بِإِدْخَالِ الْمَدِّ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّلْحِينَ هُوَ إخْرَاجُ الْحَرْفِ عَمَّا يَجُوزُ لَهُ فِي الْأَدَاءِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ فَمَنَعَهُ، فَقِيلَ لَهُ لِمَ؟ قَالَ مَا اسْمُك؟ قَالَ مُحَمَّدٌ، قَالَ لَهُ: أَيُعْجِبُك أَنْ يُقَالَ لَك يَا مُوحَامَدُ، قَالُوا: وَإِذَا كَانَ لَمْ يَحِلَّ فِي الْأَذَانِ فَفِي الْقِرَاءَةِ أَوْلَى وَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ سَمَاعُهَا أَيْضًا. وَيُكْرَهُ التَّنَحْنُحُ عِنْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّاسَ، فَإِنْ عَلِمَ بِضَعِيفٍ مُسْتَعْجِلٍ أَقَامَ لَهُ. وَلَا يَنْتَظِرُ رَئِيسَ الْمَحَلَّةِ وَيُقِيمُ فِي مَكَانِهِ. فَإِنْ مَشَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ جَازَ إذَا كَانَ إمَامًا، وَقِيلَ مُطْلَقًا. وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ قَاعِدًا إلَّا إذَا أَذَّنَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ لَا الْإِعْلَامُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا رَاكِبًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا لِلْمُسَافِرِ وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ، وَأَنْ لَا يَلْزَمَ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّرُوعِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ فَإِنْ تَكَلَّمَ اسْتَأْنَفَهُ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: إذَا سُلِّمَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَوْ عَطَسَ فَحَمِدَ أَوْ سُلِّمَ عَلَى مُصَلٍّ أَوْ قَارِئِ أَوْ خَطِيبٍ فَفَرَغُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُمْ الرَّدُّ بَلْ يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَرُدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فِي نَفْسِهِ وَصَحَّحُوهُ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُتَغَوِّطَ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَهُ لِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، بِخِلَافِ مَنْ فِي الْحَمَّامِ إذَا كَانَ بِمِئْزَرٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَرُدُّ الْمُصَلِّي بَعْدَ الْفَرَاغِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذَا إذَا سُلِّمَ عَلَى الْمُتَغَوِّطِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إذَا سُلِّمَ عَلَى الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ اهـ. وَمِثْلُهُ ذُكِرَ فِي سَلَامِ الْمُكْدِي. هَذَا وَالسَّامِعُ لِلْآذَانِ يُجِيبُ فَيَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَيُحَوْقِلُ، وَعِنْدَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ صَدَقْت وَبَرَرْت، أَمَّا الْإِجَابَةُ فَظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ وَالْفَتَاوَى وَالتُّحْفَةِ وُجُوبُهَا. وَقَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ الْإِجَابَةُ بِالْقَدَمِ فَلَوْ أَجَابَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَمْشِ لَا يَكُونُ مُجِيبًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ بِاللِّسَانِ. حَاصِلُهُ: نَفْيُ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِاللِّسَانِ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ وَأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ قَالُوا إنْ قَالَ نَالَ الثَّوَابَ الْمَوْعُودَ وَإِلَّا لَمْ يَنَلْ، أَمَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ أَوْ يُكْرَهُ فَلَا. وَفِي التَّجْنِيسِ لَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ عِنْدَ الْأَذَانِ بِالْإِجْمَاعِ اسْتِدْلَالًا بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي كَرَاهِيَتِهِ عِنْدَ أَذَانِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُ يُلْحِقُ هَذِهِ الْحَالَةَ بِحَالَةِ الْخُطْبَةِ، وَكَانَ هَذَا اتِّفَاقًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِيمَا قَرَءُوا عَلَيْهِ اهـ. لَكِنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» الْوُجُوبُ، إذْ لَا تَظْهَرُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْهُ، بَلْ رُبَّمَا يَظْهَرُ اسْتِنْكَارُ تَرْكِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ وَالتَّشَاغُلَ عَنْهُ. وَفِي التُّحْفَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ حَالَ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ: تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعٌ مِنْ الْجَفَاءِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا: وَمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَلَمْ يُجِبْ» اهـ. وَهُوَ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي إجَابَةِ اللِّسَانِ، إذْ يَجُوزُ كَوْنُ الْمُرَادِ الْإِجَابَةَ بِالْإِتْيَانِ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَكَانَ جَوَابُ الْإِقَامَةِ وَاجِبًا، وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ عَنْهُمْ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ أَيْضًا. وَفِي التَّفَارِيقِ إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَالْحُرْمَةُ لِلْأَوَّلِ. وَسُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَمَّنْ سَمِعَ فِي وَقْتٍ مِنْ جِهَاتٍ مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: إجَابَةُ أَذَانِ مَسْجِدِهِ بِالْفِعْلِ، وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذْ مَقْصُودُ السَّائِلِ أَيُّ مُؤَذِّنٍ يُجِيبُ بِاللِّسَانِ اسْتِحْبَابًا أَوْ وُجُوبًا، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي إجَابَةُ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِهِ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ يَسْمَعُ الْأَذَانَ نُدِبَ لَهُ الْإِجَابَةُ أَوْ وَجَبَتْ فَإِذَا فَرَضَ أَنَّ مَسْمُوعَهُ مِنْ غَيْرِ مَسْجِدِهِ تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ السَّبَبُ فَيَصِيرُ كَتَعَدُّدِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ سَمِعَهُمْ مَعًا أَجَابَ مُعْتَبِرًا كَوْنَ جَوَابِهِ لِمُؤَذِّنِ مَسْجِدِهِ حَتَّى لَوْ سَبَقَ مُؤَذِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ سُبِقَ تَقَيَّدَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا الِاعْتِبَارَ جَازَ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُخَالَفَةُ الْأَوْلَى. وَفِي الْعُيُونِ: قَارِئٌ سَمِعَ النِّدَاءَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَسْمَعَ. الرُّسْتُغْفَنِيُّ يَمْضِي فِي قِرَاءَتِهِ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَذَانُ مَسْجِدِهِ. وَأَمَّا الْحَوْقَلَةُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ فَهُوَ وَإِنْ خَالَفَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» لَكِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مُفَسَّرٌ كَذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَحَمَلُوا ذَلِكَ الْعَامَّ عَلَى مَا سِوَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةٍ لِأَنَّ عِنْدَنَا الْمُخَصَّصُ الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا لَا يُخَصَّصُ، بَلْ يُعَارَضُ فَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ أَوْ يُقَدَّمُ الْعَامُّ، وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْعَامُّ فِي مَوَاضِعَ لِاقْتِضَاءِ حُكْمِ الْمُعَارَضَةِ ذَاكَ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ التَّخْصِيصُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بِأَنْ تَحَقَّقَ مُعَارِضًا لِلْعَامِّ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ: بِأَنْ يُوجِبَ نَفْيَ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالْعَامِّ عَنْهَا فَيُخْرِجُهَا عَنْهُ، وَهُنَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وَعْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ أَجَابَ كَذَلِكَ، وَقَالَ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ الْحَوْقَلَةَ ثُمَّ هَلَّلَ فِي الْآخِرِ مِنْ قَلْبِهِ: بِدُخُولِ الْجَنَّةِ نَفَى أَنْ يُحِيلَ الْمُجِيبَ مُطْلَقًا لِيَكُونَ مُجِيبًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَتَعْلِيلُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ إعَادَةَ الْمَدْعُوِّ دُعَاءَ الدَّاعِي يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ كَمَا يُفْهَمُ فِي الشَّاهِدِ، بِخِلَافِ مَا سِوَى الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ ذِكْرٌ يُثَابُ عَلَيْهِ مَنْ قَالَهُ لَا يُتِمُّ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْمُجِيبِ بِهِمَا دَاعِيًا لِنَفْسِهِ مُحَرِّكًا مِنْهَا السَّوَاكِنَ مُخَاطِبًا لَهَا، فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ طَلَبُهَا صَرِيحًا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَائِذٍ بْنِ سَلِيمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَادَى الْمُنَادِي لِلصَّلَاةِ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ، فَمَنْ نَزَلَ بِهِ شِدَّةٌ أَوْ كَرْبٌ فَلْيَتَحَيَّنْ الْمُنَادِيَ

«لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَبَّرَ كَبَّرَ، وَإِذَا تَشَهَّدَ تَشَهَّدَ، وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْحَقِّ الْمُسْتَجَابَةِ الْمُسْتَجَابِ لَهَا، دَعْوَةِ الْحَقِّ وَكَلِمَةِ التَّقْوَى، أَحْيِنَا عَلَيْهَا وَأَمِتْنَا عَلَيْهَا وَابْعَثْنَا عَلَيْهَا وَاجْعَلْنَا مِنْ خِيَارِ أَهْلِهَا مَحْيَانَا وَمَمَاتَنَا، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَتَهُ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى فَسَاقَهُ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ خَارِجَةَ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي يَعْلَى وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ بِضَعْفِ أَبِي عَائِذٍ عُفَيْرٍ، فَقَدْ يُقَالُ هُوَ حَسَنٌ، وَلَوْ ضَعُفَ فَالْمَقَامُ يَكْفِي فِيهِ مِثْلُهُ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ عُمُومَ الْأَوَّلِ مُعْتَبَرٌ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ مَنْ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَدْعُو نَفْسَهُ ثُمَّ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ لِيَعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - التَّنْصِيصُ عَلَى أَنْ لَا يَسْبِقَ الْمُؤَذِّنَ بَلْ يُعَقِّبَ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْهُ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ وَلِيُتِمَّ هَذَا بِالدُّعَاءِ عَقِيبَ الْإِجَابَةِ. عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ «إنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي: اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْقَائِمَةِ وَالصَّلَاةِ النَّافِعَةِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْضَ عَنِّي رِضًا لَا سَخَطَ بَعْدَهُ، اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ دَعْوَتَهُ» وَلَهُ فِي الْكَبِيرِ «وَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَبَلِّغْهُ دَرَجَةَ الْوَسِيلَةِ عِنْدَكَ وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» . وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ وَالْقَصْدُ الْحَثُّ عَلَى الْخَيْرِ، رَزَقَنَا اللَّهُ تَقْوَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) فِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ «ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» وَفِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حِينَ نَامُوا عَنْ الصُّبْحِ وَصَلَّوْهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ (فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ) لَمَا رَوَيْنَا (وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي، إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ) لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ (وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقِيمُ لِمَا بَعْدَهَا وَلَا يُؤَذِّنُ، قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا. (وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طُهْرٍ، فَإِنْ أَذَّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَيْسَ بِصَلَاةٍ فَكَانَ الْوُضُوءُ فِيهِ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَذِي مُخَمَّرٍ الْحَبَشِيِّ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، وَذَكَرَ فِيهِ الْأَذَانَ، وَمَرَاسِيلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مَرْفُوعَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَا فِي مُسْلِمٍ فِي الْقِصَّةِ «وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ» لَا يُنَافِي أَنَّهُ أَذَّنَ فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ. وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِإِسْنَادِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ شَغَلَهُمْ الْكُفَّارُ: قَضَاهُنَّ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ: يَعْنِي الْأَرْبَعَ صَلَوَاتٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ) فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَفِي الْآخَرِ لَا، وَلَا. ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنْ يُؤَذِّنَ لِكُلِّ فَرْضٍ أَدَّى أَوْ قَضَى إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ أَدَاءَهُ بِهِمَا مَكْرُوهٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَإِلَّا مَا تُؤَدِّيهِ النِّسَاءُ أَوْ تَقْضِيهِ بِجَمَاعَتِهِنَّ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ، لِأَنَّ تَرْكَهُمَا لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةُ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالُ الْإِفْرَادِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) هُوَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ. وَجْهُهُ أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُؤَذَّنُ وَيُقَامُ لِلْأُولَى وَيُقَامُ لِلْبَاقِيَةِ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ. وَلَهُمَا مَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ بِسَنَدِهِ، وَكَذَا مَنْ قَدَّمْنَا مَعَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ شَغَلَهُمْ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ عَنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَضَاهُنَّ عَلَى الْوَلَاءِ، وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ» ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ يُقِيمُهَا الْمُخَاطَبُ بِالْإِقَامَةِ بِالْجَمَاعَةِ فَيُقِيمُهَا كَالْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ النِّسَاءِ، وَصَلَاةُ عَرَفَةَ لَوْ كَانَ عَلَى الْقِيَاسِ لَمْ يُعَارِضْ النَّصَّ فَكَيْفَ وَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؟ قَالَ الرَّازِيّ: يَجُوزُ كَوْنُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلَهُمْ جَمِيعًا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ

(وَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ أَيْضًا لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَهُوَ جُنُبٌ) رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ فَتَشْتَرِطُ الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَا يُعِيدُ وَالْجُنُبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ (وَلَوْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِخِفَّةِ الْحَدَثِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي الْإِعَادَةِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ دُونَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ دُونَ الْإِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ: يَعْنِي الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ بِدُونِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُؤَذِّنُ) مَعْنَاهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا خِلَافَ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا خِلَافَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ) أَيْ مَا بَيْنَ الْأَذَانِ جُنُبًا وَمُحْدِثًا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ وَهِيَ رِوَايَةُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ) وَجْهُهُ تَعَلُّقُ أَجْزَائِهِمَا بِالْوَقْتِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا كَذَا قِيلَ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ إذَا لَمْ يُسْتَقْبَلْ بِهِ كَمَا يُعَادُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَطْلُوبٌ فِيهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّةُ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) ذَكَرَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا لَيْسَ فِي الْقُدُورِيِّ مِنْ الْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِعَادَةَ كَأَذَانِ الْقَاعِدِ وَالرَّاكِبِ فِي الْمِصْرِ يُكْرَهُ وَلَا إعَادَةَ، وَلْيُبْنَ عَلَيْهِ الْمُخْتَارُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْإِعَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَخْ) فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَذَانُ جَمَاعَةٍ وَيُعَادُ أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَرْأَةِ

لِيَقَعَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ (وَلَا يُؤَذِّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ وَقَبْلَ الْوَقْتِ تَجْهِيلٌ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجُوزُ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ) لِتَوَارُثِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ. وَالْحُجَّةُ عَلَى الْكُلِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ هَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجُنُبِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى أَذَانِ هَؤُلَاءِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ، فَرُبَّمَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ أَوْ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْمُؤَدَّى أَوْ إيقَاعِهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ، وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ فِي الْجُنُبِ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِسْقُهُ، وَصَرَّحَ بِكَرَاهَةِ أَذَانِ الْفَاسِقِ وَلَا يُعَادُ فَالْإِعَادَةُ فِيهِ لِيَقَعَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: خَمْسُ خِصَالٍ إذَا وُجِدَتْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ: إذَا غُشِّيَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ مَاتَ، أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ، أَوْ حَصِرَ فِيهِ وَلَا مُلَقِّنَ، أَوْ خَرِسَ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: مَعْنَاهُ فَإِنْ حُمِلَ الْوُجُوبُ عَلَى ظَاهِرِهِ اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ نَفْسِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَاسْتِقْبَالُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ إتْمَامِهِ. وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ: إذَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ قَطَعَ تَبَادَرَ إلَى ظَنِّ السَّامِعِينَ أَنَّ قَطْعَهُ لِلْخَطَإِ فَيَنْتَظِرُونَ الْأَذَانَ الْحَقَّ، وَقَدْ تَفُوتُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ فَوَجَبَ إزَالَةُ مَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَذَانٌ أَصْلًا حَيْثُ لَا يَنْتَظِرُونَ بَلْ يُرَاقِبُ كُلٌّ مِنْهُمْ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ مُرَاقِبًا إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِيمَنْ ذَكَرْنَاهُمْ آنِفًا إلَّا الْجُنُبَ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِيهِمْ: إنْ عَلِمَ النَّاسُ حَالَهُمْ وَجَبَتْ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّتْ لِيَقَعَ فِعْلُ الْأَذَانِ مُعْتَبَرًا وَعَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَمْ يَبْعُدْ، وَعَكْسُهُ فِي الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَذَانُ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَإِذَا قَدَّمَ بَعْضَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ عَلَى بَعْضٍ كَشَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا) وَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَيُعَادُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا فِي الْفَجْرِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَذَانِ الصُّبْحِ. لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» (قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَى الْكُلِّ إلَخْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ شَدَّادٍ مَوْلَى عِيَاضِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ هَكَذَا، وَمَدَّ يَدَهُ عَرْضًا» وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، وَأَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ شَدَّادًا لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ شَدَّادًا مَجْهُولٌ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْهُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» قَالَ فِي الْإِمَامِ: رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ. وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَمَدَّ يَدَهُ عَرْضًا» . (وَالْمُسَافِرُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: اسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا وَسْنَانُ فَظَنَنْتُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالُوا لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَعِدْ أَذَانَك وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَادَةَ الْفَاشِيَةَ عِنْدَهُمْ إنْكَارُ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَثَبَتَ أَنَّ أَذَانَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ قَدْ وَقَعَ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَضِبَ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالنِّدَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَنَهَاهُ عَنْ مِثْلِهِ، فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رَوَوْهُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ: يَعْنِي لَا تَعْتَمِدُوا عَلَى أَذَانِهِ فَإِنَّهُ يُخْطِئُ فَيُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى الِاحْتِرَاسِ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَانِ التَّسْحِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِمَامِ فَلِذَا قَالَ «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا» أَوْ التَّذْكِيرُ الَّذِي يُسَمَّى فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالتَّسْبِيحِ لِيُوقِظَ النَّائِمَ وَيُرَجِّعَ الْقَائِمُ، كَمَا قِيلَ: إنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا حِزْبَيْنِ: حِزْبًا يَجْتَهِدُونَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ، وَحِزْبًا فِي الْأَخِيرِ، وَكَانَ الْفَاصِلُ عِنْدَهُمْ أَذَانُ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ وَيَرْقُدَ قَائِمُكُمْ» وَقَدْ رَوَى أَبُو الشَّيْخِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: مَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ (قَوْلُهُ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ) الصَّوَابُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ فِي الصَّرْفِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ وَالْمَحْبُوبِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ «مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْتِقَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا: إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ «أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي» فَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ بِالصَّاحِبِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لَهُمَا وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا مُتَرَافِقَيْنِ إلَى اسْتِحْضَارِ أَحَدٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ أَيْضًا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي خُصُوصِ الْمُنْفَرِدِ أَحَادِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلْيَتَيَمَّمْ، فَإِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَانِ، وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يَرَى طَرْفَاهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْإِعْلَامِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِعْلَانِ بِهَذَا الذِّكْرِ نَشْرٌ لِذَكَرِ اللَّهِ وَدِينِهِ فِي أَرْضِهِ وَتَذْكِيرٌ لِعِبَادِهِ

[باب شروط الصلاة التي تتقدمها]

(فَإِنْ تَرَكَهُمَا جَمِيعًا يُكْرَهُ) وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ جَازَ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِاسْتِحْضَارِ الْغَائِبِينَ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ الِافْتِتَاحِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ (فَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ يُصَلِّي بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ (وَإِنْ تَرَكَهُمَا جَازَ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ لَا يُرَى شَخْصُهُمْ فِي الْفَلَوَاتِ مِنْ الْعِبَادِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهُمَا يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ فَلَا يُسْقِطُ لَوَازِمَهَا الشَّرْعِيَّةَ: أَعْنِي دُعَاءَهُمْ، فَالتَّرْكُ لِلْكُلِّ حِينَئِذٍ تَرْكٌ لِلْجَمَاعَةِ صُورَةً وَتَشَبُّهًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، أَوْ تَرْكٌ لِمَجْمُوعِ لَوَازِمِهَا إنْ كَانَتْ بِجَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، بِخِلَافِ تَارِكِهِمَا فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ أَذَانَ الْمَحَلَّةِ وَإِقَامَتَهَا كَأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ، لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ نَائِبُ أَهْلِ الْمِصْرِ كُلِّهِمْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ حِينَ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حَيْثُ قَالَ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا، وَمِمَّنْ رَوَاهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ جَازَ) لِمَا ثَبَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ سُقُوطِ الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ كَمَا بَعْدَ أُولَى الْفَوَائِتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ وَثَانِيَةِ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ، صَرَّحَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي الْحَوَاشِي بِأَنَّ الْإِقَامَةَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ نَقْلًا مِنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَهُمَا جَازَ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِ الْمُسَافِرِ لَهُمَا. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. [فَرْعٌ] الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهَا، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْلَا الْخَلِيفِيُّ لَأَذَّنْتُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا، بَلْ مُرَادُهُ لَأَذَّنْتُ مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَخْبَارِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَسْئُولُ فِي إتْمَامِ السُّؤَالِ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا] (بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا) هَذَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ كَالْحَيَاةِ لِلْأَلَمِ وَالْجَعْلِيِّ كَدُخُولِ الدَّارِ لِلطَّلَاقِ، وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ

بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا (يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] (وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يَتَقَدَّمُهَا كَالْقَعْدَةِ شَرْطِ الْخُرُوجِ، وَتَرْتِيبُ مَا لَمْ يُشْرَعْ مُكَرَّرًا شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ. وَيُرَدُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ عَقْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يَخْرُجُ قَيْدُ التَّقَدُّمِ الْعَقْلِيِّ وَالْجَعْلِيِّ لِلْقَطْعِ بِتَقَدُّمِ الْحَيَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ عَلَى الْأَلَمِ مَثَلًا وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ. لَا يُقَالُ: بَلْ الْجَعْلِيُّ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ إذْ الشَّرْطُ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْعَكْسِ، فَالشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ لَهُ فِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ شَرْطٌ لُغَةً لِأَنَّا نَمْنَعُهُ، بَلْ السَّبَبُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ الْجَعْلِيِّ فَصَدَقَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا تَقْيِيدٌ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا مُطْلَقِ الشُّرُوطِ، وَلَيْسَ لِلصَّلَاةِ شَرْطٌ جَعْلِيٌّ، وَيَبْعُدُ الِاحْتِرَازُ عَنْ شَرْطِهَا الْعَقْلِيِّ مِنْ الْحَيَاةِ وَنَحْوِهِ إذْ الْكِتَابُ مَوْضُوعٌ لِبَيَانِ الْعَمَلِيَّاتِ فَلَا يَخْطُرُ غَيْرَهَا. وَشَرْطُ الْخُرُوجِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَيْسَا شَرْطَيْنِ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الْخُرُوجُ وَالْبَقَاءُ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: شَرْطُ الصَّلَاةِ نَوْعًا مِنْ التَّجَوُّزِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ) فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَبَابِ الْأَنْجَاسِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] نَزَلَتْ فِي الطَّوَافِ تَحْرِيمًا لِطَوَافِ الْعُرْيَانِ، وَالْعِبْرَةُ وَإِنْ كَانَتْ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي السَّبَبِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِهِ قَطْعًا، ثُمَّ فِي غَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَالثَّابِتُ عِنْدَنَا فِي السِّتْرِ فِي الطَّوَافِ الْوُجُوبُ، حَتَّى لَوْ طَافَ عُرْيَانًا أَثِمَ وَحُكِمَ بِسُقُوطِهِ، وَفِي الصَّلَاةِ الِافْتِرَاضُ حَتَّى لَا تَصِحُّ دُونَهُ، وَمَا قِيلَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ بِسُقُوطِ الِافْتِرَاضِ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مُنْتَفٍ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الِافْتِرَاضِ فِيهَا فَمَمْنُوعٌ ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ سَلَّمَ لَا يُدْفَعُ السُّؤَالُ وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ تَنَاوَلَ السَّبَبَ عَلَى وَجْهٍ دُونَهُ فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فَمُوجِبُهُ الِافْتِرَاضُ لَيْسَ غَيْرُ. وَإِنْ كَانَ ظَنِّيَّهَا

أَيْ مَا يُوَارِي عَوْرَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ لِبَالِغَةٍ (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ» وَيُرْوَى «مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى تُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ» وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ) خِلَافًا لَهُ أَيْضًا، وَكَلِمَةُ إلَى تَحْمِلُهَا عَلَى كَلِمَةِ مَعَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى أَوْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْوُجُوبُ لَيْسَ غَيْرُ، وَهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِكْفَارِ بِالْجَحْدِ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ الْوُجُوبِ وَنَقِيضُهُ فِي مَفْهُومِ الْفَرْضِ، أَوْ هُمَا فَرْدَا مَفْهُومٍ وَاحِدٍ هُوَ مَفْهُومُهُ وَهُوَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْقُوَّةِ أَوَّلًا، وَالْمُشَكِّكُ الْأَعَمُّ لَا يَعْرِفُ اسْتِعْمَالَهُ فِي فَرْدَيْنِ مِنْ مَفْهُومِهِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَدْفَعُ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَكَوْنُهُ بِحَيْثُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ مُقْتَضَاهُ إنَّمَا هُوَ أَثَرُ قُوَّةِ ثُبُوتِهِ قَطْعًا عَنْ اللَّهِ وَقَطْعِيَّةُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَفْهُومِهِ لَا مِنْ نَفْسِ مَفْهُومِهِ، فَتَأَمَّلْ هَذَا يَظْهَرْ لَك عِنْدَهُ أَنَّ نَفْسَ حَقِيقَةِ الْوُجُوبِ وَالْفَرْضِ لَيْسَ تَمَامُهُمَا مَفْهُومَ لَفْظِ الْأَمْرِ بَلْ جُزْأَهُمَا وَهُوَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ وَالْجُزْءُ الْآخَرُ: أَعْنِي كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ أَوْ لِأَثَرِ كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَدَلَالَتِهِ. وَصَحَّ إضَافَةُ تَمَامِهَا إلَى الْأَمْرِ بِأَنْ يُقَالَ: يُفِيدُ الْوُجُوبُ الِافْتِرَاضَ إذْ لَا شَكَّ فِي اسْتِفَادَةِ ثُبُوتِ تَمَامِ الْحَقِيقَةِ مَعَهُ وَبِسَبَبِهِ، لَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا بِتَمَامِهَا مَدْلُولُ لَفْظِهِ فَتَأَمَّلْ، وَحِينَئِذٍ فَالْإِلْزَامُ الَّذِي يَتِمُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَحَاصِلُهُ لُزُومُ افْتِرَاضِ السِّتْرِ فِي الطَّوَافِ بِالْآيَةِ وَأَنْتُمْ تَنْفُونَهُ أَوْ الْوُجُوبُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ تَفْرِضُونَهُ، وَالْحَقُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ ظَنِّيَّةُ الدَّلَالَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَمُقْتَضَاهَا الْوُجُوبُ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ وَمِنْ حَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» قَطْعِيَّةُ الدَّلَالَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَيَثْبُتُ الْفَرْضُ بِالْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى بَعْدَ تَسْلِيمِ قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ فِي الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ اعْتَرَفَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ نَحْوِ «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ» وَ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ» أَنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ احْتِمَالَ نَفْيِ الْكَمَالِ قَائِمٌ وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الِافْتِرَاضِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ إلَى أَنْ حَدَّثَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَخَالَفَ فِيهِ كَالْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرْفَعُهُ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ» ) رَوَى

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» . (وَبَدَنُ الْحُرَّةِ كُلِّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ «مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَمَا أَسْفَلَ مِنْ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى رُكْبَتِهِ مِنْ الْعَوْرَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ سَوَّارُ بْنُ دَاوُد لَيَّنَهُ الْعُقَيْلِيُّ لَكِنْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَعُقْبَةُ هَذَا هُوَ الْيَشْكُرِيُّ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَحَدِيثُ «حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ» لَمْ يُعْرَفْ، وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَكَلِمَةُ إلَخْ لِأَنَّ تَمَامَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِ حَدِيثِ الرُّكْبَةِ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ. وَلَهُ طَرِيقَانِ مَعْنَوِيَّانِ: وَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ وَقَدْ تَخْرُجُ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ فَحَكَمْنَا بِدُخُولِهَا احْتِيَاطًا وَإِنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَاجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَا مُمَيَّزَ، وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ وَجْهُ كَوْنِ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ الِاحْتِيَاطِ (قَوْلُهُ كُلُّهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كُلُّهُ وَهُمَا تَأْكِيدَانِ لِلْبَدَنِ، وَلَمَّا أُضِيفَ إلَى الْمُؤَنَّثِ جَازَ اكْتِسَابُهُ التَّأْنِيثَ وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْقِيَاسِيِّ فِي ذَلِكَ أَعْنِي صِحَّةَ حَذْفِ الْمُضَافِ وَنِسْبَةَ الْحُكْمِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ إلَّا كَذَا كَمَا يَصِحُّ بَدَنُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلَّا كَذَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الصَّغِيرَةُ جِدًّا لَيْسَتْ عَوْرَةً حَتَّى يُبَاحَ النَّظَرُ وَالْمَسُّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ

وَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوَيْنِ لِلِابْتِدَاءِ بِإِبْدَائِهِمَا. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ. وَيُرْوَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَإِنْ صَلَّتْ وَرُبْعُ سَاقِهَا أَوْ ثُلُثُهُ مَكْشُوفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرَّضَاعِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ فِيهِ لَفْظُ مَسْتُورَةٍ (قَوْلُهُ تَنْصِيصٌ، إلَى قَوْلِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) لَا شَكَّ أَنَّ ثُبُوتَ الْعَوْرَةِ إنْ كَانَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» مَعَ ثُبُوتِ مَخْرَجِ بَعْضِهَا وَهُوَ الِامْتِلَاءُ بِالِابْتِدَاءِ فَمُقْتَضَاهُ إخْرَاجُ الْقَدَمَيْنِ لِتَحَقُّقِ الِابْتِلَاءِ، وَإِنْ كَانَ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الْآيَةُ، فَالْقَدَمُ لَيْسَ مَوْضِعَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَادَةً، وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] يَعْنِي قَرْعَ الْخَلْخَالِ، فَأَفَادَ أَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِيهِ مُرْسَلًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْجَارِيَةَ إذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهُهَا وَيَدُهَا إلَى الْمِفْصَلِ» ثُمَّ كَمَا هُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، كَذَلِكَ هُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ بِنَاءً عَلَى دَفْعِ مَا قِيلَ إنَّ الْكَفَّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرَهُ، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ عَدَمُ دُخُولِ الظَّهْرِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْكَفُّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرَهُ أَغْنَاهُ عَنْ تَوْجِيهِ الدَّفْعِ إذْ إضَافَةُ الظَّاهِرِ إلَى مُسَمَّى الْكَفِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ، وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي خَانْ: ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَا عَوْرَتَيْنِ إلَى الرُّسْغِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرُهُ عَوْرَةٌ، وَتَنْصِيصٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّرَاعِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ انْكَشَفَ ذِرَاعُهَا جَازَتْ صَلَاتُهَا لِأَنَّهَا مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَهُوَ السِّوَارُ وَتَحْتَاجُ إلَى كَشْفِهِ لِلْخِدْمَةِ وَسَتْرُهُ أَفْضَلُ. وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَيْسَ عَوْرَةً

تُعِيدُ الصَّلَاةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا تُعِيدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُعِيدُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ) لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ إذْ هُمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ (وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ) فَاعْتَبَرَ الْخُرُوجَ عَنْ حَدِّ الْقِبْلَةِ أَوْ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي ضِدِّهِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّبْعَ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ، وَمَنْ رَأَى وَجْهَ غَيْرِهِ يُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَ إلَّا أَحَدَ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ، فَحِلُّ النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ الشُّهْرَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَوْرَةِ وَلِذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَوَجْهِ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي الشَّهْوَةِ وَلَا عَوْرَةَ. وَفِي كَوْنِ الْمُسْتَرْسِلِ مِنْ شَعْرِهَا عَوْرَةٌ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَإِلَّا جَازَ النَّظَرُ إلَى صُدْغِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَطَرَفِ نَاصِيَتِهَا وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ وَأَنْتَ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَرَيْتُك فِي الْمِثَالِ. [فَرْعٌ] صَرَّحَ فِي النَّوَازِلِ بِأَنَّ نَغْمَةَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ، وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ تَعَلُّمَهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْأَعْمَى، قَالَ: لِأَنَّ نَغْمَتَهَا عَوْرَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَسْمَعَهَا الرَّجُلُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَعَلَى هَذَا لَوْ قِيلَ إذَا جَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ كَانَ مُتَّجِهًا، وَلِذَا مَنَعَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ التَّسْبِيحِ بِالصَّوْتِ لِإِعْلَامِ الْإِمَامِ لِسَهْوِهِ إلَى التَّصْفِيقِ (قَوْلُهُ تُعِيدُ الصَّلَاةَ) يَعْنِي إذَا اسْتَمَرَّ زَمَانًا كَثِيرًا إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا وَقَدْرُ الْكَثِيرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ، وَالْقَلِيلُ دُونَهُ فَلَوْ انْكَشَفَتْ فَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ، فَالْحَاصِلُ

(وَالشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ كَذَلِكَ) يَعْنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا وَضَعَ غَسْلَهُ فِي الْجَنَابَةِ لِمَكَانِ الْحَرَجِ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَالذَّكَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُ، وَالِانْكِشَافَ الْقَلِيلَ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْضًا لَا يُفْسِدُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ لِاعْتِبَارِهِ عَدَمًا بِاسْتِقْرَاءِ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ، وَقُدِّرَ بِالرُّبْعِ لِأَنَّهُ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ رَأَى أَحَدَ جَوَانِبِ وَجْهِ إنْسَانٍ صَحَّ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ رَأَى وَجْهَهُ، وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْكَثْرَةَ يُقَابِلُهَا الْقِلَّةُ حَتَّى أَجَازَ صَلَاتَهُ مَعَ انْكِشَافِ أَقَلِّ مِنْ النِّصْفِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا اُعْتُبِرَ بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ إلَى مُقَابِلِهِ، وَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِبَارُ لَازِمًا بَلْ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26] . وَإِذَا صَحَّ الِاعْتِبَارَانِ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الثَّانِي هُنَا، وَعَلَى اعْتِبَارِهِ تَثْبُتُ الْكَثْرَةُ بِالرُّبْعِ لِمَا ذَكَرْنَا فَتُمْنَعُ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ يُفِيدُ أَنَّهُ مِمَّا حَكَى فِيهِ الرُّبْعُ حِكَايَةَ الْكُلِّ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ النَّصَّ فِيهِمَا يُفِيدُ تَعْمِيمَهَا بِالْفِعْلِ، وَاكْتَفَى بِالرُّبْعِ لِحِكَايَتِهِ إيَّاهُ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الْمُفَادُ بِالنَّصِّ هُوَ الرُّبْعُ ابْتِدَاءً فَمِنْ أَيْنَ كَوْنُ ذَلِكَ الرُّبْعِ طَلَبًا لِحِكَايَتِهِ، حَكَاهُ الْكَمَالُ. لَا يُقَالُ: لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي بَاقِي الْأَعْضَاءِ اسْتِيعَابُهَا فَالظَّاهِرُ فِي الرَّأْسِ مِثْلُهُ لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ أَوَّلًا. وَكَوْنُهُ فِي بَاقِي الْأَعْضَاءِ كَذَلِكَ مَمْنُوعٌ ثَانِيًا فَإِنَّ الْيَدَ اسْمٌ إلَى الْإِبْطِ بِاعْتِرَافِهِمْ وَلَمْ يَجِبْ اسْتِيعَابُهَا. ثُمَّ سَوَّى فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الرُّبْعِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُعْتَبَرُ فِي الْغَلِيظِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ. وَفِي الْخَفِيفَةِ الرُّبْعُ اعْتِبَارًا بِالنَّجَاسَةِ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ، وَغَلِطَ بِأَنَّهُ تَغْلِيظٌ يُؤَدِّي إلَى التَّخْفِيفِ أَوْ الْإِسْقَاطِ، لِأَنَّ مِنْ الْغَلِيظَةِ مَا لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ كَشْفَ جَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا لَا يَمْنَعُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ قِيلَ إنَّ الْغَلِيظَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ مَعَ مَا حَوْلَهُمَا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ. (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ مَا فَوْقَ الرَّأْسِ (قَوْلُهُ لِمَكَانِ الْحَرَجِ) أَيْ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ لَيْسَ مِمَّا

يُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهِ وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ دُونَ الضَّمِّ. (وَمَا كَانَ عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْأَمَةِ، وَبَطْنُهَا وَظَهْرُهَا عَوْرَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنَاوَلَهُ حُكْمُ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) لَا مَا قِيلَ: الْمَجْمُوعُ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِيلَادُ. وَاخْتُلِفَ فِي الدُّبْرِ هَلْ هُوَ مَعَ الْأَلْيَتَيْنِ أَوْ كُلُّ أَلْيَةٍ عَوْرَةٌ وَالدُّبُرُ ثَالِثُهُمَا، وَالصَّحِيحُ الثَّانِي، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّكْبَةَ تَبَعٌ لِلْفَخِذِ لِأَنَّهَا مُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ لَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ، وَكَعْبُ الْمَرْأَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَثَدْيُهَا إنْ كَانَ نَاهِدًا تَبَعٌ لِصَدْرِهَا، وَإِنْ كَانَ مُنْكَسِرًا فَأَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَأُذُنُهَا عَوْرَةٌ بِانْفِرَادِهَا، وَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ مِنْ الْعَوْرَةِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ بِالْأَجْزَاءِ، وَلَا يَمْنَعَ الْقَلِيلَ، فَلَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخْذِ وَنِصْفُ ثُمُنِ الْأُذُنِ وَذَلِكَ يَبْلُغُ رُبْعَ الْأُذُنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ الْمُنْكَشِفَةِ لَا تَبْطُلُ، وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ عُضْوٌ، وَفِي بَطْنِ قَدَمِ الْمَرْأَةِ التَّقْدِيرُ بِالرُّبْعِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَفِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَلَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ مَحْلُولِ الْجَيْبِ وَهُوَ بِحَالٍ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ يَقَعُ عَلَيْهَا بِلَا تَكَلُّفٍ لَا يَصِحُّ فِيمَا رَوَى هِشَامُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَوْرَتُهُ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فَتَصِحُّ، وَإِذَا شَفَّ الْقَمِيصُ فَهُوَ انْكِشَافٌ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَتَصِحُّ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يُصَلِّي فِيهِ لَا عُرْيَانًا خِلَافًا لِأَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةٌ مُتَجَلْبِبَةٌ فَقَالَ عُمَرُ مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ جَارِيَةٌ لِفُلَانٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِيهِ، فَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تُخَمِّرِي هَذِهِ الْأَمَةَ وَتُجَلْبِبِيهَا وَتُشَبِّهِيهَا بِالْمُحْصَنَاتِ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَقَعَ بِهَا إلَّا أَحْسَبُهَا إلَّا مِنْ الْمُحْصَنَاتِ، لَا تُشَبِّهُوا الْإِمَاءَ بِالْمُحْصَنَاتِ

وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً فَاعْتُبِرَ حَالُهَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. قَالَ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ صَلَّى مَعَهَا وَلَمْ يَعُدْ) وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ رُبْعُ الثَّوْبِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ تَرْكَ فَرْضٍ وَاحِدٍ. وَفِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكَ الْفُرُوضِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعُ جَوَازِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْآثَارُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا نَصُّ مَا فِي الْكِتَابِ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْقِطَ لِحُكْمِ الْعَوْرَةِ حَتَّى تَبِعَتْهُ هِيَ فِي السُّقُوطِ الْحَرَجُ اللَّازِمُ مِنْ إعْطَاءِ بَدَنِهَا كُلِّهِ حُكْمَ الْعَوْرَةِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى خُرُوجِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا الْأَعْمَالَ الْمُوجِبَةَ لِلْمُخَالَطَةِ فَسَقَطَ الْحَاجِي وَهُوَ مَا سِوَى الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ إلَى الرُّكْبَةِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْمُبَاشَرَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ كَشْفَ غَيْرِهِ عَادَةً لِيَسْقُطَ مِنْهُ، بِخِلَافِهِ هُوَ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ وَلَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ فَسَتَرَتْهُ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنٍ جَازَتْ لَا بِكَثِيرٍ أَوْ بَعْدَ رُكْنٍ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ) يَعْنِي غَيْرَ السَّيِّدِ. (قَوْلُهُ مَا يُزِيلُ بِهِ) وَكَذَا مَا يُقَلِّلُهَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ الْكُلِّ حَيْثُ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ. دُونَ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ تَرْكُ الْفُرُوضِ) أَيْ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، أَمَّا لَوْ صَلَّى قَائِمًا لَا يَسْتَقِيمُ. قَالَ فِي الْأَسْرَارِ مِنْ طَرَفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خِطَابُ التَّطْهِيرِ سَاقِطٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَصَارَ هَذَا كَثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَلِأَنَّ رُبْعَهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَا تَجُوزُ إلَّا فِيهِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّ نَجَاسَةَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فِي فَسَادِ الصَّلَاةِ كَنَجَاسَةِ كُلِّهِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ. قُلْت: خِطَابُ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ سَاقِطٌ لِلنَّجَاسَةِ فَصَارَ الْعَرَاءُ كَالسَّتْرِ، وَإِذَا كَانَ الرُّبْعُ طَاهِرًا تَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِقَدْرٍ وَسَقَطَ بِقَدْرِ النَّجَسِ فَرَجَّحْنَا الْوُجُوبَ احْتِيَاطًا. قَالَ: وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ عُورِضَ بِسُقُوطِ خِطَابِ السَّتْرِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَعْلُومَ إنَّمَا هُوَ تَوَجُّهُ خِطَابِ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ بِالطَّاهِرِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُطَهِّرِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَالْمَعْلُومُ حِينَئِذٍ انْتِفَاءُ خِطَابِ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ بِالطَّاهِرِ وَلَا نَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ تَعَلُّقِهِ بِالنَّجَسِ حِينَئِذٍ إلَّا بِنَقْلِ خِطَابٍ مَخْصُوصٍ فِيهِ وَلَا نَقْلَ فَيَبْقَى عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ لِأَنَّ نَفْيَ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ يَكْفِي لِنَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرُّبْعُ طَاهِرًا فَلِأَنَّهُ كَالْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَأَمْكَنَ الْحُكْمُ بِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِالسَّتْرِ بِهِ (قَوْلُهُ وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَتَرْكُ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ لَا يَكُونُ تَرْكًا وَالْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ السَّتْرِ بِالصَّلَاةِ وَاخْتِصَاصِ الطَّهَارَةِ بِهَا. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) هَكَذَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ (إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ) لِأَنَّ السَّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ وَالْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنْ الْأَرْكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَكَذَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: الْعَارِي يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ. وَعَنْ عَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ مِثْلُهُ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ فَخَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً فَصَلَّوْا قُعُودًا لِإِيمَاءٍ. قَالَ سَبْطُ بْنُ الْجَوْزِيُّ: رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَفِي الْمُجْتَبِي: تُصَلِّي الْعُرَاةُ وُحْدَانًا مُتَبَاعِدِينَ، فَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ يَتَوَسَّطُهُمْ الْإِمَامُ وَلَوْ تَقَدَّمَهُمْ جَازَ، وَيُرْسِلُ كُلُّ وَاحِدٍ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ فَخْذَيْهِ يُومِئُ إيمَاءً، وَلَوْ أَوْمَأَ الْقَائِمُ أَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ الْقَائِمُ جَازَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْ الْحَشِيشِ وَالنَّبَاتِ وَالْكَلَأِ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ: لَوْ وَجَدَ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ

قَالَ (وَيَنْوِي لِلصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا بِنِيَّةٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَلَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْمُتَقَدِّمُ عَلَى التَّكْبِيرِ كَالْقَائِمِ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنْهَا عَنْهُ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَفِي الصَّوْمِ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَالنِّيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى يُصَلِّيَ يَفْعَلُ، وَلَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ «فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَبِالنِّيَّةِ، «وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» ، «وَالْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ» كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ. وَأَمَّا «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» كَمَا فِي الْكِتَابِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِهِ بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ وَلَمْ يُكْمِلْهُ نَقْلًا عَنْ الْحَافِظِ أَبِي مُوسَى الْأَصْفَهَانِيِّ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَأَقْرَأَهُ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ إذْ قَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي أَرْبَعِينِهِ، ثُمَّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ. قُلْت: وَهِيَ رِوَايَةُ إمَامِ الْمَذْهَبِ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ، رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى «إنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (قَوْلُهُ وَالْمُتَقَدِّمُ إلَخْ) فِي الْخُلَاصَةِ: وَنَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ، عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ نَوَى

وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي. أَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ، وَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا يَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ سُنَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنَّفِ فِي التَّجْنِيسِ: إذَا تَوَضَّأَ فِي مَنْزِلِهِ لِيُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ حَضَرَ الْمَسْجِدَ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَكْفِيهِ ذَلِكَ، هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرُّقَيَّاتِ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ تَبِعَتْهَا إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ حُكْمًا كَمَا فِي الصَّوْمِ إذَا لَمْ يُبَدِّلْهَا بِغَيْرِهَا اهـ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ: إنْ كَانَ عِنْدَ الشُّرُوعِ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ أَيَّةُ صَلَاةٍ يُصَلِّي يُجِيبُ عَلَى الْبَدِيهَةِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ فَهِيَ نِيَّةٌ تَامَّةٌ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى التَّأَمُّلِ لَا يَجُوزُ. قُلْت: فَقَدْ شَرَطُوا عَدَمَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لِصِحَّةِ تِلْكَ النِّيَّةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّرُوعِ الْمَشْيُ إلَى مَقَامِ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا. فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ بِكَلَامٍ أَوْ أَكْلٍ. أَوْ نَقُولُ: عَدُّ الْمَشْيِ إلَيْهَا مِنْ أَفْعَالِهَا غَيْرُ قَاطِعٍ لِلنِّيَّةِ، وَفِيهَا: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ وَلَا تَكُونُ شَارِعًا بِمُتَأَخِّرَةٍ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ، قِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ، وَقِيلَ إلَى الرَّفْعِ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ) قِيلَ لَيْسَ الْعِلْمُ نِيَّةً وَلِذَا لَوْ نَوَى الْكُفْرَ غَدًا كَفَرَ فِي الْحَالِ، وَلَوْ عَلِمَ الْكُفْرَ لَا يَكْفُرُ بَلْ هِيَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَسَّرَهَا بِالْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّرْطَ فِي اعْتِبَارِهَا عِلْمَهُ أَيُّ الصَّلَاةِ هِيَ أَيْ التَّمْيِيزُ، فَحَاصِلُ كَلَامِهِ النِّيَّةُ الْإِرَادَةُ لِلْفِعْلِ وَشَرْطُهَا التَّعْيِينُ فِي الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَيُحْسِنُ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ

فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْفَرْضِ كَالظُّهْرِ مَثَلًا لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أُصَلِّي كَذَا، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَهَذِهِ بِدْعَةٌ اهـ. وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ لِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ خَاطِرِهِ، فَإِذَا ذَكَرَهُ بِلِسَانِهِ كَانَ عَوْنًا عَلَى جَمْعِهِ. ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ قَالَ: وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ، وَالتَّكَلُّمُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ، وَمَنْ اخْتَارَهُ اخْتَارَهُ لِتَجْتَمِعَ عَزِيمَتُهُ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ: إنَّهُ لَا يَكْفِيهِ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ كَوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَا يَحْصُلُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا. وَتَحْقِيقِ الْوَجْهِ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى السُّنِّيَّةِ كَوْنُ النَّافِلَةِ مُوَاظَبًا عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَقَبْلَهَا، فَإِذَا أَوْقَعَ الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً. فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَى مَا سَمِعْت، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ بَلْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَعُلِمَ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ ثَبَتَ بَعْدَ فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ تَسْمِيَةً مِنَّا لِفِعْلِهِ الْمَخْصُوصِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى نِيَّتِهِ. وَقَدْ حَصَلَتْ مُقَاوَلَةٌ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ أَشْيَاخِ حَلَبِ أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَنْوِي بِهَا آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أُؤَدِّهِ بَعْدُ فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ إذَا ظَهَرَ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ. وَاسْتُفْتِيَ بَعْضُ أَشْيَاخِ مِصْرَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، فَقُلْت: هَذِهِ الْفَتْوَى تَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ السُّنَّةِ فِي النِّيَّةِ، وَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ بِنَاءٌ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى آخِرَ ظُهْرٍ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّلَاةِ بِوَصْفٍ. فَإِذَا انْتَفَى الْوَصْفُ فِي الْوَاقِعِ وَقُلْنَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الْمَذْهَبِ إنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَقِيَ نِيَّةُ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَبِهَا تَتَأَدَّى السُّنَّةُ ثُمَّ رَاجَعْت الْمُفْتِيَ الْمِصْرِيَّ وَذَكَرْت لَهُ هَذَا فَرَجَعَ دُونَ تَوَقُّفِ هَذَا الْأَمْرِ الْجَائِزِ، فَأَمَّا الِاحْتِيَاطُ فَأَنْ يَنْوِيَ فِي السُّنَّةِ الصَّلَاةَ مُتَابَعَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَخْفَى تَقَيُّدُ وُقُوعِهَا عَنْ السُّنَّةِ إذَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٍ (قَوْلُهُ كَالظُّهْرِ مَثَلًا) أَيْ إذَا قُرِنَ بِالْيَوْمِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ أَوْ بِالْوَقْتِ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّحِيحِ وَفَرْضُ الْوَقْتِ كَظُهْرِ الْوَقْتِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا بَدَلُ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ، فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا غَيْرُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ لِاحْتِمَالِ فَائِتَةٍ عَلَيْهِ، وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الظُّهْرُ فَنَوَى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ مَثَلًا لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَفِي الْمُنْتَقَى: إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: فَإِنْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ فَائِتَتَيْنِ كَانَتْ لِلْأُولَى مِنْهُمَا انْتَهَى. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ

(وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِغَيْرِهِ نَوَى الصَّلَاةَ وَمُتَابَعَتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِيرُ شَارِعًا فِي الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَبْطَلَهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهَذَا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَطْعِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْمَنْوِيِّ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِقَطْعِهَا عَلَى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَاعِدًا وَلَا يَعْلَمُ أَيَّ الْقَعْدَتَيْنِ فَنَوَى فِي اقْتِدَائِهِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِلْأُولَى اقْتَدَيْت بِهِ أَوْ الْأَخِيرَةِ فَلَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ أَصْلًا لِأَنَّ النِّيَّةَ مُتَرَدَّدٌ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ نَوَى إنْ كَانَتْ الْأُولَى اقْتَدَيْت بِهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَلَوْ نَوَى إنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ اقْتَدَيْت بِهِ أَوْ فِي التَّرَاوِيحِ أَوْ سُنَّةِ كَذَا اقْتَدَيْت بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي نِيَّةِ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَافٍ لِلسُّنَّةِ كَمَا سَنَذْكُرُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى إنْ كَانَ فِي الْعِشَاءِ اقْتَدَيْت بِهِ أَوْ فِي التَّرَاوِيحِ فَلَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ افْتِرَاضَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي أَوْقَاتِهَا لَا تَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ اعْتَقَدَ مِنْهُمَا فَرْضًا وَنَفْلًا وَلَا يُمَيِّزُ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ فِيهَا، فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ جَازَ، وَلَوْ ظَنَّ الْكُلَّ فَرْضًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ فَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ جَازَ إنْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ، وَكَمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فِي الْأَدَاءِ كَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ، حَتَّى إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ يَحْتَاجُ إلَى ظُهْرِ يَوْمِ كَذَا أَوْ أَوَّلِ ظُهْرٍ أَوْ آخِرِ ظُهْرٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْبَاقِي لِأَنَّ مَا يَلِي ذَلِكَ الْمَقْضِيُّ وَيَصِيرُ أَوَّلًا فِي نِيَّةِ الْأَوَّلِ وَآخِرًا فِي نِيَّةِ الْآخِرِ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ جَازَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ فَقَضَى يَوْمًا وَلَمْ يُعَيِّنْ جَازَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَثَانِيَ يَوْمٍ لِأَنَّ سَبَبَ الصَّلَاةِ مُتَعَدِّدٌ وَبِهِ يَتَعَدَّدُ الْمُسَبَّبُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الشَّهْرُ، وَلِذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ وَجَبَ التَّعْيِينُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَحَكَى فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مَعَ عَدَمِ التَّعْيِينِ إذَا كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ. وَقَدْ يُقَالُ: صَرَّحُوا بِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ وَلِذَا لَمْ يَكْتَفِ لِلْكُلِّ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَصَارَ الْيَوْمَانِ كَالظُّهْرَيْنِ لَكِنَّا سَنُبَيِّنُ مَا يَرْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ، وَلِلتَّعْيِينِ لَوْ فَاتَتْهُ عَصْرٌ فَصَلَّى أَرْبَعًا عَمَّا عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ صَلَّاهَا قَضَاءً عَمَّا عَلَيْهِ وَقَدْ جَهِلَهُ وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ إنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ لِيَتَيَقَّنَّ، وَلَوْ نَوَى فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ ثُمَّ نَسِيَ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهُوَ فَرْضٌ مُسْقِطٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ. وَمِثْلُهُ إذَا شَرَعَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَأَتَمَّهَا عَلَى ظَنِّ الْمَكْتُوبَةِ فَهِيَ تَطَوُّعٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَبَّرَ حِينَ شَكَّ يَنْوِي التَّطَوُّعَ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْمَكْتُوبَةَ فِي الثَّانِي حَيْثُ يَصِيرُ خَارِجًا إلَى مَا نَوَى ثَانِيًا لِقِرَانِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ هَذِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ جِهَةَ الْكَعْبَةِ، فَإِنْ نَوَى الْمِحْرَابَ لَا تَجُوزُ ثُمَّ مَنْ يَشْتَرِطُ نِيَّةَ الْكَعْبَةِ يَنْوِي الْعَرْصَةَ وَلَا بُدَّ (قَوْلُهُ وَمُتَابَعَتُهُ) الْإِمَامَ، فَإِنْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ لَا يُجْزِئُهُ، وَقِيلَ إذَا انْتَظَرَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ ثُمَّ كَبَّرَ بَعْدَهُ كَانَ مُقْتَدِيًا. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إذَا أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ يَقُولُ شَرَعْت فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ. قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا قَوْلَهُ وَاقْتَدَيْت بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَ

لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسَادُ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ قَالَ. قَالَ (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] ثُمَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQافْتِتَاحِ الْإِمَامِ، فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ عَالِمًا بِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ جَازَ، وَإِنْ نَوَى ذَلِكَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ شَرَعَ وَلَمْ يَشْرَعْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. قِيلَ لَا يَجُوزُ وَإِذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ بِالتَّكْبِيرِ بِنِيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ إلَّا فِي الْمَسْبُوقِ قَامَ إلَى الْقَضَاءِ، وَسَيَأْتِي بَاقِي فُرُوعِهَا مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْإِمَامَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ: يَعْنِي كَيْ لَا يَظْهَرَ كَوْنُهُ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَجُوزُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الْقَائِمَ فِي الْمِحْرَابِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو جَازَ اقْتِدَاؤُهُ، وَلَوْ نَوَى بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ عَمْرٌو صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى لَا لِمَا يَرَى وَهُوَ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى، وَمِثْلُهُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَإِذَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ غَيْرُهُ جَازَ، وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ خِلَافُهُ جَازَ لِأَنَّهُ عَرَفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةَ. وَكَذَا لَوْ كَانَ آخِرُ الصُّفُوفِ لَا يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ جَازَ أَيْضًا أَوْ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْمَيِّتِ، فَعِنْدَ الْكَثْرَةِ يَنْوِي الْمَيِّتَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسَادُ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَتِهِ إلَخْ) لِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى نِيَّةِ إمَامَةِ النِّسَاءِ لِصِحَّةِ اقْتِدَائِهِنَّ عَلَى مَا سَيَأْتِيك (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَوَلُّوا إلَخْ) أَيْ يَثْبُتُ الِافْتِرَاضُ، أَمَّا لُزُومُ الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ التَّوَجُّهِ عَمْدًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِلُزُومِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ، إذْ لَيْسَ حُكْمُ الْفَرْضِ لُزُومَ الْكُفْرِ بِتَرْكِهِ بَلْ بِجَحْدِهِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ. وَكَذَا فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو عَلِيِّ السُّغْدِيِّ فِي تَرْكِ الطَّهَارَةِ لَا فِي الْآخَرَيْنِ لِلْجَوَازِ فِيهِمَا حَالَةَ الْعُذْرِ، وَبِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَإِذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَتَفْسُدُ بِصَدْرِهِ. قِيلَ هَذَا أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الرَّفْضِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، حَتَّى لَوْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ بَنَى مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُذْرِهِ هُنَاكَ وَتَمَرُّدِهِ هُنَا، وَلَا يُفَرَّقُ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ إذْ لَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، بَلْ الْمُوجِبُ لِلْإِكْفَارِ هُوَ الِاسْتِهَانَةُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي أَمَاكِنَ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى شَطْرِ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ كَذَا فِي الْكَافِي. وَفِي الدِّرَايَةِ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ، وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ، وَفِي النَّظْمِ: الْكَعْبَةُ قِبْلَةُ مَنْ بِالْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةُ مَنْ بِمَكَّةَ، وَمَكَّةُ قِبْلَةُ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْعَالَمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ:

فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ. (وَمَنْ كَانَ خَائِفًا يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ إصَابَةُ عَيْنِهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ: هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ، وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْعَالَمِ انْتَهَى. وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ، وَتَرْكُ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ، وَمَا أَقْرَبُ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى ظَنِّيٍّ لِإِمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْيَقِينُ مَعَ إمْكَانِهِ بِالظَّنِّ (قَوْلُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا) فِي الدِّرَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لَا تَزُولُ بِمَا يَزُولُ بِهِ مِنْ الِانْحِرَافِ لَوْ كَانَتْ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْبَعْدِ وَتَبْقَى الْمُسَامَتَةُ مَعَ انْتِقَالٍ مُنَاسِبٍ لِذَلِكَ الْبُعْدِ، فَلَوْ فُرِضَ خَطٌّ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْكَعْبَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَخَطٌّ آخَرُ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ أَوْ شِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ وَالتَّوَجُّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِّ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ، وَلِذَا وَضَعَ الْعُلَمَاءُ قِبْلَةَ بَلَدٍ وَبَلَدَيْنِ وَثَلَاثٍ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ، فَجَعَلُوا قِبْلَةَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَنَسَفَ وَتِرْمِذَ وَبَلْخَ وَمَرْوٍ وَسَرْخَسَ مَوْضِعَ الْغُرُوبِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الْمِيزَانِ وَأَوَّلِ الْعَقْرَبِ كَمَا اقْتَضَتْهُ الدَّلَائِلُ الْمَوْضُوعَةُ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُخْرِجُوا لِكُلِّ بَلْدَةٍ سَمْتًا لِبَقَاءِ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّوَجُّهِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَسَافَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى: الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ إنَّ الْعَيْنَ فَرْضُ الْغَائِبِ أَيْضًا لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَلَا فَصْلَ فِي النَّصِّ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةٍ عَيَّنَهَا، فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ خَائِفًا) مِنْ سَبْعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ كَانَ فِي الْبَحْرِ عَلَى خَشَبَةٍ يَخَافُ الْغَرَقَ إنْ تَوَجَّهَ، أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَجُّهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ يُوَجِّهُهُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ بِخِلَافِ النُّزُولِ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَسْتَقْبِلُ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً، فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَوْ وَقَفَهَا لِلصَّلَاةِ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا يَخَافُ، فَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يُوقِفَهَا وَيَسْتَقْبِلَ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مَضَى إلَى الْمَاءِ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَيَنْقَطِعُ جَازَ وَإِلَّا

لِتَحَقُّقِ الْعُذْرِ فَأَشْبَهَ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ (فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا اجْتَهَدَ وَصَلَّى) «لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ انْعِدَامِ دَلِيلٍ فَوْقَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَهَبَ إلَى الْمَاءِ وَاسْتَحْسَنُوهَا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ مَنْ يَسْأَلُهُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي، وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْمَحَارِيبِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ وَلَا عَالِمًا بِالْقِبْلَةِ أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ لَا مِحْرَابَ لَهُ أَوْ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يُخْبِرُوهُ تَحَرَّى. وَفِي قَوْلِهِ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُ مَنْ يَسْأَلُهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَذَا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمَسْجِدَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِهِ مُقِيمِينَ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا حَاضِرِينَ فِيهِ وَقْتَ دُخُولِهِ وَهُمْ حَوْلَهُ فِي الْقَرْيَةِ وَجَبَ طَلَبُهُمْ لِيَسْأَلَهُمْ قَبْلَ التَّحَرِّي، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُعَلَّقٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَعَرُّفِ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِهِ، عَلَّلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا قُلْنَا، قَالَ: رَجُلٌ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي لَا مِحْرَابَ لَهُ وَقِبْلَتُهُ مُشْكَلَةٌ وَفِيهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِهِ فَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَيَعْلَمَهَا وَيُصَلِّيَ بِغَيْرِ تَحَرٍّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّحَرِّي إذَا عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ اجْتَهَدَ) حَكَمَ الْمَسْأَلَةَ فَلَوْ صَلَّى مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ بِلَا تَحَرٍّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ، لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يَشْتَرِطُ حُصُولُهُ لَا غَيْرُ كَالسَّعْيِ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ يَسْتَقْبِلُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ اسْتَقْبَلَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا فَائِدَةَ. قُلْنَا: حَالَتُهُ قُوِّيَتْ بِالْعِلْمِ، وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ سُورَةً، وَالْمُومِئُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ فِيهَا تَفْسُدُ وَبَعْدَهَا تَصِحُّ، أَمَّا لَوْ تَحَرَّى وَصَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ التَّحَرِّي لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مُشْكِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمَا فِي هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي حَقِّهِ جِهَةُ التَّحَرِّي وَقَدْ تَرَكَهَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي، لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ التَّحَرِّي يَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ التَّحَرِّي وَتَعْلِيلُهُمَا فِي تِلْكَ بِأَنَّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ مُجَرَّدُ حُصُولِهِ كَالسَّعْيِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي هَذِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ، أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ، أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الْعُدُولِ عَنْ جِهَةِ التَّحَرِّي إذَا ظَهَرَ صَوَابُهُ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ عَلَى الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ اعْتِقَادُ الْفَسَادِ عَنْ التَّحَرِّي، فَإِذَا حَكَمَ بِالْفَسَادِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَزِمَ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي فَكَانَ ثُبُوتُ الْفَسَادِ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّوَابِ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ مُؤَاخَذَةً بِاعْتِقَادِهِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ

وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي (فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بَعْدَ مَا صَلَّى لَا يُعِيدُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعِيدُهَا إذَا اسْتَدْبَرَ لِتَيَقُّنِهِ بِالْخَطَأِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدَلِيلٍ إذْ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَحَرٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ: تَحَرَّى فَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ قِيلَ يُؤَخِّرُ، وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَقِيلَ يُخَيِّرُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا اشْتَبَهَ، فَإِنْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ إلَى جِهَةٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ، إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ حَتَّى ذَهَبَ عَنْ الْمَوْضِعِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي) فَيَتْرُكُ بِهِ التَّحَرِّيَ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْمُسْتَخْبَرُ حِينَ سَأَلَهُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي ثُمَّ أَخْبَرَهُ لَا يُعِيدُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ: تَحَرَّى فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ حَالَتَهُ الْأُولَى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَإِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ شُرُوعُ الْكُلِّ بِالتَّحَرِّي وَفِيهِمْ مَسْبُوقٌ وَلَاحِقٌ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَامَا إلَى الْقَضَاءِ فَظَهَرَ لَهُمَا خِلَافُ مَا كَانُوا رَأَوْا أَمْكَنَ الْمَسْبُوقُ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ هُنَا بِأَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ اللَّاحِقِ، كَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا هُوَ مَا عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ. وَعَنْ جَابِرٍ «كُنَّا فِي مَسِيرٍ فَأَصَابَنَا غَيْمٌ فَتَحَيَّرْنَا فِي الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِدَةٍ، وَجَعَلَ أَحَدُنَا يَحُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا فَإِذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أُجِيزَتْ صَلَاتُكُمْ» ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ فِيهِ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى: أَلَّا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَيَقُّنَ الْخَطَأِ ثَابِتٌ فِي تَوَجُّهِهِ إلَى جِهَةِ الْيَمْنَةِ وَالْيَسْرَةِ، فَجَعْلُهُ الْمَدَارِ يُوجِبُ الْإِعَادَةَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا نَعَمْ فِي الِاسْتِدْبَارِ

وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ (وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ أَهْلَ قَبَاءِ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَذَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى تَوَجَّهَ إلَيْهَا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْمُؤَدَّى قَبْلَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ وَصَلَّى إلَى الْمَشْرِقِ وَتَحَرَّى مَنْ خَلْفَهُ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جِهَةٍ وَكُلُّهُمْ خَلْفَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ أَجْزَأَهُمْ) لِوُجُودِ التَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ (وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِحَالِ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ) لِتَرْكِهِ فَرْضِ الْمَقَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَامُ الْبُعْدِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ. وَالْوَجْهُ الَّذِي يَظْهَرُ مُؤْثِرًا تَرْكَ الْجِهَةِ اسْتِدْبَارًا أَوْ غَيْرَهُ، فَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَقُولَ بِشُمُولِ الْعَدَمِ، هَذَا. وَقَدْ قَاسَ عَلَى ظُهُورِ نَجَاسَةِ ثَوْبٍ صَلَّى فِيهِ أَوْ مَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ حَيْثُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ اتِّفَاقًا. وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّوَابِ بِالِاسْتِقْصَاءِ ثَمَّةَ نَظَرًا إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قِيَامُ إحْسَاسِهِ بِهِمَا وَإِمْكَانُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي صَوْنِهِمَا، أَمَّا هُنَا فَالدَّلِيلُ هُوَ رُؤْيَةُ النَّجْمِ مُنْعَدِمٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِصَابَةُ عَنْ الدَّلِيلِ فَلَمْ يَتَّجِهْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ نِسْبَتُهُ إلَى تَقْصِيرٍ، بِخِلَافِ صُورَةِ قِيَامِ الدَّلِيلِ. وَأَيْضًا الْقِبْلَةُ قَبِلَتْ التَّحَوُّلَ شَرْعًا مِنْ الشَّامِ إلَى الْكَعْبَةِ عَيْنِهَا ثُمَّ جِهَتِهَا ثُمَّ جِهَةِ التَّحَرِّي عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَلَا إعَادَةَ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَبُولُهُمَا التَّحَوُّلَ شَرْعًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

[باب صفة الصلاة]

بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ (فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ: التَّحْرِيمَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَالْمُرَادُ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ قَبْلَ الصِّفَةِ. وَالْوَصْفُ فِي اللُّغَةِ وَاحِدٌ، وَفِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلَافِهِ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْوَصْفَ لُغَةً ذِكْرُ مَا فِي الْمَوْصُوفِ مِنْ الصِّفَةِ، وَالصِّفَةُ هِيَ مَا فِيهِ، وَلَا يُنْكِرُ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْوَصْفُ وَيُرَادُ الصِّفَةُ، وَبِهَذَا لَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ لُغَةً إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَصْفَ مَصْدَرُ وَصَفَهُ إذَا ذَكَرَ مَا فِيهِ، ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لَهَا وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّادِقَةُ عَلَى الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهُوِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ الْجُزْئِيِّ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (قَوْلُهُ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ) لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ إنْ اعْتَبَرَ آحَادَ الْفَرَائِضِ فَرِيضَةً لَمْ تَجُزْ التَّاءُ فِي عَدَدِهِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فَرْضًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَمْعُهُ لِأَنَّ فَعَائِلَ إنَّمَا تَطَّرِدُ فِي كُلِّ رُبَاعِيٍّ ثَالِثُهُ مَدَّةٌ، مُؤَنَّثٍ بِالتَّاءِ، كَسَحَابَةٍ وَصَحِيفَةٍ وَحَلُوبَةٍ، أَوْ بِالْمَعْنَى كَشِمَالٍ وَعَجُوزٍ وَسَعِيدٍ عَلَمُ امْرَأَةٍ. وَأَمَّا جَعْلُهُ فَرِيضَةً عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْفَرْضِ أُدْخِلَتْ التَّاءُ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقَالُهَا بِتَأْوِيلِ الْمَكَانِ فَهُوَ تَصَرُّفٌ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ، بَلْ إنَّمَا لَنَا أَنْ نُؤَوِّلَ الْوَارِدَ عَنْهُمْ مُخَالِفًا لِجَادَّتِهِمْ وَلِذَا لَمْ يُورِدْ أَهْلُ الشَّأْنِ هَذَا الْبَيْتَ إلَّا مِثَالًا لِلشُّذُوذِ، وَغَيْرَ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْوَاقِعَ بِمَا ذَكَرُوا لَا أَنَّهُ أَعْطَاهُ ضَابِطَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ مِثْلِهِ لِمَنْ شَاءَ قَوْلُهُ {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَكَذَا {وَقُومُوا لِلَّهِ} [البقرة: 238] وَاقْرَءُوا {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] أَوَامِرُ وَمُقْتَضَاهَا الِافْتِرَاضُ، وَلَمْ تُفْرَضْ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يُرَادَ بِهَا الِافْتِرَاضُ الْوَاقِعُ فِي الصَّلَاةِ إعْمَالًا لِلنُّصُوصِ فِي حَقِيقَتِهَا حَيْثُ أَمْكَنَ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا

(وَالْقِيَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] . (وَالْقِرَاءَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّسْلِيمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَحْكَامِهِ، وَالْإِسْنَادُ فِيهِ مَجَازِيٌّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ نَفْسَ التَّكْبِيرِ، بَلْ بِهِ يَثْبُتُ، أَوْ يُجْعَلُ مَجَازًا لُغَوِيًّا بِاسْتِعْمَالِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ فِيمَا بِهِ أَيْ مَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ، وَمِثْلُهُ فِي تَحْلِيلِهَا التَّسْلِيمُ. وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ وُجُوبُ الْمَذْكُورَاتِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي إجْمَالَ الصَّلَاةِ، إذْ الْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ، بَقِيَ كَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِهَا فِي الْأَدَاءِ وَهَلْ الصَّلَاةُ هَذِهِ فَقَطْ أَوْ مَعَ أُمُورٍ أُخَرَ، وَقَعَ الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلِهِ، وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْهَا قَطُّ بِدُونِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَالْمُوَاظَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ مَرَّةٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، فَإِذَا وَقَعَتْ بَيَانًا لِلْفَرْضِ: أَعْنِي الصَّلَاةَ الْمُجْمَلَ كَانَ مُتَعَلِّقُهَا فَرْضًا بِالضَّرُورَةِ، وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى سُنِّيَّتِهِ لَكَانَ فَرْضًا، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَهُوَ نَسْخٌ لِلْقَاطِعِ بِالظَّنِّيِّ لَكَانَا فَرْضَيْنِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَعُدْ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى لَمَا تَرَكَهَا سَاهِيًا ثُمَّ عَلِمَ لَكَانَتْ فَرْضًا، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَ الصَّلَاةِ عُرِفَ بِتِلْكَ النُّصُوصِ وَلَا إجْمَالَ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَا يَنْفِي الْإِجْمَالَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَمَا تَعَلَّقَ بِالْأَفْعَالِ نَفْسِهَا لَا يَكُونُ بَيَانًا، فَإِنْ كَانَ نَاسِخًا لِلْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ نُسِخَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ وَهُوَ أَدْرَى بِالْمُرَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا لَمْ يَصْلُحْ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الظَّنِّيِّ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ الْقَطْعِيَّ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ، وَعَمَّا ذَكَرْنَا كَانَ تَقْدِيمُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَرْضًا لِأَنَّهُ بَيْنَهَا كَذَلِكَ

عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ. قَالَ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ) أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَيَرِدُ عَلَيْك تَفَاصِيلُ هَذَا الْأَصْلِ (قَوْلُهُ عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ لَا أَنَّهُ مَعْنَى اللَّفْظِ: يَعْنِي لَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَعْدَةِ كَانَ الْمُرَادُ إذَا قُلْت هَذَا وَأَنْتَ قَاعِدٌ أَوْ فَعَلْت هَذَا قَائِلًا أَوْ غَيْرَ قَائِلٍ تَمَّتْ، فَلَوْ تَمَّ هَذَا سَنَدًا وَمَتْنًا كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ عَيْنًا مُتَوَقِّفًا عَلَى ثُبُوتِ فَرْضِيَّتِهَا بِمَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ جُزْءَ الْمُثْبَتِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ إثْبَاتٌ أَصْلًا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ إثْبَاتِهِ بِبَيَانِ الْمُجْمَلِ فَكَيْفَ وَلَمْ يَتِمَّ، فَإِنَّ الَّذِي فِي أَبِي دَاوُد «إذَا قُلْتَ هَذَا وَقَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَهُوَ تَعْلِيقٌ بِهِمَا فَإِذَا اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمُبَيَّنِ كَانَا فَرْضَيْنِ، نَعَمْ هُوَ بِلَفْظِ " أَوْ فَعَلْت هَذَا " فِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَوَجَبَ حَمْلُ أَوْ عَلَى مَعْنَى الْوَاوِ لِيُوَافِقَ الْمَرْفُوعَ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعَكْسِ فِيمَا أَظُنُّ فَكَيْفَ وَقَدْ بَيَّنَ الْإِدْرَاجَ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَفَصَلَ كَلَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ غَايَةَ الْإِدْرَاجِ هُنَا أَنْ تَصِيرُ مَوْقُوفَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي قَدْرِ الْفَرْضِ مِنْ الْقَعْدَةِ، قِيلَ قَدْرُ مَا يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَدْرُ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَى " عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِقِرَاءَتِهِ، وَأَقَلُّ مَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ التَّشَهُّدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا يَنْشَأُ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ غَيْرُهُ يَكُونُ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ بَلْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ، فَإِذَا كَانَ شَرْعِيَّةُ الْقَعْدَةِ لِلذِّكْرِ أَوْ السَّلَامِ كَانَتْ دُونَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجَ، هَذَا، وَقَدْ عُدَّ مِنْ الْفَرَائِضِ إتْمَامُهَا وَالِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ قِيلَ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلصَّلَاةِ يُوجِبُ ذَلِكَ إذْ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِ إتْمَامِهَا وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي الْأَمْرَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَعْدَةَ فَرْضٌ غَيْرُ رُكْنٍ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ

وَضَمِّ السُّورَةِ إلَيْهَا وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ، وَالْقَعْدَةِ الْأُولَى وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَالْجَهْرِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا شَرْعًا لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَيُعْلَمُ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ وُضِعَتْ لِلتَّعْظِيمِ وَلَيْسَ الْقُعُودُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ. ثُمَّ الرُّكْنُ يَنْقَسِمُ إلَى أَصْلِيٍّ وَزَائِدٍ وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ تَسْقُطُ حَالَةَ الِاقْتِدَاءِ وَعَنْ الْمُدْرِكِ فِي الرُّكُوعِ مَثَلًا بِخِلَافِ غَيْرِهَا لَا يَسْقُطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ (قَوْلُهُ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ) أَرَادَ بِهِ مَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ، فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي آخِرَ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ أَوَّلِهَا وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ، أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا كَالرَّكَعَاتِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ. وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَجَمِيعُ مَا سِوَاهُ مِمَّا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمُفْسِدِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ أَوْ لِلتِّلَاوَةِ فَعَلَهَا وَأَعَادَ الْقَعْدَةَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَكَذَا إذَا تَذَكَّرَ رُكُوعًا قَضَاهُ وَقَضَى مَا بَعْدَ السُّجُودِ أَوْ قِيَامًا أَوْ قِرَاءَةً صَلَّى رَكْعَةً تَامَّةً، وَكَذَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَلِذَا قُلْنَا آنِفًا فِي تَرْكِ الْقِيَامِ وَحْدَهُ إنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً تَامَّةً. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ: التَّرْتِيبُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ: يَعْنِي الرَّكَعَاتِ أَوْ يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي رَكْعَةٍ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ بَيْنَ السُّجُودِ وَالْمُتَّحَدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْصِيلٌ إذَا كَانَ سُجُودَ ذَلِكَ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَا رُكُوعًا وَسُجُودًا مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ رُكُوعًا مِنْ رَكْعَةٍ وَسُجُودًا مِنْ أُخْرَى بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي سَجْدَةٍ رُكُوعَ رَكْعَةٍ قَبْلَ هَذِهِ السَّجْدَةِ قَضَى الرُّكُوعَ مَعَ سَجْدَتَيْهِ، وَعَلَى قَلْبِهِ بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا سَجَدَهَا وَهَلْ يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ فَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَتُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَيْنَ مَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْأَفْعَالِ. وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ ارْتَفَضَ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْهُ يَقْبَلُ الرَّفْضَ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً بَعْدَ مَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَقْضِيهَا وَلَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا تَمَّ بِالرَّفْعِ لَا يَقْبَلُ الرَّفْضَ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي إعَادَتِهَا لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ، بَلْ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ هَلْ يُرْتَفَضُ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ لَا. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَبِي الْفَضْلِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْكَعْ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ أَوَّلًا ثُمَّ قَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إنْ سَجَدَ أَوَّلًا سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَسْجُدْ وَرَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ سَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى

بِتَرْكِهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً فِي الْكِتَابِ لِمَا أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَكْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْأُولَى وَتَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ، قِيلَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا كَمَا سَيَذْكُرُ، لَكِنْ قَدْ نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ سُنِّيَّةُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَمَعَ ذَلِكَ ذَكَرَهَا فَلَيْسَ الصَّارِفُ حِينَئِذٍ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ اخْتَارَ هُنَا سُنِّيَّتَهُمَا ثُمَّ تَبَدَّلَ رَأْيُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَاخْتَارَ وُجُوبَ الْقَعْدَةِ، وَبَقِيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بَعْدَ هَذَا إصَابَةُ لَفْظَةِ السَّلَامِ، وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلَيْ الْفَرْضِ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ حَصَرَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَتَرَكَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ، وَلَا تَبَدَّلَ رَأْيُهُ بَلْ إنَّهُ قَصَدَ إعْطَاءَ نَظَائِرَ لَا عَلَى الْحَصْرِ وَلِذَا أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ الْمُشْعِرَةِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ (قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَكَذَا فِي السَّلَامِ لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ، وَمَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ لَا عَلَيْهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ وَالِاسْتِحْسَانُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ أَنَّهَا تُضَافُ إلَى كُلِّ الصَّلَاةِ نَحْوُ قُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَشَهُّدِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ مِنْ خَصَائِصِهَا، بِخِلَافِ نَحْوِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ. وَقَدْ يُقَالُ الِاخْتِصَاصُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْإِضَافَةِ إنَّمَا يُعْطَى أَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ شَرْعًا، وَكَوْنُ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ مَحَلُّ نَظَرٍ. فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ فِي وُجُوبِهَا بِالْمُوَاظَبَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّرْكِ فِي التَّشَهُّدِ لِلنِّسْيَانِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِالْمُبَيَّنِ: أَعْنِي الصَّلَاةَ لِتَكُونَ فَرْضًا، أَمَّا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فَلِأَنَّ أَصْلَهُمَا بِظَنِّيٍّ فَلَا تَكُونُ الْمُوَاظَبَةُ فِيهَا مُحْتَاجَةً إلَى الِاقْتِرَانِ بِالتَّرْكِ لِيَثْبُتَ بِهِ الْوُجُوبُ، وَالْمُوَاظَبَةُ فِي السَّلَامِ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَيَانًا لِمَا تَقَرَّرَ جُزْءًا لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً إلَخْ) يَعْنِي أُرِيدَ بِلَفْظِ السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَاجِبَاتُ بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى

قَالَ (وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) لِمَا تَلَوْنَا، وَقَالَ. - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حَتَّى أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلْفَرْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهَا التَّطَوُّعَ عِنْدَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتِبَارِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فِي مَحَلَّيْنِ عَلَى رَأْيِ الْعِرَاقِيِّينَ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَرَعَ كَبَّرَ) أَيْ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ كَبَّرَ، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ سَابِقٌ عَلَى الشُّرُوعِ، فَلَفْظُ الشُّرُوعِ فِي إرَادَتِهِ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ لَا الْمُسَبِّبِ فِي السَّبَبِ لِمَا أَسْفَلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِرَادَةَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهَا الْمُرَادُ، وَاللُّزُومُ الْمُجَوِّزُ لِلتَّجَوُّزِ أَعَمُّ مِنْ الْعَقْلِيِّ، وَفِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا) عَلَى الْقَادِرِ. وَفِي الْمُحِيطِ: الْأُمِّيُّ وَالْأَخْرَسُ لَوْ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ جَازَ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِمَا انْتَهَى. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ عِنْدَنَا الْوَاجِبَ حَرَكَةٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ، فَإِذَا تَعَذَّرَ نَفْسُ الْوَاجِبِ لَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِ غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا قَائِمًا، وَلَوْ حَبَا إلَى الْإِمَامِ فَكَبَّرَ مُنْحَنِيًا، إنْ كَانَ الْقِيَامُ إلَى أَقْرَبَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَوْ مَدَّةُ فَفَرَغَ الْإِمَامُ قَبْلَهُ أَوْ كَبَّرَ قَبْلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ جَازَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ حَتَّى أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلْفَرْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ النَّفَلَ) وَكَذَا بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ، وَمُقْتَضَى كَوْنِ هَذَا ثَمَرَةً كَوْنُهُ شَرْطًا أَنْ يَجُوزَ

وَهُوَ يَقُولُ: إنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَهَذَا آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ عَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وَمُقْتَضَاهُ الْمُغَايَرَةُ، وَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ كَتَكَرُّرِ الْأَرْكَانِ، وَمُرَاعَاةِ الشَّرَائِطِ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقِيَامِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الْفَرْضِ وَعَلَى النَّفْلِ. وَقَدْ رُوِيَ إجَازَةُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ وَمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ شَرْطًا، وَجَوَازِ مَا ذُكِرَ أَصْلُهُ النِّيَّةُ شَرْطٌ، وَلَا تَجُوزُ صَلَاتَانِ بِنِيَّةٍ وَالْوُضُوءُ شَرْطٌ وَكَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ: نَعَمْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنْ شُرِطَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ، وَالْأَصَحُّ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الْفَرْضِ وَعَلَى النَّفْلِ، وَلَا جَوَابَ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ، وَصِحَّةِ النَّفْلِ تَبَعًا (قَوْلُهُ مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ) مِنْ السَّتْرِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ عَطَفَ الصَّلَاةَ) يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وَمُقْتَضَاهُ الْمُغَايَرَةُ، فَلَوْ كَانَتْ رُكْنًا لَعُطِفَ عَلَى نَفْسِهِ. فَإِنَّ الْحَاصِلَ حِينَئِذٍ فَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ وَقَامَ وَقَرَأَ إلَخْ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعْنَى صَلَّى، وَلَوْ صَحَّ هَذَا امْتَنَعَ عَطْفُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، فَإِنَّ اللَّازِمَ وَاحِدٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ عَطْفَ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنْ جَوَازُهُ لِنُكْتَةٍ بَلَاغِيَّةٍ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ هُنَا، فَلَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ التَّحْرِيمُ مِنْ الصَّلَاةِ فَهِيَ شَرْطٌ وَبِهَذَا يَتِمُّ الْوَجْهُ. وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ إلَخْ زِيَادَةٌ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ صِحَّتِهَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرُّكْنِيَّةِ التَّكَرُّرُ كَالْقَعْدَةِ (قَوْلُهُ وَمُرَاعَاةِ الشَّرَائِطِ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ مَنْعُ قَوْلِهِ يُشْتَرَطُ لَهَا فَقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا بَلْ هُوَ لِمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ لَا لِنَفْسِهَا. وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ تَحَرَّمَ حَامِلُ نَجَاسَةٍ أَوْ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ أَوْ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ أَوْ مُنْحَرِفًا فَأَلْقَاهَا وَاسْتَتَرَ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ وَظَهَرَ الزَّوَالُ وَاسْتَقْبَلَ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ التَّحْرِيمَةِ جَازَ، وَذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رُكْنٌ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ، فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْفُرُوعُ (قَوْلُهُ وَهُوَ سُنَّةٌ) أَثْبَتَهُ بِالْمُوَاظَبَةِ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ تُفِيدُ الْوُجُوبَ، لَكِنْ إذَا

«لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ» ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِأَنَّ فِعْلَهُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْفَعُ إلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ لَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ» وَلَنَا رِوَايَةُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَامِلِ الْوُجُوبِ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ تَعْلِيمُهُ الْأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ. عَلَى أَنَّهُ حَكَى فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا فِي تَرْكِهِ، قِيلَ يَأْثَمُ وَقِيلَ لَا. قَالَ: وَالْمُخْتَارُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ لَا إنْ كَانَ أَحْيَانًا انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ نَجْعَلَ شِقَّيْ هَذَا الْقَوْلِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ فَلَا اخْتِلَافَ حِينَئِذٍ وَلَا إثْمَ لِنَفْسِ التَّرْكِ بَلْ لِأَنَّ اعْتِيَادَهُ لِلِاسْتِخْفَافِ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ أَوْ يَكُونُ وَاجِبًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) قَوْلًا (وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ) فِعْلًا، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ) عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِيجَابِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَاكَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذَا لَمْ يَدَّعِ لُزُومَهُ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ هَكَذَا حِكْمَةُ شَرْعِيَّةِ هَذَا الرَّفْعُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ لِيَحْصُلَ مِنْ النَّفْيِ الْفِعْلِيِّ وَالْإِثْبَاتِ الْقَوْلِيِّ حَصْرُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمَعْهُودُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْحَاصِلِ بِاللَّفْظِ تَقْدِيمُ مُفِيدِ النَّفْيِ، فَإِذَا دَلَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَسْلُكَ بِهِ سَبِيلَ الْمَعْهُودِ اسْتِحْسَانًا لَا لُزُومًا: وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي وَجْهِ أَوْلَوِيَّةِ هَذَا. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْشُرَ أَصَابِعَهُ فِي الرَّفْعِ غَيْرَ مُتَكَلِّفٍ فِي ضَمِّهَا وَتَفْرِيجِهَا وَاخْتَارَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ سَمْعٌ وَإِلَّا انْتَظَمَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» ، قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَيَكُونُ أَوْلَى، لَكِنْ قَدْ وُجِدَ فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ» وَهُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ قِيلَ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْفَعُ، وَفِيهِ أَيْضًا خُصُوصُ النَّقْلِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ أَنَسٍ صَرِيحَةٌ فِيهِ كَمَا سَتَسْمَعُ، وَرِوَايَةُ أَبِي وَائِلٍ وَالْبَرَاءِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَفِي الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ رِوَايَةٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُؤْنَسُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ، وَيَتَرَجَّحُ مِنْ بَيْنِ أَفْعَالِهِ هَذِهِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) وَبِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ (قَوْلُهُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَلِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَذَكَرْنَا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: «أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ: فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» ، وَقَدْ أَعَلَّهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ وَجَدَ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ، فَفَسَدَ لِلْجَهَالَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَحُ فَإِنَّ سِنَّ مُحَمَّدٍ لَا يَحْتَمِلُ مِثْلَ هَذَا، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ هَذَا الْحَدِيثَ سَمَاعًا لِمُحَمَّدٍ مِنْ أَبِي وَائِلٍ إلَّا عَبْدُ الْحَمِيدِ وَهُوَ عِنْدَك ضَعِيفٌ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَضَرَ أَبَا حُمَيْدٍ وَأَبَا قَتَادَةَ، وَوَفَاةُ أَبِي قَتَادَةَ قَبْلَ هَذَا قَتَلَ مَعَ عَلِيٍّ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا مُتَّصِلٍ عِنْدَنَا انْتَهَى. عَبْدُ الْحَمِيدِ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيُّ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ وَالثَّوْرِيُّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي حُمَيْدٍ، مِنْهُمْ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ قَالَ: تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَخِلَافَتُهُ أَوَّلُ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمُدَّتُهَا تِسْعُ سِنِينَ وَأَشْهُرٌ. وَأَبُو قَتَادَةَ قِيلَ قُتِلَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ. قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَأَبُو حُمَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّاعِدِيُّ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَوَفَاةُ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ سِتِّينَ وَقِيلَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. فَالْحَاصِلُ تَحَقُّقُ الْخِلَافِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ، فَإِنَّا لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ كَانَتْ رِوَايَةُ وَائِلٍ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ مُحَصِّلَاتٍ لِلْمَقْصُودِ، وَرِوَايَةُ وَائِلٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَصَفَّهُمَا حِيَالَ أُذُنَيْهِ» وَرِوَايَةُ أَنَسٍ ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَيُقَالُ ابْنُ زِيَادٍ، وَقَدْ ضُعِّفَ مُؤَمَّلٌ بِأَنَّهُ دَفَنَ كُتُبَهُ وَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فَكَثُرَ خَطَؤُهُ، وَيَزِيدُ ضَعَّفَهُ عَلِيٌّ وَيَحْيَى وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَدُوقًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ سَاءَ حِفْظُهُ فَكَانَ يَتَلَقَّنُ مَا لُقِّنَ فَوَقَعَتْ الْمَنَاكِيرُ فِي حَدِيثِهِ، فَسَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ صَحِيحٌ. وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ لِلْبَيْهَقِيِّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ» قَالَ أَبُو الْفَرَجِ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا مُعَارَضَةَ، فَإِنَّ مُحَاذَاةَ الشَّحْمَتَيْنِ بِالْإِبْهَامَيْنِ تُسَوِّغُ حِكَايَةَ مُحَاذَاةِ الْيَدَيْنِ بِالْمَنْكِبَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، لِأَنَّ طَرَفَ الْكَفِّ مَعَ الرُّسْغِ يُحَاذِي الْمَنْكِبَ أَوْ يُقَارِبَهُ، وَالْكَفُّ نَفْسُهُ يُحَاذِي الْأُذُنَ وَالْيَدُ تُقَالُ عَلَى الْكَفِّ إلَى أَعْلَاهَا، فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَى مُحَاذَاةِ الْإِبْهَامَيْنِ بِالشَّحْمَتَيْنِ وَفَّقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ. ثُمَّ رَأَيْنَا رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد عَنْ وَائِلٍ صَرِيحَةً فِيهِ قَالَ «إنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ» وَمِمَّا وَفَّقَ بِهِ حَمْلَ مَرْوِيِّهِ عَلَى حَالَةِ الِاشْتِمَالِ بِالْأَكْسِيَةِ فِي الشِّتَاءِ، فَإِنَّ الْإِبِطَ مَشْغُولٌ بِحِفْظِهَا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا مُعَارَضَةَ كَمَا أَسْمَعْتُك فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْحَمْلِ لِيَدْفَعَ التَّعَارُضَ، إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ الْبَيْهَقِيّ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ الرَّفْعِ عَنْ التَّكْبِيرِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الرَّفْعَ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ) لَا يَنْفِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لِنَفْيِ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ لِجَوَازِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي شَرْعِيَّتِهِ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، أَوْ أَنَّ

وَهُوَ بِمَا قُلْنَاهُ، وَمَا رَوَاهُ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ (وَالْمَرْأَةُ تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (فَإِنْ قَالَ بَدَلَ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ، أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلَ الرَّفْعِ لِلنَّفْيِ، وَكَوْنُهُ إلَى الْأُذُنِ لِيَحْصُلَ بِهِ إعْلَامُ الْأَصَمِّ لِتَوْفِيَةِ الرَّفْعِ حِينَئِذٍ وَظُهُورِهِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) هُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَرْفَعُ حِذَاءَ أُذُنَيْهَا (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى) أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا أَوْ خَبَرًا، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ بِلَا زِيَادَةٍ يَصِيرُ شَارِعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي التَّجْرِيدِ جَعَلَ هَذَا رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْهُ. أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ اعْتَبَرَ الصِّفَةَ مَعَهُ، قِيلَ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى التَّكْبِيرِ حُكْمٌ عَلَى الْمُعَظِّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخَبَرِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَظْهَرُ فِي حَائِضٍ طَهُرَتْ وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الِاسْمَ فَقَطْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. أَمَّا لَوْ قَالَ الْكَبِيرُ أَوْ الْأَكْبَرُ فَقَطْ لَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَهُ كَانَ الْفَرْقُ الِاخْتِصَاصَ فِي الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْفُضَيْلِيُّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا وَبِالرَّحِيمِ لَا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، ثُمَّ هَلْ يُكْرَهُ الِافْتِتَاحُ بِغَيْرِ اللَّهُ أَكْبَرُ عِنْدَهُ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي التُّحْفَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَهَذَا أَوْلَى، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ مَرْوِيًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْجَلَالَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَقَدْ رُوِيَ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَلَوْ قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ،

الْأَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّوْقِيفُ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إدْخَالُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الثَّنَاءِ فَقَامَ مَقَامَهُ. وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الْمَعْنَى. وَلَهُمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ لُغَةً وَهُوَ حَاصِلٌ (فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ قَرَأَ فِيهَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الذَّبِيحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ لَوْ قَالَ اللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ الْكِبَارُ جَازَ عِنْدَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ) مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتُهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيُسْبِغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَحْمَدَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيَقْرَأَ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ) لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِأَكْبَرُ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِي صِفَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْمُشَارَكَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهِ أَحَدٌ فِي أَصْلِ الْكِبْرِيَاءِ فَكَانَ أَفْعَلُ بِمَعْنَى فَعِيلٍ، لَكِنْ فِي الْمُغْرِبِ اللَّهُ أَكْبَرُ: أَيْ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَفْسِيرُهُمْ إيَّاهُ بِالْكَبِيرِ ضَعِيفٌ. وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ " كَبِيرٌ وَأَكْبَرُ " وَاحِدًا فِي صِفَاتِهِ، الْمُرَادُ مِنْ الْكَبِيرِ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ الْكَبِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَيْسَ بِكَبِيرٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ بِأَكْبَرُ (قَوْلُهُ إنَّ التَّكْبِيرَ) أَيْ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» مَعْنَاهُ التَّعْظِيمُ، وَهُوَ أَيْضًا الْمَذْكُورُ فِيمَا رَوَى مَالِكٌ أَوَّلَ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِتَكْبِيرِ الِافْتِتَاحِ، فَكَانَ الْمَطْلُوبُ بِلَفْظِ النَّصِّ التَّعْظِيمَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ خُصُوصِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَغَيْرُهُ وَلَا إجْمَالَ فِيهِ، وَالثَّابِتُ بِالْخَبَرِ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يُكْرَهَ لِمَنْ يُحْسِنُهُ تَرْكُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْقِرَاءَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ التَّعْدِيلِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَهُ ظَاهِرًا وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ

وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ) أَمَّا الْكَلَامُ فِي الِافْتِتَاحِ فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْعَجْزِ يُكْتَفَى بِالْمَعْنَى كَالْإِيمَاءِ، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الذِّكْرَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذِهِ اللُّغَةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسِيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِتَرْكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ) فَيَجُوزُ عِنْدَهُ بِكُلِّ مَا أَفَادَ التَّعْظِيمَ: بَعْدَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا، وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ بِهَا الِافْتِتَاحُ. وَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ مَا ذُكِرَ بِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ بِهَا الْجَوَازُ بِغَيْرِهَا وَهُوَ يَقُولُ الذِّكْرُ الْمُفِيدُ لِلتَّعْظِيمِ يَحْصُلُ بخداى بزركست كَمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ الْوَاجِبُ (قَوْلُهُ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28] وَغَيْرَهُ، فَالْفَرْضُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ فَالْفَرْضُ الْعَرَبِيُّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذِهِ اللُّغَةِ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ أَخْذِ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَفْهُومِ الْقُرْآنِ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} [فصلت: 44] . فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتُهُ قُرْآنًا أَيْضًا لَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا. وَالْحَقُّ أَنَّ قُرْآنًا الْمُنَكَّرَ لَمْ يُعْهَدْ فِيهِ نَقْلٌ عَنْ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَقْرُوءٍ. أَمَّا الْقُرْآنُ بِاللَّامِ فَالْمَفْهُومُ مِنْهُ الْعَرَبِيُّ

لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ، وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا تَلَوْنَا، وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَالْخِلَافُ فِي الِاعْتِدَادِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا فَسَادَ، وَيُرْوَى رُجُوعُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَالْخُطْبَةُ وَالتَّشَهُّدُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ (وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَإِنْ أُطْلِقَ الْمَعْنَى الْمُجَرَّدُ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ أَيْضًا الْمُنَافِي لِلسُّكُوتِ وَالْآفَةِ، وَالْمَطْلُوبُ بِقَوْلِهِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] الثَّانِي. فَإِنْ قِيلَ النَّظْمُ مَقْصُودٌ لِلْإِعْجَازِ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهَا الْمُنَاجَاةُ لَا الْإِعْجَازُ فَلَا يَكُونُ النَّظْمُ لَازِمًا فِيهَا، تَسَلَّطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ النَّصَّ طَلَبٌ بِالْعَرَبِيِّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُجِيزُهُ بِغَيْرِهَا، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَتَعَلَّقَ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي شَرِيعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآتِي بِالنَّظْمِ الْمُعْجِزِ بِقِرَاءَةِ ذَلِكَ الْمُعْجِزِ بِعَيْنِهِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ تَعَالَى فَلِذَا كَانَ الْحَقُّ رُجُوعَهُ إلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ تَخْصِيصِ الْبَرْدَعِيِّ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا فَسَادَ) مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ وَالْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ أَنَّهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا. وَالْوَجْهُ إذَا كَانَ الْمَقْرُوءُ مِنْ مَكَانِ الْقَصَصِ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ أَنْ يَفْسُدَ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا فَإِنَّمَا تَفْسُدُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ إخْلَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَفِيهِ إنْ اعْتَادَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ مُصْحَفًا بِهَا يُمْنَعُ وَإِنْ فَعَلَ فِي آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ لَا، فَإِنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَ كُلِّ حَرْفٍ وَتَرْجَمَتَهُ جَازَ (قَوْلُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) فَعِنْدَهُ يَجُوزُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ) فَإِنَّ بِالْمُتَعَارَفِ يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ (قَوْلُهُ وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي) أَوْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَوْ إنَّا لِلَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ

لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا، وَلَوْ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ فَقَدْ قِيلَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ، قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ فَكَانَ سُؤَالًا. قَالَ (وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ السُّرَّةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِرْسَالِ، وَعَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَضْعِ عَلَى الصَّدْرِ، وَلِأَنَّ الْوَضْعَ تَحْتَ السُّرَّةِ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ الِاعْتِمَادُ سُنَّةُ الْقِيَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى لَا يُرْسِلَ حَالَةَ الثَّنَاءِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يَعْتَمِدُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَيَعْتَمِدُ فِي حَالَةِ الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِاَللَّهِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ لَا يَكُونُ شَارِعًا لِتَضْمِينِهَا السُّؤَالَ فِي الْمَعْنَى أَوْ صَرِيحًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ) يُفِيدُ الصِّحَّةَ بِ يَا اللَّهُ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي اللَّهُمَّ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَاهُ فَقَطْ فَيَجُوزُ أَوْ مَعَ زِيَادَةِ سُؤَالٍ فَلَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) لَا يُعْرَفُ مَرْفُوعًا، بَلْ عَنْ عَلِيٍّ: مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَضْعُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَهَذَا لَفْظُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيِّ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَفِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَقَطْ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهَا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ عَلَى مَالِكٍ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] فَمَدْلُولُ اللَّفْظِ طَلَبُ النَّحْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ طَلَبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ النَّحْرِ، فَالْمُرَادُ نَحْرُ الْأُضْحِيَّةَ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ لَيْسَ هُوَ حَقِيقَةُ وَضْعِهِمَا عَلَى النَّحْرِ فَصَارَ الثَّابِتُ هُوَ وَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَكَوْنُهُ تَحْتَ السُّرَّةِ أَوْ الصَّدْرِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَدِيثٌ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَيُحَالُ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ وَضْعِهَا حَالَ قَصْدِ التَّعْظِيمِ فِي الْقِيَامِ وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّاهِدِ مِنْهُ تَحْتَ السُّرَّةِ، ثُمَّ قِيلَ كَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ، وَقِيلَ عَلَى الْمِفْصَلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْبِضُ بِالْيُمْنَى رُسْغَ الْيُسْرَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضَعُهَا كَذَلِكَ وَيَكُونُ الرُّسْغُ وَسَطَ الْكَفِّ، وَقِيلَ يَأْخُذُ الرُّسْغَ بِالْإِبْهَامِ وَالْخِنْصَرِ: يَعْنِي وَيَضَعُ الْبَاقِيَ فَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْوَضْعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) فَلَا يُرْسِلُهُمَا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ حَتَّى يَضَعَ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ الْفَضْلِيِّ؛ يُسَنُّ

الْأَعْيَادِ (ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ قَوْلَهُ: إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ، لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِرْسَالُ فِي الْجِنَازَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْقَوْمَةِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ مُطْلَقًا. وَعَنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الْفَضْلِيِّ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَالْحَاكِمِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: السُّنَّةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الِاعْتِمَادُ مُخَالَفَةً لِلرَّوَافِضِ، فَإِنَّهُمْ يُرْسِلُونَ وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، ثُمَّ الْإِرْسَالُ فِي الْقَوْمَةِ بِنَاءٌ عَلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا بَلْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ إلَيْهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ قَلَّمَا يَقَعُ التَّسْمِيعُ إلَّا فِي الْقِيَامِ حَالَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ «وَجَّهْتُ وَجْهِي» ) وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْبُدَاءَةِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ (قَوْلُهُ لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ) إذَا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا تَمَّ الِاسْتِدْلَال وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ التَّوْجِيهُ لَمْ يَتِمَّ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ إفْرَادِهِ وَضَمِّهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ كَانَ يَفْتَتِحُ أَحْيَانًا بِهَذِهِ وَأَحْيَانًا بِذَاكَ فَلَا يُفِيدُ سُنِّيَّةَ الْجَمْعِ. وَالثَّابِتُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي مُسْلِمٍ مَا ظَاهِرُهُ الْإِفْرَادُ نَسُوقُهُ تَشْرِيفًا لِهَذَا التَّأْلِيفِ، وَإِعَانَةً عَلَى حِفْظِ أَلْفَاظِ السُّنَّةِ لِيُتَبَرَّكَ بِهَا فِي النَّوَافِلِ مِنْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ، وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي. وَإِذَا رَفَعَ قَالَ

وَلَهُمَا رِوَايَةُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَقَرَأَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ إلَى آخِرِهِ» وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» . ثُمَّ يَكُونُ آخِرُ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي» . فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِرِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ. وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا رِوَايَةُ أَنَسٍ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الِاسْتِفْتَاحَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ، مَرْفُوعًا إلَّا عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى عُمَرَ، وَرَفَعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: الْمَحْفُوظُ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدَةَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَضَعَّفَاهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ. وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ثَلَاثًا، تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثًا، أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَتَكَلَّمُ فِي عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ اهـ. وَعَلِيُّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَجَدِ بْنِ رِفَاعَةَ وَثَّقَهُ وَكِيعُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَكَفَى بِهِمْ، وَلِمَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ «الِافْتِتَاحُ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ» مَعَ الْجَهْرِ بِهِ لِقَصْدِ تَعْلِيمِ النَّاسِ لِيَقْتَدُوا وَيَأْنَسُوا كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرَ الْأَمْرِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ الْأَكْثَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ رَفْعُ غَيْرِهِ أَقْوَى عَلَى طَرِيقِ الْمُحَدِّثِينَ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْكُتُ هُنَيْهَةً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَقُلْ بِسُنِّيَّتِهِ عَيْنًا أَحَدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْمَرْفُوعِ أَوْ الْمَرْفُوعَ الْمَرْجُوحَ فِي الثُّبُوتِ عَنْ مَرْفُوعٍ آخَرَ قَدْ يُقَدَّمُ عَلَى عَدِيلِهِ إذَا اقْتَرَنَ بِقَرَائِنَ تُفِيدُ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُسْتَمِرٌّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ) يُؤَيِّدُ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا قَامَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَجَّهْتُ وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ، فَيَكُونُ مُفَسِّرًا لِمَا

عَلَى التَّهَجُّدِ. وَقَوْلُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُك لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ. وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِتَتَّصِلَ بِهِ النِّيَّةُ هُوَ الصَّحِيحُ (وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] مَعْنَاهُ: إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِهِ، بِخِلَافِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ الْمُسْتَقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ عَلَى التَّهَجُّدِ) الْمُرَادُ النَّوَافِلُ تَهَجُّدًا وَغَيْرَهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، ثُمَّ إذَا قَالَهُ يَقُولُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قِيلَ تَفْسُدُ لِلْكَذِبِ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ تَالٍ لَا مُخْبِرٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمَشَاهِيرِ) وَإِنْ كَانَ رُوِيَ فِي الْجُمْلَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ لَهُ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو شُجَاعٍ فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " إنَّ مِنْ أَحَبِّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك، وَجَلَّ ثَنَاؤُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَأَبْغَضِ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: اتَّقِ اللَّهَ فَيَقُولُ عَلَيْك نَفْسَك " (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يَأْتِي بِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النِّيَّةِ وَعَمِلَ بِالْإِخْبَارِ، وَقِيلَ لَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِيَتَّصِلَ بِهِ: أَيْ بِالتَّكْبِيرِ النِّيَّةُ، إذْ الْأَوْلَى فِي النِّيَّةِ قِرَانُهَا بِالتَّكْبِيرِ وَقِرَاءَتُهُ تُوجِبُ فَصْلَهَا، إلَّا أَنَّ هَذَا يَنْتَفِي فِي حَقِّ مَنْ اسْتَصْحَبَهَا فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ إلَخْ) وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ، وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَعَطَاءٍ وُجُوبُهُ نَظَرًا إلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ كَوْنِهِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فِي الْقِرَاءَةِ صَارِفًا عَنْهُ بَلْ يَصِحُّ شَرْعُ الْوُجُوبِ مَعَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَيَبْعُدُ مِنْهُمَا أَنْ يَبْتَدِعَا قَوْلًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّارِفِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ تَعْلِيمُهُ الْأَعْرَابِيَّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ تَعْلِيمَهُ الصَّلَاةَ بِتَعْلِيمِهِ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ وَاجِبَاتِ الْقِرَاءَةِ، أَوْ أَنَّ كَوْنَهَا تُقَالُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ كَانَ ظَاهِرًا فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لَهُ: وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَعَ أَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ هُوَ الْأَصَحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شِرْعَتَهَا لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَسْتَعِيذُ الْمَسْبُوقُ مَرَّتَيْنِ إذَا افْتَتَحَ وَإِذَا قَرَأَ فِيمَا يُقْضَى ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ) وَغَيْرُ الْمُصَنِّفِ: اخْتَارَ

وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ التَّعَوُّذُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ دُونَ الثَّنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا تَلَوْنَا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْمَسْبُوقُ دُونَ الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) هَكَذَا نُقِلَ فِي الْمَشَاهِيرِ (وَيُسِرُّ بِهِمَا) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَهَرَ فِي صَلَاتِهِ بِالتَّسْمِيَةِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعُوذُ بِاَللَّهِ لِأَنَّ لَفْظَ أَسْتَعِيذُ طَلَبُ الْعَوْذَةِ، وَقَوْلُهُ أَعُوذُ امْتِثَالٌ مُطَابِقٌ لِمُقْتَضَاهُ، أَمَّا قُرْبُهُ مِنْ لَفْظِهِ فَمُهْدَرٌ وَإِذَا كَانَ الْمَنْقُولُ مِنْ اسْتِعَاذَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعُوذُ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا (قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْبَعٌ إلَخْ) الرَّابِعُ التَّحْمِيدُ، وَالْأَرْبَعَةُ رَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالِاسْتِعَاذَةَ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَهَرَ» ) فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ «صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ، ثُمَّ يَقُولُ إذَا سَلَّمَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ لَا ارْتِيَابَ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْجَهْرِ لِجَوَازِ سَمَاعِ نُعَيْمٍ مَعَ إخْفَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَحَقَّقُ إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْإِخْفَاءِ مَعَ قُرْبِ الْمُقْتَدِي، وَالصَّرِيحُ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَفِي رِوَايَةٍ جَهَرَ قَالَ: قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ بِلَا عِلَّةٍ وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهَذَانِ أَمْثَلُ حَدِيثٍ فِي الْجَهْرِ. قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَيْسَ حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي الْجَهْرِ إلَّا فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَلِذَا أَعْرَضَ أَرْبَابُ الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْمَدُ فَلَمْ يُخَرِّجُوا مِنْهَا شَيْئًا مَعَ اشْتِمَالِ كُتُبِهِمْ عَلَى أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَرَوَيْنَا عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَهْرِ حَدِيثٌ. وَعَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّهُ صَنَّفَ بِمِصْرَ كِتَابًا فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فَأَقْسَمَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِيُعَرِّفهُ الصَّحِيحَ مِنْهَا، فَقَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْجَهْرِ حَدِيثٌ. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ: أَحَادِيثُ الْجَهْرِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْثُورَةً عَنْ نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَهَا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ شَوَائِبَ. وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: الْجَهْرُ قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمْ يَجْهَرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْلِيمِ لِأَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا» . ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ كَالتَّعَوُّذِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْبَسْمَلَةِ حَتَّى مَاتَ» فَقَدْ تَعَارَضَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ، إنَّ تَمَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وُقُوعِهِ أَحْيَانًا: يَعْنِي لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّهَا تُقْرَأُ فِيهَا، وَأَوْجَبَ هَذَا الْحَمْلُ صَرِيحَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» لَمْ يُرِدْ نَفْسَ الْقِرَاءَةِ بَلْ السَّمَاعَ لِلْإِخْفَاءِ بِدَلِيلِ مَا صَرَّحَ بِهِ عَنْهُ «فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكُلُّهُمْ يُخْفُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ وَالْحَكَمِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَقَتَادَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَعْمَشِ وَالزُّهْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ أَبِي سُفْيَانَ السَّعْدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَجَهَرَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَنَادَاهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِهَا» (قَوْلُهُ ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) هِيَ رِوَايَةُ

وَعَنْهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا احْتِيَاطًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ (ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ) فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا، وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَاتِحَةِ وَلِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا. لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَسَنِ عَنْهُ (وَعَنْهُ) وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا) وَجْهُهَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَاخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَمُقْتَضَى هَذَا سُنِّيَّتُهَا مَعَ السُّورَةِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ كَمَا فِي الْفَاتِحَةِ إلَخْ وَوُجُوبُ السُّورَةِ كَالْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا) مُنِعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَاقْتَصَرَ عَلَى لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ إلَخْ، وَسَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي سُفْيَانَ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ السَّعْدِيِّ. وَعَنْهُ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُسْنَدِهِ نُقِلَ عَنْ أَبِي مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ تَضْعِيفُهُ وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمُتُونِ بِأَشْيَاءَ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْرُهُ وَأَسَانِيدُهُ مُسْتَقِيمَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَمَعَهَا غَيْرُهَا» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُنَادِيَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَتَأَمَّلْهُ. وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رَوَاهُ الْحَارِثِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْهُ بِسَنَدِهِمَا لَكِنْ فِي الطَّرِيقِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ ضُعِّفَ، وَفِي طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَسَنَذْكُرُ الْخِلَافَ فِيهِ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ) فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَفِيهِ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ النَّفْيَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى النِّسَبِ لَا نَفْسِ الْمُفْرَدِ، وَالْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْجَارِ مَحْذُوفٌ فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ صَحِيحَةً فَيُوَافِقُ رَأْيَهُ، أَوْ كَامِلَةً فَيُخَالِفُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا اسْتِقْرَارٌ عَامٌّ. فَالْحَاصِلُ لَا صَلَاةَ كَائِنَةٌ، وَعَدَمُ الْوُجُودِ شَرْعًا هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. بِخِلَافِ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَخْ. وَلَا صَلَاةَ لِلْعَبْدِ الْآبِقِ فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْجَبَ كَوْنَ الْمُرَادِ كَوْنًا خَاصًّا: أَيْ كَامِلَةً، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مِنْ حَذْفِ الْخَبَرِ لَا مِنْ وُقُوعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ خَبَرًا، فَلِذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ إلَى الظَّنِّيَّةِ فِي الثُّبُوتِ، وَبِهِ لَا يَثْبُتُ

وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» . وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا (وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرُّكْنُ لِأَنَّ لَازِمَهُ نَسْخُ الْإِطْلَاقِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيمَ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَاطِعِ وَهُوَ لَا يَحِلُّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْفَاتِحَةِ وَلَا تَفْسُدُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُثْبِتُونَ رُكْنِيَّةَ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَعْنَى الْوُجُوبِ عِنْدَنَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِهَا قَطْعًا بَلْ ظَنًّا، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَخُصُّونَ الْفَرْضِيَّةَ وَالرُّكْنِيَّةَ بِالْقَطْعِيِّ، فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: نَقُولُ بِمُوجِبِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ جَوَّزْنَا الزِّيَادَةَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ هُنَا، فَإِنَّا إنَّمَا قُلْنَا بِرُكْنِيَّتِهَا وَاقْتِرَاضِهَا بِالْمَعْنَى الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ وُجُوبًا فَلَا زِيَادَةَ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ مَا تَرْكُهُ مُفْسَدٌ وَهُوَ الرُّكْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَاطِعٍ أَوْ لَا، فَقَالُوا لَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُجْمَلٌ مُشْكَلٌ، فَكُلُّ خَبَرٍ بَيَّنَ فِيهَا أَمْرًا وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَاهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْحَقِيقَةِ يُوجِبُ الرُّكْنِيَّةَ، وَقُلْنَا بَلْ يَلْزَمُ فِي كُلِّ مَا أَصْلُهُ قَطْعِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ سِوَى جُمْلَةِ الْأَرْكَانِ، فَإِذَا كَانَتْ قَطْعِيَّةً يَلْزَمُ فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ قَطْعِيَّتُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا إيَّاهَا مَعَ الْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا أَصْلُهُ ظَنِّيٌّ فَإِنَّ ثُبُوتَ أَرْكَانِهِ الَّتِي هِيَ هُوَ يَكُونُ بِظَنِّيٍّ بِلَا إشْكَالٍ، وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمَّا لَمْ يُقْطَعْ بِهِ فَالْفَسَادُ بِتَرْكِهِ مَظْنُونٌ وَالصِّحَّةُ الْقَائِمَةُ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ قَطْعِيَّةٌ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَإِلَّا أَبْطَلَ الظَّنِّيُّ الْقَطْعِيَّ (قَوْلُهُ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا) عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ السُّورَةِ بِالسُّورَةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ سُورَةً أَوْ لَا نَظَرًا إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ وَمَعَهَا غَيْرُهَا. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: ثُبُوتُ الْوُجُوبِ بِهَذَا الظَّنِّيِّ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ لَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَخَفَّ صَلَاتَهُ لَمَّا عَلَّمَهُ «فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَمَقَامُ التَّعْلِيمِ لَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ، فَلَوْ كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ لَنَصَّ عَلَيْهِمَا لَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُوبَهُمَا كَانَ ظَاهِرًا وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِ الْأَعْرَابِيِّ حِفْظُهُ لَهُمَا فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ» أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا مَعَك الْفَاتِحَةَ أَوْ غَيْرَهَا، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعَهُ الْفَاتِحَةُ فَالْمَقْصُودُ مَا تَيَسَّرَ بَعْدَهَا لِظُهُورِ لُزُومِهَا. وَفِي أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتُهُ «إذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ إلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ» وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا قَالَ فِيهَا «فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، ثُمَّ اقْرَأْ وَكَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهِ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ» فَالْأَوْلَى فِي الْجَمْعِ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ: أَيْ فَإِنْ كَانَ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِلَّا فَكَبِّرْهُ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ مَعَك فَاقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا

آمِينَ وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» وَلَا مُتَمَسَّكَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» مِنْ حَيْثُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا قَالَ (وَيُخْفُونَهَا) لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إنَّ الرُّوَاةَ رَوَوْا بِالْمَعْنَى مَعَ اقْتِصَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضِ الْجُمَلِ الْمَنْقُولَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ (قَوْلُهُ وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فِي السَّرِيَّةِ إذَا سَمِعَهُ أَوْ فِي الْجَهْرِيَّةِ، وَفِي السَّرِيَّةِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقُولُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ. وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤَمِّنُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبِهِ يَثْبُتُ تَأْمِينُ الْإِمَامِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَأْمِينُهُ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ لَمْ يُسَقْ لَهُ النَّصُّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ: أَعْنِي قَوْلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا، وَهِيَ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ. وَحَدِيثُ الْقِسْمَةِ فِي الصَّحِيحِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا بَلَغَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ آمِينَ وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ الْعَنْبَسِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بْنِ حُجْرٌ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» فَقَدْ خَالَفَ سُفْيَانُ شُعْبَةَ فِي الرَّفْعِ، وَفِي أَنَّ حُجْرًا أَبُو الْعَنْبَسِ أَوْ ابْنُ الْعَنْبَسِ وَفِي عَدَمِ ذِكْرِ عَلْقَمَةَ، وَفِيهِ عِلَّةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ قَالَ: إنَّهُ سَأَلَ الْبُخَارِيَّ هَلْ سَمِعَ عَلْقَمَةُ مِنْ أَبِيهِ فَقَالَ: إنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ اهـ. غَيْرَ أَنَّ هَذَا انْقِطَاعٌ إنْ تَمَّ، وَقَدْ رَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ سُفْيَانَ أَنَّهُ أَحْفَظُ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُعْبَةَ فِي الْحَدِيثِ رَافِعًا صَوْتَهُ. وَلَمَّا اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِخْفَاءُ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ آمِينَ عَنْ النَّخَعِيِّ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ كَانَ إلَيَّ فِي هَذَا شَيْءٌ لَوَفَّقْت بِأَنَّ رِوَايَةَ الْخَفْضِ يُرَادُ بِهَا عَدَمُ الْقَرْعِ الْعَنِيفِ، وَرِوَايَةَ الْجَهْرِ بِمَعْنَى قَوْلِهَا فِي زِبْرِ الصَّوْتِ وَذَيْلِهِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي ابْنِ مَاجَهْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَلَا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ آمِينَ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَرْتَجُّ بِهَا الْمَسْجِدُ» وَارْتِجَاجُهُ إذَا

وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ خَطَأٌ فَاحِشٌ. قَالَ (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» (وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ حَذْفًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ فِي الْيَمِّ فَإِنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ عَنْهُ دَوِيٌّ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْمَسَاجِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِقَرْعٍ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا بِقَرْعٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ وَالتَّشْدِيدُ خَطَأٌ) وَفِي التَّجْنِيسِ: تَفْسُدُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ عِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ) ذَكَرَ لَفْظَهُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمُقَارَنَةِ، وَلَفْظُ الْقُدُورِيِّ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ الْوَاوِ إيَّاهَا وَضِدَّهَا، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْخِلَافِ لَكِنَّ الْخِلَافَ نُقِلَ صَرِيحًا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُكَبِّرُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ لَا عِنْدَ الْخَفْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُكَبِّرُ مَعًا لَكِنَّهُ يَجْهَرُ عِنْدَ الرَّفْعِ وَيُخْفِي عِنْدَ الْخَفْضِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِيهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَالَةَ الْقِيَامِ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمُقَارَنَةِ هُوَ الصَّحِيحُ

لِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا، وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إذَا رَكَعْتَ فَضَعْ يَدَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ» وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْأَخْذِ، وَلَا إلَى الضَّمِّ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ (وَيَبْسُطُ ظَهْرَهُ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا) فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ مَدَّ أَلِفَ اللَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا، وَكَذَا لَوْ مَدَّ أَلِفَ أَكْبَرُ أَوْ بَاءَهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا لِأَنَّ أَكْبَارًا جَمْعُ كَبَرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ، وَقِيلَ اسْمٌ لِلشَّيْطَانِ، وَلَوْ مَدَّ هَاءَ اللَّهُ فَهُوَ خَطَأٌ لُغَةً وَكَذَا لَوْ مَدَّ رَاءَهُ، وَمَدُّ لَامِ " اللَّهُ " صَوَابٌ، وَجَزْمُ الْهَاءِ خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ (قَوْلُهُ وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) نَاصِبًا سَاقَيْهِ وَإِحْنَاؤُهُمَا شِبْهُ الْقَوْسِ كَمَا تَفْعَلُ عَامَّةُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَذَهَبَتْ بِي أُمِّي إلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِجَالَ الْأَنْصَارِ وَنِسَاءَهُمْ قَدْ أَتْحَفُوكَ وَلَمْ أَجِدْ مَا أُتْحِفُكَ إلَّا ابْنِي هَذَا فَاقْبَلْهُ مِنِّي يَخْدُمُكَ مَا شِئْتَ، قَالَ: فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِينَ فَلَمْ يَضْرِبْنِي ضَرْبَةً قَطُّ وَلَمْ يَسُبَّنِي وَلَمْ يَعْبِسْ فِي وَجْهِي» فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ إلَى أَنْ قَالَ فِيهِ: يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بُنَيَّ إذَا رَكَعْتُ فَضَعْ كَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ وَارْفَعْ يَدَيْكَ عَنْ جَنْبَيْكَ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ صِفَةِ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ رَكَعَ فَوَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ» وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا أَثَرُ التَّطْبِيقِ فَمَنْسُوخٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: " صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أَبِي وَطَبَّقْت بَيْنَ كَفِّي ثُمَّ وَضَعْتهمَا بَيْنَ فَخِذِي، فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُ فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ إلَّا فِي السُّجُودِ ". قِيلَ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ فِيهِ، فَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، فَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» وَرَوَى أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ

(وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا رَكَعَ لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ وَلَا يُقَنِّعُهُ (وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْبَرَاءِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ، وَإِذَا سَجَدَ وَجَّهَ أَصَابِعَهُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِثْلَ حَدِيثِ وَابِصَةَ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ وَلَا يُقَنِّعُهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَصَحَّحَهُ، وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ «فَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشَخِّصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ» (قَوْلُهُ إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَوْنًا لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ (قَوْلُهُ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ) وَأَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مَا يَكْمُلُ بِهِ لُغَةً وَيَصِيرُ جَمْعًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ مَعْلُومٍ، وَمُرَادُهُ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ كَمَالُهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحَصِّلُ لِلسُّنَّةِ لَا اللُّغَوِيُّ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ حَيْثُ أَمْكَنَتْ فِي لَفْظِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُدِّمَ اعْتِبَارُهَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ لُغَةً هُوَ أَدْنَى مَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ شَرْعًا وَلَا بِدَعَ فِيهِ، وَلَوْ تَرَكَ التَّسْبِيحَ أَصْلًا أَوْ أَتَى بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً كُرِهَ كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ أَفْضَلُ بَعْدَ أَنْ يَخْتِمَ بِوِتْرٍ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ إلَّا إذَا كَانَ إمَامًا وَالْقَوْمُ يَمَلُّونَ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ قَبِلَ، يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ زَيْدٍ أَيْ قَبِلَهُ فَهُوَ دُعَاءٌ بِقَبُولِ الْحَمْدِ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ) وَاتَّفَقُوا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يَذْكُرُ التَّسْمِيعَ. وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا

«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ» وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ. وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» هَذِهِ قِسْمَةٌ وَأَنَّهَا تُنَافِي الشَّرِكَةَ، لِهَذَا لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِالتَّسْمِيعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ تَحْمِيدُهُ بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمُقْتَدِي، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ (وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ يُرْوَى الِاكْتِفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (قَوْلُهُ «كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ» ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ تَرْجِيحُ مُقَارَنَةِ الِانْتِقَالِ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَنَّ التَّسْمِيعَ يُذْكَرُ حَالَةَ الِانْتِقَالِ وَالتَّحْمِيدَ حَالَةَ الْقِيَامِ، وَعَلَى وَقْفِهِ ذَكَرَ فِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَقَالَ فِيهِ: فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّسْمِيعِ حَالَةَ الرَّفْعِ لَا يَأْتِي بِهِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ، وَقِيلَ يَأْتِي بِهِمَا، ثُمَّ هَذَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْإِشْكَالَ السَّابِقَ فِي الْقَاعِدَةِ: كُلُّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يُسَنُّ فِيهِ الِاعْتِمَادُ وَإِلَّا فَلَا، فَفِي تَفْرِيعِهِمْ عَلَيْهَا عَدَمُ الِاعْتِمَادِ فِي الْقَوْمَةِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) هَذَا بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا رِوَايَتَهُ لِمَالِكٍ فِي عَدَمِ قَوْلِ

بِالتَّسْمِيعِ وَيُرْوَى بِالتَّحْمِيدِ، وَالْإِمَامُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ آتٍ بِهِ مَعْنًى . قَالَ (ثُمَّ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ وَسَجَدَ) أَمَّا التَّكْبِيرُ وَالسُّجُودُ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ قَائِمًا فَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَكَذَا الْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُفْتَرَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» قَالَهُ لِأَعْرَابِيٍّ حِينَ أَخَفَّ الصَّلَاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ آمِينَ عِنْدَهُ. وَلَفْظُهُ فِيهِ «وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» بِدُونِ ذِكْرِ لَفْظِ الْإِمَامِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ ثُمَّ الرَّبْطُ بِالضَّمَائِرِ، وَجْهُ مُنَافَاتِهَا الشَّرِكَةَ أَنَّهُ شَارِعٌ فِي بَيَانِ مَا عَلَى الْمُقْتَدِي مِنْ الْمُتَابَعَةِ وَقَدْ جَعَلَهُ جُمْلَةَ جَزَاءِ شَرْطِ تَسْمِيعِ الْإِمَامِ، فَلَوْ شُرِعَ لَهُ التَّسْمِيعُ لَمْ يَكُنْ الْجَزَاءُ لِأَنَّ جَزَاءَ الشَّيْءِ لَيْسَ عَيْنَهُ، وَلَبَيَّنَهُ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ، وَحِينَئِذٍ إنْ أَقَمْنَا رُكْنَ الْمُعَارَضَةِ كَانَ هَذَا أَرْجَحَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ بِخِلَافِ فِعْلِهِ. وَإِنْ جَمَعْنَا دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ كَانَ بِحَمْلِ الْجَمْعِ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ فِي عُمُومِ صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ آتٍ بِهِ مَعْنًى) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ» . (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُمْ فَصَلِّ إلَخْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى

وَلَهُمَا أَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودَ هُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً، فَتَتَعَلَّق الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا، وَكَذَا فِي الِانْتِقَالِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَفِي آخِرِ مَا رُوِيَ تَسْمِيَتُهُ إيَّاهُ صَلَاةً حَيْثُ قَالَ: وَمَا نَقَصْت مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ نَقَصْت مِنْ صَلَاتِك، ثُمَّ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا» وَاسْمُ الْأَعْرَابِيِّ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّكُوعَ) يَعْنِي الرُّكُوعَ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالنَّصِّ جُزْءًا لِلصَّلَاةِ، وَكَذَا السُّجُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] . وَلَا إجْمَالَ فِيهِمَا لِيَفْتَقِرَ إلَى الْبَيَانِ، وَمُسَمَّاهُمَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الِانْحِنَاءِ وَوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ مِمَّا لَا يُعَدُّ سُخْرِيَةً مَعَ الِاسْتِقْبَالِ فَخَرَجَ الذَّقَنُ وَالْخَدُّ، وَالطُّمَأْنِينَةُ دَوَامٌ عَلَى الْفِعْلِ لَا نَفْسُهُ فَهُوَ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَتَوَقَّفَ الصِّحَّةُ عَلَيْهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا لِإِطْلَاقِ الْقَاطِعِ بِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ يُفِيدُ عَدَمَ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ» . أَخْرَجَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتُهُ، فَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ فِيهِ «فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، وَإِنْ انْتَقَصْتَ شَيْئًا انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ تَسْمِيَتُهَا صَلَاةً وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ صَلَاةً، وَعَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ وَصَفَهَا بِالنَّقْصِ، وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بِالِانْعِدَامِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِعَادَتِهَا لِيُوقِعَهَا عَلَى غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا لِلْفَسَادِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَرْكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُهَا مُفْسِدًا لَفَسَدَتْ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ، وَبَعْدَ الْفَسَادِ لَا يَحِلُّ الْمُضِيُّ فِي الصَّلَاةِ، وَتَقْرِيرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ وَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» عَلَى الصَّلَاةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْإِثْمِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ، أَوْ الْمَسْنُونَةِ عَلَى قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تُصَلِّ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَلِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ. وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ. وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ: مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: تَلْزَمُهُ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِي، وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ)

سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا الطُّمَأْنِينَةُ فِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ. وَفِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَاجِبَةٌ حَتَّى تَجِبَ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهَا سَاهِيًا عِنْدَهُ (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) لِأَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَسَجَدَ وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ» قَالَ (وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا: أَيْ بِاتِّفَاقٍ لِلْمَشَايِخِ، بِخِلَافِ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى مَا سَمِعْت مِنْ الْخِلَافِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذِهِ الْفَرَائِضُ لِلْمُوَاظَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيَانًا وَأَنْتَ عَلِمْت حَالَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَاجِبَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ. وَلِمَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إيجَابُ سُجُودِ السَّهْوِ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ، قَالَ: الْمُصَلِّي إذَا رَكَعَ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا سَاهِيًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهَا فَرَائِضُ عَلَى الْفَرَائِضِ الْعَمَلِيَّةِ وَهِيَ الْوَاجِبَةُ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. ثُمَّ وَجْهُ تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ كَوْنُ الزَّائِدِ عَلَى مُسَمَّى الرُّكْنِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالِاسْتِنَانِ. وَوَجْهُ تَفْصِيلِ الْكَرْخِيِّ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ مُكَمِّلِ الرُّكْنِ الْمَقْصُودِ لِنَفْسِهِ وَمُكَمِّلِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ: أَعْنِي الِانْتِقَالَ وَذَلِكَ بِوُجُوبِ الْأَوَّلِ وَاسْتِنَانِ الثَّانِي، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي كُلٍّ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ الْوُجُوبُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ وَصَفَ إلَخْ) كَوْنُهُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ غَرِيبًا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ «وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ السُّجُودَ فَسَجَدَ فَادَّعَمَ عَلَى كَفَّيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ إلَخْ) فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ» انْتَهَى، وَمَنْ يَضَعُ كَذَلِكَ تَكُونُ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ فَيُعَارِضُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» وَنَحْوُهُ فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بِأَنَّ فُلَيْحَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْوَاقِعَ فِي مُسْنَدِ الْبُخَارِيِّ وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ تَثْبِيتَهُ لَكِنْ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُد وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَالسَّاجِيُّ، وَقَدْ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ قَالَ «رَمَقْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ

أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَلِكَ. قَالَ (وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQحِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ بِهِ، وَلَفْظُهُ «كَانَتْ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ «أَيْنَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضَعُ جَبْهَتَهُ إذَا صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ كَفَّيْهِ» . وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّهمَا تَيَسَّرَ جَمْعًا لِلْمَرْوِيَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ هَذَا أَحْيَانًا وَهَذَا أَحْيَانًا إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْكَفَّيْنِ أَفْضَلَ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ الْمُجَافَاةِ الْمَسْنُونَةِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ كَانَ حَسَنًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ) يُفِيدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُمَا وَالتِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّهُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» وَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَضَعُ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ مَعَ جَبْهَتِهِ» وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّابِقِ فَإِنَّ فِيهِ «ثُمَّ سَجَدَ فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ» . (قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فَإِنْ كَانَ الْأَنْفُ كُرِهَ، وَإِنْ كَانَ الْجَبْهَةُ فَفِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ، وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ: وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا أَوْ الْأَنْفِ وَحْدَهُ يُكْرَهُ وَيُجْزِئُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِوَضْعِهِمَا إلَّا لِعُذْرٍ. قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَبْهَةِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، فَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ بِإِجْمَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَهُ. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَيْهِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» وَرِوَايَةُ «وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ» غَيْرُ ضَائِرَةٍ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ، وَالْإِشَارَةُ إلَى الْجَبْهَةِ تَقَعُ بِتَقْرِيبِ الْيَدَيْنِ إلَى جِهَةِ الْأَنْفِ لِلتَّقَارُبِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ وَضْعُ مَا صَلُبَ مِنْ

أَنَّ السُّجُودَ يَتَحَقَّقُ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَّا أَنَّ الْخَدَّ وَالذَّقَنَ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَنْفِ لَا مَا لَانَ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى السُّجُودُ وَهُوَ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِالْأَنْفِ، فَتَوْقِيفُ أَجْزَائِهِ عَلَى وَضْعٍ آخَرَ مَعَهُ زِيَادَةٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ اشْتِهَارِ الْوَجْهِ فِيمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ وَجْهُهُ وَكَفَّاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ» ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ «أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» وَقَوْلُ الْبَزَّارِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ آرَابٍ إلَّا الْعَبَّاسُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسِ وَسَعْدًا قَالَاهُ كَالْعَبَّاسِ فِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ» وَرُبَّمَا قَالَ «أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» وَزَادَ «أَيُّهَا لَمْ يَضَعْهُ فَقَدْ انْتَقَصَ» وَفِيهِ زِيَادَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّحَّةِ بِتَقْدِيرِ تَرْكِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ شَاهِدٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَالْآرَابُ: الْأَعْضَاءُ وَاحِدُهَا إرْبٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ رِوَايَةِ الْوَجْهِ أَوْ الْآرَابِ لَا تَقْدَحُ فِي صِحَّةِ رِوَايَةِ الْجَبْهَةِ لِأَنَّهَا أَوَّلًا لَا تُعَارِضُ الْوَجْهَ بَلْ حَاصِلُهَا بَيَانُ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَجْمُوعَهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِعَدَمِ إرَادَةِ الْخَدِّ وَالذَّقَنِ فَكَانَتْ مُبَيِّنَةً لِلْمُرَادِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ نَفْسُهُ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُرُقٍ وَأَلْفَاظٍ، مِنْهَا بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِنْسَانُ يَسْجُدُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: جَبْهَتِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ» . فَالْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الْمَذْكُورَةِ الْوُجُوبُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَعَلَى هَذَا فَجَعَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِهِمَا لَمْ يُوَافِقْهُ دِرَايَةً وَلَا الْقَوِيُّ مِنْ الرِّوَايَةِ، هَذَا. وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُمَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ عَلَى وُجُوبِ الْجَمْعِ كَانَ أَحْسَنَ إذْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى حَمْلِنَا الْكَرَاهَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا عَنْ الْأُصُولِ إذْ يَلْزَمُهُمَا الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمَا يُمْنَعَانِ. [فُرُوعٌ] يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالْقُطْنِ وَالطُّنْفُسَةِ إنْ وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ وَكَذَا الثَّلْجُ الْمُلَبَّدُ، فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا يَجِدُ الْحَجْمَ لَا، وَعَلَى الْعَجَلَةِ عَلَى الْأَرْضِ تَجُوزُ كَالسَّرِيرِ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ، وَعَلَى الْعِرْزَالِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ لَا عَلَى الدُّخْنِ وَالْأَرُزِّ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَعَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ صَلَاتُهُ لِلضَّرُورَةِ لَا مَنْ هُوَ فِي غَيْرِهَا أَوْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، فَلَوْ ارْتَفَعَ مَوْضِعُ السُّجُودِ عَنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَدْرَ لَبِنَةٍ أَوْ لَبِنَتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ لَا إنْ زَادَ (قَوْلُهُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا) بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ لَفْظَ أُمِرْت

وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ فَرِيضَةٌ فِي السُّجُودِ. قَالَ (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ جَازَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَعْمَلٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ، وَهُوَ مَعْنَى طُلِبَ مِنِّي ذَلِكَ ثُمَّ هُوَ فِي الْجَبْهَةِ وُجُوبٌ وَفِي غَيْرِهَا مَعَهَا نَدْبٌ، أَوْ فِي النَّدْبِ بِخُصُوصِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي أُمِرْنَا وَنُهِينَا يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْوُجُوبِ، وَالثَّانِيَ فِيهِ وَفِي التَّحْرِيمِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ، بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِعَيْنِهِمَا فَإِنَّهُمَا لِلْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ فَقَطْ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فَلَا، إذْ قَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّحْرِيمِ بِلَفْظِ نُهِيَ نَحْوُ «نُهِيَ عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ تَحَقُّقِ صِيغَةِ النَّهْيِ وَحَقِيقَتُهَا التَّحْرِيمُ اتِّفَاقًا فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ: أَعْنِي الصِّيغَةَ لَا بِنَفْسِ لَفْظِ نُهِيَ وَأُمِرَ فَيَحْتَاجُ إلَى صَارِفٍ عَنْ الْوُجُوبِ، وَلَيْسَ يَظْهَرُ إلَّا ظُهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ السُّجُودُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَبِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَزْيَنُ فَيَكُونُ سُنَّةً. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُحْتَمَلٌ فِي الصَّرْفِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ مَا هُوَ زِينَةُ السُّجُودِ حَتْمًا فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْوُجُوبِ. نَعَمْ لَا يَكُونُ فَرْضًا كَيْفَ وَالظَّاهِرُ الْمُوَاظَبَةُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. هَذَا وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْأَنْجَاسِ مِنْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا لَمْ يَضَعْ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَنَّهُ رَدَّ رِوَايَةَ عَدَمِ وُجُوبِ طَهَارَةِ مَكَانِ الرُّكْبَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ يُشِيرُ إلَى الِافْتِرَاضِ، وَمَا اخْتَرْته مِنْ الْوُجُوبِ وَلُزُومِ الْإِثْم بِالتَّرْكِ مَعَ الْإِجْزَاءِ كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ أَعْدَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا افْتِرَاضُ وَضْعِ الْقَدَمِ فَلِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَيَكْفِيهِ وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي الْوَجِيزِ وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَرْضٌ، فَإِنْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى جَازَ وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ) رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْحَافِظُ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا لَاحِقٌ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَيْرُوزَ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ عَنْ أَبِيهِ أَدْهَمَ بْنِ مَنْصُورٍ الْعِجْلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ» وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» وَقَدْ ضُعِّفَ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، وَجَابِرُ الْجُعْفِيُّ كَذَّابٌ.

فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا (وَيُبْدِي ضَبْعَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَبْدِ ضَبْعَيْك وَيُرْوَى وَأَبِدّ " مِنْ الْإِبْدَادِ: وَهُوَ الْمَدُّ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الْإِبْدَاءِ وَهُوَ الْإِظْهَارُ (وَيُجَافَى بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) «لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيّ فِي فَوَائِدِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ الأنطرطوسي، حَدَّثَنَا كَيْدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى عِمَامَتِهِ " وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فَقَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمَّيْهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْمَدِينِيِّ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْ أَنَسٍ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْحَائِلَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ السُّجُودِ وَلَمْ يَزِدْ مَا نَحْنُ فِيهِ إلَّا بِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهِ، وَيَمْنَعُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ فِي الْفَسَادِ لَوْ تَجَرَّدَ عَنْ الْمَنْقُولَاتِ فَكَيْفَ وَفِيهِ مَا سَمِعْت، وَإِنْ تُكُلِّمَ فِي بَعْضِهَا كَفَى الْبَعْضُ الْآخَرُ، وَلَوْ تَمَّ تَضْعِيفُ كُلِّهَا كَانَتْ حَسَنَةً لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ وَكَثْرَتِهَا. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَيْضًا، وَيَكْفِي مَا نَقَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ يَقْوَى ظَنُّ صِحَّةِ الْمَرْفُوعَاتِ إذْ لَيْسَ مَعْنَى الضَّعِيفِ الْبَاطِلَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَعَ تَجْوِيزِ كَوْنِهِ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ أَنْ تَقْتَرِنَ قَرِينَةٌ تُحَقِّقُ ذَلِكَ وَإِنَّ الرَّاوِيَ الضَّعِيفَ أَجَادَ فِي هَذَا الْمَتْنِ الْمُعَيَّنِ فَيَحْكُمُ بِهِ، مَعَ أَنَّ اعْتِبَارَ التَّبَعِيَّةِ فِي الْحَائِلِ يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهِ حَائِلًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ سَجَدَ بِلَا حَائِلٍ. وَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِكُمِّهِ كَمَا لَا يَجُوزُ بِكَفِّهِ. وَلَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى نَجَاسَةٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ صَحَّحَ الْجَوَازَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. هَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ الْمِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ لَا يُرَادُ بِهِ أَصْلُ التَّعْظِيمِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَلْ نِهَايَتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكْنَ فِعْلٌ وُضِعَ لِلتَّعْظِيمِ وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَ مِنْ وَضْعِ الرَّجُلِ الْجَبْهَةَ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الْأَرْضِ نَاكِسًا لِغَيْرِهِ عَدُّهُ تَعْظِيمًا: أَيْ تَعْظِيمُ هَذَا فِي الْحَائِلِ التَّابِعِ. أَمَّا الْحَائِلُ الَّذِي هُوَ بَعْضُهُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَلَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ قِيلَ لَا يَجُوزُ وَصَحَّحَ الْجَوَازَ أَوْ عَلَى فَخِذِهِ. قِيلَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بِعُذْرٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بَلْ لَا يَحِلُّ عِنْدِي نَقْلُهُ كَيْ لَا يَشْتَهِرَ، وَصَحَّحَ الْجَوَازَ بِعُذْرٍ لَا بِدُونِهِ، وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا، لَكِنْ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ كَفَاهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ وَكَانَ عَدَمُ الْخِلَافِ فِيهِ لِكَوْنِ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ وَهُوَ لَا يَأْخُذُ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ الْجَبْهَةِ. فِي التَّجْنِيسِ: لَوْ سَجَدَ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ إنْ كَانَ أَكْثَرُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْفَسَادِ عَلَى الْكَفِّ وَالْفَخِذِ (قَوْلُهُ وَأَبْدِ ضَبْعَيْك) غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَكْرِيِّ قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أُصَلِّي لَا أَتَجَافَى عَنْ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ» . وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يُجَافِي كَيْ لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ (وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ» (وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بَعْدَ أَنْ يَخْتِمَ بِالْوِتْرِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ» ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا لَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يُمِلُّ الْقَوْمَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى لتَّنْفِيرِ ثُمَّ تَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سُنَّةٌ لِأَنَّ النَّصَّ تَنَاوَلَهُمَا دُونَ تَسْبِيحَاتِهِمَا فَلَا يَزِيدُ عَلَى النَّصِّ (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ فِي سُجُودِهَا وَتَلْزَقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا. قَالَ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ) لِمَا رَوَيْنَا (فَإِذَا اطْمَأَنَّ جَالِسًا كَبَّرَ وَسَجَدَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ «ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَسْتَوِيَ جَالِسًا» وَلَوْ لَمْ يَسْتَوِ جَالِسًا وَسَجَدَ أُخْرَى أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَتَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا، وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْضِ بِذِرَاعِي. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا تَبْسُطُ بَسْطَ السَّبُعِ وَادَّعِمْ عَلَى رَاحَتَيْك وَأَبْدِ ضَبْعَيْك، فَإِنَّك إذَا فَعَلْت ذَلِكَ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْك. وَرَفَعَهُ ابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ: وَجَافِ عَنْ ضَبْعَيْك (قَوْلُهُ إذَا سَجَدَ جَافَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَا فِيهِ بُهَيْمَةٌ، وَعَلَى الْبَاءِ ضَمَّةٌ بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَصْغِيرِ بَهْمَةٍ، قِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفَتْحُهَا خَطَأٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إذَا سَجَدَ " إلَخْ) الْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ مَا أَسْلَفْنَاهُ وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ «كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إلَى أَنْ قَالَ «فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ» ) غَرِيبٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَلَا يُزَادُ عَلَى النَّصِّ) عَدَمُ الزِّيَادَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ لِجَوَازِ الْوُجُوبِ وَالْمُوَاظَبَةِ، وَالْأَمْرُ مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَقُلْ جَعَلُوهَا يَقْتَضِيهِ إلَّا لِصَارِفٍ، بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ بِافْتِرَاضِهَا فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا. وَقِيلَ فِي الصَّارِفِ إنَّهُ عَدَمُ ذِكْرِهَا لِلْأَعْرَابِيِّ عِنْدَ تَعْلِيمِهِ فَيَكُونُ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ، قَالُوا: وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا وَنَقْصُهَا مِنْ الثَّلَاثِ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ) رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: إذَا رَفَعَ

جَازَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا فَتَتَحَقَّقُ الثَّانِيَةُ. قَالَ (فَإِذَا اطْمَأَنَّ سَاجِدًا كَبَّرَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (وَيَسْتَوِي قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَنْهَضُ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ. وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ قَعْدَةُ اسْتِرَاحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْرَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ: إنْ رَفَعَ قَدْرُ مَا يُسَمَّى رَافِعًا جَازَ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ هُوَ الْأَصَحُّ وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ مُخْتَارُهُ بِأَنَّهُ يُعَدُّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ هِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَعْنَى. وَاخْتِيَارُهَا اخْتِيَارُهَا. وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ: إذَا رَفَعَ بِحَيْثُ لَا يُشْكَلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ رُفِعَ جَازَ، فَإِنْ أَرَادَ النَّاظِرُ عَنْ بُعْدٍ فَهُوَ مَعْنَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ اعْتِقَادِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَوِ صُلْبُهُ فِي الْجِلْسَةِ وَالْقَوْمَةِ فَهُوَ آثِمٌ لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) وَلَكِنْ عَلَى رُكْبَتَيْهِ (قَوْلُهُ فَعَلَ ذَلِكَ) فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» (قَوْلُهُ وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَالِدُ بْنُ إيَاسٍ وَيُقَالُ ابْنُ إيَاسٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَكَذَا أَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِهِ. قَالَ: وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَاَلَّذِي أُعِلَّ بِهِ خَالِدٌ مَوْجُودٌ فِي صَالِحٍ وَهُوَ الِاخْتِلَاطُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْتَضِي قُوَّةَ أَصْلِهِ وَإِنْ ضَعُفَ خُصُوصُ هَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ كَذَلِكَ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يَجْلِسْ " وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَكَذَا عَنْ عُمَرَ. وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ " كَانَ عُمَرُ وَعَلِيُّ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَضُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ " وَأَخْرَجَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ أَدْرَكْت

وَالصَّلَاةُ مَا وُضِعَتْ لَهَا. (وَيَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى) لِأَنَّهُ تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَتَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمْ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ نَهَضَ كَمَا هُوَ وَلَمْ يَجْلِسْ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ " أَنَّهُ رَأَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ " فَقَدْ اتَّفَقَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا أَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشَدَّ اقْتِفَاءً لِأَثَرِهِ وَأَلْزَمَ لِصُحْبَتِهِ مِنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ. وَلِذَا كَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا سَمِعْته مِنْ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَهَضَ اعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ» وَالتَّوْفِيقُ أَوْلَى فَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ، وَلِذَا رَوَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُبَادِرُونِي فِي رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ فَإِنَّ مَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي إذَا سَجَدْت إنِّي قَدْ بَدَّنْتُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. هَذَا وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ، وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ، وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَحِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ، وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَبِجَمْعٍ، وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ: وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَفِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِعَرَفَاتٍ، وَبِجَمْعٍ، وَفِي الْمَقَامَيْنِ، وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ» وَقَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ عَنْ مِقْسَمٍ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، فَهُوَ مُرْسَلٌ وَغَيْرُ مَحْفُوظٍ. قَالَ: وَأَيْضًا فَهُمْ يَعْنِي: أَصْحَابَنَا خَالَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَتَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِمَامِ:

وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ، وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ» وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ الرَّفْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ تَفَرُّدِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَتَرْكُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ. وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْهُ بِالْوَقْفِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَوَكِيعٌ أَثْبَتُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَبِرِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ. وَقَدْ أَسْنَدَاهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَا تُرْفَعُ إلَّا فِيهَا: وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَا تُرْفَعُ إلَّا فِيهَا صَحِيحًا. وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالرَّفْعِ فِي غَيْرِهَا كَثِيرًا، فَمِنْهَا الِاسْتِسْقَاءُ وَدُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا حَاصِلُهُ، وَأَحْسَنُهَا أَنَّ الْحَصْرَ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا ذُكِرَ مِنْ ثُبُوتِ الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَجَوَابُهُ الْمُعَارَضَةُ بِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ إلَخْ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَغَيْرُ ضَائِرٍ بَعْدَ مَا ثَبَتَ بِالطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَالْقَدْحُ فِي عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ فِي الْهَدْيِ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَفِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلْقَمَةَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِنُّهُ سِنُّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمَا الْمَانِعُ حِينَئِذٍ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ عَلْقَمَةَ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى سَمَاعِ النَّخَعِيِّ مِنْهُ، وَصَرَّحَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ وَعَلْقَمَةَ، وَمَا قِيلَ إنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ فِيهِ عَلَى وَكِيعٍ زِيَادَةُ ثُمَّ لَا يَعُودُ. نُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ الْقَطَّانِ فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ ظَنُّوهُ وَلِذَا نَسَبَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْوَهْمَ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كَالْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْهُ فَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ يُقَالُ وَهَمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَمَّا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ظَنُّوهَا خَطَأً. وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَالِطِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَصْلَ رَوَاهُ مَرَّةً بِتَمَامِهِ وَمَرَّةً بَعْضَهُ بِحَسَبِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَزِيَادَةُ الْعَدْلِ الضَّابِطِ مَقْبُولَةٌ خُصُوصًا وَقَدْ تُوبِعَ عَلَيْهَا، فَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «صَلَّيْتُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ» وَاعْتَرَفَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِتَصْوِيبِ إرْسَالِ إبْرَاهِيمَ إيَّاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَتَضْعِيفِ ابْنِ جَابِرٍ، وَقَوْلُ الْحَاكِمِ فِيهِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ مِنْ كُلِّ مَنْ يُذَاكِرُهُ فَمَمْنُوعٌ. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: الْعِلْمُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مُتَعَذِّرٌ، وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَدِيٍّ: كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ يُفَضِّلُ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ عَلَى جَمَاعَةٍ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَوْثَقُ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الْكِبَارِ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْفٍ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ وَالثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّهُ فِي الْمَحَلِّ الرَّفِيعِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ صِحَّةَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ بِمَكَّةَ فِي دَارِ الْحَنَّاطِينَ كَمَا حَكَى ابْنُ عُيَيْنَةَ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَا بَالُكُمْ لَا تَرْفَعُونَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ، فَقَالَ: لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَيْفَ لَمْ يَصِحَّ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ» فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَعُودُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ» فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أُحَدِّثُكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَتَقُولُ حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كَانَ حَمَّادٌ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ، وَعَلْقَمَةُ لَيْسَ بِدُونٍ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْفِقْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِابْنِ عُمَرَ صُحْبَةٌ وَلَهُ فَضْلُ صُحْبَةٍ فَالْأَسْوَدُ لَهُ فَضْلٌ كَثِيرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، فَرَجَّحَ بِفِقْهِ الرُّوَاةِ كَمَا رَجَّحَ الْأَوْزَاعِيُّ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ عِنْدَنَا. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ " رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ " قَالَ: وَرَأَيْت إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيَّ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، وَعَارَضَهُ الْحَاكِمُ بِرِوَايَةِ طَاوُسٍ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ ". وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ " وَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ كَذَلِكَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّسْخِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى نَسْخِ الرَّفْعِ عِنْدَ السُّجُودِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْآثَارَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالطُّرُقَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ (وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ وَتَشَهَّدَ) يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ فِيهِ تَوْجِيهَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ (فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً جَلَسَتْ عَلَى أَلْيَتِهَا الْيُسْرَى وَأَخْرَجَتْ رِجْلَيْهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. (وَالتَّشَهُّدُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ إلَخْ) وَهَذَا تَشَهُّدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثِيرَةٌ جِدًّا، وَالْكَلَامُ فِيهَا وَاسِعٌ مِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْقَدْرُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثُبُوتُ رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّفْعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعَدَمُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ لِقِيَامِ التَّعَارُضِ، وَيَتَرَجَّحُ مَا صِرْنَا إلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِأَنَّهُ كَانَتْ أَقْوَالٌ مُبَاحَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَأَفْعَالٌ مِنْ جِنْسِ هَذَا الرَّفْعِ وَقَدْ عُلِمَ نَسْخُهَا، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَيْضًا مَشْمُولًا بِالنَّسْخِ خُصُوصًا وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُعَارِضُهُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ، بِخِلَافِ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ عَدَمِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا عُهِدَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ مِنْ جِنْسِ السُّكُونِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ مَا أُجْمِعَ عَلَى طَلَبِهِ فِي الصَّلَاةِ: أَعْنِي الْخُشُوعَ، وَكَذَا بِأَفْضَلِيَّةِ الرُّوَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْأَوْزَاعِيِّ. وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ السُّجُودِ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: لَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً أَرَى قَبْلَهَا قَطُّ: أَفَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ حَفِظَ وَلَمْ يَحْفَظُوا. وَفِي رِوَايَةٍ وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ لَا أُحْصِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي بَدْءِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَحَكَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَبْدُ اللَّهِ عَالِمٌ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحُدُودِهِ مُتَفَقِّدٌ لِأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُلَازِمٌ لَهُ فِي إقَامَتِهِ وَأَسْفَارِهِ، وَقَدْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يُحْصَى، فَيَكُونُ الْأَخْذُ بِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ أَوْلَى مِنْ إفْرَادِ مُقَابِلِهِ وَمِنْ الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ هَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) الَّذِي فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، إلَى أَنْ قَالَتْ: وَكَانَ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى» وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى (قَوْلُهُ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ) غَرِيبٌ، وَاَلَّذِي فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ

فَإِنَّهُ قَالَ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ: قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» إلَخْ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا إلَخْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْت: «لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا جَلَسَ: يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ» وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» وَلَا شَكَّ أَنَّ وَضْعَ الْكَفِّ مَعَ قَبْضِ الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ، فَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَضْعُ الْكَفِّ ثُمَّ قَبْضُ الْأَصَابِعِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ، قَالَ: يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ الْمُسَبِّحَةَ، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي، وَهَذَا فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يُشِيرُ أَصْلًا وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ مِمَّا نَقَلْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِمُسَبِّحَتَيْهِ. وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يُقِيمُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ لَا إلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ وَالْوَضْعُ لِلْإِثْبَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ

لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ، وَأَقَلُّهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ وَهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَزِيَادَةُ الْوَاوِ وَهِيَ لِتَجْدِيدِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْقَسَمِ وَتَأْكِيدِ التَّعْلِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مُبَاعَدَةً عَنْهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ إلَخْ) رَوَى السِّتَّةُ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ إلَخْ» وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ «إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا فَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْمَعْرُوفُ» رِوَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ) هِيَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ بِالتَّنْكِيرِ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَمَلِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَصَحَّ التَّرْجِيحُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ. وَأَمَّا زِيَادَةُ الْوَاوِ فَلَيْسَتْ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ (قَوْلُهُ وَتَأْكِيدُ التَّعْلِيمِ) يَعْنِي بِهِ أَخْذَهُ بِيَدِهِ لِزِيَادَةِ التَّوْكِيدِ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمَّا نَفْسُ التَّعْلِيمِ فَفِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّ لَفْظَهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ فِي التَّخْرِيجِ: وَأَمَّا التَّعْلِيمُ أَيْضًا فَهُوَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَفْعًا لِهَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّرْجِيحِ لَيْسَ بِوَارِدٍ. وَمِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ أَيْضًا أَنَّ الْأَئِمَّةَ السِّتَّةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَهُوَ نَادِرٌ، وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعْدُودٌ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَإِنْ رَوَاهُ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ مِنْ السِّتَّةِ، وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَلَوْ فِي أَصْلِهِ، فَكَيْفَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى لَفْظِهِ، وَلِذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَصَحُّ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ خُصَيْفٍ

(وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) «لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ وَسَطُ الصَّلَاةِ نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ» . (وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ، فَقُلْت لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّشَهُّدِ، فَقَالَ: عَلَيْك بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَكَقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَمِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى رَفْعِهِ مُعَاوِيَةَ، أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ: «كَانَ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ» إلَخْ سَوَاءٌ. وَعَائِشَةُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْهَا قَالَتْ: «هَذَا تَشَهُّدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ» إلَخْ. قَالَ النَّوَوِيُّ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ تَشَهُّدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ تَشَهُّدِنَا. وَسَلْمَانُ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ: سَأَلْت سَلْمَانَ عَنْ التَّشَهُّدِ فَقَالَ: أُعَلِّمُكُمْ كَمَا عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ إلَخْ سَوَاءٌ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَخَذَ حَمَّادُ بْنُ سَلْمَانَ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، وَقَالَ حَمَّادٌ: أَخَذَ إبْرَاهِيمُ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِالْوَاوِ وَالْأَلِفِ وَاللَّامِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي) رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فَكَانَ يَقُولُ إذَا جَلَسَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ: إلَى قَوْلِهِ: عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» . قَالَ: ثُمَّ إنْ كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ تَشَهُّدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا دَعَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَأَحَادِيثُ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ» ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ، وَهَذَا لَا يَعُمُّ الصَّلَوَاتِ وَاَلَّذِي يَعُمُّهَا مَا فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ

تَعَالَى (وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّوَرُّكِ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَعَدَ مُتَوَرِّكًا» ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ (وَتَشَهَّدَ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ يَلْزَمُ بِتَرْكِهَا السَّهْوُ (قَوْلُهُ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَتَكَلَّمَ الْبَيْهَقِيُّ مَعَهُ، وَانْتَصَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لِلطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ) فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَارِضِ لَا مَشْرُوعًا أَصْلِيًّا، وَهُوَ أَوْلَى لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا) أَيْ فِي الْقَعْدَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِلْأَمْرِ الْمُقَدَّمِ) أَيْ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمَا مِنْ الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ إذَا قُلْت هَذَا) تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَّ هَذَا الْمُدْرَجَ الْمَوْقُوفَ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ، وَمَعَ هَذَا نَقُولُ فِي الْجَوَابِ قَدْ أَوْجَبْنَا التَّشَهُّدَ فَخَرَجْنَا عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ الثَّابِتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا دَلِيلَ يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ لِنَقُولَ بِهِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَدْ شَذَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا، وَشَنَّعَ عَلَيْهِ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ

فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ، إمَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فَكُفِينَا مُؤْنَةَ الْأَمْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقُشَيْرِيُّ، وَخَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لَهُ قُدْوَةً. وَالتَّشَهُّدَاتُ الْمَرْوِيَّاتُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا ذَلِكَ. وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ، وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ كَامِلَةً أَوْ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ مَرَّةً فِي عُمْرِهِ. وَكَذَا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ» اهـ. وَهَذَا ضُعِّفَ بِجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُحِبَّ الْأَنْصَارَ» وَفِيهِ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ قَالُوا: حَدِيثُ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً قَدْ تَكَلَّمُوا فِي أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَفِيهِ الْمَجْهُولُ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَلَمْ يَكْرَهْهُ بَعْضُهُمْ، وَكُرِهَ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقِيلَ لَا تُكْرَهُ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» وَمُوجِبُ الْأَمْرِ الْقَاطِعِ الِافْتِرَاضُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقُلْنَا بِهِ (قَوْلُهُ إمَّا مَرَّةً إلَخْ) ظَاهِرُ السَّوْقِ التَّقَابُلُ بَيْنَ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَوْلِ بِالْمَرَّةِ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَرَّةً مُرَادُ قَائِلِهِ الِافْتِرَاضُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي أَنَّهُ لَا إكْفَارَ بِجَحْدِ مُقْتَضَاهُ، بَلْ التَّفْسِيقُ، بَلْ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ إذَا ذُكِرَ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ. وَالْأَوْلَى قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَجُعِلَ فِي التُّحْفَةِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَصَحَّ، وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بَعْدَ النَّقْلِ عَنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ التَّقَابُلِ ثُمَّ التَّرْجِيحِ وَهُوَ بُعْدٌ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ قِيلَ يَكْفِي مَرَّةً وَصَحَّحَ، وَفِي الْمُجْتَبَى تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ

وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ فِي التَّشَهُّدِ هُوَ التَّقْدِيرُ. قَالَ (وَدَعَا بِمَا شَاءَ مِمَّا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَأَعْجَبَهُ إلَيْكَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكَرُّرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَجْلِسٍ حَيْثُ يَكْفِي ثَنَاءٌ وَاحِدٌ، قَالَ: وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ دَيْنًا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَصَحَّحَ فِي بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مِنْ الْكَافِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ مَرَّةً عِنْدَ التَّكَرُّرِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ وَفِي الزَّائِدِ نَدْبٌ، وَكَذَا التَّشْمِيتُ، وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ يُشَمِّتَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ) يَعْنِي فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ «السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَقُولُوا هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، لَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» وَسَاقَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَيْسَ لَفْظُ الْفَرْضِ إلَّا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ، بَلْ أَلْفَاظُهُ فِيهَا «كُنَّا إذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا السَّلَامُ إلَخْ» وَكُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لِلنَّسَائِيِّ ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُؤَوَّلَ لَفْظُ الْفَرْضِ، فَثُبُوتُ كَوْنِهِ فَرْضًا اصْطِلَاحِيًّا مُتَعَذِّرٌ لِثُبُوتِهِ بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضُ: أَعْنِي خَبَرَ الْوَاحِدِ فَيَكُونُ وَاجِبًا. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي رِوَايَةِ السِّتَّةِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ بِهِ» وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُطَابَقَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الدُّعَاءِ بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْمَأْثُورِ دُونَ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» لَكَانَ أَصْوَبَ، فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِعُمُومِ أَعْجَبَهُ وَدَعَا

وَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ (وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْفَسَادِ، وَلِهَذَا يَأْتِي بِالْمَأْثُورِ الْمَحْفُوظِ، وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ يُشْبِهُ كَلَامَهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ هُوَ الصَّحِيحُ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ، يُقَالُ رَزَقَ الْأَمِيرُ الْجَيْشَ (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ وَذَلِكَ مُبِيحٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ مُقَابِلِهِ، وَقَدْ رُجِّحَ عَدَمُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الرَّازِقَ فِي الْحَقِيقَةِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَمِيرِ مَجَازٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ، أَوْ اُرْزُقْنِي الْحَجَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ، وَفِيهَا اُكْسُنِي ثَوْبًا، الْعَنْ فُلَانًا، اقْضِ دُيُونِي، اغْفِرْ لِعَمِّي وَخَالِي تَفْسُدُ. وَلَوْ قَالَ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لَا تَفْسُدُ، وَاغْفِرْ لِي وَلِأَخِي قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا تَفْسُدُ، وَابْنُ الْفَضْلِ تَفْسُدُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَارْزُقْنِي رُؤْيَتَك لَا تَفْسُدُ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَقْرَبُ الْأَلْفَاظِ إلَى لَفْظِ الْمُصَنَّفِ النَّسَائِيّ «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ أَرْجَحُ مِمَّا أَخَذَ بِهِ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ» لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ خَلْفَ الْإِمَامِ دُونَ النِّسَاءِ، فَالْحَالُ أَكْشَفُ مَعَ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَخْفَضُ مِنْ الْأُولَى فَلَعَلَّهَا خَفِيَتْ عَمَّنْ كَانَ بَعِيدًا، وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ عَنْ

وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» (وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَلَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا وَلَا مَنْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْخِطَابَ حَظُّ الْحَاضِرِينَ (وَلَا بُدَّ لِلْمُقْتَدِي مِنْ نِيَّةِ إمَامِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِمْ) وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ نَوَاهُ فِي الْأُولَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْجِيحًا لِلْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَوَاهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ لَا غَيْرُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ سِوَاهُمْ (وَالْإِمَامُ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسَارِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ أُخْرَى. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْوِي النِّسَاءُ فِي زَمَانِنَا) لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ مِنْ حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ (قَوْلُهُ نَوَاهُ فِيهِمْ) يَعْنِي إنْ كَانَ فِي الْأَيْمَنِ نَوَاهُ فِيهِ، أَوْ فِي الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِ (قَوْلُهُ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ) يَعْنِي مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ يَسَارِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْمَأْمُومِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ، وَمَا قِيلَ يَنْوِي بِالْأُولَى لَا غَيْرُ، وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْأُولَى لِلتَّحِيَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ، ثُمَّ قِيلَ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْأُولَى وَبِمُجَرَّدِ لَفْظِ السَّلَامِ

وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، ثُمَّ إصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» . وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالتَّخْيِيرُ يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْرُجُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ إلَخْ) فِي مُسْنَدِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ وَشُعَبِ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثَيْنِ طَوِيلَيْنِ مَا أَفَادَ أَنَّهُمَا اثْنَانِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «وُكِّلَ بِالْمُؤْمِنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَلَكًا يَذُبُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْدِرْ لَهُ، مِنْ ذَلِكَ الْبَصَرُ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ كَمَا يُذَبُّ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ الذُّبَابُ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ، وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ» . وَحَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} [الرعد: 11] بِسَنَدِهِ «دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْعَبْدِ كَمْ مَعَهُ مَلَكٌ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَى يَمِينِكَ مَلَكٌ عَلَى حَسَنَاتِكَ وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى الْمَلَكِ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِلَّذِي عَلَى الْيَمِينِ أَكْتُبُ؟ فَيَقُولُ لَهُ: لَا، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبَ، فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا قَالَ: نَعَمْ اُكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ فَبِئْسَ الْقَرِينُ، مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لِلَّهِ وَأَقَلَّ اسْتِحْيَاءَهُ مِنَّا، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وَمَلَكَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] وَمَلَكٌ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِكَ، فَإِذَا تَوَاضَعْتَ لِلَّهِ رَفَعَكَ، وَإِذَا تَجَبَّرْتَ عَلَى اللَّهِ قَصَمَكَ، وَمَلَكَانِ عَلَى شَفَتَيْكَ لَيْسَ يَحْفَظَانِ عَلَيْكَ إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى فِيكَ لَا يَدَعُ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَّةُ فِيكَ، وَمَلَكَانِ عَلَى عَيْنَيْكَ فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةُ

[فصل في القراءة]

وَالْوُجُوبَ، إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْوُجُوبَ بِمَا رَوَاهُ احْتِيَاطًا، وَبِمِثْلِهِ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ ابْنِ آدَمَ يَتَدَاوَلُونَ، مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ عَلَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ لِأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ سِوَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ مَلَكًا عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ وَإِبْلِيسُ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ وَوَلَدُهُ بِاللَّيْلِ» (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْوُجُوبَ بِمَا رَوَاهُ) فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ تَثْبُتْ لَمْ يَلْزَمْنَا الْإِخْلَالُ بِمَا رَوَاهُ بَلْ عَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهُ إذْ لَا يَقْتَضِي غَيْرَ مُجَرَّدِ التَّأْثِيمِ بِالتَّرْكِ وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَمَعْنَى الِافْتِرَاضِ الَّذِي قَالُوا فَلَا خِلَافَ إذًا فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ بَلْ فِي لُزُومِ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَمْ يُقْطَعْ بِلُزُومِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي بَحْثِ الْفَاتِحَةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ] (فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ) خُصَّ هَذَا الرُّكْنُ بِفَصْلٍ دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَفِي النَّوَازِلِ: رَجُلٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَنَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ نَائِمٌ يَجُوزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُنْتَبِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْمُصَلِّي بِالْحَدِيثِ وَبِهِ فَارَقَ الطَّلَاقَ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ لَوْ صَلَّيَا كَانَتْ صَلَاتُهُمَا جَائِزَةً وَلَوْ طَلَّقَا لَمْ يَجُزْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْجِيسِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطُ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ، وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَافٍ، أَلَا يَرَى لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ الْكَثِيرَةُ الشُّعَبِ مَسْأَلَةُ زَلَّةِ الْقَارِئِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهَا مُهِمَّةٌ جِدًّا فَلْنُورِدْهَا. وَخَطَأُ الْقَارِئِ إمَّا فِي الْإِعْرَابِ أَوْ فِي الْحُرُوفِ أَوْ فِي الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ، وَفِي الْحُرُوفِ إمَّا بِوَضْعِ حَرْفٍ مَكَانَ آخَرَ أَوْ تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ نَقْصِهِ، أَمَّا الْإِعْرَابُ فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ تَغْيِيرَهُ خَطَأٌ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُعْذَرُ، وَإِنْ غَيَّرَ فَاحِشًا مِمَّا اعْتِقَادُهُ كُفْرٌ مِثْلُ الْبَارِئُ الْمُصَوَّرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] بِرَفْعِ الْجَلَالَةِ وَنَصْبِ الْعُلَمَاءِ فَسَدَتْ فِي قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلْخِيّ وَالْهِنْدُوانِيُّ وَابْنُ الْفَضْلِ وَالْحَلْوَانِيُّ لَا تَفْسُدُ، وَمَا قَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَحْوَطُ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ يَكُونُ كُفْرًا، وَمَا يَكُونُ كُفْرًا لَا يَكُونُ مِنْ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ النَّاسِ الْكُفَّارِ غَلَطًا وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ النَّاسِ سَاهِيًا مِمَّا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَكَيْفَ وَهُوَ كُفْرٌ، وَقَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْسَعُ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْإِعْرَابَ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ، وَيَتَّصِلُ بِهَذَا تَخْفِيفُ الْمُشَدَّدِ، عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى

فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ تَرْكَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ كَالْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ، فَلِذَا قَالَ كَثِيرٌ بِالْفَسَادِ فِي تَخْفِيفِ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] وَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] لِأَنَّ مَعْنَى إيَا مُخَفَّفًا الشَّمْسُ، وَالْأَصَحُّ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي إيَّا الْمُشَدَّدَةِ نَقَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي النُّحَاةِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا أَفْسَدُوهَا بِمَدِّ هَمْزَةِ أَكْبَرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْحُرُوفُ فَإِذَا وَضَعَ حَرْفًا مَكَانَ غَيْرِهِ فَإِمَّا خَطَأً وَإِمَّا عَجْزًا، فَالْأَوَّلُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: إنَّ الْمُسْلِمُونَ، لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ وَلَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: قَيَّامِينَ بِالْقِسْطِ وَالتَّيَّابِينَ، وَالْحَيُّ الْقَيَّامُ عِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَلَوْ قَرَأَ أَصْحَابُ الشَّعِيرِ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا، فَالْعِبْرَةُ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ عَدَمُ تَغَيُّرِ الْمَعْنَى. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وُجُودُ الْمِثْلِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْعِرَاقِيُّ مِنْ عُسْرِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ وَعَدَمِهِ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ وَثُبُوتِهِ وَلَا قُرْبَ الْمَخَارِجِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ. وَحَاصِلُ هَذَا إنْ كَانَ الْفَصْلُ بِلَا مَشَقَّةٍ كَالطَّاءِ مَعَ الصَّادِ فَقَرَأَ الطَّالِحَاتِ مَكَانَ الصَّالِحَاتِ تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ كَالظَّاءِ مَعَ الضَّادِ وَالصَّادِ مَعَ السِّينِ وَالطَّاءِ مَعَ التَّاءِ قِيلَ تَفْسُدُ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا تَفْسُدُ، هَذَا عَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ لَمْ تَنْضَبِطْ فُرُوعُهُمْ فَأَوْرَدَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا ظَاهِرُهُ التَّنَافِي لِلْمُتَأَمِّلِ، فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْإِقَامَةُ عَجْزًا كَالْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِالْهَاءِ فِيهَا، أَعُوذُ بِالْمُهْمَلَةِ، الصَّمَدُ بِالسِّينِ إنْ كَانَ يَجْهَدُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي تَصْحِيحِهِ وَلَا يَقْدِرُ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَلَوْ تَرَكَ جَهْدَهُ فَفَاسِدَةٌ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي بَاقِي عُمْرِهِ، وَأَمَّا الْأَلْثَغُ الَّذِي يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ مَكَانَ اللَّامِ الْيَاءَ وَنَحْوَهُ لَا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ لِغَيْرِهِ فَقِيلَ إنَّ بَدَلَ الْكَلَامِ فَسَدَتْ، أَوْ قَرَأَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُؤْجَرُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَّخِذَ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَفْعَلُ وَإِلَّا يَسْكُتُ. وَعَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ إنْ بَذَلَ جَهْدَهُ لَا تَفْسُدُ، وَبِهِ أَخَذَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْ إنْ أَمْكَنَهُ آيَاتٌ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَتَّخِذُهَا إلَّا الْفَاتِحَةَ، وَلَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَا الْفَأْفَاءُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْكَلِمَةِ إلَّا بِتَكْرِيرِ الْفَاءِ، وَالتَّمْتَامُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يُدِيرَهَا فِي صَدْرِهِ كَثِيرًا، وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ حَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ، ثُمَّ الْأَلْثَغُ إذَا وَجَدَ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ فَقَرَأَ مَا هِيَ فِيهِ فِيهَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَتْ، وَهَلْ يَجُوزُ بِلَا قِرَاءَةٍ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَرَأَ بِمَا فِيهَا مَعَ وُجُودِ مَا لَيْسَ فِيهَا فِيمَا إذَا لَمْ يُبَدِّلْ، أَمَّا إذَا بَدَّلَ فَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَكَذَا فِي الْجَوَازِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ عَدَمَ الْوُجُودِ مَعَ الْعَجْزِ أَمَّا مَعَهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَإِنْ غَيَّرَ نَحْوَ قَوْسَرَةٍ فِي قَسْوَرَةٍ فَسَدَتْ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ فَكُّ الْمُدْغَمِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ نَحْوُ: وَانْهَا عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْأَلِفِ، وَرَادَدُوهُ إلَيْكَ، لَا تَفْسُدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ غَيَّرَ نَحْوَ زَرَابِيبُ مَكَانُ زَرَابِيُّ، وَالْقُرْآنُ الْحَكِيمُ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى بِالْوَاوِ تَفْسُدُ، وَكَذَا النُّقْصَانُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ نَحْوُ جَاءَهُمْ مَكَانُ جَاءَتْهُمْ وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَ نَحْوُ، وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى

قَالَ (وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا) وَيُخْفِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَا وَاوٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَذْفُ الْحَرْفِ مِنْ كَلِمَةٍ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ حَذَفَ حَرْفًا أَصْلِيًّا مِنْ كَلِمَةٍ وَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى تَفْسُدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ نَحْوُ رَزَقْنَاهُمْ بِلَا رَاءٍ أَوْ زَايٍ أَوْ خَلَقْنَا بِغَيْرِ خَاءٍ أَوْ جَعَلْنَا بِلَا جِيمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ الْمِثْلِ نَحْوُ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقَالَ: قَالُوا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الْمَقْرُوءَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَلِمَةُ ثُلَاثِيَّةً فَحَذَفَ حَرْفًا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ أَوْسَطِهَا نَحْوُ رَبِيًّا أَوْ عَرِيًّا فِي عَرَبِيًّا تَفْسُدُ، إمَّا لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى أَوْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَغْوًا، وَكَذَا حَذْفُ بَاءِ ضَرَبَ اللَّهُ فَإِنْ كَانَ تَرْخِيمًا لَا تَفْسُدُ وَشَرْطُهُ النِّدَاءُ وَالْعَلَمِيَّةُ وَأَنْ يَكُونَ رُبَاعِيًّا أَوْ خُمَاسِيًّا نَحْوُ وَقَالُوا يَا مَالُ فِي مَالِكُ. وَأَمَّا الْكَلِمَةُ مَكَانُ الْكَلِمَةِ فَإِنْ تَقَارَبَا مَعْنًى وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَالْحَكِيمِ مَكَانَ الْعَلِيمِ لَمْ تَفْسُدْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمِثْلُ كَالْفَاجِرِ مَكَانِ الْأَثِيمِ وَأَيَاهُ مَكَانُ أَوَاهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، فَلَوْ لَمْ يَتَقَارَبَا وَلَا مِثْلَ لَهُ فَسَدَ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا وَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ مِمَّا اعْتِقَادُهُ كُفْرٌ كَغَافِلِينَ فِي {إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ تَفْسُدُ اتِّفَاقًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ابْنُ مُقَاتِلٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَفْسُدُ. وَلَوْ قَرَأَ " الْغُبَارِ " مَكَانَ " الْغُرَابِ "، " فَاخْشَوْهُمْ وَلَا تَخْشَوْنِ "، أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا نَعَمْ؛ تَفْسُدُ، مَا تَخْلُقُونَ مَكَانَ تُمْنُونَ الْأَظْهَرُ الْفَسَادُ، وَذُقْ إنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ مَكَانَ الْكَرِيمِ الْمُخْتَارُ الْفَسَادُ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي زَعْمِك. وَلَوْ قَرَأَ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَعَ أَنَّهُ قَرَأَ مَا بَعْدَهَا وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ مَكَانَ قَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ تَفْسُدُ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ فِي سَقَرَ، وَالنَّازِعَاتِ نَزْعًا، إنَّا مُرْسِلُو الْجَمَلِ وَالْكَلْبِ وَالْبِغَالِ لَا تَفْسُدُ، وَشُرَكَاءُ مَكَانَ " شُفَعَاءُ " تَفْسُدُ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَمَنْ وَضَعَ كَلِمَةً مَكَانَ أُخْرَى كَأَنْ يَنْسُبَ بِالْبُنُوَّةِ إلَى غَيْرِ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ مُوسَى بْنُ لُقْمَانَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَرْيَمَ ابْنَةِ غَيْلَانَ تَفْسُدُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَجُزْ نِسْبَتُهُ فَنَسَبَهُ تَفْسُدُ كَعِيسَى بْنِ لُقْمَانَ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ كُفْرٌ إذَا تَعَمَّدَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إذْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ كَلِمَةً فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ شَطْرُ كَلِمَةٍ فَرَجَعَ وَقَرَأَ الْأُولَى أَوْ رَكَعَ وَلَمْ يُتِمَّهَا إنْ كَانَ شَطْرُ كَلِمَةٍ لَوْ أَتَمَّهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَتَمَّهَا تَفْسُدُ تَفْسُدُ، وَلِلشَّطْرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَمْ يَفْسُدْ نَحْوُ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا عِنَبًا وَحَبًّا، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَ نَحْوُ الْيُسْرِ مَكَانَ الْعُسْرِ وَعَكْسِهِ، وَيُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِي الْكَلِمَةِ مَكَانَ الْكَلِمَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَرَأَ لَتَفُرُّنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَسْأَلُونَ، لَا تَفْسُدُ، وَإِذْ الْإِعْنَاقِ فِي أَغْلَالِهِمْ لَا تَفْسُدُ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ وَهِيَ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَبِرًّا إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا عَلِيمًا لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ غَيَّرَتْ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ نَحْوُ وَعَمِلَ صَالِحًا أَوْ كَفَرَ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ، أَوْ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ نَحْوُ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ وَعَصَّيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا؛ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَهُ كَفَرَ، فَإِذَا أَخْطَأَ فِيهِ أَفْسَدَ، فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ وَلَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَتُفَّاحٌ وَرُمَّانٌ لَا تَفْسُدُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ. وَلَوْ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تَفْسُدُ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ لَا تُغَيِّرُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: رَأَيْت فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا تَفْسُدُ. وَمِنْ الزِّيَادَةِ الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ لِأَنَّ حَاصِلَهَا إشْبَاعُ الْحَرَكَاتِ لِمُرَاعَاةِ النَّغَمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَهَا فِي بَابِ الْأَذَانِ أَوْ زِيَادَةِ الْهَمَزَاتِ كَآ فَإِذَا فَحَشَ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَتُعْرَفُ فِي زِيَادَةِ الْحَرْفِ، وَلَوْ بَنَى بَعْضَ آيَةٍ عَلَى أُخْرَى إنْ لَمْ يُغَيِّرْ نَحْوُ

هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ (وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 277] {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} [الكهف: 88] مَكَانَ {كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا} [الكهف: 107] لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ غَيَّرَ فَإِنْ وَقَفَ وَقْفًا تَامًّا بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَرَأَ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البينة: 7] وَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6] . وَإِنْ وَصَلَ تَفْسُدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَحِينَئِذٍ هَذَا مُقَيَّدٌ لِمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ بِالنَّارِ أَوْ بِالْقَلْبِ تَفْسُدُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ) يَعْنِي أَنَّا أَخَذْنَا عَمَّنْ يَلِينَا الصَّلَاةَ هَكَذَا فِعْلًا وَهُمْ عَمَّنْ يَلِيهِمْ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا إلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ بِالضَّرُورَةِ أَخَذُوهُ عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ نَصٌّ مُعَيَّنٌ، هَذَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ يَتَضَمَّنُ مِنْ الْبَدِيعِ النَّوْعَ الْمُسَمَّى بِحُسْنِ التَّعْلِيلِ كَمَا قِيلَ: فَدَتْك نُفُوسُ الْحَاسِدِينَ فَإِنَّهَا ... مُعَذَّبَةٌ فِي حَضْرَةٍ وَمَغِيبِ وَفِي تَعَبِ مَنْ يَحْسُدُ الشَّمْسَ ضَوْءَهَا ... وَيَجْهَدُ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِضَرِيبِ فَإِنَّ قَوْلَهُ جَهَرَ تَتَوَجَّهُ النَّفْسُ إلَى طَلَبِ عِلَّتِهِ مِنْ أَنَّهُ أَيُّ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَسْمَعُهُ فَقَالَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ لِإِفَادَتِهِ، وَذَلِكَ قَدْ يَخْفَى صَرَّحَ بِالتَّعْلِيلِ بِأَدَاتِهِ بِلَازِمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حُسْنِ التَّعْلِيلِ، وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي تَعْرِيفِ الْجَهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ إسْمَاعُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِجَهْرٍ، أَوْ أَنَّ كَوْنَ هَذَا جَهْرًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الرِّوَايَاتِ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ إرَادَةَ هَذَا الْمَفْهُومِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النِّهَايَةِ، أَوْ أَنَّ إرَادَتَهُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَالتَّعْرِيفُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ. وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا اعْتَبَرَ هَذَا الْمَفْهُومَ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدَهُ: وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ

(وَيُخْفِيهَا الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ، وَفِي عَرَفَةَ خِلَافُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ (وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ قَالَ: إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ فَانْظُرْ كَلَامَهُ بَعْدُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى رَأْيِهِ الثَّانِي (قَوْلُهُ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» ) غَرِيبٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَخْبَرَةَ قُلْنَا لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: «هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ» وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ الْخُدْرِيِّ: «حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ أَلَمْ السَّجْدَةَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ» الْحَدِيثَ. وَعَنْهُ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً» الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ أَيْ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ) قِيلَ فَسَّرَ بِهِ لِيُخَالِفَ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ «وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» فَيَكُونُ دَافِعًا لِذَلِكَ (قَوْلُهُ لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ) طَرِيقُ تَقْرِيرِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَمَنْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ «سَأَلَنِي عُمَرُ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ» أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ

بِالْجَهْرِ، وَفِي التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ يُخَافِتُ وَفِي اللَّيْلِ يَتَخَيَّرُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لَهُ فَيَكُونُ تَبَعًا (مَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ (وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا» وَفِي النَّسَائِيّ «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ» وَفِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ قَالَ «كُنَّا بِالطَّائِفِ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فَقَرَأَ لَنَا بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» فَالْإِخْبَارُ بِقِرَاءَةِ خُصُوصِ سُورَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ كَانَ جَهْرًا (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ) هُوَ الْمُفِيدُ لِتَعَيُّنِ الْمُخَافَتَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ قَوْلُهُ وَيُخْفِيهَا الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُعْطَى أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ كَمَا قَالَ عِصَامٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِالْجَهْرِ فِيهِمَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ، وَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْمُخَافَتَةِ. وَبَعْدَ هَذَا فَفِيمَا دَفَعَ بِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ لَا نُنْكِرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ، لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السُّجُودِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ، فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ. (قَوْلُهُ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ «عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ شَابٌّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْرُسُكُمْ، فَحَرَسَهُمْ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الصُّبْحِ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَمَا اسْتَيْقَظُوا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ وَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا» . وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ يُعْتَضَدُ بِهِ حَمْلُ مَا فِي مُسْلِمٍ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ ثُمَّ قَالَ: ارْكَبُوا فَرَكِبْنَا وَسِرْنَا حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» عَلَى مَا يَعُمُّ الْجَهْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ كَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا مُوجِبٍ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ: يَتَخَيَّرُ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ هُوَ الصَّحِيحُ

إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا (وَمَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ السُّورَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَجَهَرَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُقْضَى إلَّا بِدَلِيلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَهْرَ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَنْتَفِي بِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ الشَّرْعِ كَوْنُ الْجَهْرِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ تَخْيِيرًا فِي الْوَقْتِ وَحَتْمًا عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَلَوْلَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ لَقُلْنَا بِتَقَيُّدِهِ بِالْوَقْتِ فِي الْإِمَامِ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْفَرِدِ مَعْدُومٌ فَبَقِيَ الْجَهْرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الِانْتِفَاءِ الْأَصْلِيِّ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شَرْعِيَّةُ الْإِخْفَاءِ، وَالْجَهْرُ يُعَارِضُهُ دَلِيلٌ آخَرُ فَعِنْدَ فَقْدِهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ ظَاهِرُ نَقْلِهِمْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فَشَرَعَ الْكُفَّارُ يُغَلِّطُونَهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] فَأَخْفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا غُيَّبًا نَائِمِينَ وَبِالطَّعَامِ مَشْغُولِينَ» فَاسْتَقَرَّ كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصْلَ الْجَهْرُ، وَالْإِخْفَاءُ يُعَارَضُ، وَأَيْضًا نَفْيُ الْمُدْرَكِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَدَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِمَا الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يُعْلِمُهُ بِهِمَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ «مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ» ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) الْمُنَاسِبُ لَمْ يَقْضِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إعَادَةُ مَا لَمْ يَسْبِقْ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا إلَخْ) مِثْلُ هَذَا الْوَضْعِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ لَهُمَا: يَعْنِي مِنْ الدَّلَائِلِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، وَدَلِيلُ الْقَضَاءِ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قِرَاءَتَهَا تَلْحَقُهَا بِالشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُو عَنْهَا الثَّانِي حُكْمًا لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا، بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الثَّانِيَ مَحَلُّهَا فَتَقَعُ قِرَاءَتُهَا أَدَاءً لِأَنَّهُ أَقْوَى لِلْمَحَلِّيَّةِ، وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ. وَقَدْ يُقَالُ كَذَلِكَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فَإِنْ كَانَ إيقَاعُهَا فِيهِ يُخَلِّيهِ عَنْهَا حُكْمًا

وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ، فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ ثَانِيًا لِلْقَضَاءِ يَجِبُ أَنْ تَلْتَحِقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَيَخْلُوَ الثَّانِي عَنْ تَكْرَارِهَا حُكْمًا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ الْمُتَحَقِّقُ عَدَمُ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَزِمَ كَوْنُهَا قَضَاءً، وَلَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إذَا فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ لَا يَقْضِي إلَّا بِدَلِيلٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ، وَعَكْسُهُ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقْضِيهِمَا، ثُمَّ كَيْفَ يُرَتِّبُهُمَا؟ فَقِيلَ يُقَدِّمُ السُّورَةَ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، إذْ تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمَعْهُودِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ) وَهُوَ

(وَيَجْهَرُ بِهِمَا) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ، وَتَغْيِيرُ النَّفْلِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ أَوْلَى، ثُمَّ الْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ الصَّوْتِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظُ الْخَبَرِ وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَلَمْ تَكُنْ مُرَاعَاتُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا وَرَدَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلًا لِأَنَّ الْجَمْعَ شَنِيعٌ، وَتَغْيِيرُ السُّورَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ فِي مَحَلِّهَا وَلَيْسَتْ تَبَعًا لِلسُّورَةِ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ دُونَ الْفَاتِحَةِ مُرَاعَاةً لِصِفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَكُونُ جَمْعًا تَقْدِيرًا لِلِالْتِحَاقِ بِمَحَلِّهَا مِنْ الْأُولَيَيْنِ،

وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ آيَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ (قَوْلُهُ وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ) حَيْثُ قَالَ: إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ فَجَعَلَ إسْمَاعَهُ نَفْسَهُ جَهْرًا يُقَابِلُهُ الْمُخَافَتَةُ فَتَكُونُ هِيَ دُونَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ حِينَئِذٍ إلَّا تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ اعْتِبَارًا لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ إبْدَاءِ حُسْنِ التَّعْلِيلِ وَالْمُرَادُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ. فِي الْمُحِيطِ قَوْلُ الْهِنْدُوَانِيُّ أَصَحُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ اللِّسَانِ لَكِنَّ فِعْلَهُ الَّذِي هُوَ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ بِالْحُرُوفِ وَالْحَرْفُ كَيْفِيَّةٌ تَعْرِضُ لِلصَّوْتِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ النَّفْسِ فَإِنَّهُ النَّفَسُ الْمَعْرُوضُ بِالْقَرْعِ، فَالْحَرْفُ عَارِضٌ لِلصَّوْتِ لَا لِلنَّفْسِ، فَمُجَرَّدُ تَصْحِيحِهَا بِلَا صَوْتٍ إيمَاءٌ إلَى الْحُرُوفِ بِعَضَلَاتِ الْمَخَارِجِ لَا حُرُوفَ فَلَا كَلَامَ. بَقِيَ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَلْزَمَ فِي مَفْهُومِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَصِلَ إلَى السَّمْعِ، بَلْ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ وَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ سَمَاعِهِ بَعْدَ وُجُودِ الصَّوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ. (قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِتِلَاوَتِهِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ إلَخْ) الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهٌ، فَالْفَرْضُ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةٍ

وَقَالَا: ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا بِدُونِهِ فَأَشْبَة قِرَاءَةَ مَا دُونَ الْآيَةِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُشْبِهْ قَصْدَ خِطَابِ أَحَدٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ آيَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا. وَالْوَاجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ: يَعْنِي فِي غَيْرِ الْأُخْرَيَيْنِ وَالْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْمَسْنُونَةِ إمَّا فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ، وَيُعْلَمُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْمَكْرُوهُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَآيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ مَكْرُوهٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى: مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ مَعَ الْفَاتِحَةِ آيَةً طَوِيلَةً لَا يَكُونُ إتْيَانًا بِالْوَاجِبِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْكِلٌ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرٌ لِلْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ. وَجْهُ الْقِيلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآيَةِ فَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ، وَمَعْنَى قِسْمِ السُّنَّةِ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُجْعَلَ الْفَرْضُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَا كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى مِائَةٍ. وَمِمَّا يُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ عِنْدَهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً هِيَ كَلِمَاتٌ أَوْ كَلِمَتَانِ نَحْو {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: 19] أَوْ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] جَازَتْ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ كَلِمَةٌ اسْمًا أَوْ حَرْفًا نَحْوُ: مُدْهَامَّتَانِ ص ق ن فَإِنَّ هَذِهِ آيَاتٌ عِنْدَ بَعْضِ الْقُرَّاءِ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَكَوْنُ نَحْوِ ص حَرْفًا غَلَطٌ، بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءَ، وَالْمَقْرُوءُ هُوَ الِاسْمُ صَادٌ كَلِمَةٌ، فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَةٌ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مِثْلُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُدَايَنَةِ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْآيَةِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ قِصَارٍ، وَتَعْيِينُ الْآيَةِ لِيَصِيرَ قَارِئًا عُرْفًا وَهُوَ بِذَلِكَ كَذَلِكَ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَثَابِتَةٌ مَا لَمْ يَقْرَأْ الْوَاجِبَ إلَّا فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً مِرَارًا حَتَّى بَلَغَ قَدْرَ آيَةٍ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْمَذْكُورِ عُرْفًا (قَوْلُهُ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) فَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْجَوَازَ بِدُونِ الْآيَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ:

إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ (وَفِي السَّفَرِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَأَيِّ سُورَةٍ شَاءَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَلِأَنَّ السَّفَرَ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ، وَلِأَنَّ مَا يَتَنَاوَلُ اسْمَ الْوَاجِبِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ فَدَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ مِنْهُ: أَيْ مِنْ النَّصِّ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فِي الْمَاهِيَّةِ: وَلَا يُجْزَمُ بِكَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا بِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِيَقِينٍ إذْ لَمْ يُجْزَمْ بِكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَمْ تَبْرَأْ بِهِ الذِّمَّةُ خُصُوصًا وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ، بِخِلَافِ الْآيَةِ إذْ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ: أَيْ مَعْنَى مَا دُونَ الْآيَةِ بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ قَارِئًا بِهَا، فَمَبْنَى الْوَجْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] وَأَمَّا مَبْنَى الْخِلَافِ فَقِيلَ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ. وَعِنْدَهُمَا بِالْقَلْبِ مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرَ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ تُسْتَعْمَلُ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مُنِعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا، وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ: أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا عُرْفًا، فَالْحَقُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ. قَالَا: لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ. نَعَمْ ذَاكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ. وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3] {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً، فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَمِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا (قَوْله لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا؟ فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، قَالَ: فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلَاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ» وَفِيهِ الْقَاسِمُ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَمِنْ الْقُرْآنِ هُمَا؟ فَأَمَّنَا بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» وَصَحَّحَهُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ السَّفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ:

فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى، وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ (وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ طَرَفِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْوَاثِ حَيْثُ قَالَ: قُلْنَا الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ وَهِيَ قَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا انْتَهَى: يَعْنِي الضَّرُورَةَ أَثَّرَتْ هَذَا التَّخْفِيفَ فَلَا تُؤَثِّرُ تَخْفِيفُ نَجَاسَتِهَا ثَانِيًا. وَأَجَابَ بِأَنَّ كُلًّا فِي مَحَزِّهِ لِأَنَّ سُقُوطَ شَطْرِ الصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ رُخْصَةِ الْإِسْقَاطِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ فِي الْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءً لَا ثَانِيًا. وَالْحَقُّ أَنْ لَا وُرُودَ لِلسُّؤَالِ لِيَتَكَلَّفَ الْجَوَابَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ سُقُوطَ الشَّطْرِ مِنْ أَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ لِلضَّرُورَةِ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَزِمَ الشَّطْرُ فِي السَّفَرِ لَزِمَ الْحَرَجُ سَقَطَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي دَلِيلِهِمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهِ فَقَالَ فِي الْجَوَابِ: قُلْنَا الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ: أَيْ نَعَمْ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَكِنْ مَحَلُّهَا النِّعَالُ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ أَثَّرَتْ حَتَّى طَهُرَتْ بِالدَّلْكِ فَانْدَفَعَتْ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ تَخْفِيفِ نَفْسِ النَّجَاسَةِ لِأَخْذِ الضَّرُورَةِ تَمَامَ مُقْتَضَاهَا دُونَ ذَلِكَ التَّخْفِيفِ. أَمَّا هُنَا فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ كَمَا دَعَتْ إلَى السُّقُوطِ، فَمَجْمُوعُ السُّقُوطِ وَالتَّخْفِيفِ مُقْتَضَاهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إعْطَائِهَا إيَّاهُ (قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ، إلَى قَوْلِهِ: وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ) الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَةَ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ. وَأَمَّا وُرُودُ الْأَثَرِ فَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِ ق وَنَحْوِهَا» . وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى مِائَةِ آيَةٍ» وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «إنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَؤُمُّنَا فِي الْفَجْرِ بِالصَّافَّاتِ»

وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ مِائَةً وَبِالْكَسَالَى أَرْبَعِينَ وَبِالْأَوْسَاطِ مَا بَيْنَ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ، وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِي وَقِصَرِهَا وَإِلَى كَثْرَةِ الْأَشْغَالِ وَقِلَّتِهَا. قَالَ (وَفِي الظُّهْرِ مِثْلَ ذَلِكَ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ دُونَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ فَيَنْقُصُ عَنْهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَالِ (وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ سَوَاءٌ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ دُونَ ذَلِكَ يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَنْظُرُ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ أَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مَحْمَلُ اخْتِلَافِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ قَاعِدَةً لِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِنَا، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ فِي الْحَضَرِ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ كَانُوا كَسَالَى لِأَنَّ الْكَسَالَى تَحْمِلُهَا. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ. فَقِيلَ سُورَةُ الْقِتَالِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: الْحُجُرَاتُ فَهُوَ السُّبْعُ الْأَخِيرُ، وَقِيلَ مِنْ ق، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ الْجَاثِيَةُ وَهُوَ غَرِيبٌ، فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الْخِلَافِ إلَى الْبُرُوجِ، وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى {لَمْ يَكُنِ} [البينة: 1] وَالْقِصَارُ الْبَاقِي؛ وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ، وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْبَاقِي الْقِصَارُ. ثُمَّ إذَا رَاعَى اللَّيَالِيَ يَقْرَأُ فِي الشِّتَاءِ مِائَةً، وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ، وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ) رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جَدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ، بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، غَيْرَ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً»

وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ وَالتَّخْفِيفُ أَلْيَقُ بِهَا. وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا التَّأْخِيرُ، وَقَدْ يَقَعَانِ بِالتَّطْوِيلِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ (وَيُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ) إعَانَةً لِلنَّاسِ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ (وَرَكْعَتَا الظُّهْرِ سَوَاءٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا» وَلَهُمَا أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْقِرَاءَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ، بِخِلَافِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثَ، فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَقَعَانِ) أَيْ بَعْدَ تَأْخِيرِهِمَا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُمَا إلَيْهِ لَوْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ قَدْ يَقَعُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى النِّصْفِ فِي الْعِشَاءِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ، فَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْعَصْرِ بَعِيدٌ فِي الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَخْ) رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الرَّاوِي، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا قَدْرِهَا، فَإِنَّ تِلْكَ الْإِطَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُعْتَبَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَقَدْ قُدِّرَتْ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ، وَلِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الصُّبْحِ لَمَّا كَانَتْ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا بِحَيْثُ يُعَدُّ إطَالَةً، لَكِنْ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ، غَيْرُ الْمُتَبَادَرِ وَلِذَا قَالَ

وَالنُّقْصَانِ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ (وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) بِحَيْثُ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِهَا لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا (وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ) لِمَا فِيهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ أَحَبُّ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ) كَالسَّجْدَةِ وَالْإِنْسَانِ لِفَجْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ لِلْجُمُعَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي: هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ. أَمَّا لَوْ قَرَأَ لِلتَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا كَرَاهَةَ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَا تَحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا، لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَا يُفَصَّلُ وَهُوَ إيهَامُ التَّفْضِيلِ وَهَجْرُ الْبَاقِيَ، لَكِنَّ الْهِجْرَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِيَ فِي صَلَاةِ أُخْرَى، فَالْحَقُّ أَنَّهُ إيهَامُ التَّعْيِينِ، ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ، فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا، وَلِذَا قَالُوا: السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ

هَجْرِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ (وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَاتِحَةِ. لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ) أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ، وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» ) فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَصْمِ مُطْلَقًا فَيَخْرُجُ الْمُقْتَدِي، وَعَلَى طَرِيقَتِنَا يُخَصُّ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ، وَهُوَ الْمُدْرَكُ فِي الرُّكُوعِ إجْمَاعًا فَجَازَ تَخْصِيصُهُمَا بَعْدَهُ بِالْمُقْتَدِي بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَكَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِاقْتِدَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، بَلْ يُقَالُ الْقِرَاءَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ الْمُقْتَدِي شَرْعًا فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ، فَلَوْ قَرَأَ لَكَانَ لَهُ قِرَاءَتَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، بَقِيَ الشَّأْنُ فِي تَصْحِيحِهِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مَرْفُوعًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ضُعِّفَ، وَاعْتَرَفَ الْمُضَعِّفُونَ لِرَفْعِهِ مِثْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ عَدِيٍّ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ كَالسُّفْيَانَيْنَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ وَشُعْبَةَ وَإِسْرَائِيلَ وَشَرِيكٍ وَأَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ وَجَرِيرٍ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ وَزَائِدَةَ وَزُهَيْرٍ رَوَوْهُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلُوهُ. وَقَدْ أَرْسَلَهُ مَرَّةً أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَلِكَ، فَنَقُولُ: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيَكْفِينَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ عَلَى رَأَيْنَا، وَعَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ أَيْضًا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ عَنْ حُجِّيَّتِهِ فَقَدْ رَفَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» . وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحُفَّاظَ الَّذِينَ عَدُّوهُمْ لَمْ يَرْفَعُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزُّهَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ جَابِرٍ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ

وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهَؤُلَاءِ سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ وَجَرِيرٌ وَأَبُو الزُّهَيْرِ رَفَعُوهُ بِالطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فَبَطَلَ عَدُّهُمْ فِيمَنْ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَوْ تَفَرَّدَ الثِّقَةُ وَجَبَ قَبُولُهُ لِأَنَّ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَكَيْفَ وَلَمْ يَنْفَرِدْ، وَالثِّقَةُ قَدْ يُسْنِدُ الْحَدِيثَ تَارَةً وَيُرْسِلُهُ أُخْرَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَرْجَمَتِهِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً وَبِهَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيّ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ بْنِ الْهَادِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَقْرَأُ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَاهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ وَقَالَ: أَتَنْهَانِي عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَتَنَازَعَا حَتَّى ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ هَكَذَا «إنَّ رَجُلًا قَرَأَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَنَهَاهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَتَنْهَانِي» الْحَدِيثَ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ هَذَا، غَيْرَ أَنَّ جَابِرًا رُوِيَ عَنْهُ مَحَلَّ الْحُكْمِ فَقَطْ تَارَةً وَالْمَجْمُوعَ تَارَةً، وَيَتَضَمَّنُ رَدَّ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ خَرَجَ تَأْيِيدًا لِنَهْيِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ خُصُوصًا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ لَا إبَاحَةَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا فَيُعَارِضُ مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ «مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ» أَنَّهُ قَالَ «إنْ كَانَ لَا بُدَّ فَالْفَاتِحَةُ» وَكَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ «كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ؟ قُلْنَا نَعَمْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» وَيُقَدَّمُ لِتَقَدُّمِ الْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلِقُوَّةِ السَّنَدِ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْمَنْعِ «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ» أَصَحُّ، فَبَطَلَ رَدُّ الْمُتَعَصِّبِينَ وَتَضْعِيفُ بَعْضِهِمْ لِمِثْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَضْيِيقِهِ فِي الرِّوَايَةِ إلَى الْغَايَةِ حَتَّى إنَّهُ شَرَطَ التَّذَكُّرَ لِجَوَازِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُفَّاظُ هَذَا وَلَمْ يُوَافِقْهُ صَاحِبَاهُ، ثُمَّ قَدْ عُضِّدَ بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَابِرٍ غَيْرِ هَذِهِ وَإِنْ ضُعِّفَتْ، وَبِمَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّ عَلَيْهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَرَوَاهُ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا وَقَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، لَكِنْ إذَا صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِسَمَاعِهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ رَفْعُهُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ ضَعِيفًا. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ نَجِيحٍ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَجَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَقَالَ: هَذَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إسْمَاعِيلُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ إلَخْ سَنَدًا وَمَتْنًا. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْفَعُهُ وَفِيهِ كَلَامٌ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُقَاسِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَالُوا: لَا تَقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، قَالَ: أَنْصِتْ فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا وَيَكْفِيك الْإِمَامُ: وَرَوَى فِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ الْمَدَنِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: وَدِدْت الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي فِيهِ حَجَرٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَيْضًا فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْرَأُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ يَدَيَّ؟ قَالَ لَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَا تَقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ إنْ جَهَرَ وَلَا إنْ خَافَتَ. وَأَخْرَجَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: هَذَا يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَكْفِي فِي بُطْلَانِهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إنَّمَا اخْتَارُوا تَرْكَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَطْ لَا أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ انْتَهَى. وَلَيْسَ مَا نَسَبَهُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ بِصَحِيحٍ بَلْ هُمْ يَمْنَعُونَهُ وَهِيَ عِنْدَهُمْ تُكْرَهُ، وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ. وَصَرَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ طَرِيقِ

وَهُوَ رُكْنٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، لَكِنَّ حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَالِاسْتِمَاعُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا» وَيُسْتَحْسَنُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ الْحَرَامَ إلَّا عَلَى مَا حَرَّمْته بِقَطْعِيٍّ. وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْته يَقُولُ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَجَبَتْ هَذِهِ فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَكُنْتُ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِنْهُ فَقَالَ: مَا أَرَى الْإِمَامَ إذَا أَمَّ الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَفَاهُمْ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ مِنْ كَلَامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ لِيَرْوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ» ثُمَّ يَعْتَدُّ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ عَنْ الْمُقْتَدِي إلَّا لِعِلْمٍ عِنْدَهُ فِيهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» ) رَوَاهَا مُسْلِمٌ زِيَادَةً فِي حَدِيثِ «إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا» وَقَدْ ضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ طَرِيقِهَا وَثِقَةِ رَاوِيهَا، وَهَذَا هُوَ الشَّاذُّ الْمَقْبُولُ، وَمِثْلُ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي حَدِيثِ «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ) تَقْتَضِي هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الزَّكَاةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ فِي دَيْنِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ: وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُكْرَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُكْرَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا، فَإِنَّ عِبَارَاتِهِ فِي كُتُبِهِ مُصَرِّحَةٌ بِالتَّجَافِي عَنْ خِلَافِهِ، فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا أَسْنَدَ إلَى عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ مَا قَرَأَ قَطُّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ، قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ لَا نَرَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ يَجْهَرُ فِيهِ أَوْ لَا يَجْهَرُ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي إسْنَادِ آثَارٍ أُخَرَ ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ. وَفِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ أَنْ رَوَى فِي مَنْعِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مَا رُوِيَ. قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ وَفِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ. بِذَلِكَ جَاءَتْ عَامَّةُ الْأَخْبَارِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي عَدَمِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَلَيْسَ مُقْتَضَى أَقْوَاهُمَا الْقِرَاءَةَ بَلْ الْمَنْعَ (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ)

(وَيَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ) لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ، وَالْقِرَاءَةُ وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ النَّارِ كُلُّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِيمَا أَسْنَدْنَاهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ) إنَّ لِلْوَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ إذَا اسْتَمَعَ، قَالَ تَعَالَى {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وَوَعْدُهُ حَتْمٌ وَإِجَابَةُ دُعَاءِ الْمُتَشَاغِلِ عَنْهُ بِهِ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ أَمَّ فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ، أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِي الْفَرْضِ كَذَلِكَ. وَفِي النَّفْلِ يَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا وَيَتَفَكَّرُ فِي آيَةِ الْمَثَلِ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ، وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ مِنْ النَّارِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهُ فِي النَّافِلَةِ وَهُمْ صَرَّحُوا بِالْمَنْعِ إلَّا أَنَّهُمْ عَلَّلُوهُ بِالتَّطْوِيلِ عَلَى الْمُقْتَدِي، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَّ مَنْ يُعْلَمُ مِنْهُ طَلَبُ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ (قَوْلُهُ بِالنَّصِّ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَالْإِنْصَاتُ لَا يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْكَلَامِ، لَكِنْ قِيلَ إنَّهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ لَا مُطْلَقًا. وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ: الِاسْتِمَاعُ، وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ، وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وُرُودَ الْآيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَزَلَ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] » وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَأَلْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَحْسِبُهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ: كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ، قَالَ: إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، هَذَا وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ فِي الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاس نِيَامٌ يَأْثَمُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إطْلَاقِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. [فُرُوعٌ فِي الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ] يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَتَعَمَّمَ وَيَسْتَقْبِلَ، وَكَذَا الْعَالِمُ لِلْعِلْمِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَلَوْ قَرَأَ مُضْطَجِعًا فَلَا بَأْسَ وَيَضُمُّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمُ النَّائِمِ، بِخِلَافِ مَدِّهِمَا فَإِنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَلَوْ قَرَأَ مَاشِيًا أَوْ عِنْدَ النَّسْجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ هِيَ عِنْدَ الْغَزْلِ وَنَحْوِهِ، إنْ كَانَ الْقَلْبُ حَاضِرًا غَيْرَ مُشْتَغِلٍ لَا يُكْرَهُ، وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَفِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ

وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ، (وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) لِفَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةَ آلَافِ مَرَّةٍ، هَذَا فِي حَقِّ قَارِئِ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَتُهَا ثَلَاثًا عِنْدَ الْخَتْمِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي اسْتِحْبَابِهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ، وَفِي الْمَكْتُوبَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ، وَلَا يَقْرَأُ فِي الْمُغْتَسَلِ وَالْمَخْرَجِ وَالْحَمَّامِ وَمَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، أَوْ وَامْرَأَتُهُ هُنَاكَ تَغْتَسِلُ مَكْشُوفَةً وَكَذَا الذِّكْرُ. وَالْمُخْتَارُ فِي الْحَمَّامِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنْ جَهَرَ وَفِيهِ أَحَدٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، وَتَعَلُّمُ بَاقِي الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَ بَعْضَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَتَعَلُّمُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الْأَعْمَى (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ) هَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْتَمِعُ، فَأَمَّا النَّائِي فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ: يَعْنِي عَدَمَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا، كَالْكَلَامِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ حَالِ الْخُطْبَةِ فَكَيْفَ فِي حَالِهَا، وَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْمَعْ فَقَدْ يُشَوِّشُ بِهَمْهَمَتِهِ عَلَى مَنْ يَقْرَبُ مِنْهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَتَكَلَّمُ فِي خِلَالِهِ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ فِي خِلَالِ الذِّكْرِ الْمَنْظُومِ يُذْهِبُ بَهَاءَهُ، وَالتَّشْمِيتُ وَرَدُّ السَّلَامِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ السَّلَامَ مَمْنُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِيجَابِ الرَّدِّ. وَعَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّ عَلَى هَذَا؛ السَّلَامُ عَلَى الْمُدَرِّسِ فِي دَرْسِهِ وَالْقَارِئِ، وَصَاحِبِ الْوَرْدِ فِي وِرْدِهِ، وَسَلَامِ الْمُكْدِي لِقَصْدِهِ بِهِ الْمَالَ لَا إفْشَاءَ السَّلَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْمُدَرِّسِ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ خَالِصَةٍ فِي عَدَمِ الرَّدِّ فَلْيَحْذَرْ مِنْ تَلْبِيسِ النَّفْسِ قَصْدَ الْعَظَمَةِ بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّهُ يَشْتَغِلُ عَنْهَا بِالرَّدِّ، وَاَللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ. [فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْفَتَاوَى] الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ أَوْ سُورَةٍ بِتَمَامِهَا، قَالَ: إنْ كَانَ آخِرُ السُّورَةِ أَكْثَرَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا كَانَ آخِرُ السُّورَةِ أَفْضَلَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ لَا آخِرَ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا قَرَأَ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ وَسَطَ السُّورَةِ أَوْ آخِرَ سُورَةٍ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ وَسَطَ سُورَةٍ أَوْ آخِرَ سُورَةٍ أُخْرَى: أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ، وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي نُسْخَةِ الْحَلْوَانِيِّ: قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَالِانْتِقَالُ مِنْ آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ إلَى آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ بَيْنَهُمَا آيَاتٌ مَكْرُوهٌ، وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ فِي رَكْعَةٍ، أَمَّا فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَتَانِ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ سُورَةٌ قِيلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ طَوِيلَةً لَا يُكْرَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ سُورَتَانِ قَصِيرَتَانِ، وَإِنْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ سُورَةً وَفِي الثَّانِيَةِ مَا فَوْقَهَا أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ وَقَعَ هَذَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ هَذِهِ السُّورَةَ أَيْضًا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ. أَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا يُكْرَهُ، وَعِنْدِي

[باب الإمامة]

إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ، فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِي عَنْ الْمِنْبَرِ، وَالْأَحْوَطُ هُوَ السُّكُوتُ إقَامَةً لِفَرْضِ الْإِنْصَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْإِمَامَةِ (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكُلِّيَّةِ نَظَرٌ «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى بِلَالًا عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ وَقَالَ لَهُ: إذَا ابْتَدَأْتَ بِسُورَةٍ فَأَتِمَّهَا عَلَى نَحْوِهَا حِينَ سَمِعَهُ يَنْتَقِلُ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ فِي التَّهَجُّدِ» وَلَوْ قَصَدَ سُورَةً وَافْتَتَحَ غَيْرَهَا فَأَرَادَ تَرْكَهَا إلَى الْمَقْصُودِ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ حَرْفًا وَاحِدًا، وَلَوْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِرَاءَةِ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَرْكَعْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ) أَفَادَ وُجُوبَ السُّكُوتِ فِي الثَّانِيَةِ كُلِّهَا أَيْضًا مَا خَلَا الْمُسْتَثْنَى، وَرُوِيَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَمْرَ اللَّهِ بِالصَّلَاةِ وَاشْتَغَلَ هُوَ بِالِامْتِثَالِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوَافَقَتُهُ وَإِلَّا أَشْبَهَ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِمَامَةِ] (بَابُ الْإِمَامَةِ) الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ جَمَاعَةٌ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ) لَا يُطَابِقُ دَلِيلَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّعْوَى، إذْ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ إلَّا لِعُذْرٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ ثُبُوتَهَا بِالسُّنَّةِ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَعَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ

«الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِهِمَا: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَقِيلَ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَفِي الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: إنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَفِي الْمُفِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: يَجِبُ عَلَى الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، وَإِذَا فَاتَتْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا آخَرَ لِلْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ، يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا تَتَبُّعُهَا. وَسُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانًا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ؟ فَقَالَ: لَا، وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ. اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ جَمَاعَةِ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَإِذَا كَانَ مَسْجِدَانِ يَخْتَارُ أَقْدَمَهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَقْرَبُ، وَإِنْ صَلَّى فِي الْأَقْرَبِ وَسَمِعَ إقَامَةَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِيهِ لَا يَخْرُجُ وَإِلَّا فَيَذْهَبُ إلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ تَفْرِيعٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَقْرَبِ مُطْلَقًا لَا عَلَى مَنْ فَضَّلَ الْجَامِعَ، فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَفَقِّهًا فَمَجْلِسُ أُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ أَوْ مَجْلِسُ الْعَامَّةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، فَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمَرَضُ، وَكَوْنُهُ مَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ أَوْ مَفْلُوجًا أَوْ مُسْتَخْفِيًا مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ كَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ أَلَمٌ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ، وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْجَمَاعَةِ. فَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى، وَبِالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّحِيحِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ: الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ: يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ» وَمَا عَنْ «ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ. مَعْنَاهُ: لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً تُحَصِّلُ لَك فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا، لَا الْإِيجَابَ عَلَى الْأَعْمَى «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فِي تَرْكِهَا» . وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالْمُؤَذِّنِ فَيُؤَذِّنَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمُ الْحَطَبِ إلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَصْلًا بِدَلِيلِ مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَةً فَيَجْمَعُوا لِي حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ» فَقِيلَ لِيَزِيدَ هُوَ ابْنُ الْأَصَمِّ: الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا؟ قَالَ: صُمَّتْ أُذُنَايَ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثُرُهُ عَنْ

(وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقْرَؤُهُمْ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَالْحَاجَةُ إلَى الْعِلْمِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْقِرَاءَةُ مُفْتَقَرٌ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا قَالُوا لِيَزِيدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. قِيلَ هُمَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةٌ فِي الْجُمُعَةِ، وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذُكِرَ يَصْلُحُ وَجْهًا لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَهُوَ دَلِيلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا عَلَى مَا فِي الْغَايَةِ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْقَائِلَيْنِ بِالسُّنِّيَّةِ إذْ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ» ، وَهَذَا لِأَنَّ سُنَنَ الْهُدَى أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ لُغَةً كَصَلَاةِ الْعِيدِ. وَقَوْلُهُ لَضَلَلْتُمْ يُعْطِي الْوُجُوبَ ظَاهِرًا. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْهُ: لَكَفَرْتُمْ. وَلَعَلَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَهُ بِالْمَعْنَى، إلَّا أَنَّهُ رَفَعَ قَوْلَهُ «لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ» ، فَأَفَادَ أَنَّهُ وَعِيدٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَعْنِي أَنَّ وَصْفَ النِّفَاقِ يَتَسَبَّبُ عَنْ التَّخَلُّفِ، لَا إخْبَارٌ أَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ التَّخَلُّفَ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَخَلَّفُ كَسَلًا مَعَ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَقِينِ التَّوْحِيدِ وَعَدَمِ النِّفَاقِ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِعَ إذْ ذَاكَ عَدَمُ التَّخَلُّفِ إلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْجَفَاءُ كُلُّ الْجَفَاءِ وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ مَنْ سَمِعَ مُنَادِيَ اللَّهِ يُنَادِي إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِحَسْبِ الْمُؤْمِنِ مِنْ الشَّقَاءِ وَالْخَيْبَةِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ» وَالتَّثْوِيبُ هُنَا الْإِقَامَةُ، سَمَّاهَا بِهِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَوْدٌ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِالْأَذَانِ. أَمَّا التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، غَيْرَ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ تَعْلِيقَ الْوُجُوبِ بِسَمَاعِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ حُسْنِهِ، وَيَتَوَقَّفُ الْوَعِيدُ فِي حَدِيثِ التَّحْرِيقِ عَلَى كَوْنِهِ لِتَرْكِ الْحُضُورِ دَائِمًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ «لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ» وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ» لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ فِي مِثْلِهِ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ: أَيْ عَادَتُهُمْ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ لِلْحُضُورِ أَحْيَانًا، وَالسُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي تُقَرِّبُ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ مُثْبِتُو السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ سُوقِهِ

(فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبْعًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الصِّحَّةِ وَالْفَضِيلَةِ بِلَا جَمَاعَةٍ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَكْثَرَ مِنْ ثُبُوتِ صِحَّةِ مَا فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ فِي الْجُمْلَةِ بِلَا جَمَاعَةٍ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ، فَالْمَعْنَى صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ مُقْتَضَاهُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا بِلَا جَمَاعَةٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَى سُنِّيَّتِهَا لِجَوَازِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ تَرْكُهَا مُؤْثِمًا لَا مُفْسِدًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إيجَابُ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي جَمْعٍ كَإِيجَابِ فِعْلِهَا فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَغْصُوبَةٍ وَزَمَانٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تَقُلْ فِي الْجَوَابِ إنَّهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَعَدَمُ الْوَاجِبِ لَا يُنَافِيهَا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ اللُّزُومَ مُلَاحَظٌ بِاعْتِبَارَيْنِ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِ مِنْ الشَّارِعِ، وَبِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّنَا، فَمُلَاحَظَتُهُ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي إنْ كَانَ طَرِيقُ ثُبُوتِهِ عَنْ الشَّارِعِ قَطْعِيًّا كَانَ مُتَعَلِّقُهُ الْفَرْضَ وَنَافَى تَرْكَ مُقْتَضَاهُ الصِّحَّةَ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا كَانَ الْوُجُوبُ وَلَمْ يُنَافِهَا لَا لِاسْمِ الْوُجُوبِ بَلْ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ قَطْعِيًّا، فَإِنَّا لَوْ قَطَعْنَا بِهِ عَنْهُ نَافَى، وَلِذَا لَا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ: أَعْنِي الْوَاجِبَ فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَافَهَةً مَعَ قَطْعِيَّةِ دَلَالَةِ الْمَسْمُوعِ فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ إلَّا الْفَرْضُ الَّذِي عَدَمُهُ مُنَافٍ لِلصِّحَّةِ أَوْ غَيْرِ اللَّازِمِ مِنْ السُّنَّةِ فَمَا بَعْدَهَا، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مُلَاحَظَتَهُ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ لَيْسَ فِيهِ وُجُوبٌ بَلْ الْفَرْضِيَّةُ أَوْ عَدَمُ اللُّزُومِ أَصْلًا، وَالْكَلَامُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ مُرِيدًا مَعْنَى ظَاهِرِهِ أَوَّلًا، فَلَا يَكُونُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقُ الْخِطَابِ إلَّا الِافْتِرَاضَ أَوْ عَدَمَ اللُّزُومِ، فَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يُنَافِي عَدَمُهُ الصِّحَّةَ فَتَأَمَّلْ، وَقَدْ كَمَّلَ إلَى هُنَا أَدِلَّةَ الْمَذَاهِبِ سِوَى مَذْهَبِ الْكِفَايَةِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: الْمَقْصُودُ مِنْ الِافْتِرَاضِ إظْهَارُ الشِّعَارِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا كَانَتْ تُقَامُ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَسْجِدِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ مَا قَالَ وَهَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِثْلُهُ عَنْهُ فِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْجَنَائِزِ مَعَ إقَامَتِهَا بِغَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ» ) الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» قَالَ الْأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ مَكَانَ إسْلَامًا سِنًّا، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ عَوَّضَ «فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» «فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا، فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا» وَهِيَ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الِاخْتِيَارِ: مِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَمِنْهُمْ كَالْمُصَنَّفِ مَنْ

وَأَقْرَؤُهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَارَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَهُوَ أَنَّ الْأَعْلَمَ أَوْلَى بَعْدَ كَوْنِهِ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ الْمَسْنُونَةَ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ دَلِيلًا لِلْمُخْتَارِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَقْرَأَ كَانَ أَعْلَمَ لِتَلَقِّيهِمْ الْقُرْآنَ بِأَحْكَامِهِ وَنَظَّرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الْحَاكِمِ، وَلَوْ صَحَّ فَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَصَارَ الْحَاصِلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ: أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَلَى مَا ادَّعَى، وَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا أَوَّلًا يَقْتَضِي فِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَبَحِّرٌ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ مُتَبَحِّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ وَمِنْهَا أَحْكَامُ الْكِتَابِ أَنَّ التَّقَدُّمَةَ لِلثَّانِي لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ عَكْسُهُ بَعْدَ إحْسَانِ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُهُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَالْقِرَاءَةَ لِرُكْنٍ وَاحِدٍ. وَثَانِيًا يَكُونُ النَّصُّ سَاكِتًا عَنْ الْحَالِ بَيْنَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْعِلْمِ عَنْ الْأَقْرَئِيَّةِ بَعْدَ إحْسَانِ الْمَسْنُونِ، وَمَنْ انْفَرَدَ بِالْأَقْرَئِيَّةِ عَنْ الْعِلْمِ لَا كَمَا ظَنَّ الْمُصَنِّفُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَعْلَمُ مُطْلَقًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، بَلْ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَقْرَئِيَّةُ وَالْأَعْلَمِيَّةُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْأَقْرَإِ الْأَعْلَمَ فَقَطْ: أَيْ لَيْسَ بِأَقْرَأَ فَيَكُونُ مَجَازًا خِلَافَ الظَّاهِرِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَأَ غَيْرَ أَنَّ الْأَقْرَأَ يَكُونُ أَعْلَمَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ إذْ ذَاكَ فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ بِالْأَقْرَئِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ بِالْأَعْلَمِيَّةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا النَّصُّ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْحَالِ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ أَرَادَ الْأَقْرَأَ لَكِنَّهُ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِهِ أَعْلَمَ فَيُفِيدُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يَكُونُ مُعَلَّلًا بِأَعْلَمِيَّةِ أَحْكَامِ الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمَقْصُودُ الْأَعْلَمِيَّةُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْكِتَابِ بَلْ مِنْ السُّنَّةِ أَرَأَيْت مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا عَلَى كَثْرَةِ شُعَبِهِ وَمَسَائِلِ الِاسْتِخْلَافِ يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ أَمْ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ تَتَضَمَّنُ الْأَقْرَئِيَّةُ التَّعْلِيلَ بِالْأَعْلَمِيَّةِ بِالسُّنَّةِ، أَلَّا يَرَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» وَلِذَا اسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَةٌ لِأَبِي يُوسُفَ، وَاسْتَدَلُّوا لِمُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَسَكَتَ عَنْهُ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَالْحَقُّ أَنَّ عِبَارَتَهُمْ فِيهِ لَا تَفْحُشُ، وَلَكِنْ لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ أَبِي يُوسُفَ. وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ حَدِيثُ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَكَانَ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ لَا أَعْلَمُ. دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ» وَدَلِيلُ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُجْتَبَى:

(فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَكْيَةَ «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمُوا غَيْرَهُ أَسَاءُوا وَلَا يَأْثَمُونَ (قَوْلُهُ فَأَوْرَعُهُمْ) الْوَرَعُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ. وَالتَّقْوَى: اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ» فَإِنْ صَحَّ وَإِلَّا فَالضَّعِيفُ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ مَحَلُّهُ مَا بَعْدَ التَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ الصَّحِيحِ بَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِأَقْدَمِيَّةِ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ انْتَسَخَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ فَوَضَعُوا مَكَانَهَا الْهِجْرَةَ عَنْ الْخَطَايَا، وَفِي حَدِيثِ «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ» إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا هَاجَرَ فَاَلَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى مِنْهُ إذَا اسْتَوَيَا فِيمَا قَبْلَهَا، وَكَذَا إذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الْفَضَائِلِ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْدَمُ وَرَعًا قُدِّمَ، وَحَدِيثُ «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَذَانِ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا. وَفَسَّرَ فِي الْكَافِي حُسْنَ الْوَجْهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِاللَّيْلِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَالْمُحَدِّثُونَ لَا يُثْبِتُونَهُ، وَالْحَدِيثُ فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيِّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُوسَى الزَّاهِدِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَتَبْته عَنْ ثَابِتٍ فَذَكَرْته لِابْنِ نُمَيْرٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي ثَابِتًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَالْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: دَخَلَ ثَابِتُ بْنُ مُوسَى عَلَى شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَالْمُسْتَمْلِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَشَرِيكٌ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَتْنَ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى ثَابِتِ بْنِ مُوسَى قَالَ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَإِنَّمَا أَرَادَ ثَابِتًا لِزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ فَظَنَّ ثَابِتٌ أَنَّهُ مَتْنُ ذَلِكَ السَّنَدِ فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِذَلِكَ السَّنَدِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ شَرِيكٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ شَرِيكٍ عَقِبَ ذِكْرِ مَتْنِ ذَلِكَ السَّنَدِ وَهُوَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ» الْحَدِيثَ الثَّابِتَ. فَأَدْرَجَهُ ثَابِتٌ وَجَمِيعُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى بُطْلَانِهِ، ثُمَّ إنْ اسْتَوَوْا فِي الْحُسْنِ فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي هَذِهِ كُلِّهَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ قِيلَ هُمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ الْمُقِيمُ أَوْلَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ يَؤُمُّ أَهْلَ مَحَلَّةٍ غَيْرِ مَحَلَّتِهِ فِي رَمَضَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ إلَى تِلْكَ الْمَحَلَّةِ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ، فَلَوْ ذَهَبَ بَعْدَهُ كُرِهَ كَمَا يُكْرَهُ السَّفَرُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ، وَفِيهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَتَنَحْنَحُ عِنْدَ

(وَيُكْرَهُ) (تَقْدِيمُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ (وَالْأَعْرَابِيِّ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ الْجَهْلُ (وَالْفَاسِقِ) لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ لِأَمْرِ دِينِهِ (وَالْأَعْمَى) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ (وَوَلَدِ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِرَاءَةِ، إنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَثُرَ فَغَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُتَبَرَّكُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ إلَخْ) فَلَوْ اجْتَمَعَ الْمُعْتَقُ وَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ وَاسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ فَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ أَوْلَى. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَنْ سِوَى الْفَاسِقِ لِلتَّنْفِيرِ وَالْجَهْلُ ظَاهِرٌ، وَفِي الْفَاسِقِ لِلْأَوَّلِ لِظُهُورِ تَسَاهُلِهِ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا وَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَدَى بِالْفَاسِقِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّ فِي غَيْرِهَا يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا يَأْثَمُ فِي ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَعَلَى هَذَا فَيُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّحَوُّلِ حِينَئِذٍ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ أَحْرَزَ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ، لَكِنْ لَا يُحْرِزُ ثَوَابَ الْمُصَلِّي خَلْفَ تَقِيٍّ اهـ. يُرِيدُ بِالْمُبْتَدِعِ مَنْ لَمْ يُكَفَّرْ وَلَا بَأْسَ بِتَفْصِيلِهِ: الِاقْتِدَاءُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزٌ إلَّا الْجَهْمِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ وَالرَّوَافِضَ الْغَالِيَةَ وَالْقَائِلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْخَطَابِيَّةَ وَالْمُشَبِّهَةَ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغُلَّ حَتَّى لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَتُكْرَهُ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مُنْكِرِ الشَّفَاعَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لِتَوَارُثِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ قَالَ لَا يَرَى لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ كَذَا قِيلَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الدَّلِيلِ إذَا تَأَمَّلْت، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَ مُنْكِرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَالْمُشَبِّهِ إذَا قَالَ: لَهُ تَعَالَى يَدٌ وَرِجْلٌ كَمَا لِلْعِبَادِ فَهُوَ كَافِرٌ مَلْعُونٌ. وَإِنْ قَالَ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقُ لَفْظِ الْجِسْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِيهَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ. وَقِيلَ يُكَفَّرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَهُوَ حَسَنٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّكْفِيرِ. وَفِي الرَّوَافِضِ أَنَّ مَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى الثَّلَاثَةِ فَمُبْتَدِعٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهُوَ كَافِرٌ، وَمُنْكِرُ الْمِعْرَاجِ إنْ أَنْكَرَ الْإِسْرَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَافِرٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ مِنْهُ فَمُبْتَدِعٌ انْتَهَى مِنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا تَعْلِيلَ إطْلَاقِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ، وَبِخَطِّ الْحَلْوَانِيِّ تُمْنَعُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَخُوضُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَيُنَاظِرُ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ كَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا وَرَدَ عَنْ

لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُثَقِّفُهُ فَيَغْلِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ هَؤُلَاءِ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ فَيُكْرَهَ (وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» . (وَلَا يُطَوِّلُ الْإِمَامُ بِهِمْ الصَّلَاةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلِيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ. قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ يُنَاظِرُ فِي دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي قَرَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ رَأَى ابْنَهُ حَمَّادًا يُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُك تُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ وَتَنْهَانِي؟ فَقَالَ: كُنَّا نُنَاظِرُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ مَخَافَةَ أَنْ يَزِلَّ صَاحِبُنَا وَأَنْتُمْ تُنَاظِرُونَ وَتُرِيدُونَ زَلَّةَ صَاحِبِكُمْ، وَمَنْ أَرَادَ زَلَّةَ صَاحِبِهِ فَقَدْ أَرَادَ كُفْرَهُ فَهُوَ قَدْ كَفَرَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَهَذَا هُوَ الْخَوْضُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَهَذَا الْمُتَكَلِّمُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسَهُ كُفْرٌ، فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنَّ جَزْمَهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ لَا يُصَحِّحُ هَذَا الْجَمْعَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلْفَهُمْ عَدَمُ الْحِلِّ: أَيْ عَدَمُ حِلِّ أَنْ يُفْعَلَ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. بِخِلَافِ مُطْلَقِ اسْمِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ لِاخْتِيَارِهِ إطْلَاقَ مَا هُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَلَوْ نَفَى التَّشْبِيهَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا التَّسَاهُلُ وَالِاسْتِخْفَافُ بِذَلِكَ، وَفِي مَسْأَلَةِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلٌ آخَرُ ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاة بِالْمُسَايِرَةِ. وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَشْهُورِ بِأَكْلِ الرِّبَا، وَيَجُوزُ بِالشَّافِعِيِّ بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا فِي بَابِ الْوَتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَلْ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَنَفِيِّ فِي الْوَتْرِ بِمَنْ يَرَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيهِ نَذْكُرُهُ فِيهِ أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ) تَمَامُهُ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ «وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ وَحَاصِلُهُ. أَنَّهُ مِنْ مُسَمَّى الْإِرْسَالِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدنَا وَرَوَاهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَأَعَلَّهُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَالْعُقَيْلِيِّ كُلُّهَا مُضَعَّفَةٌ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَبِذَلِكَ يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ وَلَا يُطَوِّلُ بِهِمْ الْإِمَامُ) يُسْتَثْنَى صَلَاةُ الْكُسُوفِ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهَا التَّطْوِيلُ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي الصَّحِيحَيْنِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» وَفِي لَفْظ لِمُسْلِمٍ «الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ» وَفِيهِمَا «عَنْ أَنَسٍ: مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَقَدْ بَحَثْنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ، وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ هِيَ الْمَسْنُونَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَا نَهَى عَنْهُ غَيْرَ مَا كَانَ

(وَيُكْرَهُ النِّسَاءُ وَحْدَهُنَّ الْجَمَاعَةُ) لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ، وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ فَيُكْرَهَ كَالْعُرَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَأْبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَقِرَاءَةُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ كَانَتْ بِالْبَقَرَةِ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ «إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ فَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» لِأَنَّهَا كَانَتْ الْعِشَاءَ لِأَنَّهَا الْمُورَدُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «صَلَّى مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ فَقَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ، فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ» الْحَدِيثَ. وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّهَا كَانَتْ الْمَغْرِبَ، وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فَيُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قِيلَ فِيهِ حَزْمٌ، وَقِيلَ حَازِمٌ، وَقِيلَ حِزَامٌ، وَقِيلَ سُلَيْمٌ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُعَاذًا لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ مَرَّةً لِتَصِيرَ لَهُ قِصَّتَانِ. وَرَدَّ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ الْمَغْرِبِ قَالَ: رِوَايَاتُ الْعِشَاءِ أَصَحُّ، ثُمَّ مَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرُدَّ الْعُمُومَ، إذْ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى تَكُونَ الْمَغْرِبُ كَالْفَجْرِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْعِشَاءِ، وَإِنَّ قَوْمَ مُعَاذٍ كَانَ الْعُذْرُ مُتَحَقِّقًا فِيهِمْ لَا كَسَلَ مِنْهُمْ فَأُمِرَ فِيهِمْ بِذَلِكَ لِذَلِكَ، كَمَا ذُكِرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا لَهُ أَوْجَزْتَ، قَالَ: سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيتُ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ» وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ بِالْمُورَدِ بَلْ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا التَّطْوِيلُ فِيهِ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَرْكَ الْقِدَمِ لِإِمَامِ الرِّجَالِ مُحَرَّمٌ، وَكَذَا صَرَّحَ الشَّارِحُ وَسَمَّاهُ فِي الْكَافِي مَكْرُوهًا وَهُوَ الْحَقُّ: أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّقَدُّمِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا تَرْكِ الْوُجُوبِ فَلِعَدَمِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فَاسْمُ الْمُحَرَّمِ مَجَازٌ، وَاسْتَلْزَمَ مَا ذُكِرَ أَنَّ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ مَلْزُومَ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ: أَعْنِي الْفِعْلَ الْمُعَيَّنَ مَلْزُومٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، ثُمَّ شَبَّهَهَا بِجَمَاعَةِ الْعُرَاةِ فَاقْتَضَى أَنَّهَا أَيْضًا تُكْرَهُ كَذَلِكَ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ. وَهُوَ أَحَدُ الْأُمُورِ: إمَّا تَرْكُ وَاجِبِ التَّقَدُّمِ، وَإِمَّا زِيَادَةُ الْكَشْفِ الَّذِي هُوَ أَفْحَشُ مِنْ كَشْفِ الْمَرْأَةِ إذَا تَقَدَّمَتْ وَهِيَ لَابِسَةٌ ثَوْبًا مَحْشُوًّا مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدِمَهَا فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهَا أَيْضًا، وَلَا كَشْفَ عَوْرَةٍ فَكَيْفَ بِالْعَارِي الْمُتَعَرِّضِ لِلنَّظَرِ أَوْ زِيَادَةِ كَشْفِ عَوْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَى سَتْرِ بَعْضِهَا، ثُمَّ ثُبُوتُ كَرَاهَةِ تَقَدُّمِهَا وَهِيَ بِهَذَا السِّتْرِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِفِعْلِ عَائِشَةَ فَقَطْ لَمَّا أَتَتْ، فَإِنَّهَا مَا تَرَكَتْ وَاجِبَ التَّقَدُّمِ إلَّا لِأَمْرٍ هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا هُوَ، أَلِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الِانْكِشَافِ الْمُلَازِمِ لِشُخُوصِهَا عَنْهُنَّ، أَوْ هُوَ لِنَفْسِ شُخُوصِهَا عَنْهُنَّ شَبِيهَةً بِالرِّجَالِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ لَا تُكْرَهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ، وَتَرْكُ التَّقَدُّمِ مَكْرُوهٌ فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ فِعْلِ

(فَإِنْ فَعَلْنَ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ) لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَعَلَتْ كَذَلِكَ، وَحُمِلَ فِعْلُهَا الْجَمَاعَةَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَكْرُوهِ بِفِعْلِ الْفَرْضِ أَوْ تَرْكِ الْفَرْضِ لِتَرْكِهِ فَوَجَبَ الْأَوَّلُ، بِخِلَافِ جَمَاعَتِهِنَّ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ صَلَّيْنَ فُرَادَى فَقَدْ تَسْبِقُ إحْدَاهُنَّ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِهَا مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ فَرَاغُ تِلْكَ مُوجِبًا لِفَسَادِ الْفَرْضِيَّةِ لِلصَّلَاةِ الْبَاقِيَاتِ كَتَقْيِيدِ الْخَامِسَةِ بِالسَّجْدَةِ لِمَنْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلْنَ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ) لِأَنَّ تَرْكَ التَّقَدُّمِ أَسْهَلُ مِنْ زِيَادَةِ الْكَشْفِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ صَحَّ، وَمُقْتَضَى مَا عُلِمَ مِنْ التَّقْرِيرِ أَنْ تَأْثَمَ بِهِ (قَوْلُهُ وَحُمِلَ فِعْلُهَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ) وَهَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ فِيهِ بُعْدٌ: «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، «ثُمَّ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ» وَمَا تَؤُمُّ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا، فَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَعَلَتْهُ حِينَ كَانَ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَةَ انْتَهَى. وَفِي نَقْلِ التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْضُ خَلَلٍ: يَعْنِي يُحْمَلُ قَوْلُهُ ابْتِدَاءَ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لَكِنَّ مَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ، وَمَا فِي كِتَابِ الْآثَارِ لِمُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمَاعَةَ التَّرَاوِيحِ إنَّمَا اسْتَقَرَّتْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي الْغَزَاةِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ، ثُمَّ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي شَهَادَةً قَالَ: قَرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ، قَالَ: فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ، وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، قَالَ: وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا وَجَارِيَةً فَقَامَا إلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ أَوْ مَنْ

وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ زِيَادَةَ الْكَشْفِ. (وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ) لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَآهُمَا فَلْيَجِئْ بِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبَيْنِ بِالْمَدِينَةِ» . ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جَمِيعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْهَا. وَفِيهِ: «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزُورُهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا» . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَأَنَا رَأَيْت مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا، كُلُّهَا يَنْفِي ثُبُوتَ النَّسْخِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ الْوَلِيدُ بْنُ جَمِيعٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ فِيهِمَا ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يُعْرَفُ حَالُهُمَا انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَهُمَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَدْ يُجَابُ بِجَوَازِ كَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ مُوَاظَبَةٍ كَانَتْ قَبْلَ النَّسْخِ. وَقَوْلُهُ كَانَتْ تَؤُمُّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّرَاوِيحَ. وَقَوْلُهُ جَعَلَ لَهُ مُؤَذِّنًا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِمْرَارَ إمَامَتِهَا إلَى وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ: لَا يَقْتَضِي عِلْمُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِبَقَاءِ شَرْعِيَّتِهَا لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُرَادِ إفَادَةَ مَقَامِهَا بِتَقْدِيرِ ارْتِكَابهَا ذَلِكَ أَوْ خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ النَّاسِخِ، وَلَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ، إذْ لَا بُدَّ فِي ادِّعَاءِ النَّسْخِ مِنْهُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي النَّسْخِ إلَّا مَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ إمْكَانِ كَوْنِهِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» يَعْنِي الْخِزَانَةَ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَيْتِ. وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَحَبَّ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ إلَى اللَّهِ فِي أَشَدِّ مَكَان فِي بَيْتِهَا ظُلْمَةً» وَفِي حَدِيثٍ لَهُ وَلِابْنِ حِبَّانَ «هُوَ أَقْرَبُ مَا تَكُون مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَخْدَعَ لَا يَسَعُ الْجَمَاعَةَ، وَكَذَا قَعْرُ بَيْتِهَا وَأَشَدُّهُ ظُلْمَةً. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ نَسْخَ السُّنِّيَّةِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فِي الْفِعْلِ بَلْ التَّنْزِيهَ وَمَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى، وَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَذْهَبَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ اتِّبَاعُ الْحَقِّ حَيْثُ كَانَ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِهِ وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِمَامِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ فِي يَسَارِهِ جَازَ وَهُوَ مُسِيءٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ (وَإِنْ أَمَّ اثْنَيْنِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَوَسَّطُهُمَا، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ مُطَوَّلًا، وَأَوْرَدَ كَيْفَ جَازَ النَّفَلُ بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ بِدْعَةٌ. أُجِيبُ بِأَنَّ أَدَاءَهُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ يَجُوزُ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ: كَانَ التَّهَجُّدُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضًا فَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ. هَذَا وَلَوْ أَوْرَدَ قِصَّةَ أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ «فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» ظَاهِرًا فِي مُحَاذَاةِ الْيَمِينِ دُونَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْعَهْدُ بِهِ قَرِيبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ ثَانِيًا لِدَفْعِ قَوْلِهِ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْيَمِينِ لَا يُقَالُ هُوَ عَنْ يَمِينِهِ إلَّا بِنَوْعِ إرْسَالٍ كَمَا لَا يُقَالُ هُوَ خَلْفَهُ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُتَأَخِّرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ جَازَ وَهُوَ مُسِيءٌ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ عَدَمِ الْإِسَاءَةِ إذَا كَانَ خَلْفَهُ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَعَلَهُ، وَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا لِأَحَدٍ أَنْ يُسَاوِيَك فِي الْمَوْقِفِ، فَدَعَا لَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ ذَلِكَ بِمُحَاذَاةِ الْيَمِينِ وَدُعَاؤُهُ لَهُ لِحُسْنِ تَأَدُّبِهِ لَا لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إنْ صَحَّتْ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْإِقَامَةَ عَنْ يَمِينِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ بِمُحَاذَاةِ الْيَمِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: أُصَلِّي مِنْ خَلْفِكُمَا؟ قَالَا نَعَمْ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ رَكَعْنَا فَوَضَعْنَا أَيْدِينَا عَلَى رُكَبِنَا، ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ الْوَقْفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ

وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ. قِيلَ كَأَنَّهُمَا ذَهِلَا، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ لَمْ يَرْفَعْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَرَفَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ إلَى آخِرِهِ، وَإِذَا صَحَّ الرَّفْعُ فَالْجَوَابُ إمَّا بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ مَا قَالَ الْحَازِمِيُّ إنَّهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَعْلَمُ هَذِهِ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ إذْ فِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا. وَلَمَّا قَدِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ سِرْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَقَامَ يُصَلِّي، فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» فَهَذَا دَالٌّ، عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْآخِرُ لِأَنَّ جَابِرًا إنَّمَا شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي بَعْدَ بَدْرٍ انْتَهَى. وَغَايَةُ مَا فِيهِ خَفَاءُ النَّاسِخِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ دَأْبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إمَامَةَ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ دُونَ الِاثْنَيْنِ إلَّا فِي النُّدْرَةِ كَهَذِهِ الْقِصَّةِ. وَحَدِيثُ الْيَتِيمِ وَهُوَ فِي دَاخِلِ بَيْتِ امْرَأَةٍ فَلَمْ يَطَّلِعْ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلِمَهُ، وَحَدِيثُ الْيَتِيمِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ لَكُمْ، فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ» . وَمَرْجِعُ ضَمِيرِ جَدَّتِهِ إِسْحَاقُ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْيَتِيمُ هُوَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: لَكِنْ عَلَى كِلَا الْجَوَابَيْنِ لَا يَتَّجِهُ ثُبُوتُ الْإِبَاحَةِ أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَسْخِ سُنِّيَّةِ مَا فَعَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِأَنَّ عِلَّةَ قَوْلِنَا إذَا نُسِخَ صِفَةُ الْوُجُوبِ لَا تَبْقَى صِفَةُ الْجَوَازِ: أَعْنِي الْإِبَاحَةَ هِيَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِمَعْنَى رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِخِطَابِ ذَلِكَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي ضِمْنِ الْوُجُوبِ لِيَصْدُقَ انْتِفَاءُ الْحَقِيقَةِ بِرَفْعِ جُزْئِهَا وَيَبْقَى الْجُزْءُ الْآخَرُ لِأَنَّهَا قَسِيمَتُهُ لِمُنَافَاتِهَا لَهُ بِالْفِعْلِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ هُنَا لِعَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فِي السُّنِّيَّةِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْفِعْلِ، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فِي ضِمْنِهَا الْإِبَاحَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَجُزْءُ حَقِيقَتِهَا عَدَمُ تَرَجُّحِ الْفِعْلِ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ فَفِي ثُبُوتِهَا مَوْقُوفًا عَلَى خُصُوصِ دَلِيلٍ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا عَلَى جَوَابِ الْمُصَنِّفِ فَلِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ دَفْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلَيْنِ أَبْلَغُ مِنْ الْمَنْعِ الْقَوْلِيِّ وَهُوَ يَنْفِي الْإِبَاحَةَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ التَّوَسُّطُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَيْهِ، وَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ عَلَى السُّنِّيَّةِ حَمْلًا لِرَفْعِ التَّعَارُضِ بِنَاءً عَلَى أَنْ لَا قَائِلَ بِالْقَلْبِ وَدَفْعُ الرَّجُلَيْنِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ لَا لِلْكَرَاهَةِ. وَفِي الْكَافِي: وَإِنْ كَثُرَ الْقَوْمُ كُرِهَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَهُمْ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِعْرَاضُ عَنْ سُنَّتِهِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَالْحَقُّ أَنْ يُعَلَّلَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ مُقْتَضَى فِعْلِهِ التَّقَدُّمُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ الْوُجُوبِ، فَيَكُونُ التَّوَسُّطُ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ صَرِيحُ الْهِدَايَةِ فِيمَا قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ إقَامَةِ الْمَرْأَةِ النِّسَاءَ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ، وَلَوْ قَامَ فِي يَمْنَةِ الصَّفِّ أَوْ يَسْرَتِهِ أَسَاءُوا، وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الدِّرَايَةِ، وَفِيهَا الْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ أَوْ زَاوِيَةِ أَوْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ

فَهَذَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَالْأَثَرُ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ) (يَقْتَدُوا بِامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا» وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ. وَفِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ إلَى سَارِيَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْإِمَامَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُومَ فِي الصَّفِّ الْآخَرِ إذَا خَافَ إيذَاءَ أَحَدٍ، وَفِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعَ إمْكَانِ الْوُقُوفِ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَلَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِآخَرَ فَجَاءَ ثَالِثٌ يَجْذِبُ الْمُقْتَدِيَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَلَوْ جَذَبَهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَا يَضُرُّهُ، وَقِيلَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ، وَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَصِحُّ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» وَاسْتَدَلَّ لِلْجَوَازِ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ «أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعٌ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ وَثَبَ حَتَّى انْتَهَى إلَى الصَّفِّ: فَلَمَّا سَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنِّي سَمِعْت نَفَسًا عَالِيًا فَأَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ خَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي الرَّكْعَةُ فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ لَحِقْتُ الصَّفَّ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْإِعَادَةِ كَانَ اسْتِحْبَابًا. وَلِلْكَرَاهَةِ قَالُوا إذَا جَاءَ وَالصَّفُّ مَلْآنُ يَجْذِبُ وَاحِدًا مِنْهُ لِيَكُونَ هُوَ مَعَهُ صَفًّا آخَرَ، وَيَنْبَغِي لِذَلِكَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ عَنْ هَذَا لِأَنَّهُ فَعَلَ وُسْعَهُ (قَوْلُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَخِّرُوهُنَّ إلَخْ ") سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ) أَيْ الرَّوَاتِبَ وَصَلَاةَ الْعِيدِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْوَتْرَ عِنْدَهُمَا وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءَ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ) قِيَاسًا عَلَى الْمَظْنُونِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ

وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَبْنِي الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْعَارِض عَدَمًا. وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَشَايِخُنَا الْبُخَارِيُّونَ وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَقَالُوا إنَّهُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي السُّنَنِ، وَكَذَا فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَيَجُوزُ فِيهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَلَا يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ) قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْحِسِّيِّ، أَمَّا الْبِنَاءُ الْحُكْمِيُّ فَلَا، بَلْ الْمَانِعُ فِيهِ عَدَمُ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ لِانْتِفَاءِ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا ثَابِتٌ هُنَا، فَإِنَّ نَفْلَ الْبَالِغِ يَصِيرُ وَاجِبَ الْإِتْمَامِ، وَهَذَا الْوُجُوبُ مُنْعَدِمٌ فِي نَفْلِ الصَّبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي جَوَازُ الْمَظْنُونِ خَلْفَ ظَهْرِ الصَّبِيِّ. فَالْجَوَابُ هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظِ الرِّوَايَةِ. وَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ بِنَاءً عَلَى الْفَسَادِ فِي زَعْمِ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ حَالُ الشُّرُوعِ بِظَنِّ الْوُجُوبِ وَيُعْلَمُ انْتِفَاءً مِنْ ظَهْرِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ) وَهُوَ الْمُؤَدِّي عَلَى ظَنِّ قِيَامِ وُجُوبِهِ إذَا ظَهَرَ بَعْدَ إفْسَادِهِ عَدَمُ وُجُوبِهِ بِظُهُورِ أَنَّهُ كَانَ أَدَّاهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ. وَمَعَ هَذَا صَحَّ بِنَاءُ نَفْلِ الْبَالِغِ عَلَيْهِ فَقَدْ بَنَى الْمَظْنُونَ عَلَى غَيْرِ الْمَظْنُونِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، إذْ عِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الظَّانِّ إذَا أَفْسَدَ الْمَظْنُونَ قَاسَهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِنُسُكٍ مَظْنُونٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ حَتَّى إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنْ لَا نُسُكَ عَلَيْهِ كَانَ إحْرَامُهُ لَازِمًا لِلنَّفْلِ، وَالصَّدَقَةُ الْمَظْنُونُ وُجُوبُهَا إذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ الْفَقِيرِ. وَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بِالْعِلْمِ بِفَرْقِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَوْ عَرَضَتْ ضَرُورَةٌ تُوجِبُ رَفْضَهُ إلَّا بِأَفْعَالٍ أَوْ دَمٍ ثُمَّ قَضَاءٍ أَصْلُهُ مَنْ أُحْصِرَ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَتَمَكَّنْ شَرْعًا مِنْ الْخُرُوجِ بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ ثُمَّ الْقَضَاءِ؛ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الدَّفْعَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ يُوجِبُ أَمْرَيْنِ: سُقُوطَ الْوَاجِبِ، وَثُبُوتَ الثَّوَابِ، فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ مُنْتَفِيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثَبَتَ الْآخَرُ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَطْلُبُ بِهِ ثَوَابَهُ وَقَدْ حَصَلَ، وَثَبَتَ الْمِلْكُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ لِلْفَقِيرِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَفْعِهِ، بِخِلَافِ مَنْ دَفَعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ بِظَنِّهِ وَلَا دَيْنَ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا قَبُولُ مَا هُوَ مِنْهَا لِلرَّفْضِ إجْمَاعًا كَمَا فِي زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ وَتَمَامِ الرَّكْعَةِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فَلَمْ يَلْزَمْ لُزُومُهُمَا إذَا ظَهَرَ عَدَمُ وُجُوبِهَا، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا إلَّا مُسْقِطًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُقُوطُ الضَّمَانِ عِنْدَنَا بِعَارِضِ الظَّنِّ وَالْأَصْلُ فِي نَفْلِ الْبَالِغِ الضَّمَانُ، وَالْعَارِضُ لَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ

(وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاعْتُبِرَ عَارِضُ الظَّنِّ عَدَمًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَاتَّحَدَ حَالُهُمَا فَكَانَ اقْتِدَاءُ الْمَظْنُونِ بِالْمَظْنُونِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ، وَسُقُوطُ الْوَصْفِ هُنَا بِأَمْرٍ أَصْلِيٍّ وَهُوَ الصِّبَا فَلَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَلَمْ يَتَّحِدْ حَالُهُمَا كَذَا فِي الْكَافِي. وَمَا نُقِلَ مِنْ الْمُحَسِّنِ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ صَلَاةٌ أَمْ لَا. فَقِيلَ لَا، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا تَخَلُّقًا دَلَّ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّتْ الْمُرَاهِقَةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ جَازَتْ، وَقِيلَ نَعَمْ دَلَّ عَلَيْهِ لَوْ قَهْقَهَتْ فِيهَا أُمِرَتْ بِالْوُضُوءِ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَوْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ صَحَّ الْخِلَافُ، فَإِنَّ دَلِيلَ الْمَانِعِ يَتَنَاوَلُهَا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا صَلَاةً، نَعَمْ لَوْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صَلَاةً لَمْ يَتَأَتَّ، الْخِلَافُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ لِيَلِنِي إلَخْ) فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ إيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ» قِيلَ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ صَفِّ الرِّجَالِ ثُمَّ الصَّبِيَّانِ ثُمَّ النِّسَاءِ لَا يَتِمُّ إنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْبَالِغِينَ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُمْ، وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ حَتَّى أُرِيَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاجْتَمَعُوا وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ، وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ، وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ» الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حُلْمٍ بِالضَّمِّ، وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ تَقُولُ مِنْهُ حَلَمَ بِالْفَتْحِ وَاحْتَلَمَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ دَلَالَةِ الْبُلُوغِ فَدَلَالَتُهُ عَلَى الْبُلُوغِ الْتِزَامِيَّةٌ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُرَادِ هُنَا لِيَلِنِي الْبَالِغُونَ لِيَكُونَ مَجَازًا لِاسْتِعْمَالِهِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ لِجَوَازِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ، لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ أَنْ يَلِيَهُ مِنْ الصَّفِّ مَلْزُومُ الْبُلُوغِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَلِيَهُ الْبَالِغُونَ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْبُلُوغَ نَفْسُ الِاحْتِلَامِ أَوْ بُلُوغُ سِنٍّ مَخْصُوصَةٍ كَانَ إرَادَتُهُمْ بِاللَّفْظَيْنِ حَقِيقِيًّا لَا مَجَازِيًّا. وَالنُّهَى جَمْعُ نُهْيَةٍ وَهُوَ الْعَقْلُ، وَفِي تَفْسِيرِ الْأَحْلَامِ بِالْعُقُولِ لُزُومٌ لِتَكْرَارٍ فِي الْحَدِيثِ فَلْيُجْتَنَبْ إذْ لَا ضَرُورَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَفَّ الْخَنَاثَى بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَبَعْدَ النِّسَاءِ الْمُرَاهِقَاتِ. وَلْنَسُقْ نُبْذَةً مِنْ سُنَنِ الصَّفِّ تَكْمِيلًا، مِنْ سُنَنِهِ التَّرَاصُّ فِيهِ وَالْمُقَارَبَةُ بَيْنَ الصَّفِّ وَالصَّفِّ وَالِاسْتِوَاءُ فِيهِ، فَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ الْبَرَاءِ. «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي نَاحِيَةَ الصَّفِّ فَيُسَوِّي بَيْنَ صُدُورِ الْقَوْمِ وَمَنَاكِبِهِمْ وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَوُوا تَسْتَوِ قُلُوبُكُمْ وَتَمَاسُّوا تَرَاحَمُوا» وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالُوا وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا، قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ لَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ

وَلِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفْسِدَةٌ فَيُؤَخَّرْنَ (وَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ وَهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا حَيْثُ لَا تَفْسُدُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَيْنَاهُ وَأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ غُفِرَ لَهُ» وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ يُجَنِّبُهُ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَتَحَرَّكُ لِأَجْلِهِ، بَلْ ذَاكَ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ وَإِقَامَةٌ لِسَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا شَهِيرَةٌ كَثِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَيْنَاهُ وَأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ) يَعْنِي أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الْقَالِبَيْنِ فَتَقُومُ عَلَيْهِمَا فَتُوَاعِدُ حَلِيلَهَا فَأُلْقِيَ عَلَيْهِمْ الْحَيْضُ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، قِيلَ فَمَا الْقَالِبَانِ؟ قَالَ أَرْجُلٌ مِنْ خَشَبٍ تَتَّخِذُهَا النِّسَاءُ يَتَشَرَّفْنَ الرِّجَالَ فِي الْمَسَاجِدِ. وَفِي الْغَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ يَرْوِيهِ: الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ، وَأَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ. وَيَعْزُوهُ إلَى مُسْنَدِ رَزِينٍ. قِيلَ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَقَدْ تُتُبِّعَ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِحَدِيثِ إمَامَةِ أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَامَتْ الْعَجُوزُ مِنْ وَرَاءِ أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ فَقَدْ قَامَتْ مُنْفَرِدَةً خَلْفَ صَفٍّ وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ، أَوْ لَا يَحِلُّ وَهُوَ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلَا تَعُدْ " وَلَوْ حَلَّ مَقَامَهَا مَعَهُمَا لَمَنَعَهَا وَبِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إمَامَتِهَا لِلرَّجُلِ، فَإِنَّهُ إمَّا لِنُقْصَانِ حَالِهَا أَوْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلْإِمَامَةِ مُطْلَقًا، أَوْ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ لِتَرْكِ فَرْضِ الْمَقَامِ وَالْحَصْرِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا كَافٍ مَا لَمْ يَرِدْ صَرِيحُ النَّقْضِ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ يَكْفِي فِي حَصْرِ الْأَوْصَافِ قَوْلُ السَّابِرِ الْعَدْلِ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ، لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ، وَلَا الثَّانِي لِصَلَاحِيَّتِهَا لِإِمَامَةِ النِّسَاءِ، وَلَا الثَّالِثُ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ حُصُولُ الشُّرُوطِ فَتَعَيَّنَ الرَّابِعُ، وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ حُكْمٍ أَصْلُهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ خَرَجَ مَنَاطُهُ بِالسَّبْرِ، وَهُوَ مَسْلَكٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى نَفْيِهِ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ طَرِيقِهِ فَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ حُرْمَةَ تَحَاذِيهِمَا تَرْكُ فَرْضِ الْمَقَامِ، ثُمَّ كَوْنُهُ مُفْسِدًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ فُرُوضَ الْجَمَاعَةِ يَصِحُّ إثْبَاتُهَا بِالْآحَادِ لِأَنَّ أَصْلَهَا بِهِ، وَارْجِعْ إلَى مَا مَهَّدْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ يَزُولُ عَنْك الرَّيْبُ، إلَّا أَنَّ قَصْرَ الْفَسَادِ عَلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً إلَّا أَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهَا كَيْ لَا تُفْسِدَهَا عَلَيْهِ لَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهَا، بِخِلَافِ تَعَلُّقِهَا بِهِ فَهُوَ كَتَأَخُّرِ الْإِمَامِ عَنْ الْمَأْمُومِينَ حَتَّى صَارُوا مُقَدَّمِينَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمُوا، إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْحِلِّ لَهُمْ لِفَسَادِ صَلَاتِهِمْ وَعَدَمِهِ لِمَعْنًى فِيهِمْ لَا فِيهِ وَهُوَ كَيْ لَا تَفْسُدَ عَلَيْهِمْ فَأَفْسَدَ تَأْخِيرُهُ صَلَاتَهُمْ لَا صَلَاتَهُ كَذَلِكَ هُنَا تَفْسُدُ بِمُحَاذَاتِهَا صَلَاتُهُ لَا صَلَاتُهَا، إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْحُرْمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِلْإِفْسَادِ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَلَا مَلْجَأَ فِيهِ إلَّا حَدِيثُ أَخِّرُوهُنَّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِهِ، لَكِنْ يَنْتَهِضُ مَحَلُّ النِّزَاعِ عَلَى الْخَصْمِ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ فَسَادُ صَلَاتِهِ، أَمَّا عَدَمُهُ فِي صَلَاتِهَا فَبِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّمَا هَذَا إشْكَالٌ مَذْهَبِيٌّ لَا يَضُرُّ فِي انْتِهَاضِ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُخَالِفِ، هَذَا وَأَمَّا مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَصَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ إفْسَادِهِ إلَّا مَنْ شَذَّ، وَلَا مُتَمَسِّكَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ الْمَقَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ، وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ اشْتِهَائِهِ فَحَصَلَ أَنَّ مَظِنَّةَ الشَّهْوَةِ الْأُنُوثَةُ، وَبِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ لَا بِاعْتِبَارِ مَا قَدْ يَتَّفِقُ مِنْ اشْتِهَاءِ الذَّكَرِ الذَّكَرَ فَقَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ وَالْبَهِيمَةِ

وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ دُونَهَا فَيَكُونُ هُوَ التَّارِكُ لِفَرْضِ الْمَقَامِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاتِهَا، كَالْمَأْمُومِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ تَضُرَّهُ وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا) لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ دُونَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَلَا تَرَى أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ فَهَذَا كَذَلِكَ، وَقَالُوا: إنَّ اشْتِهَاءَ الذَّكَرِ يَكُونُ عَنْ انْحِرَافٍ فِي الْمِزَاجِ، وَقَدْ سَمَّاهُمْ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ النُّتَّنَ تَنْفِيرًا، بِخِلَافِ اشْتِهَاءِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ: إذَا حَاذَتْهُ بَعْدَمَا شَرَعَ وَنَوَى إمَامَتَهَا فَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّأْخِيرُ بِالتَّقَدُّمِ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ لِلْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ فَتَأْخِيرُهَا بِالْإِشَارَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ أَخَّرَ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَرَكَتْ حِينَئِذٍ فَرْضَ الْمَقَامِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهَا دُونَهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ إلَخْ) إشَارَةً إلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فِي الذَّكَرِ، فَإِنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ فَلَا

يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ فِي الْمَقَامِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْتِزَامِهِ كَالِاقْتِدَاءِ، إنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ مُحَاذِيَةً. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ لَازِمٌ، وَفِي الثَّانِي مُحْتَمَلٌ (وَمِنْ شَرَائِطِ الْمُحَاذَاةِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً، وَأَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً، وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ. وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْسُدُ صَلَاةُ الصَّبِيِّ بِالْمُحَاذَاةِ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ عَلَى إحْدَاهُمَا) وَهِيَ رِوَايَةُ عَدَمِ الْفَسَادِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَجُوزُ بِدُونِهَا نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ حَمْلًا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُسْتَفْسَرْ حَالُهُ (قَوْلُهُ وَمِنْ شَرَائِطِ إلَخْ) جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ لَهُ شُرُوطٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَا بَانِيَيْنِ تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ إمَامٍ أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَؤُمُّ الْآخَرَ فِيمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، فَلَوْ اقْتَدَتْ نَاوِيَةُ الْعَصْرِ بِمُصَلِّي الظُّهْرِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ الْفَرْضُ وَصَحَّ نَفْلًا فَحَاذَتْهُ، فَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ تَفْسُدُ، وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَا تَفْسُدُ، وَقِيلَ رِوَايَةُ

حَائِلٌ) لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مُفْسِدَةً بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خِلَالِهَا عِنْدَهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَتْ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِلَا تَرَدُّدٍ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يَقْضِيَانِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، فَصَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ فِيمَا يَقْضِيَانِ مُشْتَرَكَةٌ تَحْرِيمَةً لَا أَدَاءً، فَلَا تَفْسُدُ الْمُحَاذَاةُ فِيمَا يَقْضِيَانِ مَسْبُوقَيْنِ، وَتَفْسُدُ فِيمَا يَقْضِيَانِ لَاحِقَيْنِ، وَلَا تَفْسُدُ إذَا حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ لِلطَّهَارَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَهُمَا الْحَدَثُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُشْتَغِلَيْنِ بِالْقَضَاءِ بَلْ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا وَإِنْ كَانَ فِي حُرْمَتِهَا إذْ حَقِيقَتُهَا قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ إلَخْ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثَابِتًا، وَقِيَامُهُ فِي حَالِ مَشْيِهِ أَوْ وُضُوئِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ جُزْءًا وَإِلَّا فَسَدَتْ، لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِجُزْئِيَّتِهِ لِلصَّلَاةِ تَفْسُدُ مَعَ الْحَدَثِ، وَإِذَا انْعَدَمَ قَضَاؤُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ انْعَدَمَتْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً، وَاللَّاحِقُ مَنْ يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ فَاتَهُ بَعْضُهَا إلَخْ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ اللَّاحِقِ الْمَسْبُوقِ، وَفِي الْمُحَاذَاةِ لِهَذَا اللَّاحِقِ تَفْصِيلٌ فِي الْفَسَادِ فَإِنَّهُمَا لَوْ اقْتَدَيَا فِي الثَّالِثَةِ فَأَحْدَثَا فَذَهَبَا لِيَتَوَضَّآ ثُمَّ حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ إنْ كَانَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ تَفْسُدُ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فِيهِمَا لَاحِقَانِ. وَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِهَا لِأَنَّهُمَا مَسْبُوقَانِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلًا مَا لَحِقَ فِيهِ ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ. وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ ظَاهِرٌ. وَعِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّ عَكْسُهُ لَكِنْ يَجِبُ هَذَا فَبِاعْتِبَارِهِ تَفْسُدُ هَذَا. وَأَمَّا مُحَاذَاتُهَا فِي الصَّلَاةِ دُونَ اشْتِرَاكٍ فَمُورِثٌ لِلْكَرَاهَةِ. ثُمَّ لَوْ قِيلَ بَدَلَ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً مُشْتَرَكَةً أَدَاءً وَيُفَسَّرُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَالَةَ الْمُحَاذَاةِ أَوْ أَحَدُهُمَا إمَامٌ لِلْآخَرِ لَعَمَّ الِاشْتِرَاكَيْنِ. الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَإِنْ كَانَا يُومِئَانِ فِيهَا لِلْعُذْرِ. الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ. أَيْ دَخَلَتْ فِي حَدِّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَالِ عَجُوزًا شَوْهَاءَ فَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّهَا وَحَدُّهَا سَبْعُ سِنِينَ. وَقِيلَ تِسْعٌ، وَالْأَصَحُّ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُحَرَّمِ. الرَّابِعُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ، فَلَوْ كَانَ مَنَعَ الْمُحَاذَاةَ، وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ لِأَنَّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ الْقُعُودُ، وَمُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ جُعِلَتْ لِلِارْتِفَاقِ بِهَا فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِهَا، وَغِلَظُهُ مِثْلُ الْأُصْبُعِ، وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ، وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَقَامِ الرَّجُلِ. وَفِي الدِّرَايَةِ: وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ تَسَعُ الرَّجُلَ أَوْ أُسْطُوَانَةً قِيلَ لَا تَفْسُدُ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ أَمَامَهُ وَبَيْنَهُمَا هَذِهِ الْفُرْجَةُ اهـ. وَيَبْعُدُ النَّظَرُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْقِيلِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَفُّ النِّسَاءِ عَلَى الصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهُ مِنْ الرِّجَالِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانٍ قَدْرَ الْقَامَةِ وَالْآخَرُ أَسْفَلَهُ فَلَا مُحَاذَاةَ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ بِالْقَدَمِ إلَّا أَنَّهَا أَطْوَلُ مِنْهُ يَقَعُ سُجُودُهَا فِي مَكَان مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ. الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ حَتَّى لَوْ تَحَرَّمَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفِهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ، قِيلَ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ وَقَفَتْ قَدْرَهُ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ، وَقِيلَ لَوْ حَاذَتْهُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِهِ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا إلَّا فِي قَدْرِهِ. السَّادِسُ أَنْ تَتَّحِدَ الْجِهَةُ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَبِالتَّحَرِّي فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ فَلَا، وَالْجَامِعُ أَنْ يُقَالَ مُحَاذَاةُ مُشْتَهَاةٍ مَنْوِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِي رُكْنِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٌ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً مَعَ اتِّحَادِ مَكَان وَجِهَةٍ دُونَ حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةً، ثُمَّ الْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهَا وَآخَرَ عَنْ شِمَالِهَا وَآخَرَ خَلْفَهَا لَيْسَ غَيْرُ، فَإِنَّ مَنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ يَصِيرُ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّذِي يَلِيهِ وَالْمَرْأَتَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةٍ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا وَالْآخَرَيْنِ

فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ. (وَيُكْرَهُ لَهُنَّ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ) يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلَا بَأْسَ لِلْعَجُوزِ أَنْ تَخْرُجَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا يَخْرُجْنَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا) لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ إلَيْهَا فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْعِيدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَثْنَى لَيْسَ جَمْعًا تَامًّا فَكَانَا كَوَاحِدَةٍ فَلَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الثِّنْتَانِ كَالثَّلَاثِ، وَعَنْهُ: الثَّلَاثُ كَالثِّنْتَيْنِ فَلَا تَفْسُد إلَّا صَلَاةُ خَمْسَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِالثَّلَاثِ تَفْسُدُ صَلَاةُ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ وَآخَرُ عَنْ شِمَالِهِنَّ وَثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ. وَفِي رِوَايَةِ الثَّلَاثِ كَالصَّفِّ التَّامِّ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ جَمِيعِ الصُّفُوفِ الَّتِي خَلْفَهُنَّ، وَالْقِيَاسُ فِي الصَّفِّ التَّامِّ أَنْ يَفْسُدَ بِهِ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ، لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَسَادَ الْكُلِّ بِنَقْلِهِمْ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ صُفُوفِ النِّسَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مَعَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ) وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي صَلَاتِهِ مُطْلَقَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ بِهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهَذَا إنَّمَا يَنْتَهِضُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الصَّلَاةِ مُطْلَقَةً لَا فِي الْكُلِّ وَعَلَّلَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ بِأَنَّ الْمُورَدَ الْجَمَاعَةُ الْمُطْلَقَةُ وَهِيَ بِالشَّرِكَةِ وَالْكَمَالِ (قَوْلُهُ يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ) تَقْيِيدٌ فِي حَقِّ عَدَمِ الْخِلَافِ فِي إطْلَاقِ الْحُكْمِ لَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْعَجُوزَ مَمْنُوعَةٌ عِنْدَهُ فِي الْبَعْضِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» وَقَوْلُهُ «إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» وَالْعُلَمَاءُ خَصُّوهُ بِأُمُورٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا وَمَقِيسَةٍ، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ» وَكَوْنُهُ لَيْلًا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي مُسْلِمٍ «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ إلَّا بِاللَّيْلِ» وَالثَّانِي حُسْنُ الْمُلَابِسِ وَمُزَاحَمَةُ الرِّجَالِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الطِّيبِ لِتَحْرِيكِهِ الدَّاعِيَةُ فَلَمَّا فُقِدَ الْآنَ مِنْهُنَّ هَذَا لِأَنَّهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ لِلْخُرُوجِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ مُنِعْنَ مُطْلَقًا لَا يُقَالُ: هَذَا حِينَئِذٍ نُسِخَ بِالتَّعْلِيلِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَنْعُ يَثْبُتُ حِينَئِذٍ بِالْعُمُومَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّفْتِينِ، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ بِشَرْطٍ فَيَزُولَ بِزَوَالِهِ كَانْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحِ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ

وَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ، غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ، وَالْجَبَّانَةُ مُتَّسِعَةٌ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ. قَالَ (وَلَا يُصَلِّي الطَّاهِرُ خَلْفَ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلَا الطَّاهِرَةُ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمَعْذُورِ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَالْإِمَامُ ضَامِنٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَضْمَنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي (وَلَا) يُصَلِّي (الْقَارِئُ خَلْفَ الْأُمِّيِّ وَلَا الْمُكْتَسِي خَلْفَ الْعَارِي) لِقُوَّةِ حَالِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQنِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ، عَلَى أَنَّ فِيهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِسَنَدِهِ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرْفَعُهُ «أَيُّهَا النَّاسُ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسَاجِدِ، فَإِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمْ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرُوا فِي الْمَسَاجِدِ» وَبِالنَّظَرِ إلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مُنِعَتْ غَيْرُ الْمُزَيِّنَةِ أَيْضًا لِغَلَبَةِ الْفُسَّاقِ، وَلَيْلًا وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يُبِيحُهُ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ فِي زَمَانِنَا كَثُرَ انْتِشَارُهُمْ وَتَعَرُّضُهُمْ بِاللَّيْلِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَفْرِيعُ مَنْعِ الْعَجَائِزِ لَيْلًا أَيْضًا، بِخِلَافِ الصُّبْحِ فَإِنَّ الْغَالِبَ نَوْمُهُمْ فِي وَقْتِهِ، بَلْ عَمَّمَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْمَنْعَ لِلْعَجَائِزِ وَالشَّوَابِّ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ (قَوْلُهُ وَالْجُمُعَةِ) جَعَلَ الْجُمُعَةَ كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ، وَرِوَايَةُ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: الْجُمُعَةُ كَالْعِيدِ وَالْمَغْرِبُ كَالظُّهْرِ فَتَخْرُجُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْمَغْرِبِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ جَعَلَ الْجُمُعَةَ كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبَ كَالظُّهْرِ، وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِالِاحْتِمَالِ الرَّابِعِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَنْعُ الْكُلِّ فِي الْكُلِّ إلَّا الْعَجَائِزَ الْمُتَفَانِيَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي دُونَ الْعَجَائِزِ الْمُتَبَرِّجَاتِ وَذَاتِ الرَّمَقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالْجَبَّانَةَ مُتَّسَعَةٌ) بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فِي فِنَاءِ الْمِصْرِ، وَفِي مِصْرِنَا هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ فِي الْمَسَاجِدِ (قَوْلُهُ خَلْفَ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ) كَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَاسْتِطْلَاقُ الْبَطْنِ وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ وَالْجُرْحُ السَّائِلُ وَالرُّعَافُ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَعْذُورٍ بِمِثْلِهِ إذَا اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا لَا إنْ اخْتَلَفَ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى تَضَمَّنَتْ صَلَاتُهُ إلَخْ)

(وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَالطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ أَصْلِيَّةٌ. وَلَهُمَا أَنَّهُ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بِمَعْنَى الْكَفَالَةِ، وَإِذَا كَانَ التَّضَمُّنُ مُرَاعًى فَإِذَا قَدَرَ الْمُؤْتَمُّ عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْكَانِ كَانَ كَالْمُنْفَرِدِ فِيهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ فَلِذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ، وَلَا الْأُمِّيُّ بِالْأَخْرَسِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى التَّحْرِيمَةِ دُونَ الْأَخْرَسِ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْأَخْرَسِ بِالْأُمِّيِّ لَا الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِالْمُومِئِ، وَالْأُمِّيُّ عِنْدَنَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ وَالْمَبْنِيُّ ظَاهِرٌ، وَإِذَا فَقَدَ الْإِمَامُ شَرْطًا حَقِيقَةً اُعْتُبِرَ مَوْجُودًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ صَارَ مَعْدُومًا فِي حَقِّ مَنْ وَرَاءَهُ، فَلِذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ اللَّابِسِ بِالْعَارِي وَالطَّاهِرُ بِمَنْ هُوَ بِمَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمُصَنِّفُ عَلَى الْكُلِّ بِعَدَمِ التَّضَمُّنِ لِزِيَادَةِ قُوَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِهِ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ فِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ وَزِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ، فَلَوْ قَهْقَهَةً لَا يَنْتَقِضُ. وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ يَصِيرُ شَارِعًا. يَعْنِي ثُمَّ يَفْسُدُ، قِيلَ الثَّانِي قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَ الْجِهَةِ لَا يُفْسِدُ التَّحْرِيمَةَ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ) قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَأَصْلُهُ فَرْعٌ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِي بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ، وَمَنَعَهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِعِلْمِهِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ مَحْمَلَ الْفَسَادِ عِنْدَهُمْ إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ) لَا شَكَّ أَنَّ فِيهَا جِهَةَ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَوْقِيتِهَا، بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَجِهَةَ الضَّرُورَةِ

(وَيَؤُمُّ الْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ) لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا مَعَ قِيَامِهِ حَقِيقَةً (وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِقُوَّةِ حَالِ الْقَائِمِ وَنَحْنُ تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُصَيِّرَ إلَيْهَا ضَرُورَةُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَتَعْلِيلُهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهَا طَهَارَةُ تَلْوِيثٍ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ حَتَّى كَانَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّهَا رَفْعَةٌ. وَصَرَّحَ هُوَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي الْبَحْثِ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لَهُ فَقَالَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ التَّيَمُّمِ مَاذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا حُكْمُهُ زَوَالُ الْحَدَثِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا بَقِيَ شَرْطُهُ وَهُوَ الْعَدَمُ كَمَا بِالْمَاءِ، إلَّا أَنَّهُ بِالْمَاءِ مُقَدَّرٌ إلَى وُجُودِ الْحَدَثِ، وَهُنَا إلَى شَيْئَيْنِ: إلَى الْحَدَثِ. وَإِلَى رُؤْيَةِ الْمَاءِ انْتَهَى. وَكَوْنُ الِانْتِقَاضِ عِنْدَ الْوُجُودِ بِظُهُورِ الْحَدَثِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الرَّفْعِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ تَحْقِيقِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْجِهَتَانِ فَعَلَّلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا بِجِهَةِ الضَّرُورَةِ لِنَفْيِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ احْتِيَاطًا. وَعَلَّلَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِجِهَةِ الْإِطْلَاقِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا، وَهُمَا اخْتَارَا جَانِبَ الْإِطْلَاقِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا طَهَارَةً كَالْمَاءِ لَيْسَ إلَّا مِنْ أَجْلِهَا. وَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ حَدِيثُ «عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِالتَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ. وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ» وَجَانِبُ الضَّرُورَةِ فِي الرَّجْعَةِ. فَلَمْ تَكُنْ طَهَارَةً فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ فَبَقِيَتْ عَلَى الْعَدَمِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْمَقْصُودُ: أَعْنِي أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ اعْتِبَارُهَا عَدَمًا بَعْدَمَا قَوِيَتْ بِاتِّصَالِ الْمَقْصُودِ بِهَا، وَسَنَزِيدُ كَشْفَ الْقِنَاعِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَعَكْسُهُ وَالْقَاعِدُ خَلْفَ مِثْلِهِ جَائِزًا اتِّفَاقًا، وَالْمُسْتَوِي بِالْأَحْدَبِ قِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ بَلَغَتْ حَدَبَتُهُ الرُّكُوعَ فَعَلَى الْخِلَافِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: هُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّ الْقِيَامَ اسْتِوَاءُ النِّصْفَيْنِ وَقَدْ وَجَدُوا اسْتِوَاءَ الْأَسْفَلِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا كَمَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ لِاسْتِوَاءِ الْأَعْلَى، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: يَصِحُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ إلَخْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقُلْتُ: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَتْ بَلَى، لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ لِلصَّلَاةِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا رَقِيقًا فَقَالَ: يَا عُمَرُ صَلِّ أَنْتَ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ لَا تَتَأَخَّرَ وَقَالَ لَهُمَا أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدٌ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَرَضْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» انْتَهَى. وَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ «آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْقَوْمِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» . فَأَوَّلًا لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ، وَثَانِيًا: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا تَعَارُضَ فَالصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا صَلَاةُ الظُّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُومًا الصُّبْحُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا. وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا ثَبَتَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي صَلَاتِهِمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَكَشْفِ السِّتْرِ ثُمَّ إرْخَائِهِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، ثُمَّ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَأَدْرَكَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ» ، يَدُلُّ مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي عَنْ الزُّهْرِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْلَعَ عَنْهُ الْوَعَكُ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ فَغَدَا إلَى الصُّبْحِ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَغُلَامٍ لَهُ، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَوْبِهِ فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ، فَصَفَّنَا جَمِيعًا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْرَأُ فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ ثُمَّ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قَضَى سُجُودَهُ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، وَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّكْعَةِ الْأُخْرَى ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ» فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي عَهْدِهِ إلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِيمَا بَعَثَهُ إلَيْهِ ثُمَّ فِي وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمِئِذٍ أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَهُ. فَالصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ مَأْمُومًا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَهِيَ الَّتِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَرَجَ فِيمَا بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا الصُّبْحُ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَغُلَامٍ لَهُ، فَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ الْجَمْعُ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا: يَعْنِي إمَامًا. وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ كَشْفِ السِّتَارَةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ كَشَفَهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاة، ثُمَّ تَبَسَّمَ ضَاحِكًا وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبِهِ ظَنًّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ أَتِمُّوا، ثُمَّ دَخَلَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَوْمِ ذَلِكَ» . وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ مَا أَسْنَدَ عَنْ جَابِرٍ وَأُسَيْدُ بْنِ حُضَيْرٍ اقْتِدَاءُ الْجَالِسِينَ بِهِمَا وَهُمَا جَالِسَانِ لِلْمَرَضِ: وَإِنَّمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا بِالنَّاسِخِ، وَكَذَا مَا حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ أَمُّوا جَالِسِينَ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ وَيَعْزُبُ عَنْ بَعْضٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْقَاعِدَ إنْ شَرَعَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِينَ بِهِ، وَإِنْ شَرَعَ جَالِسًا فَلَا وَهُوَ أَنْهَضُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّا صَرَّحْنَا بِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْقِيَاسِ صِيرَ إلَيْهِ بِالنَّصِّ. وَقَدْ عُلِمَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى مَحَلِّ الصَّلَاةِ قَائِمًا يُهَادَى ثُمَّ جَلَسَ» ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَ الْجُلُوسِ، وَصَرَّحُوا فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا قَائِمًا وَلَوْ التَّحْرِيمَةَ وَجَبَ الْقِيَامُ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُتَحَقِّقًا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ مَبْدَأُ حُلُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَانَ قَائِمًا فَالتَّكْبِيرُ قَائِمًا مَقْدُورُهُ حِينَئِذٍ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَوْرِدُ النَّصِّ حِينَئِذٍ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِينَ بِجَالِسٍ شَرَعَ قَائِمًا. قَالَ الْأَعْمَشُ فِي قَوْلِهَا «وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» : يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي الدِّرَايَةِ: وَبِهِ يُعْرَفُ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ مَقْصُودُهُ خُصُوصَ الرَّفْعِ الْكَائِنِ فِي زَمَانِنَا، بَلْ أَصْلَ الرَّفْعِ لِإِبْلَاغِ الِانْتِقَالَاتِ، أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ، فَلِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَالَةِ الْإِبْلَاغِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ، وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ الَّذِي بَسَاطُهُ ذَلِكَ الصِّيَاحُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَا تَفْسُدُ وَلِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ إذَا حَصَّلَ بِهِ الْحُرُوفَ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ، وَفِي النَّارِ لِإِظْهَارِهَا، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ وَامُصِيبَتَاهْ أَوْ أَدْرِكُونِي أَفْسَدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ. وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ، كَمَا لَا أَرَى تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلَ حَاجَةٍ مِنْ مَلِكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّغْرِيبِ

(وَيُصَلِّي الْمُومِئُ خَلْفَ مِثْلِهِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا، لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ فَتَثْبُتَ بِهِ الْقُوَّةُ (وَلَا يُصَلِّي الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خَلْفَ الْمُومِئِ) لِأَنَّ حَالَ الْمُقْتَدِي أَقْوَى، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَا يُصَلِّي الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ، وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَمَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ. قَالَ (وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرُّجُوعُ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ، إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْمُومِئُ خَلْفَ مِثْلِهِ) وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُومِئ قَاعِدًا وَالْمَأْمُومُ يُومِئ قَائِمًا لِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَيْسَ بِرُكْنٍ، بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُومِئَ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي هَذِهِ بَعْدَ نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهَا: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا الْأَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِمَا الْجَوَازُ، وَحَكَمَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِاخْتِيَارِ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ حَتَّى يَجِبَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِلْقَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَيْهِ بِالْحُكْمِ بَلْ تَجِبُ مَعَهُ لِأَنَّهُ الْوُسْعُ الْحَاصِلُ (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ) وَقَوْلُنَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَلَا يَجُوزُ النَّاذِرُ بِالنَّاذِرِ، إلَّا أَنْ يَنْذِرَ نَفْسَ مَا نَذَرَهُ الْآخَرُ مِنْ الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ الْحَالِفُ بِالْحَالِفِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا الْبِرُّ فَبَقِيَتْ الصَّلَاتَانِ نَفْلًا فِي نَفْسِهِمَا، وَلِذَا صَحَّ الْحَالِفُ بِالنَّاذِرِ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ فَصَارَ كَظُهْرِ الْأَمْسِ بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرَ الْيَوْمِ، وَمُصَلَّيَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَالنَّاذِرَيْنِ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ وَهُوَ السَّبَبُ، فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي نَافِلَةٍ فَأَفْسَدَاهَا صَحَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ أَفْسَدَا مُنْفَرِدَيْنِ نَفْلًا فَلَا وَلَا خَلْفَ النَّاذِرِ، وَلَوْ صَلَّيَا الظُّهْرَ وَنَوَى كُلٌّ إمَامَةَ الْآخَرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَهِيَ نِيَّةُ الِانْفِرَادِ حِينَئِذٍ فَلَوْ نَوَى كُلٌّ الِاقْتِدَاءَ بِالْآخَرِ فَسَدَتْ، وَتَجُوزُ السُّنَّةُ بَعْدَ الظُّهْرِ بِالسُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَسُنَّةُ الْعِشَاءِ بِالتَّرَاوِيحِ، وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ فِي الْوَتْرِ بِمَنْ يَرَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْوَتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) إذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْفَرْضِ بِالنَّفْلِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ. تَمَسَّكَ فِيهِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِشَاءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: «فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ» ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ جَابِرٍ: «كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ» . وَأُجِيبُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْإِنْكَارِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرْطُ ذَلِكَ عِلْمُهُ وَجَازَ عَدَمٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سُلَيْمٍ «رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَمَا نَنَامُ وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَخْرُجُ إلَيْهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ» فَشَرَعَ لَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَلَا يُصَلِّي بِقَوْمِهِ، أَوْ الصَّلَاةَ بِقَوْمِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ وَلَا يُصَلِّي مَعَهُ، هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ أَفَادَ مَنْعَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ إذَا صَلَّى مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَمْنَعُ إمَامَتَهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْفَرْضِ. وَقِيلَ إنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ: أَعْنِي هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَلِهَذَا لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَبَعْدَ هَذَا يُرَدُّ حَدِيثُ جَابِرٍ «أَقْبَلْنَا إلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ» . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِبَطْنِ نَخْلَةٍ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» وَشَيْخُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مَجْهُولٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، وَالْأَوَّلُ إنَّمَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ حُجَّةٌ إلْزَامِيَّةٌ لِأَنَّ كَوْنَ فَرْضِ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَالْأُخْرَيَانِ نَافِلَةً إنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا، إذْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا فَلَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ وَعَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ حِينَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ. وَرَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى أَنْ تُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» ، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ. وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ نُسِخَ بِالِاحْتِمَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ الْحَمْلُ عَلَى النَّسْخِ تَرْجِيحًا بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَهَذَا صَحِيحٌ بَلْ وَاجِبٌ إذْ يَجِبُ التَّرْجِيحُ مَا أَمْكَنَ، وَمَرْجِعُهُ الْحَمْلُ عَلَى النَّسْخِ فِي كُلِّ مُتَعَارِضَيْنِ ثَبَتَتْ صِحَّتُهُمَا، وَإِنْ عَبَّرْنَا فِي وَجْهِ التَّرْجِيحِ بِلَفْظٍ آخَرَ نَحْوَ أَنْ نَقُولَ هَذَا مُحَرِّمٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبِيحِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ حَمْلَ ذَلِكَ الْمُبِيحِ عَلَى النَّسْخِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمُبِيحَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ، وَكَوْنُهُ قَالَ أَيْضًا: الْمُحَرِّمُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْعَمَلِ بِهِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبِيحُ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْآنَ تَقْرِيرَ الْإِبَاحَةِ، فَتَقْدِيمُ الْمُحَرِّمِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمُقَدَّمِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَشَدُّ الْحُكْمَيْنِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى التَّأَخُّرِ وَذَلِكَ عَلَى التَّقَدُّمِ احْتِيَاطًا: أَيْ عَمَلًا بِأَشَقِّ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِخُصُوصِ الْمُتَقَرِّرِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ يَتَيَقَّنُ مَعَهُ بِالْعَمَلِ بِالْمُتَأَخِّرِ الْمُتَقَرِّرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ إذَا عَرَفْت هَذَا فَمَعْنَى حَمْلِهِ عَلَى النَّسْخِ أَنَّهُ ثَبَتَ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَثَبَتَ بَعْدَ سِنِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ صَلَّى بِالطَّائِفَتَيْنِ صَلَاةً وَاحِدَةً مَعَ الْمُنَافِي بِكُلِّ طَائِفَةٍ، فَلَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَأَتَمَّ بِكُلِّ طَائِفَةٍ

لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَمَا أَدَّاهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ، وَعِنْدَنَا مَعْنَى التَّضَمُّنِ مُرَاعًى (وَيُصَلِّي الْمُتَنَفِّلُ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي حَقِّهِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَيَتَحَقَّقَ الْبِنَاءُ. (وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْمُنَافِي لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفَرْضِ بِالنَّفْلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» وَسَنَذْكُرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَالْأَوَّلُ عَكْسُهُ، فَيُقَدَّمُ هَذَا وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا عُهِدَ ثُمَّ نُسِخَ مِنْ تَكَرُّرِ الْفَرْضِ تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ عَلَى الْمُجَوِّزِ. هَذَا ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْبَعْضِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ إذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فَسَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ وَيَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ وَيَكُونَانِ نَفْلًا لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى يُعِيدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْمُتَنَفِّلُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُفْتَرِضِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَجُوزُ، وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، وَالْعَامَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَمَنَعُوا نَفْلِيَّةَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ، وَلِذَا لَوْ تَرَكَهُمَا فَسَدَتْ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ. وَقَالُوا: صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وَأَعَادُوا» وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّضَمُّنِ وَذَلِكَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّفْعِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ عَنْ نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ (قَوْلُهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا» إلَخْ) غَرِيبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ جُنُبًا: قَالَ يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا. وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّضَمُّنِ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى نَفْيِ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الضَّمَانِ، وَأَقَلُّ مَا يَقْتَضِيهِ التَّضَمُّنُ التَّسَاوِي فَيَتَضَمَّنُ كُلَّ فِعْلٍ مِمَّا عَلَى الْإِمَامِ مِثْلُهُ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَفْضُلَ كَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَقْتَضِي بُطْلَانَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي إذْ لَا يَتَضَمَّنُ الْمَعْدُومُ الْمَوْجُودَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ. وَمَا أَسْنَدَ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا» وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ لِجَوَازِ كَوْنِ التَّذَكُّرِ كَانَ عَقِيبَ تَكْبِيرِهِ بِلَا مُهْلَةٍ قَبْلَ تَكْبِيرِهِمْ، عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ قَالَ «فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ» فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ عَلَى إرَادَةٍ دَخَلَ فِي مَكَانِهَا» فَلَا إشْكَالَ. وَإِنْ كَانَا قَضِيَّتَيْنِ فَالْجَوَابُ مَا عَلِمْت. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَجْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ " صَلَّى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالنَّاسِ جُنُبًا فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِدْ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَلَّى مَعَك أَنْ يُعِيدَ، قَالَ: فَرَجَعُوا إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ ". قَالَ الْقَاسِمُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ. وَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إمَامٍ سَهَا فَصَلَّى بِالْقَوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُمْ وَلْيَغْتَسِلْ هُوَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ، وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَمِثْلُ ذَلِكَ» ضَعِيفٌ، جُوَيْبِرٌ مَتْرُوكٌ وَالضَّحَّاكُ

(وَإِذَا صَلَّى أُمِّيٌّ بِقَوْمٍ يَقْرَءُونَ وَبِقَوْمٍ أُمِّيِّينَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَا: صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ تَامَّةٌ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ. وَلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْقَارِئِ تَكُونُ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي (وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ جَازَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَلْقَ الْبَرَاءَ، وَيَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ إجْمَاعًا، وَالْمُصَلِّي بِلَا طَهَارَةٍ لَا إحْرَامَ لَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَرْكِ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ لَا أَثَرَ لَهُ، إذْ لَازِمُهُمَا مُتَّحِدٌ وَهُوَ ظُهُورُ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ إذَا ذَكَرَ. [فَرْعٌ] أَمَّهُمْ زَمَانًا ثُمَّ قَالَ إنَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ صَلَّيْت مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ لِفِسْقِهِ بِاعْتِرَافِهِ (قَوْلُهُ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَمَّ الْأَخْرَسُ قَارِئِينَ وَخُرْسًا. وَالْأُمِّيُّ: نِسْبَةً إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ وَهِيَ الْأُمَّةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ فَاسْتُعِيرَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ (قَوْلُهُ وَأَمْثَالُهَا) مِمَّا إذَا أَمَّ الْمَعْذُورُ وَالْمُومِئُ مِثْلَهُمَا وَأَعْلَى مِنْهُمَا حَيْثُ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ بِحَالِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَعَ الْقُدْرَةِ إذْ بِالِائْتَمَامِ بِالصَّحِيحِ وَالرَّاكِعِ السَّاجِدِ لَمْ يَصِرْ مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَةِ وَالْأَرْكَانِ وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ افْتِتَاحِ الْكُلِّ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ قَادِرٌ عَلَى التَّكْبِيرِ ثُمَّ تَفْسُدُ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ لِتَرْكِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَصَلَاتُهُمْ

هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ (فَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قَدَّمَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَفْسُدُ لِتَأَدِّي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا تُخْلَى عَنْ الْقِرَاءَةِ إمَّا تَحْقِيقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِهَا فِي حَقِّهِمْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِعَجْزِهِ، يُرْوَى هَذَا عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ الْمُقْتَدِيَ بِهِ مُتَنَفِّلًا الْقَضَاءُ مَعَ أَنَّهُ فَسَادٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا، وَالشُّرُوعُ كَالنَّذْرِ. وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ، هَذَا وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ. وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ إمَّا فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ، ثُمَّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ: إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ إذَا عَلِمَا أَنَّ خَلْفَهُمَا قَارِئٌ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: لَا فَرْقَ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ، وَشَرَطَ الْكَرْخِيُّ لِلْفَسَادِ فِي إمَامَةِ الْقَارِئِ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ يَأْتِيهِ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْتِزَامٍ. وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ تَرْكُ الْفَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ تَفْسُدُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ السَّابِقَ يَقْتَضِيهِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ عَدَمَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ: لَوْ افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ ثُمَّ حَضَرَ الْقَارِئُ قِيلَ تَفْسُدُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهَا بِقِرَاءَةٍ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ، وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ بَعْدَ افْتِتَاحِ الْقَارِئِ فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ. وَنَقَلَ فِي الْمُحِيطِ: رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ كَانَ الْقَارِئُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِجِوَارِهِ وَالْأُمِّيُّ يُصَلِّيَ فِيهِ وَحْدَهُ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْقَارِئُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ جَازَ لِلْأُمِّيِّ الصَّلَاةُ دُونَ انْتِظَارٍ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى. وَفِي الْكَافِي: إذَا كَانَ بِجِوَارِهِ مَنْ يَقْرَأُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَانْتِظَارُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِيُلْزِمَهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ إذَا صَادَفَهُ حَاضِرًا مُطَاوِعًا انْتَهَى. وَأَصَحِّيَةُ الْفَسَادِ فِي الثَّانِيَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَعَ ظُهُورِ عَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافِيَّةُ الَّتِي يَحْمِلُ تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ فِيهَا عَدَمَ الْفَسَادِ إمَّا أَنْ تَكُونَ إذَا شَرَعَا مَعًا مُنْفَرِدَيْنِ وَالْأُمِّيُّ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَارِئَ يُرِيدُ الشُّرُوعَ فِي الْمَكْتُوبَةِ، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْكَافِي مِنْ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ إذَا كَانَ حَاضِرًا مُطَاوِعًا مَعَ نَفْيِهِ وُجُوبَ الطَّلَبِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَالْمُطَاوَعَةُ وَعَدَمُهَا إنَّمَا تُعْرَفُ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ صُورَةَ خِلَافِيَّةِ الْكَرْخِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهَا تَعْلِيلُ الْكَرْخِيِّ لَا الْمُصَنِّفِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقُدْرَةُ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ الْجُمُعَةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْأَعْمَى وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا. قُلْنَا: إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ الْغَيْرِ إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَهُنَا الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ بِلَا اخْتِيَارِهِ فَيَنْزِلُ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَمِنْ الْفُرُوعِ الْمَنْقُولَةِ لَوْ تَحَرَّمَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَائْتَمَّ بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَفْسُدُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ

[باب الحدث في الصلاة]

أَوْ تَقْدِيرًا وَلَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ، وَكَذَا عَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ. بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ (وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ انْصَرَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْأُمِّيِّ لِإِمَامَةِ الْقَارِئِ فَصَارَ كَاسْتِخْلَافِ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ، أَمَّا لَوْ قَدَّمَهُ بَعْدَ قَدْرِهِ صَحَّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ. وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ وَجَعَلَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَوْلَى. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِوُجُودِ الصُّنْعِ مِنْهُ، هَذَا وَالْأُمِّيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الِاجْتِهَادِ فِي تَعَلُّمِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا فَهُوَ آثِمٌ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي إخْرَاجِ الْحَرْفِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ. وَسُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَنْ الْقِيَامِ هَلْ يَتَقَدَّرُ بِالْقِرَاءَةِ؟ فَقَالَ لَا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي اللَّاحِقِ فِي الشَّافِي. [بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ] (بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) سَبْقُ الْحَدَثِ وَوُجُودُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا مِنْ الْعَوَارِضِ وَهِيَ تَتْلُو الْأَصْلَ فَأَخَّرَهَا، وَقَدَّمَ هَذَا لِثُبُوتِ الْوُجُودِ مَعَهُ دُونَ كَرَاهَةٍ بِخِلَافِ مَا يُفْسِدُ وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ انْصَرَفَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ يُفِيدُهُ إيقَاعُهُ جَزَاءَ الشَّرْطِ خَبَرًا فَيَلْزَمُ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَزِمَ الْكَذِبُ، فَإِنْ مَكَثَ مَكَانَهُ قَدْرَ رُكْنٍ فَسَدَتْ إلَّا إذَا أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي. وَفِي الْمُنْتَقَى: إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَقَامِهِ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ قُلْنَا هُوَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، فَمَا وُجِدَ مِنْهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيِّدٍ بِالْقَصْدِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَلِذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا أَوْ آيِبًا تَفْسُدُ لِأَدَائِهِ رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ الْمَشْيِ، وَإِنْ قِيلَ تَفْسُدُ فِي الذَّهَابِ لَا الْإِيَابِ، وَقِيلَ بَلْ فِي عَكْسِهِ بِخِلَافِ الذِّكْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَلَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا فَرَفَعَ مُسْمِعًا لَا يَبْنِي لِأَنَّ الرَّفْعَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلِانْصِرَافِ فَمُجَرَّدُهُ لَا يَمْنَعُ، فَلَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّسْمِيعُ ظَهَرَ قَصْدُ الْأَدَاءِ. وَعَنْ

فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ يُفْسِدَانِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي يُوسُفَ، لَوْ أَحْدَثَ فِي سُجُودِهِ فَرَفَعَ مُكَبِّرًا نَاوِيًا إتْمَامَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَسَدَتْ لَا إنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ، وَشَرْطُ الْبِنَاءِ كَوْنُهُ حَدَثًا سَمَاوِيًّا مِنْ الْبَدَنِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْغُسْلِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ مُنَافٍ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، فَلَا يَبْنِي بِشَجَّةٍ وَعَضَّةٍ وَلَوْ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِإِصَابَةِ نَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ حَدَثِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ بَنَى اتِّفَاقًا. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ ذَاكَ غَسَلَ ثَوْبَهُ وَبَدَنَهُ ابْتِدَاءً وَهَذَا تَبَعًا لِلْوُضُوءِ، وَلَوْ أَصَابَتْهُ مِنْ حَدَثِهِ وَغَيْرِهِ لَا يَبْنِي وَلَوْ اتَّحَدَ مَحَلُّهُمَا، وَلَا لِقَهْقَهَةٍ وَكَلَامٍ وَاحْتِلَامٍ وَلَا لَسَيْلَانِ دُمَّلٍ غَمَزَهَا، فَإِنْ زَالَ السَّاقِطُ مِنْ غَيْرِ مُسْقِطٍ فَقِيلَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ سَبَقَهُ لِعُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنُحِهِ، وَلَوْ سَقَطَ الْكُرْسُفُ مِنْهَا بِغَيْرِ صُنْعِهَا مَبْلُولًا بَنَتْ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَحَرُّكِهَا عَلَى الْخِلَافِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى تَصَوُّرِ بِنَائِهَا كَالرَّجُلِ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَشَايِخِ إذَا أَمْكَنَهَا الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ كَأَنْ تَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهَا بِلَا كَشْفٍ، وَكَذَا غَسْلُ ذِرَاعَيْهَا فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ رُوِيَ جَوَازُ كَشْفِهِمَا. وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا اسْتَنْجَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَسَدَتْ ثُمَّ نَقَلَ مِنْ التَّجْرِيدِ يُسْتَنْجَى مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا اسْتَقْبَلَ. وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ: إنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا لَمْ تَفْسُدْ، وَإِنْ وَجَدَ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسْلِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَسَدَتْ، وَجَعْلُ الْفَسَادِ مُطْلَقًا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَيَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي الْأَصَحِّ، وَيَأْتِي بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ جَاوَزَ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ أَوْ كَانَ بِئْرًا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ أَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ فَجَاوَزَهُ نَاسِيًا لِاعْتِيَادِهِ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَوْضِ لَا تَفْسُدُ، وَأَمَّا بِلَا عُذْرٍ فَتَفْسُدُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا سَبَقَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ خَافَهُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ لَا يَبْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهَلْ يَسْتَخْلِفُ لِلِانْصِرَافِ خَوْفًا عِنْدَهُ؟ يَجُوزُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَصْرِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَلَا قَوْلَ لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ اسْتَخْلَفَ) بِأَنْ يَأْخُذَ بِثَوْبِ رَجُلٍ إلَى الْمِحْرَابِ أَوْ يُشِيرَ إلَيْهِ، وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَفْعَلَهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ آخِذًا بِأَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ رَعَفَ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ وَخَرَجَ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ. وَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ رِوَايَتَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصُّفُوفِ مُتَّصِلَةً خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا أَوْ مُنْفَصِلَةً خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْمُتَّصِلَةِ، لِأَنَّ لِمَوَاضِعِ الصُّفُوفِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ بُطْلَانُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْحِرَافِ، لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ عَلَى خِلَافِهِ فَيَقْتَصِرُ الْجَوَازُ عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَلِيفَةِ صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ كَمُحْدَثٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ إنْ اسْتَخْلَفَهُ قَصْدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ غَيْرُ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ فَسَتَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. وَلَوْ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ

فَأَشْبَهَ الْحَدَثُ الْعَمْدَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلًا وَنَوَى كُلٌّ الْإِمَامَةَ فَالْإِمَامُ خَلِيفَةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَحَقُّ الِاسْتِخْلَافِ لَهُ. وَفِي الْفَتَاوَى: إنْ نَوَيَا مَعًا الْإِمَامَةَ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِخَلِيفَةِ الْإِمَامِ وَفَسَدَتْ عَلَى الْمُقْتَدِينَ بِخَلِيفَةِ الْقَوْمِ. وَلَا اخْتِلَافَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَعِيَّةِ غَيْرُ مُرَادَةٍ، وَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْقَوْمِ اقْتَدُوا بِهِ ثُمَّ نَوَى الْآخَرُ فَاقْتَدَى بِهِ الْبَعْضُ جَازَ صَلَاةُ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْآخَرِينَ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ آخِرِ الصُّفُوفِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فِي صَفِّهِ وَمَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى مَكَانِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَسْجِدِ. وَاَلَّذِي فِي النِّهَايَةِ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ أَوْ هُوَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا أَوْ الْقَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ بَعْضُهُمْ رَجُلًا وَبَعْضُهُمْ رَجُلًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ انْتَهَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَفِيهَا: لَوْ تَأَخَّرَ لِيَسْتَخْلِفَ فَلَبِثَ يَنْظُرُ مَنْ يَصْلُحُ فَقَبْلَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ كَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ وَسَطِ الصَّفِّ لِلْخِلَافَةِ وَتَقَدَّمَ فَصَلَاةُ مَنْ كَانَ أَمَامَهُ فَاسِدَةٌ وَمَنْ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ، وَكَذَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلًا مِنْ وَسَطِ الصَّفِّ فَخَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الْخَلِيفَةُ مَكَانَهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ قُدَّامَهُ. وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنْ تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ أَحَدٍ وَقَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَسْجِدِ جَازَ، وَلَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ هَذَا الرَّجُلُ إلَى الْمِحْرَابِ وَيَقُومَ مَقَامَهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَالْقَوْمِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ انْتَهَى وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَلَوْ اسْتَخْلَفَ فَاسْتَخْلَفَ الْخَلِيفَةُ غَيْرَهُ قَالَ الْفَضْلِيُّ: إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَأْخُذْ الْخَلِيفَةُ مَكَانَهُ حَتَّى اسْتَخْلَفَ جَازَ، وَيَصِيرُ كَأَنَّ الثَّانِيَ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ قَدَّمَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ ثُمَّ أَفْسَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَضُرُّهُ لَا غَيْرَهُ. وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَدِي بِالْخَلِيفَةِ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلِيفَتُهُ قَائِمٌ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا يَتَأَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ وَالْخَلِيفَةُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا فَالْإِمَامُ هُوَ الثَّانِي. هَذَا وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْأَوَّلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ. قَالُوا لَوْ أَحْدَثَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى جَاءَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ ثُمَّ خَرَجَ كَانَ الثَّانِي خَلِيفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالثَّانِي. وَلَوْ اسْتَخْلَفَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَحْدَثَ الثَّانِي فَجَاءَ الْأَوَّلُ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي تَقْدِيمُهُ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ تَقْدِيمُهُ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَاءَ) الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ النَّوَاقِضِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَهُ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَلْمَانِ الْفَارِسِيِّ، وَمِنْ التَّابِعِينَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَطَاوُسٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، عَلَى أَنَّ صِحَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ مُرْسَلًا لَا نِزَاعَ فِيهَا وَذَلِكَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ (قَوْلُهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ» إلَخْ) غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ

وَالْبَلْوَى فِيمَا يُسْبَقُ دُونَ مَا يَتَعَمَّدُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ (وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ) تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَأَحْدَثَ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ» وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَاهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ إذْ لَا صَارِفَ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِخْلَافِ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ؟ قِيلَ فِيهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَمْرٍو وَعَلِيٍّ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ رَجَعَ يَخْرِقُ الصُّفُوفَ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا إذَا نَحْنُ بِعُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ سَارِيَةٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: لَمَّا دَخَلْت فِي الصَّلَاةِ وَكَبَّرْت رَابَنِي شَيْءٌ فَلَمَسْت بِيَدِي فَوَجَدْت بِلَّةً. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: إنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَدَاةَ أُصِيبَ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْته يَقُولُ: قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى بِهِمْ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَعَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ وَانْصَرَفَ (قَوْلُهُ وَالْبَلْوَى) جَوَابٌ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ: يَعْنِي أَنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ تَجْوِيزَ الْبِنَاءِ لَهُ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ فِيمَا فِيهِ بَلْوًى وَهُوَ مَا يُسْبَقُ. أَمَّا الْعَمْدُ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ فَضْلًا عَنْ التَّخْفِيفِ (قَوْلُهُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ) بِنَاءً عَلَى صَرْفِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَلْيَبْنِ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى

وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ وَالْإِمَامَ وَالْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ (وَالْمُنْفَرِدَ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ) ، وَالْمُقْتَدِيَ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِبَاحَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِلرِّفْقِ لَا أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْمُقْتَدِي يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ) عَلَّلَهُ بِصِيَانَةِ الْفَضِيلَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ أَوْلَى وَذَكَرَ مُقَابِلَهُ فِي مُقَابِلِهِ: أَعْنِي الِاسْتِقْبَالَ فِي الْمُنْفَرِدِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ خَبَرًا إذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ) وَقِيلَ إنْ عَادَ تَفْسُدُ لِزِيَادَةِ مَشْيٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الصَّلَاةَ فِي مَكَان وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ) أَيْ حَتْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ أَيْ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِإِيرَادِهِ، وَمَرْجِعُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْبِنَاءُ وَالطَّرِيقُ وَالنَّهْرُ فَالْأَوَّلُ مِنْهُ حَائِطٌ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ لَيْسَ فِيهِ نَقْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهُ لَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَاخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ الصِّحَّةُ، وَعَلَى هَذَا الِاقْتِدَاءُ مِنْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمِئْذَنَةِ. وَلَهُمَا بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِه يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ فَعَلَى الْخِلَافِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَارَ الصِّحَّةَ وَقَالَ: لَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ وَدَارُهُ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَبِهْ أَوْ عَلَى جِدَارٍ بَيْنَ دَارِهِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ صَحَّ، وَعَلَى دُكَّانٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ يَصِحُّ بِشَرْطِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ. وَالثَّانِي الطَّرِيقُ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الْعَجَلَةُ لَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّصَلَتْ أَوْ كَانَ أَضْيَقَ مِنْ قَدْرِ الْعَجَلَةِ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ خَلْفَهُ وَاحِدٌ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ الْقِيَامُ خَلْفَ هَذَا الْوَاحِدِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ

(وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ) وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا الِاسْتِقْبَالُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّلَاثَةُ يَجُوزُ خَلْفَهُمْ اتِّفَاقًا، وَإِذَا قَامُوا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى الطَّرِيقِ صُفُوفًا وَصَفٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قُدَّامَهُ قَدْرُ الْعَجَلَةِ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلْفَهُ، وَكَذَا لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ صَفٍّ لِقِيَامِهِمْ عَلَى نَجَاسَةٍ تَفْسُدُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُمْ أَجْمَعَ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَمَنْ خَلْفَهُ فَسَدَتْ عَلَى الْكُلِّ أَيْضًا، وَالْمَانِعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِي الْفَلَاةِ خَلَاءٌ يَسَعُ صَفَّيْنِ وَلَا يَمْنَعُ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَإِنْ وَسِعَ أَكْثَرَ. وَاخْتُلِفَ فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَجَعَلَهُ فِي النَّوَازِلِ كَالْمَسْجِدِ، وَلَوْ كَانَتْ فُرْجَةٌ وَسَطَ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ قَدْرَ حَوْضٍ كَبِيرٍ وَهُوَ مَا لَا يُنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَبُّرِ وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ حَوْلَهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جَازَ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثُ نَهْرٌ يَجْرِي فِيهِ زَوْرَقٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ جَازَ الِاقْتِدَاءُ مِنْ وَرَائِهِ، أَوْ وَاحِدٌ فَلَا، أَوْ اثْنَانِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) فِي النِّهَايَةِ هِيَ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ حَائِطِ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا وَهُوَ يَمْشِي مُتَوَجِّهًا لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ظَنَّ مَاسِحٌ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مُتَيَمِّمٌ سَرَابًا مَاءً أَوْ ظَنَّ حُمْرَةً دَمًا أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً وَلَمْ تَكُنْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَالْحَقُّ قَصْدُ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) وَجْهُ صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ جَوَازُ الرَّمْيِ عَلَى الْكُفَّارِ الْمُتَتَرِّسِينَ بِأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ قَصْدِ الْكُفَّارِ، وَإِنْ غَلَبَ ظَنُّ إصَابَةِ الْمُسْلِمِينَ عُلِمَ أَنَّ قَصْدَ رَمْيِهِمْ أُلْحِقَ بِحَقِيقَتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، لَكِنْ أُظْهِرَ التَّفَاوُتُ بِتَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ الِاسْتِخْلَافِ وَاتِّحَادِ الْمَكَانِ كَالْمَسْجِدِ إذْ لَهُ حُكْمُ الْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلِذَا لَوْ كَرَّرَ سَجْدَةً فِي زَوَايَاهُ لَزِمَهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالدَّارُ وَالْجَبَّانَةُ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ كَالْمَسْجِدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ، فَلَوْ خَرَجَتْ عَنْ مُصَلَّاهَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَالْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلِذَا تَعْتَكِفُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مِقْدَارَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامَهُ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ اهـ. وَالْأَوْجُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ سُتْرَةً أَنْ

وَإِنْ كَانَ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ حَيْثُ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ، وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامَهُ فَالْحَدُّ هُوَ السُّتْرَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَمَوْضِعُ سُجُودِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (وَإِنَّ جُنَّ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْتَبِرَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ) وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ، وَقِيلَ الْفَسَادُ بِالِاسْتِخْلَافِ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُهُ. وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ أَبِي جَعْفَرٍ: إذَا أَتَى الْخَلِيفَةُ بِالرُّكُوعِ فَسَدَتْ وَقَبْلَهُ لَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرُكْنٍ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَا صَلَاةُ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَحَايَلَهُ لَا يَبْنِي فَلَا يَبْنِي. وَفِي النِّهَايَةِ: وَمَا يُجَانِسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ: صَلَّى الْعِشَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يَظُنُّهَا تَرْوِيحَةً أَوْ فِي الظُّهْرِ يَظُنُّهَا جُمُعَةً وَأَنَّهُ مُسَافِرٌ يَسْتَقْبِلُ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ الْفَرَاغِ يَبْنِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ عَامِدٌ فِي السَّلَامِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَامُ الْعَمْدِ قَاطِعٌ، وَفِي الْأَخِيرَةِ ظَنَّ الْفَرَاغَ فَلَمْ يَتَعَمَّدْ السَّلَامَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَصْدُ رَفْضٍ أَوْ إصْلَاحٍ أَصْلًا، بَلْ ظَنَّ تَمَامَ مَا تَوَهَّمَهُ وَلَيْسَ الظَّنُّ قَصْدًا لِأَنَّهُ مِنْ الْكَيْفِ وَالْقَصْدُ مِنْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ) أَيْ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ بِظَنٍّ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا جَازَ الْبِنَاءُ فَظَهَرَ خِلَافًا جَازَ الْبِنَاءُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ كَانَ لَمْ يَجُزْ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ (قَوْله اسْتَقْبَلَ) أَيْ إنْ وُجِدَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُحْدِثًا بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فِي مَكَانِهِ فَيَصِيرَ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ أَوْ يَضْطَرِبَ عِنْدَهَا وَذَلِكَ فِعْلٌ مِنْهُ وَبِهِ

وَكَذَلِكَ إذَا قَهْقَهَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَاطِعٌ. (وَإِنْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَدَّمَ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُمْ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَأَشْبَهَ الْجَنَابَةَ فِي الصَّلَاةِ. وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هَاهُنَا أَلْزَمُ، وَالْعَجْزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ فَلَا يَلْحَقُ بِالْجَنَابَةِ. وَلَوْ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتِمُّ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَقْصِدُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُفْسِدَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا أَوْ لَا، وَكَذَا فِي الْقَهْقَهَةِ لِأَنَّهَا أَفْحَشُ مِنْ الْكَلَامِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حُصِرَ) بِوَزْنِ تَعِبَ فِعْلًا وَمَصْدَرًا الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُ) بَلْ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ كَالْأُمِّيِّ لِأَنَّ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَدَثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ الْحَصْرُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ دُونَهُ لِنُدْرَةِ نِسْيَانِ جَمِيعِ مَا يَحْفَظُ بِخِلَافِ الْحَدَثِ، وَلِتَوَقُّفِ كُلِّ الصَّلَاةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِيهَا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هُنَا أَلْزَمُ) لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَوْ وَجَدَ مَاءً فِي الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَبْنِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْلَافِ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ، وَهَذَا لَوْ تَعَلَّمَ مِنْ مُصْحَفٍ أَوْ عَلَّمَهُ إنْسَانٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. لَا يُقَالُ: هَذَا قِيَاسٌ حَيْثُ عَيَّنَ الْعِلَّةَ وَأَلْحَقَ. لِأَنَّا نَقُولُ: تَعْيِينُ الْمَنَاطِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْإِلْحَاقِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَيْضًا عَلَى مَا قُرِّرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ حَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ بَلْ عَلَى مُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ، أَلَا تَرَى إلَى تَسْمِيَةِ الشَّافِعِيَّةِ لَهُ قِيَاسًا جَلَّيَا، وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ مِنْ الشَّرْعِ تَجْوِيزَ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِسَبْقِ حَدَثِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ شُرُوطَ الصَّلَاةِ بَادَرَ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ لِصَوْنِ صَلَاةِ الْقَوْمِ عَنْ الْفَسَادِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْإِتْمَامِ بِهِمْ عَجْزًا لَا تَسَبُّبَ

لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ (وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْبِنَاءُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ، لَكِنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ. (فَإِنَّ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ) وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ (وَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً أَوْ عُرْيَانًا فَوَجَدَ ثَوْبًا، أَوْ مُومِيًا فَقَدَر عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ فِيهِ هُوَ فِي الْمُتَنَازِعِ فِيهِ فَيُلْحَقَ بِهِ دَلَالَةً (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ الِاسْتِخْلَافُ، وَلَوْ فَعَلَ مَعَ إمْكَانِ آيَةٍ فَسَدَتْ. وَفِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، أَمَّا إذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجُزْ، وَتَقَدَّمَ فِي دَلِيلِهِمَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ فِي النِّسْيَانِ وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا فَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ النِّسْيَانُ هُنَا بِمَا يُشْبِهُهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْقِرَاءَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلْفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْدَثَ الْمُتَيَمِّمُ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ فَوَجَدَ مَاءً فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي دُونَ فَسَادٍ لِأَنَّ انْتِقَاضَ التَّيَمُّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَدَثِ السَّابِقِ وَرُؤْيَةُ الْمَاءِ هُنَا بَعْدَ انْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ فَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ حَالَ قِيَامٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ انْتِقَاضُهُ مُسْتَنِدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: لَوْ قَالَ: فَإِنْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ أَوْ الْمُقْتَدِي بِهِ إلَخْ لَكَانَ أَشْمَلَ، فَإِنَّ الْمُتَوَضِّئَ الْمُقْتَدِيَ بِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ لِاعْتِقَادِهِ قُدْرَةَ إمَامِهِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ. وَفِيهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ هَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَا تَبْطُلُ وَقِيلَ تَبْطُلُ وَهِيَ الْخِلَافِيَّةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قَالَ: وَلَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَتَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا تَبْطُلُ بَلْ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَبْنِي لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِمَا لِلْحَالِ فَصَارَ كَحَدَثِ سَبْقِهِ لِلْحَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ بَلْ يَظْهَرُ عِنْدَهُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ فَكَأَنَّهُ شَرَعَ بِلَا طَهَارَةٍ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ فَوَجَدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا أَحْدَثَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ انْتَهَى. وَهَذَا الصَّرِيحُ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُتَعَاقِبَةَ كَالْبَوْلِ ثُمَّ الرُّعَافُ ثُمَّ الْقَيْءُ إنَّ أَوْجَبَتْ أَحْدَاثًا مُتَعَدِّدَةً يُجْزِئُهُ عَنْهَا وُضُوءٌ وَاحِدٌ، فَالْأَوْجَهُ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَال ثُمَّ رَعَفَ ثُمَّ تَوَضَّأَ أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَإِنْ قُلْنَا لَا تُوجِبُ كَمَا قَدَّمْنَا النَّظَرَ فِيهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الْحَقُّ فِي اعْتِقَادِي، لَكِنْ كَلَامُ النِّهَايَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَلَا تَتَفَرَّعُ مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ (قَوْلُهُ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) بِأَنْ كَانَ وَاسِعًا، فَلَوْ كَانَ ضَيِّقًا يَحْتَاجُ إلَى عِلَاجٍ تَمَّتْ لِلْمُنَافِي

أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ قَبْلَ هَذِهِ أَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ، أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْجَبِيرَةِ فَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ، أَوْ كَانَ صَاحِبَ عُذْرٍ فَانْقَطَعَ عُذْرُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ) وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً) أَيْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى إمَامِهِ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ) يَعْنِي طُلُوعُهَا مُفْسِدٌ، فَإِذَا طَلَعَتْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَلْنَسْتَطْرِدْ ذِكْرَ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ. فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِيهَا تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ. وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ الْمُتَقَدِّمِ الْفَسَادَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ. وَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ النَّهْيُ فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رَوَوْا عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ دَفْعًا لِإِهْمَالِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ. وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَذَّرُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُمْسِكُ عَنْ الْأَفْعَالِ فِي أَيِّ رُكْنٍ وَقَعَ الطُّلُوعُ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ طُلُوعُهَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لَا يُفِيدُ الْإِمْسَاكُ مَنْعَهُ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُعْرَفُ بِالِاثْنَيْ عَشَرَةَ وَزِيدَ عَلَيْهَا مَا إذَا وُجِدَ مَاءٌ يُغْسَلُ بِهِ النَّجَاسَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: أَعْنِي بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَمَا إذَا دَخَلَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ فِي قَضَاءِ فَائِتَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَلَمْ تَسْتَتِرْ مِنْ وَقْتِهَا وَكَوْنُ الِانْقِطَاعِ الْمُفْسِدِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا دَامَ وَقْتًا كَامِلًا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَوَقَعَ الِانْقِطَاعُ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ انْقِطَاعٌ مُؤَثِّرٌ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقْضِيهَا وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ)

الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا، فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ. لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ. وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، قِيلَ قَائِلُهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك (قَوْلُهُ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ لَا بِلَا اخْتِيَارٍ. وَقَدْ يُقَالُ: اقْتِضَاءُ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِيَارِ لِيَنْتَفِيَ الْجَبْرُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقَاصِدِ لَا الْوَسَائِلِ، وَإِذًا لَوْ حُمِلَ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَفَاقَ فَتَوَضَّأَ فِيهِ أَجْزَأَهُ عَنْ السَّعْيِ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِيُتَوَصَّلَ، فَكَذَا إذَا تَحَقَّقَ الْقَاطِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا اخْتِيَارٍ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى صَلَاةٍ أُخْرَى، وَلَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ هُوَ قُرْبَةُ قَاطِعٍ. فَلَوْ فَعَلَ مُخْتَارًا مُحَرَّمًا أَثِمَ لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ لِعَدَمِ الْفِعْلِ بَلْ لِلْأَدَاءِ مَعَ الْحَدَثِ، إذْ بِالرُّؤْيَةِ وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْقِطَاعِ الْعُذْرِ يَظْهَرُ السَّابِقُ فَيَسْتَنِدُ النَّقْصُ فَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ لِقِيَامِ حُرْمَتِهَا حَالَةَ الظُّهُورِ، بِخِلَافِ الْمُنْقَضِيَةِ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ وَلَوْ سُلِّمَ أَيْضًا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ بِفِعْلِهِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. بَلْ هُوَ حُمِلَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ لَمَّا رَأَى خِلَافَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَاخْتَصَّ بِفِعْلٍ هُوَ قُرْبَةٌ، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ عِنْدَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ فِي أَثْنَائِهَا

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَمَّتْ قَارَبَتْ التَّمَامَ، وَالِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ حَتَّى يَجُوزَ فِي حَقِّ الْقَارِئِ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ ضَرُورَةُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّةِ الْإِمَامَةِ. (وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ أَجْزَأَهُ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مُدْرِكًا لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَيْفَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَهُوَ السَّلَامُ وَهُوَ آخِرُهَا دَاخِلًا فِيهَا، وَاعْتِرَاضُ الْمُغَيِّرِ فِي ذَلِكَ كَهُوَ قَبْلَهُ، وَلِذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهِ وَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ) أَيْ فِي حَالَةِ الْحَدَثِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَفْسِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ فَلِذَا أَفْسَدَ فِي مَسْأَلَةِ تَوَهُّمِ الْحَدَثِ دُونَ الِانْصِرَافِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ فُعِلَ الْمُفْسِدُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اسْتِخْلَافِ إمَامٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فَتَتِمَّ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ) أَفَادَ التَّعْلِيلُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَلَا لَاحِقًا لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْإِتْمَامِ، وَحِينَئِذٍ فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ كَذَا هَذَانِ، وَكَمَا يُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِلسَّلَامِ لَوْ تَقَدَّمَ كَذَا الْآخَرَانِ، أَمَّا الْمُقِيمُ فَلِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ خَلْفَهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ الْخَلِيفَةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ. وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا لِلِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ. قُلْنَا لَيْسَ هُوَ إمَامًا إلَّا ضَرُورَةَ عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْإِتْمَامِ لَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ قَدْرُ صَلَاتِهِ. إذْ الْخَلَفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ

لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ (فَلَوْ تَقَدَّمَ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يُقَدِّمُ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ، فَلَوْ أَنَّهُ حِينَ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ) لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِي حَقِّهِ وُجِدَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّهِمْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْكَانِهَا وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ تَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لَهُمَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُ وَصَارَ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ. وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدَ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمُسَافِرِ مَعْنًى، وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا عَلَى الْخَلِيفَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْأَوَّلُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ، وَهَذَا إذَا عَلِمَ نِيَّةَ الْإِمَامِ بِأَنْ أَشَارَ الْإِمَامُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَأَفْهَمَهُ قَصْدَ الْإِقَامَةِ، وَيُقَدِّمُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ مُسَافِرًا يُسَلِّمُ بِهِمْ ثُمَّ يَقْضِي الْمُقِيمُونَ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدِينَ، وَلَوْ اقْتَدَوْا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ دُونَ الْمُسَافِرِينَ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهُمْ إنَّمَا تُوجِبُ الْمُتَابَعَةَ إلَى هُنَا. وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَ الْوَاجِبَ بِأَنْ بَدَأَ بِإِتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَدِّمُ غَيْرَهُ لِلسَّلَامِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ مَعَهُ، أَمَّا إذَا فَعَلَ الْوَاجِبَ بِأَنْ قَدَّمَ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لِيَقَعَ الْأَدَاءُ مُرَتَّبًا فَيُشِيرُ إلَيْهِمْ إذَا تَقَدَّمَ أَنْ لَا يُتَابِعُوهُ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُتَابِعُونَهُ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ (قَوْلُهُ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ) بَانِيًا عَلَى ذَلِكَ، فَلِذَا قَالُوا لَوْ اسْتَخْلَفَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى الْخَلِيفَةُ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مُسَافِرٌ مُقِيمًا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ الْقَوْمِ كَذَا هَذَا، ثُمَّ هَذَا فَرْعُ عِلْمِ الْمَسْبُوقِ بِكَمِّيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ يُتِمُّ رَكْعَةً وَيَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ يَقُومُ وَيُتِمُّ صَلَاةَ نَفْسِهِ وَلَا يُتَابِعُهُ الْقَوْمُ بَلْ يَصِيرُونَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ فَيُصَلُّونَ مَا عَلَيْهِمْ وُحْدَانًا وَيَقْعُدُ هَذَا الْخَلِيفَةُ عَلَى كُلِّ رَكْعَةٍ احْتِيَاطًا. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهَا تَامَّةٌ، قَالُوا: وَكَأَنَّهَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِتَقْسِيمٍ يَسْتَدْعِي الْمُخَالَفَةَ فِي الْجَوَابِ. ثُمَّ أَجَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْبِنَاءِ وَضَحِكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفْسِدُ وَكَذَا ضَحِكُ الْخَلِيفَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ صَارَ مَأْمُومًا بِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ تَذَكَّرَ الْخَلِيفَةُ فَائِتَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالْقَوْمِ، وَلَوْ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خَاصَّةً، أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ إلَخْ) لَفْظُ الْأَوَّلِ هُنَا تَسَاهُلٌ، إذْ لَيْسَ فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَامٌ ثَانٍ، إذْ لَيْسَ فِيهَا اسْتِخْلَافٌ، بَلْ حَاصِلُهَا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا مَسْبُوقِينَ وَمُدْرِكِينَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى مَحَلِّ السَّلَامِ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ عِنْدَ الْكُلِّ، ثُمَّ فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِينَ عِنْدَهُ مُقَيَّدٌ بِمَا

السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَالْكَلَامَ فِي مَعْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا لَمْ يَكُونُوا قَضَوْا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْإِمَامُ بِأَنْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ أَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ، أَمَّا لَوْ قَامَ فَقَضَى رَكْعَةً فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ انْفِرَادَهُ حَتَّى لَا يَسْجُدَ لَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ لِسَهْوٍ عَلَيْهِ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بَعْدَ سُجُودِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ، إنْ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ وَإِلَّا تَفْسُدُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِنْهُ) أَيْ مُتَمِّمٌ لِلصَّلَاةِ، وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ يَشْتَمِلُ عَلَى كَافِ الْخِطَابِ فَهُوَ مِنْ الْكَلَامِ فِي ذَاتِهِ وَفِي حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ الْإِفْسَادُ إذْ لَمْ يُفَوِّتْ شَرْطَ الصَّلَاةِ وَهِيَ الطَّهَارَةُ بَلْ هُوَ قَاطِعٌ فَكَأَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ بِهِ فَلَمْ يَفْسُدْ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ، بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ لِتَفْوِيتِهَا الطَّهَارَةَ فَتُفْسِدُ جُزْءَا تُلَاقِيهِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ، وَلِهَذَا لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ فَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُسَلِّمُوا، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ قَهْقَهَ ذَهَبُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا. . [وَهَذَا فَصْلٌ فِي الْمَسْبُوقِ كُنَّا وَعَدْنَاهُ] وَهُوَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ هُوَ كَالْمُنْفَرِدِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَلَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ بَانَ تَحْرِيمُهُ، أَمَّا لَوْ نَسِيَ أَحَدُ الْمَسْبُوقَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ كَمِّيَّةَ مَا عَلَيْهِ فَقَضَى مُلَاحِظًا لِلْآخَرِ بِلَا اقْتِدَاءٍ بِهِ صَحَّ. ثَانِيهَا لَوْ كَبَّرْنَا وَبِالِاسْتِئْنَافِ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا قَاطِعًا لِلْأَوْلَى بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ عَلَى مَا يَأْتِي. ثَالِثُهَا لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى سَجَدَ يَمْضِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ لِسَهْوِ غَيْرِهِ. رَابِعُهَا: يَأْتِي بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ هُوَ مُنْفَرِدٌ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَقْضِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَا يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ بَلْ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْإِمَامِ بَعْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ سَهْوٍ عَلَى الْإِمَامِ فَيَصِيرُ حَتَّى يَفْهَمَ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، إذْ لَوْ كَانَ لَسَجَدَ. قُلْت: هَذَا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَاهُ قَبْلَهُ فَلَا، وَلَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ: إذَا خَافَ وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ، أَوْ خَافَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورُ خُرُوجَ الْوَقْتِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ أَنْ تَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ، وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لَهُ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ. لَوْ قَامَ قَبْلَهُ. قَالَ فِي النَّوَازِلِ: إنْ قَرَأَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، هَذَا فِي الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِثَلَاثٍ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ سَيَقْرَأُ فِي الْبَاقِيَتَيْنِ وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَامَ حَيْثُ يَصِحُّ وَفَرَغَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَابَعَهُ فِي السَّلَامِ قِيلَ تَفْسُدُ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا تَفْسُدَ وَإِنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُفْسِدًا لِأَنَّ هَذَا مُفْسِدٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَهُوَ كَتَعَمُّدِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ

وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. (وَمَنْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَاهِيًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ سَهْوِهِ بَعْدَ انْفِرَادِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَعَهُ فَهُوَ سَلَامُ عَمْدٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ، وَلَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَهْوًا فَسَجَدَ وَتَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِمَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ. وَأَشْبَهَهُمَا فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرِ لَا، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالْأَوَّلُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَتَيْنِ كَزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ مُفْسِدٌ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ قَالُوا: لَوْ تَابَعَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا قُيِّدَ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ لِذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: لَا تَفْسُدُ بِزِيَادَةِ سَجْدَتَيْنِ، بَلْ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ الِاقْتِدَاءُ فِي مَوْضِعٍ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّاحِقَ إذَا سَجَدَ لِسَهْوِ الْإِمَامِ مَعَ الْإِمَامِ تَكُونُ زِيَادَةُ سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِمَا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ. وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَعَادَ إلَى قَضَائِهَا إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ ذَلِكَ وَيُتَابِعُ فِيهَا وَيَسْجُدُ مَعَهُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ عَوْدَ الْإِمَامِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ يَرْفُضُ الْقَعْدَةَ، وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَصِرْ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ دُونَ رَكْعَةٍ فَيُرْتَفَضُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا، وَإِذَا ارْتُفِضَتْ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْفِرَادُ لِأَنَّ هَذَا أَوَانُ افْتِرَاضِ الْمُتَابَعَةِ وَالِانْفِرَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَوْ تَابَعَهُ بَعْدَ تَقْيِيدِهَا بِالسَّجْدَةِ فِيهَا فَسَدَتْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ. فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ تَفْسُدُ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا. وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ رَفَضَ الْقَعْدَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ انْفَرَدَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ. وَجْهُ نَوَادِرِ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا تَمَّ انْفِرَادَهُ وَخَرَجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ ارْتُفِضَتْ كُلُّهَا فِي حَقِّهِ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ انْفِرَادِهِ بِأَنْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ الْإِمَامُ بَعْدَ إتْمَامِهَا، أَوْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِقَوْمٍ ثُمَّ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ اُرْتُفِضَ ظُهْرُهُ فِي حَقِّهِ لَا حَقِّهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُقِيمًا لَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ وَقَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ لِلْإِتْمَامِ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ حَتَّى تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ عَادَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ، وَإِنْ سَجَدَ فَإِنْ عَادَ فَسَدَتْ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَمَضَى عَلَيْهَا وَأَتَمَّ لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً وَعَادَ إلَيْهَا يُتَابِعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ تَفْسُدُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ، وَعَلَيْهِ رُكْنَانِ: السَّجْدَةُ وَالْقَعْدَةُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ إكْمَالِ الرَّكْعَةِ، وَلَوْ انْفَرَدَ وَعَلَيْهِ رُكْنٌ فَسَدَتْ فَهُنَا أَوْلَى، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ أَوْ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ تَفْسُدُ، وَالتَّخْرِيجُ غَيْرُ خَافٍ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْك، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَنِي فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ وَاللَّاحِقِ إذَا اقْتَدَيَا بِمِثْلِهِمَا، ثُمَّ الْمَسْبُوقُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَآخِرَهَا فِي التَّشَهُّدِ، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَلَوْ تَرَكَ فِي إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً بِتَشَهُّدٍ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ. وَلَوْ تَرَكَ جَازَتْ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً وَيَقْرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَيَتَشَهَّدَ، لِأَنَّهُ يَقْضِي الْآخِرَ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَيَقْضِي رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا كَذَلِكَ وَلَا يَتَشَهَّدُ، وَفِي الثَّالِثَةِ يَتَخَيَّرُ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَيَتَشَهَّدُ، وَلَوْ تَرَكَ فِي إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ لِأَنَّ مَا يَقْضِي أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَقَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ

وَلَا يَعْتَدُّ بِاَلَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا) ، لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلَوْ كَانَ إمَامًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ. (وَلَوْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْأُخْرَيَيْنِ فَالْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِي فَرْضٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ تَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهَا مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَدْرَكَ الثَّانِيَ خَالِيًا عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا. وَلَوْ أَدْرَكَ فِي التَّشَهُّدِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَتَرَسَّلُ لِيَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ عِنْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثَنِّي حَتَّى يَقُومَ إلَى الْقَضَاءِ، وَلَوْ سَهَا فِي قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَقَدْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ لِسَهْوٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ ثَانِيًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ تُجْزِئُهُ سَجْدَتَانِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ السَّهْوُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ اللَّاحِقُ وَهُوَ الَّذِي اقْتَدَى بَعْدَمَا صَلَّى الْإِمَامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً مَثَلًا ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنْهُ لِنَوْمٍ أَوْ زَحْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَكَانًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِي الْقَضَاءِ بِمَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ ثُمَّ بِمَا سُبِقَ بِهِ. وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ فَرْضٌ، وَعِنْدَنَا وَاجِبٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَوْ عَكَسَ هَذَا التَّرْتِيبَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عِنْدَهُ وَتَصِحُّ عِنْدَنَا. ثُمَّ إمَّا أَنْ يَسْتَيْقِظَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ بَعْدَمَا فَرَغَ الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَالْفَرَاغُ يَأْتِي بِمَا فَاتَهُ أَوَّلًا حَالَ نَوْمِهِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ، ثُمَّ بِأُخْرَى لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ، ثُمَّ بِأُخْرَى لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ لِلْخَتْمِ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّابِعَةِ قَبْلَ رُكُوعٍ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يُصَلِّي فِيمَا أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مَعَ إمَامٍ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ، فَلَوْ نَقَضَ هَذَا التَّرْتِيبَ فَتَابَعَ فِيمَا أَدْرَكَ ثُمَّ قَضَى مَا سَبَقَهُ بِهِ ثُمَّ مَا نَامَ فِيهِ جَازَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ اهـ. ثُمَّ يَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَةٍ. أَمَّا فِيمَا أَدْرَكَ فَلِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَفِيمَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ وَفِي ثَالِثَتِهِ لِلْمُتَابَعَةِ فَإِنَّهَا قَعْدَةُ خَتْمِ الْإِمَامِ وَفِيمَا بَعْدَهَا خَتْمُهُ. وَلَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ مَعَ الْإِمَامِ بِسَهْوِ الْإِمَامِ بَلْ يَقُومُ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ يَسْجُدُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْخَتْمِ. وَأَمَّا مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَهُوَ اللَّاحِقُ لَا غَيْرُ، وَلَهُ حُكْمُ الْمُقْتَدِي فَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَلَا يَقْرَأُ فِيهِ، وَلَوْ تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُ فِيهِ فِي الْقِبْلَةِ إلَى غَيْرِ مُجْتَهِدِ الْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ فِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَنْقَلِبُ أَرْبَعًا، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ تَعْرِيفَ اللَّاحِقِ بِمَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ تَسَاهُلٌ، بَلْ هُوَ مَنْ فَاتَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ) هَذَا خَرَجَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَكِنْ عَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ لَوْ لَمْ يُعِدْ ذَلِكَ الرُّكْنَ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلِمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِافْتِرَاضِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ عِنْدَهُ، وَلَا يَتَحَقَّقَانِ مَعَ الطَّهَارَةِ إلَّا بِالْإِعَادَةِ، وَحَاوَلَ تَخْرِيجَهُ فِي الْكَافِي عَلَى الرَّأْيَيْنِ بِأَنَّ التَّمَامَ عَلَى نَوْعَيْنِ تَمَامِ مَاهِيَّةٍ وَتَمَامُ مَخْرَجٍ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَالسَّجْدَةُ وَإِنْ تَمَّتْ بِالْوَضْعِ مَاهِيَّةً لَكِنْ لَمْ تَتِمَّ تَمَامًا مُخْرِجًا عَنْ الْعُهْدَةِ اهـ. يَعْنِي وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ

أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ أَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَهَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ) وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَى لِتَقَعَ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مَعَ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ وَقَدْ وُجِدَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَمَّ رَجُلًا وَاحِدًا فَأَحْدَثَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْمَأْمُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً) أَيْ صُلْبِيَّةً أَوْ لِلتِّلَاوَةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا بَيَانُ الْأُولَى) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا فِي كُلِّ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّ رَكْعَةٍ، بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا تَفْصِيلَهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. بَقِيَ أَنَّ انْتِفَاءَ الِافْتِرَاضِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَوْلَوِيَّةِ لِجَوَازِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ الْوُجُوبُ هُوَ الثَّابِتُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ، فَأَشَارَ فِي الْكَافِي إلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: وَلَئِنْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فَقَدْ سَقَطَ بِالنِّسْيَانِ، لَكِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى الْعِبَارَةِ: أَعْنِي تَعْلِيلَ الْأَوْلَوِيَّةِ بِانْتِفَاءِ الِافْتِرَاضِ فِي الْمُتَكَرِّرِ، بَلْ تَعْلِيلُهُ إنَّمَا هُوَ بِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِالنِّسْيَانِ. ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مُجْمَلٌ وَلَمْ يَقَعْ الْبَيَانُ إلَّا كَذَلِكَ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ مُصَلٍّ أَوَّلَ صَلَاتِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ لَمْ يُعْتَبَرْ فَرْضًا لِأَنَّ الرُّكْنَ لَا يَسْقُطُ بِعُذْرِ الْمَسْبُوقِيَّةِ، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ قَدْ يَقُومُ الْعُذْرُ فِي إسْقَاطِهِ شَرْعًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَكَسَ الْمَسْبُوقُ اللَّاحِقُ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّهِ آنِفًا كَانَ آثِمًا عِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِ إذَا قَضَى السَّجْدَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ جَمِيعِ مَا أَدَّى بَعْدَهَا لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ حَيْثُ كَانَ قَبْلَهُ مَا يُفْتَرَضُ تَقْدِيمُهُ. وَعِنْدَنَا قَضَاءُ الرُّكْنِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الذِّكْرُ اسْتِحْبَابًا لَا غَيْرُ إنْ قَضَاهَا عَقِيبَهُ. وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيَهَا هُنَاكَ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي آخِرِ فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ، قَالَ فِي إمَامٍ صَلَّى رَكْعَةً وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً وَصَلَّى أُخْرَى وَسَجَدَ لَهَا فَتَذَكَّرَ الْمَتْرُوكَةَ فِي السُّجُودِ أَنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَيَسْجُدُ الْمَتْرُوكَةَ ثُمَّ يُعِيدُ مَا كَانَ فِيهَا لِأَنَّهَا ارْتُفِضَتْ فَيُعِيدُهَا اسْتِحْسَانًا اهـ. قَالَ: فَأَمَّا مَا قَبْلَ ذَلِكَ إلَى الْمَتْرُوكَةِ هَلْ يُرْتَفَضُ؟

إمَامٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينُ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هَاهُنَا، وَيُتِمُّ الْأَوَّلُ صَلَاتَهُ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي كَمَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ حَقِيقَةً (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْمَتْرُوكَةِ وَبَيْنَ الَّذِي تَذَكَّرَ فِيهَا رَكْعَةً تَامَّةً لَا تُرْتَفَضُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَكْعَةً تَامَّةً فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُرْتَفَضُ وَقَالَ قَبْلَهُ فِيهِ: وَإِنْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجْدَةً سَجَدَ الْمَتْرُوكَةَ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ بِرُكُوعِهِمَا وَسُجُودِهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعُ قَبْلَ رَفْعِ الرَّأْسِ يُقْبَلُ الِارْتِفَاضُ، فَبِسُجُودِهِ الْمَتْرُوكَةَ رَفَضَ الرُّكُوعَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّمَامِ اهـ. وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ لَا لِلْقَاعِدَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ مِنْ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْقَعْدَةُ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مُطْلَقًا شَرْطٌ لَا بَيْنَ الْمُتَّحِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ الْمُتَعَدِّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الْمُتَعَدِّدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقَعْدَةِ، فَلَوْ جَازَ تَأَخُّرُ شَيْءٍ عَنْهَا لَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُتَعَلِّقَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، بِخِلَافِ تَقْدِيمِ سُجُودِ الرَّكْعَةِ عَلَى رُكُوعِهَا وَالرُّكُوعِ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى السُّجُودِ بَعْدَهُ وَالْقِيَامُ إلَى الرُّكُوعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّقَدُّمِ الْمَعْهُودِ، وَكَذَا بِتَقَدُّمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهَا زِينَتُهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا، وَبِتَذَكُّرِ السَّجْدَةِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا مِنْ الْأُولَى لَمْ يَتَحَقَّقْ تَقْدِيمٌ لَهُ عَلَى رُكُوعِ الْأُولَى بَلْ هُوَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ التَّعْدِيَةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ بَعْدَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُعِدْ عَلَى مَا هُوَ الْأَمْرُ الْجَائِزُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ قَبْلَهُ لِالْتِحَاقِهِ بِمَحَلِّهِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَوُجُوبُ كَوْنِهِ قَبْلَهُ يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ بِدَلِيلِ حَالِ الْمَسْبُوقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعُذْرِ، بِخِلَافِ السَّجْدَةِ فِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ فِي الْخَتْمِ كَوْنَهُ فِي الْقَعْدَةِ مَعْنًى وَصُورَةً فَلَا يَكْفِي اعْتِبَارُهَا مُتَأَخِّرَةً عَنْ السَّجْدَةِ الْمُتَذَكَّرَةِ فِيهَا. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ) لَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُرَادَةٌ بِهَذَا، أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ فَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا هِيَ الْمُرَادَةُ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى خَرَجَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَالشَّيْخُ أَبْهَمَ الصَّلَاةَ فَيُرَادُ صَلَاةُ مَنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ الْمَأْمُومَ أَوْ الْإِمَامَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشْكِلُ فَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بَلْ غَايَتُهُ الْوُجُوبُ تَحْصِينًا لِصَلَاةِ غَيْرِهِ عَنْ الْفَسَادِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَالْإِمَامُ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَغَايَةُ مَا فِي خُرُوجِهِ بِلَا اسْتِخْلَافٍ تَأْثِيمُهُ لِسَعْيِهِ فِي فَسَادِ صَلَاةِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَإِمَامٍ تَعَمَّدَ التَّأَخُّرَ عَمَّنْ خَلْفَهُ حَتَّى فَسَدَتْ بِتَقَدُّمِهِمْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ) أَوْ أُمِّيٌّ: أَيْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ

[باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها]

لَمْ يُوجَدْ الِاسْتِخْلَافُ قَصْدًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) (وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَفْزَعُهُ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ الِاسْتِخْلَافُ مِنْهُ قَصْدٌ) وَمَا حُكِمَ بِكَوْنِ الْأَوَّلِ خَلِيفَةً إلَّا لِتَصْحِيحِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَهُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الِاعْتِبَارَ لِإِصْلَاحِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي كَانَ فِيهِ إفْسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَهُ فَتَفْسُدُ عَلَى الْإِمَامِ وَتَصِحُّ عَلَى الْمُقْتَدِي وَبَيْنَ عَدَمِهِ فَيَنْعَكِسُ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ، وَوَجْهُ تَرْجِيحِ عَدَمِهِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا] (قَوْلُهُ وَمَفْزَعُهُ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ) «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» إلَخْ. الْفُقَهَاءُ يَذْكُرُونَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُوجَدُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، بَلْ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ النِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْن مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ صَلَاتَنَا إلَخْ) رَوَاهُ

وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ. بِخِلَافِ السَّلَامِ سَاهِيًا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَذْكَارِ فَيُعْتَبَرُ ذِكْرًا فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ وَكَلَامًا فِي حَالَةِ التَّعَمُّدِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَافِ الْخِطَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمَّاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَانِي فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» اهـ. وَقَدْ أَجَابُوا بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْبُطْلَانِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ وَالْحَظْرُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبُطْلَانَ، وَلِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ. قُلْنَا إنْ صَحَّ فَإِنَّمَا بَيَّنَ الْحَظْرَ حَالَةَ الْعَمْدِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ حَظْرٌ يَرْتَفِعُ إلَى الْإِفْسَادِ، وَمَا كَانَ مُفْسِدًا حَالَةَ الْعَمْدِ كَانَ كَذَلِكَ حَالَةَ السَّهْوِ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ شَرْعًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَقَوْلُهُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي» أَوْ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُمْ» مِنْ بَاب الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ، لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيرُهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْإِثْمِ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَزِمَ تَعْمِيمُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَمَنْ اعْتَبَرَهُ فِي الْحُكْمِ الْأَعَمِّ مِنْ حُكْمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَدْ عَمَّمَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، إذْ قَدْ أَثْبَتَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَطَالَ الْكَلَامَ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْفَسَادِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ إذَا رَفَعَ إفْسَادَهُ وَجَبَ شُمُولُ الصِّحَّةِ. وَإِلَّا فَشُمُولُ عَدَمِهَا وَكَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ الْقَلِيلُ مِنْ الْعَمَلِ لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّ فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٍ مِنْ الطَّبْعِ وَلَيْسَتْ الصَّلَاةُ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ إفْسَادُهُ مُطْلَقًا لَزِمَ الْحَرَجُ فِي إقَامَةِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَعُفِيَ مَا لَمْ يَكْثُرْ وَلَيْسَ الْكَلَامُ مِنْ طَبْعِ الْحَيِّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ السَّلَامِ سَاهِيًا) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسٍ مُقَدَّرٍ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى السَّلَامِ سَاهِيًا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ.

(فَإِنْ أَنَّ فِيهَا أَوْ تَأَوَّهَ أَوْ بَكَى فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَمْ يَقْطَعْهَا) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ (وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَطَعَهَا) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُ الْجَزَعِ وَالتَّأَسُّفِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَوْلَهُ آهٍ لَا يُفْسِدُ فِي الْحَالَيْنِ وَأُوهِ يُفْسِدُ. وَقِيلَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ وَهُمَا زَائِدَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ تَفْسُدُ. وَحُرُوفُ الزَّوَائِدِ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ أَنَّ فِيهَا) أَيْ قَالَ آهْ أَوْ تَأَوَّهَ: أَيْ قَالَ أُوهِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ) أَيْ حَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ (قَوْلُهُ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّ كَوْنَهُ إظْهَارًا لِلْوَجَعِ بِلَفْظٍ هُوَ الْمَصِيرُ لَهُ كَلَامًا فَلَا يَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِهِ إلَى قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إظْهَارًا لِلْوَجَعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَدْرِكُونِي أَوْ أَعِينُونِي، بِخِلَافِ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ لِأَنَّهُ كَقَوْلِ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ وَأَعِذْنِي مِنْ النَّارِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ إذْ يُعْطِي ظَاهِرُهُ أَنَّ كَوْنَهُ دَالًا عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ صَيَّرَهُ كَلَامًا، لَكِنْ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ إظْهَارًا لِذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُصَيِّرُهُ كَلَامًا وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَرَشَّحَهُ فِي الْكَلَامِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ اشْتَرَطَ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مُفْسِدًا كَوْنُهُ حَرْفَيْنِ زَائِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ وَهَذَا لَا يَقْوَى، لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ فِي مُتَفَاهَمِ الْعُرْفِ يَتْبَعُ وُجُودَ الْحُرُوفِ وَإِفْهَامَ الْمَعْنَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ إظْهَارَ الْوَجَعِ بِاللَّفْظِ إفَادَةُ مَعْنًى بِهِ فَيَكُونُ نَفْسُهُ كَلَامًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَضْعٌ، وَاشْتِرَاطُ الْوَضْعِ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ فِي الْكَلَامِ. وَلَوْ سَلِمَ ثُبُوتُهُ لُغَةً لَمْ يَلْزَمْ اشْتِرَاطُهُ فِي الْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْمَعْقُولَ فِي الْإِفْسَادِ كَوْنُهُ إفَادَةَ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، إذْ لَيْسَ كَوْنُهُ خَارِجًا عَنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَالَيْنِ: أَيْ الْخُشُوعِ وَالْجَزَعِ، وَقَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ: أَيْ فِي الْحَالَيْنِ أَيْضًا عِنْدَهُ، وَكَذَا أُفٍّ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا لَا تَفْسُدُ، وَتَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَخَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَقَالَ: أُفٍّ أَلَمْ تَعِدنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ» قُلْنَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَيَجُوزُ كَوْنُهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا. وَقَوْلُهُ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ (قَوْلُهُ فِي قَوْلِهِمْ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ) سَمْطٌ تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ أَيْنَ هُوَ مِنْ أَمَانٍ وَتَسْهِيلٍ، وَقَدْ جَمَعَهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ مَالِكٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي هَذَا الْبَيْتِ:

وَهَذَا لَا يَقْوَى لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ فِي مُتَفَاهَمِ الْعُرْفِ يَتْبَعُ وُجُودَ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَإِفْهَامَ الْمَعْنَى، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ كُلُّهَا زَوَائِدُ (وَإِنْ تَنَحْنَحَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ (وَحَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ فَهُوَ عَفْوٌ كَالْعُطَاسِ) وَالْجُشَاءِ إذَا حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَنَاءٌ وَتَسْلِيمٌ تَلَا يَوْمَ أُنْسِهِ ... نِهَايَةُ مَسْئُولٍ أَمَانٌ وَتَسْهِيلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَنِينُ وَالْبُكَاءُ وَالتَّأَوُّهُ يَقْطَعُ مُطْلَقًا إذَا حَصَلَ مِنْهُ حَرْفَانِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ» وَبِأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَحْصُلُ الْحُرُوفُ لِمَنْ يَصْغَى (قَوْلُهُ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ كُلُّهَا زَوَائِدُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قُلْت هَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْحَرْفَيْنِ لِأَنَّ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا يَكُونُ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا اهـ. وَأَثَرُ هَذَا الْبَحْثِ فِي الْعِبَارَةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِالْجَمْعِ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ صَرَّحَ فَقَالَ: وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حَرْفَيْنِ زَائِدَيْنِ، أَوْ أَنَّ الْجَمْعَ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ مِثْلُ لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ مَعَ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ بِشَاهِدَيْنِ طَاحَ مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ هَذَا أَوْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَنِينُ يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجَعِ عَنْهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ أَلَمُهُ خَفِيفًا يَقْطَعُ وَإِلَّا لَا، (قَوْلُهُ يَنْبَغِي إلَخْ) إنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِالْجَوَابِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا لَهُ بَلْ فَعَلَهُ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ، فَعِنْدَ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ تَفْسُدُ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مَا لِلْقِرَاءَةِ مُلْحَقٌ بِهَا وَكَذَا لَوْ تَنَحْنَحَ بِالْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ نَفَخَ مَسْمُوعًا فَسَدَتْ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْمَسْمُوعِ فَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مَا يَكُونُ لَهُ حُرُوفٌ كَأُفٍّ تُفٍّ تَفْسُدُ، وَإِلَّا فَلَا تَفْسُدُ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ الْحُرُوفَ إلَّا فِي الْإِفْسَادِ بَعْدَ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَفَّرَ طَائِرًا أَوْ دَعَاهُ بِمَا هُوَ مَسْمُوعٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ) أَوْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ: أَيْ مَبْعُوثُ الطَّبْعِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَلَا تَفْسُدُ، وَمِثْلُهُ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنْهُ لَا تَفْسُدُ كَالْجُشَاءِ،

(وَمَنْ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا (وَإِنْ اسْتَفْتَحَ فَفَتْحَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَنِينِ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ آخَرُ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَالَ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ لَا تَفْسُدُ كَقَوْلِهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَهُمَا يَتَمَسَّكَانِ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّهُ فِي عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ كَانَ تَشْمِيتَ عَاطِسٍ. وَبِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا) إشَارَةٌ إلَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّكَ شَفَتَيْهِ فَإِنَّ حَرَّكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) يَعْنِي إذَا قَصَدَ التَّعْلِيمَ، أَمَّا إذَا أَرَادَ التِّلَاوَةَ فَلَا. وَكَذَا لَوْ قِيلَ مَا مَالُك؟ فَقَالَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ أَوْ كَانَ أَمَامَهُ كِتَابٌ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ اسْمُهُ يَحْيَى فَقَالَ يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ، إنْ أَرَادَ إفَادَتَهُ الْمَعْنَى فَسَدَتْ لَا إنْ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ

فِي صَلَاتِهِ تَفْسُدُ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَفْتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ، ثُمَّ شَرَطَ التَّكْرَارَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ، وَلَمْ يُشْرَطْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِنَفْسِهِ قَاطِعٌ وَإِنْ قَلَّ (وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُفْسِدًا) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ مَعْنًى (وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ فِيهِ، وَقِرَاءَتُهُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا (وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ) لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ لِوُجُودِ التَّلْقِينِ وَالتَّلَقُّنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعَ إذَا جَاءَ أَوَانُهُ أَوْ يَنْتَقِلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ شَرَطَ التَّكْرَارَ) بِأَنْ فَتَحَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى قَلِيلُهُ وَلَمْ يَشْرُطْهُ فِي الْجَامِعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فَلَا يُعْفَى قَلِيلُهُ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا اسْتِحْسَانًا) هَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْفَتْحِ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ قَبْلَهُ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ الْإِمَامُ مَا تَجُوزُ بِهِ تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَنْوِي الْقِرَاءَةَ وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّهُ عُدُولٌ إلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَنْ الْمُرَخَّصِ فِيهِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ كَلِمَةً فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ أُبَيٌّ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ: هَلَّا فَتَحْتَ عَلِيَّ؟ فَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا نُسِخَتْ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ نُسِخَتْ لَأَعْلَمْتُكُمْ» . وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا اسْتَطْعَمَك الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ (قَوْلُهُ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ) هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ انْتَقَلَ وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْمُرَخِّصِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ (قَوْلُهُ إذَا جَاءَ أَوَانُهُ) أَجْمَلَهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ

(وَلَوْ أَجَابَ رَجُلًا فِي الصَّلَاةِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَهَذَا كَلَامٌ مُفْسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ مُفْسِدًا) وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهِ جَوَابَهُ. لَهُ أَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ فَيُجْعَلُ جَوَابًا كَالتَّشْمِيتِ وَالِاسْتِرْجَاعِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ (وَإِنْ أَرَادَ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ بِالْإِجْمَاعِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ قَاضِي خَانْ وَصَاحِبَ الْمُحِيطِ وَبَكْرًا اعْتَبَرُوا أَوَانَ الرُّكُوعِ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى آيَةٍ أُخْرَى أَوْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ الْمُسْتَحَبَّ صَوْنًا لِلصَّلَاةِ عَنْ الزَّوَائِدِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، أَلَا يَرَى إلَى «مَا ذَكَرُوا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُبَيٍّ هَلَّا فَتَحْتَ عَلَيَّ» مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرَادَ جَوَابَهُ) بِأَنْ قِيلَ مَثَلًا أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ آخَرُ فَقَالَ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ، أَمَّا إنْ أَرَادَ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْجَوَابِ فَلَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِ الْكُلِّ، وَكَذَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ تَفْسُدُ فِي قَصْدِ الْجَوَابِ لَا الْإِعْلَامِ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ) كَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَ قَصْدِ إعْلَامِهِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا قَصَدَ هُنَاكَ إفَادَةَ مَعْنًى بِهِ لَيْسَ هُوَ مَوْضُوعًا لَهُ. قُلْنَا خَرَجَ قَصْدُ إعْلَامِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَزِيمَتِهِ كَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَ قَصْدِ إعْلَامِهِ، فَإِنَّ مَنَاطَ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ كَوْنُهُ لَفْظًا أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لَا كَوْنُهُ وُضِعَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْمَنْعِ الثَّابِتِ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَزِيمَتِهِ مَمْنُوعٌ. قَالَ السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ: لِي ثَلَاثُونَ سَنَةً أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ قَوْلِي الْحَمْدُ لِلَّهِ احْتَرَقَ السُّوقُ، فَخَرَجْت فَقِيلَ لِي سَلِمَتْ دُكَّانُك، فَقُلْت

(وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ افْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ فَقَدْ نَقَضَ الظُّهْرَ) لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِهِ فَيَخْرُجُ عَنْهُ (وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَهِيَ هِيَ وَيَتَجَزَّأُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ) لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ وَبَقِيَ الْمَنْوِيُّ عَلَى حَالِهِ (وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ مِنْ الْمُصْحَفِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا هِيَ تَامَّةٌ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ انْضَافَتْ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقُلْت تَسُرُّ وَلَمْ تَغْتَمَّ لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَأَقْرَبُ مَا يَنْقُضُ كَلَامَهُ مَا وَافَقَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِالْفَتْحِ عَلَى قَارِئٍ غَيْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ قُرْآنٌ وَقَدْ تَغَيَّرَ إلَى وُقُوعِ الْإِفْسَادِ بِهِ بِالْعَزِيمَةِ، وَلَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَقَالَ مِثْلَهُ مَرِيدًا جَوَابَ الْأَذَانِ أَوْ أَذَّنَ ابْتِدَاءً وَأَرَادَ بِهِ الْأَذَانَ فَسَدَتْ لِقَصْدِ الْجَوَابِ وَالْإِعْلَامِ لِوُجُودِ زَمَانٍ مَخْصُوصٍ: أَعْنِي وَقْتَ الصَّلَاةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ حَتَّى يُحَيْعِلَ. وَلَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا لِسَمَاعِ ذِكْرِهِ تَفْسُدُ لَا ابْتِدَاءً، وَلَوْ قَرَأَ ذِكْرَ الشَّيْطَانِ فَلَعَنَهُ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِهِ) فَمَنَاطُ الْخُرُوجِ عَنْ الْأَوَّلِ صِحَّةُ الشُّرُوعِ فِي الْمُغَايِرِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ، فَلِذَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي فَرْضٍ فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ أَوْ النَّفَلَ أَوْ الْوَاجِبَ أَوْ شَرَعَ فِي جِنَازَةٍ فَجِيءَ بِأُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِيهِمَا أَوْ الثَّانِيَةَ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَكَبَّرَ لِلِانْفِرَادِ يَفْسُدُ مَا أَدَّى قَبْلَهُ وَيَصِيرُ مُفْتَتِحًا مَا نَوَاهُ ثَانِيًا (قَوْلُهُ فَهِيَ) أَيْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَ الِافْتِتَاحِ الثَّانِي هِيَ: أَيْ الَّتِي يَحْتَسِبُ بِهَا أَوْ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الِافْتِتَاحُ الثَّانِي هِيَ الَّتِي هُوَ فِيهَا بَعْدَهُ فَيَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ فِيمَا بَقِيَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ بِاعْتِبَارِهَا فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَلَغَتْ نِيَّةُ الثَّانِيَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ إلَخْ فَسَدَتْ الْأُولَى وَصَارَ

(إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَقْلِيبَ الْأَوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَلِأَنَّهُ تَلَقُّنٌ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَهْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَالِكَ الْفَهْمُ، أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَأْنِفًا الْمَنْوِيَّ ثَانِيًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ) فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ كَانَ يُؤَمُّ بِهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْضُوعًا، وَعَلَى الثَّانِي كَوْنُ تِلْكَ مُرَاجَعَةً كَانَتْ قُبَيْلَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ بِذِكْرِهِ أَقْرَبَ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا. وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لَيْسَ فِيهَا تَلَقُّنٌ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قِيَاسُ قِرَاءَةِ مَا تَعَلَّمَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ حَيَّ عَلَيْهَا مِنْ مُعَلِّمٍ حَيَّ بِجَامِعِ أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ، فَإِنَّ فِعْلَ الْخَارِجِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَسَادِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ فِعْلُ مَنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا التَّلَقُّنُ، وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْجَامِعِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْإِفْسَادِ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ آيَةً تَفْسُدُ، وَقِيلَ بَلْ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ إلَّا أَنَّهُ نَظَرَ فَقَرَأَ لَا تَفْسُدُ (قَوْلُهُ فَالصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا فَسَدَتْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَجَوَابُهَا مِنْ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ تَلَقَّنَ غَلَطٌ، إذْ الْمُفْسِدُ التَّلَقُّنُ الْمُقْتَرِنُ بِقَوْلِ مَا تَلَقَّنَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَكْتُوبِ غَيْرِ قُرْآنٍ، أَمَّا فِي الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ) وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ، فَقِيلَ مَا يَحْصُلُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَبِيَدَيْنِ كَثِيرٌ، وَقِيلَ لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ مِنْ بَعِيدٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ يَشُكُّ أَنَّهُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ فِيهَا فَقَلِيلٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ. وَقِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْي الْمُصَلِّي إنْ اسْتَكْثَرَهُ فَكَثِيرُهُ مُفْسِدٌ وَإِلَّا لَا. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ

(وَإِنْ مَرَّتْ امْرَأَةٌ بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي لَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْمَارَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ الْفُرُوعِ الْمُؤَسَّسَةِ: لَوْ أَرْضَعَتْ ابْنَهَا أَوْ رَضَعَهَا هُوَ فَنَزَلَ لَبَنُهَا فَسَدَتْ، وَلَوْ مَصَّ مَصَّةً أَوْ مَصَّتَيْنِ وَلَمْ تُنْزِلْ لَمْ تَفْسُدْ، وَبِثَلَاثٍ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ، وَلَوْ مَسَّ الْمُصَلِّيَةَ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ تَفْسُدُ، وَلَوْ قَبَّلَتْ الْمُصَلِّي وَلَمْ يَشْتَهِهَا لَمْ تَفْسُدْ. كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِوَجْهِ الْفَرْقِ. وَلَوْ رَأَى فَرْجَ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا بِشَهْوَةٍ يَصِيرُ مُرَاجِعًا، وَلَا تَفْسُدُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَلَوْ كَتَبَ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ جَعَلَ مَاءَ الْوَرْدِ عَلَى رَأْسِهِ بِأَنْ تَنَاوَلَ الْقَارُورَةَ فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ أَوْ سَرَّحَ أَحَدَهُمَا أَوْ نَتَفَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ بِمَرَّاتٍ أَوْ حَكَّ ثَلَاثًا فِي رُكْنٍ يَرْفَعُ يَدُهُ كُلَّ مَرَّةٍ أَوْ قَتَلَ الْقَمْلَةَ بِمِرَارٍ مُتَدَارِكًا أَوْ رَمَى عَنْ قَوْسٍ أَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا. كَذَلِكَ أَوْ دَفَعَ الْمَارَّ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ تَعَمَّمَ أَكْثَرَ مِنْ كَوْرَيْنِ أَوْ تَخَمَّرَتْ أَوْ شَدَّ السَّرَاوِيلَ أَوْ زَرَّ الْقَمِيصَ أَوْ لَبِسَهُ أَوْ الْخُفَّيْنِ أَوْ مَشَى قَدْرَ صَفَّيْنِ دَفْعَةً أَوْ تَقَدَّمَ أَمَامَ الْوَجْهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ صَفٍّ أَوْ سَاقَ الدَّابَّةَ بِمَدِّ رِجْلَيْهِ تَفْسُدُ، لَا إنْ كَسَبَ أَوْ شَرِبَ أَوْ تَعَمَّمَ أَوْ حَكَّ أَوْ مَشَى أَوْ نَتَفَ أَقَلَّ مِمَّا عَيَّنَّاهُ أَوْ غَيْرَ مُتَدَارِكٍ أَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْقَارُورَةَ بَلْ كَانَ فِي يَدِهِ فَمَسَحَ بِهَا أَوْ نَزَعَ اللِّجَامَ أَوْ الْقَمِيصَ أَوْ سَاقَ بِرَجْلٍ وَاحِدَةٍ لَا تَفْسُدُ. وَقَوْلُهُمْ إذَا دَفَعَ الْمَارَّ بِيَدِهِ تَفْسُدُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّكَرُّرِ دُونَ فَتْرَةٍ لِيَكُونَ عَمَلًا كَثِيرًا، وَإِلَّا فَالدَّفْعَةُ الْوَاحِدَةُ عَمَلٌ قَلِيلٌ . وَقَدْ قَالُوا فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ إنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ لَا تَفْسُدُ. وَبِالْكَثِيرِ تَفْسُدُ. بَلْ اخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالْكَثِيرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ فِيهِ بِالنَّصِّ فَكَانَ كَالْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كَذَلِكَ بِالنَّصِّ. وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» وَسَنَتَكَلَّمُ فِيهِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْحَيَّةِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْفَسَادِ بِكَوْنِهِ كَثِيرًا (قَوْلُهُ وَإِنْ مَرَّتْ امْرَأَةٌ) خَصَّهَا لِلتَّنْصِيصِ عَلَى رَدِّ قَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ أَنَّ مُرُورَهَا يُفْسِدُ، وَكَذَا الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ عِنْدَهُمْ. وَوَجْهُ الْجَوَازِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي، فَإِنْ قَامَ بَسَطْتُهَا» . وَالْبُيُوتُ يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» وَفِي سَنَدِهِ مُجَالِدٌ فِيهِ مَقَالٌ، وَإِنَّمَا رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالُوا: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، ضَعَّفَ رَفْعَهُ وَوَقَفَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: حَدِيثُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ يُرْوَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالرِّوَايَاتُ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُقَاوِمُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ. قُلْنَا: مَا بَالُ الْأَسْوَدِ

آثِمٌ» لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ» وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأَحْمَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَشُكُّ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ، وَفِي نَفْسِي مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: وَذَكَرَتْ مَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا، وَصَحَّ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَزَلْتُ عَنْ الْحِمَارِ وَتَرَكْتُهُ أَمَامَ الصَّفِّ فَمَا بَالَاهُ» وَلَمْ نَجِدْ فِي الْكَلْبِ شَيْئًا انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَامَ الْمُعَارِضُ فِيهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلْبِ، وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ ذَلِكَ عَلَى قَطْعِ الْخُشُوعِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُهُ، بِخِلَافِ مُعَارِضِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا مُحَكَّمَانِ فِي عَدَمِ الْإِفْسَادِ. وَيَجِبُ فِي مِثْلِهِ حَمْلُ الْمُحْتَمَلِ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِمَّا لَمْ يُعَارَضْ بِهِ الْمُحَكَّمُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَلْبَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْمُولِ يَقْطَعُ، فَإِذَا لَزِمَ فِي عَامِلِهِ هَذَا كَوْنُ الْمُرَادِ قَطْعَ الْخُشُوعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ لَزِمَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَلْبِ أَيْضًا ذَلِكَ وَإِلَّا أُرِيدَ بِهِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا. ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ كُلُّهَا فِي الْكِتَابِ إلَّا وَاحِدًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أُمِنَ الْمُرُورُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضِرُ: لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو جُهَيْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَسَاقَهُ، وَفِيهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَسْئُولَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ خِلَافَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَقَدْ خَطَّأَ النَّاسُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ مَالِكًا، وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ أَبِي جُهَيْمٍ بَعَثَ بُسْرًا إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بَعَثَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِمَا عِنْدَهُ لِيَسْتَثْبِتَهُ فِيمَا عِنْدَهُ وَهَلْ عِنْدَهُ مَا يُخَالِفُهُ، فَأَخْبَرَ كُلٌّ بِمَحْفُوظِهِ، وَشَكَّ أَحَدُهُمَا وَجَزَمَ الْآخَرُ، وَاجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ أَبِي النَّضِرِ فَحَدَّثَ بِهِمَا. غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا حَفِظَ حَدِيثَ أَبِي جُهَيْمٍ وَابْنَ عُيَيْنَةَ حَفِظَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا مَرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ) قِيلَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَنْ قَدَّمَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ هُوَ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ، وَمِنْهُمْ مِنْ قَدَّرَهُ

وَتُحَاذِي أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الدُّكَّانِ (وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً» (وَمِقْدَارُهَا ذِرَاعٌ فَصَاعِدًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَمِنْهُمْ بِخَمْسَةٍ، وَمِنْهُمْ بِأَرْبَعِينَ، وَمِنْهُمْ بِمِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَفِي النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ نَحْوَ أَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ فِي قِيَامِهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَإِلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ فِي سُجُودِهِ وَفِي حِجْرِهِ فِي قُعُودِهِ وَإِلَى مَنْكِبِهِ فِي سَلَامِهِ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَا يُكْرَهُ. وَمُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَا صُحِّحَ فِي النِّهَايَةِ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَحَاذَى أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ يُكْرَهُ الْمُرُورُ، وَإِنْ كَانَ الْمَارُّ أَسْفَلَ وَهُوَ لَيْسَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ سُجُودُهُ فِيهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الدُّكَّانِ فَكَانَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ أَلْبَتَّةَ دُون مَحَلِّ الْمُرُورِ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ. وَمَعَ ذَلِكَ ثَبَتَتْ الْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، بِخِلَافِ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ مَمْشًى فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرُ مَنْقُوضٍ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا الْحَدَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ. فَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَالْحَدُّ هُوَ الْمَسْجِدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارِّ أُسْطُوَانَةٌ أَوْ غَيْرُهَا: يَعْنِي أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَالْكَرَاهَةُ ثَابِتَةٌ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ حَدِّ الْمَسْجِدِ فَيَمُرَّ فِيمَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ فِي الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمُرُّ مَا وَرَاءَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْرَ مَا بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَحَائِطِ الْقِبْلَةِ. وَمُنْشَأُ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَمَنْ فَهِمَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ يَخُصُّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ سُجُودِهِ قَالَ بِهِ، وَمَنْ فَهِمَ أَنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ نَفَاهُ وَعَيَّنَ مَا وَقَعَ عِنْدَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرَجُّحُ مَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّمَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ الْبَيْتِ بِرُمَّتِهِ اُعْتُبِرَ بُقْعَةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَ الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ مِنْ الْمُرُورِ مِنْ بَعِيدٍ فَيُجْعَلُ الْبَعِيدُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَيُحَاذَى إلَخْ) فَلَوْ كَانَتْ الدُّكَّانُ قَدْرَ الْقَامَةِ فَهُوَ سُتْرَةٌ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَدَّهُ بِطُولِ السُّتْرَةِ وَهُوَ ذِرَاعٌ، وَغَلَّظَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كُرِهَ مُرُورُ الرَّاكِبِ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِظَهْرِ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً وَكَذَا الدَّابَّةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَائِمِ وَقَالُوا: حِيلَةُ الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَيَجْعَلَ الدَّابَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَلِّي فَتَصِيرَ هِيَ سُتْرَةٌ فَيَمُرَّ، وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَلِي الْمُصَلِّيَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ» ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» (وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَيَقْرُبُ مِنْ السُّتْرَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا» (وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ عَلَى الْأَيْسَرِ) بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ (وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِبَطْحَاءَ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلِيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ «فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَعْجِزُ إلَخْ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ جَعَلْتَ بَيْنَ يَدَيْكَ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلَا يَضُرُّكَ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْكَ» وَأَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» (قَوْلُهُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ آخِرُهُ. وَتَشْدِيدُ الْخَاءِ خَطَأٌ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي آخِرِهِ عَرِيضَةٌ تُحَاذِي رَأْسَ الرَّاكِبِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَلَّى) إلَخْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيهِ «لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» (قَوْلُهُ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ) قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ ابْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى عُودٍ وَلَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا» . وَقَدْ أُعِلَّ بِالْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ وَبِجَهَالَةِ ضُبَاعَةَ، وَبِأَنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ السَّكَنِ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ ضُبَيْعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ عَنْ أَبِيهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى عَامُودٍ أَوْ سَارِيَةٍ أَوْ شَيْءٍ فَلَا يَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَلْيَجْعَلْهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ» وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الِاضْطِرَابِ وَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يُعْمَلُ بِمِثْلِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَكَذَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا» . وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ:

سُتْرَةٌ (وَيُعْتَبَرُ الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ (وَيَدْرَأُ الْمَارَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَيَدْرَأُ بِالْإِشَارَةِ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (أَوْ يَدْفَعُ بِالتَّسْبِيحِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ (وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَيْثُ يُغْرَزُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ تُوضَعُ. وَقِيلَ لَا تُوضَعُ، وَأَمَّا الْخَطُّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَضْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزَهُ أَوْ يَضَعَهُ. فَالْمَانِعُ يَقُولُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ، وَالْمُجِيزُ يَقُولُ وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ، وَهُوَ مَا فِي أَبِي دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ» وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأُولَى. وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالُوا الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالُوا بِعَرْضٍ مِثْلِ الْهِلَالِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَمَعْنَاهُ فِي السُّنَّةِ كَثِيرٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ (قَوْلُهُ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ) رَوَى ابْن مَاجَهْ عَنْهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ بْن أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: هُنَّ أَغْلَبُ» وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ فِي طَبَقَتِهِ جَمَاعَةٌ بِاسْمِهِ. وَلَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ وَأَنَّ أُمَّهُ لَا تُعْرَفُ أَلْبَتَّةَ. قِيلَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا هَذَا قَالَ عَنْ أُمِّهِ، لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ إلَّا عَنْ أَبِيهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُعْرَفُ فَقَدْ عَرَفَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِقَوْلِهِ قَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي الْكَمَالِ وَالتَّهْذِيبِ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي «إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» .

[فصل يكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده]

(فَصْلٌ) (وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْبَثَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ مِنْهَا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فَمَا ظَنُّك فِي الصَّلَاةِ (وَلَا يُقَلِّبُ الْحَصَى) لِأَنَّهُ نَوْعُ عَبَثٍ (إلَّا أَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ السُّجُودِ فَيُسَوِّيَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَرَّةً يَا أَبَا ذَرٍّ وَإِلَّا فَذَرْ» وَلِأَنَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْبَثَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ أَنْ يَعْبَثَ) الْعَبَثُ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَحِيحٍ، فَلَوْ كَانَ لِنَفْعٍ كَسَلْتِ الْعَرَقِ عَنْ وَجْهِهِ أَوْ التُّرَابِ فَلَيْسَ بِهِ (قَوْلُهُ وَعَدَّ مِنْهَا الْعَبَثَ) وَهُوَ أَوَّلُهَا، ثُمَّ قَالَ: «وَالرَّفَثُ فِي الصِّيَامِ وَالضَّحِكُ عَلَى الْمَقَابِرِ» ، رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مُرْسَلًا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَبَا ذَرٍّ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ «سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فَقَالَ: وَاحِدَةً أَوْ دَعْ» وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَقَدْ أَخْرَجَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً» . وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَرْقَعَةِ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ» . وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ، وَحَدِيثُ التَّخَصُّرِ أَخْرَجُوهُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا» وَفِي لَفْظٍ «نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ» وَفِي الِاخْتِصَارِ تَأْوِيلَاتٌ أَشْهُرُهَا مَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَهُوَ مَا فِي الْكِتَابِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِي

إصْلَاحَ صَلَاتِهِ (وَلَا يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعُكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي» . (وَلَا يَتَخَصَّرُ) وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَضْعِ الْمَسْنُونِ. (وَلَا يَلْتَفِتُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ عَلِمَ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي مَا الْتَفَتَ (وَلَوْ نَظَرَ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ لَا يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُوقِ عَيْنَيْهِ (وَلَا يُقْعِي وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ) «لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ: أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي دَاوُد وَمُفَسَّرٌ فِيهِ. وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمُغْرِبِ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَصْرِ وَهُوَ الْمُسْتَدَقُّ فَوْقَ الْوَرِكِ، أَوْ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهُوَ مَا فَوْقَ الطَّفْطَفَةِ وَالشَّرَاسِيفِ. وَالطَّفْطَفَةُ أَطْرَافُ الْخَاصِرَةِ، وَالشَّرَاسِيفُ أَطْرَافُ الضِّلْعِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْبَطْنِ انْتَهَى. وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا، وَقِيلَ أَنْ لَا يُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ، وَحَدِيثُ الِالْتِفَاتِ غَرِيبٌ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ أَلْفَاظٌ أَقْرَبُهَا إلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ كَعْبٍ «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَقُومُ مُصَلِّيًا إلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا يُنَادِي: يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ تَعْلَمُ مَا فِي صَلَاتِكَ مَنْ تُنَاجِي مَا الْتَفَتَّ» . وَرَوَى الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ» وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَسَنٌ. «وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَحَدُّ الِالْتِفَاتِ الْمَكْرُوهِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْ مُوَاجِهَةِ الْقِبْلَة. وَلَوْ انْحَرَفَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَسَدَتْ فَبَعْضُهُ يُكْرَهُ كَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ يُفْسِدُ فَالْقَلِيلُ يُكْرَهُ، وَحَدِيثُ مُلَاحَظَتِهِ أَصْحَابَهُ إلَخْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْحَظُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ: يَعْنِي طَرِيقَ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى. لَكِنْ قَدْ ظَهَرَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ. وَحَدِيثُ الْإِقْعَاءِ وَالِافْتِرَاشِ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرِ الدِّيكِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ تَعْنِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ وَعُقْبَةُ الشَّيْطَانِ الْإِقْعَاءُ. وَأَمَّا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ فَقُلْنَا لَهُ إنَّا نَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ، فَقَالَ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقْعُونَ، فَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ عَنْهُمْ أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُسْتَحَبٌّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَرَكِبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ، وَالْمَنْهِيُّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ

وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ، وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ» . وَالْإِقْعَاءُ: أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ نَصْبًا هُوَ الصَّحِيحُ. (وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ) لِأَنَّهُ كَلَامٌ (وَلَا بِيَدِهِ) لِأَنَّهُ سَلَامٌ مَعْنًى حَتَّى لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ التَّسْلِيمِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ (وَلَا يَتَرَبَّعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْقُعُودِ (وَلَا يَعْقِصُ شَعْرَهُ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ شَعْرَهُ عَلَى هَامَتِهِ وَيَشُدَّهُ بِخَيْطٍ أَوْ بِصَمْغٍ لِيَتَلَبَّدَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مَعْقُوصٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ كَمَا فِي السُّجُودِ وَيَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ هُوَ صِفَةُ إقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ: أَيْ كَوْنُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ لَا أَنَّ مَا قَالَ الْكَرْخِيُّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَا بِيَدِهِ) قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ إنَّهُ بِالْإِشَارَةِ مَكْرُوهٌ وَبِالْمُصَافَحَةِ مُفْسِدٌ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْآخَرُ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَذْكُورَ هُنَا: قُلْت أَجَازَ الْبَاقُونَ رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ. وَلَنَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْهَمُ أَوْ تُفْقَهُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّلَاةَ» وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِابْنِ إِسْحَاقَ، وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا غَطَفَانَ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ، وَيُقَالُ ابْنُ مَالِكٍ الْمُرِّيُّ وَثَّقَهُ ابْن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ. وَمَا عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد: أَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ لَا يُقْبَلُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ. ثُمَّ أَخْرَجَ لِلْخَصْمِ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ «مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلِيَّ إشَارَةً» ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ إشَارَةً بِأُصْبُعِهِ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَعِدَّةُ أَحَادِيثَ تُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَرَاهَةِ الْإِشَارَةِ. وَلَنَا أَنْ لَا نَقُولَ بِهِ، فَإِنَّ مَا فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبَ هُوَ بِرَأْسِهِ يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ رَفْعًا لِلْخِلَافِ فَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهَا لِمَا يُوجِبُهُ مِنْ التَّشْتِيتِ وَالشُّغْلِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَيِّدٌ عَنْ أَنْ يَتَأَثَّرَ عَنْ ذَلِكَ فَلِذَا مُنِعَ، وَفِعْلُهُ هُوَ لَوْ تَعَارَضَا قُدِّمَ الْمَانِعُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي فَأَشَارَ بِرَدِّ السَّلَامِ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ أَخْبَرَ بِشَيْءٍ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ بِلَا أَوْ بِنَعَمْ أَوْ سُئِلَ كَمْ صَلَّيْت فَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ لَا تَفْسُدُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ سُنَّةَ الْقُعُودِ) أَيْ سُنِّيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ فَيُكْرَهُ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَبَابِرَةِ كَمَا عُلِّلَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ جُلُّ قُعُودِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَعَ أَصْحَابِهِ التَّرَبُّعَ وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ وَيَشُدّهُ) أَيْ مِنْ وَرَائِهِ بِخَيْطٍ أَوْ يَشُدّ طَرَفَيْهِ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ يُلَبِّدَهُ كَمَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ إلَخْ) رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِهِ. وَوَضَعَ مَكَانَ رَجُلٍ سَعِيدَ الْمَقْبُرِيَّ، وَقَالَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ سَنَدًا وَمُتْنَا، زَادَ: قَالَ إِسْحَاقُ قُلْت لِلْمُؤَمَّلِ أَفِيه أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَ بِلَا شَكٍّ. وَحَكَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِوَهْمِ الْمُؤَمَّلِ فِي ذِكْرِهَا. وَرُوِيَ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ بِقِصَّةٍ مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَدْ أَخْرَجَ السِّتَّةُ

(وَلَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ (وَلَا يُسْدِلُ ثَوْبَهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ السَّدْلِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَكَتِفَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَ أَطْرَافَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ (وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ (فَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَسُجُودُهُ فِي الطَّاقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الطَّاقِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ صَنِيعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ تَخْصِيصِ الْإِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا» وَفِي الْعَقْصِ كَفُّهُ، وَيَتَضَمَّنُ كَرَاهَةَ كَوْنِ الْمُصَلِّي مُشَمِّرًا كُمَّيْهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ السَّدْلِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَضَعَ إلَخْ) يَصْدُقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمِنْدِيلُ مُرْسَلًا مِنْ كَتِفَيْهِ كَمَا يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلَى عُنُقِهِ مِنْدِيلٌ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَيَصْدُقُ أَيْضًا عَلَى لُبْسِ الْقَبَاءِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ الْيَدَيْنِ كُمَّيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِ. وَيُكْرَهُ اشْتِمَالُهُ الصَّمَّاءَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنْ يَلُفَّ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ رَأْسَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ وَلَا يَدَعَ مَنْفَذًا لِيَدِهِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِزَارِ مَعَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ وَغَيْرُهُ لَا يَشْتَرِطُهُ. وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ أَنْ يَلُفَّ الْعِمَامَةَ حَوْلَ رَأْسِهِ وَيَدَعَ وَسَطَهَا كَمَا تَفْعَلُهُ الدَّعَرَةُ وَمُتَوَشِّحًا لَا يُكْرَهُ. وَفِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ بَعْضُهُ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةِ الْعَدَمِ (قَوْلُهُ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ مُذَّكِرَةٌ) فَلَا يَكُونُ الْأَكْلُ فِيهَا نَاسِيًا كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا لِيَلْحَقَ بِهِ دَلَالَةً. ثُمَّ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَسَادُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمُ عُزِيَ إلَى غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِأَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ، أَمَّا مِنْ خَارِجٍ فَلَوْ أَدْخَلَ سِمْسِمَةً فَابْتَلَعَهَا تَفْسُدُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَابْتَلَعَهَا لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ عَيْنُ سَكَرَةٍ فِي فِيهِ فَذَابَتْ فَدَخَلَ حَلْقَهُ فَسَدَتْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَيْنُهَا بَلْ صَلَّى عَلَى أَثَرِ ابْتِلَاعِهَا فَوَجَدَ الْحَلَاوَةَ لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ لَاكَ هِلِيلِجَةً فَسَدَتْ كَمَضْغِ الْعِلْكِ، وَلَوْ لَمْ يَلُكْهَا لَكِنْ دَخَلَ فِي جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْء يَسِيرٌ لَا تَفْسُدُ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَكَلَ بَعْضَ اللُّقْمَةِ وَبَقِيَ فِي فِيهِ بَعْضُهَا فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَابْتَلَعَهُ لَا تَفْسُدُ مَا لَمْ تَكُنْ مِلْءَ الْفَمِ (قَوْلُهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ الْمِحْرَابِ، وَفِيهِ طَرِيقَانِ: كَوْنُهُ يَصِيرُ مُمْتَازًا عَنْهُمْ، وَكَيْ لَا يَشْتَبِهَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ حَالُهُ حَتَّى إذَا كَانَ بِجَنَبَتَيْ الطَّاقِ عَمُودَانِ وَرَاءَهُمَا فُرْجَتَانِ يَطَّلِعُ مِنْهَا أَهْلُ الْجِهَتَيْنِ عَلَى حَالِهِ لَا يُكْرَه، وَإِنَّمَا هَذَا بِالْعِرَاقِ لِأَنَّ مَحَارِيبَهُمْ مُجَوَّفَةٌ مُطَوَّقَةٌ، فَمَنْ اخْتَارَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَمَنْ اخْتَارَ الْأُولَى يُكْرَهُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا. وَلَا

بِالْمَكَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ عَلَى الدُّكَّانِ) لِمَا قُلْنَا (وَكَذَا عَلَى الْقَلْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْإِمَامِ (وَلَا بَاسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ إلَى ظَهْرِ رَجُلٍ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْفَى أَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ مُقَرَّرٌ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ فِي حَقِّ الْمَكَانِ حَتَّى كَانَ التَّقَدُّمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَغَايَةُ مَا هُنَا كَوْنُهُ فِي خُصُوصِ مَكَان، وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ بُنِيَ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَحَارِيبُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ لَمْ تُبْنَ كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي مُحَاذَاةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ يُحَاذِي وَسَطَ الصَّفِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، إذْ قِيَامُهُ فِي غَيْرِ مُحَاذَاتِهِ مَكْرُوهٌ، وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ. وَلَا بِدَعَ فِيهِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إنَّمَا يَخُصُّونَ الْإِمَامَ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ عَلَى مَا قِيلَ فَلَا تَشَبُّهَ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سُجُودَهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ وَرِجْلَاهُ خَارِجَهَا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ فِي مَكَانِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ طَهَارَتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، بِخِلَافِ مَكَانِ السُّجُودِ إذْ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِوَضْعِ الْقَدَمِ وَإِنْ كَانَ بَاقِي بَدَنِهِ خَارِجَهَا، وَالصَّيْدُ إذَا كَانَ رِجْلَاهُ فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ خَارِجَهُ صَيْدُ الْحَرَمِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ. (قَوْلُهُ وَحْدَهُ) احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يَخُصُّونَ إمَامَهُمْ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ فَقَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ مَنَاطِهَا وَهُوَ التَّشَبُّهُ فَإِنَّهُمْ لَا يَخُصُّونَهُ بِالْمَكَانِ الْمُنْخَفِضِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الِارْتِفَاعِ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَرَاهَةُ فَقِيلَ قَدْرُ الْقَامَةِ، وَقِيلَ مَا يَقَعُ بِهِ الِامْتِيَازُ، وَقِيلَ ذِرَاعٌ كَالسُّتْرَةِ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالْوَجْهُ أَوَجْهِيَّةُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ شَبَهُ الِازْدِرَاءِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ غَيْرُ مُقْتَصَرٍ عَلَى قَدْرِ الذِّرَاعِ (قَوْلُهُ يَتَحَدَّثُ) لِإِفَادَةِ نَفْيِ الْكَرَاهَةَ بِحَضْرَةِ الْمُتَحَدِّثِينَ خِلَافًا لِلْقَائِلَيْنِ وَكَذَا بِحَضْرَةِ النَّائِمِينَ. وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ» فَضَعِيفٌ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَائِمَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» . قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَائِمَةً بَلْ مُضْطَجِعَةً، وَلِذَا قَالَتْ: فَكَانَ إذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضَتْ رَجْلِي. فَإِذَا قَامَ بَسَطْتهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ ذَلِكَ الْغَمْزُ الْمُتَكَرِّرُ مِرَارًا إيقَاظًا، لَكِنْ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ كُلِّهَا وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ» يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ نَائِمَةً لَا مُضْطَجِعَةً يَقْظَى. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِمَا فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نُهِيتُ أَنْ أُصَلِّيَ إلَى النِّيَامِ وَالْمُتَحَدِّثِينَ» وَإِنْ قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُهُ إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رُبَّمَا كَانَ يَسْتَتِرُ بِنَافِعٍ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ أَوْ سَيْفٌ مُعَلَّقٌ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ، وَبِاعْتِبَارِهِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالصُّوَرِ (وَلَا يَسْجُدُ عَلَى التَّصَاوِيرِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ، وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُجَابُ بِأَنَّ مَحْمَلُهُ إذَا كَانَتْ لَهُمْ أَصْوَاتٌ يُخَافُ مِنْهَا التَّغْلِيظُ أَوْ الشَّغْلُ، وَفِي النَّائِمِينَ إذَا خَافَ ظُهُورَ صَوْتٍ يُضْحِكُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي كَوْنِ ظَهْرِ النَّائِمِ سُتْرَةً اخْتِلَافًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رُبَّمَا كَانَ يَسْتَتِرُ بِنَافِعٍ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى سَارِيَةٍ قَالَ لِي: وَلِّ ظَهْرَك. وَمَا رَوَى الْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى رَجُلٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» وَاقِعَةُ حَالٍ لَا تَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ كَانَ إلَى ظَهْرِهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلَهُ فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِرَفْعِ الْكَرَاهَةِ. وَهُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ وَبَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَمْ يُكْرَهْ (قَوْلُهُ وَبِاعْتِبَارِهِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ) قُدِّمَ الْمَعْمُولُ لِقَصْدِ إفَادَةِ الْحَصْرِ فَيُفِيدُ الرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ النَّاسِ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ السَّيْفَ آلَةُ الْحَرْبِ وَالْبَأْسِ فَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهُ فِي مَقَامِ الِابْتِهَالِ، وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُمْ إيَّاهُ لِلْقِرَاءَةِ مِنْهُ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ قُلْنَا بِكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِهِ لِذَلِكَ. وَالْحَالُ ابْتِهَالٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ مُحَارَبَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَالنَّفْسِ الْمُخَالِفَةِ. وَعَنْ هَذَا سُمِّيَ الْمِحْرَابُ (قَوْلُهُ فِيهِ تَصَاوِيرُ) فِي الْمُغْرِبِ الصُّورَةُ عَامٌّ فِي ذِي الرُّوحِ وَغَيْرِهِ، وَالتِّمْثَالُ خَاصٌّ بِمِثَالِ ذِي الرُّوحِ لَكِنْ الْمُرَادُ هُنَا ذُو الرُّوحِ، فَإِنَّ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ لَا يُكْرَهُ كَالشَّجَرِ، وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَثَرُ قَالَ لِلْمُصَوِّرِ: إنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَعَلَيْك بِتِمْثَالٍ غَيْرِ ذِي الرُّوحِ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الصُّورَةِ أَوَّلًا، وَقَيَّدَهَا فِي الْجَامِعِ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ. فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ لَا يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ. وَجْهُ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُصَلَّيْ: أَيْ السَّجَّادَةَ الَّتِي يُصَلَّى عَلَيْهَا مُعَظَّمٌ فَوَضْعُ الصُّورَةِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا حَيْثُمَا كَانَتْ مِنْهُ، بِخِلَافِ

مُعَظَّمٌ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ فِي السَّقْفِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ تَصَاوِيرُ أَوْ صُورَةٌ مُعَلَّقَةٌ) «لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ: إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ» ، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الصِّغَارَ جِدًّا لَا تُعْبَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضْعِهَا عَلَى الْبِسَاطِ الَّذِي لَمْ يُعَدَّ لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ) أَيْ تَكْرَهُ الصَّلَاةُ وَفَوْقَ رَأْسِهِ إلَخْ، فَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ خَلْفَهُ أَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ فَفِي شَرْحِ عَتَّابٍ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ. وَلَكِنْ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ جَعْلِ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ لِلْحَدِيثِ «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ» وَإِلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ كَوْنِهَا فِي بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ، وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي الْأَوَّلِ خِلَافُهُ. وَقَوْلُهُ وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ خَلْفَهُ يَقْتَضِي خِلَافَ الثَّانِي أَيْضًا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْوَثَنِ وَلَيْسُوا يَسْتَدْبِرُونَهُ وَلَا يَطَؤُنَهُ فِيهَا فَفِيمَا يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْهِدَايَةِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي ثُبُوتِهَا فِي الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ كَمَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ فِي الْحَمَّامِ عَلَى أَحَدِ التَّعْلِيلَيْنِ، وَهُوَ كَوْنُهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ هُنَا لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ الدُّخُولِ لِلصُّورَةِ مَعَ تَسَلُّطِ الشَّيَاطِينِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَانِعٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَالْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَتْ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فِي خُصُوصِ مَكَان بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهِ نَفْسِهِ لَا فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَقُلْ بِالْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْقَدَمِ وَمَا ذَكَرْت يُفِيدُهُ لِأَنَّهَا فِي الْبَيْتِ. وَكَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وَاعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبْرِيلَ فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ وَفِي يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا، وَقَالَ: مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رَسُولُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جَرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَاهُنَا؟ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا دَرَيْتُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ، إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» انْتَهَى. وَبِهِ يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا حَيْثُ كَانَ دَلِيلُهُ عَامًّا لِجَمِيعِ الصُّوَرِ، وَهُوَ يَقُولُ لَا يُكْرَه كَوْنُهَا فِي وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ. فَالْجَوَابُ لَا يُكْرَهُ جَعْلُهَا فِي الْمَكَانِ كَذَلِكَ لَتَعَدَّى إلَى الصَّلَاةِ. وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ «اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اُدْخُلْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا» وَلَمْ يَذْكُرْ النَّسَائِيّ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ. وَفِي الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَتْ فَاِتَّخَذْتُ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ فَكَانَتْ فِي الْبَيْتِ تَجْلِسُ عَلَيْهِمَا» زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى إحْدَاهُمَا وَفِيهَا صُورَةٌ» (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ) أَيْ عَلَى بُعْدٍ مَا، وَالْكَبِيرَةُ مَا تَبْدُو عَلَى الْبُعْدِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ) فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْوَثَنِ فَلَا يُكْرَهُ فِي الْبَيْتِ. وَنُقِلَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِ

(وَإِذَا كَانَ التِّمْثَالُ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ) أَيْ مَمْحُوَّ الرَّأْسِ (فَلَيْسَ بِتِمْثَالٍ) لِأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ وَصَارَ كَمَا إذَا صَلَّى إلَى شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ عَلَى مَا قَالُوا (وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ) لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ عَلَى السُّتْرَةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا، وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ عَلَى شِمَالِهِ ثُمَّ خَلْفَهُ (وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ تَصَاوِيرُ يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ، وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ فِي جَمِيع ذَلِكَ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا، وَتُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَلَا يُكْرَهُ تِمْثَالٌ غَيْرُ ذِي الرُّوحِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ (وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي هُرَيْرَةَ ذُبَابَتَانِ. وَلَمَّا وُجِدَ خَاتَمُ دَانْيَالَ وُجِدَ عَلَيْهِ أَسَدٌ وَلَبْوَةُ بَيْنَهُمَا صَبِيٌّ يَلْحَسَانِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ بُخْتَ نَصَّرَ قِيلَ لَهُ يُولَدُ مَوْلُودٌ يَكُونُ هَلَاكُك عَلَى يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَقْتُلُ مِنْ يُولَدُ، فَلَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ دَانْيَالَ إيَّاهُ أَلْقَتْهُ فِي غَيْضَةٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْلَمَ. فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبْوَة تُرْضِعُهُ فَنَقَشَهُ بِمَرْأًى مِنْهُ لِيَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ أَيْ مَمْحُوَّ الرَّأْسِ) فَسَّرَ بِهِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تُقْطَعَ بِخَيْطٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ، لِأَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ مُطَوَّقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ قَطْعُهُ إلَّا بِمَحْوِهِ، وَهُوَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْخَيْطَ عَلَى كُلِّ رَأْسِهِ بِحَيْثُ يَخْفَى أَوْ يَطْلِيَهُ بِطِلَاءٍ يُخْفِيهِ أَوْ يَغْسِلَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا لَا تَرْتَفِعُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ تُقْطَعُ أَطْرَافُهُ وَهُوَ حَيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا) يُشْعِرُ بِالْخِلَافِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَهُ بَلْ الضِّرَامَ جَمْرًا أَوْ نَارًا (قَوْلُهُ وَتُعَادُ) صَرَّحَ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ، وَلَفْظُ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَتُعَادُ، يُفِيدُهُ أَيْضًا عَلَى مَا عُرِفَ، وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ تَنْزِيهٍ فَتُسْتَحَبُّ، فَإِنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةُ الشَّغْلِ فَأَشْبَهَ دَرْءَ الْمَارِّ وَيَسْتَوِي جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْحَيَّاتِ هُوَ الصَّحِيحُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا (وَيُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحَاتِ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ) وَكَذَلِكَ عَدُّ السُّوَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ، فَإِنَّ الظَّنِّيَّ إنْ أَفَادَ الْمَنْعَ بِدَلَالَةٍ قَطْعِيَّةٍ: أَعْنِي بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ مُجَرَّدٌ عَنْ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنْهُ، فَالثَّابِتُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ أَفَادَ إلْزَامَ الْفِعْلِ كَذَلِكَ فَالْوُجُوبُ، وَإِنْ أَفَادَ نَدْبَ الْمَنْعِ فَتَنْزِيهِيَّةٌ أَوْ الْفِعْلِ فَالْمَنْدُوبُ وَلِذَا كَانَ لَازِمُهُمَا مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ تَرَتُّبُ الْإِثْمِ بِتَرْكِ مُقْتَضَاهُمَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا احْتَاجَ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي ذَلِكَ أَوْ قَلِيلٍ، وَقِيلَ بَلْ إذَا كَانَ قَلِيلًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ كَالْمَشْيِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِقَاءَ غَيْرُ مُفْسِدٍ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُهُ، وَبَحْثُهُ بِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الرُّخْصَةِ بِالنَّصِّ يَسْتَلْزِمُ مِثْلَهُ فِي عِلَاجِ الْمَارِّ إذَا كَثُرَ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَأْمُورٌ بِهِ بِالنَّصِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مُفْسِدٌ عِنْدَهُمْ. فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْ عِلَاجِ الْمَارِّ هُوَ جَوَابُنَا فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ، ثُمَّ أُلْحِقَ فِيمَا يُظْهِرُ الْفَسَادَ، وَقَوْلُهُمْ الْأَمْرُ بِالْقِتَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ بَقَاءَ الصِّحَّةِ عَلَى نَهْجِ مَا قَالُوهُ، وَمِنْ الْفَسَادِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا قَاتَلُوا فِي الصَّلَاةِ بَلْ أَثَرُهُ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ بِمُبَاشَرَةِ الْمُفْسِدِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا صَحِيحٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا تُقْتَلُ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» . وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْس بِقَتْلِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ، فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ، وَقَدْ حَصَلَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيمَنْ بَعْدَهُ الضَّرَرُ بِقَتْلِ بَعْضِ الْحَيَّاتِ مِنْ الْجِنِّ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى الْإِمْسَاكُ عَمَّا فِيهِ عَلَامَةُ الْجَانِّ لَا لِلْحُرْمَةِ بَلْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُتَوَهَّمِ

لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ. قُلْنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُدَّ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْعَدِّ بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جِهَتِهِمْ. وَقِيلَ يُنْذِرُهَا فَيَقُولُ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) فِي التَّجْرِيدِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا عَدَّ بِالْأَصَابِعِ أَوْ بِخَيْطٍ يَمْسِكُهُ، أَمَّا إذَا أَحْصَى بِقَلْبِهِ أَوْ غَمَزَ بِأَنَامِلِهِ فَلَا كَرَاهَةَ. . [فُرُوعٌ أُخْرَى] يُكْرَهُ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يُفْسِدُ كَالضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَتَغْمِيضِ الْعَيْنَيْنِ وَرَفْعِهِمَا إلَى جِهَةِ السَّمَاءِ وَتَغْطِيَةِ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ وَالتَّثَاؤُبِ إذَا أَمْكَنَهُ الْكَظْمُ، فَإِنْ عَجَزَ فَفَتَحَ غَطَّى فَاهُ بِكُمِّهِ أَوْ يَدِهِ وَإِلَّا يُكْرَهُ. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ أَيْضًا مَعَ تَشْمِيرِ الْكُمِّ عَنْ السَّاعِدِ وَمَكْشُوفِ الرَّأْسِ إلَّا لِقَصْدِ التَّضَرُّعِ، وَلَا بَأْسَ مَعَ شَدِّ الْوَسَطِ، وَيُكْرَهُ سَتْرُ الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ، وَتُكْرَهُ مَعَ نَجَاسَةٍ لَا تَمْنَعُ إلَّا إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةَ وَلَا جَمَاعَةَ أُخْرَى، وَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ إنْ لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ إذَا تَذَكَّرَ هَذِهِ النَّجَاسَةَ، وَكَذَا يَقْطَعُ لِإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ أَوْ خَوْفٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ سَطْحٍ أَوْ يَغْرَقَ أَوْ يُحْرَقَ وَنَحْوِهِ. وَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ إذَا سُرِقَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَدْرُ دِرْهَمٍ لَا لِنِدَاءِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ إلَّا أَنْ يَسْتَغِيثَ وَتُكْرَهُ مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَوْ قَبْلَهُ، وَفِي فِيهِ دِرْهَمٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَفِي أَرْضِ غَيْرِهِ. فَإِذَا اُبْتُلِيَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً أَوْ لِكَافِرٍ فَفِي الطَّرِيقِ وَإِلَّا فَفِي الْأَرْضِ. وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ إنْ اسْتَأْذَنَهُ فَأَحْسَنُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ، وَيُكْرَهُ وَقُدَّامُهُ عَذِرَةٌ كَمَا يُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَةُ الْمَسْجِدِ إلَى حَمَّامٍ أَوْ مَخْرَجٍ أَوْ قَبْرٍ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ حَائِلُ حَائِطٍ لَا يُكْرَهُ، . وَيُكْرَهُ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ إذَا كَانَ لَهُ الْتِفَاتٌ إلَيْهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ. وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» وَمَا فِي أَبِي دَاوُد «لَا تُؤَخِّرُوا الصَّلَاةَ لِطَعَامٍ وَلَا غَيْرِهِ» يُحْمَلُ عَلَى تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا جَمْعًا بَيْنَهُمَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ»

[فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء]

فَصْلٌ وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ. وَالِاسْتِدْبَارُ يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْمُسْتَدْبَرَ فَرْجُهُ غَيْرُ مُوَازٍ لِلْقِبْلَةِ. وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبِلِ لِأَنَّ فَرْجَهُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَعَنْ جَابِرٍ بْنِ سُمْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ» [فَصْلٌ وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «رَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» وَلِأَنَّ فَرْجَهُ غَيْرُ مُوَازٍ لَهَا، إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِتَقَدُّمِ الْمَانِعِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَخْذًا بِعُمُومِ الْأَوَّلِ مَعَ تَقْوِيَتِهِ بِقَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ قَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَطَائِفَةٌ كَرِهُوهُ فِي الْفَضَاءِ دُونَ الْبُنْيَانِ مُطْلَقًا مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ أَخْذًا بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَجَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا، فَقُلْت: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ . قَالَ بَلَى إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلَا بَأْسَ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ رُؤْيَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَطَائِفَةٌ رَخَّصُوهُ مُطْلَقًا، فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَحَ الْأَحَادِيثَ لِتَعَارُضِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَالْمُعَارَضَةُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمْ الْقِبْلَةَ فَقَالَ: أُرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ» . وَقَوْلُ أَحْمَدَ أَحْسَنُ مَا فِي الرُّخْصَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَإِنَّ

(وَتَكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْهُ بِمَنْ تَحْتَهُ، وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (وَلَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَخْرَجَهُ حَسَنٌ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِهِ أَنَّ عِرَاكًا سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ لَقِيَهَا فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ تُوُفِّيَ هُوَ وَعَائِشَةُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةِ فَلَا يَبْعُدُ سَمَاعَهُ مِنْهَا مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ «جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا» الْحَدِيثَ. ثُمَّ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ عِرَاكٌ فِيهَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّاسِ أَمَرَ بِمَقْعَدَتِهِ فَاسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ» . وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ تَمَسُّكًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ وَمَنْ بَعْدَهُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ فَزَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، وَلَفْظُهُمْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا بِفُرُوجِنَا إذَا هَرَقْنَا الْمَاءَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ إلَى الْقِبْلَةِ» وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَثَّقَهُ الْمُزَكُّونَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْكَبِيرِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ لِأَنَّ النَّاسِخَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي قُوَّةِ الْمَنْسُوخِ وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ لَا يُقَاوِمُ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السِّتَّةُ وَغَيْرَهُ مِمَّا أَخْرَجَ كَثِيرًا. مَعَ أَنَّ الَّذِي فِيهِ حِكَايَةُ فِعْلِهِ وَهُوَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي نَسْخِ التَّشْرِيعِ الْقَوْلِيِّ لِجَوَازِ الْخُصُوصِيَّةِ: وَلَوْ نَسِيَ فَجَلَسَ مُسْتَقْبِلًا فَذَكَرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِانْحِرَافُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ: أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» وَكَمَا يُكْرَهُ لِلْبَالِغِ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الصَّغِيرَ نَحْوَهَا لِيَبُولَ وَقَالُوا: يُكْرَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ كُتُبِ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ تَكُون عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ عَنْ الْمُحَاذَاةِ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ) وَصَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] لَكِنَّ الْحَقَّ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ. لِأَنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ إنَّمَا هِيَ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ فَتُفِيدُ أَنَّ الْوَطْءَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ، فَعِنْدَ عَدَمِ الِاعْتِكَافِ لَا يَكُونُ لَفْظُ الْآيَةِ دَالًا عَلَى مَنْعٍ فَالْمَنْعُ لِلْمَسْجِدِ حِينَئِذٍ بَلْ لَوْ كَانَ مُعْتَكِفًا اعْتِكَافًا نَفْلًا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَيْهِ لِلِاعْتِكَافِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ قَطْعَ نَفْلِ الِاعْتِكَافِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ إنْهَاءٌ لِلْعِبَادَةِ لَا إبْطَالٌ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ لِلْمَسْجِدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَلَيْسَتْ الْآيَةُ عَلَى إطْلَاقِهَا فِي كُلِّ اعْتِكَافٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ الَّذِي هُوَ إنْهَاءٌ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ، وَمَبْدَؤُهُ يَقَعُ فِي الْعِبَادَةِ فَصَارَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ يَكُونُ إنْهَاءً مَحْظُورًا. وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا قُلْنَاهُ عَيْنًا كَانَتْ مُحْتَمِلَةً كَوْنَ التَّحْرِيمِ لِلِاعْتِكَافِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ فَتَكُونُ ظَنِّيَّةَ الدَّلَالَةِ، وَبِمِثْلِهَا تَثْبُتُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لَا التَّحْرِيمُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلِّي التَّغَوُّطُ لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُهُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَقَدْ أُمِرَ بِتَطْهِيرِهِ وَالْبَوْلُ يُنَافِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ يَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْجَلْدَةُ مِنْ

لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُغْلَقَ بَابُ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْقَشَ الْمَسْجِدُ بِالْجِصِّ وَالسَّاجِ وَمَاءِ الذَّهَبِ) وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ، وَقِيلَ هُوَ قُرْبَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّارِ عَلَى مَا رُوِيَ فَكَيْفَ بِالْبَوْلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) حَتَّى لَا يَصِحَّ فِيهِ الِاعْتِكَافُ إلَّا لِلنِّسَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنَّمَا لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ مَكَانًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ) وَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا بَأْسَ إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِ الْمَسْجِدِ) أَحْسَنُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِزَمَانِنَا كَمَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ فَالْمَدَارُ خَشْيَةُ الضَّرَرِ عَلَى الْمَسْجِدِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي زَمَانِنَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ثَبَتَ كَذَلِكَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ لَا فَلَا، أَوْ فِي بَعْضِهَا فَفِي بَعْضِهَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ قُرْبَةٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُزَيَّنَ الْمَسَاجِدُ» الْحَدِيثَ، وَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ. وَمَحْمَلُ الْكَرَاهَةِ التَّكَلُّفُ بِدَقَائِقِ النُّقُوشِ وَنَحْوِهِ خُصُوصًا فِي الْمِحْرَابِ أَوْ التَّزْيِينُ مَعَ تَرْكِ الصَّلَوَاتِ أَوْ عَدَمُ إعْطَائِهِ حَقَّهُ مِنْ اللَّغَطِ فِيهِ وَالْجُلُوسِ لِحَدِيثِ الدُّنْيَا وَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ بِدَلِيلِ آخِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَقُلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» هَذَا إذَا فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَمَّا الْمُتَوَلِّي فَيَفْعَلُ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْبَيَاضَ فَوْقَ السَّوَادِ لِلنَّقَاءِ ضَمِنَ كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَعَلَى هَذَا تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْرَهُونَ شَدَّ الْمَصَاحِفِ وَاِتِّخَاذِ الْمَشَدَّةِ لَهَا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ كَالْغَلْقِ. وَهَذِهِ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْمَسْجِدِ لَا شَكَّ أَنَّ الدَّفْعَ لِلْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ تَزْيِينِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَلَا يُحْفَرُ فِي الْمَسْجِدِ بِئْرٌ وَلَوْ كَانَتْ بِئْرًا قَدِيمَةً كَبِئْرِ زَمْزَمَ تُرِكَتْ، وَلَوْ حَفَرَ فَتَلِفَ فِيهِ شَيْءٌ إنْ حَفَرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِإِذْنِهِمْ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ضَمِنَ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ أَوْ لَا. وَلَا يَجُوزُ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِيهِ إلَّا إنْ كَانَ ذَا نَزٍّ وَالْأُسْطُوَانَاتُ لَا تَسْتَقِرُّ بِهِ فَيَجُوزُ لِتَشْرَبَ ذَلِكَ الْمَاءَ فَيَحْصُلَ بِهَا النَّفْعُ

وَهَذَا إذَا فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَمَّا الْمُتَوَلِّي فَيَفْعَلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ دُونَ مَا يَرْجِعُ إلَى النَّقْشِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ يَضْمَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَّخِذَ فِيهِ بَيْتًا لِمَتَاعِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَهُ طَرِيقًا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَا بَأْسَ، وَلَا يَبْزُقُ فِيهِ فَيَأْخُذَ النُّخَامَةَ بِثَوْبِهِ،. وَلَوْ بَزَقَ كَانَ فَوْقَ الْحَصِيرِ أَسْهَلَ مِنْهُ تَحْتَهَا لِأَنَّ مَا تَحْتَهَا مَسْجِدٌ حَقِيقَةً وَالْحُصْرُ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِهِ حَقِيقَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَوَارٌ يَدْفِنُهَا فِي التُّرَابِ وَلَا يَدْعُهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَمْسَحَ رِجْلَهُ مِنْ الطِّينِ بِأُسْطُوَانَتِه أَوْ حَائِطِهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْسَحَ بِبُرْدَتِهِ أَوْ قِطْعَةِ خَشَبٍ أَوْ حَصِيرٍ مُلْقَاةٍ فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَبِتُرَابِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ مَجْمُوعًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَبْسُوطًا يُكْرَهُ،. وَإِذَا نَزَحَ الْمَاءَ النَّجِسَ مِنْ الْبِئْرِ كُرِهَ أَنْ يَبُلَّ بِهِ الطِّينَ فَيُطَيِّنَ بِهِ الْمَسْجِدَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ نَجَاسَةَ الطِّينِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ وَيُكْرَهُ التَّوَضِّي فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَضْمَضَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعٌ اُتُّخِذَ لِذَلِكَ لَا يُصَلَّى فِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعْمَلَ فِيهِ الصَّنَائِعُ لِأَنَّهُ مُخَلَّصٌ لِلَّهِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْخَيَّاطِ إذَا جَلَسَ فِيهِ لِمَصْلَحَتِهِ مِنْ دَفْعِ الصِّبْيَانِ وَصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَلَا يَدُقُّ الثَّوْبَ عِنْدَ طَيِّهِ دَقَّا عَنِيفًا. وَاَلَّذِي يَكْتُبُ إذَا كَانَ بِأَجْرٍ يُكْرَهُ وَبِغَيْرِ أَجْرٍ لَا يُكْرَهُ، هَذَا إذَا كَتَبَ الْعِلْمَ وَالْقُرْآنَ لِأَنَّهُ فِي عِبَادَةٍ، أَمَّا هَؤُلَاءِ الْمُكْتِبُونَ الَّذِينَ تَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ الصِّبْيَانُ وَاللَّغَطُ فَلَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَغَطٌ لِأَنَّهُمْ فِي صِنَاعَةٍ لَا عِبَادَةٍ، إذْ هُمْ يَقْصِدُونَ الْإِجَادَةَ لَيْسَ هُوَ لِلَّهِ بَلْ لِلِارْتِزَاقِ، وَمُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ كَالْكَاتِبِ إنْ كَانَ لِأَجْرٍ لَا وَحِسْبَةً لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ هَذَا إنْ كَانَ لِضَرُورَةِ الْحَرِّ وَغَيْرِهِ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، وَسَكَتَ عَنْ كَوْنِهِ بِأَجْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ حِسْبَةً، فَأَمَّا إنْ كَانَ بِأَجْرٍ فَلَا شَكَّ فِي الْكَرَاهَةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ حِسْبَةً وَلَا ضَرُورَةَ يُكْرَهُ لِأَنَّ نَفْسَ التَّعْلِيمِ وَمُرَاجَعَةَ الْأَطْفَالِ لَا تَخْلُو عَمَّا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ صَلَاةٍ جَائِزٌ لَا لِلْمُصِيبَةِ،. وَالْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِيهِ مَكْرُوهٌ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ وَالنَّوْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ لِلْغَرِيبِ أَنْ يَنَامَ فِيهِ. وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الصَّوْمِ عَنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي الْمَسْجِدِ مَكَانًا مُعِينًا يُصَلِّي فِيهِ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تَصِيرُ لَهُ طَبْعًا فِيهِ وَتَثْقُلُ فِي غَيْرِهِ، وَالْعِبَادَةُ إذَا صَارَتْ طَبْعًا فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ وَلِذَا كُرِهَ صَوْمُ الْأَبَدِ انْتَهَى. فَكَيْفَ بِمَنْ اتَّخَذَهُ لِغَرَضٍ آخَرَ فَاسِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب صلاة الوتر]

بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ (الْوِتْرُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا سُنَّةٌ) لِظُهُورِ آثَارِ السُّنَنِ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ] (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ) لَا يُفِيدُ إذْ إثْبَاتُ اللَّازِمِ لَا يَسْتَلْزِمُ إثْبَات الْمَلْزُومِ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا سَاوَاهُ وَهُوَ هَاهُنَا أَعَمُّ، فَإِنَّ عَدَمَ الْإِكْفَارِ بِالْجَحْدِ لَازِمُ الْوُجُوبِ كَمَا هُوَ لَازِمُ السُّنَّةِ، وَالْمُدَّعَى الْوُجُوبُ لَا الْفَرْضُ وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمَجْمُوعِ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ التَّأْذِينِ فَأَقْرَبُ عَلَى مَا فِيهِ، فَالثَّانِي يَسْتَقِلُّ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَنَفَيَاهُ، وَثَبَتَ عِنْدَهُ وَهُوَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَخَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ وَأَبِي نَضْرَةَ الْغِفَارِيِّ، فَعَنْ عُقْبَةَ وَعَمْرٍو رَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. الْوِتْرُ وَهِيَ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَضَعَّفَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ قُرَّةُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالنَّضْرِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، وَضَعَّفَهُ بِحُمَيْدِ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ وَهُوَ «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ» وَعَنْ الْخُدْرِيِّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ أَيْضًا مِثْلُ مَا فِي حَدِيثِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَفِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا فَاجْتَمَعْنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً فَأَمَرَنَا بِالْوِتْرِ» وَضَعَّفَهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَزْرَمِيِّ. وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهَيْعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْت أَبَا نَضْرَةَ الْغِفَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ» وَسَكَتَ عَنْهُ وَأُعِلَّ بِابْنِ لَهِيعَةَ. وَعَنْ خَارِجَةَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ خَيْرٍ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ لِتَفَرُّدِ التَّابِعِيِّ عَنْ الصَّحَابِيِّ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ غَرِيبٌ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ لِمَا عُرِفَ، وَلِذَا يَقُولُ مِرَارًا فِي كِتَابِهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَمَا نُقِلَ عَنْ

لَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّهُ أَعَلَّهُ بِقَوْلِهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ مِنْ بَعْضٍ فَبِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِهِ الْعِلْمَ بِاللُّقِيِّ، وَالصَّحِيحُ الِاكْتِفَاءُ بِإِمْكَانِ اللُّقِيِّ. وَإِعْلَالُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَهُ بِابْنِ إِسْحَاقَ وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ نُقِلَ تَضْعِيفُ ابْنِ رَاشِدٍ عَنْ الدَّارَقُطْنِيُّ، أَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَثِقَةٌ ثِقَةٌ لَا شُبْهَةَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ وَلَا عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَقَدْ تَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ تَضْعِيفِ ابْنِ رَاشِدٍ فَغَلَّطَهُ فِيهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ إنَّمَا ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ الْبَصْرِيَّ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَمَّا هَذَا رَاوِي حَدِيثِ خَارِجَةَ فَهُوَ الرَّوْقِيُّ أَبُو الضَّحَّاكِ الْمِصْرِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى. وَمُتَابَعَةُ اللَّيْثِ وَالتَّصْرِيحُ بِكَوْنِ الرَّوْقِيُّ كِلَاهُمَا فِي إسْنَادِ النَّسَائِيّ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الْكُنَي فَتَمَّ أَمْرُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ فِي الصِّحَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا كَانَ فِي كَثْرَةِ طُرُقِهِ الْمُضَعَّفَةِ ارْتِفَاعٌ لَهُ إلَى الْحُسْنِ، بَلْ بَعْضُهَا حَسَنٌ حُجَّةٌ وَهُوَ طَرِيقُ ابْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقُرَّةُ إنْ قَالَ أَحْمَدُ فِيهِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا جِدًّا، وَأَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: بَقِيَ الشَّأْنُ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ، فَقِيلَ مِنْ لَفْظِ زَادَكُمْ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ حَصْرِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالْمَحْصُورُ الْفَرَائِضُ لَا النَّوَافِلُ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ أَلَا وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ» فَإِنْ اقْتَضَى لَفْظُ زَادَكُمْ الْحَصْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي هَذَا كَوْنُ الْمَحْصُورَةِ الْمَزِيدَةِ عَلَيْهَا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَحْصُورَةُ أَعَمُّ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ لَفْظُ زَادَكُمْ كَوْنَ الْمَزِيدِ فَرْضًا لِجَوَازِ كَوْنِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمَحْصُورَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِفَرْضٍ: أَعْنِي السُّنَنَ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا هُوَ الصَّارِفُ لِلْمُصَنِّفِ عَنْ التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَعَ شُهْرَتِهَا بَيْنَهُمْ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ، لَكِنْ لَفْظُ الْأَمْرِ إنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ ابْنِ لَهَيْعَةَ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَدْ ضُعِّفَ، فَالْأَوْلَى التَّمَسُّكُ فِيهِ بِمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ لَيْسَ مِنِّي، الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي، الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ أَبُو الْمُنِيبِ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ أَيْضًا. وَقَالَ

الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ إدْخَالَهُ فِي الضُّعَفَاءِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ حَكَّامٍ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» وَقَالَ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. فَإِنْ قِيلَ الْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلنَّدَبِ وَالْحَقُّ هُوَ الثَّابِتُ، وَكَذَا الْوَاجِبُ لُغَةً، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ وَلِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. أَمَّا الْمُعَارَضَةُ فَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ» وَمَا أَخْرَجَاهُ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ بَعَثَهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَأَوْتَرَ ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ هَذِهِ» أَحْسَنُ مَا يُعَارَضُ لَهُمْ بِهِ، وَلَهُمْ غَيْرُهَا مِمَّا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عَدَمِ تَمَامِ دَلَالَةٍ. وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لِلْوُجُوبِ إلَى اللُّغَوِيِّ فَمَا فِي السُّنَنِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةِ فَلْيُوتِرْ» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَجْهُ الْقَرِينَةِ أَنَّهُ حُكْمٌ بِالْوُجُوبِ ثُمَّ خُيِّرَ فِيهِ بَيْنَ خِصَالٍ إحْدَاهَا أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ كُلُّ خَصْلَةٍ تَخَيَّرَ فِيهَا تَقَعُ وَاجِبَةً عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخَمْسِ فَلَزِمَ صَرْفُهُ إلَى مَا قُلْنَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجُوزُ كَوْنُ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ يُصَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ لِعُذْرِ الطِّينِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَمْ يُقَارِنْ وُجُوبَ الْخَمْسِ بَلْ مُتَأَخِّرٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْزِلُ لِلْوِتْرِ. رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ بِالْأَرْضِ وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ، فَدَلَّ أَنَّ وِتْرَهُ ذَلِكَ كَانَ إمَّا حَالَةَ عَدَمِ وُجُوبِهِ أَوْ لِلْعُذْرِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ جَوَازَ هَذَا الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، ثُمَّ يَقُولُونَ لِخَصْمِهِمْ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا أُدِّيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ انْتَهَى. وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَهُمْ نَسْخُ وُجُوبِهِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَصِحُّ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّا لَا نَقُولُ بِجَوَازِهِ عَلَى الدَّابَّةِ لِوُجُوبِهِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ كَانَ بَعْدَ سَفَرِهِ، وَعَنْ الثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَوْ الْمُرَادُ الْمَجْمُوعُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ الْمُخْتَتَمَةِ بِوِتْرٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ كَذَلِكَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ حِينَئِذٍ فَرْدٌ وَذَلِكَ وِتْرٌ لَا شَفْعٌ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّوَافِلِ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ لِلْمُتَأَمِّلِ، بَلْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ ظَاهِرَةٌ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ الْمُورَدِ فَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَأَوْتَرَ ثُمَّ تَأَخَّرَ فِي الْقَابِلَةِ: يَعْنِي عَمَّا فَعَلَهُ فِي السَّابِقَةِ أَلْبَتَّةَ، وَعَلَّلَ تَأَخُّرَهُ عَنْ ذَلِكَ بِخَشْيَةِ أَنْ يُكْتَبَ الْوِتْرُ فَكَانَ الْمُرَادُ بِالْوِتْرِ ظَاهِرَ الصَّلَاةِ الَّتِي فُعِلَتْ مُخْتَتَمَةً بِالْوِتْرِ. وَيَدُلُّ

وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ. قَالَ (الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يُفْصَلُ بَيْنهنَّ بِسَلَامٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبَجَلِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ. وَعَنْ الْقَرِينَةِ الْمُدَّعَاةِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ أَمْرُ الْوِتْرِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ كَانَ أَوَّلًا كَذَلِكَ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِي آخِرِهَا» فَدَلَّ أَنَّ الْوِتْرَ كَانَ أَوَّلًا خَمْسَةً، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ يُفِيدُ خِلَافَهُ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا فِي الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُوتِرْ بِثَلَاثٍ، أَوْتِرْ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ» وَالْإِيتَارُ بِثَلَاثٍ جَائِزٌ إجْمَاعًا، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا وَمَا شَاكَلَهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ أَمْرُ الْوِتْرِ، وَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يُؤَكِّدُ مُقْتَضَاهُ مِنْ الْوُجُوبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي» مُؤَكَّدٌ بِالتَّكْرَارِ ثَلَاثًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ ثَبَتَ، وَإِلَّا فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَاةٌ مَقْضِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَتَجِبُ كَالْمَغْرِبِ، أَمَا إنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ فَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي وَقْتِهَا السَّحَرُ، وَذَلِكَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً فِي الْعِشَاءِ، فَلَوْ كَانَ سُنَّةٌ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ لَمْ يَتَخَالَفْ وَقْتُهُمَا فِي الصِّفَةِ بَلْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُسْتَحَبَّ فِيهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَعْنِيّ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سُنَّةٌ) وَعَنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ: أَيْ عَمَلِيٌّ وَهُوَ الْوَاجِبُ فَعَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَالْمُرَادُ بِهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْوُجُوبُ. وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ اجْتَمَعَتْ أَهْلُ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِ الْوِتْرِ أَدَّبَهُمْ أَوْ حَبَسَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا قَاتَلَهُمْ فَإِنْ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ السُّنَنِ قَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى يُقَاتِلُهُمْ كَالْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) رَوَى الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ» ، وَكَذَا رَوَى النَّسَائِيّ عَنْهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ» وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ قِيلَ لِلْحَسَنِ إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ فَقَالَ كَانَ عُمَرُ أَفْقَهَ مِنْهُ وَكَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّانِيَةِ بِالتَّكْبِيرِ انْتَهَى وَسَكَتَ عَنْهُ. وَرَوَى

وَحَكَى الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ، هَذَا أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي قَوْلٍ يُوتِرُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّحَاوِيُّ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُخَوَّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» إلَى آخَرِ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَرْوِيِّ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْمُسْتَدْرَكِ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْوِتْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَظَاهِرُ هَذَا وَصْلُ الثَّالِثَةِ لِجَعْلِهِ الْأُولَى بَعْضَ الْوِتْرِ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْوِتْرِ وَإِلَّا لَقَالَتْ فِيهِ وَفِي الرَّكْعَةِ الْوِتْرُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ بِتَحْرِيمَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لِنَحْتَاجَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِجَوَابِهِ، إذْ يُحْتَمَلُ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ كَوْنِهِ إذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً مُتَّصِلَةً فَأَنَّى يُقَاوِمُ الصَّرَائِحَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ تَرَكْنَاهُ لِحَالِ الطُّولِ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ الْوِتْرِ فَقَالَ: عَلَّمَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْوِتْرَ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. هَذَا وِتْرُ اللَّيْلِ وَهَذَا وِتْرُ النَّهَارِ. وَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَنَسٌ الْوِتْرَ أَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَأُمُّ وَلَدِهِ خَلْفَنَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوهُ يُفِيدُ تَقَيُّدَ جَعْلِهَا وَاحِدَةً بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ خَشْيَةُ طُلُوعِ الْفَجْرِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ حُجِّيَّةِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَعَلَى قَوْلِنَا الْمُتَقَرِّرُ نَفْيُ شَرْعِيَّتِهَا، فَإِذَا أُبِيحَتْ بِشَرْطٍ تَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ، لَكِنَّا لَا نُجِيزُهَا أَيْضًا لِذَلِكَ عِنْدَ خَشْيَةِ الصُّبْحِ لِأَنَّهُ أَحَدُ مُحْتَمَلَيْهِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ كَمَا قُلْنَا، فَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ لِمَا ثَبَتَ بِهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ رِوَايَاتِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ تَحَكَّمَ عِنْدَ تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ فَتَمَّ الْمَطْلُوبُ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى ثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ شَرْعِيَّتُهَا لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ الْوِتْرِ إيَّاهَا إلَّا بِدَلِيلٍ يَخُصُّ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الشَّفْعَ مَشْرُوعٌ وَلَا يُمْكِنُ ادِّعَاءُ كَوْنِ بَعْضِ الْفَرَائِضِ بِخُصُوصِهِ إيَّاهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الثَّابِتَ كَوْنُهُ ثَلَاثًا كَالْمَغْرِبِ، وَكَذَا صَحَّ عَنْ ابْن مَسْعُودٍ «وِتْرُ اللَّيْلِ ثَلَاثٌ كَوِتْرِ النَّهَارِ» ، وَإِنَّمَا ضَعَّفُوا رَفْعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْحَوَاجِبِ وَقَدْ ضُعِّفَ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِيمَا رَوَيْنَا قِرَاءَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّالِثَةِ بِسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا سِوَى قِرَاءَةِ الْإِخْلَاصِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» (قَوْلُهُ وَحَكَى الْحَسَنُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ) فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ قَالَ:

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَاهُ (وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي آخَرِ الْوِتْرِ» وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ لَا يُسَلَّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، وَعَمْرٌو هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ ابْنُ عُبَيْدٍ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي إسْنَادٍ آخَرَ مِثْلِ هَذَا. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّام مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارِ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فِي مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلُ فِقْهٍ وَصَلَاحٍ، فَكَانَ مِمَّا وَعَيْت عَنْهُمْ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ لَا يُسَلَّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الرُّكُوعِ مِنْ الْوِتْرِ، هَاهُنَا ثَلَاثُ خِلَافِيَّاتٍ: إحْدَاهَا أَنَّهُ إذَا قَنَتَ فِي الْوِتْرِ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ أَوْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَالثَّالِثَةُ هَلْ يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ أَوْ لَا، لَهُ فِي الْأُولَى مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ «سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ. قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يَقُولُونَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخَرِ الْوِتْرِ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ» . وَقَوْلُهُ وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى لِسَانِ الْخَصْمِ، وَلَهُمْ مَا هُوَ أَنَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَصَحَّحَهُ قَالَ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْتُ رَأْسِي وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودَ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ» إلَى آخِرِهِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْقُنُوتِ (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ» ) لَوْ قَالَ: كَانَ يَقْنُتُ كَانَ أَوْلَى. قَالَ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» انْتَهَى لِابْنِ مَاجَهْ. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» انْتَهَى. وَزَادَ فِي سُنَنِهِ «فَإِذَا فَرَغَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ» ثُمَّ قَالَ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ وَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، يُرِيدُ بِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ زُبَيْدٍ الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ الْأَعْمَشَ وَشُعْبَةَ وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَرِيرَ بْنِ حَازِمٍ. لَكِنْ غَايَتُهُ أَنَّهُ تَفَرَّدَ الْعَدْلُ بِالزِّيَادَةِ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْقُنُوتِ لَهُ حَدِيثَ أَبِي الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَهْوَازِيِّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي نُوَيْرَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَسَكَتَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الشَّيْءِ آخِرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِثَلَاثٍ فَقَنَتَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَيَجْعَلُ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَقَوْلُ أَبِي نُعَيْمٍ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ، وَالْعَلَاءُ تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ لَا يُوجِبُ الْبُعْدَ لِمَا قُلْنَا فِي كَلَامِ النَّسَائِيّ، بَلْ قَدْ حَصَلَ مِنْ انْفِرَادِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زُبَيْدٍ، وَمِنْ تَفَرُّدِ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعَلَاءِ، وَمِنْ تَفَرُّدِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي سَكَتَ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ تَظَافَرَ كَثِيرٌ مَعَ أَنَّ كُلَّ طَرِيقٍ مِنْهَا إمَّا حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ. وَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَهْرًا فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ «عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ، فَقُلْتُ: أَكَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ قَبْلَهُ، قُلْتُ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَهُ، قَالَ كَذَبَ، إنَّمَا قَنَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا» انْتَهَى وَعَاصِمٌ كَانَ ثِقَةً جِدًّا وَلَا مُعَارَضَةَ مُحَتَّمَةٌ فِي ذَلِكَ مَعَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ أَنَسٍ، بَلْ هَذِهِ تَصْلُحُ مُفَسِّرَةً لِلْمُرَادِ بِمَرْوِيِّهِمْ أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَهُ، وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ عَمَلَ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرِهِمْ كَانَ عَلَى وَفْقِ مَا قُلْنَا: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَلَمَّا تَرَجَّحَ ذَلِكَ خَرَجَ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ مَعَ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْقُنُوتِ، فَلِذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَهَا عَنْ الْقُنُوتِ فَتَذَّكَّرَهُ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ لَا يَقْنُتُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا لَا يَقْنُتُ، وَالْأُخْرَى يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ فَيَقْنُتُ. وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الرُّكُوعِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ رُكُوعَهُ قَائِمٌ لَمْ يَرْتَفِضْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي رِوَايَةٍ: يَعُودُ وَيَقْنُتُ وَلَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ قَنَتَ أَوْ لَمْ يَقْنُتْ، وَهَذَا يُحَقِّقُ خُرُوجَ الْقَوْمَةِ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ اتِّفَاقًا، أَمَّا لَوْ نَسِيَ السُّورَةَ وَالْقُنُوتَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَعُودُ إذَا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَيَقْرَؤُهُمَا وَيَرْتَفِضُ الرُّكُوعَ، فَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ بَطَلَتْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ بِرَكْعَتَيْنِ إذَا قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّالِثَةِ لَا يَقْنُتُ مَرَّةً أُخْرَى. وَعَنْ أَبِي الْفَضْلِ تَسْوِيَتُهُ بِالشَّاكِّ وَسَيَأْتِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ فَرَكَعَ وَهُوَ لَمْ يَفْرُغْ يُتَابِعُهُ، وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ وَلَمْ يَقْرَأْ الْمَأْمُومُ مِنْهُ شَيْئًا إنْ خَافَ فَوْتَ الرُّكُوعِ يَرْكَعُ وَإِلَّا قَنَتَ ثُمَّ رَكَعَ. الْخِلَافِيَّةُ الثَّانِيَةُ لَهُ فِيهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ الشَّهْرِ: يَعْنِي رَمَضَانَ وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا كَانَ الْعَشَرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ. وَلِلْمَتْنِ طَرِيقٌ آخَرُ ضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَمَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ» إلَخْ ضَعِيفٌ بِأَبِي عَاتِكَةَ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ مَعَ أَنَّ الْقُنُوتَ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ طُولَ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ تَخْصِيصًا لِلنِّصْفِ الْأَخِيرِ بِزِيَادَةِ الِاجْتِهَادِ، فَهَذَا الْمَعْنَى يَمْنَعُ تَبَادُرَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِخُصُوصِهِ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ اجْعَلْهُ فِي وِتْرِكَ» وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَرِيبٌ. وَالْمَعْرُوفُ مَا أَخْرَجُوهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ

وَيَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ «الْحَسَنِ بْن عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ، وَفِي لَفْظٍ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتُوَلِّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَاهُ ابْن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ وَالَيْت «وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ» وَزَادَ النَّسَائِيّ «بَعْدَ وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ» قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ فِيهِ: إذَا رَفَعْت رَأْسِي وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَخْرَجَ الْأَرْبَعَةُ أَيْضًا وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي آخَرِ وِتْرِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْخِلَافِيَّةِ قَبْلَ هَذِهِ مَا هُوَ أَنَصُّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قُنُوتِ الْوِتْرِ مِنْ هَذَا فَارْجِعْ إلَيْهِ تَسْتَغْنِ عَنْ هَذَا فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ. وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي إثْبَاتِ وُجُوبِ الْقُنُوتِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِيهِ: أَعْنِي قَوْلَهُ " اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. فَلَمْ يَثْبُتْ لِي، وَمِنْهُمْ مَنْ حَاوَلَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُوَاظَبَةِ الْمُفَادَةِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهَا غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِالتَّرْكِ مَرَّةً، لَكِنْ مُطْلَقُ الْمُوَاظَبَةِ أَعَمُّ مِنْ الْمَقْرُونَةِ بِهِ أَحْيَانًا وَغَيْرِ الْمَقْرُونَةِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَإِلَّا لَوَجَبَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ عَيْنًا أَوْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا، لَكِنَّ الْمُتَقَرِّرَ عِنْدَهُمْ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو عَلَى مُضَرَ إذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ فَسَكَتَ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْكَ سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَكَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْضَعُ لَكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخَافُ عَذَابَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ» وَعَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُؤَقَّتُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ صِدْقِ رَغْبَةٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. قَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ فِي غَيْرِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهُ جَازَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَهُ قُنُوتَ الْحَسَنِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ إذَا لَمْ يُؤَقِّتْ فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ. ثُمَّ إذَا شَرَعَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ قَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، لَمْ يَذْكُرْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِي تَرْجَمَةِ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الْفَقِيهُ: حَدَّثَنِي فَرَجٌ مَوْلَى أَبِي يُوسُفَ قَالَ: رَأَيْت مَوْلَايَ أَبَا يُوسُفَ إذَا دَخَلَ فِي الْقُنُوتِ لِلْوِتْرِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، قَالَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ: كَانَ فَرَجٌ ثِقَةً انْتَهَى. وَوَجْهُهُ عُمُومُ دَلِيلِ الرَّفْعِ لِلدُّعَاءِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا رَفْعَ فِي دُعَاءِ التَّشَهُّدِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُنُوتَ يَقُولُ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَيُكَرِّرُ ثَلَاثًا انْتَهَى. وَحَدِيثُ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. الْخِلَافِيَّةُ الثَّالِثَةُ لَهُ فِيهَا حَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَنَسٍ «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَأَنَا أَقْرَبُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ

فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَمَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ. وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ. تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ» وَفِي هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت وَعَافِنَا بِالْجَمْعِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، لَكِنَّهُمْ لَفَقُّوهُ مِنْ حَدِيثٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ عَامٍّ لَا يَخُصُّ الْقُنُوتَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ إمَامٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مُنْفَرِدًا لِيَحْفَظَهُ الرَّاوِي مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: إنَّهُ رُوِيَ: يَعْنِي الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِثْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَنَسٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَالَ: ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ التَّابِعِينَ. وَالْجَوَابُ أَوَّلًا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الَّذِي هُوَ النَّصُّ فِي مَطْلُوبِهِمْ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِعَبْدِ اللَّهِ هَذَا، ثُمَّ نَقُولُ فِي دَفْعِ مَا قَبْلَهُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِ قَرِيبًا تَمَسُّكًا بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصُّبْحِ إلَّا شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ» . وَأَعَلُّوهُ بِالْقَصَّابِ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَحَاصِلُ تَضْعِيفُهُمَا إيَّاهُ أَنَّهُ كَانَ كُثَيِّرٌ الْوَهْمِ، فَلَا يَكُونُ حَدِيثُهُ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِالْقَوِيِّ، قُلْنَا بِمِثْلِ هَذَا ضَعَّفَ جَمَاعَةٌ أَبَا جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ فِيهِ: كَانَ يَخْلِطُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ يُخْطِئُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَهِمُ كَثِيرًا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ فَكَافَأَهُ الْقَصَّابُ، ثُمَّ يُقَوِّي ظَنَّ ثُبُوتِ مَا رَوَاهُ الْقَصَّابُ بِأَنَّ شَبَابَةَ رَوَى عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ «عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: قُلْنَا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ بِالْفَجْرِ، فَقَالَ: كَذَبُوا إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا وَاحِدًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْمُشْرِكِينَ» . فَهَذَا عَنْ أَنَسٍ صَرِيحٌ فِي مُنَاقَضَةِ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْهُ، وَفِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَقَيْسٌ هَذَا وَإِنْ كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ضَعَّفَهُ فَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ بِدُونِ أَبِي جَعْفَرٍ بَلْ مِثْلِهِ أَوْ أَرْفَعَ مِنْهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ ضَعَّفُوا أَبَا جَعْفَرٍ أَكْثَرُ مِمَّنْ ضَعَّفَ قَيْسًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ تَضْعِيفُ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَذَكَرَ سَبَبَ تَضْعِيفِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: سَأَلْت يَحْيَى عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ ضَعِيفٌ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ فَإِنَّهُ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ عَنْ عُبَيْدَةَ وَهُوَ عِنْدَهُ عَنْ مَنْصُورٍ. وَهَذَا لَا يُوجِبُ رَدَّ حَدِيثِهِ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ غَلَطٌ فِي ذِكْرِ عُبَيْدَةَ بَدَلَ مَنْصُورٍ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْ مِثْلِ هَذَا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ؟ كَذَا قِيلَ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ يَحْيَى، قَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ وَلَهُ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ، وَكَانَ وَكِيعٌ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ يُضَعِّفَانِهِ. وَتَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، لَكِنْ كَانَ شُعْبَةُ يُثْنِي عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ: مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ يَحْيَى لَا يُرْضِي

لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَلَّمَهُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: أَلَا تَرَى إلَى قَيْسِ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ يَتَكَلَّمُ فِي قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَاَللَّهِ مَا لَهُ إلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَقَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ عَلَيْك بِقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَيَّرْت أَخْبَارَ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ مِنْ رِوَايَاتِ الْقُدَمَاءِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَتَتَبَّعْتهَا فَرَأَيْته صَدُوقًا فِي نَفْسِهِ مَأْمُونًا حَيْثُ كَانَ شَابًّا، فَلَمَّا كَبُرَ سَاءَ حِفْظُهُ وَامْتُحِنَ بِوَلَدِ سُوءٍ يُدْخِلُ عَلَيْهِ، وَسَرَدَ بْنُ عَدِيٍّ لَهُ جُمْلَةً ثُمَّ قَالَ: وَلِقَيْسٍ غَيْرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيثِ وَعَامَّةُ رِوَايَاتِهِ مُسْتَقِيمَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَهُ شُعْبَةُ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَلَا يَنْزِلُ بِذَلِكَ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ الرَّازِيّ وَيَزْدَادُ اعْتِضَادُهُ، بَلْ يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ مَا نَسَبْنَاهُ لِأَنَسٍ مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْقُنُوتِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَقْنُتُ إلَّا إذَا دَعَا لِلْقَوْمِ أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ» وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ قَالَهُ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَنَسٍ فِي كِتَابِهِ هَذَا مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ نَحْوَ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ دِينَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَادِمِ أَنَسٍ مَا زَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ حَتَّى مَاتَ وَغَيْرُهُ فَقَدْ شَنَّعَ عَلَيْهِ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَبَلَغَ فِيهِ الْغَايَةَ وَنَسَبَهُ إلَى مَا يَنْبَغِي صَوْنُ كِتَابِنَا عَنْهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَقَدْ اشْتَهَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِيهَا بِالْوَضْعِ عَلَى أَنَسٍ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» أَسْلَفْنَاهُ فِي الْخِلَافِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ لِعَاصِمٍ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الْقُنُوتِ نَعَمْ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ فُلَانًا قَالَ بَعْدَهُ فَقَالَ كَذَبَ إنَّمَا «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا» . إنَّمَا يَقْتَضِي بَقَاءَ الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذْ نَقُولُ بِبَقَائِهِ فِي الْوِتْرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ عَارَضَهُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ، وَأَنَصُّ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّفْيِ الْعَامِّ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْنُتْ فِي الْفَجْرِ قَطُّ إلَّا شَهْرًا وَاحِدًا» ، لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَنَتَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ يَدْعُو عَلَى نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَنَسٌ نَفْسُهُ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ فَرَقَدَ الطَّحَّانُ. قَالَ: كُنْت عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَهْرَيْنِ فَلَمْ يَقْنُتْ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ. وَإِذَا ثَبَتَ النَّسْخُ وَجَبَ حَمْلُ الَّذِي عَنْ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَنَحْوِهِ إمَّا عَلَى الْغَلَطِ أَوْ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» : أَيْ الْقِيَامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَطْوَلُ الصَّلَوَاتِ قِيَامًا، وَالْإِشْكَالُ نَشَأْ مِنْ اشْتَرَاكِ لَفْظِ الْقُنُوتِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ وَبَيْنَ الْخُضُوعِ وَالسُّكُوتِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِهَا، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى قُنُوتِ النَّوَازِلِ كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْنُت فِي النَّوَازِلِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ لَا يَقْنُتُ إلَّا إذَا دَعَا» إلَخْ، وَسَنَنْظُرُ فِيهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ تَرَكَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: يَعْنِي الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ لَا مُطْلَقًا. وَأَمَّا قُنُوتُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيُّ فَإِنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ أَنَّ الْقُنُوتَ وَالدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى الْكَافِرِينَ، وَقَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ لِاعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ الْقُنُوتَ الْمُسْتَمِرَّ لَيْسَ يُسَنُّ فِيهِ الدُّعَاءُ لِهَؤُلَاءِ وَعَلَى هَؤُلَاءِ فِي كُلِّ صُبْحٍ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا أَرَادُوا إنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرِ لَفْظِ الرَّاوِي مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ الْوِتْرِ (فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمٍ أَوْ عَلَى قَوْمٍ» . وَهُوَ سَنَدٌ صَحِيحٌ، فَلَزِمَ أَنَّ مُرَادَهُ مَا قُلْنَا، أَوْ بَقَاءُ قُنُوتِ النَّوَازِلِ لِأَنَّ قُنُوتَهُ الَّذِي رَوَاهُ كَانَ كَقُنُوتِ النَّوَازِلِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْقُنُوتُ سُنَّةً رَاتِبَةً جَهْرِيَّةً وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ «أَبِي مَالِكٍ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ وَلَفْظُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ «أَبِي مَالِكٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي يَا أَبَتِ إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ» وَهُوَ أَيْضًا يَنْفِي قَوْلَ الْحَازِمِيِّ فِي أَنَّ الْقُنُوتَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَوْلُهُ إنَّ عَلَيْهِ الْجُمْهُورَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ حَافِظٍ آخَرَ إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى عَدَمِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ وَأَخْرَجَ " عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا قَنَتَ فِي الصُّبْحِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ " فَقَالَ اسْتَنْصَرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّهُ كَانَ مُنْكَرًا عِنْدَ النَّاسِ وَلَيْسَ النَّاسُ إذْ ذَاكَ إلَّا الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ. وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ مَا شَهِدْت وَمَا عَلِمْت، وَمَا أَسْنَدَ الْحَازِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُنُوتِ فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَبِرْنَا وَنَسِينَا ائْتُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْأَلُوهُ، مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْنُتْ بِمَا صَحَّ عَنْهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ صَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَنَتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَلَمْ يَرَهُ قَانِتًا فِي الْفَجْرِ. وَهَذَا سَنَدٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةُ ابْنَ عُمَرَ إلَى النِّسْيَانِ فِي مِثْلِ هَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَإِنَّمَا يَقْرُبُ ادِّعَاؤُهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تُسْمَعُ وَتُحْفَظُ أَوْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُفْعَلُ أَحْيَانًا فِي الْعُمْرِ، أَمَّا فِعْلٌ يَقْصِدُ الْإِنْسَانُ إلَى فِعْلِهِ كُلَّ غَدَاةٍ مَعَ خَلْقٍ كُلُّهُمْ يَفْعَلُهُ ثُمَّ مِنْ صُبْحٍ إلَى صُبْحٍ يَنْسَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَقُولُ مَا شَهِدْت وَلَا عَلِمْت وَيَتْرُكُهُ مَعَ أَنَّهُ يُصْبِحُ فَيَرَى غَيْرَهُ يَفْعَلُهُ فَلَا يَتَذَكَّرُ فَلَا يَكُونُ

{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ) لِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ (وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَنَتَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ (وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَجْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ شَيْءٍ مِنْ الْعَقْلِ. وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ إلَى هُنَا انْقَطَعَ بِأَنَّ الْقُنُوتَ لَمْ يَكُنْ سُنَّةً رَاتِبَةً، إذْ لَوْ كَانَ رَاتِبَةً يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ صُبْحٍ يَجْهَرُ بِهِ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ أَوْ يُسِرُّ بِهِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَتَحَقَّقْ بِهَذَا الِاخْتِلَافِ، بَلْ كَانَ سَبِيلُهُ أَنْ يُنْقَلَ كَنَقْلِ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ وَمُخَافَتَتِهَا وَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، فَإِنَّ مُوَاظَبَتَهُ عَلَى وُقُوفِهِ بَعْدَ فَرَاغِ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ زَمَانًا سَاكِتًا فِيمَا يَظْهَرُ كَقَوْلِ مَالِكٍ مِمَّا يُدْرِكُهُ مَنْ خَلْفَهُ وَتَتَوَفَّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِهِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَاذَا، وَأَقْرَبُ الْأُمُورِ فِي تَوْجِيهِ نِسْبَةِ سَعِيدٍ النِّسْيَانَ لِابْنِ عُمَرَ إنْ صَحَّ عَنْهُ أَنْ يُرَادُ قُنُوتُ النَّازِلَةِ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَى الْقُنُوتَ مُطْلَقًا، فَقَالَ سَعِيدٌ: قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ: يَعْنِي فِي النَّازِلَةِ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُوَاظَبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ لُزُومِ سَبَبِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَنَتَ عِنْدَ مُحَارَبَةِ الصَّحَابَةِ مُسَيْلِمَةَ وَعِنْدَ مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ قَنَتَ عُمَرُ وَكَذَا عَلِيٌّ فِي مُحَارَبَةِ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ فِي مُحَارَبَتِهِ، إلَّا أَنَّ هَذَا يُنْشِئُ لَنَا أَنَّ الْقُنُوتَ لِلنَّازِلَةِ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُنْسَخْ. وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِ حَدِيثَ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَنَسٍ «مَا زَالَ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» أَيْ عِنْدَ النَّوَازِلِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَخْبَارِ الْخُلَفَاءِ يُفِيدُ تَقَرُّرَهُ لِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ثُمَّ تَرَكَهُ (فَإِنْ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَسْكُتُ مَنْ خَلْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُتَابِعُهُ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ، وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا مُتَابَعَةَ فِيهِ، ثُمَّ قِيلَ يَقِفُ قَائِمًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ، وَقِيلَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَبَاقِي أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ لَا يُعَارِضُهُ، بَلْ إنَّمَا تُفِيدُ نَفْيَ سُنِّيَّتِهِ رَاتِبًا فِي الْفَجْرِ سِوَى حَدِيثِ أَبِي حَمْزَةَ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَجِبُ كَوْنُ بَقَاءِ الْقُنُوتِ فِي النَّوَازِلِ مُجْتَهَدًا، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ أَنْ لَا قُنُوتَ فِي نَازِلَةٍ بَعْدَ هَذِهِ، بَلْ مُجَرَّدُ الْعَدَمِ بَعْدَهَا فَيَتَّجِهُ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يُظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ وُقُوعِ نَازِلَةٍ بَعْدَهَا يَسْتَدْعِي الْقُنُوتَ فَتَكُونُ شَرْعِيَّتُهُ مُسْتَمِرَّةً، وَهُوَ مَحْمَلُ قُنُوتِ مَنْ قَنَتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِأَنْ يُظَنَّ رَفْعُ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا إلَى سَبَبِ تَرْكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] تَرَكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ يُتَابِعُهُ) كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَسُجُودِ السَّهْوِ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ يُتَابِعُهُ كَذَا هَذَا قُلْنَا الْمُتَابَعَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْفَصْلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ. وَمَا نَحْنُ فِيهِ إمَّا مَقْطُوعٌ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ كَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنَّ الَّذِي كَانَ فِي الْفَجْرِ إنَّمَا كَانَ قُنُوتَ نَازِلَةٍ وَانْقَطَعَ بِزَوَالِهَا لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ سُنَّةً رَاتِبَةً ظَاهِرَةً الظُّهُورَ الْمَذْكُورَ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْجَهْرِ أَوْ السُّكُوتِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ إلَى أَنْ تَوَفَّى اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَلَنُقِلَ نَقْلَ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ لَهُ وَلِلنَّسْخِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي النَّسْخِ لِلْعِلْمِ بِرَفْعِ حُكْمِهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي ارْتِفَاعَ حُكْمِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي) مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ بِأَنَّ الْجَالِسَ أَيْضًا سَاكِتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ مُشَارَكَتِهِ الدَّاعِيَ بِحَالِ مُوَافَقَتِهِ فِي خُصُوصِ هَيْئَةِ الدَّاعِي، لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُشَارِكًا لَهُ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ مِثْلَهُ لِأَنَّهَا مِنْ هَيْئَةِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُلْغَى ذَلِكَ وَيُقَالُ مُجَرَّدُ الْوُقُوفِ خَلْفَ الدَّاعِي الْوَاقِفِ سَاكِتًا يُعَدُّ شَرِكَةً لَهُ فِي ذَلِكَ عُرْفًا رَفَعَ يَدَيْهِ مِثْلَهُ أَوْ لَا وَهُوَ حَقٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) الْوُجُوبُ الْمُتَابَعَةُ فِي غَيْرِ الْقُنُوتِ وَشَرِكَتُهُ عُرْفًا لَا تُوجِبُ شَرِكَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَانِتًا فِي الْفَجْرِ

وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّفْعَوِيَّةِ وَعَلَى الْمُتَابَعَةِ فِي قِرَاءَةِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ] الْمَسْبُوقُ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الثَّالِثَةِ لَا يَقْنُتُ فِيمَا يَقْضِي. (قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّفْعَوِيَّةِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا عُرِفَ مِنْ وُجُوبِ حَذْفِ يَاءِ النَّسَبِ إذَا نُسِبَ إلَى مَا هِيَ فِيهِ، وَوَضْعِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ مَكَانَهَا حَتَّى تَتَّحِدَ الصُّورَةُ قَبْلَ النِّسْبَةِ الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا وَالتَّمْيِيزُ حِينَئِذٍ مِنْ خَارِجٍ. ثُمَّ وَجْهُ الدَّلَالَةِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي أَنَّهُ يُتَابِعُهُ أَوْ لَا فَيَقِفُ سَاكِتًا أَوْ يَقْعُدُ يَنْتَظِرُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ مَعَهُ أَوْ يُسَلِّمَ قَبْلَهُ وَلَا يَنْتَظِرُ فِي السَّلَامِ اتِّفَاقٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُقْتَدِيًا إذْ ذَاكَ وَهُوَ فَرْعُ صِحَّةِ اقْتِدَائِهِ، ثُمَّ إطْلَاقُ الْقَانِتِ يَشْمَلُ الشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي قُنُوتٍ هُوَ بِدْعَةٌ اتِّفَاقٌ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فِي قُنُوتٍ مَسْنُونٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ مَنْعِ الْمُتَابَعَةِ فِي قُنُوتٍ بِدْعِيٍّ وَتَجْوِيزِهَا فِي مَسْنُونٍ لِجَوَازِ أَنْ تَمْتَنِعَ فِيهِمَا، بَلْ الْوَجْهُ أَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا عُلِّلَ بِنَسْخِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَنْسُوخٍ لَجَازَتْ، وَإِلَّا لَقَالَ مَثَلًا لَا يُتَابِعُهُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَا يُتَابِعُ فِيهِ الْمَأْمُومُ إمَامَهُ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْمِيعِ، فَلَمَّا لَمْ يُعَلَّلْ قَطُّ إلَّا بِذَلِكَ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ عِلَّةٌ مُسَاوِيَةٌ عِنْدَهُ ثُمَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْحُكْمَيْنِ خِلَافٌ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ اقْتِدَاءُ الْحَنَفِيِّ بِشَافِعِيٍّ غَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا رَوَى مَكْحُولٌ النَّسَفِيُّ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ الشُّعَاعَ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ مُفْسِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ حَيْثُ أُقِيمَ بِالْيَدَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ أَخَذَ الْجَوَازَ قَبْلَهُمْ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَبَقَاءَهُ إلَى وَقْتِ الْقُنُوتِ فَتُعَارِضُ تِلْكَ وَتُقَدَّمُ هَذِهِ لِشُذُوذِ تِلْكَ صَرَّحَ بِشُذُوذِهَا فِي النِّهَايَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَيْضًا فَالْفَسَادُ عِنْدَ الرُّكُوعِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، مَعَ أَنَّ عُرُوضَ الْبُطْلَانِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِأَنَّ الرَّفْعَ جَائِزُ التَّرْكِ عِنْدَهُمْ. وَلَوْ تَحَقَّقَ فَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ الْمُخْتَارُ فِيهِ مَا لَوْ رَآهُ شَخْصٌ مِنْ بَعِيدٍ ظَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ كَقَاضِي خَانْ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُتَعَصِّبًا وَلَا شَاكًّا فِي إيمَانِهِ، وَيُحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ كَأَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ الْخَارِجِ النَّجِسِ وَيَغْسِلَ ثَوْبَهُ مِنْ الْمَنِيِّ وَيَمْسَحَ رُبْعَ رَأْسِهِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ وَلَا يَقْطَعُ الْوِتْرَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعَصُّبَهُ إنَّمَا يُوجِبُ فِسْقَهُ، وَلَا مُسْلِمَ يَشُكُّ فِي إيمَانِهِ، وَقَوْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقُولُونَهَا لِلتَّبَرُّكِ لَا لِلشَّرْطِ أَوْ لَهُ بِاعْتِبَارِ إيمَانِ الْمُوَافَاةِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِيَقِينٍ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ، وَلَوْ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ

وَإِذَا عَلِمَ الْمُقْتَدِي مِنْهُ مَا يَزْعُمُ بِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ كَالْفَصْدِ وَغَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَآهُ يُصَلِّي: يَعْنِي بَعْدَمَا شَاهَدَ تِلْكَ الْأُمُورَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَاَلَّذِي قَبْلَ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إذَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحْتَطْ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ سَوَاءٌ عَلِمَ فِي خُصُوصِ مَا يَقْتَدِي بِهِ فِيهِ أَوْ لَا. هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَسَادَ بِالنَّظَرِ إلَى الْإِمَامِ بِأَنْ شَاهَدَهُ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ امْرَأَةً وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَصَلَّى وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا بِنَاءَ عَلَى الْمَعْدُومِ. قُلْنَا الْمُقْتَدِي يَرَى جَوَازَهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ إنَّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ يَجُوزُ وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّتَهُ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يُخْرِجْهُ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ مَا يَزْعُمُ بِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ بَعْدَ كَوْنِ الْفَصْلِ مُجْتَهِدًا فِيهِ. وَقِيلَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَامَ الْمُقْتَدِي فَأَتَمَّ مُنْفَرِدًا، وَكَانَ شَيْخُنَا سِرَاجُ الدِّينِ يَعْتَقِدُ قَوْلَ الرَّازِيّ، وَأَنْكَرَ مَرَّةً أَنْ يَكُونَ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ مَرْوِيًّا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ حَتَّى ذَكَّرْته بِمَسْأَلَةِ الْجَامِعِ فِي الَّذِينَ تَحَرَّوْا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَصَلَّى كُلٌّ إلَى جِهَةٍ مُقْتَدِينَ بِأَحَدِهِمْ، فَإِنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِحَالِ إمَامِهِ فَسَدَتْ لِاعْتِقَادِ إمَامِهِ عَلَى الْخَطَإِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْإِرْشَادِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِي الْوِتْرِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ. يُخَالِفُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمَشَايِخِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِشَافِعِيٍّ فِي الْوِتْرِ أَنْ لَا يَفْصِلَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ عَدَمِ فَصْلِهِ. وَفِي الْفَتَاوَى: اقْتِدَاءُ حَنَفِيٍّ فِي الْوِتْرِ بِمَنْ يَرَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: يَصِحُّ لِأَنَّ كُلًّا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْوِتْرِ فَلَمْ تَخْتَلِفْ نِيَّتُهُمَا، فَأُهْدِرَ اخْتِلَافُ الِاعْتِقَادِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَاعْتُبِرَ مُجَرَّدُ اتِّحَادِ النِّيَّةِ، لَكِنْ قَدْ يَسْتَشْكِلُ إطْلَاقُهُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَبَنَى عَلَيْهِ عَدَمَ جَوَازِ صَلَاتِهِ مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ سِنِينَ وَلَمْ يَعْرِفْ النَّافِلَةَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ مِنْهَا فَرْضًا وَمِنْهَا نَفْلًا فَأَفَادَ أَنَّ مُجَرَّدَ مَعْرِفَةِ اسْمِ الصَّلَاةِ وَنِيَّتِهَا لَا يُجَوِّزُهَا فَإِنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ صَلَّى الْخَمْسَ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ مِنْ الْخَمْسِ فَرْضًا وَنَفْلًا. وَهَذَا فَرْعُ تَعَيُّنِهَا عِنْدَهُ بِأَسْمَائِهَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى آخِرِهِ، وَلِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُسَمِّيَهَا أَوَّلًا، فَإِنَّهُ إذَا سَمَّاهَا بِالظُّهْرِ وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ الظُّهْرَ نَفْلٌ فَهُوَ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ نَاوٍ نَفْلًا مَخْصُوصًا فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وِتْرُ الْحَنَفِيِّ اقْتِدَاءً بِوِتْرٍ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الْوِتْرِ لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ إيَّاهُ إنَّمَا نَوَى النَّفَلَ الَّذِي هُوَ الْوِتْرُ فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَحِينَئِذٍ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ فِي زَعْمِ الْمُقْتَدِي. نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ عِنْدَ النِّيَّةِ صِفَتُهُ مِنْ السُّنِّيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا بَلْ مُجَرَّدُ الْوِتْرِ يَنْتَفِي الْمَانِعُ فَيَجُوزُ لَكِنْ إطْلَاقُ مَسْأَلَةِ التَّجْنِيسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ نَفْلِيَّتُهُ وَفَرْضِيَّتُهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمُتَقَرِّرُ فِي اعْتِقَادِ نَفْلِيَّتِهِ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ لِلْمُتَأَمِّلِ

[باب النوافل]

وَالْمُخْتَارُ فِي الْقُنُوتِ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ النَّوَافِلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الثَّانِي فَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقْنُتُ الْإِمَامُ وَيَسْكُتُ الْمُقْتَدِي، وَهَذَا كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي الْقُنُوتِ يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُقْتَدِي كَالْقِرَاءَةِ وَيَجْهَرُ بِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْنُتُ كَالْإِمَامِ، ثُمَّ هَلْ يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ؟ اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَيُتَابِعُونَهُ إلَى بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ، وَإِذَا دَعَا الْإِمَامُ: يَعْنِي اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يُتَابِعُونَهُ؟ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا وَلَكِنْ يُؤَمِّنُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ شَاءُوا سَكَتُوا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: عِنْدِي يُخْفِي الْإِمَامُ، وَكَذَا الْمُقْتَدِي لِأَنَّهُ ذِكْرٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ وَثَنَاءِ الِافْتِتَاحِ. وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ لَا وَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ، وَنَحْنُ قَدْ أَوْعَدْنَاك مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ ثُبُوتَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْنِي قَوْلَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِي الْبَدَائِعِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْقَاضِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ كَالْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ اخْتِيَارُ مَنْ اخْتَارَ الْإِخْفَاءَ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِابْنِ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِخْفَاءَ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَفِي الْحَدِيثِ «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» وَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ فِي مَسْجِدِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَلِمَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ فِي الْقُنُوتِ. [فَرْعٌ] أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ ثُمَّ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى لَا يُوتِرُ ثَانِيًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَلَزِمَهُ تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ شَفْعُ الْأَوَّلِ لِامْتِنَاعِ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ. [بَابُ النَّوَافِلِ] ابْتَدَأَ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ حَتَّى رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ صَلَّاهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ، وَقَالُوا: الْعَالِمُ إذَا صَارَ مَرْجِعًا لِلْفَتْوَى جَازَ لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ابْتَدَأَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسُنَّةِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ، وَأَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ: يَعْنِي أَوَّلَ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ بَعْدَ الِافْتِرَاضِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدْعُهُمَا سَفَرًا وَلَا حَضَرًا، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهُ قِيلَ هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ كُلُّهَا سَوَاءٌ. وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ، وَصَحَّحَهُ الْمُحْسِنُ وَقَدْ أَحْسَنَ لِأَنَّ نَقْلَ الْمُوَاظَبَةِ الصَّرِيحَةِ عَلَيْهَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قِيلَ لَا تَلْحَقُهُ الْإِسَاءَةُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا سَمَّاهُ تَطَوُّعًا، إلَّا أَنْ يَسْتَخِفَّ فَيَقُولَ هَذَا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا لَا أَفْعَلُهُ فَحِينَئِذٍ يَكْفُرُ. وَفِي النَّوَازِلِ تَرْكُ سُنَنِ الصَّلَاةِ الْخَمْسِ إنْ لَمْ يَرَهَا حَقًّا كَفَرَ، وَإِنْ رَآهَا وَتَرَكَ قِيلَ لَا يَأْثَمُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ جَاءَ الْوَعِيدُ بِالتَّرْكِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» نَعَمْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الْإِسَاءَةَ وَفَوَاتَ الدَّرَجَاتِ وَالْمَصَالِحِ الْأُخْرَوِيَّةِ الْمَنُوطَةِ بِفِعْلِ سُنَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَذَا إذَا تَجَرَّدَ التَّرْكُ عَنْ اسْتِخْفَافٍ بَلْ يَكُونُ مَعَ رُسُوخِ الْأَدَبِ وَالتَّعْظِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَارَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِثْمِ بِحَسَبِ الْحَالِ الْبَاعِثَةِ لَهُ عَلَى التَّرْكِ، ثُمَّ هَلْ الْأَوْلَى وَصْلُ السُّنَّةِ التَّالِيَةِ لِلْفَرْضِ لَهُ أَوْ لَا؟ فِي شَرْحِ الشَّهِيدِ الْقِيَامُ إلَى السُّنَّةِ مُتَّصِلٌ بِالْفَرْضِ مَسْنُونٌ، وَفِي الشَّافِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ قَدْرَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَكَذَا عَنْ الْبَقَائِيِّ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالسُّنَّةِ الْأَوْرَادَ. وَيَشْكُلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ «أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَقُومَانِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ عَنْ يَمِينِهِ وَكَانَ رَجُلٌ قَدْ شَهِدَ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى رَأَيْنَا بَيَاضَ خَدَّيْهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ كَانْتِقَالِ أَبِي رِمْثَةَ: يَعْنِي نَفْسَهُ، فَقَامَ الرَّجُلُ الَّذِي أَدْرَكَ مَعَهُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى لِيَشْفَعَ، فَوَثَبَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ فَهَزَّهُ ثُمَّ قَالَ: اجْلِسْ فَإِنَّهُ لَمْ يُهْلِكْ أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيْنَ صَلَاتِهِمْ فَصْلٌ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَصَرَهُ فَقَالَ: أَصَابَ اللَّهُ بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» . وَلَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى الثَّانِي إذْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ إلَخْ فَصْلٌ، فَمَنْ ادَّعَى فَصْلًا أَكْثَرَ مِنْهُ فَلْيَنْقُلْهُ، وَقَوْلُهُمْ الْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ حَتَّى الَّتِي بَعْدَ الْمَغْرِبِ الْمَنْزِلُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَسْنُونِيَّةَ الْفَصْلِ بِأَكْثَرَ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا صَلَّى السُّنَّةَ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ مَاذَا يَكُونُ الْأَوْلَى، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ «تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ أَيْضًا «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إلَه إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» لَا يَقْتَضِي وَصْلَ هَذِهِ الْأَذْكَارِ. بَلْ كَوْنُهَا عَقِيبَ السُّنَّةِ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ اشْتِغَالِ بِمَا لَيْسَ هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ يُصَحِّحُ كَوْنَهُ دُبُرَهَا وَكَوْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي السُّنَنَ فِي الْمَنْزِلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهَا قَبْلَهَا غَيْرُ لَازِمٍ، بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا بَعْدَهَا فِي الْمَنْزِلِ، وَلَا يُمْتَنَعُ نَقْلُهُ فَكَثِيرًا مَا نَقَلُوا مِمَّا كَانَ مِنْ عَمَلِهِ فِي الْبَيْتِ إمَّا بِوَاسِطَةِ نِسَائِهِ أَوْ بِسَمَاعِهِمْ صَوْتَهُ، وَكَانَتْ حُجْرَةً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَغِيرَةً قَرِيبَةً جِدًّا، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَهَا حَالَ قِيَامِهِ مُنْصَرِفًا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ جَالِسًا بَعْدَ صَلَاةٍ لَا سُنَّةَ بَعْدَهَا كَالْفَجْرِ وَالْعَصْرِ. وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ وَفِي لَفْظٍ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِالتَّكْبِيرِ» ، مَعَ مَا عُلِمَ مِمَّا سَنُثْبِتُهُ بِالصِّحَاحِ مِنْ الْأَخْبَارِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي السُّنَنَ فِي الْمَنْزِلِ، بَلْ وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مَسْجِدَ عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَصَلَّى فِيهِ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ: أَيْ يَتَنَفَّلُونَ، فَقَالَ: هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ» لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَصْلَ بِأَكْثَرَ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الذِّكْرِ هُوَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَرْفَعُونَ بِهِ أَصْوَاتَهُمْ إذَا فَرَغُوا. وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الْمَرْوِيُّ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، قِيلَ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْبُعُوثِ وَالْعَسَاكِرِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ عَالِيَةٍ؛ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَصْلُ بِالْأَذْكَارِ الَّتِي يُوَاظَبُ عَلَيْهَا فِي الْمَسَاجِدِ فِي عَصْرِنَا مِنْ قِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَأَخَوَاتِهَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَغَيْرِهَا بَلْ نَدَبَ هُوَ إلَيْهَا، وَالْقَدْرُ الْمُتَحَقِّقُ أَنَّ كُلًّا مِنْ السُّنَنِ وَالْأَوْرَادِ لَهُ نِسْبَةٌ إلَى الْفَرَائِضِ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَاَلَّذِي ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّنَّةَ عَنْهُ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَهُوَ مَا رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمُرَادِ، وَمَا يَتَخَايَلُ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ لَمْ يَقْوَ قُوَّتَهُ، أَوْ لَمْ تَلْزَمْ دَلَالَتُهُ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ هَذَا النَّصِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهَا هَذَا هُوَ قَوْلُهَا لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ سُنِّيَّةَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إذْ لَمْ تَقُلْ إلَّا حَتَّى يَقُولَ أَوْ إلَى أَنْ يَقُولَ، فَيَجُوزُ كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَرَّةً يَقُولُهُ وَمَرَّةً يَقُولُ غَيْرَهُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَخْ، وَمَا ضُمَّ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ إلَخْ، وَمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ حِينَئِذٍ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بِذَكَرٍ قَدْرِ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَكُونُ تَقْرِيبًا، فَقَدْ يَزِيدُ قَلِيلًا وَقَدْ يَنْقُصُ قَلِيلًا، وَقَدْ يُدْرِجُ وَقَدْ يُرَتِّلُ فَأَمَّا مَا يَكُونُ زِيَادَةً غَيْرَ مُقَارِبَةٍ مِثْلَ الْعَدَدِ السَّابِقِ مِنْ التَّسْبِيحَاتِ

(السُّنَّةُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ) (وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَفَسَّرَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّحْمِيدَاتِ وَالتَّكْبِيرَاتِ فَيَنْبَغِي اسْتِنَانُ تَأْخِيرِهِ عَنْ السُّنَّةِ أَلْبَتَّةَ، وَكَذَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ، عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ ذَلِكَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوَاظَبَةً لَا أَعْلَمُهُ، بَلْ الثَّابِتُ نَدْبُهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ نَدْبِهِ إلَى شَيْءٍ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يُفَرَّقْ حِينَئِذٍ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ، وَكَانَ يُسْتَدَلُّ بِدَلِيلِ النَّدْبِ عَلَى السُّنِّيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى أُصُولِنَا. وَقَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ عِنْدِي أَنَّهُ حُكْمٌ آخَرُ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ لَا بَأْسَ إلَخْ، وَالْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ كَوْنُهُ لِمَا خِلَافُهُ أَوْلَى فَكَانَ مَعْنَاهَا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْرَأَ الْأَوْرَادَ قَبْلَ السُّنَّةِ، وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ فَأَفَادَ عَدَمَ سُقُوطِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ حَتَّى إذَا صَلَّى بَعْدَ الْأَوْرَادِ يَقَعُ سُنَّةً مُؤَدَّاةً لَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَإِذَا قَالُوا لَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا تَسْقُطُ السُّنَّةُ لَكِنَّ ثَوَابَهَا أَقَلُّ فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِ قِرَاءَةِ الْأَوْرَادِ لَا تُسْقِطُهَا، وَقَدْ قِيلَ فِي الْكَلَامِ أَنَّهُ يُسْقِطُهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَفِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤَذَّنَ بِالصَّلَاةِ» وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي عَنْ الْحَلْوَانِيِّ يُوَافِقُهُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدِ، وَذَكَرَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خِلَافَهُ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ هَكَذَا: إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ الظُّهْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ كَرِهْت لَهُ الْمُكْثَ قَاعِدًا لَكِنَّهُ يَقُومُ إلَى التَّطَوُّعِ، وَلَا يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِ الْفَرِيضَةِ وَلَكِنْ يَنْحَرِفُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ يَتَأَخَّرُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ يَتَطَوَّعُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا، أَوْ يُصَلِّي وَحْدَهُ إنْ لَبِثَ فِي مُصَلَّاهُ يَدْعُو جَازَ. وَكَذَا إنْ قَامَ إلَى التَّطَوُّعِ فِي مَكَانِهِ أَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ انْحَرَفَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً جَازَ وَالْكُلُّ سَوَاءٌ، وَفِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يَتَطَوَّعُ بَعْدَهَا يُكْرَهُ الْمُكْثُ فِي مَكَانِهِ قَاعِدًا مُسْتَقْبِلًا، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ذَهَبَ وَإِنْ شَاءَ جَلَسَ فِي مِحْرَابِهِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقَوْمَ بِوَجْهِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ مَسْبُوقٌ، فَإِنْ كَانَ يَنْحَرِفُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَالصَّيْفُ وَالشِّتَاءُ سَوَاءٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، هَذَا حَالُ الْإِمَامِ. وَقَوْلُهُ الْكُلُّ سَوَاءٌ: يَعْنِي فِي إقَامَةِ السُّنَّةِ أَمَّا الْأَفْضَلُ فَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا يَأْتِي بِأَنَّ الْمَنْزِلَ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ السُّنَّةُ) يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا دَعَا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَدَّ مِنْهَا مَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي اسْتِنَانِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» فَاتَّضَحَ أَنَّ ضَمِيرَ فَسَّرَ الْمَرْفُوعُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي شُذُوذٍ مِنْ النُّسَخِ وَفَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ تَكَلَّمَ فِيهِ

غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ فَلِهَذَا سَمَّاهُ فِي الْأَصْلِ حَسَنًا وَخَيَّرَ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَرْبَعُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لِعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ ذَكَرَ الْأَرْبَعَ فَلِهَذَا خُيِّرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ انْتَهَى. لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ أَصْلُ الْحَدِيثِ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ إلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ «أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ» وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةِ «وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ» بَدَلَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ وَخَيَّرَ) أَيْ خَيَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَكَذَا الْقُدُورِيُّ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ) فَإِنَّهُ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ فَقَالَا أَرْبَعًا بَدَلَ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْمُثَابَرَةِ ذِكْرُ الْأَرْبَعِ، هُوَ مَا عُزِيَ إلَى سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ قَوْلِ كَعْبٍ، وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ تَقْدِيرِ الْأَثْوِبَةِ وَهُوَ لَا يُدْرَكُ إلَّا سَمَاعًا. هَذَا وَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ الْمُثَابَرَةِ إنَّمَا يَصْلُحُ دَلِيلُ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا السُّنَّةِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِنَقْلِ مُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَجْمُوعِ حَدِيثَيْنِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ» وَحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ» بِنَاءً عَلَى

إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، إمَّا بِأَنَّ الْأَرْبَعَ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ فَاتَّفَقَ عَدَمُ عِلْمِ ابْنِ عُمَرَ بِهِنَّ، وَإِنْ عَلِمَ غَيْرَهَا مِمَّا صَلَّى فِي بَيْتِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْكُلَّ فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمَا. وَإِمَّا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا يَذْكُرُ سُنَّةَ الظُّهْرِ وَهُوَ كَانَ يَرَى تِلْكَ وِرْدًا آخَرَ سَبَبُهُ الزَّوَالُ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْحَلْوَانِيُّ فِيمَا قَدَّمْنَا أَخْذًا مِنْ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَقَالَ إنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ» وَعِنْدَنَا هَذَا اللَّفْظُ لَا يَنْفِي كَوْنَهَا هِيَ السُّنَّةُ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِالِاسْتِدْلَالِ بِعَيْنِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ كَالظُّهْرِ لِعَدَمِ الْفَصْلِ فِيهِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ أَوْ بِكُلٍّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَهُوَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ» وَأَصْرَحُ مِنْ الْكُلِّ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» . فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ، ثُمَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنُ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ سُنَّةً لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ مَا صَلَّى الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ بَيْتِي إلَّا صَلَّى فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ، وَلَقَدْ مُطِرْنَا مَرَّةً مِنْ اللَّيْلِ فَطَرَحْنَا لَهُ نِطْعًا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى ثُقْبٍ فِيهِ يَنْبُعُ مِنْهُ الْمَاءُ وَمَا رَأَيْتُهُ مُتَّقِيًا الْأَرْضَ بِشَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ» وَهَذَا نَصٌّ فِي مُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَرْبَعِ دُونَ السِّتِّ لِلْمُتَأَمِّلِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ) نَشْرَحُهُ فِي ضِمْنِ كَلَامِنَا عَلَى الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَنَقُولُ: صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَرْبَعٌ بَعْدَ الظُّهْرِ لِحَدِيثٍ رَوَوْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ هَذَا الْعَصْرِ فِي أَنَّهَا تُعْتَبَرُ غَيْرَ رَكْعَتَيْ الرَّاتِبَةِ أَوْ بِهِمَا وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي هَلْ تُؤَدَّى مَعَهُمَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا؟ فَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا لِأَنَّهُ إنْ نَوَى عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ السُّنَّةَ لَمْ يَصْدُقْ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، أَوْ الْمُسْتَحَبَّ لَمْ يَصْدُقْ فِي السُّنَّةِ، وَإِذَا قَالُوا: إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ فِي التَّهَجُّدِ نَابَتْ تِلْكَ الرَّكْعَتَانِ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ نِيَّةُ الْأَعَمِّ، وَالْأَعَمُّ يَصْدُقُ عَلَى الْأَخَصِّ، بِخِلَافِ الْمُبَايِنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُبَايِنِهِ، وَوَقَعَ عِنْدِي أَنَّهُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عَنْ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ سَوَاءٌ احْتَسَبَ هُوَ الرَّاتِبَةَ مِنْهَا أَوْ لَا، لِأَنَّ الْمُفَادَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ بَعْدَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا مُطْلَقًا حَصَلَ الْوَعْدُ الْمَذْكُورُ، وَذَلِكَ صَادِقٌ مَعَ كَوْنِ الرَّاتِبَةِ مِنْهَا، وَكَوْنِهَا بِتَسْلِيمَةٍ أَوَّلًا فِيهِمَا وَكَوْنِ الرَّكْعَتَيْنِ لَيْسَتَا بِتَسْلِيمَةٍ عَلَى حِدَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهَا سُنَّةً، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ كَوْنِهَا بِتَحْرِيمَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ يُمْنَعُ مِنْهُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ كَمَا عُرِفَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ الْهِدَايَةِ فِيمَنْ قَامَ عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ يَظُنُّهَا الْأُولَى، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ حَتَّى سَجَدَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ سِتًّا، وَلَا تَنُوبُ الرَّكْعَتَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ عَلَى خِلَافٍ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِمَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ لِثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُحَلِّلِ وَالتَّحْرِيمَةِ، فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ إلَّا لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ. وَقَدْ مُنِعَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْقِرَانِ تَرْجِيحُ الشَّافِعِيِّ الْإِفْرَادَ بِزِيَادَةِ الْحَلْقِ بِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ. وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا مَانِعَ مِنْ جِهَتِهَا سَوَاءٌ نَوَى أَرْبَعًا لِلَّهِ

عِنْدَنَا، كَذَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى فَقَطْ أَوْ نَوَى الْمَنْدُوبَ بِالْأَرْبَعِ أَوْ السُّنَّةَ بِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْمُحَقِّقِينَ وُقُوعُ السُّنَّةِ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ لِمَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ سُنَّةً كَوْنُهُ مَفْعُولًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُوَاظَبَةِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ، وَهَذَا الِاسْمُ: أَعْنِي اسْمَ السُّنَّةِ حَادِثٌ مِنَّا، أَمَّا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا كَانَ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ لَا السُّنَّةَ، فَلَمَّا وَاظَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِعْلِ لِذَلِكَ سَمَّيْنَاهُ سُنَّةً، فَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي وَقْتِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا سُمِّيَ بِلَفْظِ السُّنَّةِ، وَحِينَئِذٍ تَقَعُ الْأُولَيَانِ سُنَّةً لِوُجُودِ تَمَامِ عِلَّتِهَا وَالْأُخْرَيَانِ نَفْلًا مَنْدُوبًا، فَلِهَذَا الْقِسْمُ مِنْ النِّيَّةِ مَا يَحْصُلُ بِهِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ تَرَكَهُ مِنْ تَقْسِيمِهِ. وَإِذَا اعْتَرَفَ بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْأَعَمُّ تَتَأَدَّى بِهَا السُّنَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّاهِدِ الَّذِي أَوْرَدَهُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ هُنَا أَيْضًا الصَّلَاةَ وَبِهَا يَتَأَدَّى السُّنَّةُ وَالْمَنْدُوبُ. وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَكَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نِيَّةُ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةٌ فَعِنْدَ عَدَمِ مُطَابِقَةِ الْوَصْفِ لِلْوَاقِعِ يَلْغُو فَتَبْقَى نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ عَلَى نَحْوِ مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُبْطِلُ الْأَصْلَ، وَبِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ يَتَأَدَّى كُلٌّ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ إذَا وَقَعَ فِي وَقْتِهِ فَظَهَرَ أَنَّ صِحَّتَهُ لَيْسَتْ بِنَاءً عَلَى أَدَاءِ الْبَائِنِ بِنِيَّةٍ مُبَايِنَةٍ بَلْ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ لِلَّغْوِ الزَّائِدِ الْمُخَالِفِ، وَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ مِنْ حَدِيثِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِنِيَّةِ التَّهَجُّدِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَقْصُودِهِ لِأَنَّ التَّهَجُّدَ مَنْدُوبٌ كَمَا يَشْهَدُ كَثِيرٌ مِنْ السُّنَّةِ بِنَدْبِ الْأُمَّةِ إلَيْهِ. وَقَدْ تُؤَدَّى بِهِ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ نَوَى مُجَرَّدَ الصَّلَاةِ أَوْ الْمَنْدُوبَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِأَنَّهَا مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضٍ، وَالتَّهَجُّدُ عِنْدَ مَشَايِخِنَا كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ فَهُوَ مُوَاظَبَةٌ عَلَى فَرْضٍ. ثُمَّ رَأَيْنَا فِي لَفْظِ الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا وَهُوَ: قَوْلَةُ فَلِهَذَا خَيَّرَ، إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْبَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي النَّوَافِلِ مُطْلَقًا أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَةٍ، فَإِذَا جَعَلَ الْمُصَلِّي مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا أَدَّاهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَثْبُتُ الْأَفْضَلِيَّةُ عِنْدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ. مِنْ جِهَةِ زِيَادَةِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَمِنْ جِهَةِ وُقُوعِ السَّلَامِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعٍ لَا ثِنْتَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنًى لِأَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ كَلَامُ الْكُلِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الرَّاتِبَةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ. وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُؤَدَّى بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا الرَّاتِبَةَ فَيُصَلِّيَ سِتًّا، فَالنِّيَّةُ حِينَئِذٍ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ أَوْ الْمَنْدُوبِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ أَهْدَرَ ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْ عَنْ السُّنَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ نُدِبَ إلَى سِتٍّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] » وَالْحَالُ فِيهَا كَالْحَالِ لِهَذِهِ الْأَرْبَعِ، فَلَوْ احْتَسَبَ الرَّاتِبَةَ مِنْهَا انْتَهَضَ سَبَبًا لِلْمَوْعُودِ (قَوْلُهُ كَذَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» وَضُعِّفَ، بِعُبَيْدَةَ بْنِ مَعْتَبٍ الضَّبِّيِّ. وَفِي لَفْظِ

قَالَ (وَنَوَافِلُ النَّهَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى بِتَسْلِيمَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا) وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلتِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِيهِنَّ تَسْلِيمٌ فَاصِلٌ؟ قَالَ لَا» وَلَهُ وَطَرِيقٌ آخَرُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، فَسَأَلَهُ أَبُو أَيُّوبَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَيْرٌ، قُلْتُ: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ: أَيُفْصَلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ؟ قَالَ لَا» . [تَتِمَّةٌ] هَلْ يُنْدَبُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَانِ؟ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَيْهِ، وَأَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَمَسَّكَ الْأَوَّلُونَ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ قَالَ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً» وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» زَادَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا» الْجَوَابُ الْمُعَارَضَةُ بِمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: «سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا. وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ» ، سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهَذَا تَصْحِيحٌ، وَكَوْنُ مُعَارَضِهِ فِي الْبُخَارِيِّ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيمَهُ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الصِّحَّةِ بَلْ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ مِنْ خَارِجٍ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ أَصَحَّ الْأَحَادِيثِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثُمَّ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ ثُمَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى شَرْطِ أَحَدِهِمَا تَحَكُّمٌ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ، إذْ الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَ إلَّا لِاشْتِمَالِ رُوَاتِهِمَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَاهَا، فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي رُوَاةِ حَدِيثٍ فِي غَيْرِ الْكِتَابَيْنِ أَفَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِأَصَحِّيَّةِ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ عَيْنَ التَّحَكُّمِ ثُمَّ حُكْمُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا بِأَنَّ الرَّاوِيَ الْمُعَيَّنَ مُجْتَمَعُ تِلْكَ الشُّرُوطِ لَيْسَ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْوَاقِعِ خِلَافَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ كَثِيرٍ فِي كِتَابِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجَرْحِ وَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ تُكُلِّمَ فِيهِمْ فَدَارَ الْأَمْرُ فِي الرُّوَاةِ عَلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ فِيهِمْ، وَكَذَا فِي الشُّرُوطِ حَتَّى أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ شَرْطًا أَوْ أَلْغَاهُ آخَرُ يَكُونُ مَا رَوَاهُ الْآخَرُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ مُكَافِئًا لِمُعَارَضَةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَكَذَا فِيمَنْ ضَعَّفَ رَاوِيًا وَوَثَّقَهُ الْآخَرُ. نَعَمْ تَسْكُنُ نَفْسُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ وَمَنْ لَمْ يَخْبُرْ أَمْرَ الرَّاوِي بِنَفْسِهِ إلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، أَمَّا الْمُجْتَهِدُ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ وَاَلَّذِي خَبِرَ الرَّاوِيَ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى رَأْيِ نَفْسِهِ، وَإِذْ قَدْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَنَا عَارَضَ مَا صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ يَتَرَجَّحُ هُوَ بِأَنَّ عَمَلَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ كَانَ عَلَى وَفْقِهِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَتَّى نَهَى إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْهُمَا فِيمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُمَا وَقَالَ:

وَأَمَّا نَافِلَةُ اللَّيْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةِ جَازَ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهُمَا» ، بَلْ لَوْ كَانَ حَسَنًا كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ تَرَجَّحَ عَلَى ذَلِكَ الصَّحِيحُ بِهَذَا، فَإِنَّ وَصْفَ الْحَسَنِ وَالصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ السَّنَدِ ظَنًّا، أَمَّا فِي الْوَاقِعِ فَيَجُوزُ غَلَطُ الصَّحِيحِ وَصِحَّةُ الضَّعِيفِ. وَعَنْ هَذَا جَازَ فِي الْحَسَنِ أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى الصِّحَّةِ إذَا كَثُرَتْ طُرُقُهُ، وَالضَّعِيفُ يَصِيرُ حُجَّةً بِذَلِكَ لِأَنَّ تَعَدُّدَهُ قَرِينَةٌ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ السَّنَدِ أَنْ يَضْعُفَ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ضَعْفِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالْحَسَنِ أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى الصِّحَّةِ بِقَرِينَةٍ أُخْرَى كَمَا قُلْنَا مِنْ عَمَلِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى وَفْقِ مَا قُلْنَاهُ وَتَرْكِهِمْ لِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَكَذَا أَكْثَرُ السَّلَفِ، وَمِنْهُمْ مَالِكٌ نَجْمُ الْحَدِيثِ. وَمَا زَادَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا لَا يُعَارِضُ مَا أَرْسَلَهُ النَّخَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّهِمَا لِجَوَازِ كَوْنِ مَا صَلَّاهُ قَضَاءً عَنْ شَيْءٍ فَاتَهُ وَهُوَ الثَّابِتُ. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «سَأَلْنَا نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ رَأَيْتُنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؟ فَقُلْنَ لَا، غَيْرَ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: صَلَّاهَا عِنْدِي مَرَّةً فَسَأَلْتُهُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَسِيتُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ» فَفِي سُؤَالِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُؤَالِ الصَّحَابَةِ نِسَاءَهُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ جَابِرٍ سَأَلْنَا لَا سَأَلْت لَا يُفِيدُ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْهُودَتَيْنِ مِنْ سُنَنِهِ، وَكَذَا سُؤَالُهُمْ لِابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ التَّحْدِيثَ بِهِ بَلْ لَمَّا سُئِلَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُثِيرَ سُؤَالِهِمْ ظُهُورُ الرِّوَايَةِ بِهِمَا مَعَ عَدَمِ مَعْهُودِيَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ الصَّدْرِ، فَأَجَابَ نِسَاؤُهُ اللَّاتِي يَعْلَمْنَ مِنْ عِلْمِهِ مَا لَا يَعْلَمْهُ غَيْرُهُنَّ بِالنَّفْيِ عَنْهُ. وَأَجَابَ ابْنُ عُمَرَ بِنَفْيِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا، وَمَا قِيلَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي فَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الْحَقَّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ النَّفْيَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ كَانَ كَالْإِثْبَاتِ فَيُعَارِضُهُ وَلَا يُقَدَّمُ هُوَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَقْدِيمَ رِوَايَةِ الْإِثْبَاتِ عَلَى رِوَايَةِ النَّفْيِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّ مَعَ رَاوِيهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ، بِخِلَافِ النَّفْيِ إذْ قَدْ يُبْنَى رِوَايَةِ الْأَمْرِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ الْعَدَمِ لِمَا يُعْلَمُ بَاطِنًا، فَإِذَا كَانَ النَّفْيُ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ تَعَارُضًا لِابْتِنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ عَلَى الدَّلِيلِ وَإِلَّا فَنَفْسُ كَوْنِ مَفْهُومِ الْمَرْوِيِّ مُثْبَتًا لَا يَقْتَضِي التَّقْدِيمَ، إذْ قَدْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ فِي الشَّرْعِ الْعَدَمَ كَمَا قَدْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ فِي الشَّرْعِ الْإِثْبَاتَ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي أُصُولِ أَصْحَابِنَا، وَحِينَئِذٍ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَالُ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ لَمْ يَخْفَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بَلْ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ يُوَاظِبُ الْفَرَائِضَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يُوَاظِبْ بَلْ يَحْضُرُهَا خَلْفَهُ أَحْيَانًا، ثُمَّ الثَّابِتُ بَعْدَ هَذَا هُوَ نَفْيُ الْمَنْدُوبِيَّةِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ الْقَنِيَّةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ وَالرَّكْعَتَانِ لَا تَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إذَا تَجَوَّزَ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا نَافِلَةُ اللَّيْلِ إلَخْ) لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي إبَاحَةِ الثَّمَانِ بِتَسْلِيمَةٍ لَيْلًا وَكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ

وَقَالَا: لَا يَزِيدُ فِي اللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَذْكُرْ الثَّمَانِيَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ، وَالْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِ أَيْضًا، وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِقَوْلِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ بَلْ تَصْحِيحٌ لِلْوَاقِعِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ. وَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ، وَقَالَا لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ يُعْطِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ نَصَبَ خِلَافٌ مِنْهُمْ فِي كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ وَقَالَا لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةِ لَكِنَّ الْعِبَارَةَ تَنْبُو عَنْهُ (قَوْلُهُ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ إلَخْ) يَعْنِي وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيفُ، قِيلَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يُخَالِفُهُ وَهُوَ مَا عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَتْ «كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَاهُ» فَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ، لَكِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْقُعُودِ فِيهَا أَصْلًا إلَّا بَعْدَ الثَّامِنَةِ، وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ سَاهِيًا عَنْ الْقَعْدَةِ يَعُودُ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَسْجُدْ لِدَلِيلٍ آخَرَ اسْتَمَرَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مُنْتَهَى تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَقَلَّهُ رَكْعَتَانِ، فَإِنَّهُ قَالَ: رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ سَبْعَ رَكَعَاتٍ تِسْعَ رَكَعَاتٍ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَاَلَّذِي قَالَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وَتْرٌ، وَاَلَّذِي قَالَ سَبْعَ رَكَعَاتٍ أَرْبَعٌ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وَتْرٌ، وَاَلَّذِي قَالَ تِسْعٌ سِتٌّ وَثَلَاثٌ. وَاَلَّذِي قَالَ إحْدَى عَشْرَةَ ثَمَانٌ وَثَلَاثٌ، وَاَلَّذِي قَالَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثَمَانٌ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وَتْرٌ وَرَكْعَتَانِ سُنَّةُ الْفَجْرِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ فَصَّلَهُ، هَكَذَا قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ انْتَهَى. أَمَّا مَا عَيَّنَهُ مِنْ مُنْتَهَاهُ فَمُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ قَالَتْ «كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَأَمَّا مَا فِي السُّنَّةِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ قَالَ: وَقُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَطَرَحْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِسَادَةً فَاضَّجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طُولِهَا، فَنَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْت مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ وَفِي رِوَايَةٍ فَتَأَمَّلْتُ صَلَاتَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ،

رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَثْنَى مَثْنَى، وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا مَثْنَى مَثْنَى، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَامَ نَفَخَ فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ فَصَلَّى فَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا وَفِي رِوَايَةٍ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا بَدَلَ وَاجْعَلْ لِي» ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ الثَّلَاثَ عَشْرَةَ غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْإِيتَارِ بِوَاحِدَةٍ مَضْمُومَةٍ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ. وَمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ «سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِكَمْ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلَاثٍ وَسِتٍّ وَثَلَاثٍ وَثَمَانٍ وَثَلَاثٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثٍ وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ» فَرِوَايَةُ عَائِشَةَ الْأُولَى تَتَرَجَّحُ عَلَيْهِمَا تَرْجِيحًا لِلرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ عَنْهَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَلَى الثَّابِتَةِ عَنْهَا فِي أَبِي دَاوُد بِمُفْرَدِهِ وَعَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِتَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ وَمِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، وَغَايَةُ مَا حَكَاهُ هُوَ مَا شَاهَدَهُ فِي لَيْلَةٍ فَاذَّةٍ، وَهِيَ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي عُمُومِ لَيَالِيِهِ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: «سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا ثَمَانٌ وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ» ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَكَأَنَّهُ حَكَى فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ مَا شَاهَدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ بِوَاسِطَةِ أَزْوَاجِهِ مَا اسْتَقَرَّ حَالُهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَ بِمَا عَلِمَهُ مُتَقَرِّرًا. وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ الْجُمْلَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ انْتَهَى. فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ غَلَطٌ. وَأَمَّا مَا عَيَّنَهُ فِي أَقَلِّهِ فَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورُ آنِفًا يُعَارِضُهُ حَيْثُ قَالَتْ «وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ» وَمَا ذَكَرَهُ نَقَلَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ أَرْجَحُ، وَإِلَّا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. ثُمَّ ظَاهِرُ مَا فِي أَبِي دَاوُد أَنَّ كُلًّا مِنْ السَّبْعِ وَمَا بَعْدَهُ إذَا أَتَى بِهِ يَقَعُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ أَوْ الْمَنْدُوبِ الْمُوَافِقِ لِطَرِيقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ تَبَيَّنَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ تَوَقُّفُ كَوْنِ الْمُتَهَجِّدِ آتِيًا بِالسُّنَّةِ عَلَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَلَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ» فَهَذَا يَقْتَضِي تَوَقُّفَهَا عَلَى عَشْرٍ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُرَجَّحُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَهَا عَلَى ثَمَانٍ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، إلَّا أَنَّ اقْتِضَاءَهُ تَوَقُّفَ فِعْلِ السُّنَّةِ عَلَى الثَّمَانِ لِمَنْ لَمْ يُسِنَّ، أَمَّا مَنْ كَبِرَ وَأَسَنَّ فَمُقْتَضَى الْآخَرِ حُصُولُ سُنَّةِ الْقِيَامِ لَهُ بِأَرْبَعٍ. بَقِيَ بِأَنَّ صِفَةَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي حَقِّنَا السُّنِّيَّةُ أَوْ الِاسْتِحْبَابُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِفَتِهَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي حَقِّهِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِي حَقِّنَا، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَوْلِيَّةَ فِيهَا إنَّمَا تُفِيدُ النَّدْبَ، وَالْمُوَاظَبَةُ الْفِعْلِيَّةُ لَيْسَتْ عَلَى تَطَوُّعٍ لِتَكُونَ سُنَّةً فِي حَقِّنَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَسُنَّةٌ لَنَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ مَشَايِخِنَا تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] الْآيَةَ

أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ. لِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَلَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ طَائِفَةٌ: تَطَوُّعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: لَا مُنَافَاةَ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّافِلَةِ الزَّائِدَةُ: أَيْ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فُرِضَ عَلَى غَيْرِك: أَيْ تَهَجَّدْ فَرْضًا زَائِدًا لَك عَلَى مَا فُرِضَ عَلَى غَيْرِك، وَرَبُّنَا يُعْطِي التَّقْيِيدَ بِالْمَجْرُورِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ النَّفَلُ الْمُتَعَارَفُ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ، وَأُسْنِدَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنَ وَأَبِي أُمَامَةَ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا نَافِلَةً بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامِلَةً فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا عَامِلَةٌ فِي تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ «قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ بَلَى قَالَتْ: خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنُ، قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ وَلَا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ أَلَسْتَ تَقْرَأُ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] قُلْت بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلًا، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشْرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ وَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ» الْحَدِيثَ وَبَاقِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزِدْ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّهُ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ نَسَخَ وُجُوبَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» ) أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَفِيهِ شُعْبَةُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِيهِ، فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةَ النَّهَارِ، وَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ، وَقَوْلُهُ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى إسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا يُعَارِضُ كَلَامَهُ هَذَا لِأَنَّ جَوْدَةَ السَّنَدِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْخَطَأِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى دَخَلَتْ عَلَى الثِّقَاتِ، وَلِهَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ بِسَنَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ عِلَّةً يَطُولُ بِذَكَرِهَا الْكَلَامُ انْتَهَى، وَلَوْ سَلِمَ فَسَنَذْكُرُ الْجَوَابَ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ) فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْفَصْلِ فِيهَا، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ لَهُمَا لَا كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ لَهُمَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» لِأَنَّهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْجَوَابِ عَنْ مَرْوِيِّ الشَّافِعِيِّ «صَلَاةُ النَّهَارِ مَثْنَى» وَهُوَ بِعَيْنِهِ جَوَابٌ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ شَفْعًا لَا وِتْرًا فَهُوَ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ دَعَا إلَى حَمْلِهِ عَلَيْهِ مُعَارَضَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْأَرْبَعِ سُنَّةً رَاتِبَةً مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا» وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يَأْوِي إلَى فِرَاشِهِ» الْحَدِيثُ بِطُولِهِ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذَةَ أَنَّهَا «سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ» وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا طَيِّبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَتْ عَمْرَةُ: «سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ» لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَوَّلَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَ بِتَسْلِيمَةٍ إذْ لَوْ قَصَدَتْ إفَادَةَ كَمِّيَّتِهِ فَقَطْ كَانَ صَحِيحًا مَعَ الْفَصْلِ، وَفِي التَّارِيخِ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ رَكْعَةٍ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ أَنَّهُ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا» رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُوَاظِبُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الضُّحَى، وَلِأَنَّهُ أَدْوَمُ تَحْرِيمَةً فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً وَأَزْيَدَ فَضِيلَةً لِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَعَلَى الْقَلْبِ يَخْرُجُ وَالتَّرَاوِيحُ تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَيُرَاعَى فِيهَا جِهَةُ التَّيْسِيرِ، وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ شَفْعًا لَا وِتْرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَلَامٍ وَاحِدٍ، فَالْأَوْلَى فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» الْحَدِيثَ، فَهَذَا الْفَصْلُ يُفِيدُ الْمُرَادَ، وَإِلَّا لَقَالَتْ ثَمَانِيًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ. وَقَدَّمْنَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا كَمَا كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَرِوَايَةُ بَعْضِ فِعْلِهِ: أَعْنِي فِعْلَ الْأَرْبَعِ لَا تُوجِبُ الْمُعَارَضَةَ، وَالْأَوْلَى فِي التَّقْرِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مُقْتَضَى لَفْظِ الْحَدِيثِ حَصْرُ الْمُبْتَدَإِ فِي الْخَبَرِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْعَامِّ: أَعْنِي صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِلَّا لَكَانَتْ كُلُّ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ لَا تَكُونُ إلَّا ثِنْتَيْنِ شَرْعًا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ الْأَرْبَعِ أَيْضًا وَعَلَى كَرَاهَةِ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ، وَإِذَا انْتَفَى كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُبَاحُ الِاثْنَتَيْنِ أَوْ لَا تَصِحُّ الِاثْنَتَيْنِ لَزِمَ كَوْنُ الْحُكْمِ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ: أَعْنِي مَثْنَى، أَمَّا فِي حَقِّ الْفَضِيلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَرْبَعٍ أَوْ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْدِ وَتَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِمُرَجِّحٍ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُدَّ عَلَى كِلَا النَّحْوَيْنِ، لَكِنَّا عَقَلْنَا زِيَادَةَ فَضِيلَةِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَشَقَّةً عَلَى النَّفْسِ بِسَبَبِ طُولِ تَقْيِيدِهَا فِي مَقَامِ الْخِدْمَةِ، وَرَأَيْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا أَجْرُكَ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكَ» فَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي: أَيْ مَثْنَى لَا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا. ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ كُلَّ مَثْنًى مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَتِهَا، وَمَثْنَى مَعْدُولٍ عَنْ الْعَدَدِ الْمُكَرَّرِ وَهُوَ اثْنَانِ اثْنَانِ، فَمُؤَدَّاهُ حِينَئِذٍ اثْنَانِ اثْنَانِ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ اثْنَانِ اثْنَانِ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَهَذَا مَعْنَى أَرْبَعُ صَلَاةٍ عَلَى حِدَةٍ أَرْبَعُ صَلَاةٍ أُخْرَى عَلَى حِدَةٍ وَهَلُمَّ جَرًّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ لَفْظُ مَثْنَى وَقَالَ الصَّلَاةُ مَثْنَى مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ الصَّلَاةُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَهَلُمَّ جَرًّا، فَيُفِيدُ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَسَبَبُ الْعُدُولِ عَنْ أَرْبَعٍ أَرْبَعٍ وَهُوَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَأَشْهَرُ مَعْنًى إلَى إفَادَتِهِ بِذَلِكَ قَصَدَ إفَادَةَ كَوْنِ الْأَرْبَعِ مَفْصُولَةً بِغَيْرِ السَّلَامِ، وَذَلِكَ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا التَّشَهُّدُ لَا مَخْلُوطَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْدَ جَعْلِ كُلِّ أَرْبَعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَتِهَا، ثُمَّ قَالَ إنَّ تِلْكَ الْأَرْبَعَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفَصْلُ بِغَيْرِ السَّلَامِ وَإِلَّا كَانَ كُلُّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ كَانَ كُلُّ صَلَاةٍ أَرْبَعًا، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ مَوْصُولًا بِمَا يَحْسُنُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مَوْقِعُهُ تَفْسِيرًا عَلَى مَا قُلْنَا، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهُّدٌ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَهُمَا فَظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ.

[فصل في القراءة]

(فَصْلٌ) فِي الْقِرَاءَةِ (الْقِرَاءَةُ فِي الْفَرْضِ وَاجِبَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَكُلُّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ] فَصْلٌ) الْقِرَاءَةُ فِي الْفَرْضِ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَجَعْلُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَاجِبًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَكْعَتَانِ غَيْرُ عَيْنٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، فَلَوْ تَرَكَهَا أَوْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ فَسَدَتْ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ صَحَّتْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْكُلِّ. وَعَنْ مَالِكٍ فِي ثَلَاثٍ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ لَيْسَتْ إلَّا سُنَّةً لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ لَا الْأَقْوَالِ، وَلِذَا تَسْقُطُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَفْعَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا تَسْقُطُ وَلِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَنَّاهُ وَمَا أَخْفَى أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَكَانَ مُؤَدَّاهُ افْتِرَاضَهَا فِي رَكْعَةٍ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَةَ اُعْتُبِرَتْ شَرْعًا كَالْأُولَى، وَإِيجَابُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا إيجَابٌ فِيهِمَا فَإِنْ قِيلَ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهَا أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ كَمَا فِي لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَيْضًا الثَّابِتُ بِالدَّلَالَةِ مَا يَفْهَمُهُ مِنْ النَّصِّ كُلُّ مَنْ يَفْهَمُ اللُّغَةَ وَلَيْسَ هُنَا ذَلِكَ. قُلْنَا لَا شَكَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِهِ دَلَالَةً لَا قِيَاسًا كَوْنُهُ يُفْهَمُ عِنْدَ فَهْمِ مَوْضُوعِ اللَّفْظِ سَوَاءٌ كَانَ أَوْلَى أَوْ لَا فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ النَّظَرِ لِمَنْ خَالَفَ، ثُمَّ نَقُولُ: مَنْ فَهِمَ اللُّغَةَ ثُمَّ عَلِمَ تَسْوِيَةَ الشَّارِعِ تَعَالَى بَيْنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْهَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ثُمَّ سَمِعَهُ يَقُولُ اقْرَأْ فِي الصَّلَاةِ تَبَادَرَ إلَيْهِ طَلَبُ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي بِمُلَاحَظَةِ تِلْكَ الْمُقَدَّمَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي نَفْسِهِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» فَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا يَثْبُتُ بِظَنِّيٍّ، وَقَوْلُهُمْ الصَّلَاةُ مُجْمَلٌ، وَوَقَعَ الْبَيَانُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي مُسَمَّى الصَّلَاةِ لَا يَنْفِي عَدَمَ الْإِجْمَالِ فِيمَا يُضَافُ إلَيْهَا مِنْ الْأَرْكَانِ شَرْعًا بَيَانًا إذَا كَانَ دَلِيلُهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: فَلِمَ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَمَا هُوَ مُحَصَّلُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ يُكْرَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ إنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُصَرَّحَ بِهَا إذَا أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ لِعَدَمِ شَرْعِيَّةِ الْوَاحِدَةِ وَقِلَّةِ شَرْعِيَّةِ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ بَقِيَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا ذَكَرَ لَهُ وَمِنْهُ الْقِرَاءَةُ، بِخِلَافِ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُوَاظَبَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ كَحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا تُفْهَمُ الْمُوَاظَبَةُ فِي الْجُمْلَةِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَغَيْرِهِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى خُصُوصِيَّةِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ صَارِفٌ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَا: اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - غَرِيبٌ، بِخِلَافِهِ عَنْ غَيْرِهَا فِي مُوَطَّأِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ وَمَا يُخَافِتُ فِيهِ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَلَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَاتِحَةً وَسُورَةً وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِشَيْءٍ. وَهَذَا بَعْدَ مَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الِانْقِطَاعِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ غَيْرِهِمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، وَإِلَّا فَاخْتِلَافُهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْوُجُوبِ لَا يَصْرِفُ دَلِيلَهُ عَنْهُ، فَالْأَحْوَطُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ يُفِيدُ نَفْيَ الْكَمَالِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ ذَلِكَ هُنَا وَيَقُولُونَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا اسْتَخْلَفَ الْقَارِئُ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ مَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ مَعَ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ بِالْجَوَازِ خِلَافًا لِلثَّلَاثَةِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ صَارَ مُؤَدًّى فَيَجُوزُ فَدَفَعَهُ هَؤُلَاءِ بِعَيْنِهِمْ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ كَانَتْ

فَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَيُفَارِقَانِهِمَا فِي حَقِّ السُّقُوطِ بِالسَّفَرِ، وَصِفَةِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْرِهَا فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا، وَالصَّلَاةُ فِيمَا رُوِيَ مَذْكُورَةٌ تَصْرِيحًا فَتَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلَةِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ عُرْفًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي (وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ سَكَتَ وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتُؤَدَّى فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» حَتَّى زَادَ فِي الْكَافِي أَنَّ هَذَا كَقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهَارَةٍ» إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوا، فَالصَّوَابُ فِي التَّقْرِيرِ مَا أَعْلَمْتُكَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ) لَحْنٌ لِأَنَّ أَلِفَ أُخْرَى رَابِعَةٌ فَيَجِبُ قَلْبُهَا يَاءً مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَصْلِهَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: الْأُخْرَيَانِ عَلَى الصَّوَابِ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ سَكَتَ) أَيْ قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: إنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ

(وَالْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ) أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلِهَذَا قَالُوا يُسْتَفْتَحُ فِي الثَّالِثَةِ، وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ شَاءَ سَكَتَ قَدْرَهَا، وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالْأُصُولِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ لِلتَّسْبِيحِ. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ) يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّتْ مِنْ تَرْكِ الْقَعْدَةِ سَاهِيًا لَكِنَّهَا تَصِحُّ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَيَجِبُ الْعَوْدُ إلَيْهَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَسْجُدْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ فَسَادُهَا، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا لِأَنَّ التَّطَوُّعَ شُرِعَ أَرْبَعًا أَيْضًا كَمَا شُرِعَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا تَرَكَهَا أَمْكَنَنَا تَصْحِيحُهَا بِجَعْلِهَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَلَا يُفْتَرَضُ حِينَئِذٍ الْقَعْدَةُ الْأُولَى لِأَنَّ افْتِرَاضَ الْقَعْدَةِ لِلْخَتْمِ، فَإِذَا لَمْ يُخْتَمْ إلَّا بَعْدَ الرَّابِعَةِ صَارَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَمْ تُفْتَرَضْ الْأُولَى بَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ وَهُوَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ تَشَهُّدٌ فَتَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْعَوْدُ بَعْدَ تَمَامِ الْقِيَامِ وَلَزِمَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعَيْنِ لِشَبَهِهَا بِالظُّهْرِ مِنْ وَجْهٍ وَمُفَارَقَتِهَا لَهُ مِنْ وَجْهٍ، فَلِلشُّبْهَةِ لَا يُؤْمَرُ بِالْعُودِ إذَا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ وَلِلْمُفَارَقَةِ يَعُودُ قَبْلَ السَّجْدَةِ كَمَا إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ مِنْ الْفَرْضِ وَهِيَ صَلَاةٌ أُخْرَى حُكْمًا فَيَقْرَأُ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي صَلَاتَيْنِ احْتِيَاطًا، وَكَذَلِكَ فِي الْوِتْرِ لِأَنَّ فِيهِ رَوَائِحَ النَّفْلِيَّةِ فَلَزِمَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ لَا كَالْقَعْدَةِ (قَوْلُهُ فِي الْمَشْهُورِ) مِنْ الرِّوَايَةِ هَذَا إذَا نَوَى أَرْبَعًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشْهُورِ، أَمَّا إذَا شَرَعَ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ (قَوْلُهُ قَالُوا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ) وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ قَعْدَةٍ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ

قَالَ (وَمَنْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَاهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً فَيَلْزَمُ الْإِتْمَامُ ضَرُورَةَ صِيَانَتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ، وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَكُونُ مُلْزِمًا، هَذَا إذَا أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، وَلَوْ أَفْسَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ شَفْعٍ، هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ أَثَرُ كَوْنِ كُلِّ شَفْعٍ مُعْتَبَرًا شَرْعًا صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَيُمْكِنُ كَوْنُهُ يُمْكِنُهُ شَرْعًا مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِذْ قَامَ إلَى شَفْعٍ آخَرَ كَانَ بَانِيًا صَلَاةً، عَلَى تَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ إذْ تِلْكَ التَّحْرِيمَةُ إنَّمَا لَزِمَ بِهَا رَكْعَتَانِ (قَوْلُهُ ضَرُورَةَ صِيَانَتِهِ) أَيْ الْمُؤَدَّى يُفِيدُ أَنَّ الْمُلَاحَظَ لُزُومُهُ أَوَّلًا صِيَانَةَ الْمُؤَدَّى الْوَاقِعِ قُرْبَةً عَنْ إبْطَالِهِ لِأَنَّهُ مَوْرِدُ النَّصِّ، قَالَ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ إبْطَالِهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا بِالْإِفْسَادِ أَوْ بَعْدَهُ بِفِعْلِ مَا يُحْبِطُهُ وَنَحْوِهِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ الْإِتْمَامُ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ هَلْ يَسْتَلْزِمُ شَرْعًا الْقَضَاءُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ لَوْ قَالَ قَائِلٌ الْمُتَحَقَّقُ إنَّمَا هُوَ اسْتِلْزَامُهُ الْإِثْمَ بِتَفْوِيتِ مُقْتَضَى النَّهْيِ، أَمَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ فَيَحْتَاجُ إلَى خُصُوصِ دَلِيلٍ؟ فَجَوَابُهُ يُفِيدُهُ الْقِيَاسُ عَلَى حَجِّ النَّفْلِ وَالْعُمْرَةِ لَمَّا لَزِمَا بِالشُّرُوعِ شَرْعًا لَزِمَ قَضَاؤُهُمَا بِتَفْوِيتِهِ، وَتَمَامُ نَصْبِ الدَّلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ وَقَعَدَ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْعُدْ وَأَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ وَجَبَ

لَا يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي اعْتِبَارًا لِلشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ. وَلَهُمَا أَنَّ الشُّرُوعَ يَلْزَمُ مَا شُرِعَ فِيهِ وَمَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ، وَصِحَّةُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي، بِخِلَافِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَى هَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَقِيلَ يَقْضِي أَرْبَعًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ. (وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَعَادَ رَكْعَتَيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْضِي أَرْبَعًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ قَضَاءُ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ لَا يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ) يَعْنِي الْأُولَيَيْنِ بَلْ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ أَيْضًا فَيَقْضِي أَرْبَعًا، وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارٌ لِلشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبُ اللُّزُومِ، فَكَمَا أَنَّ نِيَّةَ الْكَمْيَّةِ إذَا اقْتَرَنَتْ بِنَذْرِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ بِتِلْكَ الْكَمِّيَّةِ، كَذَلِكَ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالشُّرُوعِ لَزِمَ مَا شَرَعَ فِيهِ بِالْكَمِّيَّةِ الْمَنْوِيَّةِ (قَوْلُهُ أَنَّ الشُّرُوعَ) تَسْلِيمٌ لِصِحَّةِ اعْتِبَارِ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ فِي الْإِلْزَامِ، لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ فَإِنَّ الشُّرُوعَ إنَّمَا يَلْزَمُ مَا شُرِعَ فِيهِ، وَمَا لَا صِحَّةَ لِمَا شُرِعَ فِيهِ إلَّا بِهِ كَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ، وَالشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الْأَخِيرِ لَمْ يَتَحَقَّقْ، وَلَا صِحَّةُ الْأَوَّلِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ. هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ الشُّرُوعُ لُزُومَهُ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ وَجْهِ قَوْلِهِمَا إلْحَاقُ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ الْمُقْتَرِنِ بِهَا فِي لُزُومِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ تَجَرَّدَ عَنْهَا لَزِمَ بِهِ رَكْعَتَانِ فَقَطْ، وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الشُّرُوعُ يُوجِبُ مَا شُرِعَ فِيهِ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ أَنَّهُ يُوجِبُ غَيْرَ أَصْلِ صَلَاةٍ صَحِيحَةٍ بَلْ ذَلِكَ فَقَطْ لِمَا سَنَذْكُرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ) أَيْ إذَا أَفْسَدَهَا بَعْدَ مَا قَعَدَ أَوْ قَبْلَهُ قَضَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ سُنَّتْ بِالْمُوَاظَبَةِ. وَقِيلَ يَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ كَالظُّهْرِ، وَلِذَا يَنْهَضُ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى عِنْدَ " عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " فَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ، وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ إذَا عَلِمَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي، وَلَا خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ، وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ فِي

وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْأَفْعَالِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ وُجُودًا بِدُونِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْأَدَاءِ إلَّا بِهَا، وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلِ فَانْتَقَلَ إلَى الثَّانِي فَخَرَجَتْ لَا يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْمَهْرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ كَمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الظُّهْرِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ) إذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْأَفْعَالِ وَالْأَفْعَالُ فَسَدَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَيَفْسُدُ مَا عُقِدَ لَهَا (قَوْلُهُ أَنَّ لِلصَّلَاةِ وُجُودًا بِدُونِهَا) حَقِيقَةٌ فِي الْأَخْرَسِ وَالْأُمِّيِّ وَحُكْمًا فِي الْمُقْتَدِي، لَكِنْ لَا صِحَّةَ لِلْأَدَاءِ إلَّا بِالْقِرَاءَةِ، وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ: أَيْ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ تَرْكِ الْأَدَاءِ بِأَنْ تُحْرِمَ وَاقِفًا ثُمَّ تَرَكَ أَدَاءَ كُلِّ الْأَفْعَالِ بِأَنْ وَقَفَ سَاكِتًا طَوِيلًا لَا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ، وَهَذَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَمْ تُعْقَدْ إلَّا لِهَذَا الشَّفْعِ، فَإِنَّ بِنَاءَ الشَّفْعِ الثَّانِي عَلَى هَذِهِ التَّحْرِيمَةِ جَائِزٌ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَبِفَسَادِهِ لَا تَنْتَفِي فَائِدَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِتَفْسُدَ هِيَ، وَيُرَدُّ أَنْ هَذَا تَأْخِيرٌ لَا تَرْكٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّرْكِ إيَّاهُ مَنَعْنَا كَوْنَهُ مِثْلَ الْفَسَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ بِذَلِكَ التَّرْكِ عَدَمُ بُطْلَانِهَا بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ التَّرْكِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ هَكَذَا التَّحْرِيمَةُ تُرَادُ لِكُلٍّ مِنْ الشَّفْعَيْنِ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِفَسَادِهِمَا، فَفَسَادُ الْأَوَّلِ فَقَطْ لَيْسَ قَاطِعًا فِي عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَهَا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا عُقِدَتْ لِلثَّانِي بِوَاسِطَةِ أَدَاءِ الْأَوَّلِ قَبْلَهُ فَإِذَا فَسَدَ لَمْ يَتَحَقَّقْ الثَّانِي: فَالْجَوَابُ إنْ قُلْت إذَا فَسَدَ الْأَوَّلُ امْتَنَعَ أَدَاءُ الثَّانِي لِأَنَّ أَدَاءَهُ

فَلَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ، وَفِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَفَسَادُهَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَقَضَيْنَا بِالْفَسَادِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَحَكَمْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي احْتِيَاطًا، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ قَضَى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُمَا فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَبَقِيَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ إذَا فَسَدَ الْكُلُّ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ عِنْدَهُ. (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَبْطُلْ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ فَسَادُهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَمْ يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ صَحَّ فَقَدْ أَدَّاهَا (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَضَاءُ الْأَرْبَعِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَاءً عَلَى صِحَّةِ أَدَاءِ الْأَوَّلِ مَنَعْنَا كَوْنَ أَدَائِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْ قُلْت بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ كَانَ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْقِرَاءَةَ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي حُكْمًا بَاطِلٌ بَلْ مُنْتَفِيَةٌ حَقِيقَةً ثَابِتَةٌ حُكْمًا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ مُبْطِلُ التَّحْرِيمَةِ لِمَا قُلْنَا لِمُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ تَرْكِهَا فِي رَكْعَةٍ لِأَنَّ فَسَادَهَا بِهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِأَنَّ عِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَا تَفْسُدُ، فَحُكْمُنَا بِالْفَسَادِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ إعْمَالًا لِلدَّلِيلِ الدَّالِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَحُكْمُنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي إعْمَالًا لِلدَّلِيلِ الدَّالِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ احْتِيَاطًا فِي الْبَابَيْنِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِهَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ عَمَّا قَرَرْنَاهُ لِأَبِي يُوسُفَ، بَلْ جَوَابُهُ مَنَعَ أَنَّ فَسَادَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ لِأَنَّ التَّرْكَ مُجَرَّدُ تَأْخِيرٍ وَالْفَسَادَ فِعْلٌ مُفْسِدٌ، وَلَوْ سَلِمَ اخْتَرْنَا الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْ تَرْدِيدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَنْعُ كَوْنِ أَدَاءِ الثَّانِي مَبْنِيًّا عَلَى صِحَّةِ الْأَوَّلِ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ قَبْلَهُ وَوُجُودُ الْأَوَّلِ بِصِحَّتِهِ فَكَيْفَ لَا يَتَوَقَّفُ أَدَاؤُهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ) وَهَذَا إذَا كَانَ قَعَدَ وَإِلَّا قَضَى أَرْبَعًا

ارْتَفَعَتْ عِنْدَهُ. وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَقَالَ: رَوِيت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ. (وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَضَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ) قَالَ (وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا» يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَكُونُ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ كُلِّهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ) وَاعْتَمَدَتْ الْمَشَايِخُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ فِي الْأُصُولِ بِأَنَّ تَكْذِيبَ الْأَصْلِ الْفَرْعَ يُسْقِطُ الرِّوَايَةَ إذَا كَانَ صَرِيحًا، وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ مِثْلِ الصَّرِيحِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلْيَكُنْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ بَلْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ التَّنَفُّلَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا أَفْضَلُ مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَرَدَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا، وَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يُصَلِّي عَلَى إثْرِ صَلَاةٍ مِثْلَهَا، فَفَسَّرَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِلَا قِرَاءَةٍ إذْ هُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ عَقِيبَ الظُّهْرِ الْمَقْصُورَةِ. وَكَذَا الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ عَقِيبَ رَكْعَتَيْهِ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى، أَوْ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ مَخَافَةَ الْخَلَلِ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، قُلْت: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّيْت، إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ: نَعَمْ، قَالَ: أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ ذَلِكَ إلَيْك إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ. وَقَالَ: هَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ إنَّمَا أَرَادَ كِلْتَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ، أَوْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَلَا يُعِيدُ انْتَهَى. وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بِإِبَاحَةِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَإِنْ

(وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ. وَأَمَّا كَوْنُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الْقَاعِدَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» ) أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ: مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا فِي النَّافِلَةِ، أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ، فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يُنْقَصْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ انْتَهَى. وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» ثُمَّ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ، لِمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حُدِّثْت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ صَلَاةِ الْقَائِمِ، فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، قَالَ حُدِّثْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّكَ قُلْتَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، قَالَ أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ «صَلَاةُ النَّائِمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ» وَلَا نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ، وَهَذَا حِينَئِذٍ يُعَكِّرُ عَلَى حَمْلِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى النَّفْلِ، وَعَلَى كَوْنِهِ فِي الْفَرْضِ لَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ شَيْءٌ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ كِتَابُهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا عَاقَّهُ الْمَرَضُ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا أَصْلًا، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ احْتِسَابَ مَا صَلَّى قَاعِدًا بِالصَّلَاةِ قَائِمًا لِجَوَازِ احْتِسَابِهِ نِصْفًا

(وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجْزِيهِ، وَهُوَ قِيَاسٌ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ. لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ وَلَمَّا بَاشَرَ صَحَّ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ يُكْمِلُ كُلَّ عَمَلِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مُفَضِّلًا وَإِلَّا فَالْمُعَارَضَةُ قَائِمَةٌ لَا تَزُولُ إلَّا بِتَجْوِيزِ النَّافِلَةِ نَائِمًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي فِقْهِنَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا إلَخْ) هُنَا صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا افْتَتَحَهَا قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ، وَالْأُخْرَى قَلْبُهُ فَفِي الْأُولَى يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِمَا عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ» الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَالَ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ الْمُنْعَقِدَةَ لِلْقُعُودِ لَا تَكُونُ مُنْعَقِدَةً لِلْقِيَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يُتِمُّهَا قَائِمًا لَمْ يُخَالِفْ فِي الْجَوَازِ هُنَا لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ثُمَّ جَازَ لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فَمَا انْعَقَدَتْ إلَّا لِلْمَقْدُورِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. ثَانِيَتُهُمَا: افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ يَجُوزُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْعُدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، كَمَا يُنَادَى بِهِ هَذَا الْإِطْلَاقِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ

(وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَتَنَفَّلُ عَلَى دَابَّتِهِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ يُومِئُ إيمَاءً) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ يُومِئُ إيمَاءً» ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْعُدَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَكَذَا إذَا شَرَعَ قَائِمًا وَلَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ: أَيْ فِيمَا قَعَدَ فِيهِ، وَلِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ، أَوْ لِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ مُطْلَقًا صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ فَلَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمُبَاشَرِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ عَلَى الْقِيَامِ فِيمَا بَقِيَ وَهَذِهِ الْمُقَدَّمَاتُ مِمَّا يُسَلِّمَانِهَا، وَلَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ شَيْءٌ مِنْهَا لِنُكْتَةِ الْخِلَافِ، وَهُوَ أَنَّ الشُّرُوعَ بِصِفَةِ الْقِيَامِ يَلْزَمُ الْقِيَامَ فِي الْكُلِّ كَنَذْرِهَا بِصِفَةِ الْقِيَامِ. فَالْجَوَابُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ وَلِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مَا قَامَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَقُمْ فِيهِ صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ مُتَضَمِّنًا مَنْعَ كَوْنِ الشُّرُوعِ بِالْقِيَامِ مُوجِبًا لِلْقِيَامِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِ الشُّرُوعِ مُوجِبًا غَيْرَ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ إلْحَاقِ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا بَلْ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْفِعْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ الشُّرُوعِ الْإِتْمَامَ لَيْسَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِوُجُوبِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِوُجُوبِ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ دُونَ خُصُوصِيَّةِ صِفَةٍ إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ نَفْسُهَا مِنْ وَاجِبَاتِ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ. بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ بِنَفْسِهِ عَامِلٌ، وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ بِصِفَةِ الْمَشْيِ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ مَاشِيًا لَمْ يَلْزَمْ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَنْبَغِي إذَا أَطْلَقَ نَذْرَ الصَّلَاةِ تَجِبُ بِصِفَةِ الْقِيَامِ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ إلَى آخِرِهَا فَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ، غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى الْقُعُودِ رُخْصَةً فِي النَّفْلِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَّا إلَيْهِ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ. وَقِيلَ هُوَ بِالْخِيَارِ. وَقِيلَ كَمَا فِي الْكِتَابِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ مَا فِي الْكِتَابِ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ الْكَنْزِ إلَّا لَوْ كَانَ إيجَابُ الْقُعُودِ وَلَا رِوَايَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ عُرِفَ الْجَوَابُ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ نِيَّةِ الْأَرْبَعِ مَعَ الشُّرُوعِ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ يُومِئُ إيمَاءً، وَقَدْ غَلِطَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ عَلَى حِمَارٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ يُصَلِّي يُومِئُ إيمَاءً» وَسَكَتَ عَلَيْهِ. وَفِي الْإِمَامِ عَزَى لَفْظَ الْإِيمَاءِ إلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَالزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَرَهُ فِيهِمَا. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِ الْإِيمَاءِ انْتَهَى. وَقَدْ رَأَيْنَاهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ «رَأَيْتُ

وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَالِاسْتِقْبَالَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ، أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ، وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِهَا، وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازِ فِي الْمِصْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي كُلِّ وَجْهٍ يُومِئُ إيمَاءً وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ» (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَالِاسْتِقْبَالَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ) إنْ لَمْ يَنْزِلْ أَوْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ (أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ النَّافِلَةِ) إنْ نَزَلَ أَوْ اسْتَقْبَلَ (أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ) فَلَا يَشُقُّ إلْزَامُ النُّزُولِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَلِأَنَّ الرُّفَقَاءَ مُتَظَافَرُونَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَنْقَطِعُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقِفُوا لَهُ وَخَافَ مِنْ النُّزُولِ اللِّصَّ أَوْ السُّبُعَ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا رَاكِبًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رُكُوبِهَا إلَّا بِمُعِينٍ، أَوْ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَجِدُ مَنْ يُرَكِّبُهُ. وَكَذَا الطِّينُ وَالْمَطَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَالْوَاجِبَاتُ مِنْ الْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَمَا شُرِعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالسَّجْدَةِ الَّتِي تُلِيت عَلَى الْأَرْضِ كَالْفَرْضِ. وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَتَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةٍ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَعَلَى هَذَا اُخْتُلِفَ فِي أَدَائِهَا قَاعِدًا (قَوْلُهُ وَالْجَوَازُ) عَطْفٌ عَلَى اشْتِرَاطٍ، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالثَّانِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْخُرُوجِ، قِيلَ قَدْرُ فَرْسَخَيْنِ لَا مَا دُونَهُ، وَقِيلَ مِيلٌ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ لَفْظِ الْأَصْلِ، قِيلَ وَالْأَصَحُّ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ) رَاكِبًا بِلَا كَرَاهَةٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مَعَهَا قِيلَ لَمَّا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَسَمَّاهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ الْحِمَارَ فِي الْمَدِينَةِ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ يُصَلِّي وَهُوَ رَاكِبٌ» فَلَمْ يَرْفَعْ

أَيْضًا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَالْحَاجَةُ إلَى الرُّكُوبِ فِيهِ أَغْلَبُ. (فَإِنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ) لِأَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ، فَإِنْ أَتَى بِهِمَا صَحَّ، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ لِوُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو حَنِيفَةَ رَأْسَهُ، قِيلَ ذَلِكَ رُجُوعٌ مِنْهُ، وَقِيلَ بَلْ لِأَنَّهُ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَالشَّاذُّ فِي مِثْلِهِ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ، وَمُحَمَّدٌ تَمَسَّكَ بِهِ أَيْضًا وَكَرِهَهُ مَخَافَةَ الْغَلَطِ لِمَا فِي الْمِصْرِ مِنْ كَثْرَةِ اللَّغَطِ، هَذَا وَالنَّجَاسَةُ عَلَى الدَّابَّةِ لَا تَمْنَعُ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى السُّرُجِ وَالرِّكَابَيْنِ تَمْنَعُ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ فَقَطْ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً، وَالْجَوَازُ عَلَيْهَا رُخْصَةٌ تَكْثِيرًا لِلْخَيْرَاتِ سَقَطَ لَهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ وَهُوَ الْأَرْكَانُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَهَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ إنْ كَانَ طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ لَا تَسِيرُ فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَقَدْ فَرَّعْنَا عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ كَالسَّرِيرِ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ تَحْتَ الْمَحْمَلِ خَشَبَةً حَتَّى بَقِيَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَا الدَّابَّةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي. وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ قَلْبُهُ لِأَنَّ الرَّاكِبَ إذَا نَزَلَ لَوْ اسْتَقْبَلَ كَانَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ أَدَاءِ بَعْضِهَا بِهِمَا وَبَعْضِهَا بِالْإِيمَاءِ، وَالنَّازِلُ إذَا رَكِبَ لَوْ اسْتَقْبَلَ كَانَ مُؤَدِّيًا جَمْعَهَا بِالْإِيمَاءِ، وَلَوْ بَنَى أَدَّى بَعْضَهَا بِهِ وَبَعْضَهَا بِهِمَا وَهُوَ أَوْلَى. وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ: يَبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاءُ صَلَاةٍ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ عَلَى صَلَاةٍ افْتَتَحَهَا بِإِيمَاءٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا، أَمَّا إذَا كَانَ نَازِلًا

غَيْرِ عُذْرِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ رَكِبَ فَلِلْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا فِي قَلْبِهِ فَإِلْحَاقًا بِالْمَرِيضِ الْمُومِئِ إذَا قَدَرَ فِي خِلَالِهَا عَلَيْهِمَا، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الرُّكُوبُ وَالنُّزُولُ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ بِأَنْ رَفَعَ فَوَضَعَ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ ثَنَى رِجْلَهُ فَانْحَدَرَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ. وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الدَّابَّةِ وَاقِعَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَعَدَمِ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ، وَبَعْضُ الشُّرُوطِ جَوَّزَتْ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ إلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ، وَدَلِيلُ الْحَاجَةِ الرُّكُوبُ، فَإِذَا افْتَتَحَ عَلَى الْأَرْضِ انْتَفَى دَلِيلُهَا الْمُجَوِّزُ وَثَبَتَ دَلِيلُ الِاسْتِغْنَاءِ فَلَا يَجُوزُ مَعَهُ بِالْإِيمَاءِ، بِخِلَافِ الِافْتِتَاحِ رَاكِبًا، فَإِنَّهُ مَعَ دَلِيلِهَا وَمَا يَتَخَايَلُ فِيهِ مِنْ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَالْمُومِئِ لِمَرَضٍ إذَا قَدَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ فِي الْأَثْنَاءِ لَا يَبْنِي مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عَدَمَ بِنَاءِ الْمَرِيضِ فِي الْفَرْضِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْهُمْ فِيهِ فِي النَّفْلِ، فَجَازَ أَنْ يَقُولَ يَبْنِي فِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَأَنْ يَقُولَ لَا يَبْنِي. وَيُفَرِّقُ بِأَنَّ إيمَاءَ الْمَرِيضِ اُعْتُبِرَ شَرْعًا بَدَلًا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ الْمَانِعُ فِيهِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْأَصْلِ لَا لِذَاتِهِ، إذْ لَا يَعْقِلُ وَجْهُ امْتِنَاعِ كَوْنِ بَعْضِ الصَّلَاةِ قَوِيًّا وَبَعْضِهَا أَضْعَفُ مِنْهُ بَعْدَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ، وَمَعْنَى الْبَدَلِ هُوَ الَّذِي لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ إلَّا عِنْدَ إعْوَازِ الْأَصْلِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الرَّاكِبِ إذْ يُمْكِنُهُ الِانْتِصَابُ فِي الرِّكَابَيْنِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَى مَا أَمَامَهُ، فَكَانَ إيمَاؤُهُ مُعْتَبَرًا أَصْلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَانَ قَوِيًّا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا بَدَلًا فَصَحَّ الْبِنَاءُ بِهِمَا عَلَيْهِ. وَقِيلَ لَمَّا جَازَ لِلرَّاكِبِ أَنْ يَفْتَتِحَ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِمَا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ بِهِ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنْ لَا يَبْنِيَ فِي الْمَكْتُوبَةِ إذَا افْتَتَحَهَا رَاكِبًا إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا رَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا بِالنُّزُولِ، وَلِذَا قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكِتَابِ بِهِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ. وَأَمَّا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُفْتَتِحِ رَاكِبًا إذَا نَزَلَ وَقَلْبِهِ فَمُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ أَرَدْت أَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لَهُمَا بِأَنْ يَنْزِلَ فَأَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَعَيْنُ النِّزَاعِ، وَإِنْ أَرَدْت وَهُوَ رَاكِبٌ بِأَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْإِكَافِ مَنَعْنَا كَوْنَ الْإِجْزَاءِ بِهِمَا بَلْ بِالْإِيمَاءِ الْوَاقِعِ فِي ضِمْنِهِمَا. وَأَظْهَرُ الْأُمُورِ فِي تَقْرِيرِهِ أَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِالْإِجْزَاءِ بِمُجَرَّدِ الْإِيمَاءِ، فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ قَبْلَ وُصُولِ رَأْسِهِ إلَى الْإِكَافِ فَلَا يَقَعُ بِهِمَا إذْ قَدْ حَصَلَ قَبْلَهُمَا

[فصل في قيام شهر رمضان]

وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا نَزَلَ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ (يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ إمَامُهُمْ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ، كُلُّ تَرْوِيحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا نَزَلَ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً) يَعْنِي يَسْتَقْبِلُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتِمَّهَا حَتَّى نَزَلَ فَإِنَّهُ يَبْنِي إذَا لَمْ يُتِمَّ كَانَ مُجَرَّدَ تَحْرِيمَةٍ وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَالشَّرْطُ الْمُنْعَقِدُ لِلضَّعِيفِ يَكُونُ شَرْطًا لِلْقَوِيِّ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُمْ. يَعْنِي إذَا نَزَلَ يَبْنِي مُطْلَقًا لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ الْمُمْتَنِعِ، وَلَمَّا جَرَى فِيمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَمْرُ النَّذْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ أَحْبَبْنَا سَوْقَ بَعْضِ فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ تَتْمِيمًا: نَذَرَ شَفْعًا بِلَا وُضُوءٍ أَوْ بِلَا قِرَاءَةٍ يَجِبُ شَفْعٌ بِوُضُوءٍ وَقِرَاءَةٍ. وَقَالَ زُفَرُ لَا لِأَنَّهُ نَذَرَ مَا لَيْسَ قُرْبَةً فَفَاتَ شَرْطُ لُزُومِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ سَمَّى مَا لَا يَصِحُّ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَهُ كَبِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَا يَلْزَمُهُ أَوْ يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ كَبِلَا قِرَاءَةٍ يَلْزَمُهُ. قُلْنَا الْتِزَامُ الشَّيْءِ الْتِزَامٌ لِمَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ كَنَذْرِ الصَّلَاةِ. الصَّلَاةُ إيجَابُ الْوُضُوءِ فَالصَّلَاةُ قُرْبَةٌ وَقَدْ الْتَزَمَهَا إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يُخْرِجُهَا عَنْ الْقُرْبَةِ فَيَلْغُو، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ قُرْبَةً أَصْلِيَّةً. وَلَوْ نَذَرَ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثًا وَجَبَ رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ. وَقَالَ زُفَرُ فِي الْأَوَّلُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَفِي الثَّانِي رَكْعَتَانِ. لَنَا أَنَّهُ الْتَزَمَ بَعْضَ مَا لَا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ الْتِزَامًا لِلْكُلِّ كَإِيقَاعِهِ. وَلَوْ نَذَرَتْ نَفْلًا غَدًا فَحَاضَتْ فِيهِ قَضَتْهُ، خِلَافًا لَهُ. قَالَ نَذَرَ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ. قُلْنَا: بَلْ بِهِ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى الْيَوْمِ وَهُوَ مَحَلُّهُ. وَاعْتِرَاضُ الْحَيْضِ مَنَعَ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ عِنْدَ صُدُورِ النَّذْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ يَوْمَ حَيْضِي. [فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ] (فَصْلٌ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ) التَّرَاوِيحُ جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ أَيْ تَرْوِيحَةٍ لِلنَّفْسِ: أَيْ اسْتِرَاحَةٍ، سُمِّيَتْ نَفْسُ الْأَرْبَعِ بِهَا لِاسْتِلْزَامِهَا شَرْعًا تَرْوِيحَةً:

بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ، ثُمَّ يُوتِرَ بِهِمْ) ذَكَرَ لَفْظَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ الْمُوَاظَبَةَ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تَكْتُبَ عَلَيْنَا (وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ) لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ اسْتِرَاحَةً فَلِذَا قَالَ: وَيَجْلِسُ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ) تَغْلِيبٌ إذْ لَمْ يُرِدْ كُلَّهُمْ بَلْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَهَذَا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَارِئِ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ يُرِيدُ آخِرُ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ» وَقَدْ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُذْرَ فِي تَرْكِهَا وَهُوَ خَشْيَةُ الِافْتِرَاضِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. زَادَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ «فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ» وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ النَّوَافِلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» الْحَدِيثُ. وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوِتْرِ» فَضَعِيفٌ بِأَبِي شَيْبَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ مَعَ مُخَالِفَتِهِ لِلصَّحِيحِ. نَعَمْ ثَبَتَتْ الْعِشْرُونَ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ فِي الْمُوَطَّإِ. عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ " كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ

أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَنْ إقَامَتِهَا كَانُوا مُسِيئِينَ، وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لِلْفَضِيلَةِ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَبَيْنَ الْوِتْرِ لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَكْعَةً ". وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَفِي الْمُوَطَّإِ رِوَايَةٌ بِإِحْدَى عَشْرَةَ. وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ وَقَعَ أَوَّلًا ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ الْمُتَوَارِثُ، فَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ سُنَّةٌ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ فِي جَمَاعَةٍ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ، أَفَادَ أَنَّهُ لَوْلَا خَشْيَةَ ذَلِكَ لَوَاظَبْت بِكُمْ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ سُنَّةً، وَكَوْنُهَا عِشْرِينَ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» نَدْبٌ إلَى سُنَّتِهِمْ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ سُنَّتَهُ. إذْ سُنَّتُهُ بِمُوَاظَبَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ إلَّا لِعُذْرٍ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ ذَلِكَ الْعُذْرِ إنَّمَا اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَتَكُونُ الْعِشْرُونَ مُسْتَحَبًّا وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهَا هُوَ السُّنَّةُ كَالْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ وَرَكْعَتَانِ مِنْهَا هِيَ السُّنَّةُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ السُّنَّةَ عِشْرُونَ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَا قُلْنَا، فَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ مَا هُوَ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ) ذُكِرَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ وَنَافِعٍ وَسَالِمٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا فِي بَيْتِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَيُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَجَوَابُهُ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَانِ الْعُذْرِ فِي تَرْكِهِ وَفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ) قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَالْمُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ بَدَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، إلَّا أَنَّهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ التَّنَفُّلِ مَا شَاءَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ بِجَمَاعَةٍ وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالْخِيَارِ يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا أَوْ يُصَلُّونَ أَرْبَعًا فُرَادَى، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الِانْتِظَارُ

وَاسْتَحْسَنَ الْبَعْضُ الِاسْتِرَاحَةَ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً فَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ (وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّرَاوِيحَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّاحَةِ فَيُفْعَلُ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ وَكَذَا هُوَ مُتَوَارَثٌ. (قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ) لِأَنَّهَا سُنَّةٌ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَكَانَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْوِتْرِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: اللَّيْلُ كُلُّهُ وَقْتُهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَسُنَّتِهَا فَكَانَتْ تَبَعًا لَهَا. وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَدَائِهَا بَعْدَ النِّصْفِ، فَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ كَسُنَّتِهَا وَالصَّحِيحُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إلَخْ) يُقَابِلُ قَوْلَ الْأَكْثَرِ مَا قِيلَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ النَّوَافِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ خُصُوصًا بِالْجَمَاعَةِ وَمَا قِيلَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثِينَ آيَةً لِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقَعُ الْخَتْمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ كُلَّ عَشْرٍ مَخْصُوصٌ بِفَضِيلَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَنَّهُ «شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنْ النَّارِ» . وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ إذَا خَتَمَ قَبْلَ آخِرِهِ قِيلَ لَا يُكْرَه تَرْكُ التَّرَاوِيحِ فِيمَا بَقِيَ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ، فَعَدَدُ التَّرَاوِيحِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ، وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَشَيْءٌ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ قَالَ: عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا وَهُوَ حَسَنٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ إحْدَى وَسِتِّينَ خَتْمَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةٌ وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ خَتْمَةٌ وَفِي كُلِّ التَّرَاوِيحِ خَتْمَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ) تَأْكِيدٌ فِي مَطْلُوبِيَّةِ الْخَتْمِ وَأَنَّهُ تَخْفِيفٌ عَلَى النَّاسِ لَا تَطْوِيلٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَإِذَا كَانَ إمَامُ مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَخْتِمُ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَتْرُكُهَا) إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَثْقُلُ عَلَى الْقَوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا لِأَنَّهَا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَا يَتْرُكُ السُّنَنَ

[باب إدراك الفريضة]

فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) (وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ يُصَلِّي أُخْرَى) صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ) إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْجَمَاعَاتِ كَالتَّسْبِيحَاتِ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ، وَالْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ فَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا فِيهِ. وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ صَلَّاهَا بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَدَمُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ تَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا قَدَحَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ يُعَدُّ عَدَمُ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ. فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْجَمَاعَةُ كَانَتْ أَفْضَلَ، وَفِي النِّهَايَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا قَالَ: وَاخْتَارَ عُلَمَاؤُنَا أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ لَا بِجَمَاعَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّرَاوِيحِ، لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ كَانَ لَا يَؤُمُّهُمْ اهـ. وَحَاصِلُ هَذَا اخْتِلَافٌ فِعْلِيٌّ وَأَنْتَ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوْتَرَ بِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ مِثْلِ مَا صَنَعَ فِيمَا مَضَى، فَكَمَا أَنَّ فِعْلَهُ الْجَمَاعَةَ بِالنَّفْلِ ثُمَّ بَيَانَهُ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ أَوْجَبَ سُنِّيَّتَهَا فِيهِ فَكَذَلِكَ الْوِتْرُ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْجَارِيَ فِيهِ مِثْلُ الْجَارِي فِي النَّفْلِ بِعَيْنِهِ، وَكَذَا مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ فِعْلِ الْخُلَفَاءِ يُفِيدُ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِيهِ أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ عُمَرُ: وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ، وَعَلِمَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَاجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا " فَأَخَّرَهُ لِذَلِكَ، وَالْجَمَاعَةُ فِيهِ إذْ ذَاكَ مُتَعَذِّرَةٌ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهِ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ كَمَا يُعْطِيهِ إطْلَاقُ جَوَابِ هَؤُلَاءِ. [بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ] حَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَكُلُّهُ مَسَائِلُ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أُقِيمَتْ) حَقِيقَةُ إقَامَةِ الشَّيْءِ فِعْلُهُ، وَهَذَا أَرَادَ لَا مَا إذَا شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ الْإِمَامُ بَلْ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ

(وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَيَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ، وَهَذَا الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ يَدْخُلُ مَعَهُمْ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) إلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُخْتَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ. وَجْهُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ فَكَانَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ قُرْبَةً فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ مَا أَمْكَنَ بِالنَّصِّ، وَاسْتِئْنَافُ الْفَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ لَا يُسْلَبُ قُدْرَةَ صَوْنِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إتْمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ وَإِنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ الْإِبْطَالُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ. نَعَمْ غَايَةُ الْأَكْمَلِيَّةِ فِي أَنْ لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُعَارِضُهُ حُرْمَةُ الْإِبْطَالِ، بِخِلَافِ إتْمَامِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِوَصْفِهَا إلَى وَصْفٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَالنَّقْلِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ فَحَضَرَتْ جِنَازَةٌ خَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا تَفُوتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعًا، وَقَطْعُ النَّفْلِ مُعَقِّبٌ لِلْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ لَوْ اخْتَارَ تَفْوِيتَهَا كَانَ لَا إلَى خَلْفِ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ) يَعْنِي هُوَ تَفْوِيتُ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لِتَحْصِيلِهِ بِوَجْهٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِتَجْدِيدِهِ، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ إحْسَانٍ جَائِزًا لِحُطَامِ الدُّنْيَا كَالْمَرْأَةِ إذَا فَارَ قِدْرُهَا وَالْمُسَافِرُ إذَا نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ خَافَ فَوْتَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ فَجَوَازُهُ لِتَحْصِيلِهِ نَفْسَهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اتَّحَدَ مَسْجِدُهُمَا، فَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ مَثَلًا فَأُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: بُطْلَانُ الْوَصْفِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمُضِيِّ، كَمَا إذَا قَيَّدَ خَامِسَةَ الظُّهْرِ بِسَجْدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ قَعَدَ الْأَخِيرَةَ، أَمَّا إذَا

وَلَوْ كَانَ فِي السُّنَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ أَوْ خَطَبَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّهَا (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْ الظُّهْرِ يُتِمُّهَا) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَا يُحْتَمَلُ النَّقْضُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدُ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَيْثُ يَقْطَعُهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرَّفْضِ وَيَتَخَيَّرُ، إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ (وَإِذَا أَتَمَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْمُضِيِّ لَكِنْ أَذِنَ لَهُ الشَّرْعُ فِي عَمَلِهِ فَلَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا بَلْ تَبْقَى نَفْلًا إذَا ضَمَّ الثَّانِيَةَ. (قَوْلُهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَحُكِيَ عَنْ السُّغْدِيِّ: كُنْت أُفْتِي أَنَّهُ يُتِمُّ سُنَّةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ حَتَّى رَأَيْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَرَعَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ خَرَجَ الْإِمَامُ قَالَ: إنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ فَرَجَعْتُ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَقَّالِيُّ. وَقِيلَ يُتِمُّهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَضَائِهَا بَعْدَ الْفَرْضِ، وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَقْطَعُهَا) بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ قَطْعِ الْأُولَى قَبْلَ السُّجُودِ وَضَمَّ ثَانِيَةٍ لِأَنَّ ضَمَّهَا هُنَا مُفَوِّتٌ لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ فَيَفُوتُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ: يَعُودُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ صَلَاةٍ مُعْتَدٍّ بِهَا، وَذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةِ الْقُعُودِ. وَاخْتُلِفَ إذَا عَادَ هَلْ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ؟ قِيلَ نَعَمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قُعُودَ خَتْمٍ، وَقِيلَ

يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةً) لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ صَلَّى مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً ثُمَّ أُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَذَا إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ، وَبَعْدَ الْإِتْمَامِ لَا يَشْرَعُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَكَذَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ، وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةٌ لِإِمَامِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكْفِيهِ ذَلِكَ التَّشَهُّدُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ ارْتَفَضَ ذَلِكَ الْقِيَامَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ، ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةٌ) دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي مُسْلِمٍ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» وَكَرَاهَةُ النَّفْلِ بِجَمَاعَةٍ خَارِجَ رَمَضَانَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُتَنَفِّلِينَ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْإِعَادَةِ حِينَئِذٍ مَجَازٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ) فَإِنْ قِيلَ: رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّتَهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَاهَا مَعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالصَّارِفُ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ جَعَلَهَا نَافِلَةً. فَالْجَوَابُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ الصُّبْحِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مُقَدَّمٌ، وَاعْتِبَارُهُمْ كَوْنَ الْخَاصِّ مُطْلَقًا مُقَدَّمًا عَلَى الْعَامِّ مَمْنُوعٌ بَلْ يَتَعَارَضَانِ فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَعْلُومَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، كَيْفَ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّهَا إلَّا الْفَجْرَ وَالْمَغْرِبَ» . قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَكَانَ ثِقَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَعْلِيلِ إخْرَاجِهِ الْفَجْرَ بِمَا يُلْحَقُ بِهِ الْعَصْرُ خُصُوصًا عَلَى رَأْيِهِمْ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ مِمَّا يُعَلَّلُ وَيُلْحَقُ بِهِ إخْرَاجًا (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ وَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا، وَمَا عَنْهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَهُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةُ إمَامِهِ) دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْهُ، وَمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِهَا مِنْ أَنَّهُ تَغَيُّرٌ وَقَعَ

(وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِنَّ فِيهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ يُرِيدُ الرُّجُوعَ» قَالَ (إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ) لِأَنَّهُ تَرْكُ صُورَةِ تَكْمِيلِ مَعْنًى (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتْ الظُّهْرُ أَوْ الْعِشَاءُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ) لِأَنَّهُ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً (إلَّا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا (وَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ أَوْ الْفَجْرَ خَرَجَ وَإِنْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِيهَا) لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا. (وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي سَجْدَةٍ سَجَدَهَا وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى كَمَالِ الْفَرْضِ. وَفِي وَجْهِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا نَقْصٌ وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ مَا صَلَّاهَا وَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مَعَ خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، وَلَمْ يُكْرَهُ لِمَجِيئِهِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَالْأَخِيرُ مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ خُلُوِّهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ زِيَادَةَ نَحْوِ السَّجْدَةِ لَيْسَ زِيَادَةَ تَمَامِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ اعْتِبَارُ مَا لَا يُمْكِنُ رَفْضُهُ. وَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْأُولَى بِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ شَرْعًا كَالْمَسْبُوقِ. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ الْمُخَالَفَةُ فِي النِّيَّةِ. يَعْنِي إذَا اقْتَدَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي ثَلَاثًا وَمِنْ عَزْمِهِ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا يَكُونُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ فِي النِّيَّةِ: وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» يُفِيدُ كَرَاهَتَهُ وَجَوَازَ مُخَالَفَتِهِ فِي صِفَةِ النَّفْلِيَّةِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، أَوْ نَقُولُ: الْمُخَالَفَةُ فِي الْأَدَاءِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ الْوِفَاقُ مَعْنًى، وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ إذْ يَحْصُلُ بِهِ الْخِلَافُ مَعْنًى، وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا بِمَنْعِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ وَلَا بُدَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ، فَعَنْ بِشْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ فَسَدَتْ وَيَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَيَلْزَمُ أَرْبَعٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا. وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا سَاهِيًا بَعْدَ مَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِ وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ الرَّجُلُ مُتَطَوِّعًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّ الرَّابِعَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي بِالشُّرُوعِ وَعَلَى الْإِمَامِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا، فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِالنَّذْرِ فَاقْتَدَى فِيهِنَّ بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي كَذَا هَذَا. (قَوْلُهُ يُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُصَلِّيَ) فِيهِ مُقَيَّدٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ صَلَّى وَلَيْسَ مِمَّنْ تَنْتَظِمُ بِهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ إلَيْهِمْ وَفِيهِ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَوْ غَيْرَهُ وَقَدْ صَلُّوا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَخْرُجَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا يَخْرُجَ " إلَخْ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ

إنْ خَشَى أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ وَيُدْرِكَ الْأُخْرَى يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ (وَإِنْ خَشَى فَوْتَهُمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ، إلَّا أَحَدٌ أَخْرَجَتْهُ حَاجَةٌ وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ» وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ يَقْبَلُهَا بَعْضُ مَنْ يَرُدُّ الْمَرَاسِيلَ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ تَتَبَّعَهَا فَوَجَدَهَا مَسَانِيدَ. وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ.» وَمِثْلُ هَذَا مَوْقُوفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ مُسْنَدٌ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَقَالَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ. وَرَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَزَادَ فِيهِ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَلَا تَخْرُجُوا حَتَّى تُصَلُّوا» (قَوْلُهُ وَإِنْ خَشِيَ فَوْتَهُمَا) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ ارْتَكَبَ الْأَرْجَحَ، وَفَضِيلَةُ الْفَرْضِ

وَالْوَعِيدَ بِالتَّرْكِ أَلْزَمُ، بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهَا فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْفَرْضِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجَمَاعَةٍ أَعْظَمُ مِنْ فَضِيلَةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا تَفْضُلُ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا يَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا لِأَنَّهَا أَضْعَافُ الْفَرْضِ، وَالْوَعِيدُ عَلَى التَّرْكِ لِلْجَمَاعَةِ أَلْزَمُ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ هَمِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ وَمِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» الْحَدِيثَ، فَارْجِعْ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ قِيلَ هُوَ كَإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَالْوَجْهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا لِمَا سَنَذْكُرُ، وَمَا عَنْ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقْطَعَهُمَا فَيَجِبَ الْقَضَاءُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ دَفَعَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ لَيْسَ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَأَيْضًا شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ بِقَصْدِ الْإِفْسَادِ. فَإِنْ قِيلَ: يُؤَدِّيهَا مَرَّةً أُخْرَى. قُلْنَا: إبْطَالُ الْعَمَلِ قَصْدًا مَنْهِيٌّ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَتْرُكُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ) أَيْ فِي حَالِ خَوْفِ فَوْتِ الْفَرْضِ وَحَالِ خَوْفِ فَوْتِ بَعْضِهِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَقْضِيهَا (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إلَخْ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَبْلَهُمَا، وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ فَلَا تَفُوتُ الرَّكْعَتَانِ أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ. وَفِي الْمُصَفَّى وَتَبِعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ جَعَلَ قَوْلَهُمَا بِتَأْخِيرِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقَعُ سُنَّةً بَلْ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَقَعُ سُنَّةً فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَاَلَّذِي يَقَعُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِينَ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ الْأَرْبَعِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُقْضَى اتِّفَاقٌ عَلَى وُقُوعِهَا سُنَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ هَلْ تَقَعُ بَعْدَ الشَّمْسِ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا مُبْتَدَأً حَكَوْا الْخِلَافَ فِي أَنَّهَا تُقْضَى أَوَّلًا، فَلَوْ كَانَا يَقُولَانِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ إنَّهَا تَكُونُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَجَعَلُوهَا خِلَافِيَّةً فِي أَصْلِ الْقَضَاءِ. فَاَلَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا تُقْضَى أَوَّلًا مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَقَعُ سُنَّةً كَمَا هِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَا تَقَعُ سُنَّةً، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّرَاوِيحِ: إذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِلَا جَمَاعَةٍ؟ قِيلَ نَعَمْ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ تَرَاوِيحَ أُخْرَى، وَقِيلَ مَا لَمْ يَمْضِ رَمَضَانُ، وَقِيلَ لَا تُقْضَى، قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا دُونَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَتِلْكَ لَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرِيضَةٍ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ كَانَ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا وَلَا يَكُونُ تَرَاوِيحَ اهـ. دَلَّ أَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِهِ قَضَاءً يَقَعُ تَرَاوِيحَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ»

وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ. وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ (وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لَا يَقْضِيهِمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَضَائِهَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ) لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُخَالَفَةَ لِلْجَمَاعَةِ وَالِانْتِبَاذَ عَنْهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ إذْ لَا يُمْكِنُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مَكَانٌ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْمَكْرُوهَ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَقَلْبُهُ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ (قَوْلُ وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمُنَزَّلُ) ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إلَى أَنَّ لَفْظَ عَامَّةِ بِمَعْنَى الْأَكْثَرِ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَذَكَرَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِمْ قَالَ بِهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَنَحْوِهِ وَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّرَاوِيحِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي السُّنَنِ. وَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ النَّوَافِلِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ عَامَّةِ مَعْمُولًا لِلْحَرْفِ لَا عَلَى السُّنَنِ. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ وَالظُّهْرِ عَلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ يُؤَدِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ لَا مَا سِوَاهُمَا. وَالْجَوَابُ هَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ فَعِبَارَةُ الْكِتَابِ، وَبِهِ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: إلَّا أَنْ يَخْشَى أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهَا إذَا رَجَعَ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَالْأَفْضَلُ الْبَيْتُ، وَمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَابِ النَّوَافِلِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ لَا يُنَافِي هَذَا وَلَا مَا صَرَّحَ الزَّاهِدِيُّ بِهِ مِنْ كَرَاهَةِ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ، إذْ وُقُوعُهَا سُنَّةً لَا يُنَافِي ثُبُوتَ كَرَاهَةِ مَا فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَمَّاهَا سُنَّةً مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَذْهَبِ إلَى أَنَّهُ يَصِيرُ عَاصِيًا. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْعَلُوهَا فِي بُيُوتِكُمْ» وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ مَا أَجْزَأَهُ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ وَمَا أَحْسَنَ مَا انْتَزَعَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ. قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: لَقَدْ رَأَيْت النَّاسَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا انْصَرَفُوا مِنْ الْمَغْرِبِ انْصَرَفُوا جَمِيعًا حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ كَأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَصِيرُونَ إلَى أَهْلَيْهِمْ اهـ. وَقَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ لَمَّا رَآهُمْ يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَقَالَ فِيهِ «ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ» وَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّحِيحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ رَكَعَاتٍ» إلَخْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ

لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الصُّبْحِ (وَلَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهُمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فَبَقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ» وَسَنَذْكُرُ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَرَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» مَحْمُولٌ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِيمَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، أَوْ قَدْ وَرَدَ وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. وَإِذَا تَرَجَّحَ الْعَمَلُ بِهِ بَقِيَ الْمَفْعُولُ بَعْدَهَا نَفْلًا مُطْلَقًا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ الدَّالَ عَلَى كَوْنِهِ قَضَاءَ مُعَارَضٍ فَيَكُونُ قَضَاءً لَا نَفْلًا مُطْلَقًا عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ (قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ) قِيلَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَسْلِيمٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى جَعْلِ مُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ كَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْقَضَاءِ مَعَ حَذْفِ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى فَيَمْنَعُ النَّاظِرُ اعْتِبَارَ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي مَفْهُومِهِ، وَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ لَا يَدْفَعُ اصْطِلَاحًا آخَرَ. أَوْ يُقَالُ: ذَلِكَ تَعْرِيفُ قَضَاءٍ لِلْوَاجِبِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ حُكْمِ الْأَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَوْلِهِمْ حُكْمُ الْأَمْرِ نَوْعَانِ: أَدَاءٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَقَضَاءٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ. فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِهِ أَنْ يُقَالَ الْقَضَاءُ إنْ وَجَبَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ تَوَقَّفَ قَضَاءُ كُلِّ نَفْلٍ وَوَاجِبٍ عَلَى سَمْعِيٍّ فِيهِ وَقَدْ وُجِدَ فِي كُلِّ وَاجِبٍ سَمْعِيٍّ عَامٍّ، وَفِي الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ إجْمَاعٌ عَلَى مَا نَقَلُوا وَهُوَ سَمْعِيٌّ أَيْضًا، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا فَاخْتَصَّ الْقَضَاءُ بِالْوَاجِبِ وَإِنْ وَجَبَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ. فَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ إذَا شَغَلَ الذِّمَّةَ وَطَلَبَ تَفْرِيغَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَفَاتَ يَبْقَى السَّبَبُ طَالِبًا التَّفْرِيغَ عَلَى حَسَبِ الْوُسْعِ الْحَاصِلِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ شَغْلِهَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِإِبْرَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَوْ الْأَدَاءُ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي السُّنَنِ إذْ لَا شَغْلَ ذِمَّةٍ فِيهَا بَلْ طُلِبَتْ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ

مَا رَوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا تُقْضَى تَبَعًا لَهُ، وَهُوَ يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَحْدَهُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ (وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ فَصَارَ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِالْجَمَاعَةِ حَقِيقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتِدَاءً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا تَعَذَّرَ لَمْ يَبْقَ طَالِبُهَا إذْ الذِّمَّةُ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً بِهِ، وَمَا طَلَبَهَا إلَّا سُنَّةً وَهُوَ بِكَوْنِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا أَتَى بِشَيْءٍ يَكُونُ طَالِبُهُ السَّبَبَ الطَّالِبَ لِلنَّفْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُمُومَاتِ النَّادِبَةِ لِتَكْثِيرِ الصَّلَاةِ مَا أَمْكَنَ فَيَثْبُتُ بِهَذَا اخْتِصَاصُ الْوَاجِبِ بِالْقَضَاءِ عِنْدَ فَوْتِ الْأَدَاءِ فَلَا يَجْرِي الْقَضَاءُ فِي غَيْرِهَا إلَّا بِسَمْعِيٍّ، وَهُوَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ فِي غَدَاةِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ، وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ. وَأَلْفَاظَهُ وَبِهِ نَقُولُ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَلِذَا نَقُولُ: لَا تُقْضَى سُنَّةُ الظُّهْرِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَتَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ، وَمُقْتَضَى هَذَا تَرَجُّحُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ إذَا فَاتَ لَا تُقْضَى سُنَّتُهُ مَعَهُ، وَحِينَئِذٍ فَتَعْرِيفُ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِهِ يَشْمَلُ فِعْلَ النَّوَافِلِ أَنْ يُقَالَ هُوَ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا طُلِبَ شَرْعًا فَيَشْمَلُ فِعْلَ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ فِي أَوْقَاتِهَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تُوصَفَ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ، وَالْقَضَاءُ فِعْلُ مِثْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تُقْضَى) أَيْ سُنَّةُ الْفَجْرِ تَبَعًا لَهُ: أَيْ الْفَجْرِ: أَيْ صَلَاةُ الصُّبْحِ إذَا كَانَتْ مَعَهَا وَهُوَ يُصَلِّي: أَيْ يَقْضِي صَلَاةَ الصُّبْحِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ فَلَوْ لَمْ يَقْضِهَا حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ فَفِي قَضَائِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ لَا تُقْضَى وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَاهَا تَبَعًا لَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقِيلَ يَقْضِيهَا بَعْدَ الزَّوَالِ تَبَعًا كَقَبْلِهِ. وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا: أَيْ سِوَى سُنَّةِ الْفَجْرِ فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ: قِيلَ لَا تُقْضَى، وَقِيلَ تُقْضَى بِنَاءً عَلَى جَعْلِ الْوَارِدِ فِي قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَأَرَادَ فِي غَيْرِهِ مِنْ السُّنَنِ الْفَائِتَةِ مَعَ فَرَائِضِهَا إلْغَاءً لِخُصُوصِ الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ اتِّفَاقًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ) وَأَحْرَزَ ثَوَابَهَا وِفَاقًا لِصَاحِبَيْهِ، لَا كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْ فَضْلَهَا عِنْدَ

وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْجَمَاعَةِ (وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ تَرَكَهُ. قِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ لِأَنَّ لَهُمَا زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَقَالَ فِي الْأُخْرَى «مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٍ لِقَوْلِهِ فِي مُدْرِكِ أَقَلِّ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ لَمْ يُدْرَكْ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَبْنِيَ الظُّهْرَ عَلَيْهَا، بَلْ قَوْلُهُ هُنَا كَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ مُحْرِزٌ ثَوَابَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِجَمَاعَةٍ حَقِيقَةً فَلِذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَتِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ فِيمَنْ يَرْجُو إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فِي الْفَجْرِ لَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَيَتْرُكُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى قَوْلِهِ، فَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ) فَلَوْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ ثَلَاثًا فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بَلْ بَعْضَهَا بِجَمَاعَةٍ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ بِالشَّيْءِ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَعُلِمَ مِنْ السَّبْكِ الَّذِي سَبَكْنَاهُ وُقُوعُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَسَبَبُ تَخْصِيصِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّنْبِيهُ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الزَّعْمِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ) يَعْنِي فَاتَتْهُ جَمَاعَتُهُ وَصَارَ بِحَيْثُ يُصَلِّي الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ سُنَّةً أَوْ نَافِلَةً مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ وَلَكِنْ هُوَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ تَرَكَ التَّطَوُّعَ (قِيلَ هَذَا) أَيْ تَرَكَ التَّطَوُّعَ لِلضِّيقِ (فِي غَيْرِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ) أَمَّا هُمَا فَلَا يَتْرُكُهُمَا مَا أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَهُمَا لِزِيَادَةِ

وَقِيلَ هَذَا فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ، وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لِلْفَرَائِضِ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَادَتِهِمَا (وَقِيلَ) بَلْ (هَذَا) أَيْ التَّرْكُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ الْعُمُومُ السَّابِقُ (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى السُّنَنِ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ) لَا مُنْفَرِدًا وَهَذَا مُنْفَرِدٌ (وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ) فَلَا تَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِ هَذَا السَّبْكُ هُوَ الْمُرَادُ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْهُ تَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا: أَيْ عَدَمَ التَّرْكِ فِي الْكُلِّ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُ تَعْلِيلُهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْأَوَّلِ إلَّا التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ ضِيقٌ وَإِنْ صَلَّاهُمَا بِجَمَاعَةٍ إذْ لَيْسَتَا بِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ قَدْ صَلَّى فِيهِ، وَيَفْسُدُ الْمَعْنَى أَيْضًا إذْ يُفِيدُ لَا يَتْرُكُ سُنَّةَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَتْرُكُ السُّنَنَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا سُنَّةَ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا وَاظَبَ عَلَيْهَا كَذَلِكَ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ سُنِّيَّتَهَا مُطْلَقَةٌ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِطْلَاقِ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا، وَهُوَ تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ بِجَبْرِ الْخَلَلِ الَّذِي عَسَاهُ يَقَعُ فِيهَا وَقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ مِنْهُ أَنْ يُوَسْوِسَ لَهُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ وَلِتَكُونَ الْمُتَقَدِّمَةُ مُعِينَةً عَلَى حُصُولِ الْجَمْعِيَّةِ فِي الْفَرْضِ لِقَطْعِ مَوَادِّ الشَّوَاغِلِ بِهَا قَبْلَ الْفَرْضِ فَيَدْخُلُ الْفَرْضُ وَقَدْ تَوَجَّهَتْ النَّفْسُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلِيَ الْفَرْضَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الشَّوَاغِلِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ إلَّا كَذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِلِاتِّفَاقِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ إلَّا كَذَلِكَ، هَذَا فِي حَقِّنَا، أَمَّا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزِيَادَةُ الدَّرَجَاتِ إذْ لَا خَلَلَ فِي صَلَاتِهِ وَلَا طَمَعَ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا) ظَاهِرٌ فِي تَصْيِيرِ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةً يَتْرُكُهَا الْمُنْفَرِدُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُكْرَهُ يَتْرُكُهَا إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا بَعْدَ كَوْنِ الْوَقْتِ بَاقِيًا وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ كُلِّهَا حَالُ ضِيقِ الْوَقْتِ وَسَعَتِهِ وَالِانْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَدْ يُرَادُ شُمُولُهُ لِلسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ أَيْضًا فَيُفِيدُ اخْتِيَارَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي السَّفَرِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَشَايِخِ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِنَانِ فِي السَّفَرِ فَلَا يُصَلِّي السُّنَّةَ فِيهِ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْقُولِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا عَلَى مَا مَرَّ، لَكِنْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: لَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت. وَلِأَنَّا لَا نَقُولُ لَا يُتَنَقَّلُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ بَلْ الْكَلَامُ فِي ثُبُوتِ سُنِّيَّةِ الْمَعْهُودَةِ حَتَّى يَلْزَمَهُ إسَاءَةٌ بِالتَّرْكِ فَهَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَسْقَطَ شَطْرَ الْفَرْضِ عَنْهُ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِلسَّفَرِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ غَيْرَهُ بِحَيْثُ يُلْزَمُهُ إسَاءَةٌ بِتَرْكِهِ. وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ: فَحَدِيثُ سُنَّةِ الْفَجْرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَدَعُوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَفِيهِ ابْنُ سَيْلَانَ بِمُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ، قَالَ

(وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي رُكُوعِهِ فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ) هُوَ يَقُولُ: أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْقَطَّانِ: لَا نَدْرِي أَهُوَ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَيْلَانَ أَوْ هُوَ جَابِرُ بْنُ سَيْلَانَ؟ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَحَالُهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِمَا عَيَّنَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ عَبْدُ رَبِّهِ وَقَالَ: هَكَذَا جَاءَ مُسَمًّى فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: سَأَلْت عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ قِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا فَنَفَوْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَأَمَّا رِوَايَاتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُقَارِبُ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَمِمَّا وَرَدَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَأَسْلَفْنَا عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» وَأَخْرَجَ عَنْهَا فِي حَدِيثِ «وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَسَأَلَهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي وَيَدَعُ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَا صِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ» وَأَسْنَدَ أَبُو يَعْلَى إلَى ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَتْرُكُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهَا الرَّغَائِبَ» . (قَوْلُهُ فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ) وَكَانَ يُمْكِنُهُ الرُّكُوعُ أَوْ لَمْ يَقِفْ بَلْ انْحَطَّ فَرَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ مَعَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ زُفَرَ: يَصِيرُ مُدْرِكًا حَتَّى كَانَ لَاحِقًا عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، إذْ الْوَاجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ قَبْلَهُ. وَلَكِنَّهُ لَوْ صَلَّاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَ، وَعِنْدَنَا هُوَ مَسْبُوقٌ بِهَا فَلَا يَأْتِي بِهَا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ هُوَ يَقُولُ أَدْرَكَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ وَهُوَ الرُّكُوعُ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَهُ، حَتَّى لَوْ شَارَكَهُ فِيهِ صَارَ مُدْرِكًا الرَّكْعَةَ وَيَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ وَلَمْ يَرْكَعْ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى رَفَعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا اتِّفَاقًا حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَيَلْحَقُهُ. وَلَنَا أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ وَشَرِكَةٌ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» وَفِيهِ «وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» الْحَدِيثَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» إلَخْ، فَعُلِمَ أَنَّ

فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ (وَلَوْ رَكَعَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ جَازَ) وَقَالَ زَفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ هَكَذَا مَا يَبْنِيهِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمُشَارَكَةِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ هَذِهِ مُشَارَكَةٌ لَا فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ، فَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ بَعْدُ، بِخِلَافِ مَنْ شَارَكَ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْ الرُّكُوعِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ مِنْهُ بِتَحَقُّقِ جُزْءِ مَفْهُومِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّخَلُّفِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى اللَّاحِقِ فِي الشَّرْعِ اتِّفَاقًا وَهُوَ بِذَلِكَ وَإِلَّا انْتَفَى هَذَا، وَمُدْرِكُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْبِيرَتَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَلَوْ نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ الرُّكُوعَ لَا الِافْتِتَاحَ جَازَ وَلَغَتْ نِيَّتُهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ) فَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ هَذَا الرُّكُوعَ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ لَمْ تُجْزِهِ كَمَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ هَذَا لِرُكُوعِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّكُوعِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَقَعُ مَوْقِعَهُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ حِينِ الْمُشَارَكَةِ الرُّكُوعُ الْمُقْتَدَى فِيهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِقَوْلِهِ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى فَاسِدٍ بَلْ هُوَ ابْتِدَاءٌ وَمَا قَبْلَهُ لَغْوٌ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ. وَقَوْلُهُ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي مَا لَوْ رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ قَبْلَهُ حَيْثُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ، كَذَا هَذَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَهُ طَرَفَانِ: طَرَفُ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَطَرَفُ الِانْتِهَاءِ، فَكَمَا صَحَّتْ مَعَ مُخَالَفَتِهِ فِي الْأَوَّلِ كَذَا الثَّانِي، وَيُكْرَهُ فِيهِمَا لِلنَّصِّ الَّذِي سَمِعْت، وَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ وَأَدْرَكَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَام فَكَذَا فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَلَوْ أَطَالَ الْإِمَامُ فِي السُّجُودِ فَرَفَعَ الْمُقْتَدِي فَظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيَةً فَسَجَدَ مَعَهُ إنْ نَوَى بِهَا الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَكُونُ عَنْ الْأُولَى، وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ وَالْمُتَابَعَةَ تَرْجِيحًا لِلْمُتَابَعَةِ، وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهِ لِلْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ مَعَ زُفَرَ. وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَكَذَا فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمُقْتَدِي إذَا أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ هَذِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ، أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ، أَوْ أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي آخِرِ الرَّكَعَاتِ، فَإِنْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي كُلِّهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ بِلَا قِرَاءَةٍ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا رَكَعَ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ، وَإِنْ رَكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ مُدْرِكَ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَاحِقٌ وَهُوَ يَقْضِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ، وَيَقْضِي بَعْدَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ. وَفِي الثَّانِيَةِ تَلْتَحِقُ سَجْدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَبَرًا، وَيَلْغُو رُكُوعُهُ

وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِيبَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ. بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ رُكُوعُهُ فِي الثَّالِثَةِ مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ وَيَلْتَحِقُ بِهِ سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ، وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ. [تَتِمَّةٌ فِيمَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيهِ وَمَا لَا] إذَا رَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَلَا يَصِيرَ رُكُوعَيْنِ، وَكَذَا فِي السُّجُودِ، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُقْتَدِي سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ يُسَبِّحُ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ، وَفِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي الرُّكُوعِ، وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ يُتِمُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَقَامَ جَازَ، وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ يُتِمُّهُ، وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الدُّعَاءِ يُسَلِّمُ مَعَهُ، وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يُتِمُّ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَفْسُدُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَبْقَى بَعْدَ سَلَامِهِ وَكَلَامِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ الْإِمَامُ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ وَيُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ. وَقَدَّمْنَا مَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ قَنَتَ وَإِلَّا تَابَعَ. وَفِي نَظْمِ الزندويستي: خَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ: الْقُنُوتُ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ، وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى، وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إذَا تَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْجُدْ، أَوْ سَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ. وَأَرْبَعَةٌ إذَا فَعَلَهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْمُقْتَدِي: إذَا زَادَ سَجْدَةً مَثَلًا، أَوْ زَادَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَسَمِعَ التَّكْبِيرَاتِ مِنْ الْإِمَامِ لَا الْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَخَامِسَةٌ فِي تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا، وَسَنَذْكُرُ مَاذَا يَصْنَعُ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ فِي بَابِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتِسْعَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ: إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الِافْتِتَاحِ، وَإِذَا لَمْ يُثْنِ مَا دَامَ فِي الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي، وَإِذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ، أَوْ لَمْ يُسَبِّحْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ، وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ الْقَوْمُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ لَا يُسَلِّمُونَ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ بِالْحَدَثِ تَفْسُدُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَحَلُّهُ فَيَنْتَفِي مَحَلُّ السَّلَامِ، وَإِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ. [فَرْعٌ] صَلَّى الْكَافِرُ بِجَمَاعَةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَمُنْفَرِدًا لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ صَلَاةِ دِينِنَا، وَوُجُودُ اللَّازِمِ الْمُسَاوِي يَسْتَلْزِمُ الْمَلْزُومَ الْمُعَيَّنَ، وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَجٍّ وَلَا صَوْمِ رَمَضَانَ، وَفِي كَوْنِ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ نَظَرٌ.

[باب قضاء الفوائت]

(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَضَاهَا إذَا ذَكَرَهَا وَقَدَّمَهَا عَلَى فَرْضِ الْوَقْتِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا مُسْتَحَقٌّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُسْتَحَبٌّ، لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ دَلِيلٌ، كَمَا فِي " الْإِيمَانُ أَعْظَمُ الْأُصُولِ " وَهُوَ شَرْطٌ لِكُلِّ الْعِبَادَاتِ، وَكَذَا الظُّهْرُ بِعَرَفَةَ تَقْدِيمُهَا شَرْطٌ لِلْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِهَا لِلدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ. وَلَنَا مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا

«مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدْ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ» وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا وَقْفَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي نِسْبَةِ الْخَطَإِ فِي رَفْعِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلَى التَّرْجُمَانِيِّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَهُمَا ثِقَتَانِ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي التَّرْجُمَانِيِّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ، وَلِذَا وَثَّقَ ابْنُ مَعِينٍ سَعِيدًا، وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ تَوْثِيقَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَهِمُ. فَإِنْ قُلْت: لَا يُقَاوِمُ مَالِكًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضٍ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ لَيْسَ كَوْنُ الِاعْتِبَارِ لِلْأَكْثَرِ وَلَا لِلْأَحْفَظِ وَإِنْ كَانَتْ مَذَاهِبَ بَلْ لِلرَّافِعِ بَعْدَ كَوْنِهِ ثِقَةً، وَهَذَا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِذَاكَ هُوَ عِنْدَ تَعَارُضِ الْمَرْوِيَّيْنِ. وَلَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ لِظُهُورِ أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَقِفُ الْحَدِيثَ وَقَدْ يَرْفَعُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَمَسَّكْ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ» لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَقْتَ التَّذَكُّرِ لَا فَسَادُ الْوَقْتِيَّةِ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ الْمُفَادُ فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ لِلْفَسَادِ لِمَا أَسَلَفنَا مِنْ وُجُوبِ إعَادَةِ الْمُؤَدَّاةِ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ سَلَّمْنَاهُ. لَكِنَّ فَسَادَ الْوَقْتِيَّةِ بِهَذَا الْخَبَرِ بَعْدَ تَسْلِيمِ حُجِّيَّتِهِ مُعَارَضٌ بِصِحَّتِهَا بِالْقَاطِعِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُهَا، وَلَازِمُهُ الشَّرْعِيُّ الصِّحَّةُ فِيهِ، وَلَازِمُ الْقَطْعِيِّ قَطْعِيٌّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى قَطْعِيَّةِ اللُّزُومِ: وَقَطْعِيَّةُ لُزُومِ الصِّحَّةِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ الثَّابِتَةِ شَرْعًا. وَقَدْ ثَبَتَ اشْتِرَاطُ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ بِهَذَا النَّصِّ فَيَتَوَقَّفُ قَطْعِيَّةُ لُزُومِ الصِّحَّةِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيمِهَا، لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إثْبَاتُ شَرْطٍ لِلْمَقْطُوعِ بِهِ بِظَنِّيٍّ، وَقَدْ الْتَزَمَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الْقَائِلِ: مَا عَمِلْتُمْ بِخَبَرِ الْفَاتِحَةِ مِثْلَ مَا عَمِلْتُمْ بِخَبَرِ التَّرْتِيبِ حَيْثُ قُلْتُمْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَرْكِ التَّرْتِيبِ لَا عِنْدَ تَرْكِ الْفَاتِحَةِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ لِزِيَادَةِ شَرْطٍ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ زِيَادَةُ رُكْنٍ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ أَحَطُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الرُّكْنُ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إثْبَاتَ شَرْطٍ لِلْمُطْلَقِ فِي الصِّحَّةِ مِنْ عَيْنِ الزِّيَادَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقَاطِعِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ فِي الصِّحَّةِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي الْأُصُولِ فَلَا يَجُوزُ. وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ فِي النِّهَايَةِ إلَى جَوَابٍ آخَرَ جَعَلَهُ الْأَصَحَّ فَقَالَ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ نَقُولُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْجَوَابِ لَوْ قُلْنَا بِتَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهٍ تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ الَّذِي يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِدُونِهَا وَهُوَ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مِثْلُ هَذَا. وَأَمَّا لَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُ فَسَادُ الْوَقْتِيَّةِ لَا يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ بَلْ كَانَ عَمَلًا بِهِمَا لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَأَخَّرُ حُكْمُ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَلَا يَبْطُلُ وَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ التَّأْخِيرِ بِدُونِ هَذَا، وَهَذَا عَيْنُ نَظِيرِ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، فَلَوْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ كَيْ لَا يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَا هُوَ قَائِمٌ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ سَعَتِهِ، فَإِنَّ الْقَاطِعَ اقْتَضَى الصِّحَّةَ مُطْلَقًا، فَإِذَا أَلْزَمْت التَّأْخِيرَ كَذَلِكَ كَانَ عَيْنُ تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَيْهِ. نَعَمْ يَتَحَقَّقُ الْعَمَلُ بِهِمَا مِمَّنْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذَا بَلْ إنَّ تَعْيِينَ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ عِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ عَلَى وَجْهٍ تَفْسُدُ الْوَقْتِيَّةُ لَوْ قَدَّمَتْ هَلْ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ هَذَا تَقْدِيمُ الظَّنِّيِّ عَيْنًا عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ الْقَاطِعَ فِي صِحَّةِ الْوَقْتِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ عَيْنُ نَظِيرِ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ إلَخْ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ تَقَرَّرَ الْمَأْثَمُ بِتَرْكِ مُقْتَضَى خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِفَسَادِ الْمَغْرِبِ وَلُزُومِ قَضَائِهَا، وَالْحُكْمُ هُنَا فَسَادُ الْوَقْتِيَّةِ وَلُزُومُ قَضَائِهَا، وَبِذَلِكَ يَقَعُ التَّقْدِيمُ الْمُمْتَنِعُ، هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْقَاطِعِ وَمَعْرِفَةِ شَخْصِهِ وَلَمْ يُعَيِّنُوهُ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْتَفٍ، إذْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَقُولُوا بِصِحَّةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا قُدِّمَتْ مُطْلَقًا فَلَا إجْمَاعَ. وَيُمْكِنُ كَوْنُهُ حَدِيثَ إمَامَةِ جِبْرِيلَ حَيْثُ قَالَ: الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ أَوْ مَشْهُورٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَوَاتِرِ فِي تَقْيِيدِ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ دُونَ فَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ لَوْ لَمْ تُقَدَّمْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ لِتَرْكِ مُقْتَضَى خَبَرِ الْوَاحِدِ كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ سَوَاءً، وَدَعْوَى مَنْ ادَّعَى أَنَّ خَبَرَ التَّرْتِيبِ مَشْهُورٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي رَفْعِهِ بَيْنِ الْمُحَدِّثِينَ ثَابِتٌ فَضْلًا عَنْ شُهْرَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَذْهَبَ تَقْدِيمُ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، فَلَوْ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ لَقَدَّمُوا الْفَائِتَةَ مُطْلَقًا لِجَوَازِ تَقْيِيدِ الْكِتَابِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَيَكُونُ إطْلَاقُ جَوَازِ الْوَقْتِيَّةِ فِي كُلِّ الْوَقْتِ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ الْفَائِتَةِ، لَكِنَّ هَذَا إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ لِأَنَّ الثَّابِتَ قَائِلَانِ: قَائِلٌ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَقَائِلٌ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ، فَجَعْلُهُ لِلْوُجُوبِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا امْتَنَعَ إعْمَالُ ظَاهِرِهِ مِنْ الْوُجُوبِ لَزِمَ حَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ، وَنَفْسُ الِامْتِنَاعِ لِلْإِحْدَاثِ هُوَ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ إلَى النَّدْبِ، فَظَهَرَ بِهَذَا الْبَحْثِ

(وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ يُقَدِّمُ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يَقْضِيهَا) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ، وَكَذَا بِالنِّسْيَانِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ جَازَ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْلَوِيَّةُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ مَحْمَلُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّرْتِيبَ فِي الْقَضَاءِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ الْمُتَعَيَّنَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ الْأُولَى (قَوْلُهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ) تَعْلِيلٌ لِلسُّقُوطِ بِضِيقِ الْوَقْتِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ. وَأَمَّا بِالنِّسْيَانِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ عِنْدَ التَّذَكُّرِ، ثُمَّ تَفْسِيرُ ضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي لَا يَسَعُ الْوَقْتِيَّةَ وَالْفَائِتَةَ وَلَا يُنَاطُ بِمُجَرَّدِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بَلْ بِالْوَاقِعِ، فَلَوْ ظَنَّ ضِيقَهُ فَصَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ بَطَلَتْ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَاقِيَ صَارَ لَا يَسَعُهُمَا فَأَعَادَ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَيْضًا خِلَافُهُ بَطَلَتْ أَيْضًا، ثُمَّ يَنْظُرُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ إلَى أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَ إعَادَةٍ مِنْ الْإِعَادَاتِ ضِيقُهُ صَادِقًا فَيُعِيدَ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ إعَادَتِهِ أَنَّهُ يَسَعُهُمَا صَلَّى الْفَائِتَةَ ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ، وَلَوْ صَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ فَصْلٌ فَصَلَّى الْفَائِتَةَ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ حُكِمَ بِجَوَازِ الْوَقْتِيَّةِ لِتَبَيُّنِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَيُعْتَبَرُ ضِيقُ الْوَقْتِ عِنْدَ الشُّرُوعِ، حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ وَأَطَالَ حَتَّى ضَاقَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِيهَا، وَلَوْ شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَذَكَّرَ عِنْدَ ضِيقِهِ جَازَتْ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْفَوَائِتُ لَا بِحَيْثُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَالْوَقْتُ يَسَعُ بَعْضَهَا لَا الْكُلَّ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ حَتَّى يُصَلِّيَ ذَلِكَ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ الصَّرْفُ إلَى هَذَا الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْهُ لِلْآخَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ جَازَ) يَعْنِي يَصِحُّ لَا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ يَكُونُ آثِمًا بِتَفْوِيتِ الْفَرْضِ بِهَا وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا (قَوْلُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْفَائِتَةِ وَهُوَ كَوْنُ الِاشْتِغَالِ بِهَا يُفَوِّتُ الْوَقْتِيَّةَ وَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَهُ عَاصِيًا فِي ذَلِكَ، أَمَّا هِيَ فِي نَفْسِهَا فَلَا مَعْصِيَةَ فِي ذَاتِهَا هَذَا وَمَا أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ حَالِ الْأَدَاءِ فِي الْقَضَاءِ يُرَاعَى، فَمِنْ ذَلِكَ الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ. فَإِنَّ أَمَّ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَجَبَ الْجَهْرُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ انْفَرَدَ فِي قَضَائِهَا فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَقَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَ وُجُوبَ الْإِخْفَاءِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَوْلَى خِلَافُهُ وَتَقَدَّمَ الْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَقْضِيهَا بِالتَّكْبِيرَاتِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (قَوْلُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ) يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا» وَتَقَدَّمَ، أَفَادَ أَنَّ وَقْتَ التَّذَكُّرِ وَقْتُ الْفَائِتَةِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ وَقْتًا لِلْوَقْتِيَّةِ فَيَكُونُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ فِيهِ قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا بِالْقَاطِعِ فَيَكُونُ إهْدَارًا لِأَحَدِ

(وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ مُرَتِّبًا، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّلِيلَيْنِ فِي غَيْرِ مُلْجِئٍ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِ كَوْنِهِ وَقْتًا لِلْوَقْتِيَّةِ إذْ جَعَلَ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا وَقْتًا لَهُمَا بِحَيْثُ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ كَالصَّلَوَاتِ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَالْمَنْذُورَةِ وَالنَّافِلَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى غَيْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ كَوْنِ وَقْتِ التَّذَكُّرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِهَا حَتَّى يَكُونَ الْأَدَاءُ فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْإِثْمِ لِغَرَضِ كَوْنِ التَّأْخِيرِ لِلنَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّ الْوَقْتَ لِلْوَقْتِيَّةِ أَيْضًا، نَعَمْ لَوْ عَلَّلُوا انْفِرَادَ الْفَائِتَةِ بِالْوَقْتِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ» لَأَمْكَنَ، وَحِينَئِذٍ يَبْقَى فِيهِ مَا قُلْنَاهُ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ فِي تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ) لَيْسَ مِنْ تَمَامِ مَا اتَّصَلَ بِهِ بَلْ هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِمَجْمُوعِ فِعْلِهِ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَأَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ فَلَزِمَ التَّرْتِيبُ، وَلَوْ قَالَهُ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَقَلَّ إيهَامًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ لَيْسَ عَلَى صِرَافَةِ ظَاهِرِهِ مِنْ إيجَابِ كُلِّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ رُؤْيَتُهُمْ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى مَا هُوَ مِنْ السُّنَنِ وَالْآدَابِ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً فَهُوَ عَلَى النَّدْبِ إنْ اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الْمُرَادَةُ أَوْ عَلَى الْإِيجَابِ إنْ اُعْتُبِرَتْ غَيْرُهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ، أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ كَوْنَ هَذَا التَّرْتِيبِ وَاجِبًا عَيْنُ النِّزَاعِ وَصَلُّوا إلَى آخِرِهِ إيجَابُ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَأَوْهُ فَعَلَهَا فَلَا يُقَدَّمُ السُّجُودُ عَلَى الرُّكُوعِ وَلَا يُقْرَأُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ. وَحَاصِلُهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَعْيِينُ الْكَيْفِيَّاتِ الْوَاجِبَةِ أَنْ تُغَيَّرَ، وَذَلِكَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ أَوَّلًا. وَغَايَةُ مَا يُدْفَعُ بِهِ هَذَا أَنْ يُقَالَ هُوَ مُفِيدٌ وُجُوبَ كُلِّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الرُّؤْيَةُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ فِيهِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ أَدَبًا، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ التَّرْتِيبُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ اسْتِلْزَامِ تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَاطِعِ بِتَقْدِيرِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ، ثُمَّ الْحَدِيثُ الثَّانِي هُوَ ذَيْلُ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي الْبُخَارِيِّ وَتَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «إنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ: يَعْنِي فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ مُحَيِّي الدِّينِ النَّوَوِيِّ فِي الْخُلَاصَةِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي دَاوُد تُوُفِّيَ وَلِوَلَدِهِ أَبِي عُبَيْدَةَ سَبْعُ سِنِينَ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْخُدْرِيِّ «حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حَتَّى كُفِينَا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ {فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] » وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعِشَاءَ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي وَقْتِهَا، وَذَكَرَهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِ

(إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ) لِأَنَّ الْفَوَائِتَ قَدْ كَثُرَتْ (فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ) نَفْسِهَا كَمَا سَقَطَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ، وَحْدُ الْكَثْرَةِ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا لِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا تَأَخَّرَتْ عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُغِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ. ثُمَّ قَالَ: مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ غَيْرُكُمْ» وَفِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ مُضَعَّفٌ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَوَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا، فَنَزَلْنَا إلَى بَطْحَانَ فَتَوَضَّأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَضَّأْنَا، فَصَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» وَلَا يُعَارِضُهُ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَا مَا انْفَرَدَ بِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْسُ أَوْ اصْفَرَّتْ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، أَوْ حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» اهـ. لِوُجُوبِ حَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى إرَادَةِ بَيْنَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَهُوَ أَحَدُ مُحْتَمَلَيْهِ لِصِحَّةِ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَالْمُفَادُ بِالثَّانِي أَنَّ الْحَبْسَ تَحَقَّقَ إلَى وَقْتِ الِاحْمِرَارِ فَوَقَعَ الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ إذْ ذَاكَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا إذْ ذَاكَ، وَقَدْ تَظَافَرَتْ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ مَعَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَكَذَا لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ الْأَحَادِيثَ السَّابِقَةَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَذَهَابِ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْهُ لِلتَّصَادُقِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ تَخْصِيصِ قَوْلِهِ " فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ " أَنَّهُ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَإِلَّا لَقَالَ بَعْدَمَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ، لَكِنْ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا يَصْدُقُ بِهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ أَيْضًا صَحَّتْ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ وَبَعْضُهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْفَوَائِتِ سَبْعًا لِأَنَّ مَا بِهِ الزِّيَادَةُ لَا يُوجِبُ اللَّفْظُ كَوْنَهُ فَائِتًا بَلْ إذَا انْضَمَّ إلَى الْفَوَائِتِ الْمُعَيَّنَةِ صَلَاةٌ صَدَقَ أَنَّ الْمُسَمَّى بِالْفَوَائِتِ زَادَتْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَائِتَةً، هَذَا غَايَةُ مَا يُؤَدِّيهِ اللَّفْظُ وَإِلَّا اسْتَلْزَمَ كَوْنَ الْفَوَائِتِ سَبْعًا (قَوْلُهُ وَحَدُّ الْكَثْرَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلَّلَةُ سِتًّا مُذْ فَاتَتْهُ الْفَائِتَةُ وَإِنْ أَدَّى مَا بَعْدَهَا

فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (وَإِنْ فَاتَتْهُ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَتْهُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا) لِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَصِيرُ سِتًّا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اعْتَبَرَ دُخُولَ وَقْتِ السَّادِسَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْفَوَائِتُ الْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ، قِيلَ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَوْقَاتِهَا، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ مِنْ يَوْمٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ. يَعْنِي بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا لِأَنَّ الْفَوَائِتَ بِنَفْسِهَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا، وَمِثْلُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُصَفَّى فِي وَجْهِ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا إذَا تَرَكَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ دُونَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا. قَالَ لِلْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةً، فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ، لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ يَزِيدُ عَلَى سِتٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْفَوَائِتِ بِنَفْسِهَا سِتًّا: يَعْنِي فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الزَّائِدِ عَلَى الصَّلَاتَيْنِ اقْتَصَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهِمَا، وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عَلِمَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَدَّاةَ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ كَمَالَ خَمْسِ وَقْتِيَّاتٍ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِ كَوْنُ الْمُتَخَلَّلَاتِ سِتَّ فَوَائِتَ لِأَنَّهُ مَعَ دُخُولِ وَقْتِهَا ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فَائِتًا سِوَى الْمَتْرُوكَةِ إذْ ذَاكَ، وَالْمُسْقَطُ هُوَ سِتُّ فَوَائِتَ لَا مُجَرَّدُ أَوْقَاتٍ لَا فَوَائِتَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إذْ السُّقُوطُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ الْتِزَامُ الِاشْتِغَالِ بِأَدَائِهَا إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ، فَمُجَرَّدُ الْأَوْقَاتِ بِلَا فَوَائِتَ لَا أَثَرَ لَهُ، فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِهِ. فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ رَأَيْت فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى السَّادِسَةَ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ وَهِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ صَارَتْ الْخَمْسُ صَحِيحَةً وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالصِّحَّةِ عَلَى قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ

الْفَوَائِتِ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا مِنْهُمْ اتِّفَاقِيًّا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي السَّادِسَةَ فِي وَقْتِهَا لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ. فَأُقِيمَ أَدَاؤُهَا مَقَامَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِمَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَهُ لِصِحَّةِ الْخَمْسِ يَقْطَعُ ثُبُوتَ الصِّحَّةِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ أَدَّاهَا أَوْ لَا، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِالْخَطَإِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ خِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي الثَّلَاثِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، أَوْ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الثِّنْتَيْنِ ابْتِدَاءً كَمَا نُحَقِّقُهُ بِذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ بِشُعَبِهَا، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ صِرْنَا إلَيْهَا إحْرَازًا لِفَائِدَتِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْهِدَايَةِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِيهَا إلْحَاقُ نَاسِي التَّرْتِيبِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْفَائِتَتَيْنِ بِنَاسِي الْفَائِتَةِ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ، وَهُوَ أَلْحَقَهُ بِنَاسِي التَّعْيِينِ وَهُوَ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ لَمْ يَدْرِ مَا هِيَ وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِجَامِعِ تَحَقُّقِ طَرِيقٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ سُلُوكُهَا. وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَرِّحُ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَهُ فَيَجِبُ الطَّرِيقُ الَّتِي يُعَيِّنُهَا لَا كَمَا قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ. ثُمَّ صُورَةُ قَضَاءِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ، فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَوَّلًا هُوَ الظُّهْرُ فَالظُّهْرُ الْأَخِيرَةُ تَقَعُ نَفْلًا. وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَصْرُ فَالظُّهْرُ الْأُولَى تَقَعُ نَفْلًا. وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالظُّهْرِ يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعَصْرِ فَيُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ. وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ ثَلَاثًا ظُهْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَعَصْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَمَغْرِبٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي تَرْتِيبَهَا وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ سَبْعَ صَلَوَاتٍ. لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهَا أُولَى أَوْ أَخِيرَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً تَجِيءُ تِسْعًا الثَّابِتُ فِي الْخَارِجِ سِتٌّ لِلتَّدَاخُلِ لِأَنَّ تَوَسُّطَ الظُّهْرِ يَصْدُقُ فِي الْخَارِجِ، أَمَّا مَعَ تَقَدُّمِ الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ فَلَا يَكُونُ كُلٌّ قُسِمَا بِرَأْسِهِ وَكَذَا هُمَا فَخَرَجَ بِوَاسِطَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَبْقَى الثَّابِتُ الظُّهْرُ ثُمَّ الْعَصْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ أَوْ الظُّهْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ ثُمَّ الْعَصْرُ فَهَذَانِ قِسْمَا تَقَدُّمِ الظُّهْرِ وَلِتَقَدُّمِ الْعَصْرِ مِثْلُهُمَا وَلِلْمَغْرِبِ كَذَلِكَ، فَإِنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ مَعَ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي تِلْكَ السَّبْعَ ثُمَّ يُصَلِّي الرَّابِعَةَ وَهِيَ الْعِشَاءُ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ السَّبْعَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَلَوْ كَانَتْ خَمْسًا مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ بِأَنْ تَرَكَ الْفَجْرَ أَيْضًا يُصَلِّي إحْدَى وَثَلَاثِينَ صَلَاةً تِلْكَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ: أَعْنِي الْفَجْرَ ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ الْخَمْسَةَ عَشْرَةَ، فَالضَّابِطُ أَنَّ الْمَتْرُوكَةَ إنْ كَانَتَا ثِنْتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا ثُمَّ يُعِيدُ أُولَاهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثًا صَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَعَادَ تِلْكَ الثَّلَاثَ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا صَلَّى قَضَاءَ الثَّلَاثِ كَمَا قُلْنَا ثُمَّ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ أَعَادَ مَا يَلْزَمُهُ فِي قَضَاءِ الثَّلَاثِ. وَإِنْ كَانَتْ خَامِسَةً فَعَلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ ثُمَّ يَفْعَلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي أَرْبَعٍ. وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا لِكَثْرَةِ سُؤَالِ السُّؤَالِ عَنْهُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَأَنَّهُ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ لِكَسَلِهِمْ. وَإِلَّا فَدَلِيلُهُمَا لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى دَلِيلِهِ. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا وَرَاءَ الصَّلَاتَيْنِ، فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِ الْكُلِّ. قَالَ فِي الْحَقَائِقِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ إعَادَةَ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ مُسْتَقِيمٌ، أَمَّا إيجَابُ سَبْعِ صَلَوَاتٍ

زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ. وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ عَادَ التَّرْتِيبَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ الْوَقْتِيَّةِ انْتَهَى، فَهَذَا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ خِلَافَ هَؤُلَاءِ فِيمَا وَرَاءَ الثِّنْتَيْنِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ إيجَابِ سَبْعٍ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ كَسَبْعِ فَوَائِتَ مَعْنًى لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ إيجَابَ التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا يُوجِبُ سَبْعَ صَلَوَاتٍ، فَإِذَا كَانَ التَّرْتِيبُ يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِسَبْعٍ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى لَمْ يَعْتَبِرُوا إلَّا تَحَقُّقَ فَوَائِتَ سِتٍّ، وَالْأَوَّلُونَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالسِّتِّ مَوْجُودٌ فِي إيجَابِ سَبْعٍ، فَظَهَرَ بِهَذَا مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ) وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٌ. وَمَا قَالُوا يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ التَّكَاسُلُ لَوْ أَفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَغَيْرُهُمْ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ فِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ (وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا) أَيْ عَلَى الْفَوَائِتِ. وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ. فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَعُودَ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَضَى بَعْدَهَا فَائِتَةً حَتَّى عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ إلَى خَمْسٍ أَنْ تَجُوزَ الْوَقْتِيَّةُ الثَّانِيَةُ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا. وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ عِدَّةٍ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ: أَعْنِي خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْخَمْسِ، وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ أَصْلًا، فَإِنَّ سُقُوطَهُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ اعْتِبَارِ دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَفْسُدْ الْوَقْتِيَّاتُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ كَمَاءٍ نَجِسٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مَاءٌ جَارٍ حَتَّى سَالَ ثُمَّ عَادَ قَلِيلًا لَمْ يَعُدْ نَجَسًا، فَلِذَا صَحَّحَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْمَدْلُولِ فَكَيْفَ بِالِاسْتِشْهَادِ. وَحَاصِلُهُ بُطْلَانُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، لَكِنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ بِجَعْلِهِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ كَانَ بِعِلَّةِ الْكَثْرَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْحَرَجِ، أَوْ أَنَّهَا مَظِنَّةُ تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ، فَلَمَّا قُلْت زَالَتْ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلُ، وَهَذَا مِثْلُ حَقِّ الْحَضَانَةِ الثَّابِتِ لِمُحْرِمِ الصَّغِيرِ مِنْ النِّسَاءِ يَنْتَهِي بِالتَّزَوُّجِ، فَإِذَا زَالَ التَّزَوُّجُ عَادَ لَا أَنَّهُ سَقَطَ فَيَكُونُ

وَإِنْ أَخَّرَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَلَاشِيًا فَلَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ إلَّا لِسَبَبٍ آخَرَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ جَاهِلًا، أَمَّا لَوْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ كَانَتْ أَيْضًا فَاسِدَةً. وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْفَرْضُ جَهِلَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ وَأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّةِ الْعِشَاءِ إذَا أَخَّرَهَا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فَلَا وَجْهَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ تَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ وَإِنْ قَدَّمَهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ جَاهِلٌ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَائِتَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ يُعْلَمُ مِنْ جَوَابِهِمْ لِطَلَبِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لَهَا حَيْثُ تَجِبُ إعَادَةُ الْعَصْرِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. وَمَا لَوْ صَلَّى هَذِهِ الظُّهْرَ بَعْدَ هَذِهِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ ذَاكِرًا لَهَا حَيْثُ تَصِحُّ الْمَغْرِبُ إذْ قَالُوا إنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ قَوِيٌّ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ فَصَلَحَ اسْتِتْبَاعُهُ لِفَسَادِ الْعَصْرِ، بِخِلَافِ فَسَادِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لِقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِعَدَمِهِ فَلَمْ يَصْلُحْ مُسْتَتْبِعًا فَسَادَ الْمَغْرِبِ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الظَّنِّ الْخَطَأِ فِيهِ مِنْ الْجَاهِلِ بَلْ إنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَى الْمُجْتَهَدِ وَيَسْتَتْبِعُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الظَّنُّ لِزِيَادَةِ الضَّعْفِ. فَفَسَادُ الْعَصْرِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً، وَفَسَادُ الْمَغْرِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاعْتُبِرَ. وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْعِشَاءَ فَفَسَادُهَا بِسَبَبِ فَسَادِ الْوَقْتِيَّاتِ. وَفَسَادُ الْوَقْتِيَّاتِ هُوَ الْفَسَادُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهِيَ نَظِيرُ الْعُشْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِذَا قَدَّمَهَا فَفَسَادُهَا حِينَئِذٍ لِوُجُودِ الْفَائِتَةِ بِيَقِينٍ وَهِيَ آخِرُ الْمَتْرُوكَاتِ،

(وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَهِيَ فَاسِدَةٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّرْتِيبِ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْفَرْضِيَّةُ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْطُلُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ) ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْفَرْضِيَّةُ بَطَلَتْ. وَلَهُمَا أَنَّهَا عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ) يَعْنِي أَصْلَ الْوَقْتِ، وَعِنْدَ الْحَسَنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ آخِرُ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الظُّهْرِ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا يَقَعُ الْعَصْرُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي الْمُسْتَحَبِّ وَالْعَصْرَ فِي الْمَكْرُوهِ. وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ فِي الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ مَا لَا يَسَعُ الظُّهْرُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ جَوَازِ الظُّهْرِ فِي الْمَكْرُوهِ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ وَالشَّمْسُ حَمْرَاءُ وَغَرَبَتْ وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا. طَعَنَ فِيهِ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَالَ: بَلْ يَقْطَعُهَا ثُمَّ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقْتٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا تَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً. وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ حِينَ شَرَعَ كَانَ مَأْمُورًا بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَقَعُ فِي الْوَقْتِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَانِعًا لِمَا أَمَرَ بِهِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّرْتِيبِ) وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِيَصِلَ بِهَا مَسْأَلَةَ بُطْلَانِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ وَإِذَا فَسَدَتْ الْفَرْضِيَّةُ) بِتَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ فِيهَا (لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْطُلُ) حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ) يَعْنِي لَيْسَ الْمَوْجُودُ مِمَّا

(ثُمَّ الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا، حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ فَسَادًا بَاتًّا لَا جَوَازَ لَهُ بِحَالٍ) وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُبْطِلُ أَصْلَ الصَّلَاةِ كَالْحَدَثِ بَلْ وَصْفَ الْفَرْضِيَّةِ. وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ بُطْلَانِ الْوَصْفِ وَبُطْلَانِ الْأَصْلِ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ فِي خِلَالِ الْيَوْمِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ فَيَصِيرُ مُفْطِرًا بَلْ يَبْطُلُ وَصْفُ وُقُوعِهِ كَفَّارَةً. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَوَّلَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ «فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ» (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَ الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ السَّادِسَةَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْخَمْسَ. وَلَوْ صَلَّى السَّادِسَةَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْقَضَاءِ صَحَّ الْخَمْسُ، وَهَذَا مَا يُقَالُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ تُفْسِدُ خَمْسًا وَوَاحِدَةٌ تُصَحِّحُ خَمْسًا. وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ حُكْمٌ وَالْكَثْرَةَ عِلَّةٌ لَهُ، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَتْ الْعِلَّةُ فِي حَقِّ مَا بَعْدَهَا لَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا إذَا

(وَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) خِلَافًا لَهُمَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا، وَلَا تَرْتِيبَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى السُّنَّةَ وَالْوِتْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَعِنْدَهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالسُّنَنَ دُونَ الْوِتْرِ، لِأَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوِتْرَ أَيْضًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ فَسَكَتَ ثَبَتَ الْإِذْنُ فِيمَا يَبِيعُ بَعْدَ هَذَا لَا فِيهِ نَفْسِهِ، وَكَذَا صَيْرُورَةُ الْكَلْبِ مُعَلَّمًا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا عِلَّةُ حِلِّ أَكْلِ مَأْخُوذِهِ وَأَثَرُهُ فِي حِلِّ مَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ. وَجْهُ قَوْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْمُسْقِطَ الْكَثْرَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ تُؤْثِرَ السُّقُوطَ، وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَهَا بِلَا تَرْتِيبٍ جَازَتْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ قِلَّتُهَا وَقَدْ زَالَتْ فَيَزُولُ الْمَنْعُ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حُكْمٌ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَتَعَجُّلِ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ يَتَوَقَّفُ كَوْنُهَا فَرْضًا عَلَى تَمَامِ الْحَوْلِ وَالنِّصَابُ تَامٌّ، فَإِنْ تَمَّ عَلَى تَمَامِهِ كَانَ فَرْضًا وَإِلَّا نَفْلًا، وَكَوْنُ الْمَغْرِبِ فِي طَرِيقِ مُزْدَلِفَةَ فَرْضًا عَلَى عَدَمِ إعَادَتِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَإِنْ أَعَادَهَا كَانَتْ نَفْلًا، وَالظُّهْرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَدَمِ شُهُودِهَا، فَإِنْ شَهِدَهَا كَانَ نَفْلًا، وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمَعْذُورِ إذَا انْقَطَعَ الْعُذْرُ فِيهَا عَلَى عَوْدِهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَسَدَتْ وَإِلَّا صَحَّتْ، وَكَوْنُ الزَّائِدِ عَلَى الْعَادَةِ حَيْضًا عَلَى عَدَمِ مُجَاوَزَةِ الْعَشَرَةِ، فَإِنْ جَاوَزَ فَاسْتِحَاضَةٌ وَإِلَّا حَيْضٌ، وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّتْهَا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ الْعَادَةِ فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، فَإِنْ عَادَ فَفَاسِدَةٌ وَإِلَّا صَحِيحَةٌ. وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُوجِبُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْمُؤَدَّيَاتِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِ سَادِسَتِهَا الَّتِي هِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَثْبُتُ حِينَئِذٍ وَهِيَ الْمُسْقِطَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَائِهَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّصْوِيرِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ظَانًّا عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ مَشَايِخِهِمْ، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورِ يَقْطَعُ بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ سَوَاءٌ ظَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ أَوْ لَا. (فُرُوعٌ) تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا كَسَلًا يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا جَحَدَ أَوْ اسْتَخَفَّ وُجُوبَهَا. صَبِيٌّ نَامَ فَاحْتَلَمَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ يَقْضِي الْعِشَاءَ، هِيَ وَاقِعَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَسَأَلَ عَنْهَا الْإِمَامَ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ. أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَاهِلًا بِالشَّرَائِعِ لَمْ يَقْضِ خِلَافًا لِزُفَرَ، قَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ أَسْلَمَ فِينَا. قُلْنَا: الْخِطَابُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْعِلْمِ بِهِ أَوْ بِدَلِيلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فِينَا فَإِنَّ عِنْدَهُ دَلِيلَهُ. صَلَّى وَارْتَدَّ، وَأَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ يُعِيدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَانَ الرِّدَّةِ خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى حَبْطِ ذَلِكَ الْمُؤَدَّى بِالرِّدَّةِ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْئًا ثُمَّ أَدْرَكَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ آخِرُ الْوَقْتِ مُسْلِمًا فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ إذْ أَدْرَكَ السَّبَبَ خَالِيًا عَنْ الْأَدَاءِ فَتَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الْوَضْعِ فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ فِي حَالِ كُفْرِهِ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَنَا، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ إعَادَةُ حَجِّهِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْوَقْتِ إلَى الصَّلَاةِ كَنِسْبَةِ الْعُمْرِ إلَى الْحَجِّ فَحَبَطَ ثُمَّ أَدْرَكَ وَقْتَهُ مُسْلِمًا فَلَزِمَهُ.

[باب سجود السهو]

بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ (يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) (قَوْلُهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا حَتَّى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ، وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ، وَكَذَا فِي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا، وَكُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ إذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّلَامِ يُسْقِطُ السَّهْوَ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ السُّجُودِ أَنْ يُسَلِّمَ وَمِنْ قَصْدِهِ السُّجُودَ، بَلْ لَوْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ لَا يَسْجُدَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ وَلَا يَبْطُلُ سُجُودُهُ، كَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يُفْسِدَهَا لَا تَفْسُدُ إلَّا بِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْقَصْدِ بِالْفِعْلِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّهْوَ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ. وَأَمَّا رَفْعُ الْقَعْدَةِ فَلَا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَذَكَّرَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فِي الْقَعْدَةِ فَسَجْدَةٌ فَإِنَّهُمَا يَرْفَعَانِ الْقَعْدَةَ حَتَّى يُفْتَرَضَ الْقُعُودُ بَعْدَهُمَا لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا قَبْلَهَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَلَا تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ، وَهَذَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ» ) فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ. حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَرُوِيَ أَنَّهُ «سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ» فِي السِّتَّةِ أَيْضًا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ «أَنَّهُ صَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» . وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ انْفَرَدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ الْحَقُّ فِي ابْنِ عَيَّاشٍ تَوْثِيقُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ عَنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَقَالَةً فِي الرِّجَالِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ عَبَّاسُ عَنْ يَحْيَى

السَّلَامِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ» فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ سَالِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ مَعِينٍ ثِقَةٌ، وَتَوْهِينُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ لَا يُقْبَلُ، وَنَاهِيك بِأَبِي زُرْعَةَ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِّ بَعْدَ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَحْفَظُ مِنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَغَايَةُ مَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ قَوْلُهُ عَنْ الشَّامِيِّينَ حَدِيثُهُ صَحِيحٌ وَخُلُقٌ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَكَثِيرٍ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وَرِوَايَتُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ الشَّامِيِّينَ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ وَهُوَ الشَّامِيُّ الدِّمَشْقِيُّ وَثَّقَهُ دُحَيْمٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ سَالِمٍ الْعَنْسِيِّ بِالنُّونِ وَهُوَ أَبُو الْمُخَارِقِ الشَّامِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَبُو حُمَيْدٍ، وَيُقَالُ أَبُو حِمْيَرٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ أَبُو زَرْعَةُ وَالنَّسَائِيُّ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً وَبَعْضُ النَّاسِ يَسْتَنْكِرُ حَدِيثَهُ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ فَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَهُوَ عَنْ ثَوْبَانَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ إلَيْنَا وَقَالَ: فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ» فَهَذَا تَشْرِيعٌ عَامٌّ قَوْلِيٌّ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَنْ سَهْوِ الشَّكِّ وَالتَّحَرِّي، وَلَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَهُ أَوْ بَيْنَ تَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَقَدْ تَمَّ أَمْرُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ حُجِّيَّتِهِ. (قَوْلُهُ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ إلَخْ) لَمَّا أَوْقَعَ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِيبَ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْفِعْلِ وَكَانَ دَلِيلُهُمْ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ الثُّبُوتِ مَعَ قِيَامِ دَلِيلِ عَدَمِ الْخُصُوصِيَّةِ، إذْ قَدْ شَارَكُوهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ دَلِيلُنَا أَرْجَحُ ثُبُوتًا وَتَرْجِيحُ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُوَّةِ فَقَالَ ذَاكَ لَوْ سَلِمَ دَلِيلُكُمْ مِنْ الْمُعَارِضِ، لَكِنْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ يُعَادِلُهُ، فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ الْأَحَطِّ رُتْبَةً فِي الثُّبُوتِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْمُعَارِضِ لَا لِتَرْجِيحِهِ بِالْفِعْلِ الْمَرْوِيِّ ثَانِيًا، وَلَا لِتَرْجِيحِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِهِ لِيَكُونَ تَرْجِيحًا بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ إنَّمَا صِيرَ إلَى مَا بَعْدَ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ لَا إلَى مَا فَوْقِهِمَا فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالَانِ الْقَائِلَانِ أَنَّ الرَّسْمَ فِي الْمُعَارَضَةِ أَنْ يُصَارَ إلَى مَا بَعْدَ الْمُتَعَارِضَيْنِ كَالسُّنَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِ نَصِّ الْكِتَابِ، وَالْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِ السُّنَّةِ لَا إلَى مَا فَوْقَهُمَا وَالْقَوْلُ فَوْقَ الْفِعْلِ فَكَيْفَ وَقَفَ الصَّيْرُورَةَ إلَيْهِ عَلَى تَعَارُضِ الْفِعْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ تَرْجِيحًا فَالتَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ بَاطِلٌ عِنْدَنَا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا سَقَطَ النَّظَرُ إلَى الْفِعْلِ

وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوَافِقِ لِرَأْيِنَا لِلُزُومِ التَّسَاقُطِ بِالتَّعَارُضِ يَلْزَمُ كَوْنُ السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْقَوْلِيِّ فَيُنَافِيهِ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَنَا يَجُوزُ. فَالْجَوَابُ مَا قَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ فَلَا إشْكَالَ عَلَى هَذِهِ، وَعَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلُزُومُ التَّسَاقُطِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْمُتَعَارَضِينَ جَمِيعًا، وَهُنَا يُمْكِنُ إذْ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّةِ السُّجُودِ وَهُوَ الْجَبْرُ لَا يَنْتَفِي بِوُقُوعِهِمَا قَبْلَ السَّلَامِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلَيْنِ بَيَانًا لِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَأَوْلَوِيَّةُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ إيقَاعُهُ بَعْدَ السَّلَامِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ، وَيُؤَكِّدُهُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَانِ الْعِلَّةِ وَهُوَ وَقْتُ وُقُوعِ السَّهْوِ تَفَادِيًا عَنْ تَكْرَارِهِ، إذْ الشَّرْعُ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَأُخِّرَ لِيَكُونَ جَبْرًا لِكُلِّ سَهْوٍ يَقَعُ فِي الصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يُسَلِّمْ فَتَوَهُّمُ السَّهْوِ ثَابِتٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَشَغَلَهُ ذَلِكَ حَتَّى أَخَّرَ السَّلَامَ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ بِهَذَا النَّقْصِ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ تَكَرَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَقِيَ نَقْصًا لَازِمًا غَيْرَ مَجْبُورٍ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ لِهَذَا الْمُجَوِّزِ. وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَا تَجِبُ إعَادَتُهَا بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يُحْمَلْ اخْتِلَافُ الْفِعْلَيْنِ عَلَى التَّوْزِيعِ عَلَى مَوْرِدَيْهِمَا، وَمَوْرِدُ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ كَانَ فِي النَّقْصِ وَمَوْرِدُهُ بَعْدَهُ كَانَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَهَذَا الْمَأْخَذُ مَأْخَذُهُ. فَالْجَوَابُ كَانَ ذَلِكَ مُحَتَّمًا لَوْ لَمْ يَثْبُتْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ سَهْوٍ، أَوْ فِي كُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» فَلَمَّا وَرَدَ ذَلِكَ لَزِمَ حَمْلُ اخْتِلَافِ الْفِعْلَيْنِ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَوْلَى وُقُوعُهُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِهَذَا الَّذِي صِرْنَا إلَيْهِ يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ الْمَرْوِيَّاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. فَإِنْ قُلْت: كَمَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ كَذَلِكَ تَعَارَضَتْ رِوَايَاتُ قَوْلِهِ، فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثَ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَغَيْرَهُ أَيْضًا فَالْجَوَابُ الْكَلَامُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ يُعَارِضْ حَدِيثَ ثَوْبَانَ فِيهِ دَلِيلٌ قَوْلِيٌّ أَنَّهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَسَائِرُ أَمْثَالِهِ مِنْ الْقَوْلِيَّاتِ خَاصَّةٌ فِي الشَّكِّ وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي هَذَا، عَلَى أَنَّ الْقَوْلِيَّةَ فِي الشَّكِّ قَدْ تَعَارَضَتْ أَيْضًا، رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، قِيلَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَادَ أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إنَّهُ لَوْ حَدَثَ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي،

وَهَذَا خِلَافٌ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَيَأْتِي بِتَسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ صَرْفًا لِلسَّلَامِ الْمَذْكُورِ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ. وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرُ الصَّلَاةِ. قَالَ (وَيَلْزَمُهُ السَّهْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ وَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَأْتِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَوْنَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ لِأَنَّ الِانْحِرَافَ التَّحِيَّةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا مُجَرَّدُ التَّحْلِيلِ. وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَخِي فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَنَسَبَ الْقَائِلَ بِالتَّسْلِيمَةِ إلَى الْبِدْعَةِ فَدَفَعَهُ أَخُوهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ مُشَارٌ إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَتَقَصَّيْنَا عَنْ عُهْدَةِ الْبِدْعَةِ. وَجْهُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ مَا قَالَهُ مِنْ صَرْفِ السَّلَامِ: يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ وَالسَّلَامُ الْمَعْهُودُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَتَانِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْقَعْدَتَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آخِرُ. وَقِيلَ قَبْلَ السُّجُودِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُ

إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا لَيْسَ مِنْهَا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَجْدَةَ السَّهْوِ وَاجِبَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهَا تَجِبُ لِجَبْرِ نَقْصٍ تَمَكَّنَ فِي الْعِبَادَةِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ، وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ سَاهِيًا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا لَا تَعْرَى عَنْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ. قَالَ (وَيَلْزَمُهُ إذَا تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِعْلًا وَاجِبًا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِتَسْمِيَتِهِ سُنَّةً أَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ. قَالَ (أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَحْوَطُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ (قَوْلُهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا) كَسَجْدَةٍ أَوْ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ إذَا رَكَعَهُمَا فَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ فِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةِ بَابِ السَّهْوِ الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْمَسْنُونَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ لَا يُرْفَضُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ) فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِ التَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الْأَوْلَى وَالثَّنَاءِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوَائِدِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَفِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ زَائِدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ السُّجُودُ، وَكَذَا فِيهَا كُلِّهَا بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الْأُولَى. وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَنْ الشِّمَالِ أَوَّلًا سَاهِيًا وَتَقَدَّمَتْ. وَلَوْ تَرَكَ الْقَوْمَةَ سَاهِيًا بِأَنْ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ سَاجِدًا. فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ أَنَّ عَلَيْهِ السُّجُودَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَهَا عِنْدَ هُمَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَحْثًا أَنَّ وُجُوبَهَا مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَفْسُدُ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَهُ، وَلَا تَجِبُ بِتَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ أَوْ تَأْخِيرُهُ) كَتَأْخِيرِ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ مِنْ الْأَوْلَى، أَوْ تَأْخِيرِ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّشَهُّدِ سَاهِيًا وَلَوْ بِحَرْفٍ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ بَلْ بِتَمَامِهَا، وَقِيلَ بَلْ بِاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ. وَالتَّحْقِيقُ انْدِرَاجُ الْكُلِّ فِي مُسَمَّى تَرْكِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّأْخِيرِ وَاجِبٌ، فَالتَّأْخِيرُ تَرْكُ وَاجِبٍ. وَقَالُوا: لَوْ افْتَتَحَ فَشَكَّ أَنَّهُ هَلْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَبَّرَ إنْ شَغَلَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ سَهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ إنْ تَفَكَّرَ قَدْرَ رُكْنٍ كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَجِبُ، وَلَوْ شَكَّ فِي هَذِهِ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَهَا لَا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ، وَلَوْ انْصَرَفَ لِسَبْقِ حَدَثٍ فَشَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ عَلِمَ وَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ وُضُوئِهِ سَاعَةً ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلِأَنَّهُ فِي حُرْمَتِهَا (قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أَيْ فِي إحْدَى أُولَيَيْ الْفَرْضِ لَا أُخْرَيَيْهِ. وَمُطْلَقًا فِي غَيْرِ الْفَرْضِ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ أَكْثَرَهَا لَا أَقَلَّهَا

(أَوْ الْقُنُوتَ أَوْ التَّشَهُّدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا تَرْكُ السُّورَةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَرَكَ السُّورَةَ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَرَكَ قِرَاءَةَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. حَتَّى لَوْ قَرَأَ مِنْ سُورَةٍ هَذَا الْقَدْرَ فَقَطْ لَا سَهْوَ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ كُلٍّ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ بِالسُّجُودِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ يَعُودُ فَيَقْرَأُ فِي تَرْكِ الْفَاتِحَةِ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يُعِيدُ السُّورَةَ ثُمَّ الرُّكُوعَ فَإِنَّهُمَا يَرْتَفِضَانِ بِالْعَوْدِ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَفِي السُّورَةِ السُّورَةَ، ثُمَّ يُعِيدُ الرُّكُوعَ لِارْتِفَاضِهِ بِالْعَوْدِ إلَى مَا مَحَلُّهُ قَبْلَهُ عَلَى التَّعْيِينِ شَرْعًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا إلَّا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْهَا فِيهِ وَمَا لَا يَقْضِيهِ وَكَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ أَصْلًا فِي الْأُولَيَيْنِ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَيَصِيرَانِ كَالْأُولَيَيْنِ فَيَجْهَرُ فِيهِمَا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَلَوْ بَدَأَ بِحَرْفٍ مِنْ السُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ فَذَكَرَ فَقَرَأَ الْفَاتِخَةَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلتَّأْخِيرِ، وَفِي هَذَا إذَا وَزَنْتَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفَكُّرِ نَظَرٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ مِنْ السُّورَةِ مِقْدَارَ مَا يَتَأَدَّى فِيهِ رُكْنٌ لِيَجِبَ السَّهْوُ. وَلَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا سَهْوَ، وَفِي الْأُولَيَيْنِ مُتَوَالِيًا عَلَيْهِ السَّهْوُ، لَا إنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالسُّورَةِ لِلُزُومِ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السُّورَةُ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، إذْ لَيْسَ الرُّكُوعُ وَاجِبًا بِأَثَرِ السُّورَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِفِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فِيهِمَا فَلَا تَتَقَدَّرُ بِقَدْرٍ يَجِبُ بَعْدَهُ الرُّكُوعُ بَلْ يُسَنُّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ الْقُنُوتَ) أَوْ تَكْبِيرَتَهُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُهُ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، أَمَّا لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعَ قَبْلَ الرَّفْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَعُودُ وَيَقْنُتُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقِيلَ لَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ. وَالْأَوْجَهُ الْأُوَلُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقُنُوتِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ. ثُمَّ رَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى رِوَايَةَ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى الْقُنُوتِ وَجَعَلَهَا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ عَدَمِ ارْتِفَاضِ الرُّكُوعِ لَوْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ الْعَوْدِ إلَى قِرَاءَتِهِ وَكَأَنَّهُ لِضَعْفِ وُجُوبِ الْقُنُوتِ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ. وَلَوْ قَرَأَ الْقُنُوتَ فِي الثَّالِثَةِ وَنَسِيَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَتَذَكَّرَ بَعْدَمَا رَكَعَ قَامَ وَقَرَأَ وَأَعَادَ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى مَا مَحَلُّهُ قَبْلَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَمَحَلَّهَا فَتَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقُعُودِ فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ لَهَا ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ فَيُعِيدُهُ اسْتِحْبَابًا (قَوْلُهُ أَوْ التَّشَهُّدَ) أَوْ بَعْضَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، قَالُوا إنْ كَانَ إمَامًا يَأْخُذُ بِهَذَا كَيْ لَا يَلْتَبِسَ عَلَى الْقَوْمِ، ثُمَّ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ التَّشَهُّدِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ السُّجُودَ إلَّا فِي الْأَوَّلِ. أَمَّا التَّشَهُّدُ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ السَّلَامِ يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ، فَإِنْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ شَيْءٍ يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَمْ يُتَصَوَّرْ إيجَابُ السُّجُودِ. وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالتَّذَكُّرِ بِهِ فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَهُ وَسَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ ارْتَفَضَ قُعُودُهُ، فَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَقَدْ سَلَّمَ قَبْلَ قُعُودِ قَدْرِ التَّشَهُّدِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ قُعُودَهُ مَا ارْتَفَضَ أَصْلًا لِأَنَّ مَحَلَّ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ الْقَعْدَةُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى رَفْضِهَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعَنْ هَذَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ حَتَّى رَكَعَ فَذَكَرَ فَقَامَ لِلْقِرَاءَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَجَدَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسُدُ لِأَنَّهُ ارْتَفَضَ رُكُوعُهُ بِالْقِيَامِ، فَإِذَا لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَرْتَفِضُ لِأَنَّ الرَّفْضَ كَانَ لِلْقِرَاءَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. وَقِيلَ الْفَسَادُ قِيَاسُ ارْتِفَاضِ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ أُقِيمَ مَقَامَ نَفْسِهَا لِدَلِيلٍ أَوْجَبَهُ هُنَاكَ وَلَيْسَ الْقِيَامُ أُقِيمَ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ هَذَا.

أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَاتٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً وَهِيَ أَمَارَةُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهَا وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ ثُمَّ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَفِيهَا سَجْدَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ. (وَلَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتْ فِيمَا يَجْهَرُ تَلْزَمُهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ) لِأَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُخَافَتَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا لَوْ قَرَأَ حِينَ عَادَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ لَمْ يَرْكَعْ فَسَدَتْ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا تَفْسُدُ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ حِينَ قَامَ حَتَّى سَجَدَ آخِذًا بِأَحَدِ ذَيْنِك الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهُمَا مَحَلُّهُ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِمَا فَإِنَّ فِيهِ السَّهْوَ. وَلَوْ قَرَأَهُ فِي الْقِيَامِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَهْوٌ أَوْ بَعْدَهَا فَعَلَيْهِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى. وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الْقَعْدَةِ إنَّمَا يَجِبُ السَّهْوُ إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ التَّشَهُّدِ، أَمَّا إذَا فَرَغَ فَلَا يَجِبُ. وَتَكْرَارُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى يُوجِبُ السُّجُودَ دُونَ الْأَخِيرَةِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَطْلَقَ عَدَمَ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُنُوتِ نَظَرًا إذْ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ دَلِيلُهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إلَخْ) قَدْ أَسْلَفْنَا فِي اسْتِفَادَةِ الْوُجُوبِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ السُّجُودُ. وَعَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْفَسَادِ فِي تَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى

وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَعَنْ كَثِيرٍ مُمْكِنٌ، وَمَا يَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ النَّفْلِ سَاهِيًا، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ فِيهَا السَّهْوُ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا جَهَرَ فِي الْمُخَافَتَةِ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ خَافَتْ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ آيَةٍ قَصِيرَةٍ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا. وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِ الْمُخَافَتَةِ أَغْلَظُ مِنْ قَلْبِهِ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَغَلُظَ حُكْمُهُ، وَلِأَنَّ لِصَلَاةِ الْجَهْرِ حَظًّا مِنْ الْمُخَافَتَةِ وَهُوَ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ مُخَيَّرٌ فِيهِ وَلَا حَظَّ لِصَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فِي الْجَهْرِ بِحَالٍ فَأَوْجَبْنَا فِي الْجَهْرِ وَإِنْ قَلَّ، وَشَرَطْنَا الْكَثْرَةُ فِي الْمُخَافَتَةِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْأَكْثَرِيَّةَ فِي الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا ثَنَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا شُرِعَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلَاوَةً حَقِيقِيَّةً فَبِالنَّظَرِ إلَى جِهَةِ الثُّنَائِيَّةِ لَا يُوجِبُ، وَإِلَى جِهَةِ التِّلَاوَةِ يُوجِبُ قَدْرَ الْفَرْضِ مِنْهَا فَاعْتَبَرْنَا الْأَكْثَرَ مُلَاحَظَةً لِلْجِهَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ أَمَّا فِي الْمُخَافَتَةِ فَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْجَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْهَا مُتَعَسِّرٌ، فَإِنَّ فِي مَبَادِئِ التَّنَفُّسَاتِ غَالِبًا يَظْهَرُ الصَّوْتُ، وَفِي الْحَدِيثِ «وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا السَّبَبِ. وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا قُرْآنٌ أَلْبَتَّةَ، وَكَوْنُهَا ثَنَاءً بِصِيغَتِهِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ثَنَاءٌ وَقَصَصٌ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اعْتِبَارَ جِهَةٍ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ فِيهِ فِي حَقِّ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَكَوْنُ شَرْعِيَّتِهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ مَمْنُوعٌ، بَلْ شُرِعَ فِيهِمَا ابْتِدَاءُ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الثَّنَاءِ وَالسُّكُوتِ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ. أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهُ مُخَيَّرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ مُسَلَّمٌ أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ تَجْوِيزَ الْجَهْرِ لَهُ، وَقَدَّمْنَا

قَالَ (وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابِعًا. (فَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQزِيَادَةَ كَلَامٍ فِيهِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ السَّهْوِ مَعَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ بَلْ يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ حَتَّى يَسْجُدَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ، وَعَنْ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْقِيَامِ بَلْ يُؤَخِّرَ حَتَّى يَنْقَطِعَ ظَنُّهُ عَنْ سُجُودِ الْإِمَامِ، وَقَدْ عَقَدْنَا لِلْمَسْبُوقِ فَصْلًا نَافِعًا بِذَيْلِ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ) يَعْنِي الْإِمَامَ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلسُّجُودِ عَلَى الْمَأْمُومِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لُزُومُ النَّقْصِ فِي صَلَاتِهِ إذْ هِيَ بِنَاءٌ عَلَى النَّاقِصَةِ وَلِذَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهَا فَاحْتَاجَ إلَى الْجَابِرِ كَالْإِمَامِ، وَالْآخَرُ لُزُومُ الْمُتَابَعَةِ شَرْعًا حَتَّى قَالُوا لَوْ تَرَكَ بَعْضُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ حَتَّى قَامُوا مَعَهُ بَعْدَ مَا تَشَهَّدَ كَانَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَنْ يَعُودَ فَيَتَشَهَّدَ وَيَلْحَقَهُ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَعُودُ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ هُنَا فَرْضٌ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ فَلَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رَكْعَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ تَرَكَهَا لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يَقْضِي هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ ضِمْنَ قَضَاءِ الرَّكْعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِإِحْرَازِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى إذَا خَافَ فَوْتَهَا، وَهُنَا لَا يَقْضِي التَّشَهُّدَ بَعْدَ

لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَلَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ الْأَصْلُ تَبَعًا. (وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ تَذَكَّرَ وَهُوَ إلَى حَالَةِ الْقُعُودِ أَقْرَبُ عَادَ وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ) لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ، ثُمَّ قِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ ثُمَّ يَتَّبِعَ. كَاَلَّذِي نَامَ خَلْفَ إمَامِهِ ثُمَّ انْتَبَهَ، عَلَى أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ تَبِعُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُجُودِهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا سَاهِينَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي مَحَلِّ السَّهْوِ بَلْ عَامِدِينَ (قَوْلُهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا) أَيْ فِي نَفْسِ مَا يُؤَدِّيهِ مَعَ الْإِمَامِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ سُجُودُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ صُورَةً كَمَا لَوْ كَانَ لَاحِقًا سَهَا إمَامُهُ فِيمَا فَاتَهُ مَعَهُ لِنَوْمِهِ مَثَلًا فَانْتَبَهَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ السُّجُودَ إذَا فَرَغَ وَالْفَرْضُ أَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَسْجُدْ لَزِمَ الْمُخَالَفَةُ لِأَنَّ السُّجُودَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَوْضِعِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ سَجَدَ بَعْدَمَا انْتَبَهَ هُوَ أَوْ عِنْدَ مَا جَاءَ مِنْ وُضُوئِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ لِسَبْقِ الْحَدَثِ فَأَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، وَلَوْ سَجَدَ مَعَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَلَا تَفْسُدُ وَيَسْجُدُ ثَانِيًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ وَالْمُقِيمِ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ بَعْدَ الْإِمَامِ مِنْ قَضَاءِ الْمَسْبُوقِ وَإِتْمَامِ الْمُقِيمِ إذَا سَهِيَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَحَلٍّ قَبْلَهُ شَرْعًا فَلَا مُخَالَفَةَ فَيَسْجُدَانِ لِسَهْوِهِمَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ وَجَبَ عَلَيْهِمَا مُتَابَعَتُهُ فَيَتَكَرَّرُ السُّجُودُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ لَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ وَلَا الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ لِسَهْوِ الْإِمَامِ وَلَا لِسَهْوِهِمَا فِيمَا يَقْضِي اللَّاحِقُ وَيُتِمُّ الْمُقِيمُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ حُكْمًا وَإِنْ اتَّحَدَتَا حَقِيقَةً لِتَحَقُّقِ الِانْفِرَادِ وَالِائْتِمَامِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ اللَّاحِقِ فَإِنَّهَا وَاحِدَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِيمَا يَقْضِيهِ حُكْمًا، وَلِذَا قُلْنَا لَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ لِمَا سَهَا فِيهِ مِمَّا يَقْضِيهِ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِيهِ فَيَكُونُ لَوْ سَجَدَ مُخَالِفًا وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سَجَدَ وَتَابَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ. وَأَمَّا الْأُولَى فَيَسْجُدُونَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَسْبُوقُونَ وَالْأُولَى لَاحِقُونَ، وَلَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ السَّاهِيَ الْحَدَثُ بَعْدَ سَلَامِهِ اسْتَخْلَفَ لِيَسْجُدَ الْخَلِيفَةُ كَمَا لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ، وَلَيْسَ

لِلتَّأْخِيرِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَمَا إذَا لَمْ يَقُمْ (وَلَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يَعُدْ) لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ مَعْنًى (يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ. (وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ رَجَعَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ) لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي هَذَا الِاسْتِخْلَافِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إذْ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى السَّلَامِ، وَإِنَّمَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ حَالَةَ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يَسْجُدُ قَبْلَهُ وَهُوَ هُنَا قَدْ صَارَ إمَامًا لِلْمُسْتَخْلِفِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَ لَمْ تَفْسُدْ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْمَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ، وَيَسْجُدُ الْخَلِيفَةُ لِلْمَسْبُوقِ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ الْآنَ مُقْتَدٍ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُمْ سَجَدَ آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمَسْبُوقِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيلَ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَسْبُوقِ عَلَى السُّجُودِ وَمَنْعَهُ مِنْ التَّقَدُّمِ بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى السَّلَامِ لِانْتِفَاءِ مَحَلِّيَّةِ السُّجُودِ قَبْلَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ، أَمَّا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ كَوْنَهُ بَعْدَ السَّلَامِ إنَّمَا هُوَ الْأَوْلَى فَلَا، فَالْأَوْجُهُ تَعْلِيلُ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى السُّجُودِ بِكَوْنِهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ، وَلَا يَسْجُدُ فِي أَثْنَائِهَا إلَّا مُقْتَدِيًا وَهُوَ قَدْ صَارَ إمَامًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَ الْإِمَامِ مُدْرِكٌ بَلْ الْكُلُّ مَسْبُوقُونَ قَامُوا وَقَضَوْا مَا سُبِقُوا بِهِ فُرَادَى لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمَسْبُوقِ انْعَقَدَتْ لِلْأَدَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ، ثُمَّ إذَا فَرَغُوا لَا يَسْجُدُونَ فِي الْقِيَاسِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَسْجُدُونَ (قَوْلُهُ لِلتَّأْخِيرِ) أَيْ لِتَأْخِيرِ الْقُعُودِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ قِيَامًا وَإِلَّا لَمْ يُطْلِقْ لَهُ الْعَوْدَ فَكَانَ مُعْتَبَرًا قُعُودًا أَوْ انْتِقَالًا بِالضَّرُورَةِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ يُنَافِيهِ اعْتِبَارُ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَتْبِعِ لِوُجُوبِ السُّجُودِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ) الْأَصَحُّ فِيهِ مَا فِي الْكَافِي أَنَّهُ بِأَنْ يَسْتَوِيَ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ: يَعْنِي وَظَهْرُهُ بَعْدُ مُنْحَنٍ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ فِي رِوَايَةِ إذَا قَامَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِيَنْهَضَ يَقْعُدُ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ رَفَعَ أَلْيَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَرُكْبَتَاهُ عَلَيْهَا لَمْ يَرْفَعْهُمَا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي قَبْلَهَا فَيَكُونُ الْحَاصِلُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ. وَقَدْ اخْتَارَ فِي الْأَجْنَاسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ مَا إذَا فَارَقَتْ رُكْبَتَاهُ الْأَرْضَ دُونَ أَنْ يَسْتَوِيَ نِصْفُهُ الْأَسْفَلُ شَبَهُ الْجَالِسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. فَالْحَاصِلُ ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَسُجُودِهِ وَعَدَمِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَوْدِ ثُمَّ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى، أَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا يَعُودُ، قِيلَ

صَلَاتِهِ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ. قَالَ (وَأَلْغَى الْخَامِسَةَ) لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهَا فَتَرْتَفِضُ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا. (وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ شُرُوعَهُ فِي النَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِ الْمَكْتُوبَةِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ صَلَاةٌ حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي (وَتَحَوَّلَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) خِلَافًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا رَوَاهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فَسَبَّحُوا لَهُ فَرَجَعَ» ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْجِعْ» بِالْحَمْلِ عَلَى حَالَتَيْ الْقُرْبِ مِنْ الْقِيَامِ وَعَدَمِهِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْهُ بِالْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ لَوْ عَادَ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ عَدَمِهِ قِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ لِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ، بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِيَامِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لِإِظْهَارِ مُخَالِفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ الْكَفَرَةِ وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعْنَاهُ أَصْلًا عَلَى أَنَّا نَقُولُ الْجِنَايَةُ هُنَا بِالرَّفْضِ وَلَيْسَ تَرْكُ الْقِيَامِ لِلسُّجُودِ رَفْضًا لَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا قَدْرَ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى رَكَعَ صَحَّتْ، هَذَا وَفِي النَّفْسِ مِنْ التَّصْحِيحِ شَيْءٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةَ قِيَامِ مَا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَكِنَّهُ بِالصِّحَّةِ لَا يَحِلُّ لِمَا عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِاقْتِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالرَّفْضِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُتَحَقِّقُ لُزُومُ الْإِثْمِ أَيْضًا بِالرَّفْضِ، أَمَّا الْفَسَادُ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ فَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا الْبَحْثِ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُصَحِّحِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا) أَيْ وَاجِبًا قَطْعِيًّا وَهُوَ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) لَهُ أَنَّ الْحَاصِلَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ كَوْنُهُ صَلَّاهَا بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ مِثْلُ زِيَادَةِ مَا دُونَهَا، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا» قُلْنَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ يَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَمَعَ فِعْلِهَا، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى خُصُوصِ أَخَصَّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ مَا إذَا صَلَّاهَا خَمْسًا مَعَ تَرْكِ الْقَعْدَةِ فَجَازَ كَوْنُهُ مَعَ فِعْلِهَا، ثُمَّ

لِمُحَمَّدٍ عَلَى مَا مَرَّ (فَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ، ثُمَّ إنَّمَا يَبْطُلُ فَرْضُهُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَرَجُّحِ ذَلِكَ حَمْلًا لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا هُوَ الْأَقْرَبُ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ نَفْلٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّصَافُ بِكَوْنِهِ فِي صَلَاتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْ الْوَصْفَيْنِ، فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا حُكْمٌ بِالضَّرُورَةِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْفَرِيضَةِ، بِخِلَافِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَبِنَاءً عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي تَحَوُّلِهَا نَفْلًا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً عِنْدَهُمَا كَيْ لَا يَنْتَفِلَ بِالْوِتْرِ، وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ قِيلَ نَعَمْ، وَالصَّحِيحُ لَا لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ وَاجِبًا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَصْلِ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ لِأَنَّهُ مَظْنُونُ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَاللُّزُومُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا بِالِالْتِزَامِ أَوْ إلْزَامِ الرَّبِّ تَعَالَى ابْتِدَاءً، وَشُرُوعُهُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بَلْ لِقَصْدِ الْإِسْقَاطِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَقَطَ أَصْلًا، وَلَكِنْ لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ ثُمَّ قَطَعَ لَزِمَهُ قَضَاءُ سِتٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْفَصْلِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: لَوْ قَطَعَهَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لِمَا نَذْكُرُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ) وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ، لِأَنَّ السُّجُودَ لَوْ تَمَّ قَبْلَ الرَّفْعِ لَمْ يَنْقُضْهُ الْحَدَثُ، لَكِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى لُزُومِ إعَادَةِ كُلِّ رُكْنٍ وُجِدَ فِيهِ سَبْقُ الْحَدَثِ عِنْدَ الْبِنَاءِ، وَعَلَى الِاعْتِدَادِ بِمَا لَحِقَ فِيهِ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ إذَا سَبَقَهُ الْمَأْمُومُ فِي ابْتِدَائِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي هَذَا

وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السُّجُودِ بَنَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (وَلَوْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ لِلْخَامِسَةِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَأَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عَلَى وَجْهِهِ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ. (وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَتَمَّ فَرْضُهُ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ إصَابَةُ لَفْظَةِ السَّلَامِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِئُهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَتْرَاءِ» ، ثُمَّ لَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ الرُّكْنُ تَمَّ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ حِينَئِذٍ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَكُلُّ رُكْنٍ أَدَّاهُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ؛ (قَوْلُهُ فِي السُّجُودِ) أَيْ سُجُودِ الْخَامِسَةِ بَنَى: أَيْ عَلَى الْفَرْضِ: أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْحَدَثِ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ فَرْضِهِ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَأْتِيَ فَيَقْعُدَ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، لِأَنَّ الرَّفْعَ حَصَلَ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَكُونُ مُكَمِّلًا لِلسَّجْدَةِ لِيَفْسُدَ الْفَرْضُ بِهِ، وَهَذَا مَا أَعْنِي صِحَّةَ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ سَبْقِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ فِي ذَلِكَ السُّجُودِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِمَا سَنَذْكُرُ فِي تَتِمَّةٍ نَعْقِدُهَا فِي السَّجَدَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ فَسَدَ فَرْضُهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إصْلَاحُهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهِ. وَقَدْ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: بَطَلَتْ وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا. فَأَخْبَرَ بِجَوَابِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ. وَزِهْ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ، وَهُوَ هُنَا عَلَى وَجْهِ التَّهَكُّمِ. قِيلَ قَالَهُ لِغَيْظٍ لَحِقَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ بِسَبَبِ مَا بَلَغَهُ مِنْ عَيْبِهِ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَإِنْ صَارَ مَأْوًى لِلْكِلَابِ وَالدَّوَابِّ (قَوْلُهُ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ) إنَّمَا يَعُودُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ وَسَلَّمَ قَائِمًا حُكِمَ بِصِحَّةِ فَرْضِهِ لِيَأْتِيَ بِالسَّلَامِ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ حَالَ الْقِيَامِ، وَهَلْ يَتَّبِعُهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْقِيَامِ؟ قِيلَ نَعَمْ، فَإِنْ عَادَ عَادُوا مَعَهُ، وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ تَبِعُوهُ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْبَلْخِيّ عَنْ عُلَمَائِنَا لَا يَتَّبِعُونَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَيَنْتَظِرُونَهُ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ السَّجْدَةِ تَبِعُوهُ فِي السَّلَامِ، وَإِنْ سَجَدَ سَلَّمُوا فِي الْحَالِ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ، وَإِذَا عَادَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ.

الظُّهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا) لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ بِالْخُرُوجِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ. وَفِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَلَوْ قَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظُّهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ تَنُوبُ، وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ السُّنَّةَ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِ السُّنَّةِ فِي وُقُوعِهَا سُنَّةً، بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ فَإِنَّهَا بِتَحْرِيمَةٍ قُصِدَتْ ابْتِدَاءً لِلنَّفْلِ فَلِذَا تَقَعُ الْأُولَيَانِ مِنْهَا سُنَّةً، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي الْعَصْرِ: أَعْنِي صَلَّاهَا خَمْسًا بَعْدَمَا قَعَدَ الثَّانِيَةَ أَوْ فِي الْفَجْرِ سَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ، قَالُوا لَا يَضُمُّ سَادِسَةً لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَضُمَّ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ الْقَصْدِيِّ بَعْدَهُمَا، وَكَذَا إذَا تَطَوَّعَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا (قَوْلُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْجُدَ لِأَنَّهُ صَارَ إلَى صَلَاةٍ غَيْرِ الَّتِي سَهَا فِيهَا، وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَا يَسْجُدُ فِي أُخْرَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النُّقْصَانَ دَخَلَ فِي فَرْضِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَهُوَ السَّلَامُ، وَهَذَا النَّفَلُ بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ السَّهْوِ كَأَنَّهُمَا وَاحِدَةٌ، كَمَنْ صَلَّى سِتًّا تَطَوُّعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَسَهَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ يَسْجُدُ فِي الْآخِرِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ بِنَاءً عَلَى الِاتِّحَادِ الْحُكْمِيِّ الْكَائِنِ بِوَاسِطَةِ اتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ النُّقْصَانُ فِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ، إذْ الْوَاجِبُ أَنْ يَشْرَعَ فِي النَّفْلِ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ لِلنَّفْلِ وَهَذِهِ كَانَتْ لِلْفَرْضِ. كَذَا فِي الْكَافِي. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ بِالْخُرُوجِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَفِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ مُرَادُهُ مَسْنُونُ الثُّبُوتِ فَيَعُمُّ الْوَاجِبَ وَهُوَ الْمُرَادُ وَهُوَ تَعْلِيلٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، فَالْأَوَّلُ لِمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي لِأَبِي يُوسُفَ، وَظَهَرَ أَنَّ كَوْنَهُ اسْتِحْسَانًا يُقَابِلُهُ قِيَاسٌ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيَسْجُدُ قِيَاسًا اسْتِحْسَانًا، وَقُدِّمَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ بِلَا تَسْلِيمٍ وَلَا تَحْرِيمَةٍ عَمْدًا لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَيْ الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ بَلْ فِي الْفَرْضِ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ أَبُو يُوسُفَ يَمْنَعُ أَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَيْ الشُّرُوعِ، وَلَوْ قَطَعَهَا: يَعْنِي

وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِيهِمَا يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ، وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَلَوْ أَفْسَدَهُ الْمُقْتَدِي فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ الْإِمَامَ. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ إتْمَامِ الرَّكْعَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ؛ (قَوْلُهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِيهِمَا يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِمَا ذُكِرَ (وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْفَرْضِ) فَانْقَطَعَ إحْرَامُهُ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ فِي إحْرَامَيْنِ لِصَلَاتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَاقٍ لِأَنَّ إحْرَامَ الْفَرْضِ اشْتَمَلَ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَوَصْفَ الْفَرِيضَةِ وَالِانْتِقَالُ إلَى النَّفْلِ أَوْجَبَ انْقِطَاعَ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ صَارَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ بِلَا تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقِطَاعُ الْإِحْرَامِ اُحْتِيجَ إلَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ الْإِحْرَامُ مُنْقَطِعًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ) كَأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: وَعِنْدَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ، يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ، ثُمَّ الْفَتْوَى هُنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ غَيْرُ مَضْمُونٍ قَصْدًا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ لِنُقْصَانِ عَزِيمَتِهِمَا، فَإِذَا انْتَقَضَتْ عَزِيمَةُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِأَنْ شَرَعَ فِيهِ عَلَى عَزْمِ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ لَا عَزْمِ التَّطَوُّعِ الْتَحَقَ بِهِمَا حِينَئِذٍ، وَهَذَا يَخُصُّ الْإِمَامَ فَلَا يَتَعَدَّى

فَسَهَا فِيهِمَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أُخْرَيَيْنِ لَمْ يَبْنِ) لِأَنَّ السُّجُودَ يَبْطُلُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا سَجَدَ السَّهْوَ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ حَيْثُ يَبْنِي لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ يُبْطِلُ جَمِيعَ الصَّلَاةِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ أَدَّى صَحَّ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ. (وَمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ كَانَ دَاخِلًا وَإِلَّا فَلَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ دَاخِلٌ سَجَدَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ، لِأَنَّ عِنْدَهُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمُقْتَدِي. (قَوْلُهُ لَمْ يَبْنِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ؛ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ) الْحَاصِلُ أَنَّ نَقْضَ الْوَاجِبِ وَإِبْطَالَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اسْتَلْزَمَ تَصْحِيحُهُ نَقْضَ مَا هُوَ فَوْقَهُ، فَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ امْتَنَعَ الْبِنَاءُ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ سُجُودُ السَّهْوِ وَوَجَبَ الْبِنَاءُ فِي الْمُسَافِرِ يَسْجُدُ ثُمَّ يَنْوِي الْإِقَامَةَ لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْمُوجِبِ، وَمَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَقَلَّهُمَا مَحْذُورًا. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: حَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ بَعْدَ التَّحْلِيلِ لِضَرُورَةٍ تَرْجِعُ إلَى إكْمَالِ تِلْكَ الصَّلَاةِ لَا أُخْرَى، وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ تَعْمَلُ فِي إكْمَالِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَظَهَرَ عُودُ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّهَا، فَأَمَّا كُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ فَصَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ تَعُدْ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّ صَلَاةٍ أُخْرَى فَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ بَعْدَمَا اُعْتُبِرَ مُحَلَّلًا، لَكِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبِنَاءُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِذَا بَنَى قِيلَ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْآخِرِ لِأَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ وَقَعَ جَابِرًا حِينَ وَقَعَ، وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بِمَا طَرَأَ مِنْ وَصْلِ الْبَاقِي. (قَوْلُهُ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ) أَيْ النُّقْصَانِ الْكَائِنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا

سَبِيلِ التَّوَقُّفِ لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ فَلَا يَظْهَرُ دُونَهَا، وَلَا حَاجَةَ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْعَوْدِ، وَيَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَتَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ بَلْ نَظَرِيَّةٌ، إذْ لَا مَانِعَ فِي الْعَقْلِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَابِرِ بَعْدَهَا مُتَّصِلًا، لَكِنْ تَرَكُوا بَيَانَهَا لِأَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ بَيْنَهُمْ وَزُفَرُ مَعَ مُحَمَّدٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْ الْعِلَّةِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ) أَيْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يَظْهَرُ عَدَمُ عَمَلِهِ دُونَهَا: أَيْ دُونَ السَّجْدَةِ، وَهَذِهِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ قَبْلَ السَّجْدَةِ حَلَّلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَوَانُ الضَّرُورَةِ وَهُوَ السَّجْدَةُ فَلَا يَتَأَخَّرُ عَمَلُهُ فَيَثْبُتُ التَّحْلِيلُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَبْلَهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ سَجَدَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ إذْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الضَّرُورَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَخَلُّفِ تَحْلِيلِهِ عَنْهُ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الِاحْتِمَالَيْنِ قَوْلَانِ لِلْمَشَايِخِ حَكَاهُ خِلَافًا صَرِيحًا بَيْنَهُمْ فِي الْبَدَائِعِ، مِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ. قَالَ: وَهُوَ أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْفُرُوعِ وَالتَّوَقُّفِ فِي بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، وَبُطْلَانُهَا أَصَحُّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِإِعَادَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ اهـ. وَلَا يَبْعُدُ جَعْلُ الشَّرْعِ نَفْسَ السُّجُودِ وَالْعُودَ إلَيْهِ إعَادَةً، وَيَعْنِي بِالْفُرُوعِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ مُقْتَدِيًا أَلْبَتَّةَ، وَعِنْدَهُمَا يُوقَفُ عَلَى السُّجُودِ، وَانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ بَعْدَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُنْتَقَضُ، وَكَذَا لَوْ ضَحِكَ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَفِي تَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَهُ قَبْلَ السُّجُودِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَصِيرُ أَرْبَعًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَيَسْقُطُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُجُودَ السَّهْوِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَيَتْرُكُ وَيَقُومُ، وَلَا يُؤْمَرُ بِأَدَاءِ شَيْءٍ إذْ كَانَ فِي أَدَائِهِ إبْطَالُهُ. وَفِيمَنْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ تَكَلَّمَ هَذَا الْمُقْتَدِي قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي قَضَاءُ شَيْءٍ عِنْدَهُمَا وَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ قَبْلَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ. وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَهُمَا يَخْرُجُ بِالسَّلَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَا أَنَّ مَعْنَى التَّوَقُّفِ أَنْ يُثْبِتَ الْخُرُوجَ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ بِالسُّجُودِ يَدْخُلُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ لَكَانَتْ الْأَحْكَامُ عَلَى عَكْسِهَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ مِنْ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَلُزُومِ الْأَدَاءِ بِالِاقْتِدَاءِ، وَلُزُومِ الْأَرْبَعِ عِنْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْنَى التَّوَقُّفِ الْمُقَابِلِ لِمَا اخْتَارَهُ مِمَّا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنُهُ فِي حُرْمَتِهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّوَقُّفِ لِلْمُتَأَمِّلِ، إذْ حَقِيقَتُهُ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَوَّلًا، فَالثَّابِتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَحَدُهُمَا عَيْنًا، وَالسُّجُودُ وَعَدَمُهُ مُعَرَّفٌ كَمَا يُفِيدُهُ مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّجْوِيزَيْنِ، وَهَذَا

وَ (مَنْ سَلَّمَ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ وَنِيَّتُهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطُّ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، بَلْ الْوُقُوفُ عَنْ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ وَجْهٍ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ، وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَدْرِ تَحَقُّقَ ثُبُوتِ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي مَعْنَى التَّوَقُّفِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ) لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّهِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ فَهُوَ مُحَلَّلٌ مِنْهُ، وَنِيَّتُهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ الْقَطْعُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ تَرْكَ السُّجُودِ، وَالنِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْعَمَلِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ إبْطَالُ مَا رُكْنُهُ أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ وَهُوَ السُّجُودُ فَلَغَتْ، بِخِلَافِ نِيَّةِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا تُؤْثِرُ إبْطَالَ الْإِيمَانِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ رُكْنَهُ عَمَلُ الْبَاطِنِ فَقَطْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ فَرْضٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْعَمَلَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ لِيَنْدَفِعَ مَا يُقَالُ هَذِهِ مَقْرُونَةٌ بِالْعَمَلِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ هَذَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ قَاطِعًا وَإِلَّا لَمْ يَعُدْ إلَى حُرْمَتِهَا، بَلْ الْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ كَانَ مُحَلِّلًا مُخْرِجًا، وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ وُقُوعُهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ كَانَ قَاطِعًا مَعَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ، فَإِنْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لَهُ وَهُوَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَقَدْ قَطَعَ وَتَقَرَّرَ النَّقْصُ وَتَعَذَّرَ جَبْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ نَفْسَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا فَسَدَتْ، وَإِنْ سَلَّمَ غَيْرَ ذَاكِرٍ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَصِرْ خَارِجًا، وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْفُرُوعُ فَلْنَذْكُرْ طَرَفًا يَنْفَعُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَنَقُولُ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى: إذَا سَلَّمَ وَانْصَرَفَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً أَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، وَلَوْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ سَلَامَهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ هَذَا السَّلَامِ صَارَ دَاخِلًا، فَإِنْ سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ صُلْبِيَّةً وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الدَّاخِلِ بِفَسَادِهَا بَعْدَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الدَّاخِلِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي فَرْضٍ رُبَاعِيٍّ مُتَنَفِّلًا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا وَرَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَانْصَرَفَ إنْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ خَلْفَهُ أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَسَدَتْ فِي الصُّلْبِيَّةِ وَتَقَرَّرَ النَّقْصُ وَعَدَمُ الْجَبْرِ فِي التِّلَاوِيَّةِ وَالسَّهْوِيَّةِ. وَإِنْ مَشَى إمَامُهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ بَنَى مَا لَمْ يُجَاوِزْهَا لَا إنْ جَاوَزَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ فَقِيلَ إنْ مَشَى قَدْرَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ عَادَ أَوْ أَكْثَرَ امْتَنَعَ الْبِنَاءُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْآخَرِ. وَقِيلَ إنْ جَاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لَا يَعُودُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ فِي حُكْمِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّهُ تَرَكَ صُلْبِيَّةً فَقَامَ وَاسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ فَصَلَّى أَرْبَعًا فَسَدَتْ، لِأَنَّ نِيَّةَ الِاسْتِقْبَالِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأُولَى فَصَارَ خَالِطًا الْمَكْتُوبَةَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا، وَهَذِهِ نَظِيرُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ فَسَلَّمَ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَكَبَّرَ لِلِاسْتِقْبَالِ فَصَلَّى ثَلَاثًا إنْ صَلَّى رَكْعَةً وَقَعَدَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْرَ التَّشَهُّدِ جَازَتْ الْمَغْرِبُ وَإِلَّا فَسَدَتْ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمَغْرِبِ ثَانِيًا لَمْ تَصِحَّ فَبَقِيَ فِي الْأُولَى، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً وَقَعَدَ تَمَّتْ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ تِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ خَاصَّةً لَا يُعَدُّ سَلَامُهُ قَاطِعًا، فَإِذَا تَذَكَّرَ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَإِنْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لَهُمَا أَوْ لِلتِّلَاوَةِ خَاصَّةً كَانَ قَاطِعًا وَسَقَطَتْ عَنْهُ التِّلَاوِيَّةُ وَالسَّهْوُ لِامْتِنَاعِ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ الِانْقِطَاعِ، إلَّا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ حَيْثُ قَالَ: إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ لِلتَّشَهُّدِ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَإِنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِيَّةِ لَمْ يَكُنْ سَلَامُهُ قَاطِعًا وَيَفْعَلُ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُمَا ولِلصُّلْبِيَّةِ خَاصَّةً فَهُوَ قَاطِعٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَتِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُنَّ أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِيَّةِ لَمْ يَقْطَعْ وَيَقْضِي الْأُولَيَيْنِ مُرَتِّبًا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ النِّيَّةِ فِي الْمُقْضَى مِنْ السَّجَدَاتِ، وَسَنُبَيِّنُهُ فِي التَّتِمَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ أَوْ التِّلَاوِيَّةِ فَسَدَتْ وَكَانَ سَلَامُهُ قَاطِعًا، وَهَذَا فِي الصُّلْبِيَّةِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَمْدًا ذَاكِرًا رُكْنًا عَلَيْهِ. وَأَمَّا فِي التِّلَاوِيَّةِ فَالْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ سَلَامَهُ فِي حَقِّ الرُّكْنِ سَلَامُ سَهْوٍ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَفِي حَقِّ الْوَاجِبِ عَمْدٌ وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ دُونَ التِّلَاوِيَّةِ وَدُفِعَ بِأَنَّ جَانِبَ الْوَاجِبِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَجَانِبَ الرُّكْنِ إنْ لَمْ يُوجِبْهُ لَا يَمْنَعْ مِنْ الْإِخْرَاجِ، فَكُلُّ سَلَامٍ الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا لِأَنَّهُ جُعِلَ مُحَلِّلًا شَرْعًا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ عَلَى مَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ السَّهْوِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَثْرَةِ السَّهْوِ وَغَلَبَةِ النِّسْيَانِ، وَلَا يَكْثُرُ سَلَامُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْوَاجِبَ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ فَبَقِيَ مُخَرَّجًا عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِذَا تَمَّتْ عِلَّةُ الْإِخْرَاجِ وَجَانِبُ الرُّكْنِ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا قُلْنَا صَارَ مَحْكُومًا بِخُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ شَرْعًا قَبْلَ إكْمَالِ الْأَرْكَانِ فَتَفْسُدُ. وَمَا أَحْسَنَ عِبَارَةَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَخْصَرَهَا حَيْثُ قَالَ: فَسَدَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْضِيَ الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا جُعِلَتْ قَضَاءً الَّتِي كَانَ نَاسِيًا لَهَا وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا. وَإِذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةِ بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لِلْكُلِّ أَوْ سَاهِيًا عَنْ الْكُلِّ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ يُقَدِّمُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ التَّكْبِيرَ ثُمَّ التَّلْبِيَةَ وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ قَبْلَ السَّهْوِ سَقَطَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ، وَلَوْ لَبَّى قَبْلَ التَّكْبِيرِ يَسْقُطُ التَّكْبِيرُ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَتِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوٌ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا سَجَدَهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي وُجُوبِهِمَا ثُمَّ يَفْعَلُ الْبَاقِيَ، وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ فَسَدَتْ أَوْ بِالتَّكْبِيرِ لَا تَفْسُدُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ بَعْدَ فِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

فَلَغَتْ. (وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَأْنَفَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ» (وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ كَثِيرًا بَنَى عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهِ) لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ) قَيَّدَ بِالظَّرْفِ لِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُعْتَبَرُ، إلَّا إنْ وَقَعَ فِي التَّعْيِينِ لَيْسَ غَيْرُ بِأَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ قَالُوا يَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ الرُّكُوعُ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّكْعَةِ وَسَجْدَتَيْنِ لِأَنَّ السُّجُودَ الَّذِي كَانَ أَوْقَعَهُ دُونَهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنْ كَانَ سَجْدَةً فَقَدْ سَجَدَ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الْعَصْرِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً وَشَكَّ أَنَّهَا مِنْهَا أَوْ مِنْ الظُّهْرِ يَتَحَرَّى، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُتِمُّ الْعَصْرَ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْهَا ثُمَّ يُعِيدُ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ احْتِيَاطًا اسْتِحْبَابًا، وَلَوْ لَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَدَّى رُكْنًا وَشَكَّ أَنَّهُ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ أَوْ لَا أَوْ هَلْ أَحْدَثَ أَوْ لَا أَوْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ أَوْ هَلْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ أَوْ لَا إنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَقْبَلَ وَإِلَّا مَضَى وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَلَا غَسْلُ ثَوْبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ أَنَّ هَذِهِ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ أَوْ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شُرُوعٌ بَعْدُ لِيُجْعَلَ لِلْقُنُوتِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ نَوَى لِيَكُونَ لِلِافْتِتَاحِ. وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَأَعَادَ التَّكْبِيرَ وَالثَّنَاءَ ثُمَّ تَذَكَّرَ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلَا تَكُونُ الثَّانِيَةُ اسْتِقْبَالًا وَقَطْعًا لِلْأُولَى. هَذَا فِي تَرْكِ الْفِعْلِ فَلَوْ كَانَ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ قِرَاءَةً فَسَدَتْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا قِرَاءَةَ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ صَلَاةٍ يُعِيدُ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ لِأَنَّهُمَا يَفْسُدَانِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ. إلَّا إنْ كَانَ مُتَذَكِّرًا أَنَّهُ تَرَكَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَحِينَئِذٍ يُعِيدُ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْوِتْرِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَهَا فِي أَرْبَعٍ أَعَادَ الرُّبَاعِيَّاتِ الثَّلَاثَ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا تَذَكَّرَ تَرْكَهَا فِي ثَلَاثٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنْ يُعِيدَ مَا سِوَى الْفَجْرِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. وَقَدْ أَسْلَفْنَا أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ تَرْكَ صَلَاةٍ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَشَكَّ فِيهِ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ) قِيلَ مَعْنَاهُ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ فِي عُمُرِهِ مِنْ حِينِ بَلَغَ، وَقِيلَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ السَّهْوَ لَيْسَ بِعَادَةٍ لَهُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا شَكَّ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَحَادِيثُ هِيَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ» (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ» وَالِاسْتِقْبَالُ بِالسَّلَامِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ عُرِفَ مُحَلِّلًا دُونَ الْكَلَامِ، وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ يَلْغُو، وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ آخِرَ صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ تَارِكًا فَرْضَ الْقِعْدَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْتَقْبِلْ» وَهُوَ غَرِيبٌ، وَإِنْ كَانُوا هُمْ يَعْرِفُونَهُ، وَمَعْنَاهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَدْرِي صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا: يُعِيدُ حَتَّى يَحْفَظَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَشُرَيْحٍ، وَمَا فِي الصَّحِيحِ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ» وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلَفْظُ التَّحَرِّي وَإِنْ لَمْ يَرْوِهِ مِسْعَرٌ وَالثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَغَيْرُهُمْ، فَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ الْحَافِظُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ. وَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ الْكُلُّ سَلَكُوا فِيهَا طَرِيقَ الْجَمْعِ بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَحْمَلٍ يُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَوَّلُ شَكٍّ عَرَضَ لَهُ إمَّا مُطْلَقًا فِي عُمُرِهِ أَوْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَاخْتِيرَ الْحَمْلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّكُّ لَيْسَ عَادَةً لَهُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْأَوَّلَ بِلَا شَكٍّ وَالثَّانِيَ ظَاهِرًا، وَيُسَاعِدُهُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ مَا عَلَيْهِ دُونَ حَرَجٍ لِأَنَّ الْحَرَجَ بِإِلْزَامِ الِاسْتِقْبَالِ إنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ كَثْرَةِ عُرُوضِ الشَّكِّ لَهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى يَقِينِ الْإِسْقَاطِ دُونَ حَرَجٍ لِأَنَّ عُرُوضَهُ قَلِيلٌ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ فَلَا يَدْفَعُ الشَّكُّ حُكْمَ الظَّاهِرِ، وَحَمْلُ عَدَمِ الْفَسَادِ الَّذِي تَظَافَرَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ الْآخَرَانِ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَكْثُرُ مِنْهُ لِلُزُومِ الْحَرَجِ بِتَقْدِيرِ الْإِلْزَامِ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا بِالنَّافِي فَوَجَبَ أَنَّ حُكْمَهُ الْعَمَلُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي وَيُجْعَلُ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ الثَّانِي، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ مَحْمَلُ الثَّالِثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَأَمَّا مَا يُفِيدُهُ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ مِنْ إنَاطَةِ سُجُودِ السَّهْوِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ وَإِنْ ذَكَرَ الصَّوَابَ يَقِينًا وَبَنَى عَلَيْهِ فَمَحْمَلُهُ أَنْ يَشْغَلَهُ الشَّكُّ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ حَتَّى لَزِمَهُ تَأْخِيرُ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ آخِرُ صَلَاتِهِ كَيْ لَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ) وَهُوَ الْقَعْدَةُ مَعَ تَيَسُّرِ طَرِيقٍ تُوَصِّلُهُ إلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقِينِ عَدَمِ تَرْكِهَا ثُمَّ هَذِهِ الْإِفَادَةُ قُصُورٌ لِأَنَّ الْمَسْطُورَ يُفِيدُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُهُ مَحَلَّ قُعُودٍ سَوَاءٌ كَانَ آخِرَ صَلَاتِهِ أَوْ لَا، وَلِنَسْقِ ذَلِكَ قَالُوا: إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ أَنَّ الَّتِي هُوَ فِيهَا أُولَى أَوْ ثَانِيَةٌ تَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَكَذَا فِي جَمِيعِ صُوَرِ الشَّكِّ إذَا عَمِلَ بِالتَّحَرِّي أَوْ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ يَسْجُدُ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يَنْبَغِي إغْفَالُ ذِكْرِ السُّجُودِ فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ فَيُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ بِحُكْمِ وُجُوبِ الْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ يَقْعُدُ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ تَحَرَّى. فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ قَائِمٌ قَعَدَ وَلَا يُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا الثَّالِثَةَ فَيَكُونُ تَارِكًا لِفَرْضِ الْقَعْدَةِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى لِجَوَازِ كَوْنِ الْقِيَامِ الَّذِي رَفَضَهُ بِالْقُعُودِ ثَانِيَتَهُ وَقَدْ تَرَكَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أُخْرَى لِيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ قَاعِدًا. وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ وَقَعَ عَلَى أَنَّهَا ثَالِثَةٌ تَحَرَّى فِي الْقَعَدَاتِ فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى مَا قَبْلَهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ فَسَدَتْ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ دَارَتْ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَتَفْسُدُ احْتِيَاطًا. وَإِنْ شَكَّ أَنَّهَا أُولَى أَوْ ثَالِثَةٌ لَا يُتِمُّ رَكْعَةً بَلْ يَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَيَرْفُضُ الْقِيَامَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ كَانَ شَكُّهُ فِي أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ أُولَى وَقَعَ فِي سُجُودِهِ يَمْضِي فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ. لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أُولَى لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ يَلْزَمُهُ تَكْمِيلُهَا. ثُمَّ إذَا رَفَعَ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ يَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً. وَلَوْ شَكَّ فِي سُجُودِهِ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ إنْ كَانَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ ثَانِيَةً كَانَ عَلَيْهِ إتْمَامُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَالِثَةً لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى ارْتَفَعَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ وَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَذَكُّرِ صُلْبِيَّةٍ مِنْ أَنَّ إعَادَةَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ التَّذَكُّرُ مُسْتَحَبٌّ. وَلَوْ فَرَّعْنَاهُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ هُنَا لِعَدَمِ ارْتِفَاضِ السَّجْدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ تَبْطُلَ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى سَجَدَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَا، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ عَمِلَ بِالتَّحَرِّي عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ فَيَجْعَلُهَا أُولَى ثُمَّ يَقْعُدُ لِجَوَازِ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ، وَالْقَعْدَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ فِي الْحُكْمِ وَالْقَعْدَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا رَابِعَةٌ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا الْأَخِيرَةُ حُكْمًا. فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْقُعُودَ مَنُوطٌ بِتَوَهُّمِ كَوْنِ الْمَحَلِّ مَحَلِّ لُزُومِهِ وَاجِبًا أَوْ فَرْضًا، وَلَوْ شَكَّ فِي أَنَّهَا الرَّابِعَةُ أَوْ الْخَامِسَةُ أَوْ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ أَوْ الْخَامِسَةُ فَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَجْرِ فَيَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ يُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَقْنُتُ فِيهَا وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْنُتُ فِيهَا أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فِي الْوِتْرِ بِرَكْعَتَيْنِ فِي رَمَضَانَ إذَا قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ لَا يَقْنُتُ ثَانِيًا فِي ثَالِثَتِهِ. وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ الثَّالِثَةِ جُعِلَ كَإِدْرَاكِهِ الْقُنُوتَ مَعَهُ نَظِيرُهُ مَنْ سَمِعَ مِنْ إمَامٍ آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَمْ يَسْجُدْهَا ثُمَّ دَخَلَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ السُّجُودُ لِأَنَّهُ بِإِدْرَاكِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ مَعَهُ صَارَ مُدْرِكًا لِكُلِّ مَا فِيهَا، وَهَذَا الْفَرْقُ بِالْمَسْبُوقِ فِي الْوِتْرِ وَالسَّاهِي فِيهِ فِي حَقِّ الْقُنُوتِ هُوَ مُخْتَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَأْمُورٌ أَنْ يَقْنُتَ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ آخِرَ صَلَاتِهِ فَقَدْ قَنَتَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَقْنُتُ ثَانِيًا لِأَنَّ تَكْرَارَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَالشَّاكُّ لَمْ يَتَيَقَّنْ وُقُوعَ الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعِهِ فَيَقْنُتُ مَرَّةً أُخْرَى وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ فِي بَابِ الْوِتْرِ. . [تَتِمَّةٌ: فِي تَرْكِ السَّجَدَاتِ وَالرُّكُوعِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فِي السَّهْوِ] أَمَّا تَرْكُ السُّجُودِ فَقَدْ انْتَظَمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وُجُوبُ قَضَائِهِ، وَهَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ تَحَرَّى فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقَعْ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَ شَاكًّا فِي أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ مَا قَبْلَهَا نَوَى الْقَضَاءَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْأَخِيرَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرُوا فِيمَنْ سَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَسَجَدَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ صُلْبِيَّةً مِنْ الْأُولَى فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ لَا تَفْسُدُ وَنَابَتْ إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَنْ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِيَحْتَاجَ فِي صَرْفِ السَّجْدَةِ إلَيْهَا إلَى النِّيَّةِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ التِّلَاوَةَ دُونَ السَّهْوِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: لَا تَنُوبُ التِّلَاوَةُ وَالسَّهْوُ عَنْ الصُّلْبِيَّةِ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تِلَاوَةٌ أَوْ سَهْوٌ حِينَئِذٍ كِلَاهُمَا تَنُوبَانِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ، إنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهُمَا وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، أَوْ مِنْ الْأُولَى فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً. وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ تَرَكَهَا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يَنْوِي الْقَضَاءَ فِي الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً، وَمَنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لِأَنَّ السَّجْدَتَيْنِ يُضَمَّانِ إلَى الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَفِي رِوَايَةٍ إلَى الرُّكُوعِ الثَّانِي، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَصِيرُ مُدْرِكًا، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ أَيِّهِمَا تَرَكَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ أَوَّلًا وَيَتَشَهَّدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ الثَّانِيَةِ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا مِنْ الْأُولَى وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ، فِي السَّجْدَةِ. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: هَذَا إذَا نَوَى بِالسَّجْدَةِ الِالْتِحَاقَ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَةً مُطْلَقًا، وَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيَضُمُّ إلَى الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ إلَى الرُّكُوعِ الثَّانِي وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى. ثُمَّ رَأَيْت أَنْ أَكْتُب تَمَامَ فَصْلِ السَّجَدَاتِ الْمَذْكُورِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ قَالَ: مَسَائِلُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُصُولٍ: مِنْهَا أَنَّ السَّجْدَةَ مَتَى فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَضَاءً، وَالْقَضَاءُ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ فَائِتَةً عَنْ مَحَلِّهَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَحَلِّهَا رَكْعَةٌ تَامَّةٌ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ يَحْتَمِلُ الرَّفْضَ فَيَرْتَفِضُ وَتَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهَا، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانَ مِنْ وُجُوبِ إعَادَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّذَكُّرُ قُبَيْلَ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِلْخُرُوجِ عَمَّا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ وَتُقَدَّمُ السَّجْدَةُ عَلَى الرَّكْعَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الرَّكْعَةَ عَلَيْهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ لَا غَيْرُ، فَإِذَا أَتَى بِهَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَلَا يَضُرُّهُ زِيَادَةُ رَكْعَةٍ، وَمَتَى قَدَّمَ الرَّكْعَةَ عَلَيْهَا يَصِيرُ مُنْتَقِلًا إلَى التَّطَوُّعِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَمِنْهَا أَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْبِدْعَةِ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا، وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ تَرَكَهُ لِأَنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ لَازِمٌ وَأَدَاءَ السُّنَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْمَتْرُوكِ مِنْ السَّجَدَاتِ وَإِلَى الْمُؤَدَّاةِ فَأَيُّهُمَا أَقَلُّ فَالْعِبْرَةُ لَهُ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقَلِّ أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ،. وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْفَجْرِ سَاهِيًا ثُمَّ ذَكَرَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ سَجَدَهَا وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَيَنْوِيَ بِهِ مَا عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ أَوَّلًا وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقْضِي رَكْعَةً يَتَشَهَّدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا لَا غَيْرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ فَلَا تَكُونُ مَحْسُوبَةً مِنْ صَلَاتِهِ فَلَزِمَهُ قَضَاءُ رَكْعَةٍ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا. وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةً أُخْرَى، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِهَا رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا سَجَدَ أُخْرَى تَلْتَحِقُ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ، فَمَتَى صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى صَارَ مُتَطَوِّعًا بِالثَّالِثَةِ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ مِنْ الْفَجْرِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ حَتَّى يُتِمَّ الْفَرْضَ وَيَنْوِيَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ السَّجَدَاتِ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ فَيُجْزِئُهُ، وَإِنْ تَرَكَ النِّيَّةَ فِي الْكُلِّ لَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ رَكَعَ فِي صَلَاتِهِ. وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الْمَغْرِبِ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ رَكْعَتَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ إلَّا أَنَّ الرَّكْعَةَ دَاخِلَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَلَا يَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْعُدُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ تَرَكَ خَمْسًا سَجَدَ سَجْدَةً وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، قَالُوا هَذَا إذَا نَوَى بِالسَّجْدَةِ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَفْسُدُ،. وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الظُّهْرِ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ سَجَدَ ثَلَاثًا وَقَعَدَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً، وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعًا يَسْجُدُ أَرْبَعًا وَيَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِقَعْدَتَيْنِ، وَإِنْ تَرَكَ خَمْسًا سَجَدَ ثَلَاثًا وَلَا يَقْعُدُ بَعْدَهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْقَعْدَةَ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ لِأَنَّهُ إنْ تَمَّ لَهُ رَكْعَتَانِ فَالْقَعْدَةُ سُنَّةٌ؛ وَإِنْ تَمَّ لَهُ ثَلَاثٌ فَالْقَعْدَةُ بِدْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَرَكَ سِتًّا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَيَقْعُدُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. لِأَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ. فَإِنْ أَتَى بِهِمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ، أَوْ فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَرَكَ سَبْعًا سَجَدَ سَجْدَةً وَصَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، قَالُوا هَذَا إذَا نَوَى بِالسَّجْدَةِ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ، وَإِذَا سَجَدَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَالْحِيلَةُ لِجَوَازِ صَلَاتِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِسَجْدَتَيْنِ وَيَنْوِيَ بِإِحْدَاهُمَا عَمَّا عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَحِقَ إحْدَاهُمَا بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى وَتَلْتَحِقَ الثَّانِيَةُ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إذَا صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَتَشَهَّدَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الثَّلَاثِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَصَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَكَذَلِكَ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ. . (فَصْلٌ مِنْهُ) لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى الثَّانِيَةِ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً لَا يَعْلَمُ كَيْفَ تَرَكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ قَعَدَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى التَّطَوُّعِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ فَيُحْكَمُ بِالْفَسَادِ احْتِيَاطًا؛ وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَفْسُدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ الْفَرِيضَةِ، وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعًا لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَلَا يَصِيرُ مُنْتَقِلًا إلَى التَّطَوُّعِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمَتْرُوكَ مِنْ السَّجَدَاتِ إذَا كَانَ نِصْفَهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَتَرَكَ سَجْدَةً إلَى خَمْسٍ تَفْسُدُ، وَلَوْ تَرَكَ سِتًّا لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ تَرَكَ سَبْعًا لَا تَفْسُدُ وَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَتَرَكَ سَجْدَةً إلَى أَرْبَعٍ تَفْسُدُ، وَلَوْ تَرَكَ خَمْسًا لَا تَفْسُدُ وَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَةً، وَلَوْ تَرَكَ سِتًّا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. . وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ رُكُوعًا فَلْنَسُقْ فَصْلَهُ بِتَمَامِهِ مِنْ الْبَدَائِعِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ رُكُوعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَكُونُ هَذَا الرُّكُوعُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْكَعْ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ السُّجُودِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَالْتَحَقَ السُّجُودُ بِالْعَدَمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ وَكَانَ أَدَاءُ هَذَا الرُّكُوعِ أَدَاءً فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا أَتَى بِالسُّجُودِ بَعْدَهُ صَارَ مُؤَدِّيًا رَكْعَةً تَامَّةً، وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ ثُمَّ سَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا السُّجُودُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ رُكُوعَهُ وَقَعَ مُعْتَبَرًا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ. إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ يَتَقَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ. فَإِذَا قَامَ وَقَرَأَ لَمْ يَقَعْ قِيَامُهُ وَقِرَاءَتُهُ مُعْتَدًّا بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّهِ فَلَغَا، فَإِذَا سَجَدَ صَادَفَ السُّجُودُ مَحَلَّهُ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ رُكُوعٍ مُعْتَبَرٍ فَتَقَيَّدَ رُكُوعُهُ بِهِ فَقَدْ وُجِدَ انْضِمَامُ السَّجْدَتَيْنِ إلَى الرُّكُوعِ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً، وَكَذَا إذَا قَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ رُكُوعَانِ وَوُجِدَ السُّجُودُ فَيَلْتَحِقُ بِأَحَدِهِمَا وَيَلْغُو الْآخَرُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي بَابِ الْحَدَثِ جَعَلَ الْمُعْتَبَرَ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ، وَفِي بَابِ السَّهْوِ مِنْ نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ جَعَلَ الْمُعْتَبَرَ الرُّكُوعَ الثَّانِي. حَتَّى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ، وَعَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْبَابِ يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ لِأَنَّ رُكُوعَهُ الْأَوَّلَ صَادَفَ مَحَلَّهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ فَوَقَعَ الثَّانِي مُكَرَّرًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. فَإِذَا سَجَدَ يَتَقَيَّدُ بِهِ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً؛ وَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّ سُجُودَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ لِحُصُولِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ، فَإِذَا قَرَأَ وَرَكَعَ تَوَقَّفَ هَذَا الرُّكُوعُ عَلَى أَنْ يَتَقَيَّدَ بِسُجُودٍ بَعْدَهُ، فَإِذَا سَجَدَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ تَقَيَّدَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ بِهِ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً، وَكَذَا إنْ رَكَعَ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً لِمَا مَرَّ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا السُّجُودَ مُلْتَحِقٌ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَمْ بِالثَّانِي؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا لِإِدْخَالِهِ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَفْسُدُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: زِيَادَةُ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ كَزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ السَّجْدَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ وَهِيَ سُجُودُ الشُّكْرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ إلَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، ثُمَّ إدْخَالُ الرُّكُوعِ الزَّائِدِ أَوْ السُّجُودِ الزَّائِدِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ لَا تَفْسُدُ بِوُجُودِ أَفْعَالِهَا بَلْ بِوُجُودِ مَا يُضَادُّهَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً لِأَنَّهَا فِعْلُ صَلَاةٍ كَامِلٌ فَانْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ مُتَنَقِّلًا إلَيْهِ فَلَا يَبْقَى فِي الْفَرْضِ فَكَانَ فَسَادُ الْفَرْضِ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا لِلْمُضَادَّةِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ انْتَهَى. وَكَوْنُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ قُرْبَةً وَهُوَ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْجُهٌ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْمُتَكَثِّرَةِ، وَسَتَتِمُّ الْفَائِدَةُ بِهَا آخِرَ هَذَا الْفَصْلِ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فِي السَّهْوِ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ: صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ إمَامٌ صَلَّى بِقَوْمٍ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّك صَلَّيْت الظُّهْرَ ثَلَاثًا، قَالُوا إنْ كَانَ عِنْدَ الْمُصَلَّى أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُخْبِرِ، وَإِنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ. رُوِيَ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ شَكَّ فِي قَوْلِ عَدْلَيْنِ يُعِيدُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ عَدْلًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. . وَلَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فَقَالُوا صَلَّيْت ثَلَاثًا وَقَالَ بَلْ أَرْبَعًا، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ بِقَوْلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِمْ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرْبَعًا وَالْإِمَامُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ لَكَانَ الْإِمَامُ، فَإِنْ أَعَادَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ وَأَعَادُوا مَعَهُ مُقْتَدِينَ بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنْ كَانَ الصَّادِقُ كَانَ هَذَا اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَإِلَّا فَاقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُفْتَرِضِ،. وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا وَاسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فِي شَكٍّ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ شَيْءٌ لِمُعَارَضَةِ الْمُسْتَيْقِنِ بِالنُّقْصَانِ الْمُسْتَيْقِنَ بِالتَّمَامِ، وَالظَّاهِرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ هُوَ التَّمَامُ، وَعَلَى الْمُسْتَيْقِنِ بِالنَّقْصِ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ يَقِينَهُ لَا يَبْطُلُ بِيَقِينِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ بِالْقَوْمِ وَلَا إعَادَةَ عَلَى مُسْتَيْقِنِ التَّمَامِ لِمَا قُلْنَا؛ وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ بِالنُّقْصَانِ وَشَكَّ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْوَقْتِ أَعَادُوا احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا اسْتَيْقَنَ عَدْلَانِ بِالنُّقْصَانِ وَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ. وَلْنَذْكُرْ الْفَائِدَةَ الْمَوْعُودَةَ آنِفًا: رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَاءَهُ أَمْرٌ سُرَّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى» ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَسَجَدَ فَأَطَالَ، فَقَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَانِي فَبَشَّرَنِي أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، فَسَجَدْتُ شُكْرًا لِلَّهِ» رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَّ سَاجِدًا لَمَّا جَاءَ كِتَابُ عَلِيٍّ مِنْ الْيَمَنِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ» ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَتْهُ الْبِشَارَةُ بِتَوْبَتِهِ خَرَّ سَاجِدًا. وَرَوَى الْحَاكِمُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ مَرَّةً لِرُؤْيَةِ زَمِنٍ، وَمَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَلَ وَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ، وَمَرَّ عُمَرُ فَنَزَلَ وَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ» انْتَهَى. وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ فَتْحِ الْيَمَامَةِ وَقَتْلِ مُسَيْلِمَةَ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ فَتْحِ الْيَرْمُوكِ، وَعَلِيٌّ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذِي الثِّدْيَةِ مَقْتُولًا بِالنَّهْرَوَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ.

[باب صلاة المريض]

بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ (إذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى الْجَنْبِ تُومِئُ إيمَاءً» ؛ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] (بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ) (قَوْلُهُ إذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ) الْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، لَكِنْ يَخَافُ بِسَبَبِهِ إبْطَاءَ بُرْءٍ أَوْ كَانَ يَجِدُ أَلَمًا شَدِيدًا إذَا قَامَ جَازَ لَهُ تَرْكُهُ، فَإِنْ لَحِقَهُ نَوْعُ مَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الْقِيَامِ بِسَبَبِهَا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا أَوْ خَادِمٍ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ مُتَّكِئًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ لَا كُلِّهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ، حَتَّى لَوْ كَانَ إنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَحَرَّمَ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدَ. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا قَالَ «كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَوْمَأَ إيمَاءً) يَعْنِي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ (وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا (وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ قَدَرْتَ أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ وَإِلَّا فَأَوْمِئْ بِرَأْسِكَ» فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ، فَإِنَّ وَضْعَ ذَلِكَ عَلَى جَبْهَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِانْعِدَامِهِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ وَجَعَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ يُومِئُ إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» قَالَ (وَإِنْ اسْتَلْقَى عَلَى جَنْبِهِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَأَوْمَأَ جَازَ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» ، زَادَ النَّسَائِيّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] » . (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِيمَاءَ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ قَدَرْتَ الْحَدِيثَ) رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ مَرِيضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ، فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا، فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ: صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إنْ اسْتَطَعْتَ، وَإِلَّا فَأَوْمِئْ إيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكِ» قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ إلَّا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعَطَاءٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ. انْتَهَى. أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ ثِقَةٌ. وَرُوِيَ نَحْوَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمَرْجِعُ ضَمِيرِ لِانْعِدَامِهِ لِلْإِيمَاءِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ) يَعْنِي مُسْتَوِيًا وَلَا مُسْتَنِدًا فَإِنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا لَزِمَهُ الْقُعُودُ كَذَلِكَ عَلَى وِزَانِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْقِيَامِ (قَوْلُهُ اسْتَلْقَى) أَيْ مُرْتَمِيًا عَلَى وِسَادَةٍ تَحْتَ كَتِفَيْهِ مَادًّا رِجْلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيمَاءِ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الِاسْتِلْقَاءِ تَمْنَعُ الصَّحِيحَ مِنْ الْإِيمَاءِ فَكَيْفَ الْمَرِيضُ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا» إلَخْ) غَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ لَا يَنْتَهِضُ حَدِيثُ عِمْرَانَ حُجَّةً عَلَى الْعُمُومِ فَإِنَّهُ خِطَابٌ لَهُ، وَكَانَ مَرَضُهُ الْبَوَاسِيرَ وَهُوَ يَمْنَعُ الِاسْتِلْقَاءَ فَلَا يَكُونُ خِطَابُهُ خِطَابًا لِلْأُمَّةِ، فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ تَقَعُ إشَارَتُهُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَبِهِ يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِخِلَافِ الْآخَرِ، أَلَا تَرَى

إلَّا أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْأَوْلَى عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ إشَارَةَ الْمُسْتَلْقِي تَقَعُ إلَى هَوَاءِ الْكَعْبَةِ، وَإِشَارَةَ الْمُضْطَجِعِ عَلَى جَنْبِهِ إلَى جَانِبِ قَدَمَيْهِ، وَبِهِ تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ. (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ عَنْهُ، وَلَا يُومِئُ بِعَيْنِهِ وَلَا بِقَلْبِهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلِأَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ، وَلَا قِيَاسَ عَلَى الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنُ الصَّلَاةِ دُونَ الْعَيْنِ وَأُخْتَيْهَا. وَقَوْلُهُ أُخِّرَتْ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُفِيقًا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَوْ حَقَّقَهُ مُسْتَلْقِيًا كَانَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا إلَى قِبْلَةٍ، وَلَوْ أَتَمَّهُ عَلَى جَنْبٍ كَانَ إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا، وَمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» ضَعِيفٌ بِالْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، إلَّا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ زِيَادَةِ النَّسَائِيّ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا» إنْ صَحَّتْ يُشْكِلُ عَلَى الْمُدَّعِي وَتُفِيدُ إنْ كَانَ الِاسْتِلْقَاءُ لِعِمْرَانَ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِزُفَرَ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا أَشُكُّ أَنَّ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ يُجْزِئُهُ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ بِقَلْبِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَأَشُكُّ فِيهِ بِالْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ يُومِئُ إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يَثْبُتَ لُغَةً أَنَّ مُسَمَّى الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ لَيْسَ غَيْرُ. وَأَمَّا بِالْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ فَإِشَارَةٌ وَنَحْوُهُ لَا إيمَاءٌ فَيَكُونُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَرَادَتْ كَلَامًا فَاتَّقَتْ مِنْ رَقِيبِهَا ... فَلَمْ يَكُ إلَّا وَمْؤُهَا بِالْحَوَاجِبِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ كَذَلِكَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ الْمَرِيضِ «وَإِلَّا فَأَوْمِئْ بِرَأْسِكَ» وَعَلَى اللَّفْظِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْمُخَرَّجِ أَيْضًا الرَّأْسُ مُرَادٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ» وَلَا يَتَحَقَّقُ زِيَادَةُ الْخَفْضِ بِالْعَيْنِ بَلْ إذَا كَانَ الْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ مِنْ مَضْمُونِ الْخِطَابِ فَجَعَلَهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ مِثْلُهُ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ، وَاسْتَشْهَدَ قَاضِي خَانْ بِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمَرْفِقَيْنِ وَرِجْلَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ

قَالَ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ إيمَاءً) ؛ لِأَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى السَّجْدَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ. (وَإِنْ صَلَّى الصَّحِيحُ بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ مَرَضٌ يُتِمُّهَا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ) ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ. (وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اسْتَقْبَلَ) بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدُفِعَ بِأَنَّ ذَاكَ فِي الْعَجْزِ الْمُتَيَقَّنِ امْتِدَادُهُ إلَى الْمَوْتِ. وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا الْإِيصَاءُ بِهِ، كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا أَفْطَرَا فِي رَمَضَانَ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأُصُولِ وَسَيَأْتِي لِلْمَجْنُونِ يُفِيقُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، وَلَوْ سَاعَةً يَلْزَمُهُ قَضَاءُ كُلِّ الشَّهْرِ، وَكَذَا الَّذِي جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَقْضِي وَفِيمَا دُونَهَا يَقْضِي، انْقَدَحَ فِي ذِهْنِهِ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمَرِيضِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِيصَاءُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ، وَسُقُوطُهُ إنْ زَادَ. ثُمَّ رَأَيْت عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَدَرَ) أَيْ الْمَرِيضُ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِأَنْ كَانَ مَرَضُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ) الْمَنْفِيُّ اللُّزُومُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَوْمَأَ قَائِمًا جَازَ، إلَّا أَنَّ الْإِيمَاءَ قَاعِدًا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السُّجُودِ. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: يُومِئُ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا، ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ رُكْنِيَّةُ الْقِيَامِ لَيْسَ إلَّا لِلتَّوَسُّلِ إلَى السُّجُودِ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا بِقَوْلِهِ: لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ التَّعْظِيمِ: أَيْ السَّجْدَةُ عَلَى وَجْهِ الِانْحِطَاطِ مِنْ الْقِيَامِ فِيهَا نِهَايَةُ التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، فَكَانَ طَلَبُ الْقِيَامِ لِتَحْقِيقِهِ، فَإِذَا سَقَطَ سَقَطَ مَا وَجَبَ لَهُ. وَقَدْ يَمْنَعُ أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِهَذَا عَلَى وَجْهِ الْحَصْرِ بَلْ لَهُ وَلِمَا فِيهِ نَفْسِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ اعْتِبَارِهِ كَذَلِكَ حَتَّى يُحِبَّهُ أَهْلُ التَّجَبُّرِ لِذَلِكَ، فَإِذَا فَاتَ أَحَدُ التَّعْظِيمَيْنِ صَارَ مَطْلُوبًا بِمَا فِيهِ نَفْسِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِ هَذِهِ الدَّعْوَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا الْقِيَامِ وَجَبَ الْقُعُودُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّجُودِ عَقِيبَهُ تِلْكَ النِّهَايَةُ لِعَدَمِ مَسْبُوقِيَّتِهِ بِالْقِيَامِ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ) هُوَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ. وَفِي النَّوَادِرِ: إذَا صَارَ إلَى الْإِيمَاءِ بَعْدَمَا افْتَتَحَ قَادِرًا عَلَيْهِمَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لَهُمَا. قُلْنَا لَا بَلْ لِلْمَقْدُورِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَزِمَا فَإِذَا صَارَ الْمَقْدُورُ الْإِيمَاءَ لَزِمَ، وَأَدَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِهِمَا أَوْلَى مِنْ أَدَاءِ كُلِّهَا بِالْإِيمَاءِ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ)

وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ بِالْمُومِئِ، فَكَذَا الْبِنَاءُ (وَمَنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَائِمًا ثُمَّ أَعْيَا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَوَكَّأَ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ أَوْ يَقْعُدَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ، وَإِنْ كَانَ الِاتِّكَاءُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ. وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَعَدَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَجُوزُ، فَكَذَا لَا يُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ. وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُمَا فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ (وَإِنْ قَعَدَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ) وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ وَلَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ النَّوَافِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: اسْتَأْنَفَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا) أَعْنِي الثَّلَاثَةَ، أَمَّا زُفَرُ فَيُجِيزُ بِنَاءً عَلَى إجَازَتِهِ اقْتِدَاءَ الرَّاكِعِ بِالْمُومِئِ، وَلَوْ كَانَ يُومِئُ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: لَوْ افْتَتَحَهَا بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَمَا أَوْمَأَ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ قَدَرَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَعَدَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَجُوزُ، فَكَذَا لَا يُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ) وَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُكْرَهَ الْقُعُودُ، وَيُكْرَهَ الِاتِّكَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ إسَاءَةَ أَدَبٍ دُونَ الْقُعُودِ إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةٍ لَا يُعَدُّ إسَاءَةً، وَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَعَدَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ. صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الِاتِّكَاءَ يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْقُعُودُ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. [فُرُوعٌ] رَجُلٌ بِحَلْقِهِ خُرَّاجٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ وَيَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِإِيمَاءٍ، وَكَذَا لَوْ

(وَمَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ. وَقَالَا: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِعِلَّةٍ. وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا دَوَرَانُ الرَّأْسِ وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ، إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ وَالْمَرْبُوطَةُ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ بِحَالٍ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَا يَسِيلُ لِمَا قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْمَعْذُورِ، فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَعَدَ وَأَوْمَأَ لِلسُّجُودِ جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى قَائِمًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا قَدَرَ عَلَيْهَا صَلَّى قَاعِدًا. مَرِيضٌ مَجْرُوحٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ وَهُوَ بِحَالٍ كُلَّمَا بُسِطَ تَحْتَهُ شَيْءٌ تَنَجَّسَ مِنْ سَاعَتِهِ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَا يَتَنَجَّسُ، وَلَكِنَّهُ يَزْدَادُ مَرَضُهُ أَوْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ بِتَحْرِيكِهِ بِأَنْ نَزَعَ الْمَاءَ مِنْ عَيْنِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ) فِي الِاخْتِيَارِ، فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ) هِيَ السَّائِرَةُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَرْبُوطَةُ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ ثُمَّ أَطْلَقَ فِي كَوْنِ الْمَرْبُوطَةِ كَالشَّطِّ وَهُوَ مُقَيِّدٌ بِالْمَرْبُوطَةِ بِالشَّطِّ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَرْبُوطَةً فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ فَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ الرِّيحُ يُحَرِّكُهَا شَدِيدًا فَهِيَ

(وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ أَوْ دُونَهَا قَضَى، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءُ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَأَشْبَهَ الْجُنُونَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَيَتَحَرَّجُ فِي الْأَدَاءِ، وَإِذَا قَصُرَتْ قَلَّتْ فَلَا حَرَجَ، وَالْكَثِيرُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ: كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ نَادِرٌ فَيَلْحَقُ بِالْقَاصِرِ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ تُعْتَبَرُ. مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالسَّائِرَةِ، وَإِلَّا فَكَالْوَاقِفَةِ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالنِّهَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الْمَرْبُوطَةِ فِي الشَّطِّ مُطْلَقًا. وَفِي الْإِيضَاحِ: فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً فِي الشَّطِّ، وَهِيَ عَلَى قَرَارِ الْأَرْضِ فَصَلَّى قَائِمًا جَازَ؛ لِأَنَّهَا إذَا اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً وَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ فَهِيَ كَالدَّابَّةِ. انْتَهَى. بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَوْعَبَ وَقْتَ صَلَاةٍ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَاسْتَدَلَّا بِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا سَأَلَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الرَّجُلِ يُغْمَى عَلَيْهِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فَقَالَ: لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ إلَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ فَيُفِيقَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا» وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، فَفِيهِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَيْلِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلَا مَأْمُونٍ وَكَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَرَكُوهُ. ثُمَّ بَقِيَّةُ السَّنَدِ إلَى الْحَكَمِ هَذَا مُظْلِمٌ كُلُّهُ. وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: يَقْضِي مَا فَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ، وَتَوَسَّطَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَقَطَ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا وَجَبَ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِذَا زَادَ عَلَى الدَّوْرَةِ سَاعَةٌ سَقَطَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٌ سَقَطَ، وَإِلَّا لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ تَخْرِيجًا عَلَى مَا مَرَّ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَالَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِمَا فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُطَالَبٌ بِالْفَرْقِ إلَّا أَنَّهُمَا يُجِيبَانِ هُنَا بِالتَّمَسُّكِ بِالْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ

عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَتَحَقَّقُ بِهِ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يُغْمَى عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، قَالَ: يَقْضِي، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ شَهْرًا فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ. وَرَوَى إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَفَاقَ فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ وَاسْتَقْبَلَ. وَفِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْهُ أَنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ يَقْضِ، وَفِي بَعْضِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فَقَالَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَقْضِ، فَقَدْ رَأَيْت مَا هُنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَشَيْءٌ مِنْهَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الزِّيَادَةِ السَّاعَاتُ إلَّا مَا يَتَخَايَلُ مِنْ قَوْلِهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَكُلٌّ مِنْ رِوَايَتَيْ الشَّهْرِ وَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يَصْلُحُ مُفَسِّرًا لِذَلِكَ الْأَكْثَرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ خَاصًّا مِنْ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَلَا عُمُومَ فِيهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى كَوْنِ الْأَكْثَرِيَّةِ بِالسَّاعَةِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ كَوْنِهَا وَقْتًا. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَلَمْ تُعْرَفْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَالْمَذْكُورُ عَنْهُ فِي الْفِقْهِ أَنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَ هَذَا عَنْ عَمَّارٍ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَأَفَاقَ نِصْفَ اللَّيْلِ فَقَضَاهُنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا بِثَابِتٍ عَنْ عَمَّارٍ، وَلَوْ ثَبَتَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ بِأَنَّهُ عَنْ اخْتِيَارٍ، بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ. وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يَعْجِزُ بِهِ صَاحِبُ الْعَقْلِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ قِيَامِهِ حَقِيقَةً فَلَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ، بَلْ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْقُدْرَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّأْخِيرَ لَا سُقُوطَ أَصْلِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ لِفَائِدَةِ الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلَا حَرَجٍ وَلَمْ يَقَعْ بِالْإِغْمَاءِ وَلَا بِمُجَرَّدِ الْجُنُونِ الْيَأْسُ عَنْ الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا امْتَدَّ امْتِدَادًا يُوقِعُ إلْزَامَ الْقَضَاءِ مَعَهُ فِي الْحَرَجِ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ بِهِ عَدَمُ تَعَلُّقِهِ لِظُهُورِ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ الْمُسْتَتْبِعَةِ لَهُ. هَذَا تَقْرِيرُ الْأُصُولِ وَسَيَرِدُ عَلَيْك بِأَوْفَى مِنْ هَذَا فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْقِيَاسُ السُّقُوطُ مُطْلَقًا، وَالْقِيَاسُ عَدَمُهُ مُطْلَقًا؛ وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى الْقِيَاسِ الَّذِي يُقَابِلُونَهُ بِالِاسْتِحْسَانِ هُوَ الْوَجْهُ الْمُتَبَادَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَجْهِ الْخَفِيِّ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[باب سجود التلاوة]

بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ قَالَ (سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً: فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ، وَفِي الرَّعْدِ وَالنَّحْلِ، وَبَنِي إسْرَائِيلَ، وَمَرْيَمَ وَالْأُولَى فِي الْحَجِّ، وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ، والم تَنْزِيل وَص، وَحُمَّ السَّجْدَةِ، وَالنَّجْمِ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَإِلَّا فَالِاسْتِحْسَانُ قَدْ يَكُونُ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَتَبَادَرُ فَالْأَوَّلُ عِنْدَ تَجْرِيدِ النَّظَرِ إلَى زَوَالِ فَهْمِ الْخِطَابِ الثَّانِي عِنْدَ مُلَاحَظَةِ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتْبَعُ تَعَلُّقَهُ إحْدَى الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَالْخَفِيُّ هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَخْرَجِ وَعَدَمِهِ. [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) (قَوْلُهُ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً) الِاتِّفَاقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهَا كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ فِي الْحَجِّ ثِنْتَيْنِ وَلَا سُجُودَ فِي ص وَنَحْنُ نُثْبِتُ سَجْدَةً فِي ص وَسَجْدَةً فِي الْحَجِّ. لَهُ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد «خَطَبَنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمًا فَقَرَأَ ص، فَلَمَّا مَرَّ بِالسُّجُودِ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ، وَقَرَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَّا لِلسُّجُودِ، فَلَمَّا رَآنَا قَالَ: إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ أَرَاكُمْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا» وَتَشَزَّنَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ زَايٍ ثُمَّ نُونٍ مَعْنَاهُ تَهَيَّأَ، وَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ فِي ص وَقَالَ سَجَدَهَا نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُد تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا» . قُلْنَا: غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ بَيَّنَ السَّبَبَ فِي حَقِّ دَاوُد وَالسَّبَبَ فِي حَقِّنَا، وَكَوْنُهُ الشُّكْرَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، فَكُلُّ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ إنَّمَا وَجَبَتْ شُكْرًا لِتَوَالِي النِّعَمِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْحَارِثِ

وَاقْرَأْ. كَذَا كُتِبَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ لِلصَّلَاةِ عِنْدَنَا، وَمَوْضِعُ السَّجْدَةِ فِي حم السَّجْدَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ {لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] فِي قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلِاحْتِيَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخَرِّجُ مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ: كَتَبَ إلَيَّ صَالِحٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ بْنِ الْفَرَجِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ الْأَهْوَازِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِي ص» ، وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «رَأَيْتُ رُؤْيَا وَأَنَا أَكْتُبُ سُورَةَ ص، فَلَمَّا بَلَغْتُ السَّجْدَةَ رَأَيْتُ الدَّوَاةَ وَالْقَلَمَ وَكُلَّ شَيْءٍ يَحْضُرُنِي انْقَلَبَ سَاجِدًا، قَالَ: فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَزَلْ يَسْجُدُ بِهَا» فَأَفَادَ أَنَّ الْأَمْرَ صَارَ إلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا كَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ لَا يَعْزِمُ عَلَيْهَا، فَظَهَرَ أَنَّ مَا رَوَاهُ إنْ تَمَّتْ دَلَالَتُهُ كَانَ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ لِلصَّلَاةِ عِنْدَنَا) ؛ لِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالْأَمْرِ بِالرُّكُوعِ، وَالْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْقُرْآنِ كَوْنُهُ مِنْ أَوَامِرِ مَا هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ بِالِاسْتِقْرَاءِ نَحْوَ {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ كَأَنَّهُ لِأَجْلِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ» وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا وَلَا يَصِحُّ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا نُقِمَ اخْتِلَاطُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَجْهُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنَيْنٍ بِنُونَيْنِ وَمِيمٍ مَضْمُومَةٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِي الْمُفَصَّلِ، وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ» وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ مُنَيْنٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَذَلِكَ لِجَهَالَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ. (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِ عُمَرَ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلِاحْتِيَاطِ) وَجْهُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ السُّجُودُ عِنْدَ يَعْبُدُونَ لَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ إلَى الْآيَةِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ لَا يَسْأَمُونَ لَمْ يَكُنْ السُّجُودُ قَبْلُ مُجْزِئًا، وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ فَغَرِيبٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ

وَالسَّجْدَةُ وَاجِبَةٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ) سَوَاءٌ قَصَدَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَعَلَى مَنْ تَلَاهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ فِي حم السَّجْدَةَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وَزَادَ فِي لَفْظٍ، وَأَنَّهُ رَأَى رَجُلًا سَجَدَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ عَجِلْتَ. (قَوْلُهُ: وَالسَّجْدَةُ وَاجِبَةٌ) يَعْنِي بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ أَوْ هِيَ أَوْ بَدَلِهَا فَإِنَّهُ لَوْ تَلَاهَا رَاكِبًا كَانَ الْوَاجِبُ الْإِيمَاءَ لَهَا لِمَا سَنَذْكُرُ؛ وَلِأَنَّ الْمَتْلُوَّةَ فِي الصَّلَاةِ الْتَحَقَتْ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ. وَالصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ يَكُونُ سُجُودُهَا بِالْإِيمَاءِ، وَحَدِيثُ «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا» رَفْعُهُ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا " وَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا، وَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ، وَهَذَا الْمُعَلَّقُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُثْمَانَ مَرَّ بِقَاصٍّ فَقَرَأَ سَجْدَةً لِيَسْجُدَ مَعَهُ عُثْمَانُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ ثُمَّ مَضَى وَلَمْ يَسْجُدْ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِيمَانِ يَرْفَعُهُ «إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ، أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ» . وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَكِيمَ إذَا حَكَى عَنْ غَيْرِ الْحَكِيمِ كَلَامًا وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بِالْإِنْكَارِ كَانَ دَلِيلَ صِحَّتِهِ، فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ آيَ السَّجْدَةِ تُفِيدُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ فِيهِ الْأَمْرُ الصَّرِيحُ بِهِ. وَقِسْمٌ تَضَمَّنَ حِكَايَةَ اسْتِنْكَافِ الْكَفَرَةِ حَيْثُ أُمِرُوا بِهِ. وَقِسْمٌ فِيهِ حِكَايَةُ فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ السُّجُودَ. وَكُلٌّ مِنْ الِامْتِثَالِ وَالِاقْتِدَاءِ وَمُخَالَفَةِ الْكَفَرَةِ وَاجِبٌ، إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ فِي مُعَيَّنٍ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ، لَكِنَّ دَلَالَتَهَا فِيهِ ظَنِّيَّةٌ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ لَا الْفَرْضَ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ مُقَيَّدٌ بِالتِّلَاوَةِ لَا مُطْلَقًا فَلَزِمَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُدِّيَتْ بِالْإِيمَاءِ إذَا تَلَاهَا رَاكِبًا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي التِّلَاوَةِ رَاكِبًا مَشْرُوعٌ كَالشَّرْعِ فِي التَّطَوُّعِ رَاكِبًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا سَبَبَا لُزُومِ السَّجْدَةِ، فَكَمَا أَوْجَبَ التَّطَوُّعُ رَاكِبًا السُّجُودَ بِالْإِيمَاءِ أَوْجَبَهَا التِّلَاوَةُ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا أُدِّيَتْ فِي ضِمْنِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ وَالرُّكُوعِ لِمَا نَذْكُرُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتْلُوَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْفَارِسِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِمَ السَّامِعُ أَوْ لَا إذَا أُخْبِرَ أَنَّهُ قَرَأَ سَجْدَةً، وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَوْ قَرَأَ بِالْعَرَبِيَّةِ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا، لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْجَمِيِّ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا تَجِبُ بِكِتَابَةٍ وَلَا عَلَى أَصَمَّ أَوَّلًا بِقِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ هِجَاءً، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ» لَا يُفِيدُ نَفْيَ الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ فِي الْمُفَصَّلِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إذْ هُوَ وَاقِعَةُ حَالِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ لِلْقِرَاءَةِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْفَوْرِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ عَلَى التَّعْيِينِ مَحْمَلُ حَدِيثِ عُمَرَ الْمَرْوِيِّ فِي الْمُوَطَّأِ " أَنَّهُ قَرَأَ سَجْدَةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمْ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ فَلَمْ يَسْجُدْ وَمَنَعَهُمْ ". وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِمَالِكٍ

وَهِيَ كَلِمَةُ إيجَابٍ وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ (وَإِذَا تَلَا الْإِمَامُ آيَةَ السَّجْدَةِ سَجَدَهَا وَسَجَدَهَا الْمَأْمُومُ مَعَهُ) لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ (وَإِذَا تَلَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ وَلَا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْجُدُونَهَا إذَا فَرَغُوا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ، وَلَا مَانِعَ بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ وَضْعِ الْإِمَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ سَجْدَةٌ، وَمَا أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ «أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَجَدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ: الْأَعْرَافُ وَالرَّعْدُ، وَالنَّحْلُ، وَبَنِي إسْرَائِيلَ، وَمَرْيَمُ وَالْحَجُّ، وَالْفُرْقَانُ، وَالنَّمْلُ، وَالسَّجْدَةُ، وَصِّ وَسَجْدَةُ الْحَوَامِيمِ» فَالثَّانِي ضَعِيفٌ بِعُثْمَانَ بْنِ فَائِدٍ، وَلَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ السَّجْدَةِ فِي الْمُفَصَّلِ، بَلْ إنَّ الْإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَيْسَ فِي هَذَا نِزَاعٌ، وَلَوْ صَحَّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ كَانَ مَعَ مَا قَبْلَهُ مُعَارَضًا بِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُهَا لَمْ أَسْجُدْ، لَا أَزَالُ أَسْجُدُهَا حَتَّى أَلْقَاهُ» . وَأَخْرَجُوا إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ «سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك» وَهَذَا أَقْوَى مِمَّا قَبْلَهُ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي السُّنَّةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَلَوْ تَعَارَضَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيَّةِ بِهِ عَلَى أَنَّ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ أَفَادَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لِلْقِرَاءَةِ دُونَ سُجُودٍ وَهِيَ رُتْبَةُ الْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ كَلِمَةُ إيجَابٍ) يَعْنِي: لَفْظَ {عَلَى} مِنْ صِيَغِ الْإِلْزَامِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ النَّصُّ الْمُوجِبُ لِلسَّجْدَةِ بِالسَّمَاعِ غَيْرُ مُقَيِّدٍ السَّمَاعَ بِالْقَصْدِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ مَعَ الْقَاصِّ مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ وَهُوَ تَقَيُّدُهُ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ) عَلَّلَ بِالْتِزَامِ الْمُتَابَعَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِيمَا إذَا تَلَا فِي السِّرِّيَّةِ أَمَّا إذَا تَلَا فِي الْجَهْرِيَّةِ حَتَّى سَمِعَ الْمُقْتَدِي فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إذْ السَّمَاعُ مُوجِبٌ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ) إنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ وَتَابَعَهُ الْإِمَامُ أَوْ التِّلَاوَةِ إنْ سَجَدَ الْإِمَامُ وَتَابَعَهُ التَّالِي الْمَأْمُومُ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ التِّلَاوَةِ أَنْ يَسْجُدَ التَّالِي وَيُتَابِعَهُ السَّامِعُ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّالِي الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ «كُنْتَ إمَامَنَا لَوْ سَجَدْتَ لَسَجَدْنَا» وَلِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ التَّالِي وَيَصُفَّ الْقَوْمُ خَلْفَهُ

أَوْ التِّلَاوَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ، وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ لَا حُكْمَ لَهُ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ مَنْهِيَّانِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَسْجُدُونَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ إلَخْ) أَثَرُ الْحَجْرِ عَدَمُ اعْتِبَارِ فِعْلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَأَثَرُ النَّهْيِ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَرْكُ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ، فَالْمَحْجُورُ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْفُذُ فِعْلُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ شَاءَ أَوْ أَبَى كَمَا لَوْ فَعَلَهُ هُوَ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ. وَالْمَأْمُومُ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةُ حَتَّى نَفَذَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَصَارَتْ قِرَاءَةً لَهُ كَتَصَرُّفِ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَأَنَّهُ تَصَرُّفُهُ فَكَانَ مَحْجُورًا فَلَا تُعْتَبَرُ قِرَاءَةً لَهُ وَكَانَتْ كَعَدَمِهَا، بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَإِنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ فَكَانَتْ مَمْنُوعَةً؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا بِعَدَمِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي السِّرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْسَنُ قِرَاءَةُ الْمُؤْتَمِّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ، فَلَيْسَ حِينَئِذٍ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ عِنْدَهُ بَلْ مُجَوَّزٍ لَهُ التَّرْكُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ: أَعْنِي اسْتِحْسَانَ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ، وَالْحَقُّ عَنْهُ خِلَافُهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا، وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْوُجُوبَ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا بِتِلَاوَتِهِمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بِتِلَاوَتِهَا اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بِتِلَاوَتِهَا كَمَا لَا يَجِبُ بِسَمَاعِهَا مِنْ غَيْرِ حَائِضٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ السَّبَبِ لِلصَّلَاةِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهَا، وَالسَّجْدَةُ جُزْءُ الصَّلَاةِ لَا بِقَيْدِ الْجُزْئِيَّةِ، بَلْ نَظَرًا إلَى ذَاتِهَا اُعْتُبِرَتْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً، فَلَا فَرْقَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِسَبَبِهَا كَمَا لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بِسَبَبِهَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَلَا قَضَاؤُهَا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ بِالتِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ سُجُودٌ، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ مِنْهُمْ إذَا كَانَ أَهْلًا، لَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالسَّمَاعِ مِنْ مَجْنُونٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ طَيْرٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ سَمَاعُ تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ، وَصِحَّةُ التِّلَاوَةِ بِالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ التَّفْصِيلَ فِي الصَّبِيِّ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَبَرَ إنْ كَانَ لَهُ تَمْيِيزٌ وَجَبَ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا سَمِعَهَا مِنْ طَيْرٍ لَا تَجِبُ هُوَ الْمُخْتَارُ

بِتِلَاوَتِهَا كَمَا لَا يَجِبُ بِسَمَاعِهَا؛ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ. (وَلَوْ سَمِعَهَا رَجُلٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ سَجَدَهَا) هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ (وَإِنْ سَمِعُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ سَجْدَةً مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدُوهَا فِي الصَّلَاةِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُمْ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ (وَسَجَدُوهَا بَعْدَهَا) لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا (وَلَوْ سَجَدُوهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُجْزِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ. قَالَ (وَأَعَادُوهَا) لِتَقَرُّرِ سَبَبِهَا (وَلَمْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السَّجْدَةِ لَا يُنَافِي إحْرَامَ الصَّلَاةِ. وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّهَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ نَائِمٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجِبُ، وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ الصَّدَى لَا تَجِبُ، فَأَفَادَ الْخِلَافَ فِي الْأَوَّلَيْنِ. وَالتَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا يَسْجُدُهَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِلْحَجْرِ بَلْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَاسْتَضْعَفَ بَعْضُهُمْ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَجْرِ عَنْ الْقِرَاءَةِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى السَّامِعِ مِنْ الْمُقْتَدِي خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ يَدْفَعُ هَذَا الِاسْتِضْعَافَ. (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ) فَلَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَسْتَتْبِعَ فِعْلًا فِي الصَّلَاةِ فَتَكُونُ السَّجْدَةُ حِينَئِذٍ زِيَادَةً مِنْهَا عَنْهَا فَتَكُونُ نَاقِصَةً فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا مَا وَجَبَ كَامِلًا، ثُمَّ صَوَابُ النِّسْبَةِ فِيهِ صَلَوِيَّةٌ بِرَدِّ أَلِفِهِ وَاوًا وَحَذْفِ التَّاءِ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ حَذَفُوهَا فِي نِسْبَةِ الْمُذَكَّرِ إلَى الْمُؤَنَّثِ كَنِسْبَةِ الرَّجُلِ إلَى بَصْرَةَ مِثْلًا فَقَالُوا بَصْرِيٌّ لَا بَصْرَتِيٌّ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ تَاءَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ فَيَقُولُونَ بَصْرَتِيَّةٌ فَكَيْفَ بِنِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ إلَى

وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَرَأَهَا الْإِمَامُ وَسَمِعَهَا رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ (وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَهَا سَجَدَهَا مَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا سَجَدَهَا مَعَهُ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ سَجَدَهَا وَحْدَهُ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُؤَنَّثِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا قَوْلُهُمَا: بِنَاءً عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَةٍ تُفْسِدُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةُ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا تُفْسِدُ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّجْدَةَ الْمُفْرَدَةَ يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى. عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَقَدْ زَادُوا قُرْبَةً فَتُفْسِدُ. وَعِنْدَهُمَا مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ شَرْعًا إلَّا فِي مَحَلِّ النَّصِّ وَهُوَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ فَلَا يَكُونُ السُّجُودُ وَحْدَهُ قُرْبَةً فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَزِيدُوا مَا هُوَ قُرْبَةٌ فَكَانَ كَزِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ قِيَامٍ فَلَا تَفْسُدُ كَمَا لَا تَفْسُدُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَدَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهَا) يَعْنِي دَخَلَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ؛ يُفِيدُهُ، وَالنِّيَابَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَجْرِي فِي الْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّهَا أَثَرُ الْقِرَاءَةِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا عَلَى أَنَّ إدْرَاكَ جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ شَرْعًا فِيهِ ضَرُورِيٌّ، وَالْقِيَامُ مِنْهُ وَهُوَ فِعْلٌ، وَخَرَجَ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا فَقُضِيَتْ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ سَجَدَهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ) وَكَوْنُ الصَّحِيحِ أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ التِّلَاوَةُ لَا السَّمَاعُ، وَإِنَّمَا السَّمَاعُ شَرْطٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ السُّجُودِ خَارِجَ الصَّلَاةِ إذْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَنْعَقِدُ سَبَبًا إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ فِي الصَّلَاةِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ

(وَكُلُّ سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا فِيهَا لَمْ تُقْضَ خَارِجَ الصَّلَاةِ) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ وَلَهَا مَزِيَّةُ الصَّلَاةِ، فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِلَافَهُمْ فِي السَّبَبِ عَلَى السَّامِعِ أَهُوَ السَّمَاعُ أَوْ التِّلَاوَةُ يُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ فِي السُّجُودِ عَلَى الْخَارِجِ، بِخِلَافِ السَّمَاعِ فِي الصَّلَاةِ لِتِلَاوَةِ مَنْ لَيْسَ فِيهَا، فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنْ لَا يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ إذْ النَّظَرُ إلَى كَوْنِ السَّبَبِ التِّلَاوَةَ يَمْنَعُهَا فِيهَا، وَإِلَى كَوْنِهِ السَّمَاعَ يُوجِبُهَا فِيهَا. وَالْوَاجِبُ صَوْنُ الصَّلَاةِ عَنْ الزَّوَائِدِ إلَّا مَا لَا شَكَّ فِي شَرْعِيَّتِهِ فِيهَا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ بِتِلَاوَةِ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَلَهَا مَزِيَّةٌ) أَيْ لِلصَّلَوِيَّةِ مَزِيَّةٌ لِتَأَدِّيهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، فَوُجُوبُ تَأَدِّيهَا فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِتَأْدِيَةِ مَا وَجَبَ؟ كَامِلًا نَاقِصًا؟ ، وَهُوَ عِلَّةُ عَدَمِ قَضَائِهَا خَارِجَهَا بِالتَّحْقِيقِ لَا مُجَرَّدِ تَسْمِيَتِهَا صَلَوِيَّةً، وَمُقْتَضَى هَذَا جَوَازُ تَأْخِيرِهَا مِنْ رَكْعَةٍ إلَى رَكْعَةٍ بَعْدَ أَنْ لَا يُخْلِيَ الصَّلَاةَ عَنْهَا، وَقَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ فِي رُكْنٍ فَسَجَدَ لَهَا لَا يُعِيدُهُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا بَعْدَ التَّذَكُّرِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ التَّأْخِيرِ، بَلْ الْمُرَادُ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ آخِرَ الصَّلَاةِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ فِي فَصْلِ بَيَانِ وَقْتِ أَدَائِهَا، وَأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهَا حَتَّى طَالَتْ التِّلَاوَةُ تَصِيرُ قَضَاءً وَيَأْثَمُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ صَارَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مُلْحَقَةً بِنَفْسِ التِّلَاوَةِ فَلِذَا فُعِلَتْ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَلْ زَائِدَةً، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّلَوِيَّةِ، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ بَلْ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَتَحَقَّقُ عَدَمُ السُّجُودِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَكَذَا تَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ الرُّكُوعِ؟ قُلْنَا: مُرَادُهُ إذَا سَجَدَ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَرَكَعَ أَوْ سَجَدَ صُلْبِيَّةً يَنْوِي بِهَا التِّلَاوَةَ لَمْ تُجْزِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا فَلَا تَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ الْغَيْرِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ سَوْقِ عِبَارَتِهِ. قَالَ: رَجُلٌ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ فِي آخِرِ السُّورَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ آخِرِهَا بَعْدَهَا آيَةٌ أَوْ آيَتَانِ إلَى آخِرِهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَكَعَ بِهَا يَنْوِي التِّلَاوَةَ، وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ فَيَخْتِمُ السُّورَةَ، وَإِنْ وَصَلَ بِهَا سُورَةً أُخْرَى كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلتِّلَاوَةِ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ لِصَلَاتِهِ تَسْقُطُ عَنْهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَا يَنْقَطِعُ الْفَوْرُ، وَلَوْ رَكَعَ لِصَلَاتِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَسَجَدَ تَسْقُطُ عَنْهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ نَوَى فِي السَّجْدَةِ السَّجْدَةَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَلِذَا إذَا قَرَأَ بَعْدَهَا آيَتَيْنِ أَجْمَعُوا أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ: لَا بُدَّ لِلرُّكُوعِ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى يَنُوبَ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَإِنْ قَرَأَ بَعْدَ السَّجْدَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَرَكَعَ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يَنْقَطِعُ الْفَوْرُ وَلَا يَنُوبُ الرُّكُوعُ عَنْ السَّجْدَةِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَقْرَأْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَسْجُدَ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ صَرَّحُوا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَرْكَعْ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ رَكَعَ وَنَوَى السَّجْدَةَ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إذَا نَوَاهَا فِي السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لَا بِمَا عَلَيْهِ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي فَصْلِ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا، وَسَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ هُوَ الرِّوَايَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الْفَوْرِ فِي الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ. قَالَ: ثُمَّ إذَا رَكَعَ قَبْلَ أَنْ تَطُولَ الْقِرَاءَةُ هَلْ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِقِيَامِ الرُّكُوعِ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؟ . فَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ النُّكْتَةِ أَنْ لَا يَحْتَاجَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَحْصِيلِ التَّعْظِيمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَدْ وُجِدَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ كَالْمُعْتَكِفِ فِي رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَنْوِ بِصِيَامِهِ عَنْ الِاعْتِكَافِ، وَاَلَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِدَ إذَا اشْتَغَلَ بِالْفَرْضِ غَيْرَ نَاوٍ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَيَدَّعِي أَنَّ مُحَمَّدًا أَشَارَ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا تَذَكَّرَ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فِي الرُّكُوعِ يَخِرُّ سَاجِدًا فَيَسْجُدُ كَمَا تَذَكَّرَ ثُمَّ يَقُومُ فَيَعُودُ إلَى الرُّكُوعِ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرُّكُوعُ الَّذِي تَذَكَّرَ فِيهِ عَقِيبَ التِّلَاوَةِ بِلَا فَصْلٍ أَوْ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الرُّكُوعُ مِمَّا يَنُوبُ عَنْ السَّجْدَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَكَانَ لَا يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ بَلْ قَامَ نَفْسُ الرُّكُوعِ مَقَامَ التِّلَاوَةِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِدَفْعِ دَلَالَةِ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ بِمَا لَا يَقْوَى، ثُمَّ طَالَبَهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَصَوْمِ الْمُعْتَكِفِ فِي رَمَضَانَ وَالصَّلَاةِ، وَذَكَرَ جَوَابَ الْقَائِلِ عَنْهُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُنَا هُوَ السُّجُودُ، إلَّا أَنَّ الرُّكُوعَ أُقِيمَ مَقَامَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَبَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَرْقٌ، فَلِمُوَافَقَةِ الْمَعْنَى تَتَأَدَّى السَّجْدَةُ بِالرُّكُوعِ إذَا نَوَى، وَلِمُخَالَفَةِ الصُّورَةِ لَا تَتَأَدَّى إذَا لَمْ يَنْوِ، بِخِلَافِ صَوْمِ الشَّهْرِ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ مُوَافَقَةً مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَكَذَا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ هَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ إنْ كَانَ بِهَا عِبْرَةٌ فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى، فَإِنَّ مَنْ نَوَى إقَامَةَ غَيْرِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مَقَامَ مَا وَجَبَ لَا يَقُومُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِبْرَةٌ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى النِّيَّةِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَعُذْرُ الصَّوْمِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ مُخَالَفَةً مِنْ حَيْثُ سَبَبُ الْوُجُوبِ فَكَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلِهَذَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ بِالرُّكُوعِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَلَمْ يَقُمْ يَحْتَاجُ فِي السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ إلَى أَنْ يَنْوِيَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةً لِاخْتِلَافِ سَبَبَيْ وُجُوبِهِمَا. انْتَهَى. فَهَذَا يُصَرِّحُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي إيقَاعِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ عَنْ التِّلَاوَةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَطُلْ الْقِرَاءَةُ عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ الصُّورَةِ كَمَا نَقَلْنَاهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْمَنْقُولِ فَلَمْ يَصِحَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا تَمَامَ عِبَارَتِهِ لِإِفَادَةِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْفَوَائِدِ؛ ثُمَّ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ إذَا رَكَعَ وَسَجَدَ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ رَكَعَ يَنْوِيهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا فِي الرُّكُوعِ وَنَوَاهَا فِي السُّجُودِ لَمْ تُجْزِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِفَوَاتِهَا عَنْ مَحِلِّهَا؛ لِأَنَّهَا لِوُجُوبِهَا بِمَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْتَحَقَتْ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ شَرْعًا بِدَلِيلِ وُجُوبِ أَدَائِهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِيهَا. وَتَحْصِيلُ مَا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا إنْ لَمْ يُوجِبْ فَسَادَهَا يُوجِبُ نُقْصَانَهَا، وَكَذَا لَا تُؤَدَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تُؤَدَّى إلَّا بِتَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ كَسَائِرِ أَفْعَالِهَا، وَمَبْنَى الْأَفْعَالِ أَنْ يُؤَدَّى كُلُّ فِعْلٍ فِي مَحِلِّهِ الْمَخْصُوصِ، فَكَذَا هَذِهِ فَإِذَا لَمْ تُؤَدَّ فِي مَحِلِّهَا حَتَّى فَاتَ صَارَتْ دَيْنًا، وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لَا بِمَا عَلَيْهِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الدَّيْنُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَاكَ إلَى التَّعْظِيمِ عِنْدَ تِلْكَ التِّلَاوَةِ وَقَدْ وُجِدَ فِي ضِمْنِهِمَا فَكَفَى، كَدَاخِلِ الْمَسْجِدِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا صَلَّى الْفَرْضَ كَفَى عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِحُصُولِ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ، غَيْرَ أَنَّ الرُّكُوعَ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً فِي الشَّرْعِ مُنْفَرِدًا عَنْ الصَّلَاةِ فَلِذَا تَتَأَدَّى بِهِ السَّجْدَةُ إذَا تَلَا فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا. فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالُوا: إنَّ تَأَدِّيَهَا فِي ضِمْنِ الرُّكُوعِ هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عَدَمُهُ، وَالْقِيَاسُ هُنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فَأَسْعَفَنِي بِكَشْفِ هَذَا الْمَقَامِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ مَا خَفِيَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي يُنَاطُ بِهَا الْحُكْمُ وَمِنْ الْقِيَاسِ مَا كَانَ ظَاهِرًا مُتَبَادَرًا فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ لَا يُقَابِلُ الْقِيَاسَ الْمَحْدُودَ فِي الْأُصُولِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، قَدْ يَكُونُ الِاسْتِحْسَانُ بِالنَّصِّ وَقَدْ يَكُونُ بِالضَّرُورَةِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْقِيَاسِ إذَا كَانَ لِقِيَاسٍ آخَرَ مُتَبَادَرٍ وَذَلِكَ خَفِيٌّ وَهُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، فَيُسَمَّى الْخَفِيُّ اسْتِحْسَانًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْمُتَبَادَرِ فَثَبَتَ بِهِ أَنَّ مُسَمَّى الِاسْتِحْسَانِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَيُسَمَّى مُقَابِلُهُ قِيَاسًا بِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ وَبِسَبَبِ كَوْنِ الْقِيَاسِ الْمُقَابِلِ مَا ظَهَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِحْسَانِ ظَنَّ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ الصُّلْبِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا الرُّكُوعَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ تَقُومَ الصُّلْبِيَّةُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَقُومُ بَلْ الرُّكُوعُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ السَّجْدَةِ بِالسَّجْدَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ فَكَانَ هُوَ الْقِيَاسَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ نَفْسِهَا فَلَا تَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهَا، كَصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَقُومُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ آخَرَ، فَصَحَّ أَنَّ الْقِيَاسَ وَهُوَ الْأَمْرُ الظَّاهِرُ هُنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ، بِخِلَافِ قِيَامِ الرُّكُوعِ مَقَامَهَا وَأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ الْخَفِيُّ فَكَانَ حِينَئِذٍ مِنْ تَقْدِيمِ الِاسْتِحْسَانِ لَا الْقِيَاسِ، لَكِنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَهَا، كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ قَالَ: قُلْت فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ بِالسَّجْدَةِ نَفْسِهَا هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَالرُّكُوعُ فِي ذَلِكَ وَالسَّجْدَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَلَاةٌ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْسَانِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْجُدَ، وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ وَهَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ مَعْنَى التَّعْظِيمِ فِيهِمَا وَاحِدٌ. فَكَانَا فِي حُصُولِ التَّعْظِيمِ فِيهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا، وَالْحَاجَةُ إلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ إمَّا اقْتِدَاءً بِمَنْ عَظَّمَ، وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِمَنْ اسْتَكْبَرَ، فَكَانَ الظَّاهِرُ هُوَ الْجَوَازَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّعْظِيمُ بِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ السُّجُودُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْكَعْ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ نَوَى بِالرُّكُوعِ أَنْ يَقَعَ عَنْ السَّجْدَةِ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ أَخَذُوا بِالْقِيَاسِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا أَجَازَا أَنْ يَرْكَعَ عَنْ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُهُ فَلِذَا قُدِّمَ الْقِيَاسُ، فَإِنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِلْخَفِيِّ لِخَفَائِهِ وَلَا لِلظَّاهِرِ لِظُهُورِهِ، بَلْ يُرْجَعُ فِي التَّرْجِيحِ إلَى مَا اقْتَرَنَ بِهِمَا مِنْ الْمَعَانِي، فَمَتَى قَوِيَ الْخَفِيُّ أَخَذُوا بِهِ، أَوْ الظَّاهِرُ أَخَذُوا بِهِ، غَيْرَ أَنَّ اسْتِقْرَاءَهُمْ أَوْجَبَ قِلَّةَ قُوَّةِ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَفِيِّ الْمُعَارِضِ لَهُ، فَلِذَا حَصَرُوا مَوَاضِعَ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي بِضْعَةِ عَشَرَ مَوْضِعًا تُعْرَفُ فِي الْأُصُولِ هَذَا أَحَدُهَا وَلَا حَصْرَ لِمُقَابِلِهِ. ثُمَّ النَّصُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ السُّجُودَ بِهَا أَفْضَلُ هَكَذَا مُطْلَقًا فِي الْبَدَائِعِ، وَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ ثُمَّ قَامَ وَرَكَعَ حَصَّلَ قُرْبَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَكَعَ، وَلِأَنَّهُ بِالسُّجُودِ مُؤَدٍّ لِلْوَاجِبِ بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ، وَأَمَّا بِالرُّكُوعِ فَبِمَعْنَاهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ آخِرَ السُّورَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْكَعَ بِهَا، ثُمَّ إذَا سَجَدَ لَهَا، وَقَامَ فَرَكَعَ كَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ دُونَ قِرَاءَةٍ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْآيَةُ فِي وَسَطِ السُّورَةِ أَوْ خَتْمِهَا أَوْ بَقِيَ إلَى الْخَتْمِ آيَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا الرُّكُوعَ عَلَى السُّجُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ ثُمَّ يَرْكَعَ، فَإِنْ كَانَتْ فِي وَسَطِ السُّورَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَهَا إذَا رَفَعَ ثُمَّ يَرْكَعُ، وَإِنْ كَانَ خَتَمَهَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ آيَةً مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْهَا آيَتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَسُورَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَالِانْشِقَاقِ

(وَمَنْ تَلَا سَجْدَةً فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى دَخَلَ فِي صَلَاةٍ فَأَعَادَهَا وَسَجَدَ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَقْوَى لِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً فَاسْتُتْبِعَتْ الْأُولَى. وَفِي النَّوَادِرِ يَسْجُدُ أُخْرَى بَعْدَ الْفَرَاغِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ بِهَا فِي الْآيَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَفِي الثَّلَاثِ اخْتَلَفُوا: قِيلَ لَا يُجْزِئُ الرُّكُوعُ بِهَا لِانْقِطَاعِ الْفَوْرِ بِالثَّلَاثِ، وَقِيلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالثَّلَاثِ وَهُوَ الْأَحَقُّ. وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَوْجَهُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ أَوْ يَعْتَبِرَ مَا يُعَدُّ طَوِيلًا عَلَى أَنْ جَعَلَ ثَلَاثَ آيَاتٍ قَاطِعَةً لِلْفَوْرِ خِلَافَ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: قُلْت أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَالسَّجْدَةُ فِي آخِرِ السُّورَةِ، إلَّا آيَاتٍ بَقِيَتْ مِنْ السُّورَةِ بَعْدَ آيَةِ السَّجْدَةِ، قَالَ: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَكَعَ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ بِهَا. قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ بِهَا خَتَمَ السُّورَةَ ثُمَّ رَكَعَ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ بِهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّجْدَةِ ثُمَّ يَقُومَ فَيَتْلُوَ مَا بَعْدَهَا مِنْ السُّورَةِ وَهُوَ آيَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ ثُمَّ يَرْكَعَ، قَالَ نَعَمْ: إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ وَصَلَ بِهَا سُورَةً أُخْرَى. وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ لَيْسَتْ قَاطِعَةً لِلْفَوْرِ وَلَا مُدْخِلَةً لِلسَّجْدَةِ فِي حَيِّزِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ لَوْ سَجَدَ بِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ بَاقِيَ السُّورَةِ ثُمَّ يَرْكَعَ، ثُمَّ عَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ أَفْضَلِيَّةَ وَصْلِ السُّورَةِ بِمَا يَقْتَضِي قَصْرَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبَاقِي آيَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ خَاتِمَةِ السُّورَةِ دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ كَيْ لَا يَصِيرَ بَانِيًا لِلرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا جَعَلَهُ حُكْمًا لِهَذَا التَّعْلِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بَقِيَ إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ. . (قَوْلُهُ: أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَتَبَدَّلْ مَجْلِسُ

لِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبْقِ فَاسْتَوَيَا. قُلْنَا: لِلثَّانِيَةِ قُوَّةُ اتِّصَالِ الْمَقْصُودِ فَتَرَجَّحَتْ بِهَا (وَإِنْ تَلَاهَا فَسَجَدَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا سَجَدَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمُسْتَتْبِعَةُ وَلَا وَجْهَ إلَى إلْحَاقِهَا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سَبْقِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ (وَمَنْ كَرَّرَ تِلَاوَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ قَرَأَهَا فِي مَجْلِسِهِ فَسَجَدَهَا ثُمَّ ذَهَبَ وَرَجَعَ فَقَرَأَهَا سَجَدَهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ لِلْأُولَى فَعَلَيْهِ السَّجْدَتَانِ) فَالْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتِّلَاوَةِ مَعَ مَجْلِسِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَبَدَّلَ فَلِكُلٍّ سَجْدَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إمَّا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ أَنَّ تَكْرِيرَ تِلَاوَةِ سَجْدَةٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يُوجِبُ سَجْدَةً وَاحِدَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ فَيَنْبَغِي لَهُ إذَا سَجَدَ لِلْأُولَى ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْآتِيَةِ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ سَوَاءٌ قَدَّمَهَا أَوْ وَسَّطَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ التِّلَاوَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ بِالصَّلَاةِ كَمَا بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفِيَهُ إلَّا سَجْدَتَانِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ مَوْضُوعَهَا مِنْ حُكْمِ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهَا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِمْ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهَا عَمَلٌ قَلِيلٌ، لَكِنْ خُصَّ مَوْضُوعُهَا مِنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْعَامِّ، فَفُصِلَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَسْجُدَ لِلْأُولَى فَلَا يُغْنِي عَنْ السُّجُودِ لِلصَّلَوِيَّةِ أَوْ لِلصَّلَوِيَّةِ فَيُغْنِي عَنْ الْأُولَى، أَوْ لَا يَسْجُدُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَيَسْقُطَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّدَاخُلُ فِي هَذِهِ عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ الثَّانِيَةُ مُسْتَتْبِعَةً لِلْأُولَى إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ يُوجِبُ التَّدَاخُلَ، وَكَوْنُ الثَّانِيَةِ قَوِيَّةً بِسَبَبِ قُوَّةِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ التِّلَاوَةُ الْفَرِيضَةُ، وَتَفَاوُتُ الْمُسَبِّبَاتِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَسْبَابِ مَنَعَ مِنْ جَعْلِ الْأُولَى مُسْتَتْبِعَةً، إذْ اسْتِتْبَاعُ الضَّعِيفِ الْقَوِيَّ عَكْسُ الْمَعْقُولِ، وَنَقْضُ الْأُصُولِ فَوَجَبَ التَّدَاخُلُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ لِلصَّلَوِيَّةِ وَقَدْ صَارَتْ تِلَاوَةُ الْأُولَى مُنْدَرِجَةً فِيهَا سَقَطَتَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ كُلَّ سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا امْتَنَعَ قَضَاؤُهَا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَرَّرَ تِلَاوَةَ سَجْدَةٍ إلَخْ) انْدَرَجَ بَعْضُ شَرْحِهَا فِيمَا ذَكَرْنَا قَبْلَهَا،

دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا بَيَانُ أَنَّ الْأَلْيَقَ فِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ ثُبُوتِ التَّدَاخُلِ كَوْنُهُ فِي السَّبَبِ وَبَيَانُ وَجْهِ ثُبُوتِهِ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. أَمَّا الثَّانِي فَبِالنَّصِّ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْمَعُ مِنْ جِبْرِيلَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَقْرَؤُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ وَلَا يَسْجُدُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَرِّرُ حَدِيثَهُ ثَلَاثًا لِيُعْقَلَ عَنْهُ، فَكَيْفَ بِالْقُرْآنِ وَبِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ السَّمِيعَ إذَا قَرَأَهَا لَا تَجِبُ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَكُلٌّ سَبَبٌ عَلَى حِدَتِهِ حَتَّى يَجِبَ بِالسَّمَاعِ وَحْدَهُ وَبِالتِّلَاوَةِ وَحْدَهَا إذَا كَانَ التَّالِي أَصَمَّ. وَالْمَعْقُولُ وَهُوَ أَنَّ تَكْرَارَ الْقِرَاءَةِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلْحِفْظِ وَالتَّعْلِيمِ وَالِاعْتِبَارِ، فَلَوْ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ لَحَرَجَ النَّاسَ زِيَادَةَ حَرَجٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَحْفَظُ مِنْ عَشْرِ مَرَّاتٍ بَلْ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُ الْحَرَجُ مِنْ جِهَةِ إلْزَامِ الْحُكْمِ كَذَلِكَ، وَفِي حِفْظِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ جِدًّا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالتَّدَاخُلِ، وَلَمَّا كَانَ مُثِيرُ ذَلِكَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ هُوَ الْحَرَجُ اللَّازِمُ بِتَقْدِيرِ إيجَابِ التَّكْرَارِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّدَاخُلِ كَوْنُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ ثَبَتَ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ لِكُلِّ سَبَبٍ حُكْمًا فَيَلِيقُ بِالْأَحْكَامِ لَا بِالْأَسْبَابِ؛ لِثُبُوتِ الْأَسْبَابِ حِسًّا بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ، وَاعْتِبَارُ الثَّابِتِ حِسًّا غَيْرَ ثَابِتٍ أَبْعَدُ مِنْ اعْتِبَارِهِ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسِ، لَكِنَّا لَوْ قُلْنَا بِهِ فِي الْحُكْمِ فِي الْعِبَادَاتِ لَبَطَلَ التَّدَاخُلُ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَسْبَابِ يَتَعَدَّدُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ يَتَّحِدُ فَيَتَعَدَّدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَارَتْ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالسُّقُوطِ ثَبَتَتْ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّكْثِيرِ؛ لِأَنَّا خُلِقْنَا لَهَا، بِخِلَافِ الْعُقُوبَاتِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّرْءِ وَالْعَفْوِ حَتَّى إذَا دَارَتْ كَذَلِكَ سَقَطَتْ، وَلِأَنَّ الْمُتَحَقَّقَ تَأْثِيرُ الْمَجْلِسِ فِي جَمِيعِ الْأَسْبَابِ لَا الْأَحْكَامِ عَلَى مَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا التَّدَاخُلُ تَقْيِيدٌ بِالْمَجْلِسِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ فِي السَّبَبِ. وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى يُحَدُّ ثَانِيًا، وَلَوْ تَلَا فَسَجَدَ ثُمَّ تَلَا لَا يَجِبُ السُّجُودُ ثَانِيًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ هُوَ الْمُبْطِلُ هُنَاكَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ خُيِّرَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا. فَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُ الْمَجْلِسِ يَحْصُلُ بِالْقِيَامِ خَرَجَ إذْ لَا فَرْقَ، فَعُلِمَ أَنَّ خُرُوجَهُ فِي الْقِيَامِ لِلْإِعْرَاضِ لَا لِلْقِيَامِ، وَلَيْسَ فِي الْقُعُودِ عَنْ قِيَامٍ إعْرَاضٌ بَلْ هُوَ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ، ثُمَّ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ، إلَّا فِي الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِخُطْوَةٍ أَوْ خُطْوَتَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ مَجْلِسٌ وَاحِدٌ، فَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ فِي الْبَيْتِ أَوْ الْمَسْجِدِ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ، وَكَذَا السَّفِينَةُ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً لَا يُوجِبُ سَيْرُهَا اخْتِلَافَ الْمَكَانِ، وَالْمَجْلِسُ وَالدَّابَّةُ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ رَاكِبٌ كَالسَّفِينَةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ شَرْعًا اعْتِبَارٌ لِلْأَمْكِنَةِ الْمُتَعَدِّدَةِ مَكَانًا، بِخِلَافِ الْمَشْيِ بِالْقَدَمِ فَإِنَّهُ لَا مُوجِبَ لِاعْتِبَارِ الْأَمْكِنَةِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِيهِ مَكَانًا، إذْ لَمْ تُجَوَّزْ صَلَاةُ الْمَاشِي، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ كَانَ خَلْفَهُ غُلَامٌ يَمْشِي وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ رَاكِبًا وَكَرَّرَهَا تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَى الْغُلَامِ دُونَ الرَّاكِبِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ سَائِرَةٌ فَيَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ. وَقِيلَ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا يَخْتَلِفُ الْمَسْجِدُ، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا بِأَنْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ لُقْمَتَيْنِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التِّلَاوَةِ أَوْ تَكَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَكَحَ أَوْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ أَرْضَعَتْ وَلَدًا أَوْ أَخَذَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ عَمَلٍ يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ لَا إنْ كَانَ يَسِيرًا. وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُوجِبُ الِانْتِقَالَ فِيهَا مِنْ رَكْعَةٍ إلَى أُخْرَى اخْتِلَافُ الْمَجْلِسِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا، فَلَوْ قَرَأَهَا فِي رَكْعَةٍ ثُمَّ كَرَّرَهَا فِي أُخْرَى وَجَبَتْ

وَالثَّانِي بِالْعُقُوبَاتِ وَإِمْكَانُ التَّدَاخُلِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا، لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَإِذَا اخْتَلَفَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَهُوَ الْمُبْطِلُ هُنَالِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخْرَى عِنْدَهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. لَهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّدَاخُلِ يُؤَدِّي إلَى إخْلَاءِ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَيَفْسُدُ. قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِالِاتِّحَادِ فِي حَقِّ حُكْمٍ بُطْلَانُ الْعَدَدِ فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ فَقُلْنَا بِالْعَدَدِ فِي حُكْمٍ هُوَ جَوَازُ الصَّلَاةِ وَبِالِاتِّحَادِ فِيمَا قُلْنَا. وَقَدْ أَفَادَ تَعْلِيلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّكْرَارَ فِيمَا إذَا كَرَّرَهَا فِي النَّفْلِ أَوْ الْوِتْرِ مُطْلَقًا وَفِي الْفَرْضِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، أَمَّا لَوْ كَرَّرَهَا بَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكْفِيَهُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّدَاخُلِ مُنْتَفٍ حِينَئِذٍ

وَفِي تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ، وَفِي الْمُنْتَقِلِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا فِي الدِّيَاسَةِ لِلِاحْتِيَاطِ (وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ (وَكَذَا إذَا تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ) عَلَى مَا قِيلَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ عَلَى السَّامِعِ لِمَا قُلْنَا. (وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ) اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي. (قَوْلُهُ: وَفِي تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ، وَفِي الْمُنْتَقِلِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَفِي الدِّيَاسَةِ كَذَلِكَ) فِي النِّهَايَةِ: هَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي الْأَخِيرَيْنِ لَا فِي التَّسْدِيَةِ، لَكِنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ أَيْضًا، قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ وَالدِّيَاسَةِ وَاَلَّذِي يَدُورُ حَوْلَ الرَّحَى وَاَلَّذِي يَسْبَحُ فِي الْمَاءِ وَاَلَّذِي تَلَا فِي غُصْنٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ، وَالْأَصَحُّ الْإِيجَابُ لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ، وَلِذَا يُعْتَبَرُ مُخْتَلَفًا فِي الْغُصْنَيْنِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، حَتَّى أَنَّ الْحَالَّ لَوْ رَمَى صَيْدًا عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا فِي الْحِلِّ وَالْغُصْنُ فِي الْحَرَمِ يَجِبُ الْجَزَاءُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَكَرُّرَ الْوُجُوبِ فِي التَّسْدِيَةِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَادِ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ أَنَّهَا أَنْ يَغْرِسَ الْحَائِكُ خَشَبَاتٍ يُسَوِّي فِيهَا السَّدَى ذَاهِبًا وَجَائِيًا، أَمَّا عَلَى مَا هِيَ بِبِلَادِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَغَيْرِهَا بِأَنْ يُدِيرَهُ عَلَى دَائِرَةٍ عُظْمَى وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ) عَلَى السَّامِعِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إذَا تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ عَلَى السَّامِعِ أَيْضًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ؛ لِمَا قُلْنَا إنَّ السَّبَبَ فِي السَّمَاعِ السَّمَاعُ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ مَجْلِسُهُ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْكَافِي تَرْجِيحُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ، قَالَ: الْأَصْلُ أَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ تُضَافُ إلَيْهَا وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا، وَفِي السَّمَاعِ خِلَافٌ قِيلَ: إنَّهُ سَبَبٌ لِمَا رَوَيْنَا: يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا» إلَى آخِرِهِ، وَالصَّحِيحُ السَّبَبُ فِي حَقِّ السَّامِعِ التِّلَاوَةُ، وَالسَّمَاعُ شَرْطُ عَمَلِ التِّلَاوَةِ فِي حَقِّهِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَتَكَرَّرُ إجْمَاعًا. أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ فَلِأَنَّ السَّبَبَ السَّمَاعُ وَمَجْلِسُ السَّمَاعِ مُتَعَدِّدٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَلِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ أَبْطَلَ الْعَدَدَ فِي حَقِّ التَّالِي فَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ لَا الشَّرْطِ، وَقِيلَ لَا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ)

(وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَدَعَ آيَةَ السَّجْدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا) ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَرَةٌ إلَيْهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ دَفْعًا لِوَهْمِ التَّفْضِيلِ وَاسْتَحْسَنُوا إخْفَاءَهَا شَفَقَةً عَلَى السَّامِعِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَتَيْنِ مَنْدُوبَتَانِ لَا وَاجِبَتَانِ فَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ، وَلَا تُحَرَّمَ، وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، وَيَقُولُ فِي السَّجْدَةِ مَا يَقُولُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: 108] ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ أَوْلِيَائِهِ بِذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: 108] وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا صَحَّحَ عَلَى عُمُومٍ، فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقُولُ فِيهَا مَا يُقَالُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، أَوْ نَفْلًا قَالَ مَا شَاءَ مِمَّا وَرَدَ كَسَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ إلَى آخِرِهِ، وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي عِنْدَك بِهَا أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك زُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ كُلَّ مَا أُثِرَ مِنْ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ، وَعَنْهُ يُكَبِّرُ عِنْدَهُ لَا فِي الِانْتِهَاءِ. وَقِيلَ يُكَبِّرُ فِي الِابْتِدَاءِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الِانْتِهَاءِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ نَعَمْ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِلِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ فَيَسْجُدَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ؛ وَلِأَنَّ الْخُرُورَ الَّذِي مُدِحَ بِهِ أُولَئِكَ فِيهِ . (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ إلَى آخِرِهِ. (قَوْلُهُ: دَفْعًا لِوَهْمِ التَّفْضِيلِ) أَيْ تَفْضِيلِ آيِ السَّجْدَةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْكُلُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى فِي رُتْبَةٍ، وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهَا بِسَبَبِ اشْتِمَالِهِ عَلَى ذِكْرِ صِفَاتِ الْحَقِّ جَلَّ جَلَالُهُ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لَا بِاعْتِبَارِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْآنٌ. وَفِي الْكَافِي قِيلَ مَنْ قَرَأَ آيَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَجَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ. وَمَا ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ فِي كَرَاهَةِ تَرْكِ آيَةٍ مِنْ السَّجْدَةِ سُورَةً يَقْرَؤُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعًا لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَتَغْيِيرًا لِتَأْلِيفِهِ، وَاتِّبَاعُ النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ مَأْمُورٌ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أَيْ تَأْلِيفَهُ، فَكَانَ التَّغْيِيرُ مَكْرُوهًا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ذَلِكَ. وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ بَيْنِ السُّورَةِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهَا آيَاتٍ؛ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى مُرَادِ الْآيَةِ؛ وَلِيَحْصُلَ بِحَقِّ الْقِرَاءَةِ لَا بِحَقِّ إيجَابِ السَّجْدَةِ، إذْ الْقِرَاءَةُ لِلسُّجُودِ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَبَّةٍ فَيَقْرَأُ مَعَهَا آيَاتٍ؛ لِيَكُونَ قَصْدُهُ إلَى التِّلَاوَةِ لَا إلَى إيجَابِ السُّجُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ: شَفَقَةً عَلَى السَّامِعِينَ) وَقِيلَ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ عَدَمُ الْإِشْفَاقِ عَلَيْهِمْ جَهَرَ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ

[باب صلاة المسافر]

بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ السَّفَرُ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فُرُوعٌ) إذَا تَلَا عَلَى الْمِنْبَرِ سَجَدَ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ تَلَا عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ» وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّنَّةَ فِي أَدَائِهَا أَنْ يَتَقَدَّمَ التَّالِي وَيَصُفَّ السَّامِعُونَ خَلْفَهُ، وَلَيْسَ هَذَا اقْتِدَاءً حَقِيقَةً بَلْ صُورَةً، وَلِذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْبِقُوهُ بِالْوَضْعِ وَلَا بِالرَّفْعِ، فَلَوْ كَانَ حَقِيقَةَ ائْتِمَامٍ لَوَجَبَ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَوْ فَسَدَتْ سَجْدَةُ التَّالِي بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبَاقِينَ، إذَا تَلَا رَاكِبًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ أَجْزَأَهُ الْإِيمَاءُ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ، وَلَوْ نَزَلَ الرَّاكِبُ فَسَجَدَ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، فَلَوْ نَزَلَ فَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَكِبَ فَأَوْمَأَ لَهَا جَازَ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ هُوَ يَقُولُ لَمَّا نَزَلَ وَجَبَ أَدَاؤُهَا عَلَى الْأَرْضِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ. قُلْنَا: لَوْ أَدَّاهَا قَبْلَ نُزُولِهِ جَازَ فَكَذَا بَعْدَمَا نَزَلَ وَرَكِبَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهَا بِالْإِيمَاءِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ وَجَبَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَيُشْتَرَطُ لِلسَّجْدَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ سِوَى التَّحْرِيمَةِ مِنْ النِّيَّةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالسَّتْرِ، وَيُجْزِي إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَإِذَا تَلَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ لَا يُجْزِيهِ السُّجُودُ فِي مَكْرُوهٍ، أَوْ فِي مَكْرُوهٍ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى جَاءَ وَقْتٌ آخَرُ مَكْرُوهٌ فَسَجَدَ لَهَا فِيهِ، قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقَدَّمْنَاهَا فِي فَصْلِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَيُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا. وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِتَمَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ حَصَلَ الْوَضْعُ قَبْلَ هَذِهِ الْعَوَارِضِ وَبِهِ يَتِمُّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِالْقَهْقَهَةِ اتِّفَاقًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الطَّهَارَةِ. [بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ] (بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) السَّفَرُ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ إلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ، بِخِلَافِ السَّفَرِ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَاكَ وَالسَّفَرُ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَلَيْسَ كُلُّ قَطْعٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ جَوَازِ الْإِفْطَارِ وَقَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ وَمَسْحِ ثَلَاثَةِ

سَيْرَ الْإِبِلِ وَمَشْيَ الْأَقْدَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَالَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» عَمَّ بِالرُّخْصَةِ الْجِنْسَ. وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ وَقَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا عَلَى الْخُفِّ فَبَيَّنَ ذَلِكَ السَّفَرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ تَغَيُّرُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَأَخَذَ فِيهِ مَعَ الْمِقْدَارِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَصْدَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ طَافَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى قَطْعِ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَتَرَخَّصُ وَعَلَى هَذَا قَالُوا: أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَكَذَا الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَإِنْ كَانَ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرُوا وَلَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فَعَلِمَ بِهِ أَهْلُ دَارِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَصِرْ مُسَافِرًا؟ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ أَوْ عَلِمُوا وَلَمْ يَخْشَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ عَلَى إقَامَتِهِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْقَصْدِ تَفَرَّعَ فِي صَبِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ يَقْصُرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ الَّذِي بَلَغَ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حِينَ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ، وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (قَوْلُهُ: عَمَّ) أَيْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّخْصَةِ وَهِيَ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ الْجِنْسَ: أَيْ جِنْسَ الْمُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الْمُسَافِرِ لِلِاسْتِغْرَاقِ؛ لِعَدَمِ الْمَعْهُودِ الْمُعَيَّنِ. وَمِنْ ضَرُورَةِ عُمُومِ الرُّخْصَةِ لِلْجِنْسِ حَتَّى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ كُلُّ مُسَافِرٍ مِنْ مَسْحِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عُمُومُ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ مُسَافِرٍ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَوْ كَانَ السَّفَرُ الشَّرْعِيُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَثَبَتَ مُسَافِرٌ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَدْ كَانَ كُلُّ مُسَافِرٍ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ

وَالشَّافِعِيُّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي قَوْلٍ، وَكَفَى بِالسُّنَّةِ حُجَّةً عَلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْتَفِيَةً بِيَقِينٍ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِتَيَقُّنِ مَا هُوَ سَفَرٌ فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا كَانَ سَفَرُهُ يَسْتَوْعِبُهَا فَصَاعِدًا. لَا يُقَالُ: إنَّهُ احْتِمَالٌ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ صَارُوا إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ بِهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَشَى إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ ثُمَّ بَكَّرَ فِي الثَّالِثِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ، وَعَلَى هَذَا خَرَجَ الْحَدِيثُ إلَى غَيْرِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ قَالُوا بَقِيَّةُ كُلِّ يَوْمٍ مُلْحَقَةٌ بِالْمُنْقَضِي مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ الِاسْتِرَاحَاتِ؛ لِتَعَذُّرِ مُوَاصَلَةِ السَّيْرِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّ مُسَافِرًا مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَمْسَحُ فِيهِ فَلَيْسَ تَمَامُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مُلْحَقًا بِأَوَّلِهِ شَرْعًا حَيْثُ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ رُخْصَةُ السَّفَرِ وَلَا هُوَ سَفَرٌ حَقِيقَةً، فَظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ شَرْعًا إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةً، وَهُوَ عَيْنُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ لَا يَمْسَحُهَا وَآلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِمَنْعِ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وَاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ، وَإِنْ صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَعَلَى هَذَا

(وَالسَّيْرُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْوَسَطُ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّقْدِيرُ بِالْمَرَاحِلِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَرَاسِخِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْمَاءِ) مَعْنَاهُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ، فَأَمَّا الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقُولُ: لَا يَقْصُرُ هَذَا الْمُسَافِرُ، وَأَنَا لَا أَقُولُ بِاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ بَلْ إنَّهُ لَا مُخَلِّصَ مِنْ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ إلَّا بِهِ، وَأَوْرَدَ أَنَّ لُزُومَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي السَّفَرِ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِهَا ظَرْفًا لِيَمْسَحَ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ كَوْنُهَا ظَرْفًا لِمُسَافِرٍ، وَالْمَعْنَى الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَمْسَحُ، وَإِنَّهُ لَا يَنْفِي تَحَقُّقُ مُسَافِرٍ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيَقْصُرُ مُسَافِرُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ رُخْصَةِ الْقَصْرِ السَّفَرُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ نَقْلٌ فِيهِ، وَلَا إجْرَاءُ حُكْمِ الرُّخْصَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ لِمُسَافِرِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْقَصْرَ فِي الْأَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهِيَ تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَأُجِيبَ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ لِضَعْفِ رَاوِيهِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ فَبَقِيَ قَصْرُ الْأَقَلِّ بِلَا دَلِيلٍ. وَلَوْ سَلِمَ فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَفْهُومِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانَ قَطْعُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ إنَّمَا ثَبَتَ بِمَفْهُومِ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ بُرُدٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَازَمَ جَعْلَهُ ظَرْفًا لِمُسَافِرٍ كَمَا هُوَ جَوَازُ مَسْحِ الْأَقَلِّ كَذَلِكَ هُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ مَسْحِ الْمُسَافِرِ دَائِمًا مَا دَامَ مُسَافِرًا. فَإِنْ تَمَّ مَا ذُكِرَ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ اللَّازِمِ بَقِيَ هَذَا مُحْتَاجًا إلَى الْجَوَابِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ لَمَّا كَانَ أَنَّ الْمُقِيمَ يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَطَلَ كَوْنُهَا ظَرْفًا لِلْمُسَافِرِ، وَإِلَّا لَزِمَ اتِّحَادُ حُكْمِ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهِيَ صُورَةُ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَهُوَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ لِلْعِلْمِ بِفَرْقِ الشَّرْعِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ ظَرْفًا؛ لِيَمْسَحَ أَنَّ السَّوْقَ لَيْسَ إلَّا لِبَيَانِ كَمِّيَّةِ مَسْحِ الْمُسَافِرِ لَا لِإِطْلَاقِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الظَّرْفِ لِمُسَافِرٍ يَكُونُ يَمْسَحُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ. (قَوْلُهُ: وَالسَّيْرُ الْمَذْكُورُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى سَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ، فَيَدْخُلُ سَيْرُ الْبَقَرِ يَجُرُّ الْعَجَلَةَ وَنَحْوُهُ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يُقَدَّرُ بِهَا فَقِيلَ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا، وَقِيلَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَ بِقَدْرِ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا تُقَدَّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَعْرًا بِحَيْثُ يَقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِأَحَدِ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ سَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ لَوْ سَارَهَا مُسْتَعْجِلٌ كَالْبَرِيدِ فِي يَوْمٍ قَصَرَ فِيهِ وَأَفْطَرَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَهُوَ قَطْعُ مَسَافَةِ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ، كَذَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ قَصْرُ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ، وَإِلَّا لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبَ كَرَامَةِ الطَّيِّ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَهُوَ بَعِيدُ الِانْتِفَاءِ مَظِنَّةَ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ: أَعْنِي التَّقْدِيرَ بِسَيْرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرِهَا؛ لِأَنَّهَا

فَمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ كَمَا فِي الْجَبَلِ. . قَالَ (وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَتَانِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَا يُقْضَى وَلَا يُؤْثَمُ عَلَى تَرْكِهِ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجْعُولَةُ مَظِنَّةً لِلْحُكْمِ بِالنَّصِّ الْمُقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَسْحِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، غَيْرَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَرْعُ وَهُوَ مَا إذَا وَصَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى الْمَقْصِدِ، فَلَوْ صَحَّ تَفْرِيعُهُمْ جَوَازَ التَّرَخُّصِ مَعَ سَيْرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ إذَا قَطَعَ فِيهِ قَدْرَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ بَطَلَ الدَّلِيلُ، وَلَا دَلِيلَ غَيْرُهُ فِي تَقْدِيرِهِمْ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ فَيَبْطُلُ أَصْلُ الْحُكْمِ: أَعْنِي تَقْدِيرَهُمْ أَدْنَى السَّفَرِ الَّذِي يَتَرَخَّصُ فِيهِ بِثَلَاثَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ) وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مَسَافَةُ ثَلَاثَةٍ فِيهِ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُعْتَدِلَةً، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ تُقْطَعُ فِي الْبَرِّ بِيَوْمٍ كَمَا فِي الْجَبَلِ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَبَلِ بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَوْ كَانَتْ تُقْطَعُ مِنْ طَرِيقِ السَّهْلِ بِيَوْمٍ فَالْحَاصِلُ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ فِي أَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ) يَعْنِي لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْفِعْلِ فَرْضًا إلَّا كَوْنَهُ مَطْلُوبًا أَلْبَتَّةَ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا عَلَى الْخِلَافِ الِاصْطِلَاحِيِّ، فَإِثْبَاتُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَدَائِهِ وَتَرْكِهِ رُخْصَةٌ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ

(وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ الْأُولَيَانِ عَنْ الْفَرْضِ وَالْأُخْرَيَاتُ لَهُ نَافِلَةٌ) اعْتِبَارًا بِالْفَجْرِ، وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ (وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَهَا بَطَلَتْ) ؛ لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ حَقِيقَتُهُ إلَّا نَفْيَ افْتِرَاضِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْفَرْضِ، فَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّرَخُّصِ مَعَ قِيَامِ الِافْتِرَاضِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي التَّأْخِيرِ وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ إلْزَامِ بَعْضِ الْكَيْفِيَّاتِ الَّتِي عُهِدَتْ لَازِمَةً فِي الْفَرْضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَطْعِيٌّ فِي الْإِسْقَاطِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْضِ مَا بَقِيَ، بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا حَجَّ حَيْثُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ إنْ لَمْ يَنْوِ النَّفَلَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ حِينَ صَارَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ. وَأَمَّا وُقُوعُ الزَّائِدِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ فَرْضًا لَا نَفْلًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا فَجَوَابُهُ مَا سَلَفَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، هَذَا وَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى» زَادَ فِي لَفْظٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ: قُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ قَالَ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، فَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأَوَّلِ» ذَكَرَهُ فِي بَابِ مِنْ أَيْنَ أَرَّخُوا التَّارِيخَ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ زِيَادَةَ صَلَاةِ الْحَضَرِ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى السَّمَاعِ؛ لِأَنَّ أَعْدَادَ الرَّكَعَاتِ لَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا بِالرَّأْيِ، وَكَوْنُ عَائِشَةَ تُتِمُّ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا: إذْ الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْفَرْضَ كَمْ هُوَ لَا فِي جَوَازِ إتْمَامِ أَرْبَعٍ فَإِنَّا نَقُولُ: إذَا أَتَمَّ كَانَتْ الْأُخْرَيَانِ نَافِلَةً، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي النَّفْلِ عَدَمُ بِنَائِهِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ، فَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تُوَاظِبُ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ فِي السَّفَرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَصْلَهَا بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِ وُقُوعِ الْكُلِّ فَرْضًا فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ حَدَثَ لَهَا تَرَدُّدٌ أَوْ ظَنٌّ فِي أَنَّ جَعْلَهَا رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ مُقَيَّدٌ بِحَرَجِهِ بِالْإِتْمَامِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَوْ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا، فَقُلْت لَهَا لَوْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي إنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ " وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ: أَيْ تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْإِسْقَاطَ مَعَ الْحَرَجِ، لَا أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالتَّرْكِ مَعَ بَقَاءِ الِافْتِرَاضِ فِي الْمُخَيَّرِ فِي أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ. هَذَا مَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَعُدُّ نَفْسَهَا مُسَافِرَةً بَلْ حَيْثُ حَلَّتْ كَانَتْ مُقِيمَةً، وَنُقِلَ قَوْلُهَا " أَنَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَيْثُ حَلَلْت فَهُوَ دَارِي " لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ فَبَعِيدٌ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ لَهَا سَفَرٌ أَبَدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِذَا كَانَ الْمَرْوِيُّ عَنْ

(وَإِذَا فَارَقَ الْمُسَافِرُ بُيُوتَ الْمِصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَتَعَلَّقُ بِدُخُولِهَا فَيَتَعَلَّقُ السَّفَرُ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا. وَفِيهِ الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقَصْرِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] » . انْتَهَى. وَهُوَ مُعَارِضٌ لِلْمَرْوِيِّ مِنْ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُتِمُّ، وَالتَّوْفِيقُ أَنَّ إتْمَامَهُ الْمَرْوِيَّ كَانَ حِينَ قَامَ بِمِنًى أَيَّامَ مِنًى، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ مُنْسَحِبٌ عَلَى إقَامَةِ أَيَّامِ مِنًى فَسَاغَ إطْلَاقُ أَنَّهُ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ مَا مَضَى الصَّدْرُ مِنْ خِلَافَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَنَّهُ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ مُنْذُ قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» مَعَ أَنَّ فِي الْبَابِ مَا هُوَ مَرْفُوعٌ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» وَهَذَا رَفْعٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ كَمَا افْتَرَضَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا» . وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَإِعْلَالُهُ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ مَدْفُوعٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ حَكَمَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ الْمَعْنَى الْمُفِيدِ لِنَفْلِيَّةِ الرَّكْعَتَيْنِ كِفَايَةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ يَحْكِي خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ، وَيَنْقُلُ اخْتِلَافَ عِبَارَتِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ رُخْصَةٌ عَنَى رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ الْعَزِيمَةُ، وَتَسْمِيَتُهَا رُخْصَةً مَجَازٌ وَهَذَا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ . (قَوْلُهُ: وَإِذَا فَارَقَ) بَيَانٌ لِمَبْدَإِ الْقَصْرِ، وَيَدْخُلُ فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ رَبَضُهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» . وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ: إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ يَتَحَقَّقُ مَبْدَأُ الْفِنَاءِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِغَلْوَةٍ فِي الْمُخْتَارِ. وَقِيلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَالْفِنَاءُ مُلْحَقٌ بِالْمِصْرِ شَرْعًا حَتَّى جَازَتْ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ فِيهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَقْصُرَ بِمُجَرَّدِ الْمُفَارَقَةِ لِلْبُيُوتِ بَلْ إذَا جَاوَزَ الْفِنَاءَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُلْحِقَ بِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ أَهْلِهِ الْمُقِيمِينَ فِيهِ لَا مُطْلَقًا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ الْجُمُعَةَ فِيهِ إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: فَصْلٌ فِي الْفِنَاءِ، فَقَالَ: إنْ

(وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ غَلْوَةٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يَعْتَبِرُ مُجَاوَزَةَ الْفِنَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرَ غَلْوَةٍ يَعْتَبِرُ مُجَاوَزَةَ عُمْرَانِ الْمِصْرِ هَذَا، وَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةً أَوْ قُرًى مُتَّصِلَةً بِرَبَضِ الْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا. وَفِي الْفَتَاوَى أَيْضًا إنْ كَانَ فِي الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ، فَفِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ إرْسَالٌ غَيْرُ وَاقِعٍ؛ وَلَوْ ادَّعَيْنَا أَنَّ بُيُوتَ تِلْكَ الْقُرَى دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى بُيُوتِ الْمِصْرِ انْدَفَعَ هَذَا لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ ظَاهِرٌ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ بُيُوتِ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، فَلَوْ جَاوَزَهَا وَتُحَاذِيهِ بُيُوتٌ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ جَازَ الْقَصْرُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ إلَخْ) ظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى يَدْخُلَ قَرْيَةً أَوْ بَلَدًا فَيَنْوِيَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِالْقَرْيَةِ وَالْبَلَدِ مُتَحَقِّقَةٌ حَالَ سَفَرِهِ إلَيْهَا قَبْلَ دُخُولِهَا لَكِنَّ تَرْكَهُ لِظُهُورِهِ وَلِاسْتِفَادَتِهِ مِنْ تَعْلِيلِ مَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَتَعَلَّقُ بِدُخُولِهَا، وَفِيهِ أَثَرُ عَلِيٍّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا: وَخَرَجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا، يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالْكُوفَةُ بِمَرْأًى مِنْهُمْ فَقِيلَ لَهُ إلَخْ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَصَرَّحَ بِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وَفَاءِ بْنِ إيَاسٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى الْكُوفَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعْنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى الْقَرْيَةِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَلَا تُصَلِّي أَرْبَعًا؟ قَالَ: لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا. ثُمَّ بَقَاءُ حُكْمِ السَّفَرِ مِنْ حِينِ الْمُفَارَقَةِ نَاوِيًا لِلسَّفَرِ إلَى غَايَةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي بَلَدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ السَّفَرِ وَبِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ مِنْ الْعَسْكَرِ قَبْلَ الْفَتْحِ. وَأَيْضًا اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مُطْلَقًا فِي ثُبُوتِ الْإِقَامَةِ لَيْسَ وَاقِعًا، فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ مِصْرَهُ صَارَ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ بِلَا نِيَّةٍ. وَالْأَحْسَنُ فِي الضَّابِطِ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا حَتَّى يَعْزِمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ، أَوْ يَدْخُلَهَا بَعْدَ الِاسْتِكْمَالِ، أَوْ يَدْخُلَ غَيْرَهَا فَيَنْوِيَ الْإِقَامَةَ بِهَا وَحْدَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا وَلَيْسَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ مِنْ الْعَسْكَرِ الدَّاخِلِينَ، وَالْمَفَاهِيمُ الْمُخَالِفَةُ لِلْقُيُودِ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ مَسَائِلَ مُسْتَقِلَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَسْأَلَةَ الْعَزْمِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَهِيَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ السَّفَرِ بِالْمُفَارَقَةِ نَاوِيًا لِلسَّفَرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا فَرَجَعَ صَارَ مُقِيمًا فِي الْمَفَازَةِ حَتَّى أَنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ فِطْرُهُ فِي رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَضَ السَّفَرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاحْتِمَالِهِ النَّقْضَ إذْ لَمْ يَسْتَحْكِمُ إذَا لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً، وَكَانَتْ الْإِقَامَةُ نَقْضًا لِلْعَارِضِ لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةِ الْإِتْمَامِ. وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

لِأَنَّ السَّفَرَ يُجَامِعُهُ اللُّبْثُ فَقَدَّرْنَاهَا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَلْدَةِ وَالْقَرْيَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا اسْتِكْمَالُ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ عِلَّةُ حُكْمِ الْإِقَامَةِ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السَّفَرَ يُجَامِعُهُ اللُّبْثُ) يَعْنِي حَقِيقَةَ اللُّبْثِ مَعَ قِيَامِ حَقِيقَةِ السَّفَرِ يُوجَدُ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مُطْلَقِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمَا قَالَا: إذَا قَدِمْت بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي نَفْسِك أَنْ تُقِيمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَكْمِلْ الصَّلَاةَ بِهَا،، وَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ فَاقْصُرْهَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَجْمَعَ عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا كُنْت مُسَافِرًا فَوَطَّنْتَ نَفْسَك عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَتْمِمْ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ فَاقْصُرْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ) احْتِرَازٌ عَمَّا سَيَذْكُرُهُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فَقَدَّرْنَاهَا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ، فَهَذَا قِيَاسُ أَصْلِهِ مُدَّةَ الطُّهْرِ، وَالْعِلَّةُ كَوْنُهَا مُوجِبَةً مَا كَانَ سَاقِطًا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ وَهِيَ الْفَرْعُ فَاعْتُبِرَتْ كَمِّيَّتُهَا بِهَا وَهُوَ الْحُكْمُ، وَإِصْلَاحُهُ بِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْخَبَرِ وَجَدْنَاهُ عَلَى وَفْقِ صُورَةِ قِيَاسٍ ظَاهِرٍ فَرَجَّحْنَا بِهِ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ

(وَلَوْ دَخَلَ مِصْرًا عَلَى عَزْمِ أَنْ يَخْرُجَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ وَلَمْ يَنْوِ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ قَصَرَ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِثْلُ ذَلِكَ. (وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَنَوَوْا الْإِقَامَةَ بِهَا قَصَرُوا وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا فِيهَا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا) ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ بَيْنَ أَنْ يُهْزَمَ فَيَقِرَّ وَبَيْنَ أَنْ يَنْهَزِمَ فَيَفِرَّ فَلَمْ تَكُنْ دَارَ إقَامَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسِّتَّةُ عَنْ أَنَسٍ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ قِيلَ: كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا» وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُمْ عَزَمُوا قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، غَيْرُ أَنَّهُمْ اتَّفَقَ لَهُمْ أَنَّهُمْ اسْتَمَرُّوا إلَى عَشْرٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ نَوَوْا الْإِقَامَةَ حَتَّى يَقْضُوا النُّسُكَ. نَعَمْ كَانَ يَسْتَقِيمُ هَذَا لَوْ كَانَ فِي قِصَّةِ الْفَتْحِ، لَكِنَّ الْكَائِنَ فِيهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ، وَبَاتَ بِالْمُحَصَّبِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ وَفِي مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ اعْتَمَرَتْ عَائِشَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ طَافَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَوَافَ الْوَدَاعِ سَحَرًا قَبْلَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَخَرَجَ صَبِيحَتَهُ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ فَتَمَّتْ لَهُ عَشْرُ لَيَالٍ» . وَلَوْ قِيلَ: تِلْكَ وَاقِعَةُ حَالٍ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْإِقَامَةِ فِيهَا كَانَتْ مَنْوِيَّةً مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ وَمِنًى فَلَا يَصِيرُ لَهُ بِذَلِكَ حُكْمُ الْإِقَامَةِ عَلَى رَأْيِكُمْ. قُلْنَا: مَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لِيَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى صَبِيحَةِ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَيَكُونُ عَزْمُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ إلَى حِينَئِذٍ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ كَوَامِلُ، فَيَنْتَفِي بِهِ قَوْلُكُمْ: إنَّ أَرْبَعَةً أَقَلُّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ . (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ) بِالذَّالِ السَّاكِنَةِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَ هَمْزَةٍ وَالْبَاءُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَهَا الْيَاءُ الْمُثَنَّاةُ مِنْ تَحْتٍ قَرْيَةٌ، رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: ارْتَجَّ عَلَيْنَا الثَّلْجُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي غَزَاةٍ، فَكُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَقَيَّدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ بِبَعْضِ بِلَادِ فَارِسَ سِنِينَ، فَكَانَ لَا يَجْمَعُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالشَّامِّ شَهْرَيْنِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ تَكُنْ دَارَ إقَامَةٍ) وَمُجَرَّدُ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَا تَتِمُّ عِلَّةً فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْمَفَازَةِ، فَكَانَتْ الْبَلَدُ مِنْ دَارِ

(وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ أَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ) ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَ الشَّوْكَةُ لَهُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْقَرَارِ ظَاهِرًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ. (وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَأِ وَهُمْ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ، قِيلَ لَا تَصِحُّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرْبِ قَبْلَ الْفَتْحِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَسْكَرِ كَالْمَفَازَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ إقَامَةٍ قَبْلَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ أَنْ يَهْزِمُوا فَيَقِرُّوا أَوْ يُهْزَمُوا فَيَفِرُّوا، فَحَالَتُهُمْ هَذِهِ مُبْطِلَةٌ عَزِيمَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ تِلْكَ الْعَزِيمَةِ مُوَطَّنُونَ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ هُزِمُوا قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ أَمْرٌ مُجَوَّزٌ لَمْ يُقِيمُوا، وَهَذَا مَعْنَى قِيَامِ التَّرَدُّدِ فِي الْإِقَامَةِ فَلَمْ تُقْطَعْ النِّيَّةُ عَلَيْهَا، وَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِ حَقِيقَةِ النِّيَّةِ مِنْ قَطْعِ الْقَصْدِ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُصُولِ الْمَدَدِ لِلْعَدُوِّ، وَوُجُودَ مَكِيدَةٍ مِنْ الْقَلِيلِ يَهْزِمُ بِهَا الْكَثِيرَ قَائِمٌ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ قَطْعَ الْقَصْدِ، وَبِهَذَا يُضَعَّفُ تَعْلِيلُ أَبِي يُوسُفَ الصِّحَّةَ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ لَا إنْ كَانُوا فِي الْأَخْبِيَةِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ بُيُوتِ الْمَدَرِ لَيْسَ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْإِقَامَةِ بَلْ مَعَ النِّيَّةِ وَلَمْ تُقْطَعْ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ دَخَلَ مِصْرًا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَيْسَ غَيْرَ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يُتِمُّ، وَفِي أَسِيرٍ انْفَلَتَ مِنْهُمْ وَوَطَّنَ عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي غَارٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَبْطُلُ بِانْتِقَالٍ مَنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى) يَعْنِي هُمْ لَا يَقْصِدُونَ سَفَرًا بَلْ الِانْتِقَالَ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْمُقَامُ فِي الْمَفَاوِزِ فَكَانَتْ فِي حَقِّهِمْ كَالْقُرَى فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرِّعَاءَ إذَا كَانُوا فِي تَرْحَالٍ فِي الْمَفَاوِزِ مِنْ مَسَاقِطَ إلَى مَسَاقِطِ الْغَيْثِ وَمَعَهُمْ رِحَالُهُمْ وَأَثْقَالُهُمْ كَانُوا مُسَافِرِينَ حَيْثُ نَزَلُوا مَرْعًى كَثِيرَ الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَاِتَّخَذُوا الْمَخَابِزَ وَالْمَعَالِفَ وَالْأَوَارِيَ وَالْخِيَامَ وَعَزَمُوا عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ يَكْفِيهِمْ، فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَهُمْ مُقِيمِينَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ سَفَرِهِمْ

(وَإِنْ اقْتَدَى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ أَتَمَّ أَرْبَعًا) ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى أَرْبَعٍ لِلتَّبَعِيَّةِ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ بِأَنْ يَقْصِدُوا فِي الِابْتِدَاءِ مَوْضِعًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يَنْتَقِضَ بِهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ، بَعْدَ ذَلِكَ يَجِيءُ هَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ. أَمَّا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بَلْ هُوَ مُسَافِرٌ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي مَرْعًى أَوْ جَزِيرَةٍ. (قَوْلُهُ: لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ) وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ حَالَ قِيَامِ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ تَغَيَّرَ إلَى أَرْبَعٍ. فَبَعْدَ قَبُولِهِ لِلتَّغَيُّرِ تَوَقَّفَ تَحَقُّقُ التَّغَيُّرِ عَلَى مُجَرَّدِ سَبَبٍ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: انْعِقَادُ الِاقْتِدَاءِ سَبَبًا لِلتَّغَيُّرِ مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ وَصِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى تَغَيُّرِ فَرْضِهِ إذْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَزِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعَدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ تَوَقَّفَ التَّغَيُّرُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ وَصِحَّتُهُ عَلَى التَّغَيُّرِ وَهُوَ دَوْرٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ لَا دَوْرُ تَرَتُّبٍ بِأَنْ تَثْبُتَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَالتَّغَيُّرِ مَعًا إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُلَاحَظَةِ يَكُونُ ثُبُوتُ التَّغَيُّرِ لِتَصْحِيحِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا مَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ وَلَا مَانِعَ إلَّا عَدَمُ التَّغَيُّرِ، وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِفَرْضِ ثُبُوتِ التَّغَيُّرِ بِمَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ فَلْيَكُنْ طَلَبُ الشَّرْعِ تَصْحِيحَ الِاقْتِدَاءِ سَبَبًا لَهُ أَيْضًا فَيَثْبُتُ عِنْدَ الِاقْتِدَاءِ فَتَثْبُتُ الصِّحَّةُ مَعَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْبَلُهَا لِتَقَرُّرِهِ فِي الذِّمَّةِ رَكْعَتَيْنِ فَيَصِيرُ كَالصُّبْحِ فَلَا يُمْكِنُ فَلَا يَصِحُّ، وَهَذَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ. أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَلَا يَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ اقْتِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اقْتَدَى صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا لِلتَّبَعِيَّةِ كَالْمُقِيمِ وَصَلَاةُ الْمُقِيمِ لَا تَصِيرُ رَكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَانْتَبَهَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى: أَعْنِي يُتِمُّ أَرْبَعًا، وَإِذَا كَانَ تَغَيُّرُهُ ضَرُورَةَ الِاقْتِدَاءِ فَلَوْ أَفْسَدَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِزَوَالِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي فَرْضِهِ يَنْوِي النَّفَلَ حَيْثُ يُصَلِّي أَرْبَعًا إذَا أَفْسَدَ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ سِوَى إسْقَاطِ فَرْضِهِ غَيْرَ أَنَّهُ تَغَيُّرُ ضَرُورَةِ الْمُتَابَعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمَ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ مَعَ أَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُؤْتَمُّ خَلِيفَةً عَنْ الْمُسَافِرِ كَانَ الْمُسَافِرُ كَأَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَأْخُذُ الْخَلِيفَةُ صِفَةَ الْأَوَّلِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ. وَلَوْ أَمَّ مُسَافِرٌ مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ تَكَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ قَامَ فَذَهَبَ ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَرْبَعًا لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِي مَحَلِّهِ، وَصَلَاةُ مَنْ تَكَلَّمَ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي وَقْتٍ لَوْ تَكَلَّمَ إمَامُهُ لَمْ تَفْسُدْ فَكَذَا صَلَاةُ

(وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ لَمْ تُجْزِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ، كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعَدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ. (وَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ وَأَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقْتَدِي إذَا كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ نِيَّتِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا ثُمَّ تَكَلَّمَ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ لِلتَّبَعِيَّةِ وَقَدْ زَالَتْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ) أَيْ فِي فَائِتَةٍ عَلَى الْمَأْمُومِ الْمُسَافِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ فَائِتَةً عَلَى الْإِمَامِ الْمُقِيمِ أَوْ لَا بِأَنْ صَلَّى الْمُقِيمُ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ فَاقْتَدَى بِهِ مُسَافِرٌ فِي الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ فَائِتَةٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعَدَةِ الْأَوْلَى) إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ فَرْضُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ اسْمَ النَّفْلِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِالتَّرْكِ أَوْ الْقِرَاءَةِ إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِ

لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ الْتَزَمَ الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً لَا فِعْلًا وَالْفَرْضُ صَارَ مُؤَدًّى فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةً نَافِلَةً فَلَمْ يَتَأَدَّ الْفَرْضُ فَكَانَ الْإِتْيَانُ أَوْلَى، قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذْ سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ حِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْلٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ هَذِهِ تَلْتَحِقُ بِالْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَجِبُ جَعْلُهُ فِيهِمَا فَيَخْلُو الثَّانِي عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالْكُلِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يَقْرَءُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ، وَلِهَذَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِمْ إذَا سَهَوْا. (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) فَإِنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الِاقْتِدَاءِ: تَحْرِيمَةُ حِينَ أَدْرَكُوا أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ تَحْرِيمًا، وَبِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِهِ فِعْلًا إذْ لَمْ يَفُتْهُمْ مَعَ الْإِمَامِ مَا يَقْضُونَ وَقَدْ أَدْرَكُوا فَرْضَ الْقِرَاءَةِ تُسْتَحَبُّ، وَإِذَا دَارَ الْفِعْلُ بَيْنَ وُقُوعِهِ مُسْتَحَبًّا أَوْ مُحَرَّمًا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةَ نَافِلَةٍ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُلْتَحَقُ بِهِمَا وَيَخْلُو الشَّفْعُ الثَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يُدْرِكْ قِرَاءَةً أَصْلًا حُكْمًا إذْ ذَاكَ فَدَارَتْ قِرَاءَتُهُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً تَحْرِيمًا أَوْ رُكْنًا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، فَالِاحْتِيَاطُ فِي حَقِّهِ الْقِرَاءَةُ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ تَرْكِ الْفَرْضِ أَشَدُّ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ إلَخْ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَلْفَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ بِالْإِمَامِ قَبْلَ ذَهَابِهِ فَيَحْكُمُ حِينَئِذٍ بِفَسَادِ صَلَاةِ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى

صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَنِّ إقَامَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ إفْسَادِهِ بِسَلَامِهِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَهَذَا مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتَاوَى إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَا يَدْرِي أَمُسَافِرٌ هُوَ أَوْ مُقِيمٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطُ الْأَدَاءِ بِجَمَاعَةٍ انْتَهَى لَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ: رَجُلٌ صَلَّى بِالْقَوْمِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فِي قَرْيَةٍ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ أَمُسَافِرٌ هُوَ أَمْ مُقِيمٌ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ سَوَاءٌ كَانُوا مُقِيمِينَ أَمْ مُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، فَإِنْ سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ انْتَهَى. وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ صَلَاتِهِ لَهُمْ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتِمُّوا ثُمَّ يَسْأَلُوهُ فَتَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ. وَحَدِيثُ «أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدْت مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. هَذَا وَلَوْ قَامَ الْمُقْتَدِي الْمُقِيمُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ سُجُودِهِ رَفَضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ الْإِمَامَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْتَحْكِمْ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ الْإِمَامِ. وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ بِوَاسِطَةِ التَّغَيُّرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فِيهِمَا، فَإِنْ انْفَرَدَ فَسَدَتْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ بَعْدَ مَا سَجَدَ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ يُتِمُّ مُنْفَرِدًا، فَلَوْ رَفَضَ وَتَابَعَ فَسَدَتْ لِاقْتِدَائِهِ حَيْثُ وَجَبَ الِانْفِرَادُ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ مَسْأَلَةَ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ مُقِيمًا فَارْجِعْ إلَيْهَا هُنَاكَ وَأَتْقِنْهَا. (وَهَذِهِ مَسَائِلُ لِلزِّيَادَاتِ) مُسَافِرٌ وَمُقِيمٌ أَمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَلَمَّا شَرَعَا شَكَّا فِي الْإِمَامِ اسْتَقْبَلَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَتَى فَسَدَتْ مِنْ وَجْهٍ وَجَازَتْ مِنْ وُجُوهٍ حُكِمَ بِفَسَادِهَا، وَإِمَامَةُ الْمُقْتَدِي مُفْسِدَةٌ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَدِيًا قَائِمٌ فَتَفْسُدُ عَلَيْهِمَا. قِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا افْتَرَقَا عَنْ مَكَانِهِمَا، أَمَّا قَبْلَهُ فَيُجْعَلُ مَنْ عَنْ يَمِينِ الْآخَرِ مُقْتَدِيًا حَمْلًا عَلَى السُّنَّةِ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُقْتَدِي عَنْ الْيَمِينِ لَيْسَ شَرْطًا لِيُجْعَلَ دَلِيلًا، وَلَوْ لَمْ يَشُكَّا حَتَّى أَحْدَثَ أَحَدُهُمَا فَخَرَجَ ثُمَّ أَحْدَثَ الْآخَرُ فَخَرَجَ ثُمَّ شَكَّا فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا لَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا لَمَّا خَرَجَ أَوَّلًا صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْمُتَأَخِّرِ، ثُمَّ إذَا خَرَجَ الثَّانِي خَلَا مَوْضِعُ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ إمَامٌ فَلَا تَعَلُّقَ لِصَلَاتِهِ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ لِيَلْزَمَ مِنْ فَسَادِ صَلَاةِ الْغَيْرِ فَسَادُهَا وَيُصَلِّي أَرْبَعًا مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجْلِسُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ إنْ كَانَ إمَامًا، وَعَلَى الْمُقِيمِ إنْ اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ وَتَحَوَّلَتْ إمَامَتُهُ إلَيْهِ، وَاحْتِمَالُ الِاقْتِدَاءِ ثَابِتٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ خُرُوجًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُتَقَدِّمِ فَاسِدَةٌ وَاحْتِمَالُ التَّقَدُّمِ ثَابِتٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَذَا إنْ خَرَجَا مَعًا لِفَسَادِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي مِنْهُمَا لِخُلُوِّ مَكَانِ الْإِمَامِ وَاحْتِمَالُ الِاقْتِدَاءِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ. وَلَوْ صَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ وَقَعَدَا وَلَمْ يُحْدِثَا ثُمَّ شَكَّا فِي الْإِمَامِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا بَلْ يَقُومُ الْمُقِيمُ وَيُتِمُّ أَرْبَعًا

(وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي مِصْرِهِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُسَافِرُونَ وَيَعُودُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ مُقِيمِينَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ جَدِيدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُتَابِعُهُ الْمُسَافِرُ؛ لِأَنَّ الْمُقِيمَ إنْ كَانَ إمَامًا كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا انْتَهَى اقْتِدَاؤُهُ إذَا قَعَدَ إمَامُهُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَيُتَابِعُهُ الْمُسَافِرُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ إمَامًا تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَلَا تَضُرُّهُ الْمُتَابَعَةُ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا انْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا، وَاحْتِمَالُ الِاقْتِدَاءِ ثَابِتٌ حَتَّى لَوْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ لَمْ يَشُكَّا حَتَّى أَحْدَثَ أَحَدُهُمَا فَخَرَجَ ثُمَّ الْآخَرُ كَذَلِكَ ثُمَّ شَكَّا بَعْدَمَا رَجَعَا مِنْ الْوُضُوءِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ مُقِيمًا، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِالْمُسَافِرِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بَعْدَمَا انْتَهَى اقْتِدَاؤُهُ. وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ أَوَّلًا صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْمُسَافِرِ، فَإِذَا خَرَجَ الْمُسَافِرُ بَعْدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُسَافِرًا إنْ كَانَ إمَامًا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ الْأَرْكَانِ فَلَمْ يَصِرْ مُقْتَدِيًا بِالْمُقِيمِ لِانْتِهَاءِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِخُرُوجِ الْإِمَامِ بَعْدَهُ فَفَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا مِنْ وَجْهٍ وَجَازَتْ مِنْ وَجْهٍ فَيُحْكَمُ بِالْفَسَادِ وَالْمُتَأَخِّرُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ عِنْدَ الْخُرُوجِ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِيَصِيرَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُقِيمًا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ الِابْتِدَاءِ ثَابِتٌ، وَإِنْ شَكَّا فِي الَّذِي خَرَجَ أَوَّلًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُتَقَدِّمِ فَاسِدَةٌ وَاحْتِمَالُ التَّقَدُّمِ فِي حَقِّ كُلٍّ ثَابِتٌ، وَإِنْ خَرَجَا مَعًا فَصَلَاةُ الْمُقِيمِ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامًا لَمْ تَتَحَوَّلْ إمَامَتُهُ إلَى الْمُسَافِرِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا انْتَهَى حُكْمُ الِاقْتِدَاءِ فَصَارَ مُنْفَرِدًا، وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِ فَاسِدَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُقْتَدِيًا وَقَدْ خَلَا مَكَانُ إمَامِهِ، وَإِنْ شَكَّا بَعْدَمَا صَلَّيَا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَلَمْ يُحْدِثَا الْقِيَاسُ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقِيمِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُقْتَدِيًا بِالْمُسَافِرِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجُوزُ صَلَاتُهُمَا، وَيُجْعَلُ الْمُقِيمُ إمَامًا حَمْلًا لِأَمْرِهِمَا عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ الْجَرْيُ عَلَى مُوجِبِ الشَّرْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكَيْنِ وَنَسِيَهُمَا، الْقِيَاسُ أَنْ تَلْزَمَهُ عُمْرَتَانِ وَحَجَّتَانِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الْمَسْنُونِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْقِرَانُ. وَكَذَلِكَ مُسَافِرٌ وَمُقِيمٌ أَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي الظُّهْرِ وَتَرَكَا الْقَعْدَةَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَلَّمَا وَسَجَدَا لِلسَّهْوِ ثُمَّ شَكَّا فِي الْإِمَامِ يُجْعَلُ الْمُقِيمُ إمَامًا، وَكَذَا لَوْ تَرَكَا الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا، فَلَمَّا سَلَّمَا وَسَجَدَا لِلسَّهْوِ شَكَّا يُجْعَلُ الْمُقِيمُ إمَامًا إذَا جَعَلْنَا الْمُقِيمَ إمَامًا فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ أَحْدَثَ الْمُقِيمُ أَوَّلًا وَخَرَجَ ثُمَّ أَحْدَثَ الْمُسَافِرُ وَخَرَجَ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقِيمِ وَجَازَتْ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ فَإِنْ أَحْدَثَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا وَخَرَجَا مَعًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ بِخُلُوِّ مَكَانِ الْإِمَامِ وَجَازَتْ صَلَاةُ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ، وَإِنْ

(وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ ثُمَّ سَافَرَ وَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَصَرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَطَنًا لَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَطَنَ الْأَصْلِيَّ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَرَجَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَا يُعْلَمُ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا لِمَا قُلْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ) قَيَّدَ بِالْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ بَلْ اسْتَوْطَنَ آخَرَ بِأَنْ اتَّخَذَ لَهُ أَهْلًا فِي الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِي الْأَوَّلِ كَمَا يُتِمُّ فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ: عَدَّ نَفْسَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ) هُوَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا حَيْثُ قَالَ «فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» . (قَوْلُهُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) قِيلَ الْأَوْطَانُ ثَلَاثَةٌ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ وَهُوَ مَوْلِدُ الْإِنْسَانِ أَوْ مَوْضِعٌ تَأَهَّلَ بِهِ وَمَنْ قَصْدُهُ التَّعَيُّشُ بِهِ لَا الِارْتِحَالُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ فِي بَلَدٍ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فِيهِ قِيلَ يَصِيرُ مُقِيمًا وَقِيلَ لَا. وَوَطَنُ إقَامَةٍ وَهُوَ مَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَوَطَنُ سُكْنَى وَهُوَ مَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ السَّفَرُ فِيهِ كَالْمَفَازَةِ، وَلِذَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْأَصْلِيُّ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا بِالِانْتِقَالِ عَنْهُ وَاسْتِيطَانِ آخَرَ كَمَا قُلْنَا لَا بِالسَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ يَنْتَقِضُ بِالْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ. وَتَقْدِيمُ السَّفَرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْأَصْلِيِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ؟ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي أُخْرَى إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إقَامَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ وَيَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةُ سَفَرٍ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ لَا لِقَصْدِ السَّفَرِ فَوَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَخَرَجَ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ مَسِيرَتُهَا مِنْ وَطَنِهِ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا وَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ. وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ: بَغْدَادِيٌّ وَكُوفِيٌّ خَرَجَا مِنْ وَطَنِهِمَا يُرِيدَانِ قَصْرَ ابْنِ هُبَيْرَةَ لِيُقِيمَا بِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَبَيْنَ كُوفَةَ وَبَغْدَادَ خَمْسَةُ مَرَاحِلَ وَالْقَصْرُ مُنْتَصَفُ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَاهُ خَرَجَا مِنْهُ إلَى الْكُوفَةِ لِيُقِيمَا بِهَا يَوْمًا ثُمَّ يَرْجِعَا إلَى بَغْدَادَ فَإِنَّهُمَا يُتِمَّانِ الصَّلَاةَ بِهَا إلَى الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُمَا مِنْ وَطَنِهِمَا إلَى الْقَصْرِ لَيْسَ سَفَرًا، وَكَذَا مِنْ الْقَصْرِ إلَى الْكُوفَةِ فَبَقِيَا مُقِيمَيْنِ إلَى الْكُوفَةِ، فَإِنْ خَرَجَا مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ يَقْصُرَانِ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَصَدَ الْمُرُورَ عَلَى الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا بَغْدَادَ وَلَيْسَ لَهُمَا وَطَنٌ، أَمَّا الْكُوفِيُّ؛ فَلِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ نَقَضَ وَطَنَ الْقَصْرِ. وَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّ فَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَعَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ: يَعْنِي الزِّيَادَاتِ يَقْصُرُ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ وَطَنَ الْبَغْدَادِيِّ بِالْقَصْرِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِهَا وَلَمْ يُوجَدْ

السَّفَرِ، وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ وَبِالسَّفَرِ وَبِالْأَصْلِيِّ. (وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُعَرَّى عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَنْقُضُهَا، وَقِيَامُ وَطَنِهِ بِالْقَصْرِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ السَّفَرِ. وَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ وَطَنَ الْإِقَامَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقْدِيمِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ الْمُقِيمِ لَغْوٌ، وَلَمْ يُوجَدْ تَقْدِيمُ السَّفَرِ فَلَمْ يَصِحَّ وَطَنُهُ بِالْقَصْرِ فَصَارَ مُسَافِرًا إلَى بَغْدَادَ انْتَهَى. وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ تُبَيِّنُ أَنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بِهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ. وَمِثَالُهُ: فِي دِيَارِنَا قَاهِرِيٌّ خَرَجَ إلَى بُلْبَيْسٍ فَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَيَمُرَّ بِبُلْبَيْسَ، فَعَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ السَّفَرِ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ يَقْصُرُ إلَى الْقَاهِرَةِ، وَعَلَى الْأُخْرَى يُتِمُّ. وَمِثَالُ انْتِقَاضِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ يُبَيِّنُ مَا قُلْنَا أَيْضًا، وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ خُرَاسَانِيٍّ قَدِمَ الْكُوفَةَ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا شَهْرًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ وَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى خُرَاسَانَ وَمَرَّ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَقَدْ انْتَقَضَ بِوَطَنِهِ بِالْحِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ وَطَنُ إقَامَةٍ مِثْلُهُ، وَكَذَا وَطَنُهُ بِالْحِيرَةِ انْتَقَضَ بِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ وَطَنُ إقَامَةٍ فَكَمَا خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ عَلَى قَصْدِ خُرَاسَانَ صَارَ مُسَافِرًا وَلَا وَطَنَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَدْخُلَ خُرَاسَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِالْحِيرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِالْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَطَنٍ مِثْلِهِ وَلَا سَفَرٍ فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِالْكُوفَةِ كَمَا كَانَ. وَلَوْ أَنَّ الْخُرَاسَانِيَّ ارْتَحَلَ مِنْ الْكُوفَةِ يُرِيدُ مَكَّةَ فَقَبْلَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَكَرَ حَاجَةً بِالْكُوفَةِ فَعَادَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ بَطَلَ بِالسَّفَرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي بَلَغَ إلَيْهِ وَوَطَنِهِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ يَصِيرُ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا فَيَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُلَ وَطَنَهُ؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَرْكُ السَّفَرِ، فَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ قَبْلَ اسْتِحْكَامِ السَّفَرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي تَرْكُ السَّفَرِ إلَى جِهَةِ قَصْدِهِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَبَقِيَ مُسَافِرًا كَمَا كَانَ. وَفِي النَّوَادِرِ: خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ مُسَافِرًا ثُمَّ افْتَتَحَ لِلصَّلَاةِ فَسَبَقَهُ حَدَثٌ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَنَوَى أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ صَارَ مُقِيمًا مِنْ سَاعَتِهِ دَخَلَ مِصْرَهُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الدُّخُولِ تَرْكُ السَّفَرِ فَحَصَلَتْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ فَصَحَّتْ، فَإِذَا دَخَلَهُ صَلَّى أَرْبَعًا، فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ

إلَّا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِيرَ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ مُضَافَةٌ إلَى مَبِيتِهِ. (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَدْخُلَهُ أَنَّ الْمَاءَ أَمَامَهُ فَمَشَى إلَيْهِ فَتَوَضَّأَ صَلَّى أَرْبَعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِالنِّيَّةِ صَارَ مُقِيمًا، فَبِالْمَشْيِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَمَامَهُ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا فِي حَقِّ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ فِعْلَ السَّفَرِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مُسَافِرًا لَفَسَدَتْ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ يَمْنَعُ عَنْهُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ السَّفَرِ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُهُ عَنْهُ، فَلَوْ تَكَلَّمَ حِينَ عَلِمَ أَنَّ الْمَاءَ أَمَامَهُ أَوْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ بِمُفْسِدٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَتَوَضَّأَ، إنْ وَجَدَهُ فِي مَكَانِهِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ حَتَّى وَجَدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَافِرًا ثَانِيًا بِالْمَشْيِ بِنِيَّةِ السَّفَرِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْمَشْيِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ لَنَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّ أَرْبَعًا، فَلْنُتْمِمْ الْكَلَامَ فِيهِ بِذِكْرِ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ فَنَقُولُ: يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ إلَى الرُّبَاعِيَّةِ، إلَّا إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا فَنَوَى الْإِقَامَةَ لِتَقَرُّرِ الْفَرْضِ رَكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا فَرَاغَ إمَامِهِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ مُقْتَدٍ حُكْمًا حَتَّى لَا يَقْرَأَ وَلَا يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، فَفَرَاغُ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ فَرَاغُهُ وَبِهِ يَسْتَحْكِمُ الْفَرْضُ وَلَمْ يَبْقَ مُحْتَمِلًا لِلتَّغَيُّرِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَكَذَا فِي حَقِّ اللَّاحِقِ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَوْ نَوَاهَا بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ تَغَيَّرَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ سَاهِيًا قَعَدَ أَوَّلًا فَنَوَاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ النِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ؛ لِأَنَّهُمَا نَفْلٌ فَلَا يَنُوبَانِ عَنْ الْفَرْضِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى سَجَدَ لَا يَتَغَيَّرُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وُجِدَتْ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى؛ لِيَكُونَ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ قَعَدَ وَبِأَرْبَعٍ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَعَدَ لِمَا عُرِفَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عِنْدَهُمَا، وَلَا يَضُمُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ أَصْلِ الصَّلَاةِ بِفَسَادِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ نَوَاهَا قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ، وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ تَفْسُدَ لِمَا سَلَفَ لَهُ مِنْ فَسَادِهَا بِتَرْكِهَا فِي رَكْعَتَيْنِ، لَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ هُنَا فَقَالَ بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، وَإِنْ تُرِكَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ بِعَرَضِ أَنْ تَلْحَقَهَا مَدَدُ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَقْضِي الْقِرَاءَةَ فِي الْبَاقِي فَلَا يَتَحَقَّقُ تَقَرُّرُ الْمُفْسِدِ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ فَجْرِ الْمُقِيمِ، وَلَا يُشْكِلُ لَوْ نَوَاهَا بَعْدَ السُّجُودِ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ نَوَاهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ أَوْ لَا؟ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ آخِرَ الْوَقْتِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ فِي حَقِّ

(وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ تَقَرُّرِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَصِفَةُ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ حَالَ تَقَرُّرِهِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ كُلِّ الْوَقْتِ إذَا خَرَجَ فِي حَقِّهِ فَلِيُثْبِتَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي أَسْبَابِ الْمَشْرُوعَاتِ أَنْ تُطْلَبَ الْعِبَادَاتُ كَامِلَةً، وَإِنَّمَا تُحْمَلُ نَقْصُهَا لِعُرُوضِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْجُزْءِ النَّاقِضِ مَعَ تَوَجُّهِ طَلَبِهَا فِيهِ إذَا عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا قَبْلَهُ، وَبِخُرُوجِهِ عَنْ غَيْرِ إدْرَاكٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْعَارِضُ فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ وَقْتِ الْوُجُوبِ. وَقَالَ زُفَرُ: إذَا سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ السَّفَرِ يَقْضِي صَلَاةَ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهُ صَلَّى صَلَاةَ الْمُقِيمِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَنْتَقِلُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَعِنْدَنَا تَنْتَقِلُ إلَى الَّذِي يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَهُوَ مُقِيمٌ أَرْبَعًا ثُمَّ سَافَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا فِي مَنْزِلِهِ فَرَجَعَ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِلَا طَهَارَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَصَارَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ فَصَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ صَلَاةَ السَّفَرِ، بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ خَرَجَ وَقْتُهَا وَهُوَ مُقِيمٌ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْمَرِيضُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهَا فِي الصِّحَّةِ قَائِمًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِقَيْدِ الْقِيَامِ غَيْرَ أَنَّهُ رُخِّصَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا حَالَةَ الْعُذْرِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ إذْ ذَاكَ، فَحَيْثُ لَمْ يُؤَدِّهَا حَالَةَ الْعُذْرِ زَالَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَتَعَيَّنَ الْأَصْلُ، وَلِذَلِكَ يَفْعَلُهَا الْمَرِيضُ قَاعِدًا إذَا فَاتَتْ عَنْ زَمَنِ

تَخْفِيفًا فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ، وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ فَصَلُحَ مُتَعَلَّقُ الرُّخْصَةِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّحَّةِ، أَمَّا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا رَكْعَتَيْنِ ابْتِدَاءً، وَمَنْشَأُ الْغَلَطِ اشْتِرَاكُ لَفْظِ الرُّخْصَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ) يَعْنِي الْمَعْصِيَةَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ قَصْدَ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَقِتَالَ الْإِمَامِ الْعَدْلِ، وَالْإِبَاقَ لِلْعَبْدِ وَعَدَمَ الْمَحْرَمِ، وَقِيَامَ الْعِدَّةِ لِلْمَرْأَةِ يُوجِبُ صَيْرُورَةَ نَقْلِ الْخَطَإِ مَعْصِيَةً فَيَمْنَعُ الرُّخْصَةَ قِيَاسًا عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا خَافُوا الْإِمَامَ وَعَلَى زَوَالِ الْعَقْلِ بِمَحْظُورِ عَدَمِ سُقُوطِ الْخِطَابِ. وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ: أَيْ نُصُوصِ الرُّخْصَةِ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ تَعْلِيقَ الْقَصْرِ عَلَى مُسَمَّى السَّفَرِ فَوَجَبَ إعْمَالُ إطْلَاقِهَا إلَّا بِمُقَيِّدٍ وَلَمْ يُوجَدْ، أَمَّا نَصُّ الْكِتَابِ؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ الْقِيَاسُ الَّذِي عَيَّنَهُ لَمْ يَصْلُحْ مُقَيِّدًا لَهُ عِنْدَنَا فَكَيْفَ وَلَمْ يَتِمَّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْجَامِعِ فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي أَصْلِهِ فِي مَنْعِ الرُّخْصَةِ عَدَمُ سَبَبِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ الْخَوْفُ وَهُوَ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ سَبَبٌ عَنْ نَفْسِ الْمَعْصِيَةِ: أَعْنِي قَطْعَ الطَّرِيقِ. وَسَبَبُ السَّبَبِ سَبَبٌ، فَلَوْ ثَبَتَتْ الرُّخْصَةُ أَعْنِي جَوَازَ صَلَاةِ الْخَوْفِ لَهُمْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ نَفْسُهَا هِيَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّخْفِيفِ، وَكَذَا زَوَالُ الْعَقْلِ هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ نَفْسِهَا: أَعْنِي شُرْبَ الْمُسْكِرِ إلَى آخِرِ مَا قَرَّرْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ السَّبَبَ السَّفَرُ وَلَيْسَ هُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ الَّذِي صَيَّرَهُ مُسَافِرًا لَيْسَ قَطْعُ الطَّرِيقِ بَلْ الشُّرُوعُ فِي السَّيْرِ الْمَخْصُوصِ لَا بِاعْتِبَارِ الطَّرِيقِ أَصْلًا فَعَرِيَ السَّبَبُ فِي نَفْسِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَكَانَتْ هِيَ مُجَاوِرَةٌ لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ اعْتِبَارِ مَا جَاوَرَهُ شَرْعًا كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ مَغْصُوبٍ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَكَثِيرٍ مِنْ النَّظَائِرِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ الْفَاعِلِيُّ لَا الْغَائِيُّ. [فُرُوعٌ] التَّبَعُ كَالْعَبْدِ وَالْغُلَامِ وَالْجُنْدِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا وَفَّاهَا مَهْرَهَا وَالْأَجِيرِ وَالتِّلْمِيذِ وَالْأَسِيرِ وَالْمُكْرَهِ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ مِنْ مَتْبُوعِهِمْ دُونَهُمْ فَيَصِيرُونَ مُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ بِنِيَّتِهِمْ، وَلَوْ نَوَى الْمَتْبُوعُ الْإِقَامَةَ وَلَا يَعْلَمُونَ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ لُزُومِهِمْ حُكْمَ الْإِقَامَةِ فَقِيلَ مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ الْمَتْبُوعِينَ، وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ عِلْمِهِمْ كَمَا فِي تَوَجُّهِ خِطَابِ الشَّرْعِ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ، وَالْأَحْوَطُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فَيَقْضُونَ مَا صَلَّوْا قَصْرًا قَبْلَ عِلْمِهِمْ، وَفِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ، قِيلَ يُتِمُّ، وَقِيلَ يَقْصُرُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فِي الْخِدْمَةِ قَصَرَ فِي نَوْبَةِ الْمُسَافِرِ وَأَتَمَّ فِي نَوْبَةِ الْمُقِيمِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ مِنْ الْمَتْبُوعِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَمَّ سَيِّدَهُ فِي السَّفَرِ فَنَوَى السَّيِّدُ الْإِقَامَةَ صَحَّتْ، حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا. وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ حَالَ سَفَرِهِ وَالْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَمَّ مَعَ السَّيِّدِ غَيْرَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ فَنَوَى السَّيِّدُ الْإِقَامَةَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي حَقِّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدِهِ لَا فِي حَقِّ الْقَوْمِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، فَيُقَدِّمُ الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَاحِدًا مِنْ الْمُسَافِرِينَ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ ثُمَّ يَقُومُ هُوَ وَالسَّيِّدُ فَيُتِمُّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ فَأَحْدَثَ فَقُدِّمَ مُقِيمٌ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُ الْقَوْمِ أَرْبَعًا، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ بِمَاذَا يَعْلَمُ الْعَبْدُ؟ قِيلَ يَنْصِبُ الْمَوْلَى أُصْبُعَيْهِ أَوَّلًا وَيُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ يَنْصِبُ الْأَرْبَعَ وَيُشِيرُ بِهَا. وَفِي حُكْمِ الْأَسِيرِ مَنْ بَعَثَ إلَيْهِ الْوَالِي لِيُؤْتَى بِهِ مِنْ بَلْدَةٍ، وَالْغَرِيمُ إذَا لَزِمَهُ غَرِيمُهُ أَوْ حَبَسَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَمَنْ قَصَدَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالنِّيَّةُ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا فَنِيَّةُ الْحَابِسِ، وَلَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ مُسَافِرٌ أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ مُسَافِرٌ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا، فَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْفَضْلِ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَا مُقِيمَيْنِ، وَقِيلَ يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ، وَقِيلَ الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْكَافِرِ مُعْتَبَرَةٌ، وَلَا يَجْمَعُ عِنْدَنَا فِي سَفَرٍ بِمَعْنَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا وَالْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، بَلْ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَيَنْزِلُ فَيُصَلِّيهَا فِي آخِرِهِ وَيَفْتَتِحُ الْآتِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَهَذَا جَمْعٌ فِعْلًا لَا وَقْتًا. لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا إلَّا بِجَمْعٍ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهَا» يَعْنِي غَلَّسَ بِهَا فَكَانَ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ فِعْلُهَا فِيهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَأَنَّهُ تَرَكَ جَمْعَ عَرَفَةَ لِشُهْرَتِهِ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» فَيُعَارِضُ مَا فِيهِمَا حَدِيثُ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ إذَا عَجِلَ السَّيْرُ السَّفَرَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ» وَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِزِيَادَةِ فِقْهِ الرَّاوِي، وَبِأَنَّهُ أَحْوَطُ فَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، أَوْ يُحْمَلُ الشَّفَقُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْحُمْرَةِ فَإِنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيَاضِ الَّذِي يَلِي أَطْرَافَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَيْنَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَيُصَلِّيَ الْوَقْتِيَّةَ فِيهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. وَقَدْ وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ الْجَمْعِ شَيْءٌ مِنْ الِاضْطِرَابِ؛ فَفِي بَعْضِهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «جَمَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» وَفِي بَعْضِهَا «جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، وَلَمْ يَقُلْ مِنَّا وَمِنْهُمْ بِجَوَازِ الْجَمْعِ لِذَلِكَ أَحَدٌ وَكَيْفَ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ يُعَارِضُهُ مُعَارَضَةً ظَاهِرَةً.

[باب صلاة الجمعة]

(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] (بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) مُنَاسَبَتُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ تَنْصِيفُ الصَّلَاةِ لِعَارِضٍ، إلَّا أَنَّ التَّنْصِيفَ هُنَا فِي خَاصٍّ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الظُّهْرُ، وَفِيمَا قَبْلَهُ فِي كُلِّ رُبَاعِيَّةٍ، وَتَقْدِيمُ الْعَامِّ هُوَ الْوَجْهُ، وَلَسْنَا نَعْنِي أَنَّ الْجُمُعَةَ تَنْصِيفُ الظُّهْرِ بِعَيْنِهِ بَلْ هِيَ فَرْضُ ابْتِدَاءٍ نِسْبَتُهُ النِّصْفُ مِنْهَا. وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةٌ مَحْكَمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، يُكَفَّرُ جَاحِدُهَا، قَالَ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] رَتَّبَ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لِلذِّكْرِ عَلَى النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ الصَّلَاةُ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ الْخُطْبَةَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يُفِيدُ افْتِرَاضَ الْجُمُعَةِ، فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ افْتِرَاضَ السَّعْيِ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ لِغَيْرِهِ فَرْعُ افْتِرَاضِ ذَلِكَ الْغَيْرِ. أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ إلَى الْخُطْبَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَذْكُورُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ وَهُوَ الْأَحَقُّ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ طَارِقٌ: رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ انْتَهَى. وَلَيْسَ هَذَا قَدْحًا فِي صُحْبَتِهِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ بَلْ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ أَوْ مُسَافِرٍ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ، وَزَادَ فِيهِ «الْمَرْأَةُ وَالْمَرِيضُ» ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ» ، وَعَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمُعَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُتِبَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ فَلَا يَضُرُّهُ تَضْعِيفُ جَابِرٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ» . وَهَذَا

(لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ، وَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابٌ يَحْتَمِلُ جُزْءًا وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِكْثَارِ لِمَا نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ يَنْسِبُونَ إلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ افْتِرَاضِهَا، وَمَنْشَأُ غَلَطِهِمْ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ، وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ، فَالْحُرْمَةُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ وَصِحَّةِ الظُّهْرِ لِمَا سَنَذْكُرُ. وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا فَرْضٌ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ وَبِإِكْفَارِ جَاحِدِهَا. وَلِوُجُوبِهَا شَرَائِطُ فِي الْمُصَلِّي: الْحُرِّيَّةُ، وَالذُّكُورَةُ وَالْإِقَامَةُ، وَالصِّحَّةُ، وَسَلَامَةُ الرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ. وَقَالَا: إذَا وَجَدَ الْأَعْمَى قَائِدًا لَزِمَتْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ بِنَفْسِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ غَيْرِهِ كَالزَّمِنِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَحْمِلُهُ. وَشَرَائِطُ فِي غَيْرِهِ: الْمِصْرُ، وَالْجَمَاعَةُ، وَالْخُطْبَةُ، وَالسُّلْطَانُ، وَالْوَقْتُ، وَالْإِذْنُ الْعَامُّ، حَتَّى لَوْ أَنَّ وَالِيًا أَغْلَقَ بَابَ بَلَدٍ وَجَمَعَ بِحَشَمِهِ وَخَدَمِهِ، وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ لَمْ تَجُزْ أَخْذًا مِنْ إشَارَةِ قَوْله تَعَالَى {نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] فَإِنَّهُ أَيْ تَشْهِيرٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ) أَعْنِي فِنَاءَهُ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ الدَّاخِلَ فِيهِ انْتَظَمَهُ اسْمُ الْمِصْرِ، وَفِنَاؤُهُ هُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ مُتَّصِلٌ بِهِ أَوْ مُنْفَصِلٌ بِغَلْوَةِ، كَذَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ، وَقِيلَ بِمِيلٍ، وَقِيلَ بِمِيلَيْنِ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَقِيلَ إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْفِنَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَزْرَعَةٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَعْطَى اشْتِرَاطَ الْمُصَلَّى. قَالَ الْمُصَنِّفُ:

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» وَالْمِصْرُ الْجَامِعُ: كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُصَلًّى فِيهَا (وَقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا جُمُعَةَ» إلَخْ) رَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ أَوْ فِي مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ» صَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا تَشْرِيقَ وَلَا جُمُعَةَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَكَفَى بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قُدْوَةً. وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجُوَاثَا قَرْيَةٍ بِالْبَحْرَيْنِ» . فَلَا يُنَافِي الْمِصْرِيَّةَ تَسْمِيَةُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ اسْمَ الْقَرْيَةِ، إذْ الْقَرْيَةُ تُقَالُ عَلَيْهِ فِي عُرْفِهِمْ وَهُوَ لُغَةُ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] أَيْ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَكَّةَ مِصْرٌ. وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّ جُوَاثَا حِصْنٌ بِالْبَحْرَيْنِ فَهِيَ مِصْرٌ، إذْ لَا يَخْلُو الْحِصْنُ عَنْ حَاكِمٍ عَلَيْهِمْ وَعَالِمٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّهَا مَدِينَةٌ فِي الْبَحْرَيْنِ، وَكَيْفَ وَالْحِصْنُ يَكُونُ بِأَيِّ سُورٍ وَلَا يَخْلُو مَا كَانَ كَذَلِكَ عَمَّا قُلْنَا عَادَةً. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَكَانَ كَعْبٌ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ تَرَحَّمَ عَلَى أَسْعَدَ بِذَلِكَ قَالَ: قُلْت كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ، فَكَانَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الْجُمُعَةُ، وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لِلْيَهُودِ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلِلنُّصَّارِ يَوْمٌ، فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُصَلِّي، فَقَالُوا: يَوْمَ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ، وَيَوْمَ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى، فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعُرُوبَةِ فَاجْتَمَعُوا إلَى مَسْجِدٍ فَصَلَّى بِهِمْ وَذَكَّرَهُمْ وَسَمَّوْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَتَذَكَّرَ عِنْدَ هَذَا تَرْكَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّرَاوِيحَ لَمَّا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ فَتِلْكَ الْحَرَّةُ مِنْ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ وَلِلْفِنَاءِ حُكْمُ الْمِصْرِ فَسَلِمَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَنْ الْمُعَارِضِ، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَوْنِهِ سَمَاعًا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الِافْتِرَاضِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُفِيدُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَمْكِنَةِ فَإِقْدَامُهُ عَلَى نَفْيِهَا فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَمَاعٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِلْقِيَاسِ الْمُسْتَمِرِّ فِي مِثْلِهِ، وَفِي الصَّلَوَاتِ الْبَاقِيَاتِ أَيْضًا. وَالْقَاطِعُ لِلشَّغَبِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْأُمَّةِ إذْ لَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْبَرَارِي إجْمَاعًا وَلَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ عِنْدَهُ، بَلْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظْعَنَ أَهْلُهَا عَنْهَا صَيْفًا وَلَا شِتَاءً، فَكَانَ خُصُوصُ الْمَكَانِ مُرَادًا فِيهَا إجْمَاعًا، فَقَدَّرَ الْقَرْيَةَ الْخَاصَّةَ وَقَدَّرْنَا الْمِصْرَ وَهُوَ أَوْلَى لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ لَوْ عُورِضَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُقَدَّمًا عَلَيْهِ، فَكَيْفَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مُعَارَضَةُ مَا ذَكَرْنَا إيَّاهُ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ حِينَ فَتَحُوا الْبِلَادَ اشْتَغَلُوا بِنَصْبِ الْمَنَابِرِ وَالْجُمَعِ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ وَلَوْ آحَادًا، وَلَوْ مَصَّرَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا وَأَمَرَهُمْ بِالْإِقَامَةِ فِيهِ جَازَ، وَلَوْ مَنَعَ أَهْلَ مِصْرٍ أَنْ يُجْمِعُوا لَمْ يُجْمِعُوا. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا نَهَى مُجْتَهِدًا لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا جَازَ، أَمَّا مُتَعَنِّتًا وَإِضْرَارًا فَلَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى مَنْ يُصَلِّي،

وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ أَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ، وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلِّي بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَوَائِجِ أَهْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ مَصَّرَ مِصْرًا ثُمَّ نَفَرَ النَّاسُ عَنْهُ لِخَوْفٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ عَادُوا لَا يُجْمِعُونَ إلَّا بِإِذْنٍ، وَلَوْ دَخَلَ الْقَرَوِيُّ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنَوَى أَنْ يَمْكُثَهُ لَزِمَتْهُ، وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا تَلْزَمُهُ. قَالَ الْفَقِيهُ: إنْ نَوَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَوْمِهِ وَلَوْ بَعْدَهُ لَا تَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) احْتِرَازًا عَنْ الْمُحَكَّمِ، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ إقَامَتِهَا فِي مِلْكِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمِصْرُ بَلْدَةٌ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَبِهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ، وَهَذَا أَخَصُّ مِمَّا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يُفْتِي

(وَتَجُوزُ بِمِنًى إذَا كَانَ الْأَمِيرُ أَمِيرَ الْحِجَازِ، أَوْ كَانَ مُسَافِرًا عِنْدَهُمَا. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا جُمُعَةَ بِمِنًى) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُقِيمُ الْحُدُودَ أَغْنَى مِنْ التَّعَدُّدِ: وَقَدْ وَقَعَ شَكٌّ فِي بَعْضِ قُرَى مِصْرَ مِمَّا لَيْسَ فِيهَا وَالٍ وَقَاضٍ نَازِلَانِ بِهَا بَلْ لَهَا قَاضٍ يُسَمَّى قَاضِي النَّاحِيَةِ وَهُوَ قَاضٍ يُوَلَّى الْكُورَةَ بِأَصْلِهَا فَيَأْتِي الْقَرْيَةَ أَحْيَانَا فَيَفْصِلُ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا مِنْ التَّعَلُّقَاتِ وَيَنْصَرِفُ وَوَالٍ كَذَلِكَ، هَلْ هُوَ مِصْرٌ نَظَرًا إلَى أَنَّ لَهَا وَالِيًا وَقَاضِيًا أَوْ لَا نَظَرًا إلَى عَدَمِهَا مِنْهُمَا؟ . وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اعْتِبَارُ كَوْنِهِمَا مُقِيمَيْنِ بِهَا وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ قَرْيَةً أَصْلًا، إذْ كُلُّ قَرْيَةٍ مَشْمُولَةٌ بِحُكْمٍ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَرْيَةٍ لَا يَأْتِيهَا حَاكِمٌ يَفْصِلُ بِهَا الْخُصُومَاتِ حَتَّى يَحْتَاجُونَ إلَى دُخُولِ مِصْرَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ لِفَصْلِهَا، وَبَيْنَ مَا يَأْتِيهَا فَيَفْصِلُ فِيهَا، وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَنْوِي بِهَا آخِرَ فَرْضٍ أَدْرَكْتُ وَقْتَهُ وَلَمْ أُؤَدِّهِ بَعْدُ، فَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ وَقَعَتْ ظُهْرُهُ وَإِنْ صَحَّتْ كَانَتْ نَفْلًا، وَهَلْ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ؟ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَكَذَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ وَشَكَّ فِي أَنَّ جُمُعَتَهُ سَابِقَةٌ أَوْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ مَا قُلْنَا. وَأَصْلُهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا رَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي مِصْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ كَبِيرٌ حَتَّى يَكُونَ كَمِصْرَيْنِ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِقَطْعِ الْجِسْرِ بِبَغْدَادَ لِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سَبَقَ، فَإِنْ صَلَّوْا مَعًا أَوْ لَمْ تُدْرَ السَّابِقَةُ فَسَدَتَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إذَا كَانَ الْمِصْرُ عَظِيمًا لَا فِي ثَلَاثَةٍ. وَعَنْ مُحَمَّدِ يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا مُطْلَقًا. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ إقَامَتِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ مِنْ مَسْجِدَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبِهِ نَأْخُذُ لِإِطْلَاقِ: لَا جُمُعَةَ فِي مِصْرٍ، شَرَطَ الْمِصْرَ، فَإِذَا تَحَقَّقَ تَحَقَّقَ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهَا. وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّهَا سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِاسْتِدْعَائِهَا الْجَمَاعَاتِ فَهِيَ جَامِعَةٌ لَهَا، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِصْرٌ كَبِيرٌ، فَإِنَّ فِي إلْزَامِ اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ، مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ مِمَّا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ، وَمَا قُلْنَا مِنْ الْكَلَامِ فِي وُقُوعِهَا عَنْ السُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ إذَا زَالَ الِاشْتِبَاهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِ لَتَحَقَّقَ وُقُوعُهَا

حَتَّى لَا يُعِيدَ بِهَا. وَلَهُمَا أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَعَدَمُ التَّعْيِيدِ لِلتَّخْفِيفِ، وَلَا جُمُعَةَ بِعَرَفَاتٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا قَضَاءٌ وَبِمِنًى أَبْنِيَةٌ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْخَلِيفَةِ وَأَمِيرِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا، أَمَّا أَمِيرُ الْمَوْسِمِ فَيَلِي أُمُورَ الْحَجِّ لَا غَيْرُ. (وَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْلًا، أَمَّا إذَا دَامَ الِاشْتِبَاهُ قَائِمًا فَلَا يَجْزِمُ بِكَوْنِهَا نَفْلًا؛ لِيَقَعَ النَّظَرُ فِي أَنَّهَا سُنَّةٌ أَوْ لَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا السُّنَّةَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودَ الشَّرْطِ لَمْ يُحْكَمْ بِوُجُودِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَحْكُمْ بِسُقُوطِ الْفَرْضِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَنْ كَانَ مِنْ مَكَانٍ مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَأْتِيَ لِمِصْرٍ فَلْيُصَلِّهَا فِيهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ يُسْمَعُ النِّدَاءُ فِيهِ مِنْ الْمِصْرِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ كُلُّ قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةٌ بِرَبَضِ الْمِصْرِ، وَغَيْرُ الْمُتَّصِلَةِ لَا، وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرَ مِيلٍ، وَقِيلَ قَدْرَ مِيلَيْنِ، وَقِيلَ سِتَّةَ أَمْيَالٍ. وَعَنْ مَالِكٍ سِتَّةً، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا حَسَنٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّهَا) أَيْ مِنًى تَتَمَصَّرُ فِي الْمَوْسِمِ لِاجْتِمَاعِ مَنْ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَالْأَسْوَاقَ وَالسِّكَكَ، قِيلَ فِيهَا ثَلَاثُ سِكَكٍ، وَغَايَةُ مَا فِيهَا أَنَّهُ يَزُولُ تَمَصُّرُهَا بِزَوَالِ الْمَوْسِمِ، وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي مِصْرِيَّتِهَا قَبْلَهُ، إذْ مَا مِنْ مِصْرٍ إلَّا وَيَزُولُ تَمَصُّرُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَمَعَ ذَلِكَ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ قُرَى مِصْرَ أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهَا إلَّا حَالُ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي، فَإِذَا حَضَرَ صَحَّتْ وَإِذَا ظَعَنَ امْتَنَعَتْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَدَمُ التَّعْيِيدِ بِمِنًى لَا لِانْتِفَاءِ الْمِصْرِيَّةِ بَلْ لِلتَّخْفِيفِ، فَإِنَّ النَّاسَ مُشْتَغِلُونَ بِالْمَنَاسِكِ وَالْعِيدُ لَازِمٌ فِيهَا فَيَحْصُلُ مَعَ إلْزَامِهِ مَعَ اشْتِغَالِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ الْحَرَجُ، أَمَّا الْجُمُعَةُ فَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، بَلْ إنَّمَا تَتَّفِقُ فِي أَحْيَانٍ مِنْ الزَّمَانِ فَلَا حَرَجَ مَعَ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَالْعِيدُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ مِنًى مِنْ أَفْنِيَةِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْسَخَيْنِ، وَتَقْدِيرُ الْفِنَاءِ بِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا فَعُلِمَ اعْتِبَارُهُمَا شَرْعًا مَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا) يَعْنِي أَنَّ ثُبُوتَ وِلَايَةِ الْإِقَامَةِ لِلْجُمُعَةِ هُوَ الْمُصَحَّحُ بَعْدَ كَوْنِ الْمَحَلِّ صَالِحًا لِلتَّمْصِيرِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْخَلِيفَةُ وَإِنْ كَانَ قَصَدَ السَّفَرَ لِلْحَجِّ فَالسَّفَرُ إنَّمَا يُرَخَّصُ فِي التَّرْكِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا، وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ، فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ فِي الْإِقَامَةِ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ الْإِذْنُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَصَدَ الطَّوْفَ فِي وِلَايَاتِهِ فَأَظْهَرَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُسَافِرٍ حَتَّى لَا يَقْصُرَ الصَّلَاةَ فِي طَوْفِهِ كَالسَّائِحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ غَيْرَ صَالِحٍ لِلتَّمْصِيرِ فَلِذَا قَالُوا: إذَا سَافَرَ الْخَلِيفَةُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ فِي الْقُرَى كَالْبَرَارِيِ. (قَوْلُهُ أَوْ لِمَنْ أَمَرَهُ) فَخَرَجَ الْقَاضِي الَّذِي لَمْ يُؤْمَرْ بِإِقَامَتِهَا وَدَخَلَ الْعَبْدُ إذَا قُلِّدَ وِلَايَةَ نَاحِيَةٍ فَتَجُوزُ إقَامَتُهُ

لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ، وَقَدْ تَقَعُ فِي غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ. (وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْوَقْتُ فَتَصِحُّ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ تَجُزْ أَقْضِيَتُهُ وَأَنْكِحَتُهُ، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ سُلْطَانَةً يَجُوزُ أَمْرُهَا بِالْإِقَامَةِ لَا إقَامَتُهَا، وَلِمَنْ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُمُعَةَ مُؤَقَّتَةٌ تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا، فَالْأَمْرُ بِإِقَامَتِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ عَرَضٌ لِلْأَعْرَاضِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّفْوِيتِ أَمْرٌ بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً بِخِلَافِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، وَجَوَازُ الْإِقَامَةِ فِيمَا إذَا مَاتَ وَالِي مِصْرَ لِخَلِيفَتِهِ، وَصَاحِبُ الشُّرَطِ وَالْقَاضِي إلَى أَنْ يَصِلَ وَالٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا مِمَّنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَبِمَوْتِهِ لَا يَنْعَزِلُونَ كَمَا إذَا كَانَ حَيًّا فَكَانَ الْأَمْرُ مُسْتَمِرًّا لَهُمْ؛ وَلِذَا قَالُوا: إذَا مَاتَ السُّلْطَانُ وَلَهُ أُمَرَاءُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ عَلَى وِلَايَاتِهِمْ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ عِنْدَ مَوْتِ ذَلِكَ الْوَالِي حَيْثُ لَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ لِانْتِفَاءِ مَا قُلْنَا. وَلَوْ أُمِّرَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ صَبِيٌّ عَلَى مِصْرٍ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ لَيْسَ لَهُمَا الْإِقَامَةُ إلَّا بِأَمْرٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُمَا إذَا أَسْلَمْت أَوْ بَلَغَتْ فَصَلِّ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ وَجَازَ لَهُمَا الْإِقَامَةُ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي الْوِلَايَةِ جَائِزَةٌ. وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِمَا قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَأَسْلَمَ وَأَدْرَكَ جَازَ لَهُمَا الْإِقَامَةُ، كَالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ إذَا أُمِرَا بِهِ فَبَرَأَ وَحَفِظَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ وَقَعَ بَاطِلًا، وَالْمُتَغَلَّبُ الَّذِي لَا مَنْشُورَ لَهُ إنْ كَانَتْ سِيرَتُهُ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ سِيرَةَ الْأُمَرَاءِ وَيَحْكُمُ بِحُكْمِ الْوُلَاةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ السَّلْطَنَةُ فَيَتِمُّ الشَّرْطُ، وَالْإِذْنُ بِالْخُطْبَةِ إذْنٌ بِالْجُمُعَةِ وَعَلَى الْقَلْبِ. وَفِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ: إنَّ السُّلْطَانَ إذَا كَانَ يَخْطُبُ فَجَاءَ سُلْطَانٌ آخَرُ، إنْ أَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ الْخُطْبَةَ يَجُوزُ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ خُطْبَةً وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ بِأَمْرِهِ فَصَارَ نَائِبًا عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ وَسَكَتَ فَأَتَمَّ الْأَوَّلُ فَأَرَادَ الثَّانِي أَنْ يُصَلِّيَ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ مُحْتَمَلٌ، وَكَذَا إذَا حَضَرَ الثَّانِي وَقَدْ فَرَغَ الْأَوَّلُ مِنْ خُطْبَتِهِ فَصَلَّى الثَّانِي بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا خُطْبَةُ إمَامٍ مَعْزُولٍ وَلَمْ تُوجَدْ مِنْ الثَّانِي، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا عَلِمَ الْأَوَّلُ حُضُورَ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَخَطَبَ وَصَلَّى وَالثَّانِي سَاكِتٌ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَعْزُولًا إلَّا بِالْعِلْمِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابَ الْعَزْلِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَصَارَ مَعْزُولًا، ثُمَّ إذَا صَلَّى صَاحِبُ الشُّرَطِ جَازَ؛ لِأَنَّ عُمَّالَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ إلَخْ) حَقِيقَةُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ السُّلْطَانِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى عَدَمِهَا كَمَا يُفِيدُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ: أَيْ لِأَمْرِ هَذَا الْفَرْضِ أَوْ الْجَمْعِ، فَإِنَّ ثَوَرَانَ الْفِتْنَةِ يُوجِبُ تَعْطِيلَهُ، وَهُوَ مُتَوَقَّعٌ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّقَدُّمُ عَنْ أَمْرِ سُلْطَانِ تُعْتَقَدُ طَاعَتُهُ أَوْ تُخْشَى عُقُوبَتُهُ، فَإِنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ يُعَدُّ شَرَفًا وَرِفْعَةً فَيَتَسَارَعُ إلَيْهِ كُلُّ مَنْ مَالَتْ هِمَّتُهُ إلَى الرِّيَاسَةِ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ» (وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِيه عَلَيْهَا) لِاخْتِلَافِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَقَعُ التَّجَاذُبُ وَالتَّنَازُعُ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّقَاتُلِ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقَامَ بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْصُورٌ وَاقِعَةُ حَالٍ، فَيَجُوزُ كَوْنُهُ عَنْ إذْنِهِ كَمَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِفَرِيقٍ، فَيَبْقَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ تَرَكَهَا وَلَهُ إمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ، أَلَا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ حَيْثُ اشْتَرَطَ فِي لُزُومِهَا الْإِمَامَ، كَمَا يُفِيدُهُ قَيْدُ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ حَالًا مَعَ مَا عَيَّنَّاهُ مِنْ الْمَعْنَى سَالِمِينَ مِنْ الْمُعَارِضِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَرْبَعٌ إلَى السُّلْطَانِ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إطْلَاقَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] مُقَيَّدٌ بِخُصُوصِ مَكَان وَمَخْصُوصٌ مِنْهُ كَثِيرٌ كَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِظَنِّيٍّ آخَرَ فَيُخَصُّ بِمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ» إلَخْ) وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ» ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» الْحَدِيثَ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ: شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ خُطْبَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَذَكَرَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ نَحْوَهُ، قَالَ: فَمَا رَأَيْت أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ. لَوْ صَحَّ لَمْ يَقْدَحْ فِي خُصُوصِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ ابْنِ سِيدَانَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى مُرَكَّبَةٌ مِنْ صِحَّتِهَا وَقْتَ الظُّهْرِ لَا بَعْدَهُ، فَيُرَدُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَ دَلِيلًا لِتَمَامِهَا إذَا اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُمْ، أَوْ يَكُونُ فِيهِ إجْمَاعٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي جُزْءِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِبَقَاءِ وَقْتِهَا إلَى الْغُرُوبِ، وَالْحَنَابِلَةُ قَائِلُونَ بِجَوَازِ أَدَائِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْجُمُعَةِ مَقَامُ الظُّهْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ سُقُوطُ أَرْبَعٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَتُرَاعَى الْخُصُوصِيَّاتُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا مَا لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهَا، وَلَمْ يُصَلِّهَا خَارِجَ الْوَقْتِ فِي عُمُرِهِ وَلَا بِدُونِ الْخُطْبَةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ اشْتِرَاطُهُمَا وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ فِي الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ لَا يَقَعُ الشَّرْطُ وَعَلَى اشْتِرَاطِ نَفْسِ الْخُطْبَةِ إجْمَاعٌ، بِخِلَافِ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةُ قَدْرِ مَا يَسْتَقِرُّ كُلُّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِهِ يَحْمَدُ فِي الْأُولَى وَيَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظُ النَّاسَ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَدْعُو مَكَانَ الْوَعْظِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ مِنْ

(وَمِنْهَا الْخُطْبَةُ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَلَّاهَا بِدُونِ الْخُطْبَةِ فِي عُمُرِهِ (وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّنَنِ أَوْ الْوَاجِبَاتِ لَا شَرْطَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْخُطْبَةُ) بِقَيْدِ كَوْنِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِنْ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ تَقْصِيرُهَا وَتَطْوِيلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ اشْتِمَالِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ وَكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: قَدْرُهُمَا قَدْرُ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ إلَى آخِرِهِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا وَجْهُ اشْتِرَاطِهَا، وَتُعَادُ عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ لَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَائِتَةً فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوِتْرَ حَتَّى فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ لِذَلِكَ فَاشْتَغَلَ بِقَضَائِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَفْسَدَ الْجُمُعَةَ فَاحْتَاجَ إلَى إعَادَتِهَا أَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْخُطْبَةَ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا إذَا خَطَبَ جُنُبًا، وَيَكْفِي لِوُقُوعِهَا الشَّرْطَ حُضُورُ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ شَرْحُ الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانُوا صُمًّا أَوْ نِيَامًا انْتَهَى. أَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ لِلْجُمُعَةِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ صَلَّاهَا، وَاشْتُرِطَ حُضُورُ الْوَاحِدِ أَوْ الْجَمْعِ؛ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّسَبُّبَاتِ، فَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تِلْكَ الْمُنْشَأَةِ. وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ فَقَطْ، أَلَا تَرَى إلَى صِحَّتِهَا مِنْ الْمُقْتَدِينَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ، فَعَلَى هَذَا كَانَ الْقِيَاسُ فِيمَا لَوْ

قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ) بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ (وَيُخْطَبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ) بِهِ جَرَى التَّوَارُثُ (وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى طَهَارَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهِمَا مُتَوَارَثٌ، ثُمَّ هِيَ شَرْطُ الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الطَّهَارَةُ كَالْأَذَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفْسَدَ هَذَا الْخَلِيفَةُ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَ اسْتِقْبَالِهِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِهِ حُكْمًا، وَلَوْ أَفْسَدَ الْأَوَّلُ اسْتَقْبَلَ بِهِمْ فَكَذَا الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَدَّمَ هَذَا الْمُقَدَّمُ غَيْرَهُ مِمَّنْ شَهِدَهَا قِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ الِاسْتِخْلَافُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الْأَوَّلُ جُنُبًا شَهِدَهَا فَقَدَّمَ هَذَا الْجُنُبُ طَاهِرًا شَهِدَهَا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ الشَّاهِدَ مِنْ أَهْلِ الْإِقَامَةِ بِوَاسِطَةِ الِاغْتِسَالِ فَيَصِحُّ مِنْهُ الِاسْتِخْلَافُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الْأَوَّلُ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ مِمَّنْ شَهِدَهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِحَّ اسْتِخْلَافُهُمْ فَلَمْ يَصِرْ أَحَدُهُمْ خَلِيفَةً فَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ، فَالْمُتَقَدِّم عَنْ اسْتِخْلَافِ أَحَدِهِمْ مُتَقَدِّمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ وَإِنْ جَازَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِاشْتِرَاطِ إذْنِ السُّلْطَانِ لِلْمُتَقَدِّمِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فِيهَا كَمَا قَدَّمْنَا دُونَ غَيْرِهَا، وَلَا دَلَالَةَ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ تَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْخَلِيفَةِ شَرْعًا وَلَيْسَ أَحَدُهُمْ كَذَلِكَ. أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِ الْكَافِرِ فَلِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ اكْتِسَابِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، وَأَمَّا فِي الْكَافِرِ فَلِأَنَّ هَذَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَهُوَ يَعْتَمِدُ وِلَايَةَ السَّلْطَنَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكَافِرِ وِلَايَةُ السَّلْطَنَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الْأَوَّلُ مُسَافِرًا أَوْ عَبْدًا حَيْثُ يَجُوزُ خِلَافًا لِزُفَرَ عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَلَوْ لَمْ يُقَدِّمْ الْأَوَّلُ أَحَدًا فَتَقَدَّمَ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ أَوْ الْقَاضِي جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أُمُورِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ قَلَّدَهُمَا الْإِمَامُ مَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الْعَامَّةِ فَنَزَلَا مَنْزِلَتَهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْإِمَامِ لِدَفْعِ التَّنَازُعِ فِي التَّقَدُّمِ وَذَا يَحْصُلُ بِتَقَدُّمِهِمَا لِوُجُودِ دَلِيلِ اخْتِصَاصِهِمَا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ وَهُوَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَائِبًا لِلسُّلْطَانِ وَمِنْ عُمَّالِهِ. فَلَوْ قَدَّمَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا شَهِدَ الْخُطْبَةَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةُ التَّقَدُّمِ فَلَهُ وِلَايَةُ التَّقَدُّمِ (قَوْلُهُ ثُمَّ هِيَ شَرْطُ الصَّلَاةِ إلَخْ) هَذَا صُورَةُ قِيَاسٍ عِلَّةُ الْحُكْمِ فِي أَصْلِهِ كَوْنُهُ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ لَكِنَّهُ مَفْقُودٌ فِي الْأَصْلِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَوْجُودًا غَيْرَ عِلَّةٍ، إذْ الْأَذَانُ لَيْسَ شَرْطًا، فَالْأَوْلَى مَا عَيَّنَهُ فِي الْكَافِي جَامِعًا وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ فِي الْمَسْجِدِ: أَيْ فِي حُدُودِهِ لِكَرَاهَةِ الْأَذَانِ فِي دَاخِلِهِ، وَيُزَادُ أَيْضًا فَيُقَالُ ذِكْرٌ فِي الْمَسْجِدِ يُشْتَرَطُ لَهُ الْوَقْتُ فَتُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ فِيهِ وَتُعَادُ اسْتِحْبَابًا إذَا

(وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَارُثَ وَلِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَالتَّسْبِيحَةُ أَوْ التَّحْمِيدَةُ لَا تُسَمَّى خُطْبَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ حَتَّى يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْمُتَعَارَفِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ جُنُبًا كَالْأَذَانِ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْمَوْعِظَةُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ اشْتِرَاطِهَا جَعْلُهَا مَكَانَ الرَّكْعَتَيْنِ تَحْصِيلًا لِفَائِدَتِهَا مَعَ التَّخْفِيفِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهَا مَعَ الْإِتْمَامِ، وَقَدْ أُثِرَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّمَا قُصِرَتْ لِمَكَانِ الْخُطْبَةِ وَهَذَا حَاصِلٌ مَعَ الْقُعُودِ وَمَا مَعَهُ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِيُشْتَرَطَ لَهَا مَا اُشْتُرِطَ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا ظَنَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ أَلَا تَرَى إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِقْبَالِ فِيهَا وَعَدَمِ الْكَلَامِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ إذْ كَانَ أَنْشَرَ لِلصَّوْتِ فَكَانَ مُخَالَفَتُهُ مَكْرُوهًا. وَدَخَلَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَابْنُ أُمِّ حَكِيمٍ يَخْطُبُ قَاعِدًا فَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَحْكُمْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ بِفَسَادِ تِلْكَ الصَّلَاةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ) قِيلَ أَقَلُّهُ عِنْدَهُمَا قَدْرُ التَّشَهُّدِ قَوْلُهُ: وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ ذِكْرًا طَوِيلًا يُسَمَّى خُطْبَةً أَوْ ذِكْرًا لَا يُسَمَّى خُطْبَةً فَكَانَ الشَّرْطُ الذِّكْرُ الْأَعَمُّ

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ فَنَزَلَ وَصَلَّى. (وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ) ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا (وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ، وَقَالَا: اثْنَانِ سِوَاهُ) قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ. لَهُ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ هِيَ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ تَسْمِيَةٍ وَمَعْنًى، وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَطْعِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتِيَارُ أَحَدِ الْفَرْدَيْنِ: أَعْنِي الذِّكْرَ الْمُسَمَّى بِالْخُطْبَةِ وَالْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً، لَا أَنَّهُ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ إذْ لَا يَكُونُ بَيِّنًا؛ لِعَدَمِ الْإِجْمَالِ فِي لَفْظِ الذِّكْرِ، وَقَدْ عُلِمَ وُجُوبُ تَنْزِيلِ الْمَشْرُوعَاتِ عَلَى حَسَبِ أَدِلَّتِهَا، فَهَذَا الْوَجْهُ يُغْنِي عَنْ قِصَّةِ عُثْمَانَ فَإِنَّهَا لَمْ تُعْرَفْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ وَلِيَ الْخِلَافَةَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَعُدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا وَأَنْتُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ، وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَبُ بَعْدُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَنَزَلَ وَصَلَّى بِهِمْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ، إمَّا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا. وَإِمَّا عَلَى كَوْنِ نَحْوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَنَحْوِهَا تُسَمَّى خُطْبَةً لُغَةً وَإِنْ لَمْ تُسَمَّ بِهِ عُرْفًا، وَلِهَذَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي قَالَ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ» فَسَمَّاهُ خَطِيبًا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْكَلَامِ، وَالْخِطَابُ الْقُرْآنِيُّ إنَّمَا تَعَلُّقُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ بِلُغَتِهِمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مُحَاوَرَاتِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى غَرَضِهِمْ، فَأَمَّا فِي أَمْرٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ تَعَالَى فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ لُغَةً، ثُمَّ يَشْتَرِطُ عِنْدَهُ فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ أَنْ تُقَالَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ، فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسٍ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْضُرَهُ أَحَدٌ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَا يَتَفَرَّغُ عَنْهُ، وَفِي الْأَصْلِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَلْيَكُنْ الْمُعْتَبَرُ إحْدَاهُمَا الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى الْأُخْرَى لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَا تُجْزِئُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ وَتُجْزِئُ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ صُمٌّ أَوْ نِيَامٌ أَوْ لَا يَسْمَعُونَ لِبُعْدِهِمْ وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ مُسَافِرِينَ. [فَرْعٌ] يُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِلْإِخْلَالِ بِالنَّظْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ لِقِصَّةِ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ) وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ مِمَّنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ، وَقَالَا اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُونَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ، كَمَا لَا حُجَّةَ لِمَنْ نَفَى اشْتِرَاطَ الْأَرْبَعِينَ بِأَنَّ يَوْمَ النُّفُورِ بَقِيَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَا عَشَرَ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ اتِّفَاقَ كَوْنِ عَدَدِهِمْ أَرْبَعِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَقْتَضِي تَعَيُّنَ ذَلِكَ الْعَدَدِ شَرْعًا، وَمَا رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهُ جُمُعَةً وَأَضْحَى وَفِطْرًا ضَعِيفٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ

حِدَةٍ، وَكَذَا الْإِمَامُ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْهُمْ. (وَإِنْ نَفَرَ النَّاسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَيَسْجُدَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إذَا نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَمَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ صَلَّى الْجُمُعَةَ، فَإِنْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَمَا رَكَعَ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَةً بَنَى عَلَى الْجُمُعَةِ) خِلَافًا لِزُفَرَ. وَهُوَ يَقُولُ: إنَّهَا شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ دَوَامِهَا كَالْوَقْتِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْخُطْبَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْعِقَادَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِتَمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاقِي اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ قَابَلَهُ رِوَايَةُ كَوْنِ الْبَاقِي أَرْبَعِينَ الْكُلُّ أَقْوَالٌ مَنْقُولَةٌ فِي الْبَاقِي، وَتَصْحِيحُ مُتَعَيَّنٍ مِنْهَا بِطَرِيقَةٍ لَمْ يَثْبُتْ لَنَا. وَأَيْضًا بَقَاءُ أُولَئِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الشُّرُوعَ بِهِمْ لِجَوَازِ شُرُوعِهِ بِأَكْثَرَ بِأَنْ رَجَعُوا أَوْ جَاءَ غَيْرُهُمْ فَصَارَ الْمُتَحَقَّقُ كَوْنَ الشَّرْطِ الْجَمَاعَةَ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مُسَمَّى الْجَمَاعَةِ مُتَحَقِّقٌ فِي الِاثْنَيْنِ وَكَوْنُ الْجَمْعِ الصِّيغِيِّ أَقَلُّ مَدْلُولِهِ ثَلَاثَةٌ لَا يَمَسُّ مَا نَحْنُ فِيهِ، إذْ الشَّرْطُ لَيْسَ جَمَاعَةً تَكُونُ مَدْلُولُ صِيغَةِ الْجَمْعِ، وَهُمَا قَالَا بَلْ الشَّرْطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] صِيغَةُ جَمْعٍ فَقَدْ طَلَبَ الْحُضُورَ مُعَلَّقًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَهُوَ الْوَاوُ إلَى ذِكْرٍ يَسْتَلْزِمُ ذَاكِرًا فَلَزِمَ الشَّرْطُ جَمْعًا هُوَ مُسَمَّى لَفْظِ الْجَمْعِ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (قَوْلُهُ: إلَّا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ) يَعْنِي مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِزُفَرَ) فَعِنْدَهُ إذَا نَفَرُوا قَبْلَ الْقَعْدَةِ بَطَلَتْ، وَحَاصِلُ الْمَذْكُورِ مِنْ وَجْهِهِ

الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ دَوَامِهَا إلَيْهَا بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا تُنَافِي الصَّلَاةَ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ، وَكَذَا الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَلَا تَتِمُّ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ. (وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مَرِيضٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا أَعْمَى) ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَخْرُجُ فِي الْحُضُورِ، وَكَذَا الْمَرِيضُ وَالْأَعْمَى، وَالْعَبْدُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى، وَالْمَرْأَةُ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ فَعُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالضَّرَرِ (فَإِنْ حَضَرُوا وَصَلَّوْا مَعَ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ فَصَارُوا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ. (وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ رُخْصَةٌ، فَإِذَا حَضَرُوا يَقَعُ فَرْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهِهِمْ مُعَارَضَةُ قِيَاسِهِ عَلَى الْوَقْتِ بِقِيَاسِهِمْ عَلَى الْخُطْبَةِ، ثُمَّ نَقَضَ قِيَاسَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ كَالْوَقْتِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَكَمَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ بَعْضُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّهَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ لَكِنَّ انْعِقَادَ الصَّلَاةِ وَالْمُصَلِّي تَحَقُّقُ تَمَامِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِ تَمَامِ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الشَّيْءِ فِي الْوُجُودِ بِدُخُولِ جَمِيعِ أَرْكَانِهِ، فَمَا لَمْ يَسْجُدْ لَا يَصِيرُ مُصَلِّيًا بَلْ مُفْتَتِحًا الرُّكْنَ بِرُكْنٍ، فَكَانَ ذَهَابُ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ السُّجُودِ كَذَهَابِهِمْ قَبْلَ التَّكْبِيرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَدِمَ الْجَمَاعَةَ قَبْلَ تَحَقُّقِ مُسَمَّى الصَّلَاةِ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُوَافَقَتُهُ إيَّاهَا فِي إلْحَاقِ الْجَمَاعَةِ بِالْخُطْبَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ خَالَفَهُمَا فِي الِاكْتِفَاءِ بِوُجُودِهَا حَالَ الِافْتِتَاحِ فَلِذَا قُلْنَا حَاصِلُ الْمَذْكُورِ مِنْ وَجْهِهِ: أَيْ وَجْهِ زُفَرَ وَوَجْهِهِمْ وَلَمْ نَقُلْ وَجْهَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ إلَخْ) الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي ضَعُفَ مُلْحَقٌ بِالْمَرِيضِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَأُطْلِقَ فِي الْعَبْدِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ بَابَ الْمَسْجِدِ لِحِفْظِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْحِفْظِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا كَانَ يَسْعَى، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي يُؤَدِّي الضَّرِيبَةَ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ الْأَجِيرَ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ. وَقَالَ الدَّقَّاقُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا لَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَسْقُطُ عَنْهُ بِقَدْرِ اشْتِغَالِهِ، فَإِنْ قَالَ الْأَجِيرُ: حُطَّ عَنِّي الرُّبُعَ بِقَدْرِ اشْتِغَالِي بِالصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَالْمَطَرُ الشَّدِيدُ وَالِاخْتِفَاءُ مِنْ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ مُسْقِطٌ، وَفِي الْكَافِي صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ مُسَافِرًا. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا إلَخْ فَيَقَعُ فَرْضًا فَصَارَ كَمُسَافِرٍ إذَا صَامَ رَمَضَانَ يَقَعُ فَرْضًا.

أَمَّا الصَّبِيُّ فَمَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ، وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَيَصْلُحُونَ لِلِاقْتِدَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْجُمُعَةَ هِيَ الْفَرِيضَةُ أَصَالَةً. وَالظُّهْرُ كَالْبَدَلِ عَنْهَا، وَلَا مَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ إلَخْ) لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَصَحَّتْ الظُّهْرُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُرْتَكِبًا مُحَرَّمًا، غَيْرَ أَنَّ الظُّهْرَ تَقَعُ صَحِيحَةً وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي حَقِّهِ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ مُعَاقَبٌ بِتَرْكِهَا، وَمَنْهِيٌّ عَنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ مَأْمُورٌ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا هُوَ صُورَةُ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ. قُلْنَا: بَلْ فَرْضُ الْوَقْتِ الظُّهْرُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ مُطْلَقًا فِي الْأَيَّامِ» وَدَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ أَعْنِي الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ الظُّهْرَ لِمَا نَوَى الْقَضَاءَ، وَالْمَعْقُولُ إذْ أَصْلُ الْفَرْضِ فِي حَقِّ الْكُلِّ مَا يَتَمَكَّنُ كُلٌّ مِنْ أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ، فَمَا قَرُبَ إلَى وُسْعِهِ فَهُوَ أَحَقُّ وَالظُّهْرُ أَقْرَبُ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ؛ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الشَّرَائِطِ لَا تَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ، وَتِلْكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا بِاخْتِيَارِ آخَرِينَ كَاخْتِيَارِ السُّلْطَانِ وَقُدْرَتِهِ فِي الْأَمْرِ، وَاخْتِيَارِ آخَرَ وَآخَرَ لِيَحْصُلَ بِهِ مَعَهُمَا الْجَمَاعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَكَانَ الظُّهْرُ أَوْلَى بِالْأَصْلِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ مُفَادُهُ أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ ظُهْرٍ يَدْخُلُ حِينَ تَزُولُ وَالْمَطْلُوبُ أَنَّ كُلَّ مَا زَالَتْ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَإِنَّمَا يُفَادُ بِعَكْسِ الِاسْتِقَامَةِ لَهَا وَهُوَ لَا يَثْبُتُ كُلِّيًّا. سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ خُرُوجَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ تِلْكَ الْكُلِّيَّةِ أَعْنِي الْعَكْسَ مَعْلُومٌ قَطْعًا مِنْ الشَّرْعِ لِلْقَطْعِ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَرْكِهَا إلَى

بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ، وَعَلَى التَّمَكُّنِ يَدُورُ التَّكْلِيفُ. (فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْضُرَهَا فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِيهَا بَطَلَ ظُهْرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ، وَقَالَ: لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا يَنْقُصُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهَا فَيُنْقِصُهَا وَصَارَ كَمَا إذَا تَوَجَّهَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. وَلَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا فِي حَقِّ ارْتِفَاضِ الظُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظُّهْرِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، إذْ لَوْ تَمَّ اسْتَلْزَمَ عَدَمَ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ وَالْمُتَحَقِّقُ وُجُوبُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَيَحْصُلُ مِنْ الِامْتِثَالِ تَوَفُّرُ الشُّرُوطِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَخْصِيصِ الْأَوَّلِ، فَيَلْزَمُ أَنَّ وَجْهَهُ حِينَئِذٍ وُجُوبُ الظُّهْرِ أَوَّلًا ثُمَّ يَجِبُ إسْقَاطُهُ بِالْجُمُعَةِ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ جَوَازُ الْمَصِيرِ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجُمُعَةِ إذْ كَانَتْ صِحَّتُهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شَرَائِطَ رُبَّمَا لَا تَتَحَصَّلُ فَتَأَمَّلْ. وَإِذَا كَانَ وُجُوبُ الظُّهْرِ لَيْسَ إلَّا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُجُوبِهَا كَذَلِكَ صِحَّتُهَا قَبْلَ تَعَذُّرِ الْجُمُعَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْخِطَابَ قَبْلَ تَعَذُّرِهَا لَمْ يُتَوَجَّهْ عَلَيْهِ إلَّا بِهَا. (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ ظُهْرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ) هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا أَوْ كَانَ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ لَكِنَّهُ لَا يَرْجُو إدْرَاكَهَا لِلْبُعْدِ وَنَحْوِهِ لَا تَبْطُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَتَبْطُلُ عِنْدَهُ فِي تَخْرِيجِ الْبَلْخِيِّينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّعْيِ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ فَلَا تَبْطُلُ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ إذَا خَطَا خُطْوَتَيْنِ فِي الْبَيْتِ الْوَاسِعِ تَبْطُلُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يُتِمَّهَا مَعَهُ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا لَا يَبْطُلُ الظُّهْرُ، وَلَا فَرْقَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِ، وَحَتَّى لَوْ صَلَّى الْمَرِيضُ الظُّهْرَ ثُمَّ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَطَلَ عَلَى ظُهْرِهِ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَبْطُلُ ظُهْرُ الْمَعْذُورِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ. قُلْنَا إنَّمَا رُخِّصَ لَهُ تَرْكُهَا لِلْعُذْرِ، وَبِالِالْتِزَامِ الْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِ الظُّهْرِ، وَنُقِضَ الظُّهْرُ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ لَكِنَّهُ لِضَرُورَةِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ؛ إذْ نَقْضُ الْعِبَادَةِ قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ حَرَامٌ فَلَا تُنْتَقَضُ دُونَ أَدَائِهَا وَلَيْسَ السَّعْيُ الْأَدَاءَ، وَحَاصِلُ وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ

احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَعْيٍ إلَيْهَا. (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُونَ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ، وَكَذَا أَهْلُ السِّجْنِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ إذْ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ، وَالْمَعْذُورُ قَدْ يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ (وَلَوْ صَلَّى قَوْمٌ أَجْزَأَهُمْ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ. (وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَهُ) وَبَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاحْتِيَاطَ فِي الْجُمُعَةِ نَقْضُ الظُّهْرِ لِلُزُومِ الِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِهَا، وَهُوَ بِهِ فَيَنْزِلُ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا مَنْزِلَتَهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقِّقُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ السَّعْيُ مِنْ خَصَائِصِهَا؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِهِ فِيهَا وَنُهِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» الْحَدِيثَ. فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ كَالِاشْتِغَالِ بِهَا، فَالنَّقْضُ بِهَا إقَامَةٌ لِلسَّبَبِ الْعَادِي مَقَامَ الْمُسَبِّبِ احْتِيَاطًا وَمُكْنَةُ الْوُصُولِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، وَهِيَ تَكْفِي لِلتَّكْلِيفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السَّعْيُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهَا وَلَا إمْكَانَ لِلْوُصُولِ، هَذَا التَّقْرِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ مَا يُقَابِلُ الْمَشْيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَذَا الْبُطْلَانُ غَيْرُ مُقْتَصَرٍ عَلَى السَّعْيِ بَلْ لَوْ خَرَجَ مَاشِيًا أَقْصِدُ مَشَى بَطَلَتْ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ أَوْرَدُوا الْفَرْقَ بَيْنَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَتَوَجُّهِ الْقَارِنِ إلَى عَرَفَاتٍ حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ عُمْرَتُهُ حَتَّى يَقِفَ بِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَا مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ جَامِعُ السَّعْيِ مَنْصُوصًا لِيَطْلُبَ وَجْهَ الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ الْجَامِعِ. فَالْحَقُّ فِي التَّقْرِيرِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بَعْدَ إتْمَامِ الظُّهْرِ بِنَقْضِهَا بِالذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَذَهَابُهُ مَشْرُوعٌ فِي طَرِيقِ نَقْضِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ فَيُحْكَمُ بِنَقْضِهَا بِهِ احْتِيَاطًا لِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّي الْمَعْذُورُ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ) قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَكَذَا بَعْدَهَا، وَمَنْ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فَصَلَّوْا الظُّهْرَ تُكْرَهُ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ إذْ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ) هَذَا الْوَجْهُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا، فَوَجْهُهُ أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَطَرَّقُ غَيْرُ الْمَعْذُورِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَأَيْضًا فِيهِ صُورَةُ مُعَارَضَةِ الْجُمُعَةِ بِإِقَامَةِ غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَخْرَجَ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالسَّبْعِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ

فَاقْضُوا» (وَإِنْ كَانَ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ) ؛ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ ظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّهِ، فَيُصَلِّي أَرْبَعًا اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ لَا مَحَالَةَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَقَالَ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» قَالَ مُسْلِمٌ: أَخْطَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلَا أَعْلَمُ رَوَاهَا عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَحْدَهُ «فَاقْضُوا» وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ وَقَالَ «فَاقْضُوا» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ وَقَالَ «فَاقْضُوا» وَمِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ نَحْوُهُ، وَمِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ نَحْوُهُ، فَقَدْ تَابَعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ جَمَاعَةٌ، وَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ فِي الْحُكْمِ. فَمَنْ أَخَذَ بِلَفْظِ «أَتِمُّوا» قَالَ مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَمَنْ أَخَذَ بِلَفْظِ «فَاقْضُوا» قَالَ: مَا يُدْرِكُهُ آخِرَهَا. قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ هُوَ الْإِتْمَامُ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ، قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُرُودَهُ بِمَعْنَاهُ فِي بَعْضِ الْإِطْلَاقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَنْفِي حَقِيقَتَهُ اللُّغَوِيَّةَ وَلَا يُصَيِّرُهُ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ، وَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ قَضَى صَلَاتَهُ عَلَى تَقْدِيرِ إدْرَاكِ أَوَّلِهَا ثُمَّ فَعَلَ بَاقِيهَا، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى تَقْدِيرِ إدْرَاكِ آخِرِهَا ثُمَّ فَعَلَ تَكْمِيلَهَا أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا تَكَافَأَ الْإِطْلَاقَانِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ لَيْسَ إلَّا آخِرُ صَلَاةِ الْإِمَامِ حِسًّا وَالْمُتَابَعَةُ وَعَدَمُ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْإِمَامِ وَاجِبٌ عَلَى الْمَأْمُومِ، وَمِنْ مُتَابَعَتِهِ كَوْنُ رَكْعَتِهِ رَكْعَتَهُ، فَإِذَا كَانَتْ ثَالِثَةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَجَبَ حُكْمًا لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ كَوْنُهَا ثَالِثَةَ الْمَأْمُومِ، وَيَلْزَمُهُ كَوْنُ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَهُ أَوَّلُهَا. (قَوْلُهُ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ) بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِي رُكُوعِهَا لَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ. وَلَهُمَا إطْلَاقُ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ» إلَى قَوْلِهِ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَمَا رَوَاهُ «مَنْ أَدْرَكَ

وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى يَشْتَرِطَ نِيَّةَ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَبْنِي أَحَدَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ. (وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ هُنَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمْتَدُّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَمْتَدُّ طَبْعًا فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى» وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا لَمْ يَثْبُتْ، وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» ) رَفْعُهُ غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ كَوْنُهُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ «خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَكَلَامُهُ يَقْطَعَ الْكَلَامَ» . وَأَخْرَجَ

(وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ تَرَكَ النَّاسُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: كَانُوا يَكْرَهُونَ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ فَيَجِبُ تَقْلِيدُهُ عِنْدَنَا إذَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَوْ تَجَرَّدَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ يَمْتَدُّ طَبْعًا، أَيْ يَمْتَدُّ فِي النَّفْسِ فَيُخِلُّ بِالِاسْتِمَاعِ، أَوْ أَنَّ الطَّبْعَ يُفْضِي بِالْمُتَكَلِّمِ إلَى الْمَدِّ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ، وَالصَّلَاةُ أَيْضًا قَدْ تَسْتَلْزِمُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَتُخِلُّ بِهِ اسْتَقَلَّ بِالْمَطْلُوبِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: «إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَا صَلَاةَ» . وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَجِيءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي. وَأَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَإِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ» وَهَذَا يُفِيدُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ مَنْعَ الصَّلَاةِ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ السُّنَّةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَمَنْعُهُ مِنْهَا أَوْلَى، وَلَوْ خَرَجَ وَهُوَ فِيهَا يَقْطَعُ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعِبَارَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّلَالَةِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ وَقَدْ ثَبَتَتْ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ لَا، قَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْهُ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهِ قَطَعَ الْخُطْبَةَ حَتَّى فَرَغَ وَهُوَ كَذَلِكَ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيِّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَأَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ» ثُمَّ قَالَ: أَسْنَدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْعَبْدِيُّ وَوَهِمَ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «ثُمَّ انْتَظَرَهُ حَتَّى صَلَّى» قَالَ: وَهَذَا الْمُرْسَلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ مُقْتَضَاهُ عَلَيْنَا، ثُمَّ رَفْعُهُ زِيَادَةٌ إذَا لَمْ يُعَارِضْ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ غَيْرَهُ سَاكِتٌ عَنْ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ أَوْ لَا، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَمُجَرَّدُ زِيَادَتِهِ لَا تُوجِبُ الْحُكْمَ بِغَلَطِهِ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ زِيَادَةٌ، وَمَا زَادَهُ مُسْلِمٌ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» لَا يَنْفِي كَوْنَ الْمُرَادِ أَنْ يَرْكَعَ مَعَ سُكُوتِ الْخَطِيبِ لِمَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ فَتَسْلَمُ تِلْكَ الدَّلَالَةُ عَنْ الْمُعَارِضِ. وَهَذِهِ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَيَتَعَيَّنُ أَنْ لَا يُخَلَّى عَنْهَا مَظِنَّتُهَا: يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ الْكَلَامُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْبِيحًا، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْكِتَابَةُ، وَيُكْرَهُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَدُّ السَّلَامِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ. قُلْنَا: ذَاكَ إذَا كَانَ السَّلَامُ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ بَلْ يَرْتَكِبُ بِسَلَامِهِ مَأْثَمًا؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَشْغَلُ خَاطِرَ السَّامِعِ عَنْ الْفَرْضِ، وَلِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، بِخِلَافِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي فَرَّعَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . (وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ جَلَسَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدِي الْمِنْبَرِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا هَذَا الْأَذَانُ، وَلِهَذَا قِيلَ: هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ السَّعْيِ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ ذِكْرِهِ فِي الْخُطْبَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَكَانَ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهَلْ يَحْمَدُ إذَا عَطَسَ؟ الصَّحِيحُ نَعَمْ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَكِنْ أَشَارَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِيَدِهِ حِينَ رَأَى مُنْكَرًا الصَّحِيحُ لَا يُكْرَهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَدِيثٍ يُسْمَعُ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ؛ فَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ اخْتَارَ السُّكُوتَ، وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتِيَارُ السُّكُوتِ كَقَوْلِ ابْنِ سَلَمَةَ، وَحُكِيَ عَنْهُ النَّظَرُ فِي كِتَابِهِ وَإِصْلَاحُهُ بِالْقَلَمِ، مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَوْجَهُ. فَإِنَّ طَلَبَ السُّكُوتِ وَالْإِنْصَاتِ وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِمَاعِ لَا لِذَاتِهِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ وَالْقِرَاءَةَ لِغَيْرِ مَنْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ قَدْ يَصِلُ إلَى أُذُنِ مَنْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَيَشْغَلُهُ عَنْ فَهْمِ مَا يَسْمَعُ أَوْ عَنْ السَّمَاعِ، بِخِلَافِ النَّظَرِ فِي الْكِتَابِ وَالْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا هَذَا الْأَذَانُ) أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: " كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَهُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " زَادَ النِّدَاءَ الثَّانِي " وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ عَلَى دَارٍ فِي السُّوقِ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ، وَتَسْمِيَتُهُ ثَالِثًا؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُسَمَّى أَذَانًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» ، وَهَذَا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا هَذَا الْأَذَانُ بَعْضُ مَنْ نَفَى أَنَّ لِلْجُمُعَةِ سُنَّةً، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَقَى الْمِنْبَرَ أَخَذَ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ فَإِذَا أَكْمَلَهُ أَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ، فَمَتَى كَانُوا يُصَلُّونَ السُّنَّةَ؟ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إذَا فُرِغَ مِنْ الْأَذَانِ قَامُوا فَرَكَعُوا فَهُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ خُرُوجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِالضَّرُورَةِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ بَعْدَمَا كَانَ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ، وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ هَذَا الْمُجَوَّزِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ النَّوَافِلِ مِنْ عُمُومِ «أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَرْبَعًا يَقُولُ: هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ» . وَكَذَا يَجِبُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَيْضًا يَعْلَمُونَ الزَّوَالَ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤَذِّنِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَهُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ اعْتِمَادُهُمْ، بَلْ رُبَّمَا يُعْلِمُونَهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيُؤَذِّنَ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[باب صلاة العيدين]

بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ قَالَ (وَتَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْعَلُ ذَلِكَ» فَقَدْ أَثْبَتَ سِتًّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا سِتَّةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَفِيهَا الْمَنْزِلُ الْمُهَيَّأُ لَهُ صَلَّى فِيهِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنَّمَا كَانَ مُسَافِرًا فَكَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَعْلَمْ ابْنُ عُمَرَ كُلَّ مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ بِالْمَدِينَةِ فَهَذَا مَحْمَلُ اخْتِلَافِ الْحَالِ فِي الْبَلَدَيْنِ، فَهَذَا الْبَحْثُ يُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَهَا سِتٌّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ قَوْلُهُمَا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَالسُّنَّةُ بَعْدَهَا عِنْدَهُ أَرْبَعٌ أَخْذًا بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا " قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالثَّوْرِيُّ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ «كَانَ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) لَا خَفَاءَ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ، وَلَمَّا اشْتَرَكَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةُ فِي الشُّرُوطِ حَتَّى الْإِذْنِ الْعَامِّ إلَّا الْخُطْبَةَ لَمْ تَجِبْ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَاخْتَصَّتْ الْجُمُعَةُ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الِافْتِرَاضِ فَقُدِّمَتْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) ذَكَرَهُ لِتَنْصِيصِهِ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَفِي النِّهَايَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الْقُدُورِيِّ وَهُوَ دَأْبُهُ فِي كُلِّ مَا تُخَالِفُ فِيهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ وَالْقُدُورِيُّ، وَهَذَا سَهْوٌ؛ فَإِنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِفَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ أَصْلًا. وَقَوْلُهُ

وَاحِدٍ، فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ، وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ، وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى السُّنَّةِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، وَوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَقِيبَ سُؤَالِهِ قَالَ: «هَلْ عَلَى غَيْرِهِنَّ؟ فَقَالَ: لَا إلَّا إنْ تَطَوَّعَ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَتَسْمِيَتُهُ سُنَّةً لِوُجُوبِهِ بِالسُّنَّةِ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى وَيَغْتَسِلَ وَيَسْتَاكَ وَيَتَطَيَّبَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ» وَلِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ فَيُسَنُّ فِيهِ الْغُسْلُ وَالطِّيبُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ (وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ زِيَادَةً فِي الْبِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ مُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَمَّا مُطْلَقُ الْمُوَاظَبَةِ فَلَا يُفِيدُ الْوُجُوبُ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّكْبِيرِ لَا صَلَاةِ الْعِيدِ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى التَّعْظِيمِ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى خُصُوصِ لَفْظِهِ كَانَ التَّكْبِيرُ الْكَائِنُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ إيجَابِ شَيْءٍ فِي مَسْنُونٍ، بِمَعْنَى مَنْ فَعَلَ سُنَّةَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ. نَعَمْ لَوْ وَجَبَ ابْتِدَاءً وَشُرِطَتْ الصَّلَاةُ فِي صِحَّتِهِ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْمَشْرُوطِ إيجَابُ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَكَذَا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّهُ شِعَارٌ لِلدِّينِ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ يُقَامُ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَتَجِبُ كَالْجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لِجَوَازِ اسْتِنَانِ شِعَارٍ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ تَعْدِيَةٌ غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ، إذْ حُكْمُ الْأَصْلِ الِافْتِرَاضُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ اللُّزُومُ فَيُصْبِحُ الْقِيَاسُ، وَكَوْنُهُ عَلَى خِلَافِ قَدْرِ ثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ غَيْرَ قَادِحٍ بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِيمَا إذَا كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ بِقَاطِعٍ، فَإِنَّهُ إذَا عَدَى بِالْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ) رِوَايَةً وَدِرَايَةً لِلْمُوَاظَبَةِ بِلَا تَرْكٍ، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ إمَّا لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ فِيهَا أَوْ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهَا. (قَوْلُهُ: أَنْ يَطْعَمَ) الْإِنْسَانُ، وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَطْعُومِ حُلْوًا لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُو فِي يَوْمِ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا» وَأَمَّا حَدِيثُ الْغُسْلِ لِلْعِيدَيْنِ فَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ، وَحَدِيثُ لُبْسِهِ جُبَّةَ فَنَكٍ أَوْ صُوفٍ غَرِيبٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ؟ فِي كُلِّ عِيدٍ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ» انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهِمَا

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَتْ لَهُ جُبَّةُ فَنْكٍ أَوْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ (وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ) إغْنَاءً لِلْفَقِيرِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ لِلصَّلَاةِ (وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَا يُكَبِّرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى، وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ) اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى. وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، وَلَا كَذَلِكَ يَوْمَ الْفِطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهُ أَحْمَرُ بَحْتٌ، فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْبُرْدَةِ أَحَدَهُمَا (قَوْلُهُ: وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى) وَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الْجَبَّانَةِ وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِالضُّعَفَاءِ فِي الْمِصْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي مَوْضِعَيْنِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ لَهُ ذَلِكَ وَتَخْرُجُ الْعَجَائِزُ لِلْعِيدِ لَا الشَّوَابُّ، وَلَا يُخْرَجُ الْمِنْبَرُ إلَى الْجَبَّانَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ الْمِنْبَرِ بِالْجَبَّانَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ، وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهُ: حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِهِ. (قَوْلُهُ: لَا يُكَبِّرُ إلَخْ) الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْفِطْرِ لَا فِي أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَعِنْدَهُمَا يَجْهَرُ بِهِ كَالْأَضْحَى، وَعِنْدَهُ لَا يَجْهَرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ إيقَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْبِدْعَةِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةٌ يُخَالِفُ الْأَمْرُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] فَيَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَالْأَوْلَى لِلِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ لِمَا سَنَذْكُرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى» . فَالْجَوَابُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ فِيهَا التَّكْبِيرُ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ أَمْرًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ أَعَمُّ مِنْهُ، وَمِمَّا فِي الطَّرِيقِ؛ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى التَّكْبِيرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَمَّا كَانَ دَلَالَتُهَا عَلَيْهِ ظَنِّيَّةً؛ لِاحْتِمَالِ التَّعْظِيمِ كَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ بِمُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ أَبِي الطَّاهِرِ الْمَقْدِسِيَّ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهِ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَهْرَ. نَعَمْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى ثُمَّ يُكَبِّرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ صَحَابِيٍّ لَا يُعَارَضُ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ الْقَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ: أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} [الأعراف: 205] إلَى قَوْلِهِ {وَدُونَ الْجَهْرِ} [الأعراف: 205] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» فَكَيْفَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ آخَرَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّاسَ يُكَبِّرُونَ فَقَالَ لِقَائِدِهِ: أَكَبَّرَ الْإِمَامُ؟ قِيلَ لَا، قَالَ: أَجُنَّ النَّاسُ؟ أَدْرَكْنَا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ أَحَدٌ يُكَبِّرُ قَبْلَ الْإِمَامِ» وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ عَنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغَبَاتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ

(وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ الْعِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً، وَقِيلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَامَّةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ. (وَإِذَا حَلَّتْ الصَّلَاةُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ دَخَلَ وَقْتُهَا إلَى الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهَا) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قِيدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، وَلَمَّا شَهِدُوا بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَهَبَ مِنْهَا إلَى الْمُصَلَّى؛ لِأَنَّ مَكَانَ الْقُرْبَةِ يُشْهَدُ فَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلشُّهُودِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ) وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا فِي الْمُصَلَّى وَالْبَيْتِ، وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً؛ لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ خَرَجَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهَذَا النَّفْيُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فِي الْمُصَلَّى لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ إلَخْ) اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ الِارْتِفَاعِ إلَى الزَّوَالِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ كَمَا ذُكِرَ وَفِي أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ يَزِيدَ بْنَ خُمَيْرٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ قَالَ: «خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ النَّاسِ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ وَأَضْحَى فَأَنْكَرَ إبْطَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ: إنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ» صَحَّحَهُ

(وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَثَلَاثًا بَعْدَهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بَعْدَهَا، وَيُكَبِّرُ رَابِعَةً يَرْكَعُ بِهَا) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَخَمْسًا بَعْدَهَا وَفِي الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْسًا ثُمَّ يَقْرَأُ. وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرِ بَنِيهِ الْخُلَفَاءِ. فَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَالْقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ التَّنَفُّلُ. وَفِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا غَدَوْا إلَى مُصَلَّاهُمْ» . وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُمْ قَدِمُوا آخِرَ النَّهَارِ. وَلَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا «أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفْطِرُوا وَأَنْ يَخْرُجُوا إلَى عِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ» قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ: وَبِهَذَا اللَّفْظِ حَسَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ إسْنَادَهُ، هَذَا وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا أَنَّ لَفْظَ آخِرِ النَّهَارِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ وَقَبْلِهِ، فَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْغَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ بِدُخُولِ الزَّوَالِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِلْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ النَّهَارِ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ، أَوْ يَكُونُ فِي تَعْيِينِ وَقْتِهَا هَذَا إجْمَاعٌ فَيُغْنِي عَنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ الدَّلِيلُ، وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ: حَدَّثَنَا فَهْدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَخْبَرَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ «أَنَّ الْهِلَالَ خَفِيَ عَلَى النَّاسِ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ بِالْفِطْرِ فَأَفْطَرُوا تِلْكَ السَّاعَةَ، وَخَرَجَ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ» . (قَوْلُهُ: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُوَافِقُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ وَمَا يُوَافِقُ رَأْيَنَا، وَكَذَا عَنْ الصَّحَابَةِ. أَمَّا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَفِي أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى بِسَبْعٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِخَمْسٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ مُسْلِمٌ. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالطُّرُقُ إلَيْهِمْ فَاسِدَةٌ، وَفِي أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ «وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ» قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ صَحِيحٌ.

الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي خِلَافُ الْمَعْهُودِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى ثُمَّ بِالتَّكْبِيرَاتِ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ حَتَّى يَجْهَرَ بِهِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْجَمْعُ وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَجِبُ إلْحَاقُهَا بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لِقَوْلِهَا مِنْ حَيْثُ الْفَرِيضَةِ وَالسَّبْقِ، وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ وَبِهِ أَقُولُ. وَقَدْ رُوِيَتْ أَحَادِيثُ عِدَّةٌ غَيْرُهَا تُوَافِقُ هَذِهِ، وَفِي أَبِي دَاوُد مَا يُعَارِضُهَا، وَهُوَ «أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: صَدَقَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَذَلِكَ كُنْتُ أُكَبِّرُ فِي الْبَصْرَةِ حَيْثُ كُنْتُ عَلَيْهِمْ» سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهُوَ مُلْحَقٌ بِحَدِيثَيْنِ، إذْ تَصْدِيقُ حُذَيْفَةَ رِوَايَةٌ لِمِثْلِهِ، وَسُكُوتُ أَبِي دَاوُد وَالْمُنْذِرِيِّ تَصْحِيحٌ أَوْ تَحْسِينٌ مِنْهُمَا، وَتَضْعِيفُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ نَقْلًا عَنْ ابْنِ مُعِينٍ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ فِيهِ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ مُعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، لَكِنْ أَبُو عَائِشَةَ فِي سَنَدِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا أَعْرِفُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: مَجْهُولٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ أَيْضًا بِهِ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ سَبَبٌ غَيْرُهُ فَكَيْفَ وَقَدْ بَانَ اضْطِرَابُهُ فِيهِ؟ فَمَرَّةً وَقَعَ فِيهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَمَرَّةً عَنْهُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالِاضْطِرَابُ فِيهِ مِنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِهِ مَنَعَ الْقَوْلَ بِتَصْحِيحِهِمَا ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ وَأَوَّلَهُ، وَقَالَ: وَنَحْنُ وَإِنْ خَرَجْنَا عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَكِنْ أَوْجَبَهُ أَنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ فِي الْمُسْنَدِ وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ مُعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَأَفْظَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ الْقَوْلَ. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا آخُذُ فِيهِ بِفِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَمَّا مَا عَنْ الصَّحَابَةِ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ تِسْعًا، أَرْبَعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ. وَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ، فَإِذَا فَرَغَ كَبَّرَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكَعَ ". أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَلْ الْأَشْعَرِيَّ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: سَلْ عَبْدَ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَقْدَمُنَا وَأَعْلَمُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا

الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ الضَّمُّ إلَيْهَا، وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إلَّا أَنَّهُ حَمَلَ الْمَرْوِيَّ كُلَّهُ عَلَى الزَّوَائِدِ فَصَارَتْ التَّكْبِيرَاتُ عِنْدَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْقِرَاءَةِ. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَأَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا التَّكْبِيرَ فِي الْعِيدَيْنِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ. خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَأَرْبَعٌ فِي الْآخِرَةِ، وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ " وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسِ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ وَثَلَاثٌ زَوَائِدُ، وَبِالْأَرْبَعِ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ قَاعِدًا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مَعَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: " إنَّ غَدًا عِيدُكُمْ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَا: أَخْبِرْهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، وَأَنْ يُكَبِّرَ فِي الْأُولَى خَمْسًا وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعًا، وَأَنْ يُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَأَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ تِسْعُ تَكْبِيرَاتٍ: فِي الْأُولَى خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَبْدَأُ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا مَعَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ ". وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْوُ هَذَا. وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ قَالَهُ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِثْلُ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى الرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ نَقْلِ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا يُخَالِفُهُ. قُلْنَا: غَايَتُهُ مُعَارَضَةٌ، وَيَتَرَجَّحُ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِابْنِ مَسْعُودٍ مَعَ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَعَارِضٌ؛ فَرُوِيَ عَنْهُ كَمَذْهَبِهِمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَسِتًّا فِي الْآخِرَةِ ". حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٍ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ ". وَرُوِيَ عَنْهُ كَمَذْهَبِنَا، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: " صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ عِيدٍ فَكَبَّرَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ خَمْسًا فِي الْأُولَى وَأَرْبَعًا فِي الْآخِرَةِ، وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ ". وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاق وَزَادَ فِيهِ: وَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ ذَلِكَ فَاضْطَرَبَ الْمَرْوِيُّ. وَأَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَوْ لَمْ يَسْلَمْ كَانَ مُقَدَّمًا فَكَيْفَ وَهُوَ سَالِمٌ لِاضْطِرَابِ مُعَارِضِهِ، وَبِهِ يَتَرَجَّحُ الْمَرْفُوعُ الْمُوَافِقُ لَهُ، وَيَخْتَصُّ تَرْجِيحُ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ مِنْهُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ ثَنَاءٌ وَالثَّنَاءُ شُرِعَ فِي الْأُولَى أَوَّلًا وَهُوَ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ فَيُقَدَّمُ تَكْبِيرُهَا، وَحَيْثُ شُرِعَ فِي الثَّانِيَةِ شُرِعَ مُؤَخَّرًا وَهُوَ الْقُنُوتُ فَيُؤَخَّرُ تَكْبِيرُ الثَّانِيَةِ عَلَى وَفْقِ الْمَعْهُودِ. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ) يَعْنِي الْمَرْوِيَّ عَنْهُ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ الرِّوَايَتَيْنِ هَكَذَا عَنْهُ بَلْ إنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَخَمْسًا بَعْدَهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا ثُمَّ يَقْرَأُ أَوْ أَرْبَعًا، إلَّا أَنَّ هَذَا بَعْدَمَا عُلِمَ مِنْ طَرِيقَتِنَا أَنَّ

قَالَ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) يُرِيدُ بِهِ مَا سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْنَا مَا رَوَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلَّ مَرْوِيٍّ فِي الْعَدَدِ يُحْمَلُ عَلَى شُمُولِهِ الْأَصْلِيَّاتِ، وَالزَّوَائِدُ تَلْتَفِتُ مِنْهُ إلَى كَوْنِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، تَكْبِيرَاتُ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعَيْنِ مَعَ الْعَشْرِ أَوْ التِّسْعِ، فَاكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ اللُّزُومِ فِي الْإِحَالَةِ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، إلَّا أَنَّ عَدَّ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي الْأُولَى دُونَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ فِي الثَّانِيَةِ تَخْصِيصٌ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ، وَعَلَى اعْتِبَارِهَا إنَّمَا يَقَعُ الِالْتِفَاتُ إلَى كَوْنِ الْمَرْوِيِّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُخَصِّصُ اتِّصَالُ الِافْتِتَاحِ بِالزَّوَائِدِ. قُلْنَا: فَلَمْ يُتَّجَهْ عَدُّ تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الْأُولَى وَعَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ يَقَعُ الِالْتِفَاتُ إلَى كَوْنِهِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ عَشَرًا. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ) تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَكْبِيرَاتُ الْأَعْيَادِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِيهَا وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى تَكْبِيرَاتِ الْجَنَائِزِ. بَلْ يَكْفِي فِيهِ كَوْنُ الْمُتَحَقِّقِ مِنْ الشَّرْعِ ثُبُوتُ التَّكْبِيرِ، وَلَمْ يَثْبُتْ الرَّفْعُ فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ. وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ قَدْرَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ فَإِنَّ الْمُولَاةَ تُوجِبُ الِاشْتِبَاهَ عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي فِي دَفْعِ الِاشْتِبَاهِ عَنْهُمْ هَذَا الْقَدْرُ فَصَلَ بِأَكْثَرَ أَوْ كَانَ يَكْفِي لِذَلِكَ أَقَلُّ سَكَتَ أَقَلَّ، وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ عِنْدَنَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْعِيدِ بِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) . وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّةً فِي الْعِيدَيْنِ فَقَطْ. [فُرُوعٌ] أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا يُحْرِمُ، ثُمَّ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إدْرَاكُهُ فِي الرُّكُوعِ إنْ كَبَّرَ قَائِمًا كَبَّرَ قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ

قَالَ (ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ) بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ (يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَحْكَامَهَا) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ. (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَقْضِهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْمَحَلُّ الْأَصْلِيُّ لِلتَّكْبِيرِ، وَيُكَبِّرُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي، وَالذِّكْرُ الْفَائِتُ يُقْضَى قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، وَإِنْ خَشِيَ فَوْتَ رُكُوعِ الْإِمَامِ رَكَعَ وَكَبَّرَ فِي رُكُوعِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ فِي مَحَلِّهِ، وَالرَّفْعُ يَكُونُ سُنَّةً لَا فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِهِ فِي الرُّكُوعِ لَزِمَ تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ الْمَفْرُوضَةِ لِلْوَاجِبِ، وَالْقَوْمَةُ لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً بَلْ شُرِعَتْ لِلْفَصْلِ حَتَّى لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِهَا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلتَّكْبِيرِ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً، وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقَوْمَةِ لَا يَقْضِيهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي الرَّكْعَةَ مَعَ تَكْبِيرَاتِهَا الْمَأْمُومُ يَتْبَعُ الْإِمَامَ، وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ حَكَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يُجْتَهَدُ فِيهِ فَلَوْ جَاوَزَ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ إنْ سَمِعَ مِنْهُ التَّكْبِيرَ لَا يُتَابِعُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ يَتْبَعُهُ إلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ إلَى سِتَّ عَشْرَةَ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُتَابِعُهُ؛ لِتَيَقُّنِ خَطَئِهِ كَالْمُتَابَعَةِ فِي الْمَنْسُوخِ، وَإِنْ سَمِعَ مِنْ الْمُبَلِّغِ كَبَّرَ مَعَهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى سِتَّ عَشْرَةَ لِجَوَازِ الْخَطَإِ مِنْ الْمُبَلِّغِ فِيمَا سَبَقَ فَلَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ لِلِاحْتِمَالِ، وَاللَّاحِقُ يُكَبِّرُ بِرَأْيِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلْفَهُ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ. وَمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي التَّشَهُّدِ يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ صَلَاةَ الْعِيدِ بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ؛ وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ كَبَّرَ وَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ. وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ ضَمِّ السُّورَةِ كَبَّرَ وَلَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَمَّتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يُحْتَمَلُ النَّقْضُ، وَبِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تَتِمَّ إذْ لَمْ يَتِمَّ الْوَاجِبُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا فَيُعِيدُهَا رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ. وَلَوْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ وَرَأَى رَأْيَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْرَأُ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْضِي ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ. وَفِي النَّوَادِرِ: يُكَبِّرُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْأَذْكَارِ إجْمَاعًا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتَّكْبِيرِ يُؤَدِّي إلَى الْمُوَالَاةِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ يَكُونُ مُوَافِقًا لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا. وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَرْبَعًا بِرَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَحَوَّلَ إلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدَعُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَيَبْدَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الرَّأْيِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ وَلَوْ فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ فَتَحَوَّلَ إلَى رَأْيِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ فِي الْقِرَاءَةِ لَا يُعِيدُ التَّكْبِيرَ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَوْسِيطِ الْقِرَاءَةِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَبَّرَ بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَتَحَوَّلَ إلَى رَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ مَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ كَبَّرَ مَا بَقِيَ وَأَعَادَ الْفَاتِحَةَ، وَإِنْ تَحَوَّلَ بَعْدَ ضَمِّ السُّورَةِ لَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ) لَا شَكَّ فِي وُرُودِ النَّقْلِ مُسْتَفِيضًا بِالْخُطْبَةِ، أَمَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمُسْتَمِرَّةِ فَلَا، إلَّا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو الرَّقِّيِّ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى

بِالْمُنْفَرِدِ. (فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ صَلَّى الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْخِيرٌ بِعُذْرٍ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ (فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي عِنْدَ الْعُذْرِ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَيُؤَخِّرَ الْأَكْلَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَيَتَوَجَّهَ إلَى الْمُصَلَّى» (وَهُوَ يُكَبِّرُ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَالْفِطْرِ) كَذَلِكَ نُقِلَ (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ فَعَلَ (وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعُ الْوَقْتِ، وَالْخُطْبَةُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِتَعْلِيمِهِ. (فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا لَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ. (وَالتَّعْرِيفُ الَّذِي يَصْنَعُهُ النَّاسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَشْبِيهًا بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عُرْفُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةَ دُونَهُ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَخَطَبَ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قَامَ» ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْعِيدِ بِخُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَكْرِيرِ الْخُطْبَةِ شَيْءٌ، وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ، فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ خَالَفَ السُّنَّةَ وَلَا يُعِيدُ الْخُطْبَةَ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ) يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ وَفِيهِ مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ إلَخْ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَحْمَدُ «فَيَأْكُلُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ» وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، وَصَحَّحَ زِيَادَةَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ) حَاصِلُ مَا رَأَيْنَاهُ فِيهِ كَتَبْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) ظَاهِرُ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ مَطْلُوبُ الِاجْتِنَابِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ

[فصل في تكبيرات التشريق]

(فَصْلٌ فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ) (وَيَبْدَأُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَخْتِمُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمُقَاسَمَةُ تُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأُصُولِ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْوُقُوفَ عَهْدُ قُرْبَةٍ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي غَيْرِهِ. وَجَوَابُهُ عَنْ الْمَرْوِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَا كَانَ لِلتَّشَبُّهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُعَلَّقَةٌ بِقَصْدِ التَّشَبُّهِ، وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ لِلْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمًا لِمَفْسَدَةٍ اعْتِقَادِيَّةٍ تُتَوَقَّعُ مِنْ الْعَوَامّ، وَنَفْسُ الْوُقُوفِ وَكَشْفُ الرُّءُوسِ يَسْتَلْزِمُ التَّشَبُّهَ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ. فَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ عَرَضَ الْوُقُوفُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ كَالِاسْتِسْقَاءِ مَثَلًا لَا يُكْرَهُ، أَمَّا قَصْدُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ فِيهِ فَهُوَ مَعْنَى التَّشَبُّهِ إذَا تَأَمَّلْت، وَمَا فِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ اجْتَمَعُوا لِشَرَفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَازَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِلَا وُقُوفٍ وَكَشْفٍ. [فَصْلٌ فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ] (فَصْلٌ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ) وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ التَّكْبِيرُ الَّذِي هُوَ التَّشْرِيقُ، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ لَا يُسَمَّى تَشْرِيقًا إلَّا إذَا كَانَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَخْصُومَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، وَمَا فِي الْكَافِي مِمَّا يَدْفَعُ هَذَا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي جَوَابِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ بِالتَّكْبِيرِ بِأَثَرِ «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ» أَيْ لَا تَكْبِيرَ إلَّا فِي مِصْرٍ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ مَعْنَاهَا تَكْبِيرُ التَّكْبِيرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ التَّشْرِيقُ فِي هَذَا الْأَثَرِ لَا فِي تِلْكَ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَى التَّكْبِيرِ، لَكِنَّ الْحَقَّ صِحَّتُهَا عَلَى اعْتِبَارِ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ مِثْلَ مَسْجِدِ الْجَامِعِ وَحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا كَذَلِكَ تَصْحِيحًا، فَحِينَئِذٍ مَا قِيلَ لَقَبُ الْفَصْلِ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ التَّكْبِيرِ لَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ؛ لِيَكُونَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ غَيْرُ لَازِمٍ، وَأَيْضًا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ أُضِيفَتْ التَّكْبِيرَاتُ إلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لَكِنْ إنَّمَا أُضِيفَتْ إلَى التَّشْرِيقِ نَفْسِهِ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذُكِرَ

أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَخْتِمُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَأَخَذَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ أَخْذًا بِالْأَكْثَرِ، إذْ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَأَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْذًا بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أُرِيدَ بِالتَّشْرِيقِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، أَوْ قُدِّرَتْ الْأَيَّامُ مُقْحَمَةً بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ وَلَا دَاعِي إلَيْهِ فَلْيَرُدَّ بِهِ مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ أُرِيدَ الذَّبْحُ نَفْسُهُ عَلَى بَعْد إضَافَةِ التَّكْبِيرِ لِلذَّبْحِ لَمْ يَلْزَمْ مَا ذُكِرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ سِتَّةٌ تَنْقَضِي بِأَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَحْرٌ فَقَطْ وَالْأَخِيرَ تَشْرِيقٌ فَقَطْ وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ التَّشْرِيقَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّكْبِيرِ أَوْ الذَّبْحِ، أَوْ تَشْرِيقُ اللَّحْمِ بِإِظْهَارِهِ لِلشَّمْسِ بَعْدَ تَقْطِيعِهِ لِيَتَقَدَّدَ، وَعَلَى كِلَيْهِمَا يَدْخُلُ يَوْمُ النَّحْرِ فِيهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّشْرِيقُ بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ لَا يَكُونُ فِي الْأَوَّلِ ظَاهِرًا. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ وَاجِبَةٌ فِي الْمَذَاهِبِ أَوْ سُنَّةٌ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَدَلِيلُ السُّنَّةِ أَنْهَضُ وَهُوَ مُوَاظَبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فَالظَّاهِرُ مِنْهَا ذِكْرُ اسْمِهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ نَسْخًا لِذِكْرِهِمْ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِدَلِيلِ {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] بَلْ قَدْ قِيلَ: إنَّ الذِّكْرَ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْسِ الذَّبْحِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَأَخَذَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَهُ، وَأَخَذَ هُوَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا. حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَوْلُ مَنْ جَعَلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافُ مُقْتَضَى التَّرْجِيحِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ لَا فِي نَفْسِ الذِّكْرِ. وَالْأَصْلُ فِي الْأَذْكَارِ الْإِخْفَاءُ وَالْجَهْرُ بِهِ بِدْعَةٌ، فَإِذَا تَعَارَضَا فِي الْجَهْرِ تَرَجَّحَ الْأَقَلُّ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَارَةَ قَالَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَكَانَ يُكَبِّرُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ وَيَقْطَعُهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ» وَصَحَّحَهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ خَبَرٌ وَاهٍ كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ، وَسَعِيدٌ إنْ كَانَ

وَالتَّكْبِيرُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً وَاحِدَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه. (وَهُوَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ فِي الْجَمَاعَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَيْسَ عَلَى جَمَاعَاتِ النِّسَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، وَلَا عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسَافِرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مُقِيمٌ. وَقَالَا: هُوَ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. وَالتَّشْرِيقُ هُوَ التَّكْبِيرُ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ، إلَّا أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُرَيْزِيُّ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّكْبِيرُ أَنْ يَقُولَ، إلَى قَوْلِهِ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ الْخَلِيلِ) لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَأْثُورًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ، وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ قَالَ: قُلْت لِأَبِي إِسْحَاقَ: كَيْفَ كَانَ يُكَبِّرُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: كَانَا يَقُولَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، ثُمَّ عَمَّمَ عَنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يُكَبِّرُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَحَدُهُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَذَا فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ، فَظَهَرَ أَنَّ جَعْلَ التَّكْبِيرَاتِ ثَلَاثًا فِي الْأُولَى كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ لَا ثَبْتَ لَهُ. وَأَمَّا تَقْيِيدُ اسْتِنَانِهِ أَوْ إيجَابُهُ بِكَوْنِهِ عَقِيبَ الْمَفْرُوضَاتِ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ كَانَ يَفْعَلُ كَذَا دُبُرَ الصَّلَاةِ يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْمَكْتُوبَاتُ بِحَسَبِ غَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) أَرَادَ قَوْلَهُ لَا جُمُعَةَ، إلَى قَوْلِهِ:

يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ إذَا اقْتَدَيْنَ بِالرِّجَالِ، وَعَلَى الْمُسَافِرِينَ عِنْدَ اقْتِدَائِهِمْ بِالْمُقِيمِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. قَالَ يَعْقُوبُ: صَلَّيْت بِهِمْ الْمَغْرِبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَهَوْت أَنْ أُكَبِّرَ فَكَبَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ. دَلَّ أَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ لَا يَتْرُكُهُ الْمُقْتَدِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ. وَلَا يَخْفَى عَدَمُ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَالتَّمَحُّلُ لَا يُجْدِي إلَّا الدَّفْعَ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ اقْتِدَائِهِمْ بِالْمُقِيمِ) قَيَّدَ بِهِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرِينَ إذَا اقْتَدَوْا بِمُسَافِرٍ فِي الْمِصْرِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمْ. وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَلْ الْحُرِّيَّةُ شَرْطُ وُجُوبِهِ أَوْ لَا؟ وَفَائِدَتُهُ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا أَمَّ الْعَبْدُ قَوْمًا مَنْ شَرَطَهَا قَالَ لَا، وَمَنْ لَا قَالَ نَعَمْ. (قَوْلُهُ: قَالَ يَعْقُوبُ) هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ، وَيَعْقُوبُ هُوَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَتَضَمَّنَتْ الْحِكَايَةُ مِنْ الْفَوَائِدِ الْحَكِيمَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي بَلْ يُكَبِّرُ هُوَ وَالْعُرْفِيَّةُ جَلَالَةُ قَدْرِ أَبِي يُوسُفَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِظَمُ مَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي قَلْبِهِ حَيْثُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً حِينَ عَلِمَهُ خَلَفُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَادَةَ إنَّمَا هُوَ نِسْيَانُ التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْكَائِنُ عَقِيبَ فَجْرِ عَرَفَةَ، فَأَمَّا بَعْدَ تَوَالِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ يُكَبِّرُ فِيهَا إلَى الرَّابِعِ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِنِسْيَانِهِ؛ لِعَدَمِ بُعْدِ الْعَهْدِ بِهِ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ أَحْدَثَ عَامِدًا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْبِيرُ. وَفِي الِاسْتِدْبَارِ عَنْ الْقِبْلَةِ رِوَايَتَانِ: لَوْ أَحْدَثَ نَاسِيًا بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ لِلطَّهَارَةِ، وَالْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرِ، وَلَوْ تَابَعَهُ لَا تَفْسُدُ. وَفِي التَّلْبِيَةِ تَفْسُدُ، وَيَبْدَأُ الْمُحْرِمُ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ. وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ ذَكَرَ فِي أَيَّامِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ قَضَاهَا وَكَبَّرَ، وَإِنْ قَضَى بَعْدَهَا لَمْ يُكَبِّرْ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا قَضَى فِي أَيَّامِ تَشْرِيقٍ أُخْرَى.

[باب صلاة الكسوف]

(بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) قَالَ (إذَا انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ) وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] (بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ مُتَشَارِكَةٌ فِي عَوَارِضَ هِيَ الشَّرْعِيَّةُ نَهَارًا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ. وَصَلَاةُ الْعِيدِ آكَدُ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْجُمْهُورِ أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى قُوَيْلَةٍ، وَاسْتِنَانُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَظَهَرَ وَجْهُ تَرْتِيبِ أَبْوَابِهَا، وَيُقَالُ: كَسَفَ اللَّهُ الشَّمْسَ يَتَعَدَّى، وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ لَا يَتَعَدَّى. قَالَ جَرِيرٌ: حُمِّلْتَ أَمْرًا عَظِيمًا فَاصْطَبَرْت لَهُ ... وَقُمْت فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ يَا عُمَرَا فَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكَاسِفَةٍ ... تُبْكِي عَلَيْك نُجُومَ اللَّيْلِ وَالْقَمَرَا قَوْلُهُ: " يَا عُمَرَا " نُدْبَةً لَا نِدَاءً، وَهُوَ شَاهِدُ النَّدْبِ بِيَا عَلَى قِلَّةٍ وَالْأَكْثَرُ لَفْظُ وَا " نُجُومُ اللَّيْلِ " نُصِبَ بِتُبْكِي؛ لِأَنَّهُ مُضَارِعُ بَاكَيْتُهُ فَبَكَيْته: أَيْ غَلَبْته فِي الْبُكَاءِ، وَالْقَمَرَا عَطْفٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ بِرَفْعِ النُّجُومِ فَهُوَ فَاعِلُ تَبْكِي، وَالْقَمَرَا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَعِيَّةِ، وَالْأَلِفُ أَلِفُ الْإِطْلَاقِ الَّتِي تَلْحَقُ الْقَوَافِي الْمُطْلَقَةِ. وَسَبَبُهَا الْكُسُوفُ، وَصِفَتُهَا سُنَّةٌ، وَاخْتَارَ فِي الْأَسْرَارِ وُجُوبَهَا لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» قَالَ: وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُقَامُ عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ فَكَانَ شِعَارًا لِلدِّينِ حَالَ الْفَزَعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ دَفْعُ الْأَمْرِ الْمَخُوفِ فَهِيَ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ إلَيْنَا دُنْيَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ ثُمَّ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَفْزَاعُ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْهَلَاكِ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ لَا يُعَاقَبُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى ذَلِكَ فَتُفْتَرَضُ التَّوْبَةُ، وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّلَاةِ وَإِلَّا لَكَانَتْ فَرْضًا. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي بَابِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اسْتِنَانِ شِعَارٍ مَقْصُودٍ ابْتِدَاءً فَضْلًا عَنْ شِعَارٍ يَتَعَلَّقُ بِعَارِضٍ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُصَلَّى بِجَمَاعَةٍ وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ. وَلَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ (قَوْلُهُ: كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ) أَيْ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلَا خُطْبَةٍ، وَيُنَادِي الصَّلَاةَ جَامِعَةً

الشَّافِعِيُّ: رُكُوعَانِ. لَهُ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، وَلَنَا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَالُ أَكْشَفُ عَلَى الرِّجَالِ لِقُرْبِهِمْ فَكَانَ التَّرْجِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِيَجْتَمِعُوا إنْ لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا (قَوْلُهُ: لَهُ رِوَايَةُ عَائِشَةَ) أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْهَا قَالَتْ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ فَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَالَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا هُوَ أَدْنَى مِنْ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» انْتَهَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ نَحْوُهُ، وَلَفْظُ ابْنِ عَمْرٍو فِي مُسْلِمٍ «لَمَّا انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَرَكَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ جَلَى عَنْ الشَّمْسِ» (قَوْلُهُ وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ) وَقِيلَ لَعَلَّهُ ابْنُ عَمْرٍو يَعْنِي: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَتَصَحَّفَ عَلَى بَعْضِ النُّسَّاخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ، وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ» وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ مِنْ أَجْلِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ انْتَهَى. وَهَذَا تَوْثِيقٌ مِنْهُ لِعَطَاءٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ لَهُ مَقْرُونًا بِأَبِي بِشْرٍ. وَقَالَ أَيُّوبُ هُوَ ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بَيْنَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ قَالَ «بَيْنَا أَنَا وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضَيْنِ لَنَا حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي عَيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاظِرِ مِنْ الْأُفُقِ اسْوَدَّتْ حَتَّى آضَتْ كَأَنَّهَا تَنُّومَةٌ، فَقَالَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ: انْطَلِقْ بِنَا إلَى الْمَسْجِدِ فَوَاَللَّهِ لَيُحْدِثَنَّ شَأْنُ هَذِهِ الشَّمْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمَّتِهِ حَدَثًا، قَالَ: فَدَفَعْنَا فَإِذَا هُوَ بَارِزٌ، فَاسْتَقْدَمَ فَصَلَّى فَقَامَ كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا، ثُمَّ رَكَعَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَوَافَقَ تَجَلِّي الشَّمْسِ جُلُوسَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد. وَفِي أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ» ، وَفِي النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَزَعًا حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى انْجَلَتْ. قَالَ: إنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ إلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ. إنَّ اللَّهَ إذَا بَدَا لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَّلُوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ» وَرَوَى مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا. وَأَبُو قِلَابَةَ أَدْرَكَ ابْنَ بَشِيرٍ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مُرْسَلٌ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ قَالَ «كَسَفَتْ الشَّمْسُ» وَفِيهِ «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهَا الْقِيَامَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ فَقَالَ: إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَّلُوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ» ثُمَّ رَوَاهُ بِسَنَدٍ آخَرَ فَأَدْخَلَ بَيْنَ أَبِي قِلَابَةَ وَقَبِيصَةَ هِلَالَ بْنَ عَامِرٍ، فَقَدْ عُرِفَ السَّاقِطُ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ فَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ النَّوَوِيُّ: هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ هِلَالًا ثِقَةٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْمَسْجِدِ وَثَابَ النَّاسُ إلَيْهِ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فَانْجَلَتْ، فَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْهَا صَحِيحٌ، وَمِنْهَا الْحَسَنُ قَدْ دَارَتْ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: مِنْهَا مَا فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَمِنْهَا الْأَمْرُ بِأَنْ يَجْعَلُوهَا كَأَحْدَثِ مَا صَلُّوهُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَهِيَ

لِرِوَايَتِهِ (وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَيُخْفِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَجْهَرُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّبْحُ، فَإِنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحَيْنِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ، فَأَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ رَكْعَتَانِ. وَمِنْهَا مَا فُصِّلَ فَأَفَادَ تَفْصِيلُهُ أَنَّهَا بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وَابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَمْلُ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رُكُوعَيْنِ خُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ. لَا يُقَالُ: الرَّكْعَةُ اسْمٌ لِلْأَفْعَالِ الَّتِي آخِرُهَا السَّجْدَتَانِ وَقَبْلَهُمَا رُكُوعٌ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ؟ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي هِيَ قِيَامٌ وَاحِدٌ وَقِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ وَرُكُوعٌ وَاحِدٌ وَسَجْدَتَانِ فَهُوَ مَفْهُومُهَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ لَا مَا اشْتَمَلَ عَلَى قِرَاءَتَيْنِ وَقِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ. وَأَمَّا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَيُقَالُ أَيْضًا لِمُجَرَّدِ الرُّكُوعِ، فَهُوَ إمَّا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَجْمُوعِ الْأَفْعَالِ الَّتِي مِنْهَا الرُّكُوعُ الْوَاحِدُ وَبَيَّنَهُ بِدَلِيلِ مَا رَوَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» وَالْمُرَادُ عِنْدَهُمْ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ فَسَمَّتْ كُلَّ رُكُوعٍ رَكْعَةً. وَكَذَا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو الَّذِي رَوَوْهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ. وَإِمَّا مَجَازٌ عُرْفِيٌّ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمْ حَيْثُ أَرَادُوا قَيَّدُوهُ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، وَقَوْلُهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَحَيْثُ أَرَادُوا الْأَوَّلَ أَطْلَقُوا اسْمَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْمَجَازَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، فَظَهَرَ أَنَّ حَقِيقَةَ لَفْظِ رَكْعَتَيْنِ مَا كَانَ كُلُّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ وَمَجَازُهَا الْمُسْتَعْمَلُ نَفْسُ الرُّكُوعِ الْوَاحِدِ، فَإِرَادَةُ قِيَامَيْنِ وَقِرَاءَتَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ بَعْدَهَا سُجُودَانِ بِهَا لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ، وَلَا مَجَازٍ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ إمْكَانُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ يَكْفِي فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ إذَا أَوْجَبَهُ دَلِيلٌ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ كَوْنُ أَحَادِيثِ الرُّكُوعَيْنِ أَقْوَى، قُلْنَا هَذِهِ أَيْضًا فِي رُتْبَتِهَا. أَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ آخِرًا فَلَا شَكَّ، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُد، وَالْبَاقِي لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَقَدْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ فَيَرْتَقِي إلَى الصَّحِيحِ، فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ حِينَئِذٍ فَكَافَأَتْ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ وَكَوْنُ بَعْضِ تِلْكَ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْكُلُّ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، غَايَةُ مَا فِيهِ كَثْرَةُ الرُّوَاةِ وَلَا تَرْجِيحَ عِنْدَنَا بِذَلِكَ، ثُمَّ الْمَعْنَى الَّذِي رَوَيْنَاهُ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ وَالْمَعْنَى هُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَفَرَّقَ فِي آحَادِ الْكُتُبِ وَثَنَائِهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْمُتُونِ. وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا أَقْوَى سَنَدًا فَالضَّعِيفُ قَدْ يَثْبُتُ مَعَ صِحَّةِ الطَّرِيقِ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيهَا. فَإِنَّ أَحَادِيثَ تَعَدُّدِ الرُّكُوعِ اضْطَرَبَتْ وَاضْطَرَبَ فِيهَا الرُّوَاةُ أَيْضًا، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ رَوَى رُكُوعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ. فَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» ، وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الرَّكْعَةِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ نَفْسِهِ حَدِيثَ الرُّكُوعَيْنِ قَالَ «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» وَكَذَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ إنَّهَا بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ وَكَمَا قَدَّمْنَا عَنْهَا بِرُكُوعَيْنِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ تَقَدَّمَ عَنْهُ رِوَايَةُ الرُّكُوعِ الْوَاحِدِ وَالرُّكُوعَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الرُّكُوعِ الْوَاحِدِ اُخْتُلِفَ فِي تَصْحِيحِهَا، بِخِلَافِ رِوَايَةِ الرُّكُوعَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ إيهَانِ ظَنِّ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْهُ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ

أَمَّا التَّطْوِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ فَبَيَانُ الْأَفْضَلِ، وَيُخَفِّفُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، فَإِذَا خَفَّفَ أَحَدُهُمَا طَوَّلَ الْآخَرُ. وَأَمَّا الْإِخْفَاءُ وَالْجَهْرُ فَلَهُمَا رِوَايَةُ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِيهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ: وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا» وَفِي لَفْظٍ «ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ عَلِيٍّ بَلْ أَحَالَ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا خَمْسُ رُكُوعَاتٍ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي كَعْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَفَعَلَ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو حَتَّى تَجَلَّى كُسُوفُهَا» وَأَبُو جَعْفَرٍ فِيهِ مَقَالٌ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوِتْرِ، وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ فَوَجَبَ تَرْكُ رِوَايَاتِ التَّعَدُّدِ كُلِّهَا إلَى رِوَايَاتٍ غَيْرِهَا. وَلَوْ قُلْنَا: الِاضْطِرَابُ شَمَلَ رِوَايَاتِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَوَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ صَحَّ، وَيَكُونُ مُتَضَمِّنًا تَرَجُّحَ رِوَايَاتِ الِاتِّحَادِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَاتِ الطَّلَاقِ: أَعْنِي نَحْوَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» وَعَنْ هَذَا الِاضْطِرَابِ الْكَثِيرِ وَفَّقَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِحَمْلِ رِوَايَاتِ التَّعَدُّدِ. عَلَى أَنَّهُ لَمَّا أَطَالَ فِي الرُّكُوعِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْهُودِ جِدًّا وَلَا يَسْمَعُونَ لَهُ صَوْتًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ رَفْعَ مَنْ خَلْفَهُ مُتَوَهِّمِينَ رَفْعَهُ وَعَدَمُ سَمَاعِهِمْ الِانْتِقَالَ فَرَفَعَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي مَنْ رَفَعَ، فَلَمَّا رَأَى مَنْ خَلْفَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْفَعْ فَلَعَلَّهُمْ انْتَظَرُوهُ عَلَى تَوَهُّمٍ أَنْ يُدْرِكَهُمْ فِيهِ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ رَجَعُوا إلَى الرُّكُوعِ فَظَنَّ مَنْ خَلْفَهُمْ أَنَّهُ رُكُوعٌ بَعْدَ رُكُوعٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَوْا كَذَلِكَ، ثُمَّ لَعَلَّ رِوَايَاتِ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى اتِّفَاقِ تَكَرُّرِ الرَّفْعِ مِنْ الَّذِي خَلْفَ الْأَوَّلِ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْكُسُوفُ فِي زَمَنِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِرَارًا عَلَى بُعْدِ أَنْ يَقَعَ نَحْوَ سِتِّ مَرَّاتٍ فِي نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ، كَانَ رَأْيُنَا أَوْلَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُنْقَلْ تَارِيخُ فِعْلِهِ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْكُسُوفِ الْمُتَأَخِّرِ فَقَدْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فَوَجَبَ الْإِحْجَامُ عَنْ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ كَانَ الْمُتَعَدِّدَ عَلَى وَجْهِ التَّثْنِيَةِ أَوْ الْجَمْعِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، أَوْ كَانَ الْمُتَّحِدَ فَبَقِيَ الْمَجْزُومُ بِهِ اسْتِنَانُ الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي كَيْفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْمَرْوِيَّاتِ فَيُتْرَكُ وَيُصَارُ إلَى الْمَعْهُودِ ثُمَّ يَتَضَمَّنُ مَا قَدَّمْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. وَالْمُصَنِّفُ رَجَّحَ بِأَنَّ الْحَالَ أَكْشَفُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ يَتِمُّ لَوْ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ الرُّكُوعَيْنِ أَحَدٌ غَيْرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ الرِّجَالِ، لَكِنْ قَدْ سَمِعْت مَنْ رَوَاهُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا صِرْنَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّطْوِيلُ فَبَيَانُ الْأَفْضَلِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَسَمُرَةَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا سَلَفَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُطَوِّلَ الْإِمَامُ بِهِمْ الصَّلَاةَ، وَلَوْ خَفَّفَهَا جَازَ وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد «فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ» يُعْطِي أَنَّهُ لَمْ يُبَالِغْ فِي التَّطْوِيلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ جَعَلَ الصَّحَابَةُ يَخِرُّونَ لِطُولِ الْقِيَامِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَمْ تَمْكُثْ مَعَ مِثْلِ هَذَا الطُّولِ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَالْحَقُّ أَنَّ السُّنَّةَ التَّطْوِيلُ، وَالْمَنْدُوبُ مُجَرَّدُ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ كَمَا ذُكِرَ مُطْلَقًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ» إلَى أَنْ قَالَ «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ» ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفًا فَاذْكُرُوا اللَّهَ حَتَّى تَنْجَلِيَ» (وَقَوْلُهُ فَلَهُمَا رِوَايَةُ عَائِشَةَ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَالَتْ «جَهَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ» الْحَدِيثَ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ «جَهَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالتَّرْجِيحُ قَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، كَيْفَ وَإِنَّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَهِيَ عَجْمَاءُ. (وَيَدْعُو بَعْدَهَا حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ شَيْئًا فَارْغَبُوا إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ» ، وَالسُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ تَأْخِيرُهَا عَنْ الصَّلَاةِ (وَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامَ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ، وَلَفْظُهُ «صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ» (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُسُوفَ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ حَرْفًا مِنْ الْقِرَاءَةِ» وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ قِرَاءَةً» ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ ثُمَّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ عَدَدُ رِوَايَتِهِمْ تُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قُرِئَ، إذْ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ. وَيَدْفَعُ حَمْلَهُ عَلَى بُعْدِهِ رِوَايَةُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ «صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِهِ» وَيُوَافِقُ أَيْضًا رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ» وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَتَقَدَّمَ، وَفِيهِ «لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ تَقْدِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِسُورَةِ الْبَقَرَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ سَمَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْسَى الْمَقْرُوءَ الْمَسْمُوعَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِقَدْرِهِ فَيَقُولُ قَرَأَ نَحْوَ سُورَةِ كَذَا، فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى هَذِهِ الدَّلَالَةِ بَلْ بِالنَّظَرِ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ «صَلَّيْتُ إلَى جَانِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَإِذَا حَصَلَ التَّعَارُضُ وَجَبَ التَّرْجِيحُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ الْإِخْفَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالتَّرْجِيحُ قَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ: يَعْنِي أَنَّ الْحَالَ أَكْشَفُ لِلرِّجَالِ فَقَدْ يُقَالُ بَلْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَادَّةِ تَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ النِّسَاءِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُنَّ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ أَوْ فِي حُجَرِهِنَّ، فَإِذَا أَخْبَرْنَ عَنْ الْجَهْرِ دَلَّ عَلَى تَحْقِيقِهِ بِزِيَادَةٍ بِحَيْثُ يَصِلُ الصَّوْتُ إلَيْهِنَّ، فَالْمُعْتَبَرُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ آخِرًا مِنْ قَوْلِهِ كَيْفَ وَإِنَّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَاذْكُرُوا اللَّهَ» إلَى قَوْلِهِ «بِالدُّعَاءِ» حَدِيثَانِ. وَمَعْنَى الْأَوَّلِ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ» وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَالَ: فِي ظُلْمَةٍ أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى لِزَلْزَلَةٍ بِالْبَصْرَةِ. (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ تَأْخِيرُهَا) وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَعَا مُسْتَقْبِلًا جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ يَسْتَقْبِلُ الْقَوْمَ بِوَجْهِهِ وَدَعَا وَيُؤَمِّنُونَ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ. وَلَوْ قَامَ وَدَعَا مُعْتَمِدًا عَلَى عَصَى أَوْ قَوْسٍ كَانَ أَيْضًا

فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى) تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ. (وَلَيْسَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ) لِتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ فِي اللَّيْلِ (أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ) ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» (وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ خُطْبَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَسَنًا. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ إلَخْ) وَمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَمَا أَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فِيهِ سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ، وَلَا أَعْرِفُ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا حَتَّى يَثْبُتَ التَّصْرِيحُ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى يَكُونُ لِنَفْيِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ) أَيْ بِطَرِيقِ قَصْدِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ لِدَفْعِ وَهْمِ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ لِسَبَبٍ عَرَضَ وَانْقَضَى.

[باب الاستسقاء]

(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ، وَإِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] الْآيَةَ، «وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ] (بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) يَخْرُجُونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْهَا مُتَوَاضِعِينَ مُتَخَشَّعِينَ فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ مُشَاةً يُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا فِي مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) مَفْهُومُهُ اسْتِنَانُهَا فُرَادَى وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ) يَعْنِي فِي ذَلِكَ الِاسْتِسْقَاءَ فَلَا يُرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرِّجُ، وَلَوْ تَعَدَّى بَصَرُهُ إلَى قَدْرِ سَطْرٍ حَتَّى رَأَى قَوْلَهُ فِي جَوَابِهِمَا قُلْنَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ. عِنْدَنَا يَجُوزُ لَوْ صَلُّوا بِجَمَاعَةٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَبِهِ أَيْضًا يَبْطُلُ قَوْلُ ابْنِ الْعِزِّ: الَّذِينَ قَالُوا بِمَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ لَمْ يَقُولُوا بِتَعَيُّنِهَا، بَلْ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: تَارَةً يَدْعُونَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ، وَتَارَةً يَخْرُجُونَ إلَى الْمُصَلَّى فَيَدْعُونَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ، وَتَارَةً يُصَلُّونَ جَمَاعَةً وَيَدْعُونَ. وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَبْلُغْهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قُلْنَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِعِلْمِهِمْ بِفِعْلِهِ، وَكَذَا قَوْلُ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ الْمَرْوِيُّ فِيهِ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَهُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ إنَّمَا فِيهِ الدُّعَاءُ، بَلَغَنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ خَرَجَ وَدَعَا» وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا فَاسْتَسْقَى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ صَلَاةٌ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ شَاذٌّ لَا يُؤْخَذُ بِهِ. انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فِي عِلْمِ مُحَمَّدٍ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ كَوْنُ مَا عَلِمَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ مَعْلُومًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ وَبَلَغَ أَتْبَاعَهُ الظَّاهِرُ تَلَقِّيهمْ ذَلِكَ عَنْهُ. ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ وَفِي عَدَمِ الْأَخْذِ بِهِ لِشُذُوذِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُمْ لَوْ صَلُّوا بِجَمَاعَةٍ كَانَ مَكْرُوهًا، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ مِنْ الْكَافِي بِقَوْلِهِ

(وَقَالَا: يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. قُلْنَا: فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُكْرَهُ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ جَمَاعَةً مَا خَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ مِنْ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ قَالَ: أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنْ اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبْتَذِلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: رِوَايَةُ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلَةٌ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، فَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَرَفَعَ يَدَهُ فَدَعَا وَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» زَادَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ «جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ» وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَوَهَّمَ الْبُخَارِيُّ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، بَلْ هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ فِيهِ «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَقَرَأَ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَكَبَّرَ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ» فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا زَعَمَ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ مُعَارَضٌ. أَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَالنَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ، وَأَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضِلَاتِ حَتَّى سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَسْقَى فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكَبِّرْ فِيهِمَا إلَّا تَكْبِيرَةً

(وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ (ثُمَّ يَخْطُبُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ» ثُمَّ هِيَ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكْبِيرَةً» ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لَمْ يَزِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ» وَوَجْهُ الشُّذُوذِ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَاشْتَهَرَ نَقْلُهُ اشْتِهَارًا وَاسِعًا وَلَفَعَلَهُ عُمَرُ حِينَ اسْتَسْقَى وَلَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ؛ لِتَوَافُرِ الْكُلِّ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِاسْتِسْقَاءِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُنْكِرُوا وَلَمْ يَشْتَهِرْ رِوَايَتُهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي كَيْفِيَّتِهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ كَانَ ذَلِكَ شُذُوذًا فِيمَا حَضَرَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّذُوذَ يُرَادُ بِاعْتِبَارِ الطُّرُقِ إلَيْهِمْ، إذْ لَوْ تَيَقَّنَّا عَنْ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ رَفْعَهُ لَمْ يَبْقَ إشْكَالٌ، وَإِذَا مَشَيْنَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْجَوَازُ مَعَ عَدَمِ السُّنِّيَّةِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً كَمَا قُلْتُمْ فَقَدْ تَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَلَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى بِالسَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ» الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هِيَ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَعْنِي فَيَكُونُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ وَلِذَا قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا صَرِيحَ فِي الْمَرْوِيَّاتِ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّهَا خُطْبَتَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْمَرْوِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» مَعَ رِوَايَةِ الْخُطْبَةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ السَّابِقَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ فِيهِ «ثُمَّ خَطَبَنَا وَدَعَا اللَّهَ» فَتَكُونُ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، ثُمَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: فَلَمْ يَخْطُبْ بِخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الْخُطْبَةِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ لَا أَصْلِ الْخُطْبَةِ، فَإِنَّ النَّفْيَ إذَا دَخَلَ عَلَى مُقَيَّدٍ انْصَرَفَ إلَى الْقَيْدِ ثُمَّ أَفَادَ ثُبُوتَ أَصْلِ الْحُكْمِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ الْخَطَابِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَنَا، وَمُطْلَقًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فَلِذَا لَمْ يَنْتَهِضْ. اسْتَدَلَّ مَنْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى نَفْيِ الْخُطْبَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ يَنْفِيهَا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا فَحَاصِلُهُ نَفْيُ الْخُطْبَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ أَصْلِهَا نَفْيًا لِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّهَا رُوِيَتْ وَلَا بُدَّ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ إذْ كَانَ يَنْفِيهَا أَنْ يَحْكُمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَارِدِ فِيهَا فَيَنْتَفِي الدَّلِيلُ وَنَفْيُ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ يَكْفِي لِنَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى وُجُودِ الْخُطْبَةِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ دَلَّ، فَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فَقَدْ سَكَتَ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَسُكُوتُهُ يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ عِنْدَهُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أُعِلَّ بِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: هُوَ صَدُوقٌ وَلَكِنْ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ كَثِيرٌ اهـ. فَلَا يَحْتَمِلُ التَّفَرُّدَ مَعَ هَذَا وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ «خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْقِي فَبَدَأَ

(وَلَا خُطْبَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» (وَيَقْلِبُ رِدَاءَهُ) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَقْلِبُ رِدَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» وَلَمْ يَقُلْ بِاسْتِنَانِهَا وَذَلِكَ لَازِمُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ ضَعْفَهُ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ كَوْنُهُ بِضَعْفِ بَعْضِ الرِّجَالِ بَلْ الْعِلَلُ كَثِيرَةٌ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «شَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ: فَخَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - ثُمَّ قَالَ إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ مِنْ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرِقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَمْ يَأْتِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إلَى الْكِنِّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَذَلِكَ الْكَلَامُ السَّابِقُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَعَلَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَعَلَّهُ بِهَذِهِ الْغَرَابَةِ أَوْ الِاضْطِرَابِ. فَإِنَّ الْخُطْبَةَ فِيهِ مَذْكُورَةٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَهَا وَكَذَا فِي غَيْرِهِ. وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا تَمَّ اسْتِبْعَادُ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ وَقَعَ حَالَ حَيَاتِهِ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، السَّنَةُ الَّتِي اسْتَسْقَى فِيهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ، وَالسَّنَةُ الَّتِي صَلَّى فِيهَا، وَإِلَّا فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. وَفِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمِنْبَرِ. وَقَالَ الْمَشَايِخُ: لَا يُخْرَجُ وَلَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ حُكْمِهِمْ بِصِحَّتِهِ، هَذَا وَيُسْتَحْسَنُ أَيْضًا الدُّعَاءُ بِمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَهُوَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا سَحًّا عَامًّا طَبَقًا دَائِمًا. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ إنَّ بِالْبِلَادِ وَالْعِبَادِ وَالْخَلْقِ مِنْ اللْأَوَاءِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو إلَّا إلَيْكَ. اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا فَإِذَا مُطِرُوا قَالُوا: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، وَيَقُولُونَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ، فَإِنْ زَادَ الْمَطَرُ حَتَّى خِيفَ الضَّرَرُ قَالُوا:

وَمَا رَوَاهُ كَانَ تَفَاؤُلًا (وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» كَبَقِيَّةِ مَا سِيقَ مِنْ الْحَدِيثِ: أَعْنِي الِاسْتِسْقَاءَ عَلَى الْمِنْبَرِ حِينَ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، قَالَ أَنَسٌ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا. قَالَ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكُهَا عَنْهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ» وَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ إذَا تَأَخَّرَ الْمَطَرُ عَنْ أَوَانِهِ فَعَلَهُ أَيْضًا لَوْ مَلَحَتْ الْمِيَاهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا أَوْ غَارَتْ (قَوْلُهُ: وَمَا رَوَاهُ كَانَ تَفَاؤُلًا) اعْتَرَفَ بِرِوَايَتِهِ وَمَنَعَ اسْتِنَانَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ لِأَمْرٍ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لَمْ يُنْقَلْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمُخَرَّجُ لَيْسَ كَذَلِكَ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد «اسْتَسْقَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ» زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ» قَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. انْتَهَى. وَدَفَعَ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ فَنَقَلَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَمَسُّهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ إيَّاهُمْ إذْ حَوَّلُوا أَحَدُ الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ الَّذِي هُوَ مِنْ الْحُجَجِ مَا كَانَ عَنْ عِلْمِهِ، وَلَمْ يَدُلَّ شَيْءٌ مِمَّا رُوِيَ عَلَى عِلْمِهِ بِفِعْلِهِمْ ثُمَّ تَقْرِيرُهُ بَلْ اشْتَمَلَ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ إنَّمَا حَوَّلَ بَعْدَ تَحْوِيلِ ظَهْرِهِ إلَيْهِمْ.

[باب صلاة الخوف]

(وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ. (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) (إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ جَعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ: طَائِفَةٍ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةٍ خَلْفَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّحْوِيلِ كَانَ تَفَاؤُلًا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ قَالَ: «حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» . وَفِي طُوَالَاتِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «وَقَلَبَ رِدَاءَهُ لِكَيْ يَنْقَلِبَ الْقَحْطُ إلَى الْخِصْبِ» وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ: لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ ذَكَرَهُ وَمِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الرَّحْمَةُ الْخَاصَّةُ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاسْتِنْزَالِ الْغَيْثِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَةُ الْعَامَّةُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا وَالْكَافِرُ مِنْ أَهْلِهَا. هَذَا وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَحْدَهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُسْقَوْا فَقَدْ يُفْتَنُ بِهِ ضُعَفَاءُ الْعَوَامّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) أَوْرَدَهَا بَعْدَ الِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ شَرْعِيَّتَهُمَا بِعَارِضِ خَوْفٍ لَكِنَّ سَبَبَ هَذَا الْخَوْفِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سَمَاوِيٌّ، وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ لِلْعِبَادِ وَهُوَ كُفْرُ الْكَافِرِ وَظُلْمُ الظَّالِمِ؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ الْعَارِضِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُنَا فِي وَصْفِهَا (قَوْلُهُ: إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ) اشْتِدَادُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ، فَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا ظَنُّوهُ عَدُوًّا صَلَّوْهَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ كَمَا ظَنُّوا جَازَتْ لِتَبَيُّنِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ تَجُزْ، إلَّا إنْ ظَهَرَ بَعْدَ أَنْ انْصَرَفَتْ الطَّائِفَةُ مِنْ نَوْبَتِهَا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ تَتَجَاوَزَ الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا كَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ شَرَعُوا بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ فَذَهَبُوا لَا يَجُوزُ

فَيُصَلِّي بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ، فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَلِّمُوا، وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَصَلُّوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وُحْدَانًا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ (وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، وَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ (وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا) وَالْأَصْلُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قُلْنَا» . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ الِانْحِرَافُ وَالِانْصِرَافُ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَلَوْ شَرَعُوا فِي صَلَاتِهِمْ ثُمَّ حَضَرَ جَازَ الِانْحِرَافُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إمَامٌ آخَرُ تَمَامَهَا (قَوْلُهُ: فَيُصَلِّي بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ كَانَتْ الْفَجْرَ أَوْ الْجُمُعَةَ أَوْ الْعِيدَ. (قَوْلُهُ: مَضَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ) يَعْنِي مُشَاةً، فَإِنْ رَكِبُوا فِي ذَهَابِهِمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ (قَوْلُهُ: وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ) يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ خَفِيفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامُوا صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَةً، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ فَصَلَّى بِهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّوْا؛ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا» وَأُعِلَّ بِأَبِي عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَخَفِيفٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَاهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ فَصَلَّى وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ مَشْيُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَإِتْمَامُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَكَانِهَا مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ وَهُوَ أَقَلُّ تَغَيُّرًا. وَقَدْ رُوِيَ تَمَامُ صُورَةِ الْكِتَابِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ، وَسَاقَ إسْنَادَ الْإِمَامِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ

وَأَبُو يُوسُفَ وَإِنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا فِي زَمَانِنَا فَهُوَ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِمَا رَوَيْنَا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمُنَافِي فِي الصَّلَاةِ فَالْمَوْقُوفُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ. (قَوْلُهُ: وَأَبُو يُوسُفَ) رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ. وَصِفَتُهَا عِنْدَهُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَنْ يُحْرِمُوا مَعَ الْإِمَامِ كُلُّهُمْ وَيَرْكَعُوا، فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الثَّانِي، فَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا مَعَهُ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] جَعَلَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى طَائِفَتَيْنِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ لَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ انْتَظَرَ هَذِهِ الطَّائِفَةَ حَتَّى تُصَلِّيَ رَكْعَتَهَا الثَّانِيَةَ وَتُسَلِّمَ وَتَذْهَبَ وَتَأْتِيَ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ انْتَظَرَ هَذِهِ الطَّائِفَةَ حَتَّى تُصَلِّيَ رَكْعَتَهَا الثَّانِيَةَ وَتَشْهَدَ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا مَعَهُ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ هَذَا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَنْتَظِرُهُمْ فَيُصَلُّونَ رَكْعَتَهُمْ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ، وَالْكُلُّ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَقْبُولٌ، وَرَجَّحْنَا نَحْنُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنَّهُ أَوْفَقُ بِالْمَعْهُودِ اسْتِقْرَارُهُ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَرْكَعَ الْمُؤْتَمُّ وَيَسْجُدَ قَبْلَ الْإِمَامِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَأَنْ لَا يَنْقَلِبَ مَوْضُوعُ الْإِمَامَةِ حَيْثُ يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً إلَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ. شَرَطَ لِإِقَامَتِهَا

لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» (وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنَهُ فِيهِمْ فَلَا تَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَا حُجَّةَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ لَزِمَ وَقَدْ قَامَ هُنَا، وَهُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِدْلَالَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ؛ لِيُدْفَعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، بَلْ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُنَافِي لَا تَجُوزُ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ إنَّهُ أَجَازَهَا فِي صُورَةٍ بِشَرْطٍ فَعِنْدَ عَدَمِهِ تَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَدَمِ الشَّرْعِيَّةِ لَا أَنَّ عَدَمَ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِهِ مَدْلُولٌ لِلتَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ فَالْجَوَابُ الْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ كَمَا انْتَفَى بِالْآيَةِ حَالَ كَوْنِهِ فِيهِمْ كَذَلِكَ انْتَفَى بَعْدَهُ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى عِلْمِهِمْ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ بِعَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِحَالِ كَوْنِهِ فِيهِمْ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي أَبِي دَاوُد: أَنَّهُمْ غَزَوْا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كَابُلَ فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّاهَا يَوْمَ صَفِّينَ، وَصَلَّاهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِأَصْبَهَانَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي حَرْبِ الْمَجُوسِ بِطَبَرِسْتَانَ وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَأَلَهَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَعَلَّمَهُ فَأَقَامَهَا. وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ؛ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَقُومُ الْإِمَامُ» الْحَدِيثَ. فَالصِّيغَتَانِ فِي الْحَدِيثَيْنِ صِيغَةُ الْفَتْوَى لَا إخْبَارَ عَمَّا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ وَإِلَّا لَقَالَا: قَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصَفَّ خَلْفَهُ إلَخْ دُونَ أَنْ يَقُولَ يَقُومُ الْإِمَامُ، وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَوَّلِ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ فِي الثَّانِي: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَفَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَيْنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَخْبَرَ بِمَا رَوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ يَقُومُ لَا تُصَلَّى بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ

لِأَنَّ تَنْصِيفَ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَجَعَلَهَا فِي الْأُولَى أَوْلَى بِحُكْمِ السَّبْقِ. (وَلَا يُقَاتِلُونَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ فَعَلُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعًا وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ: كُنَّا إذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ فَأَخَذَهُ فَاخْتَرَطَهُ ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ، قَالَ فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ. قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ» فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالسَّلَامِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَمَطْلُوبُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ الثَّانِي فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا الظُّهْرُ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَكَتَ فِيهِ عَنْ تَسْمِيَةِ الصَّلَاةِ وَعَنْ السَّلَامِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لَزِمَ كَوْنُهُ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهَا غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ ثُمَّ يَلْزَمُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ لَزِمَ إمَّا اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، أَوْ جَوَازُ الْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ، أَوْ خَلْطُ النَّافِلَةِ بِالْمَكْتُوبَةِ قَصْدًا، وَالْكُلُّ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا، وَالْأَخِيرُ مَكْرُوهٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ وَتَحْقِيقُهُ مَا سَلَفَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَإِلَى الْآنَ لَمْ يَتِمَّ دَلِيلٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ السُّنَّةِ. وَالْأَوْلَى فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالدَّلَالَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا شُطِرَتْ الصَّلَاةُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي السَّفَرِ غَيْرَ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ فِي الْحَضَرِ عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْخَوْفُ، لَكِنَّ الشَّطْرَ فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ فَيُصَلِّي بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَجَعْلُهَا فِي الْأُولَى أَوْلَى) أَيْ يَتَرَجَّحُ، وَإِذَا تَرَجَّحَ عِنْدَ التَّعَارُضِ فِيهَا لَزِمَ اعْتِبَارُهُ فَلِذَا لَوْ أَخْطَأَ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِانْصِرَافِهِمْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ؛ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِإِدْرَاكِهِمْ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ وَقَدْ انْصَرَفُوا فِي أَوَانِ رُجُوعِهِمْ فَتَبْطُلُ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الِانْصِرَافَ فِي أَوَانِ الْعَوْدِ مُبْطِلٌ، وَالْعَوْدُ فِي أَوَانِ الِانْصِرَافِ لَا يُبْطِلُ؛ لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ وَالْأَوَّلُ مُعْرِضٌ، فَلَا يُعْذَرُ إلَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ الِانْصِرَافُ فِي أَوَانِهِ، وَلَوْ أَخَّرَ الِانْصِرَافَ ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ أَوَانِ عَوْدِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ انْصِرَافِهِ مَا لَمْ يَجِئْ أَوَانُ عَوْدِهِ، وَلَوْ جَعَلَهُمْ ثَلَاثَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ، وَالْمَعْنَى مَا قَدَّمْنَا وَتُقْضَى الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ أَوَّلًا بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ فِيهَا وَتَشَهَّدُوا، ثُمَّ الرَّكْعَةُ بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ وَالْمَسْبُوقُ لَا يَقْضِي مَا سُبِقَ بِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ قَضَاءِ مَا أَدْرَكَهُ وَلَوْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً ثُمَّ بِالْأُولَى رَكْعَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأُولَى أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ إذَا صَلَّى بِكُلٍّ رَكْعَةً، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَهُمْ أَرْبَعًا فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَصَلَّى بِكُلِّ رَكْعَةٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ

وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا تَرَكَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ. ثُمَّ تَقْضِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ أَوَّلًا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، ثُمَّ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ وَالطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ، وَيَتَخَيَّرُ مَنْ فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ فَانْصَرَفُوا إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ فَصَلَّى الثَّالِثَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَمَا بَعْدَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَرَاغِ أَوَانُ انْصِرَافِهِمْ، وَكَذَا لَوْ انْصَرَفَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَبْلَ الْقُعُودِ وَلَوْ انْحَرَفَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ عَوْدِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَهُوَ مِنْهُمْ لَكِنَّهَا لَا تَفْسُدُ لِانْتِهَاءِ الْأَرْكَانِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِأَنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ فَسَدَتْ، وَصَلَاةُ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لِعَدَمِ الْمُفْسِدِ فِي حَقِّهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا تَرَكَهَا) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي الصَّحِيحِ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَلِذَا لَمْ يُصَلِّهَا إذْ ذَاكَ. وَقَوْلُهُ فِي الْكَافِي: إنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ قَبْلَ الْخَنْدَقِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ السِّيَرِ فِي تَارِيخِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْغَزْوَةِ. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ لِلنَّسَائِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ «حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ» فَذَكَرَهُ إلَى أَنْ قَالَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ {فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] انْتَهَى. وَهَذَا لَا يَمَسُّ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ الْقِتَالِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تُفِيدُ الصَّلَاةَ رَاكِبًا لِلْخَوْفِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْقِتَالِ، فَالْحَقُّ أَنَّ نَفْسَ صَلَاةِ الْخَوْفِ بِالصِّفَةِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ إنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ، وَإِنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ بَعْدَ الْخَنْدَقِ. ثُمَّ لَا يَضُرُّنَا فِي مُدَّعَى الْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى بِعُسْفَانَ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَازِلًا بَيْنَ ضَجْنَانَ وَعُسْفَانَ فَحَاصَرَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّ لِهَؤُلَاءِ صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ ثُمَّ مِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً، فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ أَصْحَابَهُ نِصْفَيْنِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدٌ فَسَاقَهُ وَقَالَ فَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ فَفَرَّقَنَا فِرْقَتَيْنِ» الْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ غَزْوَةَ عُسْفَانَ كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْخَوْفَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ» عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ، فَلَزِمَ أَنَّهَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَبَعْدَ عُسْفَانَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ شَهِدَا غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّهُ شَهِدَ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَلُفُّونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ لَمَّا نُقِبَتْ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ» ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالسُّنَنِ «أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ: هَلْ صَلَّيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ مَتَى؟ قَالَ عَامَ غَزْوَةِ نَجْدٍ» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، فَإِنَّ إسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ

(فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءُوا إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَسَقَطَ التَّوَجُّهُ لِلضَّرُورَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ الْمُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ، فَهِيَ بَعْدُ مَا هُوَ بَعْدُ، فَمَنْ جَعَلَهَا قَبْلَ الْخَنْدَقِ فَقَدْ وَهِمَ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُدَّعِي أَنْ لَا تُصَلَّى حَالَةَ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُسَايَفَةِ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهُ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، إذْ لَوْ جَازَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَشْرُوعَ بَعْدَهَا مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ بِالصِّفَةِ الْخَاصَّةِ لَمْ يُفِدْ جَوَازُهُ، وَإِنْ اشْتَمَلَتْ الْآيَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِأَخْذِ الْأَسْلِحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الِاسْتِئْنَافِ إنْ وَقَعَ مُحَارَبَةٌ، فَالْقَدْرُ الْمُتَحَقِّقُ مِنْ فَائِدَةِ الْأَمْرِ بِأَخْذِ الْأَسْلِحَةِ إبَاحَةُ الْقِتَالِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ. فَأَفَادَتْ حِلَّ فِعْلِ هَذَا الْمُفْسَدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا فَيَبْقَى كُلُّ مَا عُلِمَ عَلَى مَا عُلِمَ مَا لَمْ يَنْفِهِ نَافٍ، وَاَلَّذِي كَانَ مَعْلُومًا حُرْمَةُ مُبَاشَرَةِ الْمُفْسِدِ وَثُبُوتُ الْفَسَادِ بِفِعْلِهِ. وَالْقَدْرُ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ الْأَمْرُ بِأَخْذِ الْأَسْلِحَةِ رَفْعُ الْحُرْمَةِ لَا غَيْرُ فَيَبْقَى الْآخَرُ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ) بِأَنْ لَا يَدَعَهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يُهَاجِمُونَهُمْ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ) يَعْنِي الرُّكْبَانَ (قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ) لَكِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: قَدْ جُوِّزَ لَهُمْ مَا أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ مَا ثَبَتَ شَرْعًا مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا لَا يَتَعَدَّى بِهَا، إنَّمَا يَنْتَهِضُ إذَا كَانَ إلْحَاقُ مُحَمَّدٍ بِالْقِيَاسِ لَكِنَّهُ بِالدَّلَالَةِ حَيْثُ قَالَ: جُوِّزَ لَهُمْ مَا هُوَ أَشَدُّ لَكِنَّ تَمَامَهُ مَوْقُوفٌ، عَلَى أَنَّهُ تَجْوِيزُ مَا هُوَ أَشَدُّ شَرْعًا كَانَ لِحَاجَةِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُفْتَقَرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ اجْتِهَادٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، هَذَا وَلَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَجَازَ اقْتِدَاءُ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا بِالْمُتَقَدِّمِ اتِّفَاقًا.

[باب الجنائز]

(بَابُ الْجَنَائِزِ) (وَإِذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ وُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَارُ فِي بِلَادِنَا الِاسْتِلْقَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ (وَلُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابُ الْجَنَائِزِ) صَلَاةُ الْجِنَازَةِ صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مُطْلَقَةٌ، ثُمَّ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَارِضٍ هُوَ آخِرُ مَا يَعْرِضُ لِلْحَيِّ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَقِلُّ بِمُنَاسَبَةِ تَأْخِيرِهَا عَنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَا. وَلِهَذِهِ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا صِفَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ، وَرُكْنٌ وَسُنَنٌ وَآدَابٌ. أَمَّا صِفَتُهَا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ. وَسَبَبُهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهَا وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّهِ. وَرُكْنُهَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَمَّا شَرْطُهَا فَمَا هُوَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَتَزِيدُ هَذِهِ بِأُمُورٍ سَنَذْكُرُهَا. وَسُنَنُهَا كَوْنُهُ مُكَفَّنًا بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ بِثِيَابِهِ فِي الشَّهِيدِ، وَكَوْنُ هَذَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ تَسَاهُلًا، وَآدَابُهَا كَغَيْرِهَا، وَالْجِنَازَةُ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ. وَالْمُحْتَضَرُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ، وُصِفَ بِهِ لِحُضُورِ مَوْتِهِ أَوْ مَلَائِكَةِ الْمَوْتِ، وَعَلَامَاتُ الِاحْتِضَارِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا يَنْتَصِبَانِ، وَيَتَعَوَّجُ أَنْفُهُ وَتَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ، وَتَمْتَدُّ جِلْدَةُ خُصْيَيْهِ؛ لِانْشِمَارِ الْخُصْيَتَيْنِ بِالْمَوْتِ. وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ [بَابُ الْجَنَائِزِ] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَيْسَرُ) لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ وَجْهٌ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا نَقْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَيْسَرِ مِنْهُمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَيْسَرُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ، وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ، ثُمَّ إذَا أُلْقِيَ عَلَى الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ) أَمَّا تَوْجِيهُهُ «؛ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَقَالُوا تُوُفِّيَ وَأَوْصَى بِثُلُثِهِ لَكَ، وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصَابَ الْفِطْرَةَ، وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ. وَأَمَّا أَنَّ السُّنَّةَ كَوْنُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَقِيلَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِحَدِيثِ النَّوْمِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي سَلَّمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ مِتَّ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقِبْلَةِ، وَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ سَلْمَى قَالَتْ اشْتَكَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - شَكَوَاهَا الَّتِي قُبِضَتْ فِيهَا فَكُنْتُ أُمَرِّضُهَا، فَأَصْبَحَتْ يَوْمًا كَأَمْثَلِ

«لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ (فَإِذَا مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، ثُمَّ فِيهِ تَحْسِينُهُ فَيُسْتَحْسَنُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا رَأَيْتهَا، وَخَرَجَ عَلِيٌّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَتْ: يَا أُمَّهْ أَعْطِنِي ثِيَابِي الْجُدُدَ، فَأَعْطَيْتهَا فَلَبِسَتْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ قَدِّمِي لِي فِرَاشِي وَسَطَ الْبَيْتِ، فَفَعَلْت وَاضْطَجَعَتْ فَاسْتَقْبَلَتْ الْقِبْلَةَ، وَجَعَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ إنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ وَقَدْ تَطَهَّرْتُ فَلَا يَكْشِفْنِي أَحَدٌ، فَقُبِضَتْ مَكَانَهَا فَضَعِيفٌ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ شَاهِينَ فِي بَابِ الْمُحْتَضَرِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ لَهُ غَيْرَ أَثَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ " يَسْتَقْبِلُ الْمَيِّتُ الْقِبْلَةَ " وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوُهُ بِزِيَادَةِ " عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ مَا عَلِمْتُ أَحَدًا تَرَكَهُ مِنْ مَيِّتٍ "، وَلِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ وَمِنْ اضْطِجَاعِهِ فِي مَرَضِهِ. وَالسُّنَّةُ فِيهِمَا ذَلِكَ فَكَذَا فِيمَا قَرُبَ مِنْهُمَا. وَحَدِيثُ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ الْخُدْرِيِّ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ نَحْوَهُ سَوَاءً (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ) مِثْلُ لَفْظِ الْقَتِيلِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . وَأَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ فَقِيلَ يُفْعَلُ لِحَقِيقَةِ مَا رَوَيْنَا، وَنُسِبَ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَخِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ. وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُنْهَى عَنْهُ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ يَا ابْنَ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ. وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَاتَ مُسْلِمًا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ يُمْكِنُ جَعْلُهُ الصَّارِفَ: يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّذْكِيرُ فِي وَقْتِ تَعَرُّضِ الشَّيْطَانِ وَهَذَا لَا يُفِيدُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَدْ يَخْتَارُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ وَالِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ فِي حَقِّ التَّذْكِيرِ لِتَثْبِيتِ الْجَنَانِ لِلسُّؤَالِ فَنَفْيُ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ. نَعَمْ الْفَائِدَةُ الْأَصْلِيَّةُ مُنْتَفِيَةٌ. وَعِنْدِي أَنَّ مَبْنَى ارْتِكَابِ هَذَا الْمَجَازِ هُنَا عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا هُوَ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْمَعُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالضَّرْبِ. لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ مَيِّتًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى مَا يُفْهَمُ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ السَّمَاعِ. وَأَوْرَدَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ الْقَلِيبِ أَقُولُ مِنْهُمْ وَأَجَابُوا تَارَةً بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَيْفَ يَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَتَارَةً بِأَنَّ تِلْكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْجِزَةٌ وَزِيَادَةُ حَسْرَةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَتَارَةً بِأَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ الْمِثْلِ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَيَشْكُلُ عَلَيْهِمْ مَا فِي مُسْلِمٍ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا» اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِأَوَّلِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ مُقَدِّمَةً لِلسُّؤَالِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ تَحْقِيقَ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ الْكُفَّارَ بِالْمَوْتَى لِإِفَادَةِ تَعَذُّرِ سَمَاعِهِمْ وَهُوَ فَرْعُ عَدَمِ سَمَاعِ الْمَوْتَى، إلَّا أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَ إرْجَاعِ الرُّوحِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لَفْظُ مَوْتَاكُمْ فِي حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْآنَ حَيٌّ، إذْ لَيْسَ مَعْنَى الْحَيِّ إلَّا مَنْ فِي بَدَنِهِ الرُّوحُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ

[فصل في الغسل]

(فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ) (وَإِذَا مَا أَرَادُوا غُسْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّلْقِينِ حَالَةَ الِاحْتِضَارِ، إذْ لَا يُرَادُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا وَلَا مَجَازِيَّانِ، وَلَيْسَ يَظْهَرُ مَعْنَى يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ يُعْتَبَرُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ؛ لِيَكُونَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ لِلتَّضَادِّ، وَشَرْطُ إعْمَالِهِ فِيهِمَا أَنْ لَا يَتَضَادَّا. ثُمَّ يَنْبَغِي فِي التَّلْقِينِ فِي الِاحْتِضَارِ أَنْ يُقَالَ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ. قَالُوا: وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ، وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ، وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ حَالَ الْمَوْتِ، وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ مُؤْلِفُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَوَّضَ أَمْرَهُ إلَى الرَّبِّ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ طَالِبًا مِنْهُ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ أَنْ يَرْحَمَ عَظِيمَ فَاقَتِي بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، ثُمَّ يَقُولُ مُغْمِضُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك، وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ. [فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ] (فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ) غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ: قِيلَ يُيَمَّمُ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَسَنَدُ الْإِجْمَاعِ فِي السُّنَّةِ: قِيلَ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَعْنَى. أَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ آدَم رَجُلًا أَشْعَرَ طُوَالًا كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ نَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ بِحَنُوطِهِ وَكَفَنِهِ مِنْ الْجَنَّةِ» فَلَمَّا مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ ثَلَاثًا وَجَعَلُوا فِي الثَّالِثَةِ كَافُورًا، وَكَفَّنُوهُ فِي وِتْرٍ مِنْ الثِّيَابِ، وَحَفَرُوا لَهُ لَحْدًا وَصَلَّوْا عَلَيْهِ وَقَالُوا: هَذِهِ سُنَّةُ وَلَدِ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ عَنْ عَتِيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَفِيهِ قَالُوا «يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ فَكَذَاكُمْ فَافْعَلُوا» وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ؛ لِأَنَّ عَتِيَّ بْنَ ضَمْرَةَ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ الْحَسَنِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ

وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرٍ) لِيَنْصَبَّ الْمَاءُ عَنْهُ (وَجَعَلُوا عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةً) إقَامَةً لِوَاجِبِ السَّتْرِ، وَيَكْتَفِي بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَاحِلَتُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِيهِ «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُنَّ فِي ابْنَتِهِ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَقَدْ غُسِّلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَالنَّاسُ يَتَوَارَثُونَهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ تَرْكُهُ إلَّا فِي الشَّهِيدِ. وَمَا فِي الْكَافِي عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَمَانِيَةُ حُقُوقٍ» وَذَكَرَ مِنْهَا غُسْلَ الْمَيِّتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ» فَزَادَ «وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ» . ثُمَّ عَقَلَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ إيجَابَهُ لِقَضَاءِ حَقِّهِ فَكَانَ عَلَى الْكِفَايَةِ لِصَيْرُورَةِ حَقِّهِ مَقْضِيًّا بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى؛ فَلِأَنَّهُ كَإِمَامِ الْقَوْمِ حَتَّى لَا تَصِحَّ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ، وَطَهَارَةُ الْإِمَامِ شَرْطٌ فَكَذَا طَهَارَتُهُ فَهُوَ فَرْعُ ثُبُوتِ وُجُوبِ غُسْلِهِ سَمْعًا فَلَيْسَ هُوَ مَعْنًى مُسْتَقِلًّا بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ فِي إفَادَةِ وُجُوبِ الْغُسْلِ. هَذَا وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِهِ قِيلَ لَيْسَ لِنَجَاسَةٍ تَحِلُّ بِالْمَوْتِ بَلْ لِلْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ لِلِاسْتِرْخَاءِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْحَيِّ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِيهِ لِلْحَرَجِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِ سَبَبِ الْحَدَثِ مِنْهُ. فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ سَبَبُ الْحَرَجِ فِي الْمَيِّتِ عَادَ الْأَصْلُ؛ وَلِأَنَّ نَجَاسَةَ الْحَدَثِ تَزُولُ بِالْغُسْلِ لَا نَجَاسَةُ الْمَوْتِ لِقِيَامِ مُوجِبِهَا بَعْدَهُ. وَقِيلَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ سَبَبُهُ نَجَاسَةُ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ فَيَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَلِذَا لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ غُسْلِهِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَ لِلْحَدَثِ لَصَحَّتْ كَحَمْلِ الْمُحْدِثِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْآدَمِيَّ الْمُسْلِمَ خُصَّ بِاعْتِبَارِ نَجَاسَتِهِ الْمَوْتِيَّةِ زَائِلَةً بِالْغُسْلِ تَكْرِيمًا، بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِهِ بَعْدَهُ. وَقَوْلُكُمْ نَجَاسَةُ الْمَوْتِ لَا تَزُولُ لِقِيَامِ مُوجِبِهَا مُشْتَرِكَ الْإِلْزَامِ فَإِنَّ سَبَبَ الْحَدَثِ أَيْضًا قَائِمٌ بَعْدَ الْغُسْلِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» فَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لِلْحَدَثِ. وَهَلْ يُغَسَّلُ الْكَافِرُ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ، وَهُوَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ؟ غَسَّلَهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْغُسْلِ بَلْ كَغَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يُغَسَّلُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِلْغُسْلِ النِّيَّةُ؟ . الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا لِتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ هُوَ، وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَيِّتِ إذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ أَوْ جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ. انْتَهَى. وَلِأَنَّا لَمْ نَقْضِ حَقَّهُ بَعْدُ. وَقَالُوا فِي الْغَرِيقِ: يُغَسَّلُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ: إنْ نَوَى الْغُسْلَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلُ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَثَلَاثًا. جَعَلَ حَرَكَةَ الْإِخْرَاجِ بِالنِّيَّةِ غَسْلَةً، وَعَنْهُ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَأَنَّ هَذِهِ ذَكَرَ فِيهَا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ (قَوْلُهُ: وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرٍ) قِيلَ طِوَالًا إلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ عَرْضًا. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ (قَوْلُهُ: وَوَضَعُوا عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةً) ؛ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ لَا يَسْقُطُ حُكْمُهَا بِالْمَوْتِ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تَنْظُرْ إلَى فَخْذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» وَلِذَا لَا يَجُوزُ تَغْسِيلُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا

هُوَ الصَّحِيحُ تَيْسِيرًا (وَنَزَعُوا ثِيَابَهُ) لِيُمْكِنَهُمْ التَّنْظِيفُ. (وَوُضُوءُهُ مِنْ غَيْرِ مَضْمَضَةٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٍ) ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ عَلَى الْغَاسِلِ فِي اسْتِنْجَاءِ الْمَيِّتِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يَلُفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً لِيَغْسِلَ سَوْءَتَهُ، وَكَذَا عَلَى الرِّجَالِ إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَا امْرَأَةً تُغَسِّلُهَا أَنْ يُيَمِّمَهَا رَجُلٌ وَيَلُفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً لِذَلِكَ، وَلَا يُسْتَنْجَى الْمَيِّتُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ يُسْتَرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ، وَصَحَّحَهَا فِي النِّهَايَةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ آنِفًا (وَقَوْلُهُ وَنَزَعُوا عَنْهُ ثِيَابَهُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: السُّنَّةُ أَنْ يُغَسَّلَ فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ أَوْ يُشْرَطُ كُمَّاهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ. قُلْنَا: ذَاكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا نُجَرِّدُهُ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نُغَسِّلُهُ فِي ثِيَابِهِ؟ فَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ: لَا تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةٍ: اغْسِلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ الْمُسْتَمِرَّةَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّجْرِيدُ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَيَتَنَجَّسُ الْمَيِّتُ بِهِ وَيَشِيعُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا طِيبٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ عَلَى أَصَابِعِهِ خِرْقَةً يَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ وَلَهَاتَهُ وَشَفَتَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَهَلْ يُمْسَحُ رَأْسُهُ فِي رِوَايَةِ صَلَاةِ الْأَثَرِ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُمْسَحَ وَلَا يُؤَخَّرُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ عَنْ الْغُسْلِ وَلَا يُقَدَّمُ غَسْلُ يَدَيْهِ بَلْ يُبْدَأُ بِوَجْهِهِ، وَبِخِلَافِ الْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُ يَتَطَهَّرُ بِهِمَا، وَالْمَيِّتُ يُغَسَّلُ بِيَدِ غَيْرِهِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْوُضُوءِ

الِاغْتِسَالِ، غَيْرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مِنْهُ مُتَعَذِّرٌ فَيُتْرَكَانِ (ثُمَّ يُفِيضُونَ الْمَاءَ عَلَيْهِ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ. (وَيُجَمَّرُ سَرِيرُهُ وِتْرًا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا يُوتَرُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» . (وَيَغْلِي الْمَاءَ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالْحَرَضِ) مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ الْقَرَاحُ) لِحُصُولِ أَصْلِ الْمَقْصُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلَاةَ، فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُهَا فَيُغَسَّلُ وَلَا يُوَضَّأُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُصَلِّي (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ) فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ الْغُسْلَ الْمَسْنُونَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيُجَمَّرُ سَرِيرُهُ وِتْرًا) أَيْ يُبَخَّرُ، وَهُوَ أَنْ يَدُورَ مَنْ بِيَدِهِ الْمِجْمَرَةُ حَوْلَ سَرِيرِهِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَإِنَّمَا يُوتَرُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَوْتِرُوا» وَجَمِيعُ مَا يُجَمَّرُ فِيهِ الْمَيِّتُ ثَلَاثٌ: عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَعِنْدَ غُسْلِهِ وَعِنْدَ تَكْفِينِهِ، وَلَا يُجَمَّرُ خَلْفَهُ وَلَا فِي الْقَبْرِ؛ لِمَا رُوِيَ «لَا تُتْبِعُوا الْجِنَازَةَ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ» . (قَوْلُهُ: وَيَغْلِي الْمَاءُ بِالسِّدْرِ إلَخْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُغْلِي، وَحَدِيثُ غُسْلِ آدَمَ وَقَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، ثُمَّ تَقْرِيرُهُ فِي شَرِيعَتِنَا بِثُبُوتِ التَّصْرِيحِ بِبَقَاءِ ذَلِكَ وَهُوَ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» وَفِي ابْنَتِهِ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا» يُفِيدُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ لَا أَصْلُ التَّطْهِيرِ، وَإِلَّا فَالْمَاءُ كَافٍ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَسْخِينَهُ كَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ فِي تَحْقِيقِ الْمَطْلُوبِ فَكَانَ مَطْلُوبًا شَرْعًا، وَحَقِيقَةُ هَذَا الْوَجْهِ إلْحَاقُ التَّسْخِينِ بِخَلْطِهِ بِالسِّدْرِ فِي حُكْمٍ هُوَ الِاسْتِحْبَابُ بِجَامِعِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ، وَمَا يُخَالُ مَانِعًا وَهُوَ كَوْنُ سُخُونَتِهِ تُوجِبُ انْحِلَالَ مَا فِي الْبَاطِنِ فَيَكْثُرُ الْخَارِجُ هُوَ عِنْدَنَا دَاعٍ لَا مَانِعٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَتِمُّ إذْ يَحْصُلُ بِاسْتِفْرَاغِ مَا فِي الْبَاطِنِ تَمَامُ النَّظَافَةِ وَالْأَمَانُ مِنْ تَلْوِيثِ الْكَفَنِ عِنْدَ حَرَكَةِ

(وَيُغْسَلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ) لِيَكُونَ أَنْظَفَ لَهُ. (ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيُغْسَلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ حَتَّى يُرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ، ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُغْسَلُ حَتَّى يُرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ هُوَ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ (ثُمَّ يُجْلِسُهُ وَيُسْنِدُهُ إلَيْهِ وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ مَسْحًا رَفِيقًا) تَحَرُّزًا عَنْ تَلْوِيثِ الْكَفَنِ. (فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ وَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ وَلَا وُضُوءَهُ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَامِلِينَ، وَالْحَرَضُ أُشْنَانٌ غَيْرُ مَطْحُونٍ، وَالْمَاءُ الْقَرَاحُ الْخَالِصُ وَإِنَّمَا يُغْسَلُ رَأْسُهُ بِالْخِطْمِيِّ: أَيْ خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ إذَا كَانَ فِيهِ شَعْرٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْمَيَامِنِ سُنَّةٌ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ «لَمَّا غَسَّلْنَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» وَهُوَ دَلِيلُ تَقْدِيمِ وُضُوءِ الْمَيِّتِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ غَسَلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ مِنْ غَيْرِ تَسْرِيحٍ، ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ لِتَكُونَ الْبُدَاءَةُ فِي الْغُسْلِ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُغَسَّلُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ حَتَّى يُنَقِّيَهُ وَيَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ خَلَصَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ وَهُوَ الْجَانِبُ الْأَيْسَرُ، وَهَذِهِ غَسْلَةٌ، ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ فَيُغْسَلُ بِالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ فِيهِ سِدْرٌ أَوْ حَرَضٌ إنْ كَانَ حَتَّى يُنَقِّيَهُ وَيَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ وَهُوَ الْجَانِبُ الْأَيْمَنُ وَهَذِهِ ثَانِيَةٌ، ثُمَّ تُقْعِدُهُ وَتُسْنِدُهُ إلَيْك وَتَمْسَحُ بَطْنَهُ مَسْحًا رَفِيقًا، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلْت ذَلِكَ الْمَحَلَّ الْمُصَابَ ثُمَّ تُضْجِعُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ فَتَصُبُّ غَاسِلًا بِالْمَاءِ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ وَقَدْ تَمَّتْ الثَّلَاثُ. وَلَمْ يَفْصِلْ الْمُصَنِّفُ فِي مِيَاهِ الْغَسَلَاتِ بَيْنَ الْقَرَاحِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالْقَرَاحِ أَوَّلًا لِيَبْتَلَّ مَا عَلَيْهِ الدَّرَنُ بِالْمَاءِ أَوَّلًا فَيَتِمُّ قَلْعُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، ثُمَّ يَحْصُلُ تَطْيِيبُ الْبَدَنِ بَعْدَ النَّظَافَةِ بِمَاءِ الْكَافُورِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُغْسَلَ الْأُولَيَانِ بِالسِّدْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ هُنَا. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، يُغْسَلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ» وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ يُنَشَّفُ ثُمَّ يُقَمَّصُ ثُمَّ يُبْسَطُ الْكَفَنُ عَلَى مَا نَذْكُرُ ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهِ، فَإِذَا وُضِعَ مُقَمَّصًا عَلَيْهِ وُضِعَ حِينَئِذٍ الْحَنُوطُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ، وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ وَمَا تَيَسَّرَ مِنْ الطِّيبِ إلَّا مَا سَنَذْكُرُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْغُسْلَ) أَيْ الْمَفْعُولَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ عُرِفَ

(ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ) كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ (وَيَجْعَلُهُ) أَيْ الْمَيِّتَ (فِي أَكْفَانِهِ وَيَجْعَلُ الْحَنُوطَ عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَالْكَافُورَ عَلَى مَسَاجِدِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ وَالْمَسَاجِدُ أَوْلَى بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ. (وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ الْمَيِّتِ وَلَا لِحْيَتُهُ وَلَا يُقَصُّ ظُفُرُهُ وَلَا شَعْرُهُ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: عَلَامَ تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبُهُ بِالنَّصِّ مَرَّةً وَاحِدَةً مَعَ قِيَامِ سَبَبِ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ وَهُوَ الْمَوْتُ مَرَّةً وَاحِدَةً أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ قَبْلَ خُرُوجِ شَيْءٍ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُعَادُ الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بَعْدَ إعَادَتِهِ هُوَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ. وَالْحَنُوطُ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ، وَمَسَاجِدُهُ مَوَاضِعُ سُجُودِهِ جَمْعُ مَسْجَدٍ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالرِّجْلَانِ، وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ إلَّا الزَّعْفَرَانَ وَالْوَرْسَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِسْكٌ فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ وَقَالَ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلزِّينَةِ وَقَدْ اسْتَغْنَى الْمَيِّتُ عَنْهَا، وَفِي الْحَيِّ كَانَ تَنْظِيفًا لِاجْتِمَاعِ الْوَسَخِ وَصَارَ كَالْخِتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادٌ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: عَلَامَ تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ) تَنْصُونَ بِوَزْنِ تَبْكُونَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَصَوْت الرَّجُلَ إذَا مَدَدْت نَاصِيَتَهُ، فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْرِيحِ الرَّأْسِ، وَعَبَّرَتْ بِالْأَخْذِ بِالنَّاصِيَةِ تَنْفِيرًا عَنْهُ، وَبَنَتْ عَلَيْهِ الِاسْتِعَارَةَ التَّبَعِيَّةَ فِي الْفِعْلِ وَالْأَثَرِ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا رَأَتْ امْرَأَةً يَكُدُّونَ رَأْسَهَا بِمُشْطٍ فَقَالَتْ: عَلَامَ تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ " وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْمَيِّتِ يُسَرَّحُ رَأْسُهُ فَقَالَتْهُ. [فُرُوعٌ] لَا يُغَسِّلُ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَلَا أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأَوَّلِ وَلِزُفَرَ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ، وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ لِلِاسْتِبْرَاءِ لَا أَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْوَصْلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، بِخِلَافِ عِدَّةِ الزَّوْجَةِ فَلِذَا تُغَسِّلُ هِيَ زَوْجَهَا وَإِنْ كَانَتْ مُحْرِمَةً أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُظَاهَرًا مِنْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ الْمَنْكُوحَةُ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَرُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ فَمَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ انْقَضَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ غَسَّلَتْهُ، وَإِلَّا إنْ كَانَتْ أُخْتَانِ أَقَامَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَدَخَلَ بِهَا وَلَا يُدْرَى الْأُولَى مِنْهُمَا، أَوْ كَانَ قَالَ لِنِسَائِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَا تُغَسِّلُهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. وَلَوْ بَانَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بِرِدَّتِهَا أَوْ تَمْكِينِهَا ابْنَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ طَلَاقِهِ لَا تُغَسِّلُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَلَوْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَسْلَمَتْ قَبْلَ غُسْلِهِ لَا تُغَسِّلُهُ، خِلَافًا لِزُفَرَ فِي هَذَا. هُوَ يَقُولُ: الرِّدَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَرْفَعُ النِّكَاحَ لِارْتِفَاعِهِ بِالْمَوْتِ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِسْلَامِ فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِهَا قَبْلَهُ، وَالْعِدَّةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِبْرَاءِ حَتَّى تُقَدَّرَ بِالْأَقْرَاءِ. قُلْنَا: النِّكَاحُ قَائِمٌ لِقِيَامِ أَثَرِهِ فَارْتَفَعَ بِالرِّدَّةِ. وَكَذَا لَوْ كَانَا مَجُوسِيَّيْنِ فَأَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ هِيَ حَتَّى مَاتَ لَا تُغَسِّلُهُ. فَإِنْ أَسْلَمَتْ غَسَّلَتْهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ أَيْضًا مِثْلَهُ فِيمَنْ وَطِئَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ بِشُبْهَةٍ حَتَّى حُرِّمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ فَمَاتَ فَانْقَضَتْ لَا تُغَسِّلُهُ زَوْجَتُهُ. وَذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالشَّرْحِ فِي هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْمَجُوسِيَّةِ أَنْ يَحِلَّ لَهَا غُسْلُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي حِلِّهِ عِنْدَنَا حَالَةُ الْغُسْلِ وَعِنْدَهُ حَالَةُ الْمَوْتِ. وَكَذَا لَوْ أَنَّ نَفْسَ الزَّوْجَةِ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ فَمَاتَ زَوْجُهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِأَثَرِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ زَوْجَةٌ وَلَا رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ لَا تُغَسِّلُهُ بِنْتُهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، بَلْ تُيَمِّمُهُ إحْدَاهُنَّ أَوْ أَمَتُهُ أَوْ أَمَةُ غَيْرِهِ بِغَيْرِ ثَوْبٍ، وَلَا تُيَمِّمُهُ مَنْ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ إلَّا بِثَوْبٍ، وَالصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ إذَا لَمْ يَبْلُغَا حَدَّ الشَّهْوَةِ يُغَسِّلُهُمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَقَدَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ كَالْفَحْلِ. وَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَا امْرَأَةَ، فَإِنْ كَانَ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ يَمَّمَهَا بِالْيَدِ، وَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِرْقَةِ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ، وَالزَّوْجِ فِي امْرَأَتِهِ أَجْنَبِيٌّ إلَّا فِي غَضِّ الْبَصَرِ. وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَاءٌ فَيَمَّمُوا الْمَيِّتَ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدُوهُ غَسَّلُوهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثَانِيًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْهُ يُغَسَّلُ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَفَّنُوهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ عُضْوٌ لَمْ يُغْسَلْ يُغْسَلُ ذَلِكَ الْعُضْوُ، وَلَوْ بَقِيَ نَحْوُ الْأُصْبُعِ لَا يُغْسَلُ. وَلَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَأَهَالُوا عَلَيْهِ التُّرَابَ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ وَلَا يُنْبَشُ، هَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَرْقٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ. وَإِذَا وُجِدَ أَطْرَافُ مَيِّتٍ أَوْ بَعْضُ بَدَنِهِ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ بَلْ يُدْفَنُ إلَّا إنْ وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ مِنْ بَدَنِهِ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، أَوْ وُجِدَ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فَحِينَئِذٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ مَشْقُوقًا نِصْفَيْنِ طُولًا فَوُجِدَ أَحَدُ الشِّقَّيْنِ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. وَإِذَا وُجِدَ مَيِّتٌ لَا يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ؟ فَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ سِيمَاهُمْ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الْكُفْرِ وَعَلَيْهِ سِيمَاهُمْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ فِي الْغُسْلِ اسْتِعْمَالُ الْقُطْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْعَلُ الْقُطْنُ الْمَحْلُوجُ فِي مَنْخِرَيْهِ وَفَمِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي صِمَاخَيْهِ أَيْضًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي دُبُرِهِ أَيْضًا. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَاسْتَقْبَحَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ. وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْحَمْلِ وَالدَّفْنِ، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْغُسْلِ أَيْضًا. وَيُكْرَهُ لِلْغَاسِلِ أَنْ يُغَسِّلَ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ. وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ.

[فصل في تكفينه]

فَصْلٌ فِي تَكْفِينِهِ (السُّنَّةُ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إزَارٍ وَقَمِيصٍ وَلِفَافَةٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُفِّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي تَكْفِينِهِ] (فَصْلٌ فِي التَّكْفِينِ) هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَلِذَا قُدِّمَ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُوسِرًا وَجَبَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَالْكَفَنُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا الزَّوْجَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ تَرَكَتْ مَالًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَإِذَا تَعَدَّدَ مَنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي النَّفَقَاتِ فَالْكَفَنُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ كَمَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ. وَلَوْ كَانَ مُعْتَقَ شَخْصٍ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَتَرَكَ خَالَةً مُوسِرَةً يُؤْمَرُ مُعْتِقُهُ بِتَكْفِينِهِ؛ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَى خَالَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَكَفَنُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطَ ظُلْمًا أَوْ عَجْزًا فَعَلَى النَّاسِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ، بِخِلَافِ الْحَيِّ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يُصَلِّي فِيهِ لَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ بَلْ يَسْأَلُ هُوَ؛ فَلَوْ جَمَعَ رَجُلٌ الدَّرَاهِمَ لِذَلِكَ فَفَضَلَ شَيْءٌ مِنْهَا إنْ عَرَفَ صَاحِبَ الْفَضْلِ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَفَّنَ مُحْتَاجًا آخَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهَا إلَى الْكَفَنِ يَتَصَدَّقُ بِهَا. وَلَوْ مَاتَ فِي مَكَان لَيْسَ فِيهِ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَلَا شَيْءَ لِلْمَيِّتِ؛ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ وَلَا يُكَفِّنَ بِهِ الْمَيِّتَ، وَإِذَا نُبِشَ الْمَيِّتُ وَهُوَ طَرِيٌّ كُفِّنَ ثَانِيًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ قُسِّمَ مَالُهُ فَالْكَفَنُ عَلَى الْوَارِثِ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغُرَمَاءُ قَبَضُوا دُيُونَهُمْ بُدِئَ بِالْكَفَنِ، وَإِنْ كَانُوا قَبَضُوا لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلَا يَخْرُجُ الْكَفَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَبَرِّعِ بِهِ، فَلِذَا لَوْ كَفَّنَ رَجُلًا ثُمَّ رَأَى الْكَفَنَ مَعَ شَخْصٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَكَذَا إذَا افْتَرَسَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ كَانَ الْكَفَنُ لِمَنْ كَفَّنَهُ لَا لِلْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ) فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» وَسَحُولُ: قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ، وَفَتْحُ السِّينِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ الضَّمُّ. فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ لُبْسَ الْقَمِيصِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بَلْ خَارِجٌ عَنْهَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَزِمَ كَوْنُ السُّنَّةِ أَرْبَعَةَ أَثْوَابٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «فِي كَمْ ثَوْبٍ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ» وَإِنْ عُورِضَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُفِّنَ

فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ» وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَلْبَسُهُ عَادَةً فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ (فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَوْبَيْنِ جَازَ، وَالثَّوْبَانِ إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، وَلِأَنَّهُ أَدْنَى لِبَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصٍ، وَإِزَارٍ، وَلِفَافَةٍ» فَهُوَ ضَعِيفٌ بِنَاصِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، وَلَيَّنَهُ النَّسَائِيّ، ثُمَّ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لَا يُوَازِي حَدِيثَ عَائِشَةَ. وَمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَةٍ وَقَمِيصٍ» مُرْسَلٌ، وَالْمُرْسَلُ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً عِنْدَنَا لَكُمْ مَا وَجْهُ تَقْدِيمِهِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُعَادَلَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِحَدِيثِ الْقَمِيصِ بِسَبَبِ تَعَدُّدِ طُرُقِهِ مِنْهَا الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا. وَمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوُهُ مُرْسَلًا. وَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ» وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. ثُمَّ تَرَجَّحَ بَعْدَ الْمُعَادَلَةِ بِأَنَّ الْحَالَ فِي تَكْفِينِهِ أَكْشَفُ لِلرِّجَالِ ثُمَّ الْبَحْثُ وَإِلَّا فَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَقَدْ ذَكَرُوا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ» فَكَيْفَ يُلْبِسُونَهُ الْأَكْفَانَ فَوْقَهُ وَفِيهِ بَلَلُهَا؟ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَالْحُلَّةُ فِي عُرْفِهِمْ مَجْمُوعُ ثَوْبَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَفَنِ عِمَامَةٌ عِنْدَنَا، وَاسْتَحْسَنَهَا بَعْضُهُمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُهُ وَيَجْعَلُ الْعَذَبَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَأَحَبُّهَا الْبَيَاضُ وَلَا بَأْسَ بِالْبُرُودِ وَالْعَصَبِ وَالْكَتَّانِ لِلرِّجَالِ، وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ اعْتِبَارًا لِلْكَفَنِ بِاللِّبَاسِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمُرَاهِقُ فِي التَّكْفِينِ كَالْبَالِغِ، وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ عَدَدَ الثَّلَاثِ أَكْثَرُ مَا يَلْبَسُهُ عَادَةً فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ، فَأَفَادَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الرَّجُلُ ثَلَاثَةٌ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الرَّجُلُ ثَلَاثَةٌ غَيْرُ وَاحِدِ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ. وَقَدْ يُقَالُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ سِوَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ هُوَ لَابِسُهَا لَيْسَ غَيْرُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ يُعْطَى لِرَبِّ الدَّيْنِ ثَوْبٌ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَكْثَرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ الْمَسْنُونُ، وَقَدْ قَالُوا: إذَا كَانَ بِالْمَالِ كَثْرَةٌ وَبِالْوَرَثَةِ قِلَّةٌ فَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ كَفَنِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كَفَنَ الْكِفَايَةِ وَهُوَ الثَّوْبَانِ جَائِزٌ فِي حَالَةِ السَّعَةِ، فَفِي حَالِ عَدَمِهَا وَوُجُودِ الدَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْهُ تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ، وَهُوَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ، لَكِنَّهُمْ سَطَّرُوا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِلدَّيْنِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ إذَا أَفْلَسَ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ هُوَ لَابِسُهَا لَا يُنْزَعُ عَنْهُ شَيْءٌ فَيُبَاعُ وَلَا يَبْعُدُ الْجَوَابُ (قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَوْبَيْنِ جَازَ) إلَّا أَنَّهُ كَانَ بِالْمَالِ قِلَّةٌ وَبِالْوَرَثَةِ كَثْرَةٌ فَهُوَ أَوْلَى، وَعَلَى الْقَلْبِ كَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِحَسَبِ مَا يُوجَدُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَمَّا اُحْتُضِرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ: أَعَاذِلُ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنْ الْفَتَى ... إذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قُولِي {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] ثُمَّ اُنْظُرُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَاغْسِلُوهُمَا ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَ يُمْرَضُ فِيهِمَا: اغْسِلُوهُمَا وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا نَشْتَرِي لَك جَدِيدًا؟ قَالَ لَا، الْحَيُّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ ". وَفِي الْفُرُوعِ: الْغَسِيلُ وَالْجَدِيدُ سَوَاءٌ فِي الْكَفَنِ.

الْأَحْيَاءِ، وَالْإِزَارُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَاللِّفَافَةُ كَذَلِكَ، وَالْقَمِيصُ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ إلَى الْقَدَمِ (فَإِذَا أَرَادُوا لَفَّ الْكَفَنِ ابْتَدَءُوا بِجَانِبِهِ الْأَيْسَرِ فَلَفُّوهُ عَلَيْهِ ثُمَّ بِالْأَيْمَنِ) كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَبَسْطُهُ أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ أَوَّلًا ثُمَّ يُبْسَطَ عَلَيْهَا الْإِزَارُ ثُمَّ يُقَمَّصَ الْمَيِّتُ وَيُوضَعَ عَلَى الْإِزَارِ ثُمَّ يُعْطَفَ الْإِزَارُ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ ثُمَّ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ، ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ (وَإِنْ خَافُوا أَنْ يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ عَنْهُ عَقَدُوهُ بِخِرْقَةٍ) صِيَانَةً عَنْ الْكَشْفِ. (وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَإِزَارٍ وَخِمَارٍ وَلِفَافَةٍ وَخِرْقَةٍ تُرْبَطُ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى اللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ. هَذَا وَفِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا «فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَتْ: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، قَالَ فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْتُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْتُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قَالَ أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ فَنَظَرَ إلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يَمْرَضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهَا. قُلْتُ: إنَّ هَذَا خَلَقٌ، قَالَ الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ الْمُهْلَةُ، فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ تُصْبِحَ» . وَالرَّدْعُ بِالْمُهْمَلَاتِ الْأَثَرُ، وَالْمُهْلَةُ مُثَلَّثُ الْمِيمِ: صَدِيدُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا حَتَّى وَجَبَ تَرْكُهُ لِأَنَّ سَنَدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ لَا يَنْقُصُ عَنْ سَنَدِ الْبُخَارِيِّ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ قَالَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ " وَفِي لَفْظٍ " وَفِي ثَوْبَيْهِ " وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ، فَلَا يُتْرَكُ بِأَنْ يُحْمَلُ مَا فِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ. عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ الْمَتْنِ دُونَ كُلِّهِ بِخِلَافِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الشَّاهِدَ، لَكِنَّ رِوَايَةَ ثَوْبَيْهِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَهُ غَيْرُهُمَا فَلَا يُفِيدُ كَوْنُهُ كَفَنَ الْكِفَايَةِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَوْبَيْنِ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ، إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى كَمَا هُوَ كَفَنُ الْكِفَايَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالْإِزَارُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَاللِّفَافَةُ كَذَلِكَ) لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ اللِّفَافَةَ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْإِزَارِ كَذَلِكَ فَفِي نُسَخٍ مِنْ الْمُخْتَارِ وَشَرْحِهِ اخْتِلَافٌ فِي بَعْضِهَا: يُقَمَّصُ أَوَّلًا وَهُوَ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ، وَيُوضَعُ عَلَى الْإِزَارِ وَهُوَ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَيُعْطَفُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ. وَفِي بَعْضِهَا: يُقَمَّصُ وَيُوضَعُ عَلَى الْإِزَارِ وَهُوَ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ يُعْطَفُ، وَأَنَا لَا أَعْلَمُ وَجْهَ مُخَالَفَةِ إزَارِ الْمَيِّتِ إزَارَ الْحَيِّ مِنْ السُّنَّةِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْمُحْرِمِ " كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ " وَهُمَا ثَوْبَا إحْرَامِهِ إزَارُهُ وَرِدَاؤُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إزَارَهُ مِنْ الْحَقْوِ، وَكَذَا أَعْطَى اللَّاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ حَقْوَهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَالْقَمِيصُ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ) بِلَا جَيْبٍ وَدِخْرِيصٍ وَكُمَّيْنِ وَكَذَا فِي الْكَافِي، وَكَوْنُهُ بِلَا جَيْبٍ بَعِيدًا، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْجَيْبِ الشِّقُّ النَّازِلُ عَلَى الصَّدْرِ (قَوْلُهُ ابْتَدَءُوا بِجَانِبِهِ الْأَيْسَرِ) لِيَقَعَ الْأَيْمَنُ فَوْقَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِمَامَةَ، وَكَرِهَهَا بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْكَفَنُ بِهَا شَفْعًا، وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُعَمِّمُ الْمَيِّتَ وَيَجْعَلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ) قِيلَ الصَّوَابُ لَيْلَى بِنْتُ قَانِفٍ قَالَتْ: «كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخِرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَى حَقْوَهُ فِي حَدِيثِ غُسْلِ زَيْنَبَ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَقْعَدُ الْإِزَارِ وَجَمْعُهُ أَحَقٌّ وَأَحْقَاءُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْإِزَارُ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ إزَارَ الْمَيِّتِ كَإِزَارِ الْحَيِّ مِنْ الْحَقْوِ فَيَجِبُ كَوْنُهُ فِي الذِّكْرِ كَذَلِكَ

[فصل في الصلاة على الميت]

ابْنَتَهُ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ» وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ فِيهَا حَالَةَ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ. (ثُمَّ هَذَا بَيَانُ كَفَنِ السُّنَّةِ، وَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جَازَ) وَهِيَ ثَوْبَانِ وَخِمَارٌ (وَهُوَ كَفَنُ الْكِفَايَةِ، وَيُكْرَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الرَّجُلِ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ) لِأَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ اُسْتُشْهِدَ كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَهَذَا كَفَنُ الضَّرُورَةِ (وَتَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الدِّرْعَ أَوَّلًا ثُمَّ يُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَ الدِّرْعِ، ثُمَّ الْخِمَارُ فَوْقَ ذَلِكَ تَحْتَ الْإِزَارِ، ثُمَّ الْإِزَارُ ثُمَّ اللِّفَافَةُ. قَالَ: وَتُجْمَرُ الْأَكْفَانُ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا وِتْرًا) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ ابْنَتِهِ وِتْرًا» ، وَالْإِجْمَارُ هُوَ التَّطْيِيبُ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْهُ صَلَّوْا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ الْفَرْقِ فِي هَذَا، وَقَدْ حَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ وَإِنْ أَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِجَهَالَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ حُضُورِ أُمِّ عَطِيَّةَ غُسْلَ أُمِّ كُلْثُومٍ بَعْدَ زَيْنَبَ، وَقَوْلُ الْمُنْذِرِيِّ: أُمُّ كُلْثُومٍ تُوُفِّيَتْ وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَائِبٌ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ ابْنِ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ: إنَّهَا مَاتَتْ سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَ زَيْنَبَ بِسَنَةٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، قَالَ: وَهِيَ الَّتِي غَسَّلَتْهَا أُمُّ عَطِيَّةَ، وَيَشُدُّهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إلَيْنَا حَقْوَهُ وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ» وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي زَيْنَبَ لَا يُنَافِيهِ لِمَا قُلْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَهِيَ ثَوْبَانِ وَخِمَارٌ) لَمْ يُعَيِّنْ الثَّوْبَيْنِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: كَفَنُ الْكِفَايَةِ لَهَا ثَلَاثَةٌ: قَمِيصٌ، وَإِزَارٌ، وَلِفَافَةٌ. فَلَمْ يَذْكُرْ الْخِمَارَ، وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ عَدِّ الْخِمَارِ أَوْلَى، وَيُجْعَلُ الثَّوْبَانِ قَمِيصًا وَلِفَافَةً، فَإِنَّ بِهَذَا يَكُونُ جَمِيعُ عَوْرَتِهَا مَسْتُورَةً بِخِلَافِ تَرْكِ الْخِمَارِ (قَوْلُهُ وَتَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الدِّرْعَ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَوْضِعَ الْخِرْقَةِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: فَوْقَ الْأَكْفَانِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ، وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إلَى السُّرَّةِ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى الرُّكْبَةِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ عَنْ الْفَخِذَيْنِ وَقْتَ الْمَشْيِ. وَفِي التُّحْفَةِ: تُرْبَطُ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ) أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: «هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرَ» (قَوْلُهُ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ ابْنَتِهِ» ) غَرِيبٌ، وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثَلَاثًا» وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ " فَأَوْتِرُوا " وَفِي لَفْظِ الْبَيْهَقِيّ «جَمِّرُوا كَفَنَ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا» قِيلَ سَنَدُهُ صَحِيحٌ. [فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ] (فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) : وَقَوْلُهُ فِي التُّحْفَةِ إنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ فِي وَجْهِ كَوْنِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مَا هُوَ الْفَرْضُ وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ يَحْصُلُ بِالْبَعْضِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الِافْتِرَاضِ، وَكَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ كَافٍ. وَقِيلَ فِي مُسْتَنَدِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِجَعْلِهَا جِنَازَةً، لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ أَهْلُ التَّفْسِيرِ بِخِلَافِ هَذَا. وَفِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» فَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَمْ يَتْرُكْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَشَرْطُ صِحَّتِهَا إسْلَامُ الْمَيِّتِ وَطَهَارَتُهُ وَوَضْعُهُ أَمَامِ الْمُصَلِّي، فَلِهَذَا الْقَيْدِ لَا تَجُوزُ عَلَى غَائِبٍ وَلَا حَاضِرٍ مَحْمُولٍ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا مَوْضُوعٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ كَالْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ أَفَادَتْ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ إمَامًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا أَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ. وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: إذَا دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَلَمْ يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِالنَّبْشِ سَقَطَ هَذَا الشَّرْطُ وَصُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ بِلَا غُسْلٍ لِلضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ بَعْدُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ فَيُغَسَّلُ، وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ جَهْلًا مَثَلًا وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالنَّبْشِ تُعَادُ لِفَسَادِ الْأُولَى. وَقِيلَ تَنْقَلِبُ الْأُولَى صَحِيحَةً عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَلَا تُعَادُ. وَأَمَّا صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى النَّجَاشِيِّ كَانَ إمَّا لِأَنَّهُ رَفَعَ سَرِيرَهُ لَهُ حَتَّى رَآهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِحَضْرَتِهِ فَتَكُونُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفِهِ عَلَى مَيِّتٍ يَرَاهُ الْإِمَامُ وَبِحَضْرَتِهِ دُونَ الْمَأْمُومِينَ وَهَذَا غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الِاقْتِدَاءِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ احْتِمَالًا لَكِنْ فِي الْمَرْوِيِّ مَا يُومِئُ إلَيْهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ تُوُفِّيَ فَقُومُوا صَلُّوا عَلَيْهِ، فَقَامَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَصُفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ أَنَّ جِنَازَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ» فَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاقِعَ خِلَافُ ظَنِّهِمْ لِأَنَّهُ هُوَ فَائِدَتُهُ الْمُعْتَدُّ بِهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ كُشِفَ لَهُ، وَإِمَّا أَنَّ ذَلِكَ خُصَّ بِهِ النَّجَاشِيُّ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ مَعَ شَهَادَةِ الصِّدِّيقِ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ قَدْ صَلَّى عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْغَيْبِ وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيّ وَيَقُولُ اللَّيْثِيُّ «نَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَبُوكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُزَنِيِّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ أَتُحِبُّ أَنْ أَطْوِيَ لَكَ الْأَرْضَ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَرَفَعَ لَهُ سَرِيرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَخَلْفَهُ صَفَّانِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، فِي كُلِّ صَفٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بِمَ أَدْرَكَ هَذَا؟ قَالَ: بِحُبِّهِ سُورَةَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَقِرَاءَتِهِ إيَّاهَا جَائِيًا وَذَاهِبًا وَقَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَجَعْفَرٍ لَمَّا اسْتَشْهَدَ بِمُؤْتَةِ عَلَى مَا فِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَا: «لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بِمُؤْتَةِ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ وَكُشِفَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ فَهُوَ يَنْظُرُ إلَى مُعْتَرَكِهِمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَمَضَى حَتَّى اُسْتُشْهِدَ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَسْعَى، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَمَضَى حَتَّى اُسْتُشْهِدَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا لَهُ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ يَطِيرُ فِيهَا بِجَنَاحَيْنِ حَيْثُ شَاءَ» . قُلْنَا: إنَّمَا ادَّعَيْنَا الْخُصُوصِيَّةَ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ رُفِعَ لَهُ سَرِيرُهُ وَلَا هُوَ مَرْئِيٌّ لَهُ، وَمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَهَذَا مَعَ ضَعْفِ الطُّرُقِ فَمَا فِي الْمَغَازِي مُرْسَلٌ مِنْ الطَّرِيقِينَ، وَمَا فِي الطَّبَقَاتِ ضَعِيفٌ بِالْعَلَاءِ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَيُقَالُ ابْنُ يَزِيدَ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَقَدْ عَنْعَنَهُ، ثُمَّ دَلِيلُ الْخُصُوصِيَّةِ

(وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ السُّلْطَانُ إنْ حَضَرَ) لِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ازْدِرَاءٌ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْقَاضِي) لِأَنَّهُ صَاحِبُ وِلَايَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ إمَامِ الْحَيِّ) لِأَنَّهُ رَضِيَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. قَالَ (ثُمَّ الْوَلِيُّ وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي النِّكَاحِ) ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى غَائِبٍ إلَّا عَلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ سِوَى النَّجَاشِيِّ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّهُ رُفِعَ لَهُ وَكَانَ بِمَرْأًى مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ خَلْقٌ مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْبًا فِي الْأَسْفَارِ كَأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَالْغَزَوَاتِ وَمِنْ أَعَزِّ النَّاسِ عَلَيْهِ كَانَ الْقُرَّاءُ، وَلَمْ يُؤْثَرْ قَطُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ وَكَانَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَرِيصًا حَتَّى قَالَ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ، فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ رَحْمَةٌ لَهُ» عَلَى مَا سَنَذْكُرُ. . وَأَمَّا أَرْكَانُهَا فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا الدُّعَاءُ وَالْقِيَامُ وَالتَّكْبِيرُ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ حَقِيقَتَهَا هُوَ الدُّعَاءُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا رَاكِبًا، وَيَجُوزُ الْقُعُودُ لِلْعُذْرِ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِينَ بِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ، وَقَالُوا: كُلُّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ، وَقَالُوا يُقَدَّمُ الثَّنَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى شَرْطٌ لِأَنَّهَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَخْ) الْخَلِيفَةُ أَوْلَى (إنْ حَضَرَ) ثُمَّ إمَامُ الْمِصْرِ وَهُوَ سُلْطَانُهُ، ثُمَّ الْقَاضِي، ثُمَّ صَاحِبُ الشَّرْطِ، ثُمَّ خَلِيفَةُ الْوَالِي، ثُمَّ خَلِيفَةُ الْقَاضِي، ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ، ثُمَّ وَلِيُّ الْمَيِّتِ. وَهُوَ مَنْ سَنَذْكُرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْوَلِيُّ أَوْلَى مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَايَةِ كَالْإِنْكَاحِ فَيَكُونُ الْوَلِيُّ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَدَّمَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ وَقَالَ: لَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْتُك، وَكَانَ سَعِيدُ وَالِيًا بِالْمَدِينَةِ يَعْنِي مُتَوَلِّيهَا، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي هَذَا الزَّمَانِ النَّائِبُ، وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِمْ ازْدِرَاءٌ بِهِمْ وَتَعْظِيمُ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبٌ. وَأَمَّا إمَامُ الْحَيِّ فَلِمَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ تَقْدِيمُهُ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ اسْتِحْبَابٌ وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ يُرْشِدُ إلَيْهِ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى التَّرْتِيبِ إلَخْ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَبُ مَعَ الِابْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ لِلْمَيِّتِ أَبُوهُ وَابْنُهُ فَالْأَبُ أَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ تَقْدِيمُ الْأَبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى عَلَى حَسَبَ

(فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ) يَعْنِي إنْ شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَقَّ لِلْأَوْلِيَاءِ (وَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِلَافِهِمْ فِي النِّكَاحِ؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبُ الْمَعْتُوهَةِ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا مِنْ ابْنِهَا، وَعِنْدَهُمَا ابْنُهَا أَوْلَى. وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الصَّلَاةَ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْفَضِيلَةُ وَالْأَبُ أَفْضَلُ، وَلِذَا يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ كَمَا فِي أَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَسَنُّهُمْ أَوْلَى، وَلَوْ قَدَّمَ الْأَسَنُّ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلِلصَّغِيرِ مَنْعُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرُّتْبَةِ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا الْأَسَنَّ بِالسُّنَّةِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ " لِيَتَكَلَّمْ أَكْبَرُكُمَا " وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقَدِّمَ هُوَ أَبَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ سَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا ابْنٌ، فَإِنْ كَانَ فَالزَّوْجُ أَوْلَى مِنْهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَاهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ جَازَ تَقْدِيمُ الشَّقِيقِ الْأَجْنَبِيَّ، وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُهُ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ، وَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى عَبِيدِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَهُ وَلِيٌّ حُرٌّ فَالْمَوْلَى أَوْلَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَإِنْ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ كَانَ الْوَلِيُّ أَوْلَى، وَلِذَا إنْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّوْيُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلِيٌّ فَالزَّوْجُ أَوْلَى ثُمَّ الْجِيرَانُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْلَى؛ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَفِي الْعُيُونِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمِ جَائِزَةٌ، وَيُؤْمَرُ فُلَانٌ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانُ أَعَادَ الْوَلِيُّ) هَذَا إذَا كَانَ هَذَا الْغَيْرُ غَيْرَ مُقَدَّمٍ عَلَى الْوَلِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي وَنَائِبِهِ لَمْ يُعِدْ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ) وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ، وَاسْتُفِيدَ عَدَمُ إعَادَةٍ مِنْ بَعْدِ الْوَلِيِّ إذَا

لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِالْأَوْلَى وَالتَّنَفُّلَ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِهَذَا رَأَيْنَا النَّاسَ تَرَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ الصَّلَاةَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْيَوْمَ كَمَا وُضِعَ. (وَإِنْ دُفِنَ الْمَيِّتُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّى مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّهَا إذَا مُنِعَتْ الْإِعَادَةُ بِصَلَاةِ الْوَلِيِّ فَبِصَلَاةِ مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْلَى. وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْضَ تَأَدَّى، وَالتَّنَفُّلَ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْوَلِيِّ أَيْضًا مِنْ الْإِعَادَةِ إذَا صَلَّى مَنْ الْوَلِيُّ أَوْلَى مِنْهُ إذْ الْفَرْضُ وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ تَأَدَّى بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْ مَنْعِ التَّنَفُّلِ وَادِّعَاءِ أَنَّ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ، أَمَّا مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَتَبْقَى الشَّرْعِيَّةُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ شَرْعِيَّةِ التَّنَفُّلِ بِتَرْكِ النَّاسِ عَنْ آخِرِهِمْ الصَّلَاةَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَمَا أَعْرَضَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالرَّاغِبِينَ فِي التَّقَرُّبِ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْوَاعِ الطُّرُقِ عَنْهُ، فَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَلِذَا قُلْنَا: لَمْ يُشْرَعْ لِمَنْ صَلَّى مَرَّةً التَّكْرِيرُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَمَا صَلَّى عَلَيْهِ أَهْلُهُ» فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ) رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا وَرَدْنَا الْبَقِيعَ إذَا هُوَ بِقَبْرٍ فَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَقَالُوا فُلَانَةَ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: أَلَا آذَنْتُمُونِي؟ قَالُوا: كُنْتَ قَائِلًا صَائِمًا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، لَا أَعْرِفَنَّ مَا مَاتَ مِنْكُمْ مَيِّتٌ مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَصَفَّفْنَا خَلْفَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ مِسْكِينَةً مَرِضَتْ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَرَضِهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا، فَخَرَجُوا بِجِنَازَتِهَا لَيْلًا فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أُخْبِرَ بِشَأْنِهَا فَقَالَ: أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلًا أَوْ نُوقِظَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» . وَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَفَّهُمْ خَلْفَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى

صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَسَّخَ) وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ هُوَ الصَّحِيحُ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. (وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَقِيبَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا» قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا، فَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِادِّعَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صُلِّيَ عَلَيْهَا أَصْلًا وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ فُرُوعِ عَدَمِ تَكْرَارِهَا عَدَمُ الصَّلَاةِ عَلَى عُضْوٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْبَاقِي صُلِّيَ عَلَيْهِ فَيَتَكَرَّرُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُعْرَفْ شَرْعًا إلَّا عَلَى تَمَامِ الْجُثَّةِ، إلَّا أَنَّهُ أَلْحَقَ الْأَكْثَرَ بِالْكُلِّ فَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ) هَذَا إذَا أُهِيلَ التُّرَابُ سَوَاءٌ كَانَ غُسِّلَ أَوْ لَا لَا لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا لِمَالِكِهِ تَعَالَى وَخَرَجَ عَنْ أَيْدِينَا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بَعْدُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا دُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُسْلِ إنْ أَهَالُوا عَلَيْهِ لَا يُخْرَجُ وَهَلْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ، قِيلَ لَا، وَالْكَرْخِيُّ نَعَمْ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرْكِ الشَّرْطِ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ فَسَقَطَتْ فَرْضِيَّةُ الْغُسْلِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ وَدُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ لَا تَجُوزُ بِلَا طَهَارَةٍ أَصْلًا، وَإِلَى الثَّانِي تَجُوزُ بِلَا عَجْزٍ، فَقُلْنَا تَجُوزُ بِدُونِهَا حَالَةَ الْعَجْزِ لَا الْقُدْرَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلَّى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ) أَيْ حَالِ الْمَيِّتِ مِنْ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَالزَّمَانِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَكَانِ إذْ مِنْهُ مَا يُسْرِعُ بِالْإِبْلَاءِ وَمِنْهُ لَا، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي رَأْيِهِمْ أَنَّهُ تَفَرَّقْت أَجْزَاؤُهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ لَا يُصَلُّونَ إلَى الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَقِيبَهَا) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ، قَالُوا لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إلَّا أَنْ

ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُصَلِّي فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَدْعُو فِيهَا لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْرَأهَا بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ، وَلَمْ تَثْبُتْ الْقِرَاءَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ، وَهُوَ الْأَوْلَى، وَيَدْعُو فِي الثَّالِثَةِ لِلْمَيِّتِ وَلِنَفْسِهِ وَلِأَبَوَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَوْقِيتَ فِي الدُّعَاءِ سِوَى أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنَهُ وَأَبْلَغَهُ. وَمِنْ الْمَأْثُورِ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظَ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ مُنْزَلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، قَالَ عَوْفٌ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَزَادَ فِيهِ «اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ. وَفِي أُخْرَى «وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ» وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَمَّنْ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْف يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا لَعَمْرُ اللَّهِ أُخْبِرُك: أَتَّبِعُهَا مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا، فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْت وَحَمِدْت اللَّهَ وَصَلَّيْت عَلَى نَبِيِّهِ، ثُمَّ أَقُولُ: اللَّهُمَّ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ. اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ. اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَلَّ فِي جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَقِّ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْته: يَعْنِي النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّهَا وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا وَأَنْتَ هَدَيْتَهَا

ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَيُسَلِّمُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَبَّرَ أَرْبَعًا فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْإِسْلَامِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا جِئْنَا شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهَا» (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَيُسَلِّمُ) مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بَعْدَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] أَوْ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ، وَلَا يُصَلُّونَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، فَلَوْ فَعَلُوا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَارْتَكَبُوا النَّهْيَ، وَإِذَا جِيءَ بِالْجِنَازَةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ بَدَءُوا بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ بِهَا بِسُنَّةِ الْمَغْرِبِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَبَّرَ أَرْبَعًا إلَخْ) . رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسًا وَسِتًّا وَأَرْبَعًا حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ كَبَّرُوا كَذَلِكَ فِي وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: إنَّكُمْ مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مَتَى تَخْتَلِفُونَ تَخْتَلِفُ النَّاسُ بَعْدَكُمْ وَالنَّاسُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجْمِعُوا عَلَى شَيْءٍ يَجْمَعُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، فَأَجْمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنْ يَنْظُرُوا آخِرَ جِنَازَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قُبِضَ فَيَأْخُذُونَ بِهِ وَيَرْفُضُونَ مَا سِوَاهُ، فَنَظَرُوا فَوَجَدُوا «آخِرَ جِنَازَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعًا» . وَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وَعُمَرَ وَهُوَ غَيْرُ ضَائِرٍ عِنْدَنَا، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مَوْصُولًا قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ خَمْسًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرْبَعًا، فَجَمَعَ عُمَرُ عَلَى أَرْبَعٍ كَأَطْوَلِ الصَّلَاةِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «آخِرُ مَا كَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ» ، وَكَبَّرَ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى عُمَرَ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَلِيٍّ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْحَسَنِ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى آدَمَ أَرْبَعًا سَكَتَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْفُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ مَتْرُوكٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ إلَّا أَنَّ اجْتِمَاعَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى الْأَرْبَعِ كَالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ أَبُو هُرْمُزَ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ كَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ إلَى أَنْ خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا» ، وَقَدْ رُفِعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ آخِرُ صَلَاةِ كَبَّرَ فِيهَا أَرْبَعًا» عَنْ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَضَعَّفَهُ. وَرَوَى أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا وَخَمْسًا وَسَبْعًا وَثَمَانِيًا، حَتَّى جَاءَ مَوْتُ النَّجَاشِيِّ فَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ ثَبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَرْبَعٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» وَرَوَاهُ

(وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا لَمْ يُتَابِعْهُ الْمُؤْتَمُّ) خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِمَا رَوَيْنَا، وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَةَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَالْإِتْيَانُ بِالدَّعَوَاتِ اسْتِغْفَارٌ لِلْمَيِّتِ وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ سُنَّةِ الدُّعَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ شَيْئًا. وَأَخْرَجَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَكَانَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا أَرْبَعًا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا» وَضُعِّفَ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ آخِرَ صَلَاةٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَتْ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ مِنْ عِدَّةٍ» فَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا تَوْقِيتَ فِي التَّكْبِيرِ، وَجَمَعُوا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُفَضِّلُ أَهْلَ بَدْرٍ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَكَذَا بَنُو هَاشِمٍ، وَكَانَ يُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ خَمْسًا وَعَلَى مَنْ دُونَهُمْ أَرْبَعًا، وَأَنَّ الَّذِي حُكِيَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ النَّجَاشِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ نَاسِخًا لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نُسِخَ بِالِاجْتِهَادِ وَالْحَقُّ هُوَ النَّسْخُ، فَإِنَّ ضَعْفَ الْإِسْنَادِ غَيْرُ قَاطِعٍ بِبُطْلَانِ الْمَتْنِ بَلْ ظَاهِرٌ فِيهِ، فَإِذَا تَأَيَّدَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ كَانَ صَحِيحًا وَقَدْ تَأَيَّدَ، وَهُوَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ وَانْتِشَارُهَا فِي الْآفَاقِ خُصُوصًا مَعَ كَثْرَةِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آخِرَ مَا تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الْحَالُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَرْبَعُ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي حَنِيفَةَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لِصِحَّةِ الْمُرْسَلِ بَعْدَ ثِقَةِ الرُّوَاةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ نُفَاةِ الْمُرْسَلِ إذَا اُعْتُضِدَ بِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ كَانَ صَحِيحًا، وَهَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ اُعْتُضِدَ بِكَثْرَةٍ فِي الطُّرُقِ وَالرُّوَاةِ وَذَلِكَ يَغْلِبُ ظَنَّ الْحَقِيَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ) مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ لَا؛ فَعِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا، بَلْ هُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَبَّرَ خَمْسًا. قُلْنَا: قَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ بِمَا قَرَرْنَاهُ آنِفًا، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ اجْتِهَادُهُ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ، ثُمَّ كَانَ مَذْهَبُهُ التَّكْبِيرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا، وَعَلَى الصَّحَابَةِ خَمْسًا، وَعَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعًا. وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَكُونُ الْكَائِنُ بَيْنَنَا أَرْبَعًا أَرْبَعًا لِانْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَمُخَالَفَتُهُ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَرِّرِ فَيُجْزَمُ بِخَطَئِهِ فَلَا يَكُونُ فَصْلًا مُجْتَهِدًا فِيهِ، بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي أُخْرَى يُسَلِّمُ كَمَا يُكَبِّرُ فِي الْخَامِسَةِ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَيْسَ بِخَطَأٍ مُطْلَقًا، إنَّمَا الْخَطَأُ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ. وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: إنَّمَا لَا يُتَابِعُهُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ إذَا سُمِعَ مِنْ الْإِمَامِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مِنْ الْمُبَلِّغِ فَيُتَابِعُهُ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ) يُفِيدُ أَنَّ تَرْكَهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ فَلَا يَكُونُ رُكْنًا. هَذَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَالتِّرْمِذِيُّ

وَلَا يَسْتَغْفِرُ لِلصَّبِيِّ وَلَكِنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرْطًا، وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَذُخْرًا، وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا. (وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةً أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ لَا يُكَبِّرُ الْآتِي حَتَّى يُكَبِّرَ أُخْرَى بَعْدَ حُضُورِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَالْمَسْبُوقُ يَأْتِي بِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ، وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الدَّعَوَاتِ عَنْ فَضَالَةِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَدْعُو لَمْ يُمَجِّدْ أَوْ لَمْ يَحْمَدْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عَجِلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ أَوْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ) لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَرْبَعٌ كَأَرْبَعِ الظُّهْرِ، وَلِذَا لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ، فَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ لَكَانَ قَاضِيًا مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَدَاءِ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ، وَهُوَ مَنْسُوخٌ. فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَةَ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ سَأَلَهُمْ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ بِهِ، فَيَبْدَأُ فَيَقْضِي مَا سُبِقَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ فَقَعَدَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ قَضَى مَا كَانَ سُبِقَ بِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاقْتَدُوا بِهِ، إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ بِصَلَاتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ بِهِ» وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ مُعَاذِ نَظَرٌ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ» فَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَضَعَّفَ سَنَدَهُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَلِكَ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «كَانَ الرَّجُلُ إذَا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ» فَسَاقَهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الدَّاخِلَ ابْنَ مَسْعُودٍ «فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا» وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ وَلَا يَضُرُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا كَفَى الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ لَا يَقْضِيَ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْكَافِي: إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعْنَيَانِ: مَعْنَى الِافْتِتَاحِ وَالْقِيَامِ مَقَامَ رَكْعَةٍ، وَمَعْنَى الِافْتِتَاحِ يَتَرَجَّحُ فِيهَا وَلِذَا خُصَّتْ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ، فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الرَّابِعَةَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الْأُولَى يُكَبِّرُ بَعْدَ سَلَامِ

إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يُكَبِّرْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ. قَالَ (وَيَقُومُ الَّذِي يُصَلِّي عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْقَلْبِ وَفِيهِ نُورُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى الشَّفَاعَةِ لِإِيمَانِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا لِأَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ كَذَلِكَ وَقَالَ: هُوَ السُّنَّةُ. قُلْنَا تَأْوِيلُهُ أَنَّ جِنَازَتَهَا لَمْ تَكُنْ مَنْعُوشَةً فَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ. (فَإِنْ صَلَّوْا عَلَى جِنَازَةٍ رُكْبَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَهُمَا حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ بِحُضُورِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِظَارِهِ صَيْرُورَتُهُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَةٍ فَيُكَبِّرُهَا بَعْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْتَظِرُهُ بَلْ يُكَبِّرُ كَمَا حَضَرَ، وَلَوْ كَبَّرَ كَمَا حَضَرَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لَكِنَّ مَا أَدَّاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، ثُمَّ الْمَسْبُوقُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ، لِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ بِهِ تُرْفَعُ الْجِنَازَةُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِهَا، وَلَوْ رُفِعَتْ قَطَعَ التَّكْبِيرَ إذَا رُفِعَتْ عَلَى الْأَكْتَافِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ لَا إذَا كَانَ إلَى الْأَكْتَافِ أَقْرَبَ، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ حَتَّى تُبَاعِدَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ حَقِيقَةً. بَلْ اُعْتُبِرَ مُدْرِكًا لِحُضُورِهِ التَّكْبِيرَ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ، إذْ حَقِيقَةُ إدْرَاكِهِ الرَّكْعَةَ بِفِعْلِهَا مَعَ الْإِمَامِ، وَلَوْ شُرِطَ فِي التَّكْبِيرِ الْمَعِيَّةُ ضَاقَ الْأَمْرُ جِدًّا إذْ الْغَالِبُ تَأَخُّرُ النِّيَّةِ قَلِيلًا عَنْ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَاعْتُبِرَ مُدْرِكًا بِحُضُورِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ) رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ قَالَ: «كُنْتُ فِي سِكَّةِ الْمِرْبَدِ فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ مَعَهَا نَاسٌ كَثِيرٌ، قَالُوا: جِنَازَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ فَتَبِعْتُهَا فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِسَاءٌ رَقِيقٌ عَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنْ الشَّمْسِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الدِّهْقَانُ: قَالُوا: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: فَلَمَّا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ قَامَ أَنَسٌ فَصَلَّى عَلَيْهَا وَأَنَا خَلْفَهُ لَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ الْمَرْأَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ، فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ، فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلَاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ كَصَلَاتِكَ، يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ، قَالَ نَعَمْ» ، إلَى أَنْ قَالَ أَبُو غَالِبٍ: فَسَأَلْت عَنْ صَنِيعِ أَنَسٍ فِي قِيَامِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَحَدَّثُونِي أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ النُّعُوشُ، فَكَانَ يَقُومُ حِيَالَ عَجِيزَتِهَا يَسْتُرُهَا مِنْ الْقَوْمِ، مُخْتَصَرٌ مِنْ لَفْظِ أَبِي دَاوُد. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَنَافِعُ هُوَ أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ الْخَيَّاطُ الْبَصْرِيُّ قَالَ: ابْنُ مَعِينٍ صَالِحٌ وَأَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. قُلْنَا: قَدْ يُعَارَضُ هَذَا بِمَا رَوَى

أَجْزَأَهُمْ) فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا تُجْزِئُهُمْ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ احْتِيَاطًا (وَلَا بَأْسَ بِالْإِذْنِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ حَقُّ الْوَلِيِّ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَا بَأْسَ بِالْأَذَانِ: أَيْ الْإِعْلَامِ، وَهُوَ أَنْ يُعْلِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا حَقَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْمَدُ أَنَّ أَبَا غَالِبٍ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَنَسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَامَ حِيَالَ صَدْرِهِ. وَالْمَعْنَى الَّذِي عُقِلَ فِي الْقِيَامِ حِيَالَ الصَّدْرِ وَهُوَ مَا عَيَّنَهُ فِي الْكِتَابِ يُرَجِّحُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَيُوجِبُ التَّعَدِّيَةَ إلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَقْدِيمًا لِلْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ فِي الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ كَانَ بِسَبَبِ عَدَمِ النَّعْشِ فَتَقَيَّدَ بِهِ وَالْإِلْحَاقِ مَعَ وُجُودِهِ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا» لَا يُنَافِي كَوْنَهُ الصَّدْرَ بَلْ الصَّدْرُ وَسَطٌ بِاعْتِبَارِ تَوَسُّطِ الْأَعْضَاءِ، إذْ فَوْقَهُ يَدَاهُ وَرَأْسُهُ وَتَحْتَهُ بَطْنُهُ وَفَخِذَاهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَفَ كَمَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّهُ مَالَ إلَى الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا فَظَنَّ الرَّاوِي ذَلِكَ لِتَقَارُبِ الْمَحَلَّيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ) حَتَّى اُشْتُرِطَ لَهَا مَا سِوَى الْوَقْتِ مِمَّا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ؛ فَكَمَا أَنَّ تَرْكَ التَّكْبِيرِ وَالِاسْتِقْبَالِ يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ بِهَا كَذَلِكَ تَرْكُ الْقِيَامِ وَالنُّزُولِ احْتِيَاطًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ النُّزُولُ كَطِينٍ وَمَطَرٍ فَيَجُوزُ. وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَالْمَيِّتُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ أَيْدِي النَّاسِ لِأَنَّهُ كَالْإِمَامِ، وَاخْتِلَافُ الْمَكَانِ مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْإِذْنِ) حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْإِذْنِ لِلْغَيْرِ بِالتَّقَدُّمِ فِي الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا الْإِذْنُ لِلْمُصَلِّينَ بِالِانْصِرَافِ إلَى حَالِهِمْ كَيْ لَا يَتَكَلَّفُوا حُضُورَ الدَّفْنِ وَلَهُمْ مَوَانِعُ، وَهَذَا لِأَنَّ انْصِرَافَهُمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَكْرُوهٌ. وَعِبَارَةُ الْكَافِي: إنْ فَرَغُوا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَمْشُوا خَلْفَ الْجِنَازَةِ إلَى أَنْ يَنْتَهُوا إلَى الْقَبْرِ، وَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ، فَمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فَقَدْ يَتَحَرَّجُونَ، وَالْإِذْنُ الْمُطْلَقُ لِلِانْصِرَافِ لَا مَانِعَ مِنْ حُضُورِ الدَّفْنِ. وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى هُوَ الْإِذْنُ وَإِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظٍ لَا بَأْسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ كَوْنُ تَرْكِ مَدْخُولِهِ أَوْلَى عُرِفَ فِي مَوَاضِعَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَا بَأْسَ بِالْأَذَانِ: أَيْ الْإِعْلَامِ، وَهُوَ أَنْ يُعْلِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا حَقَّهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَازَةُ يُتَبَرَّكُ بِهَا وَلِيَنْتَفِعَ الْمَيِّتُ بِكَثْرَتِهِمْ. فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ فِيهِ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ لِأَنَّهُ نَعْيُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِهِ وَتَفْخِيمٍ

(وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ وَلَيْسَ مِثْلُهُ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ، بَلْ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ الْإِعْلَامُ بِالْمُصِيبَةِ بِالدَّوَرَانِ مَعَ ضَجِيجٍ وَنِيَاحَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ فَسَقَةُ زَمَانِنَا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ «لَعَنَ اللَّهُ الصَّالِقَةَ وَالْحَالِقَةَ وَالشَّاقَّةَ» وَالصَّالِقَةُ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَلَا بَأْسَ بِإِرْسَالِ الدَّمْعِ وَالْبُكَاءِ مِنْ غَيْرِ نِيَاحَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً) فِي الْخُلَاصَةِ مَكْرُوهٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. هَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى. قَالَ: هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ. وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ؟ رِوَايَتَانِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهَا تَنْزِيهِيَّةً، إذْ الْحَدِيثُ لَيْسَ هُوَ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَلَا قَرَنَ الْفِعْلَ بِوَعِيدٍ بِظَنِّيٍّ بَلْ سَلَبَ الْأَجْرَ، وَسَلْبُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلثَّوَابِ فَسَلْبُ الثَّوَابِ مَعَ فِعْلِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ إثْمٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ» ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ» وَرُوِيَ «فَلَا شَيْءَ لَهُ» وَرِوَايَةُ «فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» لَا تُعَارِضُ الْمَشْهُورَ، وَمَوْلَى التَّوْأَمَةِ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، أَسْنَدَ النَّسَائِيّ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ثَبْتٌ حُجَّةٌ، وَكُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ، بِخِلَافِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ

وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: اُدْخُلُوا بِهِ الْمَسْجِدَ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ» قُلْنَا: أَوَّلًا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجُوزُ كَوْنُ ذَلِكَ كَانَ لِضَرُورَةِ كَوْنِهِ كَانَ مُعْتَكِفًا، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُهَا فَإِنْكَارُهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِهِ، وَمَا قِيلَ لَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ عِلْمُ هَذَا الْخَبَرِ لَرَوَاهُ وَلَمْ يَسْكُتْ الْمَدْفُوعُ بِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي سُكُوتِهِ مَعَ عِلْمِهِ كَوْنُهُ سَوَّغَ هُوَ وَغَيْرُهُ الِاجْتِهَادَ، وَالْإِنْكَارُ الَّذِي يَجِبُ عَدَمُ السُّكُوتِ مَعَهُ هُوَ الْمُنْكِرُ الْعَاصِي مَنْ قَامَ بِهِ لَا الْفُصُولُ الْمُجْتَهَدُ فِيهَا، وَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ لَجَاجٍ خُصُوصًا مَعَ مَنْ هُوَ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ إنْ كَانَ فِي السُّنَّةِ هُوَ إدْخَالُهُ الْمَسْجِدَ أَوْ لَا فَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ، وَدَلِيلُهُمْ لَا يُوجِبُهُ لِأَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ خَلْقٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَوْ كَانَ الْمَسْنُونُ الْأَفْضَلُ إدْخَالَهُمْ أَدْخَلَهُمْ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَنُقِلَ كَتَوَجُّهِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى نَقْلِ أَوْضَاعِ الدِّينِ فِي الْأُمُورِ خُصُوصًا الْأُمُورَ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَى مُلَابَسَتِهَا أَلْبَتَّةَ، وَمِمَّا يَقْطَعُ بِعَدَمِ مَسْنُونِيَّتِهِ إنْكَارُهُمْ، وَتَخْصِيصُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الرِّوَايَةِ ابْنَيْ بَيْضَاءَ، إذْ لَوْ كَانَ سُنَّةً فِي كُلِّ مَيِّتٍ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مُسْتَقَرًّا عِنْدَهُمْ لَا يُنْكِرُونَهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ يَتَوَارَثُونَهُ، وَلَقَالَتْ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ؛ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِبَاحَةِ وَعَدَمِهَا فَعِنْدَهُمْ مُبَاحٌ وَعِنْدَنَا مَكْرُوهٌ، فَعَلَى تَقْدِيرِ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ يَكُونُ الْحَقُّ عَدَمَهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ كَمَا اخْتَرْنَاهُ فَقَدْ لَا يَلْزَمُ الْخِلَافُ لِأَنَّ مَرْجِعَ التَّنْزِيهِيَّةِ إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ مُبَاحٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَخَارِجُ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ فَلَا خِلَافَ. ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ مُدَّعَاهُمْ الْجَوَازُ وَأَنَّهُ خَارِجُ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ فَلَا خِلَافَ حِينَئِذٍ. وَذَلِكَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ شَهِدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا، وَفِي تَرْكِهِمْ الْإِنْكَارَ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ فَيُتَأَوَّلُ عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ، أَوْ يَكُونُ اللَّامُ بِمَعْنَى " عَلَى " كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] انْتَهَى، فَقَدْ صَرَّحَ بِالْجَوَازِ وَنُقْصَانِ الْأَجْرِ وَهُوَ الْمَفْضُولِيَّةُ؛ وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ ادَّعَى أَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ وَيَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ تُفِيدُ خِلَافَهُ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ سِوَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ. وَقَوْلُهُ «لَا أَجْرَ لِمَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ» يُفِيدُ سُنِّيَّتَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَّاهُ، وَحَدِيثُ ابْنَيْ بَيْضَاءَ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمَرْوِيُّ مِنْ صَلَاتِهِمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّهُمَا أَدْخَلَاهُ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فَمَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: " مَا تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ "

(وَمَنْ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ دَلَالَةُ الْحَيَاةِ فَتَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ سُنَّةُ الْمَوْتَى (وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ فِي سَنَدِهِ إسْمَاعِيلُ الْغَنَوِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ لَا يَسْتَلْزِمُ إدْخَالَهُ الْمَسْجِدَ لِجَوَازِ أَنْ يُوضَعَ خَارِجَهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ فِيهِ إذَا كَانَ عِنْدَ بَابِهِ مَوْضِعٌ لِذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا أَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: رَأَى أَبِي رِجَالًا يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيُصَلُّوا عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ وَاَللَّهِ مَا صُلِّيَ عَلَى أَبِي إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، فَتَأَمَّلْهُ. وَهُوَ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ " وَلَوْ سَلِمَ فَيَجُوزُ كَوْنُهُمْ انْحَطُّوا إلَى الْأَمْرِ الْجَائِزِ لِكَوْنِ دَفْنِهِمْ كَانَ بِحِذَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَانِ الْمَسْجِدِ مُحِيطٌ بِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ قَاطِعٌ فِي أَنَّ سُنَّتَهُ وَطَرِيقَتَهُ الْمُسْتَمِرَّةَ لَمْ تَكُنْ إدْخَالَ الْمَوْتَى الْمَسْجِدَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ كَمَا تَكُونُ عَلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ تَكُونُ عَلَى أَكْثَرَ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ إنْ شَاءَ اسْتَأْنَفَ لِكُلِّ مَيِّتٍ صَلَاةً وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ الْكُلَّ وَصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً، وَهُوَ فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِهِمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ وَضَعَهُمْ بِالطُّولِ سَطْرًا وَاحِدًا وَيَقُومُ عِنْدَ أَفْضَلِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَهُمْ وَاحِدًا وَرَاءَ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ. وَتَرْتِيبُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَلْفَهُ حَالَةَ الْحَيَاةِ فَيُقَرَّبُ مِنْهُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ وَيُبْعَدُ عَنْهُ الْمَفْضُولُ فَالْمَفْضُولُ، وَكُلُّ مَنْ بَعُدَ مِنْهُ كَانَ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَقْرَبَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ جُعِلَ الرَّجُلُ إلَى جِهَةِ الْإِمَامِ وَالصَّبِيُّ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَرَاءَهُ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمَا خُنْثَى جُعِلَ خَلْفَ الصَّبِيِّ؛ فَيُصَفُّ الرِّجَالُ إلَى جِهَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ الصِّبْيَانُ وَرَاءَهُمْ ثُمَّ الْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ الْمُرَاهِقَاتُ، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ رِجَالًا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُوضَعُ أَفْضَلُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَحْسَنُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْفَضْلِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَلَوْ اجْتَمَعَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَالْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ الْحُرِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْعَبْدُ أَصْلَحَ قُدِّمَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَوَضْعُهُمْ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَفِي الرَّجُلَيْنِ يُقَدَّمُ أَكْثَرُهُمَا قُرْآنًا وَعِلْمًا كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا وُضِعُوا لِلصَّلَاةِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ إلَى الْقِبْلَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُجْعَلُ رَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ أَسْفَلَ مِنْ رَأْسِ صَاحِبِهِ هَكَذَا دَرْجًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ دُفِنُوا هَكَذَا وَالْوَضْعُ لِلصَّلَاةِ كَذَلِكَ. قَالَ: وَإِنْ وَضَعُوا رَأْسَ كُلٍّ بِحِذَاءِ رَأْسِ الْآخَرِ فَحَسَنٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ التَّفَاوُتِ فِي الْفَضْلِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَفَاوُتٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ الْمُحَاذَاةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي سُقُوطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ جَمَاعَةٌ: وَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ عَلَى طَهَارَةٍ وَظَهَرَ لِلْمَأْمُومِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ صَحَّتْ، وَلَا يُعِيدُونَ لِلِاكْتِفَاءِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَهَلَّ إلَخْ) الِاسْتِهْلَالُ: أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ حَرَكَةِ كُلِّ عُضْوٍ أَوْ رَفْعِ صَوْتٍ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ أَكْثَرِهِ حَيًّا حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَفِي الْأَقَلِّ لَا، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِضِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ

كَرَامَةً لِبَنِي آدَمَ (وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَيُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (وَإِذَا سُبِيَ صَبِيٌّ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَمَاتَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا (إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ) لِأَنَّهُ صَحَّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا (أَوْ يُسْلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ) لِأَنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا (وَإِنْ لَمْ يُسْبَ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ صُلِّيَ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوُرِثَ» قَالَ النَّسَائِيّ: وَلِلْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ غَيْرُ حَدِيثٍ مُنْكَرٍ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَأَمَّا تَمَامُ مَعْنَى مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ مَا عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ «الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: رُوِيَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَكَأَنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ انْتَهَى. وَأَنْتَ سَمِعْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضِ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ لَا التَّرْجِيحُ بِالْأَحْفَظِ وَالْأَكْثَرِ بَعْدَ وُجُوبِ أَصْلِ الضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ وَأَمَّا مُعَارَضَتُهُ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ» فَسَاقِطَةٌ، إذْ الْحَظْرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَارُضِ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ كَفَى فِي نَفْيِهِ كَوْنُهُ نَفْسًا مِنْ وَجْهٍ وَجُزْءًا مِنْ الْحَيِّ مِنْ وَجْهٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا وَلَا، فَأَعْمَلْنَا الشَّبَهَيْنِ فَقُلْنَا يُغَسَّلُ عَمَلًا بِالْأَوَّلِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالثَّانِي، وَرَجَّحْنَا خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِ السِّقْطِ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ خِلْقَةُ أَعْضَائِهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ حَتَّى يَكُونَ لِسَانُهُ يُعْرِبُ عَنْهُ إمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» (قَوْلُهُ وَهُوَ يَعْقِلُ) أَيْ يَعْقِلُ صِفَةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ " أَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ " أَيْ بِوُجُودِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ " وَمَلَائِكَتِهِ " أَيْ بِوُجُودِ مَلَائِكَتِهِ " وَكُتُبِهِ " أَيْ إنْزَالِهَا " وَرُسُلِهِ " أَيْ بِإِرْسَالِهِمْ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - " وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " أَيْ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ " وَالْقَدْرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ " وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْإِسْلَامِ مَا لَمْ يُؤْمِنْ بِمَا ذَكَرْنَا، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَاسْتَوْصَفَهَا صِفَةَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ

لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ فَحُكِمَ بِالْإِسْلَامِ كَمَا فِي اللَّقِيطِ. (وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ) بِذَلِكَ أُمِرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَقِّ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْرِفْهُ لَا تَكُونُ مُسْلِمَةً. وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ لَيْسَ مَا يَظْهَرُ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي جَوَابِ مَا الْإِيمَانُ مَا الْإِسْلَامُ كَمَا يَكُونُ مِنْ بَعْضِ الْعَوَامّ لِقُصُورِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ، بَلْ قِيَامُ الْجَهْلِ بِذَلِكَ بِالْبَاطِنِ مَثَلًا بِأَنَّ الْبَعْثَ هَلْ يُوجَدُ أَوْ لَا، وَأَنَّ الرُّسُلَ وَإِنْزَالَ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ كَانَ أَوْ لَا يَكُونُ فِي اعْتِقَادِهِ اعْتِقَادَ طَرَفِ الْإِثْبَاتِ لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ، فَعَنْ ذَلِكَ قَالَتْ: لَا أَعْرِفُهُ، وَقَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّا نَسْمَعُ مِمَّنْ يَقُولُ فِي جَوَابِ مَا قُلْنَا لَا أَعْرِفُ وَهُوَ مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَارِ وَالْخَوْفِ مِنْ النَّارِ وَطَلَبِ الْجَنَّةِ بِمَكَانٍ، بَلْ وَذَكَرَ مَا يَصْلُحُ اسْتِدْلَالًا فِي أَثْنَاءِ أَحْوَالِهِمْ وَتَكَلُّمِهِمْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِاعْتِقَادِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَكَأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ خَاصٍّ مَنْظُومٍ وَعِبَارَةٍ عَالِيَةٍ خَاصَّةٍ فَيُحْجِمُونَ عَنْ الْجَوَابِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ) اعْلَمْ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ عَلَى مَرَاتِبَ: أَقْوَاهَا تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَيْ فِي أَحْكَامٍ لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ فِي النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ. قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا بَلَى يَوْمَ أُخِذَ الْعَهْدُ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِلَّا فِي النَّارِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَهَذَا نَفْيٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاخْتُلِفَ بَعْدَ تَبَعِيَّةِ الْوِلَادَةِ، فَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ، وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْيَدِ يَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى، فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ (قَوْلُهُ وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ) عِبَارَةٌ مَعِيبَةٌ، وَمَا دَفَعَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَرِيبَ لَا يُفِيدُ، لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى نَفْسِ التَّعْبِيرِ بِهِ بَعْدَ إرَادَةِ الْقَرِيبِ بِهِ، وَأَطْلَقَ الْوَلِيَّ: يَعْنِي الْقَرِيبَ فَشَمَلَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْأُخْتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ. ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ، فَإِنْ كَانَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ بِارْتِدَادٍ، فَإِنْ كَانَ يُحْفَرُ لَهُ حُفَيْرَةٌ وَيُلْقَى فِيهَا كَالْكَلْبِ وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ، صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ أَمَرَ عَلِيٌّ) رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ

لَكِنْ يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ النَّجِسِ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَتُحْفَرُ حُفَيْرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ التَّكْفِينِ وَاللَّحْدِ، وَلَا يُوضَعُ فِيهَا بَلْ يُلْقَى. فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ (وَإِذَا حَمَلُوا الْمَيِّتَ عَلَى سَرِيرِهِ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَفِيهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ وَزِيَادَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «لَمَّا أَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ بَكَى ثُمَّ قَالَ لِي: اذْهَبْ فَغَسِّلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَغْفِرُ لَهُ أَيَّامًا وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذِهِ الْآيَةِ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الْآيَةَ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْحَدِيثَ بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَ «إنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الْكَافِرَ قَدْ مَاتَ فَمَا تَرَى فِيهِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُجِنَّهُ وَأَمَرَهُ بِالْغُسْلِ» . وَإِنَّمَا لَمْ نَذْكُرْهُ نَحْنُ مِنْ السُّنَنِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِمَا «اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثُمَّ لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي، فَذَهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ، فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي» وَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِغُسْلِهِ إلَّا مَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ طَرِيقِ الِالْتِزَامِ الشَّرْعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ الْغُسْلُ إلَّا مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ دُونَ دَفْنِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ» وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَى هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ عَلِيٍّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ طُرُقَ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَثِيرَةٌ، وَالِاسْتِحْبَابُ يَثْبُتُ بِالضَّعْفِ غَيْرِ الْمَوْضُوعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَيْسَ لَهُ قَرِيبٌ إلَّا كَافِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَ ذَلِكَ مِنْهُ بَلْ يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ، أَلَا تَرَى «أَنَّ الْيَهُودِيَّ لَمَّا آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَصْحَابِهِ تَوَلَّوْا أَخَاكُمْ» وَلَمْ يُخِلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ فِي قَبْرِ قَرَابَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَدْفِنَهُ.

[فصل في حمل الجنازة]

الْإِكْرَامِ وَالصِّيَانَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ: يَضَعُهَا السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ، وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صَدْرِهِ، لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا حُمِلَتْ. قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ لِازْدِحَامِ الْمَلَائِكَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ] (فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ) (قَوْلُهُ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ هَكَذَا حُمِلَتْ) رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ بَيْتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنْ الدَّارِ» قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَالدَّارُ تَكُونُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ انْتَهَى. إلَّا أَنَّ الْآثَارَ فِي الْبَابِ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: " تُوُفِّيَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَشَهِدْنَاهُ، فَلَمَّا خُرِّجَ سَرِيرُهُ مِنْ حُجْرَتِهِ إذَا حَسَنُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يَخْرُجَ لِيَقِفَ مَكَانَهُ فَأَبَى، فَسَأَلَهُ بَنُو جَابِرٍ أَلَا خَرَجْت فَخَرَجَ، وَجَاءَ الْحَجَّاجُ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وُضِعَ وَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ، ثُمَّ جَاءَ إلَى الْقَبْرِ فَنَزَلَ حَسَنُ بْنُ حَسَنٍ فِي قَبْرِهِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يَخْرُجَ لَيَدْخُلَ مَكَانَهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَسَأَلَهُ بَنُو جَابِرٍ فَخَرَجَ، فَدَخَلَ الْحَجَّاجُ الْحُفْرَةَ حَتَّى فَرَغَ ". وَأَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ: تُوُفِّيَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَحَمَلَهُ عُمَرُ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ حَتَّى وَضَعَهُ بِالْبَقِيعِ وَصَلَّى عَلَيْهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَحْمِلُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرٍ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَحْمِلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ وَاضِعًا السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَائِمًا بَيْنَ قَائِمَتَيْ السَّرِيرِ. وَمِنْ طَرِيقِهِ عَنْ شُرَيْحٍ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَحْمِلُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرٍ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ. قُلْنَا: هَذِهِ مَوْقُوفَاتٌ وَالْمَرْفُوعُ مِنْهَا ضَعِيفٌ، ثُمَّ هِيَ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ فَاحْتَمَلَ كَوْنُ ذَلِكَ فَعَلُوهُ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ أَوْ لِعَارِضٍ اقْتَضَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ. وَالْحَقُّ أَنْ نَقُولَ: لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى حَمْلِ الِاثْنَيْنِ لِجَوَازِ حَمْلِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحَدُهُمْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِأَنْ يَحْمِلَ الْمُؤَخَّرُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ يَسَارِ الْمَيِّتِ وَالْمُقَدَّمُ عَلَى الْأَيْسَرِ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِ الْمَيِّتِ فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّ بَعْضَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُمْ الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ رُوِيَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ. رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ قَالَ: " رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَحَمَلَ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ". وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْمِهْزَمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ فَقَدْ قَضَى الَّذِي عَلَيْهِ. ثُمَّ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ. رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مَنْ اتَّبَعَ الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ " وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَحَدَّثَنَا الْمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بِهِ قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ حَمْلُ الْجِنَازَةِ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِهِ وَلَفْظُهُ: «مَنْ اتَّبَعَ الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ ثُمَّ إنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ» فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَأَنَّ خِلَافَهُ إنْ تَحَقَّقَ مِنْ بَعْضِ السَّلَفِ فَلِعَارِضٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُنَاظِرِ تَعْيِينُهُ، وَقَدْ يَشَاءُ فَيُبْدِي مُحْتَمَلَاتٍ مُنَاسَبَةً يُجَوِّزُهَا

(وَيَمْشُونَ بِهِ مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُ قَالَ: مَا دُونَ الْخَبَبِ (وَإِذَا بَلَغُوا إلَى قَبْرِهِ يُكْرَهُ أَنْ يَجْلِسُوا قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ مِنْهُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQتَجْوِيزًا كَضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ كَثْرَةِ النَّاسِ أَوْ قِلَّةِ الْحَامِلِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا كَثْرَةُ الْمَلَائِكَةِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقَدْ شَهِدَهُ: يَعْنِي سَعْدًا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَمْ يَنْزِلُوا إلَى الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَقَدْ ضَمَّهُ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ» . وَمَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تَحْمِلُهُ» فَإِنَّمَا يُتَّجَهُ مُحْمَلًا عَلَى تَقْدِيرِ تَجَسُّمِهِمْ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَا تَجَرُّدِهِمْ عَنْ الْكَثَافَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَصْلُ خِلْقَتِهِمْ. وَفِي الْآثَارِ: «مَعَ كُلِّ عَبْدٍ مَلَكَانِ، وَفِيهَا أَكْثَرُ إلَى سَبْعِينَ» فَلَمْ تُوجِبْ مُزَاحَمَةً حِسِّيَّةً وَلَا مَنْعًا مِنْ اتِّصَالٍ بَيْنَك وَبَيْنَ إنْسَانٍ، وَلَا حَمْلَ شَيْءٍ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالرَّأْسِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ بِسَبَبٍ حَمْلِهِمْ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - اُكْتُفِيَ عَنْ تَكْمِيلِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْحَامِلِينَ، وَلِأَنَّ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَصْوَنُ لِلْجِنَازَةِ عَنْ السُّقُوطِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ أَشَقَّ عَلَى الْحَامِلِينَ مَصْلَحَةٌ مُعَارَضَةٌ بِمَفْسَدَةِ تَعْرِيضِهِ عَلَى السُّقُوطِ خُصُوصًا فِي مَوَاطِنِ الزَّحْمَةِ وَالْمِحْجَنِ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ إكْرَامًا لِلْمَيِّتِ وَأَعْوَنُ عَلَى تَحْصِيلِ سُنَّةِ الْإِسْرَاعِ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِحَمْلِ الْأَمْتِعَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلِذَاكِرِهِ حَمْلُهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ (قَوْلُهُ دُونَ الْخَبَبِ) ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ دُونَ الْعُنُقِ وَالْعُنُقُ خَطْوٌ فَسِيحٌ فَيَمْشُونَ بِهِ دُونَ مَا دُونَ الْعُنُقِ، وَلَوْ مَشَوْا بِهِ الْخَبَبَ كُرِهَ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْمَيِّتِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُ إلَخْ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ فَقَالَ: مَا دُونَ الْخَبَبِ» وَهُوَ مُضَعَّفٌ. وَأَخْرَجَ السِّتَّةُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِهِ كُلِّهِ مِنْ حِينِ يَمُوتُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ نَدْبِ الشَّرْعِ لِحُضُورِ دَفْنِهِ إكْرَامُ الْمَيِّتِ، وَفِي جُلُوسِهِمْ قَبْلَ وَضْعِهِ ازْدِرَاءٌ بِهِ وَعَدَمُ الْتِفَاتٍ إلَيْهِ، هَذَا فِي حَقِّ الْمَاشِي مَعَهَا، أَمَّا الْقَاعِدُ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا مَرَّتْ بِهِ أَوْ عَلَى الْقَبْرِ إذَا جِيءَ بِهِ فَلَا يَقُومُ لَهَا، وَقِيلَ يَقُومُ، وَاخْتِيرَ الْأَوَّلُ لَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ

وَكَيْفِيَّةُ الْحَمْلِ) أَنْ تَضَعَ مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُقَدَّمَهَا عَلَى يَسَارِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا عَلَى يَسَارِك إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ، وَهَذَا فِي حَالَةِ التَّنَاوُبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَحْمَدَ (قَوْلُهُ أَنْ تَضَعَ) هُوَ حِكَايَةُ خِطَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ، وَالْمُرَادُ بِمُقَدَّمِ الْجِنَازَةِ يَمِينُهَا، وَيَمِينُ الْجِنَازَةِ بِمَعْنَى الْمَيِّتِ هُوَ يَسَارُ السَّرِيرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَالْحَاصِلُ أَنْ تَضَعَ يَسَارَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَمِينِك ثُمَّ يَسَارَهُ الْمُؤَخَّرَ ثُمَّ يَمِينَهُ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَسَارِك ثُمَّ يَمِينَهُ الْمُؤَخَّرَ لِأَنَّ فِي هَذَا إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ. (تَتِمَّةٌ) الْأَفْضَلُ لِلْمُشَيِّعِ لِلْجِنَازَةِ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَيَجُوزُ أَمَامَهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ الْكُلُّ فَيُكْرَهُ وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا وَلَا عَنْ شِمَالِهَا، وَيُكْرَهُ لِمُشَيِّعِهَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ، وَيَذْكُرُ فِي نَفْسِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمَشْيُ أَمَامَهَا أَفْضَلُ، وَقَدْ نُقِلَ فِعْلُ السَّلَفِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْمَعْنَى. هُوَ يَقُولُ: هُمْ شُفَعَاءُ وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ لِيُمَهِّدَ الْمَقْصُودَ، وَنَحْنُ نَقُولُ: هُمْ مُشَيِّعُونَ فَيَتَأَخَّرُونَ وَالشَّفِيعُ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَصْحِبُ الْمَشْفُوعَ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ شَرْعًا إلْزَامُ تَقْدِيمِهِ حَالَةَ الشَّفَاعَةِ لَهُ أَعْنِي حَالَةَ الصَّلَاةِ، فَثَبَتَ شَرْعًا عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا اعْتَبَرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[فصل في الدفن]

فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ (وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ وَيُلْحَدُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» (وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ) مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ عِنْدَهُ يُسَلُّ سَلًّا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُلَّ سَلًّا» . وَلَنَا أَنَّ جَانِبَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ] (فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ) (قَوْلُهُ وَيُلْحَدُ) السُّنَّةُ عِنْدَنَا اللَّحْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرُورَةً مِنْ رَخْوِ الْأَرْضِ فَيُخَافُ أَنْ يَنْهَارَ اللَّحْدُ فَيُصَارُ إلَى الشَّقِّ، بَلْ ذُكِرَ لِي أَنَّ بَعْضَ الْأَرْضِينَ مِنْ الرِّمَالِ يَسْكُنُهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الشَّقُّ أَيْضًا، بَلْ يُوضَعُ الْمَيِّتُ وَيُهَالُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِيهِ مَقَالٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ «لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَلْحَدُ وَالْآخَرُ يَضْرَحُ، فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا وَنَبْعَثُ إلَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا سَبَقَ تَرَكْنَاهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ، فَلَحَّدُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَهُوَ مَا أُخْرِجَ " عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْحَدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَهُوَ رِوَايَةٌ مِنْ سَعْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَلْحَدَ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُلْحِدَ وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْبًا وَرُفِعَ قَبْرُهُ مِنْ الْأَرْضِ نَحْوَ شِبْرٍ» وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يُرْمَسَ فِي التُّرَابِ رَمْسًا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَقَالَ: لَيْسَ أَحَدُ جَنْبَيَّ أَوْلَى بِالتُّرَابِ مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِمَّا يَلِي) وَذَلِكَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ وَيُحْمَلُ الْمَيِّتُ مِنْهُ فَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ فَيَكُونُ الْآخِذُ لَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَالَ الْأَخْذِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْده يُسَلُّ سَلًّا) هُوَ بِأَنْ يُوضَعَ السَّرِيرُ فِي مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الْمَيِّتِ بِإِزَاءِ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ مِنْ الْقَبْرِ، ثُمَّ يُدْخَلُ رَأْسُ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ وَيُسَلُّ كَذَلِكَ فَتَكُونُ رِجْلَاهُ مَوْضِعَ رَأْسِهِ، ثُمَّ تُدْخَلُ رِجْلَاهُ وَيُسَلُّ كَذَلِكَ، قَدْ قِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْمَرْوِيُّ لِلشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «سُلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» . وَقَالَ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي النَّضْرِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد صَحِيحٌ، وَهُوَ مَا أُخْرِجَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَالسَّبِيعِيِّ قَالَ: أَوْصَانِي الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخِطْمِيُّ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ،

فَيُسْتَحَبُّ الْإِدْخَالُ مِنْهُ، وَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إدْخَالِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ يَقُولُ وَاضِعُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) كَذَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ وَضَعَ أَبَا دُجَانَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْقَبْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا إدْخَالُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُضْطَرَبٌ فِيهِ، فَكَمَا رُوِيَ ذَلِكَ رُوِيَ خِلَافُهُ. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ وَمَنْ قَالَ التَّيْمِيُّ فَقَدْ وَهَمَ، فَإِنَّ حَمَّادًا إنَّمَا يَرْوِي عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فَقَالَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُدْخِلَ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُسَلَّ سَلًّا» وَزَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَرُفِعَ قَبْرُهُ حَتَّى يُعْرَفَ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُخِذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَاسْتُقْبِلَ اسْتِقْبَالًا» وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى مَا دَفَعَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ الْأَوَّلَ مِنْ أَنَّ سَلَّهُ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْقَبْرَ فِي أَصْلِ الْحَائِطِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُفِنَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُتَوَفَّ مُلْتَصِقًا إلَى الْحَائِطِ بَلْ مُسْتَنِدًا إلَى عَائِشَةَ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَتْ تَقُولُ «مَاتَ بَيْنَ حَافِنَتِي وَذَاقِنَتِي» يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُبَاعِدًا مِنْ الْحَائِطِ وَإِنْ كَانَ فِرَاشُهُ إلَى الْحَائِطِ لِأَنَّهُ حَالَةَ اسْتِنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا يُتَوَفَّى مُسْتَقْبِلًا فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ اللَّحْدِ مُلْتَصِقًا إلَى أَصْلِ الْجِدَارِ، وَمَنْزِلُ الْقَبْرِ قِبْلَةً، وَلَيْسَ الْإِدْخَالُ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ إلَّا أَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَى سَقْفِ اللَّحْدِ ثُمَّ يُؤْخَذَ الْمَيِّتُ وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: تَعَارَضَ مَا رَوَاهُ وَمَا رَوَيْنَاهُ فَتَسَاقَطَا. وَلَوْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ كَانَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قُلْنَا. وَغَايَةُ فِعْلِ غَيْرِهِ أَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ ظَنَّ السُّنَّةَ ذَلِكَ، وَقَدْ وَجَدْنَا التَّشْرِيعَ الْمَنْقُولَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ خِلَافَهُ، وَكَذَا عَنْ بَعْضِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، فَالْأَوَّلُ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ فَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ إنْ كُنْتَ لَأَوَّاهًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى. مَعَ أَنَّ فِيهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ وَمِنْهَالَ بْنَ خَلِيفَةَ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا وَذَلِكَ يَحُطُّ الْحَدِيثَ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيحِ لَا الْحَسَنِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي أَمْرِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي بَابِ الْقِرَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ " أَنَّ عَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى يَزِيدَ بْنَ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ ". وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ " أَنَّهُ وَلَّى ابْنَ عَبَّاسٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ " (قَوْلُهُ هَكَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَضَعَ أَبَا دُجَانَةَ) غَلَطٌ، فَإِنَّ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيَّ تُوُفِّيَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ، لَكِنْ

(وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الِانْتِشَارِ (وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ اللَّبِنُ (وَيُسَجَّى قَبْرُ الْمَرْأَةِ بِثَوْبٍ حَتَّى يُجْعَلَ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ وَلَا يُسَجَّى قَبْرُ الرَّجُلِ) لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ وَمَبْنَى حَالِ الرِّجَالِ عَلَى الِانْكِشَافِ (وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) لِأَنَّهُمَا لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبِلَى، ثُمَّ بِالْآجُرِّ يَكُونُ أَثَرُ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا (وَلَا بَأْسَ بِالْقَصَبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَدْخَلَ الْمَيِّتَ الْقَبْرَ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بِاسْمِ اللَّهِ " وَبِاَللَّهِ " وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ «إذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي قُبُورِهِمْ فَقُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ» وَصَحَّحَهُ، وَفِيهِ طُرُقٌ أُخْرَى عَدِيدَةٌ (قَوْلُهُ وَيُوَجَّهُ بِذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) غَرِيبٌ، وَاسْتُؤْنِسَ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: هِيَ تِسْعٌ» فَذَكَرَ مِنْهَا اسْتِحْلَالَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جُعِلَ فِي قَبْرِهِ اللَّبِنُ) وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْحَدُوا لِي لَحَدًّا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقَدَّمَ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ، وَفِيهِ " نُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا " الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ إحْكَامِ الْبِنَاءِ) وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْآجُرَّ مَسَّتْهُ النَّارُ وَدُفِعَ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُغَسَّلَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ،

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَيُسْتَحَبُّ اللَّبِنُ وَالْقَصَبُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ (ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُسَطَّحُ) أَيْ لَا يُرَبَّعُ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ» وَمَنْ شَاهَدَ قَبْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَنَّمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعُلِمَ أَنَّ مَسَّ النَّارِ لَمْ يُعْتَبَرْ مَانِعًا فِي الشَّرْعِ وَالْأَوْلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَفِي الدَّفْعِ نَوْعُ نَظَرٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ) وَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ حُزْمَةٌ. رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ» ) وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَأَسْنَدَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، أَوْصَى أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ الْهَمْدَانِيُّ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى لَحْدِهِ طُنًّا مِنْ قَصَبٍ وَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَلَا يَلْزَمُ خَطَأُ هَذَا الْحَدِيثِ لِمُعَارَضَةِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ وُضِعَ اللَّبِنُ عَلَى قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصْبًا مَعَ قَصَبٍ كُمِّلَ بِهِ لِإِعْوَازٍ فِي اللَّبَنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ) وَمَنْ شَاهَدَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَنَّمٌ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصِهَا» وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ نَاشِزَةً مِنْ الْأَرْضِ وَعَلَيْهَا فِلْقٌ مِنْ مَدَرٍ أَبْيَضَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ سُفْيَانَ التَّمَارَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى «قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا» . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ سُفْيَانَ: وَدَخَلْت الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ قَبْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُسَنَّمَةً وَمَا عُورِضَ بِهِ مِمَّا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقُلْتُ: يَا أُمَّهْ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءَ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ» ، لَيْسَ مُعَارِضًا لِهَذَا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْجَمْعِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. وَأَيْضًا ظَهَرَ أَنَّ الْقَاسِمَ أَرَادَ أَنَّهَا مُسَنَّمَةٌ بِرِوَايَةِ أَبِي حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْت ثَلَاثَةً كُلُّهُمْ لَهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبٌ، سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ، وَسَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَسَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قُلْت: أَخْبِرُونِي عَنْ قُبُورِ آبَائِكُمْ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَكُلُّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا مُسَنَّمَةُ. وَأَمَّا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْهِيَاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيٌّ: «أَبْعَثُكَ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» فَهُوَ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْقُبُورِ بِالْبِنَاءِ الْحَسَنِ الْعَالِي، وَلَيْسَ مُرَادُنَا ذَلِكَ الْقَدْرَ بَلْ قَدْرَ مَا يَبْدُو مِنْ الْأَرْضِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَتِمَّةٌ] لَا يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ الْقَبْرَ وَلَا يُخْرِجُهُنَّ إلَّا الرِّجَالُ وَلَوْ كَانُوا أَجَانِبَ، لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا بِحَائِلٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ فِي حَيَاتِهَا، فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا، فَإِذَا مَاتَتْ وَلَا مَحْرَمَ لَهَا دَفَنَهَا أَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ مَشَايِخِ جِيرَانِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالشَّبَابُ الصُّلَحَاءُ، أَمَّا إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ نَزَلَ وَأَلْحَدَهَا، وَلَا يُنْبَشُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ إلَّا لِعُذْرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: وَالْعُذْرُ أَنَّ الْأَرْضَ مَغْصُوبَةٌ أَوْ يَأْخُذُهَا شَفِيعٌ، وَلِذَا لَمْ يُحَوَّلْ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ دُفِنُوا بِأَرْضِ الْحَرْبِ إذْ لَا عُذْرَ، فَإِنْ أَحَبَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يُسَوِّيَ الْقَبْرَ وَيَزْرَعَ فَوْقَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا وَظَاهِرِهَا. فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا. وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يُسْقَطَ فِي اللَّحْدِ مَالٌ ثَوْبٌ أَوْ دِرْهَمٌ لِأَحَدٍ. وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ، فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَقَدْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَوْ بِلَا صَلَاةٍ فَلَمْ يُبِيحُوهُ لِتَدَارُكِ فَرْضٍ لَحِقَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِهِ، أَمَّا إذَا أَرَادُوا نَقْلَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ تَسْوِيَةَ اللَّبِنِ فَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ نَحْوَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إلَى الْمَقَابِرِ قَدْ تَبْلُغُ هَذَا الْمِقْدَارَ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْلَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَكْرُوهٌ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ كُلٌّ فِي مَقْبَرَةِ الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ بِهَا، وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ وَحُمِلَ مِنْهَا: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيك إلَيَّ مَا نَقَلْتُك وَلَدَفَنْتُك حَيْثُ مِتَّ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا إثْمَ لِمَا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ بِمِصْرٍ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ، وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَمَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرٍ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي ضَيْعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي بَلْدَةٍ يُكْرَهُ نَقْلُهُ إلَى الْأُخْرَى لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ بِمَا فِيهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ كَرَاهَةً. وَمَنْ حَفَرَ قَبْرًا فِي مَقْبَرَةٍ لِيُدْفَنَ فِيهِ فَدُفِنَ غَيْرُهُ لَا يُنْبَشُ لَكِنْ يُضَمَّنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ، وَلَا يُدْفَنُ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ فِي الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ بَلْ يُنْقَلُ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا يُحْفَرُ قَبْرٌ لِدَفْنِ آخَرَ إلَّا إنْ بَلِيَ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا عَظْمٌ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ بُدٌّ فَيُضَمُّ عِظَامُ الْأَوَّلِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ. وَمَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ دَفَنُوهُ إنْ أَمْكَنَ الْخُرُوجُ إلَى أَرْضٍ، وَإِلَّا أَلْقَوْهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ يُثَقَّلُ لِيَرْسُبَ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَإِلَّا شُدَّ بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِيَقْذِفَهُ الْبَحْرُ فَيُدْفَنُ وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُسَمَّى فَسَاقِي وَالْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ وَوَطْؤُهُ، وَحِينَئِذٍ فَمَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ مِمَّنْ دُفِنَتْ

[باب الشهيد]

بَابُ الشَّهِيدِ (الشَّهِيدُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ، أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَارِبُهُ ثُمَّ دُفِنَ حَوَالَيْهِمْ خَلْقٌ مِنْ وَطْءِ تِلْكَ الْقُبُورِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى قَبْرِ قَرِيبِهِ مَكْرُوهٌ. وَيُكْرَهُ النَّوْمُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ، بَلْ أَوْلَى وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ فِي السُّنَّةِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا لَيْسَ إلَّا زِيَارَتَهَا وَالدُّعَاءَ عِنْدَهَا قَائِمًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَقِيعِ وَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» . وَاخْتُلِفَ فِي إجْلَاسِ الْقَارِئِينَ لِيَقْرَءُوا عِنْدَ الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَفِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ مَاتَتْ وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا شَيْءٌ وَكَانَ رَأْيُهُمْ أَنَّهُ وَلَدٌ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا، فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ابْتَلَعَ الرَّجُلُ دُرَّةً فَمَاتَ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهُ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إبْطَالَ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ الْحَيِّ فَيَجُوزُ. أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إبْطَالُ حُرْمَةِ الْأَعْلَى وَهُوَ الْآدَمِيُّ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ الْأَدْنَى وَهُوَ الْمَالُ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى انْتَهَى. وَتَوْضِيحُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهُ حَيًّا لَوْ ابْتَلَعَهَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْفَضَلَاتِ فَكَذَا مَيِّتًا، بِخِلَافِ شَقِّ بَطْنِهَا لِإِخْرَاجِ الْوَلَدِ إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ. وَفِي الِاخْتِيَارِ جُعِلَ عَدَمُ شِقِّ بَطْنِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ. ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى الْجُرْجَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُشَقُّ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الظَّالِمِ الْمُتَعَدِّي انْتَهَى. وَهَذَا أَوْلَى. وَالْجَوَابُ مَا قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِرَامَ يَزُولُ بِتَعَدِّيهِ. وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ لِلْمُصِيبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَيُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَتُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَفْتِنَّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَزَّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ. وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ، وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِأَنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الشَّهِيدِ] (بَابُ الشَّهِيدِ) وَجْهُ فَضْلِهِ، وَتَأْخِيرُهُ ظَاهِرٌ، وَسُمِّيَ شَهِيدًا إمَّا لِشُهُودِ الْمَلَائِكَةِ إكْرَامًا لَهُ، أَوْ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَلِشُهُودِهِ أَيْ حُضُورِهِ حَيًّا يُرْزَقُ عِنْدَ رَبِّهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَصِحُّ (قَوْلُهُ الشَّهِيدُ إلَخْ) هَذَا تَعْرِيفٌ لِلشَّهِيدِ الْمَلْزُومِ لِلْحُكْمِ

وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ فَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمْ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» فَكُلُّ مَنْ قُتِلَ بِالْحَدِيدَةِ ظُلْمًا وَهُوَ طَاهِرٌ بَالِغٌ وَلَمْ يَجِبْ بِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَثَرِ الْجِرَاحَةُ لِأَنَّهَا دَلَالَةُ الْقَتْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ: أَعْنِي عَدَمَ تَغْسِيلِهِ وَنَزْعِ ثِيَابِهِ لَا لِمُطْلَقِهِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَثَّ وَغَيْرَهُ شَهِيدٌ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْأَوْصَافِ يُجْتَنَبُ فِي الْحَدِّ لَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى قَيْدٍ مُدْخِلٍ وَهُوَ قَوْلُنَا: إلَّا مَا يَجِبُ بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ، وَلَوْ أُرِيدَ تَصْوِيرُهُ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ قُتِلَ ظُلْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ وَبِجَارِحٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ بِنَفْسِ الْقَتْلِ وَلَمْ يُرْتَثَّ فَظُلْمًا مُخْرِجٌ لِلْمَقْتُولِ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ غَرِقَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا. وَأَمَّا إذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ كَافِرٍ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ سَائِقٍ، أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا، أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ، أَوْ نَفِدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَئُوهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهِ فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ، أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ بِهِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ فِعْلَهُ وَفِعْلَ الدَّابَّةِ دُونَ حَامِلٍ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ. أَمَّا لَوْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلْقَوْهُمْ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةً فَصَدَمَتْ مُسْلِمًا، أَوْ رَمَوْا نَارًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَبَّتْ بِهَا رِيحٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَرْسَلُوا مَاءً فَغَرِقَ بِهِ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْقَتْلَ مُضَافٌ إلَى الْعَدُوِّ تَسْبِيبًا. فَإِنْ قِيلَ فِي الْحَسَكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَسَّلَ لِأَنَّ جَعْلَهُ تَسْبِيبٌ لِلْقَتْلِ. قُلْنَا: مَا قُصِدَ بِهِ الْقَتْلُ يَكُونُ تَسْبِيبًا وَمَا لَا فَلَا، وَهُمْ قَصَدُوا بِهِ الدَّفْعَ لَا الْقَتْلَ. وَقَوْلُنَا بِجَارِحٍ لَا يَخُصُّ الْحَدِيدَ بَلْ يَشْمَلُ النَّارَ وَالْقَصَبَ. وَقَوْلُنَا بِنَفْسِ الْقَتْلِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بَعْدَ مَا وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَعَمَّا إذَا قَتَلَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ، وَالْوَلَدُ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ، فَإِنَّ مُوجِبَ فِعْلِهِ ابْتِدَاءُ الْقِصَاصِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ مَالًا لِمَانِعِ الْأُبُوَّةِ، وَبَاقِي الْقُيُودِ ظَاهِرَةٌ، وَسَتَخْرُجُ مِمَّا سَيُورَدُ مِنْ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شُهَدَاءِ إلَخْ) غَرِيبٌ تَمَامُهُ. وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَشْرَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ فَقَالَ: إنِّي شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» اهـ. إلَّا أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْغُسْلِ، إذْ مَعَ الْغُسْلِ لَا يَبْقَى. وَفِي تَرْكِ غُسْلِ الشَّهِيدِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ وَيَقُولُ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ» زَادَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ قَالَ

وَكَذَا خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَنَحْوِهَا، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّسَائِيّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ اللَّيْثَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُؤْثَرْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ تَفَرُّدُ اللَّيْثِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ قَالَ «رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ فِي حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» (قَوْلُهُ وَكَذَا خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَنَحْوِهَا) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَوُجِدَ مَيِّتًا فِي الْمَعْرَكَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوجَدَ بِهِ أَثَرٌ أَوْ لَا، فَإِنْ وُجِدَ فَإِنْ كَانَ خُرُوجُ دَمٍ مِنْ جِرَاحَةٍ ظَاهِرَةً فَهُوَ شَهِيدٌ أَوْ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَوْضِعٍ مُعْتَادٍ كَالْأَنْفِ وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ لَمْ نُثْبِتْ شَهَادَتَهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبُولُ دَمًا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ حُكِمَ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَثَرُ مِنْ غَيْرِ رَضٍّ ظَاهِرٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَهِيدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَصْلًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ انْخَلَعَ قَلْبُهُ. وَأَمَّا إنْ ظَهَرَ مِنْ الْفَمِ فَقَالُوا: إنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا غُسِلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الْجَوْفِ فَيَكُونُ مِنْ جِرَاحَةٍ فِيهِ فَلَا يُغْسَلُ. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْمُرْتَقَى مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ عَلَقًا فَهُوَ سَوْدَاءُ بِصُورَةِ الدَّمِ، وَقَدْ يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي طَهَارَةٍ الطَّهَارةِ فَلَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ) ذَكَرُوهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ حَدِيثًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَإِنَّمَا مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ» وَهَذَا مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، فَيُعَارِضُ حَدِيثَ جَابِرٍ عِنْدَنَا، ثُمَّ يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ مُثْبِتٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ نَافٍ، وَنَمْنَعُ أَصْلَ الْمُخَالِفِ فِي تَضْعِيفِ الْمَرَاسِيلِ، وَلَوْ سَلَّمَ فَعِنْدَهُ إذَا اُعْتُضِدَ يَرْفَعُ مَعْنَاهُ. قِيلَ وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمْزَةَ حِينَ فَاءَ النَّاسُ مِنْ الْقِتَالِ، فَقَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُهُ عِنْدَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ، فَلَمَّا رَآهُ وَرَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ وَبَكَى، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَرَمَى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، ثُمَّ جِيءَ بِحَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ بِالشُّهَدَاءِ فَيُوضَعُونَ إلَى جَانِبِ حَمْزَةَ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُرْفَعُونَ وَيُتْرَكُ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَى الشُّهَدَاءِ كُلِّهِمْ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ إلَّا أَنَّ فِي سَنَدِهِ مُفَضَّلَ بْنَ صَدَقَةَ أَبَا حَمَّادٍ الْحَنَفِيَّ، وَهُوَ وَإِنْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى وَالنَّسَائِيُّ فَقَدْ قَالَ الْأَهْوَازِيُّ: كَانَ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ يُوَثِّقُهُ، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ يُثْنِي عَلَيْهِ ثَنَاءً تَامًّا. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، فَلَا يَقْصُرُ الْحَدِيثَ عِنْدَ دَرَجَةِ الْحُسْنِ، وَهُوَ حُجَّةٌ اسْتِقْلَالًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ عَاضِدًا لِغَيْرِهِ. وَأَسْنَدَ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كَانَ النِّسَاءُ يَوْمَ أُحُدٍ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمْزَةَ وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَوُضِعَ إلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ وَتُرِكَ حَمْزَةُ، ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ فَوُضِعَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ وَتُرِكَ حَمْزَةُ

فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ، وَالشَّهِيدُ أَوْلَى بِهَا، وَالطَّاهِرُ عَنْ الذُّنُوبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الدُّعَاءِ كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ (وَمَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلُوهُ لَمْ يُغَسَّلْ) لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ مَا كَانَ كُلُّهُمْ قَتِيلَ السَّيْفِ وَالسِّلَاحِ (وَإِذَا اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّى يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً» وَهَذَا أَيْضًا لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحُسْنِ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَأَرْجُو أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ، فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ أَنَّهُ أَخَذَ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَوَفَاتُهُ تَأَخَّرَتْ عَنْ وَفَاةِ عَطَاءِ بِنَحْوِ خَمْسِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَبْلَ ابْنِ زَيْدٍ بِنَحْوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَكُونُ صَحِيحًا، وَعَلَى الْإِبْهَامِ لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحُسْنِ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ قَتْلَى أُحُدٍ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمْزَةَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ جَعَلَ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، وَكَانَتْ الْقَتْلَى يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ» وَهَذَا أَيْضًا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْكُلُّ ضَعِيفًا ارْتَقَى الْحَاصِلُ إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ، ثُمَّ كَانَ عَاضِدُ الْمَرَاسِيلِ سَيِّدَ التَّابِعِينَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَلَى أَنَّ الْوَاقِدِيَّ فِي الْمَغَازِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ. وَأَسْنَدَ فِي فُتُوحِ الشَّامِ: حَدَّثَنِي رُوَيْمُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ الْوَاقِصِي عَنْ سَيْفٍ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْيَشْكُرِيِّ قَالَ: كُنْت فِي الْجَيْشِ الَّذِي وَجَّهَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إلَى أَيْلَةَ وَأَرْضِ فِلَسْطِينَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَفِيهَا أَنَّهُ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ وَصَلَّى عَلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مَعَ عَمْرٍو تِسْعَةُ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ: الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالشَّفَاعَةُ وَالتَّكْرِيمُ، يُسْتَفَادُ إرَادَتُهُ مِنْ إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَنَقُولُ: إذَا أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ تَكْرِيمًا فَلَأَنْ يُوجِبَهَا عَلَيْهِمْ عَلَى الشَّهِيدِ أَوْلَى، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْكَرَامَةِ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ كَالنَّبِيِّ أَوْ الصَّبِيِّ) لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّبِيِّ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَبَوَيْهِ. هَذَا وَلَوْ اخْتَلَطَ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلَى الْكُفَّارِ أَوْ مَوْتَاهُمْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ فَيُصَلِّي حِينَئِذٍ عَلَيْهِمْ وَيَنْوِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ فِيهَا بِالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلُوهُ كَانَ شَهِيدًا) لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي قِتَالِهِمْ مِثْلُهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ مَأْمُورٌ بِهِ كَأَهْلِ الْحَرْبِ، قَالَ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَسُمِّيَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ مُحَارِبِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْقَطْعُ بِأَنَّ مُحَارِبَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَجِبُ قِتَالُهُ عَلَى أَنَّهُمْ بُغَاةٌ فَيَدْخُلُونَ فِي الَّتِي تَبْغِي بِالْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ فَالْمَقْتُولُ مِنْهُمْ بَاذِلٌ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ مَا كَانَ كُلُّهُمْ قَتِيلَ السَّيْفِ وَالسِّلَاحِ) اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، إذْ يَكْفِي فِيهِ ثُبُوتُ بَذْلِهِ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ

وَقَالَا: لَا يُغَسَّلُ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَالثَّانِي لَمْ يَجِبْ لِلشَّهَادَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً غَيْرَ رَافِعَةٍ فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَنْظَلَةَ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ هُوَ الْمَنَاطُ فِي قَتِيلِ الْمُشْرِكِينَ (قَوْلُهُ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ) وَهُوَ الْغُسْلُ (سَقَطَ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِوُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ. وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَيَسْقُطُ الْغُسْلُ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ بِالْمَوْتِ لِاحْتِبَاسِ الدِّمَاءِ إنْ قُتِلَ بِغَيْرِ جَارِحٍ، أَوْ لِتَلَطُّخِهِ بِهَا إنْ قُتِلَ بِجَارِحٍ مَعَ قِيَامِ الْمُوجِبِ فَكَذَا الْوَاجِبُ قَبْلَهُ. وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عُهْدَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ ثُبُوتِ التَّنَجُّسِ بِالْمَوْتِ وَبِالتَّلَطُّخِ وَإِلَّا لَرُتِّبَ مُقْتَضَاهُ، أَمَّا رَفْعُهَا لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ قَبْلَهَا فَمَوْقُوفٌ عَلَى السَّمْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ إلَّا فِي نَجَاسَةِ الْحَدَثِ لِلْقَطْعِ إجْمَاعًا بِأَنَّهُ لَا يُوَضَّأُ شَهِيدٌ مَعَ الْعِلْمِ بِاسْتِلْزَامِ كُلِّ مَوْتٍ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَقَلُّهُ مَا يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْعَقْلِ قُبَيْلَهُ، فَلَوْ بَقِيَ الْحَالُ عَلَى عَدَمِ السَّمْعِ لَكَفَى فِي إيجَابِ الْغُسْلِ فَكَيْفَ وَالسَّمْعُ يُوجِبُهُ، وَهُوَ مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ حَنْظَلَةَ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُهُمَا سَقَطَ بِسُقُوطِ مَا وَجَبَ لِأَجْلِهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قُلْنَا فِي جَوَابِهِ لِمَ لَمْ يُشْرَعْ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لِلْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَا وَإِدْخَالِ الْقَبْرِ كَمَا كَانَ مَشْرُوعًا لِلْقِرَاءَةِ وَالْمَسِّ، وَقَدْ لَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِيَتَحَقَّقَ سُقُوطُهُ، فَإِنْ أَصْلَحُوا الْعِبَارَةَ قَالُوا سَقَطَ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ وَهِيَ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ دُفِعَ بِتَجْوِيزِ تِلْكَ الْفَائِدَةِ وَهِيَ الْعَرْضُ عَلَى الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، فَيَبْقَى الْوُجُوبُ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِفَةَ تَعَلُّقِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ لِلتَّوَصُّلِ إلَى حَلِّ مَا لَا يَحِلُّ بِدُونِهِ حَالَةَ الْحَيَاةِ وَالْعَرْضِ إنْ مَاتَ قَبْلَ الْغُسْلِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الدَّافِعَ لَيْسَ إلَّا بِالنَّصِّ، وَهُوَ حَدِيثُ حَنْظَلَةَ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا هَذَا بِأَنَّ الْوُجُوبَ قَبْلَ الْمَوْتِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَبَعْدَهُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ غَيْرُهُ، أَوْ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَنَرْجِعُ فِي إيجَادِهِمْ ذَلِكَ الدَّلِيلَ إلَى حَدِيثِ حَنْظَلَةَ: فَإِنْ قَالُوا: هُوَ إنَّمَا يُفِيدُ إرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَكْرِيمَهُ لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمْ. قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ تَعْلِيمٍ لِلْوُجُوبِ وَإِفَادَتِهِ لَهُ، فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ مَا الْمَقْصُودُ بِهِ الْفِعْلُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ، كَغُسْلِ الْمَلَائِكَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَقَطَ بِفِعْلِهِمْ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إفَادَةِ الْوُجُوبِ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ نَفْسَ الْفِعْلِ، وَلَمْ يَسْقُطْ مَا بَعْدَهُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ. وَأَمَّا مُعَارَضَتُهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَلَا

وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا وَكَذَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيّ لَهُمَا أَنَّ الصَّبِيَّ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتُغَسِّلُوهُمْ» فَلَيْسَ بِدَافِعٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَيَيْنِ لَيْسَ حَنْظَلَةُ مِنْهُمْ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكُلِّ وَهُوَ مِنْهُمْ كَانَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ جُنُبًا لِأَنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ إنَّمَا كَانَ مِنْ زَوْجَتِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِغُسْلِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ عَلَى مَا يُفِيدُهُ نَصُّ حَدِيثِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ وَقَدْ قُتِلَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الثَّقَفِيُّ: إنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ يَعْنِي زَوْجَتَهُ، وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَكَانَ قَدْ بَنَى بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَرَأَتْ فِي مَنَامِهَا كَأَنَّ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ وَأُغْلِقَ دُونَهُ فَعَرَفْت أَنَّهُ مَقْتُولٌ مِنْ الْغَدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ دَعَتْ بِأَرْبَعَةٍ مِنْ قَوْمِهَا فَأَشْهَدَتْهُمْ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ. ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَزَادَ «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِي صِحَافِ الْفِضَّةِ» قَالَ أَبُو أُسَيْدَ: «ذَهَبْنَا إلَيْهِ فَوَجَدْنَاهُ يَقْطُرُ رَأْسُهُ دَمًا، فَرَجَعْتُ فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الْحَدِيثَ. وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلسَّرَقُسْطِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ خَرَجَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ وَقَدْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ، فَخَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمْ يَغْتَسِلْ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ أَبُو سُفْيَانَ عَنْ فَرَسِهِ فَوَثَبَ عَلَيْهِ حَنْظَلَةُ وَقَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ يَذْبَحُهُ فَمَرَّ بِهِ جَعْوَنَةُ بْنُ شَعُوبٍ الْكِنَانِيُّ فَاسْتَغَاثَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ فَحَمَلَ عَلَى حَنْظَلَةَ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: لَأَحْمِيَنَّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةٍ مِثْلِ شُعَاعِ الشَّمْسِ وَفِي الْوَاقِدِيِّ سَمَّى الْقَاتِلَ الْأَسْوَدَ بْنَ شَعُوبَ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ إذْ لَا يَجِبُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ. وَجْهُ الْمُخْتَارَةِ أَنَّ الدَّمَ مُوجِبٌ لِلِاغْتِسَالِ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ، وَقَدْ حَصَلَ الِانْقِطَاعُ بِالْمَوْتِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْجُنُبِ إذْ قَدْ صَارَ أَصْلًا مُعَلَّلًا بِالْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ: إنَّ الصَّبِيَّ أَوْلَى بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ) وَهِيَ سُقُوطُ الْغُسْلِ، فَإِنَّ سُقُوطَهُ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الْمَظْلُومِيَّةِ، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَظْلُومِيَّتَهُ أَشَدُّ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا: خُصُومَةُ الْبَهِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ السَّيْفَ إلَخْ) حَاصِلُهُ إمَّا إبْدَاءُ قَيْدٍ زَائِدٍ فِي الْعِلِّيَّةِ فَإِنَّهُمَا عَلَّلَا السُّقُوطَ إيفَاءَ أَثَرِ الْمَظْلُومِيَّةِ فَقَالَ هُوَ

وَلَهُ أَنَّ السَّيْفَ كَفَى عَنْ الْغُسْلِ فِي حَقِّ شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِوَصْفِ كَوْنِهِ طُهْرَةً، وَلَا ذَنْبَ عَلَى الصَّبِيِّ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُمْ (وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ، وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) لِمَا رَوَيْنَا (وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالسِّلَاحُ وَالْخُفُّ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ (وَيَزِيدُونَ وَيُنْقِصُونَ مَا شَاءُوا) إتْمَامًا لِلْكَفَنِ قَالَ (وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ) وَهُوَ مَنْ صَارَ خَلْفًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ الظُّلْمِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ (وَالِارْتِثَاثُ: أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يُدَاوَى أَوْ يُنْقَلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ حَيًّا) لِأَنَّهُ نَالَ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ. وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ مَاتُوا عَطَاشَى وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ، إلَّا إذَا حُمِلَ مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخُيُولُ، لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ، وَلَوْ آوَاهُ فُسْطَاطٌ أَوْ خَيْمَةٌ كَانَ مُرْتَثًّا لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلَّةُ إبْقَاءُ أَثَرِهَا بِجَعْلِ الْقَتْلِ طُهْرَةً، أَيْ جَعْلِ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ طُهْرَةً عَنْ الذُّنُوبِ إبْقَاءً لِأَثَرِ الظُّلْمِ، وَلَا ذَنْبَ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ تَأْثِيرُ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِ لِهَذَا الْحُكْمِ، وَأَمَّا مَنْعُ الْعِلَّةِ وَتَعْيِينُهَا مُجَرَّدُ جَعْلِ الشَّهَادَةِ طُهْرَةً إكْرَامًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَوْلُهُ أَوْلَى لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّكْرِيمِ فِي إسْقَاطِ الْغُسْلِ بِالْقَتْلِ، وَالتَّكْرِيمُ فِي جَعْلِ الْقَتْلِ طُهْرَةً مِنْ الذُّنُوبِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي إبْقَاءِ أَثَرِ الظُّلْمِ أَوْ هُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ مَعَهُ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَيُزِيدُونَ وَيُنْقِصُونَ مَا شَاءُوا) أَيْ يُزِيدُونَ إذَا كَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْكَفَنِ أَوْ نَاقِصًا عَنْ الْعَدَدِ الْمَسْنُون. وَيُنْقِصُونَ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ خَلْفًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ، وَحُكْمُ الشَّهَادَةِ أَنْ لَا يُغَسَّلَ، وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ خَلْفًا فِي نَفْسِ الشَّهَادَةِ بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ إلَخْ) كَوْنُ هَذَا وَقَعَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ قَالَ: انْطَلَقْت يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِّي وَمَعَهُ شَنَّةُ مَاءٍ فَقُلْت: إنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْته وَمَسَحْت وَجْهَهُ، فَإِذَا بِهِ يَنْشُدُ، فَقُلْت أَسْقِيك؟ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ آهِ، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي أَنْ انْطَلِقْ بِهِ إلَيْهِ فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَأَتَيْته فَقُلْت أَسْقِيك؟ فَسَمِعَ آخَرَ يَقُولُ آهِ فَأَشَارَ هِشَامُ أَنْ انْطَلِقْ إلَيْهِ فَجِئْته فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْت إلَى هِشَامٍ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْت إلَى ابْنِ عَمِّي فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ. وَأَسْنَدَ هُوَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ أُثْبِتُوا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَدَعَا الْحَارِثُ بِمَاءٍ يَشْرَبُهُ، فَنَظَرَ إلَيْهِ عِكْرِمَةُ فَقَالَ ارْفَعُوهُ إلَى عِكْرِمَةَ، فَرَفَعُوهُ إلَيْهِ فَنَظَرَ إلَيْهِ عَيَّاشُ فَقَالَ عِكْرِمَةُ ارْفَعُوهُ إلَى عَيَّاشٍ، فَمَا وَصَلَ إلَى عَيَّاشٍ وَلَا إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى مَاتُوا وَمَا ذَاقُوا (قَوْلُهُ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ) أَيْ وَيَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا حَتَّى يَجِبَ الْقَضَاءُ، كَذَا قَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. وَفِيهِ إفَادَةٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، فَإِنْ أَرَادَ إذَا لَمْ

مُرْتَثٌّ) لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ. قَالَ: وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ كَانَ ارْتِثَاثًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَمْوَاتِ (وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ غُسِّلَ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخَفَّ أَثَرُ الظُّلْمِ (إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ عُقُوبَةٌ وَالْقَاتِلُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْهَا ظَاهِرًا، إمَّا فِي الدُّنْيَا أَوْ الْعُقْبَى. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: مَا لَا يَلْبَثُ بِمَنْزِلَةِ السَّيْفِ وَيُعْرَفُ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْدِرْ لِلضَّعْفِ مَعَ حُضُورِ الْعَقْلِ فَكَوْنُهُ يَسْقُطُ بِهِ الْقَضَاءُ قَوْلُ طَائِفَةٍ، وَالْمُخْتَارُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ أَرَادَ لِغَيْبَةِ الْعَقْلِ فَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَتَى يَسْقُطُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْجَرِيحِ (قَوْلُهُ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) فِي الْكَافِي أَوْ عَاشَ مَكَانَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ إذْ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَيًّا يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ. وَعَنْهُ إنْ عَاشَ بَعْدَ الْجُرْحِ أَكْثَرَ الْيَوْمِ أَوْ أَكْثَرَ اللَّيْلَةِ يُغَسَّلُ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) قِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا، أَمَّا بِأُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا اتِّفَاقًا. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَفِي أُمُورِ الدُّنْيَا يَكُونُ مُرْتَثًّا اتِّفَاقًا. وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا، فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَمُحَمَّدٌ لَا يُخَالِفُهُ. وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا. وَمِنْ الِارْتِثَاثِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، بِخِلَافِ الْقَلِيلِ فَإِنَّ مِمَّنْ شَهِدَ أُحُدًا مَنْ تَكَلَّمَ كَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا) أَيْ وَيُعْلَمُ قَاتِلُهُ عَيْنًا، أَمَّا مُجَرَّدُ وِجْدَانِهِ مَذْبُوحًا لَا يَمْنَعُ غُسْلَهُ وَقَدْ يُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَلَى الْقَاتِلِ الْمُعَيَّنِ، هَذَا

[باب الصلاة في الكعبة]

(وَمَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَاذِلٌ نَفْسَهُ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْحَقُ بِهِمْ (وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْبُغَاةِ. بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ (الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا عَنَى بِالْقِصَاصِ اسْتِيفَاءَهُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لَا تَسْلِيمَ الْقَاتِلِ نَفْسَهُ لَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَاذِلٌ نَفْسَهُ) وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَسَّلَ مَاعِزًا» (قَوْلُهُ لِأَنَّ عَلِيًّا إلَخْ) غَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ] مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ. قِيلَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا. وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ، فَعِنْدَهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ظَالِمٌ بِالْقَتْلِ فَيَلْحَقُ بِالْبَاغِي. وَلَهُمَا أَنَّ دَمَهُ هَدَرٌ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» . [بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ] (بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) سَهْوٌ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ فِيهَا وقَوْله تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] ظَاهِرٌ فِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ظَاهِرٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ

وَلِمَالِكٍ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ اُسْتُجْمِعَتْ شَرَائِطُهَا لِوُجُودِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ (فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ فِيهَا فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ) لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَكَثَ فِيهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى» وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، وَكَانَ هَذَا يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى مَا صَرَّحَا بِهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَهَذَا وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ يُعَارِضُ رِوَايَتَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَفِيهَا سِتُّ سَوَارٍ، فَقَامَ عِنْدَ سَارِيَةٍ فَدَعَا وَلَمْ يُصَلِّ» وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُثْبِتٌ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي. وَمَنْ تَأَوَّلَ حَدِيثَ بِلَالٍ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءَ فَخُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ. فَإِنْ قِيلَ: يُرْتَكَبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. قِيلَ تَأْوِيلٌ يَنْفِيهِ الصَّرِيحُ وَهُوَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «فَسَأَلْتُ بِلَالًا: صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ» لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى» وَمَا قَدْ يُقَالُ: عَدَمُ سُؤَالِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ إخْبَارِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِمَنْ تَأَمَّلَ السِّيَاقَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَهَا يَوْمَ النَّحْرِ فَلَمْ يُصَلِّ، وَدَخَلَهَا مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ) خَرَجَ بِهِ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ: تَعَارَضَ فِيهِ الْمَانِعُ وَالْمُبِيحُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُسْتَدْبِرٌ بَعْضَهَا

بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي (وَمَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ) لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ (وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَتَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّوْا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ (وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ، وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ عِنْدَنَا دُونَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُسْتَقْبِلٌ بَعْضَهَا، فَتَضَمَّنَ مَنْعَ كَوْنِهَا اسْتِدْبَارَ بَعْضِهَا مَانِعًا، بَلْ الْمَانِعُ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ اسْتِقْبَالُ الْبَعْضِ وَقَدْ وُجِدَ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَانِعٌ (لِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ) وَيُحَوَّلُ وَالْقِبْلَةُ لَا تَتَحَوَّلُ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ نَقَلَ تِلْكَ الْأَحْجَارَ وَجَبَ التَّوَجُّهُ إلَى خُصُوصِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلٍ أَرْفَعَ مِنْ الْكَعْبَةِ جَازَتْ، فَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ هَاتَيْنِ أَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ تِلْكَ الْعَرْصَةُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ إلَخْ) أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَالْمَزْبَلَةُ

[كتاب الزكاة]

كِتَابُ الزَّكَاةِ (الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْمُسْلِمِ إذَا مَلَكَ نِصَابًا مِلْكًا تَامًّا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) أَمَّا الْوُجُوبُ فَلِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَجْزَرَةُ، وَالْحَمَّامُ وَعَظْمُ الْإِبِلِ وَمَحْجَةُ الطَّرِيقِ» وَأَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إلَى هَذَا الطَّرِيقِ وَأُعِلَّ بِأَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ فَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ آخَرُونَ. [كِتَابُ الزَّكَاةِ] ِ هِيَ فِي اللُّغَةِ الطَّهَارَةُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَالنَّمَاءُ: زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا. وَفِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الزُّكَاءُ بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى النَّمَاءِ، يُقَالُ زَكَا زَكَاءً فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ لَا مِنْ الزَّكَاةِ؛ بَلْ كَوْنُهُ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَيْنِ لَفْظِ الزَّكَاةِ فِي مَعْنَى النَّمَاءِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا نَفْسُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ، قَالَ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَالُ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ نَفْسُ فِعْلِ الْإِيتَاءِ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالْوُجُوبِ، وَمُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِلُّغَوِيِّ أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ إذْ يَحْصُلُ بِهِ النَّمَاءُ، بِالْإِخْلَافِ مِنْهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ وَالطَّهَارَةُ لِلنَّفْسِ مِنْ دَنَسِ الْبُخْلِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَلِلْمَالِ بِإِخْرَاجِ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ: أَعْنِي الْفُقَرَاءَ. ثُمَّ هِيَ فَرِيضَةٌ مُحَكَّةٌ، وَسَبَبُهَا الْمَالُ الْمَخْصُوصُ: أَعْنِي النِّصَابَ النَّامِيَ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلِذَا يُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ زَكَاةُ الْمَالِ. وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْفَرَاغُ مِنْ الدَّيْنِ. وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ مِنْ

تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ كَمَالَ الْمِلْكِ بِهَا، وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِمَا نَذْكُرُهُ، وَالْإِسْلَامُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ وَلَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مِلْكِ مِقْدَارِ النِّصَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدُّوا إلَخْ) عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا إذَا أُمِرْتُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» قَالَ: قُلْت لِأَبِي أُمَامَةَ مُنْذُ كَمْ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: سَمِعْته وَإِنَّهُ ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِ أَبِي أُمَامَةَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ) لِقَطْعِيَّةِ الدَّلِيلِ إمَّا مَجَازٌ فِي الْعُرْفِ بِعَلَاقَةِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا ثَبَتَتْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ: قَطْعِيٌّ، وَظَنِّيٌّ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اسْمُ الْوَاجِبِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ اسْمًا أَعَمَّ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كَمَالَ الْمِلْكِ بِهَا) مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَا، فَكَأَنَّهُ عَمَّمَ الْمِلْكَ فِي الْمِلْكِ يَدًا، فَلَوْ قَالَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَا لَمْ يَصْدُقْ لِثُبُوتِهِ دُونَهَا فِي الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ مَالِكٌ يَدًا إذْ لَيْسَ بِحُرٍّ، ثُمَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى قَيْدِ التَّمَامِ وَهُوَ مُخْرِجٌ لِمِلْكِ الْمُكَاتَبِ فَيَخْرُجُ حِينَئِذٍ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا أَعَمُّ إخْرَاجًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ أَيْضًا النِّصَابَ الْمُعَيَّنَ مِنْ السَّائِمَةِ الَّذِي تَزَوَّجَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ تَحَقَّقَ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ غَيْرُ كَامِلٍ بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَصَيْرُورَتُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ يَنْبَنِي عَلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ بِهِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْمِلْكِ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ فِي الضِّمَارِ. وَيُخْرِجُ أَيْضًا الْمُشْتَرِي لِلتِّجَارَةِ إذَا لَمْ يَقْبِضْ حَتَّى حَالَ حَوْلٌ لَا زَكَاةَ فِيهِ إذْ لَمْ يَسْتَفِدْ مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَكَمَالَ الْمِلْكِ بِكَوْنِهِ مُطْلَقًا لِلتَّصَرُّفِ وَحَقِيقَتُهُ مَعَ كَوْنِهِ حَاجِزًا، وَيُخْرِجُ الْمَالَ الْمُشْتَغِلَ بِالدَّيْنِ لِذَلِكَ، إذْ صَاحِبُ الدَّيْنِ مُسْتَحِقٌّ أَخْذَهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَهَذَا يُصَيِّرُهُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ، بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي مَالِ الْهِبَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَإِنْ تَمَكَّنَ الْوَاهِبُ مِنْ الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ، وَلَا يُخْرِجُ مَا مَلَكَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَلِذَا قَالُوا: لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا غَصَبَ مَالًا وَخَلَطَهُ صَارَ مِلْكًا لَهُ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَوُرِثَ عَنْهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ خَلْطَ دَرَاهِمِهِ بِدَرَاهِمِ غَيْرِهِ اسْتِهْلَاكٌ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَضْمَنُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ فَرْعُ الضَّمَانِ، وَلَا يُورَثُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ، فَإِنَّمَا يُورَثُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَإِذْ قَدْ عَرَفْتَ هَذَا فَلَوْ قِيلَ تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْمَالِكِ

لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يَتَحَقَّقُ فِيهَا النَّمَاءُ، وَقَدَّرَهَا الشَّرْعُ بِالْحَوْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَلِأَنَّهُ الْمُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْغَالِبُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ فِيهَا فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. ثُمَّ قِيلَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمْرِ وَقْتُ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِهَلَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِنِصَابٍ مِلْكًا تَامًّا لَكَانَ أَوْجَزَ، إذْ يُسْتَغْنَى بِالْمَالِكِ عَنْ الْحُرِّ وَبِتَمَامِ الْمِلْكِ يَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ وَمَنْ ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ) لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَسَيَمُرُّ بِك غَيْرُهُ مِنْ الشَّوَاهِدِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ» إلَخْ) رَوَى مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَالْحَارِثُ الْأَعْوَرُ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ يَقُولُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ أَوْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَالْحَارِثُ وَإِنْ كَانَ مُضَعَّفًا لَكِنْ عَاصِمُ ثِقَةٌ، وَقَدْ رَوَى الثِّقَةُ أَنَّهُ رَفَعَهُ مَعَهُ فَوَجَبَ قَبُولُ رَفْعِهِ، وَرَدُّ تَصْحِيحِ وَقْفِهِ. وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ) بَيَانٌ لِحِكْمَةِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ شَرْعًا، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّةِ الزَّكَاةِ مَعَ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ مِنْ الِابْتِلَاءِ مُوَاسَاةُ الْفُقَرَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ هُوَ فَقِيرًا بِأَنْ يُعْطِيَ مِنْ فَضْلِ مَالِهِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ، وَالْإِيجَابُ فِي الْمَالِ الَّذِي لَا نَمَاءَ لَهُ أَصْلًا يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ ذَلِكَ عِنْدَ تَكَرُّرِ السِّنِينَ خُصُوصًا مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْإِنْفَاقِ، فَشَرْطُ الْحَوْلِ فِي الْمُعَدِّ لِلتِّجَارَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ لَهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْقِيقِهَا فِي الْوُجُودِ فَيَحْصُلَ النَّمَاءُ الْمَانِعُ مِنْ حُصُولِ ضِدِّ الْمَقْصُودِ، وَقَوْلُهُمْ فِي النَّقْدَيْنِ خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتَّوَسُّلِ بِهِمَا إلَى تَحْصِيلِ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرُورَةَ مَاسَةٌ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ وَهَذِهِ غَيْرُ نَفْسِ النَّقْدَيْنِ، وَفِي أَخْذِهَا عَلَى التَّغَالُبِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، فَخُلِقَ النَّقْدَانِ لِغَرَضِ أَنْ يُسْتَبْدَلَ بِهِمَا مَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ خَلْقِ الرَّغْبَةِ بِهِمَا فَكَانَا لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ) الدَّعْوَى مَقْبُولَةٌ وَهِيَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَا التَّرَاخِيَ، بَلْ مُجَرَّدَ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ كُلٌّ مِنْ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِ فِي الِامْتِثَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ الْفِعْلَ مُقَيَّدًا بِأَحَدِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ فِي الْمُبَاحِ الْأَصْلِيِّ. وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ وَهِيَ أَنَّهُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ، فَمَتَى لَمْ تَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: وُجُوبُ

النِّصَابِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ. (وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ زَكَاةٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: هِيَ غَرَامَةٌ مَالِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّكَاةِ عَلَى التَّرَاخِي لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ تَأْخِيرُهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلتَّرَاخِي لَا أَنَّهُمْ يَعْنُونَ أَنَّ التَّرَاخِيَ مُقْتَضَاهُ. قُلْنَا إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ فَالْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَّاهُ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فَرِيضَةً وَفَوْرِيَّتُهَا وَاجِبَةً فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ الْإِثْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى، وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ هِيَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِهَا عَنْهُمْ، وَلِذَا رَدُّوا شَهَادَتَهُ إذَا تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا لِأَنَّهُمَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ، فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِهِمَا حِينَئِذٍ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ مُفَسِّقٌ، وَإِذَا أَتَى بِهِ وَقَعَ أَدَاءً لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوَقِّتْهُ بَلْ سَاكِتٌ عَنْهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ لَا الْحَجِّ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالزَّكَاةُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَكْسُهُ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الثَّلَاثَةِ وُجُوبُ فَوْرِيَّةِ الزَّكَاةِ وَالْحَقُّ تَعْمِيمُ رَدِّ شَهَادَتِهِ لِأَنَّ رَدَّهَا مَنُوطٌ بِالْمَأْثَمِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَجِّ أَيْضًا مَا يُوجِبُ الْفَوْرَ مِمَّا هُوَ غَيْرُ الصِّيغَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَمَا ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى التَّرَاخِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ: أَيْ دَلِيلُ الِافْتِرَاضِ لَا يُوجِبُهَا، وَهُوَ لَا يَنْفِي وُجُودَ دَلِيلِ الْإِيجَابِ، وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ زَكَّى أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَمْ لَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ لِأَنَّ وَقْتَ الزَّكَاةِ الْعُمْرُ، فَالشَّكُّ حِينَئِذٍ فِيهَا كَالشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَالشَّكُّ فِي الْحَجِّ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ. هَذَا وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَنْعَمَ التَّأَمُّلَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ دَفْعُ الْحَاجَةِ مَعَ دَفْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُتَرَاخِيًا، إذْ بِتَقْدِيرِ اخْتِيَارِ الْكُلِّ لِلتَّرَاخِي وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ زَمَانِ أَدَاءِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَتَأَمَّلْ. وَإِذَا أَخَّرَ حَتَّى مَرِضَ يُؤَدِّي سِرًّا مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ كَانَ الْأَفْضَلُ لَهُ الِاسْتِقْرَاضَ، وَإِنْ كَانَ ظَنُّهُ خِلَافَهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَسْتَقْرِضَ لِأَنَّ خُصُومَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَشَدُّ. (قَوْلُهُ هِيَ غَرَامَةٌ) حَاصِلُهُ إلْحَاقُ الزَّكَاةِ بِنَفَقَةِ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَعُشْرِ أَرْضِهِمَا وَخَرَاجِهِمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي أَرْضِهِمَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ، وَكَذَا الْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَجَمِيعِ جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْجَامِعُ أَنَّهَا غَرَامَةٌ: أَيْ حَقٌّ مَالِيٌّ يَلْزَمُ بِسَبَبٍ فِي مَالِهِمَا فَيُخَاطَبُ الْوَلِيُّ بِدَفْعِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» قُلْنَا أَمَّا الْحَدِيثُ فَضَعِيفٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا يُرْوَى الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ لِأَنَّ الْمُثَنَّى يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ مُهَنَّأٌ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَلِلْحَدِيثِ طَرِيقَانِ آخَرَانِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهُمَا

فَتُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْمُؤَنِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَصَارَ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ. وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالِاخْتِيَارِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ، وَلَا اخْتِيَارَ لَهُمَا لِعَدَمِ الْعَقْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQضَعِيفَانِ بِاعْتِرَافِهِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَنَمْنَعُ كَوْنَ مَا عَيْنُهُ تَمَامُ الْمَنَاطِ فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالذِّمِّيِّ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ زَكَاةٌ، فَلَوْ كَانَ وُجُوبُهَا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا حَقًّا مَالِيًّا يَثْبُتُ لِلْغَيْرِ لَصَحَّ أَدَاؤُهَا مِنْهُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ، بَلْ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَحِينَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهَا وَصْفٌ آخَرُ لَا يَصِحُّ مَعَ عَدَمِهِ وَهُوَ وَصْفُ الْعِبَادَةِ الزَّائِلُ مَعَ الْكُفْرِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَعَدَّ مِنْهَا الزَّكَاةَ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً عَنْ الصَّبِيِّ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَاعْتِبَارُ تَعَلُّقِ خِطَابِ الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ بِالْوَلِيِّ ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ لِيَدْفَعَ بِهِ هَذَا، وَمَا يُقَالُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَدَاءِ نِيَّةُ الْأَصْلِ لَا النَّائِبُ جَائِزٌ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي ثُبُوتِ مُفِيدِ وُقُوعِ هَذَا الْجَائِزِ، إذْ بِمُجَرَّدِ الْجَوَازِ لَا يَلْزَمُ الْوُجُودُ شَرْعًا فَلَا يُفِيدُ مَا ذَكَرُوهُ الْمَطْلُوبَ وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ وَالْقِيَاسُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا سَمِعْت، عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَقْتَضِ إلَّا وُجُوبَ الْأَدَاءِ عَلَى الْوَلِيِّ نِيَابَةً كَمَا هُوَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَهَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي مَالِ غَيْرِهِ إلَّا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ وَبِهِ يُفَارِقُ تَصَرُّفَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِهِمَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عَنْ سَمَاعٍ، إذْ قَدْ عَلِمْت إمْكَانَ الرَّأْيِ فِيهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَيْهِ، فَحَاصِلُهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ عَنْ اجْتِهَادٍ عَارَضَهُ رَأْيُ صَحَابِيٍّ آخَرَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ. وَلَيْثٌ كَانَ أَحَدَ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ، وَقِيلَ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَكُنْ لِيَذْهَبَ فَيَأْخُذَ عَنْهُ فِي حَالِ اخْتِلَاطِهِ وَيَرْوِيهِ وَهُوَ الَّذِي شَدَّدَ فِي أَمْرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُشَدِّدُهُ غَيْرُهُ عَلَى مَا عُرِفَ. وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَفِي ابْنِ لَهِيعَةَ مَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَحَاصِلُ مَا نَقُولُ فِي نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْهُمَا أَنَّ نَفْيَ الْعِبَادَةِ عَنْهُمَا بِالنَّافِي الثَّابِتِ وَعَنْ وَلِيِّهِمَا ابْتِدَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لِعَدَمِ سَلَامَةِ مَا يُفِيدُ ثُبُوتَهُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَأَمَّا إلْحَاقُهُمَا بِالْمُكَاتَبِ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ

بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ. وَكَذَا الْغَالِبُ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ، وَلَوْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إفَاقَتِهِ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ مِنْ الصَّوْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجَامِعِ نُقْصَانِ الْمِلْكِ لِثُبُوتِ لَازِمِ النُّقْصَانِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَبَرُّعَاتِهِمَا بَلْ أَدْنَى لِعَدَمِ نَفَاذِ تَصَرُّفَاتِهِمَا فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لَيْسَ عَدَمُ جَوَازِ التَّبَرُّعِ وَلَا النُّقْصَانُ الْمُسَبَّبُ عَنْهُ، بَلْ النُّقْصَانُ الْمُسَبَّبُ عَنْ كَوْنِهِ مَدْيُونًا أَوْ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ فَقَطْ لِلتَّرَدُّدِ فِي قَرَارِ الْمِلْكِ لِتَجْوِيزِ عَجْزِهِ فَيَصِيرُ لِلسَّيِّدِ مِلْكًا وَهُوَ لَيْسَ مِلْكًا حَقِيقِيًّا أَصْلًا، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بَقِيَ إيرَادُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ يَتَوَجَّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ فَلَوْ تَمَّ وَاعْتَرَفْنَا بِالْخَطَإِ فِي إيجَابِهِمَا فِي أَرْضِهِمَا لَمْ يَضُرَّنَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، ثُمَّ جَوَابُهُ عَدَمُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي الْخَرَاجِ بَلْ هِيَ مُؤْنَةٌ مَحْضَةٌ فِي الْأَرْضِ وَقُصُورُهُ فِي الْعُشْرِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ. وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ تَابِعٌ. فَالْمَالِكُ مَلَكَهُمَا بِمُؤْنَتِهِمَا كَمَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ مِلْكًا مُصَاحِبًا بِهَا لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ سَبَبُ بَقَائِهِ فَتَثْبُتُ مَعَ مِلْكِهِ، وَكَذَا الْخَرَاجُ سَبَبُ بَقَاءِ الْأَرَاضِي فِي أَيْدِ مُلَّاكِهَا لِأَنَّ سَبَبَهُ بَقَاءُ الذَّبِّ عَنْ حَوْزَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ بِالْمُقَاتَلَةِ وَبَقَاؤُهُمْ بِمُؤْنَتِهِمْ وَالْخَرَاجُ مُؤْنَتُهُمْ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى جَعْلِهِ فِي ذَلِكَ وَالْعُشْرُ لِلْفُقَرَاءِ لِذَبِّهِمْ بِالدُّعَاءِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا تُنْصَرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ» الْحَدِيثَ. وَالزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ أَيْضًا لِلْفُقَرَاءِ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إيجَابِ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ فِي حَقِّهِ الِابْتِلَاءُ بِالنَّصِّ الْمُفِيدِ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً مَحْضَةً وَهُوَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ» الْحَدِيثَ. وَفِي حَقِّهِمْ سَدُّ حَاجَتِهِمْ وَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي عُشْرِ الْأَرَاضِيِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ صَرِيحٌ يُوجِبُ كَوْنَهُ عِبَادَةً مَحْضَةً، وَقَدْ عُهِدَ تَقْرِيرُ الْمُؤْنَةِ فِي الْأَرْضِ فَيَكُونُ مَحِلُّ النَّظَرِ عَلَى الْمَعْهُودِ، غَيْرَ أَنَّ خُصُوصَ الْمَصْرِفِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ يُوجِبُ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَسْتَلْزِمُ سِوَى أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مَعْنَاهَا وَهُوَ بِكَوْنِهِ تَبَعًا فَكَانَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَفَاقَ) أَيْ الْمَجْنُونُ. اعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوبَ مُطْلَقًا لَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ لِلْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ، بَلْ إذَا كَانَ حُكْمُهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ يَتَعَذَّرُ مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ الْأَدَاءُ امْتِثَالًا مَعَ عَدَمِ الْعَقْلِ بِشَرْطِ تَذَكُّرِهِ نَحْوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْحَوْلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ إيجَابِهَا إيجَابُ نَفْسِ الْفِعْلِ ابْتِلَاءً لِيَظْهَرَ الْعَاصِي مِنْ الْمُطِيعِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عَنْ اخْتِيَارٍ صَحِيحٍ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا انْتَفَى الْوُجُوبُ لِانْتِفَاءِ حُكْمِهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَإِنْ وُجِدَ السَّبَبُ كَمَا يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ مَحَلِّهِ، بِخِلَافِ مَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ وَوُصُولُهُ إلَى مُعَيَّنٍ كَالْخَرَاجِ وَالنَّفَقَاتِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْعُشْرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِيصَالُ فَإِنَّهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالنَّائِبِ فَأَمْكَنَ ثُبُوتُ حُكْمِ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا: أَعْنِي وُجُوبَ الْأَدَاءِ دُونَ عَقْلٍ، بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ فَإِنَّ اخْتِيَارَ النَّائِبِ لَيْسَ هُوَ اخْتِيَارُ الْمُسْتَنِيبِ فَلَا يَظْهَرُ بِفِعْلِهِ طَاعَةُ مَنْ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ اسْتَنَابَهُ عَنْ اخْتِيَارٍ صَحِيحٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعَقْلِ، ثُمَّ مَا يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَقْلِ إنَّمَا يُسْقِطُ الْوُجُوبَ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِالصَّبِيِّ إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَارِضِيًّا طَالَ، وَأَنْ يَكُونَ تَبْقِيَةُ الْوُجُوبِ يَسْتَلْزِمُ الْحَرَجَ فِي فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَارِضَ إذَا لَمْ يَطُلْ عُدَّ عَدَمًا شَرْعًا كَالنَّوْمِ لَا يُسْقِطُ الْوُجُوبَ، وَيَجِبُ عَلَى النَّائِمِ الْقَضَاءُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، بِخِلَافِ الطَّوِيلِ فِي الْعَادَةِ. وَالْجُنُونُ يَنْقَسِمُ إلَى مَدِيدٍ وَقَصِيرٍ فَأُلْحِقَ الْمَدِيدُ بِالصِّبَا فَيَسْقُطُ مَعَهُ أَصْلُ الْوُجُوبِ، وَالْقَصِيرُ بِالنَّوْمِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا عُذْرٌ يُعْجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوُجُوبَ لِفَائِدَتِهِ وَهِيَ الْأَدَاءُ أَوْ الْقَضَاءُ، فَمَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الْأَوَّلُ وَيَثْبُتُ طَرِيقُ تَعَذُّرِ الثَّانِي لَا تَنْتَفِي الْفَائِدَةُ فَلَا يَنْتَفِي هُوَ، وَطَرِيقُ تَعَذُّرِهِ أَنْ يَسْتَلْزِمَ حَرَجًا وَهُوَ بِالْكَثْرَةِ وَلَا نِهَايَةَ لَهَا، فَاعْتَبَرْنَا الدُّخُولَ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، فَلِذَا قَدَّرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ بِالسِّتِّ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ، وَفِي الصَّوْمِ بِأَنْ يَسْتَوْعِبَ الشَّهْرَ. وَفِي الزَّكَاةِ أَنْ يَسْتَغْرِقَ الْحَوْلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ التَّكْرَارَ بِخُرُوجِ الثَّانِيَةِ لَا بِدُخُولِهَا لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ، فَالْأَوْلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ نَفْسُ وَقْتِهِمَا وَوَقْتُهُمَا مَدِيدٌ فَاعْتُبِرَ نَفْسُهُ، فَقُلْنَا إنَّمَا يَسْقُطُ بِاسْتِيعَابِ الْجُنُونِ وَقْتُهُمَا، حَتَّى لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ وَجُنَّ فِي بَاقِي أَيَّامِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ كُلِّهِ. وَفِي الزَّكَاةِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا. وَرَوَى هِشَامُ بْنُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ امْتِدَادَ الْجُنُونِ بِوُجُودِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ وَنِصْفِ السَّنَةِ مُلْحَقٌ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتِهَا الْحَوْلُ لَكِنَّهُ مَدِيدٌ جِدًّا فَقَدَّرْنَا بِهِ، وَالْأَكْثَرُ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ فَقَدَّرْنَا بِهِ تَيْسِيرًا، فَإِنَّ اعْتِبَارَ أَكْثَرِهِ أَخَفُّ

(وَلَيْسَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ. (وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ تَامٍّ. وَلَنَا أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَاعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمَهْنَةِ (وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) لِفَرَاغِهِ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ اعْتِبَارِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السُّقُوطِ، وَالنِّصْفُ مُلْحَقٌ بِالْأَقَلِّ. ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِزَمَنِ الصِّبَا بِأَنْ جُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَبَلَغَ مَجْنُونًا، وَالْعَارِضِ بِأَنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَخَصَّ أَبُو يُوسُفَ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ بِالْعَارِضِ لِأَنَّهُ الْمُلْحَقُ بِالْعَوَارِضِ، أَمَّا الْأَصْلِيُّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصِّبَا عِنْدَهُ فَيَسْقُطُ الْوُجُوبُ وَإِنْ قَلَّ، وَيَعْتَبِرُ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ كَمَا يَعْتَبِرُ ابْتِدَاءَهُ مِنْ وَقْتِ الْبُلُوغِ وَيَجِبُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّوْمِ لَا مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ، وَلَا يَجِبُ مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ مِمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ. وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَجْنُونَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي وَقْتِ نُقْصَانِ الدِّمَاغِ لِآفَةٍ مَانِعَةٍ لَهُ عَنْ قَبُولِ الْكَمَالِ مُبْقِيَةٍ لَهُ عَلَى ضَعْفِهِ الْأَصْلِيِّ فَكَانَ أَمْرًا أَصْلِيًّا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْعَدَمِ كَالصَّبِيِّ، بِخِلَافِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ مُعْتَرِضٌ عَلَى الْمَحَلِّ الْكَامِلِ بِلُحُوقِهِ آفَةً عَارِضَةً فَيُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْعَدَمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْحَرَجِ كَالنَّوْمِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْجُنُونُ مُطْلَقًا عَارِضِيٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِبِلَّةِ السَّلَامَةُ بَلْ كَانَتْ مُتَحَقِّقَةً فِي الْوُجُودِ وَفَوَاتُهَا إنَّمَا يَكُون بِعَارِضٍ وَالْجُنُونُ يُفَوِّتُهَا فَكَانَ عَارِضًا، وَالْحُكْمُ فِي الْعَارِضِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ إذَا امْتَدَّ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَحْسَنُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةَ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ فِي الْعَقْلِ بَيْنَ إيجَابِ الصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ جَوَّزَ لَهُ أَخْذَهَا وَلَا فِي الشَّرْعِ كَابْنِ السَّبِيلِ هَذَا. وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ، فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُهُ فَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَنْ دَيْنِهِ قَدْرَ نِصَابٍ فَعَلَى الْمَوْلَى زَكَاتُهُ، وَكَذَا إنْ فَضَلَ أَقَلُّ وَعِنْدَ الْمَوْلَى مَالٌ آخَرُ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَزَكَّى الْجَمِيعَ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ مَشْغُولٌ) يَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَ أَنَّهُ نِصَابٌ تَامٌّ لِأَنَّهُ مُرْجِعٌ ضَمِيرَ أَنَّهُ ثُمَّ مَنَعَ اسْتِقْلَالَهُ بِالْحُكْمِ بِإِبْدَاءِ انْتِفَاءِ جُزْءِ الْعِلَّةِ بِادِّعَاءِ أَنَّ السَّبَبَ النِّصَابُ الْفَارِغُ عَنْ الشُّغْلِ أَوْ إبْدَاءِ الْمَانِعِ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِقْلَالِهِ عَلَى قَوْلِ مُخَصَّصِي الْعِلَّةِ

وَالْمُرَادُ بِهِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنٌ النَّذْرَ وَالْكَفَّارَةَ، وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا عَدَمَ الشُّغْلِ فِي الْمُوجِبِ لِأَنَّ مَعَهُ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ دَفْعُ الْمُطَالَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَالِ وَالْمُؤَاخَذَةِ فِي الْمَآلِ، إذْ الدَّيْنُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ، وَأَيُّ حَاجَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ فَصَارَ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ الْعَطَشِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ مَعْدُومًا حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ مَعَ ذَلِكَ الْمَاءِ وَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ وَإِنْ بَلَغَتْ ثِيَابُ الْبِذْلَةِ نُصُبًا. وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ إثْبَاتِ الْمُنَافَاةِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَحِلِّ أَخْذِهَا لَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ عَدَمِهَا شَرْعًا كَمَا فِي ابْنِ السَّبِيلِ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا. وَتَقْرِيرُهُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا حُرِّمَ الْأَخْذُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» وَإِلَّا حُرِّمَ الْأَخْذُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ وَنَمْنَعُ كَوْنَ الْغِنَى الشَّرْعِيِّ مُنْحَصِرٌ فِيمَا يُحَرِّمُ الْأَخْذَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ» لِغَنِيٍّ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ بِابْنِ السَّبِيلِ، فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ الْمَشَايِخُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَخْلُصَ أَمْوَالُهُ، فَيُؤَدِّيَ مِنْهَا الزَّكَاةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، ثُمَّ إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ كَأَنْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ اُعْتُبِرَ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ سُقُوطِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ لِلْمُطَالَبَةِ، وَبِالْإِبْرَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْحَوْلُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى نِصَابِ الْمَدْيُونِ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِحَاجَتِهِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ) وَكَذَا دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ وَهَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْأُضْحِيَّةِ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ، بِخِلَافِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَنَفَقَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُطَالِبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ وَعَرَفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مُتَيَقَّنًا لِاحْتِمَالِ إجَازَةِ صَاحِبِ الْمَالِ الصَّدَقَةَ (قَوْلُهُ وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ) صُورَتُهُ: لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ لَمْ يُزَكِّهِ فِيهِمَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي لِأَنَّ خَمْسَةً مِنْهُ مَشْغُولَةٌ بِدَيْنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْفَاضِلُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي عَنْ الدَّيْنِ نِصَابًا كَامِلًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُزَكِّهَا حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأُولَى بِنْتُ مَخَاضٍ وَلِلْحَوْلِ الثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ) صُورَتُهُ: لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ

وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا لِأَنَّهَا وَهُوَ الْإِمَامُ فِي السَّوَائِمِ وَنَائِبُهُ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ. (وَلَيْسَ فِي دُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ أَيْضًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَوْلُ فَلَمْ يُزَكِّهِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ غَيْرَهُ وَحَالَ عَلَى النِّصَابِ الْمُسْتَفَادِ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِاشْتِغَالِ خَمْسَةٍ مِنْهُ بِدَيْنِ الْمُسْتَهْلِكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَسْتَهْلِكْ بَلْ هَلَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُسْتَفَادِ لِسُقُوطِ زَكَاةِ الْأَوَّلِ بِالْهَلَاكِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ. وَمِنْ فُرُوعِهِ: إذَا بَاعَ نِصَابَ السَّائِمَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ مِثْلِهَا أَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ يُرِيدُ بِهِ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ، أَوْ لَا يُرِيدُ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْبَدَلِ إلَّا بِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونُ لَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فِي صُورَةِ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِبْدَالَ السَّائِمَةِ بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا اسْتِهْلَاكٌ، بِخِلَافِ غَيْرِ السَّائِمَةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ) هِيَ رِوَايَةُ أَصْحَابِ الْإِمْلَاءِ، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَرَّضَهَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ دَيْنَ الْمُسْتَهْلِكِ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ الْعِبَادِ، بِخِلَافِ دَيْنِ الْقَائِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمُرَّ عَلَى الْعَاشِرِ فَيُطَالِبَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْمُسْتَهْلِكُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا) مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الْآيَةَ تُوجِبُ حَقَّ أَخْذِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا لِلْإِمَامِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَانِ بَعْدَهُ، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ وَظَهَرَ تَغَيُّرُ النَّاسِ كَرِهَ أَنْ تُفَتِّشَ السُّعَاةُ عَلَى النَّاسِ مَسْتُورَ أَمْوَالِهِمْ فَفَوَّضَ الدَّفْعَ إلَى الْمُلَّاكِ نِيَابَةً عَنْهُ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الْإِمَامِ أَصْلًا، وَلِذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمْ طَالَبَهُمْ بِهَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنِ كَوْنِ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إنْ ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِهِ بِخِلَافِ غَاصِبِهِ، وَإِنَّمَا فَارَقَ الْغَصْبُ الْكَفَالَةَ وَإِنْ كَانَ فِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْأَصِيلِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ إذَا أَدَّى كَالْغَاصِبِ لِأَنَّ فِي الْغَصْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا جَمِيعًا، بَلْ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا يَبْرَأُ الْآخَرُ؛ أَمَّا فِي الْكَفَالَةِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا مَعًا فَكَانَ كُلٌّ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ؛ وَكَمَا يَمْنَعُ دَيْنٌ الزَّكَاةَ يَمْنَعُ دَيْنٌ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا. وَمِنْ فُرُوعِ دَيْنِ النَّذْرِ: لَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَنَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَجَبَ عَلَيْهِ

وَعَلَى هَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةٌ لِزَكَاتِهِ ثُمَّ يُخْرِجُهُ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِ تِلْكَ الْمِائَةِ التَّصَدُّقُ بِسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وَنِصْفٍ لِأَنَّهُ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِعَيْنِ دَرَاهِمَ اسْتَحَقَّ مِنْهَا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ عَيْنَ الْمَنْذُورِ بِهِ كُلَّهُ سَقَطَ فَكَذَا بَعْضُهُ، وَلَوْ كَانَ أَطْلَقَ النَّذْرَ فَلَمْ يُضِفْ الْمِائَةَ إلَى ذَلِكَ النِّصَابِ لَزِمَهُ بَعْدَ الْخَمْسَةِ تَمَامَ الْمِائَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ نُصُبٌ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى أَيْسَرِهَا قَضَاءً فَإِذَا كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَعُرُوضٌ وَدَيْنُهُ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ صَرَفَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوَّلًا، إذْ الْقَضَاءُ مِنْهُمَا أَيْسَرُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ الْمَصْلَحَةُ بِعَيْنِهِمَا وَلِأَنَّهُمَا لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ أَهَمُّهَا، وَلِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ مِنْهُمَا جَبْرًا، وَلِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا إذَا ظَفِرَ بِهِمَا وَهُمَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، فَإِنْ فَضَلَ الدَّيْنُ عَنْهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُمَا شَيْءٌ صَرَفَ لِلْعُرُوضِ لِأَنَّهَا عُرْضَةٌ لِلْبَيْعِ، بِخِلَافِ السَّوَائِمِ لِأَنَّهَا لِلَّبَنِ وَالنَّسْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرُوضٌ أَوْ فَضَلَ الدَّيْنُ عَنْهُمَا صَرَفَ إلَى السَّوَائِمِ، فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا صَرَفَ إلَى أَقَلِّهَا زَكَاةً نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، وَثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ صَرَفَ إلَى الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ يُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ دُونَ الْبَقَرِ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْبَقَرُ تَخَيَّرَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَاجِبِ، وَقِيلَ يَصْرِفُ إلَى الْغَنَمِ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ. وَهَلْ يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ كَمَا يَمْنَعُ الْمُعَجَّلُ فِي طَرِيقَةِ الشَّهِيدِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، إنْ قُلْنَا لَا فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِنْ قُلْنَا نَعَمْ فَلَهُ وَجْهٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَهْرٌ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ لَا يُجْعَلُ مَانِعًا مِنْ الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعُدُّهُ دَيْنًا، وَذَكَرَ قَبْلَهُ مَهْرَ الْمَرْأَةِ يَمْنَعُ مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ مُعَجَّلًا لِأَنَّهَا مَتَى طَلَبَتْ أَخَذَتْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَا يَمْنَعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ عَادَةً انْتَهَى. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُؤَجَّلُ عُرْفًا لَا شَرْطًا مُصَرَّحًا بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَتَى طَلَبَتْ أَخَذَتْهُ، وَلَا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ عَادَةً لِأَنَّ هَذَا فِي الْمُعَجَّلِ لَا الْمُؤَجَّلِ شَرْطًا فَلَا مَعْنَى لِتَقْيِيدِ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ فِيهِ بِالْعَادَةِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَهِيَ تُسَاوِي نُصُبًا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعَدَّهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَهْلَ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْكُتُبِ لِلتَّدْرِيسِ وَالْحِفْظِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَخْرُجُونَ بِهَا عَنْ الْفَقْرِ، وَإِنْ سَاوَتْ نُصُبًا فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ نُسَخٌ تُسَاوِي نِصَابًا كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ تَصْنِيفٍ نُسْخَتَانِ، وَقِيلَ بَلْ ثَلَاثٌ، فَإِنَّ النُّسْخَتَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا لِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْأُخْرَى. وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَهْلِ فَإِنَّهُمْ يُحْرَمُونَ بِهَا أَخْذَ الزَّكَاةِ، إذْ الْحِرْمَانُ تَعَلَّقَ بِمِلْكِ قَدْرِ نِصَابٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَامِيًا، وَإِنَّمَا النَّمَاءُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ.

وَآلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ لِمَا قُلْنَا. (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ سِنِينَ ثُمَّ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُزَكِّهِ لِمَا مَضَى) مَعْنَاهُ: صَارَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَالِ الضِّمَارِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ: الْمَالُ الْمَفْقُودُ، وَالْآبِقُ، وَالضَّالُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ الْمُرَادُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، أَمَّا كُتُبُ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالنُّجُومِ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْكُتُبِ: إنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْحِفْظِ وَالدِّرَاسَةِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَكُونُ نِصَابًا وَحَلَّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فِقْهًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا أَوْ أَدَبًا كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمُصْحَفِ، عَلَى هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ: لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبٌ إنْ كَانَتْ كُتُبَ النُّجُومِ وَالْأَدَبِ وَالطِّبِّ وَالتَّعْبِيرِ تُعْتَبَرُ، وَأَمَّا كُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْمُصْحَفُ الْوَاحِدُ فَلَا يُعْتَبَرُ نِصَابًا. فَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ النَّحْوِ أَوْ نُسْخَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ لَا تُعْتَبَرُ مِنْ النِّصَابِ، وَكَذَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ بِالْآرَاءِ بَلْ مَقْصُورٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ وَآلَاتُ الْمُحْتَرِفِينَ) الْمُرَادُ بِهَا مَا لَا يُسْتَهْلَكُ عَيْنُهُ فِي الِانْتِفَاعِ كَالْقَدُومِ وَالْمِبْرَدِ، فَمَتَى تَفْنَى عَيْنُهُمَا أَوْ مَا يُسْتَهْلَكُ وَلَا يَبْقَى أَثَرُ عَيْنِهِ، فَلَوْ اشْتَرَى الْغَسَّالُ صَابُونًا لِغَسْلِ الثِّيَابِ أَوْ حُرْضًا يُسَاوِي نِصَابًا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لَا تَجِبُ فِيهِ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ. وَلَوْ اشْتَرَى الصَّبَّاغُ عُصْفُرًا أَوْ زَعْفَرَانًا يُسَاوِي نُصُبًا لِلصَّبْغِ أَوْ الدَّبَّاغُ دُهْنًا أَوْ عَفْصًا لِلدِّبَاغَةِ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ تَجِبُ فِيهِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ. وَقَوَارِيرُ الْعَطَّارِينَ وَلُجُمُ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ وَمَقَاوِدُهَا وَجِلَالُهَا إنْ كَانَ مِنْ غَرَضِ الْمُشْتَرِي بَيْعُهَا بِهِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ صَارَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الْأَصْلِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ (قَوَّمَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَالِ الضِّمَارِ) قِيلَ هُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى، فَإِنْ رُجِيَ فَلَيْسَ بِهِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْإِضْمَارِ، قَالَ: طَلَبْنَ مَزَارَهُ فَأَصَبْنَ مِنْهُ عَطَاءً لَمْ يَكُنْ عِدَّةً ضِمَارًا وَقِيلَ هُوَ غَيْرُ الْمُنْتَفَعِ بِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهُ أَخَّرَ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَصَارَ كَمَالٍ غَائِبٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ إلَخْ)

وَالْمَغْصُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمَالُ السَّاقِطُ فِي الْبَحْرِ، وَالْمَدْفُونُ فِي الْمَفَازَةِ إذَا نَسِيَ مَكَانَهُ، وَاَلَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً. وَوُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِسَبَبِ الْآبِقِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ جُمْلَتِهِ أَيْضًا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالْمُودَعُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ إذَا نَسِيَ شَخْصَهُ سِنِينَ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ. فَإِنْ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ مَعَارِفِهِ فَنَسِيَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِيدَاعَ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ الْأَلْفُ الَّتِي دَفَعَهَا إلَى الْمَرْأَةِ مَهْرًا وَحَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهَا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةٌ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْن مَوْلَاهَا وَرُدَّتْ الْأَلْفُ عَلَيْهِ، وَدِيَةٌ قَضَى بِهَا فِي حَلْقِ لِحْيَةِ إنْسَانٍ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ ثُمَّ نَبَتَتْ وَرُدَّتْ الدِّيَةُ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَحَالَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَرَدَّ، وَمَا وَهَبَ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا زَكَاةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ كَانَ غَائِبًا غَيْرَ مَرْجُوِّ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ. وَأَمَّا زَكَاةُ الْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ عَنْ سِنِينَ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ عُقُودًا وَيَشْتَرِطُونَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ فَتَجِبُ عَلَى الْآجِرِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ وَعِنْدَ الِانْفِسَاخِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ بَلْ قَدْرُهُ فَكَانَ كَدَيْنٍ لَحِقَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزْدَوِيُّ وَمَجْدُ الْأَئِمَّةِ السُّرْخَكَتِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ مَالَ هَذِهِ الْإِجَارَةِ دَيْنًا عَلَى الْآجِرِ، وَفِي بَيْعِ الْوَفَاءِ يَجِبُ زَكَاةُ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، وَعَلَى قَوْلِ الزَّاهِدِ وَالسُّرْخَكَتِيِّ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا، وَصَرَّحَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: الِاحْتِيَاطُ أَنْ يُزَكِّيَ كُلٌّ مِنْهُمَا. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اسْتَشْكَلَ قَوْلُ السُّرْخَكَتِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ دَيْنًا عِنْدَ النَّاسِ وَهُوَ اعْتِبَارٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ. عَلَى الْآجِرِ وَالْبَائِعِ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُشْتَرِي أَيْضًا لِأَنَّهُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ دَيْنًا لَهُمَا فَلَيْسَ بِمُنْتَفَعٍ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُطَالَبَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَلَا يَمْلِكُهُ حَقِيقَةً فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْجَاحِدِ، وَثُمَّ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ انْتَهَى: يَعْنِي فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الضِّمَارِ. وَفِي الْكَافِي: لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَشْرَ سِنِينَ بِأَلْفٍ وَعَجَّلَهَا إلَى الْمُؤَجِّرِ ثُمَّ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعَشْرُ سِنِينَ وَلَا مَالَ لَهُمَا سِوَى الْأَلْفِ كَانَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةُ تِسْعِمِائَةٍ لِظُهُورِ الدَّيْنِ بِمِائَةٍ بِسَبَبِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ فِي حَقِّ تِلْكَ السَّنَةِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي ثَمَانِمِائَةٍ إلَّا قَدْرَ مَا وَجَبَ مِنْ الزَّكَاةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَهُوَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَنِصْفٌ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ تَنْقُصُ عَنْهُ زَكَاةُ مِائَةٍ وَقَدْرُ مَا وَجَبَ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْبَاقِي خَالِصًا مِنْ دَيْنِ الِانْفِسَاخِ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ. وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ زَكَاةُ ثَلَاثِمِائَةٍ لِأَنَّهُ مَلَكَ دَيْنًا عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِائَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ لَمْ يَحُلْ حَوْلُهَا، وَفِي الثَّالِثَةِ حَالَ حَوْلُ الْمِائَتَيْنِ، وَاسْتَفَادَ مِائَةً فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَيَضُمُّهَا إلَى النِّصَابِ، ثُمَّ تَزِيدُ زَكَاتُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةً لِلِانْفِسَاخِ إذْ بِهِ يَمْلِكُ مِائَةً دَيْنًا فَعَلَيْهِ فِي الرَّابِعَةِ زَكَاةُ أَرْبَعِمِائَةٍ وَهَلُمَّ جَرًّا إلَى الْعَاشِرَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأَلْفِ فِيهَا. وَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً لِلتِّجَارَةِ فَحِينَ عَجَّلَهَا لِلْمُؤَجِّرِ نَوَى فِيهَا التِّجَارَةَ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ لَا زَكَاةَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ لِشَيْءٍ فِيهَا لِاسْتِحْقَاقِ تَمَامِ عَيْنِ الْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالِانْفِسَاخِ مِائَةٌ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْمَقْبُوضِ، وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ زَكَاةُ ثَلَاثَةِ أَعْشَارِهَا تَزِيدُ كُلُّ سَنَةٍ عَشْرًا وَلَا يَخْفَى وَجْهُهُ. وَلَوْ كَانَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَلْبِ: أَعْنِي قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ وَلَمْ يُعَجِّلْ الْأُجْرَةَ فَالْمُؤَجِّرُ هُنَا كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَأْجِرُ كَالْمُؤَجِّرِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُزَكِّيَ لِلسَّنَةِ الْأُولَى تِسْعَمِائَةٍ وَلِلثَّانِيَةِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَتَنْقُصُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةٌ إلَّا زَكَاةَ مَا مَضَى لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأُجْرَةِ يَثْبُتُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَالْمُؤَجِّرُ يُزَكِّي فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ

عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. لَهُمَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَفَوَاتُ الْيَدِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْوُجُوبِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَلَا نَمَاءَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ. وَابْنُ السَّبِيلِ يَقْدِرُ بِنَائِبِهِ، وَالْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ نِصَابٌ لِتَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَفِي الْمَدْفُونِ فِي أَرْضٍ أَوْ كَرْمٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَمِائَةٍ وَالرَّابِعَةِ أَرْبَعَمِائَةٍ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ مَا مَضَى، وَلَوْ كَانَا تَقَابَضَا فِي الْأُجْرَةِ وَالدَّارِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالتَّعْجِيلِ وَلَمْ تُعَدَّ لِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ (قَوْلُهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ) عِنْدَنَا لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ) هَكَذَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُنَا عَنْهُ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ الْحَسَنُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا حَضَرَ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ أَدَّى عَنْ كُلِّ مَالٍ وَعَنْ كُلِّ دَيْنٍ إلَّا مَا كَانَ ضِمَارًا لَا يَرْجُوهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: أَخَذَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَالَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الرَّقَّةِ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَائِشَةَ عِشْرِينَ أَلْفًا فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَاهُ وَلَدُهُ فَرَفَعُوا مَظْلَمَتَهُمْ إلَيْهِ، فَكَتَبَ إلَى مَيْمُونٍ أَنْ ادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَخُذُوا زَكَاةَ عَامِهِمْ هَذَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مَالًا ضِمَارًا أَخَذْنَا مِنْهُ زَكَاةَ مَا مَضَى. أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: عَلَيْهِ زَكَاةُ ذَلِكَ الْعَامِ انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا فَأَمَرَ بِرَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ، وَيُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا. وَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ أَيُّوبَ وَعُمَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يَنْتَهِضُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ لَيْسَ حُجَّةً فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُ. فَهَذَا لِلْإِثْبَاتِ الْمَذْهَبِيِّ، وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ بَعْدُ لِلْإِلْزَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ إلَخْ، فَفِيهِ مَنَعَ قَوْلَهُمَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَقَالَ لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا بِالِاتِّفَاقِ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ مَا تُسَاوِي آلَافًا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَلَمْ يَنْوِ فِيهَا التِّجَارَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَوِلَايَةُ إثْبَاتِ حَقِيقَةِ التِّجَارَةِ بِالْيَدِ، فَإِذَا فَاتَتْ انْتَفَى تَصَوُّرُ الِاسْتِنْمَاءِ تَحْقِيقًا فَانْتَفَى تَقْدِيرًا فَانْتَفَى النَّمَاءُ تَقْدِيرًا لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ تَقْدِيرًا إذَا تُصَوَّرُ تَحْقِيقًا، وَعَنْ هَذَا انْتَفَى فِي النَّقْدَيْنِ أَيْضًا لِانْتِفَاءِ نَمَائِهِمَا التَّقْدِيرِيِّ بِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ التَّحْقِيقِيِّ بِانْتِفَاءِ الْيَدِ فَصَارَ بِانْتِفَائِهَا

وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى جَاحِدٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ بِهِ الْقَاضِي لِمَا قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالتَّأَوِّي، فَلِذَا لَمْ تَجِبْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ الْآبِقِ وَإِنَّمَا جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعْتَمِدُ مُجَرَّدَ الْمِلْكِ، وَبِالْإِبَاقِ وَالْكِتَابَةِ لَا يَنْقُصُ الْمِلْكُ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَالِ ابْنِ السَّبِيلِ لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِيِّ فِيهِ لِإِمْكَانِ التَّحْقِيقِيِّ إذَا وَجَدَ نَائِبًا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ) وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ فَهُوَ: أَيْ الدَّيْنُ نِصَابٌ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ حَالَ كَوْنِ مُسَمَّى الدَّيْنِ فَيَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ إذَا قُبِضَ زَكَاةً لِمَا مَضَى وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الدَّيْنِ. وَلْنُوضِحْ ذَلِكَ إذْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ فَنَقُولُ: قَسَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ الدَّيْنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَوِيٌّ وَهُوَ بَدَلُ الْقَرْضِ وَمَالِ التِّجَارَةِ، وَمُتَوَسِّطٌ وَهُوَ بَدَلُ مَالٍ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ كَثَمَنِ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَعَبْدِ الْخِدْمَةِ وَدَارِ السُّكْنَى، وَضَعِيفٌ وَهُوَ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ. فَفِي الْقَوِيُّ تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَيَتَرَاخَى الْأَدَاءُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَفِيهَا دِرْهَمٌ وَكَذَا فِيمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، وَفِي الْمُتَوَسِّطِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ نِصَابًا وَتُعْتَبَرُ لِمَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ، وَفِي الضَّعِيفِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ نِصَابًا وَيَحُولُ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَثَمَنُ السَّائِمَةِ كَثَمَنِ عَبْدِ الْخِدْمَةِ. وَلَوْ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْوَسَطِ، وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَالضَّعِيفِ. وَعِنْدَهُمَا الدُّيُونُ كُلُّهَا سَوَاءٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكُلَّمَا قَبَضَ شَيْئًا زَكَّاهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ أَخْرَجَا الدِّيَةَ أَيْضًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَأَرْشَ الْجِرَاحَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلِذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِطَرِيقِ الصِّلَةِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ. وَلَوْ أَجَرَ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ بِنِصَابٍ إنْ لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَا لِلتِّجَارَةِ كَانَ حُكْمُهُ كَالْقَوِيِّ لِأَنَّ أُجْرَةَ مَالِ التِّجَارَةِ كَثَمَنِ مَالِ التِّجَارَةِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، ابْتِدَاءٌ يَتَّصِلُ بِمَلِيءٍ وَبِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ بِالْمُعْسِرِ. وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ مَا عَلَى الْمُعْسِرِ لَيْسَ نِصَابًا لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ دَفْعٌ لَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى جَاحِدٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ) يَعْنِي يَكُونُ نِصَابًا. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَعَ عِلْمِ الْقَاضِي يَكُونُ نِصَابًا، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ وَلَمْ يُقِمْهَا حَتَّى مَضَتْ سُنُونَ لَا يَكُونُ نِصَابًا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى خِلَافِهِ. وَفِي الْأَصْلِ لَمْ يَجْعَلْ الدَّيْنَ نِصَابًا وَلَمْ يُفَصِّلْ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تَعْدِلُ، وَفِي الْجُثُوِّ بَيْنَ يَدَيْ الْقُضَاةِ ذُلٌّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ فَصَارَ فِي هَذَيْنِ الْبَيِّنَةُ، وَعِلْمُ الْقَاضِي شُمُولُ الْعَدَمِ وَشُمُولُ الْوُجُوبِ وَالتَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَ

وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُفْلِسٍ فَهُوَ نِصَابٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ لِتَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ عِنْدَهُ بِالتَّفْلِيسِ. وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ. (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِلتِّجَارَةِ وَنَوَاهَا لِلْخِدْمَةِ بَطَلَتْ عَنْهَا الزَّكَاةُ) لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ وَهُوَ تَرْكُ التِّجَارَةِ (وَإِنْ نَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهَا فَيَكُونَ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ) لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْعَمَلِ إذْ هُوَ لَمْ يَتَّجِرْ فَلَمْ تُعْتَبَرْ، وَلِهَذَا يَصِيرُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَلَا يَصِيرُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا إلَّا بِالسَّفَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَدْيُونُ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا فَلَمَّا قَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي جَحَدَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَمَضَى زَمَانٌ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ مِنْ يَوْمِ جَحَدَ إلَى أَنْ عَدَلُوا لِأَنَّهُ كَانَ جَاحِدًا وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِطْلَاقِ فِي الْمَجْحُودِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ مُفَلِّسٍ بِالتَّشْدِيدِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُفَلِّسٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيلُهُ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمُفْلِسَ بِالتَّخْفِيفِ وَأَعْطَى حُكْمَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ إذْ الْمُعْسِرُ هُوَ الْمُفْلِسُ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ فَلَّسَهُ الْقَاضِي. وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا عَلَى الْمُقِرِّ الْمُفْلِسِ بِالتَّخْفِيفِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ نِصَابٌ، وَلَمْ يَشْرُطْ الطَّحَاوِيُّ التَّفْلِيسَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلِ الْمَحْبُوبِيِّ: لَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُقِرًّا مُفْلِسًا فَعَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ زَكَاةُ مَا مَضَى إذَا قَبَضَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْحَاكِمُ فَلَّسَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِمَا مَضَى بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ التَّفْلِيسَ يَتَحَقَّقُ فَيَصِيرُ الدَّيْنُ تَاوِيًا بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ مِثْلُهُ فِي الْمَلِيءِ يُوَافِقُ نَافِيَ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) وَقِيلَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ) هَذَا مِنْ الْقَضَايَا الْمُسَلَّمَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْ النَّظَرِ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْوَجْهِ أَصْلًا، إذْ بِمُجَرَّدِ رِعَايَةِ الْفُقَرَاءِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْحُكْمِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالَ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ يَتَأَتَّى فِيهِ رِعَايَتُهُمْ، وَكَمْ مِنْ مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ إيجَابٌ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ. فَالْأَوْلَى مَا قِيلَ إنَّ التَّفْلِيسَ وَإِنْ تَحَقَّقَ لَكِنَّ مَحَلَّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَهِيَ وَالْمَطَالِبُ بَاقِيَانِ حَتَّى كَانَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ حَقُّ الْمُلَازَمَةِ فَبَقَاءُ الْمُلَازَمَةِ دَلِيلُ بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى حَالِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى (قَوْلُهُ لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ) حَاصِلُ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَمَا كَانَ مِنْ التُّرُوكِ كَفَى فِيهِ مُجَرَّدُهَا فَالتِّجَارَةُ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ النِّيَّةِ بِخِلَافِ تَرْكِهَا، وَنَظِيرُهُ السَّفَرُ وَالْفِطْرُ وَالْإِسْلَامُ وَالْإِسَامَةُ لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَّا بِالْعَمَلِ، وَتَثْبُتُ أَضْدَادُهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا الدَّابَّةُ سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بَلْ بِالْعَمَلِ، وَيَصِيرُ

(وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَ وَنَوَى التِّجَارَةَ) لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ مِنْهُ، وَلَوْ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِاقْتِرَانِهَا بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَارِنْ عَمَلَ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ. (وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ، أَوْ مُقَارِنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسَافِرُ مُقِيمًا وَالْمُفْطِرُ صَائِمًا وَالْمُسْلِمُ كَافِرًا وَالدَّابَّةُ عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُفْطِرِ الَّذِي لَمْ يَنْوِ صَوْمًا يُعَدُّ فِي وَقْتٍ تَصِحُّ فِيهِ النِّيَّةُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا إلَخْ) الْمُرَادُ مَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا عُمُومُ شَيْءٍ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَإِلَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْحَقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَرْضُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ الْعُشْرِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَقِيَتْ الْأَرْضُ عَلَى وَظِيفَتِهَا الَّتِي كَانَتْ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فِي عُشْرِيَّةٍ اسْتَأْجَرَهَا كَانَ فِيهَا الْعُشْرُ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَ) الْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ تَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيمَا يَرِثُهُ لَا تَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا وَفِيمَا تَمَلَّكَهُ بِقَبُولِ عَقْدٍ مِمَّا ذُكِرَ خِلَافٌ. وَجْهُ الِاعْتِبَارِ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ اعْتِبَارُ النِّيَّاتِ مُطْلَقًا وَإِنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ الْأَعْمَالِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» إلَّا أَنَّهَا لَمْ تُعْتَبَرْ لِخَفَائِهَا حَتَّى تَتَّصِلَ بِالْعَمَلِ الظَّاهِرِ وَقَدْ اتَّصَلَتْ فِي هَذِهِ. وَجْهُ الْآخَرِ أَنَّ اعْتِبَارَهَا إذَا طَابَقَتْ الْمَنْوِيَّ وَهُوَ التِّجَارَةُ وَهِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِالْهِبَةِ وَمَا مَعَهَا وَاَلَّذِي فِي نَفْسِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ. وَيَلْحَقُ بِالْبَيْعِ بَدَلُ الْمُؤَجَّرِ، فَلَوْ آجَرَهُ وَلَدُهُ بِعَبْدٍ وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَبِالْمِيرَاثِ مَا دَخَلَ لَهُ مِنْ حُبُوبِ أَرْضِهِ فَنَوَى إمْسَاكَهَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا تَجِبُ لَوْ بَاعَهَا بَعْدَ حَوْلٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) حَصَرَ الْجَوَازَ فِي الْأَمْرَيْنِ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الزَّكَاةَ وَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ وَلَوْ إلَى آخِرِ السَّنَةِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ إلَّا زَكَاةَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ دَفَعَهَا لِلْوَكِيلِ فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّةِ

لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ وَالْأَصْلُ فِيهَا الِاقْتِرَانُ، إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ. (وَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَا يَنْوِي الزَّكَاةَ سَقَطَ فَرْضُهَا عَنْهُ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْهُ فَكَانَ مُتَعَيِّنًا فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ (وَلَوْ أَدَّى بَعْضَ النِّصَابِ سَقَطَ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحَلًّا لِلْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِكِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِبَعْضِهِمْ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. قَالَ: أَعْطَى رَجُلًا دَرَاهِمَ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا تَطَوُّعًا فَلَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى نَوَى الْآمِرُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ ثُمَّ تَصَدَّقَ الْمَأْمُورُ جَازَتْ عَنْ الزَّكَاةِ انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ قَالَ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ نَوَى الزَّكَاةَ قَبْلَ دَفْعِهِ (قَوْلُهُ كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ إلْحَاقُ الزَّكَاةِ بِالصَّوْمِ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الشُّرُوعِ بِجَامِعِ لُحُوقِ لُزُومِ الْحَرَجِ فِي إلْزَامِ الْمُقَارَنَةِ، وَسَبَبُهُ فِي الزَّكَاةِ تَفَرُّقُ الدَّفْعِ لِلْكَثِيرِينَ (قَوْلُهُ سَقَطَ فَرْضُهَا عَنْهُ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْوِيَ بِهَا وَاجِبًا آخَرَ مِنْ نَذْرٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ نَوَى النَّفَلَ أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ، بِخِلَافِ رَمَضَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ دَفْعَ الْمَالِ لِلْفَقِيرِ بِنَفْسِهِ قُرْبَةٌ كَيْفَ كَانَ، بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ انْقَسَمَ إلَى عَادَةٍ وَعِبَادَةٍ فَاحْتَاجَ إلَى تَمْيِيزٍ بِالْقَصْدِ، وَإِذَا وَقَعَ أَدَاءُ الْكُلِّ قُرْبَةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْيِينِ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ دَفْعُ الْكُلِّ وَالْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْفَرْضِ لِلْمُزَاحَمَةِ بَيْنَ الْجُزْءِ الْمُؤَدَّى وَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ، وَبِأَدَاءِ الْكُلِّ لِلَّهِ تَعَالَى تَحَقَّقَ أَدَاءُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ) فَصَارَ كَهَلَاكِ الْبَعْضِ فَسَقَطَ زَكَاتُهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ)

[باب صدقة السوائم]

بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ (فَصْلٌ فِي الْإِبِلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِإِخْرَاجِ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ، بِخِلَافِ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى فَقِيرٍ فَأَبْرَأَهُ عَنْهُ سَقَطَ زَكَاتُهُ عَنْهُ نَوَى بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ كَالْهَلَاكِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ سَقَطَ زَكَاةُ ذَلِكَ الْبَعْضِ لِمَا قُلْنَا لَا زَكَاةُ الْبَاقِي. وَلَوْ نَوَى بِهِ الْأَدَاءَ عَنْ الْبَاقِي لِأَنَّ السَّاقِطَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَالًا وَكَانَ خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ السَّاقِطُ عَنْهُ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَنِيٍّ فَوَهَبَهُ مِنْهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قِيلَ يَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ كَأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ أَوْ هَلَاكٌ. هَذَا وَالْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ الْإِعْلَانُ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. [بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ] [فَصْلٌ فِي الْإِبِلِ] (بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ) سَامَتْ الْمَاشِيَةُ سَوْمًا وَأَسَامَهَا رَبُّهَا إسَامَةً. بَدَأَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْصِيلِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ بِالسَّوَائِمِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا كَانَ فِي كُتُبِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ إلَى الْعَرَبِ، وَكَانَ جُلُّ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفَسُهَا الْإِبِلُ فَبَدَأَ بِهَا. وَالسَّائِمَةُ الَّتِي تَرْعَى وَلَا تُعْلَفُ فِي الْأَهْلِ. وَفِي الْفِقْهِ: هِيَ تِلْكَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِ ذَلِكَ لِقَصْدِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ حَوْلًا أَوْ أَكْثَرَهُ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ الْخِلَافَ. فَلَوْ أُسِيمَتْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا سَائِمَةً، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى تِسْعٍ، فَإِذَا كَانَتْ عَشْرًا فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ. (إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ (فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ (إلَى سِتِّينَ، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ (إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَكُنْ السَّائِمَةَ الْمُسْتَلْزَمَةَ شَرْعًا لِحُكْمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، بَلْ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ أَسَامَهَا لِلتِّجَارَةِ كَانَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ، وَقَدْ عَيَّنَ فِي الْكِتَابِ أَسْنَانَ الْمُسَمَّيَاتِ. وَأَمَّا اشْتِقَاقُ الْأَسْمَاءِ فَسُمِّيَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ بِهِ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ مَخَاضًا بِغَيْرِهَا عَادَةً: أَيْ حَامِلًا، وَيُسَمَّى أَيْضًا وَجَعُ الْوِلَادَةِ مَخَاضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23] وَبِنْتُ اللَّبُونِ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ تُرْضِعُ بِهِ أُخْرَى، وَالْحِقَّةُ لِأَنَّهَا حُقَّ لَهَا أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا، وَالْجَذَعَةُ لِمَعْنًى فِي أَسْنَانِهَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ ذَوْدٌ) الذَّوْدُ: يُقَالُ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِبِلِ إلَى عَشَرَةٍ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا هُنَا فِي الْوَاحِدِ عَلَى نَظِيرِ اسْتِعْمَالِ الرَّهْطِ فِي قَوْله تَعَالَى {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] وَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ مُتَابَعَةَ لَفْظِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ إيجَابَ الشَّاةِ فِي خَمْسَةٍ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ رُبْعُ الْعُشْرِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبْعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» وَالشَّاةُ تَقْرَبُ مِنْ رُبْعِ عُشْرِ الْإِبِلِ، فَإِنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ بِخَمْسَةٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ بِأَرْبَعِينَ، فَإِيجَابُ الشَّاةِ فِي خَمْسٍ كَإِيجَابِ الْخَمْسَةِ فِي مِائَتَيْنِ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ وَضَعَ الْعَشَرَةَ مَوْضِعَ الشَّاةِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ مُصَرَّحٌ، بِخِلَافِ مَا قَالَ وَسَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ إلَى تِسْعٍ كَوْنُهَا غَايَةً لِلْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي النِّصَابِ، وَالْعَفْوُ

وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْغَايَةُ غَايَةُ إسْقَاطٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى وُجُوبُ الشَّاةِ مُسْتَمِرٌّ إلَى تِسْعٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِبِلِ هُوَ الْإِنَاثُ أَوْ قِيمَتُهَا، بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ (قَوْلُهُ بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنْهَا كِتَابُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفَرَّقَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ عَنْ ثُمَامَةَ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلْيُعْطِهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهُ فَلَا يُعْطِهِ. فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، ثُمَّ سَاقَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ فِي الْغَنَمِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الثَّانِي عَنْ ثُمَامَةَ وَقَالَ فِيهِ: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ انْتَهَى. فَقَدْ جَعَلَ بَدَلَ كُلِّ شَاةٍ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا عَشَرَةً، وَهَذَا يُصَرِّحُ بِخِلَافِ الِاعْتِبَارِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا تُجْعَلُ عِنْدَ عَدَمِهَا قِيمَتُهَا إذْ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ

إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ (تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ) فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَبُّهَا، وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ إلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي الْبَابِ الثَّالِثِ عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ فَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «لَا يَخْرُجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا وَزَادَ فِيهِ: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» وَقَدْ يُوهِمُ لَفْظُ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِيهِ الِانْقِطَاعَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ صَحِيحٌ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَمِنْ الْكُتُبِ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فَذَكَرَهُ عَلَى وِفَاقِ مَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ فِيهِ: «لَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقْ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةَ» وَلَمْ يَذْكُرْ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُفْيَانُ هَذَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ تَابَعَ سُفْيَانَ عَلَى رَفْعِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَهُوَ مِمَّنْ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ: فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد زِيَادَةً مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: «فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ» . ثُمَّ ذَكَرَ سَائِمَةَ الْغَنَمِ عَلَى مَا ذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَهَذَا مُرْسَلٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ اشْتَمَلَ كِتَابُ الصِّدِّيقِ وَكِتَابُ عُمَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَهِيَ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ إذْ كَانَ مَبْنَى بَعْضِ الْخِلَافِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ النِّصَابُ بَيْنَ شُرَكَاءَ وَصَحَّتْ الْخُلْطَةُ بَيْنَهُمْ بِاتِّحَادِ الْمَسْرَحِ وَالْمَرْعِي وَالْمُرَاحِ وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ وَالْمِحْلَبِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ» الْحَدِيثَ. وَفِي عَدَمِ وُجُوبِ تَفْرِيقِ الْمُجْتَمِعِ، وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ وَإِلَّا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ. لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ، فَفِي الْوُجُوبِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْلَاكِ الْمُتَفَرِّقَةِ إذْ الْمُرَادُ الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ فِي الْأَمْلَاكِ لَا الْأَمْكِنَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النِّصَابَ الْمُفَرَّقَ فِي أَمْكِنَةٍ مَعَ وَحْدَةِ الْمِلْكِ تَجِبُ فِيهِ، وَمَنْ مَلَكَ ثَمَانِينَ شَاةً لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَجْعَلَهَا نِصَابَيْنِ بِأَنْ يُفَرِّقَهَا فِي مَكَانَيْنِ، فَمَعْنَى لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ: أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ السَّاعِي بَيْنَ الثَّمَانِينَ مِثْلًا أَوْ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لِيَجْعَلَهَا نِصَابَيْنِ وَثَلَاثَةً، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ: لَا يَجْمَعُ مَثَلًا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْمِلْكِ بِأَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً لِيَجْعَلَهَا نِصَابًا وَالْحَالُ أَنَّ لِكُلٍّ عِشْرِينَ. قَالَ: وَمَا كَانَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ إلَخْ، قَالُوا أَرَادَ بِهِ إذَا كَانَ بَيْنَ

إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَيَكُونُ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلَيْنِ إحْدَى وَسِتُّونَ مِثْلًا مِنْ الْإِبِلِ لِأَحَدِهِمَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَلِلْآخَرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا بِنْتَ لَبُونٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرْجِعُ إلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّةِ مَا أَخَذَهُ السَّاعِي مِنْ مِلْكِهِ زَكَاةَ شَرِيكِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي الدِّيَاتِ وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَجَعَ رَسُولُكُمْ وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعُشْرِ فِي الْعَقَارِ وَمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَمَا كَانَ سَيْحًا أَوْ كَانَ بَعْلًا فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَمَا سُقِيَ بِالرِّشَاءِ وَالدَّالِيَةِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٍ شَاةٌ إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَسَاقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ: وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَاقُورَةً تَبِيعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلُّ أَرْبَعِينَ بَاقُورَةً بَقَرَةٌ» . ثُمَّ ذَكَرَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ وَفِيهِ: وَفِي «كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ شَيْءٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ» وَفِي الْكِتَابِ أَيْضًا: «إنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَتَعَلُّمِ السَّحَرِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، ثُمَّ ذَكَرَ جُمَلًا فِي الدِّيَاتِ» قَالَ النَّسَائِيّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكٌ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِهِ. قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُشِيرُ بِالصِّحَّةِ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا إلَى غَيْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ فِي نُسْخَةِ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَهِيَ مُتَوَارَثَةٌ كَنُسْخَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ: لَمْ يَقْبَلُوهُ حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ: لَا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ أَصَحَّ مِنْهُ، فَإِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَدَعُونَ آرَاءَهُمْ اهـ. وَتَضْعِيفُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ أَثْنَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ (قَوْلُهُ إلَى مِائَتَيْنِ) وَإِذَا صَارَتْ

ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، ثُمَّ يُدَارُ الْحِسَابُ عَلَى الْأَرْبَعِينَاتِ وَالْخَمْسِينَاتِ فَتَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ «إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَوْدِ مَا دُونَهَا. وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ فِي آخِرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فَمَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِائَتَيْنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَإِنْ شَاءَ خَمْسَةَ بَنَاتِ لَبُونٍ (قَوْلُهُ كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ) يَعْنِي فِي خَمْسِ شَاةٍ مَعَ الْأَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ الْخَمْسَةِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ مَعَهَا، وَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ مَعَهَا، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ مَعَهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ. فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَهَا، إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَبِنْتُ لَبُونٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ حِينَئِذٍ إلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ كَذَلِكَ، فَفِي مِائَتَيْنِ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ سِتَّةُ حِقَاقٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَهَكَذَا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ مَعَ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَمَذْهَبِنَا وَكَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) رَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكَلِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: قُلْت لِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: خُذْ لِي كِتَابَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَأَعْطَانِي كِتَابًا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَهُ لِجَدِّهِ، فَقَرَأْته فَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَرَائِضِ الْإِبِلِ، فَقَصَّ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةً فَإِنَّهَا تُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الْإِبِلِ، وَدَفَعَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِمُخَالَفَتِهَا الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى عَنْهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَرِوَايَةُ الصَّحِيحِ مِنْ كِتَابِ الصِّدِّيقِ وَالْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَنَا طُعِنَ فِيهِ بِالِانْقِطَاعِ مِنْ مَكَانَيْنِ وَضَعُفَ بِخُصَيْفٍ، وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَمَذْهَبِنَا عُورِضَ بِأَنَّ شَرِيكًا رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى عَشَرَةٍ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، إلَّا أَنَّ سُفْيَانَ أَحْفَظُ مِنْ شَرِيكٍ. وَلَوْ سَلِمَ لَا يُقَاوَمُ مَا تَقَدَّمَ. قُلْنَا إنْ سَلِمَ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ تَعَارَضَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَا تُثْبِتُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى عَوْدِ الْفَرِيضَةِ لَا يَتَعَرَّضُ مَا تَقَدَّمَ لِنَفْيِهِ لِيَكُونَ مُعَارِضًا، إنَّمَا فِيهِ: إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ لِأَنَّا أَوْجَبْنَا كَذَلِكَ، إذْ الْوَاجِبُ

أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ» فَنَعْمَلُ بِالزِّيَادَةِ (وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ سَوَاءٌ) فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَرْبَعِينَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَالْوَاجِبُ فِي خَمْسِينَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، وَلَا يَتَعَرَّضُ هَذَا الْحَدِيثُ لِنَفْيِ الْوَاجِبِ عَمَّا دُونَهُ فَنُوجِبُهُ بِمَا رَوَيْنَاهُ، وَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ فِيمَا رَوَاهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَتَبَ الصَّدَقَةَ وَلَمْ يُخْرِجْهَا إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ فَأَخْرَجَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمِلَ بِهَا حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا عَلِيٌّ فَعَمِلَ بِهَا» ، فَكَانَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا كَثُرَتْ الْإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ) جَمْعُ عَرَبِيٍّ لِلْبَهَائِمِ وَلِلْأُنَاسِ عَرَبٌ، فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ، وَالْعَرَبُ مُسْتَوْطِنُو الْمُدُنِ وَالْقُرَى الْعَرَبِيَّةِ، وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَدْوِ. وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَتِهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نُسِبُوا إلَى عَرَبَةَ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ مِنْ تِهَامَةٍ لِأَنَّ أَبَاهُمْ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَشَأَ بِهَا، كَذَا فِي الْمَغْرِبِ. وَهَذِهِ تَتِمَّةٌ فِي زَكَاةِ الْعِجَافِ: لَا شَكَّ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْوَسَطُ مَعَ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْفُقَرَاءِ وَرَبِّ الْمَالِ، فَإِيجَابُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ عِجَافًا إجْحَافٌ بِهِ فَوَجَبَ الْإِيجَابُ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا تَفْصِيلُهُ، فَإِذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٌ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا سِنًّا لَكِنَّهَا النُّقْصَانُ حَالُهَا تَعْدِلُهَا فَفِيهَا شَاةٌ وَسَطٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُسَاوِيهَا نَظَرَ إلَى قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَقِيمَةِ أَفْضَلِهَا، فَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاةِ الْوَسَطِ، مَثَلًا لَوْ كَانَ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَقِيمَةُ أَفْضَلِهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالتَّفَاوُتُ بِالنِّصْفِ فَتَجِبُ شَاةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ قِيمَةِ الشَّاةِ الْوَسَطِ. وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، فَلَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ حِقَاقٍ أَوْ جِذَاعٍ أَوْ بَنَاتِ مَخَاضٍ أَوْ بَوَازِلَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا فِي الْقِيمَةِ وَجَبَتْ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٍ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الَّتِي تُسَاوِيهَا، وَإِنْ كَانَ حِقَّةً أَوْ أَعْلَى مِنْهَا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُسَاوِيهَا وَلَا هِيَ فَالْوَاجِبُ بِنْتُ مَخَاضٍ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا، وَلَوْ كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَنَاتِ مَخَاضٍ أَوْ حِقَاقٍ أَوْ جِذَاعٍ أَوْ بَوَازِلَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا ثِنْتَانِ تَعْدِلَانِ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَجَبَ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَسَطٍ لَمْ يَكْتَفِ هُنَا بِوُجُودِ وَاحِدَةٍ تَعْدِلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطٍ لِإِيجَابِ بِنْتِ لَبُونٍ وَسَطٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا لَيْسَ بِنْتَ مَخَاضٍ بَلْ بِنْتُ لَبُونٍ، وَرُبَّمَا كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِ نِصَابِ الْعِجَافِ فَوَجَبَ ضَمُّ أُخْرَى تَعْدِلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يَعْدِلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَجَبَ بِنْتُ لَبُونٍ

[فصل في البقر]

(فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ) (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَدْرِهَا، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَإِلَى قِيمَةِ بِنْتِ لَبُونٍ وَسَطٍ، فَمَا تَفَاوَتَ بِهِ اُعْتُبِرَ زِيَادَةً عَلَى بِنْتِ لَبُونٍ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا مِمَّا يَلِيهَا فِي الْفَضْلِ مِنْهَا، مَثَلًا كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَقِيمَةُ بِنْتِ اللَّبُونِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ فَالْوَاجِبُ بِنْتُ لَبُونٍ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا وَنِصْفُ قِيمَةِ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْفَضْلِ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَفْضَلُهَا يُسَاوِي عِشْرِينَ وَتَلِيهِ أُخْرَى تُسَاوِي عَشَرَةً وَجَبَ بِنْتُ لَبُونٍ تُسَاوِي عِشْرِينَ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَوْ كَانَتْ خَمْسِينَ لَيْسَ فِيهَا مَا يُسَاوِي بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطٍ نَظَرَ إلَى قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَقِيمَةِ حِقَّةِ وَسَطٍ، فَمَا وَقَعَ بِهِ التَّفَاوُتُ اُعْتُبِرَ فِي الَّتِي تَلِي أَفْضَلَهَا، فَيَجِبُ ذَلِكَ مَعَ أَفْضَلِهَا أَيْضًا كَمَا ذُكِرَ فِي بِنْتِ اللَّبُونِ مَعَ بِنْتِ الْمَخَاضِ، حَتَّى لَوْ كَانَ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَالْحِقَّةُ ثَمَانِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْفَضْلِ. وَلَوْ كَانَتْ الْحِقَّةُ بِتِسْعِينَ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَفِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ تُسَاوِي خَمْسِينَ وَأُخْرَى تُسَاوِي ثَلَاثِينَ فَالْوَاجِبُ حِقَّةٌ تُسَاوِي أَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ لِيَكُونَ مِثْلَ أَفْضَلِهَا وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الَّتِي تَلِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَالْحِقَّةُ مِائَةٌ وَفِي الْإِبِلِ ثَلَاثٌ تُسَاوِي كُلٌّ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ تُسَاوِي سِتِّينَ مِثْلِ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَفْضَلِهَا لِأَنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَ الْحِقَّةِ وَبِنْتِ الْمَخَاضِ الضِّعْفُ. وَإِنَّمَا جَعَلْنَا بِنْتَ الْمَخَاضِ حُكْمًا فِي الْبَابِ فِي كُلِّ الصُّوَرِ لِأَنَّهَا أَدْنَى سِنٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا عَفْوٌ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِوُجُودِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تُسَاوِي بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطٍ لِإِيجَابِ مَا زَادَ عَلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ لِمَا ذَكَرْنَا [فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ] قَدَّمَهَا عَلَى الْغَنَمِ لِقُرْبِهَا مِنْ الْإِبِلِ فِي الضَّخَامَةِ، وَالْبَقَرُ مِنْ بَقَرَ إذَا شَقَّ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَالتَّاءُ فِي بَقَرَةٍ لِلْوَحْدَةِ فَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا لِلتَّأْنِيثِ (قَوْلُهُ فَفِيهَا تَبِيعٌ) سُمِّيَ الْحَوْلِيُّ مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرِ بِهِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ بَعْدُ، وَالْمُسِنُّ مِنْ الْبَقَرِ وَالشَّاةِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَتَانِ، وَفِي الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ. ثُمَّ لَا تَتَعَيَّنُ الْأُنُوثَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا فِي الْغَنَمِ، بِخِلَافِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ فَضْلًا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْإِبِلِ. ثُمَّ إنْ وُجِدَ فِي الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ وَسَطٌ وَجَبَ هُوَ، أَوْ مَا يُسَاوِيهِ وَجَبَ تَبِيعٌ يُسَاوِي الْوَسَطَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَنْ تَبِيعٍ؛ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ عِجَافًا لَيْسَ فِيهَا مَا يُسَاوِي تَبِيعًا وَسَطًا وَجَبَ أَفْضَلُهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْبَقَرُ أَرْبَعِينَ وَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَسَطٌ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا

بِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى أَرْبَعِينَ وَجَبَ فِي الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَلَى مَا عُرِفَ فِي الثَّلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ عِجَافًا وَجَبَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ تَبِيعٍ وَسَطٍ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَمَا فَضَلَ عَنْهُ عَفْوٌ وَإِلَى قِيمَةِ مُسِنَّةٍ وَسَطٍ، فَمَا وَقَعَ بِهِ التَّفَاوُتُ وَجَبَ نِسْبَتُهُ فِي أُخْرَى تَلِي أَفْضَلَهَا فِي الْفَضْلِ؛ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ التَّبِيعِ الْوَسَطِ أَرْبَعِينَ وَقِيمَةُ الْمُسِنَّةِ الْوَسَطِ خَمْسِينَ تَجِبُ مُسِنَّةٌ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا وَرُبْعَ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْفَضْلِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ أَفْضَلِهَا ثَلَاثِينَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا عِشْرِينَ تَجِبُ مُسِنَّةٌ تُسَاوِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، وَلَوْ كَانَتْ سِتِّينَ عِجَافًا لَيْسَ فِيهَا مَا يُسَاوِي تَبِيعَانِ وَسَطًا فَفِيهَا تَبِيعَانِ مِنْ أَفْضَلِهَا إنْ كَانَا، وَإِلَّا فَاثْنَانِ مِنْ أَفْضَلِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَبِيعٌ وَسَطٌ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ وَجَبَ التَّبِيعُ الْوَسَطُ وَآخَرُ مِنْ أَفْضَلِ الْبَاقِي. (قَوْلُهُ بِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا) أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمًا دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا وَهَذَا أَصَحُّ. وَيَعْنِي بِالدِّينَارِ مِنْ الْحَالِمِ الْجِزْيَةَ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ، وَأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَإِنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَجَدْنَا حَدِيثَ مَسْرُوقٍ إنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ فِعْلَ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَمَسْرُوقٌ عِنْدَنَا بِلَا شَكٍّ أَدْرَكَ مُعَاذًا بِسِنِّهِ وَعَقْلِهِ وَشَاهَدَ أَحْكَامَهُ يَقِينًا وَأَفْتَى فِي زَمَنِ عُمَرَ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ رَجُلٌ كَانَ بِالْيَمَنِ أَيَّامَ مُعَاذٍ بِنَقْلِ الْكَافَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ عَنْ مُعَاذٍ فِي أَخْذِهِ لِذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاذٍ، وَهُوَ مَا فَشَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ كَذَا وَكَذَا. وَالْحَقُّ قَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ إنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِحَدِيثِهِ عَنْ مُعَاذٍ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْمُعَاصَرَةِ مَا لَمْ

وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْعَفْوَ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا نَصَّ هُنَا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، ثُمَّ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، لِأَنَّ مَبْنَى هَذَا النِّصَابِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ عَقْدَيْنِ وَقْصٌ، وَفِي كُلِّ عَقْدٍ وَاجِبٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ «لَا تَأْخُذْ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا» وَفَسَّرُوهُ بِمَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ. قُلْنَا: قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الصِّغَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْلَمْ عَدَمُ اللُّقِيِّ. وَأَمَّا عَلَى مَا شَرَطَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ مِنْ الْعِلْمِ بِاجْتِمَاعِهِمَا وَلَوْ مَرَّةً فَكَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَالْحَقُّ خِلَافُهُ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا وَجَّهَهُ ابْنُ حَزْمٍ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: هَذِهِ، وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنْ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ كَقَوْلِهِمَا. وَجْهُ الْأُولَى عَدَمُ الْمُسْقِطِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُخَلَّى الْمَالُ عَنْ شُكْرِ نِعْمَتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ النِّصَابَ. وَجْهُ هَذِهِ مَنْعُهُ بَلْ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، قَالُوا فَالْأَوْقَاصُ؟ قَالَ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا بِشَيْءٍ. وَسَأَسْأَلُهُ إذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى أَرْبَعِينَ وَالْأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ. وَفِي السَّنَدِ ضَعْفٌ. وَفِي الْمِنَنِ أَنَّهُ رَجَعَ فَوَجَدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيًّا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَفِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ. وَفِيهِ أَعْنِي مُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ حَدِيثٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا» وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَسَلَمَةُ بْنُ أُسَامَةَ وَيَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ غَيْرُ مَشْهُورَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا بِأَنَّ مُعَاذًا لَمْ يُدْرِكْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيًّا. فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ " وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا. وَأَخْرَجَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا جَمِيلًا حَلِيمًا سَمْحًا مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ يُمْسِكُ شَيْئًا، وَلَمْ يَزَلْ يَدَّانُ حَتَّى أَغْرَقَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الدَّيْنِ، فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ حَتَّى تَغَيَّبَ عَنْهُمْ أَيَّامًا فِي بَيْتِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، فَجَاءَ مَعَهُ غُرَمَاؤُهُ " فَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ " فَبَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْبُرَك وَيُؤَدِّيَ عَنْك دَيْنَك، فَخَرَجَ مُعَاذٌ إلَى الْيَمَنِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَجَعَ مُعَاذٌ " الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى «أَنَّهُ قَدِمَ فَسَجَدَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مُعَاذُ مَا هَذَا؟ قَالَ: وَجَدْتُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالْيَمَنِ يَسْجُدُونَ لِعُظَمَائِهِمْ وَقَالُوا هَذَا تَحِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: كَذَبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، لَوْ كُنْتُ آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» وَفِي هَذَا أَنَّ مُعَاذًا أَدْرَكَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيًّا (قَوْلُهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصِّغَارُ) فَتَعَارَضَ التَّفْسِيرَانِ، فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالشَّكِّ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ خِلَافَ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ

[فصل في الغنم]

(ثُمَّ فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ أَوْ تَبِيعَتَانِ، وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي الْمِائَةِ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ. وَعَلَى هَذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ وَمِنْ مُسِنَّةٍ إلَى تَبِيعٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ» (وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُهُمَا إذْ هُوَ نَوْعٌ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ فِي دِيَارِنَا لِقِلَّتِهِ، فَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ) (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ) هَكَذَا وَرَدَ الْبَيَانُ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ لَفْظَ الْغَنَمِ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهُ إيجَابُ الْكُسُورِ فَقَوْلُهُمَا مُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إثْبَاتُ الْعَفْوِ بِالرَّأْيِ، وَكَوْنُهُ خَارِجًا عَنْ النَّظِيرِ فِي بَابِهِ، فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي هَذَا الْبَابِ جَعْلُ الْعَفْوِ تِسْعًا تِسْعًا، وَالْكُسُورُ فِي الْجُمْلَةِ لَهَا وُجُودٌ فِي النَّقْدَيْنِ، لَكِنَّ دَفْعَ الْمُصَنِّفِ هَذَا يَنْتَفِي بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ «وَأَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ تَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا» وَهَكَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، لَكِنَّ تَمَامَ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَوْ حُسْنِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ] (بَابُ صَدَقَةِ الْغَنَمِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا آلَةٌ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ (قَوْلُهُ هَكَذَا وَرَدَ الْبَيَانُ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ تَقَدَّمَ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ) أَيْ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَسَنَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ آخِرَ الْبَابِ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ ظَبْيٍ وَنَعْجَةٍ لَهُ حُكْمُ أُمِّهِ فَيَكُونُ شَاةً. وَفِي الْعِجَافِ إنْ كَانَتْ ثَنِيَّةَ وَسَطٍ تَعَيَّنَتْ وَإِلَّا وَاحِدَةً مِنْ أَفْضَلِهَا، فَإِنْ كَانَتْ نِصَابَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً كَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ وَفِيهَا عَدَدُ الْوَاجِبِ وَسَطٌ تَعَيَّنَتْ هِيَ أَوْ قِيمَتُهَا، وَإِنْ بَعْضُهُ تَعَيَّنَ هُوَ وَكَمَّلَ مِنْ أَفْضَلِهَا بَقِيَّةَ الْوَاجِبِ فَتَجِبُ الْوَاحِدَةُ الْوَسَطُ وَوَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَانِ عَجْفَاوَانِ بِحَسَبِ مَا يَكُونُ الْوَاجِبُ وَالْمَوْجُودُ مَثَلًا لَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وَعِنْدَهُ ثَنِيَّةٌ وَسَطٌ وَجَبَتْ هِيَ وَأُخْرَى عَجْفَاءُ، أَوْ مِائَتَانِ وَوَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُ

وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ. وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالثَّنِيُّ مِنْهَا مِنْهَا مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ، وَالْجَذَعُ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ عَنْ الْجَذَعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ» وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةَ فَكَذَا الزَّكَاةُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا» وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْوَسَطُ وَهَذَا مِنْ الصِّغَارِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهَا الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ، وَجَوَازُ التَّضْحِيَّةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا. وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْجَذَعَةُ مِنْ الْإِبِلِ (وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ) لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَنْتَظِمُهُمَا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQثِنْتَانِ سَمِينَتَانِ تَعَيَّنَتَا مَعَ عَجْفَاءَ، أَوْ وَاحِدَةٌ تَعَيَّنَتْ مَعَ عَجْفَاوَيْنِ مِنْ أَفْضَلِ الْبَوَاقِي، وَلَوْ هَلَكَتْ السَّمِينَةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ جُعِلَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجَبَتْ عَجْفَاوَانِ بِنَاءً عَلَى صَرْفِ الْهَالِكِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ وَجَعْلِ الْهَالِكِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. وَعِنْدَهُمَا بِهَلَاكِ السَّمِينَةِ ذَهَبَ فَضْلُ السِّمَنِ فَكَأَنَّ الْكُلَّ كَانَتْ عِجَافًا وَوَجَبَ فِيهَا ثَلَاثُ عِجَافٍ فَتَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ كُلُّ شَاةٍ مِائَتَا جُزْءٍ وَجُزْءٍ، وَيَبْقَى الْبَاقِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ وَاجِبٌ فِي الْكُلِّ مِنْ النِّصَابِ وَالْعَفْوِ وَصَرْفِ الْهَلَاكِ إلَى الْكُلِّ عَلَى الشُّيُوعِ، وَلَوْ هَلَكَ الْعِجَافُ كُلُّهَا وَبَقِيَتْ السَّمِينَةُ فَعِنْدَهُ لَمَّا وَجَبَ الصَّرْفُ إلَى النِّصَابِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَوَّلِ صَارَ كَأَنَّهُ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى أَرْبَعِينَ ثُمَّ هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا السَّمِينَةَ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ وَسَطٍ وَسَقَطَ الْبَاقِي. وَعِنْدَهُمَا تَبْقَى حِصَّتُهَا مِنْ كُلِّ الْوَاجِبِ وَكُلُّ الْوَاجِبِ سَمِينَةٌ وَعَجْفَاوَانِ كُلُّ شَاةٍ مِائَتَا جُزْءٍ وَجُزْءٍ، وَحِصَّتُهَا جُزْءٌ مِنْ السَّمِينَةِ وَجُزْءَانِ مِنْ الْعَجْفَاوَيْنِ (قَوْلُهُ وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ) أَيْ بِاسْمِ الْغَنَمِ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ» ) غَرِيبٌ بِلَفْظِهِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مِسْعَرٍ قَالَ «جَاءَنِي رَجُلَانِ مُرْتَدِفَانِ فَقَالَا: إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[فصل في الخيل]

(فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ) (إذْ كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَقَالَا: لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ فَرَسُ الْغَازِي، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعَثَنَا إلَيْكَ لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِكَ، قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَا شَاةٌ، قَالَ: فَعَمَدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا فَقَالَا: هَذِهِ شَافِعٌ وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا، وَالشَّافِعُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا، قُلْت: فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ؟ قَالَا: عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً، فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا فَتَنَاوَلَاهَا» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ السَّخْلَ، فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ وَلَا تَأْخُذُهُ؟ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ نَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا نَأْخُذُهَا، وَلَا نَأْخُذُ الْأَكُولَةَ وَلَا الرَّبِيَّ وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَغَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيَّيْنِ نَأْخُذُ عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَيَجِبُ تَرْجِيحُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْجَذَعَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي تَعْيِينِ الثَّنِيِّ. [فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ] (فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالُوا: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَكَذَا رَجَّحَ قَوْلَهُمَا فِي الْأَسْرَارِ، وَأَمَّا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ فَرَجَّحَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ صَدَقَةَ الْخَيْلِ جَبْرًا، وَحَدِيثُ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» رَوَوْهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ «إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ فَرَسُ الْغَازِي) لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لِلْفَرَسِ الْمُفْرَدِ لِصَاحِبِهَا فِي قَوْلِنَا فَرَسُهُ وَفَرَسُ زَيْدٍ كَذَا، وَكَذَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْفَرَسُ

وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُلَابِسُ لِلْإِنْسَانِ رُكُوبًا ذَهَابًا وَمَجِيئًا عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ لُغَةً أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ، وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الْإِرَادَةَ قَوْلُهُ فِي عَبْدِهِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَبْدَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّفْيَ عَنْ عُمُومِ الْعَبْدِ بَلْ عَبْدِ الْخِدْمَةِ. وَقَدْ رُوِيَ مَا يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَاتَانِ الْقَرِينَتَانِ الْعُرْفِيَّةُ وَاللَّفْظِيَّةُ، وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِطُولِهِ، وَفِيهِ «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلِ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ» . وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ «فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ سِتْرٌ» الْحَدِيثَ، فَقَوْلُهُ وَلَا فِي رِقَابِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا يَرُدُّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ بِالْعَارِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ عَلَى بُعْدِهِ فِي ظُهُورِهَا، فَعَطْفُ رِقَابِهَا يَنْفِي إرَادَةَ ذَلِكَ، إذْ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي رِقَابِ الْمَاشِيَةِ لَيْسَ إلَّا الزَّكَاةَ وَهُوَ فِي ظُهُورِهَا حَمْلُ مُنْقَطِعِي الْغُزَاةِ وَالْحَاجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَأْوِيلَنَا فِي الْفَرَسِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ لِمَا حَفَّهُ مِنْ الْقَرِينَتَيْنِ وَلِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ، وَمَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ بِخِلَافِ حَمْلِ الْحَقِّ الثَّابِتِ لِلَّهِ فِي رِقَابِ الْمَاشِيَةِ عَلَى الْعَارِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ بَعْدَ الْخَيْلِ فَقَالَ: لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ» فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ فِي الْخَيْلِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهَا فِي الْحَمِيرِ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ بِدَلِيلِ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ» وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رُوِيَ عَنْهُمَا، وَالْعَفْوُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَيْءٍ لَازِمٍ فَمَمْنُوعٌ، بَلْ يَصْدُقُ أَيْضًا مَعَ تَرْكِ الْأَخْذِ مِنْ الِابْتِدَاءِ تَفَضُّلًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ أَحَدٍ وَكَانَ مُحِقًّا فِي الْأَخْذِ غَيْرَ مَلُومٍ فِيهِ فَتَرَكَهُ مَعَ ذَلِكَ تَكَرُّمًا وَرِفْقًا بِهِ صَدَقَ مَعَهُ ذَلِكَ وَيُقَدَّمُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لِلْقُوَّةِ، وَقَدْ رَأَيْنَا هَذَا الْأَمْرَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْسُوخًا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى فِيهِ جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثًا صَحِيحً أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رَأَيْت أَبِي يُقَيِّمُ الْخَيْلَ ثُمَّ يَدْفَعُ صَدَقَتَهَا إلَى عُمَرَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ جُبَيْرُ بْنُ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ يَقُولُ: ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ قَلُوصٍ، فَنَدِمَ الْبَائِعُ فَلَحِقَ بِعُمَرَ، فَقَالَ: غَصَبَنِي يَعْلَى وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي، فَكَتَبَ إلَى يَعْلَى أَنْ الْحَقْ بِي، فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ:

(وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ (وَكَذَا فِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَاتِ فِي رِوَايَةٍ) وَعَنْهُ الْوُجُوبُ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ هَذَا عِنْدَكُمْ مَا عَلِمْتُ أَنَّ فَرَسًا يَبْلُغُ هَذَا فَنَأْخُذُ عَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً وَلَا نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا، خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَقَرَّرَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا دِينَارًا. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُصْدِقُ الْخَيْلَ، وَأَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنْ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَةِ الْخَيْلِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَّ صَدَقَةَ الْخَيْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ الَّتِي يُطْلَبُ نَسْلُهَا، إنْ شِئْت فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت فَالْقِيمَةَ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ فَرَسٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَقَدْ ثَبَتَ أَصْلُهَا عَلَى الْإِجْمَالِ فِي كَمِّيَّةِ الْوَاجِبِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَثَبَتَتْ الْكَمِّيَّةُ، وَتَحَقَّقَ الْأَخْذُ فِي زَمَنِ الْخَلِيفَتَيْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ بَعْدَ اعْتِرَافِ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى عُمَرَ فَقَالُوا: إنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا خَيْلًا وَرَقِيقًا وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تُزَكِّيَهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُهُ أَنَا ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا حَسَنٌ، وَسَكَتَ عَلِيٌّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ لَوْ لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَك، فَأَخَذَ مِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَعَادَهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِذَلِكَ السَّنَدِ وَالْقِصَّةِ. وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَفِي هَذَا أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فَاسْتَحْسَنُوهُ، وَكَذَا اسْتَحْسَنَهُ عَلِيٌّ بِشَرْطٍ شَرَطَهُ وَهُوَ أَنْ لَا يُؤْخَذُونَ بِهِ بَعْدَهُ، وَقَدْ قُلْنَا بِمُقْتَضَاهُ إذْ قُلْنَا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ صَدَقَةَ سَائِمَةِ الْخَيْلِ جَبْرًا، فَإِنَّ أَخْذَ الْإِمَامِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يُؤْخَذُونَ بِهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْسَانُهُ مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا يَتَبَرَّعُوا بِهَا لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، وَهَذَا حِينَئِذٍ فَوْقَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: اسْتِحْسَانُهُمْ إنَّمَا هُوَ لِقَبُولِهَا مِنْهُمْ إذَا تَبَرَّعُوا بِهَا وَصَرَفَهَا إلَى الْمُسْتَحَقِّينَ لَا لِلْإِيجَابِ. قُلْنَا رِوَايَةٌ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا مُرَتَّبًا عَلَى اسْتِحْسَانِهِمْ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ لِيَعْلَى: خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا فَقَرَّرَ عَلَى كُلٍّ دِينَارًا يُوجِبُ خِلَافَ مَا قُلْت، وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَبْدَأُ اجْتِهَادِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ رَأَوْا أَنَّ مَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ مَانِعِي الزَّكَاةِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ حَيْثُ أَثْبَتَ فِي رِقَابِهَا حَقًّا لِلَّهِ، وَرَتَّبَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ كَوْنَهَا لَهُ حِينَئِذٍ سِتْرًا يَعْنِي مِنْ النَّارِ، هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ كَقَوْلِهِ فِي عَائِلِ الْبَنَاتِ «كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْمُرَادِ سِتْرًا فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى ظُهُورِ النِّعْمَةِ، إذْ لَا مَعْنَى لِتَرْتِيبِ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ نِسْيَانِ حَقِّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا فَإِنَّهُ ثَابِتٌ، وَإِنْ نَسِيَ فَثَبَتَ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ أَخْذِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَصْحَابُ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلْ أَهْلُ الْإِبِلِ، وَمَا تَقَدَّمَ إذْ أَصْحَابُ هَذِهِ إنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْمَدَائِنِ وَالدَّشْتِ وَالتَّرَاكِمَةِ، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ بِلَادُهُمْ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَعَلَّ مَلْحَظَهُمْ فِي خُصُوصِ تَقْدِيرِ الْوَاجِبِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ» كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى طَرِيقِهِمْ إلَّا عَدَمُهَا ظَاهِرًا دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ، عَلَى أَنَّ الْفَحْصَ عَنْ مَأْخَذِهِمْ لَا يَلْزَمُنَا إذْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا إلَخْ) فِي كُلٍّ مِنْ الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ، وَالرَّاجِحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ.

[فصل ليس في الفصلان والحملان والعجاجيل صدقة]

لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ بِخِلَافِ الذُّكُورِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ أَيْضًا (وَلَا شَيْءَ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَنْزِلْ عَلِيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ» وَالْمَقَادِيرُ تَثْبُتُ سَمَاعًا (إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) (وَلَيْسَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ صَدَقَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كِبَارٌ، وَهَذَا آخِرُ أَقْوَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَمَالِكٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ لَيْسَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ صَدَقَةٌ] فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْفِصْلَانِ) جَمْعُ فَصِيلٍ: وَلَدُ النَّاقَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ابْنَ مَخَاضٍ. وَالْعَجَاجِيلُ جَمْعُ عِجَّوْلٍ وَلَدُ الْبَقَرَةِ. وَالْحُمْلَانُ جَمْعُ حَمَلٍ بِالتَّحْرِيكِ: وَلَدُ الشَّاةِ. صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: اشْتَرَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَصِيلًا أَوْ حَمَلَا أَوْ عُجُولًا أَوْ وُهِبَ لَهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، حَتَّى إذَا مَضَى حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ الْمِلْكِ لَا تَجِبُ فِيهَا بَلْ إذَا تَمَّ مِنْ حِينِ صَارَتْ كِبَارًا وَتُصَوِّرَ أَيْضًا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ فَمَضَى سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ نِصَابًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَتَمَّ

وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْخِطَابِ يَنْتَظِمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ. وَوَجْهُ الثَّانِي تَحْقِيقُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَوْلُ عَلَى الْأَوْلَادِ (قَوْلُهُ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْخِطَابِ) يَعْنِي اسْمَ الشَّاةِ (قَوْلُهُ تَحْقِيقُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) جَانِبِ صَاحِبِ الْمَالِ بِعَدَمِ إخْرَاجِ مُسِنَّةٍ، وَجَانِبِ الْفُقَرَاءِ بِعَدَمِ إخْرَاجٍ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا يَجِبُ فِي الْمَهَازِيلِ إلْحَاقًا لِنُقْصَانِ السِّنِّ بِنُقْصَانِ الْوَصْفِ لَمَّا رَأَيْنَا النُّقْصَانَ بِالْهُزَالِ رَدَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ الْوَسَطُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَمْ يَبْطُلْ أَصْلًا فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ بِالسِّنِّ مَعَ قِيَامِ الْإِسَامَةِ وَاسْمِ الْإِبِلِ، إلَّا أَنَّ الرَّدَّ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا يَمْنَعُنَا مِنْ تَرْتِيبِ السِّنِّ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ بِأَنْ يَجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ ثُمَّ بِنْتُ لَبُونٍ ثُمَّ حِقَّةٌ. وَهَكَذَا تَبِيعٌ ثُمَّ مُسِنَّةٌ، وَلَمْ يَمْنَعْنَا فِي الْمَهَازِيلِ فَعَمِلْنَا بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ فَقُلْنَا لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَصِيلًا فَيَكُونَ فِيهَا فَصِيلٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا فَصِيلَانِ، وَهَكَذَا فِي ثَلَاثِينَ عَجُولًا عِجَّوْلٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَفِيهَا عَجُولَانِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ عَجَاجِيلٍ لِأَنَّ السَّبَبَ مَتَى ثَبَتَ ثَبَتَ حُكْمُهُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَانِعِ، هَذَا عَلَى أَقْوَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ اسْتِبْعَادُ مُحَمَّدٍ إذْ قَالَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فِي مَالٍ اُعْتُبِرَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةَ نُصُبٍ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ ثِنْتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ اُعْتُبِرَ ثَلَاثَ نُصُبٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَفِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ هَذِهِ النُّصُبِ فِيهِ لَوْ أَوْجَبْنَا كَانَ بِالرَّأْيِ لَا بِالنَّصِّ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ هُنَا

يَجِبُ فِي الْمَهَازِيلِ وَاحِدٌ مِنْهَا وَوَجْهُ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ فَإِذَا امْتَنَعَ إيجَابُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ امْتَنَعَ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ الْمَسَانِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَوَجْهُ الْأَخِيرِ) أَيْ مِنْ أَقَاوِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ، فَإِذَا امْتَنَعَ إيجَابُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ امْتَنَعَ أَصْلًا. وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالنَّاقَةِ لَا مُطْلَقًا بَلْ ذَاتُ السِّنِّ الْمُعَيَّنِ مِنْ الثَّنِيَّةِ وَالتَّبِيعِ وَبِنْتِ الْمَخَاضِ مَثَلًا وَلَمْ يُوجَدْ فَتَعَذَّرَ الْإِيجَابُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الصِّغَارَ أَصْلًا، فَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ يُعْطَى فِي الزَّكَاةِ: سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ إيجَابَ الْأَسْنَانِ الْمُعَيَّنَةِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى وُجُودِهَا فِي الْمُوجَبِ فِيهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةً، وَلَيْسَتْ فِيهَا فَلَمْ يَتَوَقَّفْ إيجَابُهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحْدِثَ مِلْكَهَا بِطَرِيقِهِ وَيَدْفَعَهَا، فَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحْدِثَ مِلْكَ مُسِنَّةٍ وَيَدْفَعَهَا. قُلْنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فِي عَهْدِي: يَعْنِي فِي كِتَابِي أَنْ لَا آخُذَ رَاضِعَ لَبَنٍ» الْحَدِيثَ دَلَّ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى عَدَمِ أَخْذِهَا مُطْلَقًا، وَبِالِالْتِزَامِ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي الصِّغَارِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، إذْ لَوْ كَانَ لَأَخَذْت الرَّاضِعَ، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ لَا يُعَارِضُهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَنَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخْذَ مِنْ الصِّغَارِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ الْمُرْتَدِفِينَ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ أَنَّ الْعَنَاقَ يُقَالُ عَلَى الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ وَلَوْ مَجَازًا، فَارْجِعْ إلَيْهِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ، وَلَوْ سَلِمَ جَازَ أَخْذُهَا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَا أَنَّهَا هِيَ نَفْسُ الْوَاجِبِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ أَوْ هُوَ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ لَا التَّحْقِيقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عِقَالًا مَكَانَ الْعَنَاقِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ الْكَرَائِمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِمَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ لِمُعَاذٍ «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» وَرُوِيَ مَعْنَاهُ كَثِيرًا حَتَّى صَارَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الزَّكَاةِ وَمُنَاقِضٌ لِمَا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ فِي أُصُولِ الزَّكَوَاتِ مِنْ كَوْنِ الْوَاجِبِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ، وَرُبَّمَا نَأْتِي الْمُسِنَّةَ عَلَى غَالِبِ الْحُمْلَانِ أَوْ كُلِّهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَسْنَانُهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَيَكُونُ هَذَا إيجَابُ إخْرَاجِ كُلِّ الْمَالِ مَعْنَى وَهُوَ مَعْلُومُ النَّفْيِ بِالضَّرُورَةِ، بَلْ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةَ الْمَالِ فَإِنَّ إضَافَةَ اسْمِ زَكَاةِ الْمَالِ يَأْبَى كَوْنَهُ إخْرَاجَ الْكُلِّ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَرَائِمِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ يَلْزَمُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لُزُومَ إخْرَاجِ الْكُلِّ مَعْنًى مُنْتَفٍ لَكِنَّ ثُبُوتَ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ فِي الشَّرْعِ كَثُبُوتِ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ، فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي صُورَةِ وُجُودِ مُسِنَّةٍ مَعَ الْحُمْلَانِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ: أَعْنِي مَا قَدَّمْنَا مِنْ

جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهُ فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ، وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ وَاحِدٌ ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ يُثْنِي الْوَاجِبَ، ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ يُثَلِّثُ الْوَاجِبَ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي رِوَايَةٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمْسُ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشَرِ خُمُسَا فَصِيلٍ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ خُمْسِ فَصِيلٍ وَسَطٍ وَإِلَى قِيمَةِ شَاةٍ فِي الْخَمْسِ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي الْعَشَرِ إلَى قِيمَةِ شَاتَيْنِ وَإِلَى قِيمَةِ خُمْسَيْ فَصِيلٍ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ. قَالَ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ وَلَمْ تُوجَدْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرُورِيَّةِ الِانْتِفَاءَيْنِ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا (قَوْلُهُ جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهُ فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ مِنْ الثَّنِيَّاتِ، هَذَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْوَاجِبِ مِنْ الْكِبَارِ مَوْجُودًا فِيهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَجِبُ بَيَانُهُ، لَوْ كَانَتْ مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ حَمَلًا يَجِبُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسِنَّةٌ وَحَمَلٌ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَصِيلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْمُسِنَّةُ دُفِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْوَسَطِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ بَطَلَتْ الزَّكَاةُ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِهَا كَانَ هَلَاكُهَا كَهَلَاكِ الْكُلِّ، وَالْحُكْمُ لَا يَبْقَى فِي التَّبَعِ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى فِي الصِّغَارِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْحَمَلِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّغَارَ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ، إلَّا أَنَّ فَضْلَ الْكَبِيرِ كَانَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمُسِنَّةِ فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَيَكُونُ هَذَا نُقْصَانًا لِلنِّصَابِ، وَلَوْ هَلَكَتْ الْحُمْلَانُ وَبَقِيَتْ الْمُسِنَّةُ يُؤْخَذُ قِسْطُهَا وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْمُسِنَّةِ جَعَلَ هَلَاكَ الْمُسِنَّةِ كَهَلَاكِ الْكُلِّ وَلَمْ يَجْعَلْ قِيَامَهَا كَقِيَامِ الْكُلِّ، وَالْفَرْقُ يُطْلَبُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ وَجْهِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ) أَيْ عَامِلُ الصَّدَقَاتِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ

أَوْ أَخَذَ دُونَهَا) وَأَخَذَ الْفَضْلَ، وَهَذَا يَبْتَنِي عَلَى أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارَ فِي أَخْذِ الْأَعْلَى وَرَدِّ الْفَضْلِ أَوْ الْأَدْنَى وَإِعْطَاءِ الْفَضْلِ لِلْمُصَدِّقِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْخِيَارَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَطْ. وَأَطْلَقَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْخِيَارَ لِرَبِّ الْمَالِ إذْ الْخِيَارُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْخِيَارَ إلَيْهِ مَعَ تَحَقُّقِ قَوْلِهِمْ يُجْبَرُ الْمُصَدِّقُ عَلَى قَبُولِ الْأَدْنَى مَعَ الْفَضْلِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْأَعْلَى وَرَدِّ الْفَضْلِ، لِأَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ بَيْعَ الْفَضْلِ مِنْ الْمُصَدِّقِ، وَمَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى التَّرَاضِي لَا الْجَبْرِ وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْأَعْلَى، إذْ مَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا لَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَعْطِ مَا شِئْت أَعْلَى أَوْ أَدْنَى، فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْأَعْلَى لَمْ يَجْعَلْ الْخِيَارَ إلَيْهِ فِيهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ لَوْ طَلَبَ السَّاعِي مِنْهُ الْأَعْلَى فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ يُعْطِيَ الْأَدْنَى. وَقَوْلُهُ وَأَعْطَى الْفَضْلَ وَأَخَذَ الْفَضْلَ مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ جُبْرَانَ مَا بَيْنَ السِّنَّيْنِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ غَلَاءً وَرُخْصًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةٍ لِمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصِّدِّيقِ مِنْ أَنَّهُ إذْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ أَعْطَى إمَّا بِنْتَ لَبُونٍ وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةً أَوْ ابْنَ لَبُونٍ لَيْسَ غَيْرُ. قُلْنَا: هَذَا كَانَ قِيمَةَ التَّفَاوُتِ فِي زَمَانِهِمْ وَابْنُ اللَّبُونِ يَعْدِلُ بِنْتَ الْمَخَاضِ، إذْ ذَاكَ جَعْلًا لِزِيَادَةِ السِّنِّ مُقَابَلًا بِزِيَادَةِ الْأُنُوثَةِ، فَإِذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ الْإِيجَابِ مَعْنًى بِأَنْ تَكُونَ الشَّاتَانِ أَوْ الْعِشْرُونَ الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُصَدِّقِ تُسَاوِي السِّنَّ الَّذِي يُعْطِيهِ خُصُوصًا إذَا فَرَضْنَا الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَهَازِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ الشَّاتَيْنِ تُسَاوَيَانِ بِنْتَ لَبُونٍ مَهْزُولَةٍ جِدًّا فَإِعْطَاؤُهَا فِي بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ اسْتِرْدَادِ شَاتَيْنِ إخْلَاءٌ مَعْنًى أَوْ الْإِجْحَافُ بِرَبِّ الْمَالِ بِأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الدَّافِعُ لِلْأَدْنَى، وَكُلٌّ مِنْ اللَّازِمَيْنِ مُنْتَفٍ شَرْعًا فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُمَا وَهُوَ تَعَيُّنُ الْجَابِرِ. [فُرُوعٌ] عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً فَهَلَكَ مِنْ بَقِيَّةِ النِّصَابِ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ يُمْسِكُ السَّاعِي مِنْ الْمُعَجَّلِ قَدْرَ تَبِيعٍ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ وَيُعْطِيَهُ مِمَّا عِنْدَهُ تَبِيعًا لِأَنَّ قَدْرَ التَّبِيعِ مِنْ الْمُسِنَّةِ صَارَ زَكَاةً حَقًّا لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُسْتَرَدُّ، وَمِثْلُهُ فِي تَعْجِيلِ بِنْتِ الْمَخَاضِ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إذَا انْتَقَصَ الْبَاقِي وَاحِدَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ أَمْسَكَ السَّاعِي قَدْرَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يَحْبِسُ شَيْئًا وَيُطَالَبُ بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ لِأَنَّهُ فِي إمْسَاكِ الْبَعْضِ وَرَدِّ الْبَعْضِ ضَرَرُ التَّشْقِيصِ بِالشَّرِكَةِ. وَقِيَاسُ هَذِهِ فِي الْبَقَرَةِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ إذْ لَا شَرِكَةَ بَعْدَ دَفْعِ قِيمَةِ الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْمُعَجَّلَ أَمْسَكَ مِنْ قِيمَتِهَا قَدْرَ التَّبِيعِ وَالْأَرْبَعِ شِيَاهٍ وَرَدَّ الْبَاقِيَ. وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَتْ الْأَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ فَحَقُّ السَّاعِي فِي تَبِيعَيْنِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُ الْمُسِنَّةِ بَلْ يُكَمِّلُ الْفَضْلَ لِلسَّاعِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ فَإِذَا هِيَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمُسِنَّةَ وَيَأْخُذُ تَبِيعًا، لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْغَلَطِ يُعْدِمُ الرِّضَا أَمَّا هُنَاكَ فَدَفَعَ عَنْ رِضًا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَصِيرَ زَكَاةً، وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الِاحْتِمَالَ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْغَلَطُ حَتَّى تَصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا كَرْهًا عَلَى ذَلِكَ

تَعَالَى، إلَّا أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَيُطَالِبَ بِعَيْنِ الْوَاجِبِ أَوْ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِيهِ بَلْ هُوَ إعْطَاءٌ بِالْقِيمَةِ. (وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) عِنْدَنَا وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّنِّ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا عَمِلَ لِغَيْرِهِ، فَضَمَانُ خَطَئِهِ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْعَمَلُ لَهُ، فَإِنْ وَجَدَ الْفَقِيرَ ضَمَّنَهُ مَا زَادَ عَلَى التَّبِيعِ وَإِلَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَهُوَ بَيْتُ مَالِ الْفُقَرَاءِ، كَالْقَاضِي إذَا أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَضَمَانُهُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ لَهُ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَ السَّاعِي تَعَمَّدَ الْأَخْذَ فَضَمَانُهُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ، هَذَا وَلَوْ لَمْ يُزِدْ وَلَمْ يُنْقِصْ، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَدْرُ أَرْبَعٍ مِنْ الْغَنَمِ زَكَاةً وَيَرُدَّ الْبَاقِيَ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْجِيلِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الْكُلُّ زَكَاةً لِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ جَعَلَ كُلَّ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ يُجْعَلُ زَكَاةً مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِّ، هَذَا وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْغَنَمِ فَسَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) فَلَوْ أَدَّى ثَلَاثَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ أَوْ بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ جَازَ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْوَسَطُ فَلَمْ يَكُنْ الْأَعْلَى دَاخِلًا فِي النَّصِّ وَالْجُودَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ فَتَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ الرَّابِعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا بِأَنْ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَطٍ وَهِيَ تُسَاوِيهَا لَا يَجُوزُ أَوْ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَوْ يَعْتِقَ عَبْدَيْنِ وَسَطَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي كُلٌّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجُودَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا فَلَا تَقُومُ الْجُودَةُ مَقَامَ الْقَفِيزِ الْخَامِسِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الثَّوْبِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا بِقَيْدِ الْوَسَطِ فَكَانَ الْأَعْلَى وَغَيْرُهُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّصِّ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْإِرَاقَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَقَدْ الْتَزَمَ إرَاقَتَيْنِ وَتَحْرِيرَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَهْدَةِ بِوَاحِدٍ، بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالتَّصَدُّقِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ تَعْدِلُهُمَا جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ وَبِهِ تَحْصُلُ الْقُرْبَةُ

وَالنَّذْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا. وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالًا لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ إلَيْهِ فَيَكُونُ إبْطَالًا لِقَيْدِ الشَّاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقَفِيزِ دَقَلٍ فَتَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ جَيِّدًا يُسَاوِي تَمَامَهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْجُودَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا هُنَا لِلرِّبَوِيَّةِ وَالْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، بِخِلَافِ جِنْسٍ آخَرَ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ قَفِيزٍ مِنْهُ يُسَاوِيهِ جَازَ الْكُلُّ مِنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ وَالنَّذْرِ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ فَتَصَدَّقَ بِعَدْلِهِ دَرَاهِمَ أَوْ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ) وَهُوَ اسْمُ الشَّاةِ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ وَالتَّبِيعُ إلَى آخِرِهَا. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ) أَيْ أَدَاءِ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا لِغَرَضِ إيصَالِ الرِّزْقِ الْمَوْعُودِ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ أَرْزَاقَ الْكُلِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَبَّبَ لَهُ سَبَبًا كَالتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَهُ عَنْ الْأَسْبَابِ ثُمَّ أَمَرَ الْأَغْنِيَاءَ أَنْ يُعْطُوهُمْ مِنْ مَالِهِ تَعَالَى مِنْ كُلٍّ كَذَا كَذَا، فَعُرِفَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ إيصَالٌ لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ لَهُمْ وَابْتِلَاءٌ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ بِالِامْتِثَالِ لِيَظْهَرَ مِنْهُ مَا عَلِمَهُ تَعَالَى مِنْ الطَّاعَةِ أَوْ الْمُخَالَفَةِ فَيُجَازِيَ بِهِ فَيَكُونَ الْأَمْرُ بِصَرْفِ الْمُعَيَّنِ مَصْحُوبًا بِهَذَا الْغَرَضِ مَصْحُوبًا بِإِبْطَالِ الْقَيْدِ وَمُفِيدٌ أَنَّ الْمُرَادَ قَدْرُ الْمَالِيَّةِ إذْ أَرْزَاقُهُمْ مَا انْحَصَرَتْ فِي خُصُوصِ الشَّاةِ بَلْ لِلْإِنْسَانِ حَاجَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ إبْطَالَ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ بَلْ إبْطَالَ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الشَّاةِ يَنْفِي غَيْرَهَا مِمَّا هُوَ قَدْرُهَا فِي الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِالتَّعْلِيلِ بَلْ مَجْمُوعُ نَصَّيْ الْوَعْدِ بِالرِّزْقِ وَالْأَمْرِ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَوْعُودِ بِهِ مِمَّا يَنْسَاقُ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّك إذَا سَمِعْت قَوْلَ الْقَائِلِ يَا فُلَانُ مُؤْنَتُك عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا فُلَانُ أَعْطِهِ مِنْ مَالِي عِنْدَك مِنْ كُلٍّ كَذَا كَذَا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ فَهْمِك مِنْ مَجْمُوعِ وَعْدِ ذَاكَ وَأَمْرِ الْآخِرِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِنْجَازَ الْوَعْدُ فَيَكُونُ جَوَازُ الْقِيمَةِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِمَجْمُوعِ مَعْنَى النَّصَّيْنِ لِانْتِقَالِ الذِّهْنِ عِنْدَ سَمَاعِهِمَا مِنْ مَعْنَاهُمَا إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ مَدْلُولًا لَا تَعْلِيلًا، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيلًا لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَلْ تَوْسِعَةً لِمَحَلِّ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الشَّاةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّعْلِيلِ مَحَلٌّ لِلدَّفْعِ، كَمَا أَنَّ قِيمَتَهَا مَحَلٌّ أَيْضًا وَلَيْسَ التَّعْلِيلُ حَيْثُ كَانَ إلَّا لِتَوْسِعَةِ الْمَحَلِّ. ثُمَّ قَدْ رَأَيْنَا فِي الْمَنْقُولِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَمَنْ تَكُونُ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْجَذَعَةُ وَعِنْدَهُ الْحِقَّةُ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَعَ شَاتَيْنِ

وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ، بِخِلَافِ الْهَدَايَا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ. وَوَجْهُ الْقُرْبَةِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَهُوَ مَعْقُولٌ. (وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ صَدَقَةٌ) خِلَافًا لِمَالِكٍ. لَهُ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ وَلَا فِي الْبَقَرِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ اسْتَيْسَرَتَا أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا " فَانْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَعَلِمْنَا أَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ خُصُوصَ عَيْنِ السِّنِّ الْمُعَيَّنِ وَإِلَّا لَسَقَطَ إنْ تَعَذَّرَ أَوْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَدْفَعَهُ. وَقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: آتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا وَتَعْلِيقُهُ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ الصُّنَابِحِ الْأَحْمَسِيِّ قَالَ «أَبْصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةً حَسَنَةً فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ: إنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ، قَالَ: نَعَمْ إذًا» فَعَلِمْنَا أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْأَسْنَانِ الْمَخْصُوصَةِ وَالشَّاةِ لِبَيَانِ قَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَتَخْصِيصُهَا فِي التَّعْبِيرِ لِأَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي (قَوْلُهُ وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ) يُؤْخَذُ فِيهَا قَدْرُ الْوَاجِبِ كَمَا تُؤْخَذُ عَيْنُهُ. (قَوْلُهُ لِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ) مِثْلُ «فِي خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ» (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ» إلَخْ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَى الْحَوَامِلِ شَيْءٌ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا لَيْسَ فِيهِ قَالَ زُهَيْرٌ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ هَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ صِحَّتِهِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ مُقَارِنًا لِأَصْلِ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ مُخَصَّصًا، وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا فَيَكُونُ نَاسِخًا، وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا فَيَكُونُ مَنْسُوخًا بِالْعَامِ عَلَى أَصْلِنَا أَعْنِي نَحْوَ قَوْلِهِ «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ضَبْطِ التَّارِيخِ، فَإِنْ لَمْ يُضْبَطْ انْتَصَبَ مُعَارِضًا، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَقَدُّمُ عُمُومُ الْإِيجَابِ لِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعُمُومَ لَيْسَ عَلَى صِرَافَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ لِتَخْصِيصِ غَيْرِ السَّائِمَةِ فَيَتَرَجَّحُ

وَدَلِيلُهُ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ فِي الْعَلُوفَةِ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى. ثُمَّ السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ عَلُوفَةً لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثُ الْعَوَامِلِ بِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمْ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ مُطْلَقًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْرِيرِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَوَامِلَ تَصْدُقُ عَلَى الْحَوَامِلِ وَالْمُثِيرَةِ فَالنَّفْيُ عَنْهَا نَفْيٌ عَنْهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ اسْمِ الْمُثِيرَةِ حَدِيثٌ مُضَعَّفٌ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ «لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي الْعَلُوفَةِ إلَخْ) دَفْعٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ النَّمَاءَ فِي الْعَلُوفَةِ أَكْثَرُ فَهِيَ أَوْلَى بِشَرْعِيَّةِ الزَّكَاةِ فِيهَا، فَقَالَ لَا بَلْ يَنْعَدِمُ بِالْكُلِّيَّةِ ظَاهِرًا فَضْلًا عَنْ الْأَكْثَرِيَّةِ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَزِيدُ بِالسِّمَنِ لَا يَفِي بِخُرْجِ الْمُؤْنَةِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِيهَا الزِّيَادَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ الْعَلُوفَةُ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ، فَلَوْ انْعَدَمَ النَّمَاءُ بِالْعَلَفِ امْتَنَعَ فِيهَا. قُلْنَا: النَّمَاءُ فِي مَالِ التِّجَارَةِ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَمْ تَنْحَصِرْ زِيَادَةُ ثَمَنِهَا فِي السِّمَنِ الْحَادِثِ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ فَصْلٍ إلَى فَصْلٍ أَوْ بِالنَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْوِيَّةِ لِلتِّجَارَةِ النَّمَاءُ فِيهَا مُنْحَصِرٌ فِي السِّمَنِ فَثَبَتَ أَنَّ عَلْفَهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ نَمَائِهَا، إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ (قَوْلُهُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ) اعْتَرَضَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ إذْ بَقِيَ قَيْدُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَرَضِ النَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالتَّسْمِينِ، وَإِلَّا فَتَشْمَلُ الْإِسَامَةَ لِغَرَضِ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ. وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ: يُشْتَرَطُ الرَّعْيُ فِي كُلِّ الْحَوْلِ

(وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ خِيَارَ الْمَالِ وَلَا رَذَالَتَهُ وَيَأْخُذُ الْوَسَطَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ» أَيْ كَرَائِمَهَا «وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ» أَيْ أَوْسَاطَهَا وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَزَكَّاهُ بِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضُمُّ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي حَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي بَعْضِهَا إنْ عَلَفَهَا بِقَدْرِ مَا تَبِينَ فِيهِ مُؤْنَةُ عَلْفِهَا أَكْثَرُ مِمَّا لَوْ كَانَتْ سَائِمَةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا. قُلْنَا: لَا يَزُولُ اسْمُ السَّائِمَةِ بِالْعَلْفِ الْيَسِيرِ شَرْعًا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ عَلَى أَهْلِ دِيَارِهِمْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا لَا تَكْتَفِي بِالسَّوْمِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إذْ لَا يُوجَدُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ فِي دِيَارِهِمْ بَلْ وَلَا غَيْرِهَا مَا تَكْتَفِي بِهِ، وَلَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِهَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ فِي زَمَنِ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الْمُسْتَمِرَّةِ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ انْتَفَتْ الزَّكَاةُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعَلَفَ الْيَسِيرَ لَا يَزُولُ بِهِ اسْمُ السَّوْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُكْمِ. وَإِذَا كَانَ مُقَابِلُهُ كَثِيرًا بِالنِّسْبَةِ كَانَ هُوَ يَسِيرًا، وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفِ كَثِيرًا، فَلَوْ أَسَامَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَلِأَنَّهُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ سَبَبِ الْإِيجَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ تَعْلِيلُ قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرُ، وَمَا ذَكَرْنَا يَعُمُّهُ مَعَ نِصْفِ الْحَوْلِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ شَيْئًا» إلَخْ) هُوَ بِالْفَتَحَاتِ جَمْعُ حَزْرَةٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَقْدِيمِ الزَّايِ الْمَنْقُوطَةِ عَلَى الرَّاءِ فِي اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ. وَحَرَزَةُ الْمَالِ خِيَارُهُ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كَأَنَّهُ الشَّيْءُ الْمَحْبُوبُ لِلنَّفْسِ. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُصَدِّقِهِ «لَا تَأْخُذْ مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ شَيْئًا، خُذْ الشَّارِفَ وَالْبِكْرَ وَذَاتَ الْعَيْبِ» وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ " مَرَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِغَنَمِ الصَّدَقَةِ فَرَأَى فِيهَا شَاةً حَافِلًا ذَاتَ ضَرْعٍ عَظِيمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ؟ فَقَالُوا: شَاةٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ، لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ " وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ مُعَاذٌ الصَّحِيحِ حَيْثُ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ فِي الْأَخْذِ مِنْ الْعِجَافِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا وَسَطٌ اعْتِبَارُ أَعْلَاهَا وَأَفْضَلِهَا وَقَدَّمْنَا عَنْهُمْ خِلَافَهُ فِي صَدَقَةِ السَّوَائِمِ (قَوْلُهُ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ) بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضُمُّ بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ حَوْلٌ عَلَى حِدَتِهِ، فَإِذَا

الْمِلْكِ فَكَذَا فِي وَظِيفَتِهِ، بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الْمِلْكِ حَتَّى مُلِكَتْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَتَعَسَّرُ الْمَيْزُ فَيَعْسُرُ اعْتِبَارُ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ، وَمَا شَرْطُ الْحَوْلِ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَّ الْحَوْلُ زَكَّاهُ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» ، بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ نَفْسِهِ فَيَنْسَحِبُ حَوْلُهُ عَلَيْهَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْنَا: لَوْ قَدَّرَ تَسْلِيمَ ثُبُوتِهِ فَعُمُومُهُ لَيْسَ مُرَادًا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى خُرُوجِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ، وَدَلِيلُ الْخُصُوصِ مِمَّا يُعَلَّلُ وَيَخْرُجُ بِالتَّعْلِيلِ ثَانِيًا فَعَلَّلْنَا بِالْمُجَانَسَةِ فَقُلْنَا: إخْرَاجُ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ مِنْ ذَلِكَ وَوُجُوبُ ضَمِّهَا إلَى حَوْلِ الْأَصْلِ لِمُجَانَسَتِهَا إيَّاهُ لَا لِلتَّوَلُّدِ، فَيَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ الْمُسْتَفَادُ إذَا كَانَ مُجَانِسًا أَيْضًا فَيُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ مِمَّا يُجَانِسُهُ، وَكَانَ اعْتِبَارُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلِهِ فِي أَصْحَابِ الْغَلَّةِ الَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ مِنْ دِرْهَمٍ وَنَحْوِهِ حَرَجًا عَظِيمًا، وَشُرِعَ الْحَوْلُ لِلتَّيْسِيرِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِبْطَالِ اعْتِبَارِهِ جَازَ تَعْلِيلُ الْأَصْلِ بِعِلَّتَيْنِ، وَإِحْدَاهُمَا تَقْتَضِي مَا قُلْنَا، وَالْأُخْرَى أَعْنِي عِلَّتَهُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْأَصْلِ: أَعْنِي الْأَوْلَادَ وَالْأَرْبَاحَ، وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ اللَّامِ فِي الْحَوْلِ لِلْحَوْلِ الْمَعْهُودِ قِيَامُهُ لِلْأَصْلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، بَلْ يَكُونُ لِلْمَعْهُودِ كَوْنُهُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْمُسْتَفَادَ ابْتِدَاءً وَهُوَ النِّصَابُ الْأَصْلِيُّ: أَعْنِي أَوَّلَ مَا اسْتَفَادَهُ وَغَيْرَهُ، وَالتَّخْصِيصُ وَقَعَ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُجَانِسُ وَبَقِيَ تَحْتَ الْعُمُومِ الْأَصْلِيِّ وَاَلَّذِي لَمْ يُجَانِسْ وَلَا يُصَدِّقْ فِي الْأَصْلِيِّ إلَّا إذَا كَانَ الْحَوْلُ مُرَادًا بِهِ الْمَعْهُودَ الْمُقَدَّرَ. [فَرْعٌ] لَا يَضُمُّ إلَى النَّقْدَيْنِ ثَمَنَ إبِلٍ مُزَكَّاةٍ بِأَنْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ، فَزَكَّى الْإِبِلَ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ بَاعَهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ الْآخَرِ بِدَرَاهِمَ لَا يَضُمُّهَا إلَى مَا عِنْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضُمُّهَا لِوُجُودِ عِلَّةِ الضَّمِّ وَهِيَ الْمُجَانَسَةُ. وَلَهُ أَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الزَّكَاةِ، وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، فَلَوْ ضَمَّ لَأَدَّى إلَى الثَّنِيِّ. وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَمِّ ثَمَنِ طَعَامٍ أَدَّى عُشْرَهُ ثُمَّ بَاعَهُ وَثَمَنَ أَرْضٍ مَعْشُورَةٍ وَثَمَنَ عَبْدٍ أَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ

لِلتَّيْسِيرِ. قَالَ (وَالزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ فِيهِمَا: حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ بَقِيَ كُلُّ الْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ. لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا» وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ، وَنَفَى الْوُجُوبَ عَنْ الْعَفْوِ، وَلِأَنَّ الْعَفْوَ تَبَعٌ لِلنِّصَابِ، فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ أَوَّلًا إلَى التَّبَعِ كَالرِّبْحِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصْرَفُ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ. وَعِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ بَدَلًا لِمَالِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْعُشْرَ لَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا يَجِبُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْفِطْرَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا تَجِبُ عَنْ وَلَدِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا بِعَبْدٍ لِلتِّجَارَةِ وَعِنْدَهُ أَلْفٌ لَا يَضُمُّ عِنْدَهُ. وَلَوْ نَوَى الْخِدْمَةَ ثُمَّ بَاعَهُ قِيلَ يَضُمُّ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْخِدْمَةِ خَرَجَ عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَكُنْ بَدَّلَهُ بَدَلَ مَالِ الزَّكَاةِ لِيُؤَدِّيَ إلَى الثَّنِيِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابَانِ نَقْدَانِ مِمَّا لَمْ يَجِبْ ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ كَثَمَنِ إبِلٍ أَدَّى زَكَاتَهَا وَنِصَابِ آخَرَ ثُمَّ وُهِبَ لَهُ أَلْفٌ ضُمَّتْ إلَى أَقْرَبِهِمَا حَوْلًا مِنْ حِينِ الْهِبَةِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ. وَلَوْ رَبِحَ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ وَلَدَ أَحَدُهُمَا ضَمَّ إلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالذَّاتِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْحَالِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ بَقِيَ كُلُّ الْوَاجِبِ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعٌ وَمِنْ الْغَنَمِ ثَمَانُونَ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَفِي الثَّانِي ثُلُثَا شَاةٍ (قَوْلُهُ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ) الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ الْغِنَى وَالْكُلُّ بَعْدَ وُجُوبِ النِّصَابِ فِيهِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ قَوْلِهِ إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَكَذَا قَالَ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَقَالَ فِي الْغَنَمِ: إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ الْحَدِيثَ. وَهَذَا يَنُصُّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ عُمَرَ الْمَرْوِيِّ فِي أَبِي دَاوُد (قَوْلُهُ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى بَلَغَ عَشْرًا» إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِيهِمَا فِي الثُّبُوتِ إنْ ثَبَتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَإِنَّمَا نَسَبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إلَى رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فِي كِتَابَيْهِمَا، فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الْهَالِكِ غَيْرَ النِّصَابِ تَحَكُّمٌ لِأَنَّ النِّصَابَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْكُلِّ فَيَجْعَلَ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُلِّ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَعَيُّنِ بَعْضِهَا لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُسَمَّى عَفْوًا فِي الشَّرْعِ يَتَضَاءَلُ عَنْ مُعَارَضَةِ النَّصِّ الصَّحِيحِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) مِثَالُهُ: إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ أَرْبَعُ

أَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النِّصَابِ شَائِعًا. (وَإِذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ الْخَرَاجَ وَصَدَقَةَ السَّوَائِمِ لَا يُثَنِّي عَلَيْهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQشِيَاهٍ كَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى عِشْرِينَ فَقَطْ جَعْلًا لِلْهَالِكِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَسْقُطُ النِّصْفُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَسْقُطُ سِتَّةَ عَشَرَ جُزْءًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ عَفْوٌ فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَيْهَا وَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ بِقَدْرِ الْبَاقِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَمَانُونَ شَاةً فَهَلَكَ نِصْفُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ تَجِبُ شَاةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ نِصْفُ شَاةٍ. وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَهَلَكَ ثَمَانُونَ تَجِبُ شَاةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ثُلُثُ شَاةٍ. وَلَوْ كَانَتْ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَهَلَكَ إحْدَى وَثَمَانُونَ تَجِبُ شَاةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاتَيْنِ، فَلَوْ كُنَّ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةً عِجَافًا إلَّا وَاحِدَةً وَسَطًا تَجِبُ الْوَسَطُ وَثِنْتَانِ مِنْ أَفْضَلِهَا، فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَسَطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ عَجْفَاوَانِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مِائَتَانِ عِجَافٌ، وَعِنْدَهُمَا سَقَطَ الْفَضْلُ بِهَلَاكِ الْوَسَطِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الْكُلَّ عِجَافٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ ثَلَاثًا عِجَافًا، فَإِذَا هَلَكَ وَاحِدَةٌ سَقَطَ مِنْ كُلِّ شَاةٍ مِنْ الثَّلَاثِ جُزْءٌ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ وَجُزْءٍ وَيَبْقَى مِنْ كُلِّ شَاةٍ عَجْفَاءَ مِائَتَا جُزْءٍ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى النُّصُبِ شَائِعًا، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا الْوَسَطَ يَجِبُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَرْبَعُونَ هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا وَاحِدَةٌ وَسَطٌ، وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ جُزْءٌ مِنْ السَّمِينَةِ وَجُزْءَانِ مِنْ الْعَجْفَاوَيْنِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ شَاةٍ جُزْءٌ. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً عِشْرُونَ سِمَانٌ أَوْ أَوْسَاطٌ وَعِشْرُونَ عِجَافٌ هَلَكَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ السِّمَانِ بَعْدَ الْحَوْلِ يَبْقَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ وَسَطٍ لِأَنَّ الْفَضْلَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ عَفْوٌ فَصَارَ كَأَنَّ الْكُلَّ سِمَانٌ وَهَلَكَ مِنْهَا وَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ عَشَرَةٌ مِنْ السِّمَانِ يَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَسَطٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْقَى نِصْفُ شَاةٍ وَسَطٍ وَرُبْعُ شَاةٍ عَجْفَاءَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي الْمَالِ وَكَانَ نِصْفُ السَّمِينَةِ فِي عَشْرٍ مِنْ السِّمَانِ وَعَشْرٍ مِنْ الْعِجَافِ وَذَلِكَ النِّصْفُ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِيهِ كَمَا كَانَ بَاقِيًا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ فِي عَشْرٍ سِمَانٍ وَعَشْرٍ عِجَافٍ ذَهَبَتْ سِمَانُهُ وَبَقِيَتْ عِجَافُهُ فَكَانَ فَضْلُ السِّمَنِ فِي عِجَافِ هَذَا النِّصْفِ بِسَبَبِ سِمَانُ هَذَا النِّصْفِ فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِ السِّمَانِ فَبَقِيَ رُبْعُ شَاةٍ عَجْفَاءَ، وَإِنْ هَلَكَتْ سَمِينَةٌ وَاحِدَةٌ يَضُمُّ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّمَانِ مِثْلَهَا مِنْ الْعِجَافِ، وَذَلِكَ تِسْعَ عَشْرَةَ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ فَيَجِبُ فِيهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ سَمِينَةٍ، وَفِي الْعَجْفَاءِ الْبَاقِيَةِ

لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَأَفْتَوْا بِأَنْ يُعِيدُوهَا دُونَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً، وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ وَهُمْ لَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ. وَقِيلَ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُ، وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلٍّ جَائِرٌ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ عَجْفَاءَ لِأَنَّ فَضْلَ السِّمَنِ فِيهَا كَانَ بِسَبَبِ السَّمِينَةِ الَّتِي هَلَكَتْ فَتَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا. رَجُلٌ لَهُ خَمْسُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ عِجَافٍ إلَّا وَاحِدَةٌ سَمِينَةٌ تَعْدِلُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ الْبَاقِي عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، وَقِيمَةُ الْحِقَّةِ الْوَسَطِ مِائَةٌ تَجِبُ حِقَّةٌ تُسَاوِي سِتِّينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهَا كَثِنْتَيْنِ مِنْ أَفْضَلِهَا، لِأَنَّ زَكَاتَهَا تَعْدِلُ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَسَطَيْنِ لَوْ كَانَ فِيهَا بِنْتَا مَخَاضٍ وَسَطَانِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدَةٌ وَسَطٌ وَجَبَ حِقَّةٌ تَعْدِلُ هَذِهِ الْوَاحِدَةَ وَوَاحِدَةَ مِنْ أَفْضَلِ الْبَاقِي، فَلَوْ هَلَكَتْ السَّمِينَةُ تَجِبُ حِقَّةٌ تَعْدِلُ بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَجْفَاوَيْنِ لِأَنَّ الْمَالَ اشْتَمَلَ عَلَى النِّصَابِ وَالْعَفْوِ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ عَفْوٌ فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ عِجَافًا وَهُنَاكَ تَجِبُ حِقَّةٌ تَعْدِلُ بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَجْفَاوَيْنِ مِنْ أَفْضَلِهِنَّ فَيَجِبُ هُنَا حِقَّةٌ تُسَاوِي عِشْرِينَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ الْحِقَّةِ الْوَاجِبَةِ وَهِيَ الَّتِي تُسَاوِي بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَجْفَاوَيْنِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ فِي الْكُلِّ وَفَضْلُ السِّمَنِ كَانَ بِاعْتِبَارِ السَّمِينَةِ فَإِذَا هَلَكَتْ هَلَكَتْ بِزَكَاتِهَا وَبَقِيَ الْبَاقِي. وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ وَبَقِيَتْ السَّمِينَةُ فَفِيهَا خُمْسُ شَاةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْهَلَاكَ عِنْدَهُ يُصْرَفُ إلَى النُّصُبِ الزَّائِدَةِ فَكَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا الْوَاحِدَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْحِقَّةِ الَّتِي تُسَاوِي سِتِّينَ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ عَفْوٌ فَكَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ تِلْكَ الْحِقَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةٌ) لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ وَلَا يَصْرِفُونَهَا) أَيْ لَا يَصْرِفُهَا الْخَوَارِجُ إلَى الْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلٍّ جَائِرٌ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا يَأْخُذُهُ ظَلَمَةُ زَمَانِنَا مِنْ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورِ وَالْجَزَاءِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِبَايَاتِ وَالْمُصَادَرَاتِ فَالْأَصَحُّ أَنْ يَسْقُطَ جَمِيعُ ذَلِكَ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ إذَا نَوَوْا عِنْدَ الدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ أَمْوَالِهِمْ، فَلَوْ رَدُّوا مَا عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ فَكَانُوا فُقَرَاءَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يَجُوزُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ وَالِي خُرَاسَانَ وَكَانَ أَمِيرًا بِبَلْخٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَسَأَلَ فَأَفْتَوْهُ بِالصِّيَامِ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ لِحَشَمِهِ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِي مَا عَلَيْك مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَا لَك مِنْ الْمَالِ فَكَفَّارَتُك كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدُفِعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ. ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَعَلَى هَذَا فَإِنْكَارُهُمْ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى تِلْمِيذِ مَالِكٍ حَيْثُ أَفْتَى بَعْضَ مُلُوكِ الْمَغَارِبَةِ فِي كَفَّارَةٍ بِالصَّوْمِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ لِلْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ

وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. (وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ فِي سَائِمَتِهِ شَيْءٌ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ مَا عَلَى الرَّجُلِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ صِبْيَانِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَقْرِهِمْ لَا لِكَوْنِهِ أَشَقَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِعْتَاقِ لِيَكُونَ هُوَ الْمُنَاسِبَ الْمَعْلُومَ الْإِلْغَاءِ وَكَوْنُهُمْ لَهُمْ مَالٌ وَمَا أَخَذُوهُ خَلَطُوهُ بِهِ وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَمْلِكُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ حَتَّى قَالُوا تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيُورَثُ عَنْهُمْ غَيْرُ ضَائِرٍ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِمْ بِمِثْلِهِ، وَالْمَدْيُونُ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ فَقِيرٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ) أَيْ الْإِفْتَاءُ بِالْإِعَادَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلْمَ مَنْ يَأْخُذُ لِمَا يَأْخُذُ شَرْطٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ فِي الْإِعَادَةِ لِلْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ سِوَى الْخَرَاجِ. وَقَدْ لَا يُبْتَنَى عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّةِ الزَّكَاةِ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ عَلَى مَا مَرَّ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِالدَّفْعِ إلَى هَؤُلَاءِ. وَقَالَ الشَّهِيدُ: هَذَا يَعْنِي السُّقُوطَ فِي صَدَقَاتِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، أَمَّا إذَا صَادَرَهُ فَنَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. فَعَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ وِلَايَةُ أَخْذِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى إلَخْ) بَنُو تَغْلِبَ عَرَبٌ نَصَارَى هَمَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

(وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَنَّهُ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَأَبَوْا وَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ، وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ: يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا، هَذِهِ فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَعَلَ، فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: هِيَ جِزْيَةٌ سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَلَا يَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يُسْلِمَ وَلَا يَغْمِسُوا أَوْلَادَهُمْ. وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: هَمَّ يَعْنِي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَنَفَرُوا فِي الْبِلَادِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ أَوْ زُرْعَةُ بْنُ النُّعْمَانِ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشِي وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ فَلَا تُعِنْ عَدُوَّك عَلَيْك بِهِمْ، قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ. هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بَدَلُ الْجِزْيَةِ، بَلْ قَدْ اعْتَبَرَهَا عُمَرُ نَفْسَ الْجِزْيَةِ حَيْثُ قَالَ: هِيَ جِزْيَةٌ سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَا يَلْزَمُهَا بَدَلُهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اللَّازِمَ فِي الْأَصْلِ كَانَ الْجِزْيَةَ، فَلَمَّا وَقَعَ التَّرَاضِي بِإِسْقَاطِهَا بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ مُضَاعَفًا صَارَ اللَّازِمُ عَيْنَ مَا صُيِّرَ إلَيْهِ فَوَجَبَ شُمُولُهُ النِّسَاءَ لِأَنَّهُمْ رَضُوا فِي إسْقَاطِ ذَلِكَ بِذَلِكَ ظَاهِرًا قَوْلُهُ وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ) يَعْنِي حَالَ الْحَوْلُ فَفَرَّطَ فِي الْأَدَاءِ حَتَّى هَلَكَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ: أَعْنِي مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ) بِأَنْ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ وَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ) أَيْ طَلَبَ الْفَقِيرِ إذَا فَرَضَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُطَالِبًا لِنَفْسِهِ نِيَابَةً عَنْهُ، أَوْ هُوَ مُطَالَبٌ بِالْأَدَاءِ عَلَى

فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ تَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَالْمُسْتَحِقُّ فَقِيرٌ يُعِينُهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الطَّلَبُ، وَبَعْدَ طَلَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَوْرِ، فَإِذَا تَمَكَّنَ وَلَمْ يُؤَدِّ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ النِّصَابَ وَكَالْمُودَعِ إذَا طُولِبَ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى هَلَكَتْ (قَوْلُهُ وَلَنَا) الْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ تَمْلِيكُ شَطْرٍ مِنْ النِّصَابِ ابْتِدَاءً، وَمَنْ أُمِرَ بِتَمْلِيكِ مَالٍ مَخْصُوصٍ كَمَنْ قِيلَ لَهُ تَصَدَّقْ بِمَا لِي عِنْدَك فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَلَكَ لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَلَا إقَامَةُ مَالٍ آخَرَ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى مُسْتَحِقٍّ يَدًا وَلَا مِلْكًا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ فَقِيرٌ بِعَيْنِهِ لَا فَقِيرٌ يَطْلُبُ بِنَفْسِهِ، وَفِي الِاسْتِهْلَاكِ وُجِدَ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مُجَرَّدِ التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ تُجَوِّزُ التَّرَاخِيَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ هُوَ بِحَقٍّ، فَتَعَدِّيهِ بِالتَّأْخِيرِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ إهْلَاكِ الْمَالِ وَلَا سَبَبًا لَهُ، فَإِنَّ التَّأْخِيرَ لَمْ يُوضَعْ لِلْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ تَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَمَّا وَجَبَتْ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ بَعْضِ الْأَمْوَالِ لَا مِنْ كُلِّ مَالٍ، بَلْ مِمَّا بِحَيْثُ يَنْمُو لِيَنْجَبِرَ الْمُؤَدِّي بِالنَّمَاءِ. وَشُرِطَ مَعَ ذَلِكَ الْحَوْلُ تَحْقِيقًا لِقَصْدِ النَّمَاءِ كَانَتْ وَاجِبَةً بِصِفَةِ الْيُسْرِ، وَالْحَقُّ مَتَى وَجَبَ بِصِفَةٍ لَا يَبْقَى إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ بِأَنْ يُعْتَبَرَ الْوَاجِبُ أَدَاءَ جُزْءٍ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ فَيَسْقُطَ بِهَلَاكِهِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَالْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ يُحِيلُهُ إلَى صِفَةِ الْعُسْرِ فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي ذَلِكَ الَّذِي وَجَبَ بَلْ غَيْرُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ جُزْءٌ مِنْهَا وَالشَّاةُ تَقْدِيرُ مَالِيَّتِهِ لِعُسْرِ نَحْرِ أَحَدِهَا لِيُعْطِيَ بَعْضَهَا، بَلْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ رُبْعَ عُشْرٍ كُلَّهَا تَوَقَّفَ تَحْقِيقُهُ عَلَى نَحْرِ كُلِّهَا، وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ الظَّوَاهِرُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» . وَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْبَقَرِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» (قَوْلُهُ كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ) فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهُ

السَّاعِي قِيلَ يَضْمَنُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ لِانْعِدَامِ التَّفْوِيتِ، وَفِي الِاسْتِهْلَاكِ وُجِدَ التَّعَدِّي، وَفِي هَلَاكِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ اعْتِبَارًا لَهُ بِالْكُلِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْلَى حَتَّى هَلَكَ سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إقَامَةُ عَبْدٍ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ قِيلَ يَضْمَنُ) وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ (وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُهَيْلٍ الزَّجَّاجِيِّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِأَنَّ السَّاعِيَ وَإِنْ تَعَيَّنَ لَكِنْ لِلْمَالِكِ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ، ثُمَّ الْقِيمَةُ شَائِعَةٌ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ، وَالرَّأْيُ يَسْتَدْعِي زَمَانًا فَالْحَبْسُ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى أَحَدٍ مِلْكًا وَلَا يَدًا، بِخِلَافِ مَنْعِ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ بَدَلُ الْيَدِ بِذَلِكَ فَصَارَ مُفَوِّتًا لِيَدِ الْمَالِكِ. (فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ) اسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ لَيْسَ اسْتِهْلَاكًا بِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ اسْتِهْلَاكٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ فِي الْبَدَلِ عَدَمَ التِّجَارَةِ عِنْدَ الِاسْتِبْدَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ فِي الْبَدَلِ عَدَمَ التِّجَارَةِ وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ لِلتِّجَارَةِ يَقَعُ الْبَدَلُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا عِنْدَ مَالِكِهِ. فِي الْكَافِي: لَوْ تَقَايَضَا عَبْدًا بِعَبْدٍ وَلَمْ يَنْوِيَا شَيْئًا فَإِنْ كَانَا لِلتِّجَارَةِ فَهُمَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ فَهُمَا لِلْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ وَالْآخَرُ لِلْخِدْمَةِ فَبَدَلُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ لِلتِّجَارَةِ وَبَدَلُ مَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ لِلْخِدْمَةِ، فَلَوْ اسْتَبْدَلَ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ هَلَكَ الْبَدَلُ بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَنْ الْأَصْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مَالَ تِجَارَةٍ لَا يَضْمَنُ زَكَاةَ الْأَصْلِ بِهَلَاكِ الْبَدَلِ، وَاسْتِبْدَالُ السَّائِمَةِ اسْتِهْلَاكٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَهَا بِسَائِمَةٍ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ سَائِمَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضٍ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ، فَإِذَا هَلَكَتْ سَائِمَةُ الْبَدَلِ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا اسْتَبْدَلَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، أَمَّا إذَا بَاعَهَا قَبْلَهُ فَلَا حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْبَدَلِ إلَّا بِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونَ لَهُ دَرَاهِمُ وَقَدْ بَاعَهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ. وَإِقْرَاضُ النِّصَابِ الدَّرَاهِمَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، فَلَوْ تَوَى الْمَالَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ لَا تَجِبُ وَمِثْلُهُ إعَارَةُ ثَوْبِ التِّجَارَةِ. رَجُلٌ لَهُ أَلْفٌ حَالَ حَوْلُهَا فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدَ التِّجَارَةِ فَمَاتَ أَوْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ عَنْهُ زَكَاةُ الْأَلْفِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِهِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ ضَمِنَ. فِي الْوَجْهُ الْأَوَّلِ عُلِمَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا فِي قَدْرِ الْغَبْنِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ بِإِزَائِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا اسْتَوَى الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ وَهَبَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ رَجَعَ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ هَلَكَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالنُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِي مِثْلِهِ فَعَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ ثُمَّ هَلَكَ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَمَا حَالَ الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَكَذَلِكَ، خِلَافًا لِزُفَرَ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فَكَانَ تَمْلِيكًا. قُلْنَا: بَلْ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الرَّدِّ أُجْبِرَ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَوْ رَدَّ عَبْدَ الْخِدْمَةِ بِعَيْبٍ وَاسْتَرَدَّ الْأَلْفَ لَمْ يَبْرَأْ لَوْ هَلَكَتْ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ وَحَالَ حَوْلُهُ فَرَدَّ بِقَضَاءٍ لِأَنَّهُ

(وَإِنْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَوْلِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ضَمِنَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ بَاعَ عَبْدَ الْخِدْمَةِ بِأَلْفٍ فَحَالَ عَلَى الثَّمَنِ الْحَوْلُ فَرَدَّ بِهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ زَكَّى الثَّمَنَ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِعُرُضٍ لِلتِّجَارَةِ فَرَدَّ بِعَيْبٍ بَعْدَ الْحَوْلِ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ لَمْ يُزَكِّ الْبَائِعُ الْعَرْضَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَلَا الْعَبْدَ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْخِدْمَةِ وَقَدْ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ بِلَا قَضَاءٍ لَمْ يُزَكِّ الْمُشْتَرِي الْعَرْضَ وَزَكَّاهُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ حَتَّى يَصِيرَ الْعَبْدُ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ لِلتِّجَارَةِ، فَكَذَا الْبَدَلُ فَإِنْ نَوَى فِيهِ الْخِدْمَةَ كَانَ زَكَاةُ الْعَرْضِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حَيْثُ اسْتَبْدَلَهُ بِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ) تَنْصِيصٌ عَلَى شَرْطِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فَلَوْ مَلَكَ أَقَلَّ فَعَجَّلَ خَمْسَةً عَنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ شَرْطَانِ آخَرَانِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَلَوْ عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ اسْتَفَادَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ جَازَ مَا عَجَّلَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَبْقَ الدِّرْهَمُ وَأَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ، فَلَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ وَحَالَ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنَّهُ إنْ كَانَ صَرَفَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَقَعَتْ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ أَخَذَهَا، وَلَوْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ انْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا مِنْ الْإِيضَاحِ وَهُوَ فِي فَصْلِ السَّاعِي خِلَافُ الصَّحِيحِ، بَلْ الصَّحِيحُ فِيمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ السَّاعِي وُقُوعُهَا زَكَاةً فَلَا يَسْتَرِدُّهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ إلَّا يَوْمًا فَعَجَّلَ مِنْ زَكَاتِهَا شَيْئًا ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَا بَقِيَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَصَدَّقَ بِشَاةٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً فَتَمَّ الْحَوْلُ لَا تَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ. أَمَّا لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ إلَى الْمُصَدِّقِ فَتَمَّ الْحَوْلُ وَالشَّاةُ فِي يَدِ الْمُصَدِّقِ جَازَ، هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمُصَدِّقِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَدْفُوعِ. وَبَسَطَهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ إذَا عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ فَأَمَّا إنْ حَالَ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ أَوْ اسْتَفَادَ خَمْسَةً أُخْرَى فَحَالَ عَلَى مِائَتَيْنِ أَوْ انْتَقَصَ مِنْ الْبَاقِي دِرْهَمٌ فَصَاعِدًا: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: إذَا لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ وَيَأْخُذَ الْخَمْسَةَ مِنْ السَّاعِي لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ إلَى السَّاعِي، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَهِيَ فِي مَعْنَى الضِّمَارِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ يَدَ السَّاعِي فِي الْمَقْبُوضِ يَدُ الْمَالِكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَقِيَامُهَا فِي يَدِهِ كَقِيَامِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلِأَنَّ الْمُعَجَّلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً فَتَكُونَ يَدُهُ يَدَ الْفُقَرَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِيرَ زَكَاةً فَتَكُونَ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ، فَاعْتَبَرْنَا يَدَهُ يَدَ الْمَالِكِ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِنَفْيِ الْوُجُوبِ يُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ. بَيَانُهُ أَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ الزَّكَاةَ بَقِيَتْ الْخَمْسَةُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى عَدَمِ تَقْدِيرِ إيجَابِ الزَّكَاةِ، وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ تَجِبُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِّ لَا مُسْتَنِدًا لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنَدَ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَوْلِ بَقِيَ النِّصَابُ نَاقِصًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَيَبْطُلُ الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا زَكَاةً مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَمَا دَامَ احْتِمَالُ الْوُجُوبِ قَائِمًا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ، كَمَنْ نَقَدَ الثَّمَنَ فِي بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِرْدَادُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ ضِمَارًا لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِغَرَضٍ وَالْمُعَدُّ لِغَرَضٍ لَيْسَ ضِمَارًا فَجَعْلُهَا ضِمَارًا مُبْطِلٌ لِغَرَضِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ السَّاعِي اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَنْفَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَرْضًا لِأَنَّ بِذَلِكَ وَجَبَ الْمِثْلُ فِي ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ كَقِيَامِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهَا السَّاعِي، عِمَالَةً، لِأَنَّ الْعِمَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْوَاجِبِ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِلْوَاجِبِ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ فَيَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ سَبَبُ الْعِمَالَةِ وَمَا قَبَضَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَلَا يُقَالُ: مَا فِي ذِمَّةِ السَّاعِي دَيْنٌ وَأَدَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ السَّاعِي، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى السَّاعِي فَيَجُوزُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ فَلَا يُفِيدُ الطَّلَبَ مِنْهُ ثُمَّ دَفْعَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ السَّاعِيَ مَأْمُورٌ بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ، وَلَوْ صَرَفَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ يَصِيرُ مِلْكًا وَيُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ فَكَذَلِكَ هُنَا. وَلَوْ ضَاعَتْ مِنْ السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ وَوَجَدَهَا بَعْدَهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا، كَمَا لَوْ ضَاعَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ نَفْسِهِ فَوَجَدَهُ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا لِزَكَاةِ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَمْ تَصِرْ. قُلْت: لِأَنَّ بِالضَّيَاعِ صَارَ ضِمَارًا، فَلَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا حَتَّى دَفَعَهَا السَّاعِي إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ. قِيلَ هَذَا. عِنْدَهُمَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ، وَأَصْلُهُ الْوَكِيلُ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ إذَا أَدَّى بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ عِنْدَهُ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَا، وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إنْ عَلِمَهُ. الْفَصْلُ الثَّانِي: إذَا اسْتَفَادَ خَمْسَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ يَصِيرُ الْمُؤَدَّى زَكَاةً فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ هُنَا كَوْنُ الدَّيْنِ زَكَاةً عَنْ الْعَيْنِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ تِلْكَ الْخَمْسَةِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَ السَّاعِي، أَمَّا عِنْدَ فَلِأَنَّهُ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْكُسُورِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا ظَهَرَ خُرُوجُهَا مِنْ مِلْكِهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَخُصُّهُمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ. فَأَمَّا لَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ فَعَجَّلَهَا كُلَّهَا صَحَّ وَلَا يَسْتَرِدُّهَا قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا فِي غَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا زَكَاةً بِأَنْ يَسْتَفِيدَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ، فَلَوْ اسْتَفَادَهَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ هَذِهِ الْمِائَتَيْنِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِالِاتِّفَاقِ. الْفَصْلُ الثَّالِثُ: إذَا انْتَقَصَ عَمَّا فِي يَدِهِ فَلَا تَجِبُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَيَسْتَرِدُّ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ السَّاعِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَكَلَهَا قَرْضًا أَوْ بِجِهَةِ الْعِمَالَةِ ضَمِنَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ نَفْسِهِ وَهُوَ فَقِيرٍ لَا يَضْمَنُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ إلَّا إنْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ عَلِمَ بِالنُّقْصَانِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ، وَلَوْ كَانَ نَهَاهُ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ السَّاعِيَ إذَا أَخَذَ الْخَمْسَةَ عِمَالَةً ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَلَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ فِي يَدِ الْمَالِكِ تَقَعُ الْخَمْسَةُ زَكَاةً بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِسَبَبِ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى السَّاعِي لِأَنَّهُ لَا عِمَالَةَ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ ذَكَرَ فِي مِثْلِهِ مِنْ السَّائِمَةِ خِلَافَهُ بَعْدَ قَرِيبٍ وَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إذَا عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَتَصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا يَقَعُ تَطَوَّعَا وَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ بَاعَهَا السَّاعِي لِلْفُقَرَاءِ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِهِ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ نِصَابَ السَّائِمَةِ نَقَصَ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَا يَكْمُلُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ قَائِمَةً

الْجُرْحِ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ (وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي يَدِ السَّاعِي صَارَتْ زَكَاةً كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّ قِيَامَهَا فِي يَدِهِ كَقِيَامِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ. وَلَوْ كَانَ السَّاعِي أَخَذَهَا مِنْ عِمَالَتِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ جَعَلَهَا الْإِمَامُ لَهُ عِمَالَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَ الْمَالِكِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالْمُعَجَّلُ قَائِمٌ فِي يَدِ السَّاعِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَيَسْتَرِدُّهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا مِنْ الْعِمَالَةِ زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ، فَإِنْ كَانَ السَّاعِي بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَالِكِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ لَهُ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ، قُلْت: لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعَجِّلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَحِينَ تَمَّ الْحَوْلُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْقِيمَةِ وَالسَّائِمَةُ لَا يَكْمُلُ نِصَابُهَا بِالدَّيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، هَذَا وَمَهْمَا تَصَدَّقَ السَّاعِي مِمَّا عَجَّلَ مِنْ نَقْدٍ أَوْ سَائِمَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بَلْ إمَّا أَنْ يَقَعَ نَفْلًا إنْ لَمْ يَكْمُلْ. أَوْ بَعْضُهُ إنْ كَانَ عَنْ نُصُبٍ فِي يَدِهِ فَهَلَكَ بَعْضُهَا أَوْ قَرْضًا أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. كَمَا لَوْ انْتَقَضَ النِّصَابُ ضَمِنَ عَلِمَ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ عَلِمَ بِالِانْتِقَاصِ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ وَقَبْلَهُ لَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ) هُوَ يَقُولُ الزَّكَاةُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ وَلَا إسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَصَارَ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ السَّبَبِ إذْ السَّبَبُ هُوَ النِّصَابُ الْحَوْلِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ. قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الزَّائِدِ عَلَى مُجَرَّدِ النِّصَابِ جُزْءًا مِنْ السَّبَبِ بَلْ هُوَ النِّصَابُ فَقَطْ. وَالْحَوْلُ تَأْجِيلٌ فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ أَصْلِ الْوُجُوبِ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. وَتَعْجِيلُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ صَحِيحٌ، فَالْأَدَاءُ بَعْدَ النِّصَابِ كَالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ، وَكَصَوْمِ الْمُسَافِرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ بَعْدَ السَّبَبِ، بِخِلَافِ الْعُشْرِ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ السَّبَبِ، إذْ السَّبَبُ فِيهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا، فَمَا لَمْ يَخْرُجْ بِالْفِعْلِ لَا يَتَحَقَّقُ السَّبَبُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْجِيلِ زَكَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ» وَلَوْ سَلِمَ مَا ذُكِرَ فَصِفَةُ الْحَوْلِيِّ تَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ مَا حَالَ عَلَيْهِ. وَالْحَوْلُ اسْمٌ لِأَوَّلِهِ إلَى آخِرٍ، فَفِي أَوَّلِهِ يَثْبُتُ جُزْءٌ مِنْ السَّبَبِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي مِثْلِهِ عِنْدَ وُجُودِ جُزْئِهِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مُتَرَقَّبًا وَاقِعًا ظَاهِرًا كَالتَّرَخُّصِ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ يُقَالُ عَلَى مَا أَوْرَدْنَاهُ فِيمَا غَيْرُ عِلَّةِ الرُّخْصَةِ قَصْدُ أَقَلِّ السَّفَرِ آخِذًا فِيهِ لَا وُجُودَ أَقَلِّهِ فَالتَّرَخُّصُ فِي ابْتِدَائِهِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ، عَلَى أَنَّا لَا نَجْزِمُ بِوُقُوعِ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً فِي الْحَالِّ بَلْ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ، فَإِنْ تَمَّ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ تَبَيَّنَ ذَلِكَ وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ نَفْلًا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ فَعَجَّلَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ ظَانًّا أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ حَالَ عَلَى مِائَتَيْنِ فَأَدَّى خَمْسَةً وَعَجَّلَ خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشْرَةً جَازَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ الْمُعَجَّلُ عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ فَقَدْ وُجِدَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَالنِّصَابُ مُنْتَقِصٌ. قُلْنَا: الْوُجُوبُ يُقَارِنُ دُخُولَ الْحَوْلِ الثَّانِي فَيَكُونُ الِانْتِقَاصُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَمْقَعْ انْعِقَادَ الْحَوْلِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا عَمَّا فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى السَّبَبِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ السَّبَبُ الْأَصْلِيُّ وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ السَّبَبُ. وَفِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ اُعْتُبِرَ سَبَبًا لِوُجُوبِ عَشَرَةٍ مَثَلًا فَبَاطِلٌ وَإِلَّا لَا يُفِيدُ، وَكَوْنُهُ الْأَصْلَ بِمَعْنَى أَوَّلِ مَكْسُوبٍ لَا يُوجِبُ لُزُومَ هَذَا الِاعْتِبَارِ شَرْعًا إلَّا بِسَمْعِيٍّ لَكِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فَهُوَ الدَّلِيلُ. فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ فَجَعَلَ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَنْ أَلْفٍ ثُمَّ اسْتَفَادَهَا فَتَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ أَلْفٌ جَازَ عَنْ الْأَلْفِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ الْحَوَامِلِ: يَعْنِي الْحَبَالَى فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا وَعَمَّا فِي بُطُونِهَا ثُمَّ نَتَجَتْ خَمْسًا قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ عَمَّا عَجَّلَ، وَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهِ عَيْنَ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ فِي يَدِهِ فَأَخْرَجَ عَنْهُ عَيْنًا قَدْرَ زَكَاتِهِ وَعِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ غَيْرُهُ أَيْضًا لَا يَضُرُّ وَيَلْغُوا تَعْيِينُهُ، فَكَذَا هَذَا إذْ لَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ الْمُخْرَجَ عَنْهُ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِّ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ لِأَنَّ جَوَازَ التَّعْجِيلِ لِنُصُبٍ لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَهُ وَالْمَلْزُومُ ثَابِتٌ فَكَذَا الْآخَرُ، وَإِذْ قَدْ انْسَقْنَا إلَى ذِكْرِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ فَلْنَذْكُرْ مِنْ فُرُوعِهِ. رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٍ وَأَلْفٌ سُودٌ فَعَجَّلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَنْ الْبِيضِ فَهَلَكَتْ الْبِيضُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي السُّودِ وَيَكُونُ الْمُخْرَجَ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ عَنْ السُّودِ فَهَلَكَتْ وَتَمَّ عَلَى الْبِيضِ وَلَوْ حَالَ وَهُمَا عِنْدَهُ ثُمَّ ضَاعَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ كَانَ نِصْفُ مَا عَجَّلَ عَمَّا بَقِيَ وَعَلَيْهِ تَمَامُ زَكَاةِ مَا بَقِيَ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْأَدَاءُ عَنْهَا. وَفِي النَّوَادِرِ خِلَافُ هَذَا قَالَ: إذَا عَجَّلَ عَنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ بِعَيْنِهِ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْمُعَجَّلِ عَنْ الْبَاقِي وَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ فَعَجَّلَ عِشْرِينَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ مِنْهَا ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَقِيَتْ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ تَشِيعُ فِي الْكُلِّ فَيَكُونُ قَدْ أَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَبَقِيَ لِكُلِّ مِائَتَيْنِ دِرْهَمٌ، وَلَوْ هَلَكَتْ الثَّمَانِمِائَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي مِائَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَعَجَّلَ عَنْ الدَّنَانِيرِ قَبْلَ الْحَوْلِ دِينَارَيْنِ وَنِصْفًا ثُمَّ ضَاعَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَحَالَ عَلَى الدَّرَاهِمِ جَازَ مَا عَجَّلَ عَنْ الدَّرَاهِمِ إذَا كَانَ يُسَاوِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَإِلَّا كَمَّلَ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ هَلَكَتْ جَازَ عَنْ الدَّنَانِيرِ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ أَحَدُهُمَا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ فَالْمَالُ الَّذِي عَجَّلَ عَنْهُ كَانَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْمَالَيْنِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَا فِي الْبِيضِ وَالسُّودِ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي النَّقْدَيْنِ بِدَلِيلِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لِيَكْمُلَ النِّصَابُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَعَجَّلَ شَاةً عَنْ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ لَا يَكُونُ عَنْ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَعَجَّلَ عَنْ الْعَيْنِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ جَازَ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[باب زكاة المال]

بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ فَصْلٌ فِي الْفِضَّةِ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ] [فَصْلٌ فِي الْفِضَّةِ] مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا زَكَاةُ مَالٍ إلَّا أَنَّ فِي عُرْفِنَا يَتَبَادَرُ مِنْ اسْمِ الْمَالِ النَّقْدُ وَالْعُرُوضُ، وَقَدَّمَ الْفِضَّةَ عَلَى الذَّهَبِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَخْذًا مِنْ تَقْدِيرِ أَصْدِقَةِ أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَتْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةٍ، قَالَ أَبُو مَسْلَمَةَ: قُلْت مَا النَّشُّ؟ قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقٍ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا» مُخْتَصَرٌ وَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الرَّهَاوِيُّ أَبُو فَرْوَةَ: ضُعِّفَ، وَالْأُوقِيَّةُ أُفْعُولَةٌ فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ زَائِدَةً، وَهِيَ مِنْ الْوِقَايَةِ لِأَنَّهَا تَقِي صَاحِبَهَا الْحَاجَةَ. وَقِيلَ هِيَ فَعِيلَةٌ فَالْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ الْأَوْقِ وَهُوَ الثِّقَلُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ إلَّا الْأَوَّلَ قَالَ: وَهَمْزَتُهَا زَائِدَةٌ وَيُشَدَّدُ الْجَمْعُ وَيُخَفَّفُ مِثْلُ أُثْفِيَّةٍ وَأَثَافِيَّ وَأَثَافٍ، وَرُبَّمَا يَجِيءُ فِي الْحَدِيثِ وَقِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ

كَتَبَ إلَى مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ خُذْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ نِصْفَ مِثْقَالٍ» . قَالَ (وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَلِيِّ «وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ» وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ، وَاشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لَتَحَقُّق الْغِنَى وَبَعْدَ النِّصَابِ فِي السَّوَائِمِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّشْقِيصِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQمَصْكُوكَةً أَوْ لَا، وَكَذَا عَشَرَةُ الْمَهْرِ، وَفِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ مَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا مَصْكُوكًا مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ لُزُومَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقَوُّمِ، وَالْعُرْفُ أَنْ يُقَوَّمَ بِالْمَصْكُوكِ، وَكَذَا نِصَابُ السَّرِقَةِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ (قَوْلُهُ كَتَبَ إلَى مُعَاذٍ) اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ، وَإِنَّمَا فِي الدَّارَقُطْنِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، وَمِنْ كُلٍّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالْمُدَّعِي فَإِنَّ أَحَادِيثَ أَخْذِ رُبْعِ الْعُشْرِ مِنْ الرِّقَةِ مُفَسِّرَةٌ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ) فَفِي الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، وَمِمَّا يُبْنَى عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَضَى عَلَيْهَا عَامَانِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَعِنْدَهُمَا خَمْسَةٌ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَثُمُنٌ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِائَتَانِ إلَّا ثُمُنَ دِرْهَمٍ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَعِنْدَهُ لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةٌ أُخْرَى. (قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ) تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ فِي زَكَاةِ الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْلِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ النِّصَابِ فِي السَّوَائِمِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ قَدْ عُفِيَ بَعْدَ النِّصَابِ فِي السَّوَائِمِ أَعْدَادٌ فَقَالَ ذَلِكَ فِيهَا تَحَرُّزًا عَنْ التَّشْقِيصِ، أَيْ إيجَابِ الشِّقْصِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ عَلَى الْمُلَّاكِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ هُنَا (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا»

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ، وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْمِنْهَالِ بْنِ الْجَرَّاحِ. وَأَمَّا مَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ إلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: رَوَى أَبُو أُوَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ جَدِّهِمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْحَدِيثَ، وَذَكَرَ فِي الْفِضَّةِ فِيهِ «لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» وَلَمْ يَعْزُهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِكِتَابٍ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِهِ، وَالْمَوْجُودُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَزْمٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ «وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ " فَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ " وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُصَحَّحِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» . فَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ فَيُفِيدُ هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الْمَفْعُولِ فَتَكُونُ قَيْدًا فِي عَامِلِهِ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ بِالْإِعْطَاءِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: قُصَارَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلنَّفْيِ عَمَّا دُونَهَا إلَّا بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ عِنْدَنَا أَوْ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ مُتَعَرِّضٌ لِإِيجَابِهِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْمَفْهُومُ كَانَ الْمَنْطُوقُ مُقَدَّمًا عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ، خُصُوصًا وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ. فَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ إثْبَاتُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، بِذَلِكَ جَرَى التَّقْدِيرُ فِي دِيوَانِ عُمَرَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَثَرِ عُمَرَ فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ أَنَّ تَمَامَ حُكْمِ مَا زَادَ أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمٌ فَلَا يَكُونُ مِنْ حُكْمِ مَا زَادَ خِلَافُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِحُكْمِ مَا زَادَ بَلْ لِبَعْضِهِ فَإِنْ قِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى إرَادَةِ مَا زَادَ مِنْ الْأَرْبَعِينَاتِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ. قُلْنَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مِثْلِهِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ: أَيْ مَا زَادَ مِنْ الْأَرْبَعِينَاتِ فَبِحِسَابِ الْخَمْسَةِ فِي الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا دِرْهَمٌ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ الْحَمْلُ فِي مُعَارِضِ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَوْلَى مِنْهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ فَيَكُونُ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ، وَظَنُّ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ نَهْيٌ فَيُقَدَّمُ غَلَطٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهْيُ الْمُصَدِّقِ، وَكَلَامُنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ أَنْ يُعْطِيَ بَلْ الْوَاقِعُ فِي حَقِّهِ تَعَارُضُ السُّقُوطِ وَالْوُجُوبِ. قُلْنَا: ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَلْزُومًا لِلْحَرَجِ الْعَظِيمِ وَالتَّعَذُّرِ فِي بَعْضِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِمَا خَمْسَةٌ وَسَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى جَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٍ وَزَكَاةَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ، وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِقِيَاسِ الزَّكَوَاتِ لِأَنَّهَا تَدُورُ بِعَفْوٍ وَنِصَابٍ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدِّرْهَمِ إلَخْ) هَذَا الِاعْتِبَارُ فِي الزَّكَاةِ وَنِصَابِ الصَّدَقَةِ وَالْمَهْرِ وَتَقْدِيرِ الدِّيَاتِ، وَإِذْ قَدْ أُخِذَ الْمِثْقَالُ فِي تَعْرِيفِ الدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي صَدَقَةِ الذَّهَبِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَلَمْ يَزَلْ الْمِثْقَالُ فِي آبَادِ الدَّهْرِ مَحْدُودًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. وَكَلَامُ السَّجَاوَنْدِيِّ فِي كِتَابِ قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ خِلَافُهُ، قَالَ الدِّينَارُ: بِسَنْجَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطُ خَمْسَةُ شَعِيرَاتٍ، فَالدِّينَارُ عِنْدَهُمْ مِائَةُ شَعِيرَةٍ وَعِنْدَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ شَعِيرَةً، فَيَكُونُ الْقِيرَاطُ عِنْدَهُمْ طَسُّوجًا وَخُمُسَهُ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا فِي تَحْدِيدِ الدِّينَارِ مُطْلَقًا فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الدِّينَارَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَالدَّانِقُ أَرْبَعُ طَسُّوجَاتٍ وَالطَّسُّوجُ حَبَّتَانِ وَالْحَبَّةُ شَعِيرَتَانِ وَالشَّعِيرَةُ سِتَّةُ خَرَادِلَ وَالْخَرْدَلَةُ اثْنَا عَشَرَ فَلْسًا وَالْفَلْسُ سِتُّ فَتِيلَاتٍ وَالْفَتِيلُ سِتُّ نَقِيرَاتٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّقِيرُ ثَمَانُ قِطْمِيرَاتٍ وَالْقِطْمِيرَةُ اثْنَتَا عَشْرَةَ ذَرَّةً انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْخَرَادِلِ أَوْ الشَّعِيرَةِ الْمَعْرُوفُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ وَهُوَ تَعْرِيفُ الدِّينَارِ عَلَى عُرْفِ سَمَرْقَنْدَ، وَتَعْرِيفُ دِينَارِ الْحِجَازِ هُوَ الْمَقْصُودُ إذْ الْحُكْمُ خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ» لَفْظُ النَّسَائِيّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَوَثَّقَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ لَهُمْ فِيهِ اصْطِلَاحٌ خَاصٌّ فَلَمْ يَحْصُلْ مِمَّا ذَكَرَهُ تَحْدِيدٌ وَلَا تَمْيِيزٌ عِنْدَ الْعَقْلِ لِأَنَّ الذَّرَّةَ حِينَئِذٍ هِيَ مَبْدَأُ مَا يُقَدَّرُ بِهِ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتُ الِاصْطِلَاحِيَّةُ وَلَا يُعْرَفُ شَخْصُهَا، وَقَدْ لَا يُقَدَّرُ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِهَا لَوْ عُرِفَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَقْدِيرُ كَمِّيَّةِ شَيْءٍ مَوْجُودٍ ثَابِتٍ، وَالتَّوَصُّلُ إلَى ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ مَقْصُودٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ اقْتَصَرَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ فِي إفَادَةِ التَّقْدِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْوَسَطَ بَيْنَ الشَّعِيرَاتِ الْمَعْرُوفَةِ وَإِلَّا يَكُونُ تَجْهِيلًا وَلَوْ انْتَهَى إلَى الْخَرْدَلِ كَانَ حَسَنًا إذْ لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ وَكَذَا بَعْضُ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الدِّينَارِ وَالْمِثْقَالِ مُتَرَادِفَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمِثْقَالَ اسْمٌ لِلْمِقْدَارِ الْمُقَدَّرِ بِهِ وَالدِّينَارُ اسْمٌ لِلْمُقَدَّرِ بِهِ بِقَيْدِ ذَهَبِيَّتِهِ، وَإِذْ قَدْ عَرَفْت هَذَا فَقَالُوا: كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ كُلُّ عَشَرَةٍ وَزْنُ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ، وَصِنْفٌ كُلِّ عَشَرَةٍ وَزْنُ خَمْسَةٍ، وَصِنْفٌ كُلُّ عَشَرَةٍ بِوَزْنِ سِتَّةٍ، فَلَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ، وَقِيلَ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْخَرَاجَ بِالصِّنْفِ الْأَوَّلِ فَالْتَمَسُوا التَّخْفِيفَ، فَجَمَعَ حِسَابَ زَمَانِهِ فَأَخْرَجُوا عَشَرَةً وَزْنَ سَبْعَةٍ وَقِيلَ أَخَذَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ كُلِّ صِنْفٍ دِرْهَمًا فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مُتَسَاوِيَةً فَخَرَجَ الدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا كُلُّ عَشَرَةٍ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَبَقِيَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَوْنَ الدَّرَاهِمِ بِهَذِهِ الزِّنَةِ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَقْدِيرِهِ لَهَا وَاقْتِضَاءِ عُمَّالِهِ إيَّاهَا خَمْسَةً مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي زَمَانِهِ الصِّنْفَ الْأَعْلَى لَمْ يَجُزْ النَّقْصُ، وَإِنْ كَانَ مَا دُونَهُ لَمْ يَجُزْ تَعْيِينُ هَذِهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْمُقَدَّرِ تُوجِبُ نَفْيَ الْوُجُوبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يَتَحَقَّقُ فِي مِائَتَيْنِ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مَا لَمْ تَبْلُغْ وَزْنُ مِائَتَيْنِ وَزْنَ سَبْعَةٍ مَلْزُومٌ لِمَا ذَكَرْنَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَنَّ أَيُّهَا وُجِدَ كَانُوا يُزَكُّونَهُ قَالَ: كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كِبَارًا وَصِغَارًا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَرَادُوا ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ وَكَانُوا يُزَكُّونَهَا مِنْ النَّوْعَيْنِ فَنَظَرُوا إلَى الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ فَإِذَا هُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَإِلَى الدِّرْهَمِ الصَّغِيرِ فَإِذَا هُوَ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ، فَوَضَعُوا زِيَادَةَ الْكَبِيرِ عَلَى نُقْصَانِ الصَّغِيرِ فَجَعَلُوهَا دِرْهَمَيْنِ سَوَاءً كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، ثُمَّ اُعْتُبِرُوهَا بِالْمَثَاقِيلِ، وَلَمْ يَزَلْ الْمِثْقَالُ فِي آبَادِ الدَّهْرِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَوَجَدُوهَا عَشَرَةً مِنْ هَذِهِ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ انْتَهَى. وَإِنَّمَا سُقْنَا بَقِيَّةَ كَلَامِهِ لِيَظْهَرَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَيَقْتَضِي أَنَّ النِّصَابَ يَنْعَقِدُ مِنْ الصِّغَارِ، وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَفَاوُتِ الدَّرَاهِمِ صِغَرًا وَكِبَرًا فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبِالضَّرُورَةِ تَكُونُ الْأُوقِيَّةُ مُخْتَلِفَةً أَيْضًا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَقَدْ «أَوْجَبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي

(وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْوَرِقِ الْفِضَّةَ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْفِضَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْغِشُّ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ نِصَابًا) لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ لِأَنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ إلَّا بِهِ وَتَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ، فَجَعَلْنَا الْغَلَبَةَ فَاصِلَةً وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي الصَّرْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إلَّا أَنَّ فِي غَالِبِ الْغِشِّ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ، إلَّا إذَا كَانَ تَخْلُصُ مِنْهَا فِضَّةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي عَيْنِ الْفِضَّةِ الْقِيمَةُ وَلَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسِ أَوَاقٍ الزَّكَاة» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِصِنْفِ، فَإِذَا صَدَقَ عَلَى الصَّغِيرَةِ خَمْسُ أَوَاقٍ وَجَبَ فِيهَا الزَّكَاةُ بِالنَّصِّ، وَيُؤَيِّدُهُ نَقْلُ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُزَكُّونَ النَّوْعَيْنِ، وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ كُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ دَرَاهِمُهُمْ. ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، إلَّا أَنِّي أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَتْ دَرَاهِمُهُمْ لَا تَنْقُصُ عَنْ أَقَلِّ مَا كَانَ وَزْنًا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ مَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ وَزْنَ خَمْسَةٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا قُدِّرَ النِّصَابُ بِمِائَتَيْنِ مِنْهَا حَتَّى لَا تَجِبَ فِي مِائَتَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَسْعُودِيَّةِ الْكَائِنَةِ بِمَكَّةَ مَثَلًا وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ قَوْمٍ، وَكَأَنَّهُ أَعْمَلَ إطْلَاقَ الدَّرَاهِمِ وَالْأَوَاقِي فِي الْمَوْجُودِ وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَيُسْتَحْدَثَ، وَنَحْنُ أَعْمَلْنَاهُ فِي الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْكَلَامِ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ الثَّابِتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَرَاهِمُ إلَّا كَبِيرَةٌ كَوَزْنِ سَبْعَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ عَلَى هَذَا أَنْ تُزَكَّى، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْأَقَلُّ قَدْرَ نِصَابٍ هُوَ وَزْنُ خَمْسَةٍ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّرَاهِمُ إلَّا وَزْنَ عَشْرَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ وَجَبَ الزَّكَاةُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ مِنْهَا بِحِسَابِ وَزْنِ السَّبْعَةِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْغَايَةِ: دَرَاهِمُ مِصْرَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ دِرْهَمِ الزَّكَاةِ فَالنِّصَابُ مِنْهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ وَحَبَّتَانِ انْتَهَى. فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ دِرْهَمَ الزَّكَاةِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا بِمَا هُوَ وَزْنُ سَبْعَةٍ بَلْ بِأَقَلَّ مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْأَقَلُّ فِي الدَّرَاهِمِ الْكَبِيرَةِ فَتُزَكَّى إذَا بَلَغَتْ قَدْرَ مِائَتَيْنِ مِنْ الصِّغَارِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مِنْ دَرَاهِمِ مِصْرَ فِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا اعْتَبَرُوهُ فِي دِرْهَمِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ الشَّعِيرَةَ فَدِرْهَمُ الزَّكَاةِ سَبْعُونَ شَعِيرَةً إذْ كَانَ الْعَشَرَةُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَالْمِثْقَالُ مِائَةَ شَعِيرَةٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَهُوَ إذًا أَصْغَرُ لَا أَكْبَرُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ أَنَّهُ شَعِيرَتَانِ كَمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهَا فِي تَعْرِيفِ السَّجَاوَنْدِيِّ الطَّوِيلِ فَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ، إذْ الْوَاقِعُ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ شَعِيرَةً لِأَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنْهُ مُقَدَّرٌ بِأَرْبَعِ خَرَانِيبَ وَالْخُرْنُوبَةُ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِ قَمْحَاتٍ وَسَطٍ (قَوْلُهُ فَهُوَ فِضَّةٌ) أَيْ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَأَنَّهُ كُلَّهُ فِضَّةٌ لَا زَكَاةَ الْعُرُوضِ وَلَوْ كَانَ أَعَدَّهَا لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْغِشُّ غَالِبًا، فَإِنْ نَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَتَخَلَّصُ مِنْهَا فِضَّةً تَبْلُغُ نِصَابًا وَحْدَهَا أَوْ لَا تَبْلُغُ، لَكِنْ عِنْدَهُ مَا يَضُمُّهُ

[فصل في الذهب]

فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ. فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ) لِمَا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهَا فَيَبْلُغُ نِصَابًا وَجَبَ فِيهَا لِأَنَّ عَيْنَ النَّقْدَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَلَا الْقِيمَةُ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُصْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفِضَّةَ هَلَكَتْ فِيهِ، إذْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا لَا حَالًا وَلَا مَآلًا فَبَقِيَ الْعِبْرَةُ لِلْغِشِّ. وَهِيَ عُرُوضٌ يُشْتَرَطُ فِي الْوُجُوبِ فِيهَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الذَّهَبُ الْمَغْشُوشُ. وَإِذَا اسْتَوَى الْغِشُّ فِيهِمَا قِيلَ تَجِبُ فِيهِ احْتِيَاطًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَقِيلَ يَجِبُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ. كَذَا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ تَجِبُ فِي الْكُلِّ الزَّكَاةُ. فَفِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَأَنَّهَا كُلَّهَا فِضَّةٌ. أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ بِالِاحْتِيَاطِ، وَقَوْلُ النَّفْيِ مَعْنَاهُ لَا تَجِبُ كَذَلِكَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَخْلُصَ وَعِنْدَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فَيَخُصُّهُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ. وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ. فَحِكَايَةُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ غَيْرُ وَاقِعٍ. وَالذَّهَبُ الْمَخْلُوطُ بِالْفِضَّةِ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابًا فَفِيهِ زَكَاةُ الذَّهَبِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَهَا فَزَكَاةُ الْفِضَّةِ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْفِضَّةِ، أَمَّا إنْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً فَهُوَ كُلُّهُ ذَهَبٌ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى قِيمَةً. كَذَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ] (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي حَدِيثَ مُعَاذٍ الْمُتَقَدِّمَ فِي صَدَقَةِ الْفِضَّةِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي الذَّهَبِ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ وَمِنْ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا» . وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ شَيْءٌ، وَفِي الْمِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَفِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفُ مِثْقَالٍ» وَفِيهِ الْعَزْرَمِيُّ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي فَصْلِ الْإِبِلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ» وَهُوَ حَدِيثٌ لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ

وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا وَزْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ قِيرَاطَانِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ رُبْعُ الْعُشْرِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا إذْ كُلُّ مِثْقَالٍ عِشْرُونَ قِيرَاطًا (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ صَدَقَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكُسُورِ، وَكُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ مَثَاقِيلَ فِي هَذَا كَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. قَالَ (وَفِي تِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَحُلِيِّهِمَا وَأَوَانِيهِمَا الزَّكَاةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ إلَخْ) قِيلَ هُوَ دَوْرٌ لِأَنَّهُ أَخَذَ كُلًّا مِنْ الْمِثْقَالِ وَالدِّرْهَمِ فِي تَعْرِيفٍ آخَرَ فَتَوَقَّفَ تَصَوُّرُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى تَصَوُّرِ الْآخَرِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا تَعْرِيفًا لِأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمِثْقَالَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي تَدَاوَلَهُ النَّاسُ وَعَرَفُوهُ مِثْقَالًا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَعْرِيفِهِ كَمَا لَا يُعَرَّفُ مَا هُوَ بَدِيهِيُّ التَّصَوُّرِ إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ، فَكَانَ قَوْلُهُ وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا وَزْنَ عَشَرَةٍ إنَّمَا هُوَ لِإِزَالَةِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِالْمِثْقَالِ غَيْرَ الْمَذْكُورِ فِي تَعْرِيفِ الدِّرْهَمِ، فَحَاصِلُ كَلَامِهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْمِثْقَالِ ذَاكَ الَّذِي تَقَدَّمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ لَا شَيْءٌ آخَرُ، وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَحْسَنُ مِمَّا حَاوَلَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدَّفْعِ مِمَّا لَوْ أَوْرَدْته أَدَّى إلَى طُولٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الشَّرْعِ) أَيْ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةٍ كَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِذَا مَلَكَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَقَدْ مَلَكَ مَا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ فِيهِ عَلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ فَيَجِبُ فِيهِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ قِيرَاطَانِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الدِّينَارِ عِشْرِينَ قِيرَاطًا، فَلَا يَرُدُّ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ وَحُلِيِّهِمَا) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا أَوْ لَا حَتَّى يَجِبَ أَنْ يُضَمَّ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةُ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفُ وَكُلُّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ (قَوْلُهُ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ) حَاصِلُهُ قِيَاسُ الْحُلِيِّ بِثِيَابِ الْبِذْلَةِ بِجَامِعِ الِابْتِذَالِ فِي مُبَاحٍ وَدَفَعَهُ اعْتِبَارُ مَا عَيَّنَهُ مَانِعًا مِنْ الْوُجُوبِ فِي الْفَرْعِ، وَإِنْ كَانَ مَانِعًا فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَانِعِيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُودَ السَّبَبِ بِمَنْعِ جُزْئِهِ: أَعْنِي النَّمَاءَ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِأَمْرٍ آخَرَ، وَمَنْعُهُ ذَلِكَ فِي النَّقْدَيْنِ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِيُتَوَصَّلَ بِهِمَا إلَى الْإِبْدَالِ، وَهَذَا مَعْنَى الِاسْتِنْمَاءِ فَقَدْ خُلِقَا لِلِاسْتِنْمَاءِ وَلَمْ يُخْرِجْهُمَا الِابْتِذَالُ عَنْ ذَلِكَ، فَالنَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ حَاصِلٌ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ تَوَقُّفِ الْوُجُوبِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِذَا انْتَفَتْ مَانِعِيَّتَهُ عَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ الْمَنْقُولَاتُ مِنْ الْعُمُومَاتِ وَالْخُصُوصَاتِ تُصَرِّحُ بِهِ. فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ. وَمِنْ الْخُصُوصَاتِ

وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ مَالٌ نَامٍ وَدَلِيلُ النَّمَاءِ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً، وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الثِّيَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ «امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ بِنْتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُمَا: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ لَا، قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارًا مِنْ نَارٍ؟ قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» قَالَ أَبُو الْحَسَنُ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، إسْنَادُهُ لَا مَقَالَ فِيهِ، ثُمَّ بَيَّنَهُ رَجُلًا رَجُلًا. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ أَتَتْ امْرَأَتَانِ فَسَاقَهُ، وَفِيهِ «أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّر كَمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ قَالَتَا لَا، قَالَ: فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ» وَتَضْعِيفُ التِّرْمِذِيِّ وَقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ مُؤَوَّلٌ وَإِلَّا فَخَطَأٌ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ قَصَدَ الطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَإِلَّا فَطَرِيقُ أَبِي دَاوُد لَا مَقَالَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد: وَإِنَّمَا ضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّ عِنْدَهُ فِيهِ ضَعِيفَيْنِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ «دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتِ وَرِقٍ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ فَقُلْتُ: صُغْتُهُنَّ لِأَتَزَيَّنَ لَك بِهِنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: هُنَّ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ» وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَطَاءٍ مَجْهُولٌ، وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَحَدُ الثِّقَاتِ، وَلَكِنْ لَمَّا نُسِبَ فِي سَنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ إلَى جَدِّهِ ظَنَّ أَنَّهُ مَجْهُولٌ وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد بَيَّنَهُ شَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الرَّازِيّ وَهُوَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ إمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ ثَابِتٍ بِهِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُهُ «إذَا أَدَّيْتِ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ عَجْلَانَ. قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: وَهَذَا لَا يَضُرُّ فَإِنَّ ثَابِتَ بْنَ عَجْلَانَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ. وَمِمَّنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَنَسَبَهُ فِي ذَلِكَ إلَى التَّحَامُلِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فِيهِ: هَذَا وَهْمٌ قَبِيحٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُهَاجِرِ الْكَذَّابَ لَيْسَ هُوَ هَذَا، فَهَذَا الَّذِي يَرْوِي عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ ثِقَةٌ شَامِيٌّ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَدُحَيْمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ. وَعَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مُتَابَعَةً. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، إنَّمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَمَّا الْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ فَمَوْقُوفَاتٌ وَمُعَارَضَاتٌ بِمِثْلِهَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنْ مُرْ مَنْ قِبَلَك مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ وَلَا يَجْعَلْنَ الزِّيَادَةَ وَالْهَدِيَّةَ

[فصل في العروض]

فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُنَّ تَقَارُضًا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إلَى خَازِنِهِ سَالِمٍ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ حُلِيِّ بَنَاتِهِ كُلَّ سَنَةٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ أَنْ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةُ. زَادَ ابْنُ شَدَّادٍ: حَتَّى فِي الْخَاتَمِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الزَّكَاةَ. وَفِي الْمَطْلُوبِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَرْفُوعَةٌ غَيْرَ أَنَّا اقْتَصَرْنَا مِنْهَا عَلَى مَا لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهِ، وَالتَّأْوِيلَاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ الْمُخَالِفِينَ مِمَّا يَنْبَغِي صَوْنُ النَّفْسِ عَنْ أَخْطَارِهَا وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهَا. وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ مَا يُصَرِّحُ بِرَدِّهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا يُعَكِّرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تَلِي بَنَاتِ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ، وَعَائِشَةُ رَاوِيَةُ حَدِيثِ الْفَتَخَاتِ، وَعَمَلُ الرَّاوِي بِخِلَافِ مَا رَوَى عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْسُوخًا. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلنَّسْخِ عِنْدَنَا هُوَ إذَا لَمْ يُعَارِضْ مُقْتَضَى النَّسْخِ مُعَارِضٌ يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا فَإِنَّ كِتَابَةَ عُمَرَ إلَى الْأَشْعَرِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ مُقَرَّرٌ، وَكَذَا مَنْ ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَإِذَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي النَّسْخِ، وَالثُّبُوتُ مُتَحَقِّقٌ لَا يُحْكَمُ بِالنَّسْخِ هَذَا كُلُّهُ عَلَى رَأَيْنَا. وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ الْخَصْمِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ أَصْلًا، إذْ قُصَارَى فِعْلِ عَائِشَةَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَارَضًا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَعَمَلُ الرَّاوِي بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ بَلْ الْعِبْرَةُ لِمَا رَوَى لَا لِمَا رَأَى عِنْدَهُ. وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ تُؤَدِّ مِنْ حُلِيِّهِنَّ لِأَنَّهُنَّ يَتَامَى، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّ مَذْهَبَهَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَلِذَا عَدَلْنَا فِي الْجَوَابِ إلَى مَا سَمِعْت، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. هَذَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُؤَدَّى الْوَزْنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْخَيْرِيَّةُ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْقِيمَةُ، فَلَوْ أَدَّى عَنْ خَمْسَةٍ جِيَادٍ خَمْسَةً زُيُوفًا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكُرِهَ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فَيُؤَدَّى الْفَضْلُ، وَلَوْ أَدَّى أَرْبَعَةً جَيِّدَةً عَنْ خَمْسَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ لِاعْتِبَارِ مُحَمَّدٍ الْخَيْرِيَّةَ وَاعْتِبَارِهِمَا الْقَدْرَ، وَيَجُوزُ عِنْدَ زُفَرَ لِلْقِيمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ] الْعُرُوض جَمْعُ عَرَضٍ بِفَتْحَتَيْنِ: حُطَامُ الدُّنْيَا، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالصِّحَاحِ. وَالْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ الْمَتَاعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضٌ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعُرُوض الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا، فَعَلَى هَذَا جَعْلُهَا هُنَا جَمْعَ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ وَالْحَيَوَانَاتِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالْحَيَوَانِ مَمْنُوعٌ) بَلْ فِي بَيَانِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ حَيَوَانًا

(الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا «يُقَوِّمُهَا فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ» ، وَلِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِنْمَاءِ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ فَأَشْبَهَ الْمُعَدَّ بِإِعْدَادِ الشَّرْعِ، وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لِيَثْبُتَ الْإِعْدَادُ، قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السَّائِمَةَ الْمَنْوِيَّةَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ كَالْإِبِلِ أَوْ لَا كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، فَالصَّوَابُ اعْتِبَارُهَا هُنَا جَمْعَ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ عَلَى تَفْسِيرِ الصِّحَاحِ فَتَخْرُجُ النُّقُودُ فَقَطْ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَإِيَّاهُ عَنَى فِي النِّهَايَةِ بِقَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ كَائِنَةً مَا كَانَتْ) كَائِنَةً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَلَفْظُ مَا مَوْصُولٌ خَبَرُهَا وَاسْمُهَا الْمُسْتَتِرُ فِيهَا الرَّاجِعُ إلَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَكَانَتْ صِلَةُ مَا وَاسْمُهَا الْمُسْتَتِرُ الرَّاجِعُ إلَى الْعُرُوضِ أَيْضًا، وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْمَنْصُوبُ الْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ تَقْدِيرُهُ كَائِنَةً أَوْ كَانَتْ إيَّاهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَوْلَى فِي هَذَا الضَّمِيرِ مِنْ وَصْلِهِ أَوْ فَصْلِهِ، وَالْمَعْنَى: كَائِنَةً الَّذِي كَانَتْ إيَّاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ، وَاَلَّذِي عَامٌّ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: كَائِنَةً أَيَّ شَيْءٍ كَانَتْ إيَّاهُ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " يُقَوِّمُهَا " إلَخْ) غَرِيبٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ، فَمِنْ الْمَرْفُوعَةِ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ» اهـ. سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ، وَهَذَا تَحْسِينٌ مِنْهُمَا، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ إسْنَادَهُ حَسَنٌ، وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَاقِعُ فِي سَنَدِهِ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَلَا يُعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إلَّا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدٍ وَلَيْسَ جَعْفَرُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ حَدِيثُهُ عَنْ الْحَسَنِ، فَإِنَّ نَفْيَ الشُّهْرَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْجَهَالَةِ وَلِذَلِكَ رَوَى هُوَ نَفْسُهُ حَدِيثَهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ «مَنْ كَتَمَ غَالًّا فَهُوَ مِثْلُهُ» عَنْ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَهَذَا تَصْحِيحٌ مِنْهُ، وَبِهَذَا تَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. وَمِنْهَا فِي الْمُسْتَدْرِكِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ، وَمَنْ رَفَعَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ تِبْرًا أَوْ فِضَّةً لَا يَعُدُّهَا لِغَرِيمٍ وَلَا يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَأَعَلَّهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ بِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ فِي أَنَّهُ بِالزَّايِ أَوْ الرَّاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَآهُ فِي أَصْلٍ مِنْ نُسَخِ الْمُسْتَدْرَكِ بِضَمِّ الْبَاءِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ أَنَّهُ بِالزَّايِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ صَحَّفَهُ بِالرَّاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ اهـ وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ» قَالَهَا بِالزَّايِ هَكَذَا مُصَرِّحًا فِي الرِّوَايَةِ غَيْرَ أَنَّهَا ضُعِّفَتْ (قَوْلُهُ وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً فَلَا يَصِيرُ لَهَا إلَّا بِقَصْدِهَا فِيهِ، وَذَلِكَ هُوَ نِيَّةُ التِّجَارَةِ، فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مَثَلًا لِلْخِدْمَةِ نَاوِيًا بَيْعَهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الْخَرَاجُ لَا الزَّكَاةُ، وَلَوْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً فَزَرَعَهَا حَكَى صَاحِبُ الْإِيضَاحِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْعُشْرُ وَالزَّكَاةُ، وَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ تُعْتَبَرُ ثَابِتَةً فِي بَدَلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَخْصُهَا فِيهِ،

(يُقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ) احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ، وَتَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا تَبْلُغُ نِصَابًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مِمَّا يُلْغَزُ فَيُقَالُ عَرْضٌ اُشْتُرِيَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ يَجِبُ عِنْدَ الْحَوْلِ تَقْوِيمُهُ وَزَكَاتُهُ وَهُوَ مَا قُوِّضَ بِهِ مَالُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ بِنِيَّةِ عَدَمِهَا، وَعَنْ هَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِلتِّجَارَةِ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً وَدَفَعَ بِهِ يَكُونُ الْمَدْفُوعُ لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَصُولِحَ مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْقِصَاصِ لَا الْمَقْتُولِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَلَيْنَا لَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ وَمِنْ الدِّيَةِ وَلَوْ ابْتَاعَ مُضَارِبٌ عَبْدًا وَثَوْبًا لَهُ وَطَعَامًا وَحَمُولَةً وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَّا لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ حَيْثُ لَا يُزَكَّى الثَّوْبُ وَالْحَمُولَةُ: لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَمَحْمَلُ عَدَمِ تَزْكِيَةِ الثَّوْبِ لِرَبِّ الْمَالِ مَا دَامَ لَمْ يَقْصِدْ بَيْعَهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ النَّخَّاسُ إذَا اشْتَرَى دَوَابَّ لِلْبَيْعِ وَاشْتَرَى لَهَا مَقَاوِدَ وَجِلَالًا، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ مَعَ الدَّابَّةِ إلَى الْمُشْتَرَى لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُهَا مَعَهَا وَجَبَ فِيهَا، وَكَذَا الْعَطَّارُ إذَا اشْتَرَى قَوَارِيرَ (قَوْلُهُ يُقَوِّمُهَا) أَيْ الْمَالِكُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعَثَ عِنْدَ التِّجَارَةِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى لِحَاجَةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَلَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ الْأَمْصَارِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَا فِي الْفَتَاوَى. ثُمَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ: إنَّهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ الْأَدَاءِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُمَا جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَهُ وِلَايَةُ مَنْعِهَا إلَى الْقِيمَةِ فَتُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَنْعِ كَمَا فِي مَنْعِ الْوَدِيعَةِ وَوَلَدِ الْمَغْصُوبِ، وَعِنْدَهُ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا ابْتِدَاءً، وَلِذَا يُجْبَرُ الْمُصَدِّقُ عَلَى قَبُولِهَا فَيَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَهُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ. وَلَوْ كَانَ النِّصَابُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ رُبْعَ عُشْرِ عَيْنِهِ فِي الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ أَحَبَّ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ جَرَى الْخِلَافُ حِينَئِذٍ، وَكَذَا إذَا اُسْتُهْلِكَ ثُمَّ تَغَيَّرَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِثْلٌ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ، وَلَوْ كَانَ نُقْصَانُ السِّعْرِ لِنَقْصٍ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ ابْتَلَّتْ الْحِنْطَةُ اُعْتُبِرَ يَوْمَ الْأَدَاءِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ هَلَاكُ بَعْضِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ، أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِزِيَادَتِهَا اُعْتُبِرَ يَوْمَ الْوُجُوبِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا تُضَمُّ، نَظِيرُهُ، اعْوَرَّتْ أَمَةُ التِّجَارَةِ مَثَلًا بَعْدَ الْحَوْلِ فَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْأَدَاءِ، أَوْ كَانَتْ عَوْرَاءَ فَانْجَلَى الْبَيَاضُ بَعْدَهُ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهَا اُعْتُبِرَ يَوْمَ تَمَامِ الْحَوْلِ (قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا بَلَغَ نِصَابًا) صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَأَقْوَالِ الصَّاحِبَيْنِ

يُقَوِّمُهَا بِمَا اشْتَرَى إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ النُّقُودِ قَوَّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ (وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) لِأَنَّهُ يَشُقُّ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ابْتِدَائِهِ لِلِانْعِقَادِ وَتَحَقُّقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّقْوِيمِ أَنَّهُ بِالْأَنْفَعِ عَيْنًا أَوْ بِالتَّخْيِيرِ أَوْ بِمَا اشْتَرَى بِهِ إنْ كَانَ مِنْ النُّقُودِ وَإِلَّا فَبِالنَّقْدِ الْغَالِبِ أَوْ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ مُطْلَقًا. ثُمَّ فَسَّرَ الْأَنْفَعَ الَّذِي هُوَ أَحَدُهَا بِأَنْ يُقَوَّمَ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا قَوَّمَهَا بِأَحَدِهِمَا لَا تَبْلُغُ نِصَابًا وَالْآخَرُ تَبْلُغُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّقْوِيمُ بِمَا يَبْلُغُ فَأَفَادَ أَنَّ بَاقِيَ الْأَقْوَالِ يُخَالِفُ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا خِلَافَ فِي تَعَيُّنِ الْأَنْفَعِ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي وَجْهِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِ الْمَالِكِ يَنْتَفِعُ بِهِ زَمَانًا طَوِيلًا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْفُقَرَاءِ عِنْدَ التَّقْوِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقَوِّمُهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ يَتِمُّ النِّصَابُ وَبِالْآخَرِ لَا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهُ بِمَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ بِالِاتِّفَاقِ فَهَذَا مِثْلُهُ انْتَهَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا بِالذَّهَبِ وَإِنْ شَاءَ بِالْفِضَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقَوِّمُ بِمَا هُوَ الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَوِّمُ بِمَا اشْتَرَى، هَذَا إذَا كَانَ يَتِمُّ النِّصَابُ بِأَيِّهِمَا قُوِّمَ، فَلَوْ كَانَ يَتِمُّ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قُوِّمَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ نِصَابًا انْتَهَى. فَإِنَّمَا يُتَّجَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا فَسَّرَ بِهِ بَعْضَ الْمُرَادِ بِالْأَنْفَعِ، فَالْمَعْنَى يُقَوِّمُ الْمَالِكُ بِالْأَنْفَعِ مُطْلَقًا فَيَتَعَيَّنُ مَا يَبْلُغُ بِهِ نِصَابًا دُونَ مَا لَا يَبْلُغُ: فَإِنْ بَلَغَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَأَحَدُهُمَا أَرْوَجُ تَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ بِالْأَرْوَجِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا رَوَاجًا حِينَئِذٍ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ الْكَافِي فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْأَنْفَعُ بِهَذَا الْمَعْنَى صَحَّ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابِلَهُ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ مُطْلَقًا، وَالْقَوْلُ الْمُفَصَّلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَيَلْزَمُ التَّقْوِيمُ بِهِ أَوَّلًا فَبِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، وَقَدْ يُقَالُ: عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَعْيِينِ مَا يَبْلُغُ بِهِ النِّصَابُ، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَوْنِ النَّقْدِ أَرْوَجَ كَوْنُهُ أَغْلَبَ وَأَشْهَرَ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْمُطْلَقُ فِي الْبَيْعِ إلَيْهِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَّا بِأَنَّ الْأَرْوَجَ مَا النَّاسُ لَهُ أَقْبَلُ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَغْلَبَ: أَيْ أَكْثَرَ، وَيَكُونُ سُكُوتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ ذِكْرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا إلَيْهِ لِعَدَمِ خِلَافِهِ، هَذَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ شَاءَ بِالدَّنَانِيرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، فَلِذَا أَفَادَتْ عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالْكَافِي أَنَّ اعْتِبَارَ الْأَنْفَعِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ مِنْ التَّخْيِيرِ هُوَ مَا إذَا كَانَ التَّقْوِيمُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَتَفَاوَتُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ) لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعُرْفَ صَلُحَ مُعِينًا وَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ إلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، وَلِأَنَّ التَّقْوِيمَ فِي حَقِّ اللَّهِ يُعْتَبَرُ بِالتَّقْوِيمِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ، وَمَتَى قَوَّمْنَا الْمَغْصُوبَ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَ نُقَوِّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ كَذَا هَذَا (قَوْلُهُ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ

الْغِنَى وَفِي انْتِهَائِهِ لِلْوُجُوبِ، وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَالَةُ الْبَقَاءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ الْكُلُّ حَيْثُ يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَوْلِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِانْعِدَامِ النِّصَابِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ بَعْضَ النِّصَابِ بَاقٍ فَيَبْقَى الِانْعِقَادُ قَالَ (وَتُضَمُّ قِيمَةَ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَتَّى يَتِمَّ النِّصَابُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQدِرْهَمٌ أَوْ فَلْسٌ مِنْ ثَمَّ اسْتَفَادَ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَوْلِ حَتَّى تَمَّ عَلَى نِصَابٍ زَكَّاهُ، وَشَرَطَ زُفَرُ كَمَالَهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي السَّوَائِمِ وَالنَّقْدَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا اُعْتُبِرَ آخِرٌ فَقَطْ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ السَّبَبَ النِّصَابُ الْحَوْلِيُّ وَهُوَ الَّذِي حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَهَذَا فَرْعُ بَقَاءِ اسْمِهِ فِي تَمَامِ الْحَوْلِ، وَهَذَا وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ أَخْرَجَ مَالَ التِّجَارَةِ لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ مِنْ إلْزَامِ التَّقْوِيمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاعْتِبَارِهَا فِيهِ. قُلْنَا: لَمْ يَرِدْ مِنْ لَفْظِ الشَّارِعِ السَّبَبُ النِّصَابُ الْحَوْلِيُّ بَلْ لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَبِظَاهِرِهِ نَقُولُ، وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ نَفْيَ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْحَوْلِ لَا نَفْيَ سَبَبِيَّةِ الْمَالِ قَبْلَهُ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ انْتِفَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى التَّرَاخِي وَانْتِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ، بَلْ قَدْ تَثْبُتُ السَّبَبِيَّةُ مَعَ انْتِفَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِفَقْدِ شَرْطِ عَمَلِ السَّبَبِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَصْلُ الْوُجُوبِ مُؤَجَّلًا إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَإِذَا كَانَ السَّبَبُ قَائِمًا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ انْعَقَدَ الْحَوْلُ حِينَئِذٍ وَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَهُوَ النِّصَابُ، ثُمَّ الْحَاجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى كَمَالِهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لِيَنْزِلَ الْحُكْمُ الْآخَرُ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَكَمَالُهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ وَصَارَ كَالْيَمِينِ بِطَلَاقِهَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْيَمِينِ لِيَنْعَقِدَ، وَعِنْدَ الشَّرْطِ فَقَطْ لِيَثْبُتَ الْجَزَاءُ لَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ كُلُّهُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَجَعْلُ السَّائِمَةِ عَلُوفَةً كَهَلَاكِ الْكُلِّ لِوُرُودِ الْمُغَيِّرِ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، بِخِلَافِ النُّقْصَانِ فِي الذَّاتِ. وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ لَهُ غَنَمٌ لِلتِّجَارَةِ تُسَاوِي نِصَابًا فَمَاتَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ فَسَلَخَهَا وَدَبَغَ جِلْدَهَا فَتَمَّ الْحَوْلُ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَصِيرٌ لِلتِّجَارَةِ فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ صَارَ خَلًّا يُسَاوِي نِصَابًا فَتَمَّ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، قَالُوا: لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الصُّوفَ الَّذِي عَلَى الْجِلْدِ مُتَقَوِّمٌ فَيَبْقَى الْحَوْلُ بِبَقَائِهِ. وَالثَّانِي بَطَلَ تَقَوُّمُ الْكُلِّ بِالْخَمْرِيَّةِ فَهَلَكَ كُلُّ الْمَالِ انْتَهَى إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ اشْتَرَى عَصِيرًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَخَمَّرَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا مَضَتْ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا صَارَ خَلًّا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَمَّتْ السُّنَّةُ كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ عَادَ لِلتِّجَارَةِ كَمَا كَانَ (قَوْلُهُ وَتُضَمُّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا، وَكَذَا تُضَمُّ هِيَ إلَى النَّقْدَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالسَّوَائِمُ الْمُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ لَا تُضَمُّ بِالْإِجْمَاعِ كَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالنَّقْدَانِ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثُمَّ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمِّ فِيهِمَا عَلَى مَا نَذْكُرُ ثُمَّ إنَّمَا يُضَمُّ الْمُسْتَفَادُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَلَوْ أُخِّرَ الْأَدَاءُ فَاسْتَفَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يَضُمُّهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَيَضُمُّ الدَّيْنَ إلَى الْعَيْنِ،

لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ وَإِنْ افْتَرَقَتْ جِهَةُ الْإِعْدَادِ (وَيُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ) لِلْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ سَبَبًا، ثُمَّ يُضَمُّ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، حَتَّى إنَّ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَلَهُ دَيْنٌ مِائَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ. وَقَوْلُهُ: كَمَا فِي السَّوَائِمِ إفَادَةٌ لِلْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِجَامِعِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحُكْمًا بِدَلِيلِ عَدَمِ جَرَيَانِ رِبَا الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا مَعَ كَوْنِ الرِّبَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَاسْتَفَدْنَا عَدَمَ اعْتِبَارِ شُبْهَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ بَيْنَهُمَا، وَالِاتِّحَادُ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةِ لَا يُوجِبُ اتِّحَادَ الْجِنْسِ كَالرُّكُوبِ فِي الدَّوَابِّ، بِخِلَافِ ضَمِّ الْعُرُوضِ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ضَمُّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ هُمَا فَالضَّمُّ لَمْ يَقَعْ إلَّا فِي النُّقُودِ. قُلْنَا: إنَّمَا كَانَا نِصَابَ الزَّكَاةِ بِسَبَبِ الثَّمَنِيَّةِ لِأَنَّهُ الْمُفِيدُ لِتَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ وَسَدِّ الْحَاجَاتِ لَا لِخُصُوصِ اللَّوْنِ أَوْ الْجَوْهَرِ، وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْغِنَى وَهُوَ السَّبَبُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِذَلِكَ لَا بِغَيْرِهِ وَقَدْ اتَّحَدَا فِيهِ فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فِي حَقِّ الزَّكَاةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ الِاتِّحَادُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالتَّفَاضُلِ فِي الْبَيْعِ فَحَقِيقَةُ السَّبَبِ الثَّمَنُ الْمُقَدَّرُ بِكَذَا إذَا كَانَ بِصُورَةِ كَذَا وَبِكَذَا إذَا كَانَ بِصُورَةِ كَذَا، بِخِلَافِ الرُّكُوبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُحَقِّقَ لِلسَّبَبِيَّةِ فِي السَّوَائِمِ، فَإِنَّ الْغِنَى لَمْ يَثْبُتْ بِاعْتِبَارِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّتِهَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَنَافِعَ شَتَّى تَسْتَدُّ بِهَا الْحَاجَاتُ أَعْظَمُهَا مَنْفَعَةً الْأَكْلُ الَّتِي بِهَا يُقَوَّمُ ذَاتُ الْمُنْتَفَعِ وَنَفْسُهُ، ثُمَّ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُنَا عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُضَمَّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ، وَحُكْمُ مِثْلِ هَذَا الرَّفْعُ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْإِجْزَاءِ) بِأَنْ يُعْتَبَرَ تَكَامُلُ أَجْزَاءِ النِّصَابِ مِنْ الرُّبْعِ وَالنِّصْفِ وَبَاقِيهَا، فَإِذَا كَانَ مِنْ الذَّهَبِ عَشَرَةٌ يُعْتَبَرُ مَعَهُ نِصْفُ نِصَابِ الْفِضَّةِ وَهُوَ مِائَةٌ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ تَبْلُغُ مِائَةً لَا زَكَاةَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْمِائَةَ نِصْفُ نِصَابٍ وَالْخَمْسَةَ رُبْعُ نِصَابٍ، فَالْحَاصِلُ أَجْزَاءُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نِصَابٍ وَعِنْدَهُ تَجِبُ لِأَنَّ الْحَاصِلَ تَمَامُ نِصَابِ الْفِضَّةِ مَعْنًى، ثُمَّ قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ كَمِائَةٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اُنْتُقِصَ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا تَزْدَادُ قِيمَةُ الْآخَرِ فَيُمْكِنُ تَكْمِيلُ مَا يُنْتَقَصُ قِيمَتُهُ بِمَا زَادَ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُؤَدَّى الضَّابِطِ أَنَّ عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ لَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ أَصْلًا لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا حَتَّى تَجِبَ خَمْسَةٌ فِي مِائَةٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَشَرَةِ أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ أَوْ أَكْثَرَ كَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ. وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يُلَاقِي الضَّابِطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ وُجُوبَ اعْتِبَارِ قِيمَةِ

[باب فيمن يمر على العاشر]

كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، هُمَا يَقُولَانِ الْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْقَدْرُ دُونَ الْقِيمَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي مَصُوغٍ وَزْنُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْنِ وَقِيمَتُهُ فَوْقَهَا، هُوَ يَقُولُ: إنَّ الضَّمَّ لِلْمُجَانَسَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ دُونَ الصُّورَةِ فَيُضَمُّ بِهَا. بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا زَادَ عِنْدَ انْتِقَاصِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ دَفْعًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي مِائَةٍ وَعَشَرَةٍ لَا تُسَاوِي مِائَةً لَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ، وَعَلَى اعْتِبَارِهَا لَا يَتِمُّ النِّصَابُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَدُفِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ مُطْلَقِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ اعْتِبَارُ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا عَيْنًا، فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِاعْتِبَارِ تَقْوِيمِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الْعَشَرَةَ تُسَاوِي ثَمَانِينَ فَالْمِائَةُ مِنْ الْفِضَّةِ تُسَاوِي اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَنِصْفًا فَيَتِمُّ بِذَلِكَ مَعَ الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَنِصْفٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ مِنْ جِهَةِ كُلٍّ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا عَيْنًا، فَكَيْفَ يَكُونُ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْآخَرِ كَمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ تُسَاوِي مِائَةً وَثَمَانِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْكُورِ فِي دَلِيلِهِ مِنْ أَنَّ الضَّمَّ لَيْسَ إلَّا لِلْمُجَانَسَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ فَيُضَمَّانِ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الضَّمِّ بِهَا مُطْلَقًا عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْجَوَابِ عَمَّا اسْتَدَلَّا بِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَصُوغِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا هُوَ الْقَدْرُ فَقَطْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِمَا إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا قُوبِلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ أَوْ عِنْدَ الضَّمِّ لِمَا قُلْنَا: إنَّهُ بِالْمُجَانَسَةِ وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ انْفِرَادِ الْمَصُوغِ حَتَّى لَوْ وَجَبَ تَقْوِيمُهُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بِأَنْ اُسْتُهْلِكَ قُوِّمَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَظَهَرَتْ قِيمَةُ الصَّنْعَةِ وَالْجَوْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصَّنْعَةَ سَاقِطَتَا الِاعْتِبَارِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا. [بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ] أُخِّرَ هَذَا الْبَابُ عَمَّا قَبْلَهُ لِتَمَحُّضِ مَا قَبْلَهُ فِي الْعِبَادَةِ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بَابُ مَا يُؤْخَذُ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ وَذَلِكَ يَكُونُ زَكَاةً كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَغَيْرِهَا كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ، وَلَمَّا كَانَ فِيهِ الْعِبَادَةُ قَدَّمَهُ عَلَى

(إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ فَقَالَ أَصَبْتُهُ مُنْذُ أَشْهُرٍ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ وَحَلَفَ صُدِّقَ) وَالْعَاشِرُ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ، فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ تَمَامَ الْحَوْلِ أَوْ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ مُنْكِرًا لِلْوُجُوبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَعْدَهُ مِنْ الْخُمُسِ. وَالْعَاشِرُ فَاعِلٌ مِنْ عَشَرْت أَعْشُرُ عُشْرًا بِالضَّمِّ فِيهِمَا. وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَدُورُ اسْمُ الْعُشْرِ فِي مُتَعَلَّقِ أَخْذِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَا الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ إلَخْ) مَفْهُومُ شَرْطِهِ لَوْ اُعْتُبِرَ اسْمُ الْمَالِ عَلَى ظَاهِرِهِ إذَا لَمْ يَمُرَّ بِمَالٍ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الْعَاشِرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمُرَّ بِهَا فَوَجَبَ تَقْيِيدُهُ بِالْبَاطِنِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ مَفْهُومُ شَرْطِهِ: أَيْ إذَا يَمُرُّ عَلَيْهِ بِمَالٍ بَاطِنٍ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ فَيَصْدُقُ (قَوْلُهُ وَالْعَاشِرُ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ إلَخْ) فِيهِ قَيْدٌ زَادَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ أَنْ يَأْمَنَ بِهِ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَلِأَنَّ أَخْذَهُ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ لَيْسَ إلَّا لِلْحِمَايَةِ وَثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَخْذِ مِنْ الْمُسْلِمِ أَيْضًا لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ تَغْلِيبًا لِاسْمِ الْعِبَادَةِ عَلَى غَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ الْمُنْكَرُ مَعَ الْيَمِينِ) وَالْعِبَادَاتُ وَإِنْ كَانَتْ يَصْدُقُ فِيهَا بِلَا تَحْلِيفٍ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهِ هُنَا حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْعَاشِرُ فِي الْأَخْذِ فَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ مُتَعَذِّرٌ فِي الْحُدُودِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَبِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهَا،

(وَكَذَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُهَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ) ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ السُّنَّةِ عَاشِرٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى وَضْعَ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَاشِرٌ آخَرُ فِي تِلْكَ السَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ (وَكَذَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُهَا أَنَا) يَعْنِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ، وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي صَدَقَةِ السَّوَائِمِ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ، وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُ بِنَفْسِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ حَلَفَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ. وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ. ثُمَّ قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ. وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَانْدَفَعَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ: هَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ هُوَ بِضَاعَةٌ لِفُلَانٍ وَكُلُّ مَا وُجُودُهُ مُسْقِطٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ) قَيْدٌ بِالْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى إلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ أَخْذِ الْعَاشِرِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ إنَّمَا كَانَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الْمِصْرِ وَبِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ مُسَافِرًا انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ عَنْهُ إلَى الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ) هِيَ السَّابِقَةُ عَلَى قَوْلِهِ: أُدِّيَتْ إلَى الْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ إلَى الْمُسْتَحَقِّ) فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ) يُمْكِنُ بِأَنْ يَضْمَنَ مَنْعَ كَوْنِهِ أَوْصَلَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ بَلْ الْمُسْتَحِقُّ الْإِمَامُ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ مُسْتَحِقٌّ الْأَخْذَ وَالْفَقِيرَ مُسْتَحِقٌّ التَّمَلُّكَ وَالِانْتِفَاعَ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ هُنَاكَ مُسْتَحِقَّيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَرُّ الْحَقِّ الَّذِي فَوَّتَهُ لَيْسَ إلَّا بِإِعَادَةِ الدَّفْعِ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَجِيءُ النَّظَرُ فِي الْمَدْفُوعِ مَا هُوَ الْوَاقِعُ زَكَاةً مِنْهُمَا، قِيلَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاسَةِ هُنَا كَوْنُ الْآخِذِ لِيَنْزَجِرَ عَنْ ارْتِكَابِ تَفْوِيتِ حَقِّ الْإِمَامِ. وَقِيلَ الثَّانِي وَيَنْقَلِبُ الْأَوَّلُ نَفْلًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَوْنُ الزَّكَاةِ فِي صُورَةِ الْمُرُورِ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيَدْفَعُهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي السَّابِقِ وَوُجِدَ فِي اللَّاحِقِ، وَانْفِسَاخُ السَّابِقِ النَّاقِصِ لِلَّاحِقِ الْكَامِلِ ثَابِتٌ فِي الشَّرْعِ كَبُطْلَانِ الظُّهْرِ الْمُؤَدَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ فَيَنْفَسِخُ مِثْلُهُ بِجَامِعِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بَعْدَ الْأَدَاءِ بِفِعْلِ الثَّانِي مَعَ امْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثَانِيًا وَإِنْ عَلِمَ صِدْقَهُ، وَلَا يُنَافِي كَوْنُ الْأَخْذِ لِلسِّيَاسَةِ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَوُقُوعَ الثَّانِي زَكَاةً بِأَدْنَى

وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ فِيمَا يُصَدَّقُ فِي السَّوَائِمِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ إخْرَاجَ الْبَرَاءَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَشَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى، وَلِصِدْقِ دَعْوَاهُ عَلَامَةٌ فَيَجِبُ إبْرَازُهَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَامَةً. قَالَ (وَمَا صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ) ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَتُرَاعَى تِلْكَ الشَّرَائِطُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِيمَا يَصْدُقُ إلَخْ) أَطْلَقَ فِيمَا يَصْدُقُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي الْأَصْلِ إخْرَاجَهَا فِي قَوْلِهِ: أُدِّيَتْ إلَى الْفُقَرَاءِ وَأَخَوَاتِهَا لَكِنَّهُ اعْتَمَدَ فِي تَقْيِيدِهِ عَلَى عَدَمِ تَأَتِّي صِحَّتِهِ، إذْ لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْفُقَرَاءِ بَرَاءَةً وَلَا مِنْ الدَّائِنِ. وَلَا تُمْكِنُ فِي قَوْلِهِ: أَصَبْتُهُ مُنْذُ شَهْرٍ. وَتَأْخِيرُ الْمُصَنِّفِ وَجْهَ الْأَوَّلِ يُفِيدُ تَرَجُّحَهُ عِنْدَهُ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِهِ عَلَامَةً إذْ لَا يَلْزَمُ الِانْتِقَالُ مِنْهُ إلَى الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ دُفِعَ إلَى الْعَاشِرِ لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يَنْطِقُ وَهُوَ مُتَشَابِهٌ، ثُمَّ هَلْ يُشْتَرَطُ الْيَمِينُ مَعَ الْبَرَاءَةِ عَلَى قَوْلِ مُشْتَرِطِهَا؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ. قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَصْدُقْ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصْدُقْ. وَلَا يَخْفَى بَعْدَ قَوْلِهِمَا إنْ كَانَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِحَسَبِ ظَاهِرِ حَالِ الْمُتَدَيِّنِ أَدَلُّ مِنْ الْخَطِّ فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَرْكُهَا إلَيْهَا، وَلْيَذْكُرْ هُنَا قَوْلَهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي بَيَانًا لِلُزُومِهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ انْعِدَامِ دَلِيلٍ فَوْقَهُ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعِيَّ لِأَنَّ الِاسْتِخْبَارَ لَا يُفِيدُ قَطْعًا. (قَوْلُهُ فَتُرَاعَى تِلْكَ الشَّرَائِطُ) مِنْ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَالْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَوْنُهُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزَّكَاةِ كَصَدَقَةِ بَنِي تَغْلِبَ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ، فَإِنَّ تَضْعِيفَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ وَإِلَّا كَانَ تَبْدِيلًا، لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ أَيُّ دَاعٍ إلَى اعْتِبَارِهِ تَضْعِيفًا لَا ابْتِدَاءَ وَظِيفَةٍ عِنْدَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ، وَبَنُو تَغْلِبَ رَوْعِي فِيهِمْ ذَلِكَ لِوُقُوعِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي صَخْرٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عَيْنِ التَّمْرِ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا بِهَا لِلتِّجَارَةِ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ

(وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي الْجَوَارِي يَقُولُ: هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي، أَوْ غِلْمَانٍ مَعَهُ يَقُولُ: هُمْ أَوْلَادِي) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ مِنْهُ صَحِيحٌ، فَكَذَا بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تَبْتَنِي عَلَيْهِ فَانْعَدَمَتْ صِفَةُ الْمَالِيَّةِ فِيهِنَّ، وَالْأَخْذُ لَا يَجِبُ إلَّا مِنْ الْمَالِ. قَالَ (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعُ الْعُشْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ، لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ، وَكَذَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ وَغَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ وَهُوَ أَنَّهُ أَحْوَجُ إلَى الْحِمَايَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ وَاخْتِيرَ مِثْلَاهُ، أَلَا يَرَى أَنَّ بَاقِيَ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَالْحَرْبِيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ مِنْ الْمُسْلِمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ وَلَهُ جَائِزَةٌ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَمْ يُوجِبْ اعْتِبَارَ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ. فَلَوْ اقْتَضَى هَذَا الْمَعْنَى اعْتِبَارَهُ تَضْعِيفَ عَيْنِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ لَزِمَ مُرَاعَاتُهَا (قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي الْجَوَارِي إلَخْ) الْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ يُقَالَ: وَلَا يُلْتَفَتُ أَوْ لَا يُتْرَكُ الْأَخْذُ مِنْهُ، لَا وَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ لَوْ صُدِّقَ بِأَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أُخِذَ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ زَكَاةً لِيَكُفَّ عَنْهُ

وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ) هَكَذَا أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُعَاتَهُ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ وَهَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا نَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزَلْ عَفْوًا وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ. قَالَ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَا يُعْلَمُ كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا نَأْخُذُ مِنْهُ الْعُشْرَ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ (وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا رُبْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ الْحَوْلِ وَوُجُودِ الدَّيْنِ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ بِضَاعَةٌ فَهُوَ أَحْوَجُ إلَى الْحِمَايَةِ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ إذْ لَا أَمْنَ لِصَاحِبِ الْمَالِ بَلْ لِلْمَارِّ، بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَبِهِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا، فَإِذَا كَانُوا يَدِينُونَ ذَلِكَ كَمَا إذَا مَرَّ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ عَنْهَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ مَالٍ، وَإِنْ قَالَ: هُمْ مُدَبَّرُونَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَصِحُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ) أَيْ أَخْذَهُمْ بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ لَا أَصْلَ الْأَخْذِ فَإِنَّهُ حَقٌّ مِنَّا وَبَاطِلٌ مِنْهُمْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ دُخُولَهُ فِي الْحِمَايَةِ أَوَجَبَ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إنْ عُرِفَ كَمِّيَّةُ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِثْلَهُ مُجَازَاةً، إلَّا إنْ عُرِفَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الْكُلَّ فَلَا نَأْخُذُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ بَلْ نُبْقِي مَعَهُ قَدْرَ مَا يُبَلِّغُهُ إلَى مَأْمَنِهِ. وَقِيلَ نَأْخُذُ الْكُلَّ مُجَازَاةً زَجْرًا لَهُمْ عَنْ مِثْلِهِ مَعَنَا، قُلْنَا: ذَلِكَ بَعْدَ إعْطَاءِ الْأَمَانِ غَدْرٌ وَلَا نَتَخَلَّقُ نَحْنُ بِهِ لِتَخَلُّقِهِمْ بِهِ بَلْ نُهِينَا عَنْهُ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلُوا الدَّاخِلَ إلَيْهِمْ بَعْدَ إعْطَائِهِ الْأَمَانَ نَفْعَلُ ذَلِكَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزُلْ عَفْوًا وَلِأَنَّهُ يُسْتَصْحَبُ لِلنَّفَقَةِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ. وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يُجَازَوْنَ بِالْأَخْذِ

الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ نَأْخُذُ بِقَدَرِهِ، وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْكُلَّ لَا نَأْخُذُ الْكُلَّ) ؛ لِأَنَّهُ غَدْرٌ (وَإِنْ كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ أَصْلًا لَا نَأْخُذُ) لِيَتْرُكُوا الْأَخْذَ مِنْ تُجَّارِنَا وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. قَالَ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ عَلَى عَاشِرٍ فَعَشَرَهُ ثُمَّ مَرَّ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ يَعْشُرْهُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتِئْصَالُ الْمَالِ وَحَقُّ الْأَخْذِ لِحِفْظِهِ، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، وَبَعْدَ الْحَوْلِ يَتَجَدَّدُ الْأَمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ إلَّا حَوْلًا، وَالْأَخْذُ بَعْدَهُ لَا يَسْتَأْصِلُ الْمَالَ (فَإِنْ عَشَرَهُ فَرَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ عَشَرَهُ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ. وَكَذَا الْأَخْذُ بَعْدَهُ لَا يُفْضِي إلَى الِاسْتِئْصَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَمِّيَّةُ مَا يَأْخُذُونَ، فَالْعُشْرُ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ حَقُّ الْأَخْذِ بِالْحِمَايَةِ وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمُجَازَاةِ فَقُدِّرَ بِمِثْلَيْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَى الْحِمَايَةِ مِنْهُ وَلِمَا قُلْنَاهُ آنِفًا وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ الْأَخْذَ مِنْ تُجَّارِنَا تَرَكْنَا نَحْنُ حَقَّنَا لِتَرْكِهِمْ ظُلْمَهُمْ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ إيَّاهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ تَخَلُّقٌ مِنْهُمْ بِالْإِحْسَانِ إلَيْنَا، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ لَمْ يَعْشُرْهُ إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ أُخِذَ مِنْهُ ثَانِيًا وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِقُرْبِ الدَّارَيْنِ وَاتِّصَالِهِمَا كَمَا فِي جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتِئْصَالٌ لِلْمَالِ) فَيَعُودُ عَلَى مَوْضِعِ الْأَمَانِ بِالنَّقْضِ (قَوْلُهُ إلَّا حَوْلًا) لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ لَفَظَّةِ إلَّا نَقَلَهَا نُسْخَةً فِي الْكَافِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ سَهْوِ الْكَاتِبِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَوْلًا بَلْ دُونَهُ، وَيَقُولُ: لَهُ الْإِمَامُ إذَا دَخَلَ إنْ أَقَمْت حَوْلًا ضَرَبْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ، فَإِنْ فَعَلَ ضَرَبَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْعَوْدِ أَبَدًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجِزْيَةِ وَجَعْلِهِ عَيْنًا عَلَيْنَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِمَدَاخِلِنَا وَمَخَارِجِنَا، وَذَلِكَ زِيَادَةُ شَرٍّ عَلَيْنَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ مَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِمَقَامِهِ حَوْلًا عَشَرَهُ ثَانِيًا زَجْرًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَرُدُّهُ إلَى دَارِنَا. وَالْأَصْلُ أَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ لَا يَتَجَدَّدُ إلَّا بِتَجَدُّدِ الْحَوْلِ أَوْ تَجَدُّدِ الدُّخُولِ إلَى دَارِ

(وَإِنْ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَشَرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ) وَقَوْلُهُ عَشَرَ الْخَمْرَ: أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْشُرُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُمَا. وَقَالَ زُفَرُ: يَعْشُرُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَعْشُرُهُمَا إذَا مَرَّ بِهِمَا جُمْلَةً كَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَبَعًا لِلْخَمْرِ، فَإِنْ مَرَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَشَرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْهَا، وَفِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَيْسَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِسْلَامِ لِانْتِهَاءِ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَمَانٍ جَدِيدٍ إذَا خَرَجَ (قَوْلُهُ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا) فَسَّرَ بِهِ كَيْ لَا يَذْهَبَ الْوَهْمُ إلَى مَذْهَبِ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ عَيْنِ الْخَمْرِ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْخَمْرِ) دُونَ الْعَكْسِ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ مَالِيَّةً لِأَنَّهَا قَبْلَ التَّخَمُّرِ مَالٌ وَبَعْدَهُ كَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ التَّخَلُّلِ وَلَيْسَ الْخِنْزِيرُ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَمَعَهُ حُمُرٌ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى لَا الْخِنْزِيرُ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ تَبَعًا لَا قَصْدًا كَوَقْفِ الْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْقِيمَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ) اُسْتُشْكِلَ عَلَيْهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى مَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. ثَانِيهَا لَوْ أَتْلَفَ مُسْلِمٌ خِنْزِيرَ ذِمِّيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ. ثَالِثُهَا لَوْ أَخَذَ ذِمِّيٌّ قِيمَةَ خِنْزِيرِهِ مِنْ ذِمِّيٍّ وَقَضَى بِهَا دَيْنًا لِمُسْلِمٍ عَلَيْهِ طَابَ لِلْمُسْلِمِ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ عَنْ

وَالْخَمْرُ مِنْهَا، وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْحِمَايَةِ وَالْمُسْلِمُ يَحْمِي خَمْرَ نَفْسِهِ لِلتَّخْلِيلِ فَكَذَا يَحْمِيهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَحْمِي خِنْزِيرَ نَفْسِهِ بَلْ يَجِبُ تَسْيِيبُهُ بِالْإِسْلَامِ فَكَذَا لَا يَحْمِيهِ عَلَى غَيْرِهِ (وَلَوْ مَرَّ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ بِمَالٍ فَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْءٌ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ مَا عَلَى الرَّجُلِ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي السَّوَائِمِ (وَمَنْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ مِائَةً أُخْرَى قَدْ حَالَ عَلَيْهَا لَمْ يُزَكِّ الَّتِي مَرَّ بِهَا) لِقِلَّتِهَا وَمَا فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ حِمَايَتِهِ (وَلَوْ مَرَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِضَاعَةً لَمْ يَعْشُرْهَا) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرَ مَأْذُونٍ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ. قَالَ (وَكَذَا الْمُضَارَبَةُ) يَعْنِي إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا يَعْشُرُهَا لِقُوَّةِ حَقِّ الْمُضَارِبِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ يَبْلُغُ نَصِيبُهُ نِصَابًا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ (وَلَوْ مَرَّ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَخِيرِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ شَرْعًا، وَمِلْكُ الْمُسْلِمِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ قَبْضُهُ عَنْ الدَّيْنِ، وَعَمَّا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِسُقُوطِ الْمَالِيَّةِ فِي الْعَيْنِ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لَا إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا عِنْدَ الْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ لَا عِنْدَ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَكُونَ كَدَفْعِ عَيْنِهَا وَهُوَ تَبْعِيدٌ وَإِزَالَةٌ فَهُوَ كَتَسْيِيبِ الْخِنْزِيرِ وَالِانْتِفَاعِ بِالسِّرْقِينِ بِاسْتِهْلَاكِهِ (قَوْلُهُ لَا يَحْمِيهِ عَلَى غَيْرِهِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ غَصْبَ خِنْزِيرِ ذِمِّيٍّ فَرَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ حِمَايَةٌ عَلَى الْغَيْرِ أُجِيبَ بِتَخْصِيصِ الْإِطْلَاقِ: أَيْ لَا يَحْمِيهِ عَلَى غَيْرِهِ لِغَرَضٍ يَسْتَوْفِيهِ فَخَرَجَ حِمَايَةُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لِقُوَّةِ حَقِّ الْمُضَارِبِ) حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الْمَالِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَحُضُورِ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ وَلَا نَائِبَ عَنْهُ) وَالزَّكَاةُ تَسْتَدْعِي نِيَّةَ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ كَالْمِلْكِ فِي التَّصَرُّفِ الِاسْتِرْبَاحِيِّ لَا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ، بِخِلَافِ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَنْهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ بِطَرِيقِ الْجُعْلِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ

[باب في المعادن والركاز]

وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَشَرَهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا أَدْرِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ هَذَا أَمْ لَا. وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْشُرُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى وَلَهُ التَّصَرُّفُ فَصَارَ كَالْمُضَارِبِ. وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَكَانَ هُوَ الْمُحْتَاجَ إلَى الْحِمَايَةِ، وَالْمُضَارِبُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَكَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْمُحْتَاجَ. فَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ فِي الْمُضَارِبِ رُجُوعًا مِنْهُ فِي الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ مَعَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ أَوْ لِلشُّغْلِ. قَالَ (وَمَنْ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ فِي أَرْضٍ قَدْ غَلَبُوا عَلَيْهَا فَعَشَرَهُ يُثَنَّى عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) مَعْنَاهُ: إذَا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ إنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ. بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَعِمَالَةِ عَامِلِ الصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا) لَا يَخْفَى عَدَمُ تَأْثِيرِ هَذَا الْفَرْقِ، فَإِنَّ مَنَاطَ عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ الْمُضَارِبِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا نِيَّةَ حِينَئِذٍ، وَمُجَرَّدُ دُخُولِهِ فِي الْحِمَايَةِ لَا يُوجِبُ الْأَخْذَ إلَّا مَعَ وُجُودِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَا أَثَرَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَأْذُونِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ فِيمَا فِي يَدِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ الشُّغْلِ عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى بَلْدَةٍ فَأَخَذُوا زَكَاةَ سَوَائِمِهِمْ لَا يُثَنِّي عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ الْمَالِكِ بَلْ مِنْ الْإِمَامِ. وَمَنْ مَرَّ بِرِطَابٍ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَعْشُرْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَعْشُرُهُ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ وَهُوَ حَاجَتُهُ إلَى الْحِمَايَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اتِّحَادُ الْجَامِعِ إنَّمَا يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِالِاسْتِبْقَاءِ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْعَامِلِ فُقَرَاءُ فِي الْبَرِّ لِيَدْفَعَ لَهُمْ، فَإِذَا بَقِيَتْ لِيَجِدَهُمْ فَسَدَتْ فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ، فَلَوْ كَانُوا عِنْدَهُ أَوْ أَخَذَ لِيَصْرِفَ إلَى عِمَالَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. [بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ] (بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ) الْمَعْدِنُ مِنْ الْعَدْنِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ، وَمِنْهُ يُقَالُ عَدَنَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ جَنَّاتُ عَدْنٍ وَمَرْكَزُ كُلِّ شَيْءٍ مَعْدِنُهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَأَصْلُ الْمَعْدِنِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهِ، ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا

قَالَ (مَعْدِنُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ صُفْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ الْأَرْضَ حَتَّى صَارَ الِانْتِقَالُ مِنْ اللَّفْظِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلَا قَرِينَةٍ، وَالْكَنْزُ لِلْمُثْبَتِ فِيهَا مِنْ الْأَمْوَالِ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ، وَالرِّكَازُ يَعُمُّهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ الرَّكْزِ مُرَادًا بِهِ الْمَرْكُوزُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوْ الْمَخْلُوقَ فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَالِصًا بِالدَّفِينِ، وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ أَوْ مُتَوَاطِئًا إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ كَانَ التَّوَاطُؤُ مُتَعَيِّنًا، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحَدِيدِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَهُ، وَجَامِدٌ لَا يَنْطَبِعُ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَسَائِرِ الْأَحْجَارِ كَالْيَاقُوتِ وَالْمِلْحِ، وَمَا لَيْسَ بِجَامِدٍ كَالْمَاءِ وَالْقِيرِ وَالنَّفْطِ. وَلَا يَجِبُ الْخُمُسُ إلَّا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ إلَّا فِي النَّقْدَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَطْلُوبِهِ بِمَا رَوَى أَبُو حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْعُشُورُ» قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ نَافِعٍ وَابْنِ نَافِعٍ وَيَزِيدَ كِلَاهُمَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَوَصَفَهُمَا النَّسَائِيّ بِالتَّرْكِ انْتَهَى. فَلَمْ يُفِدْ مَطْلُوبًا. وَبِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ بِالْقَبَلِيَّةِ» وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ فِي الْمُوَطَّإِ. وَقَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَمَعَ انْقِطَاعِهِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى الْيَوْمِ انْتَهَى: يَعْنِي فَيَجُوزُ كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، وَنَحْنُ نَتَمَسَّكُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالْقِيَاسِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ

وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ) عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ كَالصَّيْدِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ كُلُّهُ وَالْحَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ الْغَنِيمَةِ عَلَى هَذَا الْمَالِ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ مَحَلِّهِ مِنْ الْأَرْضِ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ، وَقَدْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَكَانَ غَنِيمَةً، كَمَا أَنَّ مَحَلَّهُ أَعْنِي الْأَرْضَ كَذَلِكَ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ، وَالرِّكَازُ يَعُمُّ الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ عَلَى مَا حَقَقْنَاهُ فَكَانَ إيجَابًا فِيهِمَا، وَلَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ إرَادَةِ الْمَعْدِنِ بِسَبَبِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَادَةِ أَنَّهُ جُبَارٌ: أَيْ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ وَإِلَّا لَتَنَاقَضَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَعْدِنِ لَيْسَ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِهِ فِي ضِمْنِ الرِّكَازِ لِيَخْتَلِفَ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، إذًا الْمُرَادُ أَنَّ إهْلَاكَهُ أَوْ الْهَلَاكَ بِهِ لِلْأَجِيرِ الْحَافِرِ لَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، لَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ نَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ أَصْلًا، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي كَمِّيَّتِهِ لَا فِي أَصْلِهِ، وَكَمَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْبِئْرِ وَالْعَجْمَاءِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْمَعْدِنِ بِخُصُوصِهِ حُكْمًا فَنَصَّ عَلَى خُصُوصِ اسْمِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ لَهُ حُكْمًا آخَرَ مَعَ غَيْرِهِ فَعَبَّرَ بِالِاسْمِ الَّذِي يَعُمُّهُمَا لِيَثْبُتَ فِيهَا فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ: أَعْنِي وُجُوبَ الْخُمُسِ بِمَا يُسَمَّى رِكَازًا، فَمَا كَانَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَجَبَ فِيهِ، وَلَوْ فُرِضَ مَجَازًا فِي الْمَعْدِنِ وَجَبَ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ تَعْمِيمُهُ لِعَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ انْدِرَاجِهِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ عَدَمِ مَا يَقْوَى عَلَى مُعَارِضَتِهِمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، قِيلَ: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ الْأَرْضُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ، فَهُوَ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فِي الْإِمَامِ مُضَعَّفٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ. وَفِي الْإِمَامِ أَيْضًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي السُّيُوبِ الْخُمُسُ» وَالسُّيُوبُ: عُرُوقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُمَا شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمُرَادِ بِالرِّكَازِ كَمَا ظَنُّوا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ خَصَّ الذَّهَبَ، وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ لَا يَخُصُّهُ فَإِنَّمَا نَبَّهَ حِينَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ مِثْلَهُ فِي أَنَّهُ جَامِدٌ مُنْطَبِعٌ، وَالثَّانِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ الرِّكَازِ بَلْ السُّيُوبُ، فَإِذَا كَانَتْ السُّيُوبُ تَخُصُّ النَّقْدَيْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إفْرَادُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَصِّصٍ لِلْعَامِّ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى الْكَنْزِ الْجَاهِلِيِّ بِجَامِعِ ثُبُوتِ مَعْنَى الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْمَأْخُوذِ بِعَيْنِهِ قَهْرًا فَيَجِبُ ثُبُوتُ حُكْمِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ وُجُوبُ الْخُمُسِ لِوُجُودِهِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ أُخِذَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ، وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَخْرَجِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى خُرُوجِ الْكَنْزِ الْجَاهِلِيِّ مِنْ عُمُومِ الْفِضَّةِ (قَوْلُهُ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ) قَيَّدَ بِهِ لِيُخْرِجَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، لَكِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ الْأَرْضُ الَّتِي لَا وَظِيفَةَ فِيهَا كَالْمَفَازَةِ، إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُجْعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الِاحْتِرَاسِ بَلْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ وَظِيفَتَهُمَا الْمُسْتَمِرَّةَ لَا تَمْنَعُ الْأَخْذَ مِمَّا يُوجَدُ

لِلتَّنْمِيَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَهُوَ مِنْ الرَّكْزِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْمَعْدِنِ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَحَوَتْهَا أَيْدِينَا غَلَبَةً فَكَانَتْ غَنِيمَةً. وَفِي الْغَنَائِمِ الْخُمُسُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ إلَّا أَنَّ لِلْغَانِمِينَ يَدًا حُكْمِيَّةً لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَمَّا الْحَقِيقِيَّةُ فَلِلْوَاجِدِ فَاعْتَبَرْنَا الْحُكْمِيَّةَ فِي حَقِّ الْخُمُسِ وَالْحَقِيقَةَ فِي حَقِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ حَتَّى كَانَتْ لِلْوَاجِدِ (وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِمَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ لِلْغَانِمِينَ يَدًا حُكْمِيَّةً) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَوْ كَانَ غَنِيمَةً لَكَانَ أَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ لَا لِلْوَاحِدِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ شَرْعًا فِيمَا لَا إذَا كَانَ لَهُمْ يَدٌ حَقِيقِيَّةٌ عَلَى الْمَغْنُومِ، أَمَّا إذَا كَانَ الثَّابِتُ لَهُمْ يَدًا حُكْمِيَّةً وَالْحَقِيقَةُ لِغَيْرِهِمْ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى عَدَمِ إعْطَائِهِمْ شَيْئًا بَلْ إعْطَاءُ الْوَاجِدِ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْغَنِيمَةِ فَلَزِمَ مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَالدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ اعْتِبَارُهُ غَنِيمَةً فِي حَقِّ إخْرَاجِ الْخُمُسِ لَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهِ عَدَمِ إعْطَاءِ الْغَانِمِينَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ هُوَ تَعْيِينٌ لِسَنَدِ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ الْإِيجَافِ عَلَيْهِ. وَالْمَالُ الْمُبَاحُ إنَّمَا يُمْلَكُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً كَالصَّيْدِ، وَيَدُ الْغَانِمِينَ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الظَّاهِرِ يَدٌ عَلَى الْبَاطِنِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً. أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِلْوَاجِدِ فَكَانَ لَهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ، وَكُلُّ مَنْ سَمَّيْنَا لَهُ حَقٌّ فِيهَا سَهْمًا أَوْ رَضْخًا، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْمَنُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لَوْ وُجِدَ فِي دَارِنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ إلَخْ) اسْتَدَلَّ لَهُمَا بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَقَدَّمَ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَلَهُ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا مُؤْنَةَ فِي أَرْضِ الدَّارِ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنْهَا. وَأُجِيبَ عَنْ

مَعْدِنًا فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِيهِ الْخُمُسُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلَهُ أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مُرَكَّبٌ فِيهَا وَلَا مُؤْنَةَ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ لَا يُخَالِفُ الْجُمْلَةَ، بِخِلَافِ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَكَّبٍ فِيهَا (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ دُونَ الْأَرْضِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْعُشْرُ، وَالْخَرَاجُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّارِ فَكَذَا هَذِهِ الْمُؤْنَةُ (وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا) أَيْ كَنْزًا (وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ) عِنْدَهُمْ لِمَا رَوَيْنَا وَاسْمُ الرِّكَازِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَنْزِ لِمَعْنَى الرَّكْزِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالدَّارِ، وَصِحَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى إبْدَاءِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ، وَكَوْنُ الدَّارِ خُصَّتْ مِنْ حُكْمَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَخْصُوصَةً مِنْ كُلِّ حُكْمٍ إلَّا بِدَلِيلٍ فِي كُلِّ حُكْمٍ، عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا قَدْ يَمْنَعُ كَوْنَ الْمَعْدِنِ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهَا مَعَ خَلْقِهَا لَا يُوجِبُ الْجُزْئِيَّةَ، وَعَلَى حَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ مِنْ حُكْمِ الْأَرْضِ لَا عَلَى تَقْدِيرِ هَذَا التَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ رِوَايَتَانِ) رِوَايَةُ الْأَصْلِ لَا يَجِبُ كَمَا فِي الدَّارِ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَجِبُ، وَالْفَرْقُ عَلَى هَذِهِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ أَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُمْلَكْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ بَلْ فِيهَا الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ وَالْخُمُسُ مِنْ الْمُؤَنِ، بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ خَالِيَةً عَنْهَا. قَالُوا: لَوْ كَانَ فِي دَارِهِ نَخْلَةٌ تَغُلُّ أَكْوَارًا مِنْ الثِّمَارِ لَا يَجِبُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَجَبَ الْخُمُسُ عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ذَهَبًا كَانَ أَوْ رَصَاصًا أَوْ زِئْبَقًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الزِّئْبَقِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِدُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَمَا ذَكَرْنَا

ثُمَّ إنْ كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَقَدْ عُرِفَ حُكْمُهَا فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَالْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ الصَّنَمُ فَفِيهِ الْخُمُسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ الْإِحْرَازُ مِنْهُ إذْ لَا عِلْمَ بِهِ لِلْغَانِمِينَ فَيَخْتَصُّ هُوَ بِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، فَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِتَمَامِ الْحِيَازَةِ وَهِيَ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَعْدِنِ إلَّا الْحَرْبِيَّ لِمَا قَدَّمْنَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ أَنْ يَذْهَبَ بِغَنِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إلَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَشَرَطَ مُقَاطَعَتَهُ عَلَى شَيْءٍ فَيَفِي بِشَرْطِهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» غَيْرَ أَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ (قَوْلُهُ كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ) ذَكَرَهُ بِكَافٍ التَّشْبِيهِ، وَكَذَا فِي ضَرْبِ الْكُفَّارِ لِيُفِيدَ عَدَمَ الْحَصْرِ، فَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ نَقْشٌ آخَرُ مَعْرُوفٌ أَوْ لِأَهْلِ الْحَرْبِ نَقْشٌ غَيْرُ الصَّنَمِ كَاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ الْمَعْرُوفَةِ اُعْتُبِرَ بِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفَ حُكْمَهَا) وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا ثُمَّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، وَعَلَى غَيْرِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا، وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا أَبَدًا (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ النَّصِّ، وَالْمَعْنَى أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ إلَخْ) أَيْ الْكَنْزَ الْجَاهِلِيَّ لِأَنَّ الْإِسْلَامِيَّ لَيْسَ حُكْمُهُ مَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مُخْتَطَّةٍ غَيْرِ مُبَاحَةٍ فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، أَمَّا الْمُبَاحَةُ فَمَا فِي ضِمْنِهَا مُبَاحٌ إذْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ فَيَتَمَلَّكُوهُ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ (قَوْلُهُ فَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ الْخُمُسُ لِلْفُقَرَاءِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا لِلْأَرْضِ أَوْ لَا لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ لِعَدَمِ الْمُعَادَلَةِ فَبَقِيَ مُبَاحًا فَيَكُونُ لِمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ، قُلْنَا لَا نَقُولُ: إنَّ الْإِمَامَ يُمَلِّكُ الْمُخْتَطَّ لَهُ الْكَنْزَ بِالْقِسْمَةِ بَلْ يُمَلِّكُهُ الْبُقْعَةَ وَيُقَرِّرُ يَدَهُ فِيهَا وَيَقْطَعُ مُزَاحَمَةَ سَائِرِ الْغَانِمِينَ فِيهَا، وَإِذَا صَارَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا أَقْوَى

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ وَهُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ الْإِمَامُ هَذِهِ الْبُقْعَةَ أَوَّلَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ وَهِيَ يَدُ الْخُصُوصِ فَيَمْلِكُ بِهَا مَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الظَّاهِرِ، كَمَنْ اصْطَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ مَلَكَ الدُّرَّةَ ثُمَّ بِالْبَيْعِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُخْتَطُّ لَهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا قَالُوا وَلَوْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ يُجْعَلُ جَاهِلِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ يُجْعَلُ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ رِكَازًا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ) تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الدَّارِ فِي يَدِ صَاحِبِهَا خُصُوصًا (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِيلَاءَاتِ وَهُوَ بِيَدِ خُصُوصِ الْمِلْكِ السَّابِقَةِ فَيَمْلِكُ بِهَا مَا فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْمَالِ الْمُبَاحِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى أَنَّ الْغَانِمِينَ لَمْ يُعْتَبَرْ لَهُمْ مِلْكٌ فِي هَذَا الْكَنْزِ بَعْدَ الِاخْتِطَاطِ وَإِلَّا لَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ أَوْ إلَى ذَرَارِيِّهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا وُضِعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ، ثُمَّ إذَا مَلَكَهُ لَمْ يَصِرْ مُبَاحًا فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ فَلَا يَمْلِكُهُ مُشْتَرِي الْأَرْضِ كَالدُّرَّةِ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ يَمْلِكُهَا الصَّائِدُ لِسَبْقِ يَدِ الْخُصُوصِ إلَى السَّمَكَةِ حَالَ إبَاحَتِهَا، ثُمَّ لَا يَمْلِكُهَا مُشْتَرِي السَّمَكَةِ لِانْتِفَاءِ الْإِبَاحَةِ. هَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي السَّمَكَةِ مِنْ الْإِطْلَاقِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ: إذَا كَانَتْ الدُّرَّةُ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمَثْقُوبَةِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا عَنْبَرٌ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا تَأْكُلُهُ وَكُلُّ مَا تَأْكُلُهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الدُّرَّةُ فِي صَدَفَةٍ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي: قُلْنَا هَذَا الْكَلَامُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَعَ دَعْوَى أَنَّهَا تَأْكُلُ الدُّرَّةَ غَيْرَ الْمَثْقُوبَةِ كَأَكْلِهَا الْعَنْبَرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. نَعَمْ قَدْ يَتَّفِقُ أَنَّهَا تَبْتَلِعُهَا مَرَّةً بِخِلَافِ الْعَنْبَرِ فَإِنَّهُ حَشِيشٌ وَالصَّدَفُ دَسَمٌ وَمِنْ شَأْنِهَا أَكْلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا) يُفِيدُ الْخِلَافَ عَلَى عَادَتِهِ، قِيلَ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى مَلِكٍ يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ، وَقِيلَ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا أَوْجَهُ لِلْمُتَأَمِّلِ (قَوْلُهُ لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَ الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافُهُ، وَالْحَقُّ مَنْعُ هَذَا الظَّاهِرِ بَلْ دَفِينُهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُوجَدُ بِدِيَارِنَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (قَوْلُهُ فَوَجَدَ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ رِكَازًا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ) سَوَاءٌ كَانَ مَعْدِنًا أَوْ كَنْزًا (قَوْلُهُ فِي الصَّحْرَاءِ) أَيْ أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا،

فِي يَدِ أَحَدٍ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَا يُعَدُّ غَدْرًا وَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ غَيْرِ مُجَاهِرٍ (وَلَيْسَ فِي الْفَيْرُوزَجِ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ خُمُسٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» (وَفِي الزِّئْبَقِ الْخُمُسُ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ فَلَا يُعَدُّ غَدْرًا) يَعْنِي أَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إبَاحَةٍ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّحَرُّزُ مِنْ الْغَدْرِ فَقَطْ وَيَأْخُذُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ مِنْ أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لَمْ يُعْذَرْ بِأَحَدٍ بِخِلَافِهِ مِنْ الْمَمْلُوكَةِ. نَعَمْ لَهُمْ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا فِي صَحْرَاءِ دَارِهِمْ وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ أَحْكَامٍ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا الْحَقِيقَةُ، بِخِلَافِ دَارِنَا فَلِذَا لَا يُعْطِي الْمُسْتَأْمَنُ مِنْهُمْ مَا وَجَدَهُ فِي صَحْرَائِنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ) وَلَوْ دَخَلَ الْمُتَلَصِّصُ دَارَهُمْ فَأَخَذَ شَيْئًا لَا يَأْخُذُ لِانْتِفَاءِ مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ غَلَبَةً وَقَهْرًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: غَايَةُ مَا تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ وَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْخُمُسِ فِي مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ، فَانْتِفَاءُ مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْ ذَلِكَ الْكَنْزِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْخُمُسِ إلَّا بِالْإِسْنَادِ إلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ فَإِنَّ مَا أَصَابَهُ لَيْسَ غَنِيمَةً وَلَا رِكَازًا. فَلَا دَلِيلَ يُوجِبُهُ فِيهِ فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ (قَوْلُهُ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ أُصِيبَ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ وَكُنُوزِهِمْ فَإِنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ» مِنْ طَرِيقَيْنِ ضَعِيفَيْنِ: الْأَوَّلُ بِعُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ. وَالثَّانِي بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَزْرَمِيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ «لَيْسَ فِي حَجَرِ اللُّؤْلُؤِ وَلَا حَجَرِ الزُّمُرُّدِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ» (قَوْلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا، حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَلَا خُمُسَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفُ: فِيهِمَا وَفِي كُلِّ حِلْيَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ خُمُسٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ. وَلَهُمَا أَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ فَلَا يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُ: لَا خُمُسَ فِيهِ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ أُنَاظِرُهُ وَأَقُولُ هُوَ كَالرَّصَاصِ إلَى أَنْ رَجَعَ، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَا أَنْ لَا شَيْءَ فِيهِ فَقُلْتُ بِهِ، ثُمَّ الْمُرَادُ الزِّئْبَقُ الْمُصَابُ فِي مَعْدِنِهِ احْتِرَازًا عَمَّا ذَكَرْنَا، وَالزِّئْبَقُ بِالْيَاءِ وَقَدْ يُهْمَزُ، وَمِنْهَا حِينَئِذٍ مَنْ يَكْسِرُ الْمُوَحَّدَةَ بَعْدَ الْهَمْزَةِ مِثْلُ زِئْبِرِ الثَّوْبِ وَهُوَ مَا يَعْلُو جَدِيدَهُ مِنْ الْوَبَرَةِ. وَجْهُ النَّافِي أَنَّهُ يُتَّبَعُ مِنْ عَيْنِهِ وَيُسْتَقَى بِالدِّلَاءِ كَالْمَاءِ وَلَا يَنْطَبِعُ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْقِيرِ وَالنَّفْطِ. وَجْهُ الْمُوجَبِ أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْعِلَاجِ مِنْ عَيْنِهِ وَيَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ فَكَانَ كَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ مَا لَمْ يُخَالِطْهُمَا شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَلَا خُمُسَ فِي اللُّؤْلُؤِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا اُسْتُخْرِجَا مِنْ الْبَحْرِ لَا إذَا وُجِدَا دَفِينًا لِلْكُفَّارِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَنْبَرَ حَشِيشٌ وَاللُّؤْلُؤَ إمَّا مَطَرُ الرَّبِيعِ يَقَعُ فِي الصَّدَفِ فَيَصِيرُ لُؤْلُؤًا، أَوْ الصَّدَفُ حَيَوَانٌ يُخْلَقُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ، وَلَا شَيْءَ فِي الْمَاءِ وَلَا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَيَوَانِ كَظَبْيِ الْمِسْكِ، وَالْمُصَنِّفُ عَلَّلَ النَّفْيَ بِنَفْيِ كَوْنِهِ غَنِيمَةً لِأَنَّ اسْتِغْنَامَهُ فَرْعُ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ كَانَ فِي مَحَلِّ قَهْرِهِمْ وَلَا يَرِدُ قَهْرُ مَخْلُوقٍ عَلَى الْبَحْرِ الْأَعْظَمِ وَلَا دَلِيلَ آخَرَ يُوجِبُهُ فَبَقِيَ عَلَى الْعَدَمِ، وَقِيَاسُ الْبَحْرِ عَلَى الْبَرِّ فِي إثْبَاتِ الْوُجُوبِ فِيمَا يُسْتَخْرَجُ قِيَاسٌ بِلَا جَامِعٍ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْإِيجَابِ كَوْنُهُ غَنِيمَةً لَا غَيْرُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا فِي الْبَحْرِ، وَلِذَا لَوْ وُجِدَ فِيهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لَمْ يَجِبْ فِيهِمَا شَيْءٌ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا وَهُوَ مَا عَنْ عُمَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَنَا حُجَّةٌ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ فَدَفَعَهُ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ مُدَّعَاهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَخَذَ مِمَّا دَسَرَهُ بَحْرُ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ بَابِ طَلَبٍ: أَيْ دَفَعَهُ وَقَذَفَهُ فَأَصَابَهُ عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ لَا مَا اُسْتُخْرِجَ وَلَا مَا دَسَرَهُ فَأَصَابَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مُتَلَصِّصٌ، عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهُ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا بَلْ

[باب زكاة الزروع والثمار]

غَنِيمَةً وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ فِيمَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ وَبِهِ نَقُولُ (مَتَاعٌ وُجِدَ رِكَازًا فَهُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ وَفِيهِ الْخُمُسُ) مَعْنَاهُ: إذَا وُجِدَ فِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا عُرِفَ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ رَوَاهَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ: أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْعَنْبَرِ الْخُمُسَ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَا: فِي الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ الْخُمُسُ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ عَامِلًا بِعَدَنَ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَنْبَرِ فَقَالَ: لَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَالْخُمُسُ وَهَذَا لَيْسَ جَزْمًا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْجَوَابِ، بَلْ حَقِيقَتُهُ التَّوَقُّفُ فِي أَنَّ فِيهِ شَيْئًا أَوْ لَا، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا يَكُونُ غَيْرَ الْخُمُسِ، وَلَيْسَ فِيهِ رَائِحَةُ الْجَزْمِ بِالْحُكْمِ فَسَلِمَ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ خُمُسٌ. عَنْ الْمُعَارِضِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، فَهَذَا أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَوْ تَعَارَضَا كَانَ قَوْلُ النَّافِي أَرْجَحَ لِأَنَّهُ أَسْعَدُ بِالْوَجْهِ (قَوْلُهُ مَتَاعٌ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَالْآلَاتِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَالْفُصُوصِ وَالزِّئْبَقِ وَالْعَنْبَرِ، وَكُلِّ مَا يُوجَدُ كَنْزًا فَإِنَّهُ يُخَمَّسُ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ. [بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ] (بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ) قِيلَ تَسْمِيَتُهُ زَكَاةً عَلَى قَوْلِهِمَا لِاشْتِرَاطِهِمَا النِّصَابَ وَالْبَقَاءَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمَأْخُوذَ عُشْرًا أَوْ نِصْفَهُ زَكَاةٌ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي إثْبَاتِ بَعْضِ شُرُوطٍ لِبَعْضِ

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ، سَوَاءٌ سُقِيَ سَيْحًا أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ، إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ. وَقَالَا: لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ عِنْدَهُمَا عُشْرٌ) فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ. لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْوَاعِ الزَّكَاةِ وَنَفْيِهَا، وَهَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةً (قَوْلُهُ: إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ) ظَاهِرُهُ كَوْنُ مَا سِوَى مَا اُسْتُثْنِيَ دَاخِلًا فِي الْوُجُوبِ، وَسَيَنُصُّ عَلَى إخْرَاجِ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُمْكِنُ إدْرَاجُهُمَا فِي مُسَمَّى الْحَشِيشِ عَلَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ إخْرَاجِ الطَّرْفَاءِ وَالدُّلْبِ وَشَجَرِ الْقُطْنِ وَالْبَاذِنْجَانِ فَيُدْرَجُ فِي الْحَطَبِ، لَكِنْ بَقِيَ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالْهَلِيلِجِ وَالْكُنْدُرِ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَشْجَارِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطِرَانِ، وَلَا فِيمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ كَالنَّخْلِ وَالْأَشْجَارِ لِأَنَّهَا كَالْأَرْضِ وَلِذَا تَسْتَتْبِعُهَا الْأَرْضُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا فِي كُلِّ بِزْرٍ لَا يُطْلَبُ بِالزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا، وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبِزْرِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ، وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي بَعْضِ هَذِهِ مِمَّا لَا يَرِدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ) وَهِيَ مَا تَبْقَى سَنَةً بِلَا عِلَاجٍ غَالِبًا، بِخِلَافِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْعِنَبِ فِي بِلَادِهِمْ وَالْبِطِّيخِ الصَّيْفِيِّ فِي دِيَارِنَا، وَعِلَاجُهُ الْحَاجَةُ إلَى تَقْلِيبِهِ وَتَعْلِيقِ الْعِنَبِ (قَوْلُهُ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَكُلُّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ، فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا مَنٍّ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ. وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: الْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ، وَكَوْنُ الْوَسْقِ سِتِّينَ صَاعًا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ لِحَدِيثِ الْأَوْسَاقِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ نَوْعَيْنِ كُلٌّ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَا يُضَمُّ، وَفِي نَوْعٍ وَاحِدٍ يُضَمُّ الصِّنْفَانِ كَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، وَالنَّوْعُ الْوَاحِدُ هُوَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ) كَالرَّيَاحِينِ وَالْأَوْرَادِ وَالْبُقُولِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَعِنْدَهُ يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى

وَلِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَالِكِ فِيهِ فَكَيْفَ بِصِفَتِهِ وَهُوَ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِنْمَاءِ وَهُوَ كُلُّهُ نَمَاءٌ. وَلَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَالزَّكَاةُ غَيْرُ مَنْفِيَّةٍ فَتَعَيَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» ثُمَّ أَعَادَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ التَّمْرِ ثَمَرٌ يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْمُثَنَّاةِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ: وَالْوَسْقُ سِتُّونَ مَخْتُومًا، وَابْنُ مَاجَهْ. وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» ) أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَفِيهِ مِنْ الْآثَارِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: فِيمَا أَنْبَتَتْ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ الْعُشْرُ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٍ وَعَنْ النَّخَعِيِّ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ النَّخَعِيِّ: حَتَّى فِي كُلِّ عَشْرِ دُسْتُجَاتِ بَقْلٍ أُسْتُجَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَارَضَ عَامٌّ وَخَاصٌّ، فَمَنْ يُقَدِّمُ الْخَاصَّ مُطْلَقًا كَالشَّافِعِيِّ قَالَ بِمُوجِبِ حَدِيثِ الْأَوْسَاقِ، وَمَنْ يُقَدِّمُ الْعَامَّ أَوْ يَقُولُ يَتَعَارَضَانِ وَيَطْلُبُ التَّرْجِيحَ إنْ لَمْ يَعْرِفْ التَّارِيخَ وَإِنْ عَرَفَ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ، وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ كَقَوْلِنَا يَجِبُ أَنْ يَقُولَ بِمُوجِبِ هَذَا الْعَامِّ هُنَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ مَعَ حَدِيثِ الْأَوْسَاقِ فِي الْإِيجَابِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ الْأَوْسُقِ كَانَ الْإِيجَابُ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ، فَمَنْ تَمَّ لَهُ الْمَطْلُوبُ فِي نَفْسِ الْأَصْلِ الْخِلَافِيِّ تَمَّ لَهُ هُنَا، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْخُرُوجِ عَنْ الْغَرَضِ لَأَظْهَرْنَا صِحَّتَهُ أَيَّ إظْهَارٍ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْبَحْثُ يَتِمُّ عَلَى الصَّاحِبَيْنِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَمْلِ مَرْوِيِّهِمَا عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ طَرِيقَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. قِيلَ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ يُشْعِرُ بِهِ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْوَاجِبِ فِيمَا أَخْرَجَتْ اسْمًا الْعُشْرُ لَا الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) رَوَى

الْعُشْرُ وَلَهُ مَا رَوَيْنَا، وَمَرْوِيُّهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى وَالسَّبَبُ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْيَ الْعُشْرِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ سَوْقُهَا يَطُولُ فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ. وَرَوَى الْحَاكِمُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَصَحَّحَهُ، وَغُلِّطَ بِأَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ يَحْيَى تَرَكَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ مُعَاذٍ مُرْسَلٌ عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٌ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَرِوَايَةُ مُوسَى عَنْهُ مُرْسَلَةٌ. وَمَا قِيلَ: إنَّ مُوسَى هَذَا وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمَّاهُ لَمْ يَثْبُتْ. وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا مَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ» وَأَحْسَنُ مَا فِيهَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا لَكِنْ يَجِيءُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمٍ مِنْ الْعَامِّ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَنْفِيَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا الْعَاشِرُ إذَا مَرَّ بِهَا عَلَيْهِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ هَذَا الْمُرْسَلِ. إذْ قَالَ نَهَى أَنْ يُؤْخَذَ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ وُجُوبِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالِكُ لِلْفُقَرَاءِ. وَالْمَعْقُولُ مِنْ هَذَا النَّهْيِ أَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ لَيْسُوا مُقِيمِينَ عِنْدَ الْعَاشِرِ وَلَا بَقَاءَ لِلْخُضْرَوَاتِ فَتَفْسُدُ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ؛ وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ أَخَذَ مِنْهَا الْعَاشِرُ لِيَصْرِفَهُ إلَى عِمَالَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالسَّبَبُ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ) أَيْ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا فِي حَقِّ الْعُشْرِ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ السَّبَبِ، فَإِذَا أَخْرَجَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَوْ لَمْ نُوجِبْ شَيْئًا لَكَانَ إخْلَاءً لِلسَّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ، وَحَقِيقَةُ الِاسْتِدْلَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَامِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ الْجُعْلِ، وَالْمُفِيدُ لِسَبَبِيَّتِهَا كَذَلِكَ هُوَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ أَفَادَ أَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِإِخْرَاجِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ هَذَا مُسْتَقِلًّا بَلْ هُوَ فَرْعُ الْعَامِّ الْمُفِيدِ سَبَبِيَّتَهَا مُطْلَقًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَنْعِ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ أَجَازَهُ بَعْدَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرِ، هَكَذَا حَكَى مَذْهَبَهُ فِي

وَلِهَذَا يَجِبُ فِيهَا الْخَرَاجُ أَمَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ فَلَا تُسْتَنْبَتُ فِي الْجِنَانِ عَادَةً بَلْ تُنَقَّى عَنْهَا حَتَّى لَوْ اتَّخَذَهَا مُقَصَّبَةً أَوْ مُشَجَّرَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ أَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ فَفِيهِمَا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِمَا اسْتِغْلَالَ الْأَرْضِ، بِخِلَافِ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَبُّ وَالتَّمْرُ دُونَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَافِي. وَفِي الْمَنْظُومَةِ خَصَّ خِلَافَهُ بِثَمَرِ الْأَشْجَارِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ السَّبَبِ نَظَرًا إلَى أَنَّ بِنُمُوِّ الْأَشْجَارِ يَثْبُتُ نَمَاءُ الْأَرْضِ تَحْقِيقًا فَيَثْبُتُ السَّبَبُ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَمَاءُ الْأَرْضِ، ثُمَّ إذَا ظَهَرَ فَأَدَّى يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَهَلْ يَكُونُ تَعْجِيلًا يَنْبَنِي عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ مَتَى هُوَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَلَا يَكُونُ تَعْجِيلًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ تَصْفِيَتِهِ وَحُصُولِهِ فِي الْحَظِيرَةِ فَيَكُونُ تَعْجِيلًا. وَثَمَرَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ. قَالَ الْإِمَامُ: يَجِبُ عَلَيْهِ عُشْرُ مَا أَكَلَ أَوْ أَطْعَمَ، وَمُحَمَّدٌ يَحْتَسِبُ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْأَوْسُقِ: يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَأْكُولُ مَعَ مَا بَقِيَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا فِي التَّأَلُّفِ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلَا يَعْتَبِرُ الذَّاهِبَ بَلْ يَعْتَبِرُ فِي الْبَاقِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكُ مِنْ الْمُتْلِفِ ضَمَانَ مَا أَتْلَفَهُ فَيُخْرِجُ عُشْرَهُ وَعُشْرَ مَا بَقِيَ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَجِبُ فِيهَا الْخَرَاجُ) أَيْ لِكَوْنِهَا السَّبَبَ، إلَّا أَنَّ سَبَبِيَّتَهَا تَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، فَفِي الْخَرَاجِ بِالنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ فَلِذَا يَجِبُ وَيُؤْخَذُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ وَفِي الْعُشْرِ بِالتَّحْقِيقِيِّ كَمَا قَدَّمْنَا (قَوْلُهُ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ) نَوْعٌ مِنْ الْقَصَبِ فِي مَضْغِهِ حَرَافَةٌ وَمَسْحُوقُهُ عَطِرٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ) وَإِنَّمَا

قَالَ: (وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَكْثُرُ فِيهِ وَتَقِلُّ فِيمَا يُسْقَى بِالسَّمَاءِ أَوْ سَيْحًا وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيمَا لَا يُوسَقُ كَالزَّعْفَرَانِ، وَالْقُطْنِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوسَقُ) كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّقْدِيرُ الشَّرْعِيُّ فِيهِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ. فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ) ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَجِبْ فِي التِّبْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِزِرَاعَةِ الْحَبِّ غَيْرَ أَنَّهُ قَصَلَهُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ هُوَ الْمَقْصُودَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ كَانَ الْعُشْرُ فِيهِ قَبْلَ الِانْعِقَادِ ثُمَّ تَحَوَّلَ عِنْدَ الِانْعِقَادِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي التِّبْنِ إذَا يَبِسَ فِيهِ الْعُشْرُ (قَوْلُهُ بِغَرْبٍ) الْغَرْبُ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ وَالدَّالِيَةُ الدُّولَابُ، وَالسَّانِيَةُ النَّاقَةُ يُسْتَقَى بِهَا (قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) يَعْنِي مُطْلَقًا كَمَا هُوَ قَوْلُهُ أَوْ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) لَمَّا اشْتَرَطَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيمَا لَا يُوسَقُ كَيْفَ التَّقْدِيرُ عِنْدَهُمَا، اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ: أَيْ أَمْثَالِ كُلِّ وَاحِدٍ هُوَ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ ذَلِكَ النَّوْعُ الَّذِي لَا يُوسَقُ، فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ وَخَمْسَةُ أَمْنَاءٍ فِي السُّكَّرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَخَمْسَةُ أَفْرَاقٍ فِي الْعَسَلِ (قَوْلُهُ إذَا أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ

لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ» وَلِأَنَّ النَّخْلَ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَالثِّمَارِ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَوْرَاقِ وَلَا عُشْرَ فِيهَا. ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ النِّصَابَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ) يَعْنِي الْقَزَّ وُجُوبُ الْعُشْرِ فِيمَا هُوَ مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ» ) أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَهْلِ الْعَسَلِ الْعُشْرُ» وَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ وَلَا يَعْلَمُ وَيَقْلِبُ الْأَخْبَارَ وَلَا يَفْهَمُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْلَطُ كَثِيرًا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيِّ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمْتُ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لِقَوْمِي مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَفَعَلَ، وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ قَالَ: يَا قَوْمِ أَدُّوا زَكَاةَ الْعَسَلِ فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ، قَالُوا: كَمْ تَرَى؟ قَالَ: الْعُشْرُ، فَأَخَذْتُ مِنْهُمْ الْعُشْرَ فَأَتَيْت بِهِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَبَاعَهُ وَجَعَلَهُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ» وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِيسَى: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عِيسَى بِهِ. وَرَوَاهُ الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالِدَ مُنِيرٍ، وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ أَيَصِحُّ حَدِيثُهُ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْعَسَلِ» ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ رَآهُ فَتَطَوَّعَ بِهِ أَهْلُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ «أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي نَحْلًا قَالَ: أَدِّ الْعُشْرَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِهَا لِي، فَحَمَاهَا» وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ فِيهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ شَيْءٌ يَصِحُّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ سَلَبَةُ فَحَمَاهُ لَهُ» ، فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ لَهُ عُمَرُ: إنْ أَدَّى إلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قِيمَةُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ قِرَبٍ لِحَدِيثِ «بَنِي شَبَّابَةَ أَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَفَّافُ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ بَنِي سَيَّارَةَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ: صَوَابُهُ شَبَّابَةَ بِعُجْمَةٍ وَبِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ «كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَحْلٍ كَانَ لَهُمْ الْعُشْرَ عَنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ، وَكَانَ يَحْمِي وَادِيَيْنِ لَهُمْ» ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَعْمَلَ عَلَى مَا هُنَاكَ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِ شَيْئًا وَقَالُوا: إنَّمَا كُنَّا نُؤَدِّيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَتَبَ سُفْيَانُ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنَّمَا النَّحْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِزْقًا إلَى مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ أَدَّوْا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاحْمِ لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَأَدَّوْا إلَيْهِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَمَى لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ مِنْ أَوْسَطِهَا» وَإِذْ قَدْ وُجِدَ مَا أَوْجَدْنَاك غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الْوُجُوبُ فِي الْعَسَلِ، وَأَنَّ أَخْذَ سَعْدٍ لَيْسَ رَأْيًا مِنْهُ وَتَطَوُّعًا مِنْهُمْ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَدُّوا زَكَاةَ الْعَسَلِ. وَالزَّكَاةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ فَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَوْنَهُ رَأْيًا مِنْهُ، وَحَمْلُهُ عَلَى السَّمَاعِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُمْ: كَمْ تَرَى لَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَهُمْ بِأَنَّهُ عَنْ رَأْيٍ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ عَنْ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الرَّأْيَ فِي خُصُوصٍ مِنْ الْكَمِّيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ مَا عَلِمَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلَ الْوُجُوبِ مَعَ إجْمَالِ الْكَمِّيَّةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَكُونُونَ قَاصِدِي التَّطَوُّعِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْكَمِّيَّةِ أَوْ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ إذْ قَدْ قَلَّدُوهُ فِي رَأْيِهِ فَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ إذْ كَانَ رَأْيُهُ الْوُجُوبُ. ثُمَّ كَوْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَهُ مِنْهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ حِينَ أَتَاهُ بِعَيْنِ الْعَسَلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا عَلَى أَنَّهُ زَكَاةٌ أَخَذَهَا مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِي ثُبُوتِهِ، وَفِيهِ الْأَمْرُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَدَاءِ الْعُشُورِ، وَالْمُرْسَلُ بِانْفِرَادِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَا أَقَمْنَا الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِهِ بِانْفِرَادِهِ فَتُعَدُّ طُرُقُ الضَّعِيفِ ضَعْفًا بِغَيْرِ فِسْقِ الرُّوَاةِ يُفِيدُ حُجِّيَّتَهُ، إذْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إجَادَةُ كَثِيرِ الْغَلَطِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَتْنِ وَهُنَا كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمُرْسَلُ الْمَذْكُورُ مَعَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ مَاجَهْ، وَحَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ، فَتَثْبُتُ الْحُجِّيَّةُ اخْتِيَارًا مِنْهُمْ وَرُجُوعًا وَإِلَّا فَإِلْزَامًا وَجَبْرًا، ثُمَّ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِيهِ. وَغَايَةُ مَا فِي حَدِيثِ الْقِرَبِ أَنَّهُ كَانَ أَدَاؤُهُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً وَهُوَ فَرْعُ بُلُوغِ عَسَلِهِمْ هَذَا الْمَبْلَغَ، أَمَّا النَّفْيُ عَمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ قِرَبٍ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزُقٍّ زِقٌّ» فَضَعِيفٌ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ بَنِي شَبَّابَةَ) قَالَ

كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ» وَعَنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرَقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ. وَكَذَا فِي قَصَبِ السُّكَّرِ وَمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ مِنْ الْعَسَلِ وَالثِّمَارِ فَفِيهِ الْعُشْرُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَهُوَ الْخَارِجُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعِنَايَةِ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَبِي سَيَّارَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَنَّ صَوَابَهُ بَنِي شَبَّابَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَاسْتَجْهَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ صَوَابًا مَعَ قَوْلِهِ كَانُوا يُؤَدُّونَ اهـ. وَلَيْسَ هَذَا الدَّفْعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ: إنَّهُمْ كَانُوا يُؤَدُّونَ لَمْ يُحْكَمْ بِخَطَأِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهُ أُسْلُوبٌ مُسْتَمِرٌّ فِي أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا يُؤَدُّونَ أَوْ أَنَّهُ مَعَ بَاقِي الْقَوْمِ كَانُوا يُؤَدُّونَ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ أَبَا سَيَّارَةَ هُنَا لَيْسَ بِصَوَابٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَيَّارَةَ ذِكْرُ الْقِرَبِ بَلْ مَا تَقَدَّمَ إنَّ لِي نَحْلًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدِّ الْعُشُورَ» لَا لِمَا اسْتَبْعَدَهُ بِهِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَبَا سَيَّارَةَ الْمُتَعِيَّ ثَابِتٌ، وَكَذَا بَنَى شَبَّابَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَالَ بَنِي سَيَّارَةَ لَا مُطْلَقًا، فَارْجِعْ تَأَمَّلْ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْكَلَامِ الطَّوِيلِ حِينَئِذٍ. [فَرْعٌ] اُخْتُلِفَ فِي الْمَنِّ إذَا سَقَطَ عَلَى الشَّوْكِ الْأَخْضَرِ: قِيلَ لَا يَجِبُ فِيهِ عُشْرٌ، وَقِيلَ يَجِبُ، وَلَوْ سَقَطَ عَلَى الْأَشْجَارِ لَا يَجِبُ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي قَصَبِ السُّكَّرِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: فِي قَصَبِ السُّكَّرِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ السُّكَّرِ أَنْ يَبْلُغَ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصَابُ السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ. اهـ. وَهَذَا تَحَكُّمٌ بَلْ إذَا بَلَغَ قِيمَةُ نَفْسِ الْخَارِجِ مِنْ الْقَصَبِ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوسَقُ، كَانَ ذَلِكَ نِصَابَ الْقَصَبِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصَابُ السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ يُرِيدُ فَإِذَا بَلَغَ الْقَصَبُ قَدْرًا يَخْرُجُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءِ سُكَّرٍ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَإِلَّا فَالسُّكَّرُ نَفْسُهُ لَيْسَ مَالَ الزَّكَاةِ إلَّا إذَا أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ نِصَابًا. وَإِذًا فَالصَّوَابُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يَبْلُغَ الْقَصَبُ الْخَارِجُ خَمْسَةَ مَقَادِيرَ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ الْقَصَبُ نَفْسُهُ كَخَمْسَةِ أَطْنَانٍ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْفَرَقُ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يُسَكِّنُونَهَا، وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ هُوَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: إنَّهُ لَمْ يَرَ تَقْدِيرَهُ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فِيمَا عِنْدَهُ مِنْ أُصُولِ اللُّغَةِ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَهُوَ الْخَارِجُ) فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَوْنِهِ مَالِكًا

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ لَا يُحْتَسَبُ فِيهِ أَجْرُ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةُ الْبَقَرِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا. قَالَ (تَغْلِبِيٌّ لَهُ أَرْضٌ عُشْرٍ عَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَرْضِ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ، كَمَا إذَا أَجَّرَ الْعُشْرِيَّةَ عِنْدَهُمَا يَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَكَمَا إذَا اسْتَعَارَهَا وَزَرَعَ يَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِالِاتِّفَاقِ خِلَافًا لِزُفَرَ. هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذْ قَدْ ذَكَرْنَا هَاتَيْنِ فَلْنَذْكُرْ الْوَجْهَ تَتْمِيمًا لَهُمَا فِي الْأُولَى أَنَّ الْعُشْرَ مَنُوطٌ بِالْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا وَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ. وَلَهُ أَنَّهَا كَمَا تُسْتَنْمَى بِالزِّرَاعَةِ تُسْتَنْمَى بِالْإِجَارَةِ فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ مَقْصُودَةً كَالثَّمَرَةِ فَكَانَ النَّمَاءُ لَهُ مَعْنًى مَعَ مِلْكِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ عَلَيْهِ. وَلِزُفَرَ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّبَبَ مِلْكُهَا وَالنَّمَاءُ لَهُ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ الْمُسْتَعِيرَ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الِاسْتِنْمَاءِ فَكَانَ كَالْمُؤَجِّرِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ فِي الِاسْتِنْمَاءِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْعُشْرِ، بِخِلَافِ الْمُؤَجِّرِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ عِوَضُ مَنَافِعِ أَرْضِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا وَتَرَكَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَأَدْرَكَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عُشْرُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُشْرُ قِيمَةِ الْقَصِيلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْبَاقِي عَلَى الْمُشْتَرِي. لَهُ أَنَّ بَدَلَ الْقَصِيلِ حَصَلَ لِلْبَائِعِ فَعُشْرُهُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ وَقَصْلَهُ كَانَ عُشْرُهُ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي فَعُشْرُهُ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْعُشْرَ وَاجِبٌ فِي الْحَبِّ وَقَدْ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ فِي الْقَصِيلِ لَوْ قَصَلَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ هُوَ الْمُسْتَنْمَى بِهِ فَلَمَّا لَمْ يُقْصَلْ كَانَ الْمُسْتَنْمَى بِهِ الْحَبَّ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَزَرَعَهَا إنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ كَانَ الْعُشْرُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ ضَمَانَ نُقْصَانِهَا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ نَمَائِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُؤَجِّرِ، وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ فَعَلَى الْغَاصِبِ فِي زَرْعِهِ. وَلَوْ زَارَعَ بِالْعُشْرِيَّةِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْعُشْرُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ فِي الزَّرْعِ كَالْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ رَبُّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِمْ. (قَوْلُهُ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ كَيْ لَا يُظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ. (قَوْلُهُ لَا يُحْتَسَبُ فِيهِ أَجْرُ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةُ الْبَقَرِ) وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَأُجْرَةُ الْحَارِسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، يَعْنِي لَا يُقَالُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي قَدْرِ الْخَارِجِ الَّذِي بِمُقَابَلَةِ الْمُؤْنَةِ بَلْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْكُلِّ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: يَجِبُ النَّظَرُ إلَى قَدْرِ قِيَمِ الْمُؤْنَةِ فَيُسَلَّمُ لَهُ بِلَا عُشْرٍ ثُمَّ يُعْشَرُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ

عُرِفَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ فِيمَا اشْتَرَاهُ التَّغْلِبِيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ عُشْرًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ عِنْدَهُ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْرَ الْمُؤْنَةِ بِمَنْزِلَةِ السَّالِمِ بِعِوَضٍ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ سُلِّمَ لَهُ قَدْرُ مَا غَرِمَ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ وَطَابَ لَهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ. وَلَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيمَا سُقِيَ سَيْحًا» إلَخْ حُكْمٌ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ، فَلَوْ رُفِعَتْ الْمُؤْنَةُ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا وَهُوَ الْعُشْرُ دَائِمًا فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ إلَى نِصْفِهِ إلَّا لِلْمُؤْنَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ رَفْعِ قَدْرِ الْمُؤْنَةِ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ دَائِمًا الْعُشْرَ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَفَاوَتَ شَرْعًا مَرَّةً الْعُشْرُ وَمَرَّةً نِصْفُهُ بِسَبَبِ الْمُؤْنَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا عَدَمُ عَشْرِ بَعْضِ الْخَارِجِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُسَاوِي لِلْمُؤْنَةِ أَصْلًا. وَفِي النِّهَايَةِ مَا حَاصِلُهُ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى اتِّحَادِ الْوَاجِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمُؤْنَةِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ شَرْعًا فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ، وَهُوَ عَدَمُ تَعْشِيرِ الْبَعْضِ الْمُسَاوِي لِقَدْرِ الْمُؤْنَةِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْخَارِجَ مَثَلًا أَرْبَعُونَ قَفِيزًا فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَاسْتُحِقَّ قِيمَةُ قَفِيزَيْنِ لِلْعُمَّالِ وَالثِّيرَانِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْفِزَةٍ اعْتِبَارُ الْمَجْمُوعِ الْخَارِجِ، وَعَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ قَفِيزَانِ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْمُؤْنَةَ مِنْ الْخَارِجِ لَا يَجِبُ فِي قَدْرِ مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فَلَوْ فُرِضَ إخْرَاجُ أَرْبَعِينَ قَفِيزًا فِيمَا سُقِيَ بِدَالِيَةٍ أَوْ غَرْبٍ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قَفِيزَانِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَلْزَمُ اتِّحَادُ الْوَاجِبِ فِيمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ، وَفِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَهُوَ خِلَافُ حُكْمِ الشَّرْعِ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَعْنَى الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُقَابِلُ الْمُؤْنَةَ لَا يُعْشَرُ وَيُعْشَرُ الْبَاقِي، فَيُعْشَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَهَا فِي النِّهَايَةِ أَوَّلًا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ قَفِيزًا لِأَنَّ الْقَفِيزَيْنِ الْأَخِيرِينَ اُسْتُغْرِقَا فِي الْمُؤْنَةِ فَلَا يُعْشَرَانِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ إلَّا خُمُسَ قَفِيزٍ، وَهَذَا التَّصْوِيرُ الْمَذْكُورُ فِي النِّهَايَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ يُرْفَعُ قَدْرُ الْمُؤْنَةِ وَهُوَ الْقَفِيزَانِ مِنْ نَفْسِ عُشْرِ جَمِيعِ الْخَارِجِ حَتَّى يَصِيرَ الْوَاجِبُ قَفِيزَيْنِ، فَأَسْقَطُوا عُشْرَ عِشْرِينَ قَفِيزًا، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ، نَعَمْ إنْ كَانَ قَوْلُهُمْ فِي الْوَاقِعِ هُوَ هَذَا فَذَلِكَ دَفْعُهُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَالتَّصْوِيرُ الصَّحِيحُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَهَا أَنْ تَسْتَغْرِقَ الْمُؤْنَةُ عِشْرِينَ قَفِيزًا (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَخْ) ضَبْطُ هَذَا الْفَصْلِ عَلَى تَمَامِهِ أَنَّ الْأَرْضَ إمَّا

(فَإِنْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ذِمِّيٌّ فَهِيَ عَلَى حَالِهَا عِنْدَهُمْ) لِجَوَازِ التَّضْعِيفِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ (وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) سَوَاءٌ كَانَ التَّضْعِيفُ أَصْلِيًّا أَوْ حَادِثًا؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةً لَهَا. فَتَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ بِمَا فِيهَا كَالْخَرَاجِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ) لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ قَالَ فِي الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً أَوْ تَضْعِيفِيَّةً، وَالْمُشْتَرُونَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَتَغْلِبِيٌّ فَالْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى الْعُشْرِيَّةَ أَوْ الْخَرَاجِيَّةَ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا، أَوْ تَضْعِيفِيَّةً فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ التَّضْعِيفُ أَصْلِيًّا بِأَنْ كَانَتْ مِنْ أَرَاضِي بَنِي تَغْلِبَ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ حَادِثًا اسْتَحْدَثُوا مِلْكَهَا فَضُعِّفَتْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَرْجِعُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ وَهُوَ الْكُفْرُ مَعَ التَّغْلِبِيَّةِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ خُمُسًا مِنْ سَائِمَةِ إبِلِ التَّغْلِبِيِّ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى شَاةٍ وَاحِدَةٍ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصَحِّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى قَوْلُهُ فِي التَّضْعِيفِ الْحَادِثِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ فَلَا يَتَبَدَّلُ إلَّا فِي صُورَةٍ يَخُصُّهَا دَلِيلٌ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ الْخَرَاجِيَّةَ حَيْثُ تَبْقَى خَرَاجِيَّةً، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ لَا يُبْتَدَأُ بِالْخَرَاجِ. وَقَوْلُهُ: زَالَ الْمَدَارُ، وَهُوَ الْكُفْرُ. قُلْنَا: هَذَا مَدَارُ ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً، وَحُكْمُ الشَّرْعِيِّ يُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ عِلَّتِهِ الشَّرْعِيَّةِ فِي بَقَائِهِ، وَإِنَّمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا فِي ابْتِدَائِهِ كَالرِّقِّ أَثَرَ الْكُفْرِ ثُمَّ يَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ، بِخِلَافِ سَائِمَتِهِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي السَّائِمَةِ لَيْسَتْ وَظِيفَةً مُتَقَرِّرَةً فِيهَا، وَلِهَذَا تَنْتَفِي بِجَعْلِهَا عَلُوفَةً وَبِكَوْنِهَا لِغَيْرِ التَّغْلِبِيِّ بِخِلَافِ الْأَرَاضِيِ، وَتَقْيِيدُنَا بِالشَّرْعِيِّ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ لِإِخْرَاجِ الْعَقْلِيِّ، فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي بَقَائِهِ إلَى عِلَّتِهِ الْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَسَتَظْهَرُ فَائِدَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ وَلَهُ أَرْضٌ تَضْعِيفِيَّةٌ، وَإِذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ الْخَرَاجِيَّةَ بَقِيَتْ خَرَاجِيَّتُهُ، أَوْ التَّضْعِيفِيَّةَ فَهِيَ تَضْعِيفِيَّةٌ، أَوْ الْعُشْرِيَّةَ مِنْ مُسْلِمٍ ضُوعِفَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لَهُ أَنَّ الْوَظِيفَةَ بَعْدَ مَا قُرِّرَتْ فِي الْأَرْضِ لَا تَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ عَلَى مَا عُلِمَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ خَرَاجِيَّةً لَا يُضَعَّفُ الْخَرَاجُ. وَلَهُمَا أَنَّ فِي هَذِهِ دَلِيلًا يَخُصُّهَا

وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا صَحَّ عَنْهُ: قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَقَاءِ التَّضْعِيفِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ الْحَادِثَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِ الْوَظِيفَةِ (وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِمُسْلِمٍ بَاعَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ) يُرِيدُ بِهِ ذِمِّيًّا غَيْرَ تَغْلِبِيٍّ (وَقَبَضَهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْكَافِرِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا) وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ اعْتِبَارًا بِالتَّغْلِبِيِّ وَهَذَا أَهْوَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هِيَ عُشْرِيَّةٌ عَلَى حَالِهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤْنَةً لَهَا فَلَا يَتَبَدَّلُ كَالْخَرَاجِ، ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ: يُصْرَفُ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ (فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ كَمَا كَانَتْ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي تَغَيُّرَهَا وَهُوَ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمُسْلِمُ فَوَجَبَ تَضْعِيفُ الْعُشْرِ دُونَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمُسْلِمُ. فَإِنْ قِيلَ: الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى أَنْ يُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مَا يَأْخُذُهُ بَعْضُنَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ مِمَّا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمُسْلِمُ. فَمِمَّا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُوجِدُوا فِيهِ دَلِيلًا، وَهَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ لِأَنَّ الصُّلْحَ جَرَى عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ دُونَ الْمُؤْنَةِ الْمَحْضَةِ. قُلْنَا سَوْقُ الصُّلْحِ وَهُوَ الْأَنَفَةُ مِنْ إعْطَائِهِمْ الْجِزْيَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الصَّغَارِ يُفِيدُ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى مَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِهِ مَا أَنِفُوا مِنْهُ فَيُقَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا، إذًا ابْتِدَاءُ الْخَرَاجِ ذُلٌّ وَصَغَارٌ وَلِهَذَا لَا يُبْتَدَأُ الْمُسْلِمُ بِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ غَيْرُ تَغْلِبِيٍّ خَرَاجِيَّةً أَوْ تَضْعِيفِيَّةً بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا، وَلَوْ اشْتَرَى عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ بِحُكْمِ الْفَسَادِ جَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا الشِّرَاءِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ (وَإِذَا كَانَتْ لِمُسْلِمٍ دَارُ خُطَّةٍ فَجَعَلَهَا بُسْتَانًا فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصِيرُ خَرَاجِيَّةً إنْ اسْتَقَرَّتْ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَقِرَّ بَلْ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ اسْتَحَقَّهَا مُسْلِمٌ بِشُفْعَتِهِ عَادَتْ عُشْرِيَّةً وَلَوْ بَعْدَ وَضْعِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ هَذَا الرَّدَّ فَسْخٌ فَيُجْعَلُ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَبِالِاسْتِحْقَاقِ بِالشُّفْعَةِ تَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ الشَّفِيعِ الصَّفْقَةُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ، وَكَذَا إذَا رَدَّهَا بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ الْفَسْخِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَصَارَ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ بَعْدَ مَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةً فَتَصِيرُ عَلَى حَالِهَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ، كَمَا إذَا أَسْلَمَ هُوَ وَاشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ آخَرُ، وَفِي نَوَادِرِ: (زَكَاةِ) الْمَبْسُوطِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ عَيْبٌ حَدَثَ فِيهَا فِي مِلْكِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي النَّوَادِرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ بِالرَّدِّ بِالْقَضَاءِ لِلْمَانِعِ فَمَنْعُهُ بِأَنَّهُ مَانِعٌ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ، وَهَذَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ فَلَا يَمْتَنِعُ لِلْعَيْبِ. هَذَا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِصَيْرُورَتِهَا خَرَاجِيَّةً، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِ عُشْرُهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ عَلَى حَالِهَا عُشْرِيَّةً. ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ: تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْعُشْرِ، وَفِي أُخْرَى: مَصَارِفَ الْخَرَاجِ، وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَبْقِيَتِهَا عَلَى مِلْكِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَبْقَى بَلْ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَصْلًا كَقَوْلِهِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا وَفِي قَوْلٍ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ مَعًا. وَعَنْ شَرِيكٍ: لَا شَيْءَ فِيهَا قِيَاسًا عَلَى السَّوَائِمِ إذَا اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ يُوجِبُ تَقَرُّرَ الْعُشْرِ وَمَالُ الْكَافِرِ لَا يَصْلُحُ لَهُ، فَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ يَسْتَلْزِمُ الْمُمْتَنِعَ. وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْعُشْرَ كَانَ وَظِيفَتَهَا فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِمَا فِيهَا ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يُوَظَّفَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِمَا نَذْكُرُ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَجِبَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَالَهُ لَا يَصْلُحُ لِلْعُشْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ فِيهَا فَيَجِبُ إجْبَارُهُ عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ إبْقَاءً لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي الْعُشْرِ تَابِعٌ فَيُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ قِيَاسًا عَلَى الْخَرَاجِ لَمَّا كَانَ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهِ تَابِعًا أُلْغِيَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ بَقَاءً. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَضْعِيفَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ ثَابِتٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِبَلَهُ فَعَلِمَ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا ثَبَتَ أَخْذُهُ مِنْ الذِّمِّيِّ يُضَعَّفُ عَلَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّضْعِيفُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِحُكْمِ الصُّلْحِ أَوْ التَّرَاضِي كَمَا فِي التَّغْلِبِيِّينَ، وَتَعَذَّرَ الْعُشْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَإِنْ سَلِمَ كَوْنُهُ تَابِعًا فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو عَنْ وَظِيفَةٍ مُقَرَّرَةٍ فِيهَا شَرْعًا بِخِلَافِ السَّائِمَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَبِهِ يَنْتَفِي قَوْلُ شَرِيكٍ فَتَعَيَّنَ الْخَرَاجُ وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِحَالِ الْكَافِرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مِمَّا مَنَعَ

مَعْنَاهُ إذَا سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَفِيهَا الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي مِثْلِ هَذَا تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ (وَلَيْسَ عَلَى الْمَجُوسِيِّ فِي دَارِهِ شَيْءٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقَاءَ الْوَظِيفَةِ فِيهِ مَانِعٌ فَيَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ السَّابِقُ. هَذَا ثُمَّ إلَى الْآنَ لَمْ يَحْصُلْ جَوَابُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ التَّغْيِيرَ إبْطَالٌ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ تَعَلُّقِهِ فَلَا يَجُوزُ وَالتَّضْعِيفُ أَيْضًا إبْطَالٌ لَهُ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَ الْعُشْرِ الْمُضَاعَفِ مَصَارِفُ الْجِزْيَةِ، وَإِبْقَاءُ حَقِّهِمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ صَالِحٍ لَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إحْدَى الْوَظَائِفِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا إخْلَاؤُهَا مُطْلَقًا وَجَبَ إجْبَارُهُ عَلَى إخْرَاجِهَا، كَمَا إذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا عِنْدَنَا يَصِحُّ، وَيُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ. فَإِنْ قُلْت: فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ أَوَّلٌ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَتْ الْوَظَائِفُ وَالْإِخْلَاءُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَبْقَى فَلَا فَائِدَةَ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ ثُمَّ الْإِجْبَارُ عَلَى الْإِخْرَاجِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ نَفْيَ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ إذْ قَدْ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَةَ التِّجَارَةِ وَالِاكْتِسَابِ أَوْ قَصْدَ الْهِبَةِ فِي أَغْرَاضٍ كَثِيرَةٍ فَيَجِبُ التَّصْحِيحُ. (قَوْلُهُ فَجَعَلَهَا بُسْتَانًا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهَا بُسْتَانًا وَفِيهَا نَخْلٌ تَغُلُّ أَكْرَارًا لَا شَيْءَ فِيهَا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ تَدُورُ فِي مِثْلِهِ مَعَ الْمَاءِ) ، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَرَاجِيًّا فَفِيهَا الْخَرَاجُ وَإِنْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً فِي الْأَصْلِ سَقَطَ عُشْرُهَا بِاخْتِطَاطِهَا دَارًا، وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً سَقَطَ خَرَاجُهَا بِالِاخْتِطَاطِ أَيْضًا، فَالْوَظِيفَةُ فِي حَقِّهِ تَابِعَةٌ لِلْمَاءِ، وَلَيْسَ فِي جَعْلِهَا خَرَاجِيَّةً إذَا سُقِيَتْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا ظَنَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ حُسَامُ الدِّينِ السِّغْنَاقِيُّ فِي النِّهَايَةِ، وَأَيَّدَ عَدَمَ امْتِنَاعِهِ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ أَنَّ ضَرْبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً جَائِزٌ، وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَا صَغَارَ فِي خَرَاجِ الْأَرَاضِيِ إنَّمَا الصَّغَارُ فِي خَرَاجِ الْجَمَاجِمِ بَلْ إنَّمَا هُوَ انْتِقَالُ مَا تَقَرَّرَ فِيهِ الْخَرَاجُ بِوَظِيفَتِهِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَاءُ فَإِنَّ فِيهِ وَظِيفَةَ الْخَرَاجِ، فَإِذَا سُقِيَ بِهِ انْتَقَلَ هُوَ بِوَظِيفَتِهِ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى خَرَاجِيَّةً، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقَاتِلَةَ هُمْ الَّذِينَ حَمَوْا هَذَا الْمَاءَ فَثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ وَحَقُّهُمْ هُوَ الْخَرَاجُ، فَإِذَا سَقَى بِهِ مُسْلِمٌ أُخِذَ مِنْهُ حَقُّهُمْ، كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّهِمْ فِي الْأَرْضِ أَعَنَى خَرَاجَهَا لِحِمَايَتِهِمْ إيَّاهَا يُوجِبُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي أَبْوَابِ السِّيَرِ مِنْ الزِّيَادَاتِ: بِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ وَحَمَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَاشِرْ سَبَبَ ابْتِدَائِهِ بِذَلِكَ لِيَخْرُجَ هَذَا الْمَوْضِعُ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ الْوَظِيفَةُ فِي مِثْلِهِ أَيْ فِيمَا هُوَ ابْتِدَاءُ تَوْظِيفٍ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ هَذَا وَمِنْ الْأَرْضِ الَّتِي أَحْيَاهَا لَا كُلِّ مَا لَمْ يَتَقَرَّرْ أَمْرُهُ فِي وَظِيفَةٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ جَعَلَ دَارَ خُطَّتِهِ بُسْتَانًا أَوْ أَحْيَا أَرْضًا أَوْ رَضَخَتْ لَهُ لِشُهُودِهِ الْقِتَالَ كَانَ فِيهَا الْخَرَاجُ وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى الْمَجُوسِيِّ)

لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا (وَإِنْ جَعَلَهَا بُسْتَانًا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْعُشْرِ إذْ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْخَرَاجُ وَهُوَ عُقُوبَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْمَاءِ الْعُشْرِيِّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عُشْرًا وَاحِدًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عُشْرَانِ وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ، ثُمَّ الْمَاءُ الْعُشْرِيُّ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ، وَالْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ مَاءُ الْأَنْهَارِ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَيَّدَ بِهِ لِيُفِيدَ النَّفْيَ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّ الْمَجُوسَ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ مُنَاكَحَتِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا) هَكَذَا هُوَ مَأْثُورٌ فِي الْقَصَصِ وَكُتُبِ الْآثَارِ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِينَ الَّتِي تَغُلُّ وَاَلَّتِي تَصْلُحُ لِلْغَلَّةِ مِنْ الْعَامِرَةِ، وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَسَاكِنَ وَالدُّورَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُهُمْ وَتَوَارَثَهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، وَحَكَى عَلَيْهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ) لِأَنَّ الْعُشْرَ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَالْكُفْرُ يُنَافِيهِ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: فِيمَا إذَا اتَّخَذَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بُسْتَانًا أَوْ رَضَخَتْ لَهُ أَرْضٌ أَوْ أَحْيَاهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ، وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِمَا الْعُشْرُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا سَقَى دَارِهِ الَّذِي جَعَلَهَا بُسْتَانًا بِمَاءِ الْخَرَاجِ حَيْثُ يَجِبُ الْخَرَاجُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهَا عُشْرَانِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَرْضٍ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْعُشْرُ. وَصَارَ وَظِيفَةً لَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ اهـ. وَقَدْ قَرَّرَ هُوَ ثُبُوتَ الْوَظِيفَةِ فِي الْمَاءِ وَهُوَ حَقٌّ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُدْفَعُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ بِمَا أَوْرَدَهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَاءُ الْعُشْرِي مَاءُ السَّمَاءِ) وَالْعُيُونُ وَالْبِحَارُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ وُرُودُ يَدِ أَحَدٍ عَلَيْهَا، وَمَاءُ الْخَرَاجِ

شَقَّهَا الْأَعَاجِمُ، وَمَاءُ جَيْحُونَ وَسَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عُشْرِيٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِيهَا أَحَدٌ كَالْبِحَارِ، وَخَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يَتَّخِذُ عَلَيْهَا الْقَنَاطِرَ مِنْ السُّفُنِ وَهَذَا يَدٌ عَلَيْهَا (وَفِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ التَّغْلِبِيَّيْنِ مَا فِي أَرْضِ الرَّجُلِ التَّغْلِبِيِّ) يَعْنِي الْعُشْرَ الْمُضَاعَفَ فِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجَ الْوَاحِدَ فِي الْخَرَاجِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاءُ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدَ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَيَحُونَ نَهْرِ التُّرْكِ وَجَيْحُونَ نَهْرِ تِرْمِذَ وَدِجْلَةَ نَهْرِ بَغْدَادَ وَالْفُرَاتِ نَهْرِ الْكُوفَةِ هَلْ هِيَ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ لَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَرُدُّ عَلَيْهَا يَدَ أَحَدٍ أَوْ لَا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَعَمْ، فَإِنَّ السُّفُنَ يُشَدُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ جِسْرًا يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالْقَنْطَرَةِ، وَهَذَا يَدٌ عَلَيْهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ. قِيلَ: مَا ذُكِرَ فِي مَاءِ الْخَرَاجِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مَاءَ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْكَفَرَةُ كَانَ لَهُمْ يَدٌ عَلَيْهَا ثُمَّ حَوَيْنَاهَا قَهْرًا وَقَرَرْنَا يَدَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا كَأَرَاضِيِهِمْ، وَأَمَّا فِي مَاءِ الْعُشْرِ فَلَيْسَ بِظَاهِرِ فَإِنَّ الْآبَارَ وَالْعُيُونَ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ وَحَوَيْنَاهَا قَهْرًا خَرَاجِيَّةٌ، صَرَّحُوا بِذَلِكَ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَعَلَّلُوا الْعُشْرِيَّةَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا فَلَمْ تَكُنْ غَنِيمَةً وَلَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا فِي الْبِحَارِ وَالْأَمْطَارِ، ثُمَّ قَالُوا فِي مَائِهِمَا: لَوْ سَقَى كَافِرٌ بِهِمَا أَرْضَهُ يَكُونُ فِيهَا الْخَرَاجُ بَلْ الْبِحَارُ أَيْضًا خَرَاجِيَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَاءُ الْمَطَرِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَافِرَ إذَا سَقَى بِهِ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ الَّتِي كَانَتْ حِينَ كَانَتْ الْأَرْضُ دَارَ حَرْبٍ خَرَاجِيَّةً لَا يَنْفِي الْعُشْرِيَّةَ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَبِئْرٍ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ احْتَفَرَهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ صَيْرُورَةِ الْأَرْضِ دَارَ إسْلَامٍ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ التَّعْمِيمُ فَإِنَّ مَا نَرَاهُ مِنْهَا الْآنَ إمَّا مَعْلُومُ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ، أَمَّا ثُبُوتُ مَعْلُومِيَّةِ أَنَّهُ جَاهِلِيٌّ فَمُتَعَذِّرٌ، إذْ أَكْثَرُ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِمْ قَدْ دُثِرَ وَسَفَتْهُ الرِّيَاحُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ إلَّا قَوْلُ الْعَوَامّ غَيْرَ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى نَبْتٍ فَيَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا نَرَاهُ بِأَنَّهُ إسْلَامِيٌّ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ وَقْتَيْهِ

[باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز]

لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ دُونَ الْمُؤْنَةِ الْمَحْضَةِ، ثُمَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ فَيُضَعَّفُ ذَلِكَ إذَا كَانَا مِنْهُمْ قَالَ: (وَلَيْسَ فِي عَيْنِ الْقِيرِ وَالنَّفْطِ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُوَ عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ (وَعَلَيْهِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ خَرَاجٌ) وَهَذَا (إذَا كَانَ حَرِيمُهُ صَالِحًا لِلزِّرَاعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ. (بَابُ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُمَكَّنَيْنِ وَيَكُونُ ظُهُورُ الْقِسْمَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَقْي الْمُسْلِمِ مَا لَمْ تَسْبِقْ فِيهِ وَظِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فِي عَيْنِ الْقِيرِ) هُوَ الزِّفْتُ وَيُقَالُ الْقَارُ، وَالنَّفْطُ دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ. (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ حَرِيمُهَا صَالِحًا لِلزِّرَاعَةِ) ثُمَّ يَمْسَحُ مَوْضِعَ الْقِيرِ فِي رِوَايَةٍ تَبَعًا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَمْسَحُ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ. [فَرْعٌ] لَا يُجْمَعُ عَلَى مَالِكِ أَرْضٍ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ لِمَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُجْمَعُ عَلَى مُسْلِمٍ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضٍ» وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إذْ قَدْ فَتَحُوا السَّوَادَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ قَطُّ جَمْعُهَا عَلَى مَالِكٍ [بَابُ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ. فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ، وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِيمَنْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَمَنْ لَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ كَانَ مَصْرِفًا وَمَنْ لَا فَلَا لِأَنَّ إنَّمَا تُفِيدُ الْحَصْرَ فَيَثْبُتُ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ: سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ) كَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ كُفَّارٌ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُعْطِيهِمْ لِيَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقِسْمٌ كَانَ يُعْطِيهِمْ لِيَدْفَعَ شَرَّهُمْ، وَقِسْمٌ أَسْلَمُوا وَفِيهِمْ ضَعِيفٌ فِي الْإِسْلَامِ. فَكَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ لِيَثْبُتُوا، وَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ السُّؤَالِ الْقَائِلِ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَةِ إلَى الْكُفَّارِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَادِ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ مِنْ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ تَارَةً بِالسِّنَانِ، وَمَرَّةً بِالْإِحْسَانِ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ نُصِبَ الشَّرْعُ إذَا نَصَّ عَلَى الصَّرْفِ إلَيْهِمْ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هُمْ بِالْإِعْطَاءِ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ وَالْأَسْئِلَةُ عَلَى مَا يُجْتَهَدُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ نُبُوٍّ عَنْ الْمَنْصُوصِ أَوْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي تُعْطِيهَا الْعُمُومَاتُ حَتَّى يُجَابَ بِمَا يُفِيدُ إدْرَاجَهَا فِي نُصُوصِ الشَّارِعِ أَوْ قَوَاعِدِهِ الْمُفَادَةُ بِالْعُمُومَاتِ أَوْ بِاللَّوَازِمِ لِأَحَدِهِمَا فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ نَفْسُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قُلْت: السُّؤَالُ مَعْنَاهُ طَلَبُ حِكْمَةِ الْمَشْرُوعِ الْمَنْصُوصِ. قُلْنَا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَوَابُهُ بِنَفْسِ مَا عَلَّلْنَا بِهِ إعْطَاءَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لَا بِمَا أَجَابُوا بِهِ فَتَأَمَّلْ مُسْتَعِينًا. ثُمَّ رَوَى الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ «يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَمِنْ بَنَى مَخْزُومٍ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ، وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمِنْ فَزَارَةَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَمِنْ بَنِي نَصْرٍ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَمِنْ ثَقِيفٍ الْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةَ نَاقَةٍ إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَرْبُوعٍ، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، فَإِنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمَا خَمْسِينَ» وَأَسْنَدَ أَيْضًا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ إنَّمَا كَانَتْ الْمُؤَلَّفَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ انْقَطَعَتْ. (قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ) أَيْ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّ عُمَرَ رَدَّهُمْ، وَقَالَ مَا ذَكَرْنَا لِعُيَيْنَةَ وَقِيلَ جَاءَ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ يَطْلُبَانِ أَرْضًا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَتَبَ لَهُ الْخَطَّ، فَمَزَّقَهُ عُمَرُ وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِيكُمُوهُ لِيَتَأَلَّفَكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالْآنَ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأُغْنِيَ عَنْكُمْ، فَإِنْ ثُبْتُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ السَّيْفُ، فَرَجَعُوا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا: الْخَلِيفَةُ أَنْتَ أَمْ عُمَرُ؟ فَقَالَ: هُوَ إنْ شَاءَ، وَوَافَقَهُ فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِإِثَارَةِ الثَّائِرَةِ أَوْ ارْتِدَادِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْلَا اتِّفَاقُ عَقَائِدِهِمْ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ مَفْسَدَةَ مُخَالَفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ لَبَادَرُوا لِإِنْكَارِهِ نَعَمْ يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدِ عِلْمِهِمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَوْ أَفَادَ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِحَيَّاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيَّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ،، وَقَدْ اتَّفَقَ انْتِهَاؤُهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِ عَطَاءٍ أَعْطَاهُمُوهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَمَّا مُجَرَّدُ تَعْلِيلِهِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ انْتَهَتْ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فِي مَسَائِلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ لِثُبُوتِ اسْتِغْنَائِهِ فِي بَقَائِهِ عَنْهَا شَرْعًا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ فَلَا بُدَّ فِي خُصُوصِ مَحَلٍّ يَقَعُ فِيهِ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا ثُبُوتُهُ بِثُبُوتِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بَلْ إنْ ظَهَرَ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ فِي قَوْلِنَا حُكْمٌ مُغَيَّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْمُؤَلَّفَةِ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ. وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤْتَلِفَةِ تَقْرِيرًا لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا نَسْخَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ الْإِعْزَازَ، وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ لِأَنَّ

(وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ قِيلَ عَلَى الْعَكْسِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQإبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٌّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ. (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ) وَهُوَ مَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ قَدْرُ نِصَابٍ غَيْرَ نَامٍ وَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ فِي الْحَاجَةِ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَيَحْتَاجُ لِلْمَسْأَلَةِ لِقُوتِهِ أَوْ مَا يُوَارِي بَدَنَهُ وَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ لَهُ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَنْ يَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِهِ بَعْدَ سُتْرَةِ بَدَنِهِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ: لَا تَحِلُّ لِمَنْ كَانَ كَسُوبًا أَوْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَيَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ بَعْدَ كَوْنِهِ فَقِيرًا وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْفَقْرِ مِلْكُ نُصُبٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ نَامِيَةٍ إذَا كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالْحَاجَةِ وَلِذَا قُلْنَا: يَجُوزُ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي نُصُبًا كَثِيرَةً عَلَى تَفْصِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِيهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا لِلتَّدْرِيسِ أَوْ بِالْحِفْظِ أَوْ التَّصْحِيحِ، وَلَوْ كَانَتْ مِلْكَ عَامِّيٍّ وَلَيْسَ لَهُ نِصَابٌ نَامٍ لَا يَحِلُّ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَغْرَقَةٍ فِي حَاجَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ آلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ إذَا مَلَكَهَا صَاحِبُ تِلْكَ الْحِرْفَةِ وَغَيْرُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّصُبَ ثَلَاثَةٌ: نِصَابٌ يُوجِبُ الزَّكَاةَ عَلَى مَالِكِهِ وَهُوَ النَّامِي خِلْقَةً أَوْ إعْدَادًا وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَنِصَابٌ لَا يُوجِبُهَا وَهُوَ مَا لَيْسَ أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِحَاجَةِ مَالِكِهِ حَلَّ لَهُ أَخْذُهَا وَإِلَّا حَرُمَتْ عَلَيْهِ كَأَثْيَابٍ تُسَاوِي نِصَابًا لَا يَحْتَاجُ إلَى كُلِّهَا أَوْ أَثَاثٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كُلِّهِ فِي بَيْتِهِ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ وَرُكُوبِهِ وَدَارٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَكَنِهَا، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَا ذَكَرْنَا حَاجَةً أَصْلِيَّةً فَهُوَ فَقِيرٌ يَحِلُّ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَتَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ عَلَيْهِ. وَنِصَابٌ يَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ وَهُوَ مَلَكَ قُوتَ يَوْمِهِ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ لَكِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ) وَجْهُ كَوْنِ الْفَقِيرِ أَسْوَأَ حَالًا قَوْله تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] أَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ سَفِينَةً، وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَلْ هُمْ أُجَرَاءُ فِيهَا أَوْ عَارِيَّةٌ لَهُمْ أَوْ قِيلَ لَهُمْ مَسَاكِينُ تَرَحُّمًا. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» مَعَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ تَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْ الْفَقْرِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَقْرَ الْمُتَعَوَّذَ مِنْهُ لَيْسَ إلَّا فَقْرُ النَّفْسِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ الْعَفَافَ وَالْغِنَى، وَالْمُرَادُ مِنْهُ غِنَى النَّفْسِ لَا كَثْرَةُ الدُّنْيَا، فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهُمْ فِي الْآيَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَدَلَّ عَلَى زِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِمْ، وَذَلِكَ مَظِنَّةُ زِيَادَةِ حَاجَتِهِمْ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ قَدَّمَ الْعَامِلِينَ عَلَى الرِّقَابِ مَعَ أَنَّ حَالَهُمْ أَحْسَنُ ظَاهِرًا وَأَخَّرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدِ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حَيْثُ أَضَافَ إلَيْهِمْ بِلَفْظَةِ فِي فَدَلَّ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِاعْتِبَارٍ آخَرَ غَيْرِ زِيَادَةِ الْحَاجَةِ، وَالِاعْتِبَارَاتُ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ خُصُوصًا مِنْ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ بِمَعْنَى الْمَفْقُودِ، وَهُوَ الْمَكْسُورُ الْفَقَارِ فَكَانَ أَسْوَأَ حَالًا، وَمُنِعَ بِجَوَازِ كَوْنِهِ

ثُمَّ هُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ فَقُرَتْ لَهُ فِقْرَةٌ مِنْ مَالِي: أَيْ قِطْعَةٌ مِنْهُ فَيَكُونُ لَهُ شَيْءٌ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: هَلْ لَك فِي أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهُ ... تُعِينُ مِسْكِينًا كَثِيرًا عَسْكَرُهُ عَشْرَ شِيَاهٍ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ عُورِضَ بِقَوْلِ الْآخَرِ: أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ يُقَالُ مَالَهُ سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ أَيْ شَيْءٌ وَأَصْلُ السَّبَدِ الشَّعْرُ كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ، وَقَوْلُ الْأَوَّلِ عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعَهُ. . . إلَخْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ هِيَ سَمْعُهُ لِجَوَازِ عَشْرٍ تَحْصُلُ لَهُ تَكُونُ سَمْعَهُ فَيَكُونُ سَائِلًا مِنْ الْمُخَاطَبِ عَشْرَ شِيَاهٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى عَسْكَرِهِ أَيْ عِيَالِهِ وَيُؤْجَرُ فِيهَا الْمُخَاطَبُ الدَّافِعُ لَهَا. وَجْهُ الْأُخْرَى قَوْله تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] أَيْ أَلْصَقَ جِلْدَهُ بِالتُّرَابِ مُحْتَفِرًا حُفْرَةً جَعَلَهَا إزَارَهُ لِعَدَمِ مَا يُوَارِيهِ أَوْ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِهِ لِلْجُوعِ، وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ كَاشِفَةٌ، وَالْأَكْثَرُ خِلَافُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ مُصَنَّفَةً وَخَصَّ هَذَا الصِّنْفَ بِالْحَضِّ عَلَى إطْعَامِهِمْ كَمَا خَصَّ الْيَوْمَ بِكَوْنِهِ ذَا مَسْغَبَةٍ: أَيْ مَجَاعَةٍ لِقَحْطٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ تَخْصِيصِ الْيَوْمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ فِي حَالِ زِيَادَةِ الْحَاجَةِ زِيَادَةَ حَضٍّ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُعْطَى وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَمَحْمَلُ الْإِثْبَاتِ أَعْنِي قَوْلَهُ «وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ فَيُعْطَى» مُرَادٌ مَعَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ نَفَى الْمَسْكَنَةَ عَمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى لُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْمَسْأَلَةِ وَأَثْبَتَهَا لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَا يَسْأَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَكِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مُبَالَغَةٍ فِي الْمَسْكَنَةِ، وَلِذَا صَرَّحَ الْمَشَايِخُ فِي عَرْضِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ الْكَامِلَ فِي الْمَسْكَنَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْكَنَةُ الْمَنْفِيَّةُ عَنْ غَيْرِهِ هِيَ الْمَسْكَنَةُ الْمُبَالَغُ فِيهَا لَا مُطْلَقُ الْمَسْكَنَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. الثَّالِثُ مَوْضِعُ الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ السُّكُونُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ كَأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْحَرَكَةِ فَلَا يَبْرَحُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ هُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ) ثَمَرَتُهُ فِي الْوَصَايَا، وَالْأَوْقَافِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ وَقَفَ فَلِزَيْدٍ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَلِلْفَرِيقَيْنِ نِصْفُهُ، بِنَاءً عَلَى جَعْلِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، (قَوْلُهُ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانَهُ) مِنْ كِفَايَتِهِمْ بِالْوَسَطِ إلَّا إنْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ فَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ

لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ، وَلِهَذَا يَأْخُذُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الصَّدَقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا الْعَامِلُ الْهَاشِمِيُّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ، وَالْغَنِيُّ لَا يُوَازِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ. قَالَ (وَفِي الرِّقَابِ يُعَانُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْهَا فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ) وَهُوَ الْمَنْقُولُ (وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ تَحَمَّلَ غَرَامَةً فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِطْفَاءِ الثَّائِرَةِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ. وَتَقْدِيرُ الشَّافِعِيِّ بِالثُّمُنِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى كُلِّ الْأَصْنَافِ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ كَالْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ (قَوْلُهُ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الشُّبْهَةُ) أَيْ شُبْهَةُ الصَّدَقَةِ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْهَاشِمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَمَنْعُ الْهَاشِمِيِّ مِنْ الْعِمَالَةِ صَرِيحٌ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَيَأْتِي وَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ) أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ. فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى، فَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ، هَذَا يُلْقِي عِمَامَةً وَهَذَا يُلْقِي مُلَاءَةً وَهَذَا يُلْقِي خَاتَمًا حَتَّى أَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ سَوَادًا كَثِيرًا، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ قَالَ: اجْمَعُوهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَبِيعَ، فَأُعْطِيَ الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبَتَهُ ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا الَّذِي أُعْطُوهُ فِي الرِّقَابِ. وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَالزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالُوا: فِي الرِّقَابِ هُمْ الْمُكَاتَبُونَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ، فَقَالَ: أَعْتِقْ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ، فَقَالَ: أَوَلَيْسَا سَوَاءً؟ قَالَ لَا أَعْتِقْ الرَّقَبَةَ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفُكَّ النَّسَمَةَ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. فَقِيلَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذَا هُوَ مَعْنَى وَفِي الرِّقَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ (قَوْلُهُ: وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ) أَوْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَاضِلٌ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا مَهْرٌ دَيْنٌ عَلَى زَوْجِهَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَهُوَ مُوسِرٌ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَتْ أَعْطَاهَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُعْطِي لَوْ طَلَبَتْ جَازَ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مَنْ تَحَمَّلَ إلَخْ) فَيَأْخُذُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَعِنْدَنَا لَا يَأْخُذُ إلَّا إذَا لَمْ

(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَفَاهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ) لِمَا رَوَى «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ» . وَلَا يَصْرِفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْغُزَاةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ هُوَ الْفُقَرَاءُ (وَابْنُ السَّبِيلِ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ) وَهُوَ فِي مَكَان لَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ. قَالَ: (فَهَذِهِ جِهَاتُ الزَّكَاةِ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْضُلْ لَهُ بَعْدَ مَا ضَمِنَهُ قَدْرَ نِصَابٍ. وَالنَّائِرَةُ بِالنُّونِ قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ رَجُلًا» إلَخْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ الْعُمْرَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ مَرْوَانَ الَّذِي أُرْسِلَ إلَى أُمِّ مَعْقِلٍ. فَسَاقَهُ إلَى أَنْ ذَكَرَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيَّ حَجَّةً وَلِأَبِي مَعْقِلٍ بَكْرًا. قَالَ أَبُو مَعْقِلٍ: جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَعْطَاهَا الْبَكْرَ» وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي مَعْقِلٍ، ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا. اعْتَمِرِي عَلَيْهِ ثُمَّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِسَبِيلِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. وَالْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ إيَّاهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَمْرَ الْأَعَمَّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ بَلْ نَوْعٌ مَخْصُوصٌ، وَإِلَّا فَكُلُّ الْأَصْنَافِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى. ثُمَّ لَا يُشْكِلُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ لَا يُوجِبُ خِلَافًا فِي الْحُكْمِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى الْأَصْنَافُ كُلُّهُمْ سِوَى الْعَامِلِ بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَمُنْقَطِعٌ الْحَاجُّ يُعْطَى اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَلَا يُصْرَفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْغُزَاةِ عِنْدَنَا) يُشْعِرُ بِالْخِلَافِ، وَسَنَذْكُرُ الْخِلَافَ مِنْ قَرِيبٍ (قَوْلُهُ وَابْنُ السَّبِيلِ) وَهُوَ الْمُسَافِرُ سُمِّيَ بِهِ لِثُبُوتِهِ فِي السَّبِيلِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ

وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَصْرِفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِحَرْفِ اللَّامِ لِلِاسْتِحْقَاقِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِعِلَّةِ الْفَقْرِ صَارُوا مَصَارِفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ، وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِجَوَازِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ، وَأُلْحِقَ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ ابْنَ السَّبِيلِ التَّصَدُّقُ بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَالْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ لَا يَلْزَمُهُمَا التَّصَدُّقُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ) وَكَذَا لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ بِحَرْفِ اللَّامِ لِلِاسْتِحْقَاقِ) وَذَكَرَ كُلَّ صِنْفٍ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِاللَّامِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهِ الِاسْتِغْرَاقُ فَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ عَلَى حَالِهَا. قُلْنَا: حَقِيقَةُ اللَّامِ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ الْخُصُوصِيَّاتِ مِنْ الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ يَكُونُ مُجَرَّدًا، فَحَاصِلُ التَّرْكِيبِ إضَافَةُ الصَّدَقَاتِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِكُلِّ صَدَقَةِ مُتَصَدِّقٍ إلَى الْأَصْنَافِ الْعَامِّ كُلٍّ مِنْهَا الشَّامِلِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أَخَصُّ بِهَا كُلِّهَا، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي لُزُومَ كَوْنِ كُلِّ صَدَقَةٍ وَاحِدَةً تَنْقَسِمُ عَلَى أَفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ، غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَحَالَ ذَلِكَ فَلَزِمَ أَقَلُّ الْجَمْعِ مِنْهُ، بَلْ إنَّ الصَّدَقَاتِ كُلَّهَا لِلْجَمِيعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ كُلِّ صَدَقَةٍ. صَدَقَةً لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ لَوْ أَمْكَنَ، أَوْ كُلَّ صَدَقَةٍ جُزْئِيَّةٍ لِطَائِفَةٍ أَوْ لِوَاحِدٍ. وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْجَمْعَ إذَا قُوبِلَ بِالْجَمْعِ أَفَادَ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ نَحْوُ {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح: 7] وَرَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، فَالْإِشْكَالُ أَبْعَدُ حِينَئِذٍ إذْ يُفِيدُ أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ لِوَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا حَاجَةَ إلَى نَفْيِ أَنَّهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ بَلْ مَعَ كَوْنِهَا لَهُ يَجِيءُ هَذَا الْوَجْهُ فَلَا يُفِيدُ الْجَمْعَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، إلَّا أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِصَرْفِ اسْتِحْقَاقِهِ إلَيْهِمْ عَلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمَالِكِ فِي تَعْيِينِ مَنْ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ فَلَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الِاسْتِحْقَاقِ لِوَاحِدٍ إلَّا بِالصَّرْفِ إلَيْهِ إذْ قَبْلَهُ لَا تَعَيُّنَ لَهُ وَلَا اسْتِحْقَاقَ إلَّا لِمُعَيَّنٍ، وَجَبْرُ الْإِمَامِ لِقَوْمٍ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ عَلَى إعْطَاءِ الْفُقَرَاءِ لَيْسَ إلَّا لِلْخُرُوجِ عَنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّهِمْ، ثُمَّ رَأَيْنَا الْمَرْوِيَّ عَنْ الصَّحَابَةِ نَحْوَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، قَالَ: فِي أَيِّ صِنْفٍ وَضَعْته

فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ جِهَاتِهِ، وَاَلَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلَا يَجُوزُ أَنَّهُ يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَى ذِمِّيٍّ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» . قَالَ (وَيَدْفَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الصَّدَقَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَدْفَعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْزَأَك اهـ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، قَالَ: أَيُّمَا صِنْفٍ أَعْطَيْته مِنْ هَذَا أَجْزَأَ عَنْك. حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَرْضَ مِنْ الصَّدَقَةِ فَيَجْعَلُهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ. وَرَوَى أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَك، وَأَخْرَجَ نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» . وَالْفُقَرَاءُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَفِيهِ نَظَرٌ تَسْمَعُهُ قَرِيبًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ، فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ وَهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَزَيْدُ الْخَيْلِ قَسَّمَ فِيهِمْ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ آخَرَ، وَهُمْ الْغَارِمُونَ، فَقَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ حِينَ أَتَاهُ، وَقَدْ تَحَمَّلَ حِمَالَةً «يَا قَبِيصَةُ قُمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا» . وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ. قِيلَ: وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مَا يُخَالِفُهُمْ قَوْلًا وَلَا فِعْلًا. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ إلَخْ) رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» . (قَوْلُهُ وَيُدْفَعُ لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ (مَا سِوَى ذَلِكَ) كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَلَا يُدْفَعُ ذَلِكَ لِحَرْبِيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ، فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا» )

وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَقُلْنَا بِالْجَوَازِ فِي الزَّكَاةِ. (وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلَا يُكَفَّنُ بِهَا مَيِّتٌ) لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الرُّكْنُ (وَلَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ مَيِّتٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصَدَّقُوا إلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272] إلَى قَوْلِهِ {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} [البقرة: 272] فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا» . وَقَالَ أَيْضًا مُرْسَلًا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ سَالِمِ الْمَكِّيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كَرِهَ النَّاسُ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272] قَالَ: فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ. وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْيَهُودِ بِصَدَقَةٍ فَهِيَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ» (قَوْلُهُ وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ لَقُلْنَا بِالْجَوَازِ) أَيْ بِجَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَى الذِّمِّيِّ، لَكِنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى إطْلَاقِ الْكِتَابِ. أَعْنِي إطْلَاقَ الْفُقَرَاءِ فِي الْكِتَابِ أَوْ هُوَ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ بِالْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدِينَ إلَى قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الرُّكْنُ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا صَدَقَةً، وَحَقِيقَةُ الصَّدَقَةِ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَهَذَا فِي الْبِنَاءِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي التَّكْفِينِ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَمْلِيكًا لِلْكَفَنِ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا

لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا مِنْ الْمَيِّتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَرَثَةِ، وَلِذَا لَوْ أَخْرَجَتْ السِّبَاعُ الْمَيِّتَ فَأَكَلَتْهُ كَانَ الْكَفَنُ لِصَاحِبِهِ لَا لَهُمْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْهُ) وَلِذَا لَوْ تَصَادَقَ الدَّائِنُ وَالْمَدْيُونُ عَلَى أَنْ لَا دِينَ كَانَ لِلْمُزَكِّي أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْقَابِضِ، وَمَحْمَلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ، أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَيَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ وَالدَّائِنُ يَقْبِضُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ. وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا مِنْ الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ: لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِأَمْرِهِ جَازَ، وَمَعْلُومٌ إرَادَةُ قَيْدِ فَقْرِ الْمَدْيُونِ، وَظَاهِرُ فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ يُوَافِقُهُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَكَذَا عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ أَوْ حَجَّ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ لَا يَجُوزُ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْمَيِّتِ مُطْلَقًا؛ أَلَا تَرَى إلَى تَخْصِيصِ الْحَيِّ فِي حُكْمِ عَدَمِ الْجَوَازِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ وَإِطْلَاقِهِ فِي الْمَيِّتِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا لِلْمَدْيُونِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَمْرِهِ بَلْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ وَقَبْضِ النَّائِبِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ لِمَوْتِهِ. وَقَوْلُهُمْ: الْمَيِّتُ يَبْقَى مِلْكُهُ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ جِهَازِهِ وَنَحْوِهِ حَاصِلُهُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ حَالَةَ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَيْنَ هُوَ مِنْ حُدُوثِ مِلْكِهِ بِالتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكُ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ. وَعَمَّا قُلْنَا يُشْكِلُ اسْتِرْدَادُ الْمُزَكِّي عِنْدَ التَّصَادُقِ إذَا وَقَعَ بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ بِالدَّفْعِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ بِالتَّمْلِيكِ وَقَبْضِ النَّائِبِ: أَعْنِي الْفَقِيرَ. وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِهِ صَيْرُورَتُهُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ نِيَابَةً لَا التَّمْلِيكِ، الْأَوَّلِ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَلَّكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْفَقِيرِ إذَا عَجَّلَ لَهُ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الِاسْتِرْدَادُ هُنَا أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ لِلسَّاعِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا مَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَتَاوَى، لَوْ جَاءَ الْفَقِيرُ إلَى الْمَالِكِ بِدَرَاهِمَ سَتُّوقَةٍ لِيَرُدَّهَا فَقَالَ الْمَالِكُ: رُدَّ الْبَاقِيَ فَإِنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْفَقِيرِ فَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ الْفَقِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْفَقِيرُ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ فَهُنَا أَوْلَى. [فَرْعٌ] لَوْ أَمَرَ فَقِيرًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ نَوَاهُ عَنْ زَكَاةِ عَيْنٍ عِنْدَهُ جَازَ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَقْبِضُ عَيْنًا فَكَانَ عَيْنًا

(وَلَا تُشْتَرَى بِهَا رَقَبَةٌ تُعْتَقُ) خِلَافًا لِمَالِكٍ ذَهَبَ إلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] وَلَنَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ. (وَلَا تُدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» وَهُوَ بِإِطْلَاقٍ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَنِيِّ الْغُزَاةِ. وَكَذَا حَدِيثُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رَوَيْنَا. قَالَ (وَلَا يَدْفَعُ الْمُزَكِّي زَكَاتَهُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَإِنْ عَلَا، وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عَيْنٍ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى فَقِيرٍ يَنْوِيهِ عَنْ زَكَاتِهِ جَازَ عَنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ نَفْسِهِ لَا عَنْ عَيْنٍ وَلَا دَيْنٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِيهِ رَيْحَانُ بْنُ زَيْدٍ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ أَعْرَابِيٌّ صَدَقَ. وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَحْسَنُهَا عِنْدِي مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلَاهُ، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» . قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا أَجْوَدَهُ مِنْ حَدِيثٍ هُوَ أَحْسَنُهَا إسْنَادًا، فَهَذَا مَعَ حَدِيثِ مُعَاذٍ يُفِيدُ مَنْعَ غَنِيِّ الْغُزَاةِ وَالْغَارِمِينَ عَنْهَا، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَجْوِيزِهِ لِغَنِيِّ الْغُزَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ. وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْفُقَرَاءَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَقَامَ مَقَامُ إرْسَالِ الْبَيَانِ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَتَعْلِيمِهِمْ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ فُقَرَائِهِمْ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الْفَقْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ غَارِمًا أَوْ غَازِيًا، فَلَوْ كَانَ الْغَنِيُّ مِنْهُمَا مَصْرِفًا كَانَ فَوْقَ الْبَيَانِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إبْقَاءً لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ، وَفِي هَذَا إيقَاعُهُمْ فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْغِنَى مُطْلَقًا لَيْسَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ غَازِيًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ لَزِمَ مَا قُلْنَا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَا يَجُوزُ مَا يُفْضِي إلَيْهِ مَعَ أَنَّ نَفْسَ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ تُفِيدُ أَنَّ الْمَنَاطَ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِمْ الْحَاجَةُ لِمَا عُرِفَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ أَنَّ مَبْدَأَ اشْتِقَاقِهِ عِلَّتُهُ، وَمَأْخَذُ الِاشْتِقَاقَاتِ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ تُنَبِّهُ عَلَى قِيَامِ الْحَاجَةِ، فَالْحَاجَةُ هِيَ الْعِلَّةُ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، فَإِنَّ مَأْخَذَ اشْتِقَاقِهِ يُفِيدُ أَنَّ الْمَنَاطَ التَّأْلِيفُ وَإِلَّا الْعَامِلُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ الْعَمَلُ، وَفِي كَوْنِ الْعَمَلِ سَبَبًا لِلْحَاجَةِ تَرَدُّدٌ فَإِنَّهُ ظَاهِرًا يَكُونُ لَهُ أَعْوِنَةٌ وَخَدَمٌ وَيُهْدَى إلَيْهِ وَغَالِبًا تَطِيبُ نَفْسُ إمَامِهِ لَهُ بِكَثِيرٍ مِمَّا يُهْدَى إلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْفَقْرُ فِي حَقِّهِ بِالشَّكِّ. وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَمَالِكٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلِ عَلَيْهَا وَرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، وَغَارِمٍ وَغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا إلَى الْغَنِيِّ» قِيلَ: لَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَقْوَ قُوَّةَ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مَعَ قَرِينَةٍ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ. وَلَوْ قَوِيَ قُوَّتَهُ تَرَجَّحَ حَدِيثُ مُعَاذٍ بِأَنَّهُ مَانِعٌ، وَمَا رَوَاهُ مُبِيحٌ مَعَ أَنَّهُ دَخَلَهُ التَّأْوِيلُ عِنْدَهُمْ حَيْثُ قَيَّدَ الْأَخْذَ لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَا أَخَذَ مِنْ الْفَيْءِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يُضْعِفُ الدَّلَالَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَمْ يَدْخُلْهُ تَأْوِيلٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُ الْمُزَكِّي زَكَاتَهُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ انْتَسَبَ إلَى الْمُزَكِّي بِالْوِلَادِ أَوْ انْتَسَبَ هُوَ لَهُ بِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لَهُ، فَلَا يَجُوزُ لِأَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا إلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا،

عَلَى الْكَمَالِ (وَلَا إلَى امْرَأَتِهِ) لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَنَافِعِ عَادَةً (وَلَا تَدْفَعُ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَا: تَدْفَعُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكِ أَجْرَانِ: أَجْرُ الصَّدَقَةِ، وَأَجْرُ الصِّلَةِ» قَالَهُ لِامْرَأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَدْفَعُ إلَى مَخْلُوقٍ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا وَلَا إلَى أُمِّ وَلَدِهِ الَّذِي نَفَاهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْغَائِبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَوْلَادُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ لِلْأَوَّلِ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ، وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ غَيْرُ الْوِلَادِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، وَهُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ مَعَ الصَّدَقَةِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِي عِيَالِهِ وَلَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ يَنْوِي الزَّكَاةَ جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ فَرَضَهَا عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا يَنْوِي الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَاءُ وَاجِبٍ فِي وَاجِبٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا لَمْ يَحْتَسِبْهَا بِالنَّفَقَةِ لِتَحْقِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْكَمَالِ. وَفِي الْفَتَاوَى وَالْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ لَهُ أَخٌ قَضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ فَكَسَاهُ وَأَطْعَمَهُ يَنْوِي بِهِ الزَّكَاةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ فِي الْكِسْوَةِ لَا فِي الْإِطْعَامِ. وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِطْعَامِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهَذَا خِلَافُ مَا قَبْلَهُ. وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّعَامِ عَلَى أَنَّهُ إبَاحَةٌ أَوْ تَمْلِيكٌ، وَفِي الْكَافِي عَائِلٌ يَتِيمٌ أَطْعَمَهُ عَنْ زَكَاتِهِ صَحَّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الرُّكْنِ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَهَذَا إذَا سَلَّمَ الطَّعَامَ إلَيْهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مُحَمَّدًا لَا يُجِيزُهُ وَإِنْ سَلَّمَ الطَّعَامَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا إلَى امْرَأَتِهِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَنَافِعِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ. وَإِنَّمَا كَانَ مِنْهَا إدْخَالُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَنْفَعَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ أَحْيَانًا فَكَانَ الدَّافِعُ إلَى هَؤُلَاءِ كَالدَّافِعِ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ إذْ كَانَ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ ثَابِتًا، وَكَذَا لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ صَدَقَةَ فِطْرِهِ وَكَفَّارَتِهِ وَعُشْرَهُ، بِخِلَافِ خُمْسِ الرِّكَازِ يَجُوزُ دَفْعُهُ لَهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْفَقْرُ. وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ جَازَ أَنْ يُمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ. فَصَارَ الْأَصْلُ فِي الدَّفْعِ الْمُسْقِطِ كَوْنَهُ عَلَى وَجْهٍ تَنْقَطِعُ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الدَّافِعِ ذَكَرُوا مَعْنَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ، وَهُوَ مَعَ قَبْضٍ مُعْتَبَرٍ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ دَفَعَ لِلصَّبِيِّ الْفَقِيرِ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ دَفَعَهَا الصَّبِيُّ إلَى أَبِيهِ قَالُوا: لَا يَجُوزُ. كَمَا لَوْ وَضَعَ زَكَاتَهُ عَلَى دُكَّانٍ فَجَاءَ الْفَقِيرُ وَقَبَضَهَا لَا يَجُوزُ، فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَقْبِضَهَا لَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مَنْ كَانَا فِي عِيَالِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يَعُولُونَهُ، وَالْمُلْتَقِطُ يَقْبِضُ لِلَّقِيطِ، وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا أَوْ يَعْقِلُ الْقَبْضَ بِأَنْ كَانَ لَا يَرْمِي بِهِ وَيُخْدَعُ عَنْهُ يَجُوزُ. وَلَوْ وَضَعَ الزَّكَاةَ عَلَى يَدِهِ فَانْتَهَبَهَا الْفُقَرَاءُ جَازَ، وَكَذَا إنْ سَقَطَ مَالُهُ مِنْ يَدِهِ فَرَفَعَهُ فَقِيرٌ فَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَالْمَالُ قَائِمٌ، وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ مُجْزِئٌ. (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْخُرُوجُ عَنْهُ عَلَى الْكَمَالِ، وَهُمَا قَالَ: لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ مَعَ النَّصِّ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، وَقَالَتْ فَرَجَعْتُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ. وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنِّي وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إلَى غَيْرِكُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: بَلْ ائْتِيهِ أَنْتِ. قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجَتِي

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ؛ قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ. قَالَ (وَلَا يَدْفَعُ إلَى مُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) لِفُقْدَانِ التَّمْلِيكِ إذَا كَسَبَ الْمَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ (وَلَا إلَى عَبْدٍ قَدْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَقَالَا: يَدْفَعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاجَتُهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْت: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ هَلْ تُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ هُمَا:؟ قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ» . وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ فِيهِ «فَلَمَّا انْصَرَفَ وَجَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ: يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَتْهُ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: إنَّكَ أَمَرْتَنَا بِالصَّدَقَةِ وَعِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكَ وَوَلَدُكَ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَيْهِمْ» وَلَا مُعَارِضَةَ لَازِمَةً بَيْنَ هَذِهِ الْأُولَى فِي شَيْءٍ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. قَوْلُهُ " وَوَلَدُك " يَجُوزُ كَوْنُهُ مَجَازًا عَنْ الرَّبَائِبِ وَهُمْ الْأَيْتَامُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَكَوْنُهُ حَقِيقَةً وَالْمَعْنَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ إذَا تَمَلَّكَهَا أَنْفَقَهَا عَلَيْهِمْ وَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدَقَةِ نَافِلَةٍ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَتَخَوَّلُ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ هَلْ يُجْزِئُ إنْ كَانَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْحَادِثُ لَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إلَّا فِي الْوَاجِبِ، لَكِنْ كَانَ فِي أَلْفَاظِهِمْ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّفْلِ لِأَنَّهُ لُغَةً الْكِفَايَةُ، فَالْمَعْنَى: هَلْ يَكْفِي التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ فِي تَحْقِيقِ مُسَمَّى الصَّدَقَةِ وَتَحْقِيقِ مَقْصُودِهَا مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْلَمُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ عَنْ الْمُعَارِضِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ) وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ بِمَنْزِلَةِ تَزَوُّجِهِ بِأَمَةِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ) أَمَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ أَعْتَقَ بَعْضُهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلْمَفْعُولِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصْلُحُ التَّعْلِيلُ لَهُمَا بِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ، إذْ هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ بِلَا دَيْنٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ بَعْضِهِ إعْتَاقُ كُلِّهِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُكَاتَبٌ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ مُصَرَّفٌ بِالنَّصِّ، فَلَا يَعْرَى عَنْ الْإِشْكَالِ وَيَحْتَاجُ فِي دَفْعِهِ إلَى تَخْصِيصِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنْ قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فَالْمُرَادُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَعْتَقَ هُوَ نَصِيبَهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِلِابْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ ابْنِهِ، وَكَمَا لَا يَدْفَعُ لِابْنِهِ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لِمُكَاتَبِهِ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ لِلِابْنِ. وَإِنْ قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَالْمُرَادُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَيَسْتَسْعِيهِ السَّاكِتُ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ نَفْسِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَدْيُونُهُ وَهُوَ حُرٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الْإِنْسَانُ

عِنْدَهُمَا (وَلَا يَدْفَعُ إلَى مَمْلُوكٍ غَنِيٍّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِمَوْلَاهُ (وَلَا إلَى وَلَدِ غَنِيٍّ إذَا كَانَ صَغِيرًا) لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا فَقِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِيَسَارِ زَوْجِهَا، وَبِقَدْرِ النَّفَقَةِ لَا تَصِيرُ مُوسِرَةً. (وَلَا يَدْفَعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَدْيُونِهِ أَمَّا لَوْ اخْتَارَ السَّاكِتُ التَّضْمِينَ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْعَبْدِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ كَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُ إلَى مَمْلُوكٍ غَنِيٍّ) فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا مَدْيُونًا بِمَا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ وَكَسْبَهُ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ عِنْدَهُ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ، وَلَا إلَى مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ مَصْرِفٌ بِالنَّصِّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَلَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ وَلَا يَجِدُ شَيْئًا أَوْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا يَجُوزُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي وُقُوعُ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهُوَ الْمَانِعُ، وَغَايَةُ مَا فِي هَذَا الْوُجُوبِ كِفَايَتُهُ عَنْ السَّيِّدِ وَتَأْثِيمُهُ بِتَرْكِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَنْزِلُ عَنْ حَالِ ابْنِ السَّبِيلِ. (قَوْلُهُ وَلَا إلَى وَلَدِ غَنِيٍّ إذَا كَانَ صَغِيرًا) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَوْ لَا فِي الصَّحِيحِ، وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى ابْنَةِ غَنِيٍّ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ لَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ فِي عِيَالٍ الْغَنِيُّ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ بِخِلَافِ بِنْتِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا هَذِهِ الْأَعْذَارُ وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ إلَيْهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ امْرَأَةٍ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَسَوَاءٌ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ لَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا مَكْفِيَّةٌ بِمَا تُوجِبُهُ عَلَى الْغَنِيِّ فَالصَّرْفُ إلَيْهَا كَالصَّرْفِ إلَى ابْنِ الْغَنِيِّ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا فِي الْكِتَابِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِيجَابَهَا النَّفَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ، لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ، فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى نَفْسِ الْغَنِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. وَعَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضُ بَنِي هَاشِمٍ إلَى بَعْضٍ زَكَاتَهُمْ. وَظَاهِرُ لَفْظِ الْمَرْوِيِّ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَأَوْسَاخِهِمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمْسِ الْخُمْسِ» لَا يَنْفِيهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّاسِ غَيْرُهُمْ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْخِطَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ آخِرِهِمْ، وَالتَّعْوِيضُ بِخُمْسِ الْخُمْسِ عَنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ لَا يَسْتَلْزِمُ

«يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخِهِمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمْسِ الْخُمْسِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُهُ عِوَضًا عَنْ صَدَقَاتِ أَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَا: لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَةِ فَأَصَابَا مِنْهَا كَمَا يُصِيبُ النَّاسُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا تُرْسِلُوهُمَا فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ وَأَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَجِئْنَاكَ لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إلَيْكَ كَمَا تُؤَدِّي النَّاسُ وَنُصِيبُ كَمَا يُصِيبُونَ، قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، اُدْعُوا لِي مَحْمِيَّةَ بْنَ جَزْءٍ، رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْأَخْمَاسِ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَتَيَاهُ فَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ لِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَأَنْكَحَهُ، وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ، فَأَنْكَحَنِي، وَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنْ الْخُمْسِ كَذَا وَكَذَا» . وَهَذَا مَا وَعَدْنَاك مِنْ النَّصِّ عَلَى عَدَمِ حِلِّ أَخْذِهَا لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ حَمْلُ النَّاسِ عَلَى غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ لَفْظِ الْهِدَايَةِ، وَلَفْظُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ «لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ، وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمْسِ الْخُمْسِ مَا يُغْنِيكُمْ» يُوجِبُ تَحْرِيمَ صَدَقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَكَذَا مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ تَنْتَظِمُ الصَّدَقَةَ النَّافِلَةَ وَالْوَاجِبَةَ فَجَرَوْا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ، فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَعُشْرِ الْأَرْضِ وَغَلَّةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ بَنِي هَاشِمٍ لَا يَجُوزُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي مَنْعِ صَدَقَةِ الْأَوْقَافِ لَهُمْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ النَّافِلَةُ فِي النِّهَايَةِ: وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّفَلُ لِلْغَنِيِّ، كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ انْتَهَى. وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِدَفْعِ صَدَقَةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ بَيَانُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ خِلَافٍ، فَقَالَ: وَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَفِي النَّفْلِ يَتَبَرَّعُ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَدَنَّسُ بِهَا الْمُؤَدَّى كَمَنْ تَبَرَّدَ بِالْمَاءِ اهـ وَالْحَقُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إجْرَاءُ صَدَقَةِ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي النَّافِلَةِ جَوَازُ الدَّفْعِ يَجِبُ دَفْعُ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ إذْ لَا إيقَافَ وَاجِبٌ، وَكَأَنَّ مَنْشَأَ الْغَلَطِ وُجُوبُ دَفْعِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَبِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ وَاجِبَةً عَلَى الْمَالِكِ بَلْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ عَلَى النَّاظِرِ. فَوُجُوبُ الْأَدَاءِ هُوَ نَفْسُ هَذَا الْوُجُوبِ فَلْنَتَكَلَّمْ فِي النَّافِلَةِ، ثُمَّ يُعْطَى مِثْلُهُ لِلْوَقْفِ فَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضٌ: يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ اهـ. فَقَدْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ حُرْمَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعُمُومَاتِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ النَّافِلَةَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ مَعَ الْأَدَبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ تَكْرِمَةً لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَيْكَ حَدِيثُ «لَحْمِ بَرِيرَةَ الَّذِي تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَأْكُلْهُ حَتَّى اعْتَبَرَهُ هَدِيَّةً مِنْهَا، فَقَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ صَدَقَةً نَافِلَةً. وَأَيْضًا

بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ، لِأَنَّ الْمَالَ هَاهُنَا كَالْمَاءِ يَتَدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ. أَمَّا التَّطَوُّعُ فَبِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ. قَالَ: (وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَوَالِيهِمْ) أَمَّا هَؤُلَاءِ فَلِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَنِسْبَةُ الْقَبِيلَةِ إلَيْهِ. وَأَمَّا مَوَالِيهِمْ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ؟ فَقَالَ: لَا أَنْتَ مَوْلَانَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَخْصِيصَ لِلْعُمُومَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَخُصُّ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بَعْدَ إخْرَاجِ شَيْءٍ بِسَمْعِيٍّ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ لَا يَتِمُّ فِي الْقِيَاسِ الْمَقْصُودُ وَغَيْرُ الْمَقْصُودِ. وَأَمَّا الثَّانِي لَمْ يَتِمَّ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ الْمَالُ هُنَا كَالْمَاءِ يَتَدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ حُكْمُ الْأَصْلِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ أَوْ مُجْمَعًا، وَلَيْسَ ثُبُوتُ هَذَا الْحُكْمِ لِلْمَاءِ كَذَلِكَ بَلْ الْمَالُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَى حُكْمِهِ هَذَا مِنْ التَّدَنُّسِ فَهُوَ أَصْلٌ لِلْمَاءِ فِي ذَلِكَ. فَإِثْبَاتُ مِثْلِهِ شَرْعًا لِلْمَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَالِ، إذْ لَا نَصَّ فِي الْمَاءِ، وَنَفْسُ الْمُصَنِّفِ مَشَى عَلَى الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ حَيْثُ قَالَ فِي وَجْهِ الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى إلَّا أَنَّهُ يَعْنِي الْمَاءَ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ فَتَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَمَالِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَ مَالَ الصَّدَقَةِ أَصْلًا فَكَيْفَ يَجْعَلُ هُنَا الْمَاءَ أَصْلًا لِمَالِ الصَّدَقَةِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمَقْصُودُ هُنَا فِي قَوْلِهِ التَّطَوُّعُ بِالصَّدَقَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إلْحَاقُ قُرْبَةٍ بِغَيْرِ قُرْبَةٍ، وَالصَّوَابُ فِي الْإِلْحَاقِ أَنْ يُقَالَ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ لِيَكُونَ إلْحَاقُ قُرْبَةِ نَافِلَةٍ بِقِرْبَةِ نَافِلَةٍ، وَبَعْدَ هَذَا إنْ ادَّعَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَدَمُ تَدَنُّسِ مَا أُقِيمَ بِهِ هَذِهِ الْقُرْبَةُ مَنَعْنَا حُكْمَ الْأَصْلِ فَإِنَّ التَّدَنُّسَ لِلْآلَةِ بِوَاسِطَةِ خُرُوجِ الْأَثَامِ وَإِزَالَةِ الظُّلْمَةِ، وَالْقُرْبَةُ النَّافِلَةُ تُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِقَدْرِهِ. وَقَدْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ» أَنَّهُ يُفِيدُ إزَالَةَ الظُّلْمَةِ بِقَدْرِ إفَادَةِ زِيَادَةِ ذَلِكَ النُّورِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْوُضُوءَ النَّفَلَ إذَا كَانَ مَنْوِيًّا يَصِيرُ الْمَاءُ بِهِ مُسْتَعْمَلًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي قَوْلِهِ الْمُسْتَعْمَلُ: هُوَ مَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِينَ لَهُمْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ كُلُّهُمْ بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْهُمْ بِعَدَدِهِمْ فَخَرَجَ أَبُو لَهَبٍ بِذَلِكَ حَتَّى يَجُوزَ الدَّفْعُ إلَى بَنِيهِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ لِبَنِي هَاشِمٍ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَلِذُرِّيَّتِهِمْ حَيْثُ نَصَرُوهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ وَأَبُو لَهَبٍ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْتَحِقَّهَا بِنُورِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَوَالِيهِمْ فَلِمَا رُوِيَ إلَخْ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ

بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْقُرَشِيُّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا حَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْمُعْتَقِ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَالْإِلْحَاقُ بِالْمَوْلَى بِالنَّصِّ وَقَدْ خَصَّ الصَّدَقَةَ. (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى رَجُلٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ دَفَعَ فِي ظُلْمَةٍ فَبَانَ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ وَإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَصَارَ كَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ. وَلَهُمَا حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي فَإِنَّكَ تُصِيبُ مِنْهَا، قَالَ: حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْأَلُهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَكَذَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَأَبُو رَافِعٍ هَذَا اسْمُهُ أَسْلَمَ، وَاسْمُ ابْنِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: وَقَدْ خَصَّ الصَّدَقَةَ) يَعْنِي فَيَبْقَى فِيمَا رَوَاهُ عَلَى الْقِيَاسِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَلَا يَكُونُ كُفْئًا لَهُمْ (قَوْلُهُ: لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ) فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ بِخِلَافِ الدَّفْعِ لِمَنْ ظَهَرَ غِنَاهُ وَأَخَوَاتُهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) وَلَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ، وَهَلْ يَطِيبُ لِلْقَابِضِ إذَا ظَهَرَ الْحَالُ، وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَطِيبُ يَتَصَدَّقُ بِهِ. وَقِيلَ: يَرُدُّهُ عَلَى الْمُعْطِي عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ لِيُعِيدَ الْأَدَاءَ (قَوْلُهُ وَصَارَ كَالْأَوَانِي) يُفِيدُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي صُورَةِ الْخِلَافِيَّةِ كَوْنُ الْأَدَاءِ بِالتَّحَرِّي وَإِلَّا قَالَ: وَصَارَ كَالْمَاءِ وَالثِّيَابِ: يَعْنِي إذَا تَحَرَّى

فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيهِ «يَا يَزِيدُ لَكَ مَا نَوَيْتَ، وَيَا مَعْنُ لَكَ مَا أَخَذْتَ» وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ وَكِيلُ أَبِيهِ صَدَقَتَهُ؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَطْعِ فَيَبْتَنِي الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَهَذِهِ إذَا تَحَرَّى فَدَفَعَ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ، أَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى فَدَفَعَ، وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لَا يَجْزِيهِ إلَّا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَوَانِي فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّاهِرَةِ مِنْهَا أَوْ فِي الثِّيَابِ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِيهَا وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ مَغْلُوبًا فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى إنَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ فِيهِ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ نَجَاسَتُهُ يُعِيدُ اتِّفَاقًا فَكَذَا هَذَا، وَمِثْلُهُ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ ظَهَرَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، وَلَهُمَا حَدِيثُ مَعْنٍ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ «مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلِيٌّ فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْتُ إلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ» اهـ. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَاقِعَةَ حَالٍ يَجُوزُ فِيهَا كَوْنُ تِلْكَ الصَّدَقَةِ كَانَتْ نَفْلًا، لَكِنَّ عُمُومَ لَفْظِ مَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَكَ مَا نَوَيْتَ» يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالِاجْتِهَادِ لَا الْقَطْعِ فَيُبْنَى الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِفَادَةِ كَانَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَلَوْ فُرِضَ تَكَرُّرُ خَطَئِهِ فَتَكَرَّرَتْ الْإِعَادَةُ أَفْضَى إلَى الْحَرَجِ لِإِخْرَاجِ كُلِّ مَالِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّكَاةُ خُصُوصًا مَعَ كَوْنِ الْحَرَجِ مَدْفُوعًا شَرْعًا عُمُومًا بِخِلَافِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَوُجُودِ النَّصِّ فَإِنَّهُ مِمَّا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِالْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا تَحَرَّى إلَخْ) تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ، وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ: دَفَعَ لِشَخْصٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ غِنَاهُ مَثَلًا فَيُعِيدُ، وَإِنْ شَكَّ فَلَمْ يَتَحَرَّ وَدَفَعَ أَوْ تَحَرَّى فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ غِنَاهُ وَدَفَعَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى

عَلِمَ أَنَّهُ فَقِيرٌ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَخْصٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَا يُجْزِيهِ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ وَهُوَ الرُّكْنُ عَلَى مَا مَرَّ. (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ) لِأَنَّ الْغِنَى الشَّرْعِيَّ مُقَدَّرٌ بِهِ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَظْهَرَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ فَيُجْزِيهِ فِي الصَّحِيحِ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ التَّحَرِّي فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنَّ ظَهَرَ صَوَابُهُ، وَالْحَقُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْجَوَازِ هُنَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ مَعْصِيَةٌ لِتَعَمُّدِهِ الصَّلَاةَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ إذْ هِيَ التَّحَرِّي، حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرَ، فَلَا تَنْقَلِبُ طَاعَةً، وَهُنَا نَفْسُ الْإِعْطَاءِ لَا يَكُونُ بِهِ عَاصِيًا فَصَلُحَ وُقُوعُهُ مُسْقِطًا إذَا ظَهَرَ صَوَابُهُ. الثَّالِثُ: إذَا شَكَّ فَتَحَرَّى فَظَنَّهُ مَصْرِفًا فَدَفَعَ فَظَهَرَ خِلَافُهُ، وَهِيَ الْخِلَافِيَّةُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِمَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ) مِنْ فُرُوعِهَا: قَوْمٌ دَفَعُوا الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَجْمَعُهَا لِفَقِيرٍ فَاجْتَمَعَ عِنْدَ الْآخِذِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ جَمَعَهُ لَهُ بِأَمْرِهِ، قَالُوا: كُلُّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَا فِي يَدِ الْجَانِي مِائَتَيْنِ جَازَتْ زَكَاتُهُ، وَمَنْ دَفَعَ بَعْدَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَيُعْتَبَرُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مِائَتَيْنِ تَفْضُلُ بَعْدَ دَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ الْكُلُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْفَقِيرِ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ يَمْلِكُهُ، وَفِي الثَّانِي وَكِيلُ الدَّافِعِينَ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِلْكُهُمْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ فَقِيرًا أَلْفًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَوَزَنَهَا مِائَةً مِائَةً وَقَبَضَهَا كَذَلِكَ يُجْزِيهِ كُلُّ الْأَلْفِ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ وَدَفَعَ كُلَّهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَهَا جُمْلَةً، وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فَاسْتَدْعَى بِهَا مِائَةً مِائَةً كُلَّمَا حَضَرَتْ مِائَةٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ مِنْهَا إلَّا مِائَتَانِ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ. (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَةِ) أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ لَيْسَ نَامِيًا وَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا فِيمَنْ يَمْلِكُ كُتُبًا

وَإِنَّمَا شَرَطَ الْوُجُوبَ (وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) لِأَنَّهُ فَقِيرٌ وَالْفُقَرَاءُ هُمْ الْمَصَارِفُ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَاجَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا وَهُوَ فَقْدُ النِّصَابِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَإِنْ دَفَعَ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQتُسَاوِي نِصَابًا، وَهُوَ عَالِمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَوْ هُوَ جَاهِلٌ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا، فِيمَنْ لَهُ آلَاتٌ وَفَرَسٌ وَدَارٌ وَعَبْدٌ يَحْتَاجُهَا لِلْخِدْمَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ أَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ نَامٍ إلَّا أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ، وَعَنْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ: رَجُلٌ لَهُ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ وَلَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ تُسَاوِي عَشَرَةَ آلَافٍ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْكِتَابِ: أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَلَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلصَّدَقَةِ، وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ كَانَ لَهُ حَوَانِيتُ أَوْ دَارُ غَلَّةٍ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَغَلَّتُهَا لَا تَكْفِي لِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَهَذَا التَّخْصِيصُ يُفِيدُ الْخِلَافَ، وَفِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ مِنْ الْخُلَاصَةِ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ الضَّيْعَةِ وَالْكَرْمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَعَلَّهُ هُوَ الْخِلَافُ الْمُرَادُ فِي الْفَتَاوَى. وَلَوْ اشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ يُسَاوِي نِصَابًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ نِصَابًا. وَقِيلَ: إنْ كَانَ طَعَامَ شَهْرٍ يُسَاوِي نِصَابًا جَازَ الصَّرْفُ إلَيْهِ لَا إنْ زَادَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ جَازَ الصَّرْفُ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ الْمَزَارِعِ مَا زَادَ عَلَى ثَوْرَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) وَعِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ لِلْكَسُوبِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» . «وَقَوْلُهُ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَاهُ فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ أَمَا إنَّهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِيهَا وَإِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا» . وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُرْمَةُ سُؤَالِهِمَا لِقَوْلِهِ «وَإِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا» وَلَوْ كَانَ الْأَخْذُ مُحَرَّمًا غَيْرَ مُسْقِطٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ لَمْ يَفْعَلْهُ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا) إلَّا أَنْ يَكُونَ مَدْيُونًا لَا يَفْضُلُ لَهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ نِصَابٌ، أَوْ يَكُونَ مَعِيلًا إذَا وَزَّعَ الْمَأْخُوذَ عَلَى عِيَالِهِ لَمْ يُصِبْ كُلًّا

الْغِنَى. وَلَنَا أَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ فَيَتَعَقَّبُهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغِنَى مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ (قَالَ: وَأَنْ تُغْنِيَ بِهَا إنْسَانًا أَحَبُّ إلَيَّ) مَعْنَاهُ الْإِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ يَوْمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ مُطْلَقًا مَكْرُوهٌ. . قَالَ (وَيُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ) وَإِنَّمَا تُفَرَّقُ صَدَقَةُ كُلِّ فَرِيقٍ فِيهِمْ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِيهِ رِعَايَةُ حَقِّ الْجِوَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمْ نِصَابٌ وَالْمَسْأَلَةُ ظَاهِرَةٌ حُكْمًا وَدَلِيلًا. وَقَوْلُهُ: فَيَتَعَقَّبُهُ صَرِيحٌ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ إيَّاهَا فِي الْخَارِجِ، وَالْأَحَبُّ أَنْ يُغْنِيَ بِهَا فَقِيرًا يَوْمَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» وَالْأَوْجَهُ غَيْرُ هَذَا الْإِطْلَاقِ، بَلْ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْأَحْوَالُ فِي كُلِّ فَقِيرٍ مِنْ عِيَالٍ وَحَاجَةٍ أُخْرَى كَدَيْنٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ كَانَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا فِيهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ) وَهُوَ قَوْلُهُ فَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ هَذَا وَالْمُعْتَبَرُ

(إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا الْإِنْسَانُ إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ: أَوْ زِيَادَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ، وَلَوْ نَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ بِالنَّصِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ، وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَكَانُ الرَّأْسِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مُرَاعَاةً لِإِيجَابِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ وُجُودِ سَبَبِهِ، قَالُوا: الْأَفْضَلُ فِي صَرْفِهَا أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى إخْوَانِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَخْوَالِهِ ثُمَّ ذَوِي أَرْحَامِهِ ثُمَّ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ أَهْلِ مِصْرِهِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كَرَاهَةِ النَّقْلِ، وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الْقِيَمِ مِنْ قَوْلِ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابِ خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، وَيَجِبُ كَوْنُ مَحْمَلِهِ كَوْنَ مَنْ بِالْمَدِينَةِ أَحْوَجُ أَوْ ذَلِكَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ إعْطَاءِ فُقَرَائِهِمْ، وَأَمَّا النَّقْلُ لِلْقَرَابَةِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ زِيَادَةً عَلَى قُرْبَةِ الزَّكَاةِ، هَذَا وَيُنَاسِبُ إيلَاءَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا تَكْمِيلًا لِلْوَضْعِ، تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ بِالنَّذْرِ فَإِنْ عَيَّنَ دِرْهَمًا أَوْ فَقِيرًا بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ لَمْ يَلْزَمْ، فَلَوْ تَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُبْزِ كَذَا وَكَذَا فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ غَيْرُهَا وَلَوْ لَمْ تَهْلَكْ فَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا جَازَ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَنْفَعَةٍ تَصِلُ إلَيَّ مِنْ مَالِكَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَا مَلَكَهُ لَا بِمَا أَبَاحَهُ كَطَعَامٍ أُذِنَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ لَا يَدْخُلُ مَا لَهُ مِنْ الدُّيُونِ عَلَى النَّاسِ وَدَخَلَ مَا سِوَاهَا. وَهَلْ يَتَقَيَّدُ بِمَالِ الزَّكَاةِ نَذْكُرُهُ فِي آخَرِ كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ: إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا فَعَلَيَّ زَكَاتُهُ لِكُلِّ مِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى خَمْسَةٍ إذَا رُزِقَهُ. وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ فَفَعَلَهُ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً مَثَلًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّصَدُّقُ إلَّا بِمَا مَلَكَ، لِأَنَّ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ لَمْ يَكُنْ النَّذْرُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ. كَمَا لَوْ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ وَلَا مَالَ لَهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ لُقْمَةٍ مِنْهُ دِرْهَمٌ لِأَنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ أَكْلَةٌ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا شَرِبْت فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ نَفَسٍ لَا بِكُلِّ مَصَّةٍ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ فَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِمْ جَازَ لِأَنَّ لُزُومَ النَّذْرِ إنَّمَا هُوَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ، وَذَلِكَ بِالصَّدَقَةِ فَبِاعْتِبَارِهَا يَلْزَمُ لَا بِمَا زَادَ، وَأَيْضًا الصَّرْفُ

[باب صدقة الفطر]

بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى كُلِّ فَقِيرٍ صَرْفٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْتَحِقُّ فَيَجُوزُ، وَصَارَ نَظِيرُ مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً بِمَكَّةَ فَصَامَ وَصَلَّى فِي غَيْرِهَا حَيْثُ يَجُوزُ عِنْدَنَا. [بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ] (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّتِهَا وَكَمِّيَّتِهَا وَشَرْطِهَا وَسَبَبِهَا وَسَبَبِ شَرْعِيَّتِهَا وَرُكْنِهَا وَوَقْتِ وُجُوبِهَا وَوَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ نَفْسُ الْأَدَاءِ إلَى الْمَصْرِفِ، وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ وَالْبَاقِي يَأْتِي فِي الْكِتَابِ بَحْثًا بَحْثًا. فَالْأَوَّلُ وَهُوَ كَيْفِيَّةُ الْوُجُوبِ لِحَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعَدَوِيِّ وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْوِيٌّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَمُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فِي الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ وَالْمَتْنِ، فَالْأَوَّلُ: أَهُوَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي صُعَيْرٍ أَوْ هُوَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَالثَّانِي: أَهُوَ الْعَدَوِيُّ أَوْ الْعُذْرِيُّ فَقِيلَ الْعَدَوِيُّ نِسْبَةً إلَى جَدِّهِ الْأَكْبَرِ عَدِيٍّ وَقِيلَ: الْعُذُرِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ فِي تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ: الْعُذُرِيُّ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَغِيرٌ، وَالْعَدَوِيُّ تَصْحِيفُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ. وَالثَّالِثُ: أَهُوَ أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، أَوْ هُوَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحَرَّفَ لَفْظُ رَأْسٍ إلَى اثْنَيْنِ اهـ. لَكِنْ تُبْعِدُهُ رِوَايَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهِيَ مِنْ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا رَيْبَ فِيهَا طَرِيقُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ

وَأَثَاثِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ) أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خُطْبَتِهِ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» رَوَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعَيْرٍ الْعَدَوِيُّ أَوْ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْقَطْعِ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ وَالْإِسْلَامُ لِيَقَعَ قُرْبَةً، وَالْيَسَارُ لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ: أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ» وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ. وَفِي غَيْرِ هَذِهِ مِنْ أَيْنَ يُجَاءُ بِالرَّاءِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى نَفْسِ الْوُجُوبِ لَا عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ وَسَيَأْتِي اسْتِدْلَالُهُ فِي قَدْرِهِ بِحَدِيثٍ آخَرَ، وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الِافْتِرَاضِ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» فَإِنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مُتَعَيِّنٌ مَا لَمْ يَقُمْ صَارِفٌ عَنْهُ، وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْفَرْضِ غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّقْدِيرِ خُصُوصًا وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَجَعَلَ النَّاسُ عَدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ وَمَعْنَى لَفْظِ " فَرَضَ " هُوَ مَعْنَى " أَمَرَ " أَمْرَ إيجَابٍ، وَالْأَمْرُ الثَّابِتُ بِظَنِّي إنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ الِافْتِرَاضَ الَّذِي يُثْبِتُونَهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهٍ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ فَهُوَ مَعْنَى الْوُجُوبِ الَّذِي نَقُولُ بِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْفَرْضَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ فِي عُرْفِنَا فَأَطْلَقُوهُ عَلَى أَحَدِ جُزْأَيْهِ وَمِنْهُ مَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ صَارِخًا بِبَطْنِ مَكَّةَ يُنَادِي: أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ» الْحَدِيثَ. فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا هُوَ عُرْفُنَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى الْوُجُوبِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ إذَا نُقِلَ الْإِجْمَاعُ تَوَاتُرًا لِيَكُونَ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَوْ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ كَالْخَمْسِ عِنْدَ كَثِيرٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ إنَّمَا يَظُنُّ الْإِجْمَاعَ ظَنًّا فَلَا، وَلِذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ مُنْكِرَ وُجُوبِهَا لَا يُكَفَّرُ فَكَانَ الْمُتَيَقَّنُ الْوُجُوبَ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ) إذْ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَالِكُ وَلَا مِلْكَ لِغَيْرِ الْحُرِّ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الرُّكْنُ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا عَلَى الْعَبْدِ وَيَتَحَمَّلُهُ السَّيِّدُ، لَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ التَّكْلِيفِ أَنْ يَصْرِفَ الْمُكَلَّفُ نَفْسَ مَنْفَعَتِهِ لِمَالِكِهِ وَهُوَ الرَّبُّ تَعَالَى ابْتِلَاءً لَهُ لِتَظْهَرَ طَاعَتُهُ مِنْ عِصْيَانِهِ، وَلِذَا لَا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، فَإِذَا فُرِضَ كَوْنُ الْمُكَلَّفِ لَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا صَرْفُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِعْلُ الْإِعْطَاءِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ شَخْصًا آخَرَ لَزِمَ انْتِفَاءُ الِابْتِلَاءِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ التَّكْلِيفِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْمُكَلَّفِ، وَثُبُوتُ الْفَائِدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْآخَرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيجَابِ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَابِ وَالْإِعْدَامِ تَعَالَى يُمْكِنُ أَنْ يُكَلِّفَ ابْتِدَاءً السَّيِّدَ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الَّذِي مَلَّكَهُ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَوَجَبَ لِهَذَا

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ: تَجِبُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَقَدْرُ الْيَسَارِ بِالنِّصَابِ لِتَقْدِيرِ الْغِنَى فِي الشَّرْعِ بِهِ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، وَهُوَ لُزُومُ انْتِفَاءِ مَقْصُودِ التَّكْلِيفِ الْأَوَّلِ أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ مِنْ لَفْظِ " عَلَى " فِي نَحْوِ قَوْلِهِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ عَلَى مَعْنَى كَقَوْلِهِ: إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللَّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا وَهُوَ كَثِيرٌ، وَيَطَّرِدُ بَعْدَ أَلْفَاظٍ وَهِيَ خَفِيَ عَلَيَّ، وَبَعُدَ عَلَيَّ، وَاسْتَحَالَ عَلَيَّ، وَغَضِبَ عَلَيَّ، كُلُّهَا بِمَعْنَى عَنِّي هَذَا لَوْ لَمْ يَجِئْ شَيْءٌ مِنْ أَلْفَاظِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ " عَنْ " كَيْ لَا يُنَافِيه الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ، فَكَيْفَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ صَرَّحَ بِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ، عَلَى أَنَّ الْمُتَأَمِّلَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: كُلِّفَ بِكَذَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ يَجُرُّ إلَى التَّنَاقُضِ فَضْلًا عَنْ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَعْنِي ابْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مُقْتَصِرًا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَقَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَتَعْلِيقَاتُهُ الْمَجْزُومَةُ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ. وَرَوَاهُ مَرَّةً مُسْنَدًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَلَفْظَةُ الظَّهْرِ مَقْحَمَةٌ كَظَهْرِ الْقَلْبِ، وَظَهْرِ الْغَيْبِ فِي الْمُغْرِبِ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) . وَمَا رَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَفَّانَ قَالَ: سَأَلْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ نُعْمَانَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ شَكَّ حَمَّادٌ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، وَأَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي» فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بِالنُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ وَجَهَالَةِ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَلَوْ صَحَّ لَا يُقَاوَمُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي الصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ مَا لَا يَنْضَبِطُ كَثْرَةً مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ فِيهَا الْفَقِيرُ فَكَانَتْ تِلْكَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ فَلَا تُقْبَلُ خُصُوصًا مَعَ نُبُوٍّ عَنْ

لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النُّمُوُّ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا النِّصَابِ حِرْمَانُ الصَّدَقَةِ وَوُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْفِطْرَةِ. قَالَ (يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» الْحَدِيثَ (وَ) يُخْرِجُ عَنْ (أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) لِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ زَكَاةُ الرَّأْسِ، وَهِيَ أَمَارَةُ السَّبَبِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوَاعِدِ الصَّدَقَاتِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا النِّصَابِ إلَخْ) وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْضًا وُجُوبُ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ هَذَا النِّصَابِ، وَحَدِيثُ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَالسَّبَبُ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ) الْمُفِيدُ لِسَبَبِيَّةِ الرَّأْسِ الْمَذْكُورِ لَفْظُ " عَنْ " فِي قَوْلِهِ «عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى» وَكَذَا لَفْظُ " عَلَى " بَعْدَ مَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَعْنَى عَنْ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ، وَالْقَطْعُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مُؤْنَتِهِ وَوِلَايَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ عَبْدِ غَيْرِهِ وَوَلَدِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي آخِرِهِ «مِمَّنْ تَمُونُونَ» وَلَوْ مَانَ صَغِيرًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ إجْمَاعًا فَلَزِمَ أَنَّهُمْ السَّبَبُ إذَا كَانُوا بِذَلِكَ الْوَصْفِ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِمْ زَكَاةُ الرَّأْسِ وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَسْمُوعًا مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِوَضْعِهِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، وَبِمَا ذُكِرَ فِي ضِمْنِ تَأْوِيلِ الْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِمْ: زَكَاةُ الرَّأْسِ أَوْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِأَنَّهَا إلَى الشَّرْطِ لِمَا أَوْجَبَهُ مِنْ تَعَدُّدِ الْوَاجِبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْيَوْمِ وَتَعَدُّدِ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارُ الشَّارِعِ السَّبَبِيَّةَ لِلرَّأْسِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِتَعَدُّدِ الْوَاجِبِ مَعَ اتِّحَادِ الرَّأْسِ وَتَعَدُّدِ الْوَقْتِ بِاعْتِبَارِ تَكَرُّرِ السِّنِينَ، فَلَوْ كَانَ السَّبَبُ الرَّأْسَ لَمْ يَتَكَرَّرْ عِنْدَ تَكَرُّرِهَا، كَالْحَجِّ لَمَّا اتَّحَدَ سَبَبُهُ وَهُوَ الْبَيْتُ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِهِ وَإِسْنَادِهِ بِتَكَرُّرِ الْوَاجِبِ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ وَتَكَرُّرِ الْوَقْتِ فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهَا الْمَالُ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَالَ لَمْ يُعْتَبَرْ سَبَبًا إلَّا بِاعْتِبَارِ النَّمَاءِ وَلَوْ تَقْدِيرًا، وَالنَّمَاءُ مُتَكَرِّرٌ نَظَرًا إلَى

وَالْإِضَافَةُ إلَى الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَقْتُهُ، وَلِهَذَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْيَوْمِ، وَالْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ رَأْسُهُ وَهُوَ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ يُمَوِّنُهُمْ وَيَلِي عَلَيْهِمْ (وَمَمَالِيكِهِ) لِقِيَامِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَهَذَا إذَا كَانُوا لِلْخِدْمَةِ وَلَا مَالَ لِلصِّغَارِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الشَّرْعَ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُؤْنَةِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ. (وَلَا يُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلِهِ وَهُوَ الْحَوْلُ، فَكَانَ السَّبَبُ وَهُوَ الْمَالُ النَّامِي مُتَكَرِّرًا لِأَنَّهُ بِنَمَاءِ هَذَا الْحَوْلِ غَيَّرَهُ بِالنَّمَاءِ الْآخَرِ فِي الْحَوْلِ الْآخَرِ، بَلْ الْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُدَّعِي أَنَّ تَضَاعُفَ الْوَاجِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عِنْدَ تَعَدُّدِ شَيْءٍ دَلِيلُ سَبَبِيَّةِ الْمُتَعَدِّدِ، وَأَيْنَ هُوَ مِنْ التَّكَرُّرِ فِي أَوْقَاتٍ مُتَكَرِّرَةٍ فَالثَّابِتُ هُنَاكَ وَاجِبٌ وَاحِدٌ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ مَعَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَأَنَّى يَكُونُ هَذَا نَقْضًا مُحْوِجًا لِلْجَوَابِ؟ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إثْبَاتُ سَبَبِيَّةِ شَيْءٍ لِهَذَا مِثْلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالدَّوَرَانِ عَلَى عِلِّيَّةِ شَيْءٍ بِلَا فَرْقٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَنَا فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ. فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَا إذْ لَا فَرْقَ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ السَّبَبِيَّةِ حِينَئِذٍ مَا سَلَكْنَاهُ مِنْ إفَادَةِ السَّمْعِ، ثُمَّ إعْطَاءِ الضَّابِطِ بِأَنَّهُ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ، يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ فِي الْجَدِّ إذَا كَانَتْ نَوَافِلُهُ صِغَارًا فِي عِيَالِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَدَفَعَهُ بِادِّعَاءِ انْتِفَاءِ جُزْءِ السَّبَبِ بِسَبَبِ أَنَّ وِلَايَةَ الْجَدِّ مُنْتَقِلَةٌ مِنْ الْأَبِ إلَيْهِ، فَكَانَتْ كَوِلَايَةِ الْوَصِيِّ غَيْرِ قَوِيٍّ إذْ الْوَصِيُّ لَا يَمُونُهُ إلَّا مِنْ مَالِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، بِخِلَافِ الْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَالٌ فَكَانَ كَالْأَبِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ وَلَا أَثَرَ لَهُ كَمُشْتَرِي الْعَبْدِ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ، أَنَّ عَلَى الْجَدِّ صَدَقَةَ فِطْرِهِمْ. وَهَذِهِ مَسَائِلُ يُخَالِفُ فِيهَا الْجَدُّ الْأَبَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُخَالِفُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ هَذِهِ وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ وَجَرُّ الْوَلَاءِ وَالْوَصِيَّةِ لِقَرَابَةِ فُلَانٍ (قَوْلُهُ فَيَلْحَقُ بِهِ) هَذَا بَيَانُ حُكْمِهِ الْمَنْصُوصِ يَعْنِي إنَّمَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَاهُ بِمَا قُلْنَا لَا أَنَّهُ إلْحَاقٌ لِإِفَادَةِ حُكْمِهِمْ، إذْ حُكْمُهُمْ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ يُؤَدِّي مِنْ مَالِهِمْ) الْأَبُ كَالْوَصِيِّ، وَكَذَا يُؤَدِّي عَنْ مَمَالِيكِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُؤَدِّي عَنْ مَمَالِيكِهِ أَصْلًا، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُؤْنَةِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ) هَذَا دَلِيلُ قَوْلِهِمَا وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ لَهُ

لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَلَا فِي غَيْرِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يُمَوِّنُهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ. (وَلَا عَنْ أَوْلَادِ الْكِبَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ) لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمْ أَوْ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِثُبُوتِ الْإِذْنِ عَادَةً. (وَلَا) يُخْرِجُ (عَنْ مُكَاتَبِهِ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلَا الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقْرِهِ. وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وِلَايَةُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ فَيُخْرِجُ عَنْهُمَا. (وَلَا) يُخْرِجُ (عَنْ مَمَالِيكِهِ لِلتِّجَارَةِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ عِنْدَهُ وُجُوبَهَا عَلَى الْعَبْدِ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا تَنَافِي، وَعِنْدَنَا وُجُوبُهَا عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِهِ كَالزَّكَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالٌ فِي مَالِهِ فَكَذَا هَذَا، وَالْأَوْلَى كَوْنُ الْمُرَادِ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ وَجْهَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا كَالزَّكَاةِ، وَقَدْ وَجَبَ إخْرَاجُ الْأَبِ عَنْهُ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ، فَيَقُولَانِ فِي جَوَابِهِ، هِيَ عِبَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» إذْ قَدْ قَبِلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، أَوْ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِمَّنْ تَمُونُونَ» فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَأَلْحَقَهَا بِالْمُؤْنَةِ فَكَانَتْ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ تَجِبُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ غَنِيًّا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً. (قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ. وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ فِيمَا فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ. بِخِلَافِ مَا هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ لَا تَسْقُطُ عَنْهَا إلَّا بِإِذْنِهَا صَرِيحًا إذْ لَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الطَّاعَةِ وَالِابْتِلَاءِ إلَّا بِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ لَا يَنْفِي مَا فِيهِ الْعِبَادَةُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَنْ الِابْتِلَاءِ وَاخْتِيَارِ الطَّاعَةِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَنَعْنَاهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ. نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُوَجَّهَ هَكَذَا بِأَنَّ الثَّابِتَ عَادَةً لَمَّا كَانَ كَالثَّابِتِ نَصًّا كَانَ أَدَاؤُهُ مُتَضَمِّنًا اخْتِيَارَهَا وَنِيَّتَهَا، وَبِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَا عَادَةَ فِيهَا، وَلَوْ قُدِّرَ فِيهَا عَادَةٌ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ فِيهَا أَيْضًا لَكِنَّهَا مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا

فَيُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ (وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَكَذَا الْعَبِيدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ الْوَجْهُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ فَيُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ) هُوَ مَكْسُورُ الْمُثَلَّثَةِ مَقْصُورًا، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الثَّنْيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَثْنِيَةِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِاخْتِلَافِ الْوَاجِبِينَ كَمًّا وَسَبَبًا فَإِنَّهُ فِي الْفِطْرِ الرَّأْسُ، وَفِي الزَّكَاةِ مَالِيَّتُهَا لَا هِيَ نَفْسُهَا وَمَحَلًّا، فَفِي الْفِطْرِ الذِّمَّةُ حَتَّى لَا تَسْقُطَ بِعُرُوضِ الْفَقْرِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَفِي الزَّكَاةِ الْمَالُ حَتَّى تَسْقُطَ بِهِ بِأَنْ هَلَكَ الْمَالُ فَلَا ثَنْيَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَزِمَ قَبُولُهُ بَعْدَ لُزُومِهِ شَرْعًا بِثُبُوتِهِ بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلزَّكَاةِ مُطْلَقًا، وَالدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِلْفِطْرَةِ مُطْلَقًا وَعَدَمِ ثُبُوتِ نَافِيهِ. وَقِيلَ فِي الْوَجْهِ غَيْرُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الِانْتِفَاءَ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَأْسًا أُعِدَّ لِلْمُؤْنَةِ بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَائِهِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي التِّجَارَةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ سِوَى عَلَى أَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يَمُونُهُ. . . إلَخْ لَا يُفِيدُ كَوْنَهُ أُعِدَّ لَأَنْ يُمَانَ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الرَّأْسَ الْوَاحِدَ جُعِلَتْ سَبَبًا فِي الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّتِهَا وَفِي صَدَقَةٍ أُخْرَى بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَالْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ هُوَ رَأْسٌ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ، لِأَنَّ الْمُفَادَ بِالنَّصِّ مِنْ قَوْلِهِ «مِمَّنْ تَمُونُونَ» مِمَّنْ عَلَيْكُمْ مُؤْنَتُهُ، وَلَيْسَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُؤْنَتُهُ، بَلْ بَعْضُهَا وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ إيَّاهُ، وَلَا سَبَبَ إلَّا هَذَا فَعِنْدَ انْتِفَائِهِ يَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّ الْعَدَمَ يُؤَثِّرُ شَيْئًا. (قَوْلُهُ وَقَالَا) هَذَا بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ قِسْمَةِ الرَّقِيقِ جَبْرًا وَلَمْ يَجْتَمِعْ لِوَاحِدٍ مَا يُسَمَّى رَأْسًا، وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْقِسْمَةِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْقِسْمَةِ بِنَاءً عَلَى الْمَالِكِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ عَنْ وِلَايَةٍ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ، وَلِذَا تَجِبُ عَنْ الْوَالِدِ وَلَا مِلْكَ وَلَا تَجِبُ عَنْ الْآبِقِ مَعَ الْمِلْكِ فِيهِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَجَوَازُ الْقِسْمَةِ لَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً لِثُبُوتِهَا، وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَهَا وَقَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ رَأْسٌ كَامِلٌ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْعَبْدِ وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحَالُ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَكَانَ

بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ وَهُمَا يَرَيَانِهِمَا، وَقِيلَ: هُوَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ النَّصِيبُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَتِمَّ الرَّقَبَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَالْمَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ عَلَى سَيِّدَيْ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ هَذَا قِيلَ: هُوَ أَعْنِي عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبِيدِ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ كَانَ لَهُمَا جَارِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ أَوْ ادَّعَيَا لَقِيطًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا عَنْ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا وَتَجِبُ عَنْ الْوَلَدِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِطْرَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ ثَابِتَةٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا إذْ ثُبُوتُ النَّسَبِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ وَلَدًا لِلْبَاقِي مِنْهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا وَالْمُؤْنَةَ عَلَيْهِمَا فَكَذَا الصَّدَقَةُ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّجَزُّؤِ وَالْمُؤْنَةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا أَوْ مَيِّتًا فَعَلَى الْآخَرِ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ أَوْ مَأْسُورٌ أَوْ مَغْصُوبٌ مَجْحُودٌ وَلَا بَيِّنَةَ فَحَلَفَ لِلْغَاصِبِ فَعَادَ الْآبِقُ، وَرُدَّ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ كَانَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ مَا مَضَى، وَيُؤَدِّي عَنْ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ: يَعْنِي وَلَهُ نِصَابٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ حَتَّى يَفْتَكَّهُ فَإِذَا افْتَكَّهُ أَعْطَى لِمَا مَضَى، وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ عَبْدِهِ الْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَأْذُونِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ، وَلَا تَجِبُ عَنْ عَبْدِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ لِلتِّجَارَةِ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمَأْذُونُ لِلْخِدْمَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَعَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى لِلْإِكْسَابِ وَعَدَمِهِ وَفِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَعَارُ الْوَدِيعَةُ وَالْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ مِنْ سَهْوِ الْقَلَمِ، وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ بَيْعًا فَاسِدًا فَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَأَعْتَقَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَهُوَ مَقْبُوضُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْبَائِعُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ. (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) اسْتَدَلَّ

وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلَا وُجُوبَ بِالِاتِّفَاقِ. (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ) مَعْنَاهُ إذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِهِ كَالنَّفَقَةِ، وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَمْرَيْنِ ثَانِيهِمَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَيَبْقَى الْأَوَّلُ سَالِمًا، أَمَّا الْحَدِيثُ، فَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ» وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ عُدَّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ قِبَلِ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ مَرْمِيٌّ بِالْوَضْعِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَفْظُهُ مَجُوسِيٌّ لَمْ تُعْلَمْ مَرْوِيَّةٌ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْعَبْدِ فِي الصَّحِيحِ يُوجِبُهَا فِي الْكَافِرِ وَالتَّقْيِيدُ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُعَارِضُهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَدَمِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْأَسْبَابِ لِأَنَّهُ تَزَاحُمٌ فِيهَا فَيُمْكِنُ بِهِمَا فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ سَبَبًا بِخِلَافِ وُرُودِهِمَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ إفْرَادَ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ لَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ تَعْلِيقَ حُكْمٍ بِمُطْلَقٍ ثُمَّ تَعْلِيقَهُ بِعَيْنِهِ بِمُقَيَّدٍ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْمُطْلَقَ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، نَعَمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهِمَا صُيِّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةً. (قَوْلُهُ: وَأَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ) أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ فُسِخَ فَعَلَى الْبَائِعِ، وَقَالَ زُفَرُ: تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ،

[فصل في مقدار الواجب ووقته]

لِأَنَّهُ لَوْ رُدَّ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَلَا تَقْبَلُ التَّوَقُّفَ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ (الْفِطْرَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، الزَّبِيبُ بِمَنْزِلَةِ الشَّعِيرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالزَّوَالَ فِي اخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حُكْمٍ عَلَيْهِ كَالْمُقِيمِ إذَا سَافَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ إنْشَاءَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِهِ كَالنَّفَقَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ وَالْوِلَايَةَ مَوْقُوفَانِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يُبْنَى عَلَيْهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فُسِخَ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَوْ أُجِيزَ يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ عَلَى هَذَا بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَتَمَّ الْحَوْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعِنْدَنَا يُضَمُّ إلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَيُزَكِّيهِ مَعَ نِصَابِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ فَقَبَضَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا صَدَقَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقُصُورِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَعَوْدُهُ إلَى الْبَائِعِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَكَانَ كَالْآبِقِ بَلْ أَشَدَّ، وَلَوْ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَتَأَكُّدِهِ. [فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ] (فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ) (قَوْلُهُ: أَوْ دَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ) أَيْ دَقِيقِ الْبُرِّ وَسَوِيقِهِ، أَمَّا دَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ فَمُعْتَبَرٌ بِالشَّعِيرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْهُ وَصَحَّحَهَا أَبُو الْيُسْرِ لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِصَاعٍ كَمَا سَتَقِفُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ صَاعٌ لِحَدِيثِ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَهُوَ مَذْهَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ عَنْ قَرِيبٍ، وَدَفْعُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعِزَّةِ الزَّبِيبِ فِي زَمَانِهِ كَالْحِنْطَةِ لَا يَقْوَى لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى قَدْرٍ فِيهِ لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ فِيهِ نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ تَعَارَضَتْ فِي مِقْدَارِ الْحِنْطَةِ وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ نُبْذَةٍ مِنْهَا لِنُطْلِعكَ عَلَى الْحَالِ، أَمَّا مَا مِنْ طَرَفِنَا فَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا مَا مِنْ طَرَفِ الْمُخَالِفِ لَنَا فَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ كُنَّا نَخْرُجُ إذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: إنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْت أُخْرِجُهُ. رَوَاهُ السِّتَّةُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا. وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِلَفْظَةِ طَعَامٍ فَإِنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَبَادَرُ مِنْهَا الْبُرُّ، وَأَيْضًا فَقَدْ عُطِفَ عَلَيْهِ هُنَا التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا فَلَمْ يَبْقَ مُرَادُهُ مِنْهُ إلَّا الْحِنْطَةُ، وَلِأَنَّهُ أَبَى أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْهُ وَقَالَ: لَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْت أُخْرِجُهُ، فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ مِنْهُ صَاعًا، وَأَيْضًا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ عَنْهُ «صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ» ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَذَكَرَ عِنْدَهُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ فَقَالَ: لَا أُخْرِجُ إلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، فَقَالَ: لَا تِلْكَ قِيمَةُ مُعَاوِيَةَ لَا أَقْبَلُهَا وَلَا أَعْمَلُ بِهَا وَصَحَّحَهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ» الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَيُّوبَ إلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَضَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَدَقَةَ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمُشْكِلِ عَنْ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ أَيُّوبَ يَبْلُغُ بِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَرَضَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ إلَى أَنْ قَالَ: أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، قَالَ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَّ عَلَى صَدَقَةِ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ» وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ أُمِرْنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ نُعْطِيَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، مَنْ أَدَّى بُرًّا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى شَعِيرًا قُبِلَ مِنْهُ» الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَفِيهِ أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» . وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» قَالَ: وَطَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَاعُ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» (قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا إلَخْ) يُرِيدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ، وَأَنَّهُ

جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُ أَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَالْجَوَابُ عَمَّا أَوْرَدَ، أَمَّا الْأَخِيرُ فَالْحَارِثُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فَفِي رِوَايَتِهِ «أَوْ نِصْفَ صَاعٍ» وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُك نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ فَانْدَفَعَ. وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَضَعِيفٌ جِدًّا بِعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَهْبَانَ مَتْرُوكٌ، قَالَهُ النَّسَائِيّ وَالرَّازِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُسَاوِي فَلْسًا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ فَانْدَفَعَ. وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَضَعِيفٌ جِدًّا بِكَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَجْمَعٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ. وَنَفْسُ الشَّافِعِيِّ قَالَ: فِيهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ فَانْدَفَعَ، وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَمُنْقَطِعٌ لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِيهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَهُمْ يُضَعِّفُونَ بِمِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَفِيهِ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَضْعِيفِهِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ تَابَعَ بْنَ شَوْذَبٍ عَلَى زِيَادَةِ الْبُرِّ فِيهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَا، وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ وَهُوَ قَوْلُ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلُوا صِنْفًا مَفْرُوضًا بِبَعْضِ صِنْفٍ مَفْرُوضٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ الْمَفْرُوضُ بِمَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ اهـ. لَكِنْ قَدْ تَابَعَهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ أَيُّوبَ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَهِيَ الَّتِي تَلِي رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ فِيمَا كَتَبْنَاهُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسَادِ، لَكِنَّ مُبَارَكًا لَا يَعْدِلُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَوَثَّقَهُ عَفَّانَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يُدَلِّسُ كَثِيرًا فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا فَهُوَ ثِقَةٌ، وَاَلَّذِي رَأَيْته هَكَذَا عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَيُّوبَ. وَأَمَّا مَا يَلِيهِ: أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَاكِمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ، لَكِنْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ كَانَ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَحَدِيثُهُ، هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى الْخَطَأِ فِيهِ، لَا أَعْنِي خَطَأَهُ هُوَ بَلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُنْشِئِهِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ. فَصَرَّحَ بِأَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ إنَّمَا عَلِمَهُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ تَعْدِيلِ النَّاسِ بِهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا لَرَفَعَهُ، وَبِنَفْسِ هَذَا رَدَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَا رَوَاهُ هُوَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «أَمَرَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» فَقَالَ كَيْفَ يَصِحُّ؟ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَعْدِيلَ الصَّاعِ بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرِوَايَةُ الْحَاكِمِ فِيهِ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ لَيْسَتْ صَحِيحَةً، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو دَاوُد حَيْثُ قَالَ: وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ أَوْ صَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ وَلَيْسَ بِمَحْظُوظٍ، وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ أَوْ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فَذِكْرُ الْحِنْطَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا أَدْرِي مِمَّنْ الْوَهْمُ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَهُ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْحِنْطَةِ أَوَّلَ الْخَبَرِ خَطَأٌ إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ مَعْنًى اهـ. وَأَمَّا بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ فَدَلِيلٌ لَنَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي مُوَافَقَةِ النَّاسِ لِمُعَاوِيَةَ وَالنَّاسُ إذْ ذَاكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْدِيرُ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ لَمْ يَسْكُتْ،

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزِّيَادَةِ تَطَوُّعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَى رَأْيِهِ أَحَدٌ، إذْ لَا يُعَوَّلُ عَلَى الرَّأْيِ مَعَ مُعَارِضَةِ النَّصِّ لَهُ فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ أَحَدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ حَضَرَهُ خِلَافَهُ، وَيَلْزَمُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ " مَعَ بَعْضِهِمْ " مِنْ إخْرَاجِ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَلَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ، بَلْ إمَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ أَوْ مَعَ وُجُودِهِ وَعِلْمِهِ بِأَنْ فَعَلَ الْبَعْضُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ تَطَوُّعًا، هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ الْحِنْطَةَ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. فَقَدْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالشَّعِيرُ وَلَمْ تَكُنْ الْحِنْطَةُ» وَمِمَّا يُنَادِي بِهِ مَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَفْسِهِ كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ» ، فَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مِنْ طَعَامِهِمْ الَّذِي يُخْرَجُ لَبَادَرَ إلَى ذِكْرِهِ قَبْلَ الْكُلِّ إذْ فِيهِ صَرِيحُ مُسْتَنَدِهِ فِي خِلَافِ مُعَاوِيَةَ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ كَوْنُ الطَّعَامِ فِي حَدِيثِهِ الْأَوَّلِ مُرَادًا بِهِ الْأَعَمَّ لَا الْحِنْطَةَ بِخُصُوصِهَا فَيَكُونُ الْأَقِطُ وَمَا بَعْدَهُ فِيهِ عَطْفُ الْخَاصِرِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ دَعَا إلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ خِلَافُ الظَّاهِرِ هَذَا الصَّرِيحَ عَنْهُ، وَيَلْزَمُهُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ لَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ إلَخْ لَا أَزَالُ أُخْرِجُ الصَّاعَ: أَيْ كُنَّا إنَّمَا نُخْرِجُ مِمَّا ذَكَرْته صَاعًا وَحِينَ كَثُرَ هَذَا الْقُوتُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا أُخْرِجُ مِنْهُ أَيْضًا ذَلِكَ الْقَدْرُ. وَحَاصِلُهُ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ التَّقْوِيمَ بَلْ أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ، غَيْرَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّ مَا مِنْهُ الْإِخْرَاجُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ غَيْرَ الْحِنْطَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا لَأُخْرِجَ صَاعٌ، ثُمَّ يَبْقَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ» وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ اهـ. وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ فِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَالْأَمَانَةِ فِي الْمُرْسَلِ. وَمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ صَارِخًا بِمَكَّةَ: إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَتَمْرٍ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: «أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَعَلَّهُ غَيْرُهُ بِيَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ. وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ صَائِحًا فَصَاحَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ» وَإِعْلَانُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَهُ بِعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: ضَعَّفُوهُ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَكِّيٌّ مَعْرُوفٌ أَحَدُ الْعُبَّادِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ رَوَوْا عَنْهُ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَقَالَ: يُعْرَفُ اهـ. فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا إرْسَالٌ وَهُوَ حُجَّةٌ بِانْفِرَادِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا اعْتَضَدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ يَرْوِي مِنْ غَيْرِ شُيُوخِ الْآخَرِ كَانَ حُجَّةً، وَقَدْ اعْتَضَدَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْحَسَنِ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ خَطَبَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ بِالْبَصْرَةِ إلَى أَنْ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ

وَلَهُمَا فِي الزَّبِيبِ أَنَّهُ وَالتَّمْرُ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَقْصُودِ، وَلَهُ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ قَمْحٍ» الْحَدِيثَ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ، إلَّا أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ مُرْسَلٌ فَإِنَّهُ يَعْرِفُ أَهْلُ الْأُصُولِ يَعُمُّ نَحْوَ هَذَا، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ» قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَالشَّمْسِ، وَكَوْنُهُ مُرْسَلًا لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ مُرْسَلُ سَعِيدٍ وَمَرَاسِيلُهُ حُجَّةٌ اهـ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ مُدَّيْنِ خَطَأٌ حَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ بِمُدَّيْنِ كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ رَجَّحَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الْقَدْرُ اللَّازِمُ أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَمُعَاوِيَةَ أَوْ حَضَرَ وَقْتَ خُطْبَتِهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ فَرْضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحِنْطَةِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عِلْمِ أُولَئِكَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَدَمُهُ عَنْهُ فِي الْوَاقِعِ، نَعَمْ قَدْ يَكُونُ مَظِنَّةُ ذَلِكَ لَكِنْ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ يَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَ عَدَمِهِ مَا لَمْ يُنْقَلْ وُجُودُهُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ قَبُولُهُ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ فَإِنَّ الْأَخْبَارَ تُفِيدُ أَنَّ فَرْضَهُ فِي الْحِنْطَةِ كَانَ بِمَكَّةَ بِإِرْسَالِ الْمُنَادَى بِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَمِنْ الْجَائِزِ غَيْبَتُهُ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ أَوْ شُغْلُهُ عَنْهُ خُصُوصًا وَهُمْ إنَّمَا كَانُوا فِيهَا عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ آخِذِينَ فِي أُهْبَتِهِ. وَمِمَّا رُوِيَ فِيهِ مِمَّا يَصْلُحُ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ مَا أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْهَا قَالَتْ: كُنَّا نُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُونَ بِهِ» . وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَاتِ سِيَّمَا وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إمَامٍ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ، ثُمَّ قَدْ رَوَى عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَأَنَّ رَجُلًا أَدَّى إلَيْهِ صَاعًا بَيْنَ اثْنَيْنِ. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ» . وَأُعِلَّ سَنَدُهُ بِابْنِ أَبِي رَوَّادٍ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ، وَمَتْنُهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّعْدِيلَ بِذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا هُوَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُك نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَرَوَى أَيْضًا حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ، قَالَ مَعْمَرُ: بَلَغَنِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ صَاحِبُ

وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ، بِخِلَافِ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤْكَلُ وَيُلْقَى مِنْ التَّمْرِ النَّوَاةُ وَمِنْ الشَّعِيرِ النُّخَالَةُ، وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْبُرِّ وَالتَّمْرِ، وَمُرَادُهُ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ، أَمَّا دَقِيقُ الشَّعِيرِ فَكَالشَّعِيرِ، الْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ نَصَّ عَلَى الدَّقِيقِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ. وَالْخُبْزُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ هُوَ الصَّحِيحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ: هَذَا الْخَبَرُ الْوَقْفُ فِيهِ مُتَحَقِّقٌ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَإِنَّهُ بَلَاغٌ لَمْ يُبَيِّنْ مَعْمَرٌ فِيهِ مَنْ حَدَّثَهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ سِوَى الْحِنْطَةِ فَفِيهِ صَاعٌ وَفِي الْحِنْطَةِ نِصْفُ صَاعٍ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ طَاوُسٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ وَقَالَ: مَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَوَى عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ اهـ. كَأَنَّ إخْرَاجَ أَبِي سَعِيدٍ ظَاهِرٌ فَلَمْ يَحْتَرِزْ عَنْهُ، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى ثُبُوتِ التَّكَافُؤِ فِي السَّمْعِيَّاتِ كَانَ ثُبُوتُ الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّيْنِ مُنْتَفِيًا إذْ لَا يُحْكَمُ بِالْوُجُوبِ مَعَ الشَّكِّ (قَوْلُهُ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَقْصُودِ) وَهُوَ التَّفَكُّهُ وَالِاسْتِحْلَاءُ، وَقَوْلُهُ: يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَعْنَى: هُوَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُؤْكَلُ كُلُّهُ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا) أَيْ فِي الدَّقِيقِ (الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ جَمِيعًا احْتِيَاطًا وَإِنْ نَصَّ عَلَى الدَّقِيقِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ) وَهُوَ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ سُلْتٍ» وَالْمُرَادُ دَقِيقُ الشَّعِيرِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ بِأَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ صَاعٍ دَقِيقَ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا دَقِيقَ شَعِيرٍ يُسَاوِيَانِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَصَاعِ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفٍ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ، وَلَا نِصْفٌ لَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ لَا يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ) أَيْ وُجُوبَ الِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ (فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اعْتِبَارٌ لِلْغَالِبِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ نِصْفِ صَاعِ دَقِيقٍ لَا يُنْقِصُ قِيمَتَهُ نِصْفَ صَاعٍ مَا هُوَ دَقِيقُهُ بَلْ يَزِيدُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ نَقْصُهُ كَمَا قَدْ يَتَّفِقُ فِي أَيَّامِ الْبِدَارِ كَانَ الْوَاجِبُ مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازً كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، يُرَاعَى فِيهِ الْقَدْرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَنَوَيْنِ مِنْ

ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَيْلًا وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ، وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَأَعْجَلُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ (وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُبْزِ، لِأَنَّهُ لَمَّا رُوعِيَ الْقَدْرُ فِيمَا هُوَ أَصْلُهُ فَفِيهِ، وَأَنَّهُ يَزْدَادُ ذَلِكَ الْقَدْرُ صَنْعَةً وَقِيمَةً أَوْلَى، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لَمَّا أَنَّ الْقَدْرَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الْمَكِيلِ، وَالْخُبْزُ لَيْسَ مِنْهُ فَكَانَ إخْرَاجُهُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ. (وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَجْهُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ وَثُلُثٌ كَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ، إذْ لَا مَعْنَى لِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ بِهِ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ لَوْ وَزَنَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْقَوْمِ لَا يَجْزِيهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحِنْطَةِ ثَقِيلَةً لَا تَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ وَإِنْ وُزِنَتْ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ) أُجِيبَ: بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحِنْطَةِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي قَدْرِهَا أَيْضًا لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ أَقَلُّ شُبْهَةً. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ) وَالرِّطْلُ زِنَةُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَيُعْتَبَرُ وَزْنُ ذَلِكَ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَهُوَ الْعَدَسُ وَالْمَاشُّ، فَمَا وَسِعَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةً وَثُلُثًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الصَّاعُ كَذَا قَالُوا. وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ آنِفًا فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا إذَا تُؤُمِّلَ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ» ) وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ فِي قَدْرِ

وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ» وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْهَاشِمِيِّ، وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ. قَالَ (وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَنْ مَاتَ فِيهَا مِنْ مَمَالِيكِهِ أَوْ وَلَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا مَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَمَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ أَصْغَرُ فَهُوَ الصَّحِيحُ، إذْ هُوَ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ وَمُدُّنَا أَكْبَرُ الْأَمْدَادِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي قَلِيلِنَا وَكَثِيرِنَا وَاجْعَلْ لَنَا مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ» اهـ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَفِي تَرْكِهِ إنْكَارُ كَوْنِهِ أَصْغَرَ الصِّيعَانِ بَيَانُ أَنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ كَوْنِ السُّكُوتِ حُجَّةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ حَتَّى يَلْزَمَ رَدُّهُ إنْ كَانَ خَطَأً، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْحَجِّ فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي، فَفَحَصْت عَنْهُ فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ فَسَأَلْت عَنْ الصَّاعِ فَقَالُوا: صَاعُنَا هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قُلْت لَهُمْ: مَا حُجَّتُكُمْ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَأْتِيك بِالْحُجَّةِ غَدًا، فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَانِي نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ شَيْخًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ الصَّاعُ تَحْتَ رِدَائِهِ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنَّ هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَظَرْت فَإِدَا هِيَ سَوَاءُ، قَالَ فَعَيَّرْته فَإِذَا هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَنُقْصَانٌ يَسِيرٌ. قَالَ: فَرَأَيْت أَمْرًا قَوِيًّا فَتَرَكْت قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّاعِ. وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا نَاظَرَهُ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِالصِّيعَانِ الَّتِي جَاءَ بِهَا أُولَئِكَ فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُدِّ يَقْتَاتُونَ بِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ اهـ وَصَحَّحَهُ (وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ» ) هَكَذَا وَقَعَ مُفَسَّرًا عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فِي ثَلَاثَةِ طُرُقٍ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَضَعَّفَهَا. وَعَنْ جَابِرٍ أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْهُ وَضَعَّفَهُ بِعُمَرَ بْنِ مُوسَى

لَهُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْفِطْرِ وَهَذَا وَقْتُهُ. وَلَنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَالِاخْتِصَاصُ الْفِطْرُ بِالْيَوْمِ دُونَ اللَّيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ الْوَزْنُ، وَأَمَّا كَوْنُ صَاعِ عُمَرَ كَذَلِكَ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: سَمِعْت حَسَنَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ: صَاعُ عُمَرَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. وَقَالَ شَرِيكٌ: أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَقَلُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: الْحَجَّاجِيُّ صَاعُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهَذَا الثَّانِي أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: عَيَّرْنَا صَاعًا فَوَجَدْنَاهُ حَجَّاجِيًّا، وَالْحَجَّاجِيُّ عِنْدَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ. وَعَنْهُ قَالَ: وَضَعَ الْحَجَّاجُ قَفِيزَهُ عَلَى صَاعِ عُمَرَ. قَالُوا: كَانَ الْحَجَّاجُ يَفْتَخِرُ بِإِخْرَاجِ صَاعِ عُمَرَ، وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا رَوَوْهُ أَوَّلًا لَا يَلْزَمُ كَوْنُ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ صَاعَهُ الَّذِي هُوَ أَصْغَرُ، بَلْ الْحَاصِلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ صَاعَهُ كَانَ أَصْغَرَ الصِّيعَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ، وَهُوَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا. ثُمَّ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْأَصْغَرَ مَا قَدْرُهُ ثَابِتٌ فَلَا يَلْزَمُ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: تَقْدِيرُهُ أَقَلُّ، إذْ خَصْمُهُ يُنَازِعُهُ فِي أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ هُوَ الَّذِي كَانَ الصَّاعُ الْأَصْغَرُ إذْ ذَاكَ، وَلَا أَعْجَبَ مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ شَيْءٌ، وَالْجَمَاعَةُ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ أَبُو يُوسُفَ لَا تَقُومُ بِهِمْ حُجَّةٌ لِكَوْنِهِمْ نَقَلُوا عَنْ مَجْهُولِينَ، وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَهُ وَجَدَهُ خَمْسَةً وَثُلُثًا بِرِطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ رِطْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا، وَالْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ، وَإِذَا قَابَلْت ثَمَانِيَةً بِالْبَغْدَادِيِّ بِخَمْسَةٍ وَثُلُثٍ بِالْمَدَنِيِّ وَجَدْتهمَا سَوَاءً، وَهُوَ أَشْبَهُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ كَانَ لِذِكْرِهِ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَصْلُ كَوْنُ الصَّاعِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا بِالِاسْتِصْحَابِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ خِلَافًا، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهِيَ لَفْظُ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَرِطْلَانِ صَحِيحَةٌ اجْتِهَادًا. وَإِنْ كَانَ فِيمَنْ فِي طَرِيقِهَا ضَعْفٌ إذْ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ الرَّاوِي سِوَى ضَعْفِهَا ظَاهِرًا لَا الِانْتِفَاءُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَرْوِيهِ الضَّعِيفُ خَطَأً. وَهَذَا لِتَأَيُّدِهَا بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحُكْمِ الِاجْتِهَادِيِّ بِكَوْنِ صَاعِ عُمَرَ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَذَا وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَضْعِيفِ وَاقِعَةِ أَبِي يُوسُفَ بِكَوْنِ النَّقْلِ عَنْ مَجْهُولِينَ مِنْ النَّظَرِ بَلْ الْأَقْرَبُ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ لِخِلَافِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ ضَعْفِ أَصْلِ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ رَاوِيهَا ثِقَةً لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَمُشَافَهَتِهِ إيَّاهُمْ بِهِ مِمَّا يُوهِمُ شُهْرَةَ رُجُوعِهِ، وَلَوْ كَانَ لَمْ يَعُمَّهُ مُحَمَّدٌ فَهُوَ عِلَّةٌ بَاطِنَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ) يَعْنِي إضَافَةَ صَدَقَةٍ إلَى الْفِطْرِ، وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا يَقُولُ كَذَلِكَ. لَكِنَّ إضَافَةَ الصَّدَقَةِ إلَى الْفِطْرِ إنَّمَا تُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْفِطْرِ بِهَا، أَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ الْفِطْرِ فِطْرَ الْيَوْمِ لَا فِطْرَ لَيْلَتِهِ فَلَا دَلَالَةَ لِهَذِهِ الْإِضَافَةِ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ أَمْرٍ آخَرَ فَيُقَالُ: لَمَّا أَفَادَتْ اخْتِصَاصًا بِالْفِطْرِ وَتَعَلُّقَهَا بِهِ كَانَ جَعْلُ ذَلِكَ الْفِطْرِ الْفِطْرَ الْمُخَالِفِ لِلْعَادَةِ، وَهُوَ فِطْرُ النَّهَارِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ الْمُوَافِقَ لَهَا لِأَنَّ فِطْرَ اللَّيْلِ لَمْ يُعْهَدْ فِيهِ زَكَاةٌ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ فِي فِطْرِ اللَّيَالِي السَّابِقَةِ صَدَقَةٌ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ فِطْرَ آخِرِ لَيْلَةٍ يَتِمُّ بِهِ صَوْمُ الشَّهْرِ وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ إنَّمَا كَانَ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ عَمَّا عَسَاهُ يَقَعُ فِي صَوْمِهِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِتَعْلِيقِهَا بِفِطْرِ لَيْلَةِ

(وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ النَّاسُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُخْرِجُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْمُصَلَّى» ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِغْنَاءِ كَيْ لَا يَتَشَاغَلَ الْفَقِيرُ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ (فَإِنْ قَدَّمُوهَا عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا تَفْصِيلَ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ (وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا) لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَوَّالٍ إذْ بِهِ يَتِمُّ الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُخْرِجُ الْفِطْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمُصَلَّى، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِغْنَاءِ كَيْ لَا يَتَشَاغَلَ الْفَقِيرُ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ) يَتَضَمَّنُ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلُهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ [عُلُومُ الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ] الَّتِي انْفَرَدَ بِزِيَادَةٍ فِيهَا رَاوٍ وَاحِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ السَّمُرِيُّ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَسِّمُهَا قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمُصَلَّى وَيَقُولُ: أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمُوهَا عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ جَازَ لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ) يَعْنِي الرَّأْسَ الَّذِي يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ. (فَأَشْبَهَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْقِيَاسُ، فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّبَبِ هُوَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَسُقُوطِ مَا سَيَجِبُ إذَا وَجَبَ بِمَا يُعْمَلُ قَبْلَ الْوُجُوبِ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَلَا يَتِمُّ فِي مِثْلِهِ إلَّا السَّمْعُ، وَفِيهِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بِإِذْنٍ سَابِقٍ فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ فَلَمْ يَكُونُوا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ إلَّا بِسَمْعٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ خَلَفٍ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَلَا فِطْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَعَمَّا قِيلَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ لَا قَبْلَهُ، وَمَا قِيلَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ لَا قَبْلَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ أَصْلًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ إلَخْ) ظَاهِرٌ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهَا تَسْقُطُ كَالْأُضْحِيَّةِ بِمُضِيِّ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ مِنْ

[كتاب الصوم]

فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الصَّوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمَا قِيلَ مِنْ مَنْعِ سُقُوطِ الْأُضْحِيَّةِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى التَّصْدِيقِ بِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ كَوْنُ نَفْسِ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ إرَاقَةُ دَمٍ سِنٌّ مُقَدَّرٌ قَدْ سَقَطَ، وَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ، وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ سُقُوطُهَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ حَدِيثُ قَالَ: «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» لَكِنْ قَدْ يُدْفَعُ بِاتِّحَادِ مَرْجِعِ ضَمِيرِ أَدَّاهَا فِي الْمَرَّتَيْنِ إذْ يُفِيدُ أَنَّهَا هِيَ الْمُؤَدَّاةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَصَ الثَّوَابَ فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ، عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ ظَاهِرِهِ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي بَاقِي الْيَوْمِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُهُ فَهُوَ مَصْرُوفٌ عَنْهُ عِنْدَهُ. [فَرْعٌ] اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إعْطَاءِ فِطْرَةِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى أَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ، فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ: يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا لِجَمَاعَةٍ، لَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَهَا إلَّا وَاحِدًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ وَاحِدًا صَدَقَةَ جَمَاعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصَّوْمِ] هَذَا ثَالِثُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ لِفَوَائِدَ أَعْظَمُهَا كَوْنُهُ مُوجِبًا شَيْئَيْنِ: أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ سُكُونَ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَكَسْرَ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ، فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي مَحْسُوسَاتِهَا، وَلِذَا قِيلَ: إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ وَإِذَا شَبِعَتْ جَاعَتْ كُلُّهَا، وَمَا عَنْ هَذَا صَفَاءُ الْقَلْبِ مِنْ الْكَدَرِ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِكُدُورَاتِهِ فُضُولُ اللِّسَانِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ: وَاجِبٌ وَنَفْلٌ، وَالْوَاجِبُ ضَرْبَانِ: مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَهُ النِّيَّةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِيهِ. اعْلَمْ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَيْنِ وَبَاقِيهَا، وَبِصَفَائِهِ تُنَاطُ الْمَصَالِحُ وَالدَّرَجَاتُ، وَمِنْهَا: كَوْنُهُ مُوجِبًا لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ذَكَرَ مَنْ هَذَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ، وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ نَوْعُ أَلَمٍ بَاطِنٍ فَيُسَارِعُ لِدَفْعِهِ عَنْهُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَيَنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ. وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ الْفُقَرَاءِ بِتَحَمُّلِ مَا يَتَحَمَّلُونَ أَحْيَانًا وَفِي ذَلِكَ رَفْعُ حَالِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا حَكَى بِشْرٌ الْحَافِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي الشِّتَاءِ فَوَجَدَهُ جَالِسًا يَرْعُدُ وَثَوْبُهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمِشْجَبِ. فَقَالَ لَهُ: فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ يُنْزَعُ الثَّوْبُ؟ وَمَعْنَاهُ، فَقَالَ: يَا أَخِي الْفُقَرَاءُ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ لِي طَاقَةُ مُوَاسَاتِهِمْ بِالثِّيَابِ فَأُوَاسِيهِمْ بِتَحَمُّلِ الْبَرْدِ كَمَا يَتَحَمَّلُونَ. وَالصَّوْمُ لُغَةً: الْإِمْسَاكُ مُطْلَقًا، صَامَ عَنْ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ، قَالَ النَّابِغَةُ:

وَسَبَبُ الْأَوَّلِ الشَّهْرُ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQخَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُك اللُّجُمَا وَفِي الشَّرْعِ: إمْسَاكٌ عَنْ الْجِمَاعِ، وَعَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنًا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ عَنْ نِيَّةٍ، وَذَكَرْنَا الْبَطْنَ وَوَصَفْنَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَلَ إلَى بَاطِنِ دِمَاغِهِ شَيْئًا فَسَدَ وَإِلَى بَاطِنِ فَمِهِ وَأَنْفِهِ لَا يَفْسُدُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي تَعْرِيفِ الْقُدُورِيِّ، وَذَلِكَ الْإِمْسَاكُ رُكْنُهُ وَسَبَبُهُ مُخْتَلِفٌ، فَفِي الْمَنْذُورِ النَّذْرُ، وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ كَرَجَبٍ، أَوْ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، فَصَامَ عَنْهُ جُمَادَى وَيَوْمًا آخَرَ أَجْزَأَ عَنْ الْمَنْذُورِ، لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو تَعْيِينُ الْيَوْمِ لِأَنَّ صِحَّةَ النَّذْرِ وَلُزُومَهُ عَمَّا بِهِ يَكُونُ الْمَنْذُورُ عِبَادَةً إذْ لَا نَذْرَ بِغَيْرِهَا، وَالْمُتَحَقِّقُ لِذَلِكَ الصَّوْمُ لَا خُصُوصُ الزَّمَانِ وَلَا بِاعْتِبَارِهِ، وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ أَسْبَابُهَا مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ، وَسَبَبُ الْقَضَاءِ هُوَ سَبَبُ وُجُودِ الْأَدَاءِ، وَسَبَبُ رَمَضَانَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ لَيْلِهِ أَوْ نَهَارِهِ، وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهِ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ كَتَفَرُّقِ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ، بَلْ أَشَدُّ لِتَخَلُّلِ زَمَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلصَّوْمِ وَهُوَ اللَّيْلُ، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ فَشُهُودُ جُزْءٍ مِنْهُ سَبَبٌ لِكُلِّهِ ثُمَّ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سَبَبُ وُجُوبِ صَوْمِ الْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهِ وَدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ. وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ: الصِّحَّةُ، وَالْإِقَامَةُ. وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَالنِّيَّةُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ: الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ، أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَيُرَادُ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ

وَسَبَبُ الثَّانِي النَّذْرُ وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ وَسَنُبَيِّنُهُ وَتَفْسِيرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِفَقْدِ النِّيَّةِ فَسَدَ الثَّانِي ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَلَا الْبُلُوغُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا، وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ، وَنَيْلُ ثَوَابِهِ، وَإِنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي. وَأَقْسَامُهُ: فَرْضٌ، وَوَاجِبٌ، وَمَسْنُونٌ، وَمَنْدُوبٌ، وَنَفْلٌ، وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا. فَالْأَوَّلُ رَمَضَانُ، وَقَضَاؤُهُ، وَالْكَفَّارَاتُ لِلظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ لِثُبُوتِ هَذِهِ بِالْقَاطِعِ سَنَدًا وَمَتْنًا وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا. وَالْوَاجِبُ: الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ عَاشُورَاءَ مَعَ التَّاسِعِ، وَالْمَنْدُوبُ: صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَنْدُبُ فِيهَا كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ، وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَحْوِهِ. وَالنَّفَلُ: مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ. وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا: عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ وَنَحْوَ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ. وَتَحْرِيمًا: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ، وَسَنَعْقِدُ بِذَيْلِ هَذَا الْبَابِ فُرُوعًا لِتَفْصِيلِ هَذِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ كَانَ الْمَنْذُورُ وَاجِبًا مَعَ أَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّهُ عَامٌّ دَخَلَهُ الْخُصُوصُ فَإِنَّهُ خَصَّ النَّذْرَ بِالْمَعْصِيَةِ وَبِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ فَصَارَتْ ظَنِّيَّةً كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا شُرُوطُ لُزُومِ النَّذْرِ وَهِيَ: كَوْنُ الْمَنْذُورِ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا لِغَيْرِهِ، عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُ الْأَصْحَابِ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ: يُفْتَرَضُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَا يَنْبَغِي عَلَى هَذَا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهِ. ، وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الْكُلِّ وَالْكَلَامِ فِي وَقْتِهَا الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ فَقُلْنَا فِي رَمَضَانَ وَالْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ تَجْزِيهِ النِّيَّةُ مِنْ بَعْدِ الْغُرُوبِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ فِي صَوْمِ ذَلِكَ النَّهَارِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَالْمَنْذُورِ الْمُطْلَقِ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا فِي اللَّيْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجْزِي فِي غَيْرِ النَّفْلِ إلَّا مِنْ اللَّيْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجْزِي إلَّا مِنْ اللَّيْلِ فِي النَّفْلِ وَغَيْرِهِ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ. (وَقَوْلُهُ وَجْهٌ فِي الْخِلَافِيَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا صِيَامَ لِمَنْ إلَخْ) اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى. أَمَّا الْحَدِيثُ

بِخِلَافِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ. وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلَنَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ، أَوْ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَا ذَكَرَهُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي لَفْظِهِ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» يُجْمَعُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ يُبَيِّتْ «وَلَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنْ اللَّيْلِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ إلَّا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْأَكْثَرُ عَلَى وَقْفِهِ، وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الزُّهْرِيِّ يَبْلُغُ بِهِ حَفْصَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَجْمَعْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَوَقَفَهُ عَنْهُ عَلَى حَفْصَةَ مَعْمَرٌ وَالزُّبَيْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ الْأَيْلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثِقَةٌ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَلَفْظُ " يُبَيِّتْ " عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ الْفَضْلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَأَقَرَّهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَيْهِ. وَنَظَرَ فِيهِ: بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّادٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ الْبَصْرِيُّ يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ. قَالَ: رَوَى عَنْهُ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِفَقْدِ النِّيَّةِ فِيهِ إذْ الْفَرْضُ اشْتِرَاطُهَا فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ، وَلَمْ تُوجَدْ فِي الْأَجْزَاءِ الْأُوَلِ مِنْ النَّهَارِ فَسَدَ الْبَاقِي، وَإِنْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِيهِ ضَرُورَةُ عَدَمِ انْقِلَابِ الْفَاسِدِ صَحِيحًا، وَعَدَمُ تَجَزِّي الصَّوْمِ صِحَّةً وَفَسَادًا، لَا يُقَالُ لِمَا لَمْ يَتَجَزَّأْ صِحَّةً وَفَسَادًا وَقَدْ صَحَّ مَا اُقْتُرِنَ بِالنِّيَّةِ صَحَّ الْكُلُّ ضَرُورَةً ذَاكَ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مُقَدَّمٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ مُنَجَّزٌ عِنْدِي لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّشَاطِ وَقَدْ يَنْشَطُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ، أَوْ نَقُولُ: تَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكَاتُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ فِي بَاقِيهِ فِي النَّفْلِ اعْتِبَارًا لَهُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ الْفَرْضِ، حَتَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ الْقِبْلَةَ، بِخِلَافِ الْفَرْضِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: إنِّي إذًا صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَى يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ» . (قَوْلُهُ وَلَنَا) حَاصِلُ اسْتِدْلَالِهِ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ عَلَى النَّفْلِ ثُمَّ تَأْوِيلِ مَرْوِيِّهِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، أَمَّا النَّصُّ فَمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مُسْتَغْرَبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ بَلْ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ «شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَأَمَرَ

وَلِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمٍ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مُمْتَدٌّ وَالنِّيَّةُ لِتَعْيِينِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ جَنْبَةُ الْوُجُودِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فِيهِ، وَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا» مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِهِ شَهِدَ فِي النَّهَارِ أَوْ اللَّيْلِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ» . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ قَبْلَ نَسْخِهِ بِرَمَضَانَ، إذْ لَا يُؤْمَرُ مَنْ أَكَلَ بِإِمْسَاكِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ إلَّا فِي يَوْمٍ مَفْرُوضِ الصَّوْمِ بِعَيْنِهِ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ فَعَلِمَ أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَلَمْ يَنْوِهِ لَيْلًا أَنَّهُ يَجْزِيهِ نِيَّتُهُ نَهَارًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ وَاجِبًا، وَقَدْ مَنَعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ فَإِنِّي صَائِمٌ فَصَامَ النَّاسُ» قَالَ: وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ، وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سَمِعَ هَذَا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ سَمِعَهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَسْخِهِ بِإِيجَابِ رَمَضَانَ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَمْ يُفْرَضْ بَعْدَ إيجَابِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ فِي وُجُوبِهِ أَيْ فَرِيضَتِهِ، وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ افْتِرَاضِهِ، وَنَسَخَ عَاشُورَاءَ رَمَضَانُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا يَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» وَكَوْنُ لَفْظِ " أَمَرَ " مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصِّيغَةِ الطَّالِبَةِ نَدْبًا وَإِيجَابًا مَمْنُوعٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَقَوْلُهَا: فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ إلَخْ: دَلِيلٌ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي الصِّيغَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ النَّدْبِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى الْآنِ بَلْ مَسْنُونٌ فَكَانَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ، وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَأَمْرُهُ مَنْ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ فَثَبَتَ أَنَّ الِافْتِرَاضَ لَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ مُجْزِئَةً مِنْ النَّهَارِ شَرْعًا. وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ

لِأَنَّ لَهُمَا أَرْكَانًا فَيُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهِمَا، وَبِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ وَبِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اقْتِرَانُهَا بِالْأَكْثَرِ فَتَرَجَّحَتْ جَنْبَةُ الْفَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَنِصْفِهِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمِ بِفَسَادِ الْجُزْءِ الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مِنْ الشَّارِعِ، بَلْ اعْتِبَارُهُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ مِنْ وُجُودِهَا بَعْدَهُ أَوَّلًا فَإِذَا وُجِدَتْ ظَهَرَ اعْتِبَارُهُ عِبَادَةً لَا أَنَّهُ انْقَلَبَ صَحِيحًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْفَسَادِ فَبَطَلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَهُ لِقِيَامِ مَا رَوَيْنَاهُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا، ثُمَّ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَى مَرْوِيِّهِ لِقُوَّةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا رَوَاهُ بَعْدَ نَقْلِنَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي صِحَّةِ رَفْعِهِ فَيَلْزَمُ، إذْ قُدِّمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ نَفْيَ الْكَمَالِ كَمَا فِي أَمْثَالِهِ مِنْ نَحْوِ: لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ، أَوْ الْمُرَادُ لَمْ يَنْوِ كَوْنَ الصَّوْمِ مِنْ اللَّيْلِ فَيَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ مُتَعَلِّقًا بِصِيَامِ الثَّانِي لَا " بيَنْوِ " أَوْ يَجْمَعُ فَحَاصِلُهُ: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ اللَّيْلِ أَيْ مِنْ آخِرِ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ نَفْيًا لِصِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ كَمَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ. وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى صِحَّتِهِ وَكَوْنِهِ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ عُمُومَهُ بِمَا رَوَيْنَاهُ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا وَعِنْدَنَا لَوْ كَانَ قَطْعِيًّا خَصَّ بَعْضَهُ خُصِّصَ بِهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الظَّنِّيَّةُ وَالتَّخْصِيصُ: إذْ قَدْ خَصَّ مِنْهُ النَّفَلَ وَيَخُصُّ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي تَعْيِينِ أَصْلِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ فَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ النَّفَلَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّخْفِيفِ فِي النَّفْلِ بِذَلِكَ ثُبُوتُ مِثْلِهِ فِي الْفَرْضِ، أَلَا يَرَى إلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ جَالِسًا بِلَا عُذْرٍ، وَعَلَى الدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ مَعَ عَدَمِهِ فِي الْفَرْضِ، وَالْحَقُّ أَنَّ صِحَّتَهُ فَرْعُ ذَلِكَ النَّصِّ، فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ جَوَازُ الصَّوْمِ فِي الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ عَلِمَ عَدَمَ اعْتِبَارِ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَالْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ قِيَاسُ النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَلَى الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَوَّلِ الْغُرُوبِ بِجَامِعِ التَّيْسِيرِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ بَيَانُهُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْمُقَارَنَةِ أَوْ مُقَدَّمَةً مَعَ عَدَمِ اعْتِرَاضِ مَا يُنَافِي الْمَنْوِيَّ بَعْدَهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ اعْتِبَارَهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجِبْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إلَّا الْمُقَارَنَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْغُرُوبِ أَجْزَأَهُ، وَلَا عَدَمُ تَخَلُّلِ الْمُنَافِي لِجَوَازِ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ مَعَ انْتِفَاءِ حُضُورِهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ يَوْمِ الصَّوْمِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ صَحَّتْ الْمُتَقَدِّمَةُ لِذَلِكَ التَّيْسِيرِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّازِمِ لَوْ أَلْزَمَ أَحَدُهُمَا. وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي تَجْوِيزَهَا مِنْ النَّهَارِ لِلُزُومِ الْحَرَجِ لَوْ أُلْزِمَتْ مِنْ اللَّيْلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَاَلَّذِي نَسِيَهَا لَيْلًا، وَفِي حَائِضٍ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ تَعْلَمْ إلَّا بَعْدَهُ، وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا، فَإِنَّ عَادَتَهُنَّ وَضْعُ الْكُرْسُفِ عِشَاءً ثُمَّ النَّوْمُ، ثُمَّ رَفْعُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَفْعَلُ كَذَا تُصْبِحُ فَتَرَى الطُّهْرَ وَهُوَ مَحْكُومٌ بِثُبُوتِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلِذَا تَلْزَمُهَا بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَفِي صَبِيٍّ بَلَغَ بَعْدَهُ وَمُسَافِرٍ أَقَامَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا نَهَارًا، وَتَوَهَّمَ أَنَّ مُقْتَضَاهُ قَصْرُ الْجَوَازِ عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُكْثِرُونَ كَثْرَةَ غَيْرِهِمْ بَعِيدٌ عَنْ النَّظَرِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ كَمِّيَّةِ الْمَنَاطِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ الْحَرَجِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْمُتَأَخِّرَةُ بِقَدْرِ ثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمُتَقَدِّمَةُ بَلْ يَكْفِي ثُبُوتُهُ فِي جِنْسِ الصَّائِمِينَ، وَكَيْفَ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمُصَحِّحُ الْحَرَجَ الزَّائِدَ وَلَا ثُبُوتَهُ فِي أَكْثَرِ الصَّائِمِينَ فِي الْأَصْلِ، فَكَذَا يَجِبُ فِي الْفَرْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَكْثَرَ الصَّائِمِينَ يَكُونُونَ مُفِيقِينَ قَرِيبِ الْفَجْرِ فَقَوْمٌ لِتَهَجُّدِهِمْ وَقَوْمٌ لِسُحُورِهِمْ، فَلَوْ أُلْزِمَتْ النِّيَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَخَلَّلُ الْمُنَافِي بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لَمْ يَلْزَمْ بِذَلِكَ حَرَجٌ فِي كُلِّ الصَّائِمِينَ وَلَا فِي أَكْثَرِهِمْ، بَلْ فِيمَنْ لَا يُفِيقُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُمْ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الْبَاقِينَ قَبْلَهُ إذْ يُمْكِنُهُمْ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ إلَى مَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ فَتَحْصُلُ بِذَلِكَ نِيَّةٌ سَابِقَةٌ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّرُوعِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ بِهِمْ، فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ عُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّيْسِيرُ بِدَفْعِ الْحَرَجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَعَنْ كُلِّ صَائِمٍ وَيَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يَخُصُّ الْمُعَيَّنَ، بَلْ يَجْرِي فِي كُلِّ صَوْمٍ لَكِنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِلْخَبَرِ لَا نَاسِخًا، وَلَوْ جَرَيْنَا عَلَى تَمَامِ لَازِمِ هَذَا الْقِيَاسِ كَانَ نَاسِخًا لَهُ إذْ لَمْ يَبْقَ تَحْتَهُ شَيْءٌ حِينَئِذٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحَاذِيَ بِهِ مَوْرِدَ النَّصِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ مِنْ رَمَضَانَ وَنَظِيرُهُ مِنْ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُلْغِيَ قَيْدَ التَّعْيِينِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إبْطَالًا لِحُكْمِ لَفْظٍ بِلَا لَفْظٍ يَنُصُّ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَانْتَظَمَ مَا ذَكَرْنَاهُ جَوَابُ مَالِكٍ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ اخْتَصَّ اعْتِبَارُهَا بِوُجُودِهَا فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَمَا رَوَيْتُمْ لَا يُوجِبُهُ؟ قُلْنَا: لَمَّا كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ احْتَمَلَ كَوْنَ إجَازَةِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي أَكْثَرِهِ بِأَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَسْلَمِيُّ بِالنِّدَاءِ كَانَ الْبَاقِي مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرَهُ، وَاحْتَمَلَ كَوْنُهَا لِلتَّجْوِيزِ مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا فِي الْوَاجِبِ، فَقُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ خُصُوصًا، وَمَعْنَاهُ نَصٌّ يَمْنَعُهَا مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا وَعَضَّدَهُ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَوَارِدِ الْفِقْهِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ هَذَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ كُلِّ النَّهَارِ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ اكْتَفَى بِهَا فِي أَقَلِّهِ، فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِالصَّوْمِ فَلَمْ يَجُزْ مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ مُمْتَدٌّ فَبِالْوُجُودِ فِي أَكْثَرِهِ يُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي كُلِّهِ بِخِلَافِهِمَا، فَإِنَّهُمَا أَرْكَانٌ فَيُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهِمَا. وَإِلَّا خَلَتْ بَعْضُ الْأَرْكَانِ عَنْهَا فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرِ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ رَمَضَانُ مِنْ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِمَا كَالْقَضَاءِ

وَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الصَّوْمِ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نِيَّةِ النَّفْلِ عَابِثٌ، وَفِي مُطْلَقِهَا لَهُ قَوْلَانِ: لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ مُعْرِضٌ عَنْ الْفَرْضِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَرْضُ. وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِمَا. قُلْنَا لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ هُمَا إنَّمَا خُولِفَ بِهِمَا الْغَيْرُ شَرْعًا فِي التَّخْفِيفِ لَا التَّغْلِيظِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ مُتَعَيِّنٌ بِنَفْسِهِ عَلَى الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُ جَازَ لَهُمَا تَأْخِيرُهُ تَخْفِيفًا لِلرُّخْصَةِ، فَإِذَا صَامَا وَتَرَكَا التَّرْخِيصَ الْتَحَقَا بِالْمُقِيمِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الضَّرْبُ) أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ مِنْ الْوَاجِبِ (يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ) وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَا يَتِمُّ فِي الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ، أَمَّا لَوْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ كَكَفَّارَةٍ يَقَعُ عَمَّا نَوَى، وَعَلَّلَ بِأَنَّ تَعْيِينَ النَّاذِرِ الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ فِي إبْطَالِ مَحَلِّيَّتِهِ لِحَقٍّ لَهُ وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَحَلِّيَّتِهِ فِي حَقٍّ حُقَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَا تَتَجَاوَزُ حَقَّهُ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ: بِأَنَّ التَّعْيِينَ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّارِعُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى إلَى حَقِّهِ لِإِذْنِهِ بِإِلْزَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَذِنَ مُقْتَصِرًا عَلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَعْنِي الْعَبْدَ، وَأَوْرَدَ لَمَّا لَمْ يَتَعَدَّ إلَى حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَقِيَ مُحْتَمِلًا لِصَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْيِينَ، وَلَا يَتَأَدَّى بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ كَالظُّهْرِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ الْوَقْتِ، وَأَصْلُ الْمَشْرُوعِ فِيهِ النَّفَلُ الَّذِي صَارَ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ، وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ، وَكَذَا نِيَّةُ النَّفْلِ بِخِلَافِ الظُّهْرِ الْمَضِيقِ فَإِنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ يُعَارِضُ التَّقْصِيرَ بِتَأْخِيرِ الْأَدَاءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْوَقْتُ بَعْدَهُ لَهُ بَعْدَمَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ لَهُ

فَيُصَابُ بِأَصْلِ النِّيَّةِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ، وَإِذَا نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّوْمِ وَزِيَادَةَ جِهَةٍ، وَقَدْ لَغَتْ الْجِهَةُ فَبَقِيَ الْأَصْلُ وَهُوَ كَافٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَ الْمَعْذُورَ مَشَقَّةٌ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا اُلْتُحِقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يَنَالُ بِاسْمِ جِنْسِهِ) عُلِمَ مِنْ وَجْهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ الشَّارِعِ تَعْيِينُ الْمَحَلِّ وَهُوَ الزَّمَانُ لِقَبُولِ الْمَشْرُوعِ الْمُعَيَّنِ، وَلَازِمُهُ نَفْيُ صِحَّةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ لُزُومِ التَّعْيِينِ عَنْ الْمُكَلَّفِ، لِأَنَّ إلْزَامَ التَّعْيِينِ لَيْسَ لِتَعْيِينِ الْمَشْرُوعِ لِلْمَحَلِّ بَلْ لِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ عَنْ اخْتِيَارٍ مِنْهُ فِي أَدَائِهِ لَا جَبْرًا. وَتَعَيُّنُ الْمَحَلِّ شَرْعًا لَيْسَ عِلَّةً لِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ وَنِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّوْمِ كَذَلِكَ قَوْلُكُمْ، الْمُتَوَحِّدُ يَنَالُ بِاسْمِ جِنْسِهِ كَزَيْدٍ يُنَادَى بِيَا حَيَوَانُ وَيَا رَجُلُ، قُلْنَا: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: يَا حَيَوَانُ زَيْدًا مَثَلًا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ نَظَرُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِمُطْلَقِ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ النِّيَّةِ صَوْمَ رَمَضَانَ، وَحِينَئِذٍ لَيْسَ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ قَصَدَ صَوْمَ رَمَضَانَ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ بِعَيْنِهِ بِهِ بَلْ أَرَادَ فَرْدًا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ سِوَى ذَلِكَ، كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ إرَادَةِ الْمُطْلَقِ مِثْلَ قَوْلِ الْأَعْمَى: يَا رَجُلًا خُذْ بِيَدِي، فَلَيْسَ هُوَ إرَادَةُ ذَلِكَ الْمُتَعَيَّنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ، بَلْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرُهُ، فَلُزُومُ ثُبُوتِ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ يَكُونُ لَا عَنْ قَصْدٍ إلَيْهِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ جَبْرًا. لَكِنْ لَا بُدَّ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ مِنْ الِاخْتِيَارِ، وَاخْتِيَارُ الْأَعَمِّ لَيْسَ اخْتِيَارُ الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ، وَإِذَا بَطَلَ فِي الْمُطْلَقِ بَطَلَ فِي إرَادَةِ النَّفْلِ وَوَاجِبٍ آخَرَ، لِأَنَّ الصِّحَّةَ بِهِمَا إنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ الصِّحَّةِ بِالْمُطْلَقِ بِنَاءً عَلَى لَغْوِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ فَيَبْقَى هُوَ بِهِ يَتَأَدَّى، بَلْ الْبُطْلَانُ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ قَصْدِ الْمُتَعَيَّنِ بِقَصْدِ الْأَعَمِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَصَدَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَهُوَ مِنْهَا بِخِلَافِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ قَصْدُ تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ اعْتِبَارُ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ الَّذِي فِي ضِمْنِهِ بَعْدَمَا لَغَا مُصَابًا بِهِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِأَنِّي لَمْ أُرِدْ الْمُطْلَقَ بَلْ الْكَائِنَ بِقَيْدِ كَذَا جُبِرَ عَلَى إيقَاعِهِ، وَهُوَ النَّافِي لِلصِّحَّةِ، فَكَيْفَ يُسْقِطُ صَوْمَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُنَادِي وَيَقُولُ: لَمْ أُرِدْهُ بَلْ صَوْمُ كَذَا وَأَرَدْت عَدَمَهُ، فَإِنَّهُ مَعَ إرَادَةِ عَدَمِهِ إذَا أَرَادَ صَوْمًا آخَرَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ عِنْدَكُمْ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ) أَيْ أَنَّهُ يَتَأَدَّى رَمَضَانُ

بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ لِتَحَتُّمِهِ لِلْحَالِ وَتَخَيُّرِهِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ. وَعَنْهُ فِي نِيَّةِ التَّطَوُّعِ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَا صَرَفَ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ. قَالَ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمَا بِالْمُطْلَقَةِ وَنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَالنَّفَلِ عِنْدَهُمَا، وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إخْرَاجَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ بِلَا اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ. وَلَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لَهُ التَّرْخِيصَ بِتَرْكِ الصَّوْمِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِلْمَشَقَّةِ، وَمَعْنَى التَّرْخِيصِ أَنْ يَدَعَ مَشْرُوعَ الْوَقْتِ بِالْمَيْلِ إلَى الْأَخَفِّ، فَإِذَا اشْتَغَلَ بِوَاجِبٍ آخَرَ كَانَ مُتَرَخِّصًا لِأَنَّ إسْقَاطَهُ مِنْ ذِمَّتِهِ أَهَمُّ مِنْ إسْقَاطِ فَرْضِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِفَرْضِ الْوَقْتِ، وَيُؤَاخَذُ بِوَاجِبٍ آخَرَ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا نَوَى النَّفَلَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ مَعْنَى التَّرَخُّصِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي النَّفْلِ لَيْسَ إلَّا الثَّوَابُ، وَهُوَ فِي الْفَرْضِ أَكْثَرُ، فَكَانَ هَذَا مَيْلًا إلَى الْأَثْقَلِ فَيَلْغُو وَصْفُ النَّفْلِيَّةِ وَيَبْقَى مُطْلَقُ الصَّوْمِ فَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: أَنَّ انْتِفَاءَ شَرْعِيَّةِ الصِّيَامَاتِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْوُجُوبِ، فَإِنَّ الْوُجُوبَ مَوْجُودٌ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بَلْ هُوَ مِنْ حُكْمِ تَعْيِينِ هَذَا الزَّمَانِ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ، وَلَا تَعَيُّنَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالتَّأْخِيرِ فَصَارَ هَذَا الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ كَشَعْبَانَ فَيَصِحُّ مِنْهُ أَدَاءُ وَاجِبٍ آخَرَ كَمَا فِي شَعْبَانَ. وَهَذَا الطَّرِيقُ يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا نَوَى النَّفَلَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ. وَأَمَّا إخْرَاجُ الْمَرِيضِ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ وَجَعْلُهُ كَالْمُسَافِرِ، فَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى

فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَالنَّفَلُ كُلُّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ رُخْصَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِخَوْفِ ازْدِيَادِ الْمَرَضِ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ، فَكَانَ كَالْمُسَافِرِ فِي تَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ فِي حَقَّةِ بِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى لِأَنَّ رُخْصَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ. قِيلَ: مَا قَالَاهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْمَرَضِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَى مَا يَضُرُّ بِهِ الصَّوْمُ نَحْوَ الْحُمَّيَاتِ وَوَجَعِ الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَمَا لَا يَضُرُّ بِهِ كَالْأَمْرَاضِ الرُّطُوبِيَّةِ وَفَسَادِ الْهَضْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالتَّرَخُّصُ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْمَشَقَّةِ فَيَتَعَلَّقُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِخَوْفِ ازْدِيَادِ الْمَرَضِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَفِي الثَّانِي بِحَقِيقَتِهِ فَإِذَا صَامَ هَذَا الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ النَّفَلَ وَلَمْ يَهْلَك ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ التَّرَخُّصُ فَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَإِذَا صَامَ ذَلِكَ الْمَرِيضُ كَذَلِكَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى لِتَعَلُّقِهَا بِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ كَالْمُسَافِرِ، فَيَسْتَقِيمُ جَوَابُ الْفَرِيقَيْنِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ: أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُهُ مَرِيضٌ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَخَافُ مِنْهُ ازْدِيَادَ الْمَرَضِ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إنْ نَوَى مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالصَّوْمِ لَا تَقْدِيمُهَا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ) وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ثُبُوتَ التَّوَقُّفِ إنَّمَا كَانَ بِالنَّصِّ وَمَوْرِدُهُ كَانَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ فَعَقَلَ أَنَّ ثُبُوتَ التَّوَقُّفِ بِوَاسِطَةِ التَّعَيُّنِ مَعَ لُزُومِ النِّيَّةِ وَاشْتِرَاطِهَا فِي أَدَاءِ الْعِبَادَةِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَلِّي الزَّمَنَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِبَادَةُ عَنْ النِّيَّةِ وَكَانَ هَذَا رِفْقًا بِالْمُكَلَّفِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ فِي دِينِهِ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْرِيرِهِ، وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ اعْتِبَارِ خُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ لِلْخُلُوِّ الْخَالِي عَنْهَا وَهُوَ الْأَصْلُ أَعْنِي اعْتِبَارَ الْخُلُوِّ لِلْخُلُوِّ الْخَالِي ضَرَرٌ دِينِيٌّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَأْثَمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِيهِ فَلَا مُوجِبَ لِلتَّوَقُّفِ، لَا يُقَالُ تَوَقَّفَ فِي النَّفْلِ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمُوجِبُ الَّذِي ذَكَرْت بَلْ مُجَرَّدُ طَلَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ مَعَ إسْقَاطِ الْفَرْضِ ثَابِتٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي حَقِّ هَذِهِ الصِّيَامَاتِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَمْنَعُ مِنْهُ لُزُومُ كَوْنِ الْمَعْنَى نَاسِخًا بِالنَّصِّ، أَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» إذْ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ بِالنَّصِّ مُقَارِنًا لِلْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَاهُ، وَهُوَ لَا يَتَعَدَّاهُ فَلَوْ أَخْرَجَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ النَّفَلَ قَدْ خَرَجَ أَيْضًا بِالنَّصِّ بِمَا ذَكَرْت مِمَّا عَقَلْت فِي إخْرَاجِ النَّفْلِ لَمْ يَبْقَ تَحْتَ الْعَامِّ شَيْءٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنْته وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَلَازِمُهُ كَوْنِ مَا عَيَّنْته فِي النَّفْلِ لَيْسَ مَقْصُودَ الشَّارِعِ مِنْ شَرْعِيَّةِ الصِّحَّةِ فِي النَّفْلِ بَلْ مَقْصُودُهُ زِيَادَةُ تَخْفِيفِ النَّفْلِ عَلَى تَخْفِيفِ الْوَاجِبِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ التَّوَقُّفُ فِيهِ لِمُجَرَّدِ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ جَازَتْ نَافِلَتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَجَالِسًا بِلَا عُذْرٍ، بِخِلَافِ فَرِيضَتِهَا لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا. لَا يُقَالُ مَا عَلَّلْتُمْ بِهِ فِي الْمُعَيَّنِ قَاصِرٌ، وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونَ التَّعْلِيلَ بِالْقَاصِرَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لِلْقِيَاسِ لَا مُجَرَّدِ إبْدَاءِ مَعْنًى هُوَ حِكْمَةُ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَالنِّزَاعُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ التَّعْلِيلِ بِمَا يُسَاوِي الْقِيَاسَ أَوْ أَعَمَّ مِنْهُ لَا يُشَكُّ فِي هَذَا، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ [عَلَى الْبَدِيعِ] وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ: لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ مِنْ النَّهَارِ فَلَمْ يَصِحَّ هَلْ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ: فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟ قِيلَ: هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي

خِلَافًا لِمَالِكٍ، فَإِنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا. وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا كَانَ يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ إنِّي إذًا لَصَائِمٌ» وَلِأَنَّ الْمَشْرُوعَ خَارِجَ رَمَضَانَ هُوَ النَّفَلُ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ عَلَى صَيْرُورَتِهِ صَوْمًا بِالنِّيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ وَيَصِيرُ صَائِمًا مِنْ حِينِ نَوَى إذْ هُوَ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّشَاطِ، وَلَعَلَّهُ يَنْشَطُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَعِنْدَنَا يَصِيرُ صَائِمًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ قَهْرِ النَّفْسِ، وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِإِمْسَاكٍ مُقَدَّرٍ فَيُعْتَبَرُ قِرَانُ النِّيَّةِ بِأَكْثَرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَظْنُونِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَمِنْ فُرُوعِ النِّيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيَّ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَوَّلُ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ، حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ فَصَامَ أَحَدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ يَوْمُ الْقَضَاءِ جَازَ، وَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ؟ قِيلَ: يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا فَصَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ الشَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ رَمَضَانُ سَنَةَ كَذَا لِغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجْزِيهِ. وَلَوْ صَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ سَنَةِ كَذَا عَلَى الْخَطَإِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَفْطَرَ ذَلِكَ قَالَ: لَا يَجْزِيهِ، وَلَوْ نَوَى بِاللَّيْلِ أَنْ يَصُومَ غَدًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي اللَّيْلِ وَعَزَمَ عَلَى الْفِطْرِ لَمْ يُصْبِحْ صَائِمًا فَلَوْ أَفْطَرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَمَضَانُ، وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ لَا يَجْزِيهِ لِأَنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ انْتَقَضَتْ بِالرُّجُوعِ، وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ: يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إنَّمَا تُبْطِلُ اللَّفْظَ، وَالنِّيَّةُ فِعْلُ الْقَلْبِ، وَلَوْ جَمَعَ فِي نِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بَيْنَ صَوْمَيْنِ نَذْكُرُهُ عَنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ رَمَضَانُ تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ ظَهَرَ صَوْمُهُ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِسْقَاطِ لَا تَسْبِقُ الْوُجُوبَ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَهُ جَازَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ شَوَّالًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ، فَلَوْ كَانَ نَاقِصًا فَقَضَاءُ يَوْمَيْنِ، أَوْ ذَا الْحِجَّةِ قَضَى أَرْبَعَةً لِمَكَانِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِنْ اتَّفَقَ كَوْنُهُ نَاقِصًا عَنْ ذَلِكَ الرَّمَضَانِ قَضَى خَمْسَةً ثُمَّ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: هَذَا إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ، أَمَّا إذَا نَوَى صَوْمَ أَدَاءً لِصِيَامِ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ رَمَضَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ وَهُوَ حَسَنٌ.

[فصل في رؤية الهلال]

فَصْلٌ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا، وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يُنْقَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ] فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» . وَقَوْلُهُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ فِيهِ تَسَاهُلٌ، فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي هِيَ عَشِيَّتُهُ، نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مِنْ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَيَجِبُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِطْرُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ هَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْإِيضَاحِ، وَحَكَاهُ فِي الْمَنْظُومَةِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَطْ، وَفِي التُّحْفَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَهُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَقَوْلِهِمَا، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ مَجْرَاهُ أَمَامَ الشَّمْسِ، وَالشَّمْسُ تَتْلُوهُ فَهُوَ لِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَ خَلْفَهَا فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: إذَا غَابَ بَعْدَ الشَّفَقِ فَلِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلِلرَّاهِنَةِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا وَهُوَ لِلَيْلَتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ، وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَوَجَبَ سَبْقُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَالْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ عِنْدَ عَشِيَّةِ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا، وَهُوَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، إلَّا أَنَّ وَاحِدًا لَوْ رَآهُ فِي نَهَارِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَظَنَّ انْقِضَاءَ مُدَّةِ الصَّوْمِ وَأَفْطَرَ عَمْدًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الزَّوَالِ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. هَذَا وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ إلَى الْهِلَالِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، لِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي مِصْرَ لَزِمَ سَائِرَ النَّاسِ فَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِأَنَّ السَّبَبَ الشَّهْرُ، وَانْعِقَادُهُ فِي حَقِّ قَوْمٍ لِلرُّؤْيَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ آخَرِينَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ زَالَتْ أَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَى قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِينَ الظُّهْرُ

(وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا» وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَغْرِبُ دُونَ أُولَئِكَ، وَجْهُ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ " صُومُوا " مُعَلَّقًا بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ، وَبِرُؤْيَةِ قَوْمٍ يَصْدُقُ اسْمُ الرُّؤْيَةِ فَيَثْبُتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ عُمُومِ الْحُكْمِ، فَيَعُمُّ الْوُجُوبَ بِخِلَافِ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَعَلُّقُ عُمُومِ الْوُجُوبِ بِمُطْلَقِ مُسَمَّاهُ فِي خِطَابٍ مِنْ الشَّارِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ مُتَأَخِّرِي الرُّؤْيَةِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ، حَتَّى لَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ بِيَوْمٍ فَصَامُوا وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ، وَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ لَهُمْ فِطْرُ غَدٍ، وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا، وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهَا لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ، وَمُخْتَارُ صَاحِبِ التَّجْرِيدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَعُورِضَ لَهُمْ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ: فَقَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْت حَاجَتَهَا، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُوهُ؟ فَقُلْت: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْت: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت: أَوْ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَوْمِهِ، فَقَالَ: لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، شَكَّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي تَكْتَفِي بِالنُّونِ أَوْ بِالتَّاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِ الْمُرَادِ أَمْرَ كُلِّ أَهْلِ مَطْلَعٍ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَتِهِمْ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ لِلْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ هَكَذَا إلَى نَحْوِ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ أُمِّ الْفَضْلِ، وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَ مَا وَقَعَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ وَقَعَ لَنَا لَمْ نَحْكُمْ بِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ. فَإِنْ قِيلَ: إخْبَارُهُ عَنْ صَوْمِ مُعَاوِيَةَ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحْوَطُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) الْكَلَامُ هُنَا فِي تَصْوِيرِ يَوْمِ

أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّكِّ وَبَيَانِ حُكْمِهِ وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ قَالَ هُوَ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْ الْإِدْرَاكِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَمُوجِبُهُ هُنَا أَنْ يُغَمَّ الْهِلَالُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَيَشُكُّ فِي الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ أَمِنْ رَمَضَانَ هُوَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ؟ أَوْ يُغَمَّ مِنْ رَجَبٍ هِلَالُ شَعْبَانَ فَأُكْمِلَتْ عِدَّتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ رُئِيَ هِلَالُ رَمَضَانَ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَهُوَ الثَّلَاثُونَ أَوْ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ، وَمِمَّا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ أَصْحَابِنَا مَا إذَا شَهِدَ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّحْوِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِغَلَطِهِ عِنْدَنَا لِظُهُورِهِ، فَمُقَابِلُهُ مَوْهُومٌ لَا مَشْكُوكٌ. وَإِنْ كَانَ فِي غَيْمٍ فَهُوَ شَكٌّ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ الظَّاهِرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثِينَ، حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَكُونُ مَجِيئًا عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ، بَلْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ تَسْتَوِي هَاتَانِ الْحَالَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَا يُعْطِيهِ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّهْرِ، فَاسْتَوَى الْحَالُ حِينَئِذٍ فِي الثَّلَاثِينَ أَنَّهُ مِنْ الْمُنْسَلِخِ أَوْ الْمُسْتَهَلِّ إذَا كَانَ غَيْمٌ فَيَكُونُ مَشْكُوكًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَهَلِّ لَرُئِيَ عِنْدَ التَّرَائِيِ، فَلَمَّا لَمْ يُرَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُنْسَلِخَ ثَلَاثُونَ، فَيَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ مِنْهُ غَيْرَ مَشْكُوكٍ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ حُكْمِ صَوْمِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَقْطَعَ النِّيَّةَ أَوْ يُرَدِّدَهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ التَّطَوُّعِ ابْتِدَاءً أَوْ لِاتِّفَاقِ يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ أَوْ أَيَّامٍ، بِأَنْ كَانَ يَصُومُ مَثَلًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُضْجَعَ فِيهَا، فَأَمَّا فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ مِنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَلَا يَصُومُ، أَوْ فِي وَصْفِهَا بِأَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَعَنْ وَاجِبٍ كَذَا قَضَاءٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَذْرٌ أَوْ رَمَضَانُ إنْ كَانَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَعَنْ النَّفْلِ وَالْكُلُّ مَكْرُوهٌ إلَّا فِي التَّرَدُّدِ فِي أَصْلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ صَائِمًا وَإِلَّا فِي النَّفْلِ بِلَا إضْجَاعٍ بَلْ فِي صُورَةِ قَطْعِ النِّيَّةِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ لِمُوَافَقَةِ صَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ أَوْ ابْتِدَاءٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ إذَا لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قِيلَ: الْفِطْرُ، وَقِيلَ: الصَّوْمُ، ثُمَّ فِيمَا يُكْرَهُ تَتَفَاوَتُ الْكَرَاهَةُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. وَهَذَا فِي عَيْنِ يَوْمِ الشَّكِّ، فَأَمَّا صَوْمُ مَا قَبْلَهُ فَفِي التُّحْفَةِ قَالَ: وَالصَّوْمُ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَكْرُوهٌ أَيُّ صَوْمٍ كَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» . قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَوْفًا مِنْ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ إذَا اعْتَادُوا ذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ وَصْلُ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ بِأَسْطُرٍ عَدَمَ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا، ثُمَّ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْلَمُ الْعَوَامُّ ذَلِكَ كَيْ لَا يَعْتَادُوا صَوْمَهُ فَيَظُنُّهُ الْجُهَّالُ زِيَادَةً فِي رَمَضَانَ اهـ. وَظَاهِرُ الْكَافِي فِي خِلَافِهِ قَالَ: إنْ وَافَقَ يَعْنِي يَوْمَ الشَّكِّ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ، وَكَذَا إذَا صَامَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِهِ اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ عَادَةً وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا، حَيْثُ حَمَلَ حَدِيثَ التَّقَدُّمِ عَلَى التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ صَوْمُهَا لِمَعْنَى مَا فِي التُّحْفَةِ فَتَأَمَّلْ. وَمَا فِي التُّحْفَةِ أَوْجَهُ. وَأَمَّا

وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي مُدَّةِ صَوْمِهِمْ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ يَجْزِيهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا، وَإِنْ أَفْطَرَ لَمْ يَقْضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّالِثُ: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَذْهَبَنَا إبَاحَتُهُ وَمَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا لَهُ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وُجُوبُ صَوْمِهِ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ. وَلْنَأْتِ الْآنَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِدْلَالُ الْمَذَاهِبِ لِيَظْهَرَ مُطَابَقَتُهَا لِأَيِّ الْمَذَاهِبِ. وَالْأَوَّلُ: حَدِيثُ «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا» لَمْ يُعْرَفْ قِيلَ: وَلَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي ثُبُوتُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إبَاحَةُ الصَّوْمِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَيَصُومُهُ» رَوَاهُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ. الثَّالِثُ: مَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَقِيَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ. الرَّابِعُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَا أَبَا الْقَاسِمِ» وَإِنَّمَا ثَبَتَ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنْهُ، فَقَالَ: وَقَالَ: صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ» إلَخْ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ فِي كُتُبِهِمْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَا أَبَا الْقَاسِمِ رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآدَمِيِّ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ " ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ثُمَّ قَالَ: تَابَعَ الْآدَمِيُّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَكِيعٍ الْخَامِسُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ «فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا» . السَّادِسُ: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ وَفِي لَفْظٍ فَصُمْ يَوْمًا» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ صَوْمُ دَاوُد» وَسِرَارُ الشَّهْرِ آخِرُهُ سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ السِّرَارَ قَدْ يُقَالُ عَلَى الثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ مِنْ لَيَالِيِ الشَّهْرِ، لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ " صُمْ يَوْمًا " عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صُمْ آخِرَهَا لَا كُلَّهَا، وَإِلَّا قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَكَانَهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ سَرَرِ الشَّهْرِ لِإِفَادَةِ التَّبْعِيضِ وَعِنْدَنَا هَذَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِهِ لَا وُجُوبَهُ، لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِ التَّقَدُّمِ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ التَّقَدُّمَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَيَصِيرُ حَدِيثُ السَّرَرِ

لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنَّ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجْزِيهِ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ: يَكُونُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِاسْتِحْبَابِ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُعْقَلُ فِيهِ هُوَ أَنْ يَخْتِمَ شَعْبَانَ بِالْعِبَادَةِ كَمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ. فَهُوَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَهُوَ خَتْمُ الشَّهْرِ بِعِبَادَةِ الصَّوْمِ لَا يَخْتَصُّ بِغَيْرِ شَعْبَانَ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ بِسَبَبِ اتِّصَالِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ عَلَى صَوْمِ النَّفْلِ، فَيُجْعَلُ هُوَ الْمَمْنُوعُ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ هُوَ الْوَاجِبُ بِحَدِيثِ السَّرَرِ، فَيَكُونُ مَنْعُ النَّفْلِ بِسَبَبِ الْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبِ الْمُفَادِ بِحَدِيثِ السَّرَرِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَتْحِ مَفْسَدَةِ ظَنِّ الزِّيَادَةِ فِي رَمَضَانَ عِنْدَ تَكَرُّرِهِ مَعَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ، وَهُوَ مُكَفِّرٌ لِأَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا شَرَعَ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ حَيْثُ زَادُوا فِي مُدَّةِ صَوْمِهِمْ، فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ حِلِّ صَوْمِهِ مُخْفِيًا عَنْ الْعَوَامّ، وَكُلُّ مَا وَافَقَ حَدِيثَ التَّقَدُّمِ فِي مَنْعِهِ كَحَدِيثِ إكْمَالِ الْعِدَّةِ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ حَمْلِهِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا إكْمَالٌ لِعِدَّةِ شَعْبَانَ، وَحَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ مَوْقُوفٌ لَا يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ السَّرَرِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى إرَادَةِ صَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْمُتَنَحِّي قَصْدَ ذَلِكَ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ أَصْلًا. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَا يُكْرَهُ صَوْمُ وَاجِبٍ آخَرَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ، لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ لَيْسَ غَيْرُ إذْ لَمْ يَثْبُتْ غَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا الْمَكْرُوهُ فَأَنْوَاعٌ، إلَى أَنْ قَالَ: وَصَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ أَوْ بِنِيَّةٍ مُتَرَدِّدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ صُورَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَعَنْ التَّطَوُّعِ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا قُلْنَا، يَعْنِي صَوْمَ رَمَضَانَ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِينَ، وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ، حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، قَالُوا: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُكْرَهَ وَاجِبٌ آخَرُ أَصْلًا وَإِنَّمَا كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ الْعِصْيَانِ، وَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ صَوْمُهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ تَوَرُّعًا وَإِلَّا فَبَعْدَ تَأَدِّي الِاجْتِهَادِ إلَى وُجُوبِ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ صَوْمَ رَمَضَانَ كَيْفَ يُوجِبُ حَدِيثُ الْعِصْيَانِ مَنْعَ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ وَبَيْنَهُ، فَمَا وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَجَبَ حَمْلُ الْآخَرِ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى سِوَى تَعَدُّدِ السَّنَدِ هَذَا بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ) وَلَمْ يَقُلْ مَظْنُونٌ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَيَقُّنِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ الشَّكِّ فِي إسْقَاطِهِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لَكِنَّ هَذَا فِي مَعْنَاهُ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهَةِ)

فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ، وَقِيلَ: يَجْزِيهِ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لَا يَقُومُ بِكُلِّ صَوْمٍ، بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الْإِجَابَةِ بِلَازِمِ كُلِّ صَوْمٍ، وَالْكَرَاهِيَةُ هَهُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ» الْحَدِيثَ، التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ رَمَضَانَ الَّذِي هُوَ مَثَارُ النَّهْيِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لَا يَقُومُ بِكُلِّ صَوْمٍ بَلْ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَقَطْ، وَعَنْ هَذَا لَا يُكْرَهُ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ: أَيْ النَّهْيِ الْمَحْمُولِ عَلَى رَمَضَانَ فَإِنَّهُ وَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ فَصُورَتُهُ اللَّفْظِيَّةُ قَائِمَةٌ فَالتَّوَرُّعُ أَنْ لَا يَحِلَّ بِسَاحَتِهَا أَصْلًا. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى لَا غَيْرُ لَا لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الصَّوْمِ، فَلَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي ذَاتِهِ لِيَمْنَعَ مِنْ وُقُوعِهِ

ثُمَّ إنْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ: وَكَذَا إذَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَصَاعِدًا، وَإِنْ أَفْرَدَهُ فَقَدْ قِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ وَقَدْ قِيلَ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَيُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يُضْجَعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِي أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْكَامِلِ وَلَا يَكُونُ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، بَلْ دُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَائِشَةَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا كَانَ يَصُومَانِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّ مَذْهَبَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يُنَازِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ، لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي صَوْمِهَا لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَهَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّهَا تَصُومُهُ عَلَى أَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ شَعْبَانَ كَيْ لَا تَقَعَ فِي إفْطَارِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَبْعُدُ أَنْ تَقْصِدَ بِهِ رَمَضَانَ بَعْدَ حُكْمِهَا بِأَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ احْتِمَالٌ، وَالْأَوْلَى فِي التَّمَسُّكِ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ حَدِيثُ السَّرَرِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ بَعْدَ الْجَمْعِ الَّذِي وَجَبَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ الِاسْتِحْبَابَ لَا الْإِبَاحَةَ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِلْمَفْسَدَةِ فِي الِاعْتِقَادِ، فَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَيُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ حَسْمًا لِمَادَّةِ اعْتِقَادِ الزِّيَادَةِ، وَيَصُومُ فِيهِ الْمُفْتِي سِرًّا لِئَلَّا يُتَّهَمَ بِالْعِصْيَانِ فَإِنَّهُ أَفْتَاهُمْ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لِحَدِيثِ الْعِصْيَانِ وَهُوَ مُشْتَهِرٌ بَيْنَ الْعَوَامّ. فَإِذَا خَالَفَ إلَى الصَّوْمِ اتَّهَمُوهُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَقِصَّةُ أَبِي يُوسُفَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مَنْ صَامَهُ مِنْ الْخَاصَّةِ لَا يُظْهِرُهُ لِلْعَامَّةِ وَهِيَ مَا حَكَاهُ أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَتَيْت بَابَ الرَّشِيدِ فَأَقْبَلَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَمِدْرَعَةٌ سَوْدَاءُ وَخُفٌّ أَسْوَدُ وَرَاكِبٌ عَلَى فَرَسٍ أَسْوَدَ، وَمَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَيَاضِ إلَّا لِحْيَتَهُ الْبَيْضَاءُ، وَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ فَأَفْتَى النَّاسَ بِالْفِطْرِ

رَمَضَانَ وَلَا يَصُومُهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ عَزِيمَتَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَدًا غَدَاءً يُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَصُومُ. وَالْخَامِسُ: أَنْ يُضْجَعَ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ يَصُومُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ. ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ لَا يَجْزِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ لِأَنَّ الْجِهَةَ لَمْ تَثْبُتْ لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا، وَأَصْلُ النِّيَّةِ لَا يَكْفِيهِ لَكِنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ فِيهِ مُسْقِطًا، وَإِنْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدًا مِنْهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ جَازَ عَنْ نَفْلِهِ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِأَصْلِ النِّيَّةِ، وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ. قَالَ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقُلْت لَهُ: أَمُفْطِرٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: اُدْنُ إلَيَّ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ فِي أُذُنِي: أَنَا صَائِمٌ، وَقَوْلُهُ الْمُفْتِي لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الْخَاصَّةِ وَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاع فِي النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ) وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: لَا يَجْزِيهِ عَنْ رَمَضَانَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَصْلُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَبَّرَ يَنْوِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا لَكِنَّ الْمَسْطُورَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ وَالتَّطَوُّعَ كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَنْ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ النِّيَّتَيْنِ تَدَافَعَتَا فَبَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ فَيَقَعُ عَنْ التَّطَوُّعِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ مَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ لِلْمُتَطَوِّعِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فَلَغَتْ وَتَعَيَّنَتْ نِيَّةُ الْقَضَاءِ

الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَقَدْ رَأَى ظَاهِرًا وَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ حَقِيقَةً لِتَيَقُّنِهِ بِهِ وَحُكْمًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ التَّدَافُعَ لَمَّا أَوْجَبَ بَقَاءَ مُطْلَقِ النِّيَّةِ حَتَّى وَقَعَ عَنْ التَّطَوُّعِ، وَجَبَ أَنْ يَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ لِتَأَدِّيهِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَنَظِيرُهُ مِنْ الْفُرُوعِ الْمَنْقُولَةِ أَيْضًا لَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: يَكُونُ تَطَوُّعًا لِتَدَافُعِ النِّيَّتَيْنِ فَصَارَ كَأَنَّهُ صَامَ مُطْلَقًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ الْقَضَاءَ أَقْوَى لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ فِيهِ حَقٌّ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَنَوَى النَّذْرَ وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَفِي هَذِهِ كُلِّهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ مُطْلَقِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ وَصِحَّةِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ نَفْلٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ فِي نِيَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَكَانَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْلٍ، وَهُوَ يَمْنَعُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ لَا يَبْقَى أَصْلُ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالْفَرْقِ أَوْ يَجْعَلُ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي الصَّوْمِ رِوَايَةً تُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَى ظَاهِرًا) فَصَارَ شَاهِدًا لِلشَّهْرِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا الْفِطْرُ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) لِأَنَّهَا اُلْتُحِقَتْ بِالْعُقُوبَاتِ بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ وَالْمُخْطِئِ (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ: لِأَنَّ الشُّبْهَةَ قَائِمَةٌ قَبْلَ رَدِّ شَهَادَتِهِ.

وَلَوْ أَكْمَلَ هَذَا الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ، يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْخِيرِ الْإِفْطَارِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا) لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْإِخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا وَالْعِلَّةُ غَيْمٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَفِي إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» فَقَامَ دَلِيلًا مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إذَا أَفْطَرَ الرَّائِي وَحْدَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ تَسْتَقِيمُ الْأَخْبَارُ أَنَّ الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ، وَالْفِطْرُ الْمَفْرُوضُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، أَعْنِي بِقَيْدِ الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ) فَالْحَاصِلُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ الصَّوْمَ، وَعَدَمُ صَوْمِ النَّاسِ الْمُتَفَرِّعِ عَنْ تَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ قَامَ فِيهِ شُبْهَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ لِحُكْمِ النَّصِّ مِنْ الصَّوْمِ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ، وَعَدَمُ فِطْرِ النَّاسِ الْيَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِهِ مُوجِبٌ لِلصَّوْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ أَيْضًا، وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي عِنْدَهُ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ، وَكَوْنُهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بِالنَّصِّ شُبْهَةٌ فِيهِ مَانِعَةٌ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَهُوَ فَاسِقٌ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَأَفْطَرَ هُوَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، خِلَافًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمِ النَّاسِ، فَلَوْ كَانَ عَدْلًا لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافًا لِأَنَّ وَجْهَ النَّفْيِ كَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ غَيْرُ مَقْبُولٍ) أَيْ فِي الَّتِي يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ كَرِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ، بِخِلَافِ الْأَخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ، حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ إذْ قَدْ لَا يَطَّلِعُ عَلَى الْحَالِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ الْخَاصِّ عَدْلٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ الْفَاسِقِ بِمُفْرَدِهِ، بَلْ مَعَ الِاجْتِهَادِ فِي صِدْقِهِ، وَلَا يُعَسِّرُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ عَامَّتَهُمْ مُتَوَجِّهُونَ إلَى طَلَبِهِ وَفِي عُدُولِهِمْ كَثْرَةٌ فَلَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَى قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ مَعَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ بِهَذَا التَّأْوِيلِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ إلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ لَا أَنَّهُ

يَدْخُلُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ بَعْدَمَا تَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَشْتَرِطُ الْمَثْنَى وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ» ثُمَّ إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ وَصَامُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا يُفْطِرُونَ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلِاحْتِيَاطِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْتَفِعُ بِهِ خِلَافٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا، وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَسْتُورِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ فَصَارَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا، وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ إنْ كَانُوا فِي هَذَا الْمِصْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ (قَوْلُهُ: وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ إلَخْ) يَعْنِي بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا» . وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ فِي قَبُولِ الْمَسْتُورِ، لَكِنَّ الْحَقَّ لَا يَتَمَسَّكُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّ ذِكْرَهُ الْإِسْلَامَ بِحَضْرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ إنْ كَانَ هَذَا أَوَّلَ إسْلَامِهِ فَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ أَسْلَمَ عَدْلًا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خِلَافُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا عَنْ حَالِهِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ قَدْ ثَبَتَتْ بِإِسْلَامِهِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِبَقَائِهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ الْخِلَافُ، وَلَمْ يَكُنْ الْفِسْقُ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَتُعَارِضُ الْغَلَبَةُ ذَلِكَ الْأَصْلَ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ إلَى ظُهُورِهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ إلَخْ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ قَبِلَهُ لِغَيْمٍ أَوْ فِي صَحْوٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، ثُمَّ خَصَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْفَتَاوَى أَضَافُوا مَعَهُ أَبَا يُوسُفَ، وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي قَبُولِهِ فِي صَحْوٍ، وَفِي قَبُولِهِ لِغَيْمٍ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا لَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ إذَا صَامُوا ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْا، ذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ. وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ

لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهَا ابْتِدَاءً كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ. قَالَ (وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَرَاهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ عَنْ مَوْضِعِ الْقَمَرِ فَيَتَّفِقُ لِلْبَعْضِ النَّظَرُ، ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسُونَ رَجُلًا اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُفْطِرُونَ، وَهَكَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنْ قَبِلَهَا فِي الصَّحْوِ لَا يُفْطِرُونَ أَوْ فِي غَيْمٍ أَفْطَرُوا لِتَحَقُّقِ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي وَالِاشْتِرَاكِ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ كَالْوَاحِدِ لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ) مُتَّصِلٌ بِثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ لَا بِثُبُوتِ الْفِطْرِ فَهُوَ مَعْنَى مَا أَجَابَ بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ سِمَاعَةَ حِينَ قَالَ لَهُ: يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَقَالَ: لَا بَلْ بِحُكْمِ الْوَاحِدِ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِثُبُوتِهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَبِالضَّرُورَةِ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا (قَوْلُهُ كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ) فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا عَلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ بِهِ مَعَ الْمُؤَيِّدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُطْلَقًا، ثُمَّ يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْإِرْثُ ابْتِدَاءً بِشَهَادَتِهَا وَحْدَهَا. [فَرْعٌ] إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ بَلْ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ إنْ كَانُوا أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ إذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا حَمْلًا عَلَى نُقْصَانِ شَعْبَانَ، غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَإِنْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ عَنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ قَضَوْا يَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ شَعْبَانَ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ كَانُوا بِالضَّرُورَةِ مُكَمِّلِينَ رَجَبَ (قَوْلُهُ: يُوهِمُ الْغَلَطَ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْوَهْمِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْبَيِّنَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَهَا بَلْ التَّفَرُّدُ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْأَبْصَارِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَبْصَارُ فِي الْحِدَّةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ كَتَفَرُّدِ نَافِلِ زِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ مَجْلِسٍ مُشَارِكِينَ لَهُ فِي السَّمَاعِ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي حِدَّةِ السَّمْعِ أَيْضًا وَاقِعٌ كَمَا هُوَ فِي الْبِصَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمُشَارِكِيهِ فِي السَّمَاعِ بِمُشَارِكِيهِ فِي التَّرَائِيِ كَثْرَةً، وَالزِّيَادَةُ الْمَقْبُولَةُ مَا عُلِمَ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَجَالِسِ أَوْ جُهِلَ فِيهِ الْحَالُ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّفَرُّدَ، لَا يُرِيدُ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ الْمُرَادُ تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِهِمْ مِنْ الْخَلَائِقِ، ثُمَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الَّذِينَ يُوجِبُ خَبَرُهُمْ الْحُكْمَ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْحَالَةِ خَمْسُونَ اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ. وَعَنْ خَلَفٍ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخَ قَلِيلٌ، فَبُخَارَى لَا تَكُونُ أَدْنَى مِنْ بَلْخَ فَلِذَا قَالَ الْبَقَّالِيُّ: الْأَلْفُ بِبُخَارَى قَلِيلٌ، وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهِلَالُ الْفِطْرِ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَمَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ إذَا جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ. قَالَ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ) احْتِيَاطًا، وَفِي الصَّوْمِ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يَقْبَلْ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعَبْدِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ، وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ فِي هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ كَهِلَالِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّحْوِ كَرَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ بِخِلَافٍ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِاثْنَيْنِ وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَمَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ) يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ مِنْ الْفَرْقِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَشْهَدُ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ تُفِيدُ بِمَفْهُومَاتِهَا الْمُخَالِفَةِ الْجَوَازَ عِنْدَ عَدَمِهَا. (قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ) قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ. وَلَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ فِي حَقِّهِ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالِاحْتِيَاطِ يُنَافِي تَأْوِيلَ قَوْلِهِ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: إنْ أَيْقَنَ أَفْطَرَ وَيَأْكُلُ سِرًّا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لَوْ أَفْطَرَ يَقْضِي، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِي لُزُومِهَا الْخِلَافَ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَتِهِ وَقَبْلَهُ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ لُزُومِهَا فِيهَا، وَلَوْ شَهِدَ هَذَا الرَّجُلُ عِنْدَ صَدِيقٍ لَهُ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَدِيقَهُ. (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ) وَعَنْ هَذَا شَرْطُ الْعَدَدِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي الرَّأْيِ، وَأَمَّا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: يَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ كَمَا تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَدُ، وَأَمَّا الدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَعِتْقِ الْعَبْدِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: فَيَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فِي الرُّسْتَاقِ وَلَيْسَ هُنَاكَ وَالٍ وَلَا قَاضٍ، فَإِنْ كَانَ ثِقَةً يَصُومُ النَّاسُ بِقَوْلِهِ، وَفِي الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْطِرُوا يَكُونُ الثُّبُوتُ فِيهِ دَعْوَى، وَحُكْمٌ لِلضَّرُورَةِ، أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يُنَصَّبْ فِي الدُّنْيَا إمَامٌ وَلَا قَاضٍ حَتَّى عَصَوْا بِذَلِكَ أَمَا كَانَ يُصَامُ بِالرُّؤْيَةِ فَهَذَا الْحُكْمُ فِي مُحَالِ وُجُودِهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ) تَعْلِيلٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي التُّحْفَةِ رَجَّحَ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ فَقَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يَقْبَلْ إلَّا شَهَادَةَ جَمَاعَةٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: 187] إلَى أَنْ قَالَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَالْخَيْطَانِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ (وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ) لِأَنَّهُ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ: هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لِوُرُودِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي الشَّرْعِ لِتَتَمَيَّزَ بِهَا الْعِبَادَةُ مِنْ الْعَادَةِ، وَاخْتَصَّ بِالنَّهَارِ لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوِصَالُ كَانَ تَعْيِينُ النَّهَارِ أَوْلَى لِيَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ، وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهَادَةُ الْوَاحِدِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُخْبِرَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ اهـ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةَ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَصَارَ كَهِلَالِ رَمَضَانَ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ فَيُقْبَلُ فِي الْغَيْمِ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الصَّحْوِ إلَّا التَّوَاتُرُ. (قَوْلُهُ: وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ إلَخْ) نُقِضَ طَرْدُهُ بِإِمْسَاكِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَا يَصْدُقُ الْمَحْدُودُ، وَبِمَنْ أَمْسَكَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ بَعْدَمَا أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ، وَعَكْسُهُ يَأْكُلُ النَّاسِي فَإِنَّهُ يَصْدُقُ مَعَهُ الْمَحْدُودُ، وَهُوَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ وَهَذَا فَسَادُ الْعَكْسِ، وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ إمْسَاكَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مُفْسِدًا لِلْعَكْسِ، وَجَعَلَ أَكْلَ النَّاسِي مُفْسِدًا لِلطَّرْدِ وَالتَّحْقِيقِ مَا أَسْمَعْتُك. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ مَعَ أَكْلِ النَّاسِي، فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ أَكْلَهُ عَدَمًا وَالْمُرَادُ مِنْ النَّهَارِ الْيَوْمُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ، وَبِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ خَرَجَتْ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلصَّوْمِ شَرَفًا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مِنْ الْعِنَايَةِ، وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مَنْوِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِذْنِهِ فِي وَقْتِهِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَعْنَاهُ وَهُوَ تَفْصِيلُ هَذَا.

[باب ما يوجب القضاء والكفارة]

بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ قَالَ (وَإِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَهَارًا نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا تِمَّ عَلَى صَوْمِكَ فَإِنَّمَا أَطْعَمَكَ اللَّهُ وَسَقَاكَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ] َ) (قَوْلُهُ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ) إلَّا فِيمَا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ صَائِمٌ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ وَاسْتَمَرَّ ثُمَّ تَذَكَّرَ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّ الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَاتِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ: لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ نَاسٍ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ) وَكَتَرْكِ النِّيَّةِ فِيهِ وَكَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ نَاسِيًا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَفْسُدُ مَعَ النِّسْيَانِ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْإِمْسَاكِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، وَنَحْوُهُ مَدْفُوعٌ أَوَّلًا بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ حَيْثُ أَمْكَنَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ وَاجِبٌ. فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ ذَلِكَ لِلدَّلِيلِ عَلَى الْبُطْلَانِ وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. قُلْنَا: حَقِيقَةُ النَّصِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ لَوْ تَمَّ فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَتِمُّ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبُطْلَانِ مَعَ النِّسْيَانِ فِيمَا لَهُ هَيْئَةٌ مُذَكِّرَةٌ الْبُطْلَانَ مَعَهُ فِيمَا لَا مُذَكِّرَ فِيهِ، وَهَيْئَةُ الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ، فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الْهَيْئَةَ الْعَادِيَّةَ وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَالنِّسْيَانُ غَالِبٌ لِلْإِنْسَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ مَعَ تِلْكَ عَدَمُ عُذْرِهِ بِهِ مَعَ

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْوِقَاعِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يَغْلِبُ النِّسْيَانُ وَلَا مُذَكِّرَ فِي الصَّوْمِ فَيَغْلِبُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَضِّلْ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالنَّاسِي، وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَعُذْرُ النِّسْيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّوْمِ، وَثَانِيًا: بِأَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ يَدْفَعُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ " فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ " وَصَوْمُهُ إنَّمَا كَانَ الشَّرْعِيَّ، فَإِتْمَامُ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْعِيِّ. وَثَالِثًا: بِأَنَّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ صَائِمًا فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَتِمَّ صَوْمَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ وَفِي لَفْظٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْكَ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ وَزَادَ فِيهِ " وَلَا تُفْطِرْ ". وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: تَفَرَّدَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ) الرُّكْنُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ كُلٍّ مِنْهَا، فَتَسَاوَتْ كُلُّهَا فِي أَنَّهَا مُتَعَلِّقُ الرُّكْنِ لَا يَفْضُلُ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى أَخَوَيْهِ بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي فَوَاتِ الْكَفِّ عَنْ بَعْضِهَا نَاسِيًا عُذْرُهُ بِالنِّسْيَانِ وَإِبْقَاءُ صَوْمِهِ كَانَ ثَابِتًا أَيْضًا فِي فَوَاتِ الْكَفِّ نَاسِيًا عَنْ أَخَوَيْهِ. يَحْكُمُ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ الِاسْتِوَاءَ، ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ الثُّبُوتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، هَذَا وَمَنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا إنْ رَأَى قُوَّةً تُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ بِلَا ضَعْفٍ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ، وَلَوْ أَكَلَ يَتَقَوَّى عَلَى سَائِرِ الطَّاعَاتِ يَسَعُهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، ثُمَّ قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ، فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ، وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا نَظِيرُهُ مَا لَوْ أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا: إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَا تَطْلُقُ وَلَا تَعْتِقُ، وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ لِلْأَمَةِ الْعُقْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالنَّاسِي) يُجَامِعْ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْجِنَايَةِ فَيُعْذَرُ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ وَلَا لِلْجِنَايَةِ، وَالنَّاسِي قَاصِدٌ لِلشُّرْبِ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْجِنَايَةِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» لِلْحَدِيثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ تَخْرِيجُهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إلْحَاقِهِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ عُذْرُ الْخَطَأِ وَالْإِكْرَاهِ (لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ) أَمَّا الْإِكْرَاهُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْخَطَأُ إذْ مَعَ التَّذَكُّرِ وَعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِفْسَادِ قَائِمٌ بِقَدْرِ الْوُسْعِ، وَقَلَّمَا يَحْصُلُ الْفَسَادُ مَعَ ذَلِكَ بِخِلَافِ حَالَةِ عَدَمِ التَّذَكُّرِ مَعَ قِيَامِ مُطَالَبَةِ الطَّبْعِ بِالْمُفْطِرَاتِ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ

غَالِبٌ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَالْإِكْرَاهَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمُقَيَّدِ وَالْمَرِيضِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ. قَالَ (فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ لَمْ يُفْطِرْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصِّيَامَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ» ، وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَمْنَى) لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ إذَا أَمْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَهُ الْإِفْسَادُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذِرَ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ مِثْلُهُ فِيمَا لَا يَكْثُرُ، وَلِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْجَوْفِ مَعَ التَّذَكُّرِ فِي الْخَطَأِ لَيْسَ إلَّا لِتَقْصِيرِهِ فِي الِاحْتِرَازِ فَيُنَاسِبُ الْفَسَادَ إذْ فِيهِ نَوْعُ إضَافَةٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ، فَإِنَّهُ بِرُمَّتِهِ مُنْدَفِعٌ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ مَنْ الْإِمْسَاكُ حَقُّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، فَكَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ هُوَ الْمُفَوِّتُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى الْخُلُوصِ، وَلِذَا أَضَافَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَيْهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ «أَتِمَّ عَلَى صَوْمِكَ فَإِنَّمَا أَطْعَمَكَ اللَّهُ وَسَقَاكَ» وَحَقِيقَةُ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْطَعُ نِسْبَتَهُ إلَى الْمُكَلَّفِ فَلَا يَكُونُ مُلْزِمًا عَلَيْهِ شَيْئًا إذْ لَمْ يَقَعْ مِنْ جِهَتِهِ تَفْوِيتٌ، فَظَهَرَ ظُهُورًا سَاطِعًا عَدَمُ لُزُومِ اعْتِبَارِ الصَّوْمِ قَائِمًا مَعَ الْخَطَأِ وَالْإِكْرَاهِ لِاعْتِبَارِهِ قَائِمًا مَعَ النِّسْيَانِ، وَصَارَ مَعَ النَّاسِي كَالْمُقَيَّدِ مَعَ الْمَرِيضِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّيَاهَا قَاعِدَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَا الْمَرِيضِ، وَحُكْمُ النَّائِمِ إذَا صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَا يُفْطِرُ حُكْمُ الْمُكْرَهِ فَيُفْطِرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْجِمَاعِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ إمَارَةُ الِاخْتِيَارِ، ثُمَّ رَجَعَ. وَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ بِالْإِيلَاجِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ انْتَشَرَ آلَتُهُ يُجَامِعُ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصِّيَامَ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ، وَالْقَيْءُ، وَالِاحْتِلَامُ» وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ كَابْنِ مَعِينٍ لِسُوءِ حِفْظِهِ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ فِيهِ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَهِشَامٌ هَذَا ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَكِنْ قَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ» . قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا إسْنَادًا وَأَصَحِّهَا اهـ. وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حِبَّانَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَدُوقٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ ثَوْبَانَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَقَرَّدَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجِبُ أَنْ يَرْتَقِيَ إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ، وَضَعْفُ رُوَاتِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْحِفْظِ لَا الْعَدَالَةِ فَالتَّضَافُرُ دَلِيلُ الْإِجَادَةِ فِي خُصُوصِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَيْءِ مَا ذَرَعَ الصَّائِمَ عَلَى مَا سَيَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةً) بِشَهْوَةٍ إلَى وَجْهِهَا أَوْ فَرْجِهَا كَرَّرَ النَّظَرَ أَوْ لَا لَا يُفْطِرُ إذَا أَنْزَلَ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ لِلْإِنْزَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ:

وَكَالْمُسْتَمْنِي بِالْكَفِّ عَلَى مَا قَالُوا (وَلَوْ ادَّهَنَ لَمْ يُفْطِرْ) لِعَدَمِ الْمُنَافِي (وَكَذَا إذَا احْتَجَمَ) لِهَذَا وَلِمَا رَوَيْنَا (وَلَوْ اكْتَحَلَ لَمْ يُفْطِرْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدِّمَاغِ مَنْفَذٌ وَالدَّمْعُ يَتَرَشَّحُ كَالْعَرَقِ وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا يُنَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَرَّرَهُ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ. وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى» وَالْمُرَادُ بِهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ الْحَظْرِ الْإِفْطَارُ بَلْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِ الرُّكْنِ، وَهُوَ بِالْجِمَاعِ لَا بِكُلِّ إنْزَالٍ لِعَدَمِ الْفِطْرِ فِيمَا إذَا أَنْزَلَ بِالتَّفَكُّرِ فِي جَمَالِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ. وَغَايَةُ مَا يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعْنَى الْجِمَاعِ كَالْجِمَاعِ. وَهُوَ أَيْضًا مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ الْإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ لَا مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا) عَادَتُهُ فِي مِثْلِهِ إفَادَةُ الضَّعْفِ مَعَ الْخِلَافِ. وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْإِفْطَارِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: أَنَّهُ الْمُخْتَارُ كَأَنَّهُ اُعْتُبِرَتْ الْمُبَاشَرَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مُبَاشَرَةَ الْغَيْرِ أَوَّلًا بِأَنْ يُرَادَ مُبَاشَرَةٌ هِيَ سَبَبُ الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَ مَا بُوشِرَ مِمَّا يُشْتَهَى عَادَةً أَوْ لَا، وَلِهَذَا أَفْطَرَ بِالْإِنْزَالِ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ وَلَيْسَ مِمَّا يُشْتَهَى عَادَةً، هَذَا وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ ذَكَرَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ، فَإِنْ غَلَبَتْهُ الشَّهْوَةُ فَفَعَلَ إرَادَةَ تَسْكِينِهَا بِهِ فَالرَّجَاءُ أَنْ لَا يُعَاقَبَ» (قَوْلُهُ لِهَذَا) أَيْ عَدَمِ الْمُنَافِي (وَلِمَا رَوَيْنَا) مِنْ حَدِيثِ «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ» وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفَطِّرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَيْنَاهُ، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ لِأَنَسٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ أَنَسٌ: «أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَا ثُمَّ رَخَّصَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحِجَامَةِ بَعْدُ لِلصَّائِمِ» ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً (قَوْلُهُ وَلَوْ اكْتَحَلَ لَمْ يُفْطِرْ) سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرُهُ دَاخِلًا مِنْ الْمَسَامِّ وَالْمُفْطِرُ الدَّاخِلُ مِنْ الْمَنَافِذِ كَالْمُدْخَلِ وَالْمُخْرَجِ لَا مِنْ الْمَسَامِّ الَّذِي هُوَ خَلَلُ الْبَدَنِ لِلِاتِّفَاقِ فِيمَنْ شَرَعَ فِي الْمَاءِ يَجِدُ بَرْدَهُ فِي بَطْنِهِ وَلَا يُفْطِرُ. وَإِنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ أَعْنِي الدُّخُولَ فِي الْمَاءِ وَالتَّلَفُّفَ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الضَّجَرِ فِي إقَامَةِ الْعِبَادَةِ لَا لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْإِفْطَارِ وَلَوْ بَزَقَ فَوَجَدَ لَوْنَ الدَّمِ فِيهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ. وَقِيلَ: يُفْطِرُ لِتَحَقُّقِ وُصُولِ دَمٍ إلَى بَطْنٍ مِنْ بُطُونِهِ، وَهُوَ

كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ (وَلَوْ قَبَّلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمٌ) يُرِيدُ بِهِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ أُدِيرَ عَلَى السَّبَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (وَإِنْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَوُجُودِ الْمُنَافِي صُورَةً أَوْ مَعْنًى يَكْفِي لِإِيجَابِ الْقَضَاءِ احْتِيَاطًا، أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ (وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ الْجِمَاعَ أَوْ الْإِنْزَالَ (وَيُكْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ) لِأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِمُفْطِرٍ وَرُبَّمَا يَصِيرُ فِطْرًا بِعَاقِبَتِهِ فَإِنْ أَمِنَ يُعْتَبَرُ عَيْنُهُ وَأُبِيحَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ تُعْتَبَرُ عَاقِبَتُهُ وَكُرِهَ لَهُ، وَالشَّافِعِيُّ أَطْلَقَ فِيهِ فِي الْحَالَيْنِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ مَالِكٍ وَسَنَذْكُرُ الْخِلَافَ فِيهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ إلَخْ) أَيْ لَوْ قَبَّلَ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ صَارَ مُرَاجِعًا وَبِالْقُبْلَةِ أَيْضًا مَعَ شَهْوَةٍ يَنْتَشِرُ لَهَا الذَّكَرُ تَثْبُتُ حُرْمَةُ أُمَّهَاتِ الْمُقَبَّلَةِ وَبَنَاتِهَا (لِأَنَّ الْحُكْمَ) وَهُوَ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ (أَدْبَرَ عَلَى السَّبَبِ) لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِمَا بِالِاحْتِيَاطِ فَتَعَدَّى مِنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الشُّبْهَةِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ فِيهِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ أَعْنِي الْوَطْءَ (قَوْلُهُ أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) فَكَانَتْ عُقُوبَةً وَهُوَ أَعْلَى عُقُوبَةٍ لِلْإِفْطَارِ فِي الدُّنْيَا فَيَتَوَقَّفُ لُزُومُهَا عَلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ بِالْوَاوِ كَانَا تَعْلِيلَيْنِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَيَكُونُ نَفْسُ قَوْلِهِ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ تَعْلِيلًا أَيْ لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ إذْ كَانَتْ أَعْلَى الْعُقُوبَاتِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ مُفَطِّرًا شُبْهَةٌ حَيْثُ كَانَ مَعْنَى الْجِمَاعِ لَا صُورَتُهُ فَلَا تَجِبُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَيْنَهُ) ذَكَرَ عَلَى مَعْنَى التَّقْبِيلِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ» «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُهَا. وَهُوَ صَائِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمَسُّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالتَّقْبِيلِ

وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ مِثْلُ التَّقْبِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لِأَنَّهَا قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ الْفِتْنَةِ. (وَلَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ لَمْ يُفْطِرْ) وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ كَالتُّرَابِ وَالْحَصَاةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الْغُبَارَ وَالدُّخَانَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ إذَا آوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ (وَلَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يُفْطِرُ) وَقَالَ زُفَرُ: يُفْطِرُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْفَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِثْلُ التَّقْبِيلِ) وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ. وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ. فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ» وَهَذَا يُفِيدُ التَّفْصِيلَ الَّذِي اعْتَبَرْنَاهُ (وَالْمُبَاشَرَةُ كَالتَّقْبِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ) وَهِيَ تَجَرُّدُهُمَا مُتَلَازِقَيْ الْبَطْنَيْنِ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ الْمُفَادُ فِي الْحَدِيثِ، فَجَعْلُ الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى مُحَمَّدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ، إذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلِ الْمُثْبِتِ فِي أَقْسَامِهِ بَلْ وَلَا فِي الزَّمَانِ وَفَهْمُهُ فِيهِ مِنْ إدْخَالِ الرَّاوِي لَفْظَ كَانَ عَلَى الْمُضَارِعِ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ الْفِتْنَةِ) قُلْنَا: الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يَأْمَنُ. فَإِنْ خَافَ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ وَالْأَوْجَهُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ سَبَبًا غَالِبًا تَنْزِلُ سَبَبًا فَأَقَلُّ الْأُمُورِ لُزُومُ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ تَحَقُّقِ الْخَوْفِ بِالْفِعْلِ. كَمَا هُوَ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْغُبَارَ وَالدُّخَانَ) إذَا دَخَلَا فِي الْحَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْ دُخُولِهِمَا لِدُخُولِهِمَا مِنْ الْأَنْفِ إذَا طَبَّقَ الْفَمَ وَصَارَ أَيْضًا كَبَلَلٍ يَبْقَى فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ. وَنَظِيرُهُ فِي الْخِزَانَةِ إذَا دَخَلَ دُمُوعُهُ أَوْ عَرَقُهُ حَلْقَهُ وَهُوَ قَلِيلٌ كَقَطْرَةٍ أَوْ قَطْرَتَيْنِ لَا يُفْطِرُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يَجِدُ مُلُوحَتَهُ فِي الْحَلْقِ فَسَدَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا، فَالْأَوْلَى عِنْدِي الِاعْتِبَارُ بِوِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ لِصَحِيحِ الْحِسِّ، لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ عَرَقُ جَبِينِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ يُوَافِقُ مَا ذَكَرْتُهُ، فَإِنَّهُ عَلَّقَ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَلْقِ وَمُجَرَّدُ وُجْدَانِ الْمُلُوحَةِ دَلِيلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إذَا أَوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ سَائِرًا مُسَافِرًا لَمْ يَفْسُدْ، فَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ الْإِمْكَانِ بِتَيَسُّرِ طَبْقِ الْفَمِ وَفَتْحِهِ أَحْيَانًا مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الدُّخُولِ، وَلَوْ دَخَلَ فَمَهُ الْمَطَرُ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ أَسْنَانِهِ فَدَخَلَ حَلْقَهُ إنْ سَاوَى الرِّيقَ فَسَدَ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ إلَى فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ، وَلَوْ خَرَجَ رِيقُهُ مِنْ فِيهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فِيهِ بَلْ مُتَّصِلٌ بِمَا فِي فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ

لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِأَسْنَانِهِ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِيمَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ، وَالْفَاصِلُ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَمَا دُونَهَا قَلِيلٌ (وَإِنْ أَخْرَجَهُ وَأَخَذَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَوْ أَكَلَهَا ابْتِدَاءً يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَوْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى وَفِي مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُتَغَيِّرٌ، وَلِأَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ. (فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ فَأَخَذَهُ وَأَعَادَهُ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ. وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُكْرَهُ وَلَا يُفْطِرُ، وَلَوْ اخْتَلَطَ بِالرِّيقِ لَوْنُ صَبْغِ إبْرَيْسَمٍ يَعْمَلُهُ لِلْخَيْطِ مِنْ فِيهِ فَابْتَلَعَ هَذَا الرِّيقَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ (قَوْلُهُ: لَهُ حُكْمٌ ظَاهِرٌ) فَالْإِدْخَالُ مِنْهُ كَالْإِدْخَالِ مِنْ خَارِجِهِ وَلَوْ شَدَّ الطَّعَامَ بِخَيْطٍ فَأَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ وَطَرَفُهُ بِيَدِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ إلَّا إذَا انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِأَسْنَانِهِ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ) كَمَا لَا يَفْسُدُ بِالرِّيقِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا تَابِعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْ بَقَاءِ أَثَرٍ مَا مِنْ الْمَآكِلِ حَوَالَيْ الْأَسْنَانِ وَإِنْ قَلَّ، ثُمَّ يَجْرِي مَعَ الرِّيقِ التَّابِعِ مِنْ مَحَلِّهِ إلَى الْحَلْقِ، فَامْتَنَعَ تَعْلِيقُ الْإِفْطَارِ بِعَيْنِهِ فَيُعَلَّقُ بِالْكَثِيرِ وَهُوَ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَثِيرًا فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَعَلَ الْفَاصِلَ كَوْنَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ فِي ابْتِلَاعِهِ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالرِّيقِ أَوْ لَا. الْأَوَّلُ قَلِيلٌ، وَالثَّانِي كَثِيرٌ، وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُصُولِ كَوْنُهُ لَا يَسْهُلُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَذَلِكَ فِيمَا يَجْرِي بِنَفْسِهِ مَعَ الرِّيقِ إلَى الْجَوْفِ لَا فِيمَا يَتَعَمَّدْ فِي إدْخَالِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظَةِ أَكَلَهُ الْمَضْغُ وَالِابْتِلَاعُ أَوْ الْأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ مُجَرَّدِ الِابْتِلَاعِ فَيُفِيدُ حِينَئِذٍ خِلَافَ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ إذَا مَضَغَ مَا أَدْخَلَهُ وَهُوَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَا يُفَطِّرُهُ، لَكِنَّ تَشْبِيهَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي ابْتِلَاعِ سِمْسِمَةٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، وَالْفَسَادُ إذَا أَكَلَهَا مِنْ خَارِجٍ وَعَدَمُهُ إذَا مَضَغَهَا يُوجِبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْلِ الِابْتِلَاعُ فَقَطْ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِعَطَاءِ النَّظِيرِ، وَفِي الْكَافِي فِي السِّمْسِمَةِ قَالَ: إنْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ. وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضَغَهُ، وَإِذَا ابْتَلَعَ السِّمْسِمَةَ حَتَّى فَسَدَ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؟ قِيلَ: لَا، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ) فَصَارَ نَظِيرَ التُّرَابِ، وَزُفَرُ يَقُولُ: بَلْ نَظِيرُ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ، وَفِيهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاءَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» وَيَسْتَوِي فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ فَمَا دُونَهُ فَلَوْ عَادَ وَكَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ خَارِجٌ حَتَّى انْتَقَضَ بِهِ الطَّهَارَةُ وَقَدْ دَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ النَّاسِ، وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيَنْظُرُ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَوْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ عِنَبٍ لَيْسَ مَعَهَا تَفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنْ مَضَغَهَا وَهُوَ مَعَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» . وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا لِهَذَا، يَعْنِي لِلْغَرَابَةِ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ الرَّاوِي فَإِنَّهُ هُوَ الشَّاذُّ الْمَقْبُولُ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَكُلٌّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، ثُمَّ قَدْ تَابَعَ عِيسَى بْنَ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيٍّ أَيْضًا. وَمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا يَوْمٌ كُنْتَ تَصُومُ، قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنِّي قِئْتُ» مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ عُرُوضِ الضَّعْفِ، ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَ آثَارِ الْفِطْرِ مِمَّا دَخَلَ وَبَيْنَ آثَارِ الْقَيْءِ أَنَّ فِي الْقَيْءِ يَتَحَقَّقُ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ وَإِنْ قَلَّ فَلِاعْتِبَارِهِ يُفْطِرُ وَفِيمَا إذَا ذَرَعَهُ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ فَكَانَ كَالنِّسْيَانِ لَا الْإِكْرَاهِ وَالْخَطَأِ (قَوْلُهُ فَلَوْ عَادَ) أَيْ الْقَيْءُ الَّذِي ذَرَعَهُ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إمَّا إنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَوْ اسْتِقَاءَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مِلْءُ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ. وَالْكُلُّ إمَّا أَنْ خَرَجَ أَوْ عَادَ أَوْ أَعَادَهُ، فَإِنْ ذَرَعَهُ وَخَرَجَ لَا يُفْطِرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِنْ عَادَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ شَرْعًا حَتَّى انْتَقَضَتْ بِهِ الطَّهَارَةُ وَقَدْ دَخَلَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْإِفْطَارِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ وَلَا مَعْنَاهُ إذْ لَا يَتَغَذَّى بِهِ. فَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ اعْتِبَارُ الْخُرُوجِ وَهُوَ بِمِلْءِ الْفَمِ، وَأَصْلُ مُحَمَّدٍ فِيهِ الْإِعَادَةُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ أَعَادَ فَسَدَ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلدُّخُولِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْخُرُوجِ شَرْعًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلصُّنْعِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَعَادَ لَمْ يَفْسُدْ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ أَعَادَهُ لَمْ يَفْسُدْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ الْمُخْتَارُ، لِعَدَمِ الْخُرُوجِ شَرْعًا، وَيَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ، وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ وَكَذَا مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ عَادَةً، إنْ أَعَادَهُ فَسَدَ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْإِدْخَالِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَتَتَحَقَّقُ صُورَةُ الْفِطْرِ. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَعَادَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ، وَإِنْ أَعَادَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ مِنْهُ فِي الْإِدْخَالِ (فَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا مِلْءَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِمَا رَوَيْنَا وَالْقِيَاسُ مَتْرُوكٌ بِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَفْسُدُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ حُكْمًا ثُمَّ إنْ عَادَ لَمْ يَفْسُدْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ سَبْقِ الْخُرُوجِ، وَإِنْ أَعَادَهُ فَعَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخَرَجَ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِمُجَرَّدِ الْقَيْءِ قَبْلَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فِيهِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَاهُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْرِيعُ أَيْضًا عِنْدَهُ، وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، ثُمَّ إنْ عَادَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الدُّخُولُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَإِنْ أَعَادَهُ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ. وَفِي رِوَايَةٍ يُفْطِرُ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ، وَزُفَرُ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ قَلِيلَهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِقَلِيلِهِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ) ذَكَرْنَا أَنَّهُ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ عَادَةً) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَغَذَّى بِهِ فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ مَطْعُومٌ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَعِدَةِ يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي، بِخِلَافِ الْحَصَى وَنَحْوِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ فِيهِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِلِّ وَنُفُورِ الطَّبْعِ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمُصَحَّحُ (قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا) قَيَّدَ بِهِ لِيُخْرِجَ مَا إذَا اسْتَقَى نَاسِيًا لِصَوْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَفْسُدُ) صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَعَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: أَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ فِيهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْقَيْءُ طَعَامًا أَوْ مَاءً أَوْ مُرَّةً، فَإِنْ كَانَ بَلْغَمًا غَيْرَ مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إذَا مَلَأَ الْفَمَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ نَاقِضٌ. وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ إنَّمَا نِيطَ بِمَا يَدْخُلُ أَوْ بِالْقَيْءِ عَمْدًا، إمَّا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَادَةً دُخُولَ شَيْءٍ أَوْ لَا بِاعْتِبَارِهِ بَلْ ابْتِدَاءِ شَرْعِ تَفْطِيرِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحَظَ فِيهِ تَحَقُّقَ كَوْنِهِ خَارِجًا نَجَسًا أَوْ طَاهِرًا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ اسْتَقَاءَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ مِلْءَ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ أَوْ غَدْوَةٍ ثُمَّ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ عَشِيَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ، كَذَا

وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَفْسُدُ فَأَلْحَقَهُ بِمِلْءِ الْفَمِ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ. قَالَ: (وَمَنْ ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ أَفْطَرَ) لِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ الْمَعْنَى. (وَمَنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ فِي الْمَحَلَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقَلَ مِنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمَعْنَى) أَيْ مَعْنَى الْفِطْرِ وَهُوَ إيصَالُ مَا فِيهِ نَفْعُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ فَقَصُرَتْ الْجِنَايَةُ فَانْتَفَتْ الْكَفَّارَةُ، وَكُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ، كَذَلِكَ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَلَا تَجِبُ فِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا فِي الْمِلْحِ إلَّا إذَا اعْتَادَ أَكْلَهُ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ، وَلَا فِي النَّوَاةِ وَالْقُطْنِ وَالْكَاغِدِ وَالسَّفَرْجَلِ إذَا لَمْ يُدْرِكْ، وَلَا هُوَ مَطْبُوخٌ. وَلَا فِي ابْتِلَاعِ الْجَوْزَةِ الرَّطْبَةِ، وَتَجِبُ لَوْ مَضَغَهَا وَبَلَعَ الْيَابِسَةَ وَمَضَغَهَا عَلَى هَذَا، وَكَذَا يَابِسُ اللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ. وَقِيلَ: هَذَا إنْ وَصَلَ الْقِشْرُ أَوَّلًا إلَى حَلْقِهِ، أَمَّا إذَا وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا كَفَّرَ، وَفِي ابْتِلَاعِ اللَّوْزَةِ الرَّطْبَةِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ، بِخِلَافِ الْجَوْزَةِ فَلِذَا افْتَرَقَا، وَابْتِلَاعُ التُّفَّاحَةِ كَاللَّوْزَةِ وَالرُّمَّانَةِ وَالْبَيْضَةِ كَالْجَوْزَةِ. وَفِي ابْتِلَاعِ الْبِطِّيخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْخَوْخَةِ الصَّغِيرَةِ، وَالهَلَيْلَجَةِ. رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ، وَتَجِبُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ النِّيءِ، وَإِنْ كَانَ مَيْتَهً مُنْتِنًا إلَّا إنْ دَوَّدَ فَلَا تَجِبُ. وَاخْتُلِفَ فِي الشَّحْمِ، وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ الْوُجُوبَ، فَإِنْ كَانَ قَدِيدًا وَجَبَتْ بِلَا خِلَافٍ، وَتَجِبُ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ وَقَضْمِهَا لَا إنْ مَضَغَ قَمْحَةً لِلتَّلَاشِي وَتَجِبُ بِالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَبِغَيْرِهِ عَلَى مَنْ يَعْتَادُ أَكْلَهُ كَالْمُسَمَّى بِالطِّفْلِ لَا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ، وَلَا بِأَكْلِ الدَّمِ إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ، وَلَوْ مَضَغَ لُقْمَةً نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَابْتَلَعَهَا قِيلَ تَجِبُ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ، إنْ ابْتَلَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَّا إنْ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. وَصَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ لِأَنَّهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا تُعَافُ وَقَبْلَهُ تُلَذُّ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ سُخْنَةً بَعْدُ فَعَلَيْهِ لَا إنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ حَتَّى بَرَدَتْ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُعَافُ لَا قَبْلَهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ عِنْدَ الْكُلِّ فِي السُّقُوطِ الْعِيَافَةُ غَيْرَ أَنَّ كُلًّا وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الِاسْتِكْرَاهَ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ كَذَا لَا كَذَا. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ وَالْكَفَّارَةِ) فَلَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَصَامَ أَحَدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ يَوْمِ الْقَضَاءِ مِنْهَا قَالُوا يُجْزِئُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. وَفِي تَصْوِيرِهِ عِنْدِي ضَرْبُ إشْكَالٍ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ، فَإِذَا كَانَ الْوَاقِعُ نِيَّتَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فَإِنَّمَا يَصِحُّ بِالتَّرْجِيحِ عَلَى مَا عُرِفَ فِيمَا إذَا نَوَى الْقَضَاءَ، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُمَا يُرَجِّحَانِ فِي مِثْلِهِ وَرَجَّحَا فِي هَذِهِ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى حَقِّ نَفْسِهِ فَيُرَجَّحُ الْقَضَاءُ هُنَا عَلَى كَفَّارَةِ الْفِطْرِ بِقُوَّةِ ثُبُوتِهِ وَلُزُومِهِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَقَعُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ عَنْ الْقَضَاءِ وَمَا بَعْدَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَيَلْغُوا جَمْعُ الْقَضَاءِ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِعُ نِيَّةَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَهَكَذَا، أَوْ فِي

اعْتِبَارًا بِالِاغْتِسَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ دُونَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شِبَعٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا تَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَخِيرِ فَقَطْ تَعَيَّنَ الْأَخِيرُ لِلْقَضَاءِ لِلَغْوِ جَمْعِ الْكَفَّارَةِ إذْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ تَعَيَّنَ الْيَوْمُ الَّذِي نَوَى كَذَلِكَ لِلْقَضَاءِ، وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فِي الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ. وَلَوْ جَامَعَ مِرَارًا فِي أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَلَمْ يُكَفِّرْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ جَامَعَ فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَتَكَرَّرُ فِي الْكُلِّ لِتَكَرُّرِ السَّبَبِ، وَلَنَا إطْلَاقُ جَوَابِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَعْرَابِيِّ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ " وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي " يَحْتَمِلُ الْوَحْدَةَ وَالْكَثْرَةَ وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ، فَدَلَّ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الزَّجْرِ مُعْتَبَرٌ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ اخْتِصَاصِهَا بِالْعَمْدِ وَعَدَمِ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، وَالزَّجْرُ يَحْصُلُ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَ فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَوَّلِ، وَلَوْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ فَأَعْتَقَ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي آخَرَ فَأَعْتَقَ ثُمَّ فِي آخَرَ فَأَعْتَقَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الرَّقَبَةُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ يَجْزِيهِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الرَّقَبَةُ الثَّالِثَةُ فَعَلَيْهِ إعْتَاقُ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَا يُجْزِي عَمَّا تَأَخَّرَ. وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا فَعَلَيْهِ وَاحِدَةٌ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُولَى أَيْضًا فَكَذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِالِاسْتِحْقَاقِ يُلْتَحَقُ بِالْعَدَمِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ أَفْطَرَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يُكَفِّرْ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ دُونَ الثَّانِيَةِ أَعْتَقَ وَاحِدَةً لِلثَّالِثَةِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَفَتْ عَنْ الْأُولَى، وَالْأَصْلُ أَنَّ الثَّانِيَ يَجْزِي عَمَّا قَبْلَهُ لَا عَمَّا بَعْدَهُ، وَلَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ مُقِيمٌ بَعْدَ النِّيَّةِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ فِي يَوْمِهِ سَافَرَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ، وَلَوْ مَرِضَ فِيهِ سَقَطَتْ لِأَنَّ الْمَرَضَ مَعْنًى يُوجِبُ تَغَيُّرَ الطَّبِيعَةِ إلَى الْفَسَادِ وَيَحْدُثُ أَوَّلًا فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فَلَمَّا مَرِضَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ الْمُرَخِّصُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْفِطْرِ فَمَنَعَ انْعِقَادَهُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ. أَوْ نَقُولُ: وُجُودُ أَصْلِهِ شُبْهَةٌ، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ مَعَهَا، أَمَّا السَّفَرُ فَبِنَفْسِ الْخُرُوجِ الْمَخْصُوصِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ فَلَمْ يَظْهَرْ الْمَانِعُ حَالَ الْفِطْرِ، وَلَوْ أَفْطَرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ الْحَيْضَ دَمٌ يَجْتَمِعُ فِي الرَّحِمِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَتَهَيَّأَ لِلْبُرُوزِ فَلَمَّا بَرَزَ مِنْ يَوْمِهِ ظَهَرَ تَهَيُّؤُهُ وَيَجِبُ الْفِطْرُ، أَوْ تَهَيُّؤُ أَصْلِهِ فَيُوَرِّثُ الشُّبْهَةَ، وَلَوْ سَافَرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُكْرَهًا لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ فَمَرِضَ مَرَضًا مُرَخِّصًا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالْمُخْتَارُ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْمَرَضَ مِنْ الْجُرْحِ، وَأَنَّهُ وُجِدَ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَاضِي (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ شِبَعٌ) أَفَادَ تَكَامُلَ الْجِنَايَةِ قَبْلَهُ فَبِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ حَصَلَ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْفَرْجِ عَلَى الْكَمَالِ وَالْإِنْزَالِ شِبَعٌ أَكْمَلُ، وَلَا

الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ اعْتِبَارًا بِالْحَدِّ عِنْدَهُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَجِبُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَكَامِلَةٌ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ (وَلَوْ جَامَعَ مَيْتَةً أَوْ بَهِيمَةً فَلَا كَفَّارَةَ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَكَامُلُهَا بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى وَلَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ عِنْدَنَا كَمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْوِقَاعِ عَلَى الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلٍ: لَا تَجِبُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ فِعْلُهُ وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ، وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ، وَيَتَحَمَّلُ الرَّجُلُ عَنْهَا اعْتِبَارًا بِمَاءِ الِاغْتِسَالِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» وَكَلِمَةُ مَنْ تَنْتَظِمُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ جِنَايَةُ الْإِفْسَادِ لَا نَفْسُ الْوِقَاعِ وَقَدْ شَارَكْته فِيهَا وَلَا يَتَحَمَّلُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ، وَلَا يَجْرِي فِيهَا التَّحَمُّلُ. (وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا يَتَغَذَّى بِهِ أَوْ يَتَدَاوَى بِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتَوَقَّفُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ كَمَا بِالْأَكْلِ تَجِبُ بِلُقْمَةٍ لَا بِالشِّبَعِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِنْزَالَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَهُوَ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلَأَنْ لَا يَشْتَرِطَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ الَّتِي يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا أَوْلَى فَعَدَمُ الِاشْتِرَاطِ عَلَى هَذَا ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ نَصِّ الْحَدِّ (قَوْلُهُ: تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ) لَوْ قَالَ: عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ كَانَ أَفْيَدَ إذْ يَدْخُلُ الْمُلَاطُ بِهِ طَائِعًا، وَفِي الْكَافِي: إنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ هَذَا الْفِعْلَ كَامِلًا حَتَّى لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَلَا شُبْهَةَ فِي جَانِبِ الْمَفْعُولِ بِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ. وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَكَامِلَةٌ، وَإِنَّمَا ادَّعَى أَبُو حَنِيفَةَ النُّقْصَانَ فِي مَعْنَى الزِّنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْفِرَاشَ وَلَا عِبْرَةَ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِهِ. (قَوْلُهُ وَفِي قَوْلٍ يَتَحَمَّلُ) يَعْنِي إذَا كَفَّرَ بِالْمَالِ (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» ) اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالْإِفْطَارِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ وَاقِعَةِ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجِبُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ فِي الْوِقَاعِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِجِنَايَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُ ذَلِكَ الْمُفْطِرِ. بِأَمْرٍ خَاصٍّ لَا بِالْأَعَمِّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَنَّهُ بِالْجِمَاعِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا مُتَمَسِّكَ بِهِ لِأَحَدٍ، بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ جِمَاعُ الرَّجُلِ وَهُوَ السَّائِلُ لِمَجِيئِهِ مُفَسَّرًا كَذَلِكَ بِرِوَايَةٍ مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ رَجُلًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قُلْنَا: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ تَعْلِيقُهَا بِالْإِفْطَارِ فِي عِبَارَةِ الرَّاوِي أَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، إذْ أَفَادَ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ خُصُوصِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُشَاهِدُهَا فِي قَضَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ سَمِعَ مَا يُفِيدُ أَنَّ إيجَابَهَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إفْطَارٌ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الْإِفْطَارِ فَيَصِحُّ التَّمَسُّكُ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي أُصُولِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا نَقَلَ الرَّاوِي بِلَفْظٍ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا اعْتِبَارَهُ وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ الرَّاوِي قُضِيَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فَهَذَا مِثْلُهُ بِلَا تَفَاوُتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَيْهَا إذَا طَاوَعَتْهُ فَالْكَفَّارَةُ أَوْلَى عَلَى نَظِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَتَكُونُ ثَابِتَةً بِدَلَالَةِ نَصِّ حَدِّهَا. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِجِنَايَةِ الْإِفْطَارِ) مَأْخُوذٌ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ «مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ» الْحَدِيثَ، وَمِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْتِقَ» الْحَدِيثَ وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعِلَلِ فِي حَدِيثِ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْتَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا» الْحَدِيثَ وَهَذَا مُرْسَلُ سَعِيدٍ، وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ لِلْمُرْسَلِ، وَعِنْدَنَا هُوَ حُجَّةٌ مُطْلَقًا. وَأَيْضًا دَلَالَةُ نَصِّ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ تُفِيدُهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مَنْ عَلِمَ اسْتِوَاءَ الْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي أَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ الْكَفُّ عَنْ كُلِّهَا، ثُمَّ عَلِمَ لُزُومَ عُقُوبَةٍ عَلَى مَنْ فَوَّتَ الْكَفَّ عَنْ بَعْضِهَا جَزَمَ بِلُزُومِهَا عَلَى مَنْ فَوَّتَ الْكَفَّ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ

وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ تَكْفِيرًا عُرِفَ أَنَّ التَّوْبَةَ غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ. ثُمَّ قَالَ (وَالْكَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِحَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ. فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْتَ. قَالَ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْتِقْ رَقَبَةً. فَقَالَ: لَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ، فَقَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. فَقَالَ: وَهَلْ جَاءَنِي مَا جَاءَنِي إلَّا مِنْ الصَّوْمِ فَقَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. فَقَالَ: لَا أَجِدُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤْتَى بِفَرْقٍ مِنْ تَمْرٍ. وَيُرْوَى بِعَرَقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَقَالَ: فَرِّقْهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَحْوَجُ مِنِّي وَمِنْ عِيَالِي، فَقَالَ: كُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ، يَجْزِيكَ وَلَا يَجْزِي أَحَدًا بَعْدَكَ» ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُخَيَّرُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّرْتِيبُ وَعَلَى مَالِكٍ فِي نَفْيِ التَّتَابُعِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمًا لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ الِاسْتِوَاءِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ فِيهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ، أَعْنِي بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمَيْنِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ الثَّالِثُ، وَيَفْهَمُ كُلُّ عَالِمٍ بِهِمَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي لُزُومِهَا تَفْوِيتُ الرُّكْنِ لَا خُصُوصُ رُكْنٍ (قَوْلُهُ: وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي وَجْهِ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ، وَهُوَ غَيْرُ دَافِعٍ لِكَلَامِهِ لِأَنَّهُ يُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ لَا يَرْتَفِعُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ كَوْنُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَعْنِي الْقَاعِدَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ فِي الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: وَلِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ) فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ لَا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ: لَا، قَالَ اجْلِسْ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ، قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ، أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ وَفِي لَفْظٍ أَنْيَابُهُ وَفِي لَفْظٍ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد زَادَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ تَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَعَنْ ذَلِكَ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ. قَالَ: لِانْتِسَاخِهِ بِمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ «كُلْهَا أَنْتَ وَعِيَالُكَ» اهـ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَمَا رَفَعَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ «يَجْزِيكَ

(وَمَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مَعْنًى (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِهِ صُورَةً (وَلَيْسَ فِي إفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. (وَمَنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ أَفْطَرَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَجْزِي أَحَدًا بَعْدَكَ» فَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ، وَكَذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا لَفْظُ الْفَرْقِ بِالْفَاءِ بَلْ بِالْعَيْنِ. وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى مَا قِيلَ. قُلْنَا: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَخَّرَ عَنْهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ إذْ كَانَ فَقِيرًا فِي الْحَالِ عَاجِزًا عَنْ الصَّوْمِ بَعْدَمَا ذَكَرَ لَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ. كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْكَ» ، وَلَفْظُ وَأَهْلَكْت لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، لَكِنْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ» الْحَدِيثَ. قَالَ: تَفَرَّدَ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ " وَأَهْلَكْت " وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَفِيهِ " وَأَهْلَكْت ". وَقَالَ: ضَعَّفَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَكَافَّةُ أَصْحَابِ الْأَوْزَاعِيِّ رَوَوْهُ عَنْهُ دُونَهَا. وَاسْتَدَلَّ الْحَاكِمُ عَلَى أَنَّهَا خَطَأٌ بِأَنَّهُ نَظَرَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ تَصْنِيفِ ابْنِ مَنْصُورٍ فَوَجَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَنَّ كَافَّةَ أَصْحَابِ سُفْيَانَ رَوَوْهُ دُونَهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَرَادَ بِالْفَرْجِ كُلًّا مِنْ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ فَمَا دُونَهُ حِينَئِذٍ التَّفْخِيذُ وَالتَّبْطِينُ، وَعَمَلُ الْمَرْأَتَيْنِ أَيْضًا كَعَمَلِ الرِّجَالِ جِمَاعٌ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا قَضَاءَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ، وَلَا كَفَّارَةَ مَعَ الْإِنْزَالِ (قَوْلُهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ) فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِإِفْسَادِهِ إذْ الْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ، وَكَذَا الدَّلَالَةُ لِأَنَّ إفْسَادَ صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ فِي مَعْنَى إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ ذَاكَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ لِوُقُوعِهِ فِي شَرَفِ الزَّمَانِ، وَلُزُومُ إفْسَادِ الْحَجِّ النَّفْلِ وَالْقَضَاءِ بِالْجِمَاعِ لَيْسَ إلْحَاقًا بِفَسَادِ الْحَجِّ الْفَرْضِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً بِعُلُومِ نَصِّ الْقَضَاءِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ) سَيُقَيِّدُهُ بِمَا إذَا كَانَ دُهْنًا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» ) رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ؛ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَزِينٍ الْبَكْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنَا مَوْلَاةٌ لَنَا يُقَالُ لَهَا سَلْمَى مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ هَلْ مِنْ كِسْرَةٍ؟ فَأَتَيْتُهُ بِقُرْصٍ فَوَضَعَهُ عَلَى فِيهِ، فَقَالَ:

وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ، وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِهِ صُورَةً. (وَلَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ الْمَاءَ أَوْ دَخَّلَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ) لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَهُ الدُّهْنُ (وَلَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَا عَائِشَةُ هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟ كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ. إنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» وَلِجَهَالَةِ الْمَوْلَاةِ لَمْ يُثْبِتْهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى جَمَاعَةٍ. فَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَأَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ: إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَكُونُ مَخْصُوصًا بِحَدِيثِ الِاسْتِقَاءِ أَوْ الْفِطْرِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُودُ شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى لَا يُحِسَّ بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ (قَوْلُهُ وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْفِطْرُ إلَّا بِصُورَتِهِ أَوْ مَعْنَاهُ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّ صُورَتَهُ الِابْتِلَاعُ. وَذَكَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ فَاقْتَضَى فِيمَا لَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ أَوْ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَبَقِيَ الْحَدِيدُ فِي بَطْنِهِ، أَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً فِي دُبُرِهِ وَغَيَّبَهَا، أَوْ احْتَشَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ أَوْ اسْتَنْجَى فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دَاخِلِ دُبُرِهِ لِمُبَالَغَتِهِ فِيهِ عَدَمُ الْفِطْرِ لِفُقْدَانِ الصُّورَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَالْمَعْنَى وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ مِنْ التَّغْذِيَةِ أَوْ التَّدَاوِي، لَكِنَّ الثَّابِتَ فِي مَسْأَلَتَيْ الطَّعْنَةِ وَالرَّمْيَةِ اخْتِلَافٌ، وَصَحَّحَ عَدَمَ الْإِفْطَارِ جَمَاعَةٌ. وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ثُبُوتِ الْإِفْطَارِ فِيمَا بَعْدَهُمَا. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ طَرَفُ الْخَشَبَةِ بِيَدِهِ وَطَرْفُ الْحَشْوَةِ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَالْمَاءُ لَمْ يَصِلْ إلَى كَثِيرِ دَاخِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ. وَالْحَدُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَدْرُ الْمِحْقَنَةِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ اهـ. نَعَمْ لَوْ خَرَجَ سُرْمُهُ فَغَسَلَهُ ثَبَتَ ذَلِكَ الْوُصُولُ بِلَا اسْتِبْعَادٍ. فَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يُنَشِّفَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَشَّفَهُ. لِأَنَّ الْمَاءَ اتَّصَلَ بِظَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَاطِنِ بِعَوْدِ الْمَقْعَدَةِ. لَا يُقَالُ: الْمَاءُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَكَرُوا أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى هُنَاكَ يُوَرِّثُ دَاءً عَظِيمًا. لَا يُقَالُ: يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ عَلَى مَاءِ بِحَيْثُ يَصْلُحُ بِهِ وَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ ضَرَرٌ أَحْيَانًا فَيَنْدَفِعُ إشْكَالُ الِاسْتِنْجَاءِ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْمَاءُ أُذُنَهُ أَوْ أَدْخَلَهُ بِقَوْلِهِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ، وَذَلِكَ إفَادَةُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِ دِمَاغِهِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ مَا ذَكَرْت لَمْ يَصِحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ. وَبَسَطَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ: لِأَنَّ الْمَاءَ يَفْسُدُ بِمُخَالَطَةِ خَلْطٍ دَاخِلِ الْأُذُنِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الدِّمَاغِ شَيْءٌ يَصْلُحُ لَهُ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْفِطْرِ فَلَا يَفْسُدُ، فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الصُّورَةِ بِالْإِدْخَالِ بِصُنْعِهِ كَمَا هُوَ فِي عِبَارَة الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي تَعْلِيلِ مَا اخْتَارَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْفَسَادِ إذَا أَدْخَلَ الْمَاءَ أُذُنَهُ لَا إذَا دَخَلَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا خَاضَ نَهْرًا حَيْثُ قَالَ: إذَا خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ. وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ فِيهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ

فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاَلَّذِي يَصِلُ هُوَ الرَّطْبُ، وَقَالَا: لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِالْوُصُولِ لِانْضِمَامِ الْمَنْفَذِ مَرَّةً وَاتِّسَاعِهِ أُخْرَى، كَمَا فِي الْيَابِسِ مِنْ الدَّوَاءِ. وَلَهُ أَنَّ رُطُوبَةَ الدَّوَاءِ تَلَاقِي رُطُوبَةَ الْجِرَاحَةِ فَيَزْدَادُ مَيْلًا إلَى الْأَسْفَلِ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، بِخِلَافِ الْيَابِسِ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَةَ الْجِرَاحَةِ فَيَنْسَدُّ فَمُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ مُوَصِّلٌ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً وَغَيَّبَهَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَبِهِ تَنْدَفِعُ الْإِشْكَالَاتُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَاءِ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَلَى هَذَا فَاعْتِبَارُ مَا بِهِ مِنْ الصَّلَاحِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْفِطْرِ إمَّا عَلَى مَعْنَى مَا بِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ فِي السُّؤَالِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ لِتَعْمِيمِ عَدَمِ الْإِفْسَادِ فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْأُذُنَ فَيَصِحُّ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَازِمٌ فِيمَا لَوْ احْتَقَنَ بِحُقْنَةٍ ضَارَّةٍ بِخُصُوصِ مَرَضِ الْمُحْتَقِنِ أَوْ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الشِّبَعِ وَالِامْتِلَاءِ قَرِيبًا مِنْ التُّخَمَةِ، فَإِنَّ الْأَكْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضِرٌّ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَضْلًا عَنْ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا عَلَى حَقِيقَةِ الْإِصْلَاحِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْكَافِي وَالْمُصَنِّفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْفَسَادِ فِي الْمَاءِ الدَّاخِلِ فِي الْأُذُنِ، وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ تَعْمِيمُ عَدَمِهِ فِيهِ. وَهَذَا وَلَوْ أَدْخَلَ الْإِصْبَعَ فِي دُبُرِهِ أَوْ فَرْجِهَا الدَّاخِلِ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَالْقَضَاءُ. (قَوْلُهُ: فَوَصَلَ) أَيْ الدَّوَاءُ (إلَى جَوْفِهِ) يَرْجِعُ إلَى الْجَائِفَةِ لِأَنَّهَا الْجِرَاحَةُ فِي الْبَطْنِ (أَوْ دِمَاغِهِ) يَرْجِعُ إلَى الْآمَّةِ لِأَنَّهَا الْجِرَاحَةُ فِي الرَّأْسِ مِنْ أَمَمْته بِالْعَصَا ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي هِيَ مَجْمَعُ الرَّأْسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَحْرِيرَ فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الْوُصُولَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ يَمْتَنِعُ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ، وَإِذًا لَا خِلَافَ فِي الْإِفْطَارِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُصُولِ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا فَقَالَ: يُفْطِرُ لِلْوُصُولِ عَادَةً، وَقَالَا: لَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يُفْطِرُ بِالشَّكِّ، وَهُوَ يَقُولُ: سَبَبُ الْوُصُولِ قَائِمٌ وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْوُصُولِ فَيَحْكُمُ بِهِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ إذْ قَدْ يَخْفَى حَقِيقَةُ الْمُسَبَّبِ بِخِلَافِ الْيَابِسِ، إذْ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ الْوُصُولِ فِيهِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَإِذَا حَقَّقْت هَذَا التَّصْوِيرَ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى، كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ عِبَارَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ: فَرَّقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّ الْيَابِسَ وَصَلَ فَسَدَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الطَّرِيَّ لَمْ يَصِلْ لَمْ يَفْسُدْ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَنَى الْفَسَادَ فِي الرَّطْبِ عَلَى الْوُصُولِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهِ عَلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عَدَمَ الْوُصُولِ لَا يَفْسُدُ لِتَحَقُّقِ خِلَافِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَلَا امْتِنَاعَ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلِيلِ الْأَمَارَةُ وَهِيَ مَا قَدَّمَ يَجْزِمُ بِتَخَلُّفِ مُتَعَلِّقِهَا مَعَ قِيَامِهَا، كَوُقُوفِ بَغْلَةِ الْقَاضِي عَلَى بَابِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دَارِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَ مُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ الظَّنَّ حِينَئِذٍ بِثُبُوتِهِ فَالْقِسْمَانِ اللَّذَانِ ذَكَرُوهُمَا لَا خِلَافَ فِيهِمَا، وَالْحَصْرُ فِيهِمَا مُنْتَفٍ إذْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا أَحَدَهُمَا، وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَأَفْسَدَهُ حُكْمًا بِالْوُصُولِ نَظَرًا إلَى

(وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يُفْطِرْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُفْطِرُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: مُضْطَرِبٌ فِيهِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَوْفِ مَنْفَذًا، وَلِهَذَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَثَانَةَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَالْبَوْلُ يَتَرَشَّحُ مِنْهُ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفِقْهِ (وَمَنْ ذَاقَ شَيْئًا بِفَمِهِ لَمْ يُفْطِرْ) لِعَدَمِ الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى (وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ. (وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْضُغَ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلِهِ وَنَفَيَاهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُفْطِرُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرَبٌ فِيهِ) وَالْإِفْطَارُ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ، قَالُوا أَيْضًا هُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَفْسُدُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ وَقَعَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى تَشْرِيحِ هَذَا الْعُضْوِ فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِالْإِفْسَادِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى قِيَامِ الْمَنْفَذِ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ، فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مَا يَقْطُرُ فِيهَا، وَقَوْلُهُ بِعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهِ، وَالْبَوْلُ يَتَرَشَّحُ مِنْ الْجَوْفِ إلَى الْمَثَانَةِ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا، أَوْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَنْفَذًا مُسْتَقِيمًا أَوْ شِبْهَ الْحَاءِ فَيُتَصَوَّرُ الْخُرُوجُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الدُّخُولُ لِعَدَمِ الدَّافِعِ الْمُوجِبِ لَهُ، بِخِلَافِ الْخُرُوجِ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى إنَاطَةِ الْفَسَادِ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ. وَيُفِيدُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ بَلْ هُوَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَا يَفْسُدُ، وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْمَثَانَةَ نَفْسَهَا جَوْفًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ مَا دَامَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَيْسَا بِشَيْءٍ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ أَوْ إلَى جَوْفِ الْمَثَانَةِ، بَلْ يَصِحُّ إنَاطَتُهُ بِالثَّانِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِلُ إذْ ذَاكَ إلَى الْجَوْفِ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ. وَمَا نُقِلَ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِيمَا إذَا حَشَا ذَكَرَهُ بِقُطْنَةٍ فَغَيَّبَهَا أَنَّهُ يَفْسُدُ كَاحْتِشَائِهَا مِمَّا يَقْضِي بِبُطْلَانِ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْإِفْطَارِ مَا دَامَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ. وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى إلَى التَّعْلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَيْفَ هُوَ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْمَنْفَذِ أَوْ اسْتِقَامَتِهِ وَعَدَمِهِ، لَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي فِي حَشْوِ الدُّبُرِ وَفَرْجِهَا الدَّاخِلِ عَدَمَ الْفَسَادِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِإِثْبَاتِ أَنَّ الدَّاخِلَ فِيهِمَا تَجْتَذِبُهُ الطَّبِيعَةُ فَلَا يَعُودُ إلَّا مَعَ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ. وَهُوَ فِي الدُّبُرِ مَعْلُومٌ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِفَتِيلَةِ دَوَاءٍ أَوْ صَابُونَةٍ، غَيْرَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ فِي غَيْرِهِ أَنَّ شَأْنَ الطَّبِيعَةِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَدْخَلٍ كَالْخَشَبَةِ. أَوْ فِيمَا يَتَدَاوَى بِهِ لِقَبُولِ الطَّبِيعَةِ إيَّاهُ فَتَجْتَذِبُهُ لِحَاجَتِهَا إلَيْهِ. وَفِي الْقُبُلِ ذَكَرْت لَنَا مَنْ تَضَعُ مِثْلَ الْحِمَّصَةِ لِتَسُدَّ بِهَا فِي الدَّاخِلِيِّ تَحَرُّزًا مِنْ الْحَبَلِ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهَا حَتَّى تَخْرُجَ هِيَ بَعْدَ أَيَّامٍ مَعَ الْخَارِجِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) قَيَّدَهُ الْحَلْوَانِيُّ بِمَا إذَا كَانَ فِي الْفَرْضِ، أَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا لِأَنَّهُ يُبَاحُ الْفِطْرُ فِيهِ بِعُذْرٍ وَبِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا، فَالذَّوْقُ أَوْلَى

إذَا كَانَ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ تَجِدْ مِنْهُ بُدًّا) صِيَانَةً لِلْوَلَدِ. أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا (وَمَضْغُ الْعَلْكِ لَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ) لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَئِمًا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَيْهِ بَعْضُ أَجْزَائِهِ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ أَسْوَدَ يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا لِأَنَّهُ يَفُتْ (إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ، وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ، وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ عَلَى مَا قِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ غَلَّةٍ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ: بِالنِّسَاءِ. (وَلَا بَأْسَ بِالْكُحْلِ وَدَهْنِ الشَّارِبِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِفْطَارٍ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ إيَّاهُ. وَقِيلَ: لَا بَأْسَ فِي الْفَرْضِ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا سَيِّئَ الْخُلُقِ أَنْ تَذُوقَ الْمَرَقَةَ بِلِسَانِهَا. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَمْضُغْ لَهُ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ وَلَمْ تَجِدْ طَعَامًا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَضْغِهِ لَا يُكْرَهُ لَهَا (قَوْلُهُ: لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِلصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ إذْ قَدْ يَسْبِقُ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى الْحَلْقِ، فَإِنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ. وَفِي الْفَتَاوَى: يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَذُوقَ بِلِسَانِهِ الْعَسَلَ أَوْ الدُّهْنَ لِيَعْرِفَ الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ عِنْدَ الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَئِمًا) بِأَنْ لَمْ يَمْضُغْهُ أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ أَبْيَضَ. وَكَذَا إذَا كَانَ أَسْوَدَ وَإِنْ مَضَغَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ وَإِنْ مُضِغَ وَالْأَبْيَضُ يَتَفَتَّتُ قَبْلَ الْمَضْغِ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ. وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ عَدَمَ الْفَسَادِ مَعَ مَحْمُولٍ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ الْوُصُولِ. فَإِذَا فَرَضَ فِي بَعْضِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةَ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقِّنِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِلتَّعْرِيضِ عَلَى الْفَسَادِ. وَتُهْمَةِ الْإِفْطَارِ. وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ» . وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ (قَوْلُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ) فَإِنَّ بِنْيَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ قَدْ لَا تَحْتَمِلُ السِّوَاكَ، فَيَخْشَى عَلَى اللِّثَةِ وَالسِّنِّ مِنْهُ. وَهَذَا قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَفْعَلَنهُ (قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحَبُّ) أَيْ وَلَا يُكْرَهُ فَهُوَ مُبَاحٌ بِخِلَافِ النِّسَاءِ. فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ. وَقَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ مِنْ النِّسَاءِ إنَّمَا يُنَاسِبُ التَّعْلِيلَ الْكَرَاهَةُ، وَلِذَا وُضِعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ تَعْلِيلَ الثَّانِي، وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ لِلرِّجَالِ إلَّا لِحَاجَةٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَعْنِي التَّشْبِيهَ يَقْتَضِيهَا فِي حَقِّهِمْ خَالِيًا عَنْ الْمُعَارِضِ. (قَوْلُهُ: وَدَهْنُ الشَّارِبِ) بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَبِضَمِّهَا عَلَى إقَامَةِ اسْمِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَصْدَرِ، وَفِي الْأَمْثِلَةِ: عَجِبْت مِنْ دُهْنِك

ارْتِفَاقٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ، وَقَدْ نَدَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحْيَتَك بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ التَّاءِ عَلَى هَذِهِ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: نَدَبَ النَّبِيُّ إلَى الِاكْتِحَالِ إلَخْ) أَمَّا نَدْبُهُ إلَى صَوْمِ عَاشُورَاءَ فَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُبْدَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّوْمِ أَحَادِيثَ، وَأَمَّا نَدْبُهُ إلَى الْكُحْلِ فِيهِ فَفِي حَدِيثَيْنِ رَوَى أَحَدَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «مَنْ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرَ رَمَدًا أَبَدًا» وَضَعَّفَهُ بِجُوَيْبِرٍ وَالضَّحَّاكُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ تِلْكَ السَّنَةَ» وَقَالَ: فِي رِجَالِهِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى التَّغْفِيلِ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي عَاتِكَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنِي أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ نَعَمْ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ وَأَبُو عَاتِكَةَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بَقِيَّةَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «اكْتَحَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَائِمٌ» وَظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الزُّبَيْدِيَّ فِي مُسْنَدِ ابْنِ مَاجَهْ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الثِّقَةُ الثَّبْتُ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيُّ الْحِمْصِيُّ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مُسْنَدِ الْبَيْهَقِيّ، وَلَكِنَّ الرَّاوِيَ دَلَّسَهُ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: لَيْسَ هُوَ بِمَجْهُولٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ بَلْ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الزُّبَيْدِيُّ الْحِمْصِيُّ وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَلَكِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ فَرَّقَ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَهُمَا وَاحِدٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ، وَهُوَ صَائِمٌ " قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ الضَّبِّيُّ: أَبُو مُعَاذٍ الْبَصْرِيُّ صَالِحُ الْحَدِيثِ، فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ إنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَالْمَجْمُوعُ يَحْتَجُّ بِهِ لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ، وَأَمَّا مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» فَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَمَعْبَدٌ وَابْنُهُ النُّعْمَانُ كَالْمَجْهُولَيْنِ إذْ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: ابْنُ مَعِينٍ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ. وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ

الصَّوْمِ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّدَاوِي دُونَ الزِّينَةِ، وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقُبْضَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامَيْهِمَا إذْ الصِّدْقُ لَا يَنْفِي سَائِرَ وُجُوهِ الضَّعْفِ (قَوْلُهُ: دُونَ الزِّينَةِ) لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ ثُمَّ قَيَّدَ دُهْنَ الشَّارِبِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، وَفِي الْكَافِي: يُسْتَحَبُّ دَهْنُ شَعْرِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ فَقَيَّدَ بِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَصْدِ، فَكَأَنَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ تَبَرُّجٌ بِالزِّينَةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ عَشْرَ خِلَالٍ ذَكَرَ مِنْهَا التَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحَلِّهَا» وَسَنُورِدُهُ بِتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ. وَمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ «أَبِي قَتَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِي جَمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْرِمْهَا» فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَعَمْ، وَأَكْرِمْهَا» فَإِنَّمَا هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قَصْدِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِحَظِّ النَّفْسِ الطَّالِبَةِ لِلزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِكْرَامَ وَالْجَمَالَ الْمَطْلُوبَ يَتَحَقَّقُ مَعَ دُونِ هَذَا الْمِقْدَارِ، وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ عُبَيْدٌ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ» فَسُئِلَ ابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ الْإِرْفَاهِ قَالَ: التَّرْجِيلُ، وَالْمُرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّرْجِيلُ الزَّائِدُ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى حَدِّ الزِّينَةِ لَا مَا كَانَ لِقَصْدِ دَفْعِ أَذَى الشَّعْرِ وَالشُّعْثِ، هَذَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ، وَقَصْدِ الزِّينَةِ، فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارُ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا، وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا، وَقَالُوا: بِالْخِضَابِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدِهِ مَطْلُوبٌ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفِتًا إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْقَدْرُ الْمَسْنُونُ فِي اللِّحْيَةِ (الْقُبْضَةُ) بِضَمِّ الْقَافِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُهُ هَكَذَا عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا» أَوْرَدَهُ أَبُو عِيسَى يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ، رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. فَإِنْ قُلْتَ: يُعَارِضُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحْيَةَ» فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْقُبْضَةِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ ثُمَّ يَقُصُّ مَا تَحْتَ الْقُبْضَةِ " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْمُقَنَّعِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ وَقَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ: " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَيُّوبَ مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ " كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ

(وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ لِلصَّائِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» مِنْ خَيْرِ فَصْلٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْأَثَرِ الْمَحْمُودِ، وَهُوَ الْخُلُوفُ فَشَابَهُ دَمَ الشَّهِيدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْقُبْضَةِ " فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّسْخِ كَمَا هُوَ أَصْلُنَا فِي عَمَلِ الرَّاوِي عَلَى خِلَافِ مَرْوِيِّهِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ الرَّاوِي. وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْمَلُ الْإِعْفَاءُ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ غَالِبَهَا أَوْ كُلَّهَا، كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْهُنُودِ وَبَعْضِ أَجْنَاسِ الْفِرِنْجِ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَيُؤَيِّدُ إرَادَةَ هَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ. وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةُ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ) يَعْنِي لِلصَّائِمِ سَوَاءً كَانَتْ رُطُوبَتُهُ بِالْمَاءِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ بِكَوْنِهِ أَخْضَرَ بَعْدُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ) اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى، فَالْحَدِيثُ مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي الطَّرِيقَيْنِ كَيْسَانُ أَبُو عُمَرَ الْقَصَّابُ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ كَيْسَانَ أَبِي عُمَرَ فَقَالَ: ضَعِيف الْحَدِيثِ، ذَكَرَهُ فِي الْمِيزَانِ وَذَكَرَ حَدِيثَهُ هَذَا فِيهِ. وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ: إزَالَةُ الْخَلُوفِ الْمَحْمُودِ إلَخْ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ خَيْرِ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيهِ مُجَالِدٌ ضَعَّفَهُ كَثِيرٌ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَنَا أَيْضًا عُمُومُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عَنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» إذْ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كُلِّ صَلَاةٍ: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ لِلصَّائِمِ وَالْمُفْطِرِ، وَفِي رِوَايَةِ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهَا الْحَاكِمُ، وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ «عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» فَيَعُمُّ وُضُوءُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ. وَلَنَا أَيْضًا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» فَهَذِهِ النَّكِرَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْإِثْبَاتِ تَعُمُّ لِوَصْفِهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَيَصْدُقُ عَلَى عَصْرِ الصَّائِمِ إذَا اسْتَاكَ فِيهِ أَنَّهَا صَلَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ، كَمَا يَصْدُقُ عَلَى عَصْرِ الْمُفْطِرِ، فَهَذِهِ خَالِيَةٌ عَنْ الْمُعَارِضِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَقُومُ حُجَّةً، أَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ مَعَ شُذُوذِهِ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلَا يَسْتَلْزِمُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَاكِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ يُزِيلُ الْخَلُوفَ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ إنَّمَا يُزِيلُ أَثَرُهُ الظَّاهِرُ عَلَى السِّنِّ مِنْ الِاصْفِرَار

قُلْنَا: هُوَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ اللَّائِقُ بِهِ الْإِخْفَاءُ. بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ لِأَنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ الْأَخْضَرِ وَبَيْنَ الْمَبْلُولِ بِالْمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَهُ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالسِّوَاكِ لَا يُفِيدُ شَغْلُهَا بِطَعَامٍ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ، وَلِهَذَا رَوَى عَنْ مُعَاذٍ مِثْلَ مَا قُلْنَا. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ " سَأَلْت مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ: أَتَسَوَّكُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: أَيُّ النَّهَارِ أَتَسَوَّكُ؟ قَالَ: أَيُّ النَّهَارِ شِئْت غَدْوَةً وَعَشِيَّةً، قُلْت: إنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ عَشِيَّةً، وَيَقُولُونَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ، فَقَالَ: سُبْحَانُ اللَّهِ لَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ بِفِي الصَّائِمِ خُلُوفٌ وَإِنْ اسْتَاك، وَمَا كَانَ بِاَلَّذِي يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْتِنُوا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَيْرِ بَلْ فِيهِ شَيْءٌ، لَا مَنْ ابْتَلَى بِبَلَاءٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا " قَالَ: وَكَذَا الْغُبَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» إنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ مَنْ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا. فَأَمَّا مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَلَاءِ عَمْدًا فَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ قِيلَ: وَيَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا مَنْ تَكَلَّفَ الدَّوَرَانَ تَكْثِيرًا لِلْمَشْيِ إلَى الْمَسَاجِدِ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلَى الْمَسَاجِدِ» وَمَنْ تَصَنَّعَ فِي طُلُوعِ الشَّيْبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ» إنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا مَنْ بُلِيَ بِهِمَا، وَفِي الْمَطْلُوبِ أَيْضًا أَحَادِيثُ مُضَعَّفَةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا لِلِاسْتِشْهَادِ وَالتَّقْوِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْخُوَارِزْمِيَّ قَالَ: سَأَلْت عَاصِمًا الْأَحْوَلَ أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَرَاهُ أَشَدَّ رُطُوبَةً مِنْ الْمَاءِ؟ قُلْت: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: عَمَّنْ رَحِمَك اللَّهُ؟ قَالَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُوَارِزْمِيَّ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عَاصِمٍ بِالْمَنَاكِيرِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ» وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَرَفْعُهُ بَاطِلٌ. وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ قُلْنَا كَفَى ثُبُوتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعَ تَعَدُّدِ الضَّعِيفِ فِيهِ مَعَ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] صَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا، وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ: الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ، وَقِيلَ: بَلْ تَفْرِيقُهَا فِي الشَّهْرِ. وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْفَصْلُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى اعْتِقَادِ لُزُومِهَا مِنْ الْعَوَامّ لِكَثْرَةِ الْمُدَاوَمَةِ، وَلِذَا سَمِعْنَا مَنْ يَقُولُ يَوْمَ الْفِطْرِ: نَحْنُ إلَى الْآنَ لَمْ يَأْتِ عِيدُنَا أَوْ نَحْوَهُ، فَأَمَّا عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ، وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ أَيَّامٍ نُهِينَا عَنْ تَعْظِيمِهَا، فَإِنْ وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ

[فصل كان مريضا في رمضان فخاف إن صام ازداد مرضه]

فَصْلٌ (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا فِي رَمَضَانَ فَخَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ أَفْطَرَ وَقَضَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُفْطِرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ صَامَ شَعْبَانَ وَوَصَلَهُ بِرَمَضَانَ فَحَسَنٌ. وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ مَا لَمْ يُظَنَّ إلْحَاقُهُ بِالْوَاجِبِ، وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا. فَإِنْ أَفْرَدَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ. وَالْحَاجُّ إنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ فَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ لِإِخْلَالِهِ بِالْأَهَمِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُسِيءَ خُلُقَهُ فَيُوقِعَهُ فِي مَحْظُورٍ، وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، لِأَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَسَيَأْتِي صَوْمُ الْمُسَافِرِ. وَيُكْرَهُ صَوْمُ الصَّمْتِ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَتَكَلَّمَ يَعْنِي يَلْتَزِمُ عَدَمَ الْكَلَامِ. بَلْ يَتَكَلَّمُ بِخَيْرٍ وَلِحَاجَتِهِ إنْ عَنَّتْ، وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْوِصَالِ وَلَوْ يَوْمَيْنِ، وَيُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ لِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ أَوْ يَصِيرُ طَبْعًا لَهُ. وَمَبْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ، وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا» وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَلَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ التَّطَوُّعَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَلَهُ أَنْ يُفَطِّرَهَا، وَكَذَا الْمَمْلُوكُ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيِّدِ إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا، وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ ضَرَرٌ بِالسَّيِّدِ فِي مَالِهِ، وَكُلُّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ كَالْمَنْذُورِ وَصِيَامَاتِ الْكَفَّارَاتِ كَالنَّفْلِ إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ كَمَا سَتَعْلَمُ فِي الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فَصَلِّ كَانَ مَرِيضًا فِي رَمَضَانَ فَخَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ] (فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ فِي الْعَوَارِضِ وَهِيَ حَرِيَّةٌ بِالتَّأْخِيرِ. الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِلْفِطْرِ: الْمَرَضُ. وَالسَّفَرُ، وَالْحَبَلُ، وَالرَّضَاعُ إذَا أَضَرَّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا، وَالْكِبَرُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَالْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ كَذَلِكَ إذَا خِيفَ مِنْهُمَا الْهَلَاكُ، أَوْ نُقْصَانُ الْعَقْلِ، كَالْأَمَةِ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ، وَالْعَمَلُ الْحَثِيثُ إذَا خُشِيَ الْهَلَاكُ أَوْ نُقْصَانُ الْعَقْلِ. وَقَالُوا: الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ، يُفْطِرُ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ

هُوَ يَعْتَبِرُ خَوْفَ الْهَلَاكِ أَوْ فَوَاتَ الْعُضْوِ كَمَا يَعْتَبِرُ فِي التَّيَمُّمِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَامْتِدَادَهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ، وَإِنْ أَفْطَرَ جَازَ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ نَفْسُهُ عُذْرًا، بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ قَدْ يُخَفَّفُ بِالصَّوْمِ فَشُرِطَ كَوْنُهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ الْأَدَاءُ فِيهِ أَوْلَى، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَهْدِ (وَإِذَا مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا يَلْزَمُهُمَا الْقَضَاءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مُقِيمًا. (قَوْلُهُ هُوَ يَعْتَبِرُ خَوْفَ الْهَلَاكِ) الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُ كَقَوْلِنَا. وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] يُبِيحُ الْفِطْرَ لِكُلِّ مَرِيضٍ، لَكِنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْفِطْرِ لَهُ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، وَتَحَقُّقُ الْحَرَجِ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ إبْطَاءِ الْبُرْءِ أَوْ فَسَادِ عُضْوٍ، ثُمَّ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ، وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ، بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ، وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ، فَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ لَكِنَّ الضَّعْفَ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَقَالَ: الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ كَانَ نَوْبَةُ حُمَّى فَأَكَلَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ يَعْنِي فِي يَوْمِ النَّوْبَةِ لَا بَأْسَ بِهِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ) وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِنَا وَلَمْ يُحْكَ ذَلِكَ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَنُورِدُهُ. وَقَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَجَعَلَ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ إدْرَاكَ الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ السَّبَبِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ) وَالصَّوْمُ فِي أَفْضَلِ وَقْتَيْ الصَّوْمِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ أَفْضَلُ فِي حَقِّ صَوْمِ الْمُقِيمِ فَلَا يُفِيدُ، وَإِنْ مُطْلَقًا مَنَعْنَاهُ، وَنُسْنِدُهُ بِمَا رَوَيْنَا وَتَلَوْنَا قُلْنَا: نَخْتَارُ الثَّانِيَ، وَجْهُهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى فِي رَمَضَانَ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَمَا رَوَيْتُمْ مَخْصُوصٌ بِسَبَبِهِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا صَائِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَكَذَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَضَرَّوْا بِهِ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي لَفْظٍ فِيهِ «فَقِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ» . وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي، وَفِيهِ «وَكَانَ أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فَلَمْ يَقْبَلُوا» وَالْعِبْرَةُ وَإِنْ كَانَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ «حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ فِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ

لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (وَلَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ ثُمَّ مَاتَا لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ) لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ. وَفَائِدَتُهُ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجُنَاحٌ؟ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَنَسٍ كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ. وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» وَفِيهِ مَا عَنْ «أَبِي الدَّرْدَاءِ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ. حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ. وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ. وَثَمَّ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ مَا فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامٌ فِي امْسَفَرِ» وَهَذِهِ لُغَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ يَجْعَلُونَ مَكَانَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْأَلِفَ وَالْمِيمَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّمِيمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْمَدَنِيِّ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَتَابَعَهُ يُونُسُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَلَوْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا كَانَ خُرُوجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ خَرَجَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْفِطْرِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِهِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «خَرَجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَكَذَا قَالَ: يَعْنِي الْبَزَّارَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ غَيْرُ الْبَزَّارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ الْقُرَشِيِّ. يَرْوِي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَهَذَا مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْقَائِلُونَ بِمَنْعِ الصَّوْمِ لَا غَيْرُهُمْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ آخِرَ الْأَمْرِ. فَالْحَاصِلُ التَّعَارُضُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَالْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا وَاعْتِبَارِ نَسْخِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ قَاطِعَةٍ فِيهِ. وَالْجَمْعُ بِمَا قُلْنَا مِنْ حَمْلِ مَا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ مَنْ لَمْ يُفْطِرْ إلَى الْعِصْيَانِ وَعَدَمِ الْبِرِّ وَفِطْرِهِ بِالْكَدِيدِ عَلَى عُرُوضِ الْمَشَقَّةِ خُصُوصًا. وَقَدْ وَرَدَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ وُقُوعِهَا فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ خُصُوصًا وَأَحَادِيثُ الْجَوَازِ أَقْوَى ثُبُوتًا وَاسْتِقَامَةَ مَجِيءٍ وَأَوْفَقُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] فَعَلَّلَ التَّأْخِيرَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ بِإِرَادَةِ الْيُسْرِ، وَالْيُسْرُ أَيْضًا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْفِطْرِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْيُسْرُ فِي الصَّوْمِ إذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَضِرٍّ بِهِ لِمُوَافَقَةِ النَّاسِ. فَإِنَّ فِي الِائْتِسَاءِ تَخْفِيفًا، وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَوَطَّنَتْ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ مَا لَمْ تَتَوَطَّنْ عَلَى غَيْرِهِ فَالصَّوْمُ فِيهِ أَيْسَرُ عَلَيْهَا. وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] لَيْسَ مَعْنَاهُ يَتَعَيَّنُ

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فَيَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخُلْفِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ بَلْ الْمَعْنَى فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ، أَوْ الْمَعْنَى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يَحِلُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَيْهَا لَا كَمَا ظَنَّهُ أَهْلُ الظَّوَاهِرِ. (قَوْلُهُ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ أَنَّ عِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ إذَا صَحَّ وَأَقَامَ يَوْمًا قَضَاءُ الْكُلِّ فَيَلْزَمُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا صَحَّ وَأَقَامَ، وَالصَّحِيحُ الِاتِّفَاقُ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّذْرِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ الْمَرِيضُ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ مَثَلًا فَصَحَّ يَوْمًا، فَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْكُلُّ وَالْإِيصَاءُ بِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْرُ مَا صَحَّ. وَجْهُ الْفَرْقِ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ هُوَ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ الْكُلِّ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَحَّ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ، وَالصَّحِيحُ لَوْ قَالَهُ وَمَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةِ الْمَنْذُورِ لَزِمَهُ الْكُلُّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ وَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فِي النَّذْرِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّذْرِ بِذَلِكَ غَيْرَ مُوجِبٍ شَيْئًا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ وَإِلَّا لَزِمَ الْكُلُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لِتَظْهَرَ فَائِدَتُهُ فِي الْإِيصَاءِ بَلْ هُوَ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِ مَا أَمْكَنَ وَالنَّذْرُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ الْكُلُّ، ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْهُ لِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعِدَّةِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ كَمَا لَوْ لَمْ يُجْعَلْ

(وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُتَابَعَةُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ (وَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الثَّانِيَ) لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ (وَقَضَى الْأَوَّلَ بَعْدَهُ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَلَّقًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا قُلْنَا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ، فَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ إدْرَاكَ الْعِدَّةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ أَوْ الْأَدَاءِ، فَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فَقَالَ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ: وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَهُ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. وَعَلَى ظَاهِرِ الْأَوَّلِ أَنَّ سَبَبَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا اعْتَرَفُوا بِصِحَّتِهِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، فَيَكُونُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَيَلْزَمُ عَدَمُ حِلِّ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ عِدَّةٍ يُدْرِكُهَا، فَإِنْ قَالَ: سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ حُرْمَةَ التَّأْخِيرِ عَنْهُ. قُلْنَا: فَلْيَكُنْ نَفْسُ رَمَضَانَ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الِاعْتِبَارِ سِوَى ذَلِكَ اللَّازِمِ، فَإِذَا كَانَ مُنْتَفِيًا لَزِمَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ، وَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْكُلِّ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْعِدَّةَ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إنْ أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي رَجُلٍ

لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي، حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ. (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي. وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، وَالْفِطْرَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَالْوَلَدُ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ أَصْلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ صَحَّ فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ: يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَصُومُ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، فَكَانَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ شَيْءٌ، غَيْرُ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْأَوْلَى مِنْ الْمُسَارَعَةِ، وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَفِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: كَانَ يَكْذِبُ، وَفِيهِ أَيْضًا مَنْ اُتُّهِمَ بِالْوَضْعِ. (قَوْلُهُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا) يَرُدُّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِوُجُوبِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا، وَكَذَا عِبَارَةُ غَيْرِ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا تُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأُمِّ، وَكَذَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً. (قَوْلُهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ (بِالشَّيْخِ الْفَانِي) فِي حُكْمٍ هُوَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ بِإِفْطَارِهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ غَيْرَ

(وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قِيلَ مَعْنَاهُ: لَا يُطِيقُونَهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفِدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ الْوَلَدُ فِي الْفَرْعِ. قُلْنَا الْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ بِشَرْعِ الْفِدْيَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، إذْ لَا مُمَاثَلَةَ تُعْقَلُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ، وَالْإِلْحَاقُ دَلَالَةً مُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّ الشَّيْخَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِالْعُمُومَاتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، وَالطِّفْلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى أُمِّهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهَا شَرْعًا إلَى خَلَفٍ غَيْرُ الصَّوْمِ، بَلْ أُجِيزَ لَهَا التَّأْخِيرُ فَقَطْ رَحْمَةً عَلَى الْوَلَدِ إلَى خَلَفٍ هُوَ الصَّوْمُ، بِخِلَافِ الشَّيْخِ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بَلْ أُقِيمَتْ الْفِدْيَةُ مَقَامَ الصِّيَامِ فِي حَقِّهِ. وَحَاصِلُ الدَّفْعِ فِيهِمَا أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عِوَضًا عَنْ الصَّوْمِ لِسُقُوطِهِ بِهَا وَلَا سُقُوطَ فِي الْحَامِلِ. (قَوْلُهُ وَيُطْعِمُ إلَخْ) وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ، فَكَانَ كَالْمَرِيضِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ، وَالْمُسَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ. وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] الْآيَةَ. كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ فَعَلَ، حَتَّى أُنْزِلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا نَسَخَتْهَا. وَلَنَا مَا رَوَى عَطَاءُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، وَهِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافَ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ لَكَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ " مُقَدَّمًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ بَلْ عَنْ سَمَاعٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَجَعْلُهُ مَنْفِيًّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَمَاعٍ

لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ. (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَأَوْصَى بِهِ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلْبَتَّةَ، وَكَثِيرًا مَا يُضْمَرُ حَرْفُ لَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. فِي التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَفِيهِ {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] أَيْ أَنْ لَا تَضِلُّوا {رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] وَقَالَ الشَّاعِرُ: فَقُلْت يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي أَيْ لَا أَبْرَحُ وَقَالَ: تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيت ... بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهُ أَيْ لَا تَنْفَكُّ، وَرِوَايَةُ الْأَفْقَهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] لَيْسَ نَصًّا فِي نَسْخِ إجَازَةِ الِافْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَهَذَا وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ، لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ، فَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ إلَى الْفِدْيَةِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّعْيِينِ، وَلَا تَعْيِينَ عَلَى الْمُسَافِرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِقَالِ، وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ، وَلِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَسْتَقِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ الْفِدْيَةُ عَنْهُ. وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ، فَإِنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ جَازَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَهَذَا وَيَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الصَّدَقَةِ فِيهَا، وَالْإِطْعَامِ فِي الْفِدْيَةِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ) أَيْ شَرْطَ وُقُوعِ الْفِدْيَةِ خَلَفًا عَنْ الصَّوْمِ دَوَامُ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ، فَخَرَجَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَوَاتُ الْمُؤَدَّاةُ قَبْلُ بِالتَّيَمُّمِ، لِأَنَّ خَلْفِيَّةَ التَّيَمُّمِ مَشْرُوطٌ بِمُجَرَّدِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ لَا بِقَيْدِ دَوَامِهِ، وَكَذَا خَلْفِيَّةُ الْأَشْهُرِ عَنْ الْأَقْرَاءِ فِي الِاعْتِدَادِ مَشْرُوطٌ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ سِنِّ الْإِيَاسِ لَا بِشَرْطِ دَوَامِهِ، فَلِذَا يَجِبُ الِاعْتِدَادُ بِالدَّمِ إذَا عَادَ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فِي سِنِّ

فَصَارَ كَالشَّيْخِ الْفَانِي، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ. هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِدُيُونِ الْعِبَادِ إذْ كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ مَالِيٌّ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ. وَلَنَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاخْتِيَارِ. وَذَلِكَ فِي الْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ لِأَنَّهَا جَبْرِيَّةٌ، ثُمَّ هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيَاسِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ الَّتِي فُرِضَ عَوْدُهُ فِيهَا، حَتَّى تُسْتَأْنَفَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ لَا فِي الْأَنْكِحَةِ الْمُبَاشَرَةِ حَالَ ذَلِكَ الِانْقِطَاعِ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ الْحُكْمِ، وَمُقْتَضَاهُ كَوْنُ الْخَلْفِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَصَارَ كَالشَّيْخِ الْفَانِي) إلْحَاقًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ. وَجْهُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ وَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ يُجْزِي عَنْهُ الْإِطْعَامُ عَلِمَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ عَجْزُهُ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ، فَإِنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الَّذِي كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَارِدًا فِي الْمَرِيضِ الَّذِي هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، لَا فَرْقَ إلَّا بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَسْبِقْ حَالَ جَوَازِ الْإِطْعَامِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي إلَّا بِقَدْرِ مَا يَثْبُتُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ، وَالْمَرِيضُ تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ بِإِدْرَاكِ الْعِدَّةِ وَعَجْزُهُ الْآنَ بِسَبَبِ تَقْصِيرِهِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى الْقَضَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى التَّرَاخِي لَا يَكُونُ بِذَلِكَ التَّأْخِيرِ جَانِيًا فَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْفَرْقِ فِي إيجَابِ افْتِرَاقِ الْحُكْمِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا فِي الْأُصُولِ الْإِلْحَاقَ بِالشَّيْخِ الْفَانِي بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا مَنَعُوهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ شَرْطَهُ ظُهُورُ الْمُؤَثِّرِ وَأَثَرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، فَإِنَّ ظُهُورَ الْمُؤَثِّرِ فِيهِ وَهُوَ الْعَجْزُ إنَّمَا يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ الصَّوْمِ. وَهُنَا مَقَامٌ آخَرُ وَهُوَ وُجُودُ الْفِدْيَةِ وَلَا يُعْقَلُ الْعَجْزُ مُؤَثِّرًا فِي إيجَابِهَا، لَكِنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصَةِ، وَكَوْنُ الْعَجْزِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ عِلَّةٌ مَنْصُوصَةٌ، لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ نَصٌّ عَلَى عِلِّيَّةِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ عِنْدَنَا بَلْ بِالْإِشَارَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ عِنْدَنَا) أَيْ فِي لُزُومِ الْإِطْعَامِ عَلَى الْوَارِثِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ) أَيْ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْعُشْرَ بَعْدَ وَقْتِ وُجُوبِهِ لَا يَجِبُ عَلَى وَارِثِهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ، ثُمَّ إذَا أَوْصَى فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ إخْرَاجُهُمَا إذَا كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ زَادَ دَيْنُهُمَا عَلَى الثُّلُثِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ، فَإِنْ أَخْرَجَ كَانَ مُتَطَوِّعًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيُحْكَمُ بِجَوَازِ إجْزَائِهِ. وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ: يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا إذَا أَوْصَى بِالْإِطْعَامِ عَنْ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا يُذْكَرُ، وَيَصِحُّ التَّبَرُّعُ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ لَا الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ بِلَا إيصَاءٍ إلْزَامُ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَا إلْزَامَ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ:

يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ بِاسْتِحْسَانِ الْمَشَايِخِ، وَكُلُّ صَلَاةٍ تُعْتَبَرُ بِصَوْمِ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» وَفِي رِوَايَةٍ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ عَلَى صَرْفِ الْأَوَّلِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الصَّلَاةِ الدَّيْنُ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى أَنَّهُ قَالَ " لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " وَفَتْوَى الرَّاوِي عَلَى خِلَافِ مَرْوِيِّهِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِ الْمَنَاطِ عَنْ الِاعْتِبَارِ، وَلِذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَنْسُوخًا لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ بِالْجَامِعِ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ اعْتِبَارِهِ، إذْ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَاسْتَمَرَّ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحْوُهُ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغًا فَقَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِالْمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّيَ عَنْ أَحَدٍ اهـ. وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ النَّسْخَ، وَأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ آخِرًا، وَإِذَا أُهْدِرَ كَوْنُ الْمَنَاطِ الدَّيْنَ فَإِنَّمَا يُعَلَّلُ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ الْمَيِّتِ عَلَى الْوَارِثِ بِدَيْنِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ، وَلَيْسَ هُوَ الْكَائِنَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ إلَّا بِالْإِيصَاءِ، ثُمَّ إذَا أَوْصَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ، وَعَلَى هَذَا دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةِ وَالْكَفَّارَاتُ الْمَالِيَّةُ وَالْحَجُّ وَفِدْيَةُ الصِّيَامَاتِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ وَالْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ بَيْنَ عُقُوبَةٍ وَعِبَادَةٍ، فَمَا كَانَ عِبَادَةً فَشَرْطُ إجْزَائِهَا النِّيَّةُ لِيَتَحَقَّقَ أَدَاؤُهَا مُخْتَارًا فَيَظْهَرَ اخْتِيَارُهُ الطَّاعَةَ مِنْ اخْتِيَارِهِ الْمَعْصِيَةَ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْلِيفِ، وَفِعْلُ الْوَارِثِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْمُبْتَلَى بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا يُحَقِّقُ اخْتِيَارَهُ، بَلْ لَمَّا مَاتَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ وَلَا أَمْرٍ بِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ عِصْيَانُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ دَارِ التَّكْلِيفِ وَلَمْ يَمْتَثِلْ، وَذَلِكَ يُقَرِّرُ عَلَيْهِ مُوجَبَ الْعِصْيَانِ، إذْ لَيْسَ فِعْلُ الْوَارِثِ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَمَا كَانَ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ فَاتَ فِيهِ الْأَمْرَانِ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ إيقَاعُ مَا يَسْتَشِقُّهُ مِنْهُ لِيَكُونَ زَاجِرًا لَهُ، بِخِلَافِ دُيُونِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَمْرِ بِأَدَائِهَا وُصُولُ الْمَالِ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ لِيَدْفَعَ بِهِ حَاجَتَهُ، وَلِذَا إذَا ظَفِرَ مَنْ لَهُ بِجِنْسِهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَيَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ فَلَزِمَتْ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ لِتَحَقُّقِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِفِعْلِ الْوَارِثِ هُنَا، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَا يُورَثُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةُ لِأَنَّهُ رَأْيٌ كَانَ لِلْمَيِّتِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْمَعْنَى اُحْتُبِسَ عِنْدَ الْبَائِعِ. وَإِذَا عَلِمْت مَا ذَكَرْنَا عَلِمْت أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هِيَ الْأَفْعَالُ إذْ بِهَا تَظْهَرُ الطَّاعَةُ وَالِامْتِثَالُ، وَمَا كَانَ مَالِيًّا مِنْهَا، فَالْمَالُ مُتَعَلِّقُ الْمَقْصُودِ: أَعْنِي الْفِعْلَ، وَقَدْ سَقَطَتْ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا بِالْمَوْتِ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِ طَاعَتِهِ بِهَا فِي دَارِ التَّكْلِيفِ، فَكَانَ الْإِيصَاءُ بِالْمَالِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُهَا تَبَرُّعًا مِنْ الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، بِخِلَافِ دَيْنِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا نَفْسُ الْمَالِ لَا الْفِعْلُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّرِكَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا بِلَا إيصَاءٍ. (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ بِاسْتِحْسَانِ الْمَشَايِخِ) وَجْهُهُ: أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ

هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَا يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَلَا يُصَلِّي) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» . (وَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوْ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَضَاهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْمُؤَدَّى فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى قُرْبَةٌ وَعَمَلٌ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ بِالْمُضِيِّ عَنْ الْإِبْطَالِ، وَإِذَا وَجَبَ الْمُضِيُّ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهِ. ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ فِيهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا وَيُبَاحُ بِعُذْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثَابِتَةٌ، وَمِثْلُ مِثْلِ الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِطْعَامُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا لَا يَجِبُ، فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ ثُبُوتَ الْمُمَاثَلَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ السُّقُوطُ وَإِلَّا كَانَ بِرًّا مُبْتَدَأً يَصْلُحُ مَاحِيًا لِلسَّيِّئَاتِ، وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ كَمَا قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ بِالْإِطْعَامِ، بِخِلَافِ إيصَائِهِ بِهِ عَنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْإِجْزَاءِ. (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مُقَاتِلٍ: إنَّهُ يُطْعِمُ لِكُلِّ صَلَاةِ يَوْمٍ مِسْكِينًا لِأَنَّهَا كَصِيَامِ يَوْمٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فِي الْكِتَابِ، لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَتْ كَصَوْمِ يَوْمٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَضَاهُ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا فَسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي نَفْسِ الْفَسَادِ هَلْ يُبَاحُ أَوَّلًا؟ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا إلَّا بِعُذْرٍ، وَرِوَايَةُ الْمُنْتَقَى يُبَاحُ بِلَا عُذْرٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلْ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ أَوْ لَا؟ قِيلَ نَعَمْ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ، إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ، وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى أَوْجَهُ، وَعَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ يَنْصَبُّ الْكَلَامُ فِي خِلَافِيَّةِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا، وَيَتَبَيَّنُ وَجْهُ اخْتِيَارِنَا لَهَا فِي ضِمْنِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، قَالَ: أَرِينِيهِ

وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَكَلَ وَفِي لَفْظٍ فَأَكَلَ، وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ، وَلُزُومُ الْقَضَاءِ مُرَتَّبٌ عَلَى وُجُوبِهِ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ مَوْقُوفًا " الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ " وَفِي كُلٍّ مِنْ سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ اخْتِلَافٌ. وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا: صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كَانَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ وَهُوَ صَائِمٌ رَفَعَ إنَاءً فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَفِي لَفْظٍ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ زَادَ مُسْلِمٌ عَامَ الْفَتْحِ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلتَّأْخِيرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ لِلسَّفَرِ كَانَ لَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ أَنْ يُفْطِرَ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى. وَحَاصِلُهُ اسْتِدْلَالٌ بِفِطْرِهِ فِي الْفَرْضِ بَعْدَ الشُّرُوعِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَلَى إبَاحَةِ فِطْرِهِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ. وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ حَسَنٌ جِدًّا. وَلَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَقَالَ تَعَالَى {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27] الْآيَةُ سِيقَتْ فِي مَعْرِضِ ذَمِّهِمْ عَلَى عَدَمِ رِعَايَةِ مَا الْتَزَمُوهُ مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِمْ، وَالْقَدْرُ الْمُؤَدِّي عَمَلٌ كَذَلِكَ فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ عَنْ الْإِبْطَالِ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، فَإِذَا أَفْطَرَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ تَفَادِيًا عَنْ الْإِبْطَالِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَدَرَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَعَرَضَ عَلَيْنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ قَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ» وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِزَمِيلٍ سَمَاعٌ مِنْ عُرْوَةَ، وَلَا لِيَزِيدَ سَمَاعٌ مِنْ عُرْوَةَ، وَأَعَلَّهُ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ. فَقَالَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَعْمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ، ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ أَحَدَّثَك عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا. وَلَكِنْ سَمِعْنَا فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ نَاسٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ اهـ. قُلْنَا: قَوْلُ الْبُخَارِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَالْمُخْتَارُ الِاكْتِفَاءُ بِالْعِلْمِ بِالْمُعَاصَرَةِ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَوْ سَلِمَ إعْلَالُهُ وَإِعْلَالُ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ غَيْرِهَا عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «عَائِشَةَ قَالَتْ أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ» الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرَهُمَا عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَصْبَحَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَحَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ غَيْرِ الْكُلِّ فِي الْوَسِيطِ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ قَالَ: ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَكِّيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «أُهْدِيَتْ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هَدِيَّةٌ وَهُمَا صَائِمَتَانِ فَأَكَلَتَا مِنْهَا فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ وَلَا تَعُودَا» فَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ لَوْ كَانَ كُلُّ طَرِيقٍ مِنْ هَذِهِ ضَعِيفًا لِتَعَدُّدِهَا وَكَثْرَةِ مَجِيئِهَا، وَثَبَتَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَجْهُولَ فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فِيمَا أَسْنَدَ التِّرْمِذِيُّ إلَيْهِ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَةٌ أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ، فَكَيْفَ وَبَعْضُ طُرُقِهِ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ. وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، بَلْ هُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يُوجِبُ مُقْتَضَاهُ وَيُؤَكِّدُ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] كَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا تُحْبِطُوا الطَّاعَاتِ بِالْكَبَائِرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إلَى أَنْ قَالَ {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: 2] وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ، أَوْ لَا تُبْطِلُوهَا بِمَعْصِيَتِهِمَا: أَيْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَوْ الْإِبْطَالُ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَنْهُ بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ أَوْ بِالْعُجْبِ، وَالْكُلُّ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْطَالِ إخْرَاجُهَا عَنْ أَنْ تَتَرَتَّب عَلَيْهَا فَائِدَةٌ أَصْلًا كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ. وَهَذَا غَيْرُ الْإِبْطَالِ الْمُوجِبِ لِلْقَضَاءِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِ هَذَا الْإِبْطَالِ، بَلْ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِهِ بِدُونِ قَضَاءٍ، فَيَكُونُ دَلِيلُ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا إبَاحَةُ الْفِطْرِ مَعَ إيجَابِ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا اخْتَرْنَاهَا لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ مِنْهَا عَلَى سِوَى ذَلِكَ. وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُفِيدُ سِوَى إيجَابِ الْقَضَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ " وَلَا تَعُودَا " وَهِيَ مَعَ كَوْنِهَا مُتَفَرَّدًا بِهَا لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِلشَّافِعِيِّ، فَبَعْدَ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْحُجِّيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، وَكَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ نَمْ فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ، قَالَ: فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: صَدَقَ سَلْمَانُ» وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ، وَكَذَا مَا أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ إلَى جَابِرٍ قَالَ «صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي رَمَضَانَ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQطَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا لَكَ؟ قَالَ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: تَكَلَّفَ أَخُوكَ وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ، كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» . فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الْفِطْرِ مَمْنُوعًا إذْ لَا يُعْهَدُ لِلضِّيَافَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ، وَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهَا عُذْرًا كَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَاسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ: أَيْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: ثَبَتَ مَوْقُوفٌ عَلَى إبْدَاءِ ثَبْتٍ، ثُمَّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ سَلْمَانَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى تَتَظَافَرُ الْأَدِلَّةُ وَلَا يُعَارِضُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يُثْبِتُهَا عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ النَّفَلَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا إذَا أُفْسِدَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ إلَخْ) كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ أَثْنَاءَ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَطْهُرَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ، وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ، وَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ، وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ، أَمَّا إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ نَوَى الْفِطْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى قَدِمَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الصَّوْمِ، وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ تَسَحَّرَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَقِيلَ الْإِمْسَاكُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ نَهَارًا: لَا يَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ. وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فَلْيَصُمْ، وَقَالَ فِي الْحَائِضِ فَلْتَدَعْ. وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَحْسُنُ تَعْلِيلٌ لِلْوُجُوبِ: أَيْ لَا يَحْسُنُ بَلْ يَقْبُحُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ فِي الْمُسَافِرِ: إذَا أَقَامَ بَعْدَ الزَّوَالِ إنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَهُوَ مُقِيمٌ، فَبَيَّنَ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ وَاجِبًا، وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ فَوَائِدُ

(وَلَوْ أَفْطَرَا فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ (وَصَامَا بَعْدَهُ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْأَهْلِيَّةِ (وَلَمْ يَقْضِيَا يَوْمَهُمَا وَلَا مَا مَضَى) لِعَدَمِ الْخِطَابِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ، وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَالْأَهْلِيَّةُ مُنْعَدِمَةٌ عِنْدَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا زَالَ الْكُفْرُ أَوْ الصِّبَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ وَقْتَ النِّيَّةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ إلَّا أَنَّ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دُونَ الْكَافِرِ عَلَى مَا قَالُوا، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُيُودِ الضَّابِطِ، وَقُلْنَا: كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ أَوْ قَارَنَ وَلَمْ نَقُلْ مَنْ صَارَ بِصِفَةٍ إلَخْ لِيَشْمَلَ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الصَّيْرُورَةَ لِلتَّحَوُّلِ، وَلَوْ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُفَادُ بِهِمَا فِيهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ عَلَيْهِمَا) وَقَالَ زُفَرُ فِي الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ: يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الْأَهْلِيَّةِ مُوجِبٌ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ كَذَلِكَ. وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْقَائِمُ عِنْدَ الْأَهْلِيَّةِ أَيَّ جُزْءٍ كَانَ، فَتَحَقَّقَ الْمُوجِبُ فِي حَقِّهِمَا، وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُصَادِفْهُ أَهْلًا. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ قَدْ يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ سَبَبًا لِلْمُؤَدَّيْ وَظَرْفًا لَهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ سَبَبًا وَمِعْيَارًا وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهِ مُقَدَّرًا بِهِ كَوَقْتِ الصَّوْمِ تَسَاهُلٌ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ السَّبَبَ تَمَامُ الْوَقْتِ فِيهِمَا وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ، ثُمَّ عَلَى مَا بَانَ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُرَادِ قَدْ يُقَالُ: يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ الْإِمْسَاكُ فِي نَفْسِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَزِمَ سَبْقُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّبَبِ لِلُزُومِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ، فَالْإِيجَابُ فِيهِ يَسْتَدْعِي سَبَبًا سَابِقًا، وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ لَزِمَ كَوْنُ مَا ذَكَرُوهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ عَقِيبَهُ انْتَقَلَتْ إلَى مَا يَلِي ابْتِدَاءَ الشُّرُوعِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ تَقَرَّرَتْ السَّبَبِيَّةُ فِيهِ، وَاعْتُبِرَ حَالُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَهُ تَكَلُّفًا مُسْتَغْنًى عَنْهُ إذْ لَا دَاعِيَ لِجَعْلِهِ مَا يَلِيهِ دُونَ مَا وَقَعَ فِيهِ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا) إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ، وَأَكْثَرُ

أَهْلِ التَّطَوُّعِ أَيْضًا، وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لَهُ. (وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ الْمِصْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَنَوَى الصَّوْمَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا صِحَّةَ الشُّرُوعِ (وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ) لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ ثُمَّ سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِقَامَةِ فَهَذَا أَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشَايِخِ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ كَانَ أَهْلًا فَتَتَوَقَّفُ إمْسَاكَاتُهُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ فِي وَقْتِهَا، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا أَصْلًا فَلَا تَتَوَقَّفُ فَيَقَعُ فِطْرًا فَلَا يَعُودُ صَوْمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الصَّبِيِّ يَبْلُغُ وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ، قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ نِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلتَّطَوُّعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ) أَيْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ نِيَّةُ الْإِفْطَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِنِيَّةٍ يُنْشِئُهَا. (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَخِّصَ السَّفَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ كَانَ الْخِطَابُ مُتَوَجِّهًا عَلَيْهِ بِتَعَيُّنِ الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِيهِ بِحُدُوثِ إنْشَائِهِ. وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِمَّا قَدَّمْنَاهُ «أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى إذَا كَانَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ وَهُوَ صَائِمٌ رَفَعَ إنَاءً فَشَرِبَ» اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُدْفَعَ بِتَجْوِيزِ كَوْنِ خُرُوجِهِ كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَفِيهِ بُعْدٌ، وَأَيْضًا قَوْلُهُمْ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُرَخِّصُ، فَالْخِطَابُ بِالصَّوْمِ عَيْنًا مَمْنُوعٌ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ بِتَعَيُّنِهِ إنْ لَمْ يُحْدِثْ سَفَرًا فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ فَيَجِبُ الشُّرُوعُ قَبْلَهُ، فَإِذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ زَالَ التَّعَيُّنُ لِأَنَّهُ كَانَ بِشَرْطِ عَدَمِهِ، وَهَذَا الْبَحْثُ مَذْهَبُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ حَكَاهُ بَعْضُ شَارِحِي كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَعَيُّنِ صَوْمِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ، فَإِذَا نَوَاهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ وَهُوَ السَّفَرُ قَائِمٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَبِهَا تَنْدَفِعُ الْكَفَّارَةُ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ كُرَاعِ الْغَمِيمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ فِطْرَهُ عِنْدَهُ لَيْسَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ لَا يَصِلُ إلَيْهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، بَلْ مَعْنَى قَوْلِ الرَّاوِي حَتَّى إذَا كَانَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ وَهُوَ

إلَّا أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ. (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِ الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ) لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا مِنْهُ (وَقَضَى مَا بَعْدَهُ) لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ (وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْهُ قَضَاهُ كُلَّهُ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) لِمَا قُلْنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْضِي مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ عِنْدَهُ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ الِاعْتِكَافِ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ، لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مَا لَيْسَ بِزَمَانٍ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ. بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ قَضَاهُ) لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا فَيَصِيرُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ. (وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَائِمٌ أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا حِينَ وَصَلَ إلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ صَوْمُ يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِهِ مُقِيمًا غَيْرَ أَنَّهُ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ أَفْطَرَ. وَتَبَيَّنَ بِهَذَا انْدِفَاعُ الْإِشْكَالِ عَنْ تَعَيُّنِ الصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْشَأَ فِيهِ السَّفَرَ وَتَقْرِيرُهُ عَلَى تَعَيُّنِ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي شَرَعَ فِي صَوْمِهِ عَنْ الْفَرْضِ وَهُوَ مُسَافِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بُلُوغُهُ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ أَشْكَلَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَعْدُ أَشْكَلَ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ بُلُوغَ الْجَهْدِ الْمُبِيحِ لِفِطْرِ الْمُقِيمِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَخَشِيَ الْهَلَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) هُمَا إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ بَعْدَ الصَّوْمِ وَإِذَا صَامَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقَوِيَّ وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا) أَيْ الْعَقْلَ وَلِهَذَا اُبْتُلِيَ بِهِ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَدْ أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْمُرَادُ فِيمَا يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ، وَاَلَّذِي يُعْطِيهِ الْوَجْهُ الْآتِي ذِكْرُهُ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ) رَتَّبَهُ بِالْفَاءِ عَلَى كَوْنِهِ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ بَلْ يُضْعِفُهُ نَتِيجَةً لَهُ. فَحَاصِلُهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُزِيلٍ لَمْ يَسْقُطْ فَيَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَزَالَهُ كَانَ مُسْقِطًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْجُنُونَ مُزِيلٌ لَهُ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُزِيلٌ لَهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلْزِمٌ لِلْحَرَجِ، فَكَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ لُزُومِ الْحَرَجِ فِي إلْزَامِ قَضَاءِ الشَّهْرِ بِالْإِغْمَاءِ فِيهِ كُلِّهِ بِخِلَافِ جُنُونِ الشَّهْرِ كُلِّهِ، فَإِنَّ تَرْتِيبَ قَضَاءِ الشَّهْرِ عَلَيْهِ مُوجِبٌ لِلْحَرَجِ، وَهَذَا لِأَنَّ امْتِدَادَ الْإِغْمَاءِ شَهْرًا مِنْ النَّوَادِرِ لَا يَكَادُ يُوجَدُ وَإِلَّا كَانَ رُبَّمَا يَمُوتُ، فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا حَرَجَ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ مِنْ النَّوَادِرِ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا غَالِبٌ فَتَرْتِيبُ الْقَضَاءِ مَعَهُ مُوجِبٌ لِلْحَرَجِ. وَقَدْ سَلَكَ الْمُصَنِّفُ مَسْلَكَ التَّحْقِيقِ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ إلْزَامِ الْقَضَاءِ بِجُنُونِ الشَّهْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ هُوَ الْحَرَجُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْإِغْمَاءُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً فَلَا حَرَجَ، فَأَفَادَ تَعْلِيلَ وُجُوبِ قَضَاءِ الشَّهْرِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهِ كُلِّهِ بِعَدَمِ الْحَرَجِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيلٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّ الْحَرَجَ مَانِعٌ، لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ انْتِفَاءَ

هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِغْمَاءِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ هُوَ الْحَرَجُ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً فَلَا حَرَجَ، وَالْجُنُونُ يَسْتَوْعِبُهُ فَيَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ (وَإِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي بَعْضِهِ قَضَى مَا مَضَى) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. هُمَا يَقُولَانِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْقَضَاءُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْمُسْتَوْعَبِ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَانِعِ الْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ لِنُدْرَةِ امْتِدَادِ الْإِغْمَاءِ شَهْرًا. وَبَسْطُ مَبْنَى هَذَا أَنَّ الْوُجُوبَ الَّذِي يَثْبُتُ جَبْرًا بِالسَّبَبِ أَعْنِي أَصْلَ الْوُجُوبِ لَا يَسْقُطُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ لِعَدَمِهِ أَوْ ضَعْفِهِ، بَلْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ مُجَرَّدَ إيصَالِ الْمَالِ لِجِهَةٍ كَالنَّفَقَةِ وَالدَّيْنِ ثَبَتَ الْوُجُوبُ مَعَ هَذَا الْعَجْزِ، لِأَنَّ هَذَا الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ فَيُطَالِبُ بِهِ وَلِيَّهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا نَفْسُ الْفِعْلِ لِيَظْهَرَ مَقْصُودُ الِابْتِلَاءِ مِنْ اخْتِيَارِ الطَّاعَةِ أَوْ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِ هَذَا الْعَجْزِ الْكَائِنِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ مِمَّا يَلْزَمُهُ الِامْتِدَادُ أَوْ لَا يَمْتَدُّ عَادَةً أَوْ قَدْ وَقَدْ. فَفِي الْأَوَّلِ لَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ كَالصِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَتَهُ، وَهِيَ إمَّا فِي الْأَدَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ فِي حَالَةِ الصِّبَا أَوْ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَرَجِ الْبَيِّنِ فَانْتَفَى، وَفِي الثَّانِي لَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ مَعَهُ، بَلْ يَثْبُتُ شَرْعًا لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْخُلْفِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَيَصِلَ بِذَلِكَ إلَى مَصْلَحَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ رَحْمَةً عَلَيْهِ كَالنَّوْمِ، فَلَوْ نَامَ تَمَامَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا شَرْعًا، فَعِلْمنَا أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ هَذَا الْعَارِضَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا عَدَمًا إذْ لَا حَرَجَ فِي ثُبُوتِ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي الْخُلْفِ، ثُمَّ لَوْ نَامَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَغَيُّرَ الِاعْتِبَارِ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ شَرْعًا، أَعْنِي اعْتِبَارَهُ عَدَمًا إذْ لَا حَرَجَ فِي النَّوَادِرِ، وَفِي الثَّالِثِ أَدَرْنَا ثُبُوتَ الْوُجُوبِ وَعَدَمَهُ عَلَى ثُبُوتِ الْحَرَجِ إلْحَاقًا لَهُ إذَا ثَبَتَ بِمَا يَلْزَمُهُ الِامْتِدَادُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِمَا لَمْ يَمْتَدَّ عَادَةً فَقُلْنَا فِي الْإِغْمَاءِ يَلْحَقُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ بِمَا لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ النَّوْمُ، فَلَا

وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ، وَفِي الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْرُجُ فِي أَدَائِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعَبِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ فِي الْأَدَاءِ فَلَا فَائِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْقُطُ مَعَهُ الْوُجُوبُ، إذَا امْتَدَّ تَمَامَ الشَّهْرِ بَلْ يَثْبُتُ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ إذْ لَا حَرَجَ فِي النَّادِرِ لِأَنَّ النَّادِرَ إنَّمَا يُفْرَضُ فَرْضًا، وَرُبَّمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ قَطُّ وَامْتِدَادُ الْإِغْمَاءِ شَهْرًا كَذَاكَ. وَفِي حَقِّ الصَّلَاةِ بِمَا يَمْتَدُّ إذَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِثُبُوتِ الْحَرَجِ بِثُبُوتِ الْكَثْرَةِ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ فَلَا يَقْضِي شَيْئًا وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ النَّوْمُ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْحَرَجِ، وَقُلْنَا فِي الْجُنُونِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ فِيهِمَا، وَفِي حَقِّ الصَّوْمِ إنْ اسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ أُلْحِقَ بِمَا يَلْزَمُهُ الِامْتِدَادُ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْجُنُونِ شَهْرًا كَثِيرٌ غَيْرُ نَادِرٍ. فَلَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ مَعَ اسْتِيعَابِهِ لَزِمَ الْحَرَجُ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ بِمَا لَا يَمْتَدُّ لِأَنَّ صَوْمَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي سَنَةٍ لَا يُوقِعُ فِي الْحَرَجِ. وَأَيْضًا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ الْجُنُونُ فِي الْغَالِبِ يَسْتَمِرُّ شَهْرًا وَأَكْثَرَ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُوجِبُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَبَيْنَ أَنْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَإِنْ اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا هُوَ فِي الْكِتَابِ، وَقَدَّمْنَا فِي الزَّكَاةِ الْخِلَافَ فِي نَقْلِ هَذَا الْخِلَافِ فَجُعِلَ هَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ عَدَمَ التَّفْصِيلِ. وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَيَّدَ التَّفْصِيلَ بِثُبُوتِ التَّفْصِيلِ شَرْعًا فِي الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ وَالْحَيْضِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِيَّةِ امْتِدَادِ الطُّهْرِ وَعَارِضِيَّتِهِ، فَإِنَّ الطُّهْرَ إذَا امْتَدَّ امْتِدَادًا أَصْلِيًّا بِأَنْ بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَوْ بَلَغَتْ بِالْحَيْضِ ثُمَّ امْتَدَّ طُهْرُهَا اعْتَدَّتْ بِالْحَيْضِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ إلَى أَنْ تَدْخُلَ سِنَّ الْإِيَاسِ، فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ عَدَمَ لُزُومِهِ فَإِنَّ الْمَدَارَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لُزُومُ الْحَرَجِ وَعَدَمُهُ وَفِي الْعِدَّةِ الْمُتَّبَعُ النَّصُّ وَهُوَ يُوجِبُ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَفِي الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ قَوْلُك الْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ وَمَرْجِعُ الذِّمَّةِ إلَى الْآدَمِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ أَصْلِ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّبِيِّ فَقَالَ: هُوَ دَائِرٌ مَعَ الذِّمَّةِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ يَتْلُو الْفَائِدَةَ، وَلَا فَائِدَةَ فِي تَحَقُّقِهِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْقَضَاءِ لِتَحْصُلَ مَصْلَحَةُ الْفَرْضِ رَحْمَةً وَمِنَّةً، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فَائِدَةً إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ إيجَابَ الْقَضَاءِ حَرَجًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فَتَحَ بَابَ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، أَمَّا إذَا اسْتَلْزَمَهُ فَهُوَ مَعْدُومُ الْفَائِدَةِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِطَرِيقِ التَّفْوِيتِ وَهُوَ الْحَرَجُ. وَذَلِكَ بَابُ الْعَذَابِ لَا الْفَائِدَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْأَفْرَادُ مِنْ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْفَوَائِدَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي تَسْتَتْبِعُهَا التَّكَالِيفُ إنَّمَا تُرَاعَى فِي حَقِّ الْعُمُومِ رَحْمَةً وَفَضْلًا لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى آحَادٍ مِنْ النَّاسِ، بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ مَعَ

وَتَمَامُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ، قِيلَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا الْتَحَقَ بِالصَّبِيِّ فَانْعَدَمَ الْخِطَابُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ، وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَا صَوْمًا وَلَا فِطْرًا فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُنُونِ لِأَنَّهُ يَسْتَتْبِعُ الْفَائِدَةَ أَوْ نَقُولُ: لَا فَائِدَةَ لِأَنَّهَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ، فَلَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ لَمْ يَكُنْ لِفَائِدَةٍ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ) إذَا حَقَّقْت مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا تَحَقَّقْت تَمَامَهُ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ) قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ، لِأَنَّ دَلَالَةَ حَالِ الْمُسْلِمِ كَافِيَةٌ فِي وُجُودِ النِّيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ يَكُونُ صَائِمًا يَوْمَهَا، وَإِنَّمَا يَقْضِي مَا بَعْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُ النِّيَّةِ مِنْهُ فِيهَا، فَلِذَا أُوِّلَ بِأَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ، وَمَنْ حَقَّقَ تَرْكِيبَ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَا صَوْمًا وَلَا فِطْرًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، جُزِمَ بِأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَيُبْنَى الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فَيُفْتَى بِلُزُومِ صَوْمِهِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيْضًا لِأَنَّ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قِيَامِ النِّيَّةِ، أَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّمَا عَلَّقَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِنَفْسِ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالَتِهِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَمَنْ شَكَّ أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَوْ لَا أَمْكَنَ أَنْ يُجَابَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْبِنَاءِ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ كَمَا ذَكَرْنَا

وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَأَدَّى صَوْمُ رَمَضَانَ بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُؤَدِّيهِ يَقَعُ عَنْهُ، كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابَ مِنْ الْفَقِيرِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ وَلَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ وُجِدَ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ (وَمَنْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْإِفْسَادِ وَهَذَا امْتِنَاعٌ إذْ لَا صَوْمَ إلَّا بِالنِّيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ) قَيَّدَ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ فِي حَقِّهِمَا. (قَوْلُهُ كَمَا إذَا وَهَبَ النِّصَابَ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَهُوَ إلْزَامِيٌّ مِنْ زُفَرَ، فَإِنَّ إعْطَاءَ النِّصَابِ فَقِيرًا وَاحِدًا عِنْدَهُ لَا يَقَعُ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ أَيْضًا فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْأَكْلِ فِيهِ عِنْدَ زُفَرَ تَجِبُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَهُمَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَتَجِبَ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْإِفْسَادِ وَهَذَا امْتِنَاعٌ) عَنْهُ لَا إفْسَادَ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الشُّرُوعِ إلَّا أَنَّ

(وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ نَفِسَتْ أَفْطَرَتْ وَقَضَتْ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا تُحْرَجُ فِي قَضَائِهَا وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّلَاةِ (وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ. هُوَ يَقُولُ: التَّشْبِيهُ خَلَفٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَتَحَقَّقُ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ كَالْمُفْطِرِ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا. وَلَنَا أَنَّهُ وَجَبَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ لَا خَلَفًا لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَبِي يُوسُفَ أَنْ يَقُولَ: الثَّابِتُ فِي الشَّرْعِ تَرْتِيبُهَا عَلَى الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ إذْ اسْمُ الْفِطْرِ لَا يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الصَّوْمِ، يُقَالُ: أَفْطَرْت الْيَوْمَ وَكَانَ مِنْ عَادَتِي صَوْمُهُ. إذَا أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ ثُمَّ أَكَلَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْإِمْسَاكَاتِ الْكَائِنَةَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ النَّهَارِ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْفِطْرِ، كَمَا أَنَّ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الصَّوْمِ فَيَتَحَقَّقَ الْفِطْرُ بِالْأَكْلِ إذَا وَرَدَ عَلَيْهَا، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا إذَا أَكَلَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ. وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ الْمَلْحُوظَ لِكُلٍّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاقِعَةُ الْأَعْرَابِيِّ الْمَرْوِيَّةُ فِي الْكَفَّارَةِ لَمَّا كَانَتْ فِي فِطْرٍ بِمَا هِيَ مُشْتَهًى حَالَ قِيَامِ الصَّوْمِ هَلْ يُفْهَمُ ثُبُوتُهَا فِي فِطْرٍ كَذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ، فَفَهِمَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفَهِمَ أَبُو حَنِيفَةَ عَدَمَهُ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ جِنَايَةَ الْإِفْطَارِ حَالَ قِيَامِ الصَّوْمِ أَقْبَحُ مِنْهَا حَالَ عَدَمِهِ، فَإِلْزَامُ الْكَفَّارَةِ فِي صُورَةِ الْجِنَايَةِ الَّتِي هِيَ أَغْلَظُ لَا يُوجِبُ فَهْمَ ثُبُوتِهَا فِيمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ خُصُوصًا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ إلْغَاءِ كُلِّ مَا زَادَ عَلَى كَوْنِهِ فِطْرًا جِنَايَةً فِي صُورَةِ الْوَاقِعَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْكَفَّارَةِ مَعَ قِيَامِ الْفِطْرِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ فِي ابْتِلَاعِ الْحَصَى وَنَحْوِهِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَصْبَحَ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ ثُمَّ نَوَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ جَامَعَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَرَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ. وَجْهُ النَّفْيِ شُبْهَةُ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، وَفِي الْمُنْتَقَى فِيمَنْ أَصْبَحَ يَنْوِي الْفِطْرَ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الصَّوْمِ ثُمَّ أَكَلَ عَمْدًا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَالْكَلَامُ فِيهِمَا وَاحِدٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرٌ الْخِلَافِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُخْطِئِ مَنْ فَسَدَ صَوْمُهُ بِفِعْلِهِ الْمَقْصُودِ دُونَ قَصْدِ الْإِفْسَادِ كَمَنْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ الْفَجْرِ أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ الْفَجْرُ وَرَمَضَانُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ) وَتَعْظِيمُهُ بِعَدَمِ الْأَكْلِ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرَخِّصُ قَائِمًا وَأَصْلُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ

بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَالَ قِيَامِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ عَنْ التَّشْبِيهِ حَسَبَ تَحَقُّقِهِ عَنْ الصَّوْمِ. قَالَ (وَإِذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ، أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَغْرُبْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ أَوْ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ (وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ، كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَرِيبًا فَثَبَتَ بِهِ وُجُوبُ التَّشَبُّهِ أَصْلًا ابْتِدَاءً لَا خَلَفًا عَنْ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ وَهُوَ يُرَى) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الرَّأْيِ بِمَعْنَى الظَّنِّ لَا الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلَّ شَيْءٍ أَيْ عَلِمْته، وَلَوْ صِيغَ مِنْهُ لِلْفَاعِلِ مُرَادًا بِهِ الظَّنَّ لَمْ يَمْتَنِعْ فِي الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ بِمَعْنَاهُ إلَّا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. قَالَ: وَكُنْت أَرَى زَيْدًا كَمَا قِيلَ سَيِّدًا ... إذَا أَنَّهُ عَبْدُ الْقَفَا وَاللَّهَازِمِ فَأُرِيتُ بِمَعْنَى أُظْنِنْت: أَيْ دُفِعَ إلَيَّ الظَّنُّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ) لَيْسَ هُنَا جِنَايَةٌ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَقَدْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ عَدَمَ تَثَبُّتِهِ إلَى أَنْ يَسْتَيْقِنَ جِنَايَةٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ جِنَايَةُ عَدَمِ التَّثَبُّتِ لَا جِنَايَةُ الْإِفْطَارِ كَمَا قَالُوا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ فِيهِ إثْمَ تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ حَالَ الرَّمْيِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِنَايَاتِ: شَرْعُ الْكَفَّارَةِ يُؤْذِنُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُدْفَعَ بِأَنْ تَرَكَ التَّثَبُّتَ إلَى الِاسْتِيقَانِ فِي الْقَتْلِ لَيْسَ كَتَرْكِهِ إلَى الِاسْتِيقَانِ فِي الْفِطْرِ، وَأَيْضًا: الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْقَوْلِ بِثُبُوتِهِ فِي الْقَتْلِ بِتَرْكِ التَّثَبُّتِ إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ شَرْعُ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ مَفْقُودٌ هُنَا إذْ لَا كَفَّارَةَ، وَلَوْلَا هُوَ لَمْ نَجْسُرْ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ هُنَاكَ. وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: أَفْطَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابُهُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ، قَالَ: فَطَلَعَتْ فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَعَرَّضْنَا لِجَنَفٍ نُتِمُّ هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ أَقْرَبُهَا إلَى لَفْظِ الْكِتَابِ مَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَمَضَانَ وَقُرِّبَ إلَيْهِ شَرَابٌ فَشَرِبَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَهُمْ يَرَوْنَ الشَّمْسَ قَدْ

وَفِيهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الصَّلَاةِ (ثُمَّ التَّسَحُّرُ مُسْتَحَبٌّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَالسِّوَاكُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQغَرَبَتْ، ثُمَّ ارْتَقَى الْمُؤَذِّنُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللَّهِ إنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ لَمْ تَغْرُبْ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ فَلْيُتِمَّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وَأَعَادَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَزَادَ فَقَالَ لَهُ: بَعَثْنَاك دَاعِيًا وَلَمْ نَبْعَثْك رَاعِيًا، وَقَدْ اجْتَهَدْنَا، وَقَضَاءُ يَوْمٍ يَسِيرٌ. وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ خِطَابَهُ لَهُ مِنْ أَعْلَى الْمِئْذَنَةِ رَافِعًا صَوْتَهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ، بَلْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَنْزِلَ فَيُخْبِرَهُ مُتَأَدِّبًا. وَحَدِيثُ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَبِأَكْلِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» . أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَرْقُ مَا بَيْنَ صَوْمِنَا وَصَوْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ

(إلَّا أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ) وَمَعْنَاهُ تَسَاوِي الظَّنَّيْنِ (الْأَفْضَلُ أَنْ يَدَعَ الْأَكْلَ) تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَبِينُ الْفَجْرَ، أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً. أَوْ كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ وَهُوَ يَشُكُّ لَا يَأْكُلُ، وَلَوْ أَكَلَ فَقَدْ أَسَاءَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ. وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْعَمْدِيَّةُ (وَلَوْ شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرَيْنِ، وَالسَّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السُّحُورِ بَرَكَةٌ بِنَاءٌ عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ، كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ. وَحَدِيثُ «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ» عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَاَلَّذِي فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْعَبَّادَانِيِّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ مُورِقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ» . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا، وَذَكَرَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَادِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِمَّا فِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كُنْت أَتَسَحَّرُ ثُمَّ يَكُونُ لِي سُرْعَةٌ أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرَ خَمْسِينَ آيَةً» . (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا شَكَّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ التَّسَحُّرُ مُسْتَحَبٌّ، وَأَخْذُ الظَّنِّ فِي تَفْسِيرِ الشَّكِّ بِنَاءٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الظَّنِّ فِي الْإِدْرَاكِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ فَصَوْمُهُ تَامٌّ) أَيْ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَيَقْضِي حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) يُفِيدُ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ اسْتِحْبَابَ التَّرْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يُتْرَكْ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ مَفْضُولًا، وَفِعْلُ الْمَفْضُولِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِسَاءَةَ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ «فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالْكَذِبَ رِيبَةٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَتَقُولُ: الْمَرْوِيُّ لَفْظُ الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ فَيَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الْإِثْمُ لَا الْإِسَاءَةُ، وَإِنْ صُرِفَ عَنْهُ بِصَارِفٍ كَانَ نَدْبًا وَلَا إسَاءَةَ بِتَرْكِ الْمَنْدُوبِ، بَلْ إنَّ فَعَلَهُ نَالَ ثَوَابَهُ وَإِلَّا لَمْ يَنَلْ شَيْئًا فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ كَوْنِهِ دَلِيلَ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَلَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَى هَذِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ إسَاءَةً مَعَهَا إثْمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ) وَلَا كَفَّارَةَ. (قَوْلُهُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ) وَاللَّيْلُ أَصْلٌ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ هُوَ أَنَّ الْمُتَيَقَّنَ

لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ (وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ النَّهَارَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَوْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ النَّهَارُ. (وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ إلَى الْقِيَاسِ فَتَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ، وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعَلِمَهُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا هُوَ دُخُولُ اللَّيْلِ فِي الْوُجُودِ لَا امْتِدَادُهُ إلَى وَقْتِ تَحَقُّقِ ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِاسْتِحَالَةِ تَعَارُضِ الْيَقِينِ مَعَ الظَّنِّ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَعْنَى الْيَقِينِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، فَضْلًا أَنْ يَثْبُتَ ظَنُّ النَّقِيضِ، فَإِذَا فُرِضَ تَحَقُّقُ ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي وَقْتٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مَحَلَّ تَعَارُضِ الظَّنِّ بِهِ، وَالْيَقِينِ بِبَقَاءِ اللَّيْلِ، بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَحَلُّ تَعَارُضِ دَلِيلَيْنِ ظَنِّيَّيْنِ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ، وَهُمَا الِاسْتِصْحَابُ وَالْأَمَارَةُ الَّتِي بِحَيْثُ تُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِهِ لَا تُعَارِضُ ظَنَّيْنِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا إذْ ذَاكَ لَا يُمْكِنُ، لِأَنَّ الظَّنَّ هُوَ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ مِنْ الِاعْتِقَادِ فَإِذَا فُرِضَ تَعَلُّقُهُ بِأَنَّ الشَّيْءَ كَذَا اسْتَحَالَ تَعَلُّقُ آخَرَ بِأَنَّهُ لَا كَذَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا طَرَفٌ وَاحِدٌ رَاجِحٌ، فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالثَّابِتُ تَعَارُضُ ظَنَّيْنِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ فَيَتَهَاتَرَانِ، لِأَنَّ مُوجِبَ تَعَارُضِهِمَا الشَّكُّ لَا ظَنٌّ وَاحِدٌ فَضْلًا عَنْ ظَنَّيْنِ، وَإِذَا تَهَاتَرَا عُمِلَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ اللَّيْلُ فَحَقِّقْ هَذَا وَأَجْرِهِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِمْ: فِي شَكِّ الْحَدَثِ بَعْدَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ الْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ، وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لُزُومُهَا لِأَنَّ الثَّابِتَ حَالَ غَلَبَةِ ظَنِّ الْغُرُوبِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ لَا حَقِيقَتُهَا، فَفِي حَالِ الشَّكِّ دُونَ ذَلِكَ وَهُوَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ لَا تُسْقِطُ الْعُقُوبَاتِ، هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ، فَإِنْ ظَهَرَ أَكْلٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ شَاكًّا إلَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً) أَيْ إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَكْبَرُ رَأْيِهِ. وَأَوْرَدَ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّهَا غَرَبَتْ وَاثْنَانِ بِأَنْ لَا فَأَفْطَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَ الْغُرُوبِ لَا كَفَّارَةَ مَعَ أَنَّ تَعَارُضَهُمَا يُوجِبُ الشَّكَّ. أُجِيبُ بِمَنْعِ الشَّكِّ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِعَدَمِهِ عَلَى النَّفْيِ فَبَقِيَتْ الشَّهَادَةُ بِالْغُرُوبِ بِلَا مُعَارِضٍ فَتُوجِبُ ظَنَّهُ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا) أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ أَوْ جَامَعَ عَامِدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَصْبَحَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ) يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ لَا تَجِبُ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ تَجِبُ وَكَذَا عَنْهُمَا، وَمَرْجِعُ وَجْهَيْهِمَا إلَى أَنَّ انْتِفَاءَ الشُّبْهَةِ لَازِمُ انْتِفَاءَ الِاشْتِبَاهِ أَوْ لَا، فَقَوْلُهُمَا بِنَاءٌ عَلَى ثُبُوتِ اللُّزُومِ وَالْمُخْتَارُ بِنَاءٌ عَلَى ثُبُوتِ الِانْفِكَاكِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِثُبُوتِ دَلِيلِ الْفِطْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ الْقَوِيُّ وَهُوَ ثَابِتٌ لَمْ يَنْتَفِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِالْفِطْرِ، وَصُرِفَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» إلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ. وَقَالَ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَجِبُ، وَكَذَا عَنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ فَلَا شُبْهَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ قِيَامُ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيَاسِ فَلَا يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ. (وَلَوْ احْتَجَمَ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الظَّنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو حَنِيفَةَ: لَوْلَا النَّصُّ لَقُلْت يُفْطِرُ. وَصَارَ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ وَإِنْ عَلِمَ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى قِيَامِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِثُبُوتِ هَذَا الدَّلِيلِ، وَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ الرَّاجِحُ عَلَى تَبَايُنِ الْمِلْكَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) يَعْنِي: فِيمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْفِطْرِ مِمَّا خَرَجَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَإِنَّهُ كَالْأَوَّلِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الْقَيْءَ يُوجِبُ غَالِبًا عَوْدَ شَيْءٍ إلَى الْحَلْقِ لِتَرَدُّدِهِ فِيهِ فَيَسْتَنِدُ ظَنُّ الْفِطْرِ إلَى دَلِيلٍ، أَمَّا الْحِجَامَةُ فَلَا تَطَرُّقَ فِيهَا إلَى الدُّخُولِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَيَكُونُ تَعَمُّدُ أَكْلِهِ بَعْدَهُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِالْفَسَادِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَأَكَلَ بَعْدَهُ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ. (وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَاعْتَمَدَهُ) عَلَى ظَاهِرِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِهِ وَهُوَ عَامِّيٌّ (فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي يُورِثُ الشُّبْهَةَ الْمُسْقِطَةَ، فَقَوْلُ

إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ الْفَتْوَى دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فِي حَقِّهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَاعْتَمَدَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَنْزِلُ عَنْ قَوْلِ الْمُفْتِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافُ ذَلِكَ، لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْلَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُسْقِطُهَا (لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ) فَإِذَا اعْتَمَدَهُ كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ لَا يَقُومُ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لَهَا (وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ) ثُمَّ أَكَلَ (تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ) إنَّهُ يُفْطِرُ (لَا يُورِثُ شُبْهَةً لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ) مَعَ فَرْضِ عِلْمِ الْآكِلِ كَوْنَ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، ثُمَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ نُبْذَةٍ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ، وَنُقِلَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ «شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ مَرَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ الْفَتْحِ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ بِالْبَقِيعِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَصَحَّحُوهُ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، حَدِيثَيْ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ، وَعَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَحَدِيثُ شَدَّادَ صَحِيحَانِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَصَحَّحَهُ. قَالَ: وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذَا. وَبَلَغَ أَحْمَدَ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ ضَعَّفَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا مُجَازَفَةٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: ثَابِتٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: مُتَوَاتِرٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ، وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَالسُّنَنِ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِيِّ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ادِّعَاءُ النَّسْخِ، وَذَكَرُوا فِيهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ

(وَلَوْ أَكَلَ بَعْدَمَا اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «أَوَّلُ مَا كَرِهْتُ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، وَمَا رَوَى النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْت حُمَيْدًا الطَّوِيلَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَرَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقَ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ. وَسَنَدُ الطَّبَرَانِيِّ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُد الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا لَا يَقْدَحُ فِي الرَّفْعِ بَعْدَ ثِقَةِ رِجَالِهِ. وَالْحَقُّ فِي تَعَارُضِ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ تَقَدُّمُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، ثُمَّ دَلَّ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَرْوِيَّ بَعْدَ النَّهْيِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَكْرِيرُ النَّسْخِ إذْ كَانَ الْحَاصِلُ الْآنَ بِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْإِطْلَاقَ، وَعَدَمُهُ أَوْلَى فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَلَفْظُ رَخَّصَ أَيْضًا ظَاهِرٌ فِي تَقَدُّمِ الْمَنْعِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: النَّاسِخُ أَدْنَى حَالِهِ أَنْ يَكُونَ فِي قُوَّةِ الْمَنْسُوخِ وَلَيْسَ هُنَا هَذَا، أَمَّا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهُ يُحْتَجُّ بِهِ، لَكِنْ أَعَلَّهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ بِأَنَّهُ لَمْ يُورِدْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَالصَّحِيحِ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ فِي كِتَابٍ مِنْ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ كَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهَا مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِهِ رِوَايَةٌ لَذَكَرَهَا فِي مُصَنَّفِهِ، فَكَانَ حَدِيثًا مُنْكَرًا، لَكِنْ مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ الْمَرْوَزِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ بَعْدَمَا قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ بَعْدَمَا قَالَ إلَخْ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا قَالَ» الْحَدِيثَ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَطَلْحَةُ هَذَا احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ظَاهِرِ حَدِيثِ النَّسَائِيّ يَدْفَعُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَلَا نُسَلِّمُ تَوَاتُرَ الْمَنْسُوخِ وَكَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " وَهُوَ صَحِيحٌ، فَإِنْ أُعِلَّا بِإِنْكَارِ أَحْمَدَ أَنْ يَكُونَ سِوَى احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ صَائِمٌ. قَالَ مُهَنَّأٌ: قُلْت لَهُ مَنْ ذَكَرَهُ؟ قَالَ: سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «احْتَجَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ مُحْرِمٌ»

لِأَنَّ الْفِطْرَ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْكُرُونَ صَائِمًا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ إذْ قَدْ رَوَاهُ عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةُ وَمِقْسَمٌ، وَيَجُوزُ كَوْنُ مَا وَقَعَ فِي تِلْكَ الطُّرُقِ عَنْ أُولَئِكَ اقْتِصَارًا مِنْهُمْ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ ذِكْرِ صَائِمٍ، أَوْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ حَدَّثَ بِهِ لِكَوْنِ غَرَضِهِ إذْ ذَاكَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ فَقَطْ نَفْيًا لِتَوَهُّمِ كَوْنِ الْحِجَامَةِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَرَى بِالْحِجَامَةِ بَأْسًا عَلَى مَا سَنَذْكُرُ. وَقَوْلُ شُعْبَةَ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ حَدِيثَ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ يَمْنَعُهُ الْمُثْبِتُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ وَهِيَ الَّتِي أَخْرَجَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَضْعَفُ سَنَدًا وَأَظْهَرُ تَأْوِيلًا، إمَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ جَوَابُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَنَّ الْحِجَامَةَ كَانَتْ مَعَ الْغُرُوبِ كَمَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إنَّهُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَبَا طِيبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إفْطَارِ الصَّائِمِ فَحَجَمَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ: كَمْ خَرَاجُكَ؟ قَالَ: صَاعَانِ فَوَضَعَ عَنْهُ صَاعًا» اهـ. فَلَمْ يَنْهَضْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ نَاسِخًا لِقُوَّةِ ذَلِكَ. الثَّانِي: التَّأْوِيلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَهَابُ ثَوَابِ الصَّوْمِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ ذَكَرَهُ الْبَزَّارُ، فَإِنَّهُ بَعْدَمَا رَوَى حَدِيثَ ثَوْبَانَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» أَسْنَدَ إلَى ثَوْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» لِأَنَّهُمَا كَانَا اغْتَابَا وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنُ مُوسَى بَصْرِيٌّ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجُمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ لَكِنْ أُعِلَّ بِالِاضْطِرَابِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا إنَّمَا مَنَعَ إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ خَشْيَةَ الضَّعْفِ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ وَإِعْمَالُ كُلٍّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ احْتِجَامِهِ وَتَرْخِيصِهِ وَمَنْعِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ يَبْعُدُ عَدَمُ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُلَازَمَتِهِمْ إيَّاهُ، وَحِفْظِ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ خَلَّادٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَأَمَّا أَنَا فَلَوْ احْتَجَمْت مَا بَالَيْت ". وَمَا أُخْرِجَ أَيْضًا عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِالْحِجَامَةِ بَأْسًا " وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا " أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ " وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَحَدُ الِاعْتِبَارَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ النَّسْخِ فِي الْوَاقِعِ أَوْ التَّأْوِيلِ. (قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ) بِذَهَابِ الثَّوَابِ

(وَإِذَا جُومِعَتْ النَّائِمَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ وَهِيَ صَائِمَةٌ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالنَّاسِي، وَالْعُذْرُ هُنَا أَبْلَغُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ. وَلَنَا أَنَّ النِّسْيَانَ يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَهَذَا نَادِرٌ، وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَصِيرُ كَمَنْ لَمْ يَصُمْ، وَحِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ خِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ فِي هَذَا فَإِنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَمَا مَضَى السَّلَفُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا، وَيُرِيدُ بِالْحَدِيثِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ وَزَادَ «إذَا اغْتَابَ الرَّجُلُ فَقَدْ أَفْطَرَ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَكَانَا صَائِمَيْنِ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ قَالَ: أَعِيدَا وُضُوءَكُمَا وَصَلَاتَكُمَا وَامْضِيَا فِي صَوْمِكُمَا وَاقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ. قَالَا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: اغْتَبْتُمَا فُلَانًا» وَفِيهِ أَحَادِيثُ أُخَرُ، وَالْكُلُّ مَدْخُولٌ. وَلَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا، فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْطَأَ الْفَقِيهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْفَتْوَى وَالْحَدِيثِ يَصِيرُ شُبْهَةً، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِيهِ: لَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا لِمَا قُلْنَا، يَعْنِي: مَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ اغْتَابَ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِفَتْوَى الْفَقِيهِ وَلَا بِتَأْوِيلِهِ الْحَدِيثَ هُنَا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشْتَبِهُ عَلَى مَنْ لَهُ سِمَةٌ مِنْ الْفِقْهِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَرْوِيِّ «الْغَيْبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» حَقِيقَةَ الْإِفْطَارِ، فَلَمْ يَصِرْ ذَلِكَ شُبْهَةً (قَوْلُهُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ) قِيلَ: كَانَتْ فِي الْأَصْلِ الْمَجْبُورَةُ فَصَحَّفَهَا الْكُتَّابُ إلَى الْمَجْنُونَةِ، وَعَنْ الْجُوزَجَانِيِّ قُلْت لِمُحَمَّدٍ: كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ مَجْنُونَةٌ؟ فَقَالَ لِي: دَعْ هَذَا فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ. وَعَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْمَجْنُونَةُ فَقَالَ: لَا بَلْ الْمَجْبُورَةُ أَيْ الْمُكْرَهَةُ، قُلْت: أَلَا نَجْعَلُهَا مَجْبُورَةً؟ فَقَالَ بَلَى، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ وَقَدْ سَارَتْ بِهَا الرِّكَابُ؟ دَعُوهَا، فَهَذَانِ يُؤَيِّدَانِ كَوْنَهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ الْمَجْبُورَةِ فَصُحِّفَ، ثُمَّ لَمَّا انْتَشَرَ فِي الْبِلَادِ لَمْ يُفِدْ التَّغْيِيرُ وَالْإِصْلَاحُ فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَرَكَهَا لِإِمْكَانِ تَوْجِيهِهَا أَيْضًا، وَهُوَ بِأَنْ تَكُونَ عَاقِلَةٌ نَوَتْ الصَّوْمَ فَشَرَعَتْ ثُمَّ جُنَّتْ فِي بَاقِي النَّهَارِ، فَإِنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ؛ أَعْنِي النِّيَّةَ، وَقَدْ وُجِدَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ، فَلَا يَجِبُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا أَفَاقَتْ كَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ وَقَضَى مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِيمَا بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْيَوْمِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا جُومِعَتْ هَذِهِ الَّتِي جُنَّتْ صَائِمَةً تَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ لِطُرُوِّ الْمُفْسِدِ عَلَى صَوْمٍ صَحِيحٍ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ بَابِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي مَا يُغْنِي عَنْ الْإِعَادَةِ هُنَا.

[فصل فيما يوجبه على نفسه]

فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى) فَهَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. هُمَا يَقُولَانِ: إنَّهُ نَذْرٌ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَلَنَا أَنَّهُ نَذَرَ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَصِحُّ نَذْرُهُ لَكِنَّهُ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ، وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ] وَجْهُ تَقْدِيمِ بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ إيجَابِ الْعَبْدِ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ فَهَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ) رَتَّبَهُ بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ قَوْلِهِ: قَضَى: أَيْ لَمَّا لَزِمَ الْقَضَاءُ كَانَ النَّذْرُ صَحِيحًا (قَوْلُهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي النُّسْخَةِ الْأُخْرَى مُشَارٌ بِهِ إلَى مَعْهُودٍ فِي الذِّهْنِ بِنَاءً عَلَى شُهْرَةِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيِّ عَنْ صِيَامِهَا، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ، وَيُنَاسِبُ النُّسْخَةَ الْأُولَى الِاسْتِدْلَال بِمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْخُدْرِيِّ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْأَضْحَى وَصِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ» . وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ «لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ يَوْمُ الْأَضْحَى وَيَوْمُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» وَيُنَاسِبُ النُّسْخَةَ الْأُخْرَى الِاسْتِدْلَال بِمَا

(وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) يَعْنِي. إذَا أَفْطَرَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ: إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرَ، أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا يَكُونُ نَذْرًا لِأَنَّهُ نَذَرَ بِصِيغَتِهِ. كَيْفَ وَقَدْ قَرَّرَهُ بِعَزِيمَتِهِ؟ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا يَكُونُ يَمِينًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ، وَإِنْ نَوَاهُمَا يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ نَذْرًا، وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَكُونُ يَمِينًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ، وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا، ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ، وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ» إلَخْ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الصَّوَارِفِ لَيْسَ مُوجِبُهُ بَعْدَ طَلَبِ التَّرْكِ سِوَى كَوْنِ مُبَاشَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعْصِيَةً سَبَبًا لِلْعِقَابِ لَا الْفَسَادِ، أَمَّا لُغَةً فَظَاهِرٌ لِظُهُورِ حُدُوثِ مَعْنَى الْفَسَادِ، وَأَمَّا شَرْعًا: فَكَذَلِكَ بَلْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ فِي الْعِبَادَاتِ وَلَا الْمُعَامَلَاتِ لِتَحَقُّقِ مُوجِبِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا: أَعْنِي الْمَنْعَ الْمُنْتَهِضَ سَبَبًا لِلْعِقَابِ مَعَ الصِّحَّةِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، وَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَمَعَ الْعَبَثِ الَّذِي لَا يَصِلُ إلَى إفْسَادِ الصَّلَاةِ، وَكَثِيرٍ. فَعُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْفَسَادِ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَاهُ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ لِأَمْرٍ آخَرَ هُوَ كَوْنُهُ لِأَمْرٍ فِي ذَاتِهِ، فَمَا لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ كَانَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ نَفْسِ الْفِعْلِ مُتَّصِلٍ بِهِ لَا يُوجِبُ فِيهِ الْفَسَادَ، وَإِلَّا لَكَانَ إيجَابًا بِغَيْرِ مُوجِبٍ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ مُوجِبِهِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ أَوْ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بِحَسَبِ حَالِهِ مِنْ الظَّنِّيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ أَثْبَتْنَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ تَمَامَ مُوجِبِ النَّهْيِ حَتَّى قُلْنَا إنَّهُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْفَسَادُ لَوْ فَعَلَ لِعَدَمِ مُوجِبِهِ لِعَقْلِيَّةِ أَنَّهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَتَكُونُ الْمَعْصِيَةُ لِاعْتِبَارِهِ لَا لِنَفْسِ الْفِعْلِ أَوْ لِمَا فِي نَفْسِهِ فَيَصِحُّ النَّذْرُ أَثَرًا لِتَصَوُّرِ الصِّحَّةِ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ لِلْمَعْصِيَةِ فَيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ بِالِانْتِهَاضِ سَبَبًا لِلْآثَارِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْهَا هَذَا، وَكَمْ مَوْضِعٍ يَثْبُتُ فِيهِ الْوُجُوبُ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْقَضَاءِ لَا الْأَدَاءِ لِحُرْمَتِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَالِاسْتِقْرَاءُ يُوجِدُكَ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ. فَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ التَّحْقِيقِيَّةِ، وَغَايَةُ مَا بَقِيَ بَيَانُ أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَلَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي هُوَ مَنْعُ النَّفْسِ مُشْتَهَاهَا لَا يُعْقَلُ فِي نَفْسِهِ سَبَبًا لِلْمَنْعِ، بَلْ كَوْنُهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَسْتَلْزِمُ الْإِعْرَاضَ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْآثَارِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَضْيَافُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: نَذَرَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ وَهُوَ

وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْن الْجِهَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْفِيٌّ شَرْعًا فَلَا وُجُودَ لَهُ فَلَا يَنْعَقِدُ، أَمَّا الْأُولَى: فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِمَا فِي سُنَنِ الثَّلَاثَةِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» قُلْنَا: الْمُرَادُ نَفْيُ جَوَازِ الْإِيفَاءِ بِهِ نَفْسِهِ لَا نَفْيُ انْعِقَادِهِ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ النَّسَائِيّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «النَّذْرُ نَذْرَانِ، فَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِلَّهِ فِيهِ الْوَفَاءُ، وَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ فَلَا وَفَاءَ وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ» فَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي النَّصِّ يُفِيدُ أَنَّهُ انْعَقَدَ وَلَمْ يُلْغَ، وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ الْوَفَاءُ بِهِ بِعَيْنِهِ، فَكَذَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَكَانَ وِزَانَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمِينَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ» مَعَ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ. غَيْرَ أَنَّ الِانْعِقَادَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَكُونُ لِأَمْرَيْنِ: لِلْقَضَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ جِنْسُ الْمَنْذُورِ مِمَّا يَخْلُو بَعْضُ أَفْرَادِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ وَهُوَ الْجِنْسُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ الْفِطْرُ وَالْقَضَاءُ فِي يَوْمٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَلِلْكَفَّارَةِ إنْ كَانَ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِهِ عَنْهَا كَالنَّذْرِ بِالزِّنَا وَبِالسُّكْرِ إذَا قَصَدَ الْيَمِينَ فَيَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ، وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَيَلْغُو ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْعِقَادِهِ، وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَنْعَقِدَ مُطْلَقًا لِلْكَفَّارَةِ إذَا تَعَذَّرَ الْفِعْلُ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْمَشَايِخُ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا كَانَ يَمِينًا وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ اهـ. وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ الْيَمِينُ بِلَفْظِ النَّذْرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ كَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، فَلَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ عَنْ الْفِعْلِ. وَبِهِ أَفْتَى السُّغْدِيُّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ: تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَهَذَا اخْتِيَارِي لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ فِي فَتَاوَاهُ الصُّغْرَى، وَبِهِ يُفْتَى. وَعَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ يَصُومُ يَوْمَ النَّحْرِ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ لِدَلِيلٍ عِنْدَهُمْ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ شَرْطَ النَّذْرِ كَوْنُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ كَوْنُ الْمَعْصِيَةِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ عَنْهَا، وَإِذَا صَحَّ النَّذْرُ فَلَوْ فَعَلَ نَفْسَ الْمَنْذُورِ عَصَى وَانْحَلَّ النَّذْرُ كَالْحَلِفِ بِالْمَعْصِيَةِ يَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ، فَلَوْ فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا سَقَطَتْ وَأَثِمَ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ) الْكَائِنَتَيْنِ لِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا جِهَةُ الْيَمِينِ وَجِهَةُ النَّذْرِ (لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْيَمِينَ وَالنَّذْرَ (يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ) أَيْ وُجُوبَ مَا تَعَلَّقَا بِهِ، لَا فَرْقَ سِوَى. (أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ) وَهُوَ وَفَاءُ الْمَنْذُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] (وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ) وَهُوَ صِيَانَةُ اسْمِهِ تَعَالَى،

فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. (وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تَنَافِيَ لِجَوَازِ كَوْنِ الشَّيْءِ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ ظُهْرَ هَذَا الْيَوْمِ. (فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ) حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ لِجِهَةِ التَّبَرُّعِ، الْبُطْلَانُ بِالشُّيُوعِ وَعَدَمُ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهَا. وَاشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ، وَالثَّلَاثَةُ لِجِهَةِ الْمُعَاوَضَةِ الرَّدُّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالرُّؤْيَةُ، وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُ التَّنَافِي مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْيَمِينُ وُجُوبٌ يَلْزَمُ بِتَرْكِ مُتَعَلِّقِهِ الْكَفَّارَةُ، وَالْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ النَّذْرَ لَيْسَ يَلْزَمُ بِتَرْكِ مُتَعَلِّقِهِ ذَلِكَ، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ أَقَلُّ مَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ فَلَا بُدَّ أَنْ لَا يُرَادَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَنُخْبَةُ مَا قَرَّرَ بِهِ كَلَامَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هُنَا أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاحِ وَهُوَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَازِمٌ لِمُوجَبِ صِيغَةِ النَّذْرِ، وَهُوَ إيجَابُ الْمُبَاحِ فَيَثْبُتُ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَادَ هُوَ بِهَا وَيُسْتَعْمَلَ فِيهِ، وَلُزُومُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ إنَّمَا هُوَ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِمَا، وَالِاسْتِعْمَالُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي ثُبُوتِ الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْمُوجَبُ فَقَطْ، وَيُلَازِمُ الْمُوجَبَ الثَّابِتَ دُونَ اسْتِعْمَالٍ فِيهِ الْيَمِينُ، فَلَا جَمْعَ فِي الْإِرَادَةِ بِاللَّفْظِ إلَّا أَنَّ هَذَا يَتَرَاءَى مَغْلَطَةً، إذْ مَعْنَى ثُبُوتُ الِالْتِزَامِيِّ غَيْرُ مُرَادٍ لَيْسَ إلَّا خُطُورَةً عِنْدَ فَهْمِ مَلْزُومِهِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ مَحْكُومًا بِنَفْيِ إرَادَتِهِ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ يُنَافِيهِ إرَادَةُ الْيَمِينِ بِهِ، لِأَنَّ إرَادَةَ الْيَمِينِ الَّتِي هِيَ إرَادَةُ تَحْرِيمِ الْمُبَاحِ هِيَ إرَادَةُ الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ عَلَى وَجْهٍ أَخَصَّ مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا، فَإِنَّهُ أُرِيدَ عَلَى وَجْهٍ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِخُلْفِهِ، وَعَدَمُ إرَادَةِ الْأَعَمِّ تُنَافِيهِ إرَادَةُ الْأَخَصِّ، أَعْنِيَ تَحْرِيمَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ مَعْنًى. نَعَمْ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا فُرِضَ عَدَمُ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَ التَّلَفُّظِ سِوَى النَّذْرِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّلَفُّظِ عَرَضَ لَهُ إرَادَةُ ضَمِّ الْآخَرِ عَلَى فَوْرِهِ، لَكِنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ لُزُومُهُمَا لَا يَخُصُّ هَذِهِ الصُّورَةَ، فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَالَ: النَّذْرُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الصِّيغَةِ وَالْيَمِينُ مِنْ الْمُوجَبِ، قَالَ: فَإِنَّ إيجَابَ الْمُبَاحِ يَمِينٌ كَتَحْرِيمِهِ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى أَنْ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] لَمَّا حَرَّمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى نَفْسِهِ مَارِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَوْ الْعَسَلَ، فَأَفَادَ أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِاللَّفْظِ مُوجَبُهُ وَهُوَ إيجَابُ الْمُبَاحِ، وَأُرِيدَ بِنَفْسِ إيجَابِ الْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْمُوجَبِ كَوْنُهُ يَمِينًا قَالَ: وَمَعَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ لَا جَمْعَ، يَعْنِي حَيْثُ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ إيجَابُ الْمُبَاحِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَبِالْإِيجَابِ نَفْسِهِ كَوْنُهُ يَمِينًا لَا جَمْعَ فِي الْإِرَادَةِ بِاللَّفْظِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ مَتَى أُرِيدَ الِالْتِزَامِيُّ لِيُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ لَزِمَ الْجَمْعُ فِي الْإِرَادَةِ بِاللَّفْظِ، إذْ لَيْسَ مَعْنَى الْجَمْعِ إلَّا أَنَّهُ أُرِيدَ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ، ثُمَّ لَا يُخَالُ أَنَّهُ قِيَاسٌ لِتَعْدِيَةِ الِاسْمِ لِلْمُتَأَمِّلِ. وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ لِأَنَّ إرَادَةَ الْإِيجَابِ عَلَى أَنَّهُ يَمِينُ إرَادَتِهِ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَنْ يَسْتَعْقِبَ الْكَفَّارَةَ بِالْخُلْفِ وَإِرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ نَذْرًا إرَادَتُهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَعْقِبَهَا بَلْ الْقَضَاءُ وَذَلِكَ تَنَافٍ، فَيَلْزَمُ إذَا أُرِيدَ يَمِينًا وَثَبَتَ حُكْمُهَا شَرْعًا وَهُوَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْخُلْفِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَذْرًا إذْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ) سَوَاءٌ أَرَادَهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَنَةً، وَكَذَلِكَ إذْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ كَلَامًا فَجَرَى

أَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَكِنَّهُ شَرَطَ التَّتَابُعَ، لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ لِأَنَّ هَذِهِ النَّذْرِ جِدٌّ كَالطَّلَاقِ (أَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا، لِأَنَّ تِلْكَ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ فَصَحَّ الْإِيجَابُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْهُ فِي قَوْلِهَا أَنْ أَصُومَ غَدًا فَوَافَقَ حَيْضَهَا لَا تَقْضِي. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَقْضِيهِ لِأَنَّهَا لَمْ تُضِفْهُ نَذْرًا إلَى يَوْمِ حَيْضِهَا، بَلْ إلَى الْمَحَلِّ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ عُرُوضُ الْمَانِعِ، فَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِيجَابِ حَالَ صُدُورِهِ فَتَقْضِي، وَكَذَا إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ الْغَدِ وَهِيَ حَائِضٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ: يَوْمَ حَيْضِي لَا قَضَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَصَارَ كَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ عِبَارَةُ الْكِتَابِ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لِمَا عُرِفَ. وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَفْضَلُ فِطْرُهَا، حَتَّى لَوْ صَامَهَا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ تَسَاهُلٌ، بَلْ الْفِطْرُ وَاجِبٌ لِاسْتِلْزَامِ صَوْمِهَا الْمَعْصِيَةَ، وَلِتَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ الْفِطْرَ بِهَا، فَإِنْ صَامَهَا أَثِمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا الْتَزَمَهَا نَاقِصَةً، لَكِنْ قَارَنَ هَذَا الِالْتِزَامُ وَاجِبًا آخَرُ وَهُوَ لُزُومُ الْفِطْرِ تَرَكَهُ فَتَحَمَّلَ إثْمَهُ ثُمَّ. هَذَا إذَا قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَإِنْ قَالَهُ فِي شَوَّالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: هَذَا سَهْوٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ السَّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ، وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا اهـ وَهَذَا سَهْوٌ، بَلْ الْمَسْأَلَةُ كَمَا هِيَ فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا الشَّهْرِ، وَلِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ عَرَبِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهَا مَبْدَأٌ وَمَخْتَمٌ خَاصَّانِ عِنْدَ الْعَرَبِ، مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ، فَإِذَا قَالَ: هَذِهِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ الْإِشَارَةَ إلَى الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذْرٌ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُدَّةُ الْمَاضِيَةُ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ إلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، وَهَذَا فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا، لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَ أَمْسِ لَزِمَ صَوْمُ الْيَوْمِ، وَلَوْ قَالَ: غَدًا هَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ. وَلَوْ قَالَ: شَهْرًا لَزِمَهُ شَهْرٌ كَامِلٌ، وَلَوْ قَالَ: الشَّهْرَ وَجَبَتْ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ مُعَيَّنًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ، فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ، وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ: صَوْمُ يَوْمَيْنِ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا صَوْمُ يَوْمِهِ، بِخِلَافِ عَشْرِ حَجَّاتٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْفَصْلِ) احْتِرَازٌ مِنْ الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ مَا إذَا عَيَّنَ السَّنَةَ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ مَوْصُولَةً لِأَنَّ التَّتَابُعَ هُنَاكَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَلَا مُلْتَزَمٌ قَصْدًا، بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ ضَرُورَةَ فِعْلِ صَوْمِهَا، فَإِذَا قَطَعَهَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ انْتَفَى التَّتَابُعُ الضَّرُورِيُّ بِخِلَافِ التَّتَابُعِ هُنَا، فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ قَصْدًا، فَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ شَرْعًا وَجَبَ تَوْفِيرُهُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَلِهَذَا إذَا أَفْسَدَ يَوْمًا مِنْ الْوَاجِبِ الْمُتَتَابِعِ قَصْدًا كَصَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورِ مُتَتَابِعًا لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ، وَفِي الْمُتَتَابِعِ ضَرُورَةً كَمَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ رَجَبَ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى مَا أَفْسَدَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ الْإِفْسَادِ، كَمَا إذَا أَفْسَدَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ وَاجِبُ التَّتَابُعِ ضَرُورَةً لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ غَيْرِهِ مَعَ الْمَأْثَمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَهْرٍ

وَيَتَأَتَّى فِي هَذَا خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَالْعُذْرَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَمَضَانَ فِي الْفَصْلَيْنِ، أَيْ هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ سَنَةٍ مُتَتَابِعَةٍ، لِأَنَّ هَذِهِ السَّنَةَ وَالسَّنَةَ الْمُتَتَابِعَةَ لَا تَخْلُو عَنْهُ، فَإِيجَابُهَا إيجَابُهُ وَغَيْرُهُ، فَيَصِحُّ فِي غَيْرِهِ وَيَبْطُلُ فِيهِ لِوُجُوبِهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ أَيَّامَ مِنًى صَائِحًا يَصِيحُ: أَنْ لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» أَيْ وِقَاعٍ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ هُذَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى. أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» وَفِي مُسْنَدِهِ سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَذَاقَةَ السَّهْمِيِّ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَاحِلَةٍ أَيَّامَ مِنًى أُنَادِي: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» وَضَعَّفَهُ بِالْوَاقِدِيِّ، وَفِي الْوَاقِدِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي مَبَاحِثِ الْمِيَاهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْحَجِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلَدَةَ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا يُنَادِي: أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» زَادَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ «وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» . (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّتَابُعُ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَنَةٍ بِالْأَهِلَّةِ وَلَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ الْمُنَكَّرَةَ اسْمٌ لِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لَا بِقَيْدِ كَوْنِ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ النَّذْرُ بِهَا نَذْرًا بِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثَلَاثِينَ لِرَمَضَانَ، وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَهَلْ يَجِبُ وَصْلُهَا بِمَا مَضَى؟ قِيلَ نَعَمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّجْنِيسِ: هَذَا غَلَطٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَهُ، وَلَوْ قَالَ: شَهْرًا لَزِمَهُ كَامِلًا أَوْ رَجَبَ لَزِمَهُ هُوَ بِهِلَالِهِ، وَلَوْ قَالَ: جُمُعَةً إنْ أَرَادَ أَيَّامَهَا لَزِمَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمَهَا لَزِمَهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَلْزَمُهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا تُذْكَرُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَفِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ أَغْلَبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ. وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَيَّنَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَوْ قَالَ: كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ أَوْ اثْنَيْنِ فَلَمْ يَصُمْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ الْيَمِينَ وَالنَّذْرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي إفْطَارِ الْخَمِيسِ الْأَوَّلِ أَوْ الِاثْنَيْنِ، وَمَا أَفْطَرَ مِنْهُمَا بَعْدُ فَفِيهِ الْقَضَاءُ لَيْسَ غَيْرُ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ الْأَوَّلِ، وَبَقَاءِ النَّذْرِ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا أَوْ كَانَ نَذَرَ بِصِيَامِ الْأَبَدِ فَعَجَزَ لِذَلِكَ أَوْ بِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لِكَوْنِ صِنَاعَتِهِ شَاقَّةً لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الْغَنِيُّ الْكَرِيمُ، وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الزَّمَانِ كَالْحَرِّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَنْتَظِرَ الشِّتَاءَ فَيَقْضِيَ، هَذَا. وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ النَّذْرِ كَأَنْ يَقُولَ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَوْ شُفِيَ فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، فَلَوْ صَامَ شَهْرًا عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ عَنْهُ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ

لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَلْتَزِمُهُ الْكَمَالُ، وَالْمُؤَدَّى نَاقِصٌ لِمَكَانٍ النَّهْيِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَهَا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِوَصْفِ النُّقْصَانِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ بِالْوَصْفِ الْمُلْتَزَمِ. قَالَ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا) وَقَدْ سَبَقَتْ وُجُوهُهُ. (وَمَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ النَّحْرِ صَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ) لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ، وَصَارَ كَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ يُسَمَّى صَائِمًا حَتَّى يَحْنَثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَلَّقَ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ بَلْ عِنْدَ الشَّرْطِ فَالصَّوْمُ قَبْلَهُ صَوْمٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَجُوزُ، وَالْمُضَافُ يَنْعَقِدُ فِي الْحَالِ، فَالصَّوْمُ قَبْلَ الْوَقْتِ صَوْمٌ بَعْدَ السَّبَبِ فَيَجُوزُ، وَمِنْهُ: أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَجَبٍ فَصَامَ قَبْلَهُ عَنْهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ، وَأَصْلُ هَذَا مَا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الصَّوْمِ أَنَّ التَّعْجِيلَ بَعْدَ السَّبَبِ جَائِزٌ أَصْلُهُ الزَّكَاةُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، غَيْرَ أَنَّ زُفَرَ لَمْ يُجِزْهُ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّمَانُ الْمُعَجَّلُ فِيهِ أَقَلَّ فَضِيلَةً مِنْ الْمَنْذُورِ، وَمُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلتَّعْجِيلِ. وَعِنْدَنَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لُزُومَ الْمَنْذُورِ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ فَقَطْ، وَجَوَازُ التَّعْجِيلِ بَعْدَ السَّبَبِ بِدَلِيلِ الزَّكَاةِ فَابْتَنَى عَلَى هَذَا إلْغَاءُ تَعْيِينِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ رَجَبًا فَصَامَ عَنْهُ قَبْلَهُ شَهْرًا أَحَطَّ فَضِيلَةً مِنْهُ جَازَ خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَا إذَا نَذَرَ صَلَاةً فِي زَمَانٍ فَضِيلٍ فَصَلَّاهَا قَبْلَهُ فِي أَحَطَّ مِنْهُ جَازَ، أَوْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ فَصَلَّاهُمَا فِي غَيْرِهَا جَازَ، أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ غَدًا عَلَى فُلَانٍ الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ فِي الْيَوْمِ عَلَى غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ، خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ فُلَانٌ بَعْدَمَا أَكَلَ أَوْ بَعْدَمَا حَاضَتْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ قَدِمَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَقَدِمَ فُلَانٌ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ وَهُوَ الصَّوْمُ بِنِيَّةِ الشُّكْرِ، وَلَوْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ فَنَوَى بِهِ الشُّكْرَ لَا عَنْ رَمَضَانَ بَرَّ بِالنِّيَّةِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا نَذَرَ الْمَرِيضُ صَوْمَ شَهْرٍ فَمَاتَ قَبْلَ الصِّحَّةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَحَّ يَوْمًا، تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَتَحْقِيقُهَا وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ أَوْ يَوْمَ كَذَا شَهْرًا أَوْ سَنَةً لَزِمَهُ مَا تَكَرَّرَ مِنْهُ فِي الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَصَامَ ذَلِكَ مَرَّةً كَفَاهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ لَزِمَهُ صِيَامُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ، وَكُلُّ صَوْمٍ أَوْجَبَهُ وَنَصَّ عَلَى تَفْرِيقِهِ فَصَامَهُ مُتَتَابِعًا خَرَجَ عَنْ عُهْدَتِهِ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا يُجْزِيهِ، وَلَوْ قَالَ: بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، أَوْ دَهْرًا فَعَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ الدَّهْرَ فَعَلَى الْعُمْرِ. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ مِثْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ أَرَادَ مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ أَوْ فِي التَّتَابُعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ. رَجُلٌ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَصَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَدْ أَفْطَرَ يَوْمًا وَلَا يَدْرِي أَيَّ يَوْمٍ هُوَ قَضَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ. (قَوْلُهُ مَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَخْ) الْمَقْصُودُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ كَيَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ لَيْسَ مُوجِبًا لِلْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ، بِخِلَافِ نَذْرِهَا فَإِنَّهُ يُوجِبُهُ فِي غَيْرِهَا، وَبِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّ إفْسَادَهَا

الصَّوْمِ فَيَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ، فَيَجِبُ إبْطَالُهُ فَلَا تَجِبُ صِيَانَتُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ، وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ، وَلَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّلَاةِ فَتَجِبُ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى وَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقَضَاءِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ كَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لَيْسَ مُوجِبًا لِلْقَضَاءِ كَالشُّرُوعِ فِي صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ التَّفْصِيلُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فَإِذَا فَوَّتَهُ وَجَبَ جَبْرُهُ بِالْقَضَاءِ، وَوُجُوبُ الْإِتْمَامِ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مُنْتَفٍ، بَلْ الْمَطْلُوبُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ قَطْعُهُ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ مُرْتَكِبٌ لِلنَّهْيِ لِصِدْقِ اسْمِ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ وَالصِّيَامِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِمْسَاكِ بِنِيَّةٍ. وَلِذَا حَنِثَ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ، وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ صَوْمًا، وَلَا يَصِيرُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفُّظِ بِلَفْظِ النَّذْرِ وَلَا بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ الصَّلَاةُ، وَالصَّلَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أَرْكَانٍ مَعْلُومَةٍ فَمَا لَمْ يَفْعَلْهَا لَا تَتَحَقَّقُ، لِأَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ بِوُجُودِ جَمِيعِ حَقِيقَتِهِ، فَإِذَا قَطَعَهَا فَقَدْ قَطَعَ مَا لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ بَعْدَ قَطْعِهِ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلْعَمَلِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِبْطَالِ فَيَلْزَمُ بِهِ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ السَّجْدَةِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَالْجَوَابُ مُطْلَقٌ فِي الْوُجُوبِ.

[باب الاعتكاف]

بَابُ الِاعْتِكَافِ قَالَ (الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاعْتِكَافِ] قَالَ الْقُدُورِيُّ (الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) وَالْحَقُّ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ، بَلْ الْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: الِاعْتِكَافُ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَهُوَ الْمَنْذُورُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا، وَإِلَى سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ وَهُوَ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِلَى مُسْتَحَبٍّ وَهُوَ مَا سِوَاهُمَا. وَدَلِيلُ السُّنَّةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَهُ» فَهَذِهِ الْمُوَاظَبَةُ الْمَقْرُونَةُ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ، وَإِلَّا كَانَتْ تَكُونُ دَلِيلَ الْوُجُوبِ. أَوْ نَقُولُ: اللَّفْظُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّرْكِ ظَاهِرًا لَكِنْ وَجَدْنَا صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ إلَى مَكَانِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْ تَعْتَكِفَ فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً أُخْرَى، فَسَمِعَتْ زَيْنَبُ فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَدَاةِ أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلَا أَرَاهَا فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ» هَذَا. وَأَمَّا اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَكَفَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْآخِرَ» وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ فَلَا يُدْرَى أَيَّةُ لَيْلَةٍ هِيَ، وَقَدْ تَتَقَدَّمُ وَقَدْ تَتَأَخَّرُ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إلَّا

الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ (وَهُوَ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ) أَمَّا اللَّبْثُ فَرُكْنُهُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْهُ فَكَانَ وُجُودُهُ بِهِ، وَالصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، هُوَ يَقُولُ: إنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» وَالْقِيَاسُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الْمَنْقُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ، هَكَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالشُّرُوحِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَتَكُونُ فِي غَيْرِهِ فَجُعِلَ ذَلِكَ رِوَايَةً، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَإِنْ قَالَ: قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ إذَا انْسَلَخَ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ الْعَامَ الْقَابِلَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِيَ وَلَيْسَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَازِمًا مِنْ التَّقْرِيرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِأَنَّهَا مِمَّا أَغْفَلَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَنْبَغِي إغْفَالُهَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ لِشُهْرَتِهَا فَأَوْرَدْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ تَتْمِيمًا لِأَمْرِ الْكِتَابِ. وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ: قِيلَ هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْلَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. وَأَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِكَوْنِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي ذَلِكَ الرَّمَضَانُ الَّذِي كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْتَمَسَهَا فِيهِ، وَالسِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ تَأَمَّلَ طُرُقَ الْأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظَهَا كَقَوْلِهِ «إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ» وَإِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ. وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا بَلْجَةٌ سَاكِنَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا قَارَّةٌ، تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ، كَذَا قَالُوا، وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيَجْتَهِدَ فِي طَلَبِهَا فَيَنَالَ بِذَلِكَ أَجْرَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ، كَمَا أَخْفَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ السَّاعَةَ لِيَكُونُوا عَلَى وَجَلٍ مِنْ قِيَامِهَا بَغْتَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ) هَذَا مَفْهُومُهُ عِنْدَنَا، وَفِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ إذْ هُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الْإِقَامَةِ فِي أَيِّ مَكَان عَلَى أَيِّ غَرَضٍ كَانَ، قَالَ تَعَالَى {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] . ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ رُكْنَهُ اللَّبْثُ بِشَرْطِ الصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ، وَكَذَا الْمَسْجِدُ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْ كَوْنُهُ فِيهِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ مُطْلَقًا لَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ لِلْوَاجِبِ مِنْهُ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلنَّفْلِ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا إطْلَاقُ قَوْلِهِ: وَالصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، إنَّمَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى انْتِهَاضَ دَلِيلِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ لَزِمَهُ تَرْجِيحُ هَذِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، أَوْ مِنْ سُوَيْد، وَضَعَّفَ

ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ـــــــــــــــــــــــــــــQسُوَيْدًا، لَكِنْ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ: سَأَلْت هُشَيْمًا عَنْهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ» قَالَ أَبُو دَاوُد: غَيْرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ لَا يَقُولُ فِيهِ قَالَتْ: السُّنَّةُ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدِيلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اعْتَكِفْ وَصُمْ وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمْرٍو، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَالثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرٍو لَمْ يَذْكُرُوا الصَّوْمَ مِنْهُمْ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّوْمِ، بَلْ «إنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَيْلَةً فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» وَفِيهِمَا أَيْضًا «عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ اللَّيْلَةُ مَعَ يَوْمِهَا أَوْ الْيَوْمُ مَعَ لَيْلَتِهِ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ رُوِيَتْ بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ وَتَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا فَالثِّقَةُ ابْنُ بَدِيلٍ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَالْمُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الصَّحِيحِ السَّنَدِ، فَإِنَّ رَفْعَهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ. وَمَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُسَيْدَ عَنْ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ " ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمَا قَالَا: الْمُعْتَكِفُ يَصُومُ " فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلُزُومِهِ مَعَ أَنَّهُ رَاوِي وَاقِعَةَ أَبِيهِ يُقَوِّي ظَنَّ صِحَّةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي حَدِيثِ أَبِيهِ، وَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» وَصَحَّحَهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ ذَلِكَ. فَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَمَعَ جَهَالَتِهِ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُهُ، بَلْ يَقِفُونَهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَيُؤَيِّدُ الْوَقْفَ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ تَفَرُّدَ الرَّمْلِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ

لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: اجْتَمَعْت أَنَا وَابْنُ شِهَابٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ عَلَى امْرَأَتِهِ اعْتِكَافٌ نُذِرَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَكُونُ اعْتِكَافٌ إلَّا بِصَوْمٍ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا، قَالَ: فَمِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ لَا. قَالَ: فَمِنْ عُمَرَ؟ قَالَ لَا، قَالَ أَبُو سُهَيْلٍ: فَانْصَرَفْت فَوَجَدْت طَاوُسًا وَعَطَاءً، فَسَأَلْتُهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ طَاوُسٌ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَرَى عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامًا إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ذَلِكَ رَأْيٌ صَحِيحٌ اهـ. فَلَوْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَرْفَعُهُ لَمْ يَقْصُرْهُ طَاوُسٌ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَكُنْ يَخَفْ عَلَيْهِ خُصُوصًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ بِحُضُورِهِ ذَلِكَ رَأْيٌ صَحِيحٌ فَعَنْ ذَلِكَ اعْتَرَفَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ رَفْعَهُ وَهْمٌ ثُمَّ لَمْ يَسْلَمْ الْمَوْقُوفُ عَنْ الْمُعَارِضِ، إذْ قَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: الْمُعْتَكِفُ يَصُومُ، فَتَعَارَضَ عَنْ عَبَّاسٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مَنْ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ. وَدَفْعُ الْمُعَارَضَةِ عَنْهُ بِأَنْ يُجْعَلَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ " الِاعْتِكَافَ فَيَكُونَ دَلِيلَ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ دُونَ النَّفْلِ، وَيُخَصُّ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِهِ. وَكَذَا حَدِيثُ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الْمَنْذُورِ، وَالْمُعَمِّمُ لِاشْتِرَاطِهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ الْمَرْفُوعُ، وَمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهَا مَوْقُوفًا قَالَتْ: مَنْ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ قَالَا: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الِاعْتِكَافَ مَعَ الصِّيَامِ. قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ، وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلًا مِنْ رِوَايَةِ سُوَيْد، فَهَذِهِ كُلُّهَا تُؤَيِّدُ إطْلَاقَ الِاشْتِرَاطِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ النَّفْلِ سَاعَةٌ فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ، وَجَعَلَ رِوَايَةَ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي النَّفْلِ ظَاهِرً الرِّوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَلَا يَحْضُرُنِي مُتَمَسَّكٌ لِذَلِكَ فِي السُّنَّةِ سِوَى حَدِيثِ الْقِبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ «حَتَّى اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ» فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِكَافِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَا صَوْمَ فِيهِ. وَفَرَّعُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ سَاعَةً ثُمَّ تَرَكَهُ لَا يَكُونُ إبْطَالًا لِلِاعْتِكَافِ بَلْ إنْهَاءً لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَلْزَمُهُ، وَحَقَّقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لُزُومَ الْقَضَاءِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ إنَّمَا هُوَ لِلُزُومِ الْقَضَاءِ فِي شَرْطِهِ الصَّوْمَ لَا أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ التَّطَوُّعُ لَازِمًا فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَيْلًا فَقَطْ، وَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّيْلُ تَبَعًا لِلنَّهَارِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ مُسْتَنَدِ إثْبَاتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ: إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ تَارِكٌ لَهُ إذَا خَرَجَ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْعَقْلِ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ سَاعَةً مَعَ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَصُمْ سَوَاءٌ كَانَ يُرِيدُ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ دُونَهُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ شَرْطٍ يَكُونُ أَطْوَلَ مِنْ مَشْرُوطِهِ، وَمَنْ ادَّعَاهُ فَهُوَ بِلَا دَلِيلٍ، فَهَذَا الِاسْتِنْبَاطُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِلَا مُوجِبٍ، إذْ الِاعْتِكَافُ لَمْ يُقَدَّرْ شَرْعًا بِكَمِّيَّةٍ لَا يَصِحُّ دُونَهَا كَالصَّوْمِ، بَلْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ لَا يَفْتَقِرُ فِي كَوْنِهِ عِبَادَةً إلَى

وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَقَلُّهُ سَاعَةٌ فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ. لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ. وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ الْقَطْعُ إبْطَالًا. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْيَوْمِ كَالصَّوْمِ. ، ثُمَّ الِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ " وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُزْءِ الْآخَرِ وَلَمْ يَسْتَلْزِمْ تَقْدِيرُ شَرْطِهِ تَقْدِيرَهُ لِمَا قُلْنَا. وَقَوْلُ مَنْ حَقَّقَ الْوَجْهَ إنَّمَا ذَلِكَ لِلُزُومِ الْقَضَاءِ فِي شَرْطِهِ بَعِيدٌ عَنْ التَّحْقِيقِ بِحَسَبِ ظَاهِرِهِ. فَإِنَّ إفْسَادَ الِاعْتِكَافِ لَا يَسْتَلْزِمُ إفْسَادَ الصَّوْمِ لِيَلْزَمَ قَضَاؤُهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ بِمَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَغَايَةُ مَا يُصَحَّحُ بِأَنْ يُرَادَ أَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ فَيَجِبُ لِذَلِكَ اسْتِئْنَافُ صَوْمٍ آخَرَ ضَرُورَةَ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ. وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ لُزُومَ الْقَضَاءِ لِلُزُومِهِ فِي الصَّوْمِ بَلْ بِالْعَكْسِ، فَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ إلَّا فِي مَنْذُورٍ أَفْسَدَهُ قَبْلَ إتْمَامِهِ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْمَسْنُونِ أَعْنِي الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ بِنِيَّتِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنْ يَجِبَ قَضَاؤُهُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّرُوعِ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ نَاوِيًا أَرْبَعًا لَا عَلَى قَوْلِهِمَا. وَمِنْ التَّفْرِيعَاتِ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا أَوْ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَصِحُّ. وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَقَلُّهُ أَكْثَرُ النَّهَارِ فَإِنْ كَانَ قَالَهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ لَزِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْهُ قَضَاهُ. وَهَذَا أَوْجَهُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ إلَخْ) ذَكَرَ وَجْهَهُ مِنْ الْمَعْنَى وَذَكَرْنَا آنِفًا وَجْهَهُ مِنْ السُّنَّةِ، وَحَمْلُ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ إيَّاهُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَكَفَ مِنْ ثَانِي الْفِطْرِ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ جَاءَ مُصَرَّحًا فِي حَدِيثٍ «فَلَمَّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ» عَلَيْهِ لَا لَهُ، لِأَنَّ مَدْخُولَ لَمَّا مَلْزُومٌ لِمَا بَعْدَهُ فَاقْتَضَى أَنَّهُ حِينَ أَفْطَرَ اعْتَكَفَ بِلَا تَرَاخٍ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) أَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عُكُوفٌ؟ قَالَ: فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت، أَوْ حَفِظُوا وَأُنْسِيت، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: إنَّ أَبْغَضَ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِدَعُ، وَإِنَّ مِنْ الْبِدَعِ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الدُّورِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَّمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ". وَتَقَدَّمَ مَرْفُوعًا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ

الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، لِأَنَّهُ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ تُؤَدَّى فِيهِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ لِصَلَاتِهَا فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ. (وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ الْجُمُعَةِ) أَمَّا الْحَاجَةُ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ فِي تَقْضِيَتِهَا فَيَصِيرُ الْخُرُوجُ لَهَا مُسْتَثْنًى، وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطُّهُورِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِأَنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخُرُوجُ إلَيْهَا مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ) قِيلَ: أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْجَامِعِ، أَمَّا الْجَامِعُ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ فِيهِ الْخَمْسُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلُ يَجُوزُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَتُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِالْجَمَاعَةِ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ» وَمَعْنَى هَذَا مَا رَوَاهُ فِي الْمُعَارَضَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصِحُّ» ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ مَسْجِدِ الْأَقْصَى، ثُمَّ الْجَامِعُ. قِيلَ: إذَا كَانَ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَسْجِدِهِ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ، ثُمَّ كُلُّ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَكْثَرَ. (قَوْلُهُ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) أَيْ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْجَامِعِ أَوْ فِي مَسْجِدِ حَيِّهَا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ فِي حَقِّهَا جَازَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ قَاضِي خَانْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا وَلَا إلَى نَفْسِ الْبَيْتِ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهَا إذَا اعْتَكَفَتْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَلَا تَعْتَكِفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا، وَإِذَا أَذِنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا وَلَا يَمْنَعَهَا، وَفِي الْأَمَةِ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْإِذْنَ مَعَ الْكَرَاهَةِ الْمُؤَثِّمَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَسَاءَ وَأَثِمَ (قَوْلُهُ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) رَوَى السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَيْضًا. (قَوْلُهُ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ) هَذَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُجِيزُهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. وَأَمَّا عَلَى رَأْيِنَا فَلَا إذْ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ

وَإِذَا صَحَّ الشُّرُوعُ فَالضَّرُورَةُ مُطْلَقَةٌ فِي الْخُرُوجِ، وَيَخْرُجُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا، وَفِي رِوَايَةٍ سِتًّا، الْأَرْبَعُ سُنَّةٌ، وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، وَسُنَنُهَا تَوَابِعُ لَهَا فَأُلْحِقَتْ بِهَا، وَلَوْ أَقَامَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اعْتِكَافٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمَّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ سَاعَةً بِغَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَا: لَا يُفْسِدُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ دُونَهَا إذَا كَانَ جَامِعًا فَلَا يَكُونُ التَّمَسُّكُ عَلَى الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُونَ صَحِيحًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ إلْزَامًا بِالدَّلِيلِ، فَإِذَا صَحَّ فَبَعْدَ ذَلِكَ الضَّرُورَةُ مُطْلَقَةٌ لِلْخُرُوجِ مَعَ بَقَاءِ الِاعْتِكَافِ وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِالْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا) يَنْبَغِي جَعْلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَطْفًا عَلَى إدْرَاكِهَا مِنْ بَابِ {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] وَ {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] بِمَعْنَى قَابِضَاتٍ وَجَاعِلُ، فَيَنْحَلُّ إلَى أَنْ يَخْرُجَ فِي وَقْتٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا وَصَلَاةِ أَرْبَعٍ أَوْ سِتٍّ قَبْلَهَا يُحَكِّمُ فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي خُرُوجِهِ عَلَى إدْرَاكِ السَّمَاعِ لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تُصَلَّى قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ. (قَوْلُهُ وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحَقُّقِهَا وَكَذَا السُّنَّةُ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِمَّا يُعْرَفُ تَخْمِينًا لَا قَطْعًا، فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأَ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحَزْرُ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ) مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَهَا أَرْبَعٌ، وَقَوْلَهُمَا سِتٌّ، وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ فِي السِّتِّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمْنَا الْوَجْهَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِلْفَرِيقَيْنِ. (قَوْلُهُ وَسُنَنُهَا تَوَابِعُ لَهَا) يَعْنِي فَتَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ لَهَا كَمَا تَحَقَّقَتْ لِنَفْسِ الْجُمُعَةِ فَلَا يَكُونُ بِصَلَاتِهَا فِي الْجَامِعِ مُخَالِفًا لِمَا هُوَ الْأَوْلَى، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْعُدَ فِي الْجَامِعِ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ الَّتِي جَوَّزَتْ خُرُوجَهُ، وَإِلَّا فَلَوْ اسْتَمَرَّ هُوَ فِيهِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ لِمُجَوِّزٍ فَلَمْ يُبْطِلْهُ، وَمُقَامُهُ بَعْدَ الْحَاجَةِ فِي مَحَلِّ الِاعْتِكَافِ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّ فِي مَكَانِ الشُّرُوعِ لِأَنَّ إتْمَامَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فِي مَحَلِّ الشُّرُوعِ وَهِيَ عِبَادَةٌ تَطُولُ أَحَزُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْهُ فِي مَحَالَّ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِنَّ فِي هَذَا تَرْوِيحًا لَهَا مِنْ كَدِّ التَّقَيُّدِ بِالْعِبَادَةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ فِي مَكَان تَقَيَّدَ بِهِ حَتَّى يُتِمَّهَا فَيَكُونُ كَالْإِخْلَافِ بَعْدَ الِالْتِزَامِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) وَتَقْيِيدُهُ فِي الْكِتَابِ الْفَسَادُ بِمَا إذَا كَانَ الْخُرُوجُ

وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةً. قَالَ (وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ يَكُونُ فِي مُعْتَكَفِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ عُذْرٍ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ لَا يَفْسُدُ. وَعَلَيْهِ مَشَى بَعْضُهُمْ فِيمَا إذَا خَرَجَ لِانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. أَوْ أَخْرَجَهُ سُلْطَانٌ. أَوْ خَافَ عَلَى مَتَاعِهِ فَخَرَجَ، وَحُكِمَ بِالْفَسَادِ إذَا خَرَجَ لِجِنَازَةٍ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، أَوْ لِنَفِيرٍ عَامٍّ أَوْ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ. وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ الْخُرُوجَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا بِأَنْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ أَوْ الْغَرِيمُ. أَوْ خَرَجَ لِبَوْلٍ فَحَبَسَهُ الْغَرِيمُ سَاعَةً. أَوْ خَرَجَ لِعُذْرِ الْمَرَضِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَّلَ قَاضِي خَانْ فِي الْخُرُوجِ لِلْمَرَضِ بِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَثْنًى عَنْ الْإِيجَابِ، فَأَفَادَ هَذَا التَّعْلِيلُ الْفَسَادَ فِي الْكُلِّ، وَعَنْ هَذَا فَسَدَ إذَا عَادَ مَرِيضًا أَوْ شَهِدَ جِنَازَةً. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ النَّهْيُ عَنْهُ مُطْلَقًا، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ أَيْضًا يَفْسُدُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ كَالْخُرُوجِ لِلْمَرَضِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّهُ يَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَثْنًى حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ وُقُوعُ تَعَيُّنِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى وَاحِدٍ مُعْتَكِفٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ. فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فَكَانَتْ مُسْتَثْنَاةً. وَعَلَى هَذَا إذَا خَرَجَ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ جِهَادٍ عَمَّ نَفِيرُهُ يَفْسُدُ وَلَا يَأْثَمُ. وَهَذَا الْمَعْنَى يُفِيدُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ فَخَرَجَ إلَى آخَرَ يَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ غَالِبَ الْوُقُوعِ، وَنَصَّ عَلَى فَسَادِهِ بِذَلِكَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ. وَتَفَرُّقُ أَهْلِهِ وَانْقِطَاعُ الْجَمَاعَةِ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَنَصَّ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فَقَالَ فِي الْكَافِي: وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتِكَافُهُ فَاسِدٌ إذَا خَرَجَ سَاعَةً لِغَيْرِ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ جُمُعَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعُذْرَ الَّذِي لَا يَغْلِبُ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ لَا لِلْبُطْلَانِ وَإِلَّا لَكَانَ النِّسْيَانُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِفْسَادِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ ثَبَتَ شَرْعًا اعْتِبَارُ الصِّحَّةِ مَعَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهِ لِيَغْسِلَهُ أَوْ يُرَجِّلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ غَسَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ بِحَيْثُ لَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَصُعُودُ الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ بَابُهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا يُفْسِدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْأَذَانِ مَعْلُومٌ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى. أَمَّا غَيْرُهُ فَيُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ، وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ. وَفِي شَرْحِ الصَّوْمِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ: الْمُعْتَكِفُ يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ آخَرَ فَيَتْوَى حَقُّهُ. وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِحَجٍّ لَزِمَهُ إذْ لَا يُنَافِيهِ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ فَيَخْرُجُ حِينَئِذٍ وَيَسْتَقْبِلُ الِاعْتِكَافَ. وَلَوْ احْتَلَمَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَلْوِيثٍ فَعَلَ، وَإِلَّا خَرَجَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ يَعُودُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ) يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي رَجَحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. ثُمَّ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاسْتِنْبَاطٌ مِنْ عَدَمِ أَمْرِهِ إذَا خَرَجَ إلَى الْغَائِطِ أَنْ يُسْرِعَ الْمَشْيَ، بَلْ يَمْشِي عَلَى التُّؤَدَةِ وَبِقَدْرِ الْبُطْءِ تَتَخَلَّلُ السَّكَنَاتُ بَيْنَ الْحَرَكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي فَنِّ الطَّبِيعَةِ، وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ قَدْرٌ مِنْ الْخُرُوجِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَكْثَرِ يَكُونُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَأَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى السُّوقِ لِلَّعِبِ وَاللَّهْوِ أَوْ الْقِمَارِ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، ثُمَّ قَالَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا مُعْتَكِفٌ. قَالَ: مَا أَبْعَدَك عَنْ الْعَاكِفِينَ " وَلَا يُتِمُّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِحْسَانُ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ الَّتِي يُنَاطُ

لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوًى إلَّا الْمَسْجِدَ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَضَاءُ هَذِهِ الْحَاجَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ) لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: يُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ إلَى أَنْ قَالَ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ» . قَالَ (وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا التَّخْفِيفُ هِيَ الضَّرُورَةُ اللَّازِمَةُ أَوْ الْغَالِبَةُ الْوُقُوعِ، وَمُجَرَّدُ عُرُوضِ مَا هُوَ مُلْجِئٌ لَيْسَ بِذَلِكَ. أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ عَلَى وَجْهٍ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ لَا يُقَالُ بِبَقَاءِ صَلَاتِهِ كَمَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ السَّلَسِ مَعَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَالْإِلْجَاءِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ مَعْذُورًا دُونَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمَا يُجِيزَانِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَصْلًا. إذْ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ خُرُوجَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ لَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا بَلْ لِلَّعِبِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ بِالْإِسْرَاعِ فَلَيْسَ لِإِطْلَاقِ الْخُرُوجِ الْيَسِيرِ بَلْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْأَنَاةَ وَالرِّفْقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى طَلَبَهُ فِي الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُفَوِّتُ بَعْضَهَا مَعَهُ بِالْجَمَاعَةِ. وَكُرِهَ الْإِسْرَاعُ وَنُهِيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُحَصِّلًا لَهَا كُلَّهَا فِي الْجَمَاعَةِ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْخُشُوعِ إذْ هُوَ يَذْهَبُ بِالسُّرْعَةِ وَالْعَاكِفُ أَحْوَجُ إلَيْهَا فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَقَيِّدًا بِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَالِانْتِظَارِ لِلصَّلَاةِ، فَهُوَ فِي حَالِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ لَهُ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الِانْتِظَارُ، وَالْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا فَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِي حَالِ الْخُرُوجِ، فَكَانَتْ تِلْكَ السَّكَنَاتُ كَذَلِكَ، وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنْ نَفْسِ الِاعْتِكَافِ لَا مِنْ الْخُرُوجِ، وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ الْقَلِيلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيرُهُ بِمَا هُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ مِنْ بَقِيَّةِ تَمَامِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، بَلْ بِمَا يُعَدُّ كَثِيرًا فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ فَهِمُوا مَعْنَى الْعُكُوفِ، وَأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِيهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوًى إلَّا الْمَسْجِدَ) أَيْ لِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالتِّجَارَةِ أَوْ اسْتِكْثَارِ الْأَمْتِعَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يُجَاوِزُ مَوَاضِعَهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ) فَإِنَّهُ أَخْلَصَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَفِي إحْضَارِ السِّلْعَةِ شَغْلُهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ» ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَاِتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ. وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ» اهـ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ: حَدِيثَ «لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ» عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ سَمِعَ مَكْحُولٌ مِنْ وَاثِلَةَ وَأَنَسَ. وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ

وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) لِأَنَّ صَوْمُ الصَّمْتِ لَيْسَ بِقُرْبَةِ شَرِيعَتِنَا لَكِنَّهُ يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا. (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُ فِي الزُّهْدِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ. وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ. وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ، أَوْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ، وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالنَّسَائِيُّ رَوَاهُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِتَمَامِهِ، وَفِي السُّنَنِ اخْتَصَرَهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا رَبَّحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ: لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا، وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ، وَلَا يُنْبَضُ فِيهِ بِقَوْسٍ، وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ، وَلَا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ نِيءٍ، وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ، وَلَا يُتَّخَذُ سُوقًا» وَأُعِلَّ بِزَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا لِلْمَسْجِدِ أَحْكَامًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ تُنْظَرُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) أَيْ الصَّمْتُ بِالْكُلِّيَّةِ تَعَبُّدًا بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَرِيعَتِنَا، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَسْنَدَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ الْوِصَالِ وَعَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ» وَيُلَازِمُ التِّلَاوَةَ وَالْحَدِيثَ وَالْعِلْمَ وَتَدْرِيسَهُ، وَسِيَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَخْبَارَ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] (وَ) كَذَا (اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ) لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ مَحْظُورُهُ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، لِأَنَّ الْكَفَّ رُكْنُهُ لَا مَحْظُورُهُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ (فَإِنْ جَامَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ) لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّالِحِينَ، وَكِتَابَةَ أُمُورِ الدِّينِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (مِنْ دَوَاعِيهِ) فَمَرْجِعُ ضَمِيرِ دَوَاعِيهِ الْوَطْءُ وَضَمِيرُ مَحْظُورِهِ الِاعْتِكَافُ. وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْحُكْمُ بِاسْتِلْزَامِ حُرْمَةِ الشَّيْءِ ابْتِدَاءً فِي الْعِبَادَةِ حُرْمَةَ دَوَاعِيهِ وَبِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهَا حُرْمَةَ الدَّوَاعِي إذَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةً ضِمْنَ ثُبُوتِ الْأَمْرِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ الضِّمْنِيِّ لِضِدِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَالْقَصْدِيِّ. وَلَا شَكَّ أَنَّ ثُبُوتَ مَا لَهُ الدَّوَاعِي عِنْدَ ثُبُوتِهَا مَعَ قِيَامِ الْحَاجِزِ الشَّرْعِيِّ عَنْهُ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَلَا غَالِبًا غَيْرَ أَنَّهَا طَرِيقٌ فِي الْجُمْلَةِ فَحُرِّمَتْ لِلتَّحْرِيمِ الْقَصْدِيِّ لِمَا هِيَ دَوَاعِيهِ لَا الضِّمْنِيِّ، إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ لَيْسَ إلَّا تَحْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَلْحُوظٍ فِي الطَّلَبِ إلَّا لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى دَوَاعِيهِ، إذَا عُرِفَ هَذَا فَحُرْمَةُ

وَحَالَةُ الْعَاكِفِينَ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ (وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ حَتَّى يَفْسُدَ بِهِ الصَّوْمُ، وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَطْءِ فِي الِاعْتِكَافِ قَصْدِيٌّ إذْ هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّهْيِ الْمُفِيدِ لِلْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً لِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَمِثْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِبْرَاءِ قَالَ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] الْآيَةَ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» فَتَتَعَدَّى إلَى الدَّوَاعِي فِيهَا، وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ ضِمْنِيٌّ لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لِلصَّوْمِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْكَفِّ، فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ تَثْبُتُ ضِمْنًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوَطْءُ هِيَ الثَّابِتَةُ أَوَّلًا بِالصِّيغَةِ. ثُمَّ يَثْبُتُ وُجُوبُ الْكَفِّ عَنْهُ ضِمْنًا فَلِذَا يَثْبُتُ سَمْعًا حِلُّ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابَيْهِمَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ) أَوْ رَدَّ لِمَ لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [البقرة: 187] ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَجَازَهَا وَهُوَ الْجِمَاعُ مُرَادٌ فَتَبْطُلُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ. وَهُوَ مُشْكِلٌ لِانْكِشَافِ أَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْمُبَاشَرَةِ، لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ خَاصَّةٌ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُبْلَةِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْجِمَاعِ مُتَوَاطِئًا أَوْ مُشَكِّكًا، فَأَيُّهَا أُرِيدَ بِهِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ كُلُّ اسْمٍ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ فَرْدَانِ مِنْ مَفْهُومِهِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ سِيَاقُ النَّهْيِ وَهُوَ يُفِيدُ الْعُمُومَ. فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاشَرَةِ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. هَذَا وَإِذَا فَسَدَ الِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ إلَّا إذَا فَسَدَ بِالرِّدَّةِ خَاصَّةً، فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ لَيْسَ غَيْرُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ أَصْلُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ، وَسَوَاءٌ أَفْسَدَهُ بِصُنْعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ إلَّا الرِّدَّةَ، أَوْ لِعُذْرٍ كَمَا إذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ الطَّوِيلِ، وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ)

لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا بِلَيَالِيِهَا) لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي، يُقَالُ: مَا رَأَيْتُك مُنْذُ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا وَكَانَتْ (مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ) لِأَنَّ مَبْنَى الِاعْتِكَافِ عَلَى التَّتَابُعِ، لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا قَابِلَةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفَرُّقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَرُّقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ (وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ) لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ: عَشَرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا (لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا بِلَيَالِيِهَا وَكَانَتْ مُتَتَابِعَةً) وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْقَلْبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: شَهْرًا وَلَمْ يَنْوِهِ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَيْلُهُ وَنَهَارُهُ يَفْتَتِحُهُ مَتَى شَاءَ بِالْعَدَدِ لَا هِلَالِيًّا، وَالشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ هِلَالِيٌّ، وَإِنْ فَرَّقَ اسْتَقْبَلَ. وَقَالَ زُفَرُ: إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَشَهْرًا يُلْحَقُ بِالْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ فِي لُزُومِ التَّتَابُعِ وَدُخُولِ اللَّيَالِي فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَبِالصَّوْمِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الِاتِّصَالِ بِالْوَقْتِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ، وَالْمُعَيِّنُ لِذَلِكَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ، يُقَالُ: مَا رَأَيْتُك مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَفِي التَّارِيخِ كُتِبَ لِثَلَاثٍ بَقِينَ، وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا فِيهِمَا وَقَالَ تَعَالَى {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ} [مريم: 10] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، وَتَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى فَيَدْخُلُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ آخِرِ الْأَيَّامِ الَّتِي عَدَّهَا، وَإِنَّمَا يُرَادُ بَيَاضُ النَّهَارِ بِالْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ، وَذُكِرَ الْيَوْمُ بِلَفْظِ الْفَرْدِ فَلِهَذَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَمْ يَدْخُلْ اللَّيْلُ بِخِلَافِ الْأَيَّامِ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الصَّوْمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَلْزَمُهَا بِيَوْمِهَا، وَلَوْ نَوَى بِاللَّيْلَةِ الْيَوْمَ لَزِمَهُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَصِلَ قَضَاءَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِالشَّهْرِ فِيمَا إذَا نَذَرَتْ اعْتِكَافَ شَهْرٍ فَحَاضَتْ فِيهِ، وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ، وَعَنْ لُزُومِ التَّتَابُعِ قَالُوا: لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَوْ أَصَابَهُ عَتَهٌ أَوْ لَمَمٌ اسْتَقْبَلَ إذَا بَرْءًا لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ وَفِي الصَّوْمِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ وَيَقْضِي مَا بَعْدَهُ، فَأَفَادُوا أَنَّ الْإِغْمَاءَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَ الصَّوْمِ وَهُوَ النِّيَّةُ. وَالظَّاهِرُ وُجُودُهَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ فَلَا يَقْضِيهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْفَرْقِ أَنْ يُقَالَ: هُوَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَالِانْتِظَارُ يَنْقَطِعُ بِالْإِغْمَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي تَجِبُ بَعْدَ الْإِغْمَاءِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ الْمَسْبُوقِ بِالنِّيَّةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَوْمِ بَيَاضُ النَّهَارِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَنَوَى الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيَ أَوْ قَلَبَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ

(وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ يَلْزَمُهُ بِلَيْلَتَيْهِمَا) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ، وَفِي الْمُتَوَسِّطَةِ ضَرُورَةُ الِاتِّصَالِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ فَيَلْحَقُ بِهِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، لَيْسَ بِاسْمٍ عَامٍّ كَالْعَشَرَةِ عَلَى مَجْمُوعِ الْآحَادِ فَلَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ الْعَدَدِ أَصْلًا، كَمَا لَا تَنْطَلِقُ الْعَشَرَةُ عَلَى خَمْسَةٍ مَثَلًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، أَمَّا لَوْ قَالَ: شَهْرًا بِالنَّهْرِ دُونَ اللَّيَالِي لَزِمَهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ اسْتَثْنَى فَقَالَ: شَهْرًا إلَّا اللَّيَالِيَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثِينَ نَهَارًا، وَلَوْ اسْتَثْنَى لِأَيَّامٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِي الْمُجَرَّدَةَ، وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ، وَهُوَ الصَّوْمُ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) فِي النِّهَايَةِ: كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى، كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي نُسَخِ شُرُوحِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِمَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فِي حُجَّتِهِمَا بِقَوْلِهِ: وَجْهُ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ) فَكَانَ لَفْظُهُ وَلَفْظُ الْمُفْرَدِ سَوَاءً، ثُمَّ فِي لَفْظِ الْمُفْرَدِ بِأَنْ قَالَ يَوْمًا لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا التَّثْنِيَةُ، إلَّا أَنَّ الْمُتَوَسِّطَةَ تَدْخُلُ لِضَرُورَةِ الِاتِّصَالِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى. (قَوْلُهُ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ) وَلِذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَلَوْ قَالَ: لَيْلَتَيْنِ صَحَّ نَذْرُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ اللَّيْلَتَيْنِ خَاصَّةً، بَلْ نَوَى الْيَوْمَيْنِ مَعَهُمَا، ثُمَّ خَصَّ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُثَنَّى، وَعَنْهُ فِي الْجَمْعِ مِثْلُ الْمُثَنَّى، وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَنْتَهِضُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ إدْخَالِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ أَيْضًا. [فَرْعٌ] لَوْ ارْتَدَّ عَقِيبَ نَذَرَ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ مُوجَبُ النَّذْرِ، لِأَنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ. وَنَذْرُ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ لَازِمٌ، فَإِنْ أَطْلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِي أَيِّ رَمَضَانَ شَاءَ، وَإِنْ عَيَّنَهُ لَزِمَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَلَوْ صَامَهُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ لِلنَّذْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ فَلَا يُقْضَى وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ بِاتِّفَاقِ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَعْتَكِفْ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ الِاعْتِكَافَ فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَكُلُّ مُعَيَّنٍ نُذِرَ اعْتِكَافُهُ كَرَجَبٍ وَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَمَضَى وَلَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ لَزِمَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَضَاؤُهُ، فَلَوْ أَخَّرَ يَوْمًا حَتَّى مَرِضَ وَجَبَ الْإِيصَاءُ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِلصَّوْمِ لَا لِلَّبْثِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ الْإِيجَابِ وَلَمْ يَبْرَأْ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَحَّ يَوْمًا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصَّوْمِ، وَالنَّذْرُ بِاعْتِكَافِ أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ يَنْعَقِدُ، وَيَجِبُ فِي بَدَلِهَا لِأَنَّ شَرْطَهُ الصَّوْمُ وَهُوَ فِيهَا مُمْتَنِعٌ، فَلَوْ اعْتَكَفَهَا صَائِمًا أَثِمَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ. وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ كَرَجَبٍ تَعَجَّلَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ قَبْلَهُ عَنْهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ سَنَةَ كَذَا فَحَجَّ سَنَةً قَبْلَهَا، وَكَذَا النَّذْرُ بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إذَا صَلَّاهَا قَبْلَهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا أَوْ أُصَلِّيَ غَدًا فَصَامَ الْيَوْمَ أَوْ صَلَّى جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَجَعَلَ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَتَصَدَّقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ عَنْهُ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ فَصَلَّاهُمَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ جَازَ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْمُضَافِ إلَى الزَّمَانِ وَالْمُضَافِ إلَى الْمَكَانِ. وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ هَذَا الْمَكَانُ دُونَ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ مِثْلُ مَا عَنْ زُفَرَ، وَالْخِلَافُ فِي التَّعْجِيلِ مُشْكِلٌ، وَلَعَلَّ تَرْكَ الْخِلَافِ أَنْسَبُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ التَّعْجِيلِ بَعْدَ السَّبَبِ، وَكُلٌّ مَنْذُورٌ فَإِنَّمَا سَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ، وَلَا تَعْتَكِفُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ، فَإِنْ مَنَعَهُمَا بَعْدَ الْإِذْنِ صَحَّ مَنْعُهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَيَكُونُ مُسِيئًا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: يَكُونُ آثِمًا، وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَوْ نَذَرَ الْمَمْلُوكُ اعْتِكَافًا لَزِمَهُ وَلِلْمَوْلَى مَنْعُهُ مِنْهُ فَإِذَا عَتَقَ يَقْضِيهِ، وَكَذَا إذَا نَذَرَتْ الزَّوْجَةُ صَحَّ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا، فَإِنْ بَانَتْ قَضَتْ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى مَنْعُ الْمُكَاتَبِ، وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَلَا سُكْرٌ فِي اللَّيْلِ، وَيُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ الرِّدَّةُ وَالْإِغْمَاءُ إذَا دَامَ أَيَّامًا، وَكَذَا الْجُنُونُ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَرِيبًا، فَإِنْ تَطَاوَلَ الْجُنُونُ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ؟ فِي الْقِيَاسِ لَا كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقْضِي لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إنَّمَا كَانَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا طَالَ قَلَّمَا يَزُولُ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ فَيُحْرَجُ فِي قَضَائِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصِحَابِهِ وَسَلَّمَ.

[كتاب الحج]

كِتَابُ الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْحَجِّ] ِّ أَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ قَهْرِ النَّفْسِ، إذْ لَيْسَ حَقِيقَتُهُ سِوَى مَنْعِ شَهَوَاتِهَا وَمَحْبُوبَاتِهَا الَّتِي هِيَ أَعْظَمُهَا عِنْدَهَا، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ حَقِيقَتَهَا أَفْعَالٌ هِيَ غَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَدْ تَحْرُمُ تِلْكَ الشَّهَوَاتِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَقَدْ لَا إلَّا فِي الْبَعْضِ كَالْحَجِّ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ. وَأَيْضًا فَالْحَجُّ يَشْتَمِلُ عَلَى السَّفَرِ. وَقَدْ يَكُونُ السَّفَرُ مُشْتَهَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيحِهَا وَتَفْرِيجِ الْهُمُومِ اللَّازِمَةِ فِي الْمَقَامِ، وَأَيْضًا فَالْحَجُّ وُجُوبُهُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَرْكَانِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا أَمَسَّ، وَوَجْهٌ آخَرُ لِلْأَمْسِيَةِ وَهُوَ أَنَّ شُرُوطَ لُزُومِ الْحَجِّ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَبِكَثْرَةِ شُرُوطِ الشَّيْءِ تَكْثُرُ مُعَانَدَاتُهُ، وَعَلَى قَدْرِ مُعَانَدَاتِ الشَّيْءِ يَقِلُّ وُجُودُهُ وَتَقْدِيمُ الْأَظْهَرِ وُجُوبًا أَظْهَرُ. وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَتَبَرَّكَ فِي افْتِتَاحِ هَذَا الرُّكْنِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ. فَإِنَّهُ أَصْلٌ كَبِيرٌ أَجْمَعُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، ثُمَّ نَذْكُرُ مُقَدِّمَةً فِي آدَابِ السَّفَرِ، وَالْمَقْصُودُ إعَانَةُ الْإِخْوَانِ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ تَامَّةً فَنَقُولُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ كَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبَزَّارُ وَالدَّارِمِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. فَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيِي وَأَنَا يَوْمئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِك يَا ابْنَ أَخِي. سَلْ عَمَّا شِئْت فَسَأَلْته وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ فَصَلَّى بِنَا فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلْبِيَتَهُ. قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ. ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي رَمَلَ حَتَّى إذَا صَعِدَهَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى فَقَالَ: دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ. وَقَدِمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْعِرَاقِ يَقُولُ: فَذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْيَمَنِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةً قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةٍ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدِمَائِنَا دَمَ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النَّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ: بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إلَى السَّمَاءِ وَيُنَكِّثُهَا إلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ. ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا مِنْ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ وَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: «نَحَرْتُ هَاهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ حِينَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ: وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ يَوْمئِذٍ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً فَنَحَرَ لِكُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةً ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا بِالْبَاقِي فَنَحَرَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ الْمَوْعُودَةُ] يُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحَجِّ إذَا كَرِهَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ، لَا إنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ لِلْحَجِّ وَالْغَزْوِ لِمَدْيُونٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَقْضِي بِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْغَرِيمُ، فَإِنْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَفِيلٌ بِإِذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَإِنْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَبِإِذْنِ الطَّالِبِ وَحْدَهُ، وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا فِي نَفْسِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ خَيْرٌ، وَكَذَا يَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. وَسُنَنُهَا أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِسُورَتَيْ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ، وَيَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْمَعْرُوفِ لِلِاسْتِخَارَةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِكَ» إلَخْ. أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللَّهِ تَعَالَى» ثُمَّ يَبْدَأُ بِالتَّوْبَةِ وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَالِاسْتِحْلَالِ مِنْ خُصُومِهِ، وَمِنْ كُلِّ مَنْ عَامَلَهُ، وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ نَفَقَةٍ حَلَالٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْحَجُّ بِالنَّفَقَةِ الْحَرَامِ مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ مَعَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً. وَلَا تَنَافِي بَيْنَ سُقُوطِهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ فَلَا يُثَابُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ وَلَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ عِقَابَ تَارِكِ الْحَجِّ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ رَفِيقٍ صَالِحٍ يُذَكِّرُهُ إذَا نَسِيَ، وَيُصَبِّرُهُ إذَا جَزِعَ، وَيُعِينُهُ إذَا عَجَزَ، وَكَوْنُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ أَوْلَى مِنْ الْأَقَارِبِ عِنْدَ بَعْضِ الصَّالِحِينَ تَبَعُّدًا مِنْ سَاحَةِ الْقَطِيعَةِ، وَيُرِي الْمُكَارِيَ مَا يَحْمِلُهُ وَلَا يَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَيُجَرِّدُ سَفَرَهُ عَنْ التِّجَارَةِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ، وَلِذَا كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الرُّكُوبَ فِي الْمَحْمَلِ. وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ قَصْدِ ذَلِكَ، وَرُكُوبُ الْجَمَلِ أَفْضَلُ، وَيُكْرَهُ الْحَجُّ عَلَى الْحِمَارِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ لِمَنْ يُطِيقُهُ، وَلَا يُسِيءُ خُلُقُهُ، وَلَا يُمَاكِسُ فِي شِرَاءِ الْأَدَوَاتِ، وَلَا يُشَارِكُ فِي الزَّادِ، وَاجْتِمَاعُ الرُّفْقَةِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامِ أَحَدِهِمْ أَفْضَلُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِلَّا فَيَوْمُ الِاثْنَيْنِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَالشَّهْرِ، وَيُوَدِّعُ أَهْلَهُ وَإِخْوَانَهُ وَيَسْتَحِلُّهُمْ وَيَطْلُبُ دُعَاءَهُمْ، وَيَأْتِيهِمْ لِذَلِكَ وَهُمْ يَأْتُونَهُ إذَا قَدِمَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ لِقَزَعَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ. قَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ: إنَّ اللَّهَ إذَا اُسْتُوْدِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَهُ: مَنْ يُوَدِّعُهُ عِنْدَ ذَلِكَ: فِي حِفْظِ اللَّهِ وَكَنَفِهِ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى، وَجَنَّبَكَ الرَّدَى، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَوَجَّهَكَ الْخَيْرَ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتَ» وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ فَلْيَقُلْ لِمَنْ يَخْلُفُهُ أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِي لَا يُضِيعُ وَدَائِعَهُ» وَاسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُشَيَّعَ الْمُسَافِرُ بِالْمَشْيِ مَعَهُ وَالدُّعَاءِ لَهُ. «وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ حِينَ وَجَّهَهُمْ ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ» وَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَبَعْدَهُ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ، وَأَقَلُّهُ شُبْعَةٌ فَإِنَّهُ سَبَبُ السَّلَامَةِ. وَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَلْيَقُلْ " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى السَّفَرِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الضَّيْعَةِ فِي السَّفَرِ، وَالْكَآبَةِ فِي الْمُنْقَلَبِ، اللَّهُمَّ اقْبِضْ لَنَا الْأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَيُقَالُ لَهُ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَيَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ» الْحَدِيثَ. وَمِنْ الْآثَارِ «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ حَتَّى يَرْجِعَ» قِيلَ وَلِإِيلَافِ قُرَيْشٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا خَلَّفَ أَحَدٌ عِنْدَ أَهْلِهِ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا» فَإِذَا بَلَغَ بَابَ دَارِهِ قَرَأَ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ، فَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوبَ سَمَّى اللَّهَ، فَإِذَا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ قَالَ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» وَإِذَا أَتَى بَلْدَةً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَإِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29] وَاذَا حَطَّ رَحْلَهُ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ كُلِّهَا مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ أَعْطِنَا خَيْرَ هَذَا الْمُنْزَلِ وَخَيْرَ مَا فِيهِ، وَاكْفِنَا شَرَّهُ وَشَرَّ مَا فِيهِ، وَيَقُولُ فِي رَحِيلِهِ عَنْهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا فِي مُنْقَلَبِنَا وَمَثْوَانَا، اللَّهُمَّ كَمَا أَخْرَجْتنَا مِنْ مَنْزِلِنَا هَذَا سَالِمِينَ بَلِّغْنَا غَيْرَهُ آمِنِينَ، وَإِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ فَلْيَقُلْ مَا فِي أَبِي دَاوُد «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ: يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ، وَشَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ وَمِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ» . وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ يَقُولُ سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَحُسْنِ بَلَائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا، وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذًا بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد «بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَزَادَ فِيهِ: «يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ» وَسَمِعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ خَفِيفَةٌ أَيْ شَهِدَ شَاهِدٌ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا مُشَدَّدَةً: أَيْ بَلَّغَ سَامِعٌ قَوْلِي هَذَا لِغَيْرِهِ تَنْبِيهًا عَلَى طَلَبِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ ، هَذَا وَلِلْحَجِّ مَفْهُومٌ لُغَوِيٌّ وَفِقْهِيٌّ، وَسَبَبٌ وَشُرُوطٌ وَأَرْكَانٌ وَوَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ وَمُسْتَحَبَّاتٌ. [فَمَفْهُومُهُ] لُغَةً: الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا الْقَصْدُ الْمُطْلَقُ. قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ أَسْعَدَ أَنَّمَا ... تَخَاطَأَنِي رَيْبُ الزَّمَانِ لَأَكْبَرَا وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا أَيْ يَقْصِدُونَهُ مُعَظِّمِينَ إيَّاهُ. وَفِي الْفِقْهِ: قَصْدُ الْبَيْتِ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ، أَوْ قَصْدُ زِيَارَتِهِ لِذَلِكَ. فَفِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الطَّوَافِ الْفَرْضِ، وَالْوُقُوفِ فِي وَقْتِهِ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْحَجِّ، سَابِقًا. لِأَنَّا نَقُولُ: أَرْكَانُهُ اثْنَانِ: الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَلَا وُجُودَ لِلشَّخْصِ إلَّا بِأَجْزَائِهِ الشَّخْصِيَّةِ وَمَاهِيَّتِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُلِّيَّةِ إنَّمَا هِيَ مُنْتَزِعَةٌ مِنْهَا؛ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرُوا مَفْهُومَ الِاسْمِ فِي الْعُرْفِ، وَقَدْ وُضِعَ لِغَيْرِ نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ فَيَكُونُ تَعْرِيفًا اسْمِيًّا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ الْفِقْهِيِّ وَضَعُوا لَهُ الِاسْمَ لِغَيْرِ الْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ، فَإِنَّ مُعَرَّفَ ذَلِكَ حَيْثُ لَا نَقْلَ عَنْ خُصُوصٍ نَاقِلٍ لِلِاسْمِ إلَى ذَلِكَ هُوَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْأَعْمَالُ الْمَخْصُوصَةُ لَا نَفْسَ الْقَصْدِ لِأَجْلِ الْأَعْمَالِ الْمُخْرَجِ لَهَا عَنْ الْمَفْهُومِ مَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْحَجَّ النَّفَلَ لِتَقْيِيدِهِ بِأَدَاءِ رُكْنِ الدِّينِ فَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ، وَالتَّعْرِيفُ لِلْحَجِّ مُطْلَقًا لِيَنْطَبِقَ عَلَى فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ كَمَا هُوَ تَعْرِيفُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يُخَالِفُ سَائِرَ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ السَّابِقَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَفْعَالِ كَمَا يُقَالُ: الصَّلَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَخْ، وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ إلَخْ، وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ. وَالزَّكَاةُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْسِ أَدَاءِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ. فَلْيَكُنْ الْحَجُّ أَيْضًا عِبَارَةً عَنْ الْأَفْعَالِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ كَعَرَفَةَ، وَقَدْ انْدَرَجَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيَانُ أَرْكَانِهِ. . [وَسَبَبُهُ] الْبَيْتُ، لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ. [وَشَرَائِطُهُ نَوْعَانِ] شَرْطُ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ. وَالثَّانِي الْإِحْرَامُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ الْمَخْصُوصُ حَتَّى لَا يَجُوزَ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ بَدَلَ الْإِحْرَامِ النِّيَّةَ، وَهَذَا أَوْلَى لِاسْتِلْزَامِهِ النِّيَّةَ وَغَيْرَهَا عَلَى مَا سَيَظْهَرُ لَك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: الْإِسْلَامُ، حَتَّى لَوْ مَلَكَ مَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ حَالَ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَمَا افْتَقَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَهُ مُسْلِمًا فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى افْتَقَرَ حَيْثُ يَتَقَرَّرُ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْوَقْتُ أَيْضًا، فَلَا يَجِبُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، حَتَّى لَوْ مَلَكَ مَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ قَبْلَهَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ صَرْفِهَا إلَى غَيْرِهِ، وَأَفَادَ هَذَا قَيْدًا فِي صَيْرُورَتِهِ دَيْنًا إذَا افْتَقَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ قَادِرًا وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ، أَوْ قَادِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى افْتَقَرَ تَقَرَّرَ دَيْنًا، وَإِنْ مَلَكَ فِي غَيْرِهَا وَصَرَفَهَا إلَى غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْيَنَابِيعِ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَإِنْ مَلَكَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّبَ أَهْلُ بَلَدِهِ لِلْخُرُوجِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ صَرْفِهَا حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّأَهُّبُ فِي الْحَالِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ فِي أَوَائِلِ الْأَشْهُرِ وَهُمْ يَخْرُجُونَ فِي أَوَاخِرِهَا جَازَ لَهُ إخْرَاجُهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَقْتَ شَرْطُ الْأَدَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ نَقَلَ مِنْ اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ: أَنَّ نَصْرَانِيًّا لَوْ أَسْلَمَ وَصَبِيًّا لَوْ بَلَغَ فَمَاتَا قَبْلَ إدْرَاكِ الْوَقْتِ، وَأَوْصَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَوَصِيَّتُهُمَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ زُفَرَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمَا بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُمَا قَبْلَ إدْرَاكِ الْوَقْتِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: تَصِحُّ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي حَقِّهِمَا، وَالْوَقْتُ شَرْطُ الْأَدَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [وَوَاجِبَاتُهُ] إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مَا فَوْقَهُ مَا لَمْ يَخْشَ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورِهِ لِكَثْرَةِ الْبُعْدِ، وَمَدُّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ، وَالْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالسَّعْيُ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَطَوَافُ الصَّدْرِ لِلْآفَاقِيِّ.

(الْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ الْأَصِحَّاءِ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلًا عَنْ الْمَسْكَنِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا سُنَنُهُ] فَطَوَافُ الْقُدُومِ، وَالرَّمَلُ فِيهِ، أَوْ فِي الطَّوَافِ الْفَرْضِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ جَرْيًا، وَالْبَيْتُوتَةُ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ مِنًى، وَالدَّفْعُ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى قَبْلَهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ. [وَأَمَّا مَحْظُورَاتُهُ فَنَوْعَانِ] مَا يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ، وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ، وَالتَّطَيُّبُ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ. وَمَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ حَلْقُ رَأْسِ الْغَيْرِ، وَالتَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. وَأَمَّا قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ مَنْقُولًا فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لَا تُعَلَّقُ بِالْحَجِّ وَلَا الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْرَارِ إلَخْ) وَفِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا ذَكَرَ الْأَحْرَارَ وَمَا بَعْدَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ مَعَ أَنَّهُ مُحَلًّى بِاللَّامِ وَالْمُحَلَّى يَبْطُلُ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، وَلَمْ يُفْرِدْ كَمَا أَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ، إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فِي إرَادَةِ الْجَمْعِيَّةِ، إذْ الْعَادَةُ جَرَتْ وَقْتَ خُرُوجِهِمْ بِالْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ مِنْ الرُّفَقَاءِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْإِخْفَاءَ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْإِبْدَاءِ. قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] أَوْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا أَعَمُّ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ نَظَرًا إلَى السَّبَبِ، فَإِنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْوُجُوبِ عَلَى كُلِّ صَحِيحٍ مُكْتَسِبٍ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا النِّصَابُ النَّامِي، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ، فَكَانَتْ إرَادَةُ زِيَادَةِ التَّعْمِيمِ هُنَا أَوْفَقَ، فَلِذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مَعَ حَرْفِ الِاسْتِغْرَاقِ اهـ. وَحَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَ مَعَ اللَّامِ، وَالدَّاعِي إلَى ذَلِكَ اجْتِمَاعُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْخُرُوجِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لَا يُفَادُ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ إذْ لَيْسَ الِاجْتِمَاعُ مِنْ أَجْزَاءِ مَفْهُومِ لَفْظِ الْجَمْعِ وَلَا لَوَازِمِهِ، بَلْ مُجَرَّدُ الْمُتَعَدِّدِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا، وَلِذَا لَا يَلْزَمُ فِي قَوْلِك جَاءَنِي الرِّجَالُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْمَجِيءِ فَانْتَفَى هَذَا الدَّاعِي، ثُمَّ قَوْلُهُ: إنَّ الْإِخْفَاءَ فِي الزَّكَاةِ أَفْضَلُ يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ الْإِخْفَاءُ، وَالْمَفْرُوضَةِ كَالزَّكَاةِ الْإِظْهَارُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَثُبُوتُ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْكُلِّ إنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ فَالنِّصَابُ أَيْضًا ثَابِتٌ لِذَلِكَ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ سَبَبِيَّتِهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، فَإِنَّ سَبَبِيَّتَهُ بِمُوجِبِيَّتِهِ الْحُكْمَ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي حَقِّ الْكُلِّ بَلْ فِي حَقِّ مَنْ اتَّصَفَ بِالشُّرُوطِ مَعَ تَحَقُّقِ بَاقِي الشُّرُوطِ الَّتِي يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَأَمْنِ الطَّرِيقِ، فَحَقِيقَةُ الْوُجُوبِ شَرْطُ سَبَبِيَّةِ السَّبَبِ لِلْمُتَأَمِّلِ، فَكَانَ كَالنِّصَابِ بَلْ مَحَلُّ الْوُجُوبِ فِي الزَّكَاةِ أَوْسَعُ، لِأَنَّ الشُّرُوطَ فِي الْحَجِّ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الزَّكَاةِ، وَتَوْسِعَةُ التَّفْصِيلِ مِمَّا يُوجِبُ التَّطْوِيلَ، وَبِالْمُتَأَمِّلِ غِنًى عَنْهُ بَعْدَ فَتْحِ بَابِ التَّأَمُّلِ لَهُ، فَكَانَ عَلَى هَذَا إرَادَةُ زِيَادَةِ التَّعْمِيمِ فِي الزَّكَاةِ أَوْلَى. ثُمَّ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كُلُّ ذَلِكَ فَزِيَادَةُ التَّعْمِيمِ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ عَلَى الْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ مَمْنُوعٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ، وَإِنْ أَرَادَ بِالِاسْتِغْرَاقِ الِاجْتِمَاعَ فَفِيهِ مَا عَلِمْت مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ) بِنَفَقَةِ وَسَطٍ لَا إسْرَافَ فِيهَا وَلَا تَقْتِيرَ (وَالرَّاحِلَةِ) أَيْ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْ الْإِجَارَةِ دُونَ الْإِعَارَةِ، وَالْإِبَاحَةُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ لِيَحُجَّ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاهِبُ مِمَّنْ تُعْتَبَرُ مِنَّتُهُ كَالْأَجَانِبِ، أَوْ لَا تُعْتَبَرُ كَالْأَبَوَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْمِلْكِ هِيَ الْأَصْلُ فِي تَوْجِيهِ الْخِطَابِ فَقَبْلَ الْمِلْكِ لِمَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (قَوْلُهُ فَاضِلًا) حَالٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (عَنْ الْمَسْكَنِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِهِ كَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ

(وَلَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قِيلَ لَهُ «الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ لَا بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ. ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّتَيْنِ خُصُوصًا، وَفِي ضِمْنِ الْعُمُومِ، وَعَلَى الْإِيضَاحِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ الْمُفِيدِ لِلتَّفْخِيمِ، وَكَذَا وَضْعُ مَنْ كَفَرَ مَكَانَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ إلَى آخِرِ مَا عُرِفَ فِي الْكَشَّافِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) كَانَ يَكْفِي لِنَفْيِ التَّكَرُّرِ كَوْنُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ لَا يُفِيدُهُ فَلَا مُوجِبَ لِلتَّكَرُّرِ، لَكِنَّ حَاصِلَهُ نَفْيُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ التَّكَرُّرِ لِنَفْيِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ وَإِنْ كَفَى فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَكِنْ إثْبَاتُ النَّفْيِ مُقْتَضَى النَّفْيِ أَقْوَى فَلِذَا أَثْبَتَهُ بِالدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قِيلَ لَهُ «الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ» إلَخْ. رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» فَقَوْلُهُ «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ وُجُوبِ التَّكَرُّرِ مِنْ وَجْهَيْنِ لِإِفَادَةِ لَوْ هُنَا امْتِنَاعَ نَعَمْ، فَيَلْزَمُهُ ثُبُوتُ نَقِيضِهِ وَهُوَ لَا، وَالتَّصْرِيحُ بِنَفْيِ الِاسْتِطَاعَةِ أَيْضًا. وَقَدْ رُوِيَ مُفَسَّرًا وَمُبَيَّنًا فِيهِ الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ. أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ يَزِيدَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةٌ فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ» وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ وَصَحَّحَهُ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ) وَأَمَّا تَكَرُّرُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَالِ فَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ النَّامِي تَقْدِيرًا وَتَقْدِيرُ النَّمَاءِ دَائِرٌ مَعَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ إذَا كَانَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلِاسْتِنْمَاءِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَتَقْدِيرُ النَّمَاءِ الثَّابِتِ فِي هَذَا الْحَوْلِ غَيْرُ تَقْدِيرِ نَمَاءٍ فِي حَوْلٍ آخَرَ، فَالْمَالُ مَعَ هَذَا النَّمَاءِ غَيْرُ الْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ النَّمَاءِ الْآخَرِ فَيَتَعَدَّدُ حُكْمًا فَيَتَعَدَّدُ الْوُجُوبُ لِتَعَدُّدِ النِّصَابِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ مَلَكَ مَا يُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَيَحُجُّ أَمْ يَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ: يَحُجُّ، فَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ بِتَقْدِيمِ الْحَجِّ مَعَ أَنَّ التَّزَوُّجَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: أَنَّهُ إذَا

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمْرِ فَكَانَ الْعُمْرُ فِيهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُخَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ، وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَتَضَيَّقُ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا كَانَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ، بِخِلَافِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي مِثْلِهِ نَادِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَهُ مَالٌ يَكْفِي لِلْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ أَوْ خَافَ الْعُزُوبَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ إلَى ذَلِكَ، إنْ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إلَى الْحَجِّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْأَدَاءُ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْخُرُوجِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقٌ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ وُقُوعَ السُّؤَالِ فِي غَيْرِ أَوَانِ الْخُرُوجِ فَهُوَ خِلَافُ مَا فِي التَّجْنِيسِ وَإِلَّا فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِشْهَادُ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ، فَلَوْ حَجَّ بَعْدَهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ وَوَقَعَ أَدَاءً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَلَا يَأْثَمُ إذَا حَجَّ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَحُجَّ ظَهَرَ أَنَّهُ آثِمٌ، وَقِيلَ: لَا يَأْثَمُ. وَقِيلَ: إنْ خَافَ الْفَوْتَ بِأَنْ ظَهَرَتْ لَهُ مَخَايِلُ الْمَوْتِ فِي قَلْبِهِ فَأَخَّرَهُ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ، وَإِنْ فَجَأَهُ الْمَوْتُ لَا يَأْثَمُ، وَصِحَّةُ الْأَوَّلِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْوَجْهِ. وَعَلَى اعْتِبَارِهِ قِيلَ يَظْهَرُ الْإِثْمُ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى، وَقِيلَ الْأَخِيرَةُ، وَقِيلَ مِنْ سَنَةِ رَأَى فِي نَفْسِهِ الضَّعْفَ، وَقِيلَ يَأْثَمُ فِي الْجُمْلَةِ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِمُعَيَّنٍ بَلْ عِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى الْفَوْرِ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْنَى، فَالْأَوَّلُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ قَابِلٍ مُتَعَارَفٌ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ السَّنَةَ، وَإِلَّا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ. وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ، وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَتَأْخِيرُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ فِي وَقْتِهِ

وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَاتُ بِأَسْرِهَا مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصِّبْيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْفَوَاتِ فَلَا يَجُوزُ، وَلِذَا يَفْسُقُ بِتَأْخِيرِهِ وَيَأْثَمُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، فَحَقِيقَةُ دَلِيلِ وُجُوبِ الْفَوْرِ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا يَدْفَعُهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ جَوَازُ التَّأْخِيرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخَلَّى الْعُمْرُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ، وَفَرْضِيَّةُ الْحَجِّ كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ هُوَ إلَى الْقَابِلَةِ، أَوْ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ، عَلَى مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ: الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ» . قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٌ فَقَالَ: فِيهِ «بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ ضِمَامًا وَافِدًا فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ فَذَكَرَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ: الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحَجَّ، أَوْ سَنَةَ سِتٍّ» فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ تَعْرِيضُ الْفَوَاتِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَوْرِ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يَحُجَّ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ، وَلَيْسَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ جَوَازُ التَّأْخِيرِ وَلَا الْفَوْرُ حَتَّى يُعَارِضَهُ مُوجِبُ الْفَوْرِ وَهُوَ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَقْوَى قُوَّتَهُ، بَلْ مُجَرَّدُ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَبْقَى كُلٌّ مِنْ الْفَوْرِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ يَخْرُجُ عَنْهَا، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ تَارِيخٍ، وَأَمَّا بِالتَّارِيخِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّمَا وَجَدْتُ مُعْضَلَةً فِي ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٌ فَقَالَ فِيهِ: وَذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: لَا أَعْرِفُ لَهَا سَنَدًا، وَاَلَّذِي نَزَلَ سَنَةَ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَهُوَ افْتِرَاضُ الْإِتْمَامِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْ شَرَعَ فِيهِمَا. فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ وَاجِبَةٌ، وَالْحَجُّ مُطْلَقًا هُوَ الْفَرْضُ فَيَقَعُ أَدَاءً إذَا أَخَّرَهُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ عَلَى نَظِيرِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءً، فَارْجِعْ إلَيْهِ وَقِسْ بِهِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيُّمَا عَبْدٍ) رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَالْمُرَادُ بِالْأَعْرَابِيِّ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَإِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا يَحُجُّونَ فَنَفَى إجْزَاءَ ذَلِكَ الْحَجِّ عَنْ الْحَجِّ الَّذِي وَجَبَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَتَفَرَّدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ بِرَفْعِهِ، بِخِلَافِ الْأَكْثَرِ لَا يَضُرُّ إذْ الرَّفْعُ زِيَادَةٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِمُرْسَلٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» وَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَنَا. وَبِمَا هُوَ شَبِيهُ الْمَرْفُوعِ أَيْضًا فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْفَظُوا عَنِّي وَلَا تَقُولُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ " إلَخْ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ الْإِجْمَاعُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِوَجْهَيْنِ كَوْنُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمَالِ غَالِبًا بِخِلَافِهِمَا،

وَالْعَقْلُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ. وَكَذَا صِحَّةُ الْجَوَارِحِ لِأَنَّ الْعَجْزَ دُونَهَا لَازِمٌ. وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ وَوَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الْمُقْعَدُ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا مِلْكَ لِلْعَبْدِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَلُّكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فَلِذَا لَا يَجِبُ عَلَى عَبِيدِ أَهْلِ مَكَّةَ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ لَا لِلْأَهْلِيَّةِ فَوَجَبَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ. وَالثَّانِي أَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى يَفُوتُ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لِافْتِقَارِ الْعَبْدِ وَغِنَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى مَا شَرَعَ مَا شَرَعَ إلَّا لِتَعُودَ الْمَصَالِحُ إلَى الْمُكَلَّفِينَ إرَادَةً مِنْهُ لِإِفَاضَةِ الْجُودِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَوْلَى فِي اسْتِثْنَاءِ مُدَّتِهِمَا (قَوْلُهُ وَكَذَا صِحَّةُ الْجَوَارِحِ) حَتَّى إنَّ الْمُقْعَدَ وَالزَّمِنَ وَالْمَفْلُوجَ وَمَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ إذَا مَلَكُوا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَلَا الْإِيصَاءُ بِهِ فِي الْمَرَضِ، وَكَذَا الشَّيْخُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ: يَعْنِي إذَا لَمْ يَسْبِقْ الْوُجُوبُ حَالَةَ الشَّيْخُوخَةِ بِأَنْ لَمْ يَمْلِكْ مَا يُوصِلُهُ إلَّا بَعْدَهَا، وَكَذَا الْمَرِيضُ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْحَجِّ بِالْبَدَنِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْمُبْدَلُ لَا يَجِبُ الْبَدَلُ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى هَؤُلَاءِ إذَا مَلَكُوا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَمُؤْنَةَ مَنْ يَرْفَعُهُمْ وَيَضَعُهُمْ وَيَقُودُهُمْ إلَى الْمَنَاسِكِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا الْمُقْعَدُ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ الْمُقْعَدَ، وَيُقَابِلُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا مَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ إلَى مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ: فَرَّقَ مُحَمَّدٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمُقْعَدِ وَالْأَعْمَى. وَإِذَا وَجَبَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْإِحْجَاجُ لِلُزُومِهِمْ الْأَصْلَ وَهُوَ الْحَجُّ بِالْبَدَنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْبَدَلُ، فَلَوْ أَحَجُّوا عَنْهُمْ وَهُمْ آيِسُونَ مِنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ ثُمَّ صَحُّوا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَظَهَرَتْ نَفْلِيَّةُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خُلْفٌ ضَرُورِيٌّ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، كَالشَّيْخِ الْفَانِي إذَا فَدَى ثُمَّ قَدَرَ، وَكَذَا مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ عَدُوٌّ فَأَحَجَّ عَنْهُ، فَإِنْ أَقَامَ الْعَدُوُّ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى مَوْتِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ جَازَ الْحَجُّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَاتَ لَا يَجُوزُ لِزَوَالِ الْعُذْرِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَيَجِبُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ، وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ وَسَفَرِ قَائِدِهِ فَفِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَعَنْهُمَا فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عِنْدَهُمَا عَلَى قِيَاسِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَائِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَا يَلْزَمُهُ فَرْقًا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ بِأَنَّ وُجُودَ الْقَائِدِ فِي الْجُمُعَةِ غَيْرُ نَادِرٍ بِخِلَافِهِ فِي الْحَجِّ وَالْمَرِيضُ وَالْمَحْبُوسُ وَالْخَائِفُ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ، كَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهِمْ. وَفِي التُّحْفَةِ: أَنَّ الْمُقْعَدَ وَالزَّمِنَ وَالْمَرِيضَ وَالْمَحْبُوسَ وَالْخَائِفَ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ حَتَّى تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ التَّكَالِيفُ،

أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَطِيعَ بِالرَّاحِلَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ لَوْ هَدَى يُؤَدِّي بِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الضَّالَّ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يَكْتَرِي بِهِ شِقَّ مَحْمَلٍ أَوْ رَأْسَ زَامِلَةٍ، وَقَدْرَ النَّفَقَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ إذَا مَلَكُوا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ فِي اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْ اسْتَأْجَرَ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ؟ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ يَجِبُ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ اهـ. وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ «إنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ عَنْهُ أَكَانَ يُجْزِي عَنْهُ؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قَيَّدَ الْإِيجَابَ بِهِ، وَالْعَجْزُ لَازِمٌ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا الِاسْتِطَاعَةُ. فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِطَاعَةُ ثَابِتَةٌ إذَا قَدَرُوا عَلَى اتِّخَاذِ مَنْ يَرْفَعُهُمْ وَيَضَعُهُمْ وَيَقُودُهُمْ بِالْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِئْجَارِ. قُلْنَا: مُلَاءَمَةُ الْقَائِدِ وَالْخَادِمِ وَحُصُولُ الْمَقْصُودِ مَعَهُ مِنْهُمْ مِنْ الرِّفْقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْعَجْزُ ثَابِتٌ لِلْحَالِ. فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ بِالشَّكِّ، عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ بِالْبَدَنِ هِيَ الْأَصْلُ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا فَلَأَنْ يَسْتَطِيعَ عَمَلَ كَذَا فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ مَا فِي النَّصِّ، إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ لَا مُطْلَقًا تَوَسُّطًا بَيْنَ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ، لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْوُجُوبُ دَائِرٌ مَعَ فَائِدَتِهِ عَلَى مَا تَحَقَّقَ فِي الصَّوْمِ فَيَثْبُتُ عِنْدَ قُدْرَةِ الْمَالِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْإِحْجَاجِ وَالْإِيصَاءِ. وَمِنْ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ هَؤُلَاءِ الْحَجَّ بِأَنْفُسِهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ لَوْ صَحُّوا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْوُجُوبِ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ فَإِذَا تَحَمَّلُوهُ وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَالْفَقِيرِ إذَا حَجَّ. هَذَا وَفِي الْفَتَاوَى تَكَلَّمُوا فِي أَنَّ سَلَامَةَ الْبَدَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمْنَ الطَّرِيقِ. وَوُجُودَ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ يَلْزَمُهُ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَثْبُتَا تَنْصِيصًا بَلْ تَخْرِيجًا، أَوْ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ اخْتَارُوا رِوَايَةً. وَإِذَا آلَ الْحَالُ إلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي الْمُخْتَارِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ تَخْرِيجِهِمَا فَلَنَا نَحْنُ أَيْضًا أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ كَوْنُهَا شُرُوطَ الْأَدَاءِ بِمَا قُلْنَاهُ آنِفًا إنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ مِمَّا تَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ إلَخْ. وَعَلَى هَذَا فَجَعْلُ عَدَمِ الْحَبْسِ وَالْخَوْفِ مِنْ السُّلْطَانِ شَرْطَ الْأَدَاءِ أَوْلَى، وَمَنْ قَدَرَ حَالَ صِحَّتِهِ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أُقْعِدَ أَوْ زَمِنَ أَوْ فَلَجَ أَوْ قُطِعَتْ رِجْلَاهُ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ، وَهُنَا قَيْدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ، وَهُوَ

«لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ إلَيْهِ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عَقَبَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَتَعَاقَبَانِ لَمْ تُوجَدْ الرَّاحِلَةُ فِي جَمِيعِ السَّفَرِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الْمَسْكَنِ وَعَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ وُجُوبَ الْإِيصَاءِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى مَاتَ، فَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ) رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي «قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السَّبِيلُ؟ قَالُوا: زَادٌ وَرَاحِلَةٌ» حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا مَنْصُور عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ. وَمِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِيهِ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» يَعْنِي قَوْلَهُ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ بِطُرُقِهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ لَا يَسْلَمُ مِنْ ضَعْفٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ صَحِيحٌ ارْتَفَعَ بِكَثْرَتِهَا إلَى الْحَسَنِ فَكَيْفَ وَمِنْهَا الصَّحِيحُ. هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ شِقَّ مَحْمَلٍ أَوْ رَأْسَ زَامِلَةٍ عَلَى التَّوْزِيعِ لِيَكُونَ الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِمَنْ قَدَرَ عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرِينَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَنْ قَدَرَ عَلَى شِقِّ مَحْمَلِ هَذَا، لِأَنَّ حَالَ النَّاسِ مُخْتَلِفٌ ضَعْفًا وَقُوَّةً وَجَلْدًا وَرَفَاهِيَةً، فَالْمُرَفَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فِي عُرْفِنَا رَاكِبٌ مُقَتَّبٌ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ السَّفَرَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَهْلَكُ بِهَذَا الرُّكُوبِ فَلَا يَجِبُ فِي حَقِّ هَذَا لَا إذَا قَدَرَ عَلَى شِقِّ مَحْمَلٍ، وَمِثْلُ هَذَا يَتَأَتَّى فِي الزَّادِ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَا يَكْفِيهِ مِنْ خُبْزٍ وَجُبْنٍ دُونَ لَحْمٍ وَطَبِيخٍ قَادِرًا عَلَى الزَّادِ، بَلْ رُبَّمَا يَهْلَكُ مَرَضًا بِمُدَاوَمَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا كَانَ مُتَرَفِّهًا مُعْتَادَ اللَّحْمِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُرْتَفِعَةِ، بَلْ لَا يَجِبُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَى مَا يَصْلُحُ مَعَهُ بَدَنُهُ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا الزَّادُ الَّذِي يُبَلِّغُهُ وَالرَّاحِلَةُ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى آحَادِ النَّاسِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مَا يُبَلِّغُ كُلَّ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إلَخْ) الْعَقَبَةُ أَنْ يَكْتَرِيَ الِاثْنَانِ رَاحِلَةً يَعْتَقِبَانِ عَلَيْهَا يَرْكَبُ أَحَدُهُمَا مَرْحَلَةً وَالْآخَرُ مَرْحَلَةً، وَلَيْسَ يَلْزَمُ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ

لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْخَادِمِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ وَثِيَابِهِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَرْأَةِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِأَمْرِهِ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ الرَّاحِلَةُ، لِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ زَائِدَةٌ فِي الْأَدَاءِ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ دُونَهُ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْلِكَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَنَقَلْنَا مَا فِي الْيَنَابِيعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ الرَّاحِلَةُ) قَدَّمْنَا فَائِدَةَ اقْتِصَارِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي الْيَنَابِيعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ) أَيْ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخِيفًا فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ. وَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ: لَا أَقُولُ الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. وَقَوْلُ الثَّلْجِيِّ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ حَجٌّ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً كَانَ وَقْتُ غَلَبَةِ النَّهْبِ وَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ، وَكَذَا أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، وَكَانُوا يَغْلِبُونَ عَلَى أَمَاكِنَ وَيَتَرَصَّدُونَ لِلْحُجَّاجِ، وَقَدْ هَجَمُوا فِي بَعْضِ السِّنِينَ عَلَى الْحَجِيجِ فِي نَفْسِ مَكَّةَ فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا فِي نَفْسِ الْحَرَمِ، وَأَخْذُو أَمْوَالَهُمْ، وَدَخَلَ كَبِيرُهُمْ بِفَرَسِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَوَقَعَتْ أُمُورٌ شَنِيعَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى أَنْ عَافَى مِنْهُمْ. وَقَدْ سُئِلَ الْكَرْخِيُّ عَمَّنْ لَا يَحُجُّ خَوْفًا مِنْهُمْ فَقَالَ: مَا سَلِمَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْآفَاتِ: أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهَا كَقِلَّةِ الْمَاءِ، وَشِدَّةِ الْحَرِّ وَهَيَجَانِ السَّمُومِ، وَهَذَا إيجَابٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَحْمَلُهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْغَالِبَ انْدِفَاعُ شَرِّهِمْ عَنْ الْحَاجِّ، وَرَأَى الصَّفَّارُ عَدَمَهُ فَقَالَ: لَا أَرَى الْحَجَّ فَرْضًا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ، وَمَا ذَكَرَ سَبَبًا لِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْحَجِّ إلَّا بِإِرْشَادِهِمْ فَتَكُونَ الطَّاعَةُ سَبَبَ الْمَعْصِيَةِ، فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إنَّمَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ مَا ذَكَرْته، ثُمَّ الْإِثْمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْآخِذِ لَا الْمُعْطِي عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَقْسِيمِ الرِّشْوَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَكَوْنُ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ لَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ لِمَعْصِيَةِ عَاصٍ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ حَتَّى إذَا غَلَبَ الْخَوْفُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ وَالْغَلَبَةِ مِنْهُمْ مِرَارًا أَوْ سَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ وَلَهَا شَوْكَةٌ وَالنَّاسُ يَسْتَضْعِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ. وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ، فَقِيلَ: الْبَحْرُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ هُوَ) أَيْ أَمْنُ الطَّرِيقِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ حَتَّى لَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ ابْنُ شُجَاعٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: هُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا غَيْرَ. قَالَ (وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ تَحُجُّ بِهِ أَوْ زَوْجٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُصُولَ بِدُونِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَصَارَ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ شَرْطُ الْوُجُوبِ. وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ حِينَ سُئِلَ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ مِنْهَا لَذَكَرَهُ وَإِلَّا كَانَ تَأْخِيرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْعِبَادِ وَلَا يُسْقِطُ الْعِبَادَةَ الْوَاجِبَةَ كَالْقَيْدِ مِنْ الظَّالِمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ حُصُولِ الْأَمْنِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْوُجُوبِ تَقَدَّمَ لَنَا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، وَأَنَّ عَدَمَ الْخَوْفِ مِنْ السُّلْطَانِ وَالْحَبْسِ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ أَيْضًا فَيَجِبُ عَلَى الْخَائِفِ وَالْمَحْبُوسِ الْإِيصَاءُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ خِلَافَهُ. وَقَالُوا لَوْ تَحَمَّلَ الْعَاجِزُ عَنْهُمَا فَحَجَّ مَاشِيًا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ، حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ عَدَمَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْعَبْدِ، بَلْ لِلتَّرْفِيهِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ، فَإِذَا تَحَمَّلَهُ وَجَبَ ثُمَّ يَسْقُطُ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ. الثَّانِي: أَنَّ الْفَقِيرَ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَوَاقِيتِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ السُّقُوطِ عَنْهُ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ كَدُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ لِلْوَاجِبِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ، فَلَا يَنْقَلِبُ لَهُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ كَالصَّبِيِّ إذَا أَحْرَمَ ثُمَّ بَلَغَ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّجْدِيدُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ انْعَقَدَ لَازِمًا لِلنَّفْلِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ عَلَى مَا نَذْكُرُ قَرِيبًا، وَبِخِلَافِ مَنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ فَلَمْ يَنْوِ الْوَاجِبَ لِأَنَّ إحْرَامَهُ حِينَئِذٍ انْعَقَدَ لِلْوَاجِبِ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ يُخَالِفُهُ، وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ، لِأَنَّ تَحَقُّقَ تَحَمُّلِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ. وَمَعَ الْفَرَاغِ لَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ لَمْ يَكُنْ أَثَرُهُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمُنْقَضِي إذْ لَا يَسْبِقُ فِعْلُ الْوَاجِبِ الْوُجُوبَ، فَمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ لَا يَنْتَهِضُ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْهُ وَاحِدٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِضْ فِيهِ الْأَوَّلُ انْتَهَضَ فِيهِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا خَصَّصْنَا الْإِيرَادَ بِالْفَقِيرِ لِأَنَّا نَرَى أَنَّ سَلَامَةَ الْجَوَارِحِ شَرْطُ الْأَدَاءِ لَا الْوُجُوبِ عَلَى مَا بَحَثْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ) وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا (أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ) كَابْنٍ أَوْ عَمٍّ، وَكَمَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ كَذَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْعِدَّةِ وَقَالُوا فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ تُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ لَا تُسَافِرْ إلَّا بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا لَا تُعَانُ عَلَى السَّفَرِ وَلَا تُسْتَصْحَبُ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ مَا لَمْ تَبْلُغْ، وَبُلُوغُهَا حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَدَّ الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ النَّجْفِ، فَإِنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا أَوْ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ إلَى كُلٍّ مِنْ بَلَدِهَا وَمَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ تَخَيَّرَتْ، أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا سَفَرٌ دُونَ الْآخَرِ تَعَيَّنَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْآخَرِ، أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا سَفَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ قَرَّتْ فِيهِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَلَا تَخْرُجُ وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهَا

أَنْ تَحُجَّ بِغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لَهَا الْحَجُّ إذَا خَرَجَتْ فِي رُفْقَةٍ وَمَعَهَا نِسَاءٌ ثِقَاتٌ لِحُصُولِ الْأَمْنِ بِالْمُرَافَقَةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» وَلِأَنَّهَا بِدُونِ الْمَحْرَمِ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا، وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ تَمْضِيَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ آمِنٍ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّا ذَكَرْنَاهَا هُنَا لِتَكُونَ أَذْكَرَ لِمَنْ يُطَالِعُ الْبَابَ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لَهَا إلَخْ) لَهُ الْعُمُومَاتُ مِثْلُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجُّوا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ. وَلِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنْ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ عَدِيٌّ: رَأَيْت الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا زَوْجًا وَلَا مَحْرَمًا. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ إذَا خَلَصَتْ بِجَامِعِ أَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ. قُلْنَا: أَمَّا الْعُمُومَاتُ فَقَدْ تَقَيَّدَتْ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ إجْمَاعًا كَأَمْنِ الطَّرِيقِ فَتُقَيَّدُ أَيْضًا بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا «فَوْقَ ثَلَاثٍ» وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ «ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ عَامَّةٌ فِي كُلِّ سَفَرٍ فَإِنَّمَا تَنْتَظِمُ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ، وَهُوَ سَفَرُ الْحَاجِّ بِعُمُومِهِ لَكِنَّهُ قَدْ خُصَّ مِنْهُ سَفَرُ الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ فَيُخَصُّ مِنْهُ سَفَرُ الْحَجِّ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَيْهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ، وَيَصِيرُ الدَّاخِلُ تَحْتَ اللَّفْظِ مُرَادًا السَّفَرَ الْمُبَاحَ. قُلْنَا: لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِأَنَّ فِي عَيْنِهِ نَصًّا يُفِيدُ أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْعَامِّ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَعْبَدًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ. (وَإِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ «لَا تَحُجُّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي اكْتَتَبْتُ. فِي غَزْوَةِ كَذَا وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ، قَالَ: ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَهَا» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ وَلَفْظُهُ «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» فَثَبَتَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ بِمَا رَوَيْنَا عَلَى أَنَّهُمْ خَصُّوهَا بِوُجُودِ الرُّفْقَةِ، وَالنِّسَاءُ الثِّقَاتُ فِيمَا رَوَيْنَا أَوْلَى، وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ الْقِيَاسِ الَّذِي عَيَّنُوهُ لِأَنَّهُ يُعَارِضُ النَّصَّ، بَلْ نَقُولُ: الْآيَةُ الْعَامَّةُ لَا تَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ حَالَ عَدَمِ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمُ مَعَهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَطِيعُ النُّزُولَ وَالرُّكُوبَ إلَّا مَعَ مَنْ يُرَكِّبُهَا وَيُنْزِلُهَا، وَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ إلَّا لِلْمَحْرَمِ وَالزَّوْجِ، فَلَمْ تَكُنْ مُسْتَطِيعَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا النَّصُّ. وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فَلَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَعْضِهِنَّ وَلَوْ قَدَرَتْ فَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ مَعَ أَمْنِ انْكِشَافِ شَيْءٍ مِمَّا لَا يَحِلُّ لِأَجْنَبِيٍّ النَّظَرُ إلَيْهِ كَعَقِبِهَا وَرِجْلِهَا وَطَرَفِ سَاقِهَا وَطَرَفِ مِعْصَمِهَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَحْرَمِ لِيُبَاشِرَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَسْتُرَهَا، وَلِانْتِفَاءِ وُجُودِ الْجَامِعِ فِيهِمَا فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ لَيْسَ سَفَرًا لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا، بَلْ النَّجَاةُ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ، فَقَطْعُهَا الْمَسَافَةَ كَقَطْعِ السَّابِحِ، وَلِذَا إذَا وَجَدَتْ مَأْمَنًا كَعَسْكَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَنْ تَقَرَّ وَلَا تُسَافِرَ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ. عَلَى أَنَّهَا لَوْ قَصَدَتْ مَكَانًا مُعَيَّنًا لَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهَا، وَلَا يَثْبُتُ السَّفَرُ بِهِ، لِأَنَّ حَالَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَصْدِ مُجَرَّدِ التَّخَلُّصِ يُبْطِلُ عَزِيمَتَهَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْعَسْكَرِ الدَّاخِلِ أَرْضَ الْحَرْبِ، وَلَوْ سَلِمَ ثُبُوتُ سَفَرِهَا فَهُوَ لِلِاضْطِرَارِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ الْمُتَوَقَّعَةَ فِي سَفَرِهَا أَخَفُّ مِنْ الْمُتَوَقَّعَةِ فِي إقَامَتِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَكَانَ جَوَازُهُ بِحُكْمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَخَفَّ الْمَفْسَدَتَيْنِ يَجِبُ ارْتِكَابُهَا عِنْدَ لُزُومِ إحْدَاهُمَا، فَالْمُؤَثِّرُ فِي الْأَصْلِ السَّفَرُ الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةٍ تَفُوقُ مَفْسَدَةَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ وَالزَّوْجِ فِي السَّفَرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ مَعَ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ سَفَرِ الْحَجِّ تَمْنَعُهُ الْعِدَّةُ فَيَمْنَعُهُ عَدَمُ الْمَحْرَمِ كَالسَّفَرِ الْمُبَاحِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ حُكْمِ الْخُرُوجِ فِيهِ مَا هُوَ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، بَلْ بَيَانُ انْتِشَارِ الْأَمْنِ، وَلَوْ كَانَ مُفِيدًا لِلْإِبَاحَةِ كَانَ نَقِيضَ قَوْلِهِمْ فَإِنَّهُ يُبِيحُ الْخُرُوجَ بِلَا رُفْقَةٍ وَنِسَاءٍ ثِقَاتٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ. وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ» . وَفِي لَفْظٍ " يَوْمٍ " وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد " بَرِيدًا " وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمِ، وَقَالَ:

لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتَ حَقِّهِ. وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَالْحَجُّ مِنْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَجُّ نَفْلًا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَحْرَمُ فَاسِقًا قَالُوا: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ (وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ كُلِّ مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ مُنَاكَحَتِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُ لَا تَتَأَتَّى مِنْهُمَا الصِّيَانَةُ، وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغَةِ حَتَّى لَا يُسَافَرَ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ، وَنَفَقَةُ الْمَحْرَمِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَتَوَسَّلُ بِهِ إلَى أَدَاءِ الْحَجِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطُ الْأَدَاءِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ «ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ» فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ: وَهَمُوا. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَيْسَ فِي هَذِهِ تَبَايُنٌ. فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهَا فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسَبِ الْأَسْئِلَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَقَلِّ الْأَعْدَادِ، وَالْيَوْمُ الْوَاحِدُ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ. وَالِاثْنَانِ أَوَّلُ الْكَثِيرِ وَأَقَلُّهُ، وَالثَّلَاثُ أَوَّلُ الْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَنِ لَا يَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ فَكَيْفَ بِمَا زَادَ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَبَّهَ بِمَنْعِ الْخُرُوجِ أَقَلَّ كُلِّ عَدَدٍ عَلَى مَنْعِ خُرُوجِهَا عَنْ الْبَلَدِ مُطْلَقًا إلَّا بِمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا إنَّ حُمِلَ السَّفَرُ عَلَى اللُّغَوِيِّ. فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَالسَّفَرُ لُغَةً يَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ الْخُرُوجِ لَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ بِلَا مَحْرَمٍ، ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَذْهَبُ إبَاحَةَ خُرُوجِهَا مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتَ حَقِّهِ) وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا عُرِفَ، وَصَارَ كَالْحَجِّ الَّذِي نَذَرَتْهُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ (وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ) وَإِنْ امْتَدَّتْ. (وَالْحَجُّ مِنْهَا) كَالصَّوْمِ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مِلْكِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْحَجِّ الْمَنْذُورِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهِ فَكَانَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، وَإِذَا أَحْرَمَتْ نَفْلًا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَهُوَ بِأَنْ يَنْهَاهَا وَيَصْنَعَ بِهَا أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا كَقَصِّ ظُفْرِهَا وَنَحْوِهِ، وَمُجَرَّدُ نَهْيِهَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّحْلِيلُ كَمَا لَا يَقَعُ بِقَوْلِهِ: حَلَلْتُكِ، وَلَا يَتَأَخَّرُ إلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ بِخِلَافِ الْإِحْصَارِ، وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ كُلِّ مَحْرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ حِلَّ مُنَاكَحَتِهَا كَالْمَجُوسِيِّ أَوْ يَكُونَ فَاسِقًا إذْ لَا تُؤْمَنُ مَعَهُ الْفِتْنَةُ أَوْ صَبِيًّا. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا إلَخْ) ثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ مَثَلًا قَبْلَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، أَوْ هِيَ قَبْلَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ أَوْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِهَا، فَمَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ شَرْطُ الْوُجُوبِ يَقُولُ: لَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ لِأَنَّ الْمَوْتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ. وَمَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا شَرْطُ الْأَدَاءِ قَالَ: يَجِبُ لِأَنَّ الْمَوْتَ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا عُذِرَتْ فِي التَّأْخِيرِ وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا بِمَنْ يَحُجُّ بِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا، وَأَمَّا وُجُوبُ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَحْمَلُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا تَجِبُ. هُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَحْرَمُ بِنَفَقَتِهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ لَا إحْجَاجُ غَيْرِهَا

(وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَمَضَيَا لَمْ يُجِزْهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ إحْرَامَهَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ (وَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَ، وَالْعَبْدُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، أَمَّا إحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْقُدُورِيُّ تَجِبُ لِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ حَجِّهَا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ) أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عِنْدَكُمْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ شَرْطٌ يُشْبِهُ الرُّكْنَ مِنْ حَيْثُ إمْكَانِ اتِّصَالِ الْأَدَاءِ فَاعْتَبَرْنَا شِبْهَ الرُّكْنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا بَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ عَتَقَ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ. وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ عَلَيْهِ، وَلِذَا لَوْ أُحْصِرَ الصَّبِيُّ وَتَحَلَّلَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الصَّبِيُّ لَوْ أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَرِّدَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً، وَالْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ، فَلَوْ حَجَّ كَافِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ فَأَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُمَا، وَقِيلَ: هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَجَّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي النَّوَادِرِ: الْبَالِغُ إذَا جُنَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ.

(فَصْلٌ) (وَالْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاوِزَهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا خَمْسَةٌ: لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ. وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) هَكَذَا وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ لِهَؤُلَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ) جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ، اُسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ كَقَلْبِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 11] لَزِمَ شَرْعًا تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ لِلْآفَاقِيِّ عَلَى وُصُولِهِ إلَى الْبَيْتِ تَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ، وَإِجْلَالًا كَمَا تَرَاهُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ تَرَجُّلِ الرَّاكِبِ الْقَاصِدِ إلَى عَظِيمٍ مِنْ الْخَلْقِ إذَا قَرُبَ مِنْ سَاحَتِهِ خُضُوعًا لَهُ، فَكَذَا لَزِمَ الْقَاصِدَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْحُلُولِ بِحَضْرَتِهِ إجْلَالًا، فَإِنَّ فِي الْإِحْرَامِ تَشَبُّهًا بِالْأَمْوَاتِ، وَفِي ضِمْنِ جَعْلِ نَفْسِهِ كَالْمَيِّتِ سَلْبُ اخْتِيَارِهِ. وَإِلْقَاءُ قِيَادِهِ مُتَخَلِّيًا عَنْ نَفْسِهِ فَارِغًا عَنْ اعْتِبَارِهَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ فَسُبْحَانَ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ) بِالسُّكُونِ مَوْضِعٌ، وَجَعَلَهُ فِي الصِّحَاحِ مُحَرَّكًا، وَخَطِئَ بِأَنَّ الْمُحَرَّكَ اسْمُ قَبِيلَةٍ إلَيْهَا يُنْسَبُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ (قَوْلُهُ هَكَذَا وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَمَّا تَوْقِيتُ مَا سِوَى ذَاتِ عِرْقٍ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمَنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» وَرُوِيَ هُنَّ لَهُمْ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ التَّقْدِيرُ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ. وَأَمَّا تَوْقِيتُ ذَاتِ عِرْقٍ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت أَحْسِبُهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ قَالَ: وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ» وَفِيهِ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي رَفْعِهِ هَذِهِ الْمَرَّةِ، وَرَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ وَلَمْ يَشُكَّ. وَلَفْظُهُ «وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّرْقِ ذَاتُ عِرْقٍ» إلَّا أَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ الْجَوْزِيَّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَزَادَ فِيهِ النَّسَائِيّ بَقِيَّةً. وَفِي سَنَدِهِ أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُنْكِرُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ الْمَنْعُ عَنْ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْهَا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذَا انْتَهَى إلَيْهَا عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَرَوَوْهُ عَنْهُ. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَابْنُ عَوْنٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ، وَكَذَا رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا عُهِدَ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ: لَا يُعْلَمُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ جَدِّهِ، وَلَا أَنَّهُ لَقِيَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَفِيهِ «وَلِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لِعَطَاءٍ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَقِّتْ ذَاتَ عِرْقٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ مَشْرِقٍ يَوْمئِذٍ فَقَالَ: كَذَلِكَ سَمِعْنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ» ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمِنْ طَرِيقِ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «لَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ عِرْقٍ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ مَشْرِقٍ حِينَئِذٍ فَوَقَّتَ لِلنَّاسِ ذَاتَ عِرْقٍ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَحْسِبُهُ إلَّا كَمَا قَالَ طَاوُسٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " قَالَ لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهِيَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إذَا أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ: اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ " قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: الْمِصْرَانِ هُمَا الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ وَحَذْوُهُمَا مَا يَقْرُبُ مِنْهَا، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مُجْتَهَدٌ فِيهَا لَا مَنْصُوصَةٌ اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَبْلُغْهُ تَوْقِيتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ عِرْقٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَحَادِيثُ بِتَوْقِيتِهِ حَسَنَةً فَقَدْ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ تَوْقِيتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِلَّا فَهُوَ اجْتِهَادِيٌّ (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ الْمَنْعُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ بِالْإِجْمَاعِ) عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَدْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ أَتَى مِيقَاتًا مِنْهَا لِقَصْدِ مَكَّةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ كَانَ يَمُرُّ بَعْدَهُ عَلَى مِيقَاتٍ آخَرَ أَمْ لَا، لَكِنَّ الْمَسْطُورَ خِلَافُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمْعِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ

أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQجَاوَزَ وَقْتَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَتَى وَقْتًا آخَرَ. وَأَحْرَمَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ. وَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ وَقْتِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ اهـ. وَمِنْ الْفُرُوعِ: الْمَدَنِيُّ إذَا جَاوَزَ إلَى الْجُحْفَةِ فَأَحْرَمَ عِنْدَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَمُقْتَضَى كَوْنِ فَائِدَةِ التَّوْقِيتِ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْخِيرِ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّأْخِيرُ عَنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِنَّ مُرُورَهُ بِهِ سَابِقٌ عَلَى مُرُورِهِ بِالْمِيقَاتِ الْآخَرِ، وَلِذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ عَنْهُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا رُوِيَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» فَمَنْ جَاوَزَ إلَى الْمِيقَاتِ الثَّانِي صَارَ مِنْ أَهْلِهِ أَيْ صَارَ مِيقَاتًا لَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَحُجَّ أَحْرَمَتْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَعْتَمِرَ أَحْرَمَتْ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنْ لَا فَرْقَ فِي الْمِيقَاتِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتًا لَهُمَا لَمَا أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ مِنْهَا، فَبِفِعْلِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْخِيرِ مُقَيَّدٌ بِالْمِيقَاتِ الْأَخِيرِ. وَيُحْمَلُ حَدِيثُ «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا» عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُجَاوِزُ الْمَوَاقِيتَ. هَذَا وَمَنْ كَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى آخِرَهَا، وَيَعْرِفُ بِالِاجْتِهَادِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ) بِأَنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ وَالنُّزْهَةِ أَوْ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا» ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُجَاوَزُ الْوَقْتُ إلَّا بِإِحْرَامٍ» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَرُدُّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَذَكَرَهُ. وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ إذَا جَاوَزَ الْوَقْتَ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ رَجَعَ إلَى الْوَقْتِ فَأَحْرَمَ، وَإِنْ خَشِيَ إنْ رَجَعَ إلَى الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ وَيُهْرِيقُ لِذَلِكَ دَمًا فَهَذِهِ الْمَنْطُوقَاتُ أَوْلَى مِنْ الْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ فِي قَوْلِهِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ كَلَامِ الرَّاوِي. وَمَا فِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ

وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا (وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِ) لِأَنَّهُ يَكْثُرُ دُخُولُهُ مَكَّةَ، وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَصَارَ كَأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُمْ الْخُرُوجُ مِنْهَا ثُمَّ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ أَدَاءَ النُّسُكِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَحْيَانًا فَلَا حَرَجَ (فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ جَازَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَإِتْمَامُهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، كَذَا قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَالْأَفْضَلُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهَا لِأَنَّ إتْمَامَ الْحَجِّ مُفَسَّرٌ بِهِ وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتَّعْظِيمُ أَوْفَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّاعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا» يَعْنِي الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِلِّ الدُّخُولِ بَعْدَهُ لِلْقِتَالِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ) يَعْنِي وُجُوبَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْبُقْعَةِ لِتَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا نَفْسِهَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ، قَالَ: لَيْسَ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمِنْ دُونِهَا إلَى مَكَّةَ أَنْ يَقْرُنَ وَلَا يَتَمَتَّعَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، كَذَا فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ النُّسُكِ. أَمَّا إذَا قَصَدُوهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ قَبْلَ دُخُولِهِمْ أَرْضَ الْحَرَمِ فَمِيقَاتُهُمْ كُلُّ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ، فَهُمْ فِي سَعَةٍ مِنْ دَارِهِمْ إلَى الْحَرَمِ وَمَا عَجَّلُوهُ مِنْ دَارِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى قُدَيْدٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، قَالَ: وَكَذَا الْمَكِّيُّ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ فَبَلَغَ الْوَقْتَ وَلَمْ يُجَاوِزْهُ، يَعْنِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ رَاجِعًا بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ جَاوَزَ الْوَقْتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ (قَوْلُهُ كَذَا قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ) رَوَى الْحَاكِمُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ الْمُرَادِيِّ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَقَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ اهـ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَنَظَرَ فِيهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. ثُمَّ هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ إيجَابَ الْإِتْمَامِ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي بَحْثِ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي أَوَّلُ كِتَابِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ، بِخِلَافِ تَقْدِيمِ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ (وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَوَقْتُهُ الْحِلُّ) مَعْنَاهُ الْحِلُّ الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إحْرَامُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَمَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ مَكَانٌ وَاحِدٌ (وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَوَقْتُهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَأَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَهُوَ فِي الْحِلِّ، وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ، وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ لِهَذَا، إلَّا أَنَّ التَّنْعِيمَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ، فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ دَارِهِ إلَى مَكَّةَ دُونَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، كَمَا قَيَّدَ بِهِ قَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَعْظِيمًا وَأَوْفَرُ مَشَقَّةً، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ، وَلِذَا كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الْإِحْرَامَ بِهِمَا مِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ الْبَصْرَةِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثُمَّ إذَا انْتَفَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ نَفْسَهُ هَلْ يَكُونُ الثَّابِتُ الْإِبَاحَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ؟ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. فَالْحَاصِلُ تَقَيُّدُ الْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْمَكَانِ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْكَرَاهَةِ فِي الزَّمَانِ عَدَمُ تَقَيُّدِهَا بِخَوْفِ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمُنَاسِبُ التَّعْلِيلُ لِلْكَرَاهَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِكَوْنِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ كَمَا عَلَّلَ بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ فِي الزَّمَانِ أَيْضًا التَّفْصِيلُ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يُكْرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِلَّا كُرِهَ، وَلَا أَعْلَمُهُ مَرْوِيًّا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَالْأَوْلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ إطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ وَتَعْلِيلُهَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَأَنَّهُ أُشْكِلَ عَلَى مَنْ خَالَفَ إطْلَاقُهُمْ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ فَفَصَّلُوا. وَالْحَقُّ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّعْلِيلُ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى شَبَهِ الْإِحْرَامِ بِالرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَيُرَاعَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّبَهِ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِذَا كَانَ شَبِيهًا بِهِ كُرِهَ قَبْلَهَا لِشَبَهِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْوَجْهِ وَلِشَبَهِ الرُّكْنِ لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ، اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ لِيَقْضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ) أَوْ فِي نَفْسِ الْمَوَاقِيتِ (فَوَقْتُهُ الْحِلُّ) مَعْلُومٌ إذَا كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ الَّذِي هُوَ الْحِلُّ، أَمَّا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي أَرْضِ الْحَرَمِ فَمِيقَاتُهُ كَمِيقَاتِ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ الْحَرَمُ فِي الْحَجِّ وَالْحِلُّ فِي الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

[باب الإحرام]

(بَابُ الْإِحْرَامِ) (وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى. قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ» . [بَابُ الْإِحْرَامِ] حَقِيقَتُهُ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ وَالْمُرَادُ الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ: أَيْ الْتِزَامُهَا، وَالْتِزَامُهَا شَرْطُ الْحَجِّ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَإِذَا تَمَّ الْإِحْرَامُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ النُّسُكِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ. وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا الْإِحْصَارُ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ مَظْنُونًا، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَلَى ظَنِّ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ يَمْضِي فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ، فَإِنْ أَبْطَلَهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فَسْخُ الْإِحْرَامِ أَبَدًا إلَّا بِالدَّمِ وَالْقَضَاءِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْمُضِيِّ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا سَلَفَ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَخْ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إنَّمَا حَسَّنَهُ وَلَمْ يُصَحِّحْهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَالرَّاوِي عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيُّ أَجْهَدْت نَفْسِي فِي مَعْرِفَتِهِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُ اهـ لَكِنَّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ لِلْحَدِيثِ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِ وَعَيْنَهُ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ» وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ مِمَّنْ جَمَعَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ حَدِيثَهُ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَغْتَسِلَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ» وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارُ. وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ حُكْمُهُ الرَّفْعُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا بِهَا أَوْ كَانَ يُحْرِمُ مِنْ دَارِهِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ ارْتِفَاقٌ لَهُ أَوْ لَهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَسْنَدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -

إلَّا أَنَّهُ لِلتَّنْظِيفِ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَرْضًا عَنْهَا فَيَقُومَ الْوُضُوءُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، لَكِنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ مَعْنَى النَّظَافَةِ فِيهِ أَتَمُّ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَهُ. قَالَ (وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ إزَارًا وَرِدَاءً) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ائْتَزَرَ وَارْتَدَى عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ، وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ. قَالَ (وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا تَطَيَّبَ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِالطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَطُوفُ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا» وَرَوَاهُ مَرَّةً «طَيَّبْتُ فَطَافَ ثُمَّ أَصْبَحَ» بِصِيغَةِ الْمَاضِي (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لِلتَّنْظِيفِ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ «فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَأَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي» وَنَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهَا «نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِالشَّجَرَةِ» وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَطْلُوبِيَّةِ الْغُسْلِ لِلْحَائِضِ بِالدَّلَالَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَوْ النِّفَاسُ أَقْوَى مِنْ الْحَيْضِ لِامْتِدَادِهِ وَكَثْرَةِ دَمِهِ، فَفِي الْحَيْضِ أَوْلَى. وَفِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَإِذَا كَانَ لِلنَّظَافَةِ وَإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ بَدَلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ. وَيُسْتَحَبُّ كَمَالُ التَّنْظِيفِ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطَيْنِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَجِمَاعِ أَهْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ إلَخْ) وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ، وَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ السَّاتِرُ جَائِزٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ائْتَزَرَ) فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَمَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَاكِبَ رَاحِلَتِهِ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ» الْحَدِيثَ. وَائْتَزَرَ بِهَمْزَتَيْنِ أُولَاهُمَا هَمْزَةُ وَصْلٍ وَوَضْعُ تَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَكَانَ الثَّانِيَةِ خَطَأٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَكَذَا قَوْلُ زُفَرَ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ)

وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُلَبِّي» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا قَالَتْ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبَ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» وَلِلْآخَرِينَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ حِلَّ الطِّيبِ كَانَ خَاصًّا بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَمَنَعَ غَيْرَهُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ لِحُرْمَةِ التَّطَيُّبِ، وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ لِخُصُوصِ ذَلِكَ الطِّيبِ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ خَلُوقٌ، فَلَا يُفِيدُ مَنْعُهُ الْخُصُوصِيَّةَ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ " وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ " وَقَدْ نَهَى عَنْ التَّزَعْفُرِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ التَّزَعْفُرِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ» وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْقَطَّانِ صَحَّحَهُ، لِأَنَّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَقْوَى خُصُوصًا، وَهُوَ مَانِعٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُبِيحِ. وَحِينَئِذٍ فَالْمَنْعُ مِنْ خُصُوصِ الطِّيبِ الَّذِي بِهِ فِي قَوْلِهِ " أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك " إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ مُطْلَقًا لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ عَنْ كُلِّ طِيبٍ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا فِي الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «قَالَ لَهُ: اخْلَعْ عَنْكَ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ هَذَا الزَّعْفَرَانَ» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِيَّةِ مَا فِي أَبِي دَاوُد «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْهَانَا» وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْجِعْرَانَةِ وَهُوَ سَنَةُ ثَمَانٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ. وَرُئِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُحْرِمًا وَعَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الرُّبِّ مِنْ الْغَالِيَةِ. وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ مُحْرِمًا وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عَنْ الطِّيبِ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَعَدَّ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ فَاغْسِلْهُ، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَإِلَّا لَرَجَعَ إلَيْهِ، وَإِذَا

وَالْمَمْنُوعُ عَنْهُ التَّطَيُّبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَالْبَاقِي كَالتَّابِعِ لَهُ لِاتِّصَالِهِ بِهِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ مُبَايِنٌ عَنْهُ. قَالَ (وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إحْرَامِهِ قَالَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي» ) لِأَنَّ أَدَاءَهَا فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يُعَرَّى عَنْ الْمَشَقَّةِ عَادَةً فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرَ، وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاءَهَا عَادَةً مُتَيَسِّرٌ. قَالَ (ثُمَّ يُلَبِّي عَقِيبَ صَلَاتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَبْلُغْهُ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ثُبُوتِهَا أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَزَادَ فِيهِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» وَلِلِاخْتِلَافِ اسْتَحَبُّوا أَنْ يُذِيبَ جِرْمَ الْمِسْكِ إذَا تَطَيَّبَ بِهِ بِمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَالْمَمْنُوعُ مِنْهُ التَّطَيُّبُ) لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَمْ يَتَطَيَّبْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَكِنْ هُمْ يَقُولُونَ هَذَا الْمَمْنُوعُ مِنْهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ. وَهُنَاكَ مَنْعٌ آخَرُ قَبْلَهُ عَنْ التَّطَيُّبِ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: مَنْعُ ثُبُوتِ هَذَا الْمَنْعِ، فَإِنْ قِسْتُمْ عَلَى الثَّوْبِ فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُرُودِهِ بِهِ فِي الْبَدَنِ وَلَمْ يَرِدْ فِي الثَّوْبِ فَعَقَلْنَا أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْبَدَنِ تَابِعًا، وَالْمُتَّصِلُ فِي الثَّوْبِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ تَبَعًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اسْتِنَانِ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ بِهِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ عَلَى مِثَالِ السَّحُورِ لِلصَّوْمِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يَحْصُلُ بِمَا فِي الْبَدَنِ، فَيُغْنِي عَنْ تَجْوِيزِهِ فِي الثَّوْبِ إذْ لَمْ يَقْصِدْ كَمَالَ الِارْتِفَاقِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْحَاجَّ الشَّعِثُ التَّفِلُ وَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ فِي الثَّوْبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ الْمَعْرُوفُ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ» ) وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا. لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ» . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَتُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ عَنْهُمَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَعَنْ أَنَسٍ

لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ» . وَإِنْ لَبَّى بَعْدَمَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ، وَلَكِنْ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ) أَيْ التَّلْبِيَةُ دُبُرَ الصَّلَاةِ (لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ» اعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إهْلَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَرِوَايَاتٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبَّى بَعْدَمَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ» أَكْثَرُ وَأَصَحُّ. فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا «عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ» مُخْتَصَرًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ» وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ «ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» فَهَذِهِ تُفِيدُ مَا سَمِعْت. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ رَوَاهُ غَيْرُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ فِي الْإِمَامِ. وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ وَخُصَيْفٌ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ فَقِيهًا صَالِحًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ كَثِيرًا. وَالْإِنْصَافُ فِيهِ قَبُولُ مَا وَافَقَ فِيهِ الْإِثْبَاتَ، وَتَرَكَ مَا لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي إدْخَالِهِ فِي الثِّقَاتِ، وَلِذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَتَرَكَهُ آخَرُونَ. وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ وَإِلَّا تَرَجَّحَ مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ أَمْكَنَ بَلْ وَقَعَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خُصَيْفٍ «عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: عَجِبْتُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إهْلَالِهِ حِينَ أَوْجَبَ، فَقَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا. خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظْتُهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعْنَاهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ

(فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ يَنْوِي بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (وَالتَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك) وَقَوْلُهُ إنَّ الْحَمْدَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ لَا بِفَتْحِهَا لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ اهـ. وَأَنْتَ عَلِمْتَ مَا فِي ابْنِ إِسْحَاقَ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ، وَصَحَّحْنَا تَوْثِيقَهُ، وَمَا فِي خُصَيْفٍ آنِفًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مُسْلِمًا قَدْ يَخْرُجُ عَمَّنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجُرْحِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَبِهِ يَقَعُ الْجَمْعُ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ) أَيْ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ نَوَاهُ، لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُ الْعِبَادَاتِ، وَإِنْ ذَكَرَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ إلَخْ فَحَسَنٌ لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ فَلَا، وَلَمْ نَعْلَمْ الرُّوَاةَ لِنُسُكِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَصْلًا فَصْلًا قَطُّ رَوَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ سَمِعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: «نَوَيْتُ الْعُمْرَةَ وَلَا الْحَجَّ» (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لَا بِفَتْحِهَا) يَعْنِي فِي الْوَجْهِ الْأَوْجَهِ، وَأَمَّا فِي الْجَوَازِ فَيَجُوزُ وَالْكَسْرُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الثَّنَاءِ وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ. هَذَا وَإِنْ كَانَ اسْتِئْنَافُ الثَّنَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ مَعَ الْكَسْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي قَوْلِك عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ لَكِنْ لَمَّا جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ صِفَةُ الْأُولَى يُرِيدُ مُتَعَلِّقًا بِهِ. وَالْكَلَامُ فِي مَوَاضِعَ. الْأَوَّلُ: لَفْظُ لَبَّيْكَ وَمَعْنَاهَا لَفْظُهَا مَصْدَرٌ مُثَنَّى تَثْنِيَةً يُرَادُ بِهَا التَّكْثِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أَيْ كَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَهُوَ مَلْزُومُ النَّصْبِ كَمَا تَرَى وَالْإِضَافَةُ وَالنَّاصِبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ تَقْدِيرُهُ أَجَبْتُك إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَكَأَنَّهُ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ، وَيُعْرَفُ بِهَذَا مَعْنَاهَا فَتَكُونُ مَصْدَرًا مَحْذُوفَ الزَّوَائِدِ، وَالْقِيَاسِيُّ مِنْهُ إلْبَابٌ وَمُفْرَدُ لَبَّيْكَ لَبٌّ. وَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ لَبٌّ عَلَى أَنَّهُ مُفْرَدُ لَبَّيْكَ،

إذْ الْفَتْحَةُ صِفَةُ الْأُولَى، وَهُوَ إجَابَةٌ لِدُعَاءِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهَا. وَقِيلَ: لَيْسَ هُنَا إضَافَةٌ وَالْكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ النُّونُ لِشِبْهِ الْإِضَافَةِ. وَقِيلَ: مُضَافٌ إلَّا أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ وَأَصْلُهُ لَبَّى قُلِبَتْ أَلِفُهُ يَاءً لِلْإِضَافَةِ إلَى الضَّمِيرِ كَأَلِفِ عَلَيْك الَّذِي هُوَ اسْمُ فِعْلٍ، وَأَلِفِ لَدَى فَرَدَّهُ سِيبَوَيْهِ، بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: دَعَوْت لِمَا نَابَنِي مِسْوَرًا ... فَلَبَّى فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ حَيْثُ ثَبَتَتْ الْيَاءُ مَعَ كَوْنِ الْإِضَافَةِ إلَى ظَاهِرٍ. الثَّانِي: أَنَّهَا إجَابَةٌ فَقِيلَ لِدُعَاءِ الْخَلِيلِ عَلَى مَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قَالَ: رَبِّ قَدْ فَرَغْتُ. فَقَالَ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ. قَالَ: رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ. قَالَ: رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، حَجُّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ» وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ،

لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ (وَلَوْ زَادَ فِيهَا جَازَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ. هُوَ اعْتَبَرَهُ بِالْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ. وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - زَادُوا عَلَى الْمَأْثُورِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّنَاءُ، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَخْرَجَهُ غَيْرُهُ بِأَلْفَاظٍ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ. وَأَخْرَجَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: «لَمَّا أُمِرَ إبْرَاهِيمُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ قَامَ عَلَى الْمَقَامِ فَارْتَفَعَ الْمَقَامَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى مَا تَحْتَهُ» الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ «قَامَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. قَالَ: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ» (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ) قِيلَ: لَا اتِّفَاقَ بَيْنَهُمْ. فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ التَّلْبِيَةِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ إنِّي لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَلَمْ تَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ. وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَزِيدُ فِيهَا لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ " (قَوْلُهُ أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ) ذَكَرْنَا زِيَادَةَ ابْنِ عُمَرَ آنِفًا وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَيْضًا. وَزِيَادَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ وَفِي آخِرِهِ وَزَادَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَلْبِيَتِهِ " فَقَالَ: لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ " وَمَا سَمِعْته قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، وَزِيَادَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْهُ قَالَ «كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَبَّيْكَ إلَهَ الْخَلْقِ لَبَّيْكَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ " سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ " وَأَسْنَدَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُظْهِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ» وَسَاقَ الْمَشْهُورَ. قَالَ «حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُوَ فِيهِ فَزَادَ فِيهَا لَبَّيْكَ، إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَسِبْت أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ زَادُوا بِمَسْمَعٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْهُ قَالَ «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ تَلْبِيَتَهُ الْمَشْهُورَةَ وَقَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ فَلَا

عَلَيْهِ. قَالَ (وَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) يَعْنِي إذَا نَوَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا لِتَقْدِيمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ (وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّلْبِيَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا» فَقَدْ صَرَّحَ بِتَقْرِيرِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ، بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ يَتَقَيَّدُ فِيهَا بِالْوَارِدِ لِأَنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ شَرْعًا كَحَالَةِ عَدَمِهَا، وَلِذَا قُلْنَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهُ بِعَيْنِهِ حَتَّى إذَا كَانَ التَّشَهُّدُ الثَّانِي قُلْنَا لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ بِالْمَأْثُورِ لِأَنَّهُ أُطْلِقَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ نَظَرًا إلَى فَرَاغِ أَعْمَالِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُهُ الْمُخَالِفِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ فِي رِوَايَةِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ افْتِتَاحِ الْإِحْرَامِ وَافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَالْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ مَعَ النِّيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: تَحْرِيكُ لِسَانِهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ شَرْطٌ، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا لِتَقَدُّمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ) قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِنْبَاطِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ الْخَفِيَّةِ بَلْ قَدْ ذَكَرَهَا نَصًّا، فَإِنَّ نَظْمَ الْكِتَابِ هَكَذَا: ثُمَّ يُلَبِّي عَقِيبَ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ ثُمَّ ذَكَرَ صُورَةَ التَّلْبِيَةِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ فَلَا يُشْكَلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا لَبَّى التَّلْبِيَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ الْمَقْرُونَةُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ فَقَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ. ثُمَّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ سِوَى أَنَّهُ عِنْدَ النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ يَصِيرُ مُحْرِمًا، أَمَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ ذِكْرِ الْآخِرَةِ فَلَا. وَذَكَرَ حُسَامُ الدِّينِ الشَّهِيدُ: أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ، ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ سِوَى أَنَّ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْفَرْضِ وَلَا النَّفْلِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْحَجِّ. وَكَانَ مِنْ الْمُهِمِّ ذِكْرُ أَنَّهُ هَلْ يَسْقُطُ بِذَلِكَ فَرِيضَةُ الْحَجِّ أَمْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِإِطْلَاقِ نِيَّةِ الْحَجِّ بِخِلَافِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ نَفْلًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ الْفَرْضَ بَعْدُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إذَا نَوَى النَّفَلَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَ شَخْصًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ أَوْ مَعْنَاهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» . قُلْنَا: غَايَةُ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ لَا تُحَوِّلُهُ بِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ الْمَنْوِيِّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ، فَالْقَوْلُ بِهِ إثْبَاتٌ بِلَا دَلِيلٍ، بِخِلَافِ قَوْلِنَا مِثْلَهُ فِي رَمَضَانَ، لِأَنَّ رَمَضَانَ حُكْمُهُ تَعْيِينُ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى مُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِتَتَمَيَّزَ الْعِبَادَةُ عَنْ الْعَادَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ انْصَرَفَ إلَى

خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ كَمَا فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ، وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ سِوَى التَّلْبِيَةِ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى أَصْلِهَا أَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، حَتَّى يُقَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَ الذِّكْرِ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ. قَالَ (وَيَتَّقِي مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ النَّفْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشْرُوعِ فِي الْوَقْتِ، بِخِلَافِ وَقْتِ الْحَجِّ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلْحَجِّ كَوَقْتِ الصَّوْمِ لِمَا عُرِفَ بَلْ يُشْبِهُهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلِلْمُشَابَهَةِ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ بِالْإِطْلَاقِ وَلِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ خُصُوصًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمُشِقِّ تَحْصِيلُهَا وَالْمُطْلَقُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ فَصَرَفْنَاهُ إلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَلِلْمُفَارَقَةِ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْفَرْضِ بِتَعْيِينِ النَّفْلِ، وَأَيْضًا فَالدَّلَالَةُ تُعَبِّرُ عِنْدَ عَدَمِ مُعَارَضَةِ الصَّرِيحِ، وَالْمُعَارَضَةُ ثَابِتَةٌ حَيْثُ صَرَّحَ بِالضِّدِّ وَهُوَ النَّفَلُ بِخِلَافِ صُورَةِ الْإِطْلَاقِ إذَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَخَصِّ وَالْأَعَمِّ. [فُرُوعٌ] إذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ، وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ، وَالْأَصْلُ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «حِينَ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَأَجَازَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَدِيثُ مَرَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ وَالتَّعْيِينِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءُ حَجِّهِ، وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي عُمْرَةٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُبْهِمًا ثُمَّ أَحْرَمَ ثَانِيًا بِحَجَّةٍ فَالْأَوَّلُ لِعُمْرَةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ فَالْأَوَّلُ لِحَجَّةٍ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ بِالثَّانِي أَيْضًا شَيْئًا كَانَ قَارِنًا، وَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا وَنَسِيَهُ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ احْتِيَاطًا لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، وَلَا يَكُونُ قَارِنًا، فَإِنْ أُحْصِرَ تَحَلَّلَ بِدَمٍ وَاحِدٍ وَيَقْضِي حَجَّةً وَعُمْرَةً، وَإِنْ جَامَعَ مَضَى فِيهِمَا وَيَقْضِيهِمَا إنْ شَاءَ جَمَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِشَيْئَيْنِ وَنَسِيَهُمَا لَزِمَهُ فِي الْقِيَاسِ حَجَّتَانِ وَعُمْرَتَانِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الْمَسْنُونِ وَالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْقُرْآنُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ إذْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إحْرَامَهُ كَانَ بِشَيْئَيْنِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: خَرَجَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ لَا يَنْوِي شَيْئًا فَهُوَ حَجٌّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ بِنِيَّةٍ سَابِقَةٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ نَذْرًا وَنَفْلًا كَانَ نَفْلًا أَوْ نَوَى فَرْضًا وَتَطَوُّعًا كَانَ تَطَوُّعًا عِنْدَهُ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَهُوَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِمَا نَوَى لَا بِمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ، وَلَوْ لَبَّى بِحَجَّةٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ كَانَ قَارِنًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -)

وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ، أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَهُوَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ حُرْمَةً، وَالْجِدَالُ أَنْ يُجَادِلَ رَفِيقَهُ، وَقِيلَ: مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ وَقْتِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ (وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَقَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ بِجَامِعِ أَنَّهَا عِبَادَةُ كَفٍّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ فَتَكْفِي النِّيَّةُ لِالْتِزَامِهَا. وَقِسْنَا نَحْنُ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ أَفْعَالٍ لَا مُجَرَّدُ كَفٍّ بَلْ الْتِزَامُ الْكَفِّ شَرْطٌ فَكَانَ بِالصَّلَاةِ أَشْبَهَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ يُفْتَتَحُ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا هُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] قَالَ: فَرْضُ الْحَجِّ الْإِهْلَالُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: التَّلْبِيَةُ. وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْإِحْرَامُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمَا كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ التَّلْبِيَةُ، كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَنْ عَائِشَةَ " لَا إحْرَامَ إلَّا لِمَنْ أَهَلَّ أَوْ لَبَّى " إلَّا أَنَّ مُقْتَضَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ تَعْيِينُ التَّلْبِيَةِ حَتَّى لَا يَصِيرَ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَكِنْ ثَمَّةَ آثَارٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بِهِ مَعَ النِّيَّةِ يَصِيرُ مُحْرِمًا تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ صَحِيحٌ، ثُمَّ إذَا لَبَّى صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ الْمُعَلِّمِ لِلْخَيْرَاتِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا بِمَا شَاءَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّلْبِيَةِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَيُسْتَحَبُّ فِي التَّلْبِيَةِ كُلِّهَا رَفْعُ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ الْجَهْدُ فِي ذَلِكَ كَيْ لَا يَضْعُفُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهَا إلَّا أَنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ سَأَلَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى أَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي، وَاجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَآمَنُوا بِوَعْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك وَاجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت عَنْهُمْ، اللَّهُمَّ قَدْ أَحْرَمَ لَك شَعْرِي وَبَشَرِي وَدَمِي وَمُخِّي وَعِظَامِي (قَوْلُهُ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] (أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ) وَدَوَاعِيهِ (بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِنَّ لَا يَكُونُ رَفَثًا، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْشَدَ: وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا ... إنْ يَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا فَقِيلَ لَهُ: أَتَرْفُثُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: إنَّمَا الرَّفَثُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُنَّا نُنْشِدُ الْأَشْعَارَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَاذَا؟ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَامَتْ تُرِيك رَهْبَةً أَنْ تَهْضِمَا ... سَاقًا بَخَنْدَاةً وَكَعْبًا أَدْرَمَا وَالْبَخَنْدَاةُ مِنْ النِّسَاءِ التَّامَّةُ، وَالدَّرْمُ فِي الْكَعْبِ أَنْ يُوَارِيَهُ اللَّحْمُ فَلَا يَكُونُ لَهُ نُتُوءٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ) فَإِنَّهَا حَالَةٌ يَحْرُمُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُبَاحَاتِ الْمُقَوِّيَةِ لِلنَّفْسِ فَكَيْفَ بِالْمُحَرَّمَاتِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْجِدَالُ أَنْ يُجَادِلَ رَفِيقَهُ) وَهُوَ الْمُنَازَعَةُ وَالسِّبَابُ، وَقِيلَ: جِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ. وَقِيلَ: التَّفَاخُرُ بِذِكْرِ آبَائِهِمْ حَتَّى رُبَّمَا أَفْضَى إلَى الْحَرْبِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا إلَخْ) يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ

(وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ أَصَابَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ حَلَالٌ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَصْحَابِهِ: هَلْ أَشَرْتُمْ؟ هَلْ دَلَلْتُمْ؟ هَلْ أَعَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: إذًا فَكُلُوا» وَلِأَنَّهُ إزَالَة الْأَمْنِ عَنْ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ الْأَعْيُنِ قَالَ (وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيلَ وَلَا عِمَامَةً وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ» وَقَالَ فِي آخِرِهِ «وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي: إزَالَةُ الشَّعْرِ كَيْفَمَا كَانَ حَلْقًا وَقَصًّا وَتَنَوُّرًا مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَغَيْرِهَا، الثَّالِثُ: لُبْسُ الْمَخِيطِ عَلَى وَجْهِ لُبْسِ الْمَخِيطِ إلَّا الْمُكَعَّبَ فَيَدْخُلُ الْخُفُّ وَيَخْرُجُ الْقَمِيصُ إذَا اتَّشَحَ بِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. الرَّابِعُ: التَّطَيُّبُ. الْخَامِسُ: قَلْمُ الْأَظْفَارِ. السَّادِسُ: الِاصْطِيَادُ فِي الْبَرِّ لِمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ. السَّابِعُ: الِادِّهَانُ عَلَى مَا يُذْكَرُ مِنْ تَفْصِيلِهِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) أَخْرَجَ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسِيرٍ لَهُمْ بَعْضُهُمْ مُحْرِمٌ، وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَرَأَيْتُ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ الرُّمْحَ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَاخْتَلَسْتُ سَوْطًا مِنْ بَعْضِهِمْ وَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَأَصَبْتُهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَاسْتَبَقُوا. قَالَ: فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «هَلْ أَشَرْتُمْ هَلْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا لَا، قَالَ: فَكُلُوا» وَفِيهِ دَلَالَةٌ نَذْكُرُهَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ) أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ؟ قَالَ: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ» زَادُوا إلَّا مُسْلِمًا وَابْنَ مَاجَهْ «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» قِيلَ: قَوْلُهُ وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ مَدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا لَكِنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ، إذْ قَدْ يُفْتِي الرَّاوِي بِمَا يَرْوِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْنِدَهُ أَحْيَانًا مَعَ أَنَّ هُنَا قَرِينَةً عَلَى الرَّفْعِ، وَهِيَ أَنَّهُ وَرَدَ إفْرَادُ النَّهْيِ عَنْ النِّقَابِ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» وَلِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُمَا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا أَنَّهُ سَمِعَ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ قَمِيصٍ أَوْ خُفٍّ» قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رِجَالُهُ رِجَالُ

وَالْكَعْبُ هُنَا الْمِفْصَلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ دُونَ النَّاتِئِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَلَا يُغَطِّي وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» قَالَهُ فِي مُحْرِمٍ تُوُفِّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحَيْنِ مَا خَلَا ابْنَ إِسْحَاقَ اهـ. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْكَعْبُ هُنَا) قُيِّدَ بِالظُّرُوفِ لِأَنَّهُ فِي الطَّهَارَةِ يُرَادُ بِهِ الْعَظْمُ النَّاتِئُ وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَعْبُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاتِئِ حُمِلَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمَشَايِخُ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الْمُكَعَّبِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْخَلْفِ بَعْدَ الْقَطْعِ كَذَلِكَ مُكَعَّبٌ، وَلَا يَلْبَسُ الْجَوْرَبَيْنِ وَلَا الْبُرْنُسَ، لَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا جَوَازَ لُبْسِهِ، وَمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَنَا حُجَّةٌ إذَا لَمْ يُخَالِفْ وَخُصُوصًا فِيمَا لَمْ يُدْرَكْ بِالرَّأْيِ. وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِمَا أَسْنَدَهُ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الَّذِي وُقِصَ: خَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» . وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ» قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْعَرَجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَأَقْعَصَتْهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» أَفَادَ أَنَّ لِلْإِحْرَامِ أَثَرًا فِي عَدَمِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُنَا قَالُوا لَوْ مَاتَ الْمُحْرِمُ يُغَطَّى وَجْهُهُ لِدَلِيلٍ آخَرَ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْوَجْهَ، فَلِذَا قَالَ الْحَاكِمُ: فِيهِ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْهُ «وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ» وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ إلَى مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ أَوْلَى مِنْهُ إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَهِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرًا، وَكَيْفَ يَقَعُ التَّصْحِيفُ وَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَ حُرُوفِ الْكَلِمَتَيْنِ، ثُمَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذِكْرِ الرَّأْسِ وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي مُسْلِمٍ، لَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَتَكُونُ تِلْكَ اقْتِصَارًا مِنْ الرَّاوِي، فَيُقَدَّمُ عَلَى مُعَارَضِهِ مَنْ مُرْوِيٍّ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ أَثْبَتُ سَنَدًا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ، وَلَا يُغَطِّيَ فَاهُ وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا عَارِضَهُ، فَيَجِبُ حَمْلُ التَّغْطِيَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مِثْلِهِ

وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا مَعَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ فِتْنَةٌ فَالرَّجُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَفَائِدَةُ مَا رُوِيَ الْفَرْقُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. قَالَ (وَلَا يَمَسُّ طِيبًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» (وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ) لِمَا رَوَيْنَا (لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا شَعْرَ بُدْنِهِ) {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] الْآيَةَ (وَلَا يَقُصُّ مِنْ لِحْيَتِهِ) لِأَنَّ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةُ الشَّعَثِ وَقَضَاءِ التَّفَثِ. قَالَ (وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانٍ وَلَا عُصْفُرٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ» قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يُغَطِّي أَنْفَهُ بِيَدِهِ فَوَارَتْ بَعْضَ أَجْزَائِهِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ جَمْعًا (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ مَا رُوِيَ الْفَرْقُ) بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ) أَيْ إحْرَامُهُ فِي رَأْسِهِ فَيَكْشِفُهُ وَإِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا فَتَكْشِفُهُ، فَفِي جَانِبِهَا قَيْدٌ فَقَطْ مُرَادٌ، وَفِي جَانِبِهِ مَعْنًى لَفْظٌ أَيْضًا مُرَادٌ. وَحَدِيثُ «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّا أَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَتَغَيُّرُهُ لِعَدَمِ تَعَاهُدِهِ، فَأَفَادَ مَنْعَ الِادِّهَانِ، وَلِذَا قَالَ: وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ لِمَا رَوَيْنَاهُ، وَالتَّفْلُ تَرْكُ الطِّيبِ حَتَّى تُوجَدَ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَيُفِيدُ مَنْعَ التَّطَيُّبِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ» إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي ضِمْنِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يُنْفَضُ) أَيْ لَا تَظْهَرُ لَهُ رَائِحَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِلرَّائِحَةِ لَا لِلَّوْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِمَغْرَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزِّينَةُ وَالْإِحْرَامُ لَا يَمْنَعُهَا حَتَّى قَالُوا: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَتَحَلَّى بِأَنْوَاعِ الْحُلِيِّ وَتَلْبَسَ الْحَرِيرَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الزِّينَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مِنْهُ الصِّبْغُ، وَكِلَا التَّفْسِيرَيْنِ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي نَصِّ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ الْجِلْدَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا فَهْدٌ وَسَاقَهُ إلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ

لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلطِّيبِ لَا لِلَّوْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِأَنَّهُ لَوْنٌ لَا طِيبَ لَهُ. وَلَنَا أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْتَسِلَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا زَعْفَرَانٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا» يَعْنِي فِي الْإِحْرَامِ. قَالَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ. وَرَأَيْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَتَعَجَّبُ مِنْ الْحِمَّانِيُّ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذَا عِنْدِي، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْ فَوْرِهِ فَجَاءَ بِأَصْلِهِ فَخَرَجَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَمَا ذَكَرَ الْحِمَّانِيُّ فَكَتَبَهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. قَالَ: وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ إطْلَاقَهُ فِي الْغَسِيلِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً) فَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ أَوْ لَا فَقُلْنَا نَعَمْ فَلَا يَجُوزُ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَا يَتَحَنَّى الْمُحْرِمُ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ وَمَذْهَبُنَا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي هَذَا. ثُمَّ النَّصُّ وَرَدَ بِمَنْعِ الْمُوَرَّسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَهُوَ دُونَ الْمُعَصْفَرِ فِي الرَّائِحَةِ فَيُمْنَعُ الْمُعَصْفَرُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ» إلَخْ وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ " فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ الْجِلْدَ " قُلْنَا: أَمَّا الثَّانِي فَقَدْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مَنْعُ الْمُوَرَّسِ فَيُمْنَعُ الْمُعَصْفَرُ بِدَلَالَتِهِ أَيْ بِفَحْوَاهُ، بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ إذْ لَا تَعَارُضَ أَصْلًا لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ وَقَعَ عَنْ الْمُزَعْفَرَةِ الَّتِي تُرْدَعُ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَنْهَ إلَّا عَنْ الْمُزَعْفَرَةِ الَّتِي تَرْدَعُ: إنَّمَا هُوَ قَوْلُ الرَّاوِي حِكَايَةً عَنْ الْحَالِ وَهُوَ صَادِقٌ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النَّهْيَ عَنْ الْمُزَعْفَرَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِغَيْرِهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْمُثِيرُ لِلْجَوَابِ إلَّا فِي الْمُزَعْفَرِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِإِطْلَاقِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ نَصَّ الْمُوَرَّسِ، وَفَحْوَاهُ فِي الْمُعَصْفَرِ خَالِيَيْنِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَيْسَ تَخْصِيصًا أَيْضًا. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ " أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ مَدَرٌ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّكُمْ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ " اهـ. فَإِنْ صَحَّ كَوْنُهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَفَادَ مَنْعَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُ الْأَزْرَقُ وَنَحْوُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى الْمُتَنَازَعُ فِيهِ دَاخِلًا فِي الْمَنْعِ. وَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ نَقُولَ: وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ مُدْرَجٌ فَإِنَّ الْمَرْفُوعَ صَرِيحًا هُوَ قَوْلُهُ " سَمِعْته يَنْهَى عَنْ كَذَا " وَقَوْلُهُ " وَلْتَلْبَسْ " بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عَطْفًا عَلَى يَنْهَى لِكَمَالِ الِانْفِصَالِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ

لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (وَ) لَا بَأْسَ بِأَنْ (يَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ وَالْمُحْمَلُ) وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِالْفُسْطَاطِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُشْبِه تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ. وَلَنَا أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُضْرَبُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَتَخْلُو تِلْكَ الدَّلَالَةُ عَنْ الْمُعَارِضِ الصَّرِيحِ، أَعْنِي مَنْطُوقَ الْمُوَرَّسِ وَمَفْهُومَهُ الْمُوَافِقَ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) أَسْنَدَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ " اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي. فَقُلْت: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا يَزِيدُ الْمَاءُ الشَّعْرَ إلَّا شَعَثًا، فَسَمَّى اللَّهَ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ " وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِمَعْنَاهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا وَهُوَ مَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْتَسِلُ، فَأَرْسَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ مُسْتَتِرٌ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْت: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إلَيْك عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ يَسْأَلُك كَيْفَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اُصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ أَبُو أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ اغْتِسَالِ الْمُحْرِمِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُغَيِّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ لِتَوَهُّمِ التَّغْطِيَةِ وَقَتْلِ الْقَمْلِ، فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ. وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ وَيَعْصِبَهُ وَيَنْزِعَ الضِّرْسَ وَيَخْتَتِنَ وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ، وَيُكْرَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ، وَلَوْ عَصَّبَهُ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَّبَ غَيْرَهُ مِنْ بَدَنِهِ لِعِلَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا عِلَّةٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ كَانَ يُضْرَبُ لَهُ فُسْطَاطٌ " فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الصَّلْتُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ قَالَ " رَأَيْت عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْأَبْطُحِ وَإِنَّ فُسْطَاطَه مَضْرُوبٌ وَسَيْفَهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ " اهـ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُحْرِمُ يَحْمِلُ السِّلَاحَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفُسْطَاطَ إنَّمَا يُضْرَبُ لِلِاسْتِظْلَالِ. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ فِي مُسْلِمٍ «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» الْحَدِيثَ. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ» وَدُفِعَ بِتَجْوِيزِ كَوْنِ هَذَا الرَّامِي فِي قَوْلِهِ «حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ فَيَكُونُ بَعْدَ إحْلَالِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مِنْ أَلْفَاظِهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَحِينَئِذٍ يَبْعُدُ وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بَاطِنًا. وَإِنْ كَانَ السَّنَدُ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ رَمْيَهَا يَوْمَ النَّحْرِ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَظْلِيلٍ، فَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَأَمَرَ بَقِيَّةً مِنْ

فُسْطَاطٌ فِي إحْرَامِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَمَسُّ بَدَنَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْتَ. وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى غَطَّتْهُ، إنْ كَانَ لَا يُصِيبُ رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ اسْتِظْلَالٌ (وَ) لَا بَأْسَ بِأَنْ (يَشُدَّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ. وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى لُبْسِ الْمَخِيطِ فَاسْتَوَتْ فِيهِ الْحَالَتَانِ (وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ) لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ، وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ هُوَامَّ الرَّأْسِ. قَالَ (وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ) لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُلَبُّونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا» الْحَدِيثَ، وَنَمِرَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ " خَرَجْت مَعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ يَطْرَحُ النَّطَعَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَيَسْتَظِلُّ بِهِ " يَعْنِي وَهُوَ مُحْرِمٌ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَا يُصِيبُ رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ) يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُصِيبُ يُكْرَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالْمُمَاسَّةِ يُقَالُ لِمَنْ جَلَسَ فِي خَيْمَةٍ وَنَزَعَ مَا عَلَى رَأْسِهِ جَلَسَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ نَحْوَ الطَّبَقِ وَالْإِجَّانَةِ وَالْعَدْلِ الْمَشْغُولِ بِخِلَافِ حَمْلِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهَا تُغَطَّى عَادَةً فَيَلْزَمُ بِهَا الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى لُبْسِ الْمَخِيطِ فَاسْتَوَتْ فِيهِ الْحَالَتَانِ) قَدْ يُقَالُ: الْكَرَاهَةُ لَيْسَ لِذَلِكَ بَلْ لِكَرَاهَةِ شَدِّ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إجْمَاعًا. وَكَذَا عَقْدُهُ وَالْهِمْيَانُ حِينَئِذٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. قُلْنَا: ذَاكَ بِنَصٍّ خَاصٍّ سَبَبُهُ شَبَهُهُ حِينَئِذٍ بِالْمَخِيطِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ، وَعَنْ ذَلِكَ كُرِهَ تَخْلِيلُ الرِّدَاءِ أَيْضًا، وَلَيْسَ فِي شَدِّ الْهِمْيَانِ هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُشَدُّ تَحْتَ الْإِزَارِ عَادَةً، وَأَمَّا عَصْبُ الْعِصَابَةِ عَلَى رَأْسِهِ فَإِنَّمَا كُرِهَ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ وَلَزِمَهُ إذَا دَامَ يَوْمًا كَفَّارَةٌ لِلتَّغْلِيظِ وَقَالُوا: لَا يُكْرَهُ شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفُ وَالسِّلَاحُ وَالتَّخَتُّمُ، وَعَلَى هَذَا فَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ عَصْبِ غَيْرِ الرَّأْسِ مِنْ بَدَنِهِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ نَوْعَ عَبَثٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ، وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ هَوَامَّ الرَّأْسِ) فَلِوُجُودِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ تَكَامَلَتْ الْجِنَايَةُ فَوَجَبَ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَإِنَّهُ لَهُ رَائِحَةٌ مُلْتَذَّةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ، بَلْ هُوَ كَالْأُشْنَانِ يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ، وَلَكِنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ (قَوْلُهُ كَانُوا يُلَبُّونَ إلَخْ) فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ سِتٍّ: دُبُرَ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَقَلَّتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا صَعِدَ شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَبِالْأَسْحَارِ. ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا هُوَ النَّصُّ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: فَرَائِضَ كَانَتْ أَوْ نَوَافِلَ، وَخَصَّهُ الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ فَأَجْرَاهَا مَجْرَى التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَعَزَى إلَى ابْنِ نَاجِيَةَ فِي فَوَائِدَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ إذَا لَقِيَ رَكْبًا وَذَكَرَ الْكُلَّ سِوَى اسْتِقْلَالِ الرَّاحِلَةِ» وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ وَلَمْ يُعْزِهِ. وَذَكَرَ

فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَالتَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَيُؤْتِي بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ (وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النِّهَايَةِ حَدِيثَ خَيْثَمَةَ، هَذَا وَذَكَرَ مَكَانَ اسْتَقَلَّتْ رَاحِلَتُهُ إذَا اسْتَعْطَفَ الرَّجُلُ رَاحِلَتَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّا عَقَلْنَا مِنْ الْآثَارِ اعْتِبَارَ التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَقُلْنَا: السُّنَّةُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مَرَّةً وَاحِدَةً شَرْطٌ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: حَتَّى تَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَضْحَى يَوْمًا مُحْرِمًا مُلَبِّيًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ مُلَبٍّ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَهَذَا دَلِيلُ نَدْبِ الْإِكْثَارِ مِنْهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا أَخَذَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَأْتِيَ بِهَا عَلَى الْوَلَاءِ وَلَا يَقْطَعَهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّلْبِيَةِ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ: لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ) وَهُوَ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ فَيُجْهِدُ نَفْسَهُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يُفِيدُ بَعْضَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ، إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْكَثْرَةِ مَعَ قِلَّةِ الْمَسَافَةِ، أَوْ هُوَ عَنْ زِيَادَةِ وَجْدِهِمْ، وَشَوْقِهِمْ بِحَيْثُ يُغْلَبُ الْإِنْسَانُ عَنْ الِاقْتِصَادِ فِي نَفْسِهِ. وَكَذَا الْعَجُّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ رَفْعِ الصَّوْتِ بَلْ بِشِدَّةٍ. وَهُوَ مَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ الْحَاجُّ، قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْجَوْزِيِّ الْمَكِّيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ حَفِظَهُ. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ. وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الضَّحَّاكُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ. وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَالْعَجُّ: الْعَجِيجُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: نَحْرُ الدِّمَاءِ. وَفِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ، أَوْ قَالَ: بِالتَّلْبِيَةِ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي التَّلْبِيَةِ» " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ زِينَةُ الْحَجِّ " وَعَنْهُ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ قَالُوا: وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَاضِعًا إصْبَعَهُ فِي أُذُنِهِ لَهُ جُؤَارٌ إلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي، ثُمَّ سِرْنَا الْوَادِيَ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَالَ: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ قَالُوا: هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ، فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ

قَالَ (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ وَهُوَ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا (وَإِذَا عَايَنَ الْبَيْتَ كَبَّرَ وَهَلَّلَ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَقُولُ: إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ. وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُذْهِبُ بِالرِّقَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ لَهُ مِنْ صُوفٍ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِنَا لَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ بِشِدَّةِ رَفْعِ صَوْتِهِ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِشِدَّةٍ إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْإِجْهَادِ، إذْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ عَالِيَهُ طَبْعًا فَيَحْصُلُ الرَّفْعُ الْعَالِي مَعَ عَدَمِ تَعَبِهِ بِهِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ وَالسَّبِيلُ فِيمَا هُوَ كَذَلِكَ الْإِظْهَارُ وَالْإِشْهَارُ كَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ الْمُعَلِّمِ لِلْخَيْرِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ، وَيَخْفِضَ صَوْتَهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتِدَاءً بِالْمَسْجِدِ) يَخْرُجُ مِنْ عُمُومِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ» وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ نَصًّا خَاصًّا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمَعْنَاهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ بِسَنَدِهِ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا «لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ لَمْ يَلْوِ عَلَى شَيْءٍ وَلَمْ يُعَرِّجْ، وَلَا بَلَغَنَا أَنَّهُ دَخَلَ بَيْتًا، وَلَا لَهَا بِشَيْءٍ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَدَأَ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى سُنَّةُ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا» وَيُذْكَرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَمَا فِي غُسْلِ الْإِحْرَامِ، وَيَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ هَمْزَةٌ: وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْعُلْيَا عَلَى دَرْبِ الْمُعَلَّى، وَإِنَّمَا سُنَّ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي دُخُولِهِ مُسْتَقْبِلَ بَابِ الْبَيْتِ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَاصِدِ الْبَيْتِ كَوَجْهِ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَاصِدِهِ، وَكَذَا تُقْصَدُ كِرَامُ النَّاسِ. وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا) لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا. دَخَلَهَا فِي حَجِّهِ نَهَارًا وَلَيْلًا فِي عُمْرَتِهِ» وَهُمَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ الدُّخُولِ لِأَدَاءِ مَا بِهِ الْإِحْرَامُ، وَلِأَنَّهُ دُخُولُ بَلَدٍ. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا " فَلَيْسَ تَقْرِيرًا لِلسُّنَّةِ بَلْ شَفَقَةً عَلَى الْحَاجِّ مِنْ السُّرَّاقِ. وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك، جِئْتُ لِأُؤَدِّيَ فَرْضَك، وَأَطْلُبَ رَحْمَتَك، وَأَلْتَمِسَ رِضَاك، مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَضَائِك، أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ الْمُشْفِقِينَ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِك، وَتَحْفَظَنِي بِرَحْمَتِك، وَتَتَجَاوَزَ عَنِّي بِمَغْفِرَتِك، وَتُعِينَنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِك. اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَأَدْخِلْنِي فِيهَا، وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " وَكَذَا يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَكُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلَّ لَفْظٍ يَقَعُ بِهِ التَّضَرُّعُ وَالْخُشُوعُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، مِنْهُ دَخَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ وَإِذَا عَايَنَ الْبَيْتَ كَبَّرَ وَهَلَّلَ) ثَلَاثًا وَيَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ، وَعَنْ عَطَاءٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ» وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمُشَاهَدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ تَوْقِيتَهَا يُذْهِبُ بِالرِّقَّةِ)

وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ. قَالَ (ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ» (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ يُكَرِّرُ مَحْفُوظَهُ بَلْ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ كَيْفَ بَدَا لَهُ مُتَضَرِّعًا (وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَأْثُورِ مِنْهَا فَحَسَنٌ) أَيْضًا. وَلِنَسُقْ نُبْذَةً مِنْهَا فِي مَوَاطِنِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ " سَمِعْت مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَلِمَةً مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ سَمِعَهَا غَيْرِي، سَمِعْته يَقُولُ: إذَا رَأَى الْبَيْتَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ " وَأَسْنَدَ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذْ رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا» وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي مَوْصُولًا: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ مَكَّةَ نَهَارًا مِنْ كَدَاءٍ فَلَمَّا رَأَى الْبَيْتَ قَالَ " الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ لِمَا رُوِيَ إلَخْ) أَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالْحَجَرِ فَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَا كَانَ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ الدَّاخِلُ الطَّوَافَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ لَزِمَ أَنْ يَبْدَأَ الدَّاخِلُ بِالرُّكْنِ لِأَنَّهُ مُفْتَتَحُ الطَّوَافِ. قَالُوا: أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ لَا الطَّوَافُ لَا الصَّلَاةُ، اللَّهُمَّ إلَّا إنْ دَخَلَ فِي وَقْتٍ مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ خَافَ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ، أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَيُقَدِّمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ ثُمَّ يَطُوفُ، فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَطَوَافُ تَحِيَّةٍ أَوْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ وَهُوَ أَيْضًا تَحِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، هَذَا إنْ دَخَلَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنَّ دَخَلَ فِيهِ فَطَوَافُ الْفَرْضِ يُغْنِي كَالْبُدَاءَةِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَبِطَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ: إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ ". وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ» وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْطَبَعَ فَاسْتَلَمَ وَكَبَّرَ وَرَمَلَ» وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا انْتَهَى إلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ وَهُوَ مُضْطَبِعٌ بِرِدَائِهِ وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ» . وَمِنْ الْمَأْثُورِ عِنْدَ الِاسْتِلَامِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إلَيْك بَسَطْت يَدَيْ وَفِيمَا عِنْدَك عَظُمَتْ رَغْبَتِي فَاقْبَلْ دَعْوَتِي وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَجُدْ لِي بِمَغْفِرَتِك وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ (قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) يَعْنِي عِنْدَ التَّكْبِيرِ لِافْتِتَاحِ الطَّوَافِ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:

«لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ» قَالَ (وَاسْتَلَمَهُ إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ» ) تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُلْحَقَ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ لَا الْعِلَّةِ، وَيَكُونُ بَاطِنُهُمَا فِي هَذَا الرَّفْعُ إلَى الْحَجَرِ كَهَيْئَتِهِمَا فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ إذَا لَمْ يَسْتَلِمْهُ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) يَعْنِي بَعْدَ الرَّفْعِ لِلِافْتِتَاحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ يَسْتَلِمُهُ. وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَاءَ إلَى الْحَجَرِ فَقَبَّلَهُ. وَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» وَرَوَى الْحَاكِمُ حَدِيثَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَادَ فِيهِ " فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَلَوْ عَلِمْت تَأْوِيلَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَقُلْت إنَّهُ كَمَا أَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] فَلَمَّا أَقَرُّوا أَنَّهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُمْ الْعَبِيدُ كَتَبَ مِيثَاقَهُمْ فِي رِقٍّ وَأَلْقَمَهُ فِي هَذَا الْحَجَرِ، وَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ فَهُوَ أَمِينُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا أَبْقَانِي اللَّهُ بِأَرْضٍ لَسْت بِهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ " وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِأَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ. وَمِنْ غَرَائِبِ الْمُتُونِ مَا فِي ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي آخِرِ مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ «رَجُلٍ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ ثُمَّ قَبَّلَهُ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» فَلْيُرَاجَعْ إسْنَادُهُ، فَإِنْ صَحَّ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ حَدِيثِ الْحَاكِمِ لِبُعْدِ أَنْ يَصْدُرَ هَذَا الْجَوَابُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَعْنِي قَوْلَهُ بَلْ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بَعْدَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ» لِأَنَّهُ صُورَةُ مُعَارَضَةٍ، لَا جَرَمَ أَنَّ الذَّهَبِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الْعَبْدِيِّ إنَّهُ سَاقِطٌ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أَوْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إزَالَةً لِوَهْمِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ اعْتِقَادِ الْحِجَارَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْنَامُ، ثُمَّ هَذَا التَّقْبِيلُ لَا يَكُونُ لَهُ صَوْتٌ. وَهَلْ يُسْتَحَبُّ السُّجُودُ عَلَى الْحَجَرِ عَقِيبَ التَّقْبِيلِ؟ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

" وَقَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّكَ رَجُلٌ أَيْدٍ تُؤْذِي الضَّعِيفَ فَلَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدْتَ فُرْجَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ ". وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ. قَالَ (وَإِنْ) (أَمْكَنَهُ أَنْ يَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا فِي يَدِهِ) كَالْعُرْجُونِ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ قِيلَ ذَلِكَ فُعِلَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ بِجَبْهَتِهِ. وَقَالَ " رَأَيْت عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فَفَعَلْته " رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ عَلَى الْحَجَرِ» وَصَحَّحَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ لِمَا صُرِّحَ مِنْ تَوَسُّطِ عُمَرَ، إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ قِوَامَ الدِّينِ الْكَاكِيَّ قَالَ: وَعِنْدَنَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَنَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ لِعُمَرَ) فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرَ ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي فَقَالَ يَا عُمَرُ هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُمِسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا فِي يَدِهِ) أَوْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ (وَيُقَبِّلَ مَا مَسَّ بِهِ فَعَلَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا أَخْرَجَ السِّتَّةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ» . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ إلَى قَوْلِهِ لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنِ» . وَهَاهُنَا إشْكَالٌ حَدِيثِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ بِلَا شُبْهَةٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَمَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ» وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَهَذَا يُنَافِي طَوَافَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ. فَإِنْ أُجِيبَ: بِحَمْلِ حَدِيثِ الرَّاحِلَةِ عَلَى الْعُمْرَةِ دَفَعَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي مُسْلِمٍ «طَافَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُصْرَفَ النَّاسُ عَنْهُ» وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِيهِ إنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ الرُّكْنَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ طَافَ مَاشِيًا لَانْصَرَفَ النَّاسُ عَنْ الْحَجَرِ كُلَّمَا جَاءَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوْقِيرًا لَهُ أَنْ يُزَاحَمَ، لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَ مَرْجِعِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَعْنِي لَوْ لَمْ يَرْكَبْ لَانْصَرَفَ النَّاسُ عَنْهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَامَ الْوُصُولَ إلَيْهِ لِسُؤَالٍ أَوْ لِرُؤْيَةٍ لِاقْتِدَاءٍ لَا يَقْدِرُ لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ حَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلِ حَاجَتِهِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَحْصُلُ اجْتِمَاعُ الْحَدِيثَيْنِ دُونَ تَعَارُضِهِمَا. وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي الْحَجِّ لِلْآفَاقِيِّ أَطْوِفَةً فَيُمْكِنُ كَوْنُ الْمَرْوِيِّ مِنْ رُكُوبِهِ كَانَ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ يَوْمَ النَّحْرِ لِيُعْلِمَهُمْ، وَمَشْيُهُ كَانَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ لِأَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ الطَّوَافَ الَّذِي بَدَأَ بِهِ أَوَّلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ، كَمَا يُفِيدُهُ سَوْقُهُ لِلنَّاظِرِ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «إنَّمَا طَافَ رَاكِبًا لِيُشْرِفَ وَيَرَاهُ النَّاسُ فَيَسْأَلُوهُ» ، وَبَيْنَ مَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ إنَّمَا طَافَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي. كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ «أَنَّهُ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَعَ عِكْرِمَةَ

وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ (ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَاكَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ فَطَافَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» (وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) وَهُوَ سُنَّةٌ. وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ (وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَعَلَ حَمَّادٌ يَصْعَدُ الصَّفَا وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُ. وَيَصْعَدُ حَمَّادٌ الْمَرْوَةَ وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُهَا، فَقَالَ حَمَّادٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلَا تَصْعَدُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ؟ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ طَوَافُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ حَمَّادٌ: فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ إنَّمَا طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ شَاكٍ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنٍ، فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَصْعَدْ» اهـ. فَالْجَوَابُ بِأَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْعُمْرَة. فَإِنْ قُلْت: قَدْ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا «سَعَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ» وَهَذَا لَازِمٌ أَنْ يَكُونَ فِي الْعُمْرَةِ إذْ لَا مُشْرِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمَكَّة. فَالْجَوَابُ: نَحْمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى عُمْرَةٍ غَيْرِ الْأُخْرَى، وَالْمُنَاسِبُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَوْنُهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ تُفِيدُهُ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ الرُّكُوبُ لِلشِّكَايَةِ فِي غَيْرِهَا وَهِيَ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ. وَسَنُسْعِفُك بِعَدِّ عُمَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَابِ الْفَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسْحَ الْوَجْهِ بِالْيَدِ مَكَانَ تَقْبِيلِ الْيَدِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ التَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ أَوْ بِمَا فِيهَا (اسْتَقْبَلَهُ) وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلًا بِبَاطِنِهِمَا إيَّاهُ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ إلَخْ) أَمَّا الْأَخْذُ عَنْ الْيَمِينِ فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «لَمَّا قَدِمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَكَّةَ بَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَأَمَّا حَدِيثُ الِاضْطِبَاعِ فَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى» سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ غَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسُمِّيَ اضْطِبَاعًا افْتِعَالٌ مِنْ الضَّبُعِ وَهُوَ الْعَضُدُ، وَأَصْلُهُ اضْتِبَاعٌ لَكِنْ قَدْ عُرِفَ أَنَّ تَاءَ الِافْتِعَالِ تُبَدَّلُ طَاءً إذَا وَقَعَتْ

مِنْ وَرَاءِ الْحَطِيمِ) وَهُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ فِيهِ الْمِيزَابُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ: أَيْ كُسِرَ، وَسُمِّيَ حِجْرًا لِأَنَّهُ حُجِرَ مِنْهُ: أَيْ مُنِعَ، وَهُوَ مِنْ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْرَ حَرْفِ إطْبَاقٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْطَبِعَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلِ، وَيَجِبُ حَمْلُ الرَّمَلِ فِي حَدِيثِ الْجِعْرَانَةِ عَلَى فِعْلِ الصَّحَابَةِ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ الْجَمْعِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. وَيَقُولُ: إذَا أَخَذَ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْمُلْتَزَمِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ مِنْ الْكَعْبَةِ «اللَّهُمَّ إلَيْكَ مَدَدْتُ يَدِي، وَفِيمَا عِنْدَكَ عَظُمَتْ رَغْبَتِي، فَاقْبَلْ دَعْوَتِي، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي، وَجُدْ لِي بِمَغْفِرَتِكَ، وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ. اللَّهُمَّ إنَّ لَكَ عَلَيَّ حُقُوقًا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيَّ وَعِنْدَ مُحَاذَاةِ الْبَابِ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَيْتُ بَيْتُكَ، وَهَذَا الْحَرَمُ حَرَمُكَ، وَهَذَا الْأَمْنُ أَمْنُكَ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ. يَعْنِي نَفْسَهُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ فَأَعِذْنِي مِنْهَا وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ وَهُوَ الرُّكْنُ الَّذِي مِنْ الْبَابِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَإِذَا حَازَى الْمِيزَابَ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ إيمَانًا لَا يَزُولُ، وَيَقِينًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك، وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْبَةً لَا أَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا وَإِذَا حَاذَى الرُّكْنَ الشَّامِيَّ وَهُوَ الَّذِي مِنْ الْعِرَاقِيِّ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا. وَسَعْيًا مَشْكُورًا. وَذَنْبًا مَغْفُورًا. وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَهُوَ الَّذِي مِنْ الشَّامِيِّ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَأَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» وَاعْلَمْ أَنَّك إذَا أَرَدْت أَنْ تَسْتَوْفِيَ مَا أُثِرَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ فِي الطَّوَافِ كَانَ وُقُوفُك فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ أَكْثَرَ مِنْ مَشْيِك بِكَثِيرٍ. وَإِنَّمَا أُثِرَتْ هَذِهِ فِي طَوَافٍ فِيهِ تَأَنٍّ وَمُهْلَةٌ لَا رَمَلٌ، ثُمَّ وَقَعَ لِبَعْضِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنْ قَالَ فِي مَوْطِنِ كَذَا كَذَا، وَلِآخَرَ فِي آخَرَ كَذَا، وَلِآخَرَ فِي نَفْسِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا آخَرَ، فَجَمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْكُلَّ لَا أَنَّ الْكُلَّ وَقَعَ فِي الْأَصْلِ لِوَاحِدٍ، بَلْ الْمَعْرُوفُ فِي الطَّوَافِ مُجَرَّدُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ نَعْلَمْ خَبَرًا رُوِيَ فِيهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، مُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ» وَسَنَذْكُرُ فُرُوعًا تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ نَذْكُرُ فِيهَا حُكْمَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحِجْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمَكِ قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ، قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ

الْبَيْتِ» فَلِهَذَا يُجْعَلُ الطَّوَافُ مِنْ وَرَائِهِ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَا تُجْزِيه الصَّلَاةُ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ ثَبَتَتْ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ. قَالَ (وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ) وَالرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ وَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَهُ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْحِجْرَ بِالْبَيْتِ وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ وَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ فَقَالَ: صَلِّي فِي الْحِجْرِ إذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ، وَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ هَدَمَهُ فِي خِلَافَتِهِ وَبَنَاهُ عَلَى مَا أَحَبَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ، فَلَمَّا قُتِلَ أَعَادَهُ الْحَجَّاجُ عَلَى مَا كَانَ يُحِبُّهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَسْنَا مِنْ تَخْلِيطِ أَبِي خُبَيْبٍ فِي شَيْءٍ فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَعْرُوفُ بِالْقُبَاعِ، وَهُوَ أَخُو عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَحَدَّثَاهُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَنَدِمَ، وَجَعَلَ يَنْكُتُ الْأَرْضَ بِمُحْضَرَةٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: وَدِدْت أَنِّي تَرَكْت أَبَا خُبَيْبٍ وَمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ ، ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ هَذَا، وَلَيْسَ الْحِجْرُ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ فَقَطْ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فَتَجِبُ إعَادَةُ كُلِّهِ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهِهِ الْمَشْرُوعِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَلْ أَعَادَ عَلَى الْحِجْرِ فَقَطْ وَدَخَلَ الْفُرْجَتَيْنِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ طَافَ وَلَمْ يَدْخُلْ الْفُرْجَتَيْنِ بَلْ كَانَ يَرْجِعُ كُلَّمَا وَصَلَ إلَى بَابِهِمَا فَفِي الْغَايَةِ لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ اهـ. وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَنْكُوسِ لَا يَصِحُّ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِاعْتِدَادُ بِهِ. وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ، فَالْوَاجِبُ هُوَ الْأَخْذُ فِي الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ عَلَى يَسَارِ الطَّائِفِ فَتَرْكُهُ تَرْكُ وَاجِبٍ، فَإِنَّمَا يُوجِبُ الْإِثْمَ فَيَجِبُ إعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ. فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ إعَادَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَالِافْتِتَاحُ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، قِيلَ: لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ فِي الْآيَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَالْحَقُّ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَانًا. وَقِيلَ: يُجْزِيهِ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لَا مُجْمَلَةٌ غَيْرَ أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ. لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَتْرُكْهُ قَطُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ) تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى أَرْضٍ تَنَجَّسَتْ ثُمَّ جَفَّتْ، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ بِأَنَّ قَطْعِيَّةَ التَّكْلِيفِ بِفِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ لَا يَتَوَقَّفُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهِ عَلَى الْقَطْعِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ. بَلْ ظَنُّهُ كَافٍ لِلْقَطْعِ بِالتَّكْلِيفِ بِاسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْ عَهْدِيَّةِ الْقَطْعِ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُظَنُّ

الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِبَاعِ. وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكَيْنِ حِينَ قَالُوا: أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَعْدَهُ. قَالَ (وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي عَلَى هَيِّنَتِهِ) عَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ رَمَلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَإِنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ قَامَ. فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQطَهَارَتُهُ مِنْهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْتِقَالِ عَنْ الشُّغْلِ الْمَقْطُوعِ بِهِ إلَّا بِالْقَطْعِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ طَرِيقٌ لِلْقَطْعِ يُكْتَفَى فِيهِ بِالظَّنِّ ضَرُورَةً كَحَالِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِطَهَارَتِهِ إلَّا حَالَ نُزُولِهِ مِنْ السَّمَاءِ. وَكَوْنِهِ فِي الْبَحْرِ وَمَا لَهُ حُكْمُهُ، وَلَيْسَ يَتَمَكَّنُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ فِي كُلِّ تَطْهِيرٍ بِخِلَافِ التَّوْجِيهِ وَالتَّيَمُّمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَانَ سَبَبُهُ إلَخْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً. فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ. فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ. وَيَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هُمْ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءَ عَلَيْهِمْ اهـ. وَيَعْنِي بِالرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّ وَالْأَسْوَدَ كَمَا فِي أَبِي دَاوُد «كَانُوا إذَا بَلَغُوا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَتَغَيَّبُوا عَنْ قُرَيْشٍ مَشَوْا ثُمَّ يَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ فَيَرْمُلُونَ يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ كَأَنَّهُمْ الْغِزْلَانُ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَتْ سُنَّةً. فَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا رَمَلَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ. وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا رَمَلَ أَصْلًا. وَنَقَلَهُ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَمَلَ بِالْبَيْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قُلْتُ: مَا صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: صَدَقُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَمَلَ، وَكَذَبُوا لَيْسَ سُنَّةً. إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنْ الْهُزَالِ. وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ فَأَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا وَيَمْشُوا أَرْبَعًا» فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى خِلَافِ الْفَرِيقَيْنِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ، وَبِقَوْلِهِ " وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ هُوَ الْمَنْقُولُ " أَمَّا أَنَّهُ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَعْدَهُ فَلِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ «أَنَّهُ رَمَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ، وَكَذَا الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَا لَنَا

لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ. قَالَ (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ إنْ اسْتَطَاعَ) لِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، فَكَمَا يَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِالتَّكْبِيرِ يَفْتَتِحُ كُلَّ شَوْطٍ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ) وَهُوَ حَسَنٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلرَّمَلِ، إنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " سَمِعْت عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: فِيمَ الرَّمَلُ؟ وَكَشْفُ الْمَنَاكِبِ، وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى الْإِسْلَامَ وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ؟ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نَدْعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَأَمَّا أَنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ مَنْقُولًا فَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ. وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَمَلَ ثَلَاثًا مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ» . وَفِي آثَارِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ» فَهَذِهِ تُقَدَّمُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَذَلِكَ نَافٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي هَذِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَا فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الرَّمَلَ بِهِ هُوَ مَا فُسِّرَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ. وَقِيلَ: هُوَ إسْرَاعٌ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا دُونَ الْوُثُوبِ وَالْعَدْوِ. هَذَا وَالرَّمَلُ بِالْقُرْبِ مِنْ الْبَيْتِ أَفْضَلُ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَهُوَ بِالْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ بِلَا رَمَلٍ مَعَ الْقُرْبِ مِنْهُ. وَلَوْ مَشَى شَوْطًا ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي شَوْطَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَرْمُلُ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ) ذَكَرَ فِي وَجْهِهِ الْمَعْنَى دُونَ الْمَنْقُولِ وَهُوَ إلْحَاقُ الْأَشْوَاطِ بِالرَّكَعَاتِ فَمَا يَفْتَتِحُ بِهِ الْعِبَادَةَ وَهُوَ الِاسْتِلَامُ يَفْتَتِحُ بِهِ كُلَّ شَوْطٍ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ قِيَاسُ شَبَهٍ لِإِثْبَاتِ اسْتِحْبَابِ شَيْءٍ وَفَتْحِ بَابِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» لَكِنْ فِيهِ الْمَنْقُولُ وَهُوَ مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ» (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ) أَيْ كُلَّمَا مَرَّ (اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَلَا كَثِيرٌ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ تَكْبِيرٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ فِي كُلِّ مَبْدَإِ شَوْطٍ، فَإِنْ لَاحَظْنَا مَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ يَنْبَغِي أَنْ تُرْفَعَ لِلْعُمُومِ فِي اسْتِلَامِ الْحَجَرِ» وَإِنْ لَاحَظْنَا عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا اللَّفْظِ فِيهِ وَعَدَمَ تَحْسِينِهِ بَلْ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ لَمْ يَفْدِ ذَلِكَ إذْ لَا رَفْعَ مَعَ مَا بِهِ الِافْتِتَاحُ فِيهَا إلَّا فِي الْأَوَّلِ، وَاعْتِقَادِي أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خِلَافَهُ. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ) هَذَا هُوَ مُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ حَسَنٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ «لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ» لَيْسَ حُجَّةً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، إذْ لَيْسَ فِيهِ سِوَى إثْبَاتِ رُؤْيَةِ اسْتِلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرُّكْنَيْنِ، وَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ كَوْنَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاظَبَةِ وَلَا سُنَّةَ دُونَهَا غَيْرَ أَنَّا عَلِمْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى اسْتِلَامِ الْأَسْوَدِ مِنْ خَارِجٍ، فَقُلْنَا بِاسْتِنَانِهِ فَيَكُونُ مُجَرَّدُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَكَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " مَا تَرَكْت اسْتِلَامَ

وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا (وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ) يَعْنِي اسْتِلَامَ الْحَجَرِ. قَالَ (ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سُنَّةٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلِيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا " فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَسْتَلِمُهُ فَلَمْ يَتْرُكْهُ هُوَ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُحَافَظَةً مِنْهُ عَلَى الْأَمْرِ الْمُسْتَحَبِّ، وَكَذَا مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ " مَسْحُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: هَذَا نَدْبٌ، وَالْمَنْدُوبُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ. نَعَمْ مَا فِي الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ " وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ " وَيَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ " ظَاهِرٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ. وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فِي كُلِّ طَوَافِهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَعَنْ مُجَاهِدٍ " مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ثُمَّ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ " وُكِّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا: آمِينَ ". وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِخَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلْيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» ) لَمْ يُعْرَفْ هَذَا الْحَدِيثُ. نَعَمْ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ، إلَّا أَنَّ مُفِيدَ الْوُجُوبِ مِنْ الْفِعْلِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْفِعْلِ إذْ هُوَ يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ الْمَقْرُونَةَ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً، وَقَدْ يَثْبُتُ اسْتِدْلَالًا بِمَا يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ نَفْسِ الْمَطْلُوبِ فَيَثْبُتَانِ مَعًا. وَهُوَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا انْتَهَى إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] نَبَّهَ بِالتِّلَاوَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ هَذِهِ امْتِثَالًا لِهَذَا الْأَمْرِ. وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، إلَّا أَنَّ اسْتِفَادَةَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ وَهُوَ ظَنِّيٌ، فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ أَيْ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُنَا بِمُوَاظَبَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ» وَهُوَ لَا يُفِيدُ عُمُومَ فِعْلِهِ إيَّاهُمَا عَقِيبَ كُلِّ طَوَافٍ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلًا أَخْبَرَنَا مِنْدَلٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا قَالَ إسْمَاعِيلُ: قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: إنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِيهِ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْبُوعًا قَطُّ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَقَوْلُ شُذُوذٍ مِنَّا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَا وَاجِبَتَيْنِ عَقِبَ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ لَا غَيْرُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. وَيُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ هَذَا فِي فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَهُمَا فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي طَوَافٍ آخَرَ إنْ كَانَ قَبْلَ إتْمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ. وَبَعْدَ إتْمَامِهِ لَا لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ

لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ» وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ، لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ يُفْتَتَحُ بِالِاسْتِلَامِ فَكَذَا السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ سَعْيٌ. قَالَ (وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الْقُدُومِ) وَيُسَمَّى طَوَافُ التَّحِيَّةِ (وَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ بِالطَّوَافِ» وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ، وَالْأَمْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ مِنْهُمَا رَكْعَتَانِ آخِرًا، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْأُسْبُوعَ الثَّانِيَ بَعْدَ أَنْ طَافَ مِنْهُ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ وَاشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ لَأَخَلَّ بِالسُّنَّتَيْنِ بِتَفْرِيقِ الْأَشْوَاطِ فِي الْأُسْبُوعِ الثَّانِي. لِأَنَّ وَصْلَ الْأَشْوَاطِ سُنَّةٌ وَتَرَكَ رَكْعَتَيْ الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا، فَإِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ وَاجِبَتَانِ. وَفِعْلُهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا سُنَّةٌ، وَلَوْ مَضَى فِي الْأُسْبُوعِ الثَّانِي فَأَتَمَّهُ لَأَخَلَّ بِسُنَّةٍ وَاحِدَةٍ. فَكَانَ الْإِخْلَالُ بِإِحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْإِخْلَالِ بِهِمَا. كَذَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ وَلَوْ طَافَ بِصَبِيٍّ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِدُعَاءِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي، وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي، وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُصِيبُنِي إلَّا مَا كَتَبْت عَلَيَّ، وَرَضِّنِي بِمَا قَسَمْت لِي. فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ إنِّي قَدْ غَفَرْت لَك، وَلَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِك يَدْعُو بِمِثْلِ مَا دَعَوْتَنِي بِهِ إلَّا غَفَرْت ذُنُوبَهُ، وَكَشَفْت هُمُومَهُ، وَنَزَعْت الْفَقْرَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ، وَأَنْجَزْت لَهُ كُلَّ نَاجِزٍ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُهَا (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ» ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ اسْتِنْبَاطُ أَمْرٍ كُلِّيٍّ مِنْ فِعْلِهِ هَذَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجْهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَضَلَّعَ، وَيُفْرِغَ الْبَاقِيَ فِي الْبِئْرِ وَيَقُولَ " اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقًا وَاسِعًا وَعِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ " وَسَنَعْقِدُ لِلشُّرْبِ مِنْهَا فَصْلًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ الشُّرْبَ مِنْهَا عَقِيبَ طَوَافِ الْوَدَاعِ نَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا فِيهِ مَقْنَعٌ، ثُمَّ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا، وَقِيلَ: يَلْتَزِمُ الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا ثُمَّ يَأْتِيَ زَمْزَمَ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ، ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ. وَالْتِزَامُهُ أَنْ يَتَشَبَّثَ بِهِ وَيَضَعَ صَدْرَهُ وَبَطْنَهُ عَلَيْهِ وَخَدَّهُ الْأَيْمَنَ، وَيَضَعَ يَدَيْهِ فَوْقَ رَأْسِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْجِدَارِ قَائِمَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَهُوَ سُنَّةٌ) أَيْ لِلْآفَاقِيِّ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ» ) هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَوْ ثَبَتَ كَانَ الْجَوَابُ بِأَنَّ هُنَاكَ قَرِينَةً تَصْرِفُ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ نَفْسُ مَادَّةِ اشْتِقَاقِ هَذَا الْأَمْرِ وَهُوَ التَّحِيَّةُ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهَا التَّبَرُّعُ لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إكْرَامٍ يَبْدَأُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ كَلَفْظِ التَّطَوُّعِ، فَلَوْ قَالَ: تَطَوَّعْ أَفَادَ النَّدْبَ، فَكَذَا إذَا قَالَ: حَيِّهِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86] لِأَنَّهُ وَقَعَ جَزَاءً لَا ابْتِدَاءً، فَلَفْظَةُ التَّحِيَّةِ فِيهِ مِنْ مَجَازِ الْمُشَاكَلَةِ مِثْلُ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ

الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. وَقَدْ تَعَيَّنَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيمَا رَوَاهُ سَمَّاهُ تَحِيَّةً، وَهُوَ دَلِيلٌ الِاسْتِحْبَابِ (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِانْعِدَامِ الْقُدُومِ فِي حَقِّهِمْ. قَالَ (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا فَيَصْعَدُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ. وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَدْعُو اللَّهَ لِحَاجَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَعِدَ الصَّفَا حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ قَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو اللَّهَ» وَلِأَنَّ الثَّنَاءَ وَالصَّلَاةَ يُقَدَّمَانِ عَلَى الدُّعَاءِ تَقْرِيبًا إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ. وَالرَّفْعُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ. وَإِنَّمَا يَصْعَدُ بِقَدْرِ مَا يَصِيرُ الْبَيْتُ بِمَرْأًى مِنْهُ، لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ، وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ. وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الصَّفَا لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ (ثُمَّ يَنْحَطُّ نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ فَإِذَا بَلَعَ بَطْنَ الْوَادِي يَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ سَعْيًا، ثُمَّ يَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدُ عَلَيْهَا وَيَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الدَّلِيلُ الْقَائِلُ: إنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] وَقَدْ تَعَيَّنَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُفِيدُ لَوْ ادَّعَى فِي طَوَافِ الْقُدُومِ الرُّكْنِيَّةَ بِدَعْوَى الِافْتِرَاضِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُدَّعَاهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا) مُقَدِّمًا رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَالَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَائِلًا " بِاسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا. وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ " (قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ) وَفِي الْأَصْلِ قَالَ " فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُلَبِّي. وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَدْعُو اللَّهَ لِحَاجَتِهِ ". وَقَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ قَوْلَهُ " فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ. وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

الصَّفَا وَجَعَلَ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَسَعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي مَشَى حَتَّى صَعِدَ الْمَرْوَةَ وَطَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» قَالَ (وَهَذَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ الْمَأْثُورِ أَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ جَاعِلًا بَاطِنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ كَمَا لِلدُّعَاءِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو. وَفِي الْبَدَائِعِ: الصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةٌ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ فِي هُبُوطِهِ " اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِسُنَّةِ نَبِيِّك وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ، وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ " فَإِذَا وَصَلَ إلَى بَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ قَالَ " رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ " يُؤْثَرُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَيَقُولُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا، وَأَمَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ فَأَسْنَدَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ» . وَأَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ» . وَأَمَّا عَدَدُ الْأَشْوَاطِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا» هَذَا وَالْأَفْضَلُ لِلْمُفْرِدِ أَنْ لَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، بَلْ يُؤَخِّرَ السَّعْيَ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِأَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ، فَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ رُخْصَةً بِسَبَبِ كَثْرَةِ مَا عَلَى الْحَاجِّ مِنْ الْأَعْمَالِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنَّهُ يَرْمِي، وَقَدْ يَذْبَحُ، ثُمَّ يَحْلِقُ بِمِنًى، ثُمَّ يَجِيءُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ الطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى لِيَبِيتَ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ غَرَضِهِ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَخْذًا بِالْأَوْلَى فَلَا يَرْمُلُ فِيهِ، لِأَنَّ الرَّمَلَ إنَّمَا شُرِعَ فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ. هَذَا وَشَرْطُ جَوَازِ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافٍ أَوْ أَكْثَرَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَهَذَا شَوْطٌ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْمَرْوَةِ وَالْمَجِيءِ مِنْهُ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ، وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ لَا، فَقِيلَ: الرُّجُوعُ إلَى الصَّفَا لَيْسَ مُعْتَبَرًا مِنْ الشَّوْطِ بَلْ لِتَحْصِيلِ الشَّوْطِ الثَّانِي، وَيُعْطِي بَعْضَ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا لِمَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ إلْحَاقِهِ بِالطَّوَافِ، حَيْثُ كَانَ مِنْ الْمَبْدَإِ أَعْنِي الْحَجَرَ إلَى الْمَبْدَإِ وَعِنْدَهُ فِي مُرَادِهِ مِنْ ذَلِكَ اشْتِبَاهٌ، وَأَيَّامًا كَانَ فَإِبْطَالُهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَلَمَّا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ بِالْمَرْوَةِ قَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي» الْحَدِيثَ لَا يَنْتَهِضُ. أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ آخِرَ السَّعْيِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ لَا شَكَّ أَنَّهُ

وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ شَوْطٍ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالصَّفَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ثُمَّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَرْوَةِ وَرُجُوعُهُ عَنْهَا إلَى حَالِ سَبِيلِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الصَّفَا لِيَفْتَتِحَ الشَّوْطَ وَقَدْ تَمَّ السَّعْيُ. وَعَلَى الثَّانِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ الْأَخِيرُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ رُجُوعِهِ فِيهِ مِنْ الْمَرْوَةِ هَذَا آخِرُ طَوَافِهِ بِالْمَرْوَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ هَذِهِ الْوَقْفَةِ بِهَا إلَيْهَا. وَإِنْ احْتَاجَ إلَى رُجُوعِهِ إلَى الصَّفَا لِتَتْمِيمِ الشَّوْطِ، وَمَا دُفِعَ بِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا، وَقَدْ اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ إنَّمَا طَافَ سَبْعَةً فَمَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الشَّرْطِ مَا مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ أَوْ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ يَقُولُ: هَذَا اعْتِبَارُكُمْ لَا اعْتِبَارُ الشَّرْعِ لِعَدَمِ النَّقْلِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ، وَأَقَلُّ الْأُمُورِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الشَّارِعِ تَنْصِيصٌ فِي مُسَمَّاهُ أَنْ يَثْبُتَ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ، وَكَمَا قُلْت، فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ قَوْلِي فِيهِ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ لَفْظَ الشَّوْطِ أُطْلِقَ عَلَى مَا حَوَالَيْ الْبَيْتِ. وَعُرِفَ قَطْعًا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا مِنْ الْمَبْدَإِ إلَى الْمَبْدَإِ، فَكَذَا إذَا أُطْلِقَ فِي السَّعْيِ إذْ لَا مُنَصِّصَ عَلَى الْمُرَادِ. فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، فَالْوَجْهُ أَنَّ إثْبَاتَ مُسَمَّى الشَّوْطِ فِي اللُّغَةِ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الذَّهَابِ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعِ مِنْهَا إلَى الصَّفَا، وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يُخَالِفُهُ فَيَبْقَى عَلَى الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ. وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَسَافَةٌ يَعْدُوهَا الْفَرَسُ كَالْمَيْدَانِ وَنَحْوِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ الشَّوْطَ بَطِيءٌ: أَيْ بَعِيدٌ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأُمُورِ مَا تَعْرِفُ بِهِ صَدِيقَك مِنْ عَدُوِّك، فَسَبْعَةُ أَشْوَاطٍ حِينَئِذٍ قَطْعُ مَسَافَةٍ مَقْدِرَةٍ سَبْعَ مَرَّاتِ، فَإِذَا قَالَ: طَافَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا سَبْعًا صُدِّقَ بِالتَّرَدُّدِ مِنْ كُلٍّ مَنْ الْغَايَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى سَبْعًا، بِخِلَافِ طَافَ بِكَذَا فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَنْ يَشْمَلَ بِالطَّوَافِ ذَلِكَ الشَّيْءَ، فَإِذَا قَالَ: طَافَ بِهِ سَبْعًا، كَانَ بِتَكْرِيرِهِ تَعْمِيمَهُ بِالطَّوَافِ سَبْعًا، فَمِنْ هُنَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حَيْثُ لَزِمَ فِي شَوْطِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْمَبْدَإِ إلَى الْمَبْدَإِ، وَالطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ فَرْعٌ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ، كَمَا ثَبَتَ أَنَّ مَبْدَأَهُ بِالِاسْتِلَامِ كَمَبْدَئِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذْ فِيهِ نَصٌّ وَهُوَ مَا رَوَى الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ، حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ» وَعَنْهُ «أَنَّهُ رَآهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ» إلَخْ وَبَابُ بَنِي سَهْمٍ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ بَابُ الْعُمْرَةِ، لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابْدَءُوا) اعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ " أَبْدَأُ " فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ

وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا» . وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وَمِثْلُهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِبَاحَةِ فَيَنْفِي الرُّكْنِيَّةَ وَالْإِيجَابَ إلَّا أَنَّا عَدَلْنَا عَنْهُ فِي الْإِيجَابِ. وَلِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ. ثُمَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ كُتِبَ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَبْدَأُ " فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ، وَبِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَهُوَ مُفِيدُ الْوُجُوبِ خُصُوصًا مَعَ ضَمِيمَةِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَعَنْ هَذَا مَعَ كَوْنِ نَفْسِ السَّعْيِ وَاجِبًا لَوْ افْتَتَحَ مِنْ الْمَرْوَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الشَّوْطُ إلَى الصَّفَا، وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ شَرْطِ الْوَاجِبِ بِمِثْلِ مَا يَثْبُتُ بِهِ أَقْصَى حَالَاتِهِ وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْآحَادِ فَكَذَا شَرْطُهُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ رُكْنٌ إلَخْ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الْعَابِدِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ قَالَتْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَهُوَ وَرَاءَهُمْ. وَهُوَ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَسْعَى وَهُوَ يَقُولُ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ فَذَكَرَهُ. وَخُطِّئَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِيهِ حَيْثُ أَسْقَطَ صَفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ وَجَعَلَ مَكَانَ ابْنِ مُحَيْصِنٍ ابْنَ أَبِي حُسَيْنٍ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: نِسْبَةُ الْوَهْمِ إلَى ابْنِ الْمُؤَمَّلِ أَوْلَى، وَطَعَنَ فِي حِفْظِهِ مَعَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَثِيرًا، فَأَسْقَطَ عَطَاءً مَرَّةً وَابْنَ مُحَيْصِنٍ أُخْرَى، وَصْفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ، وَأَبْدَلَ ابْنَ مُحَيْصِنٍ بِابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ عَبْدَرِيَّةً تَارَةً وَيَمَنِيَّةً أُخْرَى. وَفِي الطَّوَافِ تَارَةً، وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أُخْرَى اهـ. وَهَذَا لَا يَضُرُّ بِمَتْنِ الْحَدِيثِ إذْ بَعْدَ تَجْوِيزِ الْمُتْقِنِينَ لَهُ لَا يَضُرُّهُ تَخْلِيطُ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مِنْهَا طَرِيقُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنِي مَعْرُوفُ بْن مِشْكَانَ أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُخْتِهِ صَفِيَّةَ قَالَتْ «أَخْبَرَنِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ اللَّاتِي أَدْرَكْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَ دَخَلْنَا دَارَ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ فَرَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ» إلَخْ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَالْجَوَابُ: أَنَّا قَدْ قُلْنَا بِمُوجِبِهِ إذْ مِثْلُهُ لَا يَزِيدُ عَلَى إفَادَةِ الْوُجُوبِ، وَقَدْ قُلْنَا بِهِ، أَمَّا الرُّكْنُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَإِثْبَاتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ إثْبَاتٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ مُفَادَ هَذَا الدَّلِيلِ مَاذَا؟ وَالْحَقُّ فِيهِ مَا قُلْنَا. لِأَنَّ نَفْسَ الشَّيْءِ لَيْسَ إلَّا رُكْنَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ. فَإِذَا كَانَ ثُبُوتُ ذَلِكَ الشَّيْءِ قَطْعِيًّا لَزِمَ فِي ثُبُوتِ أَرْكَانِهِ الْقَطْعُ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا هُوَ ثُبُوتُهُ، فَإِذَا فُرِضَ الْقَطْعُ بِهِ كَانَ ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِهَا. وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا تَحَقَّقْت هَذَا فَجَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِتَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى كُتِبَ اسْتِحْبَابًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] مُنَافٍ لِمَطْلُوبِهِ، فَكَيْفَ يَحْمِلُ عَلَيْهِ بَعْضَ الْأَدِلَّةِ؟ بَلْ الْعَادَةُ التَّأْوِيلُ بِمَا يُوَافِقُ لِلْمَطْلُوبِ فَكَيْفَ وَلَا مُفِيدَ لِلْوُجُوبِ فِيمَا نَعْلَمُ سِوَاهُ؟ فَنَحْنُ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي إثْبَاتِ الدَّعْوَى، فَإِنَّ الْآيَةَ وَهِيَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وَقِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُصْحَفِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَالْإِجْمَاعُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْوُجُوبِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَقُولُ بِهِ، إذْ لَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْفَرْضِ الْمُوجِبِ فَوَاتُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَالثَّابِتُ الْخِلَافُ، وَالْفَرِيقَانِ مُتَمَسَّكُهُمْ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ عَنْ الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَتُهُ إلَى مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ بِلَا مُوجِبٍ، بَلْ مَعَ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الصَّرْفِ بِخِلَافِ لَفْظِ " كُتِبَ " فِي الْوَصِيَّةِ لِلصَّارِفِ هُنَاكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يُفِيدُ أَنَّ الرَّادَّ بِالسَّعْيِ الْمَكْتُوبِ الْجَرْيُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِ الْوَادِي إذَا رَاجَعْته، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِلَا خِلَافٍ يُعْلَمُ. فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ التَّطَوُّفُ بَيْنَهُمَا، اتَّفَقَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ لَهُمْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْجَرْيِ الشَّدِيدِ الْمَسْنُونِ لَمَّا وَصَلَ إلَى مَحَلِّهِ شَرْعًا أَعْنِي بَطْنَ الْوَادِي، وَلَا يُسَنُّ جَرْيٌ شَدِيدٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، إنَّمَا هُوَ مَشْيٌ فِيهِ شِدَّةٌ وَتَصَلُّبٌ. ثُمَّ قِيلَ: فِي سَبَبِ شَرْعِيَّةِ الْجَرْيِ فِي بَطْنِ الْوَادِي " إنَّ هَاجَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا تَرَكَهَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَطِشَتْ فَخَرَجَتْ تَطْلُبُ الْمَاءَ وَهِيَ تُلَاحِظُ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَوْفًا عَلَيْهِ. فَلَمَّا وَصَلَتْ إلَى بَطْنِ الْوَادِي تَغَيَّبَ عَنْهَا فَسَعَتْ لَتُسْرِعَ الصُّعُودَ فَتَنْظُرَ إلَيْهِ " فَجُعِلَ ذَلِكَ نُسُكًا إظْهَارًا لِشَرَفِهِمَا وَتَفْخِيمًا لِأَمْرِهِمَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ الشَّيْطَانُ لَهُ عِنْدَ السَّعْيِ فَسَابَقَهُ فَسَبَقَهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَقِيلَ: إنَّمَا سَعَى سَيِّدُنَا وَنَبِيُّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إظْهَارًا لِلْمُشْرِكِينَ النَّاظِرِينَ إلَيْهِ فِي الْوَادِي الْجَلَدَ

قَالَ (ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا) لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ، قَالَ (وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ) لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَحْمَلُ هَذَا الْوَجْهِ مَا كَانَ مِنْ السَّعْيِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدَهُ كَالرَّمَلِ إذْ لَمْ يَبْقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُشْرِكٌ بِمَكَّةَ. وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنْ لَا يُشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَعْنَى فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ بَلْ هِيَ أُمُورٌ تَوْقِيفِيَّةٌ يُحَالُ الْعِلْمُ فِيهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ) خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَفْسَخُ الْحَجَّ إذَا طَافَ لِلْقُدُومِ إلَى عُمْرَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: نَحْنُ نُشْهِدُ اللَّهُ أَنَّا لَوْ أَحْرَمْنَا بِحَجٍّ لَرَأَيْنَا فَرْضًا فَسَخَهُ إلَى عُمْرَةٍ تَفَادِيًا مِنْ غَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ أَنَّ فِي السُّنَنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: اجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ قَالَ: اُنْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا، فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - غَضْبَانَ، فَرَأَتْ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَغْضَبَهُ اللَّهُ؟ قَالَ: وَمَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ أَمْرًا فَلَا أُتَّبَعُ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْتُ: وَمَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ؟ قَالَ: أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ سَلِمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ: كُلُّ أَمْرِك عِنْدِي حَسَنٌ إلَّا خَلَّةً وَاحِدَةً قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقُولُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ كُنْت أَرَى لَك عَقْلًا، عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَحَدَ عَشْرَ حَدِيثًا صِحَاحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتْرُكُهَا لِقَوْلِك؟ وَلِتُورِدَ مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ» وَفِي لَفْظٍ «وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا إحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَهَلَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَلْحَةَ إلَى أَنْ قَالَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ قَالُوا «نَنْطَلِقُ إلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ» يَعْنُونَ الْجِمَاعَ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرُوحُ أَحَدُنَا إلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ عَادَ لِلْحَدِيثِ قَبْلَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» وَفِي لَفْظٍ «فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تُحِلُّونَ» وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا «أَمَرَنَا لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطُحِ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ» . وَفِي لَفْظٍ «أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ» وَفِي السُّنَنِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ إلَّا مَنْ كَانَ أَهْدَى» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مُجَرَّدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ يُحَلِّلُ الْمُحَرَّمَ بِالْحَجِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مُعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَنْ جَاءَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ فَإِنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ يُصَيِّرُهُ إلَى الْعُمْرَةِ شَاءَ أَوْ أَبَى، قُلْت: إنَّ النَّاسَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْك، قَالَ: هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ رَغِمُوا " وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: كُلُّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ مِمَّنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ مِنْ مُفْرِدٍ أَوْ قَارِنٍ أَوْ مُتَمَتِّعٍ فَقَدْ حَلَّ إمَّا وُجُوبًا وَإِمَّا حُكْمًا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَأَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ حُكْمًا أَيْ دَخَلَ وَقْتُ فِطْرِهِ، فَكَذَا الَّذِي طَافَ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَلَّ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ لَيْسَ وَقْتَ إحْرَامٍ، وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ الْمُجْتَهِدَيْنِ عَلَى مَنْعِ الْفَسْخِ. وَالْجَوَابُ: أَوَّلًا بِمُعَارَضَةِ أَحَادِيثِ الْفَسْخِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَمِنَّا مِنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَأَحَلُّوا حِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ» وَبِمَا صَحَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ " لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يُصَيِّرَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً إنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَعَنْهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا عُمْرَةً " لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ. وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَحْوَهُ. وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: كَانَتْ لَنَا لَيْسَتْ لَكُمْ ". وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ فِي الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَقَالَ: بَلْ لَنَا خَاصَّةً» وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثٌ سُرَاقَةَ حَيْثُ قَالَ: «أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ لَهُ: لِلْأَبَدِ» لِأَنَّ الْمُرَادَ أَلِعَامِنَا فِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لِلْأَبَدِ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ الْأَمْرِ بِالْفَسْخِ مَا كَانَ إلَّا تَقْدِيرًا لِشَرْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، مَا لَمْ يَكُنْ مَانِعُ سَوْقِ الْهَدْيِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَعْظَمًا عِنْدَهُمْ حَتَّى كَانُوا يُعِدُّونَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فَكَسْرُ سُورَةِ مَا اسْتَحْكَمَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ إنْكَارِهَا بِحَمْلِهِمْ عَلَى فِعْلِهِ بِأَنْفُسِهِمْ، يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَا الدَّبَرْ وَعَفَا الْأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرَ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِصَبِيحَةِ رَابِعَةٍ مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ ثَابِتًا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ: لَا يَثْبُتُ عِنْدِي، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُلُ. كَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا صَرِيحًا فِي كَوْنِ سَبَبِ الْأَمْرِ بِالْفَسْخِ هُوَ قَصْدُ مَحْوِ مَا اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَقْرِيرِ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ، أَلَا تَرَى إلَى تَرْتِيبِهِ الْأَمْرَ بِالْفَسْخِ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِالْفَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ ذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ إثَارَةِ السَّبَبِ إيَّاهُ كَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فَقَالَ بِهِ. وَظَهَرَ لِغَيْرِهِ كَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مُنْقَضٍ بِانْقِضَاءِ سَبَبِهِ ذَلِكَ، وَمَشَى عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْفُقَهَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَهُوَ أَوْلَى لَوْ كَانَ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَأْيٍ لَا عَنْ نَقْلٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُسْتَمِرَّ

يُشْبِهُ الصَّلَاةَ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ. وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَكَذَا الطَّوَافُ» إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً. وَالتَّنَفُّلُ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشَّرْعِ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ قَطْعِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَإِبْدَالِهَا بِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مِثْلُهَا. فَضْلًا عَمَّا هُوَ أَخَفُّ مِنْهَا، بَلْ يَسْتَمِرُّ فِيمَا شَرَعَ فِيهِ حَتَّى يُنْهِيَهُ، وَإِذَا كَانَ الْفَسْخُ يُنَافِي هَذَا مَعَ كَوْنِ الْمُثِيرِ لَهُ سَبَبًا لَمْ يَسْتَمِرَّ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِرَفْعِهِ مَعَ ارْتِفَاعِهِ. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا رَأَيْت التَّصْرِيحَ فِي حَدِيثِ سُرَاقَةَ بِكَوْنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ الْعُمْرَةَ لَا الْفَسْخَ فِي كِتَابِ الْآثَارِ فِي بَابِ التَّصْدِيقِ بِالْقَدَرِ. مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سَأَلَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ عُمْرَتِنَا هَذِهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: لِلْأَبَدِ» ، فَقَالَ: أَخْبِرْنَا عَنْ دِينِنَا هَذَا كَأَنَّمَا خُلِقْنَا لَهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ الْعَمَلُ، فِي شَيْءٍ قَدْ جَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَثَبَتَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِي شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ لَهُ الْعَمَلُ؟ قَالَ: فِي شَيْءٍ جَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَثَبَتَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ، فَقَوْلُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عِنْدِي أَحَدَ عَشَرَ حَدِيثًا إلَخْ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ مَضْمُونَهَا لَا يَزِيدُ عَلَى أَمْرِهِمْ بِالْفَسْخِ وَالْعَزْمِ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَغَضَبُهُ عَلَى مَنْ تَرَدَّدَ اسْتِشْفَاقٌ لِاسْتِحْكَامِ نُفْرَتِهِمْ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي عَارَضْنَا بِهِ يُفِيدُ خِلَافَهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ شُرِعَ فِي عُمُومِ الزَّمَانِ ذَلِكَ الْفَسْخُ أَوَّلًا، وَشَيْءٌ مِنْهَا لَا يَمَسُّهُ سِوَى حَدِيثِ سُرَاقَةَ بِتِلْكَ الرَّاوِيَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمُرَادَ وَبِهِ وَأَثْبَتْنَاهُ مَرْوِيًّا، وَثَبَتَ أَنَّهُ حُكْمٌ كَانَ لِقَصْدِ تَقْرِيرِ الشَّرْعِ الْمُسْتَحْكِمِ فِي نُفُوسِهِمْ ضِدُّهُ. وَكَذَا إعَادَةُ الشَّارِعِ إذَا أَوْرَدَ حُكْمًا يُسْتَعْظَمُ لِأَحْكَامِ ضِدِّهِ الْمَنْسُوخِ فِي شَرِيعَتِنَا يُرَدُّ بِأَقْصَى الْمُبَالَغَاتِ لِيُفِيدَ اسْتِئْصَالَ ذَلِكَ التَّمَكُّنِ الْمَرْفُوضِ كَمَا فِي الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ لِمَا كَانَ الْمُتَمَكِّنُ عِنْدَ هُمْ مُخَالَطَتَهَا. وَعَدَّهَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى انْتَهَوْا فَنُسِخَ، فَكَذَا هَذَا لِمَا اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عِنْدَ هُمْ وَانْقَشَعَ غَمَامُ مَا كَانَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ مَنْعِهِ. رَجَعَ الْفَسْخُ وَصَارَ الثَّابِتُ مُجَرَّدَ جَوَازٍ لِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (قَوْلُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» ) إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ، فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ، هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، أَمَّا الْمَرْفُوعُ فَمِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ، وَمِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ طَاوُسٍ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ. وَمِنْ رِوَايَةِ الْبَاغَنْدِيِّ يَبْلُغُ بِهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: وَلَمْ يَصْنَعْ الْبَاغَنْدِيُّ شَيْئًا فِي رَفْعِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ مَوْقُوفًا وَبِهَذَا عُرِفَ وَقْفُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَطَاء بْنَ السَّائِبِ مِنْ الثِّقَاتِ غَيْرَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ، فَمَنْ رَوَى عَنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَحَدِيثُهُ حُجَّةٌ، قِيلَ: وَجَمِيعُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ رَوَى بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ إلَّا شُعْبَةَ وَسُفْيَانُ. وَهَذَا مِنْ حَدِيث سُفْيَانَ عَنْهُ. وَأَيْضًا فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى رَفْعِهِ مَنْ سَمِعْت فَيَقْوَى ظَنُّ رَفْعِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْهُ. وَأَسْنَدَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قَالَ (فَإِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَةً يُعَلِّمُ فِيهَا النَّاسَ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَالصَّلَاةَ بِعَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفَ وَالْإِضَافَةِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَ خُطَبٍ: أَوَّلُهَا مَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِيَةُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ، فَيُفْصَلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهَا أَيَّامُ الْمَوْسِمِ وَمُجْتَمَعُ الْحَاجِّ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّعْلِيمُ. وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ النَّحْرَ يَوْمَا اشْتِغَالٍ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْفَعَ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعُ (فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ خَرَجَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَأَقِلُّوا فِيهِ الْكَلَامَ» وَسَنَذْكُرُهُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ) وَهُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ الثَّامِنُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ اسْتِعْدَادًا لِلْوُقُوفِ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقِيلَ: لِأَنَّ رُؤْيَا إبْرَاهِيمَ كَانَتْ فِي لَيْلَتِهِ فَتَرَوَّى فِيهِ فِي أَنَّ مَا رَآهُ مِنْ اللَّهِ أَوْ لَا، مِنْ الرَّأْيِ وَهُوَ مَهْمُوزٌ ذَكَرَهُ فِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْإِمَامَ يَرْوِي لِلنَّاسِ مَنَاسِكَهُمْ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا جُلُوسٍ، وَكَذَا خُطْبَةُ الْحَادِيَ عَشَرَ: وَأَمَّا خُطْبَةُ عَرَفَةَ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا وَهِيَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْخُطْبَتَانِ الْأُولَيَانِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ) قُلْنَا خِلَافَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ «خَطَبَ فِي السَّابِعِ وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَرَأَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهِمْ سُورَةَ بَرَاءَةٌ» . رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّ تِلْكَ الْأَيَّامَ أَيَّامُ اشْتِغَالٍ عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَيَكُونُ دَاعِيَةَ تَرْكِهِمْ الْحُضُورَ فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْخُطَبِ (فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْفَعَ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعَ) أَيْ أَبْلَغَ (قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ خَرَجَ إلَى مِنًى) ظَاهِرُ هَذَا التَّرْكِيبِ إعْقَابُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى لِيُفِيدَ أَنَّ مَضْمُونَهُ هُوَ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ خُصُوصَ وَقْتِ الْخُرُوجِ، وَاسْتَحَبَّ فِي الْمُحِيطِ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ " وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَ الْأَوَّلِ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَجَّهَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ» فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِي التَّخَاطُبِ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ

يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ» (وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِنًى فِي هَذِهِ الْيَوْمِ إقَامَةُ نُسُكٍ، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQجِئْتُك قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَا لِمَا قَبْلَ الْأَذَانِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ إذْ ذَاكَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ أَذَانَ الظُّهْرِ، فَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ عُرْفًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ قَبْلَ الصَّلَاةِ. لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَرِيحٌ فَيُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، هَذَا وَلَا يَتْرَكُ التَّلْبِيَةَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا حَالَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجِهِ إلَّا حَالَ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ، وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إيَّاكَ أَرْجُو وَإِيَّاكَ أَدْعُو وَإِلَيْك أَرْغَبُ، اللَّهُمَّ بَلِّغْنِي صَالِحَ عَمَلِي وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي، فَإِذَا دَخَلَ مِنًى قَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا مِنًى وَهَذَا مَا دَلَلْتنَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ، فَمُنَّ عَلَيْنَا بِجَوَامِعِ الْخَيْرَاتِ وَبِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِك وَبِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى أَهْلِ طَاعَتِك، فَإِنِّي عَبْدُك وَنَاصِيَتِي بِيَدِك جِئْت طَالِبًا مَرْضَاتِك، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَ مَسْجِدٍ عِنْدَ الْخَيْفِ. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَخْ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ» الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا الْحَدِيثِ يُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُ الذَّهَابُ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ. وَعَنْ ذَلِكَ حُمِلَ فِي النِّهَايَةِ مَرْجِعُ ضَمِيرِ قَبْلَهُ عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَكِنَّهُ تَبِعَ صَاحِبَ الْإِيضَاحِ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مَذْكُورٌ فِي الْإِيضَاحِ مُتَقَدِّمًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ مُتَّصِلٌ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، إمَّا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَوْقِيتِ وَقْتِ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى أَوْ تَوْقِيتُهُ بِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ شَرْحًا، فَمَرْجِعُ ضَمِيرٍ قَبْلَهُ أَلْبَتَّةَ صَلَاةُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَخَذَ فِي بَيَانِ حُكْمِ هَذَا الْجَوَازِ وَالْجَوَازُ مُتَحَقِّقٌ فِي التَّوَجُّهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ قَبْلَ الشَّمْسِ. وَالْإِسَاءَةُ لَازِمَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إلْزَامِهِ أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ اعْتِرَاضُهُ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا قُلْنَا أَنَّ السُّنَّةَ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَيْضًا، وَيَقُولُ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَوَجْهَك أَرَدْت، فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي، وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَيُلَبِّي وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أُنْكِرَ عَلَيْهِ التَّلْبِيَةُ: " أَجَهِلَ النَّاسُ أَمْ نَسُوا؟ وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَقَدْ خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ " رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَيَعُودَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْعِيدِ إذَا ذَهَبَ إلَى الْمُصَلَّى، فَإِذَا قَرُبَ مِنْ

بِتَرْكِهِ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا) لَا رَوَيْنَا، وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ. أَمَّا لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ حُكْمٌ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْزِلُ بِهَا مَعَ النَّاسِ لِأَنَّ الِانْتِبَاذَ تَجَبُّرٌ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ وَالْإِجَابَةُ فِي الْجَمْعِ أَرْجَى. وَقِيلَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ. قَالَ (وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَيَبْتَدِئُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً يُعَلِّمُ فِيهَا النَّاسَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ وَالْحَلْقَ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَرَفَاتٍ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَدْخُلَ عَرَفَاتٍ (قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْزِلُ بِهَا مَعَ النَّاسِ لِأَنَّ الِانْتِبَاذَ) أَيْ الِانْفِرَادَ عَنْهُمْ (نَوْعُ تَجَبُّرٍ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ) وَمَسْكَنَةٍ (وَالْإِجَابَةُ فِي الْجَمْعِ أَرْجَى) وَلِأَنَّهُ يَأْمَنُ بِذَلِكَ مِنْ اللُّصُوصِ (وَقِيلَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ) وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ بِنَمِرَةَ، وَنُزُولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا لَا نِزَاعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) ظَاهِرُ هَذَا التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ إعْقَابُ الزَّوَالِ بِالِاشْتِغَالِ بِمُقَدَّمَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَبِي دَاوُد وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ «غَدَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ مِنًى حِينَ طَلَعَ الصُّبْحُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَنَزَلَ بِنَمِرَةَ وَهُوَ مَنْزِلُ الْإِمَامِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ بِعَرَفَةَ، حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُهَجِّرًا فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ» الْحَدِيثَ، وَظَاهِرُهُ تَأْخِيرُ الْخُطْبَةِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَاءَ إلَى الْحَجَّاجِ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَأَنَا مَعَهُ فَقَالَ: الرَّوَاحُ إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ فَقَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ سَالِمٌ: فَقُلْت لِلْحَجَّاجِ: إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ فَأَقْصِرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: صَدَقَ.

يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ) هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا خُطْبَةُ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ فَأَشْبَهَ خُطْبَةَ الْعِيدِ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ وَالْجَمْعِ مِنْهَا. وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ: إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ. قَالَ (وَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (قَوْلُهُ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَالْجُمُعَةِ) ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَلَا يَحْضُرُنِي حَدِيثٌ فِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى خُطْبَتَيْنِ كَالْجُمُعَةِ، بَلْ مَا أَفَادَ أَنَّهُ خَطَبَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُفِيدُ أَنَّهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِيهِ " فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ " وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَالْمُسْلِمُونَ، أَعَلَّ هُوَ وَابْنُ الْقَطَّانِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِابْنِ إِسْحَاقَ. نَعَمْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى عَنْ جَابِرٍ قَالَ «رَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، فَفَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَبِلَالٌ مِنْ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَاوَقَ الْأَذَانَ بِخُطْبَتِهِ فَكَأَنَّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ كَانَتْ قَصِيرَةً جِدًّا كَتَسْبِيحَةٍ وَتَهْلِيلَةٍ

وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِاتِّفَاقٍ الرُّوَاةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَفِيمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» ، ثُمَّ بَيَانُهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْعَصْرَ يُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهِ الْمَعْهُودِ فَيُفْرِدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا لِلنَّاسِ (وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوُقُوفِ وَلِهَذَا قُدِّمَ الْعَصْرُ عَلَى وَقْتِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مَكْرُوهًا وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَقْطَعُ فَوْرَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَيُعِيدُهُ لِلْعَصْرِ (فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي رَحْلِهِ وَحْدَهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَا: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنْفَرِدُ لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ وَالْمُنْفَرِدِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَحْمِيدَةٍ بِحَيْثُ كَانَتْ قَدْرَ الْأَذَانِ، وَلَا يُعَدُّ فِي تَسْمِيَةِ مِثْلِهِ خُطْبَةً، وَالْخُطْبَةُ الْأُولَى الثَّنَاءُ كَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَعْظِ، ثُمَّ تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ جَلَسَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، فَإِذَا فَرَغَ أَقَامَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَخْطُبُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْأَذَانِ، فَإِذَا مَضَى صَدْرُ خُطْبَتِهِ أَذَّنُوا ثُمَّ يُتِمُّ الْخُطْبَةَ بَعْدَهُ، فَإِذَا فَرَغَ أَقَامُوا، وَهَذَا عَلَى مُسَاوَقَةِ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَعَهُمْ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ ذَكَرَ فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ النَّاسَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى الْقَصْوَاءِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ» . وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَنْ يُحْمَلَ أَذَانُ بِلَالٍ ذَلِكَ عَلَى الْإِقَامَةِ، فَيَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَاوَقَ الْإِقَامَةَ بِخُطْبَةٍ ثَانِيَةٍ خَفِيفَةٍ قَدْرَ الْإِقَامَةِ تَمْجِيدًا وَتَسْبِيحًا. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» وَعَنْهُ قُلْنَا لَا يُتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ. وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ الطَّوِيلَ، إذْ قَالَ «فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» وَكَذَا يُنَافِي إطْلَاقَ الْمَشَايِخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي قَوْلِهِمْ " وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا " فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمَا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَيَكْفِيهِمَا أَذَانٌ وَاحِدٌ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنُّصُوصِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَالتَّقْدِيمُ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ لِلْعَصْرِ بَعْدَمَا تَفَرَّقُوا فِي الْمَوْقِفِ لَا لِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ فَرْضٍ بِأَذَانٍ تُرِكَ فِيمَا إذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ فَعِنْدَ عَدَمِهِ يَعُودُ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ فُرِضَ بِالنُّصُوصِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] أَيْ فَرْضًا مُوَقَّتًا وَفِي حَدِيثِ «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» (قَوْلُهُ وَالتَّقْدِيمُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى تَعْلِيلِ الْجَمْعِ الْوَارِدِ بِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ إبْطَالًا لِتَعْلِيلِهِمَا، بَلْ يَكْفِي فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ارْتِكَابُهُ فِي غَيْرِ مَوْرِدٍ مِنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ بَيَانُ ثُبُوتِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ إنَّهُ يَتَرَاءَى أَنَّ مَا أَبْدَاهُ سَبَبًا لِلْجَمْعِ مُنَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا: أَيْ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْوُقُوفِ قُدِّمَ الْعَصْرُ عَلَى وَقْتِهِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا قَوْلِهِ ثُمَّ مَا عَيَّنَهُ أَوْلَى لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ: أَيْ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ حَالَ كَوْنِهِ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ حَالَ كَوْنِهِ

ذَكَرَاهُ إذْ لَا مُنَافَاةَ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِمَامُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ هُوَ الْمُغَيَّرُ عَنْ وَقْتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّقْدِيمَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عُرِفَ شَرْعُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَصْرُ مُرَتَّبَةً عَلَى ظُهْرٍ مُؤَدًّى بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي رِوَايَةٍ تَقْدِيمًا لِلْإِحْرَامِ عَلَى وَقْتِ الْجَمْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُصَلِّيًا. وَإِنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ الْمُتَوَجِّهَ فِيهِ إلَى الدُّعَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ فَضِيلَةٌ وَامْتِدَادُهُ وَعَدَمُ تَفْرِيقِهِ. قُلْنَا تَفْرِيقُهُ بِالنَّوْمِ وَالْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ، وَعَدَمُ خُرُوجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فَرْضٌ، فَإِذَا ثَبَتَ بِلَا مَرَدِّ إخْرَاجِهَا فِي صُورَةٍ فَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ لِتَحْصِيلِ وَاجِبٍ أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ، وَلِذَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِخِلَافِهِ مَعَ الِانْفِرَادِ فِيهِ اخْتِلَافٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْعُهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ) الْحَاصِلُ أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ مَشْرُوطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، وَعِنْدَهُمَا فِي الْعَصْرِ فَقَطْ، وَبِالْجَمَاعَةِ فِيهِمَا عِنْدَهُ، وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا غَيْرَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُهُمَا فِي الْعَصْرِ لَيْسَ غَيْرُ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) تَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَصْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ كَالتَّبَعِ لِلظُّهْرِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ أُدِّيَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالثَّانِيَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْأُولَى فَكَانَا كَالْعِشَاءِ مَعَ الْوِتْرِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ صَلَاتَانِ وَاجِبَتَانِ. قَالَ: وَلَمَّا جَعَلَ الْإِمَامُ شَرْطًا فِي التَّبَعِ كَانَ شَرْطًا فِي الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَدَلِيلُ التَّبَعِيَّةِ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَصْرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الظُّهْرِ، حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ لِغَيْمٍ أَنَّهُمْ صَلُّوا الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرَ بَعْدَهُ لَزِمَهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ جَدَّدَ الْوُضُوءَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الظُّهْرَ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ، بِخِلَافِ الْوِتْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ لَا يُعِيدُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوِتْرَ أَدَاؤُهُ فِي وَقْتِهِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ، وَلَمَّا كَانَ فِي لُزُومِ الْأَوْلَوِيَّةِ خَفَاءٌ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ

وَفِي أُخْرَى يَكْتَفِي بِالتَّقْدِيمِ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّلَاةُ قَالَ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمَوْقِفِ فَيَقِفُ بِقُرْبِ الْجَبَلِ وَالْقَوْمُ مَعَهُ عَقِيبَ انْصِرَافِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَالْجَبَلُ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ، وَالْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ. قَالَ (وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ وَادِي مُحَسِّرٍ» . قَالَ (وَيَنْبَغِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ عَقِيبَ انْصِرَافِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ) ظَرْفٌ لِيَتَوَجَّهَ (لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ) هُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. فَالْوُقُوفُ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ عَدَمٌ، وَالرُّكْنُ سَاعَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْوَاجِبُ إنْ وَقَفَ نَهَارًا يَمُدُّهُ إلَى الْغُرُوبِ أَوْ لَيْلًا فَلَا وَاجِبَ فِيهِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» ) رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ إلَّا مَا وَرَاءَ الْعَقَبَةِ» وَفِيهِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ مَتْرُوكٌ. وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَفِيهِ «وَكُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ وَلَمْ يَسْتَثْنِ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الْأَشْدَقِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ ابْنَ الْأَشْدَقِ لَمْ يَدْرِك جُبَيْرًا. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَدْخَلَ فِيهِ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَجُبَيْرٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي حُسَيْنٍ، وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، لَكِنْ قَالَ الْبَزَّارُ: ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، لِأَنَّا لَا نَحْفَظُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ إلَّا فِيهِ فَذَكَرْنَاهُ، وَبَيَّنَّا الْعِلَّةَ فِيهِ اهـ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ» اهـ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِلَفْظِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ الْمُضَعَّفُ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا نَحْوُهُ سَوَاءٌ

لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ جَازَ) وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا بَيَّنَّا (وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ كَذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْمَوَاقِفِ مَا اسْتَقْبَلْتَ بِهِ الْقِبْلَةَ» (وَيَدْعُو وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَنَاسِكَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ» وَإِنْ وَرَدَ الْآثَارُ بِبَعْضِ الدَّعَوَاتِ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا تَفْصِيلَهَا فِي كِتَابِنَا الْمُتَرْجَمُ بِ (عِدَّةِ النَّاسِكِ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ) بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَعَلَّهُ بِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ ثُبُوتُ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَدَمُ ثُبُوتِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ: أَعْنِي " كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ " لِلِانْفِرَادِ بِهَا مَعَ الِانْقِطَاعِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا سِوَاهَا سِوَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ) هُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ ابْن شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَأَمَّا خَيْرُ الْمَوَاقِفِ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ» . وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْأَدَبِ حَدِيثًا طَوِيلًا وَسَكَتَ عَنْهُ أَوَّلُهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ» وَأُعِلَّ بِهِشَامِ بْنِ زِيَادٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ «أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ» وَهُوَ مَعْلُولٌ بِحَمْزَةَ النَّصِيبِيِّ وَنُسِبَ لِلْوَضْعِ (قَوْلُهُ وَيَدْعُو) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَقِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ: هَذَا ثَنَاءٌ فَلِمَ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءً؟ فَقَالَ: الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حَاجَتَهُ. وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَقِفُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَوْقِفِ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ مِائَةَ مَرَّةٍ، إلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مَلَائِكَتِي إنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ وَشَفَّعْتُهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ سَأَلَنِي عَبْدِي هَذَا لَشَفَّعْتُهُ فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مَتْنٌ غَرِيبٌ فِي إسْنَادِهِ مَنْ اُتُّهِمَ بِالْوَضْعِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَلِمَاتٌ أَسْأَلُ عَنْهُنَّ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اجْلِسْ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَلِمَاتٌ أَسْأَلُ عَنْهُنَّ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: سَبَقَكَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إنَّهُ رَجُلٌ غَرِيبٌ وَإِنَّ لِلْغَرِيبِ حَقًّا فَابْدَأْ بِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَى الثَّقَفِيِّ وَسَاقَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ: إنْ شِئْتَ

قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَقِفُوا بِقُرْبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيُعَلِّمُ فَيَعُوا وَيَسْمَعُوا (وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ) لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ كُلَّهَا مَوْقِفٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَيَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ) أَمَّا الِاغْتِسَالُ فَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعِنْدَ الْإِحْرَامِ. وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ (وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ كَمَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَرْكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْبَرْتُكَ عَمَّا جِئْتَ تَسْأَلُنِي، وَإِنْ شِئْتَ تَسْأَلُنِي فَأُخْبِرُكَ، فَقَالَ: لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ: جِئْت تَسْأَلُ عَنْ الْحَاجِّ مَا لَهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا، اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلِ عَالِجٍ، وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا لَهُ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا قَضَى آخِرَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كَانَ فُلَانٌ رِدْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ وَيَنْظُرُ إلَيْهِنَّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ابْنَ أَخِي إنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ» . وَمِنْ مَأْثُورَاتِ الْأَدْعِيَةِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا. اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَسَاوِسِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي اللَّيْلِ وَشَرِّ مَا يَلِجُ فِي النَّهَارِ وَشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ وَشَرِّ بَوَائِقِ الدَّهْرِ. اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ تَحَوُّلِ عَافِيَتِك وَفُجْأَةِ نِقْمَتِك وَجَمِيعِ سَخَطِك، وَأَعْطِنِي فِي هَذِهِ الْعَشِيَّةِ أَفْضَلَ مَا تُؤْتِي أَحَدًا مِنْ خَلْقِك، وَكُلُّ حَاجَةٍ فِي نَفْسِهِ يَسْأَلُهَا فَإِنَّهُ يَوْمُ إفَاضَةِ الْخَيْرَاتِ مِنْ الْجَوَادِ الْعَظِيمِ. وَحَدِيثُ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدْعُو مَادًّا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاقِفًا بِعَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا» وَأُعِلَّ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَعِينٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا جَاوَزَ الْمِقْدَارَ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «رَأَيْتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدْعُو بِعَرَفَةَ يَدَاهُ إلَى صَدْرِهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ» (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَقِفُوا بِقُرْبِ الْإِمَامِ) وَكُلَّمَا كَانَ إلَى الْإِمَامِ أَقْرَبَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَغُسْلُ عَرَفَةَ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ «فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسٍ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأُجِيبَ: إنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ فَإِنِّي آخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ

وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا زَالَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِيهِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَنَّةَ وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ قَالَ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّ هَذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ لِتَضْحَكَ فِيهَا فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لِأُمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْت مِنْ جَزَعِهِ» وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَأَعَلَّهُ بِكِنَانَةَ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كِنَانَةُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، فَلَا أَدْرِي التَّخْلِيطَ فِي حَدِيثِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَبِيهِ، وَمِنْ أَيِّهِمَا كَانَ فَهُوَ سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَا أَتَى مِنْ الْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِيهِ «فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ» الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الشُّعَبِ، فَإِنْ صَحَّ بِشَوَاهِدِهِ فَفِيهِ الْحُجَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا دُونَ الشِّرْكِ اهـ. قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «وَقَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ وَقَدْ كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَئُوبَ فَقَالَ: يَا بِلَالُ أَنْصِتْ النَّاسَ، فَقَامَ بِلَالٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: أَنْصِتُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَصَتَ النَّاسُ فَقَالَ: مَعَاشِرَ النَّاسِ أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّي السَّلَامَ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمْ التَّبَعَاتِ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَنَا خَاصَّةً؟ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَثُرَ خَيْرُ رَبِّنَا وَطَابَ» . وَفِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا فِي رَهْطٍ نُرِيدُ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالرَّبَذَةِ رُفِعَ لَنَا خِبَاءٌ فَإِذَا فِيهِ أَبُو ذَرٍّ فَأَتَيْنَا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ جَانِبَ الْخِبَاءِ فَرَدَّ السَّلَامَ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ؟ فَقُلْنَا: مِنْ الْفَجِّ الْعَمِيقِ، قَالَ: فَأَيْنَ تَؤُمُّونَ؟ قُلْنَا: الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، قَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا أَشْخَصَكُمْ غَيْرُ الْحَجِّ؟ فَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا مِرَارًا، فَحَلَفْنَا لَهُ فَقَالَ: انْطَلَقُوا إلَى نُسُكِكُمْ ثُمَّ اسْتَقْبِلُوا الْعَمَلَ. وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتُجَاوِزُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إلَّا مَا رُئِيَ يَوْمَ بَدْرٍ فَإِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ» (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَلَّفَهُ عَلَيْهِ فَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ «فَلَمَّا رَمَاهَا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ» وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْطَعَ إلَّا عِنْدَ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَاقٍ قَبْلَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا كَالتَّكْبِيرِ وَآخِرُهُ مَعَ الْقَعْدَةِ لِأَنَّهَا آخِرُ الْأَحْوَالِ

فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ. قَالَ (فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى هَيِّنَتِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَفَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَمْشِي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى هَيِّنَتِهِ، فَإِنْ خَافَ الزِّحَامَ فَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفِضْ مِنْ عَرَفَةَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ فِي مَقَامِهِ كَيْ لَا يَكُونَ آخِذًا فِي الْأَدَاءِ قَبْلَ وَقْتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى هِينَتِهِمْ) أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ خَلْفَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَجَعَلَ يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، ثُمَّ أَتَى جَمْعًا فَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لِيُصِيبَ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ إلَى مِنًى: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا أَرْخَى لَهَا حَتَّى تَصْعَدَ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَغَدَاةَ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ أَفَاضَ: عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا وَهُوَ مِنْ مِنًى فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ» فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» وَفُسِّرَ بِأَنَّ الْعَنَقَ خُطًا فَسِيحَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى خُطَا النَّاقَةِ، لِأَنَّهَا فَسِيحَةٌ فِي نَفْسِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُثْقَلَةً جِدًّا. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ) فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ قَبْلَ الْغُرُوبِ عَلَى مَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ عَلَى رُءُوسِهَا وَإِنَّا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مُنْهَبِطَةً» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَقَدْ صَحَّ بِهَذَا سَمَاعُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا كَمَا يَتَوَهَّمُ رِعَاعُ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ رُؤْيَةً بِلَا سَمَاعٍ. (قَوْلُهُ فَإِنْ خَافَ الزِّحَامَ فَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ (وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ جَاوَزَهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَ

وَلَوْ مَكَثَ قَلِيلًا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِفَاضَةِ الْإِمَامِ لِخَوْفِ الزِّحَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ دَعَتْ بِشَرَابٍ فَأَفْطَرَتْ ثُمَّ أَفَاضَتْ. قَالَ (وَإِذَا أَتَى مُزْدَلِفَةَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بِقُرْبِ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُقَيَّدَةُ يُقَالُ لَهُ قُزَحَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ عِنْدَ هَذَا الْجَبَلِ، وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَيَتَحَرَّزُ فِي النُّزُولِ عَنْ الطَّرِيقِ كَيْ لَا يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ فَيَنْزِلُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. قَالَ (وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْجَمْعِ بِعَرَفَةَ. وَلَنَا رِوَايَةُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ» وَلِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ فَلَا يُفْرِدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا، بِخِلَافِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ فَأَفْرَدَ بِهَا لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ (وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْجَمْعِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ أَعَادَ الْإِقَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ دَمٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ بِأَنْ نَدَّ بَعِيرُهُ فَتَبِعَهُ، إنْ جَاوَزَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَاوَزَ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ أَصْلًا أَوْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ فَدَفَعَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ تَدَارَكَهُ فِي وَقْتِهِ. وَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ مَدُّ الْوُقُوفِ إلَى الْغُرُوبِ وَقَدْ فَاتَ وَلَمْ يُتَدَارَكْ فَيَتَقَرَّرُ مُوجِبُهُ وَهُوَ الدَّمُ. قُلْنَا: وُجُوبُ الْمَدِّ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْوَاجِبُ مَقْصُودُ النَّفْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَوُجُوبُ الْمَدِّ لِيَقَعَ النَّفْرُ كَذَلِكَ فَهُوَ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ وُجِدَ الْمَقْصُودُ فَسَقَطَ مَا وَجَبَ لَهُ كَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ فِيهِ أَنْ يُهْدِرَ مَا وَقَفَهُ قَبْلَ دَفْعِهِ فِي حَقِّ الرُّكْنِ، وَيَعْتَبِرَ عَوْدَهُ الْكَائِنَ فِي الْوَقْتِ ابْتِدَاءَ وُقُوفِهِ، أَلَيْسَ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الرُّكْنُ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ دَمٍ. وَلَوْ تَأَخَّرَ الْإِمَامُ عَنْ الْغُرُوبِ دَفَعَ النَّاسُ قَبْلَهُ لِدُخُولِ وَقْتِهِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ مِنْ حِينِ يُفِيضُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 198] وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ ثُمَّ تُفِيضُ، فَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهَا كَانَ لِقَصْدِ التَّأْخِيرِ لِخِفَّةِ الزِّحَامِ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَمَكُّنِ الْوَقْتِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ لِمَنْ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ سُوءَ خُلُقِهِ. وَقُزَحُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَازِحٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَزَحَ الشَّيْءَ إذَا ارْتَفَعَ، وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ فِي آخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ الْمُزْدَلِفَةَ مَاشِيًا وَالْغُسْلُ لِدُخُولِهَا (قَوْلُهُ وَلَنَا رِوَايَةُ جَابِرٍ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا» وَهُوَ مَتْنٌ غَرِيبٌ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا قَالَ: «جَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا

لِوُقُوعِ الْفَصْلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ بِعَرَفَةَ، إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ» . وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْعَصْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ. قَالَ (وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُجْزِيه وَقَدْ أَسَاءَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا صَلَّى بِعَرَفَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَمَّا بَلَغْنَا جَمْعًا صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْمَكَانِ» وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ» . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَفْتُرُ عَنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ حَتَّى أَتَيْنَا مُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، أَوْ أَمَرَ إنْسَانًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عِلَاجُ بْنُ عَمْرٍو بِمِثْلِ حَدِيثِ أُبَيٍّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا، فَقَدْ عَلِمْت مَا فِي هَذَا مِنْ التَّعَارُضِ، فَإِنْ لَمْ يُرَجَّحْ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحِيحَانِ عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ صَحِيحُ مُسْلِمٍ وَأَبُو دَاوُد حَتَّى تَسَاقَطَا كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ يُوجِبُ تَعَدُّدَ الْإِقَامَةِ بِتَعَدُّدِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ هُنَا وَقْتِيَّةٌ، فَإِذَا أُقِيمَ لَلْأُولَى الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ كَانَتْ الْحَاضِرَةُ أَوْلَى أَنْ يُقَامَ لَهَا بَعْدَهَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ بَلْ يُنِيخُ جِمَالَهُ وَيَعْقِلُهَا، وَهَذِهِ لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَرَفَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَهَدَ فِي إحْيَائِهَا بِالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) لَا أَصْلَ لِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ قَالَ: «فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ» . وَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَبِرَ هَذَا حَدِيثًا حُجَّةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِصُدُورِ تَعَدُّدِ الْإِقَامَةِ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ مِنْ قَرِيبٍ يُنَاضِلُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ فَقَدْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ عَشَاءٍ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَسْتَحِيلُ اعْتِقَادُ الثَّانِي، وَإِلَّا لَزِمَ اعْتِقَادُ أَنَّهُ تَعَشَّى وَلَا تَعَشَّى وَأَفْرَدَ الْإِقَامَةَ وَلَا أَفْرَدَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ لِلِاحْتِجَاجِ فَرْعُ اعْتِقَادِ صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا) وَأَدَاءُ صَلَاةٍ بَعْدَ وَقْتِهَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ لَمْ يُجْزِهِ) الْخَارِجُ مِنْ الدَّلِيلِ

لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ السُّنَّةِ فَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ. وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ: الصَّلَاةُ أَمَامَكَ» مَعْنَاهُ: وَقْتُ الصَّلَاةِ. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِيُمْكِنَهُ الْجَمْعَ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّقْرِيرِ صَرِيحًا أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا بَلْ لَمْ تَكُنْ إعَادَةً بَلْ أَدَاءً فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءً خَارِجَهُ. وَحَاصِلُ الدَّلِيلِ أَنَّ الظَّنِّيَّ أَفَادَ تَأَخُّرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْيَوْمِ لِيُتَوَصَّلَ إلَى الْجَمْعِ بِجَمْعٍ، وَإِعْمَالُ مُقْتَضَاهُ وَاجِبٌ مَا لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيمٌ عَلَى الْقَاطِعِ، وَهُوَ بِإِيجَابِ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْكَوْنِ بِمُزْدَلِفَةَ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ انْتَفَى إمْكَانُ تَدَارُكِ هَذَا الْوَاجِبِ وَتَقَرَّرَ الْمَأْثَمُ، إذْ لَوْ وَجَبَ بَعْدَهُ كَانَ حَقِيقَةُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ قَطْعًا وَفِيهِ التَّقَدُّمُ الْمُمْتَنِعُ، وَعَنْ ذَلِكَ قُلْنَا إذَا بَقِيَ فِي الطَّرِيقِ طَوِيلًا حَتَّى عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ. وَإِذْ قَدْ عَرَفْت هَذَا فَلَوْلَا تَعْلِيلُ ذَلِكَ الظَّنِّيِّ بِأَنَّ التَّأَخُّرَ وَالتَّأْخِيرَ لِلْجَمْعِ لَوَجَبَ أَنَّ الْإِعَادَةَ لَازِمَةٌ مُطْلَقًا لَكِنْ مَا وَجَبَ لِشَيْءٍ يَنْتَفِي وُجُوبُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي إفَادَةِ صُورَةِ ذَلِكَ الظَّنِّيِّ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ " دَفَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ. فَقُلْت لَهُ الصَّلَاةَ،

الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ لِيَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا، وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ فَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ. قَالَ (وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ» وَلِأَنَّ فِي التَّغْلِيسِ دَفْعَ حَاجَةِ الْوُقُوفِ فَيَجُوزُ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك، فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا " اهـ. وَقَوْلُهُ الصَّلَاةُ أَمَامَك الْمُرَادُ وَقْتُهَا، وَقَدْ يُقَالُ: مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ، فَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ فَإِذَا فَاتَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ، وَمَرْجِعُهُ إلَى تَقْدِيمِ الْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ، وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ. لَا يُقَالُ: لَوْ أَجْرَيْنَاهُ فِي إطْلَاقِهِ أَدَّى إلَى تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَاطِعِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ ذَلِكَ، لَكُنَّا نَحْكُمُ بِالْإِجْزَاءِ وَنُوجِبُ إعَادَةَ مَا وَقَعَ مُجْزِيًا شَرْعًا مُطْلَقًا، وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ نَظِيرُ وُجُوبِ إعَادَةِ صَلَاةٍ أُدِّيت مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ حَيْثُ يُحْكَمُ بِإِجْزَائِهَا وَتَجِبُ إعَادَتُهَا مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ) أَيْ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً إلَّا لِمِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا» يُرِيدُ قَبْلَ وَقْتِهَا الَّذِي اعْتَادَ صَلَاتَهَا فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ، لِأَنَّهُ غَلَّسَ بِهَا يُبَيِّنُهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «وَالْفَجْرَ حِينَ بَزَغَ الْفَجْرُ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» فَأَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ

(ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ مَعَهُ النَّاسُ وَدَعَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَدْعُو حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فَاسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ حَتَّى الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» ثُمَّ هَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] وَبِمِثْلِهِ تَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا الذِّكْرُ وَهُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا الْوُجُوبَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَقَدْ كَانَ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَخْرَجَا «أَنَّهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ» (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ قَوْلُهُ «فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ قَالُوا: هُوَ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ. وَلَوْ اتَّجَهَ أَنْ يُقَالَ الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ كِنَانَةِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فَيُصَدَّقُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ انْدَفَعَ، لَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إذَا أُطْلِقَ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ الْمُلَقَّبُ بِالْحَبْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ رُكْنٌ) هَذَا

وَهَذَا يَصْلُحُ أَمَارَةً لِلْوُجُوبِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ بِعُذْرٍ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَخَافُ الزِّحَامَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ (وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQسَهْوٌ فَإِنَّ كُتُبَهُمْ نَاطِقَةٌ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ذُكِرَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مَكَانَ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الْأَسْرَارِ ذُكِرَ عَلْقَمَةُ. وَجْهُ الرُّكْنِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] قُلْنَا غَايَةُ مَا يُفِيدُ إيجَابَ الْكَوْنِ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالِالْتِزَامِ لِأَجْلِ الذِّكْرِ ابْتِدَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ بِالذِّكْرِ عِنْدَهُ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَتَحَقَّقُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِالْكَوْنِ عِنْدَهُ، فَالْمَطْلُوبُ هُوَ الْمُقَيَّدُ فَيَجِبُ الْقَيْدُ ضَرُورَةً لَا قَصْدًا، فَإِذَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ نَفْسَ الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَفَى وُجُوبُ الْأَمْرِ فِيهِ بِالضَّرُورَةِ فَانْتَفَى الرُّكْنِيَّةُ وَالْإِيجَابُ مِنْ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا الْإِيجَابَ بِغَيْرِهَا، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى يَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ عَلَى أَصْلِهِمَا، لِأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا الشَّعْبِيُّ، وَقَدْ وَجَدْنَا عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ «جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَوْقِفِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُ مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا بَقِيَ جَبَلٌ مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ: يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِإِفَادَةِ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ الْقَطْعِيَّةِ. فَكَيْفَ مَعَ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ «كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: رَخَّصَ فِي ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَمَا أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» فَإِنَّ بِذَلِكَ تَنْتَفِي الرُّكْنِيَّةُ لِأَنَّ الرُّكْنَ لَا يَسْقُطُ لِلْعُذْرِ، بَلْ إنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ أَصْلَ الْعِبَادَةِ سَقَطَتْ كُلُّهَا أَوْ أُخِّرَتْ، أَمَّا إنْ شَرَعَ فِيهَا فَلَا تَتِمُّ إلَّا بِأَرْكَانِهَا وَكَيْفَ وَلَيْسَتْ هِيَ سِوَى أَرْكَانِهَا؟ فَعِنْدَ عَدَمِ الْأَرْكَانِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مُسَمَّى تِلْكَ الْعِبَادَةِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَالْمُزْدَلِفَةُ إلَخْ) وَهِيَ تَمْتَدُّ إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ قَبْلَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِقُزَحَ، قِيلَ هُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ. وَفِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ لِلْمُزْدَلِفَةِ ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ: الْمُزْدَلِفَةُ، وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَجَمْعٌ. وَالْمَأْزِمَانِ بِوَادِي مُحَسِّرٍ، وَأَوَّلُ مُحَسِّرٍ مِنْ الْقَرْنِ الْمُشْرِفِ مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى مِنًى، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ فِيلَ

لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. قَالَ (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى يَأْتُوا مِنًى) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ وَهَذَا غَلَطٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَسْفَرَ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ (فَيَبْتَدِئُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْحَابِ الْفِيلِ أَعْيَا فِيهِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يُسَمُّونَهُ وَادِيَ النَّارِ. قِيلَ لِأَنَّ شَخْصًا اصْطَادَ فِيهِ فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتْهُ، وَآخِرُهُ أَوَّلُ مِنًى، وَهِيَ مِنْهُ إلَى الْعَقَبَةِ الَّتِي يَرْمِي بِهَا الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَيْسَ وَادِي مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى وَلَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ مُنْقَطِعٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي قَوْلِهِمْ مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ، وَكَذَا عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ أَنَّ الْمَكَانَيْنِ لَيْسَا مَكَانَ وُقُوفٍ، فَلَوْ وَقَفَ فِيهِمَا لَا يُجْزِيهِ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي مِنًى سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ عُرَنَةَ وَمُحَسِّرًا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ لَا، وَهَكَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ، وَكَذَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ. وَوَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا مَكَانُهُ: يَعْنِي الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مُزْدَلِفَةَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ. وَرَوَى الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَذُكِرَ مِثْلُ هَذَا فِي بَطْنِ عُرَنَةَ: أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَادِي الشَّيْطَانِ اهـ. وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا الَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِالْمَكَانَيْنِ هُوَ أَنَّ عُرَنَةَ وَوَادِيَ مُحَسِّرٍ إنْ كَانَا مِنْ مُسَمَّى عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُجْزِي الْوُقُوفُ بِهِمَا، وَيَكُونُ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْقَاطِعَ أَطْلَقَ الْوُقُوفَ بِمُسَمَّاهُمَا مُطْلَقًا، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَنَعَهُ فِي بَعْضِهِ فَقَيَّدَهُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ فَيَثْبُتُ الرُّكْنُ بِالْوُقُوفِ فِي مُسَمَّاهُمَا مُطْلَقًا، وَالْوُجُوبُ فِي كَوْنِهِ فِي غَيْرِ الْمَكَانَيْنِ الْمُسْتَثْنَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مُسَمَّاهُمَا لَا يُجْزِي أَصْلًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ. هَذَا وَأَوَّلُ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ عِنْدَنَا، وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا غَلَطٌ) هُوَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفَاضَ حِينَ أَسْفَرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» كَحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَغَيْرِهِ، فَارْجِعْ إلَى اسْتِقْرَائِهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي حَدِّهِ إذَا صَارَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ دَفَعَ، وَهَذَا بِطَرِيقِ التَّقْرِيبِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ هَذَا حَالُ الْوُقُوفِ. أَمَّا الْمَبِيتُ بِهَا فَسُنَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِلْوُقُوفِ كَوُقُوفِ عَرَفَةَ، وَلَوْ مَرَّ بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبِيتَ بِهَا جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْوُقُوفِ ضَمِنَ الْمُرُورِ كَمَا فِي عَرَفَةَ. وَلَوْ وَقَفَ بَعْدَ مَا أَفَاضَ الْإِمَامُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَقَفَ بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ. وَلَوْ دَفَعَ قَبْلَ النَّاسِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ بَعْدَ

فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذَفِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَتَى مِنًى لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ لَا يُؤْذِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا» وَلَوْ رَمْيَ بِأَكْبَرَ مِنْهُ جَازَ لِحُصُولِ الرَّمْيِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ مِنْ الْأَحْجَارِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ (وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ النُّسُكِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي لِمَا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَجْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ إذْ السُّنَّةُ مَدُّ الْوُقُوفِ إلَى الْإِسْفَارِ وَالصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي إلَخْ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ «فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ سُلَيْمَان بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَرَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ يَسْتُرُهُ، فَسَأَلْتُ عَنْ الرَّجُلِ فَقَالُوا: الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَإِذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذَا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْحَدِرُ أَمَامَهَا فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ وَيَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَاهَا بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا» . (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ مِنْ الْأَحْجَارِ) أَطْلَقَ فِي مَنْعِ الْكِبَارِ بَعْدَمَا أَطْلَقَ فِي تَجْوِيزِ الْكِبَارِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْهَا جَازَ، فَعُلِمَ إرَادَةُ تَقْيِيدِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْأَكْبَرُ مِنْهَا قَلِيلًا، وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي الْأَكْبَرُ مِنْهَا كَثِيرًا كَالصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَحْوِهَا وَمَا يَقْرُبُ مِنْهَا، وَيَجِبُ كَوْنُ الْمَنْعِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الدَّلِيلِ مَنْعُ الْأَكْبَرِ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا، فَلَمَّا أَجَازُوا الْأَكْبَرَ قَلِيلًا، وَلَوْ كَانَ مِثْلَ حَصَاةِ الْخَذْفِ عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِحَصَى الْخَذْفِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ نَظَرًا إلَى تَعْلِيلِهِ بِتَوَهُّمِ الْأَذَى، وَيَلْزَمُهُ الْإِجْزَاءُ بِرَمْيِ الصَّخَرَاتِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ مِنْهَا مَنْعَ كَرَاهَةٍ لِتَوَقُّعِ الْأَذَى بِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ) إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ فَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَسْفَلِهَا سُنَّةٌ لَا لِأَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ. وَلِذَا ثَبَتَ رَمْيُ خَلْقٍ كَثِير فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَعْلَاهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَلَا أَعْلَنُوا بِالنِّدَاءِ بِذَلِكَ فِي النَّاسِ. وَكَانَ وَجْهُ اخْتِيَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ هُوَ وَجْهُ اخْتِيَارِهِ حَصَى الْخَذْفِ فَإِنَّهُ يُتَوَقَّعُ الْأَذَى إذَا رَمَوْا مِنْ أَعْلَاهَا لِمَنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ مُرُورِ النَّاسِ فَيُصِيبُهُمْ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ مِنْ

(وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ الذِّكْرِ وَهُوَ مِنْ آدَابِ الرَّمْيِ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقِفْ عِنْدَهَا (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ) لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْفَلَ مَعَ الْمَارِّينَ مِنْ فَوْقِهَا إنْ كَانَ (قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ) تَقَدَّمَ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا آنِفًا، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأُمِّ سُلَيْمَانَ. وَظَاهِرُ الْمَرْوِيَّاتِ مِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى: اللَّهُ أَكْبَرُ، غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ. وَقِيلَ: يَقُولُ أَيْضًا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا (قَوْلُهُ وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ) وَكَذَا غَيْرُ التَّسْبِيحِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالتَّهْلِيلِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَكْبِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذِّكْرُ لَا خُصُوصُهُ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ التَّكْبِيرِ فِي لَفْظِ الرُّوَاةِ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ التَّعْظِيمِ كَمَا قُلْنَا فِي تَكْبِيرِ الِافْتِتَاحِ، فَيَدْخُلُ كُلُّ ذِكْرٍ لَفْظًا لَا مَعْنًى فَقَطْ، لَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ لَفْظَ كَبِّرْ اللَّهَ وَنَحْوَهُ إرَادَةُ مَا كَانَ تَعْظِيمًا بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَهُ قَالُوا سَبَّحَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ، فَهَذَا الْمُعْتَادُ بِبُعْدِ هَذَا الْحَمْلِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَمْ تَظْهَرْ حِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْجَمْرَتَيْنِ، فَإِنْ تَخَايَلَ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الشُّغْلِ كَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالْإِفَاضَةِ إلَى مَكَّةَ فَهُوَ مُنْعَدِمٌ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ كَوْنُ الْوُقُوفِ يَقَعُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الطَّرِيقِ فَيُوجِبَ قَطْعَ سُلُوكِهَا عَلَى النَّاسِ وَشِدَّةَ الزِّحَامِ الْوَاقِفِينَ وَالْمَارِّينَ، وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ، بِخِلَافِهِ فِي بَاقِي الْجِمَارِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ بَلْ بِمَعْزِلٍ مُنْضَمٍّ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لِمَا ثَبَتَ لَنَا رَفْعُ رِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَيْ لِمَا اشْتَمَلْت عَلَيْهِ رِوَايَتُنَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَوَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَهَذِهِ عِنَايَةٌ دَعَا إلَيْهَا أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ فِي بَحْثِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ، وَقَدَّمْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِقْسَامِهِ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ زَارَ الْبَيْتَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَذْبَحَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَبِّي مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ تَزُولُ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَرِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ: مَنْ لَمْ يَرْمِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَرِوَايَةُ هِشَامٍ: إذَا مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ لَهُ بِهَذَا الطَّوَافِ شَيْءٌ فَكَانَ كَعَدَمِهِ فَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ يَتَوَقَّتُ بِالزَّوَالِ فَيَفْعَلُ بَعْدَهُ قَضَاءً فَصَارَ فَوَاتُهُ عَنْ وَقْتِهِ كَفِعْلِهِ فِي وَقْتِهِ، وَعِنْدَ فِعْلِهِ فِيهِ يَقْطَعُهَا كَذَا عِنْدَ فَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ إحْرَامِهِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَلَا تَلْبِيَةَ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ. وَلَهُمَا أَنَّ الطَّوَافَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ لَكِنْ وَقَعَ بِهِ التَّحَلُّلُ فِي الْجُمْلَةِ عَنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ بِالْجِمَاعِ بَعْدَهُ شَاةٌ لَا بَدَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ الْإِحْرَامُ قَائِمًا مُطْلَقًا، وَلَمْ تُشْرَعْ التَّلْبِيَةُ إلَّا فِي الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ. وَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ أَوْ قَارِنٌ يَقْطَعُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا إنْ كَانَ مُفْرِدًا لِأَنَّ الذَّبْحَ مُحَلِّلٌ فِي الْجُمْلَةِ فِي حَقِّهِمَا بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ. وَعِنْدَ

التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» . ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ إلَى مِنًى وَيَسْتَعِينُ بِالْمِسْبَحَةِ. وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا. وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ، وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ يَكْفِيهِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا مِنْهَا لَا يُجْزِيه لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ. وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ الْأَفْعَالِ، وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّ ذَاكَ يُكْرَهُ لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْحَصَى مَرْدُودٌ، هَكَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٍ لَا يَقْطَعُ إذْ لَا تَحَلُّلَ بِهِ بَلْ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ (قَوْلُهُ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ وَيَسْتَعِينَ بِالْمِسْبَحَةِ) هَذَا التَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرَيْنِ قِيلَ بِهِمَا: أَحَدُهُمَا أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ إلَى مِنًى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى. وَالْآخَرُ أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مِفْصَلِ إبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ عَشْرَةً، وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّمْيِ بِهِ مَعَ الزَّحْمَةِ وَالْوَهْجَةُ عُسْرٌ. وَقِيلَ: يَأْخُذُهَا بِطَرَفَيْ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ وَالْمُعْتَادُ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ سِوَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَارْمُوا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ» وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ كَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ الْمَطْلُوبَةِ كَيْفِيَّةَ الْخَذْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْيِينُ ضَابِطِ مِقْدَارِ الْحَصَاةِ إذَا كَانَ مِقْدَارُ مَا يُخْذَفُ بِهِ مَعْلُومًا لَهُمْ. وَأَمَّا مَا زَادَ فِي رِوَايَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ» مِنْ قَوْلِهِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الْإِنْسَانُ: يَعْنِي عِنْدَ مَا نَطَقَ بِقَوْلِهِ «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ» أَشَارَ بِصُورَةِ الْخَذْفِ بِيَدِهِ، فَلَيْسَ يَسْتَلْزِمُ طَلَبَ كَوْنِ الرَّمْيِ بِصُورَةِ الْخَذْفِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِيُؤَكِّدَ كَوْنَ الْمَطْلُوبِ حَصَى الْخَذْفِ كَأَنَّهُ قَالَ: خُذُوا حَصَى الْخَذْفِ الَّذِي هُوَ هَكَذَا لِيُشِيرَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ فِي كَوْنِهِ حَصَى الْخَذْفِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي خُصُوصِ وَضْعِ الْحَصَاةِ فِي الْيَدِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَجْهُ قُرْبَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ شَرْعِيٌّ بَلْ بِمُجَرَّدِ صِغَرِ الْحَصَاةِ. وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى كَوْنِ الرَّمْيِ خَذْفًا عَارَضَهُ كَوْنُهُ وَضْعًا غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ وَالْيَوْمُ يَوْمُ زَحْمَةٍ يُوجِبُ نَفْيَ غَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ) يُفِيدُ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ الْحَسَنِ تَعْيِينُ الْأُولَى، وَأَنَّ مُسَمَّى الرَّمْيِ لَا يَنْتَفِي فِي الطَّرْحِ رَأْسًا بَلْ إنَّمَا فِيهِ مَعَهُ قُصُورٌ فَتَثْبُتُ الْإِسَاءَةُ بِهِ، بِخِلَافِ وَضْعِ الْحَصَاةِ وَضْعًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِي لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الرَّمْيِ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ) قَدْرَ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ كَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُرْبِ عُرْفًا وَضِدُّهُ الْبُعْدُ فِي الْعُرْفِ، فَمَا كَانَ مِثْلُهُ يُعَدُّ بَعِيدًا عُرْفًا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ، حَتَّى إنَّ مَا لَيْسَ بَعِيدًا فَهُوَ قَرِيبٌ وَمَا لَيْسَ قَرِيبًا فَهُوَ الْبَعِيدُ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، إذْ قَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مِنْ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يُقَالُ فِيهِ لَيْسَ بِقَرِيبٍ مِنْهُ وَلَا بَعِيدٍ، وَالظَّاهِرُ عَلَى هَذَا التَّعْوِيلِ عَلَى الْقُرْبِ وَعَدَمِهِ، فَمَا لَيْسَ بِقَرِيبٍ لَا يَجُوزُ لَا عَلَى الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ. وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ مَحْمَلٍ وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ حَتَّى طَرَحَهَا الْحَامِلُ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَنَبَتْ عَنْهُ وَوَقَعَتْ عِنْدَ الْجَمْرَةِ بِنَفْسِهَا أَجْزَأَهُ، وَمَقَامُ الرَّامِي بِحَيْثُ يَرَى مَوْقِعَ حَصَاهُ. وَمَا قُدِّرَ بِهِ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَذَاكَ تَقْدِيرُ أَقَلِّ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ فِي الْمَسْنُونِ، أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا (قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعٍ جُمْلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ) فَيَلْزَمُهُ سِتٌّ سِوَاهَا وَالسَّابِعُ وَأَكْثَرُ مِنْهَا وَاحِدٌ (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيْ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ) يَتَضَمَّنُ خِلَافَ مَا قِيلَ إنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ مِنْ

وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ فِعْلِ الرَّمْيِ. وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِعْلُ الرَّمْيِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطِّينِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْحَجَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا. قَالَ (ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُزْدَلِفَةَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: جَرَى التَّوَارُثُ بِذَلِكَ، وَمَا قِيلَ يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعًا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافُهَا الْإِسَاءَةَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهَا مِنْ جَمْعٍ، بِخِلَافِ مَوْضِعِ الرَّمْيِ لِأَنَّ السَّلَفَ كَرِهُوهُ لِأَنَّهُ الْمَرْدُودُ. وَقَوْلُهُ وَبِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ كَأَنَّهُ مَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: مَا بَالُ الْجِمَارِ تُرْمَى مِنْ وَقْتِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ تَصِرْ هِضَابًا تَسُدُّ الْأُفُقَ؟ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَنْ تُقُبِّلَ حَجُّهُ رُفِعَ حَصَاهُ وَمَنْ لَمْ يُقْبَلْ تُرِكَ حَصَاهُ؟ قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا سَمِعْت هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلْت عَلَى حَصَيَاتِي عَلَامَةً، ثُمَّ تَوَسَّطْت الْجَمْرَةَ فَرَمَيْت مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ طَلَبْت فَلَمْ أَجِدْ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَيْئًا (قَوْلُهُ وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ) وَأَخَذَهَا مِنْ مَوْضِعِ الرَّمْيِ (أَجْزَأَهُ) مَعَ الْكَرَاهَةِ وَمَا هِيَ إلَّا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ حَجَرًا وَاحِدًا فَيُكْسَرَ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قِيلَ أَنْ يَرْمِيَهَا لِيَتَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ، وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ) كَالْحَجَرِ وَالطِّينِ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالزِّرْنِيخِ وَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ جَوَازُ الرَّمْيِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَفِيهِمَا خِلَافٌ مَنَعَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْمَرْمِيِّ بِهِ يَكُونُ الرَّمْيُ بِهِ اسْتِهَانَةَ شَرْطٍ، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ الْفَارِسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ مِنْ جِهَةِ الشَّافِعِيِّ: لَوْ تَمَّ مَا ذَكَرْتُمْ فِي تَجْوِيزِ الطِّينِ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ مَعَهُ فِعْلَ الرَّمْيِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَا بِهِ الرَّمْيُ لَجَازَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، بَلْ وَبِمَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكُلُّ مَمْنُوعٌ عِنْدَكُمْ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا فَلَمْ يَجُزْ لِانْتِفَاءِ مُسَمَّى الرَّمْيِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَصْدُقُ

لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَرْمِيَ ثُمَّ نَذْبَحَ ثُمَّ نَحْلِقَ» وَلِأَنَّ: الْحَلْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَكَذَا الذَّبْحُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِهِ الْمُحْصَرُ فَيُقَدِّمَ الرَّمْيَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ الْحَلْقُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الذَّبْحُ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الذَّبْحَ بِالْمَحَبَّةِ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُفْرِدُ تَطَوُّعٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمُفْرِدِ (وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» الْحَدِيثَ، ظَاهِرٌ بِالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْحَلْقَ أَكْمَلُ فِي قَضَاءِ التَّفَثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْمُ الرَّمْيِ مَعَ كَوْنِهِ يُسَمَّى نِثَارًا، فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ رَمْيٌ خُصَّ بِاسْمٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ مُتَعَلِّقِهِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ فِي سُقُوطِ اسْمِ الرَّمْيِ عَنْهُ وَلَا صُورَتِهِ. وَأَيْضًا فَهُوَ جَوَابٌ قَاصِرٌ إذْ لَا يَعُمُّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ثُبُوتَ اسْمِ النِّثَارِ أَيْضًا فِيمَا بِاللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ أَيْضًا وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يَصْدُقُ اسْمٌ إلَخْ، وَلَوْ غَيَّرَ أَصْلَ الْجَوَابِ إلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِهَانَةِ انْدَفَعَ الْكُلُّ لَكِنَّهُ يُطَالَبُ بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْحَجَرِ إذْ لَا إجْمَاعَ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ بِمُجَرَّدِهِ التَّعْيِينَ كَرَمْيِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجَمْرَةِ لَا مِنْ أَعْلَاهَا وَغَيْرِهِ، وَلَوْ اسْتَلْزَمَهُ تَعَيَّنَ الْحَجَرُ وَهُوَ مَطْلُوبُ الْخَصْمِ، ثُمَّ لَوْ تَمَّ نَظَرَ إلَى مَا أُثِرَ مِنْ أَنَّ الرَّمْيَ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ إذْ أَصْلُهُ رَمْيُ نَبِيِّ اللَّهِ عِنْدَ الْجِمَارِ لَمَّا عَرَضَ لَهُ عِنْدَهَا لِلْإِغْوَاءِ بِالْمُخَالَفَةِ اسْتَلْزَمَ جَوَازَ الرَّمْيِ بِمِثْلِ الْخَشَبَةِ وَالرَّثَّةِ وَالْبَعْرَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهَا أُمُورٌ تَعَبُّدِيَّةٌ لَا يُشْتَغَلُ بِالْمَعْنَى فِيهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُلَاحِظَ مُجَرَّدَ الرَّمْيِ أَوْ مَعَ الِاسْتِهَانَةِ أَوْ خُصُوصِ مَا وَقَعَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَوَّلُ يَسْتَلْزِمُ الْجَوَازَ بِالْجَوَاهِرِ، وَالثَّانِي بِالْبَعْرَةِ وَالْخَشَبَةِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا وَالثَّالِثُ بِالْحَجَرِ خُصُوصًا، فَلْيَكُنْ هَذَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَسْلَمَ وَالْأَصْلُ فِي أَعْمَالِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِهِ كَمَا فِي الرَّمْيِ أَسْفَلَ الْجَمْرَةِ مِمَّا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا " إلَخْ) غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى فَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْحَلْقِ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَذْهَبِ وَهَذَا الصَّوَابُ (قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الذَّبْحُ) حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْحَلْقَ لَمْ يَقَعْ فِي مَحْضِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ» وَقَوْلُهُ ظَاهَرَ هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ فِعْلٌ مَاضٍ، وَمِنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ يُجْرِي الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وُجُوبًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَيْئَانِ إجْرَاؤُهُ مَعَ الْإِزَالَةِ، فَمَا عَجَزَ عَنْهُ سَقَطَ دُونَ مَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ. وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِجْرَاءِ لِلْإِزَالَةِ لَا لَعَيْنِهِ، فَإِذَا سَقَطَ مَا وَجَبَ لِأَجْلِهِ سَقَطَ هُوَ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ وُجُوبِ عَيْنِ الْإِجْرَاءِ وَإِنْ كَانَ لِلْإِزَالَةِ، بَلْ الْوَاجِبُ طَرِيقُ الْإِزَالَةِ، وَلَوْ فُرِضَ بِالنُّورَةِ أَوْ الْحَرْقِ أَوْ النَّتْفِ، وَإِنْ عَسُرَ فِي أَكْثَرِ الرُّءُوسِ أَوْ قَاتَلَ غَيْرَهُ فَنَتَفَهُ أَجْزَأَ عَنْ

وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ التَّقْصِيرِ فَأَشْبَهَ الِاغْتِسَالَ مَعَ الْوُضُوءِ. وَيَكْتَفِي فِي الْحَلْقِ بِرُبْعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ، وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ. قَالَ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِلَّا الطِّيبَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَلْقِ قَصْدًا. وَلَوْ تَعَذَّرَ الْحَلْقُ لِعَارِضٍ تَعَيَّنَ التَّقْصِيرُ أَوْ التَّقْصِيرُ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ كَأَنْ لَبَّدَهُ بِصَمْغٍ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْمِقْرَاضُ، وَمَنْ تَعَذَّرَ إجْرَاءُ الْآلَةِ عَلَى رَأْسِهِ صَارَ حَلَالًا كَاَلَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسْحِ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ لِآفَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ عَلَى رَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يَسْتَطِيعُ إجْرَاءَ الْمُوسِي عَلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ حَلَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَقَ، وَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْلَالَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِهِ قُرُوحٌ لَكِنَّهُ خَرَجَ إلَى الْبَادِيَةِ فَلَمْ يَجِدْ آلَةً أَوْ مِنْ يُحْلِقْهُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَلَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ، وَيُعْتَبَرُ فِي سُنَّةِ الْحَلْقِ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْحَالِقِ لَا الْمَحْلُوقِ وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ مُقْتَضَى النَّصِّ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الرَّأْسِ. وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ شَعْرِهِ وَيَقُولُ عِنْدَ الْحَلْقِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ هَذِهِ نَاصِيَتِي بِيَدِك فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي. اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً وَامْحُ بِهَا عَنِّي سَيِّئَةً وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقَيْنِ وَالْمُقَصِّرِينَ يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ آمِينَ. وَإِذَا فَرَغَ فَلْيُكَبِّرْ وَلِيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى عَنَّا نُسُكَنَا، اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَيَقِينًا، وَيَدْعُو لِوَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَيَكْتَفِي فِي الْحَلْقِ بِرُبْعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَ وَهُوَ مُسِيءٌ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ غَيْرِ رَأْسِهِ وَلَا مِنْ ظُفْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّهُ أَوَانُ التَّحَلُّلِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْمُحِيطِ: أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَغَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَاقٍ لِأَنَّهُ لَا تَحَلُّلَ إلَّا بِالْحَلْقِ فَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ بِالطِّيبِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: لَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَيَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ اتَّفَقَ كُلٌّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ يُجْزِي فِي الْحَلْقِ الْقَدْرُ الَّذِي قَالَ إنَّهُ يُجْزِي فِي الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ قِيَاسًا بِلَا جَامِعٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْقِيَاسِ وُجُوبُ الْمَسْحِ وَمَحَلُّهُ الْمَسْحُ، وَحُكْمَ الْفَرْعِ وُجُوبُ الْحَلْقِ وَمَحَلُّهُ الْحَلْقُ لِلتَّحَلُّلِ، وَلَا يَظُنُّ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ الرَّأْسُ إذْ لَا يَتَّحِدُ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ هُمَا مَحَلَّا الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْمُشَبَّهِ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْوُجُوبُ مَثَلًا، وَلَا قِيَاسَ يُتَصَوَّرُ عِنْدَ اتِّحَادِ مَحَلِّهِ إذْ لَا اثْنَيْنِيَّةَ، وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ وُجُوبُ

وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالنِّسَاءِ فَيُؤَخَّرُ إلَى تَمَامِ الْإِحْلَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْحِ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى يُوجِبُ جَوَازَ قَصْرِهِ عَلَى الرُّبْعِ، وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْسُ النَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] بِنَاءً إمَّا عَلَى الْإِجْمَالِ وَالْتِحَاقِ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بَيَانًا أَوْ عَلَى عَدَمِهِ، وَالْمُفَادُ بِسَبَبِ الْبَاءِ إلْصَاقُ الْيَدِ كُلِّهَا بِالرَّأْسِ لِأَنَّ الْفِعْلَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا إلَى الْآلَةِ بِنَفْسِهِ فَيَشْمَلُهَا، وَتَمَامُ الْيَدِ يَسْتَوْعِبُ الرُّبْعَ عَادَةً فَتَعَيَّنَ قَدْرُهُ، لَا أَنَّ فِيهِ مَعْنًى ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالرُّبْعِ أَوْ بِالْبَعْضِ مُطْلَقًا أَوْ تَعَيَّنَ الْكُلُّ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي وُجُوبِ حَلْقِهَا عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ لِيَتَعَدَّى الِاكْتِفَاءُ بِالرُّبْعِ مِنْ الْمَسْحِ إلَى الْحَلْقِ، وَكَذَا الْآخَرَانِ، وَإِذَا انْتَفَتْ صِحَّةُ الْقِيَاسِ فَالْمَرْجِعُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْحَةِ وَحَلْقِ التَّحَلُّلِ مَا يُفِيدُهُ نَصُّهُ الْوَارِدُ فِيهِ، وَالْوَارِدُ فِي الْمَسْحِ دَخَلَتْ فِيهِ الْبَاءُ عَلَى الرَّأْسِ الَّتِي هِيَ الْمَحَلُّ فَأَوْجَبَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّبْعِيضَ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا، بَلْ الْإِلْصَاقَ، غَيْرَ أَنَّا لَاحَظْنَا تَعَدِّيَ الْفِعْلِ لِلْآلَةِ فَيَجِبُ قَدْرُهَا مِنْ الرَّأْسِ، وَلَمْ يُلَاحِظْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاسْتَوْعَبَ الْكُلَّ أَوْ جَعَلَهُ صِلَةً كَمَا فِي {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ، فَاقْتَضَى وُجُوبَ اسْتِيعَابِ الْمَسْحِ. وَأَمَّا الْوَارِدُ فِي الْحَلْقِ فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] مِنْ غَيْرِ بَاءٍ. وَالْآيَةُ فِيهَا إشَارَةٌ إلَى طَلَبِ تَحْلِيقِ الرُّءُوسِ أَوْ تَقْصِيرِهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ الْمُوجِبُ لِطَرِيقِ التَّبْعِيضِ عَلَى اخْتِلَافِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ دُخُولُ الْبَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ. وَمِنْ السُّنَّةِ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ، فَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْحَلْقِ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي أَدِينُ لِلَّهِ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ) يُفِيدُ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ قِيَاسٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَصْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُتْرَكُ ذِكْرُهُ كَثِيرًا إذَا كَانَ أَصْلُهُ ظَاهِرًا أَوْ لَهُ أُصُولٌ كَثِيرَةٌ وَهُنَا كَذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ: الطِّيبُ مِنْ دَوَاعِي الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَيَحْرُمُ قِيَاسًا عَلَى الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ فِي الِاعْتِكَافِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ لَكِنْ قَدْ اسْتَدَلَّ لِمَالِكٍ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ إنْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ» وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا اهـ. وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ حُكْمُهُ الرَّفْعُ. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِطَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّهُ قَالَ «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مَا حُرِّمَ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ» ذَكَرَهُ وَانْقِطَاعَهُ فِي الْإِمَامِ. وَلَنَا مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعَرَبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ فَقَالَ رَجُلٌ وَالطِّيبُ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ أَفَطِيبٌ هُوَ أَمْ لَا» وَأَمَّا مَا فِي الْكِتَابِ فَهُوَ مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ آخَرَ هُوَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ وَذَبَحْتُمْ» وَقَالَ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا الْحُجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ

(ثُمَّ الرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي التَّحْلِيلِ. وَلَنَا أَنَّ مَا يَكُونُ مُحَلَّلًا يَكُونُ جِنَايَةً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ كَالْحَلْقِ، وَالرَّمْيِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا قَالَتْ «طَيَّبْتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ» (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ مَا يَكُونُ مُحَلِّلًا يَكُونُ جِنَايَةً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ كَالْحَلْقِ) يَعْنِي هَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْعِبَادَةِ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِرُكْنِهَا بَلْ إمَّا بِمُنَافِيهَا أَوْ بِمَا هُوَ مَحْظُورُهَا هُوَ أَقَلُّ مَا يَكُونُ، بِخِلَافِ دَمِ الْإِحْصَارِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِ إطْلَاقِ مُبَاشَرَةِ الْمَحْظُورِ تَحَلُّلًا، فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ الطَّوَافُ فَإِنَّهُ مُحَلِّلٌ مِنْ النِّسَاءِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ؟ أَجَابَ بِمَنْعِ كَوْنِهِ مُحَلِّلًا بَلْ التَّحَلُّلُ عِنْدَهُ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ بَعْضُ أَحْكَامِ الْحَلْقِ يُؤَخَّرُ إلَى وَقْتِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ السَّمْعِيَّاتِ يُفِيدُ أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. وَعَنْ هَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ عِنْدَنَا وَاجِبٌ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ، وَيَحْمِلُونَ مَا ذَكَرْنَا عَلَى إضْمَارِ الْحَلْقِ: أَيْ إذَا رَمَى وَحَلَقَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى الشَّرْطِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ. قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] وَهُوَ الْحَلْقُ وَاللُّبْسُ عَلَى مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ إنَّهُ الْحَلْقُ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ} [الفتح: 27] الْآيَةَ، أَخْبَرَ بِدُخُولِهِمْ مُحَلِّقِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ التَّحْلِيقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْعُمْرَةِ لِأَنَّهَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُجُوبِ الْحَامِلِ عَلَى الْوُجُودِ فَيُوجَدُ الْمُخْبَرُ بِهِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا لِتَطَابُقِ الْأَخْبَارِ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ظَنِّيٌّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ لَا الْقَطْعُ. وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ دَمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ إحْرَامَهُ بَاقٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْحَلْقِ

قَالَ (ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الْغَدِ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَلَقَ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى وَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» . وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الطَّوَافَ عَلَى الذَّبْحِ قَالَ {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] ثُمَّ قَالَ {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا. وَأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ يَخُصُّ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْإِضَافَةِ، لَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُفِيضُ فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوَّلُهَا لِيَكُونَ دَلِيلَ السُّنَّةِ، وَيَثْبُتُ الْجَوَازُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِالْمَعْنَى وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَوَقْتُهُ أَيَّامَ النَّحْرِ إلَخْ، وَأَمَّا حَدِيثُ «أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا» فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ. ثُمَّ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» قَالَ نَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ. وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَنْ كُتُبِ السُّنَنِ خِلَافُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ «ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ» وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ. وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ بِطَرِيقٍ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَإِذَا تَعَارَضَا وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ فَفِي مَكَّةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْلَى لِثُبُوتِ مُضَاعَفَةِ الْفَرَائِضِ فِيهِ. وَلَوْ تَجَشَّمْنَا الْجَمْعَ حَمَلْنَا فِعْلَهُ بِمِنًى عَلَى الْإِعَادَةِ بِسَبَبٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمُؤَدَّى أَوْ لَا (قَوْلُهُ فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا) يَعْنِي فَكَانَ وَقْتُ الذَّبْحِ وَقْتًا لِلطَّوَافِ لَا وَقْتَ الطَّوَافِ، فَإِنَّ الطَّوَافَ لَا يَتَوَقَّتُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ حَتَّى يَفُوتَ بِفَوَاتِهَا بَلْ وَقْتُهُ الْعُمْرُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْعَطْفِ أَنَّهُ عَطْفُ طَلَبِ الطَّوَافِ عَلَى الْأَكْلِ مِنْ الْأُضْحِيَّةَ الْمَلْزُومِ لِلذَّبْحِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] فَكَانَ عَلَى الذَّبْحِ اللَّازِمِ. وَمِنْ ضَرُورَةِ جَمْعِ طَلَبِهِمَا مُطْلَقًا إطْلَاقُ الْإِتْيَانِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حِينِ يَتَحَقَّقُ وَقْتُ أَحَدِهِمَا، الذَّبْحُ يَتَحَقَّقُ وَقْتُهُ مِنْ فَجْرِ النَّحْرِ فَمِنْهُ يَتَحَقَّقُ وَقْتُ الطَّوَافِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقْتَ الطَّوَافِ أَوَّلُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لَا مِنْ لَيْلَتِهِ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَلَا آخِرَ لَهُ، بَلْ مُدَّةُ وَقْتِهِ الْعُمْرُ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، خِلَافًا لَهُمَا، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ هُمَا لِلسُّنَّةِ يُكْرَهُ خِلَافُهَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ

وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوَّلُهَا كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا» (فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يَرْمُلْ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا سَعْيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُقَدِّمْ السَّعْيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [وَهَذِهِ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ] مَكَانُ الطَّوَافِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ طَافَ مِنْ وَرَاءِ السَّوَارِي أَوْ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ طَافَ مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَفِي مَوْضِعٍ: إنْ كَانَتْ حِيطَانُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُجْزِهِ، يَعْنِي بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ حِيطَانُهُ مُنْهَدِمَةً، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ. يَعْنِي وَقَعَ ذِكْرُ الْحِيطَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا مُعْتَبَرَ الْمَفْهُومِ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ، فَأَمَّا إذَا طَافَ مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ فَكَانَتْ حِيطَانُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ طَافَ بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْبَيْتِ، أَرَأَيْت لَوْ طَافَ بِمَكَّةَ كَانَ يُجْزِيهِ؛ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ فِي مَكَّةَ، أَرَأَيْت لَوْ طَافَ بِالدُّنْيَا أَكَانَ يُجْزِيهِ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ لَا يُجْزِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا مِثْلُهُ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّائِفَ بِمَكَّةَ يُقَالُ فِيهِ طَائِفٌ بِمَكَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حِيطَانَ سُوَرٍ، وَكَذَا بِالْمَسْجِدِ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّسْبَةَ: أَعْنِي نِسْبَةَ الطَّوَافِ إلَى الْكَعْبَةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِقُرْبٍ مِنْهَا مُنَاسِبٍ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمَسْجِدَ لَهُ حُكْمُ الْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ انْتَشَرَتْ أَطْرَافُهُ لَكَانَ يُنَاسَبُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِالطَّوَافِ فِي حَوَاشِيهِ تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ لِلْبُعْدِ الَّذِي قَدْ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ، حَتَّى إنَّ مَنْ دَارَ هُنَاكَ إنَّمَا يُقَالُ: كَانَ فُلَانٌ يَدُورُ فِي الْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ يَتَأَمَّلُ بُقَعَهُ وَأَبْنِيَتَهُ، وَلَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ: كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ. وَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ الطَّوَافُ مُحْرِمًا أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ دُونَ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ أَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِيَّةِ وَلَوْ الْوِتْرَ أَوْ سُنَّةً رَاتِبَةً أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فَيُقَدِّمُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى الطَّوَافِ، كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي وَقْتٍ مُنِعَ النَّاسُ الطَّوَافَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَطَوَافُ تَحِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَ بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ إنْ كَانَ دُخُولُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَطَوَافُ الْفَرِيضَةِ يُغْنِي عَنْهُ، وَلَوْ نَوَاهُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ بِالْعُمْرَةِ فَبِطَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَا يُسَنُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لَهُ، وَلَوْ نَوَاهُ وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ فِي طَوَافِهِ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا. وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ، وَيَكُونُ طَوَافُهُ مِنْ وَرَاءِ الشَّاذَرْوَانِ كَيْ لَا يَكُونَ بَعْضُ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الشَّاذَرْوَانُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الطَّوَافُ عَلَيْهِ، وَالشَّاذَرْوَانُ هُوَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمُلْصَقَةُ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى فُرْجَةِ الْحِجْرِ. قِيلَ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عَمَّرَتْهُ قُرَيْشٌ وَضَيَّقَتْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ لَا مَرَدَّ لَهُ كَثُبُوتِ كَوْنِ بَعْضِ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُنَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْجِدَارُ الْمَرْئِيُّ قَائِمًا إلَى أَعْلَاهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُبْدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ جَانِبِ الْحِجْرِ الَّذِي يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ لِيَكُونَ مَارًّا عَلَى جَمِيعِ الْحِجْرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ كَذَلِكَ عَلَيْهِ، وَشَرْحُهُ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلًا عَلَى جَانِبِ الْحِجْرِ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحِجْرِ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَمْشِي كَذَلِكَ مُسْتَقْبِلًا حَتَّى يُجَاوِزَ الْحِجْرَ، فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَهَذَا فِي الِافْتِتَاحِ خَاصَّةً. وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ أَوْ الْجِنَازَةُ خَرَجَ مِنْ طَوَافِهِ إلَيْهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي السَّعْيِ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ وَعَادَ بَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُهُ، وَكَذَا إذَا خَرَجَ لِتَجْدِيدِ وُضُوءٍ. وَلَا يُكْرَهُ الطَّوَافُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِيهَا بَلْ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ مَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ. وَيُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ وِتْرٍ مِنْهَا. وَمَعَ الْكَرَاهَةِ لَوْ طَافَ أُسْبُوعًا ثُمَّ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ مِنْ آخِرَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ لَا يَقْطَعُ الْأُسْبُوعَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ

رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ) لِأَنَّ السَّعْيَ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ يُتِمُّهُ. وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَطُوفَ مُنْتَعِلًا إذَا كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَوْ بِخُفِّهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَالرُّكْنُ فِي الطَّوَافِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ، فَمَا زَادَ إلَى السَّبْعَةِ وَاجِبٌ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَنَذْكُرُ مَا عِنْدَنَا فِيهِ. وَقِيلَ: الرُّكْنُ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَثُلُثَا شَوْطٍ. وَافْتِتَاحُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ سُنَّةٌ، فَلَوْ افْتَتَحَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَجْزَأَ وَكُرِهَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ فَجَعَلَهُ شَرْطًا. وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ مَرَّةٍ دَلِيلُهُ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيُجْزِيهِ. وَلَوْ كَانَ فِي آيَةِ الطَّوَافِ إجْمَالٌ لَكَانَ شَرْطًا كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ مُطْلَقُ التَّطَوُّفِ هُوَ الْفَرْضُ، وَافْتِتَاحُهُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ، كَمَا قَالُوا فِي جَعْلِ الْكَعْبَةِ عَنْ يَسَارِهِ حَالَ الطَّوَافِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، حَتَّى لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا بِأَنْ جَعَلَهَا عَنْ يَمِينِهِ اعْتَدَّ بِهِ فِي ثُبُوتِ التَّحَلُّلِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، فَإِنْ رَجَعَ وَلَمْ يُعِدْ فِيهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ: يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُنْشِدَ الشِّعْرَ فِي طَوَافِهِ أَوْ يَتَحَدَّثَ أَوْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ، فَإِنْ فَعَلَهُ لَمْ يَفْسُدْ طَوَافُهُ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ فِي قِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ فِي طَوَافِهِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ. وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ، وَلَيْسَ يَنْبُو عَمَّا ذَكَرَ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ فِي الْأَكْثَرِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ فِي الشِّعْرِ بَيْنَ أَنْ يُعَرَّى عَنْ حَمْدٍ أَوْ ثَنَاءٍ فَيُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ يُكْرَهُ فِي الْحَالَيْنِ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ الرِّوَايَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْأَفْضَلُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ فِي الطَّوَافِ قِرَاءَةٌ بَلْ الذِّكْرُ وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ عَنْ السَّلَفِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى. وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْكَلَامِ فَالْمُرَادُ فُضُولُهُ إلَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْتِيَ فِي الطَّوَافِ وَيَشْرَبَ مَاءً إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَا يُلَبِّي حَالَةَ الطَّوَافِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِلَا إعَادَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، عَلَى هَذَا نَصَّ الْمَشَايِخُ وَهُوَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ. وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ الطَّوَافُ مَاشِيًا أَفْضَلُ تَسَاهُلٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ. لَا يُقَالُ: بَلْ يَنْبَغِي فِي النَّافِلَةِ أَنْ تَجِبَ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ فَوَجَبَ الْمَشْيُ، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ شُرُوعَهُ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْمَشْيِ وَالشُّرُوعُ إنَّمَا يُوجِبُ مَا شُرِعَ فِيهِ. وَلَوْ طَافَ زَحْفًا لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبِلَا عُذْرٍ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ. وَلَوْ كَانَ الْحَامِلُ مُحْرِمًا أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِهِ الْمُوَقَّتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَرْضًا كَانَ أَوْ سُنَّةً، قِيلَ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ حَمْلَ الْمَحْمُولِ فَلَا يُجْزِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الطَّوَافِ الْوَاقِعِ جُزْءَ نُسُكٍ لَيْسَتْ شَرْطًا، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا آخَرَ، وَلِذَا لَوْ طَافَ طَالِبًا لِغَرِيمٍ أَوْ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ لَا يُجْزِيهِ، بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَسَنَذْكُرُ الْفَرْقَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الْآتِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ طَافَ طَوَافًا فِي وَقْتِهِ وَقَعَ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ يَنْوِيَ أَصْلَ الطَّوَافِ نَوَاهُ بِعَيْنِهِ أَوْ لَا، أَوْ نَوَى طَوَافًا آخَرَ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُعْتَبَرُ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَدَاءِ، فَلَوْ قَدِمَ مُعْتَمِرٌ وَطَافَ وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ حَاجًّا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَعَ لِلْقُدُومِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا وَقَعَ الْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لِلْقُدُومِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ إذَا طَافَ فَهُوَ لِلزِّيَارَةِ، وَإِنْ طَافَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرَ فَلِلصَّدَرِ وَلَوْ كَانَ نَوَاهُ لِلتَّطَوُّعِ. قِيلَ لِأَنَّ غَيْرَ هَذَا الطَّوَافِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ، وَيَلْغُو غَيْرُهَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَيَحْتَاجُ إلَى أَصْلِهِمَا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ خُصُوصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ خُصُوصَ

وَالرَّمَلُ مَا شُرِعَ إلَّا مَرَّةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ) لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَرْضًا كَانَ لِلطَّوَافِ أَوْ نَفْلًا لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءَ) وَلَكِنْ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ إذْ هُوَ الْمُحَلَّلُ لَا بِالطَّوَافِ، إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ. قَالَ (وَهَذَا الطَّوَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الطَّوَافِ بِسَبَبِ أَنَّهُ فِي إحْرَامِ عِبَادَةٍ اقْتَضَتْ وُقُوعَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُشْرَعُ غَيْرُهُ كَمَنْ سَجَدَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ يَنْوِي سَجْدَةَ شُكْرٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ تِلَاوَةٍ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ تَقَعُ عَنْ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ أَصْلًا كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا الرُّكْنُ لَا يَقَعُ فِي مَحْضِ إحْرَامِ الْعِبَادَةِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِهِ النِّيَّةُ بَلْ بَعْدَ انْحِلَالِ أَكْثَرِهِ وَجَبَ لَهُ أَصْلُ النِّيَّةِ دُونَ التَّعْيِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ دُخُولَ الْبَيْتِ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، ثَبَتَ دُخُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيَّاهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَأَنَّهُ دَعَا وَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ دَخَلَ فِي حَسَنَةٍ وَخَرَجَ مِنْ سَيِّئَةٍ مَغْفُورًا لَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا دَخَلَهَا مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ يُصَلِّي يَتَوَخَّى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: عَجَبًا لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ كَيْفَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ قِبَلَ السَّقْفِ يَدَّعِ ذَلِكَ إجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامًا، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا خَلَفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا، وَكَانَ الْبَيْتُ فِي زَمَنِهِ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ وَلَيْسَتْ الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مُصَلَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ وَيَلْزَمُ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَهُوَ مَوْضِعٌ عَالٍ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا. وَالْمِسْمَارُ الَّذِي وَسَطَ الْبَيْتِ يُسَمُّونَهُ سُرَّةَ الدُّنْيَا يَكْشِفُ أَحَدُهُمْ سُرَّتَهُ وَيَضَعُهَا عَلَيْهِ فِعْلُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ عِلْمٍ (قَوْلُهُ مَا شَرَعَ إلَّا مَرَّةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا سَعَى فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ: أَعْنِي عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَالْعُمْرَةِ الَّتِي قَرَنَ إلَى حَجَّتِهِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّ قَارِنًا عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ الْقِرَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) وَلَمْ يَقُلْ لِمَا رَوَيْنَا: أَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلْيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَاكَ

هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ) وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَيُسَمَّى طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ (وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُوَقَّتٌ بِهَا (وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَسَنُبَيِّنُهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَعَ إلَيْهَا كَمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَمَوْضِعُهُ بِمِنًى (فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فَيَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي مِثْلَ ذَلِكَ وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا نَقَلَ مِنْ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُفَسِّرًا، وَيَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ وَيَرْفَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهَ التَّمَسُّكِ بِهِ لِلْوُجُوبِ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمَرْوِيِّ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ (قَوْلُهُ إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ كَمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ " إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَلَقَ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ " إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يَدْخُلُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَسَيَتَبَيَّنُ (قَوْلُهُ فَيَبْتَدِئُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ إلَخْ) هَلْ هَذَا التَّرْتِيبُ مُتَعَيَّنٌ أَوْ لَا؟ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَفِي الْمَنَاسِكِ لَوْ بَدَأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، فَإِنْ أَعَادَ عَلَى الْوُسْطَى ثُمَّ عَلَى الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِهِ فَحَسَنٌ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ. وَفِي الْمُحِيطِ: فَإِنْ رَمَى كُلَّ جَمْرَةٍ بِثَلَاثٍ أَتَمَّ الْأُولَى بِأَرْبَعٍ ثُمَّ أَعَادَ الْوُسْطَى بِسَبْعٍ ثُمَّ الْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ، وَإِنْ كَانَ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعٍ أَتَمَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثَلَاثٍ ثَلَاثٍ وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ رَمَى الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الْأُولَى، وَإِنْ اسْتَقْبَلَ رَمْيَهَا فَهُوَ أَفْضَلُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ رَمَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ فَإِذَا فِي يَدِهِ أَرْبَعُ حَصَيَاتٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتُهُنَّ هُنَّ يَرْمِيهِنَّ عَلَى الْأَوْلَى وَيَسْتَقْبِلُ الْبَاقِيَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الْأَوْلَى فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا أَعَادَ عَلَى كُلِّ جَمْرَةٍ وَاحِدَةً، وَلَوْ كَانَتْ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَعَادَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً وَيُجْزِيهِ لِأَنَّهُ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَكْثَرِهَا اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ، وَاَلَّذِي يُقْوَى عِنْدِي اسْتِنَانُ التَّرْتِيبِ لَا تَعَيُّنُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا لِلرَّمْيِ، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى عَلَى مُحَصِّلٍ. وَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ الْبَعْضِ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتِهَا أَعَادَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَصَاةً لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ. وَلَوْ رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ وَلَمْ يَرْمِ الْأُولَى، فَإِنْ رَمَى الْأُولَى وَأَعَادَ عَلَى الْبَاقِيَتَيْنِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ رَمَى الْأُولَى وَحْدَهَا جَازَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَيَقِفُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الْجَمْرَةِ بَعْدَ تَمَامِ الرَّمْيِ لَا عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَقَوْلُهُ هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ. الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ إنَّمَا هُوَ التَّعَرُّضُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَيْسَ غَيْرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ يُعْرَفُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى» إلَخْ يُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ الْوُقُوفِ وَمَوْضِعَهُ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُطِيلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَارْجِعْ إلَيْهِ تَسْتَغْنِ بِهِ عَنْهُ وَعَنْ حَدِيثِ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا

يَدَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ. وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي دُعَائِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ يَقِفُ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ فِي وَسَطِ الْعِبَادَةِ فَيَأْتِي بِالدُّعَاءِ فِيهِ، وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٍ لَا يَقِفُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ، وَلِهَذَا لَا يَقِفُ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَيْضًا. قَالَ (فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ النَّفْرَ إلَى مَكَّةَ نَفَرَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَبَرَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ» . وَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» مَعَ زِيَادَاتٍ أُخَرَ. وَقَوْلُهُ فِي الْمَقَامِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ تَعْيِينٌ لِمَحَلِّهِ وَإِفَادَةُ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ النَّاسُ تَوَارَثُوهُ فَمَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي كَانَ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا: يُرِيدُ بِالْمَقَامِ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ النَّاسُ أَعْلَى الْوَادِي، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَنْحَدِرُ فِي الْأُولَى أَمَامَهَا فَيَقِفُ، وَيَنْحَدِرُ فِي الثَّانِيَةِ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ. وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَفْعَلُ هَذَا» . وَإِنَّمَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ قِيلَ يَقِفُ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ يُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا أَوْ يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِآخَرَ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ. وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ أَمَامَ الْمَنَارَةِ عِنْدَ الْأَحْجَارِ (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ) هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ فِيهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُسَمَّى يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) وَرَوَى

فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ) (قَدَّمَ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) يَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ (قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) (جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي رُخْصَةِ النَّفْرِ، فَإِذْ لَمْ يَتَرَخَّصْ اُلْتُحِقَ بِهَا، وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ فِي جَوَازِهِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فِيهِمَا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْمَرْوِيِّ. فَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَأَوَّلُ وَقْتِ الرَّمْيِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَوَّلُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ يَبْلُغُ بِهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ. يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» الْحَدِيثَ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ حَتَّى يَرْمِيَ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ وَإِنَّمَا يَمْتَدُّ الْيَوْمُ إلَى الْغُرُوبِ. وَقُلْنَا: لَيْسَ اللَّيْلُ وَقْتًا لِرَمْيِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَيَكُونُ خِيَارُهُ فِي النَّفْرِ بَاقِيًا فِيهِ كَمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ خُيِّرَ فِيهِ فِي النَّفْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَ رَمْيِ الرَّابِعِ وَهَذَا ثَابِتٌ فِي لَيْلَتِهِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ) أَيْ بَاقِي الْأَيَّامِ الَّتِي يَرْمِي فِيهَا الْجَمَرَاتِ كُلَّهَا وَهُمَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ (قَوْلُهُ وَمَذْهَبُهُ) أَيْ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ: إذَا انْتَفَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ. وَالِانْتِفَاخُ الِارْتِفَاعُ، وَفِي سَنَدِهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ (قَوْلُهُ أَوْلَى) مِمَّا يُمْنَعُ لِجَوَازِ أَنْ يُرَخَّصَ فِي تَرْكِهِ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ، فَإِذَا طَلَعَ مُنِعَ مِنْ تَرْكِهِ أَصْلًا وَلَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَهُ فِي وَقْتِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِلرَّمْيِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ لَيْسَ إلَّا فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَهُ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا لَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي رَمَى فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنَّمَا رَمَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الرَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يَرْمِي قَبْلَهُ. وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَنْدَفِعُ الْمَذْكُورُ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قُرِّرَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا إذَا قُرِّرَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا الرَّمْيِ (وَالثَّانِي) مِنْهَا فَإِنَّهُمَا الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَالثَّالِثُ مِنْهُ (قَوْلُهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ

لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا مُصْبِحِينَ» وَيَرْوِي «حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْوَقْتِ بِالْأَوَّلِ وَالْأَفْضَلِيَّةُ بِالثَّانِي. وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، وَلِأَنَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ وَقْتُهُ بَعْدَهُ ضَرُورَةً. ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْتَدُّ هَذَا الْوَقْتُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الرَّمْيُ» ، جَعَلَ الْيَوْمَ وَقْتًا لَهُ وَذَهَابَهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وَإِنْ أَخَّرَ إلَى اللَّيْلِ رَمَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الدُّعَاءِ. وَإِنْ أَخَّرَ إلَى الْغَدِ رَمَاهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِنْسِ الرَّمْيِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ. قَالَ (فَإِنْ رَمَاهَا رَاكِبًا أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ فِعْلِ الرَّمْيِ (وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ مَاشِيًا وَإِلَّا فَيَرْمِيهِ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي وَالثَّالِثِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِنْ رَمَى قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَحُمِلَ الْمَرْوِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى اخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ لِعَدَمِ الْمَعْقُولِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تَخْفِيفٍ فِيهَا بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ التَّخْفِيفِ بِالتَّقْدِيمِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَبُو حَنِيفَة وَحْدَهُ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا» ) أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَزَادَ فِيهِ «وَأَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءُوا مِنْ النَّهَارِ» وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ وَقْتَ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إذَا دَخَلَ مِنْ النَّهَارِ امْتَدَّ إلَى آخِرِ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَتْلُو ذَلِكَ النَّهَارَ فَيُحْمَل عَلَى ذَلِكَ، فَاللَّيَالِي فِي الرَّمْيِ تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ السَّابِقَةِ لَا اللَّاحِقَةِ، بِدَلِيلِ مَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدِّمُ ضُعَفَاءَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَمَا رَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ ضَعَفَةَ بَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ وَيَقُولُ: أَبَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا فُضَيْلٍ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنَا كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ وَثَقَلَهُ صَبِيحَةَ جَمْعٍ أَنْ يُفِيضُوا مَعَ أَوَّلِ الْفَجْرِ بِسَوَادٍ وَلَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ إلَّا مُصْبِحِينَ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ فِي الثَّقَلِ وَقَالَ: لَا تَرْمُوا الْجِمَارَ حَتَّى تُصْبِحُوا» فَأَثْبَتْنَا الْجَوَازَ بِهَذَيْنِ وَالْفَضِيلَةَ بِمَا قَبْلَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ نَقْلًا مِنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَقْتُ الْجَوَازِ مَعَ الْإِسَاءَةِ، وَمَا بَعْدَ طُلُوعِ

فَيَرْمِيهِ مَاشِيًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى التَّضَرُّعِ، وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِي الرَّمْيِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاتَ بِمِنًى، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا. وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا مُتَعَمِّدًا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ وَجَبَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَقْتٌ مَسْنُونٌ، وَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَقْتُ الْجَوَازِ بِلَا إسَاءَةٍ، وَاللَّيْلُ وَقْتُ الْجَوَازِ مَعَ الْإِسَاءَةِ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَحْمَلِ ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ عَدَمَ الْعُذْرِ حَتَّى لَا يَكُونَ رَمْيُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَرَمْيُ الرِّعَاءِ لَيْلًا يُلْزِمُهُمْ الْإِسَاءَةَ، وَكَيْفَ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّرْخِيصِ، وَيَثْبُتُ وَصْفُ الْقَضَاءِ فِي الرَّمْيِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ (قَوْلُهُ وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: الرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا؟ فَقُلْت: مَاشِيًا، فَقَالَ: أَخْطَأْت، فَقُلْت: رَاكِبًا، فَقَالَ: أَخْطَأَتْ، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ وُقُوفٌ، فَالرَّمْيُ مَاشِيًا أَفْضَلُ، وَمَا لَيْسَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ فَالرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ، فَقُمْت مِنْ عِنْدِهِ فَمَا انْتَهَيْت إلَى بَابِ الدَّارِ حَتَّى سَمِعْت الصُّرَاخَ بِمَوْتِهِ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ اهـ، لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ كُلِّهِ، وَكَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي رَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّهُ لَيُظْهِرُ فِعْلَهُ فَيُقْتَدَى بِهِ وَيُسْأَلُ وَيُحْفَظُ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ كَمَا ذُكِرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَلَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ» وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ، قَالَ، يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إلَى الْجِمَارِ، وَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ. وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا رُكُوبَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا قُلْنَا يَبْقَى كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا عِبَادَةً، وَأَدَاؤُهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ، وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ لِلزَّحْمَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ، ثُمَّ قِيلَ: يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ مَبِيتَ لَيْلَةٍ مُدٌّ وَمُدَّانِ لِلَيْلَتَيْنِ وَدَمٌ لِثَلَاثٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَجَبَ) أَيْ ثَبَتَ إذْ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الْإِسَاءَةُ عَلَى مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ الْكَافِي حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ» ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا

مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَابِرَ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّجُلُ ثِقَلَهُ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ حَتَّى يَرْمِيَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ (وَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) وَهُوَ الْأَبْطَحُ وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ نُزُولُهُ قَصْدًا هُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَا رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا لِأَجْلِ السِّقَايَةِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَبِحَدِيثِ الْعَبَّاسِ هَذَا اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ: وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا احْتَاجَ إلَى إذْنٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ عِنْدَهُمْ كَانَ مُجَانِبًا جِدًّا خُصُوصًا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا الِانْفِرَادُ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ مَعَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَاسْتَأْذَنَ لِإِسْقَاطِ الْإِسَاءَةِ الْكَائِنَةِ بِسَبَبِ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ مُرَافَقَتِهِ فَإِنَّهُ أَفْظَعُ مِنْهُ حَالَ عَدَمِ الْمُرَافَقَةِ، بَلْ هُوَ جَفَاءٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِسُوءِ الْأَدَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَبِيتُ بِمِنًى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَكَثَ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» وَنَفْسُ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُفِيدُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ. نَعَمْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنَامَ أَحَدٌ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ فِي تَقْدِيمِ الثَّقَلِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ قَالَ: عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ مِنْ مِنًى لَيْلَةَ يَنْفِرُ فَلَا حَجَّ لَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ اهـ: يَعْنِيَ الْكَمَالَ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَبْطَحُ) قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ، وَهَذَا لَا تَحْرِيرَ فِيهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ فِنَاءُ مَكَّةَ حَدُّهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ الْمُتَّصِلِينَ بِالْمَقَابِرِ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لِذَلِكَ مُصْعِدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْ الْمُحَصَّبِ، وَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ قَصْدًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً لِمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَيْسَ الْمُحَصَّبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: " لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى، وَلَكِنْ جِئْت وَضَرَبْت قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ ". وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ قَصَدَهُ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لِمَعْنَى التَّسْهِيلِ. رَوَى السِّتَّةُ عَنْهَا قَالَتْ: «إنَّمَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَصَّبَ» لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ فَمَنْ شَاءَ نَزَلَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَنْزِلْهُ. وَجْهُ الْمُخْتَارِ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ؟ فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟ قَالَ: نَحْنُ نَازِلُونَ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ: يَعْنِي الْمُحَصَّبَ» الْحَدِيثَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ

النُّزُولُ بِهِ سُنَّةً عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ «إنَّا نَازِلُونَ غَدًا بِالْخَيْفِ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمَ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ عَلَى شِرْكِهِمْ» يُشِيرُ إلَى عَهْدِهِمْ عَلَى هِجْرَانِ بَنِي هَاشِم فَعَرَفْنَا أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ إرَاءَةً لِلْمُشْرِكَيْنِ لَطِيفُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، فَصَارَ سُنَّةً كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ. قَالَ (ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَا يَرْمُلُ فِيهَا وَهَذَا طَوَافُ الصَّدْرِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ وَطَوَافٌ آخَرُ عَهِدَهُ بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ وَيَصْدُرُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ اهـ. فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ نَزَلَهُ قَصْدًا لِيَرَى لَطِيفَ صُنْعِ اللَّهِ بِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ فِيهِ نِعْمَتَهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُقَايَسَةِ نُزُولِهِ بِهِ الْآنَ إلَى حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ: أَعْنِي حَالَ انْحِصَارِهِ مِنْ الْكُفَّارِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْعِبَادَةِ، ثُمَّ هَذِهِ النِّعْمَةُ الَّتِي شَمِلَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ النَّصْرِ وَالِاقْتِدَارِ عَلَى إقَامَةِ التَّوْحِيدِ وَتَقْرِيرِ قَوَاعِدِ الْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي دَعَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ عِبَادَهُ لِيَنْتَفِعُوا بِهِ فِي دُنْيَاهُمْ وَمَعَادِهِمْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا النِّعْمَةُ الْعُظْمَى عَلَى أُمَّتِهِ لِأَنَّهُمْ مَظَاهِرُ الْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ الْمُؤَزَّرُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَدِيرٌ بِتَفَكُّرِهَا وَالشُّكْرِ التَّامِّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عَلَيْهِ أَيْضًا فَكَانَ سُنَّةً فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا. وَعَنْ هَذَا حَصَّبَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ» وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّحَصُّبَ سُنَّةً وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْمُحَصَّبِ، قَالَ نَافِعٌ: قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ اهـ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ كَالرَّمَلِ، وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِرَاءَةَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُرَادَ بِهَا إرَاءَةُ الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مُشْرِكٌ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. بَلْ الْمُرَادُ إرَاءَةُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ بِالْحَالِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ) وَلِهَذَا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَهُ آخِرَ طَوَافِهِ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقِيمَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَوَافُهُ حِينَ يَخْرُجُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ: إذَا اشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِعَمَلٍ بِمَكَّة يُعِيدُهُ لِأَنَّهُ لِلصَّدَرِ، وَإِنَّمَا يَعْتَدُّ بِهِ إذَا فَعَلَهُ حِينَ يَصْدُرُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَدِمَ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ، فَحِينَ تَمَّ فَرَاغُهُ مِنْهُ جَاءَ أَوَانُ الصَّدَرِ فَطَوَافُهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ إذَا الْحَالُ أَنَّهُ عَلَى عَزْمِ الرُّجُوعِ. نَعَمْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا طَافَ لِلصَّدَرِ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ كَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَنَفْرِهِ حَائِلٌ، لَكِنَّ هَذَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ تَحْصِيلًا لِمَفْهُومِ الِاسْمِ عَقِيبَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَتْمٍ إذْ لَا يُسْتَغْرَبُ فِي الْعُرْفِ تَأْخِيرُ السَّفَرِ عَنْ الْوَدَاعِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِيهِ أَنْ يُوقِعَ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ، وَأَمَّا وَقْتُهُ عَلَى التَّعْيِينِ فَأَوَّلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ، حَتَّى لَوْ طَافَ لِذَلِكَ ثُمَّ أَطَالَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَلَوْ سَنَةً وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهَا وَلَمْ يَتَّخِذْهَا دَارًا جَازَ طَوَافُهُ وَلَا آخِرَ لَهُ وَهُوَ مُقِيمٌ، بَلْ لَوْ أَقَامَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَطُوفَهُ وَيَقَعُ أَدَاءً. وَلَوْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَطُوفَهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَوَاقِيتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جَدِيدٍ، فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ عَيْنًا، بَلْ إمَّا أَنْ يَمْضِيَ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ فَيَرْجِعَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ لَا يُجَاوَزُ بِلَا إحْرَامٍ فَيُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، فَإِذَا رَجَعَ ابْتَدَأَ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ بِطَوَافِ الصَّدَرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ

(وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ تَرْكَهُ. قَالَ (إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) لِأَنَّهُمْ لَا يُصْدَرُونَ وَلَا يُوَدِّعُونَ، وَلَا رَمَلَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ شُرِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ لِمَا قَدَّمْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالُوا: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَأَيْسَرُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، إلَّا الْحُيَّضَ فَرَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» لَا يُقَالُ: أَمْرُ نَدْبٍ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَدَاعُ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا يَصْلُحُ صَارِفًا عَنْ الْوُجُوبِ لِجَوَازِ أَنْ يُطْلَبَ حَتْمًا لِمَا فِي عَدَمِهِ مِنْ شَائِبَةِ عَدَمِ التَّأَسُّفِ عَلَى الْفِرَاقِ، وَشِبْهِ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْوَدَاعِ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي النُّصُوصِ، بَلْ أَنْ يُجْعَلَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالطَّوَافِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا بِغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَلِمَ فَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ دَلَالَةُ الْقَرِينَةِ إذَا لَمْ يَفْقَهَا مَا يَقْتَضِي خِلَافَ مُقْتَضَاهَا، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ التَّرْخِيصِ يُفِيدُ أَنَّهُ حَتْمٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ لِأَنَّ مَعْنَى عَدَمِ التَّرْخِيصِ فِي الشَّيْءِ هُوَ تَحْتِيمُ طَلَبِهِ إذْ التَّرْخِيصُ فِيهِ هُوَ إطْلَاقُ تَرْكِهِ فَعَدَمُهُ عَدَمُ إطْلَاقِ تَرْكِهِ، وَمِمَّا يُفِيدُ أَيْضًا أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ الْوُجُوبِ مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَنْصَرِفَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» فَهَذَا النَّهْيُ وَقَعَ مُؤَكَّدًا بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ، وَهُوَ يُؤَكِّدُ مَوْضُوعَ اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ وَكَذَا مَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا ثُمَّ بَدَا لَهُ الْخُرُوجُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ طَوَافُ صَدَرٍ، وَكَذَا فَائِتُ الْحَجِّ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُعْتَمِرِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَمِر طَوَافُ الصَّدَرِ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ. وَفِي إثْبَاتِهِ عَلَى الْمُعْتَمِرِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ الْمَكِّيُّ طَوَافَ الصَّدَرِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِخَتْمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ. وَفَصَلَ فِيمَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا بَيْنَ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ فَلَا طَوَافَ عَلَيْهِ لِلصَّدَرِ، وَإِنْ نَوَاهُ بَعْدَهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ

[فصل في فضل ماء زمزم]

(ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَقَى دَلْوًا بِنَفْسِهِ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَفْرَغَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو يُوسُفَ: يَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْحَالَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ شَرَعَ فِيهِ [فَصَلِّ فِي فَضْل مَاء زَمْزَم] (قَوْلُهُ وَيَأْتِي زَمْزَمَ) أَيْ بَعْدَ تَقْبِيلِ الْعَتَبَةِ وَالْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ فَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيُفْرِغُ عَلَى جَسَدِهِ بَاقِيَ الدَّلْوِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقًا وَاسِعًا وَعِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ كَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَسَنَضُمُّ إلَى هَذَا مَا يَتَيَسَّرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ يَنْصَرِفُ رَاجِعًا إلَى أَهْلِهِ مُقَهْقِرًا. وَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَقَى» إلَخْ) الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ يُفِيدُ أَنَّهُمْ نَزَعُوا لَهُ كَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى زَمْزَمَ فَنَزَعْنَا لَهُ دَلْوًا فَشَرِبَ ثُمَّ مَجَّ فِيهَا ثُمَّ أَفْرَغْنَاهَا فِي زَمْزَمَ. ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْتُ بِيَدِي» وَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَقَى بِنَفْسِهِ دَلْوًا رَوَاهُ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ مُرْسَلًا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَفَاضَ نَزَعَ بِالدَّلْوِ: يَعْنِي مِنْ زَمْزَمَ لَمْ يَنْزِعْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَفْرَغَ بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَمْ يَنْزِعْ مِنْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، قَالَ: فَنَزَعَ هُوَ بِنَفْسِهِ الدَّلْوَ فَشَرِبَ مِنْهَا لَمْ يُعِنْهُ عَلَى نَزْعِهَا أَحَدٌ» وَقَدْ يُجْمَعُ بِأَنَّ مَا فِي هَذَا كَانَ بِعَقِبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا مَعَهُ كَانَ عَقِيبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَفْظُهُ ظَاهِرٌ فِيهِ حَيْثُ قَالَ «فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: انْزِعُوا» الْحَدِيثَ. وَطَوَافُهُ لِلْوَدَاعِ كَانَ لَيْلًا كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ» وَلَكِنْ قَدْ يُعَكِّرُهُ مَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيِّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَاضَ فِي نِسَائِهِ لَيْلًا فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ وَيُقَبِّلُ طَرَفَ الْمِحْجَنِ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ فَقَالَ: انْزِعُوا، فَلَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِدَلْوٍ فَنُزِعَ لَهُ مِنْهَا فَشَرِبَ» الْحَدِيثَ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ أَفَضْنَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ لَيْلًا فَمَضَى مَعَهُنَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي فَضْلِ مَاءٍ زَمْزَمَ، تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ وَتَرْغِيبًا لِلْعَابِدِينَ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ، فِيهِ طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ، وَشَرُّ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَاءٌ بِوَادِي بَرَهُوتَ بِقُبَّةِ حَضْرَمَوْتَ كَرِجْلِ الْجَرَادِ يُصْبِحُ يَتَدَفَّقُ وَتُمْسِي لَا بِلَالَ فِيهَا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا. وَبَرَهُوتُ

بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ الْبَابَ وَيُقَبِّلُ الْعَتَبَةَ (ثُمَّ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ إلَى الْبَابِ فَيَضَعُ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَيْهِ وَيَتَشَبَّثُ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ وَآخِرُهُ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَمْزَمُ طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَطُعْمٌ بِضَمِّ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ: أَيْ طَعَامٌ يُشْبِعُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " كُنَّا نُسَمِّيهَا شُبَاعَةَ: يَعْنِي زَمْزَمَ، وَكُنَّا نَجِدُهَا نِعْمَ الْعَوْنِ عَلَى الْعِيَالِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، إنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي شَفَاكَ اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِشِبَعِكَ أَشْبَعَكَ اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِقَطْعِ ظَمَئِكَ قَطَعَهُ اللَّهُ، وَهِيَ هَزْمَةُ جِبْرِيلَ وَسُقْيَا اللَّهِ إسْمَاعِيلَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ مَعَ أَنَّ شَيْخَهُ فِيهِ عُمَرُ بْنُ حَسَنِ الْأُشْنَانِيُّ، تَأَثَّمَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ بِسُكُوتِهِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْحَسَنِ الْأُشْنَانِيَّ الْقَاضِي أَبَا الْحُسَيْنِ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَجَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ كَذَّبَهُ وَلَهُ بَلَايَا قَالَ: وَهُوَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بَاطِلٌ لَمْ يَرْوِهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، بَلْ الْمَعْرُوفُ حَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ. وَدُفِعَ بِأَنَّ الْأُشْنَانِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ حَتَّى يُلْزِمَ الدَّارَقُطْنِيّ شَرْحَ حَالِهِ، وَقَدْ سَلِمَ الذَّهَبِيُّ ثِقَةً مِنْ بَيْنِ الْأُشْنَانِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَلِهَذَا انْحَصَرَ الْقَدْحُ عَنْهُ فِيهِ، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَادٍ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ «وَإِنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذًا أَعَاذَك اللَّهُ» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إنْ سَلِمَ مِنْ الْجَارُودِ، وَقِيلَ قَدْ سَلِمَ مِنْهُ فَإِنَّهُ صَدُوقٌ. وَقَالَ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ وَالْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: لَكِنَّ الرَّاوِيَ مُحَمَّدَ بْنَ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيِّ لَا أَعْرِفُهُ اهـ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِسَعَةِ حَالِهِ وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابُ الدِّينِ الْعَسْقَلَانِيُّ هُوَ ابْنُ حَجَرٍ عَلِيُّ بْنُ حَمْشَادٍ مِنْ الْأَثْبَاتِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلَ الْحُرُوفِ ثُمَّ مِيمٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ، وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ ثِقَةٌ. وَالْهَزْمَةُ بِفَتْحِ الْهَاءِ: أَنْ تَغْمُرَ مَوْضِعًا بِيَدِك أَوْ رِجْلِك فَيَصِيرَ. فِيهِ حُفْرَةٌ، فَقَدْ ثَبَتَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا مَا قِيلَ إنَّ الْجَارُودَ تَفَرَّدَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِوَصْلِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إذَا خَالَفَ؟ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ وَابْنِ أَبِي عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَازَمَ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَكْثَرَ مِنْ الْجَارُودِ فَيَكُونُ أَوْلَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي نَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْمَتْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا عَلَيْنَا كَوْنُهُ مِنْ خُصُوصِ طَرِيقٍ بِعَيْنِهِ. وَهُنَا أُمُورٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ: مِنْهَا أَنَّ مِثْلَهُ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ سَمَاعًا، وَكَذَا إنْ قُلْنَا الْعِبْرَةُ فِي تَعَارُضِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ وَالْإِرْسَالِ لِلْوَاصِلِ بَعْدَ كَوْنِهِ ثِقَةً لَا لِلْأَحْفَظِ وَلَا غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ تَصْحِيحُ نَفْسِ ابْنِ عُيَيْنَةَ لَهُ فِي ضِمْنِ حِكَايَةٍ حَكَاهَا أَبُو بَكْرٍ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْجُزْءِ الرَّابِعِ مِنْ الْمُجَالَسَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي قَدْ حَدَّثَتْنَا فِي مَاءِ زَمْزَمَ صَحِيحًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنِّي شَرِبْت الْآنَ دَلْوًا مِنْ زَمْزَمَ عَلَى أَنَّك تُحَدِّثُنِي بِمِائَةِ حَدِيثٍ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: اُقْعُدْ فَقَعَدَ فَحَدَّثَ بِمِائَةِ حَدِيثٍ. فَبِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا لَا يُشَكُّ بَعْدُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى اعْتِبَارِهِ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْمُرْسَلِ لِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ، أَوْ حُكْمًا بِأَنَّهُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِسَبَبِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ. وَأَعْنِي بِالْمُرْسَلِ ذَلِكَ الْمَوْقُوفَ عَلَى مُجَاهِدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ

هَكَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ بِالْمُلْتَزَمِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ وَهُوَ يَمْشِي وَرَاءَهُ وَوَجْهُهُ إلَى الْبَيْتِ مُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. فَهَذَا بَيَانُ تَمَامِ الْحَجِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُجَاهِدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَلَى مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي السُّنَنِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا مَجِيئُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» هَذَا لَفْظُهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ مِنْهُ» وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ عِلَّتَانِ ضَعْفُ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ وَكَوْنُ الرَّاوِي عَنْهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ مَاجَهْ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ وَهُوَ يُدَلِّسُ وَقَدْ عَنْعَنَهُ لِأَنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ قَالَ مَرَّةً ضَعِيفٌ، وَقَالَ مَرَّةً لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ مَرَّةً صَالِحٌ. وَمَنْ ضَعَّفَهُ فَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ كَقَوْلِ أَبِي زُرْعَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبِي حَاتِمٍ فِيهِ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: سَيِّئُ الْحِفْظِ مَا عِلْمنَا فِيهِ مَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ، فَهُوَ حِينَئِذٍ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ، وَإِذَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ صَارَ حَسَنًا، وَلَا شَكَّ فِي مَجِيءِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ فَمُنْتَفِيَةٌ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَعْرُوفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ فَإِنَّهُ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هَكَذَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إلَخْ، فَقَدْ ثَبَتَ حُسْنُهُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ. وَفِي فَوَائِدِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِي مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ الْمُبَارَكِ دَخَلَ زَمْزَمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَشْرَبُهُ لِعَطَشِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَمَا عَنْ سُوَيْد عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ ابْنَ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَحْكُومٌ بِانْقِلَابِهِ عَلَى سُوَيْد فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ بَلْ الْمَعْرُوفُ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ. وَهَذِهِ زِيَادَاتٌ عَنْ السَّائِبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اشْرَبُوا مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ شَرِبُوهُ لِمَقَاصِدَ فَحَصَلَتْ، فَمِنْهُمْ صَاحِبُ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْمُتَقَدِّمُ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ شَرِبَهُ لِلرَّمْيِ فَكَانَ يُصِيبُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ تِسْعَةً، وَشَرِبَهُ الْحَاكِمُ لِحُسْنِ التَّصْنِيفِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ أَحْسَنَ أَهْلِ عَصْرِهِ تَصْنِيفًا. قَالَ شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابُ الدِّينِ الْعَسْقَلَانِيُّ الشَّافِعِيُّ. وَلَا يُحْصَى كَمْ شَرِبَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأُمُورٍ نَالُوهَا، قَالَ: وَأَنَا شَرِبْته فِي بِدَايَةِ طَلَبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ حَالَةَ الذَّهَبِيِّ فِي حِفْظِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ حَجَجْت بَعْدَ مُدَّةٍ تَقْرُبُ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَنَا أَجِد مِنْ نَفْسِي الْمَزِيدَ عَلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ، فَسَأَلْت رُتْبَةً أَعْلَى مِنْهَا وَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ أَنَالَ ذَلِكَ مِنْهُ اهـ. وَجَمِيعُ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْفَصْلُ غَالِبُهُ مِنْ كَلَامِهِ وَقَلِيلٌ مِنْهُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيِّ، وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ يَرْجُو اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرِبَهُ لِلِاسْتِقَامَةِ وَالْوَفَاةِ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ مَعَهَا (قَوْلُهُ هَكَذَا رُوِيَ) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرٍو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: «طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: أَتَعَوَّذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ

[يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف بها]

(فَصْلٌ) (فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَوَقَفَ بِهَا) عَلَى مَا بَيَّنَّا (سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ، فَلَا يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ سُنَّةً (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَبِتَرْكِ السُّنَّةِ لَا يَجِبُ الْجَابِرُ (وَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) فَأَوَّلُ وَقْتِ الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَنَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذَا بَيَانُ أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنْذِرِيُّ: فَيَكُونُ شُعَيْبٌ وَمُحَمَّدٌ قَدْ طَافَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ اهـ. وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، وَالْمُرَادُ بِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَدِّ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْأَعْلَى، صَرَّحَ بِتَسْمِيَتِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ بِسَنَدٍ أَجْوَدَ مِنْهُ. وَأَمَّا تَعْيِينُ مَحَلِّ الْمُلْتَزَمِ فَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ مُلْتَزَمٌ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا الْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغًا، وَلِمِثْلِهِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِهِ، هَذَا وَالْمُلْتَزَمُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا دَعَوْت قَطُّ إلَّا أَجَابَنِي. وَفِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ هُنَاكَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: فِي الطَّوَافِ، وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ، وَتَحْتَ الْمِيزَابِ، وَفِي الْبَيْتِ، وَعِنْدَ زَمْزَمَ، وَخَلْفَ الْمَقَامِ، وَعَلَى الصَّفَا، وَعَلَى الْمَرْوَةِ، وَفِي السَّعْيِ، وَفِي عَرَفَاتٍ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ، وَفِي مِنًى، وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي الْحَطِيمِ، لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَقَدْ قَدَّمْنَا آدَابَهُ فِي الْفُرُوعِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ فِي الطَّوَافِ فَارْجِعْ إلَيْهَا. [يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَوَقَفَ بِهَا] (فَصْلٌ) حَاصِلُهُ مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ هِيَ عَوَارِضُ خَارِجَةٌ عَنْ أَصْلِ التَّرْتِيبِ، وَهِيَ تَتْلُو الصُّورَةَ السَّلِيمَةَ، وَهِيَ مَا أَفَادَهُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ، إلَى أَنْ قَالَ: فَهَذَا بَيَانُ تَمَامِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ بَعْد الزَّوَالِ» ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَقَالَ «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ» إلَخْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَفِي سَنَدِهِ رَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ

الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» وَهَذَا بَيَانُ آخِرِ الْوَقْتِ. وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ يَقُولُ: إنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِمَا رَوَيْنَا (ثُمَّ إذَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَفَاضَ مِنْ سَاعَتِهِ أَجْزَأَهُ) عِنْدَنَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَإِنَّهُ قَالَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَهِيَ كَلِمَةُ التَّخْيِيرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَقِفَ فِي الْيَوْمِ وَجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي ذِكْرِ الْجُمْلَتَيْنِ مَعًا أَحَادِيثُ أُخَرُ لَمْ تَسْلَمْ، وَأَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» . الْحَدِيثَ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّ فِي مَعْنَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَيُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الصَّحَابَةِ وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثًا آخَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَفَّتِ، وَبِهِ بَطَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِمَا رَوَيْنَا) حُجَّةُ مَالِك الْحَدِيثُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ وَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ الْحَجُّ عَرَفَةَ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ الدِّيلِيِّ، فَمَجْمُوعُ هَذَا اللَّفْظِ يَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْحَدِيثَيْنِ. وَحَاصِلُ حُجَّةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ الزَّوَالِ، وَهُوَ وَقَعَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْوُقُوفِ الَّذِي دَلَّتْ الْإِشَارَةُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ غَيْرُ ذَلِكَ الْفِعْلُ، فَأَمَّا إذَا ثَبَتَ قَوْلٌ أَيْضًا فِيهِ يُصَرِّحُ بِأَنَّ وَقْتَهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ عُرِفَ بِهِ أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ بَيَانًا لِسُنَّةِ الْوُقُوفِ الْأَوْلَى فِيهِ، وَيَثْبُتُ بِالْقَوْلِ بَيَانُ أَصْلِ الْوَقْتِ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ، فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِلْحَجَّاجِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ: السَّاعَةُ إنْ أَرَدْت السُّنَّةَ، مُرَادٌ بِهِ السُّنَّةُ الِاصْطِلَاحِيَّةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الذَّهَابُ إلَى الْمَوْقِفِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بَلْ لَوْ أَخَّرَهُ جَازَ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُجْزِيهِ إنْ وَقَفَ مِنْ النَّهَارِ إلَّا أَنْ يَقِفَ فِي الْيَوْمِ وَجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ) التَّحْرِيرُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ إنْ وَقَفَ مِنْ النَّهَارِ إلَّا أَنْ يَقِفَ مَعَهُ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ

(وَمَنْ اجْتَازَ بِعَرَفَاتٍ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ جَازَ عَنْ الْوُقُوفِ) لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِالْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ كَرُكْنِ الصَّوْمِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مَعَ الْإِغْمَاءِ، وَالْجَهْلُ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَهَلَّ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ فَأَحْرَمَ الْمَأْمُورُ عَنْهُ صَحَّ) بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقِفْ إلَّا مِنْ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعَ بَيْنَ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ مَعَ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ لِمَنْ وَقَفَ بِالنَّهَارِ وَهُوَ بِأَنْ يُفِيضَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَمَلْجَؤُهُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِثْلُ مَا قُلْنَا مَعَهُ فِي أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ مِنْ الزَّوَالِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ هُنَا مِثْلُ مَا أَوْرَدْنَاهُ عَلَيْنَا مِنْ جِهَتِهِ هُنَاكَ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ قَوْلٌ يُفِيدُ عَدَمَ تَعَيُّنِ ذَلِكَ، وَبِهِ يَقَعُ الْبَيَانُ كَالْفِعْلِ فَتُحْمَلُ الْإِفَاضَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَلَى أَنَّهُ السُّنَّةُ الْوَاجِبَةُ، وَقَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ الرُّكْنُ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ مَعَ تَرْكِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوُقُوفُ) وَالْمَشْيُ وَإِنْ أَسْرَعَ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ وُقُوفٍ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي فَنِّهِ، وَالْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى هَذَا يُجْزِيهِ الْكَوْنُ بِهَا وَلَوْ نَائِمًا أَوْ مَارًّا لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مُزْدَلِفَةُ (قَوْلُهُ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ) إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرُّكْنُ مِمَّا يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً مَعَ عَدَمِ إحْرَامِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَصْلِ النِّيَّةِ، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ، فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لِهَارِبٍ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي يَجِبُ الطَّوَافُ بِهِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ. وَلَوْ نَوَى أَصْلَ الطَّوَافِ جَازَ. وَلَوْ عَيَّنَ جِهَةً غَيْرَ الْفَرْضِ مَعَ أَصْلِ النِّيَّةِ لَغَتْ، حَتَّى لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ عَنْ نَذْرٍ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ النَّذْرِ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ يُؤَدَّى فِي إحْرَامٍ مُطْلَقٍ فَأَغْنَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ الْعَقْدِ عَنْ الْأَدَاءِ عَنْهَا فِيهِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ يُؤَدَّى بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فَلَا يُغْنِي وُجُودُهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهَا فِيهِ، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا الْعُمْرَةِ وَالْأَوَّلُ يَعُمُّهُمَا (قَوْلُهُ وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَهَلَّ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ جَازَ) الرَّفِيقُ قَيْدٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ عِنْدَ آخَرِينَ، حَتَّى لَوْ أَهَلَّ غَيْرُ رُفَقَائِهِ عَنْهُ جَازَ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ لَا الْوِلَايَةِ، وَدَلَالَةُ الْإِعَانَةِ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عَلِمَ

حَتَّى إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ. لَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِنَفْسِهِ وَلَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِذْنِ وَالدَّلَالَةُ تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَكَيْفَ يَعْرِفُهُ الْعَوَامُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ صَرِيحًا. وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرُّفْقَةِ فَقَدْ اسْتَعَانَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ. وَالْإِحْرَامُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّفَرِ فَكَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً، وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصْدَهُ رَفِيقًا كَانَ أَوْ لَا. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عِنْدَنَا اتِّفَاقًا كَالْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ شِبْهُ الرُّكْنِ فَجَازَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَافَقَةَ هَلْ تَكُونُ أَمْرًا بِهِ دَلَالَةٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ أَوْ لَا، فَقَالَا: لَا، لِأَنَّ الْمُرَافَقَةَ إنَّمَا تُرَادُ لِأُمُورِ السَّفَرِ لَا غَيْرُ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الْإِحْرَامِ، بَلْ الظَّاهِرُ مَنْعُ غَيْرِهِ عَنْهُ لِيَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ فَيَحُوزُ ثَوَابَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الْإِنَابَةِ فِيهِ إنَّمَا تَثْبُتُ إذَا كَانَ

قَالَ (وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ كَالرَّجُلِ (غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا) لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ (وَتَكْشِفُ وَجْهَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ. وَصِحَّةُ الْإِذْنِ بِالْإِحْرَامِ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ فَكَيْفَ بِالْعَامِّيِّ وَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ مَنْعَ الرَّفِيقِ وَغَيْرِهِ نَصًّا وَالْأَوَّلُ دَلَالَةً. وَلَهُ أَنَّ عَقْدَ الرُّفْقَةِ اسْتِعَانَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ فِي سَفَرِهِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّفَرِ إلَّا الْإِحْرَامَ، وَهُوَ أَهَمُّهَا إنْ كَانَ مَثَلًا يُقْصَدُ التِّجَارَةَ مَعَ الْحَجِّ فَكَانَ عَقْدُ السَّفَرِ اسْتِعَانَةً فِيهِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ كَمَا هُوَ فِي حِفْظِ الْأَمْتِعَةِ وَالدَّوَابِّ أَوْ أَقْوَى. فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْإِذْنِ ثَابِتَةً وَالْعِلْمُ بِجَوَازِهِ ثَابِتٌ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَهُوَ كَوْنُهُ شَرْطًا وَالشَّرْطُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ، كَمَنْ أَجْرَى الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ مُحْدِثٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُتَوَضِّئًا، أَوْ غَطَّى عَوْرَةَ عُرْيَانٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحَصِّلًا لِلشَّرْطِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ مَنْصُوبٌ فَيُقَامُ وُجُودُهُ مَقَامَ الْعِلْمِ بِهِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ كُلِّفَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَلِذَا لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَجَهِلَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ مَثَلًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُجَرِّدُوهُ وَيُلْبِسُوهُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ ظَهَرَ أَنَّ مَعْنَاهَا إيجَادُ الشَّرْطِ فِي الْمَنُوبِ عَنْهُ كَالتَّوْضِئَةِ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى الْإِحْرَامِ عَنْهُ ذَلِكَ، بَلْ أَنْ يُحْرِمُوا هُمْ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَيَصِيرَ هُوَ مُحْرِمًا بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَرِّدُوهُ، حَتَّى إذَا أَفَاقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَفْعَالُ وَالْكَفُّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْرِمَ بِنَفْسِهِ. فَالْجَوَابُ التَّجْرِيدُ وَإِلْبَاسُ غَيْرِ الْمَخِيطِ لَيْسَ وِزَانَ التَّوْضِئَةِ الَّتِي هِيَ الشَّرْطُ، إذْ لَيْسَ ذَلِكَ الْإِحْرَامَ بَلْ كَفٌّ عَنْ بَعْضِ الْمَحْظُورَاتِ، أَعْنِي لُبْسَ الْمَخِيطِ، وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ هُوَ صَيْرُورَتُهُ مُحْرِمًا عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْمُضِيَّ فِي أَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ. وَآلَةُ ثُبُوتِ هَذَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمُسَمَّى بِالْإِحْرَامِ نِيَّةُ الْتِزَامِ نُسُكٍ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا. وَنِيَابَتُهُمْ إنَّمَا هِيَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْطِ، فَوَجَبَ كَوْنُ الَّذِي هُوَ إلَيْهِمْ أَنْ يَنْوُوا وَيُلَبُّوا عَنْهُ فَيَصِيرُ هُوَ بِذَلِكَ مُحْرِمًا، كَمَا لَوْ نَوَى هُوَ وَلَبَّى، وَيَنْتَقِلُ إحْرَامُهُمْ إلَيْهِ حَتَّى كَانَ لِلرَّفِيقِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ. وَإِذَا بَاشَرَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْقَارِنِ لِأَنَّهُ فِي إحْرَامَيْنِ وَهَذَا فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ لِانْتِقَالِ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ شَرْعًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ، هَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ الْمَشَاهِدَ فَيُطَافُ بِهِ وَيُسْعَى وَيُوقَفَ أَوْ لَا بَلْ مُبَاشَرَةُ الرُّفْقَةِ لِذَلِكَ عَنْهُ تُجْزِيهِ، فَاخْتَارَ طَائِفَةٌ الْأَوَّلَ، وَعَلَيْهِ يَمْشِي التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ، وَاخْتَارَ آخَرُونَ الثَّانِيَ وَجَعَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصَحَّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَوْلَى لَا مُتَعَيَّنٌ. وَعَلَى هَذَا يَجِبُ كَوْنُ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي أُقِيمَ وُجُودُهُ مَقَامَ الْعِلْمِ بِهِ هُوَ كَوْنُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ: أَعْنِي الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي اسْتِنَابَةِ الَّذِي زَمِنَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ وَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَوْصَى بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ تَبَيَّنَ أَنَّ عَجْزَهُ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطْ فَصَحَّتْ نِيَابَتُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ ثُمَّ يَجْرِي هُوَ بِنَفْسِهِ عَلَى مُوجِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ الْكُلِّ فَأَجْرَوْا هُمْ عَلَى مُوجِبِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّفِيقَ بِفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ شَيْءٌ عَنْ هَذَا الْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ النَّائِبِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ إفَاقَةَ هَذَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ الْعَجْزِ فَنَقَلْنَا الْإِحْرَامَ إلَيْهِ، لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَنْقُلْ الْإِحْرَامَ إلَيْهِ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَفَاتَهُ الْحَجُّ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ أَنْ يُفِيقَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِعَدَمِ الْعَجْزِ عَنْ بَاقِي الْأَفْعَالِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ لِلْأَدَاءِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَمَا جُعِلَ عَقْدُ الرُّفْقَةِ أَوْ الْعِلْمِ بِحَالِهِ دَلِيلَ الْإِذْنِ إلَّا كَيْ لَا يَفُوتَ مَقْصُودُهُ مِنْ هَذَا السَّفَرِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ انْتَفَى فِيهِ ذَلِكَ فَانْتَفَى مُوجِبُ النَّقْلِ عَنْ الْمُبَاشِرِ لِلْإِحْرَامِ. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَطِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ وَقَدْ سَبَقَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ، فَهُوَ كَمَنْ نَوَى الصَّلَاةَ فِي ابْتِدَائِهَا ثُمَّ أَدَّى الْأَفْعَالَ سَاهِيًا لَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ أَجْزَأَهُ لِسَبْقِ النِّيَّةِ اهـ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِبَعْضِ أَرْكَانِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الطَّوَافُ. بِخِلَافِ سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ هَذِهِ النِّيَّةُ. وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ ثَابِتٌ بِمَا قُلْنَا. فَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ. وَيُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ فِيهِ كَمَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَعَيُّنِ حَمْلِهِ وَالشُّهُودِ، وَلَا أَعْلَمُ تَجْوِيزَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. فِي الْمُنْتَقَى. رَوَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلٌ أَحْرَمَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ أَصَابَهُ عَتَهٌ فَقَضَى بِهِ أَصْحَابُهُ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفُوا بِهِ فَلَبِثَ بِذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ إلَّا أَنَّهُ يَعْقِلُ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَطَافُوا بِهِ فَلَمَّا قَضَى الطَّوَافَ أَوْ بَعْضَهُ أَفَاقَ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَلَمْ يُتِمَّ يَوْمًا أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِهِ. وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ إلَّا مَحْمُولًا وَهُوَ يَعْقِلُ نَامَ مِنْ غَيْرِ عَتَهٍ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ، أَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُ وَيَطُوفُوا بِهِ فَلَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى نَامَ ثُمَّ احْتَمَلُوهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ أَوْ حَمَلُوهُ حِينَ أَمَرَهُمْ بِحَمْلِهِ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ فَلَمْ يَدْخُلُوا بِهِ الطَّوَافَ حَتَّى نَامَ فَطَافُوا بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ. رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ إذَا طَافُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ لَا يُجْزِيهِ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَامَ فَحَمَلُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلُوا بِهِ الطَّوَافَ أَوْ تَوَجَّهُوا بِهِ نَحْوَهُ فَنَامَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ. وَلَوْ قَالَ لِبَعْضِ مَنْ عِنْدَهُ: اسْتَأْجِرْ لِي مَنْ يَطُوفُ بِي وَيَحْمِلُنِي ثُمَّ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ وَنَامَ وَلَمْ يَمْضِ الَّذِي أَمَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ فَوْرِهِ بَلْ تَشَاغَلَ بِغَيْرِهِ طَوِيلًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَحْمِلُونَهُ وَأَتَوْهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ إذَا كَانَ عَلَى فَوْرِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ. فَأَمَّا إذَا طَالَ ذَلِكَ وَنَامَ فَأَتَوْهُ وَحَمَلُوهُ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الطَّوَافِ، وَلَكِنَّ الْإِحْرَامَ لَازِمٌ بِالْأَمْرِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ الطَّوَافَ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ يَنْوِي الدُّخُولَ فِيهِ، لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا إذَا حَضَرَ ذَلِكَ فَنَامَ وَقَدْ أَمَرَ أَنْ يُحْمَلَ فَطَافَ بِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الْفُرُوعِ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي اشْتِرَاطِ صَرِيحِ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ فِي النَّائِمِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ. اسْتَأْجَرَ رِجَالًا فَحَمَلُوا امْرَأَةً فَطَافُوا بِهَا وَنَوَوْا الطَّوَافَ أَجْزَأَهُمْ وَلَهُمْ الْأُجْرَةُ وَأَجْزَأَ الْمَرْأَةَ. وَإِنْ نَوَى الْحَامِلُونَ طَلَبَ غَرِيمٍ لَهُمْ الْمَحْمُولُ يَعْقِلُ وَقَدْ نَوَى الطَّوَافَ أَجْزَأَ الْمَحْمُولُ دُونَ الْحَامِلِينَ، وَإِنْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ لِانْتِفَاءِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَمِنْهُمْ. أَمَّا جَوَازُ الطَّوَافِ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَ أَحْرَمَتْ نَوَتْ الطَّوَافَ ضِمْنًا، وَإِنَّمَا تُرَاعَى النِّيَّةُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَدَاءِ. وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا، وَإِذَا حَمَلُوهَا وَطَافُوا وَلَا يَنْوُونَ الطَّوَافَ بَلْ طَلَبَ غَرِيمٍ لَا يُجْزِيهَا إذَا كَانَتْ مُغْمًى عَلَيْهَا لِأَنَّهُمْ مَا أَتَوْا بِالطَّوَافِ وَإِنَّمَا أَتَوْا بِطَلَبِ الْغَرِيمِ وَالْمُنْتَقَلُ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ فِعْلُهُمْ فَلَا

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» (وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا وَجَافَتْهُ عَنْهُ جَازَ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِظْلَالِ بِالْمُحْمَلِ (وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ (وَلَا تَرْمُلُ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ) لِأَنَّهُ مُخِلٌّ بِسِتْرِ الْعَوْرَةِ (وَلَا تَحْلِقُ وَلَكِنْ تُقَصِّرُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى النِّسَاءَ عَنْ الْحَلْقِ وَأَمَرَهُنَّ بِالتَّقْصِيرِ» وَلِأَنَّ حَلْقَ الشَّعْرِ فِي حَقِّهَا مُثْلَةٌ كَحَلْقِ اللِّحْيَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ (وَتَلْبَسُ مِنْ الْمَخِيطِ مَا بَدَا لَهَا) لِأَنَّ فِي لُبْسِ غَيْرِ الْمَخِيطِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ. قَالُوا: وَلَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ، لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ تَجِدَ الْمَوْضِعَ خَالِيًا. قَالَ (وَمَنْ قُلِّدَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ» وَلِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ فِي إظْهَارِ الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْزِيهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُفِيقَةً وَنَوَتْ الطَّوَافَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَتْ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» . قَالُوا: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَسْدِلَ عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا وَتُجَافِيَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَعْوَادًا كَالْقُبَّةِ تُوضَعُ عَلَى الْوَجْهِ وَيُسْدَلُ فَوْقَهَا الثَّوْبُ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ إبْدَاءِ وَجْهِهَا لِلْأَجَانِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَكَذَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَتَلْبَسُ مِنْ الْمَخِيطِ مَا بَدَا لَهَا) كَالدِّرْعِ وَالْقَمِيصِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْقُفَّازَيْنِ، لَكِنْ لَا تَلْبَسُ الْمُوَرَّسَ وَالْمُزَعْفَرَ وَالْمُعَصْفَرَ (قَوْلُهُ أَوْ جَزَاءُ صَيْدٍ) إمَّا بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ جَزَاءُ صَيْدٍ فِي حَجَّةٍ سَابِقَةٍ فَقَلَّدَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ اشْتَرَى بِقِيمَتِهِ هَدْيًا (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ مَعَهَا وَنِيَّةُ النُّسُكِ. وَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً بِغَيْرِ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، وَلَوْ سَاقَهَا هَدْيًا قَاصِدًا إلَى مَكَّةَ صَارَ مُحْرِمًا بِالسَّوْقِ نَوَى الْإِحْرَامَ أَوْ لَمْ يَنْوِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَمَا فِي الْإِيضَاحِ مِنْ قَوْلِهِ السُّنَّةُ أَنْ يُقَدِّمَ التَّلْبِيَةَ عَلَى التَّقْلِيدِ لِأَنَّهُ إذَا قَلَّدَهَا فَرُبَّمَا تَسِيرُ فَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الْإِحْرَامِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الشُّرُوعُ بِالتَّلْبِيَةِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ نَاوِيًا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً» إلَخْ) غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ قَلَّدَ فَقَدْ أَحْرَمَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ

يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِفِعْلٍ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ. وَصِفَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةَ نَعْلٍ أَوْ عُرْوَةَ مُزَادَةٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ (فَإِنْ قَلَّدَهَا وَبَعَثَ بِهَا وَلَمْ يَسْقِهَا لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبَعَثَ بِهَا وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا» (فَإِنْ تَوَجَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يُلْحِقَهَا) لِأَنَّ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ لَمْ يُوجَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ قَلَّدَ أَوْ جَلَّلَ أَوْ أَشْعَرَ فَقَدْ أَحْرَمَ. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَلَّدَ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ أَحْرَمَ. وَوَرَدَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ بَنِي جَابِرٍ يُحَدِّثَانِ عَنْ أَبِيهِمَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذْ شَقَّ قَمِيصَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ فَسُئِلَ فَقَالَ: وَاعَدَتْهُمْ يُقَلِّدُونَ هَدْيِي الْيَوْمَ فَنَسِيتُ» وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ قَالَ: وَلِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٌ وَعَقِيلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ هُمَا مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ، وَضَعَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَطَاءٍ وَوَافَقَهُمَا ابْنُ الْقَطَّانِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيّ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ رَأْسِهِ، فَقَامَ غُلَامُهُ فَقَلَّدَ هَدْيَهُ، فَنَظَرَ إلَيْهِ قَيْسٌ فَأَهَلَّ وَحَلَّ شِقَّ رَأْسِهِ الَّذِي رَجَّلَهُ وَلَمْ يُرَجِّلْ الشِّقَّ الْآخَرَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُخْتَصَرًا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِأَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ) هُوَ بِالْمَدِّ قِشْرُهَا، وَالْمَعْنِيُّ بِالتَّقْلِيدِ إفَادَةُ أَنَّهُ عَنْ قَرِيبٍ يَصِيرُ جِلْدًا كَهَذَا اللِّحَاءِ وَالنَّعْلِ فِي الْيُبُوسَةِ لِإِرَاقَةِ دَمِهِ، وَكَانَ فِي الْأَصْلِ يُفْعَلُ ذَلِكَ كَيْ لَا تُهَاجَ عَنْ الْوُرُودِ وَالْكَلَإِ وَلِتَرِدَ إذَا ضَلَّتْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا هَدْيٌ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْهَا «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهَدْيِ فَأَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا بِيَدَيَّ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنَا ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا حَلَالًا يَأْتِي مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ» وَفِي لَفْظٍ «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ بِهِ ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا» وَأَخْرَجَا وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ «أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إلَى الْكَعْبَةِ وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَقَالَتْ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ

مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدَ النِّيَّةِ، وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا أَوْ أَدْرَكَهَا فَقَدْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِعَمَلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا لَوْ سَاقَهَا فِي الِابْتِدَاءِ. قَالَ (إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ مُحْرِمٌ حِينَ تَوَجَّهَ) مَعْنَاهُ إذَا نَوَى الْإِحْرَامَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ مَشْرُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ نُسُكًا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَضْعًا لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَكَّةَ، وَيَجِبُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ، وَغَيْرُهُ قَدْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَكَّةَ فَلِهَذَا اكْتَفَى فِيهِ بِالتَّوَجُّهِ، وَفِي غَيْرِهِ تَوَقُّفٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْفِعْلِ (فَإِنْ جَلَّلَ بَدَنَةً أَوْ أَشْعَرَهَا أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا أُحِلَّ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ» اهـ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «مِنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَيْسَ كَمَا قَالَ، أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي ثُمَّ قَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يُخَالِفَانِ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ صَرِيحًا فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِغَلَطِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ عَدَمِ التَّوَجُّهِ مَعَهَا لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ. وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآثَارِ مُطْلَقَةً فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ فَقَيَّدْنَاهَا بِهِ حَمْلًا لَهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَشَرَطْنَا النِّيَّةَ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ بِالنَّصِّ فَكُلُّ شَيْءٍ رُوِيَ مِنْ التَّقْلِيد مَعَ عَدَمِ الْإِحْرَامِ، فَمَا كَانَ مَحَلُّهُ إلَّا فِي حَالِ عَدَمِ التَّوَجُّهِ وَالنِّيَّةِ فَلَا يُعَارِضُ الْمَذْكُورَ شَيْءٌ مِنْهَا. وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ لَبَّى وَلَمْ يَنْوِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ هُنَاكَ رِوَايَةً بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا مَعَ التَّلْبِيَةِ، وَمَا أَظُنُّهُ إلَّا نَظَرَ إلَى بَعْضِ الْإِطْلَاقَاتِ، وَيَجِبُ فِي مِثْلِهَا الْحَمْلُ عَلَى إرَادَةِ الصَّحِيحِ وَأَنْ لَا تُجْعَلَ رِوَايَةً (قَوْلُهُ فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا أَوْ أَدْرَكَهَا) رَدَّدَ بَيْنَ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهِ. شَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ السَّوْقَ مَعَ اللُّحُوقِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَسُوقُهُ وَيَتَوَجَّهُ مَعَهُ وَهُوَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ، فَلَوْ أَدْرَكَ فَلَمْ يَسُقْ وَسَاقَ غَيْرُهُ فَهُوَ كَسَوْقِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا

مُحْرِمًا) لِأَنَّ التَّجْلِيلَ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالذُّبَابِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ. وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَكُونُ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ حَسَنًا فَقَدْ يُفْعَلُ لِلْمُعَالَجَةِ، بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ، وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ أَيْضًا. قَالَ (وَالْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «فَالْمُتَعَجِّلُ مِنْهُمْ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً» فَصَلَ بَيْنَهُمَا. وَلَنَا أَنَّ الْبَدَنَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْبَدَانَةِ وَهِيَ الضَّخَامَةُ، وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلِهَذَا يُجْزِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ «كَالْمُهْدِي جَزُورًا» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي حِينَ خَرَجَ عَلَى إثْرِهَا وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا اسْتِحْسَانًا. وَهُنَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ بِالتَّقْلِيدِ، وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ حَصَلَا فِي غَيْرِهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْهَا وَيَسِرْ مَعَهَا، كَذَا فِي الرُّقَيَّاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتْعَةِ، وَأَفْعَالُ الْمُتْعَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَيَكُونُ تَطَوُّعًا. وَفِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِرْ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا. وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ: دَمُ الْقِرَانِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَالْمُتْعَةِ، وَجْهُ الْقِيَاسِ ظَاهِرٌ. وَحَاصِلُ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ زِيَادَةُ خُصُوصِيَّةِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ بِالْحَجِّ، فَالتَّوَجُّهُ إلَيْهِ تَوَجُّهٌ إلَى مَا فِيهِ زِيَادَةُ خُصُوصِيَّةٍ بِالْحَجِّ حَتَّى شَرَطَ لِذَبْحِهِ الْحَرَمَ وَيَبْقَى بِسَبَبِ سَوْقِهِ الْإِحْرَامُ، فَلَمَّا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْإِحْرَامِ بَقَاءً أَظْهَرْنَا لَهُ فِي ابْتِدَائِهِ نَوْعَ اخْتِصَاصٍ، وَهُوَ أَنَّ بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ مَعَ قَصْدِ الْإِحْرَامَ يَصِيرُ مُحْرِمًا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَكَّةَ وَيَذْبَحُ قَبْلَ مَكَّةَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ شَرْعًا فِي الْإِحْرَامِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) هَذَا خِلَافٌ فِي مَفْهُومِ لَفْظِ الْبَدَنَةِ إمَّا فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ فِي اللُّغَةِ كَذَلِكَ أَوْ لَا فَقُلْنَا نَعَمْ وَنَقَلْنَا كَلَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْبَدَنَةُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ تُهْدَى إلَى مَكَّةَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْبَدَنَةُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ. وَإِمَّا فِي أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَلَكِنَّهُ هَلْ هُوَ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْهُ لُغَةً؟ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَوْ لَا فَقُلْنَا نَعَمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا. فَإِذَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّفِ بَدَنَةٌ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْبَقَرَةِ كَمَا يَخْرُجُ بِالْجَزُورِ. وَعِنْدَهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْجَزُورِ. لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ كَالْمُهْدِي جَزُورًا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ هِيَ أَصَحُّ لِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَرِوَايَةُ الْجَزُورِ فِي مُسْلِمٍ فَقَطْ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكٌ يَكْتُبُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ مِثْلُ الْجَزُورِ، ثُمَّ صَغَّرَ إلَى مِثْلِ الْبَيْضَةِ» الْحَدِيثَ. بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمٍ خَاصٍّ لَا يَنْفِي الدُّخُولَ بِاسْمٍ عَامٍّ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الْبَدَنَةُ خُصُوصَ بَعْضِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَهُوَ الْجَزُورُ، لَا كُلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ إعْطَاءِ الْبَقَرَةِ لِمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَقَامَ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَجْرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمُسَارَعَةِ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصُوصُ الْجَزُورِ إلَّا ظَاهِرًا بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ بِالْأَعَمِّ لَكِنْ يَلْزَمُهُ النَّقْلُ. وَالْحُكْمُ بِاسْتِعْمَالِ لَفْظٍ فِي خُصُوصِ بَعْضِ مَا صَدَقَاتِهِ مَعَ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ مَا اسْتَقَرَّ

[باب القران]

بَابُ الْقِرَانِ (الْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ عَلَى حَالِهِ أَسْهَلُ مِنْ الْحُكْمِ بِنَقْلِهِ عَنْهُ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالٍ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ مِنْ غَيْرِ كَثْرَةٍ فِيهِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْحُكْمَيْنِ وَلُزُومِ أَحَدِهِمَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ لِسَانِ أَهْلِ الْعُرْفِ الَّذِي يَدَّعِي نَقْلَهُ إلَيْهِ خِلَافُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، فَقِيلَ: وَالْبَقَرَةُ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ» ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. فَرْعٌ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَقَلَّدَهَا أَحَدُهُمْ صَارُوا مُحْرِمِينَ إنْ كَانَ بِأَمْرِ الْبَقِيَّةَ وَسَارُوا مَعَهَا. وَيُسْتَحَبُّ التَّجْلِيلُ وَالتَّصَدُّقُ بِالْجِلِّ لِأَنَّهُ أَعْمَلُ فِي الْكَرَامَةِ، وَهَدَايَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَتْ مُجَلَّلَةً مُقَلَّدَةً. وَقَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا» وَالتَّقْلِيدُ أَحَبُّ مِنْ التَّجْلِيلِ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ، إلَّا فِي الشَّاةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [بَابُ الْقِرَانِ] الْمُحْرِمُ إنْ أَفْرَدَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فَمُفْرِدٌ بِالْحَجِّ، وَإِنْ أَفْرَدَ بِالْعُمْرَةِ فَإِمَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ أَوْقَعَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ طَوَافِهَا فِيهَا أَوَّلًا. الثَّانِي مُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ، وَالْأَوَّلُ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ، أَوْ حَجَّ وَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا، وَإِنْ حَجَّ وَلَمْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا فَمُتَمَتِّعٌ، وَسَيَأْتِي مَعْنَى الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ الْإِحْرَامَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا، أَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَقَارِنٌ بِلَا إسَاءَةٍ، وَإِنْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْقُدُومِ وَلَوْ شَوْطًا فَقَارِنٌ مُسِيءٌ، لِأَنَّ الْقَارِنَ مَنْ يَبْنِي الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي الْأَفْعَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْنِيَهُ أَيْضًا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ يُوجِدَهُمَا مَعًا، فَإِذَا خَالَفَ أَسَاءَ وَصَحَّ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يَبْنِيَ الْأَفْعَالَ إذَا لَمْ يَطُفْ شَوْطًا، فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعُمْرَةِ حَتَّى طَافَ شَوْطًا رَفَضَ. الْعُمْرَةَ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَدَمٌ لِلرَّفْضِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا طَوَافَ قُدُومٍ لِلْعُمْرَةِ. هَذَا كَلَامُهُمْ فِي الْقَارِنِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي الْقِرَانِ إيقَاعُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ طَافَ فِي رَمَضَانَ لِعُمْرَتِهِ فَهُوَ قَارِنٌ، وَلَكِنْ لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَسَيَأْتِيك تَحْقِيقُ الْمَقَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ الْقِرَانُ أَفْضَلُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْإِفْرَادِ فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُفْرِدًا خِلَافًا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِفْرَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ: حَجَّةٌ كُوفِيَّةٌ وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ، أَمَّا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى إحْدَاهُمَا فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ. وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ تَرْجِعُ إلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي حَجَّتِهِ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، فَاَلَّذِي يُهِمُّنَا النَّظَرُ فِي ذَلِكَ، وَلْنُقَدِّمْ عَلَيْهِ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ لِنُوفِيَ بِتَقْرِيرِ الْكِتَابِ ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى تَحْرِيرِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ. اسْتَدَلَّ لِلْخُصُومِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ. وَلِلْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا أَهْلَ مُحَمَّدٍ أَهِلُّوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِهِ، وَسَنَذْكُرُهُ عِنْدَ تَحْقِيقِ الْحَقِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَنَقُولُ: اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ فِي إحْرَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. فَذَهَبَ قَائِلُونَ إلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ مُفْرِدًا وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي سُفْرَتِهِ تِلْكَ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ أَفْرَدَ وَاعْتَمَرَ فِيهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَحَلَّ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ قَرَنَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ، وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ قَرَنَ فَطَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ لَهُمَا وَهَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجَّةٍ» فَهَذَا التَّقْسِيمُ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا» . وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ» وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ. ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ،

أَفْضَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ وَلَا ذِكْرَ لِلْقِرَانِ فِيهِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا بِعُمْرَةٍ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى، مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوَّلَ مِنْ الطَّوَافِ ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لَا تَبْدَآنِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لَا تَحِلَّانِ» . فَهَذِهِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْرَدَ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مَعَ كَثْرَةِ مَا نُقِلَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ بَعْدَهُ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ، وَمَنْ ادَّعَاهُ فَإِنَّمَا اعْتَمَدَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ فِعْلِ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ اعْتِمَارِهِمْ بَعْدَ الْحَجِّ مِنْ التَّنْعِيمِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَمَّ بِهَذَا مَذْهَبُ الْإِفْرَادِ. وَجْهُ الْقَائِلِينَ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ» وَعَنْ عَائِشَةَ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ: أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَلَكِنِّي كَرِهْت أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ فَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مُتَمَتِّعًا. وَقَدْ عَلِمْت مِنْ هَذَا أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ الْإِفْرَادَ عَائِشَةُ، وَابْنُ عُمَرَ رَوَوْا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا. وَأَمَّا رِوَايَةُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَوْلُهُ فِي الْكُلِّ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، يَعْنِي ثُمَّ لَمْ يَكُنْ إحْرَامُ الْحَجِّ يُفْعَلُ بِهِ عُمْرَةٌ بِفَسْخِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلُ تَرْكِ النَّاسِ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِمَا عَلِمُوا مِنْ دَلِيلِ مَنْعِهِ مِمَّا أَسْلَفْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا بِعُمْرَةٍ إلَخْ. ثُمَّ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ بِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ فَثَبَتَ الْمَطْلُوبُ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ أَحَلَّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «قَصَّرْتُ عَنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ» قَالُوا: وَمُعَاوِيَةُ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فِي الْفَتْحِ فَلَزِمَ كَوْنُهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَوْنُهُ عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِمَا زَادَهُ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَالتَّقْصِيرُ فِي الْحَجِّ إنَّمَا يَكُونُ فِي مِنًى. فَدَفَعَهُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ إحْلَالِهِ جَاءَتْ مَجِيئًا مُتَظَافِرًا يَقْرُبُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ الشُّهْرَةِ الَّتِي هِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّوَاتُرِ كَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَسْخِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَكَثِيرٍ، وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهَا فِي أَدِلَّةِ الْقِرَانِ. وَلَوْ انْفَرَدَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَدِيث مُعَاوِيَةَ. فَكَيْفَ وَالْحَالُ مَا أَعْلَمْنَاك فَلَزِمَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الشُّذُوذُ عَنْ الْجَمِّ الْغَفِيرِ، فَإِمَّا هُوَ خَطَأٌ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ إذْ ذَاكَ، وَهِيَ عُمْرَةٌ خَفِيَتْ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَيْلًا عَلَى مَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا مُعْتَمِرًا فَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلًا، فَقَضَى عُمْرَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ» الْحَدِيثَ. قَالَ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ خَفِيَتْ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ الْحُكْمُ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ وَهِيَ قَوْلُهُ «فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ» بِالْخَطَإِ، وَلَوْ كَانَتْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، إمَّا لِنِسْيَانٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ أَوْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: لَا شَكَّ أَنْ تَتَرَجَّحَ رِوَايَةُ تَمَتُّعِهِ لِتَعَارُضِ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ الْإِفْرَادُ، وَسَلَامَةِ رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ رَوَى التَّمَتُّعَ دُونَ الْإِفْرَادِ، وَلَكِنَّ التَّمَتُّعَ بِلُغَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَعُرْفِ الصَّحَابَةِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» وَلِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةَ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرَ وَالْحَلْقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعَمُّ مِنْ الْقِرَانِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْفَرْدُ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ فِي الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ وَهُوَ مُدَّعَانَا، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْفَرْدُ الْمَخْصُوصُ بِاسْمِ التَّمَتُّعِ فِي ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ أَوَّلًا فِي أَنَّهُ أَعَمُّ فِي عُرْفِ الصَّحَابَةِ أَوْ لَا، وَثَانِيًا فِي تَرْجِيحِ أَيِّ الْفَرْدَيْنِ بِالدَّلِيلِ، وَالْأَوَّلُ يَبِينُ فِي ضِمْنِ التَّرْجِيحِ وَثَمَّ دَلَالَاتٌ أُخَرُ عَلَى التَّرْجِيحِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ بَيَانِ عُمُومِهِ عُرْفًا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ فَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنْهَى عَنْهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْك، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَك، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إلَّا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُهِلًّا بِهِمَا، وَسَيَأْتِيك عَنْ عَلِيٍّ التَّصْرِيحُ بِهِ، وَيُفِيدُ أَيْضًا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا تَمَتُّعٌ، فَإِنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَقَصَدَ عَلِيٌّ إظْهَارَ مُخَالَفَتِهِ تَقْرِيرًا لِمَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ فَقَرَنَ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مُخَالَفَةً إذَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُثْمَانُ هِيَ الْقِرَانُ فَدَلَّ عَلَى الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ عَيَّنَاهُمَا وَتَضَمَّنَ اتِّفَاقُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ عَلَى أَنَّ الْقِرَانَ مِنْ مُسَمَّى التَّمَتُّعِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ حَمْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّمَتُّعِ الَّذِي نُسَمِّيهِ قِرَانًا» لَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ اللَّفْظَ، فَكَيْفَ وَقَدْ وُجِدَ عَنْهُ مَا يُفِيدُ مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَرَنَ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْفَرْدُ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ، وَكَذَا يَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» لَوْ لَمْ يُوجَدْ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَكَيْفَ وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ لِمُطَرِّفٍ: أُحَدِّثُك حَدِيثًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَك بِهِ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ» وَكَذَا يَجِبُ مِثْلُ مَا قُلْنَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، لَوْ لَمْ يُوجَدْ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ فَكَيْفَ وَقَدْ وَجَدَ، مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَهُوَ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ النُّفَيْلِيِّ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاهِدٍ، سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَرَّتَيْنِ» ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثًا سِوَى الَّتِي قَرَنَ بِحَجَّتِهِ. وَكَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ: يَعْنِي بِقِسْمَيْهَا. وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ: أَيْ فَعَلُوا مَا يُسَمَّى مُتْعَةً فَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ النَّوْعَ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ وَهُمْ فَعَلُوا النَّوْعَ الْمَخْصُوصَ بِاسْمِ الْمُتْعَةِ فِي عُرْفِنَا بِوَاسِطَةِ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى عُمْرَةٍ. وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِرَافِ عُمَرَ بِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ رَكْعَتَيْنِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ» وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ امْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ فِي مَنَامِهِ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ. وَمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ التَّغْلِبِيِّ

وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا آلَ مُحَمَّدٍ أَهِلُّوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: «أَهْلَلْتُ بِهِمَا مَعًا، فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ: وَأَصَحُّهُ إسْنَادُ حَدِيثِ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ الصُّبَيّ عَنْ عُمَرَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، قَالَ بَكْرٌ فَحَدَّثْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا تَعُدُّونَا إلَّا صِبْيَانًا، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَبَّيْكَ حَجًّا وَعُمْرَةً» وَقَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إنَّ أَنَسًا كَانَ إذْ ذَاكَ صَبِيًّا لِقَصْدِ تَقْدِيمِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَلَيْهِ غَلَطٌ، بَلْ كَانَ سَنُّ أَنَسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ أَوْ إحْدَى وَتِسْعِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، ذَكَرَ ذَلِكَ الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِ الْعِبَرِ، وَقَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَسِنُّهُ عَشْرَ سِنِينَ فَكَيْفَ يَسُوغُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِسِنِّ الصِّبَا إذْ ذَاكَ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا بَيْنَ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ فِي السِّنِّ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ سَنَةٌ وَبَعْضُ سَنَةٍ. ثُمَّ إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْإِفْرَادَ مُعَارَضَةٌ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ التَّمَتُّعَ كَمَا أَسْمَعْنَاك وَعَلِمْت أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّمَتُّعِ الْقِرَانُ كَمَا حَقَّقْته، وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِعْلُهُ وَنِسْبَتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى أَنَسٍ أَحَدٌ مِنْ الرُّوَاةِ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا، قَالُوا: اتَّفَقَ عَنْ أَنَسٍ سِتَّةَ عَشَرَ رَاوِيًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَنَ مَعَ زِيَادَةِ مُلَازَمَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ خَادِمَهُ لَا يُفَارِقُهُ، حَتَّى إنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «كُنْتُ آخُذُ بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى يَدِي وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحُمَيْدٍ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسًا يَقُولُ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» . وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ» وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ. وَذَكَرَ وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْت أَنَسًا مِثْلَهُ قَالَ: وَحَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ عُمَرَ» فَذَكَرَهَا وَقَالَ «عُمْرَةً مَعَ حَجَّةٍ» وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَحُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ، فَهَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلَمْ تَبْقَ شُبْهَةٌ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فِي تَقْدِيمِ الْقِرَانِ. وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ «كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْيَمِينِ» الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ فِيهِ: «قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَعْنِي عَلِيًّا فَقَالَ لِي: كَيْفَ صَنَعْتُ؟ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَإِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ بِإِسْنَادٍ كُلُّهُ ثِقَاتٌ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ: وَقَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ «مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عُثْمَانَ فَسَمِعَ عَلِيًّا يُلَبِّي بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَقَالَ: أَلَمْ تَكُنْ

وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْهَى عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّنِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي جَمِيعًا فَلَمْ أَدَعْ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِكَ» ، وَهَذَا مَا وَعَدْنَاك مِنْ الصَّرِيحِ عَنْ عَلِيٍّ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ الْحُجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَلَا يَنْزِلُ حَدِيثُهُ عَنْ الْحَسَنِ مَا لَمْ يُخَالِفْ أَوْ يَنْفَرِدْ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْرَفُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ مِنْهُ وَعِيبَ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ وَقَالَ: مَنْ سَلِمَ مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ مِنْ الْحُفَّاظِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَهُوَ صَدُوقٌ يُدَلِّسُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إذَا قَالَ حَدَّثَنَا فَهُوَ صَالِحٌ لَا يُرْتَابُ فِي حِفْظِهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ لَا تُوجِبُ طَرْحَ حَدِيثِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: إنَّمَا «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ عَامِهِ ذَلِكَ» . وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجٍّ» وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ «حَفْصَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إنِّي قَلَّدْتَ هَدْيِي» الْحَدِيثَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي عُمْرَةٍ يَمْتَنِعُ مِنْهَا التَّحَلُّلُ قَبْلَ تَمَامِ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إلَّا لِلْقَارِنِ فَهَذَا وَجْهٌ إلْزَامِيٌّ، فَإِنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ عِنْدَ هُمَا لَا يَمْنَعُ الْمُتَمَتِّعَ عَنْ التَّحَلُّلِ، وَالِاسْتِقْصَاءُ وَاسِعٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا وَمِمَّا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِهِ بَيْنَ رِوَايَاتِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ رِوَايَاتِ الْإِفْرَادِ سَمَاعَ مَنْ رَوَاهُ تَلْبِيَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إفْرَادِ ذِكْرِ نُسُكٍ فِي التَّلْبِيَةِ وَعَدَمِ ذِكْرِ شَيْءٍ أَصْلًا وَجَمْعِهِ أُخْرَى مَعَ نِيَّةِ الْقِرَانِ فَهُوَ نَظِيرُ سَبَبِ الِاخْتِلَافِ فِي تَلْبِيَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكَانَتْ دُبُرَ الصَّلَاةِ أَوْ اسْتِوَاءَ نَاقَتِهِ أَوْ حِينَ عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْإِحْرَامِ. هَذَا وَأَمَّا أَنَّهُ حِينَ قَرَنَ طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَلْنَرْجِعْ إلَى تَقْرِيرِ التَّرْجِيحَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْقِرَانَ (جَمَعَ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ صَلَاةِ اللَّيْلِ) وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي الْأَدَاءِ مُتَعَذِّرٌ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةِ مَعَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَنَا بَلْ شَرْطٌ فَلَا يَتِمُّ التَّشْبِيهُ. وَأَيْضًا عَلِمْت أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ مَا إذَا أَتَى بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لَكِنْ أَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا فِي سُفْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَكُونُ الْقِرَانُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامَيْهِمَا أَفْضَلَ، فَمُلَاقَاةُ التَّشْبِيهِ تَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا صَامَ يَوْمًا بِلَا اعْتِكَافٍ ثُمَّ اعْتَكَفَ يَوْمًا آخَرَ بِلَا صَوْمٍ أَوْ حَرَسَ لَيْلَةً بِلَا صَلَاةٍ وَصَلَّى لَيْلَةً بِلَا حِرَاسَةٍ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلُ، وَهَذَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِسَمْعٍ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَثْوِبَةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ. (قَوْلُهُ وَالتَّلْبِيَةُ إلَخْ) دَفْعٌ لِتَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ بِزِيَادَةِ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرِ وَالْحَلْقِ، فَقَالَ (التَّلْبِيَةُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ) يَعْنِي لَا يَلْزَمُ زِيَادَتُهَا فِي الْإِفْرَادِ عَلَى الْقِرَانِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْصُورَةٍ

وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَالْحَلْقُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ فَلَا تَرْجِيحَ بِمَا ذُكِرَ. وَالْمَقْصِدُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ. وَلِلْقِرَانِ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. ثُمَّ فِيهِ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ وَاسْتِدَامَةُ إحْرَامِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا مُقَدَّرَ لِكُلِّ نُسُكٍ قَدْرٌ مِنْهَا فَيَجُوزُ زِيَادَةُ تَلْبِيَةِ مَنْ قَرَنَ عَلَى مَنْ أَفْرَدَ كَمَا يَجُوز قَلْبُهُ (وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ) إلَّا لِلنُّسُكِ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ عِبَادَةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَصِيرُ عِبَادَةً بِنِيَّةِ النُّسُكِ بِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْتَبَرَ نَفْسُ النُّسُكِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ سَفَرًا أَفْضَلَ مِنْ الْأَكْثَرِ سَفَرًا لِخُصُوصِيَّةٍ فِيهِ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ، فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهَا وَإِلَّا حَكَمْنَا بِالْأَفْضَلِيَّةِ تَعَبُّدًا، وَقَدْ عَلِمْنَا الْأَفْضَلِيَّةَ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهُ قَرَنَ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى هَذِهِ الْعِبَادَةَ الْوَاجِبَةَ الَّتِي لَمْ تَقَعْ لَهُ فِي عُمْرِهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ فِيهَا (وَالْحَلْقُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ) فَلَا يُوجِبُ زِيَادَتُهُ بِالتَّكَرُّرِ زِيَادَةَ أَفْضَلِيَّةِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فِيهِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا قَبْلَهُ (وَالْمَقْصِدُ بِمَا رُوِيَ) أَيْ بِالرُّخْصَةِ فِيمَا رُوِيَ الْقِرَانُ رُخْصَةً لَوْ صَحَّ (نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ) فَكَانَ تَجْوِيزُ الشَّرْعِ إيَّاهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى وَقْتٍ آخَرَ أَلْبَتَّةَ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ فَكَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّ رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ هِيَ الْعَزِيمَةُ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ كَانَتْ نَسْخًا لِلشَّرْعِ الْمَطْلُوبِ رَفْضُهُ، وَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الشَّرْعِ الْمَطْلُوبِ إظْهَارُهُ وَرَفْضِ الْمَطْلُوبِ رَفْضُهُ. وَهُوَ أَقْوَى فِي الْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ مِنْ مُجَرَّدِ اعْتِقَادِ حَقِّيَّتِهِ وَعَدَمِ فِعْلِهِ، وَهَذَا مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ، وَكَثِيرٌ فِي هَذَا الشَّرْحِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُهُ إذَا تُتُبِّعَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ وَلِلْقِرَانِ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ لِلتَّمَتُّعِ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَا ذِكْرَ لِلْقِرَانِ فِيهِ فَقَالَ بَلْ فِيهِ وَهُوَ

يَفْرُغَ مِنْهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ التَّمَتُّعُ فَكَانَ الْقِرَانُ أَوْلَى مِنْهُ. وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَنَا يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، وَعِنْدَهُ طَوَافًا وَاحِدًا سَعْيًا وَاحِدًا. قَالَ (وَصِفَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَقُولُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) لِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ قَوْلِك قَرَنْت الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إذَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إذَا أَدْخَلَ حَجَّةً عَلَى عُمْرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ تَحَقَّقَ إذْ الْأَكْثَرُ مِنْهَا قَائِمٌ، وَمَتَى عَزَمَ عَلَى أَدَائِهِمَا يَسْأَلُ التَّيْسِيرَ فِيهِمَا وَقَدَّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فِيهِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ يَبْدَأُ بِذِكْرِهَا، وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّلْبِيَةِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ، وَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي التَّلْبِيَةِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا بِالصَّلَاةِ (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْهَا، وَيَسْعَى بَعْدَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَيَسْعَى بَعْدَهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمُفْرِدِ) وَيُقَدِّمُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَالْقِرَانُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ. وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إتْمَامُهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِيَّةِ نَفْسُ ذِكْرِ التَّمَتُّعِ ذِكْرُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ فَذِكْرُهُ ذِكْرُ كُلٍّ مِنْ أَنْوَاعِهِ ضِمْنًا، وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] عَلَى هَذَا مَعْنَاهُ مَنْ تَرَفَّقَ بِالْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ تَرَفُّقًا غَايَتُهُ الْحَجُّ، وَسَمَّاهُ تَمَتُّعًا لِمَا قُلْنَا إنَّهَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ تَعْظِيمًا لِلْحَجِّ بِأَنْ لَا يُشْرَكَ مَعَهُ فِي وَقْتِهِ شَيْءٌ. فَلَمَّا أَبَاحَهَا الْعَزِيزُ جَلَّ جَلَالُهُ فِيهِ كَانَ تَوْسِعَةً وَتَيْسِيرًا لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ مُؤْنَةِ سَفَرٍ آخَرَ أَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ وَقْتُ الْحَجِّ فَكَانَ الْآتِي بِهِ مُتَمَتِّعًا بِنِعْمَةِ التَّرَفُّقِ بِهِمَا فِي وَقْتِ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ طَوَافًا وَاحِدًا إلَخْ) فَلَمَّا كَانَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نُقْصَانُ أَفْعَالٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفْرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَانَ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنْ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ) أَيْ سُنَّةِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْقِرَانُ فِي مَعْنَى التَّمَتُّعِ) وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]

يَحْلِقُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا يَحْلِقُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا يَحْلِقُ الْمُفْرِدُ، وَيَتَحَلَّلُ بِالْحَلْقِ عِنْدَنَا لَا بِالذَّبْحِ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُفْرِدُ ثُمَّ هَذَا مَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا وَيَسْعَى سَعْيًا وَاحِدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ مَبْنَى الْقِرَانِ عَلَى التَّدَاخُلِ حَتَّى اكْتَفَى فِيهِ بِتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَفَرٍ وَاحِدٍ وَحَلْقٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ فِي الْأَرْكَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ فِي الْقِرَانِ بِنَظْمِ الْآيَةِ لَا بِالْإِلْحَاقِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ قَرَنَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا لَهُمَا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا طَافَ صُبَيُّ بْنُ مَعْبَدٍ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ قَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. ثُمَّ حَمَلَ الدُّخُولَ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْوَقْتِ، وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا كَانَ دُخُولُهَا فِي الْحَجِّ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى نِيَّةِ الْقِرَانِ بَلْ كُلُّ مَنْ حَجَّ يَكُونُ قَدْ حُكِمَ بِأَنَّ حَجَّهُ تَضَمَّنَ عُمْرَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا. بَقِيَ أَنْ يُرَادَ الدُّخُولُ وَقْتًا أَوْ تَدَاخَلُ الْأَفْعَالِ بِشَرْطِ نِيَّةِ الْقِرَانِ وَالدُّخُولُ وَقْتًا ثَابِتٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ مُحْتَمَلُهُ وَهُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُحْتَمَلِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَمُخَالِفٌ لِلْمَعْهُودِ الْمُسْتَقِرِّ شَرْعًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ بِفِعْلِ أَفْعَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ شَفْعَيْ التَّطَوُّعِ لَا يَتَدَاخَلَانِ إذَا أَحْرَمَ لَهُمَا بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؟ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ صُبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَلَى النَّصِّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاَلَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَصْحِيحِهِ فِي أَدِلَّةِ الْقِرَانِ إنَّمَا نَصُّهُ عَنْ الصُّبَيّ قَالَ: أَهْلَلْت بِهِمَا مَعًا، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: كُنْت رَجُلًا أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْت، فَأَتَيْت رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِي يُقَالُ لَهُ هُذَيْمُ بْن ثَرْمَلَةَ فَقُلْت: يَا هَنَاهُ إنِّي حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ وَإِنِّي وَجَدْت الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَتَيْنِ عَلَيَّ فَكَيْفَ لِي بِأَنْ أَجْمَعَ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ لِي: اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، فَأَهْلَلْت فَلَمَّا أَتَيْت الْعُذَيْبَ لَقِيَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَأَنَا أُهِلُّ

وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا طَافَ صُبَيُّ بْنُ مَعْبَدٍ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ قَالَ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّك، وَلِأَنَّ الْقِرَانَ ضَمُّ عِبَادَةٍ إلَى عِبَادَةٍ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَدَاءِ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْكَمَالِ، وَلِأَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي الْعِبَادَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِمَا مَعًا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخِرِ: مَا هَذَا بِأَفْقَهَ مِنْ بَعِيرِهِ، قَالَ: فَكَأَنَّمَا أُلْقِيَ عَلَيَّ جَبَلٌ حَتَّى أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي كُنْت رَجُلًا أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا وَإِنِّي أَسْلَمْت وَإِنِّي حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ، وَإِنِّي وَجَدْت الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَتَيْنِ عَلَيَّ، فَأَتَيْت رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَقَالَ لِي اجْمَعْهَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، وَإِنِّي أَهْلَلْت بِهِمَا جَمِيعًا، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُدِيَتْ لِسُنَّةِ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ عَقِيبَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ مَرَّتَيْنِ. لَا جَرَمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ رَوَاهُ عَلَى النَّصِّ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ، وَإِنَّمَا قَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: أَقْبَلْت مِنْ الْجَزِيرَةِ حَاجًّا قَارِنًا فَمَرَرْت بِسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ وَهُمَا مُنِيخَانِ بِالْعُذَيْبِ، فَسَمِعَانِي أَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِهِ، وَقَالَ الْآخَرُ: هَذَا أَضَلُّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَمَضَيْت حَتَّى إذَا قَضَيْت نُسُكِي مَرَرْت بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فِيهِ: قَالَ يَعْنِي عُمَرَ لَهُ: فَصَنَعْت مَاذَا؟ قَالَ: مَضَيْت فَطُفْت طَوَافًا لِعُمْرَتِي وَسَعَيْت سَعْيًا لِعُمْرَتِي ثُمَّ عُدْت فَفَعَلْت مِثْلَ ذَلِكَ لِحَجِّي، ثُمَّ بَقِيت حَرَامًا مَا أَقَمْنَا أَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ حَتَّى قَضَيْت آخِرَ نُسُكِي، قَالَ: هُدِيَتْ لِسُنَّةِ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَعَادَهُ، وَفِيهِ: كُنْت حَدِيثَ عَهْدٍ بِنَصْرَانِيَّةٍ فَأَسْلَمْت فَقَدِمْت الْكُوفَةَ أُرِيدُ الْحَجَّ، فَوَجَدْت سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ وَزَيْدَ بْنَ صُوحَانَ يُرِيدَانِ الْحَجَّ، وَذَلِكَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَهَلَّ سَلْمَانُ وَزَيْدٌ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَأَهَلَّ الصُّبَيّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَالَا: وَيْحَك تُمْتِعُ وَقَدْ نَهَى عُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ، وَاَللَّهِ لَأَنْتَ أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِك فَسَاقَهُ ، وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ فِي عُرْفِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَتَابِعِيهِمْ يَعُمُّ الْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ بِالْعُرْفِ الْوَاقِعِ الْآنَ. وَأَيْضًا الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَرِوَايَاتِهِمْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الِاكْتِفَاءَ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ ثَابِتَةٌ، فَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِعْلًا وَرِوَايَةُ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ. وَصَحَّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَدَمُهُ، فَمِنْ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَخْرَجَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: «طُفْتُ مَعَ أَبِي وَقَدْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ، وَحَدَّثَنِي أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ، وَحَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ» . وَحَمَّادٌ هَذَا إنْ ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَلَا يَنْزِلُ حَدِيثُهُ عَنْ الْحَسَنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ أَبِي نَصْرٍ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذَا أَهْلَلْت بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَاسْعَ لَهُمَا سَعْيَيْنِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ مَنْصُورٌ. فَلَقِيت مُجَاهِدًا وَهُوَ يُفْتِي بِطَوَافٍ وَاحِدٍ لِمَنْ قَرَنَ، فَحَدَّثْته بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: لَوْ كُنْت سَمِعْته لَمْ أُفْتِ إلَّا بِطَوَافَيْنِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا أُفْتِي

وَالسَّفَرُ لِلتَّوَسُّلِ، وَالتَّلْبِيَةُ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْحَلْقُ لِلتَّحَلُّلِ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِمَقَاصِدَ، بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَفْعَيْ التَّطَوُّعِ لَا يَتَدَاخَلَانِ وَبِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤَدِّيَانِ وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ قَالَ (فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ يُجْزِيهِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِهِمَا. وَلَا شُبْهَةَ فِي هَذَا السَّنَدِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ مُضَعَّفَةٍ تَرْتَقِي إلَى الْحَسَنِ، غَيْرَ أَنَّا تَرَكْنَاهَا وَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا هُوَ الْحُجَّةُ بِنَفْسِهِ بِلَا ضَمٍّ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَقَالَ وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حِينَ يَقْدَمُ وَبِالصَّفَا وَبِالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلزِّيَارَةِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ النَّصِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ: لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ» مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَسْمَعْنَاك فَوَقَعَتْ الْمُعَارَضَةُ، فَكَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْيَسَ بِأُصُولِ الشَّرْعِ فَرَجَحَتْ وَثَبَتَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَيْضًا رَفْعُهُ. وَهُوَ مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْأَزْدِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ» ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، غَيْرَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ نَسَبَ إلَيْهِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَهْمَ فَقَالَ: يُقَالُ إنَّ يَحْيَى حَدَّثَ بِهِ مِنْ حِفْظِهِ فَوَهِمَ، وَالصَّوَابُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الطَّوَافِ وَلَا السَّعْيِ. وَيُقَالُ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذِكْرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْهُ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَنَ، قَالَ: وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الطَّوَافَ. ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد وَبِذَلِكَ الْإِسْنَادِ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَنَ اهـ. وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ ثِقَةٌ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ. وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وَمَا أُسْنِدَ إلَيْهِ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ مَرَّةً عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ رُجُوعَهُ وَاعْتِرَافَهُ بِالْخَطَإِ. فَكَثِيرًا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا. وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا فِي الْقِرَانِ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، فَهَؤُلَاءِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَإِنْ عَارَضَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ رِوَايَةً وَمَذْهَبًا رِوَايَةَ غَيْرِهِمْ وَمَذْهَبَهُ كَانَ قَوْلُهُمْ وَرِوَايَتُهُمْ مُقَدَّمَةً مَعَ مَا يُسَاعِدُ قَوْلَهُمْ وَرِوَايَتَهُمْ مِمَّا اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ مِنْ ضَمِّ عِبَادَةٍ إلَى أُخْرَى أَنَّهُ بِفِعْلِ أَرْكَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (قَوْلُهُ فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ) أَيْ وَالَى بَيْنَ الْأُسْبُوعَيْنِ

وَتَقْدِيمُ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى. وَالسَّعْيُ بِتَأْخِيرِهِ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ. قَالَ (وَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ فَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ وَالْهَدْيُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِيهَا، وَالْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَرَادَ بِالْبَدَنَةِ هَاهُنَا الْبَعِيرَ وَإِنْ كَانَ اسْمُ الْبَدَنَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَقَرَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَكَمَا يَجُوزُ سُبُعُ الْبَعِيرِ يَجُوزُ سُبُعُ الْبَقَرَةِ (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَذْبَحُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبَيْنَ سَعْيَيْنِ لَهُمَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ وَالْهَدْيُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِيهَا) فَيَلْحَقُ بِهَا فِيهِ دَلَالَةً لِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي الْمُتْعَةِ لِشُكْرِ نِعْمَةِ إطْلَاقِ التَّرَفُّقِ بِهِمَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ بِشَرْطِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَعَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ إيجَابُ الْهَدْي بِالنَّصِّ فِي الْمُتْعَةِ إيجَابٌ فِي الْقِرَانِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُتْعَةِ عُرْفًا، وَيَجِبُ الدَّمُ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ. فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَهُ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَإِنْ لِمَ يَكُنْ لَهُ مَا يَذْبَحُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَخْ) شَرْطُ إجْزَائِهَا وُجُودُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ فِي شَوَّالٍ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ لِرَجَاءِ أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ، وَلِذَا كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَهَا السَّابِعَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ. وَأَمَّا صَوْمُ السَّبْعَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ مِنًى بَعْدَ إتْمَامِ أَعْمَالِ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ قَالَ تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ، فَتَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ تَقْدِيمٌ عَلَى وَقْتِهِ، بِخِلَافِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ فِي الْحَجِّ، قَالَ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَالْمُرَادُ وَقْتُهُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ أَعْمَالِهِ ظَرْفًا لَهُ، فَإِذَا صَامَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ

وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] فَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ مُرْتَفِقٌ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ. وَالْمُرَادُ بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقْتُهُ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةَ وَيَوْمَ عَرَفَةَ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِنْ صَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ جَازَ) وَمَعْنَاهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمَقَامَ فَحِينَئِذٍ يُجْزِيهِ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ. وَلَنَا أَنَّ مَعْنَاهُ رَجَعْتُمْ عَنْ الْحَجِّ: أَيْ فَرَغْتُمْ، إذْ الْفَرَاغُ سَبَبُ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فَكَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ فَيَجُوزُ (فَإِنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ حَتَّى أَتَى يَوْمَ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الدَّمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ صَامَ فِي وَقْتِهِ فَيَجُوزُ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي خِلَالِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ وَسَقَطَ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ خُلْفٌ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ تَأْدِي الْحُكْمِ بِالْخُلْفِ بَطَلَ الْخُلْفُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ قَدْ حَصَلَ بِالْحَلْقِ، فَوُجُودُ الْأَصْلِ بَعْدَهُ لَا يَنْقُضُ الْخُلْفَ كَرُؤْيَةِ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، فَإِذَا مَضَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ بِلَا هَدْيٍ وَكَأَنَّهُ تَحَلَّلَ ثُمَّ وَجَدَهُ، وَلَوْ صَامَ فِي وَقْتِهِ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ يُنْظَرُ، فَإِنْ بَقِيَ الْهَدْيُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّحَلُّلِ (قَوْلُهُ إذْ الْفَرَاغُ سَبَبُ الرُّجُوعِ) هَذَا تَعْيِينٌ لِلْعَلَاقَةِ فِي إطْلَاقِ الرُّجُوعِ عَلَى الْفَرَاغِ فِي الْآيَةِ فَذُكِرَ الْمُسَبِّبَ وَأُرِيدَ السَّبَبُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي دَلِيلِ إرَادَةِ الْمَجَازِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْإِقَامَةِ بِهَا حَتَّى تَحَقَّقَ رُجُوعُهُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا وَطَنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَصُومَ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ بَلْ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا عَرَضَ الِاسْتِيطَانُ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الرُّجُوعِ ثُمَّ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا وَطَنًا رُجُوعٌ لِيَكُونَ رُجُوعًا إلَى وَطَنِهِ. وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا أَصْلًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ بَلْ مُسْتَمِرٌّ عَلَى السِّيَاحَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُهَا بِهَذَا النَّصِّ، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ سِوَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأَعْمَال. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرُّجُوعُ عَنْهَا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ أَدَاءً بَعْدَ السَّبَبِ فَيَجُوزُ عَلَى هَذَا مَعْنَاهُ بَعْدَ سَبَبِ الرُّجُوعِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ تَرَتُّبَ الْجَوَازِ إنَّمَا هُوَ عَلَى وُجُودِ سَبَبِ الْحُكْمِ

يَصُومُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُوَقَّتٌ فَيَقْضِي كَصَوْمِ رَمَضَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصُومُ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهَذَا وَقْتُهُ. وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ النَّصُّ أَوْ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ مَا وَجَبَ كَامِلًا، وَلَا يُؤَدِّي بَعْدَهَا لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ لَا تُنْصَبُ إلَّا شَرْعًا، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا سَبَبِ شَيْءٍ آخَرَ، وَالْحُكْمُ هُنَا وُجُوبُ الصَّوْمِ وَجَوَازُهُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَسَبَبُ الْأَوَّلِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ التَّمَتُّعُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] أَيْ كَامِلَةٌ فِي كَوْنِهَا قَائِمَةً مَقَامَ الْهَدْيِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ. وَالثَّانِي مُسَبَّبٌ عَنْ نَفْسِ الْأَدَاءِ فِي وَقْتِهِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْهَدْيِ، لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ إذَا أَتَى بِهِ كَذَلِكَ يَثْبُتُ لَهُ صِفَةُ الْجَوَازِ وَانْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ بِنَفْسِ الْإِتْيَانِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ حَاجَةً إلَى ذِكْرِهِ، بَلْ إذَا أَتَى بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغَ قَبْلَ الرُّجُوعِ فَقَدْ أَتَى بِهِ فِي وَقْتِهِ بِالنَّصِّ فَيَجُوزُ (قَوْلُهُ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ) أَيْ بِالنَّهْيِ الْمَشْهُورِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ (النَّصُّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] : لِأَنَّ الْمَشْهُورَ يَتَقَيَّدُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ بِهِ فَيَتَقَيَّدُ وَقْتُ الْحَجِّ الْمُطْلَقِ بِمَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ (قَوْلُهُ أَوْ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ)

وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ: دَمُ التَّمَتُّعِ، وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ (فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ. وَلَا يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ يَدْخُلُ الصَّوْمَ النَّقْصُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ الْمُطْلَقِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ دُخُولَ النَّقْصِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالنَّهْيِ فَهُوَ الْمُقَيَّدُ. وَغَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدُ النَّهْيِ بِعِلَّةِ دُخُولِ النَّقْصِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ؛ فَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى إبْدَالُ " أَوْ " بِإِذْ فَيُقَالُ بِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ النَّصُّ إذْ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ. هَذَا وَأَمَّا مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَضْمَنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ. قِيلَ: وَهَذَا شَبِيهٌ بِالْمُسْنَدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ يَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: الصَّوْمُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. فَعَلَى أَصْلِنَا لَوْ صَحَّ رَفْعُهُ لَمْ يُعَارِضْ النَّهْيَ الْعَامَّ لَوْ وَازَنَهُ فَكَيْفَ وَذَلِكَ أَشْهَرُ؟ وَعَلَى أَصْلِهِمْ لَا يُخَصُّ مَا لَمْ يُجْزَمْ بِرَفْعِهِ وَصِحَّتِهِ، الْمُرْسَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ قَبِيلِ الضَّعِيفِ لَوْ تَحَقَّقَ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا وَغَيْرُهُ مَوْقُوفًا، وَلَوْ تَمَّ عَلَى أَصْلِهِمْ لَمْ يَلْزَمْنَا اعْتِبَارُهُ (قَوْلُهُ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ) أَطْلَقَ فِيهِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ اهـ. وَهُوَ حَقٌّ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَيْسَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ فَحُلُولُهُ بِهَا كَحُلُولِهِ بِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْفُضُهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ فَيَرْتَفِضُ بِهِ كَمَا تَرْتَفِضُ الْجُمُعَةُ بَعْدَ الظُّهْرِ بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهَا عِنْدَهُ، وَالصَّحِيحُ

مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا أَنَّ الْأَمْرَ هُنَالِكَ بِالتَّوَجُّهِ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ، وَالتَّوَجُّهُ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ارْتَفَضَتْ الْعُمْرَةُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ) بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا (وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا فَأَشْبَهَ الْمُحْصَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ إقَامَةَ مَا هُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الشَّيْءِ مَقَامَهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ كَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مَطْلُوبًا مَأْمُورًا بِهِ، وَهُنَا الْقَارِنُ مَأْمُورٌ بِضِدِّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالرُّجُوعِ لِيُرَتِّبَ الْأَفْعَالَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَلَا يُقَامُ التَّوَجُّهُ مَقَامَ نَفْسِ الْوُقُوفِ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ احْتِيَاطًا لِإِثْبَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَكَذَا إذَا وَقَفَ بَعْدَ أَنْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ، وَلَوْ كَانَ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ يَصِرْ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَأَتَمَّهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ قَارِنٌ. وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ بَلْ طَافَ وَسَعَى يَنْوِي عَنْ حَجَّتِهِ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ، وَكَانَ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ لَهَا وَهُوَ رَجُلٌ لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ فَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مُتَلَبَّسٌ بِهِ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ مُتَلَبَّسٌ بِهِ. وَعَنْ هَذَا قَوْلُنَا: لَوْ طَافَ وَسَعَى لِلْحَجِّ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْأَوَّلُ عَنْ الْعُمْرَةِ وَالثَّانِي عَنْ الْحَجِّ. وَهَذَا كَمَنْ سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَنْوِي سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ عَلَيْهِ انْصَرَفَ إلَى سَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[باب التمتع]

بَابُ التَّمَتُّعِ (التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ عِنْدَنَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِعُمْرَتِهِ وَالْمُفْرِدَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ ثُمَّ فِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّمَتُّعِ] (بَابُ التَّمَتُّعِ) (قَوْلُهُ: وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ) حَقِيقَةُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ ثَبَتَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّ قَارِنًا» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا ارْتَكَبَهُ أَفْضَلُ خُصُوصًا فِي عِبَادَةِ فَرِيضَةٍ لَمْ يَفْعَلْهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمْرِهِ، ثُمَّ رَأَيْنَا الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ كَانَ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مُتَحَقِّقًا فِي التَّمَتُّعِ دُونَ الْإِفْرَادِ فَيَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ مَا يَلْزَمُ كَوْنِهِ جَمَعَا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ مِنْ زِيَادَةِ التَّحَقُّقِ بِالْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ لِلْمَشْرُوعِ النَّاسِخِ لِشَرْعِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْمَطْلُوبِ رَفْضَهُ، ثُمَّ هَذَا أَرْفَقُ فَوَجَبَ دَمٌ لِلشُّكْرِ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا إطْلَاقُ الِارْتِفَاقِ بِالْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ حَتَّى خَفَّتْ الْمُؤْنَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى لُزُومِ إنْشَاءِ سَفَرٍ آخَرَ لِلْعُمْرَةِ أَوْ التَّأْخِيرِ بَعْدَ قَضَاءِ الْأَفْعَالِ لِيُنْشِئَ أُخْرَى مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، وَهَذَا شُكْرٌ عَلَى أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ. وَثَانِيهِمَا تَوْفِيقُهُ لِلتَّحَقُّقِ بِهَذَا الْإِذْعَانِ الشَّرْعِيِّ الْمَطْلُوبِ تَحْقِيقُهُ وَإِظْهَارُهُ وَجَعْلَهُ مَظْهَرًا لَهُ، فَإِنْ أَكْمَلَ مِنْ مُجَرَّدِ اعْتِقَادِ الْحِقْبَةِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقٍ بِهِ بِالْفِعْلِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ أُخْرَوِيٍّ، وَلِهَذَا تَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ تَارَةً وُفِّقَ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَمَرَّةً تَرَفَّقَ بِأَدَائِهِمَا فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَزَادَتْ الْفَضِيلَةُ بِشَرْعِيَّةِ هَذَا الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي النُّسُكِ عِبَادَةً أُخْرَى شُكْرًا لَا جَبْرًا لِنُقْصَانٍ مُتَمَكِّنٍ فِيهِ، غَيْرَ أَنَّ الْقِرَانَ زَادَ عَلَيْهِ بِاسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ بِهِمَا وَالْمُسَارَعَةِ إلَى إحْرَامِ الْحَجِّ، فَبِالْأَمْرَيْنِ يُفَضَّلُ عَلَى تَمَتُّعٍ لَمْ يُسَقْ فِيهِ هَدْيٌ حَتَّى حَلَّ التَّحَلُّلُ. وَبِالثَّانِي عَلَى التَّمَتُّعِ الَّذِي سِيقَ فِيهِ الْهَدْيُ فَوَجَبَ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّ سَفَرَهُ وَاقِعٌ لِعُمْرَتِهِ

إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ، وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبَعُ الْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا. (وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٌ بِسَوْقِ الْهَدْيِ وَمُتَمَتِّعٌ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ) وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا، وَيَدْخُلُهُ اخْتِلَافَاتٌ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ فَيَطُوفَ لَهَا وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا بَلْ ذَكَرَ أَدَاءَهُمَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ وُجُودُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، بَلْ أَدَاؤُهَا فِيهَا أَوْ أَدَاءُ أَكْثَرِ طَوَافِهَا، فَلَوْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ دَخَلَ شَوَّالٌ فَطَافَ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ حَجَّ فِي عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَتَحْرِيرُ الضَّابِطِ لِلتَّمَتُّعِ أَنْ يَفْعَلَ الْعُمْرَةَ أَوْ أَكْثَرَ طَوَافِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَنْ إحْرَامٍ بِهَا قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلُمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا. وَالْحِيلَةُ لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ أَنْ لَا يَطُوفَ بَلْ يَصْبِرُ إلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ ثُمَّ يَطُوفُ، فَإِنَّهُ مَتَى طَافَ طَوَافَا مَا وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَبْلُ. وَلَوْ طَافَ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَارَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَهُمْ. وَقَوْلُنَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ: يَعْنِي مِنْ عَامِ الْفِعْلِ، أَمَّا عَامُ الْإِحْرَامِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى شَوَّالٍ مَنْ قَابِلٍ ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ، وَقَدْ أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ كَفَائِتِ الْحَجِّ فَأَخَّرَ إلَى قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ، وَحَجَّ مِنْ عَامه ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مَا أَتَى بِأَفْعَالِهَا عَنْ إحْرَامِ عُمْرَةٍ بَلْ لِلتَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مُعْتَدًّا بِهَا عَنْ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا فَائِدَةُ الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آخِرًا. أَعْنِي قَوْلَنَا عَنْ إحْرَامٍ بِهَا (قَوْلُهُ: فَيَطُوفُ لَهَا وَيَسْعَى إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ قُدُومٍ وَلَا صَدْرٍ

وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، إنَّمَا الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] الْآيَةَ. نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ لَهَا تَحَرُّمٌ بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ لَهَا تَحَلُّلٌ بِالْحَلْقِ كَالْحَجِّ (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلَّمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ وَتَتِمُّ بِهِ. وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الطَّوَافُ فَيَقْطَعُهَا عِنْدَ افْتِتَاحِهِ، وَلِهَذَا يَقْطَعُهَا الْحَاجُّ عِنْدَ افْتِتَاحِ الرَّمْيِ. قَالَ (وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا) ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ، قَالَ (فَإِذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ مِنْ الصِّفَةِ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ فَظَاهِرُهُ لُزُومُ ذَلِكَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَلَقَ بِمِنًى كَانَ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ أَوْلَى بِالتَّمَتُّعِ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ طَوَافِ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ لِلْعُمْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْله هَكَذَا فَعَلَ إلَخْ) أَمَّا أَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ مَا ذَكَرَ غَيْرَ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَضَرُورِيٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ. وَأَمَّا أَنَّ مِنْهَا الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ الْقِرَانِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «قَصَّرْتُ عَنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّقْصِيرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي عُمْرَةٍ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: «قَصَّرْتُ أَوْ رَأَيْتُهُ يُقَصِّرُ عَنْ رَأْسِهِ» فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ كَوْنُهَا عُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَلْزَمْ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ كَمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ) وَعَنْهُ كَمَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ. وَلَنَا مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ» وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ» (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَقْطَعُهَا الْحَاجُّ إلَخْ) إنَّمَا تَتِمُّ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ لَوْ كَانَ الرَّمْيُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْحَجِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ الْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ. فَالصَّوَابُ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى رَأْيِنَا أَنْ يُقَالَ: كَمَا لَمْ تُقْطَعْ التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ،

يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَالشَّرْطُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْحَرَمِ أَمَّا الْمَسْجِدُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ، وَمِيقَاتُ الْمَكِّيِّ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ) ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ، بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَعَى مَرَّةً، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً (وَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتَمَتِّعِ) لِلنَّصِّ الَّذِي تَلَوْنَاهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْقِرَانِ (فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ ثُمَّ اعْتَمَرَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الثَّلَاثَةِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ هَذَا الصَّوْمِ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ (وَإِنْ صَامَهَا) بِمَكَّةَ (بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ جَازَ عِنْدَنَا) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا لَا تُقْطَعُ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَهُ فَبَطَل قَوْلُكُمْ بِقَطْعِهَا قَبْلَ الطَّوَافِ. وَعَلَى رَأْيِهِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ أَنْ يُقَالَ: كَمَا أَنَّهَا لَمْ تُقْطَعْ فِي الْحَجِّ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَهُوَ الْوُقُوفُ عِنْدَك يَجِبُ فِي الْعُمْرَةِ أَنْ لَا تُقْطَعَ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي مَقَاصِدِهَا وَهُوَ الطَّوَافُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْجِدُ لَيْسَ بِلَازِمٍ) بَلْ هُوَ أَفْضَلُ، وَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَالشَّرْطُ الْحَرَمُ (قَوْلُهُ: وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ) إلَّا طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا طَوَافَ قُدُومٍ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ) أَيْ لِلتَّحِيَّةِ (وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ) سَوَاءٌ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ أَوْ لَا (وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالسَّعْيِ مَرَّةً) قِيلَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ التَّحِيَّةِ مَشْرُوعٌ لِلتَّمَتُّعِ حَتَّى اعْتَبَرَ سَعْيَهُ عَقِيبَهُ. اهـ. وَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا طَافَ ثُمَّ سَعَى أَجْزَأَهُ عَنْ السَّعْيِ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ اعْتِبَارُهُ طَوَافُ تَحِيَّةٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّ السَّعْيَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَرَتَّبَ شَرْعًا عَلَى طَوَافٍ، فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بَعْدَ إحْرَامِ الْحَجِّ تَنَفَّلَ بِطَوَافٍ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ سَقَطَ عَنْهُ سَعْيُ الْحَجِّ، وَمَنْ قَيَّدَ إجْزَاءَهُ بِكَوْنِ الطَّوَافِ الْمُقَدَّمِ طَوَافَ تَحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ) فَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْقِرَانِ وَإِلَى آخِرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَلشَّافِعِيُّ) فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الْحَجِّ

{فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَلَنَا أَنَّهُ أَدَّاهُ بَعْدَ انْعِقَاد سَبَبِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَجِّ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ وَقْتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْقِرَانِ. (وَإِنْ أَرَادَ الْمُتَمَتِّعُ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ أَحْرَمَ وَسَاقَ هَدْيَهُ) وَهَذَا أَفْضَلُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ الْهَدَايَا مَعَ نَفْسِهِ» ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْدَادًا وَمُسَارَعَةً (فَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ. وَالتَّقْلِيدُ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ وَالتَّجْلِيلِ لِلزِّينَةِ، وَيُلَبِّي ثُمَّ يُقَلِّدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ عَلَى مَا سَبَقَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ بِالتَّلْبِيَةِ وَيَسُوقَ الْهَدْيَ. وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَقُودَهَا «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَدَّاهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ) لَا شَكَّ أَنَّ سَبَبَهُ التَّمَتُّعُ اللُّغَوِيُّ الَّذِي هُوَ التَّرَفُّقُ؛ لِتَرْتِيبِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ فِي النَّصِّ، وَمَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لِلْمُرَتَّبِ، وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ هِيَ السَّبَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي بِهَا يَتَحَقَّقُ التَّرَفُّقُ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ مَعْنَى التَّمَتُّعِ لَا أَنَّ الْحَجَّ مُعْتَبَرُ جُزْءِ السَّبَبِ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ التَّمَتُّعِ فِي عُرْفِ الْفِقْهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا جَعْلُ الْحَجِّ غَايَةً لِهَذَا التَّمَتُّعِ حَيْثُ قَالَ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] فَكَانَ الْمُفَادُ تَرَفَّقْ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ تَرَفُّقًا غَايَتُهُ الْحَجُّ، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ التَّمَتُّعِ ذِكْرًا لِلْحَجِّ مِنْ عَامِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْرِيرِ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ كَالسَّبْعَةِ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَصَلَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ: أَيْ وَقْتِهِ، وَالسَّبْعَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لِلصَّوْمِ تَحَقُّقَ حَقِيقَةِ التَّمَتُّعِ بِالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ بَلْ التَّرَفُّقُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا، بَلْ الْمُقَيَّدُ بِكَوْنِ غَايَتِهِ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا عَلَى اعْتِبَارِ الْقَيْدِ جُزْءًا مِنْ السَّبَبِ أَوْ شَرْطًا فِي ثُبُوتِ سَبَبِيَّتِهِ وَإِلَّا لَزِمَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ امْتِنَاعِ الصَّوْمِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، فَكَانَ السَّبَبُ الْمُقَيَّدُ لَا يُشْتَرَطُ قَيْدُهُ فِي السَّبَبِيَّةِ فَإِذَا صَامَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ صَامَ بَعْدَ السَّبَبِ وَفِي وَقْتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ وُقُوعُهُ بَعْدَ الْمُقَيَّدِ، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ، وَسَبَبُهُ تَرَاخِي الْقَيْدِ عَنْهُ فِي الْوُجُودِ، أَمَّا السَّبْعَةُ فَإِنَّ السَّبَبَ وَإِنْ تَحَقَّقَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَكِنْ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ، فَالصَّوْمُ قَبْلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّبَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا عَدَمُ الْجَوَازِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ: أَعْنِي التَّرَفُّقَ بِالْعُمْرَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ بِهَا، لَكِنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَوَازُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ كَأَنَّهُ لِثُبُوتِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ

أَحْرَمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَهَدَايَاهُ تُسَاقُ بَيْنَ يَدَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّشْهِيرِ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْقَادُ فَحِينَئِذٍ يَقُودُهَا. قَالَ (وَأَشْعَرَ الْبَدَنَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَلَا يُشْعِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُكْرَهُ) وَالْإِشْعَارُ هُوَ الْإِدْمَاءُ بِالْجُرْحِ لُغَةً (وَصِفَتُهُ أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا) بِأَنْ يَطْعَنَ فِي أَسْفَلِ السَّنَامِ (مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ) قَالُوا: وَالْأَشْبَهُ هُوَ الْأَيْسَرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَنَ فِي جَانِبِ الْيَسَارِ مَقْصُودًا وَفِي جَانِبِ الْأَيْمَنِ اتِّفَاقًا، وَيُلَطِّخُ سَنَامَهَا بِالدَّمِ إعْلَامًا، وَهَذَا الصُّنْعُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يُهَاجَ إذَا وَرَدَ مَاءً أَوْ كَلَأً أَوْ يُرَدُّ إذَا ضَلَّ وَإِنَّهُ فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ سُنَّةً، إلَّا أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْإِحْرَامِ بِلَا فِعْلٍ وَفِيهِ إقْنَاعٌ إلَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ خِلَافُهُ إحْدَاثَ قَوْلٍ ثَالِثِ فَيُتِمُّ الْمُرَادُ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْقَادُ) أَيْ لِلسَّوْقِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا تَنْسَاقُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَنَ إلَخْ) قَالُوا: لِأَنَّهَا كَانَتْ تُسَاقُ إلَيْهِ وَهُوَ يَسْتَقْبِلُهَا فَيَدْخُلُ مِنْ قِبَلِ رُءُوسِهَا، وَالْحَرْبَةُ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ، وَالطَّعْنُ حِينَئِذٍ إلَى جِهَةِ الْيَسَارِ أَمْكَنَ وَهُوَ طَبْعُ هَذِهِ الْحَرَكَةِ فَيَقَعُ الطَّعْنُ كَذَلِكَ مَقْصُودًا ثُمَّ يَعْطِفُ طَاعِنًا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ بِيَمِينِهِ وَهُوَ مُتَكَلِّفٌ بِخِلَافِهِ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَشْعَرَ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَعَلَى أَنَّ صِفَتَهُ حَالَةَ الْإِشْعَارِ كَانَ مَا ذُكِرَ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَةٍ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْإِشْعَارَ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَيْمَنَ وَلَا الْأَيْسَرَ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي كِتَابِ ابْنِ عُلَيَّةَ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَشْعَرَ بُدْنَهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْكَرٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ الْمَعْرُوفُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ كَلَامَهُ، لَكِنْ قَدْ أَسْنَدَ أَبُو يَعْلَى إلَى أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِطَرِيقٍ آخَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَشْعَرَ بُدْنَهُ فِي شِقِّهَا الْأَيْسَرِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ بِأُصْبُعِهِ» الْحَدِيثَ. وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ إذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنْ الْمَدِينَةِ يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهُ فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ " فَهَذَا يُعَارِضُ مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشَدَّ اقْتِفَاءٍ لِظَوَاهِرِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ابْنِ عُمَرَ، فَلَوْلَا عِلْمُهُ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ. فَوَجْهُ التَّوْفِيقِ حِينَئِذٍ هُوَ مَا صِرْنَا إلَيْهِ مِنْ الْإِشْعَارِ فِيهِمَا حَمْلًا لِلرِّوَايَتَيْنِ عَلَى رُؤْيَةِ كُلِّ رَاءٍ الْإِشْعَارَ مِنْ جَانِبٍ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا نَعْلَمُ صَرِيحًا فِي وَصْفِهِ كَيْفَ كَانَ لَكِنَّهُ حُمِلَ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ، إذْ الظَّاهِرُ مَنْ قَاصَدَهَا لِإِثْبَاتِ فِعْلٍ فِيهَا، وَهِيَ تُسَاقُ إلَيْهِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِجَلِيَّةِ كُلِّ حَالٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَلْزَمُ)

عَارَضَهُ جِهَةُ كَوْنِهِ مُثْلَةً فَقُلْنَا بِحُسْنِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحْرِمِ وَإِشْعَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِصِيَانَةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهِ. وَقِيلَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةَ، وَقِيلَ: إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ. قَالَ: (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى) وَهَذَا لِلْعُمْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْتُ مِنْهَا» وَهَذَا يَنْفِي التَّحَلُّلَ عِنْدَ سَوْقِ الْهَدْيِ (وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) كَمَا يُحْرِمُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَإِنْ قَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْقِلَادَةَ قَدْ تَنْحَلُّ أَوْ تَنْقَطِعُ فَتَسْقُطُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ) قَدْ يُقَالُ: لَا تَعَارُضَ فَإِنَّ النُّهَى عَنْهُ كَانَ بِأَثَرِ قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ عَقِيبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِشْعَارَ كَانَ بَعْدَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إمَّا مَخْصُوصٌ مِنْ نَصِّ نَسْخِ الْمُثْلَةِ مَا كَانَ هَدْيًا أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُثْلَةٍ أَصْلًا، وَهُوَ الْحَقُّ، إذْ لَيْسَ كُلُّ جُرْحٍ مُثْلَةً بَلْ هُوَ مَا يَكُونُ تَشْوِيهًا كَقَطْعِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ وَسَمْلِ الْعُيُونِ، فَلَا يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ جُرِحَ مُثِّلَ بِهِ، وَالْأَوْلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَهْتَدُونَ إلَى إحْسَانِهِ، وَهُوَ شَقُّ مُجَرَّدِ الْجِلْدِ لِيُدْمِيَ، بَلْ يُبَالِغُونَ فِي اللَّحْمِ حَتَّى يَكْثُرَ الْأَلَمُ وَيُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ إلَّا بِهِ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا يَتِمُّ فِي إشْعَارِ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ مُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ لَا فِي إشْعَارِهِ هَدَايَا حَجَّةِ الْوَدَاعِ «؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا قَدْ أَجْلَوْا قَبْلَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ فِي الثَّامِنَةِ، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي التَّاسِعَةِ يَتْلُو عَلَيْهِمْ سُورَةَ بَرَاءَةٌ وَيُنَادِي: لَا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ مُشْرِكٌ وَلَا عُرْيَانُ» . وَالْجَوَابُ أَنْ يُرَادَ تَعَرُّضِهِمْ لِلطَّرِيقِ حَالَ السَّفَرِ لِتَسَامُعِهِمْ بِمَالٍ لِسَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا يَنْفِي التَّحَلُّلَ عِنْدَ سَوْقِ الْهَدْيِ) يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ إظْهَارَ التَّأَسُّفِ عَلَى

الْإِحْرَامَ قَبْلَهُ جَازَ، وَمَا عَجَّلَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَهُوَ أَفْضَلُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ وَزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ، وَهَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَسُقْ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) وَهُوَ دَمُ الْمُتَمَتِّعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُحَلِّلٌ فِي الْحَجِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَيَتَحَلَّلُ بِهِ عَنْهُمَا. قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ، وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِفْرَادُ خَاصَّةً) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأَتِّي الْإِحْلَالَ؛ لِيَشْرَحَ صَدْرَ أَصْحَابِهِ بِمُوَافَقَتِهِ لَهُمْ كَمَا كَانَ دَأْبُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَوْلُهُ: «لَوْ اسْتَدْرَكْتُ مَا فَاتَنِي لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» أَيْ مُفْرَدَةً لَمْ أَقْرِنْ مَعَهَا الْحَجَّ. وَتَحَلَّلْتُ يُفِيدُ أَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمَا يَتَضَمَّنُهُ كَلَامُهُ مِنْ إفْرَادِ الْعُمْرَةِ وَعَدَمِ سَوْقِ الْهَدْيِ، فَلَوْ كَانَ التَّحَلُّلُ يَجُوزُ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ لَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ لَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْتُ. وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَمَّا سَاقَ الْهَدْيَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ مِنْ الْعُمْرَةِ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّ مُتَمَتِّعًا، وَالثَّابِتُ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَجَّ قَارِنًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ) أَيْ أَفْضَلِيَّةُ تَعْجِيلِ الْمُتَمَتِّعِ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَلْقِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ الْقَارِنَ دَمَانِ إذَا جَنَى قَبْلَ الْحَلْقِ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةُ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَزِمَهُ دَمَانِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَجَّ غَايَةَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَلَا وُجُودَ لِلْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ بَعْدَهَا إلَّا ضَرُورَةً وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تَقَعْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ. وَهَذَا بَعِيدٌ، فَإِنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ اهـ. وَمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ فَصْلِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ الظَّاهِرَةُ، إذْ قَضَاءُ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِحْرَامِ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارٍ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا عَلَى الْأَعْمَالِ. وَالْفَرْعُ الْمَنْقُولُ فِي الْجِمَاعِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا، بَلْ سَنَذْكُرُ عَنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ فِيمَا بَعْدَ الْحَلْقِ الْبَدَنَةَ وَالشَّاةَ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ الْبَدَنَةُ فَقَطْ، وَنُبَيِّنُ الْأَوْلَى مِنْهُمَا. ثُمَّ إنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ قَيَّدَ لُزُومَ الدَّمِ الْوَاحِدِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ وَقَالَ: إنَّ فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ شَاتَيْنِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ تُوجِبُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ لَا، فَإِنْ أَوْجَبَتْ لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَشُمُولُ الْعَدَمِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ) يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوُجُودِ: أَيْ لَيْسَ يُوجَدُ لَهُمْ، حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ مَكِّيٌّ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطَافَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَا قَارِنًا، وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَذَلِكَ يُبْطِلُ التَّمَتُّعَ. فَأَفَادَ أَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّمَتُّعِ فَيَنْتَفِي لِانْتِفَائِهِ. وَعَنْ ذَلِكَ أَيْضًا خَصَّ الْقِرَانَ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ حَيْثُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتِيَّتَانِ. قَالُوا: خَصَّ الْقِرَانَ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ مِنْهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ. وَيَحْتَمِلُ نَفْيَ الْحِلِّ كَمَا يُقَالُ: لَيْسَ لَك أَنْ تَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَا أَنْ تَتَنَفَّلَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، حَتَّى لَوْ أَنَّ مَكِّيًّا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا آثِمًا بِفِعْلِهِ إيَّاهُمَا عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِحَمْلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْإِلْمَامِ لِلصِّحَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِهِ لِوُجُودِ التَّمَتُّعِ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ نَهْيٌ شَرْعًا الْمُنْتَهِضِ سَبَبًا لِلشُّكْرِ. وَيُوَافِقُهُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ، وَمَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ أَوْ قَرَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ. وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَمَعَ هَذَا لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ وَأَسَاءُوا، وَعَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ وَسَنَذْكُرُ مِنْ كَلَامِ الْحَاكِمِ صَرِيحًا اهـ. وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الدَّمِ أَنْ لَا يَقُومُ الصَّوْمُ مَقَامَهُ حَالَةَ الْعُسْرَةِ، فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْوَاقِعِ لُزُومَ دَمِ الْجَبْرِ لَزِمَ ثُبُوتُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا جَبْرَ إلَّا لِمَا وُجِدَ بِوَصْفِ النُّقْصَانِ لَا لِمَا لَمْ يُوجَدْ شَرْعًا. فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُ كَوْنُ الدَّمِ لِلِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ الْمَكِّيِّ لَا لِلتَّمَتُّعِ مِنْهُ، وَهَذَا فَاشٍ بَيْنَ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْآفَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ قَرِيبٍ وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ شُئُونٌ وَمُعْتَمَدُ أَهْلِ مَكَّةَ مَا وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِأَنَّ دُخُولَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَعَ رُخْصَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ: أَيْ لِلْحَجِّ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ فَاخْتَصَّتْ هَذِهِ الْأَشْهُرُ بِالْحَجِّ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهَا غَيْرُهُ، إلَّا أَنَّ الْعُمْرَةَ دَخَلَتْ فِيهَا رُخْصَةَ لِلْآفَاقِيِّ ضَرُورَةُ تَعَذُّرِ إنْشَاءِ سَفَرٍ لِلْعُمْرَةِ نَظَرًا لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ، فَلَمْ تَكُنْ الْعُمْرَةُ مَشْرُوعَةً فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي حَقِّهِمْ، فَبَقِيَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي حَقِّهِمْ مَعْصِيَةً اهـ. وَفِيهِ بَعْضُ اخْتِصَارٍ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ خِلَافَهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ لَمَّا أَجَازَ التَّمَتُّعَ لِلْمَكِّيِّ. وَقَالَ فِي بَعْضِ الْأَوْجُهِ نَسْخُ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْمَكِّيَّ كَغَيْرِهِ، فَقَالُوا: أَمَّا النَّسْخُ فَثَابِتٌ عِنْدَنَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ أَيْضًا حَتَّى يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُدْرِكُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ إلَى آخِرِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْكَارُ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى هَذَا اعْتِمَارَ الْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ الْعُمْرَةِ فَخَطَأٌ بِلَا شَكٍّ، وَإِنْ كَانَ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي اعْتَمَرَ مِنْهُمْ لَيْسَ بِحَيْثُ يَتَخَلَّفُ عَنْ الْحَجِّ إذَا خَرَجَ النَّاسُ لِلْحَجِّ بَلْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَصَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ إنْكَارٌ لِمُتْعَةِ الْمَكِّيِّ لَا لِمُجَرَّدِ عُمْرَتِهِ. فَإِذَا ظَهَرَ لَك صَرِيحُ هَذَا الْخِلَافِ مِنْهُ فِي إجَازَةِ الْعُمْرَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُجَرَّدُ عُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمَنْعُهَا وَجَبَ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَرَّرَ الْمَكِّيُّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ هَلْ يَتَكَرَّرُ الدَّمُ عَلَيْهِ؟ . فَعَلَى مَنْ صَرَّحَ بِحِلِّهَا لَهُ، وَأَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ إلَّا لِتَمَتُّعِهِ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي ثُبُوتِ تَكَرُّرِهِ وَتَمَتُّعِهِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَعَلَى مَنْ مَنَعَ نَفْسَ الْعُمْرَةِ مِنْهُ وَأَثْبَتَ أَنَّ نَسْخَ حُرْمَتِهَا إنَّمَا هُوَ لِلْآفَاقِيِّ فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَرَّرَ الدَّمُ بِتَكَرُّرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ، وَنَظَرَ هَؤُلَاءِ إلَى الْعُمُومَاتِ، مِثْلَ " دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ ". وَصَرِيحُ مَنْعِ الْمَكِّيِّ شَرْعًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَهُوَ خَاصٌّ بِالْجَمْعِ تَمَتُّعًا فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، غَيْرَ أَنَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَقُولَ: دَلِيلُ التَّخْصِيصِ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ وَيَخْرُجُ بِهِ مَعَهُ، وَتَعْلِيلُ مَنْعِ الْجَمْعِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ أَنْ يَحْصُلَ الرِّفْقُ وَدَفْعُ الْمَشَقَّةِ الْآتِيَةِ مِنْ قِبَلِ تَعَدُّدِ السَّفَرِ أَوْ إطَالَةِ الْإِقَامَةِ وَذَلِكَ خَاصٌّ، فَيَبْقَى الْمَنْعُ السَّابِقُ عَلَى مَا كَانَ وَيَخْتَصُّ النَّسْخُ بِالْآفَاقِيِّ، وَلِلنَّظَرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَجَالٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ عَامًا مِنْ كِتَابَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْوَجْهَ مَنْعُ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ خَاصٌّ لَمْ يَثْبُتْ، إذْ الْمَنْقُولُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ كَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّظَرُ فِي الْآيَةِ. وَحَاصِلُهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ إلَخْ تَخْصِيصُ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ مُقَارِنٌ. وَاتَّفَقُوا فِي تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ تَجْوِيزَهُ لِلْآفَاقِيِّ لِدَفْعِ الْحَرَجِ كَمَا عُرِفَ وَمَنَعَهُ مِنْ الْمَكِّيِّ لِعَدَمِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الْحَرَجِ فِي عَدَمِ الْجَمْعِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِمَنْعِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْرَجْ بِعَدَمِ الْجَمْعِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ عَدَمُهُ، بَلْ إنَّمَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْحَرَجِ فِي عَدَمِ الْجَمْعِ أَنْ يَجُوزَ لَهُ كُلٌّ مِنْ عَدَمِ الْجَمْعِ وَالْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَمْ يُحْرَجْ فِي عَدَمِ الْجَمْعِ لَا يُحْرَجْ فِي الْجَمْعِ، فَحِينَ وَجَبَ عَدَمُ الْجَمْعِ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِأَمْرٍ زَائِدٍ، وَلَيْسَ هُنَا سِوَى كَوْنِهِ فِي الْجَمْعِ مَوْقِعًا الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ نَفْسِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِلْمَكِّيِّ مُتَعَيِّنٌ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَبْدَيْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ إلَخْ، وَهُوَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ حَقِيقَةُ التَّمَتُّعِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَكُونُ مَنْعُهُ مِنْ التَّمَتُّعِ إلَّا لِلْعُمْرَةِ، فَكَانَ حَاصِلُ مَنْعِ صُورَةِ التَّمَتُّعِ إمَّا لِمَنْعِ الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ، وَالْحَجُّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فَتَعَيَّنَتْ الْعُمْرَةُ غَيْرَ أَنِّي رَجَّحْتُ أَنَّهَا تَتَحَقَّقُ، وَيَكُونُ مُسْتَأْنِسًا بِقَوْلِ صَاحِبِ التُّحْفَةِ لَكِنَّ الْأَوْجُهَ خِلَافُهُ لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْآفَاقِيِّ الَّذِي يَعْتَمِرُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ بِقَوْلِهِمْ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ مُطْلَقًا أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا، وَلَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُودِ الْفَاسِدِ مَعَ الْإِثْمِ وَلَمْ يَقُولُوا بِوُجُودِ الْبَاطِلِ شَرْعًا مَعَ ارْتِكَابِ النَّهْي كَبَيْعِ الْحُرِّ لَيْسَ بِبَيْعٍ شَرْعِيٍّ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَإِنَّمَا لَمْ نَسْلُكُ فِي مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَسْلَكَ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى

وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ؛ وَلِأَنَّ شَرْعَهُمَا لِلتَّرَفُّهِ بِإِسْقَاطِ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرٍ لَمْ يَلْزَمْ ثُبُوتُهُ عَلَى الْخَصْمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَوْجُهِ أَنَّ الْمُرَادَ لِلْحَجِّ أَشْهُرٌ وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ، وَهَذَا مِمَّا لِلْخَصْمِ مَنْعُهُ، وَيَقُولُ: بَلْ جَازَ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ الْحَجَّ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ فَيُفِيدُ أَنَّهُ يُفْعَلُ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِيهَا غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ) مَدَارُ احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ نَسْخَ تَرْكِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَامٌّ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَمَعْلُومٌ شَرْعِيَّةُ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَجَازَ التَّمَتُّعُ لِلْكُلِّ وقَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] لَا يَنْفِيهِ، إذْ مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ إلَى الْهَدْيِ لَا التَّمَتُّعِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ جَوَازُ الْمُتْعَةِ لَهُمْ وَسُقُوطُ الْهَدْيِ عَنْهُمْ. قُلْنَا: بَلْ مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ التَّمَتُّعُ لِوَصْلِهَا بِاللَّامِ، وَهِيَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ، وَالتَّمَتُّعُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ، بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ عَلَيْنَا، فَلَوْ كَانَ مُرَادًا لَجِيءَ مَكَانَ اللَّامِ بِعَلَى فَقِيلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَإِنْ قِيلَ: شَرْعُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَامٌّ. قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَدَدْنَاهُ. وَعَلَى تَقْدِيرِهِ أَيْضًا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّا نُجِيزُ لِلْمَكِّيِّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ أُرِيدَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فِي النَّصِّ فَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَمَحَلُّ النِّزَاعِ. ثُمَّ إنْ عَلَّلْنَا دَلِيلَ التَّخْصِيصِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] بِكَوْنِهِ مُلِمًّا بِأَهْلِهِ بَيْنَ أَدَائِهِمَا فَلَمْ يُكْمِلْ

وَهَذَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ مُتْعَةٌ وَلَا قِرَانٌ، بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ حَيْثُ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتِيَّتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى الِارْتِفَاقِ فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ بِشَرْعِهِمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ فَتَقَاصَرَ عَنْ إيجَابِ الشُّكْرِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآفَاقِيِّ فَعَدَّيْنَاهُ إلَى كُلِّ مَنْ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَتَّى إذَا اعْتَمَرَ الْآفَاقِيُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَأَقَامَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَصَارَ شَرْطُ التَّمَتُّعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بِهَذَا الْمَأْخَذِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَوْدِ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْآفَاقِيِّ بِأَنْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا فَجَعَلَ الْإِلْمَامَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْعَوْدِ شَرْعًا كَعَدَمِهِ وَسَيَأْتِي. وَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَمُقْتَضَاهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ بِإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَأَلْفَاظِ الصَّحَابَةِ يَعُمُّ الْقِرَانَ؛ لِأَنَّهُ تَمَتُّعٌ لِلِارْتِفَاقِ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ اشْتَرَطَ عَدَمَ الْإِلْمَامِ لِلْقِرَانِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَيْضًا، فَيُقْتَضَى فِي الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ عَادَ فَأَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ فَعَلَهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ الْقِرَانُ الشَّرْعِيُّ الْمُسْتَعْقِبُ لِلْحُكْمِ الْمَعْلُومِ مِنْ إيجَابِ الدَّمِ شُكْرًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرُوهُ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ إلَخْ. قَالُوا: خُصَّ الْمَكِّيُّ بِالْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَمَتُّعَ لَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ مُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَوْ سَاقَ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَا أَعْلَمْتُك، بَلْ وَيَقْتَضِي أَيْضًا بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وُجُوبَ الدَّمِ جَبْرًا عَلَى الْآفَاقِيِّ إذَا عَادَ وَأَلَمَّ ثُمَّ رَجَعَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ إذَا كَانُوا أَوْجَبُوهُ عَلَى الْمَكِّيِّ إذَا تَمَتَّعَ؛ لِارْتِكَابِهِ النَّهْيَ، وَأَنْتَ عَلِمْتَ أَنَّ مَنَاطَ نَهْيِهِ وُجُودُ الْإِلْمَامِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْآفَاقِيِّ الْمُلِمِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتِيَّتَانِ فَكَانَ كَالْآفَاقِيِّ) . قَالُوا: يُشِيرُ إلَى أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ التَّمَتُّعِ مِنْهُ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ لِإِخْلَالِهِ بِمِيقَاتِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ الْحَرَمِ أَخَلَّ بِمِيقَاتِ الْعُمْرَةِ، أَوْ مِنْ الْحِلِّ فَبِمِيقَاتِ الْحَجِّ لِلْمَكِّيِّ فَيُكْرَهُ وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَرْكَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ صِحَّةِ النُّسُكِ الْمُعَيَّنِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ آفَاقِيًّا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهِمَا وَفَعَلَهُمَا أَنَّهُ يَكُونُ قَارِنًا، وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ مَعَ دَمِ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى إحْرَامِهِ بَلْ أَوْلَى إذَا تَأَمَّلْت. عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ لَوْ كَانَ هَذَا لَصَحَّ قِرَانُ كُلِّ مَكِّيِّ بِطَرِيقِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ كَالتَّنْعِيمِ فَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَخْطُو خُطْوَةً فَيَدْخُلُ أَرْضَ الْحَرَمِ فَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ، لَكِنَّ الْمَنْعَ عَامٌّ، وَسَبَبُهُ لَيْسَ إلَّا الْآيَةَ، وَالْقِرَانُ مِنْ التَّمَتُّعِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ: وَالْقِرَانُ مِنْهُ: أَيْ مِنْ التَّمَتُّعِ. هَذَا ثُمَّ قَيَّدَ الْمَحْبُوبِيُّ قِرَانَ الْمَكِّيِّ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى الْكُوفَةِ مِثْلًا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. أَمَّا إذَا خَرَجَ بَعْدَ دُخُولِهَا فَلَا قِرَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ وَهُوَ دَاخِلُ الْمَوَاقِيتِ فَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ الْقِرَانِ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا، بَلْ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْآفَاقِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَلَ إلَى مَكَان صَارَ مُلْحِقًا بِأَهْلِهِ، كَالْآفَاقِيِّ إذَا قَصَدَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ حَتَّى جَازَ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ

(وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسَفْرَتَيْنِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ السَّوْقَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلَمْ يَصِحَّ إلْمَامُهُ، بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ الْهَدْيَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَصَحَّ إلْمَامُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَصْلُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ الْإِجْمَاعُ، عَلَى أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا قَدِمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ كَانَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بِمَكَّةَ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ هُوَ الْوَجْهُ. هَذَا وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقِرَانُ الْجَائِزُ مَا لَمْ يَنْقَضِ وَطَنُهُ بِمَكَّةَ لِلُّزُومِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْإِلْمَامِ فِيهِ كَالْمُتَمَتِّعِ، فَإِنْ قَرَنَ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا لَوْ قَرَنَ وَهُوَ بِمَكَّةَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْقِرَانَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ التَّمَتُّعِ بِالنَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ وَيَلْزَمُ فِيهِ وُجُودُ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَوُجُوبُ الشُّكْرِ بِالدَّمِ مَا كَانَ إلَّا لِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِيهَا ثُمَّ الْحَجِّ فِيهَا، وَهَذَا فِي الْقِرَانِ كَمَا هُوَ فِي التَّمَتُّعِ. وَمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِهِمَا وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ قَارِنٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ مُرَادٌ بِهِ الْقَارِنُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَرَنَ: أَيْ جَمَعَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ نَفَى لَازِمَ الْقِرَانِ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَهُوَ لُزُومُ الدَّمِ وَنَفْيُ اللَّازِمُ الشَّرْعِيِّ نَفْيُ الْمَلْزُومِ الشَّرْعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّسُكَ الْمُسْتَعْقِبَ لِلدَّمِ شُكْرًا هُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ فِعْلُ الْمَشْرُوعِ الْمُرْتَفَقِ بِهِ النَّاسِخِ لِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَمْعِ فِي الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ وَإِلَّا فَهُوَ التَّمَتُّعُ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَكِلَاهُمَا التَّمَتُّعُ بِالْإِطْلَاقِ الْقُرْآنِيِّ وَعُرْفِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إطْلَاقُ اللُّغَةِ لِحُصُولِ الرِّفْقِ بِهَذَا النَّسْخِ. هَذَا كُلُّهُ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا مَا أَعْتَقِدُهُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَسَأَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَادَ) الْحَاصِلُ أَنَّ عَوْدَ الْآفَاقِيِّ الْفَاعِلِ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ رُجُوعِهِ وَحَجِّهِ مِنْ عَامِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا، وَإِنْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَبْطُلُ إلْحَاقًا لِعَوْدِهِ بِالْعَدَمِ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ شَرْعًا إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ الْمُتْعَةِ. وَالتَّقْيِيدُ بِعَزْمِ الْمُتْعَةِ لِنَفْيِ اسْتِحْقَاقِ الْعَوْدِ شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ، وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ يَقَعُ تَطَوُّعًا، ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِ التَّابِعِينَ، وَقَوْلُ مَنْ نَعْلَمُهُ قَالَهُ مِنْهُمْ مُطْلَقٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَيْضًا أَخَذُوهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] إذْ لَا سُنَّةَ ثَابِتَةَ فِي ذَلِكَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ. رَوَى الطَّحَاوِيُّ

بِأَهْلِهِ. (وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَتَمَّمَهَا وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ فِيهَا، وَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِالْجِمَاعِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الْإِتْمَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْعُمْرَةِ بَطَل تَمَتُّعُهُ، وَكَذَا ذَكَرَ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ [أَحْكَامُ الْقُرْآنِ] . وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ لَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَلَا قِرَانَ، وَأَنَّ رُجُوعَ الْآفَاقِيِّ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَوْدَهُ وَحَجَّهُ مِنْ عَامِهِ لَا يُبْطِلَ تَمَتُّعَهُ مُطْلَقًا. وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ جَوَازَ التَّمَتُّعِ بِعَدَمِ الْإِلْمَامِ بِالْأَهْلِ الْقَاطِنِينَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أَيْ مَكَّةَ وَمَنْ أُلْحِقَ بِأَهْلِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] فَأَفَادَ مَانِعِيَّةَ الْإِلْمَامِ عَنْ الْمُتَمَتِّعِ وَعَلِيَّتَهُ لِعَدَمِ الْجَوَازِ بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي مَكَّةَ، فَتَعَدِّيَةُ الْمَنْعِ بِتَعَدِّيَةِ الْإِلْمَامِ إلَى مَا بِغَيْرِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ الْأَهْلِ تُبْتَنَى عَلَى إلْغَاءِ قَيْدِ الْكَوْنِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاعْتِبَارِ الْمُؤَثِّرِ مُطْلَقُ الْإِلْمَامِ، وَصِحَّتُهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى عَقْلِيَّةِ عَدَمِ دُخُولِ الْقَيْدِ فِي التَّأْثِيرِ، وَكَوْنِهِ طَرْدِيًّا، وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ حُصُولَ الرِّفْقِ التَّامِّ بِشَرْعِيَّةِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ الْمُنْتَهِضِ مُؤَثِّرًا فِي إيجَابِ الشُّكْرِ إذَا حَجَّ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ الَّتِي اعْتَمَرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْقَاطِنِينَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقهُمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ نَحْوُ مَا يَلْحَقُ الْآفَاقِيَّ بِمَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ فَكَانَ فَائِدَةُ شَرْعِيَّةِ الْعُمْرَةِ فِيهَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ هُوَ الظَّاهِرَ فَنَاسَبَ أَنْ يُخَصَّ هُوَ بِشَرْعِيَّةِ الْمُتَمَتِّعِ فَكَانَ قَيْدُ حُضُورِ الْأَهْلِ فِي الْحَرَمِ ظَاهِرَ الِاعْتِبَارِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّمَتُّعِ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ الْإِتْمَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ. فَالْمَذَاهِبُ ثَلَاثَةٌ: مَذْهَبُنَا: يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا إذَا أَدَّى أَكْثَرَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَهَا. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ: إذَا أَتَمَّهَا فِيهَا وَإِنْ فَعَلَ الْأَكْثَرَ خَارِجَهَا. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ. وَعِنْدَنَا هُوَ

وَلِأَنَّ التَّرَفُّقَ بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ، وَالْمُتَمَتِّعُ مُتَرَفِّقٌ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سُفْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. قَالَ (: وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) كَذَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِمُضِيِّ عَشْرِ ذِي الْحَجَّةِ، وَمَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَوَاتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطٌ فَلَا يَكُونُ مِنْ مُسَمَّى الْعُمْرَةِ. هَذَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَانِ أَيْضًا أَنْ يَفْعَلَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَكَأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ أَحْرَمَ بِهِمَا ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ قَارِنٌ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٌ لِذَلِكَ، وَأَنَّ الْحَقَّ اشْتِرَاطُ فِعْلِ أَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: كَذَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) الْعَبَادِلَةُ فِي عُرْفِ أَصْحَابِنَا

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ لَا كُلُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَفِي عُرْفِ غَيْرِهِمْ أَرْبَعَةٌ أَخْرَجُوا ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَدْخَلُوا ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ. وَغَلَّطُوا صَاحِبَ الصِّحَاحِ إذْ أَدْخَلَ ابْنَ مَسْعُودِ وَأَخْرَجَ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قِيلَ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ تَقَدَّمَتْ وَفَاتُهُ وَهَؤُلَاءِ عَاشُوا حَتَّى اُحْتِيجَ إلَى عِلْمِهِمْ. وَلَا يُخْفَى أَنَّ سَبَبَ غَلَبَةِ لَفْظِ الْعَبَادِلَةِ فِي بَعْضِ مِنْ سُمِّيَ بِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ نَحْوُ مِائَتَيْ رَجُلٍ لَيْسَ إلَّا لِمَا يُؤْثَرُ عَنْهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَعْلَمَهُمْ، وَلَفْظُ عَبْدِ اللَّهِ إذَا أُطْلِقَ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ انْصَرَفَ إلَيْهِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الْعَبَادِلَةِ أَوْلَى مِنْ الْبَاقِينَ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا غَلَبَةَ فِي اعْتِبَارِهِ جُزْءِ الْمُسَمَّى فَلَا مُشَاحَّةَ فِي وَضْعِ الْأَلْفَاظِ. ثُمَّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا. وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ قَالَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ، إنَّ هَذِهِ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ أَشْهُرُ الْعُمْرَةِ إنَّمَا هِيَ لِلْحَجِّ وَإِنْ كَانَ عَمَلُ الْحَجِّ قَدْ انْقَضَى بِانْقِضَاءِ أَيَّامِ مِنًى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَخْرَجَ يَوْمَ النَّحْرِ عَنْهَا فَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَاسْتَبْعَدَ بِاسْتِبْعَادٍ أَنْ يُوضَعَ لِأَدَاءِ رُكْنِ عِبَادَةٍ وَقْتٌ لَيْسَ وَقْتَهَا وَلَا هُوَ مِنْهُ. وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ قَدِمَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى وَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ فَإِنَّهُ لَا سَعْيَ عَلَيْهِ عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِوُقُوعِ ذَلِكَ السَّعْيِ مُعْتَدًّا بِهِ، وَأَيْضًا لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ وَأَيْضًا لَوْ أَحْرَمَ بِعَمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَتَى بِأَفْعَالِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ بِالْحَجِّ وَبَقِيَ

(فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ عَلَيْهَا جَازَ إحْرَامُهُ وَانْعَقَدَ حَجًّا) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ عِنْدَهُ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهُ الطَّهَارَةَ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحْرِيمُ أَشْيَاءَ وَإِيجَابُ أَشْيَاءَ، وَذَلِكَ يَصِحُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَصَارَ كَالتَّقْدِيمِ عَلَى الْمَكَانِ. قَالَ: (وَإِذَا قَدِمَ الْكُوفِيُّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَفَرَغَ مِنْهَا وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ ثُمَّ اتَّخَذَ مَكَّةَ أَوْ الْبَصْرَةَ دَارًا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَرَفَّقَ بِنُسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحْرِمًا إلَى قَابِلٍ فَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُوجِبُ أَنْ يُوضَعَ مَكَانَ قَوْلِهِمْ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فِي تَصْوِيرِ الْمُتَمَتِّعِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ عَلَيْهَا جَازَ) لَكِنَّهُ يُكْرَه، فَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الشَّرْطَ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْأَفْعَالِ وَالرُّكْنِ، وَلِذَا إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ عَنْ الْفَرْضِ، فَالْجَوَازُ لِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ، وَالْكَرَاهَةُ لِلثَّانِي. وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ وَالْكَرَاهَةُ لِلطُّولِ الْمُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِهِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا إذَا اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا حَتَّى صَارَ مُتَمَتِّعًا بِالِاتِّفَاقِ (وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا اتَّخَذَ الْبَصْرَةَ دَارًا (فَقِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ) كَالْأَوَّلِ، قَالَهُ الْجَصَّاصُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ (وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ)

مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً وَنُسُكَاهُ هَذَانِ مِيقَاتِيَّانِ. وَلَهُ أَنَّ السَّفْرَةَ الْأُولَى قَائِمَةٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ نُسُكَانِ فِيهَا فَوَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ (فَإِنْ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا وَفَرَغَ مِنْهَا وَقَصَّرَ ثُمَّ اتَّخَذَ الْبَصْرَةَ دَارًا ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: هُوَ مُتَمَتِّعٌ) ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ سَفَرٍ وَقَدْ تَرَفَّقَ فِيهِ بِنُسُكَيْنِ. وَلَهُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى سَفَرِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ (فَإِنْ كَانَ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ هَذَا إنْشَاءُ سَفَرٍ لِانْتِهَاءِ السَّفَرِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ نُسُكَانِ صَحِيحَانِ فِيهِ، وَلَوْ بَقِيَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْبَصْرَةِ حَتَّى اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ مَكِّيَّةٌ وَالسَّفَرُ الْأَوَّلُ انْتَهَى بِالْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ. (وَمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَأَيُّهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ وَهِيَ مَا إذَا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ تَرَجَّحَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ فِيهَا عَلَى أَنَّ سَفَرَهُ الْأَوَّلَ انْتَقَضَ بِقَصْدِ الْبَصْرَةِ وَالنُّزُولِ بِهَا وَنَحْوِهَا كَالطَّائِفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ خَارِجُ الْمَوَاقِيتِ أَوْ لَا، فَعِنْدَهُمَا نَعَمْ، فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّقُ بِالنُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ اتَّخَذَ الْبَصْرَةَ دَارًا ثُمَّ قَدِمَ بِعُمْرَةِ قَضَاءٍ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ السَّفَرُ انْتَهَى بِالْفَاسِدَةِ، وَهَذَا سَفَرٌ آخَرُ حَصَلَ فِيهِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ. وَعِنْدَهُ لَا فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي الْأُولَى لِحُصُولِهِمَا صَحِيحَيْنِ فِي سَفْرَةِ وَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْهُمَا صَحِيحَيْنِ فِي السَّفْرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَتَقْيِيدُهُمْ بِكَوْنِهِ اتَّخَذَ

أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ (وَسَقَطَ دَمُ الْمُتْعَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّقْ بِأَدَاءِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ (وَإِذَا تَمَتَّعَتْ الْمَرْأَةُ فَضَحَّتْ بِشَاةٍ لَمْ يُجِزْهَا عَنْ الْمُتْعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الرَّجُلِ. (وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَصَنَعَتْ كَمَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَصْرَةَ وَنَحْوَهَا دَارًا اتِّفَاقِيٌّ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارًا أَوْ لَا، صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: فَأَمَّا إذَا عَادَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ كَالْبَصْرَةِ مَثَلًا وَاِتَّخَذَ هُنَاكَ دَارًا أَوْ لَمْ يَتَّخِذْ تَوَطَّنَ بِهَا أَوْ لَمْ يَتَوَطَّنْ إلَخْ، وَإِذَا رَجَعْت إلَى مَا سَمِعْت مِنْ قَرِيبٍ مِنْ أَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى مَكَان كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِهِ إذَا كَانَ قَصْدُهُ إلَيْهِ زَالَ الرَّيْبُ. [فُرُوعٌ] لَوْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَمَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْحَرَمَ شَرْطَ جَوَازِ الْحَلْقِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَذَكَرَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَالَ: وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَمَا طَافَ أَكْثَرَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ كُلِّهِ وَلَمْ يَحِلَّ وَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا ثُمَّ عَادَ وَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. لَهُ أَنَّهُ أَدَّى الْعُمْرَةَ بِسَفْرَتَيْنِ وَأَكْثَرُهَا حَصَلَ فِي السَّفَر الْأَوَّلِ وَهَذَا يَمْنَعُ التَّمَتُّعَ. وَلَهُمَا أَنَّ إلْمَامَهُ لَمْ يَصِحَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْعَوْدُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لَا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ. وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَمَّهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا. وَلَوْ أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ وَمَضَى فِيهَا حَتَّى أَتَمَّهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِأَهْلِهِ صَارَ مِنْ أَهْلِ التَّمَتُّعِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ. وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْفَاسِدَةِ لَمْ يَخْرُجْ أَوْ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَى عُمْرَتَهُ وَحَجَّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، حَتَّى لَوْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُسِيئًا وَعَلَيْهِ لِإِسَاءَتِهِ دَمٌ. وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ إتْمَامِ الْفَاسِدَةِ إلَى خَارِجِ الْمَوَاقِيتِ كَالطَّائِفِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لِأَهْلِهِ الْمُتْعَةُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ الْفَاسِدَةِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ. عِنْدَهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ

لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ حَاضَتْ بِسَرِفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ عَلَى سَفَرِهِ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ فَحِينَ فَرَغَ مِنْ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَهَا مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَلَمَّا خَرَجَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا فَقَضَاهَا صَارَ مُلِمًّا بِأَهْلِهِ كَمَا فَرَغَ فَيَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ، كَالْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ ثُمَّ عَادَ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامٍ. وَعِنْدَهُمَا مُتَمَتِّعٌ لِانْتِهَاءِ سَفَرِهِ الْأَوَّلِ. فَهُوَ حِينَ عَادَ آفَاقِيٌّ فَعَلَهُمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، هَذَا إذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْسَدَهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَقَضَى عُمْرَتَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ اتِّفَاقًا وَهُوَ كَمَكِّيِّ تَمَتَّعَ فَيَكُونُ مُسِيئًا وَعَلَيْهِ دَمٌ. فَلَوْ عَادَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْمُتْعَةُ ثُمَّ عَادَ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ عَادَ فَقَضَاهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ. فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: فِي وَجْهٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ مَا إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ خَارِجَ الْمَوَاقِيتِ. وَفِي وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ مَا إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوْلِ أَدْرَكَهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّمَتُّعِ، وَفِي الثَّانِي أَدْرَكَتْهُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ حَتَّى يَلْحَقَ بِأَهْلِهِ. وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُتَمَتِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى انْقِضَاءِ السَّفْرَةِ الْأُولَى بِلُحُوقِهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَحِقَ بِأَهْلِهِ. هَذَا وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ مُجَاوَزَةٍ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ، وَيَحِلُّ لَهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا لَمْ يُرِيدُوا النُّسُكَ إلَّا مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَوْدِ إلَى الْأَهْلِ. قَالَ: لَوْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَلَّ ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ أَوْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى مِيقَاتِ نَفْسِهِ مُلْحَقٌ بِالْأَهْلِ مِنْ وَجْهٍ. وَلَوْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ مِيقَاتِ نَفْسِهِ وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْمُتْعَةُ اتَّخَذَ دَارًا أَوْ لَا تَوَطَّنَ أَوْ لَا، ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ هُنَاكَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْإِلْحَاقِ بِالْأَهْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهِ، وَقَالَا: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا اهـ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَالَتْ: «خَرَجْنَا لَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ فَدَخَلَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَبْكَى فَقَالَ: مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ. فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» . وَأَخْرَجَا عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ عَائِشَةُ، حَتَّى إذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ، فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ وَتَطَيَّبْنَا وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ، قَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ، حَتَّى إذَا

وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْوُقُوفَ فِي الْمَفَازَةِ، وَهَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُفِيدًا. (فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ انْصَرَفَتْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِطَوَافِ الصَّدْرِ) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ» . (وَمَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَنْ يُصْدَرُ إلَّا إذَا اتَّخَذَهَا دَارًا بَعْدَمَا حَلَّ النَّفَرُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيَرْوِيهِ الْبَعْضُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQطَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ، قَالَ: فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ» اهـ. وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يَكْتَفِي لَهُمَا بِطَوَافٍ وَاحِدٍ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَمَعْنَى حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِك وَعُمْرَتِك لَا يَسْتَلْزِمُ الْخُرُوجَ مِنْهُمَا بَعْدَ قَضَاءِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ يَجُوزُ ثُبُوتُ الْخُرُوجِ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا، وَيَكُونُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ «يَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ فَأَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا، وَأَمَرَ أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ» وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَطُفْ لِلْحَيْضِ حَتَّى وَقَفَتْ بِعَرَفَةَ صَارَتْ رَافِضَةً لِلْعُمْرَةِ، وَسُكُوتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ سَأَلَتْهُ إنَّمَا يَقْتَضِي تَرَاخِيَ الْقَضَاءِ لَا عَدَمَ لُزُومِهِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ) يَعْنِي وَلَا يَحِلُّ لِلْحَائِضِ دُخُولُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَةَ الطَّوَافِ مِنْ وَجْهَيْنِ: دُخُولُهَا الْمَسْجِدَ وَتَرْكُ وَاجِبِ الطَّوَافِ، فَإِنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِنْ طَافَتْ كَانَتْ عَاصِيَةً مُسْتَحِقَّةً لِعِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَزِمَهَا الْإِعَادَةُ، فَإِنْ لَمْ تُعِدْهُ كَانَ عَلَيْهَا بَدَنَةٌ، وَتَمَّ حَجُّهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ

[باب الجنايات]

[بَابُ الْجِنَايَاتِ] ِ (وَإِذَا تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابُ الْجِنَايَاتِ) بَعْدَ ذِكْرِ أَقْسَامِ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ عَوَارِضَ لَهُمْ وَلِلْحَرَمِ، الْجِنَايَةُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا تَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَطَيَّبَ) يُفِيدُ مَفْهُومُ شَرْطِهِ أَنَّهُ إذَا شَمَّ الطِّيبَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ تَطَيُّبًا، بَلْ التَّطَيُّبُ تَكَلُّفُ جَعْلِ نَفْسِهِ طَيِّبًا، وَهُوَ أَنْ يُلْصِقَ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ طِيبًا وَهُوَ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَالزَّعْفَرَانُ وَالْبَنَفْسَجُ وَالْيَاسَمِينُ وَالْغَالِيَةُ وَالرَّيْحَانُ وَالْوَرْدُ وَالْوَرْسُ وَالْعُصْفُرُ طِيبٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقُسْطُ طِيبٌ. وَفِي الْخِطْمِيِّ اخْتِلَافُهُمْ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ بَدَنِهِ وَإِزَارِهِ وَفِرَاشِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَوَسَّدَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِالزَّعْفَرَانِ وَلَا يَنَامُ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُحْرِمِ شَيْءٌ بِشَمِّ الطِّيبِ وَالرَّيَاحِينِ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا شَمُّ الثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ كَالتُّفَّاحِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، كَرِهَهُ عُمَرُ وَجَابِرٌ، وَأَجَازَهُ عُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشُدَّ مِسْكًا فِي طَرَفِ إزَارِهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ. وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَعَلِقَ بِثَوْبِهِ رَائِحَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجْمَرَهُ هُوَ. قَالُوا إنْ أَجْمَرَ ثَوْبُهُ: يَعْنِي بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَكَانَ الْمَرْجِعُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ الْعُرْفَ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَمَا يَقَعُ عِنْدَ الْمُبْتَلَى. وَمَا فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَمَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا يُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَقَبْضَةٌ، يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ بِالزَّمَانِ. وَلَا بَأْسَ بِشَمِّ الطِّيبِ الَّذِي تَطَيَّبَ بِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَبَقَائِهِ عَلَيْهِ. وَلَوْ انْتَقَلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان مِنْ بَدَنِهِ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَطَيَّبَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَكَفَّرَ ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ الطِّيبُ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ بِالْبَقَاءِ جَزَاءٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مَحْظُورًا فَكَانَ كُلُّهُ مَحْظُورًا فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالرِّوَايَةُ تُوَافِقُهُ. فِي الْمُنْتَقَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَسَّ طِيبًا كَثِيرًا فَأَرَاقَ لَهُ دَمًا ثُمَّ تَرَكَ الطِّيبَ عَلَى حَالِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ

فَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّأْسِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ، وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُوجِبِ (وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) ؛ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ. وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ رُبُعَ الْعُضْوِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ وَاجِبُ الدَّمِ يَتَأَدَّى بِالشَّاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ نَذْكُرُهُمَا فِي بَابِ الْهَدْيِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَمٌ آخَرُ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَتَرَكَ الطِّيبَ. (قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ بَيْنَ أَنْ يُطَيِّبَ عُضْوًا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ كَالْيَدِ وَالسَّاقِ وَنَحْوِهِمَا. وَفِي الْفَتَاوَى: كَالرَّأْسِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ أَوْ أَزِيدَ إلَى أَنْ يَعُمَّ كُلَّ الْبَدَنِ، وَيَجْمَعُ الْمُفَرَّقَ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا فَدَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ. فَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامَيْنِ. ثُمَّ إنَّمَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَطَيُّبِ كُلِّ الْبَدَنِ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ. وَإِنْ دَاوَى قُرْحَةً بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ ثُمَّ خَرَجَتْ قُرْحَةٌ أُخْرَى فَدَاوَاهَا مَعَ الْأُولَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ تَبْرَأْ الْأُولَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَصْدِهِ وَعَدَمِهِ. فِي الْمَبْسُوطِ: اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَأَصَابَ يَدَهُ أَوْ فَمَهُ خَلُوقٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ زَمَانًا أَوْ لَا؟ فِي الْمُنْتَقَى: إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ طِيبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لُبْسِ الْقَمِيصِ لَا يَجِبُ الدَّمُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ الْيَوْمِ قَالَ: لِأَنَّ الطِّيبَ يَعْلَقُ بِهِ، فَقُلْت: وَإِنْ اغْتَسَلَ مِنْ سَاعَتِهِ؟ قَالَ: وَإِنْ اغْتَسَلَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَفِيهِ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: خَلُوقُ الْبَيْتِ وَالْقَبْرِ إذَا أَصَابَ ثَوْبَ الْمُحْرِمِ فَحَكَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَإِنْ أَصَابَ جَسَدَهُ مِنْهُ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ الدَّمُ. اهـ. وَهَذَا يُوجِبُ التَّرَدُّدَ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ: إنْ مَسَّ طِيبًا فَإِنْ لَزِقَ بِهِ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَلْزَقْ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا لَزِقَ بِهِ كَثِيرًا فَاحِشًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَفِي الْفَتَاوَى: لَا يَمَسُّ طِيبًا بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّطَيُّبَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ فِي الطِّيبِ وَالْقِلَّةِ فِي الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ. قَالَ فِي بَابٍ: إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِاعْتِبَارِهِمَا فِي الْعُضْوِ وَبَعْضِهِ. وَوَفَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إنْ كَانَ كَثِيرًا كَكَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ وَفِي الْمِسْكِ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ فَفِيهِ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ قَلِيلًا وَهُوَ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاسُ فَالْعِبْرَةُ لِتَطْيِيبِ عُضْوَيْهِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ طَيَّبَ بِهِ عُضْوًا كَامِلًا فَفِيهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ فِي نَفْسِهِ، وَالتَّوْفِيقُ هُوَ التَّوْفِيقُ. (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَرْقَ) أَيْ بَيْنَ حَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ وَتَطْيِيبِ رُبُعِ الْعُضْوِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ قَرِيبًا وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ. وَمَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ طَيَّبَ شَارِبَهُ كُلَّهُ أَوْ بِقَدْرِهِ مِنْ لِحْيَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فِي الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ) مَوَاضِعُ الْبَدَنَةِ أَرْبَعَةٌ: مَنْ طَافَ الطَّوَافَ الْمَفْرُوضِ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، أَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. لَكِنَّ الْقُدُورِيَّ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ كَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى اسْتِعْلَامِ لُزُومِ الْبَدَنَةِ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بِالدَّلَالَةِ مِنْ

نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَالَ (فَإِنْ خَضَبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَإِنْ صَارَ مُلَبَّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّطَيُّبِ وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ. وَلَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطِيبٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ؛ لِأَجْلِ الْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الرَّأْسِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ دَلَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ. (فَإِنْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الشَّعْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ ارْتِفَاقًا بِمَعْنَى قَتْلِ الْهَوَامِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُنُبِ؛ إمَّا لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْغِلَظِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُمَا أَغْلَظُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ قُرْبَانِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ جَنَابَتِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ) فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) مُنَوَّنًا؛ لِأَنَّهُ فِعَالٍ لَا فَعْلَاءَ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلْفُ التَّأْنِيثِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَكَذَا إذَا خَضَّبَتْ امْرَأَةٌ يَدَهَا؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً مُسْتَلَذَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً (قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ إلَى النَّسَائِيّ وَلَفْظُهُ «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ التَّكَحُّلِ وَالدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَهَذَا إذَا كَانَ مَائِعًا، فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَلَبَّدَ الرَّأْسَ فَفِيهِ دَمَانِ لِلطِّيبِ وَالتَّغْطِيَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إذَا دَاوَمَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً عَلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعِهِ، وَكَذَا إذَا غَلَّفَ الْوَسْمَةَ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا صَحِيحٌ) أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ مُوجِبَةٌ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهَا لِلْعِلَاجِ، فَلِهَذَا ذَكَرَ الْجَزَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّمَ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْجَوَامِعِ: إنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالتَّلْبِيدُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْخِطْمِيِّ وَالْآسِ وَالصَّمْغِ فَيَجْعَلَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ لِيَتَلَبَّدَ. وَمَا ذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ الْبَصْرَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَحَسُنَ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِلتَّغْطِيَةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ التَّغْطِيَةِ الْكَائِنَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ التَّطَيُّبِ. وَفِي سِينِ الْوَسْمَةِ الْإِسْكَانُ وَالْكَسْرُ: وَهُوَ نَبْتٌ يُصْبَغُ بِوَرَقِهِ، فَإِنْ لَمْ يُغَلَّفْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْغُسْلِ بِالْأُشْنَانِ وَالسِّدْرِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُلَيِّنُ الشَّعْرَ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ) خَصَّهُ مِنْ بَيْنَ الْأَدْهَانِ الَّتِي لَا رَائِحَةَ لَهَا لِيُفِيدَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ نَفْيَ الْجَزَاءِ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْأَدْهَانِ كَالشَّحْمِ وَالسَّمْنِ،

وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ فَكَانَتْ جِنَايَةً قَاصِرَةً. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ، وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ وَيُزِيلُ التَّفَثَ وَالشَّعَثَ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فَتُوجِبُ الدَّمَ، وَكَوْنُهُ مَطْعُومًا لَا يُنَافِيهِ كَالزَّعْفَرَانِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْخَلِّ الْبَحْتِ. أَمَّا الْمُطَيِّبُ مِنْهُ كَالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَجِبُ بِاسْتِعْمَالِهِ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، وَلَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ أَوْ طِيبٌ مِنْ وَجْهِ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا بُدَّ عَلَى هَذَا مِنْ كَوْنِهِ عَمَّمَ الزَّيْتَ فِي الْخَلِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخَلَّ كَالزَّيْتِ فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ الدَّمَ عَيْنًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا دَهَنَ كُلَّهُ أَوْ عُضْوًا لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ إلْحَاقًا بِكَسْرِ بَيْضِ الصَّيْدِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِيمَتُهُ فَاحْتَاجَ إلَى جَعْلِهِ جُزْءَ عِلَّةٍ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَمَنْ اكْتَفَى بِذَلِكَ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ فَقَصَدَ الْإِلْحَاقِ فِي لُزُومِ الدَّمِ فِي الْجَزَاءِ فِي الْجُمْلَةِ احْتِجَاجًا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ الشَّعْرِ مِنْ بَدَنِهِ فَإِنَّهُ حَكَى خِلَافَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ وَجْهَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ فِي لُزُومِ الصَّدَقَةِ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِيهِ: فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ أَصْلِ الطِّيبِ مَا يَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ كَكَسْرِ بَيْضِ الصَّيْدِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَصْلَ الطِّيبِ أَنَّهُ يُلْقَى فِيهِ الْأَنْوَارُ كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ نَفْسُهُ طِيبًا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ) أَيْ الْخَالِصِ (وَالْخَلِّ الْبَحْتِ) هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ (أَمَّا الْمُطَيَّبُ مِنْهُ) وَهُوَ مَا أُلْقِيَ فِيهِ الْأَنْوَارُ (كَالزِّنْبَقِ) بِالنُّونِ وَهُوَ الْيَاسَمِينُ وَدُهْنُ الْبَانِ وَالْوَرْدِ (فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِهِ بِالِاتِّفَاقِ الدَّمُ) إذَا كَانَ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ) أَيْ الزَّيْتَ الْخَالِصَ أَوْ الْخَلَّ، لَمَّا لَمْ يَكُنْ طِيبًا كَامِلًا اُشْتُرِطَ فِي لُزُومِ الدَّمِ بِهِمَا اسْتِعْمَالَهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، فَلَوْ أَكَلَهُمَا أَوْ دَاوَى بِهِمَا شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنَيْهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَلِذَا جَعَلَ الْمَنْفِيَّ الْكَفَّارَةَ لِيَنْتَفِيَ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ، بِخِلَافِ الْمِسْكِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْعَنْبَرِ وَالْغَالِيَةِ وَالْكَافُورِ حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَزَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي، لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَكَذَا إذَا أَكَلَ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ وَهُوَ مَا يَلْزَقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَهَذِهِ تَشْهَدُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ مُطْلَقًا فِي لُزُومِ الدَّمِ، بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. ثُمَّ الْأَكْلُ الْمُوجِبُ أَنْ يَأْكُلَهُ كَمَا هُوَ، فَإِنْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ قَدْ طُبِخَ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْأَفَاوِيهِ مِنْ الزَّنْجَبِيلِ وَالدَّارَصِينِيِّ يُجْعَلُ فِي الطَّعَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ السِّكْبَاجَ الْأَصْفَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ بَلْ خَلَطَهُ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ كَالْمِلْحِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ مَوْجُودَةً كُرِهَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَإِنَّهُ كَالْمُسْتَهْلَكِ، أَمَّا إذَا كَانَ غَالِبًا فَهُوَ كَالزَّعْفَرَانِ الْخَالِصِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْغَالِبِ عَدَمًا عَكْسُ الْأُصُولِ وَالْمَعْقُولِ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ. وَلَوْ خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ وَهُوَ غَالِبٌ فَفِيهِ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَصَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِرَارًا فَدَمٌ. فَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ تَدَاوِيًا تَخَيَّرَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: فِيمَا إذَا اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ

التَّطَيُّبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ. (وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُ تَفْسِيرَ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا أَنَّهُ الْكَثْرَةُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي نَفْسِ الطِّيبِ الْمُخَالِطِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فِي الْكُحْلِ وَيُشْعِرُ بِالْخِلَافِ، لَكِنْ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ: يَعْنِي الْكُحْلَ فَفِيهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ، لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ لَحَكَاهُ ظَاهِرًا كَمَا هُوَ عَادَةُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ مَوْضِعَ الْخِلَافِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يُفِيدُهُ تَنْصِيصُهُ عَلَى الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ وَمَا فِي الْكَافِي الْمِرَارُ الْكَثِيرُ، هَذَا فَإِنْ كَانَ الْكُحْلُ عَنْ ضَرُورَةٍ تَخَيَّرَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا إذَا تَدَاوَى بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ فَأَلْزَقَهُ بِجِرَاحَتِهِ أَوْ شَرِبَهُ شُرْبًا. وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ غَسَلَ بِأُشْنَانٍ فِيهِ طِيبٌ فَإِنْ كَانَ مَنْ رَآهُ سَمَّاهُ أُشْنَانًا فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ سَمَّاهُ طِيبًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ. اهـ. وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ طِيبًا لَكِنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ. وَلَهُ مَنْعُ نَفْيِ الطِّيبِ مُطْلَقًا بَلْ لَهُ رَائِحَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً فَكَانَ كَالْحِنَّاءِ مَعَ قَتْلِهِ الْهَوَامَّ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَأُوِّلَ بِمَا إذَا غَسَلَ بِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ. وَعَنْهُ فِي أُخْرَى أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ لِلتَّطَيُّبِ وَالتَّغْلِيفِ، قِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ، وَقَوْلُهُمَا فِي خِطْمِيِّ الشَّامِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ فَلَا خِلَافَ. وَقِيلَ بَلْ الْخِلَافُ فِي الْعِرَاقِ. وَلَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ أَوْ الْحُرُضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَقَالُوا: لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا إلَخْ) لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الدَّمِ بَيْنَ مَا إذَا أَحْدَثَ اللُّبْسَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ لَابِسُهُ فَدَامَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً عَلَيْهِ، بِخِلَافِ انْتِفَاعِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالطِّيبِ السَّابِقِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ لِلنَّصِّ فِيهِ وَلَوْلَاهُ لَأَوْجَبْنَا فِيهِ أَيْضًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُخْتَارًا فِي اللُّبْسِ أَوْ مُكْرَهًا عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا فَغَطَّى إنْسَانٌ رَأْسَهُ لَيْلَةً أَوْ وَجْهَهُ حَتَّى يَجِبَ الْجَزَاءُ عَلَى النَّائِمِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ حَصَلَ لَهُ، وَعَدَمُ الِاخْتِيَارِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ عَنْهُ لَا الْمُوجِبَ عَلَى مَا عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي مَوَاضِعَ. وَالتَّقْيِيدُ بِثَوْبٍ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا لَيْسَ بِمُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، بَلْ لَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ الْقَمِيصَ وَالْعِمَامَةَ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَالْإِيلَاجَاتِ فِي الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لُبْسٌ وَاحِدٌ وَقَعَ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ فِيمَا عَلَى الْمُفْرِدِ فِيهِ دَمٌ، وَكَذَا لَوْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا أَوْ كَانَ يَنْزِعُهَا لَيْلًا وَيُعَاوِدُ لُبْسَهَا نَهَارًا أَوْ يَلْبَسُهَا لَيْلًا لِلْبَرْدِ وَيَنْزِعُهَا نَهَارًا مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ الْخَلْعِ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَيُعْتَبَرُ اللُّبْسُ الثَّانِي لُبْسًا مُبْتَدَأً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يُكَفِّرْ فَاللُّبْسُ عَلَى حَالِهِ فَهُوَ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَّرَ عَلَى مَا قَرَّرْنَا. وَهُمَا يَقُولَانِ: لَمَّا نَزَعَ عَلَى عَزْمِ التَّرْكِ نَقْطَعُ حُكْمَ اللُّبْسِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي مُبْتَدَأً. فَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّزْعَ مَعَ عَزْمِ التَّرْكِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ اللُّبْسَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ التَّكْفِيرُ. وَلَوْ لَبِسَ يَوْمًا فَأَرَاقَ دَمًا ثُمَّ دَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا آخَرَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَى اللُّبْسِ كَابْتِدَائِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى

وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ الدَّمُ بِنَفْسِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ يَتَكَامَلُ بِالِاشْتِمَالِ عَلَى بَدَنِهِ. وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى التَّرَفُّقِ مَقْصُودٌ مِنْ اللُّبْسِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ؛ لِيَحْصُلَ عَلَى الْكَمَالِ وَيَجِبُ الدَّمُ، فَقُدِّرَ بِالْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ فِيهِ ثُمَّ يُنْزَعُ عَادَةً وَتَتَقَاصَرُ فِيمَا دُونَهُ الْجِنَايَةُ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقَامَ الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَخِيطِ فَدَامَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَوْمًا إذْ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اتِّحَادِ الْجَزَاءِ إذَا لَبِسَ جَمِيعَ الْمَخِيطِ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّدْ سَبَبُ اللُّبْسِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ، فَإِنَّ لُبْسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا. وَكَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يُضْطَرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ قَمِيصًا وَجُبَّةً أَوْ اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَةٍ، وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ وَغَيْرَهَا كَالْقَلَنْسُوَةِ مَعَ الْقَمِيصِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ يَتَخَيَّرُ فِي إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَا لِلضَّرُورَةِ، وَالْأُخْرَى لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا وَهِيَ مَا لِغَيْرِهَا. وَمِنْ صُوَرِ تَعَدُّدِ السَّبَبِ وَاتِّحَادِهِ مَا إذَا كَانَ بِهِ مَثَلًا حُمَّى يَحْتَاجُ إلَى اللُّبْسِ لَهَا وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ فِي وَقْتِ زَوَالِهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَإِنْ تَعَدَّدَ اللُّبْسِ مَا لَمْ تَزُلْ عَنْهُ. فَإِنْ زَالَتْ وَأَصَابَهُ مَرَضٌ آخَرُ أَوْ حُمَّى غَيْرُهَا وَعَرَفَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأُولَى، فَإِنْ كَفَّرَ فَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَكَذَا إذَا حَصَرَهُ عَدُوٌّ فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لِلْقِتَالِ أَيَّامًا يَلْبَسُهَا إذَا خَرَجَ إلَيْهِ وَيَنْزِعُهَا إذَا رَجَعَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ، فَإِنْ ذَهَبَ وَجَاءَ عَدُوٌّ غَيْرَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافِهَا لَا إلَى ضَرُورَةِ اللُّبْسِ كَيْفَ كَانَتْ. وَلَوْ لَبِسَ لِلضَّرُورَةِ فَزَالَتْ فَدَامَ بَعْدَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَمَا دَامَ فِي شَكٍّ مِنْ زَوَالِ الضَّرُورَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَيَقَّنَ زَوَالَهَا فَاسْتَمَرَّ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: فِي سَاعَةٍ نِصْفُ صَاعٍ. وَفِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ قَبْضَةٌ مِنْ بُرٍّ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ؛ لِيَحْصُلَ عَلَى الْكَمَالِ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الِارْتِفَاقَ يَتَكَامَلُ بِالِاشْتِمَالِ بَلْ مُجَرَّدُ الِاشْتِمَالِ، ثُمَّ النَّزْعِ فِي الْحَالِ لَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ بِهِ ارْتِفَاقًا فَضْلًا عَنْ كَمَالِهِ. وَقَوْلُهُ فِي وَجْهِ التَّقْدِيرِ بِيَوْمٍ (لِأَنَّهُ يَلْبَسُ فِيهِ ثُمَّ يَنْزِعُ عَادَةً) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْيَوْمِ بَلْ لُبْسُ اللَّيْلَةِ الْكَامِلَةِ كَالْيَوْمِ؛ لِجَرَيَانِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِيهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَقَامَ الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ) كَمَا اعْتَبَرَهُ فِي كَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي لُبْسِ بَعْضِ الْيَوْمِ قِسْطُهُ مِنْ الدَّمِ كَثُلُثِ الْيَوْمِ

وَلَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اتَّشَحَ بِهِ أَوْ ائْتَزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ. وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ خِلَافًا لِزَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ مَا لَبِسَهُ لُبْسَ الْقَبَاءِ وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ. وَالتَّقْدِيرُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا غَطَّى جَمِيعَ رَأْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، وَلَوْ غَطَّى بَعْضَ رَأْسِهِ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اعْتَبَرَ الرُّبُعَ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ وَالْعَوْرَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْبَعْضِ اسْتِمْتَاعٌ مَقْصُودٌ يَعْتَادُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ ثُلُثُ الدَّمِ وَفِي نِصْفِهِ نِصْفُهُ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجْرِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ) لُبْسُ الْمِخْيَطِ أَنْ يَحْصُلَ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ اشْتِمَالٌ عَلَى الْبَدَنِ وَاسْتِمْسَاكٌ، فَأَيُّهُمَا انْتَفَى انْتَفَى لُبْسُ الْمَخِيطِ؛ وَلِذَا قُلْنَا فِيمَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ دُونَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَذَا إذَا لَبِسَ الطَّيْلَسَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِرَّهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الِاسْتِمْسَاكِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ زَرَّ الْقَبَاءَ أَوْ الطَّيْلَسَانَ يَوْمًا لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِحُصُولِ الِاسْتِمْسَاكِ بِالزِّرِّ مَعَ الِاشْتِمَالِ بِالْخِيَاطَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَقَدَ الرِّدَاءَ أَوْ شَدَّ الْإِزَارَ بِحَبْلٍ يَوْمًا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ لِلشَّبَهِ بِالْمَخِيطِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ الِاشْتِمَالِ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ. وَفِي إدْخَالِ الْمَنْكِبَيْنِ الْقَبَاءَ خِلَافُ زُفَرَ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْتُقَ السَّرَاوِيلَ إلَى مَوْضِعِ التِّكَّةِ فَيَأْتَزِرَ بِهِ، وَأَنْ يَلْبَسَ الْمُكَعَّبَ الَّذِي لَا يَبْلُغُ إذَا كَانَ فِي وَسَطِ الْقَدَمِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ حِينَئِذٍ هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِإِطْلَاقِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْجَوْرَبِ فَإِنَّهُ كَالْخُفِّ فَلُبْسُهُ يَوْمًا مُوجِبٌ لِلدَّمِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَطَّى بَعْضَ رَأْسِهِ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ الرُّبُعِ) إنْ بَلَغَ قَدْرَ الرُّبُعِ فَدَامَ يَوْمًا لَزِمَهُ دَمٌ (اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ وَالْعَوْرَةِ) حَيْثُ يَلْزَمُ الدَّمُ بِحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ، وَفَسَادُ الصَّلَاةِ بِكَشْفِ رُبُعِ الْعَوْرَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْبَعْضِ اسْتِمْتَاعٌ مَقْصُودٌ يَعْتَادُهُ بَعْضُ النَّاسِ) يَصْلُحُ إبْدَاءً لِلْجَامِعِ: أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا وَجَبَ فِي حَلْقِ الرُّبُعِ الدَّمُ وَهِيَ الِارْتِفَاقُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَكْمَلُ مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِي تَغْطِيَةِ الْبَعْضِ؛ وَلِذَا يَعْتَادُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَعْتَادُهُ تَحْصِيلًا لِلِارْتِفَاقِ وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا، وَإِنْ كَانَ الْجَامِعُ هَذَا فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الْعَوْرَةِ أَصْلًا لِانْتِفَاءِ هَذَا الْجَامِعِ، إذْ لَيْسَ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِانْكِشَافِ الرُّبُعِ لِذَلِكَ بَلْ لِعَدِّهِ كَثِيرًا عُرْفًا، وَلَيْسَ الْمُوجِبُ هَذَا هُنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِإِقَامَةِ الْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلِ الْوَاقِعِ فِيهِمَا التَّغْطِيَةُ وَاللُّبْسُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ هُنَا لَيْسَ إلَّا لِثُبُوتِ الِارْتِفَاقِ كَامِلًا وَعَدَمِهِ، وَكَذَا إذَا غَطَّى رُبُعَ وَجْهِهِ أَوْ غَطَّتْ الْمَرْأَةُ رُبُعَ وَجْهِهَا. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتَبِر أَكْثَرَ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ) وَلَمْ يَذْكُرْ لِمُحَمَّدٍ قَوْلًا. وَنَقَلَ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَإِذَا حَلَقَ رُبُعَ رَأْسِهِ أَوْ رُبُعَ لِحْيَتِهِ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ إلَّا بِحَلْقِ الْكُلِّ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ بِحَلْقِ الْقَلِيلِ اعْتِبَارًا بِنَبَاتِ الْحَرَمِ. وَلَنَا أَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فَتَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ وَتَتَقَاصَرُ فِيمَا دُونَهُ بِخِلَافِ تَطَيُّبِ رُبُعِ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَكَذَا حَلْقُ بَعْضِ اللِّحْيَةِ مُعْتَادٌ بِالْعِرَاقِ وَأَرْضِ الْعَرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي الْأَصْلِ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْجَهُ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِارْتِفَاقُ الْكَامِلُ، وَاعْتِيَادُ تَغْطِيَةِ الْبَعْضِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ الْمُعْتَادَ لَيْسَ هُوَ الرُّبُعُ، فَإِنَّ مَا يَفْعَلُهُ مَنْ نَعْلَمُ مِنْ الْيَمَانِيِّينَ الَّذِينَ يَلْبَسُونَ السَّرْقُوجَ يَشُدُّونَهُ تَحْتَ الْحَنَكِ تَغْطِيَةُ الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ الْأَكْثَرُ، فَإِنَّ الْبَادِيَ مِنْهُمْ هُوَ النَّاصِيَةُ لَيْسَ غَيْرُ، وَلَعَلَّ تَغْطِيَةَ مُجَرَّدِ الرُّبُعِ فَقَطْ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَمْسِكُ مِمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَحْوَ جَبِيرَةٍ تَشُدُّ. وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنَّ مَا عَيَّنَهُ جَامِعًا فِي الْحَلْقِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ كَامِلًا بِحَلْقِ الرُّبُعِ بِدَلِيلِ الْقَصْدِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ، وَالثَّابِتُ فِي الْفَرْعِ الِاعْتِيَادُ بِتَغْطِيَةِ الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ الْأَكْثَرُ لَا الْأَقَلُّ، وَهُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الِارْتِفَاقِ بِهِ فَلَمْ يَتَّحِدْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَلِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَرْعِ سِوَى مُطْلَقِ الْبَعْضِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الرُّبُعَ مَنَعْنَا وُجُودَهُ فِي الْفَرْعِ. وَمِنْ فُرُوعِ اعْتِبَارِ الرُّبُعِ مَا لَوْ عَصَبَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ أَوْ وَجْهَهُ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ الرُّبُعِ. وَلَوْ عَصَبَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ جَسَدِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَثُرَ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَعَقْدِ الْإِزَارِ وَتَخْلِيلِ الرِّدَاءِ لِشَبَهِ الْمَخِيطِ، بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْقُفَّازَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَسْتُرَ بَدَنَهَا بِمَخِيطٍ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يُكْرَهْ لَهَا. وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَطِّيَ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ وَمِنْ لِحْيَتِهِ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الذَّقَنِ بِخِلَافِ فِيهِ وَعَارِضِهِ وَذَقَنِهِ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ ثَوْبٍ. وَعَلَى الْقَارِنِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ دَمًا أَوْ صَدَقَةَ دَمَانِ أَوْ صَدَقَتَانِ لِمَا سَنَذْكُرُ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْفَرْقُ الْمَوْعُودُ بَيْنَ حَلْقِ الرُّبُعِ وَتَطْيِيبِ الرُّبُعِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِحُصُولِ كَمَالِ الِارْتِفَاقِ بِذَلِكَ الْبَعْضِ مُسْتَدِلٌّ عَلَيْهِ بِالْقَصْدِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَادِ، وَقَدَّمْنَا مَا يُغْنِي فِيهِ، وَمِمَّنْ يَفْعَلهُ بَعْضُ الْأَتْرَاكِ وَالْعَلَوِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَحْلِقُونَ نَوَاصِيَهُمْ فَقَطْ، وَكَذَا حَلْقُ بَعْضِ اللِّحْيَةِ مُعْتَادٌ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ وَالْعَرَبِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، إلَّا أَنَّ فِي هَذَا احْتِمَالَ أَنَّ فِعْلَهُمْ لِلرَّاحَةِ أَوْ الزِّينَةِ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا بِدَلِيلِ لُزُومِهَا مَعَ الْأَعْذَارِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، يَعْنِي الْعَادَةَ أَنَّ كُلَّ مِنْ مَسَّ طِيبًا لِقَصْدِ التَّطَيُّبِ كَمَاءِ وَرْدٍ أَوْ طِيبٍ عَمَّمَ بِهِ يَدَيْهِ مَسْحًا بَلْ وَيَمْسَحُ بِفَضْلِهِ وَجْهَهُ أَيْضًا، بِخِلَافِ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا عِنْدَ قَصْدِ مُجَرَّدِ إمْسَاكِهِ لِلْحِفْظِ أَوْ لِلْمُلَاقَاةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ لِغَايَةِ الْقِلَّةِ فِي الطِّيبِ نَفْسِهِ، فَتَتَقَاصَرُ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ. ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ فِي حَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ دَمًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مُوَافِقٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ لَا مَا فِي جَامِعَيْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْجَمِيعِ الدَّمَ وَفِي

(وَإِنْ حَلَقَ الرَّقَبَةَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ. (وَإِنْ حَلَقَ الْإِبْطَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ لِدَفْعِ الْأَذَى وَنَيْلِ الرَّاحَةِ فَأَشْبَهَ الْعَانَةَ. ذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ الْحَلْقَ هَاهُنَا وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ وَهُوَ السُّنَّةُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ: (إذَا حَلَقَ عُضْوًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَطَعَامٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقَلِّ مِنْهُ الطَّعَامَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي حَلْقِ الْأَكْثَرِ الدَّمَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الدَّمُ بِحَلْقِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِهِ الْأَشْيَاءُ الشَّرْعِيَّةُ فَيُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا. هَذَا فَلَوْ كَانَ أَصْلَعَ عَلَى نَاصِيَتِهِ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ شَعْرِهَا فَإِنَّمَا فِيهِ صَدَقَةٌ، وَكَذَا لَوْ حَلَقَ كُلَّ رَأْسِهِ وَمَا عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ شَعْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ قَدْرُ رُبُعِ شَعْرِهِ لَوْ كَانَ شَعْرُ رَأْسِهِ كَامِلًا فَفِيهِ دَمٌ، وَعَلَى هَذَا يَجِيءُ مِثْلُهُ فِيمَنْ بَلَغَتْ لِحْيَتُهُ الْغَايَةَ فِي الْخِفَّةِ. وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ: حَلَقَ رَأْسَهُ وَأَرَاقَ دَمًا ثُمَّ حَلَقَ لِحْيَتَهُ وَهُوَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ، وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَإِبْطَيْهِ وَكُلَّ بَدَنِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَدَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَجَالِسُ فَلِكُلِّ مَجْلِسٍ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ فِيهِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ دَمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَجَالِسُ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ، وَتَقَدَّمَ فِي الطِّيبِ مِثْلُهُ. اعْتَبَرَهُ بِمَا لَوْ حَلَقَ فِي مَجْلِسٍ رُبُعَ رَأْسِهِ، وَفِي آخَرَ رُبْعًا آخَرَ حَتَّى أَتَمَّهَا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْمَجَالِسُ؛ لِاتِّحَادِ مَحِلِّهَا، وَهُوَ الرَّأْسُ. هَذَا فَأَمَّا مَا فِي مَنَاسِكِ الْفَارِسِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَا سَقَطَ مِنْ شَعَرَاتِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لَزِمَهُ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ إلَّا أَنْ تَزِيدَ عَلَى ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ، فَإِنْ بَلَغَ عَشْرًا لَزِمَهُ دَمٌ. وَكَذَا إذَا خُبِزَ فَاحْتَرَقَ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ هُوَ الرُّبْعُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. نَعَمْ فِي الثَّلَاثِ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: وَإِنْ نَتَفَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٍ فَفِي كُلِّ شَعْرَةٍ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِي خُصْلَةٍ نِصْفُ صَاعٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عُضْوٌ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ) يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لِلرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَقَ الْإِبْطَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) الْمَعْرُوفُ هَذَا الْإِطْلَاقُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي الْإِبْطِ إنْ كَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّبُعُ؛ لِوُجُوبِ الدَّمِ وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) تَخْصِيصُ قَوْلِهِمَا لَيْسَ

أَرَادَ بِهِ الصَّدْرَ وَالسَّاقَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِطَرِيقِ التَّنُّورِ فَتَتَكَامَلُ بِحَلْقِ كُلِّهِ وَتَتَقَاصَرُ عِنْدَ حَلْقِ بَعْضِهِ (وَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ فَعَلَيْهِ) طَعَامٌ (حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ أَنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ كَمْ يَكُونُ مِنْ رُبُعِ اللِّحْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ مَحْفُوظَةٌ عَنْهَا. وَقَوْلُهُ: أَرَادَ بِهِ السَّاقَ وَالصَّدْرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ تَفْسِيرَ الْمُرَادِ بِمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ مُؤَدَّى اللَّفْظِ لَيُخْرِجَ بِذَلِكَ الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ فَإِنَّ فِي الرُّبُعِ مِنْ كُلِّ مِنْهُمَا الدَّمَ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَالْفَارِقُ الْعَادَةُ، ثُمَّ جَعَلَهُ الصَّدْرَ وَالسَّاقَ مَقْصُودِينَ بِالْحَلْقِ مُوَافِقٌ لِجَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مُخَالِفٌ؛ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ فَفِيهِ مَتَى حَلَقَ عُضْوًا مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَصَدَقَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَلْقُ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ، وَمِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ حَلْقُ الرَّأْسِ وَالْإِبْطَيْنِ وَهَذَا أَوْجَهُ. وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِطَرِيقِ التَّنُّورِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى حَلْقِهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِمَا إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ تَنْوِيرَ السَّاقِ وَحْدَهُ بَلْ تَنْوِيرُ الْمَجْمُوعِ مِنْ الصُّلْبِ إلَى الْقَدَمِ فَكَانَ بَعْضُ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ. نَعَمْ كَثِيرًا مَا يُعْتَادُونَ تَنْوِيرَ الْفَخِذِ مَعَ مَا فَوْقُهُ دُونَ السَّاقِ وَقَدْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْعَانَةِ أَوْ مَعَ الصُّلْبِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا لِلْحَاجَةِ، أَمَّا السَّاقُ وَحْدُهُ فَلَا؛ فَالْحَلْقُ أَنْ يَجِبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الصَّدَقَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُجْمَعُ الْمُتَفَرِّقُ فِي الْحَلْقِ كَمَا فِي الطِّيبِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ) أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ أَوْ حَلَقَهُ (فَعَلَيْهِ طَعَامٌ هُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَأْخُوذِ مَا نِسْبَتُهُ مِنْ رُبُعِ اللِّحْيَةِ فَيَجِبُ بِحِسَابِهِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ رُبُعِ رُبُعِهَا لَزِمَهُ قِيمَةُ رُبُعِ الشَّاةِ أَوْ ثُمُنِهَا فَثُمُنُهَا وَهَكَذَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ خِلَافُ هَذَا قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا حَلَقَ شَارِبَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ إذَا أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: إذَا حَلَقَ شَارِبَهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ تَفْعَلُهُ الصُّوفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ طَرَفٌ مِنْ اللِّحْيَةِ وَهُوَ مَعَ اللِّحْيَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ عُضْوًا وَاحِدًا لَا يَجِبُ بِمَا دُونَ الرُّبُعِ مِنْهُ الدَّمُ وَالشَّارِبُ دُونَ الرُّبُعِ مِنْ اللِّحْيَةِ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ فِي حَلْقِهِ اهـ. وَمَا فِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي تَطْيِيبِ بَعْضِ الْعُضْوِ حَيْثُ قَالَ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ، أَمَّا عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ جَادَّةِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ مَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ الدَّمُ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ صَاعٍ إلَّا فِيمَا يُسْتَثْنَى فَلَا. ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نِسْبَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ

فَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَثَلًا مِثْلَ رُبُعِ الرُّبُعِ لَزِمَهُ قِيمَةُ رُبُعِ الشَّاةِ، وَلَفْظَةُ الْأَخْذِ مِنْ الشَّارِبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ الْحَلْقِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَصَّ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ. قَالَ: (وَإِنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِقُ الْحِجَامَةَ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَكَذَا مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَيْهَا، وَإِلَّا أَنَّ فِيهِ إزَالَةَ شَيْءٍ مِنْ التَّفَثِ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَلْقَهُ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرُبُعِ اللِّحْيَةِ مُعْتَبِرًا مَعَهَا الشَّارِبَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كَوْنِ الشَّارِبِ طَرَفًا مِنْ اللِّحْيَةِ هُوَ مَعَهَا عُضْوٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى رُبُعِ اللِّحْيَةِ غَيْرُ مُعْتَبِرِ الشَّارِبِ مَعَهَا، فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَجِبُ رُبُعُ قِيمَةِ الشَّاةِ إذَا بَلَغَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِبِ رُبُعَ الْمَجْمُوعِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَعَ الشَّارِبِ لَا دُونَهُ، وَإِذَا أَخَذَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَارِبِ حَالٍّ أَطْعَمَ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ: وَلَفْظَةُ الْأَخْذِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ الْحَلْقِ) يُشِيرُ إلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَيْثُ قَالَ: الْقَصُّ حَسَنٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مُلْتَقَى الْجِلْدَةِ وَاللَّحْمِ مِنْ الشَّفَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنْ يُحَاذِيَهُ. ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ السُّنَّةَ الْقَصُّ اهـ. فَالْمُصَنِّفُ إنْ حَكَمَ بِكَوْنِ الْمَذْهَبِ الْقَصَّ أَخْذًا مِنْ لَفْظِ الْأَخْذِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَخْذٌ، وَاَلَّذِي لَيْسَ أَخْذٌ هُوَ النَّتْفُ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ مَنَعْنَاهُ، وَإِنْ سَلِمَ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ فِي الْجَمْعِ هُنَا بَيَانَ أَنَّ السُّنَّةَ هُوَ الْقَصُّ أَوْ لَا بَلْ بَيَانُ مَا فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ عَلَى الْمُحْرِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْإِبْطِ الْحَلْقَ وَلَمْ يَذْكُرْ كَوْنَ الْمَذْهَبِ فِيهِ اسْتِنَانَ الْحَلْقِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ مَا يُفِيدُ الْإِزَالَةَ بِأَيِّ طَرِيقٍ حَصَلَتْ لَتَعْيِينِ حُكْمِهِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ» فَلَا يُنَافِي مَا يُرِيدُهُ بِلَفْظِ الْحَلْقِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِئْصَالِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ» وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ أَنَّهُ بِالْحَلْقِ بِالْمُوسَى أَيْسَرُ مِنْهُ بِالْمِقَصَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْمِقَصَّةِ أَيْضًا مِثْلَهُ، وَذَلِكَ بِخَاصٍّ مِنْهَا يَضَعُ لِلشَّارِبِ فَقَطْ. فَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: الْحَلْقُ أَحْسَنُ مِنْ الْقَصِّ يُرِيدُ الْقَصَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ فِي الْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ عِنْدَ أَهْلِ الصِّنَاعَةِ قَصًّا يُسَمُّونَهُ قَصَّ حِلَاقَةٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ) يُفِيد أَنَّهُ إذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ الْحِجَامَةُ عَلَى حَلْقِ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ لَا يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّ كَوْنَهُ مَقْصُودًا إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى الْحِجَامَةِ، فَإِذَا لَمْ تَعْقُبْهُ الْحِجَامَةُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا فَلَا يَجِبُ إلَّا الصَّدَقَةُ. وَعِبَارَةُ

وَقَدْ وُجِدَ إزَالَةُ التَّفَثِ عَنْ عُضْوٍ كَامِلٍ فَيَجِبُ الدَّمُ. (وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَلَى الْحَالِقِ الصَّدَقَةُ، وَعَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنْ كَانَ نَائِمًا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُخْرِجُ الْمُكْرَهَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَاخَذًا بِحُكْمِ الْفِعْلِ وَالنَّوْمُ أَبْلَغُ مِنْهُ. وَعِنْدَنَا بِسَبَبِ النَّوْمِ وَالْإِكْرَاهِ يَنْتَفِي الْمَأْثَمُ دُونَ الْحُكْمِ وَقَدْ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، وَهُوَ مَا نَالَ مِنْ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْحِ الْكَنْزِ وَاضِحَةٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي دَلِيلِهَا: وَلِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ، كَمَا إذَا حَلَقَهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ، وَفِي دَلِيلِهِ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا، فَظَهَرَ لَك أَنَّ التَّرْكِيبَ الصَّالِحَ فِي وَجْهِ قَوْلِهِمَا. عِبَارَةُ شَرْحِ الْكَنْزِ، بِخِلَافِ تَرْكِيبِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ: الْحِجَامَةُ لَيْسَتْ بِمَحْظُورَةٍ، فَكَذَا مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَيْهَا فَإِنَّهُ نَفْيُ حَظْرِ هَذَا الْحَلْقِ لِلْحِجَامَةِ إذْ لَا تُفْعَلُ الْحِجَامَةُ إلَّا لِلْحَاجَةِ إلَى تَنْقِيصِ الدَّمِ فَلَا يَكُونُ الْحَلْقُ مَحْظُورًا، وَلَازِمُ هَذَا لَيْسَ إلَّا عَدَمُ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ عَيْنًا بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَالصَّوْمِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هَذَا بَلْ لُزُومُ الصَّدَقَةِ عَيْنًا بِمَعْنَى عَدَمِ دُخُولِ الدَّمِ فِي كَفَّارَةِ هَذَا الْحَلْقِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَعَدَمُ الْحَظْرِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ. وَقَوْلُهُ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَقَدْ وَجَدَ إزَالَةَ التَّفَثِ عَنْ عُضْوٍ كَامِلٍ) يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ فِي حَقِّ الْحِجَامَةِ كَامِلٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ) الْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّ الضَّمَائِرَ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا مِثْلَ فَإِنْ خَضَبَ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ، فَإِنْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ لِلْمُحْرِمِ بَعْدَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ إذْ قَالَ إذَا تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَالِقُ حَالًّا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِي الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ، إلَّا أَنَّ تَعْيِينَ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ بِنَفْيِ اخْتِلَافِ الْجَوَابِ غَيْرُ مُفِيدٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ حَالَّيْنِ، أَوْ الْحَالِقُ مُحْرِمًا وَالْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ حَلَالًا أَوْ قَلْبُهُ، وَفِي كُلِّ الصُّوَرِ عَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَا حَلَالَيْنِ وَعَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَلَالًا وَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إرَادَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ فَإِذَا حَلَقَ الْحَلَالُ رَأْسَ مُحْرِمٍ فَقَدْ بَاشَرَ قَطْعَ مَا اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ بِالْإِحْرَامِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ «لَا تَحْلِقُوا حَتَّى تَحِلُّوا» وَبَيْنَ «لَا تَعْضُدُوا شَجَرَ الْحَرَمِ» ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الشَّجَرُ نَفْسُهُ الْأَمْنَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ اسْتَحَقَّ الشَّعْرُ أَيْضًا الْأَمْنَ فَيَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ الْكَفَّارَةُ بِالصَّدَقَةِ. وَإِذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلَالٍ فَالِارْتِفَاقُ الْحَاصِلُ لَهُ بِرَفْعِ تَفَثِ غَيْرِهِ، إذْ لَا شَكَّ فِي تَأَذِّي الْإِنْسَانِ بِتَفَثِ غَيْرِهِ يَجِدُهُ مَنْ رَأَى ثَائِرَ الرَّأْسِ شَعِثَهَا وَسِخَ الثَّوْبِ تَفْلَ الرَّائِحَةِ، وَمَا سُنَّ غُسْلُ الْجُمُعَةِ بَلْ مَا كَانَ وَاجِبًا إلَّا لِذَلِكَ التَّأَذِّي إلَّا أَنَّهُ دُونَ التَّأَذِّي بِتَفَثِ نَفْسِهِ فَقَصُرَتْ الْجِنَايَةُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ. وَالْمُصَنِّفُ أَجْرَى الْوَجْهَ الْأَوَّلَ فِي هَذَا، وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشَّعْرِ الْأَمْنَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَامَ بِهِ الْإِحْرَامُ حَالِقًا أَوْ مَحْلُوقًا، فَإِنَّ خِطَابَ لَا تَحْلِقُوا لِلْمُحْرِمِينَ فَلِذَا خَصَّصْنَا بِهِ الْأَوَّلَ. بَقِيَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ اجْتَمَعَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ الْمُسْتَحَقِّ، وَالِارْتِفَاقِ بِإِزَالَةِ

فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ حَتْمًا، بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ حَيْثُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْآفَةَ هُنَاكَ سَمَاوِيَّةٌ وَهَاهُنَا مِنْ الْعِبَادِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمَحْلُوقُ رَأْسَهُ عَلَى الْحَالِقِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفَثِ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ كُلُّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مُوجِبًا لِلصَّدَقَةِ، فَرُبَّمَا يُقَالُ تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذَا الِاجْتِمَاعِ فَتَقْتَضِي وُجُوبَ الدَّمِ عَلَى الْحَالِقِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الِادِّهَانِ بِالزَّيْتِ الْبَحْتِ حَيْثُ أَوْجَبَ الدَّمَ لِاجْتِمَاعِ أُمُورٍ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهَا لَمْ يُوجِبْهُ كَتَلْيِينِ الشَّعْرِ وَأَصَالَتِهِ لِلطِّيبِ وَقَتْلِ الْهَوَامِّ فَتَكَامَلَتْ الْجِنَايَةُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فَوَجَبَ الدَّمُ. وَتَقْرِيرُ الْخِلَافِ مَعَ الشَّافِعِيِّ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، فَمَبْنَى عَدَمِ إلْزَامِ الْمُحْرِمِ شَيْئًا إذَا كَانَ غَيْرَ مُخْتَارٍ بِالتَّقَدُّمِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ أَنَّ عَدَمَهُ يَسْقُطُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا. وَمَبْنَى عَدَمِهِ عِنْدَهُ عَلَى الْحَالِقِ مُطْلَقًا عَدَمُ الْمُوجِبِ، أَمَّا إنْ كَانَ حَلَالًا فَلِأَنَّ الْحَلْقَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَهُوَ الْمُوجَبُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ بَاشَرَ أَمْرًا مَحْظُورًا، وَهُوَ إعَانَةُ الْمَحْلُوقِ الْمُحْرِمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ إنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ وَبِغَيْرِ اخْتِبَارِهِ أَوْلَى. قُلْنَا: الْمَعَاصِي إنَّمَا هِيَ أَسْبَابٌ لِعُقُوبَةِ الْإِحْلَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ تُوجِبُ جَزَاءً فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إلَّا بِالنَّصِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِقِ فَنَقُولُ: أَمَّا الْحَالُّ فَأَلْحَقْنَاهُ بِقَاطِعِ شَجَرِ الْحَرَمِ بِجَامِعِ تَفْوِيتِ أَمْنٍ مُسْتَحَقٍّ مُسْتَعْقِبٍ لِلْجَزَاءِ. وَالْوَاجِبُ اتِّبَاعُ الدَّلِيلِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ نَصًّا. وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لِلْجَزَاءِ فِي حَقِّهِ هُوَ نَيْلُ الِارْتِفَاقِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ كَانَ الْجَزَاءُ دَمًا وَإِلَّا فَصَدَقَةً. وَقَيْدُ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ مُلْغَى إذَا لَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ وَعَقْلِيَّةُ اسْتِقْلَالِ مَا سِوَاهُ ثَابِتَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْسَهُ مَحَلٌّ وَالْمَحَلُّ لَا يَدْخُلُ فِي التَّعْلِيلِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ الْقِيَاسُ، فَالْأَصْلُ إلْغَاءُ الْمُحَالِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى قَصْدِ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ دَلِيلٌ لَا مَرَدَّ لَهُ، خُصُوصًا إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ مُنَاسَبَةُ الْمُنَاسِبِ فَيَتَعَدَّى مِنْ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ إذَا وَجَدَ فِيهِ تَمَامَ الْمُؤَثِّرِ وَقُصُورَهَا رَدَّهَا إلَى الصَّدَقَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ قَضَاءُ التَّفَثِ إنْ كَانَ جُزْءُ الْعِلَّةِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَأْذَنَ الْمُحْرِمُ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ لَزِمَ عَدَمُ الْجَزَاءِ عَلَى النَّائِمِ بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَإِلَّا لَزِمَ الْجَزَاءُ إذَا نَظَرَ إلَى ذِي زِينَةٍ مَقْضِيِّ التَّفَثِ، فَإِنْ اُخْتِيرَ الثَّانِي وَادَّعَى أَنَّ الِارْتِفَاقَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةٍ كَمَا قُلْنَا بِنَفْيِ الْجَزَاءِ فِي مُجَرَّدِ اللُّبْسِ لِذَلِكَ عَكَرَهُ مَا لَوْ فَرَضَ طُولَهَا يَوْمًا مَعَ مُحَادِثَتِهِ وَصُحْبَتِهِ وَاسْتِنْشَاقِ طِيبِهِ، وَلَوْ كَانَ إلَى شَيْءٍ لَقُلْت بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَنَفْيِ الْجَزَاءِ عَنْ النَّائِمِ وَالْمُكْرَهِ، وَلَا يَلْزَمُنِي هَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا مَثَلًا عُلِّقَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْكَلَامِ مَثَلًا، وَهُنَا قَدْ فَرَضَ تَعْلِيقَ الْجَزَاءِ بِالِارْتِفَاقِ الْكَائِنِ عَنْ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ وَلَوْ حُكْمًا.

إنَّمَا لَزِمَهُ بِمَا نَالَ مِنْ الرَّاحَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ فِي حَقِّ الْعُقْرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِي حَقِّ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ، وَأَمَّا الْحَالِقُ تَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلَالٍ. لَهُ أَنَّ مَعْنَى الِارْتِفَاقِ لَا يَتَحَقَّقُ بِحَلْقِ شَعْرِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ. وَلَنَا أَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ؛ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ بِمَنْزِلَةِ نَبَاتِ الْحَرَمِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ شَعْرِهِ وَشَعْرِ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي شَعْرِهِ (فَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِ حَالٍّ أَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ أَطْعَمَ مَا شَاءَ) وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا. وَلَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ارْتِفَاقٍ؛ لَأَنْ يَتَأَذَّى بِتَفَثِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ التَّأَذِّي بِتَفَثِ نَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ الطَّعَامُ (وَإِنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ وَإِزَالَةِ مَا يَنْمُو مِنْ الْبَدَنِ، فَإِذَا قَلَّمَهَا كُلَّهَا فَهُوَ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى دَمٍ إنْ حَصَلَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ نَوْعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ) يَعْنِي كَمَا لَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِحُرِّيَّةِ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا إذَا ظَهَرَتْ أَمَةً بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ بَدَلَهُ وَهُوَ مَا نَالَهُ مِنْ اللَّذَّةِ وَالرَّاحَةِ حَصَلَ لِلْمَغْرُورِ فَيَكُونُ الْبَدَلُ الْآخَرُ عَلَيْهِ دُونَ الْغَارِّ، كَذَلِكَ لَا يَرْجِعُ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ عَلَى الْحَالِقِ بِغَيْرِ إذْنٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ اخْتَصَّ بِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِ حَالٍّ أَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ أَطْعَمَ مَا شَاءَ) أَمَّا فِي الشَّارِبِ فَلَا شَكَّ، وَأَمَّا فِي قَلْمِ الْأَظَافِيرِ فَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَأَصْلُ الْجَوَابِ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ هُنَا كَالْجَوَابِ فِي الْحَلْقِ، وَفِي الْمُحِيطِ أَيْضًا قَالَ: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. هَذَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ لَا يَضْمَنُ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَرِيحَ عِبَارَةِ الْأَصْلِ فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ فِي الْحَالِقِ هَكَذَا: وَإِنْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَالٍّ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ مُحْرِمٍ آخَرَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ وَعَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ اهـ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ إنَّمَا تَقْتَضِي لُزُومَ الصَّدَقَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِنِصْفِ صَاعٍ فِيمَا إذَا حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ، وَأَمَّا فِي الْحَالِّ فَتَقْتَضِي أَنْ يُطْعِمَ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ كَقَوْلِهِمْ: مَنْ قَتَلَ قَمْلَةً أَوْ جَرَادَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ، وَإِرَادَةُ الْمُقَدَّرَةِ فِي عُرْفِ إطْلَاقِهِمْ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظَ صَدَقَةٍ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. ثُمَّ بَعْدَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَالِقِ قَالَ: وَالْجَوَابُ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ كَالْجَوَابِ فِي الْحَلْقِ وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ مُقْتَضَى عُرْفِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ وَاقِعًا فَيَكُونُ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ أَيْضًا جَارِيًا فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ فَيَصْدُقُ مَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ الصُّورَةَ فِي قَلْمِ أَظْفَارِ الْحَلَالِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ

وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ فَأَشْبَهَ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ لِارْتِفَاعِ الْأُولَى بِالتَّكْفِيرِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيِ السَّجْدَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْمَلُ ارْتِفَاقٍ يَكُونُ بِالْقَصِّ، وَقَصُّ يَدٍ وَاحِدَةٍ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ فَفِيهِ الدَّمُ أَيْضًا، فَقَصُّ الْكُلِّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَلُبْسِ كُلِّ الثِّيَابِ وَحَلْقِ شَعْرِ كُلِّ الْبَدَنِ فِي مَجْلِسٍ لَا يُوجِبُ غَيْرَ دَمٍ وَاحِدٍ. (فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسِ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ الْكَفَّارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ حَتَّى لَزِمَ الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ فَأَشْبَهَتْ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَاتُ بِالْفِطْرِ وَلَمْ يُكَفِّرْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَفَّرَ لِلسَّابِقَةِ كَفَّرَ لِلَّاحِقَةِ كَذَا هُنَا. (قَوْلُهُ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَصَّ فِي كُلِّ مَجْلِسِ طَرَفًا مِنْ أَرْبَعَتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ) خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةِ، وَالْمُثْبِتُ لَهَا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ شَرْعًا مَعَ الْأَعْذَارِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَعْذَارَ مُسْقِطَةٌ لِلْعُقُوبَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَخْفَى أَنَّ لَازِمَ تَرَجُّحِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ عَدَمُ التَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْجُودِ، إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ مُوجِبٌ آخَرُ كَمَا أَوْجَبَهُ فِي آيِ السَّجْدَةِ لُزُومُ الْحَرَجِ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ وَلَا مُوجِبُ هُنَا. وَالْإِلْحَاقُ بِآيِ السَّجْدَةِ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ فِي تَقَيُّدِ التَّدَاخُلِ بِالْمَجْلِسِ لَا فِي إثْبَاتِ التَّدَاخُلِ نَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ بِلَا جَامِعٍ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ فِي الْأَصْلِ: أَعْنِي آيَ السَّجْدَةِ لُزُومُ الْحَرَجِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُسْتَمِرَّةٌ بِتَكْرَارِ الْآيَاتِ لِلدِّرَايَةِ وَالدِّرَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ لِلِاتِّعَاظِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَتَدَاخَلْ لَزِمَ الْحَرَجُ، غَيْرَ أَنَّ مَا تَنْدَفِعُ هَذِهِ الْحَاجَاتُ بِهِ مِنْ التَّكْرَارِ يَكُونُ غَالِبًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَتَقَيَّدَ التَّدَاخُلُ بِهِ، وَلَيْسَ سَبَبُ لُزُومِ الْحَرَجِ لَوْلَا التَّدَاخُلُ هُنَا قَائِمًا، إذْ لَا دَاعِيَ لِمَنْ أَرَادَ قَصَّ أَظْفَارِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى تَفْرِيقِ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ فَلَا عَادَةَ مُسْتَمِرَّةَ فِي ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ يَلْزَمُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ التَّدَاخُلِ

(وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) إقَامَةٌ لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ (وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) مَعْنَاهُ تَجِبُ بِكُلِّ ظُفُرٍ صَدَقَةٌ. وَقَالَ زَفَرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ الدَّمُ بِقَصِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا، وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا. وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ أَظَافِيرَ كَفٍّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِهِ وَقَدْ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْكُلِّ، فَلَا يُقَامُ أَكْثَرُهَا مَقَامَ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى (وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَيْهِ دَمٌ) اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَصَّهَا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وَبِمَا إذَا حَلَقَ رُبُعَ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَقْدِيرِ قَصِّ كُلِّ طَرَفٍ فِي مَجْلِسٍ فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إجْمَاعٌ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَصَّ إحْدَى يَدَيْهِ ثُمَّ الْأُخْرَى فِي الْمَجْلِسِ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَإِبْطَيْهِ أَوْ جَامَعَ مِرَارًا قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجَالِسُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ فِيهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ فِي تَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ أَيْضًا مَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأُولَى وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطِّيبِ اعْتَبَرَهُ بِمَا لَوْ حَلَقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ رُبُعَ رَأْسِهِ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ رُبُعَهُ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى حَلَقَ كُلَّهُ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي الْحَلْقِ وَاحِدَةٌ؛ لِاتِّحَادِ مَحَلِّهَا وَهُوَ الرَّأْسُ. (قَوْلُهُ: إقَامَةٌ لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ) أَيْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّ حَلْقَ رُبُعٍ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْضَاءِ إنَّمَا فِيهِ الصَّدَقَةُ. فَإِنْ قِيلَ: إلْحَاقُ الرُّبُعِ مِنْ الرَّأْسِ بِكُلِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُعْتَادٌ وَالْمُعْتَادُ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ لَيْسَ الِاقْتِصَارُ عَلَى طَرَفٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ هَذَا الْإِلْحَاقُ مَعَ انْتِفَاءِ الْجَامِعِ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَامِعَ إنَّمَا هُوَ كَمَالُ الِارْتِفَاقِ لَا الِاعْتِيَادُ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ يَتَرَدَّدُ فِي حُصُولِهِ بِحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ أَثْبَتَهُ بِالْعَادَةِ إذْ الْقَصْدُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لِمَنْ يَقْصِدُهُ لَيْسَ إلَّا لِنَيْلِ الِارْتِفَاقِ لَا أَنَّهَا هِيَ الْمَنَاطُ لِلُّزُومِ الدَّمِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَدْنَى كَمَالِ الِارْتِفَاقِ يَحْصُلُ بِقَلْمِ تَمَامِ يَدٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْيَدَيْنِ أَكْمَلَ وَفِي الْكُلِّ أَكْمَلَ مِنْ هَذَا فَيَثْبُتُ بِهِ الدَّمُ، وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعْتَادٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى) كَلَامٌ خَطَابِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ: أَيْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَامَ أَكْثَرُ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا

كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ وَبِالْقَلْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَأَذَّى وَيَشِينُهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى مَا مَرَّ. وَإِذَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَيَجِبُ بِقَلْمِ كُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقًا لَأَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ عَنْهُ مَا شَاءَ. قَالَ: (وَإِنْ انْكَسَرَ ظُفُرُ الْمُحْرِمِ وَتَعَلَّقَ فَأَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ (وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ حَلَقَ مِنْ عُذْرٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ذَبَحَ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَقَدْ فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا ذَكَرْنَا، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَعْذُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالظُّفُرَيْنِ ثُمَّ يُقَامُ أَكْثَرُهُمَا وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَجِبَ بِقَطْعِ جَوْهَرَيْنِ لَا يَتَجَزَّآنِ مِنْ قُلَامَةِ ظُفُرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَبِالْقَلْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَأَذَّى) بِخِلَافِ مَا قِسْت عَلَيْهِ مِنْ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ فِي مُوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ إذْ يَرْتَفِقُ بِهِمَا مُتَفَرِّقِينَ فَانْتَفَى الْجَامِعُ. قَالُوا: لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفُرًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ أَرْبَعَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ ظُفُرٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيَنْقُصُ مَا شَاءَ هَذَا، وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ الْمُحْرِمُ مِمَّا فِيهِ الدَّمُ عَيْنًا أَوْ الصَّدَقَةُ عَيْنًا فَعَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا عَتَقَ لَا فِي الْحَالِ وَلَا يُبْدِلُ بِالصَّوْمِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ حَلَقَ مِنْ عُذْرٍ) بِأَنْ اُضْطُرَّ إلَى تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ أَوْ لِلْمَرَضِ أَوْ لَبِسَ السِّلَاحَ لِلْحَرْبِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَذْبَحُ شَاةً أَوْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ يَنْزِعُهُ لَيْلًا وَيَلْبَسُهُ نَهَارًا مَا لَمْ يَذْهَبْ الْعَدُوُّ مَثَلًا وَيَأْتِي غَيْرُهُ، وَتَقَدَّمَ لِهَذَا زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَسَّرَهَا) أَيْ فَسَّرَ الْكَفَّارَةَ الْمُخَيَّرَ فِيهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] بِمَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ «حُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِك مَا أَرَى، أَوْ مَا كُنْتُ أَرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِك مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ لَا، فَقَالَ: صُمْ. ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَفَسَّرَ الْفَرَقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى " أَتَجِدُ شَاةً " فِي الِابْتِدَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَهُ هَلْ تَجِدُ النُّسُكَ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَصْلَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ كَيْ لَا تَقَعَ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]

ثُمَّ الصَّوْمُ يُجْزِيهِ فِي أَيِّ مَوْضِعَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فِي كُلِّ مَكَان، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا النُّسُكُ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان، وَهَذَا الدَّمُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَتَعَيَّنَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَكَانِ، وَلَوْ اخْتَارَ الطَّعَامَ أَجْزَأَهُ فِيهِ التَّغْذِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارًا بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النُّسُكُ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَهُوَ وَاجِبٌ بِطَرِيقِ الْكَفَّارَةِ فَكَانَ أَصْلًا فِي كُلِّ هَدْيٍ وَجَبَ كَفَّارَةً فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان يُعْطِي أَنَّ الْقُرْبَةَ هُنَا تَعَلَّقَتْ بِالْإِرَاقَةِ، وَلَازِمُهُ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهُ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ لُزُومُ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ لَحْمِهِ؛ لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ، ثُمَّ لَازِمُ هَذَا بِحَسَبِ الْمُتَبَادَرِ أَنَّهُ لَوْ سُرِقَ بَعْدَمَا ذَبَحَ يَلْزَمُهُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فَكَانَتْ الْقُرْبَةُ فِيهِ لَهَا جِهَتَانِ: جِهَةُ الْإِرَاقَةِ. وَجِهَةُ التَّصَدُّقِ. فَلِلْأُولَى لَا يَجِبُ غَيْرُهُ إذَا سُرِقَ مَذْبُوحًا، وَلِلثَّانِي يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الصَّدَقَةُ عَلَى تَأْوِيلِ التَّصَدُّقِ (الْمَذْكُورِ) فِي الْآيَةِ، قِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْحَدِيثُ الَّذِي فَسَّرَ الْآيَةَ فِيهِ لَفْظُ الْإِطْعَامِ فَكَانَ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ مُفَسِّرُ الْمُجْمَلِ بَلْ إنَّهُ مُبَيِّنٌ لِلرَّادِّ بِالْإِطْلَاقِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الصَّدَقَةُ وَتَحَقَّقَ حَقِيقَتُهَا بِالتَّمْلِيكِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلُ فِي الْحَدِيثِ الْإِطْعَامُ عَلَى الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ الصَّدَقَةُ وَإِلَّا كَانَ مُعَارِضًا، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل نظر إلى فرج امرأته بشهوة فأمنى]

فَصْلٌ (فَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجِمَاعُ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى (وَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقُولُ: إذَا مَسَّ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُفْسِدُ إحْرَامَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ وَاعْتَبَرَهُ بِالصَّوْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى] (فَصْلٌ) قَدَّمَ النَّوْعَ السَّابِقَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَدَّمَةِ لَهُ، إذْ الطِّيبُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ مُهَيِّجَاتٌ لِلشَّهْوَةِ لِمَا تُعْطِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ) مُخَالِفٌ لِمَا صُحِّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ. قَالَ: لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهِ، مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُنْزِلْ: يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُنْزِلْ بِالتَّقْبِيلِ، لَكِنَّا نَقُولُ: الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْ جُمْلَةِ الرَّفَثِ فَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ. وَبِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ يَصِيرُ مُرْتَكِبًا مَحْظُورَ إحْرَامِهِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنْ كَانَ الْإِلْزَامُ لِلنَّهْيِ فَلَيْسَ كُلُّ نَهْيٍ يُوجِبُ كَالرَّفَثِ، وَإِنْ كَانَ لِلرَّفَثِ فَكَذَلِكَ إذْ أَصْلُهُ الْكَلَامُ فِي الْجِمَاعِ بِحَضْرَتِهِنَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُوجِبًا شَيْئًا. (قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ إرَادَةُ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. وَالْمُفَادُ حِينَئِذٍ بِالتَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ: أَعْنِي قَوْلَهُ إنَّمَا يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ أَنَّهُ إذَا أَنْزَلَ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ، وَإِذَا لَمْ يُنْزِل لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إذَا أَنْزَلَ يَفْسُدُ كَانَ لَفْظُ

وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْحَجِّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَهَذَا لَيْسَ بِجِمَاعٍ مَقْصُودٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ وَالِارْتِفَاقِ بِالْمَرْأَةِ وَذَلِكَ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءٌ بِالشَّهْوَةِ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِنْزَالِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا لَغْوًا، إذْ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَفْسُدُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ، فَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قَصَرَ الصُّوَرَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى حُكْمٍ هُوَ الْفَسَادُ إذَا أَنْزَلَ، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْأَصْلُ إنَّمَا فِي جَمِيعِ تِلْكَ الصُّوَرِ فَسَادُ الْإِحْرَامِ بِالْإِنْزَالِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا: لَا حُكْمَ فِيهَا إلَّا الْفَسَادُ بِالْإِنْزَالِ، فَيُفِيدُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْفَسَادِ بِالْإِنْزَالِ، وَعَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا حُكْمًا سِوَى مَا ذَكَرَ، ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ هُوَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ فِي قَوْلِهِ بِالصَّوْمِ صَالِحٌ لِإِثْبَاتِهِمَا مَعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَعَادَتُهُمْ نَصْبُ الْخِلَافِ بِاعْتِبَارِ قَوْلٍ ثُمَّ قَصْدٍ الْمُصَنِّفُ اتِّبَاعَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَاَلَّذِي فِيهِ مَا عَلِمْت مِنْ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُنْزِلْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَعَلَى الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا أَنْ يَتَعَرَّضَ فِي تَقْرِيرِ الْمَذْهَبِ لِلطَّرَفَيْنِ وَيُمْكِنُ تَحْمِيلُهُ لِكَلَامِهِ، فَالتَّعَرُّضُ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْإِحْرَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ) يَعْنِي إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِعَدَمِ فَسَادِ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ بِقَوْلِهِ: (وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ) . وَتَفْصِيلُهُ أَنَّ الْمَعْلُومَ أَنَّ سَائِرَهَا لَا يَفْسُدُ بِمُبَاشَرَتِهَا الْإِحْرَامُ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ فِي الْجِمَاعِ بِصُورَتِهِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْ الْجِمَاعِ وَمُطْلَقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ بِالصُّورَةِ الْخَاصَّةِ فَيَتَعَلَّقُ الْجَوَابُ بِالْفَسَادِ بِحَقِيقَتِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ النَّصُّ لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ الْجِمَاعَ أَيْضًا مُفْسِدٌ؛ وَلِأَنَّ أَقْصَى مَا يَجِبُ فِي الْحَجِّ الْقَضَاءُ وَفِي الصَّوْمِ الْكَفَّارَةُ فَكَانَا مُتَوَازِيَيْنِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ لَا تَجِبُ بِالْإِنْزَالِ مَعَ الْمَسِّ، فَكَذَا قَضَاءُ الْحَجِّ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ حُكْمُ عَدَمِ الْفَسَادِ فَيَثْبُتُ عَدَمُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَالتَّعَرُّضُ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ إلَخْ) . وَجْهُهُ أَنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ فِيهِ لَفْظُ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قُلْنَا مِنْ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالتَّقْبِيلِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا بِقَيْدِ الْإِنْزَالِ كَمَا يُفِيدُ لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ مَعْنًى، وَكَانَ يَنْحَلُّ إلَى قَوْلِنَا فِي الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ مَعَ الْإِنْزَالِ إذَا أَنْزَلَ. فَالْحَاصِلُ مِنْ الْعِبَارَةِ إلَى قَوْلِهِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إلَّا أَنَّ فِي الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالتَّقْبِيلِ وَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ اسْتِمْتَاعًا بِالْمَرْأَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مَعَ إنْزَالٍ أَوْ لَا، وَذَلِكَ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُ الدَّمُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ الَّذِي قِسْت عَلَيْهِ عَدَمَ لُزُومِ شَيْءٍ إذَا لَمْ يُنْزِلْ وَالْفَسَادُ إذَا أَنْزَلَ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمُحَرَّمُ فِيهِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إلَّا بِالْإِنْزَالِ، ثُمَّ إنَّمَا يَفْسُدُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِسَبَبِ كَوْنِهِ تَفْوِيتًا لِلرُّكْنِ الَّذِي هُوَ الْكَفُّ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ مُحَرَّمٌ أَصْلًا، بَلْ الثَّابِتُ فِعْلُ مَكْرُوهٍ فَلَا يُوجِبُ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ بِالِاسْتِمْتَاعِ

(وَإِنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يُفْسِدْهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَمَّنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ قَالَ: يُرِيقَانِ دَمًا وَيَمْضِيَانِ فِي حَجَّتِهِمَا وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَا إنْزَالٍ يَحْصُلُ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ فَيَسْتَعْقِبُ الْجَزَاءَ، وَمَعَ الْإِنْزَالِ يَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالنَّصِّ. (قَوْلُهُ: فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ) وَكَذَا إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا مَرْأَةَ أَوْ نِسْوَةَ، وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَهُوَ فِي الْقُبُلِ عِنْدَهُمَا، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي أُخْرَى عَنْهُ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادٌ وَالْأُولَى أَصَحُّ. فَإِنْ جَامِعَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ. وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَبْسُوطِ قَرِيبًا لُزُومَ تَعَدُّدِ الْمُوجِبِ؛ لِتَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَيْدِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ أُخْرَى، وَالْحَقُّ اعْتِبَارُهُ عَلَى أَنْ تَصِيرَ الْجِنَايَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ بَعْدَهُ مُتَّحِدَةً، فَإِنَّهُ نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ، وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَالُّ مِنْ الْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ حَرَامًا كَمَا كَانَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لِأَنَّ بِإِفْسَادِ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا عَنْهُ قَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَكَذَا بِنِيَّةِ الرَّفْضِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا صَنَعَ دَمًا وَاحِدًا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورَاتِ اسْتَنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ فَيَكْفِيهِ لِذَلِكَ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. فَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَ جِمَاعٌ بَعْدَ الْأَوَّلِ لِقَصْدِ الرَّفْضِ فِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ. وَمَا يَلْزَمُ بِهِ الْفَسَادُ وَالدَّمُ عَلَى الرَّجُلِ يَلْزَمُ مِثْلُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَاسِيَةً إنَّمَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْإِثْمُ. وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الصَّبِيَّةُ أَوْ مَجْنُونَةٌ انْعَكَسَ الْحُكْمُ. وَلَوْ جَامَعَ بَهِيمَةً وَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ عَلَى هَذَا. ثُمَّ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً حَتَّى فَسَدَ حَجُّهَا وَلَزِمَهَا دَمٌ هَلْ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ؟ عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ لَا، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمِ نَعَمْ. وَالْقَارِنُ إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِمَا وَيُتِمَّهُمَا عَلَى الْفَسَادِ وَشَاتَانِ وَقَضَاؤُهُمَا. فَلَوْ جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَ حَجُّهُ دُونَ عُمْرَتِهِ، وَإِذَا فَسَدَ الْحَجُّ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ نُسُكَانِ صَحِيحَانِ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ؛ لِفَسَادِ الْحَجِّ وَلِلْجِمَاعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فَيَقْضِي الْحَجَّ فَقَطْ، وَلِذَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ لَيْسَ بِقَارِنٍ لِهَذَا. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ إلَخْ) رِوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ أَوْ زَيْدُ بْنُ نُعَيْمٍ شَكَّ فِيهِ أَبُو تَوْبَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامَ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اقْضِيَا حَجَّكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا» قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يَصِحُّ فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ نُعَيْمٍ مَجْهُولٌ، وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ ثِقَةٌ، وَقَدْ شَكَّ أَبُو تَوْبَةَ فِي أَيِّهِمَا حَدَّثَهُ بِهِ اهـ. قُلْنَا: قَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ بِلَا شَكٍّ. وَقَوْلُهُ: مُنْقَطِعٌ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي سَمَاعِ يَزِيدَ هَذَا مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي صُحْبَةِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ. وَاخْتُلِفَ فِي صُحْبَةِ أَبِيهِ، فَمَنْ قَالَ إنَّهُ صَحَابِيٌّ، وَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَابِرٍ جَعَلَهُ مُرْسَلًا وَعَلَيْهِ مَشَى أَبُو دَاوُد، فَإِنَّهُ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَرَاسِيلِ

وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمَّا وَجَبَ وَلَا يَجِبُ إلَّا لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصْلَحَةِ خَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَيَكْتَفِي بِالشَّاةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ. ثُمَّ سَوَّى بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ مِنْهُمَا لَا يُفْسِدُ لِتَقَاصُرِ مَعْنَى الْوَطْءِ فَكَانَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ فِي قَضَاءِ مَا أَفْسَدَاهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ قَالَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ وَلَيْسَ لِأَبِيهِ صُحْبَةٌ يَجْعَلُهُ مُنْقَطِعًا فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ سَمَاعَهُ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ. وَلَيْسَ فِي سَنَدِ أَبِي دَاوُد انْقِطَاعٌ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنِ نَافِعٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ أَوْ زَيْدُ بْنُ نُعَيْمٍ، وَهَذَا سَنَدٌ مُتَّصِلٌ كُلُّهُ ثِقَاتٌ بِتَقْدِيرِ يَزِيدَ، وَلَا شَكَّ فِيهِ فِي طَرِيقِ الْبَيْهَقِيّ فَيَحْصُلُ اتِّصَالُهُ وَإِرْسَالُهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: حَتَّى إذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا " الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: وَأَهْدَيَا. وَضُعِّفَ بِابْنِ لَهِيعَةَ، وَيَشُدُّ الْمُرْسَلَ، وَالْمَذْكُورُ مِنْهُ مَا سِوَى الزِّيَادَةِ. وَرُوِيَ بِالزِّيَادَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ إلَى مَنْ سَأَلَ مُجَاهِدًا عَنْ الْمُحْرِمِ يُوَاقِعُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَقْضِيَانِ حَجُّهُمَا ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَالَّيْنِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا وَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ فِيهِ: بَطَل حَجُّهُ، قَالَ لَهُ السَّائِلُ فَيَقْعُدُ؟ قَالَ لَا، بَلْ يَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ فَيَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ مِنْ قَابِلٍ حَجَّ وَأَهْدَى. وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادَهُ عَنْهُمْ. وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ مِنْ بَلَاغَاتِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - نَحْوُهُ، إلَّا أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِيهِ: يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ) بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ قَبْلَهُ فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ) يَعْنِي لَفْظَ الشَّاةِ، وَعَلَى

عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خَرَجَا مِنْ بَيْتِهِمَا. وَلِزَفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَحْرَمَا. وَلَلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ. لَهُمْ أَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ فِي الْمُوَاقَعَةِ فَيَفْتَرِقَانِ. وَلَنَا أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوَقَاعِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ بِسَبَبِ لَذَّةِ يَسِيرَةِ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ. (وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ الرَّمْيِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا خَرَّجْنَا إطْلَاقَ لَفْظِ الْهَدْيِ وَهُوَ يَصْدُقُ بِالتَّنَاوُلِ عَلَى الشَّاةِ كَانَ فِي الْبَدَنَةِ أَكْمَلَ، وَالْوَاجِبُ انْصِرَافُ الْمُطْلَقِ إلَى الْكَامِلِ فِي الْمَاهِيَّةِ لَا إلَى الْأَكْمَلِ، وَمَاهِيَّةُ الْهَدْيِ كَامِلَةٌ فِيهَا. بِخِلَافِ السَّمَكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى لَفْظِ اللَّحْمِ فَإِنَّ مَاهِيَّةَ اللَّحْمِ نَاقِصَةٌ فِيهِ عَلَى مَا سَتَعْرِفُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ فَرْقٌ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا لِيَقُومَ مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَعْنَى اسْتِدْرَاكِ الْمَصْلَحَةِ، فَبَعْدَ قِيَامِهِ مَقَامَهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا جَزَاءُ تَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ، وَيَكْفِي فِيهِ الشَّاةُ كَالْمُحْصَرِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ لَمْ يَتِمَّ بِالْجِمَاعِ وَلِهَذَا يَمْضِي فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا مَعَ النَّاسِ غَيْرَ أَنَّهُ أُخِّرَ الْمُعْتَدُّ بِهِ إلَى قَابِلٍ ثُمَّ لَا تَجِبُ عُمْرَةٌ؛ لِعَدَمِ فَوَاتِ حَجِّهِ بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ. (قَوْلُهُ: فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَا فِي الْقَضَاءِ، فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْأَمْرُ بِالِافْتِرَاقِ أَمْرَ إيجَابٍ بَلْ أَمْرُ نَدْبٍ مَخَافَةَ الْوُقُوعِ؛ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُمَا فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ فَكَانَ كَالشَّابِّ فِي حَقِّ الْقُبْلَةِ فِي الصَّوْمِ لَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ فَيَقَعَانِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ فَلَا يَقَعَانِ؛ لِتَذَكُّرِهِمَا مَا حَصَلَ لَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ لِلَّذَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ الِافْتِرَاقِ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) يَعْنِي قَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِيهِ شَاةٌ. هَذَا وَالْعَبْدُ إذَا جَامَعَ مَضَى فِيهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجَّةٌ إذَا أَعْتَقَ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِّ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ؛ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا أَعْتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّقَ

وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الِارْتِفَاقِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهُ. (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ دُونَ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَخَفَّتْ الْجِنَايَةُ فَاكْتَفَى بِالشَّاةِ. (وَمَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ فَيَمْضِي فِيهَا وَيَقْضِيهَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ. وَإِذَا جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ. أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّمَامَ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ، ثُمَّ لَا شَكَّ أَنْ لَيْسَ التَّمَامُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ بَقَاءِ شَيْءٍ عَلَيْهِ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ أَمْنِ الْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ. وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْبَدَنَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً ". رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْهُ وَأَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَجُلٍ قَضَى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: عَلَيْهِ بَدَنَةٌ. وَلِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ هُنَا؛ لِيَخِفْ أَثَرُ الْجِنَايَةِ بِجَبْرِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَهُوَ أَرْجَحُ مِمَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي رَجُلٌ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ بَعِيدُ الشُّقَّةِ قَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ، قَضَيْتُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَقَالَ: عَلَيْك بَدَنَةٌ وَحَجٌّ مِنْ قَابِلٍ فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ بَعْضُهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا. وَلَوْ جَامَعَ مَرَّةً ثَانِيَةً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ مَعَ الْبَدَنَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حُرْمَةٍ مَهْتُوكَةٍ فَصَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا فَيَجِب الدَّمُ. وَلَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ لِحَجَّتِهِ وَشَاةٌ لِعُمْرَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) مَا لَمْ يَكُنْ جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ،

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ إذْ هِيَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ. وَلَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فَكَانَتْ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْهُ فَتَجِبُ الشَّاةُ فِيهَا وَالْبَدَنَةُ فِي الْحَجِّ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ. (وَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا كَانَ كَمَنْ جَامَعَ مُتَعَمِّدًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جِمَاعُ النَّاسِي غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْحَجِّ. وَكَذَا الْخِلَافُ فِي جِمَاعِ النَّائِمَةِ وَالْمُكْرَهَةُ. هُوَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ لِلزِّيَارَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ جَامَعَ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي: لَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامَيْنِ بِالْحَلْقِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِهِمَا فِي حَقِّهِنَّ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَشُرُوحِ الْقُدُورِيِّ، فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَاجِّ شَاةً بَعْدَ الْحَلْقِ. وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا مَعْزِيًّا إلَى الْوَبَرِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَلَا شَيْءَ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهَا بِالْحَلْقِ وَبَقِيَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَاسْتَشْكَلَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَكَذَا فِي الْعُمْرَةِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا فِي الْوَبَرِيِّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَمْ يُعْهَدْ بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ وَيَبْقَى فِي حَقِّهِنَّ، بَلْ إذَا حَلَقَ بَعْدَ أَفْعَالِهَا حَلَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا عُهِدَ ذَلِكَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، فَإِذَا ضَمَّ إلَى إحْرَامِ الْحَجِّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ اسْتَمَرَّ كُلٌّ عَلَى مَا عُهِدَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، إذْ لَا يَزِيدُ الْقِرَانُ عَلَى ذَلِكَ الضَّمِّ فَيَنْطَوِي بِالْحَلْقِ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مُوجِبٌ بِسَبَبِ الْوَطْءِ بَلْ الْحَجُّ فَقَطْ. ثُمَّ يَجِبُ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الشَّاةِ أَوْ الْبَدَنَةِ، وَقَوْلُهُ مُوجِبُ الْبَدَنَةِ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا لَيْسَ إلَّا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ ظَاهِرٌ فِيمَا بَعْدَ الْحَلْقِ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَتَأَمَّلْهُ. ثُمَّ الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَهَا قَبْلَ الْحَلْقِ لَيْسَ إلَّا لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لَهُ لَا لِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَيْسَ الطِّيبُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ الْجِمَاعَ أَوْ الْحَلْقَ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لِلطِّيبِ، وَكَذَا كُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ جِنَايَةً عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لَهَا لَا لِغَيْرِهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ مَا قَبْلَ الْحَلْقِ، وَمَا بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بِهِ كَانَ جِنَايَةً قَبْلَهُ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ بَعْدَهُ، وَالزَّائِلُ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ جِنَايَةً بِاعْتِبَارِهِ، لَا جَرَمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إطْلَاقُ لُزُومِ الْبَدَنَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ.

[فصل طاف طواف القدوم محدثا]

الْحَظْرُ يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ جِنَايَةً. وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الِارْتِفَاقِ فِي الْإِحْرَامِ ارْتِفَاقًا مَخْصُوصًا، وَهَذَا لَا يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَالْحَجُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ حَالَاتِ الْإِحْرَامِ مُذَكِّرَةٌ بِمَنْزِلَةِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصَلِّ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا] (فَصْلٌ) (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ ذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا فَقَالَ: وَإِذَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَقَدْ قَصَّرَ ثُمَّ جَامَعَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَّرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. فَمِنْ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخَذَ التَّفْصِيلَ مَنْ أَخَذَهُ إنْ كَانَ إذْ خَفَّ الْمُوجِبُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَسْتَشْكِلَهُ بِأَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْجَزُورُ، وَإِنْ كَانَ سُؤَالُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفَتْوَاهُ بِهِ إنَّمَا كَانَ فِيمَنْ لَمْ يَطُفْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ؛ لِوُقُوعِ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامٍ أُمِنَ فَسَادُهُ. وَلَوْ كَانَ قَارِنًا: أَعْنِي الَّذِي طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ جَامَعَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: عَلَيْهِ شَاتَانِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَهُمَا جَمِيعًا. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرُّقَيَّاتِ فِيمَنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَعَادَ طَاهِرًا أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ دَمًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْجِمَاعَ وَقَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ بِالْإِعَادَةِ طَاهِرًا يَنْفَسِخُ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَيَصِيرُ طَوَافُهُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُوجِبُ نُقْصَانًا فَاحِشًا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ: يَعْنِي ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَعَادَهُ مُتَوَضِّئًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَلَمْ يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ فَيَقَعُ جِمَاعُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ الِانْفِسَاخَ إنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فَقَدْ قَالَ آخَرُونَ بِعَدَمِهِ وَصَحَّحَ فَلَمْ يَلْزَمْ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَوُقُوعُهُ شَرْعًا قَبْلَ التَّحَلُّلِ إنَّمَا مُوجِبُهُ الْبَدَنَةُ لَا مُطْلَقُ الدَّمِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَبْلَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَسَنُوَجِّهُ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) مُوَافِقٌ لِمَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَصُرِّحَ بِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَمُخَالِفٌ

لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَتَكُونُ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الطَّهَارَةِ فَلَمْ تَكُنْ فَرْضًا، ثُمَّ قِيلَ: هِيَ سُنَّةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ، فَإِذَا شُرِعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَهُوَ سُنَّةٌ، يَصِيرُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَالَ: لَيْسَ لِطَوَافِ التَّحِيَّةِ مُحْدِثًا وَلَا جُنُبًا شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا تَرْكُهُ مِنْ وَجْهٍ. وَالْوَجْهَانِ اللَّذَانِ أَبْطَلَ بِهِمَا الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الطَّهَارَةِ سُنَّةً: أَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يُوجِبُ الْعَمَلَ كَافِلَانِ بِإِبْطَالِهِ، وَلِمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْأَوَّلِ لُزُومُ الْجَابِرِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّا نَنْفِيهِ فِي غَيْرِ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، دَفَعَهُ بِتَقْرِيرِ أَنَّ كُلَّ تَرْكٍ لَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ فِي وَاجِبٍ، فَإِنَّ التَّطَوُّعَ إذَا شُرِعَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ ثُمَّ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً فَأَظْهَرْنَا التَّفَاوُتَ فِي الْحَطِّ مِنْ الدَّمِ إلَى الصَّدَقَةِ فِيمَا إذَا طَافَ مُحْدِثًا، وَمِنْ الْبَدَنَةِ إلَى الشَّاةِ إذَا طَافَ جُنُبًا. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» . وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ «إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ» ، فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ مِثْلُ الصَّلَاةِ فِي حُكْمِهَا إلَّا فِي جَوَازِ الْكَلَامِ فَيَصِيرُ مَا سِوَى الْكَلَامِ دَاخِلًا فِي الصَّدْرِ وَمِنْهُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» فَرَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْحَائِضِ. وَلَنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا يَنْتَظِمُ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا، وَهُوَ تَسْلِيمُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ لَكِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ نَسْخُهُ لِإِطْلَاقِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَثَبَتَ بِهِ الْوُجُوبُ لَا الِافْتِرَاضُ لِاسْتِلْزَامِهِ الْإِكْفَارَ بِجَحْدِ مُقْتَضَاهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمُ مُقْتَضَاهُ بَلْ لَازِمُهُ التَّفْسِيقُ بِهِ، فَكَيْفَ وَلَوْ ثَبَتَ بِهِ افْتِرَاضُ الطَّهَارَةِ كَانَ نَاسِخًا لَهُ، إذْ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالدَّوَرَانِ حَوْلَ الْبَيْتِ مَعَ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا. فَجَعْلُهُ لَا يَخْرُجُ مَعَ عَدَمِهَا نَسْخٌ لِإِطْلَاقِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَرَتَّبْنَا عَلَيْهِ مُوجِبَهُ مِنْ إثْبَاتِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ حَتَّى أَثَّمْنَا بِتَرْكِهَا وَأَلْزَمْنَا الْجَابِرَ، وَلَيْسَ مُقْتَضَى خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرَ هَذَا لَا الِاشْتِرَاطَ الْمُفْضِي إلَى نَسْخِ إطْلَاقِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُؤَيِّدُ انْتِفَاءَ الِاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ سُنَّةَ طَوَافِهَا. وَقَالَ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت حَمَّادًا وَمَنْصُورًا عَنْ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا. وَقَدْ انْتَظَمَ مَا ذَكَرْنَاهُ الْجَوَابَ عَمَّا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. ثَانِيهِمَا مَنْعُ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ، وَنَقُولُ: بَلْ التَّشْبِيهُ فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْأَحْكَامِ. وَقَوْلُهُ «إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ» كَلَامٌ مُنْقَطِعٌ مُسْتَأْنَفٌ بَيَانٌ لِإِبَاحَةِ الْكَلَامِ فِيهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ الْمَشْيُ مُمْتَنِعًا لِدُخُولِهِ فِي الصَّدْرِ، وَكَأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَشْعَرَ فِيهِ مَنْعًا وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمَشْيُ قَدْ عُلِمَ إخْرَاجُهُ قَبْلَ التَّشْبِيهِ فَإِنَّ الطَّوَافَ نَفْسُ الْمَشْيِ، فَحَيْثُ قَالَ صَلَاةٌ فَقَدْ قَالَ الْمَشْيُ الْخَاصُّ كَالصَّلَاةِ فَيَكُونُ وَجْهُ التَّشْبِيهِ مَا سِوَى الْمَشْيِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنْ يَبْقَى الِانْحِرَافُ مُؤَيِّدًا لِلْوَجْهِ الثَّانِي. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ عِنْدَنَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْفِيهِ، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَيُخَصُّ الِانْحِرَافُ أَيْضًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاتِّفَاقِ رُوَاةِ «مَنَاسِكِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ حِينَ طَافَ» ، وَلِاعْتِبَارِهِ وَجَبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الطَّوَافِ، فَلَوْ طَافَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ لَزِمَ الدَّمُ إنْ لَمْ يُعِدْهُ. فَالْجَوَابُ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَبَرَ لَكَانَ مُقْتَضَاهُ وُجُوبَ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِيهِ لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ وُجُوبِهَا. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يُفْتَرَضُ تَحْصِيلُهَا وَلَا يَجِبُ لَكِنَّهُ سُنَّةٌ، حَتَّى لَوْ طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ. اهـ. فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الثَّوَابِ، وَيُضَافُ إيجَابُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ إلَى مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَإِيجَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

(وَلَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي الرُّكْنِ فَكَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ (وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ، وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُ كُلِّهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ» قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ طَافَ تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَأَحَبُّ إلَيْنَا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ سِوَى الَّذِي طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ. هَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ أَنَّ فِي نَجَاسَةِ الْبَدَنِ كُلِّهِ الدَّمَ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ: فَلِمَ لَمْ تُلْحَقْ الطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ بِالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ وَهُوَ الْأَصْلُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ قِيَاسًا أَوْ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا فِي إثْبَاتِ شَرْطٍ بَلْ فِي إثْبَاتِ الْوُجُوبِ. وَقَدْ يُجَابُ بِحَاصِلِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ أَخَفُّ حَتَّى جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَمَعَ كَثِيرِهَا حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ نُقْصَانٌ فِي الطَّوَافِ وَهَذَا يَخُصُّ الْفَرْقَ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ دُونَ السَّتْرِ، ثُمَّ أَفَادَ فَرْقًا بَيْنَ السَّتْرِ وَبَيْنَهُ بِأَنَّ وُجُوبَ السَّتْرِ لِأَجْلِ الطَّوَافِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ» فَبِسَبَبِ الْكَشْفِ يَتَمَكَّنُ نُقْصَانٌ فِي الطَّوَافِ وَاشْتِرَاطُ طَهَارَةِ الثَّوْبِ لَيْسَ لِلطَّوَافِ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِتَرْكِهِ نُقْصَانٌ فِيهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ الْمُشَارِكَةَ لِلطَّوَافِ فِي سَبَبِيَّةِ الْمَنْعِ. وَأَفَادَهَا فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: الْمَنْعُ مِنْ الطَّوَافِ مَعَ الثَّوْبِ النَّجِسِ لَيْسَ لِأَجْلِ الطَّوَافِ بَلْ لِصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنْ إدْخَالِهِ النَّجَاسَةَ وَصِيَانَتِهِ عَنْ التَّلْوِيثِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ نَقْصًا فِي الطَّوَافِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَبْرِ إلَّا أَنَّهُ نَفَى سَبَبِيَّةَ الطَّوَافِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ الْمَنْعُ مِنْ الطَّوَافِ مَعَ الثَّوْبِ النَّجِسِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنَعَ لَكَانَ لِصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ، أَوْ أَنَّ الْمَنْعَ ثَابِتٌ مَعَ النَّجَاسَةِ وَلِذَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ إلَى الْوُجُوبِ فَلَا يَنْتَهِضُ مُوجِبًا لِلْجَابِرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَنْصِيصٌ سِوَى عَلَى الثَّوْبِ، وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ تَعْمِيمَ الْبَدَنِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ فَكَانَ أَفْحَشَ) فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اخْتَلَفَ الْجَابِرُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الطَّوَافِ دُونَ الصَّلَاةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَخْتَلِفَ الْجَابِرُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ اعْتِبَارًا لِلْمُسَبِّبِ عَلَى وِزَانِ سَبَبِهِ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِلتَّعَذُّرِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي الْحَجِّ لِشَرْعِ الْجَابِرِ فِيهِ مُتَنَوِّعًا إلَى بَدَنَةٍ وَشَاةٍ وَصَدَقَةٍ فَاعْتُبِرَ تَفَاوُتُ الْجَابِرِ بِتَفَاوُتِ الْجِنَايَةِ وَتَعَذَّرَ فِي الصَّلَاةِ إذْ لَمْ يُشْرَعْ الْجَابِرُ لِلنَّقْصِ الْوَاقِعِ

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَقُصُورِهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ. ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ. وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ فَيُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ اسْتِدْرَاكًا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَهْوًا إلَّا السُّجُودُ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا) وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْمَرْ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ تِلْكَ الرِّوَايَةُ مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الطَّوَافِ مُطْلَقًا وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ الطَّوَافُ جَابِرًا، فَإِنَّ الدَّمَ وَالصَّدَقَةَ مِمَّا يُجْبَرُ بِهِمَا فَالْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ وَاسْتِحْبَابُ الْمُعَيَّنِ: أَعْنِي الطَّوَافَ لِيَكُونَ الْجَابِرُ مِنْ جِنْسِ الْمَجْبُورِ. بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَطُفْ فَإِنَّ الْبَعْثَ بِالشَّاةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَانَ يَسِيرًا وَفِي الشَّاةِ تَقَعُ لِلْفُقَرَاءِ. (قَوْلُهُ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ) إنْ هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الشَّيْءِ إذَا أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ دَلِيلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَوَّلِ فِي الْحَدَثِ وَإِلَّا لَوَجَبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ. وَقَوْلُهُ فِي فَصْلِ الْجَنَابَةِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْر لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ أَخَذَ مِنْهُ الرَّازِيّ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي فَصْلِ الْجَنَابَةِ لِلطَّوَافِ الثَّانِي وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِهِ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَوَّلُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ إذْ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِ الْأَوَّلِ مُعْتَدًّا بِهِ حَتَّى حَلَّ بِهِ النَّسَاءُ، وَتَقْرِيرُ مَا عُلِمَ شَرْعًا بِاعْتِدَادِهِ حَالَ وُجُودِهِ أَوْلَى. وَاسْتَدَلَّ الْكَرْخِيُّ بِمَا فِي الْأَصْلِ: لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فِي رَمَضَانَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إنْ أَعَادَهُ فِي شَوَّالٍ أَوْ لَمْ يُعِدْهُ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِوُقُوعِ الْأَمْنِ لَهُ عَنْ فَسَادِ الْعُمْرَةِ، فَإِذَا أَمِنَ فَسَادَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْحَجِّ

وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ. وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جَابِرٌ لَهُ، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الْعَوْدُ. وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا إنْ عَادَ وَطَافَ جَازَ، وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ خَفَّ مَعْنَى النُّقْصَانِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَنْ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ. (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الصَّدْرِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) لِأَنَّهُ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَجِبُ شَاةٌ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ (وَلَوْ طَافَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ هُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ. (وَمَنْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَكُونُ بِهَا مُتَمَتِّعًا. قَالَ: وَالطَّوَافُ الْأَوَّلُ كَانَ حُكْمُهُ مُرَاعًى لِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ؛ فَإِنْ أَعَادَهُ انْفَسَخَ وَصَارَ الْمُعْتَدُّ بِهِ الثَّانِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ فِي التَّحَلُّلِ، كَمَنْ قَامَ فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَقْرَأْ حَتَّى رَكَعَ كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ مُرَاعًى عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ، فَإِنْ عَادَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ كَانَ الْأَوَّلُ مُعْتَدًّا بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِهِ حُكْمُ الطَّوَافِ بَلْ بَقِيَ مُعْتَدًّا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَالثَّانِي جَابِرٌ لِلتَّمَكُّنِ فِيهِ مِنْ النُّقْصَانِ، وَلَوْ طَافَتْ الْمَرْأَةُ لِلزِّيَارَةِ حَائِضًا فَهُوَ كَطَوَافِ الْجُنُبِ سَوَاءٌ. اهـ. وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَوْلَى، وَجَعْلُ عَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي شَاهِدِهِ لِلْأَمْنِ عَنْ فَسَادِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ جَعْلِ الدَّمِ لِتَأْخِيرِ الْجَابِرِ لِجَعْلِهِ كَنَفْسِ الطَّوَافِ بِسَبَبِ أَنَّ النُّقْصَانَ لَمَّا كَانَ مُتَفَاحِشًا كَانَ كَتَرْكِهِ مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ وُجُودُ جَابِرِهِ كَوُجُودِهِ. أَوْ نَقُولُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الطَّوَافِ فِي أَيَّامِهِ خَالِيًا عَنْ النَّقْصِ الْفَاحِشِ الَّذِي يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ التَّرْكِ لِبَعْضِهِ، فَبِإِدْخَالِهِ يَكُونُ مُوجِدًا لِبَعْضِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَعْضُ الْآخَرُ أَعْنِي صِفَةَ الْكَمَالِ، وَهُوَ تَكَامُلُ الصِّفَةِ وَهُوَ الطَّوَافُ الْجَابِرُ فَوَجَبَ فِي أَيَّامِ الطَّوَافِ، فَإِذَا أَخَّرَهُ وَجَبَ دَمٌ كَمَا إذَا أَخَّرَ أَصْلَ الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَلَّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا وَهُوَ آفَاقِيٌّ يُرِيدُ مَكَّةَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إحْرَامٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَقِيلَ: يَعُودُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ، ثُمَّ إذَا عَادَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَبْدَأُ بِهَا، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَلَوْ طَافَ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ مُحْدِثًا أَعَادَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْجَبْرِ بِجِنْسِهِ فِي وَقْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ لِطَوَافِ الْعُمْرَةِ مُحْدِثًا وَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ، وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ اسْتِحْبَابًا؛ لِيَحْصُلَ الرَّمَلُ وَالسَّعْيُ عَقِيبَ طَوَافٍ كَامِلٍ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَعْيٌ عَقِيبَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، إذْ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ، وَفِي الْجَنَابَةِ إنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلسَّعْيِ وَكَذَا الْحَائِضُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَصْلًا إلَخْ) وَكَذَا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ يَعُودُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ أَبَدًا فِي حَقِّ النِّسَاءِ؛ وَكُلَّمَا جَامَعَ لَزِمَهُ دَمٌ إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَجَالِسُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ رَفْضَ الْإِحْرَامِ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ أَوَائِلَ الْفَصْلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الصَّدْرِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي حُكْمِهِ رِوَايَتَيْنِ،

لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فَتَلْزَمُهُ شَاةٌ. فَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَعُودَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ هِيَ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْجُنُبِ مُعْتَدٌّ بِهِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ، وَالْوَاجِبُ بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ الدَّمُ فَلَا يَجِبُ بِالنُّقْصَانِ مَا يَجِبُ بِالتَّرْكِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنَاطَ وُجُوبِ الدَّمِ كَمَالُ الْجِنَايَةِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الطَّوَافِ مَعَ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ بِهِ كَمَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ، وَلِذَا حَقَّقْنَا وُجُوبَ الدَّمِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ جُنُبًا، وَلَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ أَصْلًا؛ لِثُبُوتِ الْجِنَايَةِ فِي فِعْلِهِ جُنُبًا وَعَدَمِهَا فِي تَرْكِهِ فَالْمَدَارُ الْجِنَايَةُ. فَإِنْ قُلْت: ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ لُزُومِ الدَّمِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَالصَّدَقَةِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مُحْدِثًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إدْخَالُ النَّقْصِ فِي الْوَاجِبِ بِالشُّرُوعِ أَنَّهُ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَبَيْنَ مَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ، وَهَذَا الْفَرْقُ ثَابِتٌ بَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالصَّدْرِ فَلِمَ اتَّحَدَ حُكْمُهُمَا؟ فَالْجَوَابُ مَنْعُ قِيَامِ الْفَرْقِ فَإِنَّ وُجُوبَهُ مُضَافٌ إلَى الصَّدْرِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ كَوُجُوبِ طَوَافِ الْقُدُومِ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الشُّرُوعُ، وَلِهَذَا لَوْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ فِعْلِ الصَّدْرِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ. (قَوْلُهُ: يَسِيرٌ) لِرُجْحَانِ جَانِبِ الْوُجُودِ بِالْكَثْرَةِ. وَعَنْ هَذَا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الرُّكْنَ عِنْدَنَا هُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْوَاطُ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ بِهِ الْوَاجِبُ. وَهَذَا حُكْمٌ لَا يُعَلَّلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ إذْ جَبْرُهَا بِالدَّمِ مَمْنُوعٌ عِنْدَ مَنْ يُخَالِفُ فِيهِ وَهُمْ كَثِيرُونَ، بَلْ جَبْرُهَا بِهِ لِإِقَامَةِ الْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ. وَسَبَبُ اخْتِصَاصِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذْ لَا يُقَامُ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا مَقَامَ الْكُلِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ، وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِبَقَاءِ رُكْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَحَكَمْنَا لِهَذَا بِالْأَمْنِ مِنْ فَسَادِ الْحَجِّ إذَا تَحَقَّقَ بَعْدَ الْوُقُوفِ مَا يُفْسِدُهُ قَبْلَهُ. فَعَلِمْنَا أَنَّ بَابَ الْحَجِّ اُعْتُبِرَ فِيهِ شَرْعًا هَذَا الِاعْتِبَارُ وَالطَّوَافُ مِنْهُ فَأَجْرَيْنَا فِيهِ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ فِي إثْبَاتِ الْإِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الْآخَرَ غَيْرُ مُنْتَهِضٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الطَّوَافُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ، فَلَمَّا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَبْعًا اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ تَقْدِيرًا لِلْكَمَالِ وَلَمَّا لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْهُ فَيَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْكَمَالِ أَوْ لِلِاعْتِدَادِ، وَيُقَامُ الْأَكْثَرُ مُقَامَ الْكُلِّ كَإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ يُجْعَلُ شَرْعًا إدْرَاكًا لِلرَّكْعَةِ، وَكَالنِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ لِلصَّوْمِ تُجْعَلُ شَرْعًا فِي كُلِّهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ التَّطَوُّفُ، وَهُوَ أَخَصُّ يَقْتَضِي زِيَادَةَ تَكَلُّفٍ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ مِنْ حَيْثُ الْإِسْرَاعُ وَمِنْ حَيْثُ التَّكَثُّرُ، فَلَمَّا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُتَكَثِّرًا كَانَ تَنْصِيصًا عَلَى أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ، ثُمَّ وُقُوعُ التَّرَدُّدِ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلْكَمَالِ أَوْ لِلِاعْتِدَادِ عَلَى السَّوَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمُتَيَقَّنِ كَوْنَهُ لِلْكَمَالِ فَإِنَّهُ مَحْضُ تَحَكُّمٍ فِي أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، بَلْ فِي مِثْلِهِ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فَيُعْتَبَرُ لِلِاعْتِدَادِ؛ لِيَقَعَ الْيَقِينُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ. وَعَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ لِلِاعْتِدَادِ يَكُونُ إقَامَةُ أَكْثَرِهِ مَقَامَ كُلِّهِ مُنَافِيًا لَهُ فِي التَّحْقِيقِ، إذْ كَوْنُ السَّبْعِ لِلِاعْتِدَادِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْهَا. وَإِقَامَةُ الْأَكْثَرِ لَازِمُهُ حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ فَكَيْفَ يُرَتَّبُ لَازِمًا عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْمَلْزُومِ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِهِ فَإِثْبَاتُهُ بِإِلْحَاقِ مُدْرِكِ الرُّكُوعِ وَالنِّيَّةِ بَاطِلٌ. أَمَّا إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ بِالرُّكُوعِ فَبِالشَّرْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ بِإِجْزَاءِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ عَنْ الْأَرْبَعِ قِيَاسًا. وَأَمَّا النِّيَّةُ فَبَعِيدٌ أَنَّهُ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فَإِنَّا نَعْتَبِرُ الْإِمْسَاكَاتِ السَّابِقَةَ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى وُجُودِهَا، فَإِذَا وُجِدْت بِأَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ تَحَقَّقَ

وَيَبْعَثُ بِشَاةٍ لِمَا بَيَّنَّا (وَمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَهَا) لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَكْثَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا. (وَمَنْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ أَوْ الْأَكْثَرَ مِنْهُ، وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ (وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْوَاجِبِ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ) لِأَنَّ الطَّوَافَ وَرَاءَ الْحَطِيمِ وَاجِبٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَالطَّوَافُ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَيَدْخُلَ الْفُرْجَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَطِيمِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي طَوَافِهِ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلطَّوَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ (وَإِنْ أَعَادَ عَلَى الْحِجْرِ) خَاصَّةً (أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ تَلَافَى مَا هُوَ الْمَتْرُوكُ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحَجَرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ هَكَذَا يَفْعَلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. (فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي طَوَافِهِ بِتَرْكِ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبُعِ وَلَا تَجْزِيهِ الصَّدَقَةُ. (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَطَوَافَ الصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) ، فَإِنْ كَانَ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يُنْقَلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُنْقَلُ إلَيْهِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُنْقَلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِعَادَةَ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ مُؤَخِّرًا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ الصَّدْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ، إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الرُّجُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرْفُ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ كُلِّهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ النِّيَّةُ بِالْكُلِّ؛ لِوُجُودِهَا فِي الْأَكْثَرِ لَا بِالْأَكْثَرِ، وَكَانَ سَبَبُ تَصْحِيحِ تَعَلُّقِهَا بِالْكُلِّ مِنْ غَيْرِ قِرَانِ وُجُودِهَا بِالْكُلِّ الْحَرَجَ اللَّازِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ قِرَانِ وُجُودِهَا لِلْكُلِّ بِسَبَبِ النَّوْمِ الْحَاكِمِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا إيضَاحَهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ. هَذَا وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَوْجَهَ لَكِنَّهُ غَيْرُ سَالِمٍ مِمَّا يُدْفَعُ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ إقَامَةَ الْأَكْثَرِ فِي تَمَامِ الْعِبَادَةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ حُكْمٍ خَاصٍّ وَهُوَ أَمْنُ الْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ لَيْسَ غَيْرُ، وَلِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّ تَرْكَ مَا بَقِيَ: أَعْنِي الطَّوَافَ يَتِمُّ مَعَهُ الْحَجُّ وَهُوَ مَوْرِدُ ذَلِكَ النَّصِّ، فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ إقَامَةِ أَكْثَرِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ مَقَامَ تَمَامِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَتَرْكِ بَاقِيهِ، كَمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ مَوْرِدِ النَّصِّ: أَعْنِي الْحَجَّ، فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَلْ الَّذِي نَدِينُ بِهِ أَنْ لَا يُجْزِيَ أَقَلُّ مِنْ السَّبْعِ، وَلَا يُجْبَرُ بَعْضُهُ بِشَيْءٍ غَيْرَ أَنَّا نَسْتَمِرُّ مَعَهُمْ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى أَصْلِهِمْ هَذَا. (قَوْلُهُ وَيَبْعَثُ بِشَاةٍ) يَعْنِي عَنْ الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَبِشَاةٍ أُخْرَى

عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَمَنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَحَلَّ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَمَّا إعَادَةُ الطَّوَافِ فَلِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِيهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ. وَأَمَّا السَّعْيُ فَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، وَإِذَا أَعَادَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ (وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ إذْ النُّقْصَانُ يَسِيرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى أَثَرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فِي الصَّحِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ بَعْثَ الشَّاةِ لِتَرْكِ بَعْضِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ طَافَ لِلصَّدْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ مَا يُكْمِلُهُ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ إنْ كَانَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ لَهُ وَإِلَّا فَدَمٌ، وَلَوْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَدْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ كَمَّلَ مِنْ الصَّدْرِ وَلَزِمَهُ دَمَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: دَمٌ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ، وَدَمٌ آخَرُ لِتَرْكِهِ أَكْثَرَ الصَّدْرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ لِلتَّأْخِيرِ دَمٌ وَصَدَقَةٌ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّدْرِ مَعَ ذَلِكَ الدَّمِ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمًا، وَفِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ صَدَقَةً، وَفِي تَرْكِ الْأَكْثَرِ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ دَمًا، وَفِي تَرْكِ أَقَلِّهِ صَدَقَةً. وَمَبْنَى هَذَا النَّقْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ رُكْنُ عِبَادَةٍ، وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ فَشُرِطَ لَهُ نِيَّةُ أَصْلِ الطَّوَافِ دُونَ التَّعْيِينِ. فَلَوْ طَافَ فِي وَقْتِهِ يَنْوِي النَّذْرَ أَوْ النَّفَلَ وَقَعَ عَنْهُ، كَمَا لَوْ نَوَى بِالسَّجْدَةِ مِنْ الظُّهْرِ النَّفَلَ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَوَقَعَتْ عَنْ الرُّكْنِ وَإِنَّ تَوَالِيَ الْأَشْوَاطِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ، كَمَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّوَافِ لِتَجْدِيدِ وُضُوءٍ فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ بَنَى. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ السَّعْيِ شَيْءٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْمُرَادُ لَيْسَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ جَابِرِ السَّعْيِ شَيْءٌ: أَيْ لَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ السَّعْيِ مُحْدِثًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ، بَلْ الْوَاجِبُ فِيهِ الطَّهَارَةُ فِي الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ عَقِيبَهُ وَقَدْ جُبِرَ ذَلِكَ بِالدَّمِ إذْ فُوِّتَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ السَّعْيِ كَوْنُهُ بَعْدَ أَكْثَرِ طَوَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّوَافُ عَلَى طَهَارَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُصُولَ الطَّوَافِ عَلَى الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِ السَّعْيِ تَسَاهُلٌ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ وَحْدَهُ ذُكِرَ فِيهِ الْخِلَافُ وَصُحِّحَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَهُوَ قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْمَحْبُوبِيُّ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ شَارِحِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى وُجُوبِ الدَّمِ بِنَاءً عَلَى انْفِسَاخِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَإِلَّا كَانَا فَرْضَيْنِ أَوْ الْأَوَّلِ فَلَا يُعْتَدُّ بِالثَّانِي وَلَا قَائِلَ بِهِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ الثَّانِيَ فَحِينَئِذٍ وَقَعَ السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعِدْ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ. وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْحَصْرِ بَلْ الطَّوَافُ الثَّانِي مُعْتَدٌّ بِهِ جَابِرًا كَالدَّمِ، وَالْأَوَّلُ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي حَقِّ الْفَرْضِ، وَهَذَا أَسْهَلُ مِنْ الْفَسْخِ خُصُوصًا وَهُوَ نُقْصَانٌ بِسَبَبِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. وَمِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالْمَشْيُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَنْكُوسًا بِأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَسَارِهِ. وَكُلُّهَا وَإِنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا لَكِنْ لَا قَصْدًا بَلْ فِي ضِمْنِ التَّعَالِيلِ. أَمَّا السَّتْرُ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا يَطُوفَنَّ بِهَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا عُرْيَانُ» وَأَمَّا الْمَشْيُ فَلِأَنَّ الرَّاكِبَ لَيْسَ طَائِفًا حَقِيقَةً بَلْ الطَّائِفُ حَقِيقَةً مَرْكُوبُهُ وَهُوَ فِي حُكْمِهِ إذْ كَانَ حَرَكَتُهُ عَنْ حَرَكَةِ الْمَرْكُوبِ، وَطَوَافُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاكِبًا فِيمَا رَكِبَ فِيهِ قَدَّمْنَا مَا رُوِيَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ كَانَ لِيَظْهَرَ فَيُقْتَدَى بِفِعْلِهِ، وَهَذَا عُذْرٌ أَيُّ عُذْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَعْلِيمِهِمْ، وَهَذَا طَرِيقُ مَا أُمِرَ بِهِ فَيُبَاحُ لَهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إذَا رَكِبَ مِنْ عُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا أَعَادَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَكَذَا إذَا طَافَ زَحْفًا. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ زَحْفًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ لَزِمَهُ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ الْعِبَادَةَ بِوَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ فَلَغَتْ وَبَقِيَ النَّذْرُ بِأَصْلِ الْعِبَادَةِ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ لِلْحَجِّ بِلَا طَهَارَةٍ، ثُمَّ إنْ طَافَ زَحْفًا أَعَادَهُ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يُعِدْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا طَافَ زَحْفًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ يَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَصُومَ يَوْمًا آخَرَ؛ وَلَوْ صَلَّى فِي الْمَغْصُوبَةِ أَوْ صَامَ يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَهُ وَخَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ، كَذَا هَذَا، هَكَذَا حُكِيَ فِي الْبَدَائِعِ. وَسَوْقُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ الْقَاضِي مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْأَصْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا لَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الدَّمِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ سِوَى الْإِجْزَاءِ، وَمَا فِي الْأَصْلِ لَا يَنْفِيهِ، وَلَوْ كَانَ خِلَافًا كَانَ مَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعِبَادَةَ مَتَى شُرِعَ فِيهَا جَابِرٌ لِتَفْوِيتِ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِهَا فَفُوِّتَ وَجَبَ الْجَبْرُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ صَحَّتْ كَالصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ فِي السَّهْوِ وَبِالْإِعَادَةِ فِي الْعَمْدِ، فَقَدْ قُلْنَا: كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ يَجِبُ إعَادَتُهَا، وَبَابُ الْحَجِّ مِمَّا تَحَقَّقَ فِيهِ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْجَبْرُ أَوَّلًا بِجِنْسِهِ إذَا فَوَّتَ وَاجِبَهُ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ وَجَبَ الْجَابِرُ الْآخَرُ وَهُوَ الدَّمُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ جَبْرٌ، وَبِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ عَدَمَ حِلِّ الصَّلَاةِ فِيهَا لَيْسَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ الْوَاجِبُ عَدَمُ الْكَوْنِ فِيهَا مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا جَعْلُ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاظَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ فِي الْحَجِّ وَجَمِيعِ عُمَرِهِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيمِ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ إلَى أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِهِ خُصُوصًا اقْتِرَانُ مَا فَعَلَهُ فِي الْحَجِّ بِقَوْلِهِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ. وَأَمَّا الِافْتِتَاحُ مِنْ الْحَجَرِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ: لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى

(وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَحَجُّهُ تَامٌّ) لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا فَيَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ دُونَ الْفَسَادِ. (وَمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ عَرَفَاتٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَصْلُ الْوُقُوفِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ الْإِطَالَةِ شَيْءٌ. وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» فَيَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوُقُوفِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجَرِ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنْهُ، وَقَدَّمْنَا فِيمَا سَلَفَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ فِي الدَّلِيلِ، وَجَعْلُ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِ الطَّائِفِ وَاجِبٌ، فَكَذَا ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ أَلْبَتَّةَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَحَجُّهُ تَامٌّ) ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصْبُ الْخِلَافِ فِيهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَقَمْنَا دَلِيلَ الْوُجُوبِ وَأَبْطَلْنَا مَا جَعَلَهُ دَلِيلًا لِلرُّكْنِيَّةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْإِحْرَامِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِذَا كَانَ السَّعْيُ وَاجِبًا فَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَ دَمٌ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ فِي هَذَا الْبَابِ. أَصْلُهُ طَوَافُ الصَّدْرِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» وَرَخَّصَ لِلْحَيْضِ فَأَسْقَطَهُ لِلْعُذْرِ، وَعَلَى هَذَا فَإِلْزَامُ الدَّمِ فِي الْكِتَابِ بِتَرْكِ السَّعْيِ يُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ، وَكَذَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَكْثَرِهِ، فَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ: أَيْ يُطْعِمُ لِكُلِّ شَوْطٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ قِيمَتِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَكَمَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُ بِرُكُوبِهِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إلَّا إنْ رَكِبَ لِعُذْرٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ لِغَيْرِ عُذْرٍ دَمًا لَا لِعُذْرٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ) قَدْ تَرَكْنَا مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ؛ لِأَنَّهَا مُفَصَّلَةٌ وَاضِحَةٌ فِي الْكِتَابِ فَتُرَاجَعُ فِيهِ. ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ الْمَدَارُ إلَّا أَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ الْإِمَامِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ قَطُّ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ أَعْنِي بَعْدَ الْغُرُوبِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ بِاعْتِبَارِهَا، وَأَشَارَ فِي الدَّلِيلِ إلَى خُصُوصِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» غَرِيبٌ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَفَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَجِّ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ خِلَافَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَأَيْضًا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْحَاكِمِ عَنْ الْمِسْوَرِ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ مِثْلَ عَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهَا، وَإِنَّا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ» ، فَإِنَّ هَذَا السَّوْقَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ فِيهِ. وَمَسَائِلُ الْإِفَاضَةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ذَكَرْنَاهَا فِي بَحْثِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَارْجِعْ إلَيْهَا تَسْتَغْنِ عَنْ إعَادَتِهَا هُنَا.

مَنْ وَقَفَ نَهَارًا لَا لَيْلًا، فَإِنْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَدْرَكًا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ. (وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ. (وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَحَقُّقِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شُجَاعٍ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ) ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِفَاضَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَدْ وُجِدَ وَتَقَدَّمَ مَا عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ، وَأَنَّهُ الْحَقُّ فَارْجِعْ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَلْقِ) حَيْثُ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ بِحَلْقِ شَعْرِ كُلِّ الْبَدَنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِاتِّحَادِ الْجِنَايَةِ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَكَذَا تَرْكُ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ يَلْزَمُهُ بِهِ دَمٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ) وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا يَبْقَى فِي لَيْلَةِ الرَّابِعَ عَشَرَ بِخِلَافِ اللَّيَالِيِ الَّتِي تَتْلُو الْأَيَّامَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الرَّمْيِ. وَقَوْلُهُ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ: يَعْنِي عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا كَانَ يُرَتِّبُ الْجِمَارَ فِي الْأَدَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ إلْزَامِ الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ بِتَرْكِ الرَّمْيِ عَلَى الِاتِّفَاقِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْضِهِ، أَمَّا إنْ قَضَى رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الثَّانِي فِي الثَّالِثِ، فَالْإِيجَابُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. (وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ (وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ) لِأَنَّ الْكُلَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ نُسُكٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِوُجُودِ تَرْكِ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ كُلُّ وَظِيفَةِ هَذَا الْيَوْمِ رَمْيًا وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا (وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ) لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الْأَقَلُّ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ. (وَمَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَهُ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأْخِيرَ النُّسُكِ وَتَقْدِيمَهُ غَيْرُ مُوجِبٍ عِنْدَهُمَا شَيْئًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) بِأَنْ يَتْرُكَ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَأَرْبَعَ حَصَيَاتٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ. وَتَفَاصِيلُ مَسَائِلِ الرَّمْيِ ظَاهِرَةٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي بَحْثِ الرَّمْيِ فَلَا نُعِيدُهُ وَارْجِعْ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) يَعْنِي عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ السَّعْيَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ بَعْدَهُ

كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ، لَهُمَا أَنَّ مَا فَاتَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْقَضَاءِ وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ شَيْءٌ آخَرُ. وَلَهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ " وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ بِالْمَكَانِ كَالْإِحْرَامِ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ بِالزَّمَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ إلَخْ) وَفِي مَوْضِعٍ إنْ رَمَى قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَلَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ لِلْعُذْرِ، حَتَّى لَوْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَيُمْكِنُهَا أَنْ تَطُوفَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَلَمْ تَفْعَلْ كَانَ عَلَيْهَا الدَّمُ لَا إنْ أَمْكَنَهَا أَقَلُّ مِنْهَا. وَلَوْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَسْنُونًا بَعْدَ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ مَا فَاتَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْقَضَاءِ إلَخْ) وَلَهُمَا أَيْضًا مِنْ الْمَنْقُولِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» . وَالْجَوَابُ أَنَّ نَفْيَ الْحَرَجِ يَتَحَقَّقُ بِنَفْيِ الْإِثْمِ وَالْفَسَادِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ دُونَ نَفْيِ الْجَزَاءِ، فَإِنَّ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ لَمْ أَشْعُرْ فَفَعَلْت مَا يُفِيدُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلِذَا قَدَّمَ اعْتِذَارَهُ عَلَى سُؤَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْأَلْ أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ مُخَالَفَةُ تَرْتِيبِهِ لِتَرْتِيبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ مُتَعَيَّنٌ فَقَدَّمَ ذَلِكَ الِاعْتِذَارَ وَسَأَلَ عَمَّا يَلْزَمُهُ بِهِ، فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْجَوَابِ عَدَمَ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ، وَأَنَّ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ مَسْنُونٌ لَا وَاجِبٌ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ كَانَ هُوَ الْوَاقِعَ إلَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَذَرَهُمْ لِلْجَهْلِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ

(وَإِنْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ اعْتَمَرَ فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَصَّرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُعْتَمِرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَاجِّ. قِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ فِي الْحَجِّ بِالْحَلْقِ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، هُوَ يَقُولُ: الْحَلْقُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْحَرَمِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ» . وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ لَمَّا جُعِلَ مُحَلِّلًا صَارَ كَالسَّلَامِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ مُحَلِّلًا، فَإِذَا صَارَ نُسُكًا اخْتَصَّ بِالْحَرَمِ كَالذَّبْحِ وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْد زُفَرٍ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَعَلَّمُوا مَنَاسِكَهُمْ، وَإِنَّمَا عَذَرَهُمْ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ كَانَ إذْ ذَاكَ فِي ابْتِدَائِهِ، وَإِذَا اُحْتُمِلَ كُلًّا مِنْهُمَا فَالِاحْتِيَاطُ اعْتِبَارُ التَّعْيِينِ وَالْأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ فِي مَقَامِ الِاضْطِرَابِ فَيَتِمُّ الْوَجْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ " بَلْ هُوَ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ عِنْدَنَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْأَعْرَفُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ " مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا " وَفِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ مُضَعَّفٌ. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمُضَعَّفَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. قَالَ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدُ مَنْ رَوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " افْعَلْ وَلَا حَرَجَ " لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، بَلْ عَلَى أَنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ كَانَ عَلَى الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ فَعَذَرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مَنَاسِكَهُمْ. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ قِيَاسُ الْإِخْرَاجِ عَنْ الزَّمَانِ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ الْمَكَانِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] الْآيَةَ. فَإِنَّ إيجَابَ الْفِدْيَةِ لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ حَالَةَ الْعُذْرِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّأْقِيتَ الصَّادِرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقَوْلِ كَانَ لِتَعَيُّنِهِ لَا لِاسْتِنَانِهِ. وَنَصُّ الْمُصَنِّفِ عَلَى صُوَرِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِنَا لَهَا، وَتَخْصِيصُ الْقَارِنِ فِي قَوْلِهِ وَنَحْرُ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الْمُتَمَتِّعُ مِثْلُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ. (قَوْلُهُ قِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ الِاتِّفَاقِ عَلَى لُزُومِ الدَّمِ لِلْحَاجِّ؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ جَرَى عَلَى الْحَلْقِ فِي الْحَجِّ فِي الْحَرَمِ مِنْ مِنًى وَهُوَ إحْدَى الْحُجَجِ (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ) وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ (وَالْمَكَانِ) وَهُوَ الْحَرَمُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْمَكَانِ لَا بِالزَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرِ عَكْسُهُ

وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْقِيتِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالِاتِّفَاقِ. وَالتَّقْصِيرُ وَالْحَلْقُ فِي الْعُمْرَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّضْمِينِ بِالدَّمِ لَا فِي التَّحَلُّلِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ فِي أَيِّ مَكَان أَوْ زَمَانٍ أَتَى بِهِ يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ، بَلْ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ فِي غَيْرِ مَا تُوُقِّتَ بِهِ يَلْزَمُ الدَّمُ عِنْدَ مَنْ وَقَّتَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُوَقِّتْهُ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا فِي حَلْقِ الْحَاجِّ، أَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَتَوَقَّتُ فِي حَقِّهِ بِالزَّمَانِ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ بِالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي نَفْيِ تَوَقُّتِهِ بِالزَّمَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ " اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ " لِمَنْ قَالَ حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِهِ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرٍ فِي نَفْيِ تَوَقُّتِهِ بِالْمَكَانِ حَلْقُهُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِهَا وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْجَوَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْحَلْقِ كَانَ فِيهِ، فَلَا حُجَّةَ إلَّا أَنْ يُنْقَلَ صَرِيحًا أَنَّ الْحَلْقَ كَانَ فِي الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ حِلٌّ مَعَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ» . فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْحِلِّ وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ فَيَبْقَى التَّوَارُثُ الْكَائِنُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ خَالِيًا عَنْ الْمُعَارِضِ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الزَّمَانِ ثُمَّ

بِخِلَافِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ بِهِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى رَجَعَ وَقَصَّرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) مَعْنَاهُ: إذَا خَرَجَ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ عَادَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مَكَان فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ. (فَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ. وَعِنْدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ عَلَى مَا قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْحَقُ بِهِ الْمَكَانُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى رَجَعَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَصَّرَ غَيْرَ أَنَّهُ فَصَلَ بِالتَّقْرِيرِ وَنَقَلَ الْأَصْلَ الْخِلَافِيُّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ

[فصل صيد البر محرم على المحرم]

(فَصْلٌ) . اعْلَمْ أَنَّ صَيْدَ الْبَرِّ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَصَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] إلَى آخِرِ الْآيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ) هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْقَلَمِ بَلْ أَحَدُ الدَّمَيْنِ لِمَجْمُوعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْآخَرُ دَمُ الْقِرَانِ، وَالدَّمُ الَّذِي يَجِبُ عِنْدَهُمَا دَمُ الْقِرَانِ لَيْسَ غَيْرُ لَا لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي كُلِّ تَقَدُّمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَلَوْ وَجَبَ فِي حَلْقِ الْقَارِنِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَوَجَبَ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ فِي تَفْرِيعِ مَنْ يَقُولُ إنَّ إحْرَامَ عُمْرَتِهِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ، وَفِي تَفْرِيعِ مَنْ لَا يَرَاهُ كَمَا قَدَّمْنَا خَمْسَةَ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ جِنَايَتَانِ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَدَمُ الْقِرَانِ. [فَصَلِّ صَيْدَ الْبَرِّ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ] (فَصْلٌ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ) . (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ صَيْدَ الْبَرِّ مُحَرَّمٌ إلَخْ) أَيْ قَتْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ وَأَكْلُهُ وَإِنْ ذَكَّاهُ الْمُحْرِمُ. وَعَنْ هَذَا لَوْ اُضْطُرَّ مُحْرِمٌ إلَى

وَصَيْدُ الْبَرِّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ، وَصَيْدُ الْبَحْرِ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ. وَالصَّيْدُ هُوَ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَاسْتَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ وَهِيَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالذِّئْبُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ وَالْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، فَإِنَّهَا مُبْتَدِئَاتٌ بِالْأَذَى. وَالْمُرَادُ بِهِ الْغُرَابُ الَّذِي يَأْكُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ الصَّيْدِ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ لَا الصَّيْدَ عَلَى قَوْلِ زُفَرٍ؛ لِتَعَدُّدِ جِهَاتِ حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَنَاوَلُ الصَّيْدَ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَيْتَةِ أَغْلَظُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ تَرْتَفِعُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ فَهِيَ مُوَقَّتَةٌ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَيْتَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ أَخَفَّ الْحُرْمَتَيْنِ دُونَ أَغْلَظِهِمَا. وَالصَّيْدُ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَرْتَفِعُ الْحَظْرُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ، هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ وَصَيْدٍ فَالْمَيْتَةُ أَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ: يَذْبَحُ الصَّيْدَ. وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ مَذْبُوحًا فَالصَّيْدُ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ. وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا وَلَحْمَ آدَمِيٍّ كَانَ ذَبْحُ الصَّيْدِ أَوْلَى، وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا وَكَلْبًا فَالْكَلْبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الصَّيْدِ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورَيْنِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فَفِي هَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: وَصَيْدُ الْبَرِّ إلَخْ) لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ تَعْرِيفًا لِصَيْدِ الْبَرِّ بَلْ لِلْبَرِّيِّ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَمُرَادُهُ تَعْرِيفُ الْبَرِّيِّ مُطْلَقًا ثُمَّ الصَّيْدُ مُطْلَقًا فَيُعْرَفُ مِنْهُمَا صَيْدُ الْبَرِّ وَلِذَا أَفْرَدَ بَعْدَهُ الصَّيْدَ فَقَالَ: وَالصَّيْدُ هُوَ الْمُمْتَنِعُ إلَخْ فَيَنْتَظِمُ مِنْهُمَا تَعْرِيفُ صَيْدِ الْبَرِّ، هَكَذَا هُوَ مَا تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ مِمَّا هُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِتَوَحُّشِهِ الْكَائِنِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَيَدْخُلُ الظَّبْيُ الْمُسْتَأْنَسُ وَيَخْرُجُ الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ الْمُتَوَحِّشَانِ لِعُرُوضِ الْوَصْفِ لَهُمَا، وَكَوْنِ ذَكَاةِ الظَّبْيِ الْمُسْتَأْنَسِ بِالذَّبْحِ وَالْأَهْلِيِّ الْمُتَوَحِّشِ بِالْعَقْرِ لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ بِالذَّبْحِ وَالْعَقْرِ دَائِرَانِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ لَا مَعَ الصَّيْدِيَّةِ وَعَدَمِهَا، وَيَخْرُجُ الْكَلْبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلِيًّا أَوْ وَحْشِيًّا؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ أَهْلِيٌّ فِي الْأَصْلِ، لَكِنْ رُبَّمَا يَتَوَحَّشُ، وَكَذَا السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ لَيْسَ بِصَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْنَسٌ، أَمَّا الْبَرِّيُّ مِنْهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. هَذَا وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ بَرِّيًّا وَبَحْرِيًّا التَّوَالُدُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَا مَعَ كَوْنِ مَثْوَاهُ فِيهِ كَظَاهِرِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَعَلَى اعْتِبَارِهِ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْمَاءِ وَالضُّفْدَعِ الْمَائِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَهُوَ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُبَاحُ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ أَوْ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْهُ فَقَطْ؟ فَفِي الْمُحِيطِ: كُلُّ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ يَحِلُّ قَتْلُهُ وَصَيْدُهُ لِلْمُحْرِمِ. اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: كَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَكَلْبِ الْمَاءِ. وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ: الَّذِي يُرَخَّصُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ لِلْمُحْرِمِ هُوَ السَّمَكُ خَاصَّةً، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى

الْجِيَفَ. هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَمَّا الْقَتْلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] الْآيَةُ نَصٌّ عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ. وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] يَتَنَاوَلُ بِحَقِيقَتِهِ عُمُومَ مَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا صَيْدُ الْبَحْرِ فَيَحِلُّ اصْطِيَادُهُ لِلْحَالِّ وَالْمُحْرِمِ جَمِيعًا مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ، وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ. وَأَمَّا مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاَلَّذِي رُخِّصَ لِلْمُحْرِمِ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ هُوَ السَّمَكُ خَاصَّةً، فَأَمَّا طَيْرُ الْبَحْرِ فَلَا يُرَخَّصُ فِيهِ لِلْمُحْرِمِ، فَقَدْ شَرَحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا يُفِيدُ تَعْمِيمَ الْإِبَاحَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُقَابِلُ الْمَائِيَّ بِالسَّمَكِ، فَالضُّفْدَعُ جَعَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا، وَكَذَا قَاضِي خَانْ. وَيَنْبَغِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْحِلِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ. هَذَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ بَعْضُهُ كَالذِّئْبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ، وَأَمَّا بَاقِي الْفَوَاسِقِ فَلَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَأَمَّا بَاقِي السِّبَاعِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ لَا يُجَاوِزُ شَاةً إنْ ابْتَدَأَهَا الْمُحْرِمُ، فَإِنْ ابْتَدَأَتْهُ بِالْأَذَى فَقَتَلَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِي. وَأَمَّا صَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَقَسَّمَ الْبَرِّيَّ إلَى مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي إلَى مَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى غَالِبًا كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ، وَإِلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ، فَلَا يَحِلُّ قَتْلُ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ إلَّا أَنْ يَصُولَ. وَيَحِلُّ قَتْلُ الثَّانِي وَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَصُلْ. وَجَعَلَ وُرُودَ النَّصِّ فِي الْفَوَاسِقِ وُرُودًا فِيهَا دَلَالَةٌ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا بَلْ ذَكَرَهُ حُكْمًا مُبْتَدَأً مَسْكُوتًا فِيهِ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الذِّئْبِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صَيْدٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالذِّئْبَ اهـ. وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ الْأَسْعَدُ بِالْوَجْهِ فِيمَا يَأْتِي هَذَا. وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسْبِيبِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ، فَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ أَوْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ حَفِيرَةً فَعَطِبَ صَيْدٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ. وَلَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ فَمَاتَ، أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ لِحَيَوَانٍ مُبَاحٍ قَتْلُهُ كَالذِّئْبِ فَعَطِبَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ حَالٌّ فَتَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسْبِيبِ. وَكَذَا لَوْ طَرَدَ الصَّيْدَ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الرَّمْيَ: يَعْنِي لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّهُ تَمَّتْ جِنَايَتُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ. قَالَ الشَّهِيدُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا أَعْلَمُ، وَفِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا مَا لَوْ انْقَلَبَ مُحْرِمٌ نَائِمٌ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ

الدَّلَالَةُ فَفِيهَا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَقُولُ: الْجَزَاءُ تَعَلَّقَ بِالْقَتْلِ، وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ، فَأَشْبَهَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ حَلَالًا. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَمُ التَّعَدِّي وَمِثْلُهُ الْكَلْبُ لَوْ زَجَرَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ اسْتِحْسَانًا. وَمِثْلُهُ لَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَزَجَرَهُ مُحْرِمٌ فَانْزَجَرَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلَا يُؤْكَلُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفْضَ إحْرَامِهِ فِي الْأَصْلِ. وَلَوْ أَصَابَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا كَثِيرًا عَلَى قَصْدِ الْإِحْلَالِ وَالرَّفْضِ لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ جَزَاءُ كُلِّ صَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَكِبٌ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ بِقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُهُ مُوجِبُ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ رَفْضَ الْإِحْرَامِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ قَصْدَهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ بِهِ الْإِحْرَامُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَقُلْنَا: إنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَارْتِكَابُ مَحْظُورَاتِ الْعِبَادَةِ يُوجِبُ ارْتِفَاضَهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْإِحْرَامَ لَازِمًا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَعْمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي الِابْتِدَاءِ لَازِمًا كَانَ يُرْتَفَضُ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ. وَكَذَا الْأَمَةُ إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا بِحَجَّةِ التَّطَوُّعِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَازِمًا فِي حَقِّ الزَّوْجِ كَانَ لَهُ أَنْ يُحْلِلَهَا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَكَانَ هُوَ فِي قَتْلِ الصُّيُودِ هُنَا قَاصِدًا إلَى تَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ لَا إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَتَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا كَمَا فِي الْمُحْصِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الْإِحْلَالِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْجِنَايَةَ عَلَى الْإِحْرَامِ بِقَتْلِ كُلِّ صَيْدٍ فَيَلْزَمُهُ جَزَاءُ كُلِّ صَيْدٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ يَنْبَنِي عَلَى قَصْدِهِ، حَتَّى إنَّ ضَارِبَ الْفُسْطَاطِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْجَزَاءِ، بِخِلَافِ نَاصِبِ الشَّبَكَةِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَتَعَدَّى إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ اضْطَرَبَ بِالسَّهْمِ فَوَقَعَ عَلَى بَيْضَةٍ أَوْ فَرْخٍ فَأَتْلَفَهَا لَزِمَاهُ جَمِيعًا. وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً نَزَلُوا بَيْتًا بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى مِنًى فَأَمَرُوا أَحَدَهُمْ أَنْ يُغْلِقَ الْبَابَ وَفِيهِ حَمَامٌ مِنْ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا، فَلَمَّا رَجَعُوا وَجَدُوهَا مَاتَتْ عَطَشًا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْآمِرِينَ تَسَبَّبُوا بِالْأَمْرِ وَالْمُغْلِقَ بِالْإِغْلَاقِ. وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ ضَمِنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ مُحْرِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ آخَرُ ضَمِنَ. (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ حَلَالًا) كَوْنُ الْمَدْلُولِ حَلَالًا اتِّفَاقِيٌّ، وَالْمُرَادُ أَشْبَهَ دَلَالَةَ الْحَلَالِ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ غَيْرُهُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ بِحُلُولِهِ فِي الْحَرَمِ كَمَا اسْتَحَقَّ الصَّيْدُ مُطْلَقًا الْأَمْنَ بِالْإِحْرَامِ، فَكَمَا أَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْنِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْحَرَمِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ كَذَا تَفْوِيتُ الْمُسْتَحَقِّ بِالْإِحْرَامِ لَا يُوجِبُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) أَيْ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ فِيهِ هَلْ دَلَلْتُمْ بَلْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ

وَقَالَ عَطَاءٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِ الْجَزَاءَ؛ وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ إذْ هُوَ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَتَوَارِيهِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ الْتَزَمَ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ كَالْمُودَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ، وَهِيَ تُحَصِّلُ الدَّلَالَةَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحِلَّ إذَا دَلَّهُ بِاللَّفْظِ فَقَالَ هُنَاكَ صَيْدٌ وَنَحْوُهُ. قَالُوا: الثَّابِتُ بِالْحَدِيثِ حُرْمَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا دَلَّ. قُلْنَا: فَيَثْبُتُ أَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ مَحْظُورُ إحْرَامٍ هُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّيْدِ فَنَقُولُ حِينَئِذٍ: إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّيْدِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ عَلَى وَجْهٍ اتَّصَلَ قَتْلُهُ عَنْهَا فَفِيهِ الْجَزَاءُ كَالْقَتْلِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَحْسُنُ عَطْفُهُ عَلَى الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُثْبِتْ الْحُكْمَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَلْ مَحَلُّ الْحُكْمِ، ثُمَّ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَحَلِّ إنَّمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَتْلِ. وَعَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْقِيَاسِ الْآخَرِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ إلْحَاقُ الدَّالِّ بِالْمُودَعِ. وَقَوْلُ عَطَاءٍ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ وَلَيْسَ النَّاسُ إذْ ذَاكَ إلَّا الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنْ لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ عَلَى دَالٍّ لَمْ يَقَعْ عَنْ دَلَالَتِهِ قَتْلٌ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّلَالَةِ مُوجِبَةٌ لِلْجَزَاءِ. هَذَا وَحَدِيثُ عَطَاءٍ غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَلَى أَنَّ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا يَتَضَمَّنُ رَدَّ الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (قَوْلُهُ: كَالْمُودَعِ) هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْآخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ اُلْتُزِمَ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ بِعَقْدٍ خَاصٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ عَنْ تَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ، كَالْمُودَعِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ الْحِفْظَ كَذَلِكَ فَيَضْمَنُ لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى الْوَدِيعَةِ فَسَرَقَهَا، بِخِلَافِ الْحَلَالِ الَّذِي قَاسَ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَلَا لِلْمُسْلِمِ بِعَقْدٍ خَاصٍّ بَلْ بِعُمُومِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَتَرْكُ ذَلِكَ

بِخِلَافِ الْحَلَالِ لِأَنَّهُ لَا الْتِزَامَ مِنْ جِهَتِهِ، عَلَى أَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالدَّلَالَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَزَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ، حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ غَيْرَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَذِّبِ (وَلَوْ كَانَ الدَّالُّ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ) لِمَا قُلْنَا (وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِدُ وَالنَّاسِي) لِأَنَّهُ ضَمَانٌ يَعْتَمِدُ وُجُوبَهُ الْإِتْلَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَلِهَذَا لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ تَأَخَّرَ جَزَاؤُهُ الْأَعْظَمُ إلَى الْآخِرَةِ، وَيُعَزَّرُ فِي الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَعْظَمَ مِنْ دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّيْدِ. (قَوْلُهُ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَذِّبِ) يُفِيدُ لُزُومَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُصَدِّقِ. وَفِي الْكَافِي: لَوْ أَخْبَرَ مُحْرِمًا بِصَيْدٍ فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى أَبْصَرَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَلَمْ يُصَدِّقْ الْأَوَّلَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ ثُمَّ طَلَبَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ، وَلَوْ كَذَّبَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ. وَمِنْ شَرَائِطِهَا أَيْضًا أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا الْقَتْلُ، وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْآخِذُ، وَأَنْ لَا يَنْفَلِتَ، فَلَوْ انْفَلَتَ ثُمَّ أَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ لِانْتِهَاءِ دَلَالَتِهِ بِالِانْفِلَاتِ وَالْأَخْذُ ثَانِيًا إنْشَاءٌ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَيْنِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ بَعْدَمَا أَخَذَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ. وَعَلَى هَذَا إذَا أَعَارَهُ سِكِّينًا؛ لِيَقْتُلَهُ بِهَا وَلَيْسَ مَعَ الْآخِذِ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ قَوْسًا أَوْ نُشَّابًا يَرْمِيهِ بِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ مُسْلِمٍ هَلْ أَعَنْتُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إعَارَةَ السِّكِّينِ إعَانَةٌ عَلَيْهِ. وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ بِغَيْرِهَا، وَصَرَّحَ فِي السِّيَرِ بِأَنَّ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ الْجَزَاءَ، وَكَذَا لَوْ دَلَّ عَلَى قَوْسِ وَنُشَّابِ مَنْ رَآهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ؛ لِبُعْدِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَرِيحَ عِبَارَةِ الْأَصْلِ فِي الْإِعَارَةِ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ: أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الْمُحْرِمِ الْقَاتِلِ سِلَاحٌ يَقْتُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَتْلِهِ، فَأَمَّا

فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ (وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَخْتَلِفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَقْتُلُ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ بِإِعَارَتِهِ لَهُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي السِّيَرِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِوَجْهَيْنِ حَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ تَلِفَ بِأَخْذِ الْمُسْتَعِيرِ لِلصَّيْدِ فَأَخْذُهُ قَتْلٌ حُكْمًا ثُمَّ يَقْتُلُهُ حَقِيقَةً، وَإِعَارَةُ السِّكِّينِ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهُ إتْلَافٌ لِمَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ أَعْلَمَ بِهِ مَنْ لَا يَقْدِرُ الصَّيْدُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ إعَارَةَ السِّكِّينِ تَتِمُّ بِالسِّكِّينِ لَا بِالصَّيْدِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَيْدٌ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ، بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالصَّيْدِ لَيْسَ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى سِوَى ذَلِكَ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِصَيْدٍ هُنَاكَ وَلِذَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِهَا. وَلَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِأَخْذِ صَيْدٍ فَأَمَرَ الْمَأْمُورُ آخَرَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَثَّلْ أَمْرَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْأَمْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَلَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ وَأَمَرَهُ فَأَمَرَ الثَّانِي ثَالِثًا بِالْقَتْلِ حَيْثُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ؛ فَلَوْ أَرْسَلَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا إلَى مُحْرِمٍ يَدُلُّهُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْجَزَاءُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ قَالَ خَلْفَ هَذَا الْحَائِطِ صَيْدٌ فَإِذَا صَيْدٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَهُ ضَمِنَ الدَّالُّ كُلَّهُ، فَلَوْ رَأَى وَاحِدًا فَدَلَّ عَلَيْهِ فَإِذَا عِنْدَهُ آخَرُ فَقَتَلَهُمَا الْمَدْلُولُ كَانَ عَلَى الدَّالِّ جَزَاءُ الْأَوَّلِ فَقَطْ. كَمَا لَوْ دَلَّهُ عَلَى وَاحِدٍ تَنْصِيصًا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ. وَلَوْ قَالَ خُذْ أَحَدَ هَذَيْنِ وَهُوَ يَرَاهُمَا فَقَتَلَهُمَا كَانَ عَلَى الدَّالِّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُمَا فَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ بِأَخْذِ أَحَدِهِمَا دَالٌّ عَلَى الْآخَرِ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُورُ بِهِمَا. (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الضَّمَانَ يَدُورُ

(وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ إذَا كَانَ فِي بَرَّيَّةٍ فَيُقَوِّمُهُ ذَوَا عَدْلٍ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفِدَاءِ إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ هَدْيًا، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ) عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ فِي الصَّيْدِ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ، فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ، وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ الْإِتْلَافِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْعَمْدِ لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّ هَذَا الضَّمَانَ يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ) ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي فُصُولٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُمَا الْقِيمَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ. الثَّانِي: أَنَّ الَّذِي إلَى الْحَكَمَيْنِ تَقْوِيمُ الْمَقْتُولِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ فَالْخِيَارُ إلَى الْقَاتِلِ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَدْيًا يُهْدِيهِ أَوْ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ طَعَامِ مِسْكِينٍ يَوْمًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ إلَى الْحَكَمَيْنِ، فَإِذَا عَيَّنَا نَوْعًا لَزِمَهُ. اهـ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ إلَى الْحَكَمَيْنِ، فَإِذَا حَكَمَا بِالْهَدْيِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَنَظِيرٌ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ مَا هُوَ مِثْلُهُ فَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْحَكَمَيْنِ، فَإِنْ حَكَمَا عَلَيْهِ بِالْهَدْيِ نَظَرَ الْقَاتِلُ إلَى نَظِيرِهِ مِنْ النَّعَمِ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ إنْ كَانَ الصَّيْدُ مِمَّا لَهُ نَظِيرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ نَظِيرِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ فَيَجِبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ كَسَائِرِ الطُّيُورِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ كَمَا قَالَا. وَحَكَى الْكَرْخِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ: إنَّ الْخِيَارَ إلَى الْقَاتِلِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ الْهَدْيَ تَعَيَّنَ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ النَّظِيرُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ أَحَدٍ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَيَكُونُ الطَّعَامُ بَدَلًا عَنْ النَّظِيرِ لَا عَنْ الصَّيْدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَعَنْ زُفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَمُ جَوَازِ الصَّوْمِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ، قَاسَهُ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ حَرْفُ " أَوْ " لَا يَنْفِي التَّرْتِيبَ كَمَا فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَدَفَعَ بِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ عَدَمُ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ، وَالنَّصُّ الْكَائِنُ فِيهِ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ بِحَقِيقَةِ " أَوْ " وَإِعْمَالِهَا فِي مَوْضِعٍ فِي مَجَازِيِّهَا لِدَلِيلٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهَا كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ؛ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ إلَخْ) الْعَنَاقُ: الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ، وَالْجَدْيُ الذَّكَرُ، وَهُمَا دُونَ الْجَذَعِ، وَالْجَفْرُ: مَا يَبْلُغُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ

وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَمِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ مَا يُشْبِهُ الْمَقْتُولَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَكُونُ نَعَمًا. وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْجَبُوا النَّظِيرَ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ وَالْمَنْظَرُ فِي النَّعَامَةِ وَالظَّبْيِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَالْأَرْنَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» وَمَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامِ وَأَشْبَاهِهِمَا. وَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ كَانَ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُوجِبُ فِي الْحَمَامَةِ شَاةً وَيُثْبِتُ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدِرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْمِثْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فَحُمِلَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَنَاقِ، وَالْأُنْثَى جَفْرَةٌ بِالْجِيمِ (قَوْلُهُ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] بِنَاءً عَلَى حَمْلِ الْمِثْلِ عَلَى الْمُمَاثِلِ فِي الصُّورَةِ، وَلَفْظُ {مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] بَيَانٌ لِلْجَزَاءِ أَوْ لِلْمِثْلِ، وَالْقِيمَةُ لَيْسَتْ نَعَمًا وَلِذَا أَوْجَبَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - الْمِثْلَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ " أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ حَدِيثًا " أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قَالُوا: فِي النَّعَامَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ "، وَفِيهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ، فَلِذَا قَالَ عَقِيبَهُ: إنَّمَا نَقُولُ: إنَّ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً بِالْقِيَاسِ لَا بِهَذَا الْأَثَرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. اهـ. لَكِنْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " فِي حَمَامَةِ الْحَرَمِ شَاةٌ، وَفِي بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ، وَفِي النَّعَامَةِ جَزُورٌ، وَفِي الْبَقَرَةِ بَقَرَةٌ، وَفِي الْحِمَارِ بَقَرَةٌ " (وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ وَيُؤْكَلُ» وَقَالَ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْمِثْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى) وَهُوَ الْمُشَارِكُ فِي النَّوْعِ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ، فَبَقِيَ أَنْ يُرَادَ الْمِثْلُ مَعْنًى وَهُوَ الْقِيمَةُ

الْمِثْلِ مَعْنًى لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْمِيمِ، وَفِي ضِدِّهِ التَّخْصِيصُ. وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَجَزَاءُ قِيمَةِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ. وَاسْمُ النَّعَمِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ، كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ التَّقْدِيرُ بِهِ دُونَ إيجَابِ الْمُعَيَّنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي الشَّرْعِ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْمِثْلِ أَنْ يُرَادَ الْمُشَارِكُ فِي النَّوْعِ أَوْ الْقِيمَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَالْمُرَادُ الْأَعَمُّ مِنْهُمَا. أَعْنِي الْمُمَاثِلَ فِي النَّوْعِ إذَا كَانَ الْمُتْلَفُ مِثْلِيًّا وَالْقِيمَةَ إذَا كَانَ قِيَمِيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ، وَالْحَيَوَانَاتُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ شَرْعًا إهْدَارًا لِلْمُمَاثَلَةِ الْكَائِنَةِ

ثُمَّ الْخِيَارُ إلَى الْقَاتِلِ فِي أَنْ يَجْعَلَهُ هَدْيًا أَوْ طَعَامًا أَوْ صَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ بِالصِّيَامِ فَعَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ. لَهُمَا أَنَّ التَّخْيِيرَ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَلِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] الْآيَةَ، ذُكِرَ الْهَدْيُ مَنْصُوبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَمَامِ الصُّورَةِ فِيهَا تَغْلِيبًا لِلِاخْتِلَافِ الْبَاطِنِيِّ بَيْنَ أَبْنَاءِ نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَمَا ظَنُّك إذَا انْتَفَى الْمُشَارَكَةُ فِي النَّوْعِ أَيْضًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُشَاكَلَةٌ فِي بَعْضِ الصُّورَةِ كَطُولِ الْعُنُقِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي النَّعَامَةِ مَعَ الْبَدَنَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ، فَإِذَا حَكَمَ الشَّرْعُ بِانْتِفَاءِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ فِي تَمَامِ الصُّورَةِ وَلَمْ يُضْمَنْ الْمُتْلَفُ بِمَا شَارَكَهُ فِي تَمَامِ نَوْعِهِ بَلْ بِالْمِثْلِ الْمَعْنَوِيِّ فَعِنْدَ عَدَمِهَا وَكَوْنِ الْمُشَاكَلَةِ فِي بَعْضِ الْهَيْئَةِ انْتِفَاءَ الِاعْتِبَارِ أَظْهَرُ، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِلَفْظٍ مَحْمَلٌ يُمْكِنُ سِوَاهُ، فَالْوَاجِبُ إذَا عُهِدَ الْمُرَادُ بِلَفْظٍ فِي الشَّرْعِ وَتَرَدَّدَ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْهُودِ وَغَيْرِهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَنْ يُحْمَلَ حُكْمُ الصَّحَابَةِ بِالنَّظِيرِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ: أَيْ بَيَانِ أَنَّ مَالِيَّةَ الْمَقْتُولِ كَمَالِيَّةِ الشَّاةِ الْوَسَطِ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُهُ. بَقِيَ أَنْ يُبَيَّنَ احْتِمَالُ لَفْظِ الْآيَةِ لِذَلِكَ، وَفِيهَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مَرْفُوعٌ مَنُونٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ بِرَفْعِ مِثْلٍ، وَالْأُخْرَى فَجَزَاءُ مِثْلِ بِإِضَافَةِ الْجَزَاءِ إلَى مِثْلٍ وَهِيَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ فَالْمَعْنَى وَاحِدٌ: أَيْ فَجَزَاءٌ هُوَ مِثْلُ مَا قَتَلَ وَمَضْمُونُ الْآيَةِ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ حُذِفَ مِنْهُ الْمُبْتَدَأُ بَعْدَ فَاءِ الْجَزَاءِ أَوْ الْخَبَرُ تَقْدِيرُهُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ: أَيْ قِيمَةُ مَا قَتَلَ أَوْ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ. وَمِنْ النَّعَمِ بَيَانٌ لِمَا قَتَلَ أَوْ لِلْعَائِدِ إلَيْهَا: أَعْنِي الْمَنْصُوبَ الْمَحْذُوفَ أَيْ مَا قَتَلَهُ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ، وَالنَّعَمُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ لُغَةً كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَهْلِيِّ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وقَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] جُمْلَةٌ وَاقِعَةٌ صِفَةً لِجَزَاءٍ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ أَوْ لِمِثْلِ الَّذِي هُوَ هِيَ؛ لِأَنَّ مِثْلًا لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ فَجَازَ وَصْفُهَا وَوَصْفُ مَا أُضِيفَ إلَيْهَا بِالْجُمْلَةِ، وَهَدْيًا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ بِهِ وَهُوَ الرَّاجِعُ إلَى مَا يُجْعَلُ مَوْصُوفًا مِنْهُمَا وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ: أَيْ صَائِرًا هَدْيًا بِهِ وَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِوَاسِطَةِ الشِّرَاءِ بِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَ {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] صِفَةٌ؛ لِأَنَّ إضَافَتَهُ لَفْظِيَّةٌ فَتُوصَفُ بِهِ النَّكِرَةُ {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مَعْطُوفَانِ عَلَى الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَانِ. وَتَمَامُ مُؤَدَّى التَّرْكِيبِ عَلَى هَذَا، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ هُوَ قِيمَةُ مَا قَتَلَهُ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ يَحْكُمُ بِهِ: أَيْ بِذَلِكَ الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ عَدْلَانِ حَالَ كَوْنِهِ صَائِرًا هَدْيًا بِوَاسِطَةِ الْقِيمَةِ {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] إلَى آخِرِهَا: أَيْ الْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ الصَّائِرَةِ هَدْيًا وَمِنْ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ الْمَبْنِيَّيْنِ عَلَى تَعَرُّفِ الْقِيمَةِ، فَقَدْ

لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] وَمَفْعُولٌ لِحُكْمِ الْحَكَمِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّعَامَ وَالصِّيَامَ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا. قُلْنَا: الْكَفَّارَةُ عُطِفَتْ عَلَى الْجَزَاءِ لَا عَلَى الْهَدْيِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مَرْفُوعٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةُ اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ ثُمَّ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ، وَيُقَوَّمَانِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَرًّا لَا يُبَاعُ فِيهِ الصَّيْدُ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَهَرَ تَأَدِّي الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ لَفْظَةِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ تَكَلُّفٍ فِيهَا، وَكَوْنُ الْحَالِ مُقَدَّرَةً كَثِيرٌ بَثِيرٌ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالِفِ فِيهَا يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِهِ فِي وَصْفِهَا وَهُوَ بَالِغَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُمَا بِالْهَدْيِ مَوْصُوفًا بِبُلُوغِهِ إلَى الْكَعْبَةِ حَالَ حُكْمِهِمَا بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ، بَلْ الْمُرَادُ يُحْكَمَانِ بِهِ مُقَدَّرًا بُلُوغُهُ، فَلُزُومُ التَّقْدِيرِ ثَابِتٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَحَلُّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، ثُمَّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا دَلَالَةَ لِلْآيَةِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ إلَى الْحَكَمَيْنِ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهَا أَنَّهُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ الْمَحْذُوفِ مِنْ الْخَبَرِ أَوْ مُتَعَلَّقِ الْمُبْتَدَأِ إلَيْهِ: أَعْنِي مَا قَدَّرْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَيْهِ، وَاَللَّهُ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] سَمَّاهُ تَفْسِيرًا؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْإِبْهَامَ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى سَمَّاهُ بَعْضٌ تَمْيِيزًا لِكَوْنِهِ حَالًا وَكُلُّ حَالٍ تَكْشِفُ عَنْ إبْهَامٍ فِي الْجُمْلَةِ: أَعْنِي اعْتِبَارَ أَحْوَالِ مَا هِيَ لَهُ هَذَا. وَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلْقَةِ لَا بِمَا زَادَهُ التَّعْلِيمُ، فَلَوْ كَانَ بَازِيًا صَيُودًا أَوْ حَمَامًا يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ قُوِّمَ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّيُودِيَّةِ وَالْمَجِيءِ مِنْ بَعِيدٍ، فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يَزِيدُهُ التَّعْلِيمُ وَقِيمَتُهُ لِلْجِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ كَانَ قِيمَتُهُ زَائِدَةً لِحُسْنِ تَصْوِيتِهِ فَفِي اعْتِبَارِهَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَصْلِ الصَّيْدِيَّةِ، وَفِي أُخْرَى تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحَمَامِ الْمُطَوَّقِ، أَمَّا فِي الْغَصْبِ فَيُضْمَنُ بِمَا يُشْتَرَى بِهِ

الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ مِمَّا يُبَاعُ فِيهِ وَيُشْتَرَى. قَالُوا: وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى هَهُنَا بِالنَّصِّ. (وَالْهَدْيُ لَا يُذْبَحُ إلَّا بِمَكَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي غَيْرِهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْهَدْيِ وَالْجَامِعُ التَّوْسِعَةُ عَلَى سُكَّانِ الْحَرَمِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْهَدْيُ قُرْبَةٌ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ. أَمَّا الصَّدَقَةُ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ (وَالصَّوْمُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي كُلِّ مَكَان (فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ بِالْكُوفَةِ أَجْزَأَهُ عَنْ الطَّعَامِ) مَعْنَاهُ إذَا تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ وَفِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَنُوبُ عَنْهُ. وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْهَدْيِ يُهْدِي مَا يُجْزِيهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَلَدِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُحَرَّمُ مِنْ اللَّهْوِ كَقِيمَةِ الدِّيكِ لِنِقَارِهِ وَالْكَبْشِ لِنِطَاحِهِ وَالتَّيْسِ لِلَعِبِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمُقَوَّمِ. وَاَلَّذِينَ لَمْ يُوجِبُوهُ حَمَلُوا الْعَدَدَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ زِيَادَةُ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ، وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ، وَقَصْدُ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ لَا يُنَافِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ دَاعِيَتَهُ. (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ إلَخْ) وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا عُيِّنَ الْهَدْيُ أَحَدَ الْوَاجِبَاتِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ التَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ وَإِلَّا لَحَصَلَ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِلَحْمٍ يَشْتَرِيهِ، بَلْ الْمُرَادُ التَّقَرُّبُ بِالْإِرَاقَةِ مَعَ التَّصَدُّقِ بِلَحْمِ الْقُرْبَانِ، وَهُوَ تَبَعٌ مُتَمِّمٌ لِمَقْصُودِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ الْإِجْزَاءُ بِفَوَاتِهِ عَنْ ضَرُورَةٍ، فَلِذَا لَوْ سُرِقَ بَعْدَ الْإِرَاقَةِ أَجْزَأَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سُرِقَ قَبْلَهَا أَوْ ذُبِحَ بِالْكُوفَةِ فَسُرِقَ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ هُنَاكَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ لِاخْتِصَاصِ قُرْبَةِ الْإِرَاقَةِ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ أَعْنِي الْحَرَمَ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيَجُوزُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمُ أَحَبُّ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ الْجَزَاءِ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْهَدْيِ يُهْدِي مَا يُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ) حَتَّى لَوْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ إلَّا عَنَاقًا أَوْ حَمَلًا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ أَوْ الصَّوْمِ لَا بِالْهَدْيِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّكْفِيرُ بِالْهَدْيِ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ جَذَعًا عَظِيمًا مِنْ الضَّأْنِ أَوْ ثَنِيًّا مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكَفِّرُ بِالْهَدْيِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ قَوْلَ

لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْهَدْيِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُجْزِي صِغَارُ النَّعَمِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْجَبُوا عَنَاقًا وَجَفْرَةً. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الصِّغَارُ عَلَى وَجْهِ الْإِطْعَامِ: يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ. وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الطَّعَامِ يُقَوَّمُ الْمُتْلَفُ بِالطَّعَامِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَضْمُونُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (وَإِذَا اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا تَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ) ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا عَنَاقًا وَجَفْرَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَمُطْلَقُهُ فِي الشَّرْعِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَبْلُغُ ذَلِكَ السِّنَّ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ مِنْ إطْلَاقِهِ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا مَجَازًا فَيَتَقَيَّدُ جَوَازُ اعْتِبَارِهِ بِالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ ثَوْبِي هَدْيٌ لَزِمَهُ الثَّوْبُ لِتَقَيُّدِ الْهَدْيِ بِذِكْرِهِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ هَدْيٌ لَزِمَهُ شَاةٌ. ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْهَدْيَ وَبَلَغَ مَا يُضَحِّي بِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يُذْبَحُ إلَّا بِمَكَّةَ، يُرِيدُ الْحَرَمَ مُطْلَقًا، وَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا يُجْزِيهِ مِنْ الْهَدْيِ بَلْ مِنْ الْإِطْعَامِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ فَقِيرٍ قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّحْمِ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَيُكَمِّلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالشَّاةِ الْوَاقِعَةِ هَدْيًا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ الصِّغَارُ عَلَى وَجْهِ الْإِطْعَامِ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ جَوَابَهُمَا: يَعْنِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُقُوعُ الصِّغَارِ هَدْيًا تَتَعَلَّقُ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِنَفْسِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِرَاقَةِ لَا جَوَازِهَا مُطْلَقًا بَلْ نُجِيزُهَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إطْعَامًا فَيَجُوزُ كَوْنُ حُكْمِ الصَّحَابَةِ كَانَ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي الصِّغَارِ، فَمُجَرَّدُ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لَا يُنَافِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَلَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا صَيْرُورَةُ وَلَدِ الْهَدْيِ هَدْيًا فَلِلتَّبَعِيَّةِ كَوَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا) قُيِّدَ بِالظَّرْفِ لِنَفْيِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُقَوَّمُ النَّظِيرُ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَيْنًا إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ نَظِيرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) رَاجِعٌ إلَى الْمُتْلَفِ: يَعْنِي الْمُتْلَفَ (هُوَ الْمَضْمُونُ) فَلَا مَعْنَى لِتَقَوُّمِ غَيْرِهِ لِجَبْرِهِ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ النَّظِيرَ هُوَ الْوَاجِبُ عَيْنًا عِنْدَ اخْتِيَارِ الْهَدْيِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ وُجُوبُ تَقْوِيمِهِ عِنْدَ اخْتِيَارِ خَصْلَةٍ أُخْرَى فَكَيْفَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ) وَلَا يُمْنَعُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَكْثَرَ، وَلَوْ كَانَ كُلَّ الطَّعَامِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ أَجْزَأَ عَنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكْمِلَ بِحِسَابِهِ وَيَقَعَ الْبَاقِي تَطَوُّعًا، بِخِلَافِ الشَّاةِ

الطَّعَامَ الْمَذْكُورَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ (وَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ يُقَوَّمُ الْمَقْتُولُ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الصِّيَامِ بِالْمَقْتُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ لَا قِيمَةَ لِلصِّيَامِ فَقَدَّرْنَاهُ بِالطَّعَامِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي بَابِ الْفِدْيَةِ (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ يُطْعِمُ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا كَامِلًا لِمَا قُلْنَا. (وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (وَلَوْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ صَيْدٍ فَخَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَغْرَمُ جَزَاءَهُ. (وَمَنْ كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّهُ أَصْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْهَدْيِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْقُرْبَةِ قَدْ حَصَلَتْ بِالْإِرَاقَةِ وَإِطْعَامُهُ تَبَعٌ مُتَمِّمٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ) وَإِنْ بَرِئَ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَمَاتَ أَوْ بَرِئَ فَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ مَا نَقَصَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ احْتِيَاطًا كَمَنْ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَلَا يَعْلَمُ أَدْخَلَ الْحَرَمَ أَمْ لَا تَجِبُ قِيمَتُهُ. وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ ظَبْيٍ أَوْ نَتَفَ شَعْرَ صَيْدٍ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهَا فَابْيَضَّتْ ثُمَّ انْجَلَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِاعْتِبَارِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْأَلَمِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا اعْتِبَارُ الْأَلَمِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعِبَادِ حَتَّى أَوْجَبَ عَلَى الْجَانِي ثَمَنَ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ إلَى أَنْ يَنْدَمِلَ. وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ: لَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَمَرِضَ فَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ أَوْ زَادَتْ ثُمَّ مَاتَ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ قِيمَةِ وَقْتِ الْجُرْحِ أَوْ وَقْتِ الْمَوْتِ. وَلَوْ جَرَحَهُ فَكَفَّرَ ثُمَّ قَتَلَهُ كَفَّرَ أُخْرَى، فَلَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَتَلَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الْأُولَى سَاقِطٌ. وَفِي الْجَامِعِ: مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ جَرَحَ صَيْدًا غَيْرَ مُسْتَهْلَكٍ ثُمَّ أَضَافَ إلَى عُمْرَتِهِ حَجَّةً ثُمَّ جَرَحَهُ كَذَلِكَ فَمَاتَ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا وَلِلْحَجِّ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ جَرَحَهُ ثُمَّ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الثَّانِي وَلِلْحَجِّ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ قَرَنَ ثُمَّ جَرَحَهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الثَّانِي وَلِلْقِرَانِ قِيمَتَانِ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مُسْتَهْلَكًا بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ وَالثَّانِي غَيْرَ مُسْتَهْلَكٍ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا لِلْحَالِ وَلِلْقِرَانِ قِيمَتَانِ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الثَّانِي قَطْعَ يَدٍ أُخْرَى فَهِيَ وَمَا لَوْ كَانَ جُرْحًا غَيْرَ مُسْتَهْلَكٍ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِهْلَاكُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ) يَعْنِي وَكَانَ كَالْإِتْلَافِ، فَهَذَا كَالْقِيَاسِ الْجَارِي فِي الدَّلَالَةِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ أَدَّى الْجَزَاءَ ثُمَّ قَتَلَهُ لَزِمَهُ جَزَاءٌ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ حَتَّى قَتَلَهُ فَجَزَاءٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ خُصَيْفٍ بِهِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِثْلَهُ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعًا، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَطَاوُسٍ، وَفِيهِ حَدِيثٌ

الصَّيْدِ، وَلَهُ عَرَضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الصَّيْدِ احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَيْضِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ؛ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ، وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، وَعَلَى هَذَا إذَا ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرْفُوعٌ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَفْسُدْ) الْأَوْجَهُ وَصْلُهُ بِكَسْرِ بَيْضِ نَعَامَةٍ: أَيْ وَمَنْ كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ مَا لَمْ يَفْسُدْ: أَيْ فِي زَمَنِ عَدَمِ فَسَادِهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ نَائِبَةٌ عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْبَيْضَةِ الْمَذِرَةِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْبَيْضَةِ لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِعَرَضِيَّةِ الصَّيْدِ وَلَيْسَتْ الْمَذِرَةُ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ تَصِيرَ صَيْدًا، فَانْتَفَى بِهَذَا مَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إذَا كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ مَذِرَةٍ وَجَبَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ لِقِشْرَتِهَا قِيمَةً، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نَعَامَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالْإِحْرَامِ لَيْسَ التَّعَرُّضُ لِلْقِشْرِ بَلْ لِلصَّيْدِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْمَذِرَةِ عَرَضِيَّةُ الصَّيْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ) يُفِيدُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِيمَا إذَا جُهِلَ أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ الْكَسْرِ أَوْ لَا، فَأَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ مَوْتَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِانْعِدَامِ الْإِمَاتَةِ وَلَا فِي الْبَيْضِ؛ لِعَدَمِ الْعَرَضِيَّةِ، وَإِذَا ضَمِنَ الْفَرْخَ لَا يَجِبُ فِي الْبَيْضِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا ضَمَانُهُ لِأَجْلِهِ قَدْ ضَمِنَهُ، وَلَوْ أَخَذَ الْبَيْضَةَ فَحَضَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ فَفَسَدَتْ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ، وَلَوْ لَمْ تَفْسُدْ وَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَطَارَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضِهِ فَفَسَدَ ضَمِنَهُ إحَالَةً لِلْفَسَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك إذَا تَذَكَّرْت أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ كَالتَّعْلِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الْفَأْرَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْبِئْرِ مَيْتَةً لَا يُدْرَى مَتَى وَقَعَتْ حَيْثُ حَكَمَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِضَافَةِ مَوْتِهَا إلَى وُقُوعِهَا فِي الْبِئْرِ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمَ الْبِئْرِ الَّتِي مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ، وَهُمَا قَدْ خَالَفَاهُ هُنَاكَ وَوَافَقَاهُ هُنَا فَيُطَالَبَانِ بِالْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ لَا كُلِّ فَرْقٍ. وَعَلَى هَذَا لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْجُرْحِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَجِبُ الضَّمَانُ احْتِيَاطًا لِلسَّبَبِيَّةِ الظَّاهِرَةِ، كَمَنْ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ وَأَرْسَلَهُ وَلَا يَعْلَمُ أَدَخَلَ الْحَرَمَ أَمْ لَا تَجِبُ قِيمَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ النِّسْبَةُ إلَى مَا هُوَ سَبَبُ الظَّاهِرِ. (إذَا ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ الْأُمُّ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُمَا) أَمَّا الْأُمُّ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْجَنِينُ فَلِأَنَّ ضَرْبَ الْبَطْنِ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ وَقَدْ ظَهَرَ عَقِيبَهُ

(وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ جَزَاءٌ) ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، الْحِدَأَةُ وَالْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ وَالْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ وَالْعَقْرَبَ وَالْحَيَّةَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ» وَقَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ، أَوْ يُقَالُ إنَّ الذِّئْبَ فِي مَعْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَيِّتًا فَيُحَالُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْغُرَابِ) لَمْ يَقُلْ لَيْسَ فِي قَتْلِ الْمُحْرِمِ إلَخْ جَزَاءٌ، بَلْ أَطْلَقَ نَفْيَ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِهِنَّ؛ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ جَزَاءً فِي الْحَرَمِ وَلَا فِي الْإِحْرَامِ، فَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِمَا يُفِيدُ إبَاحَةَ قَتْلِهِنَّ فِي الْحَرَمِ وَبِمَا يُفِيدُ فِي الْإِحْرَامِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ " الْحَيَّةُ " عِوَضُ الْعَقْرَبِ، وَقَالَ فِيهِ: «الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ» . وَالثَّانِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ " فَذَكَرَ الْخَمْسَةَ، وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ " وَالْحَيَّةَ " قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: يَقْتُلُ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ، وَالْفُوَيْسِقَةَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَالْحِدَأَةَ وَالسَّبُعَ الْعَادِيَ، وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ» وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ السَّبُعَ الْعَادِيَ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَحُمِلَ الْغُرَابُ الْمَنْهِيُّ عَنْ قَتْلِهِ هُنَا عَلَى غَيْرِ الْأَبْقَعِ وَهُوَ الَّذِي يَأْكُلُ الزَّرْعَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا يَرْمِيهِ؛ لِيُنَفِّرَهُ عَنْ الزَّرْعِ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الذِّئْبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ» وَفِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مُقْتَصِرًا عَلَى الذِّئْبِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الذِّئْبَ وَكُلَّ عَدُوٍّ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ، وَهَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: «وَالْحَيَّةُ وَالذِّئْبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . وَقَالَ السَّرَقُسْطِيُّ فِي غَرِيبِهِ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ يُقَالُ لِكُلِّ عَاقِرٍ حَتَّى اللِّصِّ الْمُقَاتِلِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ) وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَسَدُ، أَسْنَدَهُ السَّرَقُسْطِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ سِيلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ: الْأَسَدُ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُقَالُ إنَّ الذِّئْبَ فِي مَعْنَاهُ) يَعْنِي

وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، أَمَّا الْعَقْعَقُ فَغَيْرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَغَيْرَ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنَسَ وَالْمُتَوَحِّشَ مِنْهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمُوجِبِ لِلْإِلْحَاقِ فِي الدَّلَالَةِ. وَاَلَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ هُوَ كَوْنُهُنَّ مُبْتَدِئَاتٍ بِالْأَذَى، وَضَمَّ غَيْرُهُ إلَى ذَلِكَ مُخَالَطَتَهَا: يَعْنِي كَوْنَهَا تَعِيشُ بِالِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ، وَسَنَذْكُرُ لِهَذَا إتْمَامًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ) وَإِنْ كَانَ وَصْفُهُ بِالْعَقُورِ إيمَاءً إلَى الْعِلَّةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَذُكِرَ الْكَلْبُ مِنْ غَيْرِ وَصْفِهِ بِالْعَقُورِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ وَصْفُهُ بِالْعُقُورِيَّةِ يُرَادُ بِهِ الْكَلْبُ الْوَحْشِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَقُورًا مُبْتَدِئًا بِالْأَذَى، فَأَفَادَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَيْدًا لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِكَوْنِهِ عَقُورًا، وَيَكُونُ مَا فِي الْمَرَاسِيلِ تَعْمِيمُ النَّوْعِ بِنَفْيِ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ صِنْفَيْهِ مُؤْذٍ وَهُوَ الصَّيْدُ، وَالْآخَرُ لَيْسَ بِصَيْدٍ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَحْشِيًّا وَبَعْضُهُ لَا. فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ وَادُّعِيَ أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ فِطْرَتَهُ فِي الْوَحْشِيَّةِ وَعَدَمِهَا شَامِلَةٌ، لِكُلِّ أَفْرَادِهِ ثُمَّ يَعْرِضُ لِبَعْضِهَا خِلَافُ الطَّبْعِ الْأَصْلِيِّ مِنْ التَّوَحُّشِ وَالِاسْتِئْنَاسِ. قُلْنَا عَلَى التَّنَزُّلِ نَخْتَارُ أَنَّ جِنْسَ الْكَلْبِ غَيْرُ وَحْشِيٍّ، وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَحْشِيٌّ فَالتَّوَحُّشُ عَارِضٌ لَهُ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَجِبَ بِقَتْلِ شَيْءٍ مِنْهُ جَزَاءٌ. وَفَائِدَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى وَصْفٍ بِخُصُوصِهِ بِنَفْيِ الْجَزَاءِ: أَعْنِي مَا هُوَ مَعْرُوضُ التَّوَحُّشِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّهُ وَحْشِيٌّ بِالْأَصَالَةِ فَيَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَحْشِيًّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ عَقُورًا، عَلَى أَنَّ الْحَقَّ جَوَازُ الِانْقِسَامِ. وَقَوْلُهُمْ

وَكَذَا الْفَأْرَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْوَحْشِيَّةُ سَوَاءٌ. وَالضَّبُّ وَالْيَرْبُوعُ لَيْسَا مِنْ الْخَمْسِ الْمُسْتَثْنَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْتَدِئَانِ بِالْأَذَى. (وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالنَّمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْقُرَادِ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ ثُمَّ هِيَ مُؤْذِيَةٌ بِطِبَاعِهَا، وَالْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السُّودُ أَوْ الصُّفْرُ الَّذِي يُؤْذِي، وَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ لِلْعِلَّةِ الْأُولَى. (وَمَنْ قَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) مِثْلَ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ التَّفَثِ الَّذِي عَلَى الْبَدَنِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْعَمَ شَيْئًا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِيهِ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكَيْنَا شَيْئًا يَسِيرًا عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْبِعًا. (وَمَنْ قَتَلَ جَرَادَةً تَصَدَّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَأْرَةُ الْوَحْشِيَّةُ وَالْأَهْلِيَّةُ يُفِيدُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حُكِمَ بِإِرَادَةِ حَقِيقَةِ الْكَلْبِ، أَمَّا إذَا قِيلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ أَوْ الْأَسَدُ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْأَسَدُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ عَلَى الْأَسَدِ الْعَادِي عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْجَزَاءَ بِقَتْلِ الْأَسَدِ إذَا لَمْ يَصُلْ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْفَأْرَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْوَحْشِيَّةُ) لِوُجُودِ الْمُبِيحِ فِي الْوَحْشِيَّةِ وَهُوَ فِسْقُهَا، وَالسِّنَّوْرُ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: مَا كَانَ مِنْهُ بَرِّيًّا فَهُوَ مُتَوَحِّشٌ كَالصَّيُودِ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ. . (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْقَمْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا) وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ، وَهَكَذَا الْكَلْبُ الْأَهْلِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤْذِيًا لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ نُسِخَ فَتَقَيَّدَ الْقَتْلُ بِوُجُودِ الْإِيذَاءِ. (قَوْلُهُ لِلْعِلَّةِ الْأُولَى) يَعْنِي كَوْنَهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَا مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ، وَهُمَا وَإِنْ كَانَا عِلَّتَيْنِ لِلْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الْجَزَاءِ لَكِنَّ نَفْيَهُمَا مَعًا عِلَّةٌ لِنَفْيِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِعِلَلٍ شَتَّى يَكُونُ نَفْيُهُ مَعْلُولًا بِعَدَمِ الْكُلِّ، إذْ لَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يَنْتِفْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَتْلِ الْقُنْفُذِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ جَعْلُهُ نَوْعًا مِنْ الْفَأْرَةِ، وَفِي أُخْرَى جَعْلُهُ كَالْيَرْبُوعِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ. وَفِي الْفَتَاوَى: لَا شَيْءَ فِي ابْنِ عِرْسٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ لُزُومَ الْجَزَاءِ فِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالسَّمُّورِ وَالسِّنْجَابِ وَالدَّلَقِ وَالثَّعْلَبِ وَابْنِ عِرْسٍ وَالْأَرْنَبِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي شَيْءٍ. . (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ التَّفَثِ الَّذِي عَلَى الْبَدَنِ) يُفِيدُ أَنَّ الْجَزَاءَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَضَاءُ التَّفَثِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ بَدَنِهِ بَلْ وَجَدَ قَمْلَةً عَلَى الْأَرْضِ فَقَتَلَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِلْقَاءَ عَلَى الْأَرْضِ كَالْقَتْلِ تَجِبُ بِهِ الصَّدَقَةُ، وَلَوْ قَالَ مُحْرِمٌ لِحَلَالٍ ارْفَعْ هَذَا الْقَمْلَ عَنِّي أَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَيْهِ فَفَلَّى مَا فِيهِ مِنْ الْقَمْلِ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى الْآمِرِ الْجَزَاءُ، وَكَذَا إذَا أَشَارَ إلَى قَمْلَةٍ فَقَتَلَهَا الْحَلَالُ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ مُوجِبَةٌ فِي الصَّيْدِ فَكَذَا مَا فِي حُكْمِهِ، كَذَا

بِمَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَإِنَّ الصَّيْدَ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَيَقْصِدُهُ الْآخِذُ (وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَبْحِ السُّلَحْفَاةِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ فَأَشْبَهَ الْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَاتِ، وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَكَذَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ فَلَمْ يَكُنْ صَيْدًا. (وَمَنْ حَلَبَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ فَأَشْبَهَ كُلَّهُ. (وَمَنْ قَتَلَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ وَهُوَ مَا عَدَدْنَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْإِيذَاءِ فَدَخَلَتْ فِي الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَكَذَا اسْمُ الْكَلْبِ يَتَنَاوَلُ السِّبَاعَ بِأَسْرِهَا لُغَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّجْنِيسِ. وَالْقَمْلَتَانِ وَالثَّلَاثُ كَالْوَاحِدَةِ. وَفِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ بَالِغًا مَا بَلَغَ نِصْفَ صَاعٍ، وَهَذَا إذَا قَتَلَهَا قَصْدًا وَكَذَا لَوْ أَلْقَى ثَوْبَهُ فِي الشَّمْسِ؛ لِقَصْدِ قَتْلِهَا كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ وَنَحْوُهُ، وَلَوْ أَلْقَاهُ لَا لِلْقَتْلِ فَمَاتَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ) عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ، فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ بِسِيَاطِنَا وَعِصِيِّنَا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُوهُ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا، لَكِنْ تَظَاهَرَ عَنْ عُمَرَ إلْزَامُ الْجَزَاءِ فِيهَا. فِي الْمُوَطَّأِ أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُمَرَ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ، فَقَالَ كَعْبٌ: دِرْهَمٌ، فَقَالَ: عُمَرُ: إنَّك لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ، لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِقِصَّتِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ كَعْبًا سَأَلَ عُمَرَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ الْجَرَادِ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، وَتَبِعَ عُمَرَ أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْمُحِيطِ: مَمْلُوكٌ أَصَابَ جَرَادَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ إنْ صَامَ يَوْمًا فَقَدْ زَادَ وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا حَتَّى تَصِيرَ عِدَّةَ جَرَادٍ ثُمَّ يَصُومَ يَوْمًا. (قَوْلُهُ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا) فَالسِّبَاعُ كَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْفِيلِ. فَفِي الْمُحِيطِ: إنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا تَجِبُ الْقِيمَةُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. وَقَوْلُ الْعَتَّابِيِّ: الْفِيلُ الْمُتَوَحِّشُ صَيْدٌ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَإِنَّ الْمُسْتَأْنَسَ يَجِبُ كَوْنُهُ صَيْدًا أَيْضًا لِعُرُوضِ الِاسْتِئْنَاسِ كَمَا قَالُوا فِي الظَّبْيِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ إنَّهُمَا صَيْدٌ، وَإِنْ تَأَلَّفَا. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْفِيلِ الْمُتَأَلَّفِ رِوَايَتَانِ كَمَا أَنَّ فِي الطُّيُورِ الْمُصَوِّتَةِ رِوَايَتَيْنِ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ فِيهَا أَنَّهَا صَيْدٌ، وَالْمُرَادُ بِنَحْوِهَا سِبَاعُ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ مُعَلَّمًا وَغَيْرَ مُعَلَّمٍ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا اسْمُ الْكَلْبِ يَتَنَاوَلُ السِّبَاعَ بِأَسْرِهَا) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ دَاعِيًا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:

وَلَنَا أَنَّ السَّبْعَ صَيْدٌ لِتَوَحُّشِهِ، وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ إمَّا لِجِلْدِهِ أَوْ لِيُصْطَادَ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذَاهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ، فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ» . (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ) هَذَا زِيَادَةُ قَيْدٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي تَعْرِيفِهِ السَّابِقِ فَيَلْزَمُ إمَّا فَسَادُ السَّابِقِ أَوْ هَذَا اللَّاحِقِ. (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ) الْعَدَدُ الْمَنْصُوصُ هُوَ الْخَمْسُ فَيَلْزَمُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِهِ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى شَرْعًا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ فَيَبْطُلُ الْعَدَدُ: أَيْ يَنْتَفِي فَائِدَةُ تَخْصِيصِ اسْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ الْمُحِيطَةِ بِالْمُلْحَقِ وَغَيْرِهِ أَوْ الْإِطْلَاقِ: أَعْنِي ذِكْرَهُ بِاسْمٍ عَامٍّ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: يُقْتَلُ كُلُّ عَادٍ مُنْتَهِبٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ مِثْلَهُ يَلْزَمُ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ فَيُقَالُ مَثَلًا: لَوْ جَازَ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ لَمْ يَبْقَ لِذِكْرِ الْمُؤْمِنَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَائِدَةٌ، وَكَذَا فِي الْمُقَيَّدِ بِالشَّرْطِ وَسَائِرِ الْمَفَاهِيمِ الْمُخَالِفَةِ، فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذَا فَهُوَ بِعَيْنِهِ جَوَابُنَا عَنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ عَدَدَ الْخَمْسِ قَدْ تَحَقَّقَ عَدَمُ قَصْرِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَفُرِغَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ النَّصُّ عَلَى الذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ لَمْ يُنَصَّ فِي صَدْرِهَا عَلَى عَدَدٍ بَلْ قَالَ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَثَبَتَ عَدَمُ إرَادَةِ قَصْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى الْخَمْسِ فَانْفَتَحَ بَابُ الْقِيَاسِ، إذْ حَدِيثُ الْفَوَاسِقِ تَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ، وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ يُعَلِّلُ وَيُلْحَقُ بِمَا أَخْرَجَهُ مَا تُخْرِجُهُ الْعِلَّةُ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَّزَ إلْحَاقَ الذِّئْبِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ يَبْطُلُ أَيْضًا الْعَدَدُ. وَكَوْنُ الثَّابِتِ دَلَالَةً ثَابِتًا بِالنَّصِّ لَا يَخْرُجُ بِهِ الْحَالُ عَنْ أَنَّهُ بَطَلَ خُصُوصُ الْخَمْسِ. وَيَجِيءُ فِيهِ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَذَكَرَ عَدَدًا يُحِيطُ بِهِ مَعَهَا فَيَقُولُ سِتٌّ مِنْ الْفَوَاسِقِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْإِلْحَاقَ بِالدَّلَالَةِ لَا بُدَّ فِيهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَعْنًى جَامِعٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ سِوَى عَلَى فَهْمِ اللُّغَةِ دُونَ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ وَلِذَا سَمَّاهُ كَثِيرٌ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَنُسَمِّيهِ نَحْنُ الثَّابِتَ بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فَمَا عَيَّنْتُمُوهُ مِنْ قَوْلِكُمْ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدِئَاتٌ بِالْأَذَى وَنَحْوِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِي إلْحَاقِ الذِّئْبِ فَهُوَ الَّذِي يَلْحَقُ بِاعْتِبَارِ سَائِرِ السِّبَاعِ، فَإِنْ سَمَّيْتُمْ ذَلِكَ دَلَالَةً فَهَذَا أَيْضًا دَلَالَةٌ. وَأَمَّا رَابِعًا فَإِنَّا لَمْ نُخْرِجْهُ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَكُلُّ سَبُعٍ عَادٍ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: نَقُولُ مِنْ الرَّأْسِ يَخْرُجُ مَجْمُوعُ مَا نُصَّ عَلَى إخْرَاجِهِ وَهُوَ الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ وَالْغُرَابُ وَالذِّئْبُ وَالْحِدَأَةُ وَالسَّبُعُ الْعَادِي. عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي حَالَةِ اعْتِدَائِهِ وَهُوَ مَا إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ حَقِيقَةً اسْمُ الْفَاعِلِ، وَبِهِ نَقُول: إنَّهُ إذَا صَالَ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، ثُمَّ نَمْنَعُ الْإِلْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَاسِخٌ عَلَى أُصُولِنَا لَا مُخَصِّصٌ لِاشْتِرَاطِنَا الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ الْأَوَّلِ، فَمَا لَمْ يُقَارَنْ بِهِ يَكُونُ الْعُمُومُ مُرَادًا، فَإِذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ كَانَ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْفَرْدِ الْمُخْرَجِ، وَالتَّخْصِيصُ بَيَانُ عَدَمِ إرَادَةِ الْمُخْرَجِ، وَإِذَا كَانَ نَاسِخًا عِنْدَنَا فَلَا يَلْحَقُ إذْ لَا نَسْخَ بِالْقِيَاسِ. قُلْنَا: لَا نُخْرِجُ بَلْ بِالْقِيَاسِ بِالدَّلَالَةِ، فَإِنْ أَخَذْتُمْ فِي الْجَامِعِ الدَّلَالِيِّ كَوْنَهَا تَعِيشُ مُخَالِطَةً بِالِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ

وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّبْعِ عُرْفًا وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ (وَلَا يُجَاوَزُ بِقِيمَتِهِ شَاةٌ) وَقَالَ زُفَرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ اعْتِبَارًا بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ الشَّاةُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنَعْنَا أَنَّ الْحُكْمَ بِاعْتِبَارِهِ وَأَسْنَدْنَاهُ بِإِخْرَاجِ الذِّئْبِ وَهُوَ لَا يَعِيشُ مُخَالِطًا. وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ يَصْلُحُ إلْزَامِيًّا لِلْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عِنْدَهُمْ وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا كَوْنُ الْمَسْكُوتِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ. فُهِمَ مَنْعُ الضَّرْبِ مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ، وَلَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ السِّبَاعِ بِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ مِنْ الْفَوَاسِقِ بَلْ غَايَتُهُ الْمُمَاثَلَةُ. وَأَمَّا إثْبَاتُ مَنْعِ قَتْلِهَا عَلَى أُصُولِنَا فَفِيهِ مَا سَمِعْت، وَلَعَلَّ لِعَدَمِ قُوَّةِ وَجْهِهِ كَانَ فِي السِّبَاعِ رِوَايَتَانِ كَمَا هُوَ فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صُيُودٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَسَدَ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ. وَفِي الْعَتَّابِيِّ: لَا شَيْءَ فِي الْأَسَدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ، وَقَدَّمْنَا مِنْ الْبَدَائِعِ التَّصْرِيحَ بِحِلِّ قَتْلِ الْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. (قَوْلُهُ: وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّبُعِ عُرْفًا) ظَاهِرُ تَخْصِيصِهِ بِالْعُرْفِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا لُغَةً بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَتِمُّ مَقْصُودُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ الْخِطَابَ كَانَ مَعَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَخْصِيصٌ مِنْ الشَّرْعِ بِغَيْرِ السَّبُعِ، بَلْ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ عَلَى مَا سَمِعْته عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ قَوْلِهِ «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا» ، فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَالْأَوْلَى مَنْعُ وُقُوعِهِ عَلَى السِّبَاعِ حَقِيقَةً لُغَةً وَلَفْظُ الْكَلْبِ فِي دُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْعَامِّ: أَعْنِي الْمُفْتَرِسَ الضَّارِيَ. لَا يُقَالُ: ادِّعَاؤُنَا أَنَّهُ فِي كُلِّ السِّبَاعِ حَقِيقَةٌ هُوَ دَعْوَى أَنَّهُ فِي كُلِّ مُفْتَرِسٍ ضَارٍّ حَقِيقَةٌ، وَالْأَفْرَادُ حِينَئِذٍ أَفْرَادُ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ، فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْعَامِّ مَجَازًا كَمَا قُلْتُمْ أَوْ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا، وَالِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ عِنْدَ التَّرَدُّدِ وَهُوَ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلِ عَدَمِهِ. وَتَبَادُرُ النَّوْعِ الْمَخْصُوصِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْكَلْبِ دَلِيلُ عَدَمِهِ، إذْ لَوْ كَانَ لِلْمَعْنَى الْأَعَمِّ لَمْ يَتَبَادَرْ خُصُوصُ بَعْضِهَا، وَإِذَا تَبَادَرَ خُصُوصُ بَعْضِهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْوَضْعَ كَانَ لِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ لِذَلِكَ وَإِنْ جَازَ عُرُوضُ تَبَادُرِ الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ لِعُرُوضِ شُهْرَةٍ وَغَلَبَةِ اسْتِعْمَالٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الَّذِي يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لَا الْمُجَوَّزَ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَيَتَحَقَّقَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَبُعٌ، وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بَلْ الْمَعْرُوفُ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَانْفَرَدَ بِزِيَادَةِ فِيهِ كَبْشٌ، وَالْبَاقُونَ رَوَوْهُ وَلَمْ يَذْكُرُوهَا فِيهِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ وَيُؤْكَلُ» وَهَذَا دَلِيلُ أَكْلِهِ عِنْدَ الْخَصْمِ وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. وَالْمُصَنِّفُ إنْ اسْتَدَلَّ بِلَفْظِ السَّبُعِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ، وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِلَفْظِ الضَّبُعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ

وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ قِيمَتِهِ لِمَكَانِ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مُؤْذٍ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ ظَاهِرًا. (وَإِذَا صَالَ السَّبُعُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَقَالَ زُفَرٌ: يَجِبُ الْجَزَاءُ اعْتِبَارًا بِالْجَمَلِ الصَّائِلِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ سَبُعًا وَأَهْدَى كَبْشًا وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَا عَنْ دَفْعِ الْأَذَى، وَلِهَذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي دَفْعِ الْمُتَوَهَّمِ مِنْ الْأَذَى كَمَا فِي الْفَوَاسِقِ فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي دَفْعِ الْمُتَحَقَّقِ مِنْهُ أَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبُعٌ عِنْدَنَا وَغَيْرُ مَأْكُولٍ تَقْدِيمًا لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَنَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْرَ الْمَالِيَّةِ فِي وَقْتِ التَّنْصِيصِ، وَإِلَّا تَلْزَمُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قِيمَةُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ. وَإِذَا كُنْتُمْ قُلْتُمْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ مَا بَيْنَ السِّنَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ مِنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ كِتَابِ الصِّدِّيقِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِهِ كَانَ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ التَّفَاوُتِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا أَنَّهُ تَقْدِيرٌ لَازِمٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَلَأَنْ تَقُولُوا مِثْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فِي الصِّحَّةِ وَكَوْنُ ذَلِكَ مُخَلِّصًا مِنْ الْمُعَارَضَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوْلَى، وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الْمَعْقُولِ (وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ قِيمَتِهِ لِمَكَانِ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مُؤْذٍ) يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَاقِطُ الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ قَبْلَهُ بِأَسْطُرٍ (وَكَوْنُهُ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ إمَّا لِجِلْدِهِ أَوْ لِيَصْطَادَ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذَاهُ) حَيْثُ زَادَ بَاعِثًا آخَرَ مُعَارَضًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] أَوْجَبَ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ مُطْلَقًا فَتَعَيُّنُ قِيمَةِ مُجَرَّدِ جِلْدِهِ فِي بَعْضِ الْمَقْتُولِ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَاهُ مَعَ أَنَّ أَخْذَهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي طَلَبِ جِلْدِهِ كَمَا ذَكَرَهُ هُنَا، بَلْ قَدْ يَكُونُ لِغَرَضِ أَنْ يَصْطَادَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ) هَذَا غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ، وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الْجَزَاءِ إذَا كَانَ الْمُبْتَدِئ السَّبُعَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهِ إلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ الْأَصْلِيَّ قَدْ نُسِخَ بِإِيجَابِ الْجَزَاءِ فِي الصَّيْدِ عَلَى الْعُمُومِ، فَمَا لَمْ يُخْرِجْهُ دَلِيلٌ صَحِيحٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْحُكْمِ الْعَامِّ

وَمَعَ وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لَهُ، بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْعَبْدُ. (فَإِنْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْكَفَّارَةِ بِالنَّصِّ عَلَى مَا تَلَوْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ وَالدَّجَاجَةَ وَالْبَطَّ الْأَهْلِيَّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ؛ لِعَدَمِ التَّوَحُّشِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ؛ لِأَنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ (وَلَوْ ذَبَحَ حَمَامًا مُسَرْوَلًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ وَلَا يَمْتَنِعُ بِجَنَاحَيْهِ لِبُطْءِ نُهُوضِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ السَّبْعُ الْعَادِي، وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِدَلَالَةِ نَصِّ قَتْلِ الْفَوَاسِقِ فَإِنَّهُ أَبَاحَهُ لِتَوَهُّمِ الْأَذَى لَهُ: أَيْ لِلْقَاتِلِ أَوْ لِأَبْنَاءِ نَوْعِهِ، فَمَعَ تَحَقُّقِ الْإِيذَاءِ لَهُ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَإِذَا ثَبَتَ الْإِذْنُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ سَقَطَ الضَّمَانُ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ الْإِذْنُ بِهِ، فَمَا لَمْ يُقَيَّدْ الْإِذْنُ بِالضَّمَانِ لَا يَجِبُ، فَلِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ إذَا اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ لِمَأْكَلِهِ عِنْدَ عَدَمِ صِيَالِهِ لِتَقَيُّدِ الْإِذْنِ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] الْآيَةَ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ لَا إذْنَ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ) فَيَضْمَنُهُ لَهُ. وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ إذَا صَالَ بِالسَّيْفِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا إذْنَ أَيْضًا مِنْ مَالِكِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ فِي الْأَصْلِ حَقًّا لِنَفْسِهِ بِالْآدَمِيَّةِ لَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ كَسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ أَقْرَانِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ قَتَلَ يُقْتَلُ، وَإِذَا كَانَ ضَمَانُ نَفْسِهِ فِي الْأَصْلِ لَهُ سَقَطَ بِمُبِيحٍ جَاءَ مِنْ قَبْلِهِ وَهُوَ الْمُحَارَبَةُ، وَمَالِيَّةُ الْمَوْلَى فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً مَضْمُونَةً لَهُ فَهِيَ تَبَعٌ لِضَمَانِ النَّفْسِ فَيَسْقُطُ التَّبَعُ فِي ضِمْنِ سُقُوطِ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: مُسَرْوَلًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ: أَيْ فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ كَأَنَّهُ سَرَاوِيلُ

وَنَحْنُ نَقُولُ: الْحَمَامُ مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مُمْتَنِعٌ بِطَيَرَانِهِ، وَإِنْ كَانَ بَطِيءَ النُّهُوضِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ (وَكَذَا إذَا قَتَلَ ظَبْيًا مُسْتَأْنَسًا) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا يُبْطِلُهُ الِاسْتِئْنَاسُ كَالْبَعِيرِ إذَا نَدَّ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي الْحُرْمَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ. (وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحِلُّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَانْتَقَلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ وَهَذَا فِعْلٌ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَذَبِيحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْحَمَامُ مُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ) وَالِاسْتِثْنَاءُ عَارِضٌ، بِخِلَافِ الْبَطِّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالْبُيُوتِ فَإِنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ. . (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ) يَقْتَضِي ظَاهِرًا أَنَّ اللَّامَ فِي لِغَيْرِهِ يَتَعَلَّقُ بِذَبْحِهِ لَا بِيَحِلُّ، وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ الْقَاتِلِ وَيَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَهُ بِيَحِلُّ، وَهُوَ الْحَقُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ. وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ التَّعْلِيلِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحِلَّ لِلْقَاتِلِ وَحَلَّ لِغَيْرِهِ لَمْ يُنْزِلْهُ الشَّرْعُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ فَصَارَ عَامِلًا لِغَيْرِهِ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ هُوَ ذَلِكَ فَانْتَقَلَ فِعْلُهُ إلَيْهِمْ فَحَلَّ لَهُمْ سَوَاءٌ ذَبَحَ لِأَجْلِهِمْ أَوْ لِنَفْسِهِ

الْمَجُوسِيِّ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَ الْمَيْزِ بَيْنَ الدَّمِ وَاللَّحْمِ تَيْسِيرًا فَيَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ إلَخْ) حَاصِلُهُ إثْبَاتُ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْإِقَامَةِ مَقَامَ الْمَيْزِ، ثُمَّ نُفِيَ الثَّانِي فَيَنْتَفِي الْأَوَّلُ: أَعْنِي الْمَشْرُوعِيَّةَ وَهُوَ الْمُفَادُ بِقَوْلِهِ فَيَنْعَدِمُ الْمَشْرُوعُ لِانْعِدَامِهِ: أَيْ لِانْعِدَامِ الْفِعْلِ الَّذِي أُقِيمَ، وَنَحْنُ إلَى غَيْرِ هَذَا الْكَلَامِ أَحْوَجُ فِي إثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ. فَإِنَّ حَاصِلَ هَذَا إثْبَاتُ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ وَهَذَا فِعْلٌ حَرَامٌ، وَهِيَ إنْ كَانَتْ مِنْ الْمُسَلَّمَاتِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْنُوعَةً عِنْدَهُ لَا يَنْتَهِضُ الْمَذْكُورُ مُثْبِتًا لَهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إذَا مَنَعَ الْحُرْمَةَ مَنَعَ عَدَمَ الْإِقَامَةِ مُقَامَ الْمَيْزِ لَكِنَّهَا مُسَلَّمَةٌ، وَنَحْنُ نَحْتَاجُ بَعْدَ تَسْلِيمِ حُرْمَةِ الْفِعْلِ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ حُرْمَتِهِ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ اللَّحْمِ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةَ الْغَيْرِ لَا بِإِذْنِهِ لَا يَصِيرُ لَهَا حُكْمُ الْمَيْتَةِ مَعَ حُرْمَةِ الْفِعْلِ فَيُقَالُ: وَهَذَا فِعْلٌ حِسِّيٌّ مُحَرَّمٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِقُبْحٍ اُعْتُبِرَ فِي عَيْنِهِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا فِي إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَى الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ أَنَّهُ يُضَافُ الْقُبْحُ إلَى عَيْنِهَا؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا فِي ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ، وَنَعْنِي بِثُبُوتِ الْقُبْحِ لِذَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا ذُبِحَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ هُوَ أَنْ يَأْكُلَهُ كَوْنَ الشَّرْعِ اعْتَبَرَهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ عَبَثًا حَيْثُ أَخْرَجَ الذَّابِحَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَذْبُوحَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ فَصَارَ فِعْلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَكَانَ عَبَثًا بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ، كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ عَاقِلٌ بِذَبْحِ حَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ جُنُونًا أَوْ سُخْرِيَةً، بِخِلَافِ شَاةِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إخْرَاجُهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ الذَّبْحِ شَرْعًا لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَلَمْ يُعَدَّ عَبَثًا شَرْعًا. وَإِذَا صَارَ ذَبْحُ الْمُحْرِمِ عَبَثًا شَرْعًا صَارَ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ فَلَا يُفِيدُ حُكْمَ الْحِلِّ فِيمَا كَانَ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ: أَعْنِي الصَّيْدَ قَبْلَ ذَبْحِهِ. بَقِيَ دَلِيلُ الْإِخْرَاجَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] يُفِيدُهُمَا وقَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] يُفِيدُ إخْرَاجَ الْمُحْرِمِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الذَّبْحِ فَقَطْ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الْعَيْنِ وَهِيَ تُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنْ تُضَافَ الْأَحْكَامُ إلَى أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى الْعَيْنِ كَانَ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُرْمَةِ بِالْأَصَالَةِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ نَفْسَ هَذَا الْعَيْنِ حَرَامًا وَنَفْسُ الْحَرَامِ لَا يَقْتَرِبُ مِنْهُ فَكَانَ مَنْعًا عَنْ الِاقْتِرَابِ مِنْهُ نَفْسِهِ، وَهَذَا إخْرَاجُهُ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ. وَلَوْ قُلْنَا إنَّ إضَافَتَهُ إلَى الْعَيْنِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَجَازًا عَقْلِيًّا لَمْ يَضُرَّنَا، إذْ الْعُدُولُ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْفِعْلِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِ الْعَيْنِ سَبَبُهُ مَا قُلْنَا. وَأَفَادَ الثَّانِي أَنَّ التَّحْرِيمَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الذَّابِحِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ فَأَوْجَبَ إخْرَاجَهُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْإِحْرَامُ هُوَ السَّبَبُ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى التَّحْقِيقِ فَلِذَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ وَالذَّابِحَ

(فَإِنْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ الذَّابِحُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ مَا أَكَلَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ مَيْتَةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِأَكْلِهَا إلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَكَلَهُ مُحْرِمٌ غَيْرُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حُرْمَتَهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَيْتَةً كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ وَالذَّابِحَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ فَصَارَتْ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ مُضَافَةً إلَى إحْرَامِهِ بِخِلَافِ مُحْرِمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَهُ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ صَيْدٍ اصْطَادَهُ حَلَالٌ وَذَبَحَهُ إذَا لَمْ يَدُلَّ الْمُحْرِمُ عَلَيْهِ، وَلَا أَمَرَهُ بِصَيْدِهِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا اصْطَادَهُ؛ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْأَهْلِيَّةِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي سَوَاءٌ أَدَّى ضَمَانَ الْمَذْبُوحِ قَبْلَ الْأَكْلِ أَوْ لَا، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَدَّى قَبْلَهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ عَلَى حِدَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَإِنْ كَانَ أَكَلَ قَبْلَهُ دَخَلَ ضَمَانُ مَا أَكَلَ فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ فَلَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ بِانْفِرَادِهِ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: لَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ آخَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَتَدَاخَلَانِ، وَسَوَاءٌ تَوَلَّى صَيْدَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ أَوْ يُطْعِمَ كِلَابَهُ فِي لُزُومِ قِيمَةِ مَا أَطْعَمَ؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِمَحْظُورِ إحْرَامِهِ (قَوْلُهُ فَصَارَتْ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ التَّنَاوُلِ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ مَيْتَةٌ وَكَوْنُهُ مَيْتَةً بِوَاسِطَةِ خُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَالصَّيْدِ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ وَثُبُوتِهِمَا مَعًا بِوَاسِطَةِ الْإِحْرَامِ، فَكَانَ الْأَكْلُ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ بِوَاسِطَةٍ، وَسَبَبُ السَّبَبِ سَبَبٌ خُصُوصًا وَهَذِهِ حُرْمَةٌ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَرْعِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْعُذْرِ فَيَجِبُ بِهِ الْجَزَاءُ، وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ اسْتَغْنَى الشَّيْخُ عَنْ إيرَادِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ مَا لَوْ أَكَلَ الْحَلَالُ مِنْ لَحْمٍ ذَبَحَهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ بَعْدَ أَدَاءِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَرَمِ بَلْ تَفْوِيتُهُ الْأَمْنَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِحُلُولِهِ فِي الْحَرَمِ فَقَطْ وَقَدْ ضَمِنَهُ إذْ فَوَّتَهُ فَكَانَ حُرْمَتُهُ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً فَقَطْ. وَعَنْ هَذَا مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَوْ شَوَى الْمُحْرِمُ بَيْضَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلِلْحَلَالِ أَكْلُهُ، وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَهُ جَازَ وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي الْفِدَاءِ إنْ شَاءَ، وَكَذَا شَجَرُ الْحَرَمِ وَاللَّبَنُ، وَكَذَا لَوْ شَوَى جَرَادًا أَوْ بَيْضًا ضَمِنَهُ، ثُمَّ إنْ أَكَلَهُ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يَحْرُمُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيمَا إذَا اصْطَادَهُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ) يَعْنِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ،

لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ صَيْدٍ مَا لَمْ يَصِدْهُ أَوْ يُصَدْ لَهُ» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَذَاكَرُوا لَحْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بَأْسَ بِهِ» وَاللَّامُ فِيمَا رُوِيَ لَامُ تَمْلِيكٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهِ الصَّيْدُ دُونَ اللَّحْمِ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنْ يُصَادَ بِأَمْرِهِ. ثُمَّ شُرِطَ عَدَمُ الدَّلَالَةِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ مُحَرَّمَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا إذَا اصْطَادَ الْحَلَالُ لِمُحْرِمٍ صَيْدًا بِأَمْرِهِ اُخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَنَا، فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ تَحْرِيمَهُ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَا يَحْرُمُ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: هَذَا غَلَطٌ وَاعْتَمَدَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ: لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) الْحَدِيثُ عَلَى مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ «لَحْمُ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ» هَكَذَا بِالْأَلِفِ فِي يُصَادَ، فَعَارَضَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ أَوَّلَهُ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ. أَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِيمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: «تَذَاكَرْنَا لَحْمَ الصَّيْدِ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمٌ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: فِيمَ تَتَنَازَعُونَ؟ فَقُلْنَا: فِي لَحْمِ الصَّيْدِ أَيَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَأَمَرَنَا بِأَكْلِهِ» أَخْرَجَهُ فِي الْآثَارِ. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ خُسْرو الْبَلْخِيّ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّام قَالَ: «كُنَّا نَحْمِلُ الصَّيْدَ صَفِيفًا وَكُنَّا نَتَزَوَّدُهُ وَنَأْكُلُهُ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَاخْتَصَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ. وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَبِوَجْهَيْنِ، كَوْنُ اللَّامِ لِلْمِلْكِ وَالْمَعْنَى أَنْ يُصْطَادَ وَيُجْعَلَ لَهُ فَيَكُونُ تَمْلِيكُ عَيْنِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ فَيَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهِ، وَالْحَمْلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُصَادَ بِأَمْرِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي عَمَلِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ بِطَلَبٍ مِنْهُ فَلْيَكُنْ مَحْمَلُهُ هَذَا دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: الْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنْ لَا يُحْكَمَ هُنَا بِالْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ طَلْحَةَ

قَالُوا: فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. (وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ) ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ بِسَبَبِ الْحَرَمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَمَرَنَا بِأَكْلِهِ " مُقَيَّدٌ عِنْدَنَا بِمَا إذَا لَمْ يَدُلَّهُ الْمُحْرِمُ وَلَا أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْمُصَنِّفِ إعْمَالًا لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، فَيَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُصَدْ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ لِدُخُولِ الظَّنِّيَّةِ فِي دَلَالَتِهِ. وَحَدِيثُ الزُّبَيْرِ حَاصِلُهُ نَقْلُ وَقَائِعِ أَحْوَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَيَجُوزُ كَوْنُ مَا كَانُوا يَحْمِلُونَهُ مِنْ لُحُومِ الصَّيْدِ لِلتَّزَوُّدِ مِمَّا لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِينَ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَزَوَّدُونَهُ مِنْ الْحَضَرِ ظَاهِرًا، وَالْإِحْرَامُ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ، فَالْأَوْلَى بِهِ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَصْلِ الْمَطْلُوبِ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُجِبْ بِحِلِّهِ لَهُمْ حَتَّى سَأَلَهُمْ عَنْ مَوَانِعِ الْحِلِّ أَكَانَتْ مَوْجُودَةً أَمْ لَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا لَا، قَالَ: فَكُلُوا إذًا» فَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَوَانِعِ أَنْ يُصَادَ لَهُمْ لَنَظَمَهُ فِي سِلْكِ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْهَا فِي التَّفَحُّصِ عَنْ الْمَوَانِعِ لِيُجِيبَ بِالْحُكْمِ عِنْدَ خُلُوِّهِ عَنْهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى كَالصَّرِيحِ فِي نَفْيِ كَوْنِ الِاصْطِيَادِ لِلْمُحْرِمِ مَانِعًا فَيُعَارِضُ حَدِيثَ جَابِرٍ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ ثُبُوتِهِ، إذْ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ، بَلْ قِيلَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لَحْمُ الصَّيْدِ إلَخْ انْقِطَاعٌ؛ لِأَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ حَنْطَبٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَكَذَا فِي رِجَالِهِ مَنْ فِيهِ لِينٌ. وَبَعْدَ ثُبُوتِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّأْوِيلِ هَذَا. وَيُعَارِضُ الْكُلَّ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَحْمَ حِمَارٍ، وَفِي لَفْظٍ: رِجْلَ حِمَارٍ، وَفِي لَفْظٍ: عَجُزَ حِمَارٍ، وَفِي لَفْظٍ: شِقَّ حِمَارٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ الصَّيْدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ صِيدَ لَهُ أَوْ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ مَذْهَبٌ نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَخْرَجَ عَنْهُمْ ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدِيثُ مَالِكٍ وَهُوَ أَنَّهُ أَهْدَى لَهُ حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَهْدَى لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارٍ: يَعْنِي فَيَكُونُ رَدُّهُ امْتِنَاعُ تَمَلُّكِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ مَنْعٌ بِأَنَّ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ الْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى الْبَعْضِيَّةِ. وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِجْلِ حِمَارٍ وَعَجُزِهِ وَشِقِّهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، إذْ يَنْدَفِعُ بِإِرَادَةِ رِجْلٍ مَعَهَا الْفَخِذُ وَبَعْضُ جَانِبِ الذَّبِيحَةِ فَوَجَبَ حَمْلُ رِوَايَةِ أَهْدَى حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِتَعَيُّنِهِ لِامْتِنَاعِ عَكْسِهِ، إذْ إطْلَاقُ الرِّجْلِ عَلَى كُلِّ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مَعْهُودٍ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى زَيْدٍ أُصْبُعٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ التَّلَازُمُ كَالرَّقَبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَا إنْسَانَ دُونَهُمَا، بِخِلَافِ نَحْوِ الرِّجْلِ وَالظُّفُرِ. وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّبِيئَةِ فَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ إنْسَانٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَقِيبٌ، وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِلَا عَيْنٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّحْقِيقَاتِ، أَوْ هُوَ أَحَدُ مَعَانِي الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ كَمَا عَدَّهُ لِأَكْثَرَ مِنْهَا. ثُمَّ إنَّ فِي هَذَا الْحَمْلِ تَرْجِيحًا لِلْأَكْثَرِ أَوْ نَحْكُمُ بِغَلَطِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ رَجَعَ عَنْهَا تَبَيُّنًا لِغَلَطِهِ. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ: «أَهْدَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَحْمَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ» ، وَرُبَّمَا قَالَ: يَقْطُرُ دَمًا، وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، وَكَانَ فِيمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلَا: قَالَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ، ثُمَّ صَارَ إلَى لَحْمٍ حَتَّى مَاتَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ وَثَبَاتِهِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِتَبَيُّنِهِ غَلَطَهُ أَوَّلًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ التَّعْلِيلَ مَا وَقَعَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ، فَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَالَ بِأَنَّك صِدْتَهُ لِأَجْلِي. قُلْنَا: كَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ. يَعْنِي عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ صِيدَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ مُعَلِّلًا بِالْإِحْرَامِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ أَكْلِ مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ، وَبِهِ يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ الصَّعْبِ وَحَدِيثَيْ أَبِي قَتَادَةَ وَجَابِرٍ السَّابِقِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ. أَمَّا عَلَى رَأْيِنَا وَهُوَ إبَاحَتُهُ بِغَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، فَإِنَّا قُلْنَا: إنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يُصَادَ؛ لِأَجْلِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ حُمِلَ حَدِيثُ الصَّعْبِ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ؛ لِأَجْلِهِ تَعَارَضَا فَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ فَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ بِعَدَمِ اضْطِرَابِهِ أَصْلًا، بِخِلَافِ حَدِيثِ الصَّعْبِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكَلَ مِنْهُ» . رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَجُزَ حِمَارٍ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ الْقَوْمُ» وَمَا قِيلَ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، فَإِنَّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا إلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُجْمَعَ بَعْدَ ثُبُوتِ صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الَّذِي تَعَرَّضَتْ لَهُ تِلْكَ الرِّوَايَاتُ لَيْسَ سِوَى أَنَّهُ رَدَّهُ، وَعَلَّلَ بِالْإِحْرَامِ، ثُمَّ سَكَتَ الْكُلُّ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ لَمَّا رَدَّهُ مُعَلِّلًا بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صِيدَ لِأَجْلِهِ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِدْهُ لِأَجْلِهِ فَقَبِلَهُ بَعْدَ الرَّدِّ وَأَكَلَ مِنْهُ، وَهَذَا جَمْعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ عَدَمَ الِاصْطِيَادِ لِأَجْلِهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَمَا ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَالَ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهُ رَدَّ الْحَيَّ وَقَبِلَ اللَّحْمَ. اهـ. إلَّا أَنَّ هَذَا جَمْعٌ بِإِنْشَاءِ إشْكَالٍ آخَرَ وَهُوَ رَدُّ رِوَايَةِ أَنَّهُ رَدَّ اللَّحْمَ وَهِيَ بَعْدَ صِحَّتِهَا ثَبَتَ عَلَيْهَا الرَّاوِي وَرَجَعَ عَمَّا سِوَاهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ فِي رِوَايَةِ رَدِّ اللَّحْمِ وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابٌ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ كَانَ سَنَةَ سِتٍّ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَحَدِيثَ الصَّعْبِ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ. قُلْنَا أَمَّا إنَّ حَدِيثَ الصَّعْبِ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَبَعْضُهُمْ وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمْ فِيهِ ثَبْتًا صَحِيحًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ قَالَ: «انْطَلَقْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ» فَسَاقَ الْحَدِيثَ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ وَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ» الْحَدِيثَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَكَانَ بِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ حَدِيثُ الْبَهْزِيِّ: أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّرِيرِ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» (وَلَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ) ؛ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ وَلَيْسَتْ بِكَفَّارَةٍ، فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَفْوِيتِ وَصْفٍ فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْأَمْنُ وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِطَرِيقِ الْكَفَّارَةِ جَزَاءٌ عَلَى فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهِ وَهُوَ إحْرَامُهُ، وَالصَّوْمُ يُصْلِحُ جَزَاءَ الْأَفْعَالِ لَا ضَمَانَ الْمَحَالِّ. وَقَالَ زُفَرٌ: يُجْزِيهِ الصَّوْمُ اعْتِبَارًا بِمَا وَجَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِبَعْضِ أَفْنَاءِ الرَّوْحَاءِ وَهُوَ مُحْرِمٌ إذَا حِمَارٌ مَعْقُورٌ فِيهِ سَهْمٌ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: دَعُوهُ فَيُوشِكُ صَاحِبُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ هُوَ الَّذِي عَقَرَ الْحِمَارَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ رَمْيَتِي فَشَأْنُكُمْ بِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ» وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ. (قَوْلُهُ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى السِّتَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ، ثُمَّ بَقِيَتْ حُرْمَتُهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا الْإِذْخِرَ» وَالْخَلَى بِالْمُعْجَمَةِ مَقْصُورًا الْحَشِيشُ إذَا كَانَ رَطْبًا وَاخْتِلَاؤُهُ قَطْعُهُ. (قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ حُرْمَةَ الْقَتْلِ ثَابِتَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ سَبَبَهَا فِي الْإِحْرَامِ وُجُوبُ الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِهِ، فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّخُولِ فِي حُرْمَةِ عِبَادَةِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِالْتِزَامِ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ حَالَ التَّلَبُّسِ بِهَا كَالدُّخُولِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ فَكَانَ حِكْمَةُ مَنْعِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ كَوْنَهُ يُهَيِّجُ النَّفْسَ إلَى حَالَةٍ تُنَافِي حَالَةَ الْإِحْرَامِ الَّتِي هِيَ التَّصَوُّرُ بِصُورَةِ الْمَوْتِ وَالْفَاقَةِ فَإِنَّ فِيهِ ضَرَاوَةً، وَحَالَةُ الْإِحْرَامِ ضَرَاعَةٌ قَدْ ظَهَرَ أَثَرُهَا أَكْثَرَ مِنْ ظُهُورِهِ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، أَلَا تَرَى إلَى كَشْفِ الرَّأْسِ وَالتَّلَفُّفِ بِثِيَابِ الْمَوْتِ فَإِذَا قَتَلَهُ فَقَدْ جَنَى عَلَى الْعِبَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ عَلَى مُوجِبِهَا وَجَبَرَ الْعِبَادَةَ الْمَحْضَةَ بِعِبَادَةٍ مَحْضَةٍ فَدَخَلَهُ الصَّوْمُ. وَأَمَّا فِي الْحَرَمِ فَسَبَبُهَا إبْقَاءُ أَمْنِهِ الْحَاصِلِ لَهُ شَرْعًا بِسَبَبِ الْإِيوَاءِ إلَى حِمَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا فَوَّتَهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ؛ لِتَفْوِيتِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْكَائِنِ فِي الْمَحَلِّ لَا لِجِنَايَةٍ عَلَى عِبَادَةٍ تَلَبَّسَ بِهَا وَالْتَزَمَهَا بِعَقْدٍ خَاصٍّ بِارْتِكَابِ مَحْظُورِهَا فَلَا يَدْخُلُ الصَّوْمُ فِيهِ كَتَفْوِيتِ أَمْنٍ كَائِنٍ لِمَمْلُوكِ رَجُلٍ فِي مَالِهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ لَا يَكُونُ بِصَوْمٍ وَنَحْوِهِ بَلْ جَبْرُ الْأَمْنِ الْفَائِتِ بِإِثْبَاتِ أَمْنٍ لِلْفَقِيرِ عَنْ بَعْضِ الْحَاجَاتِ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَجْبُورِ، وَعَلَى وَفْقِ هَذَا وَقَعَ فِي الشَّرْعِ، إلَّا أَنَّ مُسْتَحِقَّ هَذَا

عَلَى الْمُحْرِمِ، وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَهَلْ يَجْزِيهِ الْهَدْيُ؟ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّمَانَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. فَتَجَاذَبَهُ أَصْلَانِ: شِبْهُ الْغَرَامَاتِ اللَّازِمَةِ لِتَفْوِيتِ الْمَحَالِّ، وَكَوْنُهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَرَتَّبْنَا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ مُقْتَضَاهُ مُحْتَاطِينَ فِي التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فَقُلْنَا: لَا يَدْخُلُهُ الصَّوْمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ ضَمَانُ مَحَلٍّ. وَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّبِيِّ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ. وَلَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ حَلَالٌ فِي يَدِ حَلَالٍ صَادَهُ مِنْ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَمَانٌ كَامِلٌ لِتَفْوِيتِ كُلِّ الْأَمْنِ الْوَاحِدِ الثَّابِتِ لِلصَّيْدِ، أَحَدُهُمَا بِالْأَخْذِ، وَالثَّانِي بِالْقَتْلِ بَعْدَمَا كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَفِي مِثْلَيْهِمَا مِنْ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْآخِذِ. وَاتَّفَقُوا هُنَا عَلَى رُجُوعِ الْآخِذِ عَلَى الْقَاتِلِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِحْرَامِ يَقُولُ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ مَعَ جِنَايَةٍ لَيْسَ ضَمَانَ مَحَلٍّ فَهُنَا أَوْلَى، وَهُمَا مَنَعَا الرُّجُوعَ هُنَاكَ وَأَثْبَتَاهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَحَلٍّ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي ضَمَانِ الْمَحَلِّ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ يُقَرِّرُ الضَّمَانَ. وَإِذَا تَأَمَّلْت رَأَيْت خُصُوصَ الِاعْتِبَارِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذِهِ بِجِهَةٍ دُونَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ فِيهَا فَتَأَمَّلْ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى تَرْشُدْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ يَدْخُلُ جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ فِي جَزَاءِ صَيْدِ الْإِحْرَامِ، فَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ عَلَى وَفْقِ جَزَائِهِ لِلْإِحْرَامِ خَاصَّةً. وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الثَّابِتَ هُنَا حَقٌّ وَاحِدٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ ارْتِكَابِهِ حُرْمَةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَقِّقَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ قَتْلَهُ وَوَضَعَ لِهَذِهِ الْحُرْمَةِ سَبَبَيْنِ: حُلُولَهُ فِي الْحَرَمِ، وَوُجُودَ الْإِحْرَامِ، فَأَيُّهُمَا وُجِدَ اسْتَقَلَّ بِإِثَارَةِ الْحُرْمَةِ، فَإِذَا وُجِدَا مَعًا وَهُوَ الْإِحْرَامُ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَتَحَقَّقْ سِوَى تِلْكَ الْحُرْمَةِ، وَثُبُوتُ الْأَمْنِ إنَّمَا هُوَ عَنْ هَذِهِ الْحُرْمَةِ وَعَلِمْت أَنَّهَا حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَهُنَا أَمْرٌ وَاحِدٌ عَنْ حُرْمَةٍ وَاحِدَةٍ فُوِّتَتْ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ عَلَى انْتِهَاكِ الْحُرْمَةِ الْكَائِنِ بِالْقَتْلِ حَالَ كَوْنِهَا عَنْ سَبَبِ الْإِحْرَامِ جَزَاءً يَدْخُلُهُ الصَّوْمُ وَدَلَّ النَّظَرُ السَّابِقُ حَالَ كَوْنِهَا عَنْ حُلُولِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَلَى وُجُوبِ جَزَاءٍ لَا يَدْخُلُهُ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ عَنْ السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا فِي الْحَرَمِ ثُمَّ اُنْتُهِكَتْ بِالْقَتْلِ فِيهِ تَعَذَّرَ فِي الْجَزَاءِ اللَّازِمِ اعْتِبَارُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَلَزِمَ اعْتِبَارُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَرَأَيْنَا اعْتِبَارَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِحْرَامِ هُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى السَّبَبَيْنِ فَقُلْنَا بِذَلِكَ. وَإِنَّمَا كَانَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، قَالَ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] بِخِلَافِ الْكَوْنِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ النُّصُوصَ إنَّمَا أَفَادَتْ سَبَبِيَّتَهُ لِحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِلُزُومِ الْجَزَاءِ ذَاكَ التَّصْرِيحَ فَظَهَرَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيتُ أَمْنٍ مُسْتَحَقٍّ كَالْقَتْلِ فِي الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ: أَعْنِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّوْمُ وَعَلَيْهِ تَرْدِيدٌ نُورِدُهُ فِي جِنَايَةِ الْقَارِنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ يُجْزِيهِ الْهَدْيُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا فَلَا يَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ بِلَحْمِهِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ لَا إذَا كَانَ دُونَهُ، وَلِذَا لَوْ سُرِقَ الْمَذْبُوحُ وَجَبَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْإِرَاقَةِ فِي غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ. وَفِي أُخْرَى يَتَأَدَّى فَتَكُونُ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى عَكْسِهَا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ قِيمَةِ الْهَدْيِ قَبْلَ الذَّبْحِ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْهَدْيُ مَالٌ يُجْعَلُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِرَاقَةُ الدَّمِ طَرِيقٌ صَالِحٌ شَرْعًا لِجَعْلِ الْمَالِ

(وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فِيهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ يَقُولُ: حَقُّ الشَّرْعِ لَا يَظْهَرُ فِي مَمْلُوكِ الْعَبْدِ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ إذْ صَارَ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَاسْتَحَقَّ الْأَمْنَ لِمَا رَوَيْنَا (فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ الْبَيْعَ فِيهِ إنْ كَانَ قَائِمًا) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ وَذَلِكَ حَرَامٌ (وَإِنْ كَانَ فَائِتًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ (وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ) لِمَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ خَالِصًا كَالتَّصَدُّقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَحِّيَ يَجْعَلُ الْأُضْحِيَّةَ خَالِصَةً لَهُ سُبْحَانَهُ بِإِرَاقَةِ دَمِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ) أَيْ وَهُوَ حَلَالٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَجَبَ إرْسَالُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) قَاسَهُ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَرْفَعُهُ، حَتَّى إذَا ثَبَتَ حَالُ الْكُفْرِ ثُمَّ طَرَأَ الْإِسْلَامُ لَا يَرْتَفِعُ، عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ لَا يَظْهَرُ فِي مَمْلُوكِ الْعَبْدِ بَعْدَ تَقَرُّرِ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ تَفَضُّلًا مِنْهُ تَعَالَى لِحَاجَةِ الْعَبْدِ وَغِنَاهُ: وَهَذَا كَذَلِكَ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَحَاصِلُهُ تَقْرِيرُ الْجَامِعِ وَتَرْكُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَتَلْخِيصُهُ مَمْلُوكٌ لِلْعَبْدِ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحَقَّقَ كَالِاسْتِرْقَاقِ، وَلَك فِي اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ أَنْ تَجْعَلَهُ مِلْكَ الصَّيْدِ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَرْقُوقِ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا إلَخْ) حَقِيقَتُهُ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالنَّصِّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ. تَقْرِيرُهُ: هَذَا صَيْدُ الْحَرَمِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ التَّعَرُّضُ لَهُ بِالنَّصِّ فَهَذَا لَا يَحِلُّ التَّعَرُّضُ لَهُ بِالنَّصِّ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَيْسَ يُرَادُ بِصَيْدِ الْحَرَمِ إلَّا مَا كَانَ حَالًّا فِيهِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِإِطْلَاقِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي الرِّقِّ بَلْ ثَبَتَ شَرْعًا بَقَاؤُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَلْ عَدَّاهُ إلَى أَوْلَادِ الْإِمَاءِ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِفْ الزَّوْجُ بِالْكُفْرِ قَطُّ، وَيُمْكِنُ كَوْنُ سِرِّ هَذَا الْفَرْقِ التَّغْلِيظَ عَلَى مَنْ أُمِرَ فَخَالَفَ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ حُكْمُ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُخَالِفْ، وَهُوَ الصَّيْدُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَاعَهُ) يَعْنِي بَعْدَمَا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ (رُدَّ الْبَيْعُ فِيهِ إنْ كَانَ قَائِمًا) وَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا سَوَاءٌ بَاعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَوْ تَبَايَعَ الْحَلَالَانِ وَهُمَا فِي الْحَرَمِ الصَّيْدَ وَهُوَ فِي الْحِلِّ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ يَتَّصِلُ بِهِ بِسَاحِلٍ حُكْمًا، وَلَيْسَ هُوَ بِأَبْلَغَ مِنْ أَمْرِهِ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ،

(وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِإِمْسَاكِهِ فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ. وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُحْرِمُونَ وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إرْسَالُهَا، وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَّةُ وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْحُجَجِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِالْبَيْتِ وَالْقَفَصِ لَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ فِي مَفَازَةٍ فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ. قَالَ (فَإِنْ أَصَابَ حَلَالٌ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ غَيْرُهُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ وَ {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَ الصَّيْدَ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَاهُ مِنْ الْحَرَمِ لِلِاتِّصَالِ الْحِسِّيِّ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ) قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَجَبَ الْإِرْسَالُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ هَلَكَ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لَهُ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِعَدَمِ تَرْكِهِ. فَلِذَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الصَّيْدِ فِي يَدِهِ بِكَوْنِ الْقَفَصِ فِيهَا وَلِهَذَا يَصِيرُ غَاصِبًا لَهُ بِغَصْبِ الْقَفَصِ أَوْ لَيْسَ فِيهَا بَلْ بِكَوْنِ الْقَفَصِ فِيهَا، وَلِذَا جَازَ لِلْمُحَدِّثِ أَخْذُ الْمُصْحَفِ بِغِلَافِهِ. (قَوْلُهُ وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ) مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ، وَهُمْ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُحْرِمُونَ وَفِي بُيُوتِهِمْ حَمَامٌ فِي أَبْرَاجٍ وَعِنْدَهُمْ دَوَاجِنُ وَالطُّيُورُ لَا يُطْلِقُونَهَا. (وَهِيَ إحْدَى الْحُجَجِ) فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ اسْتِبْقَاءَهَا فِي الْمِلْكِ مَحْفُوظَةٌ بِغَيْرِ الْيَدِ لَيْسَ هُوَ التَّعَرُّضُ الْمُمْتَنِعُ. (قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْمِلْكِ جِنَايَةً عَلَى الصَّيْدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَمْلِيكَهُ وَالْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ تَنْفِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَ الصَّيْدَ بِالْأَخْذِ حَلَالًا مِلْكًا مُحْتَرَمًا) حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَأَرْسَلَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ الْإِحْلَالِ فِي يَدِ شَخْصٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَرْسَلَهُ عَنْ اخْتِيَارٍ. كَذَا عَلَّلَ التُّمُرْتَاشِيُّ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ يَكُونُ إبَاحَةً، أَمَّا لَوْ كَانَ صَادَهُ فِي إحْرَامِهِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ ثُمَّ حَلَّ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ فِي الْإِحْرَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَنَظِيرُهُ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ. (وَإِنْ أَصَابَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ غَيْرُهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْأَخْذِ، فَإِنَّ الصَّيْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْخَمْرَ (فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ، وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ، وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا (وَيَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ) وَقَالَ زُفَرٌ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُؤَاخَذٌ بِصُنْعِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْآخِذَ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْهَلَاكِ بِهِ، فَهُوَ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُحَالُ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا الْمُرْسِلُ آمِرٌ بِمَعْرُوفٍ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي يَجِبُ الْأَمْرُ بِهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْوِيتِ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا مُطْلَقِ يَدِهِ، فَإِنْ ادَّعَيَا الثَّانِيَ مَنَعْنَاهُ، أَوْ الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِرْسَالِهِ وَلَوْ فِي قَفَصٍ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَتْلُ) وَالْمُتَوَجَّهُ قَبْلَ قَتْلِهِ خِطَابُ إرْسَالِهِ وَتَخْلِيَتِهِ (فَهُوَ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُحَالُ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ بِهَذَا الْقَتْلِ يَدًا مُحْتَرَمَةً وَلَا مِلْكًا فَإِنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهِمَا ضَمَانٌ يَجِبُ لِذِي الْيَدِ وَالْمِلْكِ ابْتِدَاءً بَدَلَ مِلْكِهِ وَيَدِهِ، وَهُنَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الرُّجُوعُ بِمَا غَرِمَهُ؛ لِكَوْنِهِ السَّبَبَ فِيهِ فَإِنَّهُ مَنُوطٌ بِتَفْوِيتِهِ يَدًا مُعْتَبَرَةً، كَمَا فِي غَصْبِ الْمُدَبَّرِ، إذَا قَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِ غَاصِبِهِ فَأَدَّى الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ، وَهُنَا قَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ فَوَّتَ يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ التَّمْكِينِ بِهَا مِنْ إسْقَاطِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَدَفَعَ وُجُوبَ الْجَزَاءِ فَهُوَ مُوَرِّطُهُ فِي ذَلِكَ. وَإِذَا وَجَبَ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا فَالرُّجُوعُ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ قَرَّرُوا مَا كَانَ مُتَوَهَّمَ السُّقُوطِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الزَّوْجِ بِاخْتِيَارِهِ. وَالْقَاتِلُ هُنَا هُوَ الَّذِي حَقَّقَ سَبَبَ الْوُجُوبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَوَهَّمُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَخْذِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِرْسَالِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَتْلُ، وَإِنَّمَا قَالَ: فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ عِلَّةَ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ الْقَتْلُ، وَالْأَخْذُ لَيْسَ عِلَّةً لِلْقَتْلِ وَلَا جُزْءَ عِلَّةٍ وَلَا سَبَبًا، بَلْ الْقَتْلُ

(فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَةً لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا ثَبَتَتْ بِسَبَبِ الْحَرَمِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَقِلٌّ بِسَبَبِيَّةِ إيجَابِ الْجَزَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لَوْ رَمَاهُ مِنْ بَعِيدٍ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَالْأَخْذُ قَدْ يَكُونُ شَرْطًا حِسِّيًّا لِلْقَتْلِ وَقَدْ لَا يَكُونُ، إلَّا أَنَّ مُبَاشَرَةَ الشَّرْطِ فِي الْإِتْلَافِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ وَالْعِلَّةُ ثِقَلُ الْوَاقِعِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَسْقُطُ سُؤَالَانِ: كَيْفَ يَرْجِعُ وَلَمْ يُفَوِّتْ يَدًا مُحْتَرَمَةً وَلَا مِلْكًا؟ . وَأَيْضًا أَنَّ الشَّيْءَ إذَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْمِلْكِ لَا يَضْمَنُ مُسْتَهْلِكُهُ وَإِنْ جَنَى مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ إذَا غَصَبَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ فَاسْتَهْلَكَهُ مُسْلِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ الْآخِذُ لِلذِّمِّيِّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ اتِّحَادَ اعْتِقَادِ سُقُوطِ تَقَوُّمِهَا مَنَعَ مِنْ رُجُوعِ الْمُسْلِمِ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَهْلِكِ. هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ كَيْفَ يَرْجِعُ وَهُوَ قَدْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ تُخْرَجُ بِالصَّوْمِ وَهُوَ إنَّمَا يَرْجِعُ بِضَمَانٍ يَحْبِسُهُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا لَزِمَهُ؟ . وَأَجَابَ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّفَاوُتِ لَا يُمْنَعُ كَالْأَبِ إذَا غَصَبَ مُدَبَّرَ ابْنِهِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ آخَرُ فَضَمَّنَ الِابْنُ أَبَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ. وَلِلْأَبِ أَنْ يَحْبِسَ مَنْ قَتَلَهُ فِي يَدِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانٍ يُفْتِي بِهِ وَضَمَانٍ يُقْضَى بِهِ. فَإِنَّ زَكَاةَ السَّائِمَةِ تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ يَكُونُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَا تَتَعَيَّنُ الْمُطَالَبَةُ. وَهَذَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَإِنْ كَفَّرَ بِغَيْرِ الْمَالِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُنْتَقَى بِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا كَفَّرَ بِالْمَالِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ. وَأَصْلُ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ، وَالْأَمْنُ يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِإِحْرَامِ الصَّائِدِ أَوْ دُخُولِهِ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ. أَوْ دُخُولِ الصَّيْدِ فِيهِ. وَأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ التَّفْوِيتُ لَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ فَلِذَا قُلْنَا: يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي إرْسَالِ الْحَلَالِ الصَّيْدَ فِي أَرْضِ الْحِلِّ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ، وَبِإِرْسَالِ الْمُحْرِمِ إيَّاهُ فِي جَوْفِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ بِهَذَا الْإِرْسَالِ مُمْتَنِعًا ظَاهِرًا، وَلِذَا لَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ حَلَالٌ كُرِهَ أَكْلُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) جَعَلَهُ

«لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ لَا بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمَحَالِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا أَدَّاهَا مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ شَرْعًا، فَلَوْ أُطْلِقَ لَهُ فِي بَيْعِهِ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ، وَالْفَرْقُ مَا نَذْكُرُهُ. وَاَلَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً عَرَفْنَاهُ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْحَرَمِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَ عَدَمِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَابَ الْمَسْأَلَةِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الصَّوْمُ. وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ إمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ وَقَدْ جَفَّ أَوْ انْكَسَرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَا شَيْءَ فِي الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ أَنْبَتَهُ النَّاسُ أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُسْتَنْبَتُ عَادَةً أَوْ لَا، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ بَلْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ أَوْ لَا، فَلَا شَيْءَ فِي الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي فِيهِ الْجَزَاءُ، فَمَا فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا مُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا. وَلَا بُدَّ فِي إخْرَاجِ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ مِنْ دَلِيلٍ، فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْخِرَ خَرَجَ بِالنَّصِّ وَمَا أَنْبَتُوهُ بِقِسْمَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْجَافُّ وَالْمُنْكَسِرُ فَفِي مَعْنَاهُ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْبَابِ الشَّجَرُ وَالشَّوْكُ وَالْخَلَى. فَالْخَلَى وَالشَّجَرُ قَدَّمْنَاهُمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالشَّوْكُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ، إلَى أَنْ قَالَ: لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» الْحَدِيثَ. فَالْخَلَى هُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَأِ، وَكَذَا الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ، وَالشَّوْكُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ يُقَالُ عَلَى الرَّطْبِ وَالْجَافِّ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ. وَأَمَّا الَّذِي نَبَتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبِتَهُ النَّاسُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ فَلَا أَدْرِي مَا الْمَخْرَجُ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّلَ إخْرَاجَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ بِأَنَّ إنْبَاتَهُمْ يَقْطَعُ كَمَالَ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ. فَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَوْنَهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ يَمْنَعُ كَمَالَ النِّسْبَةِ إلَيْهِ أُلْحِقَ بِمَا يُنْبِتُونَهُ، وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ إلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا وَكُلُّ مَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْحَرَمِ جَازَ إخْرَاجُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَحْجَارُ أَرْضِ الْحَرَمِ وَحَصَاهَا إلَّا أَنْ يُبَالِغَ فِي ذَلِكَ فَيَحْفِرَ كَثِيرًا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ أَوْ الدُّورِ فَيُمْنَعُ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ مَا نَذْكُرُهُ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ نَبَاتِ الْحَرَمِ إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ حَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَبَيْنَ الصَّيْدِ

وَمَا لَا يَنْبُتُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً. وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَعَلَى قَاطِعِهِ قِيمَتَانِ: قِيمَةٌ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَقِيمَةٌ أُخْرَى ضَمَانًا لِمَالِكِهِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَرَمِ، وَمَا جَفَّ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ. (وَلَا يُرْعَى حَشِيشُ الْحَرَمِ وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرَ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِالرَّعْيِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، فَإِنَّ مَنْعَ الدَّوَابِّ عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَالْقَطْعُ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ، وَحَمْلُ الْحَشِيشِ مِنْ الْحِلِّ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ، بِخِلَافِ الْإِذْخِرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَإِنْ أَدَّى ضَمَانَهُ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ إلَى آخِرِ مَا يَجِيءُ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى قَاطِعِهِ قِيمَتَانِ) هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ تَمَلُّكُ أَرْضِ الْحَرَمِ بَلْ هِيَ سَوَائِبُ عِنْدَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا " أَيْ لَا يُقْطَعُ، خَلَاهُ وَاخْتَلَاهُ قَطَعَهُ وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَالْعَضْدُ: قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ فَقَدْ مُنِعَ الْقَطْعُ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِالْمَنَاجِلِ أَوْ الْمَشَافِرِ فَلَا يَحِلُّ الرَّعْيُ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِحَمْلِ الْحَشِيشِ مِنْ الْحِلِّ، وَمِشْفَرُ كُلِّ شَيْءٍ

قَطْعُهُ وَرَعْيُهُ، وَبِخِلَافِ الْكَمْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّبَاتِ. (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْقَارِنُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَمٌ وَاحِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا بِإِحْرَامَيْنِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحَرْفُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ شَفْرَةُ السَّيْفِ حَدُّهُ، وَشَفِيرُ الْخَنْدَقِ وَالنَّهْرِ وَالْبِئْرِ حَرْفُهُ، وَمِشْفَرُ الْبَعِيرِ شَفَتُهُ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْكَمْأَةِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ النَّبَاتِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَظْهَرُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْكَمْأَةُ تُخْلَقُ فِي بَاطِنِهَا لَا يَظْهَرُ مِنْهَا شَيْءٌ. وَأَيْضًا لَا تَنْمُو وَلَوْ قُدِّرَ كَوْنُهَا نَبَاتًا كَانَتْ مِنْ الْجَافِّ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْقَارِنُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ: دَمٌ لِحَجَّتِهِ، وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دَمٌ وَاحِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا بِإِحْرَامَيْنِ) فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ. وَأَوْرَدَ فَلِمَ لَمْ يَتَدَاخَلَا كَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدَ الْحَرَمِ إذْ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ حُرُمَاتٍ كَثِيرَةً غَيْرَ الصَّيْدِ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْحُرُمِ فَاسْتَتْبَعَتْ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إذَا اجْتَمَعَ مُوجِبَانِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى أَقْوَاهُمَا وَجُعِلَ الْآخَرُ تَبَعًا لَهُ كَالْعَدَمِ. وَهَذَا كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ وَالْحَازِّ لِلرَّقَبَةِ مَعَ الْجَارِحِ. وَإِحْرَامُ الْحَجِّ مُسَاوٍ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَحْرُمُ بِهِ يَحْرُمُ بِالْآخَرِ فَلَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِتْبَاعُ فَيُجْعَلُ

خِلَافًا لِزُفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ وَبِتَأْخِيرِ وَاجِبٍ وَاحِدٍ لَا يَجِبُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ. (وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلٌّ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ جَرَحَ اثْنَانِ آخَرَ فَمَاتَ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَفْعِ إيجَابِ الشَّافِعِيِّ الْبَدَنَةَ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِهَا إذَا جَامِع فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَمَنَعَ افْتِرَاضَهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ فَأَظْهَرَ التَّفَاوُتَ فِي الْأَجْزِيَةِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَلَوْ اتَّحَدَ رُتْبَةُ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ، وَإِذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ جَازَ الِاسْتِتْبَاعُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَى دَرَجَةِ عَدَمِ الْإِيجَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ مُوجِبَةٌ بِانْفِرَادِهَا مَا يُوجِبُهُ الْإِحْرَامُ، وَمَعَ ذَلِكَ ظَهَرَ التَّفَاوُتُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَوَقَعَ الِاسْتِتْبَاعُ، وَعِنْدَ هَذَا نُورِدُ مَا كُنَّا وَعَدْنَا، وَهُوَ إنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مُحْرِمٌ وَاقَعَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ فَمُوجِبُ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ نَفْسُ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّدَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَدُّدَ فِي الْحُرْمَةِ بَلْ التَّعَدُّدُ فِي السَّبَبِ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدَ الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ مُتَعَدِّدٌ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ وَجَبَ التَّعَدُّدُ فِي قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدَ الْحَرَمِ لِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ بِتَعَدُّدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَالْحَرَمُ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ قَتْلِ الصَّيْدِ فِيهِ لِإِثْبَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ حُرْمَةً وَجَعْلِهِ حِمَاهُ وَالْقَتْلُ فِيهِ جِنَايَةٌ عَلَى حَرَمِ اللَّهِ، وَكَوْنُ إحْدَى الْحُرْمَتَيْنِ فَوْقَ الْأُخْرَى لَمْ يُعْرَفْ فِي الشَّرْعِ سَبَبًا لِإِهْدَارِ الْحُرْمَةِ وَجَعْلِهَا تَبَعًا، بَلْ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ حُرْمَةٍ تَسْتَتْبِعُ مُوجِبَهَا سَوَاءٌ سَاوَتْ غَيْرَهَا أَوْ لَا. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوُجُوبَاتِ وَالتَّحْرِيمَاتِ تَتَفَاوَتُ بِالْآكَدِيَّةِ وَقُوَّةِ الثُّبُوتِ وَلَمْ يَسْقُطْ اعْتِبَارُ شَيْءٍ مِنْهَا خُصُوصًا، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ ظَهَرَ مِنْ الشَّارِعِ الِاحْتِيَاطُ فِي إثْبَاتِهَا حَيْثُ ثَبَتَتْ مَعَ النِّسْيَانِ وَالِاضْطِرَارِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِيَاطُ فِي إسْقَاطِهَا إلَّا لِمُوجِبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ كَثُبُوتِ الْحَاجَةِ إلَى تَكْرِيرِ السَّبَبِ كَثِيرًا كَمَا قُلْنَا فِي تَكْرِيرِ آيَةِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ إذْ لَا حَاجَةَ مُتَحَقِّقَةً فِي تَكْثِيرِ الْقَتْلِ مَعَ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ؛ لِيَسْتَلْزِمَ تَعَدُّدَ الْوَاجِبِ الْحَرَجَ فَيُدْفَعُ بِالتَّدَاخُلِ لُطْفًا وَرَحْمَةً فَيَلْزَمُ التَّدَاخُلُ. وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْحَصْرِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الْجَزَاءِ لِإِدْخَالِ النَّقْصِ فِي الْعِبَادَةِ لَا لِكَوْنِهِ جِنَايَةً. وَالْقَارِنُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ مُدْخِلٌ لِلنَّقْصِ فِي عِبَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدَ الْحَرَمِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ، أَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ دَمَانِ وَفِي سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إلَخْ) هَذَا وَجْهُ الْمَذْهَبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ قَوْلِ زُفَرٍ لِضَعْفِ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الَّتِي يَجِبُ بِسَبَبِهَا عَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ بِسَبَبِ الْمُجَاوَزَةِ فَهِيَ فِيمَا إذَا جَاوَزَ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحِلِّ مُحْرِمًا فَلَيْسَ كِلَاهُمَا لِلْمُجَاوَزَةِ بَلْ الْأَوَّلُ لَهَا وَالثَّانِي لِتَرْكِ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ الْتَحَقَ بِأَهْلِهَا وَمِيقَاتُهُمْ فِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ إلَخْ) وَجْهُهَا ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَكَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ اشْتِرَاكِ الْمُحْرِمَيْنِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلَالَيْنِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ

بِالشَّرِكَةِ يَصِيرُ جَانِيًا جِنَايَةً تَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ. (وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلٌ عَنْ الْمَحَلِّ لَا جَزَاءٌ عَنْ الْجِنَايَةِ فَيَتَّحِدُ بِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ، كَرَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً تَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ. (وَإِذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أَوْ ابْتَاعَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ وَبَيْعُهُ بَعْدَمَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَارْجِعْ إلَيْهِ. وَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمُونَ وَمُحِلُّونَ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهِمْ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُحْرِمٍ مَعَ مَا خَصَّهُ مِنْ ذَلِكَ جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ يَجِبُ عَلَى الْحَلَالِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْقِسْمَةِ لَوْ قُسِمَتْ عَلَى الْكُلِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَتْلَ الْحَلَالَيْنِ صَيْدَ الْحَرَمِ إنْ كَانَ بِضَرْبَةٍ فَلَا شَكَّ فِي لُزُومِ كُلٍّ نِصْفُ الْجَزَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا نَقَصَتْهُ ضَرْبَتُهُ. ثُمَّ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِضَرْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ فِعْلِهِمَا جَمِيعُ الصَّيْدِ صَارَ مُتْلَفًا بِفِعْلِهِمَا فَضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ الْجَزَاءِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْجَزَاءُ الَّذِي تَلِفَ بِضَرْبَةِ كُلٍّ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَالْبَاقِي مُتْلَفٌ بِفِعْلِهِمَا فَعَلَيْهِمَا ضَمَانُهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) لَا شَكَّ فِي حَقِيقَةِ الْبُطْلَانِ إنْ بَاعَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَيًّا فَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِيَ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ فِي حَقِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الْعَيْنِ فَيَكُونُ سَاقِطَ التَّقَوُّمِ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ، وَهَذَا هُوَ النَّهْيُ الَّذِي أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيُّ التَّعَرُّضِ وَإِطْلَاقُ اسْمِ النَّهْيِ عَلَى التَّحْرِيمِ إطْلَاقُ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ إضَافَةَ التَّحْرِيمِ إلَى الْعَيْنِ تُفِيدُ مَنْعَ سَائِرِ الِانْتِفَاعَاتِ وَالْكُلُّ مُنْدَرِجٌ فِي مُطْلَقِ التَّعَرُّضِ. وَحَاصِلُهُ إخْرَاجُ الْعَيْنِ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَكُونُ تَعْلِيقُ تَصَرُّفِ مَا بِهَا عَبَثًا فَيَكُونُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ فَيَبْطُلُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِمَا جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّهُمَا جَنَيَا عَلَيْهِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ مُحْرِمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا خُصَّ الْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ وَيَضْمَنُ أَيْضًا الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا إذَا وَهَبَ مُحْرِمٌ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ ضَمَانُهُ لِصَاحِبِهِ لِفَسَادِ الْهِبَةِ وَجَزَاءٌ آخَرُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْوَاهِبُ حَلَالَيْنِ. أَمَّا الْبَيْعُ فَظَاهِرٌ كَذِمِّيٍّ بَاعَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ يَضْمَنُهَا لَهُ. فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ هَذَا الصَّيْدَ مُحْرِمًا فَبَاعَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهَذَا الْأَخْذِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ حَلَالًا ثُمَّ

(وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَمَاتَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُنَّ) ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ (فَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ الْأَصْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْرَمَ فَبَاعَهُ. وَأَمَّا الْهِبَةُ فَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ مَالِكًا بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ تَبَايَعَا صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ صُيُودًا كَثِيرَةً عَلَى قَصْدِ التَّحَلُّلِ وَالرَّفْضِ لِلْإِحْرَامِ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِتَنَاوُلِهِ انْقِطَاعَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ أَخْطَأَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّحَلُّلِ وَرَفْضِ الْإِحْرَامِ فَعَلَيْهِ لِكُلٍّ جَزَاءٌ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ) وَهُوَ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ) أَيْ كَوْنُهَا مُسْتَحِقَّةً الْأَمْنَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ (صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ) فَالتَّأْنِيثُ هُوَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ مِثْلَ قَوْلِك زَيْدٌ هِيَ هَدِيَّةٌ إلَيْك، وَلَا يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ اكْتِسَابِ الْكَوْنِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِمَّا لَا يَصِحُّ حَذْفُهُ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ؛ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الظَّبْيَةِ، وَلَا يَصِحُّ الظَّبْيَةُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ، بِخِلَافِ نَحْوِ شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنْ الدَّمِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَةَ اسْتِحْقَاقِ الْأَمْنِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَ حُدُوثِهِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَصِيرُ خِطَابُ رَدِّ الْوَلَدِ مُسْتَمِرًّا، وَإِذَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الرَّدِّ كَانَ الْإِمْسَاكُ تَعَرُّضًا لَهُ مَمْنُوعًا. فَإِذَا اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِهِ ثَبَتَ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ الْغَصْبُ وَهُوَ إزَالَةُ الْيَدِ وَلَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الْوَلَدِ، حَتَّى لَوْ مُنِعَ الْوَلَدُ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ أَيْضًا. قَالُوا: وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ ضَمَانَ الْأُمِّ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حِينَئِذٍ لَا يَسْرِي إلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ الْأَمْنِ بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الصِّفَةِ عَنْ الْأُمِّ قَبْلَ وُجُودِهِ، حَتَّى لَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ وَالْأَوْلَادُ حِلٌّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ فِي هَذَا الصَّيْدِ كَالسِّمَنِ وَالشَّعْرِ فَضَمَانُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ التَّكْفِيرَ: أَعْنِي أَدَاءَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى إعَادَةِ أَمْنِهَا بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا، بَلْ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ لَهَا قَائِمَةٌ. وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ عِنْدَ مَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَتِهَا فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ مِنْ أَوْلَادِهَا إذَا مُتْنَ، وَلَهُ أَنْ يَصْطَادَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَجَّهَ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ تَأْمِينِهَا إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ وَلَا يَزَالُ مُتَوَجَّهًا مَا كَانَ قَادِرًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْنِ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِذَا عَجَزَ تَوَجَّهَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّ الْأَخْذَ

[باب مجاوزة الوقت بغير إحرام]

بَابُ مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ الْقَتْلُ بِالنَّصِّ، فَالتَّكْفِيرُ قَبْلَهُ وَاقِعٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَقَعُ إلَّا نَفْلًا، فَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ هَذَا الْجَزَاءِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الْجَزَاءِ، هَذَا الَّذِي أَدِينُ بِهِ. وَأَقُولُ: يُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا إذَا أَدَّى الْجَزَاءَ بَعْدَ الْهَرَبِ ثُمَّ ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا؛ لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ. (فُرُوعٌ) غَصَبَ حَلَالٌ صَيْدَ حَلَالٍ ثُمَّ أَحْرَمَ الْغَاصِبُ وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ وَضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ بَلْ دَفَعَهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَتَّى بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَقَدْ أَسَاءَ. وَهَذَا لُغْزٌ، يُقَالُ غَاصِبٌ يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الرَّدِّ بَلْ إذَا فَعَلَ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ، فَلَوْ أَحْرَمَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ إلَّا إنْ عَطِبَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى يَدِهِ. وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَيَلْزَمُ الْجَزَاءُ بِرَمْيِ الْحَلَالِ مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ كَمَا يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] يُقَالُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ كَأَشْأَمَ إذَا دَخَلَ فِي أَرْضِ الشَّأَمِ، كَمَا يُقَالُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةِ الشَّيْءِ فَبِعُمُومِهِ يُفِيدُهُ، وَكَذَا إرْسَالُ الْكَلْبِ. وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْجَزَاءِ أَنَّ الْحَلَالَ إذَا رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ بِأَنْ هَرَبَ إلَى الْحَرَمِ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فِيهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الرَّمْيِ غَيْرُ مُرْتَكِبٍ لِلنَّهْيِ. قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ فِي التَّنَاوُلِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ بِالذَّكَاةِ يَحْصُلُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهَا الصَّيْدُ صَيْدُ الْحَرَمِ لَمْ يَحِلَّ، وَعَلَى هَذَا إرْسَالُ الْكَلْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ] ٍ) فَصَلَهُ عَنْ الْجِنَايَاتِ وَأَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ اسْمِ الْجِنَايَاتِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مَا يَقَعُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ وَهِيَ

(وَإِذَا أَتَى الْكُوفِيُّ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ وَلَبَّى بَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْوَقْتِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَمْ يُلَبِّ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنْ رَجَعَ إلَيْهِ مُحْرِمًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَسْقُطُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْعَوْدِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي أَوَانِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ فَيَسْقُطُ الدَّمُ، بِخِلَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَدَارَكْ الْمَتْرُوكَ عَلَى مَا مَرَّ. غَيْرَ أَنَّ التَّدَارُكَ عِنْدَهُمَا بِعَوْدِهِ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ حَقَّ الْمِيقَاتِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَكُونُ مَسْبُوقَةً بِهِ، وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ قَبْلَهُ وَلَا تَبَادُرَ أَيْضًا. ثُمَّ تَحْقِيقُ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجِنَايَةُ أَمْرَانِ: الْبَيْتُ، وَالْإِحْرَامُ لَا الْمِيقَاتُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا لِتَعْظِيمِ غَيْرِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَوْجَبَ تَعْظِيمَ الْبَيْتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَإِذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ كَانَ مُخِلًّا بِتَعْظِيمِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ فَيَكُونُ جِنَايَةً عَلَى الْبَيْتِ وَنَقْصًا فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْشِئَهُ مِنْ الْمَكَانِ الْأَقْصَى فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَوْجَدَهُ نَاقِصًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ رَجَعَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَدَارَكَ بِالرُّجُوعِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى مِيقَاتِهِ الَّذِي جَاوَزَهُ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِيقَاتِهِ أَوْ إلَى مِيقَاتٍ آخَرَ مِنْ مَوَاقِيتِ الْآفَاقِيِّينَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ كَانَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مُحَاذِيًا لِمِيقَاتِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ فَكَمِيقَاتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَوَاقِيتِ مِيقَاتٌ لِأَهْلِهِ وَلِغَيْرِ أَهْلِهِ بِالنَّصِّ مُطْلَقًا بِلَا اعْتِبَارِ الْمُحَاذَاةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا وَصَلَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ مَوَاقِيتِ الْآفَاقِيِّينَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مِيقَاتٍ آخَرَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ جَازَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ إلَى الْمِيقَاتِ الْأَخِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ كَالْمِيقَاتِ الْأَخِيرِ. فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى جَاوَزَهُ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَبَّى عِنْدَهُ سَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ اتِّفَاقًا. وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. عِنْدَهُمَا يَسْقُطُ، وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَسْقُطُ وَإِنْ لَبَّى فِيهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَدَارَكْ الْمَتْرُوكَ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ

إذَا مَرَّ بِهِ مُحْرِمًا سَاكِنًا. وَعِنْدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِعَوْدِهِ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا تَرَخَّصَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهِ بِإِنْشَاءِ التَّلْبِيَةِ فَكَانَ التَّلَافِي بِعَوْدِهِ مُلَبِّيًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ مَكَانَ الْعُمْرَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ، وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ (وَهَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَا (إذَا كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا وَقَفَ نَهَارًا إمَّا الْكَوْنُ بِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ أَوْ مَدُّهُ إلَى الْغُرُوبِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَبِالْعَوْدِ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يُتَدَارَكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَالْوَاجِبُ التَّعْظِيمُ بِالْكَوْنِ مُحْرِمًا فِي الْمِيقَاتِ؛ لِيَقْطَعَ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا حَاصِلٌ بِالرُّجُوعِ مُحْرِمًا إلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَجِبُ التَّلْبِيَةُ فِيهِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَ؛ لِسُقُوطِ الدَّمِ التَّلْبِيَةَ تَحْصِيلًا لِلصُّورَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَفِي صُورَةِ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ لَا بُدَّ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُجْبِرَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ مُحْرِمًا حَتَّى جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَلَبَّى ثُمَّ رَجَعَ وَمَرَّ بِهِ وَلَمْ يُلَبِّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) وَلَوْ شَوْطًا (لَا يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِالرُّجُوعِ بِاعْتِبَارِ مُبْتَدَإِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ بُطْلَانِ مَا وُجِدَ مِنْهُ مِنْ الطَّوَافِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ مُعْتَدًّا بِهِ فَكَانَ اعْتِبَارًا مَلْزُومًا؛ لِلْفَاسِدِ وَمَلْزُومُ الْفَاسِدِ فَاسِدٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعُدْ حَتَّى شَرَعَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطُوفَ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ بِعَيْنِهِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) يُوهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَتَلَافَاهُ مَحِلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْكُوفِيُّ قَاصِدًا لِلنُّسُكِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بَلْ قَصَدَ التِّجَارَةَ أَوْ السِّيَاحَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ،

فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ، وَهُوَ وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِقَصْدِهِ، وَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ، وَلِلْبُسْتَانِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ لَهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، فَكَذَا وَقْتُ الدَّاخِلِ الْمُلْحَقِ بِهِ (فَإِنْ أَحْرَمَا مِنْ الْحِلِّ وَوَقَفَا بِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ) يُرِيدُ بِهِ الْبُسْتَانِيَّ وَالدَّاخِلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَحْرَمَا مِنْ مِيقَاتِهِمَا. (وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْوَقْتِ، وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ (مِنْ دُخُولِهِ مَكَّةَ بِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي قَاصِدِي مَكَّةِ مِنْ الْآفَاقِيِّينَ قَصْدُ النُّسُكِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ: إذَا أَرَادَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ بَيَانَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ، أَمَّا مَنْ قَصَدَ مَكَانًا آخَرَ مِنْ الْحِلِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ؛ لِتَعْظِيمِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْهُ؛ لِتَعْظِيمِ مَكَّةَ لَا؛ لِتَعْظِيمِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَلَا نَفْسِ الْمِيقَاتِ، وَلِذَا قَابَلَ قَوْلَهُ وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْحَجَّ بِقَوْلِهِ فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ إلَخْ، ثُمَّ مُوجِبُ هَذَا الْحَمْلِ أَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَاطِقَةٌ بِلُزُومِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ قَصَدَ النُّسُكَ أَوْ لَا، وَيَطُولُ تَفْصِيلُ الْمَنْقُولَاتِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذَا انْتَهَى إلَيْهَا عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ سَوَاءٌ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ؛ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا، وَلَا أَصْرَحَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ قَصْدَ الْحَرَمِ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا؛ لِلْإِحْرَامِ كَقَصْدِ مَكَّةَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ أَنْ يُقِيمَ بِالْبُسْتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ الْأَوَّلِ وَلِذَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِلْمُتَأَمِّلِ . (قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عَامِهِ) حَاصِلُ الْأَحْكَامِ الْكَائِنَةِ هُنَا أَرْبَعَةٌ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِلْآفَاقِيِّ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. ثَانِيهَا: أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ثُمَّ أَحْرَمَ يُرِيدُ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ بِالْحَرَمِ وَفِي الْعُمْرَةِ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا فَيُجْزِيهِ إحْرَامُهُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ. اهـ. وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ وَحَجّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ سَقَطَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ. رَابِعُهَا: أَنَّهُ إذَا خَرَجَ بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ السَّنَةِ لَا يَسْقُطُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مَنْذُورَةً أَوْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ وَقَوْلُهُ أَجْزَأَهُ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ: يَعْنِي مِنْ آخِرِ دُخُولٍ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ مِرَارًا بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَ فَأَحْرَمَ بِنُسُكٍ أَجْزَأَهُ عَنْ دُخُولِهِ الْأَخِيرِ لَا عَمَّا قَبْلَهُ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَأَهَلَّ بِهِ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ وَقْتٍ غَيْرِ وَقْتِهِ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. قَالَ:

إحْرَامٍ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجْزِيهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ. وَلَنَا أَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ، كَمَا إذَا أَتَاهُ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ مَقْصُودٍ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي (وَمَنْ جَاوَزَ الْوَقْتَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَفْسَدَهَا مَضَى فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجْزِيهِ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لَوْ أَهَلَّ مِنْهُ أَجْزَأَهُ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ دُخُولِهَا. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ) أَيْ اعْتِبَارًا؛ لِمَا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِمَا لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ، وَفِي الْمَنْذُورِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْهُ، فَكَذَا مَا بِالدُّخُولِ. (وَلَنَا) وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ إلَخْ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ مِنْ الْمِيقَاتِ تَعْظِيمًا؛ لِلْبُقْعَةِ لَا؛ لِذَاتِ دُخُولِ مَكَّةَ مِنْ حَيْثُ هُوَ دُخُولُهَا، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ وَدَخَلَ هُوَ بِلَا إحْرَامٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهَا الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَدْخُلَهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّتَهُ، فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِ وَقَدِمَ مَكَّةَ فَقَدْ فَعَلَ مَا تَرَكَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ فِيمَا إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا لِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِحْرَامُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا قُلْنَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا، فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بِمَا عَلَيْهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ فِي ضِمْنِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَتَاهَا مُحْرِمًا ابْتِدَاءً بِمَا عَلَيْهِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي ضِمْنِ مَا عَلَيْهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْضِ حَقَّهَا فِي تِلْكَ صَارَ بِتَفْوِيتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ فَصَارَ تَفْوِيتًا مَقْصُودًا مُحْتَاجًا إلَى النِّيَّةِ، كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ هَذَا الرَّمَضَانَ فَاعْتَكَفَ فِيهِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَهُ فِي رَمَضَانَ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ الْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ تَقَرَّرَ اعْتِكَافُهُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا فَلَا يَتَأَدَّى

وَقَضَاهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَقَعُ لَازِمًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ) وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي فَائِتِ الْحَجِّ إذَا جَاوَزَ الْوَقْتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَفِيمَنْ جَاوَزَ الْوَقْتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَ حَجَّتَهُ، هُوَ يَعْتَبِرُ الْمُجَاوَزَةَ هَذِهِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ، وَهُوَ يَحْكِي الْفَائِتَ وَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ. (وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحَرَمِ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْحَرَمُ وَقَدْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْحَرَمِ وَلَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْآفَاقِيِّ (وَالْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ؛ لِعَوْدِ شَرْطِهِ: أَعْنِي الصَّوْمَ إلَى الْكَمَالِ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ صَوْمٍ آخَرَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ. فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى. فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ. وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ، كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ وَلَا غَيْرَهُ جَازَ. وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِتَرْكِ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَقَضَاهَا كَوْنُ الْقَضَاءِ بِإِحْرَامٍ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَهَذَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَمَضَى فَفَاتَهُ فَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وَقَضَاهُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ جَاوَزَ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَأَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لَا دَمَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ يَعْتَبِرُ الْمُجَاوَزَةَ هَذِهِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ) كَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ، إذْ لَوْ تَطَيَّبَ أَوْ حَلَقَ فِي إحْرَامِ نُسُكٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ وَاجْتَنَبَ الْمَحْظُورَاتِ فِي الْقَضَاءِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَكَذَا هَذَا (وَلَنَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ يَحْكِي الْفَائِتَ) فَيَنْجَبِرُ بِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّهُ بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ مَحْظُورِ إحْرَامٍ فِيهِ لَا يَنْعَدِمُ بِهِ فِعْلُ مَحْظُورٍ فِي آخَرَ (قَوْلُهُ: وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ) يَعْنِي إلَى الْحِلِّ (يُرِيدُ الْحَجَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ لِحَاجَةٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَالْآفَاقِيِّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَاصِدًا الْبُسْتَانَ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْهُ، هَذَا

[باب إضافة الإحرام إلى الإحرام]

الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ، وَإِحْرَامُ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ (فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْحَرَمِ فَأَهَلَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْآفَاقِيِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ لَهَا شَوْطًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ، وَعَلَيْهِ لِرَفْضِهِ دَمٌ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى مِيقَاتِهِ عَلَى مَا عُرِفَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ إلَى مَكَّةَ إلَخْ) ظَاهِرُ مَسْأَلَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ بِدُخُولِ أَرْضِ الْحَرَمِ يَصِيرُ لَهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمِيقَاتِ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِعُمْرَةٍ لَزِمَهُ دَمَانِ: دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَدَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْحِلُّ. اهـ. وَلَمْ أَرَ تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمُتَمَتِّعِ بِمَا إذَا خَرَجَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْمَكِّيِّ. هَذَا وَفِي مُجَاوَزَةِ الْمَرْقُوقِ مَعَ مَوْلَاهُ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ دَمٌ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.، وَإِنْ جَاوَزَهُ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ] (بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ) . (قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) حَاصِلُ وُجُوهِ مَا إذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ فَأَدْخَلَ عَلَيْهَا إحْرَامَ حَجَّةٍ ثَلَاثَةٌ: إمَّا أَنْ يُدْخِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَتُرْتَفَضُ عُمْرَتُهُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ قَارِنًا عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ، أَوْ يُدْخِلَهُ بَعْدَ أَنْ يَطُوفَ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ فَتُرْتَفَضُ حَجَّتُهُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَ الطَّوَافُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، أَوْ بَعْدَ أَنْ طَافَ الْأَقَلَّ فَهِيَ الْخِلَافِيَّةُ عِنْدَهُ يُرْفَضُ الْحَجُّ؛ لِمَا يَلْزَمُ رَفْضَ الْعُمْرَةِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ. وَعِنْدَهُمَا الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا إذْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَرْضٌ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَأَقَلَّ أَعْمَالًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَيْسَرَ قَضَاءً؛ لِعَدَمِ تَوْقِيتِهَا وَقِلَّةِ أَعْمَالِهَا. وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ قَارِنًا عَلَى مَا اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي صَدْرِ بَابِ الْقِرَانِ، وَكُلُّ مَنْ رَفَضَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: رَفْضُ الْعُمْرَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَقَضَاؤُهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَالْعُمْرَةُ أَوْلَى بِالرَّفْضِ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا وَأَقَلُّ أَعْمَالًا وَأَيْسَرُ قَضَاءً لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِمَا قُلْنَا. فَإِنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْحَجَّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَتَعَذَّرَ رَفْضُهَا كَمَا إذَا فَرَغَ مِنْهَا، وَلَا كَذَلِكَ إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَرَ لِرَفْضِهَا الْعُمْرَةَ بِدَمٍ» ، وَلَوْ مَضَى الْمَكِّيُّ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] يَعْنِي التَّمَتُّعَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقِرَانَ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِهِ، وَسَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ نَهْيًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ عَنْ فِعْلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الشُّرُوعِيَّةِ بِأَصْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ إثْمَهُ كَصِيَامِ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ نَذَرَهُ، ثُمَّ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي نُسُكِهِ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِيهِ فَهُوَ دَمُ جَبْرٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْهُ شَيْئًا، أَمَّا إنْ كَانَ الْمُضِيُّ عَلَيْهِمَا بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ؛ لِلْعُمْرَةِ أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْأَقَلِّ فَظَهَرَ؛ لِأَنَّهُ قَارِنٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فِعْلِ الْأَكْثَرِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ، وَلَيْسَ؛ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ، فَلَوْ كَانَ طَوَافُ الْأَكْثَرِ مِنْهُ لِلْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ أَيْضًا. قَالَ: لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَارَ جَامِعًا مِنْ

وَلَهُ أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ تَأَكَّدَ بِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَإِحْرَامُ الْحَجِّ لَمْ يَتَأَكَّدْ، وَرَفْضُ غَيْرُ الْمُتَأَكِّدِ أَيْسَرُ؛ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ إبْطَالَ الْعَمَلِ. وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ امْتِنَاعٌ عَنْهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ بِالرَّفْضِ أَيُّهُمَا رَفَضَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ قَبْلَ أَوَانِهِ؛ لِتَعَذُّرِ الْمُضِيِّ فِيهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمُحْصَرِ إلَّا أَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ قَضَاءَهَا لَا غَيْرُ، وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ قَضَاؤُهُ وَعُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي عَمَلِهِ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ دَمُ جَبْرٍ، وَفِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ (وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهٍ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَوْرَدَ وَجْهَيْنِ: الثَّانِيَ مِنْهُمَا دَافِعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِمَّا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لَزِمَهُ أَنَّ الْأَقَلَّ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ فِي اعْتِبَارِهِ بَلْ حُكْمُ الْعَدَمِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الْكُلِّ إلَّا نَفْسُ الشَّيْءِ، فَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْأَقَلِّ كَالْكُلِّ هُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مَوْجُودًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا عَدَمًا، فَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ هَذَا الْبَعْضِ عَدَمًا إذْ لَا عِبْرَةَ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ إذْ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مَا لَمْ

فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأُولَى لَزِمَتْهُ الْأُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأُولَى لَزِمَتْهُ الْأُخْرَى وَعَلَيْهِ دَمٌ قَصَّرَ أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتِمُّ فَصَارَ فِعْلُ الْبَعْضِ كَعَدَمِ فِعْلِ شَيْءٍ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ فَكَذَا إذَا فَعَلَ الْأَقَلَّ. وَجَوَابُهُ مَنْعُ كَوْنِ الْأَقَلِّ إذَا لَمْ يَعْتَبِرْ تَمَامَ الشَّيْءِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَمًا؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ عَدَمًا وَلَا كَالْكُلِّ بَلْ يُعْتَبَرُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ عِبَادَةً مُنْتَهِضًا سَبَبًا؛ لِلثَّوَابِ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْبَعْضُ يَصْلُحُ عِبَادَةً بِالِاسْتِقْلَالِ، وَبِوَاسِطَةِ إتْمَامِهِ إنْ لَمْ يَصْلُحْ مَعَ إيجَابِ الْإِتْمَامِ، وَحِينَئِذٍ هَذَا الْبَعْضُ إنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا إشْكَالَ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي فَقَدْ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ اعْتِبَارُهُ وَتَعْلِيقُ خِطَابِ الْإِتْمَامِ بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَفِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ إبْطَالُهُ فَوَجَبَ إتْمَامُهُ. وَلْنَذْكُرْ تَقْسِيمًا ضَابِطًا لِفُرُوعِ الْبَابِ ثُمَّ نَنْتَقِلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَنَقُولُ: الْجَمْعُ إمَّا بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا كَعِشْرِينَ أَوْ عُمْرَتَيْنِ كَذَلِكَ أَوْ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ الْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِمَّا بَعْدَ الْحَلْقِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَفِي هَذَا إمَّا أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا، فَفِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَعِيَّةِ يَلْزَمُهُ إحْدَاهُمَا، وَفِي التَّعَاقُبِ الْأُولَى فَقَطْ، وَإِذَا لَزِمَاهُ عِنْدَهُمَا ارْتُفِضَتْ إحْدَاهُمَا بِاتِّفَاقِهِمَا وَيَثْبُتُ حُكْمُ الرَّفْضِ. وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الرَّفْضِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ، فَإِذَا حَلَقَ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ نُسُكًا فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ فَهُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَزِمَهُ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَقَدْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ وَقْتِهِ فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَ التَّقْصِيرِ وَعَدَمِهِ عِنْدَهُ وَشَرْطُ التَّقْصِيرِ عِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَقِيبَ صَيْرُورَتِهِ مُحْرِمًا بِلَا مُهْلَةٍ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ، وَقِيلَ إذَا تَوَجَّهَ سَائِرًا، وَنَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَنَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ؛ لِلْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَدَمٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِارْتِفَاضِ إحْدَاهُمَا قَبْلَهَا. اهـ. (وَمِنْ الْفُرُوعِ) لَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ أَوْ يَشْرَعَ عَلَى الْخِلَافِ لَزِمَهُ دَمَانِ؛ لِلْجِمَاعِ وَدَمٌ ثَالِثٌ؛ لِلرَّفْضِ، فَإِنَّهُ يَرْفُضُ إحْدَاهُمَا وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى وَيَقْضِي الَّتِي مَضَى فِيهَا وَحَجَّةً وَعُمْرَةً مَكَانَ الَّتِي رَفَضَهَا. وَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ أَوْ أُحْصِرَ فَدَمَانِ، هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ دَمٌ سِوَى دَمِ الرَّفْضِ. وَإِذَا تَرَاخَى فَأَدْخَلَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِي الْأُولَى لَزِمَتْهُ الثَّانِيَةُ، وَلَا يَلْزَمُ رَفْضُ شَيْءٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُتِمَّ أَفْعَالَ الْأُولَى وَيَسْتَمِرُّ مُحْرِمًا إلَى قَابِلٍ فَيَفْعَلُ الثَّانِيَةَ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ وَلَا فَوَاتَ لَزِمَهُ، ثُمَّ إنْ وَقَفَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ رَفَضَهَا وَعَلَيْهِ دَمُ الرَّفْضِ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا وَيَمْضِي فِيمَا هُوَ فِيهَا، وَهَذَا قَوْلُهُمَا. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِحْرَامُهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا يَرْفُضُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْفُضْهَا وَوَقَفَ لَهَا كَانَ مُؤَدِّيًا حَجَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا فِي لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ لَوْ لَمْ يَرْفُضْهَا وَعَادَ إلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ يَصِيرُ مُؤَدِّيًا؛ لِحَجَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ لَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ قَدْ فَاتَ فَلَا يَكُونُ بِاسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ مُؤَدِّيًا حَجَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ فَيُتِمُّ أَعْمَالَ الْحَجَّةِ الْأُولَى وَيُقِيمُ حَرَامًا، ثُمَّ إنْ حَلَقَ فِي الْأُولَى لَزِمَهُ دَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ بَلْ اسْتَمَرَّ حَتَّى حَلَّ مِنْ قَابِلٍ لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَهَلْ يَلْزَمُ دَمٌ آخَرُ؛ لِلْجَمْعِ؟ . قِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ لَيْسَ إلَّا رِوَايَةُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ. وَإِنْ أَحْرَمَ بِالثَّانِيَةِ بَعْدَمَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَجَبَ رَفْضُهَا وَدَمٌ وَقَضَاؤُهَا وَقَضَاءُ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ، وَإِنْ تَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ هُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامِ حَجَّتَيْنِ فَيَرْفُضُ الثَّانِيَةَ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بِعُمْرَتَيْنِ فَفِي الْمَعِيَّةِ وَالتَّعَاقُبِ: أَعْنِي بِلَا فَصْلِ عَمَلِ مَا فِي الْحَجَّتَيْنِ وَالْخِلَافُ فِيمَا يَلْزَمُ وَوَقْتُ الرَّفْضِ إذَا لَزِمَ، وَفِيمَا إذَا طَافَ؛ لِلْأُولَى شَوْطًا رَفَضَ الثَّانِيَةَ وَعَلَيْهِ دَمُ الرَّفْضِ وَالْقَضَاءُ، وَكَذَا هَذَا مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ السَّعْيِ، فَإِنْ كَانَ فَرَغَ مِنْهُ إلَّا الْحَلْقَ لَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِلْجَمْعِ، وَهَذِهِ تُؤَيِّدُ رِوَايَةَ لُزُومِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ حَلَقَ لِلْأُولَى لَزِمَهُ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَ جَامَعَ فِي الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ الثَّانِيَةَ يَرْفُضُهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَمْضِي فِي الْأُولَى حَتَّى يُتِمَّهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ، وَلَوْ كَانَتْ الْأُولَى صَحِيحَةً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِيهَا وَيَرْفُضَ الثَّانِيَةَ فَكَذَا بَعْدَ فَسَادِهَا. وَإِنْ نَوَى رَفْضَ الْأُولَى وَالْعَمَلَ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا الْأُولَى، وَمَنْ أَحْرَمَ وَلَا يَنْوِي شَيْئًا فَطَافَ ثَلَاثَةً أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَعَيَّنَتْ عُمْرَةً حَيْثُ أَخَذَ فِي الطَّوَافِ؛ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ، فَحِينَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى صَارَ جَامِعًا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ فَلِهَذَا يَرْفُضُ الثَّانِيَةَ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا الْمَكِّيُّ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ كَأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهُمْ أَوْ الْآفَاقِيِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَيْنِ فَفِي الْكَافِي؛ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يَقْرِنُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُضِيفُ الْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ وَلَا الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ، فَإِنْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا رَفَضَ الْعُمْرَةَ وَمَضَى فِي الْحَجِّ، وَكَذَا أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهُمْ إلَى مَكَّةَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ أَوَّلًا بِالْعُمْرَةِ مِنْ وَقْتِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ عُمْرَتَهُ، فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا حَتَّى يَقْضِيَهُمَا أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ؛ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا دَمٌ، فَإِنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ شَوْطًا أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْحَجَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ. وَإِنْ كَانَ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَهَلَّ الْحَجَّ قَالَ: هَذَا يَفْرُغُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَيَفْرَغُ مِنْ حَجَّتِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ عَنْ الْعُمْرَةِ وَهُوَ مَكِّيٌّ وَلَا يَنْبَغِي؛ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ كُوفِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هَذَا الدَّمُ اهـ. وَلَفْظُهُ أَظْهَرُ فِي عَدَمِ رَفْضِ الْحَجِّ مِنْهُ فِي الرَّفْضِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَقَالَ: لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، فَكَأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَوْمٌ أَنَّهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ إنْ تَعَذَّرَ رَفَضَ الْعُمْرَةَ، وَلَوْ كَانَ الْمَكِّيُّ أَهَلَّ أَوَّلًا بِالْحَجِّ فَطَافَ شَوْطًا ثُمَّ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ رَفَضَ الْعُمْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَرْفُضْهَا وَطَافَ لَهَا وَسَعَى وَفَرَغَ مِنْهَا أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ حَجَّتِهِ. وَفِي الْكَافِي: إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ لِحَاجَةٍ فَاعْتَمَرَ فِيهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ قَرَنَ مِنْ الْكُوفَةِ كَانَ قَارِنًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ كُوفِيًّا لَوْ قَرَنَ وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ وَافَى الْحَجَّ فَحَجَّ كَانَ قَارِنًا وَلَمْ يَبْطُلْ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِرُجُوعِهِ إلَى أَهْلِهِ كَمَا يَبْطُلُ عَنْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ بِالْأَهْلِ شَرْطُ التَّمَتُّعِ الْمَشْرُوعِ دُونَ الْقِرَانِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا نَقْلَهُ وَقَرَّرْنَاهُ بِالْبَحْثِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْإِلْمَامِ؛ لِلْقِرَانِ كَالْمُتْعَةِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ الْآفَاقِيُّ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا أَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، أَوْ إنْ لَمْ يَطُفْ شَيْئًا فَهُوَ قَارِنٌ وَعَلَيْهِ دَمُ شُكْرٍ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْجَامِعِ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَارِنًا أَنْ يُؤَدِّيَ طَوَافَ عُمْرَتِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ تَقَدَّمَ مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ مَعَهُ مَا أَوْرَدْنَاهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَدْخَلَ فِيهِ بَعْدَ أَرْبَعَةٍ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ صَحِيحٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفْرِدٌ بِهِمَا. وَإِنْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ شَيْئًا مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ فَهُوَ قَارِنٌ مُسِيءٌ وَعَلَيْهِ دَمُ شُكْرٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا شَرَعَ فِيهِ وَلَوْ قَلِيلًا فَهُوَ أَكْثَرُ إسَاءَةً وَعَلَيْهِ دَمٌ، اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَعِنْدَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَعِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ دَمُ

(وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَهَذَا مَكْرُوهٌ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ وَكَفَّارَةٍ (وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لَزِمَاهُ) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ قَارِنًا لَكِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَيَصِيرُ مُسِيئًا (وَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَأْتِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَهُوَ رَافِضٌ لِعُمْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا إذْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ (فَإِنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ رَافِضًا حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQشُكْرٍ، وَقَوْلُهُمْ رَفْضُ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُسْتَحَبٌّ يُؤْنَسُ بِهِ فِي أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ. وَكَذَا إنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ بِعَرَفَةَ وَإِنْ أَهَلَّ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَجَبَ رَفْضُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ اتِّفَاقًا وَالدَّمُ وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الرَّفْضِ، وَلَوْ لَمْ يَرْفُضْ فِي الصُّورَتَيْنِ أَجْزَأَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِلْمُضِيِّ، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ مَا فَاتَهُ الْحَجُّ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ يَجِبُ رَفْضُ الْعُمْرَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ رَفَضَهُ يَجِبُ؛ لِرَفْضِهِ دَمٌ وَقَضَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ عُمْرَةً لَمْ يَلْزَمْهُ فِي قَضَائِهَا سِوَى عُمْرَةٍ، وَإِنْ كَانَ حَجَّةً لَزِمَهُ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ، أَمَّا الْحَجَّةُ فَلِلْقَضَاءِ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ، وَهُوَ يَتَحَلَّلُ بِهَا ثُمَّ يَقْضِي الْحَجَّ شَرْعًا، وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ فِي سَنَتِهِ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَلْنَرْجِعْ؛ لِنَحِلَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ دَمًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ، وَأَوْجَبَهُ فِي الْمَنَاسِكِ مِنْ الْمَبْسُوطِ فَجَعَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَسُكُوتُهُ فِي الْجَامِعِ لَيْسَ نَفْيًا بَعْدَ وُجُودِ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ فِي الْعُمْرَتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ ثَابِتٌ فِي الْحَجَّتَيْنِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْفَرْقِ

يَقِفَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ (فَإِنْ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَمَضَى عَلَيْهِمَا لَزِمَاهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ عَلَى مَا مَرَّ فَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الطَّوَافِ طَوَافُ التَّحِيَّةِ، وَأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِمَا هُوَ رُكْنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ، فَلِهَذَا لَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبْرٍ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفُضَ عُمْرَتَهُ) ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ قَدْ تَأَكَّدَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ، وَإِذَا رَفَضَ عُمْرَتَهُ يَقْضِيهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِرَفْضِهَا (وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَزِمَتْهُ) لِمَا قُلْنَا (وَيَرْفُضُهَا) أَيْ يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنَّهُ فِي الْحَجَّتَيْنِ لَا يَصِيرُ جَامِعًا فِعْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي أَفْعَالَ الْأُخْرَى إلَّا فِي سَنَةٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي الثَّانِيَةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَيَصِيرُ جَامِعًا فِعْلًا لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُوجِبُ الْجَمْعَ فِعْلًا فَاسْتَوَيَا، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا رِوَايَةُ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْقِرَانِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الطَّوَافُ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ فَإِنْ طَافَ؛ لِلْحَجِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبْرٍ هُوَ الصَّحِيحُ) فَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ بَيْنَ الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ الدَّمَ فِي الْأُولَى دَمُ الْقِرَانِ؛ لِلشُّكْرِ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِيَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ. وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ شُكْرٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَكْثَرُ إسَاءَةً مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ هَذَا الطَّوَافَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ رُكْنًا وَلَا وَاجِبًا أَمْكَنَهُ بِنَاءُ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَا مُوجِبَ لِلدَّمِ جَبْرًا، وَلَا نُسَلِّمُ بِنَاءَهُ مِنْ وَجْهٍ بِسَبَبِ تَقْدِيمِ بَعْضِ السُّنَنِ، وَلَوْ سُلِّمَ مَنَعْنَا كَوْنَ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْوَجْهِ الِاعْتِبَارِيِّ يُوجِبُ الْجِنَايَةَ الْمُوجِبَةَ لِلدَّمِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَصْلًا وَلَا مِنْ سُنَنِ نَفْسِ عِبَادَةِ الْحَجِّ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ؛ لِقُدُومِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَرَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ؛ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَلِذَا سَقَطَ بِطَوَافٍ آخَرَ مِنْ مَشْرُوعَاتِ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ مَكَّةَ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ سَقَطَ اسْتِنَانُهُ بِفِعْلِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ؛ لِإِغْنَاءِ

أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا عَلَى مَا نَذْكُرُ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ رَفْضُهَا، فَإِنْ رَفَضَهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِرَفْضِهَا (وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا) لِمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ فَيَجِبُ تَخْلِيصُ الْوَقْتِ لَهُ تَعْظِيمًا (وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا) إمَّا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي الْأَعْمَالِ الْبَاقِيَةِ، قَالُوا: وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ أَيْضًا. وَقِيلَ إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ النَّهْيِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQطَوَافِ الْعُمْرَةِ عَنْهُ، كَمَا تَسْقُطُ الرَّكْعَتَانِ بِإِقَامَةِ الْفَرِيضَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ؛ لِحُصُولِ التَّحِيَّةِ تَعْظِيمًا فِي ضِمْنِ الْفَرْضِ، وَلَوْ كَانَ مُعْتَبِرًا سُنَّةِ نَفْسِ الْعِبَادَةِ تَابِعًا لَهَا لَمْ يَسْقُطْ بِحَالٍ كَمَا لَمْ تَسْقُطْ سُنَّةُ الظُّهْرِ بِفِعْلِ الْفَرْضِ فَكَانَ أَظْهَرَ فِي الدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ تَقَدُّمُهُ مُوجِبًا بِنَاءِ الْعُمْرَةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَيْضًا، وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي تَوْجِيهِ سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَا يُسَنُّ لِلْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إذَا دَخَلَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فِي ضِمْنِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرْت فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ فَلَا تَعَارُضَ بِمَا ذَكَرْت مِنْ الْمَعْنَى. قُلْنَا فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ سُقُوطِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ دَلَالَةَ الْآثَارِ عَلَى اسْتِنَانِ طَوَافَيْنِ؛ لِلْقَارِنِ لَا يَلْزَمُهُ كَوْنُ أَحَدِهِمَا

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا (فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُهَا) ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى مَا يَأْتِيك فِي بَابِ الْفَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَهَا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَهَا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَدَمٌ لِرَفْضِهَا بِالتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْقُدُومِ، فَادِّعَاءُ أَنَّهُ طَوَافُ الْقُدُومِ ادِّعَاءُ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَاعْتِقَادِي أَنَّ اسْتِنَانَهُ؛ لِإِيقَاعِ سَعْيِ الْحَجِّ، فَإِنَّ السَّعْيَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُرَتَّبًا عَلَى طَوَافٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ رُخِّصَ فِي تَقْدِيمِ السَّعْيِ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ الثَّابِتُ فِي الْآثَارِ بَيَانَ طَرِيقِ تَقْدِيمِ سَعْيِ الْحَجِّ لِلْقَارِنِ. وَعَنْ هَذَا قُلْنَا فِي الْمُتَمَتِّعِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا يَتَنَفَّلُ بِهِ ثُمَّ يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِلْحَجِّ، وَلَيْسَ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ. نَعَمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَارِنَ لَوْ لَمْ يُرِدْ تَقْدِيمَ السَّعْيِ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافٌ آخَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْتِزَامِهِ حَالٌ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِنَانِ طَوَافَيْنِ مُطْلَقًا: أَعْنِي غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِقَصْدِ تَقْدِيمِ السَّعْيِ كَوْنُ تَقْدِيمِ السَّعْيِ سُنَّةً لِلْقَارِنِ وَلَا ضَرَرَ فِي الْتِزَامِهِ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَشَايِخُنَا عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى وُجُوبِ الرَّفْضِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ.

[باب الإحصار]

بَابُ الْإِحْصَارِ (وَإِذَا أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِعَدُوٍّ أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ فَمَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ الْإِحْصَارُ إلَّا بِالْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ؛ لِتَحْصِيلِ النَّجَاةِ وَبِالْإِحْلَالِ يَنْجُو مِنْ الْعَدُوِّ لَا مِنْ الْمَرَضِ. وَلَنَا أَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ وَرَدَتْ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ وَالْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْإِحْصَارِ] ِ) هُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ وَكَذَا الْفَوَاتُ فَأَخَّرَهُمَا. ثُمَّ إنَّ الْإِحْصَارَ وَقَعَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدَّمَ بَيَانَهُ عَلَى الْفَوَاتِ. وَالْإِحْصَارُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَنَا بِالْعَدُوِّ وَغَيْرِهِ كَالْمَرَضِ وَهَلَاكِ النَّفَقَةِ وَمَوْتِ مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ أَوْ زَوْجِهَا فِي الطَّرِيقِ، وَفِي التَّجْنِيسِ فِي سَرِقَةِ النَّفَقَةِ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ، وَإِلَّا فَمُحْصَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ، وَلَوْ أَحْرَمَتْ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا مَحْرَمَ فَهِيَ مُحْصَرَةٌ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالدَّمِ؛ لِأَنَّهَا مُنِعَتْ شَرْعًا آكَدُ مِنْ الْمَنْعِ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا إحْصَارَ إلَّا بِالْعَدُوِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّحَلُّلَ شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ؛ لِتَحْصِيلِ النَّجَاةِ) مِنْ السَّبَبِ الْمَانِعِ (وَبِالْإِحْلَالِ يَنْجُو مِنْ الْعَدُوِّ لَا الْمَرَضِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا بِبَادِئِ النَّظَرِ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْت إنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا؛ لِلنَّجَاةِ مِنْ السَّبَبِ مَنَعْنَا الْحَصْرَ، وَإِنْ أَرَدْت أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ شَرْعِيَّتِهِ لَمْ يُفِدْ نَفْيُ شَرْعِيَّتِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَلِذَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْوَجْهَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ، هَكَذَا الْآيَةُ وَرَدَتْ؛ لِبَيَانِ حُكْمِ إحْصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَكَانَ بِالْعَدُوِّ، وَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [البقرة: 196] إلَى آخِرِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ شَرْعِيَّةَ الْإِحْلَالِ فِي الْعَدُوِّ كَانَ؛ لِتَحْصِيلِ الْأَمْنِ مِنْهُ، وَبِالْإِحْلَالِ لَا يَنْجُو مِنْ الْمَرَضِ وَلَا يَكُونُ الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ فِي مَعْنَاهُ، فَلَا يَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْعَدُوِّ وَارِدًا فِي الْمَرَضِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ التَّحَلُّلِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. (وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ وَالْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ) أَفَادَ هَذَا أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ

وَالتَّحَلُّلُ قَبْلَ أَوَانِهِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ الْآتِي مِنْ قِبَلِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ، وَالْحَرَجُ فِي الِاصْطِبَارِ عَلَيْهِ مَعَ الْمَرَضِ أَعْظَمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَتْ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ لَفْظِ الْإِحْصَارِ الْمَنْعُ الْكَائِنُ بِالْمَرَضِ وَالْآيَةُ وَرَدَتْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَيَلْزَمُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا ذَلِكَ إلَّا بِنَافٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ نُقِلَ عَنْ الْفَرَّاءِ وَالْكِسَائِيِّ وَالْأَخْفَشِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَالْقُتَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ. ثُمَّ الْمُقَابَلَةُ فِي نَقْلِهِ قَوْلُهُمْ الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ وَالْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِحْصَارَ خَاصٌّ بِالْمَرَضِ وَالْحَصْرَ خَاصٌّ بِالْعَدُوِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ كَوْنُ الْمَنْعِ بِالْمَرَضِ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْإِحْصَارِ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَرَدَ عَلَيْهِ كَوْنُ الْآيَةِ؛ لِبَيَانِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الَّتِي وَقَعَتْ؛ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَاحْتَاجَ إلَى جَوَابِ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ. وَحَاصِلُهُ كَوْنُ النَّصِّ الْوَارِدِ؛ لِبَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ قَدْ يَنْتَظِمُهَا لَفْظًا وَقَدْ يَنْتَظِمُ غَيْرَهَا مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ حُكْمُهَا دَلَالَةً، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَذَلِكَ إذْ يُعْلَمُ مِنْهَا حُكْمُ مَنْعِ الْعَدُوِّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْعَدُوِّ حِسِّيٌّ لَا يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ، بِخِلَافِهِ فِي الْمَرَضِ إذْ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِالْمَحْمَلِ وَالْمَرْكَبِ وَالْخَدَمِ، فَإِذَا جَازَ التَّحَلُّلُ مَعَ هَذَا فَمَعَ ذَلِكَ أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْوَجْهِ الْمَعْقُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ؛ لِدَفْعِ الْحَرَجِ الْآتِي مِنْ قِبَلِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ مَعَ الْمَرَضِ أَعْظَمُ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ حُكْمَ التَّحَلُّلِ مَعَ الْمَرَضِ أَوْلَى مِنْهُ مَعَ الْعَدُوِّ فَلَا يَكُونُ النَّصُّ عَلَيْهِ مَعَ الْمَرَضِ يُفِيدُهُ مَعَ الْعَدُوِّ بِطَرِيقِ الدَّلَالَة، وَلَا تَنْدَفِعُ الْمُنَافَاةُ بِقَوْلِنَا: إنَّ هَذَا مَذْكُورٌ بِطَرِيقِ التَّنَزُّلِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: أَيْ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ فَيَثْبُتُ فِي الْمَرَضِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ مُدَّعًى حَقِيقَتُهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ يَلْزَمُ مَا ذَكَرْنَا. وَالْأَوْلَى إرَادَةُ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] وَالْمُرَادُ مَنَعَهُمْ الِاشْتِغَالُ بِالْجِهَادِ وَهُوَ أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى الْعَدُوِّ، أَوْ الْمُرَادُ أَهْلُ الصُّفَّةِ مَنَعَهُمْ تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ أَوْ شِدَّةُ الْحَاجَةِ وَالْجُهْدُ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ لِلتَّكَسُّبِ. وَقَالَ ابْنُ مَيَّادَةَ: وَمَا هَجْرُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ تَبَاعَدَتْ ... عَلَيْك وَلَا أَنْ أَحْصَرَتْك شُغُولٌ وَلَيْسَ هُوَ بِالْمَرَضِ. وَفِي الْكَشَّافِ يُقَالُ: أُحْصِرَ فُلَانٌ إذَا مَنَعَهُ أَمْرٌ مِنْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَجْزٍ، وَحُصِرَ إذَا حَبَسَهُ عَدُوٌّ عَنْ الْمُضِيِّ أَوْ سِجْنٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُحْبَسِ الْحَصِيرُ وَلِلْمَلِكِ الْحَصِيرُ، هَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ فِي كَلَامِهِمْ اهـ. وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ يُقَالُ: أَحَصَرَهُ الْمَرَضُ أَوْ السُّلْطَانُ إذَا مَنَعَهُ مِنْ مَقْصِدِهِ فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَحَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ فَهُوَ مَحْصُورٌ، وَالْمُعَارَضَةُ مَعَ ذَلِكَ بَيْنَ جَوَابِ الشَّيْخَيْنِ قَائِمَةٌ. وَالْأَقْرَبُ حِينَئِذٍ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ الْآيَةِ تَنْتَظِمُ الْحَادِثَةَ لَفْظًا وَلَوْ بِعُمُومِهَا، وَعَلَى التَّقْدِيرِ انْتَفَى نَفْيُ الشَّافِعِيِّ إلْحَاقَ الْمَرَضِ بِالْعَدُوِّ وَقَصْرَ إفَادَةِ الْآيَةِ عَلَى شَرْعِيَّتِهِ

وَإِذَا جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ (يُقَالُ لَهُ ابْعَثْ شَاةً تُذْبَحُ فِي الْحَرَمِ وَوَاعِدْ مَنْ تَبْعَثُهُ بِيَوْمٍ بِعَيْنِهِ يَذْبَحُ فِيهِ ثُمَّ تَحَلَّلَ) وَإِنَّمَا يَبْعَثُ إلَى الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ قُرْبَةٌ، وَالْإِرَاقَةُ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان عَلَى مَا مَرَّ فَلَا يَقَعُ قُرْبَةً دُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلنَّجَاةِ مِنْ الْعَدُوِّ ثُمَّ وَجَدْنَاهُ وَاقِعًا فِي الْحَدِيثِ. رَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَا: صَدَقَ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ: حَدَّثَنَا فَهْدٌ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ شَدَّادٍ الْعَبْدِيُّ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا وَهُوَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ فَذَكَرْنَاهُ لِابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَيُوَاعِدُ أَصْحَابَهُ مَوْعِدًا، فَإِذَا نُحِرَ عَنْهُ حَلَّ. وَبِهِ إلَى جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَذَانِ يُفِيدَانِ شَرْعِيَّتَهُ؛ لِدَفْعِ أَذَى امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْحَابِسِ عَنْ الْأَعْمَالِ. وَقَدْ يُقَالُ: حَدِيثُ " مَنْ كُسِرَ " غَيْرُ مُصَرِّحٍ بِجَوَازِ الْإِحْلَالِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ بِذَلِكَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَإِذَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِلْحَابِسِ مُطْلَقًا اُسْتُفِيدَ جَوَازُهُ؛ لِمَنْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ لَا إنْ قَدَرَ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَجِبَ الْمَشْيُ فِي الِابْتِدَاءِ وَيَلْزَمُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، كَالْفَقِيرِ إذَا شَرَعَ فِي الْحَجِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا مَاتَ مَحْرَمُهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ زَوْجُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ إقَامَةٍ وَلَا قَرِيبَ مِنْهُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الَّذِي ضَلَّ الطَّرِيقَ فَهُوَ مُحْصَرٌ إلَّا أَنَّهُ يَزُولُ إحْصَارُهُ بِوُجُودِ مَنْ يَبْعَثُ مَعَهُ هَدْيَ التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ بِهِ يَذْهَبُ الْمَانِعُ إذْ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ، فَهُوَ كَالْمُحْصَرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْهَدْيِ فَيَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَحُجَّ إنْ زَالَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ أَوْ يَتَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إذَا اسْتَمَرَّ الْإِحْصَارُ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ. هَذَا إذَا ضَلَّ فِي الْحِلِّ، أَمَّا إنْ ضَلَّ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ الْإِحْصَارَ فِي الْحَرَمِ إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ إنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ وَيَحِلُّ، كَذَا ذُكِرَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِ مَنْعِ الْإِحْصَارِ فِي الْحَرَمِ تَخْصِيصُهُ بِالْعَدُوِّ أَمَّا إنْ أُحْصِرَ فِيهِ بِغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ تَحَقُّقُهُ عَلَى قَوْلٍ لِلْكُلِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (قَوْلُهُ: وَوَاعَدَ) الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ الْإِحْصَارِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّهُمَا عَيَّنَا يَوْمَ النَّحْرِ وَقْتًا لَهُ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَحَلَّلَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ ظَنَّ الْمُحْصَرُ أَنَّ الْهَدْيَ قَدْ ذُبِحَ فِي يَوْمِ الْمُوَاعَدَةِ فَفَعَلَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُ الذَّبْحِ إذْ ذَاكَ كَانَ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ، وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ فِي الْحِلِّ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ

فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَإِنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَوَقَّتُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً وَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُ التَّخْفِيفَ. قُلْنَا: الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَبَحَ فِي الْحَرَمِ وَمَا أَكَلَ مِنْهُ الَّذِي مَعَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ الْمُحْصَرِ إنْ كَانَ غَنِيًّا. (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ) مَرْجِعُ الضَّمِيرِ التَّوَقُّتُ بِالْحَرَمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ يَذْبَحُ فِي الْحَرَمِ مَعَ قَوْلِهِ وَالْإِرَاقَةُ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان، وَالْآيَةُ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] إمَّا فِي الْإِحْصَارِ بِخُصُوصِهِ أَوْ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، أَوْ هُوَ مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فَيَتَنَاوَلُ مَنْعَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْأَعْمَالِ فِي الْإِحْصَارِ وَبَعْدَهَا فِي غَيْرِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَبَيَّنَ مَحِلَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَعَنْهَا قُلْنَا: إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْصَرُ الْهَدْيَ يَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَجِدَهُ فَيَتَحَلَّلَ بِهِ أَوْ يَتَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَجِدْهُ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ وَلَا إلَى الْهَدْيِ بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ. وَلَوْ سُرِقَ الْهَدْيُ بَعْدَ ذَبْحِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُسْرَقْ تَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الذَّابِحُ ضَمِنَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ إنْ كَانَ غَنِيًّا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ الْمُحْصَرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُحْصَرِ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا قَوَّمَ الْهَدْيَ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ أَوْ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا فَيَتَحَلَّلُ بِهِ، رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ. قَالَ فِي الْأَمَالِي: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ. قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ يُخَالِفُ النَّصَّ فِي عَيْنِ الْمَقِيسِ فَلَا يُقْبَلُ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: إنْ لَمْ يَجِدْ بَقِيَ مُحْرِمًا. وَقِيلَ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ، وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ بِإِزَاءِ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. وَمَنْ أُحْصِرَ فَوَصَلَ إلَى مَكَّةَ لَمْ يَبْقَ مُحْصَرًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَعْمَالِ صَبَرَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ وَيَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ. وَكَذَا قِيلَ: لَوْ قَدِمَ قَارِنٌ فَطَافَ وَسَعَى؛ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَأُحْصِرَ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَيَحِلُّ بِهِ وَيَقْضِي حَجَّةً وَعُمْرَةً لِحَجَّتِهِ وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ لِعُمْرَتِهِ مَعَ أَنَّهُ طَافَ، وَسَعَى لِحَجَّتِهِ، وَلَا يَحِلُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْفَوَاتِ. وَلَوْ أُحْصِرَ عَبْدٌ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ بَعَثَ الْمَوْلَى الْهَدْيَ نَدْبًا، وَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي وُجُوبِ بَعْثِ الْمَوْلَى وَعَدَمِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمُرَاعَى أَصْلُ التَّخْفِيفِ لَا نِهَايَتُهُ) لَمْ يُذْكَرْ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اعْتَبَرَ نِهَايَةَ التَّخْفِيفِ، لَكِنْ دَعْوَاهُ الْقَائِلَةُ أَنَّ التَّوْقِيتَ يُبْطِلُ التَّخْفِيفَ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْت إنَّ الْمُرَاعَى نِهَايَةُ التَّخْفِيفِ مَنَعْنَاهُ أَوْ أَصْلُهُ، فَبِالتَّوْقِيتِ لَا يَنْتَفِي أَصْلُ التَّخْفِيفِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِتَيَسُّرِ مَنْ يُرْسِلُ مَعَهُ الْهَدْيَ عَادَةً مِنْ الْمُسَافِرِينَ. وَأَمَّا الِاسْتِيضَاحُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَاعَى أَصْلَ التَّخْفِيفِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يَبْقَى مُحْرِمًا أَبَدًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِهِ، بَلْ إذَا لَمْ يَجِدْهُ عِنْدَهُ قُوِّمَتْ شَاةٌ وَسَطٌ فَيَصُومُ

وَتَجُوزُ الشَّاةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَالشَّاةُ أَدْنَاهُ، وَتُجْزِيهِ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ أَوْ سُبْعُهُمَا كَمَا فِي الضَّحَايَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْثَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَعَذَّرُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِالْقِيمَةِ حَتَّى تُشْتَرَى الشَّاةُ هُنَالِكَ وَتُذْبَحَ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَحَلَّلَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ مُحْصَرًا بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِذَلِكَ» . وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ إنَّمَا عُرِفَ قُرْبَةً مُرَتَّبًا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ نُسُكًا قَبْلَهَا وَفَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِيُعَرِّفَ اسْتِحْكَامَ عَزِيمَتِهِمْ عَلَى الِانْصِرَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمًا، وَفِي قَوْلٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْعَجْزِ عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ عِنْدَهُ، وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّرْدِيدُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ: إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ) ، وَإِلَّا قَالَ ثُمَّ احْلِقْ وَنَحْوَهُ، فَلَمَّا عَدَلَ إلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ اسْتَفَدْنَا عَدَمَ تَعَيُّنِ الْحَلْقِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَطْلَقَهُ عَنْهُمَا، وَفِي الْكَافِي: إنَّمَا لَا يَحْلِقُ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ، أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَيَحْلِقُ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُوَقَّتٌ بِالْحَرَمِ عِنْدَهُمَا، فَعَلَى هَذَا كَانَ حَلْقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِمَا لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ حَلْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْحَرَمِ بَلْ إنَّ حَلْقَهُ كَانَ لَيُعَرَّفُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَوْ بِتَخْفِيفِهَا مَبْنِيًّا؛ لِلْمَفْعُولِ اسْتِحْكَامُ عَزِيمَتِهِمْ عَلَى الِانْصِرَافِ أَيْ؛ لِيُعَرِّفَ الْمُشْرِكِينَ ذَلِكَ فَلَا يَشْتَغِلُوا بِأَمْرِ الْحَرْبِ

(وَإِنْ كَانَ قَارِنًا بَعَثَ بِدَمَيْنِ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامَيْنِ، فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ الْإِحْصَارِ إلَّا فِي الْحَرَمِ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِلْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ مَتَى شَاءَ) اعْتِبَارًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَرُبَّمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِالْحَلْقِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَلَّلٌ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ ظَاهِرًا فِي اعْتِقَادِهِ إطْلَاقَ الْوُجُوبِ فَلَا يَجِبُ عِنْدَهُمَا الْحَلْقُ سَوَاءٌ أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ لَيْسَ غَيْرُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلَا أُحِلُّ حَتَّى أُحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» فِي الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ إلَخْ) أَمَّا اعْتِبَارُهُمَا إيَّاهُ بِالْحَلْقِ فَبِجَامِعِ أَنَّهُ مُحَلَّلٌ وَهُوَ إلْزَامِيٌّ، فَإِنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِتَوَقُّتِ الْحَلْقِ فِي الْحَرَمِ بَلْ مِنْ حَيْثُ السُّنِّيَّةُ، وَالْمُلْحَقُ هُنَا عِنْدَهُمَا اللُّزُومُ، وَالْإِلْزَامِيُّ لَا يُفِيدُ فِي الْمَطْلُوبِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ الْخَصْمُ بِالْخَطَأِ فِي أَحَدِهِمَا فَقَالَ أَعْتَرِفُ بِالْخَطَإِ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عَدَمِ تَوْقِيتِ الذَّبْحِ بِالزَّمَانِ أَوْ تَوْقِيتِ الْحَلْقِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ خَطَؤُهُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ عَيْنًا. وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمَا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَبِجَامِعِ أَنَّهُ هَدْيٌ تَتَعَلَّقُ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِنَفْسِ الْإِرَاقَةِ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ فِي قِيَاسِهِمَا إنَّمَا هُوَ أَثَرُهُ فِي تَوَقُّتِهِ بِالْمَكَانِ بِسَبَبِ أَنَّهُ اسْمٌ إضَافِيٌّ، إذْ مَعْنَاهُ مَا يُهْدَى إلَى مَكَان وَذَلِكَ الْمَكَانُ هُوَ الْحَرَمُ بِالِاتِّفَاقِ وَالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَتَوَقُّتُهُ بِالزَّمَانِ لَيْسَ مَعْلُولًا؛ لِكَوْنِهِ هَدْيًا، بَلْ اتَّفَقَ مَعَهُ اتِّفَاقًا حُكْمًا شَرْعِيًّا

- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ كَسَائِرِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ، بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَبِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ يَنْتَهِي بِهِ. قَالَ: (وَالْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ الْحَجَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُهُ فِيهِ فَكَانَ وَصْفًا طَرْدِيًّا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ، بِخِلَافِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي سَتْرِ الْجِنَايَةِ، وَهَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ التَّأْثِيمَ فِي مُبَاشَرَةِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ يَرْفَعُهُ، وَمَعْنَى سَتْرِ الْجِنَايَةِ مُؤَثِّرٌ فِي عَدَمِ التَّأْخِيرِ مَا أَمْكَنَ، وَلَازِمُهُ جَوَازُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] مُطْلَقٌ فَلَا يُنْسَخُ إطْلَاقُهُ بِمَا ذَكَرَاهُ لَوْ صَحَّ. (قَوْلُهُ: هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ) وَذَكَرَهُ الرَّازِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَهُ مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ. وَقَدْ يُوْرَدُ عَلَيْهِ أَنَّ وُجُوبَ الْعُمْرَةِ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ؛ لِلتَّحَلُّلِ بِهَا، وَالْمُحْصَرُ يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ فَلَا تَجِبُ الْعُمْرَةُ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْهَدْيَ؛ لِتَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ قَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّهُ مَتَى صَحَّ الشُّرُوعُ فِي الْإِحْرَامِ انْعَقَدَ لَازِمًا وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ: أَيْ أَفْعَالِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، حَتَّى أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحَجِّ لَمْ يُسَوَّغْ خُرُوجُهُ إلَّا بِأَفْعَالٍ هِيَ أَفْعَالُ عُمْرَةٍ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَنْوِي الْفَرْضَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ أَدَّاهُ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ مَظْنُونُ الْوُجُوبِ. ، وَإِذَا أَفْسَدَهُ وَجَبَ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَإِذَا صَحَّ شُرُوعُ الْمُحْصَرِ لَا يَتَحَلَّلُ بِمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَا إلَّا بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ، كَفَائِتٍ؛ لِلْحَجِّ فَإِنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِوُجُوبِ قَضَائِهَا رَدًّا إلَى مَا عُهِدَ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّ الدَّمَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِتَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ قَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي بَقَاءَ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَعَنْ هَذَا

يَجِبُ قَضَاؤُهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَالْعُمْرَةُ لِمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ) وَالْإِحْصَارُ عَنْهَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّتُ. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا عُمَّارًا؛ وَلِأَنَّ شَرْعَ التَّحَلُّلِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْإِحْصَارُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا تَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَجِّ. (وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا: لَوْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى تَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْفَوَاتِ تَحَلَّلَ بِالْأَفْعَالِ بِلَا دَمٍ وَلَا عُمْرَةٍ فِي الْقَضَاءِ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمُحْصَرِ هُوَ فِيمَا إذَا قَضَاهَا مِنْ قَابِلٍ، فَلَوْ قَضَى الْحَجَّةَ مِنْ عَامِهِ لَا تَجِبُ مَعَهَا عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَفَائِتِ الْحَجِّ كَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ إذَا قَضَاهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ، ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ مَا إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَمَنَعَهَا زَوْجُهَا وَحَلَّلَهَا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بِالْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَتْ مِنْ عَامِهَا أَوْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ، وَإِذَا قَضَاهُمَا مِنْ قَابِلٍ إنْ شَاءَ قَرَنَ بِهِمَا، وَإِنْ شَاءَ أَفْرَدَهُمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ بِحَجِّ نَفْلٍ، أَمَّا إذَا كَانَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يُؤَدِّهَا فَيَنْوِي حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ قَابِلٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَتَوَّقَتْ) فَلَا يَتَحَقَّقُ خَوْفُ الْفَوَاتِ. قُلْنَا خَوْفُ الْفَوَاتِ لَيْسَ هُوَ الْمُبِيحُ؛ لِلتَّحَلُّلِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ لَا يَفُوتُ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا أُبِيحَ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ضَرَرِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ مَعَ ظُهُورِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ. وَمِنْ فُرُوعِ الْإِحْصَارِ بِالْعُمْرَةِ: رَجُلٌ أَهَلَّ بِنُسُكٍ مُبْهَمٍ فَأُحْصِرَ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ وَيَقْضِيَ عُمْرَةً اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ حَجَّةً وَعُمْرَةً؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ إنْ كَانَ لِلْحَجِّ لَزِمَاهُ فَكَانَ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ لَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ الْمُتَيَقَّنَ وَهُوَ الْعُمْرَةُ فَتَصِيرُ هِيَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ هَذَا الْإِحْرَامِ بِأَدَاءِ عُمْرَةٍ فَكَذَا بَعْدَهُ. وَعَنْ هَذَا أَيْضًا قُلْنَا: لَوْ جَامَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ لَزِمَهُ دَمُ الْجِمَاعِ وَالْمُضِيُّ فِي أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَيَّنَ نُسُكًا فَنَسِيَهُ ثُمَّ أُحْصِرَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَيَقَّنَّا عَدَمَ نِيَّةِ الْحَجِّ وَهُنَا جَازَ كَوْنُ الْمَنْوِيِّ كَانَ الْحَجَّ فَيَحِلُّ بِهَدْيٍ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ لِهَذَا الِاحْتِيَاطِ. وَلَوْ أَحْرَمَ بِشَيْئَيْنِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ فَأُحْصِرَ بَعَثَ بِهَدْيَيْنِ وَيَقْضِي حَجَّةً وَعُمْرَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذِهِ. . (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) يَقْضِيهِمَا بِقِرَانٍ أَوْ إفْرَادٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْضِ

أَمَّا الْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُ مُخْرَجٌ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا. (فَإِنْ بَعَثَ الْقَارِنُ هَدْيًا وَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوهُ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ، فَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ الْحَجَّ وَالْهَدْيَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ بَلْ يَصْبِرَ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِنَحْرِ الْهَدْيِ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّوَجُّهِ وَهُوَ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي سَنَةِ الْإِحْصَارِ، وَأَمَّا إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالذَّبْحِ وَالْوَقْتُ يَسَعُ لِتَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ وَالْأَدَاءِ فَفَعَلَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ عُمْرَةُ الْقِرَانِ عَلَى مَا هُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَعَثَ الْقَارِنُ هَدْيًا) الصَّوَابُ الْمُحْصَرُ مَكَانَ الْقَارِنِ، وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ فِي النُّسَخِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْقَارِنَ فَالْحَاجَةُ إلَى بَيَانِهِ مُطْلَقًا لَا عَلَى خُصُوصِ الْقَارِنِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْقَارِنَ إنَّمَا يَبْعَثُ بِدَمَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكْ إلَخْ) حَاصِلُ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ الْبَعْثِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْهَدْيَ وَالْحَجَّ أَوْ لَا يُدْرِكُهُمَا، أَوْ يُدْرِكُ الْحَجَّ فَقَطْ أَوْ الْهَدْيَ فَقَطْ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ أَحْكَامَ الْأَقْسَامِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَوَجَّهَ؛ لِيَحِلَّ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَهُ ذَلِكَ) وَلَهُ فِي هَذَا فَائِدَةٌ هِيَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ فِي الْقَضَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا. قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا عَلَى

(وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الْحَجَّ وَالْهَدْيَ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ) لِزَوَالِ الْعَجْزِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ، وَإِذَا أَدْرَكَ هَدْيَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِمَقْصُودٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الْهَدْيَ دُونَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ) لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَصْلِ (وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الْحَجَّ دُونَ الْهَدْيِ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ يُدْرِكُ الْحَجَّ يُدْرِكُ الْهَدْيَ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ يَسْتَقِيمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِعَدَمِ تَوَقُّتِ الدَّمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ. وَجْهُ الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَجُّ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَهُوَ الْهَدْيُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ التَّوَجُّهُ لَضَاعَ مَالُهُ؛ لِأَنَّ الْمَبْعُوثَ عَلَى يَدَيْهِ الْهَدْيُ يَذْبَحُهُ وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ، وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، وَلَهُ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهِ الَّذِي تَلْزَمُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ إذْ بِفَوَاتِ الْحَجِّ يَفُوتُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ؛ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْخَلَفُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ فَكَذَا عَلَى مَالِهِ) فَإِنَّا رَأَيْنَا الشَّرْعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْمَالَ كَالنَّفْسِ حَتَّى أَبَاحَ الْقِتَالَ دُونَهُ وَالْقَتْلُ كَالنَّفْسِ. وَفِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ صَارَ كَأَنَّ الْإِحْصَارَ زَالَ عَنْهُ بِالذَّبْحِ فَيَحِلُّ بِهِ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ قَدْ مَضَى؛ لِسَبِيلِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَبْعُوثِ مَعَهُ بِالذَّبْحِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الذَّهَابِ بَعْدَمَا ذُبِحَ عَنْهُ. اهـ.

إنْ شَاءَ صَبَرَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِيُذْبَحَ عَنْهُ فَيَتَحَلَّلُ، وَإِنْ شَاءَ تَوَجَّهَ لِيُؤَدِّيَ النُّسُكَ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْإِحْرَامِ وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَ (وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ أُحْصِرَ لَا يَكُونُ مُحْصَرًا) لِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ. (وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَكَّةَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ فَهُوَ مُحْصَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَصَارَ كَمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ) أَمَّا عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْوُقُوفِ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُثْلِجُ الْخَاطِرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْإِيفَاءَ بِمَا الْتَزَمَهُ كَمَا الْتَزَمَهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أُحْصِرَ) بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (لَا يَكُونُ مُحْصَرًا؛ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الْفَوَاتِ) بِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْأَمْنَ مِنْ الْفَوَاتِ مُتَحَقِّقٌ فِيهَا مَعَ تَحَقُّقِ الْإِحْصَارِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْفِعْلُ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَهُ فَسَادٌ وَلَا فَوَاتٌ، وَسَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الطَّوَافُ فِي أَيِّ وَقْتٍ اتَّفَقَ مِنْ عُمَرِهِ، بِخِلَافِ مَعْنَى عَدَمِ الْفَوَاتِ فِي الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ مَعْنَى الْإِحْصَارِ عَنْ الْحَجِّ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمَنْعُ عَنْ أَفْعَالِهِ، وَهَذَا قَدْ فَعَلَ مَا لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ فَلَمْ يَلْزَمْ امْتِدَادُ الْإِحْرَامِ الْمُوجِبِ لِلْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْإِحْلَالِ بِالْحَلْقِ يَوْمَ النَّحْرِ عَنْ كُلِّ مَحْظُورٍ سِوَى النِّسَاءِ، ثُمَّ إنْ حَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعُذْرُ الْمُجَوِّزُ لِلْإِحْلَالِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ عَلَى سُنَنِ الْمَشْرُوعِ الْأَصْلِيِّ، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى الْمَنْعُ فِي يَسِيرٍ وَهُوَ النِّسَاءُ فَيَزُولُ بِالطَّوَافِ، وَلَا يَعْجِزُ الْمُحْصَرُ عَنْ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ يَجِدُ بِهَا فُرْصَةَ قَدْرِ الطَّوَافِ مُخْتَفِيًا فِي زَمَانٍ قَدْرَ شَهْرٍ، وَالْمَنْعُ مِنْ النِّسَاءِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَسْتَلْزِمُ حَرَجًا يُبِيحُ الْإِحْلَالَ مُطْلَقًا بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْأَصْلِيِّ: أَعْنِي الْحَلْقَ، بِخِلَافِ الْإِحْصَارِ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِهَا، هَذَا، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ مُجَرَّدِ الْوُقُوفِ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِوُقُوفِ الْمُزْدَلِفَةِ وَدَمُ الرَّمْيِ وَدَمَانِ؛ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ الْمَكَانِ وَتَأْخِيرِ الطَّوَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَخَّرَهُمَا وَدَمٌ آخَرُ إنْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ. وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ فِي مَكَانِهِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَانِهِ، وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الزَّمَانِ أَهْوَنُ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ. وَقِيلَ لَهُ، إذْ رُبَّمَا لَوْ أَخَّرَهُ؛ لِيَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ يَمْتَدُّ الْإِحْصَارُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ فِي الْحِلِّ فَيَفُوتُ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ) وَهُوَ مَا ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ

[باب الفوات]

تَعَالَى وَالصَّحِيحُ مَا أَعْلَمْتُك مِنْ التَّفْصِيلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الْفَوَاتِ (وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ يَمْتَدُّ إلَيْهِ (وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَتَحَلَّلَ وَيَقْضِيَ الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَالْعُمْرَةُ لَيْسَتْ إلَّا الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْمُحْرِمِ يُحْصَرُ بِالْحَرَمِ فَقَالَ: لَا يَكُونُ مُحْصَرًا، فَقُلْت: أَلَيْسَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ؟ فَقَالَ: إنَّ مَكَّةَ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ دَارَ الْحَرْبِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْصَارُ فِيهَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: إذَا غَلَبَ الْعَدُوُّ عَلَى مَكَّةَ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَهُوَ مُحْصَرٌ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ قَوْلُ الْكُلِّ. وَفِيهِ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ مِنْ الْحَرَمِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّهَا مِنْ الْحِلِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ بَعْضَهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إذَا لَاحَظْتَ تَعْلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِمُلَاحَظَتِهِ أَيْضًا يَتَّضِحُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَمْلِ مَنْعِهِ الْإِحْصَارَ بِالْحَرَمِ عَلَى مَا بِالْعُذْرِ، إذْ لَا يَخْفَى إمْكَانُ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الذَّهَابِ إلَى مَكَّةَ بِشِدَّةِ الْمَرَضِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِضْرَارِ بِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْمَرَضِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَقْسِيمٌ] الْمُتَحَلِّلُ قَبْلَ أَعْمَالِ مَا أَحْرَمَ بِهِ إمَّا مُحْصَرٌ أَوْ فَائِتُ الْحَجِّ أَوْ غَيْرُهُمَا، وَتَحَلَّلَ الْأَوَّلُ فِي الْحَالِ بِالدَّمِ وَالثَّانِي بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَالثَّالِثِ بِلَا شَيْءٍ يَتَقَدَّمُهُ وَهُوَ كُلُّ مَنْ مُنِعَ مِنْ الْمُضِيِّ شَرْعًا؛ لِحَقِّ الْعَبْدِ، كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ الْمَمْنُوعَيْنِ؛ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى إذَا أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنٍ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ وَالْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَاهُمَا فِي الْحَالِ بِلَا شَيْءٍ؛ ثُمَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْعَثَ بِهَدْيٍ يُذْبَحُ عَنْهَا فِي الْحَرَمِ، وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَعَلَيْهِمَا مَعًا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ. [بَابُ الْفَوَاتِ] (بَابُ الْفَوَاتِ) . (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلِيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» )

وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَمَا انْعَقَدَ صَحِيحًا لَا طَرِيقَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ، وَهَاهُنَا عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ فَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ وَقَعَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ فِي حَقِّ فَائِتِ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. (وَالْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يُكْرَهُ فِيهَا فِعْلُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي سَنَدِهِ رَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَضَعَّفَهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ عِيسَى النَّهْشَلِيُّ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ خُصُوصِ هَذَا الْمَتْنِ الِاسْتِدْلَال عَلَى نَفْيِ لُزُومِ الدَّمِ، فَإِنَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُعْلَمُ فِيهَا خِلَافٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْفَوَاتِ، وَكَانَ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ مَا لَهُ مِنْ الْحُكْمِ، وَإِلَّا نَافَى الْحِكْمَةَ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَذْكُورِ لُزُومُ الدَّمِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ لَذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ يُلَبِّي فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الطَّوَافِ، فَإِذَا شَرَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ تَعَيَّنَتْ الْعُمْرَةُ وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا وَلَزِمَهُ حُكْمُ الرَّفْضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ شَيْئًا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ مَا انْعَقَدَ صَحِيحًا اللَّازِمُ لِيَخْرُجَ بِهِ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ بِغَيْرِ إذْنٍ لَا مُقَابِلَ مَا فَسَدَ. (قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: عَلَيْهِ الدَّمُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَلَنَا فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ آنِفًا، وَهُوَ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَى؛ لِلنَّهْشَلِيِّ، وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ؛ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ حِينَ فَاتَهُ الْحَجُّ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت، فَإِذَا أَدْرَكَك الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ؛ لِهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَمَنْ مَعَهُ حِينَ فَاتَهُمْ الْحَجُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ مَا عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ حِينَ بَيَانِهِ لِحُكْمِ الْفَوَاتِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فِيهِ

وَهِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ الْحَجِّ فَكَانَتْ مُتَعَيِّنَةً لَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَحَّ وَيَبْقَى مُحْرِمًا بِهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِغَيْرِهَا وَهُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْحَجِّ وَتَخْلِيصُ وَقْتِهِ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، وَتَأَيَّدَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لِفَائِتِ الْحَجِّ جُعِلَتْ شَرْعًا شَرْطًا لِلتَّحَلُّلِ، وَكَانَتْ كَالدَّمِ فِي الْمُحْصَرِ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إلَخْ الْمُرَادُ أَنَّ لُزُومَ الدَّمِ عَلَى الْمُحْصَرِ؛ لِكَوْنِهِ تَعَجَّلَ الْإِحْلَالَ قَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَهَذَا قَدْ حَلَّ بِالْأَعْمَالِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لَا مَا يَتَخَايَلُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ؛ لِيُقَالَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْمُحْصَرِ عُمْرَةٌ فِي قَضَاءِ الْحَجَّةِ حِينَئِذٍ . (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ. حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُفِيدُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَنَافِعٌ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قَالَ الْبَحْرُ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ: خَمْسَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَالثَّلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اعْتَمِرْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا مَا شِئْت. اهـ. هَذَا وَأَمَّا أَفْضَلُ أَوْقَاتِهَا فَرَمَضَانُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَفِي طَرِيقٍ؛ لِمُسْلِمٍ «تُقْضَى حَجَّةً أَوْ حَجَّةٌ مَعِي» وَفِي رِوَايَةٍ؛ لِأَبِي دَاوُد «تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي» مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَكَانَ السَّلَفُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُسَمُّونَهَا الْحَجَّ الْأَصْغَرَ. هَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ الْوَعْدَ بِعَدَدِ عُمُرَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَنَقُولُ: قَدْ «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ عُمُرَاتٍ كُلُّهُنَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ» ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ مُدَّةَ مُقَامَهُ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ شَيْئًا، وَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَنْ هَذَا ادَّعَى مَنْ ادَّعَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْعُمْرَةِ أَنْ تُفْعَلَ دَاخِلًا إلَى مَكَّةَ لَا خَارِجًا، بِأَنْ يَخْرُجَ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ إلَى الْحِلِّ فَيَعْتَمِرَ كَمَا يُفْعَلُ الْيَوْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَمْنُوعًا؛ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعَةِ، إحْرَامَهُ بِهِنَّ، فَأَمَّا مَا تَمَّ لَهُ مِنْهَا فَثَلَاثٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمْرَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ فَلَمْ يَحْتَسِبْ بِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ» ، كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ. [الْأُولَى] عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ فَصُدَّ بِهَا فَنَحَرَ الْهَدْيَ بِهَا وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. [الثَّانِيَةُ] عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَهِيَ قَضَاءٌ عَنْ الْحُدَيْبِيَةِ، هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةٌ لَا قَضَاءٌ عَنْهَا، وَتَسْمِيَةُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ السَّلَفِ إيَّاهَا بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ، وَتَسْمِيَةُ بَعْضِهِمْ إيَّاهَا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ لَا يَنْفِيهِ، فَإِنَّهُ اتَّفَقَ فِي الْأُولَى مُقَاضَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَدْخُلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا، وَهَذَا الْأَمْرُ قَضِيَّةٌ تَصِحُّ إضَافَةُ هَذِهِ الْعُمْرَةِ إلَيْهَا، فَإِنَّهَا عُمْرَةٌ كَانَتْ عَنْ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَهِيَ قَضَاءٌ عَنْ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَتَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا تَسْتَلْزِمُ الْإِضَافَةُ إلَى الْقَضِيَّةِ نَفْيَ الْقَضَاءِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْقَضَاءِ يُفِيدُ ثُبُوتَهُ فَيَثْبُتُ مُفِيدُ ثُبُوتِهِ بِلَا مُعَارِضٍ. وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ الثَّابِتُ فِيمَنْ شَرَعَ فِي إحْرَامٍ بِنُسُكٍ فَلَمْ يُتِمَّهُ لِإِحْصَارٍ فَحَلَّ أَنْ يَقْضِيَ وَهَذِهِ تَحْتَمِلُ الْقَضَاءَ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ، وَعَدَمُ نَقْلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْقَضَاءِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ، بَلْ الْمُفِيدُ لَهُ نَقْلُ الْعَدَمِ لَا عَدَمُ النَّقْلِ. نَعَمْ هُوَ مِمَّا يُؤْنَسُ بِهِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ، لَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الثَّابِتِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِمْ بِهِ وَقَضَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقِ عِلْمِهِمْ. [الثَّالِثَةُ] عُمْرَتُهُ الَّتِي قَرَنَهَا مَعَ حَجَّتِهِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا إثْبَاتَهُ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قَارِنًا أَوْ الَّتِي تَمَتَّعَ بِهَا إلَى الْحَجِّ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ حَجَّ مُتَمَتِّعًا، أَوْ الَّتِي اعْتَمَرَهَا فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ أَفْرَدَ وَاعْتَمَرَ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الرَّابِعِ. [الرَّابِعَةُ] عُمْرَتُهُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَمَّا خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى حُنَيْنٍ وَدَخَلَ بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ إلَى مَكَّةَ لَيْلًا وَخَرَجَ مِنْهَا لَيْلًا إلَى الْجِعْرَانَةِ فَبَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَزَالَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتَّى جَامَعَ فِي الطَّرِيقِ، وَمِنْ ثَمَّةَ خَفِيَتْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. وَأَمَّا أَنَّهُنَّ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَلِمَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «لَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ» . وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ عُمَرَ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ» : عُمْرَةٌ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ فَلَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ مَبْدَأَ عُمْرَةِ الْقِرَانِ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَفِعْلُهَا كَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَصَحَّ طَرِيقَا الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ أَرْبَعًا إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا بَلَغَهَا ذَلِكَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمْرَةً قَطُّ إلَّا وَهُوَ شَاهِدٌ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ» فَقَدْ حَكَمَ الْحُفَّاظُ بِغَلَطِ هَذَا الْحَدِيثِ، إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ عُمَرَهُ كُلَّهَا لَمْ تَزِدْ عَنْ أَرْبَعٍ، وَقَدْ عَيَّنَهَا أَنَسٌ وَعَدَّهَا وَلَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي غَيْرِ ذِي الْقَعْدَةَ سِوَى الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، وَقَدْ جَمَعَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، فَلَوْ كَانَتْ لَهُ عُمْرَةٌ فِي رَجَبٍ وَأُخْرَى فِي رَمَضَانَ لَكَانَتْ سِتًّا، وَلَوْ كَانَتْ أُخْرَى فِي شَوَّالٍ كَمَا هُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ كَانَتْ سَبْعًا» . وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ فِيهِ وَجَبَ ارْتِكَابُهُ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ، وَمَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ فِيهِ حُكِمَ بِمُقْتَضَى الْأَصَحِّ وَالْأَثْبَتِ، وَهَذَا أَيْضًا يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بِإِرَادَةِ عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ فَإِنَّهُ خَرَجَ إلَى حُنَيْنٍ فِي شَوَّالٍ وَالْإِحْرَامُ بِهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَكَانَ

فَيَصِحُّ الشُّرُوعُ. (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» ؛ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ وَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ، وَهَذِهِ أَمَارَةُ النَّفْلِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجَازًا؛ لِلْقُرْبِ، هَذَا إنْ صَحَّ وَحُفِظَ، وَإِلَّا فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الثَّابِتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ كُلَّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَقَعَ تَرَدُّدٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ أَفْضَلَ أَوْقَاتِ الْعُمْرَةِ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَوْ رَمَضَانُ، فَفِي رَمَضَانَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، وَلَكِنَّ فِعْلَهُ لَمَّا لَمْ يَقَعْ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ ظَاهِرًا أَنَّهُ أَفْضَلُ إذْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَخْتَارُ لِنَبِيِّهِ إلَّا مَا هُوَ الْأَفْضَلُ، أَوْ أَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ بِتَنْصِيصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ. وَتَرْكُهُ لِذَلِكَ؛ لِاقْتِرَانِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهُ كَاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَاتٍ أُخْرَى فِي رَمَضَانَ تَبَتُّلًا وَأَلَّا يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ اعْتَمَرَ فِيهِ لَخَرَجُوا مَعَهُ وَلَقَدْ كَانَ بِهِمْ رَحِيمًا، وَقَدْ أَخْبَرَ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا؛ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهُ كَالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ بِهِمْ وَمَحَبَّتِهِ لَأَنْ يُسْقِيَ بِنَفْسِهِ مَعَ سُقَاةِ زَمْزَمَ ثُمَّ تَرَكَهُ كَيْ لَا يَغْلِبَهُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِهِمْ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً. وَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثٍ فِي أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ عُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذِكْرَ جَمِيعِ مَا اعْتَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ اعْتَمَرَ أَكْثَرَ، فَكَانَ الْمُرَادُ ذِكْرَ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِالْغَلَطِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَظَافَرَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا مِنْ قَابِلٍ سَنَةَ سَبْعٍ سِوَى الَّتِي فِي ذِي الْقَعْدَةِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَكَّةَ حَتَّى فَتَحَهَا سَنَةَ ثَمَانٍ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي دُخُولِهِ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ أُخْرِجَ إلَى حُنَيْنٍ فِي شَوَّالٍ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ رَجَعَ مِنْهَا فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَمَتَى اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ؟ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَلَا عِلْمَ إلَّا مَا عَلَّمَ. (قَوْلُهُ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) أَيْ مَنْ أَتَى بِهَا مَرَّةً فِي الْعُمُرِ فَقَدْ أَقَامَ السُّنَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ غَيْرَ مَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا فِيهِ، إلَّا أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ، هَذَا إذَا أَفْرَدَهَا فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْحَجِّ لَا إلَى الْعُمْرَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِالْعُمْرَةِ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فِيهَا فَفِي رَمَضَانَ أَوْ الْحَجَّ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فِيهِ فَبِأَنْ يَقْرِنَ مَعَهُ عُمْرَةً. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَرِيضَةٌ) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ مِنْ مَشَايِخِ بُخَارَى: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ هِيَ وَاجِبَةٌ. وَجْهُ

وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِأَعْمَالٍ كَالْحَجِّ إذْ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ مَعَ التَّعَارُضِ فِي الْآثَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِمَا بَدَأْتَ» قَالَ الْحَاكِمُ: الصَّحِيحُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ. اهـ. وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ ضَعَّفُوهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَذَفْنَا حَدِيثَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مَوْقُوفًا وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَأَنْ تَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ وَتَعْتَمِرَ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا شُذُوذٌ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ أُخَرُ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عَدَمِ دَلَالَةٍ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا» وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّ عُمْرَتَهُمْ طَوَافُهُمْ، فَلْيَخْرُجُوا إلَى التَّنْعِيمِ ثُمَّ لْيَدْخُلُوهَا» الْحَدِيثَ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُنَاظَرَةِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ: أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْحَجِّ. وَلَنَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ فَهُوَ أَفْضَلُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا غَيْرُ. قِيلَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ هَذَا فِيهِ مَقَالٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْقِرَانِ مَا فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ بِهِ عَنْ كَوْنِ حَدِيثِهِ حَسَنًا وَالْحَسَنُ حُجَّةٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فَقَدْ اتَّفَقَتْ الرُّوَاةُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ عَلَى تَحْسِينِ حَدِيثِهِ هَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِطَرِيقٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَضَعَّفَهُ. وَرَوَى عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» وَهُوَ أَيْضًا حُجَّةٌ، وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ إنَّهُ مُرْسَلٌ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَتَضْعِيفُ عَبْدِ الْبَاقِي وَمَاهَانُ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ بِأَنَّ عَبْدَ الْبَاقِي بْنَ قَانِعٍ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ وَبَاقِي الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ،

قَالَ (وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا عَلَى التَّنَزُّلِ. قَالَ: وَتَضْعِيفُ مَاهَانَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مَشَاهِيرُ وَذَكَرَهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي سَنَدِهِ مَجَاهِيلُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ. قَالَ فِي الْإِمَامِ: مُتَكَلَّمٌ فِيهِ اهـ. وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُخْرِجُ حَدِيثَهُ عَنْ الْحَسَنِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ مُطْلَقِ الْحُجِّيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " الْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ " وَكَفَى بِعَبْدِ اللَّهِ قُدْوَةً. فَبَعْدَ إرْخَاءِ الْعِنَانِ فِي تَحْسِينِ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ تَعَدُّدُ طُرُقِهِ يَرْفَعُهُ إلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ، كَمَا أَنَّ تَعَدُّدَ طُرُقِ الضَّعِيفِ يَرْفَعُهُ إلَى الْحَسَنِ؛ لِضَعْفِ الِاحْتِمَالِ بِهَا، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَقَامَ رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ، وَالِافْتِرَاضُ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ تَمْنَعُهُ عَنْ إثْبَاتِ مُقْتَضَاهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَرْضُ الظَّنِّيُّ وَهُوَ الْوُجُوبُ عِنْدَنَا، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ لَا يَثْبُتَ مُقْتَضَى مَا رَوَيْنَاهُ أَيْضًا؛ لِلِاشْتِرَاكِ فِي مُوجِبِ الْمُعَارَضَةِ. فَحَاصِلُ التَّقْرِيرِ حِينَئِذٍ تَعَارُضُ مُقْتَضَيَاتِ الْوُجُوبِ وَالنَّفَلِ فَلَا يَثْبُتُ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ السُّنِّيَّةَ فَقُلْنَا بِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [فُرُوعٌ] وَإِنْ اُسْتُفِيدَ شَيْءٌ مِنْهَا مِمَّا تَقَدَّمَ فَإِنِّي لَا أَكْرَهُ تَكْرَارَهَا، فَإِنَّ تَعَدُّدَ الْمَوَاقِعِ يُوَسِّعُ بَابَ الْوِجْدَانِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ. إحْرَامُ فَائِتِ الْحَجِّ حَالَ التَّحَلُّلِ بِالْعُمْرَةِ إحْرَامُ الْحَجِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْمَفْعُولُ أَيْضًا أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَجَزَ عَنْ الْكُلِّ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. الثَّابِتُ شَرْعًا التَّحَلُّلُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَا قَبْلَهُ، وَلَا تَحَلُّلَ إلَّا بِطَوَافٍ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، فَلَوْ قَدِمَ مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ فَطَافَ وَسَعَى ثُمَّ خَرَجَ إلَى الرَّبَذَةِ مَثَلًا فَأُحْصِرَ بِهَا حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَلَا يَكْفِيهِ طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَالسَّعْيِ فِي التَّحَلُّلِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَارِنًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ الَّتِي قَرَنَهَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا وَلَمْ يَطُفْ شَيْئًا حَتَّى فَاتَهُ يَطُوفُ الْآنَ لِعُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ وَيَسْعَى، وَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَهَا، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهَا إذَا أَخَذَ فِي الطَّوَافِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ عَنْ الْإِحْرَامِ فِي الْحَجِّ. وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَمَكَثَ حَرَامًا حَتَّى دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْرَامَ حَجِّهِ بَاقٍ، إذْ لَوْ انْقَلَبَ إحْرَامَ عُمْرَةٍ كَانَ مُتَمَتِّعًا إذْ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّمَتُّعِ تَقَدُّمُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ أَوْقَعَ أَفْعَالَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيْسَ لِفَائِتِ الْحَجِّ أَنْ يَحُجَّ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ إحْرَامِ حَجٍّ، حَتَّى لَوْ مَكَثَ مُحْرِمًا إلَى قَابِلٍ لَمْ يَفْعَلْ أَفْعَالَ عُمْرَةِ التَّحَلُّلِ، وَأَرَادَ أَنْ يَحُجَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ إحْرَامِ حَجِّهِ تَغَيَّرَ شَرْعًا بِالْفَوَاتِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُوجِبِهِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ أَبُو يُوسُفَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا عَلَى صَيْرُورَتِهَا إحْرَامَ عُمْرَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ

[باب الحج عن الغير]

الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ غَيْرَهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدَهُمَا عَنْ نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحَلُّلِ بِعُمْرَةٍ بَيْنَ كَوْنِ الْفَوَاتِ حَالَ الصِّحَّةِ أَوْ بَعْدَمَا فَسَدَ بِالْجِمَاعِ. وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَهَلَّ بِأُخْرَى طَافَ لِلْفَائِتَةِ وَسَعَى وَرَفَضَ الَّتِي أَدْخَلَهَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِالْعُمْرَةِ جَامَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجَّتَيْنِ، وَعَلَيْهِ فِيهَا مَا عَلَى الرَّافِضِ. وَلَوْ نَوَى بِهَذِهِ الَّتِي أَهَلَّ بِهَا قَضَاءَ الْفَائِتَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْإِهْلَالِ شَيْءٌ سِوَى الَّتِي هُوَ فِيهَا؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بَعْدَ الْفَوَاتِ بَاقٍ، وَنِيَّةُ إيجَادِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ لَغْوٌ فَيَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَيَقْضِي الْفَائِتَ فَقَطْ، فَلَوْ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ إحْرَامًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَمَلًا عَلَى قَوْلِهِمَا. وَلَوْ أَهَلَّ رَجُلٌ بِحَجَّتَيْنِ فَقَدِمَ مَكَّةَ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا بِعُمْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّرْكِ وَالشُّرُوعِ رَفَضَ إحْدَاهُمَا، وَالتَّحَلُّلُ بِالْعُمْرَةِ إنَّمَا يَجِبُ لِغَيْرِ مَا رَفَضَ وَذَلِكَ وَاحِدَةٌ. [بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ] (بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ) إدْخَالُ اللَّامِ عَلَى غَيْرِ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ بَلْ هُوَ مَلْزُومُ الْإِضَافَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ كَوْنَ عَمَلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ قَدَّمَ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَيْسَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ، بَلْ فِي أَنَّهُ يَنْجَعِلُ بِالْجَعْلِ أَوَّلًا بَلْ يَلْغُو جَعْلُهُ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهَا) كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ (قَوْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُخَالِفَ لِمَا ذَكَرَ خَارِجٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَقُولَانِ بِوُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ بَلْ غَيْرِهَا كَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَهُمْ كَمَالُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، فَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِاسْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ وَصْفًا عَبَّرَ عَنْهُمْ بِهِ. وَخَالَفَ فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَسَعْيُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَعْيَهُ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَسُوقَةً قَصًّا لِمَا

وَالْآخَرَ عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ» جَعَلَ تَضْحِيَةَ إحْدَى الشَّاتَيْنِ لِأُمَّتِهِ. وَالْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ: مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ، وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ، وَالنِّيَابَةُ تَجْرِي فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ فِي حَالَتَيْ الِاخْتِيَارِ وَالضَّرُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَحَيْثُ لَمْ يُتَعَقَّبْ بِإِنْكَارٍ كَانَ شَرِيعَةً لَنَا عَلَى مَا عُرِفَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِيمَا قَالُوهُ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا نُسِخَتْ أَوْ مُقَيَّدَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ» . وَالْمَلْحَةُ بَيَاضٌ يَشُوبُهُ شَعَرَاتٌ سُودٌ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يَشْتَرِيَ كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام: 79] الْآيَةَ، اللَّهُمَّ لَكَ وَمِنْكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَبَحَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِنَقْصٍ فِي الْمَتْنِ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَقَرْنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَأَضْجَعَ أَحَدَهُمَا وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ أَضْجَعَ الْآخَرَ وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ» وَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا. وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ. وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدَ الْغِفَارِيُّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْفَضَائِلِ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمِنْ طَرِيقِهِ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ. وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَالدَّارَقُطْنِيّ، فَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَانْتَشَرَتْ مُخْرِجُوهُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ أَنَّهُ ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ مَشْهُورًا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِهِ بِمَا لَمْ يَجْعَلْهُ صَاحِبُهُ، أَوْ نَنْظُرُ إلَيْهِ وَإِلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِكَ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِكَ» وَإِلَى مَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهَا لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» وَإِلَى مَا «عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَصَدَّقُ عَنْ مَوْتَانَا وَنَحُجُّ عَنْهُمْ وَنَدْعُو لَهُمْ فَهَلْ يَصِلُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنَّهُ لَيَصِلُ إلَيْهِمْ وَإِنَّهُمْ لَيَفْرَحُونَ بِهِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالطَّبَقِ إذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْعُكْبَرِيُّ. وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَهَذِهِ الْآثَارُ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا فِي السُّنَّةِ أَيْضًا مِنْ نَحْوِهَا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ تَرَكْنَاهُ لِحَالِ الطُّولِ يَبْلُغُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الصَّالِحَاتِ لِغَيْرِهِ نَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ مَبْلَغَ

لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِفِعْلِ النَّائِبِ، وَلَا تَجْرِي فِي النَّوْعِ الثَّانِي بِحَالٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إتْعَابُ النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَتَجْرِي فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ عِنْدَ الْعَجْزِ لِلْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ الْمَشَقَّةُ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ، وَلَا تَجْرِي عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِعَدَمِ إتْعَابِ النَّفْسِ، وَالشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ الْعُمْرِ، وَفِي الْحَجِّ النَّفْلِ تَجُوزُ الْإِنَابَةُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ لِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوَاتُرِ، وَكَذَا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] وَمِنْ الْإِخْبَارِ بِاسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7] وَسَاقَ عِبَارَتَهُمْ {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: 7] إلَى قَوْلِهِ {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر: 9] قَطْعِيٌّ فِي حُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ فَيُخَالِفُ ظَاهِرَ الْآيَةِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا، إذْ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ اسْتِغْفَارُ أَحَدٍ لِأَحَدٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَعْيِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَطَعْنَا بِانْتِفَاءِ إرَادَةِ ظَاهِرِهَا عَلَى صِرَافَتِهِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَا لَمْ يَهَبْهُ الْعَامِلُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ إذْ لَمْ يَبْطُلْ بَعْدَ الْإِرَادَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارَاتِ وَلَا يَجْرِي النَّسْخُ فِي الْخَبَرِ، وَمَا يُتَوَهَّمُ جَوَابًا مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - أَنْ لَا يَجْعَلَ الثَّوَابَ لِغَيْرِ الْعَامِلِ ثُمَّ جَعَلَهُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ شَرِيعَتِنَا حَقِيقَةُ مَرْجِعِهِ إلَى تَقْيِيدِ الْإِخْبَارِ لَا إلَى النَّسْخِ إذْ حَقِيقَتُهُ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَى ثُمَّ تُرْفَعَ إرَادَتُهُ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِالْإِرَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ تِلْكَ الشَّرَائِعِ وَلَمْ يَقَعْ نَسْخٌ لَهُمْ، وَلَمْ يَرِدْ الْإِخْبَارُ أَيْضًا فِي حَقِّنَا ثُمَّ نُسِخَ. وَأَمَّا جَعْلُ اللَّامِ فِي لِلْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى فَبَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِهَا وَمِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهَا وَعْظٌ لِلَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى، وَقَدْ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ إبْطَالِنَا لِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ انْتِفَاءُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ بِمَا فِي الْآثَارِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ)

وَبِذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ كَحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِيهِ «حُجِّي عَنْ أَبِيكِ وَاعْتَمِرِي» . وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ، وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، وَعِنْدَ الْعَجْزِ أُقِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ التَّكَالِيفِ الِابْتِلَاءُ لِيَظْهَرَ مِنْ الْمُكَلَّفِ مَا سَبَقَ الْعِلْمُ الْأَزَلِيُّ بِوُقُوعِهِ مِنْهُ مِنْ الِامْتِثَالِ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ تَارِكًا هَوَى نَفْسِهِ لِإِقَامَةِ أَمْرِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُثَابُ. أَوْ الْمُخَالَفَةِ فَيُعْفَى عَنْهُ، أَوْ يُعَاقَبُ فَتَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ آثَارُ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ تَعَالَى اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ الْبَاهِرَةُ وَكَمَالُ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ بِمَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَقَعُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ قَبْلَ ظُهُورِهِ عَنْ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ. ثُمَّ مِنْ التَّكَالِيفِ الْعِبَادَاتُ وَهِيَ بَدَنِيَّةٌ وَمَالِيَّةٌ وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا، وَالْمَشَقَّةُ فِي الْبَدَنِيَّةِ تَقَيُّدُ الْجَوَارِحِ وَالنَّفْسِ بِالْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ فِي مَقَامِ الْخِدْمَةِ. وَفِي الْمَالِيَّةِ فِي تَنْقِيصِ الْمَالِ الْمَحْبُوبِ لِلنَّفْسِ، وَفِيهَا مَقْصُودٌ آخَرُ وَهُوَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَالْمَشَقَّةُ فِيهَا لَيْسَ بِهِ بَلْ بِالتَّنْقِيصِ فَكُلُّ مَا تَضَمَّنَ الْمَشَقَّةَ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ إذْ بِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَقْصُودُ الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ فَلِذَا لَمْ تَجُزْ النِّيَابَةُ فِي الْبَدَنِيَّةِ لِأَنَّ فِعْلَ غَيْرِهِ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِشْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ هَوَاهَا بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَالِيَّةُ فَمَا فِيهِ الْمَشَقَّةُ مِنْ أَحَدِ مَقْصُودٍ بِهَا وَهُوَ تَنْقِيصُ الْمَالِ بِإِخْرَاجِهِ لَمْ تَجُزْ فِيهِ النِّيَابَةُ وَلَا يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ. وَالْوَاقِعُ مِنْ النَّائِبِ لَيْسَ إلَّا الْمُنَاوَلَةُ لِلْفَقِيرِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا مَشَقَّةَ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ. وَعَلَى هَذَا كَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ لَا تَجْرِيَ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ لِتَضَمُّنِهِ الْمَشَقَّتَيْنِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالْأَوْلَى لَمْ تَقُمْ بِالْآمِرِ لَكِنَّهُ تَعَالَى رَخَّصَ فِي إسْقَاطِهِ بِتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ الْأُخْرَى: أَعْنِي إخْرَاجَ الْمَالِ عِنْدَ الْعَجْزِ الْمُسْتَمِرِّ إلَى الْمَوْتِ رَحْمَةً وَفَضْلًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَدْفَعَ نَفَقَةَ الْحَجِّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، بِخِلَافِ حَالِ الْقُدْرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْذُرْهُ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِيهَا لَيْسَ إلَّا لِمُجَرَّدِ إيثَارِ رَاحَةِ نَفْسِهِ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ، وَهُوَ بِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَا التَّخْفِيفَ فِي طَرِيقِ الْإِسْقَاطِ وَإِنَّمَا شَرَطَ دَوَامَهُ إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ الْعُمْرِ، فَحَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُهُ لِقِيَامِ الشُّرُوطِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي أَوَّلِ أَعْوَامِ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ وَتَقَرَّرَ الْقِيَامُ بِهَا بِنَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ فِي مُدَّةِ عُمْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِالشُّرُوطِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ فِي مُدَّةِ عُمْرِهِ رَخَّصَ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ رَحْمَةً وَفَضْلًا مِنْهُ، فَحَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ وَقْتًا مَا مِنْ عُمْرِهِ بَعْدَمَا اسْتَنَابَ فِيهِ لِعَجْزٍ لَحِقَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQظَهَرَ انْتِفَاءُ شَرْطِ الرُّخْصَةِ، فَلِذَا لَوْ أَحَجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ أَوَّلًا، أَوْ كَانَ مَحْبُوسًا كَانَ أَمْرُهُ مُرَاعًى إنْ اسْتَمَرَّ بِذَلِكَ الْمَانِعِ حَتَّى مَاتَ ظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ مُجْزِيًا، وَإِنْ عُوفِيَ أَوْ خُلِّصَ مِنْ السِّجْنِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُجْزِيًا وَظَهَرَ وُجُوبُ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ أَحَجَّ صَحِيحٌ غَيْرَهُ ثُمَّ عَجَزَ لَا يَجْزِيهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَذِنَ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ. وَلَا يَتَخَايَلُ خِلَافُ هَذَا مِمَّا فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا، قَالَ: إذَا قَالَ رَجُلٌ لِلَّهِ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ حَجَّةً فَأَحَجَّ عَنْهُ ثَلَاثِينَ نَفْسًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الْحَجِّ جَازَ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ قُدْرَتُهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ مَجِيءِ وَقْتِ الْحَجِّ فَجَازَ، وَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الْحَجِّ وَهُوَ يَقْدِرُ بَطَلَتْ حَجَّتُهُ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ عَلَيْهَا فَانْعَدَمَ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِحْجَاجِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَعَلَى هَذَا كُلُّ سَنَةٍ تَجِيءُ وَفِيهَا الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَجِدْ مُحْرِمًا لَا تَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْوَقْتَ الَّذِي تَعْجِزَ عَنْ الْحَجِّ فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَبْعَثَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ وُجُودِ الْمُحْرِمِ، فَإِنْ بَعَثَتْ رَجُلًا إنْ دَامَ عَدَمُ وُجُودِ الْمُحْرِمِ إلَى أَنْ مَاتَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَالْمَرِيضِ إذَا أَحَجَّ عَنْهُ رَجُلًا وَدَامَ الْمَرَضُ إلَى أَنْ مَاتَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ كَوْنِ شَرْطِ الْإِحْجَاجِ عَنْ الْفَرِيضَةِ مَجِيءُ الْوَقْتِ وَهُوَ قَادِرٌ فَلَا يَحُجُّ حَتَّى يَعْرِضَ الْمَانِعُ وَيَدُومَ إلَى الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَاتَ لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمْنَا مِنْ اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ أَوْ صَبِيٍّ بَلَغَ فَمَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ الْوَقْتِ وَأَوْصَيَا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِمَا قُلْنَا، وَجَائِزَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ السَّبَبَ تَقَرَّرَ فِي حَقِّهِمَا وَالْوَقْتُ شَرْطُ الْأَدَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَوَّلًا فِي كَوْنِهِ شَرْطِ الْأَدَاءِ بَلْ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ. وَالسَّبَبُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْبَيْتُ لَكِنَّ الْمُوصَى بِهِ لَيْسَ مُطْلَقَ الْحَجِّ لِيَلْزَمَ الْوَرَثَةَ إنْ وَسِعَ الثُّلُثُ بَلْ الْحَجُّ الْفَرْضُ وَقَدْ تَحَقَّقْنَا عَدَمَهُ عَلَيْهِمَا إلَى أَنْ مَاتَا، فَقَوْلُ زُفَرَ أَنْظُرُ. وَفِي الْبَدَائِعِ. لَوْ كَانَ فَقِيرًا صَحِيحَ الْبَدَنِ لَا يَجُوزُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَالَ شَرْطُ الْوُجُوبِ، فَإِذْ لَا مَالَ لَا وُجُوبَ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَا وَاجِبَ حِينَئِذٍ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. أَمَّا الْحَجُّ النَّفَلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَاحِدَةً مِنْ الْمَشَقَّتَيْنِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ تَرْكُهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ إحْدَاهُمَا تَقَرُّبًا إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ صَحِيحًا. ثُمَّ إنَّ وُجُوبَ الْإِيصَاءِ إنَّمَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً إذَا كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحُهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ. وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ زَمَنًا أَوْ مَفْلُوجًا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ عِنْدَهُ صِحَّةَ الْجَوَارِحِ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَسْلَفْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ قَوْلَهُمَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ وَأَنَّهَا أَوْجَهُ وَذَكَرْنَا الْوَجْهَ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ أَوْ عَنْ الْمَأْمُورِ. فَعَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَأْمُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أُقِيمَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْحَاجِّ مَقَامَ نَفْسِ الْفِعْلِ شَرْعًا كَالشَّيْخِ الْفَانِي حَيْثُ أُقِيمَ الْإِطْعَامُ فِي حَقِّهِ مَقَامَ الصَّوْمِ، قَالُوا: إنَّ بَعْضَ الْفُرُوعِ ظَاهِرَةٌ فِي هَذَا وَسَيَأْتِي وَعَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ والإسبيجابي وَقَاضِي خَانْ، حَتَّى نَسَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا لِأَصْحَابِنَا فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا: أَصْلُ الْحَجِّ عَنْ الْمَأْمُورِ. وَمُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَجَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ الْآثَارُ مِنْ السُّنَّةِ وَمِنْ الْمَذْهَبِ بَعْضُ الْفُرُوعِ. فَمِنْ الْآثَارِ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَهُوَ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى فِعْلِهَا الْحَجَّ كَوْنَهُ عَنْهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْحَجَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ عَنْهُ لَسَقَطَتْ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ تَتَأَدَّى بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَتَلْغُو الْجِهَةُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَلَمْ يَسْتَدِلَّ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ سِوَى بِاحْتِيَاجِ النَّائِبِ إلَى إسْنَادِ الْحَجِّ إلَى الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فِي النِّيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَقَعْ نَفْسُ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْإِجْزَاءِ كَوْنُ أَكْثَرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ، وَالْقِيَاسُ كَوْنُ الْكُلِّ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْتِزَامِ ذَلِكَ حَرَجًا بَيِّنًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَصْحِبُ الْمَالَ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي كُلِّ حَرَكَةٍ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى شَرْبَةِ مَاءٍ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ فِي بَغْتَةٍ فَأَسْقَطْنَا اعْتِبَارَ الْقَلِيلِ اسْتِحْسَانًا وَاعْتَبَرْنَا الْأَكْثَرَ إذْ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ، فَإِنْ أَنْفَقَ الْأَكْثَرَ أَوْ الْكُلَّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفَاءٌ لِحَجِّهِ رَجَعَ بِهِ فِيهِ، إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِبَغْتَةِ الْحَاجَةِ وَلَا يَكُونُ الْمَالُ حَاضِرًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ، كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ وَيُعْطِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَشْكُلُ مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ لَوْ قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَمْ يُسَمِّ، كَمْ يُعْطِي؟ قَالَ: يُعْطِي قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ إذَا أَخَذَهُ وَيَصْرِفَهُ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِذَلِكَ إنَّمَا جُعِلَ الْحَجُّ عِيَارٌ لِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ الْمَالِ، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً وَمَشُورَتُهُ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ، فَإِنْ شَاءَ حَجَّ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحُجَّ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ يَبْلُغُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ. وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ الْإِمَامِ بْنِ شُجَاعٍ: رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالدَّيْنِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَيَتَخَايَلُ خِلَافَهُ. فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ: إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بَعْضُ وَرَثَتِهِ فَأَجَازَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ جَازَ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا أَوْ غُيَّبًا كِبَارًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بِالنَّفَقَةِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ اهـ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَمَرَهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ. وَالنَّفَقَةُ الْمَشْرُوطَةُ مَا تَكْفِيهِ لِذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ عَامِلٌ لِلْمَيِّتِ. وَلَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَطَلَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ تَوَطَّنَ حِينَئِذٍ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ فَإِنَّهُ مُسَافِرٌ عَلَى حَالِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إذَا أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَهِيَ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّلَاثِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلْأَكْثَرِ قَالُوا: هَذَا فِي زَمَانِهِمْ، إذْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مَتَى شَاءَ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا إلَّا مَعَ النَّاسِ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ مَقَامُهُ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا لِانْتِظَارِ قَافِلَتِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَّا مَعَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ مُتَوَطِّنًا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ خُرُوجِهَا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتَحَقَّ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، فَهُوَ كَالنَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ إلَى الْمَنْزِلِ، وَالْمُضَارِبِ إذَا أَقَامَ فِي بَلْدَتِهِ أَوْ بَلْدَةٍ أُخْرَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْفِقْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ خَرَجَ مُسَافِرًا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَتْ فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تَعُودُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ فِي الرُّجُوعِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَيِّتِ، لَكِنَّا قُلْنَا: إنَّ أَصْلَ سَفَرِهِ كَانَ لِلْمَيِّتِ فَمَا بَقِيَ ذَلِكَ السَّفَرُ بَقِيَتْ النَّفَقَةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَقَطَتْ، فَإِنْ عَادَ عَادَتْ، وَإِنْ تَوَطَّنَهَا سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَا تَعُودُ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّوَطُّنَ غَيْرُ مُجَرَّدِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا وَطَنًا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُحَدُّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ. ثُمَّ الْعَوْدُ إنْشَاءُ سَفَرٍ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ نَقْلِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَّخِذْ مَكَّةَ دَارًا فَأَمَّا إذَا اتَّخَذَهَا دَارًا ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ النَّفَقَةُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ كَانَ أَقَامَ بِهَا أَيَّامًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ قَالُوا: إنْ كَانَتْ إقَامَةً مُعْتَادَةً لَمْ تَسْقُطْ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ سَقَطَتْ، وَلَوْ تَعَجَّلَ إلَى مَكَّةَ فَهِيَ فِي مَالِ نَفْسِهِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ عَشْرُ ذِي الْحَجَّةِ فَتَصِيرُ فِي مَالِ الْآمِرِ، وَلَوْ سَلَكَ طَرِيقًا أَبْعَدَ مِنْ الْمُعْتَادِ إنْ كَانَ مِمَّا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَفِي مَالِ الْآمِرِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ نَفْسِهِ وَمَا دَامَ مَشْغُولًا بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا فَرَغَ عَادَتْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ بَدَأَ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ قَالُوا: يَضْمَنُ جَمِيعَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْأَمْرَ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ ضَاعَتْ النَّفَقَةُ بِمَكَّةَ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهَا أَوْ لَمْ تَبْقَ: يَعْنِي فَنِيَتْ فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ إذَا قُطِعَ الطَّرِيقُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَقَدْ أَنْفَقَ بَعْضَ الْمَالِ فِي الطَّرِيقِ فَمَضَى وَحَجَّ وَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّ سُقُوطَهُ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ سِوَى أَنَّهُ قَيَّدَ الْأُولَى بِكَوْنِ ذَلِكَ الضَّيَاعِ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، لَكِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ يُوجِبُ اتِّفَاقَ الصُّورَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَتَبَرَّعَ بِهِ، إنْ كَانَ الْأَقَلَّ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَمِنْهُ اللَّحْمُ وَشَرَابُهُ وَثِيَابُهُ وَرُكُوبُهُ وَثِيَابُ إحْرَامِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدًا إلَى طَعَامِهِ وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهِ وَلَا يُقْرِضَ أَحَدًا وَلَا يَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ إلَّا لِحَاجَةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَلَا يَشْتَرِيَ مِنْهَا مَاءَ الْوُضُوءِ بَلْ يَتَيَمَّمَ وَلَا يَدْخُلَ الْحَمَّامَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِالْمُتَعَارَفِ: يَعْنِي مِنْ الزَّمَانِ، وَيُعْطِيَ أُجْرَةَ الْحَارِسِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ، وَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ دَرَاهِمَ النَّفَقَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ وَيُودِعَ الْمَالَ. وَاخْتُلِفَ فِي شِرَاءِ دُهْنِ السِّرَاجِ وَالِادِّهَانِ، قِيلَ لَا، وَقِيلَ يَشْتَرِي دُهْنًا يَدَّهِنُ بِهِ لِإِحْرَامِهِ وَزَيْتًا لِلِاسْتِصْبَاحِ، وَلَا يَتَدَاوَى مِنْهُ وَلَا يَحْتَجِمُ وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْحَلَّاقِ إلَّا أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ أَوْ الْوَارِثُ. وَقِيَاسُ مَا فِي الْفَتَاوَى أَنْ يُعْطِيَ أُجْرَةَ الْحَلَّاقِ وَلَا يُنْفِقَ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً يَرْكَبَهَا وَمَحْمَلًا وَقِرْبَةً وَإِدَاوَةً وَسَائِرَ الْآلَاتِ وَمَهْمَا فَضَلَ مِنْ الزَّادِ وَالْأَمْتِعَةِ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ أَوْ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَارِثُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ الْمَيِّتُ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْحَاجِّ بِالْإِحْجَاجِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ فِي ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ لَكَانَ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الطَّاعَاتِ. وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِنَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا أَوْ دَفَعَهُ إلَى وَارِثٍ لِيَحُجَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ وَهُمْ كِبَارٌ، لِأَنَّ هَذَا كَالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ فَلَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْبَاقِينَ. وَلَوْ قَالَ الْمَيِّتُ لِلْوَصِيِّ: ادْفَعْ الْمَالَ لِمَنْ يَحُجَّ عَنِّي لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا وَإِذَا عَلِمَ هَذَا فَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَحْبُوسُ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَتْ الْحَجَّةُ عَنْ الْمَحْبُوسِ إذَا مَاتَ فِي الْحَبْسِ وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُشْكِلٌ، لَا جَرَمَ أَنَّ الَّذِي فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَبِي الْفَضْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ هِيَ الْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ، وَزَادَ إيضَاحَهَا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَهَذِهِ النَّفَقَةُ لَيْسَ يَسْتَحِقُّهَا بِطَرِيقِ الْعِوَضِ بَلْ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ يَنْتَفِعُ الْمُسْتَأْجِرُ

الْإِنْفَاقُ مُقَامَهُ كَالْفِدْيَةِ فِي بَابِ الصَّوْمِ. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَجَّةً فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ، هَذَا وَإِنَّمَا جَازَ الْحَجُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَيَكُونُ لَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا فَضَلَ لِلْمَأْمُورِ مِنْ الثِّيَابِ وَالنَّفَقَةِ يَقُولُ لَهُ: وَكَّلْتُك أَنْ تَهَبَ الْفَضْلَ مِنْ نَفْسِك وَتَقْبِضَهُ لِنَفْسِك، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْتٍ قَالَ: وَالْبَاقِي مِنِّي لَك وَصِيَّةٌ. وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ حَجَّ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مَاشِيًا وَأَمْسَكَ مَئُونَةَ الْكِرَاءِ كَانَ ضَامِنًا مَالَ الْمَيِّتِ وَالْحَجُّ لِنَفْسِهِ لِانْصِرَافِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْطِيَ بَعِيرَهُ هَذَا إلَى رَجُلٍ يَحُجُّ عَنْهُ فَأَكْرَاهُ الرَّجُلُ وَأَنْفَقَ الْكِرَاءَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الطَّرِيقِ وَحَجَّ مَاشِيًا جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ اسْتِحْسَانًا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِثَمَنِهِ فَكَذَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ وَلَا يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَتَضَرَّرُ الْمَيِّتُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الْإِجَارَةَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يُؤَدِّيَ الْبَعِيرَ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُ مُوَرِّثِهِمْ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَ الْبَعِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ بَعِيرَهُ بِمِائَةٍ فَآجَرَهُ بِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا اهـ. وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ أَحَجُّوا عَنْهُ غَيْرَهُ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَأْمُورُ وَالْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ فَقَالَ وَقَدْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مُنِعْت مِنْ الْحَجِّ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا ظَاهِرًا يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهِ إلَّا بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ حَجَجْت وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِيَ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْبَلَدِ إلَّا أَنْ يُقِيمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ. نَظِيرُهُ: قَالَ الْمُودِعُ دَفَعْتهَا إلَيْك بِمَكَّةَ وَأَقَامَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ الدَّفْعَ بِمَكَّةَ بِالْكُوفَةِ لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ كَانَ بِالْكُوفَةِ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَاجُّ مَدْيُونًا لِلْمَيِّتِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ بِمَالِهِ الَّذِي عَلَيْهِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي قَضَاءَ الدَّيْنِ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ مُطَالِبٌ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَرِيمِ الْمَيِّتِ إلَّا بِالْحَجَّةِ. وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ: أَوْصَى رَجُلًا أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَلَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ شَيْئًا وَالْوَصِيُّ إنْ أَعْطَى لِلْحَاجِّ فِي مَحْمَلٍ احْتَاجَ إلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ أَوْ رَاكِبًا لَا فِي مَحْمَلٍ يَكْفِيهِ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَجِبُ الْأَقَلُّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. وَلَوْ مَرِضَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ بِهِ، إلَّا إذَا قَالَ لَهُ الدَّافِعُ اصْنَعْ مَا شِئْت: فَهَذِهِ فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا قَدَّمْنَاهَا أَمَامَ مَا فِي الْكِتَابِ تَتْمِيمًا أَوْ تَكْمِيلًا لِفَائِدَتِهِ. وَلْنَرْجِعْ إلَى الشَّرْحِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ إلَخْ) صُوَرُ الْإِبْهَامِ هُنَا أَرْبَعَةٌ: أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ. أَوْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، أَوْ يُحْرِمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِلَا تَعْيِينٍ لِمَا أَحْرَمَ بِهِ. فَفِي الْأُولَى قَالَ هِيَ عَنْ الْحَاجِّ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ. وَفِي الثَّانِيَةِ قَالَ إنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْأَعْمَالِ فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ لَمْ يَنْصَرِفْ الْإِحْرَامُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْآمِرِينَ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَإِلَّا انْصَرَفَ إلَى نَفْسِهِ وَضَمِنَ النَّفَقَةَ. وَفِي الثَّالِثَةِ قَالَ فِي الْكَافِي: لَا نَصَّ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ

لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ حَتَّى لَا يَخْرُجَ الْحَاجُّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخْلِصَ الْحَجَّ لَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ، وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا فَيَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ سَبَبًا لِثَوَابِهِ، وَهُنَا يَفْعَلُ بِحُكْمِ الْآمِرِ، وَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُمَا فَيَقَعُ عَنْهُ. وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ إنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِحَّ التَّعْيِينُ هُنَا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ. وَفِي الرَّابِعَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. وَمَبْنَى الْأَجْوِبَةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَنْ نَفْس الْمَأْمُورِ لَا يَتَحَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْآمِرِ، وَأَنَّهُ بَعْدَمَا صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى نَفْسِهِ ذَاهِبًا إلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَ النَّفَقَةَ لَهُ لَا يَنْصَرِفُ الْإِحْرَامُ إلَى نَفْسِهِ إلَّا إذَا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ أَوْ عَجَزَ شَرْعًا عَنْ التَّعْيِينِ. إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ عَنْهُمَا وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْإِطْنَابِ. وَمَا يَتَخَايَلُ مَنْ جَعَلَ الْحَجَّةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ مُضْمَحِلٌّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِفِعْلٍ بِحُكْمِ الْآمِرِ عَلَى وَزَّانِهِ لَا فِيمَا إذَا حَجَّ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ فِي تَرْكِهِ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ فَيُحْتَمَلُ التَّعْيِينُ فِي الِانْتِهَاءِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ جَعْلُ الثَّوَابِ وَنَقُولُ: لَوْ أَمَرَهُ كُلٌّ

وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ نَوَى عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ، فَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْمُضِيِّ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّعْيِينِ، وَالْإِبْهَامُ يُخَالِفُهُ فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا شَاءَ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ هُنَاكَ مَجْهُولٌ وَهَاهُنَا الْمَجْهُولُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى الْأَفْعَالِ لَا مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ. وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ فَاكْتَفَى بِهِ شَرْطًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْأَفْعَالَ عَلَى الْإِبْهَامِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ فَصَارَ مُخَالِفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأَبَوَيْنِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَأَحْرَمَ بِهَا عَنْهُمَا كَانَ الْجَوَابُ كَالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّ مُخَالَفَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ تَتَحَقَّقْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِحَجَّةٍ وَأَحَدُهُمَا صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَصِيرَ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِجَعْلِهَا لِأَحَدِ الْآمِرَيْنِ فَلَا تَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا وَجَدَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ لِأَنَّ مَعَهُ مُكْنَةَ التَّعْيِينِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْأَعْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى شَرَعَ وَطَافَ وَلَوْ شَوْطًا لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَقَعُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَقَعُ عَنْهُ ثُمَّ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ الشَّرْعُ ذَلِكَ فِي الثَّوَابِ وَلَوْلَا السَّمْعُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ فِي الثَّوَابِ أَيْضًا. وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ إحْرَامَهُ بِحَجَّةٍ بِلَا زِيَادَةٍ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ أَحَدٍ وَلَا تَعَذُّرُ التَّعْيِينِ وَلَا يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَأَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ. وَلَوْ أَمَرَهُ رَجُلٌ بِحَجَّةٍ فَأَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ الْآمِرِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَضَمُّنِ الْإِذْنِ بِالْحَجِّ مَعَ كَوْنِ نَفَقَةِ السَّفَرِ هِيَ الْمُحَقِّقَةُ لِلصِّحَّةِ إفْرَادَ السَّفَر لِلْآمِرِ، فَلَوْ رَفَضَ الَّتِي عَنْ نَفْسِهِ جَازَتْ الْبَاقِيَةُ عَنْ الْآمِرِ كَأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا وَحْدَهَا ابْتِدَاءً، إذْ لَا إخْلَالَ فِي ذَلِكَ الْمَقْصُودِ بِالرَّفْضِ. وَالْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ إنْ شَاءَ قَالَ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ عَنْهُ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَسَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَجُوزُ إحْجَاجُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ. وَفِي الْأَصْلِ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْمَرْأَةِ. فِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ أَحَجَّ امْرَأَتَهُ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ حَجَّ الْمَرْأَةِ أَنْقَصُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا رَمَلٌ وَلَا سَعْيٌ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَلَا رَفْعُ صَوْتِ التَّلْبِيَةِ وَلَا الْحَلْقُ اهـ. وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ كَرَاهَةَ إحْجَاجِ الصَّرُورَةِ لِأَنَّهُ تَارِكٌ فَرْضِ الْحَجِّ وَالْعَبْدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ فَيُكْرَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِمَا أُمِرَ بِهِ عَنْ الْآمِرِ وَإِنْ مَرِضَ فِي الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الدَّفْعِ قِيلَ لَهُ اصْنَعْ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، وَفِيهِ لَوْ أَحَجَّ رَجُلًا يَحُجُّ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ جَازَ لِأَنَّ الْفَرْضَ صَارَ مُؤَدًّى، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعُودَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً) هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صُوَرِ الْإِبْهَامِ تَوَهَّمَهَا وَارِدَةً عَلَيْهِ فَدَفَعَ الْإِيرَادَ بِالْفَرْقِ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ فِيهَا مَجْهُولٌ دُونَ الْمُلْتَزَمِ لَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ قَلْبُهُ. وَجَهَالَةُ الْمُلْتَزِمِ لَا تَمْنَعُ لِمَا عُرِفَ فِي الْإِقْرَارِ بِمَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ

قَالَ (فَإِنْ أَمَرَهُ غَيْرُهُ أَنْ يَقْرُنَ عَنْهُ فَالدَّمُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ) لِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَقَّهَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْهَدُ بِصِحَّةِ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ (وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَالْآخَرُ بِأَنْ يَعْتَمِرَ عَنْهُ وَأَذِنَا لَهُ بِالْقِرَانِ) فَالدَّمُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، بِخِلَافِهِ بِمَعْلُومٍ لِمَجْهُولٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ غَيْرُهُ أَنْ يَقْرُنَ عَنْهُ فَالدَّمُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ) وَهُوَ الْمَأْمُورُ لَا فِي مَالِ الْآمِرِ. وَقَرَنَ يَقْرُنُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ (لِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ قَالُوا: إنَّ هَذِهِ تَشْهَدُ بِصِحَّةِ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ) وَإِنَّمَا لِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِهِ الْحَجُّ عَنْ الْآمِرِ شَرْعًا. وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَلْزَمُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَفْعَالَ إنَّمَا وُجِدَتْ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّهَا تَقَعُ عَنْ الْآمِرِ شَرْعًا. وَوُجُوبُ هَذَا الدَّمِ شُكْرًا مُسَبَّبٌ عَنْ الْوُجُودِ الْحَقِيقِيِّ، وَلِأَنَّ مُوجِبَ هَذَا الْفِعْلِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ مِنْ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ غَيْرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَجِبُ عَلَى تَقْدِيرٍ، وَأَحَدُهُمَا بِتَقْدِيرِهِ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَهُوَ الصَّوْمُ فَكَذَا الْآخَرُ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مُوجِبٌ وَاحِدٌ لِهَذَا الْعَمَلِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَالْآخَرُ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْهُ وَأَذِنَا لَهُ فِي الْقِرَانِ) يَعْنِي يَكُونُ الدَّمُ فِي مَالِهِ (لِمَا قُلْنَا) وَقَيَّدَ بِإِذْنِهِمَا لَهُ بِالْقِرَانِ لِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنَا لَهُ فَقَرَنَ عَنْهَا كَانَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ نَفَقَتَهُمَا، لَا لِأَنَّ إفْرَادَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَانِهِمَا بَلْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ بِالنُّسُكِ يَتَضَمَّنُ إفْرَادَ السَّفَرِ لَهُ بِهِ لِمَكَانِ النَّفَقَةِ أَعْنِي تَضَمُّنَ الْأَمْرِ بِإِنْفَاقِ مَالِهِ فِي جَمِيعِ سَفَرِهِ وَيَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الثَّوَابِ، وَفِي الْقِرَانِ عَدَمُ إفْرَادِ السَّفَرِ فَقَلَّتْ النَّفَقَةُ وَنَقَصَ الثَّوَابُ فَكَانَ مُخَالِفًا،

(وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَى الْحَاجِّ) لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلتَّحَلُّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا وَلَوْ كَانَ وَاحِدٌ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ عَنْهُ ضَمِنَ النَّفَقَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، لَهُمَا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ، فَقَدْ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ أَحْسَنَ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا، كَالْوَكِيلِ إذَا بَاعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ الْمُوَكِّلُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ لِسَفَرٍ مُفْرَدٍ لِلْحَجِّ وَقَدْ خَالَفَ فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ تَمَتَّعَ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُمَا أَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَكَانَ صَحِيحًا إذْ يَثْبُتُ الْإِذْنُ دَلَالَةً، بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ فَإِنَّ السَّفَرَ وَقَعَ لِلْعُمْرَةِ بِالذَّاتِ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَجِّ تَضَمَّنَ السَّفَرُ لَهُ وُقُوعَ إحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِ الْآفَاقِ، وَالْمُتَمَتِّعُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ. وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ الْآمِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهَا وَلَا وِلَايَةَ لِلْحَاجِّ فِي إيقَاعِ نُسُكٍ عَنْهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهُ عَنْهُ، فَكَذَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْعُمْرَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْعُمْرَةُ عَنْ الْمَيِّتِ صَارَتْ عَنْ نَفْسِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً، وَبِمِثْلِهِ امْتَنَعَ التَّمَتُّعُ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَمَا إذَا أَمَرَهُ بِعُمْرَةٍ فَقَرَنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَضْمَنُ أَيْضًا عِنْدَهُ كَالْحَجِّ إذَا قَرَنَ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا فَكَذَا هَذَا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ وَإِنْ نَوَى الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلَكِنْ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَحْصِيلِ الْحَجِّ عَنْهُ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهِ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ بِبَعْضِ النَّفَقَةِ وَهُوَ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَجْرِيدِ السَّفَرِ لِلْمَيِّتِ ثَمَّ، وَيَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فَبِتَنْقِيصِهَا يَنْقُصُ الثَّوَابُ بِقَدْرِهِ، فَكَانَ هَذَا الْخِلَافُ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِعُمْرَةٍ لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا تَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا عَنْهُ فِي النِّيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْحَجِّ، فَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِعُمْرَةٍ فَقَرَنَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، إلَّا أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا بَقِيَّةَ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ. وَلَوْ اعْتَمَرَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ بِالسَّفَرِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَجَّ فَاشْتِغَالُهُ بِهِ كَاشْتِغَالِهِ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا وَنَفَقَتُهُ مِقْدَارُ مَقَامِهِ لِلْحَجِّ مِنْ مَالِهِ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا حَجَّ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَطَافَ لِحَجَّةٍ وَسَعَى ثُمَّ أَضَافَ عُمْرَةً عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةُ الرَّفْضِ فَكَانَتْ كَعَدَمِهَا، وَلَوْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا: أَيْ قَرَنَ ثُمَّ لَمْ يَطُفْ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَرَفَضَ الْعُمْرَةَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِهِمَا جَمِيعًا فَقَدْ صَارَ مُخَالِفًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَقَعَتْ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا تَحْتَمِلُ النَّفَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ وَدَمُ الْإِحْصَارِ إلَخْ) الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْحَجِّ إمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ وَهُوَ عَلَى الْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى

دَفْعًا لِضَرَرِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّمُ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ (فَإِنْ كَانَ يَحُجُّ عَنْ مَيِّتٍ فَأُحْصِرَ فَالدَّمُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ) عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ دَيْنًا (وَدَمُ الْجِمَاعِ عَلَى الْحَاجِّ) لِأَنَّهُ دَمُ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ (وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ) مَعْنَاهُ: إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ حَتَّى فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ مَا فَاتَهُ بِاخْتِيَارِهِ. أَمَّا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْأَمْرِ. وَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى الْحَاجِّ لِمَا قُلْنَا (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا فَلَمَّا بَلَغَ الْكُوفَةَ مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَأْمُورِ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ مَيِّتًا فَفِي مَالِهِ عِنْدَهُمَا. ثُمَّ هَلْ هُوَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ؟ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَتَقْرِيرُ الْوَجْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ فَلَا نُطِيلُ بِهِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ وَإِمَّا دَمُ الْقِرَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، قَالُوا: هَذَا وَدَمُ الْقِرَانِ يَشْهَدَانِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي دَمِ الْقِرَانِ. وَأَمَّا كَوْنُ حَجِّ الْقَضَاءِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْأَفْعَالَ بِسَبَبِ الْإِحْصَارِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مَا هُوَ مُسَمَّى الْحَجِّ عَنْهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ. وَإِمَّا دَمُ الْجِنَايَةِ كَجَزَاءِ صَيْدٍ وَطِيبٍ وَشَعْرٍ وَجِمَاعٍ فَفِي مَالِ الْحَاجِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ، وَالْأَمْرُ بِالْحَجِّ لَا يَنْتَظِمُ الْجِنَايَةَ بَلْ يَنْتَظِمُ ظَاهِرًا عَدَمَهَا فَيَكُونُ مُخَالِفًا فِي فِعْلِهَا فَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا فِي مَالِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْجِمَاعُ قَبْلَ الْوُقُوفِ حَتَّى فَسَدَ الْحَاجُّ ضَمِنَ النَّفَقَةَ لِلْمُخَالَفَةِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا يَشْكُلُ كَوْنُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَفْسُدُ وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ فَهُوَ كَالْمُحْصَرِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ. وَلَوْ أَتَمَّ الْحَجَّ إلَّا طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَرَجَعَ وَلَمْ يَطُفْهُ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ وَيَعُودُ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ لِيَقْضِيَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، أَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الطَّوَافِ جَازَ عَنْ الْآمِرِ لِأَنَّهُ أَدَّى الرُّكْنَ الْأَعْظَمَ، وَإِمَّا دَمُ رَفْضِ النُّسُكِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ إلَّا فِي مَالِ الْحَاجِّ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا فَفَعَلَ حَتَّى ارْتُفِضَتْ إحْدَاهُمَا كَوْنُهُ عَلَى الْآمِرِ وَلَمْ أَرَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ إلَخْ) لَا خِلَافَ أَنَّ

أَوْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ وَقَدْ أَنْفَقَ النِّصْفَ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ) فَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا بِتَعْيِينِ الْمُوصِي إذْ تَعْيِينُ الْوَصِيِّ كَتَعْيِينِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَحَلُّ لِنَفَاذِ الْوَصِيَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ وَعَزْلَهُ الْمَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي لِأَنَّهُ لَا خَصْمَ لَهُ لِيَقْبِضَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ وَالْعَزْلِ فَيَحُجُّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإطْلَاقَ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ إذَا كَانَ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُ الْإِحْجَاجَ مِنْ بَلَدِهِ رَاكِبًا وَلَمْ يَكُنْ الْمُوصِي حَاجًّا عَنْ نَفْسِهِ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَكَانَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، أَوْ مَكَانًا آخَرَ يُوجِبُ تَعْيِينَ الْبَلَدِ وَالرُّكُوبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مُقَدِّمَةِ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ الْمَأْمُورُ مَاشِيًا وَأَمْسَكَ مَئُونَةَ الْكِرَاءِ لِنَفْسِهِ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الثُّلُثُ لَا يَبْلُغُ إلَّا مَاشِيًا فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا أَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ مَاشِيًا جَازَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَجْزِيهِ وَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ مَاشِيًا جَازَ، وَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا جَازَ، لِأَنَّ فِي كُلٍّ نَقْصًا مِنْ وَجْهِ زِيَادَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَاعْتَدَلَا؛ وَلَوْ أَحَجُّوا مِنْ مَوْضِعٍ يَبْلُغُ وَفَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَبْلُغُ رَاكِبًا مِنْ مَوْضِعٍ أَبْعَدَ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ وَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ إلَّا إذَا كَانَ الْفَاضِلُ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ زَادٍ وَكِسْوَةٍ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ كَمِّيَّةً، فَإِنْ عَيَّنَ بِأَنْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ أَوْ بِثُلُثِ مَالِي، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ بَلَدِهِ جَاءَ مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ بَلَغَ وَاحِدَةً لَزِمَتْ وَإِنْ بَلَغَ حِجَجًا كَثِيرَةً. فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَلْفِ فَذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: الْوَصِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ عَنْهُ كُلَّ سَنَةٍ حَجَّةً وَإِنْ شَاءَ أَحَجَّ عَنْهُ رِجَالًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْحَجِّ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ الْوَصِيُّ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ بَعُدَ مِنْ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَلَاكِ الْمَالِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الثُّلُثِ فَذَكَرَهَا فِي الْبَدَائِعِ، وَذَكَرَ الْجَوَابَ عَلَى نَحْوِ مَسْأَلَةِ الْأَلْفِ نَقْلًا عَنْ الْقُدُورِيِّ، إلَّا أَنَّهُ حَكَى فِيهَا خِلَافًا؛ فَقِيلَ: إنَّ الْقَاضِيَ: يَعْنِي الْإِسْبِيجَابِيَّ قَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً وَاحِدَةً مِنْ وَطَنِهِ وَهِيَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، إلَّا إذَا قَالَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ. قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ أَثْبَتُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ وَبِالثُّلُثِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجَمِيعِ السَّهْمِ، وَذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا وَأَجَابَ بِصَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ إذَا لَمْ يَقُلْ حَجَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، قَالَ: لِأَنَّهُ جَعَلَ الثُّلُثَ مَصْرُوفًا إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقُرْبَةِ فَيَجِبُ

وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ قَدْ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ وَطَنِهِ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَبْطُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] الْآيَةَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ سَفَرُهُ اُعْتُبِرَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ فِي جَمِيعِ الثُّلُثِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَفْعَلَ بِثُلُثِهِ طَاعَةً أُخْرَى، وَلَوْ ضَمَّ إلَى الْحَجِّ غَيْرَهُ وَالثُّلُثُ يَضِيقُ عَنْ الْجَمِيعِ، إنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ لِأَنَّ فِيهَا حَقَّيْنِ. وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ، وَالْكَفَّارَاتُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَهِيَ عَلَى النَّذْرِ، وَهُوَ وَالْكَفَّارَاتُ عَلَى الْأُضْحِيَّةَ، وَالْوَاجِبُ عَلَى النَّفْلِ، وَالنَّوَافِلُ يُقَدَّمُ مِنْهَا مَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ. وَحُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ عَنْ كَفَّارَةٍ حُكْمُ النَّفْلِ وَالْوَصِيَّةُ لِآدَمِيٍّ كَالْفَرَائِضِ: أَعْنِي الْمُعَيَّنَ. فَإِنْ قَالَ لِلْمَسَاكِينِ فَهُوَ كَالنَّفْلِ. وَمِنْ الصُّوَرِ الْمَنْقُولَةِ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْفَرْضِ وَعِتْقِ نَسَمَةٍ وَلَا يَسَعُهُمَا الثُّلُثُ يَبْدَأُ بِالْحَجَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِالْحَجَّةِ وَلِأُنَاسٍ وَلَا يَسَعُهُمَا الثُّلُثُ قَسَمَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ يَضْرِبُ لِلْحَجِّ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَجِّ ثُمَّ مَا خَصَّ الْحَجَّ يَحُجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمْكِنُ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِلْمَسَاكِينِ بِأَلْفٍ وَأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ وَثُلُثُهُ أَلْفَانِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى حِصَّةِ الْمَسَاكِينِ فَيُضَافُ إلَى الْحَجَّةِ فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِلْمَسَاكِينِ بَعْدَ تَكْمِيلِ الْحَجِّ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَطَوُّعٌ وَالْحَجَّ فَرْضٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ زَكَاةً فَيَتَحَاصَصُونَ فِي الثُّلُثِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَلَوْ أَوْصَى بِكَفَّارَةِ إفْسَادِ رَمَضَانَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ الْعِتْقُ وَلَمْ تَجُزْ الْوَرَثَةُ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. هَذَا وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْوَطَنِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَطَنٌ وَاحِدٌ أَوْ أَوْطَانٌ، فَإِنْ اتَّحَدَ تَعَيَّنَ. وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي خُرَاسَانِيٍّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ بِمَكَّةَ فَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ خُرَاسَانَ، وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مَكِّيٍّ قَدِمَ إلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّيِّ فَحَضَرَهُ الْمَوْتُ فَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ. أَمَّا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَقْرُنَ عَنْهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْرُنُ عَنْهُ مِنْ الرَّيِّ لِأَنَّهُ لَا قِرَانَ لِأَهْلِ مَكَّةَ فَيَحْمِلُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَوْطَانٌ فِي بُلْدَانٍ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِهَا إلَى مَكَّةَ، وَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا جَازَ مِنْهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إذَا عَيَّنَ مَكَانًا مَاتَ فِيهِ، فَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ مَكَانَ مَوْتِهِ وَقَدْ مَاتَ فِي سَفَرٍ، إنْ كَانَ سَفَرَ الْحَجِّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الَّذِي يَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ: يَعْنِي إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَأَطْلَقَ يَلْزَمُ الْحَجَّ مِنْ بَلَدِهِ عِنْدَهُ إلَّا إنْ عَجَزَ الثُّلُثَ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ. وَلَوْ كَانَ سَفَرَ تِجَارَةٍ حَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ تَعَيُّنَ مَكَانِ مَوْتِهِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ عِبَادَةُ سَفَرِهِ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَحَلِّ مَوْتِهِ، فَبِالسَّفَرِ مِنْهُ يَتَحَقَّقُ سَفَرُ الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ، وَلَا عِبَادَةَ فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ لِيَعْتَبِرَ الْبَعْضَ الَّذِي قَطَعَ عِبَادَةً مَعَ الْبَعْضِ الَّذِي بَقِيَ فَيَجِبُ إنْشَاءُ السَّفَرِ مِنْ الْبَلَدِ تَحْصِيلًا لِلْوَاجِبِ. فَإِنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَلَدِهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ الْعَادَةُ أَيْضًا أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ مِنْ بَلَدِهِ مُجَهَّزًا فَيَنْصَرِفَ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ وَلِهَذَا وَافَقَا أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْحَاجِّ الَّذِي مَاتَ فِي الطَّرِيقِ فِيمَا لَوْ أَقَامَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فِي طَرِيقِهِ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ثُمَّ مَاتَ فَأَوْصَى مُطْلَقًا أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ السَّفَرَ لَمَّا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَجَّةُ الَّتِي خَرَجَ لَهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ عَنْ الْحَجِّ إذَا حَصَلْنَا عَلَى هَذَا، فَلَوْ أَوْصَى عَلَى وَجْهٍ انْصَرَفَتْ إلَى بَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَالًا فَفَعَلَ الْوَاجِبَ فَأَحَجُّوا مِنْهَا وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَقَدْ أَنْفَقَ بَعْضَهَا أَوْ سُرِقَتْ كُلُّهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحُجُّ عَنْهُ ثَانِيًا مِنْ بَلَدِهِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ. وَقَالَا: مِنْ حَيْثُ مَاتَ. وَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمَالِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَنْظُرُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْمَدْفُوعِ شَيْءٌ حَجَّ بِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ. إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ تَمَامَ الثُّلُثِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَهُ يُكَمَّلُ، فَإِنْ بَلَغَ بَاقِيهِ مَا يَحُجُّ بِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مَا يَبْلُغُ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ، مَثَلًا: كَانَ الْمُخَلَّفُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ دَفَعَ الْوَصِيُّ أَلْفًا فَهَلَكَتْ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي أَوْ كُلِّهِ وَهُوَ أَلْفٌ، فَلَوْ هَلَكَتْ الثَّانِيَةُ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَهَا هَكَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى مَا ثُلُثُهُ يَبْلُغُ الْحَجَّ فَتَبْطُلُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَأْخُذُ ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا فَإِنَّهَا مَعَ تِلْكَ الْأَلْفِ ثُلُثُ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ، فَإِنْ كَفَتْ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: إنْ فَضَلَ مِنْ الْأَلْفِ الْأُولَى مَا يَبْلُغُ وَإِلَّا بَطَلَتْ. فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيمَا يَدْفَعُ ثَانِيًا وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِحْجَاجُ مِنْهُ ثَانِيًا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ تَعْيِينَ الْوَصِيِّ كَتَعْيِينِ الْمُوصِي، وَلَوْ عَيَّنَ الْمُوصِي مَالًا فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، فَكَذَا إذَا عَيَّنَ الْوَصِيُّ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَتَعْيِينُ الْوَصِيِّ إيَّاهُ صَحِيحٌ وَتَعْيِينُهُ

يَحُجُّ بِنَفْسِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ. قَالَ (وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ يَجْزِيهِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ، وَصَحَّ جَعْلُهُ ثَوَابَهُ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ عَلَى مَا فَرَّقْنَا مِنْ قَبْلُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ جَمِيعَ الثُّلُثِ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ، فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ يَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمَالُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِلْمُوصِي بَلْ مَقْصُودُهُ الْحَجُّ بِهِ. فَإِذَا لَمْ يُفِدْ هَذَا التَّعْيِينُ هَذَا الْمَقْصُودَ صَارَ كَعَدَمِهِ، وَمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ كَانَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ هَذَا الْإِفْرَازِ وَالْوَصِيَّةُ بَاقِيَةٌ بَعْدُ بِالْإِحْجَاجِ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي إذَا صَارَ الْهَالِكُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ مَحَلُّهَا ثُلُثَهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ السَّفَرَ هَلْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ أَوْ لَا فَقَالَا لَا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ نَعَمْ وَهُوَ قِيَاسٌ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ أَوْجَهُ وَهُمَا هُنَا أَوْجَهُ. لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ. صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَلَهُمَا فِي أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ خَرَجَ حَاجًّا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْحَاجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْمُعْتَمِرِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْغَازِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ. رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَبَقِيَّةُ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ. وَأَنْتَ قَدْ أَسْمَعْنَاك أَنَّ الْحَقَّ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ ثِقَةٌ أَيْضًا. ثُمَّ مَا رَوَاهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الْعَمَلِ وَالْكَلَامُ فِي بُطْلَانِ الْقَدْرِ الَّذِي وُجِدَ فِي حُكْمِ الْعِبَادَةِ وَالثَّوَابِ وَهُوَ غَيْرُهُ وَغَيْرُ لَازِمِهِ، لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْعَمَلِ لِفَقْدِ الْعَامِلِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَا كَانَ قَدْ وُجِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فِيمَا كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ حِينَ وُجِدَ ثُمَّ طَرَأَ الْمَنْعُ مِنْهُ. وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ هُنَا كَمَنْ صَامَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَجِبُ أَنْ يُوصِيَ بِفِدْيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ إمْسَاكِ ذَلِكَ الْيَوْم بَاقِيًا. [فَرْعٌ] مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَتَرَكَ تِسْعَمِائَةٍ فَأَنْكَرَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَاعْتَرَفَ الْآخَرُ فَدَفَعَ مِنْ حِصَّتِهِ مِائَةً وَخَمْسِينَ لِمَنْ يَحُجُّ بِهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ الْآخَرُ، فَإِنْ كَانَ حَجَّ بِأَمْرِ الْوَصِيِّ يَأْخُذُ الْمُقِرُّ مِنْ الْجَاحِدِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ لِأَنَّهُ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَبَقِيَتْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِيرَاثًا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَجَّ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَصِيِّ يَحُجُّ مَرَّةً أُخْرَى بِثَلَاثِمِائَةٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا) فَاسْتَفَدْنَا أَنَّهُ إذَا أَهَلَّ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو بِسَبَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ قِبَلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابَ وَتَرَتُّبُهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ قَبْلَهُ فَيَصِحُّ جَعْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مُتَنَفِّلًا عَنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا حَجُّ الْفَرْضِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ أَوْصَى بِهِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ عَنْهُ بِمَالِ نَفْسِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ بِالْإِحْجَاجِ أَوْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. يَجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْخَثْعَمِيَّةِ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ» الْحَدِيثَ، شَبَّهَهُ بِدَيْنِ الْعِبَادِ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى الْوَارِثُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ يَجْزِيهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَا هَذَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ تَبَرُّعَ الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَاذَا قَيَّدَ الْجَوَابَ بِالْمَشِيئَةِ بَعْدَمَا صَحَّ الْحَدِيثُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ بَلْ الظَّنَّ، فَمَا كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي طَرِيقُهَا الْعَمَلُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِيهِ لِأَنَّ الظَّنَّ طَرِيقُهُ فَقَدْ تَطَابَقَا، وَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الْمَيِّتِ بِأَدَاءِ الْوَرَثَةِ طَرِيقُهُ الْعِلْمُ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ يَشْهَدُ بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْقَطْعِ بِشَغْلِ الذِّمَّةِ بِهِ فَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جِدًّا لِمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قُضِيَ عَنْهُ حَجَّتُهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقَبِّلَ مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» هَذَا وَقَدْ سَبَقَ الْوَعْدُ بِتَقْرِيرِ مَسْأَلَةِ حَجِّ الصَّرُورَةِ عَنْ الْغَيْرِ. وَالصَّرُورَةُ يُرَادُ بِهِ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي، قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إسْنَادٌ لَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ. وَعَنْ هَذَا لَمْ يُجَوِّزْ الشَّافِعِيُّ النَّفَلَ لِلصَّرُورَةِ. قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ مُضْطَرَبٌ فِي وَقْفِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَفْعِهِ، وَالرُّوَاةُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، فَرَفَعَهُ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدَةُ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ وَأَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدٍ، وَوَقَفَهُ غُنْدَرٌ عَنْ سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي تَعَارُضِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ تُقْبَلُ مِنْ الثِّقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمٍ مُجَرَّدٍ عَنْ قِصَّةٍ وَاقِعَةٍ فِي الْوُجُودِ رَوَاهُ وَاحِدٌ عَنْ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ وَآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ، فَإِنَّ هَذَا يَتَقَدَّمُ فِيهِ الرَّفْعُ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ حَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً عَلَى وَجْهِ إعْطَاءِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ جَوَابًا لِسُؤَالٍ، وَلَا يُنَافِي هَذَا كَوْنُ مَا ذَكَرَهُ مَأْثُورًا عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا فِي مِثْلِ هَذِهِ وَهِيَ حِكَايَةُ قِصَّةٍ: هِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ مَنْ يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ لَهُ مَا قَالَ، أَوْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سَمِعَ مَنْ يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَهُوَ حَقِيقَةُ التَّعَارُضِ فِي شَيْءٍ وَقَعَ فِي الْوُجُودِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ أَوْ فِي زَمَنٍ آخَرَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ، وَتَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ وَقَعَ بِحَضْرَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمَاعُهُ رَجُلًا آخَرَ يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ لَهُ مَنْ شُبْرُمَةُ؟ فَقَالَ أَخٌ أَوْ قَرِيبٌ يُعَيِّنُ ذَلِكَ، فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَقْلًا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا فِي الْعَادَةِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ حُكْمُ التَّعَارُضِ الثَّابِتِ ظَاهِرًا طَالِبًا لِحُكْمِهِ فَيَتَهَاتَرَانِ. أَوْ يُرَجَّحُ وُقُوعُهُ فِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْحَجِّ كَانَتْ خَفِيَّةً فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى وَقَعَ الْخَطَأُ فِي تَرْتِيبِ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا «فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ» وَكَثِيرٌ، وَإِنَّمَا تَرَكُوا السُّؤَالَ ابْتِدَاءً ظَنًّا مِنْهُمْ بِأَنْ لَا تَرْتِيبَ مُعَيَّنًا فِي هَذِهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ أَرْكَانًا لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الْحَجَّ عَرَفَةَ عَنْهُ

[باب الهدي]

بَابُ الْهَدْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالطَّوَافُ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خِلَافُ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ فَزِعُوا إلَى السُّؤَالِ فَعَذَرَهُمْ بِالْجَهْلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَأَمَّا حَجُّ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ فَأَمْرٌ يَأْبَاهُ الْقِيَاسُ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ إذَا خَلَّى وَالنَّظَرُ فِي مَقْصُودِ التَّكَالِيفِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَمْ يَكُنْ يُقْدِمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِلَا سُؤَالٍ، ثُمَّ يَتَّفِقُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِالْحُكْمِ، بِخِلَافِهِ فِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ الْأَحْكَامُ وَعَرَفَ جَوَازَ النِّيَابَةِ بِاشْتِهَارِ حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ وَغَيْرِهِ بِعِلْمِ النَّاسِ لَهُ وَصَحَّ تَكْرَارُ ذَلِكَ فَهُوَ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْلَمَ أَصْلَ جَوَازِ النِّيَابَةِ فَيَفْعَلَ بِلَا سُؤَالٍ فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَأْيًا مِنْهُ وَلِأَنَّ ابْنَ الْمُفْلِسِ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِالْبَصْرَةِ فَيَجْعَلُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ كَانَ بِالْكُوفَةِ يُسْنِدُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يُفِيدُ اشْتِبَاهَ الْحَالِ عَلَى سَعِيدٍ وَقَدْ عَنْعَنَهُ قَتَادَةُ وَنُسِبَ إلَيْهِ تَدْلِيسٌ فَلَا تُقْبَلُ عَنْعَنَتُهُ، وَلَوْ سَلِمَ فَحَاصِلُهُ أُمِرَ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ النَّدْبَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ وَهُوَ إطْلَاقُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. «قَوْلُهُ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: حُجِّي عَنْ أَبِيكِ» مِنْ غَيْرِ اسْتِخْبَارِهَا عَنْ حَجِّهَا لِنَفْسِهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ عُمُومِ الْخِطَابِ فَيُفِيدُ جَوَازَهُ عَنْ الْغَيْرِ مُطْلَقًا. وَحَدِيثُ شُبْرُمَةَ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ تَقْدِيمِ حَجَّةِ نَفْسِهِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْجَمْعُ وَيُثْبِتُ أَوْلَوِيَّةَ تَقْدِيمِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ مَعَ جَوَازِهِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ حَجَّ الصَّرُورَةِ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحْقِيقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي أَوَّلِ سَنَى الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لَعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ بَلْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْفَرْضَ، إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ. فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» عَلَى الْوُجُوبِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْفِي الصِّحَّةَ وَيُحْمَلُ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ عَلَى عِلْمِهِ بِأَنَّهَا حَجَّتْ عَنْ نَفْسِهَا أَوَّلًا وَإِنْ لَمْ يَرْوِ لَنَا طَرِيقَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا: أَعْنِي دَلِيلَ التَّضْيِيقِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَحَدِيثِ شُبْرُمَةَ وَالْخَثْعَمِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْهَدْيِ] (بَابُ الْهَدْيِ) هَذَا الْبَابُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَبْوَابُ السَّابِقَةُ، فَإِنَّ الْهَدْيَ إمَّا لِمُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ كَفَّارَةِ جِنَايَةٍ أُخْرَى، فَأَخَّرَهُ عَنْهَا لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَكَذَا الْبَاقِي، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ

(الْهَدْيُ أَدْنَاهُ شَاةٌ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ: أَدْنَاهُ شَاةٌ» قَالَ (وَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَعَلَ الشَّاةَ أَدْنَى فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَعْلَى وَهُوَ الْبَقَرُ وَالْجَزُورُ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ فِيهِ، وَالْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَتَخَصَّصَانِ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَالشَّاةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: مَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا. وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ) وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيمَا سَبَقَ (وَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةَ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ وَحَسَا مِنْ الْمَرَقَةِ» وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لِمَا رَوَيْنَا، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ فِي الضَّحَايَا (وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا) لِأَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالَاتٍ تَسْتَدْعِي سَبْقَ تَصَوُّرِهِ مَفْهُومَاتِ مُتَعَلِّقَاتِهَا وَتَصْدِيقَاتٍ بِبَعْضِ أَحْكَامٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ أَدْنَاهُ شَاةٌ) يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَعْلَى. وَعِنْدَنَا أَفْضَلُهَا الْإِبِلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْغَنَمُ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) هَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ كَلَامِ عَطَاءٍ، أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: أَدْنَى مَا يُهْرَاقُ مِنْ الدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ شَاةٌ. وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ بَابِ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ فَأَفْتَانِي بِهَا، وَسَأَلْته عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ: فِيهِ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ الْحَدِيثَ فَخَاصٌّ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ) تَقَدَّمَ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَا إذَا طَافَتْ امْرَأَةٌ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) يَعْنِي قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَى مَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَهُ فِيهِ شَاةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ) يَعْنِي الْجِمَاعَ (أَعْلَى أَنْوَاعِ الارتفاقات) (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكَلَ مِنْ الْكُلِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ» الْحَدِيثَ، فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَكَذَا أَزْوَاجُهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَهَدْيُ الْقِرَانِ لَا يَسْتَغْرِقُ مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ هَدْيِ الْقِرَانِ وَالتَّطَوُّعِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا أَكَلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ بَعْدَمَا صَارَ إلَى الْحَرَمِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِأَنْ عَطِبَ أَوْ ذَبَحَهُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ تَتِمُّ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ، وَفِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَلْ بِالتَّصَدُّقِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَكَلَ لُقْمَةً ضَمِنَهُ كُلَّهُ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لُحُومِ الْهَدَايَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ أَعْطَى الْجَزَّارَ أَجْرَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَحَيْثُمَا جَازَ الْأَكْلُ لِلْمُهْدِي جَازَ أَنْ يَأْكُلَ الْأَغْنِيَاءُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ فِي الضَّحَايَا) وَهُوَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا وَكُلُّ دَمٍ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ

دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَبَعَثَ الْهَدَايَا عَلَى يَدَيْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ لَهُ: لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَرُفْقَتُكَ مِنْهَا شَيْئًا» (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ (وَفِي الْأَصْلِ يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي التَّطَوُّعَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا هَدَايَا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِتَبْلِيغِهَا إلَى الْحَرَمِ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ جَازَ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَفْضَلُ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي إرَاقَةِ الدَّمِ فِيهَا أَظْهَرُ، أَمَّا دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصَدُّقُ بَعْدَ الذَّبْحِ لِتَمَامِ الْقُرْبَةِ بِهِ. وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الدِّمَاءَ نَوْعَانِ: مَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ الْأَكْلُ مِنْهُ وَهُوَ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ دَمُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْإِحْصَارِ، وَكُلُّ دَمٍ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَبَطَلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ بِالْأَكْلِ، وَكُلُّ دَمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي النَّوْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْهَلَاكِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْفُقَرَاءِ لِتَعَدِّيهِ عَلَى حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجِبُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ. وَلَوْ بَاعَ اللَّحْمَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فِي النَّوْعَيْنِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ إلَّا أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِثَمَنِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ وَقَالَ لَهُ: إنْ عَطِبَ فَانْحَرْهُ ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِيهِ «لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا رُفْقَتُكَ» وَقَدْ أَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ فِي أَوَّلِ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِيهَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَعْمَلَ عَلَى هَدْيِهِ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيَّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ بِهَا، قَالَ: وَكَانَتْ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فَذَكَرَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: عَطِبَ مَعِي بَعِيرٌ مِنْ الْهَدْيِ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَبْوَاءِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: انْحَرْهَا وَاصْبُغْ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِكَ مِنْهَا شَيْئًا وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سِنَانِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ بِالْبُدْنِ مَعَهُ ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ» وَأُعِلَّ بِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يُدْرِكْ سِنَانًا. وَالْحَدِيثُ مُعَنْعَنٌ فِي مُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَهْ، إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَ لَهُ شَوَاهِدَ وَلَمْ يُسَمِّ ذُؤَيْبًا بَلْ قَالَ إنَّ رَجُلًا، وَإِنَّمَا نَهَى نَاجِيَةَ وَمَنْ ذُكِرَ عَنْ الْأَكْلِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ: لَا دَلَالَةَ لِحَدِيثِ نَاجِيَةَ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ فِيمَا عَطِبَ مِنْهَا فِي الطَّرِيقِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ أَوْ لَا اهـ. وَقَدْ أَوْجَدْنَا فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا ذُبِحَ فِي الطَّرِيقِ امْتِنَاعَ أَكْلِهِ مِنْهُ وَجَوَازَهُ بَلْ اسْتِحْبَابَهُ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ. وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ يَسْتَقِلُّ بِالْمَطْلُوبِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ دَمَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ يَجُوزُ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَا يَجُوزُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ إلَّا فِيهَا، وَدَمُ الْإِحْصَارِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَبْلَهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ أَمَّا دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا} [البقرة: 58] الْآيَةَ، إلَى قَوْلِهِ {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] قَدْ بَيَّنَّا فِي كَوْنِ وَقْتِ الطَّوَافِ وَقْتِ الذَّبْحِ مَا يُفِيدُ مِثْلُهُ وَجْهَ كَوْنِ وَقْتِ الذَّبْحِ وَقْتِ

وَقَضَاءُ التَّفَثِ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ (وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ اعْتِبَارًا بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَمُ جَبْرٍ عِنْدَهُ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ فَلَا تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَانَ التَّعْجِيلُ بِهَا أَوْلَى لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إلَّا فِي الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَصَارَ أَصْلًا فِي كُلِّ دَمٍ هُوَ كَفَّارَةٌ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَان وَمَكَانُهُ الْحَرَمُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةٌ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَضَاءِ التَّفَثِ فَارْجِعْ تَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا وَجْهُ الِاخْتِصَاصِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَنْفِيَ الْجَوَازَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ يُفِيدُ كَوْنَهُ فِيهَا فَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، وَالْمُرَادُ الِاخْتِصَاصُ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا لَوْ ذَبَحَ بَعْدَهَا أَجْزَأَ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ وَقَبْلَهَا لَا يُجْزِئُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا كَذَلِكَ فِي الْقِبْلِيَّةِ وَكَوْنُهُ فِيهَا هُوَ السُّنَّةُ، حَتَّى لَوْ ذَبَحَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَإِطْلَاقُ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ فِيهِ نَوْعُ إيهَامٍ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا) وَهِيَ هَدْيُ الْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ وَالْإِحْصَارِ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إلَّا فِي الْحَرَمِ) سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرَهُ، قَالَ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَكَانَ أَصْلًا فِي كُلِّ دَمٍ وَجَبَ كَفَّارَةً، وَقَالَ تَعَالَى فِي دَمِ الْإِحْصَارِ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَقَالَ فِي الْهَدَايَا مُطْلَقًا {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَان فَالْإِضَافَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَفْهُومِهِ وَهُوَ الْحَرَمُ بِالْإِجْمَاعِ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمِنًى. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِنًى، وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الدِّمَاءَ قِسْمَانِ

فَقِيرٍ قُرْبَةٌ. قَالَ (وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) لِأَنَّ الْهَدْيَ يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان لِيَتَقَرَّبَ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ لَا عَنْ التَّعْرِيفِ فَلَا يَجِبُ، فَإِنْ عُرِفَ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ فَحَسَنٌ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَعَسَى أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُعَرِّفَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّشْهِيرِ بِخِلَافِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَسَبَبُهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السَّتْرُ. قَالَ (وَالْأَفْضَلُ فِي الْبُدْنِ النَّحْرُ وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ الْجَزُورُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَالذِّبْحُ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْإِبِلَ وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ» ثُمَّ إنْ شَاءَ نَحَرَ الْإِبِلَ فِي الْهَدَايَا قِيَامًا وَأَضْجَعَهَا، وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قِيَامًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا» ، وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، وَلَا يَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ قِيَامًا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ الْمَذْبَحَ أَبْيَنُ فَيَكُونُ الذَّبْحُ أَيْسَرَ وَالذَّبْحُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ) أَمَّا نَحْرُ الْإِبِلِ فَحَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِيهِ «فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ» الْحَدِيثَ. وَأَمَّا ذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالُوا: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ» وَأَخْرَجَ السِّتَّةُ حَدِيثَ التَّضْحِيَةِ بِالْغَنَمِ بِمَا يُفِيدُ الذَّبْحَ. وَمِنْ قَرِيبٍ سَمِعْتُ حَدِيثَ «ذَبْحِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْكَبْشَيْنِ الْأَمْلَحَيْنِ» . وَأَمَّا أَنَّهُ نَحَرَ الْإِبِلَ قِيَامًا وَأَصْحَابُهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَنْحَرُ بَدَنَةً وَهِيَ بَارِكَةٌ فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَنَحْنُ مَعَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ بَدَنَاتٍ قِيَامًا» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا» وَأُبْعِدَ مَنْ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ بَلْ هُوَ مُسْنَدٌ عَنْ جَابِرٍ وَإِنْ كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مَرَّةً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ. هَذَا وَإِنَّمَا سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّحْرَ قِيَامًا عَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] وَالْوُجُوبُ السُّقُوطُ، وَتَحَقُّقُهُ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَظْهَرُ قَالَ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ، وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» ، وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَالتَّوَلِّي فِي الْقُرُبَاتِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخُشُوعِ، إلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهُ فَجَوَّزْنَا تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ. قَالَ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) سَوَاءٌ أُرِيدَ بِالتَّعْرِيفِ الذَّهَابُ بِهَا إلَى عَرَفَاتٍ أَوْ التَّشْهِيرُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ. وَقَوْلُهُ (فَعَسَى أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ) يُشِيرُ إلَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّشْهِيرِ) إلَى الثَّانِي (قَوْلُهُ نَيِّفًا وَسِتِّينَ) ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ، وَالنَّيْفُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثٍ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةً: نَحَرْت بَدَنَةً قَائِمَةً فَكِدْت أُهْلِكُ

وَخِطَامِهَا وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَبِخَطْمِهَا وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا» (وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا) لِأَنَّهُ جَعَلَهَا خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهَا أَوْ مَنَافِعِهَا إلَى نَفْسِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ (وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْلُبْهَا) لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ (وَيُنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِد حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ) وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِئَامًا مِنْ النَّاسِ لِأَنَّهَا نَفَرَتْ فَاعْتَقَدْتُ أَنْ لَا أَنْحَرَ الْإِبِلَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بَارِكَةً مَعْقُولَةً وَأَسْتَعِينَ بِمَنْ هُوَ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنِّي. وَفِي الْأَصْلِ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَذْبَحَهُ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، فَإِنْ ذَبَحَهُ جَازَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ» وَيَكْفِي عَنْ هَذَا أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ يَذْكُرَهُ قَبْلَ ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ ثُمَّ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ) رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» وَفِي لَفْظٍ «وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا» وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ الْبُخَارِيُّ «وَنَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» وَفِي لَفْظٍ «وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجِلَالَهَا وَجُلُودَهَا فِي الْمَسَاكِينِ وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا» ، قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ: جِزَارَتُهَا بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا فَبِالْكَسْرِ الْمَصْدَرُ، وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعُنُقِ، وَكَانَ الْجَزَّارُونَ يَأْخُذُونَهَا فِي أُجْرَتِهِمْ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ ارْكَبْهَا، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: لَمْ نَرَ اسْمَ هَذَا الْمُبْهَمِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رُكُوبِ الْبَدَنَةِ الْمُهْدَاةِ؛ فَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِإِطْلَاقِ هَذَا الْأَمْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ سِيرَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ مُجَانَبَةُ السَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي. وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ وَلَمْ يَرْكَبْهُ وَلَا أَمَرَ النَّاسَ بِرُكُوبِ هَدَايَاهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِ هَذَا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَرْكَبُهَا إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ حَمْلًا لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ، عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَمَّا رَأَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَاجَةِ الرَّجُلِ إلَى ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي وَاقِعَةِ حَالٍ فَاحْتَمَلَ الْحَاجَةَ بِهِ وَاحْتَمَلَ عَدَمَهَا، فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يُفِيدُ أَحَدَهُمَا حَمَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ وَجَدَ مِنْ الْمَعْنَى مَا يُفِيدُهُ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَهَا كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ مِنْهَا شَيْئًا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَيَجْعَلَ مَحْمَلَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ. ثُمَّ رَأَيْنَا اشْتِرَاطَ الْحَاجَةِ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ «أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَسْأَلُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذْ أُلْجِئْتَ إلَيْهَا» فَالْمَعْنَى يُفِيدُ مَنْعَ الرُّكُوبِ مُطْلَقًا وَالسَّمْعُ وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ رُخْصَةً فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْمَنْعِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْمَعْنَى لَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ: فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ: يَعْنِي إنْ نَقَصَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ (قَوْلُهُ وَيُنْضِحُ ضَرْعَهَا) أَيْ يَرُشُّهُ بِالْمَاءِ وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ

فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْهُ يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ (وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ فَاتَ (وَإِنْ كَانَ عَنْ وَاجِبٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ (وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ يُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْمَعِيبَ بِمِثْلِهِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَيْرِهِ (وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ اُلْتُحِقَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا وَصَبَغَ نَعْلَهَا بِدَمِهَا وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا وَلَا يَأْكُلُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ) مِنْهَا بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ قِلَادَتُهَا، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ فَاتَ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ لِمَ لَا يَكُونُ كَأُضْحِيَّةِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا تَطَوُّعٌ عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَاهَا لِلتَّضْحِيَةِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لِلْوَعْدِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْغَنِيِّ، حَتَّى إنَّ الْغَنِيَّ إذَا اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا. أُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْجَبَ الْفَقِيرُ بِلِسَانِهِ فِي كُلٍّ مِنْ الشَّاتَيْنِ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ، أَمَّا لَوْ لَمْ يُوجِبْ بِلِسَانِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَاسْتَوْضَحَهُ بِمَسْأَلَةٍ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ اشْتَرَى الْفَقِيرُ الْأُضْحِيَّةَ فَمَاتَتْ أَوْ بَاعَهَا لَا تَلْزَمُهُ أُخْرَى، وَكَذَا لَوْ ضَلَّتْ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الْإِيرَادِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مَسْأَلَةَ أُضْحِيَّةِ الْفَقِيرِ مُطْلَقَةً عَنْ الْإِيجَابِ بِلِسَانِهِ فَرَدُّهَا إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ لَازِمٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى لِظُهُورِ عَدَمِ الْوُجُوبِ بِلَا إيجَابٍ مِنْ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَدَنَةُ عَنْ وَاجِبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ شَاةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وَبِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْإِسْقَاطِ لَا تَتَعَيَّنُ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ مَا لَمْ تُذْبَحْ عَنْهُ وَالذِّمَّةُ مَا عَنْهُ يُثْبِتُ فِي الْآدَمِيِّ أَهْلِيَّةَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ) بِأَنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْأُذُنِ مَثَلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: إذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ) أَيْ قَرُبَتْ مِنْ الْعَطَبِ حَتَّى خِيفَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهَا السَّيْرُ لِأَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ حَقِيقَةِ الْهَلَاكِ لَا يَكُونُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَطَبِ الْأَوَّلِ حَقِيقَتُهُ وَبِالثَّانِي الْقُرْبُ مِنْهُ، ذَكَرَهُ لِبَيَانِ مَا شَرَعَ فِيهِ إذَا بَلَغَ هَذِهِ الْحَالَةَ (قَوْلُهُ وَبِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) تَقَدَّمَ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ) أَيْ فَائِدَةُ صَبْغِ نَعْلِهَا

وَهَذَا لِأَنَّ الْإِذْنَ بِتَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ جَزَرًا لِلسِّبَاعِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ وَالتَّقَرُّبُ هُوَ الْمَقْصُودُ (فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَقَامَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِمَا عَيَّنَهُ وَهُوَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَيُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ فَيَلِيقُ بِهِ (وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْإِحْصَارِ وَلَا دَمَ الْجِنَايَاتِ) لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ بِهَا، وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْهَدْيَ وَمُرَادُهُ الْبَدَنَةُ لِأَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ الشَّاةَ عَادَةً. وَلَا يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا عِنْدَنَا لِعَدَمِ فَائِدَةِ التَّقْلِيدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدَمِهَا وَضَرْبِ صَفْحَتِهَا بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ (قَوْلُهُ جَزَرًا لِلسِّبَاعِ) الْجَزَرُ بِفَتْحَتَيْنِ: اللَّحْمُ الَّذِي تَأْكُلُهُ السِّبَاعُ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ ... مَا بَيْنَ قُلَّةِ رَأْسِهِ وَالْمِعْصَمِ وَقَالَ آخَرُ: إنْ يَفْعَلَا فَلَقَدْ تَرَكْت أَبَاهُمَا ... جَزَرَ الْخَامِعَةِ وَنَسْرَ قَشْعَمِ (قَوْلُهُ وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا) أَيْ بِجِنْسِ الدِّمَاءِ الْجَابِرَةِ وَهِيَ دِمَاءُ الْجِنَايَاتِ فَلَا يُقَلِّدُهَا هَدْيُ الْإِحْصَارِ كَمَا لَا يُقَلِّدُ هَدْيَ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ يُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَهُوَ الْبَدَنَةُ فَيَدْخُلُ الْبَقَرُ دُونَ الشَّاةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) يُرِيدُ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَ بَابِ الْقِرَانِ مِنْ قَوْلِهِ وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ عَدَمَ الْفَائِدَةِ الَّتِي هِيَ عَدَمُ الضَّيَاعِ، فَإِنَّ الْغَنَمَ تَضِيعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا صَاحِبُهَا. [فُرُوعٌ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْأَصْلِ مَشْرُوحَةٌ فِي الْمَبْسُوطِ] كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ مِنْ الْمَنَاسِكِ جَازَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ سِتَّةَ نَفَرٍ قَدْ وَجَبَ الدِّمَاءُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ اشْتَرَى بَدَنَةً لِمُتْعَةٍ مَثَلًا ثُمَّ اشْتَرَكَ فِيهَا سِتَّةٌ بَعْدَمَا أَوْجَبَهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَهَا صَارَ الْكُلُّ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَدْرَ مَا يَجْزِي فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ بِإِيجَابِهِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِمَّا أَوْجَبَهُ هَدْيًا، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ يَشْتَرِكَ مَعَهُ فِيهَا سِتَّةُ نَفَرٍ أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ الْكُلَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَلَكِنْ لَمْ يُوجِبْهَا حَتَّى أَشْرَكَ السِّتَّةَ جَازَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ بِأَمْرِ الْبَاقِينَ حَتَّى تَثْبُتَ الشَّرِكَةُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْبَدَنَةُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِهَدْيِهِ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا لِأَنَّهُ جَعَلَهَا لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصَةً وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا ثُمَّ انْفَصَلَ بَعْدَمَا سَرَى إلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهُ مَعَهَا. وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا فَحَسَنٌ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَحَسَنٌ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ بِالْوَلَدِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُذْبَحَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَ فَكَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فَرَضِيَ وَارِثُهُ أَنْ يَنْحَرَهَا مَعَهُمْ عَنْ الْمَيِّتِ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا

[مسائل منثورة]

مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ (أَهْلُ عَرَفَةَ إذَا وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجْزِيَهُمْ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَلَا يَقَعُ عِبَادَةٌ دُونَهُمَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجْزِيهِمْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُوصِ بِهِ فَقَدْ انْقَطَعَ حَقُّ الْقُرْبَةِ عَنْ نَصِيبِهِ فَصَارَ مِيرَاثًا، وَهَذَا التَّقَرُّبُ تَقَرُّبٌ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا بِأَمْرِهِ كَالْعِتْقِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّصَدُّقُ وَتَقَرُّبُ الْوَارِثِ بِالتَّصَدُّقِ عَنْ الْمَيِّتِ صَحِيحٌ بِلَا إيصَاءٍ، فَكَذَا تَقَرُّبُهُ بِإِبْقَاءِ مَا قَصَدَ الْمُوَرِّثُ بِنَصِيبِهِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ يَكُونُ صَحِيحًا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا يُرِيدُ بِهِ اللَّحْمَ دُونَ الْهَدْيِ لَمْ يُجْزِهِمْ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ وَاحِدَةٌ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا الْقُرْبَةُ وَعَدَمُهَا، وَأَيُّ الشُّرَكَاءِ نَحَرَهَا يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَ عَنْ الْكُلِّ. وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا هَدْيَ صَاحِبِهِ أَجْزَأَهُمَا اسْتِحْسَانًا لَا فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ كُلًّا غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ فَصَارَ ضَامِنًا، لَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ فَقَالَ: كُلٌّ مَأْذُونٌ فِيمَا صَنَعَ دَلَالَةً لِأَنَّ صَاحِبَ الْهَدْيِ يَسْتَعِينُ بِكُلِّ أَحَدٍ عَادَةً فَكَانَ كَالْإِفْصَاحِ بِالْإِذْنِ وَيَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا هَدْيَهُ مِنْ صَاحِبِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ صَاحِبِهِ هَدْيَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهُ فَيَشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ هَدْيًا آخَرَ يَذْبَحَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا تَصَدَّقَ بِالْقِيمَةِ، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْهَدْيِ مِثْلُهُ فِي الْأُضْحِيَّةَ. وَمَنْ اشْتَرَى هَدْيًا فَضَلَّ فَاشْتَرَى مَكَانَهُ آخَرَ وَأَوْجَبَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ نَحَرَهُمَا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ نَحَرَ الْأَوَّلَ وَبَاعَ الثَّانِيَ جَازَ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَإِنْ بَاعَ الْأَوَّلَ وَذَبَحَ الثَّانِيَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ. وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالتَّطَوُّعِ فِي هَذَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا صَارَا لِلَّهِ تَعَالَى إذْ جَعَلَهُمَا هَدْيًا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَإِنْ سَاقَ بَدَنَةً لَا يَنْوِي بِهَا الْهَدْيَ قَالَ: إنْ كَانَ سَاقَهَا إلَى مَكَّةَ فَهِيَ هَدْيٌ، وَأَرَادَ بِهَذَا إذَا قَلَّدَهَا وَسَاقَهَا لِأَنَّ هَذَا لَا يُفْعَلُ عَادَةً إلَّا بِالْهَدْيِ فَكَانَ سَوْقُهَا بَعْدَ إظْهَارِ عَلَامَةِ الْهَدْيِ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ جَعْلِهِ إيَّاهَا بِلِسَانِهِ هَدْيًا. [مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ] (مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَذْكُرُوا عَقِيبَ الْأَبْوَابِ مَا شَذَّ مِنْهَا مِنْ الْمَسَائِلِ فَتَصِيرُ مَسَائِلُ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَتُتَرْجَمُ تَارَةً بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ وَتَارَةً بِمَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ وَشَهِدَ قَوْمٌ) صُورَتُهَا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحَجَّةِ فِي لَيْلَةِ

شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَعَلَى أَمْرٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ حَجِّهِمْ، وَالْحَجُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فَلَا تُقْبَلُ، وَلِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامًا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَزُولَ الِاشْتِبَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا الْيَوْمُ يَكُونُ يَوْمُ الْوُقُوفِ مِنْهُ الْعَاشِرَ. وَذَكَرَ لِلِاسْتِحْسَانِ أَوْجُهًا: أَحَدَهَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ: أَيْ نَفْيِ جَوَازِ الْوُقُوفِ وَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً وَهُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، ثُمَّ هُوَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ جَوَازِ وُقُوفِهِمْ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحُكْمِ بَلْ الْفَتْوَى تُفِيدُ عَدَمَ سُقُوطِ الْفَرْضِ فَيُخَاطَبُ بِهِ، وَعَدَمُ سُقُوطِهِ هُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا وَصَارَ كَمَا لَوْ رَآهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ كَذَلِكَ ثُمَّ أَخَّرُوا الْوُقُوفَ. ثَانِيَهَا: أَنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْوُقُوفِ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ بَلْ قَدْ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ شَرْعًا، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّاسُ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ التَّاسِعُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تَعْرِفُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» أَيْ أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأَى أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ. ثَالِثَهَا: أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ لَكِنَّ وُقُوفَهُمْ جَائِزٌ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ مِمَّا يَغْلِبُ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْجَوَازِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ لَزِمَ الْحَرَجُ الشَّدِيدُ وَقَدْ نَفَاهُ بِفَضْلِهِ الْغَنِيُّ عَنْ الْعَالَمِينَ. وَهَذَا الْوَجْهُ يَصْلُحُ بَيَانًا بِالْحِكْمَةِ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْمَذْكُورُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا عَدَمُ صِحَّةِ الْوُقُوفِ فَلَا فَائِدَةَ فِي سَمَاعِهَا لِلْإِمَامِ فَلَا يَسْمَعُهَا لِأَنَّ سَمَاعَهَا يُشْهِرُهَا بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَكْثُرُ الْقِيلُ وَالْقَالُ فِيهَا وَتَثُورُ الْفِتْنَةُ وَتَتَكَدَّرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّكِّ فِي صِحَّةِ حَجِّهِمْ بَعْدَ طُولِ عَنَائِهِمْ، فَإِذَا جَاءُوا لِيَشْهَدُوا يَقُولُ لَهُمْ انْصَرِفُوا لَا نَسْمَعُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ. وَهَلْ يَجُوزُ وُقُوفِ الشُّهُودِ؟ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وُقُوفُهُمْ وَحَجُّهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا كَانَ مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَقَفَ يَوْمَ عَرَفَةَ: يَعْنِي فِي الْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ لَمْ يُجْزِ وُقُوفُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُقُوفَ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ جَازَ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ فَلَا يَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ بِانْفِرَادِهِ، وَكَذَا إذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الْوُقُوفَ لِمَعْنًى يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لَمْ يَجُزْ وُقُوفُ مَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ. فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ لَا عِلَّةَ بِالسَّمَاءِ فَوَقَفَ بِشَهَادَتِهِمَا قَوْمٌ قَبْلَ الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ وُقُوفُهُمْ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ بِسَبَبٍ يَجُوزُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَخَّرَهُ لِلِاشْتِبَاهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ) يَعْنِي إذَا ظَهَرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ وَالْكَلَامُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ الثَّامِنُ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ أَنَّهُ الثَّامِنُ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحَجَّةِ ثَبَتَ بِإِكْمَالِ عِدَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ وَاعْتِقَادُهُ التَّاسِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُئِيَ

يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْمُؤَخَّرِ لَهُ نَظِيرٌ وَلَا كَذَلِكَ جَوَازُ الْمُقَدَّمِ. قَالُوا: يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَسْمَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَقُولَ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ فَانْصَرِفُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إيقَاعُ الْفِتْنَةِ. وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ لَمْ يَعْمَلْ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ. قَالَ (وَمَنْ رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ وَلَمْ يَرْمِ الْأُولَى، فَإِنْ رَمَى الْأُولَى ثُمَّ الْبَاقِيَتَيْنِ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ الْمَسْنُونَ (وَلَوْ رَمَى الْأُولَى وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجْزِيهِ مَا لَمْ يُعِدْ الْكُلَّ لِأَنَّهُ شَرَعَ مُرَتَّبًا فَصَارَ كَمَا إذَا سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ. وَالْقَائِلُونَ إنَّهُ الثَّامِنُ حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَرَآهُ الَّذِينَ شَهِدُوا فَهِيَ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ) بِأَنْ شَهِدُوا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي هُمْ بِهَا فِي مِنًى مُتَوَجِّهِينَ إلَى عَرَفَاتٍ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجْنَا بِهِ مِنْ مَكَّةَ الْمُسَمَّى بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَانَ التَّاسِعَ لَا الثَّامِنَ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ بِأَنْ يَسِيرَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِيَقِفَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِالنَّاسِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا وَيَقِفَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ صَارَ كَشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ فِي اللَّيْلِ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَلَا يُدْرِكُهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ لَزِمَهُ الْوُقُوفُ ثَانِيًا، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَاتَ حَجُّهُ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ فِي وَقْتِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا) فَلَا يَتَعَلَّقُ جَوَازُ رَمْيِ إحْدَاهَا بِرَمْيِ أُخْرَى، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ الْمُتَسَاوِيَةِ الرُّتَبِ. وَلَوْلَا وُرُودُ النَّصِّ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ بِالتَّرْتِيبِ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ فِيهَا أَيْضًا، بِخِلَافِ تَرْتِيبِ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ تَبَعًا حَتَّى لَا يَشْرَعَ إلَّا عَقِيبَ طَوَافٍ، وَبِخِلَافِ الْمَرْوَةِ فَإِنَّ الْبُدَاءَةَ مِنْ الصَّفَا قَدْ ثَبَتَتْ

فَلَا يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ، بِخِلَافِ السَّعْيِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَالْمَرْوَةُ عُرِفَتْ مُنْتَهَى السَّعْيِ بِالنَّصِّ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْبُدَاءَةُ. قَالَ (وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» بِصِيغَةِ الْأَمْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَخْرِيجِهِ، فَالتَّرْتِيبُ الْوَاقِعُ فِعْلًا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحْمُولٌ عَلَى السُّنَّةِ إذْ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا التَّقْرِيرُ مَنْعَ مَا قِيلَ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِدَلِيلِ لُزُومِ دَمٍ وَاحِدٍ فِي تَرْكِ كُلِّهَا. قُلْنَا: إقَامَتُهَا فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ ظَاهِرٌ فِي التَّعَدُّدِ فَيَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَهُ حَتَّى يُوجِبَ الْخُرُوجَ عَنْهُ مُوجِبٌ، وَتَمَاثُلُ الْأَعْمَالِ لَا يُوجِبُهُ بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالتَّعَدُّدِ مِنْ الْأَسَابِيعِ الْمُتَعَدِّدَةِ مِنْ الطَّوَافِ لِأَنَّهَا تُقَامُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَاتِّحَادُ الدَّمِ لَيْسَ لِلْوَحْدَةِ الْحَقِيقِيَّةِ شَرْعًا بَلْ يَثْبُتُ مَعَ التَّعَدُّدِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْجِنَايَاتِ رَحْمَةً وَفَضْلًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَزْنًا غَيْرَ الْمُحْصَنِ مِرَارًا إذَا ثَبَتَتْ كُلُّهَا يَلْزَمُ مُوجِبٌ وَاحِدٌ، فَكَذَا الدَّمُ لِأَنَّ لُزُومَهُ مُوجِبٌ جِنَايَةً. وَلَوْ سَلِمَ اعْتِبَارُهَا وَاحِدَةً فِي حَقِّ حُكْمٍ لَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ حُكْمٍ مَعَ قِيَامِ التَّعَدُّدِ الْحَقِيقِيِّ بَلْ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْمَعْقُولَ فِي مَحَلِّ اعْتِبَارِهَا وَاحِدَةً وَهُوَ مَوْضِعُ الْجِنَايَةِ الْحُكْمُ بِتَدَاخُلِهَا فَضْلًا وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي تَرْكِ التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) وَهَذَا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَتَلْزَمُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَالْتِزَامِ التَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ (وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبَ وَبَيْنَ أَنْ يَمْشِيَ، وَهَذَا) أَعْنِي مَا فِي الْجَامِعِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ (إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ) وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا قُلْنَا؛ وَإِنَّمَا انْتَهَى الْمَشْيُ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ مُنْتَهَى أَعْمَالِ الْحَجِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةَ كَمَالٍ؟ قُلْنَا إنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ سُوءِ خُلُقِ الْفَاعِلِ لَهُ كَأَنْ يَكُونَ صَائِمًا مَعَ الْمَشْيِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْمَأْثَمِ مِنْ مُجَادَلَةِ الرَّفِيقِ وَالْخُصُومَةِ، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا كُفَّ بَصَرُهُ: مَا أَسِفْت عَلَى شَيْءٍ كَأَسَفِي عَلَى أَنْ لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ مَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ» . لَا يُقَالُ: لَا نَظِيرَ لِلْمَشْيِ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النَّذْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ وَاجِبٌ عَلَى مَا ذَكَرْته فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ لَهُ نَظِيرٌ، وَهُوَ مَشْيُ الْمَكِّيِّ الَّذِي لَا يَجِدُ الرَّاحِلَةَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَنَفْسُ الطَّوَافِ أَيْضًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَحَلِّ ابْتِدَاءِ وُجُوبِ الْمَشْيِ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهُ قِيلَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عُرْفًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الرِّوَايَةِ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ أَنَّ بَغْدَادِيًّا قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَقِيَهُ بِالْكُوفَةِ فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ بَغْدَادَ، وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِهِ فَالْإِنْفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَمْشِي مِنْ بَيْتِهِ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَنْ لَا فَرْقَ فِي الْوُجُوبِ بَيْنَ أَنْ يُنْجِزَ النَّذْرَ أَوْ يُعَلِّقَهُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ فِي الْإِيجَابِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَجَّةً وَلَا عُمْرَةً فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ تُعُورِفَ إيجَابُ النُّسُكِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ، فَإِنْ جَعَلَهَا حَجَّةَ مَشْيٍ فَلَمْ يَرْكَبْ حَتَّى يَطُوفَ أَوْ عُمْرَةَ مَشْيٍ حَتَّى يَحْلِقَ، وَلَوْ قَرَنَهَا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ جَازَ. فَإِنْ رَكِبَ فَعَلَيْهِ دَمٌ مَعَ دَمِ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا، وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةً مَاشِيًا ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ تَطَوُّعًا ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا الْحَجَّةَ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ وَهُوَ قَارِنٌ، وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَمَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَكُلُّ مَنْ نَذَرَ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى الْأَصْلِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ إذَا رَكِبَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ مُتَتَابِعًا فَقَطَعَ التَّتَابُعَ، وَلَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ نَصًّا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَنَدُهُ حُجَّةٌ. وَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا " لِتَمْشِ وَلِتَرْكَبَ " وَلَمْ يَزِدْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَمَحْمُولٌ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الْمَرْوِيِّ بِدَلِيلِ مَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، ثُمَّ إطْلَاقُ الرُّكُوبِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى عِلْمِهِ بِعَجْزِهَا عَنْ الْمَشْيِ بِدَلِيلِ مَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَإِنَّهَا لَا تُطِيقُ الْمَشْيَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِكَ، فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً» إلَّا أَنَّهُ عَمِلَ بِإِطْلَاقِ الْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ بَدَنَةٍ لِقُوَّةِ رِوَايَتِهَا. وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ إيجَابَ النُّسُكِ بِنَذْرِ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَعَارُفِ إرَادَةِ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ غَيْرَهُ، فَلَوْ نَوَى بِهِ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ الْمُكَرَّمَةِ أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مَسْجِدٍ غَيْرِهِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. أَمَّا صِحَّةُ نِيَّتِهِ فَلِمُطَابَقَتِهَا لِلَفْظِهِ إذْ الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا صَحَّتْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ سَائِرَ الْمَسَاجِدِ يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهَا بِلَا إحْرَامٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْتَزِمًا لِلْإِحْرَامِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ الْكَعْبَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ. وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِي الْتِزَامِ النُّسُكِ بِهِ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ النُّسُكُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْحَرَمِ وَلَا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَّا بِالْإِحْرَامِ فَكَانَ بِذَلِكَ مُلْتَزِمًا لِلْإِحْرَامِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَوْلُهُ أَوْجَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَرَفَ فَإِنَّ الِالْتِزَامَ لِلنُّسُكِ بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَ مَدْلُولًا وَضْعِيًّا بَلْ عُرْفِيًّا، فَكَوْنُ التَّوَصُّلِ فِي الْخَارِجِ بِالْفِعْلِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَيْسَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ لَا يُوجِبُ أَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ يُفِيدُهُ إذَا تَأَمَّلْت قَلِيلًا. وَأَمَّا كَوْنُ التَّوَصُّلِ إلَى الْحَرَمِ أَيْضًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَدْعِي الْإِحْرَامَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْآفَاقِيُّ إلَّا مَكَانًا فِي الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا جَازَ لَهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِلَا إحْرَامٍ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا لُزُومَ لَوْ قَالَ إلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا بِالْفِعْلِ إلَّا بِالْإِحْرَامِ شَرْعًا، فَعَرَفَ أَنَّ الْمَدَارَ تَعَارُفُ الْإِيجَابِ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَكَانَ الْمَشْيِ غَيْرَهُ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ لَا يَلْزَمُ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْخُرُوجُ أَوْ السَّفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ إحْرَامٌ حَيْثُ يَلْزَمُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَارَفْ الْإِيجَابُ بِهِ لِإِفَادَتِهِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَضْعًا، وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الرُّكُوبُ أَوْ الْإِتْيَانُ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَكَذَا الشَّدُّ وَالْهَرْوَلَةُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا أَوْ مِيزَابِهَا أَوْ عَرَفَاتٍ أَوْ مُزْدَلِفَةِ أَوْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ تَعَارُفِ إيجَابِ النُّسُكِ بِهِ، وَفِي مَوْضِعٍ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ إلَى الرُّكْنِ يَلْزَمُهُ، وَإِلَى أُسْطُوَانَةِ الْبَيْتِ أَوْ زَمْزَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ مَذْكُورٌ فِي الْمَبْسُوطِ. وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ نِصْفُ حَجَّةٍ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أُحْرِمُ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْعِدَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ الْإِيجَابَ لَزِمَهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ لِلْعُرْفِ فِي إرَادَةِ التَّحْقِيقِ لِمِثْلِهِ لِلْحَالِ كَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ وَالشَّاهِدِ أَشْهَدُ. وَمِثْلُهُ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَوْ قَالَ أَنَا أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ نَوَى الْعِدَّةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُنْدَبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ. وَإِنْ نَوَى النَّذْرَ كَانَ نَذْرًا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ نَذْرٌ لِلْعَادَةِ اهـ. وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْعُرْفِ فِي النَّذْرِ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ عَلَّقَهُ لِأَنَّ تَعَارُفَ الْإِيجَابِ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْلِيقِ. وَلَوْ قَالَ إنْ عَافَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَرَضِي هَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ فَبَرِئَ لَزِمَتْهُ، فَإِذَا حَجَّ جَازَ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَرِيضَ الَّذِي فَرَّطَ فِي الْفَرْضِ حَتَّى مَرِضَ ذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ حَيْثُ يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ حَيْثُ يَجْزِي عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى خِلَافًا فِي مِثْلِهِ بَيْنَهُمَا قَالَ الْتَزَمَ حَجَّةً ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ سَقَطَ عَنْهُ مَا الْتَزَمَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَمَنْ نَذَرَ مِائَةَ حَجَّةٍ وَنَحْوَهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. هَلْ تَلْزَمُهُ كُلُّهَا فَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِهَا أَوْ يَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا عَاشَ؟ فَفِي الْخُلَاصَةِ نَصَّ عَلَى لُزُومِ الْكُلِّ. وَذَكَرَ غَيْرَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ السُّرُوجِيُّ وَقَبِلَهُ شَدَّادٌ. أُلْحِقَ بِمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ سَنَةَ عِشْرِينَ فَمَاتَ قَبْلَهَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَقَدْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَمَاتَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَزِمَتْهُ حَجَّةٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ لُزُومَ الْكُلِّ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِالْتِزَامِ ابْتِدَاءً وَإِضَافَتِهِ. وَلَوْ قَالَ عَشْرَ حِجَجٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَزِمَهُ عَشْرٌ فِي عَشْرِ سِنِينَ، وَمَنْ قَالَ ثَلَاثِينَ حَجَّةً وَنَحْوَهَا فَأَحَجَّ عَنْهُ ثَلَاثِينَ رَجُلًا فِي سَنَةٍ جَازَ، وَكُلَّمَا عَاشَ النَّاذِرُ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً بَطَلَتْ مِنْهَا حَجَّةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّهَا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ فَظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ إحْجَاجِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِقَدْرِ مَا عَاشَ مِنْ بَعْدِ الْإِحْجَاجِ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي سَنَةِ كَذَا فَحَجَّ قَبْلَهَا جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَقْيَسُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْمَنْذُورِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي نَذْرِ الْمَرِيضِ. وَمَا فِي الْمُنْتَقَى: نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ

وَهُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَتَلْزَمُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، كَمَا إذَا نَذَرَ بِالصَّوْمِ مُتَتَابِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَحَجَّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ هِشَامٌ: عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ خِلَافًا، إذْ لَا خِلَافَ فِي تَأَدِّي فَرْضِ الْحَجِّ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ عِنْدَنَا، وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَمَا عَنْ هِشَامٍ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ إلَى الْمَنْذُورِ بِلَا نِيَّةٍ. وَمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ يَوْمَ أُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِهَا بَلْ لَزِمَتْهُ يَفْعَلُهَا مَتَى شَاءَ، كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ حَجَّةٌ الْيَوْمَ إنَّمَا تَلْزَمُهُ فِي ذِمَّتِهِ يُحْرِمُ بِهَا مَتَى شَاءَ. وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت لَزِمَتْهُ، وَكَذَا إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ، وَهَلْ تَقْتَصِرُ مَشِيئَةُ فُلَانٍ عَلَى مَجْلِسِ بُلُوغِهِ ذَلِكَ الْخَبَرِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا تَقْتَصِرَ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْحَالِفِ فَكَانَ تَمْلِيكًا مِنْ ذِي الْمَشِيئَةِ فَاسْتَدْعَى جَوَابَهُ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَاتِ تَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَانْتَفَى مُوجِبُ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ. وَمَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ بِفُلَانٍ، فَإِنْ نَوَى أَحُجَّ وَهُوَ مَعِي فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِهِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُحِجَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّهُ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَقَدْ أَلْصَقَ فُلَانًا بِحَجِّهِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَنْ يَحُجَّ فُلَانٌ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ وَأَنْ يُعْطِيَ فُلَانًا مَا يَحُجُّ بِهِ مِنْ الْمَالِ، وَالْتِزَامُ الْأَوَّلِ بِالنَّذْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالثَّانِي صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَجَّ يُؤَدَّى بِالْمَالِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الْأَدَاءِ فَكَانَ هَذَا فِي حُكْمِ الْبَدَلِ وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ فَيَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالْبَدَلِ كَمَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالْأَصْلِ، فَإِذَا نَوَى الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ، وَلَكِنَّ الْمَنْوِيَّ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ خَاصَّةً. وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَ لَزِمَهُ فَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَحُجُّ بِهِ أَوْ يُحِجَّهُ مَعَ نَفْسِهِ لِيَحْصُلَ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّ فُلَانًا لِأَنَّ لَفْظَهُ فِي حَقِّ فُلَانٍ يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَعَدَمَهُ، وَالْمُعَيِّنُ لِلْوُجُوبِ فِيهِ لَيْسَ إلَّا النِّيَّةُ وَقَدْ فُقِدَتْ. وَلَوْ كَانَ قَالَ فَعَلَيَّ أَنْ أُحِجَّ فُلَانًا فَهَذَا مُحْكَمٌ وَالنَّذْرُ بِهِ صَحِيحٌ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ زَحْفًا فَطَافَ كَذَلِكَ قِيلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَقِيلَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا أَوْجَهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَهِدَ شَرْعِيَّتَهَا قَائِمًا وَقَاعِدًا فِعْلًا فِي الِاخْتِيَارِ فَالْتِزَامُهَا قَاعِدًا الْتِزَامُ أَحَدِ صِنْفَيْهَا، بِخِلَافِ الطَّوَافِ النَّفْلِ فَالْتِزَامُهُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ كَالْتِزَامِ الصَّلَاةِ إيمَاءً حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَسَنَذْكُرُ خَاتِمَةً فِي نَذْرِ الْهَدْيِ وَالْمُجَاوَرَةِ وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَأَفْعَالُ الْحَجِّ تَنْتَهِي بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَمْشِي إلَى أَنْ يَطُوفَهُ. ثُمَّ قِيلَ: يَبْتَدِئُ الْمَشْيَ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ، وَقِيلَ مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، وَلَوْ رَكِبَا أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ، قَالُوا إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ، وَإِذَا قَرُبَتْ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً مُحْرِمَةً قَدْ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي ذَلِكَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا) وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ سَبَقَ مِلْكَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَنْكُوحَةً. وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا، فَكَذَا الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQتَسْلِيمًا (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً مُحْرِمَةً قَدْ أَذِنَ لَهَا إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ إذَا أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيُحَلِّلَهُ بِلَا هَدْيٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَصْنَعَ بِهِ أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ كَقَلْمِ ظُفْرِهِ وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ هَدْيُ الْإِحْصَارِ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ إنْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجَّةٍ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى كُرِهَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَوْ حَلَّلَهُ حَلَّ، وَلَوْ أُحْصِرَ فَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَبْعَثَ دَمَ الْإِحْصَارِ وَيَتَحَلَّلَ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَنْ إحْرَامٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَكَانَ كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيهِ خِلَافًا فِي بَابِ الْإِحْصَارِ، وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ بَاعَهُمَا نَفَذَ الْبَيْعُ وَلِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ خِلَافًا لِزُفَرَ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَحْرَمَتْ الْحُرَّةُ بِحَجِّ نَفْلٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ. وَجْهُ قَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ سَبَقَ مِلْكَهُ) بِنَصْبِ مِلْكِهِ مَفْعُولًا لَسَبَقَ: أَيْ سَبَقَ وُجُودُهُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ (كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَنْكُوحَةً) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فَكَذَا هَذَا. قُلْنَا: الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ إبْطَالِ النِّكَاحِ وَلَهُ التَّحْلِيلُ وَإِنْ كَرِهَ فَكَذَا الْمُشْتَرِي، إلَّا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا فِي حَقِّ الْبَائِعِ بِمَكَانِ خَلْفِ الْوَعْدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمُشْتَرِي. ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، فَعِنْدَهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ التَّحْلِيلُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الزَّوْجَةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ بِإِذْنِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إذَا أَحْرَمَتْ بِلَا إذْنٍ فَقَاسَ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِجَامِعِ الْإِذْنِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ، وَقِيَاسًا عَلَى إبْطَالِ عَمَلِ نَفْسِهِ بِجَامِعِ الرِّضَا بِوَاسِطَةِ الْإِذْنِ هُنَا، وَنَحْنُ نَمْنَعُ عَمَلَ الْإِذْنِ فِي السُّقُوطِ مُطْلَقًا، بَلْ إنْ كَانَ الثَّابِتُ مُجَرَّدَ حَقٍّ كَمَا فِي الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا، وَإِنَّمَا لَهُ حَقٌّ فِيهَا فَيَسْقُطُ بِالْإِذْنِ. أَمَّا إنْ كَانَ الثَّابِتُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فَلَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَسْقُطُ بِهِ. وَإِنَّمَا عَمَلُهُ فِي التَّبَرُّعِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَنَافِعِهِ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ دَائِمًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ عَمَلُهُ فِي رَفْعِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُشَاقَقَةِ فِيمَا أَتَاهُ، فَمَتَى نَهَاهُ كَانَ ذَلِكَ مُنْتَهَى عَمَلِ الْإِذْنِ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ فِي دَوَامِ السُّقُوطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَصَارَ كَالْإِذْنِ فِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ لِغَيْرِهِ وَكَتَبْوِئَتِهَا مَعَ الزَّوْجِ لَهُ فِيهِمَا الرَّدُّ إلَى الِاسْتِخْدَامِ وَالْمَنْعِ مِمَّا أَذِنَ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ أَسْقَطَ الْمِلْكَ وَآثَارَهُ بِالْإِذْنِ بِالْإِحْرَامِ فَبَقِيَ عَلَى مَا عَهِدَ لَهُ مِنْ اللَّوَازِمِ، بَلْ عَهِدَ أَنَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ قَدَّمَ حَقَّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِفَقْرِهِ وَغِنَى الْعَزِيزِ الْعَظِيمِ. هَذَا وَإِذَا أَحْرَمَتْ الْحُرَّةُ بِالْفَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا إنْ كَانَ لَهَا مُحْرِمٌ عِنْدَنَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فَلَهُ مَنْعُهَا، فَإِنْ أَحْرَمَتْ فَهِيَ مُحْصَرَةٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ. فَلِذَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ تَحْلِيلَهَا فَإِنَّهَا لَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ بِلَا إذْنٍ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَلَا يَتَأَخَّرُ تَحْلِيلُهُ إيَّاهَا إلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ بَلْ يُحَلِّلُهَا مِنْ سَاعَتِهِ وَعَلَيْهَا هَدْيٌ لِتَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا حَقَّ لِلزَّوْجِ فِي مَنْعِهَا لَوْ وَجَدَتْ مُحْرِمًا. وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ لِفَقْدِ الْمُحْرِمِ شَرْعًا فَلَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ، وَهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ الْخُرُوجُ لِحَقِّ الزَّوْجِ. فَكَمَا لَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تُبْطِلَ حَقَّهُ لَيْسَ لَهَا أَيْضًا أَنْ تُؤَخِّرَهُ، كَذَا فِي بَابِ الْإِحْصَارِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. وَالتَّحْلِيلُ أَنْ يَنْهَاهَا وَيَفْعَلَ بِهَا أَدْنَى مَا يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ كَقَصِّ ظُفْرٍ وَتَقْبِيلٍ أَوْ مُعَانَقَةٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ حَتَّى تَعَلَّقَ بِهِ الْفَسَادُ فَلَا يَفْعَلُهُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ، وَلَا يَقَعُ التَّحْلِيلُ بِقَوْلِهِ حَلَلْتُك بَلْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا بِأَمْرِهِ كَالِامْتِشَاطِ بِأَمْرِهِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ: امْتَشِطِي وَارْفُضِي عُمْرَتَكِ حِينَ حَاضَتْ فِي الْعُمْرَةِ» . وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُحْرِمَةَ وَلَا يَعْلَمُ بِإِحْرَامِهَا لَمْ يَكُنْ تَحْلِيلًا وَفَسَدَ حَجُّهَا، وَإِنْ عَلِمَهُ كَانَ تَحْلِيلًا، وَلَوْ حَلَّلَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فَأَذِنَ فَأَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَلَوْ بَعْدَمَا جَامَعَهَا مِنْ عَامِهَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عُمْرَةٌ وَلَا نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ كَانَ عَلَيْهَا عُمْرَةٌ مَعَ الْحَجِّ. وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِمَا الْعُمْرَةُ فِيهِمَا وَنِيَّةُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُمَا تَقَرَّرَا فِي ذِمَّتِهَا بِرَفْضِ الْحَجِّ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِمَا إلَّا بِهِمَا مَعَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ لَمْ تَنْوِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ عَامِ الْإِحْلَالِ وَالْعَامِ الْقَابِلِ. قُلْنَا: إنْ قُلْت بِمُجَرَّدِ التَّحْلِيلِ تَقَرَّرَا مَنَعْنَاهُ. بَلْ اللَّازِمُ عَيْنُ تِلْكَ الْحَجَّةِ مَا لَمْ يَمْضِ الْوَقْتُ. فَإِذَا مَضَى بِلَا إيقَاعٍ فِيهِ حِينَئِذٍ لَزِمَهُ مِثْلُهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ أَدَاءُ مِثْلِ الْوَاجِبِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَصَارَ كَمَا إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ قَطَعَهَا فِيهِ ثُمَّ أَدَّاهَا فِيهِ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَ اللُّزُومُ مَا لَمْ تَتَحَوَّلْ السَّنَةُ عَيْنَ الْوَاجِبِ لَمْ تَلْزَمْهُ عُمْرَةٌ وَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ. وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ حَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ فَحَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ هَكَذَا مِرَارًا ثُمَّ حَجَّتْ مِنْ عَامِهَا أَجْزَأَهَا عَنْ كُلِّ التَّحَلُّلَاتِ تِلْكَ الْحَجَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَلَوْ لَمْ تَحُجَّ بَعْدَ التَّحْلِيلَاتِ إلَّا مِنْ قَابِلٍ كَانَ عَلَيْهَا لِكُلِّ تَحْلِيلٍ عُمْرَةٌ. هَذَا وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْإِحْصَارِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ. وَلَوْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا وَلَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ لِتَصِيرَ قَضَاءً لِأَنَّ وَقْتَهَا الْعُمْرُ وَالتَّضَيُّقُ فِي أَوَّلِ سَنَى الْإِمْكَانِ لَا يَنْفِيهِ لِمَا حَقَّقْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ وُجُوبُ احْتِيَاطِ لَا افْتِرَاضٍ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ التَّأْخِيرِ بِلَا عُذْرٍ وَتَحَمُّلِ الْإِثْمِ يَقَعُ أَدَاءً، وَإِذَا أَذِنَ لِأَمَتِهِ الْمُتَزَوِّجَةِ فِي الْحَجِّ فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا لِأَنَّ مَنَافِعَهَا لِلسَّيِّدِ. وَهَذِهِ الْخَاتِمَةُ الْمَوْعُودَةُ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ مَقَاصِدُ: [الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ فِي إيجَابِ الْهَدْيِ وَمَا يَتْبَعُهُ] يَثْبُتُ لُزُومُ الْهَدْيِ بِنَذْرِهِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ هَدْيٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ، فَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهَذَا هَدْيٌ لِغَيْرِ مَمْلُوكٍ

إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَلْفِ الْوَعْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَهُ إذَا بَاشَرَتْ بِإِذْنِهِ فَكَذَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُشَارُ إلَيْهِ ابْنَهُ فَفِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ فِي نَذْرِ ذَبْحِ الْوَلَدِ وَكَذَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَمْلُوكٍ لَهُ فَبَاعَهُ ثُمَّ فَعَلَ، وَلَوْ قَالَ فَهَذَا حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيهِ فَفَعَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَتَقَ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْفِعْلِ ثُمَّ فَعَلَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت فَأَنَا أُهْدِي كَذَا لَزِمَهُ إذَا فَعَلَ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْهَدْيِ أَمْرَانِ: جَوَازُ مَا يَجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةَ مِنْ الشَّاةِ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ أَوْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَذْبَحَ إلَّا فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَالسُّنَّةُ ذَبْحُهُ بِمِنًى وَإِلَّا فَفِي مَكَّةَ، وَلَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ. وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَزُورًا تَعَيَّنَ الْإِبِلُ وَالْحَرَمُ، وَلَوْ قَالَ جَزُورٌ فَقَطْ جَازَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ كَمِصْرِ وَالشَّامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْهَدْيَ، وَلَوْ قَالَ بَدَنَةٌ فَقَطْ جَازَ الْبَقَرَةُ وَالْبَعِيرُ حَيْثُ شَاءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُعَيَّنًا مِنْ الْبُدْنِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَعَيَّنُ الْحَرَمُ. فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَزُورِ بِأَنَّ اسْمَ الْبُدْنَ لَا يُذْكَرُ فِي مَشْهُورِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا فِي مَعْنَى الْمُهْدَاةِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِالْهَدْيِ يَتَعَيَّنُ الْحَرَمُ فَكَذَا الْبَدَنَةُ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فَيَقُولَ بَدَنَةٌ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَيُمْنَعُ أَنَّ فِيهِ نَفْلًا شَرْعِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُشْتَرِكٌ فِيهَا، وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ فِي الْحَرَمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَيْضًا جَازَ لِأَنَّ مَعْنَى اسْمِ الْهَدْيِ لَا يُعَيِّنُ فُقَرَاءَ مَحَلٍّ أَصْلًا بَلْ إنَّمَا يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان وَذَلِكَ هُوَ الْحَرَمُ إجْمَاعًا، فَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ إنَّمَا هُوَ لِإِفَادَةِ مَأْخَذِ اسْمِ النَّقْلِ، ثُمَّ تَعَيَّنَ الْمَكَانُ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ فَتَعْيِينُ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ بِالْإِهْدَاءِ تَتِمُّ بِالنَّفْلِ إلَى الْحَرَمِ وَالذَّبْحِ بِهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَلِذَا لَوْ سُرِقَ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ وَبِذَلِكَ انْتَهَى مَدْلُولُهُ وَيَصِيرُ لَحْمًا. وَجْهُ الْقُرْبَةِ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ هُوَ التَّصَدُّقُ، وَفِي هَذَا مَسَاكِينُ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ. وَهَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَرَمِ فِي نَذَرَ الْهَدْيِ كَأَنْ يَقُولَ هَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ؟ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهَا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَجُوزُ. وَجْهُ الْأُولَى اعْتِبَارُ النَّذْرِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ بِهِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ. وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ فِي اسْمِ الْهَدْيِ زِيَادَةً عَلَى مُجَرَّدِ اسْمِ الشَّاةِ وَهُوَ الذَّبْحُ، فَالْقُرْبَةُ فِيهِ تَتَعَلَّقُ بِالذَّبْحِ ثُمَّ التَّصَدُّقُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعٌ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ فِي الشَّاةِ بِالصَّدَقَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ، وَلَيْسَ الذَّبْحُ ثَابِتًا فِي قِيمَةِ الْهَدْيِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا حَسَنٌ. وَمَنْ نَذَرَ شَاةً فَأَهْدَى مَكَانَهَا جَزُورًا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ لِثُبُوتِ الْإِرَاقَةِ فِي الْبُدْنِ الْأَعْلَى كَالْأَصْلِ. وَقَالُوا: إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاتَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً تُسَاوِي شَاتَيْنِ قِيمَةً لَمْ يُجْزِهِ، فَلَوْ عَيَّنَ الْهَدْيَ مِمَّا لَا يُذْبَحُ فِيمَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْعَبِيدِ وَالْقُدُورِ وَالثِّيَابِ فَقَالَ إنْ فَعَلْت فَثَوْبِي هَذَا هَدْيٌ أَوْ هَذَا الْقِدْرُ هَدْيٌ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ جَازَ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ إلَى مَكَّةَ أَوْ عَيْنِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ لِحَجَبَةِ الْبَيْتِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ كَالْكُوفَةِ وَمِصْرَ جَازَ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الْأَمْتِعَةِ لَيْسَ إلَّا التَّصَدُّقُ وَهُوَ فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْهَدْيِ بِمَا يَشْرَعُ ذَبْحُهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَلَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي الْحَرَمِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَرَمُ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي مَكَان فَتَصَدَّقَ فِي غَيْرِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ النَّذْرَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَالْقُرْبَةُ إنَّمَا هِيَ بِالتَّصَدُّقِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ مُجَرَّدَ التَّصَدُّقِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ إذَا أَرَادَ الْإِيصَالَ إلَى مَكَّةَ. وَقَوْلُهُ فَهَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ إلَى الْبَيْتِ

رَدِّهَا بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَمَكَّنُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ غَشَيَانِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مَكَّةَ أَوْ الْكَعْبَةِ مُوجِبٌ، وَلَوْ قَالَ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْتِزَامِ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ عِنْدَهُمَا مُوجِبٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا. وَقَوْلُهُ هَدْيٌ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْمَشْيِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا لِأَنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الْهَدْيِ مُوجِبٌ فَزِيَادَةُ ذِكْرِ الْحَرَمِ لَا تَرْفَعُ الْوُجُوبَ بَعْدَ الثُّبُوتِ، بِخِلَافِ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ غَيْرُ مُوجِبٍ بَلْ مَعَ مَا يَمْشِي إلَيْهِ. أُجِيبُ بِأَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ إنَّمَا يُوجِبُ بِاعْتِبَارِ ذِكْرِ مَكَّةَ مُضْمَرًا بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، فَإِذَا نَصَّ عَلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ تَعَذَّرَ إضْمَارُ مَكَّةَ فِي كَلَامِهِ، إذْ قَدْ صَرَّحَ بِمُرَادِهِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِهِ. وَقَوْلُهُ فَثَوْبِي هَذَا سِتْرٌ لِلْبَيْتِ أَوْ أَضْرَبَ بِهِ حَطِيمَ الْبَيْتِ مُلْزِمٌ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ هَدْيُهُ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَالِي أَوْ جَمِيعُهُ هَدْيٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ مَالَهُ كُلَّهُ وَيُمْسِكَ مِنْهُ قَدْرَ قُوتِهِ، فَإِذَا أَفَادَ مَالًا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ. وَأَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا إذَا قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ فَقَالَ فِي الْقِيَاسِ يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَالٍ لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَنْصَرِفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ خَاصَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ. فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا جَوَابُ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْهَدْيِ فِي كُلِّ مَالٍ كَالْتِزَامِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ مَالٍ. وَالْأَصَحُّ الْفَرْقُ بِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ يَخْتَصُّ بِمَالِ الزَّكَاةِ، فَكَذَا مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُنَا إنَّمَا أَوْجَبَ بِلَفْظِ الْهَدْيِ، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَفْظِ الْهَدْيِ لَا يَخْتَصُّ بِمَالِ الزَّكَاةِ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ وَلَمْ يَقُلْ صَدَقَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِمَا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الذَّبْحَ بِنَفْسِهِ. وَمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ وَلَدِي فَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ لَزِمَهُ مَكَانَ كُلِّ وَلَدٍ شَاةٌ، وَكَذَا إذَا نَذَرَ ذَبْحَ عَبْدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ الشَّاةُ فِي الْوَلَدِ لَا الْعَبْدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَلْزَمُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا. [الْمَقْصِدُ الثَّانِي فِي الْمُجَاوَرَةِ] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَعَدَمِهَا. فَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ اسْتِحْبَابُهَا إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْذُورِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَى كَرَاهَتِهَا، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ هِجْرَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: مَا كَانَ النَّاسُ يَرْحَلُونَ إلَيْهَا إلَّا عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ وَالرُّجُوعِ وَهُوَ أَعْجَبُ، وَهَذَا أَحْوَطُ لِمَا فِي خِلَافِهِ مِنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ عَلَى الْخَطَرِ إذْ طَبْعُ الْإِنْسَانِ التَّبَرُّمُ وَالْمَلَلُ مِنْ تَوَارُدِ مَا يُخَالِفُ هَوَاهُ فِي الْمَعِيشَةِ وَزِيَادَةِ الِانْبِسَاطِ الْمُخِلِّ بِمَا يَجِبُ مِنْ الِاحْتِرَامِ لِمَا يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ عَلَيْهِ وَمُدَاوَمَةُ نَظَرِهِ إلَيْهِ. وَأَيْضًا الْإِنْسَانُ مَحَلُّ الْخَطَإِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ» وَالْمَعَاصِي تَضَاعُفٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّهَا فِي حَرَمِ اللَّهِ أَفْحَشُ وَأَغْلَظُ فَتَنْهَضُ سَبَبًا لِغِلَظِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْعِقَابُ. وَيُمْكِنُ كَوْنُ هَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْمَرْوِيِّ مِنْ التَّضَاعُفِ كَيْ لَا يُعَارَضَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} [الأنعام: 160] أَعْنِي أَنَّ السَّيِّئَةَ تَكُونُ فِيهِ سَبَبًا لِمِقْدَارٍ مِنْ الْعِقَابِ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِهِ عَنْهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مِقْدَارِ عِقَابِ سَيِّئَاتٍ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ سَبَبٌ لِمَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ هَذَا سَجِيَّةُ الشَّرِّ فَالسَّبِيلُ النُّزُوحُ عَنْ سَاحَتِهِ، وَقَلَّ مَنْ يَطْمَئِنُّ إلَى نَفْسِهِ فِي دَعْوَاهَا الْبَرَاءَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا وَهُوَ فِي ذَلِكَ مَغْرُورٌ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا يَرَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَبِّبِينَ إلَيْهِ الْمَدْعُوِّ لَهُ كَيْفَ اتَّخَذَ الطَّائِفَ دَارًا وَقَالَ: لَأَنْ أُذْنِبَ خَمْسِينَ ذَنْبًا بِرُكْبَةٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الطَّائِفِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُذْنِبَ ذَنْبًا وَاحِدًا بِمَكَّةَ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا مِنْ بَلْدَةٍ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ فِيهَا بِالْهِمَّةِ قَبْلَ الْعَمَلِ إلَّا مَكَّةُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لِلَّذِي جَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَطْلُبُ الْعِلْمَ: ارْجِعْ إلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّا نَسْمَعُ أَنَّ سَاكِنَ مَكَّةَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَكُونَ الْحَرَمُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحِلِّ لِمَا يَسْتَحِلُّ مِنْ حُرُمِهَا. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: خَطِيئَةٌ أُصِيبُهَا بِمَكَّةَ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ سَبْعِينَ خَطِيئَةً بِغَيْرِهَا. نَعَمْ أَفْرَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ اسْتَخْلَصَهُمْ وَخَلَّصَهُمْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الطِّبَاعِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَهْلُ الْجِوَارِ الْفَائِزُونَ بِفَضِيلَةٍ مِنْ تَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ وَالصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ مَا يُحْبِطُهَا مِنْ الْخَطِيئَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْته: يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ طَافَ أُسْبُوعًا بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ» وَقَالَ سَمِعْته يَقُولُ «مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَمًا وَلَا وَضَعَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ» . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ فَصَامَهُ وَقَامَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِيمَا سِوَاهَا، وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَبِكُلِّ لَيْلَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَكُلِّ يَوْمٍ حُمْلَانَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَلَكِنَّ الْفَائِزَ بِهَذَا مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ إحْبَاطِهِ أَقَلُّ الْقَلِيلِ، فَلَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِمْ وَلَا يَذْكُرُ حَالُهُمْ قَيْدًا فِي جَوَازِ الْجِوَارِ لِأَنَّ شَأْنَ النُّفُوسِ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى دَعْوَى الْمَلَكَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى مَا يَشْتَرِطُ فِيمَا تَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَتَطْلُبُهُ، وَإِنَّهَا لَأَكْذَبُ مَا يَكُونُ إذَا حَلَفْت فَكَيْفَ إذَا ادَّعَتْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ أَوْ تَعَاظُمَهَا وَإِنْ فُقِدَ فِيهَا فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ الْمُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِوَاجِبِ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ قَائِمٌ. وَهُوَ أَيْضًا مَانِعٌ إلَّا لِلْأَفْرَادِ ذَوِي الْمَلَكَاتِ فَإِنَّ مَقَامَهُمْ وَمَوْتَهُمْ فِيهَا هِيَ السَّعَادَةُ الْكَامِلَةُ. فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي إلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا» . [الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ: فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ أَفْضَلِ الْمَنْدُوبَاتِ وَفِي مَنَاسِكِ الْفَارِسِيِّ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ لِمَنْ لَهُ سِعَةٌ. رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا تَعْمَلُهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا «مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» هَذَا وَالْحَجُّ إنْ كَانَ فَرْضًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ ثُمَّ يُثْنِي بِالزِّيَارَةِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا كَانَ بِالْخِيَارِ، فَإِذَا نَوَى زِيَارَةَ الْقَبْرِ فَلْيَنْوِ مَعَهُ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ: أَيْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ أَحَدُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُشَدُّ إلَيْهَا الرِّحَالُ. فِي الْحَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» وَإِذَا تَوَجَّهَ إلَى الزِّيَارَةِ يُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةَ الطَّرِيقِ، وَالْأَوْلَى فِيمَا يَقَعُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ تَجْرِيدُ النِّيَّةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إذَا حَصَلَ لَهُ إذَا قَدَّمَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ أَوْ يَسْتَفْتِحُ فَضْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى يَنْوِيهِمَا فِيهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةَ تَعْظِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْلَالِهِ، وَيُوَافِقُ ظَاهِرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْمَلُهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي» وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمَدِينَةِ اغْتَسَلَ بِظَاهِرِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ، وَلُبْسُ نَظِيفَ ثِيَابِهِ وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ النُّزُولِ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالْمَشْيِ عَلَى أَقْدَامِهِ إلَى أَنْ يَدْخُلَهَا حَسَنٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ أَدْخَلَ فِي الْأَدَبِ وَالْإِجْلَالِ كَانَ حَسَنًا. وَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] الْآيَةَ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَارْزُقْنِي مِنْ زِيَارَةِ رَسُولِك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَزَقْت أَوْلِيَاءَك وَأَهْلَ طَاعَتِك، وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ، وَلْيَكُنْ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهَا لَا يَفْتُرُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَحْضِرًا أَنَّهَا بَلْدَتُهُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ تَعَالَى دَارَ هِجْرَةِ نَبِيِّهِ وَمَهْبِطًا لِلْوَحْيِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْبَعًا لِلْإِيمَانِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كُلُّ الْبِلَادِ اُفْتُتِحَتْ بِالسَّيْفِ إلَّا الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا اُفْتُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَلْيُحَضِّرْ قَلْبَهُ أَنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَ مَوْضِعَ قَدَمِهِ، وَلِذَا كَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ لَا يَرْكَبُ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَقُولُ: أَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَطَأَ تُرْبَةً فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَافِرِ دَابَّةٍ. وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَعَلَ مَا هُوَ السُّنَّةُ فِي دُخُولِ الْمَسَاجِدِ مِنْ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَيَدْخُلُ مِنْ بَابِ جِبْرِيلَ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَقْصِدُ الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ وَهِيَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ، فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مُسْتَقْبِلًا السَّارِيَةَ الَّتِي تَحْتَهَا الصُّنْدُوقُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمُودُ الْمِنْبَرِ حِذَاءَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَتَكُونُ الْحَنِيَّةُ الَّتِي فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَذَلِكَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قِيلَ قَبْلَ أَنْ يُغَيَّرَ الْمَسْجِدُ. وَفِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ: يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فِي مَقَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْحُفْرَةُ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَصَاحِبُ الِاخْتِيَارِ: وَيَسْجُدُ لِلَّهِ شُكْرًا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَيَسْأَلُهُ تَمَامَهَا وَالْقَبُولَ. وَقِيلَ ذَرْعُ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَمَوْقِفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ أَرْبَعَةَ عَشْرَ ذِرَاعًا وَشِبْرٌ، وَمَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَشِبْرٌ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ جِدَارَهُ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْ السَّارِيَةِ الَّتِي عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ فِي زَاوِيَةِ جِدَارِهِ. وَمَا عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مِنْ السُّنَّةَ أَنْ تَأْتِيَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَتَجْعَلَ ظَهْرَك إلَى الْقِبْلَةِ وَتَسْتَقْبِلَ الْقَبْرَ بِوَجْهِك ثُمَّ تَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَوْعٍ مَا مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْقَبْرِ الشَّرِيفِ الْمُكَرَّمِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. وَقَالُوا فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ مُطْلَقًا: الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ الزَّائِرُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْمُتَوَفَّى لَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ أَتْعَبُ لِبَصَرِ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقَابِلًا بَصَرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ نَاظِرٌ إلَى جِهَةِ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَ عَلَى جَنْبِهِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْقِبْلَةُ عَنْ يَسَارِ الْوَاقِفِ مِنْ جِهَةِ قَدَمَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَإِذَا أَكْثَرَ الِاسْتِقْبَالَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا كُلَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِقْبَالِ بِكَوْنِ اسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَخْذِهِ إلَى جِهَتِهَا فَيَصْدُقُ الِاسْتِدْبَارُ وَنَوْعٌ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وُقُوفُ الزَّائِرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ تَمَامِ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِقْبَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَكُونُ الْبَصَرُ نَاظِرًا إلَى جَنْبِ الْوَاقِفِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ الْوَاقِفُ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَصَرَهُ فَيَكُونُ أَوْلَى، ثُمَّ يَقُولُ فِي مَوْقِفِهِ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا خَيْرَ خَلْقِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا خِيرَةِ اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا حَبِيبَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّك عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَّغْت الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْت الْأَمَانَةَ وَنَصَحْت الْأُمَّةَ وَكَشَفْت الْغُمَّةَ، فَجَزَاك اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا، جَازَاك اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَازَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ. اللَّهُمَّ أَعْطِ سَيِّدَنَا عَبْدَك وَرَسُولَك مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَالدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته، وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَك، إنَّك سُبْحَانَك ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ مُتَوَسِّلًا إلَى اللَّهِ بِحَضْرَةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَأَعْظَمُ الْمَسَائِلِ وَأَهَمُّهَا سُؤَالُ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالْمَغْفِرَةِ، ثُمَّ يَسْأَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّفَاعَةَ فَيَقُولُ. يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُك الشَّفَاعَةَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُك الشَّفَاعَةَ وَأَتَوَسَّلُ بِك إلَى اللَّهِ فِي أَنْ أَمُوتَ مُسْلِمًا عَلَى مِلَّتِك وَسُنَّتِك، وَيَذْكُرُ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعْطَافِ وَالرِّفْقِ بِهِ، وَيَجْتَنِبُ الْأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى الْإِدْلَالِ وَالْقُرْبِ مِنْ الْمُخَاطَب فَإِنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: سَمِعْت بَعْضَ مَنْ أَدْرَكْت يَقُولُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مُحَمَّدُ سَبْعِينَ مَرَّةً، نَادَاهُ مَلَكٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْك يَا فُلَانُ وَلَمْ تَسْقُطْ لَهُ حَاجَةٌ. هَذَا وَلْيُبَلِّغْ سَلَامَ مَنْ أَوْصَاهُ بِتَبْلِيغِ سَلَامِهِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَوْ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ. يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يُوصِي بِذَلِكَ وَيُرْسِلُ الْبَرِيدَ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ بِذَلِكَ، وَمَنْ ضَاقَ وَقْتُهُ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ الْإِيجَازُ فِي ذَلِكَ جِدًّا، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عَنْ يَمِينِهِ إذَا كَانَ مُسْتَقْبِلًا قَيْدَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّ رَأْسَهُ حِيَالَ مَنْكِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ تَأَخُّرُهُ إلَى وَرَائِهِ بِجَانِبِهِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَثَانِيَهُ فِي الْغَارِ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرًا، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ كَذَلِكَ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لِأَنَّ رَأْسَهُ مِنْ الصِّدِّيقِ كَرَأْسِ الصِّدِّيقِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ الْفَارُوقَ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرًا، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى حِيَالِ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ وَيَدْعُو وَيَسْتَشْفِعُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَنْ أَحَبَّ، وَيَخْتِمُ دُعَاءَهُ بِآمِينَ وَالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ. وَقِيلَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعَوْدِ إلَى رَأْسِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقُلْت: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ

(وَ) ذُكِرَ (فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ يُجَامِعُهَا) وَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ بِقَصِّ شَعْرٍ أَوْ بِقَلْمِ ظُفْرٍ ثُمَّ يُجَامِعُ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بِالْمُجَامَعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْدِيمِ مَسٍّ يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِغَيْرِ الْمُجَامَعَةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَشَفَتْ عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ. وَزَادَ: «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدَّمًا، وَأَبَا بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الزِّيَارَةِ يَأْتِي الرَّوْضَةَ فَيُكْثِرُ فِيهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتٌ تُكْرَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْرِي وَمِنْبَرِي» وَيَقِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَيَدْعُو، فَفِي الْحَدِيثِ «قَوَاعِدُ مِنْبَرِي رَوَاتِبُ فِي الْجَنَّةِ» وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» وَكَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى رُمَّانَةِ الْمِنْبَرِ النَّبَوِيِّ الَّتِي كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْخُطْبَةِ، وَهُنَاكَ الْآنَ قِطْعَةٌ تُدْخِلُ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مِنْ طَاقَةٍ فِي الْمِنْبَرِ إلَيْهَا يَتَبَرَّكُونَ بِهَا يُقَالُ إنَّهَا مِنْ بَقَايَا مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يَفُوتَهُ مُدَّةَ مَقَامِهِ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ صَلَاةً فِي مَسْجِدِهِ تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَهَذَا التَّفْضِيلُ مُخْتَصٌّ بِالْفَرَائِضِ. وَقِيلَ فِي النَّفْلِ أَيْضًا، وَلَعَلَّنَا قَدَّمْنَا مَا يَنْفِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ «أَفْضَلَ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي مَنْزِلِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَهَذَا قَالَهُ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ يُشَافِهُ بِهِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْغَائِبِينَ، ثُمَّ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ التَّنَفُّلَ فِي الْمَسْجِدِ بَلْ فِي بَيْتِهِ مِنْ التَّهَجُّدِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُصَلِّ نَافِلَةً إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَخِلَافُهُ قَلِيلٌ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ خُصُوصًا وَمَنْ بَيْتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ نَقَلَ قَدَمًا وَاحِدَةً. وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْمَرْأَةَ الَّتِي سَأَلَتْهُ الْحُضُورَ وَالصَّلَاةَ مَعَهُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِهَا مَعَ أَنَّ الْخُرُوجَ لَهُنَّ كَانَ مُبَاحًا إذْ ذَاكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَخْرِيجَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. فَعُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَ الْخُرُوجِ لَهُنَّ إذْ ذَاكَ كَانَ لِيَتَعَلَّمْنَ مَا يُشَاهِدْنَهُ مِنْ آدَابِ الصَّلَاةِ وَحُسْنِ أَدَاءِ النَّاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ وَيَتَعَوَّدْنَ الْمُوَاظَبَةَ وَلَا يَسْتَثْقِلْنَ الصَّلَاةَ فِي الْبَيْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْبَقِيعِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَيَزُورُ الْقُبُورَ الَّتِي بِهَا خُصُوصًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيُبَكِّرُ كَيْ لَا تَفُوتَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزُورُهُ «وَقَالَ لِأُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ لَمَّا أَخَذَ بِيَدِهَا فَذَهَبَا إلَيْهِ: تَرَيْنَ هَذِهِ الْمَقْبَرَةَ؟ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: يُبْعَثُ مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ» وَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ. وَيَزُورُ الْقُبُورَ الْمَشْهُورَةَ كَقَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَبْرِ الْعَبَّاسِ وَهُوَ فِي قُبَّتِهِ الْمَشْهُورَةِ، وَفِيهَا قَبْرَانِ الْغَرْبِيُّ مِنْهُمَا قَبْرُ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالشَّرْقِيُّ قَبْرُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ وَوَلَدُهُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ وَابْنُهُ جَعْفَرُ الصَّادِقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُلُّهُمْ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَعِنْدَ بَابِ الْبَقِيعِ عَنْ يَسَارِ الْخَارِجِ قَبْرُ صَفِيَّةَ أُمِّ الزُّبَيْرِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ قَبْرُ فَاطِمَةَ بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَيُصَلِّي فِي مَسْجِدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِبَيْتِ الْأَحْزَانِ، وَقِيلَ قَبْرُهَا فِيهِ، وَقِيلَ بَلْ فِي الصُّنْدُوقِ الَّذِي هُوَ أَمَامَ مُصَلَّى الْإِمَامِ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ، وَاسْتَبْعَدَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُ الْعُلَمَاءِ. وَقِيلَ إنَّ قَبْرَهَا فِي بَيْتِهَا وَهُوَ فِي مَكَانِ الْمِحْرَابِ الْخَشَبِ الَّذِي خَلْفَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ دَاخِلَ الدَّارَبْزِينِ قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَبِالْبَقِيعِ قُبَّةٌ يُقَالُ إنَّ فِيهَا قَبْرَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَالْمَنْقُولُ أَنَّ قَبْرَ عَقِيلٍ فِي دَارِهِ، وَفِيهِ حَظِيرَةٌ مُسْتَهْدَمَةٌ مَبْنِيَّةٌ بِالْحِجَارَةِ يُقَالُ إنَّ فِيهَا قُبُورَ مَنْ دُفِنَ مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -، وَفِيهِ قَبْرُ إبْرَاهِيمَ ابْنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَدْفُونٌ إلَى جَنْبِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَدُفِنَ إلَى جَنْبِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. وَعُثْمَانُ هَذَا أَوَّلُ مَنْ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ. وَيَأْتِي أُحُدًا يَوْمَ الْخَمِيسِ مُبَكِّرًا كَيْ لَا تَفُوتُهُ جَمَاعَةُ الظُّهْرِ بِالْمَسْجِدِ فَيَزُورُ قُبُورَ شُهَدَاءِ أَحَدٍ، وَيَبْدَأُ بِقَبْرِ حَمْزَةَ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَزُورُ جَبَلَ أُحُدٍ نَفْسَهُ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ عَيْرًا عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ النَّارِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ فَزُورُوهُمْ وَسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلَّا رَدُّوا عَلَيْهِ السَّلَامَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءَ يَوْمَ السَّبْتِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ «كَانَ يَأْتِيهِ فِي كُلِّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ فِيهِ حَجَرًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَيَنْوِي زِيَارَتَهُ وَالصَّلَاةَ فِيهِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَعُمْرَةٍ» وَيَأْتِي فِي قُبَاءَ بِئْرَ أَرِيسٍ الَّتِي تَفَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهَا سَقَطَ خَاتَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَيَتَوَضَّأُ وَيَشْرَبُ وَيَزُورُ مَسْجِدَ الْفَتْحِ وَهُوَ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْ جَبَلِ سَلْعٍ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ فَيَرْكَعُ فِيهِ وَيَدْعُو. رَوَى جَابِرٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الْأَحْزَابِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ» . وَالْمَسَاجِدُ الَّتِي هُنَاكَ مِنْهَا مَسْجِدٌ يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ بَنِي ظُفْرٍ وَفِيهِ حَجَرٌ جَلَسَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُقَالُ مَا جَلَسَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ تُرِيدُ الْوَلَدَ إلَّا حَبِلَتْ، وَيُقَالُ إنَّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ الْمُفَضَّلَةِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثُونَ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَيَقْصِدُ الْآبَارَ الَّتِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيَشْرَبُ وَهِيَ سَبْعَةٌ مِنْهَا بِئْرُ بُضَاعَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَإِذَا عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوَدِّعَ الْمَسْجِدَ بِصَلَاةٍ وَيَدْعُوَ بَعْدَهَا بِمَا أَحَبَّ، وَأَنْ يَأْتِيَ الْقَبْرَ الْكَرِيمَ فَيُسَلِّمَ وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى أَهْلِهِ سَالِمًا غَانِمًا فِي عَافِيَةٍ مِنْ بَلِيَّاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَقُولَ: غَيْرَ مُوَدَّعٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَيَسْأَلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى حَرَمِهِ وَحَرَمِ نَبِيِّهِ فِي عَافِيَةٍ. وَلْيُكْثِرْ دُعَاءَهُ بِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ وَعِنْدَ الْقَبْرِ، وَيَجْتَهِدَ فِي خُرُوجِ الدَّمْعِ فَإِنَّهُ مِنْ أَمَارَاتِ الْقَبُولِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ عَلَى جِيرَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَنْصَرِفَ

[كتاب النكاح]

كِتَابُ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْحَضْرَةِ الشَّرِيفَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالْقُرْبِ مِنْهَا. وَمِنْ سُنَنِ الرُّجُوعِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولَ «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88] . وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِمَّا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ مِنْ إظْهَارِ التَّنَدُّمِ عَلَى السَّفَرِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ. وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ احْذَرْ أَنْ تَعُودَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ تَعَرُّضٌ لِلْمَقْتِ بَلْ دَلِيلُ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالْمَقْتِ فِي الْحَالِ. وَإِذَا أَشْرَفَ عَلَى بَلَدِهِ حَرَّكَ دَابَّتَهُ وَيَقُولُ: آيِبُونَ أَيْضًا إلَخْ. وَرَوَى النَّسَائِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَرَ قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا إلَّا قَالَ حِينَ يَرَاهَا: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ. وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ. فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِيهَا قَرَارًا وَرِزْقًا حَسَنًا» وَيُرْسِلُ إلَى أَهْلِهِ مَنْ يُخْبِرُهُمْ وَلَا يَبْغَتُهُمْ بِمَجِيئِهِ دَاخِلًا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا دَخَلَهَا بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ كَرَاهَةٍ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَشْكُرُهُ مَا أَوْلَاهُ مِنْ إتْمَامِ الْعِبَادَةِ وَالرُّجُوعِ بِالسَّلَامَةِ، وَيُدِيمُ حَمْدَهُ وَشُكْرَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَيَجْتَهِدُ فِي مُجَانَبَةِ مَا يُوجِبُ الْإِحْبَاطَ فِي بَاقِي عُمُرِهِ. وَعَلَامَةُ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ أَنْ يَعُودَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلُ. (قَالَ الْمُصَنِّفُ مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِوُجُودِهِ) وَهَذَا تَمَامُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِعَبْدِهِ الضَّعِيفِ مِنْ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ. أَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ذَا الْجُودِ الْعَمِيمِ أَنْ يُحَقِّقَ لِي فِيهِ الْإِخْلَاصَ وَيَجْعَلَهُ نَافِعًا لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إنَّهُ عَلَى كُلِّ مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ. وَالْآنَ أَشْرَعُ بَرِيئًا مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ مُفْتَتِحًا كِتَابَ النِّكَاحِ. سَائِلًا مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بِخَتْمِ الرُّبْعِ الثَّانِي وَإِكْمَالِ مَقَاصِدِهِ عَلَى وَجْهٍ يَرْضَاهُ وَيَرْضَى بِهِ عَنْ عَبْدِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. [كِتَابُ النِّكَاحِ] هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ حَتَّى إنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي عَنْهُ لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلِذَا أَوْلَاهُ الْعِبَادَاتُ وَالْجِهَادُ وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَزِيَادَةٌ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ، وَالْجِهَادُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ، كَذَا قِيلَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْجِهَادَ أَيْضًا سَبَبٌ لَهُمَا إذْ نَقْلُ الْمَوْصُوفِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ: أَعْنِي مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِسْلَامِ يُصَحِّحُ قَوْلَنَا إنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ، فَالْحَقُّ اشْتِرَاكُهُمَا فِي ذَلِكَ لَكِنْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَا يَحْصُلُ بِأَنْكِحَةِ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقِتَالِ، إذْ الْغَالِبُ حُصُولُ الْقَتْلِ بِهِ أَوْ الذِّمَّةُ دُونَ إسْلَامِ أَهْلِ الدَّارِ فَقُدِّمَ لِلْأَكْثَرِيَّةِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مِنْ أَوْلَى الْعِبَادَات الْبُيُوعُ فَنَظَرٌ إلَى بَسَاطَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ تَمَحُّضِ مَعْنَى الْمُعَامَلَةِ فِيهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْجِزُ فِي إبْدَاءِ وَجْهِ تَقْدِيمِ مَعْنًى عَلَى مَعْنًى، فَإِنَّ كُلَّ مَعْنًى لَهُ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ، فَالْمُقَدِّمُ يَعْتَبِرُ مَا لِمَا قَدَّمَهُ وَيَسْكُتُ عَمَّا لِمَا أَخَّرَهُ، وَالْعَاكِسُ يَعْكِسُ ذَلِكَ النَّظَرَ، وَإِنَّمَا إبْدَاءُ وَجْهِ أَوْلَوِيَّةِ تَقْدِيمِ هَذَا عَلَى ذَلِكَ هُوَ التَّحْقِيقُ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي النَّظَرَ بَيْنَ الْخُصُوصِيَّتَيْنِ أَيُّهُمَا يَقْتَضِي أَوْ أَكْثَرُ اقْتِضَاءً لِلتَّقْدِيمِ، وَقَدْ يُفْضِي إلَى تَكْثِيرِ جِهَاتِ كُلِّ وَاحِدٍ وَخُصُوصِيَّاتِهِ وَيَسْتَدْعِي تَطْوِيلًا مَعَ قِلَّةِ الْجَدْوَى، فَالِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ أَدْخَلُ فِي طَرِيقَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالتَّحْصِيلِ، وَلَا بُدَّ فِي تَحْصِيلِ زِيَادَةِ الْبَصِيرَةِ فِيمَا نَشْرَعُ فِيهِ مِنْ تَقْدِيمٍ تَحْصِيلُ أُمُورٍ: الْأَمْرِ الْأَوَّلِ مَفْهُومُهُ لُغَةً، قِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ، وَقِيلَ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - صَرَّحُوا بِهِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمْ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّمِّ، وَالْمَوْضُوعُ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ لَا يَعْرِفُ الْقُدَمَاءُ غَيْرَ هَذَا إلَى أَنْ حَدَثَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الشَّخْصِ بِعَيْنِهِ، يَجْعَلُ خُصُوصَ عَوَارِضِهِ الْمُشَخِّصَةِ مُرَادًا مَعَ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ بِلَفْظِ الْأَعَمِّ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ، وَكَأَنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ قَلَّمَا تَخْطِرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَتَّى تَرَكَ الْأَقْدَمُونَ تَقْدِيرَ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ مُرَادِ مَنْ يَقُولُ لِزَيْدٍ يَا إنْسَانُ يَا مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ لَا يُلَاحِظُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُشْتَرَكُ الْمَعْنَوِيُّ حَقِيقَةً فِيهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَحَقِّقَ الِاسْتِعْمَالُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي. فَفِي الْوَطْءِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» أَيْ مِنْ وَطْءٍ حَلَالٍ لَا مِنْ وَطْءٍ حَرَامٍ. وَقَوْلُهُ «يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: وَمِنْ أَيْمٍ قَدْ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا ... وَأُخْرَى عَلَى خَالٍ وَعَمٍّ تَلْهَفُ وَقَوْلُهُ: وَمَنْكُوحَةٌ غَيْرُ مَمْهُورَةٍ وَقَوْلُ الْآخَرِ: التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرِ نِسَاءَهُمْ ... وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا وَفِي الْعَقْدِ قَوْلُ الْأَعْشَى: وَلَا تَقْرَبَن جَارَةً إنَّ سَرَّهَا ... عَلَيْك حَرَامٌ فَانْكِحْنَ أَوْ تَأَبَّدَا وَفِي الْمَعْنَى الْأَعَمِّ قَوْلُ الْقَائِلِ: ضَمَمْت إلَى صَدْرِي مُعَطَّرَ صَدْرِهَا ... كَمَا نَكَحَتْ أُمُّ الْغُلَامِ صَبِيَّهَا أَيْ ضَمَّتْهُ، وَقَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ: أَنْكَحْت صُمْ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمُلَةٍ ... تَغَشْرَمَتْ بِي إلَيْك السَّهْلَ وَالْجَبَلَا فَمُدَّعِي الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ يَقُولُ تَحَقُّقُ الِاسْتِعْمَالِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. وَالثَّانِي: يَقُولُ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ فِي الْآخَرِ حَيْثُ أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ ثُمَّ يَدَّعِي تَبَادُرَ الْعَقْدِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ النِّكَاحِ دُونَ الْوَطْءِ وَيُحِيلُ فَهْمَ الْوَطْءِ مِنْهُ حَيْثُ فُهِمَ عَلَى الْقَرِينَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ هِيَ عَطْفُ السِّفَاحِ بَلْ يَصِحُّ حَمْلُ النِّكَاحِ فِيهِ عَلَى الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوِلَادَةَ بِالذَّاتِ مِنْ الْوَطْءِ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي إضَافَةُ الْمَرْأَةِ إلَى ضَمِيرِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ امْرَأَتَهُ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ إرَادَةُ الْوَطْءِ مِنْ النِّكَاحِ الْمُسْتَثْنَى وَإِلَّا فَسَدَ الْمَعْنَى إذْ يَصِيرُ يَحِلُّ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْعَقْدَ، وَفِي الْأَبْيَاتِ الْإِضَافَةُ إلَى الْبَقَرِ وَنَفْيُ الْمَهْرِ وَالْإِسْنَادُ إلَى الرِّمَاحِ، إذْ يُسْتَفَادُ أَنَّ الْمُرَادَ وَطْءُ الْبَقَرِ وَالْمَسْبِيَّاتِ. وَالْجَوَابُ مَنْعُ تَبَادُرِ الْعَقْدِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ النِّكَاحِ لُغَةً بَلْ ذَلِكَ فِي الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ الْفِقْهِيِّ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فَهْمَ الْوَطْءِ فِيمَا ذُكِرَ مُسْتَنِدٌ إلَى الْقَرِينَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً، إذْ وُجُودُ قَرِينَةٍ يُؤَيِّدُ إرَادَةَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ إرَادَةِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كَوْنَ الْمَعْنَى مَجَازِيًّا بَلْ الْمُعْتَبَرُ تَجْرِيدُ النَّظَرِ إلَى الْقَرِينَةِ إنْ عُرِفَ أَنَّهُ لَوْلَاهَا لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَى مَا عَيَّنَتْهُ فَهُوَ مَجَازٌ وَإِلَّا فَلَا، وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْمَوَادِّ الْمَذْكُورَةِ نَفْهَمُ الْوَطْءَ قَبْلَ طَلَبِ الْقَرِينَةِ وَالنَّظَرِ فِي وَجْهِ دَلَالَتِهَا فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ مَقْرُونًا بِمَا إذَا نَظَرَ فِيهِ اسْتَدْعَى إرَادَةَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. أَلَا يَرَى أَنَّ مَا ادَّعُوا فِيهِ الشَّهَادَةَ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مِنْ بَيْتِ الْأَعْشَى فِيهِ قَرِينَةٌ تُفِيدُ الْعَقْدَ أَيْضًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ فَلَا تَقْرَبَن جَارَةً نَهْيٌ عَنْ الزِّنَا بِدَلِيلِ إنَّ سَرَّهَا عَلَيْك حَرَامٌ فَيَلْزَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فَانْكِحْنَ أَمْرٌ بِالْعَقْدِ: أَيْ فَتَزَوَّجْ إنْ كَانَ الزِّنَا عَلَيْك حَرَامًا أَوْ تَأَبَّدْ، أَيْ تَوَحَّشْ: أَيْ كُنْ مِنْهَا كَالْوَحْشِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآدَمِيَّاتِ فَلَا يَكُنْ مِنْك قُرْبَانٌ لَهُنَّ كَمَا لَا يَقْرَبهُنَّ وَحْشِيٌّ، وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ فِي الْعَقْدِ حَقِيقَةً عِنْدَهُمْ فِي هَذَا الْبَيْتِ إذْ هُمْ لَا يَقُولُونَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّهُ فِي الْحَدِيثِ لِلْعَقْدِ فَيَسْتَلْزِمُ التَّجَوُّزَ فِي نِسْبَةِ الْوِلَادَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا هُوَ سَبَبُ السَّبَبِ، فَفِيهِ دَعْوَى حَقِيقَةٌ بِالْخُرُوجِ عَنْ حَقِيقَةٍ وَهُوَ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ لَوْ كَانَا سَوَاءً، فَكَيْفَ وَالْأَنْسَبُ كَوْنُهُ فِي الْوَطْءِ لِيَتَحَقَّقَ التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ، إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى مِنْ وَطْءٍ حَلَالٍ لَا مِنْ وَطْءٍ حَرَامٍ فَيَكُونُ عَلَى خَاصٍّ مِنْ الْوَطْءِ، وَالدَّالُّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ لَفْظُ السِّفَاحِ أَيْضًا فَثَبَتَ إلَى هُنَا أَنَّا لَمْ نَزِدْ عَلَى ثُبُوتِ مُجَرَّدِ الِاسْتِعْمَالِ شَيْئًا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ. وَقَدْ عَلِمَ ثُبُوتَ الِاسْتِعْمَالِ أَيْضًا فِي الضَّمِّ، فَبِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةً فِيهِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا مِنْ أَفْرَادِهِ الْوَطْءُ وَالْعَقْدُ إنْ اعْتَبَرْنَا الضَّمَّ أَعَمَّ مِنْ ضَمِّ الْجِسْمِ إلَى الْجِسْمِ وَالْقَوْلِ إلَى الْقَوْلِ أَوْ الْوَطْءِ فَقَطْ فَيَكُونُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ إذَا دَارَ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ كَانَ الْمَجَازُ أَوْلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ صَرِيحًا خِلَافُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَقْلُ ذَلِكَ بَلْ قَالُوا: نَقَلَ الْمُبَرِّدُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ وَغُلَامُ ثَعْلَبَ الشَّيْخِ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ الْجَمْعُ وَالضَّمُّ، ثُمَّ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ الضَّمِّ تَعَلُّقُهُ بِالْأَجْسَامِ لَا الْأَقْوَالِ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ يَتَلَاشَى الْأَوَّلُ مِنْهَا قَبْلَ وُجُودِ الثَّانِي، فَلَا يُصَادِفُ الثَّانِي مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ أَفْرَادُ الضَّمِّ تَخْتَلِفُ بِالشِّدَّةِ فَيَكُونُ لَفْظُ النِّكَاحِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ. الْأَمْرِ الثَّانِي مَفْهُومِهِ اصْطِلَاحًا وَهُوَ عَقْدٌ وُضِعَ لِتَمَلُّكِ الْمُتْعَةِ بِالْأُنْثَى قَصْدًا، وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ لِإِخْرَاجِ شِرَاءِ الْأَمَةِ لِلتَّسَرِّي، وَالْمُرَادُ وَضْعُ الشَّارِعِ لَا وَضْعُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَهُ وَإِلَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّرَاءِ قَدْ لَا يَكُونُ إلَّا الْمُتْعَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ هَذَا بِتَفْسِيرِهِ شَرْعًا. وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ عُرْفُ أَهْلِ الشَّرْعِ وَهُوَ مَعْنَى الِاصْطِلَاحِ الَّذِي عَبَّرْنَا بِهِ لَا أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهِ الشَّارِعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ فَلِذَا حَيْثُ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ نَحْمِلُهُ عَلَى الْوَطْءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] حَتَّى أَثْبَتُوا بِهَا حُرْمَةَ مَنْ زَنَا بِهَا الْأَبُ عَلَى الِابْنِ. وَقَوْلُ قَاضِي خَانْ: إنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمُجْتَبَى: هُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْعَقْدُ يُوَافِقُ مَا بَيَّنَّا. وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ نِكَاحًا أَوْ غَيْرَهُ مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ، سَوَاءٌ كَانَا بِاللَّفْظَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ مِنْ زَوَّجْتُ أَوْ تَزَوَّجْتُ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سَنَذْكُرُ أَوْ كَلَامِ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا: أَعْنِي الْمُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ. وَقَوْلُ الْوَرْسَكِيِّ: إنَّهُ مَعْنَى يُحِلُّ الْمَحَلَّ فَيَتَغَيَّرُ بِهِ وَزَوَّجْت وَتَزَوَّجْت آلَةُ انْعِقَادِهِ إطْلَاقٌ لَهُ عَلَى حُكْمِهِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَحَلِّ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِإِخْرَاجِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ مُسَمَّاهُ وَهُوَ اصْطِلَاحٌ آخَرُ غَيْرُ مَشْهُورٍ. الْأَمْرِ الثَّالِثِ سَبَبِ شَرْعِيَّتِهِ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ فِي الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ بَقَاءُ النَّوْعِ بِالْوَطْءِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لَكِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّظَالُمِ وَالسَّفْكِ وَضَيَاعِ الْأَنْسَابِ، بِخِلَافِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ. الْأَمْرِ الرَّابِعِ شَرْطِهِ الْخَاصِّ بِهِ سَمَاعُ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ يُذْكَرْ، وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَمِنْ الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَحْكَامِ كَمَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ لِلْبَيْعِ وَالْأُنْثَى لِلنِّكَاحِ. الْأَمْرِ الْخَامِسِ: شَرْطِهِ الَّذِي لَا يَخُصُّهُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ، فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ، وَتَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ، فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ مَحْضُ سَفِيرٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ. الْأَمْرِ السَّادِسِ رُكْنِهِ. وَهُوَ الْجِنْسُ الْمُقَيَّدُ فِي التَّعْرِيفِ. الْأَمْرِ السَّابِعِ حُكْمِهِ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا، فَخَرَجَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَمِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا سَيَرِدُ فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ. الْأَمْرِ الثَّامِنِ صِفَتِهِ، أَمَّا فِي حَالِ التَّوَقَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَوْ يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ، وَفِي النِّهَايَةِ: إنْ كَانَ لَهُ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحَرُّزِ إلَّا بِهِ كَانَ فَرْضًا اهـ. وَيُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْخَوْفَ الْوَاقِعَ سَبَبًا لِلِافْتِرَاضِ بِكَوْنِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحَرُّزِ إلَّا بِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ الْخَوْفُ مُطْلَقًا يَسْتَلْزِمُ بُلُوغَهُ إلَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ فَلْيَكُنْ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ فَرْضًا وَإِلَّا فَوَاجِبٌ. هَذَا مَا لَمْ يُعَارِضْهُ خَوْفُ الْجَوْرِ، فَإِنْ عَارَضَهُ كُرِهَ. قِيلَ: لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِينِ النَّفْسِ وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ بِالْوَلَدِ الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى. وَاَلَّذِي يَخَافُ الْجَوْرَ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ، وَقَضِيَّتُهُ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنَّ النُّصُوصَ لَا تَفْصِلُ فَقُلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ اهـ. وَيَنْبَغِي تَفْصِيلُ خَوْفِ الْجَوْرِ كَتَفْصِيلِ خَوْفِ الزِّنَا، فَإِنْ بَلَغَ مَبْلَغَ مَا اُفْتُرِضَ فِيهِ النِّكَاحُ حَرُمَ وَإِلَّا كُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْبَدَائِعِ: قَيَّدَ الِافْتِرَاضَ فِي التَّوَقَانِ بِمِلْكِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، فَإِنَّ مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهُنَّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ يَأْثَمُ، وَصَرَّحَ قَبْلَهُ بِالِافْتِرَاضِ فِي حَالَةِ التَّوَقَانِ. وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِاعْتِدَالِ فَدَاوُد وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الْآيَةَ، «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَكَّافِ بْنِ وَدَاعَةَ الْهِلَالِيِّ: أَلَكَ زَوْجَةٌ يَا عَكَّافُ؟ قَالَ لَا، قَالَ: وَلَا جَارِيَةٌ؟ قَالَ لَا، قَالَ: وَأَنْتَ صَحِيحٌ مُوسِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَنْتَ إذًا مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ، إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ رُهْبَانِ النَّصَارَى فَأَنْتَ مِنْهُمْ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَّا فَاصْنَعْ كَمَا نَصْنَعُ، وَإِنَّ مِنْ سُنَّتِنَا النِّكَاحَ، شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ، وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ، وَيْحَك يَا عَكَّافُ تَزَوَّجْ، قَالَ: فَقَالَ عَكَّافٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَتَزَوَّجُ حَتَّى تُزَوِّجَنِي مَنْ شِئْتَ، قَالَ: فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَدْ زَوَّجْتُكَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَالْبَرَكَةِ كَرِيمَةَ بِنْتَ كُلْثُومٍ الْحِمْيَرِيِّ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدٍ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا، فَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْعَامِّ لَا يَنْفِي كَوْنَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْكِفَايَةِ عَلَى الْكُلِّ وَالْمُعَرَّفِ لِكَوْنِهِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ مَعْرِفَةُ سَبَبِ شَرْعِيَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ كَانَ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقَدْ عَقَلْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِيجَابِ تَكْثِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ وَعَدَمُ انْقِطَاعِهِمْ، وَلِذَا صَرَّحَ بِالْعِلَّةِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَكَّافٍ فَإِيجَابٌ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَجُوزُ كَوْنُ سَبَبِ الْوُجُوبِ تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ. وَقِيلَ: وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لِمَا أَنَّ الثَّابِتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنُّ وَالْآيَةُ لَمْ تُسَقْ إلَّا لِبَيَانِ الْعَدَدِ الْمُحَلَّلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ. وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ الِاسْتِحْبَابَ. وَكَثِيرًا مَا يَتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَأَنَّ التَّجَرُّدَ لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَحَقِيقَةُ أَفْضَلَ يَنْفِي كَوْنَهُ مُبَاحًا إذْ لَا فَضْلَ فِي الْمُبَاحِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ اقْتَرَنَ بِنِيَّةٍ كَانَ ذَا فَضْلٍ، وَالتَّجَرُّدُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39] مَدَحَ يَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِعَدَمِ إتْيَانِ النِّسَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْحَصُورِ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ طَاهِرًا مُطَهَّرًا فَلْيَتَزَوَّجْ الْحَرَائِرَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحِنَّاءُ، وَالتَّعَطُّرُ. وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيهِنَّ فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَبَدَنًا عَلَى الْبَلَاءِ صَابِرًا، وَزَوْجَةً لَا تَبْغِيهِ حُوبًا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُ أَحَدِهِمَا جَيِّدٌ. لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَوَابِ لَا أُنْكِرُ الْفَضِيلَةَ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ وَإِنَّمَا أَقُولُ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ. فَالْأَوْلَى فِي جَوَابِهِ التَّمَسُّكُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ وَرَدُّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مِنْ أُمَّتِهِ التَّخَلِّيَ لِلْعِبَادَةِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَأَلُوا أَزْوَاجَهُ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» فَرَدَّ هَذَا الْحَالَ رَدًّا مُؤَكَّدًا حَتَّى تَبْرَأَ مِنْهُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَفْضَلِيَّةُ فِي الِاتِّبَاعِ لَا فِيمَا يُخَيَّلُ لِلنَّفْسِ أَنَّهُ أَفْضَلُ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ عِبَادَةٍ وَتَوَجُّهٍ، وَلَمْ يَكُنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَرْضَى لِأَشْرَفِ أَنْبِيَائِهِ إلَّا بِأَشْرَفِ الْأَحْوَالِ، وَكَانَ حَالُهُ إلَى الْوَفَاةِ النِّكَاحَ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَرِّرَهُ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَحَالُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - كَانَ أَفْضَلَ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ نُسِخَتْ الرَّهْبَانِيَّةُ فِي مِلَّتِنَا، وَلَوْ تَعَارَضَا

(النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُدِّمَ التَّمَسُّكُ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " تَزَوَّجُوا فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً " وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ مِنْ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَتَوْسِعَةِ الْبَاطِنِ بِالتَّحَمُّلِ فِي مُعَاشَرَةِ أَبْنَاءِ النَّوْعِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ وَإِعْفَافِ الْحُرْمِ وَنَفْسِهِ وَدَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهُنَّ وَدَفْعِ التَّقْتِيرِ عَنْهُنَّ بِحَبْسِهِنَّ لِكِفَايَتِهِنَّ مَئُونَةِ سَبَبِ الْخُرُوجِ ثُمَّ الِاشْتِغَالِ بِتَأْدِيبِ نَفْسِهِ وَتَأْهِيلِهِ لِلْعُبُودِيَّةِ وَلِتَكُونَ هِيَ أَيْضًا سَبَبًا لِتَأْهِيلِ غَيْرِهَا وَأَمْرِهَا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْفَرَائِضَ كَثِيرَةٌ لَمْ يَكَدْ يَقِفْ عَنْ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي، بِخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَهُ خَوْفُ الْجَوْرِ إذْ الْكَلَامُ لَيْسَ فِيهِ بَلْ فِي الِاعْتِدَالِ مَعَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ. وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ نِيَّةٌ كَانَ مُبَاحًا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَمَبْنَى الْعِبَادَة عَلَى خِلَافِهِ. وَأَقُولُ: بَلْ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَضَائِهَا بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ، فَالْعُدُولُ إلَيْهِ مَعَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَلْزِمُ أَثْقَالًا فِيهِ قَصْدُ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَعَلَيْهِ يُثَابُ وَوُعِدَ الْعَوْنُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِاسْتِحْسَانِ حَالَتِهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْ الْمَرْأَةَ إلَّا لِعِزِّهَا أَوْ مَالِهَا أَوْ حَسَبِهَا فَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا دَنَاءَةً. وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يُرِدْ بِهَا إلَّا أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ وَيُحْصِنَ فَرْجَهُ أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ. وَلَا تَتَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ. وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، فَلَأَمَةٌ خَرْقَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ بْنِ أَنْعُمٍ. وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حُسْنٍ وَجَمَالٍ وَحَسَبٍ وَمَنْصِبٍ وَمَالٍ إلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. هَذَا وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَكَوْنُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الزِّفَافِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهَا قَالَتْ «زَفَفْنَا امْرَأَةً إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَائِشَةُ أَمَا يَكُونُ مَعَهُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) قَدَّمْنَا أَنَّ النِّكَاحَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْعَقْدُ، وَهَذَا بَيَانٌ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَمْ يَثْبُتْ انْعِقَادُهُ حَتَّى يَتِمَّ عَقْدًا مُسْتَعْقَبًا لِأَحْكَامِهِ، فَلَفْظُ النِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ: أَيْ ذَلِكَ الْعَقْدُ الْخَاصُّ يَنْعَقِدُ حَتَّى تَتِمَّ حَقِيقَتُهُ فِي الْوُجُودِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَالِانْعِقَادُ هُوَ ارْتِبَاطُ أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا شَرْعِيًّا وَيَسْتَعْقِبُ الْأَحْكَامَ

بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي) لِأَنَّ الصِّيغَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْإِخْبَارِ وَضْعًا فَقَدْ جُعِلَتْ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ بِوُقُوعِ الثَّانِي جَوَابًا مُعْتَبَرًا مُحَقِّقًا لِغَرَضِ الْكَلَامِ السَّابِقِ، وَيَسْمَعُ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَلَامَ صَاحِبِهِ، وَالْكَلَامَانِ هُمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. فَمَا قِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْإِيجَابِ إنَّهُ إصْدَارُ الصِّيغَةِ الصَّالِحَةِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى الْقَبُولِ خِلَافُ الْوَاقِعِ مِنْ الْعُرْفِ الْمَشْهُورِ، بَلْ إنَّ الْإِيجَابَ هُوَ نَفْسُ الصِّيغَةِ الصَّالِحَةِ لِتِلْكَ الْإِفَادَةِ بِقَيْدِ كَوْنِهَا أَوَّلًا وَالْقَبُولُ هِيَ بِقَيْدِ وُقُوعِهَا ثَانِيًا مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَمَا ذُكِرَ فِي الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِ: لَوْ قَدَّمَ الْقَبُولَ عَلَى الْإِيجَابِ، بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْت بِنْتَك فَقَالَ زَوَّجْتُكهَا يَنْعَقِدُ بِهِ صَحِيحٌ فِي الْحُكْمِ مَمْنُوعٌ كَوْنُهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَبُولِ، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ مَا يُقَدَّمُ هُوَ الْإِيجَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ هُنَا وَصَرَّحَ الْكُلُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ، وَكَانَ الْحَامِلُ عَلَى جَعْلِهِ الْإِصْدَارِ وَصْلَ قَوْلِهِ بِلَفْظَيْنِ بِقَوْلِهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَأَفَادَ آلِيَّتَهُمَا لَهُمَا فَكَانَا خِلَافَيْهِمَا. وَالْحَقُّ مَا أَعْلَمْتُك وَوَصَلَهُمَا إبْدَالٌ أَوْ بَيَانٌ يَدْفَعُ بِهِ مَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْعُرْفِ فَيُعَمِّمُ الْمُقَيَّدَ فَأَبْدَلَ مِنْهُ لِتَخْرُجَ الْكِتَابَةُ، فَلَوْ كَتَبَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَا يَنْعَقِدُ، وَالْمُرَادُ بِاللَّفْظَيْنِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَدْخُلُ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ أَوْ مَا يَخُصُّ الْحَقِيقَةَ، وَلَيْسَ هَذَا بِحَدٍّ بَلْ إخْبَارَاتٌ مَنْسُوقٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِإِفَادَةِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ فَقَالَ: وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدِهِمَا مُسْتَقْبَلٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ فَيَنْعَقِدُ بِكَلَامِ الْوَاحِدِ كَمَا يَنْعَقِدُ بِكَلَامِ الِاثْنَيْنِ. وَلَا إشْكَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَعُرِفَ مِنْ تَعْرِيفِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِأَنَّهُمَا اللَّفْظَانِ الصَّالِحَانِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَعَدَمُ لُزُومِ ذِكْرِ الْمَفْعُولَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ دَلَالَةِ الْمَقَامِ وَالْمُقَدِّمَاتِ عَلَى الْغَرَضِ لِأَنَّ الْحَذْفَ لِدَلِيلٍ جَائِزٌ فِي كُلِّ لِسَانٍ، وَعَدَمُ لُزُومِ لَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، فَعَنْ هَذَا قُلْنَا: إذَا قَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي فَقَالَ قَبِلْت، أَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك فَقَالَتْ قَبِلْت جَازَ وَلَا مَفْعُولَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَابِلُ سَفِيرًا وَلَا مَفْعُولَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ نَفَذَ عَلَيْهِ. فِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ خَطَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ امْرَأَةً، فَلَمَّا اجْتَمَعَا لِلْعَقْدِ قَالَ أَبُو الْمَرْأَةِ لِأَبِي الزَّوْجِ: دادم بِزِنَى أَيْنَ دخترر ابْهَزَا ردرم، فَقَالَ أَبُو الزَّوْجِ: بِزِيرٍ فَتَمَّ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُقَدِّمَاتُ النِّكَاحِ لِلِابْنِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْأَبَ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ: زَوَّجْت بِنْتِي مِنْ ابْنِك، فَقَالَ أَبُو الِابْنِ قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ لِابْنِي يَجُوزُ النِّكَاحُ لِلِابْنِ لِإِضَافَةِ الْمُزَوِّجِ النِّكَاحَ إلَى الِابْنِ بِيَقِينٍ. وَقَوْلُ الْقَابِلِ قَبِلْت جَوَابٌ لَهُ، وَالْجَوَابُ يَتَقَيَّدُ بِالْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ قَبِلْت لِأَبِي، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ لِآخَرَ بَعْدَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا مُقَدِّمَاتُ الْبَيْعِ بِعْت هَذَا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك، فَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْت صَحَّ وَلَزِمَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ: خويشتن خريدم بَعْدَهُ وَكَآبِّينَ، فَقَالَ الزَّوْجُ: فروختم صَحَّ وَلَزِمَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْك (قَوْلُهُ يُعَبِّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي) مِثْلَ أَنْكَحَتْك وَزَوَّجْتُك فَيَقُولُ قَبِلْت أَوْ فَعَلْت أَوْ رَضِيت. وَفِي الِانْعِقَادِ بِصِرْتِ لِي وَصِرْتُ لَك خِلَافٌ، وَظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ اخْتِيَارُهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبُولُ. وَلَوْ قَالَتْ عَرَسْتُك نَفْسِي فَقَبِلَ يَنْعَقِدُ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الِانْعِقَادَ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جُعِلَ إنْشَاءً شَرْعًا فَصَارَ هُوَ عِلَّةٌ لِمَعْنَاهُ فَيَثْبُتُ الْمَعْنَى عَقِيبَهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ جُعِلَتْ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا تَقْرِيرُ الشَّرْعِ مَا كَانَ فِي اللُّغَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ كَانَ يَنْشَأُ بِهَا قَبْلَ الشَّرْعِ فَقَرَّرَهُ الشَّرْعُ وَإِنَّمَا اُخْتِيرَتْ لِلْإِنْشَاءِ لِأَنَّهَا أَدَلُّ عَلَى الْوُجُودِ وَالتَّحَقُّقِ حَيْثُ أَفَادَتْ دُخُولَ الْمَعْنَى فِي الْوُجُودِ قَبْلَ الْإِخْبَارِ فَأُفِيدَ بِهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ وُجُودُ اللَّفْظِ، ثُمَّ لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُلَاحَظَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الِانْعِقَادِ وَلُزُومِ حُكْمِهِ جَانِبُ الرِّضَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] عَدَّيْنَا ثُبُوتَ الِانْعِقَادِ وَلُزُومَ حُكْمِ الْعَقْدِ إلَى كُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ ذَلِكَ بِلَا احْتِمَالِ مُسَاوٍ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ فَقُلْنَا: لَوْ قَالَ بِالْمُضَارِعِ ذِي الْهَمْزَةِ أَتَزَوَّجك فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي انْعَقَدَ، وَفِي الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ نَحْوَ تُزَوِّجنِي بِنْتَكَ؟ فَقَالَ فَعَلْتُ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِيعَادِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالنِّكَاحُ مِمَّا لَا تَجْرِي فِيهِ الْمُسَاوَمَةُ كَانَ لِلتَّحْقِيقِ فِي الْحَالِ فَانْعَقَدَ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْإِنْشَاءِ بَلْ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَرَضِ تَحْقِيقِهِ وَاسْتِفَادَةِ الرِّضَا مِنْهُ حَتَّى قُلْنَا: لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ اُعْتُبِرَ فَهْمُ الْحَالِ. فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قَالَ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ أَعْطَيْتُ، إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ وَإِنْ كَانَ لِلْعَقْدِ فَنِكَاحٌ، فَيُحْمَلُ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ بِالْفَارِسِيَّةِ ميدهي لَيْسَ بِشَيْءٍ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُ التَّحْقِيقِ ظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَكَذَلِكَ. عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ جِئْتُك خَاطِبًا بِنْتَك أَوْ لِتُزَوِّجَنِي ابْنَتَك فَقَالَ الْأَبُ زَوَّجْتُك فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ، وَلَيْسَ لِلْخَاطِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ كَمَا قُلْنَا، وَالِانْعِقَادُ بِقَوْلِهِ أَنَا مُتَزَوِّجُك يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ سَوَاءٌ، وَقُلْنَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمُسْتَقْبَلِ: يَعْنِي الْأَمْرَ، فَلَوْ قَالَ زَوِّجْنِي بِنْتَك فَقَالَ زَوَّجْتُك انْعَقَدَ، وَمِنْهُ كُونِي امْرَأَتِي يَنْعَقِدُ إذَا قَبِلَتْ. وَفِي النَّوَازِلِ: قَالَ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ صَحَّ النِّكَاحُ، غَيْرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الصِّحَّةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا قَائِمًا بِالْمُجِيبِ، وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا نَفْسُهَا إيجَابٌ فَيَكُونُ قَائِمًا بِهِمَا. فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: وَلَفْظَةُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَ كَانَ تَامًّا، وَكَذَا فِي الْخُلْعِ؛ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اُكْفُلْ لِي بِنَفْسِ فُلَانٍ هَذَا أَوْ بِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ كَفَلْت تَمَّتْ الْكَفَالَةُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ هَبْ لِي هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ وَهَبْت فِي مَسَائِلَ أُخَرَ ذَكَرَهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظُ الْمُفِيدُ قَصْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى أَوَّلًا وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظَةِ الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا. وَيَسْتَغْنِي عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى تَقْرِيرِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ قَبُولُهُ تَحْصِيلَ الْفِعْلِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ تَوْكِيلًا وَإِلَّا بَقِيَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَتِمُّ بِقَوْلِهِ بِعْنِيهِ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْتُ بِلَا جَوَابٍ، إذْ جَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ فَصَحَّ دُونَ الْبَيْعِ، وَحِينَئِذٍ فَتَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمٌ بِالْمُجِيبِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، فَلِذَا قِيلَ الْمِثَالُ الصَّحِيحُ أَتَزَوَّجُك بِأَلْفٍ فَتَقُولُ قَبِلْت عَلَى إرَادَةِ الْحَالِ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي النِّكَاحِ الْمَجْلِسُ كَالْبَيْعِ لَا الْفَوْرُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدْ يُوهِمُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ فَسَكَتَ الْخَاطِبُ فَقَالَ الصِّهْرُ ادْفَعْ الْمَهْرَ فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ قَبُولٌ، وَقِيلَ لَا أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةَ، وَقَدْ يَكُونُ مُنْشَؤُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ خَاطِبًا، فَحَيْثُ سَكَتَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ ظَاهِرًا فِي رُجُوعِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ أَوَّلًا، فَقَوْلُهُ نَعَمْ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ بِمُفْرَدِهِ لِأَنَّ الْفَوْرَ شَرْطٌ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَصُورَةُ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُوجِبَ أَحَدُهُمَا فَيَقُومَ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ يَكُونَ قَدْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قِيلَ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ هُوَ ارْتِبَاطُ أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِالْآخَرِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ يَتَفَرَّقَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَلَوْ عَقَدَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ جَازَ، وَسَتَعْرِفُ الْفَرْقَ فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فُرُوعٌ] تَزَوَّجَ بِاسْمِهَا الَّذِي تُعْرَفُ بِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ لَهَا اسْمَانِ اسْمٌ فِي صِغَرِهَا وَآخَرُ فِي كِبَرِهَا تَزَوَّجَ بِالْأَخِيرِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَعْرُوفَةً بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ بِنْتَانِ كُبْرَى اسْمُهَا عَائِشَةُ وَصُغْرَى اسْمُهَا فَاطِمَةُ فَقَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَاطِمَةَ وَهُوَ يُرِيدُ عَائِشَةَ فَقَبِلَ انْعَقَدَ عَلَى فَاطِمَةَ، وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَاطِمَةَ الْكُبْرَى قَالُوا يَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ عَلَى إحْدَاهُمَا وَلَوْ قَالَ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانَةَ مِنْ ابْنِك فَقَبِلَ وَلَيْسَ لَهُمَا إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ وَبِنْتٌ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا ابْنَتَانِ أَوْ ابْنَانِ لَا، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَا الْبِنْتَ وَالِابْنَ. وَلَوْ زَوَّجَ غَائِبَةَ وَكِيلٍ فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَهَا فَذَكَرَ مُجَرَّدَ اسْمِهَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُتَنَقِّبَةً فَقَالَ تَزَوَّجْت هَذِهِ وَقَبِلَتْ جَازَ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَعْرُوفَةً بِالْإِشَارَةِ. وَأَمَّا الْغَائِبَةُ فَلَا تُعْرَفُ إلَّا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِرَةِ كَشْفُ النِّقَابِ. وَسَنَذْكُرُ وَجْهَ عَدَمِهِ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَا الْحَالُ فِي تَسْمِيَةِ الزَّوْجِ الْغَائِبِ. وَفِي التَّجْنِيسِ: لَهُ ابْنَةٌ اسْمُهَا فَاطِمَةُ فَقَالَ وَقْتَ الْعَقْدِ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَائِشَةَ وَلَمْ تَقَعْ الْإِشَارَةُ إلَى شَخْصِهَا لَا يَصِحُّ. فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُسَمَّى وَلَيْسَ لَهُ ابْنَةٌ بِذَلِكَ الِاسْمِ. وَفِي النَّوَازِلِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خُنْثَى مُشْكِلٌ زُوِّجَ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ بِرِضَا الْوَلِيِّ فَلَمَّا كَبِرَا إذَا الزَّوْجُ امْرَأَةٌ وَالزَّوْجَةُ رَجُلٌ جَازَ نِكَاحُهُمَا عِنْدِي لِأَنَّ قَوْلَهُ زَوَّجْتُك يَسْتَوِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَفِي صَغِيرَيْنِ قَالَ أَبُو أَحَدِهِمَا زَوَّجْت بِنْتِي هَذِهِ مِنْ ابْنِك هَذَا وَقَبِلَ الْآخَرُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ غُلَامٌ وَالْغُلَامَ جَارِيَةٌ جَازَ لِذَلِكَ أَيْضًا. وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ: لَا يَجُوزُ. وَفِي الْمُنْيَةِ: زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت يَصْلُحُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَفِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةٍ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ رَضِيت يَكُونُ نِكَاحًا. فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا إنْ رَاجَعْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ تَنْصَرِفُ الرَّجْعَةُ إلَى النِّكَاحِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا النِّكَاحُ فَيَنْظُرُ إلَى الْمَحَلِّ وَالْمَحَلُّ هُنَا لَا يَقْبَلُ الرَّجْعَةَ الْمَعْرُوفَةَ فَانْصَرَفَتْ إلَى النِّكَاحِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الرَّجْعَةِ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْأَجْنَاسِ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَةً بَائِنًا ثُمَّ قَالَ رَاجَعْتُك عَلَى كَذَا وَكَذَا فَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّ هَذَا نِكَاحٌ جَائِزٌ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَالًا فَلَيْسَ بِنِكَاحٍ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نِكَاحًا فَكَانَ نِكَاحًا. فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَ الْمَالَ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ الزَّوْجَ أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ اهـ. وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ عَنْ بَعْضِهِمْ تَفْصِيلًا بَيْنَ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ. فَفِي الْمُبَانَةِ تَكُونُ نِكَاحًا وَفِي الْأَجْنَبِيَّةِ لَا وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ. فَإِنَّ التَّزَوُّجَ بِلَفْظِ الرَّجْعَةِ فِي نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّتَهُ فِي غَيْرِهَا. رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَقَرَّا بِالنِّكَاحِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَقَالَ هِيَ امْرَأَتِي وَأَنَا زَوْجُهَا، وَقَالَتْ هُوَ زَوْجِي وَأَنَا امْرَأَتُهُ وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا. لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إظْهَارٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ فَهُوَ فَرْعٌ سَبَقَ الثُّبُوتَ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ كَذِبًا لَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَا أَجَزْنَاهُ أَوْ رَضِينَاهُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ

(وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولَ زَوَّجْتُك) لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالصَّدَقَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ وَلَا مَجَازًا عَنْهُ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لِلتَّلْفِيقِ وَالنِّكَاحَ لِلضَّمِّ، وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَنْعَقِدُ بِخِلَافِ جَعَلْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ انْعَقَدَ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ جَعَلْت نَفْسِي زَوْجَةً لَك فَقَبِلَ ثُمَّ قَالَ أَعْطَيْتُك أَلْفًا عَلَى أَنْ تَكُونِي امْرَأَتِي فَقَبِلَتْ ثُمَّ قَالَ زَوِّجْ بِنْتَك فُلَانَةَ مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ ادْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت لَا يَنْعَقِدُ. فِي التَّجْنِيسِ كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الدَّفْعِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُضَافِ. لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكهَا غَدًا فَقَبِلَ لَا يَصِحُّ، فَعَدَمُ صِحَّةِ الْمُعَلَّقِ أَوْلَى. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: يَكُونُ ذَلِكَ نِكَاحًا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ قَوْلِهِ. وَيَجُوزُ النِّكَاحُ الْمُعَلَّقُ إذَا كَانَ عَلَى أَمْرٍ مَضَى لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِلْحَالِ. وَعَلَيْهِ فُرِّعَ مَا لَوْ قَالَ خَطَبْت بِنْتَك فُلَانَةَ لِابْنِي فُلَانٍ فَقَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْخَاطِبُ فَقَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ قَبْلُ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْ ابْنِك وَقَبِلَ أَبُو الِابْنِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَلَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا مِنْ أَحَدٍ صَحَّ النِّكَاحُ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِكَائِنٍ لِلْحَالِ تَحْقِيقٌ وَتَنْجِيزٌ، وَإِذَا أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِهَا مَثَلًا فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ جَوَازَهُ كَالطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَيَنْعَقِدُ إلَخْ) حَاصِلُ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي الِانْعِقَادِ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِ مِنْ خَارِجِ الْمَذْهَبِ. وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ الِانْعِقَادُ. وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ. وَقِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ تُرَتَّبَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لِيَلِيَ كُلُّ قِسْمٍ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ، وَهَكَذَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي لَفْظِ الْوَصِيَّةِ. [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ] مَا سِوَى لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مِنْ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْجَعْلِ نَحْوَ جَعَلْت بِنْتِي لَك بِأَلْفٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَجَوَازُهُ عِنْدَنَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْمَجَازَ كَمَا يَجْرِي فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ يَجْرِي فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَحَقُّقِ طَرِيقِهِ هُنَا فَنَفَاهُ الشَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ مَا يُجَوِّزُ التَّجَوُّزَ. أَمَّا إجْمَالًا فَإِنَّهُ لَوْ وُجِدَ لَصَحَّ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِلَفْظٍ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَكَانَ يُقَالُ أَنْكَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ مُرَادًا بِهِ مَلَّكْتُك، كَمَا يُقَالُ مَلَّكْتُك نَفْسِي أَوْ بِنْتِي مُرَادًا بِهِ أَنْكَحْتُك، وَلَيْسَ فَلَيْسَ. وَأَمَّا تَفْصِيلًا فَلِأَنَّ التَّزْوِيجَ هُوَ التَّلْفِيقُ وَضْعًا وَالنِّكَاحُ لِلضَّمِّ وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَلِذَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَ وُرُودِ مِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يُنَافِهِ تَأَكَّدَ بِهِ، وَإِنْ صَحَّ هَذَا الْوَجْهُ عَنْهُ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّهُ لُغَةٌ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ

وَالْمَمْلُوكَةِ أَصْلًا. وَلَنَا أَنَّ التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهَا بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ وَالسَّبَبِيَّةُ طَرِيقُ الْمَجَازِ. وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى النَّقْلِ (وَلَنَا أَنَّ التَّمْلِيكَ) أَيْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ (سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهَا بِوَاسِطَةِ) كَوْنِهِ سَبَبُ (مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَ) مِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهَا (هُوَ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ وَالسَّبَبِيَّةُ طَرِيقُ الْمَجَازِ) وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ اسْتِعَارَةُ النِّكَاحِ لِلتَّمْلِيكِ فَلَيْسَ لِعَدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ لِمَا فَرَغَ مِنْهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعَارَةُ اسْمِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ عِنْدَنَا إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّةِ السَّبَبِ شَرْعِيَّتَهُ كَالْبَيْعِ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَلَيْسَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ النِّكَاحَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّمْلِيكِ بَلْ مِلْكُ الرَّقَبَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي مَنْعُ أَنَّهُ لَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكَةِ. وَقَوْلُهُ وَلِذَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ إلَخْ. قُلْنَا: فَسَادُهُ لِلُزُومِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَوْنِ أَحَدِهِمَا مَالِكًا لِكُلِّ الْآخَرِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ الْآخَرِ مَالِكًا بِحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ لِبَعْضِ مَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْآخَرُ بِحُكْمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا لِعَدَمِ الضَّمِّ وَالِازْدِوَاجِ. وَلِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ كَمَا خَصَّ النِّكَاحَ بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ إظْهَارًا لِخَطَرِهِ خَصَّ بِاللَّفْظَيْنِ النِّكَاحَ وَالتَّزْوِيجَ وَلِذَا لَمْ يُرِدْ غَيْرَهُمَا شَرْعًا. وَالْجَوَابُ مَنْعُهَا، بَلْ قَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَلَمْ يَخْتَصَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] عَطْفًا عَلَى الْمُحَلَّلَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 50] وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُهَا وقَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] يَرْجِعُ إلَى عَدَمِ الْمَهْرِ بِقَرِينَةِ إعْقَابِهِ بِالتَّعْلِيلِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ، فَإِنَّ الْحَرَجَ لَيْسَ فِي تَرْكِ لَفْظٍ إلَى غَيْرِهِ خُصُوصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْصَحِ الْعَرَبِ بَلْ فِي لُزُومِ الْمَالِ وَبِقَرِينَةِ وُقُوعِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُؤْتَى أُجُورُهُنَّ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَحْلَلْنَا لَك الْأَزْوَاجَ الْمُؤْتَى مُهُورُهُنَّ وَاَلَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَك فَلَمْ تَأْخُذْ مَهْرًا خَالِصَةً هَذِهِ الْخَصْلَةُ لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. أَمَّا هُمْ فَقَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَاهُ عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ مِنْ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ، وَأَبْدَى صَدْرُ الشَّرِيعَةِ جَوَازَ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَحْلَلْنَا قَيْدًا فِي إحْلَالِ أَزْوَاجِهِ لَهُ لِإِفَادَةِ عَدَمِ حِلِّهِنَّ لِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَهُ أَيْضًا أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ، وَالْكِنَايَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: قُلْنَا لَيْسَتْ شَرْطًا مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ. وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اللُّبْسِ كَقَوْلِهِمْ لِلشُّجَاعِ أَسَدٌ، وَكَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ اهـ. وَيَشْكُلُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمَجَازِ يَسْتَدْعِي أَمْرَيْنِ: أَحَدَهُمَا انْتِفَاءَ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَلِذَا لَوْ طَلَبَ الزِّنَا مِنْ امْرَأَةٍ فَقَالَتْ وَهَبْت نَفْسِي مِنْك أَوْ آجَرْت نَفْسِي مِنْك وَقَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ. وَالْآخَرَ وُجُودَ قَرِينَةٍ تُفِيدُ إرَادَةَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَلِذَا لَوْ قَالَ أَبُو الْبِنْتِ وَهَبْت بِنْتِي مِنْك لِتَخْدُمَك وَقَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا

هُوَ الصَّحِيحُ لِوُجُودِ طَرِيقِ الْمَجَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحُكْمِ بِهِ، أَمَّا فِي جَوَازِ التَّجَوُّزِ فَقَطْ فَالشَّرْطُ مَعَ الْأَوَّلِ الْإِرَادَةُ لَا قَرِينَتُهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ثُبُوتِ مَعْنًى بِعَيْنِهِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ لَفْظٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ لِذَاتِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ كَنِسْبَتِهِ إلَى غَيْرِهِ، فَالْمُخَصَّصُ لِمَعْنًى مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ لَيْسَ إلَّا عَلَاقَةُ وَضْعِهِ لَهُ أَوْ إرَادَةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ ثَبَتَ اعْتِبَارُ نَوْعِهِ عَنْ الْوَاضِعِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ فَالْإِرَادَةُ لَازِمَةٌ فِي الْمَحَلَّيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ السَّامِعِ بِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نَصْبِ قَرِينَةٍ تُفِيدُ إرَادَتَهُ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ قَرِينَةٍ تُصْرَفُ عَنْهُ، وَهَذَا مَا يُقَالُ الْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى مَجَازِهِ، بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِإِرَادَةِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ حَيْثُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلِ إرَادَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الشُّهُودِ بِمُرَادِهِ بِأَنْ أَعْلَمَهُمْ بِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي تَصْوِيرِ الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ أَوْ لَا يُجِيزُهُ أَنْ يَقُولَ آجَرْت بِنْتِي وَنَوَى بِهِ النِّكَاحَ وَأَعْلَمَ بِهِ الشُّهُودَ اهـ. بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتُك بِنْتِي بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْبَيْعُ لِلْحُرِّيَّةِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِيِّ فَهُوَ الْقَرِينَةُ فَيَكْتَفِي بِهَا الشُّهُودُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا أَمَةً اُحْتِيجَ إلَى قَرِينَةٍ زَائِدَةٍ. فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْت أَمَتِي مِنْك، فَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا أَوْ مُعَجَّلًا يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ، فَإِنْ نَوَى وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَنْصَرِفْ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدُلَّ الْحَالُ فَلَا بُدَّ مَعَ النِّيَّةِ مِنْ إعْلَامِ الشُّهُودِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِهِمَا الْمُرَادِ عَلَى الْمُخْتَارِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. وَقَدْ رَجَعَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ عَدَمِ اللَّبْسِ وَحُكْمِهِ وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، إذْ عَدَمُ اللَّبْسِ إنَّمَا يَصْلُحُ لِتَعْلِيلِ دَعْوَى ظُهُورِهَا وَفَهْمِهَا. وَأَمَّا الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِإِرَادَةِ الْمَجَازِيِّ نَظَرًا إلَى تَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ وَكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا وَاعِيًا. وَأَمَّا الْهَازِلُ فَمُرِيدٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ غَيْرُ مُرِيدٍ لِحُكْمِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِقَصْدِهِ عَدَمِ الْحُكْمِ. نَعَمْ قَدْ يُقَالُ فِي عَقْدِ الْمُلْجَإِ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْإِلْجَاءِ قَرِينَةً تَصْرِفُ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إذْ غَرَضُهُ لَيْسَ إلَّا التَّخَلُّصُ وَذَلِكَ بِإِجْرَاءِ اللَّفْظِ فَقَطْ، أَوْ مُرِيدًا حَقِيقَتَهُ لِلتَّخَلُّصِ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ إذْ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْحُرَّةِ وَبَيْعُهَا. وَاَلَّذِي أُقِيمَ مَقَامَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» هُوَ الْحَقِيقَةُ دُونَ الْمَجَازِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَوْرَدَ كَيْفَ يَنْعَقِدُ بِالْهِبَةِ وَبِهِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَهُوَ سُؤَالٌ سَاقِطٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي التَّزَوُّجِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ إذَا نَوَى بِقَوْلِهِ تَزَوَّجِي. وَالْحَقُّ أَنَّ الْهِبَةَ فِيهَا عَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةِ لِلْمِلْكِ فَيَتَجَوَّزُ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْمِلْكَ الْمُتَجَوَّزَ عَنْهُ بِالْهِبَةِ إلَيْهَا نَفْسَهَا بِقَوْلِهِ وَهَبْت نَفْسَك لَك صَحَّ طَلَاقًا، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الرَّجُلِ صَحَّ نِكَاحًا. فَظَهَرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُوجِبِ فِي هَذَا اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لَيْسَ إلَّا لِاخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ بَلْ بِنَفْسِ تَوْجِيهِ السُّؤَالِ يَظْهَرُ صِحَّةُ اسْتِعَارَتِهَا لِلْمِلْكِ الْمُغَايِرِ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يَجِئْ الطَّلَاقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ اسْتِعَارَتِهَا لَهُ. [الْقِسْمُ الثَّانِي] مَا اخْتَلَفُوا فِي الِانْعِقَادِ بِهِ، وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ نَحْوَ بِعْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ ابْنَتِي أَوْ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ نَعَمْ يَنْعَقِدُ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ، وَقَوْلُهُ (لِوُجُودِ طَرِيقِ الْمَجَازِ) تَعْلِيلٌ لِلصَّحِيحِ، وَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَا فِي تَقْرِيرِ التَّمْلِيكِ. وَاخْتُلِفَ فِي الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَقِيلَ لَا لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ

(وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ) فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ (وَ) لَا بِلَفْظِ (الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِعَارَةِ) لِمَا قُلْنَا (وَ) لَا بِلَفْظِ (الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِحُّ. وَقِيلَ يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ. وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ تُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَالسَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ يَنْعَقِدُ، حَتَّى لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ يَنْعَقِدُ الْمِلْكُ فَاسِدًا لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسِدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلَّفْظِ يُفْسِدُ مَجَازَيْهِ لِعَدَمِ لُزُومِ اشْتِرَاكِ الْمُفْسِدِ فِيهِمَا. وَفِي لَفْظِ الصَّرْفِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: قِيلَ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي لَا تَتَعَيَّنُ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَا يَتَعَيَّنُ. وَقِيلَ يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَكَأَنَّ مَنْشَأَهُمَا الرِّوَايَتَانِ. وَأَمَّا الْفَرْضُ فَقِيلَ يَنْعَقِدُ بِهِ لِثُبُوتِ مِلْكِ الْعَيْنِ بِهِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِعَارَةِ. قِيلَ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا، وَالثَّانِي قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهِ فِي الْعَيْنِ وَعِنْدَهُ لَا. وَأَمَّا لَفْظُ الصُّلْحِ فَذَكَرَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالْعَطِيَّةِ جَائِزٌ. [الْقِسْمُ الثَّالِثُ] لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ، وَجْهُهُ أَنَّ الثَّابِتَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِلْكُ مَنْفَعَةٍ فَوُجِدَ الْمُشْتَرَكُ، وَجْهُ الصَّحِيحِ عَلَى مَا ذَكَرُوا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا مُؤَقَّتَةً، وَالنِّكَاحُ يُشْتَرَطُ فِيهِ نَفْيُهُ فَتَضَادَّا، فَلَا يُسْتَعَارُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنْ كَانَ الْمُتَضَادَّانِ هُمَا الْعَرْضَانِ اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَزِمَكُمْ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يُجَامِعُ النِّكَاحَ مَعَ جَوَازِ الْعَقْدِ بِهِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَيْسَ جُزْءُ مَفْهُومِ لَفْظِ الْإِجَارَةِ بَلْ شَرْطٌ لِاعْتِبَارِهِ شَرْعًا خَارِجٌ عَنْهُ فَهُوَ مُجَرَّدُ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ مُجَرَّدًا لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا عَلَى مِثَالِ الصَّلَاةِ هِيَ الْقِيَامُ إلَخْ، وَلَوْ وُجِدَتْ بِلَا طَهَارَةٍ لَا تُعْتَبَرُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الطَّهَارَةَ جُزْءُ مَفْهُومِ الصَّلَاةِ، وَلِذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّوْجِيهِ بِهَذَا إلَى نَفْيِ السَّبَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَلَاقَةُ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ حَتَّى يَتَجَوَّزَ بِهَا عَنْ النِّكَاحِ وَلِهَذَا تَبْطُلُ بِالْإِعَارَةِ، وَهَذَا إذَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ مُسْتَأْجَرَةً. أَمَّا إذَا جُعِلَتْ بَدَلَ الْإِجَارَةِ أَوْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ كَأَنْ يُقَالَ اسْتَأْجَرْت دَارَك بِابْنَتِي هَذِهِ أَوْ أَسْلَمْتهَا إلَيْك فِي كَرِّ حِنْطَةٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ، فَإِنَّهُ أَضَافَ إلَيْهَا بِلَفْظٍ تُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ) وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إنْ قَيَّدَ الْوَصِيَّةَ بِالْحَالِ بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِبِنْتِي هَذِهِ الْآنَ يَنْعَقِدُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ بِهِ صَارَ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي صِحَّتِهِ حِينَئِذٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَتْ بِالْحَالِ يَصِحُّ، أَوْ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِابْنَتِي بَعْدَ مَوْتِي لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَك بِهَا وَلَمْ يَزِدْ فَقِيلَ لَا يَكُونُ نِكَاحًا، وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ يَنْعَقِدُ. ثُمَّ كَوْنُ الْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْإِضَافَةِ يَسْتَقِلُّ بِضَمِّ الصِّحَّةِ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكهَا غَدًا لَمْ يَصِحَّ. وَحَاصِلُ الْوَجْهِ أَنَّ الْإِضَافَةَ مَأْخُوذَةٌ فِي مَفْهُومِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهَا فِي النِّكَاحِ فَتَضَادَّا. وَلَا يَتَجَوَّزُ بِلَفْظٍ أَحَدُ الضِّدَّيْنِ عَنْ الْآخَرِ. بِخِلَافِ الْهِبَةِ لَيْسَ جُزْءُ مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْإِضَافَةَ إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ، بَلْ هِيَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلَا بَدَلٍ، ثُمَّ هُوَ يَتَأَخَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَيْسَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِضَعْفِ سَبَبِيَّتِهَا بِسَبَبِ عَدَمِ الْعِوَضِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ تَمَّ الْمِلْكُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ. [الْقِسْمُ الرَّابِعُ] لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالتَّمَتُّعِ لِعَدَمِ تَمْلِيكِ الْمُتْعَةِ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَانْتَفَى الْجَامِعُ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا. وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ لِأَنَّهُمَا لِفَسْخِ عَقْدٍ ثَابِتٍ. [فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ] كُلُّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِهِ الشُّبْهَةُ فَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، وَيَجِبُ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ بِهَا. الثَّانِي: لَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهَا وَقَبِلَ الزَّوْجُ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ كَالطَّلَاقِ. وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَمِثْلُ هَذَا فِي جَانِبِ الرَّجُلِ إذَا لَقَّنَهُ وَلَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ. وَهَذِهِ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ، فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ وَاقِعَةٌ فِي الْحُكْمِ، ذَكَرَهُ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. وَإِذَا عَرَفَ الْجَوَابَ فِيهَا قَالَ قَاضِي خَانْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ إذَا لُقِّنَتْ اخْتَلَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِمَهْرِي وَنَفَقَةِ عِدَّتِي فَقَالَتْهُ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَلَا أَنَّهُ لَفْظُ الْخُلْعِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطَ الْمَهْرُ وَلَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ أَنْ تُبْرِئَهُ، وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا لَقَّنَ رَبَّ الدَّيْنِ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ لَا يَبْرَأُ. الثَّالِثُ: إذَا سَمَّى الْمَهْرَ مَعَ الْإِيجَابِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ قَبِلْت النِّكَاحَ وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ قَالُوا لَا يَصِحُّ. وَلَا يَشْكُلُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ أَوْ وُجُودِهَا، لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ النِّكَاحَ إلَّا بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى. فَلَوْ صَحَّحْنَاهُ إذَا قَبِلَتْ فِي النِّكَاحِ دُونَ الْمَهْرِ لَلَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالنِّكَاحِ بِهِ بَلْ بِمَا سُمِّيَ فَيَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّ غَرَضَهُ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ حَيْثُ سَكَتَ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَازِمٌ فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ، وَلَوْ قَالَتْ قَبِلْت النِّكَاحَ وَلَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَا سَمَّى. وَقَدْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُنْتَقَى: عَبْدٌ تَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَبَلَغَهُ فَقَالَ أُجِيزُ النِّكَاحَ وَلَا أُجِيزُ عَلَى رَقَبَتِهِ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ قِيمَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ. بِخِلَافِ مَا فِي الْجَامِعِ: أَمَةٌ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَقَالَ أَجَزْت النِّكَاحَ عَلَى خَمْسِينَ دِينَارًا وَرَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ جَازَ لِأَنَّ هَذِهِ مَقْرُونَةٌ بِرِضَا الزَّوْجِ فَهِيَ مُلْحَقَةٌ بِإِجَازَتِهِ. وَالْحَقُّ مَا أَعْلَمْتُك مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ. الرَّابِعُ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْكِتَابِ كَمَا يَنْعَقِدُ بِالْخِطَابِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهَا يَخْطُبَهَا، فَإِذَا بَلَغَهَا الْكِتَابُ أَحْضَرَتْ الشُّهُودَ وَقَرَأَتْهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ. أَوْ تَقُولَ إنَّ فُلَانًا قَدْ كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي فَاشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ. أَمَّا لَوْ لَمْ تَقُلْ بِحَضْرَتِهِمْ سِوَى زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّطْرَيْنِ شَرْطُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصِحَّةِ النِّكَاحِ. وَبِإِسْمَاعِهِمْ الْكِتَابِ أَوْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ مِنْهَا قَدْ سَمِعُوا الشَّطْرَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَفَيَا، وَمَعْنَى الْكِتَابِ بِالْخُطْبَةِ أَنْ يَكْتُبَ زَوِّجِينِي نَفْسَك فَإِنِّي رَغِبْت فِيك وَنَحْوَهُ، وَلَوْ جَاءَ الزَّوْجُ بِالْكِتَابِ إلَى الشُّهُودِ مَخْتُومًا فَقَالَ هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانَةَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَعْلَمَ الشُّهُودُ مَا فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ رَجَعَ وَجَوَّزَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ إعْلَامِ الشُّهُودِ بِمَا فِيهِ. وَأَصْلُ الْخِلَافِ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي الْمُصَفَّى: هَذَا يَعْنِي الْخِلَافَ إذَا كَانَ الْكِتَابُ بِلَفْظِ التَّزَوُّجِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهَا تَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَنَقَلَهُ مِنْ الْكَامِلِ. قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَحَدَ الزَّوْجُ الْكِتَابَ بَعْدَمَا أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمْ وَلَا إعْلَامِهِمْ بِمَا فِيهِ وَقَدْ قَرَأَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ وَقَبِلَ الْعَقْدَ بِحَضْرَتِهِمْ فَشَهِدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابَهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُمَا وَلَا يُقْضَى بِالنِّكَاحِ، وَعِنْدَهُ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَصَحِيحٌ بِلَا إشْهَادٍ، وَهَذَا الْإِشْهَادُ لِهَذَا وَهُوَ أَنْ تَتَمَكَّنَ الْمَرْأَةُ مِنْ إثْبَاتِ الْكِتَابِ عِنْدَ جُحُودِ الزَّوْجِ الْكِتَابِ، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْكَامِلِ. وَأَجْمَعُوا فِي الصَّكِّ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَعْلَمْ الشَّاهِدُ مَا فِي الْكِتَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلَهُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُحَقِّقِينَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ لَفْظَ الْأَمْرِ إيجَابًا كَقَاضِي خَانْ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ إعْلَامِهَا إيَّاهُمْ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُمْ الْكَاتِبُ بِمَا فِي الْكِتَابِ تَكُونُ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ، وَعَلَى هَذَا مَا صَدَّرْنَا بِهِ الْمَسْأَلَةَ. الْخَامِسُ: يَنْعَقِدُ بِالْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ. السَّادِسُ: يَنْعَقِدُ بِنَقْلِ الرَّسُولِ عِبَارَةِ الْمُرْسِلِ إذَا أَجَابَتْ وَسَمِعَ الشُّهُودُ كَلَامَيْهِمَا، وَسَنُفَصِّلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ. السَّابِعُ: لَا يَبْطُلُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَلَوْ قَالَ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي عَبْدَك فَأَجَابَتْهُ بِالنِّكَاحِ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِمَهْرِ مِثْلِهَا عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ. الثَّامِنُ: لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالْخَطَرِ، لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ فُلَانٌ فَقَدْ زَوَّجْتُك بِنْتِي فُلَانَةَ فَقَبِلَ فَجَاءَ فُلَانٌ لَا يَنْعَقِدُ، وَكَذَا تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلْزَامٌ. وَاَلَّذِي يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ مَا هُوَ إسْقَاطٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَوْ الْتِزَامٌ كَالنَّذْرِ، إلَّا التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إذَا أَبْطَلَ مَنْ لَهُ الْمَشِيئَةُ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى مَا فِي التَّجْنِيسِ. فِي رَمْزِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا: إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك إنْ شِئْت أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَأَبْطَلَ صَاحِبُ الْمَشِيئَةِ مَشِيئَتَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا بَطَلَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ نِكَاحًا بِغَيْرِ مَشِيئَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي السَّلَمِ إذَا بَطَلَ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ السَّلَمُ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ إذَا بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ، أَمَّا إذَا بَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ تَزَوَّجْتُك إنْ شِئْت ثُمَّ قَبِلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ صَحَّ النِّكَاحُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إبْطَالِ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَبُولَ مَشِيئَةٌ اهـ. وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى أَنَّ مَا مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ هُوَ الْقَبُولُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ. وَمَا مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ إيجَابٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْأَوَّلَ إيجَابٌ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ، وَالثَّانِيَ قَبُولٌ كَذَلِكَ وَلِعَدَمِ جَوَازِ تَعْلِيقِهِ بِالْخَطَرِ امْتَنَعَ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ فَيَبْطُلُ، كَمَا لَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فَقَبِلَتْ صَحَّ وَلَا خِيَارَ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ رَضِيَ أَبِي لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ مَنْ خُطِبَتْ إلَيْهِ ابْنَتَهُ فَقَالَ زَوَّجْتهَا فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْخَاطِبُ فَقَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْك فَقَبِلَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا حَيْثُ يَنْعَقِدُ

قَالَ (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ أَوْ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الشَّهَادَةِ. وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ لِلْحَالِ وَمِثْلُهُ تَحْقِيقٌ، كَذَا أَجَابَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَسَنُفَصِّلُ الْكَلَامَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فِي بَابِ الْمَهْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. التَّاسِعُ: إذَا وَصَلَ الْإِيجَابَ بِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ كَانَ مِنْ تَمَامِهِ، حَتَّى لَوْ قَبِلَ الْآخَرُ قَبْلَهُ لَا يَصِحُّ، كَامْرَأَةٍ قَالَتْ لِرَجُلٍ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَ أَنْ تَقُولَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَبِلَ الزَّوْجُ لَا يَنْعَقِدُ، لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ مُجَرَّدَ زَوَّجْت يَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَذِكْرُ الْمُسَمَّى مَعَهُ يُغَيِّرُ ذَلِكَ إلَى تَعْيِينِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَعْمَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَهُ. الْعَاشِرُ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مِنْ الْهَازِلِ وَتَلْزَمُ مَوَاجِبُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَجَعَلَ الْعِتْقَ بَدَلَ الرَّجْعَةِ وَكَذَا يَنْعَقِدُ مِنْ الْمُكْرَهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إذْ سَيَأْتِي أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ الشُّهُودِ صَحِيحَةٌ إذَا كَانُوا يَدِينُونَ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ بِحُضُورٍ لَا يُوجِبُ السَّمَاعَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ، وَنُقِلَ عَنْ أَبْوَابِ الْأَمَانِ مِنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، وَعَلَى هَذَا جَوَّزُوهُ بِالْأَصَمَّيْنِ وَالنَّائِمَيْنِ، وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحُضُورِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. أَمَّا اشْتِرَاطُ الشَّهَادَةِ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الْإِشْهَادِ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ: اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا زَادَ ذِكْرَ الْإِعْلَانِ تَتْمِيمًا لِنَقْلِ مَذْهَبِهِ. وَنَفَى اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ. قِيلَ وَزَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَكَذَا فَعَلَ الْحَسَنُ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ الْبَغَايَا اللَّاتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ شُهُودٍ» وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ عَبْدُ الْأَعْلَى فِي التَّفْسِيرِ، وَوَقَفَهُ فِي الطَّلَاقِ، لَكِنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَصِحُّ فِي ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُ هَذَا، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: إنَّ حَدِيثَ الشُّهُودِ مَشْهُورٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ:

الْحُرِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الْآيَةَ، فَيَنْدَفِعُ بِهِ الْإِيرَادُ الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ لُزُومُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَجَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الْمُحَرَّمَاتِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ثَانِيًا، وَلَوْ عَدَلَ إلَى النَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْآخَرَ مَخْصُوصٌ بِالْمُشْرِكَةِ وَنَحْوِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - نَصَبُوا الْخِلَافَ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْإِعْلَانِ. وَاسْتَدَلُّوا لِمَالِكٍ فِي إثْبَاتِهِ بِالْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلِنُوا بِالنِّكَاحِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَبِالْمَعْقُولِ وَهُوَ أَنَّ حَرَامَ هَذَا الْفِعْلِ يَكُونُ سِرًّا فَضِدُّهُ يَكُونُ جَهْرًا لِتَنْتَفِي التُّهْمَةُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا نَصْبٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ أَجْوِبَتِهِمْ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ كَلِمَتَهُمْ قَاطِبَةٌ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِمُوجِبِ دَلَائِلِ الْإِعْلَانِ وَادِّعَاءِ الْعَمَلِ بِهَا بِاشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ إذْ بِهِ يَحْصُلُ الْإِعْلَانُ، وَكَلَامُ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الشَّرْطَ لَمَّا كَانَ الْإِظْهَارُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ طَرِيقُ الظُّهُورِ شَرْعًا وَذَلِكَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّهُ مَعَ شَهَادَتِهِمَا لَا يَبْقَى سِرًّا. وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ: نِكَاحُ السِّرِّ مَا لَمْ يَحْضُرْهُ شُهُودٌ، فَإِذَا حَضَرُوا فَقَدْ أُعْلِنَ قَالَ: وَسِرُّك مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ وَسِرُّ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ الْخَفِيِّ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّ الْإِعْلَانَ الْمُشْتَرَطَ هَلْ يَحْصُلُ بِالْإِشْهَادِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بَعْدَهُ تَوْصِيَتُهُ لِلشُّهُودِ بِالْكِتْمَانِ إذْ لَا يَضُرُّ بَعْدَ الْإِعْلَانِ التَّوْصِيَةُ بِالْكِتْمَانِ أَوْ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْإِشْهَادِ حَتَّى يَضُرَّ، فَقُلْنَا نَعَمْ وَقَالُوا لَا. وَلَوْ أُعْلِنَ بِدُونِ الْإِشْهَادِ لَا يَصِحُّ لِتَخَلُّفِ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَعِنْدَهُ يَصِحُّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ الْإِشْهَادِ يَحْصُلُ فِي ضِمْنِهِ الشَّرْطُ الْآخَرُ، فَكُلُّ إشْهَادٍ إعْلَانٌ وَلَا يَنْعَكِسُ، كَمَا لَوْ أَعْلَنُوا بِحَضْرَةِ صَبِيَّانِ أَوْ عَبِيدٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) يَعْنِي الْقَاصِرَةَ وَهِيَ وِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا التَّامَّةَ وَهِيَ نَفَاذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّ تِلْكَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْأَدَاءُ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَجْنُونِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ الْأَدَاءُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَالشَّهَادَةُ فَرْعُهَا لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً وَلِذَا جَازَتْ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ. وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِمْ. وَلَوْ حَضَرَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ لِلْعَقْدِ مَعَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَاحْتِيجَ إلَى الْأَدَاءِ لِجَحْدِ النِّكَاحِ فَشَهِدَا بِهِ دُونَ مَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِمَّنْ كَانَ الْعَقْدُ بِحُضُورِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَانَتْ بِحُضُورِهِمَا. هَذَا وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ جَوَازُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا، وَاسْتُبْعِدَ نَفْيُهَا لِأَنَّهُ لَا كِتَابَ وَلَا سُنَّةَ وَلَا إجْمَاعَ فِي نَفْيِهَا. وَحُكِيَ عَنْ

وَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَسَتَعْرِفُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الْفَاسِقَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُهَا عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكَيْفَ لَا تُقْبَلُ هُنَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ. وَاَلَّذِي ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ مِمَّا يُمْنَعُ فَإِنَّهُ لَا تَلَازُمَ عَقْلًا بَيْنَ تَصْدِيقِ مُخْبِرٍ فِي إخْبَارِهِ بِمَا شَاهَدَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ عَدْلًا تَقِيًّا وَبَيْنَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكِ الْمَنَافِعِ وَلَا شَرْعًا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَلَى عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بِالرِّقِّ وَيُقْبَلُ إخْبَارُهُ؟ كَيْفَ وَلَيْسَ الشَّرْطُ هُنَا كَوْنُ الشَّاهِدِ مِمَّنْ يُقْبَلُ أَدَاؤُهُ، وَلِذَا جَازَ بِعَدْوَى الزَّوْجَيْنِ وَلَا أَدَاءَ لَهُمَا، وَغَايَةُ مَا يُلْمَحُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ شَرْعًا وَلَمْ يُصَحِّحْ لَهُ التَّصَرُّفَ اُلْتُحِقَ بِالْجَمَادَاتِ فِي حَقِّ الْعُقُودِ وَنَحْوِهَا فَكَانَ حُضُورُهُ كَلَا حُضُورٍ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدُ لَا يُدْعَوْنَ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ عَادَةً فَكَانَ حُضُورُهُمَا كَلَا حُضُورٍ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِإِظْهَارِ الْخَطَرِ وَلَا خَطَرَ فِي إحْضَارِ مُجَرَّدِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ، وَكَذَا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٌ عَنْ الرِّجَالِ، فَشَمِلَ هَذَا الْوَجْهَ نَفْيَ شَهَادَةِ الْكُلِّ. وَعَلَى اعْتِبَارِهِ الْأَوْلَى أَنْ يَنْفِيَ شَهَادَةَ السَّكَارَى حَالِ سُكْرِهِمْ وَعَرْبَدَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَذْكُرُونَهَا بَعْدَ الصَّحْوِ، وَهَذَا الَّذِي أَدَّيْنَ اللَّهَ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الْفَاسِقِينَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. لَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ) حَقِيقَتُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا شُرِطَتْ إظْهَارًا لِلْخَطَرِ وَهُوَ مَعْنَى التَّكَرُّمَةِ (وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ) فَلَا تَكَرُّمَةَ وَلَا تَعْظِيمَ لِلْعَقْدِ بِإِحْضَارِهِ. عَارَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ الْفَاسِقُ (مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) تَحْلِيلُهُ مِنْ شَرْطِيَّةٍ وُضِعَ فِيهَا الْمُقَدَّمُ أَسْهَلُ مِنْ تَحْلِيلِهِ مِنْ اقْتِرَانِيٍّ كَمَا سَلَكَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فَأَطَالَ: أَيْ لَمَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، فَهَذِهِ دَعْوَى مُلَازَمَةٌ شَرْعِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحَرِّمْ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ إلَخْ مُلَازَمَةٌ أُخْرَى لِبَيَانِ الْمُلَازَمَةِ الْأُولَى فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ كَالْأُولَى فَعَلَّلَهَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْغَيْرَ مِنْ جِنْسِ الْفَاسِقِ وَيَجُوزُ قَلْبُهُ. وَفِيهِ تَقْرِيرٌ آخَرُ لِبَعْضِهِمْ بَعِيدٌ مِنْ اللَّفْظِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَحْكَامَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ مُتَّحِدَةٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، فَكُلُّ مُسْلِمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ خِطَابَاتِ الْأَحْكَامِ

وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحَرِّمْ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَا يُحَرِّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِأَنَّهُ صَلُحَ مُقَلَّدًا فَيَصْلُحُ مُقَلِّدًا وَكَذَا شَاهِدًا. وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ فَلَمَّا لَمْ يُحْرِمْ الشَّارِعُ الْفَاسِقَ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ شَرْعًا فِسْقَهُ سَالِبًا لِأَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ مُطْلَقًا فَجَازَ ثُبُوتُهَا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَنَفْسِهِ، إلَّا أَنَّ ثُبُوتَهَا عَلَى غَيْرِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِرِضَاهُ وَذَلِكَ بِتَوْلِيَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا اسْتَشْهَدَهُ فَقَدْ اسْتَوْلَاهُ وَرَضِيَ بِهِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَهُوَ صِحَّةُ سَمَاعِهِ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ سَمَاعُهُ لِأَحَدِ شَطْرَيْ مَا يَعْقِدُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَمُجَرَّدُ السَّمَاعِ هُوَ الشَّرْطُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهِ: أَيْ سَمَاعُهُ. أَمَّا الْأَدَاءُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ إجَازَةُ الْقَاضِي. وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت هَذَا الْوَجْهَ ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى اقْتِضَاءِ تَجْوِيزِ كَوْنِ الْفَاسِقِ شَاهِدًا فَتَثْبُتُ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ النَّافِي. وَالْوَجْهُ السَّابِقُ مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ لِإِظْهَارِ تَعْظِيمِ الْعَقْدِ وَتَعْظِيمِ الْمَحَلِّ الْوَارِدِ هُوَ عَلَيْهِ يَنْفِيهِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ إحْضَارِ الْفَاسِقِ لَيْسَ بِتَكَرُّمَةٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ إنَّمَا يَنْفِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إحْضَارِ الْفُسَّاقِ حَالَ سُكْرِهِمْ عَلَى مَا فَرَّعُوا مِنْ أَنَّهُ إذَا عَقَدَ بِحَضْرَةِ سُكَارَى يَفْهَمُونَ كَلَامَ الْعَاقِدَيْنِ جَازَ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَنْسَوْنَهُ إذَا صَحُّوا وَهُوَ الَّذِي دَنَا بِهِ آنِفًا. أَمَّا مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ فَاسِقًا وَلَهُ مُرُوءَةٌ وَحِشْمَةٌ فَإِنَّ إحْضَارَهُ لِلشَّهَادَةِ لَا يُنَافِيهِ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ، فَالْحَقُّ صِحَّةُ الْعَقْدِ بِحَضْرَةِ فُسَّاقٍ لَا فِي حَالِ فِسْقِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ صَلُحَ مُقَلِّدًا) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ. وَجْهٌ ثَانٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّةِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّهُ صَلُحَ مُقَلِّدًا: أَيْ سُلْطَانًا وَخَلِيفَةً (فَيَصْلُحُ مُقَلَّدًا) بِفَتْحِ اللَّامِ: أَيْ قَاضِيًا (وَكَذَا شَاهِدًا) بِالْوَاوِ فِي نُسَخٍ وَبِالْفَاءِ فِي نُسَخٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ مُلَازَمَةٌ

فِي شَهَادَةِ الْعُمْيَانِ وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٌ. حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَمَّا صَلُحَ لِلْوِلَايَةِ الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ أَعَمُّ ضَرَرًا وَنَفْعًا صَلُحَ لِلصُّغْرَى الَّتِي هِيَ الْأَقَلُّ وَهِيَ الْقَضَاءُ وَالشَّهَادَةُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. بَيَانُ الِاسْتِثْنَائِيَّة الْمُقَدَّرَةِ الْمُسْتَغْنَى عَنْ إظْهَارِهَا بِلَفْظَةِ لَمَّا فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى وَضْعِ الْمُقَدَّمِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَلَّمَا خَلَوْا مِنْ فِسْقٍ مَعَ عَدَمِ إنْكَارِ السَّلَفِ وَلَا يُتَّهَمُ وَتَصْحِيحِ تَقْلِيدِهِمْ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ. وَعَلَى الثَّانِي مُلَازَمَتَانِ بَيْنَ صَلَاحِيَةِ الْكُبْرَى وَصَلَاحِيَةِ الْقَضَاءِ وَبَيْنَ صَلَاحِيَةِ الْقَضَاءِ وَصَلَاحِيَةِ الشَّهَادَةِ، وَالْأَوَّلُ سَبَبٌ لِلثَّانِي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. فَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ حَيْثُ قَالَ لَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُولَى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَكَذَا شَاهِدًا عَطْفٌ عَلَى مُقَلِّدًا بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِنْ تَخَلَّلَ مَعْطُوفٌ غَيْرُهُ كَعَمْرٍو مِنْ قَوْلِك جَاءَ زَيْدٌ وَبَكْرٌ وَعَمْرٌو عُطِفَ عَلَى زَيْدٍ لَا بَكْرٍ، وَمُسَبَّبِيَّتُهُ عَنْهُ ظَاهِرَةٌ وَلَا مُنَاقَضَةَ حِينَئِذٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي تَرَتُّبَ كُلٍّ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا فِي جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو فَبَكْرٌ. [فَرْعٌ] فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: لِلْقَاضِي أَنْ يَبْعَثَ إلَى شَفْعَوِيٍّ لِيُبْطِلَ الْعَقْدَ إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ، وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَبَعَثَ إلَى شَافِعِيٍّ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ بِغَيْرِ مُحَلِّلٍ ثُمَّ يَقْضِي بِالصِّحَّةِ، وَبُطْلَانُ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْقَاضِي الْكَاتِبَ وَلَا الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ شَيْئًا وَلَا يَظْهَرُ بِهَذَا حُرْمَةُ الْوَطْءِ السَّابِقِ وَلَا شُبْهَةَ وَلَا خَبَثَ فِي الْوَلَدِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ، أَمَّا لَوْ فَعَلُوا فَقَضَى يَنْفُذُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ) يُنْتَجُ لَا سَمَاعَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَكِنَّهُ عَدَلَ فِي النَّتِيجَةِ إلَى التَّشْبِيهِ فَقَالَ: فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ النَّتِيجَةِ نَفْيُ السَّمَاعِ الْمُعْتَبَرِ لَا نَفْيُ حَقِيقَتِهِ، وَإِذَا انْتَفَى الِاعْتِبَارُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَصَحَّ تَشْبِيهُ السَّمَاعِ بِعَدَمِهِ عَلَى مَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ، وَتَمَامُ هَذَا الدَّلِيلِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ صُغْرَى الْقِيَاسِ مُنْعَكِسَةٌ كَنَفْسِهَا فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَادَّةِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْيُ الشَّهَادَةِ لِنَفْيِ السَّمَاعِ الْمُعْتَبَرِ، فَلَوْ أَنَّ الشَّهَادَةَ مُجَرَّدُ الْحُضُورِ كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ الْقُدُورِيِّ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِمَّنْ قَالَ بِهِ السُّغْدِيُّ والإسبيجابي لَمْ يَتِمَّ. وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ فَلَا يَجُوزُ بِالْأَصَمَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَعَنْ اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخُطْبَةِ بِأَنْ تَقْرَأَهُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ سَمَاعِهِمْ الْعِبَارَةِ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ: إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي ثُمَّ تُشْهِدَهُمْ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا، أَمَّا لَوْ لَمْ تَزِدْ عَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَقَدْ أُبْعِدَ عَنْ

فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ. وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ عَلَى اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِوُرُودِهِ عَلَى مَحَلِّ ذِي خَطَرٍ لَا عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ الْمَهْرِ إذْ لَا شَهَادَةَ تُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْمَالِ وَهُمَا شَاهِدَانِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِقْهِ وَعَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ زَادَ النَّائِمِينَ وَنَصَّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَسْمَعَا مَعًا كَلَامَهُمَا مَعَ الْفَهْمِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَذُكِرَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ اهـ. إذْ لَوْ سَمِعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ثُمَّ أُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ سِوَى شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا مَعًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ تَزَوَّجَهَا بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا لَمْ يَجُزْ. وَعَنْهُ: إنْ أَمْكَنَهُمَا أَنْ يُعَبِّرَا مَا سَمِعَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَحَكَى فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافًا فِيهِ وَجَعَلَ الظَّاهِرَ عَدَمَ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ عَلَى اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكَهُ عَلَيْهَا (لِوُرُودِهِ عَلَى حَمْلِ ذِي خَطَرِ) وَهُوَ بُضْعُ أُنْثَى لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ مُحَلَّلَةً مِنْ بَنَاتِ آدَمَ عَلَى وَجْهٍ يُقْصِرُهَا عَلَى نَفْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ حَاجَاتِهِ مِنْهَا وَهَذِهِ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ، وَهُوَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِاشْتِرَاطِ إحْضَارِ السَّامِعِينَ الْعُقَلَاءِ إظْهَارًا لِتَعْظِيمِ هَذَا الْعَقْدِ لِيَقَعَ فِي مَحْفِلٍ مِنْ الْمَحَافِلِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ بِإِيجَابِ الْمَالِ عَلَيْهِ دُونَهَا مَعَ أَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ مُشْتَرَكٌ. فَعُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ لَيْسَ لِمِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا التَّمَتُّعُ بِكُلٍّ وَإِلَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِلُزُومِهِ وَلَا عَلَى اعْتِبَار وُجُوبِ الْمَهْرِ لَهَا عَلَيْهِ لِيَكُونَا شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ، إذْ لَا شَهَادَةَ تُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْمَالِ فِيمَا عُهِدَ مِنْ تَقْرِيرَاتِ الشَّرْعِ فِي مَوْضِعٍ، وَلَا عَلَى اعْتِبَارِ مِلْكِهِمَا الِازْدِوَاجُ الْمُشْتَرَكُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَبَعًا لِمِلْكِ الْبُضْعِ وَلَا تُشْتَرَطُ لِلتَّوَابِعِ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى شِرَاءِ الْأَمَةِ لِلْوَطْءِ فَإِنَّ مِلْكَهُ مِنْ تَوَابِعِ مِلْكِ رَقَبَتِهَا. وَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا كَانَا شَاهِدَيْنِ عَلَيْهَا وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ فَيَجُوزُ بِذِمِّيِّينَ فَإِنَّهُ إظْهَارُ خَطَرٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا شَرْعًا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَا ذِمِّيِّينَ حَكَمَ الشَّرْعُ بِصِحَّتِهِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَا بَقِيَ عَلَى الصِّحَّةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الزَّوْجِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالْعَقْدُ يَقُومُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا. هَذَا وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا إذَا أَنْكَرَتْ لَا عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَقُولَا كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ. وَعَنْهُ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لِإِثْبَاتِهَا فِعْلِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا. وَلَوْ أَسْلَمَا ثُمَّ أَدَّيَا تُقْبَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ سَمَاعَهُمَا كَلَامِ الْمُسْلِمِ مُعْتَبَرٌ وَامْتِنَاعُ الْأَدَاءِ لِلْكُفْرِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا قَالَا كَانَا مَعَنَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدَانِ ابْنَيْهَا قُبِلَا عَلَيْهَا فَقَطْ، أَوْ ابْنَيْهِ فَعَلَيْهِ فَقَطْ أَوْ ابْنَيْهِمَا فَلَا يُقْبَلَانِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَا أَعْمَيَيْنِ أَوْ أَخْرَسَيْنِ سَمِيعَيْنِ حَيْثُ يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِمَا وَلَا أَدَاءَ لَهُمَا لِعَدَمِ الْبَصَرِ وَالتَّكَلُّمِ، وَالْعُدْوَانِ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَعَدُوُّهُ يُقْبَلَانِ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ، وَعَدُوَّاهَا يُقْبَلَانِ عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا، وَعَدُوَّاهُمَا لَا يُقْبَلَانِ مُطْلَقًا. أَمَّا الِانْعِقَادُ فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَعْدَاءِ كَيْفَ كَانُوا، وَأَمَّا الْأَخَوَانِ بِأَنْ يُزَوِّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَادَّعَاهُ الْأَبُ وَالْبِنْتُ كَبِيرَةٌ أَوْ الْمَرْأَةُ فَشَهِدَ لَا تُقْبَلُ. وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ أَوْ الْأَبُ قُبِلَتْ، هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي الْأَبَ أَوْ الْمَرْأَةَ أَيْضًا. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَدَّعِيهِ الْأَبُ فَشَهَادَتُهُمَا فِيهِ بَاطِلَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِثُبُوتِ مَنْفَعَةِ نَفَاذِ كَلَامِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ شَيْءٍ لِلْأَبِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ جَحْدًا وَادِّعَاءً، فَشَهَادَةُ ابْنَيْهِ فِيهِ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ وَلِيَهُ مِمَّا يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ كَالْبَيْعِ وَنَظَائِرِهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَنْفَعَةَ نَفَاذِ الْقَوْلِ مَنْفَعَةً، وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا لِلْأَبِ. قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي تَفْسِيرِهِ: يُرِيدُ أَنَّ الشَّهَادَةَ تَبْطُلُ فِي حَالِ ادِّعَائِهِ مِنْ طَرِيقِ التُّهْمَةِ، وَكَذَا فِي حَالِ جُحُودِهِ لِوُقُوعِهَا لِغَيْرِ خَصْمٍ يَدَّعِي اهـ. وَفَسَّرَ فِي الْمَبْسُوطِ جُحُودَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ جُحُودِهِ إنْ كَانَ الْآخَرُ جَاحِدًا أَيْضًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ الدَّعْوَى، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْآخَرُ مُدَّعِيًا فَمَقْبُولَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ مَنْفَعَةٌ فِيهَا كَمَا إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِبَيْعِ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِأَلْفٍ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ لِلْأَبِ فَلَا تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ كَلَّمَك فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ ابْنَا فُلَانٍ أَنَّ أَبَاهُمَا كَلَّمَهُ جَازَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ جَاحِدًا أَوْ مُدَّعِيًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا. وَلَوْ زَوَّجَ الرَّجُلُ بِنْتَه ثُمَّ شَهِدَ مَعَ أَخِيهَا عَلَيْهَا بِالرِّضَا وَهِيَ تُنْكِرُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا هُوَ فِيهِ خَصْمٌ أَوْ لَا [فَرْعَانِ] لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا إنْ سَمَّيَا الْمَهْرَ يَنْعَقِدُ نِكَاحًا مُبْتَدَأً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُمَا إذَا أَقَرَّا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا إنْ قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ فَيَنْعَقِدُ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ. قَالَ قَاضِي خَانْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَقَرَّا بِعَقْدٍ مَاضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ عَقْدٌ لَا يَكُونُ نِكَاحًا. وَإِنْ أَقَرَّتْ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهُوَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ يَكُونُ نِكَاحًا وَيَتَضَمَّنُ إقْرَارُهُمَا الْإِنْشَاءَ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِمَا بِمَاضٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَسْت لِي امْرَأَةٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ كَأَنَّهُ قَالَ لِأَنِّي طَلَّقْتُك. وَلَوْ قَالَ لَمْ أَكُنْ تَزَوَّجْتهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ اهـ. يَعْنِي إذَا لَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا وَالْحَقُّ هَذَا التَّفْصِيلُ. وَفِي الْفَتَاوَى: بَعَثَ أَقْوَامًا لِلْخُطْبَةِ فَزَوَّجَهَا الْأَبُ بِحَضْرَتِهِمْ قِيلَ: لَا يَصِحُّ وَإِنْ قَبِلَ عَنْ الزَّوْجِ إنْسَانٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شُهُودٍ لِأَنَّ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ خَاطِبُونَ مَنْ تَكَلَّمَ وَمَنْ لَا، لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ هَكَذَا أَنْ يَتَكَلَّمَ وَاحِدٌ وَيَسْكُتَ الْبَاقُونَ وَالْخَاطِبُ لَا يَصِيرُ شَاهِدًا. وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِ الْكُلِّ خَاطِبًا فَيَجْعَلَ الْمُتَكَلِّمَ خَاطِبًا فَقَطْ وَالْبَاقِي شُهُودٌ

يَنْعَقِدُ بِكَلَامِهِمَا وَالشَّهَادَةُ شُرِطَتْ عَلَى الْعَقْدِ. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَزَوَّجَهَا وَالْأَبُ حَاضِرٌ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ سِوَاهُمَا جَازَ النِّكَاحُ) لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَيَبْقَى الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا (وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَجْعَلَ الْأَبَ مُبَاشِرًا، وَعَلَى هَذَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِمَحْضَرِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَزَوَّجَهَا وَالْأَبُ حَاضِرٌ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ جَازَ النِّكَاحُ) وَكَذَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِحُضُورِهَا مَعَ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ وَكِيلُ الْمَرْأَةِ بِحُضُورِهَا مَعَ امْرَأَتَيْنِ جَازَ النِّكَاحُ. ثُمَّ إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُزَوِّجِ إذَا لَمْ يَقُلْ أَنَا زَوَّجْتهَا بَلْ يَقُولُ هَذِهِ زَوْجَةُ هَذَا، وَإِنَّمَا صَحَّ بِحُضُورِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ يَنْقُلُ عِبَارَةَ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا كَانَ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ حَاضِرًا وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعِبَارَةَ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَانَ مُبَاشِرًا لِأَنَّ الْعِبَارَةَ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ وَلَيْسَ الْمُبَاشِرُ سِوَى هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا لِأَنَّ انْتِقَالَ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ حَالَ عَدَمِ الْحُضُورِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُبَاشِرًا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ الْحُضُورِ ضَرُورَةً فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَى عَدَمِ رُجُوعِ الْحُقُوقِ إلَى الْوَكِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَ وَكِيلُ السَّيِّدِ الْعَبْدَ بِحُضُورِهِ مَعَ آخَرَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ إنَّمَا تَنْتَقِلُ إلَى مُقَيِّدِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ السَّيِّدُ وَهُوَ غَائِبٌ. فَظَهَرَ مِنْ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّ إنْزَالَهُ مُبَاشِرًا مَعَ حُضُورِهِ جَبْرِيٌّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْحَاجَةِ إلَى اعْتِبَارِهِ. فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّهُ تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَبَ يَصْلُحُ شَاهِدًا فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ مُبَاشِرًا إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْكِتَابِ، وَهِيَ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَه الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ شَاهِدَةً عَلَى نَفْسِهَا فَأُنْزِلَتْ مُبَاشِرَةً ضَرُورَةَ التَّصْحِيحِ، وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي التَّزَوُّجِ فَعَقَدَا بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ مَعَ السَّيِّدِ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِلِانْتِقَالِ إلَى السَّيِّدِ لِأَنَّهُمَا وَكِيلَانِ عَنْهُ، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِمَا وَكِيلَيْنِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكَّ الْحَجْرَ عَنْهُمَا فَيَتَصَرَّفَانِ بَعْدَهُ بِأَهْلِيَّتِهِمَا لَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ. وَمِمَّا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِ السَّيِّدِ يَظْهَرُ أَنَّ ثُبُوتَ الصِّحَّةِ فِيمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِحُضُورِهِمَا مَعَ شَاهِدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ، لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّزَوُّجِ مُطْلَقًا وَإِلَّا لَصَحَّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ وَلِذَا خَالَفَ فِي صِحَّتِهَا الْمَرْغِينَانِيُّ، قَالَ: وَقَالَ أُسْتَاذِي: فِيهِمَا رِوَايَتَانِ: أَيْ فِي وَكِيلِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدَةِ [فُرُوعٌ] إذَا جَحَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ النِّكَاحَ فَإِمَّا أَصْلُهُ أَوْ شَرْطُهُ؛ فَفِي أَصْلِهِ لَوْ جَحَدَهُ الزَّوْجُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِهِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ قُبِلَتْ وَلَا يَكُونُ جُحُودُهُ طَلَاقًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ يُنْقِصُ الْعَدَدَ وَبِارْتِفَاعِ أَصْلِ النِّكَاحِ لَا نَقْصَ. وَأَمَّا إنْكَارُ الشَّرْطِ كَإِنْكَارِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةُ بِأَنْ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي بِلَا شُهُودٍ وَقَالَ الزَّوْجُ بِشُهُودٍ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقَائِلُ ذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِالْحُرْمَةِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ كَالْفِرْيَةِ مِنْ قِبَلِهِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ إنْكَارِهِ أَصْلِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَهُ بِالْحُجَّةِ فِي زَعْمِهِ فَلَا يَبْقَى زَعْمُهُ مُعْتَبَرًا، وَهُنَا مَا كَذَّبَهُ فِي زَعْمِهِ بِحُجَّةٍ وَلَكِنْ رَجَحَ قَوْلُهَا لِمَعْنًى هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ تَبَعٌ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَصْلِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْأَصْلِ اتِّفَاقٌ عَلَى التَّبَعِ فَالْمُنْكِرُ لَهُ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ كَالرَّاجِعِ عَنْهُ فَيَبْقَى زَعْمُهُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ تَزَوَّجْتهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ أُخْتُهَا عِنْدِي أَوْ وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ أَمَةٌ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاقِعَ كُلَّهَا فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ وَالْمُحَالُ فِي حُكْمِ الشُّرُوطِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ فِي صِغَرِهِ بِمُبَاشَرَتِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِأَصْلِ النِّكَاحِ مَعْنًى، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مِنْهُمَا هُنَا فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرُ الْمِثْلِ لِلدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ، وَإِنْ كَانَ الدُّخُولُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَهُوَ رِضًا بِذَلِكَ النِّكَاحِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ لَوْ أَجَازَ الْعَقْدَ الَّذِي عَقَدَ لَهُ قَبْلَهُ جَازَ، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الدُّخُولِ إجَازَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْقَائِلَةُ تَزَوَّجَنِي وَأَنَا مُعْتَدَّةٌ وَمَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهُوَ يُنْكِرُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِمَا قُلْنَا فِي الشَّهَادَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ وَآخِرَ الْيَوْمِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا فَمِنْ شَرَائِطِهِ مَا هُوَ فِعْلٌ وَهُوَ الْحُضُورُ، فَكَانَ كَالْأَفْعَالِ فِي الِاخْتِلَافِ، وَاخْتِلَافُ الشُّهُودِ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فِي الْأَفْعَالِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ، وَلِأَنَّ كُلًّا شَهِدَ بِعَقْدٍ حَضَرَهُ وَاحِدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل في بيان المحرمات]

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ) قَالَ (لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وَلَا بِجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ] ِ) الْمَحَلِّيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ شَرَائِطِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا أُفْرِدَ هَذَا الشَّرْطُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَثْرَةِ شُعَبِهِ وَانْتِشَارِ مَسَائِلِهِ. وَانْتِفَاءُ مَحَلِّيَّةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّكَاحِ شَرْعًا بِأَسْبَابٍ: الْأَوَّلُ النَّسَبُ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ فُرُوعُهُ وَهُمْ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ وَأُصُولُهُ وَهُمْ أُمَّهَاتُهُ وَأُمَّهَاتُ أُمَّهَاتِهِ وَآبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلْنَ، فَتَحْرُمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَإِنْ نَزَلْنَ، وَفُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لِبَطْنٍ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا تَحْرُمُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ، وَتَحِلُّ بَنَاتُ الْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْخَالَاتِ وَالْأَخْوَالِ. الثَّانِي الْمُصَاهَرَةُ، يَحْرُمُ بِهَا فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَإِنْ نَزَلْنَ، وَأُمَّهَاتُ الزَّوْجَاتِ وَجَدَّاتُهُنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَإِنْ عَلَوْنَ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالزَّوْجَاتِ، وَتَحْرُمُ مَوْطُوءَاتُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودَاتُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَتَحْرُمُ مَوْطُوءَاتُ أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ بِزِنًا، وَالْمَعْقُودَاتُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ. الثَّالِثُ الرَّضَاعُ، يُحَرِّمُ كَالنَّسَبِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَالْأَجْنَبِيَّاتِ كَالْأَمَةِ مَعَ الْحُرَّةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهَا. الْخَامِسُ حَقُّ الْغَيْرِ، كَالْمَنْكُوحَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ. السَّادِسُ عَدَمُ الدِّينِ السَّمَاوِيِّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُشْرِكَةِ.

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ، إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً أَوْ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ (وَلَا بِبِنْتِهِ) لِمَا تَلَوْنَا (وَلَا بِبِنْتِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَتْ) لِلْإِجْمَاعِ. (وَلَا بِأُخْتِهِ وَلَا بِبَنَاتِ أُخْتِهِ وَلَا بِبَنَاتِ أَخِيهِ وَلَا بِعَمَّتِهِ وَلَا بِخَالَتِهِ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَدْخُلُ فِيهَا الْعَمَّاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَالْخَالَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ لِأَنَّ جِهَةَ الِاسْمِ عَامَّةٌ. قَالَ (وَلَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّابِعُ: التَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ وَالسَّيِّدَةِ عَبْدَهَا (قَوْلُهُ إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَرْضَ دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِهَا وَالْخَمْرُ أُمَّ الْخَبَائِثِ، فَعَلَى هَذَا ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ بِمَوْضُوعِ اللَّفْظِ وَحَقِيقَتِهِ لِأَنَّ الْأُمَّ عَلَى هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ (قَوْلُهُ أَوْ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُ الْأُمِّ عَلَى الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يَتَنَاوَلَ النَّصُّ الْجَدَّاتِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأُمَّ مُرَادٌ بِهَا الْأَصْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِإِرَادَتِهِ مَجَازًا فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْمُعَرِّفُ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ فِي النَّصِّ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِنَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْبِنْتِ عَلَى الْفَرْعِ حَقِيقَةً فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي حُرْمَةِ بَنَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِجْمَاعِ، وَظَاهِرُ بَعْضِ الشُّرُوحِ ثُبُوتُهُ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا الِاسْتِدْلَال فِي الْبَنَاتِ، فَإِنَّ بِنْتَ الْبِنْتِ تُسَمَّى بِنْتًا حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبِنْتَ يُرَادُ بِهِ الْفَرْعُ فَيَتَنَاوَلُهَا النَّصُّ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عِنْدَ الْبَعْضِ. وَقَوْلُهُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُرِيدُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَهُ إذَا كَانَ فِي مَحَلَّيْنِ. وَعَلَى مَا أَسْمَعْنَاك مِنْ التَّقْرِيرِ يَتَنَاوَلُهُنَّ مَجَازًا عِنْدَ الْكُلِّ. وَمِنْ الطُّرُقِ فِي تَحْرِيمِ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَوْلَادِ دَلَالَةُ النَّصِّ الْمُحَرِّمِ لِلْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، فَفِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَشِقَّاءَ مِنْهُنَّ أَوْلَادُ الْجَدَّاتِ، فَتَحْرِيمُ الْجَدَّاتِ وَهُنَّ أَقْرَبُ أَوْلَى، وَفِي الثَّانِي لِأَنَّ بَنَاتَ الْأَوْلَادِ أَقْرَبُ مِنْ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ. [فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ] لِبِنْتِ الْمُلَاعَنَةِ حُكْمُ الْبِنْتِ، فَلَوْ لَاعَنَ فَنَفَى الْقَاضِي نَسَبَهَا مِنْ الرَّجُلِ وَأَلْحَقَهَا بِالْأُمِّ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَيَدَّعِيَهَا فَيَثْبُتُ نَسَبُهَا مِنْهُ. الثَّانِي يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا بِصَرِيحِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ لُغَةً، وَالْخِطَابُ إنَّمَا هُوَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ فَيَصِيرُ مَنْقُولًا شَرْعِيًّا (قَوْلُهُ لِأَنَّ جِهَةَ الِاسْمِ عَامَّةٌ) أَيْ الْجِهَةَ الَّتِي وُضِعَ الِاسْمُ مَعَ اعْتِبَارِهَا، فَاسْمُ الْأَخِ مَثَلًا وُضِعَ لِذَاتٍ بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهَا إلَى أُخْرَى بِالْمُجَاوَرَةِ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ بِاعْتِبَارِ حُلُولِهَا مَا حَلَّتْهُ مِنْ صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ كَيْ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى التَّوْأَمِ وَبِهَذِهِ الْجِهَةِ تَعُمُّ الْمُتَفَرِّقَاتُ فَكَانَ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ بِالتَّوَاطُؤِ، وَيَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ بَنَاتُ الْأَجْدَادِ وَإِنْ عَلَوْا لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ آبَاءٍ أَعْلَوْنَ وَبَنَاتُ الْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ أُمَّهَاتٍ عَلِييَّاتٍ وَفِي بَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ بَنَاتُهُنَّ وَإِنْ سَفَلْنَ (قَوْلُهُ وَلَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ) إذَا كَانَ نِكَاحُ الْبِنْتِ صَحِيحًا

مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الدُّخُولِ (وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا) لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ بِالنَّصِّ (سَوَاءً كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ الْحِجْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ وَلِهَذَا اكْتَفَى فِي مَوْضِعِ الْإِحْلَالِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا بِالْفَاسِدِ فَلَا تَحْرُمُ الْأُمُّ إلَّا إذَا وَطِئَ بِنْتَهَا وَيَدْخُلُ فِي أُمِّ امْرَأَتِهِ جَدَّاتُهَا (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الدُّخُولِ) عَلَيْهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْجُمْهُورُ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْمَعْطُوفِ بِصِفَةٍ أَوْ حَالٍ كَمَا فِي الْآيَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ {مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] حَالٌ مِنْ الرَّبَائِبِ لَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِهِ لَكِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَمْتَنِعُ، وَلِهَذَا خَالَفَ فِيهِ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَنَاهِيك بِهِمَا عِلْمًا فَجَعَلَا الدُّخُولَ قَيْدًا فِي حُرْمَةِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِشْرُ الْمَرِيسِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ. وَوَجْهُهُ الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ وَالِاسْتِثْنَاءَ إذَا تَعَقَّبَ كَلِمَاتٍ مَنْسُوقَةً انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ صِفَةً، وَلَا يَلْزَمُ وَصْفُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِوَصْفِ الْمَعْطُوفِ، ثُمَّ يَبْطُلُ جَوَازُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِاسْتِلْزَامِهِ كَوْنَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَعْمُولَ عَامِلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ الْمُضَافَ إلَيْهِ أُمَّهَاتٌ مَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ وَالْمَجْرُورُ بِمِنْ بِهَا، فَلَوْ كَانَ الْمَوْصُولُ وَهُوَ قَوْلُهُ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] صِفَةً لَهُمَا لَزِمَ ذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الصِّفَةِ هُنَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ، وَأَبْطَلَهُ فِي الْكَشَّافِ بِلُزُومِ كَوْنِ مِنْ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَيَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْبَيَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّسَاءِ الْمُضَافِ إلَيْهِنَّ أُمَّهَاتٌ وَالِابْتِدَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبَائِبِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ فِيهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِي حَوَاشِيهِ: وَمَا يُقَالُ إنَّ الِابْتِدَاءَ مَعْنًى كُلِّيٌّ صَادِقٌ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِي مِنْ فَضَرْبٌ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالتَّشْبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي إيصَالِ شَيْءٍ فَيَتَنَاوَلُ إيصَالُ الْأُمَّهَاتِ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ وَالِدَاتٌ وَبِالرَّبَائِبِ لِأَنَّهُنَّ مَوْلُودَاتٌ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ جَعْلُ {مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] مُتَعَلِّقًا بِالْأُمَّهَاتِ وَالرَّبَائِبِ جَمِيعًا حَالًا مِنْهُمَا. وَفَائِدَةُ إيصَالِ الْأُمَّهَاتِ بِالنِّسَاءِ بَعْدَ إضَافَتِهَا إلَيْهَا فِي زِيَادَةِ قَيْدِ الدُّخُولِ، لَكِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى حُرْمَةِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ مَدْخُولَاتٍ كُنَّ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولَاتٍ يَأْبَى هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْ هُنَا جُعِلَ مُتَعَلِّقًا بِرَبَائِبِكُمْ فَقَطْ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنْ النِّسَاءِ الْمُضَافِ إلَيْهِنَّ أُمَّهَاتٌ وَمِنْ الرَّبَائِبِ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ مَنْ جَوَّزَهُ بِمُسَوِّغٍ مِنْ كَوْنِ الْمُضَافِ صَالِحًا لِلْعَمَلِ فِي الْحَالِ أَوْ جُزْءًا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ شِبْهَ الْجُزْءِ فِي صِحَّةِ حَذْفِهِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ نَحْوُ {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [البقرة: 135] (قَوْلُهُ سَوَاءً كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَشَرَطَهُ عَلِيٌّ، وَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ قَيْدَ الْحَجْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ وَالْغَالِبِ، إذْ الْغَالِبُ كَوْنُ الْبِنْتِ مَعَ الْأُمِّ عِنْدَ زَوْجِ الْأُمِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَجْرِ هُنَا، وَلَوْلَا هَذَا لَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْقِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، وَبِالرُّجُوعِ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْمَفْهُومَ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْهُ إلَى التَّحْرِيمِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ فَإِذَا انْتَفَى الْقَيْدُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ قَيْدًا فِي الْحُرْمَةِ اُكْتُفِيَ فِي مَوْضِعِ نَفْيِ الْحُرْمَةِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

(قَالَ وَلَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (وَلَا بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَبَنِي أَوْلَادِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] فَحَيْثُ خَصَّهُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ بِالذِّكْرِ عَلِمْنَا أَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي إضَافَةِ الْحُرْمَةِ، وَإِلَّا لَقِيلَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَلَسْنَ فِي حُجُورِكُمْ، أَوْ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَوْ لَسْنَ فِي حُجُورِكُمْ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ فِي إضَافَةِ نَفْيِ الْحُكْمِ إلَى نَفْيِ تَمَامِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ أَوْ أَحَدِ جُزْأَيْهَا الدَّائِرِ وَإِنْ صَحَّ إضَافَتُهُ إلَى نَفْيِ جُزْئِهَا الْمُعَيَّنِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَمِرِّ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ. هَذَا وَيَدْخُلُ فِي الْحُرْمَةِ بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَالرَّبِيبِ وَإِنْ سَفَلَ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُنَّ، بِخِلَافِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ فَلِذَا جَازَ التَّزْوِيجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الِابْنِ وَبِنْتِهَا، وَجَازَ لِلِابْنِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا (قَوْلُهُ وَلَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] اعْلَمْ أَنَّ امْرَأَةَ الْأَبِ وَالْأَجْدَادِ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ اسْتَدَلَّ بِهَا الْمَشَايِخُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ عَلَى ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ، فَإِنْ أُرِيدَ مِنْ حُرْمَةِ امْرَأَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مَا يُطَابِقُهَا مِنْ إرَادَةِ الْوَطْءِ قَصْرٌ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ، وَتَصْدُقُ امْرَأَةُ الْأَبِ بِعَقْدِهِ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ لَفْظِ النِّكَاحِ فِي نِكَاحِ الْآبَاءِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ يَعُمُّ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ، وَلَك النَّظَرُ فِي تَعْيِينِهِ، وَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يُوجِبُ اعْتِبَارَهَا فِي الْمَجَازِيِّ، وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمَوْطُوءَةِ بِالْآيَةِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهَا بِلَا وَطْءٍ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْحُرْمَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَفْظُ الدَّلِيلِ صَالِحٌ لَهُ كَانَ مُرَادًا مِنْهُ بِلَا شُبْهَةٍ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ تَابِعٌ لِلنَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ عَنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ، وَلَوْ كَانَ عَنْ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ يَخْلُقُ لَهُمْ يَثْبُتُ بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمِ مُرَادٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ إذَا احْتَمَلَهُ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] إنْ اُعْتُبِرَ الْحَلِيلَةُ مِنْ حُلُولِ الْفِرَاشِ أَوْ حَلِّ الْإِزَارِ تَنَاوَلَتْ الْمَوْطُوءَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ شُبْهَةً أَوْ زِنًا فَيَحْرُمُ الْكُلُّ عَلَى الْآبَاءِ وَهُوَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عِنْدَنَا، كَمَا تَحْرُمُ الْمَزْنِيُّ بِهَا وَمَنْ ذَكَرْنَا لِلْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ، وَلَا تُتَنَاوَلُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا لِلِابْنِ أَوْ بَنِيهِ وَإِنْ سَفَلُوا قَبْلَ الْوَطْءِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَحْرُمُ عَلَى الْآبَاءِ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ الْحِلِّ بِكَسْرِ الْحَاءِ،

وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ (وَلَا بِأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا بِأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَطْئًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَهُوَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي أَعَمِّ مِنْ الْحِلِّ وَالْحَلِّ، ثُمَّ يُرَادُ مِنْ الْأَبْنَاءِ الْفُرُوعُ فَتَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ السَّافِلِ عَلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى مِنْ النَّسَبِ، وَكَمَا تَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ النَّسَبِ تَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ. وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ فِي الْآيَةِ لِإِسْقَاطِ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنَّى. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الْأَصْلَابِ لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنَّى لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَذْهَبِنَا فَلَا خِلَافَ (قَوْلُهُ وَلَا بِأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ، حَتَّى لَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا حَرُمَ عَلَيْهِ زَوْجَةُ زَوْجِ الظِّئْرِ الَّذِي نَزَلَ لَبَنُهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا امْرَأَةُ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ الظِّئْرِ امْرَأَةُ هَذَا الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَسَنَسْتَوْفِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ نِكَاحًا) أَيْ عَقْدًا (وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَطْئًا) وَهَذَانِ تَمْيِيزَانِ لِنِسْبَةٍ إضَافِيَّةٍ، وَالْأَصْلُ بَيْنَ نِكَاحِ أُخْتَيْنِ وَوَطْئِهِمَا مَمْلُوكَتَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا أُخْتَيْنِ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعَةِ حَتَّى قُلْنَا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ رَضِيعَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَفْسُدُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمَذْكُورَ أَوَّلَ الْآيَةِ أُضِيفَ بِوَاسِطَةِ الْعَطْفِ إلَى الْجَمْعِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَقْدًا أَوْ وَطْئًا. وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إبَاحَةُ وَطْءِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ قَالَ: لِأَنَّهُمَا أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ أُخْرَى وَهُمَا هَذِهِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] فَرَجَحَ الْحِلُّ. قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَالْإِجْمَاعُ اللَّاحِقُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِ أَهْلِ الظَّاهِرِ

(فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا صَحَّ النِّكَاحُ) لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ (وَ) إذَا جَازَ (لَا يَطَأُ الْأَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ فَالْمُرَجَّحُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» إلَخْ غَرِيبٌ. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي» الْحَدِيثُ، إلَى أَنْ قَالَ «إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي» وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد عَنْ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ الضَّحَّاكَ بْنَ فَيْرُوزَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ فَيْرُوزَ الدِّيلِيِّ قَالَ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ، قَالَ: طَلِّقْ أَيَّهُمَا شِئْتَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حَبَّانِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ» . (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا صَحَّ النِّكَاحُ) خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ. وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا بِاعْتِرَافِكُمْ فَيَصِيرُ بِالنِّكَاحِ جَامِعًا وَطْئًا حُكْمًا وَهُوَ بَاطِلٌ بِاعْتِرَافِكُمْ لِأَنَّكُمْ عَلَّلْتُمْ عَدَمَ جَوَازِ وَطْءِ الْأَمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ بِلُزُومِ الْجَمْعِ وَطْئًا حُكْمًا، وَقَدْ قُلْتُمْ إنَّ حُكْمَ وَطْءِ الْأَمَةِ السَّابِقِ قَائِمٌ حَتَّى اُسْتُحِبَّ لَهُ لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَمَا قِيلَ حَالَةَ صُدُورِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ جَامِعًا وَطْئًا بَلْ بَعْدَ تَمَامِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُ فَيَتَعَقَّبُهُ لَيْسَ بِدَافِعٍ، فَإِنَّ صُدُورَهُ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ جَمْعًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ حَيْثُ كَانَ هُوَ حُكْمُهُ، وَهُوَ لَازِمٌ بَاطِلٌ شَرْعًا وَمَلْزُومُ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي صَفَحَاتِ كَلَامِهِمْ مَوَاضِعُ عَلَّلُوا الْمَنْعَ فِيهَا بِمِثْلِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا اللَّازِمَ بِيَدِهِ إزَالَتُهُ فَلَيْسَ لَازِمًا عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ فَلَا يَضُرُّ بِالصِّحَّةِ وَيُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَهَا لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ (قَوْلُهُ وَلَا يَطَأُ الْأَمَةَ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَطَأُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ كَبَيْعِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْإِعْتَاقِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ وَالتَّزْوِيجِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا تَحِلُّ الْمَنْكُوحَةُ بِالْكِتَابَةِ. وَعَنْهُ: لَوْ مَلَكَ فَرْجَهَا غَيْرُهُ لَا تَحِلُّ الْمَنْكُوحَةُ حَتَّى تَحِيضَ الْمَمْلُوكَةُ حَيْضَةً بَعْدَ وَطْئِهَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَامِلًا مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّمْلِيكِ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ بِمُجَرَّدِ التَّمْلِيكِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: تَحِلُّ الْمَنْكُوحَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمَرْقُوقَةِ

وَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ) لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا، وَلَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ لِلْجَمْعِ إلَّا إذَا حَرَّمَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَحِينَئِذٍ يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ، وَيَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ وَطْئًا إذْ الْمَرْقُوقَةُ لَيْسَتْ مَوْطُوءَةً حُكْمًا. (فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهمَا أُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبٍ لِأَنَّ حُرْمَةَ وَطْئِهَا قَدْ ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ التَّحْرِيمِ بِسَبَبٍ آخَرَ. وَأُجِيبُوا بِأَنَّ حُكْمَ وَطْءِ الْمَرْقُوقَةِ قَائِمٌ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا، فَبِالْوَطْءِ يَكُونُ جَامِعًا وَطْئًا حُكْمًا وَإِطْلَاقُ الْآيَةِ يَمْنَعُهُ، هَذَا كَلَامُهُمْ وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِمَا وَعَدْنَاهُ آنِفًا، وَهَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، بِخِلَافِ الْفَاسِدِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ لِوُجُودِ الْجَمْعِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُعْتَبَرٌ تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَرْقُوقَةَ لَيْسَتْ مَوْطُوءَةً حُكْمًا) لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يُوضَعْ لِلْوَطْءِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِدَعْوَى. [فَرْعٌ] لَوْ اشْتَرَى أُخْتَيْنِ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهُمَا، فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ بِسَبَبٍ، وَلَوْ وَطِئَهَا أَثِمَ ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى بِسَبَبٍ. وَلَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ رُدَّتْ إلَيْهِ الْمَبِيعَةُ أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ أَوْ طَلُقَتْ الْمَنْكُوحَةُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَحِلَّ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى بِسَبَبٍ كَمَا كَانَ أَوَّلًا (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا الْأُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ، وَقَيَّدَ بِعُقْدَتَيْنِ إذْ لَوْ كَانَا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ بَطَلَا يَقِينًا وَبِعَدَمِ عِلْمِ الْأَوَّلِيَّةِ، إذْ لَوْ عَلِمَ صَحَّ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ وَبَطَلَ الثَّانِي، وَلَهُ وَطْءُ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ فَتَحْرُمُ الْأُولَى إلَى انْقِضَاءِ عِدَّةِ الثَّانِيَةِ، كَمَا لَوْ وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ حَيْثُ تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ ذَاتِ الشُّبْهَةِ. وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْكَامِلِ: لَوْ زَنَى بِإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَا يَقْرَبُ الْأُخْرَى حَتَّى تَحِيضَ الْأُخْرَى حَيْضَةً وَهَذَا مُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ التَّجْهِيلِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ لِلضَّرَرِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ (وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ) لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا، وَانْعَدَمَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ لِلْجَهْلِ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الِاصْطِلَاحِ لِجَهَالَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ) طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يُفَارِقُ الْكُلَّ. وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِهِ هُنَاكَ لَا هُنَا لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مُتَيَقَّنُ الثُّبُوتِ، فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ مُعَيَّنَةً مِنْهُنَّ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ مُتَيَقَّنًا وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا، فَدَعْوَاهُ حِينَئِذٍ تَمَسُّكٌ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ (قَوْلُهُ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ التَّجْهِيلِ) أَيْ تَنْفِيذُ نِكَاحِهِمَا مَعَ جَهْلِ الْمُحَلَّلَةِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ تَنْفِيذُ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا مَعَ تَجْهِيلِهِ بِأَنْ يُنْفِذَ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَيْنَهُمَا (لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) وَهُوَ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ إذْ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مُعَيَّنَةِ وَلَا حِلَّ فِي الْمُعَيَّنَةِ (أَوْ لِلضَّرَرِ) عَلَيْهِ بِإِلْزَامِهِ النَّفَقَةَ وَسَائِرَ الْمُوَاجِبِ مَعَ عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَلَيْهَا بِصَيْرُورَتِهَا مُعَلَّقَةً لَا ذَاتَ بَعْلٍ فِي حَقِّ الْوَطْءِ وَلَا مُطَلَّقَةً وَلِتَضَرُّرِ الْأُولَى لَوْ وَقَعَ تَعْيِينُهُ لِغَيْرِهَا وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَالثَّانِيَةُ لِوُقُوعِهَا فِي الْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ لِعَدَمِ قَصْدِ التَّجَانُفِ لِإِثْمٍ، وَلَوْ قَالَ وَلِلضَّرَرِ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَازِمٌ لِلتَّنْفِيذِ مَعَ التَّجْهِيلِ (فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصَ مِنْ طَلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةً لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ لِلْحَالِ أَوْ بَعْدَهُ بِهِمَا فَلَيْسَ لَهُ بِأَيِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَاءَ حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهُمَا. وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَهُ تَزَوُّجُ الَّتِي لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتَهَا دُونَ الْأُخْرَى كَيْ لَا يَصِيرُ جَامِعًا، وَإِنْ بَعْدَهُ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَالِ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَمْنَعُ مِنْ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا (قَوْلُهُ وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ) الْمُسَمَّى لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ تَسَاوِي مَهْرَيْهِمَا جِنْسًا وَقَدْرًا سَوَاءً بَرْهَنَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهَا سَابِقَةٌ أَوْ ادَّعَتْهُ فَقَطْ، أَمَّا لَوْ قَالَتَا لَا نَدْرِي السَّابِقَةَ مِنَّا لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ فَلَوْ كَانَ التَّفْرِيق بَعْدَ الدُّخُول وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرَهَا كَامِلًا. وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يَقْضِي بِمَهْرٍ كَامِلٍ وَعُقْرٍ كَامِلٍ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ الْمُسَمَّى لَهُمَا قَدْرًا وَجِنْسًا، أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ عُقْرٍ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِجَعْلِهَا ذَاتَ الْعُقْرِ مِنْ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ فَرْعُ الْحُكْمِ بِأَنَّهَا

(وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ ابْنَةِ أَخِيهَا أَوْ ابْنَةِ أُخْتِهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» وَهَذَا مَشْهُورٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْطُوءَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْفَاسِدَ لَيْسَ حُكْمُ الْوَطْءِ فِيهِ إذَا سُمِّيَ فِيهِ الْعُقْرُ بَلْ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا أَوْ قَدْرًا قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِرُبْعِ مَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ تَجِبُ مُتْعَةُ وَاحِدَةٍ لَهُمَا بَدَلُ نِصْفِ الْمَهْرِ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ثَابِتَةٌ بَيْنَ كُلِّ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ، وَالتَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: أَيْ دَعْوَاهَا أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ يَصْطَلِحَانِ بِأَنْ يَقُولَا نِصْفَ الْمَهْرِ لَنَا عَلَيْهِ لَا يَعْدُونَا فَنَصْطَلِحُ عَلَى أَخْذِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ يَنْدَفِعُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمَا لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ عِنْدِي أَلْفٌ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرًا كَامِلًا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِمَا تَحَقَّقَ عَدَمُ لُزُومِهِ، فَإِنَّ إيجَابَ كَمَالِهِ حُكْمُ الْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ ابْنَةِ أَخِيهَا أَوْ ابْنَةِ أُخْتِهَا) تَكْرَارٌ لِغَيْرِ دَاعٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ الْجَمْعِ، بِخِلَافِ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَنْعُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مَنْعَ الْقَلْبِ لِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ بِمَنْعِ نِكَاحِ ابْنَةِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ عَلَيْهِمَا دُونَ إدْخَالِهِمَا عَلَى الِابْنَةِ لِزِيَادَةِ تَكَرُّمَتِهِمَا عَلَى الِابْنَةِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَيُؤْنِسُهُ حُرْمَةُ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ مَعَ جَوَازِ الْقَلْبِ فَكَانَ التَّكْرَارُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ التَّوَهُّمُ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَغَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لَمْ يَزِدْ فِيهِ عَلَى قَوْلِ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» . انْتَهَى فِي الصَّحِيحَيْنِ (قَوْلُهُ وَهَذَا مَشْهُورٌ) أَعْنِي الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحَيْ مُسْلِمٍ وَابْنِ حَبَّانِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَتَلَقَّاهُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ بِالْقَبُولِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَرَوَاهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْهُمْ

يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ. (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ) يَعْنِي بِالزِّيَادَةِ هُنَا تَخْصِيصُ عُمُومٍ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] لَا الزِّيَادَةُ الْمُصْطَلَحَةُ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ مَعَ أَنَّ الْعُمُومَ الْمَذْكُورَ مَخْصُوصٌ بِالْمُشْرِكَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَبَنَاتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ جَازَ التَّخْصِيصُ بِهِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى كَوْنِهِ مَشْهُورًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ادِّعَاءِ الشُّهْرَةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَوْقِعُهُ النَّسْخُ لَا التَّخْصِيصُ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] نَاسِخٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] إذْ لَوْ تَقَدَّمَ لَزِمَ نَسْخُهُ بِالْآيَةِ فَلَزِمَ حِلُّ الْمُشْرِكَاتِ وَهُوَ مُنْتَفٍ أَوْ تَكْرَارُ النَّسْخِ وَحَاصِلُهُ خِلَافُ الْأَصْلِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنْ يَكُونَ السَّابِقُ حُرْمَةَ الْمُشْرِكَاتِ ثُمَّ يُنْسَخُ بِالْعَامِّ وَهُوَ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ثُمَّ يَجِبُ تَقْدِيرُ نَاسِخٍ آخَرَ لِأَنَّ الثَّابِتَ الْآنَ الْحُرْمَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) ثَنَّى بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ الْفَرْعِ بِأَصْلٍ كُلِّيٍّ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ هُوَ وَغَيْرُهُ كَحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ وَخَالَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةً لِلْأُخْرَى، أَوْ يَتَزَوَّجُ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ وَيُولَدُ لَهُمَا بِنْتَانِ فَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ خَالَةٌ لِلْأُخْرَى فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ بِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عِيسَى بْن طَلْحَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرِيبَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ»

الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي بِالْقَطِيعَةِ وَالْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ مُحَرِّمَةٌ لِلْقَطْعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ يَحْرُمُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ) لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ابْنَةَ الزَّوْجِ لَوْ قَدَّرْتَهَا ذَكَرًا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ. قُلْنَا: امْرَأَةُ الْأَبِ لَوْ صَوَّرْتَهَا ذَكَرًا جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَذِهِ وَالشَّرْطُ أَنْ يُصَوَّرَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَوْجَبَ تَعْدِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ إلَى كُلِّ قَرَابَةٍ يُفْرَضُ وَصْلُهَا وَهُوَ مَا تَضَمُّنُهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ، وَبِهِ تَثْبُتُ الْحُجَّةُ عَلَى الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيِّ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ فِي إبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ غَيْرِ الْأُخْتَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ حَدِيثٌ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ» وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي خُصَيْفٍ فَالْوَجْهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ (قَوْلُهُ وَالْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ) أَيْ بِمُقْتَضَى آيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ (مُحَرِّمَةُ لِلْقَطْعِ) عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ فِيهِمَا وَفِي الْجَمْعِ الْقَطْعُ فَلَا يَحِلُّ. وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ مُحَرَّمَةٌ لِلْقَطْعِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ فِي الثَّانِي أَيْ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِلْقَطْعِ فَإِنَّهُ عَادَةٌ يَقَعُ التَّشَاجُرُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ فَيُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ تِلْكَ الْقَرَابَاتُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِنَّ فِي الْآيَةِ أَعْنِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى آخِرِهَا عَلَى الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا غَيْرُ ذَلِكَ أَيْضًا كَمُنَافَاةِ الِاحْتِرَامِ الْوَاجِبِ لِلْأُمَّهَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ بِالِافْتِرَاشِ فَيُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِي الْقَطِيعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ أَفْضَى إلَيْهِ لِأَكْثَرِيَّةِ الْمُضَارَّةِ بَيْنَ الضَّرَائِرَ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ حُرْمَةِ الْأَقَارِبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ (بِسَبَبِ الرَّضَاعِ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ أَخٍ لَهَا مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا عَمَّتُهَا، أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ أُخْتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا خَالَتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ) يَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَكَرًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى هُوَ قِيَامُ الْقَرَابَةِ الْمُفْتَرَضُ وَصْلُهَا أَوْ الرَّضَاعِ الْمُفْتَرَضُ وَصْلُ مُتَعَلَّقِهِ وَاحْتِرَامُهُ، حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ عَمَّةٍ أَوْ خَالَةٍ وَابْنَةِ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ مِنْ الرَّضَاعِ. وَكَذَا كُلُّ مَحْرَمِيَّةٍ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فِي الرَّبِيبَةِ وَزَوْجَةِ الْأَبِ فَكَانَ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا قَوْلًا لَا بِدَلِيلٍ. وَهَذِهِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرَّبِيبَةِ وَزَوْجَةِ أَبِيهَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَدْ جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ زَوْجَةِ عَلِيٍّ وَبِنْتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَوَازِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ قُثَمَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. قَالَ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَتَعْلِيقَاتُهُ صَحِيحَةٌ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً. ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَيَتَزَوَّجَ

قَالَ (وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنَهُ أُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ. وَقَدْ تَزَوَّجَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ امْرَأَةً وَزَوَّجَ ابْنَهُ بِنْتَهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا) أَيْ وَإِنْ عَلَتْ، فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً (وَابْنَتُهَا) وَإِنْ سَفَلَتْ، وَكَذَا تَحْرُمُ الْمَزْنِيُّ بِهَا عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا هَذَا إذَا لَمْ يَفُضَّهَا الزَّانِي، فَإِنْ أَفْضَاهَا لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْحُرُمَاتُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرْجِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ وَعُلِمَ كَوْنُهُ مِنْهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا. وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ تَنْتَشِرُ بِهَا الْآلَةُ مُحَرَّمًا يَجِبُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ إذَا أَفْضَاهَا إنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَى الْخِلَافِ الْآتِي، وَإِنْ انْتَشَرَ مَعَهُ أَوْ زَادَ انْتِشَارُهُ كَمَا فِي غَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْوَطْءُ السَّبَبُ لِلْوَلَدِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِهَذَا الْوَطْءِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي صُورَةِ الْإِفْضَاءِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ فِي الْقَبْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا وَطِئَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ قِيَاسًا عَلَى الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ وَطْءُ سَبَبٍ لِلْوَلَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى. بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ كَإِبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. وَلَهُ أَنْ يَقُولَ الْإِمْكَانُ الْعَقْلِيُّ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَالْعَادِي مُنْتَفٍ عَنْهُمَا فَتَسَاوَيَا، وَالْقِصَّتَانِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ لَا تُوجِبَانِ الثُّبُوتَ الْعَادِيَ وَلَا تُخْرِجَانِ الْعَادَةَ عَنْ النَّفْيِ. وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ حُرْمَةٌ خِلَافًا لِمَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَوَجْهُهُ مَا تَضَمُّنُهُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ فِي أُخْرَى، وَقَوْلُنَا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْأَصَحِّ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرٍ وَأُبَيُّ وَعَائِشَةَ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ كَالْبَصْرِيِّ وَالشُّعَبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيَّ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَحَمَّادٍ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَلَوْ وُلِدَتْ مِنْهُ بِنْتًا بِأَنْ زَنَى بِبِكْرٍ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى وَلَدَتْ بِنْتًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْبِنْتُ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ تَرِثْهُ وَلَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّهَاتُهَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ عَارَضَهُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ بِنْتُهُ حَقِيقَةً لُغَةً، وَلَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ فِي اسْمِ الْبِنْتِ وَالْوَلَدِ شَرْعًا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى حُرْمَةِ الِابْنِ مِنْ الزِّنَا عَلَى أُمِّهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ جِهَةُ الْحَقِيقَةِ. ثُمَّ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِ الْخُرُوجِ، وَبِحُرْمَةِ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ أَوْ ابْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ زَنَى أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ ابْنُهُ فَأَوْلَدُوا بِنْتًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَخِ وَالْعَمِّ

وَلَنَا أَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ حَتَّى يُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلًا فَتَصِيرُ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخَالُ وَالْجَدُّ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ الدَّلِيلَ يَتِمُّ بِأَنْ يُقَالَ هُوَ وَطْءٌ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ قِيَاسًا عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ وَصْفِ الْحِلِّ فِي الْمَنَاطِ وَهُوَ يَعْتَبِرُهُ فَهَذَا مُنْشَأُ الِافْتِرَاقِ. وَنَحْنُ نُبَيِّنُ إلْغَاءَهُ شَرْعًا بِأَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَارِيَةِ الِابْنِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءِ وَوَطْءَ الْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ كُلُّهُ حَرَامٌ وَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَصْلِ هُوَ ذَاتُ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا. وَمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامَ» غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، أَرَأَيْت لَوْ بَالَ أَوْ صَبَّ خَمْرًا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ مَمْلُوكٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فَيَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَرَامًا، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ إذَا لَمْ نَقُلْ بِإِثْبَاتِ الزِّنَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ زِنًا بَلْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَطْئًا، هَذَا لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ، لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضَعَّفٌ بِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِي عَلَى مَا طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: فِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ضُعِّفَ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ قُضَاةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالَفَهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ، إمَّا لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ أَوْ مَجَازٌ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا} [النساء: 22] وَإِنَّمَا الْفَاحِشَةُ الْوَطْءُ لَا نَفْسُ الْعَقْدِ. وَيُمْكِنُ مَنْعُ هَذَا بَلْ نَفْسُ لَفْظِهِ الَّذِي وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِاسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ إذَا ذُكِرَ لِاسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ: أَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِنَّ لَهُمْ بَعْدَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ قَبِيحًا قَبِيحٌ، وَقَدَّمْنَا لِلْمُصَنِّفِ اعْتِبَارَ الْآيَةِ دَلِيلًا

وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْمَوْطُوءَةُ، وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا. (وَمَنْ مَسَّتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَحْرِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لِلْأَبِ. وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْهَا «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ بِامْرَأَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَأَنْكِحُ ابْنَتَهَا؟ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحَ امْرَأَةً تَطَّلِعُ مِنْ ابْنَتِهَا عَلَى مَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا» وَهُوَ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ حَكِيمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَغْمِزُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: لَا يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهَا» وَهُوَ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ، إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ الرِّجَالُ ثِقَاتٍ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ تَكَافَأَتْ، وَقَوْلُهُ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ مَغْلَطَةٌ، فَإِنَّ النِّعْمَةَ لَيْسَتْ التَّحْرِيمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَحْرِيمٌ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ، وَلِذَا اتَّسَعَ الْحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ، فَحَقِيقَةُ النِّعْمَةِ هِيَ الْمُصَاهَرَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَجْنَبِيُّ قَرِيبًا وَعَضُدًا وَسَاعِدًا يُهِمُّهُ مَا أَهَمَّكَ وَلَا مُصَاهَرَةَ بِالزِّنَا، فَالصِّهْرُ زَوْجُ الْبِنْتِ مَثَلًا لَا مَنْ زَنَى بِبِنْتِ الْإِنْسَانِ فَانْتَفَى الصِّهْرِيَّةُ. وَفَائِدَتُهَا أَيْضًا إذْ الْإِنْسَانُ يَنْفِرُ عَنْ الزَّانِي بِبِنْتِهِ فَلَا يَتَعَرَّفُ بِهِ بَلْ يُعَادِيه فَأَنَّى يَنْتَفِعُ بِهِ؟ فَالْمَرْجِعُ الْقِيَاسُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ إلْغَاءَ وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى كَوْنِهِ وَطْئًا، وَظَهَرَ أَنَّ حَدِيثَ الْجُزْئِيَّةِ وَإِضَافَةَ الْوَلَدِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلًا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَمَامِ الدَّلِيلِ، إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَهُ بَيَانًا لِحِكْمَةِ الْعِلَّةِ: يَعْنِي أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِهَذَا الْوَطْءِ كَوْنُهُ سَبَبًا لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ الْمُضَافِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلًا، وَهُوَ إنْ انْفَصَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَاطٍ مَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَا يَحْتَاجُ تَحَقُّقُهُ إلَى الْوَلَدِ وَإِلَّا لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ بِوَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ فَتَضَمَّنَتْ جُزْأَهُ (وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» (إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ) وَإِلَّا لَاسْتَلْزَمَ الْبَقَاءُ مُتَزَوِّجًا حَرَجًا عَظِيمًا تَضِيقُ عَنْهُ الْأَمْوَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِذَا تَضَمَّنَتْ جُزْأَهُ صَارَتْ أُمَّهَاتُهَا كَأُمَّهَاتِهِ وَبَنَاتُهَا كَبَنَاتِهِ فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ كَمَا تَحْرُمُ أُمَّهَاتُهُ وَبَنَاتُهُ حَقِيقَةً. أَوْ نَقُولُ وَهُوَ الْأَوْجُهُ: إنَّ بِالِانْفِصَالِ لَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ الْجُزْئِيَّةِ وَهِيَ الْمَدَارُ. وَعِنْدَ عَدَمِ الْعُلُوقِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَظِنَّةِ خَالِيَةً عَنْ الْحِكْمَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّعْلِيلُ كَالْمِلْكِ الْمُرَفِّهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ مَسَّتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ) أَيْ بِدُونِ حَائِلٍ أَوْ بِحَائِلٍ رَقِيقٍ تَصِلُ مَعَهُ حَرَارَةُ الْبَدَنِ إلَى الْيَدِ. وَقِيلَ الْمَدَارُ وُجُودُ الْحَجْمِ، وَفِي مَسِّ الشَّعْرِ رِوَايَتَانِ، وَنُقِلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَمَسُّهُ امْرَأَةً كَذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا، فَلَوْ مَسَّ عَجُوزًا بِشَهْوَةٍ أَوْ جَامَعَهَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتُشْتَهَى، قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ مُشْتَهَاةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَبِنْتُ خَمْسِ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا لَا بِلَا تَفْصِيلٍ، وَبِنْتُ ثَمَانٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ سِتٍّ إنْ كَانَتْ عَبْلَةً كَانَتْ مُشْتَهَاةً وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا يَشْتَرِطُ فِي الذَّكَرِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ ابْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ زَوْجَةَ أَبِيهِ لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَهَذَا مَا وَعُدْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ. وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ بَيْنَ كَوْنِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مُخْطِئًا، حَتَّى لَوْ أَيْقَظَ زَوْجَتَهُ لِيُجَامِعَهَا فَوَصَلَتْ يَدُهُ إلَى بِنْتِهِ مِنْهَا فَقَرَصَهَا بِشَهْوَةٍ وَهِيَ مِمَّنْ تُشْتَهَى يَظُنُّ أَنَّهَا أُمُّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَلَك أَنْ تُصَوِّرَهَا مِنْ جَانِبِهَا بِأَنْ أَيْقَظَتْهُ هِيَ كَذَلِكَ فَقَرَصَتْ ابْنَهُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ بِشَهْوَةٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ فَيُفِيدُ اشْتِرَاطَ الشَّهْوَةِ حَالَ الْمَسِّ، فَلَوْ مَسَّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ثُمَّ اشْتَهَى عَنْ ذَلِكَ الْمَسِّ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَمَا ذَكَرَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنْ تَنْتَشِرَ الْآلَةُ أَوْ تَزْدَادُ انْتِشَارًا هُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى أَنْ يَمِيلَ قَلْبَهُ إلَيْهَا وَيَشْتَهِي جِمَاعَهَا، وَفُرِّعَ عَلَيْهِ مَا لَوْ انْتَشَرَ فَطَلَبَ امْرَأَتَهُ فَأَوْلَجَ بَيْنَ فَخْذَيْ بِنْتِهَا خَطَأً لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأُمُّ مَا لَمْ يَزْدَدْ الِانْتِشَارُ. ثُمَّ هَذَا الْحَدُّ فِي حَقِّ الشَّابِّ أَمَّا الشَّيْخُ وَالْعِنِّينُ فَحَدُّهَا تَحَرُّكُ قَلْبِهِ أَوْ زِيَادَةُ تَحَرُّكِهِ إنْ كَانَ مُتَحَرِّكًا لَا مُجَرَّدَ مَيَلَانِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ أَصْلًا كَالشَّيْخِ الْفَانِي، وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ، حَتَّى لَوْ مَسَّ وَأَقَرَّ أَنَّهُ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ عَلَيْهِ. وَكَانَ ابْنُ مُقَاتِلٍ لَا يُفْتِي بِالْحُرْمَةِ عَلَى هَذَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا تَحَرُّكُ الْآلَةِ. ثُمَّ وُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَافٍ وَلَمْ يَحُدُّوا الْحَدَّ الْمُحَرَّمَ مِنْهَا فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ وَأَقَلُّهُ تَحَرُّكُ الْقَلْبِ عَلَى وَجْهٍ يُشَوِّشُ الْخَاطِرَ. هَذَا وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِمَسِّهَا مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُصَدِّقَهَا أَوْ يَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ صِدْقُهَا. وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي مَسِّهِ إيَّاهَا: لَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَاهُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِمَا صِدْقُهُ. ثُمَّ رَأَيْت عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَمَالِي مَا يُفِيدُ ذَلِكَ، قَالَ: امْرَأَةٌ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا وَقَالَتْ كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ، إنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ صَدَّقَهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ إنْ تَعَمَّدَ الْفَسَادَ. وَلَوْ وَطِئَهَا الِابْنُ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِهَذَا الْوَطْءِ فَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ، وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ. وَلَوْ أَقَرَّ بِالتَّقْبِيلِ وَأَنْكَرَ الشَّهْوَةَ وَلَمْ يَكُنْ انْتِشَارٌ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ وَالْمُنْتَقَى يُصَدَّقُ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: لَا يُصَدَّقُ لَوْ قَبَّلَهَا عَلَى الْفَمِ. قَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ: وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ خَالِي. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ، حَتَّى رَأَيْته أَفْتَى فِي الْمَرْأَةِ إذَا أَخَذَتْ ذَكَرَ الْخَتَنِ فِي الْخُصُومَةِ فَقَالَتْ كَانَ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ أَنَّهَا تُصَدَّقُ اهـ. وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا، فَإِنَّ وُقُوعَهُ فِي حَالَةِ الْخُصُومَةِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الشَّهْوَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَّلَهَا مُنْتَشِرًا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى عَدَمِ الشَّهْوَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالنَّظَرِ وَأَنْكَرَ الشَّهْوَةَ صُدِّقَ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْمُبَاشَرَةِ إذَا قَالَ بِلَا شَهْوَةٍ لَا يُصَدَّقُ بِلَا خِلَافٍ فِيمَا أَعْلَمُ، وَفِي التَّقْبِيلِ إذَا أَنْكَرَ الشَّهْوَةَ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قِيلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَهْوَةٍ غَالِبًا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خِلَافُهُ بِالِانْتِشَارِ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ يُقْبَلُ، وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدِّ فَيُصَدَّقُ أَوْ عَلَى الْفَمِ فَلَا، وَالْأَرْجَحُ هَذَا إلَّا أَنَّ الْخَدَّ يَتَرَاءَى إلْحَاقُهُ بِالْفَمِ،

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَحْرُمُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسُّهُ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ وَنَظَرُهُ إلَى فَرْجِهَا وَنَظَرُهَا إلَى ذَكَرِهِ عَنْ شَهْوَةٍ. لَهُ أَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ لَيْسَا فِي مَعْنَى الدُّخُولِ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَسَادُ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ فَيُقَامُ مُقَامَهُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، ثُمَّ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ أَنْ تَنْتَشِرَ الْآلَةُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا هُوَ الصَّحِيحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُحْمَلُ مَا فِي الْجَامِعِ فِي بَابِ قَبُولِ مَا تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا الْمُدَّعِيَ تَزَوَّجَ أُمَّهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ بِشَهْوَةٍ قَيْدٌ فِي اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْقُبْلَةِ عَلَى الْفَمِ وَنَحْوِهِ أَوْ فِي اللَّمْسِ فَقَطْ إنْ أُرِيدَ غَيْرُ الْفَمِ وَنَحْوِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّعْوَى إذَا وَافَقَتْ الظَّاهِرَ قُبِلَتْ وَإِلَّا رُدَّتْ فَيُرَاعَى الظُّهُورُ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ فَقَالَ وَطِئْتُهَا لَا تَحِلُّ لِابْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ تَحِلُّ لِابْنِهِ إنْ كَذَّبَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَحْرُمُ) قِيلَ عَلَيْهِ إنَّ ثُبُوتَ خِلَافِهِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِهِ مَرَّةً أُخْرَى. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسَّ الْمُتَكَلَّمَ فِيهِ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْحَلَالِ وَإِنْ كَانَ لَا تَفَاوُتَ عِنْدَنَا بَيْنَ الْمَسِّ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَثُبُوتُ خِلَافِهِ فِي الْمَسِّ الْحَلَالِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالسَّابِقَةِ. وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ فَرْضِ كَوْنِ الْمَمْسُوسِ أَمَتَهُ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْمَنْظُورِ إلَيْهَا: يَعْنِي الَّتِي فِيهَا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ الْأَمَةُ: يَعْنِي أَمَتَهُ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ الْمَنْكُوحَةُ أَوْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَوْ الْأَمَةُ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ أُمَّ الْمَنْكُوحَةِ حَرُمَتْ بِالْعَقْدِ وَبِنْتَهَا بِالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ، لَا أَنَّ حُرْمَتَهُمَا جَمِيعًا بِالنَّظَرِ وَالْمَسِّ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَنْكُوحَةِ إلَّا فَائِدَةُ التَّحْرِيمِ فِي الرَّبِيبَةِ دُونَ الْأُمِّ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّ الدُّخُولَ

وَالْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ اتِّكَائِهَا، وَلَوْ مَسَّ فَأَنْزَلَ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُهَا لِأَنَّهُ بِالْإِنْزَالِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ، وَعَلَى هَذَا إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي الدُّبُرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: النَّظَرُ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ مُحَرِّمٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشَّقِّ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْفَرْجِ، وَالدَّاخِلُ فَرْجٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْخَارِجُ فَرْجٌ مِنْ وَجْهٍ، وَأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ مُتَعَذِّرٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ اهـ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الثَّانِي وَيَقُولُ فِي الْأَوَّلِ: قَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ مَا إذَا نَقَلَ نَظِيرَهُ إلَى هُنَا كَانَ هَذَا التَّعْلِيلُ مُوجِبًا لِلْحُرْمَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْخَارِجِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ مَتَى وَجَبَ الْغُسْلُ مِنْ وَجْهٍ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ نَفْسَ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ بِالْمَسِّ ثُبُوتُهُ بِالِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاحْتِيَاطِ. [فُرُوعٌ] النَّظَرُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ إلَى الْفَرْجِ مُحَرِّمٌ، بِخِلَافِ النَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ. وَلَوْ كَانَتْ فِي الْمَاءِ فَنَظَرَ فِيهِ فَرَأَى فَرْجَهَا فِيهِ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الشَّطِّ فَنَظَّرَ فِي الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا لَا يُحَرِّمُ، كَأَنَّ الْعِلَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْمِرْآةِ مِثَالُهُ لَا هُوَ، وَبِهَذَا عَلَّلُوا الْحِنْثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِ فُلَانٍ فَنَظَرَهُ فِي الْمِرْآةِ أَوْ الْمَاءِ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّحْرِيمُ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ بِنَاءً عَلَى نُفُوذِ الْبَصَرِ مِنْهُ فَيَرَى نَفْسَ الْمَرْئِيِّ، بِخِلَافِ الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَ الْإِبْصَارِ مِنْ الْمِرْآةِ وَمِنْ الْمَاءِ بِوَاسِطَةِ انْعِكَاسِ الْأَشِعَّةِ وَإِلَّا لَرَآهُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِانْطِبَاعٍ مِثْلُ الصُّورَةِ فِيهِمَا، بِخِلَافِ الْمَرْئِيِّ فِي الْمَاءِ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَنْفُذُ فِيهِ إذَا كَانَ صَافِيًا فَيَرَى نَفْسَ مَا فِيهِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى سَمَكَةً رَآهَا فِي مَاءٍ بِحَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ بِلَا حِيلَةٍ وَتَحْقِيقُ سَبَبِ اخْتِلَافِ الْمَرْئِيِّ فِيهِ فِي فَنٍّ آخَرَ. ثُمَّ شَرْطُ الْحُرْمَةِ بِالنَّظَرِ أَوْ الْمَسِّ أَنْ لَا يُنْزِلَ، فَإِنْ أَنْزَلَ قَالَ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَغَيْرُهُ: تَثْبُتُ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَالْإِنْزَالُ لَا يُوجِبُ رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ. وَالْمُخْتَارُ لَا تَثْبُتُ كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْبَزْدَوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ حَالَ الْمَسِّ إلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ حَرُمَتْ وَإِلَّا لَا، وَالِاسْتِدْلَالُ وَاضِحٌ فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنَّ إقَامَةَ السَّبَبِ إذَا نِيطَ الْحُكْمُ بِالْمُسَبِّبِ، إنَّمَا تَكُونُ لِخَفَاءِ الْمُسَبِّبِ، وَإِلَّا فَهُوَ تَعْلِيقٌ بِغَيْرِ الْمَنَاطِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَالْأُولَى ادِّعَاءُ كَوْنِ الْمَنَاطِ شَرْعًا نَفْسُ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَحَلِّ الْوَلَدِ بِالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالْحُرْمَةِ فِي الْمَسِّ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْغَايَةِ السَّمْعَانِيَّةِ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا» وَفِي الْحَدِيثِ «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا» وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ جَرَّدَ جَارِيَةً وَنَظَرَ إلَيْهَا ثُمَّ اسْتَوْهَبَهَا مِنْهُ بَعْضُ بَنِيهِ فَقَالَ: أَمَّا إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَك. وَهَذَا إنْ تَمَّ كَانَ دَلِيلُ أَبِي يُوسُفَ فِي كَوْنِ النَّظَرِ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ كَافِيًا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا

(وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَةً طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ يَجُوزُ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ إعْمَالًا لِلْقَاطِعِ، وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ يَجِبُ الْحَدُّ. وَلَنَا أَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى قَائِمٌ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ كَالنَّفَقَةِ وَالْمَنْعِ وَالْفِرَاشِ وَالْقَاطِعُ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: بِيعُوا جَارِيَتِي هَذِهِ، أَمَّا إنِّي لَمْ أُصِبْ مِنْهَا إلَّا مَا يُحَرِّمُهَا عَلَى وَلَدِي مِنْ الْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا) وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ جَائِزٍ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تُزَوَّجُ أَرْبَعٌ سِوَى الْمُعْتَدَّةِ عَنْ بَائِنٍ، وَبِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَرُوِيَ مَذْهَبُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ ذَكَرَ فِي الْأَمَالِي رُجُوعَ زَيْدٍ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. حُكِيَ أَنَّ مَرْوَانَ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي هَذَا فَاتَّفَقُوا عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَخَالَفَهُمْ زَيْدٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ. وَقَالَ عُبَيْدَةُ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ. ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ يَتَجَاذَبُهُ أَصْلَانِ: الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ، وَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَقَاسَ الْبَائِنَ عَلَى الثَّانِي بِجَامِعِ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ إعْمَالًا لِلْقَاطِعِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ. وَيَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِهِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ حُدَّ. وَقِسْنَا عَلَى الْأَوَّلِ بِجَامِعِ قِيَامِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ انْقِطَاعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِنَا النِّكَاحُ قَائِمٌ حَالَ قِيَامِ الْعِصْمَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ فَضْلًا عَنْ حَالَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَّا قِيَامَ أَحْكَامِهِ، لِأَنَّ لَفْظَ تَزَوَّجْت وَزَوَّجْت تَلَاشَى بِمُجَرَّدِ انْقِضَائِهِ، فَقِيَامُهُ بَعْدَهُ لَيْسَ إلَّا قِيَامُ حُكْمِهِ الرَّاجِعِ إلَى الِاخْتِصَاصِ اسْتِمْتَاعًا وَإِمْسَاكًا، وَقَدْ بَقِيَ الْإِمْسَاكُ وَالْفِرَاشُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ حَالَ قِيَامِ عِدَّةِ الْبَائِنِ فَيَبْقَى النِّكَاحُ مِنْ وَجْهٍ، وَإِذَا كَانَ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ حَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا مِنْ وَجْهٍ فَتَحْرُمُ مُطْلَقًا إلْحَاقًا بِالرَّجْعِيِّ أَوْ بِمَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي اجْتَمَعَ فِيهَا جِهَتَا تَحْرِيمٍ وَإِبَاحَةٍ مَعَ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ. وَيَخُصُّ تَزَوُّجَ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ دَلَالَةُ النَّصِّ الْمَانِعِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، فَإِنَّهُ عَلَّلَ فِيهِ بِالْقَطِيعَةِ وَهِيَ هُنَا أَظْهَرُ وَأَلْزَمُ، فَإِنَّ مُوَاصَلَةَ أُخْتِهَا فِي حَالِ حَبْسِهَا بِلَا اسْتِمْتَاعٍ أَغْيَظُ لَهَا مِنْ مُوَاصَلَتِهَا مَعَ مُشَارَكَتِهَا فِي الْمُتْعَةِ. وَالْفَرْعُ الْمُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الِانْقِطَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ

وَلِهَذَا بَقِيَ الْقَيْدُ، وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ فِي حَقِّ الْحِلِّ فَيَتَحَقَّقُ الزِّنَا وَلَمْ يَرْتَفِعْ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا فَيَصِيرُ جَامِعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَهُ. فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نَسَبَهُ ثَبَتَ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي عِدَّةِ الثَّلَاثِ لَيْسَ زِنَا مُسْتَعْقَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ رِوَايَةً فِي عَدَمِ الْحَدِّ، وَإِنْ سَلَّمَ كَمَا فِي عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ انْقِطَاعُ الْحِلِّ بِالْكُلِّيَّةِ وَقَدْ قُلْنَا بِهِ عَلَى مَا سَتَسْمَعُهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ أَثَرَ النِّكَاحِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ وَبِهِ يَقُومُ هُوَ مِنْ وَجْهٍ وَبِهِ تَحْرُمُ الْأُخْتُ مِنْ وَجْهٍ وَبِهِ تَحْرُمُ مُطْلَقًا. وَفِي الْمُجْتَبَى جَوَازُ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ يُؤَدِّي إلَى جَمْعِ مَائِهِ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ لِجَوَازِ الْعُلُوقِ بَعْدَ النِّكَاحِ، وَيَثْبُتُ فِي الْمُعْتَدَّةِ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِالْحَدِيثِ اهـ. يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» وَمِثْلُهُ لَوْ عُلِّقَتْ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ دَخَلَ بِأُخْتِهَا بَعْدَهُ يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ أَيْضًا. [فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ] إذَا أَخْبَرَ الْمُطَلِّقُ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فَإِمَّا تَحْتَمِلُهُ الْمُدَّةُ أَوْ لَا، لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ أُخْتَهَا فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَهُ بِمَا هُوَ مُحْتَمِلٌ مِنْ إسْقَاطِ سَقْطٍ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ. وَفِي الْأَوَّلِ يَصِحُّ نِكَاحُهُ أُخْتَهَا سَوَاءً سَكَتَتْ الْمُخْبَرُ عَنْهَا أَوْ صَدَّقَتْهُ أَوْ كَذَّبَتْهُ أَوْ كَانَتْ غَائِبَةً. وَقَالَ زُفَرُ: إذَا كَذَّبَتْهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ أُخْتَهَا لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَقَدْ قَبِلَ تَكْذِيبَهَا حَتَّى اسْتَمَرَّتْ نَفَقَتُهَا وَثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا أَتَتْ بِهِ. وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالنَّفَقَةِ الْقَوْلُ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانُ النِّكَاحِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُحْتَمِلٌ فَيَجِبُ قَبُولُهُ فِي الْحَالِ وَتَكْذِيبُهَا لَا يَنْفَعُ إلَّا فِي حَقِّهَا فَقُلْنَا بِبَقَاءِ النَّفَقَةِ، بِخِلَافِ نِكَاحِ الْأُخْتِ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِالنَّفَقَةِ الْحُكْمُ شَرْعًا بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَالْفِرَاشِ كَالْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِنَسَبِهِ الْحُكْمَ بِإِسْنَادِ الْعُلُوقِ فَيُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ هُنَا إنْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ وَكَانَ الْمِيرَاثُ لِلْأُخْرَى. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْأُولَى دُونَ الْأُخْرَى، وَلَكِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ مَرِيضًا حِينَ قَالَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ وَكَذَّبَتْهُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، فَأَمَّا الْبَائِنُ وَهُوَ فِي الصِّحَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لِلْأُولَى وَإِنْ لَمْ يُخْبَرْ الزَّوْجُ بِهَا. وَفِي كِتَابِ الطَّلَاقِ لَمَّا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَرِيضِ وَكَانَ قَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّهَا كَمَا فِي نَفَقَتِهَا وَهُنَا وَضْعُهَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا حَقَّ لَهَا فِي مَالِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا فِي إبْطَالِ إرْثِهَا. تَوْضِيحُهُ أَنَّ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَخْبَرَ أَنَّ الْوَاقِعَ

(وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي الطَّلَاقَ صَارَ بَائِنًا، فَكَأَنَّهُ أَبَانَهَا فِي صِحَّتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَلَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ كَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ. وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ جَعْلُ الرَّجْعِيِّ بَائِنًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَمَتَى كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْأُولَى فَلَا مِيرَاثَ لِلثَّانِيَةِ. الثَّانِي: لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَزَوُّجُ أُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتَهَا وَيَحِلُّ أَرْبَعٌ سِوَاهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا تَحِلُّ الْأُخْتُ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى تَزَوُّجِ الْأَرْبَعِ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لَمْ تَمْنَعْ فَكَيْفَ بِالْعِدَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ أَثَرُهُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بِضَعْفِ الْفِرَاشِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَقُوَّتِهِ بَعْدَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَزَوُّجِهَا قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ، فَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ مُسْتَلْحِقًا نَسَبَ وَلَدَيْ أُخْتَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْأَرْبَعِ سِوَاهَا، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ فُرُشِ الْخَمْسِ وَلَا بَأْسَ بِهِ. الثَّالِثُ: لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ تَزَوُّجُ أُخْتِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَمَا إذَا مَاتَتْ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِ لِلتَّبَايُنِ، فَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً فَإِمَّا بَعْدَ تَزَوُّجِ الْأُخْتِ أَوْ قَبْلَهُ؛ فَفِي الْأَوَّلِ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأُخْتِ لِعَدَمِ عَوْدِ الْعِدَّةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعُودُ الْعِدَّةُ، وَفِي إبْطَالِ نِكَاحِ أُخْتِهَا عَنْهُ رِوَايَتَانِ، وَفِي الثَّانِي كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَعْدَ سُقُوطِهَا لَا تَعُودُ بِلَا سَبَبٍ جَدِيدٍ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ تَزَوُّجُ الْأُخْتِ وَعَوْدُهَا مُسْلِمَةً يَصِيرُ شَرْعًا لِحَاقُهَا كَالْغَيْبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعَادُ إلَيْهَا مَالُهَا فَتَعُودُ مُعْتَدَّةً. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ) وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا (وَلَا الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ سِوَى سَهْمٍ وَاحِدٍ مِنْهُ. وَقَدْ حُكِيَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَحُكِيَ غَيْرَهُ فِيهِ خِلَافَ الظَّاهِرِيَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا شَرَعَ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحِينَ) أَيْ فِي الْمِلْكِ مِنْهَا مَا تَخْتَصُّ هِيَ بِمِلْكِهِ كَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْقَسْمِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْعَزْلِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَمِنْهَا مَا يَخْتَصُّ هُوَ بِمِلْكِهِ كَوُجُوبِ التَّمْكِينِ وَالْقَرَارِ فِي الْمَنْزِلِ وَالتَّحَصُّنِ

وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّرِكَةِ. (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أَيْ الْعَفَائِفُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ الْمِلْكُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا كَالِاسْتِمْتَاعِ مُجَامَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَالْوَلَدِ فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ (وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ) فَقَدْ نَافَتْ لَازِمُ عَقْدِ النِّكَاحِ وَمُنَافِي اللَّازِمِ مُنَافٍ لِلْمَلْزُومِ. وَلَا وَجْهَ إذَا تَأَمَّلَتْ بَعْدَ هَذَا التَّقْرِيرِ لِلسُّؤَالِ الْقَائِلِ يَجُوزُ كَوْنُهَا مَمْلُوكَةً مِنْ وَجْهِ الرِّقِّ مَالِكَةً مِنْ جِهَةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ لَازِمَ النِّكَاحِ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ عَلَى الْخُلُوصِ وَالرِّقُّ يَمْنَعُهُ مِنْ غَيْرِ النَّفَقَةِ فَنَافَاهُ. وَلَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ، كَمَا لَوْ دَايَنَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ سَقَطَ الدَّيْنُ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ) وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ. وَتُكْرَهُ الْكِتَابِيَّةُ الْحَرْبِيَّةُ إجْمَاعًا لِانْفِتَاحِ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِ الْفِتْنَةِ مِنْ إمْكَانِ التَّعَلُّقِ الْمُسْتَدْعِي لِلْمُقَامِ مَعَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَتَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَعَلَى الرِّقِّ بِأَنْ تُسْبَى وَهِيَ حُبْلَى فَيُولَدُ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا. وَالْكِتَابِيُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِنَبِيٍّ وَيُقِرُّ بِكِتَابٍ. وَالسَّامِرِيَّةُ مِنْ الْيَهُودِ. أَمَّا مَنْ آمَنَ بِزَبُورِ دَاوُد وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَنَا. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: قَالُوا هَذَا يَعْنِي الْحِلَّ إذَا لَمْ يَعْتَقِدُوا الْمَسِيحَ إلَهًا، أَمَّا إذَا اعْتَقَدُوهُ فَلَا. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ. وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ. وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي رَضَاعِ مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الذَّبِيحَةِ قَالَ: ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءً قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا وَمُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ هُنَا. وَالدَّلِيلُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَسَّرَهُ بِالْعَفَائِفِ احْتِرَازًا عَنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ بِالْمُسْلِمَاتِ، وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ تَزَوُّجِ الْكِتَابِيَّةِ مُطْلَقًا لِانْدِرَاجِهَا فِي الْمُشْرِكَةِ، قَالَ تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] إلَى أَنْ قَالَ {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] قُلْنَا: وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ طَائِفَتَانِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى انْقَرَضُوا لَا كُلُّهُمْ، وَيَهُودُ دِيَارِنَا يُصَرِّحُونَ بِالتَّنْزِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَالتَّوْحِيدِ. وَأَمَّا النَّصَارَى فَلَمْ أَرَ إلَّا مَنْ يُصَرِّحُ بِالِابْنِيَّةِ قَبَّحَهُمْ اللَّهُ، لَكِنَّ هَذَا يُوجِبُ نُصْرَةُ الْمَذْهَبِ الْمُفَصِّلِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَمَّا مَنْ أَطْلَقَ حِلَّهُمْ فَيَقُولُ مُطْلَقُ لَفْظِ الْمُشْرِكِ إذَا ذُكِرَ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ صَحَّ لُغَةً فِي طَائِفَةٍ بَلْ وَطَوَائِفَ، وَأَطْلَقَ لَفْظُ الْفِعْلِ: أَعْنِي يُشْرِكُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ، كَمَا أَنَّ مَنْ رَاءَى بِعَمَلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَعْمَلْ إلَّا لِأَجَلٍ زِيدَ يَصِحُّ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ مُشْرِكٌ لُغَةً، وَلَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّارِعِ لَفْظَ الْمُشْرِكِ إرَادَتُهُ لِمَا عَهِدَ مِنْ إرَادَتِهِ بِهِ مَنْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَا يَدَّعِي اتِّبَاعَ نَبِيٍّ وَلَا كِتَابٍ، وَلِذَلِكَ عَطَفَهُمْ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة: 1] وَنَصَّصَ عَلَى حِلِّهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] أَيْ الْعَفَائِفُ مِنْهُنَّ. وَتَفْسِيرُ الْمُحْصَنَاتِ بِالْمُسْلِمَاتِ يُفِيدُ أَنَّ الْمَعْنَى، أُحِلَّ لَكُمْ الْمُسْلِمَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، فَإِنْ كُنَّ قَدْ انْقَرَضْنَ فَلَا فَائِدَةَ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْخِطَابُ بِحَلِّ الْأَمْوَاتِ لِلْمُخَاطَبِينَ الْأَحْيَاءِ، وَإِنْ كُنَّ أَحْيَاءً وَدَخَلْنَ فِي دِينِ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْحِلُّ حِينَئِذٍ مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ الْمُسْلِمَاتِ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ، بَلْ وَيَدْخُلُ فِي الْمُحْصَنَاتِ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [المائدة: 5] ثُمَّ يَصِيرُ الْمَعْنَى فِيهِ وَالْمُسْلِمَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَهُوَ بَعِيدٌ فِي عُرْفِ اسْتِعْمَالِهِمْ بِخِلَافِ تَفْسِيرِهِ بِالْعَفَائِفِ. ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِهِ حَثَّ الْإِنْسَانِ عَلَى التَّخَيُّرِ لِنُطْفَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِفَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْمُؤْمِنَاتِ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْنَ فَهُوَ عَيْنُ الدَّلِيلِ حَيْثُ أُبِيحَ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ الْبَاقِيَاتِ عَلَى مِلَّتِهِنَّ، وَلَوْ سَلَّمَ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، أَعْنِي {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] نُسِخَتْ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُثَلِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَبَقِيَ مَنْ سِوَاهُمْ تَحْتَ الْمَنْعِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ كُلَّهَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ قَطُّ، عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُحْصَنَاتِ

وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَجُوسِيَّاتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمُسْلِمَاتِ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ بَلْ هُوَ تَفْسِيرُ إرَادَةٍ لَا لُغَةٍ. وَيَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ تَزَوُّجُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ وَخِطْبَةُ بَعْضِهِمْ، فَمِنْ الْمُتَزَوِّجِينَ حُذَيْفَةُ وَطَلْحَةُ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالُوا نُطَلِّقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ غَضَبُهُ لِخُلْطَةِ الْكَافِرَةِ بِالْمُؤْمِنِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ فِي صِغَرِهِ أَلْزَمُ لِأُمِّهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ تَصِيرُ تَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يُقَبِّلُ وَيُضَاجِعُ لَا لِعَدَمِ الْحِلِّ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ نُطَلِّقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يُتَصَوَّرْ طَلَاقٌ حَقِيقَةً وَلَا وَقْفٌ إلَى زَمَنِهِ. وَخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ هِنْدًا بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ تَنَصَّرَتْ وَدَيْرُهَا بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ وَكَانَتْ قَدْ عَمِيَتْ فَأَبَتْ وَقَالَتْ: أَيُّ رَغْبَةٍ لِشَيْخٍ أَعْوَرَ فِي عَجُوزٍ عَمْيَاءَ؟ وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ تَفْتَخِرَ بِنِكَاحِي فَتَقُولُ تَزَوَّجْت بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فَقَالَ: صَدَقْت، وَأَنْشَأَ يَقُولُ: أَدْرَكَتْ مَا مَنَّيْت نَفْسِي خَالِيًا ... لِلَّهِ دَرُّك يَا ابْنَةَ النُّعْمَانِ فَلَقَدْ رَدَدْت عَلَى الْمُغِيرَةِ ذِهْنَهُ ... إنَّ الْمُلُوكَ ذَكِيَّةُ الْأَذْهَانِ وَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ فَيُكْرِمُهَا وَيَسْأَلُهَا عَنْ حَالِهَا، فَقَالَتْ فِي أَبْيَاتٍ: فَبَيْنَمَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا ... إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ فَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا ... تُقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتُصَرِّفُ قَوْلُهَا نَتَنَصَّفُ: أَيْ نُسْتَخْدَمُ، وَالْمُنَصَّفُ الْخَادِمُ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَلَا جُرْمَ أَنْ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى تَفْسِيرِ الْمُحْصَنَاتِ بِالْعَفَائِفِ، ثُمَّ لَيْسَتْ الْعِفَّةُ شَرْطًا بَلْ هُوَ لِلْعَادَةِ أَوْ لِنَدْبٍ أَنْ لَا يَتَزَوَّجُوا غَيْرَهُنَّ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا. وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَجُوسِيَّاتِ) عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ، وَنُقِلَ الْجَوَازُ عَنْ دَاوُد وَأَبِي ثَوْرٍ، وَنَقَلَهُ إِسْحَاقُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَاقَعَ مَلِكُهُمْ أُخْتَهُ وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ فَأُسْرِيَ بِكِتَابِهِمْ فَنَسُوهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ بِشَيْءٍ، لِأَنَّا نَعْنِي بِالْمَجُوسِ عَبَدَةَ النَّارِ، فَكَوْنُهُمْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ أَوَّلًا لَا أَثَرَ لَهُ. فَإِنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُمْ الْآنَ دَاخِلُونَ فِي الْمُشْرِكِينَ وَبِهَذَا يُسْتَغْنَى عَنْ مَنْعِ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] مِنْ غَيْرِ تَعْقِيبٍ بِإِنْكَارٍ، وَعَدَّهُمْ الْمَجُوسَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ ثَلَاثُ طَوَائِفَ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَبِالرَّفْعِ وَالنِّسْيَانِ أُخْرِجُوا عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِهِمْ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» . قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ مُرْسَلٌ، وَمَعَ إرْسَالِهِ فِيهِ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقٍ لَيْسَ فِيهَا قَيْسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ» الْحَدِيثُ، إلَى أَنْ قَالَ «بِأَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ وَلَا

وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» قَالَ (وَلَا الْوَثَنِيَّاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] . ـــــــــــــــــــــــــــــQتُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ» . وَفِي سَنَدِهِ الْوَاقِدِيُّ. وَرَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» اهـ. وَسَيَأْتِي بَاقِي مَا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَا الْوَثَنِيَّاتِ) وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ، وَيَدْخُلُ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ عَبَدَةُ الشَّمْسِ وَالنُّجُومِ وَالصُّوَرِ الَّتِي اسْتَحْسَنُوهَا وَالْمُعَطِّلَةُ وَالزَّنَادِقَةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ وَالْإِبَاحِيَّةُ. وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: وَكُلُّ مَذْهَبٍ يَكْفُرُ بِهِ مُعْتَقِدُهُ لِأَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ يَتَنَاوَلُهُمْ جَمِيعًا. وَقَالَ الرُّسْتُغْفَنِيُّ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ وَالْفَضْلِيُّ وَلَا مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ، وَمُقْتَضَاهُ مَنْعُ مُنَاكَحَةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَكَذَا، قِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ يَتَزَوَّجُ بِنْتَهمْ وَلَا يُزَوِّجُهُمْ بِنْتَه. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّمَا يُرِيدُ إيمَانَ الْمُوَافَاةِ صَرَّحُوا بِهِ: يَعْنُونَ الَّذِي يَقْبِضُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ بِفِعْلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ اسْتِصْحَابِهِ إلَيْهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطًا لَا كَمَا يُقَالُ إنَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّبَرُّكِ، وَكَيْفَ كَانَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ كُفْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَنَا خِلَافُ الْأُولَى، لِأَنَّ تَعْوِيدَ النَّفْسِ بِالْجَزْمِ فِي مِثْلِهِ لِيَصِيرَ مَلَكَةً خَيْرٌ مِنْ إدْخَالِ أَدَاةِ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ مُؤْمِنًا عِنْدَ الْمُوَافَاةِ أَوْ لَا. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِمْ لِأَنَّ الْحَقَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ وَقَعَ إلْزَامًا فِي الْمَبَاحِثِ، بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَ الْقَوَاطِعَ الْمَعْلُومَةَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ مِثْلُ الْقَائِلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَأَقُولُ: وَكَذَا الْقَوْلُ بِالْإِيجَابِ بِالذَّاتِ وَنَفْيِ الِاخْتِيَارِ

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّابِئَاتِ إنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينِ نَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ لَمْ تَجُزْ مُنَاكَحَتُهُمْ) لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَكُلٌّ أَجَابَ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا حِلُّ ذَبِيحَتِهِمْ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ، وَتَزْوِيجُ الْوَلِيِّ الْمُحْرِمِ وَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَرْعٌ] تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ بِمَعْنَى تَزَوَّجَ الْيَهُودِيُّ نَصْرَانِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً وَالْمَجُوسِيُّ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَيْثُ الْكُفْرِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ، فَتَجُوزُ مُنَاكَحَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا كَأَهْلِ الْمَذَاهِبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَجَازَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَطْءَ الْمُشْرِكَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِوُرُودِ الْإِطْلَاقِ فِي سَبَايَا الْعَرَبِ كَأَوْطَاسٍ وَغَيْرِهَا وَهُنَّ مُشْرِكَاتٌ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْعُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ الْوَطْءُ أَوْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرِكٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوْ خَاصٌّ فِي الضَّمِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَمْرَيْنِ، وَيُمْكِنُ كَوْنُ سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَسْلَمْنَ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّابِئَاتِ إنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينِ نَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ) وَإِنْ عَظَّمُوا الْكَوَاكِبَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ، بِهَذَا فَسَّرَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَبَنَى عَلَيْهِ الْحِلَّ، وَفَسَّرَاهُمْ بِعَبَدَةِ الْكَوَاكِبِ فَبَنَيَا عَلَيْهِ الْحُرْمَةَ، وَقِيلَ فِيهِمْ الطَّائِفَتَانِ، وَقِيلَ فِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَوْ اُتُّفِقَ عَلَى تَفْسِيرِهِمْ اُتُّفِقَ عَلَى الْحُكْمِ فِيهِمْ (قَوْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَا حَالَةَ الْإِحْرَامِ) وَفِيهِ خِلَافُ الثَّلَاثَةِ (وَتَزْوِيجُ الْوَلِيِّ الْمُحْرِمِ مَوْلَاتَهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ بِمَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعَتْ أَبِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» زَادَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ وَلَا يَخْطُبُ وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ " وَلَا يُخْطَبُ عَلَيْهِ " وَمُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ الْمُرِّيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ. وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي: «وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ» وَلَهُ أَيْضًا عَنْهُ وَلَمْ يَصِلْ سَنَدُهُ بِهِ قَالَ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ» وَمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ «أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» لَمْ يَقْوَ قُوَّةَ هَذَا فَإِنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السِّتَّةُ. وَحَدِيثُ يَزِيدَ لَمْ يُخْرِجُهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا النَّسَائِيّ، وَأَيْضًا لَا يُقَاوَمُ بِابْنِ عَبَّاسٍ حِفْظًا وَإِتْقَانًا، وَلِذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يُدْرِي ابْنَ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ قَالَهُ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا» لَمْ يُخَرَّجْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَإِنْ رُوِيَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ فَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الصِّحَّةِ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ سِوَى حَدِيثٍ حَسَنٍ. قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مَطَرٍ. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ» فَمُنْكَرٌ عَنْهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ بَعْدَمَا اُشْتُهِرَ إلَى أَنْ كَانَ أَنْ يَبْلُغَ الْيَقِينَ عَنْهُ فِي خِلَافِهِ. وَلِذَا بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ ذَلِكَ عَارَضَهُ بِأَنْ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ طَرِيقًا «أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَفِي لَفْظٍ «وَهُمَا مُحْرِمَانِ» وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَمَا أُوِّلَ بِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ أَنْجَدَ إذَا دَخَلَ أَرْضَ نَجْدٍ، وَأَحْرَمَ إذَا دَخَلَ أَرْضَ الْحَرَمِ بَعِيدٌ. وَمِمَّا يُبْعِدُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ» وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَامَ رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثَيْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْوَى مِنْهُمَا سَنَدًا، فَإِنْ رَجَّحْنَا بِاعْتِبَارِهِ كَانَ التَّرْجِيحُ مَعَنَا، وَيَعْضُدُهُ مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ نِسَائِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ» قَالَ: وَنَقْلَةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّمَا أَرَادَتْ نِكَاحَ مَيْمُونَةَ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُسَمِّهَا، وَبِقُوَّةِ ضَبْطِ الرُّوَاةِ وَفِقْهِهِمْ فَإِنَّ الرُّوَاةَ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ لَيْسُوا كَمَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِقْهًا وَضَبْطًا كَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِنْ تَرَكْنَاهَا تَتَسَاقَطُ لِلتَّعَارُضِ وَصِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ فَهُوَ مَعَنَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يُتَلَفَّظُ بِهَا مِنْ شِرَاءِ الْأُمَّةِ لِلتَّسَرِّي وَغَيْرِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ شَيْءٌ مِنْ الْعُقُودِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، وَلَوْ حَرُمَ لَكَانَ غَايَتُهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ نَفْسِ الْوَطْءِ وَأَثَرُهُ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ لَا فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ نَفْسِهِ. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَبَطَلَ عَقْدُ الْمَنْكُوحَةِ سَابِقًا لِطُرُوِّ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ لِلْعَقْدِ يَسْتَوِي فِي الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ كَالطَّارِئِ عَلَى الْعَقْدِ، وَإِنْ رَجَّحْنَا مِنْ حَيْثُ الْمَتْن كَانَ مَعَنَا لِأَنَّ رِوَايَةَ

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْإِمَاءِ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْجُزْءِ عَلَى الرِّقِّ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نَافِيَةٌ وَرِوَايَةَ يَزِيدَ مُثْبِتَةٌ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُثْبِتَ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُ أَمْرًا عَارِضًا عَلَى الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْحِلُّ الطَّارِئُ عَلَى الْإِحْرَامِ كَذَلِكَ، وَالنَّافِي هُوَ الْمُبْقِيهَا لِأَنَّهُ يَنْفِي طُرُوُّ طَارِئٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِلِّ الطَّارِئِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ لَهُ كَيْفِيَّاتٌ خَاصَّةٌ مِنْ التَّجَرُّدِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فَكَانَ نَفْيًا مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ فَيُعَارِضُ الْإِثْبَاتَ فَيُرَجِّحُ بِخَارِجٍ وَهُوَ زِيَادَةُ قُوَّةِ السَّنَدِ وَفِقْهُ الرَّاوِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِلِّ اللَّاحِقِ، وَأَمَّا عَلَى إرَادَةِ الْحِلِّ السَّابِقِ عَلَى الْإِحْرَامِ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» كَذَا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِلْمُسْتَغْفِرِي؛ فَابْنُ عَبَّاسٍ مُثْبِتٌ وَيَزِيدُ نَافٍ، فَيُرَجَّحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِذَاتِ الْمَتْنِ لِتَرَجُّحِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي، وَلَوْ عَارَضَهُ بِأَنْ كَانَ نَفْيُ يَزِيدَ مِمَّا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ لِأَنَّ حَالَةَ الْحِلِّ تُعْرَفُ أَيْضًا بِالدَّلِيلِ وَهِيَ هَيْئَةُ الْحَلَالِ فَالتَّرْجِيحُ بِمَا قُلْنَا مِنْ قُوَّةِ السَّنَدِ وَفِقْهِ الرَّاوِي لَا بِذَاتِ الْمَتْنِ. وَإِنْ وُفِّقْنَا لِدَفْعِ التَّعَارُضِ فَيُحْمَلُ لَفْظُ التَّزَوُّجِ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْأَصَمِّ عَلَى الْبِنَاءِ بِهَا مَجَازًا بِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ الْعَادِيَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ» إمَّا عَلَى نَهْيِ التَّحْرِيمِ وَالنِّكَاحِ لِلْوَطْءِ. وَالْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّذْكِيرِ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ: أَيْ لَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ الْوَطْءِ زَوْجَهَا. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُضَعِّفُ هَذَا الْوَجْهَ بِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ لَا يُسَمَّى نِكَاحًا مَعَ أَنَّ اللَّازِمَ الْإِنْكَاحُ لَا النِّكَاحُ. وَأَمَّا اسْتِبْعَادُهُ بِاخْتِلَالِهِ عَرَبِيَّةً فَلَيْسَ بِوَاقِعٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ دُخُولُ لَا النَّاهِيَةِ عَلَى الْمُسْنَدِ لِلْغَائِبِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ، وَعَلَى النَّفْيِ فِيهِ التَّذْكِيرُ وَفِيهِ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ، أَوْ عَلَى نَهْيِ الْكَرَاهِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ فِي شَغْلٍ عَنْ مُبَاشَرَةِ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ شَغْلُ قَلْبِهِ عَنْ الْإِحْسَانِ فِي الْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ خِطْبَةِ وَمُرَاوَدَاتٍ وَدَعْوَةٍ وَاجْتِمَاعَاتٍ وَيَتَضَمَّنُ تَنْبِيهَ النَّفْسِ لِطَلَبِ الْجِمَاعِ وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِهِ " وَلَا يَخْطُبُ " وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ الْمَكْرُوهَ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَنُوطَ بِهِ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنَزَّهٌ عَنْهُ. وَلَا بُعْدَ فِي اخْتِلَافِ حُكْمٍ فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فِينَا وَفِيهِ، كَالْوِصَالِ نَهَانَا عَنْهُ وَفَعَلَهُ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً إلَخْ) قَيْدُ الْحُرِّ غَيْرُ مُفِيد لِأَنَّ

بِالْمُسْلِمَةِ وَلِهَذَا جَعَلَ طَوْلَ الْحُرَّةِ مَانِعًا مِنْهُ. وَعِنْدَنَا الْجَوَازُ مُطْلَقٌ لِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضِي، وَفِيهِ امْتِنَاعٌ عَنْ تَحْصِيلِ الْجُزْءِ الْحُرِّ لَا إرْقَاقُهُ وَلَهُ أَنْ لَا يُحَصِّلَ الْأَصْلَ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ لَا يُحَصِّلَ الْوَصْفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيَّ لَا يُجِيزُ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ فَكَانَ الصَّوَابُ إبْدَالُهُ بِالْمُسْلِمِ. وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِهِ، وَعَنْهُمَا كَقَوْلِنَا. لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] الْآيَةَ اُسْتُفِيدَ مِنْهَا عِدَّةُ أَحْكَامٍ: عَدَمُ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ طَوْلِ الْحُرَّةِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَعَدَمُ جَوَازِ النِّكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا حِينَ لَا ضَرُورَةَ مِنْ خَشْيَةِ الْعَنَتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] فَاسْتَنْبَطْنَا مِنْ قَصْرِ الْحِلِّ عَلَى الضَّرُورَةِ مَعْنًى مُنَاسِبًا وَهُوَ مَا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ مِنْ تَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى الرِّقِّ الَّذِي هُوَ مَوْتٌ حُكْمًا. وَعَدَمُ جَوَازِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ مُطْلَقًا بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ فِي قَوْلِهِ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَأَيْضًا إذَا لَمْ تَجُزْ الْأَمَةُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ فَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْمُسْلِمَةِ. وَعِنْدَنَا الْجَوَازُ مُطْلَقٌ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَعِنْدَ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَعَدَمِهِ لِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضَى مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِمَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ، وَلَمْ يَنْتَهِضْ مَا ذَكَرُوا حُجَّةً مُخْرِجَةً. أَمَّا أَوَّلًا فَالْمَفْهُومَانِ: أَعْنِي مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ لَيْسَا بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَبِتَقْدِيرِ الْحُجِّيَّةِ مُقْتَضَى الْمَفْهُومَيْنِ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْقَيْدِ الْمُبِيحِ. وَعَدَمُ الْإِبَاحَةِ أَعَمُّ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى أَخَصَّ بِخُصُوصِهِ فَيَجُوزُ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ وَعِنْدَ وُجُودِ طُولِ الْحُرَّةِ، كَمَا يَجُوزُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ عَلَى السَّوَاءِ وَالْكَرَاهَةِ أَقَلُّ فَتَعَيَّنَتْ فَقُلْنَا بِهَا، وَبِالْكَرَاهَةِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا تَعْلِيلُ عَدَمِ الْحِلِّ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ بِتَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى الرِّقِّ لِتَثْبُتَ الْحُرْمَةُ بِالْقِيَاسِ عَلَى أُصُولٍ شَتَّى أَوْ لِتَعْيِينِ أَحَدِ فَرْدَيْ الْأَعَمِّ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ مُرَادًا بِالْأَعَمِّ، فَإِنْ عَنَوْا أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ مَوْصُوفٍ بِالْحُرِّيَّةِ عَلَى الرِّقِّ سَلَّمْنَا اسْتِلْزَامَهُ لِلْحُرْمَةِ، وَلَكِنَّ وُجُودَ الْوَصْفِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَيْسَ هُنَا مُتَّصِفٌ بَحْرِيَّة عُرِّضَ لِلرِّقِّ بَلْ الْوَصْفَانِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ يُقَارِنَانِ وُجُودَ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ أُمِّهِ، إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَحُرٌّ أَوْ رَقِيقَةً فَرَقِيقٌ، وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ تَعْرِيضَ الْوَلَدِ الَّذِي سَيُوجَدُ لَأَنْ يُقَارِنَهُ الرِّقُّ فِي الْوُجُودِ لَا إرْقَاقُهُ سَلَّمْنَا وُجُودَهُ وَمَنَعْنَا تَأْثِيرَهُ فِي الْحُرْمَةِ بَلْ فِي الْكَرَاهَةِ. وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْوَلَدُ أَصْلًا بِنِكَاحِ الْآيِسَةِ وَنَحْوِهَا، فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يُحَصِّلَهُ رَقِيقًا بَعْدَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْلَى، إذْ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ مِنْ التَّنَاسُلِ إنَّمَا هُوَ تَكْثِيرُ الْمُقِرِّينَ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ وَمَا يَجِبُ أَنْ يُعْتَرَفَ لَهُ بِهِ، وَهَذَا ثَابِتٌ بِالْوَلَدِ الْمُسْلِمِ، وَالْحُرِّيَّةُ مَعَ ذَلِكَ كَمَالٌ يَرْجِعُ أَكْثَرُهُ إلَى أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، وَقَدْ جَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْوَلَدِ عَلَى الرِّقِّ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَكَوْنُ الْعَبْدِ أَبًا لَا أَثَرَ لَهُ فِي ثُبُوتِ رِقِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهُ حُرًّا، وَالْمَانِعُ إنَّمَا يَعْقِلُ كَوْنُهُ ذَاتَ الرِّقِّ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ

(وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلنَّقْصِ الَّذِي جَعَلُوهُ مُحَرَّمًا لَا مَعَ قَيْدِ حُرِّيَّةِ الْأَبِ فَوَجَبَ اسْتِوَاءُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ، لَوْ صَحَّ ذَلِكَ التَّعْلِيلُ: أَعْنِي تَعْلِيلَ الْحُرْمَةِ بِالتَّعْرِيضِ لِلرِّقِّ ثُمَّ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ طُولِ الْحُرَّةِ شَرْطٌ أَنْ لَا تَكُونَ جَارِيَةَ ابْنِهِ: أَيْ مِلْكَ الِابْنِ، قَالَ فِي خُلَاصَتِهِمْ: لَوْ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ فَنَزَلَ مِلْكُ وَلَدِهِ مَنْزِلَةَ مِلْكِهِ، وَعِنْدَنَا لَا مِلْكَ لِلْأَبِ مِنْ وَجْهٍ أَصْلًا وَإِلَّا لَحَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ» الْحَدِيثُ، إلَى أَنْ قَالَ «وَتُتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تُتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ. قَالَ: وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» . قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ الْحَسَنُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مُرْسَلًا، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: " لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ ". وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ " عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ " وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: " تُتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تُتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ ". وَعَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ. فَهَذِهِ آثَارٌ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تُقَوِّي الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ لَوْ لَمْ يَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ، ثُمَّ اُعْتُضِدَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ طُرُقُ إضَافَتِهِمْ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ أَضَافُوهُ إلَى مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ طَوْلِ الْحُرَّةِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ) يَعْنِي حُجَّةً جَبْرًا لِأَنَّا أَقَمْنَا الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِهِ بَلْ وُجُوبُ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ بَعْدَ ثِقَةِ رِجَالِهِ، وَلِأَنَّهُ يَرَى حُجِّيَّتَهُ إذَا اقْتَرَنَ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا يَرَى حُجِّيَّتَهُ إذَا أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُنَا كَذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ: يَعْنِي تَعَدُّدَ الْمَخْرَجِ نَظَرَ إلَى بَعْضِ مَا يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا لَهُ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُوَافِقُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ هَذِهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ

وَعَلَى مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ بِرِضَا الْحُرَّةِ، وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ عَلَى مَا نُقَرِّرُهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَثْبُتُ بِهِ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ دُونَ حَالَةِ الِانْضِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُرْسِلْ إلَّا عَنْ أَصْلٍ يَصِحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وُجِدَ عَوَامُّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُفْتُونَ بِمِثْلِ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَبِهِ يَخُصُّ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] إذْ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَا. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ إخْرَاجَ الْمُشْرِكَاتِ وَالْمَجُوسِيَّاتِ بِطَرِيقِ النَّسْخِ عَلَى مَا قَالُوا وَالْمَجُوسِيَّاتُ مُشْرِكَاتٌ وَالنَّاسِخُ لَا يَصِيرُ الْعَامُّ بِهِ ظَنِّيًّا فَلَا يَخُصُّ بَعْدَهُ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ أَوْ قِيَاسٍ. وَمَا قِيلَ إنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] لَمْ يَتَنَاوَلْ الْجَمْعَ لِيَتَحَقَّقَ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا قُدِّمَ ذِكْرُهُ مَعَ الْمُحَرَّمَاتِ ثُمَّ قَالَ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] أَيْ مَا وَرَاءَ الْمَذْكُورَاتِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ فَيَشْمَلُ الْعَبْدَ فَإِخْرَاجُهُ يَسْتَدْعِي ثَبْتًا وَلَمْ يُثْبِتْ إذْ إضَافَةُ إخْرَاجِهِ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ الَّتِي ادَّعَوْا أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ لِحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ طَوْلِ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ الْعَبْدِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَجْهٌ لَمَّا عُلِمَتْ أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهَا يَجِبُ اسْتِوَاءُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِيهَا، لِأَنَّ الْمَعْقُولَ تَأْثِيرُ ذَاتِ الرِّقِّ فِي الْمَنْعِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ وَوُجُودِ الطَّوْلِ (قَوْلُهُ وَعَلَى مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ بِرِضَا الْحُرَّةِ) مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ إذَا صَحَّ طَرِيقُهُ إلَى التَّابِعِيِّ، لَكِنَّهُ عَلَّلَهُ بِإِغَاظَةِ الْحُرَّةِ بِإِدْخَالِ نَاقِصَةِ الْحَالِ عَلَيْهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ انْتَفَى مَا لِأَجْلِهِ الْمَنْعُ فَيَجُوزُ وَهَذَا اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى يُخَصَّصُ النَّصَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا وَلَا مُومًى إلَيْهِ كَانَ تَقْدِيمًا لِلْقِيَاسِ عَلَى لَفْظِ النَّصِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا بَلْ الْعِبْرَةُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَاهُ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ جَوَازِ ذَلِكَ فَتَعْلِيلُهُ بِمَا ظَهَرَ أَثَرُهُ وَهُوَ تَنْصِيفُ النِّعْمَةِ بِالرِّقِّ الَّذِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْقَسْمُ أَوْلَى، فَيَكُونُ الْمَنْعُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيلِ بِهِ لِلتَّنْصِيفِ فِي أَحْوَالِ نِكَاحِ الْأَمَةِ. بَيَانُهُ أَنَّ الْحِلَّ الثَّابِتَ فِي النِّكَاحِ نِعْمَةٌ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ النِّكَاحِ لَمَا لَمْ يُمْكِنْ تَنْصِيفُ نَفْسِ الْحِلِّ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بَلْ نِصْفُ الْحِلِّ أَيْضًا وَهُوَ تَنْصِيفُ الْقَسْمِ إذْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِي غَيْرِ لَيْلَتِهَا لَأَمْكَنَ، فَيَظْهَرُ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْحَدِيثِ لِإِرَادَةِ تَنْصِيفِ الْأَحْوَالِ جَرْيًا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ مَنُوطًا بِالرِّقِّ، وَذَلِكَ أَنَّ لِنِكَاحِهَا حَالَتَيْ انْضِمَامٍ إلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ وَانْفِرَادٍ عَنْهُ، فَالتَّنْصِيفُ إذَا كَانَ إمْكَانُ الْحَالَتَيْنِ قَائِمًا بِتَصْحِيحِ نِكَاحِهَا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ، وَتَصْحِيحُ نِكَاحِ الْحُرَّةِ فِي الْحَالَتَيْنِ حَالَةُ الِانْفِرَادِ

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» وَلِأَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ إذْ لَا مُنَصِّفَ فِي حَقِّهَا. (فَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يُدْخِلَ غَيْرَهَا فِي قَسْمِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِانْضِمَامِ إلَى أَمَةٍ سَابِقَةٍ ثُمَّ عَيَّنَ الشَّرْعُ لِلْمَنْعِ حَالَةَ الِانْضِمَامِ إلَى الْحُرَّةِ لِمَا فِي اعْتِبَارِ نَقْصِهَا عَنْ الْحُرَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ. وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ لِزِيَادَةِ غَيْظِ الْحُرَّةِ زِيَادَةً مُعْتَبَرَةً دَخَلَا أَيْضًا، أَمَّا أَصْلُ غَيْظِهَا فَلَا أَثَرَ لَهُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ أَيْضًا عَلَى الْأَمَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مِنْ الْأَصْلِ مَا يُورِدُ مِنْ أَنَّ الِانْضِمَامَ يُصَدَّقُ عَلَى مَا إذَا أَدْخَلَ الْحُرَّةَ أَيْضًا عَلَى الْأَمَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُفْسِدَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الِانْضِمَامَ يَقُومُ بِالْمُتَأَخِّرِ لِأَنَّهُ الْمُنْضَمُّ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَقَدِّمِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَنْعَ إدْخَالِ الْأَمَةِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَتَعْلِيلُ الْكَرْخِيِّ أَنَّ بِنِكَاحِ الْحُرَّةِ يَثْبُتُ لِنَسْلِهِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ طُولِ الْحُرَّةِ قَبْلَ نِكَاحِهَا فَلَا يَثْبُتُ لِلنَّسْلِ ذَلِكَ. هَذَا وَأَمَّا حَالَةُ الْمُقَارَنَةِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عُقْدَةٍ فَيَجْتَمِعُ فِي الْأَمَةِ مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ فَتَحْرُمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيلَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ لِلْقِيَاسِ، وَيُسْتَدْعَى أَصْلًا يَلْحَقُ بِهِ مَنْصُوصًا أَوْ مَجْمَعًا عَلَيْهِ فَيُمْكِنُ جَعْلُهُ هُنَا تَنْصِيفَ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ إلَخْ) وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ قُيِّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ فِي عِدَّةِ الرُّجْعَى لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَيْسَ الْجَمْعُ لِيَمْتَنِعَ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ كَالْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَإِلَّا حَرُمَ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا بَلْ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ. لَا يُقَالُ: تَزَوَّجَ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَ وَهِيَ مُبَانَةٌ مُعْتَدَّةٌ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَتَزَوَّجَ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ بَائِنٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا جَازَ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَبِاعْتِبَارِهَا يُعَدُّ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ بِالتَّزَوُّجِ فِيهَا مُتَزَوِّجًا عَلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ حَرَامًا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْحُرُمَاتِ كَالْحَقِيقَةِ احْتِيَاطًا. وَأَمَّا جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَقِيلَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَالْمَنْعُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِقِيَامِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِيَبْقَى بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ فِيهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَلِفِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا هُوَ أَنْ لَا يُدْخِلَ عَلَيْهَا شَرِيكَةً فِي الْقَسْمِ، وَلِأَنَّ الْعُرْفَ

(وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ لَا يُسَمَّى مُتَزَوِّجًا عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِبَانَة إلَّا إذَا كَانَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ حَالُ قِيَامِ الْعِصْمَةِ. (قَوْلُهُ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ) أَيْ جَمْعًا وَتَفْرِيقًا، إلَّا أَنَّ فِي الْجَمْعِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَخَّرَ الْحَرَائِرَ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ. وَفِي الْفَتَاوَى: رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ، أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ آخَرُ يَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ. وَقَالُوا: إذَا تَرَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ كَيْ لَا يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا. وَأَجَازَ الرَّوَافِضُ تِسْعًا مِنْ الْحَرَائِرِ. وَنُقِلَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَجَازَ الْخَوَارِجُ ثَمَانِي عَشْرَةَ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ إبَاحَةُ أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ بِلَا حَصْرٍ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بَيَّنَ الْعَدَدَ الْمُحَلَّلَ بِمَثْنًى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ وَالْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعٌ. وَجْهُ الثَّانِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ مَثْنًى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ مَعْدُولٌ عَنْ عَدَدٍ مُكَرَّرٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَيَصِيرُ الْحَاصِلُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ. وَكَأَنَّ وَجْهَ الثَّالِثِ الْعُمُومَاتُ مِنْ نَحْوِ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَلَفْظُ مَثْنًى إلَى آخِرِهِ تَعْدَادٌ عُرْفِيٌّ لَهُ لَا قَيْدٌ، كَمَا يُقَالُ خُذْ مِنْ الْبَحْرِ مَا شِئْت قِرْبَةً وَقِرْبَتَيْنِ وَثَلَاثًا. وَيَخُصُّ الْأَوَّلِينَ تَزَوُّجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ أَنَّ آيَةَ الْإِحْلَالِ هَاهُنَا وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] لَمْ تُسَقْ إلَّا لِبَيَانِ الْعَدَدِ الْمُحَلَّلِ لَا لِبَيَانِ نَفْسِ الْحِلِّ، لِأَنَّهُ عُرِفَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَ نُزُولِهَا كِتَابًا وَسُنَّةً فَكَانَ ذِكْرُهُ هُنَا مُعَقِّبًا بِالْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِبَيَانِ قَصْرِ الْحِلِّ عَلَيْهِ، أَوْ هِيَ لِبَيَانِ الْحِلِّ الْمُقَيَّدِ بِالْعَدَدِ لَا مُطْلَقًا، كَيْف وَهُوَ حَالٌ مِمَّا طَابَ فَيَكُونُ قَيْدًا فِي الْعَامِلِ وَهُوَ الْإِحْلَالُ الْمَفْهُومُ مِنْ فَانْكِحُوا، ثُمَّ إنَّ مَثْنًى مَعْدُولٌ عَنْ عَدَدٍ مُكَرَّرٍ لَا يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ هُوَ اثْنَانِ اثْنَانِ هَكَذَا إلَى مَا لَا يَقِفُ، وَكَذَا ثُلَاثُ فِي ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ، وَمِثْلُهُ رُبَاعُ فِي أَرْبَعَةٍ أَرْبَعَةٍ، فَمُؤَدَّى التَّرْكِيبِ عَلَى

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ: وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا إذْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ يَنْتَظِمُهَا اسْمُ النِّسَاءِ كَمَا فِي الظِّهَارِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ) وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ حَتَّى مَلَّكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا مَا طَابَ لَكُمْ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ جَمْعًا فِي الْعَقْدِ أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا جَمْعًا أَوْ تَفْرِيقًا وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا كَذَلِكَ، ثُمَّ هُوَ قَيْدٌ فِي الْحِلِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَانْتَهَى الْحِلُّ إلَى أَرْبَعٍ مُخَيَّرٌ فِيهِنَّ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ. وَأَمَّا حِلُّ الْوَاحِدَةِ فَقَدْ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِحِلِّ النِّكَاحُ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يُتَصَوَّرُ بِالْوَاحِدَةِ. فَحَاصِلُ الْحَالِ أَنَّ حِلَّ الْوَاحِدَةِ كَانَ مَعْلُومًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ لِبَيَانِ حِلِّ الزَّائِدِ عَلَيْهَا إلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ مَعَ بَيَانِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ فِي ذَلِكَ، وَبِهِ يَتِمُّ جَوَابُ الْفَرِيقَيْنِ. أَوْ نَقُولُ: عُرِفَ حِلُّ الْوَاحِدَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] فَكَانَ الْعَدَدُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا مُحَلِّلًا عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْجَوْرِ، ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ عِنْدَ خَوْفِهِ بِقَصْرِ الْحِلِّ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْطِفْ بِأَوْ فَيُقَالُ أَوْ ثُلَاثُ أَوْ رُبَاعُ، لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ بِأَوْ لَكَانَ الْإِحْلَالُ مُقْتَصِرًا عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَعْدَادِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُحَصِّلُوا هَذِهِ الْأَعْدَادَ إنْ شَاءُوا بِطَرِيقِ التَّثْنِيَةِ وَإِنْ شَاءُوا بِطَرِيقِ التَّثْلِيثِ وَإِنْ شَاءُوا بِطَرِيقِ التَّرْبِيعِ، فَانْتَفَى بِذَلِكَ صِحَّةُ التِّسْعِ وَالثَّمَانِي عَشَرَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» وَمِثْلُهُ وَقَعَ لِفَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ وَقَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ. وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ: يَعْنِي التَّنْصِيصَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ، فَكَانَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَوْ الْحُضُورِيِّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْعَدَدُ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَدَدٌ لَا يَمْنَعُهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» حَيْثُ أَلْحَقَ بِهَا الْيَمِينَ وَالنَّذْرَ وَالْعِتْقَ لِوُقُوعِهِ حَالًا قَيْدًا فِي الْإِحْلَالِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ بِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَدَدٌ لَا يُمْنَعُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ تَمْتَنِعُ مَعَهُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ كَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَقَدْ لَا وَلَا نَحْوَ سَبْعِينَ مَرَّةً فِي قَوْله تَعَالَى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] الْآيَةُ، وَقَدْ تَمْتَنِعُ الزِّيَادَةُ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ النَّقْصُ فَقَطْ كَمَا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِذَاتِ الْعَدَدِ بَلْ لِخَوَارِجَ كَمَنْعِ الزِّيَادَةِ هُنَا لِتَقْيِيدِ الْحِلِّ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُطْلَبُ السَّبَبُ (قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَاهُ) وَهُوَ عُمُومُ {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] مُقْتَصِرًا عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ إذْ الْأَمَةُ وَالْمَنْكُوحَةُ يُرِيدُ بِالْمَنْكُوحَةِ الْحُرَّةُ، وَإِلَّا فَالْمَنْكُوحَةُ لَا تُنَافِي الْأَمَةَ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْأَمَةِ لَيْسَ إلَّا الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ الْمَنْكُوحَةُ عَلَى الصِّفَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِدْلَال بِجَوَازِ تَزَوُّجِ الْإِمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لِتَنَاوُلِ اسْمِ النِّسَاءِ ذَلِكَ. وَعَلَى مَا قَالَ مِنْ وَجْهِ التَّنَاوُلِ يَلْزَمُ نِكَاحُ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمَنْكُوحَةُ لَا تُنْكَحُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَ الْمَنْكُوحَةَ أَصْلًا، وَالْعِنَايَةُ بِهِ أَنْ يُرَادَ الْمَنْكُوحَةُ بِالْقُوَّةِ: أَيْ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا يَنْتَظِمَهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ) لِأَنَّ السَّبْيَ لَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ بَيْنَ الْمَسْبِيِّ وَزَوْجَتِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ

وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ فَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَالْحُرُّ أَرْبَعًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ. . قَالَ (فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ إحْدَى الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ نَظِيرُ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ. قَالَ (فَإِنْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ زِنًا جَازَ النِّكَاحُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) وَهَذَا عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَصْلُ النِّكَاحِ بِالْإِذْنِ فَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي حَقِّهِ لَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا لَمْ يَمْلِكْ الْمَالَ فَلَمَّا مَلَكَهُ سَاوَى الْحُرَّ فِيهِ. وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ السَّبْيَ أَحَدُ أَسْبَابِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَمَحَلُّهُ الْمَالُ لَا النِّكَاحُ فَلِذَا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ. وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ مِلْكَ أَصْلِ الشَّيْءِ لَا يَمْنَعُ التَّنْصِيفَ إذَا تَحَقَّقَ مَا يُوجِبُهُ كَالْأَمَةِ تَمْلِكُ طَلَبَ أَصْلِ الْوَطْءِ مِنْ زَوْجِهَا وَيَنْتَصِفُ قَسْمُهَا (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ) تَوْضِيحُ مُرَادِهِ أَنَّ الْحِلَّ الثَّابِتَ بِالنِّكَاحِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى إنَّ لِلْمَرْأَةِ الْمُطَالَبَةَ بِالِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ نَصَّفَ الرِّقُّ الْمَرْأَةَ مَا لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْحِلِّ حَتَّى إذَا كَانَتْ تَحْتَ الرَّجُلِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ يَكُونُ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ، فَلَمَّا نَصَّفَ رِقُّهَا مَالَهَا وَجَبَ أَنْ يُنَصِّفَ رِقُّهُ مَالَهُ وَلِلْحُرِّ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ. بَقِيَ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] نَظَرًا إلَى عُمُومِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إطْلَاقِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَمَةِ نَظَرًا إلَى الْعُمُومِ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُخَاطَبِينَ هُمْ الْأَحْرَارُ بِدَلِيلِ آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَإِنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا هُمْ الْمُخَاطَبُونَ الْأَوَّلُونَ وَلَا مِلْكَ لِلْعَبْدِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ الْأَحْرَارُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ زِنًا) مِنْ غَيْرِهِ (جَازَ النِّكَاحُ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَقَوْلِنَا وَقَوْلُ الْآخَرِينَ وَزُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَبَلُ مِنْ زِنًا مِنْهُ جَازَ النِّكَاحُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مُحَالًا إلَى النَّوَازِلِ. قَالَ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ زِنًا مِنْهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْكُلِّ، وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا عِنْدَ الْكُلِّ. وَإِذَا جَازَ فِي الْخِلَافِيَّةِ عِنْدَهُمَا وَلَا يَطَؤُهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؟ ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَقِيلَ لَهَا النَّفَقَةُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ وَجَبَتْ مِنْ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عِنْدَنَا لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الدُّخُولِ مِنْ جِهَتِهَا، بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّ عُذْرَهَا سَمَاوِيٌّ وَهَذَا يُضَافُ إلَى فِعْلِهَا الزِّنَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَكَمَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا لَا يُبَاحُ دَوَاعِيه، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِوَطْئِهَا، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَأَنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى الَّتِي زَنَتْ حَيْثُ جَازَ تَزَوُّجُهَا وَحَلَّ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ مَعَ احْتِمَالِ الْعُلُوقِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعُلُوقَ مِنْ الزِّنَا لَا يَمْنَعُ الْوَطْءُ وَإِلَّا لَمَنَعَ مَعَ تَجْوِيزِهِ فِي مَقَامِ الِاحْتِيَاطِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُحَقَّقِ وَالْمَوْهُومِ فِي الشُّغْلِ الْحَرَامِ ثَابِتٌ شَرْعًا لِوُرُودِ عُمُومِ النَّهْيِ فِي الْمُحَقَّقِ، وَهُوَ مَا رَوَى رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ

أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النِّكَاحُ فَاسِدٌ (وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ. وَلَهُمَا أَنَّهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ بِالنَّصِّ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَالِامْتِنَاعُ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي. (فَإِنْ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ السَّبْيِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ) لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي ثَابِتَ النَّسَبِ. حَاصِلُهُ قِيَاسُ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا عَلَى الْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ فِي حُكْمٍ هُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا فَعَيْنُ عِلَّةِ الْأَصْلِ كَوْنُ حَمْلِهَا مُحْتَرَمًا فَيَمْنَعُ وُرُودَ الْمِلْكِ عَلَى مَحَلِّهِ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ وَأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ فَيَمْنَعُ الْمِلْكَ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِعُمُومِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَحِينَ عُلِمَ أَنَّهُ يَرِدُ مِنْ قِبَلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ عَلَى مَا قِيلَ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ احْتَاجَ إلَى مَنْعِ عِلَّتِهِ فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِي الْأَصْلِ احْتِرَامُ الْحَمْلِ بَلْ احْتِرَامُ صَاحِبِ الْمَاءِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْفَرْعِ إذْ لَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي. وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِي تَعْيِينِ الْعِلَّةِ فَيَقُولُ الِامْتِنَاعُ فِي الْأَصْلِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ فَيُصَانُ عَنْ سَقْيِهِ بِمَاءٍ حَرَامٍ، وَقَدْ يُزَادُ أَيْضًا فَيُقَالُ: فَيُصَانُ عَنْ سَقْيِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ الْوَطْءُ لِحُرْمَةِ السَّقْيِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ لَا يَصِحُّ، وَهِيَ زِيَادَةٌ تُوجِبُ النَّقْصَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَحِلِّ الْوَطْءِ وَلَمْ نَقُلْ بِهِ فَيُقَالُ: إنْ قُلْت لَا يَتَرَتَّبُ مُطْلَقًا مَنَعْنَاهُ أَوْ فِي الْحَالِ فَقَطْ مَنَعْنَا اقْتِضَاءَهُ الْبُطْلَانَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْفَعُ التَّعْلِيلَ بِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِحَقِّهِ لَجَازَ بِأَمْرِهِ، فَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ الْمَنْعِ فِي الْأَصْلِ بِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَهُوَ السَّبَبُ فِي امْتِنَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الدَّفْعَ مُغَالَطَةٌ خُيِّلَ أَنَّ حُرْمَتَهُ وَحَقَّهُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَعْنَى الْحَقِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَعْنَى حُرْمَتِهِ أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ مَنْعُ الْعَقْدِ عَلَى مَحَلِّ مَائِهِ مَا دَامَ قَائِمًا، وَحُرْمَتُهُ لَا تَسْقُطُ بِإِذْنِهِ فِي الْعَقْدِ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ الْحَامِلِ وَالْمُهَاجِرَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَلَا، فَالْمُطَّرِدُ مَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنْسَبُ بِالتَّعْلِيلِ بِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ

(وَإِنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ) لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ، فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ لَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ لَهُ نَضْرَةُ بْنُ أَكْتَمَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فِي سِتْرِهَا، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ حُبْلَى، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ، وَفَرَّقَ بَيْنَنَا. وَقَالَ: إذَا وَضَعَتْ فَحُدُّوهَا» وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنْ زِنًا لِقَوْلِهِ " وَفَرَّقَ بَيْنَنَا " إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَفْرِيقِ الْأَبْدَانِ فَقَطْ بِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا إلَى أَنْ تَلِدَ، مَعَ أَنَّ فِيهِ مِنْ الْمَنْسُوخَاتِ جَعْلَ الْوَلَدِ عَبْدًا، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إرَادَةِ أَنَّهُ يَصِيرُ يَخْدُمُك، وَهُوَ يُوَافِقُ حَمْلَ التَّفْرِيقِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مُجَرَّدِ الْمُخَالَطَةِ وَهُوَ أَوْلَى لِاسْتِبْعَادِ إرَادَةِ جَعْلِ الْوَلَدِ عَبْدًا يَبِيعُهُ الزَّوْجُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ لِقِلَّةِ نَظِيرِهِ فِي الشَّرْعِ فَيُجْعَلُ هَذَا قَرِينَةُ إرَادَةِ التَّفْرِيقِ عَنْ الْمُخَالَطَةِ لَا فِي الْعَقْدِ. وَهَذَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ فِيهِ إذَا كَانَ مَعَ أُمُّهُ عِنْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ) وَذَكَر الْفَاسِدَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا) لِثُبُوتِ حَدِّ الْفِرَاشِ وَهُوَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُتَعَيِّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّجُلِ إذَا أَتَتْ بِهِ، فَلَوْ صَحَّ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَهُوَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ فِي الْمُحْصَنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ: لَوْ كَانَتْ فِرَاشًا لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهَا وَهِيَ حَائِلٌ كَمَا لَا يَجُوزُ وَهِيَ حَامِلٌ. فَأَجَابَ بِأَنَّ فِرَاشَهَا غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ، وَيَتَأَكَّدُ بِاتِّصَالِ الْحَبَلِ بِهَا مِنْهُ، فَإِنَّ الْحَبَلَ مَانِعٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَا الْفِرَاشُ فَيَقَعُ التَّأَكُّدُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فَيَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمَنْعِ، بِخِلَافِ حَالَةِ عَدَمِهِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ تَأَكُّدِهِ بِانْتِفَاءِ نَسَبِ وَلَدِهَا بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَانِعَ لَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ الْمُتَأَكِّدُ مِنْهُ إمَّا بِنَفْسِهِ وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ أَوْ بِالْحَبَلِ. قَالُوا: الْفُرُشُ ثَلَاثَةٌ: قَوِيٌّ وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ فَلَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا إلَّا بِاللِّعَانِ. وَمُتَوَسِّطٌ وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ. وَضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ إلَّا بِدَعْوَةٍ وَهُوَ فِرَاشُ الْأَمَةِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِصَرِيحِهِ أَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ أَصْلًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ

قَالَ (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ (فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشَّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي تَلِي هَذِهِ، وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْفِرَاشِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ (فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ) فَيَلْزَمُ إمَّا انْحِصَارُهُ فِي الْفِرَاشِ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ، وَإِمَّا اعْتِبَارُ الْفُرُشِ الثَّلَاثَةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمَنْكُوحَةِ؛ فَأُمُّ الْوَلَدِ الْحَائِلِ فِرَاشٌ ضَعِيفٌ فَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا، وَالْحَامِلُ مُتَوَسِّطٌ لِنَوْعٍ مِنْ التَّأَكُّدِ فَيَمْتَنِعُ، وَحُكْمُهُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ، وَالْمَنْكُوحَةُ هِيَ الْفِرَاشُ الْقَوِيُّ وَهُوَ الْأَوْجُهُ. وَأَوْرَدَ إذَا كَانَ وَلَدُهَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ وَيَكُونُ نَفْيًا دَلَالَةً، فَإِنَّ النَّسَبَ كَمَا يَنْتَفِي بِالصَّرِيحِ يَنْتَفِي بِالدَّلَالَةِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ جَاءَتْ بِأَوْلَادٍ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى الْمَوْلَى أَكْبَرَهُمْ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَنْتَفِي نَسَبُ غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ اقْتِصَارِهِ فِي الدَّعْوَةِ عَلَى بَعْضِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ دَلَالَةٌ إنَّمَا يَعْمَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَهُنَا كَذَلِكَ. إذْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْحَمْلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ وَيَكُونُ نَفْيًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا) هَذَا تَعْلِيلٌ لِلْجَوَازِ بِنَفْيِ جِنْسِ عِلَّةِ الْمَنْعِ مِنْ التَّزْوِيجِ فَضْلًا عَنْ نَفْيِهَا بِعَيْنِهَا فَلِذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ وُجُودَ الْفِرَاشِ مُطْلَقًا يَمْنَعُ وَإِلَّا لَمَنَعَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الْحَائِلِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِرَاشٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْقَوِيُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالتَّأَكُّدِ لَا مُطْلَقَ الْفِرَاشِ، ثُمَّ بَيَّنَ نَفْيَ الْفِرَاشِ بِنَفْيِ حَدِّهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لَا الْحَتْمِ، وَلَيْسَ اسْتِبْرَاءُ الْمَوْلَى مَذْكُورًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِالِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ وَإِذَا جَازَ) يَعْنِي جَازَ النِّكَاحُ بِدُونِ اسْتِبْرَاءٍ مِنْ الْمَوْلَى، فَإِنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِي اسْتِبْرَاءِ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ فِيهِ،

كَمَا فِي الشِّرَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَا أُحِبُّ لَهُ: أَيْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، لِأَنَّهُ اُحْتُمِلَ الشَّغْلُ بِمَاءِ الْمَوْلَى. هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، فَلَوْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَطْءُ الزَّوْجِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ اتِّفَاقًا. وَقَدْ وَفَّقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَفَى الِاسْتِحْبَابَ وَهُمَا أَثْبَتَا جَوَازَ النِّكَاحِ بِدُونِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ فَيَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَا نِزَاعَ، فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي الْجَامِعِ: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا قَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا اهـ. وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْمَوْلَى أَصْلًا، وَفِيهِ تَصْرِيحُ مُحَمَّدٍ بِالِاسْتِحْبَابِ لِلزَّوْجِ. قِيلَ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ السَّوْقِ. وَصَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا يُخَالِفُهُ. ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدِ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ أَصْلَ قِيَاسِهِ الشِّرَاءُ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى بِالْقِيَاسِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ فَهُوَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا الِاسْتِحْبَابَ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَبُّ إلَيَّ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِحْبَابِ، وَدَلِيلُهُ يُوجِبُ أَنَّ مُرَادَهُ الْوُجُوبُ، فَاعْتِبَارُهُ أَوْلَى لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمَا لَا يُطَابِقُ الدَّعْوَى أَبْعَدُ مِنْ إطْلَاقِ أُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي وَاجِبٍ، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُ الْمُتَقَدِّمُونَ: أَكْرَهُ كَذَا فِي التَّحْرِيمِ أَوْ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَأُحِبُّ مُقَابِلُهُ، فَجَازَ أَنْ يُطْلِقَ فِي مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ. ثُمَّ لَوْ أَوْرَدَ عَلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّوَهُّمَ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْوُجُوبِ بَلْ لِلنَّدْبِ كَمَا فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ عَقِيبَ النَّوْمِ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْفُرُوجِ، أَمَّا فِيهَا فَالْمَعْهُودُ شَرْعًا جَعْلُهُ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ، وَمِنْهُ نَفْسُ أَصْلِ هَذَا الْقِيَاسِ، فَإِنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَيْسَ إلَّا تَوَهُّمُ الشَّغْلِ بِالْمَاءِ الْحَلَالِ. وَاعْتِبَارُ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ عِلَّةٌ إنَّمَا هُوَ لِضَبْطِهِ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِدْلَال مِنْ عِنْدِ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ الْمُؤَاخَذُ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ) أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ ثَابِتٌ فِي الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا؛ وَمَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ: جَوَابُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ طَرْدٌ لَا نَقْضٌ، فَإِنَّ جَوَازَ النِّكَاحِ ثَابِتٌ فِي الصُّورَتَيْنِ بِالْمُقْتَضَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] إلَّا أَنَّ الْوَطْءَ هُنَاكَ حَرُمَ لِوُجُودِ الشَّغْلِ حَقِيقَةً كَيْ لَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَدُلَّ جَوَازُ النِّكَاحِ هُنَاكَ عَلَى حِلِّ الْوَطْءِ لِلْحَمْلِ، أَمَّا هُنَا لَا حَمْلَ حَقِيقَةً، فَلَوْ كَانَ إنَّمَا كَانَ حُكْمًا وَشَرْعًا فَكَانَ جَوَازُ النِّكَاحِ شَرْعًا

بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الشَّغْلِ. (وَكَذَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا) وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ بَاطِلٌ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ أَتَمَتَّعُ بِكَ كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَارَةُ الْفَرَاغِ دَلِيلُ فَرَاغِ الرَّحِمِ حُكْمًا. وَجَوَابُ شَارِحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى، فَإِنَّ مُرَادَنَا أَنَّهُ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ عَنْ حِمْلٍ ثَابِتِ النَّسَبِ. أَوْ نَقُولُ: هُوَ دَلِيلُ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ لَا فِيمَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ جَوَابُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ إذَا تَأَمَّلَتْ وَهُوَ الْأَوْلَى: أَعْنِي كَوْنَهُ دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ وَمَحَلُّ النِّزَاعِ مُحْتَمِلٌ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِالْفَرَاغِ لَا يَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ شَرْعًا فَلَا مُوجِبَ لِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِبْرَاءِ، لَكِنَّ صِحَّتَهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دَلِيلِ اعْتِبَارِهَا أَمَارَةُ الْفَرَاغِ عَنْهُ لِأَنَّ حَاصِلَهُ ادِّعَاءُ وَضْعٍ شَرْعِيٍّ، وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا عُرِفَ عَلَى مُجَرَّدِ الصِّحَّةِ، أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِهَا دَلِيلُ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ دُونَ الْمُتَحَقِّقِ فَلَا. وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. هَذَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ لِلتَّزَوُّجِ بَعْدَ كُلِّ وَطْءٍ وَلَوْ زِنًا (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا) وَعِنْدَ زُفَرَ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ لِمَا قُلْنَاهُ عَنْهُ، وَقِيلَ يَكْفِي حَيْضَةً (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى) أَيْ فِي حِلِّ وَطْءِ الزَّانِيَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ عَقِيبَ الْعِلْمِ بِزِنَاهَا عِنْدَهُمَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُ (مَا ذَكَرْنَا) لَهُمَا مِنْ أَنَّ الصِّحَّةَ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ فَلَا مُوجِبَ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِلَا سَبَبٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْوَطْءُ يُوجِبُ تَوَهُّمَ الشَّغْلِ فَتُسْتَبْرَأُ كَالْمُشْتَرَاةِ. (قَوْلُهُ وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ بَاطِلٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ) خَالِيَةٌ مِنْ الْمَوَانِعِ (أَتَمَتَّعُ بِكَ كَذَا مُدَّةِ) عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا أَوْ يَقُولُ أَيَّامًا أَوْ مَتِّعِينِي نَفْسَك أَيَّامًا أَوْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَيَّامًا (بِكَذَا مِنْ الْمَالِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ أَنْ يُذْكَرَ الْمُوَقَّتُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجُ وَفِي الْمُتْعَةِ أَتَمَتَّعُ أَوْ أَسْتَمْتِعُ اهـ. يَعْنِي مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ مُتْعَةٍ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَعَ ذَلِكَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الشُّهُودِ فِي الْمُتْعَةِ وَتَعْيِينُ الْمُدَّةِ، وَفِي الْمُوَقَّتِ الشُّهُودُ وَتَعْيِينُهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِهَؤُلَاءِ عَلَى تَعْيِينِ كَوْنِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ الَّذِي أَبَاحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ حَرَّمَهُ هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَادَّةُ م ت ع لِلْقَطْعِ مِنْ الْآثَارِ بِأَنَّ الْمُتَحَقِّقَ لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ مَنْ بَاشَرَ هَذَا الْمَأْذُونَ فِيهِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُخَاطِبَهَا بِلَفْظِ أَتَمَتَّعُ وَنَحْوُهُ لِمَا عُرِفَ مَنْ أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُطْلَقُ

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ. قُلْنَا: ثَبَتَ النَّسْخُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمْ فَتَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُرَادُ مَعْنَاهُ، فَإِذَا قَالَ تَمَتَّعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسْوَةِ فَلَيْسَ مَفْهُومُهُ قُولُوا أَتَمَتَّعُ بِك بَلْ أَوْجِدُوا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ الْمَشْهُورُ أَنْ يُوجَدَ عَقْدًا عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُرَادُ بِهِ مَقَاصِدَ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ الْقَرَارِ لِلْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ بَلْ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِانْتِهَائِهَا أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِمَعْنَى بَقَاءِ الْعَقْدِ مَا دُمْت مَعَك إلَى أَنْ أَنْصَرِفَ عَنْك فَلَا عَقْدَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى الْمُتْعَةِ عَقْدٌ مُوَقَّتٌ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ الْوَقْتِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا بِمَادَّةِ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُوَقَّتُ أَيْضًا فَيَكُونُ النِّكَاحُ الْمُوَقَّتُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتْعَةِ وَإِنْ عُقِدَ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَأُحْضِرَ الشُّهُودُ وَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُفِيدُ التَّوَاضُعَ مَعَ الْمَرْأَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَلَمْ يُعْرَفْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ لَفْظٌ وَاحِدٌ مِمَّنْ بَاشَرَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَفْظِ تَمَتَّعْت بِك وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ جَائِزٌ) نِسْبَتُهُ إلَى مَالِكٍ غَلَطٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ النَّسْخُ) هَذَا مُتَمَسِّكُ مَنْ يَقُولُ بِهَا كَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (قُلْنَا قَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) هَذِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَلَيْسَتْ الْبَاءُ سَبَبِيَّةً فِيهَا فَإِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَدِّرَ مَحْذُوفٌ: أَيْ بِسَبَبِ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعِهِمْ: أَيْ لَمَّا عُرِفَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ عُلِمَ أَنَّهُ نُسِخَ بِدَلِيلِ النَّسْخِ أَوْ هِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ: أَيْ لِمَا ثَبَتَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ عُلِمَ مَعَهُ النَّسْخُ. وَأَمَّا دَلِيلُ النَّسْخِ بِعَيْنِهِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ» وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهَا نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ. قِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نُسِخَتْ

(وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ بَاطِلٌ) مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّتَيْنِ: الْمُتْعَةُ، وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالتَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الصَّلَاةِ. وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النَّاسِخِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ أَبَاحَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَبِانْقِضَائِهَا تَنْتَهِي الْإِبَاحَةُ، وَذَلِكَ لِمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ: بَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَحَلَّ الْمُتْعَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الدَّهْرِ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ فِيهَا الْعُزُوبَةُ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا» . وَهَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ حِينَ صَدَرَتْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلِذَا قَالَ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا. وَهُوَ يُشْبِهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُتْعَةِ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا فَقَالَتْ: مَا تُعْطِينِي؟ فَقُلْتُ رِدَائِي وَقَالَ صَاحِبِي رِدَائِي، وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي وَكُنْتُ أَنَا أَشَبَّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرَتْ إلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا، وَإِذَا نَظَرَتْ إلَيَّ أَعْجَبْتُهَا، ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ وَرِدَاؤُكَ تَكْفِينِي، فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهِنَّ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا» فَهَذَا مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ أَقَامَتْ ثَلَاثًا لَا أَنَّهَا تَعَلَّقَتْ مُقَيَّدَةً بِالثَّلَاثِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّاسِخِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ. وَأَمَّا ظَاهِرُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُعْطِي الْإِجْمَاعَ فَمَا أَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى جَابِرٍ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إذَا كُنَّا عِنْدَ الْعَقَبَةِ مِمَّا يَلِي الشَّامَ جَاءَتْ نِسْوَةٌ فَذَكَرْنَا تَمَتُّعَنَا مِنْهُنَّ وَهُنَّ يَظْعَنَّ فِي رِحَالِنَا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَظَرَ إلَيْهِنَّ وَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسْوَةٌ تَمَتَّعْنَا مِنْهُنَّ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ وَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وَقَامَ فِينَا خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، فَتَوَادَعْنَا يَوْمَئِذٍ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَلَمْ نَعُدْ وَلَا نَعُودُ إلَيْهَا أَبَدًا» وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ رُجُوعُهُ بَعْدَمَا اُشْتُهِرَ عَنْهُ مِنْ إبَاحَتِهَا، فَمَا ذَكَرَ مِنْ رُجُوعِهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَهُ: إنَّك رَجُلٌ تَائِهٍ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُلَيِّنُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ» . وَهَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِ بَلْ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ لَهُ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ حِينَ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: إنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ فَنَادَاهُ فَقَالَ: إنَّك لَجِلْفٌ جَافٌّ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ، يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ نَفْسَك، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَهَا لَأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكِ " الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَلَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ الرَّجُلُ الْمُعَرَّضُ بِهِ وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ كَفَّ

وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَصَرَهُ، فَلِذَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، وَهَذَا إنَّمَا كَانَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِيٍّ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُسْتَمِرُّ الْقَوْلِ عَلَى جَوَازِهَا وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّهُ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ مُقِيمٌ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ وَتُصْلِحُ لَهُ شَأْنَهُ، حَتَّى إذَا نَزَلَتْ الْآيَةُ {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَاهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ اهـ. فَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَرَجَعَ إلَيْهِ أَوْ حَكَاهُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَهَا حَالَةَ الِاضْطِرَارِ وَالْعَنَتِ فِي الْأَسْفَارِ. أَسْنَدَ الْحَازِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَّابِيِّ إلَى الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ سَارَتْ بِفُتْيَاك الرُّكْبَانُ وَقَالَ فِيهَا الشُّعَرَاءُ قَالَ: وَمَا قَالُوا؟ قُلْت قَالُوا: قَدْ قُلْت لِلشَّيْخِ لَمَّا طَالَ مُحْبَسُهُ ... يَا صَاحِ هَلْ لَك فِي فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ هَلْ لَك فِي رُخْصَةِ الْأَطْرَافِ آنِسَةً ... تَكُونُ مَثْوَاك حَتَّى يَصْدُرَ النَّاسُ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا بِهَذَا أَفْتَيْت وَمَا هِيَ إلَّا كَالْمَيِّتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَا تَحِلُّ إلَّا لِلْمُضْطَرِّ اهـ. وَلِهَذَا قَالَ الْحَازِمِيُّ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أَبَاحَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَوْطَانُهُمْ، وَإِنَّمَا أَبَاحَهَا لَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ بِحَسْبِ الضَّرُورَاتِ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي آخَرِ سِنِيهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ تَحْرِيمُ تَأْبِيدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ إلَّا طَائِفَةً مِنْ الشِّيعَةِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ هُوَ جَائِزٌ) يَعْنِي النِّكَاحَ الْمُوَقَّتَ هُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بَلْ تَبْطُلُ هِيَ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ، فَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ صَحَّ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ نَوَاهَا صَحَّ، وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ وَالْعِبْرَةِ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي) وَلِذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُكَ وَكِيلًا بَعْدَ مَوْتِي انْعَقَدَ وَصِيَّةً، أَوْ جَعَلَتْك وَصِيًّا فِي حَيَاتِي انْعَقَدَ وَكَالَةً، وَلَوْ أَعْطَى الْمَالَ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ الرِّبْحَ لِلْمُضَارِبِ كَانَ قَرْضًا أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ بِضَاعَةً: وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ يَكُونُ الْمُوَقَّتُ مِنْ نَفْسِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِ إبْدَاءِ النَّاسِخِ فِي دَفْعِ قَوْلِ زُفَرَ. هَذَا وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَتَرَجَّحَ قَوْلُهُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَقَّتُ مُتْعَةً وَهُوَ مَنْسُوخٌ، لَكِنْ نَقُولُ: الْمَنْسُوخُ مَعْنَى الْمُتْعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَتْ الشَّرْعِيَّةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَنْتَهِي الْعَقْدُ فِيهِ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَيَتَلَاشَى، وَأَنَا لَا أَقُولُ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَقُولُ يَنْعَقِدُ مُؤَبَّدًا وَيَلْغُو شَرْطَ التَّوْقِيتِ، فَحَقِيقَةُ إلْغَاءِ شَرْطِ التَّوْقِيتِ هُوَ أَثَرُ النَّسْخِ. وَأَقْرَبُ نَظِيرٍ إلَى هَذَا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلَانِ كُلَّ مُوَلِّيَةِ الْآخَرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ مَهْرًا لِمُوَلِّيَةِ الْآخَرِ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ، وَقُلْنَا: إذَا عَقَدَ كَذَلِكَ صَحَّ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْنَا النَّهْيُ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِهِ كَذَلِكَ مُوجِبًا لِلْبُضْعَيْنِ مَهْرَيْنِ بَلْ عَلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَلَمْ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ مُدَّةُ التَّأْقِيتِ أَوْ قَصُرَتْ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ وَقَدْ وُجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمْنَا النَّهْيُ، فَقَوْلُ زُفَرَ مِثْلُ هَذَا سَوَاءً. وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَأَصْلٌ مُنْضَمٌّ إلَى أُصُولٍ شَتَّى مِمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ مِنْ النِّكَاحِ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. وَكَوْنُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا عُقِدَ مُؤَبَّدًا وَلِذَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَا يَنْتَهِي النِّكَاحُ بَلْ هُوَ مُسْتَمِرُّ إلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا يَنْدَفِعُ بِمَا ذَكَرْنَا مِمَّا يُوجِبُ أَنَّ أَثَرَ التَّوْقِيتِ فِي إبْطَالِهِ مُوَقَّتًا لَا فِي إبْطَالِهِ مُطْلَقًا. فَإِنْ قُلْت: فَلَوْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ وَأَرَادَ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ الْمُؤَبَّدَ هَلْ يَنْعَقِدُ أَوْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ هَلْ يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتْعَةِ؟ فَالْجَوَابُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ النِّكَاحَ وَحَضَرَهُ الشُّهُودُ، وَلَيْسَ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ تَوْقِيتٌ بَلْ التَّأْبِيدُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مَجَازًا عَنْ مَعْنَى النِّكَاحِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ كَالْإِحْلَالِ. قَالَ: فَإِنَّ مَنْ أَحَلَّ لِغَيْرِهِ طَعَامًا أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا يُتْلِفُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَعْمَلَ هَذَا اللَّفْظَ فِي مَوْضِعِ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ اهـ. يَعْنِي انْتَفَى طَرِيقُ الْمَجَازِ الَّذِي بَيِّنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ) نَفْيٌ لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا إذَا سَمَّيَا مُدَّةً لَا يَعِيشَانِ إلَيْهَا صَحَّ لِتَأْبِيدِهِ مَعْنًى. قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا تَأْبِيدًا مَعْنًى بَلْ تَوْقِيتٌ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَالْمُبْطِلُ هُوَ التَّوْقِيتُ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ الْمُوَقَّتَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتْعَةِ. هَذَا وَإِذَا انْسَاقَ الْكَلَامُ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَا لَيْسَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ بَلْ يَبْطُلُ هُوَ نَاسَبَ أَنْ يُقْرَنَ بِهِ الْكَلَامُ فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ، فَإِذَا تَزَوَّجَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَوْ هِيَ صَحَّ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ كَالْهَزْلِ لِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ أَبَدًا وَشَارِطَ الْخِيَارِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ. فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْهَزْلُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ لِلْحَدِيثِ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» وَقَدْ أَسْلَفْنَا تَخْرِيجَهُ فَشَرْطُ الْخِيَارِ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَهُ، وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ ثُبُوتَ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ مِنْ حِينِ صُدُورِ الْعَقْدِ كَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَبْطُلُ. وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَحَقِيقَتُهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي مَوْضِعٍ يَثْبُتُ كَالْبَيْعِ، بَلْ إذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِلَا اشْتِرَاطٍ وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِلَا رُؤْيَةٍ إجْمَاعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِيهِ، وَلَوْ فُرِضَ اشْتِرَاطُ خِيَارِ الْفَسْخِ إذَا رَآهَا كَانَ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَبْطُلُ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَا يَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ إذَا وُجِدَ مَعِيبًا بِبَرَصٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ رَتْقٍ أَوْ قَرْنٍ أَوْ عَفَلٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ فَالِجٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيًّا كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ سِوَى عَيْبِ الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ فِيهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الْقَرْنُ وَالرَّتْقُ وَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ. وَلِمُحَمَّدٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُطِيقُ الْمَقَامَ مَعَهُ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْفَسْخِ. لَنَا مَا رُوِيَ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلَّتِي تَزَوَّجَهَا فَوَجَدَ بِكَشْحِهَا بَيَاضًا الْحَقِي بِأَهْلِكِ» وَهَذَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، بَلْ لَا يَبْعُدُ عَدُّهُ مِنْ صَرَائِحِهِ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ بِالِاسْتِقْرَاءِ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَا فَسْخَ عَنْ عَيْبٍ

(وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ الَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى) لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ شَرْطٌ فِيهِ، ثَمَّ جَمِيعُ الْمُسَمَّى لِلَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحُجَّتُنَا أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا تُرَدُّ الْحُرَّةُ عَنْ عَيْبٍ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا وَجَدَ بِامْرَأَتِهِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ لَهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ، وَحَمْلُهُ عَلَى خِيَارِ الطَّلَاقِ بَعِيدٌ فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلِ إثْبَاتِ عُمَرَ إيَّاهُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْجَحُ فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ التَّخَلُّصِ بِالطَّلَاقِ وَمَا أَفَادَتْهُ هَذِهِ الدَّلَائِلُ إنَّمَا هُوَ فِي تَخَلُّصِ الرَّجُلِ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى التَّخَلُّصِ وَمَأْمُورَةٌ بِالْفِرَارِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَوِيلُ الذَّيْلِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ يَحْتَمِلُ أَنْظَارًا لَسْنَا بِصَدَدِهَا إذْ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْكِتَابِ بَلْ الْمَقْصُودُ تَتْمِيمُ الْفَائِدَةِ بِالْفُرُوعِ الْمُنَاسِبَةِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ السَّلَامَةَ مِنْ تِلْكَ الْعُيُوبِ أَوْ مِنْ الْعَمَى وَالشَّلَلِ وَالزَّمَانَةِ أَوْ شَرَطَ صِفَةَ الْجَمَالِ فَوَجَدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْفَسْخِ. وَمِنْ هَذَا وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطٍ أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ ثَيِّبٌ فَلَا خِيَارَ لَهُ، بَلْ إنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِحْدَاهُمَا لَا تَحِلُّ لَهُ) لِرَضَاعٍ أَوْ قَرَابَةٍ مُحَرَّمَةٍ (صَحَّ نِكَاحُ الْمُحَلَّلَةِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْمُحَرَّمَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ) حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ شَرْطٌ فَاسِدٌ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ فَيُبْطِلُهُ، وَهُنَا الْمُبْطِلُ يَخُصُّ الْمُحَرَّمَةِ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ جَمِيعُ الْمُسَمَّى لِلَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا) كَأَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِ الْمُحَرَّمَةِ أَلْفَانِ وَالْمُحَلَّلَةِ أَلْفٌ فَيَلْزَمُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ لِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا وَيَسْقُطُ الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ فَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ وَالْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْمُحَلَّلَةِ، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَمَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَا يُجَاوِزُ حِصَّتَهَا مِنْ الْأَلْفِ،

وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ. (وَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً فَجَعَلَهَا الْقَاضِي امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا وَسِعَهَا الْمُقَامُ مَعَهُ وَأَنْ تَدَعَهُ يُجَامِعُهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ صَحَّ نِكَاحُهُمَا انْقَسَمَتْ الْأَلْفُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ) مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْصِدُ بِهِ الْإِحَالَةَ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ لِتَتْمِيمِ مُتَعَلِّقَاتِ الْمَسْأَلَةِ مِنْهُ. وَحَاصِلُ الْمَذْكُورِ لَهُمَا فِيهِ أَنَّ الْمُسَمَّى قُوبِلَ بِالْبُضْعَيْنِ وَلَمْ يُسَلَّمَا، وَكُلُّ مَا قُوبِلَ بِشَيْئَيْنِ وَلَمْ يُسَلَّمَا فَاللَّازِمُ حِصَّةُ السَّالِمِ. بَيَانُ تَقَرُّرِ الْكُبْرَى شَرْعًا مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ. فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ أَوْ خَاطَبَ امْرَأَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ فَأَجَابَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى فَإِنَّ الْمُحَرَّمَةَ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ عِنْدَهُ وَلِذَا لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ عِنْدَهُ وَمِنْ ضَرُورَةِ دُخُولِهَا انْقِسَامُ الْبَدَلِ. وَلَهُ مَنْعُ كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى بَلْ الْمَضْمُومُ إلَى الْمُحَلَّلَةِ إمَّا مُحِلٌّ أَوْ لَا، فَفِي الْأَوَّلِ يَنْقَسِمُ وَفِي الثَّانِي لَا، كَمَا لَوْ ضَمَّ جِدَارًا أَوْ حِمَارًا فَإِنَّ الْكُلَّ فِيهِ لِلْمُحِلِّ وَالضَّمُّ لَغْوٌ وَضَمُّ الْمُحَرَّمَةِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ الْحِلُّ، فَالْمُحَرَّمَةُ لَيْسَتْ بِمُحِلٍّ فَلَمْ تَدْخُلْ وَالْمُدَبَّرُ مَالٌ فَهُوَ مُحِلٌّ، وَلِذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ فَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ نَفْسَهُ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عِنْدَهُ فِي وَطْءِ الْمُحَرَّمَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مِنْ حُكْمِ صُورَةِ الْعَقْدِ، وَسَنُبَيِّنُ وَجْهَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لَا مِنْ حُكْمِ انْعِقَادِهِ وَالِانْقِسَامُ مِنْ حُكْمِ الِانْعِقَادِ. وَالِانْقِسَامُ فِي الْمُخَاطَبَتَيْنِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الْإِيجَابِ لِلْمَحَلِّيَّةِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ أَجَابَتَا صَحَّ نِكَاحُهُمَا مَعًا وَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا. هَذَا وَقَدْ ادَّعَى أَنَّ مَا فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُجَاوِزُ حِصَّتَهَا مِنْ الْأَلْفِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ فَرَّعَ دُخُولَهَا فِي الْعَقْدِ، وَدَفَعَ بِأَنَّهُ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْمَنْعُ مِنْ الْمُجَاوَزَةِ لِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ وَرِضَاهَا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى لَا بِدُخُولِهَا فِي الْعَقْدِ. فَأَمَّا الِانْقِسَامُ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَبِاعْتِبَارِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ، فَاَلَّتِي تَحِلُّ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِذَلِكَ فَالْكُلُّ لَهَا. وَقَدْ يُورِدُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ إنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ أَنَّ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ يَقْتَضِي أَجْنَبِيَّتَهَا عَنْهُ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَهُوَ فَرْعُ الدُّخُولِ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ وُجُوبَهُ بِالْعُذْرِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ دَرْءُ الْحَدِّ وَهُوَ صُورَةُ الْعَقْدِ. وَيُورِدُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا كَيْفَ وَجَبَ لَهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ بِالدُّخُولِ وَهُوَ حُكْمُ دُخُولِهَا فِي الْعَقْدِ ثُمَّ يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِتَخْصِيصِهِمَا الدَّعْوَى فَيَجِبُ الْحَدُّ لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْحِلِّ وَالْمَهْرُ لِلِانْقِسَامِ بِالدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةً) لَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقَاضِيَ إنْشَاءُ الْعَقْدِ فِيهِ، فَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ هِيَ ادَّعَتْ النِّكَاحَ أَوْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَذِبًا وَبَرْهَنَا زُورًا فَقَضَى بِالنِّكَاحِ أَوْ الطَّلَاقِ نَفَذَ ظَاهِرًا، فَتُطَالِبُ الْمَرْأَةُ فِي الْحُكْمِ بِالْقَسْمِ وَالْوَطْءِ وَالنَّفَقَةِ، وَبَاطِنًا فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَلَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ. وَقَوْلُنَا

أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشُّهُودَ صَدَقَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ الْحُجَّةُ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمَا مُتَيَسِّرٌ، وَإِذَا ابْتَنَى الْقَضَاءُ عَلَى الْحُجَّةِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ بَاطِنًا بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ نَفَذَ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقَاضِي إنْشَاؤُهُ يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ أَوْ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا فَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْقَاضِي عَلَى إنْشَاءِ الْعَقْدِ فِيهِ. أَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَفِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِهِمَا بَاطِنًا رِوَايَتَانِ إذَا ادَّعَيَا كَذِبًا. وَجْهُ الْمَانِعَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا عِوَضٍ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا إذَا ادَّعَى كَذِبًا، وَإِذَا كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ يُطَلِّقُهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَكَمَا لَا تَحِلُّ لِلثَّانِي لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَذِبًا فَقَضَى بِهِ وَتَزَوَّجَتْ آخَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَحِلُّ لِلثَّانِي لَا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ عَلَى الْغَيْرِ أَحْيَانًا، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ وَأُخْتِهَا، وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي دَعْوَى الْفَسْخِ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ فَسْخَ الْبَيْعِ كَذِبًا وَبَرْهَنَ زُورًا فَفَسَخَ الْقَاضِي يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى بَيْعَ الْأَمَةِ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ بَاعَهَا فَقَضَى بِهَا الْقَاضِي لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ حَلَّتْ لَهُ، وَكَذَا فِي دَعْوَى الْعِتْقِ وَالنَّسَبِ. وَجْهُ تَمَسُّكِهِمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ. وَأَيْضًا الْقَضَاءُ إمَّا إمْضَاءٌ لِعَقْدٍ سَابِقٍ أَوْ إنْشَاءٍ لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ سَابِقٍ، وَلَا الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ وَلَا شُهُودٌ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِمَا فِي وُسْعِهِ، وَإِنَّمَا فِي وُسْعِهِ الْقَضَاءُ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ وَقَدْ فَعَلَ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَلِمَ كَذِبَ الشُّهُودِ لَا يُنَفِّذُ، وَلَمَّا لَمْ يَسْتَلْزِمْ مَا ذَكَرَ النَّفَاذَ بَاطِنًا إذْ الْقَدْرُ الَّذِي تُوجِبُهُ الْحُجَّةُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّفَاذَ بَاطِنًا إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ زَادَ قَوْلُهُ (وَإِذَا ابْتَنَى الْقَضَاءُ عَلَى الْحُجَّةِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ بَاطِنًا بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ يَنْفُذُ) فَأَفَادَ اخْتِيَارُ أَحَدِ شِقَّيْ تَرْدِيدِهِمَا وَهُوَ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْإِنْشَاءُ اقْتِضَاءً لِلْقَضَاءِ بِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ، وَأَفَادَ بِذَلِكَ جَوَابُهُمَا عَمَّا أَبْطَلَا بِهِ هَذَا الشِّقُّ مِنْ عَدَمِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالشُّهُودِ، فَإِنَّ ثُبُوتَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ ضِمْنِيًّا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلضِّمْنِيَّاتِ مَا يُشْتَرَطُ لَهَا إذَا كَانَتْ قَصْدِيَّاتٍ، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَشَايِخِ شَرَطُوا حُضُورَ الشُّهُودِ الْقَضَاءَ لِلنَّفَاذِ بَاطِنًا وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَوْجُهُ، وَلَوْ أَنَّهُمَا أَبْطَلَا هَذَا الشِّقَّ بِعَدَمِ التَّرَاضِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَمْ يَنْدَفِعْ بِذَلِكَ، وَلَمَا كَانَ الْمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ ضَرُورَةَ صِحَّةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ احْتِيَاجِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ إلَى تَقْدِيمِ الْإِنْشَاءِ إلَّا إذَا افْتَقَرَتْ صِحَّتُهُ إلَى نَفَاذِهِ بَاطِنًا وَلَيْسَ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ لِثُبُوتِهِ مَعَ انْتِفَائِهِ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ حَيْثُ يَصِحُّ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا زَادَ قَوْلُهُ (قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَلَا تَنْقَطِعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِتَنْفِيذِهِ بَاطِنًا، إذْ لَوْ بَقِيَتْ الْحُرْمَةُ تَكَرَّرَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي طَلَبِهَا الْوَطْءَ أَوْ طَلَبِهِ مَعَ امْتِنَاعِ الْآخَرِ لِعِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْإِنْشَاءِ فَكَأَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ زَوَّجْتُكهَا وَقَضَيْت بِذَلِكَ كَقَوْلِك هُوَ حُرٌّ فِي جَوَابِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ حَيْثُ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعُ مِنْهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّين أَنَّ بَعْضَ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَغَارِبَةِ مَنَعَ الْحَصْرَ وَقَالَ يُمْكِنُ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا، قَالَ فَأَجَبْته مَا تُرِيدُ بِالطَّلَاقِ، الطَّلَاقُ الْمَشْرُوعُ أَوْ غَيْرُهُ لَا عِبْرَةَ بِغَيْرِهِ، وَالْمَشْرُوعُ يَسْتَلْزِمُ الْمَطْلُوبَ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ. قَالَ شَيْخُنَا سِرَاجُ الدِّينِ: لَيْسَ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ، إذْ لَهُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقَ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ، وَكَوْنُهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي كَوْنِهِ طَلَاقًا صَحِيحًا لَا يَضُرُّ، إذْ قَدْ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ قَطْعَ الْمُنَازَعَةِ الْوَاجِبَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّنْفِيذِ بَاطِنًا لِيَجِبَ التَّنْفِيذُ بَاطِنًا بَلْ تَحَقَّقَ طَرِيقٌ آخَرُ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَجِبْ التَّنْفِيذُ بَاطِنًا حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُوجَبٌ سِوَى انْحِصَارِ طَرِيقِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فِيهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِرْ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَطْعَ الْمُنَازَعَةِ يَنْتَهِضْ سَبَبًا لِلتَّنْفِيذِ بَاطِنًا فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ لَا فِيمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِمَا ذَكَرَ، فَفِيهِ قُصُورٌ عَنْ صُوَرِ الْمُدَّعِي وَهُوَ النَّفَاذُ بَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ فَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ. فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْهُ بُدٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَزَوِّجْنِي مِنْهُ، فَقَالَ: شَاهِدَاك زَوْجَاك، يَخُصُّ مَا إذَا انْحَصَرَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فِي التَّنْفِيذِ بَاطِنًا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ بَاطِنًا لَأَجَابَهَا فِيمَا طَلَبَتْ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهَا. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُنَازَعَةِ فِي قَوْلِهِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ اللَّجَاجُ الْمُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ لَا فَتَنَاوَلَ مَا إذَا لَجَّ الْأَوَّلُ فِي طَلَبِهَا بَاطِنًا بِأَنْ يَأْتِيَهَا لِقَصْدِ جِمَاعِهَا كَرْهًا أَوْ بِاسْتِرْضَائِهَا وَذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَالْحِلِّ الْبَاطِنِ. وَفِي هَذَا بَعْدَ كَوْنِهِ مُنْشَأَ مَفْسَدَةِ التَّقَاتُلِ وَالسَّفْكِ لِكَوْنِهِ عُرْضَةً لَهُ بِاطِّلَاعِ الزَّوْجِ عَلَيْهِ قُبْحُ اجْتِمَاعِ زَوْجَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ أَحَدِهِمَا سِرًّا وَالْآخَرِ جَهْرًا، وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ يَنْبُو عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ فَلَا تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَعَمِّيَّةِ إلَّا بِالْحُكْمِ بِالنَّفَاذِ بَاطِنًا وَثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِفَسْخِ الْقَاضِي فَعَمَّ الصُّوَرَ ثُمَّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ بِالدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَإِثْبَاتُهَا بِالطَّرِيقِ الْبَاطِلِ إثْمٌ يَا لَهُ مِنْ إثْمٍ غَيْرَ أَنَّ الْوَطْءَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِلٍّ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ ادَّعَى فَسْخَ بَيْعِهَا كَذِبًا وَبَرْهَنَ فَقَضَى بِهِ حَلَّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ

[باب الأولياء والأكفاء]

بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ تَزَاحُمًا فَلَا إمْكَانَ بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِأَمْرَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا وَذَلِكَ مَا يَسْلَمُ لَهُ فِيهِ دِينُهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةُ عَنْ تَعْيِينِ سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى الْمِلْكَ فِي هَذَا الشَّيْءِ وَلَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا، فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِهِ قَضَاءٌ بِالْيَدِ لَيْسَ غَيْرُ لِتَزَاحُمِ الْأَسْبَابِ: أَيْ تَعَدُّدِهَا فَلَا يُمْكِنُ الْقَاضِيَ تَعْيِينُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ إذْ لَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ بِخُصُوصِهِ، بِخِلَافِ مَا عُيِّنَ السَّبَبُ فِيهِ وَوَقَعَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى تَعْيِينِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ] أُولَى الشَّرَائِطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا غَالِبًا الشَّرْطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَهُوَ عَقْدُ الْوَلِيِّ. وَالْوَلِيُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ، فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ. الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ: وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَوِلَايَةُ إجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ. وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ: بِالْقَرَابَةِ، وَالْمِلْكِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْإِمَامَةِ. وَافْتَتَحَ الْبَابَ بِالْوِلَايَةِ الْمَنْدُوبَةِ نَفْيًا لِوُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ لِاشْتِهَارِ الْوُجُوبِ فِي بَعْضِ الدِّيَارِ وَكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَاخْتِلَافِهَا. وَحَاصِلُ مَا عَنْ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ سَبْعُ رِوَايَاتٍ: رِوَايَتَانِ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ عَقْدَ نِكَاحِهَا وَنِكَاحَ غَيْرِهَا مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ إنْ عَقَدَتْ مَعَ كُفْءٍ جَازَ وَمَعَ غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ، وَاخْتِيرَتْ لِلْفَتْوَى لِمَا ذُكِرَ أَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يُرْفَعُ وَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَلَ الْقَاضِي فَقَدْ يَتْرُكُ أَنَفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ وَاسْتِثْقَالًا لِنَفْسِ الْخُصُومَاتِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ فَكَانَ مَنْعُهُ دَفْعًا لَهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَحْيَاءٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَقَرَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا، أَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ

(وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ بِرِضَاهَا) وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَلِيٌّ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِوَلِيٍّ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ وُقُوفًا) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِمَقَاصِدِهِ وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِنَّ مُخِلٌّ بِهَا، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: يَرْتَفِعُ الْخَلَلُ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْجَوَازِ مِنْ الْكُفْءِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا مِنْ الْكُفْءِ وَغَيْرِهِ. وَرِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ: انْعِقَادُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إنْ أَجَازَهُ نَفَذَ وَإِلَّا بَطَلَ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ كُفْئًا وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ يُجَدِّدُ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ. وَرِوَايَةُ رُجُوعِهِ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الثَّابِتَ الْآنَ هُوَ اتِّفَاقُ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا مِنْ الْكُفْءِ وَغَيْرِهِ، هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ تَرْتِيبِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عَدَمُ الْجَوَازِ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَكَذَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَلِيٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ فَلَا، وَرُجِّحَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَقْدَمُ وَأَعْرَفُ بِمَذَاهِبِ أَصْحَابِنَا، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ اعْتِبَارُ مَا نَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ. وَعَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى لَوْ زَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا نَفْسَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ غَيْرَ كُفْءٍ. وَأَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا جَازَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا أَصِيلَةً كَانَتْ أَوْ وَكِيلَةً. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ) شُرُوعٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ بَلْ لِمَقَاصِدِهِ مِنْ السَّكَنِ وَالِاسْتِقْرَارِ لِتَحْصِيلِ النَّسْلِ

وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً مُمَيِّزَةً وَلِهَذَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَلَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَرْبِيَتِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ كُلِّ زَوْجٍ، وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِنَّ مُخِلٌّ بِهَذِهِ الْمَقَاصِدِ؛ لِأَنَّهُنَّ سَرِيعَاتُ الِاغْتِرَارِ سَيِّئَاتُ الِاخْتِيَارِ فَيَخْتَرْنَ مَنْ لَا يَصْلُحُ خُصُوصًا عِنْدَ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَهُوَ غَالِبُ أَحْوَالِهِنَّ، فَصَارَتْ الْأُنُوثَةُ مَظِنَّةَ قُصُورِ الرَّأْيِ لِمَا غَلَبَ عَلَى طَبْعِهِنَّ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَاسْتَلْزَمَ هَذَا التَّقْرِيرُ كَوْنَ عِلَّةِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ الْأُنُوثَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَاصِرٌ عَنْ عُمُومِ الدَّعْوَى فَإِنَّهَا لَوْ عَقَدَتْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَهَا فِي رَجُلٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ، وَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ لَا يَشْمَلُهُ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ عِلِّيَّةَ الْأُنُوثَةِ، وَنَهْيُهَا عَنْ الْمُبَاشَرَةِ نَدْبٌ كَيْ لَا تُنْسَبَ إلَى الْوَقَاحَةِ، بَلْ الْعِلَّةُ لَيْسَتْ إلَّا

وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ كَيْ لَا تُنْسَبَ إلَى الْوَقَاحَةِ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُفْءِ وَغَيْرِ الْكُفْءِ وَلَكِنْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّغَرُ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ، وَالْمَفْسَدَةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ لَازِمَةً لِمُبَاشَرَتِهَا وَلَا غَالِبَةً، وَلَا يُنَاطُ الْحُكْمُ بِالْأُنُوثَةِ إذْ لَيْسَتْ مَلْزُومَةً دَائِمًا وَلَا غَالِبًا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَظِنَّةِ، وَمُجَرَّدُ الْوُقُوعِ أَحْيَانَا لَا يُوجِبُ الْمَظِنَّةَ، وَإِذَا وُجِدَ فَلِلْوَلِيِّ رَفْعُهُ، وَكَوْنُ وَلِيٍّ يَحْتَشِمُ عَنْ ذَلِكَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يَقُومُ فِي دَفْعِ الْعَارِ الْمُسْتَمِرِّ عَنْ نَفْسِهِ، فَوُقُوعُ الْمَفْسَدَةِ قَلِيلٌ وَتَقْرِيرُهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا قَلِيلٌ فِي قَلِيلٍ فَانْتَفَتْ الْمَظِنَّةُ، وَبَقِيَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً بَالِغَةً، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ فَلَا تُزَوَّجُ مِمَّنْ لَا تَرْضَاهُ. ثُمَّ اسْتَشْعَرَ أَنْ يُورِدَ عَلَيْهِ مَنْعَ أَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا وَإِلَّا لَمْ يُطَالِبْ الْوَلِيَّ بِهِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُطَالِبُ الْوَلِيَّ بِهِ كَيْ لَا تُنْسَبَ إلَى الْوَقَاحَةِ. وَهَذَا كَلَامٌ عَلَى السَّنَدِ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ إلَّا لَوْ سَاوَى وَهُوَ مُنْتَفٍ، فَإِنَّ لَهُ أَدِلَّةً أُخْرَى سَمْعِيَّةً هِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] نَهَى الْأَوْلِيَاءَ عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنْ نِكَاحِ مَنْ يَخْتَرْنَهُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ مِمَّنْ فِي يَدِهِ الْمَمْنُوعُ وَهُوَ الْإِنْكَاحُ، وَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحَادِيثُ أُخَرُ فِي ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَمَّا الْآيَةُ فَمَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ لَا تَمْنَعُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ الْعَقْدُ. هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْخِطَابِ لِلْأَوْلِيَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ لِلْأَزْوَاجِ فَإِنَّ الْخِطَابَ مَعَهُمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] أَيْ لَا تَمْنَعُوهُنَّ حِسًّا حَبْسًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ، وَيُوَافِقُهَا قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَمَا بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَمُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ. وَالْأَيِّمُ: مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا. فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لِأَبِي عُبَيْدَةَ فِي أَمْثَالِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ: كُلُّ ذَاتِ بَعْلٍ سَتَئِيمُ. يُضْرَبُ لِتَحَوُّلِ الزَّمَنِ بِأَهْلِهِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الْأَوَّلِ : أَفَاطِمُ إنِّي هَالِكٌ فَتَثَبَّتِي ... وَلَا تَجْزَعِي كُلُّ النِّسَاءِ تَئِيمُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَمِنْ الْوَلِيِّ حَقًّا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ أَحَقُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ سِوَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا رَضِيَتْ وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ بِهِ، فَبَعْدَ هَذَا إمَّا أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا رَوَوْا حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ أَوْ طَرِيقَةُ الْجَمْعِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَرَجَّحُ هَذَا بِقُوَّةِ السَّنَدِ وَعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي صِحَّتِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّهُمَا: إمَّا ضَعِيفَانِ: فَحَدِيثُ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» مُضْطَرِبٌ فِي إسْنَادِهِ فِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَإِرْسَالِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَسَمَّى جَمَاعَةً مِنْهُمْ إسْرَائِيلُ وَشَرِيكُ، رَوَوْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَزَيْدُ بْنُ حِبَّانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَدْ اضْطَرَبَ فِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ. وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا اضْطِرَابٌ فِي إرْسَالِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بُرْدَةَ لَمْ يَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشُعْبَةُ وَسُفْيَانُ أَضْبَطُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ. قَالَ: وَأَسْنَدَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْ سُفْيَانَ وَلَا يَصِحُّ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَسْأَلُ أَبَا إِسْحَاقَ أَسَمِعْت أَبَا بُرْدَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» قَالَ نَعَمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إلْزَامِيٌّ، أَمَّا عَلَى رَأْيِنَا فَلَا يَضُرُّ الْإِرْسَالُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَدْ أَنْكَرَهُ الزُّهْرِيُّ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ ابْنَ شِهَابٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ. وَإِمَّا حَسَنَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْأَوَّلِ وَصْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصْلَ وَالرَّفْعَ مُقَدَّمَانِ عَلَى الْوَقْفِ وَالْإِرْسَالِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ أَحْفَظَ مِنْ غَيْرِهِمَا، لَكِنَّ حِكَايَةَ شُعْبَةَ تُفِيدُ أَنَّهُمْ سَمِعَاهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ظَاهِرًا وَغَيْرُهُمَا سَمِعُوهُ مِنْهُ فِي مَجَالِسَ. وَفِي الثَّانِي أَنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَنْسَى الْحَدِيثَ وَلَا يُعَدُّ قَادِحًا فِي صِحَّتِهِ بَعْدَ عَدَالَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَثِقَتِهِ. وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أَشْهَرُهَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَبِيعَةَ ذَكَرَ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ

لِأَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ. وَيُرْوَى رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا (وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ) خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالصَّغِيرَةِ وَهَذَا لِأَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ التَّجْرِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثًا فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: أَنْتَ حَدَّثْتَنِي بِهِ عَنْ أَبِيك فَكَانَ سُهَيْلُ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي عَدَمِ التَّكْذِيبِ، أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ بِأَنْ يَقُولَ مَا رَوَيْت ذَلِكَ فَنَصُّوا فِي الْأُصُولِ عَلَى رَدِّهِ. وَفِي حِكَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ إيَّاهَا فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى حَيْثُ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك، قَالَ: فَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ خَيْرًا وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ اهـ. فَهَذَا اللَّفْظُ فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُفِيدُ مَعْنَى نَفْيِهِ بِلَفْظِ النَّفْيِ. وَأَمَّا مَا ضَعَّفَهُ بِهِ مِنْ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَاوِيَتُهُ عَمِلَتْ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِّ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي بَنَاتِهِ، فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْته، فَاسْتَمَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا فَأُوِّلَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ وَمَهَّدَتْ أَسْبَابَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَقْدُ أَشَارَتْ إلَى مَنْ يَلِي أَمْرَهَا عِنْدَ غَيْبَةِ أَبِيهَا أَنْ يَعْقِدَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تُخْطَبُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا فَتَشْهَدُ، فَإِذَا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قَالَتْ لِبَعْضِ أَهْلِهَا: زَوِّجْ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ. وَفِي لَفْظٍ: فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَنْكِحْنَ. أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَالتَّقْدِمَةُ لِلصَّحِيحِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ. وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ إعْمَالُ طَرِيقَةِ الْجَمْعِ فَبِأَنْ يُحْمَلَ عُمُومُهُ عَلَى الْخُصُوصِ وَذَلِكَ سَائِغٌ، وَهَذَا يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى بَعْدَ جَوَازِ كَوْنِ النَّفْيِ لِلْكَمَالِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِ «فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا تَلِي وَلَا يَنْكِحْنَ» فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ. وَبِأَنْ يُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ يُتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ، أَيْ لَا نِكَاحَ إلَّا بِمَنْ لَهُ وِلَايَةٌ لِيَنْفِيَ نِكَاحَ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ وَالْمَعْتُوهَةَ وَالْأَمَةَ وَالْعَبْدَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْحَدِيثِ عَامٌّ غَيْرُ مُقَيَّدٍ. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَتِمُّ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ الْجَامِعِ لِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ وَالْوَلِيِّ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي فَصْلِ الشَّهَادَةِ، وَيَخُصُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ بِمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفْءِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ حَقِيقَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا بَاشَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، أَوْ حُكْمُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُهُ، وَيَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي فَسْخِهِ، كُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ فِي إطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ وَيَجِبُ ارْتِكَابُهُ لِدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهَا، عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إذَا أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا كَانَ صَحِيحًا وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. فَثَبَتَ مَعَ الْمَنْقُولِ الْوَجْهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهُوَ نَفْسُهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَالِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ) مَعْنَى الْإِجْبَارِ أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْإِجْبَارِ أَهُوَ الصِّغَرُ أَوْ الْبَكَارَةُ؟ فَعِنْدَنَا الصِّغَرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبَكَارَةُ، فَانْبَنَى عَلَى هَذِهِ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ فَدُخِلَ بِهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ

وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا. وَلَنَا أَنَّهَا حُرَّةٌ مُخَاطَبَةٌ فَلَا يَكُونُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ، وَالْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِقُصُورِ عَقْلِهَا وَقَدْ كَمُلَ بِالْبُلُوغِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ فَصَارَ كَالْغُلَامِ وَكَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا عِنْدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ فَتُشَاوَرَ لِعَدَمِ الْبَكَارَةِ. وَعِنْدَنَا لَهُ تَزْوِيجُهَا لِوُجُودِ الصِّغَرِ. وَحَاصِلُ وَجْهِ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْبِكْرَ الْكَبِيرَةَ بِالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ إجْبَارِهَا فِي النِّكَاحِ بِجَامِعِ الْجَهْلِ بِأَمْرِ النِّكَاحِ وَعَاقِبَتِهِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِأَمْرِ النِّكَاحِ هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بَلْ هُوَ مَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ لِلْقَطْعِ بِجَوَازِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِمَّنْ جَهِلَهُ لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ، مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا تَجْهَلُ بَالِغَةٌ مَعْنَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَحُكْمِهِ وَبِهَذَا يَسْقُطُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِيَكُنْ الْجَهْلُ حِكْمَةَ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالصِّغَرِ كَمَا ذَكَرْتُمْ، لَكِنْ يَجُوزُ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ إنْ وُجِدَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ، بَلْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ بِالصِّغَرِ الْمُتَضَمِّنِ لِقُصُورِ الْعَقْلِ الْمُخْرِجِ لَهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ فِي رَأْيٍ أَوْ يَلْتَفِتَ إلَيْهِ فِي أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَهَذَا الَّذِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاقْتِضَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ اتِّفَاقًا، عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحِكْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ الظَّاهِرَةِ الْمُنْضَبِطَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ هُنَاكَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الشَّرْعِ بَعْدُ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَهْلَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا، بَلْ الْمَظِنَّةُ وَالْكَلَامُ فِيهَا أَهِيَ الْبَكَارَةُ أَوْ الصِّغَرُ فَقُلْنَا الصِّغَرُ. أَمَّا الْبَكَارَةُ فَمَعْلُومٌ إلْغَاؤُهَا مِنْ الصَّرِيحِ وَالدَّلَالَةِ وَنَوْعٍ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَمَقْصُودِ الشَّرْعِ. أَمَّا الصَّرِيحُ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ عَنْ حُسَيْنٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُسَيْنٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَحَدُ الْمُخَرَّجِ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ إنَّهُ مُرْسَلٌ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إيَّاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ تَخْطِئَةَ الْوَصْلِ لِرِوَايَةِ حَمَّادٍ هَذِهِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا، وَنِسْبَةُ الْوَهْمِ فِي الْوَصْلِ إلَى حُسَيْنٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ جَرِيرٍ غَيْرُهُ مَرْدُودٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَبِحُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ الصَّحِيحِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَدْ تَابَعَ حُسَيْنًا عَلَى الْوَصْلِ عَنْ جَرِيرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَنْ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ قَالَ: فَبَرِئَتْ عُهْدَتُهُ، يَعْنِي حُسَيْنًا وَزَالَتْ تَبَعَتُهُ ثُمَّ أَسْنَدَهُ عَنْهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ سُوَيْد هَكَذَا عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَيُّوبَ فَزَالَ الرَّيْبُ وَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ مَرَّةً: إنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ، وَذَكَرَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا صَحِيحٌ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ «خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْهُ فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَهُ» ، فَإِنَّ هَذِهِ بِكْرٌ وَتِلْكَ ثَيِّبٌ اهـ. عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ خَنْسَاءَ أَيْضًا كَانَتْ بِكْرًا، أَخْرَجَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَهَا وَفِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا. وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ «عَنْ خَنْسَاءَ قَالَتْ: أَنْكَحَنِي أَبِي وَأَنَا كَارِهَةٌ وَأَنَا بِكْرٌ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . الْحَدِيثَ، لَكِنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ تَتَرَجَّحُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا ثِنْتَانِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ نِكَاحَ ثَيِّبٍ وَبِكْرٍ أَنْكَحَهُمَا أَبُوهُمَا وَهُمَا كَارِهَتَانِ» . قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَتَزَوَّجَتْ خَنْسَاءُ بِمَنْ هَوِيَتْهُ وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، صَرَّحَ بِهِ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ فَوَلَدَتْ لَهُ السَّائِبَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ عَنْ الذِّمَارِيِّ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا أَبُو سَلَمَةَ مُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ الصَّنْعَانِيُّ. وَوَهَّمَ الدَّارَقُطْنِيُّ الذِّمَارِيَّ نَفْسَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَصَوَّبَ إرْسَالَهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ الْمُهَاجِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَتِمُّ بِهِ الْمَقْصُودُ الَّذِي سُقْنَاهُ لَهُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» فَهَذَا عَنْ جَابِرٍ، وَوَهَّمَ شُعَيْبًا فِي رَفْعِهِ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَبِهِ يَتِمُّ مَقْصُودُنَا إمَّا لِأَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِمَّا لِأَنَّا ذَكَرْنَاهُ لِلِاسْتِشْهَادِ وَالتَّقْوِيَةِ. وَأَحَادِيثُ أُخَرُ رُوِيَتْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَإِنْ تُكُلِّمَ فِيهَا. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا» بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَصَّ الثَّيِّبَ بِأَنَّهَا أَحَقُّ، فَأَفَادَ أَنَّ الْبِكْرَ لَيْسَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ فَاسْتِفَادَةُ ذَلِكَ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَنَا، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يُعَارِضُ الْمَفْهُومَ الصَّرِيحَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ رَدِّهِ، وَلَوْ سَلِمَ فَنَفْسُ نَظْمِ بَاقِي الْحَدِيثِ يُخَالِفُ الْمَفْهُومَ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا» إلَخْ، إذْ وُجُوبُ الِاسْتِئْمَارِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ مُنَافٍ لِلْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْأَمْرِ أَوْ الْإِذْنِ، وَفَائِدَتُهُ الظَّاهِرَةُ لَيْسَتْ إلَّا لِيَسْتَعْلِمَ رِضَاهَا أَوْ عَدَمَهُ فَيَعْمَلَ عَلَى وَفْقِهِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ طَلَبِ الِاسْتِئْذَانِ فَيَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَهُ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ لَوْ عَارَضَهُ. وَالْحَاصِلُ مِنْ لَفْظِ إثْبَاتِ الْأَحَقِّيَّةِ لِلثَّيِّبِ بِنَفْسِهَا مُطْلَقًا، ثُمَّ أَثْبَتَ مِثْلَهُ لِلْبِكْرِ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ أَنْ تُسْتَأْمَرَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَحَقِّيَّةِ كُلٍّ مِنْ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ بِلَفْظٍ يَخُصُّهَا كَأَنَّهُ قَالَ: الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُ أَفَادَ أَحَقِّيَّةَ الْبِكْرِ بِإِخْرَاجِهِ فِي ضِمْنِ إثْبَاتِ حَقِّ الِاسْتِئْمَارِ لَهَا. وَسَبَبُهُ أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا عَادَةً بَلْ إلَى وَلِيِّهَا، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ، فَلَمَّا كَانَ الْحَالُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَخُطْبَتُهَا تَقَعُ لِلْوَلِيِّ صَرَّحَ بِإِيجَابِ اسْتِئْمَارِهِ إيَّاهَا فَلَا يَفْتَاتُ عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِهَا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ رِضَاهَا بِالْخَاطِبِ، وَيُعَضِّدُ هَذَا الْمَعْنَى الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الثَّابِتَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَالْأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي إثْبَاتِ الْأَحَقِّيَّةِ لِلْبِكْرِ ثُمَّ تَخْصِيصِهَا بِالِاسْتِئْذَانِ وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ السَّبَبِ وَبِهِ تَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ، بِخِلَافِ مَا مَشَوْا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا وَتَخْصِيصُ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ الْأَيِّمُ لِإِعْمَالِ الْمَفْهُومِ، مَعَ أَنَّ بَاقِيَ نَفْسِ رِوَايَةِ الثَّيِّبِ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ الْمَفْهُومِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ وَصَرِيحُ الرَّدِّ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَرَّ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَمَّا ذَهَبْنَا إلَيْهِ فِي تَقْرِيرِ الْحَدِيثِ خُصُوصًا وَهُوَ جَمْعٌ ظَاهِرٌ لَا بِطَرِيقِ الْحَمْلِ وَالتَّخْصِيصِ وَلَا يَدْفَعُهُ قَاعِدَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَلَا أَصْلِيَّةٌ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا

وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الصَّدَاقِ بِرِضَاهَا دَلَالَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ، فَقَالَتْ اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَرْسَلَ إلَى أَبِيهَا فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُعَلِّمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ» وَهَذَا يُفِيدُ بِعُمُومِهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ حَقًّا ثَابِتًا بَلْ اسْتِحْبَابٌ. وَفِيهِ دَلِيلٌ مِنْ جِهَةِ تَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهَا ذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ حَدِيثٌ حُجَّةٌ، وَمَا قِيلَ هُوَ مُرْسَلُ ابْنِ أَبِي بُرْدَةَ فَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ سَنَدَ النَّسَائِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَرَّابٍ عَنْ كَهَمْسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهَمْسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ مَعَ أَنَّ الْعَرَبَ إنَّمَا يَعْتَبِرُونَ فِي الْكَفَاءَةِ النَّسَبَ، وَالزَّوْجُ كَانَ ابْنَ عَمِّهَا. وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَقَلِّ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَكُلُّ الْمَالِ دُونَ النَّفْسِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ أَنْ يُخْرِجَهَا قَسْرًا إلَى مَنْ هُوَ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إلَيْهَا وَيُمَلِّكُهُ رِقَّهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَهَابَ جَمِيعِ مَالِهَا أَهْوَنُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ. وَأَمَّا الِاقْتِضَاءُ فَجَمِيعُ مَا فِي السُّنَّةِ مِنْ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ الْمُصَرِّحَةِ بِاسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَمَنْعِ التَّنْفِيذِ عَلَيْهَا بِلَا إذْنِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي لَا يُعْقَلُ لَهُ فَائِدَةٌ إلَّا الْعَمَلُ عَلَى وَفْقِهِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا أَنْ تُخَالِفَ، فَلَوْ كَانَ الْإِجْبَارُ ثَابِتًا لَزِمَ ذَلِكَ وَعَرَى الْأَمْرُ بِالِاسْتِئْذَانِ عَنْ الْفَائِدَةِ بَلْ لَزِمَتْ الْإِحَالَةُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الِاقْتِضَاءُ الْمُصْطَلَحُ قُلْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ فَظَهَرَ ظُهُورًا لَا مَرَدَّ لَهُ أَنَّ إيجَابَ اسْتِئْذَانِهَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ إجْبَارِهَا وَالْوِلَايَةِ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا تَحْقِيقُ مَقْصُودِ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ انْتِظَامُ الْمَصَالِحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِيَحْصُلَ النَّسْلُ وَيَتَرَبَّى بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا مَعَ غَايَةِ الْمُنَافَرَةِ. فَإِذَا عُرِفَ قِيَامُ سَبَبِ انْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَقْدٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَتُهُ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا ثُمَّ يَطْرَأُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِقَبْضِ الْآبَاءِ أَصْدِقَةَ الْأَبْكَارِ لِيُجَهِّزُوهُنَّ بِهَا مَعَ أَمْوَالِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةِ الْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ لِآبَائِهِنَّ، وَلِاسْتِحْيَاءِ الْبَنَاتِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَالِاقْتِضَاءِ فَكَانَ الْإِذْنُ مِنْهُنَّ ثَابِتًا دَلَالَةً نَظَرًا إلَى مَا ذَكَرْنَا فَعَنْ ذَلِكَ يَبْرَأُ الزَّوْجُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَهْيُهَا صَرِيحًا؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ الصَّرِيحِ بِخِلَافِ مُتَعَلِّقِهَا. وَمِنْ فُرُوعِ قَبْضِ الْأَبِ صَدَاقَهَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا قَبْضَ الْمُسَمَّى حَتَّى لَوْ كَانَتْ بِيضًا لَا يَلِي قَبْضَ السُّودِ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْدَالٌ وَلَا يَمْلِكُهُ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا، وَعَنْ عُلَمَاءِ بَلْخٍ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَإِنْ قَبَضَ الضِّيَاعَ: يَعْنِي بَدَلَ الْمُسَمَّى لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَكَان جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ كَمَا فِي رساتيقنا يَأْخُذُونَ بِبَعْضِ الْمَهْرِ ضِيَاعًا، هَذَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً بِكْرًا، فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً جَازَ قَبْضُ الضِّيَاعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَخْتَارُهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَالْأَبُ يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ بِنْتِهِ الصَّغِيرَةِ. وَفِي النَّوَازِلِ: وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَتَعَارَفُونَ قَبْضَ الضِّيَاعِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ الْمَهْرِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَلَيْسَ شِرَاءً فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِلْأَبِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْمَهْرِ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا يُسْتَمْتَعُ بِهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ، وَوُجُوبُ الْمَهْرِ حُكْمُ نَفْسِ الْعَقْدِ. وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ

وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا. قَالَ (وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إذْنٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ» وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الرِّضَا فِيهِ رَاجِحَةٌ، لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ لَا عَنْ الرَّدِّ، وَالضَّحِكُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السُّخْطِ وَالْكَرَاهَةِ. وَقِيلَ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَبِ كَالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرُهُمَا قَبْضَ الْمَهْرِ وَلَا الْأُمُّ إلَّا بِحُكْمِ الْوِصَايَةِ وَالزَّوْجَةُ صَغِيرَةٌ، حَتَّى لَوْ قَبَضَتْ الْأُمُّ بِلَا وِصَايَةٍ فَكَبُرَتْ الْبِنْتُ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْأُمِّ، كَذَا ذَكَرَ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ زَادَ: لِلْقَاضِي قَبْضُ صَدَاقِ الْبِكْرِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً إلَّا إذَا زُفَّتْ. وَلَوْ طَلَبَ الْأَبُ مَهْرَهَا، أَعْنِي الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ فَقَالَ الزَّوْجُ دَخَلْتُ بِهَا: يَعْنِي فَلَا تَمْلِكَ قَبْضَهُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الْأَبْكَارِ وَقَالَ الْأَبُ بَلْ هِيَ بِكْرٌ فِي مَنْزِلِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي حَادِثًا بِلَا بَيِّنَةٍ، فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ حَلِّفْهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنِّي دَخَلْتُ بِهَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْلِفَ وَهُوَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْمَهْرِ وَكَانَتْ الْمُطَالَبَةُ لِلْبِنْتِ فَكَانَ التَّحْلِيفُ مُفِيدًا. قَالَ: وَرَأَيْت فِي أَدَبِ الْخَصَّافِ بِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، وَلَوْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ فَادَّعَى دَفْعَهُ لِلْأَبِ وَلَا بَيِّنَةَ غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ إنْ كَانَتْ الْبِنْتُ بِكْرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ صُدِّقَ أَوْ ثَيِّبًا فَلَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حَالَةَ الْبَكَارَةِ فِي حَالِ وِلَايَةِ قَبْضِهِ بِخِلَافِ حَالِ الثُّيُوبَةِ، وَلَا يُشْكِلُ عَدَمُ تَصْدِيقِهِ حَالَ الثُّيُوبَةِ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً، فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً صُدِّقَ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ بَلَغَتْ فَطَلَبَتْ الْمَهْرَ فَقَالَ الزَّوْجُ دَفَعْته إلَى أَبِيك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَصَدَّقَهُ الْأَبُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا الْيَوْمَ. وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْمَهْرَ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْقَبْضَ إلَّا إنْ قَالَ عِنْدَ الْقَبْضِ الْمَهْرُ أَخَذْته مِنْك عَلَى أَنْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِ بِنْتِي، فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَتْ (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ إلَخْ) ظَاهِرٌ حُكْمًا وَدَلِيلًا، وَالْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ الِاخْتِيَارِيُّ، فَلَوْ أَخَذَهَا سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ أَخَذَ فَمَهَا فَخَلَصَتْ فَرَدَّتْ ارْتَدَّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ. فِي التَّجْنِيسِ: حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا جَازَ، وَلَوْ تَبَسَّمَتْ يَكُونُ إذْنًا فِي الصَّحِيحِ، وَمَا حَكَاهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إذَا ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ لَا يَكُونُ رِضًا، وَضِحْكُ الِاسْتِهْزَاءِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَحْضُرُهُ، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَا يَكُونُ رَدًّا اُخْتِيرَ لِلْفَتْوَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي االْبُكَاءِ أَنَّهُ رِضًا؛ لِأَنَّهُ لِشِدَّةِ الْحَيَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رُدَّ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ لِإِظْهَارِ الْكَرَاهَةِ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فِي الْبُكَاءِ وَالضَّحِكِ، فَإِنْ تَعَارَضَتْ أَوْ أُشْكِلَ اُحْتِيطَ، وَعَنْ هَذَا مَا اعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ دُمُوعَهَا إنْ كَانَتْ حَارَّةً فَهُوَ رَدٌّ أَوْ بَارِدَةً فَهُوَ رِضًا، لَكِنَّهُ اعْتِبَارٌ قَلِيلُ الْجَدْوَى أَوْ عَدِيمُهُ، إذْ الْإِحْسَاسُ بِكَيْفِيَّتَيْ الدَّمْعِ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا لِخَدِّ الْبَاكِي، وَلَوْ ذَهَبَ إنْسَانٌ يُحِسُّهُ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْمَقْصُودِ وَلَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ، إلَّا أَنَّهُ كَذَا ذَكَرَ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ مَسَائِلَ اعْتَبَرْت السُّكُوتَ فِيهَا رِضًا مِنْهَا هَذِهِ، وَضَمَمْت إلَيْهَا مَا تَيَسَّرَ وَقَدْ جَمَعْتهَا فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ تَسْهِيلًا لِحِفْظِهَا: سُكُوتُ بِكْرٍ فِي النِّكَاحِ وَفِي ... قَبْضِ الْأَبْيَنِ صَدَاقُهَا إذْنُ قَبْضُ الْمُمَلَّكِ وَالْمَبِيعِ وَلَوْ ... فِي فَاسِدٍ وَإِذَا اشْتَرَى قِنُّ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَذُو الشِّرَاءِ إذَا ... كَانَ الْخِيَارُ لَهُ كَذَا سَنُّوا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْلَى الْأَسِيرِ يُبَاعُ وَهُوَ يَرَى ... وَأَبُو الْوَلِيدِ إذَا انْقَضَى الزَّمَنُ وَعَقِيبَ شَقِّ الزِّقِّ أَوْ حَلِفٍ ... يُنْفَى بِهِ الْإِسْكَانُ إذْ ضَنُّوا وَعَقِيبَ قَوْلِ مَوَاضِعَ نُمْضِي ... أَوْ وَضْعِ مَالٍ ذَا لَهُ يَرْنُو وَبُلُوغِ جَارِيَةٍ وَزَوَّجَهَا ... غَيْرُ الْأَبْيَنِ بِذَاكَ قَدْ مَنُّوا وَكَذَا الشَّفِيعُ وَذُو الْجَهَالَةِ فِي ... نَسَبٍ شَرَاهُ مَنْ بِهِ ضَغَنُ وَإِذَا يَقُولُ لِغَيْرِهِ فَسَكَتْ ... هَذَا مَتَاعِي بِعْهُ يَا مَعْنُ وَإِذَا رَأَى مِلْكًا يُبَاعُ لَهُ ... وَتَصَرَّفُوا زَمَنًا فَلَمْ يَدْنُو قَوْلِي سُكُوتُ بِكْرٍ يَشْمَلُ مَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَمَا بَعْدَهُ: أَعْنِي إذَا زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا فَسَكَتَتْ، وَقَبْضُ الْمُمَلَّكِ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْهُوبُ وَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ إذَا قَبَضَ بِمَرْأًى مِنْ الْمُمَلَّكِ فَسَكَتَ كَانَ قَبْضًا مُعْتَبَرًا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ، وَكَذَا الْمَبِيعُ وَلَوْ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِمَرْأًى مِنْ الْبَائِعِ فَسَكَتَ صَحَّ فَيَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ إيَّاهُ إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بَلْ يُطَالِبُ بِالثَّمَنِ. وَفِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ لَا يَكُونُ إذْنًا صَحِيحًا فِي الْفَاسِدِ. وَإِذَا اشْتَرَى قِنٌّ: يَعْنِي إذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ شَيْئًا بِحَضْرَةِ سَيِّدِهِ فَسَكَتَ كَانَ إذْنًا. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَكِنْ نَفْسُ مَا وَقَعَتْ الرُّؤْيَةُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بَلْ مَا بَعْدَهُ، وَالصَّبِيُّ إذَا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِمَرْأًى مِنْ وَلِيِّهِ فَسَكَتَ كَالْعَبْدِ، وَذُو الشِّرَاءِ: أَيْ الْمُشْتَرِي عَبْدًا إذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَرَأَى الْعَبْدَ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي فَسَكَتَ سَقَطَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَرْعُ نَفَاذِ الْبَيْعِ. وَمَوْلَى الْأَسِيرِ: أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي أُسِرَ إذَا ظَهَرَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ فَوَقَعَ فِي سَهْمِ مُسْلِمٍ كَانَ مَوْلَاهُ أَحَقَّ بِهِ بِالْقِيمَةِ، فَلَوْ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَمَوْلَاهُ يَرَاهُ فَسَكَتَ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. وَأَبُو الْوَلِيدِ إذَا سَكَتَ وَلَمْ يَنْفِهِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّهْنِئَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِقْدَارِ زَمَنِهِ أَهُوَ الْأُسْبُوعُ أَوْ مُدَّةُ النِّفَاسِ لَزِمَهُ فَلَا يَنْتَفِي بَعْدُ، وَالسُّكُوتُ عَقِيبَ شَقِّ رَجُلٍ زِقَّهُ حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ لَا يَضْمَنُ الشَّاقُّ مَا سَالَ وَعَقِيبَ الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا أُسْكِنَ فُلَانًا وَفُلَانٌ سَاكِنٌ فَيَحْنَثُ، فَإِنْ قَالَ عَقِبَهُ اُخْرُجْ فَأَبَى لَمْ يَحْنَثْ. وَعَقِيبَ قَوْلِ مُوَاضِعٍ أَيْ رَجُلٍ وَاضَعَ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ يَظْهَرَ بَيْعُ تَلْجِئَةٍ ثُمَّ قَالَ بَدَا لِي أَنْ أَجْعَلَهُ بَيْعًا نَافِذًا بِمِسْمَعٍ مِنْ الْآخَرِ فَسَكَتَ ثُمَّ عَقَدَ كَانَ نَافِذًا. وَعَقِيبَ وَضْعِ رَجُلٍ مَتَاعَهُ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ يَكُونُ قَبُولًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا وَيَضْمَنُ بِتَرْكِهِ. وَالشَّفِيعُ إذَا بَلَغَهُ بَيْعُ مَا يَشْفَعُ فِيهِ فَسَكَتَ كَانَ تَسْلِيمًا، وَذُو الْجَهَالَةِ: أَيْ مَجْهُولُ النَّسَبِ إذَا بِيعَ فَسَكَتَ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْحُرِّيَّةَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، زَادَ الطَّحَاوِيُّ فِي اعْتِبَارِ سُكُوتِهِ رِضًا. وَقِيلَ لَهُ قُمْ مَعَ سَيِّدِك فَقَامَ. وَإِذَا يَقُولُ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ بِعْ مَتَاعِي فَسَكَتَ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدُ يَكُونُ سُكُوتُهُ قَبُولًا لِلْوَكَالَةِ فَلَا يَكُونُ بَيْعَ فُضُولِيٍّ؛ وَلَيْسَ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ مَا فِي الْجَوَامِعِ: لَوْ اسْتَأْمَرَ بِنْتَ عَمِّهِ لِنَفْسِهِ وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا بِسُكُوتِهَا. وَإِذَا رَأَى مِلْكًا لَهُ مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا يُبَاعُ فَسَكَتَ حَتَّى قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَتَصَرَّفَ فِيهِ زَمَانًا سَقَطَ دَعْوَاهُ إيَّاهُ ذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ سُكُوتَهُ عِنْدَ مُجَرَّدِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رِضًا اعْتِرَافًا بِأَنْ لَا حَقَّ فِيهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَاَلَّتِي زِدْتهَا مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ، وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُ عَدَمَ

ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ بِمَا سَمِعَتْ لَا يَكُونُ رِضًا، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَمْ يَكُنْ رَدًّا. قَالَ (وَإِنْ) (فَعَلَ هَذَا غَيْرُ وَلِيٍّ) يَعْنِي اسْتَأْمَرَ غَيْرُ الْوَلِيِّ (أَوْ وَلِيُّ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ) (لَمْ يَكُنْ رِضًا حَتَّى تَتَكَلَّمَ بِهِ) لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا، وَلَوْ وَقَعَ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَالِاكْتِفَاءُ بِمِثْلِهِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمَرُ رَسُولَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ مِنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَصْرِ وَهَذِهِ الْمَشْهُورَةُ الْمَحْصُورَةُ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَ هَذَا) أَيْ الِاسْتِئْذَانَ (غَيْرُ وَلِيٍّ) بِأَنْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا (أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ) كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ (لَمْ يَكُنْ) سُكُوتُهَا وَلَا ضَحِكُهَا (رِضًا) بَلْ نُطْقُهَا بِهِ وَهَذَا يَشْمَلُ رَسُولَ الْوَلِيِّ فَأَخْرَجَهُ آخِرًا بِقَوْلِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمَرُ رَسُولَ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَكُونُ سُكُوتُهَا عِنْدَ اسْتِئْذَانِهِ رِضًا. وَعَنْ الْكَرْخِيِّ: يَكْفِي سُكُوتُهَا وَإِنْ كَانَ اسْتَأْمَرَ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّ اسْتِحْيَاءَهَا مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْهُ مَعَ الْوَلِيِّ. قُلْنَا: السُّكُوتُ فِيهِ لَهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَهُوَ قِلَّةُ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَصَارَ مُحْتَمَلًا عَلَى السَّوَاءِ فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا إلَّا لِلْحَاجَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِاعْتِبَارِهِ مَعَ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُزَوِّجُونَ غَالِبًا فَكَانَ اعْتِبَارُهُ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ إذْ لَا يُعْتَبَرُ الْمُحْتَمَلُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَاجَةً لِأَنَّهَا لَا تَنْطِقُ، فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْمُحْتَمَلِ تَعَطَّلَتْ مَصَالِحُهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ الْأَوْلِيَاءِ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ عَلَى السَّوَاءِ. وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ لِأَنَّ جَنْبَةَ الرِّضَا فِيهِ غَالِبٌ فَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ وَقَعَ كَانَ مُحْتَمَلًا، ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ: وَلَوْ وَقَعَ دَلَالَةً كَانَ مُحْتَمَلًا إنْ أَرَادَ احْتِمَالًا مُسَاوِيًا لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ دَلَالَةً. وَإِنْ أَرَادَ مَرْجُوحًا كَانَ الرِّضَا مَظْنُونًا فَهُوَ دَلَالَةٌ فَيَكُونُ كَافِيًا مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ بِحَالَةِ كَوْنِ الْمُسْتَأْمَرِ وَلِيًّا. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إطْلَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذْنُهَا أَنْ تَسْكُتَ» وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِ الْمُسْتَأْمَرِ وَلِيًّا. قُلْنَا: يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ لِلْبِكْرِ لَيْسَ إلَّا الْوَلِيُّ بَلْ لَا يَخْلُصُ إلَيْهَا غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ) أَيْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا فِي الِاسْتِئْمَارِ (تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ لَهَا) إمَّا بِاسْمِهِ كَأُزَوِّجُكِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ أَوْ فِي ضِمْنِ الْعَامِّ لَا كُلِّ عَامٍّ نَحْوَ مِنْ جِيرَانِي أَوْ بَنِي عَمِّي وَهُمْ مَحْصُورُونَ مَعْرُوفُونَ لَهَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا مُعَارِضٌ، بِخِلَافِ: مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ مِنْ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ لِعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ يَضْعُفُ الظَّنُّ. وَلَوْ زَوَّجَهَا بِحَضْرَتِهَا فَسَكَتَتْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَوْ عَرَفَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ زَوَّجَهَا بِحَضْرَتِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ

(وَلَا تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ بِدُونِهِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ رِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ) أَيْ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِاخْتِلَافِ الرَّغْبَةِ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ قِلَّةً وَكَثْرَةً، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ صِحَّةٌ بِدُونِهِ. وَصَحَّحَ فِي شَرْحِ الْوَافِي أَنَّ الْمُزَوِّجَ إنْ كَانَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ لَا يُشْتَرَطُ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ نَزَلَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَرْبُو عَلَيْهِ، فَإِنْ سَمَّى الْمَهْرَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ الصَّغِيرَةَ بِحُكْمِ الْجَبْرِ، وَالْكَلَامُ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ مُشَاوَرَتُهُ لَهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَصْدُرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا إلَّا بِرِضَاهَا، غَيْرَ أَنَّ رِضَاهَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُضْعِفُ ظَنَّ كَوْنِهِ رِضًا. وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ لَا يَصِحَّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَا تَرْضَى إلَّا بِالزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ، فَمَا لَمْ تَعْلَمْ ثُبُوتَهَا لَا تَرْضَى، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ بِلَا تَسْمِيَةٍ هُوَ فِيمَا إذَا رَضِيَتْ بِالتَّفْوِيضِ وَقَنَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى السُّكُوتِ، وَكَوْنُ الظَّاهِرِ مِنْ الْأَبِ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ إلَّا لِمَا يَرْبُو عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي رِضَاهَا بِتَرْكِهِ لِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فَقَدْ لَا تَخْتَارُ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ فِي الْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِيهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرَةِ، أَمَّا الْكَبِيرَةُ فَنَفَاذُ تَزْوِيجِ الْأَبِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَاهَا كَالْوَكِيلِ، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَهَا جُعِلَ دَلَالَةً شَرْعًا، فَإِذَا عَارَضَهُ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ أَوْ تَسْمِيَةُ النَّاقِصِ صَارَ مُحْتَمِلًا عَلَى السَّوَاءِ لِكَوْنِهِ لِلرِّضَا أَوْ لِخَوْفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِهِ فَلَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِهِ، وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ الِاحْتِمَالُ مُتَسَاوِيًا بَلْ الرَّاجِحُ جَنْبَةُ الرِّضَا، فَمَا اكْتَفَى إلَّا بِالْمَظْنُونِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَقَدْ يُقَالُ: سُكُوتُهَا إذًا لَمْ يُسَمِّ لَهَا الْوَلِيُّ مَهْرًا مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضًا وَيَنْفُذُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا تَفْوِيضٌ وَرِضًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَبِكُلِّ مَهْرٍ، لَكِنْ يُدْفَعُ بِأَنَّ عِلْمَهَا بِأَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا مَعَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ بِكُلِّ مَهْرٍ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَا يَلْزَمُ عِلْمُهَا. وَفِي التَّجْنِيسِ فِي بَابِ مَا يَكُونُ رِضًا وَإِجَازَةً: إذَا ذَكَرَ الزَّوْجَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ فَسَكَتَتْ، إنْ وَهَبَهَا يَعْنِي إنْ فَوَّضَهَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ، وَإِنْ زَوَّجَهَا بِمَهْرٍ مُسَمًّى لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَهَبَهَا فَتَمَامُ الْعَقْدِ بِالزَّوْجِ وَالْمَرْأَةُ عَالِمَةٌ بِهِ، وَإِذَا سَمَّى مَهْرًا فَتَمَامُهُ بِهِ أَيْضًا. وَهُوَ فَرْعُ اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا، وَيَجِبُ كَوْنُ الْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُقَيَّدًا بِمَا إذَا عَلِمْت بِالتَّفْوِيضِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهَا إنْ سَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ بِلَا اسْتِهْزَاءٍ

لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ، ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بَكَتْ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ رِضًا وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ: لَا يَكُونُ السُّكُوتُ بَعْدَ الْعَقْدِ رِضًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ قَبْلَهُ رِضًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْحَاجَةُ إلَى الْإِجَازَةِ وَالسُّكُوتُ لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، فَإِنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ لَيْسَ مُلْزِمًا وَبَعْدَهُ إذَا بَلَغَهَا الْخَبَرُ مُلْزِمٌ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: السُّكُوتُ بَعْدَ الْعَقْدِ رَدَّ ذِكْرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَجْهَ كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا لَا يَخْتَلِفُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ، فَكَمَا كَانَ إذْنًا قَبْلَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إجَازَةً بَعْدَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ بِكَوْنِهِ مُلْزِمًا وَعَدَمِهِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ مُلْزِمٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ فِي تَقَدُّمِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ بِهِ اللُّزُومُ فِي الْحَالِ وَقَبْلَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّزْوِيجِ مِنْ الْمُسْتَأْذِنِ. فَإِنْ قِيلَ يُوَجَّهُ قَوْلُ ابْنِ مُقَاتِلٍ وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ بِالنَّصِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ صَرَّحَتْ بِالرِّضَا بَعْدَ الْعَقْدِ نُطْقًا جَازَ النِّكَاحُ مَعَ أَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ ظَاهِرَ النَّهْيِ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ الْمَنْعُ عَنْ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَإِبْرَامُهُ قَبْلَ إذْنِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْإِجَازَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِمَاذَا تَكُونُ، فَقُلْنَا: دَلَّ النَّصُّ عَلَى كَوْنِهَا بِمَا كَانَ الْإِذْنُ بِهِ قَبْلَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَعَلَى هَذَا فَرَّعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْذَنَهَا فِي مُعَيَّنٍ فَرَدَّتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَسَكَتَتْ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَغَهَا فَرَدَّتْ ثُمَّ قَالَتْ رَضِيتُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَطَلَ بِالرَّدِّ فَالرِّضَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ مَفْسُوخٌ، وَلِذَا اسْتَحْسَنُوا التَّجْدِيدَ عِنْدَ الزِّفَافِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ، إذْ غَالِبُ حَالِهِنَّ إظْهَارُ النَّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ. هَذَا وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ الصَّرِيحَ لَا يَنْزِلُ عَنْ تَضْعِيفِ كَوْنِ ذَلِكَ السُّكُوتِ دَلَالَةَ الرِّضَا، وَلَوْ كَانَتْ قَالَتْ قَدْ كُنْت قُلْتُ لَا أُرِيدُهُ وَلَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا عَلَى امْتِنَاعِهَا. [فُرُوعٌ] وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ كُلٌّ مِنْ وَاحِدٍ فَسَكَتَتْ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ بَطَلَا كَمَا لَوْ أَجَازَتْهُمَا مَعًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا. وَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُمَا يَتَوَقَّفَانِ حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَعَنْهُ حِينَئِذٍ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ فَبَلَغَهَا فَرَدَّتْ ثُمَّ قَالَتْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بَعْدَمَا قَالَ لَهَا إنَّ أَقْوَامًا

خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ رَسُولًا لَا يُشْتَرَطُ إجْمَاعًا وَلَهُ نَظَائِرُ (وَلَوْ اسْتَأْذَنَ الثَّيِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» وَلِأَنَّ النُّطْقَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا مِنْهَا وَقَلَّ الْحَيَاءُ بِالْمُمَارَسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْطُبُونَك: أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُ فَزَوَّجَهَا مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا إلَّا بِإِجَازَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ كَلَامِهِ إذَا رَغِبْت عَنْ فُلَانٍ فَإِنَّ أَقْوَامًا آخَرِينَ يَخْطُبُونَك فَلَا يَنْصَرِفُ رِضَاهَا الْآنَ إلَى مَا يَعُمُّ الْأَوَّلَ، وَهَذَا كَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ إنِّي كَرِهْت فُلَانَةَ فَطَلَّقْتهَا فَزَوِّجْنِي بِامْرَأَةٍ تَرْضَاهَا فَزَوَّجَهُ الْمُطَلَّقَةَ لَا يَصِحُّ. وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى لَهُ الْأَوَّلَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا فَقَالَتْ لَا أُرِيدُ النِّكَاحَ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهَا غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ قَبْلَ الْعَقْدِ رَدٌّ، وَبَعْدَهُ إذْنٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ النِّكَاحِ بِالشَّكِّ وَلَا يَبْطُلُ بَعْدَهُ بِالشَّكِّ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. وَقَوْلُهَا ذَلِكَ إلَيْك إذْنٌ، وَقَوْلُهَا أَنْت أَعْلَمُ لَيْسَ بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيبُ قَوْلِهَا أَوْ يُقَارِبُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ " توبه دان " وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا فَقَالَتْهُ لَا يَكُونُ إذْنًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ لِلتَّعْرِيضِ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ. وَحَقِيقَةُ توبه دان أَنْت بِالْمَصْلَحَةِ أَخْبَرُ أَوْ بِالْأَحْسَنِ أَعْلَمُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا ذَلِكَ إلَيْك فَإِنَّهُ إذْنٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُذْكَرُ لِلتَّوْكِيلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَسْأَلَةَ: غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مُشْكِلَةٌ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ قَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ بَعْدَهُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَهِيَ بَعْدَ الْإِذْنِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ نَظَائِرُ) كَإِخْبَارِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ وَالْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ وَالْمَوْلَى بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ لِيَكُونَ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُهُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ وَالشَّفِيعُ يَبِيعُ مَا يَشْفَعُ فِيهِ وَبِفَسْخِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَوُجُوبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ رَسُولًا لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقًا وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسِلِ فَإِخْبَارُهُ كَإِخْبَارِهِ، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا فَعَلَى الْخِلَافِ عِنْدَهُ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْحُكْمِ الْعَدَدُ أَوْ عَدَالَةُ الْوَاحِدِ، فَلَوْ أَخْبَرَ غَيْرُ الْمُهَاجِرِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ إلَّا بِاثْنَيْنِ أَوْ عَدَالَةِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَأْذَنَ الثَّيِّبَ) أَيْ الْكَبِيرَةَ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا اسْتِئْذَانَ فِي حَقِّهَا أَصْلًا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ (فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» ) وَلَا تَكُونُ الْمُشَاوَرَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الرَّأْيِ، ثُمَّ هِيَ مُفَاعَلَةٌ فَتَقْتَضِي وُجُودَهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ نَظَرٌ. أَمَّا الدَّلِيلُ فَلِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى لُزُومِ الْقَوْلِ. سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُشَاوَرَةَ طَلَبُ الرَّأْيِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي إفَادَةِ الرَّأْيِ فِعْلُ اللِّسَانِ بَلْ قَدْ يُفَادُ بِغَيْرِهِ وَلُزُومُ الْقَوْلِ فِي حَقِّ الطَّالِبِ ضَرُورِيٌّ لَا مَفْهُومُ اللُّغَةِ، وَحِينَئِذٍ فَكَوْنُ الْمُشَاوَرَةِ تَسْتَدْعِي جَوَابًا بِاللَّفْظِ مَمْنُوعٌ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى

فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ فِي حَقِّهَا (وَإِذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ) لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا وَمِنْهُ الْبَاكُورَةُ وَالْبُكْرَةُ وَلِأَنَّهَا تَسْتَحْيِي لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ (وَلَوْ زَالَتْ) بَكَارَتُهَا (بِزِنًا فَهِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ وَالْمَثَابَةُ وَالتَّثْوِيبُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بَكْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQتُسْتَأْمَرَ» وَالْأَمْرُ يَكُونُ بِالْقَوْلِ لَا بِغَيْرِهِ، وَمُنِعَ بِمَا فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» . وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَقِيقَتِهِ هُنَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ «وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَيُوجَدُ مِثْلُهَا فِي الثَّيِّبِ فَتَجِبُ حَقِيقَتُهُ. وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَالثَّيِّبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَانُهَا» لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَهُوَ النَّظَرُ الثَّانِي، بَلْ إمَّا بِهِ كَنَعَمْ أَوْ رَضِيتُ أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَنَا أَوْ أَحْسَنْتَ، وَبِالدَّلَالَةِ كَطَلَبِ الْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ أَوْ تَمْكِينِهَا مِنْ الْوَطْءِ وَقَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَالضَّحِكِ سُرُورًا لَا اسْتِهْزَاءً، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ لَا بُدَّ فِي حَقِّهَا مِنْ دَلَالَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مُجَرَّدِ السُّكُوتِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ، إلَّا التَّمْكِينَ فَيَثْبُتُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إلْزَامِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا إلَخْ) أَيْ إذَا زَالَتْ بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ وَهُوَ أَنْ تَصِيرَ عَانِسًا: أَيْ نَصَفًا لَمْ تَتَزَوَّجْ، أَوْ خَرْقَ اسْتِنْجَاءٍ أَوْ عُودٍ أَوْ حِمْلٍ ثَقِيلٍ تُزَوَّجُ كَالْأَبْكَارِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إذَا فَارَقَهَا الزَّوْجُ لِجَبٍّ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ بَعْدَ الْخَلْوَةِ، وَهَذَا مِمَّا تُخَالِفُ حُكْمَ الْخَلْوَةِ وَالدُّخُولِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا لَمْ يُصِبْهَا مُصِيبٌ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ دَخَلَتْ هَذِهِ وَمَنَعَ بِالْجَارِيَةِ تُبَاعُ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ حَيْثُ تُرَدُّ

فَيُعَيِّبُونَهَا بِالنُّطْقِ فَتَمْتَنِعُ عَنْهُ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا، أَمَّا الزِّنَا فَقَدْ نُدِبَ إلَى سَتْرِهِ، حَتَّى لَوْ اُشْتُهِرَ حَالُهَا لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا وُجِدَتْ زَائِلَةَ الْبَكَارَةِ بِوَثْبَةٍ وَنَحْوِهَا، فَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ تُرَدَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبِكْرَ يُقَالُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصِبْهَا مُصِيبٌ، وَمِنْهُ الْبَاكُورَةُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ وَالْبُكْرَةُ لِأَوَّلِ النَّهَارِ، وَعَلَى الْعَذْرَاءِ وَهِيَ أَخَصُّ أَوْ هِيَ مَنْ لَمْ يُصِبْهَا مُصِيبٌ وَمِنْ أَفْرَادِهِ قَائِمَةُ الْعُذْرَةِ فَهُوَ مُتَوَاطِئٌ، وَحُمِلَ عَلَى هَذَا الْفَرْدُ فِي الْبَيْعِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُشَاحَحَةِ فَتُرَدُّ لِفَوَاتِ الْعُذْرَةِ وَهِيَ تِلْكَ الْجِلْدَةُ. وَعَلَى الْأَعَمِّ الْأَوْسَعِ فِي النِّكَاحِ الْمَبْنِيِّ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَشِدَّةِ التَّثَبُّتِ حَتَّى لَزِمَ مِنْ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ وَبِصِيغَةِ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إذَا اعْتَرَفَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ زَوَالَهَا بِوَثْبَةٍ لَا تُرَدُّ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ إرَادَةُ الْعُذْرَةِ فِي اشْتِرَاطِ الْبَكَارَةِ فِي الْبَيْعِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا. وَأَيْضًا لَوْ أَوْصَى لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ دَخَلَتْ هَذِهِ. وَأَيْضًا الِاسْتِحْيَاءُ قَائِمٌ وَأَنَّهَا عِلَّةٌ مَنْصُوصَةٌ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي مَوَاضِعِ وُجُودِهَا بِالنَّصِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الِاسْتِحْيَاءُ حِكْمَةٌ نُصَّ عَلَيْهَا لَا يُنَاطُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا، وَلِذَا لَوْ فُرِضَ أَنَّ اسْتِحْيَاءَ مَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِزِنًا أَشَدُّ مِنْ الْعَذْرَاءِ لَا تُزَوَّجُ كَالْبِكْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ لَا يُنَاطُ بِهَا إذَا كَانَ فِيهَا مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ أَوْ خَفَاءٌ فِي تَحَقُّقِهَا فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ، وَلَا يُنَاطُ إلَّا بِظَاهِرٍ ضَابِطٍ لِكُلِّ مَرْتَبَةٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَظِنَّةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى الْحِكْمَةِ وُجِدَتْ أَوْ عُدِمَتْ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ هُنَا حَيَاءُ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْضَبِطُ اتَّحَدَ الْحَاصِلُ إذْ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الْبَكَارَةِ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَإِنْ زَالَتْ بِزِنًا مَشْهُورٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ زُوِّجَتْ كَالثَّيِّبَاتِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ زَالَتْ بِزِنًا غَيْرِ مَشْهُورٍ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، فَعِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ تُزَوَّجُ كَالثَّيِّبِ وَعِنْدَهُ كَالْبِكْرِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً فَإِنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا، وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ عَمَلِهِ يَعُودُ إلَيْهِ، وَالْمَثَابَةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلثَّيِّبَاتِ مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ. وَلَهُ أَنَّهَا عُرِفَتْ بِكْرًا فَتَمْتَنِعُ عَنْ النُّطْقِ مَخَافَةَ أَنْ يُعْلَمَ زِنَاهَا حَيَاءً مِنْ ظُهُورِهِ، وَذَلِكَ

(وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَتْ وَقَالَتْ رَدَدْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ، فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ فَكَانَتْ مُنْكِرَةً، كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ اللُّزُومَ قَدْ ظَهَرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشَدُّ مِنْ حَيَائِهَا بِكْرًا مِنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فَيَثْبُتُ الْجَوَازُ بِدَلَالَةِ نَصِّ سُكُوتِ الْبِكْرِ، وَهَذَا يُفِيدُ لَوْ كَانَ الْحَيَاءُ مُطْلَقًا هُوَ الْعِلَّةُ لَكِنَّهُ حَيَاءُ الْبِكْرِ الصَّادِرِ عَنْ كَرَمِ الطَّبِيعَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ جَوَابُ مَا أَوْرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَالثَّيِّبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَانُهَا» مِنْ أَنَّهُ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الثَّيِّبُ الْمَجْنُونَةُ وَالْأَمَةُ فَيُخَصُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ جَعْلِ الشَّارِعِ الْحَيَاءَ عِلَّةً وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُزَنِيَّةِ، وَنَفْسُ الْمُجِيبِ صَرَّحَ بَعْدَهُ فِي مَسْأَلَةِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ بِأَنَّ الْأَيِّمَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا بَعْدَمَا نَقَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لَوْ أَوْصَى لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ لَا تَدْخُلُ الْأَبْكَارُ وَصَحَّحَ دُخُولَهُنَّ كَقَوْلِ الْكَرْخِيِّ اهـ. وَالْأَوْلَى أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الزِّنَا غَيْرُ مَشْهُورٍ، فَفِي إلْزَامِهَا النُّطْقَ دَلِيلُ الْمَنْعِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالْمَنْعُ يُقَدَّمُ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُعْمَلُ دَلِيلُ نُطْقِ الثَّيِّبِ فِيمَا وَرَاءَ هَذِهِ، وَأَيْضًا الظَّاهِرُ مِنْ مُرَادِ الشَّارِعِ مِنْ الْبِكْرِ الْمُعْتَبَرِ سُكُوتُهَا رِضَا الْبِكْرِ ظَاهِرًا كَمَا هُوَ فِي أَمْثَالِهِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلِذَا لَمْ يُوجِب عَلَى الْوَلِيِّ اسْتِكْشَافَ حَالِهَا عِنْدَ اسْتِئْذَانِهَا، أَهِيَ بِكْرٌ الْآنَ لِيَكْتَفِيَ بِسُكُوتِهَا أَمْ لَا؟ اكْتَفَى بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ خِلَافًا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي ثُيُوبَةٍ بِزِنًا لَمْ يَظْهَرْ فَيَجِبُ كَوْنُهَا بِكْرًا شَرْعًا، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ ظَهَرَ لَا يَكْفِي سُكُوتُهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك إلَخْ) صُورَتُهَا: ادَّعَى عَلَى بِكْرٍ بَالِغَةٍ أَنَّ وَلِيَّهَا زَوَّجَهَا مِنْهُ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فَلَمَّا بَلَغَهَا سَكَتَتْ وَقَالَتْ بَلْ رَدَدْت فَالْقَوْلُ لَهَا عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْكَلَامِ. وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ وَقَالَ الْعَبْدُ لَمْ أَدْخُلْ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ قَوْلُ الْعَبْدِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِنَاءٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ إذْ لَيْسَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مَبْنَى الْخِلَافِ فِي الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَاءً. وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِيهِمَا التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ الْمُتَبَادَرِ وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ وَعَدَمُ الْكَلَامِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ مُدَّةِ الْخِيَارِ رَدَّ الْبَيْعِ قَبْلَ مُضِيِّهَا وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ سَكَتَ حَتَّى انْقَضَتْ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ اتِّفَاقًا لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ، وَالشَّفِيعُ إذَا قَالَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ أَمْسِ وَطَلَبْت الشُّفْعَةَ

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَسَتَأْتِيك ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ سَكَتَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، أَمَّا لَوْ قَالَ طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَالْمُزَوَّجَةُ صَغِيرَةٌ مِنْ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا قَالَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ كُنْت رَدَدْت حِينَ بَلَغَنِي الْخَبَرُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ حِينَ بَلَغْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ. وَعِنْدَنَا الْقَوْلُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الظَّاهِرُ هُوَ الْأَصْلُ بِحَسَبِ مَا يَتَبَادَرُ أَوْ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، وَلَا يَخْفَى تَرَجُّحُ هَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ ادَّعَى بِدَعْوَاهُ سُكُوتَهَا تَمَلُّكَ بُضْعِهَا مِنْ غَيْرِ ظَاهِرٍ مَعَهُ وَهِيَ تُنْكِرُ، وَالظَّاهِرُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْحَالَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ مِنْ عَدَمِ وُرُودِ مِلْكٍ عَلَيْهَا الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ، فَكَانَتْ هِيَ مُتَمَسِّكَةً بِأَصْلِ مَعْنًى هُوَ الظَّاهِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهَا كَالْمُودَعِ يَدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَالْمُودِعِ يُنْكِرُ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَمُدَّعِي الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا صُورَةً لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا لَا لِكَوْنِهِ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَبَتَ صَحِيحًا فِي الْأَصْلِ وَقَدْ لَزِمَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ظَاهِرًا فَالتَّمَسُّكُ بِعَدَمِهِ تَمَسُّكٌ بِالظَّاهِرِ، وَكَذَا الْمُزَوَّجَةُ صَغِيرَةً تَدَّعِي زَوَالَ مِلْكِهِ بَعْدَمَا نَفَذَ عَلَيْهَا حَالِ صِغَرِهَا يَقِينًا وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَمِثْلُهُ الشَّفِيعُ. ثُمَّ إنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا عَمِلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى النَّفْيِ بَلْ عَلَى حَالَةٍ وُجُودِيَّةٍ فِي مَجْلِسٍ خَاصٍّ يُحَاطُ بِطَرَفَيْهِ، أَوْ هُوَ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ الشَّاهِدُ فَيَقْبَلُ، كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ رِدَّةٌ فِي مَجْلِسٍ فَأَقَامَهَا عَلَى عَدَمِ التَّكَلُّمِ فِيهِ يُقْبَلُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ كُنَّا عِنْدَهَا وَلَمْ نَسْمَعْهَا تَتَكَلَّمُ ثَبَتَ سُكُوتُهَا بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْجَوَامِعِ. وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ: أَعْنِي الرَّدَّ، فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى السُّكُوتِ، وَلَوْ كَانَ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا رَضِيَتْ أَوْ أَجَازَتْ حِينَ عَلِمَتْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةِ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ. كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ، وَكَذَا هُوَ فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْفِقْهِ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ أَقَامَ الْأَبُ أَوْ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الرَّدِّ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى، فَتَحَصَّلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السُّكُوتَ لَمَّا كَانَ مِمَّا تَتَحَقَّقُ الْإِجَازَةُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْإِجَازَةِ كَوْنُهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى السُّكُوتِ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ فَلَمْ يَجْزِمْ بِاسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْإِثْبَاتِ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَوْ قَالَتْ لَمْ أُجْزِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَحِينَئِذٍ الْقَوْلُ لَهَا لِظُهُورِ دَلِيلِ السَّخَطِ دُونَ الرِّضَا، وَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا قَوْلُ وَلِيِّهَا بِالرِّضَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهَا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ بَعْدَ بُلُوغِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلْزَامَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِي لُزُومِهِ أَيْضًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ تَذْهَبُ مِنْ

فِي الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ بِكْرًا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ ثَيِّبًا وَالْوَلِيُّ هُوَ الْعَصَبَةُ) وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِ الْأَبِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرَّةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا لِانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ، إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِصْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ تَلْزَمُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا، فَإِنْ نَكَلَتْ بَقِيَ النِّكَاحُ عِنْدَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَزِيدَ عَلَيْهَا دَعْوَى الْأَمَةِ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَجَمَعْتهَا فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ: نِكَاحٌ وَفَيْئَةُ إيلَائِهِ ... وَرِقٌّ وَرَجْعُ وَلَاءِ نَسَبْ وَدَعْوَى الْإِمَاءِ أُمُومِيَّةً ... فَلَيْسَ بِهَا مِنْ يَمِينٍ وَجَبْ وَسَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى صُوَرُهَا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِيهَا. وَقِيلَ يَتَأَمَّلُ الْقَاضِي فِي حَالِ الْمُدَّعِي، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ التَّعَنُّتُ قَضَى بِقَوْلِهِ وَإِلَّا بِقَوْلِهِمَا. وَفِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ زَوَّجَهُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ فَأَنْكَرَ يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْكَبِيرَةِ لَا اعْتِبَارَ بِالْإِقْرَارِ فِيهِمَا. وَاسْتَشْكَلَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْيَمِينِ عِنْدَهُ لِامْتِنَاعِ الْبَذْلِ لَا لِامْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً لَوْ أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ بِنِكَاحٍ نَفَذَ إقْرَارُهَا وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا فَأَنْكَرَتْ فَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمَا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فَأَثْبَتَ الْعِدَّةَ لِلصَّغِيرَةِ وَهُوَ فَرْعُ تَصَوُّرِ نِكَاحِهَا شَرْعًا فَبَطَلَ بِهِ مَنْعُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَصَمِّ مِنْهُ، وَتَزْوِيجُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ نَصٌّ قَرِيبٌ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ، وَتَزَوُّجُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ بِنْتَ الزُّبَيْرِ يَوْمَ وُلِدَتْ مَعَ عِلْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - نَصٌّ فِي فَهْمِ الصَّحَابَةِ عَدَمَ الْخُصُوصِيَّةِ فِي نِكَاحِ عَائِشَةَ. (قَوْلُهُ وَالْوَلِيُّ هُوَ الْعَصَبَةُ، وَمَالِكٌ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ) فَعِنْدَهُ لَا يَلِي عَلَيْهَا أَحَدٌ حَتَّى تَبْلُغَ فَتُزَوَّجَ بِإِذْنِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى

قُلْنَا: لَا بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ إحْرَازًا لِلْكُفْءِ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَتِمُّ بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَبُعْدِ قَرَابَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى رُتْبَةً، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَإِنَّهُ أَعْلَى وَأَوْلَى. وَلَنَا أَنَّ الْقَرَابَةَ دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ أَظْهَرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُرَّةِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِحَاجَتِهَا وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ، إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرِّيَّةِ دَفَعَ سَلْطَنَةَ الْغَيْرِ وَهُوَ تَزْوِيجُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ، وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْأَبِ لِيَلْحَقَ بِهِ دَلَالَةً لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَلِذَا يُقَدَّمُ وَصِيُّ الْأَبِ عَلَيْهِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ. قُلْنَا: بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِمَقَاصِدِهِ وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ عَادَةً، وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْأَبِ بِالنَّصِّ بِعِلَّةِ إحْرَازِ الْكُفْءِ إذَا ظَفِرَ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، إذْ قَدْ لَا يَظْفَرُ بِمِثْلِهِ إذَا فَاتَ بَعْدَ حُصُولِهِ فَيَتَعَدَّى إلَى الْجَدِّ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِمَا مُخِلٌّ بِهَا لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ لِبُعْدِ قَرَابَتِهِ وَدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ سَالِبًا لِلْوِلَايَةِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وِلَايَتِهِ فِي الْمَالِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ وَهُوَ أَدْنَى مِنْ النَّفْسِ فَسَلْبُهَا فِي النَّفْسِ أَوْلَى. وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» وَالْيَتِيمَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ» وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، فَرَدَّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إنَّهَا يَتِيمَةٌ، وَإِنَّهَا لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» وَتَأْثِيرُ هَذَا الْوَصْفِ أَنَّ مُزَوِّجَهَا قَاصِرُ الشَّفَقَةِ حَتَّى لَمْ تَثْبُتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي الْمَالِ فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الْآيَةَ مَنَعَ مِنْ نِكَاحِهِنَّ عِنْدَ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ فِيهِنَّ، وَهَذَا فَرْعُ جَوَازِ نِكَاحِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ. وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ نِكَاحِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَاتِ مُطْلَقًا، فَمُنِعَ مِنْ هَذِهِ عِنْدَ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ فِيهِنَّ، فَعِنْدَ عَدَمِهِ يَثْبُتُ الْجَوَازُ بِالْأَصْلِ الْمُمَهَّدِ لَا مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ، وَيُصَرِّحُ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا قَوْلُ عَائِشَةَ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَتِيمَةٍ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا يَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَلَا يُقْسِطُ فِي صَدَاقِهَا فَنَهَوْا عَنْ نِكَاحِهِنَّ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِنَّ سُنَّتَهُنَّ فِي الصَّدَاقِ، وَقَالَتْ فِي قَوْله تَعَالَى

فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةُ إلَّا مُلْزِمَةً وَمَعَ الْقُصُورِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ. وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثِّيَابَةَ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ فَأَدَرْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهَا تَيْسِيرًا. وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَوُفُورِ الشَّفَقَةِ، وَلَا مُمَارَسَةَ تُحْدِثُ الرَّأْيَ بِدُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} [النساء: 127] الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي يَتِيمَةٍ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا وَلَا يُرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا لِدَمَامَتِهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا مِنْ غَيْرِهِ كَيْ لَا يُشَارِكَهُ فِي مَالِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَهَذِهِ الْآيَةُ أَمْرٌ بِتَزْوِيجِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ تَزَوُّجِهِنَّ مَعَ الْإِقْسَاطِ. «وَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَ عَمِّهِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ» ، وَإِنَّمَا زَوَّجَهَا بِالْعُصُوبَةِ لَا بِوِلَايَةٍ ثَبَتَتْ بِالنُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُزَوِّجْ بِهَا قَطُّ، وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَحَدٌ إلَّا عَنْهُ، لَكِنْ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَحُضُورِهِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ عَنْ تَزَوُّجِهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ، فَقَالَ: هَلَّا بِكْرًا» الْحَدِيثَ. «وَرَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الصُّفْرَةَ فَقَالَ مَهْيَمْ؟ قَالَ تَزَوَّجْتُ، وَسَأَلَهُ كَمْ سَاقَ لَهَا» . وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ وَجَوَازِهِ شَهِيرَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكُفْءِ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ إنَّمَا تَتِمُّ مَعَهُ، وَإِنَّمَا يَظْفَرُ بِهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَالْوِلَايَةُ لِعِلَّةِ الْحَاجَةِ فَيَجِبُ إثْبَاتُهَا إحْرَازًا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ مَعَ أَنَّ أَصْلَ الْقَرَابَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الشَّفَقَةِ، غَيْرَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ قُصُورًا أَظْهَرْنَاهُ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا إذَا بَلَغَتْ، وَإِذَا قَامَ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَجَبَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْيَتِيمَةِ فِي الْحَدِيثِ الْيَتِيمَةَ الْبَالِغَةَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّا الْمَنْعَ بِالِاسْتِئْمَارِ «وَإِنَّمَا تُسْتَأْمَرُ الْبَالِغَةُ» وَحَدِيثُ قُدَامَةَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَتْ الْفَسْخَ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ اُنْتُزِعَتْ مِنِّي بَعْدَ أَنْ مَلَكْتهَا. وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ يُعَارِضُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ الشَّفَقَةِ كَوْنُهُ مَحْبُوبَ الطَّبْعِ حُبًّا يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ فِي قَرَابَةِ الْعَصَبَاتِ بِالْخِيَانَةِ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِالْمُحَابَاةِ وَيَخْفَى لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهِ بِتَدَاوُلِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ أَوْ لِحُمُولَتِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ أَوْ الْتَوَى فِي الْعِوَضِ فِي الْمُقَايَضَةِ فَلَا تُفِيدُ الْوِلَايَةُ غَيْرُ الْمُلْزِمَةِ فَائِدَةَ عَدَمِ اللُّزُومِ وَهُوَ التَّدَارُكُ فَانْتَفَتْ وَالْمُلْزِمَةُ مُنْتَفِيَةٌ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَرَابَةَ مَعَ قُصُورِ الشَّفَقَةِ مُقْتَضَاهَا وِلَايَةٌ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ

الشَّهْوَةِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الصِّغَرِ، ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَالتَّرْتِيبُ فِي الْعَصَبَاتِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ. قَالَ (فَإِنْ) (زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ) يَعْنِي الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ (فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا) لِأَنَّهُمَا كَامِلَا الرَّأْي وَافِرَا الشَّفَقَةِ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُبَاشَرَتِهَا كَمَا إذَا بَاشَرَاهُ بِرِضَاهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ (وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقْتَضَاهَا فِي الْمَالِ فَانْتَفَتْ فِيهِ وَأَمْكَنَ فِي النَّفْسِ فَثَبَتَتْ فِيهَا، وَهَذَا لِمَا أَثْبَتْنَا فِيهِ مِنْ الْخِيَارِ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَالرَّدِّ مِنْ الْقَاضِي عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَدَمِ النَّظَرِ مِنْ تَنْقِيصِ مَهْرٍ أَوْ عَدَمِ كَفَاءَةٍ. وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَنَّهَا لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ لِحُدُوثِ الرَّأْيِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ لِمُمَارَسَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» أَفَادَ مَنْعَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْمُشَاوَرَةِ وَلَا مُشَاوَرَةَ حَالَةَ الصِّغَرِ فَلَا نِكَاحَ حَالَةَ الصِّغَرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى إحْرَازِ الْكُفْءِ، وَالْوِلَايَةُ عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ لَيْسَ إلَّا لِتَحْصِيلِهِ، وَلَا رَأْيَ حَالَةَ الصِّغَرِ بِاعْتِرَافِهِ حَيْثُ مَنَعَ الْمُشَاوَرَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمُشَاوَرَةِ حَتَّى أَخَّرَ جَوَازَ نِكَاحِهَا إلَى الْبُلُوغِ، فَكَانَ حَاصِلُ هَذَا الْكَلَام تَنَاقُضًا، فَإِنَّ سَلْبَ الْوِلَايَةِ بِعِلَّةِ حُدُوثِ الرَّأْيِ تَصْرِيحٌ بِحُدُوثِ الرَّأْيِ، وَتَأْخِيرُ نِكَاحِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمُشَاوَرَةِ يُنَاقِضُهُ، فَلَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالثَّيِّبِ فِي الْحَدِيثِ الْبَالِغَةَ حَيْثُ عَلَّقَ بِالثُّيُوبَةِ مَا لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ الرَّأْيُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْحَاجَةُ مُتَحَقِّقَةٌ قَبْلَهُ ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَمَدَارُ الْوِلَايَةِ الصِّغَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ الَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَنَا فِيمَا تَقَدَّمَ) يَعْنِي مِنْ جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ الْعَصَبَةُ مُطْلَقًا بَعْدَ مَا كُفِينَا مَئُونَةَ إثْبَاتِهِ بِمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» ) بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ فِي صُورَةِ الصِّغَرِ أَوَّلًا. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَذَكَرَهُ سَبْطُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَتَقَدَّمَ «تَزْوِيجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَامَةَ بِنْتَ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَقَالَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ» . هَذَا (وَالتَّرْتِيبُ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ) فَتُقَدَّمُ عَصَبَةُ النَّسَبِ. وَأَوْلَاهُمْ الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْمَعْتُوهَةِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الْأَبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ، وَهَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأُمِّ الْمَعْتُوهَةِ إذَا أَفَاقَتْ وَقَدْ زَوَّجَهَا الِابْنُ؟ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ زَوَّجَهَا الِابْنُ فَهُوَ كَالْأَبِ بَلْ أَوْلَى، ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقَدَّمُ الْجَدُّ كَمَا هُوَ الْخِلَافُ فِي الْمِيرَاثِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ اتِّفَاقًا، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، كَذَلِكَ الشَّقِيقُ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ وَإِنْ سَفَلُوا، كُلُّ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبِنْتِ وَالذَّكَرِ فِي حَالِ صِغَرِهِمَا وَحَالِ كِبَرِهِمَا إذَا جُنَّا. مَثَلًا غُلَامٌ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ وَهُوَ رَجُلٌ جَازَ إذَا كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا، وَلَمْ يُقَدِّرْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ قَدْرًا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، فَإِنْ

الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ، إنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا خِيَارَ لَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ. وَلَهُمَا أَنَّ قَرَابَةَ الْأَخِ نَاقِصَةٌ وَالنُّقْصَانُ يُشْعِرُ بِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى الْمَقَاصِدِ عَسَى وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ بِخِيَارِ الْإِدْرَاكِ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ، وَالْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ لِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي أَحَدِهِمَا وَنُقْصَانِ الشَّفَقَةِ فِي الْآخَرِ فَيَتَخَيَّرُ. قَالَ (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ) بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفَاقَ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِذَا زَوَّجَهُ أَخُوهُ فَأَفَاقَ فَلَهُ الْخِيَارُ. ثُمَّ الْمُعْتَقُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً ثُمَّ بَنُوهُ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ عَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَاتِ النَّسَبِ، وَإِذَا عُدِمَ الْعَصَبَاتُ هَلْ يَثْبُتُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ؟ يَأْتِي (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) يَعْنِي آخِرًا، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ لَا خِيَارَ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُشْرَعْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّظَرِ، وَإِذَا حَكَمَ بِالنَّظَرِ قَامَ عَقْدُ الْوَلِيِّ مَقَامَ عَقْدِ نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَخِ نَاقِصَةٌ فَتُشْعِرُ بِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ فِي الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ أَظْهَرَ الشَّرْعُ أَثَرَ هَذَا النُّقْصَانِ حَيْثُ مَنَعَ وِلَايَتَهُ فِي الْمَالِ فَيَجِبُ إظْهَارُهُ فِي النَّفْسِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَاظِرٌ إلَى إظْهَارِ أَثَرِهِ فَيَجِبُ التَّدَارُكُ بِإِثْبَاتِ خِيَارِ الْإِدْرَاكِ وَلِمَا قَدَّمْنَا مِنْ «تَزْوِيجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَقَالَ لَهَا الْخِيَارُ» . (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ صَبِيحٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ الْقَاضِيَ لِلْيَتِيمَةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ أَتَمُّ مِنْ وِلَايَةِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهَا فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا، وَعَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيمَا إذَا زَوَّجَتْ الْأُمُّ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهَا فَوْقَ شَفَقَةِ الْأَبِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَسْخِ. وَيُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ فِي الْفُرْقَةِ فِي مَوَاضِعَ: هَذِهِ وَالْفُرْقَةُ بِعَدَمِ

الْفَسْخَ هَاهُنَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ وَهُوَ تَمَكُّنُ الْخَلَلِ وَلِهَذَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَجُعِلَ إلْزَامًا فِي حَقِّ الْآخَرِ فَيُفْتَقَرُ إلَى الْقَضَاءِ. وَخِيَارُ الْعِتْقِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانُ الْمَهْرِ وَكُلُّهَا فَسْخٌ، وَالْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَكُلُّهَا طَلَاقٌ، وَبِإِبَاءِ زَوْجِ الذِّمِّيَّةِ الَّتِي أَسْلَمَتْ وَهِيَ طَلَاقٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِرَاقَ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى الْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِ: فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْإِعْتَاقِ ... فُرْقَةٌ حُكْمُهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَقْدُ كُفْءٍ كَذَا وَنُقْصَانُ مَهْرٍ ... وَنِكَاحٌ فَسَادُهُ بِاتِّفَاقِ مِلْكُ إحْدَى الزَّوْجَيْنِ أَوْ بَعْضِ زَوْجٍ ... وَارْتِدَادٍ كَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ جَبٌّ وَعُنَّةٌ وَلِعَانٌ ... وَإِبَا الزَّوْجِ فُرْقَةٌ بِطَلَاقِ وَقَضَاءٌ لِلْقَاضِي فِي الْكُلِّ شَرْطٌ ... غَيْرَ مِلْكٍ وَرِدَّةٍ وَعَتَاقِ وَقَوْلُهُ بِاتِّفَاقِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحَامِلِ مِنْ زِنًا فَإِنَّ نِكَاحَهَا جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَالْفُرْقَةُ مِنْهُ طَلَاقٌ عِنْدَ هُمَا وَفَسْخٌ عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ فَهِيَ فَسْخٌ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِطَلَاقٍ إذَا أَوْقَعَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ طَلْقَةً وَقَعَتْ إلَّا فِي اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، كُلُّ فُرْقَةٍ تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا. وَوَجْهُ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ. وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ تَحَقُّقُ الضَّرَرِ وَخَفَاؤُهُ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ بَلْ نُظِرَ إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ قُصُورُ الْقَرَابَةِ الْمُشْعِرِ بِقُصُورِ الشَّفَقَةِ، وَقَدْ يَظْهَرُ خِلَافُهُ مِمَّا هُوَ أَثَرُ النَّظَرِ مِنْ

(وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى فَاعْتُبِرَ دَفْعًا وَالدَّفْعُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ) ثُمَّ عِنْدَهُمَا إذَا بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ وَقَدْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنِ الزَّوْجِ كُفْئًا وَالْمَهْرُ تَامًّا وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَغَيْرِهَا، فَقَدْ يُنْكِرُ الزَّوْجُ عَدَمَ النَّظَرِ فَيَرَى أَنَّ فَسْخَهَا لَا يُصَادِفُ مَحَلًّا فَاحْتِيجَ إلَى الْقَضَاءِ لِإِلْزَامِهِ بِنَاءً عَلَى تَعْلِيقِ حُكْمِ الْخِيَارِ بِمَظِنَّةِ تَرْكِ النَّظَرِ لَا بِحَقِيقَتِهِ، وَلَا بِدْعَ فِي خُلُوِّ الْمَظِنَّةِ الْمُعَلَّلِ بِهَا عَنْ الْحِكْمَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا فِي سَفَرِ الْمَلِكِ الْمُرَفَّهِ فِي عَمَلِهِ بِبِلَادٍ مُتَقَارِبَةٍ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ فَرْسَخٍ عَلَى الْمَرَاكِبِ الْهَيِّنَةِ تَنَزُّهًا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ، وَلِأَنَّ فِي سَبَبِهِ ضَعْفًا وَخِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى لِاقْتِصَارِ السَّبَبِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ فَاعْتُبِرَ خِيَارُهَا دَفْعًا لِضَرَرِ زِيَادَةِ مَمْلُوكِيَّتِهَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْقَضَاءِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ دَفْعَهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ التَّابِعَةُ لِأَصْلِ النِّكَاحِ بِرَفْعِهِ، وَفِيهِ جُعِلَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا وَهُوَ نَقْضُ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْمَعْقُولِ. لَا يُقَالُ: الشَّيْءُ إذَا كَانَ تَابِعًا لِشَيْءٍ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ يَكُونُ مَتْبُوعًا فِي النَّفْيِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ لَازِمٍ نَفْيُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ الْمَلْزُومِ مَعَ أَنَّ وُجُودَهُ لَازَمَ وُجُودَهُ، فَاسْتِتْبَاعُ الزِّيَادَةِ أَصْلَ النِّكَاحِ فِي النَّفْيِ لَا يَكُونُ عَكْسَ الْمَعْقُولِ بَلْ وَفْقَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفَى التَّابِعُ إذَا كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِنَفْيِ الْمَتْبُوعِ اللَّازِمِ الثَّابِتِ لِتَضَمُّنِهِ رَفْعَ

فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا، (وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ فَلَهَا الْخِيَارُ حَتَّى تَعْلَمَ فَتَسْكُتَ) شَرَطَ الْعِلْمَ بِأَصْلِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِهِ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِهِ فَعُذِرَتْ بِالْجَهْلِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِالْخِيَارِ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ، بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَتِهَا فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ (ثُمَّ خِيَارُ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رِضًا، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقْوَى لِغَرَضِ رَفْعِ الْأَدْنَى. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَجَبَ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ رَفْعُ الْمَتْبُوعِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ بِوَاسِطَةِ اقْتِضَائِهِ مَلْزُومَهُ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا وَهُوَ النَّصُّ، فَالْوَجْهُ فِي السُّؤَالِ طَلَبُ حِكْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ضَرَرَ الزَّوْجِ فَلِمَ رُجِّحَ دَفْعُ ضَرَرِهَا عَلَى دَفْعِ ضَرَرِهِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ دَفْعَ ضَرَرِهَا يُبْطِلُ حَقًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَهُوَ بِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ لَهُ وَلَهَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقًّا عَلَيْهَا فَدَفْعُهَا أَوْلَى وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَذَا الضَّرَرِ حَيْثُ تَزَوَّجَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ خِيَارِ الْعِتْقِ شَرْعًا. (قَوْلُهُ فَتُعْذَرُ) أَيْ الْأَمَةُ الْمُعْتَقَةُ (بِالْجَهْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ) لَهَا إذْ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِالْخِدْمَةِ الْوَاجِبَةِ الشَّاغِلَةِ لَهَا عَنْ التَّعَلُّمِ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ لَا تُعْذَرُ بِهِ لِانْتِفَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ خِيَارُ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا قَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا لِبَيَانِ أَنَّ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا فِيمَا تَقَدَّمَ هُوَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَإِنَّ الْعِبَارَةَ هُنَاكَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَلْيُمَهِّدْ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغُلَامِ وَالثَّيِّبِ حَيْثُ قَالَ (وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيتُ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رِضًا) كَالْوَطْءِ وَدَفْعِ الْمَهْرِ وَالْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ، وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ دَفْعِ الْمَهْرِ رِضًا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، أَمَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ دَفْعُ الْمَهْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ رِضًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، أَقَامَ أَوْ فَسَخَ (وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ) يَعْنِي لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالسُّكُوتِ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَا لَمْ تَقُلْ رَضِيت، أَوْ يَجِيءُ مِنْهَا مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رِضًا كَالتَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ وَطَلَبِ الْمَهْرِ وَالْوَاجِبِ (اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ حَالَةِ ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ (بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ) فَكَمَا لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا لَوْ زُوِّجَتْ ثَيِّبًا بَالِغَةً لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا حَالَةَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَهِيَ ثَيِّبٌ بَالِغَةٌ، وَلَوْ زُوِّجَتْ بِكْرًا بَالِغَةً اُكْتُفِيَ بِسُكُوتِهَا فَكَذَا إذَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ الْعِلْمُ بِالنِّكَاحِ وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ، وَلَمَّا كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ خِيَارُ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ خِيَارَ الثَّيِّبِ لَا يَبْطُلُ بِهِ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الثَّيِّبِ صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ لِيُفِيدَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إلَخْ

اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَخِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) بَلْ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ سُكُوتِهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا بِأَنْ حَاضَتْ فِي مَجْلِسٍ وَقَدْ كَانَ بَلَغَهَا النِّكَاحُ، أَوْ مَجْلِسِ بُلُوغِ خَبَرِ النِّكَاحِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغَةً، وَجَعَلَ الْخَصَّافُ خِيَارَ الْبِكْرِ مُمْتَدًّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَالَ هُوَ إلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّ فِيهِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهَا فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا بَالِغَةً إذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِالنِّكَاحِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُبَ مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ رَأَتْهُ لَيْلًا تَطْلُبُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْت نِكَاحِي وَتُشْهِدُ إذَا أَصْبَحَتْ وَتَقُولُ رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ. وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ وَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْ قَبْلَ هَذَا؟ فَقَالَ لَا تُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَكْذِبَ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهَا، ثُمَّ إذَا اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا كَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ لِلشُّهُودِ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا وَلَمْ تُعْذَرْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِلِسَانِهَا حَتَّى فَعَلَتْ. وَمَا قِيلَ لَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا تَعَسُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ الْحَالَةِ كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَوْ سَأَلَتْ الْبِكْرُ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا، وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِهِ لَا يُبْطِلُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَسْأَلْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِكُلِّ مَهْرٍ، وَالسُّؤَالُ يُفِيدُ نَفْيَ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهَا يَتَوَقَّفُ رِضَاهَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَمَيِّتِهِ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، كَيْفَ وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ. وَلَوْ اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ أَطْلُبُ الْحَقَّيْنِ ثُمَّ تَبْدَأُ فِي التَّفْسِيرِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ الصَّغِيرَةَ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ بَلَغَتْ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكَمَالِ وِلَايَةِ الْمَوْلَى كَالْأَبِ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْهُ، وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ إذَا بَلَغَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ خِيَارُ الْعِتْقِ فَيُطَلِّقُ إنْ شَاءَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ) وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ ثَيِّبًا فَوَقَفَ خِيَارُهَا الْعُمْرَ؛ لِأَنَّ

بَلْ لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبَهُ عَدَمُ الرِّضَا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ، وَكَذَا الْغُلَامُ، وَعَلَى هَذَا تَظَافَرَتْ كَلِمَاتُهُمْ. وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِمَّا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ خِيَارُ الْمُدْرِكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَتْ عَنْ الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مُشْكِلٍ، إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ يُبْطِلُهُ وَهُوَ تَقْيِيدٌ بِالْمَجْلِسِ ضَرُورَةَ أَنْ تُبَدِّلَهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَسْتَلْزِمُهُ ظَاهِرًا. وَفِي الْجَوَامِعِ: وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حِينَ بَلَغَهَا أَوْ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَبْطُلْ بِالسُّكُوتِ وَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ أَيَّامًا، إلَّا أَنْ تَرْضَى بِلِسَانِهَا أَوْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ التَّمْكِينِ مِنْهُ طَوْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ وَفِيهَا لَوْ قَالَتْ كُنْت مُكْرَهَةً فِي التَّمْكِينِ صُدِّقَتْ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ خِدْمَتِهِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا. لَا يُقَالُ: كَوْنُ الْقَوْلِ لَهَا فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ فِي التَّمْكِينِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُصَدِّقُهَا. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ: أَيْ فَيَمْتَدُّ خِيَارُ الْعِتْقِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعِتْقِ الثَّابِتِ بِإِثْبَاتِهِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَالتَّمْلِيكِ فِي الْمُخَيَّرَةِ. وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْفَرْقِ بَيْنَ خِيَارَيْ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: احْتِيَاجُهُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي حَتَّى مَاتَ وَرَثَةُ الْآخَرِ. وَكَذَا الْوَطْءُ بَعْدَ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ فَسْخِهَا، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْعِتْقِ بِالسُّكُوتِ إلَى آخِرِهِ، وَيَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ بِكْرٌ، بِخِلَافِ الْغُلَامِ وَالثَّيِّبِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَمْ يُجْعَلْ فِي حَقِّهِمَا رِضًا. وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكُلٍّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لِدَفْعِ ضَرَرِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الذَّكَرِ، وَخِيَارُ الْبُلُوغِ لِمَا يَنْشَأُ عَنْ قُصُورِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ يَعُمُّهُمَا لَا يُقَالُ: الْغُلَامُ يَتَمَكَّنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ التَّخَلُّصِ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ لَلذُّكْرَانِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ، وَمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ إلَّا لِلْحَاجَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ يَلْزَمُهُ. وَهُنَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَلْزَمُهُ كُلُّهُ، لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَلَكَ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ. وَفِي الْجَوَامِعِ: إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ فَقَالَ فَسَخْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ بَائِنٌ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَسْخِ يَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ. وَالرَّابِعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ شَرْعًا مُعْتَبَرٌ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ دُونَ الْبُلُوغِ. وَالْخَامِسُ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى اخْتِيَارِ أَمَتِهِمَا الَّتِي زَوَّجَاهَا نَفْسَهَا إذَا أَعْتَقَاهَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاصِبِينَ الْمُزَوِّجِينَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ قَدْ انْقَطَعَ فِي الْأُولَى بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي الثَّانِيَةِ إذْ هُوَ النَّسَبُ وَهُوَ بَاقٍ

الْإِعْتَاقُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا، وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي مَلَكَهَا وَهُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرِثَهُ الْآخَرُ) وَكَذَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ بِهِ وَقَدْ انْتَهَى بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ الْفُضُولِيِّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَمَّةَ مَوْقُوفٌ فَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَهَاهُنَا نَافِذٌ فَيَتَقَرَّرُ بِهِ. قَالَ (وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ) بَلْ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ فَلَوْ جَدَّدَا بَعْدَهُ مَلَكَ الثَّلَاثَ (وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا، وَمِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهِ، وَكَذَا الْفُرْقَةُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ فَسْخٌ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) لِمَا ذَكَرَهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَوْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ: أَيْ الصَّرِيحُ أَوْ لَا؟ لِكُلِّ وَجْهٍ، وَالْأَوْجَهُ الْوُقُوعُ (قَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِإِنْفَاذِ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ إذَا كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً، وَالْقَاصِرَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي هَؤُلَاءِ فَالْمُتَعَدِّيَةُ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: صِحَّةُ إقْرَارِ الْعَبْدِ تَدُلُّ عَلَى وِلَايَتِهِ الْقَاصِرَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِي الْمَعْنَى مُعَلَّقَةٌ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَأَمَّا هُمَا فَمُسْتَثْنَيَانِ عِنْدَنَا. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى نَفْيِ وِلَايَتِهِ فِي النِّكَاحِ لِعَجْزِهِ، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ وِلَايَةٌ حَيْثُ كَانَ إلْزَامًا، وَكَذَا أَمَانُهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ وَشَهَادَتُهُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ. وَإِنْ أُجِيبَ عَنْ هَذِهِ فَالْمُشَاحَحَةُ مُمْكِنَةٌ فِي الْأَجْوِبَةِ. وَالْأَسْلَمُ جَعْلُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ: أَيْ فِي النِّكَاحِ لَا نَفْيِ الْوِلَايَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِعَدَمِ الْقَاصِرَةِ عَلَى عَدَمِ الْمُتَعَدِّيَةِ، فَلَوْ أُرِيدَ الْأَعَمُّ كَانَ مُسْتَدِلًّا بِبَعْضِ الدَّعْوَى وَلَا الْمُتَعَدِّيَةُ مُطْلَقًا، إذْ قَدْ يُشَاحِحُ بِأَنَّ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْمُتَعَدِّيَةِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ فِي أُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ كَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ

فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى هَؤُلَاءِ (وَلَا) وِلَايَةَ (لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، أَمَّا الْكَافِرُ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ (وَلِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْنَاهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَثْبُتُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّمْكِينِ وَطَلَبِ الزِّينَةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْغَيْرِ مُلْزِمَةٌ. وَالْمُرَادُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ سَنَةٌ، وَقِيلَ أَكْثَرُ السَّنَةِ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي التَّجْنِيسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُوَقِّتُ فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ شَيْئًا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي التَّقْدِيرَاتِ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حَالَةِ إفَاقَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ حَالَ جُنُونِهِ مُطْبِقًا أَوْ غَيْرَ مُطْبِقٍ وَيُزَوَّجُ حَالَ إفَاقَتِهِ عَنْ جُنُونٍ مُطْبِقٍ أَوْ غَيْرِ مُطْبِقٍ، لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُطْبِقًا تُسْلَبُ وِلَايَتُهُ فَتُزَوَّجُ وَلَا تَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ، وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ فَلَا تُزَوَّجُ وَتَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ كَالنَّائِمِ. وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ إذَا فَاتَ بِانْتِظَارِ إفَاقَتِهِ تُزَوَّجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا وَإِلَّا اُنْتُظِرَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ لِهَذَا الدَّلِيلِ (لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ (وَلَا يَتَوَارَثَانِ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ فِيمَا يَلِيهِ مِلْكًا وَيَدًا وَتَصَرُّفًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوِرَاثَةَ لَيْسَتْ وِلَايَةً عَلَى الْمَيِّتِ بَلْ وِلَايَةٌ قَاصِرَةٌ تَحْدُثُ شَرْعًا بَعْدَ انْقِضَاءِ وِلَايَةٍ أُخْرَى فَنَفْيُ الْمُتَعَدِّيَةِ لَيْسَ نَفْيَ الْوِرَاثَةِ فَلَيْسَ نَفْيُهَا بِهَذَا الدَّلِيلِ. وَكَمَا لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَكَذَا لَا تَثْبُتُ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ: أَعْنِي وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ بِالْقَرَابَةِ وَوِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ. قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا، وَقَائِلُهُ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ وَنَسَبَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ قَالَ: وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَرَأَيْتُ فِي مَوْضِعٍ مَعْزُوٍّ إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْوِلَايَةَ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالشَّهَادَةِ وَلَا تَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ. فَأَمَّا الْفِسْقُ فَهُوَ يَسْلُبُ الْأَهْلِيَّةَ كَالْكُفْرِ، الْمَشْهُورُ أَنَّ عِنْدَنَا لَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ اخْتِلَافٌ فِيهِ. أَمَّا الْمَسْتُورُ فَلَهُ الْوِلَايَةُ بِلَا خِلَافٍ فَمَا فِي الْجَوَامِعِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَاسِقًا فَلِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ. نَعَمْ إذَا كَانَ مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِنَقْصٍ وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَسَتَأْتِي هَذِهِ. (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَاهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ) النَّسَبِيَّةِ وَالسَّبَبِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ أَوَّلًا لِعَصَبَةِ النَّسَبِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ عَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَثْبُتُ لِلْأُمِّ ثُمَّ لِلْبِنْتِ إذَا كَانَتْ أُمُّهَا مَجْنُونَةً ثُمَّ بِنْتِ الِابْنِ ثُمَّ بِنْتِ الْبِنْتِ ثُمَّ بِنْتِ ابْنِ الِابْنِ ثُمَّ بِنْتِ بِنْتِ

وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ. لَهُمَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا وَإِلَى الْعَصَبَاتِ الصِّيَانَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَالنَّظَرُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّفْوِيضِ إلَى مَنْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ (وَمَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا) يَعْنِي الْعَصَبَةَ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ (إذَا زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا الَّذِي أَعْتَقَهَا) ( ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِنْتِ ثُمَّ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتِ لِأَبٍ ثُمَّ لِوَلَدِ الْأُمِّ يَسْتَوِي ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ مُعَلِّمًا بِعَلَامَةِ فَتَاوَى الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ عُمَرَ النَّسَفِيِّ: غَابَ الْأَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَهُ بِنْتٌ صَغِيرَةٌ فَزَوَّجَتْهَا أُخْتُهَا وَالْأُمُّ حَاضِرَةٌ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ، وَلَيْسَتْ الْأُمُّ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَالنِّسَاءُ اللَّوَاتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لَهُنَّ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ الْأُخْتُ وَالْعَمَّةُ وَبِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَكَذَا ذُكِرَ هُنَا، وَذَكَرَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ اهـ. قِيلَ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأُخْتِ لَا الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْأَخِ؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَوِلَايَتُهُنَّ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَمِثْلُ مَا عَنْ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ مَنْقُولٌ فِي الْمُصَفَّى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خواهر زاده، وَمُقْتَضَاهُ تَقَدُّمُ الْأُخْتِ عَلَى الْجَدِّ الْفَاسِدِ وَبَعْدَ أَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ الْعَمَّاتُ ثُمَّ الْأَخْوَالُ ثُمَّ الْخَالَاتُ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ ثُمَّ بَنَاتُ الْعَمَّاتِ، وَالْجَدُّ الْفَاسِدُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لَهُمَا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَقِيَاسُ مَا صُحِّحَ فِي الْجَدِّ وَالْأَخِ مِنْ تَقَدُّمِ الْجَدِّ تَقَدُّمِ الْجَدِّ الْفَاسِدِ عَلَى الْأُخْتِ ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِ أَبِي الصَّغِيرَةِ وَوَالَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ، ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ فِي عَهْدِهِ تَزْوِيجَ الصَّغَائِرِ وَالصِّغَارِ، ثُمَّ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وِلَايَةَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ فِيهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ) عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: الْجُمْهُورُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ (لَهُمَا مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» أَثْبَتَ لَهُمْ الْجِنْسَ، وَلَيْسَ مِنْ وَرَاءِ الْجِنْسِ شَيْءٌ فَيَثْبُتُ لِغَيْرِهِمْ فَلَا إنْكَاحَ لِغَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْقَرَابَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْأَقَارِبِ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ (وَإِلَى الْعَصَبَاتِ الصِّيَانَةُ) عَنْ ذَلِكَ لَا إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَالنَّظَرُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّفْوِيضِ إلَى مَنْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ) إذْ مُطْلَقُهَا بَاعِثٌ عَلَى الشَّفَقَةِ الْمُوجِبَةِ لِاخْتِيَارِ الْكُفْءِ وَذَوُو الْأَرْحَامِ بِهَذِهِ

جَازَ) لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ، وَإِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ فَالْوِلَايَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَثَابَةِ فَإِنَّا نَرَى شَفَقَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهِ كَشَفَقَتِهِ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهِ، بَلْ قَدْ تَتَرَجَّحُ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ شَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ السُّلْطَانِ وَلَا مَنْ وَلَّاهُ فَكَانُوا أَوْلَى مِنْهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمَا إنَّمَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ، بَلْ ثُبُوتُهَا بِالذَّاتِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرَةِ بِتَحْصِيلِ الْكُفْءِ؛ لِأَنَّهَا بِالذَّاتِ لِحَاجَتِهَا لَا لِحَاجَتِهِمْ، وَكُلٌّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِيهِ دَاعِيَةُ تَحْصِيلِ حَاجَتِهَا فَثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ بِكُلٍّ مِنْ حَاجَتِهَا بِالذَّاتِ إلَى ذَلِكَ وَحَاجَتِهِ وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إجَازَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَزْوِيجَ امْرَأَتِهِ بِنْتَهَا وَكَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَمَّا إثْبَاتُ جِنْسِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَى الْعَصَبَاتِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّمَا هُوَ حَالَ وُجُودِهِمْ، وَلَا تُعْرَضُ لَهُ حَالَ عَدَمِهِمْ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَا إثْبَاتِهَا فَأَثْبَتْنَاهَا بِالْمَعْنَى وَقِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَيْضًا لَا شَكَّ أَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَصَبَاتِ لِقَوْلِهِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى. وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَعَرُّضِ الْحَدِيثِ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ بِالنَّفْيِ وَحُجِّيَّتِهِ، وَقَوْلُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ مَعَ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ لِمُحَمَّدٍ، وَبِالْمَعْنَى الصِّرْفِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُنَاقَشُ فِيهِ: بِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْأَثَرِ لَا الْقِيَاسِ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى بَابِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قِيَاسٌ يُقَابِلُهُ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا ظَنَّهُ خِلَافَهُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ فَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنْ لَا مُتَمَسِّكَ لَهُ بِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَحَاصِلُ بَحْثِهِ مُعَارَضَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ التَّرْجِيحِ وَقَالُوا: الْعَصَبَاتُ تَتَنَاوَلُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ فِي وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَتَثْبُتُ لِأَهْلِهَا، إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ مُقَدَّمُونَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ (فَالْوِلَايَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ) أَيْ الْقَاضِي بِشَرْطِ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ فِي مَنْشُورِهِ، فَلَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مَعَ عَدَمِ كَتْبِ ذَلِكَ فِي مَنْشُورِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَأَجَازَهُ قِيلَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ اسْتِحْسَانًا. [فُرُوعٌ] الْأَوَّلُ لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا وَإِنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُوصِي عَيَّنَ

(وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلًا فِي حَيَاتِهِ لِلتَّزْوِيجِ فَيُزَوِّجُهَا الْوَصِيُّ بِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي حَيَاتِهِ بِتَزْوِيجِهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ انْتَظَرَ بُلُوغَهَا لِتَأْذَنَ كَذَا قِيلَ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ يُزَوِّجُهَا إلَّا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ قَرِيبًا فَيُزَوِّجُهَا بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ لَا الْوِصَايَةِ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى لَهُ التَّزْوِيجُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ. قُلْنَا: إنَّمَا قَامَ مَقَامَهُ فِي الْمَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي التَّزْوِيجِ جَازَ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. الثَّانِي لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ الَّتِي هُوَ وَلِيُّهَا وَهِيَ الْيَتِيمَةُ مِنْ ابْنِهِ لَا يَجُوزُ. كَالْوَكِيلِ مُطْلَقًا إذَا زَوَّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ ابْنِهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي حُكْمٌ مِنْهُ وَحُكْمُهُ لِابْنِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ، ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ مُعَلِّمَا لَهُ بِعَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ الْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ، وَالْإِلْحَاقُ بِالْوَكِيلِ يَكْفِي لِلْحُكْمِ مُسْتَغْنًى عَنْ جَعْلِ فِعْلِهِ حُكْمًا مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ مَالَ يَتِيمِهِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَصَّبَ وَصِيًّا عَلَى الْيَتِيمِ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا الْقَاضِي. الثَّالِثُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بِالتَّزْوِيجِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ يُدْرِكُ الصَّغِيرَ فَيُصَدِّقُهُ، مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَصَدَّقَهُ الْأَبُ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِ. قَالَ فِي الْمُصَفَّى عَنْ أُسْتَاذِهِ يَعْنِي الشَّيْخَ حُمَيْدٍ الدِّينِ: إنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَلِيُّ فِي صِغَرِهِمَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ مَوْقُوفٌ إلَى بُلُوغِهِمَا، فَإِذَا بَلَغَا وَصَدَّقَاهُ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ وَإِلَّا يَبْطُلُ، وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ فِي الْحَالِ وَقَالَ: إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ، قَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ وَأَنْكَرَ النِّكَاحَ فَأَقَرَّ الْوَلِيُّ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ فِي صِغَرِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، كَذَا فِي الْمُغْنِي. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: إذَا أَقَرَّ الْأَبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ فِي ذَلِكَ أَوْ الْمَرْأَةُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُصَدَّقُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: عَلَى مَنْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ وَلَا تُقْبَلُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ وَالْمُنْكِرُ هُوَ الصَّبِيُّ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهِ وَالْأَبُ وَالزَّوْجُ أَوْ الْمَرْأَةُ مُقِرَّانِ؟ قُلْنَا: يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ حَتَّى يُنْكِرَ فَيُقِيمَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ اهـ كُلُّهُ مِنْ الْمُصَفَّى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا بَلَغَا فَأَنْكَرَ النِّكَاحَ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِمَا فِي صِغَرِهِمَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ أَوْجَهُ. وَإِقْرَارُ وَكِيلِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِتَزْوِيجِهِمَا وَإِقْرَارُ مَوْلَى الْعَبْدِ بِتَزْوِيجِهِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَأَمَّا إقْرَارُهُ بِنِكَاحِ أَمَتِهِ فَنَافِذٌ اتِّفَاقًا. الرَّابِعُ فِي النَّوَازِلِ: امْرَأَةٌ جَاءَتْ إلَى قَاضٍ فَقَالَتْ أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ وَلَا وَلِيَّ لِي، فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ لَهَا وَلِيًّا. وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ السُّغْدِيُّ، وَمَا نَقَلَ فِيهِ مِنْ إقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَمَا نَقَلَ مِنْ قَوْلِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي إنْ لَمْ تَكُونِي قُرَشِيَّةً وَلَا عَرَبِيَّةً وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ فَقَدْ أَذِنْت لَك، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَحْمُولَانِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَمَعْلُومٌ. الِاشْتِرَاطِ الْخَامِسُ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ وَلَا الْأَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا تَزْوِيجُ عَبْدِهِ مِنْ أَمَتِهِ، كَذَا فِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَيَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: إذْ غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ حَتَّى تَبْلُغَ) بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي دَلِيلِ مُحَمَّدٍ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُزَوِّجُهَا

قَائِمَةٌ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ حَقًّا لَهُ صِيَانَةً لِلْقَرَابَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وِلَايَتِهِ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ كَمَا إذَا مَاتَ الْأَقْرَبُ، وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ فِيهِ مُنِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ. وَعِنْدَنَا يُزَوِّجُهَا الْأَبْعَدُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ تَثْبُتُ نَظَرًا لِلْيَتِيمَةِ لِحَاجَتِهَا إلَيْهَا، وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّفْوِيضَ إلَى الْأَقْرَبِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ بَلْ لِأَنَّ فِي الْأَقْرَبِيَّةَ زِيَادَةُ مَظِنَّةٍ لِلْحِكْمَةِ وَهِيَ الشَّفَقَةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى زِيَادَةِ إتْقَانِ الرَّأْيِ لِلْمُوَلِّيَةِ، فَحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ أَصْلًا سُلِبَتْ إلَى الْأَبْعَدِ، إذْ لَوْ أَبْقَيْنَا وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ أَبْطَلْنَا حَقَّهَا وَفَاتَتْ مَصْلَحَتُهَا. أَمَّا الْوَلِيُّ فَحَقُّهُ فِي الصِّيَانَةِ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ الْفَسْخِ إذَا وَقَعَ بِفِعْلِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ لَهُ، فَحَيْثُ ثَبَتَتْ فَإِنَّمَا هِيَ لِحَاجَتِهَا حَقًّا لَهَا. وَلَوْ سَلَّمَ فَفَوَاتُ حَقِّهِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ غَيْبَتُهُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ لَهُ لَا يَفُوتُ إذْ يَخْلُفُهُ فِيهِ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ؛ لِأَنَّهُ تِلْوُهُ فِي نَفْيِ غَيْرِ الْكُفْءِ وَالِاحْتِرَاسِ عَنْ التَّلَطُّخِ بِنِسْبَتِهِ فَتَضَافَرَا عَلَى مَقْصُودٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا قُلْنَا وَظَهَرَ وَجْهُ تَقْدِيمِهِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ سُلِبَتْ وِلَايَتُهُ بِمَوْتِهِ كَانَ الْأَبْعَدُ أَوْلَى مِنْ السُّلْطَانِ، فَكَذَا إذَا سُلِبَتْ بِعَارِضٍ آخَرَ. فَالْحَاصِلُ فِي عِلَّةِ تَقْدِيمِهِ عَلَى السُّلْطَانِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْمَوْتِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ بِالرَّسُولِ وَبِالْكِتَابِ وَكِتَابِ الْخَاطِبِ إلَيْهِ حَيْثُ هُوَ فَخِلَافُ الْمُعْتَادِ فِي الْغَائِبِ وَالْخَاطِبِ فَلَا يُفَرَّعُ الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ، وَنَظِيرُهُ الْحَضَانَةُ وَالتَّرْبِيَةُ يُقَدَّمُ فِيهِ الْأَقْرَبُ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْقُرْبَى وَثَبَتَ مَظِنَّةُ شُغْلِهَا بِالزَّوْجِ صَارَتْ لِلْبُعْدَى، وَكَذَا النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْأَقْرَبِ فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ لِبُعْدِ مَالِهِ وَجَبَتْ فِي مَالِ الْأَبْعَدِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ فِيهِ مُنِعَ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ زُفَرَ عَلَى قِيَاسِ وِلَايَتِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ بِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ صَحَّ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْلُبْ الْوِلَايَةَ، شَرْعًا بِغَيْبَتِهِ. أَجَابَ بِمَنْعِ صِحَّةِ تَزْوِيجِهِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَجُوزُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَلِأَنَّهَا انْتَفَعَتْ بِرَأْيِهِ وَهَذَا تَنَزُّلٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ لِلْأَبْعَدِ قُرْبَ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ قُرْبَ الْقَرَابَةِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَيُّهُمَا عَقَدَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالْمَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِهِ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ وَسَلْبُهَا. وَمَعْنَاهُ أَنَّ سَلْبَ الْوِلَايَةِ إنَّمَا كَانَ لِسَلْبِ الِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ، فَلَمَّا زَوَّجَهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا عَلَّقَ بِهِ سَلْبَ الْوِلَايَةِ ثَابِتًا بَلْ الْقَائِمُ مَنَاطُ ثُبُوتِهَا. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: لَا رِوَايَةَ فِيهِ، فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَقْدُهُ حَيْثُ هُوَ لَأَدَّى إلَى مَفْسَدَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَزْوِيجِ الْغَائِبِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ لَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِهِ، وَمَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الْغَائِبَ لَوْ كَتَبَ لِيُقَدِّمَ رَجُلًا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ بَاقِيَةٌ لَمَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقَدَّمَ غَيْرَهُ. وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلِيَّيْنِ إذَا اسْتَوَيَا كَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ أَيُّهُمَا زَوَّجَ نَفَذَ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْعَقْدِ وَالْعَمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ زَوَّجَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا فَالصِّحَّةُ

وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بُعْدُ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ (وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهَا الْقَوَافِلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ. وَقِيلَ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِأَقْصَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ بِحَالٍ يَفُوتُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ (وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجْنُونَةِ أَبُوهَا وَابْنُهَا فَالْوَلِيُّ فِي نِكَاحِهَا ابْنُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلسَّابِقِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّابِقُ أَوْ وَقَعَا مَعًا بَطَلَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالتَّصْحِيحِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ بِأَمْرِهَا وَزَوَّجَتْ هِيَ نَفْسَهَا مِنْ آخَرَ فَأَيُّهُمَا قَالَتْ هُوَ الْأَوَّلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَهُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ لَهُ عَلَى نَفْسِهَا وَإِقْرَارُهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَالَتْ لَا أَدْرِي الْأَوَّلَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ بِأَمْرِهَا. (قَوْلُهُ وَلَا يُرَدُّ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الْأَقْرَبُ بَعْدَ عَقْدِ الْأَبْعَدِ لَا يُرَدُّ عَقْدُهُ وَإِنْ عَادَتْ وِلَايَتُهُ بِعَوْدِهِ. (قَوْلُهُ وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ جَابْلَقَا إلَى جَابْلَسَا: وَهُمَا قَرْيَتَانِ إحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ، وَهَذَا رُجُوعٌ إلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَإِنَّمَا ضَرَبَ هَذَا مَثَلًا، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ بَغْدَادَ إلَى الرَّيِّ، وَهَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الرَّيِّ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: حَدُّ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَحَوِّلًا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فَلَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ، أَوْ يَكُونُ مَفْقُودًا لَا يُعْرَفُ خَبَرُهُ. وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقَعُ الْكِرَاءُ إلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَيْسَتْ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ بِدَفَعَاتٍ فَمُنْقَطِعَةٌ، وَقِيلَ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِأَقْصَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَبُو عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ وَأَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ، قَالُوا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ انْتَظَرَ حُضُورَهُ وَاسْتِطْلَاعَ رَأْيِهِ يَفُوتُ الْكُفْءُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا فِي الْمَدِينَةِ بِحَيْثُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ النَّظَرُ. وَفِي النِّهَايَةِ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْهَا الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجْنُونَةِ) جُنُونًا أَصْلِيًّا بِأَنْ بَلَغَتْ مَجْنُونَةً أَوْ عَارِضِيًّا بِأَنْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ (أَبُوهَا) أَوْ جَدُّهَا (مَعَ ابْنِهَا فَالْوَلِيُّ فِي تَزْوِيجِهَا ابْنُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا) وَقَالَ زُفَرُ فِي الْعَارِضِيِّ: لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ زَالَتْ عِنْدَ بُلُوغِهَا عَاقِلَةً فَلَا تَرْجِعُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا تَرْجِعُ عِنْدَ وُجُودِ مَنَاطِ الْحَجْرِ بَلْ هِيَ أَحْوَجُ إلَى الْوِلَايَةِ بِالْجُنُونِ

[فصل في الكفاءة]

لِأَنَّهُ أَوْفَرُ شَفَقَةً مِنْ الِابْنِ. وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْعُصُوبَةِ، وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ كَأَبِي الْأُمِّ مَعَ بَعْضِ الْعَصَبَاتِ. فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ (الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهَا إلَيْهَا بِالصِّغَرِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا فِي الصِّغَرِ لِتَحْصِيلِ الْكُفْءِ وَفِي الْجُنُونِ لِذَلِكَ وَدَفْعِ الشَّهْوَةِ وَالْمُمَارَسَةِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَبُوهُ وَابْنُهُ أَوْ جَدُّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَيُّهُمَا مِنْ الْأَبِ وَالِابْنِ زَوَّجَ جَازَ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى جَعَلَهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ، وَلَا يَبْعُدُ إذْ فِي الِابْنِ قُوَّةُ الْعُصُوبَةِ وَفِي الْأَبِ زِيَادَةُ الشَّفَقَةِ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةٌ. (قَوْلُهُ) فِي وَجْهِ قَوْلِهِمَا (وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُصُوبَةِ) بِالنَّصِّ السَّابِقِ، وَالِابْنُ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْعُصُوبَةِ شَرْعًا لِانْفِرَادِهِ بِالْأَخْذِ بِالْعُصُوبَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَهُ. ثُمَّ إذَا زَوَّجَ الْمَجْنُونَةَ أَوْ الْمَجْنُونَ الْكَبِيرَيْنِ أَبُوهُمَا أَوْ جَدُّهُمَا لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا لِتَمَامِ شَفَقَتِهِمَا، وَلَوْ زَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَجْنُونُ أَوْ الْمَرْأَةُ ابْنَهُمَا فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا خِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَا خِيَارَ لَهُمَا فِي تَزْوِيجِهِمَا فَالِابْنُ أَوْلَى. [فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ] (فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ) الْكُفْءُ الْمُقَاوَمُ وَيُقَالُ لَا كِفَاءَ لَهُ بِالْكَسْرِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْكَفَاءَةُ شَرْطَ اللُّزُومِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا عَقَدَتْ بِنَفْسِهَا حَتَّى كَانَ لَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَانَتْ فَرْعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَهُوَ بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ، فَقَدَّمَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَمَنْ تَثْبُتُ لَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ فَصْلَ الْكَفَاءَةِ (قَوْلُهُ مُعْتَبَرَةٌ) قَالُوا: مَعْنَاهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى إنَّ عِنْدَ عَدَمِهَا جَازَ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخُ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ» فَهَاهُنَا نَظَرَانِ فِي إثْبَاتِ حُجِّيَّتِهِ، ثُمَّ وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَعْنَاهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ مُبَشِّرَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَالْحَجَّاجُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَمُبَشِّرٌ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ نَسَبَهُ أَحْمَدُ إلَى الْوَضْعِ وَسَيَأْتِي تَخْرِيجُهُ لَكِنَّهُ حُجَّةٌ بِالتَّضَافُرِ وَالشَّوَاهِدِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَأَمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: الصَّلَاةُ إذَا أَتَتْ، وَالْجِنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ، وَالْأَيِّمُ إذَا وَجَدَتْ كُفُؤًا» ، وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ لَا أَرَى إسْنَادَهُ مُتَّصِلًا مُنْتَفٍ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ. وَقَالَ فِي سَنَدِهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيُّ مَكَانَ قَوْلِ الْحَاكِمِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ. وَمَا عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَخَيَّرُوا لَنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ» رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَعُمَرَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ فَوَجَبَ ارْتِفَاعُهُ إلَى الْحُجِّيَّةِ بِالْحَسَنِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِصِحَّةِ الْمَعْنَى وَثُبُوتِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ، ثُمَّ وَجَدْنَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلشَّيْخِ بُرْهَانِ الدِّينِ الْحَلَبِيِّ ذَكَرَ أَنَّ الْبَغَوِيّ قَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ، وَقَالَ فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ بِسَنَدِهِ ثُمَّ أَوْجَدَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا صُورَةَ السَّنَدِ عَنْ الْحَافِظِ قَاضِي الْقُضَاةِ الْعَسْقَلَانِيِّ الشَّهِيرِ بِابْنِ حَجَرٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ» مِنْ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ. قَالَ الْحَافِظُ: إنَّهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَسَنٌ وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ. وَأَغْنَى عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَقَالَ: إذَا كَانَتْ الْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةً فِي الْحَرْبِ وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ فَفِي النِّكَاحِ وَهُوَ لِلْعُمْرِ أَوْلَى. وَذَكَرَ «مَا وَقَعَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ أَنَّهُ لَمَّا بَرَزَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، وَخَرَجَ إلَيْهِمْ عَوْفٌ وَمُعَوِّذٌ ابْنَا عَفْرَاءَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَالُوا لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: أَبْنَاءُ قَوْمٍ كِرَامٍ، وَلَكِنَّا نُرِيدُ أَكْفَاءَنَا مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقُوا، ثُمَّ أَمَرَ حَمْزَةَ وَعَلِيًّا وَعُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ» إلَخْ. فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقُوا فَلَمْ أَرَهُ، وَاَلَّذِي فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، وَلَكِنَّا نُرِيدُ بَنِي عَمِّنَا. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ، ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِمْ يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ لَنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ يَا حَمْزَةُ وَقُمْ يَا عَلِيُّ» إلَخْ. وَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ لَوْ بَرَزَ لِلْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ إطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَنْسَابِهِمْ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ عَبْدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ كَانَ مَشْكُورًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ النَّسَبُ إلَّا بُعْدًا. نَعَمْ الْكَفَاءَةُ الْمَطْلُوبَةُ هُنَا كَفَاءَةُ الشِّدَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ كُفْؤُهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نُصْرَةُ الدِّينِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وَكَلَامُهُ إنَّمَا يُفِيدُ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّمَا أَجَابَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ إمَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنْ الَّذِينَ خَرَجُوا إلَيْهِمْ أَوَّلًا أَوْ لِئَلَّا يُظَنَّ بِالْمَطْلُوبِينَ عَجْزٌ أَوْ جُبْنٌ، أَوْ دَفْعًا لِمَا قَدْ يَظُنُّ أَهْلُ النِّفَاقِ مِنْ أَنَّهُ يَضِنُّ بِقَرَابَتِهِ دُونَ الْأَنْصَارِ. النَّظَرُ الثَّانِي لَا يُخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ «لَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ» أَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَوْلِيَاءِ نَهْيًا لَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ إلَّا

وَلِأَنَّ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ بَيْنَ الْمُتَكَافِئَيْنِ عَادَةً، لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا، بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا تَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأَكْفَاءِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الْفَسْخِ. فَإِنْ قُلْت: يُمْكِنُ كَوْنُ فَاعِلِ يُزَوَّجْنَ الْمَحْذُوفُ أَعَمَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يُزَوِّجَهُنَّ مُزَوِّجٌ هِيَ لِنَفْسِهَا أَوْ الْأَوْلِيَاءُ لَهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ فَإِذَا بَاشَرَتْهُ لَزِمَتْهَا الْمَعْصِيَةُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ فَسْخَهُ إلَّا الْمَعْنَى الصِّرْفَ وَهُوَ أَنَّهَا أَدْخَلَتْ عَلَيْهِ ضَرَرًا فَلَهُ دَفْعُهُ، وَهَذَا لَيْسَ مَدْلُولَ النَّصِّ، وَلَوْ عَلَّلَ نَهْيَهَا التَّضَمُّنِيَّ لِلنَّصِّ بِإِدْخَالِهَا الضَّرَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ فَسْخُهُ مَدْلُولَ النَّصِّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا التَّضَمُّنِيَّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَبِالْأَوْلِيَاءِ، فَبِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ إنَّمَا يُعَلَّلُ بِتَرْكِ النَّظَرِ لَهَا، وَبِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَلِيِّ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَيْسَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى سَامِعٍ أَنَّ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ إذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْوَلِيِّ فَسْخُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُزَوِّجُهُنَّ أَحَدٌ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ» نَبْوَةٌ لِلدَّلِيلِ عَنْ الْمُدَّعِي. فَالْحَقُّ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِبَارِ فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ فِي الْكِتَابِ. فَإِنْ قُلْت: كَوْنُ الشَّيْءِ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ: أَعْنِي مُعْتَبَرًا عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ. قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنَّهُ لَمْ تُقْصَدْ الْخُصُوصِيَّةُ فَإِنْ قُلْت: فَمَا هُوَ؟ قُلْنَا: مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا الْوُجُوبُ: أَعْنِي وُجُوبَ نِكَاحِ الْأَكْفَاءِ وَتَعْلِيلُهَا بِانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ يُؤَيِّدُهُ لَا يَنْفِيهِ. ثُمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُهُ أَوَّلَ كُفْءٍ خَاطِبٍ إلَّا مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ» وَلَوْلَا أَنَّ شَرْطَ الْمَشْرُوعِ الْقَطْعِيِّ لَا يَثْبُتُ بِظَنِّيٍّ لَقُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الْكَفَاءَةِ لِلصِّحَّةِ. ثُمَّ هَذَا الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَوْلِيَاءِ حَقًّا لَهَا وَبِهَا حَقًّا لَهُمْ عَلَى مَا تَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، لَكِنْ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْمَعْصِيَةُ فِي حَقِّهِمْ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا تَزْوِيجُهُمْ إلَّا بِرِضَاهَا: فَهِيَ تَارِكَةٌ لِحَقِّهَا، كَمَا إذَا رَضِيَ الْوَلِيُّ بِتَرْكِ حَقِّهِ حَيْثُ يَنْفُذُ. هَذَا كُلُّهُ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِهَا، وَعَلَى اعْتِبَارِهَا يُشْكِلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ. فَإِنْ قُلْت: خَطَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ عَلَى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَلَيْسَ قُرَشِيًّا، وَزُوِّجَتْ أُخْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ بِلَالٍ وَهُوَ حَبَشِيٌّ، وَزَوَّجَ أَبُو حُذَيْفَةَ بِنْتَ أَخِيهِ مِنْ مَوْلَاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِعِلْمِ الصَّحَابَةِ وَبَعْضُهُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَالْجَوَابُ أَنَّ وُقُوعَ هَذِهِ لَيْسَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ تِلْكَ النِّسَاءِ صَغَائِرَ بَلْ الْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُنَّ كَبَائِرُ خُصُوصًا بِنْتَ قَيْسٍ كَانَتْ ثَيِّبًا كَبِيرَةً حِينَ تَزَوَّجَهَا أُسَامَةُ، وَإِنَّمَا جَازَ لِإِسْقَاطِهِنَّ حَقَّ الْكَفَاءَةِ هُنَّ وَأَوْلِيَاؤُهُنَّ. هَذَا وَفِي اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ خِلَافُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا لِمَا رَوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى» قُلْنَا مَا رَوَيْنَاهُ يُوجِبُ حَمْلَ مَا رَوَوْهُ عَلَى حَالِ الْآخِرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ انْتِظَامَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّةِ النِّكَاحِ انْتِظَامُ مَصَالِحِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ فِي مُدَّةِ الْعُمْرِ؛ لِأَنَّهُ

(وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا) دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ . (ثُمَّ الْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي النَّسَبِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُضِعَ لِتَأْسِيسِ الْقَرَابَاتِ الصِّهْرِيَّةِ لِيَصِيرَ الْبَعِيدُ قَرِيبًا عَضُدًا وَسَاعِدًا يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّكَ وَيَسُوءُهُ مَا يَسُوءُكَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمُوَافَقَةِ وَالتَّقَارُبِ، وَلَا مُقَارَبَةَ لِلنُّفُوسِ عِنْدَ مُبَاعَدَةِ الْأَنْسَابِ وَالِاتِّصَافِ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ رَأَيْنَا الشَّرْعَ فَسَخَ عَقْدَ النِّكَاحِ إذَا وَرَدَ مِلْكُ الْيَمِينِ لَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّلًا أَيْضًا بِعِلَّةٍ أُخْرَى عَامَّةٍ لِلطَّرَفَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ فَعَقْدُهُ مَعَ غَيْرِ الْمُكَافِئِ قَرِيبُ الشَّبَهِ مِنْ عَقْدٍ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقَاصِدُهُ، وَإِذَا كَانَ إيَّاهُ فَسَدَ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقَهُ كُرِهَ وَلَمْ يَلْزَمْ لِمُولِيهِ إذَا انْفَرَدَ بِهِ الْوَلِيُّ لِظُهُورِ الْإِضْرَارِ بِهَا . (قَوْلُهُ وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحَارِمَ كَابْنِ الْعَمِّ (أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ) مَا لَمْ يَجِئْ مِنْ الْوَلِيِّ دَلَالَةُ الرِّضَا كَقَبْضِهِ الْمَهْرَ أَوْ النَّفَقَةَ أَوْ الْمُخَاصَمَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَالتَّجْهِيزِ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا عَلَى السَّكْتِ فَظَهَرَ عَدَمُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَطَ الْعَاقِدُ الْكَفَاءَةَ أَوْ أَخْبَرَهُ الزَّوْجُ بِمَا حَيْثُ كَانَ لَهُ التَّفْرِيقُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَمْ يُخْبِرْهُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِيمَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِمَّا لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ بَلْ لِلْأَوْلِيَاءِ، أَوْ زَوَّجَهَا الْأَوْلِيَاءُ مِمَّنْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ بِحُرِّيَّتِهِ وَرِقِّهِ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُمْ الْفَسْخُ. وَلَوْ أَخْبَرَ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ كَانَ لِلْعَاقِدِ الْفَسْخُ، وَلَا يَكُونُ سُكُوتُ الْوَلِيِّ رِضًا إلَّا إنْ سَكَتَ إلَى أَنْ وَلَدَتْ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ التَّفْرِيقُ. وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا، وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ إنْ وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ لَهَا الْمُسَمَّى، وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً. وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَكُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَشَبَّثُ بِدَلِيلٍ فَلَا يَنْقَطِعُ النِّزَاعُ إلَّا بِفَصْلِ الْقَاضِي، وَالنِّكَاحُ قَبْلَهُ صَحِيحٌ يَتَوَارَثَانِ بِهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا إذَا كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ. وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ أَنْ يَطَأَهَا؟ مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ نَعَمْ. قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: هَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ: إنَّمَا تَزَوَّجْتُكَ عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ وَعَسَى لَا يَرْضَى فَيُفَرِّقُ فَيَصِيرُ هَذَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ. وَرِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي دَرَجَةٍ كَرِضَا كُلِّهِمْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْكُلِّ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَا الْكُلِّ، كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ لَهُمْ لَكِنْ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ، فَإِذَا أَبْطَلَهُ أَحَدُهُمْ لَا يَبْقَى كَحَقِّ الْقِصَاصِ، أَمَّا لَوْ رَضِيَ الْأَبْعَدُ كَانَ لِلْأَقْرَبِ الِاعْتِرَاضُ. وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِإِذْنِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ثَانِيًا كَانَ لِذَلِكَ الْوَلِيِّ التَّفْرِيقُ، وَلَا يَكُونُ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ رِضًا بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَبْعُدُ رُجُوعُهُ عَنْ خُلَّةٍ دَنِيَّةٍ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا هُوَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ غَيْرَ كُفْءٍ وَلَوْ تَزَوَّجَتْهُ ثَانِيًا فِي الْعِدَّةِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَزِمَهُ مَهْرٌ ثَانٍ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الثَّانِي، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ ثُمَّ الْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي النَّسَبِ) جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ

(فَقُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَسَيُورِدُهُ، إلَّا الْكَفَاءَةَ فِي الْعَقْلِ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا رِوَايَةَ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْلِ فِي الْكَفَاءَةِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِعَدَمِهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَنَا فِي السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ كَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْبَخَرِ وَالدَّفَرِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ: أَعْنِي الْجُنُونَ وَالْجُذَامَ وَالْبَرَصَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا تُطِيقُ الْمُقَامَ مَعَهُ فَالْحَقُّ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ فِي الْعَقْلِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، إلَّا أَنَّ الَّذِي لَهُ التَّفْرِيقُ وَالْفَسْخُ الزَّوْجَةَ لَا الْوَلِيَّ وَكَذَا فِي أَخَوَيْهِ عِنْدَهُ. [فَرْعٌ] انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ نَسَبِهِ لِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَتْهُ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُكَافِئْهَا بِهِ كَقُرَشِيَّةٍ انْتَسَبَ لَهَا إلَى قُرَيْشٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ غَيْرُ قُرَشِيٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ، وَلَوْ رَضِيَتْ كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ التَّفْرِيقُ وَإِنْ كَافَأَهَا بِهِ كَعَرَبِيَّةٍ لَيْسَتْ قُرَشِيَّةً انْتَسَبَ لَهَا إلَى قُرَيْشٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ غَيْرُ قُرَشِيٍّ فَلَا حَقَّ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَلَهَا هِيَ الْخِيَارُ عِنْدَنَا إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَلَنَا أَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ابْنُهَا صَالِحًا لِلْخِلَافَةِ، فَإِذَا لَمْ تَنَلْ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ، كَشِرَاءِ الْعَبْدِ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ فَظَهَرَ خِلَافُهُ. وَأَيْضًا الِاسْتِفْرَاشُ ذُلٌّ فِي جَانِبِهَا فَقَدْ تَرْضَى بِهِ مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا لَا مِنْ مِثْلِهَا، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ فَقَدْ غَرَّهَا وَتَبَيَّنَ عَدَمُ رِضَاهَا بِالْعَقْدِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الِانْتِسَابُ مِنْ جَانِبِهَا وَالْغُرُورُ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ غُرُورِهَا وَلِتَخَلُّصِهِ مِنْهَا بِطَرِيقٍ يُمْكِنُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَيَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى فَضْلِ تَقْرِيرٍ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ إثْبَاتِ خِيَارِ الْبُلُوغِ لِلْغُلَامِ وَهُوَ سَهْلٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ فَقُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ) رَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ، فَإِنَّ شُجَاعَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ إخْوَانِنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا» وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ فِيهِ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ الْأَيْلِيُّ، وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَأَنَّ عِمْرَانَ هَذَا يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «النَّاسُ أَكْفَاءٌ قَبِيلَةٌ لِقَبِيلَةٍ وَعَرَبِيٌّ لِعَرَبِيٍّ وَمَوْلًى لِمَوْلًى إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا» وَضُعِّفَ بِبَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ وَهُوَ مُخَيَّلٌ إنْ عَنْعَنَ الْحَدِيثَ لَيْسَ غَيْرُ، وَبِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْفَضْلِ مَطْعُونٌ فِيهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَعُمَرَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ هُوَ الطَّرَائِفِيُّ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ يَرْوِي الْمَجَاهِيلَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ اهـ كَلَامُهُ. وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ يَرْفَعُهُ «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» اهـ. وَابْنُ مَعْدَانَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا. وَبِالْجُمْلَةِ فَلِلْحَدِيثِ أَصْلٌ، فَإِذًا

«قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فَيُمْكِنُ ثُبُوتُ تَفْصِيلِهَا أَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ فِيمَا يَحْقِرُونَهُ وَيُعَيِّرُونَ بِهِ فَيُسْتَأْنَسُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي ذَلِكَ، خُصُوصًا وَبَعْضُ طُرُقِهِ كَحَدِيثِ بَقِيَّةَ لَيْسَ مِنْ الضَّعْفِ بِذَاكَ، فَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ مُعَظِّمًا لِبَقِيَّةِ وَنَاهِيكَ بِاحْتِيَاطِ شُعْبَةَ، وَأَيْضًا تَعَدُّدُ طُرُقِ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ يَرْفَعُهُ إلَى الْحَسَنِ، ثُمَّ الْقُرَشِيَّانِ مَنْ جَمَعَهُمَا أَبٌ هُوَ النَّضْرُ بْنُ كَنَانَةَ فَمَنْ دُونَهُ، وَمَنْ لَمْ يُنْسَبْ إلَّا إلَى أَبٍ فَوْقَهُ فَهُوَ عَرَبِيٌّ غَيْرُ قُرَشِيٍّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أَوْلَادُ النَّضْرِ قُرَيْشًا تَشْبِيهًا لَهُمْ بِدَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ تُدْعَى قِرْشًا تَأْكُلُ دَوَابَّهُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَعْظَمِ دَوَابِّ الْبَرِّ عِزَّةً وَفَخْرًا وَنَسَبًا، وَعَلَى هَذَا قَالَ اللِّهْبِيُّ: وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ ... الْبَحْرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا وَقِيلَ؛ لِأَنَّ النَّضْرَ كَانَ يُسَمَّى قُرَيْشًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّعْبِيِّ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرِشُ عَنْ خِلَّةِ النَّاسِ لِيَسُدَّ حَاجَاتِهِمْ بِمَالِهِ وَالتَّقْرِيشُ التَّفْتِيشُ، قَالَ الْحَارِثُ: أَيّهَا النَّاطِقُ الْمُقَرِّشُ عَنَّا ... عِنْدَ عَمْرٍو فَهَلْ لَنَا إبْقَاءُ وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى نَادِي قَوْمِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اُنْظُرْ إلَى النَّضْرِ كَأَنَّهُ جَمَلٌ قُرَيْشٌ، وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِقُرَيْشِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ كَانَ صَاحِبَ عِيرِهِمْ فَكَانُوا يَقُولُونَ قَدِمَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ وَخَرَجَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ وَلِهَذَا الرَّجُلِ ابْنٌ يُسَمَّى بَدْرًا وَهُوَ الَّذِي حَفَرَ بِئْرَ بَدْرٍ وَسُمِّيَتْ بِهِ، وَقِيلَ لِتِجَارَتِهِمْ وَالْقِرْشُ الْكَسْبُ. وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ: قِيلَ إنَّ اسْمَهُ قُرَيْشٌ، وَإِنَّمَا فِهْرٌ لَقَبُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قُرَشِيًّا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ فِهْرٍ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ الْجَمْعِ، وَالتَّقْرِيشُ التَّجْمِيعُ؛ لِأَنَّ قُصَيًّا جَمَّعَ بَنِي النَّضْرِ فِي الْحَرَمِ مِنْ بَعْدِ تَفَرُّقِهِمْ، وَقِيلَ لَمَّا نَزَلَ قُصَيٌّ الْحَرَمَ فَعَلَ أَفْعَالًا جَمِيلَةً فَقِيلَ لَهُ الْقِرْشُ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي كَوْنُ الْقُرَشِيِّينَ مَنْ جَمَعَهُمَا أَبٌ هُوَ قُصَيٌّ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَيَكُونُ مِنْ التَّجَمُّعِ لَا التَّجْمِيعِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ قُصَيٍّ وَالتَّجَمُّعُ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ النَّضْرِ وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ قَالَ: أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا بِهِ جَمَّعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ غَيْرَ أَنَّ الْقَافِيَّةَ اتَّفَقَتْ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَبَعْدَ نَقْلِ أَنَّ قُصَيًّا سُمِّيَ مُجَمِّعًا لِجَمْعِهِ أَوْلَادَ النَّضْرِ عُرِفَ أَنَّ الْقُرَشِيِّينَ مَنْ جَمَعَهُمَا النَّضْرُ. هَذَا وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ تَحْتَهَا بُطُونٌ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ وَقُصَيٌّ وَعَدِيٌّ وَمِنْهُمْ الْفَارُوقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمُرَّةُ وَمِنْ مُرَّةَ تَيْمٌ وَمِنْهُمْ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمَخْزُومٌ وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمَا فَخْذَانِ. وَهَاشِمٌ فَخْذٌ وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ، وَأَعَمُّ الطَّبَقَاتِ الشُّعَبُ مِثْلُ حِمْيَرَ وَرَبِيعَةَ وَمُضَرَ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ مِثْلُ كِنَانَةَ وَلِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي قُرَيْشٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ، وَفِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ» وَنَظَمَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ تَرْتِيبَ الطَّبَقَاتِ فَقَالَ: قَبِيلَةٌ فَوْقَهَا شَعْبٌ وَبَعْدَهُمَا ... عِمَارَةٌ ثُمَّ بَطْنٌ تَلُوهُ فَخِذُ وَلَيْسَ يُؤْوِي الْفَتَى إلَّا فَصِيلَتُهُ ... وَلَا سَدَادَ لِسَهْمٍ مَا لَهُ قُذَذُ

وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ» وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ لِمَا رَوَيْنَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَأَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْعَشِيرَةَ بَعْدَ الْفَصِيلَةِ فَقَالَ: اقْصِدْ الشَّعْبَ فَهْوَ أَكْثَرُ حَيٍّ ... عَدَدًا فِي الْجِوَاءِ ثُمَّ الْقَبِيلَهْ ثُمَّ يَتْلُوهُمَا الْعِمَارَةُ ثُمَّ ... الْبَطْنُ وَالْفَخِذُ بَعْدَهَا وَالْفَصِيلَهْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا الْعَشِيرَةُ لَكِنْ ... هِيَ فِي جَنْبِ مَا ذَكَرْنَا قَلِيلَهْ (قَوْلُهُ وَالْمَوَالِي) هُمْ الْعُتَقَاءُ، وَالْمُرَادُ هُنَا غَيْرُ الْعَرَبِ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا ضَلُّوا أَنْسَابَهُمْ كَانَ التَّفَاخُرُ بَيْنَهُمْ بِالدِّينِ وَمَا نَذْكُرُهُ فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْهَاشِمِيَّ وَالْمُطَّلِبِيَّ أَكْفَاءٌ دُونَ غَيْرِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ. قَالُوا: وَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَيْهِ مِنْ عُثْمَانَ وَهُوَ أُمَوِيٌّ، وَزَوَّجَ أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عَدَوِيٌّ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ قَدْ يَقُولُ يَجُوزُ كَوْنُهُ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الْكَفَاءَةِ نَظَرًا إلَى مَصْلَحَةٍ أُخْرَى لَكِنَّهُ يَرَى أَنَّهَا شَرْطٌ فِي النَّسَبِ فَيَلْزَمُهُ مَا ذَكَرْنَا، وَعَلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ فِي اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ، وَعَلَى مُحَمَّدٍ فِي اعْتِبَارِهِ الزِّيَادَةَ بِالْخِلَافَةِ حَتَّى لَا يُكَافِئَ أَهْلُ بَيْتِ الْخِلَافَةِ غَيْرَهُمْ مِنْ الْقُرَشِيِّينَ، هَذَا إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ عَدَمَ الْمُكَافَأَةِ لَا إنْ قَصَدَ بِهِ تَسْكِينَ الْفِتْنَةِ. وَفِي الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ: قَالُوا الْحَسِيبُ يَكُونُ كُفْئًا لِلنَّسِيبِ، فَالْعَالِمُ الْعَجَمِيُّ كُفْءٌ لِلْجَاهِلِ الْعَرَبِيِّ وَالْعَلَوِيَّةِ، لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ وَالْحَسَبِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ: الْحَسِيبُ هُوَ الَّذِي لَهُ جَاهٌ وَحِشْمَةٌ وَمَنْصِبٌ. وَفِي الْيَنَابِيعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْئًا لِلْعَلَوِيَّةِ. وَأَصْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إذَا أَحْرَزَ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يُقَابِلُ بِهِ نَسَبَ الْآخَرِ كَانَ كُفْئًا لَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْبِلَادِ. فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْقَرَوِيَّ

وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءَ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ. (وَأَمَّا الْمَوَالِي فَمَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَصَاعِدًا فَهُوَ مِنْ الْأَكْفَاءِ) يَعْنِي لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِ. وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ النَّسَبِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَأَبُو يُوسُفَ أَلْحَقَ الْوَاحِدَ بِالْمُثَنَّى كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْرِيفِ. وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ فِيمَا بَيْنَ الْمَوَالِي بِالْإِسْلَامِ. وَالْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ نَظِيرُهَا فِي الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِيهِ مَعْنَى الذُّلِّ فَيُعْتَبَرُ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُفْءٌ لِلْمَدَنِيِّ (قَوْلُهُ وَبَنُو بَاهِلَةَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَبَاهِلَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ مَعْنِ بْنِ أَعَصْرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ فَنُسِبَ وَلَدُهُ إلَيْهَا وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ. قِيلَ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ عِظَامَ الْمَيْتَةِ يَطْبُخُونَهَا وَيَأْخُذُونَ دُسُومَتَهَا فَلِذَا قِيلَ: وَلَا يَنْفَعُ الْأَصْلُ مِنْ هَاشِمٍ ... إذَا كَانَتْ النَّفْسُ مِنْ بَاهِلِهِ وَقِيلَ: إذَا قِيلَ لِلْكَلْبِ يَا بَاهِلِيُّ ... عَوَى الْكَلْبُ مِنْ لُؤْمِ هَذَا النَّسَبِ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ، فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِل الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ، وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعُلُوُّ ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَوَالِي فَمَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَصَاعِدًا فَهُوَ مِنْ الْأَكْفَاءِ: يَعْنِي لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِ، وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ النَّسَبِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَأَلْحَقَ أَبُو يُوسُفَ الْوَاحِدَ بِالْمُثَنَّى كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْرِيفِ) أَيْ فِي الشَّهَادَاتِ وَالدَّعَاوَى، قِيلَ كَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ

قَالَ (وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الدِّينِ) أَيْ الدِّيَانَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ، وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُعَدُّ كُفْرُ الْجَدِّ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا، وَهُمَا قَالَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ عَيْبًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَيْبًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا حَسَنٌ وَبِهِ يَنْتَفِي الْخِلَافُ،. وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ وَلِيُّهَا لَيْسَ هَذَا كُفْئًا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بَلْ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ وَالْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ نَظِيرُهَا فِي الْإِسْلَامِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ حُرَّانِ كَافَأَ مَنْ كَانَ لَهُ آبَاءٌ أَحْرَارٌ، وَمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ حُرٌّ لَا يُكَافِئُ مَنْ لَهُ أَبَوَانِ حُرَّانِ، وَمَنْ عَتَقَ بِنَفْسِهِ لَا يُكَافِئُ مَنْ لَهُ أَبٌ حُرٌّ. وَفِي التَّجْنِيسِ: لَوْ كَانَ أَبُوهَا مُعْتَقًا وَأُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا يُكَافِئُهَا الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَثَرَ الرِّقِّ وَهُوَ الْوَلَاءُ، وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ كَانَتْ هِيَ أَيْضًا حُرَّةَ الْأَصْلِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: مُعْتَقَةُ الشَّرِيفِ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفْئًا لِمَنْ عَتَقَ بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الدِّينِ: أَيْ الدِّيَانَةُ) فَسَّرَ بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّقْوَى لَا اتِّفَاقَ الدِّينِ؛ لِأَنَّ تَفَاصِيلَهُ تُعْرَفُ فِي نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَا كَوْنُهُ مُكَافِئًا بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَرَّ قَبْلَهُمَا (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ أَنَّ الصَّحِيحَ اقْتِرَانُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَرَجَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مِنْ حَيْثُ الصَّلَاحُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَقِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِر الْكَفَاءَةَ فِي الدِّينِ وَقَالَ: إذَا كَانَ الْفَاسِقُ ذَا مُرُوءَةٍ كَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَالْمُبَاشِرِينَ الْمَكَسَةِ، وَكَذَا عَنْهُ إنْ كَانَ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ سِرًّا وَلَا يَخْرُجُ وَهُوَ سَكْرَانُ يَكُونُ كُفْئًا وَإِلَّا لَا، وَحِينَئِذٍ الْأَوْلَى كَوْنُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ، وَالْمَعْنَى هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ فَاسِقًا كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ فَسْخُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُبَاشِرِي السُّلْطَانِ

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ. قَالَ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي الْمَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، حَتَّى إنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُهُمَا أَوْ لَا يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيفَائِهِ وَبِالنَّفَقَةِ قِوَامُ الِازْدِوَاجِ وَدَوَامُهُ. وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِيَسَارِ أَبِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَ يَسْخَرُ مِنْهُ وَيَخْرُجُ سَكْرَانَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَلَا تُبْنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا) وَفِي كَوْنِ هَذَا قَاعِدَةً مُمَهَّدَةً نَظَرٌ إذْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْمُلَازَمَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَعَدَمِهِ، عَلَى أَنَّا لَمْ نَبْنِ إلَّا عَلَى أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعْفِ نَسَبِهِ: يَعْنِي يُعَيِّرُهَا أَشْكَالُهَا إنْ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ. وَفِي الْمُحِيطِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِاخْتِيَارِ السَّرَخْسِيِّ الرِّوَايَةَ الْمُوَافِقَةَ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ فِي الدِّيَانَةِ ثُمَّ صَارَ دَاعِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ وَقْتَ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ فِي الْمَالِ هُوَ (أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ) وَتَقْيِيدُهُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي الْكَفَاءَةِ فِي الْغِنَى بِمَا نَسَبَهُ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَهْرِ مِلْكُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ حَالًّا. وَفِي الْمُجْتَبَى: قُلْت فِي عُرْفِ أَهْلِ خُوَارِزْمَ كُلُّهُ مُؤَجَّلٌ فَلَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِمِلْكِ النَّفَقَةِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ: قِيلَ الْمُعْتَبَرُ مِلْكُ نَفَقَةِ شَهْرٍ، وَقِيلَ نَفَقَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ سَنَةٍ، وَفِي الْمُجْتَبَى: الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ عَنْ طَرِيقِ الْكَسْبِ كَانَ كُفْئًا، وَمَعْنَاهُ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إيفَاءِ مَا يُعَجِّلُ لَهَا بِالْيَدِ وَيَكْتَسِبُ مَا يُنْفِقُ لَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَانَ كُفْئًا لَهَا. وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ أَبِي شُجَاعٍ جَعَلَ الْأَصَحَّ مِلْكَ نَفَقَةِ شَهْرٍ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إنْ كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَجِدُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ فَهُوَ كُفْءٌ وَإِلَّا لَا يَكُونُ كُفْئًا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَتْ تُطِيقُ النِّكَاحَ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُهُ فَهُوَ كُفْءٌ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا (قَوْلُهُ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا بِيَسَارِ أَبِيهِ) وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ

فَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى فَمُعْتَبَرَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى إنَّ الْفَائِقَةَ فِي الْيَسَارِ لَا يُكَافِئُهَا الْقَادِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْغِنَى وَيَتَعَيَّرُونَ بِالْفَقْرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَبَاتَ لَهُ إذْ الْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي الصَّنَائِعِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ تَفْحُشَ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالدَّبَّاغِ. وَجْهُ الِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْحِرْفَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، وَيُمْكِنُ التَّحَوُّلُ عَنْ الْخَسِيسَةِ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَدَّتِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ بِيَسَارِ الْأَبِ (قَوْلُهُ فَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى) يَعْنِي بَعْدَ مِلْكِهِ لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ هَلْ تُعْتَبَرُ مُكَافَأَتُهُ إيَّاهَا فِي غِنَاهَا، قَالَ: مُعْتَبَرَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لَكِنْ صَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ مَذْمُومَةٌ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: لَا مُعْتَبَرَ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْغِنَى هُوَ الصَّحِيحُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ مَلَكَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْفَائِقَةِ فِي الْغِنَى وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ غَيْرُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ، وَكَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ. وَفِي كِتَابِ النِّكَاحِ: لَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ إلَّا عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ الْأَوَائِلِ، قَالَ: وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتَبَرُوا الْكَفَاءَةَ فِي الْمَالِ بَعْدَمَا صَرَّحَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِنَفْيِهِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ) أَظْهَرُهُمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الصَّنَائِعِ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْطَارُ كُفْئًا لِلْعَطَّارِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَنْهُ فِي أُخْرَى: الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ إلَّا الْحَائِكُ وَالْحَجَّامُ، وَكَذَا الدَّبَّاغُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْكِتَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَصَارَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِوَايَتَانِ: الظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ، وَالظَّاهِرُ عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تُفْحِشَ وَهُوَ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ حَيْثُ قَالَ فِيهِ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا، مَا يُفِيدُ اعْتِبَارَهَا فِي الصَّنَائِعِ، لَكِنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ أَنَّ الصِّنَاعَاتِ الْمُتَقَارِبَةَ أَكْفَاءٌ كَالْبَزَّازِ وَالْعَطَّارِ، بِخِلَافِ الْمُتَبَاعِدَةِ، وَعَدَّ الْخَيَّاطَ مَعَ الدَّبَّاغِ وَالْحَجَّامِ وَالْكَنَّاسِ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَا يُكَافِئُونَ سَائِرَ الْحِرَفِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَكَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ قَالَ: وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ اعْتِبَارَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُعْتَبَرُ وَنَحْوُهُ فِي النَّافِعِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا لَكِنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَفَاءَةِ فِي الصَّنَائِعِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِكَوْنِهِمَا مِنْ صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ: وَهَاهُنَا خَسَاسَةٌ هِيَ أَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ وَهُوَ الَّذِي يَخْدُمُ الظَّلَمَةَ يُدْعَى شَاكِرْبَاهْ تَابِعًا وَإِنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَمَالٍ. قِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُعَدُّ الدَّنَاءَةُ فِي الْحِرْفَةِ مَنْقَصَةً

النَّفِيسَةِ مِنْهَا. قَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا) وَقَالَا: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. وَهَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ وَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَادِقَةٌ عَلَيْهِ. لَهُمَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ حَقُّهَا وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ كَمَا بَعْدَ التَّسْمِيَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَفْتَخِرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهِ فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا تُعْتَبَرُ، وَفِي زَمَنِهِمَا تُعَدُّ فَتُعْتَبَرُ. وَالْحَقُّ اعْتِبَارُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمَبْنِيُّ أَوَّلًا، فَإِنَّ الْمُوجِبَ هُوَ اسْتِنْقَاصُ أَهْلِ الْعُرْفِ فَيَدُورُ مَعَهُ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَائِكُ كُفْئًا لِلْعَطَّارِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِمَا هُنَاكَ مِنْ حُسْنِ اعْتِبَارِهَا وَعَدَمِ عَدِّهَا نَقْصًا أَلْبَتَّةَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ خَسَاسَةٌ غَيْرُهَا . (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَتِمَّ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا) فَالثَّابِتُ إلْزَامُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ فَرْعُ قِيَامِ مُكْنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ فَعَنْ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِتَكْمِيلِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُمْ لَيْسَ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُكْمِلَ، فَإِذَا امْتَنَعَ هُنَا عَنْ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ لَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى التَّسْمِيَةِ حَتَّى لَوْ سَمَّتْ مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَمْ تَأْخُذْهُ بَلْ أَبْرَأَتْ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا الْوَضْعُ) أَيْ قَوْلُنَا إذَا تَزَوَّجَتْ وَنَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ يَجِبُ تَنْقِيَةُ الْعَقْدِ فَرْعَ صِحَّةِ عَقْدِ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِهَا فَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ رُجُوعِهِ إلَى ذَلِكَ؛ لِمَا أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَتُهَا بِنَفْسِهَا بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، قَالَ: وَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى رُجُوعِهِ.

بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَيَّرُ بِهِ. (وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَزَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَضْعُ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا فَعَقَدَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ امْرَأَةً وَوَلِيَّهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا بِمَهْرٍ قَلِيلٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَضْعُ دَلَالَةً عَلَى رُجُوعِ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَنَا إذَا تَزَوَّجَتْ وَنَقَصَتْ لَا يَنْقُصُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَامٌّ فِي الصُّوَرِ عَلَى مَا هُوَ حَالُ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ، فَبِاعْتِبَارِ عُمُومِهِ يَكُونُ شَهَادَةً صَادِقَةً وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ، وَبِاعْتِبَارِ حَمْلِهِ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ أَعَمُّ مِنْهَا لَا يَكُونُ شَهَادَةً وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُعْتَرِضُ، وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يُوجِبَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ مُوجِبٌ وَتَمَامُ الِاعْتِرَاضِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ. فَتَوْجِيهُ الِاعْتِرَاضِ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى كَذَا لِلصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجِبُ هَذَا الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرُجُوعُهُ مَرْوِيٌّ أَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَصْنِيفَهُ لِلْجَامِعِ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْحَقُّ أَنَّهُ رَجَعَ وَلَا شَهَادَةَ فِي هَذِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَزَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا) وَلَزِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ قَلِيلٍ وَثَبَتَ الْمَالُ كُلُّهُ فِي ذِمَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي ذِمَّةِ الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَيَقْضِيهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ (وَقَالَا: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَزْوِيجُ الْأَبِ ابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا عَدَمُ الْكَفَاءَةِ فِي غَيْرِ الدِّيَانَةِ. أَمَّا فِيهَا فَلَا، لِمَا قَالُوا: لَوْ كَانَ الْأَبُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً وَفِسْقًا كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ الْقَابِلَةَ لِلتَّخَلُّقِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ ظَهَرَ سُوءُ اخْتِيَارِهِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ النَّظَرِ هُنَا مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ ظُهُورُ إرَادَةِ مَصْلَحَةٍ تَفُوقُ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى شَفَقَةِ الْأُبُوَّةِ. وَمَا فِي النَّوَازِلِ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ لَهُ وَقَالَتْ: لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ: يَعْنِي بَعْدَمَا كَبِرَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ الْأَبُ بِشُرْبِهِ وَكَانَ غَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ صَالِحِينَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ كُفْءٌ يُفِيدُ خِلَافَهُ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَرَفَهُ الْأَبُ أَنَّهُ يَشْرَبُهُ فَالنِّكَاحُ نَافِذٌ، وَهُوَ يُنَافِي مَا قُرِّرَ مِنْ أَنَّ الْأَبَ إذَا عُرِفَ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ. وَالْجَوَابُ

وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ، وَفِي النِّكَاحِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى الْمَهْرِ. أَمَّا الْمَالِيَّةُ فَهِيَ الْمَقْصُودُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَالدَّلِيلُ عَدِمْنَاهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا. (وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَمَةً فَهُوَ جَائِزٌ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْكَفَاءَةِ لِمَصْلَحَةِ تَفَوُّقِهَا وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَلَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ ثُبُوتِ سُوءِ الِاخْتِيَارِ وَتَيَقُّنِهِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ سُوءِ الِاخْتِيَارِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِلنَّاسِ كَوْنُ الْأَبِ الْعَاقِدِ مَعْرُوفًا بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا) أَيْ قَوْلُهُمَا لَا يَجُوزُ هَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ نَفْيُ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَيُزَادُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، قِيلَ بِالْأَوَّلِ وَقِيلَ بِالثَّانِي، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ ظَاهِرًا بِإِيجَابِ الْمَالِ عِوَضُ نَفْسِهَا نَاقِصًا أَوْ إبْطَالُهُ بِدُونِ عِوَضٍ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ كَالْمَأْمُورِ بِالْعَقْدِ بِشَرْطٍ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ إذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى شَرْطِهِ؛ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي مَالِهِمَا، فَإِيجَابُ الْمَالِ عِوَضُ نَفْسِهَا نَاقِصًا أَوْلَى بِعَدَمِ النَّفَاذِ، وَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ فَتَزْوِيجُهَا كَذَلِكَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّظَرَ وَعَدَمَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَيْسَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ بَاطِنٍ، فَالضَّرَرُ كُلُّ الضَّرَرِ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ وَإِدْخَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَكْرُوهَ عَلَى الْآخَرِ، وَالنَّظَرُ كُلُّ النَّظَرِ فِي ضِدِّهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَأَمْرُ الْمَالِ سَهْلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِيهِ بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِ مَا قُلْنَا، فَإِذَا كَانَ بَاطِنًا يُعْتَبَرُ دَلِيلُهُ فَيُعَلَّقُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. وَدَلِيلُ النَّظَرِ قَائِمٌ هُنَا وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى وُفُورِ الشَّفَقَةِ مَعَ كَمَالِ الرَّأْيِ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَالْأُمِّ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فِي الْعَصَبَاتِ وَنُقْصَانِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالدَّلِيلُ عَدِمْنَاهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُمْ لِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا انْبَنَى الْفَرْعُ الْمَعْرُوفُ: لَوْ زَوَّجَ الْعَمُّ الصَّغِيرَةَ حُرَّةَ الْجَدِّ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ فَكَبِرَتْ وَأَجَازَتْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا مَوْقُوفًا

[فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها]

فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا (وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ (وَإِنْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فَإِنَّ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ التَّزْوِيجُ بِغَيْرِ الْكُفْءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ أَوْ الْمَجَانَةِ وَالْفِسْقِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ. أَمَّا الْمَالُ فَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ لَا فِي أَمْرٍ آخَرَ بَاطِنٍ لِيُحَالَ النَّظَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِ التَّقْصِيرِ فِي الْمَالِ، فَلِذَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ أَمَتَهُمَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مِلْكُهُمَا وَلَا مَقْصُودَ آخَرَ بَاطِنٍ يُصْرَفُ النَّظَرُ إلَيْهِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ دُونَ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ النِّسَاءِ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْأَمْهَرَ أَكْثَرُ مِنْهُ بَلْ إلَّا وَهُوَ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَنَّهَا دُونَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فَلَزِمَ الثَّانِي، وَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ تَزْوِيجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا كَانَ قَبْلَ بُلُوغِهَا وَإِلَّا لَا يُفِيدُ. وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الْمَدَارُ عِنْدَهُ دَلِيلَ النَّظَرِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْخَاصَّةُ: أَعْنِي قَرَابَةَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ حِكْمَتِهَا وَهَذَا كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَظِنَّةَ مَا يَغْلِبُ مَعَهَا الْحِكْمَةُ إنْ لَمْ تَلْزَمْ فَالْمَعْرُوفُ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ لَيْسَ مَظِنَّةً. وَالْحَاصِلُ إمَّا تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ أَوْ الْقَوْمِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ قَرَابَةِ الْأَبِ غَيْرِ الْمَعْرُوفِ بِسُوءِ الِاخْتِبَارِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِهِ. وَمَسْأَلَةُ تَزْوِيجِ الْأَبِ بِنْتَهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ قَدَّمْنَاهَا، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاحِدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا] (فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا) مِنْ أَحْكَامِ الْوَلِيِّ وَالْفُضُولِيِّ وَيَبْقَى الرَّسُولُ نَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ نَوْعًا مِنْ الْوِلَايَةِ إذْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ غَيْرَ أَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْوَلِيِّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ ثَانِيَةً لِلْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَأَوْرَدَهَا ثَانِيَةً فِي التَّعْلِيمِ لِبَابِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْفُضُولِيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ بِالْإِجَازَةِ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى الْوَلِيِّ الْمُجِيزِ فَنَزَلَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ كَالشَّرْطِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعْقِبْ بِنَفْسِهِ حُكْمَهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ، غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالْوَلِيِّ إنْ نَظَرَ فِيهِ إلَى أَنَّهُ أَقْوَى نَاسَبَ الِابْتِدَاءَ بِهِ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ عَقْدَ الْفَصْلِ لِلْوَكِيلِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ كَانَ الْمُنَاسِبُ الِابْتِدَاءَ بِمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ) الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَالْبَالِغَةِ بِإِذْنِهَا، فَيَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت بِنْتَ عَمِّي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ أَوْ زَوَّجْتُهَا مِنْ نَفْسِي (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ، وَإِذَا أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِرَجُلٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ)

لَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي الْوَلِيِّ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّاهُ سِوَاهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا أَنَّ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَكَّلَتْنِي أَنْ أُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِي وَقَدْ فَعَلْت ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَنْسُبْهَا إلَى الْجَدِّ وَلَمْ يَعْرِفْهَا الشُّهُودُ فَفِي التَّفَارِيقِ وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَطَأَهَا. وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ: لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالتَّسْمِيَةِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَكَّلَتْنِي لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ وَكِيلٍ لِامْرَأَةٍ بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ: رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَجَابَتْهُ وَكَرِهَتْ أَنْ يَعْلَمَ أَوْلِيَاؤُهَا فَجَعَلْت أَمْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا إلَى الْخَاطِبِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْمَهْرِ فَكَرِهَ الزَّوْجُ تَسْمِيَتَهَا عِنْدَ الشُّهُودِ قَالَ: يَقُولُ إنِّي خَطَبْت امْرَأَةً بِصَدَاقِ كَذَا وَرَضِيَتْ بِهِ وَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيَّ بِأَنْ أَتَزَوَّجَهَا فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي تَزَوَّجْت الْمَرْأَةَ الَّتِي أَمْرُهَا إلَيَّ عَلَى صَدَاقِ كَذَا فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْخَصَّافُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ. وَقَالَ فِي التَّجْنِيسِ: وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّعْرِيفِ يَكْفِي، وَمِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُتَنَقِّبَةً وَلَا يَعْرِفُهَا الشُّهُودُ، فَعَنْ الْحَسَنِ وَبِشْرٍ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ تَرْفَعْ نِقَابَهَا وَيَرَاهَا الشُّهُودُ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ فِيمَا يَظْهَرُ بَعْدَ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ شَهَادَةً تُعْتَبَرُ لِلْأَدَاءِ لِيُشْتَرَطَ الْعِلْمُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِذَاتِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ يَعْرِفُ بِالْإِشَارَةِ، وَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُ نِقَابِهَا وَتَسْمِيَتُهَا وَنِسْبَتُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الشُّهُودُ، أَمَّا إذَا كَانُوا يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَذَكَرَ الزَّوْجُ اسْمَهَا لَا غَيْرَ جَازَ النِّكَاحُ إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَرْأَةَ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّسْمِيَةِ التَّعْرِيفُ وَقَدْ حَصَلَ اهـ. وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالظَّاهِرِيَّةُ. وَقَوْلُهُ مِنْ نَفْسِهِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَتْ أَجْنَبِيًّا أَوْ وَكَّلَ امْرَأَةً بِأَنْ تُزَوِّجَهُ فَزَوَّجَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا (لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَصَوَّرُ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ) لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِتَضَادِّ حُكْمَيْ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ، وَيُوَافِقُهُ الْأَثَرُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ: خَاطِبٌ، وَوَلِيٌّ، وَشَاهِدَا عَدْلٍ» (إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ) عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (فِي الْوَلِيِّ ضَرُورَةٌ إذْ لَا يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهُ) فَلَوْ مَنَعَ مَنْ تَوَلَّى شَطْرَيْهِ امْتَنَعَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِتَزْوِيجِهَا مِنْهُ كَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ وَانْتَقَلَتْ عِبَارَتُهُ إلَيْهِ كَتَكَلُّمِهِ هُوَ بِنَفْسِهِ فَلَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ جَاءَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِالْجَوَازِ كَقَوْلِنَا؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهَا عَلَى خِلَافِ زُفَرَ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ ثُبُوتُ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وِلَايَةُ إجْبَارٍ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُجِيزَ تَزْوِيجَ ابْنِ الْعَمِّ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَاَلَّذِي يُجِيزُهُ الشَّافِعِيُّ

وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ دُونَ التَّعْبِيرِ وَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ حَتَّى رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَإِذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ. . قَالَ (وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا أَوْ رَجُلًا بِغَيْرِ رِضَاهُ) وَهَذَا عِنْدَنَا فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ تَوَلِّي الْوَلِيِّ الطَّرَفَيْنِ هُوَ تَزْوِيجُ الْجَدِّ بِنْتَ ابْنِهِ مِنْ ابْنِ ابْنِهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي هَذَا مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا فَلَا يَصْلُحُ مُسْتَثْنًى، وَلَوْ جُعِلَ مُنْقَطِعًا لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيلُهُ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمُبَاشِرُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا شَرْعًا إلَّا فِي الْوَلِيِّ صَحَّ ذَلِكَ ضَرُورَةً لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ (وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ) حَتَّى لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَلَا تَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يُطَالِبَ بِالْمَهْرِ وَتَسْلِيمِ الزَّوْجَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ فِيهِ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ فِيهِ مُبَاشِرٌ تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ. وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ اثْنَيْنِ وَالتَّمَانُعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُقُوقِ لَا فِي نَفْسِ التَّلَفُّظِ، فَاَلَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ لَا امْتِنَاعَ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِيهِ الِامْتِنَاعُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَلِلِانْتِقَالِ لِكَوْنِهِ مُعَبِّرًا بِعِبَارَةِ الْغَيْرِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعَقْدُ قَامَ بِأَرْبَعَةٍ الِاثْنَيْنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُمَا وَالشَّاهِدَيْنِ عَلَى مَا هُوَ فِي الْأَثَرِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْأَبُ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ ابْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ وَإِلَّا فَبَيْعُ الْأَبِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ بَلْ الْوِلَايَةِ وَالْأَصَالَةِ. ثُمَّ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ، وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَالْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: هَذَا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ، أَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ فَلَا يَكْفِي، فَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ كَفَى، وَإِنْ قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ، وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا فِي عَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ: رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ مِنْ ابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقُولَ قَبِلْت، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَتَى بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ يَكْفِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّطْرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ يَقَعُ دَلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ) كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا (صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ) فَإِذَا أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ ثَبَتَ حُكْمُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْعَقْدِ. فَسَّرَ الْمُجِيزَ فِي النِّهَايَةِ بِقَابِلٍ

لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحُكْمِهِ، وَالْفُضُولِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَيَلْغُو. وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْبَلُ الْإِيجَابَ سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا أَوْ أَصِيلًا. وَقَالَ فِي فَصْلِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ مِنْ النِّهَايَةِ: الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعُقُودَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ جَازَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبْطُلُ. وَالشِّرَاءُ إذَا وُجِدَ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْعَاقِدِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ. بَيَانُهُ: الصَّبِيُّ إذَا بَاعَ مَالَهُ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ نَحْوَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ، فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ فَأَجَازَ بِنَفْسِهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَوَقِّفَةً وَلَا يَنْفُذُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ، وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ أَوْ خَلَعَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مُحَابَاةً فَاحِشَةً أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مَالًا يَتَغَابَنُ فِيهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ لَا يَنْفُذُ كَانَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ بَاطِلَةً غَيْرَ مُتَوَقِّفَةٍ، وَلَوْ أَجَازَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ الْمُجِيزِ وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِجَازَةِ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ اهـ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُجِيزُ هُنَا بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا وَلَا بِالْوَلِيِّ. إذْ لَا تَوَقُّفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، وَإِنْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى إمْضَائِهَا، وَلَوْ أَرَادَ هُنَا بِالْمُجِيزِ الْمُخَاطَبَ مُطْلَقًا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَهُ مُجِيزٌ وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ لِيَصِحَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فُضُولِيٌّ، وَلَوْ قَبِلَ عَقْدَهُ آخَرُ لَا يَتَوَقَّفُ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْعَقْدُ شَامِلًا لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُخَاطَبٍ بَلْ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ إمْضَائِهِ فَقَطْ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَجْنَبِيٌّ لِامْرَأَةِ رَجُلٍ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، فَإِنْ أَجَازَ تَعَلَّقَ فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ، وَلَوْ دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا تَطْلُقُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، فَإِنْ عَادَتْ وَدَخَلَتْ بَعْدَهَا طَلُقَتْ، كَذَا فِي الْجَامِعِ. وَفِي الْمُنْتَقَى، إذَا دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت الطَّلَاقَ عَلَيَّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ قَالَ أَجَزْت هَذِهِ الْيَمِينَ عَلَيَّ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى تَدْخُلَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ. وَعُرِفَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ غَيْرَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى رَأْيِ الْوَلِيِّ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُجِيزُ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ الْإِمْضَاءِ وَيَنْدَرِجُ الْمُخَاطَبُ فِي ذِكْرِ الْعَقْدِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ عَقْدٍ يَعْقِدُهُ الْفُضُولِيُّ فَإِنَّ اسْمَ الْعَقْدِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالشَّطْرَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ، أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ كَمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أَمَةً أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ خَامِسَةً أَوْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً يَتِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ لَا يَتَوَقَّفُ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْضَاءِ حَالَةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ لَهُ وِلَايَةُ حُكْمٍ لِيُمْكِنَ تَزْوِيجُهُ الْيَتِيمَةَ فَكَانَ

فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا. حَتَّى إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ يُنَفِّذُهُ، وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْ الْعَقْدِ (وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَالَ آخَرُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهَا مِنْهُ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَأَجَازَتْ جَازَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي قَالَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمَكَانِ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ لَهُ حَاكِمٌ وَلَا سُلْطَانٌ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَتَعَذَّرُ تَزْوِيجُ الصَّغَائِرِ فِيهِ اللَّاتِي لَا عَوَاصِبَ لَهُنَّ فَوَقَعَ بَاطِلًا، حَتَّى لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بِمَوْتِ امْرَأَتِهِ السَّابِقَةِ وَانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُعْتَدَّةِ فَأَجَازَ لَا يَنْفُذُ، أَمَّا إذَا كَانَ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّفَ لِوُجُودِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْضَاءِ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا تَكَفَّلَ بِمَالٍ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ حَتَّى يُؤْخَذَ فِيهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ أَجَازَ هَذِهِ الْوَكَالَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ نَفَذَتْ الْوَكَالَةُ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ عَتَقَ فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ الْتِزَامُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ وَذِمَّتُهُ قَابِلَةٌ لِلِالْتِزَامِ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ لِلْحَالِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِعْتَاقِ ظَهَرَ مُوجِبُهُ. أَمَّا التَّوْكِيلُ وَالْوَصِيَّةُ فَالْإِجَازَةُ فِيهِمَا إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُعْقَدَانِ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يُسْتَدْعَى عَقْدًا سَابِقًا. وَلِذَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ أَجَزْت أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ أَنْ تُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أَنْ تَكُونَ وَكِيلِي أَوْ أَنْ يَكُونَ مَالِي وَصِيَّةً كَانَ تَوْكِيلًا وَوَصِيَّةً، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ لَوْ قَالَ أَجَزْت عِتْقَ عَبْدِي أَوْ أَنْ تَكُونَ فُلَانَةُ زَوْجَتِي أَوْ أَنْ يَكُونَ مَالِي لِفُلَانٍ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ يَسْتَدِلُّ عَلَى تَوَقُّفِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ فَقَالَ إنَّ رُكْنَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ عَلَى التَّوَقُّفِ، إنَّمَا الضَّرَرُ فِي إبْرَامِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى إذَا رَأَى مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ يُنْفِذُهُ وَإِلَّا يَتْرُكْهُ، فَمَا فِيهِ الضَّرَرُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا الْعَقْدِ، وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَهُوَ تَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ ظُهُورِ وَجْهِ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ لَهُ هُوَ الثَّابِتُ، فَكَانَ تَصَرُّفُ الْفُضُولِيِّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ عَلَى تَحْصِيلِ غَرَضِ الْمُسْلِمِ مِنْ تَحْصِيلِ الْكُفْءِ وَالْمَهْرِ وَجَبْرِ السِّلْعَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ (وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْ الْعَقْدِ) كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ يَتَرَاخَى مِلْكُ الْمُشْتَرِي إلَى اخْتِيَارِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ فَعَدَمُ تَرَتُّبِهِ فِي الْحَالِ عَلَى عَقْدِ الْفُضُولِيِّ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ يُرْجَى نَفْعُهُ وَاسْتِعْقَابُهُ حُكْمَهُ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَوَجَبَ انْعِقَادُهُ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا رَأَى إلَخْ، فَقَوْلُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِهِ فَيَلْغُو مَمْنُوعَ الْمُلَازَمَةِ بَلْ إذَا أَيِسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مِمَّا يُمْنَعُ، وَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ إنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْعَقْدِ فِي الْجُمْلَةِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ، وَإِنْ أُرِيدَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فُضُولِيٌّ فَمَمْنُوعٌ بَلْ أَهْلُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إثْبَاتِ حُكْمِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ) يَعْنِي الْغَائِبَةَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ سَابِقٍ مِنْهَا لَهُ (فَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ قَالَ آخَرُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهَا مِنْهُ فَقَبِلَ آخَرُ فَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ جَازَ) وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ لَمْ يَجُزْ (وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي قَالَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ) يَعْنِي يَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا إذَا قَالَتْ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانًا: يَعْنِي الْغَائِبَ مِنْ

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا غَائِبًا فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ جَازَ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَأَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ إذْنٍ سَابِقٍ لَهَا مِنْهُ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ، وَإِنْ قَالَ آخَرُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ مِنْهَا فَقَبِلَ آخَرُ عَنْ الْغَائِبِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ عَنْ الْغَائِبِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَجَازَ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) يَعْنِي هَذَا التَّفْصِيلُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا يَجُوزُ إذَا أَجَازَ الْغَائِبُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ. وَبَقِيَتْ صُورَةٌ ثَالِثَةٌ هِيَ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ فَيَكُونُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ إنْ قَبِلَ مِنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ تَوَقَّفَ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ فَتَحْصُلُ سِتُّ صُوَرٍ: ثَلَاثٌ اتِّفَاقِيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ الْمَرْأَةِ تَزَوَّجْت فُلَانًا أَوْ الْفُضُولِيِّ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَبِلَ آخَرُ فِيهَا، وَثَلَاثٌ خِلَافِيَّةٌ هِيَ هَذِهِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُ الْخِلَافِ إلَخْ: يَعْنِي أَصْلَ هَذَا الْخِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ أَوْ وَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا. وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ. أَمَّا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ بِالِاتِّفَاقِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْحَوَاشِي، وَلَا وُجُودَ لِهَذَا الْقَيْدِ فِي كَلَامِ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ، بَلْ كَلَامُ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ الَّذِي جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقٌ عَنْهُ، وَأَصْلُ الْمَبْسُوطِ خَالٍ عَنْهُ. قَالَ: وَيَجُوزُ لِلْوَاحِدِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ عِنْدَ الشُّهُودِ عَلَى اثْنَيْنِ إذَا كَانَ وَلِيًّا لَهُمَا أَوْ وَكِيلًا عَنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا وَلَا وَكِيلًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَ مَا نُقِلَ مِنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّ شَطْرَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَقَالَ آخِرًا: لَا يَتَوَقَّفُ، فَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الْفُضُولِيَّ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ بِأَنْ قَالَ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَبِلْت عَنْهُ تَوَقَّفَ بِالِاتِّفَاقِ: يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَقْدٌ لَا شَطْرٌ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ، وَقَيَّدَ بِهِ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ، وَبِتَكَلُّمِهِ بِكَلَامَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي وَجْهِ قَوْلِهِمَا وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ عَدَمَ تَوَقُّفِ الشَّطْرِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ لَا يَقَعُ إلَّا بِمُتَّفَقٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ فَيُخَالِفُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ وَهَذَا مَعْنَى الِاتِّفَاقِ،

وَلَوْ جَرَى الْعَقْدُ بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ الْفُضُولِيِّ وَالْأَصِيلِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ. هُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَنْفُذُ، فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا يَتَوَقَّفُ وَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ شَطْرُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَطْرٌ حَالَةَ الْحَضْرَةِ فَكَذَا عِنْدَ الْغَيْبَةِ، وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ، وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ عَقْدٌ تَامٌّ، وَكَذَا الْخُلْعُ وَأُخْتَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ مِنْ جَانِبِهِ حَتَّى يَلْزَمَ فَيَتِمَّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ شَطْرَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَقْبَلَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَيُتِمَّ النِّكَاحَ وَالْبَيْعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْحَقُّ أَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ مَا يَقُومُ بِالْفُضُولِيِّ عَقْدٌ تَامٌّ أَوْ شَطْرُهُ؛ فَعِنْدَهُمَا شَطْرٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ وَعِنْدَهُ تَمَامٌ فَيَتَوَقَّفُ وَعَلَى هَذَا تَقَرَّرَ الدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (قَوْلُهُ هُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ نَفَذَ اتِّفَاقًا) وَهُوَ فَرْعُ اعْتِبَارِ الصَّادِرِ مِنْهُ عَقْدًا تَامًّا وَهُوَ فَرْعُ قِيَامِ كَلَامِهِ مَقَامَ كَلَامَيْنِ، فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ إلَّا وُجُودُ الْإِذْنِ وَعَدَمُهُ، وَأَثَرُهُ لَيْسَ إلَّا فِي النَّفَاذِ فَيَبْقَى مَا سِوَى النَّفَاذِ مِنْ كَوْنِهِ عَقْدًا تَامًّا فَيَتَوَقَّفُ. وَحَاصِلُهُ قِيَاسُ صُورَةِ عَدَمِ الْإِذْنِ عَلَى صُورَةِ الْإِذْنِ فِي كَوْنِهِ عَقْدًا تَامًّا وَيَثْبُتُ بِثُبُوتِهِ لَازِمُهُ وَهُوَ التَّوَقُّفُ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَالْخُلْعِ) يَعْنِي مِنْ جَانِبِهِ (وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ) قِيَاسٌ عَلَى صُوَرٍ أُخَرَ هِيَ مَا إذَا قَالَ خَلَعْت امْرَأَتِي أَوْ طَلَّقْتهَا عَلَى أَلْفٍ وَهِيَ غَائِبَةٌ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَأَجَازَتْ جَازَ، وَكَذَا أَعْتَقْت عَبْدِي عَلَى أَلْفٍ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ جَازَ كَالْأُولَى. وَلَهُمَا أَنَّ الْقَائِمَ بِهِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَشَطْرُهُ لَا يَتَوَقَّفُ، أَمَّا الثَّانِيَةُ فَبِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ شَطْرٌ حَالَةَ الْحَضْرَةِ: أَيْ خِطَابُ الْحَاضِرِ وَقَبُولُهُ، فَكَذَا حَالَةُ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ حَالَةَ الْغَيْبَةِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ صَيْرُورَتَهُ عَقْدًا تَامًّا؛ لِأَنَّ كَوْنَ كَلَامَيْ الْوَاحِدِ عَقْدًا تَامًّا هُوَ أَثَرُ كَوْنِهِ مَأْمُورًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ وِلَايَةُ الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اثْنَيْنِ يَتَبَادَلَانِ بَدَلَيْنِ، وَكَلَامُ الْوَاحِدِ

(وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ اثْنَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ لَمْ تَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ كَلَامَ اثْنَيْنِ إلَّا حُكْمًا لِإِذْنِهِمَا لَهُ أَوْ وِلَايَةً لَهُ، وَلَا إذْنَ لِلْفُضُولِيِّ فَلَا عَقْدَ تَامَّ يَقُومُ بِهِ، فَتَضَمَّنَ هَذَا التَّقْرِيرُ مَنْعَ كَوْنِ الْإِذْنِ لَيْسَ أَثَرُهُ إلَّا فِي النَّفَاذِ بَلْ تَأْثِيرُهُ فِي النَّفَاذِ يَسْتَلْزِمُ تَأْثِيرَهُ فِي كَوْنِهِ عَقْدًا تَامًّا، وَفِي كَوْنِ كَلَامِهِ كَكَلَامَيْنِ لِتَوَقُّفِ النَّفَاذِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِيهِمَا لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ كَلَامِ الْفُضُولِيِّ عَقْدًا تَامًّا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ عَقْدًا تَامًّا لَازِمٌ شَرْعِيٌّ مُسَاوٍ لِلنَّفَاذِ وَلَا إذْنَ لِلْفُضُولِيِّ فَانْتَفَى حُكْمُهُ بِلَازِمِهِ الْمُسَاوِي، بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَأُخْتَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِقَبُولِهِمَا الْمَالَ فَيَتِمُّ بِهِ إذْ لَيْسَ عَقْدًا حَقِيقِيًّا، وَلِذَا لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُخَالِعَةُ بِأَنْ قَالَتْ خَالَعْت زَوْجِي عَلَى أَلْفٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا مُبَادَلَةٌ. وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقًا لَمَا بَطَلَ لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك بِكَذَا فَقَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ لَكِنَّهُ يَبْطُلُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْبَلَ بَعْدَهُ. أُجِيبَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا أَنْ لَا يَبْطُلَ بِالْقِيَامِ بَلْ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ مَا يَبْطُلُ بِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت يُقْتَصَرُ عَلَى وُجُودِ الْمَشِيئَةِ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَا مِثْلُهُ. [فُرُوعٌ] لِلْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ أَنْ يَفْسَخَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ قَاسَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَى الْفُضُولِيِّ بَعْدَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. هَذَا وَتَثْبُتُ الْإِجَازَةُ بِأَجَزْتُ وَنَحْوِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا بِقَوْلِهِ نِعْمَ مَا صَنَعْت وَبَارَكَ اللَّهُ لَنَا وَأَحْسَنْت وَأَصَبْت عَلَى الْمُخْتَارِ، وَاحْتِمَالُهُ الِاسْتِهْزَاءَ لَا يَنْفِي ظُهُورَهُ فِي الْإِجَازَةِ، وَكَذَا هَذَا فِي طَلَاقِ الْفُضُولِيِّ وَبَيْعِهِ، وَكَذَا إذَا هَنَّأَهُ فَقَبِلَ التَّهْنِئَةَ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا، وَكَذَا إذَا قَالَ طَلِّقْهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا لِعَبْدِهِ؛ لِأَنَّ تَمَرُّدَهُ يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْمُتَارَكَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. وَلَوْ زَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أَرْبَعًا فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ فَرِيقٍ كَانَ إجَازَةً لِنِكَاحِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الصَّحِيحَ فَرْعُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ طَلِّقْنِي يَكُونُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا لَمْ يُظَنَّ كَوْنُهَا كَذِبًا وَتَمَرُّدًا لِيَكُونَ ظَاهِرًا فِي الْمُتَارَكَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاشَرَهُ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ. وَقَوْلُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ " مَال أُنِيسَتْ " إجَازَةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِجَازَةِ ظَاهِرًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ، وَقَبُولُ الْمَهْرِ إجَازَةٌ، وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ سَلَامَتُهُ عَلَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ لَمْ تَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) هَذَا شُرُوعٌ فِي مَسَائِلِ الْوَكِيلِ، وَلَا تُشْتَرَطُ

فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ (وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أَمَةً لِغَيْرِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا) ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهَادَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ بَلْ عَلَى عَقْدِ الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْوَكَالَةِ إذَا خِيفَ جَحْدُ الْمُوَكِّلِ إيَّاهَا. وَقَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا: يَعْنِي إذَا لَمْ يُعَيِّنْهَا لِلْوَكِيلِ، وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِالتَّنْكِيرِ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا إذَا عَايَنَهَا فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا مَعَ أُخْرَى فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ نَفَذَ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَلَوْ زَوَّجَهُ إيَّاهُمَا فِي عُقْدَتَيْنِ لَزِمَتْهُ الْأُولَى وَتَتَوَقَّفُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُ وَاحِدَةً جَازَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبَيْنِ فِي صَفْقَةٍ لَا يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ فِي الْبَيْعِ مَظِنَّةُ الرُّخْصِ فَاعْتُبِرَ تَقْيِيدُهُ، وَلَيْسَ فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا إنْ قَالَ: لَا تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَفَادَ وَجْهَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَلَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى تَنْفِيذِ إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا عَدَمُ لُزُومِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا لُزُومِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُسَاوِيهَا إذْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهَا أَوْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا، وَلَا هُوَ لَازِمٌ مِمَّا ذَكَرَهُ، بَلْ اللَّازِمُ عَدَمُ إمْكَانِ تَنْفِيذِهِمَا إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةٌ وَمُعَيَّنَةٌ فَانْتَفَى اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَصِحُّ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ، ثُمَّ رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ. إذَا وَقَعَ التَّعْلِيلُ بِالْمُخَالَفَةِ لِعَدَمِ النَّفَاذِ فَلْنَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ فُرُوعِهِ، فَالْوَكِيلُ إذَا خَالَفَ إلَى خَيْرٍ لَوْ كَانَ خِلَافُهُ كَلَا خِلَافٍ نَفَذَ عَقْدُهُ، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَزَوَّجَهُ صَحِيحًا، بَلْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ نِكَاحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ. وَأَمَّا الْعِدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ بَلْ لِلْفِعْلِ إذَا لَمْ يَتَمَحَّضْ زِنًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ يُفِيدُ حُكْمَهُ مِنْ الْمِلْكِ فَكَانَ الْخِلَافُ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ فَيَلْزَمُ، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ حَتَّى زَادَهَا الْوَكِيلُ ثَوْبًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ اُسْتُحِقَّ وَجَبَتْ عَلَى الزَّوْجِ لَا الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتَبَرِّعٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَلَا يَكُونُ الدُّخُولُ بِهَا رِضًا بِمَا صَنَعَ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ فَارَقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالدُّخُولُ فِيهِ يُوجِبُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِعَمْيَاءَ فَزَوَّجَهُ بَصِيرَةً جَازَ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَيْضَاءَ فَزَوَّجَهُ سَوْدَاءَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ أَوْ مِنْ قَبِيلَةٍ فَزَوَّجَهُ مِنْ أُخْرَى أَوْ بِأَمَةٍ فَزَوَّجَهُ حُرَّةً لَا يَجُوزُ، وَلَوْ زَوَّجَهُ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ جَازَ . (قَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أَمَةَ غَيْرِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا)

وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِالْأَكْفَاءِ. قُلْنَا الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا. وَذَكَرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الزَّوْجِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّقْيِيدُ بِالْأَمِيرِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ فِيمَنْ دُونَهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. فَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَمَرَهُ غَيْرُهُ بِتَزْوِيجِهِ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً لَا تُكَافِئُهُ وَلَا تُهْمَةَ، وَلَوْ زَوَّجَهُ أَمَةً لِغَيْرِهِ أَوْ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ زَوَّجَهُ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا جَازَ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَلَوْ زَوَّجَ وَكِيلُ الْمَرْأَةِ غَيْرَ كُفْءٍ، قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِغَيْرِ الْكُفْءِ فَيَتَقَيَّدُ إطْلَاقُهَا بِهِ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ لَا يُعَيِّرُهُ أَحَدٌ بِعَدَمِ كَفَاءَتِهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفْرِشٌ وَاطِئٌ لَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ أَمَةً لِلْوَكِيلِ فَلَا يَجُوزُ لِلتُّهْمَةِ، وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ امْرَأَةً فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا أَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَ وَكِيلُ الرَّجُلِ بِنْتَهُ وَلَدَهُ أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ وَهُوَ وَلِيُّهَا لَا يَجُوزُ لِلتُّهْمَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَهُوَ التَّزْوِيجُ بِالْأَكْفَاءِ (قُلْنَا الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ) أَيْ الْوَاقِعُ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ تَزْوِيجُهُمْ بِالْمُكَافِئَاتِ وَغَيْرِ الْمُكَافِئَاتِ فَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِتَزْوِيجِ الْمُكَافِئَاتِ لِيَنْصَرِفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ (أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا) لِلَّفْظِ إذْ اللَّفْظُ الْمُقَيَّدُ عِبَارَةٌ عَنْ لَفْظٍ ضُمَّ إلَيْهِ لَفْظٌ يُقَيِّدُهُ، وَلَا يُخْفَى مَا فِي هَذَا الْوَجْهِ. وَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ يَنْفِيهِ، إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا، فَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ. قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: قَوْلُهُمَا أَحْسَنُ لِلْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي سُكُوتِ الشَّيْخِ عَقِيبَ قَوْلِهِ (وَذَكَرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الزَّوْجَةِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْمُكَافِئَةِ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإشَارَةً إلَى اخْتِيَارِهِ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ الْمَعْلُومَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ الْمَنْصُوصِ فَكَانَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الِاسْتِحْسَانَيْنِ أَوْلَى. وَفِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ الْمَذْكُورِ دَفْعٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا فِي النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ؛ إذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمَا لَيْسَ بِنَاءً عَلَيْهِ بَلْ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ لَا تُقْصَدُ إلَّا لِتَحْصِيلِ الْمُنَاسِبِ لَا فِيمَا صَدَقَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الِاسْمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. هَذَا وَالْوَكِيلُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا يَمْلِكُهُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ إجْمَاعًا، وَالْفَاحِشِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْوَكِيلِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ اتِّفَاقًا أَنَّ التُّهْمَةَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ مُنْتَفِيَةٌ بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَيَجُوزُ مِنْهُ بِالْغَبْنِ الْكَثِيرِ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْهُ فَتَمَكَّنَتْ تُهْمَةٌ أَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فَوَجَدَهُ خَاسِرًا فَجَعَلَهُ لِمُوَكِّلِهِ، وَمَعْنَى لَا يَجُوزُ هُنَا لَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ، وَكَذَا إنْ سَمَّى لِلْوَكِيلِ أَلْفًا مَثَلًا فَزَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ قَبْلَهُ ثُمَّ عَلِمَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدُّخُولَ لَيْسَ رِضًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يُخَالِفْ إذْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِهِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ فَدَخَلَ بِهَا. فَإِنْ فَارَقَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ أَوْ الرَّسُولُ ضَمِنَ الْمَهْرَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ رَدَّ الزَّوْجُ النِّكَاحَ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ لَزِمَ الْوَكِيلَ أَوْ الرَّسُولَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ النِّكَاحَ وَيَغْرَمَ هُوَ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَثِلْ صَارَ فُضُولِيًّا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُوَكِّلَةَ وَسَمَّتْ أَلْفًا مَثَلًا فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ تَزَوَّجْتُك بِدِينَارٍ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ إنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُوَكِّلْهُ بِدِينَارٍ فَهِيَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَتْ أَجَازَتْ النِّكَاحَ بِدِينَارٍ وَإِنْ شَاءَتْ رَدَّتْهُ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا نَفَقَةَ عِدَّةٍ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَدَّتْ تَبَيَّنَ أَنَّ الدُّخُولَ حَصَلَ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ فَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ دُونَ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. فَإِنْ رَدَّتْ فَبَاقِي الْجَوَابِ بِحَالِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّجْنِيسِ: يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا وَقَدْ حَصَلَ لَهَا مِنْهُ أَوْلَادٌ ثُمَّ تُنْكِرُ الْمَرْأَةُ قَدْرَ مَا زَوَّجَهَا بِهِ الْوَكِيلُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرُدُّ النِّكَاحَ، وَكَذَا هَذَا فِي سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً، وَهَذَا مَا ذُكِرَ فِي الرَّسُولِ مِنْ مَسَائِلِ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ قَالَ: إذَا أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ رَسُولًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَهُوَ سَوَاءٌ إذَا بَلَغَ الرِّسَالَةَ فَقَالَ إنَّ فُلَانًا يَسْأَلُك أَنْ تُزَوِّجِيهِ نَفْسَك فَأَشْهَدَتْ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا وَسَمِعَ الشُّهُودُ كَلَامَهَا وَكَلَامَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالرِّسَالَةِ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَانَ الْآخَرُ فُضُولِيًّا وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِصُنْعِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي الْوَكِيلِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّسُولِ فُرُوعًا كُلُّهَا تَجْرِي فِي الْوَكِيلِ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا لِفَوَائِدِهَا. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ زَوَّجَهَا وَضَمِنَ لَهَا الْمَهْرَ وَقَالَ قَدْ أَمَرَنِي بِذَلِكَ فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَالضَّمَانُ لَازِمٌ لِلرَّسُولِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، فَإِنْ جَحَدَ وَلَا بَيِّنَةَ بِالْأَمْرِ فَلَا نِكَاحَ وَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الرَّسُولِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَأَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ لَزِمَهُ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ قَالَ: وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى الْوَكِيلِ الْمَهْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ جُحُودَ الزَّوْجِ لَيْسَ بِفُرْقَةٍ، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنْ لَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَقِيلَ إنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلَ، وَهُنَاكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَهُ، فَنَفَذَ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ

[باب المهر]

بَابُ الْمَهْرِ (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَهْرًا) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ لُغَةً فَيَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فَيَبْقَى جَمِيعُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ فَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَقِيلَ بَلْ فِيهِ رِوَايَتَانِ: وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ مُنْكِرٌ لِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَإِنْكَارُهُ لِلنِّكَاحِ لَيْسَ طَلَاقًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ بِزَعْمِ الْكَفِيلِ وَوَجْهُ. هَذِهِ أَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَمْلِكُ إسْقَاطَ نِصْفِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبٍ يَكْسِبُهُ فَيُجْعَلُ مُسْقِطًا فِيمَا يُمْكِنُهُ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ قَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي وَلَكِنِّي أُزَوِّجُهُ وَأَضْمَنُ عَنْهُ الْمَهْرَ فَفَعَلَ ثُمَّ أَجَازَ الزَّوْجُ ذَلِكَ جَازَ وَلَزِمَ الزَّوْجَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّسُولِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَبِ قَدْ انْتَفَى بِرَدِّهِ، وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمَهْرِ] (بَابُ الْمَهْرِ) الْمَهْرُ حُكْمُ الْعَقْدِ فَيَتَعَقَّبُهُ فِي الْوُجُودِ فَعَقَّبَهُ إيَّاهُ فِي الْبَيَانِ لِيُحَاذِيَ بِتَحْقِيقِهِ الْوُجُودِيِّ تَحْقِيقَهُ التَّعْلِيمِيَّ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَهْرًا) لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ) يَعْنِي لَيْسَ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ الْمَالُ جُزْءًا فَيَتِمُّ بِدُونِهِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَقْدٌ لَا يَسْتَلْزِمُهُ إلَّا إذَا لَمْ يُثْبِتْ فِي مَفْهُومِهِ زِيَادَةَ شُرُوطٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ قَدْ ثَبَتَ زِيَادَةُ عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ شَرْعًا عَلَى الدَّعْوَى، وَيُرَدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَهْرَ أَيْضًا وَاجِبٌ شَرْعًا فِيهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا حُكْمًا لَهُ حَيْثُ أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ) إذَا لَمْ يُسَمِّ إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ. أَمَّا أَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِهِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ حُكْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] فَإِنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ قَبْلَهُ فَكَانَ وَاجِبًا لَيْسَ مُتَقَدِّمًا وَهُوَ الْحُكْمُ، وَأَمَّا أَنَّهُ إبَانَةٌ لِشَرَفِهِ فَلِعَقْلِيَّةِ ذَلِكَ إذْ لَمْ يَشْرَعْ

وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لِمَا بَيَّنَّا، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ (وَأَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَيْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَلًا كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَوَجَبَ تَقْدِيمُ تَسْمِيَتِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَدَلَ النَّفَقَةُ وَهَذَا لِإِظْهَارِ خَطَرِهِ فَلَا يُسْتَهَانُ بِهِ، وَإِذَنْ فَقَدْ تَأَكَّدَ شَرْعًا بِإِظْهَارِ شَرَفِهِ مَرَّةً بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ وَمَرَّةً بِإِلْزَامِ الْمَهْرِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَهْرَ حُكْمُ الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ التَّنْصِيصُ عَلَى حُكْمِهِ، كَالْمِلْكِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ ذِكْرُهُ ثُمَّ يَثْبُتُ هُوَ كَذَلِكَ فَيَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ لَهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا) أَيْ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ (وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ) وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْمَهْرِ كَالثَّمَنِ وَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ أَنْ لَا ثَمَنَ لَا يَصِحُّ. فَكَذَا النِّكَاحُ بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ، وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَفْسُدَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ السَّابِقِ ثُمَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوِّضَةِ وَسَنَذْكُرُهُ. قُلْنَا: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ اُعْتُبِرَ حُكْمًا شَرْعًا، وَإِلَّا لَمَا تَمَّ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ إذْ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ بِلَا رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ، فَحَيْثُ كَانَ وَاجِبًا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ الْوُجُودُ كَانَ حُكْمًا، وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ حُكْمًا كَانَ شَرْطُ عَدَمِهِ شَرْطًا فَاسِدًا، وَبِهِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ رُكْنُهُ فَلَا يَتِمُّ دُونَ رُكْنِهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ بِعْت بِكَذَا لَا مُجَرَّدَ قَوْلِهِ بِعْت. هَذَا وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسَمَّى فِي كَوْنِهِ دَيْنًا، فَإِنْ هَلَكَ وَبِهِ وَفَاءٌ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا أَنْ تَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْمُتْعَةِ. وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَهُ بِالْمُتْعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَهَا حَبْسُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا خَلْفُهُ، وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يُحْبَسُ بِخَلْفِهِ كَالرَّهْنِ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ تَكُونُ مَحْبُوسَةً بِالْقِيمَةِ. وَجْهُ الْآخَرِ أَنَّهَا دَيْنٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهَا ثِيَابٌ وَهِيَ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَفِيلَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا بِالْمُتْعَةِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجِ الرَّهْنَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَمَنَعَتْهُ حَتَّى هَلَكَ هَلْ تَضْمَنُ تَمَامَ قِيمَتِهِ؟ فَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْهُ بِحَقٍّ، وَفِي الْآخَرِ تَضْمَنُ تَمَامَهُ؛ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَنْعِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّهَا فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ تَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً لِلْمُتْعَةِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهَا. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) فِضَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَسْكُوكَةً بَلْ تِبْرًا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْمَسْكُوكَةُ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ تَقْلِيلًا لِوُجُودِ الْحَدِّ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ رُبْعُ دِينَارٍ، وَعِنْدَ النَّخَعِيِّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: مَا يَجُوزُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا إذْ جُعِلَ بَدَلُ بُضْعِهَا وَلِذَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ إبْرَاءً وَاسْتِيفَاءً (فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَيْهَا) وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَشَرَةِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: «كَمْ سُقْتَ إلَيْهَا؟ قَالَ: وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَالنَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَثُلُثٌ، وَقِيلَ النَّوَاةُ فِيهِ نَوَاةُ التَّمْرِ. وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء: 24] يُوجِبُ وُجُودَ الْمَالِ مُطْلَقًا، فَالتَّعْيِينُ الْخَاصُّ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونَهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ، وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْكَفَاءَةِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ فَيُحْمَلُ كُلُّ مَا أَفَادَ ظَاهِرُهُ كَوْنَهُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهُ الْمُعَجَّلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَهُمْ كَانَتْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ شَيْئًا لَهَا. نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ تَمَسُّكًا بِمَنْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا تَزَوَّجَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَمَنَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ، فَقَالَ: أَعْطِهَا دِرْعَكَ، فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا» لَفْظُ أَبِي دَاوُد، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّدَاقَ كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ فِضَّةٌ، لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَيُحْمَلُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى النَّدْبِ: أَيْ نَدْبُ تَقْدِيمِ شَيْءٍ إدْخَالًا لِلْمَسَرَّةِ عَلَيْهَا

وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وُجُوبًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأَلُّفًا لِقَلْبِهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْهُودًا وَجَبَ حَمْلُ مَا يُخَالِفُ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَكَذَا يُحْمَلُ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْتِمَاسِ خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ عَلَى أَنَّهُ تَقْدِيمُ شَيْءٍ تَأَلُّفًا، وَلَمَّا عَجَزَ قَالَ قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ مَحْمَلُ رِوَايَةِ الصَّحِيحِ «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» فَإِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ وَبِهِ تَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ. قِيلَ لَا تَعَارُضَ لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَمْعِ، فَإِنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ فِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، قُلْنَا: لَهُ شَاهِدٌ يُعَضِّدُهُ وَهُوَ مَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ وَعَامِرٍ وَإِبْرَاهِيمَ، وَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إلَى جَابِرٍ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ، فَلَا يُدْرَكُ إلَّا سَمَاعًا لَكِنْ فِيهِ رَوَاهُ الْأَوْدِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَدَاوُد هَذَا ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَقُّ أَنَّ وُجُودَ مَا يَنْفِي بِحَسَبِ الظَّاهِرِ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ بِعَشْرَةٍ فِي السُّنَّةِ كَثِيرٌ مِنْهَا حَدِيثُ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» وَحَدِيثُ جَابِرٍ «مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا» الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلَى نَعْلَيْنِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا الْعَلَائِقَ، قِيلَ وَمَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَضُرُّ أَحَدَكُمْ بِقَلِيلِ مَالِهِ تَزَوَّجَ أَمْ بِكَثِيرِهِ بَعْدَ أَنْ يُشْهِدَ» إلَّا أَنَّهَا كُلَّهَا مُضَعَّفَةٌ مَا سِوَى حَدِيثِ " الْتَمِسْ " فَحَدِيثُ " مَنْ أَعْطَى " فِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ جِبْرِيلَ قَالَ فِي الْمِيزَانِ: لَا يُعْرَفُ وَضَعَّفَهُ الْأَوْدِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ رُومَانَ مَجْهُولٌ أَيْضًا. وَحَدِيثُ النَّعْلَيْنِ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فَاحِشُ الْخَطَأِ فَتُرِكَ، وَحَدِيثُ الْعَلَائِقِ مَعْلُولٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِيهِ ضَعْفٌ. وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ فِيهِ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: كَانَ كَذَّابًا. وَقَالَ السُّغْدِيُّ مِثْلَهُ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ تُسَاوِيَانِ

فَيَتَقَدَّرُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ وَهُوَ الْعَشَرَةُ اسْتِدْلَالًا بِنِصَابِ السَّرِقَةِ (وَلَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَلَهَا الْعَشَرَةُ) عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَكَوْنُ الْعَلَائِقِ يُرَادُ بِهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَنَحْوُهَا إلَّا أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتِمَالُ الْتَمِسْ خَاتَمًا فِي الْمُعَجَّلِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ بَعْدَهُ «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا مَا مَعَهُ أَوْ نَفْيِ الْمَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ عَارَضَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء: 24] فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ، فَوَجَبَ كَوْنُ الْخَبَرِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ وَهِيَ قَطْعِيَّةٌ فِي دَلَالَتِهَا؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْقَطْعِيِّ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا، فَأَمَّا إذَا كَانَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا، فَكَيْفَ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ غَيْرَ تَمَامِ الْمَهْرِ ثَابِتٌ بِنَاءً عَلَى مَا عُهِدَ مِنْ أَنَّ لُزُومَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ أَوْ نَدْبِهِ كَانَ وَاقِعًا فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ يَبْقَى كَوْنُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ إعْمَالًا لِخَبَرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَيَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْإِحْلَالِ بِمُطْلَقِ الْمَالِ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمَالٍ مُقَدَّرٍ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اقْتَرَنَ النَّصُّ نَفْسُهُ بِمَا يُفِيدُ تَقْدِيرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى عَقِيبُهُ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50] ثُمَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مَحْمَلٌ فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. قُلْنَا: إنَّمَا أَفَادَ النَّصُّ مَعْلُومِيَّةَ الْمَفْرُوضِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَالِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ فِي الزَّوْجَاتِ وَالْمَمْلُوكِينَ مَا يَكْفِي كُلًّا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى فَهُوَ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ قَطْعًا. وَكَوْنُ الْمَهْرِ أَيْضًا مُرَادًا بِالسِّيَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ قَوْلِهِ {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] يَعْنِي نَفْيَ الْمَهْرِ خَالِصَةً لَكَ وَغَيْرِكَ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 50] مِنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ حُكْمُهُمْ حُكْمَكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْدِيرِ الْمَهْرِ قِيَاسٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ الشَّرْعِ بِالْآيَةِ، وَسَبَبُهُ إظْهَارُ الْخَطَرِ لِلْبُضْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمُطْلَقُ الْمَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْخَطَرَ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَكَسْرَةٍ، وَقَدْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ تَقْدِيرُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُضْوُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ وَذَلِكَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ فَيُقَدَّرُ بِهِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ، وَهَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فِيهِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُمْ لَا يُقَدِّرُونَ نِصَابَ السَّرِقَةِ بِعَشْرَةٍ، وَأَيْضًا الْمُقَدَّرُ فِي الْأَصْلِ عَشْرَةٌ مَسْكُوكَةٌ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَهْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ سَمَّى عَشْرَةَ تِبْرٍ تُسَاوِي تِسْعَةً مَسْكُوكَةً جَازَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ اسْتِدْلَالًا عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَلَهَا الْعَشَرَةُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ التَّسْمِيَةِ هَكَذَا تَسْمِيَةُ الْأَقَلِّ تَسْمِيَةٌ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا، وَتَسْمِيَةُ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَعَدَمِهَا، فَتَسْمِيَةُ الْأَقَلِّ كَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَعَدَمُ التَّسْمِيَةِ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَتَسْمِيَةُ الْأَقَلِّ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَوْلُنَا اسْتِحْسَانٌ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَشَرَةَ فِي كَوْنِهَا صَدَاقًا لَا تَتَجَزَّأُ شَرْعًا، وَتَسْمِيَةُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَكُلِّهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ نِصْفَهَا أَوْ طَلَّقَ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ حَيْثُ يَنْعَقِدُ وَيَقَعُ طَلْقَةً، فَكَذَا تَسْمِيَةُ بَعْضِ الْعَشَرَةِ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ حَاصِلُهُ أَنَّ فِي الْمَهْرِ حَقَّيْنِ:

مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَانْعِدَامِهِ وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ صَارَ مُقْتَضِيًا بِالْعَشَرَةِ، فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ تَكَرُّمًا، وَلَا تَرْضَى فِيهِ بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ. وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تَجِبُ خَمْسَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا (وَمَنْ سَمَّى مَهْرًا عَشْرَةً فَمَا زَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقُّهَا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَحَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ، وَلِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْإِسْقَاطِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ. فَإِذَا رَضِيَتْ بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَقَدْ أَسْقَطَتْ مِنْ الْحَقَّيْنِ فَيُعْمَلُ فِيمَا لَهَا الْإِسْقَاطُ مِنْهُ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ دُونَ مَا لَيْسَ لَهَا وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ فَيَجِبُ تَكْمِيلُ الْعَشَرَةِ قَضَاءً لِحَقِّهِ، فَإِيجَابُ الزَّائِدِ بِلَا مُوجِبٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ مُوجِبٌ لَهُ وَلَمْ يَبْطُلْ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ. قُلْنَا: إبْطَالُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ الْمَذْكُورَ إمَّا فِي الْحُكْمِ ابْتِدَاءً بِأَنْ يَدَّعِيَ انْدِرَاجَ تَسْمِيَةِ مَا لَا يَصْلُحُ فِي عَدَمِهَا، فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ أَعْنِي وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ حِينَئِذٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ دُونَ الْقِيَاسِ وَحِينَئِذٍ يُمْنَعُ الِانْدِرَاجُ، وَإِمَّا فِي الْجَامِعِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْجَامِعِ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَعْلَمَ ثُبُوتَهُ فِي الْفَرْعِ إذْ قِيَاسُ الشَّبَهِ الطَّرْدِيِّ بَاطِلٌ، وَلَا يُعْلَمُ مَا هُوَ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ شَيْءٍ إذْ لَا قُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَدَمِ بِوَجْهٍ وَحِينَئِذٍ تُمْنَعُ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ يَخُصُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَجْهُولِ فَاحِشًا، وَإِنْ عَيَّنَهُ فَوَاتُ الْخَطَرِ الَّذِي وَجَبَ لِأَجْلِهِ الْمَهْرُ عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ. قُلْنَا: فَيَجِبُ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِتَحَقُّقِهِ بِالْعَشَرَةِ فَالزَّائِدُ بِلَا مُوجِبٍ، وَأَمَّا إفْسَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ إلَخْ يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا يَكُونُ كَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَهَا قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ لِرِضَاهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِطَلَبِهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لِمَعْرِفَةِ أَنَّهُ حُكْمُهُ وَرِضَاهَا بِلَا مَهْرٍ لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهَا بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِعَدَمِهِ تَكَرُّمًا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا تَرْضَى بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ تَرَفُّعًا فَبَعِيدٌ عَنْ الْمَبْنَى. وَلَوْ قِيلَ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ ظَاهِرٌ فِي الْقَصْدِ إلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِ مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ الثَّابِتُ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ظُهُورُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَتَرَكُوا التَّسْمِيَةَ رَأْسًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ التَّسْمِيَةِ تَكَلُّفُ أَمْرٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَصْدُ مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِ حُكْمِ تَسْمِيَةِ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لَمَّا صَرَّحَتْ بِالرِّضَا بِمَا دُونَهَا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْأَصْلِ فِيهِ لَكَانَ أَقْرَبَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ الْمَبْنَى. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْخِلَافِ فَقَالَ (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ) أَيْ فِي صُورَةِ تَسْمِيَةِ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ (فَلَهَا خَمْسَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ) ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ عَشْرَةٌ (وَعِنْدَهُ الْمُتْعَةُ) وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي

فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) ؛ لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ وَبِهِ يَتَأَكَّدُ الْبَدَلُ، وَبِالْمَوْتِ يَنْتَهِي النِّكَاحُ نِهَايَتَهُ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَيَتَقَرَّرُ بِجَمِيعِ مَوَاجِبِهِ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَالْخَلْوَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَة ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةً فَلَهَا الثَّوْبُ وَخَمْسَةٌ خِلَافًا لَهُ. وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الثَّوْبِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَعِنْدَهُ الْمُتْعَةُ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الثَّوْبِ يَوْمَ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ وَاعْتِبَارَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي الثَّوْبِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالثَّوْبُ لَا يَثْبُتُ ثُبُوتًا صَحِيحًا بَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ فَلِذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْقَبْضِ اهـ. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ ثَوْبٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا سَتَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ تَكْسُدْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَكَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا فَإِنَّمَا عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتُهَا يَوْمَ كَسَدَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِكَسَادِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا سَتَعْرِفُ (قَوْلُهُ وَبِهِ يَتَأَكَّدُ الْبَدَلُ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لُزُومُهُ فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلُ لَازِمًا، لَكِنْ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ (قَوْلُهُ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ) ؛ لِأَنَّ انْتِهَاءَهُ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهِ بِتَمَامِهِ فَيَسْتَعْقِبُ مَوَاجِبَهُ الْمُمْكِنَ إلْزَامُهَا مِنْ الْمَهْرِ وَالْإِرْثِ وَالنَّسَبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَوْتَهَا أَيْضًا كَذَلِكَ، فَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَوْتِهِ اتِّفَاقٌ، وَلَا خِلَافَ لِلْأَرْبَعَةِ فِي هَذِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ) أَيْ بَعْدَمَا سَمَّى (فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) ثُمَّ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَحُكْمُ هَذَا التَّنْصِيفِ يَثْبُتُ عِنْدَ زُفَرَ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَيَعُودُ النِّصْفُ الْآخَرُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ. وَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَرْأَةِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْجَبَ فَسَادَ سَبَبِ مِلْكِهَا فِي النِّصْفِ، وَفَسَادُ السَّبَبِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مِلْكِهَا بِالْقَبْضِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْجَارِيَةَ: أَيْ الْمَمْهُورَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ لِلْمَرْأَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ عِتْقِهَا بِنِصْفِهَا لَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَبَقَ مِلْكَهُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الرَّدِّ، وَلَوْ أَعْتَقَتْهَا الْمَرْأَةَ قَبْلَ الطَّلَاقِ نَفَذَ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا إنْ بَاعَتْ

وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ، فَفِيهِ تَفْوِيتُ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَفِيهِ عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَيْهِ سَالِمًا فَكَانَ الْمَرْجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ وَهَبَتْ لِبَقَاءِ مِلْكِهَا فِي الْكُلِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالتَّرَاضِي عِنْدَنَا، وَإِذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَتَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلزَّوْجِ يَوْمَ قَبَضَتْ. وَلَوْ وُطِئَتْ الْجَارِيَةُ بِشُبْهَةٍ فَحُكْمُ الْعُقْرِ كَحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَإِزَالَةُ الْبَكَارَةِ بِلَا دُخُولٍ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِبِكْرٍ فَدَفَعَهَا فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا لَيْسَ كَالدُّخُولِ بِهَا فَلَا يُوجِبُ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ كَمَالُهُ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقِيلَ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّ الْآيَةَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] عَامٌّ فِي الْمَفْرُوضِ أَعْطَى حُكْمَ التَّنْصِيفِ، وَقَدْ خَصَّ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْمَفْرُوضُ نَحْوَ الْخَمْرِ وَمَا إذَا سَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ الْخَالِي عَنْ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَجَازَ أَنْ يُعَارِضَهُ الْقِيَاسُ إنْ وُجِدَ وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ أَنَّ فِي طَلَاقِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَفْوِيتَ الْمِلْكِ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ أَوْ إتْلَافِ الْمَبِيعِ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ تَمَامِ الْمُسَمَّى. أَوْ يُقَالُ هُوَ رُجُوعُ الْمُبْدَلِ إلَيْهَا سَالِمًا فَكَانَ كَمَا إذَا تَقَايَلَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ يَسْقُطُ كُلُّ الثَّمَنِ؛ فَقَالَ: الْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْأَوَّلِ وُجُوبُ الْمُسَمَّى بِتَمَامِهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ وَمُقْتَضَى الثَّانِي لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ أَصْلًا فَتَسَاقَطَا فَبَقِيَ النِّصْفُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَكَانَ الْمَرْجِعُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى النَّصِّ بَعْدَ تَعَارُضِ الْقِيَاسَيْنِ لَكِنَّ الْحُكْمَ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي نَصٍّ لَا يُعَارِضُهُ الْقِيَاسُ، وَمِنْ أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ إذَا تَعَارَضَا لَا يُتْرَكَانِ بَلْ يَعْمَلُ الْمُجْتَهِدُ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ فِي أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُمُومُ نَصٍّ

فِيهِ النَّصَّ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالدُّخُولِ عِنْدَنَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرْجَعُ إلَيْهِ، لَكِنْ تَقْرِيرُ السُّؤَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يُتَوَجَّهُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْآيَةِ هُوَ انْتِصَافُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَتَوْجِيهُ السُّؤَالِ بِأَنَّ النَّصَّ قَدْ خُصَّ، وَقِيَاسُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى إتْلَافِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَسْخٌ لِتَمَامِ مُوجِبِ النَّصِّ لَا تَخْصِيصٌ إذَا لَمْ يَبْقَ تَحْتَ النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ التَّقْرِيرِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ يُنْسَخُ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِالْقِيَاسِ بَلْ يُخَصُّ بِهِ فَلَا يُتَوَجَّهُ لِيُعَارَضَ بِآخَرَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِخْرَاجِ، وَتَقْرِيرُهُ لَا عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْرِيرِ فَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ سِوَى التَّعَرُّضِ لِلنَّصِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ ذِكْرَ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ فِي لُزُومِ نِصْفِ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالدُّخُولِ عِنْدَنَا) فِي تَأَكُّدِ تَمَامِ الْمَهْرِ بِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ حُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ لَا مَهْرَ فِيهِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ سَكَتَ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ شَرَطَ نَفْيَهُ أَوْ سَمَّى فِي الْعَقْدِ وَشَرَطَ رَدَّهَا مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَصُورَةُ هَذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ إلَيْهِ أَلْفًا صَحَّ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهَا فَبَقِيَ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ جَازَ، وَتَنْقَسِمُ الْأَلْفُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا، فَمَا أَصَابَ الدَّنَانِيرَ يَكُونُ صَرْفًا مَشْرُوطًا فِيهِ التَّقَابُضُ، وَمَا يَخُصُّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَكُونُ مَهْرًا، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَدَّتْ نِصْفَ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ هُنَا بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ تَكُونُ الْمُقَابَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ حِصَّةُ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ. وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ إنْ كَانَتْ حِصَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْأَلْفِ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ يُكْمِلُ لَهَا عَشْرَةً. وَمِنْ صُوَرِ وُجُوبِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْجَهَالَةِ فَوْقَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، إلَّا أَنَّ فِي الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ إنْ حَكَمَ لَهَا بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ، أَوْ دُونَهُ فَلَا إلَّا إنْ تَرْضَى، وَإِلَيْهَا إنْ حَكَمَتْ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ جَازَ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا إلَّا أَنْ يَرْضَى، وَإِلَى الْأَجْنَبِيِّ إنْ حَكَمَ لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ لَا بِالْأَقَلِّ إلَّا أَنْ تَرْضَى، وَلَا بِالْأَكْثَرِ إلَّا أَنْ يَرْضَى، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ أَغْنَامِهِ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ خُلْعِهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهَا وَنَحْوِهِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ بِعُرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ مَالًا بِالِانْفِصَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا فِي الْحَالِ، وَالْعِوَضُ

أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الدُّخُولِ. لَهُ أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ وُجُوبًا حَقُّ الشَّرْعِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَتَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ دُونَ النَّفْيِ (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الْآيَة ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْخُلْعِ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ كَالْخُلْعِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُهَا فَلَا يَحْتَمِلُهَا بَدَلُهُ، وَمِثْلُهُ مَا يُخْرِجُهُ نَخْلُهُ وَمَا يَكْسِبُهُ غُلَامُهُ (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا) وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا مَهْرُ الْمِثْلِ لِوَرَثَتِهَا (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) يَعْنِي فِي قَوْلٍ عَنْهُ (لَا يَجِبُ فِي الْمَوْتِ شَيْءٌ) لِلْمُفَوِّضَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي صُورَةِ نَفْيِ الْمَهْرِ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ كَقَوْلِنَا (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُمْ) أَيْ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ (قَوْلُهُ لَهُ أَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِهِ مُطْلَقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ وَابْنَهُ وَعَلِيًّا وَزَيْدًا - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قَالُوا فِي الْمُفَوِّضَةِ نَفْسَهَا: حَسْبُهَا الْمِيرَاثُ. وَلَنَا أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْهَا فِي صُورَةِ مَوْتِ الرَّجُلِ فَقَالَ: بَعْدَ شَهْرٍ أَقُولُ فِيهِ بِنَفْسِي، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ نَفْسِي، وَفِي رِوَايَةٍ: فَمِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ بَرِيئَانِ. أَرَى لَهَا مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ وَأَبُو الْجَرَّاحِ حَامِلٌ رَايَةَ الْأَشْجَعِيِّينَ فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي امْرَأَةٍ مِنَّا يُقَالُ لَهَا بِرْوَعَ بِنْتَ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيَّةِ بِمِثْلِ قَضَائِكَ هَذَا، فَسُرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ سُرُورًا لَمْ يُسَرَّ مِثْلَهُ قَطُّ بَعْدَ إسْلَامِهِ. وَبِرْوَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي الْمَشْهُورِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُنَا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظٍ أَخْصَرَ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ: لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمِثْلِهِ» . هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد، وَلَهُ رِوَايَاتٌ أُخَرُ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَسَانِيدُهَا صِحَاحٌ. وَاَلَّذِي رُوِيَ مِنْ رَدِّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ فَلِمَذْهَبٍ تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ تَحْلِيفُ الرَّاوِي إلَّا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَلَمْ يَرَ هَذَا الرَّجُلَ لِيُحَلِّفَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ثُبُوتَهَا عَنْهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ) أَيْ وُجُوبُهُ ابْتِدَاءَ حَقِّ الشَّرْعِ لِمَا قَدَّمْنَا آنِفًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ: أَيْ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ ابْتِدَاءً بِالشَّرْعِ يَثْبُتُ لَهَا شَرْعًا حَقُّ أَخْذِهِ فَتَتَمَكَّنُ حِينَئِذٍ مِنْ الْإِبْرَاءِ لِمُصَادَفَتِهِ حَقَّهَا دُونَ

ثُمَّ هَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ رُجُوعًا إلَى الْأَمْرِ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ (وَالْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا) وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ. وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَوْلُهُ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْيِهِ ابْتِدَاءً عَنْ أَنْ يَجِبَ (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْمُتْعَةُ) أَيْ مُتْعَةُ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ فِي الْعَقْدِ (وَاجِبَةٌ) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَخَصَّهَا احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ لِغَيْرِهَا مُسْتَحَبَّةٌ إلَّا لِمَنْ سَنَذْكُرُ. وَقَوْلُهُ (رُجُوعًا إلَى الْأَمْرِ) هُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] عَقِيبَ قَوْلِهِ {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] أَيْ وَلَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً فَانْصَرَفَ إلَى الْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ، بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ الْمُتْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا فَرَضَ لَهَا أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ) فَمَذْهَبُهُ اسْتِحْبَابُ الْمُتْعَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصُّوَرِ إلَّا الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْفَرْضِ إلَّا أَنْ تَجِيءَ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ تَعْلِيقُهُ بِالْمُحْسِنِ: أَعْنِي الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ عَقِيبَهُ {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وَهُمْ الْمُتَطَوِّعُونَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةَ صَرْفِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ إلَى النَّدْبِ. وَالْجَوَابُ مَنْعُ قَصْرِ الْمُحْسِنِ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْقَائِمِ بِالْوَاجِبَاتِ أَيْضًا فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فَلَا يَكُونُ صَارِفًا لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ لَفْظِ حَقًّا وَعَلَى (قَوْلِهِ وَالْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ) قُدِّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا اللُّبْسُ الْوَسَطُ؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي وَتَخْرُجُ غَالِبًا فِيهَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَدْنَى الْمُتْعَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ (وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ) وَمَنْ بَعْدَهُمْ

إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فِي الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا تَنْقُصُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ، وَحَيْثُ قَدَّرُوهَا بِهِ مَعَ فَهْمِ اللُّغَةِ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ لَفْظَ مُتْعَةٍ لَا يُقَالُ فِي إعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ بَلْ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ أَيْضًا فَلَا تُقَدَّرُ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ لَمْ يُمْتَنَعْ أَنْ يَقَعَ عَلَى الدَّرَاهِمِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي الْمُتَبَادَرِ مِنْ اللَّفْظِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ تَقْدِيرُهَا بِثَلَاثِينَ، وَلَا بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ لِيَعْرِفَ حَالَ مَنْ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ حَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَثْوَابَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِهِمَا عَلَى مَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ حَالِهِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْخَسِيسَةِ وَهُوَ مُنْكَرٌ بَيْنَ النَّاسِ. وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهَا وَهُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِقِيَامِ هَذِهِ الْمُتْعَةِ مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ سُقُوطِهِ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا فَكَذَا فِي خَلْقِهِ، وَهَكَذَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ السُّفْلِ فَمِنْ الْكِرْبَاسِ، وَإِنْ كَانَتْ وَسَطًا فَمِنْ الْقَزِّ، وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَفِعَةَ الْحَالِ فَمِنْ الْإِبْرَيْسَمِ. وَإِطْلَاقُ الذَّخِيرَةِ كَوْنُهَا وَسَطًا لَا بِغَايَةِ الْجَوْدَةِ وَلَا بِغَايَةِ الرَّدَاءَةِ لَا يُوَافِقُ رَأْيًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الِاعْتِبَارِ بِحَالِهِ أَوْ حَالِهَا أَوْ حَالِهِمَا. وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَصَحَّحَهُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ خَمْسَةٍ فَيُكْمِلُ لَهَا الْخَمْسَةَ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُتْعَةِ خَلَفًا عَنْهُ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ عَشْرَةٌ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ اعْتِبَارَ الْمُتْعَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ بِالْمَالِ أَقْوَى مِنْ نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ. وَفِي الْأَقْوَى لَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ مَا كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهُ، فَكَذَا فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَا يُزَادُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى نِصْفِهِ، ثُمَّ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَالْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَرِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ وَتَقْبِيلِهِ أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَكَمَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِسَبَبِ مَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا

عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَةٍ فَهِيَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ نِصْفُ هَذَا الْمَفْرُوضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تُسْتَحَبُّ لَهَا أَيْضًا لِجِنَايَتِهَا، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا تُسْتَحَبَّ فِي خِيَارِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِجِنَايَتِهَا أَوْ رِضَاهَا بِهِ وَاسْتِحْبَابِ الْمُتْعَةِ لِإِيحَاشِهَا بِالطَّلَاقِ، وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ اشْتَرَى هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ مَنْكُوحَةً أَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ الزَّوْجُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ وُجُودِهَا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ يَجِبُ، وَالْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُسَمِّ، ثُمَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ، وَقِيلَ كُلُّهُ، ثُمَّ يَجِبُ النِّصْفُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ . (قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْآخَرَ كَقَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا فُرِضَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْرِضَ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ إنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ حِينَ انْعَقَدَ كَانَ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْعَقْدِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فِيهِ مَهْرٌ، وَثُبُوتُ الْمَلْزُومِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ثُبُوتُ اللَّازِمِ، فَإِذَا كَانَ الثَّابِتُ بِهِ لُزُومَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ إجْمَاعًا فَلَا يَتَنَصَّفُ مَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَالْفَرْضُ الْمُنَصَّفُ فِي النَّصِّ: أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] يَجِبُ حِينَئِذٍ حَمْلُهُ عَلَى الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّا لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ عَقْدٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ هُوَ نَفْسُ خُصُوصِ مَهْرِ مِثْلِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ انْتِصَافِهِ لَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمُتَنَصَّفَ بِالنَّصِّ مَا فُرِضَ فِي الْعَقْدِ، عَلَى أَنَّ

فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا الْفَرْضَ فِي الْعَقْدِ إذْ هُوَ الْفَرْضُ الْمُتَعَارَفُ. . قَالَ (وَإِنْ زَادَ لَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ) خِلَافًا لِزُفَرَ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَ) إذَا صُحِّحَتْ الزِّيَادَةُ (تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَنْتَصِفُ مَعَ الْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَعَارَفَ هُوَ الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ حَتَّى كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا فُرِضَ لَهَا الصَّدَاقُ أَنَّهُ أَوْجَبَهُ فِي الْعَقْدِ فَيُقَيَّدُ لِذَلِكَ نَصُّ مَا فَرَضْتُمْ بِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ بِفَرَضْتُمْ هُوَ الْفَرْضُ الْوَاقِعُ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدٌ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ بَعْدَمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ: أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ، وَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا لِلَّفْظِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَقَّ التَّقْيِيدُ بِهِ. وَفِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ: لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ: أَيْ غَيْرُ الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ إذْ الْمُطْلَقُ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمُتَعَرِّضُ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ فَيَتَنَاوَلُ الْمَفْرُوضَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَوْ رَافَعَتْهُ لِيَفْرِضَ لَهَا. فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ الْعَقْدِ نَفْسُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَنَّ الْفَرْضَ لِتَعْيِينِ كَمَيِّتِهِ لِيُمْكِنَ دَفْعُهُ، وَهُوَ لَا يَتَنَصَّفُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ فِي النَّصِّ الْمُتَعَارَفِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً لِمَا بَيَّنَّا، وَلِأَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ لِنُدْرَةِ وُجُودِهِ. [فَرْعٌ] لَوْ عَقَدَ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلشَّفِيعِ؛ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَهُ تَقْرِيرُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الدَّارَ وَتَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْمُتْعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ ثُمَّ بَاعَهَا بِهِ الدَّارَ فَإِنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الدَّارَ شِرَاءً بِالْمَهْرِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالدَّارُ لَهَا وَتَرُدُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِلصَّدَاقِ بِالشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ لَا يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ . (قَوْلُهُ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ) وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَلَ مِلْكِهِ. قُلْنَا: اللُّزُومُ مُنْتَفٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَيُنْتَقَضُ بِالْعِوَضِ عَنْ الْهِبَةِ بَعْدَ عَقْدِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى الصِّحَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا تَرَاضَيَا عَلَى إلْحَاقِهِ وَإِسْقَاطِهِ. وَمِنْ فُرُوعِ الزِّيَادَةِ مَا لَوْ رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَبِلْت لَزِمَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ وَقَبُولُهَا شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ. وَيُنَاسِبُ هَذِهِ مَسْأَلَةُ التَّوَاضُعِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعَدُّدِ التَّسْمِيَةِ لَوْ تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ عَلَى مَهْرٍ وَعَقَدَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ إنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْعَلَانِيَةَ هَزْلٌ فَالْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى الزَّوْجُ الْمُوَاضَعَةَ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا، هَذَا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَوْ عَقَدَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ وَأَظْهَرَا أَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالْمَهْرُ مَا فِي السِّرِّ، أَوْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي دَعْوَى الْجِدِّ فَيَلْزَمُهُ مَهْرُ

لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عِنْدَهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ، وَعِنْدَهُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ كَالْمَفْرُوضِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَلَانِيَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلِيِّهَا الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ أَنَّ مَهْرَهَا السِّرُّ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ فَيَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ وَلَوْ عَقَدَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ ثُمَّ عَقَدَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ وَأَشْهَدَا أَنَّ الْعَلَانِيَةَ سُمْعَةٌ فَالسِّرُّ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ مَكَانَ مُحَمَّدٍ، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ ثُمَّ جَدَّدَ النِّكَاحَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ ذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَلْزَمُ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَلْزَمُهُ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ أَلْفَيْنِ لَا يَثْبُتُ الثَّانِي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَّلَ عَدَمَ الثُّبُوتِ بِأَنَّهُمَا قَصَدَا إثْبَاتَ الزِّيَادَةِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ فَكَذَا الزِّيَادَةُ، فَاتَّفَقَتْ هَذِهِ النُّقُولُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ الثَّانِي، وَعَلَى عَكْسِ هَذَا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْكَافِي لِلشَّيْخِ حَافِظِ الدِّينِ قَالَ: تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ فِي السِّرِّ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَمَهْرُهَا أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَيَكُونُ هَذَا زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْأَصْلِ، وَعَلَيْهِ مَشَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمَهْرُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إذَا تَوَافَقَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ وَأَشْهَدَا أَنَّهُمَا يُجَدِّدَانِ الْعَقْدَ بِأَلْفَيْنِ سُمْعَةً فَالْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ لَغْوٌ، وَبِالْإِشْهَادِ عَلِمْنَا أَنَّهُمَا قَصَدَا الْهَزْلَ بِمَا سَمَّيَاهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا عَلَى ذَلِكَ فَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ الْمَهْرُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ زِيَادَةً لَهَا فِي الْمَهْرِ، قَالُوا: هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَغْوٌ، فَمَا ذُكِرَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الزِّيَادَةِ يَلْغُو. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الْعَقْدُ الثَّانِي إنْ كَانَ لَغْوًا فَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا هَذَا ابْنِي لَمَّا لَغَا صَرِيحُ كَلَامِهِ عِنْدَهُمَا لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ، وَعِنْدَهُ وَإِنْ لَغَا صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ يَبْقَى مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْعِتْقِ اهـ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. وَبِآخِرِهِ يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ اعْتِبَارِ الثَّانِي. قَوْلُهُ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِإِطْلَاقِ اعْتِبَارِ الْعَلَانِيَةِ فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ فِيهِ: إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ فِي السِّرِّ وَسَمِعَ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ يُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ فَالتَّسْمِيعُ فِي الْعَلَانِيَةِ يَشْمَلُ مَا إذَا أَشْهَدَا عَلَى أَنَّ الْعَلَانِيَةَ هَزْلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِذَا لَمْ يُشْهِدَا عَلَى ذَلِكَ وَمَا إذَا كَانَ التَّسْمِيعُ لَيْسَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ بَلْ مُجَرَّدِ إظْهَارِهِ عَلَى مَا هُوَ عَكْسُ أَوَّلِ صُوَرِ الْمُوَاضَعَةِ، وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوْ فِي ضِمْنِهِ فَمَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ خَرَجَ وَيَبْقَى الْبَاقِي، وَلَا اخْتِلَافَ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ إذَا أَشْهَدَا عَلَى هَزْلِيَّةِ الثَّانِي أَوْ اعْتِرَافًا بِهِ مُطْلَقًا فَيَبْقَى مَا لَمْ يُشْهِدَا فِيهِ وَلَمْ يَعْتَرِفَا بِهِ مِمَّا هُوَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ ثَانٍ مُرَادًا قَطْعًا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ذَكَرَ عِصَامٌ أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ، فَإِذَا حَكَى الْمَشَايِخُ الْخِلَافَ يَجِبُ كَوْنُ الْمَذْكُورِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ

عَلَى مَا مَرَّ. (وَإِنْ حَطَّتْ عَنْهُ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ (وَإِذَا خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضْعُ الْأَصْلِ لِإِفَادَةِ قَوْلِهِ وَكَأَنَّ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ قَاضِي خَانْ إنَّمَا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا إذَا عَنَى بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ عِلَّةَ اعْتِبَارِ الْعَلَانِيَةِ فِيمَا إذَا جَدَّدَا وَلَمْ يُشْهِدَا كَوْنَهُ زِيَادَةً، لَكِنَّ الْأَوْجَهَ الْإِطْلَاقُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَسْأَلَ الزَّوْجَانِ عَنْ مُرَادِهِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَقَدْ يُنْكِرُ الزَّوْجُ الْقَصْدَ وَيَنْفَتِحُ بَابُ الْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّابِتُ شَرْعًا جَوَازَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ وَالْكَلَامُ الثَّانِي يُعْطِيهِ صَادِرًا مِنْ مُمَيِّزٍ عَاقِلٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ، بَلْ يَجِبُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْهَزْلَ بِهِ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى اتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ. نَعَمْ وَيَخَالُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ الْأَلْفَانِ مَعَ الْأَلْفِ السِّرِّ فَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ثَبَتَ وُجُوبُهُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ، وَالْمَفْرُوضُ لَهُ كَوْنُ الثَّانِي زِيَادَةً فَيَجِبُ بِكَمَالِهِ مَعَ الْأَوَّلِ. وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ: جَدَّدَ عَلَى أَلْفٍ آخَرَ تَثْبُتُ التَّسْمِيَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَثْبُتُ الثَّانِيَةُ، وَكَذَا لَوْ رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ بِأَلْفٍ. وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ: إذَا جَدَّدَ يَجِبُ كِلَا الْمَهْرَيْنِ. وَوَجْهُ مَنْ نَقَلَ لُزُومَ الثَّانِي فَقَطْ اعْتِبَارُ إرَادَةِ الْأَوَّلِ فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ الْمَقْصُودِ تَغْيِيرَ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْإِطْلَاقِ الْمُتَضَافِرِ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمُرَادِ بِكَلَامِ الْجُمْهُورِ لُزُومُهُ إذَا لَمْ يُشْهِدَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَمُرَادُ الْقَاضِي لُزُومُهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا شَكَّ إنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَصَدَا الزِّيَادَةَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدَا حَتَّى كَانَا هَازِلَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَ اللَّهِ شَيْءٌ حَتَّى لَا يُطَالَبَ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخِذُهُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَا عَلَى خِلَافِهِ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ الثَّانِي إلَّا إذَا كَانَتْ قَالَتْ لَا أَرْضَى بِالْمَهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ أَبْرَأْتُهُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أُقِيمُ مَعَكَ بِدُونِ مَهْرٍ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْبِسَاطُ فَلَا يَجِبُ، الثَّانِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ اعْتِبَارُ قَرِينَةِ إرَادَةِ الزِّيَادَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا إذَا كَانَ التَّجْدِيدُ بَعْدَ هِبَتِهَا الْمَهْرَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ وُجُوبُ الثَّانِي عَلَى الْخِلَافِ أَوْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ غَيْرُ بَعِيدٍ، إذْ قَدْ يَخَالُ كَوْنَ الزِّيَادَةِ تَسْتَدْعِي قِيَامَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ، وَبِالْهِبَةِ انْتَقَى قِيَامُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ الثَّانِي زِيَادَةً وَهُوَ الْمُحَقِّقُ لِوُجُوبِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَسْتَدْعِي دُخُولَهُ فِي الْوُجُودِ لَا بَقَاءَهُ إلَى وَقْتِ الزِّيَادَةِ فَصَلَحَ مَنْشَأً لِلْخِلَافِ فِي ثُبُوتِهِ عَلَى الْخِلَافِ أَوْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْفَتَاوَى: امْرَأَةٌ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ إنَّ زَوْجَهَا أَشْهَدَ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ كَذَا مِنْ مَهْرِهَا تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ إذَا قَبِلْت. وَوَجَّهَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِوُجُوبِ تَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ اهـ. وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ فَرْعُ الْخِلَافِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ هِبَتِهَا الْمَهْرَ. وَالْقَيْدُ وَهُوَ قَبُولُ الْمَرْأَةِ صَحِيحٌ لَا يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ مَا إذَا جَدَّدَا وَعَقَدَا ثَانِيًا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْأَمْرِ الثَّانِي، وَذَلِكَ يُفِيدُ قَبُولَهَا الثَّانِي بِلَا شُبْهَةٍ، بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَوْ أَشْهَدَ وَنَحْوَهُ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ) وَهُوَ مَنَافِعُ بُضْعِهَا (إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ) وَلَا يَجِبُ كَمَالُ الْبَدَلِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا

وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَيْسَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ كَمَالُ الْمَهْرِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ تَوَقُّفِ وُجُوبِ الْكَمَالِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بَلْ عَلَى التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ) وَالْإِجَارَةِ، وَيَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْبَدَلِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ لَا حَقِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْمُوجِبُ فِيهِمَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةً أَصْلًا، فَكَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ بِذَلِكَ بَلْ أَوْلَى. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] فَالْمَجَازُ فِيهِ مُتَحَتِّمٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ الْمَسُّ عَلَى الْوَطْءِ كَمَا يَقُولُ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَخَصَّ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْخَلْوَةِ كَمَا نَقُولُ فَمِنْ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ إذْ الْمَسُّ مُسَبَّبٌ عَنْ الْخَلْوَةِ عَادَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ. وَيُرَجَّحُ الثَّانِي بِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ وَقَدْ يُقَالُ: يَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ هُنَا خِلَافَ الْأَوَّلِ مَجَازٌ إلَّا مَجَازًا يَعُمُّ الْحَقِيقَةَ، وَالْخَلْوَةُ لَا تَصْدُقُ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ الْمَسُّ مَجَازًا فِيهَا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ وَطِئَهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْخَلْوَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهَا الْمُرَادُ بِالْمَسِّ فِي النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْخَلْوَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْكَمَالِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ مَعَ ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ كَمَالِهِ بِالْخَلْوَةِ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ حَيْثُ قَالَ: هُوَ اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. وَيُوَافِقُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] أَوْجَبَ جَمِيعَ الْمَهْرِ بِالْإِفْضَاءِ وَهُوَ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ وُجُوبُ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْخَلْوَةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّصِّ مَخْصُوصًا أَخْرَجَ مِنْهُ الصُّورَةَ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الْمُخَصِّصِ الْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ. وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرَانِ: مَهْرٌ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِ الزِّنَا، وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ عَلَى الْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ جَامِعَةٌ، قَالَ: الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فِي مَكَان يَأْمَنَانِ فِيهِ مِنْ اطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِمَا كَدَارٍ وَبَيْتٍ دُونَ الصَّحْرَاءِ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالسَّطْحِ الَّذِي لَيْسَ عَلَى جَوَانِبِهِ سُتْرَةٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ السِّتْرُ رَقِيقًا أَوْ قَصِيرًا بِحَيْثُ لَوْ قَامَ إنْسَانٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا يَرَاهُمَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ حِسًّا وَلَا طَبْعًا وَلَا شَرْعًا اهـ. وَمِنْ فَصْلِ الْمَوَانِعِ ذَكَرَ مِنْهَا الرَّتَقَ وَالْقَرَنَ وَالْعَفَلَ وَأَنْ تَكُونَ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ هُوَ صَغِيرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ يَشْتَهِي وَتَتَحَرَّكُ آلَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمَهْرِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ اسْتَوَى مَنْعُهُ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا أَوْ

حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَوَانِعُ، أَمَّا الْمَرَضُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَقِيلَ مَرَضُهُ لَا يُعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَصَوْمِ رَمَضَانَ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَالْإِحْرَامِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّمِ وَفَسَادِ النُّسُكِ وَالْقَضَاءِ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَحُسُّ وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ وَيَتَنَاوَمُ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يُمْنَعُ. وَقِيلَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُمْنَعَانِ، وَزَوْجَتُهُ الْأُخْرَى مَانِعَةٌ إلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ، وَالْجَوَارِي لَا تُمْنَعُ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: جَارِيَتُهَا تُمْنَعُ بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: فِي أَمَتِهِ رِوَايَتَانِ. وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ مَانِعٌ، وَغَيْرُ الْعَقُورِ إنْ كَانَ لَهَا مَنَعَ أَوْ لَهُ لَا يَمْنَعُ، وَعِنْدِي أَنَّ كَلْبَهُ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ قَطُّ لَا يَتَعَدَّى عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ عَنْهُ. وَلَوْ سَافَرَ بِهَا فَعَدَلَ عَنْ الْجَادَّةِ بِهَا إلَى مَكَان خَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَلَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ. وَقَالَ شَدَّادٌ: إنْ كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهَا كَالسَّاتِرِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ تَصِحُّ عَلَى سَطْحٍ لَا سَاتِرَ لَهُ إذَا كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْإِحْسَاسُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَصَرِ، أَلَا تَرَى إلَى الِامْتِنَاعِ لِوُجُودِ الْأَعْمَى وَلَا إبْصَارَ لِلْإِحْسَاسِ، وَلَا تَصِحُّ فِي بُسْتَانٍ لَيْسَ لَهُ بَابٌ، وَتَصِحُّ فِي مَحْمَلٍ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا وَإِنْ كَانَ نَهَارًا وَالْحَجْلَةُ وَالْقُبَّةُ كَذَلِكَ. وَلَوْ كَانَا فِي مَخْزَنٍ مِنْ خَانٍ يَسْكُنُهُ النَّاسُ فَرَدَّ الْبَابَ وَلَمْ يُغْلِقْهُ وَالنَّاسُ قُعُودٌ فِي وَسَطِهِ غَيْرَ مُتَرَصِّدِينَ لِنَظَرِهِمَا صَحَّتْ، وَإِنْ كَانُوا مُتَرَصِّدِينَ لَا تَصِحُّ، وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ مِنْ قَبِيلِ الْحِسِّيِّ. وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفْهَا ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ دَخَلَ هُوَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي اللَّيْثِ، وَتَصِحُّ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ نَائِمَةً، وَلَوْ عَرَفَهَا هُوَ وَلَمْ تَعْرِفْهُ هِيَ تَصِحُّ. [فَرْعَانِ] الْأَوَّلُ: لَوْ قَالَ إنْ خَلَوْت بِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ وَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ. الثَّانِي: لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْخُلَ بِزَوْجَتِهِ إذَا كَانَتْ تُطِيقُ الْجِمَاعَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَقَدْ قُدِّرَ بِالْبُلُوغِ وَبِالتِّسْعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَقَامُوا الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ طَلَاقِهَا وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَهُ فِي الْإِحْصَانِ، وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ وَالْمِيرَاثِ، وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ. يَعْنِي إذَا خَلَا بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا، وَإِذَا خَلَا بِامْرَأَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا تَحْرُمُ بَنَاتُهَا وَلَا يَرِثُ مِنْهَا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَفِي شَرْحِ الشَّافِي ذَكَرَ تَزَوُّجَ الْبِنْتِ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَفِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَبَ أَنْ يَقَعَ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ

وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَصَوْمُ الْقَضَاءِ وَالْمَنْذُورِ كَالتَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَالصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ. (وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ، بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أُدِيرَ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ السَّحْقِ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ. قَالَ (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ) احْتِيَاطًا اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ، وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ) أَيْ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، أَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فَالصَّحِيحُ غَيْرُهَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِعُذْرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بَحْثًا أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ أَقْعَدَ بِالدَّلِيلِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ الْجِمَاعَ وَيَجْعَلُهُ آثِمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ . (قَوْلُهُ أُدِيرَ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ) يُعْطِي أَنَّ خَلْوَةَ الْخَصِيِّ صَحِيحَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ) أَيْ عِنْدَ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ وَفَسَادِهَا بِالْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ احْتِيَاطًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ نَظَرًا إلَى التَّمَكُّنِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا فِي الْمَجْبُوبِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ الشُّغْلِ بِالسَّحْقِ، وَإِذًا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ يَثْبُتُ وَإِنْ عُلِمَ بِخِلَافِهِ فَلَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَعَلِمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْزِلُ أَوْ لَا رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ، أَوْ يَتَعَسَّرُ. قَالَ الْعَتَّابِيُّ: تَكَلَّمَ مَشَايِخُنَا فِي الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ظَاهِرًا أَوْ حَقِيقَةً؛ فَقِيلَ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَلَّ لَهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَقَوْلُهُ (وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ) وَلِذَا لَا تَسْقُطُ لَوْ أَسْقَطَاهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ، وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ وَلَا يَتَدَاخَلُ حَقُّ الْعَبْدِ (وَالْوَلَدِ) أَيْ وَحَقُّ الْوَلَدِ وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ

فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا كَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً. قَالَ (وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» فَلَا يَصْدُقَانِ فِي إبْطَالِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ (بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ) غَيْرَ أَنَّ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْوَلَدِ تَأَمُّلًا (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ) لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ (أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً) فَكَانَ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْيَقِينِ لِعَدَمِ الشُّغْلِ، وَمَا قَالَهُ قَالَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ إلَّا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَلَى هَذَا أَنْ يَخُصَّ الصِّغَرَ بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرَضَ بِالْمُدْنِفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، أَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ بَلْ بِحَقِيقَةِ الدُّخُولِ. (قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا) وَفِي كُلٍّ مِنْ الصَّدْرِ وَالِاسْتِثْنَاءِ إشْكَالٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِهِ وَالْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمَفْرُوضُ لَهَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ أَنَّ الْمُتْعَةَ تُسْتَحَبُّ لَهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ مُسْتَعْمَلٌ فِي أَعَمَّ مِنْ الْوُجُوبِ: يَعْنِي أَنَّهُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَقَرِينَةُ التَّخْصِيصِ هُوَ تَقَدُّمُ ذِكْرِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَتُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ غَيْرَ تِلْكَ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ تَبِعَهُ فِيهِ. وَفِي بَعْضِ مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ الْمُتْعَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةٌ وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ، وَمُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَسُنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ، وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ ثَابِتٌ لَهَا فَيَقُومُ مَقَامَ الْمُتْعَةِ. وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ هُنَا تَغْيِيرًا وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ، فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَنَقَلَ فِي الدِّرَايَةِ ضَبْطَهُ كَذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ) وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَقَوْلِهِ وَرِوَايَةٌ كَقَوْلِنَا وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ مَالِكٍ.

بِالْفِرَاقِ، إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ طَرِيقَةُ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمُتْعَةَ لَا تَتَكَرَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالتَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا بِالنَّصِّ. وَأَمَّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَلِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ فِي صُورَةِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لِلْإِيحَاشِ بِالطَّلَاقِ، وَمَا سَلَّمَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ لَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهِ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ فَتَجِبُ دَفْعًا لِلْإِيحَاشِ. وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا فَوُجُوبُ نِصْفِ الْمَهْرِ الثَّابِتِ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ: أَيْ بِطَرِيقِ إيجَابِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ جَبْرُ صَدْعِ الْإِيحَاشِ لَا الْمَهْرِ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا فَلَا تَجِبُ مُتْعَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ. وَقَوْلُهُ فَسْخٌ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ طَلَاقًا حَتَّى انْتَقَصَ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، لَكِنَّهُ كَالْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَالْحَالَةِ السَّابِقَةِ عَلَى النِّكَاحِ بِسَبَبِ عَوْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَالِمًا إلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يَسْقُطُ كُلُّ الْمَهْرِ بِهَذَا الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ، ثُمَّ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ إنَّهُ يَبْقَى نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالنَّصِّ. وَلَهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] خَصَّ مِنْهَا تِلْكَ الْمُطَلَّقَةَ بِنَصِّ {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] جَعَلَهُ تَمَامَ حُكْمِهَا، وَبِهِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 49] إلَى قَوْلِهِ فَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى غَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهَا لِعَقْلِيَّةِ أَنَّ نِصْفَ مَهْرِهَا

(وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوِّضَةِ) ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ، وَالْعَقْدُ يُوجِبُ الْعِوَضَ فَكَانَ خَلَفًا وَالْخَلَفُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوِّضَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَعَ بِهِ السَّمَاعُ؛ لِأَنَّهَا مُفَوِّضَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا لِوَلِيِّهَا وَلِلزَّوْجِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا: أَيْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا لِلزَّوْجِ وَهِيَ الَّتِي زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ مُسَمًّى. وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ الْمُفَوِّضَةُ الْإِيحَاشُ، وَأَبْطَلَ مُنَاسَبَتَهُ لِلْعَلِيَّةِ آخِرًا بِقَوْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ بَلْ الْوُجُوبُ فِيهَا تَعْوِيضٌ عَمَّا كَانَ وَاجِبًا لَهَا مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فَهْمِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى أَسْقَطَ مَا كَانَ وَاجِبًا لَهَا ثُمَّ أَوْجَبَ لَهَا شَيْئًا آخَرَ مَكَانَهُ، وَعَلِمَ أَنْ لَا جِنَايَةَ فِي الطَّلَاقِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي الَّتِي لَا تُصَلِّي وَالْفَاجِرَةِ، وَلَا سُقُوطَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُطْلَقًا فَلَا تَجِبُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمُسَاوِيَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا سُلِّمَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ بَلْ بِقَبُولِهَا الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهَا الْمُلْصَقِ بِهِ الْمَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء: 24] وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، غَيْرَ أَنَّ بِالدُّخُولِ يَتَقَرَّرُ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وقَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] إمَّا أَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهُنَّ مَهْرٌ؛ لِأَنَّهُنَّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] ثُمَّ قَالَ {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] أَوْ يُرَادُ بِمَتِّعُوهُنَّ إيجَابُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَكِسْوَتِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمُسَمَّى لَهَا فَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ،

فَلَا تَجِبُ مَعَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ، وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ فَلَا تَلْحَقُهُ الْغَرَامَةُ بِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ. (وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ بِنْتَه عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ فَالْعَقْدَانِ جَائِزَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَطَلَ الْعَقْدَانِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحَةً، وَلَا اشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ فَبَطَلَ الْإِيجَابُ. وَلَنَا أَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا إذَا سَمَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَلَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الِاسْتِحْبَابَ فِي الْمَدْخُولَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] وَهُنَّ مَدْخُولَاتٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ) أَيْ صَدَاقًا فِيهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى أَوْ مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَقَبِلَ جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ شِغَارًا. وَلَوْ زَادَ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَالْأَوَّلُ عَلَى الْخِلَافِ، ثُمَّ حُكْمُ هَذَا الْعَقْدِ عِنْدَنَا صِحَّتُهُ وَفَسَادُ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بَطَلَ الْعَقْدُ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ» وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْفَاسِدُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا. وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَالنَّفْيُ رُفِعَ لِوُجُودِهِ فِي الشَّرْعِ وَعُرِفَ مِنْهُ التَّعَدِّي إلَى كُلِّ وَلِيٍّ يُزَوِّجُ مُولِيَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ مُولِيَتَهُ، كَسَيِّدِ

(وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ إيَّاهَا سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ وَلَهَا خِدْمَتُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْخِدْمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالشَّرْطِ يَصْلُحُ مَهْرًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ الْمُعَاوَضَةُ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الزَّوْجِ غَنَمَهَا وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَلِكَ الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمَةِ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ مُولِيَتَهُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ كُلَّ بُضْعٍ صَدَاقٌ حِينَئِذٍ وَمَنْكُوحٌ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقَّ الْمَهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْإِطْنَابُ فِي تَقْرِيرِهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ وَالنَّفْيِ مُسَمَّى الشِّغَارِ وَمَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ خُلُوُّهُ عَنْ الصَّدَاقِ وَكَوْنُ الْبُضْعِ صَدَاقًا، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِنَفْيِ هَذِهِ الْمَاهِيَةِ وَمَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا شَرْعًا فَلَا نُثْبِتُ النِّكَاحَ كَذَلِكَ، بَلْ نُبْطِلُهُ فَيَبْقَى نِكَاحًا سُمِّيَ فِيهِ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ كَالنِّكَاحِ الْمُسَمَّى فِيهِ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ، فَمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ لَمْ نُثْبِتْهُ وَمَا أَثْبَتْنَاهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بَلْ اقْتَضَتْ الْعُمُومَاتُ صِحَّتَهُ: أَعْنِي مَا يُفِيدُ الِانْعِقَادَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَتَسْمِيَةِ مَا لَا يَصِحُّ مَهْرًا، فَظَهَرَ أَنَّا قَائِلُونَ بِمُوجِبِ الْمَنْقُولِ حَيْثُ نَفَيْنَاهُ وَلَمْ نُوجِبْ الْبُضْعَ مَهْرًا. وَعَنْ الثَّانِي بِتَسْلِيمِ بُطْلَانِ الشَّرِكَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَنَحْنُ لَمْ نُثْبِتْهُ إذْ لَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَا كَوْنَهُ صَدَاقًا فَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُ مُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ نِصْفَهُ فَبَقِيَ كُلُّهُ مَنْكُوحًا فِي عَقْدٍ شُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ فَإِنَّ بُطْلَانَ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا اسْتَلْزَمَهُ عَدَمُ مُوجِبِ التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ . (قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ: لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ سَنَةً) وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا. وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِلَّا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْخِدْمَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ وَجْهَيْ حُرِّيَّةِ الزَّوْجِ وَعَبْدِيَّتِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا) قَصْرُ النَّظَرِ عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ تَسْمِيَةُ شَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَمُلَاحَظَةُ قَوْلِهِ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءً بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالٌ

وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءً بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي جَوَازَ جَمِيعِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَا خَلَا خِدْمَةَ الْحُرِّ، وَيُوَافِقُهُ عُمُومُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَشَرْحِ الشَّافِي لِنَجْمِ الدِّينِ عُمَرَ النَّسَفِيِّ. وَمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى سَائِرِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ سُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ: يَعْنِي أَنْ تَزْرَعَ هِيَ أَرْضَهُ وَنَحْوَهَا مِنْ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ أَوْ أُلْحِقَتْ بِالْأَمْوَالِ شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَالْحَاجَةُ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقِّقَةٌ وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ ثَابِتٌ بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْدَامُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا يُفِيدُ جَوَازَ تَسْمِيَةِ خِدْمَةِ الْحُرِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْدُمُهَا، فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يُؤْمَنُ الِانْكِشَافَ عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَطَتِهِ لِلْخِدْمَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ ذَلِكَ الْحُرِّ وَلَمْ يُجْزِهِ. وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت تَعْلِيلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وُجُوبَ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ بِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِلْمُنَاقَضَةِ وَتَعْلِيلُهُمَا نَفْيَ مَالِيَّتِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ بِحَالِ الْمُقَيَّدِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَهُ أُلْحِقَ بِالْأَمْوَالِ لَكِنْ انْتَفَى ذَلِكَ لِلُزُومِ الْمُنَاقَضَةِ لَا تَكَادُ تَتَوَقَّفُ فِي صِحَّةِ تَسْمِيَةِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَجَبَ قِيمَتُهَا، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ خِدْمَةً مُعَيَّنَةً تَسْتَدْعِي مُخَالَطَةً لَا يُؤْمَنُ مَعَهَا الِانْكِشَافُ وَالْفِتْنَةُ وَجَبَ أَنْ تُمْنَعَ وَتُعْطِيَ هِيَ قِيمَتَهَا أَوْ لَا تَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بَلْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ ذَلِكَ الْحُرِّ حَتَّى تَصِيرَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ صَرَفَتْهُ فِي الْأَوَّلِ فَكَالْأَوَّلِ، أَوْ فِي الثَّانِي فَكَالثَّانِي، وَقَدْ أَزَالَ الْمُصَنِّفُ آخِرًا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا هُوَ مَالٌ أَوْ مَنْفَعَةٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا شَرْعًا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ عَلَيْهَا، وَمَا لَا يَجُوزُ كَخِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ لِلْمُنَاقَضَةِ أَوْ حُرٍّ آخَرَ فِي خِدْمَةٍ تَسْتَدْعِي خَلْوَةً لِلْفِتْنَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ كَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالْحَجِّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذِهِ فَصَحَّ تَسْمِيَتُهَا. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِلتَّرَدُّدِ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمُهُ، وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةُ لِقَصِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَفْيِهِ فِي شَرْعِنَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ

وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِإِذْنِهِ وَبِأَمْرِهِ، وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْأَغْنَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ فَصَارَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْتَفٍ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْأَغْنَامِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ خِدْمَةً لَهَا إذْ الْعَادَةُ اشْتَرَاكَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِ مَالِهِمَا: أَيْ بِأَنْ يَقُومَ كُلٌّ بِمَصَالِح مَالِ الْآخَرِ (عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ) فِي الدِّرَايَةِ، بِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ: يَعْنِي عَلَى أَنْ يَزْرَعَ لَهَا أَرْضَهَا، وَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، أَلَا يَرَى أَنَّ الِابْنَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلرَّعْيِ وَالزِّرَاعَةِ يَصِحُّ اهـ. [فُرُوعٌ] وَإِذَا أَعْتَقَ أَمَةً وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا كَأَنْ يَقُولَ أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَكِ بِعِوَضِ الْعِتْقِ فَقَبِلَتْ صَحَّ الْعِتْقُ وَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي تَزَوُّجِهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. لَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ

وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ فَقَبَضَتْهَا وَوَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» . قُلْنَا: نَصُّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُعَيِّنُ الْمَالَ فَإِنَّهُ بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ أَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ مُقَيَّدًا بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء: 24] الْآيَةَ، وَقَوْلُ الرَّاوِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمَهْرِ: يَعْنِي أَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَ الْعِتْقِ وَالتَّزَوُّجِ بِلَا مَهْرٍ جَائِزًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ. وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَ الرَّاوِي فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِ، وَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ أَلْزَمْنَاهَا بِقِيمَتِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ فَأَعْتَقَهَا عَلَى ذَلِكَ فَأَبَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ رِقَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَهُ. وَلَوْ قَالَتْ لِعَبْدِهَا أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجنِي بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا فَقَبِلَ عَتَقَ فَإِنْ أَبَى تَزَوُّجَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ قَسَمَ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ وَعَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، فَمَا أَصَابَ الرَّقَبَةَ فَهُوَ قِيمَتُهُ، وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ فَمَهْرُهَا، وَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ) حَاصِلُ وُجُوهِهَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مُسَمًّى، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ

بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا (فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ حَتَّى وَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ. وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَهْرَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا تَبْرَأُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَلَوْ قَبَضَتْ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ وَهَبَتْ الْأَلْفَ كُلَّهَا الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ أَوْ وَهَبَتْ الْبَاقِيَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَعْضِ حَطٌّ فَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ قَدْ حَصَلَ وَهُوَ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عِنْدَ الطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ كَالْعَرَضِ، وَإِمَّا مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ الْحَيَوَانِ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ؛ فَفِي الْأَوَّلِ إنْ وَهَبَتْ الْكُلَّ أَوْ نِصْفَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ اتِّفَاقًا، أَوْ قَبْلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ خِلَافًا لِزُفَرَ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ نِصْفِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَالَ: لَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ النِّسْبَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَهَبَتْهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ، وَعِنْدَهُ يَرْجِعُ إلَى تَمَامِ نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَفِي الثَّانِي لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا قَبَضَتْ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ وَأَوْجَبَ زُفَرُ رُجُوعَهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَرْضِ. وَجْهُ الِاتِّفَاقِيَّةِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ نَفْسَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ

وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الذِّمَّةِ بَلْ مِثْلٌ تَقَعُ بِهِ الْمُقَاصَّةُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ غَيْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ: أَعْنِي نِصْفَ الْمَهْرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُمْسِكَ مَا أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَتُعْطِيَهُ غَيْرَهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ بِالطَّلَاقِ دَرَاهِمُ مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ لَيْسَتْ إلَّا مُعَيَّنَةً، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنَ الْوَاجِبِ كَوْنُهَا لَهَا أَنْ تُمْسِكَهَا وَتَدْفَعَ غَيْرَهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ. وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ فِي ثَانِي شِقَّيْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَفْسَ الدَّيْنِ لَكِنْ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ الطَّلَاقِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ وَهُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ الْإِبْرَاءِ وَغَيْرُ مُسَبَّبٍ عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمُسَبَّبَاتِ شَرْعًا. أَصْلُهُ حَدِيثُ: لَحْمٌ تُصَدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَبِوَاسِطَةِ لُزُومِ الِاخْتِلَافِ شَرْعًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّ فَصَارَتْ كَالْأُولَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ سُقُوطُ نِصْفِ الدَّيْنِ عَنْهُ تَحَقَّقَ بِالْإِبْرَاءِ، فَحِينَ حَصَلَ الطَّلَاقُ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ شَغْلَ الذِّمَّةِ بِالْمَهْرِ وَهُوَ مَحَلُّ أَثَرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي شُغْلِ الذِّمَّةِ بِالْإِسْقَاطِ، فَلَوْ أَوْجَبَ شَيْئًا آخَرَ كَمَا قَالَ إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةِ عَيْنٍ لَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُوجِبِهِ فِي مَحَلِّهِ وَصَارَ كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا التَّقْرِيرَ سَقَطَ عِنْدَكَ مَا تَكَلَّفَ فِي دَفْعِ لُزُومِ اخْتِلَافِ الْمُسَبَّبِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ مِنْ تَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِالْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّغَيُّرَ بِتَغْيِيرِ صِفَاتِهَا، بِخِلَافِ الْأَوْصَافِ كَالدَّيْنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الصِّفَةِ بِالصِّفَةِ، وَهُوَ دَفْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ التَّغَيُّرِ شَرْعًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ، وَقِيَامُ الصِّفَةِ بِالصِّفَةِ بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ النَّاعِتِ لَيْسَ مُحَالًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّحْقِيقَاتِ الْكَلَامِيَّةِ. ثُمَّ يُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ إلَخْ عَلَيْهِ: أَيْ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ ذَاتًا لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ بِسَبَبِ الْإِبْرَاءِ، وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ سَابِقًا فَإِنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا حِينَئِذٍ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي قَبْضِ النِّصْفِ إلْحَاقُ الْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ: يَعْنِي لَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ ثُمَّ وَهَبَتْهُ لَهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلَازَمَةَ تَحْكُمُ، فَإِنَّ رُجُوعَهُ فِي صُورَةِ قَبْضِ الْكُلِّ لَيْسَ لِكَوْنِهِ قَبَضَ الْكُلَّ وَلَا الْبَعْضَ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ، وَهَذَا الْمُنَاطُ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ قَبْضِ النِّصْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَعَادَ نِصْفَ الصَّدَاقِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الزَّوْجِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّدَاقَ الدَّيْنَ بِذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا: يَعْنِي يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَحَالُ الْهِبَةِ كَانَ كُلُّهُ مِلْكَهَا ظَاهِرًا، فَإِذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ انْصَرَفَ إلَى حَقِّهَا كَمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَقَبَضَ صَاحِبُهُ نِصْفَهُ كَانَ الْمَقْبُوضُ حَقَّهُ، فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ مَا قَبَضَتْ النِّصْفَ مِنْ الْبَاقِي أَوْ الْكُلَّ كَانَ الْوَاصِلُ إلَيْهِ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي هِبَةِ الْكُلِّ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَظَهَرَ أَنَّ إلْحَاقَهُمَا الْبَعْضَ بِالْكُلِّ بِوَصْفٍ طَرْدِيٍّ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ، وَتَقْرِيرُ الْوَجْهِ الثَّانِي ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ) يُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا لَوْ حَطَّتْ

أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تَلْتَحِقُ حَتَّى لَا تَتَنَصَّفُ، وَلَوْ كَانَتْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ، فَعِنْدَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ. وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ (وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ فَوَهَبَتْ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عَشْرَةٍ صَحَّ وَلَا تَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَتَسْمِيَةُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ لَا تَصِحُّ، وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُلْتَحَقُ فِي الْبَيْعِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُغَابَنَةٍ وَمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَمُرَابَحَةٍ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْحَطُّ لِقَصْدِ دَفْعِهِ فَالْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَلَا كَذَلِكَ عَقْدُ النِّكَاحِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَطُّ فِيهِ وَقَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تَلْتَحِقُ) بِأَصْلِ الْعَقْدِ (حَتَّى لَا تَتَنَصَّفَ) اسْتِيضَاحٌ لِعَدَمِ الِالْتِحَاقِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ عَدَمَ الْتِحَاقِ الزِّيَادَةِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ هُوَ الدَّافِعُ لِقَوْلِ الْمَانِعِينَ لَهَا لَوْ صَحَّتْ كَانَ مِلْكُهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ، فَإِذَا لَمْ تَلْتَحِقْ بَقِيَ إبْطَالُهُمْ ذَلِكَ بِلَا جَوَابٍ، فَالْحَقُّ أَنَّهَا تَلْتَحِقُ كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَإِنَّمَا لَا تَتَنَصَّفُ؛ لِأَنَّ الِانْتِصَافَ خَاصٌّ بِالْمَفْرُوضِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ حَقِيقَةً بِالنَّصِّ الْمُقَيَّدِ بِالْعَادَةِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذِهِ لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةً حَالَةَ الْعَقْدِ بَلْ لَحِقَتْ بِهِ، وَلِأَنَّ وَجْهَ إلْحَاقِهَا بِالْبَيْعِ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خَاسِرًا أَوْ زَائِدًا مُضِرًّا بِالْمُشْتَرِي فَيُرَدُّ إلَى الْعَدْلِ يَجْرِي فِي النِّكَاحِ، وَخُسْرَانُهُ أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَيُرَدُّ بِالزِّيَادَةِ إلَيْهِ فَإِنَّ تَزْوِيجَهَا مَعَ نَقْصِهَا عَنْ مَهْرِ مِثْلِ أَخَوَاتِهَا مَثَلًا يُعْقِبُ النَّدَمَ لَهَا وَزِيَادَتُهُ تُعْقِبُ النَّدَمَ لَهُ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ فِي الْعَرَضِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ مِنْ أَنَّ السَّالِمَ بِالْهِبَةِ غَيْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَتَرَتَّبَ عَلَى الطَّلَاقِ مُقْتَضَاهُ، وَيَجِبُ قِيمَةُ نِصْفِهِ لِتَعَذُّرِ عَيْنِهِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ فَأَبَى سَيِّدُهُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَقَدْ وَصَلَ عَيْنُ ذَلِكَ إلَيْهِ فَلَمْ يُصَادِفْ الطَّلَاقُ مَا كَانَ شَاغِلًا ذِمَّتَهَا لِيُؤَثِّرَ وُجُوبُ تَفْرِيغِهَا مِنْهُ عَلَيْهَا عَلَى نَحْوِ مَا سَلَكْت فِي التَّقْرِيرِ السَّابِقِ، وَحَمْلُ كَلَامِ الْكِتَابِ هُنَا عَلَيْهِ سَهْلٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ دَيْنًا) أَيْ دَرَاهِمَ وَإِخْوَتَهَا فَإِنَّ

وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بِبَذْلٍ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيَّنٌ فِي الرَّدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاصِلَ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لَيْسَ عَيْنَ مَا تَسْتَحِقُّهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْعَرَضَ الْمَذْكُورَ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ لَكِنَّهُ بِبَدَلٍ وَالسَّالِمُ بِبَدَلٍ بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ الْبَدَلِ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْعَرَضُ أَوْ الْحَيَوَانُ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ: أَيْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ قَبَضَتْ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ، أَمَّا إذَا لَمْ تَقْبِضْ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ دَيْنًا، وَأَمَّا إنْ قَبَضَتْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ فَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِيهِ مُتَعَيَّنُ الرَّدِّ بِالطَّلَاقِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُمْسِكَهُ وَتَدْفَعَ غَيْرَهُ، بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْعَرَضُ فِي الذِّمَّةِ لِلْجَهَالَةِ وَلِذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ كَالشِّرَاءِ لَكِنَّهَا تَحَمَّلَتْ فِي النِّكَاحِ لِجَرْيِ التَّسَاهُلِ فِي الْعِوَضِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، فَإِذَا عَيَّنَ بِالتَّسْلِيمِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ الْمَقْبُوضِ فَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ إذَا اُسْتُحِقَّ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الِابْتِدَاءِ فَيُعْطَى حُكْمَهُ، وَيَتَأَتَّى خِلَافُ زُفَرَ فِي هَذِهِ أَيْضًا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ وُصُولِهِ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ. وَمَا ذُكِرَ فِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي تَعَيُّنِهَا اُسْتُبْعِدْت صِحَّتُهُ عَنْهُ لِمَا عُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ اتِّحَادَ الْجِهَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ رِوَايَتَانِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ. وَإِذًا قَدْ انْجَرَّ الْكَلَامُ إلَى شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِإِمْهَارِ الْعَرَضِ الْمُعَيَّنِ فَهَذِهِ فَوَائِدُهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ كُلُّهَا مِنْ الْمَبْسُوطِ فَتَقُولُ: لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تَرَهُ فَأَتَاهَا بِهِ لَيْسَ لَهَا رَدُّهُ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَهَا رَدُّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ فَاحِشًا وَهُوَ مَا يَنْقُصُ عَنْ الْقِيمَةِ قَدْرًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْيَسِيرِ. أَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَلِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي إثْبَاتِهِ إذْ الْفَائِدَةُ فِي إثْبَاتِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ إعَادَةِ الْعِوَضِ الَّذِي قُوبِلَ بِالْمُسَمَّى كَالْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ وَهَذَا يَحْصُلُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمُسَمَّى بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا تَرُدُّ الْمَرْأَةُ بَلْ غَايَةُ مَا يَجِبُ بِهِ رَدُّ الْمُسَمَّى فِيهِ قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ أَيْضًا غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ. وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَلِثُبُوتِ فَائِدَةٍ وَهِيَ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلتَّسْمِيَةِ هُوَ الْعَقْدُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ صَحِيحًا، وَلَكِنْ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَتَعَذَّرُ تَسَلُّمُ الْمُعَيَّنِ كَمَا الْتَزَمَ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا هَلَكَ الصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ بَلْ يَجِبُ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ. هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ قَائِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ. فَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الزَّوْجِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَسِيرًا فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، وَعَنْ زُفَرَ لَهَا الْخِيَارُ، أَوْ فَاحِشًا فَأَمَّا بِفِعْلِ الزَّوْجِ فَلَهَا الْخِيَارُ أَنْ تُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَزَوَّجَهَا أَوْ تَأْخُذَهُ وَتُضَمِّنَ الزَّوْجَ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّدَاقِ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ، فَإِذَا أَتْلَفَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ قَدْرُهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا اخْتَارَتْ أَخْذَهُ لَا تُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ. وَأَمَّا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَهَا هَذَا الْخِيَارُ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ إذَا اخْتَارَتْ أَخْذَهُ. وَأَمَّا بِفِعْلِ الصَّدَاقِ نَفْسِهِ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ كَالْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَتَعْيِيبِ الزَّوْجِ. وَأَمَّا بِفِعْلِهَا فَتَصِيرُ قَابِضَةً لَهُ كُلَّهُ. وَأَمَّا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ النُّقْصَانَ وَيَكُونُ ضَمَانُهُ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ لِلتَّغْيِيرِ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهُ وَتُضَمِّنَ الْجَانِيَ نُقْصَانَهُ أَوْ تُضَمِّنَ الزَّوْجَ قِيمَتَهُ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْعَيْنَ وَتُضَمِّنَ الزَّوْجَ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْهُ بِذَلِكَ، هَذَا كُلُّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَهُوَ فِي حَقِّ النِّصْفِ كَمَا فِي الْكُلِّ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا بَعْدَ قَبْضِهَا ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَفِي السَّمَاوِيِّ إنْ شَاءَتْ ضَمَّنَهَا الزَّوْجُ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا إيَّاهُ كَمَا قَبَضَتْهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ وَلَيْسَ عَلَيْهَا ضَمَانُ نُقْصَانٍ، وَالتَّعَيُّبُ بِفِعْلِ الصَّدَاقِ كَالسَّمَاوِيِّ، وَكَذَا بِفِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكًا لَهَا صَحِيحًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانَ نُقْصَانٍ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ ضَامِنٌ وَهُوَ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَيُمْنَعُ تَنْصِيفُ الْأَصْلِ بِالطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الصَّدَاقِ يَوْمَ قَبَضَهُ. وَكَذَا إذَا تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي إيجَابِ الْأَرْشِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ تَنْصِيفَ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ، فَلَوْ كَانَ إنَّمَا تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْأَصْلِ مَعَ نِصْفِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فَسَدَ فِي النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ وَصَارَ مُسْتَحَقَّ الرَّدِّ عَلَى الزَّوْجِ فَكَانَ فِي يَدِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهَا ضَمَانُ النُّقْصَانِ سَوَاءٌ تَعَيَّبَ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا بِالْقَبْضِ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْقَبْضِ كَالْمَغْصُوبِ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْأَرْشُ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهَا. وَوَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ أَنَّ التَّعَيُّبَ فِي يَدِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهُوَ غَلَطٌ، بَلْ الصَّحِيحُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ جَارِيَةً فَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، إلَّا أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ، وَهَذَا الْعُقْرُ مَعَ الْوَلَدِ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَالْعُقْرُ بَدَلُهُ، فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَنَصَّفَ الْكُلُّ فَيَكُونُ الْعُقْرُ وَالْجَارِيَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلزَّوْجِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا مِنْهُ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ نِصْفُ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ وَلَدِهِ مِنْ الزِّنَا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ لِلْجُزْئِيَّةِ، وَيَسْعَى لِلْمَرْأَةِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مَا صَنَعَ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا إنَّمَا صَنَعَ الطَّلَاقَ وَذَلِكَ لَيْسَ مُبَاشَرَةً لِإِعْتَاقِ الْوَلَدِ بَلْ مِنْ حُكْمِ الطَّلَاقِ عَوْدُ النِّصْفِ إلَى الزَّوْجِ ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ حُكْمًا لِمِلْكِهِ. وَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمَرْأَةِ أَوْ قُتِلَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَتْ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ، وَلَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يُلَاقِ مِلْكَهُ بَلْ مِلْكَ الْمَرْأَةِ فَلَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا. وَإِذًا قَدْ انْجَرَّ الْكَلَامُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ فَلْنَسْتَوْفِهِ. وَحَاصِلُهُ مِنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الزِّيَادَةَ قَبْلَ قَبْضِهِ مُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَانْجِلَاءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ وَمُنْفَصِلَةٌ

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَحَمَّلَتْ فِي النِّكَاحِ فَإِذَا عَيَّنَ فِيهِ يَصِيرُ كَأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ وَالثِّمَارِ وَالْعُقْرِ وَغَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يُسَلَّمُ لَهَا إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَمِلْكُ الْأَصْلِ كَانَ سَالِمًا لَهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَالدُّخُولِ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ، فَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَالزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مُنْفَصِلَةٌ أَوْ مُتَّصِلَةٌ تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَالْحَادِثُ مِنْ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ الْمَبِيعَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ هُنَاكَ كَالْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ حَتَّى يَصِيرَ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَلَا تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ الْكُلُّ لَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا تَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ، وَكَذَا لَوْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى بَطَلَ مِلْكُهَا عَنْ جَمِيعِ الصَّدَاقِ يُسَلَّمُ لَهَا الْكَسْبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَدُورُ الْكَسْبُ مَعَ الْأَصْلِ، وَكَذَا الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُسَلَّمُ الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا هُوَ لِلْبَائِعِ. لَهُمَا أَنَّ الْكَسْبَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ كَالْوَلَدِ فَكَمَا لَا يُسَلَّمُ لَهَا إذَا بَطَلَ مِلْكُهَا عَنْ الْأَصْلِ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ مِلْكِهَا عَنْ الْأَصْلِ لِانْفِسَاخِ السَّبَبِ فِيهِ، وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ مُتَوَلِّدَةً كَانَتْ أَوْ لَا، فَإِذَا انْفَسَخَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ لَا يَبْقَى سَبَبًا لَمِلْكِ الزِّيَادَةِ. وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ سَبَبَ مِلْكِ الزِّيَادَةِ غَيْرُ سَبَبِ مِلْكِ الْأَصْلِ بَلْ مِلْكُ الْأَصْلِ يَصِيرُ شَرْطًا، فَسَبَبُ مِلْكِ الْأَصْلِ مَثَلًا قَبُولُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَفِي الزِّيَادَةِ الِاكْتِسَابُ لِلْمُكْتَسِبِ وَهُوَ إمَّا احْتِطَابُ الْعَبْدِ أَوْ إجَارَتُهُ نَفْسَهُ أَوْ قَبُولُهُ الْهِبَةَ، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ لَا تَنْفَسِخُ بِالطَّلَاقِ غَيْرَ أَنَّ الْمُكْتَسِبَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ خَلَفَهُ فِيهِ مَوْلَاهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ لِوَصْلَةِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الِاكْتِسَابِ، وَبِبُطْلَانِ مِلْكِهِ فِي الْأَصْلِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَلَيْسَ الْكَسْبُ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ يَسْرِي إلَيْهِ مِلْكُ الْأَصْلِ لَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ يَكُونُ مُكَاتَبًا وَكَسْبُهَا لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا، وَوَلَدُ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ مَبِيعًا يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَكَسْبُهُ لَيْسَ مَبِيعًا وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَبَضَ مَعَ الْأَصْلِ، وَلَوْ قَبَضَتْ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَنَصَّفَ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّنَصُّفِ بِالطَّلَاقِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ حِينَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِقَبْضِهَا؛ وَلَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْأَصْلَ قَبْلَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ فَحَدَثَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ أَوْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ وَهِيَ إمَّا مُنْفَصِلَةٌ أَوْ مُتَّصِلَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَهُوَ سَالِمٌ لَهَا وَرَدَّتْ نِصْفَ الْأَصْلِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْكَسْبِ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهَا وَيَدِهَا فَيَكُونُ سَالِمًا لَهَا، وَإِنْ لَزِمَهَا رَدُّ الْأَصْلِ أَوْ بَعْضِهِ كَالْمَبِيعِ إذَا اكْتَسَبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّ الْأَصْلَ بِعَيْبٍ يَبْقَى الْكَسْبُ سَالِمًا لَهُ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَقَدْ كَانَ الصَّدَاقُ فِي ضَمَانِهَا فَتُسَلِّمُ مَنْفَعَتَهُ وَالْكَسْبُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ؛ وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالثِّمَارِ امْتَنَعَ تَنَصُّفُ الْأَصْلِ بِالطَّلَاقِ وَعَوْدُ الْكُلِّ إلَيْهِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ، وَفِي رِدَّتِهَا جَمِيعَ قِيمَتِهِ يَوْمَ دُفِعَ إلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ بِالطَّلَاقِ وَيَعُودُ الْكُلُّ إلَى الزَّوْجِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا؛ لِأَنَّ بِقَبْضِهَا لَا يَتَأَكَّدُ مِلْكُهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، بَلْ تَوَهُّمُ عَوْدِ النِّصْفِ إلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْكُلِّ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قِبَلِهَا ثَابِتٌ فَيَسْرِي ذَلِكَ الْحَقُّ إلَى الزِّيَادَةِ كَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَازْدَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً فَإِنَّ الْبَائِعَ يَسْتَرِدُّهَا بِزِيَادَتِهَا. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تَفْصِيلًا قَالَ فِي الطَّلَاقِ: يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ رِدَّتِهَا يَسْتَرِدُّ مِنْهَا الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَفْسَخُ السَّبَبَ مِنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ الرَّدُّ بِحُكْمِ انْفِسَاخِ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَفِيهِ يَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَحَلُّ الْعَقْدِ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ، فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَلَا فِي يَدِهِ، وَيَتَعَذَّرُ نِصْفُ الزِّيَادَةِ بِتَعَذُّرِ نِصْفِ الْأَصْلِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ وَتَمَّ مِلْكُهَا فِيهِ بِالْقَبْضِ فَحَدَثَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مِلْكٍ تَامٍّ لَهَا، وَالتَّنْصِيفُ عِنْدَ الطَّلَاقِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ، وَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ مُسَمَّاةً فِيهِ وَلَا حُكْمًا إذْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا الْقَبْضَ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ فَتَعَذَّرَ تَنَصُّفُهَا وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فَيَتَعَذَّرُ تَنَصُّفُهَا تَعَذُّرَ تَنَصُّفِ الْعَيْنِ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْمَبِيعِ تَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ إذَا كَانَتْ حَادِثَةً بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْمَوْهُوبِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الْوَاهِبَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَإِذَا رَجَعَ فِي الْأَصْلِ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ سَالِمًا لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَجُوزُ أَنْ تُسَلَّمَ الزِّيَادَةُ أَيْضًا بِغَيْرِ عِوَضٍ. فَأَمَّا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ فَمُعَاوَضَةٌ، فَبَعْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الزِّيَادَةِ لَوْ أَثْبَتْنَا الرَّدَّ فِي الْأَصْلِ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ سَالِمَةً بِلَا عِوَضٍ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ الْمِلْكُ بِلَا عِوَضٍ بَعْدَ رَفْعِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ تَنَصُّفُ الْأَصْلِ وَجَبَ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ لِلزَّوْجِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِ وُجُوبِهِ. وَلَمَّا كَانَ الصَّدَاقُ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْقِيمَةَ وَقْتَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءِ الْبَيَاضِ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبَى يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. هَذَا وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ سَوَاءٌ إنَّمَا لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الصَّدَاقِ يَوْمَ قَبَضَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ: يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ بِزِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا عِبْرَةَ بِهَا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَقَبَضَهَا فَازْدَادَتْ مُتَّصِلَةً ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ الْجَارِيَةَ بِزِيَادَتِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَةَ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ بِاعْتِبَارِهَا لِزِيَادَةِ السِّعْرِ فَكَذَا فِي الصَّدَاقِ، بِخِلَافِ الْمَوْهُوبَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ فِيهَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ بِعَقْدِ ضَمَانٍ، فَالْقَبْضُ بِحُكْمِهِ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ ضَمَانَ الْعَيْنِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوَاهِبِ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الزِّيَادَةِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي الزِّيَادَةِ تَعَذَّرَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا، بِخِلَافِ قَبْضِهَا الصَّدَاقَ فَإِنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ بَقَاءُ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الْأَصْلِ فَيَسْرِي إلَى الزِّيَادَةِ كَالْبَيْعِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ فِي مَالِكٍ صَحِيحٍ لَهَا فَتَكُونُ سَالِمَةً لَهَا بِكُلِّ حَالٍ كَالْمُنْفَصِلَةِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ تَنَصُّفُ الزِّيَادَةِ تَعَذَّرَ تَنَصُّفُ الْأَصْلِ لِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي حُكْمِ الصِّلَةِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ لَا عِوَضًا عَنْ مَالٍ، وَالْمُتَّصِلَةُ فِي الصِّلَاتِ تَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ كَالْمَوْهُوبِ، وَتَأْثِيرُ الْمُتَّصِلَةِ

(وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ مَهْرًا وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ (وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ فَيُكْمِلُ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْكَرَامَةِ وَالْهِدَايَةِ مَعَ الْأَلْفِ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا، فَإِنْ أَقَامَ بِهَا فَلَهَا الْأَلْفُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَلْفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ) حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصِّلَاتِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُنْفَصِلَةِ حَتَّى إنَّ الْمُنْفَصِلَةَ فِي الْهِبَةِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَالْمُتَّصِلَةُ تَمْنَعُ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ هُنَا تَمْنَعُ تَنَصُّفَ الْأَصْلِ فَالْمُتَّصِلَةُ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ. فَأَمَّا الْبَيْعُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ فَسْخَ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُنْفَصِلَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَأْذُونِ فَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ نَصَّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِالتَّحَالُفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَالْمُنْفَصِلَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حُدُوثُ الزِّيَادَةِ فِي يَدِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ صَارَ رَدُّ الْأَصْلِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهَا فَيَسْرِي ذَلِكَ إلَى الزِّيَادَةِ كَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا تُرَدُّ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا إلَخْ) لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ: الْأُولَى أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا وَيَشْتَرِطَ لَهَا مَعَهُ مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ كَأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَآخَرَ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ، أَمَّا الْأُولَى فَحُكْمُهَا ظَاهِرٌ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ وَفَّى لَهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا قَدْرَ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا آخَرَ. وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ مَا ضُمَّ إلَى الْمُسَمَّى مَالًا كَالْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا يَكْمُلُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَتَقَوَّمُ بِالْإِتْلَافِ، فَكَذَا بِمَنْعِ التَّسْلِيمِ إذَا شُرِطَ لَهَا فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ طَلَاقِ الضَّرَّةِ وَنَحْوِهِ لَا يَتَقَوَّمُ فَلَا يَلْزَمُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا فَاتَ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ إلَّا عَلَى مِلْكِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَهُوَ بِخِلَافِهِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» . وَجَوَابُ زُفَرَ أَنَّ إيجَابَ التَّسْلِيمِ لَيْسَ لِلتَّقَوُّمِ فِي الْمَضْمُومِ بَلْ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ إلَّا بِهِ فَبِانْتِفَائِهِ ظَهَرَ عَدَمُ رِضَاهَا بِالْمُسَمَّى فَكَانَ كَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَفِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الصَّحِيحِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا

إنْ أَقَامَ بِهَا وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا. وَقَالَ زُفَرُ: الشَّرْطَانِ جَمِيعًا فَاسِدَانِ، وَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ أَلْفٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَاتِ فِي قَوْلِهِ: إنْ خِطْتِهِ الْيَوْمَ فَلَكِ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتِهِ غَدًا فَلَكِ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَسَنُبَيِّنُهَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» . وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَمْنَعُ التَّزَوُّجَ وَالتَّسَرِّي لَوْ وَجَبَ الْجَرْيُ عَلَى مُوجِبِهَا فَكَانَتْ بَاطِلَةً فَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُهَا فِي خِيَارِ الْفَسْخِ، بَلْ إنْ وَفَّى تَمَّتْ التَّسْمِيَةُ لِرِضَاهَا بِهَا وَإِلَّا لَا تَتِمُّ لِعَدَمِ الرِّضَا، وَفَسَادُ الْعَقْدِ لَيْسَ لَازِمًا لِعَدَمِ تَمَامِ التَّسْمِيَةِ وَلَا لِعَدَمِهَا رَأْسًا إذْ لَيْسَ ذِكْرُهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَلَا الشُّرُوطِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ لَا يَمَسُّ مَحَلَّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مَا دَامَتْ تَحْتَهُ مُخْتَارًا لِعَدَمِ دُخُولِ خِيَارِ الْفَسْخِ فِي يَدَيْهَا وَأَيْنَ عَدَمُ التَّزَوُّجِ مُخْتَارًا لِأَمْرٍ مِنْ تَحْرِيمِهِ شَرْعًا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُحَرِّمَ لِلْحَلَالِ بَعْدَمَا حَكَمَ بِكَوْنِهِ بَاطِلًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى إرَادَةِ كَوْنِهِ شَرْطَ تَرْكِ الْحَلَالِ أَوْ فِعْلِ الْحَرَامِ، إذْ لَوْ أَحَلَّ حَقِيقَةً بِأَنْ ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْحِلِّ شَرْعًا لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا، وَإِذَا عَارَضَهُ وَجَبَ حَمْلُ الْأَحَقِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا رُوِيَ عَلَى مَا مَنْ أَلْحَقَ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ ضِدُّ الْبَاطِلِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى الْجَائِزِ وَالْمَنْدُوبِ لَا مَا يَخُصُّ الْوَاجِبَ عَيْنًا. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إذَا ظَهَرَ عَدَمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ نِكَاحًا بِلَا تَسْمِيَةٍ وَلَا نَظِيرَهُ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُفَوِّضَةً، بَلْ إنَّمَا رَضِيَتْ بِتَسْمِيَةٍ صَحِيحَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَقَدْ قَالُوا: إذَا سَمَّى لِلْبِكْرِ عِنْدَ اسْتِئْذَانِهَا مَهْرًا فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا حَتَّى يَكُونَ الْمَهْرُ وَافِرًا وَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِهِ فَكَيْفَ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِنَفْيِهِ، وَكَوْنُ مَهْرِ مِثْلِهَا أَصْلًا لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ النِّكَاحِ بِهِ مَا لَمْ تَكُنْ مُفَوِّضَةً أَوْ تُصَرِّحُ بِالرِّضَا بِهِ. وَإِلَّا فَقَدْ لَا تَرْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ تَسْمِيَةً فَلَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ عَلَيْهَا بِهِ فَيَجِبُ أَنْ تَخْتَارَ، كَمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ حَمْلِ لَفْظِ أَحَقَّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذُكِرَ فَبِلَا مُوجِبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُوجِبَ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّسَرِّي بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ هُوَ امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْتِزَامِهِ مُخْتَارًا لِأَحَبِّ الْأَمْرَيْنِ إلَيْهِ وَهُوَ صُحْبَةُ الزَّوْجَةِ، وَلِهَذَا لَوْ تَسَرَّى لَا نَقُولُ فَعَلَ مُحَرَّمًا وَهُوَ أَدْنَى مِنْ امْتِنَاعِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ بِحَلِفِهِ لَا يَفْعَلُهُ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَكَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ بِأَنْ أَقَامَ بِهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ إنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً أَوْ ثَيِّبًا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ أَضْدَادُهَا فَإِنْ وَفَّى بِالْأَوَّلِ أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً وَنَحْوَهُ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إنْ قَدَّمَ شَرْطَ الْأَلْفَيْنِ يَصِحُّ الْمَذْكُورُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا خَطَرَ فِيهَا وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ، وَقَالَا: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ فَلَهَا الْأَلْفُ إنْ أَقَامَ بِهَا وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا. وَقَالَ زُفَرُ: الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَنْقُصُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْأَلْفِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خَطَرَ فِي التَّسْمِيَةِ الْأُولَى بَلْ هِيَ مُنْجَزَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ مُعَلَّقَةٌ، فَإِذَا وُجِدَ شَرْطُهَا بِأَنْ أَخْرَجَهَا مَثَلًا ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى الْأَوَّلُ ثَابِتًا؛ لِأَنَّ الْمُنَجَّزَ لَا يُعْدِمُ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ فَحِينَ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ اجْتَمَعَ تَسْمِيَتَانِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْجَهَالَةِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُمَا مُعَلَّقَانِ فَلَا يُوجَدُ فِي كُلِّ تَقْدِيرٍ سِوَى مُسَمًّى وَاحِدٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ لَا تَعْلِيقَ أَصْلًا بَلْ هُمَا مُنَجَّزَانِ؛ لِأَنَّ مَا يُضَمُّ مَعَ الْمَالِ إنَّمَا يُذْكَرُ لِلتَّرْغِيبِ لَا لِلشَّرْطِ فَاجْتَمَعَا فَفَسَدَا لِلْجَهَالَةِ، وَأَصْلُهَا فِي الْإِجَارَاتِ وَسَتَزْدَادُ هُنَاكَ وُضُوحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الدَّبُوسِيِّ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَأَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً يَصِحَّانِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا خَطَرَ فِي التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ جَزْمًا، غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجَ يَجْهَلُهُ وَجَهَالَتُهُ لَا تُوجِبُ خَطَرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ صِحَّتِهِمَا اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ لَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَبِأَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ أَوْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَكِنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ فِيهِمَا، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مَسْأَلَةُ الْقَبِيحَةِ وَالْجَمِيلَةِ عَلَى الْخِلَافِ، فَقَدْ نَصَّ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى طَلَاقِ فُلَانَةَ تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ تَمَامِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَذَا وَأَنْ يُطَلِّقَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا لَمْ تَطْلُقْ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ وَعَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا فَقَدْ بَذَلَتْ الْبُضْعَ وَالْعَبْدَ، وَالزَّوْجُ بَذَلَ الْأَلْفَ وَشَرْطَ الطَّلَاقِ فَيَقْسِمُ الْأَلْفَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً كَانَ نِصْفُ الْأَلْفِ ثَمَنًا لِلْعَبْدِ وَنِصْفُهَا صَدَاقًا لَهَا، وَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ؛ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا نُظِرَ، إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَطَلَّقَ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْخَمْسُمِائَةِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُطَلِّقَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشَّرْطِ شَيْءٌ وَلَهَا كَمَالُ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَطَلَاقِ فُلَانَةَ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالزَّوْجُ بَذَلَ شَيْئَيْنِ الْأَلْفَ وَالطَّلَاقَ وَالْمَرْأَةُ الْبُضْعَ وَالْعَبْدَ، وَالشَّيْئَانِ مَتَى قُوبِلَا بِشَيْئَيْنِ يَنْقَسِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ سَوَاءً كَانَ نِصْفُ الْأَلْفِ وَنِصْفُ الطَّلَاقِ صَدَاقًا لَهَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ عَلَى الضَّرَّةِ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ بِمُقَابَلَتِهِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْبُضْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا نِصْفَ الْعَبْدِ وَنِصْفَ الْبُضْعِ بِمُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ فَالِانْقِسَامُ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ دُونَ الْقِيمَةِ. وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ رَجَعَ بِخَمْسِمِائَةٍ حِصَّةِ الْعَبْدِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الطَّلَاقِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ أَوْ هَلَاكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُوجِبُ قِيمَتَهُ عَلَى مَنْ كَانَ مُلْتَزِمًا تَسْلِيمَهُ فَلِهَذَا رَجَعَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ النِّصْفِ. وَهَاهُنَا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَجَاذَبَهَا بَابَا الشُّفْعَةِ وَالنِّكَاحِ وَهِيَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا تُقْسَمُ الدَّارُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَعَلَى الْأَلْفِ، حَتَّى لَوْ اسْتَوَيَا فَالنِّصْفُ مَهْرٌ وَالنِّصْفُ مَبِيعٌ، وَإِنْ تَفَاوَتَا تَفَاوُتًا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ هَلْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِجَارِ هَذِهِ الدَّارِ فِيهَا مَثَلًا؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ اعْتِبَارًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ بِالْكُلِّ، وَهُوَ يَقُولُ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمُتَضَمِّنِ لَا حُكْمُ نَفْسِهِ، وَالْبَيْعُ هَاهُنَا فِي ضِمْنِ

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا أَوْكَسُ وَالْآخَرُ أَرْفَعُ؛ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِهِمَا فَلَهَا الْأَوْكَسُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْفَعِهِمَا فَلَهَا الْأَرْفَعُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحِ إذْ الْعَقْدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا فَكَذَا فِي هَذِهِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْبَيْعُ أَصْلًا فَسَدَ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فِي ضِمْنِ بَيْعٍ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَقَبُولُ النِّكَاحِ صَارَ شَرْطًا فِيهِ. وَفِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ مِنْ عَلَامَةِ النُّونِ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ مَهْرَ مِثْلِهَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا بَذَلَتْ الْبُضْعَ وَالْعَبْدَ بِإِزَاءِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْبَدَلُ يَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَةِ الْمُبْدَلِ فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَالْبَيْعُ فِيهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا بَاعَتْهُ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَيَصِيرُ الْبَاقِي مَهْرًا لَهَا. وَذَكَرَ فِي عَلَامَةِ الْوَاوِ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُكِ عَلَى أَنْ تُعْطِينِي عَبْدَكِ هَذَا فَأَجَابَتْهُ بِالنِّكَاحِ جَازَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْعَبْدِ، أَمَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَلِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَأَمَّا جَوَازُ النِّكَاحِ فَلِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ اهـ. وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ لَهَا إذْ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ) أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ (فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِهِمَا) أَوْ مِثْلِهِ (فَلَهَا الْأَوْكَسُ) إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِدَفْعِ الْأَرْفَعِ فَهُوَ لَهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْأَوْكَسِ (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْفَعِهِمَا) أَوْ مِثْلَهُ (فَلَهَا الْأَرْفَعُ) إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْأَوْكَسِ (وَإِنْ كَانَ) مَهْرُ مِثْلِهَا (بَيْنَهُمَا) أَيْ فَوْقَ الْأَوْكَسِ وَدُونَ الْأَرْفَعِ (فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ) فَلَوْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ اتِّفَاقًا، وَكَثِيرٌ عَلَى أَنَّ مَنْشَأَ هَذَا الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِي الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ فِي النِّكَاحِ، فَعِنْدَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ إذْ هُوَ قِيمَةُ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ بِحَالَةِ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ الْمُسَمَّى فَإِنَّهُ قَدْ يَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهِ وَقَدْ يَنْقُصُ فَلَا يَعْدِلُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ لِلْجَهَالَةِ بِإِدْخَالِ كَلِمَةِ أَوْ. وَعِنْدَهُمَا الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ الْمُسَمَّى فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا إذَا فَسَدَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَوْكَسِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَوْكَسُ فِيهِمَا اتِّفَاقًا، وَهَذَا إنْ كَانَ مَنْقُولًا عَنْهُمْ فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تَخْرِيجًا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ، ثُمَّ يَخْتَلِفُوا فِي فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَعِنْدَهُ

لَهُمَا أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى، وَقَدْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَوْكَسِ إذْ الْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ، وَالْعُدُولُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْبَدَلِ، إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْفَعِ فَالْمَرْأَةُ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ، وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْأَوْكَسِ فَالزَّوْجُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْوَاجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِثْلِهِ الْمُتْعَةُ وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ. (وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ، وَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا قِيمَتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَدَتْ لِإِدْخَالٍ أَوْ فَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَعِنْدَهُمَا لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّ الْمُتَرَدِّدَ بَيْنَهُمَا لَمَّا تَفَاوَتَا وَرَضِيَتْ هِيَ بِأَيِّهِمَا كَانَ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْأَوْكَسِ فَتَعَيَّنَ دُونَ الْأَرْفَعِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ عَلَيْهِ مَعَ رِضَاهَا بِالْأَوْكَسِ. وَإِذَا تَعَيَّنَ مَالَهَا لَمْ يَصِرْ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهِ حُكْمُ عَقْدٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ صَحِيحَةً، وَصَارَ كَالْخُلْعِ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ وَالْإِعْتَاقُ بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا وَقَبِلَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَوْكَسُ فِيهِمَا. وَهُوَ يُفَرَّقُ بِأَنْ تَعَيَّنَ الْأَوْكَسُ فِي هَاتَيْنِ ضَرُورَةُ أَنْ لَا مُوجِبَ فِيهِمَا فِي حَقِّ الْبَدَلِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِمَا بِالتَّسْمِيَةِ وَأَنْ لَا يَلْغُوَ كَلَامُهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ مُوجِبًا أَصْلِيًّا، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُ مَا رُدِّدَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ الْإِلْغَاءُ إذْ يُصَانُ بِتَصْحِيحِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ خَيَّرَهَا بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أُعْطِيكَ أَيَّهُمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَخْذَ الْأَرْفَعِ فَامْتَنَعَ تَحَقَّقَتْ الْمُنَازَعَةُ إذْ لَيْسَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ إذْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَسْتَبِدُّ بِالتَّعْيِينِ وَصَارَ كَبَيْعِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ سَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا وَجَعَلَ خِيَارَ التَّعْيِينِ لِأَحَدِهِمَا جَازَ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ ذَلِكَ فِي إنْشَاءِ مُعَاوَضَةٍ، بَلْ ذَكَرَ أَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَهُوَ فِي شَكٍّ فِي اشْتِغَالِهَا بِالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمَانِهِ، بِخِلَافِ الْأَلْفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشُكَّ فِيهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إلَى سَنَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهَا الْحَالَّةُ وَإِلَّا فَالْمُؤَجَّلَةُ وَعِنْدَهُمَا لَهَا الْمُؤَجَّلَةُ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ وَلَوْ عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا كَالْأَكْثَرِ فَالْخِيَارُ لَهَا، وَإِنْ كَانَ كَالْأَقَلِّ فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعِنْدَهُمَا الْخِيَارُ لَهُ لِوُجُوبِ الْأَقَلِّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ زَائِدَةً عَلَى نِصْفِ الْأَوْكَسِ تَحْكُمُ صَرَّحَ بِهِ فِي الدِّرَايَةِ فَالْمُحْكَمُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا مُتْعَةُ مِثْلِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ إلَخْ) الْمَهْرُ كَمَا يَكُونُ مِنْ النُّقُودِ يَكُونُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِذَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ، بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ لَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا فَإِمَّا مُعَيَّنٌ كَهَذَا الْعَبْدِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الدَّارِ فَيَثْبُتُ الْمَلِكُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ فِيهِ لَهَا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَعَبْدِي وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِشِرَائِهِ لَهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شِرَائِهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ. وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ خُيِّرَتْ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فِي يَدِهَا، إنْ شَاءَتْ رَدَّتْهُ بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ وَهُوَ التَّشْقِيصُ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمِعَةِ وَرَجَعَتْ بِقِيمَةِ الدَّارِ، وَإِنْ شَاءَتْ أَمْسَكَتْهُ وَرَجَعَتْ بِقِيمَةِ نِصْفِهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِهَا خَاصَّةً، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانُهُ وَلَا يَكُونُ حَالُهُ أَعْلَى مِنْ حَالِ وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَكِنْ لَهَا الْأَمَةُ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهَا إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ يَسِيرًا، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا فَلَهَا إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْجَارِيَةَ وَلَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ شَيْئًا، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ كَالْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ وَقَدْ كَانَ الْوَلَدُ جَابِرًا لِذَلِكَ النُّقْصَانِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ ظَهَرَ النُّقْصَانُ لِانْعِدَامِ مَا يَجْبُرُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهَا فِي الْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْ نُقْصَانَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَجَابَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِأَنَّ عَلَيْهِ تَمَامَ ذَلِكَ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهُوَ غَلَطٌ، فَقَدْ بَيَّنَ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ قَدْرِ النُّقْصَانِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا فَلَهَا الْخِيَارُ كَمَا قُلْنَا، وَلَا إشْكَالَ فِي الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ فِي ثُبُوتِ الصِّحَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا زَادَ فَقَالَ هَذَا الثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ وَلَمْ يَكُنْ هَرَوِيًّا فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَهَا قِيمَةُ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ وَسَطٍ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهُ أَوْ تَطْلُبَ قِيمَةَ الْهَرَوِيِّ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّهَا وَجَدَتْهُ عَلَى خِلَافِ شَرْطِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَسَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِمَّا غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَهُمَا، فَفِي غَيْرِهِمَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ حَيَوَانٌ ثَوْبٌ دَارٌ لَمْ يَصِحَّ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ لَا يُعْرَفُ الْوَسَطُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَفْرَادِ الْمُمَاثِلَةِ وَذَلِكَ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الَّذِي تَحْتَهُ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّوْبِ الَّذِي تَحْتَهُ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ وَالْحَرِيرُ، وَاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ أَيْضًا وَالدَّارِ الَّتِي تَحْتَهَا مَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَاقًا فَاحِشًا بِالْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالضِّيقِ وَالسَّعَةِ وَكَثْرَةِ الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْجَهَالَةُ أَفْحَشَ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَوْلَى. وَإِنْ عَيَّنَهُ بِأَنْ قَالَ عَبْدٌ أَمَةٌ فَرَسٌ حِمَارٌ بَيْتٌ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ، وَيَنْصَرِفُ إلَى بَيْتٍ وَسَطٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا بَاقِيهَا وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ، أَمَّا الْبَيْتُ فِي عُرْفِنَا فَلَيْسَ خَاصًّا بِمَا يُبَاتُ فِيهِ بَلْ يُقَالُ لِمَجْمُوعِ الْمَنْزِلِ وَالدَّارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَسْمِيَتِهِ مَهْرَ الْمِثْلِ كَالدَّارِ، وَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ قِيمَتِهِ لَوْ أَتَاهَا بِهَا، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. لَهُ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ. وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ بِالذِّمَّةِ أَصْلُهُ إيجَابُ الشَّرْعِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ وَفِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ،

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَاوَضَةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَعَلْنَاهُ الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يَفْسُدُ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ كَالدِّيَةِ وَالْأَقَارِيرِ، وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَسَطُهُ مَعْلُومٌ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ عِنْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ، وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْلُومٌ إلَّا الْوَسَطُ مِنْ الْأَسْنَانِ الْخَاصَّةِ. وَسِرُّ هَذَا الشَّرْعِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْمُشَاحَّةِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُقَابِلْهَا مَالٌ فَلَا يُفْضِي جَهَالَةُ الْوَصْفِ فِيهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ مَعَ جَهَالَةِ وَصْفِهِ وَقَدْرِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَقَارِبِهَا مَنْ تَزَوَّجَ وَعُلِمَ لَهَا مَهْرٌ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ وَتَخْمِينٍ، بَلْ جَهَالَةُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَوْقَ جَهَالَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ فِي الصِّفَةِ وَجَهَالَةَ الْمِثْلِ جَهَالَةُ جِنْسٍ فَتَصْحِيحُ التَّسْمِيَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَشَرْطُنَا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ لَمَّا شَابَهَ النِّكَاحُ حِينَئِذٍ الْإِقْرَارَ فِي كَوْنِهِ الْتِزَامَ مَالٍ ابْتِدَاءً يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَسْمِيَةُ حَيَوَانٍ كَمَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى كَوْنِ الْمُقَرِّ بِهِ مَالًا لَهُ وَسَطٌ وَطَرَفَانِ فَقَالَ: شَرَطْنَا ذَلِكَ رِعَايَةً لِجَانِبَيْ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ، إذْ جِهَةُ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً تُوجِبُ اشْتِرَاطَ نَفْيِ الْجَهَالَةِ أَصْلًا، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَحَمَّلَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ مَعَ أَنَّهُ الْمَوْرِدُ الشَّرْعِيُّ: أَعْنِي إيجَابَ الشَّرْعِ لِلْوَسَطِ فِي حَيَوَانِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لَجَانِبَيْ الْفُقَرَاءِ وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَّا حُكْمَ الْأَصْلِ، وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ فَجَعَلْنَاهُ الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً وَاكْتَفَى بِالْإِلْحَاقِ بِالدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ وَمَهْرِ

أَمَّا النِّكَاحُ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَالْعَبْدُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَمَعْنَاهُ: ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ، وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ يَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَكَذَا إذَا سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَسَمَّى جِنْسَهُ دُونَ صِفَتِهِ، وَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِثْلِ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَجَوَابِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوَسَطِ، وَالْحُكْمُ عِنْدَكُمْ وُجُوبُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ وَمِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى تُجْبَرَ عَلَى قَبُولِهَا. أَجَابَ لَمَّا كَانَ الْوَسَطُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَقْوِيمِهِ صَارَتْ الْقِيمَةُ أَصْلًا مُزَاحِمًا لِلْمُسَمَّى كَأَنَّهَا هُوَ فَهِيَ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ أَيٍّ أَتَاهَا بِهِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ قِيمَتِهِ، وَفِيهِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ إنَّمَا أَفَادَ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَبْدُ عَيْنًا وَالْقِيمَةُ مُخَلِّصٌ، أَلَا يُرَى إلَى التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِنَا كَأَنَّهَا هُوَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لِكَوْنِ الْمَهْرِ عَرَضًا رَاعَيْنَا صِفَةَ الْوَسَطِيَّةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِكَوْنِهِ مَالًا يُلْتَزَمُ ابْتِدَاءً لَا يَمْنَعُ جَهَالَةَ الصِّفَةِ صِحَّةُ الِالْتِزَامِ. قَالَ: وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالْعَيْنِ. هَذَا وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ الْغَلَاءِ وَبِالرُّخْصِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا قَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبِيدِ السُّودِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَفِي الْعَبِيدِ الْبِيضِ بِخَمْسِينَ لَمَّا كَانَ فِي زَمَانِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ) بِأَنْ ذَكَرَ بَعْدَ نَوْعِهِ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَرِقَّتَهُ وَعَلَى مِنْوَالِ كَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ مِنْ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ كَمَا عَلَى أَخْذِ الثَّوْبِ، وَجَعْلُهُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى عَيْنِ الْوَسَطِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَعَمَّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ مَعَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا فِي السَّلَمِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَجَّلْ تَخَيَّرَ الزَّوْجُ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنْ عَيَّنَ صِفَةَ الثَّوْبِ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا أَتَاهَا بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَزُفَرُ يَقُولُ الثَّوْبُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفًا ثُبُوتًا صَحِيحًا

(وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَمْرِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَكِنْ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ لِمَا أَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي ذِكْرِ صِفَتِهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ هُنَاكَ مِنْ حُكْمِ السَّلَمِ لَا مِنْ حُكْمِ ثُبُوتِ الثِّيَابِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَاسْتَوَى ذِكْرُ الْأَجَلِ وَعَدَمُهُ. وَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ: لَكِنَّا نَقُولُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ سَلَمًا، فَعَرَفْنَا أَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا ثُبُوتًا صَحِيحًا لَا مُؤَجَّلًا اهـ. وَظَاهِرُهُ تَرَجُّحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ حَاصِلُ الصُّورَةِ سَلَمٌ وَالْعَبْدُ رَأْسُ مَالِهِ وَالثِّيَابُ الْمُؤَجَّلَةُ السَّلَمُ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى تَرَجُّحُ قَوْلِ زُفَرَ إذْ لَمْ يَنْدَفِعْ قَوْلُهُ إنَّ اشْتِرَاطَ الْأَجَلِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ كَعَلَيَّ أَرَدْبُ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ دُونَ صِفَتِهِ فَكَغَيْرِهِ مِنْ ثُبُوتِهِ وَإِجْبَارِهَا عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ وَإِنْ وَصَفَهُ كَجَيِّدَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الشَّعِيرِ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ بَحْرِيَّةٍ لَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ، بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَحِيحًا حَالًّا كَالْقَرْضِ وَمُؤَجَّلًا كَمَا فِي السَّلَمِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الصِّفَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا تُوجِبُ الْوَسَطَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْفَرَسِ وَالْعَبْدِ لَا تَعَيُّنَ الْوَسَطِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا) وَبِهِ قَالَ الثَّلَاثَةُ، وَقَالُوا فِي رِوَايَةٍ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ: يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِامْتِنَاعِ الْعِوَضِ إذْ الْمُسَمَّى يَمْنَعُ عِوَضًا آخَرَ وَهُوَ مُمْتَنِعُ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الْمُسَلِّمِ. قُلْنَا: امْتِنَاعُ التَّسْلِيمِ لَا يَزِيدُ عَلَى فَسَادِ التَّسْمِيَةِ، وَفَسَادُهَا لَا يَزِيدُ عَلَى اعْتِبَارِهَا عَدَمًا مَعَ اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَفْسُدُ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَا بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ يَفْسُدُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنُهُ وَبِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ يَصِيرُ رِبًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ زِيَادَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْعِوَضِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَلَا رِبًا فِي النِّكَاحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ) أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِيهِمَا: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ:

مِثْلُ وَزْنِهِ خَلًّا، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجِبُ الْقِيمَةُ) لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَطْمَعَهَا مَالًا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ، فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ حُرٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا مِثْلُ وَزْنِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَقِيمَةُ الْحُرِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخَمْرِ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلَ فِي الْحُرِّ كَقَوْلِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ فِي

وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيلَاتِ مُقْتَضَى افْتِرَاقِهِمْ فِي مَبَانِي الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ أَبَا يُوسُفَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ سَمَّى لَهَا مَالًا وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ فِي الْقِيَمِيِّ وَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْعَبْدُ قِيَمِيٌّ وَالْخَمْرُ مِثْلِيٌّ. ثُمَّ قَالَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَمَّا اجْتَمَعَتْ إلَخْ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ. فَفِي الْإِيضَاحِ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْمُسَمَّى. وَفِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ قَالَ: هَذَا الْخِلَافُ يَنْشَأُ مِنْ أَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا وَمَا نَذْكُرُ، وَلِأَنَّ هَذَا الْأَصْلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَتَفْصِيلُهُ مِنْ الْكَافِي قَالَ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالتَّسْمِيَةَ إذَا اجْتَمَعَتَا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَةَ وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الصُّورَةَ فَكَانَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ أَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ. وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا وَصْفًا فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ: أَيْ يَتْبَعُ الذَّاتَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ لِاتِّحَادِهِ، وَالشَّأْنُ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ؛ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْحُرُّ مَعَ الْعَبْدِ وَالْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي حَقِّ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَصْلُحُ صَدَاقًا وَالْآخَرُ لَا، فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ بِالْمُسَمَّى وَكَأَنَّ الْإِشَارَةَ تُبَيِّنُ وَصْفَهُ كَأَنَّهُ قَالَ: عَبْدٌ كَهَذَا الْحُرِّ وَخَلٌّ كَهَذَا الْخَمْرِ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ، إذْ مَعْنَى الذَّاتِ لَا يَفْتَرِقُ فِيهِمَا، فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُمَا تَحْصُلُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا لَمْ يَتَبَدَّلْ مَعْنَى الذَّاتِ اُعْتُبِرَ جِنْسًا وَاحِدًا، فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَمَّا الْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ فَجِنْسَانِ، إذْ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْخَمْرِ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْخَلِّ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا تَأْخُذُ الذَّاتَانِ حُكْمَ الْجِنْسَيْنِ إلَّا بِتَبَدُّلِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ الْحَوَادِثِ

خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ، وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنَافِعِ، وَالْخَمْرُ مَعَ الْخَلِّ جِنْسَانِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْجُودٌ بِهَا، وَصُورَةُ الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَاحِدَةٌ فَاتَّحَدَ الْجِنْسُ، فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ فِيهِمَا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ غَيْرُ صَالِحٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ سَمَّى الْخَمْرَ خَلًّا وَالْحُرَّ عَبْدًا تَجَوُّزًا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْمُرَادِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ وَلِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ تَطْلُقُ وَيَعْتِقُ، فَظَهَرَ أَنْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَصْلِ بَلْ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ، فَلَزِمَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمُخْتَلِفِينَ بِالْمَقَاصِدِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى مُتَّحِدِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اللَّائِقَ كَوْنُ الْجَوَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ أَوْ عَبْدٍ وَسَطٍ؛ لِأَنَّ إلْغَاءَ الْإِشَارَةِ وَاعْتِبَارَ الْمُسَمَّى يُوجِبُ كَوْنَ الْحَاصِلِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَحُكْمُهُ مَا قُلْنَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرْنَا: أَيْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَمْرِ فَإِذَا هُوَ خَلٌّ، أَوْ عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ، أَوْ عَلَى هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا هِيَ ذَكِيَّةٌ، فَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ. وَبِالْأَصَحِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَأَوْجَبَ الذَّكِيَّةَ وَمَا مَعَهَا، وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ الْمُذَكَّاةَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ فِي الْخَمْرِ فَمَرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَأَبُو يُوسُفَ خَالَفَ أَصْلَهُ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَصَحَّتْ إحْدَاهُمَا وَبَطَلَتْ الْأُخْرَى، فَاعْتُبِرَتْ الصِّحَّةُ وَصَارَتْ الْأُخْرَى كَأَنْ لَمْ تَكُنْ. وَكَذَا خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ لَهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ يَقُولُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْإِشَارَةَ هُنَاكَ لِتَجِبَ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا هُنَا لَا يَجِبُ فَلَا تُعْتَبَرُ لِيَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشْرَةً) فَإِنْ لَمْ يُسَاوِ عَشْرَةً كَمُلَتْ الْعَشَرَةُ

لِأَنَّهُ مُسَمًّى، وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ عَبْدًا) ؛ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا سَلَامَةَ الْعَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ مُسَمًّى، وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى) الْمُسْتَحَقِّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ (وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ) لَوْ كَانَ (عَبْدًا) ؛ لِأَنَّهَا مَا رَضِيَتْ إلَّا بِهِمَا وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْبَاقِي مَهْرَ الْمِثْلِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. فَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَ الْبَاقِي مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَيَتَّحِدُ بِقَوْلِ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَلَمْ يَبْلُغْ الْبَاقِي مَهْرَ الْمِثْلِ تُمِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا. فَهُنَا مَقَامَانِ لَهُمَا: مَقَامٌ اخْتَلَفَا فِيهِ وَهُوَ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ مَعَ الْبَاقِي وَمَقَامٌ اتَّفَقَا فِيهِ وَهُوَ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَاقِي وَلَهُمَا فِيهِ الْإِلْحَاقُ بِالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ: أَعْنِي مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ وَلَمْ يَفِ حَيْثُ يُكْمِلُ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَقَطْ، وَقَدْ امْتَنَعَ الْبَاقِي فَلَمْ يَجِبْ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْفَائِتَ فِي السَّابِقَةِ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مَدْفُوعٌ بِأَنْ لَا أَثَرَ لِاسْتِحْقَاقِ مُسْتَحِقٍّ خَاصٍّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي دَفْعِ اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ، وَلُزُومِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيهَا لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ رِضَاهَا بِذَلِكَ الْقَدْرِ تَسْمِيَةً إذْ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِالْكُلِّ، غَيْرَ أَنَّ الْفَائِتَ هُنَاكَ لَمَّا لَمْ يَتَقَوَّمْ صُيِّرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهُنَا يَتَقَوَّمُ بِمَعْنَى يُقَوَّمُ هَذَا الْحُرُّ عَبْدًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ الْوَجْهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ جَبْرَ الْفَائِتِ هُنَاكَ لِعَدَمِ رِضَاهَا وَعَدَمِ تَقْصِيرِهَا فِي تَعْيِينِ مَا تَرْضَى بِهِ، أَمَّا هُنَا فَهِيَ الْمُقَصِّرَةُ فِي الْفَحْصِ عَنْ حَالِ الْمُسَمَّيَيْنِ فَإِنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْفَحْصِ بِخِلَافِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِخْرَاجِ وَطَلَاقَ الضَّرَّةِ إنَّمَا يُعْلَمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتْ هُنَا مُلْتَزِمَةً لِلضَّرَرِ مَعْنًى. هَذَا وَقَدْ خَرَجَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا يَلِيهَا مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى الْحُرِّ لَغْوٌ، وَإِذَا لَغَا تَسْمِيَةُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى الْحُرِّ، فَاعْتُبِرَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدَيْنِ لَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ تَسْمِيَةَ الْعَبْدِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى الْحُرِّ لَغْوٌ، لَكِنَّهَا لَمْ تَرْضَ فِي تَمْلِيكِ بُضْعِهَا بِعَبْدٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ النَّظَرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِدَفْعِ

فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ. (وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّرَرِ، وَلَا جَوَابَ إلَّا بِمَا قُلْنَا مِنْ الْتِزَامِهَا لِذَلِكَ حَيْثُ قَصَّرَتْ إنْ تَمَّ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَكَوْنُهَا مُقَصِّرَةً بِذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ الْعَادَةُ مَانِعَةٌ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّ الْمُسَمَّى حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الثِّيَابِ الْعَشَرَةِ فَإِذَا هِيَ تِسْعَةٌ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ التِّسْعَةِ، وَحَكَمَ مُحَمَّدٌ بِهَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ سَاوَتْ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ زَادَتْ وَإِلَّا كَمَّلَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَفِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ: مِنْ عَلَامَةِ الْعَيْنِ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الْأَثْوَابِ الْعَشَرَةِ فَإِذَا هِيَ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَحَدَ عَشَرَ وَزِيَادَةً فَلَهَا أَحَدَ عَشَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إحْدَى الْعَشْرَتَيْنِ أَجْوَدَهُمَا أَوْ أَرْدَأَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، أَمَّا إذَا وُجِدَتْ تِسْعَةٌ فَلَهَا التِّسْعَةُ لَا غَيْرَ عِنْدَهُ وَبِهِ يُفْتَى، فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الْأَثْوَابِ الْعَشَرَةِ الْهَرَوِيَّةِ فَإِذَا هِيَ تِسْعَةٌ حَيْثُ كَانَ لَهَا التِّسْعَةُ وَثَوْبٌ آخَرُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْأُولَى الْمَنْطُوقَ بِهِ الثَّوْبُ الْمُطْلَقُ، وَالثَّوْبُ الْمُطْلَقُ لَا يَجِبُ مَهْرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ مُطْلَقٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمَنْطُوقُ بِهِ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ وَهَذَا يَجِبُ مَهْرًا. وَشَرْحُ الْعِبَارَةِ الْأُولَى أَنَّ التَّزَوُّجَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى عَشْرَةٍ، وَحِينَ وَجَدَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَشْتَمِلَ غَالِبًا عَلَى عَشْرَةٍ هِيَ أَجْوَدُ الْأَحَدَ عَشَرَ وَعَشْرَةٍ هِيَ أَرْدَأُ الْأَحَدَ عَشَرَ فَصَارَتْ التَّسْمِيَةُ عَشْرَةً مِنْ أَحَدَ عَشَرَ إمَّا أَرْدَؤُهَا أَوْ أَجْوَدُهَا، وَبِهِ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِذَا كَانَ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا الْأَحَدَ عَشَرَ لِرِضَاهَا بِالنُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ الْأَرْدَأُ وَالْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ الْأَجْوَدُ تَعَيَّنَ، أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ أَوْكَسِ الْعَبْدَيْنِ وَأَجْوَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْدَإِ الْعَشْرَتَيْنِ أَوْ مِثْلِهَا تَعَيَّنَ الْعَشَرَةُ الرَّدِيئَةُ كَمَا لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ مِثْلِهِ، هَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِ. وَأَمَّا قِيَاسُ قَوْلِهِمَا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَتَعَيَّنَ أَرْدَؤُهُمَا مُطْلَقًا كَمَا عَيَّنَا أَوْكَسَ الْعَبْدَيْنِ كَذَلِكَ. وَشَرْحُ عِبَارَةِ التِّسْعَةِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْعَشَرَةُ تِسْعَةً وَلَمْ يَصِفْهَا بِالْهَرَوِيَّةِ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ التِّسْعَةِ وَثَوْبٌ آخَرُ وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَلْغُو وَتَجِبُ التِّسْعَةُ فَقَطْ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَفَهَا بِالْهَرَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ التِّسْعَةِ وَثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فَلَا تَبْطُلُ تَسْمِيَتُهُ، غَيْرَ أَنَّ مُقْتَضَى الْأَصْلِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِيهِ بَيْنَ عَيْنِهِ وَقِيمَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) وَهُوَ كَتَزَوُّجِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ أَوْ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ أَوْ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا خَلَا بِهَا أَوْ لَمْ يَخْلُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِالدُّخُولِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَقُمْ الْخَلْوَةُ فِيهِ مَقَامَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْهَا فِيهِ مُنْتَفٍ شَرْعًا، بِخِلَافِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ بِالْعَقْدِ وَيَكْمُلُ بِالْخَلْوَةِ لَوْ طَلَّقَهَا فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الدُّخُولِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا وَحِسًّا. فَإِنْ دَخَلَ بِهَا بِجِمَاعٍ فِي الْقُبُلِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَيْثُ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْمُسْتَوْفَى وَلَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ لُزُومَ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّكَ أَسْقَطْت اعْتِبَارَ التَّسْمِيَةِ إذَا زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ اعْتَبَرْتهَا إذَا نَقَصَتْ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً يَجِبُ شُمُولُ الْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَشُمُولُ الْوُجُودِ. وَأَجَابَ الْمُورِدُ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَاسِدَةٌ مِنْ وَجْهٍ، صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ فَاسِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا وُجِدَتْ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ فَاعْتَبَرْنَا

فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِيهِ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِفَسَادِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ (وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ) ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ بِهَا التَّمَكُّنُ فَلَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَادَهَا إذَا زَادَتْ وَصِحَّتَهَا إذَا نَقَصَتْ لِانْضِمَامِ رِضَاهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ إلَّا فَاسِدَةً، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِبُطْلَانِهَا، إذْ لَيْسَ مَعْنَى فَسَادِ التَّسْمِيَةِ إلَّا كَوْنُ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ أَوْ وُقُوعُهُ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ كُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَقِلُّ بِفَسَادِهَا وَبِفَسَادِهَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْقِيمَةُ لِلْبُضْعِ شَرْعًا. وَتَقْرِيرُ الْكِتَابِ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ: أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّهَا فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْحَطِّ مُسْقِطَةً حَقَّهَا فِي الزِّيَادَةِ إلَى تَمَامِهِ حَيْثُ لَمْ تُسَمِّ تَمَامَهُ. وَإِذَا عَلِمْت فَسَادَ التَّسْمِيَةِ عَلِمْت أَنَّ الْمَصِيرَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ اتِّفَاقًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجِبُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَنَحْنُ لَا نُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى لِمَا ذَكَرْنَا. فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهَا، وَنَتْرُكُ بَاقِيَ الْمُقَدِّمَاتِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا بَلْ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ، إنْ أَرَادَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ بَلْ تَارَةً بِهَا وَتَارَةً بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْفَاسِدِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِيهِ حَتَّى صَارَ خَالِيًا عَنْ التَّسْمِيَةِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، غَيْرَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ حَطُّهَا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اُعْتُبِرَ رِضَاهَا بِالْحَطِّ وَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا بِالزِّيَادَةِ فَلَمْ يُوجِبُوا الْمُسَمَّى إذَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ

لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ مُسَمًّى وَقَدْ بَطَلَ وَإِمَّا لِرِضَاهَا، وَمُجَرَّدُ الرِّضَا بِالتَّمْلِيكِ لَا يَثْبُتُ لُزُومُ الْقَضَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْآخَرِ بِالْقَبْضِ، بِخِلَافِ الرِّضَا بِالْحَطِّ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَتِمُّ بِالْوَاحِدِ، وَعَلَى هَذَا لَا تَتِمُّ الْمُعَارَضَةُ لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» الْحَدِيثُ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَكَانَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَصْلًا فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، هَذَا بَعْدَمَا فِيهِ مِمَّا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ. [فُرُوعٌ] لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا بِهَذَا الدُّخُولِ إلَّا عِنْدَ أَبِي ثَوْرٍ. وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ إلَّا بِالدُّخُولِ، ثُمَّ لَوْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى مَهْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَرَّرَ وَطْءُ الِابْنِ لِجَارِيَةِ الْأَبِ وَادَّعَى الشُّبْهَةَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إنْ كَانَ بِشُبْهَةِ اشْتِبَاهٍ تَعَدَّدَ الْمَهْرُ بِتَكَرُّرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِشُبْهَةِ مِلْكٍ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ، فَفِي جَارِيَةِ الْأَبِ وَجَارِيَةِ الزَّوْجَةِ إذَا وَطِئَهَا بِخُرُوجِ الثَّابِتِ فِي حَقِّهِمَا شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ. وَفِي جَارِيَةِ الِابْنِ إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ إذَا وَطِئَهَا السَّيِّدُ وَالزَّوْجَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا ظَهَرَ بَعْدَ تَعَدُّدِ الْوَطْءِ أَنَّهُ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا الثَّابِتِ فِي حَقِّهِمْ شُبْهَةُ الْمِلْكِ، وَتَقَرُّرُ الْوَطْءِ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَعَدَّدُ بِهِ الْمَهْرُ فَكَذَا فِي شُبْهَتِهِ. وَأَمَّا إذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ مِرَارًا قَالَ الشَّيْخُ حُسَامُ الدِّينِ: لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَكَانَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَالِدِي يَقُولُ: يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لَيْسَ لَهُ شُبْهَةُ مِلْكٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَةِ الْأَبِ فِي حَقِّ الِابْنِ، وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ. وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُخَالِطُهَا ثُمَّ أَتَمَّ الْجِمَاعَ لَزِمَهُ مَهْرَانِ: مَهْرُ الْمِثْلِ بِالزِّنَا لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ حِينَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ تَمَامِهِ وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ الْخَلْوَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْجِنْسِ الْخَامِسِ مِنْ فَصْلِ الْمَهْرِ: لَوْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ وَادَّعَى الشُّبْهَةَ هَلْ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ أَمْ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ؟ قِيلَ: إنْ كَانَتْ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَهُوَ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَقَعُ لَكِنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْئَهَا حَلَالٌ فَهَذَا ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا مِرَارًا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ

(وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَتَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ. وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ، هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهَا بِالتَّفْرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَهْرِ. وَفِي آخِرِ حُدُودِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: الصَّبِيُّ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ بِبَالِغَةٍ مُكْرَهَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ دَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا لَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَعَتْ صَبِيَّةٌ صَبِيًّا عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَكَذَا لَوْ دَعَتْ أَمَةٌ صَبِيًّا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ الْعُقْرُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) يَعْنِي إذَا فَارَقَهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا لَا بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ. فِي الْأَصْلِ فِيمَا إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ عَلَى غَيْرِ امْرَأَتِهِ فَدَخَلَ بِهَا قَالَ عَلَيْهِ مَهْرٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْحَدَّ وَيَجِبُ الْمَهْرُ. قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ، وَلَا تَتَّقِي فِي عِدَّتِهَا مَا تَتَّقِي الْمُعْتَدَّةُ بِنَحْوِهِ قَضَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَلَا نَفَقَةً فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ الْمَلِكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ مُتَّصِفٌ هُنَا؛ وَلِأَنَّهَا النَّفَقَةُ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَصْلِ النِّكَاحِ تَبْقَى فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ مُسْتَحَقَّةٌ هَاهُنَا لِتَبْقَى، وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى الَّذِي أَدْخَلَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَوْفِي لِلْبَدَلِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ أُخْتَ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِر الْوَطَآتِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ زُفَرَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ، وَرَفْعُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ بِالِافْتِرَاقِ بِالْمُتَارَكَةِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمَا قُلْنَا، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ تَارَكْتُكَ أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ خَلَّيْتهَا أَوْ تَرَكْتهَا، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ: هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا

(وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ. وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ، وَالْإِقَامَةُ بِاعْتِبَارِهِ. قَالَ (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ أَعْمَامِهَا) " لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ فِيهِ وَلَا شَطَطَ " وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ، وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَبِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ بِأَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُ الْفَاسِدِ بِغَيْرِ حُضُورِ الْآخَرِ. وَقِيلَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُضُورِ الْآخَرِ. وَعِلْمُ غَيْرِ الْمُتَارِكِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْكَارُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَهُوَ مُتَارَكَةٌ وَإِلَّا فَلَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَاخْتَارَ الصَّفَّارُ قَوْلَ زُفَرَ، حَتَّى لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ، وَعِنْدَنَا مَا لَمْ تَحُضَّهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْ الْمُتَارَكَةِ لَمْ تَنْقَضِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ ثَلَاثًا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ الْعَتَّابِيِّ. وَفِي الْفَتَاوَى: لَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْوَطْءِ وَالْإِقَامَةِ) أَيْ إقَامَةِ الْعَقْدِ فَقَامَ الْوَطْءُ (بِاعْتِبَارِهِ) وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ: تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ فَاعْتَبَرَهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: تَأْوِيلُ هَذَا أَنَّ الدُّخُولَ كَانَ عَقِيبَ النِّكَاحِ بِلَا مُهْلَةٍ. قَالَ فِي الْغَايَةِ: قَدْ اعْتَبَرُوا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ فَكَانَ الْأَحْوَطُ فِي النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَيْضًا لَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِلنَّسَبِ. قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ: هَذَا وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اعْتَبَرُوهَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لِيَثْبُتَ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إقَامَةً لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ مَقَامَ الْوَطْءِ، حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ ثَبَتَ نَسَبُهُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَلَا يُرَى أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا وَهِيَ مَعَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ لَمَا ثَبَتَ، وَكَذَا لَوْ فَارَقَهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ لَا يُمْكِنُ الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ إذَا وَقَعَتْ فُرْقَةٌ وَمَا لَمْ تَقَعْ فَمِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ أَوْ الدُّخُولِ عَلَى الْخِلَافِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَهَا مَهْرٌ مِثْلُ نِسَائِهَا) قَالَهُ فِي الْمُفَوِّضَةِ، وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ، وَقَوْلُهُ (وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ) لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ بَلْ تَفْسِيرُ نِسَائِهَا مِنْ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً

(وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إذَا لَمْ تَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا) لِمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا لِمَا أَنَّهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا. (وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَنْ تَتَسَاوَى الْمَرْأَتَانِ فِي السِّنِّ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ) ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وَالْعَصْرِ قَالُوا: وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي الْبَكَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ (وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَا يَقْبَلُهُ فَيَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إضَافَةِ النِّسَاءِ إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ قَرَابَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ أَبِيهِ وَلِذَا صَحَّتْ خِلَافَةُ ابْنِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ أَبُوهُ قُرَشِيًّا، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ لِيَكُونَ وَجْهُ كَوْنِ الْإِضَافَةِ الْمَذْكُورَةِ تَعَيُّنَ كَوْنِهِنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ ظَاهِرًا، وَهَذَا لِأَنَّ جَعْلَهُ وَجْهًا مُسْتَقِلًّا يَصِحُّ إلَّا أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ إضَافَةِ النِّسَاءِ إلَيْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ النِّسَاءِ الْمُضَافَةِ أَقَارِبَ الْأَبِ، بَلْ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِعَمَّاتِهَا وَأَخَوَاتِهَا نِسَاؤُهَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِخَالَاتِهَا أَيْضًا وَأَخَوَاتِهَا لِأُمِّهَا فَإِنَّمَا يُرَجَّحُ جِهَةُ إرَادَةِ الْأَبِ الْمُقَدَّمَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَنْ تَتَسَاوَيَا فِي الْجَمَالِ) يَعْنِي بِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الْقَرَابَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَثْبُتُ صِحَّةُ الِاعْتِبَارِ بِالْمَهْرِ حَتَّى تَتَسَاوَيَا سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَكَارَةً وَأَدَبًا وَكَمَالَ خُلُقٍ وَعَدَمَ وَلَدٍ وَفِي الْعِلْمِ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا لَكِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا أَوْ زَمَانُهُمَا لَا يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا؛ لِأَنَّ الْبَلَدَيْنِ تَخْتَلِفُ عَادَةُ أَهْلِهِمَا فِي الْمَهْرِ فِي غَلَائِهِ وَرُخْصِهِ، فَلَوْ زُوِّجَتْ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي زُوِّجَ فِيهِ أَقَارِبُهَا لَا يُعْتَبَرُ بِمُهُورِهِنَّ، وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ بَلْ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ وَهَذَا جَيِّدٌ. وَقَالُوا: يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُ هَذِهِ كَأَزْوَاجِ أَمْثَالِهَا مِنْ نِسَائِهَا فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ وَعَدَمِهِمَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْ قَوْمِ الْأَبِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَأَجْنَبِيَّةٌ مَوْصُوفَةٌ بِذَلِكَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: يُنْظَرُ فِي قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا، أَيْ مِثْلِ قَبِيلَةِ أَبِيهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَقَارِبُ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ عُدُولٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: مَهْرُ مِثْلِ الْأَمَةِ عَلَى قَدْرِ الرَّغْبَةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ) بِقَيْدِ كَوْنِ الضَّمَانِ فِي الصِّحَّةِ أَمَّا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ

(ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَتِهَا زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْكَفَالَاتِ، وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ إذَا أَدَّى عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِأَمْرٍ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الْكَفَالَةِ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَوَّجَةُ صَغِيرَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرَةِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِي النِّكَاحِ، وَفِي الْبَيْعِ عَاقِدٌ وَمُبَاشِرٌ حَتَّى تَرْجِعَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَالْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَشْمَلُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ إذَا زَوَّجَهُ وَضَمِنَ عَنْهُ وَوَلِيَّ الصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهَا وَضَمِنَ لَهَا. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَتِهَا زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا) هُوَ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ إذَا أَدَّى عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ) يُفِيدُ أَنَّ الزَّوْجَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ فِي حُكْمِهِ كَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا أَدَّى عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ وَضَمِنَ عَنْهُ لِلْعُرْفِ بِتَحَمُّلِ مُهُورِ الصِّغَارِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ دَفَعَ لِيَرْجِعَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَتِهَا) يَعْنِي إذَا بَلَغَتْ (زَوْجَهَا) يَعْنِي إذَا كَانَ بَالِغًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا فَإِنَّمَا لَهَا مُطَالَبَةُ أَبِيهِ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّتِمَّةِ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَى اشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ. هَذَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ جَوَابِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَبُ مَهْرَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِلَا ضَمَانٍ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُ بِخِلَافِ إطْلَاقِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَذَكَرَ فِي الْمُصَفَّى جَوَابَهُ فَقَالَ: قُلْنَا النِّكَاحُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ لُزُومِ الْمَالِ إنَّمَا يَنْفَكُّ عَنْ إيفَاءِ الْمَهْرِ فِي الْحَالِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى تَزْوِيجِهِ ضَمَانُ الْمَهْرِ عَنْهُ، فَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْوَصِيُّ يَرْجِعُ مُطْلَقًا، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْأَبُ فِي صُورَةِ الضَّمَانِ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْ تَرِكَتِهِ وَبَيْنَ مُطَالَبَةِ زَوْجِهَا، فَإِنْ اخْتَارَتْ التَّرِكَةَ فَأَخَذَتْ أَجَزْنَا لِبَاقِي الْوَرَثَةِ الرُّجُوعَ فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُمْ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ عَلَى الصَّغِيرِ لِوُقُوعِهَا بِلَا أَمْرٍ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، إذْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَلَوْ أَذِنَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ. قُلْنَا: بَلْ صَدَرَتْ بِأَمْرٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِ، فَإِذْنُ الْأَبِ إذْنٌ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْكَفَالَةِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْآبَاءِ بِالْمُهُورِ مُعْتَادٌ، وَقَدْ انْقَضَتْ الْحَيَاةُ قَبْلَ ثُبُوتِ هَذَا التَّبَرُّعِ فَيَرْجِعُونَ، وَكَذَا يَرْجِعُونَ إذَا أَدَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا، وَإِنَّمَا صَحَّ ضَمَانُ وَلِيِّهَا إذَا كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا مَعَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِقَبْضِ صَدَاقِهَا وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ بَاشَرَ سَفِيرٌ كَالْوَكِيلِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ حَتَّى يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ وَيُخَاصِمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَتَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَيَصِحَّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي مَالِهِ، فَلَوْ صَحَّ ضَمَانُهُ كَانَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ مُقْتَضِيًا مُقْتَضًى. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ رُجُوعِهَا إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِمَهْرِهَا. أَجَابَ

وَيَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ بَعْدَ بُلُوغِهَا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ. قَالَ (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ وَتَمْنَعَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا) أَيْ يُسَافِرَ بِهَا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ: أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا إذَا نَهَتْهُ صَرِيحًا، أَمَّا إذَا لَمْ تَنْهَهُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُ الْقَبْضَ بَعْدَ بُلُوغِهِ دُونَ الصَّبِيِّ. ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الزَّوْجَةِ لِقَبْضِ الْأَبِ مَهْرَهَا عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ. وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَا يُشْتَرَطُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. وَقَدَّمْنَا فِي قَبْضِ مَهْرِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فُرُوعًا اسْتَوْفَيْنَاهَا فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فَارْجِعْ إلَيْهَا، وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ هُنَاكَ لَوْ قَبَضَ الْأَبُ الْمَهْرَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الزَّوْجِ، إنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صُدِّقَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ، فَإِذَا قَبَضَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِنْ الزَّوْجِ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ (قَوْلُهُ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ الدُّخُولِ بِهَا وَمِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مُعَجَّلَ مَهْرِهَا لِيَتَعَيَّن حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمُبْدَلِ) يَعْنِي وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الصَّدَاقِ الدَّيْنِ، أَمَّا الْعَيْنُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا بِالْعَقْدِ مَلَكَتْهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِيهِ حَتَّى مَلَكَتْ عِتْقَهُ. وَقَوْلُهُ (أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْهُ) يَتَنَاوَلُ الْمُعَجَّلَ عُرْفًا وَشَرْطًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَبَعْضَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَ شَيْءٍ بَلْ سَكَتُوا عَنْ تَعْجِيلِهِ وَتَأْجِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيهِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْمَيْسَرَةِ أَوْ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْتَبِسَ إلَّا إلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الْمُعَجَّلِ يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْمَهْرِ أَنَّهُ كَمْ يَكُونُ الْمُعَجَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَهْرِ فَيُعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبْعِ وَالْخُمُسِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ فَإِنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ الْكُلِّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، فَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي الْمَهْرَ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهُ يَجِبُ حَالًّا، وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا الْمَهْرَ لَيْسَ بِوَاقِعٍ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَسْكُوتِ الْعُرْفُ. هَذَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْبِكْرِ قَبْلَ إيفَائِهِ. فِي الْفَتَاوَى: رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِعِيَالِهِ فَلَهُ

لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَحْمِلَهَا مَعَهُ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ، فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ) كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَيْهِ إيفَاءٌ، فَكَمَا أَنَّ لَهُ اسْتِيفَاءَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَعَلَيْهِ إيفَاءُ الْمَهْرِ كَذَلِكَ لَهَا اسْتِيفَاءُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا إيفَاءُ مَنَافِعِ بُضْعِهَا، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقْلَبُ هَذَا الدَّلِيلُ فَيُقَالُ: لَيْسَ لَهَا حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ قَبْلَ إيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ فِي تَعْلِيلِ حَبْسِهِ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ فَعَلَى هَذَا كُلٌّ مِنْهُمَا لَوْ طُولِبَ بِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ إلَى اسْتِيفَاءِ مَالِهِ وَيَسْتَلْزِمُ تَمَانُعَ الْحُقُوقِ وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ، مَثَلًا لَوْ طَالَبَهَا بِإِيفَاءِ الدُّخُولِ فَقَالَتْ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أُوَفِّيهِ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مَنَافِعَ الْبُضْعِ وَهِيَ تَقُولُ مِثْلَهُ لَزِمَ مَا ذَكَرْنَا. وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ بَعْدَ الْإِلْحَاقِ بِالْبَيْعِ وَأَنَّ الْبُضْعَ كَالْمَبِيعِ وَالْمَهْرَ كَالثَّمَنِ لَكِنَّكَ عَلِمْت أَنَّ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِامْتِنَاعُ فَيُقَالُ لَهُمَا: سَلِّمَا مَعًا، وَمِثْلُهُ لَا يَتَأَتَّى فِي النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْمَهْرُ عَبْدًا مُعَيَّنًا مَثَلًا وَلَا فِي مَعِيَّةِ الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ بِأَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ إلَى أَنْ تَقْبِضَ. هَذَا وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهَا عَنْ الزَّوْجِ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمَهْرَ، وَلَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَالْعَمِّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ وَيَقْبِضُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ، فَإِنْ سَلَّمَهَا فَالتَّسْلِيمُ فَاسِدٌ وَتُرَدُّ إلَى بَيْتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَمِّ وِلَايَةُ إبْطَالِ حَقِّهَا، كَذَا فِي التَّجْنِيسِ فِي رَمْزِ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِي. وَلَوْ ذَهَبَتْ الصَّغِيرَةُ إلَى بَيْتِهِ بِنَفْسِهَا كَانَ لِمَنْ كَانَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ أَنْ يَمْنَعَهَا حَتَّى يُعْطِيَهُ وَيَقْبِضَهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرَةِ وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ الرِّضَا. [فَرْعٌ] إذَا كَانَ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهِ فِيهِ وَلَا تَسْقُطُ بِهِ نَفَقَتُهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا) مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَلِيلَةَ الْجَهَالَةِ كَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَبِخِلَافِ الْمُتَفَاحِشَةِ كَإِلَى مَيْسَرَةٍ وَهُبُوبِ الرِّيحِ حَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ حَالًّا (لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا) قَبْلَ الْحُلُولِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَا أَوْجَبَ لَهَا حَقَّ الْحَبْسِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ مُدَّةً مَعْلُومَةً (لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ)

فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا. وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا بِرِضَاهَا. وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ. لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْخَلْوَةِ، وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ، كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ. وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تُصْرَفُ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا يُخْلَى عَنْ الْعِوَضِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ، وَالتَّأْكِيدُ بِالْوَاحِدَةِ لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا لِلْمَعْلُومِ. ثُمَّ إذَا وُجِدَ آخَرُ وَصَارَ مَعْلُومًا تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ، كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَدْفَعُ كُلَّهُ بِهَا، ثُمَّ إذَا جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَأُخْرَى يَدْفَعُ بِجَمِيعِهَا، وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا أُجِّلَ الثَّمَنُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْمَبِيعِ إلَى غَايَةِ الْقَبْضِ (وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ) فِيمَا رَوَاهُ الْمُعَلَّى عَنْهُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ النِّكَاحِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ أَوَّلًا، فَلَمَّا رَضِيَ بِتَأْجِيلِهِ كَانَ رَاضِيًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ لِعِلْمِهِ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلًا لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ كَمَا فِي الْمُقَايَضَةِ. وَاخْتَارَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْفَتْوَى بِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الدُّخُولَ فِي الْعَقْدِ قَبْلَ الْحُلُولِ، فَإِنْ شَرَطَهُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا) قَبْلَ الْإِيفَاءِ رَاضِيَةً وَهِيَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا (فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) أَيْ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا كَارِهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً فَبَلَغَتْ وَصَحَّتْ وَزَالَ الْإِكْرَاهُ يَكُونُ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا بَعْدَهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا بِرِضَاهَا) لَا تُسْقِطُ حَقَّهَا فِي حَبْسِ نَفْسِهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا) أَوْ كَانَ

نَقَلَهَا إلَى حَيْثُ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] ، وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ. . قَالَ (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ) فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَمَعْنَاهُ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُؤَجَّلًا (نَقَلَهَا إلَى حَيْثُ شَاءَ) مِنْ بِلَادِ اللَّهِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا بِرِضَاهَا عِنْدَهُمَا (وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى) وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ: الْأَخْذُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] وَأَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْمُضَارَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] بَعْدَ {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] وَالنَّقْلُ إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا مُضَارَّةٌ فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] مِمَّا لَا مُضَارَّةَ فِيهِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ جَوَانِبِ مِصْرِهَا وَأَطْرَافِهِ، وَالْقُرَى الْقَرِيبَةِ الَّتِي لَا تَبْلُغُ مُدَّةَ سَفَرٍ فَيَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا فَلَهُ نَقْلُهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا) الِاخْتِلَافُ فِي الْمَهْرِ إمَّا فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، كُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فِي قَدْرِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ أَحَدٌ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ تَحَالُفٌ وَيُعْطِي مَهْرَ الْمِثْلِ، هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَيُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ بِأَنْ يَذْكُرَ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا.

هُوَ الصَّحِيحُ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ضَرُورِيٌّ، فَمَتَى أَمْكَنَ إيجَابُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يُصَارُ إلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَصَارَ كَالصَّبَّاغِ مَعَ رَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجْرِ يَحْكُمُ فِيهِ الْقِيمَةَ الصَّبْغُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنْ يَذْكُرَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا شَرْعًا: أَعْنِي أَنْ يَذْكُرَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَلَيْسَ فِي الثَّمَنِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ. وَقَدْ يُقَالُ: ذَلِكَ لِتَعَيُّنِ كَوْنِ الِاسْتِنْكَارِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْمُسْتَنْكَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ، أَمَّا هُنَا فَكَمَا يُتَصَوَّرُ الْمُسْتَنْكَرُ عُرْفًا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُسْتَنْكَرَ شَرْعًا دَاخِلٌ فِي الْمُسْتَنْكَرِ عُرْفًا، فَإِنَّ مَا يُسْتَنْكَرُ شَرْعًا يُسْتَنْكَرُ عُرْفًا وَلَا عَكْسَ، فَحَيْثُ اعْتَبَرْنَاهُ عُرْفًا فَقَدْ اعْتَبَرْنَاهُ شَرْعًا وَزِيَادَةً، فَصَارَ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ مَا يُسْتَنْكَرُ مُطْلَقًا لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْعًا لَمْ يَتَحَقَّقْ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى خَمْسَةً كَمُلَتْ عَشْرَةٌ وَلَغَا كَلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي كَوْنِهِ مَهْرًا شَرْعًا لَا يَتَجَزَّأُ وَتَسْمِيَةُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ شَرْعًا كَتَسْمِيَةِ كُلِّهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمُسْتَنْكَرِ. وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَصْحِيحِ الْخَمْسَةِ مَثَلًا وَجَعْلَ الْقَوْلِ قَوْلَهُ وَتَكْمِيلَهَا عَشْرَةً هُوَ لِإِتْيَانِهِ بِمَا يُسْتَنْكَرُ فَقَدْ تُصُوِّرَ. وَرَجَّحَ الْوَبَرِيُّ تَفْسِيرَ هَؤُلَاءِ الْبَعْضِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الشَّهَادَةُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَمْ تُجْعَلْ الْمِائَةُ مُسْتَنْكَرًا فِي حَقِّهَا: يَعْنِي مَعَ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْعَشَرَةِ مُسْتَنْكَرَةٌ فِيمَنْ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ أَمْثَالِهَا. وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ حُكِّمَ مُتْعَةُ مِثْلِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَوَجَبَ نِصْفُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلُ بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَكَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فَنَفْيُ كَوْنِ الْقَوْلِ لِانْتِفَاءِ الظَّاهِرِ مَعَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا، الِاشْتِبَاهُ الظَّاهِرُ هَاهُنَا أَنَّهُ مَعَ مَنْ؟ فَقَالَا مَعَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُسَمَّى فِي الْأَنْكِحَةِ أَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يُفِيدُ الظُّهُورَ لِمَنْ هُوَ مِنْ جِهَتِهِ لَيْسَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْأَصْلُ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الشَّاهِدُ هُنَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْقِيمَةُ الضَّرُورِيَّةُ لِلْبُضْعِ إذْ كَانَ لَيْسَ مَالًا، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِثُبُوتِ مُسَمًّى، وَهُنَا

ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَحْكُمُ مُتْعَةُ مِثْلِهَا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجَبَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ فَتَحْكُمُ كَهُوَ. وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، وَالْمُتْعَةُ لَا تَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُفِيدُ تَحْكِيمُهَا، وَوَضْعُهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا عِشْرُونَ فَيُفِيدُ تَحْكِيمَهَا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِ الْمِقْدَارِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ. وَشَرْحُ قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى الْأَلْفَ وَالْمَرْأَةَ الْأَلْفَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَيَقَّنَّاهُ وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ، وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَاهَا، وَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى فِي الْإِجَارَةِ كَالْقَصَّارِ وَرَبِّ الثَّوْبِ لَا يُصَارُ إلَى تَحْكِيمِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنَافِعِ ضَرُورِيٌّ فَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ حَيْثُ أَمْكَنَ الْمَصِيرُ إلَى الْمُسَمَّى فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الْأَقَلَّ فَكَذَا هَذَا، وَهُمَا يَقُولَانِ تَقَوُّمُهُ شَرْعًا إظْهَارًا لِلْخَطَرِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ فِي الْمُسَمَّى لَا يَنْفِيهِ، بَلْ هُوَ أَحَقُّ مِنْ التَّقَوُّمِ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ بِخِلَافِ هَذَا، وَأَمَّا الْقَصَّارُ وَرَبُّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ فَلَيْسَ لِعَمَلِهِ مُوجِبٌ فِي الْأَجْرِ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ لِيُصَارَ إلَى اعْتِبَارِهِ وَلِلنِّكَاحِ مُوجِبٌ فَهُوَ أَشْبَهُ بِاخْتِلَافِ الصَّبَّاغِ وَرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْمِقْدَارِ مِمَّا ذُكِرَ وَفِيهِ تُحَكَّمُ قِيمَةُ الصَّبْغِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَيَقَّنَّا التَّسْمِيَةَ وَهِيَ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَلَيْسَ بِذَاكَ بَلْ الْمُتَيَقَّنُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ وَهُوَ لَا يَنْفِي الرُّجُوعَ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ حَيْثُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا عَيْنًا (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَذَا فِي الْأَصْلِ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ تُحَكَّمُ الْمُتْعَةُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ ظَاهِرٌ مِنْ الْهِدَايَةِ. وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ تَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا فَيُؤْخَذُ بِاعْتِرَافِهِ وَيُعْطِي نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجِبَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتُحَكَّمُ كَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجِبَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى التَّسْمِيَةِ فَقُلْنَا بِبَقَاءِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ، وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَاهَا الزَّائِدِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ بَلْ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ. وَلِهَذَا قِيلَ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، لَكِنْ مَا ذُكِرَ فِي جَوَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ آنِفًا يَدْفَعُهُ (قَوْلُهُ وَشَرَحَ قَوْلَهُمَا) إذَا ادَّعَى أَلْفًا وَهِيَ أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا تَزَوَّجْتُهَا عَلَى أَلْفَيْنِ، فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ

وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ تُقْبَلُ. وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ تَحَالَفَا، وَإِذَا حَلَفَا يَجِبُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَسْمِيَةً: أَيْ لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا دَرَاهِمَ أَوْ قِيمَتَهَا ذَهَبًا، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ أَلْفَانِ مُسَمًّى؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ عَلَى الْخِلَافِ وَكِلَاهُمَا يَقْتَضِيهِ تَسْمِيَةً، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا بِاَللَّهِ مَا تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَلْفٍ، إنْ نَكَلْت فَلَهَا مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً لِإِقْرَارِهَا بِهِ، وَإِنْ حَلَفَتْ فَلَهَا مَا ادَّعَتْ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالذَّهَبِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهَا لِدَفْعِ الْحَطِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ هُوَ، ثُمَّ وُجُوبُ الزَّائِدِ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ فِيمَا يَدَّعِيهِ هُوَ تَسْمِيَةٌ، فَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ، وَبَيِّنَتُهُ فِي الثَّانِي لِإِثْبَاتِهَا الْحَطَّ. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي هَذَا أَنَّ بَيِّنَتَهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ، كَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ ثَابِتَةٌ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا أَثْبَتَتْ بَيِّنَتُهَا تَعَيُّنَهَا دَرَاهِمَ وَذَلِكَ وَصْفٌ فِي الثَّابِتِ وَبَيِّنَتُهُ مُثْبِتَةٌ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْحَطُّ فَهِيَ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَكَانَتْ أَكْثَرَ إثْبَاتًا مِنْ الْمُثْبِتَةِ لِلْوَصْفِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَأَيُّهُمَا نَكَلَا لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ. وَمَا وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا نَكَلَ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ كَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ. وَإِنْ حَلَفَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً وَالزَّائِدُ يُخَيَّرُ فِيهِ، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ يَثْبُتُ مَا يَدَّعِيهِ مُسَمًّى، وَإِنْ أَقَامَاهَا تَهَاتَرَتَا فِي الصَّحِيحِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَالدَّعْوَى، ثُمَّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيُخَيَّرُ فِيهِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْفِي تَسْمِيَةَ الْآخَرِ فَخَلَا الْعَقْدُ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ كَفَصْلِ التَّحَالُفِ، هَذَا كُلُّهُ تَخْرِيجُ الرَّازِيّ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا ثُمَّ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ يُعْطِي مَهْرَ الْمِثْلِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَبِالتَّحَالُفِ يَنْتَفِي يَمِينُ كُلِّ دَعْوَى صَاحِبِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: مَا قَالَهُ الرَّازِيّ أَوْلَى؛ لِأَنَّا لَا نَحْتَاجُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْإِيجَابِ، بَلْ لِيَتَبَيَّنَ مَنْ يُشْهِدُ الظَّاهِرَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَعَ يَمِينِهِ

هَذَا تَخْرِيجُ الرَّازِيّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءِ بِالْمُسَمَّى فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ، وَيُقْرَعُ فِي التَّحَالُفِ لِلِابْتِدَاءِ اسْتِحْبَابًا، وَلَوْ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا كَانَ جَازَ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ: يُبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُشْتَرِي وَالْمَهْرُ كَالثَّمَنِ، وَفِي الْمُتَبَايِعَيْنِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِسْبِيجَابِيُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى) فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ (يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ) وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ مَعَ يَمِينِهِ فَيُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَاسْتُشْكِلَ كَوْنُ مَهْرِ الْمِثْلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَلْ هُوَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ عَلَى مَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ إيجَابِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَقَدْ أَشَرْنَا إلَى أَنَّهُ لِيَعْرِفَ مَنْ مَعَهُ الظَّاهِرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ كَوْنُ الْمُسَمَّى لَا يَنْقُصُ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا نَادِرًا، لَكِنَّا مَنَعْنَا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَهُمْ فِي أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَلْ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْخِلَافُ، فَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا كَوْنُ الْأَصْلِ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُنَا كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ لِلْكُلِّ بِهِ وَالْمَسْأَلَةُ اتِّفَاقِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا) أَيْ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فِي الْأَصْلِ وَالْمِقْدَارِ، وَمَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ لَوْ كَانَ حَيًّا يَكُونُ الْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ. وَفِي الْأَصْلِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ

بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي الْمِقْدَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُسْتَثْنَى الْقَلِيلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. . قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهُ مَهْرًا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لِوَرَثَتِهَا الْمَهْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ) مَعْنَاهُ الْمُسَمَّى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ تَأَكَّدَ بِالْمَوْتِ فَيُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ أَوَّلًا فَيَسْقُطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِهِمَا، وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْمُفَوِّضَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي الْمِقْدَارِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) كَأَبِي يُوسُفَ حَالَ الْحَيَاةِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَسْتَثْنِ الْقَلِيلَ، وَهَذَا لِسُقُوطِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْجَوَابُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَالْجَوَابِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ لِمَنْ أَنْكَرَهُ) وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بَعْدَ التَّحَالُفِ: وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لَا يَجِبُ التَّحَالُفُ (قَوْلُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهِيَ مَا إذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِتَصَادُقِ الْوَرَثَةِ فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ، هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ أَوَّلًا أَوْ عُلِمَ أَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا أَوْ لَمْ تُعْلَمْ الْأَوَّلِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ مَعْلُومَ الثُّبُوتِ، فَلَمَّا لَمْ يُتَيَقَّنْ بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ بِمَوْتِ الْمَرْأَةِ أَوَّلًا لَا يَسْقُطُ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ أَوَّلًا فَيَسْقُطُ مِنْهُ نَصِيبُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى نَفْسِهِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَحْذُوفُ فِي قَوْلِهِ إلَّا إذَا عُلِمَ إلَخْ هُوَ هَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ جَمِيعُ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِمَوْتِهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْعَامُّ، وَلَوْ كَانَ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا كَانَ أَخْذُ الْوَرَثَةِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الثَّلَاثِ لَا كُلِّهَا . (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَهُمْ مَهْرُ الْمِثْلِ) وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ عَلِيٍّ عَلَى وَرَثَةِ عُمَرَ مَهْرَ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَلِيٍّ أَكُنْت أَقْضِي فِيهِ بِشَيْءٍ؟ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي

نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسَمَّى فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْتَهُمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهِمَا فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرُ الْمِثْلِ (وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ وَقَالَ الزَّوْجُ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ، كَيْفَ وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ. قَالَ (إلَّا فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُؤْكَلُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُقُوفُ عَلَى مِقْدَارِهِ، وَأَيْضًا يُؤَدِّي إلَى تَكَرُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْقَدِيمَ قَدْ يَكُونُ مَشْهُورًا وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَيَدَّعِي وَرَثَةُ وَرَثَةِ الْوَرَثَةِ عَلَى وَرَثَةِ وَرَثَةِ الْوَرَثَةِ بِهِ، فَلَوْ قُضِيَ بِهِ ثُمَّ تَأَخَّرَ الْعَصْرُ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ الَّذِينَ وُجِدُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ بِهِ أَيْضًا يُقْضَى بِهِ أَيْضًا ثُمَّ وَثُمَّ فَيُفْضِي إلَى مَا قُلْنَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ فَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَطَرِيقٌ آخَرُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قِيمَةُ الْبُضْعِ فَيُشْبِهُ الْمُسَمَّى وَيَجِبُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَيُشْبِهُ النَّفَقَةَ فَلِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا، وَلِلشَّبَهِ الثَّانِي يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَقُلْنَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا إعْمَالًا لِشَبَهِ النَّفَقَةِ، وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إعْمَالًا لِشَبَهِ الْمُسَمَّى تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْضَى بِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا وَمَا قَبْلَهُ أَوْجَهُ. وَقَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا، فَإِنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ يُقَالُ لَهَا: لَا بُدَّ أَنْ تُقِرِّي بِمَا تَعَجَّلْت وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْكِ بِالْمُتَعَارَفِ فِي الْمُعَجَّلِ ثُمَّ يُعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا . (قَوْلُهُ وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ مِنْ حَقِّك وَقَالَتْ هَدِيَّةٌ فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ) إلَّا فِيمَا يَكُونُ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ فِيهِ، وَالْقَوْلُ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَالظَّاهِرُ

وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَارَفُ هَدِيَّةً، فَأَمَّا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا، وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَهُ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُتَعَارَفِ مِثْلُهُ أَنْ يَبْعَثَهُ هَدِيَّةً، وَالْمُرَادُ مِنْهُ نَحْوُ الطَّعَامِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَالْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا تَبْقَى وَالْحَلْوَاءِ وَالْخُبْزِ وَالدَّجَاجِ الْمَطْبُوخِ، فَأَمَّا الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالْعَسَلُ وَالسَّمْنُ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالدَّقِيقُ وَالسُّكَّرُ وَالشَّاةُ الْحَيَّةُ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ. وَإِذَا حَلَفَ وَالْمُرْسَلُ قَائِمٌ، إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهَا وَلَمْ يَرْضَيَا بِبَيْعِهِ بِالصَّدَاقِ يَأْخُذُهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ بِالْمَهْرِ بَلْ بِمَا بَقِيَ إنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ قِيمَتِهِ شَيْءٌ، وَلَوْ بَعَثَ هُوَ وَبَعَثَ أَبُوهَا لَهُ أَيْضًا ثُمَّ قَامَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَكَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْبِنْتِ بِإِذْنِهَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهَا وَهِيَ لَا تَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا. وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ: بَعَثَ إلَيْهَا هَدَايَا وَعَوَّضَتْهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ زُفَّتْ إلَيْهِ ثُمَّ فَارَقَهَا وَقَالَ بَعَثْتُهَا إلَيْكِ عَارِيَّةً وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَأَرَادَتْ هِيَ أَنْ تَسْتَرِدَّ الْعِوَضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ. وَإِذَا اسْتَرَدَّهُ تَسْتَرِدُّ هِيَ مَا عَوَّضَتْهُ. هَذَا وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ وَبَاقِيهَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يُرْسِلَهُ هَدِيَّةً وَالظَّاهِرُ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا مَعَهُ وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ، وَفِيمَا إذَا بَعَثَ الْأَبُ بَعْدَ بَعْثِ الزَّوْجِ تَعْوِيضًا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَكَذَا الْبِنْتُ فِيمَا إذَا أَذِنَتْ فِي بَعْثِهِ تَعْوِيضًا، هَذَا إذَا كَانَ بَعْثُهَا عَقِيبَ بَعْثِ الزَّوْجِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِيهِ لِلزَّوْجِ إلَّا إنْ كَانَ قَائِمًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا يَجِبُ إلَخْ) بِخِلَافِ الْخُفِّ وَالْمُلَاءَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ الْخُرُوجِ بَلْ يَجِبُ مَنْعُهَا إلَّا فِيمَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُفُّ وَالْمُلَاءَةُ لِأَمَتِهَا، ثُمَّ كَوْنُ الظَّاهِرِ بِكَذِبِهِ فِي نَحْوِ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ إنَّمَا يَنْفِي احْتِسَابَهُ مِنْ الْمَهْرِ لَا مِنْ حَقٍّ آخَرَ كَالْكِسْوَةِ. [فُرُوعٌ] زَوَّجَ بِنْتَهُ وَجَهَّزَهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَا دَفَعَهُ لَهَا عَارِيَّةً وَقَالَتْ تَمْلِيكًا أَوْ قَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا لِيَرِثَ مِنْهُ وَقَالَ الْأَبُ عَارِيَّةٌ، قِيلَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ وَلَهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ بِهِ إذْ الْعَادَةُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهَا هِبَةً وَاخْتَارَهُ السُّغْدِيُّ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ ظَاهِرًا بِذَلِكَ كَمَا فِي دِيَارِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَفَتَاوَى الْخَاصِّيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ مِثْلُهُ يُجَهِّزُ الْبَنَاتِ تَمْلِيكًا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ وَإِلَّا فَلَهُ. وَلَوْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ وَهَبَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ هُوَ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ. وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي سُقُوطَ مَا كَانَ ثَابِتًا وَهُمْ يُنْكِرُونَ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا وَهُمْ يَدَّعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهُ. وَفِي الْبَدَائِعِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ: أَعْطَاهَا مَالًا وَقَالَ مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَتْ مِنْ النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لَا أَنْ تُقِيمَ هِيَ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ عَلَى طَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَمَّا انْقَضَتْ أَبَتْ، إنْ شَرَطَ فِي الْإِنْفَاقِ التَّزَوُّجَ: يَعْنِي كَأَنْ يَقُولَ أُنْفِقُ عَلَيْكِ بِشَرْطِ أَنْ تَتَزَوَّجِينِي يَرْجِعُ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَكِنْ أَنْفَقَ عَلَى هَذَا الطَّمَعِ اخْتَلَفُوا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا زَوَّجَتْ، قَالَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَهَذَا إذَا دَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَيْهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، أَمَّا إذَا أَكَلَ مَعَهَا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فِي فَصْلِ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ صَرِيحًا إلَّا مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِ الشَّهِيدِ، وَمِنْ بَعْدِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ. وَحُكِيَ فِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ بِلَا شَرْطٍ بَلْ لِلْعِلْمِ عُرْفًا أَنَّهُ يُنْفِقُ لِلتَّزَوُّجِ ثُمَّ لَمْ تَتَزَوَّجْ بِهِ خِلَافًا، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى قَصْدِهِ لَا شَرْطِهِ. وَفِيهَا: ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ مَهْرِهَا تُصَدَّقُ فِي الدَّعْوَى إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَفِي النَّوَازِلِ: اتَّخَذَتْ لِأَبَوَيْهَا مَأْتَمًا فَبَعَثَ الزَّوْجُ إلَيْهَا بَقَرَةً فَذَبَحَتْهَا وَأَطْعَمَتْهَا أَيَّامَ الْمَأْتَمِ فَطَلَبَ قِيمَتَهَا فَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ بَعَثَ بِهَا إلَيْهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَذْبَحَ وَتُطْعِمَ وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِهِ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى شَرْطِ الضَّمَانِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ. [تَتِمَّةٌ فِيهَا مَسَائِلُ] الْأُولَى: مَسْأَلَةٌ تُعُورِفَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الْمَهْرِ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ فِيهَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِيرَاثِ فَأَحْبَبْنَا الِاتِّبَاعَ وَنَذْكُرُ الْمَهْرَ زِيَادَةً فِيهَا. تَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَوَاحِدَةً فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَقَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُتَقَدِّمَةَ نِكَاحًا مِنْ غَيْرِهَا، فَمِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ وَهُوَ الرُّبُعُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ، وَالثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ بَيْنَهُنَّ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ: سَبْعَةٍ لِلَّتِي تَزَوَّجَهَا وَحْدَهَا اتِّفَاقًا، وَالْبَاقِي نِصْفُهُ لِلثِّنْتَيْنِ، وَنِصْفُهُ لِلثَّلَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْبَاقِي لِلثِّنْتَيْنِ، وَتِسْعَةٌ لِلثَّلَاثِ عَلَى اخْتِلَافِ تَخْرِيجِهِمَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ. وَكَذَا إنْ تَوَسَّطَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ ثَالِثَةً إنْ وَقَعَ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ وَرَابِعَةً بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَكَذَا إذَا تَأَخَّرَ لِبُطْلَانِ نِكَاحِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَتَقَعُ هِيَ ثَالِثَةً أَوْ رَابِعَةً، وَنِكَاحُ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ صَحِيحٌ فِي حَالٍ بَاطِلٌ فِي حَالٍ، ثُمَّ تَقُولُ: إنْ صَحَّ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا ثُلُثُ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ صَحَّ مَعَ الثَّلَاثِ فَلَهَا رُبُعُهُ فَنَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبُعٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشْرَ، أَوْ نَقُولُ: مَخْرَجُ الثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالرُّبُعِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَبَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَضَرَبْنَا أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ فَصَارَ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لَهَا الثُّلُثُ فِي حَالِ أَرْبَعَةٍ وَالرُّبُعُ فِي حَالِ ثَلَاثَةٍ؛ فَثَلَاثَةٌ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ، وَالرَّابِعُ يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيُنَصِّفُ لِلشَّكِّ فِيهِ فَيَنْكَسِرُ فَيُضَعَّفُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، أَوْ يَضْرِبُ مَخْرَجَ النِّصْفِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَصَارَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَقُولُ: لِلَّتِي تَزَوَّجَهَا وَحْدَهَا سَبْعَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ لَهَا الثُّلُثَ فِي حَالِ ثَمَانِيَةٍ، وَالرُّبُعَ فِي حَالِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسِتَّةٍ فَسِتَّةٌ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ، وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سَهْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ فِي حَالٍ وَيَثْبُتَانِ فِي حَالٍ، فَيَثْبُتُ أَحَدُهُمَا وَيُضَمُّ إلَى سِتَّةٍ صَارَ لَهَا سَبْعَةٌ وَمِمَّا بَقِيَ تِسْعَةٌ لِلثَّلَاثِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانِيَةٌ لِلثِّنْتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَرْبَعَةٌ عِنْدَ هُمَا عَلَى اخْتِلَافِ تَخْرِيجِهِمَا. أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَعْتَبِرُ الْمُنَازَعَةَ فَيَقُولُ: لَا مُنَازَعَةَ لِلثِّنْتَيْنِ فِي السَّهْمِ السَّابِعَ عَشْرَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا تَدَّعِيَانِ إلَّا ثُلُثَيْ الْمِيرَاثِ سِتَّةَ عَشْرَ، فَالسَّهْمُ السَّابِعَ عَشْرَ يُسَلَّمُ لِلثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُنَّ يَدَّعِينَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَبَقِيَ سِتَّةٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِيهَا فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَحَصَلَ لِلثَّلَاثِ تِسْعَةٌ مِنْهَا وَلِلثِّنْتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَعْتَبِرُ الْأَحْوَالَ فَيَقُولُ إنْ صَحَّ نِكَاحُ الثُّلُثَيْنِ فَلَهُمَا ثُلُثَا الْمِيرَاثِ سِتَّةَ عَشَرَ وَهُوَ حَالُ التَّقَدُّمِ عَلَى الثَّلَاثِ فَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ مَعَهُمَا فَيَكُونُ لَهُمَا ثُلُثَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَلَهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ. وَالثَّلَاثُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَرِثُ مَعَهُنَّ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ تِسْعَةٌ، فَاتَّفَقَ الْجَوَابُ وَاخْتَلَفَ التَّخْرِيجُ وَالضَّابِطُ عَنْ الْغَلَطِ قَوْلُنَا الْحَاءُ مَعَ الْحَاءِ وَالْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ: أَيْ لِمُحَمَّدٍ الْأَحْوَالُ وَيَعْقُوبَ الْمُنَازَعَةُ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفُ مَا بَقِيَ لِلثِّنْتَيْنِ وَنِصْفُ الْآخَرِ لِلثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ فِي عِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَسْتَحِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ سَابِقًا عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ دُونَ حَالِ التَّأْخِيرِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ وَاحِدَةٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ وَاحِدَةٌ كَانَ جَمِيعُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ، كَذَا هُنَا، فَلِلتَّنَصُّفِ وَقَعَ الْكَسْرُ فَضَعَّفْنَا الْمَجْمُوعَ صَارَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ نَضْرِبُ مَخْرَجَ النِّصْفِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَيَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشْرَ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ سَبْعَةَ عَشَرَ فَنَطْلُبُ بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ الِاسْتِقَامَةَ أَوْ الْمُوَافَقَةَ أَوْ الْمُبَايَنَةَ فَتَسْتَقِيمُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَلَا تَسْتَقِيمُ سَبْعَةَ عَشْرَ عَلَى الثِّنْتَيْنِ وَلَا عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ ذَلِكَ أَيْضًا فَحَصَلَ مَعَنَا اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ فَنَطْلُبُ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسُ الْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ: التَّدَاخُلُ، وَالتَّمَاثُلُ، وَالتَّوَافُقُ، وَالتَّبَايُنُ، فَوَجَدْنَاهَا مُتَبَايِنَةً فَنَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي اثْنَيْنِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَيَحْصُلُ سِتَّةٌ فَنَضْرِبُهَا فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَتَصِيرُ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَطَرِيقٌ مَعْرِفَةِ مَا لِكُلٍّ أَنْ تَضْرِبَ مَا كَانَ لَهُ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ كَانَ لِلْوَاحِدَةِ أَرْبَعَةَ عَشْرَ فَتَضْرِبُهَا فِي سِتَّةٍ يَحْصُلُ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ وَكَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ سَبْعَةَ عَشْرَ ضَرَبْنَاهَا فِي السِّتَّةِ يَحْصُلُ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِائَةٌ وَسَهْمَانِ لِكُلٍّ مِنْ الثِّنْتَيْنِ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ وَلِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِي الثِّنْتَيْنِ مَا لَا تَدَّعِيَانِهِ أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا إنَّمَا لَا تَدَّعِيَانِهِ إذَا اسْتَحَقَّتْ الْوَاحِدَةُ ذَلِكَ السَّهْمَ فَأَمَّا بِدُونِ اسْتِحْقَاقِهَا فَلَا، وَقَدْ خَرَجَ ذَلِكَ السَّهْمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْوَاحِدَةِ فَكَانَ دَعْوَاهُمَا وَدَعْوَى الثَّلَاثِ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا فَرَغَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْوَاحِدَةِ سَوَاءٌ. هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْإِرْثِ، أَمَّا الْمُهُورُ فَالزَّوْجُ إنْ كَانَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ جَبْرًا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ أَيُّهُنَّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الْعُقُودَ، فَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي الْأَوَّلَ حَجَبَ عَنْهُنَّ إلَّا الْوَاحِدَةَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالِاشْتِبَاهِ فِيمَا لَا مَسَاغَ فِيهِ لِلتَّحَرِّي. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ وَالزَّوْجُ حَيٌّ فَقَالَ هُنَّ الْأَوَّلُ وَرِثَهُنَّ وَأَعْطَى مُهُورَهُنَّ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ كُلِّهِنَّ ثُمَّ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ذَلِكَ فَهُوَ الْأَوَّلُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْمُسَمَّى كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالدُّخُولِ بِهِنَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيَانِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ فِي الْوَطْءِ. وَأَمَّا الْمَهْرُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلْوَاحِدَةِ مَا سُمِّيَ لَهَا بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِيَقِينٍ، وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلِلثِّنْتَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ بِالِاتِّفَاقِ فَهُمَا يَمُرَّانِ عَلَى أَصْلِهِمَا فِي اعْتِبَارِ الْمُنَازَعَةِ وَالْحَالِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ فَاعْتَبَرَ الْمُنَازَعَةَ فِي الْمَهْرِ دُونَ الْمِيرَاثِ فَقَالَ: مَا فَضَلَ مِنْ الْوَاحِدَةِ هُنَاكَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا هُنَا فَالثِّنْتَانِ لَا تَدَّعِيَانِ النِّصْفَ الزَّائِدَ عَلَى الْمَهْرَيْنِ وَالثَّلَاثُ يَدَّعِينَهُ فَسَلِمَ لَهُنَّ، وَفِي الْمَهْرَيْنِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا. أَوْ نَقُولُ: أَكْثَرُ مَا لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ بِأَنْ يَكُونَ السَّابِقُ نِكَاحَ الثَّلَاثِ وَأَقَلُّ مَا لَهُنَّ مَهْرَانِ بِأَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الثِّنْتَيْنِ سَابِقًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي مَهْرٍ وَاحِدٍ فَيَتَنَصَّفُ فَكَانَ لَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ، ثُمَّ لَا مُنَازَعَةَ لِلثِّنْتَيْنِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرَيْنِ فَيُسَلِّمُ ذَلِكَ مَعَ الثَّلَاثِ وَهُوَ نِصْفُ مَهْرٍ يَبْقَى مَهْرَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا فَحَصَلَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلِلثُّلُثَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: إنْ صَحَّ نِكَاحُ الثَّلَاثِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَأَمَّا الثِّنْتَانِ فَلَهُمَا مَهْرَانِ إنْ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَلَهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ مَهْرٌ وَاحِدٌ. وَأَمَّا حُكْمُ الْعِدَّةِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْفَرِيقَيْنِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِنَّ حَيْثُ أَوْجَبَ لَهُنَّ مَهْرًا وَمِيرَاثًا وَالْعِدَّةُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ دَخَلَ بِهِنَّ وَلَمْ يَعْرِفْ الْأَوَّلَ مِنْ الْآخِرِ فَعَلَى غَيْرِ الْوَاحِدَةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا، أَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا يَسْتَكْمِلُ فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَابْنَتَيْهَا فِي ثَلَاثَةِ عُقُودٍ وَلَا تُدْرَى الْأُولَى مِنْهُنَّ وَمَاتَ قَبْلَ الْوَطْءِ وَالْبَيَانِ فَلَهُنَّ مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ نِكَاحُ إحْدَاهُنَّ لَيْسَ غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَ الْأُمَّ أَوَّلًا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ بِنْتِهَا أَوْ الْبِنْتُ فَكَذَلِكَ، وَلَهُنَّ كَمَالُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْأُمِّ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَ الْأُمَّ فِي عُقْدَةٍ وَالْبِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ كَانَ الْكُلُّ لِلْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ الْمُتَيَقَّنِ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهِمَا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْأُمِّ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ؛ وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأُمَّهَا وَابْنَتَهَا أَوْ امْرَأَةً وَأُمَّهَا وَأُخْتَ أُمِّهَا كَانَ الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا اتِّفَاقًا. وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبِبِ الِاسْتِحْقَاقِ تُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَنِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَصِحُّ فِي حَالٍ وَلَا يَصِحُّ فِي حَالَيْنِ فَاسْتَوَيْنَ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ يُسَاعِدُهُمَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، لَكِنَّهُ يَقُولُ: الْأُمُّ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا إحْدَى الْبِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِبُطْلَانِ نِكَاحِ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ وَالِابْنَتَانِ فِي النِّصْفِ اسْتَوَيَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِتَعْيِينِ جِهَةِ الْبُطْلَانِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَدَخَلَ بِهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ، وَوَقَعَ عَلَيْهِ تَطْلِيقَتَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا وَقَعَ تَطْلِيقَةٌ وَوَجَبَ نِصْفُ مَهْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا وَجَبَ مَهْرٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ عَنْ شُبْهَةٍ فِي الْمَحَلِّ، إذْ الطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَقَعَتْ أُخْرَى وَهُوَ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى، فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّتَهُ الْبَائِنَ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ هَذَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي إيجَابِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَبَقِيَّةِ عِدَّتِهَا

[فصل تزوج النصراني نصرانية على ميتة]

فَصْلٌ تَزَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيَّةً عَلَى مَيْتَةٍ (وَإِذَا تَزَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيَّةً عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي كَانَتْ فِيهَا فَصَارَ عَلَى قَوْلِهِمَا الْوَاجِبُ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ صَارَ مُرَاجِعًا فَلَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ شَيْءٌ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ وَنِكَاحُ الْمَنْكُوحَةِ لَا يَصِحُّ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ وَالطَّلَاقِ عَقِيبَهُ يَجِبُ نِصْفٌ وَبِالدُّخُولِ بَعْدَ مَهْرٌ كَامِلٌ وَبِالتَّزَوُّجِ، وَالدُّخُولُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ عَقِيبَهُ أَيْضًا مَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَكَذَا بِالتَّزَوُّجِ الثَّالِثِ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى قَوْلِهِ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُرَاجِعًا بِالْوَطْءِ عَقِيبَ النِّكَاحِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ لَمْ يَقَعْ عَلَى مَدْخُولٍ بِهَا. وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ الدُّخُولُ فِي الْأَوَّلِ دُخُولًا فِي الثَّانِي كَانَ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الثَّانِي عَقِيبَ الدُّخُولِ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الدُّخُولَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحٍ بَلْ لَيْسَ إلَّا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ فَاقْتَضَى قَوْلَهُمَا عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجْعَةَ تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ فِي عِدَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ عَنْ غَيْرِ طَلَاقٍ بَلْ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا بِطَلَاقٍ. وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بَانَتْ بِثَلَاثٍ وَعَلَيْهِ خَمْسَةُ مُهُورٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا وَأَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَتَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لِكُلٍّ، فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ آنِفًا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا وَجْهُ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَالدُّخُولِ بَعْدَهُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَبِالنِّكَاحِ الثَّانِي طَلُقَتْ بَائِنًا وَلَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ بَعْدَهُ لِلشُّبْهَةِ وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ، وَبِالنِّكَاحِ الثَّالِثِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَهَا مَهْرٌ، وَبِالدُّخُولِ بَعْدَ مَهْرٍ آخَرَ فَصَارَتْ خَمْسَةَ مُهُورٍ وَنِصْفًا، ثَلَاثَةٌ بِالدُّخُولِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ، وَمَهْرَانِ بِالتَّزَوُّجَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى قَوْلِهِمَا. [فَصْلٌ تَزَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيَّةً عَلَى مَيْتَةٍ] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ مُهُورَ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مُهُورِ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ نَصْرَانِيٌّ) الْمُرَادُ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهَا مَهْرٌ، وَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا أَوْ تَرَافَعَا وَهَذَا إذَا لَمْ يُدِينُوا مَهْرَ الْمِثْلِ بِالنَّفْيِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَمٍ؛ لِأَنَّهُمْ

جَائِزٌ فَدَخَلَ بِهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهَا مَهْرٌ، وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيَّانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ. وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا. لَهُ أَنَّ الشَّرْعَ مَا شَرَعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ إلَّا بِالْمَالِ، وَهَذَا الشَّرْعُ وَقَعَ عَامًّا فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَى الْعُمُومِ. وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ كَالرِّبَا وَالزِّنَا، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُتَحَقِّقَةٌ لِاتِّحَادِ الدَّارِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا فِي الدِّيَانَاتِ وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِالسَّيْفِ وَبِالْمُحَاجَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ الْمَهْرِ وَهُمْ يُدِينُونَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَوَّلُونَ الْمَيْتَةَ حَتْفَ أَنْفِهَا بِخِلَافِ الْمَوْقُوذَةِ، وَكَذَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ (هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ) أَيْ لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا (أَمَّا فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَهَا عِنْدَ هُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ) لِوُقُوعِهِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَبِهَذَا قَالَ زُفَرُ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْرَعْ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ إلَّا بِالْمَالِ، وَهَذَا الشَّرْعُ وَقَعَ عَامًّا فَيَتَنَاوَلُ الْكُفَّارَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ مِنْهَا، غَيْر أَنَّهُ يَصِيرُ عِبَادَةً بِالنِّيَّةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَتَمَحَّضَ مُعَامَلَةً فِي حَقِّهِ (وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ الْأَحْكَامَ) وَلَيْسَ لَنَا عَلَيْهِمْ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ لِلتَّبَايُنِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمِّيَّةِ فَإِنَّهُمْ الْتَزَمُوهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ ثَابِتَةٌ فَنُعَزِّرُهُ إذَا زَنَى وَنَنْهَاهُ عَنْ الرِّبَا وَنَحْكُمُ بِفَسَادِهِ وَالنِّكَاحُ مِنْهَا، وَلِذَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُ مِنْ لُزُومِ النَّفَقَةِ وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالتَّوَارُثِ بِهِ وَثُبُوتِ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَحُرْمَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ. وَقَدْ يُقَالُ مِنْ طَرَفِ زُفَرَ عَدَمُ الْتِزَامِهِمْ وَقُصُورُ الْوِلَايَةِ مِنَّا عَنْهُمْ لَا يَنْفِي تَحَقُّقَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ لِعُمُومِ الْخِطَابِ، حَتَّى إذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا نَقْضِي عَلَيْهِمَا بِمَا لَزِمَهُمَا حَالَ كَوْنِهِمَا حَرْبًا وَإِنَّا إنَّمَا أَخَّرْنَا الْوُجُوبَ لِيَظْهَرَ عِنْدَ إمْكَانِ إلْزَامِهِمْ أَثَرُهُ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) حَاصِلُهُ مَنْعُ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ بَلْ لَيْسُوا مُلْتَزِمِينَ

بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْمَهْرِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ. وَقَدْ قِيلَ: فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ مِنْهَا إلَّا مَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ وَلِذَا لَا نَمْنَعُهُمْ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، كَذَا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَفِي بَعْضِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَحَارِمِ عَلَيْهِمْ وَلَا تَنَافِيَ، فَمَحْمَلُ أَحَدِهِمَا مَنْ تَدَيَّنَ بِحُرْمَتِهِنَّ وَمَحْمَلُ الْآخَرِ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِحُرْمَتِهِنَّ كَالْمَجُوسِ فَلَمْ يَلْتَزِمُوا وَلَمْ نُؤْمَرْ بِإِلْزَامِهِمْ بَلْ نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِمْ الْمَنَعَةُ الْحِسِّيَّةُ وَأُمِرْنَا بِهَدْمِهَا، وَالْمَانِعُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمَنَعَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَأُمِرْنَا بِتَقْرِيرِهَا. بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» رَوَى مَعْنَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ بِسَنَدِهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا وَسَاقَهُ، وَفِيهِ: وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمْ الرِّبَا فَذِمَّتِي مِنْهُمْ بَرِيئَةٌ» وَفِي مُصَنِّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ إلَى الشَّعْبِيِّ «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى نَجْرَانَ وَهُمْ نَصَارَى أَنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بِالرِّبَا فَلَا ذِمَّةَ لَهُ» وَهُوَ مُرْسَلٌ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا. وَإِذَا مُنِعْنَا مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا يَدِينُونَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إلَّا الْمُسْتَثْنَى فَبَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ لَيْسَ شَرْطًا لِبَقَائِهِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ إنْ تَمَّ الْمَطْلُوبُ لِزُفَرَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ لَا يَقْتَضِي سِوَى أَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لَهُمْ مَا لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا أَوْ يُسَلِّمُوا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قِيَامِ لُزُومِ الْمَهْرِ شَرْعًا فِي ذِمَّتِهِمْ. وَحَالَةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَالْمَهْرُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا وَلَا حُكْمًا لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِالتَّقَرُّرِ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلَ الْوُجُودِ لَمَّا ارْتَفَعَ مَنْعُ الشَّرْعِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ. (قَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ) عَنْ الْمَهْرِ (رِوَايَتَانِ) بِخِلَافِ نَفْيِهِ صَرِيحًا، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالنَّفْيِ. وَوَجْهُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْبُضْعِ فِي حَقِّهِمْ كَتَمَلُّكِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةٌ، فَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى نَفْيِ الْعِوَضِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَالْمَيْتَةُ كَالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا عِنْدَهُمْ فَذِكْرُهَا

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ) وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَا بِأَعْيَانِهِمَا وَالْإِسْلَامُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمَقْبُوضِ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَالْعَقْدِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَغْوٌ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ . (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِأَعْيَانِهِمَا ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْخَمْرُ أَوْ الْخِنْزِيرُ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا) وَأَسْلَمَا قَبْلَهُ (فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ الْمِثْلِ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَلَمَّا اشْتَرَكَ قَوْلُهُمَا فِي عَدَمِ إيجَابِ عَيْنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إذَا كَانَا بِأَعْيَانِهِمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي دَلِيلِهِ فَقَالَ (وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمَقْبُوضِ) الْمُعَيَّنِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ تَعَيَّبَ عَيْبًا فَاحِشًا يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَتَّى يَلْزَمَهُ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ وَيَتَّنَصَّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَتَنَصَّفُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ تَرَاضٍ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ فِي عِتْقِ الْجَارِيَةِ الْمَهْرَ، وَكَذَا الزَّوَائِدُ تَتَنَصَّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (فَيَكُونُ لَهُ شَبَهًا بِالْعَقْدِ) لِثُبُوتِ أَثَرِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْمِلْكِ فَيَمْتَنِعُ الْقَبْضُ بِالْإِسْلَامِ كَمَا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ التَّمْلِيكِ بِالْعَقْدِ إلْحَاقًا لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ بِحَقِيقَتِهِ

بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا. وَإِذَا الْتَحَقَتْ حَالَةُ الْقَبْضِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ، فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا هَاهُنَا، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ، إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ لِلْإِسْلَامِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ، كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبَةِ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْقَبْضُ يُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِيهِ إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُحَرَّمَاتِ وَلَيْسَ يُرِيدُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْعَقْدُ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا لَا يَمْتَنِعُ بَلْ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ (وَإِذَا الْتَحَقَتْ حَالَةُ الْقَبْضِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ) فَامْتَنَعَ فَقَدْ افْتَرَقَا (فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ) فَعَقَدَا عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) فَكَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْقَبْضِ (وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ بِالْإِسْلَامِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ) تَجِبُ الْقِيمَةُ لِامْتِنَاعِ إعْطَاءِ مِثْلِ الْخَمْرِ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ) قَبْلَ الْقَبْضِ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ؛ فَقَبْضُهُ لَيْسَ مُوجِبًا لِمِلْكِهِ وَلَا لَمِلْكِ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَيْسَ مُؤَكِّدًا بَلْ نَاقِلًا لِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ مِنْ الزَّوْجِ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الْهَلَاكِ (وَذَلِكَ) أَيْ انْتِقَالُ الضَّمَانِ (لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ) ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ صُورَةُ الْيَدِ وَصُورَتُهَا لَا تَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَالْمُسْلِمِ إذَا تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ وَالذِّمِّيُّ إذَا غُصِبَ مِنْهُ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الْغَاصِبِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقْبِضُ الْخَمْرَ فَيُخَلِّلُهُ أَوْ يُرِيقُهُ وَالْخِنْزِيرَ فَيُسَيِّبُهُ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُكُمْ مِنْ كَوْنِ الْقَبْضِ مُؤَكِّدًا غَيْرَ هَذَا مَنَعْنَا كَوْنَهُ مُؤَكِّدًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا سَلَّمْنَا كَوْنَهُ مُؤَكِّدًا وَمَنَعْنَا مُنَافَاةَ الْإِسْلَامِ إيَّاهُ. وَفِي الْأَسْرَارِ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا بِخَمْرٍ وَقَبَضَ الْخَمْرَ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ وَاهٍ لِجَوَازِ أَنْ يُمْلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَبِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ يَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ، وَهَذَا التَّسْلِيمُ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَأَكُّدُ الْمِلْكِ فِي الْخَمْرِ، وَلَوْ اشْتَرَى خَمْرًا وَقَبَضَهَا وَبِهَا عَيْبٌ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ خِيَارُ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ فِي سُقُوطِ تَأَكُّدِ مِلْكِ الْخَمْرِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَمْنَعُ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ: أَيْ أَنَّ الْمِلْكَ

يُسْتَفَادُ بِالْقَبْضِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ بِالْقِيمَةِ، قَبْلَ الْإِسْلَامِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْخِنْزِيرِ دُونَ الْخَمْرِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، فَمَنْ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ أَوْجَبَ نِصْفَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا نَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لَا يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَالْقَبْضُ فِيهِ هُوَ الْمُفِيدُ لِمِلْكِ التَّصَرُّفِ وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ، فَلِذَا لَوْ بَاعَ الذِّمِّيُّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ أَوْ اشْتَرَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لِامْتِنَاعِ إفَادَةِ مِلْكٍ فِيهِمَا مَعَ الْإِسْلَامِ، وَخَصَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ بِالْإِجْمَاعِ. وَظَنَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ضَمَانُ مِلْكٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ فَقَبْضُ الْمُشْتَرِي نَاقِلٌ لِضَمَانِ الْمِلْكِ وَضَمَانُ الْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَيْسَ ضَمَانَ مِلْكٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهَا يُنَافِي قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا هَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ لِأَحَدٍ شَيْئًا بَلْ يَسْقُطُ الثَّمَنُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَهْلِكُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. وَأَمَّا هَلَاكُ الْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ هَلَاكُ مِلْكِهِ بَلْ هَلَاكُ مِلْكِهَا فِي يَدِهِ فَيَضْمَنُهُ بِالْقِيمَةِ كَهَلَاكِ الْمَغْصُوبِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهَا بِأَنْ قَالَ: وَلِهَذَا وَجَبَ لَهَا الْقِيمَةُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا) فَفِي الْمُعَيَّنِ لَهَا نِصْفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الْخَمْرِ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَفِي الْخِنْزِيرِ الْمُتْعَةُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ فَتَتَنَصَّفُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ لَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب نكاح الرقيق]

بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ (لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُمَا) وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ] (بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ) الرَّقِيقُ: الْعَبْدُ، وَيُقَالُ لِلْعَبِيدِ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْأَرِقَّاءِ وَالْإِسْلَامُ فِيهِمْ غَالِبٌ، فَلِذَا قَدَّمَ بَابَ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَوْلَاهُ نِكَاحَ الْأَرِقَّاءِ ثُمَّ أَوْلَاهُ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ فَصْلِ النَّصْرَانِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَهْرِ مِنْ تَوَابِعِ مُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَهْرُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ فَأَرْدَفَهُ تَتِمَّةً لَهُ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) أَيْ لَا يَنْفُذُ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَا نَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ وَلَيْسَ مَذْهَبُهُ. وَحَاصِلُ تَقْرِيرِ وَجْهِهِ الْمَذْكُورِ مُلَازَمَةٌ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ شَرْعًا فَقَدْ تَبَيَّنَ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ رَفْعَ شَيْءٍ مَلَكَ وَضْعَهُ وَتُمْنَعُ بِمِلْكِ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّفْسِ وَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَهُ شَرْعًا عَلَى نَفْسِهِ وَلِذَا مَلَكَ التَّطَبُّبَ وَلَمْ يَمْلِكْ أَكْلَ السُّمِّ وَإِدْخَالَ الْمُؤْذِي عَلَى الْبَدَنِ. وَالْأَوْجَهُ بَيَانُهَا بِأَنْ مِلْكَهُ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ. وَيُجَابُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْعَاهِرُ الزَّانِي. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ» (وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا) أَمَّا فِي الْعَبْدِ فَتَشْتَغِلُ مَالِيَّتُهُ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الْمَنْسُوبِ إلَى مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ، فَالطَّلَاقُ إزَالَةُ عَيْبٍ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. لَا يُقَالُ: يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ مَعَ

فَلَا يَمْلِكَانِهِ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْكَسْبِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ النِّكَاحِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ. وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى وَتَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا (وَ) كَذَا (الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا قَائِمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ فِيهِ إهْلَاكَهُ فَضْلًا عَنْ تَعْيِيبِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مِلْكِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ أَمْرًا وَنَهْيًا كَالصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَالصَّوْمِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِيمَا عُلِمَ إسْقَاطُ الشَّارِعِ إيَّاهُ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْكَامُ تَجِبُ جَزَاءً عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ شَرْعًا فَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ الشَّارِعُ زَجْرًا عَنْ الْفَسَادِ وَأَعَاظِمِ الْعُيُوبِ (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى (لِأَنَّ الْكِتَابَةَ) إنَّمَا (أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ) فِي التَّصَرُّفِ الِاكْتِسَابِيِّ فَيَبْقَى فِيمَا سِوَاهُ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ (وَلَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ) بِتَحْصِيلِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِلْمَوْلَى وَالْوَلَدِ الْعَبْدِ وَلِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ مِلْكَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَالْوَصِيِّ. وَلِلشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ لَا الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ تَنْقِيصٌ لِلْمَالِيَّةِ، وَأَمَّا شَرِيكُ الْعِنَانِ وَالْمُضَارِبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَمْلِكُونَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا لِمَا نَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَتَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ بَقَاءِ ذَاتِ الْمُكَاتَبِ عَلَى الرَّدِّ وَالِاكْتِسَابِ الَّذِي أَوْجَبَتْ الْكِتَابَةُ إطْلَاقَهُ لَهُ مَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي ذَاتِهِ الْمَمْلُوكَةِ، وَالِاكْتِسَابُ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَمَلُّكِ جُزْءٍ مِنْهَا لِغَيْرِ السَّيِّدِ، إذْ بَدَلُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فِي حُكْمِ بَدَلِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَالْأَرْشِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لَا يَزُولُ مِلْكُهَا بَعْدَ صِحَّتِهِ إلَّا بِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ اسْتِمْرَارِ فَكِّ الْحَجْرِ فِيهَا وَإِفْضَائِهَا إلَى زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِجَوَازِ التَّعْجِيزِ وَالرَّدِّ إلَى الرِّقِّ فَتَرُدُّ مَمْلُوكَةُ الْبُضْعِ لِلْغَيْرِ مُمْتَنِعٌ عَلَى السَّيِّدِ وَلَمْ يُشْرَعْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى وَجْهٍ يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى السَّيِّدِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ) وَالْمُدَبَّرَةُ لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَكَذَا ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ: يَعْنِي لَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ الزَّوْجِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أُمِّهِ فَالرِّقُّ فِيهِ قَائِمٌ فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ. [فَرْعٌ مُهِمٌّ لِلتُّجَّارِ] رُبَّمَا يَدْفَعُ لِعَبْدِهِ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى أَصْلًا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مِلْكُ يَمِينٍ فَانْحَصَرَ حِلُّ وَطْئِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ

(وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ) لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَدْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِصُدُورِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا لِلْمَضَرَّةِ عَنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ كَمَا فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ. (وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ يَسْعَيَانِ فِي الْمَهْرِ وَلَا يُبَاعَانِ فِيهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ فَيُؤَدَّى مِنْ كَسْبِهِمَا لَا مِنْ نَفْسِهِمَا. (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا أَوْ فَارْقِهَا فَلَيْسَ هَذَا بِإِجَازَةٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْعَقْدِ وَمُتَارَكَتَهُ يُسَمَّى طَلَاقًا وَمُفَارَقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ) بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَدَخَلَ بِهَا. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ يُبَاعُ فِيهِ: إنْ لَمْ يَفْدِهِ الْمَوْلَى. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ وَكُلُّ دَيْنٍ كَذَلِكَ يُبَاعُ فِيهِ. أَمَّا وُجُوبُهُ فَلِلْمُقْتَضِي وَهُوَ وُجُودُ السَّبَبِ مِنْ أَهْلِهِ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لِلْإِذْنِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَلِإِذْنِ السَّيِّدِ وَلِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ: يَعْنِي النِّسَاءَ فَيُبَاعُ فِيهِ كَمَا يُبَاعُ فِي دُيُونِ التِّجَارَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَثُبُوتُهُ فِيهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاشَرَ إتْلَافًا وَنَحْوَهُ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ فَحِينَ أَذِنَ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّهِ ثُمَّ الْعَبْدُ نَفْسُهُ مَالٌ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَضُوا مِنْ نَفْسِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِذْنُ دَفَعَ الْمَانِعَ مِنْ الِاقْتِضَاءِ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ فَدَاهُ الْمَوْلَى حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَالْمُقْتَضِي لِذَلِكَ دَفْعُ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ. وَإِذَا بِيعَ فَلَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِالْمَهْرِ لَا يُبَاعُ ثَانِيًا وَيُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ، وَفِي دَيْنِ النَّفَقَةِ يُبَاعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ، ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ لَهَا وَلَا السَّيِّدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ ثُمَّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ. وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ: لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ فِي مَالِيَّتِهِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى . (قَوْلُهُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ يَسْعَيَانِ) إذَا أَذِنَ لَهُمَا الْمَوْلَى فَتَزَوَّجَا ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ عَنْهُمَا يَسْعَيَانِ (لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ) وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ وَابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِمَا لَا مِنْ نَفْسِهِمَا إلَّا إنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ . (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ لَهُ طَلِّقْهَا أَوْ فَارْقِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ) تَزْوِيجُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بِلَا إذْنٍ عَقْدُ فُضُولِيٍّ فِي الْجُمْلَةِ فَيَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى، وَإِذْنُهُ يَثْبُتُ تَارَةً صَرِيحًا

وَهُوَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ أَوْ هُوَ أَدْنَى فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى (وَإِنْ قَالَ: طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكْ الرَّجْعَةَ فَهُوَ إجَازَةٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَازَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطَوْرًا دَلَالَةً، فَالصَّرِيحُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ رَضِيت أَوْ أَجَزْت أَوْ أَذِنْت، وَالدَّلَالَةُ أَنْ يَسُوقَ إلَيْهَا الْمَهْرَ أَوْ بَعْضَهُ، وَسُكُوتُهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَثَمَّ أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا وَأَلْفَاظٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهَا؛ فَمِثْلُ قَوْلِهِ هَذَا حَسَنٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ نِعْمَ مَا صَنَعْت أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهَا أَوْ أَحْسَنْت أَوْ أَصَبْت أَوْ لَا بَأْسَ بِهَا اُخْتُلِفَ فِيهَا. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا إجَازَةً. وَاخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إجَازَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً. إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ طَلِّقْهَا لَا شَكَّ أَنَّ مُقْتَضَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فِيهَا الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الصَّحِيحَ فَرْعُ وُجُودِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، لَكِنْ قَدْ صُرِفَ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِالنَّظَرِ إلَى حَالِ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَنَّ افْتِيَاتَ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ تَمَرُّدٌ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ تَعْيِيبِهِ عَلَيْهِ يَسْتَوْجِبُ بِهِ زَجْرَهُ وَبِهِ فَارَقَ الْفُضُولِيَّ الْمَحْضَ فَإِنَّهُ مُعِينٌ وَالْإِعَانَةُ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِمْضَاءِ تَصَرُّفِهِ وَعَدَمِ إلْغَائِهِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ لِلْفُضُولِيِّ طَلِّقْهَا كَانَ إجَازَةً عَلَى مَا هُوَ الْأَوْجَهُ، وَإِنْ قُلْنَا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِذَا كَانَ حَالُ الْعَبْدِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ لَفْظُ السَّيِّدِ لَهُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمَا صَنَعَ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالْإِجَازَةَ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا كَانَ بِمُلَاحَظَةِ حَالِ الْعَبْدِ ظَاهِرًا فِي قَصْدِ الرَّدِّ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَصْدَ الْإِجَارَةِ لِظَاهِرٍ يَقْتَرِنُ بِهِ أَوْ نَصٍّ آخَرَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ أَوْ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ وَالطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَهُ لَا يُقَالَانِ لِلْمُتَارَكَةِ وَلَا فِي قَصْدِ الِاسْتِهْزَاءِ فَيُفِيدُ قَصْدَ حَقِيقَتِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِمُتَارَكَةِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ طَلَاقٌ مَجَازًا فَصَلُحَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَمَسَّكًا لِأَبِي الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي الْمُتَارَكَةِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ لَفْظٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ أَحْسَنْت إلَخْ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِلْأَمْرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهُ الْإِجَازَةُ وَحَمْلُهُ عَلَى الرَّدِّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِوَاسِطَةِ جَعْلِهِ اسْتِهْزَاءً، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ إلَى حَالِ الْعَبْدِ لَا يُنَافِيهِ لَكِنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فِعْلُ الْجَاهِلِينَ، وَلِذَا قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي جَوَابِ قَوْلِهِمْ {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة: 67] ... ... {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] . فَتَعَارَضَ الظَّاهِرَانِ وَبَقِيَ نَفْسُ اللَّفْظِ بِمَفْهُومِهِ يُفِيدُ الْإِجَازَةَ بِلَا مُعَارِضٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ يُقَالُ لِلرَّدِّ كَمَا يُقَالُ لِحَقِيقَةِ الطَّلَاقِ الْمُسْتَعْقِبِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَلِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْمُقَيَّدَ أَعْنِي قَوْلَهُ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَلَيْهَا أَوْ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ فِي الْمُتَارَكَةِ جُعِلَ إجَازَةً فَوَجَبَ تَرْجِيحُ قَوْلِ الْفَقِيهِ وَمَنْ مَعَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَصْدَ الِاسْتِهْزَاءِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يُوجِبْهُ إلَّا بِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَفَادَ أَنَّهُ يَثْبُتُ اقْتِضَاءً فَوَرَدَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك بِالْمَالِ أَوْ تَزَوَّجْ

(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ هَذِهِ الْأَمَةَ فَتَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا عَتَقَ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِذْنَ بِالنِّكَاحِ يَنْتَظِمُ الْفَاسِدَ وَالْجَائِزَ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ هَذَا الْمَهْرُ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْبَعًا لَا يَعْتِقُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ الشَّرَائِطِ الَّتِي هِيَ أُصُولٌ لَا تَكُونُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْأَهْلِيَّةِ لِلْمُتَحَقِّقِ بِالرِّقِّ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ لِلْعَبْدِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِثُبُوتِهِ تَبَعًا لِلْآدَمِيَّةِ وَالْعَقْلِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ لِاسْتِلْزَامِهِ تَغَيُّبَ مَالِ الْغَيْرِ، فَقَوْلُهُ طَلِّقْهَا رَجْعِيًّا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْمَانِعِ اقْتِضَاءً لَا إثْبَاتَ مِلْكِ النِّكَاحِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَالْمَمْلُوكِيَّةُ شَرْطُ الْعِتْقِ. وَقَوْلُهُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِيَ بِأَلْفٍ يَثْبُتُ بِهِ تَحْوِيلُ الْمَمْلُوكِيَّةِ إلَيْهِ لَا أَصْلُهَا فِي الْعَبْدِ، وَمَمْلُوكِيَّتُهُ فِي الْعَبْدِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَمْلُوكِيَّتِهِ. وَعَلَى تَقْرِيرِنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفِ هَذَا السُّؤَالِ وَجَوَابِهِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ لَا يَكُونُ إجَازَةً، فَإِنْ أَجَازَ الْعَبْدُ مَا صَنَعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا كَالْفُضُولِيِّ إذَا وَكَّلَ فَأَجَازَ مَا صَنَعَهُ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَكَالْعَبْدِ إذَا زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي التَّزَوُّجِ فَأَجَازَ مَا صَنَعَهُ الْفُضُولِيُّ. وَلَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ بَعْدَ أَنْ بَاشَرَ بِلَا إذْنٍ فَلِلْمُشْتَرِي الْإِجَازَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ فَوَرِثَ الْعَبْدُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَتَزَوَّجَتْ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَوَرِثَهَا مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَطَلَ لِطَرَيَانِ الْحِلِّ النَّافِذِ عَلَى الْمَوْقُوفِ، وَإِنْ وَرِثَهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَأَنْ وَرِثَهَا جَمَاعَةٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ابْنُ الْمَوْلَى وَقَدْ كَانَ الْأَبُ وَطِئَهَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ. وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي أَمَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ فَبَاعَهَا الْمَوْلَى لِلْمُشْتَرِي الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ يُحَرِّمُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُعْتَدَّةً، فَإِذَا حَاضَتْ بَطَلَ الْعَقْدُ لِحِلِّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَطَأْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لِطَرَيَانِ الْحِلِّ الْبَاتِّ عَلَى الْمَوْقُوفِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَبِالْبَيْعِ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى إجَازَةِ إنْسَانٍ يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يُفِيدُ مِنْ الثَّانِي. قُلْنَا: إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ لَهُ لَا لِأَنَّهُ هُوَ وَالثَّانِي مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَائِرٌ مَعَ الْمِلْكِ فَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ (قَوْلُهُ تَزَوَّجْ هَذِهِ الْأَمَةَ) التَّقْيِيدُ بِالْأَمَةِ وَالْإِشَارَةِ اتِّفَاقِيٌّ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِي الْحُرَّةِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ. (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ بِالنِّكَاحِ يَنْتَظِمُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَخُصُّ الصَّحِيحَ. وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ بِالْبَيْعِ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ، وَعَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالنِّكَاحِ يَخْتَصُّ بِالصَّحِيحِ فَأَلْحَقَاهُ بِالتَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ تَحْصِيلُ الْمَقَاصِدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الْإِعْفَافِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ بِالصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْحَلِفُ عَلَى الْإِعْفَافِ وَذَلِكَ بِالصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ مَا تَزَوَّجْت حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمَاضِي الْعَقْدُ، وَأَلْحَقَهُ بِالْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّ بَعْضَ الْمَقَاصِدِ حَاصِلٌ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِتَصْحِيحِ التَّعْمِيمِ وَإِجْرَاءِ اللَّفْظِ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ فِي الْفَاسِدِ إذَا دَخَلَ

وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ لَا غَيْرُ فَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ، لَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْإِعْفَافُ وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالْجَائِزِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَقَاصِدِ حَاصِلٌ وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفَاتِ. وَلَهُ أَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَبَعْضُ الْمَقَاصِدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَاصِلٌ كَالنَّسَبِ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ الْوَطْءِ، وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ مَمْنُوعَةٌ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. (وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ مَدْيُونًا امْرَأَةً جَازَ، وَالْمَرْأَةُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فِي مَهْرِهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ سَبَبَ وِلَايَةِ الْمَوْلَى مِلْكُهُ الرَّقَبَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَالنِّكَاحُ لَا يُلَاقِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا فِيهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَزَوُّجُ أُخْرَى بِعَقْدٍ صَحِيحٍ عِنْدَهُ لِانْتِهَاءِ الْإِذْنِ بِالْفَاسِدِ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَنْتَهِ بِهِ. (قَوْلُهُ وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) أَيْ طَرِيقَةِ إجْرَاءِ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومٍ (مَمْنُوعَةٌ) وَالطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى أَنَّ الْعَبْدَ فِي النِّكَاحِ مَبْقِيّ عَلَى الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ لِيَثْبُتَ الْمَهْرُ فِي رَقَبَتِهِ لَيْسَ غَيْرُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ إذْ قَالَ تَزَوَّجْ اشْغَلْ رَقَبَتَك بِمَهْرٍ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ بِمَهْرِ مِثْلٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَبِغَيْرِهِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ صَحِيحَةً لِمَا سَيُذْكَرُ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ إنْكَاحَهُ وَعَدَمِ مِلْكِهِ طَلَاقَهُ وَاسْتِقْلَالُ الْعَبْدِ بِمِلْكِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ لِتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ طَرِيقَةُ الْإِطْلَاقِ. وَيُجَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ فِيهِ الْحَلِفُ عَلَى التَّزْوِيجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْإِعْفَافِ وَالتَّحْصِينِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا الْإِعْفَافُ بِالْفِعْلِ فَبَطَلَ مَا يُقَالُ الْإِعْفَافُ بَاطِنِيٌّ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الصَّحِيحُ لِيَظْهَرَ كَوْنُ الْحَلِفِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] الْأَوَّلُ: تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فَجَدَّدَ عَلَيْهَا جَازَ بِلَا كَرَاهِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَمَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. الثَّانِي: زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ مُكَاتَبِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَنَا إلَّا إنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَفْسُدُ لِلْحَالِ لَمِلْكِ زَوْجَتِهِ شَيْئًا مِنْهُ وَلِذَا يَصِحُّ إعْتَاقُهَا إيَّاهُ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَهَا. وَقُلْنَا: لَمْ تَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ مَا لَمْ يَعْجِزْ، وَعِنْدَ ذَلِكَ قُلْنَا بِفَسَادِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا مَلَكْت مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فِيهِ يَبْرَأُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَعْتِقُ. الثَّالِثُ: إذَا غُرَّ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةٍ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ عَبْدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْرُورِ الْحُرِّ . (قَوْلُهُ وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ مَدْيُونًا امْرَأَةً جَازَ وَالْمَرْأَةُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ) إذَا كَانَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ

بِالْإِبْطَالِ مَقْصُودًا، إلَّا أَنَّهُ إذَا صَحَّ النِّكَاحُ وَجَبَ الدَّيْنُ بِسَبَبٍ لَا مَرَدّ لَهُ فَشَابَهَ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ وَصَارَ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَيُمْهِرُ مِثْلَهَا أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ. (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ لَكِنَّهَا تَخْدُمُ الْمَوْلَى، وَيُقَالُ لِلزَّوْجِ مَتَى ظَفِرْت بِهَا وَطِئَتْهَا) لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الِاسْتِخْدَامِ بَاقٍ وَالتَّبْوِئَةُ إبْطَالٌ لَهُ (فَإِنْ بَوَّأَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ أَقَلَّ، فَلَوْ زَوَّجَهُ مِنْهَا بِأَكْثَرَ طُولِبَ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْغُرَمَاءِ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ، وَهَذَا الْوُجُودُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ، وَمَا يُخَالُ مِنْ أَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ لَيْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُلَاقِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ بِالْإِبْطَالِ مَقْصُودًا، بَلْ وَضْعُهُ لِقَصْدِ حِلِّ الْبُضْعِ بِالْمِلْكِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَهْرُ حُكْمًا لَهُ بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ وَهُوَ صِحَّةُ النِّكَاحِ لِصُدُورِهِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ ثُمَّ يَلْزَمُهُ بُطْلَانُ حَقِّهِمْ فِي مِقْدَارِهِ إذَا كَانَ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ لِخُصُوصِ أَمْرٍ وَاقِعٍ فَهُوَ لَازِمُ اللَّازِمِ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكَانَ ضِمْنِيًّا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي إثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ إلَّا حَالُ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ لَا حَالُهُ، وَصَارَ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً صَحَّ وَكَانَتْ أُسْوَةَ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا) وَكَذَا إذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتَهُ وَإِنْ شَرَطَ الزَّوْجُ التَّبْوِئَةَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ عَلَى الْأَمَةِ غَيْرَ أَنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. وَمَعْنَى التَّبْوِئَةِ أَنْ يَدْفَعَهَا لِلزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا، فَلَوْ كَانَتْ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ وَتَخْدُمُ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ تَبْوِئَةً. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَسْتَخْدِمُهَا نَهَارًا وَيُسَلِّمُهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا. وَعِنْدَ مَالِكٍ يُسَلِّمُهَا لِلزَّوْجِ لَيْلَةً بَعْدَ ثَلَاثٍ. قُلْنَا: مِلْكُ السَّيِّدِ ثَابِتٌ فِي الرَّقَبَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَفِيمَا بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالتَّبْوِئَةُ إبْطَالٌ لَهُ فَيَكُونُ إبْطَالُ الْحَقِّ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى وَإِقْدَامُ السَّيِّدِ عَلَى الْعَقْدِ لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ بِالتَّبْوِئَةِ بَلْ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ وَطْئِهِ إيَّاهَا مَتَى ظَفِرَ بِهَا يَتَوَفَّرُ مُقْتَضَاهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ ثَابِتٌ، فَإِثْبَاتُ الْقَسَمِ كَذَلِكَ إثْبَاتٌ بِلَا دَلِيلٍ. لَا يُقَالُ: لَمَّا مَلَكَ مَنَافِعَ بُضْعِهَا لَزِمَهَا تَسْلِيمُهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّبْوِئَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى مَا لَمْ يُبَوِّئْهَا، وَإِذَا بَوَّأَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى خِدْمَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَكُلَّمَا بَوَّأَهَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَكُلَّمَا أَعَادَهَا سَقَطَتْ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّوْجُ التَّبْوِئَةَ فَيُزَوِّجُهُ السَّيِّدُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى التَّبْوِئَةُ وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْحُرُّ الْمُتَزَوِّجُ بِأَمَةِ رَجُلٍ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ حَيْثُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَتَثْبُتُ حُرِّيَّةُ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَوْلَادِ، وَهَذَا أَيْضًا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَبُولَ الْمَوْلَى الشَّرْطَ وَالتَّزْوِيجَ عَلَى اعْتِبَارِهِ هُوَ مَعْنَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْوِلَادَةِ

مَعَهُ بَيْتًا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُقَابِلُ الِاحْتِبَاسَ، وَلَوْ بَوَّأَهَا بَيْتًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّبْوِئَةِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالنِّكَاحِ. قَالَ (ذَكَرَ تَزْوِيجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رِضَاهُمَا) وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ لِلْمَوْلَى إجْبَارَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إجْبَارَ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ فَلَا يَمْلِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَعْلِيقُ ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَعِنْدَ وُجُودِ التَّعْلِيقِ فِيمَا يَصِحُّ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ عَنْ مُقْتَضَاهُ فَتَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ التَّبْوِئَةِ فَإِنَّ بِتَعْلِيقِهَا لَا تَقَعُ هِيَ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ بَلْ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهَا عَلَى فِعْلٍ حِسِّيٍّ اخْتِيَارِيٍّ مِنْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَإِذَا امْتَنَعَ لَمْ تُوجَدْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ هُنَا وَعْدٌ يَجِبُ الْإِيفَاءُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ مُتَعَلِّقُهُ: أَعْنِي نَفْسَ الْمَوْعُودِ بِهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا وَهِيَ مُبَوَّأَةٌ تَجِبُ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُبَوَّأَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ رُجُوعِ السَّيِّدِ إلَى اسْتِخْدَامِهَا لَا تَجِبُ، وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْحُرَّةِ لِزَوَالِ يَدِ الْمَوْلَى وَهِيَ فِي يَدِ نَفْسِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إذَا لَمْ تَحْبِسْ نَفْسَهَا ظُلْمًا، وَلَوْ جَاءَتْ الْأَمَةُ بِوَلَدٍ فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا عَلَى الْأَبِ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ (ذَكَرَ) أَيْ مُحَمَّدٌ (تَزْوِيجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رِضَاهُمَا) أَيْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ (وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَذْهَبِنَا) ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ (أَنَّ لِلْمَوْلَى إجْبَارَهُمَا) أَيْ أَنْ يَعْقِدَ لَهُمَا فَيَنْفُذَ عَلَيْهِمَا عَلِمَا وَرَضِيَا أَوْ لَا كَإِجْبَارِ الْوَلِيِّ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَا سَلَف (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إجْبَارَ فِي الْعَبْدِ) بَلْ فِي الْأَمَةِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ) ذَكَرَهَا (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَجَعَلَهَا الْوَبَرِيُّ رِوَايَةً شَاذَّةً لِلشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ النِّكَاحُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى فَعُقْدَةُ تَصَرُّفٍ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ فَانْتَفَى كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَتَزْوِيجِهِ مُكَاتَبَهُ وَمُكَاتَبَتَهُ، بِخِلَافِ أَمَتِهِ يَمْلِكُ مَا يَتَنَاوَلُهُ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إذْ لِلْعَبْدِ التَّطْلِيقُ فِي الْحَالِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَنَحْنُ نَقُولُ مَنَاطُ نَفَاذِ إنْكَاحِهِ عَلَيْهِ مِلْكُهُ لَهُ الْمُقْتَضِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إصْلَاحِهِ وَدَفْعِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ عَنْهُ وَهُوَ تَزْوِيجُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقُ تَحْصِينِهِ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْهَلَاكِ أَوْ النُّقْصَانِ بِهِ أَوْ فِي مَالِيَّتِهِ لِتَعَيُّبِهِ. وَأَمَّا جَعْلُ مَنَاطِهِ مِلْكَ مَا يَتَنَاوَلُهُ النِّكَاحُ وَأَنَّهَا عِلَّةٌ مُسَاوِيَةٌ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا الْحُكْمُ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا مُنْتَقِضَةٌ طَرْدًا فِي الزَّوْجِ يَمْلِكُ مَا يَتَنَاوَلُهُ النِّكَاحُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ وَعَكْسًا بِالْوَلِيِّ لَا يَمْلِكُهُ مِنْ مُولِيَتِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا. وَأَمَّا نَفْيُ الْفَائِدَةِ فَظَاهِرُ الِانْتِفَاءِ، بَلْ الظَّاهِرُ عَدَمُ مُبَادَرَتِهِ لِلطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مِمَّا تَرْغَبُ فِيهِ النَّفْسُ غَالِبًا وَتَدْعُو إلَيْهِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ طَلَبِ قَطْعِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ حِشْمَةَ السَّيِّدِ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ مَانِعَةٌ مِنْ اجْتِرَائِهِ عَلَيْهِ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى نَقْضِ مَا فَعَلَهُ، فَكَانَ الظَّاهِرُ وُجُودَ الْفَائِدَةِ لَا نَفْيَهَا. وَأَمَّا إلْحَاقُهُ بِالْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ فَمَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَحْرَارِ فِي التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِمَا إلَّا بِرِضَاهُمَا وَعَنْ هَذَا اسْتَطْرَقْت مَسْأَلَةً نُقِلَتْ مِنْ الْمُحِيطِ هِيَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ

إنْكَاحَهُ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مَنَافِعَ بُضْعِهَا فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا. وَلَنَا لِأَنَّ الْإِنْكَاحَ إصْلَاحُ مِلْكِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِينَهُ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ أَوْ النُّقْصَانِ فَيَمْلِكُهُ اعْتِبَارًا بِالْأَمَةِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَحْرَارِ تَصَرُّفًا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا. قَالَ (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ قَتَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQمُكَاتَبَتَهُ الصَّغِيرَةَ تَوَقَّفَ النِّكَاحُ عَلَى إجَازَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْبَالِغَةِ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الْكِتَابَةِ، ثُمَّ إنَّهَا لَوْ لَمْ تُرِدْ حَتَّى أَدَّتْ فَعَتَقَتْ بَقِيَ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى لَا عَلَى إجَازَتِهَا؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ تَبْقَ مُكَاتَبَةً وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ، فَاعْتُبِرَ التَّوَقُّفُ عَلَى إجَازَتِهَا فِي حَالِ رِقِّهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ بَعْدَ الْعِتْقِ، هَكَذَا تَوَارَدَهَا الشَّارِحُونَ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ بَلْ بِمُجَرَّدِ عِتْقِهَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ فَإِمَّا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَهُوَ مُمْتَنَعٌ لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِ، وَإِمَّا عَلَى الْعَبْدِ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُصْدَرٌ مِنْ جِهَتِهِ فَكَيْفَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَانَ نَافِذًا مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى السَّيِّدِ، فَكَذَا السَّيِّدُ هُنَا فَإِنَّهُ وَلِيٌّ مُجْبَرٌ، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ عَلَى إذْنِهَا لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ زَالَ فَبَقِيَ النَّفَاذُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ، فَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ، وَكَثِيرًا مَا يُقَلِّدُ السَّاهُونَ السَّاهِينَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا زَوَّجَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ، فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَا يَنْفُذُ حَتَّى يُجِيزَهُ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَ صَدَرَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ نَافِذًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ لَا نَفَاذَ فِي حَالَةِ الصِّبَا أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الرَّأْيِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَمَوْلَى الْمُكَاتَبَةِ الصَّغِيرَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ، وَسَيَأْتِي زِيَادَةٌ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَقُدْرَةُ إبْطَالِ مَا أَمْضَاهُ سَيِّدُهُ شَيْءٌ فَيَكُونُ مُنْتَفِيًا فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ لِسِيَاقِهِ فِي مُقَابَلَةِ {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 75] ... ... {فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ} [النحل: 75] وَلِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ وَهُوَ شَيْءٌ لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ قَتَلَهَا إلَخْ) السَّيِّدُ فِي تَزْوِيجِهِ مُكَاتَبَتَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ بَلْ

عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِمَوْلَاهَا) اعْتِبَارًا بِمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ: وَلَهُ أَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ كَمَا إذَا ارْتَدَّتْ الْحُرَّةُ، وَالْقَتْلُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا جُعِلَ إتْلَافًا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ فَكَذَا فِي حَقِّ الْمَهْرِ. (وَإِنْ قَتَلَتْ حُرَّةٌ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) خِلَافًا لِزُفَرَ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالرِّدَّةِ وَبِقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَالْجَامِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُكَاتَبَةُ وَفِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ، فَلَوْ قَتَلَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَوْلَى قَبَضَهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ. وَقَالَا: لَا يَسْقُطُ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَبِقَتْلِ أَجْنَبِيٍّ وَقَتْلِ الْمَوْلَى زَوْجَهَا وَمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا. لَهُمَا أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ، وَلَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَمْ يَسْقُطْ بَلْ يَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ إذْ بِهِ يَنْتَهِي الْعَقْدُ وَبِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ يَتَقَرَّرُ الْبَدَلُ فَلَا يَسْقُطُ بِقَتْلِهِ إيَّاهَا بَعْدَ لُزُومِهِ كَقَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ إيَّاهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ الْحُرَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ. وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا لَكِنَّهُ جُعِلَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إتْلَافًا حَتَّى وَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالضَّمَانُ فِيمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحَلَّهَا لَهُ وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ الدِّيَةُ وَالْقَوَدُ لِلِاسْتِحَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ رَهْنًا عِنْدَ إنْسَانٍ فَقَتَلَهَا سَيِّدُهَا الرَّاهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا لَهُ؛ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَصِيَّهُ مَثَلًا قَالُوا يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ إذَا ارْتَدَّتْ يَسْقُطُ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ الْعَاقِلَةَ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ عَلَى الرِّدَّةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُحْظَرْ عَلَيْهَا وَالرِّدَّةُ مَحْظُورَةٌ عَلَيْهَا. أَمَّا الْأَمَةُ فَلَا رِوَايَةَ فِي رِدَّتِهَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قِيلَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ وَهُوَ الْمُسْقِطُ لَمْ يَجِئْ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَوْلَى، وَقِيلَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ أَوَّلًا لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَتِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ يُصْرَفُ إلَيْهِ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي وُجُودِ سَبَبِ السُّقُوطِ فَعِنْدَهُ وُجِدَ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَبَقِيَ وُجُوبُهُ السَّابِقُ عَلَى حَالِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَتْ حُرَّةٌ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) يَسْتَحِقُّهُ وَرَثَتُهَا (خِلَافًا لِزُفَرَ) وَلَمْ يُحْكَ خِلَافُ زُفَرَ فِي الْمَبْسُوطِ بَلْ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلٌ لَهُ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ بِالسُّقُوطِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْأَمَةِ نَفْسَهَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْقُطُ كَالْحُرَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِمَوْلَاهَا لَا لَهَا وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ مَنْعَ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ مَالِكٍ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَمْلُوكِ يُضَافُ إلَى مَالِكِهِ فِي مُوجَبِهِ، وَلِذَا لَوْ قَتَلَتْ غَيْرَهَا كَانَ الْمُخَاطَبُ بِدَفْعِهَا أَوْ فِدَائِهَا الْمَوْلَى فَكَانَ فِي الْحُكْمِ كَقَتْلِ الْمَوْلَى لَهَا، وَالْأَوْجَهُ مَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي رِدَّتِهَا بِالسُّقُوطِ وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ أَوَّلًا لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى. وَفَائِدَةُ الْأَوَّلِيَّةِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قُضِيَ وَلَمْ يُعْطَ الْمَوْلَى إلَّا مَا فَضَلَ. لِزُفَرَ الْقِيَاسُ عَلَى رِدَّتِهَا الِاتِّفَاقِيَّةِ وَقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالْجَامِعُ)

مَا بَيَّنَّاهُ. وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَشَابَهَ مَوْتَهَا حَتْفَ أَنْفِهَا، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ. . قَالَ (وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْعَزْلِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا حَتَّى تَثْبُتَ لَهَا وِلَايَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الْمَقِيسِ وَهُوَ قَتْلُهَا نَفْسَهَا وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَهُوَ رِدَّتُهَا (مَا بَيَّنَّا) مِنْ مَنْعِ الْمُبْدَلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ فِي قَاتِلِ نَفْسِهِ، إنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرَاهُ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ، بِخِلَافِ رِدَّتِهَا فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى حُبِسَتْ بِهَا وَعُزِّرَتْ وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا فَيَسْقُطُ بِهَا الْمَهْرُ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَلَوْ سُلِّمَ فَقَتْلُهَا نَفْسَهَا تَفْوِيتٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْمَوْتِ صَارَ الْمَهْرُ لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهَا حَقُّ غَيْرِهَا، أَمَّا الْأَمَةُ فَمَهْرُهَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ إبْطَالًا لِحَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اُقْتُلْ عَبْدِي فَقَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَ الْحُرُّ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مُبْطِلٌ لِحَقِّ نَفْسِهِ، وَفِي الثَّانِي مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ. وَاسْتَشْكَلَ بِالْحُرَّةِ يَقْتُلُهَا وَارِثُهَا لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ صَارَ مَحْرُومًا بِالْقَتْلِ فَلَمْ يَكُنْ بِالْقَتْلِ مُبْطِلًا حَقَّ نَفْسِهِ فِي الْمَهْرِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) الْعَزْلُ جَائِزٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ جُدَامَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَّاشَةَ قَالَتْ «حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُنَاسٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ؛ قَالَ: ذَاكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ» وَكَذَا ذَكَرَ شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زُرْعَةَ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ قَالَ هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى " وَصَحَّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَفْعَلُهُ، وَقَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: ضَرَبَ عُمَرُ عَلَى الْعَزْلِ بَعْضَ بَنِيهِ. وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا: كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ الْعَزْلِ. وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ " كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ " وَفِي مُسْلِمٍ عَنْهُ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَنْهَنَا» وَفِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ، وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، قَالَ: كَذَبَتْ يَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ عِنْدِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: فَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَكَ قَدْ حَمَلَتْ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

الْمُطَالَبَةِ، وَفِي الْعَزْلِ تَنْقِيصُ حَقِّهَا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا كَمَا فِي الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهَا فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَزْلَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْوَلَدِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى فَيُعْتَبَرُ رِضَاهُ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْحُرَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي جَوَازِ الْعَزْلِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: عَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَحَدِيثُ السُّنَنِ يَدْفَعُ حَدِيثَ جُدَامَةَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي السُّنَنِ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ عَلَى يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، فَقِيلَ فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرٍ، وَقِيلَ فِيهِ عَنْ أَبِي مُطِيعِ بْنِ رِفَاعَةَ، وَقِيلَ عَنْ رِفَاعَةَ، وَقِيلَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ الطُّرُقَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ. وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ يَحْيَى مِنْ حَدِيثِ الْكُلِّ بِهَذِهِ الطُّرُقِ، لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُمَا إذَا تَعَارَضَا يَجِبُ تَرْجِيحُ حَدِيثِ جُدَامَةَ؛ لِأَنَّهُ مُخْرَجٌ عَنْ الْأَصْلِ: أَعْنِي الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ، إلَّا أَنَّ كَثْرَةَ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى اشْتِهَارِ خِلَافِهِ، وَقَدْ اتَّفَقَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهَا لَا تَكُونُ مَوْءُودَةً حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْهَا التَّارَاتُ السَّبْعُ. أَسْنَدَ أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَلَسَ إلَيَّ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُذَاكَرُوا الْعَزْلَ فَقَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا تَكُونُ مَوْءُودَةً حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْهَا التَّارَاتُ السَّبْعُ: حَتَّى تَكُونَ سُلَالَةً مِنْ طِينٍ، ثُمَّ تَكُونَ نُطْفَةً، ثُمَّ تَكُونَ عَلَقَةً، ثُمَّ تَكُونَ مُضْغَةً، ثُمَّ تَكُونَ عِظَامًا، ثُمَّ تَكُونَ لَحْمًا، ثُمَّ تَكُونَ خَلْقًا آخَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْت، أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك. وَفِيهِ خِلَافٌ مَا عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ مِنْ الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ فِي بَعْضِ أَجْوِبَةِ الْمَشَايِخِ الْكَرَاهَةُ وَفِي بَعْضِهَا عَدَمُهَا، ثُمَّ عَلَى الْجَوَازِ فِي أَمَتِهِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِهَا، وَفِي زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ يَفْتَقِرُ إلَى رِضَاهَا، وَفِي مَنْكُوحَتِهِ الْأَمَةِ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِذْنِ وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ أَوْ لَهَا وَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَفِي الْفَتَاوَى: إنْ خَافَ مِنْ الْوَلَدِ السُّوءَ فِي الْحُرَّةِ يَسَعُهُ الْعَزْلُ بِغَيْرِ رِضَاهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَلْيُعْتَبَرْ مِثْلُهُ مِنْ الْأَعْذَارِ مُسْقِطًا لِإِذْنِهَا. ثُمَّ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْعَتَّابِيُّ وَفِي بَعْضِهَا: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ النُّسْخَةُ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ ذَكَرَ الْجَوَابَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لِمَوْلَاهَا مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ، وَبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَوَجْهُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُمَا أَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا حَتَّى إنَّ لَهَا الْمُطَالَبَةَ بِهِ، وَفِي الْعَزْلِ تَنْقِيصُهُ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِهِ كَالْحُرَّةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّهَا فِي نَفْسِ الْوَطْءِ قَدْ تَأَدَّى بِالْجِمَاعِ، فَإِنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ بِهِ؛ وَأَمَّا سَفْحُ الْمَاءِ فَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ الْوَلَدُ وَالْحَقُّ فِيهِ لِمَوْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَمُسْتَفَادُهُ فَيُشْتَرَطُ إذْنُهُ. ثُمَّ إذَا عَزَلَ بِإِذْنٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ هَلْ يَحِلُّ نَفْيُهُ أَمْ لَا؟ قَالُوا: إنْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا أَوْ عَادَ وَلَكِنْ بَالَ قَبْلَ الْعَوْدِ حَلَّ نَفْيُهُ وَإِنْ لَمْ يَبُلْ لَمْ يَحِلَّ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْمَنِيِّ فِي ذَكَرِهِ يَسْقُطُ فِيهَا، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ قَبْلَ الْبَوْلِ ثُمَّ بَالَ فَخَرَجَ الْمَنِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْغُسْلِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ تَخْرُجُ وَتَدْخُلُ وَيَعْزِلُ عَنْهَا الْمَوْلَى فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ وَأَكْبَرُ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ نَفْيِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً لَا يَسَعُهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْزِلُ فَيَقَعُ الْمَاءُ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَزْلِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا قَالُوا الْخُصُومَةُ لِلْمَوْلَى أَوْ لَهَا عَلَى الْخِلَافِ، وَهَلْ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَ الْحَبَلِ؟ يُبَاحُ مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ ثُمَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، قَالُوا: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّخْلِيقِ نَفْخَ الرُّوحِ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ

(وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَرِيرَةَ حِينَ عَتَقَتْ «مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي» فَالتَّعْلِيلُ بِمِلْكِ الْبُضْعِ صَدَرَ مُطْلَقًا فَيَنْتَظِمُ الْفَصْلَيْنِ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّخْلِيقَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا) أَوْ زَوَّجَهَا هُوَ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا (ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) أَمَّا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَنْفُذُ النِّكَاحُ بِالْإِعْتَاقِ وَلَا خِيَارَ لَهَا (وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا) فَلَا خِيَارَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي تَرْجِيحِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ أَكَانَ حِينَ أُعْتِقَتْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا؟ وَفِي تَرْجِيحِ الْمَعْنَى الْمُعَلَّلِ بِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَهَا وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا» رَوَاهَا الْقَاسِمُ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَاتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ، وَهَكَذَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالتَّرْجِيحُ يَقْتَضِي فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ تَرْجِيحَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، وَذَلِكَ أَنَّ رُوَاةَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ ثَلَاثَةٌ الْأَسْوَدُ وَعُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ؛ فَأَمَّا الْأَسْوَدُ فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، وَأَمَّا عُرْوَةُ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَالْأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ فَعَنْهُ أَيْضًا رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَالْأُخْرَى الشَّكُّ. وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ التَّرْجِيحِ مُطْلَقًا لَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْوِيِّ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ «خَيَّرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا» يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْوَاوِ فِيهِ لِلْعَطْفِ لَا لِلْحَالِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْأَمْرَيْنِ، وَكَوْنُهُ اتَّصَفَ بِالرِّقِّ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ كَانَ حَالَ عِتْقِهَا هَذَا بَعْدَ احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالْعَبْدِ الْعَتِيقُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَهُوَ شَائِعٌ فِي الْعُرْفِ. وَاَلَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ مِنْ التَّرْجِيحِ أَنَّ رِوَايَةَ كَانَ حُرًّا أَنَصُّ مِنْ كَانَ عَبْدًا لِمَا قُلْنَا، وَتَثْبُتُ زِيَادَةٌ فَهِيَ أَوْلَى وَأَيْضًا فَهِيَ مُثْبِتَةٌ وَتِلْكَ نَافِيَةٌ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ حَالَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ الرِّقَّ وَالنَّافِي هُوَ الْمُبْقِيهَا وَالْمُثْبِتُ هُوَ الْمُخْرِجُ عَنْهَا. وَأَمَّا الْمَعْنَى الْمُعَلَّلُ بِهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَيَّنُوهُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ ثُبُوتَهَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ

وَلِأَنَّهُ يَزْدَادُ الْمِلْكُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ الزَّوْجُ بَعْدَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَمْلِكُ رَفْعَ أَصْلِ الْعَقْدِ دَفْعًا لِلزِّيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا فِي الْبَقَاءِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ فِي الْبَقَاءِ أَوْ انْتَفَى نَسَبُهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ. وَأَصْحَابُنَا تَارَةً يُعَلِّلُونَهُ بِزِيَادَةِ الْمَلِكِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُصُ بِثِنْتَيْنِ فَازْدَادَ الْمَلِكُ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالرِّجَالِ لَا بِالنِّسَاءِ، وَكَأَنَّهُ اعْتِمَادٌ عَلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ بِإِثْبَاتِ ضَرَرٍ وَهُوَ رَفْعُ أَصْلِ الْعَقْدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ إلَّا بِهِ مَعَ أَنَّهُ رَضِيَ بِهِ حَيْثُ تَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا قَدْ تَعْتِقُ، ثُمَّ إنَّهُ اسْتَضْعَفَ بِأَنَّ عَدَمَ مِلْكِهِ الثَّالِثَةَ لَا يَسْتَلْزِمُ نُقْصَانَ مَمْلُوكِيَّتِهَا وَلَا مِلْكِهِ الثَّالِثَةَ يَسْتَلْزِمُ طُولَهَا، فَقَدْ تَطُولُ مَمْلُوكِيَّتُهَا مَعَ مِلْكِهِ ثِنْتَيْنِ بِأَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَصْلًا إلَى الْمَوْتِ فَلَا ضَابِطَ لِذَلِكَ؛ وَتَارَةً بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ وَهِيَ مِلْكُهَا بُضْعَهَا. رَوَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ بِسَنَدِهِ إلَى «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَهَا حِينَ أُعْتِقَتْ مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي» وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبَرِيرَةَ لَمَّا أُعْتِقَتْ قَدْ عَتَقَ بُضْعُكِ مَعَكِ فَاخْتَارِي» وَهَذَا مُرْسَلٌ وَهُوَ حُجَّةٌ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبَرِيرَةَ لَمَّا عَتَقَتْ اذْهَبِي، فَقَدْ عَتَقَ بُضْعُكِ مَعَكِ» وَلَيْسَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ فَائِدَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا التَّنْبِيهُ عَلَى ثُبُوتِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بَرِيرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا «مَلَكْتِ نَفْسَكِ فَاخْتَارِي» فَقَدْ تَظَافَرَتْ هَذِهِ الطُّرُقُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَإِذَنْ فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ، وَيَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِزِيَادَةِ الْمَلِكِ إظْهَارُ حِكْمَةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِيمَا إذَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً عَتَقَتْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَمَا زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا بِرِضَاهَا أَوْ غَيْرِهِ وَخَالَفَ زُفَرُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ فِي الْكِتَابِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ بِرِضَاهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ لَوْ زَوَّجَهَا بِرِضَاهَا وَمُشَاوَرَتِهَا فِي ذَلِكَ أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَالْأَوْجَهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي» إذْ الْمُكَاتَبَةُ كَانَتْ مَالِكَةً لِبُضْعِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ تَابِعٌ لَمِلْكِ نَفْسِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَالِكَةً نَفْسَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ مَالِكَةً لِأَكْسَابِهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَلَكْتِ بُضْعَكِ» لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا مَنَافِعُ بُضْعَكِ إذْ لَا يُمْكِنُ مِلْكُهَا لِعَيْنِهِ وَمِلْكُهَا لِأَكْسَابِهَا تَبَعٌ لِمِلْكِهَا لِمَنَافِعِ نَفْسِهَا وَأَعْضَائِهَا فَيَلْزَمُ كَوْنُهَا مَالِكَةً لِبُضْعِهَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ، وَتَرَجَّحَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ كَانَتْ حُرَّةً فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثُمَّ صَارَتْ أَمَةً بِأَنْ

(وَكَذَلِكَ) (الْمُكَاتَبَةُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ عَتَقَتْ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا وَكَانَ الْمَهْرُ لَهَا فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا. وَلَنَا أَنَّ الْعِلَّةَ ازْدِيَادُ الْمَلِكِ وَقَدْ وَجَدْنَاهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا قُرْءَانِ وَطَلَاقَهَا ثِنْتَانِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ صَحَّ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَامْتِنَاعُ النُّفُوذِ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ (وَلَا خِيَارَ لَهَا) لِأَنَّ النُّفُوذَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا تَتَحَقَّقُ زِيَادَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ مَعَ زَوْجِهَا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ مَعًا ثُمَّ سُبِيَا مَعًا ثُمَّ عَتَقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا بِالْعِتْقِ مَلَكَتْ نَفْسَهَا وَازْدَادَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ثَبَتَ عَلَيْهَا مِلْكٌ كَامِلٌ بِرِضَاهَا، ثُمَّ انْتَقَصَ الْمِلْكُ بِعَارِضِ الرِّقِّ فَإِذَا عَتَقَتْ عَادَ الْمِلْكُ إلَى أَصْلِهِ كَمَا كَانَ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ صَحَّ النِّكَاحُ) أَيْ نَفَذَ بِمُجَرَّدِ الْعِتْقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا فَرَضَهَا فِي الْأَمَةِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا الْمَسْأَلَةَ الَّتِي تَلِيهَا تَفْرِيعًا. وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ كَانَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى فَلَا يَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَارَتِهِ بَعْدَ بُطْلَانِ وِلَايَتِهِ، وَإِذَا بَطَلَ تَنْفِيذُهُ وَتَوَقُّفُهُ لَزِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ إذْ لَا وَاسِطَةَ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَتْ ثُمَّ عَتَقَتْ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ الْقِسْمَيْنِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُهُمَا بِالدُّيُونِ وَيُطَالِبَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَأَهْلِيَّةُ الْعِبَارَةِ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَهِيَ مُبْقَاةٌ فِيهِمَا عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ (وَامْتِنَاعُ النُّفُوذِ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ) بِالْعِتْقِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ نَافِذٌ مِنْ جِهَتِهَا، وَيَجِبُ أَنْ يَنْفُذَ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى مَا دَامَ حَقَّهُ، فَإِذَا زَالَ بَقِيَ النَّفَاذُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ تَوَقُّفٍ. وَأَمَّا الْبُطْلَانُ فَمَا ذُكِرَ فَلَيْسَ لِمَا قَالَ بَلْ لِلُّزُومِ تَحَوُّلِ حُكْمِ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ انْعَقَدَ مُوجِبًا لَمِلْكِ الْمَوْلَى وَلَوْ نَفَذَ بَعْدَ عِتْقِهَا كَانَ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ لَهَا. وَأُورِدَ عَلَى التَّعْلِيلِ النَّقْضُ بِصُوَرٍ، وَهِيَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ أَذِنَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ النِّكَاحُ حَتَّى يُجِيزَ مَا صَنَعَ، وَمَا إذَا زَوَّجَ فُضُولِيٌّ شَخْصًا ثُمَّ وَكَّلَهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْفُضُولِيِّ بَعْدَ الْوَكَالَةِ، وَمَا إذَا زَوَّجَ وَلِيٌّ أَبْعَدُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ ثُمَّ غَابَ الْأَقْرَبُ أَوْ مَاتَ فَتَحَوَّلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْمُزَوِّجِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ مِنْهُ، وَكَذَا سَيِّدُ الْمُكَاتَبَةِ الصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهَا بِلَا إذْنِهَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهَا، فَإِذَا أَدَّتْ وَعَتَقَتْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ النِّكَاحُ إلَّا بِإِجَازَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ السَّيِّدِ مَعَ أَنَّهُ الْمُزَوِّجُ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِأَنَّ الْإِذْنَ وَالتَّوْكِيلَ فَكُّ الْحَجْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ وَقْتِهِمَا فَلَا يَعْمَلَانِ فِيمَا قَبْلَهُمَا، وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ بِالْإِجَازَةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَاهُ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْأَبْعَدَ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا حِينَ زَوَّجَ، وَمَنْ لَيْسَ وَلِيًّا فِي شَيْءٍ لَا يَتَأَنَّى فِي عَوَاقِبِهِ وَيُحَكِّمُ الرَّأْيَ فِيهِ بَلْ يَتَوَانَى اتِّكَالًا عَلَى رَأْيِ الْأَقْرَبِ فَلَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَصْلَحِ ظَاهِرًا فَيَجِبُ تَوْقِيفُهُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ وَلِيًّا لِيَثْبُتَ كَوْنُهُ أَصْلَحَ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَبِهَذَا الْحَرْفِ يَقَعُ الِانْفِصَالُ عَنْ النَّقْضِ الرَّابِعِ: يَعْنِي سَيِّدَ الْمُكَاتَبَةِ الصَّغِيرَةِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَلِيَّ الْأَبْعَدَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ بَعْدَ تَسْلِيمِ ظُهُورِهِ فِيهِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى رَأْيِ الْأَقْرَبِ، أَمَّا هُنَا فَلَا يُتَّجَهُ اعْتِمَادُ الْمَوْلَى عَلَى رَأْيِ الصَّغِيرَةِ فَيَتْرُكُ النَّظَرَ فَكَانَ الظَّاهِرُ النَّظَرَ مِنْهُ لِظُهُورِهِ مِنْ مُجَرَّدِ الدِّينِ وَالنِّسْبَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَ ظُهُورِهِ فِيهِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالنَّفَاذِ بِالْعِتْقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَوَعَدْنَاهُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَيَجِبُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ. (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ النُّفُوذَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ إنَّمَا شُرِعَ فِي نِكَاحٍ نَافِذٍ

الْمِلْكِ، كَمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ. (فَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَالْمَهْرُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا فَالْمَهْرُ لَهَا) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةً لَهَا. وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْأَلْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ بِالْعِتْقِ اسْتَنَدَ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْعَقْدِ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْعِتْقِ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ فَلَا تَتَحَقَّقُ زِيَادَةُ الْمِلْكِ لِذَلِكَ. وَأُورِدَ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِنَادِ يَظْهَرُ أَنَّ النَّفَاذَ قَبْلَ الْعِتْقِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ، وَحَالُ ثُبُوتِهِ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَانْتَفَى الْخِيَارُ بَعْدَهُ . (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ) نَصَّ عَلَى زِيَادَةِ الْمُسَمَّى عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ. إنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ لَهَا. وَكَانَ يَتَبَادَرُ أَنَّ فِي الْوَطْءِ قَبْلَ الْعِتْقِ مَهْرَ الْمِثْلِ لِلسَّيِّدِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ حِينَئِذٍ فَكَانَ دُخُولًا فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ وَهُوَ كَالْفَاسِدِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِيهِ فَوَجَبَتْ قِيمَةُ الْبُضْعِ الْمُسْتَوْفَى مَنَافِعُهُ الْمَمْلُوكَةُ لِلسَّيِّدِ فَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ لَهَا عَلَى هَذَا خِلَافًا لِمَا قِيلَ وَالزِّيَادَةُ لَهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ. وَهَذَا التَّوْجِيهُ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِهَا، وَالثَّابِتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ إلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ، ثُمَّ إذَا أُعْتِقَتْ وَوَطِئَهَا يَجِبُ الْمُسَمَّى لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ

وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ آخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَجِبُ مَهْرَانِ الْمُسَمَّى وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ انْهَدَمَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِسَبَبِ اسْتِنَادِ النَّفَاذِ؛ لِأَنَّ النَّافِذَ لَيْسَ إلَّا ذَلِكَ الْعَقْدُ، وَحِينَ صَحَّ الْعَقْدُ لَزِمَ صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ وَيَلْزَمُهُ بُطْلَانُ لُزُومِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَهُ. لَا يُقَالُ: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِنَادِ صَارَتْ مَالِكَةً لِمَنَافِعِ بُضْعِهَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الِاسْتِنَادُ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْقَائِمِ لَا فِي الْفَائِتِ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ فَائِتَةٌ. وَحِينَ فَاتَتْ فَاتَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَكَانَ بَدَلُهَا لَهُ. وَقَدْ يُورَدُ فَيُقَالُ: لَوْ اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ يَجِبُ كَوْنُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا وَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهَا النَّفَاذُ بِالْعِتْقِ وَبِهِ تَمْلِكُ مَنَافِعَهَا، بِخِلَافِ النَّفَاذِ بِالْإِذْنِ وَالرِّقُّ قَائِمٌ. هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ كَبِيرَةً، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَأَعْتَقَهَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ عِنْدَ زُفَرَ، وَعِنْدَنَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ سِوَاهُ، فَإِذَا أَجَازَ جَازَ، فَإِذَا بَلَغَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُجِيزُ أَبَاهَا أَوْ جَدَّهَا، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِخِيَارِ الْإِدْرَاكِ عَنْ خِيَارِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَجَّزُ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ الِاتِّحَادِ بِالِاسْتِنَادِ (لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ آخَرُ)

بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ اتَّحَدَ بِاسْتِنَادِ النَّفَاذِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا مَهْرًا وَاحِدًا. (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْأَبُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْبَقَاءِ فَلَهُ تَمَلُّكُ جَارِيَتِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ الْمَاءِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ نَسْلِهِ دُونَهَا إلَى إبْقَاءِ نَفْسِهِ، فَلِهَذَا يَتَمَلَّكُ الْجَارِيَةَ بِالْقِيمَةِ وَالطَّعَامَ بِغَيْرِ قِيمَةٍ، ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ قُبَيْلَ الِاسْتِيلَاءِ شَرْطًا لَهُ إذْ الْمُصَحَّحُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ (بِالدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْأَبُ) وَلَيْسَ عَبْدًا وَلَا مُكَاتَبًا وَلَا كَافِرًا وَلَا مَجْنُونًا، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَةُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَصِحُّ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَلَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّ مِلَّتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ جَازَتْ الدَّعْوَةُ مِنْ الْأَبِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُ الْأَمَةِ فِي مِلْكِ الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى الدَّعْوَةِ، فَلَوْ حَبِلْت فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ فِيهِ وَأَخْرَجَهَا الِابْنُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَسْتَدْعِي قِيَامَ وَقْتِ التَّمَلُّكِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ إلَى التَّمَلُّكِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا تَصْدِيقُ الِابْنِ وَدَعْوَةُ الْجَدِّ لِأَبٍ كَالْأَبِ، وَلَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْجَدِّ لِأُمٍّ اتِّفَاقًا. وَشَرْطُ دَعْوَةِ الْجَدِّ لِأَبٍ أَنْ تَكُونَ حَالَ عَدَمِ وِلَايَةِ الْأَبِ لِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ، وَأَنْ تَثْبُتَ وِلَايَتُهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ دَعَوْته لِمَا قُلْنَا فِي الْأَبِ. (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ هَذَا الْمَجْمُوعِ (أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى إبْقَاءِ نَفْسِهِ) لِمَا سَنَذْكُرُ فَكَذَا إلَى صَوْنِ نَسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَفْسِهِ إذْ هُوَ جُزْؤُهُ لَكِنَّ الْحَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنْهَا إلَى حِفْظِ النَّسْلِ (فَلِذَا يَتَمَلَّكُ الطَّعَامَ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَالْجَارِيَةُ الْقِيمَةُ) وَيَحِلُّ لَهُ الطَّعَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ جَارِيَةِ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، كَذَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَيُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ دُونَ دَفْعِ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ لِلتَّسَرِّي، فَلِلْحَاجَةِ جَازَ لَهُ التَّمَلُّكُ، وَلِقُصُورِهَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ وَتَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودَيْنِ مَقْصُودِ الْأَبِ وَالِابْنِ إذْ الْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ: أَيْ مَا يَرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا جَمَالًا فَقَطْ. وَأَمَّا مَا قِيلَ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ مِثْلَهَا لِلزِّنَا لَوْ جَازَ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ

وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْأَبِ فِيهَا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ يُلَاقِي مِلْكَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْمَهْرُ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ. . قَالَ (وَلَوْ كَانَ الِابْنُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَوَلَدُهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ صَحَّ التَّزَوُّجُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِخُلُوِّهَا عَنْ مِلْكِ الْأَبِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الِابْنَ مَلَكَهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ لِلْعَادَةِ أَنَّ مَا يُعْطَى لِذَلِكَ أَقَلُّ مِمَّا يُعْطَى مَهْرًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْبَقَاءِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالْعَادَةُ زِيَادَتُهُ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمَا يُوجِبَانِ الْعُقْرَ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهَا قُبَيْلَ الْوَطْءِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ ضَرُورَةُ صِيَانَةِ الْوَلَدِ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِإِثْبَاتِهِ كَذَلِكَ دُونَ إثْبَاتِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ. قُلْنَا: لَازِمُ كَوْنِ الْفِعْلِ زِنًا ضَيَاعُ الْمَاءِ شَرْعًا، فَلَوْ لَمْ يَقْدُمْ عَلَيْهِ ثَبَتَ لَازِمُهُ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمَلْزُومِ دُونَ لَازِمِهِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَلَا لُزُومَ، فَظَهَرَ أَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ قَبْلَ الْإِيلَاجِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ حَيْثُ يَجِبُ الْعُقْرُ وَلَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ أَوْ غَيْرِهِ تَجِبُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ الِابْنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقْرِ، وَقِيمَةُ بَاقِيهَا إذَا حَبِلَتْ لِعَدَمِ تَقْدِيمِ الْمِلْكِ فِي كُلِّهَا لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ وَهُوَ صِيَانَةُ النَّسْلِ إذْ مَا فِيهَا مِنْ الْمِلْكِ لَهُ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ، وَإِذَا صَحَّ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي بَاقِيهَا حُكْمًا لَا شَرْطًا، ثُمَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ لَا تَجِبَ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِلَا تَرَدُّدٍ كَقَوْلِنَا لَكِنْ فِي قَوْلٍ تَجِبُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ قَبْلَ الْإِيلَاجِ أَوْ بَعْدَهُ تُسْقِطُ إحْصَانَهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الِابْنُ زَوَّجَهَا) أَيْ زَوَّجَ أَمَتَهُ (إيَّاهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِلِابْنِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لَهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ) وَهَذَا لِأَنَّهُ صَحَّ النِّكَاحُ لَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ. وَمَبْنَى الْخِلَافِ فِيهِ أَنَّ الثَّابِتَ لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ حَقُّ مِلْكٍ عِنْدَهُ فَيَمْتَنِعُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا كَأَمَةِ مُكَاتَبِهِ وَالْأَمَةُ الْمُشْتَرَكَةُ وَحَقُّ التَّمَلُّكِ عِنْدَنَا مِنْ وَجْهٍ. وَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ

كُلِّ وَجْهٍ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَمْلِكَهَا الْأَبُ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا يَمْلِكُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَا يَبْقَى مَعَهُ مِلْكُ الْأَبِ لَوْ كَانَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ صَارَ مَاؤُهُ مَصُونًا بِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْيَمِينِ فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الِابْنُ يَمْلِكُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا مَا لَا يَبْقَى مَعَهُ مِلْكُ الْأَبِ، وَلَوْ قَالَ مَا لَا يُجَامِعُهُ مِلْكُ الْأَبِ كَانَ أَوْلَى فَلَا يَكُونُ لِلْأَبِ فِيهَا مِلْكٌ مِنْ وَجْهٍ، فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ هِيَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا وَانْفِرَادُهُ بِتَزْوِيجِهَا وَإِعْتَاقُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْأَبِ شَيْئًا، فَهَذِهِ لَوَازِمُ الْمُرَكَّبِ مِنْ مِلْكِهِ وَعَدَمِ مِلْكِ الْأَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ إجْمَاعًا لَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «أَنْتَ وَمَالِكُ لِأَبِيكَ» إثْبَاتُ حَقِّ التَّمَلُّكِ لَا حَقِّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِالْمَوْهُوبَةِ وَلَهُ حَقُّ تَمَلُّكِهَا بِالِاسْتِرْدَادِ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا وَوَالِدًا وَإِنَّ وَالِدِي يَحْتَاجُ إلَى مَالِي، قَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَرُوِيَ «لِوَالِدِكَ، إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِهِ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» فَتَعَلُّقُهُ بِمُجَرَّدِ الْأَكْلِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ وَمَا مَعَهُ دَلِيلُ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ مَعَ عَدَمِهِ بِدَلِيلِ عَدَمِ إجْزَائِهِمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ. قُلْنَا: بَلْ هُمَا مَمْلُوكَتَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا فَكَانَ نُقْصَانًا فِي رَقِّهِمَا لَا فِي مِلْكِ السَّيِّدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَجَازَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي التَّرْكِيبِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمَالَ لِلِابْنِ بِقَوْلِهِ وَمَالُكَ وَهُوَ يُفِيدُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ فِي مِثْلِهِ، ثُمَّ أَضَافَهُ مَعَ الِابْنِ لِلْأَبِ بِاللَّامِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ فِي مِثْلِهِ وَالْعَطْفُ عَطْفٌ مُفْرَدٌ، وَلَا يُمْكِنُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِي الِابْنِ فَلَزِمَ فِي الْمَالِ أَيْضًا نَفْيُ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَإِلَّا كَانَتْ اللَّامُ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ. بَقِيَ تَعْيِينُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَهُوَ حَقُّ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّ التَّمَلُّكِ؟ فَقَدْ يُقَالُ: حَقُّ الْمَلِكِ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَيْهَا أَوْلَى، وَلَكِنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَمْنَعُ حَقَّ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مِنْ وَجْهٍ وَهِيَ تَمْنَعُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَقُّ الْمِلْكِ جَازَ النِّكَاحُ بِهِ يَصِيرُ مَاؤُهُ مَصُونًا فَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ

وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا فِي وَلَدِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُمَا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ وَوَلَدُهَا حُرٌّ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ. . قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَقَالَتْ لِمَوْلَاهُ أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَفْسُدُ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ عِنْدَنَا حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا، وَعِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ طَلَبَ أَنْ يُعْتِقَ الْمَأْمُورُ عَبْدَهُ عَنْهُ، وَهَذَا مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ فَلَمْ يَصِحَّ الطَّلَبُ فَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ إذْ الْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ أَعْتِقْ طَلَبُ التَّمْلِيكِ مِنْهُ بِالْأَلْفِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِ الْآمِرِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ أَعْتَقْت تَمْلِيكٌ مِنْهُ ثُمَّ الْإِعْتَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَبِ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا فِي وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُمَا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ وَوَلَدُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَمَا عَنْ زُفَرَ أَنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْفُجُورِ فَأَوْلَى بِالْحِلِّ بَعِيدٌ صُدُورُهُ عَنْهُ فَإِنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ فَرْعٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ وَمِلْكُهَا يُنَافِي النِّكَاحَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَقَالَتْ لِمَوْلَاهُ أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ) وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ حُرٍّ فَقَالَ لِسَيِّدِهَا ذَلِكَ فَسَدَ نِكَاحُهُ (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَفْسُدُ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ عِنْدَنَا حَتَّى يَكُونَ وَلَاؤُهُ لَهُ. وَلَوْ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ. وَعِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ أَنْ يَعْتِقَ الْمَأْمُورُ عَبْدَهُ عَنْهُ، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ) وَالْمُقْتَضَى هُوَ تَصْحِيحُ كَلَامِهَا صَوْنًا لَهُ عَنْ اللَّغْوِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِك لَا يُعْتَقُ الْمُخَاطَبُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ أَصْلٌ لِلتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَأَصْلُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِفَرْعِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ اقْتِضَاءً لَصَارَ تَبَعًا لَهُ فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ. لَا يُقَالُ: مِلْكُ الْآمِرِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَمِثْلُهُ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ كَالْوَكِيلِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لِمُوَكِّلِهِ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ أَوَّلًا لَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمِلْكُ مَلْزُومٌ لِلِانْفِسَاخِ، فَإِذَا ثَبَتَ ثَبَتَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْأَمَةِ إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا عَتَقَتْ وَفَسَدَ النِّكَاحُ مَعَ عَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، وَعَدَمُ الِانْفِسَاخِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ أَوَّلًا لَهُ بَلْ ابْتِدَاءً يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الصَّحِيحِ كَالْعَبْدِ يُتَّهَبُ يَقَعُ الْمِلْكُ لِمَوْلَاهُ ابْتِدَاءً وَإِنْ وَقَعَ الْوَكِيلُ لَكِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمُوَكِّلِ حَالَةَ ثُبُوتِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ إذْ لَمْ يَخْلُصْ ثُبُوتُهُ لِيَخْلُصَ ثُبُوتُ الْمَلْزُومِ فَيَصِيرَ قَوْلُهُ أَعْتِقْ طَلَبَ التَّمْلِيكِ مِنْهُ بِالْأَلْفِ وَأَمْرَهُ بِإِعْتَاقِهِ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ أَعْتَقْت تَمْلِيكٌ مِنْهُ) ضِمْنِيٌّ لِلْإِعْتَاقِ الصَّرِيحِ الْوَاقِعِ جَوَابًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَيْعِ فَقَالَ بِعْتُك وَأَعْتَقْته لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ بَلْ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ ضِمْنًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَثْبُتُ صَرِيحًا كَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّابِتَ مُقْتَضًى يُعْتَبَرُ فِيهِ شُرُوطُ الْمُتَضَمِّنِ لَا شُرُوطُ نَفْسِهِ وَشُرُوطُ الْعِتْقِ الْأَهْلِيَّةُ بِالْمِلْكِ وَالْعَقْلِ وَعَدَمِ

عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْآمِرِ فَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي بَيْن الْمِلْكَيْنِ. (وَلَوْ قَالَتْ أَعْتِقْهُ عَنِّي وَلَمْ تُسَمِّ مَالًا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبْضُ بِالنَّصِّ فَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ اقْتِضَاءً لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجْرِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَأْمُورِ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ يَثْبُتُ بِشَرْطِ نَفْسِهِ وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ، فَيَعْتِقُ عَنْ نَفْسِهِ . (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَتْ) مَا تَقَدَّمَ كَانَ إذَا ذَكَرَ مَالًا مَعَ الْأَمْرِ. فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْتِقْهُ عَنِيَ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَيَتَضَمَّنُ الْهِبَةَ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ فَفَعَلَ يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَبْضَ هُنَا مِنْهُ، وَعِنْدَهُمَا عَنْ الْمَأْمُورِ، وَحَاصِلُ وَجْهِهِمَا أَنَّ فِيهِ شَرْطًا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ اقْتِضَاءً وَهُوَ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ غَيْرُ الْقَوْلِ، وَالْفِعْلُ الْحِسِّيُّ لَا يُوجَدُ فِي ضِمْنِ الْقَوْلِ، فَفِعْلُ الْيَدِ الَّذِي هُوَ الْأَخْذُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَضَمَّنَهُ فِعْلُ اللِّسَانِ وَيَكُونُ مَوْجُودًا بِوُجُودِهِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ فَإِنَّهُ يُتَضَمَّنُ ضِمْنَ قَوْلٍ آخَرَ وَيُعْتَبَرُ مُرَادُهُ مَعَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَقَوْلُ أَبِي الْيُسْرِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَظْهَرُ لَا يَظْهَرُ، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَكُونُ نَائِبًا عَنْ الْآمِرِ فَيَكُونُ قَابِضًا لَهُ، ثُمَّ بِالِاسْتِيفَاءِ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَقَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بِالْعِتْقِ لِيُمْكِنَ اعْتِبَارُهُ قَابِضَهُ نِيَابَةً أَوَّلًا بَلْ بِالْعِتْقِ تَتْلَفُ مَالِيَّتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب نكاح أهل الشرك]

شَرْعِيٌّ، وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْفَقِيرُ يَنُوبُ عَنْ الْآمِرِ فِي الْقَبْضِ، أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَقَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لِيَنُوبَ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ] (بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَرْتَبَتَيْهِ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا كِتَابِيِّينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ إمَّا تَغْلِيبًا وَإِمَّا ذَهَابًا إلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ دَاخِلُونَ فِي الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَإِمَّا إطْلَاقًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ عَنْ ذَلِكَ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَعْقَبَ بَابَ الْمَهْرِ بِفَصْلِ مُهُورِ الْكُفَّارِ تَتْمِيمًا لَبَابِ الْمَهْرِ تَبَعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا تَحَقَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ لِتَظَافُرِ الِاعْتِقَادَيْنِ عَلَى صِحَّتِهِ وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ، فَحَيْثُ وَقَعَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ الْعَامِّ وَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَصِحُّ أَنْكِحَتُهُمْ بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْخِطَابِ الْعَامِّ إيَّاهُمْ مَعَ مَلْزُومِيَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ لِعَدَمِ بَعْضِ الشُّرُوطِ كَالْوِلَايَةِ وَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، وَلِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي الْعَقْدِ عِنْدَهُمْ. قَالَ: وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطٌ فَإِذَا عَقَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لَكِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ عَدَمَ الصِّحَّةِ. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا صَادَفَ شُرُوطَ الصِّحَّةِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَمَا لَا فَفَاسِدٌ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» وَأَسْلَمَ فَيْرُوزُ عَلَى أُخْتَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اخْتَرْ إحْدَاهُمَا» وَأَسْلَمَ ابْنُ غَيْلَانَ عَلَى عَشْرٍ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمْسِكْ أَرْبَعًا» الْحَدِيثَ. وَمِنْ حِينِ ظَهَرَتْ دَعْوَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَتَوَارَدُونَ الْإِسْلَامَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قِيلَ عَنْ سَبْعِينَ أَلْفِ مُسْلِمٍ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ جَدَّدُوا أَنْكِحَتَهُمْ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا

بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ زُفَرٌ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي كَمَا قَالَ زُفَرٌ. لَهُ إنَّ الْخِطَابَاتِ عَامَّةٌ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَتَلْزَمُهُمْ، وَإِنَّمَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا، فَإِذَا تَرَافَعُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ. وَلَهُمَا أَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا فَكَانُوا مُلْتَزِمِينَ لَهَا، وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQضَعِيفٍ، وَلَوْ كَانَ لَقَضَتْ الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ (وَقَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرٌ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي عِدَّةِ كَافِرٍ (إلَّا أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ) فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ النِّكَاحُ بِلَا شُهُودٍ (كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا فِي عِدَّةِ كَافِرٍ (كَمَا قَالَ زُفَرٌ. لِزُفَرٍ أَنَّ الْخِطَابَاتِ عَامَّةٌ عَلَى مَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ الَّذِي بِذَيْلِ بَابِ الْمَهْرِ مِنْ وُجُوبِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ عَلَى الْعُمُومِ لِعُمُومِ الْخِطَابَاتِ وَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ مِنْهَا (وَإِنَّمَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا، فَإِذَا تَرَافَعُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَلَهُمَا

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ، وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ فَحَالَةُ الْمُرَافَعَةِ وَالْإِسْلَامِ حَالَةُ الْبَقَاءِ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا، وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ عِنْدَنَا فَكَانُوا مُلْتَزِمِينَ لَهَا عَلَى مَا مَرَّ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لَهُ حَيْثُ أَفَادَ أَنَّهُمْ الْتَزَمُوا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ فِي مِلَّتِنَا لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ) أَيْ حُرْمَةَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ (لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ) أَيْ الشَّارِعِ (لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ) الْكِتَابِيَّةُ (تَحْتَ مُسْلِمٍ) طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ حَقًّا لَهُ (لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ) فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ هَذِهِ الْكِتَابِيَّةِ فِيهَا. (وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ) حَالَ صُدُورِهِ (فَحَالُ الْمُرَافَعَةِ وَالْإِسْلَامِ حَالَةُ الْبَقَاءِ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا) بَلْ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِصِحَّتِهِ (وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا) أَيْ لَا تُنَافِي حَالَةَ بَقَاءِ الْعَقْدِ (كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) حَيْثُ يَثْبُتُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا وَحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُفِيدُ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ أَصْلًا عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَثْبُتَ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَقِيلَ تَجِبُ عِدَّةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لِضَعْفِهَا كَالِاسْتِبْرَاءِ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي حَالِ قِيَامِ وُجُوبِهِ عَلَى السَّيِّدِ. وَقِيلَ الْأَلْيَقُ الْأَوَّلُ لِمَا عُرِفَ مِنْ وُجُوبِ تَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ

فَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعِدَّةِ وَوَجَبَ التَّعَرُّضُ بِالْإِسْلَامِ فَيُفَرَّقُ. وَعِنْدَهُ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ تَرْكَهُمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ مَا تَرَكُوا وَإِيَّاهُ كَالْكُفْرِ تَرَكُوا وَإِيَّاهُ وَهُوَ الْبَاطِلُ الْأَعْظَمُ، وَلَوْ سُلِّمَ لَمْ يَسْتَلْزِمْ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ لَا تَجِبُ، وَإِذَا عُلِمَ مَنْ لَهُ الْوَلَدُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ عَنْ فِرَاشٍ صَحِيحٍ، وَمَجِيئُهَا بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الطَّلَاقِ مِمَّا يُفِيدُ ذَلِكَ فَيَلْتَحِقُ بِهِ وَهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُبُوتَهُ وَلَا عَدَمَهُ، بَلْ اخْتَلَفُوا أَنَّ قَوْلَهُ بِالصِّحَّةِ بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوَّلًا فَلَا، فَلَنَا أَنْ نَقُولَ بِعَدَمِهَا وَيَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ أَوْ الْإِسْلَامُ وَالْعِدَّةُ قَائِمَةٌ، أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ هُنَا نَظَرَانِ: الْأَوَّلُ مُقْتَضَى تَوْجِيهِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَالْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهَا مَشَايِخُ بُخَارَى مِنْ بَعْضِ تَفْرِيعَاتِهِمْ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ النَّذْرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْعِرَاقِيُّونَ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْكُلِّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَكَوْنُهُ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُعَامَلَةً فَيَلْزَمُ اتِّفَاقُ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِأَحْكَامِ النِّكَاحِ، غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بِبُلُوغِهِ إلَيْهِ، وَالشُّهْرَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ التَّفْصِيلُ. الثَّانِي أَنَّ نَفْيَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعِدَّةَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ عَدَمَهَا، وَمُقْتَضَاهُ إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَهَا أَنْ لَا يَصِحَّ، وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ كَانَ بَاطِلًا فَيَلْزَمُ فِي الْمُهَاجِرَةِ لُزُومُ الْعِدَّةِ إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى تَبَايُنِ الدَّارِ الْفُرْقَةُ لَا نَفْيُ الْعِدَّةِ. وَتَعْلِيلُ النَّفْيِ هُنَاكَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ السَّابِقِ، وَلَا خَطَرَ لِمِلْكِ الْحَرْبِيِّ بِالْآيَةِ. قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ بَقَاءُ مِلْكِهِ لِلنِّكَاحِ إذَا سَبَى الزَّوْجَانِ مَعًا، وَسَنَذْكُرُ لَهُ تَتِمَّةً (قَوْلُهُ فَإِذَا تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَهُ) أَوْ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ خَمْسٍ أَوْ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا) أَوْ أَحَدُهُمَا (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) إجْمَاعًا (لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ) وَمَا مَعَهُ (لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ

فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيُفَرَّقُ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِيهِ، ثُمَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ بِمُرَافَعَةِ صَاحِبِهِ إذْ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُهُ، وَأَمَّا اعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَوْ تَرَافَعَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلَ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهَذِهِ الْأَنْكِحَةُ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهَا فَيَلْزَمُ حُكْمُهَا، وَعَلَى مَا حَقَّقْنَا مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ إمَّا مُخَاطَبُونَ بِالْكُلِّ كَقَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ بِالْمُعَامَلَاتِ كَقَوْلِ الْبُخَارِيِّينَ يَجِبُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْبُطْلَانِ بِاعْتِبَارِ شُيُوعِ خِطَابَاتِ الْأَحْكَامِ فِي دَارِنَا فَتُجْعَلُ نَازِلَةً فِي حَقِّهِمْ، إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُبَلِّغِ سِوَى إشَاعَتِهِ دُونَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّا تَرَكْنَاهُمْ وَمَا يَدِينُونَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، فَإِذَا أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ. وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحَ مِنْ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ حَتَّى تَجِبَ النَّفَقَةُ إذَا طُلِبَتْ وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ يُحَدُّ خِلَافًا لِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ النَّفَقَةَ وَالْإِحْصَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي حَقِّهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ مَعَ عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ، فَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي الْبَقَاءَ كَمَا تُنَافِي الِابْتِدَاءَ لِكَوْنِهَا عَدَمَ الْمَحَلِّ؛ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى النَّظَرِ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَجْهُ الْمُخْتَارُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ لِعَدَمِ شُيُوعِ الْخِطَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُمْ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِمْ فَيَجِبُ التَّعْلِيلُ بِمُنَافَاةِ الْمَحْرَمِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إذَا تَرَافَعَا فَعَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَالْقَاضِي كَالْمُحَكِّمِ. وَأَمَّا بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا فَقَالَا كَذَلِكَ يُفَرَّقُ كَإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَرَفْعِهِ؛ لِأَنَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا ظَهَرَتْ حُرْمَةُ الْآخَرِ عَلَيْهِ لِتَغَيُّرِ اعْتِقَادِهِ (وَاعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) بِخِلَافِ مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ بِلَا مُعَارِضٍ. وَالْأَوْجَهُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِي مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ حِينَ صَدَرَ كَانَ بَاطِلًا عِنْدَهُمَا، لَكِنْ تُرِكَ التَّعَرُّضُ لِلْوَفَاءِ بِالذِّمَّةِ فَإِذَا انْقَادَ أَحَدُهُمَا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ كَانَ كَإِسْلَامِهِ وَعِنْدَهُ كَانَ صَحِيحًا، وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا لَا يُرَجِّحُهُ عَلَى الْآخَرِ فِي إبْطَالِ اسْتِحْقَاقِهِ بَلْ يُعَارِضُهُ الْآخَرُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الصِّحَّةِ، هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُرَافَعَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا فَلَا تَفْرِيقَ إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّمِّيِّينَ أَنَّهُ يُفَرَّقَ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ. لِمَا رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى

لِأَنَّ مُرَافَعَتَهُمَا كَتَحْكِيمِهِمَا. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً وَلَا كَافِرَةً وَلَا مُرْتَدَّةً) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ، وَالْإِمْهَالِ ضَرُورَةَ التَّأَمُّلِ، وَالنِّكَاحُ يَشْغَلُهُ عَنْهُ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ (وَكَذَا الْمُرْتَدَّةُ لَا يَتَزَوَّجُهَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ) ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِلتَّأَمُّلِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ تَشْغَلُهَا عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ بَيْنَهُمَا الْمَصَالِحَ، وَالنِّكَاحُ مَا شُرِعَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَصَالِحِهِ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ صَارَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمَّالِهِ: أَنْ فَرِّقُوا بَيْنَ الْمَجُوسِ وَمَحَارِمِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ بَلْ الْمَعْرُوفُ مَا كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: مَا بَالُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ تَرَكُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَاقْتِنَاءِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيُتْرَكُوا وَمَا يَعْتَقِدُونَ، وَإِنَّمَا أَنْتَ مُتَّبِعٌ وَلَسْت بِمُبْتَدَعٍ وَالسَّلَامُ. وَلِأَنَّ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ مِنْ وَقْتِ الْفُتُوحَاتِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا لَمْ يَشْتَغِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمُبَاشَرَتِهِمْ ذَلِكَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَفِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ: لَوْ طَلَبَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا التَّفْرِيقَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي الْخُلْعِ: يَعْنِي إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثُمَّ أَمْسَكَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا ظُلْمٌ وَمَا أَعْطَيْنَاهُمْ الْعَهْدَ عَلَى تَقْرِيرِهِمْ عَلَى الظُّلْمِ، وَكَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُزِيلٌ لِلْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا خُصُوصَ عَدَدٍ. وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ فَارَقَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّ الْبَاقِيَةَ نِكَاحُهَا عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى أُقِرَّ عَلَيْهِ اهـ. وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْقِيقِ أَنْ يُفَرَّقَ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ فَاسِدًا وَوَجَبَ التَّعَرُّضُ بِالْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً وَلَا كَافِرَةً) أَمَّا الْمُسْلِمَةُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ تَحْتَ كَافِرٍ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِأَنَّهُ مَقْتُولٌ مَعْنًى، وَكَذَا الْمُرْتَدَّةُ لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِلتَّأَمُّلِ، وَمَنَاطُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا عَدَمُ انْتِظَامِ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ وَهُوَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا لَهَا فَكَانَ أَحَقَّ بِالْمَنْعِ مِنْ مَنْعِ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا وَبِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ) يَتَحَقَّقُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ الْعَارِضِ بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْآخَرِ وَالتَّفْرِيقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي مُدَّةٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي مِثْلِهَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ قَبْلَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا صَارَ ذَلِكَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا، هَذَا إذَا كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، أَمَّا لَوْ تَبَايَنَتْ دَارُهُمَا بِأَنْ كَانَ الْأَبُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَسَنَذْكُرُهَا فِي السِّيَرِ فِي فَصْلٍ مِنْ بَابِ الْمُسْتَأْمَنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَنْ تَكُونَ الْأُمُّ كِتَابِيَّةً وَالْأَبُ مُسْلِمًا، فَمَا جَاءَتْ بِهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا إلَخْ، فَإِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ الْأُولَى وَمِنْ أَفْرَادِهَا، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ فَقِسْنَا عَلَيْهَا مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا، أُمًّا أَوْ أَبًا فَحَكَمْنَا

لِأَنَّ فِي جَعْلِهِ تَبَعًا لَهُ نَظَرًا لَهُ (وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ نَظَرٍ لَهُ إذْ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِلتَّعَارُضِ وَنَحْنُ بَيَّنَّا التَّرْجِيحَ. (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ الْوَلَدَ كِتَابِيٌّ بِجَامِعِ الْأَنْظَرِ لِلْوَلَدِ فِي الدُّنْيَا بِالِاقْتِرَابِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَحْكَامِ مِنْ حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ، وَفِي الْأُخْرَى بِنُقْصَانِ الْعِقَابِ إذْ الْكِتَابِيَّةُ أَخَفُّ شَرًّا مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ فَيَثْبُتُ الْوَلَدُ كَذَلِكَ وَيَتْبَعُهُ فِي الْأَحْكَامِ (وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَيَقُولُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ كِتَابِيًّا وَالْأُمُّ مَجُوسِيَّةً إنَّهُ مَجُوسِيٌّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. وَقَوْلُهُ الْآخَرُ إنَّهُ كِتَابِيٌّ تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ كِتَابِيَّةً وَالْأَبُ مَجُوسِيًّا فَهُوَ تَبَعٌ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ فَقَدْ جَعَلَهُ مَجُوسِيًّا مُطْلَقًا. وَقَوْلُهُ لِلتَّعَارُضِ، أَيْ تَعَارُضِ الْإِلْحَاقَيْنِ: أَيْ الْإِلْحَاقِ بِأَحَدِهِمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَبِالْآخَرِ يُوجِبُ الْحِلَّ فَيُغَلَّبُ مُوجِبُ الْحُرْمَةِ هُوَ بِالْإِلْحَاقِ بِالْمَجُوسِيِّ (وَنَحْنُ بَيَّنَّا التَّرْجِيحَ) بِالْقِيَاسِ بِجَامِعِهِ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ تَبَعًا، وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ إثْبَاتُ دِيَانَتِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَأَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ» الْحَدِيثَ، جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْفِطْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ كَذَا قِيلَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي تَرْجِيحِ تَرْجِيحِنَا عَلَى تَرْجِيحِ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ تَرْجِيحَهُ يَرْفَعُ التَّعَارُضَ وَتَرْجِيحَنَا يَدْفَعُهُ فَلَا حَاصِلَ لَهُ إذَا تَأَمَّلْت. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَارُضَ هُنَا تَجَوُّزٌ، فَإِنَّ ثُبُوتَهُ بِثُبُوتِ الْمُتَعَارِضَيْنِ مُسْتَلْزِمَيْنِ لِحُكْمِهِمَا وَلَيْسَ هُنَا إلَّا ثُبُوتُ حُكْمٍ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارٍ، وَضِدُّهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ، فَلَمَّا اشْتَرَكَ مَعَ الْمُعَارَضَةِ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِالْقَوْلِ بِهِ سُمِّيَ تَعَارُضًا، وَإِلَّا فَالتَّعَارُضُ تَقَابُلُ الْحُجَّتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَيْسَ هُنَا حُجَّةً فَضْلًا عَنْ ثِنْتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ) سَوَاءً كَانَ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، إذْ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُ الْكَافِرِ مُطْلَقًا مُسْلِمَةً، وَلَوْ وَقَعَ عُوقِبَ وَعُوقِبَتْ أَيْضًا إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِحَالِهِ وَالسَّاعِي بَيْنَهُمَا أَيْضًا امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا، وَلَا يَصِيرُ بِهِ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَلَا يُقْتَلُ خِلَافًا لِمَالِكٍ؛ قَاسَهُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ بِجَامِعِ أَنَّهُ بَاشَرَ مَا ضَمِنَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ. قُلْنَا: كَإِلْزَامِ الْمُسْلِمِ بِالْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَحْظُورَهُ، وَبِفِعْلِهِ لَا يَصِيرُ شَرْعًا نَاقِضًا لِإِيمَانِهِ فَبِفِعْلِ الذِّمِّيِّ مَا الْتَزَمَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ لَا يَصِيرُ نَاقِضًا لِأَمَانِهِ، وَقَتْلُ الطَّلِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مَعْنًى، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُهُ إجَازَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا. وَقَالَ فِي إسْلَامِ الرَّجُلِ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ؛ لِأَنَّ كُفْرَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا لَا يَمْنَعُ تَزَوُّجَ الْمُسْلِمِ بَلْ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ فَلِهَذَا

فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَبَى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَبَتْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكُنْ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ؛ لَا تَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعَرُّضًا لَهُمْ وَقَدْ ضَمِنَّا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لَهُمْ، إلَّا أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ فَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَهُ مُتَأَكِّدٌ فَيَتَأَجَّلُ إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرَضَهَا فِي الْمَجُوسِيَّةِ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَجُوسِيَّانِ أَوْ الزَّوْجَةُ مِنْهُمَا مَجُوسِيَّةٌ وَالزَّوْجُ كِتَابِيٌّ أَوْ الزَّوْجَةُ مِنْ الْكِتَابِيَّيْنِ أَوْ الزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةٌ وَالزَّوْجُ مَجُوسِيٌّ عُرِضَ عَلَى الْمُصِرِّ الْإِسْلَامُ إذَا كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا إبَاؤُهُ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ، فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا عُرِضَ عَلَى أَبَوَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ أَيَّ أَلِأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ بَقِيَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا لَكِنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ بَعْدُ اُنْتُظِرَ عَقْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً مَعْلُومَةً، بِخِلَافِ الْجُنُونِ، هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي إبَاءِ الصَّبِيِّ، قِيلَ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ عِنْدَهُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّدَّةِ، وَحُكْمُ الصَّبِيَّةِ كَالصَّبِيِّ وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي هِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ امْرَأَتُهُ الْكَافِرَةُ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ قَائِمًا وَيَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْرَضُ عَلَى الْمُصِرِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَرُّضٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، بَلْ إنْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الدُّخُولِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ تَأَجَّلَ إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَا يَتَأَتَّى عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ تَزَوَّجَتْ. قُلْنَا: اعْتِبَارُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَإِضَافَةُ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ إلَى الْإِسْلَامِ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا أَصْلَ يَلْحَقُ بِهِ قِيَاسًا بِجَامِعٍ صَحِيحٍ وَلَا سَمْعِيٍّ يُفِيدُهُ، بَلْ الثَّابِتُ شَرْعًا اعْتِبَارُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تُضَافُ الْفُرْقَةُ إلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ عَاصِمٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَاخْتِلَافُ الدِّينِ مُنْتَقَضٌ بِتَزَوُّجِ الْمُسْلِمِ كِتَابِيَّةً، وَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى إسْلَامِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بِهِ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ، وَكُفْرُ الْمُصِرِّ لَا يَمْنَعُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ مِنْ الْأَصْلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إبَاءُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قَاطِعًا فَأَضَفْنَا انْقِطَاعَ النِّكَاحِ إلَيْهِ فَكَانَ هُوَ الْمُنَاسِبُ. وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ ابْنَةَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ» وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ وَالتَّعَرُّضُ الْمُمْتَنِعُ الْجَبْرُ، أَمَّا نَفْسُ الْكَلَامِ مَعَهُ تَخْيِيرًا لَا يَمْتَنِعُ وَلِأَنَّهُ اسْتِعْلَامُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هَلْ نَزَلَ بِالْمَرْأَةِ أَوْ لَا، ثُمَّ تَأَيَّدَ بِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمُعَارَضَةِ أَنَّ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَ نَصْرَانِيٍّ وَبَيْنَ نَصْرَانِيَّةٍ بِإِبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ تَغْلِبَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ فَرُفِعَتْ إلَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ وَإِلَّا فَرَّقْت بَيْنَكُمَا فَأَبَى، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُ أَحَدٍ لَهُ (قَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ) يَعْنِي تَفْرِيقَ الْقَاضِي عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ (طَلَاقًا) بَائِنًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ التَّفْرِيقِ فِي الصُّورَتَيْنِ

وَلَنَا أَنَّ الْمَقَاصِدَ قَدْ فَاتَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تُبْتَنَى عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ، وَالْإِسْلَامُ طَاعَةٌ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا فَيُعْرَضُ الْإِسْلَامُ لِتَحْصُلَ الْمَقَاصِدُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ تَثْبُتَ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَجْعَلُهُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ شَيْئًا مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلَانِ الْفُرْقَةَ بِإِبَاءِ الزَّوْجِ طَلَاقًا وَبِإِبَاءِ الْمَرْأَةِ فَسْخًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ. يَعْنِي الْإِبَاءَ فَإِنَّهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَنْ الْكُفْرِ وَمِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ هُوَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فَإِنَّهُ يُوجَدُ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَالْفَرْضُ وِحْدَةُ السَّبَبِ فَصَارَ كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ سَبَبًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَ فَسْخًا. وَلَهُمَا أَنَّهُ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَوَجَبَ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ طَلَاقًا إذَا كَانَ نَائِبًا عَمَّنْ إلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيمَا إلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِهِ وَاَلَّذِي إلَيْهِ الطَّلَاقُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَاَلَّذِي إلَيْهَا عِنْدَ قُدْرَتِهَا عَلَى الْفُرْقَةِ شَرْعًا الْفَسْخُ، فَإِذَا أَبَتْ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهَا فِيمَا إلَيْهَا التَّفْرِيقُ بِهِ فَلَا تَكُونُ الْفُرْقَةُ إلَّا فَسْخًا فَالْقَاضِي نَائِبٌ مَنَابَهُمَا فِيهِمَا، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا لَا بِهَذَا الْمَعْنَى بَلْ لِلتَّنَافِي. وَأَمَّا خِيَارُ الْبُلُوغِ فَإِنَّ مِلْكَ الْفُرْقَةِ فِيهِ لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ إلَى الْمَقَاصِدِ بِسَبَبِ قُصُورِ شَفَقَةِ الْعَاقِدِ لِقُصُورِ قَرَابَتِهِ. وَعَلَى اعْتِبَارِ تَحَقُّقِ هَذَا التَّطَرُّقِ لَا يَكُونُ لِلنِّكَاحِ انْعِقَادٌ مِنْ الْأَصْلِ، فَالْوَجْهُ فِي الْفُرْقَةِ الْكَائِنَةِ عَنْهُ كَوْنُهَا فَسْخًا. وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا لِلتَّنَافِي: أَيْ هِيَ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً، وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ، وَالضَّرَرُ فِي هَذِهِ جَلِيٌّ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِبَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِبَاءَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ. [فَرْعٌ] يَقَعُ طَلَاقُ زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ وَزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْآبِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ عَلَيْهِمَا مَا دَامَتَا فِي الْعِدَّةِ، أَمَّا فِي الْإِبَاءِ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ فَإِنَّهَا تَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتُهُ مِنْ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةً مُغَيَّاةً بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ. بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا مُتَأَبِّدَةٌ لَا غَايَةَ

أَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ. وَلَهُمَا أَنَّ بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلطَّلَاقِ فَلَا يَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهَا عِنْدَ إبَائِهَا (ثُمَّ إذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) لِتَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا وَالْمَهْرُ لَمْ يَتَأَكَّدْ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ وَالْمُطَاوَعَةَ. (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ أَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ تَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفُرْقَةِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ فَأَقَمْنَا شَرْطَهَا وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا فَلَا يُفِيدُ لُحُوقَ الطَّلَاقِ فَائِدَةً (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ أَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ) إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالشَّافِعِيُّ يَفْصِلُ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَالْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةٌ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَسَيَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى. . قَالَ (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَقَعُ (وَلَوْ سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْقِضَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَالْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةٌ) بِأَنْ كَانَ الَّذِي أَسْلَمَ هُوَ الزَّوْجُ (فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا) قَالَ (وَسَيَأْتِيكَ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْمُهَاجِرَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفُرْقَةَ بِشَرْطِهَا وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أُخْرَى بَعْدَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فِي الثَّلَاثِ الْحِيَضِ الْأَوَاخِرِ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ. وَأَمَّا الطَّحَاوِيُّ فَقَدْ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا حَاضَتْهُمَا بَانَتْ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَلَّلَ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فَقَالَ: وَهَذَا: أَيْ تَوَقُّفُ الْبَيْنُونَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تُضَافُ إلَيْهِ الْفُرْقَةُ وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لَهُ وَكَذَا الِاخْتِلَافُ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى إسْلَامِ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا كُفْرُ الْمُصِرِّ فَلَيْسَ إلَّا الْإِبَاءُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأُضِيفَ إلَى شَرْطِ الْبَيْنُونَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ الطَّلَاقُ بِشَرْطِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلِلْإِضَافَةِ إلَى الشَّرْطِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا إلَى الْعِلَّةِ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ حَافِرُ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ يُضَافُ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِالسُّقُوطِ فِيهِ إلَى الْحَفْرِ، وَهُوَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ ثِقَلُ الْوَاقِعِ. وَقَوْلُهُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ الْوَجْهُ فِيهِ، وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، وَنَظِيرُهُ فِي اللُّغَةِ: عَرَضْت النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ، وَخَرَقَ الثَّوْبُ الْمِسْمَارَ بِنَصَبِ الْمِسْمَارِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ

وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَعَتْ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ التَّبَايُنُ دُونَ السَّبْيِ عِنْدَنَا وَهُوَ يَقُولُ بِعَكْسِهِ. لَهُ أَنَّ لِلتَّبَايُنِ أَثَرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ، أَمَّا السَّبْيُ فَيَقْتَضِي الصَّفَاءَ لِلسَّابِي وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خُرُوجِهِ مُسْلِمًا بَلْ وَذِمِّيًّا كَمَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هَلْ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا؟ فَقُلْنَا نَعَمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا، وَفِي أَنَّ السَّبْيَ هَلْ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ أَمْ لَا؟ فَقُلْنَا لَا، وَقَالَ نَعَمْ. وَقَوْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وِفَاقِيَّتَانِ، وَهُمَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ إلَيْنَا مَعًا ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ صَارَا ذِمِّيَّيْنِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ سَبَى أَحَدُهُمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ عِنْدَهُ لِلسَّبْيِ وَعِنْدَنَا لِلتَّبَايُنِ. وَخِلَافِيَّتَانِ إحْدَاهُمَا مَا إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا عِنْدَنَا تَقَعُ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ فِي الْحَالِ وَبِأُخْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مُرَاغِمَةً لِزَوْجِهَا أَيْ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّهِ فَتَبِينُ عِنْدَهُ بِالْمُرَاغَمَةِ وَالْأُخْرَى مَا إذَا سُبِيَ الزَّوْجَانِ مَعًا؛ فَعِنْدَهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَلِلسَّابِي أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَعِنْدَنَا لَا تَقَعُ لِعَدَمِ تَبَايُنِ دَارَيْهِمَا. وَفِي الْمُحِيطِ: مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ رَجُلٌ بِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِالتَّبَايُنِ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ بِنَفْسِهَا قَبْلَ زَوْجِهَا لَمْ تَبِنْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا بِالْتِزَامِهَا أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ، إذْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا تَبَايُنَ يُرِيدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إذَا أَخْرَجَهَا الرَّجُلُ قَهْرًا حَتَّى مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ التَّبَايُنِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا وَزَوْجَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا. وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ (أَثَرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ) أَيْ وِلَايَةِ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ خَارِجًا إلَيْنَا وَوِلَايَةِ مَنْ فِي دَارِنَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَاحِقًا بِدَارِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِلْزَامُ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ أَمَّا السَّبْيُ فَيَقْتَضِي الصَّفَاءَ لِلسَّابِي) وَالصَّفَاءُ هُنَا بِالْمَدِّ: أَيْ الْخُلُوصُ (وَلَا يَتَحَقَّقُ) صَفَاؤُهُ لَهُ (إلَّا بِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا) أَيْ

يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَسْبِيِّ. وَلَنَا أَنَّ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ فَشَابَهُ الْمَحْرَمِيَّةَ. وَالسَّبْيُ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ بَقَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQلِثُبُوتِ الصَّفَاءِ بِالسَّبْيِ (يَسْقُطُ، مَا عَلَى الْمَسْبِيِّ مِنْ دَيْنٍ) إنْ كَانَ لِكَافِرٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، فَكَذَا يَسْقُطُ حَقُّ الزَّوْجِ الْحَرْبِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفَاءَ مُوجِبٌ لِمِلْكِ مَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ وَمِلْكُ النِّكَاحِ كَذَلِكَ فَخَلَصَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ احْتِرَامِ الْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَصَارَ سُقُوطُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْهَا كَسُقُوطِهِ عَنْ جَمِيعِ أَمْلَاكِهِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ. وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ الْمَنْقُولِ «أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ فِي مُعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَرِّ الظَّهْرَانِ حِينَ أَتَى بِهِ الْعَبَّاسُ وَزَوْجَتَهُ هِنْدَ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ إذْ ذَاكَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهِمَا» . وَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ هَرَبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ حَتَّى أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَخَذَتْ الْأَمَانَ لِزَوْجِهَا وَذَهَبَتْ فَجَاءَتْ بِهِ وَلَمْ يُجَدَّدْ نِكَاحُهُمَا. وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ بَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ زَوْجِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهَا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ فَإِنَّهَا هَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ وَتَرَكَتْهُ بِمَكَّةَ عَلَى شِرْكِهِ، ثُمَّ جَاءَ وَأَسْلَمَ بَعْدَ سِنِينَ، قِيلَ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَقِيلَ سِتٌّ، وَقِيلَ ثَمَانٍ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَهَذِهِ كُلُّهَا نُصُوصٌ لِمَا عَلَّلْنَا بِهِ. وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَلَى إثْبَاتِ عِلَّتِهِ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَكُنَّ سُبِينَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ، وَقَدْ عُلِمَ «أَنَّ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَى أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَحِضْنَ» فَقَدْ اسْتَثْنَى الْمَسْبِيَّاتِ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، فَظَهَرَ أَنَّ السَّبْيَ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ. وَقَوْلُهُ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَصْلُ قِيَاسٍ وَفَرْعُهُ الْخَارِجُ إلَيْنَا مُسْلِمًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ ذِمِّيًّا، وَالْحُكْمُ عَدَمُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ سَبْيِهِمَا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ بِالْمَعْنَى الْعَدَمِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَالسَّوْقُ لِإِثْبَاتِ الْفَرْعِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ تَأْثِيرِ التَّبَايُنِ فَحَقُّ اللَّفْظِ هَكَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ لِتَخَلُّفِهِ فِي الْمُسْتَأْمَنِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ) الَّتِي شُرِعَ النِّكَاحُ لَهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْخَارِجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَعُودُ، وَالْكَائِنُ هُنَاكَ لَا يَخْرُجُ إلَيْنَا فَكَانَ التَّبَايُنُ مُنَافِيًا لَهُ، فَكَانَ اعْتِرَاضُهُ قَاطِعًا، كَاعْتِرَاضِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ، وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ مَثَلًا لَمَّا نَافَتْهُ كَانَ اعْتِرَاضُهَا قَاطِعًا. . ثُمَّ الشَّرْعُ يُفْسِدُ تَعْيِينَ السَّبْيِ عِلَّةً فَقَالَ (وَالسَّبْيُ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ) يَعْنِي يَمْنَعُ أَنْ

وَصَارَ كَالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَقْتَضِي الصَّفَاءَ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ لَا فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ. وَفِي الْمُسْتَأْمَنِ لَمْ تَتَبَايَنْ الدَّارُ حُكْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ مُوجِبًا غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِذَنْ فَمَا اقْتَضَاهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَزِمَ السَّبْيَ تَبَعًا لِمِلْكِهَا، وَمَا لَا فَلَا، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ النِّكَاحِ إلَّا إذَا وَرَدَ عَلَى خَالٍ عَنْ مَمْلُوكِيَّتِهِ أَوْ مَالِكِيَّتِهِ، وَكَذَا ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ وَبَقَاؤُهُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى فَهُوَ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَزَوَالِ أَمْلَاكِ الْمَسْبِيِّ لِثُبُوتِ رِقِّهِ، وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَالِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ فَيَمْلِكُهُ إذَا ابْتَدَأَ وُجُودَهُ بِطَرِيقِ الصِّحَّةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ سَيِّدُهُ التَّطْلِيقَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى إذْنِهِ لِمَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ تَنْقِيصِ مَالِيَّتِهِ. وَسُقُوطُ الدَّيْنِ الْكَائِنِ لِكَافِرٍ عَلَى الْمَسْبِيِّ الْحُرِّ لَيْسَ مُقْتَضَى السَّبْيِ بَلْ لِتَعَذُّرِ بَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْقَى مَا كَانَ وَهُوَ حِينَ وَجَبَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ لَا شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الرِّقِّ بِالسَّبْيِ إلَّا شَاغِلًا لَهَا فَيَصِيرُ الْبَاقِي غَيْرَهُ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمَسْبِيُّ عَبْدًا مَدْيُونًا كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ بِالسَّبْيِ. نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَأْذُونِ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ، وَلِذَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ وَلَا يُبَاعُ فِيهِ. أُجِيبَ بِمَنْعِ تَعَلُّقِهِ فِي الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يُطَالَبُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْمَوْلَى، حَتَّى لَوْ ثَبَتَ بِالِاسْتِهْلَاكِ قَطْعًا مُعَايَنَةُ بَيْعٍ فِيهِ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ فَالْحَقُّ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الْإِسْلَامِ يَوْمئِذٍ بَلْ وَلَا بَعْدَ الْفَتْحِ، وَهُوَ شَاهَدَ حُنَيْنًا عَلَى مَا تُفِيدُهُ السِّيَرُ الصَّحِيحَةُ مِنْ قَوْلِهِ حِينَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ: لَا تَرْجِعُ هَزِيمَتُهُمْ إلَى الْبَحْرِ. وَمَا نُقِلَ أَنَّ الْأَزْلَامَ حِينَئِذٍ كَانَتْ مَعَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَا مِمَّا نُقِلَ مِنْ كَلَامِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ وَإِنَّمَا حَسُنَ إسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاَلَّذِي كَانَ إسْلَامُهُ حَسَنًا حِينَ أَسْلَمَ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَمَّا عِكْرِمَةُ وَحَكِيمٌ فَإِنَّمَا هَرَبَا إلَى السَّاحِلِ وَهُوَ مِنْ حُدُودِ مَكَّةَ فَلَمْ تَتَبَايَنْ دَارُهُمْ. وَأَمَّا أَبُو الْعَاصِ فَإِنَّمَا رَدَّهَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، رَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْجَمْعُ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ بِحَمْلِ قَوْلِهِ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَى بِسَبَبٍ سَبَقَهُ مُرَاعَاةً لِحُرْمَتِهِ كَمَا يُقَالُ ضَرَبْته عَلَى إسَاءَتِهِ، وَقِيلَ قَوْلُهُ رَدَّهَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا مَعْنَاهُ عَلَى مِثْلِهِ لَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ. هَذَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُثْبِتٌ وَعَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ نَافٍ؛ لِأَنَّهُ مُبْقٍ عَلَى الْأَصْلِ. وَأَيْضًا يُقْطَعُ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ زَيْنَبَ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بِمُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِنَّهَا أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ حِينَ دَعَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوْجَتَهُ خَدِيجَةَ وَبَنَاتَهُ، وَلَقَدْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQانْقَضَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبِينُ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مِرَارًا وَوَلَدَتْ. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ حِينَ خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً إلَى الْمَدِينَةِ، وَرَوَّعَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بِالرُّمْحِ. وَاسْتَمَرَّ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى شِرْكِهِ إلَى مَا قُبَيْلَ الْفَتْحِ فَخَرَجَ تَاجِرًا إلَى الشَّامِ، فَأَخَذَتْ سَرِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا ثُمَّ دَخَلَ بِلَيْلٍ عَلَى زَيْنَبَ فَأَجَارَتْهُ، «ثُمَّ كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّرِيَّةَ فَرَدُّوا إلَيْهِ مَالَهُ» ، فَاحْتُمِلَ إلَى مَكَّةَ فَأَدَّى الْوَدَائِعَ وَمَا كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ أَبْضَعُوا مَعَهُ، وَكَانَ رَجُلًا أَمِينًا كَرِيمًا، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ عُلْقَةٌ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟ قَالُوا: لَا، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلَّا تَخَوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إنَّمَا أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ، فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْت مِنْهَا أَسْلَمْت، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا ذُكِرَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَذَلِكَ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حِينِ فَارَقَتْهُ بِالْأَبْدَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ. وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَقَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ آمَنَتْ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إلَى إسْلَامِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ نَزَلَتْ {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فَأَكْثَرُ مِنْ عَشْرٍ. هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ حَابِسَهَا قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ أُسِرَ فِيمَنْ أُسِرَ بِبَدْرٍ «وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَرْسَلَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ الْأَسَارَى أَرْسَلَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَائِهِ قِلَادَةً كَانَتْ خَدِيجَةُ أَعْطَتْهَا إيَّاهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَّ لَهَا فَرَدَّهَا عَلَيْهَا وَأَطْلَقَهُ لَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ جَهَّزَهَا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ وَاتَّفَقَ فِي مَخْرَجِهَا إلَيْهِ مَا اتَّفَقَ مِنْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ» . وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ اثْنَانِ وَبِهِ نَقْطَعُ بِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ عَلَى نِكَاحٍ جَدِيدٍ كَمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَوَجَبَ تَأْوِيلُ رِوَايَةِ «عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ» كَمَا ذَكَرْنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَتَّصِفْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِكُفْرٍ لِيُقَالَ آمَنَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً، فَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ فَلَزِمَ أَنَّهُنَّ لَمْ تَكُنْ إحْدَاهُنَّ قَطُّ إلَّا مُسْلِمَةً، نَعَمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَ الْإِسْلَامُ اتِّبَاعُ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمِنْ حِينِ وَقَعَ الْبَعْثَةُ لَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ إلَّا بِإِنْكَارِ الْمُنْكِرِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ، وَمِنْ أَوَّلِ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَوْلَادِهِ لَمْ تَتَوَقَّفْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. وَأَمَّا سَبَايَا أَوْطَاسٍ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ سُبِينَ وَحْدَهُنَّ، وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ تُفِيدُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أَصَبْنَا سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] » لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ حِلُّ الْمَمْلُوكَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سُبِيَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ زَوْجٍ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَاةُ مُتَزَوِّجَةً فَخَارِجَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى مَا سِوَاهَا دَاخِلًا تَحْتَ الْعُمُومِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ مَعَ زَوْجِهَا تُخَصُّ أَيْضًا بِدَلِيلِنَا وَبِمَا نَذْكُرُهُ تَبْقَى الْمَسْبِيَّةُ وَحْدَهَا ذَاتَ بَعْلٍ وَبِلَا بَعْلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ. فَالْجَوَابُ مَنْعُ وُجُودِ التَّبَايُنِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عِلَّةً مِنْهُ هُوَ التَّبَايُنُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ يَصِيرُ الْكَائِنُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُقَسَّمَ مِيرَاثُهُ، وَالْكَائِنُ فِي دَارِنَا مَمْنُوعًا مِنْ الرُّجُوعِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْمُسْتَأْمَنِ. وَإِذَا كَافَأَ مَا ذَكَرَ بَقِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى اللَّازِمِ لِلتَّبَايُنِ الْمُوجِبِ لِلْفُرْقَةِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ

لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ. (وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَثَرُ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِهِ، وَلَا خَطَرَ لَمِلْكِ الْحَرْبِيِّ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَدَلِيلُ السَّمْعِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وَقَدْ أَفَادَ مِنْ ثَلَاثِ نُصُوصٍ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَمِنْ وَجْهٍ اقْتِضَائِيٍّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] . (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً) أَيْ تَارِكَةً الدَّارَ إلَى أُخْرَى عَلَى عَزْمِ عَدَمِ الْعَوْدِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَخْرُجَ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُكْمٌ آخَرُ عَلَى بَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ إذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُهَاجِرًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَهَذِهِ إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُمَا الْمَرْأَةَ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا، هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ؟ فِيهَا خِلَافٌ. عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، فَتَتَزَوَّجُ لِلْحَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَتَتَرَبَّصُ لَا عَلَى وَجْهِ الْعِدَّةِ بَلْ لِيَرْتَفِعَ الْمَانِعُ بِالْوَضْعِ، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ اخْتَلَفَا لَوْ خَرَجَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا وَهِيَ بَعْدُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا هَلْ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَقَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقَعُ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا وَقَعَتْ بِالتَّنَافِي لَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِيرُ وَهُوَ أَوْجَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَحْرَمِيَّةً لِعَدَمِ فَائِدَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَحْتَاجُ زَوْجُهَا فِي تَزَوُّجِهَا إذَا أَسْلَمَ إلَى زَوْجٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا حُرَّةٌ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَالدُّخُولِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمُطَلَّقَةِ فِي دَارِنَا مِنْ الْمُسْلِمَاتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ هَاجَرَتْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي دَارِهِمْ وَهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِأَحْكَامِنَا هُنَاكَ، وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّ الْخِطَابَ يَلْزَمُ الْكُفَّارَ فِي الْمُعَامَلَاتِ، غَيْرَ أَنَّ شَرْطَهُ الْبُلُوغُ وَأَهْلُ الْحَرْبِ لَا يَبْلُغُهُمْ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ حُكْمُهُ، بِخِلَافِ أَهْلِ دَارِنَا مِنْهُمْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا وَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا خَطَرَ لَمِلْكِ الْحَرْبِيِّ، بَلْ أَسْقَطَهُ الشَّرْعُ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُهَاجِرَاتِ وَهِيَ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] بَعْدَ قَوْلِهِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] فَقَدْ رَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْ نِكَاحِ الْمُهَاجِرَةِ وَأَمَرَ أَنْ لَا يُتَمَسَّكَ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ جَمْعُ كَافِرَةٍ، فَلَوْ شَرَطَتْ الْعِدَّةَ لَزِمَ التَّمَسُّكُ بِعُقْدَةِ نِكَاحِهِنَّ الْمَوْجُودَةِ فِي حَالِ كُفْرِهِنَّ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُمَا وَجَبَتْ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَيْ لَا تَخْتَلِطَ الْمِيَاهُ، وَاسْتَغْنَيْنَا بِهِ عَنْ إبْطَالِهِ بِأَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ النِّكَاحَ بِالتَّبَايُنِ لِمُنَافَاتِهِ لِلنِّكَاحِ فَقَدْ حُكِمَ بِمُنَافَاتِهِ لِلْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرُهُ حَيْثُ حُكِمَ بِمُنَافَاتِهِ لِمَا لَهُ

وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَمَا فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ فَإِذَا ظَهَرَ الْفِرَاشُ فِي حَقِّ النَّسَبِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ احْتِيَاطًا. قَالَ (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأَثَرِ. فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمُلَازَمَةَ، وَيَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُنَافَاةَ الشَّيْءِ تُنَافِي أَثَرَهُ إلَّا إذَا كَانَ جِهَةُ الْمُنَافَاةِ ثَابِتَةً فِي الْأَثَرِ أَيْضًا، وَهُوَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّكَاحِ عَدَمُ انْتِظَامِ الْمَصَالِحِ وَالْعِدَّةُ لَا يَنْفِيهَا عَدَمُ انْتِظَامُ الْمَصَالِحِ بَلْ تُجَامِعُهُ مُدَّةَ بَقَائِهَا إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ فَيَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ لِمُوجِبِهَا بِلَا مَانِعٍ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ عِصَمُ الْكَوَافِرِ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَسْبِيَّةُ دُونَ زَوْجِهَا وَالْمَتْرُوكَاتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْأَزْوَاجِ الْمُهَاجِرِينَ فَلَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا بِأَرْبَعٍ وَبِأُخْتِ الْكَائِنَةِ هُنَاكَ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ عِصَمِ الْكَوَافِرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْفُرْقَةِ وَالْمَسْبِيَّةُ مَعَ زَوْجِهَا وَهَذِهِ خُصَّتْ عِنْدَكُمْ فَإِنَّهَا يُتَمَسَّكُ بِعُقْدَتِهَا حَيْثُ قُلْتُمْ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، فَجَازَ أَنْ تَخُصَّ الْمُهَاجِرَةَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ بِحَدِيثِ سَبَايَا أَوْطَاسٍ، فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالتَّبَايُنِ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا قَبْلَ تَرَبُّصٍ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهَا تَرَبُّصٌ وَهِيَ حُرَّةٌ كَانَ عِدَّةً إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَحِينَئِذٍ فَإِبْطَالُهُ الْوُجُوبَ لِلْخَطَرِ لَا يُفِيدُ إذْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنْ لَا يُخَلِّيَ فَرْجَ الْمَدْخُولِ بِهَا عَنْ الِامْتِنَاعِ إلَى مُدَّةٍ غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ أَكْثَرَ كَمَا هُوَ دَأْبُ الشَّرْعِ فِي إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) يَعْنِي الْمُهَاجِرَةَ (حَامِلًا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ) وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بِطَرِيقِ الْعِدَّةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَمْلَهَا ثَابِتُ النَّسَبِ فَظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَنْعِ احْتِيَاطًا، وَإِنَّمَا قَالَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ ثَابِتَ النَّسَبِ إنَّمَا يَقْتَضِي ظَاهِرًا أَنْ لَا تُوطَأَ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فَتَعَدِّيهِ الْمَنْعَ إلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِلَا وَطْءٍ لِلِاحْتِيَاطِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ بِوَطْءٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ تَزَوُّجُ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَالْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الْأَرْبَعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) فِي الْحَالِ (بِغَيْرِ طَلَاقٍ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أُخْرَى قَبْلَ الدُّخُولِ هُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُتَوَقَّفُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا يَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ وَإِلَّا

مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِبَاءِ وَالْجَامِعُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى مَا أَصَّلْنَا لَهُ فِي الْإِبَاءِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ فَتَعَذَّرَ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا، بِخِلَافِ الْإِبَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَيَّنَ الْفِرَاقُ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ. قُلْنَا: هَذِهِ الْفُرْقَةُ لِلتَّنَافِي فَإِنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلْعِصْمَةِ مُوجِبَةٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَالْمُنَافِي لَا يَحْتَمِلُ التَّرَاخِي، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْعِصْمَةِ، هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَبَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَسَمَرْقَنْدَ أَفْتَوْا فِي رِدَّتِهَا بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ حَسْمًا لِاحْتِيَالِهَا عَلَى الْخَلَاصِ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَعَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى أَفْتَوْا بِالْفُرْقَةِ وَجَبْرِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحَسْمَ بِذَلِكَ يَحْصُلُ، وَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَلَوْ بِدِينَارٍ رَضِيَتْ أَمْ لَا، وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ، وَلَا تُسْتَرَقُّ الْمُعْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُسْتَرَقُّ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْفُرْقَةِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا طَلَاقًا فَاتَّفَقَ الْإِمَامَانِ هُنَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فَسْخٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ فِي رِدَّةِ الزَّوْجِ طَلَاقٌ وَفِي رِدَّتِهَا فَسْخٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاءِ، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالْإِبَاءِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُهُ بِالْإِبَاءِ (وَالْجَامِعُ مَا بَيَّنَّاهُ) وَهُوَ أَنَّ بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِمَعْرُوفٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ، وَقِيلَ مَا بَيَّنَّاهُ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ فِعْلٌ مِنْ الزَّوْجِ إبَاءً أَوْ رِدَّةً (وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى مَا أَصَّلْنَا لَهُ فِي الْإِبَاءِ) وَهُوَ أَنَّهُ سَبَبٌ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ (وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ) بِأَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلْعِصْمَةِ لِبُطْلَانِ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَمْلَاكِهِ، وَمِنْهَا مِلْكُ النِّكَاحِ، كَذَا قُرِّرَ. وَالْحَقُّ أَنَّ مُنَافَاتِهَا لِعِصْمَةِ الْأَمْلَاكِ تَبَعٌ لِمُنَافَاتِهَا لِعِصْمَةِ النَّفْسِ، إذْ بِتِلْكَ الْمُنَافَاةِ صَارَ فِي حُكْمِ

وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ (ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَنِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا. . قَالَ (وَإِذَا ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرٌ: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةٌ، وَفِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةُ أَحَدِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَيِّتِ، وَالطَّلَاقُ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ لِثُبُوتِهِ مَعَهُ حَتَّى لَا تَقَعَ الْبَيْنُونَةُ بِمُجَرَّدِهِ بَلْ بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَزِمَ كَوْنَ الْوَاقِعِ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ إلَّا الْفَسْخُ، بِخِلَافِ الْفُرْقَةِ بِالْإِبَاءِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْمُنَافَاةِ وَلِذَا بَقِيَ النِّكَاحُ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ بِسَبَبِ فَوَاتِ ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ رَفْعُهُ لِارْتِفَاعِ ثَمَرَاتِهِ اللَّاتِي مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، فَالْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِالْإِمْسَاكِ بِمَعْرُوفٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ التَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ عَنْهُ. وَفِي الشُّرُوحِ مِنْ تَقْرِيرِ هَذَا الْفَرْقِ أُمُورٌ لَا تَمَسُّ الْمَطْلُوبَ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ؛ لِأَنَّ الرَّافِعَ يُجَامِعُ الْمُنَافِيَ بِالضَّرُورَةِ، نَعَمْ هُوَ أَعَمُّ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي وَمَعَ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِهِ فَرْقٌ وَلَا دَخْلَ لَهُ فِيهِ (ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا) وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ أَيْضًا (وَنِصْفُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا) لَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ. . (قَوْلُهُ وَإِذَا ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا اسْتِحْسَانًا)

وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَالِارْتِدَادُ مِنْهُمْ وَاقِعٌ مَعًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ مَعًا فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لِإِصْرَارِ الْآخَرِ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ كَابْتِدَائِهَا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا إذَا لَمْ يَلْحَقْ أَحَدُهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا، فَإِنْ لَحِقَ فَسَدَ لِلتَّبَايُنِ. وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ؛ لِأَنَّ فِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةَ أَحَدِهِمَا وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ (وَلَنَا) وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا ثُمَّ أَسْلَمُوا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ) وَلَمَّا لَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا رِدَّتَهُمْ وَقَعَتْ مَعًا، إذْ لَوْ حُمِلَتْ عَلَى التَّعَاقُبِ لَفَسَدَتْ أَنْكِحَتُهُمْ وَلَزِمَهُمْ التَّجْدِيدُ. وَعَلِمْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ الرِّدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعًا لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ تَعَاقُبِ كُلِّ زَوْجَيْنِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَمَّا جَمِيعُهُمْ فَلَا؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ جَازَ أَنْ يَتَعَاقَبُوا وَلَا تَفْسُدَ أَنْكِحَتُهُمْ إذَا كَانَ كُلُّ رَجُلٍ ارْتَدَّ مَعَ زَوْجَتِهِ، فَحَكَمَ الصَّحَابَةُ بِعَدَمِ التَّجْدِيدِ لِحُكْمِهِمْ بِذَلِكَ ظَاهِرًا لَا حَمْلًا عَلَيْهِ لِلْجَهْلِ بِالْحَالِ كَالْغَرْقَى وَالْحَرْقَى. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَيِّمَ الْبَيْتِ إذَا أَرَادَ أَمْرًا تَكُونُ قَرِينَتُهُ فِيهِ قَرِينَتَهُ. هَذَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْحُكْمِ بِارْتِدَادِ بَنِي حَنِيفَةَ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْعُهُمَا الزَّكَاةَ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ أَنَّ مَنْعَهُمْ كَانَ لِجَحْدِ افْتِرَاضِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ وَلَا هُوَ لَازِمٌ. وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاهُمْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ قِتَالِهِمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِمْ حَقًّا شَرْعِيًّا وَعَطَّلُوهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلِاسْتِحْسَانِ بِالْمَعْنَى وَهُوَ عَدَمُ جِهَةِ الْمُنَافَاةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُنَافَاةِ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ انْتِظَامِ الْمَصَالِحِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُوَافَقَةُ عَلَى الِارْتِدَادِ ظَاهِرٌ فِي انْتِظَامِهَا بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَمُوتَا بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِوُقُوعِ رِدَّةِ الْعَرَبِ وَقِتَالِهِمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ قَطْعِيٌّ ثُمَّ لَمْ يُؤْمَرُوا بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا مَعًا فُسِخَ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ الْآخَرِ مُنَافِيَةٌ النِّكَاحَ فَصَارَ بَقَاؤُهَا كَإِنْشَائِهَا الْآنَ حَالَ إسْلَامِ الْآخَرِ حَتَّى إنْ كَانَ الَّذِي عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ هُوَ الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَتْ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَالدُّيُونُ لَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ. [فُرُوعٌ] الْأَوَّلُ نَصْرَانِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ تَمَجَّسَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الزَّوْجَ قَدْ ارْتَدَّ وَالْمَجُوسِيَّةُ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فَإِحْدَاثُهَا مَا تَحْرُمُ بِهِ كَالرِّدَّةِ فَقَدْ ارْتَدَّا مَعًا فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَرْأَةُ تُقَرُّ فَصَارَ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَهَذَا؛ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْكُفْرَ

[باب القسم]

بَابُ الْقَسْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَالِانْتِقَالُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يُجْعَلُ كَإِنْشَائِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَهَوَّدَا فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَمُحَمَّدٌ يُفَرِّقُ بِأَنَّ إنْشَاءَ الْمَجُوسِيَّةِ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فَإِحْدَاثُهَا كَالِارْتِدَادِ. بِخِلَافِ الْيَهُودِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَمَجَّسَتْ وَحْدَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلَوْ تَهَوَّدَتْ لَا تَقَعُ فَافْتَرَقَا. الثَّانِي يَجُوزُ نِكَاحُ أَهْلِ مِلَلِ الْكُفْرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَيَتَزَوَّجُ الْيَهُودِيُّ مَجُوسِيَّةً وَنَصْرَانِيَّةً؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ كَأَهْلِ الْمَذَاهِبِ، ثُمَّ الْوَلَدُ عَلَى دِينِ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمْ. الثَّالِثُ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ وَهُنَّ كِتَابِيَّاتٌ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ أَوْ فِي عُقَدٍ فَنِكَاحُ مَنْ يَحِلُّ سَبْقُهُ جَائِزٌ وَنِكَاحُ مَنْ تَأَخَّرَ فَوَقَعَ بِهِ الْجَمْعُ أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ بَاطِلٌ. [بَابُ الْقَسْمِ] (بَابُ الْقَسْمِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ النِّكَاحِ وَأَقْسَامِهِ بِاعْتِبَارِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْكُفَّارِ وَحُكْمِهِ اللَّازِمِ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ شَرَعَ فِي حُكْمِهِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ وَهُوَ الْقَسْمُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَدُّدِ الْمَنْكُوحَاتِ وَنَفْسُ النِّكَاحِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا هُوَ غَالِبٌ فِيهِ. وَالْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمَ، وَالْمُرَادُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ وَيُسَمَّى الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ أَيْضًا، وَحَقِيقَتُهُ مُطْلَقًا مُمْتَنِعَةٌ كَمَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَيْثُ قَالَ {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] بَعْدَ إحْلَالِ الْأَرْبَعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ حِلَّ الْأَرْبَعِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ وَثُبُوتَ الْمَنْعِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ خَوْفِهِ، فَعُلِمَ إيجَابُهُ عِنْدَ تَعَدُّدِهِنَّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» فَلَا يَخُصُّ حَالَةَ تَعَدُّدِهِنَّ؛ وَلِأَنَّهُنَّ رَعِيَّةُ الرَّجُلِ وَكُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَإِنَّهُ فِي أَمْرٍ مُبْهَمٍ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يُسْتَطَاعُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، وَكَذَا السُّنَّةُ جَاءَتْ مُجْمَلَةً فِيهِ. رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ: يَعْنِي الْقَلْبَ» أَيْ زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِيهِ، وَمِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ وَالْقُبُلَاتِ وَالتَّسْوِيَةُ فِيهِمَا غَيْرُ لَازِمَةٍ إجْمَاعًا، وَكَذَا مَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» أَيْ مَفْلُوجٌ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى» فَلَمْ يُبِنْ فِي مَاذَا، وَأَمَّا مَا فِي الْكِتَابِ

وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ بِكْرَيْنِ كَانَتَا أَوْ ثَيِّبَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا بِكْرًا وَالْأُخْرَى ثَيِّبًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ وَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا فِي الْقَسْمِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَعْدِلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ. وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ: يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ» وَلَا فَصْلَ فِيمَا رَوَيْنَا. وَالْقَدِيمَةُ وَالْجَدِيدَةُ سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ فِي الْقَسْمِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا لَكِنْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَالتَّأْنِيسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَضْبِطَ زَمَانَ النَّهَارِ فَيُقَدِّرُ مَا عَاشَرَ فِيهِ إحْدَاهُمَا فَيُعَاشِرُ الْأُخْرَى بِقَدْرِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْتُوتَةِ، وَأَمَّا النَّهَارُ فَفِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا) التَّقْيِيدُ بِحُرَّتَيْنِ لِإِخْرَاجِ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَمَةً وَالْأُخْرَى حُرَّةً لَا لِإِخْرَاجِ الْأَمَتَيْنِ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّهُ يُعْطِي أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَكُونَا حُرَّتَيْنِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لَكِنَّ مَعْنَى الْعَدْلِ هُنَا التَّسْوِيَةُ لَا ضِدَّ الْجَوْرِ، فَإِذَا كَانَتَا حُرَّتَيْنِ أَوْ أَمَتَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتَا حُرَّةً وَأَمَةً فَلَا يَعْدِلُ بَيْنَهُمَا: أَيْ لَا يُسَوِّي بَلْ يَعْدِلُ بِمَعْنَى لَا يَجُورُ، وَهُوَ أَنْ يَقْسِمَ لِلْحُرَّةِ ضِعْفَ الْأَمَةِ فَالْإِيهَامُ نَشَأَ مِنْ اشْتِرَاكِ اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَدِيمَةُ وَالْجَدِيدَةُ سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا فَصْلَ فِيمَا ذَكَرْنَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِمَا ذَكَرْنَا: يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَا فَصْلَ إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ، وَكَذَلِكَ مَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ فَنَحْتَجُّ بِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ الْجَدِيدَةِ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ بِهَا سَبْعًا يَخُصُّهَا بِهَا ثُمَّ يَدُورُ وَعِنْدَ الثَّيِّبِ الْجَدِيدَةِ ثَلَاثًا إلَّا إنْ طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُبْطِلُ حَقَّهَا وَيَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الْمُدَّةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ

وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ، وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهِ. وَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثٌ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ. وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا» وَعَنْهُ قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ قَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «لَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِكَ عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» وَهَذَا دَلِيلُ اسْتِثْنَاءِ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يُسْقِطُ حَقَّهَا وَيَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِالْمُدَّةِ إنْ طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثِ وَلِأَنَّهَا لَمْ تَأْلَفْ صُحْبَتَهُ، وَقَدْ يَحْصُلُ لَهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ نَفْرَةٌ فَكَانَ فِي الزِّيَادَةِ إزَالَتُهَا. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَمَا تَلَوْنَا وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ) فَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ فَمُعَارَضٌ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الْقَدِيمَةِ بِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ فِيهَا مُتَحَقِّقَةٌ وَفِي الْجَدِيدَةِ مُتَوَهَّمَةٌ، وَإِزَالَةُ تِلْكَ النَّفْرَةِ تُمْكِنُ بِأَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا السَّبْعَ ثُمَّ يُسَبِّعَ لِلْبَاقِيَاتِ وَلَمْ تَنْحَصِرْ تَخْصِيصُهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرْوِيَّ إنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فِي التَّخْصِيصِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْآيَةِ، وَالْحَدِيثُ الْمُطْلَقُ لِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا وَجَبَ اعْتِبَارُ التَّخْصِيصِ بِالزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا وَتَلَوْنَا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا الْعَدْلُ، وَإِذَا ثَبَتَ التَّخْصِيصُ شَرْعًا كَانَ هُوَ الْعَدْلُ فَإِنَّا نَرَاهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي التَّسْوِيَةِ بَلْ يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهَا لِعَارِضٍ وَهُوَ رِقُّ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ حَتَّى كَانَ الْعَدْلُ أَنْ يَكُونَ لِإِحْدَاهُمَا يَوْمًا وَلِلْأُخْرَى يَوْمَيْنِ، فَلْيَكُنْ أَيْضًا بِتَخْصِيصِ الْجَدِيدَةِ الدَّهِشَةِ بِالْإِقَامَةِ سَبْعًا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَثَلَاثًا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لِتَأْلَفَ بِالْإِقَامَةِ وَتَطْمَئِنَّ. هَذَا وَكَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ كَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّتَيْنِ وَالْمَجْنُونَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا وَالْمَرِيضَةِ وَالصَّحِيحَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَالْمُحَرَّمَةِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَمُقَابِلَاتِهِنَّ، وَكَذَلِكَ يَسْتَوِي وُجُوبُهُ عَلَى الْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ وَالْمَرِيضِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ وَمُقَابِلَيْهِمْ. قَالَ مَالِكٌ: وَيَدُورُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، وَصَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرِضَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأَذِنَّ لَهُ» (قَوْلُهُ وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهِ) إنْ شَاءَ يَوْمًا يَوْمًا وَإِنْ شَاءَ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَرْبَعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ عَلَى صِرَافَتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ سَنَةً سَنَةً مَا يُظَنُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ لَهُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُطْلَقَ لَهُ مِقْدَارُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ لِلتَّأْنِيسِ وَدَفْعِ الْوَحْشَةِ وَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ، وَأَظُنُّ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ مُضَارَّةً إلَّا أَنْ تَرْضَيَا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ)

وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً وَالْأُخْرَى أَمَةً فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ) بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، وَلِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ النُّقْصَانِ فِي الْحُقُوقِ. وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِنَّ قَائِمٌ. . قَالَ (وَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْقَسْمِ حَالَةَ السَّفَرِ فَيُسَافِرُ الزَّوْجُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَيُسَافِرُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقُرْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ، لِمَا رُوِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا خِلَافَ فِيهِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنْ تَرَكَهُ لِعَدَمِ الدَّاعِيَةِ وَالِانْتِشَارِ فَهُوَ عُذْرٌ، وَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ لَكِنَّ دَاعِيَتَهُ إلَى الضَّرَّةِ أَقْوَى فَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ، فَإِنْ أَدَّى الْوَاجِبَ مِنْهُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكَ جِمَاعِهَا مُطْلَقًا لَا يَحِلُّ لَهُ، صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ جِمَاعَهَا أَحْيَانًا وَاجِبٌ دِيَانَةً لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالْإِلْزَامِ إلَّا الْوَطْأَةُ الْأُولَى وَلَمْ يُقَدِّرُوا فِيهِ مُدَّةً، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ إلَّا بِرِضَاهَا وَطِيبِ نَفْسِهَا بِهِ. هَذَا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِي جَمِيعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ مِنْ الْوَطْءِ وَالْقُبْلَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْجَوَارِي وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِيُحْصِنَهُنَّ عَنْ الِاشْتِهَاءِ لِلزِّنَا وَالْمَيْلِ إلَى الْفَاحِشَةِ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَأَفَادَ أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ لَيْسَ وَاجِبًا. هَذَا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَتَشَاغَلَ عَنْهَا بِالْعِبَادَةِ أَوْ السَّرَارِي اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ وَبَاقِيهَا لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهَا فِي الثَّلَاثِ بِتَزَوُّجِ ثَلَاثِ حَرَائِرَ، فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فِي كُلِّ سَبْعٍ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ مِقْدَارٌ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ مَعْنًى نِسْبِيٌّ وَإِيجَابُهُ طَلَبُ إيجَادِهِ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمُنْتَسِبِينَ فَلَا يُطْلَبُ قَبْلَ تَصَوُّرِهِ بَلْ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَيَصْحَبَهَا أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْمُكْثِ أَيْضًا بَعْدَ الْبَيْتُوتَةِ، فَفِي السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُفَضِّلُ بَعْضًا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ فِي مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنَّا مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الَّتِي هُوَ فِي يَوْمِهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا» وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَمْنَعُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْأُخْرَى لِيَنْظُرَ فِي حَاجَتِهَا وَيُمَهِّدَ أُمُورَهَا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُنَّ كُنَّ يَجْتَمِعْنَ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا» وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِرِضَا صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ إذْ قَدْ تَتَضَيَّقُ لِذَلِكَ وَتَنْحَصِرُ لَهُ. وَلَوْ تَرَكَ الْقَسْمَ بِأَنْ أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ شَهْرًا مَثَلًا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَسْتَأْنِفَ الْعَدْلَ لَا بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ جَارَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، كَذَا قَالُوا. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقَضَاءِ إذَا طُلِبَتْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إيفَائِهِ . (قَوْلُهُ وَإِنْ فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ) قَضَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَبِالْقَضَاءِ عَنْ عَلِيٍّ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ، وَتَضْعِيفُ ابْنِ حَزْمٍ إيَّاهُ بِالْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو وَبِابْنِ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمَا ثَبْتَانِ حَافِظَانِ، وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُدَبَّرَةَ رَجُلٍ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَهِيَ كَالْأَمَةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِنَّ (قَوْلُهُ وَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْقَسْمِ حَالَةَ السَّفَرِ فَيُسَافِرُ الزَّوْجُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَيُسَافِرُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقُرْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ

«أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ» إلَّا أَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْقُرْعَةَ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ مُسَافَرَةِ الزَّوْجِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ. (وَإِنْ رَضِيَتْ إحْدَى الزَّوْجَاتِ بِتَرْكِ قَسْمِهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ) ؛ لِأَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا رَوَى) الْجَمَاعَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا بِحَدِيثِ الْإِفْكِ. قُلْنَا ذَلِكَ كَانَ اسْتِحْبَابًا لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَيْفَ وَهُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] وَمِمَّنْ أَرْجَأَ سَوْدَةَ وَجُوَيْرِيَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةَ وَمَيْمُونَةَ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ، وَمِمَّنْ آوَى عَائِشَةَ وَالْبَاقِيَاتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَثِقُ بِإِحْدَاهُمَا فِي السَّفَرِ وَبِالْأُخْرَى فِي الْحَضَرِ، وَالْقَرَارُ فِي الْمَنْزِلِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، أَوْ يَمْنَعُ مِنْ سَفَرِ إحْدَاهُمَا كَثْرَةُ سِمَنِهَا فَتَعْيِينُ مَنْ يَخَافُ صُحْبَتَهَا فِي السَّفَرِ لِلسَّفَرِ بِخُرُوجِ قُرْعَتِهَا إلْزَامٌ لِلضَّرَرِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالنَّافِي لِلْحَرَجِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَظَاهِرٌ فِيهِ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَخْتَصَّ وَاحِدَةً بِالسَّفَرِ بِهَا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ السَّفَرِ بِالْكُلِّ تَسْوِيَةٌ، بِخِلَافِ تَخْصِيصِ إحْدَاهُنَّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ التَّسْوِيَةُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لَيْلَةً يَبِيتُ عِنْدَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ لَا عَلَى مَعْنَى وُجُوبِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَائِمًا، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ عِنْدَ الْكُلِّ بَعْضَ اللَّيَالِي وَانْفَرَدَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ. . (قَوْلُهُ وَإِنْ رَضِيَتْ إحْدَى الزَّوْجَاتِ بِتَرْكِ قَسْمِهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِرِشْوَةٍ مِنْ الزَّوْجِ بِأَنْ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا لِتَفْعَلَ أَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى فَيُقِيمَ عِنْدَهَا يَوْمَيْنِ وَعِنْدَ الْمُخَاطَبَةِ يَوْمًا فَإِنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا الْمَالُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا دَفَعَتْ إلَيْهِ أَوْ حَطَّتْ عَنْهُ مَالًا لِيَزِيدَهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي مَالِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ) بِفَتْحَتَيْنِ «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجِعَهَا» إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ اعْتَدِّي فَسَأَلَتْهُ بِوَجْهِ اللَّهِ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَتَجْعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ لَأَنْ تُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَزْوَاجِهِ» وَاَلَّذِي وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، بَلْ إنَّهَا جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -

«سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُرَاجِعَهَا وَتَجْعَلَ يَوْمَ نَوْبَتِهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -» (وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي فِي الْمُسْتَدْرِكِ يُفِيدُ عَدَمَهُ، وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَالَتْ سَوْدَةُ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا» قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فَفِيهَا وَفِي أَشْبَاهِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ} [النساء: 128] الْآيَةَ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَيُوَافِقُ مَا فِي الْكِتَابِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَالِي إلَى الرِّجَالِ مِنْ حَاجَةٍ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِكَ، قَالَ: فَرَاجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» اهـ وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا لَا تَقَعُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ بَلْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَمَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَافَتْ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْحَالُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ فَيُفَارِقُهَا، وَلَا يُنَافِيهِ بَلَاغُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْكِنَايَاتِ اعْتَدِّي، وَالْوَاقِعُ بِهَذِهِ الرَّجْعِيُّ لَا الْبَائِنُ. وَفَرَّعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا إذَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ نِسَائِهِ، وَإِذَا جَعَلَتْهُ لِضَرَّتِهَا الْمُعَيَّنَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ حَقُّهَا فَإِذَا صَرَفَتْهُ لِوَاحِدَةٍ تَعَيَّنَ. وَفَرَّعُوا إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ تَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ قَسَمَ لَهَا لَيْلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِيهَا فَهَلْ لَهُ نَقْلُهَا فَيُوَالِي لَهَا لَيْلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الَّتِي تَلِيهَا فِي النَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ) قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَابِلَةِ: لَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَإِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ: يَعْنِي عَنْ الطَّلَاقِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى صُلْحًا: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: 128] فَيَلْزَمُ كَمَا يَلْزَمُ مَا صُولِحَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَلَوْ مُكِّنَتْ مِنْ طَلَبِ حَقِّهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ تَأْخِيرُ الضَّرَرِ إلَى أَكْمَلِ حَالَتَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ صُلْحًا بَلْ مِنْ أَقْرَبِ أَسْبَابِ الْمُعَادَاةِ، وَالشَّرِيعَةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ بِمَا مَضَى فِيهِ وَبِهِ نَقُولُ، إذْ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّةِ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ الْإِعْرَاضِ أَمَّا فِيمَا بَعْدَهُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فَكَيْفَ يَسْقُطُ؟ فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ ثُبُوتُ الضَّرَرِ وَالْمُعَادَاةِ، قُلْنَا: لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ طَرِيقُ الْخَلَاصِ وَقَدْ كَانَ يُرِيدُ طَلَاقَهَا لَوْلَا مَا صَالَحَتْهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَتْلَفَتْ مَا دَفَعَتْ بِهِ الْمَكْرُوهَ عَنْهَا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا كَانَ يُرِيدُ فِعْلَهُ وَيَحْصُلُ الْخَلَاصُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ نَخْتِمُ بِهَا كِتَابَ النِّكَاحِ] لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الضَّرَائِرِ إلَّا بِالرِّضَا، وَيُكْرَهُ وَطْءُ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى فَلَهَا أَنْ لَا تُجِيبَهُ إذَا طَلَبَ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ، وَمِنْ الْغَزْلِ، وَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّزَيُّنِ بِمَا يَتَأَذَّى بِرِيحِهِ كَأَنْ يَتَأَذَّى بِرَائِحَةِ الْحِنَّاءِ الْمُخَضَّرِ وَنَحْوِهِ، وَلَهُ ضَرْبُهَا بِتَرْكِ الزِّينَةِ إذَا كَانَ يُرِيدُهَا وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَالصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةً فَلَيْسَ لَهُ جَبْرُهَا عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عِنْدَنَا، وَيَضْرِبُهَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِلَا إذْنٍ إلَّا إنْ احْتَاجَتْ إلَى الِاسْتِفْتَاءِ فِي حَادِثَةٍ وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ

[كتاب الرضاع]

كِتَابُ الرَّضَاعِ قَالَ (قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَثْبُتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ، وَمَا لَمْ تَقَعْ حَاجَةٌ إلَى الِاسْتِفْتَاءِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْخُرُوجِ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهَا زَمِنًا وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَ الزَّوْجَ فِي الْمَنْعِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ شَابَّةٌ تَخْرُجُ إلَى الْوَلِيمَةِ وَالْمُصِيبَةِ أَوْ لِغَيْرِهِمَا لَا يَمْنَعُهَا ابْنُهَا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ خُرُوجَهَا لِلْفَسَادِ فَحِينَئِذٍ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِالْمَنْعِ مَنَعَهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الرَّضَاعِ] لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدَ وَهُوَ لَا يَعِيشُ غَالِبًا فِي ابْتِدَاءِ نَشْأَتِهِ إلَّا بِالرَّضَاعِ وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَهِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ بِمُدَّةٍ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَحْكَامِهِ. قِيلَ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ لَكِنَّهُ أَفْرَدَهُ بِكِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَسَائِلَ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَخَلْطِ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مَا تَتَعَلَّقُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ هُنَا التَّفَاصِيلَ الْكَثِيرَةَ. وَالرَّضَاعُ وَالرَّضَاعَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَالرُّضَّعُ الْخَامِسَةُ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ مَعَ الْهَاءِ، وَفَعَلَهُ فِي الْفَصِيحِ مِنْ حَدِّ عَلِمَ يَعْلَمُ، وَأَهْلُ نَجْدٍ قَالُوا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ السَّلُولِيِّ يَذُمُّ عُلَمَاءَ زَمَانِهِ: وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضِعُونَهَا ثُمَّ قِيلَ: كِتَابُ الرَّضَاعِ لَيْسَ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا أَلَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ لِيُرَوِّجَهُ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي مَعَ الْتِزَامِهِ إيرَادَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ مَحْذُوفَةَ التَّعَالِيلِ. وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَوَائِلِ مُصَنَّفَاتِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: مَصُّ اللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لَئِيمٌ رَاضِعٌ: أَيْ يَرْضِعُ غَنَمَهُ وَلَا يَحْلُبُهَا مَخَافَةَ أَنْ يُسْمَعَ صَوْتُ حَلْبِهِ فَيُطْلَبُ مِنْهُ اللَّبَنُ. وَفِي الشَّرْعِ: مَصَّ الرَّضِيعِ اللَّبَنَ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ أَيْ مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْمُخْتَلَفِ فِي تَقْدِيرِهَا (قَوْلُهُ قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ إذَا تَحَقَّقَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ أَمَّا لَوْ شَكَّ فِيهِ بِأَنْ

التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدْخَلَتْ الْحَلَمَةَ فِي فَمِ الصَّغِيرِ وَشَكَّتْ فِي الِارْتِضَاعِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالشَّكِّ، وَهُوَ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ صَبِيَّةً أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَرْيَةٍ وَلَا يَدْرِي مَنْ هِيَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ مِنْ خُصُوصِيَّةِ امْرَأَةٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِذَا أَرْضَعْنَ فَلْيَحْفَظْنَ ذَلِكَ وَيُشْهِرْنَهُ وَيَكْتُبْنَهُ احْتِيَاطًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مُشْبِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَةٍ عُرْفًا. وَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ كَقَوْلِنَا وَكَقَوْلِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثَيْنِ صَدَّرَهُ حَدِيثَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» وَآخِرُهُ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمَتْ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ» وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ» فَقَوْلُ شَارِحٍ فِي قَوْلِهِ «وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ» إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَالْإِمْلَاجَةُ: الْإِرْضَاعَةُ، وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ، وَالْإِمْلَاجُ: الْإِرْضَاعُ، وَأَمْلَجَتْهُ أَرْضَعَتْهُ، وَمَلَجَ هُوَ أُمَّهُ: رَضَعَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ، وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يُثْبِتَ بِهِ مَذْهَبَهُ بِطَرِيقٍ هُوَ أَنَّ الْمَصَّةَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَصَّتَيْنِ فَحَاصِلُهُ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ، فَنُفِيَ التَّحْرِيمُ عَنْ أَرْبَعٍ فَلَزِمَ أَنْ يَثْبُتَ بِخَمْسٍ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَذْهَبَهُ لَيْسَ التَّحْرِيمُ بِخَمْسِ مَصَّاتٍ بَلْ بِخَمْسٍ مُشْبِعَاتٍ فِي أَوْقَاتٍ، وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ الْمَصَّةَ غَيْرُ الْإِمْلَاجَةِ، فَإِنَّ الْمَصَّةَ فِعْلُ الرَّضِيعِ، وَالْإِمْلَاجَةُ الْإِرْضَاعَةُ فِعْلُ الْمُرْضِعَةِ. فَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى كَوْنَ الْفِعْلَيْنِ مُحَرَّمَيْنِ مِنْهُ وَمِنْهَا، وَعَلَى هَذَا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى حَدِيثًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْإِمْلَاجَ لَيْسَ حَقِيقَةَ الْمُحَرَّمِ بَلْ لَازِمَهُ مِنْ الِارْتِضَاعِ، فَنَفْيُ تَحْرِيمِ الْإِمْلَاجِ نَفْيُ تَحْرِيمِ لَازِمِهِ، فَلَيْسَ الْحَاصِلُ مِنْ «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَتَانِ» إلَّا لَا تُحَرِّمُ لَازِمَهُمَا: أَعْنِي الْمَصَّتَيْنِ فَلَوْ جُمِعَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ كَانَ الْحَاصِلُ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّتَانِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ أَنْ يُرَادَ إلَّا الْمَصَّتَانِ لَا الْأَرْبَعُ. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ ذَكَرْت آنِفًا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قُلْت: يَجِبُ كَوْنُ الرَّاوِي وَهُوَ الزُّبَيْرُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَلْفَاظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي سَمِعَهَا مِنْهُ فِي وَقْتَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» وَقَالَ أَيْضًا «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» وَقُبِلَ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ نَافٍ لِمَذْهَبِنَا فَيَثْبُتُ بِهِ مَذْهَبُهُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ بِالْفَصْلِ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَأَبُو عُبَيْدٍ وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، قَالُوا: الْمُحَرِّمُ ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ قَوْلُهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقُوَّةِ وَجْهِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَجْهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَثْبَتَ بِهِ مَذْهَبَهُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» . قَالُوا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ النَّسْخِ حَتَّى إنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا وَهُوَ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى إرَادَةِ نَسْخِ الْكُلِّ وَإِلَّا لَزِمَ ضَيَاعُ بَعْضِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَمْ يُنْسَخْ وَعَدَمُهُ كَمَا عَنْ الرَّوَافِضِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ أَنْ يُتْلَى خَمْسُ رَضَعَاتٍ إلَخْ، فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِنَسْخِ الْكُلِّ لِعَدَمِ التِّلَاوَةِ الْآنَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ عَلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ وَعَدَمُهُ فَيَثْبُتُ قَوْلُ الرَّوَافِضِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِذَا بَطَلَ التَّمَسُّكُ بِهِ وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ صَحِيحًا لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا وَثَبَتَ نَفْيُ تَحْرِيمِ الْمَصَّةِ وَالْمَصَّتَانِ وَالرَّضَاعُ مُحَرِّمٌ وَجَبَ التَّحْرِيمُ بِالثَّلَاثِ. وَمَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي فَلَمَّا مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ فَدَخَلَتْ دَوَاجِنُ فَأَكَلَتْهَا لَا يَنْفِي ذَلِكَ النَّسْخَ: يَعْنِي كَانَ مَكْتُوبًا وَلَمْ يُغْسَلْ بَعْدُ لِلْقُرْبِ حَتَّى دَخَلَتْ الدَّوَاجِنُ. وَإِلَّا فَالْقُرْآنُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَلَا النَّقْصُ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَمَا قِيلَ لِيَكُنْ نَسْخُ الْكُلِّ وَيَكُونُ النَّسْخُ التِّلَاوَةَ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ وَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا جَوَابَ عَنْهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ادِّعَاءَ بَقَاءَ حُكْمِ الدَّالِّ بَعْدَ نَسْخِهِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ نَسْخَ الدَّالِّ يَرْفَعُ حُكْمَهُ، وَأَمَّا مَا نَظَرَ بِهِ مِنْ " الشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا " فَلَوْلَا مَا عُلِمَ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ وَإِذَا احْتَاجَ إلَى ثُبُوتِ كَوْنِ الْمُحَرِّمِ الْخَمْسَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَدِيثُ مُثْبِتًا لَهُ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مُسْتَأْنَفٌ، وَمَا ذَكَرَ لَهُ أَوَّلًا قَدْ سَمِعْت مَا فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَمَسُّكُهُمْ فِي الثَّلَاثِ أَظْهَرُ مِنْ مُتَمَسِّكِهِ فِي الْخَمْسِ وَنَحْنُ إلَى جَوَابِهِ أَحْوَجُ فَكَيْفَ لَا يُعْتَبَرُ؟ نَعَمْ أَحْسَنُ الْأَدِلَّةِ لَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَتْ «جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسًا تَحْرُمِي بِهَا عَلَيْهِ» إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَكَذَا السُّنَنُ الْمَشْهُورَةُ، بَلْ نُقِلَ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُخَالِفًا لَهَا عَلَى مَا فِيهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مُطْلَقًا مَنْسُوخٌ صَرِيحٌ بِنَسْخِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ قِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ الرَّضْعَةَ لَا تُحَرِّمُ، فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: آلَ أَمْرُ الرَّضَاعِ إلَى أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْقَلِيلَ يُحَرِّمُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ. فَقَالَ: قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قَضَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] فَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ رَدًّا لِلرِّوَايَةِ لِنَسْخِهَا أَوْ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا أَوْ لِعَدَمِ إجَازَتِهِ تَقْيِيدَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِفِعْلِ الرَّضَاعَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَا رَوَاهُ مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ أَوْ مَنْسُوخٌ بِهِ، ثُمَّ الَّذِي يَحْرُمُ

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنُشُوءِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ، وَمَا رَوَاهُ مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ أَوْ مَنْسُوخٌ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لِمَا نُبَيِّنُ. . (ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا سَنَتَانِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ فِي حَدِيثِ سَهْلَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ أَنْ يُشْبِعَ سَالِمًا خَمْسَ شَبْعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَاتٍ جَائِعًا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُشْبِعُهُ مِنْ اللَّبَنِ رِطْلٌ وَلَا رِطْلَانِ فَأَيْنَ تَجِدُ الْآدَمِيَّةُ فِي ثَدْيِهَا قَدْرَ مَا يُشْبِعُهُ؟ هَذَا مُحَالٌ عَادَةً، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْدُودَ خَمْسًا فِيهِ الْمَصَّاتُ، ثُمَّ كَيْفَ جَازَ أَنْ يُبَاشِرَ عَوْرَتَهَا بِشَفَتَيْهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنْ تَحْلُبَ لَهُ شَيْئًا مِقْدَارُهُ خَمْسُ مَصَّاتٍ فَيَشْرَبُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ. هَذَا وَهُوَ مَنْسُوخٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] تَقَدَّمَ فِي اسْتِدْلَالِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَحَدِيثٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَشْهُورٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ) جَوَابُ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرَّضَاعِ لِاخْتِلَاطِ الْبَعْضِيَّةِ بِسَبَبِ النُّشُوءِ الْكَائِنِ عَنْهُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بِأَدْنَى شَيْءٍ. أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ حِكْمَةٌ؛ لِأَنَّهُ خَفِيٌّ وَالْأَحْكَامُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا لِخَفَائِهَا بَلْ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ وَهُوَ فِعْلُ الِارْتِضَاعِ، فَلَوْ قَالَ: الظَّاهِرُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَظِنَّةً لِلْحِكْمَةِ وَمُطْلَقُهُ لَيْسَ مَظِنَّةَ النُّشُوءِ فَلَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِهِ. قُلْنَا: وَلَا يَتَوَقَّفُ النُّشُوءُ عَلَى خَمْسٍ مُشْبِعَاتٍ بَلْ وَاحِدَةٌ تُفِيدُهُ، فَالتَّعَلُّقُ بِخَمْسٍ زِيَادَةٌ تَسْتَلْزِمُ تَأْخِيرَ الْحُرْمَةِ عَنْ وَقْتِ تَعَلُّقِهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ الرَّضَاعَ وَإِنْ قَلَّ يَحْصُلُ بِهِ نُشُوءٌ بِقَدْرِهِ فَكَانَ الرَّضَاعُ مُطْلَقًا مَظِنَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّغِيرِ. وَقَوْلُنَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَسْنَدَ الرِّوَايَةَ عَنْهُمَا بِهِ النَّسَائِيّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ، هَذَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِلْبَعْضِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَإِقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ إنَّمَا هِيَ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، أَمَّا فِي الرَّضَاعِ فَحَقِيقَةُ الْجُزْئِيَّةِ بِاللَّبَنِ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّحْرِيمُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ اللَّبَنِ فِي الْجَوْفِ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ كَانَ الْمُحَرَّمُ شُبْهَتَهَا: أَيْ مَا يَئُولُ إلَى الْجُزْئِيَّةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ الْمُوجِبُ لِلتَّحْرِيمِ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَهِيَ قَوْلُهُ (ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ) الَّتِي إذَا وَقَعَ الرَّضَاعُ فِيهَا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ (ثَلَاثُونَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: سَنَتَانِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ زُفَرُ: ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ، وَعَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَتَانِ وَشَهْرٌ، وَفِي أُخْرَى شَهْرَانِ، وَفِي أُخْرَى مَا دَامَ مُحْتَاجًا إلَى اللَّبَنِ غَيْرَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا حَدَّ لَهُ لِلْإِطْلَاقَاتِ فَيُوجِبُ التَّحْرِيمَ وَلَوْ فِي حَالِ الْكِبَرِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ إلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَالَ

وَقَالَ زُفَرٌ: ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِمَا نُبَيِّنُ فَيُقَدَّرُ بِهِ. وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَمُدَّةُ الْحَمْلِ أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» وَلَهُ هَذِهِ الْآيَةُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَكَانَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ قَامَ الْمُنْقِصُ فِي أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ فِي الثَّانِي عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغَيُّرِ الْغِذَاءِ لِيَنْقَطِعَ الْإِنْبَاتُ بِاللَّبَنِ وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ الصَّبِيُّ فِيهَا غَيْرَهُ فَقُدِّرَتْ بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُغَيَّرَةٌ، فَإِنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ يُغَايِرُ غِذَاءَ الرَّضِيعِ كَمَا يُغَايِرُ غِذَاءَ الْفَطِيمِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرُونَ إلَى أَرْبَعِينَ سَنَةٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَوْلَ حَسَنٌ إلَخْ) هَذَا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ فِيهَا الصَّبِيُّ غَيْرَ اللَّبَنِ لِيَنْقَطِعَ الْإِنْبَاتُ بِاللَّبَنِ وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ فِيهَا الصَّبِيُّ تَغَيُّرَ الْغِذَاءَ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَقُدِّرَ بِالثَّلَاثَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِمَا نُبَيِّنُ: أَيْ فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَمُدَّةُ الْحَمْلِ أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ هَكَذَا «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ مِنْ حَوْلَيْنِ» وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْأَحْكَامِ وَقَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ إلَّا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ اهـ. وَكَذَا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعِجْلِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِلَا رَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٌّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَلَى عُمَرَ. وَأَظْهَرُ الْأَدِلَّةِ لَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَجَعَلَ التَّمَامَ بِهِمَا وَلَا مَزِيدَ عَلَى التَّمَامِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْآيَةُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَكَانَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ عَلَى شَخْصَيْنِ بِأَنْ قَالَ أَجَّلْت الدَّيْنَ الَّذِي لِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى فُلَانٍ وَالدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ سَنَةً يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّنَةَ بِكَمَالِهَا لِكُلٍّ، أَوْ عَلَى شَخْصٍ فَيَقُولُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ إلَى سَنَةٍ فَصَدَّقَهُ الْمَقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ يُتِمُّ أَجَلَهُمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ أَقَامَ الْمُنْقَصَ فِي أَحَدِهِمَا: يَعْنِي فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِقَدْرِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " وَلَوْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ ". وَمِثْلُهُ مِمَّا لَا يُقَالُ إلَّا سَمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إلَيْهَا وَسَنُخَرِّجُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ» فَتَبْقَى مُدَّةُ الْفِصَالِ عَلَى ظَاهِرِهَا، غَيْرَ أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ لَفْظِ ثَلَاثِينَ مُسْتَعْمَلًا فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ فِي مَدْلُولِ ثَلَاثِينَ وَفِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَكَوْنُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْئَيْنِ لَا يَنْفِي كَوْنَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ، وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعْ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جَمْعٍ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْئَيْنِ. وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ لَا يُتَجَوَّزُ بِشَيْءٍ مِنْهَا فِي الْآخِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعْلَامِ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا حَتَّى مُنِعَتْ الصَّرْفَ مَعَ سَبَبٍ وَاحِدٍ فَقَالُوا سِتَّةَ عَشْرَ ضِعْفُ ثَمَانِيَةٍ بِلَا تَنْوِينٍ، وَمِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ نَحْوَ عَشَرَةٍ إلَّا اثْنَيْنِ لَمْ يُرِدْ بِهِ ثَمَانِيَةً بَلْ عَشَرَةً فَأَخْرَجَ ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ مُطْلَقًا وَمُخْتَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فِيمَا إذَا كَانَ اسْتِثْنَاءً مِنْ عَدَدٍ مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ خِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي الْأُصُولِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَالِدَاتِ الْمُطَلَّقَاتُ بِقَرِينَةِ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] فَإِنَّ الْفَائِدَةَ فِي جَعْلِهِ نَفَقَتَهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ ظِئْرٌ أَوْجَهُ مِنْهَا فِي اعْتِبَارِهِ إيجَابَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} [الطلاق: 7] الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّ نَفَقَتَهَا لَا تَخْتَصُّ بِكَوْنِهَا وَالِدَةً مُرْضِعَةً بَلْ مُتَعَلِّقَةً بِالزَّوْجِيَّةِ، بِخِلَافِ اعْتِبَارِهَا نَفَقَةَ الظِّئْرِ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ أُجْرَةً لَهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا بِاعْتِبَارِهَا ظِئْرًا غَيْرَ زَوْجَةٍ لَا تَكُونُ إلَّا أُجْرَةً لَهَا، وَاللَّامُ مِنْ لِمَنْ أَرَادَ مُتَعَلِّقٌ بِيُرْضِعْنَ: أَيْ يُرْضِعْنَ لِلْآبَاءِ الَّذِينَ أَرَادُوا إتْمَامَ

وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّصُّ الْمُقَيَّدُ بِحَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ. قَالَ (وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّضَاعَةِ وَعَلَيْهِمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أُجْرَةً لَهُنَّ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَاوُ مِنْ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ لِلْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يُتِمَّ كَانَ أَظْهَرَ فِي تَقْيِيدِ الْأُجْرَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَى الْآبَاءِ أُجْرَةً لِلْمُطَلَّقَةِ لِحَوْلَيْنِ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ أَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ وَعَلَيْهِ أَوْ وَعَلَيْهِمْ لَكِنْ تُرِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى عِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُ الْوَلَدِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْآبَاءِ. وَالْحَاصِلُ حِينَئِذٍ: يُرْضِعْنَ حَوْلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ الْآبَاءِ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ بِالْأُجْرَةِ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ انْتِهَاءَ مُدَّةِ الرَّضَاعَةِ مُطْلَقًا بِالْحَوْلَيْنِ، بَلْ مُدَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ بِالْإِرْضَاعِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا فِي الْجُمْلَةِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا} [البقرة: 233] عَطْفًا بِالْفَاءِ عَلَى يُرْضِعْنَ حَوْلَيْنِ فَعَلَّقَ الْفِصَالَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ عَلَى تَرَاضِيهِمَا. وَقَدْ يُقَالُ: كَوْنُ الدَّلِيلِ دَلَّ عَلَى بَقَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَأَيْنَ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِهَائِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهُمَا بِحَيْثُ لَوْ أَرْضَعَ بَعْدَهَا لَا يَقَعُ التَّحْرِيمُ. وَمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ زِيَادَتِهَا لَا يُفِيدُ سِوَى أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ الْفِطَامُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِيُعَوَّدَ فِيهَا غَيْرَ اللَّبَنِ قَلِيلًا قَلِيلًا لِتَعَذُّرِ نَقْلِهِ دَفْعَةً. فَأَمَّا أَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَيَكُونُ مِنْ تَمَامِ مُدَّةِ التَّحْرِيمِ شَرْعًا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُحَرِّمْ إطْعَامَهُ غَيْرَ اللَّبَنِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ لِيَلْزَمَ زِيَادَةُ مُدَّةِ التَّعَوُّدِ عَلَيْهِمَا، فَجَازَ أَنْ يُعَوَّدَ مَعَ اللَّبَنِ غَيْرَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ بِحَيْثُ تَكُونُ الْعَادَةُ قَدْ اسْتَقَرَّتْ مَعَ انْقِضَائِهِمَا فَيُفْطَمُ عِنْدَهُ عَنْ اللَّبَنِ بِمَرَّةٍ فَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ بِلَازِمَةٍ فِي الْعَادَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ، فَكَانَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا وَهُوَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَقَوْلُ زُفَرَ عَلَى هَذَا أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} [البقرة: 233] الْمُرَادُ مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ أَوْ لَا فَيَتَشَاوَرَانِ لِيَظْهَرَ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ. وَأَمَّا ثُبُوتُ الضَّرَرِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَقَلَّ أَنْ يَقَعَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِطَامٌ بَلْ إنْ كَانَ فَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَتَمْنَعُهُ الْعُمُومَاتُ الْمَانِعَةُ مِنْ إدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، حَتَّى لَوْ ارْتَضَعَ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ أَبَدًا لِلْإِطْلَاقَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَكَانَتْ إذَا أَرَادَتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ أَمَرَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ أَوْ بَعْضَ بَنَاتِ أُخْتِهَا أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسًا، وَلِحَدِيثِ سَهْلَةَ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كَانَ ثُمَّ نُسِخَ بِآثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - تُفِيدُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ. فَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي اسْتِدْلَالِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا رَضَاعَ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ النُّشُوءِ وَذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ إذْ الْكَبِيرُ لَا يَتَرَبَّى بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا مَا كَانَ مِنْ حَوْلَيْنِ» وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ هَوِيَّتُهُ بَعْدَهُ، وَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ «لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَرَ الْعَظْمَ» يُرْوَى بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ أَحْيَاهُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22] وَبِالزَّايِ: أَيْ رَفَعَهُ وَبِزِيَادَةِ الْحَجْمِ يَرْتَفِعُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدِي رَجُلٌ. فَقَالَ: يَا عَائِشَةَ مَنْ هَذَا؟ قُلْت: أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةَ اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَتُكُنَّ فَإِنَّ الرَّضَاعَةَ مَنْ الْمَجَاعَةِ» يَعْنِي اعْرِفْنَ إخْوَتَكُنَّ لِخَشْيَةِ أَنْ يَكُونَ رَضَاعَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ كَانَتْ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ. فَإِنْ قُلْت: عُرِفَ مِنْ أَصْلِكُمْ أَنَّ عَمَلَ الرَّاوِي بِخِلَافِ مَا رَوَى يُوجِبُ الْحُكْمَ بِنَسْخِ مَا رَوَى فَلَا يُعْتَبَرُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ، وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَمَلُهَا بِخِلَافِهِ فَيَكُونُ مَحْكُومًا بِنَسْخِ كَوْنِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ مُحَرَّمًا. قُلْنَا: الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِنْ الْحَالِ سِوَى أَنَّهُ خَالَفَ مَرْوِيَّهُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى نَاسِخِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُخْطِئُ فِي ظَنِّ غَيْرِ النَّاسِخِ نَاسِخًا لَا قَطْعًا. فَلَوْ اتَّفَقَ فِي خُصُوصِ مَحَلٍّ بِأَنَّ عَمَلَهُ بِخِلَافِ مَرْوِيِّهِ كَانَ لِخُصُوصِ دَلِيلٍ عَلِمْنَاهُ وَظَهَرَ لِلْمُجْتَهِدِ غَلَطُهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِنَسْخِ مَرْوِيِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَا كَانَ إلَّا لِإِحْسَانِ الظَّنِّ بِنَظَرِهِ، فَأَمَّا إذَا تَحَقَّقْنَا فِي خُصُوصِ مَادَّةٍ خِلَافِ ذَلِكَ وَجَبَ اعْتِبَارُ مَرْوِيِّهِ بِالضَّرُورَةِ دُونَ رَأْيِهِ. وَفِي الْمُوَطَّإِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: إنِّي مَصَصْت عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْك، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: اُنْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي حَوْلَيْنِ» فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. هَذِهِ رِوَايَةُ الْمُوَطَّإِ فَرُجُوعُهُ إلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ النُّصُوصِ الْمُطْلِقَةِ وَعَمَّا أَفْتَاهُ بِالْحُرْمَةِ لَا يَكُونُ إلَّا لِذِكْرِهِ لِلنَّاسِخِ لَهُ أَوْ لِتَذَكُّرِهِ عِنْدَهُ، وَغَيْرُ عَائِشَةَ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْبَيْنَ ذَلِكَ وَيَقُلْنَ: لَا نَرَى هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا رُخْصَةً لِسَهْلَةَ خَاصَّةً، وَلَعَلَّ سَبَبَهُ مَا تَضَمَّنَهُ مِمَّا يُخَالِفُ أُصُولَ الشَّرْعِ حَيْثُ يَسْتَلْزِمُ مَسَّ عَوْرَتِهَا بِشَفَتَيْهِ فَحَكَمْنَ بِأَنَّ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ. وَقِيلَ سَبَبُهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَجَعَتْ. وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ فَكُنْت أُصِيبُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: دُونَكَ قَدْ

وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ. وَوَجْهُهُ انْقِطَاعُ النُّشُوءِ بِتَغَيُّرِ الْغِذَاءِ وَهَلْ يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ؟ فَقِيلَ لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ ضَرُورِيَّةٌ لِكَوْنِهِ جُزْءُ الْآدَمِيِّ. . قَالَ (وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا (إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا يَجُوزُ) أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهِ أَرْضَعْتُهَا، قَالَ عُمَرُ: أَوْجِعْهَا وَائْتِ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ) حَتَّى لَوْ فُطِمَ قَبْلَ الْمُدَّةِ ثُمَّ أُرْضِعَ فِيهَا ثَبَتَ التَّحْرِيمُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا فُطِمَ قَبْلَ الْمُدَّةِ وَصَارَ بِحَيْثُ يَكْتَفِي بِغَيْرِ اللَّبَنِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إذَا رَضَعَ فِيهَا، رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْهُ. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَنَّهَا تَثْبُتُ مَا لَمْ تَمْضِ إقَامَةٌ لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ، فَإِنَّ مَا قَبْلَ الْمُدَّةِ مَظِنَّةُ عَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ (وَهَلْ يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ؟ قِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ) وَقَدْ انْدَفَعَتْ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي، وَأَهْلُ الطِّبِّ يُثْبِتُونَ لِلَبَنِ الْبِنْتِ أَيْ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِ بِنْتٍ مُرْضِعَةٍ نَفْعًا لِوَجَعِ الْعَيْنِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَقِيقَهُ الْعِلْمِ مُتَعَذِّرَةٌ فَالْمُرَادُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنَى الْمَنْعِ. (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ) وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ (قَوْلُهُ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) يَصِحُّ اتِّصَالُ قَوْلِهِ مِنْ الرَّضَاعِ بِكُلٍّ مِنْ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَبِهِمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ لَهَا أُمٌّ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ تَكُنْ أَرْضَعَتْهُ تَحِلُّ لَهُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَهَا أُمٌّ مِنْ النَّسَبِ تَحِلُّ لَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ الْمُرْضَعَةُ. وَالثَّالِثُ أَنْ يُرْضِعَ الصَّبِيَّ وَالصَّبِيَّةَ امْرَأَةٌ وَلِأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعِ يَحِلُّ لِلصَّبِيِّ تِلْكَ الْأُمُّ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ مَعْرِفَةٌ فَيَجِيءُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالًا مِنْهُ لَا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ: أَعْنِي أُمَّ أُخْتِهِ، بِخِلَافِ أُخْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٍ مِنْ مُسَوِّغَاتِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْهُ، وَمِثْلُ هَذَا يَجِيءُ فِي أُخْتِ ابْنِهِ، وَلَوْ قَالَ أُخْتُ وَلَدِهِ كَانَ أَشْمَلَ، فَالْأَوَّلُ لَهُ ابْنٌ مِنْ النَّسَبِ لَهُ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ بِأَنْ ارْتَضَعَ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ مَنْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَةَ أَبِيهِ حَلَّتْ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا رَبِيبَتُهُ، وَالثَّانِي لَهُ ابْنٌ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَنْ ارْتَضَعَ زَوْجَةَ الرَّجُلِ حَلَّتْ لِلرَّجُلِ أُخْتُهُ مِنْ النَّسَبِ، وَالثَّالِثُ لَهُ ابْنٌ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا ذَكَرْنَا لَهُ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ مِنْ غَيْرِ زَوْجَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِأَنْ ارْتَضَعَ ذَلِكَ الْوَلَدُ امْرَأَتَيْنِ حَلَّتْ أُخْتُهُ لِأَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَعَلَّلَ اسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلِ بِعَدَمِ وُجُودِ الْمُحَرَّمِ مِنْ النَّسَبِ فِيهِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ الْحُرْمَةَ فِي أُمِّ أُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ بِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ، وَكَذَا فِي تَعْلِيلِهِ إخْرَاجَ أُخْتِ

مِنْ النَّسَبِ) ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ، بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ حُرْمَةَ أُخْتِ الِابْنِ مِنْ النَّسَبِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ أُمَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتَهُ لِوُضُوحِ الشِّقِّ الْآخَرِ فَأَفَادَ بِالتَّعْلِيلَيْنِ أَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الرَّضَاعِ وُجُودُ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمِ فِي النَّسَبِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى فِي شَيْءٍ مِنْ صُوَرِ الرَّضَاعِ انْتَفَتْ الْحُرْمَةُ فَيُسْتَفَادُ أَنَّهُ لَا حَصْرَ فِيمَا ذَكَرَ، وَقَدْ ثَبَتَ كَذَلِكَ الِانْتِفَاءُ فِي صُوَرٍ أُخْرَى: الْأُولَى أُمُّ النَّافِلَةِ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَنْ أَرْضَعَتْ نَافِلَتُك أَجْنَبِيَّةً يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهَا لِانْتِفَاءِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ فِي النَّسَبِ وَهِيَ كَوْنُهَا بِنْتًا أَوْ حَلِيلَةَ الِابْنِ. الثَّانِيَةُ جَدَّةُ وَلَدِك مِنْ الرَّضَاعِ بِأَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَك أَجْنَبِيَّةٌ لَهَا أُمٌّ يَجُوزُ تَزَوُّجُك بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أُمَّك، وَزَادَ بَعْضُهُمْ أُمَّ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ وَأُمَّ الْخَالِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَكَذَا عَمَّةَ وَلَدِك؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّسَبِ أُخْتُك وَلَيْسَتْ أُخْتًا مِنْ الرَّضَاعِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِابْنِ أُخْتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَخِي وَلَدِهَا وَبِأَبِي حَفِيدِهَا مِنْهُ وَبِجَدِّ وَلَدِهَا مِنْهُ وَخَالِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي النَّسَبِ لِمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَقَدْ جُمِعَتْ فِي قَوْلِهِ: يُفَارِقُ النَّسَبُ الرَّضَاعَ فِي صُوَرْ ... كَأُمِّ نَافِلَةٍ وَجَدَّةِ الْوَلَدْ وَأُمِّ عَمٍّ وَأُخْتِ ابْنٍ وَأُمِّ أَخٍ ... وَأُمِّ خَالٍ وَعَمَّةِ ابْنٍ اُعْتُمِدْ وَاسْتُشْكِلَ إلْحَاقُ أُمِّ الْعَمِّ وَأُمِّ الْخَالِ بِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ فِي النَّسَبِ، إلَّا إنْ أَرَادَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ، وَبِالْخَالِ مِنْهُ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ وَلَهُ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْحَصْرَ لِجَوَازِ كَوْنِهِمَا لَمْ تُرْضِعْ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ فَلَا تَكُونُ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ بَلْ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتْ عَمَّهُ مِنْ النَّسَبِ وَخَالَهُ، ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا الْإِخْرَاجُ تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ: أَعْنِي «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ، وَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ تَحْرِيمِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ {وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] فَمَا كَانَ مِنْ مُسَمَّى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُتَحَقِّقًا فِي الرَّضَاعِ حُرِّمَ فِيهِ، وَالْمَذْكُورَاتُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مُسَمَّى تِلْكَ فَكَيْفَ تَكُونُ مُخَصَّصَةً وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاوِلَةٍ؟ وَلِذَا إذَا خَلَا تَنَاوُلُ الِاسْمِ فِي النَّسَبِ جَازَ النِّكَاحُ، كَمَا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهَا بِنْتٌ جَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ. وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت مَنَاطَ الْإِخْرَاجِ أَمْكَنَك تَسْمِيَةَ صُوَرٍ أُخْرَى، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا: أَعْنِي قَوْلَهُ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ إلَخْ، وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى تَحْرِيمِ حَلِيلَةِ الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ بِقَوْلِهِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ النَّسَبِ بَلْ بِسَبَبِ الصِّهْرِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النَّسَبِ سَبْعٌ وَهُنَّ اللَّاتِي عَدَدْنَاهُنَّ آنِفًا كَمَا فِي آيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَا بَعْدَهُنَّ فِيهَا فَمُحَرَّمَاتٌ بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِيَّةِ؛ وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ كَانَتْ أُمًّا مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ بِنْتًا أَوْ أُخْتًا أَوْ بِنْتَ أَخٍ إلَخْ تُحَرَّمُ، فَإِثْبَاتُ تَحْرِيمِ حَلِيلَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ بَلْ الدَّلِيلُ يُفِيدُ حِلَّهَا وَهُوَ قَيْدُ الْأَصْلَابِ فِي الْآيَةِ وَكَوْنُهُ لِإِخْرَاجِ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنِّي لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِإِخْرَاجِ حَلِيلَةِ الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ فَكَانَ لِإِخْرَاجِهِمَا أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْحَدِيثِ غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بَلْ يُوَفِّرُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحَدِيثِ وَالنَّصِّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ

يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ أُمَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ. . (وَامْرَأَةُ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ فِي النَّصِّ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. . (وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ الَّذِي نَزَلَ لَهَا مِنْهُ اللَّبَنُ أَبًا لِلْمُرْضَعَةِ) وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: لَبَنُ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ يُفِيدُ مَنْعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْهُ فَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ. فَإِنْ قُلْت: فَلْيَثْبُتْ بِالْقِيَاسِ عَلَى حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِجَامِعِ الْجُزْئِيَّةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجُزْئِيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي حُرْمَةِ الرَّضَاعِ هِيَ الْجُزْئِيَّةُ الْكَائِنَةُ عَنْ النُّشُوءِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ لَا مُطْلَقُ الْجُزْئِيَّةِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ الْجُزْئِيَّةُ الْكَائِنَةُ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ إذْ لَا إنْبَاتَ لِلَّحْمِ مِنْ الْمَنِيِّ الْمُنْصَبِّ فِي الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاصِلٍ مِنْ الْأَعْلَى فَهُوَ بِالْحُقْنَةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْمَشْرُوبِ حَيْثُ يَخْرُجُ كُلُّهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا يَسْتَحِيلُ إلَى جَوْهَرِ الْإِنْسَانِ كَمَا يَخْرُجُ الْمَنِيُّ وَلَدًا فَلَا يَبْقَى مِنْهُ فِي الْمَرْأَةِ شَيْءٌ اسْتَحَالَ إلَى جَوْهَرِهَا. (قَوْلُهُ وَامْرَأَةُ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ امْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ، كَذَا لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ امْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: ذِكْرُ الْأَصْلَابِ فِي آيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ يُخْرِجُهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ لِإِسْقَاطِ طَعْنِهِمْ بِسَبَبِ تَزَوُّجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوْجَةَ الْمُتَبَنِّي فَالْقَيْدُ لِإِسْقَاطِ حُرْمَةِ زَوْجَتِهِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ تَحْرِيمُهُمَا؟ وَيُجَابُ بِعُمُومِ حَدِيثِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي الْجَوَابَيْنِ. وَمِنْ فُرُوعِهِمَا فَرْعٌ لَطِيفٌ: وَهُوَ رَجُلٌ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ رَضِيعٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ جَاءَتْ إلَى الرَّضِيعِ الَّذِي كَانَ زَوْجَهَا فَأَرْضَعَتْهُ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ صَارَ ابْنًا لَهُ، فَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ صَارَ مُتَزَوِّجًا بِامْرَأَةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ. (قَوْلُهُ وَلَبَنُ الْفَحْلِ) هُوَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ (يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ) يَعْنِي اللَّبَنَ الَّذِي نَزَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْ رَجُلٍ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَتَعَلَّق بِهِ التَّحْرِيمُ بَيْنَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِأَنْ يَكُونَ أَبًا لِلرَّضِيعِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ إنْ كَانَتْ صَبِيَّةً؛ لِأَنَّهُ أَبُوهَا وَلَا لِإِخْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْمَامُهَا وَلَا لِآبَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْدَادُهَا وَلَا لِأَعْمَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْمَامُ الْأَبِ وَلَا لِأَوْلَادِهِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إخْوَتُهَا لِأَبِيهَا وَلَا لِأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّةَ عَمَّتُهُمْ، وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مِنْ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ فَمِنْهَا أَوْلَى فَلَا تَتَزَوَّجُ أَبَاهَا؛ لِأَنَّهُ جَدُّهَا لِأُمِّهَا وَلَا أَخَاهَا؛ لِأَنَّهُ خَالُهَا وَلَا عَمَّهَا؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِ أَخِيهِ وَلَا خَالَهَا؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِ أُخْتِهِ وَلَا أَبْنَاءَهَا وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُمْ إخْوَتُهَا لِأُمِّهَا. وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَتَانِ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتًا لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَبٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ لِآخَرَ قَبْلَهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً فَإِنَّهَا رَبِيبَةٌ لِلثَّانِي وَبِنْتٌ لِلْأَوَّلِ فَيَحِلُّ تَزَوُّجُهَا بِأَبْنَاءِ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ الْمُرْضِعُ صَبِيًّا حَلَّ لَهُ تَزَوُّجُهُ بِبَنَاتِهِ هَذَا مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي، فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي فَإِنْ أَرْضَعَتْ رَضِيعًا فَهُوَ وَلَدٌ لِلثَّانِي، وَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ فَمَا لَمْ تَلِدْ، اللَّبَنُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالرَّضِيعُ بِهِ وَلَدٌ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَاللَّبَنُ بَعْضُهَا لَا بَعْضُهُ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَذَا بِالرَّضَاعِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ مِنْ الرَّضَاعَةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQتَثْبُتُ مِنْهُ الْحُرْمَةُ خَاصَّةً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَدٌ لَهُمَا فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ عُلِمَ أَنَّ اللَّبَنَ مِنْ الثَّانِي بِأَمَارَةٍ كَزِيَادَةٍ فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي، وَإِلَّا فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ. وَعَنْهُ: إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الْأَوَّلِ غَالِبًا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي غَالِبًا فَهُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَلَهُمَا، وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْجَدِيدِ، وَقَدْ حَكَى الْخِلَافَ هَكَذَا: إنْ زَادَ اللَّبَنُ بِالْحَبَلِ فَهُوَ ابْنُهُمَا عِنْدَهُمَا وَابْنُ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَوْنُهُ ابْنَهُمَا بِزِيَادَةِ اللَّبَنِ مُطْلَقًا أَنْسَبُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ كَمَا سَيُعْلَمُ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَدَتْ لِلزَّوْجِ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ ثُمَّ جَفَّ لَبَنُهَا ثُمَّ دَرَّ لَهَا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيَّةً، فَإِنَّ لِوَلَدِ زَوْجِ الْمُرْضَعَةِ مِنْ غَيْرِهَا التَّزَوُّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لَبَنَ الْفَحْلِ لِيَكُونَ هُوَ أَبَاهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَلِدْ مِنْ الزَّوْجِ أَصْلًا وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِإِرْضَاعِهَا تَحْرِيمٌ بَيْنَ ابْنِ زَوْجِهَا وَمَنْ أَرْضَعَتْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتَهُ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ، فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ النِّسْبَةُ فَكَانَ كَلَبَنِ الْبِكْرِ، وَلَبَنِ الزِّنَا كَالْحَلَالِ فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ بِنْتًا حُرِّمَتْ عَلَى الزَّانِي وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَبْنَائِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا. وَفِي التَّجْنِيسِ: مِنْ عَلَامَةِ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ كَانَ يَقُولُ فِي الدَّرْسِ: لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الْمُرْضَعَةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِأَجْدَادِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَلِعَمِّ الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَمِّ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي حَقِّ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزَّانِي تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي كَمَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا عَلَيْهِ مِنْ النَّسَبِ. وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ حِينَئِذٍ تَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ، وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ، إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا عَنْ مَنِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّغَذِّي بِخِلَافِ الْوَلَدِ، وَالتَّغَذِّي لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ، بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ مِنْهُ، وَبِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى إبْطَالِ قَوْلٍ ضَعِيفٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ الزَّوْجِ. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ زَوْجَتُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَارْتَضَعَتْهُ صَغِيرَةٌ حَلَّتْ لَهُ فَكَيْفَ تَحْرُمُ بِلَبَنٍ هُوَ سَبَبٌ بَعِيدٌ فِيهِ. وَلَنَا النَّظَرُ الْمَذْكُورُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ

وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ اللَّبَنِ مِنْهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. . (وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ فَهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ (وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضَعَةَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ) ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَمَا نَزَلَ الْحِجَابُ وَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَإِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَدَاكِ» وَفِي رِوَايَةٍ «تَرِبَتْ يَمِينُكِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الشَّاهِدَةِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِحَيْثُ يَتَضَاءَلُ مَعَهَا ذَلِكَ الْمَعْقُولُ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَتَغَذَّى الْوَلَدُ بِهِ، وَأَمَّا لَبَنُ الرَّجُلِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِذَا تَرَجَّحَ عَدَمُ حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزَّانِي عَلَى الزَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا فَعَدَمُ حُرْمَتِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ اللَّبَنُ مِنْهُ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ إذْ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بِنْتِ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي دَلَالَةِ حَدِيثِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» عَلَى حُرْمَةِ الرَّبِيبَةِ مِنْ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولٍ اللَّبَنِ مِنْهَا فَتُضَافُ الْحُرْمَةُ إلَيْهِ احْتِيَاطًا) كَالْمُصَاهَرَةِ؛ وَأَنْتَ عَلِمْت الْفَرْقَ بَلْ حَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّ الْبَعْضِيَّةَ تَثْبُتُ بَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَالرَّضِيعِ فَأُثْبِتَتْ حُرْمَةُ الْأَبْنِيَةِ ثُمَّ انْتَشَرَتْ لَوَازِمُ تَحْرِيمِ الْوَلَدِ. . (قَوْلُهُ وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ) يُرِيدُ صَبِيًّا وَصَبِيَّةً فَغَلَّبَ الْمُذَكَّرَ فِي التَّثْنِيَةِ كَالْقَمَرَيْنِ وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابِ التَّغْلِيبِ كَالْخِفَّةِ فِي الْعُمَرَيْنِ فَإِنَّ عُمَرَ أَخَفُّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ ثَنَّى نَحْوَ أَبِي بَكْرٍ فَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ يَكُونُ بِتَثْنِيَةِ الْمُضَافِ فَيُقَالُ أَبَوَا بَكْرٍ وَالْكُوفِيُّونَ يُثَنُّونَ الْجُزْأَيْنِ فَيَقُولُونَ أَبَوَا بَكْرَيْنِ، وَالشُّهْرَةُ كَالْأَقْرَعَيْنِ لِلْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَأَخِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضَعَةَ)

وَلَا وَلَدُ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَخِيهَا. . (وَلَا يَتَزَوَّجُ الصَّبِيُّ الْمُرْضَعُ أُخْتَ زَوْجِ الْمُرْضَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهِ حَقِيقَةً، وَنَحْنُ نَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِفَتْحِ الضَّادِ تُوُورِثَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا فَاعِلًا فَيُنْصَبُ أَحَدٌ وَمَفْعُولًا فَيُرْفَعُ، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ رَضَعَ مَعَ الرَّضْعَةِ أَوْ كَانَ سَابِقًا بِالسِّنِّ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ أَوْ مَسْبُوقًا بِارْتِضَاعِهَا بِأَنْ وُلِدَ بَعْدَهَا بِسِنِينَ، وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ أُخْتَ الْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهَا خَالَتُهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فَإِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ قَدْرَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ حَرَّمَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْخَلْطُ بِلَبَنِ الْبَهِيمَةِ وَالدَّوَاءِ عِنْدَهُ وَبِكُلِّ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ. وَاعْتَبَرَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ مُسْتَهْلَكًا (قَوْلُهُ هُوَ) أَيْ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (يَقُولُ إنَّهُ) أَيْ اللَّبَنَ عَلَى ظَاهِرِ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ، وَعَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْقَدْرُ الْمُحَرِّمُ (مَوْجُودٌ فِيهِ حَقِيقَةً) فَيَسْتَلْزِمُ حُكْمَهُ مِنْ التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ) حَاصِلُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لَا يَشْرَبَ لَبَنًا فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ الْحِنْثُ بِشُرْبِهِ مَغْلُوبًا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ

الْمَغْلُوبُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا حَتَّى لَا يَظْهَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ كَمَا فِي الْيَمِينِ (وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. لَهُمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ كَمَا فِي الْمَاءِ إذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ عَنْ حَالِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ فَصَارَ كَالْمَغْلُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرَ حُكْمُ الْغَالِبِ، فَكَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْقِيَاسِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْمَغْلُوبِ شَرْعًا لَا عَدَمُ تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ حُرْمَةُ شُرْبِ اللَّبَنِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْفَرْعِ حَلَّ الشُّرْبُ وَالسَّقْيُ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ النِّكَاحِ، وَحِينَئِذٍ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَقُولَ: بَلْ هُنَاكَ فَارِقٌ وَهُوَ بِنَاءُ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ لَا يَعْتَبِرُ الْمَغْلُوبَ، فَلَا يُقَالُ لِشَارِبِ مَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ مَغْلُوبٌ شَرِبَ لَبَنًا إلَّا أَنْ يُقَالَ مَخْلُوطًا فَيُقَيِّدُونَهُ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَالْحُرْمَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَالْوَضْعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ وَلَا مَدْفَعَ لِهَذَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذَا كَانَ مَغْلُوبًا بِالْمَاءِ فَيَكُونُ غَيْرَ مُنْبِتٍ لِذَهَابِ قُوَّتِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَظِنَّةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْخُلُوِّ عَنْ الْمَئِنَّةِ هَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ، أَمَّا لَوْ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَقِيبَ هَذِهِ، وَقَوْلُهُمَا فِيهَا كَقَوْلِهِمْ فِي الِاخْتِلَاطِ بِالْمَاءِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِنْ غَلَبَ اللَّبَنُ هَذَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، أَمَّا إنْ طَبَخَ فَلَا تَحْرِيمَ مُطْلَقًا بِالِاتِّفَاقِ (لَهُمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ فَصَارَ كَالْمَاءِ إذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ عَنْ حَالِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ) وَهُوَ التَّغَذِّي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ خَلْطَ اللَّبَنِ بِالطَّعَامِ لَا يَكُونُ لِلرَّضِيعِ إلَّا بَعْدَ تَعَوُّدِهِ بِالطَّعَامِ وَتَغَذِّيهِ بِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقِلُّ تَغَذِّيهِ بِاللَّبَنِ وَنُشُوئِهِ مِنْهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي جَوْفِهِ مَا يُنْبِتُ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَهُوَ الطَّعَامُ فَيَصِيرُ الْآخَرُ الرَّقِيقُ مُسْتَهْلَكًا فَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّبَنَ غَالِبٌ فِي الْقَصْعَةِ، أَمَّا عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ إلَى فِيهِ فَأَكْثَرُ الْوَاصِلِ إلَى جَوْفِهِ الطَّعَامُ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ رَقِيقًا يُشْرَبُ اعْتَبَرْنَا غَلَبَةَ اللَّبَنِ إنْ غَلَبَ وَأَثْبَتْنَا الْحُرْمَةَ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَقَاطُرِ اللَّبَنِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ عَدَمَ إثْبَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحُرْمَةَ وَاللَّبَنُ غَالِبٌ هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَقَاطِرًا عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ، أَمَّا مَعَهُ فَيَحْرُمُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَطْرَةَ إذَا دَخَلَتْ الْجَوْفَ أَثْبَتَتْ التَّحْرِيمَ، وَالصَّحِيحُ

وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَقَاطُرِ اللَّبَنِ مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّغَذِّي بِالطَّعَامِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ. . (وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ وَاللَّبَنُ غَالِبٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَبْقَى مَقْصُودًا فِيهِ، إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ، وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ الشَّاةِ وَهُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ (وَإِنْ غَلَبَ لَبَنُ الشَّاةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ كَمَا فِي الْمَاءِ. . (وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ شَيْئًا وَاحِدًا فَيُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَزُفَرٌ (يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإطْلَاقُ عَدَمِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ التَّغَذِّي حِينَئِذٍ بِالطَّعَامِ وَالتَّغَذِّي مَنَاطُ التَّحْرِيمِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَلَطَ) أَيْ اللَّبَنُ بِالدَّوَاءِ. حَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إذَا كَانَ غَالِبًا مَعَ الدَّوَاءِ ظَهَرَ قَصْدَانُ الدَّوَاءِ لِتَنْفِيذِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدُّهْنِ أَوْ النَّبِيذِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ سَوَاءٌ أُوجِرَ بِذَلِكَ أَمْ اسْتَعَطَ (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِشُرْبِ الصَّغِيرِ إيَّاهُ) أَوْ لَبَنُ الشَّاةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ كَانَ كَالْمَاءِ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَلَوْ تَسَاوَيَا وَجَبَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَرِوَايَةٌ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ جَعْلُ الْأَقَلِّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ جِنْسَهُ فَلَا يُسْتَهْلَكُ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا تَبَعًا لِلْآخِرِ فَيَثْبُتُ

مُسْتَهْلَكًا فِي جِنْسِهِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ. (وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ فَتَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ. . (وَإِذَا حَلَبَ لَبَنَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَوْجَرَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ: الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَرْأَةُ ثُمَّ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَتِهَا، وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهَا، وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ شُبْهَةُ الْجُزْئِيَّةِ وَذَلِكَ فِي اللَّبَنِ لِمَعْنَى الْإِنْشَازِ وَالْإِنْبَاتِ وَهُوَ قَائِمٌ بِاللَّبَنِ، وَهَذِهِ الْحُرْمَةُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَيِّتَةِ دَفْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْرِيمُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِقْلَالًا. قَالَ (وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ) إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى فَشَرِبَهُ وَلَبَنُ الْبَقَرَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا مَغْلُوبٌ فَفِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا. وَقَالَ شَارِحٌ: عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَصْلًا لِلْخِلَافِ إذَا كَانَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَكَانَ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ أَخَّرَ دَلِيلَهُ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ تَأَخَّرَ كَلَامُهُ فِي الْمُنَاظَرَةِ كَانَ الْقَاطِعُ لِلْآخَرِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ السُّكُوتَ ظَاهِرٌ فِي الِانْقِطَاعِ، وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ) وَعَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ. قُلْنَا نُدْرَةُ الْوُجُودِ لَا تَمْنَعُ عَمَلَ الدَّلِيلِ إذَا وُجِدَ، وَسَنَذْكُرُ لَهُ تَتِمَّةً. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَلَبَ لَبَنَ امْرَأَةٍ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَرْأَةُ ثُمَّ تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَتِهَا وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهَا، وَلِهَذَا) أَيْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ (لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ الْجُزْئِيَّةُ) وَحَاصِلُهُ إلْغَاءُ الْفَارِقِ بَيْنَ الْإِجْمَاعِيَّةِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ حَيَّةً، وَالْخِلَافِيَّةِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ مَيِّتَةً وَهُوَ مَوْتُهَا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهَا لَيْسَ جُزْءَ السَّبَبِ لِتَنْتَفِيَ الْحُرْمَةُ بِانْتِفَائِهِ بَلْ حُصُولُ الْجُزْئِيَّةِ تَمَامُ الْحِكْمَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ» إلَخْ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ وَالِارْتِضَاعُ تَمَامُ الْعِلَّةِ، وَمَوْتُهَا غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّ مَانِعِيَّتَهُ إنْ أُضِيفَتْ إلَى انْتِفَاءِ مَحَلِّيَّتِهَا مُطْلَقًا لِلْحُكْمِ

وَتَيَمُّمًا. أَمَّا الْحُرْمَةُ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ مُلَاقِيًا لِمَحَلِّ الْحَرْثِ وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ فَافْتَرَقَا. . (وَإِذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بِاللَّبَنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الصَّوْمِ إصْلَاحُ الْبَدَنِ وَيُوجَدُ ذَلِكَ فِي الدَّوَاءِ. فَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فِي الرَّضَاعِ فَمَعْنَى النُّشُوءِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الِاحْتِقَانِ؛ لِأَنَّ الْمُغَذِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنَعْنَاهُ لِثُبُوتِ بَعْضِهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ فِي الْحَالِ حَلَّ لَهُ دَفْنُ الْمَيِّتَةِ وَيَمَّمَهَا؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ أُمُّ زَوْجَتِهِ، وَأَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا، حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرَّضِيعَةِ وَبِنْتِ الْمَيِّتَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُرْمَةِ نِكَاحِهَا فَقَطْ مَنَعْنَا تَأْثِيرَهُ فِي إفَادَةِ الْمَانِعِيَّةِ بَلْ يُفْسِدُهَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ مُطْلَقًا، فَإِنْ بَيَّنَ الْمَانِعِيَّةَ بِأَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ حُرْمَةَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ أَوَّلًا فِيهَا ثُمَّ يَتَعَدَّى. قُلْنَا إنْ أَرَدْت أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِيهَا مَنَعْنَاهُ، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّفَاقِ مَحَلِّيَّتِهَا حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْكُلِّ مَعًا شَرْعًا، وَالتَّقَدُّمُ فِي الْأُمِّ ذَاتِيٌّ لَا زَمَانِيٌّ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْمَانِعُ فِي حَقِّهَا ثَبَتَ فِيمَنْ سِوَاهَا، وَلَوْ عَلَّلَ ابْتِدَاءً بِنَجَاسَةِ اللَّبَنِ أَوْ الْحُرْمَةِ كَرَامَةً إذْ فِيهِ تَكْثِيرُ الْأَعْوَانِ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالسَّكَنِ وَبِالْمَوْتِ تَنَجَّسَ، فَإِنْ أَرَادَ عَيْنًا مَنَعْنَاهُ، بَلْ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ الطَّاهِرَةِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا تَوْجِيهَهُ بِأَنَّ التَّنَجُّسَ بِالْمَوْتِ لَمَّا حَلَّتْهُ الْحَيَاةُ قَبْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي اللَّبَنِ وَقَدْ كَانَ طَاهِرًا فَيَبْقَى كَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُنَجِّسِ إذْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ سِوَى الْخُرُوجُ مِنْ بَاطِنٍ إلَى ظَاهِرٍ، وَالْمُتَيَقَّنُ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ وَصْفِهِ، بِخِلَافِ الْبَوْلِ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا قَالَا: تَنَجُّسُهُ بِالْمُجَاوَرَةِ لِلْوِعَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْحُرْمَةِ، كَمَا لَوْ حَلَبَ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ وَأَوْجَرَ بِهِ الصَّبِيَّ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَإِنْ أَرَادَ التَّنَجُّسَ مَنَعْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْوَجُورُ: الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ قَسْرًا بِفَتْحِ الْوَاوِ. وَالسَّعُوطُ صَبُّهُ فِي الْأَنْفِ. وَيُقَالُ أَوْجَرْته وَوَجْرَتهُ (قَوْلُهُ أَمَّا الْحُرْمَةُ فِي الْوَطْءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهَا بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ فِي الرَّضَاعِ الْإِنْبَاتُ وَالنُّشُوءُ بِوَاسِطَةِ التَّغَذِّي وَفِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةُ الْجُزْئِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمْ تُتَصَوَّرُ الْجُزْئِيَّةُ، بِخِلَافِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي ارْتِضَاعِ لَبَنِ الْمَيِّتَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا احْتَقَنَ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الصَّوَابُ حَقَنَ إذَا عُولِجَ بِالْحُقْنَةِ وَاحْتُقِنَ بِالضَّمِّ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُمْ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الِاحْتِقَانُ حَقَنَهُ فَدَرَنَ فَجَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ انْتَهَى. يُرِيدُ أَنَّ مَنْعَ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَإِذْ قَدْ نَصَّ صَاحِبُ تَاجِ الْمَصَادِرِ عَلَى مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَمْ يَكُنْ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ خَطَأً، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ مِنْ التَّفْسِيرِ لَا يُفِيدُ تَعْدِيَةَ الِافْتِعَالِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَالصَّبِيِّ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بَلْ إلَى الْحُقْنَةِ وَهِيَ آلَةُ الِاحْتِقَانِ وَالْكَلَامُ فِي بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الصَّبِيُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ قَاصِرٍ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْرُورِ وَالظَّرْفِ كَجَلَسَ فِي الدَّارِ وَمَرَّ بِزَيْدٍ. وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ الْآلَةِ وَالظَّرْفِ جَوَازُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْعُولِ، بَلْ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا إلَيْهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ الِاحْتِقَانُ بِاللَّبَنِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَكَذَا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ وَالْأُذُنِ وَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ كَذَا أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ. وَنَصَّ آخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْحُقْنَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَنَاطَ طَرِيقُ الْجُزْئِيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْوَاصِلِ مِنْ السَّافِلِ بَلْ إلَى الْمَعِدَةِ

وُصُولُهُ مِنْ الْأَعْلَى. . (وَإِذَا نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّشُوءُ وَالنُّمُوُّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ. . (وَإِذَا شَرِبَ صَبِيَّانِ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ مِنْ الْأَعْلَى فَقَطْ، وَالْإِقْطَارُ فِي الْإِحْلِيلِ غَايَةُ مَا يَصِلُ إلَى الْمَثَانَةِ فَلَا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ، وَكَذَا فِي الْأُذُنِ لِضِيقِ الثُّقْبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْفِطْرِ بِإِقْطَارِ الدُّهْنِ فِي الْأُذُنِ لِسَرَيَانِهِ فَيَصِلُ إلَى بَاطِنِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ ضِيقٌ. وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ وَيُنْبِتُ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ رِفْقٌ مِنْ تَرْطِيبٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُفْسِدُ فِي الصَّوْمِ لَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَصَى وَالْحَدِيدِ، وَالْوَجُورُ وَالسَّعُوطُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيَّةً لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّشُوءُ وَالنُّمُوُّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ) وَقَدْ يُذْكَرُ فِي بَعْضِ الْحِكَايَاتِ أَنَّهُ اتَّفَقَ لِرَجُلٍ إرْضَاعُ صَغِيرٍ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لِبِكْرٍ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْبُلُوغِ لَبَنٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَبَنًا، كَمَا لَوْ نَزَلَ لِلْبِكْرِ مَاءٌ أَصْفَرُ لَا يَثْبُتُ مِنْ إرْضَاعِهِ تَحْرِيمٌ. وَالْوَجْهُ الْفَرْقُ بِعَدَمِ التَّصَوُّرِ مُطْلَقًا، فَإِذَا تَحَقَّقَ لَبَنًا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَازِمٌ دَائِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَرِبَ صَبِيَّانِ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ فَلَا رَضَاعَ مُحَرِّمٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهَا) اعْلَمْ أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ لِلْجُزْئِيَّةِ فَإِنَّ الْوَطْءَ ابْتِذَالٌ وَامْتِهَانٌ وَإِرْقَاقٌ، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «النِّكَاحُ رِقٌّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ أَيْنَ يَضَعُ كَرِيمَتَهُ» وَلَا يَحْسُنُ صُدُورُهُ مِنْ مُسْتَفِيدِ جُزْءٍ بِنَفْسِهِ وَحَيَاتِهِ لِمُفِيدِهَا إذَا كَانَ الرَّضِيعُ صَبِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْضِعَةِ تَكْرِمَةً لَهَا، وَجُعِلَتْ فِي الشَّرْعِ أُمًّا لَهُ بِسَبَبِ أَنَّ جُزْأَهَا صَارَ جُزْأَهُ كَمَا أَنَّ الْأُمَّ مِنْ النَّسَبِ كَذَلِكَ إذْ جُزْؤُهُ جُزْأَهَا وَجُزْؤُهُ الْآخَرُ جُزْءَ الْأَبِ، وَالْبَهَائِمُ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فِي اعْتِبَارِ خَالِقِهَا جَلَّ ذِكْرُهُ فَإِنَّمَا خَلَقَهَا لِابْتِذَالِ

وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا وَذَلِكَ حَرَامٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا (ثُمَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآدَمِيِّ لَهَا عَلَى إنْحَاءِ الِابْتِذَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ مَالِكِهَا سُبْحَانَهُ، قَالَ تَعَالَى {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} [النحل: 5] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 72] وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ وَالْحَكِيمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعَلِيمُ بِالْقَوَابِلِ الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ التَّفْضِيلُ الدُّنْيَوِيُّ، فَلَمْ يُثْبِتْ سُبْحَانَهُ بِوَاسِطَةِ الِاغْتِذَاءِ بِلَبَنِهَا، بَلْ وَلَحْمِهَا وَحُصُولُ الْجُزْءِ مِنْهُ مَزِيَّةٌ لَهَا عَلَى الْآدَمِيِّ تُوجِبُ مِثْلَ مَا تُوجِبُ لِمُسَاوِيهِ فِي نَوْعِهِ مِنْ الْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ، فَلَمْ تُعْتَبَرُ الشَّاةُ أُمَّ الصَّبِيِّ وَإِلَّا لَكَانَ الْكَبْشُ أَبَاهُ، وَالْأُخْتِيَّةُ فَرْعُ الْأُمِّيَّةِ، وَكَذَا سَائِرُ الْحُرُمِ بَعْدَهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بِتَبَعِيَّةِ الْأُمِّيَّةِ حَتَّى الْأَبَوِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا جُزْءَ فِي الرَّضِيعِ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْأَبِ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ جُزْأَهُ انْفَصَلَ فِي وَلَدِهِ الَّذِي نَزَلَ اللَّبَنُ بِسَبَبِهِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِي الْمَرْأَةِ شَيْءٌ مِنْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ فِي لَبَنِهَا جُزْءٌ مِنْهُ فَكَيْفَ وَاللَّبَنُ إنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْغِذَاءِ، وَالْكَائِنُ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ إنَّمَا يَصِلُ مِنْ أَسْفَلَ وَالتَّغَذِّي لِبَقَاءِ الْحَيَاةِ وَالْجُزْءُ لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّا يَصِلُ مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْمَعِدَةِ وَلَكِنْ لَمَّا أَثْبَتَ الشَّرْعُ أُمِّيَّةَ زَوْجَتِهِ عَنْ إرْضَاعِ لَبَنٍ هُوَ سَبَبٌ فِيهِ أَثْبَتَ لَهُوِيَّةِ الرَّجُلِ الْأُبُوَّةَ وَحِينَ لَا أُمَّ وَلَا أَبَ فَلَا إخْوَةَ وَلَا تَحْرِيمَ. وَنُقِلَ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الصَّحِيحِ أَفْتَى فِي بُخَارَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا شَاةً فَاجْتَمَعَ عُلَمَاؤُهَا عَلَيْهِ وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ لَمْ يَدِقَّ نَظَرُهُ فِي مُنَاطَاتِ الْأَحْكَامِ وَحِكَمِهَا كَثُرَ خَطَؤُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَمَوْلِدُهُ مَوْلِدُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمَا مَعًا وُلِدَا فِي الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ عَامُ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً رَضِيعَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَذَلِكَ حَرَامٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا) ثُمَّ حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهَا بِهِ الْكَبِيرَةُ نَزَلَ لَهَا مِنْ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ لِلرَّجُلِ كَانَتْ حُرْمَتُهَا أَيْضًا مُؤَبَّدَةً كَالْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَبًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ نَزَلَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذَا الرَّجُلَ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ لَهَا، إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ، وَأَمَّا حُكْمُ الْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِنِصْفِ الْمَهْرِ كَرِدَّتِهَا وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ، وَتَعْلِيلُ السُّقُوطِ بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ شَخْصٌ لَبَنَهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِانْتِفَاءِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ لَكِنْ لَا نَفَقَةَ عِدَّةٍ لَهَا لِجِنَايَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَجْنُونَةً وَنَحْوَهَا. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الدُّخُولُ بِالرَّضِيعَةِ فَعَلَيْهِ لَهَا نِصْفُ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ لَا مِنْ جِهَتِهَا، وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلَهَا وَبِهِ وَقَعَ الْفَسَادُ لَكِنَّ فِعْلَهَا لَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا

قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ لَا مِنْ جِهَتِهَا، وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مِنْهَا لَكِنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا كَمَا إذَا قَتَلَتْ مُوَرِّثَهَا (وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ بِهِ الْفَسَادَ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ امْرَأَتُهُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ لَكِنَّهَا مُسَبَّبَةٌ فِيهِ إمَّا لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ لَيْسَ بِإِفْسَادٍ لِلنِّكَاحِ وَضْعًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ خِطَابِهَا بِالْأَحْكَامِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَتْ مُوَرِّثَهَا فَإِنَّهَا تَرِثُهُ وَلَا يَكُونُ قَتْلُهَا مُوجِبًا لِحِرْمَانِهَا شَرْعًا، وَلِأَنَّهَا مَجْبُورَةٌ بِحُكْمِ الطَّبْعِ عَلَى الِارْتِضَاعِ، وَالْكَبِيرَةُ فِي إلْقَامِهَا الثَّدْيَ مُخْتَارَةٌ فَصَارَ كَمَنْ أَلْقَى حَيَّةً عَلَى إنْسَانٍ فَلَسَعَتْهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ اللَّسْعَ لَهَا طَبْعٌ فَأُضِيفَ إلَيْهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ ارْتَدَّ أَبَوَا صَغِيرَةٍ مَنْكُوحَةٍ وَلَحِقَا بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهَا أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ وُجِدَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّدَّةَ مَحْظُورَةٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ، وَإِضَافَةُ الْحُرْمَةِ إلَى رِدَّتِهَا التَّابِعَةِ لِرِدَّةِ أَبَوَيْهَا، بِخِلَافِ الِارْتِضَاعِ لَا حَاظِرَ لَهُ فَتَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ. وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ؟ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَا يَرْجِعُ، وَتَعَمُّدُهُ بِأَنْ تَعْلَمَ قِيَامَ النِّكَاحِ وَأَنَّ الرَّضَاعَ مِنْهَا مُفْسِدٌ وَتَتَعَمَّدُهُ لَا لِدَفْعِ الْجُوعِ أَوْ الْهَلَاكِ عِنْدَ خَوْفِ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ النِّكَاحَ أَوْ عَلِمَتْهُ وَلَمْ تَعْلَمْهُ مُفْسِدًا أَوْ عَلِمَتْهُ مُفْسِدًا وَلَكِنْ خَافَتْ الْهَلَاكَ أَوْ قَصَدَتْ دَفْعَ الْجُوعِ لَا يَرْجِعُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَبِيرَةِ

أَوْ لِأَنَّ إفْسَادَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِسُقُوطِهِ، إلَّا أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا قَصَدَتْ الْفَسَادَ وَمَا إذَا لَمْ تَقْصِدْهُ. وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهَا: أَيْ الْكَبِيرَةَ وَإِنْ أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ بِأَنْ تَكْبَرَ الصَّغِيرَةُ فَتَفْعَلَ مَا يُسْقِطُهُ، وَذَلِكَ أَيْ تَأَكُّدُ مَا هُوَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِذَلِكَ لَكِنَّهَا مُسَبِّبَةٌ فِيهِ لَا مُبَاشِرَةٌ؛ لِأَنَّ إلْقَامَ الثَّدْيِ شَرْطٌ لِلْفَسَادِ لَا عِلَّةٌ لَهُ، بَلْ الْعِلَّةُ فِعْلُ الصَّغِيرَةِ الِارْتِضَاعَ فَكَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُبَاشِرَةً لِلشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، غَيْرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ كَوْنَهَا مُسَبِّبَةً بِأَنَّ فِعْلَ الْإِرْضَاعِ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِإِفْسَادِ النِّكَاحِ بَلْ لِتَغْذِيَةِ الصَّغِيرِ وَتَرْبِيَتِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْفَسَادُ بِاتِّفَاقِ صَيْرُورَتِهِمَا أُمًّا وَبِنْتًا تَحْتَ رَجُلٍ. وَإِمَّا لِأَنَّ إفْسَادَ النِّكَاحِ الْكَائِنِ بِصُنْعِهَا لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ شَرْعًا بَلْ لِإِسْقَاطِهِ، ثُمَّ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ وُجُوبَهُ لَا بِقِيَاسٍ بَلْ بِالنَّصِّ ابْتِدَاءً جَبْرًا لِلْإِيحَاشِ وَهُوَ مَعْنَى الْوُجُوبِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ، لَكِنْ مِنْ شَرْطِهِ بُطْلَانُ النِّكَاحِ، وَقَدْ وُجِدَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّرْدِيدَ بِعَيْنِهِ يَجْرِي فِي مُبَاشَرَةِ الْعِلَّةِ بِأَنْ يُقَالَ: الِارْتِضَاعُ لَيْسَ بِإِفْسَادِ النِّكَاحِ وَضْعًا، وَالْإِفْسَادُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ شَرْعًا بَلْ لِإِسْقَاطِهِ إلَخْ، وَلَيْسَ هُوَ مُسَبِّبًا فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِذَا كَانَتْ مُسَبِّبَةً يُشْتَرَطُ فِيهِ: أَيْ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ التَّعَدِّي كَحَفْرِ الْبِئْرِ تَسْبِيبٌ لِلْهَلَاكِ، فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ ضَمِنَهُ لِلتَّعَدِّي فِيهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً بِمَجْمُوعِ الْعِلْمَيْنِ وَالْقَصْدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْجِيهَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِهَذَا لَا يَنْتَهِضُ عَلَى مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُسَبِّبَ كَالْمُبَاشِرِ وَلِهَذَا جَعَلَ فَتْحَ بَابِ الْقَفَصِ وَالْإِصْطَبْلِ وَحَلِّ قَيْدِ الْآبِقِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ هَذَا أَنَّهُ مُسَبِّبٌ فَيُشْتَرَطُ التَّعَدِّي وَهُوَ لَا يَلْتَزِمُ اشْتِرَاطَ التَّعَدِّي فِيهِ وَإِنَّمَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْمُسَبِّبَ لَا يَلْحَقُ بِالْمُبَاشِرِ. هَذَا وَاسْتُشْكِلَ التَّغْرِيمُ بِقَصْدِ الْفَسَادِ بِمَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ زَوْجَةَ

مَا عُرِفَ، لَكِنَّ مِنْ شَرْطِهِ إبْطَالَ النِّكَاحِ، وَإِذَا كَانَتْ مُسَبَّبَةً يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي كَحَفْرِ الْبِئْرِ ثُمَّ إنَّمَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَقَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ الْفَسَادَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ أَوْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَكِنَّهَا قَصَدَتْ دَفْعَ الْجُوعِ وَالْهَلَاكِ عَنْ الصَّغِيرَةِ دُونَ الْفَسَادِ لَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِذَلِكَ، وَلَوْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْفَسَادِ لَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً أَيْضًا، وَهَذَا مِنَّا اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَتْلَهُ مُسْتَعْقِبٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ بِقَتْلِ وَاحِدٍ، وَلِلزَّوْجِ نَصِيبٌ مِمَّا هُوَ الْوَاجِبُ فَلَا يُضَاعَفُ عَلَيْهِ، وَبِمَا إذَا أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَغِيرَتَيْنِ تَحْتَ رَجُلٍ حُرِّمَتَا عَلَى زَوْجِهِمَا وَلَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا وَإِنْ تَعَمَّدَتَا الْفَسَادَ. وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ فِعْلَ الْكَبِيرَةِ هُنَا مُسْتَقِلٌّ بِالْإِفْسَادِ فَيُضَافُ الْإِفْسَادُ إلَيْهَا، وَفِعْلُ كُلٍّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَهُوَ يَقُومُ بِالْكَبِيرَةِ، وَقَدْ حُرِّفَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَوَقَعَ فِيهَا الْخَطَأُ وَذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَتَانِ لَهُمَا مِنْهُ لَبَنٌ مَكَانَ قَوْلِنَا لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الصَّوَابُ الضَّمَانُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَفْسَدَتْ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ بِنْتًا لِلزَّوْجِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا مِنَّا اعْتِبَارُ الْجَهْلِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّ الْجَهْلَ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَكُمْ لَيْسَ عُذْرًا، فَقَالَ هَذَا مِنَّا اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ الَّذِي هُوَ الْمَحْظُورُ الدِّينِيُّ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا انْدَفَعَ قَصْدُ الْفَسَادِ انْتَفَى الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ التَّعَدِّي كَمَا قُلْنَا وَالتَّعَدِّي بِهِ يَكُونُ وَلَا يُتَصَوَّرُ قَصْدُهُ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَعَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِلْجَهْلِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ تَضْمَنُ إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْذَرُ بِجَهْلِ الْحُكْمِ، وَمِنْ فُرُوع هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ فَأَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ حُرِّمَتَا، فَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ بِأَنْ أَلْقَمَتْ ثِنْتَيْنِ ثَدْيَيْهَا وَأَوْجَرَتْ الْأُخْرَى مَا حَلَبَتْهُ حُرِّمْنَ أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بَانَتْ الْأُولَيَانِ وَالثَّالِثَةُ امْرَأَتُهُ

وَلَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ فَتَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ. وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي بَابِ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُنَّ حِينَ ارْتَضَعَتَا حُرِّمَتَا فَحِينَ ارْتَضَعَتْ الثَّالِثَةُ لَمْ يَكُنْ فِي عِصْمَتِهِ سِوَاهَا، وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا أَوْ وَاحِدَةً ثُمَّ الثَّلَاثَ مَعًا حُرِّمْنَ، وَكَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُنَّ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْ الْأُخْرَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهُمَا، وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا الْكَبِيرَةُ عَلَى التَّعَاقُبِ بَقِيَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْهَا لَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا، وَالسَّابِقُ عَقْدٌ مُجَرَّدٌ عَلَى الْأُمِّ فَلَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْبِنْتِ، وَلَوْ كُنَّ كَبِيرَتَيْنِ وَصَغِيرَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ صَغِيرَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ لِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمَّيْنِ وَبِنْتَيْهِمَا، وَلَوْ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْكَبِيرَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا الْكَبِيرَةُ الْأُخْرَى وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْكَبِيرَتَيْنِ، فَالْكُبْرَى الْأُولَى مَعَ الصُّغْرَى الْأُولَى بَانَتَا مِنْهُ لِمَا قُلْنَا، وَالصُّغْرَى الثَّانِيَةُ لَمْ تَبِنْ بِإِرْضَاعِ الْكُبْرَى الْأُولَى، وَالْكُبْرَى الثَّانِيَةُ إنْ ابْتَدَأَتْ بِإِرْضَاعِ الصُّغْرَى الثَّانِيَةِ بَانَتَا مِنْهُ، أَوْ بِالصُّغْرَى الْأُولَى فَالصُّغْرَى الثَّانِيَةُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْ الْأُولَى صَارَتْ أُمًّا لَهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى الصُّغْرَى الْأُولَى فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةَ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ) أَيْ عَنْ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَالَةِ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ. وَاَلَّذِي فِي كُتُبِهِمْ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى ثَدْيِ الْأَجْنَبِيَّةِ. وَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدَةِ وَهُوَ أَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ فَهِيَ أَمْرٌ دِينِيٌّ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ عَلَيْهِ بِإِخْبَارِهِ، ثُمَّ يَثْبُتُ زَوَالُ الْمِلْكِ فِي ضِمْنِهِ، كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِطَرِيقٍ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا قَصْدًا، وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنِّي فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا» وَعُقْبَةُ هَذَا يُكْنَى أَبَا سِرْوَعَةَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ تُقْبَلُ الْوَاحِدَةُ الْمُرْضِعَةُ وَاعْتِبَارُ ظَاهِرِهِ مُطْلَقًا يُوجِبُ جَوَازَ قَبُولِ الْأَمَةِ. وَرُوِيَ مُطَوَّلًا فِي التِّرْمِذِيِّ، وَفِيهِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ وَفِيهِ قَوْلُ عُقْبَةَ «فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْتُ إنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: وَكَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْكِ» وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ

وَإِبْطَالُ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ التَّنَاوُلِ تَنْفَكُّ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فَاعْتُبِرَ أَمْرًا دِينِيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي بَابِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَبَّدَةٌ بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ بِالْحَيْضِ وَنَحْوِهِ وَالْأَمْلَاكُ لَا تُزَالُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ اللَّحْمِ حَيْثُ يَنْفَكُّ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ كَالْخَمْرِ مَمْلُوكِيَّتُهُ مُحَرَّمَةٌ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ، وَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ زَوَالَ الْمِلْكِ فَالشَّهَادَةُ قَائِمَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْحُرْمَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ، أَمَّا الْحَدِيثُ فَكَانَ لِلتَّوَرُّعِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَقِيلَ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ الْإِخْبَارِ وُجُوبَ التَّفْرِيقِ لَأَجَابَهُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، إذَا الْإِعْرَاضُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرْكُ السَّائِلِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِيهِ تَقْرِيرٌ عَلَى الْمُحَرَّمِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِظُهُورِ اطْمِئْنَانِ نَفْسِهِ بِخَبَرِهَا لَا مِنْ بَابِ الْحُكْمِ، وَكَوْنُهَا كَاذِبَةً حَمْقَاءَ عَلَى مَا قِيلَ لَا يَنْفِي اطْمِئْنَانَ النَّفْسِ بِخَبَرِهَا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْبَلَاهَةِ يُقَارِنُهَا بِحَسَبِ الْغَالِبِ عَدَمُ الْخُبْثِ الَّذِي عَنْهُ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْقَدْرِ لَا فِي الْجُنُونِ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهَا يُسْتَحَبُّ التَّنَزُّهُ وَلَوْ بَعْدَ النِّكَاحِ، وَكَذَا إذَا شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُمْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّ الْمَحَارِمَ مِنْ الرِّجَالِ يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا الرَّضَاعَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إلْقَامِ الثَّدْيِ لِجَوَازِ حُصُولِهَا بِالْوَجُورِ وَالسَّعُوطِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ قَوْلِنَا. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ، قِيلَ يُعْتَبَرُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي رِوَايَةٍ. [فُرُوعٌ] قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ أُمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُخْتِي أَوْ بِنْتِي مِنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ أَخْطَأْتُ أَوْ نَسِيَتْ، إنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ بَعْدَهُ هُوَ حَقٌّ أَوْ كَمَا قُلْت فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْفَعُهُ جُحُودُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ الثَّبَاتُ عَلَيْهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالنِّكَاحُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ إنَّمَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِشَرْطِ الثَّبَاتِ، وَتَفْسِيرُ الثَّبَاتِ مَا ذَكَرْنَا، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ مِمَّا يَخْفَى عَنْ الْإِنْسَانِ فَالتَّنَاقُضُ فِيهِ مُطْلَقًا لَا يَمْنَعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بَعْدَ التَّرَوِّي فَيُعْذَرُ قَبْلَهُ وَلَا يُعْذَرُ بَعْدَهُ، وَهَذَا فِي النَّسَبِ فِيمَنْ لَيْسَ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ وَأَنْكَرَ هُوَ ثُمَّ قَالَتْ أَخْطَأْت فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْلِفُ الزَّوْجُ عَلَى الْعِلْمِ فِي قَوْلٍ وَعَلَى الْبَتَاتِ فِي قَوْلٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا جَازَ وَلَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ عَلَى قَوْلِهَا. بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ الرَّجُلُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَرَّتْ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ رَجُلٍ حَلَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ انْتَهَى. وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ فِي غَيْبَتِهَا وَحُضُورِهَا فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ الْخَفَاءُ فَصَحَّ رُجُوعُهَا عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ قَبْلَ التَّرَوِّي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الطلاق]

كِتَابُ الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الطَّلَاقِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ النِّكَاحِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ شَرَعَ يَذْكُرُ مَا بِهِ يَرْتَفِعُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ تَقَدَّمَ وُجُودُهُ وَاسْتِعْقَابُ أَحْكَامِهِ، وَأَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضَاعِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ إلَّا أَنَّ مَا بِالرَّضَاعِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، وَمَا بِالطَّلَاقِ مُغَيًّا بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْحُكْمِ الْأَشَدِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْأَخَفِّ، وَأَيْضًا التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ يُنَاسِبُهُ التَّرْتِيبُ الْوَضْعِيُّ، وَالنِّكَاحُ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ بِأَحْكَامِهِ وَيَتْلُوهُ الطَّلَاقُ فَأَوْجَدَهُ فِي التَّعْلِيمِ كَذَلِكَ. وَالطَّلَاقُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَيْ التَّطْلِيقُ، أَوْ هُوَ مَصْدَرُ طَلُقَتْ بِضَمِّ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا طَلَاقًا كَالْفَسَادِ. وَعَنْ الْأَخْفَشِ نَفْيُ الضَّمِّ. وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ إنَّهُ لُغَةٌ، وَالطَّلَاقُ لُغَةً رَفْعُ الْوَثَاقِ مُطْلَقًا، وَاسْتُعْمِلَ فِعْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ أَطْلَقْت بَعِيرِي وَأَسِيرِي، وَفِيهِ مِنْ التَّفْعِيلِ طَلَّقْت امْرَأَتِي، يُقَالُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا، فَإِنْ قَالَهُ ثَانِيَةً فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّأْكِيدُ، أَمَّا إذَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلِلتَّكْثِيرِ كَغَلَّقْتِ الْأَبْوَابَ. وَفِي الشَّرْعِ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ ط ل اق صَرِيحًا كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَهِجَاءِ طَالِقٍ بِلَا تَرْكِيبٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَغَيْرِهِمَا كَقَوْلِ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَهُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلرَّجْعَةِ وَالْبَيْنُونَةِ وَلَفْظِ الْخُلْعِ فَخَرَجَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي فِي إبَائِهَا وَرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَخِيَارُ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ طَلَاقًا، فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْفُسُوخِ وَمُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحِلِّ مِنْ شَرْطِ وُجُودِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِمُجَرَّدِهَا وَرُكْنُهُ نَفْسُ اللَّفْظِ. وَأَمَّا سَبَبُهُ فَالْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَعُرُوضِ الْبَغْضَاءِ الْمُوجِبَةِ عَدَمَ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَرَعَهُ رَحْمَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَشَرْطُهُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا مُسْتَيْقِظًا، وَفِي الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ فِي عِدَّتِهِ الَّتِي تَصْلُحُ مَعَهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ. وَضَبْطُهَا فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: الْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَالْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الْوَطْءِ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ غَيْرُ حَاصِرٍ إذْ تَتَحَقَّقُ الْعِدَّةُ دُونَهُمَا كَمَا لَوْ عَرَضَ فَسْخٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِيَارٍ بَعْدَ مُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَلْحَقَ الْخَلْوَةُ بِالْوَطْءِ، فَكَأَنَّهَا هُوَ وَفِيهِ تَسَاهُلٌ، ثُمَّ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ بِعُرُوضِ حُرْمَةٍ مُؤَبَّدَةٍ أَوْ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ لَا يَقَعُ فِيهَا طَلَاقٌ وَلَا شَكَّ فِيهِ فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ، كَمَا إذَا عَرَضَتْ الْحُرْمَةُ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتُ بِغَايَةٍ لِيُفِيدَ الطَّلَاقَ فَائِدَتُهُ. وَأَمَّا فِي الْفَسْخِ بِغَيْرِهَا فَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْعِدَّةِ مِنْ خِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ، وَعَلَى هَذَا إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَا يَقَعُ طَلَاقُ الزَّوْجِ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبِيَّ إذَا كَانَ الزَّوْجُ فَلَا عِدَّةَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ لِحِلِّهَا لِلسَّابِي بِالِاسْتِبْرَاءِ. وَمِثْلُهُ لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِمُهَاجَرَةِ أَحَدِهِمَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَقَعُ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّجُلُ فَلَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهِيَ عِدَّةٌ لَا تُوجِبُ مِلْكَ يَدٍ إذْ لَا يَدَ لِلْحَرْبِيِّ، وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ مِلْكُ الْيَدِ فَكَانَتْ كَالْعِدَّةِ عَنْ الْفُرْقَةِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ مُسْتَأْمَنَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَإِذَا حَاضَتْهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِلَا طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْمُصِرَّ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ، إلَّا أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَاءِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةَ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَاكَ فَسْخٌ، وَبِهِ يُنْتَقَضُ مَا قِيلَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ، وَيُنْتَقَضُ أَيْضًا بِالْمُرْتَدِّ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِرِدَّتِهِ فَسْخٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَهِيَ فَسْخٌ اتِّفَاقًا، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّيَّتِهَا لِلطَّلَاقِ لَوْ هَاجَرَتْ فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ فَهَاجَرَ بَعْدَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا: يَعْنِي فَأَعْتَقَتْهُ، فَحَكَى الْخِلَافَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى عَكْسِ مَا حَكَاهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ اتِّفَاقًا. فَلَوْ عَادَ وَهِيَ بَعْدُ فِي الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَهُمَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ فَمَا إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْحَرْبِيِّ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ يَتَأَخَّرُ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا إلَى مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أُخْرَى وَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ، وَلِهَذَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْفُرْقَةَ لَيْسَتْ لِلتَّبَايُنِ بَلْ لِلْإِبَاءِ إلَّا أَنَّ الْمُدَّةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ إبَائِهِ بَعْدَ الْعَرْضِ فَلِذَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ. وَأَمَّا وَصْفُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ الطَّلَاقُ» فَنَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَكَوْنِهِ مَبْغُوضًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ لَازِمِ الْمَكْرُوهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُغْضِ إلَّا لَوْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِبَاحَةِ لَكِنَّهُ وَصَفَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْدَمَا أُضِيفَ إلَيْهِ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا رُتِّبَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَدَلِيلُ نَفْيِ الْكَرَاهَةِ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ

بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] وَطَلَاقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ الْقَائِلِينَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِكِبَرٍ كَطَلَاقِ سَوْدَةَ أَوْ رِيبَةٍ فَإِنَّ طَلَاقَهُ حَفْصَةَ لَمْ يُقْرَنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» فَمَحْمَلُهُ الطَّلَاقُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِغَيْرِ نُشُوزٍ فَعَلَيْهَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّعَالِيلِ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَلِلْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ مَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ سَبَبِهِ فَبَيْنَ الْحُكْمَيْنِ مِنْهُمْ تَدَافُعٌ، وَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُحْمَلُ لَفْظُ الْمُبَاحِ عَلَى مَا أُبِيحَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ: أَعْنِي أَوْقَاتِ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضُ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ» وَإِنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الزَّمَانِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْكِبَرِ وَالرِّيبَةِ، فَمِنْ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ أَنْ يُلْقَى إلَيْهِ عَدَمُ اشْتِهَائِهَا بِحَيْثُ يَعْجِزُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِإِكْرَاهِهِ نَفْسَهُ عَلَى جِمَاعِهَا، فَهَذَا إذَا وَقَعَ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَوْلِ غَيْرِهَا مَعَ اسْتِبْقَائِهَا وَرَضِيَتْ بِإِقَامَتِهَا فِي عِصْمَتِهِ بِلَا وَطْءٍ أَوْ بِلَا قَسْمٍ فَيُكْرَهُ طَلَاقُهُ كَمَا كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَوْدَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى طَوْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ هِيَ بِتَرْكِ حَقِّهَا فَهُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَكَانَ قِيلَ لَهُ فِي كَثْرَةِ تَزَوُّجِهِ وَطَلَاقِهِ فَقَالَ: أُحِبُّ الْغِنَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] فَهُوَ رَأْيٌ مِنْهُ إنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكُلُّ مَا نُقِلَ عَنْ طَلَاقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَطَلَاقِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُمَّ عَاصِمٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تُمَاضِرَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَقَالَ لَهُنَّ: أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الْأَخْلَاقِ نَاعِمَاتُ الْأَطْوَاقِ طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ طَلَاقٌ فَمَحْمَلُهُ وُجُودُ الْحَاجَةِ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَمَحْضُ كُفْرَانِ نِعْمَةٍ وَسُوءِ أَدَبٍ فَيُكْرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . وَأَمَّا حُكْمُهُ فَوُقُوعُ الْفُرْقَةِ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ. وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَمِنْهَا ثُبُوتُ التَّخَلُّصِ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَمِنْهَا جَعْلُهُ بِيَدِ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَغَلَبَةِ الْهَوَى، وَعَنْ ذَلِكَ سَاءَ اخْتِيَارُهُنَّ وَسَرُعَ اغْتِرَارُهُنَّ وَنُقْصَانِ الدِّينِ، وَعَنْهُ كَانَ أَكْثَرُ شُغْلِهِنَّ بِالدُّنْيَا وَتَرْتِيبِ الْمَكَايِدِ وَإِفْشَاءِ سِرِّ الْأَزْوَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا شَرْعُهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ كَذُوبَةٌ رُبَّمَا يَظْهَرُ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَوْ الْحَاجَةِ إلَى تَرْكِهَا وَتُسَوِّلُهُ، فَإِذَا وَقَعَ حَصَلَ النَّدَمُ وَضَاقَ الصَّدْرُ بِهِ وَعِيلَ الصَّبْرُ، فَشَرَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثَلَاثًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ صِدْقَهَا اسْتَمَرَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِلَّا أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالرَّجْعَةِ، ثُمَّ إذَا عَادَتْ النَّفْسُ إلَى مِثْلِ الْأَوَّلِ وَغَلَبَتْهُ حَتَّى عَادَ إلَى طَلَاقِهَا نُظِرَ أَيْضًا فِيمَا يَحْدُثُ لَهُ فَمَا يُوقِعُ الثَّالِثَةَ إلَّا وَقَدْ

[باب طلاق السنة]

قَالَ (الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ. فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَإِنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا الرَّجُلُ ثَلَاثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَامَةِ وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي الْكَرَاهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرَّبَ وَفَقِهَ فِي حَالِ نَفْسِهِ، وَبِعَدَدِ الثَّلَاثِ تَبْلَى الْأَعْذَارُ. . [بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ] وَأَمَّا أَقْسَامُهُ فَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ) اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ؛ وَالسُّنِّيُّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، وَالْبِدْعِيُّ كَذَلِكَ، فَالسُّنِّيُّ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ (فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا طَلَاقَ فِيهِ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِمَا أَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ (أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَإِنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ النَّدَامَةِ) حَيْثُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ مُكْنَةً لِلتَّدَارُكِ حَيْثُ يُمْكِنُهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا دُونَ تَخَلُّلِ زَوْجٍ آخَرَ (وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ) حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَإِنَّ سَعَةَ حِلِّهَا نِعْمَةٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَكَامَلُ ضَرَرُ الْإِيحَاشِ (وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي الْكَرَاهَةِ) أَنَّهَا وَاقِعَةٌ أَوْ لَا، بَلْ الْإِجْمَاعُ عَلَى انْتِقَائِهَا، بِخِلَافِ الْحَسَنِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِلَّةِ ضَرَرِ هَذَا وَاسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَانَ أَحْسَنَ. وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنِّيَّ الْمَسْنُونَ وَهُوَ كَالْمَنْدُوبِ فِي اسْتِعْقَابِ الثَّوَابِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَاحُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَمَعْنَى الْمَسْنُونِ مِنْهُ مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا. نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهَا أَوْ حَائِضًا أَوْ ثَلَاثًا فَمَنَعَ نَفْسِهِ مِنْ الطُّهْرِ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ وَالْوَاحِدَةِ نَقُولُ إنَّهُ يُثَابُ لَكِنْ لَا عَلَى الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْخَالِي بَلْ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ امْتِنَاعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ الْكَفُّ غَيْرُ فِعْلِ الْإِيقَاعِ، وَلَيْسَ الْمَسْنُونُ يَلْزَمُ تِلْكَ الْحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ الْخَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطُرَ لَهُ دَاعِيَةُ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ سَمَّيْنَاهُ طَلَاقًا مَسْنُونًا مَعَ انْتِفَاءِ سَبَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَ تَهَيُّؤِ أَسْبَابِهَا وَقِيَامِ دَاعِيَتِهَا، وَهَذَا كَمَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ مَعَ الْكَفِّ عَنْهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَتُهُ

(وَالْحَسَنُ هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَا يُبَاحُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطَلَبُ النَّفْسِ لَهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ وَكَفَّ تَجَافِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أُثِيبَ (قَوْلُهُ وَالْحَسَنُ طَلَاقُ السُّنَّةِ) وَأَنْتَ حَقَّقْت أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَلَاقُ السُّنَّةِ فَتَخْصِيصُ هَذَا بِاسْمِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ وَالْمُنَاسِبُ تَمْيِيزُهُ بِالْمَفْضُولِ مِنْ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ. قَالَ (وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِإِيقَاعِهِ كَذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ أَنْ يَكْتُبَ إذَا جَاءَكِ كِتَابِي هَذَا وَأَنْتِ طَاهِرَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كُنْتِ حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا بِدْعَةٌ وَلَا يُبَاحُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرَيْقٍ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ، حَدَّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهَا بِطَلْقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الْقَرِينِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ، قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ، السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ، فَأَمَرَنِي فَرَاجَعْتُهَا. فَقَالَ: إذَا هِيَ طَهُرَتْ فَطَلِّقْ عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ أَمْسِكْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا أَكَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ فَقَالَ لَا، كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَكَانَتْ مَعْصِيَةً» أَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ بِالْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: أَتَى بِزِيَادَاتٍ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرَيْقٍ سَنَدًا وَمَتْنًا. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِسَمَاعِهِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ. وَقِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ الْحَسَنُ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ نَعَمْ. وَأَمَّا إعْلَال عَبْدِ الْحَقِّ إيَّاهُ بِمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ فَلَيْسَ بِذَاكَ، وَلَمْ يُعِلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ إلَّا بِالْخُرَاسَانِيِّ، وَقَدْ ظَهَرَتْ مُتَابَعَتُهُ،؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ لِخَفَائِهَا؛ لِأَنَّهَا بَاطِنَةٌ، وَدَلِيلُهَا الْإِقْدَامُ عَلَى طَلَاقِهَا فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ، وَقَدْ تَكُونُ الْحَاجَةُ مَاسَةٌ إلَى تَرْكِهَا أَلْبَتَّةَ لِرُسُوخِ الْأَخْلَاقِ الْمُتَبَايِنَةِ وَمُوجِبَاتِ الْمُنَافَرَةِ فَلَا تُفِيدُ رَجْعَتَهَا فَيَحْتَاجُ إلَى فِطَامِ النَّفْسِ عَنْهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْقِبُ النَّدَمَ وَالنَّفْسُ تُلِحُّ لِحُسْنِ الظَّاهِرِ، وَطَرِيقُ إعْطَاءِ هَذِهِ الْحَاجَةِ مُقْتَضَاهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، فَالْحَاجَةُ كَالْمُتَكَرِّرَةِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، ثُمَّ قِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا، وَمِنْ قَصْدِهِ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ. (وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّبْرِ وَيُعَالِجَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَدَارَكَ بِالرَّجْعَةِ، وَإِنْ قَدَرَ أَوْقَعَ أُخْرَى فِي الطُّهْرِ الْآخَرِ كَذَلِكَ، فَإِنْ قَدَرَ أَبَانَهَا بِالثَّالِثَةِ بَعْدَ تَمَرُّنِ النَّفْسِ عَلَى الْفِطَامِ، ثُمَّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارِ فَقَدْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً انْقَضَتْ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَبِالطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بَانَتْ وَوَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الطَّلَاقَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ) عَلَيْهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَظْهَرُ أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ: إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ، وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا فِيهِ وَمِنْ قَصْدِهِ تَطْلِيقُهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ) مَا خَالَفَ قِسْمَيْ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ بِإِنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُفَرَّقَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ كَذَلِكَ أَوْ وَاحِدَةً فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ جَامَعَهَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي يَلِيهِ هُوَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ عَاصِيًا، وَفِي كُلٍّ مِنْ وُقُوعِهِ وَعَدَدِهِ وَكَوْنِهِ مَعْصِيَةً خِلَافٌ، فَعَنْ الْإِمَامِيَّةِ لَا يَقَعُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ وَلَا فِي حَالَةِ

وَكَانَ عَاصِيًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَفِي أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عُمَرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا حِينَ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ فِي الْحَيْضِ، وَأَمَّا بُطْلَانُهُ فِي الثَّلَاثِ فَيَنْتَظِمُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ دَفْعِ كَلَامِ الْإِمَامِيَّةِ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَبِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَنَقَلَ عَنْ طَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ خَالَفَ السُّنَّةَ فَيُرَدُّ إلَى السُّنَّةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ؟ قَالَ نَعَمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ طَلَّقْتَهَا؟ قَالَ: طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، قَالَ: إنَّمَا تِلْكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا» . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ ثَلَاثًا وَفِي غَيْرِهَا وَاحِدَةً، لِمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ كَانَ كَثِيرَ السُّؤَالِ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً؟ الْحَدِيثَ. «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ تَتَابَعُوا فِيهَا قَالَ: أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ» . هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد. وَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ مَا فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ: إذًا قَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ رَادُّهَا إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَرْكَبُ الْحُمُوقَةَ ثُمَّ يَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ: بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلُقَتْ مِنْك ثَلَاثًا وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا. وَفِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا: بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَمَانِيَ تَطْلِيقَاتٍ، فَقَالَ: مَا قِيلَ لَك. فَقَالَ: قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك، قَالَ: صَدَقُوا، هُوَ مِثْلُ مَا يَقُولُونَ وَظَاهِرُهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَمُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ الْبَكِيرِ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَته ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي، فَذَهَبْت مَعَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَا: لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك، قَالَ: فَإِنَّمَا كَانَ طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّك أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ. وَهَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا إنَّمَا تَطْلُقُ بِالثَّلَاثِ وَاحِدَةً وَجَمِيعُهَا يُعَارِضُ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا إمْضَاءُ عُمَرَ الثَّلَاثَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُمْكِنُ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا كَانَتْ وَاحِدَةً إلَّا وَقَدْ اطَّلَعُوا فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى وُجُودِ نَاسِخٍ. هَذَا إنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ لِعِلْمِهِمْ بِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ كَذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِإِنَاطَتِهِ بِمَعَانٍ عَلِمُوا انْتِفَاءَهَا فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِنَّا نَرَى الصَّحَابَةَ تَتَابَعُوا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَعَ اشْتِهَارِ كَوْنِ حُكْمِ الشَّرْعِ الْمُتَقَرِّرِ كَذَلِكَ أَبَدًا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَوْجَدْنَاك عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تُبِينُهَا وَسَائِرُهُنَّ عُدْوَانٌ. وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ وَاقْسِمْ سَائِرَهُنَّ عَلَى نِسَائِك. وَرَوَى وَكِيعٌ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ. وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ، فَانْطَلَقَ عُبَادَةُ فَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ اللَّهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مِائَةِ أَلْفِ عَيْنٍ رَأَتْهُ فَهَلْ صَحَّ لَكُمْ عَنْ هَؤُلَاءِ أَوْ عَنْ عُشْرِ عُشْرِ عُشْرِهِمْ الْقَوْلُ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ بَلْ لَوْ جَهَدْتُمْ لَمْ تُطِيقُوا نَقْلَهُ عَنْ عِشْرِينَ نَفْسًا بَاطِلٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِجْمَاعُهُمْ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَمْضَى الثَّلَاثَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ الْإِجْمَاعِيِّ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ أَنْ يُسَمَّى كُلٌّ لِيَلْزَمَ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ حُكْمٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ لَا الْعَوَامّ وَالْمِائَةُ الْأَلْفِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبْلُغُ عِدَّةُ الْمُجْتَهِدِينَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ كَالْخُلَفَاءِ وَالْعَبَادِلَةِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَلِيلٍ وَالْبَاقُونَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ وَيَسْتَفْتُونَ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَثْبَتْنَا النَّقْلَ عَنْ أَكْثَرِهِمْ صَرِيحًا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ. وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ فَهُوَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ بِأَنَّهَا ثَلَاثٌ أَسْنَدَهَا الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَصِيرَ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أُجْمِعَ عَلَى نَفْيِهِ، وَكُنَّ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يُبَعْنَ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالْجَوَابِ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَاحِدَةً إذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ لَا تَحْتَمِلُ مَخْرَجًا عَنْ الْإِبْطَالِ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِذْنَ، وَالْمُكَلَّفُونَ وَإِنْ كَانُوا أَيْضًا إنَّمَا يَتَصَرَّفُونَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَكِنْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ بَعْضِ الظَّوَاهِرِ وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ كَانَ مُقَدَّمًا بِأَمْرِ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ، قُلْنَا: أَنْ لَا نَشْتَغِلَ مَعَهُ بِتَأْوِيلٍ، وَقَدْ يُجْمَعُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى النَّاسِخِ أَوْ الْعِلْمِ بِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ، هَذَا وَإِنْ حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ دَفْعًا لِمُعَارَضَةِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى مَا أَوْجَدْنَاكَ مِنْ النَّقْلِ

لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ حَتَّى يُسْتَفَادَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَعَدَمِ مُخَالِفٍ لِعُمَرَ فِي إمْضَائِهِ وَظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ كَانَ وَاحِدَةً فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لِقَصْدِهِمْ التَّأْكِيدَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، ثُمَّ صَارُوا يَقْصِدُونَ التَّجْدِيدَ فَأَلْزَمَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِهِمْ. وَمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي يُوقِعُونَهَا الْآنَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً تَنْبِيهٌ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فَيُشْكِلُ إذْ لَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ فَأَمْضَاهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا حَدِيثُ رُكَانَةَ فَمُنْكَرٌ، وَالْأَصَحُّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ، فَحَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أَصَحُّ. وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّالِثُ وَهُوَ كَوْنُ الثَّلَاثَةِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْصِيَةً أَوْ لَا فَحُكِيَ فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ بِالْإِطْلَاقَاتِ مِنْ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَقَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ «حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى» وَطَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، وَطَلَّقَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْرَأَتَهُ شَهْبَاءَ ثَلَاثًا لَمَّا هَنَّأَتْهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ الْأَرْبَعَ دَفْعَةً جَازَ، فَكَذَا الْوَاحِدَةُ ثَلَاثًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِلْمُضَارَّةِ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقِ، وَبِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ يَحْرُمُ لِتَلْبِيسِ وَجْهِ الْعِدَّةِ أَهُوَ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] إلَى أَنْ قَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] فَلَزِمَ أَنْ لَا طَلَاقَ شَرْعًا إلَّا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ

وَهِيَ فِي الْمُفَرَّقِ عَلَى الْأَطْهَارِ ثَانِيَةً نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، وَالْحَاجَةُ فِي نَفْسِهَا بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ تَصْوِيرُ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ لَا تُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنْسِ شَيْءٌ، وَهَذَا مِنْ طُرُقِ الْحَصْرِ فَلَا طَلَاقٌ مَشْرُوعٌ ثَلَاثًا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ يَتَبَادَرُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامِيَّةُ، لَكِنْ لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ عَدَمَ مَشْرُوعِيَّتِهِ كَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ تَفْوِيتُ مَعْنَى شَرْعِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ لَهُ كَذَلِكَ وَإِمْكَانِ التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ، وَقَدْ يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ لَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ لَا تُنَافِي الْحَظْرَ إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ. وَلَنَا أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِلَّذِي طَلَّقَ ثَلَاثًا وَجَاءَ يَسْأَلُ: عَصَيْت رَبَّك. وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» وَكَذَا مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَقَالَ: إنَّ عَمَّك عَصَى اللَّهَ فَأَثِمَ، وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَمَا رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ فَقَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ» وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ نِسْبَةِ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ إلَى مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنَّهُمْ قَالُوا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، وَأَيْضًا لَنَا مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي قَدْ تَعْرِضُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ تَفْرِيقِهَا عَلَى الْأَطْهَارِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَاجَةَ بَاطِنَةٌ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ عَلَى دَلِيلِهَا وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الرَّغْبَةِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً حُكِمَ بِالْحَاجَةِ إلَى الثَّلَاثِ كَذَلِكَ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ دَلِيلَ الْحَاجَةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَصَوُّرِ الْحَاجَةِ وَهِيَ هَاهُنَا غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ لِلْعِلْمِ بِارْتِفَاعِهَا بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، فَأَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا قَرَرْنَاهُ فِي جَوَابِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَتَحَقَّقُ إلَى فِطَامِ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ ظَاهِرًا عُرُوضَ النَّدَمِ، وَطَرِيقُ دَفْعِهَا حِينَئِذٍ الثَّلَاثُ مُفَرَّقَةٌ عَلَى الْأَطْهَارِ لَا مَجْمُوعَةً لِمَا وَجَّهْنَا بِهِ. (قَوْلُهُ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مَشْرُوعٌ فَلَا يُنَافِي الْحَظْرَ:

وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِدْعَةٌ؛ لِمَا قُلْنَا. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: إنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا. (وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ) (يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا) وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ إزَالَةُ الرِّقِّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ نَوْعُ رِقٍّ فَلَا يُنَافِي الْحَظْرَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فِيهِ قَطْعَ مُتَعَلِّقِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَجَازَ إثْبَاتُ مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي ذَاتِهِ مَعَ حَظْرِهِ لِذَلِكَ فَيَصِحُّ إذَا وَقَعَ وَيَسْتَعْقِبُ أَحْكَامَهُ مَعَ اسْتِعْقَابِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَوِّغٌ لِلْحَظْرِ الْحَالِي كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. وَالْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِهِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ دَافِعٌ لِحَاجَةِ لُزُومِ فَسَادِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضْرَارٌ وَكُفْرَانٌ بِلَا حَاجَةٍ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ مَشْرُوعٌ فِي ذَاتِهِ إلَخْ إذَا تَأَمَّلْت؛ لِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي طَلَاقِ الْحَامِلِ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي الطُّهْرِ الْوَاحِدِ بِدْعَةٌ لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِئَةِ، قَالَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي أَصْلَ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي الْخَلَاصِ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَسُدُّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ التَّدَارُكِ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِيَارِ الْمَرْأَةِ الرَّجْعَةَ. وَفِي الزِّيَادَاتِ: لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا، وَالْمُرَادُ زِيَادَاتُ الزِّيَادَاتِ فَلَا يُشْكِلُ صِحَّةُ إطْلَاقِ الزِّيَادَاتِ عَلَيْهَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ أَنَّ أَبَا رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكَرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ. الْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ، وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ. (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: فِي الْوَقْتِ وَالْعَدَدِ، فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا) وَهِيَ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً، فَإِذَا طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا كَانَ عَاصِيًا، فَفِي الَّتِي خَلَا بِهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا تَعَذُّرٌ، فَإِنَّ السُّنَّةَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَثْبُتُ بِقِسْمَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً لَيْسَ غَيْرُ وَأَنْ يُلْحِقَهَا بِأُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الطُّهْرِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذْ لَا عِدَّةَ لَهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً) وَكَأَنَّهُ عَمَّمَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي الَّتِي

لِأَنَّ الْمُرَاعَى دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، أَمَّا زَمَانُ الْحَيْضِ فَزَمَانُ النَّفْرَةِ، وَبِالْجِمَاعِ مَرَّةً فِي الطُّهْرِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ (وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ) خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هُوَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا. وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْهَا، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ. . قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلَا بِهَا فَإِنَّهَا أَيْضًا يَجِبُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ فِي طَلَاقِهَا، وَذَلِكَ الْوَقْتُ هُوَ الطُّهْرُ الَّذِي لَا جِمَاعَ فِيهِ وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ فَلَزِمَ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ الْبِدْعَةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُرَاعَاةُ السَّنَتَيْنِ، فَلَوْ أَخَلَّ بِإِحْدَاهُمَا لَزِمَتْ الْمَعْصِيَةُ، وَإِنَّمَا لَزِمَتَا؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي تَحَقُّقِ إبَاحَةِ الطَّلَاقِ دَلِيلُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ، وَزَمَانُ تَجَدُّدِهَا هُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ لَا زَمَانُ الْحَيْضِ، وَلَا الطُّهْرُ الَّذِي جُومِعَتْ فِيهِ. أَمَّا زَمَانُ الْحَيْضِ فَلِأَنَّهُ زَمَانُ النُّفْرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا الطُّهْرُ الَّذِي جُومِعَتْ فِيهِ؛ فَلِأَنَّ بِالْجِمَاعِ مَرَّةً تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَالرَّغْبَةُ فِيهَا مُتَوَفِّرَةٌ مَا لَمْ يَذُقْهَا، فَطَلَاقُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ يَقُومُ دَلِيلًا عَلَى تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَجَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا، خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا بِجَامِعِ أَنَّهُ وَقْتُ النُّفْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ فِيهِ دَلِيلَ الْحَاجَةِ فَلَا يُبَاحُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا جَوَابَهُ بِالْفَرْقِ وَهُوَ قَوْلُهُ الرَّغْبَةُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ» فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ قَوْلِهِ هَكَذَا إلَى طَلَاقِهِ الْخَاصِّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ فَجَازَ كَوْنُ تِلْكَ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَالْعِدَّةُ لَيْسَتْ إلَّا لِلْمَدْخُولِ بِهَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ وَهُوَ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَسَبْعٌ (أَوْ كِبَرٍ) بِأَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ آيِسَةً بِنْتَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ أَوْ لَا لَهُمَا بِأَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا (فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلَاقَ السُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا

أُخْرَى، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى) ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] إلَى أَنْ قَالَ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً حَتَّى يُقَدَّرَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّهَا بِالشَّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخْرَى، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أَيْ لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّ لَمْ تَقْلِبُ مَعْنَى الْمُضَارِعِ إلَى الْمُضِيِّ فَأَقَامَ الْأَشْهُرَ مَقَامَ الْحَيْضِ حَيْثُ نَقَلَ مِنْ الْحَيْضِ إلَيْهَا. وَأَيْضًا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْأَشْهُرَ عِدَّةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] وَالْعِدَّةُ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ لَيْسَ إلَّا الْحَيْضُ لَا الْمَجْمُوعُ، فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنِ الْأَشْهُرِ بَدَلَ الْحَيْضِ وَرُشِّحَ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِحَيْضَةٍ وَجُعِلَ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ بِشَهْرٍ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْإِقَامَةِ بِاعْتِبَارِهِ مَعَ لَازِمِهِ مِنْ الطُّهْرِ الْمُضَافِ إلَى كُلِّ حَيْضَةٍ. وَرُجِّحَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ اكْتَفَى بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ الْمَجْعُولِ عِدَّةً، وَالْحَيْضُ الْمَجْعُولُ عِدَّةً هُوَ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِثْلِهِ طُهْرٌ صَحِيحٌ بِحَيْثُ تَكُونُ عِدَّتُهُمَا غَالِبًا شَهْرًا، وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِنَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ حِيَضٍ يَتَخَلَّلُهَا أَطْهَارٌ وَقَوْلِنَا بَدَلٌ عَنْ الْحَيْضِ وَالْأَطْهَارِ الْمُتَخَلَّلَةِ، فَالطُّهْرُ ضَرُورَةُ تَحَقُّقِهَا لَا مِنْ مُسَمَّاهُ، وَمَا أَلْزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ جَمِيعًا لَزِمَ مَنْعُ الطَّلَاقِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَيْضِ حُكْمًا مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ مَقَامُهُ فِي أَنَّهُ عِدَّةٌ فَقَطْ لَا فِي ذَاتِهِ وَذَاتُ الشَّهْرِ طُهْرٌ وَلَا فِي حُكْمٍ آخَرَ، أَلَا يَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فِي طُهْرِ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ حَرَامٌ وَفِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَا يَحْرُمُ، فَكَذَا الطَّلَاقُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَهَذَا

وَهُوَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ، وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُكْمِلُ الْأَوَّلَ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَازَاتِ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلَافُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) هُوَ أَنْ يَقَعَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ (تُعْتَبَرُ الشُّهُورَ بِالْأَهِلَّةِ) اتِّفَاقًا فِي التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ (وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي التَّفْرِيقِ) أَيْ فِي تَفْرِيقِ الطَّلَقَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةَ فِي الْيَوْمِ الْمُوَفِّي ثَلَاثِينَ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ بَلْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مُعْتَبَرٌ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْيَوْمِ الْمُوَفِّي ثَلَاثِينَ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ (وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِمُضِيِّ تِسْعِينَ يَوْمًا (وَعِنْدَهُمَا يُكْمَلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ) وَقَوْلُهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: تَعْتَبِرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ بِالْإِجْمَاعِ يُخَالِفُ نَقْلَ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَاتِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَتْ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا نَاقِصَةً كَانَتْ أَوْ كَامِلَةً وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ تُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَيَّامِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُكْمِلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ بِالْأَخِيرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِالْأَهِلَّةِ. وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْهُرِ الْأَهِلَّةُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِتَكْمِيلِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَسْمَاءِ، وَهُوَ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مُدَّةَ جُمَادَيَيْنِ وَرَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَهِلَّةُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعِينَ؛ لِأَنَّهُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْأَهِلَّةُ صَارَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَنْقَضِي هَذَا الشَّهْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْ الْآخَرِ أَيَّامٌ ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْآخَرُ مِنْ حِينِ انْتَهَى الْأَوَّلُ فَيَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا) أَيْ يُطَلِّقَ الَّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ (وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ)

وَقَالَ زُفَرُ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْحَيْضِ؛ وَلِأَنَّ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ، وَإِنَّمَا تَتَجَدَّدُ بِزَمَانٍ وَهُوَ الشَّهْرُ: وَلَنَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيهَا، وَالْكَرَاهِيَةُ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا فِي صَغِيرَةٍ لَا يُرْجَى حَبَلُهَا، أَمَّا فِيمَنْ يُرْجَى فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ كَمَا قَالَ زُفَرُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَيْسَ هُوَ أَفْضَلِيَّةُ الْفَصْلِ بَلْ لُزُومُ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الَّتِي تَحِيضُ وَفِيهَا يَجِبُ الْفَصْلُ بِحَيْضَةٍ؛ فَفِي مَنْ لَا تَحِيضُ يَجِبُ الْفَصْلُ بِمَا أُقِيمَ مَقَامَهُ وَهُوَ الشَّهْرُ؛ وَلِأَنَّ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ وَإِنَّمَا تَتَجَدَّدُ بِزَمَانٍ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيهَا) أَيْ فِي الَّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ (وَالْكَرَاهَةُ) أَيْ كَرَاهَةُ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ فَيُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ أَنَّهَا بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْوَضْعِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي فِي الَّتِي لَا تَحِيضُ لَا لِصِغَرٍ وَلَا لِكِبَرٍ بَلْ اتَّفَقَ امْتِدَادُ طُهْرِهَا مُتَّصِلًا بِالصِّغَرِ، وَفِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ بَعْدُ وَقَدْ وَصَلَتْ إلَى سِنِّ الْبُلُوغِ أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْقِيبُ وَطْئِهَا بِطَلَاقِهَا لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرًا أَنْ يُقَالَ قَدْ عَلَّلْتُمْ مَنْعَ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ آنِفًا بِفُتُورِ الرَّغْبَةِ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ دَلِيلَ الْحَاجَةِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ مَمْنُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: لِاشْتِبَاهِ الْعِدَّةِ، وَلِعَدَمِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الطَّلَاقُ مَعَ عَدَمِ دَلِيلِ الرَّغْبَةِ. وَفِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ إنْ فُقِدَ الْأَوَّلُ فَقَدْ وُجِدَ الثَّانِي فَيَمْتَنِعُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَالرَّغْبَةُ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ مَنْعُ عَدَمِ الرَّغْبَةِ مُطْلَقًا بِجِمَاعِ هَذِهِ، بَلْ انْتَفَى سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهَا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ مُطْلَقًا إلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ كَوْنُهُ وَطْئًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ فَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ رَغْبَةٍ فِي الْوَطْءِ وَصَارَ كَزَمَانِ الْحَبَلِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَا مَعْنَى لِلسُّؤَالِ الْقَائِلِ لَمَّا تَعَارَضَتْ جِهَةُ الرَّغْبَةِ مَعَ جِهَةِ الْفُتُورِ تَسَاقَطَتَا فَبَقِيَ الْأَصْلُ هُوَ حَظْرُ الطَّلَاقِ، وَتَكَلَّفَ جَوَابَهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْوَجْهِ أَنَّ لِلرَّغْبَةِ سَبَبَيْنِ: عَدَمُ الْوَطْءِ مُدَّةً تَتَجَدَّدُ الرَّغْبَةُ عِنْدَ آخِرِهَا عَادَةً، وَكَوْنُ الْوَطْءِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ، فَعَدَمُ الْمُدَّةِ فَقَطْ بِالْوَطْءِ الْقَرِيبِ عَدَمُ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ مَعَ قِيَامِ الْآخَرِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الرَّغْبَةِ. هَذَا ثُمَّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَنْعِ عَدَمِ الرَّغْبَةِ وَيُتْرَكُ جَمِيعُ مَا قِيلَ مِنْ التَّعْلِيلِ بَعْدَ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَادِّعَاءِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِهِ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا عَقِيبَ الطَّلَاقِ مُتَرَبِّصَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَى أَنْ تَرَى

وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَفْتُرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ لَكِنْ تَكْثُرُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ فَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ رَغْبَةٍ وَصَارَ كَزَمَانِ الْحَبَلِ. (وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْعِدَّةِ، وَزَمَانُ الْحَبَلِ زَمَانُ الرَّغْبَةِ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ أَوْ يَرْغَبُ فِيهَا لِمَكَانِ وَلَدِهِ مِنْهَا فَلَا تَقِلُّ الرَّغْبَةُ بِالْجِمَاعِ (وَيُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَزُفَرُ (لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ لَا تَرَاهُ فَتَسْتَمِرُّ فِي الْعِدَّةِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَمْلُهَا وَتَضَعَ أَوْ يَظْهَرَ أَنَّهُ امْتَدَّ طُهْرُهَا بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا فَتَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ، فَهَذَا الْحَالُ لَا يَخْتَلِفُ بِوَطْئِهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي فِيهِ الطَّلَاقُ وَعَدَمِ وَطْئِهَا فِيهِ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِاشْتِبَاهِ وَجْهِ الْعِدَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ، إذْ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ اعْتِدَادِهَا إذَا جُومِعَتْ فِي الطُّهْرِ وَعَدَمِهِ إلَّا بِتَجْوِيزِ أَنَّهَا حَمَلَتْ أَوَّلًا وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ مَعَهُ الْحَالُ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ اعْتِدَادِهَا. لَا يُقَالُ: إنَّهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْوَطْءِ يَجُوزُ الْحَبَلُ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ فَلَا يُجْزَمُ بِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ ثَلَاثًا إلَّا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَظْهَرُ فِي مِثْلِهَا الْحَبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ بَلْ وَعَلَى أَصْلِنَا؛ لِأَنَّا لَا نَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ الْحَامِلِ الدَّمَ، بَلْ نَقُولُ: إنَّ مَا تَرَاهُ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، فَمَعَ تَجْوِيزِ الْحَبَلِ لَا يُتَيَقَّنُ بِأَنَّ مَا رَأَتْهُ حَيْضٌ أَوْ اسْتِحَاضَةٌ وَهِيَ حَامِلٌ إلَى أَنْ تَذْهَبَ مُدَّةٌ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا فِيهَا لَظَهَرَ الْحَبَلُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا بِعَيْنِهِ جَارٍ فِيمَا لَوْ وُطِئَتْ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ طُهْرُ الطَّلَاقِ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ مَانِعًا مُنِعَ الْوَطْءُ فِيهِ أَيْضًا خُصُوصًا فِي آخِرِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ كَرَاهَةَ الطَّلَاقِ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فِي ذَاتِ الْحَيْضِ لِعُرُوضِ النَّدَمِ بِظُهُورِ الْحَبَلِ لِمَكَانِ الْوَلَدِ وَشَتَاتِ حَالِهِ وَحَالِ أُمِّهِ. (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْعِدَّةِ) إنْ اُعْتُبِرَ حَاظِرًا؛ وَلِأَنَّهُ زَمَانُ الرَّغْبَةِ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّهَا قَدْ حَبِلَتْ أَحَبَّهُ أَوْ سَخِطَهُ فَبَقِيَ آمِنًا مِنْ غَيْرِهِ فَيَرْغَبُ فِيهِ لِذَلِكَ، أَوْ لِمَكَانِ وَلَدِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّى بِهِ الْوَلَدُ فَيَقْصِدُ بِهِ نَفْعَهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ فِيهَا بَلْ الرَّغْبَةُ فِي الْوَطْءِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ وَيُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً)

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ، وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِهَا فَصَارَ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَالشَّهْرُ دَلِيلُهَا كَمَا فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ السَّلِيمَةُ فَصَلَحَ عِلْمًا وَدَلِيلًا، بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ فِي حَقِّهَا إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِحْلَالِ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ) وَوَرَدَ بِإِقَامَةِ الْأَشْهُرِ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الصَّغِيرَةِ أَوْ الْآيِسَةِ فَصَحَّ الْإِلْحَاقُ فِي تَفْرِيقِهَا عَلَى الْأَشْهُرِ (وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا فَصَارَتْ الْحَامِلُ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا) وَفِيهَا لَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ فَكَذَا الْحَامِلُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ) وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَنْتَفِي مُطْلَقًا بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ فَشُرِعَ لِدَفْعِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْقِبُ النَّدَمَ وَالتَّفْرِيقُ عَلَى أَوْقَاتِ الرَّغْبَةِ وَهِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي تَلِي الْحَيْضَ لِيَكُونَ كُلُّ طَلَاقٍ دَلِيلَ قِيَامِهَا وَلَا دَخْلَ لِكَوْنِهَا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ لَوْ كَانَتْ فُصُولًا فَكَيْفَ وَفُصُولُهَا لَيْسَ إلَّا الْحَيْضُ؛ لِأَنَّهَا الْعِدَّةُ لَا الْأَطْهَارُ عِنْدَنَا، فَكَوْنُهَا فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ لَيْسَ جُزْءَ الْمُؤَثِّرِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَشَرْطُ دَلَالَتِهِ كَوْنُهُ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ، وَالتَّجَدُّدُ بَعْدَ الْفُتُورِ لَا يَكُونُ عَادَةً إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ، وَحِينَ رَأَيْنَا الشَّرْعَ فَرَّقَهَا عَلَى الْأَطْهَارِ وَجَعَلَ الْإِيقَاعَ أَوَّلَ كُلِّ طُهْرٍ جَائِزًا عَلِمْنَا أَنَّهُ حُكْمٌ بِتَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ قَدْرِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الزَّمَانِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ أَوَّلِ طُهْرٍ يَلِيهِ وَذَلِكَ فِي الْغَالِبِ شَهْرٌ، فَأَدَرْنَا الْإِبَاحَةَ عَلَى الشَّهْرِ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّفْرِيقُ عَلَى الْأَشْهُرِ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَيْسَ، لِكَوْنِهَا فُصُولًا لِإِقَامَتِهَا مَقَامَ الْعِدَّةِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَا فَالْإِثْبَاتُ فِيهِمَا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ لَا بِالنَّصِّ وَدَلَالَتُهُ، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا مَحِلُّ النَّصِّ عَلَى تَعَلُّقِ

هُوَ الطُّهْرُ وَهُوَ مَرْجُوٌّ فِيهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا يُرْجَى مَعَ الْحَبَلِ. (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يَنْعَدِمُ مَشْرُوعِيَّتُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) «لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَازِ الْإِيقَاعِ بِالطُّهْرِ الْحَاصِلِ عَقِيبَ الْحَيْضِ وَهُوَ مَرْجُوٌّ فِي حَقِّهَا كُلُّ لَحْظَةٍ وَلَا يُرْجَى فِي الْحَامِلِ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا رَجَّحَ بِهِ شَارِحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّفْرِيقَ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ إلْغَاءِ كَوْنِهِ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ أَصْلًا بَلْ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ بِالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةُ مَجْمُوعُ الْأَقْرَاءِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ تَفْرِيقَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُتَقَدِّمِ «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقُهَا لِكُلِّ قُرْءٍ» وَأُرِيدَ بِالْقُرْءِ الطُّهْرُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ لُزُومَ التَّفْرِيقِ طَرِيقُهُ أَنَّ مَفْهُومَ طَلِّقُوهُنَّ: أَوْجِدُوا طَلَاقَهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، فَيَسْتَلْزِمُ عُمُومَيْنِ: عُمُومُ طَلَاقِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ مُضَافٍ، وَكَذَا عِدَّتُهُنَّ، فَقَدْ أَحَلَّ جَمِيعَ طَلَاقِهِنَّ وَهُوَ ثَلَاثٌ بِجَمِيعِ عِدَّتِهِنَّ، وَجَمِيعُهُ بِفَمٍ وَاحِدٍ حَرَامٌ، فَكَانَ الْمُرَادُ تَفْرِيقُهُ عَلَى الْأَطْهَارِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ مَا يَسْتَلْزِمُهَا، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ النَّكِرَةِ، فَالْمَعْنَى: أَوْجِدُوا طَلَاقًا عَلَيْهِنَّ لِعِدَّتِهِنَّ: أَيْ لِاسْتِقْبَالِهَا. وَأَيْضًا فَلَفْظُ فُصُولِ الْعِدَّةِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي النُّصُوصِ إنَّمَا سَمَّاهَا بِذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، وَلَا يُعْقَلُ مِنْ مَعْنَاهُ سِوَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا لَهُ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ إلَيْهَا اتَّفَقَ أَنَّهُ ثُلُثُهَا اتِّفَاقًا، وَكُلُّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْحَامِلِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ عِدَّتِهَا كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُتَّفَقْ أَنَّ نِسْبَتَهُ بِالثُّلُثِ، وَعَلَى هَذَا يَقْوَى بَحْثُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الشَّهْرَ مِنْ فُصُولِ عِدَّةِ الْحَامِلِ غَيْرَ أَنَّا لَا نُعَلِّقُ بِهِ إبَاحَةَ الْإِيقَاعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَصْلٌ وَجُزْءٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ زَمَانٌ يَتَجَدَّدُ فِيهِ الرَّغْبَةُ عِنْدَ مَسْبُوقِيَّتِهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الزَّمَانِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ) خِلَافًا لِمَنْ قَدَّمْنَا النَّقْلَ عَنْهُمْ مِنْ الْإِمَامِيَّةِ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ عُلَيَّةَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَهَذَا (لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ) يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ الثَّابِتَ ضِمْنُ الْأَمْرِ: أَيْ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ» وَقَوْلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا: أَيْ مِنْ تَحْرِيمِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ثُمَّ هُوَ بِهَذَا الْإِيقَاعِ عَاصٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِقَوْلِهِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَكَ فَلْيُرَاجِعْهَا» وَقَدْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ. وَهَذَا يُفِيدُ الْوُقُوعَ وَالْحَثَّ عَلَى الرَّجْعَةِ ثُمَّ الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَرَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ. قَالَ (فَإِذَا طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ) ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا. قَالَ: وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «مُرْ ابْنَكَ فَلْيُرَاجِعْهَا» حِينَ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَهَذَا يُفِيدُ الْوُقُوعَ) فَيَنْدَفِعُ بِهِ قَوْلُ نَافِي الْوُقُوعِ (وَالْحَثُّ عَلَى الرَّجْعَةِ وَالِاسْتِحْبَابُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) وَكَأَنَّهُ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ) كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ) فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ أَوْجَدَ الصِّيغَةَ الطَّالِبَةَ عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ الَّذِي مَادَّتُهُ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصِّيغَةِ النَّادِبَةِ وَالْمُوجِبَةِ حَتَّى يَصْدُقَ النَّدْبُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً، فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْوُجُوبُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ مُرْ أَوْجِدْ الصِّيغَةَ الطَّالِبَةَ مُجَرَّدَةً مِنْ الْقَرَائِنِ بَلْ يَتَحَصَّلُ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ يَثْبُتُ كَوْنًا مَطْلُوبًا فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ، وَلِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالِاسْتِحْبَابِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَمُسَمَّى الْأَمْرِ الصِّيغَةُ الْمُوجِبَةُ، كَمَا أَنَّ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُوبُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَادِرَةً عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِيهَا فَهُوَ كَالْمُبَلِّغِ لِلصِّيغَةِ، فَاشْتَمَلَ قَوْلُهُ مُرْ ابْنَك عَلَى وُجُوبَيْنِ: صَرِيحٌ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَأْمُرَ. وَضِمْنِيٌّ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِابْنِهِ عِنْدَ تَوْجِيهِ الصِّيغَةِ إلَيْهِ. وَالْقَائِلُونَ بِالِاسْتِحْبَابِ هَاهُنَا إنَّمَا بَنَوْهُ عَلَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ وَقَعَتْ فَتَعَذَّرَ ارْتِفَاعُهَا فَبَقِيَ مُجَرَّدُ التَّشْبِيهِ بِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ صَارِفًا لِلصِّيغَةِ عَنْ الْوُجُوبِ لِجَوَازِ إيجَابِ رَفْعِ أَثَرِهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ وَتَطْوِيلُهَا، إذْ بَقَاءُ الْأَمْرِ بَقَاءُ مَا هُوَ أَثَرُهُ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ. قِيلَ عَلَيْهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا يَصْلُحُ بَحْثًا يُوجِبُ الْوُجُوبَ، لَكِنْ لَا يُفِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مَعَ أَنَّ مُحَمَّدًا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا قَالَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَمَرْجِعُ هَذَا الْكَلَامِ إلَى إنْكَارِ نَقْلِ الْوُجُوبِ عَنْ الْمَشَايِخِ صَرِيحًا بَلْ ذَلِكَ بَحْثٌ، فَإِذَا تَحَقَّقَ النَّقْلُ انْدَفَعَ. وَقَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ كَذَا فِي عَادَةِ الْمُصَنِّفِينَ نَقْلُ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ لَا تَرْجِيحُ مَذْهَبٍ آخَرَ خَارِجٍ عَنْ الْمَذْهَبِ. وَتَذْكِيرُ ضَمِيرِ أَثَرِهِ مَعَ أَنَّهُ لِلْمَعْصِيَةِ إمَّا لِتَأْوِيلِهَا بِالْعِصْيَانِ أَوْ هُوَ لِلطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ (قَوْلُهُ وَإِذَا طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ، وَهَكَذَا

يَلِي الْحَيْضَةَ الْأُولَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ (مَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا) وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هَاهُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَلَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَيْضِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ فِي الْأَصْلِ. وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ فِيهِ: فَإِذَا طَهُرَتْ فِي حَيْضَةٍ أُخْرَى رَاجَعَهَا. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا وَرَاجَعَهَا فِيهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ: مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. (وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ السُّنَّةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» وَفِي لَفْظٍ «حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا» وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةُ سَالِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ تَفْسِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَقْوَى صِحَّةً. وَظَهَرَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ «يُمْسِكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ» أَنَّ اسْتِحْبَابَ الرَّجْعَةِ أَوْ إيجَابُهَا مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ الْحَيْضِ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذَا تُؤُمِّلَ، فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَهُرَتْ تَقَرَّرَتْ الْمَعْصِيَةُ. وَأَمَّا الْوَجْهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَوَجْهُ الظَّاهِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ بِالْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا تَتَجَزَّأُ: أَيْ لَيْسَ لِجُزْئِهَا عَلَى حِدَتِهِ حُكْمٌ فِي الشَّرْعِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ حَيْضَتَيْنِ حَيْضَةٌ فَوَجَبَ تَكَامُلُهَا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ حَيْضَةٌ إلَّا الثَّانِيَةُ فَلَغَا بَعْضُ الْأُولَى. وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَتَفَرَّعُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ الثَّانِيَةِ لَا يُكْرَهُ إيقَاعُ الثَّالِثَةِ، وَعَلَى هَذَا فَرْعُ مَا لَوْ أَخَذَ يَدَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِلسُّنَّةِ فِي الْحَالِ مُتَتَابِعَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ الْوَقْتُ وَقْتَ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَيَقَعُ الثَّانِي، وَكَذَا الثَّالِثُ، وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لَا يَقَعُ إلَّا الْأُولَى ثُمَّ فِي أَوَّلِ كُلِّ طُهْرٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ تَقَعُ أُخْرَى، فَمَا ذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مِنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لَا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ. هَذَا إذَا وَقَعَتْ الرَّجْعَةُ

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً) ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ وَوَقْتُ السُّنَّةِ طُهْرٌ لَا جِمَاعَ فِيهِ (وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَوْلِ أَوْ بِالْمَسِّ، أَمَّا إذَا وَقَعَتْ بِالْجِمَاعِ وَلَمْ تَحْبَلْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي هَذَا الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ جَامَعَهَا فِيهِ وَإِنْ حَبِلَتْ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ شَهْرٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى سَقَطَتْ وَالطَّلَاقُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فِي الطُّهْرِ إنَّمَا لَا يَحِلُّ لِاشْتِبَاهِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إذَا حَبِلَتْ وَظَهَرَ الْحَبَلُ، هَذَا فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ. فَأَمَّا لَوْ تَخَلَّلَ النِّكَاحُ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَائِنًا؛ فَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الطَّلَاقُ الثَّانِي اتِّفَاقًا، وَقِيلَ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا اتِّفَاقًا. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً) فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَأَظْهَرُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ ثُمَّ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ أُخْرَى، إنْ كَانَ جَامَعَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا بِدْعَةَ عِنْدَهُ وَلَا سُنَّةَ فِي الْعَدَدِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَأْتِي، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَتَقَعُ الثَّانِيَةُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَيْضًا وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ. وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ، فَالْمَعْنَى الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ وَالسُّنَّةُ

لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَهِيَ ضِدُّ السُّنَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ؛ لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَهُ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ وَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَقَعَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى) ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ كَالطُّهْرِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ وَقَعْنَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لَمَا قُلْنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ عَدَدًا وَوَقْتًا فَوَجَبَ جَعْلُ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ لِتَقَعَ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ طُهْرٍ. وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِ اللَّامِ لِلْوَقْتِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ، وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الطَّلَاقِ بِإِحْدَى جِهَتَيْ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ السُّنِّيُّ وَقْتًا، وَحِينَئِذٍ فَمُؤَدَّاهُ ثَلَاثٌ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ، وَيَصْدُقُ بِوُقُوعِهَا جُمْلَةً فِي طُهْرٍ بِلَا جِمَاعٍ، فَإِنَّهُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ امْتَنَعَ تَعْمِيمُ السُّنَّةِ فِي جِهَتَيْهَا، بِخِلَافِ مَا قَرَّرْنَا، وَأَمَّا لَوْ صَرَفَهُ عَنْ هَذَا بِنِيَّتِهِ فَأَرَادَ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ خِلَافًا لِزُفَرَ، قَالَ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ ضِدُّ السُّنَّةِ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِيهِ. قُلْنَا: بَلْ يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا: أَيْ وُقُوعُهُ بِالسُّنَّةِ فَتَصِحُّ إرَادَتُهُ وَتَكُونُ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ لِأَجْلِ السُّنَّةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ وُقُوعَ الثَّلَاثِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالْأَوْقَاتِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْقَاتَ السُّنَّةِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الْجَمْعِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ مَعَ لَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَاللَّامُ تَحْتَمِلُ الْوَقْتَ وَالتَّعْلِيلَ، وَهِيَ فِي مِثْلِهِ لِلْوَقْتِ أَظْهَرُ مِنْهَا لِلتَّعْلِيلِ فَيُصْرَفُ إلَى التَّعْلِيلِ بِالنِّيَّةِ وَإِلَى الْوَقْتِ عِنْدَ عَدَمِهَا، بِخِلَافِ لَفْظِ أَوْقَاتٍ، وَكَذَا إذَا نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ فَهِيَ عَلَى مَا نَوَى، سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ حَائِضًا أَوْ طَاهِرَةً؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ إمَّا أَنْ يَكُونَ زَمَانَ حَيْضِهَا أَوْ طُهْرِهَا؛ فَعَلَى الثَّانِي هُوَ سُنِّيٌّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَعَلَى الْأَوَّلِ سُنِّيٌّ وُقُوعًا، فَنِيَّتُهُ الثَّلَاثَ، عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ قَدْ تَكُونُ حَائِضًا فِيهِ نِيَّةُ الْأَعَمِّ مِنْ السُّنِّيِّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا مَعًا أَوْ أَحَدَهُمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ امْرَأَتُهُ: أَيْ الَّتِي قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ (آيِسَةً أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ) الَّتِي هِيَ فُصُولُ الْعِدَّةِ عِنْدَهُمْ فَيَتَنَاوَلُ الْحَامِلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَقَعَتْ لِلسَّاعَةِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ كُلِّ شَهْرٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا دَلِيلُ الْحَاجَةِ كَالطُّهْرِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ السَّاعَةَ ثَلَاثٌ وَقَعْنَ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِزُفَرَ (لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا فَيَصِحُّ مَنْوِيًّا.

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الثَّلَاثِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ فِي الْحَالِ مُتَتَابِعَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهِ فَكَانَ كُلُّ وَقْتٍ فِي حَقِّهَا وَقْتَ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَمَا وَجَّهْتُمْ بِهِ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الرَّغْبَةَ مُسْتَمِرَّةٌ وَلَوْ عَقِيبَ الْجِمَاعِ يُوجِبُ تَوَالِي الثَّلَاثَ فِي الْوُقُوعِ، كَمَا لَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَالِيَةً؛ لِأَنَّ وَقْتَ كُلٍّ وَاقِعٌ مِنْهَا وَقْتَ السُّنَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَجْهُ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَنْحَصِرَ حِلُّ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِطَلَقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى، وَيَنْعَطِفُ بِهَذَا الْبَحْثِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إلَخْ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ إنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ جَامَعَهَا أَوْ حَائِضًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى تَطْهُرَ فَتَقَعَ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلِاخْتِصَاصِ: أَيْ الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ. وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا مُفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي أَوْقَاتِ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْهَا وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ تَعَدُّدَ الْوَاقِعِ فَيَصِحُّ. وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا جُمْلَةً اُخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَصَاحِبُ الْمُخْتَلِفَاتِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ. وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً كَمَا تَقَعُ مُفَرَّقَةً عَلَى الْأَطْهَارِ؛ لِأَنَّ لِلسُّنَّةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّعْلِيلِ فَيَصِحُّ وُقُوعُهَا كَمَا إذَا صَرَّحَ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ، وَحَقَّقَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالسُّنَّةِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَا عُرِفَ وَبِدْعِيٌّ وَكِلَاهُمَا عُرِفَا بِالسُّنَّةِ وَإِنْ اقْتَرَنَ أَحَدُهُمَا بِالنَّهْيِ فَأَيُّهُمَا نَوَاهُ صَحَّ فَإِذَا نَوَى الْبِدْعِيَّ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ، وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ مَعَ نِيَّةِ الْجُمْلَةِ لَا تَكُونُ اللَّامُ لِلْوَقْتِ مُفِيدَةً لِلْعُمُومِ، وَمَا وَقَعَ الثَّلَاثُ إلَّا عَنْ ضَرُورَةِ تَعْمِيمِهَا بِالْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ طَالِقٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِذَا فُقِدَ تَعْمِيمُ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَبْقَ مَا يَصْلُحُ لِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّةُ جُمْلَتِهَا، وَقَوْلُهُمْ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ مُسْتَحَبٌّ وَبِدْعِيٌّ، فَأَيُّهُمَا نَوَاهُ صَحَّ، إنْ أَرَادُوا أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ صَحَّ مَنَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ طَالِقًا لَا يُرَادُ بِهِ الثَّلَاثُ أَصْلًا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ إيَّاهُ فَلَا يُرَادُ بِهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْدًا مِنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ أَوْ الْمُسْتَحَبِّ صَحَّ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ وُقُوعَ الْكُلِّ، وَلَيْسَ ثَمَّ مُوجِبٌ آخَرُ لِغَرَضِ أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِعُمُومِ الْوَقْتِ لَيْسَ غَيْرُ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مَنْعَ أَنَّ تَعْمِيمَ الْأَوْقَاتِ يَسْتَلْزِمُ تَعْمِيمَ الْوَاقِعِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِمَا سَيُعْرَفُ مِنْ أَنَّهَا بِطَلَاقٍ وَاحِدٍ تَكُونُ طَالِقًا كُلَّ يَوْمٍ، وَكَذَا بِطَلَاقٍ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ السَّنَةِ تَصِيرُ بِهِ طَالِقًا فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهَا الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ تَعْمِيمَ أَوْقَاتِ السَّنَةِ بِالْوُقُوعِ لَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا

وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعْمِيمُ الْوَاقِعِ فِيهِ، فَإِذَا نَوَى الْجَمْعَ بَطَلَ تَعْمِيمُ الْوَقْتِ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً بِلَا نِيَّةٍ. وَلَوْ نَوَى فِيهِ تَجَدُّدَ الْوَاقِعِ فِي الْأَيَّامِ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. نَعَمْ هَذَا يَصْلُحُ إشْكَالًا عَلَى صِحَّةِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُفَرَّقًا عَلَى الْأَيَّامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُورَدَةِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ طَالِقًا لَا يَقْبَلُ التَّعْمِيمَ، وَلِلسُّنَّةِ عَلَى مَا قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ لِوَقْتِهَا فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ، لَكِنْ تَعْمِيمُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعْمِيمَ الْوَاقِعِ فِي الْعَدَدِ بَلْ انْسِحَابُ حُكْمِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ يُوجِبُ أَنَّهَا طَالِقٌ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَفِي كُلِّ الْأَيَّامِ فَلَمْ يُوجِبْ تَعْمِيمَ طَالِقٍ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَحْتَمِلُ حِينَئِذٍ التَّعْمِيمَ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَسَنَذْكُرُ مَا ذَكَرَ مِنْ وَجْهِ تَصْحِيحٍ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فُرُوعٌ] أَلْفَاظُ طَلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى مَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لِلسُّنَّةِ وَفِي السُّنَّةِ وَعَلَى السُّنَّةِ وَطَلَاقُ سُنَّةٍ وَالْعِدَّةُ وَطَلَاقُ عِدَّةٍ وَطَلَاقُ الْعَدْلِ وَطَلَاقًا عَدْلًا وَطَلَاقُ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، وَأَحْسَنُ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلُهُ، أَوْ طَلَاقُ الْحَقِّ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ، كُلُّ هَذِهِ تُحْمَلُ عَلَى أَوْقَاتِ السُّنَّةِ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ. وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ مَعَهُ، فَإِنْ نَوَى طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا، وَإِلَّا وَقَعَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. وَلَوْ قَالَ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ بِهِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ أَوْ طَلَاقَ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ دِينَ، وَفِي الْقَضَاءِ يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ، فَإِذَا خَصَّصَ دِيمَ وَلَا يُسْمَعُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَلَوْ قَالَ عَدْلِيَّةٌ أَوْ سُنِّيَّةٌ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلسُّنَّةِ، وَلَوْ قَالَ حَسَنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ وَقَعَ فِي الْحَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَقَعَ فِي الْحَالِ فِي كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ جَازَ أَنْ تُوصَفَ بِهَا الْمَرْأَةُ فَلَا تُجْعَلُ لِلطَّلَاقِ حَتَّى يَتَأَخَّرَ فَيَقَعَ فِي الْحَالِ، وَاعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ الْغَالِبَ وَبَاقِي هَذَا الْفَصْلِ تَشْبِيهُ الطَّلَاقِ. وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي الْحَالِ يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ،

[فصل ويقع طلاق كل زوج إذا كان عاقلا بالغا]

فَصْلٌ (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» وَلِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ الْمُمَيِّزِ وَهُمَا عَدِيمَا الْعَقْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا الْوَاحِدَةُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الَّذِي فِيهِ جِمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ. [فَصْلٌ وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ) وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ (وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمُ) وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ، قِيلَ هُوَ الْقَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدُ التَّدْبِيرِ لَكِنْ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. وَقِيلَ الْعَاقِلُ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ إلَّا نَادِرًا وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يُحْكَمُ بِالْعَتَهِ عَلَى أَحَدٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمَا قِيلَ مَنْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ غَالِبًا مَعْنَاهُ يَكْثُرُ مِنْهُ. وَقِيلَ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ وَالْمَجْنُونُ بِلَا قَصْدٍ، وَالْعَاقِلُ خِلَافُهُمَا وَقَدْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ أَحْيَانًا. وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَدْهُوشُ كَذَلِكَ، وَهَذَا (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» ) وَاَلَّذِي فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» وَضَعَّفَهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ هُنَا النَّفَاذُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ. لَكِنْ مَعْلُومٌ مِنْ كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَنْفُذُ إلَّا مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَأَدَرْنَاهَا بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ خُصُوصًا مَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ خُصُوصًا مَا لَا يَحِلُّ إلَّا لِانْتِفَاءِ مَصْلَحَةِ ضِدِّهِ الْقَائِمِ كَالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي تَمَامَ الْعَقْلِ لِيُحْكِمَ بِهِ التَّمْيِيزَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَكْفِ عَقْلُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الِاعْتِدَالَ، بِخِلَافِ مَا هُوَ حَسَنٌ لِذَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ حُسْنُهُ السُّقُوطَ وَهُوَ الْإِيمَانُ حَتَّى صَحَّ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَلَوْ فُرِضَ لِبَعْضِ الصِّبْيَانِ الْمُرَاهِقِينَ عَقْلٌ جَيِّدٌ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ صَارَ الْبُلُوغَ

وَالنَّائِمُ عَدِيمُ الِاخْتِيَارِ. (وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُجَامِعُ الِاخْتِيَارَ وَبِهِ يُعْتَبَرُ التَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ، بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ. وَلَنَا أَنَّهُ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَنْكُوحَتِهِ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَعْرَى عَنْ قَضِيَّتِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ اعْتِبَارًا بِالطَّائِعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ وَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَهَذَا آيَةُ الْقَصْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِانْضِبَاطِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، وَكَوْنُ الْبَعْضِ لَهُ ذَلِكَ لَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَظَانِّ الْكُلِّيَّةِ؛ وَبِهَذَا يَبْعُدُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: جَوَازُ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَمُرَادُهُ الْعَاقِلُ، وَمِثْلُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذِهِ النُّقُولِ. (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَبِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا خُلْعُهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُجَامِعُ الِاخْتِيَارَ الَّذِي بِهِ يُعْتَبَرُ التَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ اخْتِيَارًا كَامِلًا فِي السَّبَبِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا فِي نَفْيِ الْحُكْمِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ «حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَأَبِيهِ حِينَ حَلَّفَهُمَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ لَهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ» فَبَيَّنَ أَنَّ الْيَمِينَ طَوْعًا وَكَرْهًا سَوَاءٌ، فَعُلِمَ أَنْ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ عَنْ اخْتِيَارٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مَعَ الرِّضَا وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالْإِكْرَاهِ. وَحَدِيثُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ،

وَالِاخْتِيَارُ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِهِ كَالْهَازِلِ. (وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ) وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ بِالْعَقْلِ وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْحُكْمِ الَّذِي يَعُمُّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا وَأَحْكَامَ الْآخِرَةِ بَلْ إمَّا حُكْمُ الدُّنْيَا وَإِمَّا حُكْمُ الْآخِرَةِ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ الْآخَرُ مَعَهُ وَإِلَّا عُمِّمَ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو الطَّائِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُبْغِضُ زَوْجَهَا فَوَجَدَتْهُ نَائِمًا، فَأَخَذَتْ شَفْرَةً وَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ حَرَّكَتْهُ وَقَالَتْ لَتُطَلِّقَنِّي ثَلَاثًا وَإِلَّا ذَبَحْتُكَ، فَنَاشَدَهَا اللَّهَ فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ مُبْهَمَاتٌ مُقْفَلَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ رَدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالصَّدَقَةُ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْقَائِلُ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُزِيلُ الْخِطَابَ فِيمَا أُكْرِهَ فِيهِ حَتَّى يُبَاحَ مَرَّةً وَيُفْتَرَضَ وَيَحْرُمَ أُخْرَى فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ وَحُرْمَتِهِ بَلْ فِي تَرَتُّبِ حُكْمِ مَا حَلَّ أَوْ وَجَبَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ تَلَفُّظًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّ التَّلَفُّظِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ تَرَتُّبُ حُكْمِهِ إذَا كَانَ مِمَّا يَضُرُّهُ فَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ وَجَمِيعُ مَا يَثْبُتُ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَحْكَامُهُ عَشَرَةُ تَصَرُّفَاتٍ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ، وَالظِّهَارُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ، وَجَمَعْتهَا لِيَسْهُلَ حِفْظُهَا فِي قَوْلِي: يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةٌ ... نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقِي وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ ... وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابَ عَنْهُ مَفَارِقِي وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا فَبِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مَعَهُ. (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ) وَكَذَا عَتَاقُهُ وَخُلْعُهُ، وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي. وَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ قَوْلِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ: يَعْنِي الْمُكْرَهَ وَالسَّكْرَانَ فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ أَوْ ذَكَرَ كِنَايَةً مِنْ الْكِنَايَاتِ

وَلَنَا أَنَّهُ زَالَ (بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ، حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصُدِعَ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ أَنْتِ حُرَّةٌ فَيَجِبُ أَنْ يَصْدُقَ فَيَقَعُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ: السُّكْرُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ بِحَيْثُ يُحَسِّنُ مَا يَسْتَقْبِحُهُ النَّاسُ أَوْ يَسْتَقْبِحُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ النَّاسُ لَكِنَّهُ يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَالٍ بَيْنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. فَقَالَ بِوُقُوعِهِ مِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَطَاوُسٌ وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَزُفَرُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ مُخْتَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ مَشَايِخِنَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ أَقَلَّ مَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ لَفْظِهِ الْقَصْدُ الصَّحِيحُ أَوْ مَظَنَّتُهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ النَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُوقِظَ يَسْتَيْقِظُ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ، وَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ وَهُوَ الْأَفْيُونُ، وَكَوْنُ زَوَالِ عَقْلِهِ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِلَّا صَحَّتْ رِدَّتُهُ وَلَا تَصِحُّ. قُلْنَا لَمَّا خَاطَبَهُ الشَّرْعُ فِي حَالِ سُكْرِهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِحُكْمٍ فَرْعِيٍّ عَرَفْنَا أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ كَقَائِمِ الْعَقْلِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، وَعَقَلْنَا أَنَّ ذَلِكَ يُنَاسِبُ كَوْنَهُ تَسَبَّبَ فِي زَوَالِ عَقْلِهِ بِسَبَبِ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ فَأَدَرْنَا عَلَيْهِ وَاعْتَبَرْنَا أَقْوَالَهُ، وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ فَتَاوَى مَشَايِخِ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِأَكْلِ الْحَشِيشِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَرَقِ الْقِنَّبِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ بَعْدَ أَنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَأَفْتَى الْمُزَنِيّ بِحُرْمَتِهَا، وَأَفْتَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو بِحِلِّهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ لِعَدَمِ ظُهُورِ شَأْنِهَا فِيهِمْ، فَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْرِهَا مِنْ الْفَسَادِ كَثِيرًا وَفَشَا عَادَ مَشَايِخُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْهَبَيْنِ إلَى تَحْرِيمِهَا وَأَفْتَوْا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِمَّنْ زَالَ عَقْلُهُ بِهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ يُمَيِّزُ بِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى آخِرِهِ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيهِ بِمَعْنَى عَكْسِ الِاسْتِحْسَانِ وَالِاسْتِقْبَاحِ مَعَ تَمْيِيزِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْعَجَبُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ أَنَّ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُتَّجَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ، أَمَّا ذَلِكَ الْخِطَابُ فَقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] . لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خِطَابًا لَهُ حَالَ سُكْرِهِ فَنَصٌّ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ سُكْرِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا فِي حَالِ سُكْرِهِ، إذْ لَا يُقَالُ إذَا جُنِنْت فَلَا تَفْعَلْ كَذَا، وَبِدَلَالَاتِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُلْحِقَ بِالصَّاحِي فِيمَا لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ حَتَّى حُدَّ وَقُتِلَ إذَا قَذَفَ وَقَتَلَ فَلَأَنْ يَلْحَقَ بِهِ فِيمَا يَثْبُتُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ يُوجِبُهُ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ عَقِيبَهُ، وَعَدَمُ صِحَّةِ رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ النَّصِّ مَا اعْتَبَرَ عَقْلَهُ بَاقِيًا إلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ، فَلَوْ أَثْبَتْنَاهُ فِي أَصْلِ الدِّينِ كَانَ بِالْقِيَاسِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يُوجِبُ إكْفَارُهُ التَّشْدِيدَ فِيمَا يُوجِبُهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِكْفَارَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ إنَّمَا يَكُونُ احْتِيَاطًا، وَلَا يُحْتَاطُ فِي الْإِكْفَارِ بَلْ يُحْتَاطُ فِي عَدَمِهِ؛ وَلِأَنَّ رُكْنَهَا الِاعْتِقَادُ وَهُوَ مُنْتَفٍ. لَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَدَمُ إكْفَارِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَعْتَقِدُ مَا قَالَهُ مِنْ الْكُفْرِ هَزْلًا وَالْوَاقِعُ إكْفَارُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إكْفَارُهُ بِالِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ وَالِاسْتِخْفَافُ بِالدِّينِ كُفْرٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي السَّكْرَانِ؛ لِأَنَّ زَائِلَ الْعَقْلِ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِشَيْءٍ، وَفِي جُمَلِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ عَقْلِهِ لِلزَّجْرِ وَالْحَاجَةُ إلَى الزَّجْرِ فِيمَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَالرِّدَّةُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهَا؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ زَوَالِ الْعَقْلِ تَقْتَضِي بَقَاءَ الْإِسْلَامِ وَجِهَةَ بَقَائِهِ زَوَالُهُ فَتُرَجَّحُ جِهَةُ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَعَدَمُ الْوُقُوعِ بِالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ لِعَدَمِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتَّدَاوِي غَالِبًا فَلَا يَكُونُ زَوَالُ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّدَاوِي بَلْ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَةِ قَصْدًا يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ يَقَعُ. فَإِنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ التِّرْمِذِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ عَنْ رَجُلٍ شَرِبَ الْبَنْجَ فَارْتَفَعَ إلَى رَأْسِهِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَالَا: إنْ كَانَ حِينَ شَرِبَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَا هُوَ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ تَطْلُقْ مَعْلُومٌ أَنَّ الضَّرُورَةَ مُبِيحَةٌ، فَكَانَ مَحْمَلُ هَذَا مَا قُلْنَا، وَعَنْ ذَلِكَ قُلْنَا: إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَصُدِعَ فَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ فَطَلَّقَ لَا يَقَعُ، وَالْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَالشُّرْبِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْعِلَّةِ: أَعْنِي الصُّدَاعَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ أَثَرَهَا لَا يَصِلُ إلَى الْمَعْلُولِ الْأَخِيرِ، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا فَالشُّرْبُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلصُّدَاعِ بَلْ يَثْبُتُ الصُّدَاعُ اتِّفَاقًا عِنْدَ اسْتِعْدَادِ الطَّبِيعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَصَارَ الشُّرْبُ الَّذِي وُجِدَ عَنْهُ الصُّدَاعُ الَّذِي عَنْهُ زَوَالُ الْعَقْلِ كَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لِلْمَعْصِيَةِ لَمْ يُوجِبْ التَّشْدِيدَ بَلْ يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ فَلَمْ يُضَفْ زَوَالُ الْعَقْلِ إلَيْهِ لِيُثْبَتَ التَّشْدِيدُ بِخِلَافِ الشُّرْبِ الَّذِي لَمْ يَحْدُثْ عَنْهُ صُدَاعٌ مُزِيلٌ لِلْعَقْلِ بَلْ زَالَ بِهِ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّشْدِيدُ لِإِضَافَةِ زَوَالِ الْعَقْلِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَعْصِيَةُ. وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ ثُمَّ سَكِرَ لَا يَقَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ عِنْدَ كَمَالِ التَّلَذُّذِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مُكْرَهًا، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُقُوعِ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبُ فِي زَوَالِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّكْرَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ اُضْطُرَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْهَا مُخْتَارًا

(وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ وَاقِعٌ بِالْإِشَارَةِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَعْهُودَةً فَأُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَسَتَأْتِيكَ وُجُوهُهُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاُعْتُبِرَتْ عِبَارَاتُهُ. وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ وَاقِعٌ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَفْهُومَةً فَكَانَتْ كَالْعِبَارَةِ) فِي الدَّلَالَةِ اسْتِحْسَانًا فَيَصِحُّ بِهَا نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْهُ ذَلِكَ أَدَّى إلَى مَوْتِهِ جُوعًا وَعَطَشًا وَعُرْيًا، ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهَا مِنْهُ فِي الْعِبَادَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ كَانَ صَحِيحًا مُعْتَبَرًا فَكَذَا فِي الْمُعَامَلَاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِشَارَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِمَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِشَارَةِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِشَارَةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُهُ الْإِشَارَةُ الْمَقْرُونَةُ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْهُ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَخْرَسُ وَيَتَّصِلُ بِمَا ذَكَرْنَا كِتَابَةُ الطَّلَاقِ، وَالْأَخْرَسُ فِيهَا كَالصَّحِيحِ، فَإِذَا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ يَكْتُبُ جَازَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْكَلَامِ قَادِرٌ عَلَى الْكِتَابِ، فَهُوَ وَالصَّحِيحُ فِي الْكِتَابِ سَوَاءٌ، وَسَنُفَصِّلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْصُولًا بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ) فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَهِيَ حُرَّةٌ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا وَهِيَ أَمَةٌ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا بِثَلَاثٍ. وَنُقِلَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ لَهُ: أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثَلَاثًا كَيْفَ يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ؟ قَالَ: يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ أَوْقَعَ أُخْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ لَهُ حَسْبُك. قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ، وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» قَابَلَ بَيْنَهُمَا، وَاعْتِبَارُ الْعِدَّةِ بِالنِّسَاءِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَكَذَا مَا قُوبِلَ بِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ أَنْسَبُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِيقَاعُ بِالرِّجَالِ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ «أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا، وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عَبْدًا لَهَا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا فَقَالَا حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ» (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ الثَّابِتُ، بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ وَمَا مَهَّدَ مِنْ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَوْ حُسْنِهِ وَلَا وُجِدَ لَهُ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقٍ يُعْرَفُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَعَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ لَا يَرَى تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ، وَالْإِلْزَامُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ نَقْضُ مَذْهَبِ الْخَصْمِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ الْمُلْزَمُ صَحِيحًا، وَلَا يَكُونُ نَقْضُ مَذْهَبِ خَصْمِهِ فَقَطْ يُوجِبُ صِحَّةَ مَذْهَبِ نَفْسِهِ إلَّا بِطَرِيقِ عَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا إذَا كَانَ مَا نَقَضَ بِهِ مِمَّا يَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَهُ فِي مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ، فَهُوَ فِي مَذْهَبِهِ وَفِي مُعْتَقَدِهِ غَيْرُ مَنْقُوضٍ فَلَمْ يَثْبُتْ لِمَذْهَبِهِ دَلِيلٌ يُقَاوِمُ مَا رَوَيْنَا. فَإِنْ قُلْت: قَدْ ضُعِّفَ أَيْضًا مَا رَوَيْتُمْ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُظَاهِرٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ. قُلْنَا: أَوَّلًا تَضْعِيفُ بَعْضِهِمْ لَيْسَ كَعَدَمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا هُوَ فِيمَا رَوَيْتُمْ، وَثَانِيًا بِأَنَّ ذَلِكَ التَّضْعِيفَ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ عَدِيٍّ أَخْرَجَ لَهُ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ آخَرِ آلِ عِمْرَانَ» وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي حَاتِمٍ وَالْبُخَارِيِّ تَضْعِيفَهُ لَكِنْ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ حَدِيثَهُ هَذَا عَنْهُ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَمُظَاهِرٌ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي مَشَايِخِنَا بِجَرْحٍ، فَإِذَنْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ صَحِيحًا كَانَ حَسَنًا، وَمِمَّا يُصَحِّحُ الْحَدِيثَ أَيْضًا عَمَلُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وَفْقِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِيبَ رِوَايَتِهِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ: قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ: عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالَ مَالِكٌ: شُهْرَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَدِينَةِ تُغْنِي عَنْ صِحَّةِ سَنَدِهِ

وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا، وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعَمِ إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْإِيقَاعَ بِالرِّجَالِ. (وَإِذَا) (تَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَةً) بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَطَلَّقَهَا (وَقَعَ طَلَاقُهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ الْإِسْقَاطُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ) تَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ، وَلِذَا اتَّسَعَ حِلُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ زِيَادَةِ فَضْلِهِ (وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ) فِي الشَّرْعِ كَمَا عُرِفَ (إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ) يَعْنِي يَلْزَمُ لِتَنْصِيفِ النِّعْمَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَرَّةً وَنِصْفًا عَقِيبَ طَلَاقِهِ إيَّاهَا، لَكِنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَمُلَتْ كَالطَّلْقَةِ وَالْحَيْضَةِ فِي حَقِّهَا، ثُمَّ لَوْ تَمَّ أَمْرُ مَا رَوَاهُ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ قِيَامَ الطَّلَاقِ بِالرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ احْتِمَالًا لِلَّفْظِ مُسَاوِيًا لَتَأَيَّدَ بِمَا رَوَيْنَاهُ فَكَيْفَ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِمْ الْمِلْكُ بِالرِّجَالِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ امْرَأَةً وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ فِيهَا مُبْقِي عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي ابْتِدَاءِ تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ إلَى إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ بِلَا مَالٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ، وَالْبَقَاءُ فِي حَقِّ النَّفَقَةِ وَتَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالْعَبْدِ يَقَعُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ بِحَيْثُ تُؤْخَذُ هِيَ فِيهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالْمَوْلَى فَيُتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَالْتِزَامِهِ إيَّاهُ، فَإِذَا الْتَزَمَهُ حَتَّى ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ كَانَ إلَيْهِ دَفْعُهُ لَا إلَى غَيْرِهِ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، فَصَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ] الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَالٍ لَا يَنْعَزِلُ بِطَلَاقِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا يَنْعَزِلُ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْوَكِيلِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَقَعَ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[باب إيقاع الطلاق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ (الطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ. فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ فَكَانَ صَرِيحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ] (بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ) مَا تَقَدَّمَ كَانَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَأَقْسَامِهِ الْأَوَّلِيَّةِ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ وَإِعْطَاءً لِبَعْضِ أَحْكَامِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ، وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتٍ لِتِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ، فَإِنَّ الْمُورَدَ فِيهِ خُصُوصُ أَلْفَاظٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ لِإِعْطَاءِ أَحْكَامِهَا هَكَذَا أَوْ مُضَافَةٌ إلَى بَعْضِ الْمَرْأَةِ وَإِعْطَاءُ حُكْمِ الْكُلِّيِّ وَتَصْوِيرُهُ قَبْلَ الْجُزْئِيِّ مُنْزَلٌ مَنْزِلَةَ تَفْصِيلٍ يُعْقِبُ إجْمَالًا، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ مَا بِهِ الْإِيقَاعُ وَالْوُقُوعُ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي لَا تَحَقُّقَ لَهُ خَارِجًا (قَوْلُهُ فَالصَّرِيحُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ) ظَاهِرُ الْحَمْلِ يُفِيدُ أَنْ لَا صَرِيحَ سِوَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، فَسَيَذْكُرُ مِنْهُ التَّطْلِيقَ بِالْمَصْدَرِ، وَلَفْظُ الْكَنْزِ: كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك أَحْسَنُ لِإِشْعَارِ الْكَافِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ ضَبْطُ الصَّرِيحِ بِأَنَّهُ مَا اجْتَمَعَ بِهِ (طَ لَ قَ) بِصِيغَةِ التَّفْصِيلِ لَا الْأَفْعَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوُقُوعُ بِالْمَصْدَرِ لِتَأَوُّلِهِ بِطَالِقٍ. (قَوْلُهُ فَكَانَ صَرِيحًا) فَإِنَّ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا صَرِيحٌ، فَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فَأَوْلَى بِالصَّرَاحَةِ فَلِذَا رَتَّبَ الصَّرَاحَةَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِقَوْلِهِ فَكَانَ صَرِيحًا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ افْتِقَارِهَا إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَدَافُعًا لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ

وَأَنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْغَلَبَةِ هُنَا هُوَ مَا وَصَفَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِي غَيْرِهِ، وَالْغَلَبَةُ فِي مَفْهُومِهَا الِاسْتِعْمَالُ فِي الْغَيْرِ قَلِيلًا لِلتَّقَابُلِ بَيْنَ الْغَلَبَةِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّرِيحِ لَفْظَيْ التَّسْرِيحِ وَالْفِرَاقِ لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ لِلطَّلَاقِ كَثِيرًا. قُلْنَا: الْمُعْتَبَرُ تَعَارُفُهُمَا فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ فِي الطَّلَاقِ لَا اسْتِعْمَالُهُمَا شَرْعًا مُرَادًا هُوَ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ) ذَكَرَ لِلصَّرِيحِ حُكْمَيْنِ: كَوْنُهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَعَدَمُ احْتِيَاجَةِ إلَى نِيَّةٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَعْرِصْ عَارِضُ تَسْمِيَةِ مَالٍ أَوْ ذِكْرُ وَصْفٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَقَدْ يُقَالُ الصَّرِيحُ هُوَ الْمُقْتَصَرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَيْدِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] بَعْدَ صَرِيحِ طَلَاقِهِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] فَعُلِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ يَسْتَعْقِبُهَا لِلْإِجْمَاعِ. عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُعُولَةِ فِي الْآيَةِ الْمُطَلِّقُونَ صَرِيحًا كَانَ أَوْ مَجَازًا غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا بَعْلًا حَقِيقَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ سَمَّاهُ بَعْلًا فَعُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُبْطِلُ الزَّوْجِيَّةَ، ثُمَّ إيرَادُ أَنَّ حَقِيقَةَ الرَّدِّ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَلَا يَكُونُ زَوْجًا إلَّا مَجَازًا، وَجَعَلَهُ حَقِيقَةً يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّجَوُّزِ بِلَفْظِ الرَّدِّ وَلَيْسَ هُوَ بِأَوْلَى مِنْ قَلْبِهِ. ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَنْعِ تَصَوُّرِ كَوْنِ الرَّدِّ حَقِيقَةً بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ. بَلْ قَدْ يُقَالُ أَيْضًا بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ زَوَالِهِ مُعَلَّقًا بِمُتَعَلِّقِ الْمِلْكِ عَلَى مَعْنَى مَنْعِ السَّبَبِ مِنْ تَأْثِيرِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ كَقَوْلِنَا رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: رَدَّ الْمَبِيعَ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِفَسْخِ السَّبَبِ فِي الْحَالِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، كَمَا يُقَالُ مُتَعَلِّقًا بِهِ بَعْدَ تَأْثِيرِ السَّبَبِ كَمَا فِي رَدِّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ: يَعْنِي إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ الزَّائِلِ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِ بَحْثٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ فِي الْأَوَّلِ حَقِيقَةً مِمَّا يَمْنَعُهُ الْخَصْمُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَإِنَّهُ أَعْقَبَهُ الرَّجْعَةَ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ بِالْإِمْسَاكِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ لَا إعَادَةُ الزَّائِلِ، فَدَلَّ عَلَى إبْقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ الرَّجْعِيِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الْآخَرُ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَنُقِلَ فِيهِ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ. إلَّا دَاوُد فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ النِّكَاحِ، قُلْنَا: هَذَا احْتِمَالٌ يَعْزُبُ إخْطَارُهُ عِنْدَ خِطَابِ الْمَرْأَةِ بِهِ عَنْ النَّفْسِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَصَارَ اللَّفْظُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْنَى. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَنَوَى أَمْ لَا؟ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ كَالْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَرَائِنَ إرَادَةِ الْإِيقَاعِ قَائِمَةٌ فِيمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ الِاعْتِزَالِ وَالتَّرْكِ لَهَا حَتَّى فُهِمَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَدَلَالَةُ إطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وَنَحْوِهِ اعْتِبَارُ عَدَمِ النِّيَّةِ أَبْعَدَ، ثُمَّ قَوْلُنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا يَقَعُ لَا أَنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ نَوَى شَيْئًا آخَرَ، لِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا عَنْ الْعَمَلِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِالْخِطَابِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَائِبَةِ كَمَا يُفِيدُهُ فُرُوعٌ: هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَيَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَنْوِي طَلَاقًا لَا تَطْلُقُ، وَفِي مُتَعَلِّمٍ يَكْتُبُ نَاقِلًا مِنْ كِتَابِ رَجُلٍ قَالَ: ثُمَّ وَقَفَ وَكَتَبَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَكَلَّمَا كَتَبَ قَرَنَ الْكِتَابَةَ بِالتَّلَفُّظِ بِقَصْدِ الْحِكَايَةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ تَعَلَّمْت ذِكْرًا بِالْفَارِسِيَّةِ فَقُولُوهُ مَعِي فَقَالَ: رَنِ مِنْ بَسّه طَلَاق فَقَالُوهُ لَمْ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِالْحُرْمَةِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ ذِكْرًا وَاعْتَقَدُوهُ شَيْئًا آخَرَ، كَذَا نُقِلَ مِنْ فَتَاوَى الْمَنْصُورِيِّ. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ تَعْرِفْ مَعْنَاهُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ النِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ،

(وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْخِلَافِ فِي الْوُقُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الذِّكْرِ، وَفِيهَا فِي الْجِنْسِ الْأَوَّلِ مِنْ مُقَدَّمَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ طَلَاقُ الْهَازِلِ وَطَلَاقُ الرَّجُلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَاقِعٌ. وَفِي النَّسَفِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِيهِمَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا: قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اقْرَأْ عَلَيَّ اعْتَدِّي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفَعَلَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَنْوِ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي الْمَنْصُورِيِّ، وَيُخَالِفُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ آنِفًا مِنْ مَسْأَلَةِ التَّلْقِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَقَعَ بِلَا قَصْدٍ لَفْظُ الطَّلَاقِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَاقِعٌ: أَيْ فِي الْقَضَاءِ، وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ، بِخِلَافِ الْهَازِلِ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقَّ التَّغْلِيظُ، وَسَيَذْكُرُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ الْوِثَاقِ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ أَصَرْحُ صَرِيحٍ فِي الْبَابِ ثُمَّ لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ: يَعْنِي اللَّفْظَ بَعْدَ الْقَصْدِ إلَى اللَّفْظِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السَّبَبَ عَالَمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ رَتَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ. وَأَمَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالِمٌ بِحُكْمِهِ فَإِلْغَاؤُهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ، فَرُفِعَ حُكْمُهُ الدُّنْيَوِيُّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ، فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ، وَكَيْفَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعَلِيمِ وَهُوَ الْقَاضِي. وَفِي الْحَاوِي مَعْزُوًّا إلَى الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنَّ أَسَدًا سَأَلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ: تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّاهَا، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، أَمَّا الَّتِي سَمَّاهَا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَهَذَا صَرِيحٌ. وَأَمَّا مَا رَوَى عَنْهُمَا نُصَيْرٌ مِنْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ يَقَعُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ) أَيْ بِالصَّرِيحِ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَتَلْغُو نِيَّتُهُ

لِأَنَّهُ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ. وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ لِلتَّخْلِيصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ قَصَدَ بِاللَّفْظِ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) عِنْدَ وُجُودِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ (فَيُرَدُّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَ الشَّرْعَ كَمَا رَدَّ إرْثَ الْوَارِثِ بِالْقَتْلِ لِاسْتِعْجَالِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ) أَيْ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ (عَنْ وِثَاقٍ لَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا. وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ (وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِالْعَمَلِ فَلَا يَكُونُ مُحْتَمِلَ اللَّفْظِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخَلُّصِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ مُتَخَلِّصَةٌ عَنْ الْعَمَلِ، وَلَوْ صَرَّحَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُظَنُّ أَنَّهُ طَلَّقَ ثُمَّ وَصَلَ

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظَ الْعَمَلِ اسْتِدْرَاكًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ لَفْظَ الْوِثَاقِ حَيْثُ يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ قَلِيلًا، وَكُلُّ مَا لَا يَدِينُهُ الْقَاضِي إذَا سَمِعَتْهُ مِنْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ شَهِدَ بِهِ عِنْدَهَا عَدْلٌ لَا يَسَعُهَا أَنْ تَدِينَهُ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي لَا تَعْرِفُ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا) أَيْ لَفْظَةَ مُطْلَقَةٍ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ: أَيْ فِي الطَّلَاقِ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ عُرْفًا بَلْ فِي الِانْطِلَاقِ عَنْ الْقَيْدِ الْحِسِّيِّ فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِيهِ فَيَتَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ. [فُرُوعٌ] لَوْ قَالَ لَهَا: يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ أَوْ يَا طَالِقُ وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت الشَّتْمَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ النِّدَاءَ اسْتِحْضَارٌ بِالْوَصْفِ الَّذِي تَضْمَنَّهُ اللَّفْظُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا ابْنِي لِعَبْدِهِ. وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلُ فَقَالَ: أَرَدْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ صُدِّقَ دِيَانَةً بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَقَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا فِي الْعِتْقِ لَوْ سَمَّاهَا طَالِقًا، ثُمَّ نَادَاهَا بِهِ لَا تَطْلُقُ. وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا: سَمِّنِي فَسَمَّاهَا الطَّيِّبَةَ فَقَالَتْ: مَا قُلْتَ شَيْئًا فَقَالَ: هَاتِ مَا أُسَمِّيك بِهِ فَقَالَتْ: سَمِّنِي خَلِيَّةٌ طَالِقٌ قَالَ: فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ فَجَاءَتْ إلَى عُمَرَ فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ الْقِصَّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا وَقَالَ لَهُ: خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجَعَ رَأْسَهَا، وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك أَمْسِ وَهُوَ كَاذِبٌ كَانَ طَلَاقًا فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْسِبْهَا أَوْ نَسَبَهَا إلَى أَبِيهَا أَوْ أُمِّهَا أَوْ أُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا وَامْرَأَتِهِ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ فَقَالَ: عَنَيْت أُخْرَى أَجْنَبِيَّةً لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ مِنْ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعْطَاءُ وَيَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْهِ هَذَا الْمَالُ لَا مَا هُوَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي عَنَيْت امْرَأَتِي وَصَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي إبْطَالِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمَعْرُوفَةِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى نِكَاحِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمَا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ تُصَدِّقَهُ الْمَرْأَةُ الْمَعْرُوفَةُ، كَذَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ. وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ وَسَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لِدَائِنِهِ فَقَالَ: إنْ خَرَجْت مِنْ الْبَلْدَةِ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَك حَقَّك فَامْرَأَتِي فُلَانَةُ طَالِقٌ وَاسْمُ امْرَأَتِهِ غَيْرُهُ لَا تَطْلُقُ إذَا خَرَجَ قَبْلَهُ. وَلَوْ قَالَ لِإِحْدَى نِسَائِهِ: يَا زَيْنَبُ فَأَجَابَتْهُ زَوْجَتُهُ عَمْرَةُ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُجِيبَةُ. وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت زَيْنَبَ طَلُقَتَا هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ وَتِلْكَ بِالْإِقْرَارِ. هَذَا فِي الْقَضَاءِ. أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الَّتِي قَصَدَهَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ زَيْنَبُ فَقَالَتْ: عَمْرَةُ: نَعَمْ فَقَالَ: إذَنْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ. وَلَوْ قَالَ: عَلَيْك الطَّلَاقُ أَوْ لَك اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ. وَلَوْ قَالَ: قُولِي أَنَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَقُولَهَا. وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ اسْمُهُمَا وَاحِدٌ وَنِكَاحُ إحْدَاهُمَا فَاسِدٌ فَقَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ وَقَالَ: عَنَيْتُ الَّتِي نِكَاحُهَا فَاسِدٌ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: إحْدَاكُمَا أَوْ إحْدَى امْرَأَتَيَّ طَالِقٌ، وَيَقَعُ أَيْضًا بِالتَّهَجِّي كَأَنْتِ ط ال قِ، وَكَذَا لَوْ لَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتَهَا فَقَالَ: ن ع م إذَا نَوَى صَرَّحَ بِقَيْدِ النِّيَّةِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَقَع بِأُطَلِّقُك إلَّا إذَا غَلَبَ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَتْ أَنْتَ طَالِقٌ فَقَالَ: نَعَمْ طَلُقَتْ. وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي جَوَابِ طَلَّقَنِي لَا تَطْلُقُ وَإِنْ نَوَى. وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَسْتَ طَلَّقْتَهَا فَقَالَ: بَلَى طَلُقَتْ أَوْ نَعَمْ لَا تَطْلُقُ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُفَرِّقُونَ بَلْ يَفْهَمُونَ مِنْهُمَا إيجَابَ الْمَنْفِيِّ وَلَوْ قَالَ: خُذِي طَلَاقَك فَقَالَتْ: أَخَذْتُ اُخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَصُحِّحَ الْوُقُوعُ بِلَا اشْتِرَاطِهَا، وَيَقَعُ بِطَلَّقَكِ اللَّهُ أَطْلَقَهَا فِي النَّوَازِلِ مَرَّةً ثُمَّ أَعَادَهَا وَشَرَحَ النِّيَّةَ وَهُوَ الْحَقُّ،. وَأَمَّا الْمُصَحَّفُ فَهُوَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ: تَلَاقٌ، وَتَلَاغٌ،

قَالَ (وَلَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ، فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالَمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطَلَاغٌ، وَطَلَاكٌ، وَتَلَاكٌ. وَيَقَعُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ قَالَ: امْرَأَتِي تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ هَذَا وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً، وَكَانَ ابْنُ الْفَضْلِ يُفَرِّقُ أَوَّلًا بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى هَذَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَلَوْ قَالَ: نِسَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا أَوْ الرَّيِّ طَوَالِقُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ إلَّا إنْ نَوَاهَا، رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ لَفْظِ جَمِيعٍ وَعَدَمِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي نِسَاءِ أَهْلِ السِّكَّةِ أَوْ الدَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَنِسَاءِ هَذَا الْبَيْتِ وَهِيَ فِيهِ تَطْلُقُ. وَنِسَاءِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ مِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهَا بِالدَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقهَا بِالْمِصْرِ. وَلَوْ قَالَ: طَلَّاقُك عَلَيَّ لَا يَقَعُ، وَلَوْ زَادَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ قِيلَ تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً نَوَى أَوْ لَا، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى، وَقِيلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ، وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَقَعُ فِي وَاجِبٍ وَيَقَع فِي لَازِمٍ، وَقِيلَ: بَلْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى نِيَّتِهِ، وَقِيلَ يَقَعُ فِي وَاجِبٍ لِلتَّعَارُفِ بِهِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ ثَابِتًا بَلْ حُكْمَهُ، وَحُكْمُهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتَاقِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهُ اقْتِضَاءً، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ عُرْفٌ فَاشٍ فَيَصِيرَ صَرِيحًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِهِ عَنْهُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ قَصَدَهُ وَقَعَ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ بِمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَهُ لَا أَنِّي فَعَلْتُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ أُطَلِّقَك، وَقَدْ تُعُورِفَ فِي عُرْفِنَا فِي الْحَلِفِ الطَّلَاقَ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا: يُرِيدُ إنْ فَعَلْتُهُ لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ، فَيَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَا تَعَارَفَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ الْحَلِفَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقِ لَا أَفْعَلُ، وَلَوْ قَالَ: طَالِ بِلَا قَافٍ يَقَعُ، قِيلَ: لِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ وَهُوَ غَلَطٌ، إذْ التَّرْخِيمُ اخْتِيَارًا فِي النِّدَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ إنَّمَا يَقَعُ اضْطِرَارًا فِي الشِّعْرِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ بِثَلَاثٍ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ إنْ نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَإِلَّا صُدِّقَ، وَمِثْلُهُ بِالْفَارِسَةِ توبسه عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى خِلَافًا لِلصَّفَّارِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ أَطَلْقُ مِنْ فُلَانَةَ وَفُلَانَةُ مُطَلَّقَةٌ أَوْ غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ، فَإِنْ عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَالْمَعْنَى عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً لِأَجْلِ فُلَانَةَ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ صَرِيحًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ لَهُ مَثَلًا: فُلَانٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَقَالَ: لَهَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ أَزَنَى مِنْ فُلَانَةَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُونِي طَالِقًا أَوْ اطَّلِقِي يَقَعُ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُونِي لَيْسَ أَمْرًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ تَصَوُّرِ كَوْنِهَا طَالِقًا مِنْهَا بَلْ عِبَارَةً عَنْ إثْبَاتِ كَوْنِهَا طَالِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117] لَيْسَ أَمْرًا بَلْ كِنَايَةً عَنْ التَّكْوِينِ وَكَيْنُونَتُهَا طَالِقًا يَقْتَضِي إيقَاعًا قَبْلُ فَيَتَضَمَّنَ إيقَاعًا سَابِقًا، وَكَذَا قَوْلُهُ اطَّلِقِي وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِلْأَمَةِ: كُونِي حُرَّةً. (قَوْلُهُ وَلَا يَقَعُ بِهِ) أَيْ بِالصَّرِيحِ الْمُقَيَّدِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنْتِ طَالِقٌ مُطَلَّقَةٌ طَلَّقْتُك لَا تَطْلُقُ (إلَّا وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) لَا الصَّرِيحُ مُطْلَقًا لِأَنَّ مِنْهُ الْمَصْدَرَ وَبِهِ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالنِّيَّةِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ مَا نَوَى) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ

وَلِهَذَا يَصِحُّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ فَيَكُونَ نَصَبًا عَلَى التَّمْيِيزِ. وَلَنَا أَنَّهُ نَعْتٌ فَرْدٌ حَتَّى قِيلَ لِلْمُثَنَّى طَالِقَانِ وَلِلثَّلَاثِ طَوَالِقُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ، وَذِكْرُ الطَّالِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَزُفَرَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ نَوَى مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ، فَإِنْ ذَكَرَ الطَّالِقُ ذِكْرَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَالْفِعْلِ جُزْءُ مَفْهُومِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ اتِّفَاقًا (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ ذِكْرَهُ ذِكْرَ الطَّلَاقِ الْمُحْتَمِلِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (صَحَّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ تَفْسِيرًا حَتَّى يُنْصَبَ عَلَى التَّمْيِيزِ) وَحَاصِلُ التَّمْيِيزِ لَيْسَ إلَّا تَعْيِينَ أَحَدِ مُحْتَمَلَاتٍ لِلَّفْظِ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيثُ «رُكَانَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ، قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَأَيْضًا إذَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَهُوَ كِنَايَةٌ فَفِي الصَّرِيحِ الْأَقْوَى أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَعْتٌ فَرْدٌ) قِيلَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي الْمَرْأَةِ الْمَوْصُوفَةِ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ عَلَى مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى قِيلَ لِلْمُثَنَّى طَالِقَانِ وَالثَّلَاثِ طَوَالِقُ بَلْ فِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي تَضْمَنَّهُ وَوَحْدَتُهُ لَا تَمْنَعُ احْتِمَالَ الْعَدَدِ بِجِنْسِيَّتِهِ. وَتَحْرِيرُ التَّقْرِيرِ أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا أُرِيدَ مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ كَانَ مَعْنَاهُ لُغَةً وَصْفَهَا بِانْطِلَاقِهَا مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِهِ فَصِدْقُهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّطْلِيقِ، وَالْمُتَيَقَّنُ أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ مُطَلِّقًا عِنْدَ هَذَا الْكَلَامِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَهُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ إذْ الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِهَا وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ لِذَلِكَ أَوْ نَقَلَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبِ نَقْلٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ جَعْلَهُ مُوقِعًا لَا يَسْتَلْزِمُ نَقْلَهُ لِأَنَّ بِإِثْبَاتِهِ اقْتِضَاءً يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَيُعْتَرَضُ بِالْقَطْعِ بِتَخَلُّفِ لَازِمِ الْإِخْبَارِ، إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ قَطُّ احْتِمَالُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَزِمَ تَحَقُّقُ النَّقْلِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إنَّهُ إخْبَارٌ مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ، بَلْ هُوَ إنْشَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَا قُلْنَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بَعْدَ التَّسْلِيمِ الْمَعْلُومِ مِنْ الشَّرْعِ جَعْلُهُ مُوقِعًا وَاحِدَةً فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا نَقَلَهُ إلَى إنْشَاءِ إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَجَعْلُهُ مُوقِعًا بِهِ مَا شَاءَ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُنْقَلَ أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ وَلَيْسَ فَلَا يُرَادُ بِهِ وَمُلَاحَظَةُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمَصْدَرِ كَمَا ذَكَرْتُمْ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ وَنَقْلُهُ إلَى الْإِنْشَاءِ يُبَايِنُهُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ اللَّفْظَ عِلَّةً لِدُخُولِ الْمَعْنَى الْخَاصِّ فِي الْوُجُودِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَاهُ لُغَةً، عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ هُوَ الِانْطِلَاقُ الَّذِي هُوَ وَصْفُهَا، وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّدُ أَصْلًا بَلْ يَخْتَلِفُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَبَيْنَ مَا يَعْقُبُهُ الرَّجْعَةُ شَرْعًا وَمَا لَا لَا فِي الْكَمِّيَّةِ وَحِينَئِذٍ يَتَّفِقُ كَلَامُهُمْ هُنَا، وَفِي الْبَيْعِ حَيْثُ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ بِعْت إنْشَاءً حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الصِّيغَةَ. وَإِنْ كَانَتْ لِلْإِخْبَارِ وَضْعًا فَقَدْ

ذِكْرٌ لِطَلَاقٍ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ هُوَ تَطْلِيقٌ، وَالْعَدَدُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا كَقَوْلِك أَعْطَيْتُهُ جَزِيلًا: أَيْ عَطَاءً جَزِيلًا (وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ النَّعْتَ وَحْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQجُعِلَتْ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ إرَادَةِ الثَّلَاثِ فِي مُطَلَّقَةٍ وَطَلَّقْتُك لِأَنَّهُ صَارَ إنْشَاءً فِي الْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُلَاحَظٍ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْعَدَدُ نَحْوُ ثَلَاثًا لَا يَكُونُ صِفَةً لِمَصْدَرِ الْوَصْفِ بَلْ لِمَصْدَرِ غَيْرِهِ: أَيْ طَلَاقًا أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا كَمَا يُنْصَبُ فِي الْفِعْلِ مَصْدَرٌ غَيْرُهُ مِثْلُ {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] أَوْ يُضْمَرُ لَهُ فِعْلٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ، بِخِلَافِ طَلَّقَهَا وَطَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُحْتَمِلَ لِلْكُلِّ مَذْكُورٌ لُغَةً فَصَحَّ إرَادَةٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ إلَى إيقَاعِ وَاحِدَةٍ، هَذَا وَنُقِضَ بِطَالِقٍ طَلَاقًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ مَعَ أَنَّ الْمُنْتَصِبَ هُوَ مَصْدَرُ طَالِقٍ. وَيُدْفَعُ بِأَنَّ طَلَاقًا الْمَصْدَرُ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالْبَلَاغُ بِمَعْنَى التَّبْلِيغِ، فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثُ عَلَى إرَادَةِ التَّطْلِيقِ بِهِ مَعْمُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَالِقٌ لِأَنِّي طَلَّقْتُك تَطْلِيقًا ثَلَاثًا. بَقِيَ أَنْ يُرَدَّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ بِأَنْتِ الطَّلَاقُ وَهُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الثَّلَاثَ كَانَ الْمَعْنَى أَنْتِ وَقَعَ عَلَيْك التَّطْلِيقُ فَيَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ. وَنُوقِضَ بِأَنَّهُ لَمَّا لَا يَجُوزُ فِي طَالِقٍ عِنْدَ إرَادَةِ الثَّلَاثِ أَنْ يُرَادَ أَنْتِ ذَاتٌ وَقَعَ عَلَيْك التَّطْلِيقُ وَجَازَ فِي الْمَصْدَرِ. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي فِي ضِمْنِ طَالِقٍ ذَلِكَ كَأَنْ يُرَادَ بِاسْمِ الْفِعْلِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ مُنْتَفٍ. فَإِنْ قُلْت: ظَاهِرُ مَا ذَكَرْت أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يُرَادَ اسْمُ الْمَفْعُولِ صَحَّتْ إرَادَةُ الثَّلَاثِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ صَرِيحَ اسْمِ الْمَفْعُولِ كَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ لَا يَقْبَلُ نِيَّةَ الثَّلَاثِ فَكَيْفَ بِمَا يُرَادُ هُوَ بِهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ هُوَ اسْمُ الْمَفْعُولِ الْمَنْقُولِ لِلْإِنْشَاءِ عَلَى مَا الْتَزَمْنَا الْجَوَابَ بِهِ، وَاَلَّذِي يُرَادُ بِطَالِقٍ لَيْسَ لِلْإِنْشَاءِ فَتَأَمَّلْ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِطَالِقِ الثَّلَاثِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ فَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ مِمَّا تَصِحُّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ مِنْهُ لَاسْتَفْسَرَهُ. يَدُلُّ عَلَى الْمُلَازَمَةِ حَدِيثُ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْنَمَةَ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتَ إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً» الْحَدِيثُ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَمْضِي حُكْمُ الْمُحْتَمَلِ حَتَّى يُسْتَفْسَرَ عَنْهُ، وَثَبَتَ لَنَا مَطْلُوبٌ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا لَا أَنَّهَا يُرَادُ بِهَا الطَّلَاقُ وَإِلَّا كَانَ غَيْرَ مُحْتَمَلٍ فَلَمْ يَسْأَلْهُ كَمَا لَمْ يَسْأَلْ ابْنَ عُمَرَ، وَلِكَوْنِهَا عَوَامِلَ بِحَقَائِقِهَا احْتَمَلَتْ فَسَأَلَهُ، وَإِنَّمَا احْتَمَلَتْ حَقَائِقَهَا: أَعْنِي مَعْنَى الْبَيْنُونَةِ الَّتِي تُفِيدُهُ أَلْبَتَّةَ كُلًّا مِنْ نَوْعَيْهَا الْغَلِيظَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الثَّلَاثِ وَالْخَفِيفَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى مَا دُونَهَا فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْ النَّوْعَيْنِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ثَبَتَ الْأَخَفُّ لِلتَّيَقُّنِ. (قَوْلُهُ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ) يَعْنِي طَالِقٌ الطَّلَاقَ وَبِالثَّالِثَةِ وَهِيَ طَالِقٌ طَلَاقًا، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، غَيْرَ أَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِطَالِقٍ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْمَصْدَرِ، وَيَلْغُو طَالِقٌ فِي حَقِّ الْإِيقَاعِ كَمَا إذَا ذَكَرَ مَعَهُ الْعَدَدَ فَإِنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ وَإِلَّا يُشْكِلُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ

يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، فَإِذَا ذَكَرَهُ وَذَكَرَ الْمَصْدَرَ مَعَهُ وَأَنَّهُ يَزِيدُهُ وَكَادَةً أَوْلَى. وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ قَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ: أَيْ عَادِلٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَلَاقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَرِيحُ الطَّلَاقِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ، وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْكَثْرَةَ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهَا خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ الثِّنْتَيْنِ بَعْضُ الثَّلَاثِ فَلَمَّا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ صَحَّتْ نِيَّةُ بَعْضِهَا ضَرُورَةً. وَنَحْنُ نَقُولُ: نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ، أَمَّا الثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ، وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى التَّوَحُّدِ يُرَاعَى فِي أَلْفَاظِ الْوُحْدَانِ وَذَلِكَ بِالْفَرْدِيَّةِ أَوْ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمَثْنَى بِمَعْزِلٍ مِنْهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَقَعُ بِالْمَصْدَرِ ثِنْتَانِ وَهُوَ بَاطِلٌ فِي الْحُرَّةِ لِمَا عُرِفَ، وَهَذَا يُقَوِّي الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ، وَيَجِبُ كَوْنُ طَالِقٍ الطَّلَاقَ مِثْلَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا فِي الْمُنْكَرِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى) وَهِيَ الطَّلَاقُ (فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ. يُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ: أَيْ عَادِلٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ) وَيُرَدُّ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ طَالِقٌ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَسَنَذْكُرُ جَوَابَهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ) أَيْ فِي أَنْتِ الطَّلَاقُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّطْلِيقَ بِالْمَصْدَرِ بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ الَّذِي غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ هُوَ الْوَصْفُ لَا الْمَصْدَرُ. قُلْنَا: الْمُرَادُ أَنَّ الْمَصْدَرَ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ كَانَ إرَادَةُ طَالِقٍ بِهِ هُوَ الْغَالِبُ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي طَالِقِ الصَّرِيحِ فَيَثْبُتَ لَهُ حُكْمُ طَالِقٍ. لَا يُقَالُ: فَيَلْزَمُ فِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ أَنَّهَا صَرَائِحُ. لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الطَّلَاقِ بَلْ فِي مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ عَلَى مَا سَيَتَحَقَّقُ وَلِذَا أَوْقَعنَا بِهَا الْبَائِنَ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ طَالِقٌ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ كَمَا قُلْنَا صَرِيحٌ فِي طَالِقٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ ذَاتُ طَلَاقٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصِحُّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ. وَلَمَّا كَانَ مُحْتَمَلًا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ، وَهَذَا أَوْجَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا قِيلَ: إنَّهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ طَالِقٌ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَصْدَرًا فَيَصِحُّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ بِهِ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ بِاللَّفْظِ لَيْسَتْ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ لَا ذَاتِهِ الَّتِي هِيَ هَوَاءٌ مَضْغُوطٌ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ مَعْنَاهُ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ لَيْسَ إلَّا مَا لَا تَصْلُحُ إرَادَتُهُ مِنْهُ فَكَيْفَ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ الَّذِي لَا يَصِحُّ؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهَا عَيْنُ الطَّلَاقِ ادِّعَاءً وَتَصِحُّ مَعَهُ أَيْضًا إرَادَةُ الثَّلَاثِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْخَنْسَاءِ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ يَعْنِي النَّاقَةَ، لَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُقْبِلَةٌ وَمُدْبِرَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ لَا تَصِحُّ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةٌ لَهُمَا أَنَّ الْمَصْدَرَ يَحْتَمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَالثِّنْتَانِ كَالثَّلَاثِ. قُلْنَا: نِيَّةُ الثَّلَاثِ لَمْ تَصِحَّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا كَثْرَةٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمَامُ جِنْسٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَأَلْفَاظُ الْوُحْدَانِ لَا تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ الْمَحْضِ بَلْ يُرَاعَى فِيهَا التَّوْحِيدُ، وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِالْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ اللَّامِ إلَّا وَاحِدَةٌ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْمُحَلَّى فَيَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ قَالَ الْجَصَّاصُ: هَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَا يُعْرَفُ لَهَا وَجْهٌ إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا لِأَنَّ الْمَصْدَرَ ذُكِرَ لِلتَّأَكُّدِ وَنَفْيِ الْمَجَازِ لَا لِلْإِيقَاعِ. أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَلَاقٍ وَالطَّلَاقِ. وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ: مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ لَا آمَنُ الْغَلَطَ فِيهَا، فَأَتَى الْكِسَائِيَّ فَسَأَلَهُ، فَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةُ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَاَلَّذِي نَقْلُهُ أَهْلُ الثَّبْتِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافُ هَذَا، وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائِيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا لِلرَّشِيدِ، وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ. فَفِي الْمَبْسُوطِ: ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا قَوْلُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ؟ فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ، إنْ قَالَ: ثَلَاثٌ مَرْفُوعًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثًا مَنْصُوبًا يَقَعُ ثَلَاثٌ، لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَهُ مَرْفُوعًا كَانَ ابْتِدَاءَ حَالٍ فَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَلَاقٌ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا قَالَ: ثَلَاثًا مَنْصُوبًا عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَيَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ، لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَفْسِيرٌ لِمَا وَقَعَ، فَاسْتَحْسَنَ الْكِسَائِيُّ جَوَابَهُ. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ: الصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ يَحْتَمِلُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ، أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ أَلْ فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ نَحْوَ زَيْدٌ الرَّجُلُ: أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهِ. وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ: أَيْ وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةُ ثَلَاثٍ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، إذْ لَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةَ ثَلَاثِ، فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ يَقَعُ الثَّلَاثُ. وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَاحِدَةٌ. وَأَمَّا النَّصْبُ فَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ، إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِالْجُمْلَةِ. وَكَوْنُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا، فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ، وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ الشَّاعِرُ فَالثَّلَاثُ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْت غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمٌ انْتَهَى. وَتَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا وَالْخُرْقُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ فِي إرَادَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ عَزِيمَةٌ إنْ كَانَ ثَلَاثًا، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا ذَكَرَ. بَقِيَ أَنْ يُرَادَ مَجَازُ الْجِنْسِ فَيَقَعَ وَاحِدَةٌ أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعَ الثَّلَاثُ وَلِهَذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ، فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقَ أُخْرَى يُصَدَّقُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَتَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا. (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ) لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى مَحِلِّهِ، وَذَلِكَ (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ) لِأَنَّ التَّاءَ ضَمِيرُ الْمَرْأَةِ (أَوْ) يَقُولَ (رَقَبَتُكِ طَالِقٌ أَوْ عُنُقُك) طَالِقٌ أَوْ رَأْسُك طَالِقٌ (أَوْ رُوحُك أَوْ بَدَنُك أَوْ جَسَدُك أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك) لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. أَمَّا الْجَسَدُ وَالْبَدَنُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا غَيْرُهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَقَالَ {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ فِي مِثْلِهِ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى الِاحْتِمَالِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ، وَقَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقَ أُخْرَى يَصْدُقُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِطَالِقٍ طَلَاقًا أَوْ الطَّلَاقَ ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ فَأَفَادَ هُنَا أَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُمَا بِالتَّوْزِيعِ صَحَّ. وَوَجْهُهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَاقٌ فَتَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا) وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَمَنَعَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ طَالِقًا نَعْتٌ وَطَلَاقًا مَصْدَرُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ. وَكَذَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ. وَيُؤَيِّدُ أَنَّ طَلَاقًا نُصِبَ وَلَا يُدْفَعُ بَعْدَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لِتَعَدُّدِهِ وَصِحَّةِ الْإِرَادَةِ بِهِ إلَّا بِإِهْدَارِ لُزُومِ صِحَّةِ الْإِعْرَابِ فِي الْإِيقَاعِ مِنْ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، وَظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى فِي التَّشْبِيهِ أَنْ يُقَالَ: فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقٌ لَا طَالِقٌ وَطَلَاقٌ وَإِنْ صَحَّ الْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ) وَمِثْلُ الْمُضَافِ إلَى الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَالْمُضَافُ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ بِرَقَبَتُك طَالِقٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِمَا مَعًا إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ مِنْ لَفْظِ أَنْتِ وَرَقَبَتُك إلَخْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ إمَّا بِالْوَضْعِ أَوْ بِالتَّجَوُّزِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّاءَ ضَمِيرُ الْمَرْأَةِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي أَنْتِ أَنَّهُ بِرُمَّتِهِ ضَمِيرٌ أَوْ التَّاءَ وَأَنَّ عِمَادَ أَوْ إنَّ وَاللَّوَاحِقَ حُرُوفٌ تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ: رَقَبَتُك طَالِقٌ أَوْ عُنُقُك أَوْ رُوحُك أَوْ بَدَنُك أَوْ جَسَدُك أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك) هَذِهِ أَمْثِلَةُ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ كُلِّ الْإِنْسَانِ وَذِكْرُ اسْتِعْمَالَاتِهَا فِيهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» فَغَرِيبٌ جِدًّا، وَأَبْعَدَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ حَيْثُ اسْتَشْهَدَ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَوَاتِ الْفُرُوجِ أَنْ يَرْكَبْنَ السُّرُوجَ» وَضَعَّفَهُ، وَأَيْنَ لَفْظُ ذَاتِ الْفَرْجِ.

«لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» وَيُقَالُ فُلَانٌ رَأْسُ الْقَوْمِ وَيَا وَجْهَ الْعَرَبِ وَهَلَكَ رُوحُهُ بِمَعْنَى نَفْسُهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الدَّمُ فِي رِوَايَةٍ يُقَالُ دَمُهُ هَدَرٌ وَمِنْهُ النَّفْسُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَكَذَلِكَ إنْ) (طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك) طَالِقٌ لِأَنَّ الشَّائِعَ مَحِلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً (وَلَوْ قَالَ: يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. لَهُمَا أَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ كَوْنِ لَفْظِ الْفَرْجِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ عَنْتَرَةَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ (قَوْلُهُ رَأْسَ الْقَوْمِ) أَيْ أَكْبَرَهُمْ (وَيَا وَجْهَ الْعَرَبِ) يَعْنِي يَا أَوْجَهَهُمْ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ فَاسِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْمَ كَالْجَسَدِ وَفُلَانَ الرَّأْسُ مِنْهُ لَا أَنَّ فُلَانًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْقَوْمِ كُلِّهِمْ. وَكَذَا مَا قِيلَ مَعْنَى يَا وَجْهَ الْعَرَبِ أَنَّك فِي الْعَرَبِ بِمَنْزِلَةِ الْوَجْهِ لَا أَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْ جُمْلَةِ الْعَرَبِ بِالْوَجْهِ وَنَادَاهُمْ بِهِ وَلَا يَتِمُّ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ، عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ يَا وَجْهَ الْعَرَبِ يَا أَيُّهَا الْعَرَبُ اهـ. وَمَبْنَى كَلَامِهِ أَنَّ التَّرْكِيبَ اسْتِعَارَةٌ بِالتَّرْكِيبِ شُبِّهَتْ الْعَرَبُ بِالْجِسْمِ الْوَاحِدِ لِتَحَامُلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَتَأَلُّمِ بَعْضِهِمْ بِتَأَلُّمِ بَعْضٍ، فَأَثْبَتَ لَهُ الْوَجْهَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَجَازًا اسْتِعَارَةً تَحْقِيقِيَّةً شَبَّهَ الرَّجُلَ بِالرَّأْسِ لِشَرَفِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِكَوْنِهِ مَجْمَعَ الْحَوَاسِّ وَبِالْوَجْهِ لِظُهُورِهِ وَشُهْرَتِهِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ رَأْسَ الْقَوْمِ وَوَجْهَهُمْ: أَيْ أَشْرَفَهُمْ. وقَوْله تَعَالَى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] أَيْ ذَاتُهُ الْكَرِيمَةُ، وَأَعْتَقَ رَأْسًا وَرَأْسَيْنِ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ إنَّا بِخَيْرِ مَا دَامَ رَأْسُك سَالِمًا يُقَالُ مُرَادًا بِهِ الذَّاتُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الدَّمُ) يَعْنِي فِي رِوَايَةٍ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْكُلُّ، وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، قَالَ: لَوْ كَفَلَ بِدَمِهِ يَصِحُّ، وَرِوَايَةُ كِتَابِ الْعِتْقِ لَا تَصِحُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: دَمُك حُرٌّ لَا يُعْتَقُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ صَحَّحَ عَدَمَ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا) يَعْنِي يَقَعُ عَلَيْهَا كَنِصْفِهَا وَرُبْعِهَا وَسُدُسِهَا لِأَنَّ الشَّائِعَ مَحِلُّ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَالْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك) وَهَذَا يُقَابِلُ مَعْنَى الْأَوَّلِ: أَيْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَرَقَبَتُك فَإِنَّهُ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ. وَمِنْهُ الْأُصْبُعُ وَالدُّبُرُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ بِالْإِضَافَةِ إلَى الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَالرِّيقِ وَالْعَرَقِ وَالْحَمْلِ لَا يَقَعُ، وَالْعَتَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَكُلُّ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَلَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى أَوْ أَعْتَقَ إصْبَعَهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ، وَكَذَا الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَمَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَالنِّكَاحِ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ بِلَا خِلَافٍ. (قَوْلُهُ لَهُمَا) حَاصِلُهُ قِيَاسُ مُرَكَّبِ نَتِيجَةِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ: أَيْ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ مَحِلٌّ لِحُكْمِ

وَمَا هَذَا حَالُهُ يَكُونُ مَحِلًّا لِحُكْمِ النِّكَاحِ فَيَكُونَ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ فَيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِيهِ قَضِيَّةً لِلْإِضَافَةِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ النِّكَاحُ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مُمْتَنِعٌ إذْ الْحُرْمَةُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ تُغَلِّبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْقَلْبِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهِ فَيَلْغُوَ كَمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى رِيقِهَا أَوْ ظُفُرِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَحِلَّ الطَّلَاقِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْقَيْدُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَلَا قَيْدَ فِي الْيَدِ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ لِأَنَّهُ مَحِلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحِ فَجُعِلَ صُغْرًى وَيُضَمُّ إلَيْهَا، وَمَا كَانَ مَحِلًّا لِحُكْمِ النِّكَاحِ يَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ يَنْتِجُ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ مَحِلٌّ لِلطَّلَاقِ، وَالْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ جُزْءٌ هُوَ مَحِلٌّ لِحُكْمِ النِّكَاحِ فَيَكُونَ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ كَالْجُزْءِ الشَّائِعِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ، فَقِيلَ يَقَعُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَسْرِي كَمَا فِي الْعِتْقِ. قَالَ: الْغَزَالِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الْعِتْقِ لَا فِي الطَّلَاقِ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ الْجُزْءُ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْكُلِّ فَيَقَعَ بِاللَّفْظِ، قَالُوا: وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَمِينُك طَالِقٌ فَقَطَعَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ، إنْ قُلْنَا بِالسَّرَايَةِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْعِبَارَةِ عَنْ الْكُلِّ يَقَعُ (قَوْلُهُ وَلَنَا إلَخْ) حَاصِلُهُ مَنْعُ مَحَلِّيَّتِهِ لِلطَّلَاقِ بِمَنْعِ عَلِيَّةِ كَوْنِهِ مَحِلًّا لِلْحِلِّ لِكَوْنِهِ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ بَلْ مَحِلُّهُ مَا فِيهِ قَيْدُ النِّكَاحِ وَالْقَيْدُ وَهُوَ مَنْعُهَا مِنْ الْفِعْلِ مَعَ الْغَيْرِ وَأَمْرُهَا بِهِ مَعَهُ: أَيْ تَسْلِيمُهَا نَفْسَهَا، وَعَنْهُ كَانَ تَخْصِيصُهَا بِهِ هُوَ حُكْمُ النِّكَاحِ أَوَّلًا ثُمَّ يَثْبُتُ الْحِلُّ تَبَعًا لَهُ حُكْمًا لِهَذَا الْحُكْمِ، وَالطَّلَاقُ يُنْبِئُ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ فَيَكُونَ وَضْعُهُ لِرَفْعِ ذَلِكَ، وَيَرْتَفِعُ الْحِلُّ تَبَعًا لِرَفْعِهِ كَمَا ثَبَتَ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ الْمَعْنَوِيُّ لَيْسَ فِي الْبَلَدِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْهُوِيَّةِ لِأَنَّ الْمَنْعَ خِطَابٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَجْزَاءِ الْخَارِجِيَّةِ بَلْ بِمُسَمَّى الْعَاقِلِ الْمُكَلَّفِ وَلِهَذَا جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا يَدٌ، وَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْأَجْزَاءِ الْمُعَيَّنَةِ تَبَعٌ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ إذْ لَا وُجُودَ لِلْمُسَمَّى بِدُونِهِ فَكَانَ مَحِلًّا لِلنِّكَاحِ فَكَذَا الطَّلَاقُ، وَوُقُوعُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الرَّأْسِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْكُلِّ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ مُقْتَصِرًا. وَلِذَا نَقُولُ: لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: عَنَيْت الرَّأْسَ مُقْتَصِرًا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَقَعُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا فِي الْقَضَاءِ إذَا كَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ عُرْفًا مُشْتَهِرًا لَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِالْيَدِ صَاحِبَهَا كَمَا أَرَادَ عَزَّ قَائِلًا فِي قَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] أَيْ قَدَّمَتْ وَعَنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَتَعَارَفَ قَوْمٌ التَّعْبِيرَ بِهَا عَنْ الْكُلِّ وَقَعَ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ

وَاخْتَلَفُوا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا كَانَتْ) طَالِقًا (تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ الْكُلِّ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا) لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَا لَوْ طَلَّقَ النَّبَطِيُّ بِالْفَارِسِيَّةِ يَقَعُ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهِ الْعَرَبِيُّ وَلَا يُدْرِيهِ لَا يَقَعُ، وَلَا مُنَاقَشَةَ فِي هَذَا، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ مَا يُمْلَكُ تَبَعًا هَلْ يَكُونُ مَحِلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ صَيْرُورَتِهِ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ، فَأَمَّا عَلَى مَجَازِهِ فِي الْكُلِّ لَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَقَعُ يَدًا كَانَ أَوْ رِجْلًا بَعْدَ كَوْنِهِ مُسْتَقِيمًا لُغَةً أَوْ لُغَةَ قَوْمٍ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ كُلِّ الْبَدَنِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: ظَهْرُك عَلَيَّ أَوْ بَطْنُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي: أَيْ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» الظَّهْرُ الصِّغَارُ فِيهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهِمَا عُرْفٌ فِي إرَادَةِ الْكُلِّ بِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ، وَلِذَا لَا يَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَيُدَّعَ، وَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَوْ قَالَ الْمُحَشَّانِ طَالِقٌ يَقَعُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: تَصْحِيفٌ، إنَّمَا هُوَ بَعْضُك أَوْ نِصْفُك. وَفِي الْخُلَاصَةِ: اسْتُك طَالِقٌ كَفَرْجِك طَالِقٌ، بِخِلَافِ الدُّبُرِ، قَالَ شَارِحٌ: عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاسْتَ بِمَعْنَى الدُّبُرِ وَلَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ الْبُضْعَ بِمَعْنَى الْفَرْجِ أَيْضًا وَيَقَعُ فِي الْفَرْجِ دُونَ الْبُضْعِ لِجَوَازِ تَعَارُفِ أَحَدِهِمَا فِي الْكُلِّ دُونَ الْآخَرِ. وَالْأَوْجُهُ أَنَّ مَحِلَّ النَّظَرِ كَوْنُهُ كَفَرْجِك طَالِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَدَارَ تَعَارُفُ التَّعْبِيرِ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، وَكَوْنُ الْفَرْجِ عُبِّرَ بِهِ عَنْ الْكُلِّ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الِاسْتِ كَذَلِكَ. وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ: يَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى اسْمِ جُزْءٍ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ فَإِنَّ نَفْسَ الْجُزْءِ لَا صَفَا التَّعْبِيرُ بِهِ. هَذَا وَقَدْ يُقَالُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إنْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ شُهْرَتُهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْفَرْجِ أَوْ وُقُوعُ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ اللِّسَانِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يُذْكَرَ الْخِلَافُ فِي الْيَدِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْكُلِّ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَيْضًا ظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّ الْمُضَافَ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَالْمُعَبَّرِ بِهِ عَنْ الْكُلِّ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْوُقُوعِ بِهِ النِّيَّةُ وَالصَّرَاحَةُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَمَعْلُومٌ انْتِفَاءُ الطَّلَاقِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا كَانَتْ تَطْلِيقَةً) وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ كَالثُّمْنِ أَوْ قَالَ: جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ تَطْلِيقَةٍ. وَقَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ: لَا يَقَعُ بِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ، وَالْمَشْرُوعُ الطَّلَاقُ لَا غَيْرُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِهِ مَا لَيْسَ إيَّاهُ، وَإِلَّا فَالْبَعْضُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ لَيْسَ نَفْسًا وَلَا غَيْرًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْعَ نَاظِرٌ إلَى صَوْنِ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَتَصَرُّفِهِ مَا أَمْكَنَ، وَلِذَا اُعْتُبِرَ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ عَفْوًا عَنْهُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَذْكُورِ جُزْءٌ كَانَ كَذِكْرِ كُلِّهِ تَصْحِيحًا كَالْعَفْوِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ،

فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ تَكُونُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ تَطْلِيقَةً، قِيلَ: يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَيَتَكَامَلَ، وَقِيلَ: يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهِ فَتَصِيرَ ثَلَاثًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ يَكُونُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً) وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَقَعَ الثَّالِثَةُ لِأَنَّ فِي إيقَاعِهَا شَكًّا لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَحْتَمِلُ مَا ذُكِرَ وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا، لِأَنَّ الطَّلْقَتَيْنِ إذَا انْتَصَفَتَا صَارَتَا أَرْبَعَةَ أَنْصَافٍ فَثَلَاثَةٌ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكْمُلَ طَلْقَتَيْنِ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ اشْتِبَاهِ قَوْلِنَا نَصَّفْنَا طَلْقَتَيْنِ وَنَصَّفْنَا كُلًّا مِنْ طَلْقَتَيْنِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُوجِبُ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَنْصَافِ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ فَيَثْبُتَ فِي النِّيَّةِ لَا فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ: يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَيَتَكَامَلَ) وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّاطِفِيُّ وَالْعَتَّابِيُّ، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ (وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهِ فَتَصِيرُ ثَلَاثًا) وَالثَّلَاثُ كَالْجَمْعِ اخْتِصَارًا لِلْمُتَعَاطِفَاتِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَنِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَنِصْفَ تَطْلِيقَةٍ. وَلَوْ قِيلَ: إنَّ الْمَعْنَى نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ وَنِصْفُهَا الْآخَرِ وَمِثْلُهُ بِالضَّرُورَةِ إذْ لَيْسَ لِلشَّيْءِ إلَّا نِصْفَانِ فَيَقَعَ ثِنْتَانِ اُتُّجِهَ لِأَنَّ نِصْفَهَا وَنِصْفَهَا أَجْزَاءُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَهَا وَثُلُثَهَا حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ، بِخِلَافِ نِصْفِ طَلْقَةٍ وَثُلُثِ طَلْقَةٍ وَسُدُسِ طَلْقَةٍ حَيْثُ يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً فَالثَّانِيَةُ غَيْرُ الْأُولَى فَأَوْقَعَ مِنْ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ جُزْءًا وَلَوْ زَادَ أَجْزَاءَ الْوَاحِدَةِ مِثْلَ نِصْفِ طَلْقَةٍ وَثُلُثِهَا وَاسْتَأْنِ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ لِلُزُومِ كَوْنِ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ قَالَ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَهِيَ ثِنْتَانِ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ فِي الْأُولَى هِيَ ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ) وَقَالَ زُفَرُ: الْأُولَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ أُخْرَى، وَعَلَى هَذَا لَوْ قِيلَ: يَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَاهَا وَسَبْعَةَ أَثْمَانِهَا لَمْ يَبْعُدْ، إلَّا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي اتِّحَادِ الْمَرْجِعِ وَإِنْ زَادَتْ أَجْزَاءُ وَاحِدَةٍ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ إلَى وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ: بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً وَكَذَا إذَا قَالَ: بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ إلَّا إذَا نَوَى أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا فَيَقَعَ فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَطْلِيقَتَانِ وَفِي الثَّلَاثِ ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ: بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ كُلٌّ تَطْلِيقَتَيْنِ. وَكَذَا مَا زَادَ إلَى ثَمَانٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّمَانِ فَقَالَ: تِسْعٌ طَلُقَتْ كُلٌّ ثَلَاثًا وَلَا يَخْفَى الْوَجْهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَشْرَكْتُكُنَّ فِي ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَلَفْظُ بَيْنَ وَلَفْظُ الْإِشْرَاكِ سَوَاءٌ. بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ: أَشْرَكْتُك فِيمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ شَرِكَهَا فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ. وَفِي آخِرِ بَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: أَشْرَكْت فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَى الْأُخْرَى ثَلَاثٌ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ شَيْءٍ فَيَنْقَسِمَ الثَّلَاثُ بَيْنَهُنَّ نِصْفَيْنِ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَهَذَا قَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ شَيْئًا مِمَّا أَوْقَعَ عَلَيْهَا بِإِشْرَاكِ الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَوِّيَ الثَّانِيَةَ بِهَا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَكَلَامُهُ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ إشْرَاكٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَهُوَ يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ وَرَدَ اسْتِفْتَاءٌ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُك فِيمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا وَلِثَالِثَةٍ أَشْرَكْتُك فِيمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهِمَا، وَبَعْدَ أَنْ كَتَبْنَا تَطْلُقُ الثَّلَاثُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قُلْنَا: إنَّ وُقُوعَهُنَّ عَلَى الثَّالِثَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَشْرَكَهَا فِي سِتٍّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَدِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَتَطْلُقُ كُلٌّ مِنْهُمَا ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ فَتَطْلُقَ كُلٌّ ثَلَاثًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَنْتَنَ طَوَالِقُ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُنَّ فَهُوَ مَدِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَطْلُقَ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً وَفِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ كُلٌّ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَهِيَ ثِنْتَانِ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا فِي الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَمَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَمَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ. وَقَالَ: زُفَرُ: فِي الْأُولَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَفِي الثَّانِيَةِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ

الْغَايَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ، كَمَا تَقُولُ لِغَيْرِك: خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَسْمِيَةُ الصُّورَتَيْنِ أُولَى ثُمَّ الصُّورَتَيْنِ ثَانِيَةً بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ مَدْخُولِ إلَى فِي الصُّورَتَيْنِ، فَالْأُولَى مَا كَانَ مَدْخُولُ إلَى ثِنْتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ مَا كَانَ مَدْخُولُهَا ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِ زُفَرَ: وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ. وَاعْلَمْ أَنَّ زُفَرَ لَا يُدْخِلُ الْحَدَّيْنِ لَا الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ، وَالْعُرْفُ أَنْ يُرَادَ بِالْغَايَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَقَطْ مَدْخُولَةُ إلَى وَحَتَّى لِأَنَّهَا الْمُنْتَهَى. فَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِاسْتِعْمَالِ الْغَايَةِ فِي الْحَدِّ: أَيْ الْحَدِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْحَدُّ وَالْمَضْرُوبُ لَهُ هُوَ الْبَيْعُ مَثَلًا فَلَا يَدْخُلُ الْحَدَّانِ فِيهِ، فَكَذَا فِي الطَّلَاقِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِتَسْمِيَةِ الْأُولَى غَايَةً فِي وَجْهِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى. وَالْمُرَادُ بِالْقِيَاسِ قَضِيَّةُ اللَّفْظِ لَا الْقِيَاسُ الْأُصُولِيُّ، لِأَنَّ زُفَرَ إنَّمَا بَنَى جَوَابَهُ عَلَى قَضِيَّةِ اللَّفْظِ كَمَا يُفِيدُهُ جَوَابُهُ الْمَنْقُولُ لِلْأَصْمَعِيِّ حِينَ سَأَلَهُ عِنْدَ بَابِ الرَّشِيدِ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَقَالَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا فَأَلْزَمَهُ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ كَمْ سِنُّك فَقَالَ: مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ تِسْعَ سِنِينَ فَيَكُونَ إيرَادُ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ ذِكْرَ مَحِلٍّ بِإِعْمَالِ اللَّفْظِ كَالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ بِذِكْرِ مَحِلِّ إعْمَالِهِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَتْرُوكِ الظَّاهِرِ لَا لِلْقِيَاسِ عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذِكْرَ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى تَمَامِ الدَّلِيلِ لَا أَصْلَ لِلْقِيَاسِ فَيَكُونَ جُزْءَ الدَّلِيلِ، ثُمَّ قَدْ نُسِبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ مَا نُسِبَ إلَى الْأَصْمَعِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي الْإِلْزَامِ: كَمْ سِنُّك؟ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ: مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: سِنُّك غُبَّرًا تِسْعُ سِنِينَ، وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ يَبْعُدُ أَنْ يُجِيبَ فِيمَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَنَحْوِهِ بِذَلِكَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ كَمْ سِنُّك فَيُجِيبَ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ دُونَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةً وَسِتِّينَ وَنَحْوَهُ مَعَ ظُهُورِ وُرُودِ الْإِلْزَامِ حِينَئِذٍ إلَّا وَقَدْ أَعَدَّ جَوَابَهُ فَلَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ. عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ إلْزَامِ الْأَصْمَعِيِّ: اُسْتُحْسِنَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ فِي وَجْهِ اسْتِحْسَانِهِ أَنَّ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ سِنِّي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ عُرْفًا فِي إرَادَةِ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ وَالْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ، وَلَا عُرْفَ فِي الطَّلَاقِ إذْ لَمْ يُتَعَارَفْ التَّطْلِيقُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ قِيلَ مِنْ طُرَفِهِ غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ فَكَيْفَ يَكُونُ تِسْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ سِتِّينَ وَسَبْعِينَ أَحَدٌ وَسِتُّونَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ إلَى تِسْعٍ وَسِتِّينَ لَا وَاحِدَةٌ إلَى تِسْعَةٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْحَدُّ الْأَوَّلُ خَارِجًا عَنْ مُسَمَّى لَفْظِ مَا بَيْنَ كَذَا وَكَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَجَوَابُ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ صَرِيحٌ فِيهِ، وَالْأَوْجُهُ مَا ذَكَرْنَا لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ) كَقَوْلِ الرَّجُلِ خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ سِنِّي مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَيُرِيدُونَ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِرَادَةُ الْكُلِّ فِيمَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْإِبَاحَةِ كَمَا ذُكِرَ، إذْ الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشْرَةٍ إلَى مِائَةٍ وَبِعْ عَبْدِي بِمَا بَيْنَ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ وَكُلْ مِنْ الْمِلْحِ إلَى الْحُلْوِ. لَهُ أَخْذُ الْمِائَةِ وَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ وَأَكْلُ الْحُلْوِ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْعُرْفِ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ مُتَخَلِّلٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي نَحْوِ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمَيْنِ إرَادَةُ مَجْمُوعِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ، فَفِي نَحْوِ طَالِقٍ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ انْتَفَى ذَلِكَ الْعُرْفُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَوَجَبَ إعْمَالُ طَالِقٍ فَيَقَعَ وَاحِدَةٌ. وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا لِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ جَارٍ فِي غَيْرِهِ لِيَعْتَرِضَ بِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ فِي عَدَمِ مُتَخَلِّلٍ مَعَ أَنَّهُ مَسُوقٌ لَنَفِي قَوْلِهَا يَجِبُ الْأَكْثَرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ اسْتِحْسَانٌ بِالتَّعَارُفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِ زُفَرَ إلَّا أَنَّهُمَا أَطْلَقَا فِيهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّمَا وَقَعَ كَذَلِكَ فِيمَا مَرْجِعُهُ إبَاحَةٌ غُبَّرَا الْمَذْكُورَةِ، أُمًّا مَا أَصْلُهُ الْحَظْرُ حَتَّى لَا يُبَاحَ إلَّا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا وَالطَّلَاقُ مِنْهُ فَكَانَ قَرِينَةً عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْكُلِّ، غَيْرَ أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ فِي صُورَةِ إيقَاعِهَا وَهِيَ صُورَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إذْ لَا ثَانِيَةَ بِلَا أُولَى وَوُجُودُ الطَّلَاقِ عَيْنُ وُقُوعِهِ، بِخِلَافِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ بِلَا ثَالِثَةٍ، أَمَّا صُورَةُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا دَخَلَتْ ضَرُورَةَ إيقَاعِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَإِيقَاعُ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إدْخَالِهَا غَايَةً بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَاءِ الْعُرْفِ فِيهِ فَلَا يَدْخُلَانِ وَيَقَعُ بِطَالِقٍ وَهَذَا كَمَا صُحِّحَ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ زُفَرَ خِلَافًا لِمَا قِيلَ: لَا يَقَعُ عِنْدَهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ التَّخَلُّلِ. وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ يَلْغُو قَوْلَهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ لِامْتِنَاعِ كَوْنِ الْوَاحِدِ مَبْدَأً لِلْغَايَةِ وَمُنْتَهًى وَيَقَعُ بِطَالِقٍ وَاحِدَةٌ، كَذَا هُنَا يَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ عِنْدَهُ ثُمَّ يَقَعُ بِطَالِقٍ وَاحِدَةٌ، وَأَوْرَدَ إذَا قِيلَ طَالِقٌ ثَانِيَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ.

هُوَ الْحَظْرُ، ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ، وَوُجُودُهَا بِوُقُوعِهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبُ بِأَنَّ ثَانِيَةً لَغْوٌ فَيَقَعَ بِأَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُنَا مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ فِي إيقَاعِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إيقَاعِ الْأُولَى. فَإِنْ قِيلَ: لَفْظُ مَا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْأَمْرَيْنِ وَوُجُودَهُمَا وُقُوعَهُمَا فَيَقَعَ الثَّلَاثُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَاحْتِمَالَ وُجُودِ الثَّانِي عُرْفًا، فَفِي مِنْ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ يَصْدُقُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ السَّبْعِينَ بَلْ مُنْتَظِرُهُ وَلَمْ يَعُدْ مُخْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ بِهِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا إنْ انْتَهَضَ عَلَيْهِمَا لَا يَنْتَهِضُ عَلَى زُفَرَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ مِنْ طُرَفِهِ لَا عُرْفَ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُ إدْخَالُ الْغَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّ مَا بَيْنَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الثَّانِيَةَ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ ثَانِيَةُ الْوَاقِعِ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَا بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى إدْخَالِهَا ضَرُورَةَ إيقَاعِ الثَّانِيَةِ فِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ. وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ تَعَارُفُ مِثْلِ ذَلِكَ التَّرْكِيبِ فِي الطَّلَاقِ وَجَبَ اعْتِبَارُ غَبِّرَا أَجْزَاءَ لَفْظِهِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ إلَّا دُخُولَ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِادِّعَاءِ أَنَّ الْعُرْفَ أَفَادَ أَنَّ مِثْلَهُ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ فِي أَيِّ مَادَّةٍ وَقَعَ وَقَدْ لَا يُسَلِّمُهُ زُفَرُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ عَلَى مَسْأَلَةِ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ الثَّانِيَةَ وَاقِعَةٌ وَلَا وُجُودَ لَهَا إلَّا بِوُقُوعِ الْأُولَى فَوَقَعَتْ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ الْغَايَةِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى إدْخَالِهَا فِي الْمُغَيَّا فَبَقِيَتْ الْغَايَتَانِ خَارِجَتَيْنِ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ إلَّا بِقَضِيَّةِ اللَّفْظِ، وَمَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لِإِظْهَارِ أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُتْرَكْ ظَاهِرُهُ فَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهِ إرَادَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ إلَى آخِرِهِ فَاقْتَضَى فِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وُقُوعُ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَلَزِمَ وُقُوعُ الْأُولَى،

الْغَايَةَ فِيهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ. وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً يَدِينُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ ثِنْتَانِ لِعُرْفِ الْحِسَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَلَنَا أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ، وَتَكْثِيرُ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهَا (فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفَ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ بِعْت مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لِأَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْأَعْدَادِ نَحْوَ مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَنَحْوَهُ فَبَقِيَ اللَّفْظُ فِي غَيْرِهَا عَلَى مُقْتَضَاهُ لُغَةً فَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ. وَبِهِ انْدَفَعَ سُؤَالُ أَنَّ مَا بَيْنَ يَقْتَضِي وُجُودَ الطَّرَفَيْنِ فَيَقَعَانِ كَقَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْعُرْفَ أَعْطَى أَنَّ قَضِيَّتَهُ عَدَمُ وُقُوعِ الثَّانِيَةِ. [فَرْعَانِ] لَوْ قَالَ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى عَشْرَةٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الطَّلَاقِ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ: طَلَّقَنِي سِتًّا بِأَلْفٍ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعَتْ الثَّلَاثُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ: مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَايَةً. وَكَذَا يَجِبُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ الْعُرْفُ الْكَائِنُ فِي الْغَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً) أَيْ فِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَفِي مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إذَا كَانَ فِيهِ عُرْفُ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ) عَالِمًا بِعُرْفِ الْحِسَابِ (فَهِيَ وَاحِدَةٌ) فَفِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْلَى أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: يَقَعُ ثِنْتَانِ بِعُرْفِ الْحِسَابِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي وَجْهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْحِسَابَ لَكِنَّهُ قَصَدَ مُوجِبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ، فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْحِسَابَ وَقَصَدَ مُوجِبَهُ عِنْدَهُمْ وَقَعَ ثِنْتَانِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَعِنْدَنَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ عُرْفَهُمْ فِيهِ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعَدَدِ الْآخَرِ، فَقَوْلُهُ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ كَقَوْلِهِ وَاحِدَةً مَرَّتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ مَرَّةً وَثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ مَرَّتَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَالِقٌ أَرْبَعًا فَيَقَعَ الثَّلَاثُ، فَالْإِلْزَامُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ فِي الدُّنْيَا لَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا، لِأَنَّ ضَرْبَهُ دِرْهَمَهُ مَثَلًا فِي مِائَةِ أَلْفٍ إنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ عِنْدِي دِرْهَمٌ فِي مِائَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْشَاءِ كَجَعَلْتُهُ فِي مِائَةٍ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ لَا يَنْجَعِلُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ مِائَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ الْكَلَامُ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْمَضْرُوبِ لَا فِي زِيَادَةِ الْعَدَدِ) وَالطَّلْقَةُ الَّتِي جُعِلَ لَهَا أَجْزَاءٌ كَثِيرَةٌ لَا تَزِيدُ عَلَى طَلْقَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ بَعْدَ قَوْلِنَا إنْ عَرَفَ الْحِسَابَ فِي التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ كَوْنَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مُضَعَّفًا بِعَدَدِ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يَمْنَعُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَارِسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ يُدْرِيهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ) بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا وَقَعَتْ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفَ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَاوِ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ

وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " فِي " تَأْتِي بِمَعْنَى " مَعَ " كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي، وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ تَقَعُ وَاحِدَةً، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَيَلْغُوَ ذِكْرُ الثَّانِي (وَلَوْ قَالَ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَهِيَ ثِنْتَانِ) وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا، لَكِنْ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ. وَعِنْدَنَا الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ) وَقَالَ زُفَرُ: هِيَ بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى مَعْنَى لَفْظَةِ مَعَ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ عَلَيْهَا مَدْخُولًا بِهَا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ، وَإِرَادَةُ مَعْنَى لَفْظَةِ مَعَ بِهَا ثَابِتٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي. وَفِي الْكَشَّافِ أَنَّ الْمُرَادَ فِي جُمْلَةِ عِبَادِي، وَقِيلَ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ (فِي عَبْدِي) فَهِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا عَلَى هَذَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَأْوِيلَهَا مَعَ عِبَادِي يَنْبُو عَنْهُ {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] فَإِنَّ دُخُولَهُ مَعَهُمْ لَيْسَ إلَّا إلَى الْجَنَّةِ، فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: 16] وَعَنْ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ لَوْ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْإِقْرَارِ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ فِي عَشْرَةٍ وَادَّعَى الْخَصْمَ الْجَمِيعَ: أَيْ مَجْمُوعَ الْحَاصِلِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْجَمِيعَ، أَمَّا لَوْ أَرَادَ مَعْنَى الظَّرْفِ لَغَا وَلَمْ يَقَعْ إلَّا الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، فَفِي وَاحِدَةٍ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَفِي ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ لِحَقِيقَةِ الظَّرْفِ فَيَلْغُوَ الثَّانِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَقَالَ: زُفَرُ: بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ) وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَالِقٌ طَلْقَةً طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً كَانَتْ رَجْعِيَّةً عِنْدَ زُفَرَ فَكَيْفَ يُعَلِّلُ الْبَيْنُونَةَ هُنَا بِالطُّولِ؟ أُجِيبُ بِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ يُفَرِّقُ بَيْنَ وَصْفِهِ بِالطُّولِ صَرِيحًا فَيُوقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ وَكِنَايَةً فَيُوقَعَ بِهِ الْبَائِنُ

قُلْنَا: لَا بَلْ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْحَالِ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَخَصَّصُ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْإِثْبَاتَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالصَّرِيحِ كَمَا فِي كَثِيرِ الرَّمَادِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْجَوَادِ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْجُودِ لَهُ بِبَيِّنَةٍ أَعْنِي كَثْرَةَ الرَّمَادِ، وَأَنَّهُ تَعْلِيلٌ عَلَى مَذْهَبِنَا إلْزَامًا كَأَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَالَ: مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَقَدْ وَصَفَهُ بِالطُّولِ، وَلَوْ وَصَفَهُ بِالطُّولِ صَرِيحًا بِأَنْ قَالَ: طَلْقَةً طَوِيلَةً تَقَعُ بَائِنَةً عِنْدَكُمْ فَكَذَا كِنَايَةً بِالْأُولَى لَمَّا قُلْنَا، وَقَدْ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَيْثُ عَلَّلَ سُقُوطَ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى صَاحِبِ النِّصَابِ إذَا دَفَعَهُ إلَى الْفَقِيرِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ مَعَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَهُ إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابَ بَعْد الْحَوْلِ كَذَلِكَ، أَوْ أَنَّ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ كَمَا جَوَّزَهُ فِي الْكَافِي لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي دَلِيلِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالطُّولِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً طَوِيلَةً كَانَ بَائِنًا كَذَا هُنَا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ يُفِيدُ الطُّولَ وَالْعَرْضَ فَجَازَ أَنْ لَا تَحْصُلَ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَهُ بِأَحَدِهِمَا وَتَحْصُلَ بِالْوَصْفِ بِهِمَا لِأَنَّهُ يُفِيدُ وَتَقَرَّرَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَالْجَبَلِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يُقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطُّولِ بَلْ يَقُولُ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ (قَوْلُهُ قُلْنَا: بَلْ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الطَّلَاقُ وَقَعَ فِي كُلِّ الدُّنْيَا وَفِي السَّمَوَاتِ) ثُمَّ هُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْقَصْرَ حَقِيقَةً فَكَانَ قَصْرُ حُكْمِهِ وَهُوَ بِالرَّجْعِيِّ وَطُولُهُ بِالْبَائِنِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْهَا مُوقَعٌ وَلَا كِبَرٌ بَلْ مَدّهَا إلَى مَكَان وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ زِيَادَةُ شِدَّةٍ فَلَا بَيْنُونَةَ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: إنَّهُ إنَّمَا مَدَّ الْمَرْأَةَ لَا الطَّلَاقَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَالٌ وَلَا يَصْلُحُ صَاحِبَ الْحَالِ فِي التَّرْكِيبِ إلَّا الضَّمِيرُ فِي طَالِقٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) وَكَذَا فِي الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَّةَ وَلَا الدَّارِ، وَكَذَا فِي الظِّلِّ وَالشَّمْسِ وَالثَّوْبِ كَالْمَكَانِ، فَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ فِي ثَوْبِ كَذَا وَعَلَيْهَا غَيْرُهُ طَلُقَتْ لِلْحَالِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ. وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت إذَا لَبِسَتْ وَإِذَا مَرِضَتْ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا إذَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ إذَا دَخَلَتْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً (قَوْلُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان) الْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَكَانٍ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُعْدِلُ بِهِ رَفْعُ الْقَيْدِ الشَّرْعِيِّ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ لِمَنْ لَهُ التَّخَلُّصُ بِلَفْظٍ وَضَعَهُ

[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان]

وَإِنْ عُنِيَ بِهِ إذَا أَتَيْت مَكَّةَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى الْإِضْمَارَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، وَإِنْ نَوَى إنْ مَرِضْت لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْت مَكَّةَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِ الدَّارِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لِمُقَارَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ. فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى سَبَبًا لِذَلِكَ أَنْ يُعَلَّقَ وُجُودُهُ بِوُجُودِ أَمْرٍ مَعْدُومٍ حَتَّى إذَا وُجِدَ حَكَمَ سُبْحَانَهُ بِوُجُودِ الْمَعْنَى وَهُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَضْعًا شَرْعِيًّا لَا لُزُومًا عَقْلِيًّا، وَالزَّمَانُ وَالْأَفْعَالُ هُمَا الصَّالِحَانِ لِذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ ثُمَّ يُوجَدُ أَوْ قَدْ يُوجَدُ فَتَعَيَّنَا لِتَعْلِيقِ وُجُودِ الطَّلَاقِ بِوُجُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ عَيْنٌ ثَابِتَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِنَاطَةُ بِهِ، وَلَوْ أَنَاطَ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ فَالْمَنَاطُ إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ أَوْ فِعْلُ الْفَاعِلِ لَهُ فَكَانَ الصَّالِحُ لِتَعْلِيقِ وُجُودِ الْمَعْنِيِّ بِهِ الزَّمَانُ وَالْأَفْعَالُ، ثُمَّ الزَّمَانُ فِي الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقُ يَكُونُ مُسْتَقْبَلًا. أَمَّا الْحَالُ فَإِنَّمَا يَكُونُ مَعَهُ التَّنْجِيزُ وَوُقُوعُ الْمُعَلَّقِ. وَأَمَّا إضَافَتُهُ إلَى مَاضٍ خَالٍ عَنْهُ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَيَلْغُوَ وَيَصِيرَ أَنْتِ طَالِقٌ سَيَقَعُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الطَّلَاقَ بِرَفْعِ الْقَيْدِ وَلَمْ نَقُلْ هُوَ فِعْلٌ مَعْدُومٌ فَنَاسَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالزَّمَانِ وَيُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى فِعْلِ الْفَاعِلِ لَهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي أَثَرِهِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعَلُّقُ خِطَابِهِ بِالْحُرْمَةِ عِنْدَهُ، وَهَذَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا، فَجَعَلْنَا الْمُعَلَّقَ رَفْعَ الْقَيْدِ لَا فِعْلَ التَّطْلِيقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: فِي دُخُولِك الدَّارَ أَوْ مَكَّةَ تَعَلُّقٌ بِالْفِعْلِ) أَيْ بِالدُّخُولِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالشَّرْطِ لِصِحَّةِ اسْتِعَارَةِ الظَّرْفِ لِأَدَاةِ الشَّرْطِ لِمُقَارَبَةٍ بَيْنَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَظْرُوفَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الظَّرْفِ كَالْمَشْرُوطِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ مَعْنَاهُ: أَعْنِي الظَّرْفَ، وَكَذَا إذَا قَالَ: فِي لُبْسِك أَوْ فِي ذَهَابِك، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ صَلَاحِيَّةِ الْفِعْلِ لِذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَا يَقُومُ بِهَا فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْرَضَ أَوْ تُصَلِّيَ. [فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ] (فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ) ذَكَرَ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فُصُولًا مُتَعَدِّدَةً بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ الْإِيقَاعِ: أَيْ مَا بِهِ الْإِيقَاعُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ إلَى مُضَافٍ وَمَوْصُوفٍ وَمُشَبَّهٍ وَغَيْرِهِ مُعَلَّقٍ بِمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ تَحْتَ ذَلِكَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى بَابًا

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ. وَلَوْ نَوَى بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ) فَيَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي فِي الْغَدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا أَنَّ الْبَابَ يَكُونُ تَحْتَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى كِتَابًا، وَالْكُلَّ تَحْتَ الصِّنْفِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ الْمُدَوَّنِ فَإِنَّهُ صِنْفٌ عَالٍ، وَالْعِلْمُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ نَوْعٌ، وَالْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ تَكُونُ ظَنِّيَّةً كَالْفِقْهِ، وَقَطْعِيَّةً كَالْكَلَامِ وَالْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ، فَوَاضِعُ الْعِلْمِ لَمَّا لَاحَظَ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ لَهُ فَوَجَدَهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَحْوَالٍ شَتَّى أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ فَوَضَعَهُ لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَصَارَ صِنْفًا، وَقِيلَ لِلْوَاضِعِ صَنَّفَ الْعِلْمَ، أَيْ جَعَلَهُ صِنْفًا فَالْوَاضِعُ أَوْلَى بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ. وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا فِيهِمْ وَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَتَبَايَنُ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ صِنْفٍ أَعْلَى لِتَبَايُنِ الْعَوَارِضِ الْمُقَيَّدِ بِكُلٍّ مِنْهَا النَّوْعُ وَأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ كِتَابِ الْحَوَالَةِ اللَّائِقِ بِهِ خِلَافُ تَسْمِيَتِهِ بِكِتَابٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِطُلُوعِ فَجْرِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ) لِأَنَّ جَمِيعَهُ هُوَ مُسَمَّى الْغَدِ، وَلَوْ نَوَى آخِرَ النَّهَارِ جَازَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ) تَنْزِيلٌ لِلْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ، وَإِلَّا فَلَفْظُ غَدًا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يَقَعُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ نَجَّزَهُ فَلَا يَرْجِعُ مُتَأَخِّرًا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَوْرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ لَمْ يُعْتَبَرْ لِإِضَافَةٍ أُخْرَى لَا لِإِضَافَةِ عَيْنِ مَا نُجِّزَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ اعْتِبَارَ كَلَامِهِ إيقَاعًا لِلْحَاجَةِ وَهِيَ مُرْتَفِعَةٌ بِالْوَاحِدَةِ وَلَا ضَرُورَةَ أُخْرَى تَجِبُ لِمُرَاعَاتِهَا وُقُوعُ أُخْرَى، فَإِنَّهَا إذَا طَلُقَتْ الْيَوْمَ كَانَتْ غَدًا كَذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ بِالْعَطْفِ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا طَالِقٌ فِي الْغَدِ وَآخِرِ النَّهَارِ بِطَلَاقِهَا فِي الْيَوْمِ وَأَوَّلِ النَّهَارِ، وَقَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ الْمُنَجَّزُ لِاتِّصَالِ مُغَيِّرِ الْأَوَّلِ بِالْآخِرِ فَلَمْ لَمْ يَتَوَقَّفْ بِاتِّصَالِ الْإِضَافَةِ كَمَا تَوَقَّفَ بِاتِّصَالِ الشَّرْطِ

وَإِذَا قَالَ: غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَنَجَّزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا اللَّفْظُ الثَّانِي فِي الْفَصْلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكِلَاهُمَا مُغَيِّرٌ لِلتَّنْجِيزِ؟ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُضَافٌ لَا أَنَّهُ طَلَاقٌ آخَرُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَسْقُطُ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشَّرْطِ فَيَبْقَى قَوْلُهُ الْيَوْمَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْوُقُوعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا يَسْقُطُ الْجَوَابُ بِأَنَّ طَالِقٌ الْيَوْمَ إيقَاعٌ فِي الْحَالِ، وَإِذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا لِلتَّنَافِي وَاعْتِبَارُ الْمُعَلَّقِ أَوْلَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ إلْغَاءُ كَلِمَةِ وَاحِدَةٍ وَهِيَ لَفْظَةُ " الْيَوْمَ "، وَفِي اعْتِبَارِ الْمُنَجَّزِ إلْغَاءُ كَلِمَاتٍ وَهِيَ قَوْلُهُ إذَا جَاءَ غَدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْفَرْقُ فِي الْجَوَابَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ تُوقَفْ فَلَمْ يَكُنْ تَنْجِيزًا مَعَ اتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ الشَّرْطِيِّ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ فَكَانَ تَنْجِيزًا مَعَ اتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ الْإِضَافِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ الثَّانِي نَاسِخًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّسْخَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْأَوَّلِ وَتَقَرُّرِهِ، وَتَقَرُّرُ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَثُبُوتُ وُقُوعِهِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ فَلِأَنَّهُ وَقَعَ مُسْتَقِيمًا مُضَافًا وَبَعْدَمَا صَحَّ مُضَافًا إلَى غَدٍ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ مُنَجَّزًا بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ تَطْلِيقَةً أُخْرَى، وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَزِمَتْ إضَافَتُهَا إلَى الْغَدِ فَلَزِمَ إلْغَاءُ اللَّفْظِ الثَّانِي ضَرُورَةً، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ مُسْتَبِدٍّ فِي نَفْسِهِ مُتَرَاخٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا. فَإِنْ قُلْت: فَمَا وُجُوهُ الْمَسْأَلَةِ إذَا وُسِّطَتْ الْوَاوُ؟ فَالْجَوَابُ إذَا قُدِّمَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الْوَقْتَيْنِ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ أَوْ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ فِي لَيْلِك وَنَهَارِك وَهُوَ فِي اللَّيْلِ أَوْ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي النَّهَارِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْأُخْرَى لِأَنَّهَا بِطَلَاقِهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَكُونُ طَلَاقًا فِي آخِرِهِمَا، وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَاحِدَةٌ وَغَدًا وَاحِدَةٌ صَحَّ وَوَقَعَتْ ثِنْتَانِ، وَكَذَا طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِلَا نِيَّةٍ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَعْنَ كَذَلِكَ. وَإِنْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَ كَطَالِقٍ غَدًا وَالْيَوْمَ أَوْ فِي نَهَارِك وَلَيْلِك وَهُوَ فِي اللَّيْلِ أَوْ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي النَّهَارِ فَعَنْ زُفَرَ كَذَلِكَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَنَا يَقَعُ ثِنْتَانِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ مُضَافًا صَحِيحًا وَالْوَاوَ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ يُوجِبُ تَقْدِيرَ مَا فِي الْأُولَى بِمَا بَعْدَهَا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، وَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ؛ فَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ مُوقَعٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ قُلْنَا اللَّازِمُ وَهُوَ كَوْنُهَا طَالِقًا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَحْصُلُ بِإِيقَاعِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَطْ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى اعْتِبَارِهِ مُوقَعًا كُلَّ يَوْمٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَقْلَ هَذَا الْخِلَافِ مَعَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي طَالِقٍ غَدًا وَالْيَوْمَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ إمَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ فَتَقَعَ وَاحِدَةٌ أَوْ قَلْبَهُ غَدًا وَمَا بَعْدَهُ وَالْيَوْمَ فَكَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً، فَلَوْ نَوَى أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ. وَحَاصِلُ مَا يَقَعُ بِهِ جَوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ صِحَّةَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ إمَّا بِاعْتِبَارِ إضْمَارِ التَّطْلِيقِ كَأَنَّهُ قَالَ: طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أَوْ بِإِضْمَارِ فِي كَأَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَوْ قَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً وَهُوَ مَا قَاسَ عَلَيْهِ زُفَرُ. وَفَرَّقُوا بِأَنَّ " فِي " لِلظَّرْفِ وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعِ فَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وُقُوعُ تَعَدُّدِ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَالَ نَوَيْت آخِرَ النَّهَارِ دِينَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ " فِي " جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَدًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلِهَذَا يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَذْفَ فِي وَإِثْبَاتَهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفِيَّةُ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَتَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورَةَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ، فَإِذَا عَيَّنَ آخِرَ النَّهَارِ كَانَ التَّعْيِينُ الْقَصْدِيُّ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الضَّرُورِيِّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَدًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ حَيْثُ وَصَفَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُضَافًا إلَى جَمِيعِ الْغَدِ. نَظِيرُهُ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ فِي عُمْرِي، وَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِعِ، بِخِلَافِ كَوْنِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ الِاتِّصَافُ بِالْوَاقِعِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَالَ: نَوَيْت آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. لَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ غَدًا وَفِيهِ لَا يُصَدَّقُ فِي نِيَّتِهِ آخِرَهُ، وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ اتِّفَاقًا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَهَذَا وَهُوَ كَوْنُ وَصْفِهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ أَوْ صَيْرُورَتِهِ بِمَنْزِلَةِ غَدًا لِأَنَّ حَذْفَ لَفْظَةِ فِي مَعَ إرَادَتِهَا وَإِثْبَاتِهَا سَوَاءٌ فَإِذَا كَانَ فِي حَذْفِهِ يُفِيدُ عُمُومَ الزَّمَانِ فَفِي إثْبَاتِهِ كَذَلِكَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذِكْرَ لَفْظَةِ فِي يُفِيدُ وَصْلَ مُتَعَلِّقِهَا بِجُزْءٍ مِنْ مَدْخُولِهَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِجُزْءٍ آخَرَ أَوْ كُلِّهِ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ خُصُوصُ أَحَدِهِمَا مِنْ خَارِجٍ كَمَا فِي صُمْت فِي يَوْمٍ يُعْرَفُ الشُّمُولُ وَأَكَلْت فِي يَوْمٍ يُعْرَفُ عَدَمُهُ لَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَإِذَا نَوَى جُزْءًا مِنْ الزَّمَانِ خَاصًّا فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرُوا وَصْلَ الْفِعْلِ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمُفَادَ حِينَئِذٍ عُمُومُهُ لِلْقَطْعِ مِنْ اللُّغَةِ بِفَهْمِ الِاسْتِيعَابِ فِي سِرْت فَرْسَخًا وَبِعَدَمِهِ فِي سِرْت فِي فَرْسَخٍ وَصُمْت عُمُرِي وَفِي عُمُرِي فَنِيَّةُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ

هَذَيْنِ الدَّهْرَ وَفِي الدَّهْرِ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَلْغُوَ، كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَضَاءً، وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي غَدٍ قَوْلُهُ فِي شَعْبَانَ مَثَلًا؛ فَإِذَا قَالَ: طَالِقٌ فِي شَعْبَانَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإِنْ نَوَى آخِرَ شَعْبَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ) أَوْ فِي الشَّهْرِ الَّذِي خَرَجَ (وَقَدْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ حَاصِلُهُ إنْكَارًا لِلطَّلَاقِ فَيَلْغُوَ فَكَانَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَلِأَنَّهُ حِينَ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ إنْشَاءً أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ: أَيْ طَالِقٌ أَمْسِ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ إذَا لَمْ تَنْكِحِي بَعْدُ أَوْ عَنْ طَلَاقِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا إنْ كَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِلْمُعَيَّنَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ ثِنْتَانِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي التَّرْكِيبِ الْإِيقَاعُ وَالْإِنْشَاءُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِتَعَذُّرِهِ وَالصَّارِفُ عَنْهُ إلَى مُحْتَمِلِهِ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِنْشَاءِ مُنْتَفٍ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الْأُولَى، إمَّا بِعَوْدِ الْقَيْدِ بَعْدَ زَوَالِهِ لِثُبُوتِ الْعِدَّةِ كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، أَوْ لِبَقَائِهِ مُتَوَقِّفًا إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَقَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ، وَيَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ يَقَعُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ طَلْقَةٌ أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيَّةً لِقِيَامِ الْعِدَّةِ بِعَوْدِ الْقَيْدِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُبَانَةِ مَعَ قِيَامِ عِدَّتِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ ثَانِيًا أَوْ التَّأْكِيدِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّجْدِيدَ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنْكَرِ لَيْسَ غَالِبًا، وَلَا الدَّاعِي إلَى تَكْثِيرِ الطَّلَقَاتِ مِنْ اللَّجَاجِ وَالْبَغْضَاءِ بِحَيْثُ لَا يَقْنَعُ الزَّوْجُ بِوَاحِدَةٍ مَوْجُودًا فِيهِ لِأَنَّ تَحَقُّقَ ذَلِكَ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا فِي الْمُنَكَّرَةِ، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ وَقَعَ السَّاعَةَ لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا لِكَذِبِهِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِسْنَادِ فَكَانَ إنْشَاءً فِي الْحَالِ فَيَقَعَ السَّاعَةَ. وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حَكَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنْجِزَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَنَقُولُ أَيْضًا: إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ، وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ وَالْجَزَاءَ مُسَبَّبٌ عَنْهُ، وَلَا يُعْقَلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ

أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلهُ مِنْ أَمْسِ وَقَعَ السَّاعَةَ) لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا أَيْضًا فَكَانَ إنْشَاءً، وَالْإِنْشَاءُ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ فَيَقَعَ السَّاعَةَ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قِبَلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ، أَوْ يُصَحَّحُ إخْبَارًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حَيْثُ سَكَتَ، وَهَذَا لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى وَمَتَى مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وُقُوعُ ثَلَاثٍ: الْوَاحِدَةُ الْمُنَجَّزَةُ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَعْنَ فَيَنْزِلَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو. وَلَوْ كَانَ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ وَالْمُعَلَّقَةُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ إذَا طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ) أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا وَأَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ لَمْ تُعْهَدْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُ فِي الْإِضَافَةِ (أَوْ يُصَحَّحُ إخْبَارًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ كَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ أَوْ طَلَاقِ زَوْجٍ مُتَقَدِّمٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ مَتَى ظَرْفُ زَمَانٍ، وَكَذَا " مَا " تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً نَائِبَةً عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ، قَالَ: تَعَالَى قَاصِدًا لِكَلَامِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أَيْ مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا، فَصَارَ حَاصِلُ الْمَعْنَى إضَافَةَ طَلَاقِهَا إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ طَلَاقِهَا، وَبِمُجَرَّدِ سُكُوتِهِ وُجِدَ الزَّمَانُ الْمُضَافُ إلَيْهِ فَيَقَعَ. فَلَوْ قَالَ: مَوْصُولًا أَنْتِ طَالِقُ بَرَّ، حَتَّى لَوْ قَالَ: مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ وَصَلَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ: أَصْحَابُنَا بَرَّ وَوَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ: زُفَرُ: ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعَةً لَا جُمْلَةً لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الْإِفْرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ. وَلَوْ قَالَ: حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ، وَكَذَا زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك. وَإِنْ قَالَ: زَمَانَ

صَرِيحٌ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّهُمَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ، وَكَذَا كَلِمَةُ " مَا " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أَيْ وَقْتَ الْحَيَاةِ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ وَهُوَ الشَّرْطُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ، وَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّ لَمْ تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ مَاضِيًا مَعَ النَّفْيِ وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ، وَحَيْثُ لِلْمَكَانِ وَكَمْ مَكَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ غَالِبًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِحِينَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالَاتِهِ إذْ يُرَادُ بِهِ سَاعَةٌ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] وَأَرْبَعُونَ سَنَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ، لِأَنَّهُ مَتَى طَلَّقَهَا فِي عُمُرِهِ لَمْ يَصْدُقْ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بَلْ صَدَقَ نَقِيضُهُ وَهُوَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَالْيَأْسُ يَكُونُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَّاتِهِ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ بَلْ قَالُوا: تَطْلُقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَوَرِثَتْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ وَإِلَّا لَا تَرِثُهُ. وَقَوْلُهُ وَهُوَ الشَّرْطُ: يَعْنِي الْعَدَمَ (قَوْلُهُ كَمَا فِي إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ) إعْطَاءُ نَظِيرٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ بِإِنْ مَنْفِيٌّ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ أَوْ الْعَتَاقُ إذَا عُلِّقَ بِهِ إلَّا بِالْمَوْتِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَزَادَ قَيْدًا حَسَنًا فِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِكَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ انْتَهَى. وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ فَلَمْ تُطَاوِعْهُ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْبَيْتَ مَعِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ طَلُقَتْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الدُّخُولِ كَانَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَقَدْ فَاتَ (قَوْلُهُ وَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَإِنَّمَا عَجَزَ بِمَوْتِهَا وَصَارَ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلَ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهَا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَجْهَ السَّابِقَ يَنْتَظِمُ مَوْتَهَا وَمَوْتَهُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ مَوْتَهَا يُمَكِّنُهُ الدُّخُولَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَقَعُ. أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ مِنْهُ بِمَوْتِهَا، وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك، أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَطْلُقُ حِينَ سَكَتَ) لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] وَقَالَ قَائِلُهُمْ: وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ... وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَتَى وَمَتَى مَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبَيَّنَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَطْلُقُ حِينَ سَكَتَ) لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ كَكَلِمَةِ مَتَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] وَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ ابْنُ أَحْمَرَ أَوْ حَرِيُّ بْنُ ضَمْرَةَ: (وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ... وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ) يَعْنِي أَخَاهُ الصَّغِيرَ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ لَعَنْتَرَةُ الْعَبْسِيُّ فَخَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالشَّأْنِ لِانْتِفَائِهِ مِنْ دِيوَانِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لِعَنْتَرَةَ أَخٌ اسْمُهُ جُنْدُبٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا لَهُ أَخٌ مِنْ أُمِّهِ اسْمُهُ شَيْبُوبٌ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ بِحَيْثُ تُوَاكِلُ إيَّاهُ شَدَّادًا حَيْسًا لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى قِصَّتِهِ. وَقَبْلَ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ: هَلْ فِي الْقَضِيَّةِ أَنْ إذَا اسْتَغْنَيْتُمْ ... وَأَمِنْتُمْ فَأَنَا الْبَعِيدُ الْأَجْنَبُ وَإِذَا الشَّدَائِدُ بِالشَّدَائِدِ مَرَّةً ... أَشَجَّتْكُمْ فَأَنَا الْمُحَبُّ الْأَقْرَبُ وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ... وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ هَذَا وَجَدِّكُمْ الصَّغَارُ بِعَيْنِهِ ... لَا أُمَّ لِي إنْ كَانَ ذَاكَ وَلَا أَبُ عَجَبٌ لِتِلْكَ قَضِيَّةٍ وَإِقَامَتِي ... فِيكُمْ عَلَى تِلْكَ الْقَضِيَّةِ أَعْجَبُ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْآيَةِ وَالْبَيْتِ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَجَوَابُ الْأَوَّلِ عَلِمْت وَجَوَابُ الثَّانِي أُدْعَى وَيُدْعَى، وَأَيْضًا تَنْظِيرُهُ لَهَا بِمَتَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَحَّضُ لِلْوَقْتِ أَبَدًا، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لِلْوَقْتِ يَعْنِي الْمَحْضَ، وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ وَلَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ مَطْلُوبِهِمَا عَلَيْهِ، بَلْ الْمَنْقُولُ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا مَعْنَى

كَمَا فِي قَوْلِهِ مَتَى شِئْت. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا، قَالَ قَائِلُهُمْ: وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ فِي الْمُجَازَاةِ، فَأَوْرَدَ الشَّاهِدِينَ لَهُمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى قِيَامِ الْوَقْتِ مَعَ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ لَهُمَا حَاجَةٌ أَنْ يُبَيِّنَهَا أَنَّهَا لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الشَّرْطِ، بَلْ حَاجَتُهُمَا فِي إثْبَاتِ الِاجْتِمَاعِ لِيَكُونَ دَفْعًا ظَاهِرًا لِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ أَيْضًا) يَعْنِي الشَّرْطَ الْمُجَرَّدَ عَنْ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَإِلَّا لَا يُفِيدُ. وَهَذَا مَذْهَبٌ نُقِلَ عَنْ الْكُوفِيِّينَ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ حَيْثُ جُزِمَ بِهَا فَصَارَتْ مُحْتَمِلَةً لِكُلٍّ مِنْ الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الظَّرْفِ؛ وَالظَّرْفُ إمَّا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ عِنْدَهُ فِي الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ وَكَثُرَ حَتَّى صَارَ كَالظَّاهِرِ فَتَسَاوَيَا كَمَا قِيلَ، وَلِذَا صَدَّقَهُ الْقَاضِي فِي دَعْوَاهُ إرَادَةَ الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ، وَبِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ دِجْلَةَ حَيْثُ صَرَفَاهَا إلَى الشُّرْبِ بِالْآنِيَةِ وَكَرَعَا لِأَنَّ الْمَجَازَ هُنَاكَ غَالِبٌ. وَاحْتَاجَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الْفَرْقِ لِأَنَّهُ جَزَمَ هُنَاكَ أَنَّهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا هُنَا، وَفَرْقُهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْحِنْثُ بِالْكَرَعِ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَاعْتِبَارِ الْمَجَازِ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الشُّرْبِ اغْتِرَافًا فَكَانَ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ ثَابِتًا يَقِينًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَاعْتُبِرَتْ لِذَلِكَ: أَيْ لِلتَّيَقُّنِ بِحُكْمِهَا، بِخِلَافِ الْمَجَازِ بِخِلَافِ مَعْنَى الظَّرْفِ هُنَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الْمَجَازِ، وَأَنْتَ سَمِعْت أَنَّ الْبَصْرِيِّينَ يَمْنَعُونَ سُقُوطَ مَعْنَى الظَّرْفِ عَنْهَا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ شَرْطًا كَمَتَى، فَثُبُوتُ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ مَمْنُوعٌ، وَأَمَّا كَوْنُهَا مَجَازًا فِي جُزْءِ مَعْنَاهَا فَلَمْ يُسْمَعْ يَقِينًا، وَبِتَقْدِيرِ إحْدَاثِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي آحَادِ الْمَجَازِ فَكَوْنُهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَرَادَ مَعْنَى الشَّرْطِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْقَاضِي بَلْ يَصِحُّ دِيَانَةً لِأَنَّهُ الْوَجْهُ عِنْدَهُمَا ظُهُورُهَا فِي الظَّرْفِ، فَمُرَادُهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَالْبَيْتُ الْمَذْكُور لَهُ قَائِلُهُ عَبْدُ قَيْسِ بْنِ خِفَافِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَنْظَلَةَ يُوصِي جُبَيْلًا ابْنَهُ بِقَصِيدَةٍ فِيهَا آدَابٌ وَمَصَالِحُ أَوَّلُهَا: أَجُبَيْلُ إنَّ أَبَاك كَارِبُ يَوْمِهِ ... فَإِذَا دُعِيت إلَى الْمَكَارِمِ فَاعْجَلْ أُوصِيكَ إيصَاءَ امْرِئٍ لَك نَاصِحٌ ... ظَنَّ بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرَ مَعْقِلِ اللَّهَ فَاتَّقِهِ وَأَوْفِ بِنَذْرِهِ ... وَإِذَا حَلَفْت مُمَارِيًا فَتَحَلَّلْ وَالضَّيْفَ تُكْرِمْهُ فَإِنَّ مَبِيتَهُ ... حَقٌّ وَلَا تَكُ لَعْنَةً لِلنُّزُلِ

فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الشَّرْطُ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَقْتُ تَطْلُقُ فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ بِأَنَّ الضَّيْفَ مُخْبِرُ أَهْلِهِ ... بِمَبِيتِ لَيْلَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ وَدَعِ الْقَوَارِصَ لِلصِّدِّيقِ وَغَيْرِهِ ... كَيْ لَا يَرَوْكَ مِنْ اللِّئَامِ الْعُزَّلِ وَصِلْ الْمُوَاصِلَ مَا صَفَا لَك وُدُّهُ ... وَاحْذَرْ حِبَالَ الْخَائِنِ الْمُتَبَذِّلِ وَاتْرُكْ مَحِلَّ السُّوءِ لَا تَحْلُلْ بِهِ ... وَإِذَا نَبَا بِك مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلْ دَارُ الْهَوَانِ لِمَنْ رَآهَا دَارِهِ ... أَفَرَاحِلٌ عَنْهَا كَمَنْ لَمْ يَرْحَلْ وَاسْتَأْنِ حِلْمَك فِي أُمُورِك كُلِّهَا ... وَإِذَا عَزَمْت عَلَى النَّدَى فَتَوَكَّلْ وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ وَإِذَا هَمَمْت بِأَمْرِ شَرٍّ فَاتَّئِدْ ... وَإِذَا هَمَمْت بِأَمْرِ خَيْرٍ فَاعْجَلْ وَإِذَا أَتَتْك مِنْ الْعَدُوِّ قَوَارِصُ ... فَاقْرُصْ لِذَاكَ وَلَا تَقُلْ لَمْ أَفْعَلِ وَإِذَا افْتَقَرْت فَلَا تَكُنْ مُتَخَشِّعًا ... تَرْجُو الْفَوَاضِلَ عِنْدَ غَيْرِ الْمُفْضَلِ وَإِذَا تَشَاجَرَ فِي فُؤَادِك مَرَّةً ... أَمْرَانِ فَاعْمِدْ لِلْأَعَفِّ الْأَجْمَلِ وَإِذَا لَقِيت الْقَوْمَ فَاضْرِبَ فِيهِمْ ... حَتَّى يَرَوْكَ طِلَاءَ أَجْرَبَ مُهْمَلِ وَإِذَا رَأَيْت الْبَاهِشِينَ إلَى النَّدَى ... غُبْرًا أَكُفُّهُمْ بِقَاعٍ مُمْحِلِ فَأَعْنِهِمْ وَأَيْسِرْ بِمَا يُسَرُّوا بِهِ ... وَإِذَا هُمُوا نَزَلُوا بِضَنْكٍ فَانْزِلْ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّاعِرُ إذَا فِيهَا لِلشَّرْطِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا بِالْجَزْمِ وَدُخُولِ فَاءِ الْجَزَاءِ، وَمَعْقِلٌ مِنْ عَقَلْت النَّاقَةَ بِالْعَقْلِ، يُرِيدُ عَقْلِي بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، وَتَجَمَّلْ: أَيْ أَظْهِرْ جَمِيلًا وَلَا تُظْهِرْ جَزَعًا، وَقِيلَ كُلْ الْجَمِيلَ الْمَجْمُولَ وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُذَابُ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ فِي التَّأْدِيبِ. وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ التَّطْلِيقِ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَيَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقٌ، وَهَذَا الطَّلَاقُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْيَمِينِ الْأُولَى. لِأَنَّهُ وَقَعَ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى فَحَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ فَيَقَعَ طَلَاقَانِ. وَلَوْ قَلَبَ فَقَالَ: إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ يَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ التَّطْلِيقِ صَارَ حَانِثًا فِي الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ، فَالشُّرُوطُ تُرَاعَى فِي الْمُسْتَقْبِلِ لَا الْمَاضِي وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَقَعَانِ بَعْدَ زَمَانٍ يَسِيرٍ فِي الْأُولَى لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا سَكَتَ لِأَنَّهُ حَنِثَ فِي قَوْلِهِ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَسْكُتْ حَتَّى مَاتَ لِأَنَّ زَمَانَ قَوْلِهِ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ زَمَانٌ يُوجَدُ فِيهِ تَطْلِيقٌ فَيَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ. وَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك، وَقَلْبُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا تَزَوَّجْتُك، وَإِذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك، فَفِي الصُّورَتَيْنِ

بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَلْبَتَّةَ، أَمَّا إذَا نَوَى الْوَقْتَ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَوْ نَوَى الشَّرْطَ يَقَعُ فِي آخِرِ الْعُمُرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهَا. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ) مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ وُصُولًا بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ فَيَقَعَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ زَمَانُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَيَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّالِثَةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا أُضِيفَ إلَى وَقْتَيْنِ أَحَدُهُمَا يَقْبَلُهُ وَالْآخِرُ لَا صَحَّ مَا يَقْبَلُهُ وَبَطَلَ مَا لَا يَقْبَلُهُ وَإِنَّ الْآخَرَ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ، وَقَبْلَ وَإِذَا ظَرْفَانِ وَقَبْلَ لَا يَقْبَلُ الطَّلَاقَ، وَإِذَا تَقْبَلُهُ فَأُضِيفَ إلَيْهَا، وَلَهُمَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَمَا قَبْلَهَا تُرَجَّحُ جِهَةُ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ، فَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ التَّزَوُّجِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَلَا يَقَعُ، أَوْ لِأَنَّ الْآخَرَ وَهُوَ الْإِضَافَةُ إلَى قَبْلَ نَسَخَ الْأَوَّلَ (وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِيَّةِ وَالظَّرْفِيَّةِ يُوجِبُ وُقُوعَهُ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِيَّةِ تَحِلُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ الظَّرْفِيَّةِ تَطْلُقُ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَحْرُمَ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الظَّرْفِ كَمَا قَالَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا مَتْرُوكٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ التَّرَدُّدِ فِي الْأَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ جَاءَ فِيهِ أَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِقَاضِ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَعَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِهِ تَحِلُّ وَمَعَ هَذَا لَا تَتَرَجَّحُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ كَانَ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إنَّمَا ذَلِكَ فِي تَعَارُضِ دَلِيلِ الْحُرْمَةِ مَعَ دَلِيلِ الْحِلِّ فَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِدَلِيلِ الْحُرْمَةِ، أَمَّا هُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْحُرْمَةَ لَمْ نَعْمَلْ بِدَلِيلٍ بَلْ بِالشَّكِّ، وَهُنَاكَ يَقَعُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُشْكِلُ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ فِي الْمَشِيئَةِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى قَوْلِهِ يَخْرُجُ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى وَلَمْ تُدْرَ نِيَّتُهُ لِعَارِضٍ عَرَاهُ، وَأَمَّا إذَا عُرِفَتْ بِأَنَّ اسْتَفْسَرَ فَقَالَ: أَرَدْت الزَّمَانَ فَيَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَكَذَا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ صُدِّقَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ: أَعْنِي قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت الزَّمَانَ صُدِّقَ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت الشَّرْطَ لَا يُصَدَّقُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَعَلَى قَوْلِهِ يُصَدَّقُ فِي الشَّرْطِ وَفِي الظَّرْفِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ مُحْتَمَلَاتِهَا مَعَ أَنَّ فِي الثَّانِي تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ) الْمُنَجَّزَةِ فَقَطْ، حَتَّى لَوْ كَانَ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ (مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا بِهِ) فَلَوْ فَصَلَ وَقَعَ الْمُضَافُ وَالْمُنَجَّزُ جَمِيعًا (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ أَيْضًا فَيَقَعَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ الْمُضَافُ وَحْدَهُ (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ، وَهُوَ زَمَانُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ

الْبِرِّ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ لِأَنَّ الْبِرَّ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْقِيقُ الْبِرِّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مُسْتَثْنًى، أَصْلُهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَاشْتَغَلَ بِالنَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَأَخَوَاتُهُ عَلَى مَا يَأْتِيك فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ وَإِذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ كَالصَّوْمِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمِعْيَارُ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِهِ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَيَنْتَظِمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِرِّ مُسْتَثْنًى بِدَلَالَةِ حَالِ الْحَالِفِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا إلَّا أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يُمَكِّنُهُ تَحْقِيقَ الْبِرِّ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ (أَصْلُهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَاشْتَغَلَ بِالنَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ) بَرَّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، فَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ هُنَا النَّظِيرُ لَا أَصْلُ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْكُلَّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: لِامْرَأَةِ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا وَنَهَارًا. وَالْأَفْعَالُ مِنْهَا مَا يَمْتَدُّ وَهُوَ مَا صَحَّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالسَّيْرِ وَالرُّكُوبِ وَالصَّوْمِ وَتَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ وَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَاخْتَارِي نَفْسَك يَوْمَ يَقْدَمُ فَيَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِبَيَاضِ النَّهَارِ، فَلَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا لَا خِيَارَ لَهَا أَوْ نَهَارًا دَخَلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا إلَى الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَدَّ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ ذِكْرِ الْيَوْمِ دُونَ حَرْفٍ فِي ضَرْبِ الْمُدَّةِ تَقْدِيرًا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي بَيَاضِ النَّهَارِ فَيَبْقَى مَعَهُ إلَى أَنْ يَتَعَيَّنَ خِلَافُهُ كَقَوْلِك أَحْسِنْ الظَّنَّ بِاَللَّهِ يَوْمَ تَمُوتُ وَارْكَبْ يَوْمَ يَأْتِي الْعَدُوُّ. وَمِنْهَا مَا لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْعَتَاقِ وَالدُّخُولِ وَالْقُدُومِ وَالْخُرُوجِ فَيَجِبُ حَمْلُ الْيَوْمِ مَعَهُ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْمُدَّةِ لَهُ لَغْوٌ إذْ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) فَيَقَعُ لَيْلًا تَزَوَّجَهَا أَوْ نَهَارًا، كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَفِي الْأَصْلِ التَّزَوُّجُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قِيلَ كَأَنَّهُ غَلَطٌ، وَالصَّحِيحُ الطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَفِي النِّهَايَةِ: الصَّحِيحُ التَّزَوُّجُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، قَالَ: كَذَا وَجَدْتُهُ بِخَطِّ شَيْخِي، وَلِأَنَّهُ اعْتَبَرَ

وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ خَاصَّةً دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَاللَّيْلُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا السَّوَادَ وَالنَّهَارُ يَتَنَاوَلُ الْبَيَاضَ خَاصَّةً وَهَذَا هُوَ اللُّغَةُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ فِي وِزَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا الْجَزَاءُ، قَالَ: فِي الْأَيْمَانِ: لَوْ قَالَ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ، وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ فِي أَتَزَوَّجُك لَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْقِرَانِ فِي قَوْلِهِ إذَا قَرَنَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ التَّزَوُّجِ لَا الطَّلَاقِ لِأَنَّ مُقَارَنَتَهُ الْيَوْمَ أَقْوَى لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِضَافَةِ وَالْمُضَافُ مَعَ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَالْأَصْوَبُ الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ: أَعْنِي اعْتِبَارَ الْجَزَاءِ كَالطَّلَاقِ هُنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الظَّرْفِ إفَادَةُ وُقُوعِهِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَظْرُوفًا أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِذِكْرِ ذَلِكَ الظَّرْفُ، بَلْ إنَّمَا ذُكِرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ لِيَتَعَيَّنَ الظَّرْفُ فَيَتِمَّ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْيِينِ زَمَنِ وُقُوعِ مَضْمُونِ الْجَوَابِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ مَا قُصِدَ الظَّرْفُ لَهُ لِاسْتِعْلَامِ الْمُرَادِ مِنْ الظَّرْفِ أَهُوَ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا لَمْ يُقْصَدْ لَهُ فِي اسْتِعْلَامِ حَالِهِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ تَسَامَحُوا فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْجَوَابُ: أَعْنِي مَا يَكُونُ بِهِ الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مِمَّا يَمْتَدُّ نَحْوُ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَسِيرُ فُلَانٌ، أَوْ لَا يَمْتَدُّ كَأَنْتِ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ وَطَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَعَلَّلُوا بِامْتِدَادِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَعَدَمِهِ، وَالْمُحَقِّقُونَ ارْتَفَعُوا عَنْ ذَلِكَ الْإِيهَامِ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ حَكَى خِلَافًا فِي الِاعْتِبَارِ وَيُشْبِهُ كَوْنَهُ وَهْمًا، وَلِذَا نُقِلَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُعَلَّقِ فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْجَوَابُ لَوْ اُعْتُبِرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ بِالِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ كَأَنْتِ حُرٌّ يَوْمَ يَسِيرُ فُلَانٌ. [فُرُوعٌ] قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ تَطْلُقُ إذَا انْقَضَى شَهْرٌ، وَأَوْقَعَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلْحَالِ، أَوْ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ يَقَعُ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ لِشَهْرٍ مُقْتَصِرًا. وَقَالَ زُفَرُ مُسْتَنِدًا أَوْ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ فَمَاتَ لِتَمَامِهِ وَقَعَ مُسْتَنِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَوْتِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَوْ كَانَ وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَوْ كَانَ ثَلَاثًا وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ غَرِمَ الْعَقْرَ، وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ الْحَالِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِذَلِكَ الْوَطْءِ وَلَا يَلْزَمُهُ عَقْرٌ، وَقِيلَ تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ اتِّفَاقًا احْتِيَاطًا، كَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرِ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ لِتَمَامِ الشَّهْرِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَالْبَائِنُ وَيَبْطُلُ الْخُلْعُ وَيَرُدُّ الزَّوْجُ بَدَلَ الْخُلْعِ لِظُهُورِ بُطْلَانِ الْخُلْعِ وَالْبَائِنُ لِسَبْقِ الثَّلَاثِ بِالِاسْتِنَادِ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَالْبَائِنُ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ وَيَصِيرُ مَعَ الْخُلْعِ ثَلَاثًا. وَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ لَا تَطْلُقُ لِعَدَمِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ.

[فصل قال لامرأته أنا منك طالق]

فَصْلٌ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ ثُمَّ وَضَعَتْ حَمْلَهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا فَلَمْ تَجِبْ عِدَّةٌ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْمَحِلِّ إذْ الْمُسْتَقْبَلُ يَثْبُتُ لِلْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْأَسْرَارِ. هَذَا عَلَى طَرِيقِ كَوْنِ الْحُكْمِ هُنَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَدْ قِيلَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي أَوْ قَبْلَ مَوْتِك بِشَهْرٍ عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَتَرِثُ مِنْهُ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِهِ مُقْتَصِرًا كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُسْتَنِدًا حَتَّى إذَا كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا تَرِثُ مِنْهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثَلَاثُ حِيَضٍ. أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. وَلَوْ قَالَ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَلَكَ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ عِنْدَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْمِلْكِ وَالتَّزَوُّجِ، وَعِنْدَهُمَا مُقْتَصِرًا حَتَّى يُعْتَبَرَ الْعِتْقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الشِّرَاءِ. فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَمِنْ الثُّلُثِ وَفِي الزَّوْجَةِ الْأَخِيرَةِ تَطْلُقُ مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا حَتَّى لَا تَلْزَمَهَا الْعِدَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَلَا مِيرَاثَ لَهَا. وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقُدُومِ وَالْمَوْتِ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ وَالْجَزَاءُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُعَرَّفِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فِي الدَّارِ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَ مِنْهَا آخِرَ النَّهَارِ طَلُقَتْ مِنْ حِينِ تَكَلَّمَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي الِابْتِدَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ قَبْلَ الشَّهْرِ فَلَا يُوجَدُ الْوَقْتُ أَصْلًا فَأَشْبَهَ سَائِرَ الشُّرُوطِ فِي احْتِمَالِ الْخَطَرِ، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُودِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَالْمَوْتُ يُعْرَفُ، فَفَارَقَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الشَّرْطَ وَأَشْبَهَ الْوَقْتَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ فَقُلْنَا بِأَمْرٍ بَيْنَ الظُّهُورِ وَالِاقْتِصَارِ وَهُوَ الِاسْتِنَادُ، وَلَوْ قَالَ: قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ وَقَعَ أَوَّلَ شَعْبَانَ اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَمُوتَ إحْدَاهُمَا، فَإِذَا مَاتَتْ طَلُقَتْ الْأُخْرَى مُسْتَنِدًا عِنْدَهُ وَمُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا. [فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ] (فَصْلٌ) . فِيهِ مُتَفَرِّقَاتٌ مِنْ الْإِيقَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ جِهَةَ الْبَحْثِ فِي مَسَائِلِهِ بِعَارِضٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقَهَا وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ) وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ: أَيْ الْمِلْكَ الَّذِي يُوجِبُهُ النِّكَاحُ

لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى مَلَكَتْ هِيَ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ كَمَا يَمْلِكُ هُوَ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْكِينِ، وَكَذَا الْحِلُّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِإِزَالَتِهِمَا فَيَصِحَّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا صَحَّ مُضَافًا كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ. وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَ الزَّوْجِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا هِيَ الْمَمْنُوعَةُ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَلَوْ كَانَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَالزَّوْجَ مَالِكٌ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ مَنْكُوحَةً بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّهَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا إلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى مَلَكَتْ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ كَمَا يَمْلِكُ هُوَ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْكِينِ، وَكَذَا الْحِلُّ مُشْتَرَكٌ حَتَّى حَلَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِمْتَاعُ بِصَاحِبِهِ وَالطَّلَاقُ لِإِزَالَتِهِ فَيَصِحُّ مُضَافًا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ وُضِعَ لِإِزَالَتِهِمَا الضَّمِيرَ لِلْمِلْكَيْنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ مُشْتَرَكٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَهُ مِلْكٌ عَلَيْهَا وَلَهَا مِلْكٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، قَالُوا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ كَالْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ حَجْرًا مِنْ جِهَتِهَا حَتَّى أَنَّهُ لَا يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا فَتَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ رَفْعِ ذَلِكَ الْقَيْدِ، لَكِنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَاحْتِيجَ إلَى نِيَّةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنْ يَنْدَفِعَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالنُّكْتَةِ الْأَخِيرَةِ إذْ يُقَالُ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ فِي الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (قَوْلُهُ وَلَنَا) تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ أَوْ الْقَيْدِ، فَمَحِلُّ الطَّلَاقِ مَحِلُّهُمَا وَهِيَ مَحِلُّهُمَا دُونَهُ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهِ فَيَلْغُوَ بَيَانُ أَنَّهَا الْمَحِلُّ أَنَّهَا هِيَ الْمُقَيَّدَةُ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْخُرُوجِ وَعَنْ الرِّجَالِ دُونَهُ، وَمِلْكُهَا عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِ كَالْمَهْرِ وَهُوَ بَدَلُ مِلْكِهِ لِأُمُورٍ تَرْجِعُ إلَى نَفْسِهَا فَهِيَ الْمَمْلُوكَةُ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) . قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا قَوْلَ الْكُلِّ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَهُ، وَلِهَذَا مَلَكَ هُوَ التَّزَوُّجَ بِالْكِتَابِيَّةِ وَلَمْ تَمْلِكْهُ هِيَ بِالْكِتَابِيِّ وَالنَّفَقَةُ بَدَلُ احْتِبَاسِهِ إيَّاهَا. وَالْحِلُّ الَّذِي يَثْبُتُ لَهَا تَبَعٌ لِلْحِلِّ الَّذِي يَثْبُتُ لَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْوَطْءَ وَجَبَ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ حِلُّ اسْتِمْتَاعِهَا بِهِ، وَلَيْسَ الْحِلُّ هُوَ الْقَيْدُ الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ الطَّلَاقِ، بَلْ الْحِلُّ أَثَرُهُ حَسَبَ مَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ إلَخْ، وَالثَّابِتُ أَثَرُ النِّكَاحِ وَيَرْجِعُ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ تَبَعًا هَلْ يَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّهَا أَيْ لَفْظَهَا مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَوَصْلَةُ النِّكَاحِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَامِلَةً بِحَقِيقَتِهَا، وَبِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَصَحَّ كَذَلِكَ عَامِلًا بِحَقِيقَتِهِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْكِنَايَاتِ. وَأَمَّا حَجْرُهُ عَنْ أُخْتِهَا وَخَامِسَةٍ فَلَيْسَ مُوجِبَ نِكَاحِهَا بَلْ حَجْرٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَخَمْسٍ لَا حُكْمًا لِلنِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْتِهَا مَعًا أَوْ ضَمَّ خَمْسًا مَعًا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) وَكَذَا طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ وَطَالِقٌ أَوْ لَا، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، كَذَا ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ لَا شَيْءَ إنَّمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا طَالِقٌ وَوَاحِدَةٌ أَوْ لَا وَاحِدَةَ أَوْ لَا شَيْءَ، وَخَصَّ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّ صَاحِبَ الْأَجْنَاسِ نَقَلَ ذِكْرَهُ مَعَهُ فِي الْجُرْجَانِيَّاتِ، وَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلَ الْكُلِّ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ

لَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ " أَوْ " بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَلَغَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَنْعُوتُ الْمَحْذُوفُ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ الْوَاقِعُ مَا كَانَ الْعَدَدُ نَعْتًا لَهُ كَانَ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا، فَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ. وَالْأَوْجُهُ كَوْنُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِخِلَافِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ أَوْ لَا شَيْءَ فَدَلَّ عَلَى وِفَاقِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَوَّلًا، وَإِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَانَ وِفَاقُهُ هُنَا رِوَايَةً فِي وِفَاقِهِ فِي أَوْ لَا شَيْءَ وَخِلَافُهُ هُنَاكَ رِوَايَةً فِي مَسْأَلَةِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِمُحَمَّدٍ فِي إيقَاعِهِ بِهِ وَاحِدَةً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ (أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ الشَّكِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ) يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً (بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا) أَوْ طَالِقٌ أَوْ غَيْرَ طَالِقٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ) وَاسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِآثَارٍ إجْمَاعِيَّةٍ: مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَلَغَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَانَتْ بِطَالِقٍ لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَمْ تَبْقَ مَحِلًّا لِوُقُوعِ الزَّائِدِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ كَانَ قَوْلُهُ وَاحِدَةً فَاصِلًا بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَمْ يُعْمَلْ. وَمِنْهَا مَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَدَدِ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ (وَقَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمَنْعُوتُ بِالْعَدَدِ وَهُوَ الْمَحْذُوفُ) أَيْ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا كَمَا قَرَّرَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. أَمَّا عَلَى الْإِنْشَاءِ فَلَا، وَقَدْ رَجَعَ الْمُصَنِّفُ إلَى طَرِيقَةِ الْإِنْشَاءِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَالْوَجْهُ هُنَا يَتِمُّ بِدُونِ ذَلِكَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْإِجْمَاعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا. (وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا أَوْ مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ. أَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ، وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ قِيَامِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَنْتَفِيَ النِّكَاحُ (وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ، وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُنَافَاةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ. بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِعَ الْعَدَدُ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا الْوَصْفُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ) وَهُوَ مَوْتُهُ وَمَوْتُهَا، لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمَوْقِعِ وَالْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُوقَعِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ حَالَةُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةً لِلنِّكَاحِ لِأَنَّهَا حَالَةُ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ يَسْتَدْعِي حَالَ اسْتِقْرَارِهِ، أَوْ الْمَعْنَى عَلَى تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ مَعَ لِلْقِرَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِك الدَّارَ تَطْلُقُ بِهِ فَاسْتَدْعَى وُقُوعَهُ تَقَدَّمُ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَيَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا) أَيْ سَهْمًا بِأَنْ كَانَ تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا جَمِيعَهَا مِنْهُ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ عَبْدَ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ جَمِيعَهُ مِنْهُ أَوْ سَهْمًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهَا أَوْ وَرِثَتْهُ (وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا فَسْخًا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ، أَمَّا فِي مِلْكِهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فِيهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَا فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَحْرِيرِهِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَأَمَّا فِي مِلْكِهِ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّ إثْبَاتَهُ عَلَى الْحُرَّةِ لِحَاجَةِ بَقَاءِ النَّسْلِ فَكَانَ مِلْكُ النِّكَاحِ فِي الْأَصْلِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكَةِ لِلضَّرُورَةِ. وَقَدْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِقِيَامِ مِلْكِ الْيَمِينِ لِثُبُوتِ الْحِلِّ الْأَقْوَى بِهِ فَيَرْتَفِعُ الْأَضْعَفُ الضَّرُورِيُّ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مِلْكِ الْأَمَةِ كُلِّهَا، وَأَمَّا فِي مِلْكِ بَعْضِهَا فَأُقِيمَ مِلْكُ الْيَمِينِ مَقَامَ الْحِلِّ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةُ مِلْكٍ لِقِيَامِ الرِّقِّ بَلْ الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي، لَا مِنْ وَجْهٍ) كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ (وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ. (وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُنَافَاةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقَعُ) وَإِنَّمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ

لَا عِدَّةَ هُنَاكَ حَتَّى حَلَّ وَطْؤُهَا لَهُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا مَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا وَالشَّرْطُ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَصْلَيْنِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَتْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تُعْتِقْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَفْصِيلُ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا عِدَّةَ هُنَاكَ عَلَيْهَا: يَعْنِي مِنْهُ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا كَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ وَقَدْ قِيلَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ: لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا الَّذِي كَانَ زَوْجَهَا جَازَ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ قَالَ: فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ عَنْ الْمَاءِ، وَيَسْتَحِيلُ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَعَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ يَنْبَغِي عَدَمُ التَّفْصِيلِ لِمُحَمَّدٍ، إذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْعِدَّةَ هُنَاكَ أَيْضًا قَائِمَةٌ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفُرْقَةَ مَتَى وَقَعَتْ بِسَبَبِ التَّنَافِي تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الْمَحَلِّيَّةِ فَحَاجَتُنَا إلَى إثْبَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْعِتْقِ وَمُجَرَّدُ الْعِدَّةِ لَا يُثْبِتُ الْمَحَلِّيَّةَ ابْتِدَاءً كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ حَكَى فِي الْمَبْسُوطِ الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَلَمْ يَخُصَّهُ بِمَا إذَا مَلَكَتْهُ بَلْ إجْرَاءً فِي الْفَصْلَيْنِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُهَاجَرَةِ وَهِيَ مَا إذَا هَاجَرَتْ فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا فَهَاجَرَ بَعْدَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، فَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ طَلَاقُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا: يَعْنِي فَأَعْتَقَتْهُ فَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي الصُّورَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ) أَيْ الزَّوْجُ لَهَا (وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا مَلَكَ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ) إذْ هُوَ السَّبَبُ (حَقِيقَةً بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لِأَنَّ اللَّفْظَ) أَعْنِي الْعِتْقَ (يَنْتَظِمُهُمَا) أَيْ يَنْتَظِمُ الْإِعْتَاقَ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ وَالْعِتْقَ الَّذِي هُوَ وَصْفُهَا أَثَرٌ لَهُ، وَمَعْنَى الِانْتِظَامِ هَاهُنَا صِحَّةُ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الشُّمُولِ لِمَنْعِ انْتِظَامِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِي إطْلَاقِ

وَلِلْحُكْمِ تَعَلُّقٌ بِهِ وَالْمَذْكُورُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِهِ التَّطْلِيقُ لِأَنَّ فِي التَّعْلِيقَاتِ يَصِيرُ التَّصَرُّفُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ عِنْدَنَا، وَإِذَا كَانَ التَّطْلِيقُ مُعَلَّقًا بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ يُوجَدُ بَعْدَهُ ثُمَّ الطَّلَاقُ يُوجَدُ بَعْدَ التَّطْلِيقِ فَيَكُونَ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعِتْقِ فَيُصَادِفَهَا وَهِيَ حُرَّةً فَلَا تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِالثِّنْتَيْنِ. بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ. قُلْنَا: قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ، وَالْإِعْتَاقُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِلْعِتْقِ مِنْ اسْتِعَارَةِ اسْمِ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِعْمَالُهُ فِي لَفْظِ إيَّاكَ عَلَى اعْتِبَارِ إرَادَةِ الْفِعْلِ بِهِ إعْمَالُ الْمُسْتَعَارِ لِلْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ إعْمَالِ اسْمِ الْمَصْدَرِ كَأَعْجَبَنِي كَلَامُك زَيْدًا، وَأَمَّا عَلَى التَّجْوِيزِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ الْعِتْقُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ فِي الْمَفْعُولِ الْمُتَعَدِّي وَجُعِلَ الْعَامِلُ الْعِتْقَ اسْمًا لِلْمَصْدَرِ يَرُدُّهُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْإِعْتَاقِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ فَقَطْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، بَلْ عَنْ الْعِتْقِ، هَذَا مَعْنَى الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ، وَالْعَجَبُ مِمَّا نَقَلَ فِي جَوَابِهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ بِمُشْكِلٍ لِأَنَّهُ لَمَّا عُلِّقَ التَّطْلِيقُ بِالْإِعْتَاقِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعْلِيقُهُ بِالْعِتْقِ الْحَاصِلِ مِنْهُ وَأَيْنَ هَذَا مِنْ صِحَّةِ الْإِعْمَالِ. وَأَيْضًا كَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِعْتَاقِ، وَالْعِتْقُ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ. وَحَاصِلُ تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَعَ قَدْ تُذْكَرُ لِلْمُتَأَخِّرِ تَنْزِيلًا لَا مَنْزِلَةَ الْمُقَارِنِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ بَعْدَهُ وَنَفْيِ الرَّيْبِ عَنْهُ كَمَا فِي الْآيَةِ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَصَارَتْ إنَّ مُحْتَمِلَةً لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهَا خِلَافَهُ فَيُصَارَ إلَيْهِ بِمُوجِبٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَهُوَ إنَاطَةُ ثُبُوتِ حُكْمٍ عَلَى ثُبُوتِ مَعْنَى مَدْخُولِهَا الْمَعْدُومِ حَالَ التَّكَلُّمِ وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَإِنَّ الْإِنَاطَةَ كَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَمَعْنَى مَدْخُولِهَا الْمَعْدُومِ كَائِنًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُنَاطٌ بِوُجُودِ حُكْمٍ هُوَ مَعْنَى الشَّرْطِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ شَرْطًا لِلتَّطْلِيقِ، فَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ فَيُوجَدَ تَطْلِيقُ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَهُ مُقَارِنًا لِلْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْإِعْتَاقِ وَيَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ التَّطْلِيقِ بَعْدَهُ فَيُصَادِفَهَا حُرَّةً فَيَمْلِكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ فَأَظْهَرُ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ. وَقِيلَ عَلَيْهِ الْمَعْلُولُ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ كَالْكَسْرِ مَعَ الِانْكِسَارِ فِي الْخَارِجِ، فَالْعِتْقُ مَعَ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقُ مَعَ التَّطْلِيقِ يَقْتَرِنَانِ، بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ قَرَنَ الطَّلَاقَ بِالْإِعْتَاقِ فَيَكُونُ مَقْرُونًا بِالْعِتْقِ وَهُوَ ضِدُّ الرِّقِّ، وَوُجُودُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ مُسْتَلْزِمٌ زَوَالَ الضِّدِّ الْآخَرِ، وَلَا يَنْبَنِي زَوَالُهُ عَلَى وُجُودِ الْآخَرِ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: وُجِدَ السُّكُونُ فَزَالَتْ الْحَرَكَةُ أَوْ وُجِدَ الْحَرَكَةُ فَزَالَ السُّكُونُ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ، بَلْ وُجُودُ أَحَدِهِمَا يَقْتَرِنُ بِزَوَالِ الْآخَرِ فَيَثْبُتُ زَوَالُ الرِّقِّ مَعَ الْعِتْقِ فَيَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا حَالَ وُجُودِ الْعِتْقِ وَهِيَ حَالَةُ زَوَالِ الرِّقِّ، فَلَا تُوجِبُ التَّطْلِيقَتَانِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فِي الْحُرَّةِ فَيَمْلِكَ الرَّجْعَةَ، وَهَذَا

فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَتُحْمَلَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ. (وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَقَالَ الْمَوْلَى: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَ الْغَدُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) عَلَيْهَا، لِأَنَّ الزَّوْجَ قَرَنَ الْإِيقَاعَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى حَيْثُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ الْمُعَلَّقُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْعِتْقُ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْبَنِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْمَعْلُولَ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ فِي الْخَارِجِ أَوْ يَتَعَقَّبُهُمَا بِلَا فَصْلٍ وَعَلَى أَنَّ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ كَحَالَةِ الْوُجُودِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ وَعَدَمِ خُرُوجِ مَعَ عَنْ الْمُقَارَنَةِ، وَأَطْبَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ زَمَنَ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى خُرُوجِهَا وَتَقَرُّرَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ يَعْقُبُهُ إذَا لَيْسَ هُوَ عِلَّةً، فَلَيْسَ الْعِتْقُ عِلَّةً لِلطَّلَاقِ بَلْ عِلَّةُ الطَّلَاقِ تَعْمَلُ عِنْدَهُ، وَسَنَذْكُرُ مَا عِنْدَنَا فِي الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك حَيْثُ يَأْتِي فِيهِ التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إذَا تَزَوَّجَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لِلْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ مِلْكِهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْيَمِينَ، فَإِذَا لَزِمَ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ: أَعْنِي إنْ وَنَحْوَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةً صِحَّةُ الْيَمِينِ، وَمَرْجِعُ هَذَا إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ الصَّرِيحَ قَبْلَ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الدَّلِيلُ إنَّمَا قَامَ عَلَى مِلْكِهِ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ إلَى الْمِلْكِ فَتَعَلَّقَ بِمَا يُوجِبُ مَعْنَاهَا كَيْفَمَا كَانَ اللَّفْظُ، وَالتَّقْيِيدُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى تَحَكَّمَ وَلِذَا قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: هَذَا الْجَوَابُ لَمْ يَتَّضِحْ لِي فَإِنَّهُ يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ عَلَى اعْتِبَارِ مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَيْ لِامْرَأَتِهِ الْأَمَةِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، وَقَالَ لَهَا الْمَوْلَى: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَجَاءَ الْغَدُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ بَلْ عَلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ. وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ قَرَنَ الْإِيقَاعَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى حَيْثُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى عِتْقَهَا، وَالْمُعَلَّقُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ (وَالْعِتْقُ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ

أَصْلُهُ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَ الْفِعْلِ فَيَكُونَ التَّطْلِيقُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ ضَرُورَةً فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِهَذَا تُقَدَّرُ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَا عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالطَّلْقَتَانِ تُحَرِّمَانِ الْأَمَةَ حُرْمَةً غَلِيظَةً، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى فَيَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَلَا وَجْهَ إلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَوْ كَانَ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَالطَّلَاقُ يُقَارِنُ التَّطْلِيقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَيَقْتَرِنَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلُهُ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَ الْفِعْلِ) الَّذِي يُقَامُ بِهَا فَيَقْتَرِنَانِ فِي الْخَارِجِ (فَيَكُونَ التَّطْلِيقُ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الْمُقَارِنِ لِلْإِعْتَاقِ فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِهَذَا تُقَدَّرُ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَا عَلَّقَ بِهِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا أَمَةً، فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالطَّلْقَتَانِ تُحَرِّمَانِ الْأَمَةَ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ) ثُمَّ رَدَّ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ (وَلَا وَجْهَ إلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَوْ كَانَ يُقَارِنُ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَالطَّلَاقُ يُقَارِنُ التَّطْلِيقَ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ فَيَقْتَرِنَانِ) أَيْ فَيَقْتَرِنُ الطَّلَاقُ بِالْعِتْقِ فَيُصَادِفُهَا عَلَى مَا صَادَفَهَا عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَهِيَ أَمَةٌ فَتَحْرُمَ، وَحَقِيقَةُ مَحِلِّ الْغَلَطِ فِي تَقْرِيرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ جَعْلِ الْعِتْقِ شَرْطًا عَلَى مَا يُعْطِيهِ قَوْلُهُ وَالْمُعَلَّقُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ: يَعْنِي فَلَا يَنْعَقِدُ التَّطْلِيقُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْعِتْقِ الْمُقَارِنِ لِلْإِعْتَاقِ. لَكِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الشَّرْطُ مَجِيءُ الْيَوْمِ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ فِي الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَعَ الْمَعْلُولِ يَلْزَمُ أَنَّ عِنْدَ مَجِيءِ الْغَدِ يَقْتَرِنُ كُلٌّ مِنْ التَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ فَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ حَسْبَمَا يَنْزِلُ الْعِتْقُ وَهِيَ أَمَةٌ فَتَحْرُمَ حُرْمَةً غَلِيظَةً. وَإِذْ قَدْ بَعُدَ هَذَا التَّوْجِيهُ لِمُحَمَّدِ وَجْهٌ بِتَوْجِيهَاتٍ أُخُرَ: أَحَدُهَا أَنَّهُ اعْتَبَرَ قَوْلَ الْقِرَانِ فِي الْعِتْقِ وَالتَّعَاقُبِ فِي الطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِكَوْنِ الْإِعْتَاقِ مَنْدُوبًا فَلْتُعْتَبَرُ سُرْعَةُ نُزُولِهِ وَالتَّطْلِيقُ مَحْظُورٌ فَيُعْتَبَرُ مُتَأَخِّرًا نَظِيرُهُ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ يَنْزِلُ الْمِلْكُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالْفَاسِدُ يَتَأَخَّرُ فِيهِ إلَى الْقَبْضِ لِلْحَظْرِ، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الْغَدِ التَّطْلِيقُ وَالْإِعْتَاقُ وَالْعِتْقُ مُقْتَرِنَةً، وَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ وَهَذِهِ فِي الْبَيِّنِ. اعْلَمْ أَنَّ الْعُقَلَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْلُولَ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمَا مَعًا فِي الْخَارِجِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ خَصُّوا الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ فَجَعَلُوهَا تَسْتَعْقِبُ الْمَعْلُولَ لِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ كَالْأَعْيَانِ بَاقِيَةً فَأَمْكَنَ فِيهَا اعْتِبَارُ الْأَصْلِ وَهُوَ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ تَقْدِيمِهَا وَإِلَّا بَقِيَ الْفِعْلُ بِلَا قُدْرَةٍ، وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ التَّعْقِيبُ

[فصل في تشبيه الطلاق ووصفه]

فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا يُشِيرُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ حَتَّى إنَّ الِانْكِسَارَ يَعْقُبُ الْكَسْرَ فِي الْخَارِجِ. غَيْرَ أَنَّهُ لِسُرْعَةِ إعْقَابِهِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ آنِيًّا لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِيهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا يَقُومُ بِهِ التَّأْثِيرُ وَحَالَةَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكْمُلَ هُوِيَّتُهُ لِيَقُومَ بِهِ عَارِضُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا عِنْدَهُ فَيَسْبِقَ وُقُوعُ الْأَوْجَزِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَتَطْلُقُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ثِنْتَيْنِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا. وَثَالِثُهَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا حُرَّةً لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. قُلْنَا: التَّعَلُّقُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي أَنْ يُصَادِفَهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي صَادَفَهَا عَلَيْهَا الْعِتْقُ وَهِيَ الرِّقُّ فَتَغْلُظَ الْحُرْمَةُ بِلَا شَكٍّ فَبَطَلَ الْأَخِيرُ، وَإِطْبَاقُ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ زَمَنَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَانْتَفَى مَا قَبْلَهُ، وَالْوُقُوعُ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ قَدْرِ التَّكَلُّمِ مِنْ الزَّمَانِ بَلْ بِمُجَرَّدِ نُزُولِهِ يَنْزِلُ فِي أَوَّلِ آنٍ يَعْقُبُهُ لِأَنَّهُ نُزُولُ حُكْمٍ فَبَطَلَ مَا قَبْلَهُمَا وَرُفِعَ الْأَثَرُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَمَّا أَمْكَنَ وَهُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا أُخِّرَ إلَى غَايَةٍ يُنَاسِبُ التَّأْخِيرَ إلَيْهَا أَعْنِي الْقَبْضَ الَّذِي لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْمَهْرِ. أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَوْ أَمْكَنَ رَفْعُهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ غَايَةٌ يُنَاسِبُ اعْتِبَارُ تَأْخِيرِ ثُبُوتِهِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ فِي الْبَيْعِ فَكَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنِ الرَّفْعِ وَلَا الدَّفْعِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهِ بَلْ هُوَ مَحِلٌّ بِالِاحْتِيَاطِ فَبَطَلَ الْأَوَّلُ. [فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ] (فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ) (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا يُشِيرُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ) طُعِنَ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي لَفْظِ السَّبَّابَةِ إذْ الِاسْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُسَبِّحَةُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ السَّبَّاحَةُ، وَبِأَنَّهُ وَرَدَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي صِفَةِ طُهُورِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدْخَلَ السَّبَّابَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَبِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُوجِبُ تَحَقُّقَ مَعَانِيهَا فِي مُسَمَّيَاتِهَا وَهَذَا مُنْتَفٍ، فَإِنَّ الِاعْتِرَاضَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى بَلْ بِالْعُدُولِ عَنْ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ إلَى الشَّنِيعِ وَالدَّفْعِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِاللَّفْظِ، وَإِلَّا لَوْ قِيلَ: كَوْنُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْمُسَبِّحَةِ يُوجِبُ كَوْنَ الْحَدِيثِ نَقْلًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِالْمَعْنَى حَمْلًا عَلَى تَحَامِي ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ، فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ تِلْكَ النُّسْخَةِ وَنِسْبَةُ غَيْرِهَا إلَى التَّصْحِيفِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَيْضًا غَلَطًا لُغَةً مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ لِأَنَّ الْفِعْلَ سَبَّحَ وَفَعَّالٌ مُبَالَغَةٌ فِي فَاعِلٍ وَلَيْسَ مِنْهُ فَاعِلٌ بَلْ الْوَصْفُ مِنْهُ مُسَبِّحٌ، وَأَمَّا سَبَّاحٌ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ سَبَحَ فِي الْمَاءِ سِبَاحَةً،

لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْعَدَدِ الْمُبْهَمِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» الْحَدِيثَ، وَإِنْ أَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَشَارَ بِثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثِنْتَانِ لِمَا قُلْنَا، وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا، وَقِيلَ: إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ مِنْهَا، وَإِذَا كَانَ تَقَعُ الْإِشَارَةُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا فَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ دِيَانَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَجْهِ فَقَالَ (لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْعَدَدِ الْمُبْهَمِ) يَعْنِي لَفْظَ هَكَذَا، وَهَذَا غَلَطٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، أَمَّا لَفْظًا فَلِأَنَّ الَّتِي يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَدَدِ كَذَا وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ قَطُّ بِهَا التَّنْبِيهِ، وَالْمُسْتَعْمَلُ بِهَا مَا يُقْصَدُ فِيهِ مَعَانِي الْأَجْزَاءِ نَحْوُ {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42] يَقْصِدُ بِالْهَاءِ التَّنْبِيهَ وَبِالْكَافِ التَّشْبِيهَ وَبِذَا الْإِشَارَةَ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ فَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا تَشْبِيهٌ بِالْعَدَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعَدَدُ الْمُفَادُ كَمِّيَّتُهُ بِالْأَصَابِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِذَا، بِخِلَافِ كَذَا الْكِنَايَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ فِيهَا مَعَانِيَ الْإِجْزَاءِ بَلْ كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عَدَدٍ مُبْهَمِ الْجِنْسِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ، يُقَالُ لِلْعَبْدِ: أَتَذْكُرُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ مُمَيِّزُ هَذِهِ لَيْسَ إلَّا مَا يُبَيِّنُ الْجِنْسَ لَا الْكَمِّيَّةَ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِقَصْدِ إبْهَامِ الْكَمِّيَّةِ نَحْوُ مَلَكْت كَذَا عَبْدًا وَلَا يُقَالُ كَذَا دِرْهَمًا عِشْرِينَ وَلَا كَذَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَيْسَ هَذَا اسْتِعْمَالًا عَرَبِيًّا، وَهَذَا هُوَ غَلَطُ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّهْرُ هَكَذَا» إلَخْ) عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ، وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» : يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَشَارَ بِالثِّنْتَيْنِ فَهُمَا ثِنْتَانِ لِمَا قُلْنَا، وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ، وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ) فِي الدِّرَايَةِ الْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً، فَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الْأَصَابِعُ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً فَقَطْ حَتَّى تَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ دِيَانَةً وَفِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَقِيلَ إنْ أَشَارَ بِظُهُورِهَا بِأَنْ جَعَلَ بَاطِنَهَا إلَيْهِ وَظَاهِرَهَا إلَى الْمَرْأَةِ فَبِالْمَضْمُومَةِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَبِالْمَنْشُورَةِ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَبِالْمَضْمُومَةِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَبِالْمَنْشُورَةِ لِلْعَادَةِ وَهَذَا قَرِيبٌ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ

وَفِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَدَدِ الْمُبْهَمِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ (وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ أَوْ الزِّيَادَةِ كَانَ بَائِنًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُعْقِبًا لِلرَّجْعَةِ فَكَانَ وَصْفُهُ بِالْبَيْنُونَةِ خِلَافَ الْمَشْرُوعِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك. وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْنُونَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَبَعْدَ الْعِدَّةِ تَحْصُلُ بِهِ فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوُسْطَى لَيْسَ بِقَيْدٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا) يَعْنِي قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَدَدِ الْمُبْهَمِ، وَعَرَفْت أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالتَّشْبِيهِ الْمُتَقَدِّمِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ أَوْ الزِّيَادَةِ كَانَ بَائِنًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ) وَبِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُعْقِبًا لِلرَّجْعَةِ فَكَانَ وَصْفُهُ بِالْبَيْنُونَةِ خِلَافَ الْمَشْرُوعِ فَيَلْغُو لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ فَصَارَ كَسَلَامِ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ بِقَصْدِ الْقَطْعِ لَا يُعْمَلُ قَصْدُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَقَوْلِهِ: وَهَبْتُك عَلَى أَنْ يَثْبُتَ مِلْكُكِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك. وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَآلِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَيَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ، أَمَّا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ الْمَحْضَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنْ لَا رَجْعَةَ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَصَفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَمْ يَنْفِ الرَّجْعَةَ صَرِيحًا بَلْ يَلْزَمُ ضِمْنًا. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ احْتَمَلَ الْبَيْنُونَةَ لَصَحَّتْ إرَادَتُهَا بِطَالِقٍ وَتَقَدَّمَ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَدَمُ صِحَّتِهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ عَمَلَ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ لَا فِي غَيْرِهِ، وَلَفْظُ " بَائِنٌ " مَا صَارَ مَلْفُوظًا بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِ طَالِقٌ بَائِنٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ مَعْنَى عَمَلِ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ إلَّا تَوْجِيهَهُ إلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ، فَإِذَا فَرَضَ لِلَّفْظِ ذَلِكَ صَحَّ عَمَلُ النِّيَّةِ فِيهِ، وَقَدْ فَرَضَ بِطَالِقٍ ذَلِكَ فَتَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ، وَلَا تَكُونُ عَامِلَةً بِلَا لَفْظٍ بَلْ رُبَّمَا يُعْطِي هَذَا الْجَوَابُ افْتِقَارَ " طَالِقٌ بَائِنٌ " فِي وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى النِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا فِي الْجَوَابِ عَدَمُ صِحَّةِ النِّيَّةِ لَيْسَ لِعَدَمِ الِاحْتِمَالِ بَلْ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَبِهِ عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ. وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ كَمَا مَنَعَ مِنْ صِحَّةِ النِّيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ صِحَّةِ اللَّفْظِ إذَا كَانَ مُغَيَّرًا. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ بِلَفْظِ " بَائِنٌ " عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمَرْأَةِ " كَطَالِقٍ " لَا وَصْفَ لِطَالِقٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ إذَا عَنَاهَا وَصْفًا لِلْمَرْأَةِ تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ عَنَى بِأَنْتِ

وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ. أَمَّا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ عَنَى بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أُخْرَى تَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ بَائِنَتَانِ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ (وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوصَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فِي الْحَالِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بَائِنٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَخْبَثَ الطَّلَاقِ (أَوْ أَسْوَأَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إذَا قَالَ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQطَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أُخْرَى تَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ بَائِنَتَانِ، عَلَى أَنَّ التَّرْكِيبَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: الْإِيقَاعُ بِبَائِنٍ وَصْفًا لَهَا وَطَالِقٌ قَرِينَتُهُ فَاسْتَغْنَى بِهِ عَنْ النِّيَّةِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا كَمَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لَوْ أَفْرَدَ لَمْ يَبْعُدْ لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ، ثُمَّ بَيْنُونَةُ الْأُولَى ضَرُورَةُ بَيْنُونَةِ الثَّانِيَةِ، إذْ مَعْنَى الرَّجْعِيِّ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِاتِّصَالِ الْبَائِنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي وَصْفِهَا بِالرَّجْعِيَّةِ. وَكُلُّ كِنَايَةٍ قُرِنَتْ بِطَالِقٍ يَجْرِي فِيهَا ذَلِكَ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بَائِنَتَانِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فِي الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ، وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ بَائِنَةً إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ وَالثَّلَاثُ بِالنِّيَّةِ. وَلَوْ عَنَى بِطَالِقٍ وَاحِدَةٌ وَبِأَفْحَشَ الطَّلَاقِ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ لِأَنَّهُ أَيْ الطَّلَاقَ إنَّمَا يُوصَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ قَطْعُ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ فِي الْبَائِنِ وَمُؤَجَّلًا بِالِانْقِضَاءِ فِي الرَّجْعِيِّ. وَأَفْعَلُ لِلتَّفَاوُتِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْبَيْنُونَةِ فَإِنَّهُ أَفْحَشُ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ مُؤَجَّلًا: أَعْنِي الرَّجْعِيَّ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بَائِنٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَخْبَثَ الطَّلَاقِ أَوْ أَسْوَأَهُ. أَوْ أَشَرَّهُ أَوْ أَخْشَنَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَغْلَظَهُ وَأَطْوَلَهُ وَأَعْرَضَهُ وَأَعْظَمَهُ كُلُّهَا مِثْلُ أَفْحَشَهُ، وَسَنَذْكُرُ جَوَابَ أَنَّهُ لِمَ لَمْ يَقَعْ ثَلَاثٌ، وَكَذَا طَلَاقُ الشَّيْطَانِ أَوْ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ هُوَ السُّنِّيُّ فَيَكُونُ الْبِدْعِيُّ وَطَلَاقُ الشَّيْطَانِ هُوَ الْبَائِنَ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَاهُلٌ إذْ لَيْسَ الرَّجْعِيُّ هُوَ السُّنِّيَّ بَلْ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ كَانَ رَجْعِيًّا وَلَيْسَ سُنِّيًّا.

أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ) لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ هُوَ السُّنِّيُّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: الْبِدْعَةَ وَطَلَاقَ الشَّيْطَانِ بَائِنًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَائِنًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فِي حَالَةِ حَيْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ يَكُونُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَدْ يَتَحَقَّقُ بِالطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ (وَكَذَا إذَا قَالَ: كَالْجَبَلِ) لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِهِ يُوجِبُ زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ بِإِثْبَاتِ زِيَادَةِ الْوَصْفِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: مِثْلَ الْجَبَلِ لِمَا قُلْنَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْجَبَلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَشْبِيهًا بِهِ فِي تَوَحُّدِهِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالشِّدَّةِ وَهُوَ الْبَائِنُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ وَالِارْتِفَاضَ، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَيَحْتَمِلُهُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِذِكْرِهِ الْمَصْدَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ لَا يَكُونُ بَائِنًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فِي الْحَيْضِ كَمَا تَكُونُ بِالْبَيْنُونَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَلَوْ قَالَ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَجْعِيٌّ لِاحْتِمَالِهِ الْقُبْحَ الشَّرْعِيَّ وَالطَّبِيعِيَّ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ فِيهِ الطَّلَاقُ طَبْعًا، كَذَا ذُكِرَ، وَكَأَنَّهُ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ فَتَجْتَمِعُ الْكَرَاهَةُ الطَّبِيعِيَّةُ وَالشَّرْعِيَّةُ، أَوْ يُرَادُ وَقْتٌ تَتَفَتَّى نَفْرَةُ الطِّبَاعِ فِيهِ عَنْ الطَّلَاقِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَائِنٌ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ يَكُونُ رَجْعِيًّا) لِمَا ذَكَرْنَا فِي وَجْهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ كَالْجَبَلِ) لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْجَبَلِ يُوجِبُ زِيَادَةَ الْعِظَمِ فَتَحْصُلُ بِإِثْبَاتِ زِيَادَةِ الْوَصْفِ الْبَيْنُونَةُ (وَكَذَا إذَا قَالَ: مِثْلَ الْجَبَلِ لِمَا قُلْنَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْجَبَلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ التَّشْبِيهُ فِي تَوَحُّدِهِ) يَعْنِي يُمْكِنُ ذَلِكَ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ. قُلْنَا الْمَعْرُوفُ الَّذِي هُوَ كَالصَّرِيحِ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْجَبَلِ إنَّمَا يُرَادُ فِي الثِّقَلِ أَوْ الْعِظَمِ فَيُثْبِتْ الْمُشْتَهِرُ قَضِيَّةً لِلَّفْظِ وَتَتَوَقَّفُ الْوَحْدَةُ عَلَى النِّيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ قَوْلُهُ: أَشَدُّ الطَّلَاقِ (فَلِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالشِّدَّةِ) فَإِنْ قِيلَ: بَلْ بِالْأَشَدِّيَّةِ فَيَجِبُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مِثْلَهُ مَثَلُ: أَقْبَحَ الطَّلَاقِ. أُجِيبُ بِأَنَّ أَفْعَلَ يُرَادُ بِهِ أَيْضًا الْوَصْفُ كَقَوْلِهِمْ: الْأَشَجُّ وَالنَّاقِصُ أَعْدَلَا بَنِي مَرْوَانَ: أَيْ عَادِلَاهُمْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلظَّاهِرِ وَلِذَا ثَبَتَ الْبَائِنُ كَالْجَبَلِ مَعَ احْتِمَالِ إرَادَةِ كَوْنِ وَجْهِ التَّشْبِيهِ الْوَاحِدَةَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ يُجْعَلُ ظَاهِرًا لِحُرْمَةِ الثَّلَاثِ فَيُصَارُ إلَى الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ وَتَتَوَقَّفُ الثَّلَاثُ عَلَى النِّيَّةِ. ثُمَّ قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِذِكْرِهِ الْمَصْدَرَ) فَإِنَّ الْمَعْنَى طَالِقٌ طَلَاقًا هُوَ أَشَدُّ

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهَذَا التَّشْبِيهِ فِي الْقُوَّةِ تَارَةً وَفِي الْعَدَدِ أُخْرَى، يُقَالُ هُوَ كَأَلْفِ رَجُلٍ وَيُرَادُ بِهِ الْقُوَّةُ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَمْرَيْنِ، وَعِنْدَ فِقْدَانِهَا يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ أَلْفٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ يَمْلَؤُهُ لِكَثْرَتِهِ، فَأَيُّ ذَلِكَ نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَعِنْدَ انْعِدَامِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَقَلُّ. ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا: أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضَيِّف إلَيْهِ فَكَانَ أَشَدَّ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: كَأَلْفٍ فَقَدْ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْقُوَّةِ) كَمَا يُقَالُ زَيْدٌ كَأَلْفِ رَجُلٍ: أَيْ بَأْسُهُ وَقُوَّتُهُ كَبَأْسِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْعَدَدِ فَقَالَ كَعَدَدِ أَلْفٍ أَوْ قَدْرَ عَدَدِ أَلْفٍ وَفِيهِ يَقَعُ ثَلَاثٌ اتِّفَاقًا فَتَصِحُّ نِيَّةُ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَعِنْدَ فِقْدَانِهَا يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرًا فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ: طَالِقٌ كَعَدَدِ أَلْفٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْعَدَدِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى فِي خُصُوصِ الْكَمْيَّةِ، وَإِلَّا لَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ أَلْفٌ تُشْبِهُ هَذِهِ الْأَلْفَ فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ فِي الْكَثْرَةِ: أَيْ طَالِقٌ عَدَدًا كَثِيرًا كَكَثْرَةِ الْأَلْفِ، وَالْكَثْرَةُ الَّتِي تُشْبِهُ كَثْرَةَ الْأَلْفِ مَا يُقَارِبُهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى اثْنَيْنِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ. قُلْنَا: كَوْنُ التَّشْبِيهِ بِهِ فِي الْقُوَّةِ أَشْهَرَ فَلَا يَقَعُ الْآخَرُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِ عَدَدِ الْأَلْفِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مِثْلُ أَلْفٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ: وَاحِدَةٌ كَأَلْفٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَوْ شَبَّهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ بِهِ فَقَالَ طَالِقٌ كَعَدَدِ الشَّمْسِ أَوْ التُّرَابِ أَوْ مِثْلَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَجْعِيَّةٌ، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ لَغْوٌ وَلَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْعَدَدِ إذَا ذُكِرَ الْكَثْرَةُ. وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ. أَمَّا لَوْ قَالَ مِثْلَ التُّرَابِ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَنْهُ فِي كَالنُّجُومِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَكَعَدَدِ النُّجُومِ ثَلَاثٌ. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ كَأَلْفٍ أَنَّ الْأَلْفَ مَوْضُوعٌ لِلْعَدَدِ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهِ لِلْكَثْرَةِ، بِخِلَافِ النُّجُومِ فَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي النُّورِ. وَلَوْ قَالَ كَثَلَاثٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ قَالَ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهُ الْعَدَدِ بِالْعَدَدِ فِي خُصُوصِ الْكَمْيَّةِ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثَلَاثٌ لَا يَدِينُ فِيهَا إذَا قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً اهـ. وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى عَدَدٍ مَعْلُومِ النَّفْيِ كَعَدَدِ شَعْرِ بَطْنِ كَفِّي أَوْ مَجْهُولِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ أَوْ نَحْوِهِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ أَوْ مِنْ شَأْنِهِ الثُّبُوتُ لَكِنَّهُ كَانَ زَائِلًا وَقْتَ الْحَلِفِ بِعَارِضٍ كَعَدَدِ شَعْرِ سَاقِي أَوْ سَاقِك وَقَدْ تَنَوَّرَا لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّالِثُ) هُوَ قَوْلُهُ: مِلْءَ الْبَيْتِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعَظَمِهِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ يَمْلَأهُ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّ ذَلِكَ نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَقَلُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ) الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا لَا يُوصَفُ بِهِ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا نَحْوُ طَلَاقًا لَا يَقَعُ

لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي زِيَادَةَ وَصْفٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ يَكُونُ بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ فِي التَّوْحِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ. أَمَّا ذِكْرُ الْعِظَمِ فَلِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ. وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ يَقَعُ بَائِنًا وَإِلَّا فَهُوَ رَجْعِيٌّ. وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَبَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ مِثْلُ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِثْلُ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ وَمِثْلُ الْجَبَلِ مِثْلُ عِظَمِ الْجَبَلِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِنُ، وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ: لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْكِ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِهِ، فَإِمَّا أَنْ لَا يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ فِي أَثَرِهِ كَقَوْلِهِ: أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَسَنَّهُ أَجْمَلَهُ أَعْدَلَهُ خَيْرَهُ أَكْمَلَهُ أَتَمَّهُ أَفْضَلَهُ فَيَقَعُ بِهِ رَجْعِيًّا وَتَكُونُ طَالِقًا لِلسُّنَّةِ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِلسُّنَّةِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً حَسَنَةً أَوْ جَمِيلَةً كَانَتْ طَالِقًا وَيَمْلِكُ رَجْعَتَهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَائِضٍ وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ التَّطْلِيقَةُ لِلسُّنَّةِ. قَالَ: وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ يُنْبِئُ كَأَشَدِّهِ وَأَطْوَلِهِ يَقَعُ بِهِ بَائِنًا، وَأَمَّا تَشْبِيهُهُ فَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَرَأْسِ إبْرَةٍ وَكَحَبَّةِ خَرْدَلٍ أَوْ كَسِمْسِمَةٍ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَلَوْ كَانَ عَظِيمًا لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ التَّوْحِيدُ وَالتَّجْرِيدُ وَالْعِظَمُ لِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ. وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ فَبَائِنٌ وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا. وَبَيَانُ الْأُصُولِ فِي مِثْلِ رَأْسَ إبْرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَائِنٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَجْعِيٌّ إلَّا أَنْ يَقُولَ كَعِظَمِ رَأْسِ إبْرَةٍ فَحِينَئِذٍ هُوَ بَائِنٌ وَعِنْدَ زُفَرَ رَجْعِيَّةٌ. وَفِي كَالْجَبَلِ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، رَجْعِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَقُولَ كَعِظَمِ الْجَبَلِ، وَلَوْ قَالَ مِثْلَ عِظَمِهِ فَهُوَ بَائِنٌ عِنْدَ الْكُلِّ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ. أَمَّا لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ، وَالْبَيْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ كَالثَّلْجِ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا إنْ أَرَادَ بِهِ بَيَاضَهُ فَرَجْعِيٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَرْدَهُ فَبَائِنٌ اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقْصُرُ الْبَيْنُونَةَ فِي التَّشْبِيهِ عَلَى ذِكْرٍ الْعِظَمِ بَلْ يَقَعُ بِدُونِهِ عِنْدَ قَصْدِ الزِّيَادَةِ، وَكَذَا يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَقَعَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَعْدَلِ الطَّلَاقِ وَكَأَسَنِّهِ وَكَأَحْسَنِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِنُ، وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ فِيهِ لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ) فَهُوَ

[فصل في الطلاق قبل الدخول]

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا رَجْعِيَّةً لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِهِ فَيَلْغُو، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ. (فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) (وَإِذَا طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَعْنَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْوَاقِعَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِنُ أَيْضًا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا رَجْعِيَّةً لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِهِ فَيَلْغُو) وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طُولَ كَذَا وَكَذَا أَوْ عَرْضَ كَذَا وَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَاهَا لِأَنَّ الطُّولَ وَالْعَرْضَ يَدُلَّانِ عَلَى الْقُوَّةِ لَكِنَّهُمَا يَكُونَانِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَالِقٌ وَاحِدَةً طُولُهَا كَذَا وَعَرْضُهَا كَذَا فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَخْ) أَرَادَ بِالْفُصُولِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ: طَالِقٌ بَائِنًا أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَخْبَثَهُ أَوْ أَسْوَأَهُ وَطَلَاقَ الشَّيْطَانِ وَالْبِدْعَةِ وَأَشَدَّهُ كَأَلْفٍ وَمِلْءَ الْبَيْتِ وَمِثْلَ رَأْسِ إبْرَةٍ وَمِثْلَ الْجَبَلِ وَطَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً لِأَنَّهَا كُلَّهَا بَوَائِنُ وَالْبَيْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى خَفِيفَةٍ وَغَلِيظَةٍ، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ، وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ، وَتَطْلِيقَةٌ بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ. [فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ] لَمَّا كَانَ النِّكَاحُ لِلدُّخُولِ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ عَلَى الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ حُصُولُ غَرَضِ الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَقَبْلَهُ بِالْعَوَارِضِ فَقُدِّمَ مَا بِالْأَصْلِ عَلَى مَا بِالْعَوَارِضِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَعْنَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ طَلَاقًا) أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْفَصْلِ، وَفِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَنَّ

عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ فَيَقَعْنَ جُمْلَةً: (فَإِنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ إيقَاعٌ عَلَى حِدَةٍ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ صَدْرَهُ حَتَّى يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ فَتَقَعُ الْأُولَى فِي الْحَالِ فَتُصَادِفُهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مُبَانَةٌ (وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِعَ عِنْدَ أَنْتِ طَالِقٌ مَصْدَرٌ هُوَ تَطْلِيقٌ يَثْبُتُ مُقْتَضًى وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْعَدَدِ وَطَلَاقُهَا أَثَرُهُ، وَبِهِ دُفِعَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً لِبَيْنُونَتِهَا بِطَالِقٍ وَلَا يُؤَثِّرُ الْعَدَدُ شَيْئًا. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ قَالَ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا جَمِيعًا فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَأَثِمَ بِرَبِّهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ سَوَاءٌ، ثُمَّ قَالَ: بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْإِنْشَاءِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَتَوَقَّفُ الْوُقُوعُ عَلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ وَكَوْنِهِ وَصْفًا لِمَحْذُوفٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ) وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ لِيَتَوَقَّفَ أَوَّلُهُ فَلَمْ يَقَعْ بِطَالِقٍ الْأَوَّلِ شَيْءٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ بِالْوَاوِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَهُوَ يُغَيِّرُ حُكْمَ التَّفْرِيقِ إذْ الْحَاصِلُ بِهِ كَالْحَاصِلِ بِطَالِقٍ ثَلَاثًا، وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ فِي التَّفْرِيقِ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ الصَّدْرُ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. قُلْنَا: الْجَمْعُ الَّذِي يُبَايِنُ التَّفْرِيقَ حُكْمًا هُوَ الْجَمْعُ بِمَعْنَى الْمَعِيَّةِ الْمُغَيِّرِ لَهُ كَلَفْظِ ثَلَاثًا وَنَحْوَهُ، وَلَيْسَ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى بَلْ لِجَمْعِ الْمُتَعَاطِفَاتِ فِي مَعْنَى الْعَامِلِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعِيَّةِ وَعَلَى تَقَدُّمِ بَعْضِ الْمُتَعَاطِفَاتِ بِهَا فِي تَعَلُّقِ مَعْنَى الْعَامِلِ بِهِ وَتَأَخُّرِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْجَمْعِ بِمَعْنَى الْمَعِيَّةِ وَمِنْ الْجَمْعِ بِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْمُتَعَاطِفَاتِ عَلَى التَّرَتُّبِ اللَّفْظِيِّ، وَعَكْسُهُ أَفْرَادُهُ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَيْسَ لِلْوَاوِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَمْعِ بِمَعْنَى الْمَعِيَّةِ بَلْ تَصْدُقُ مَعَهُ كَمَا تَصْدُقُ مَعَ التَّعَاقُبِ فِي التَّعَلُّقِ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهَا بِالضَّرُورَةِ ذِكْرَ مُغَيِّرٍ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ التَّغْيِيرَ وَهُوَ الْمَعِيَّةُ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَوَقُّفِ الصَّدْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ بِأَنَّهَا فِي التَّرْكِيبِ لِلْمَعِيَّةِ. وَإِذَا عَلِمْت أَنَّهَا لَا تَتَعَرَّضُ إلَّا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَمْ يَجِبْ اعْتِبَارُهَا لِلْفَرْدِ الَّذِي هُوَ الْمَعِيَّةُ بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ هُوَ بِأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِهَا لِلْفَرْدِ الَّذِي هُوَ التَّعَاقُبُ فِي مَعْنَى الْعَامِلِ، وَبِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا لِلْمَعِيَّةِ يَعْمَلُ كُلُّ لَفْظٍ عَمَلَهُ فَتَبِينُ بِالْأُولَى فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِهَا لِلتَّرْتِيبِ. فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: لَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا لِلْمَعِيَّةِ لَزِمَ اعْتِبَارُهَا لِلتَّرْتِيبِ. وَأَمَّا وُقُوعُ الثَّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَوُقُوعُ الثِّنْتَيْنِ فِي قَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفَ وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ لِلتَّوَقُّفِ بِسَبَبِ إيجَابِ الْوَاوِ الْمَعِيَّةَ بَلْ لِأَنَّهُ أَخَصْرُ مَا يُلْفَظُ بِهِ إذَا أَرَادَ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ

وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً كَانَ بَاطِلًا) لِأَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ فَكَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدَ، فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَبَطَلَ (وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) لِمَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ تُجَانِسُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ) وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا حَرْفَ الظَّرْفِ إنْ قَرَنَهَا بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا كَقَوْلِهِ: جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو، وَإِنْ لَمْ يَقْرِنْهَا بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّرِيقَةِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي التَّعْبِيرِ لُغَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا فِي إحْدَى وَعِشْرِينَ شَرْعًا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَنْفِ حُكْمَهُ إذَا تَكَلَّمَ بِهِ. وَذَكَر شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ زُفَرَ فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِوُجُودِ الْعَطْفِ فَيَسْبِقُ الْوَاقِعُ الْأَوَّلَ، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى عَشَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ الْعَاطِفِ وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ: شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِآخِرِ كَلَامِهَا، وَمَا لَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ الْجَزَاءُ. وَاعْلَمْ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ حَكَى بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَبَيَّنَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْكَلَامِ الثَّانِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ لِجَوَازِ أَنْ يُلْحِقَ بِكَلَامِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً وَرَجَّحَ فِي أُصُولِهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَا يَفُوتُ الْمَحَلُّ، فَلَوْ تَوَقَّفَ وُقُوعُ الْأُولَى عَلَى التَّكَلُّمِ بِالثَّانِيَةِ لَوَقَعَا جَمِيعًا لِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِلثَّلَاثِ حَالَ التَّكَلُّمِ بِهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّظَرَ إلَى تَعْلِيلِ مُحَمَّدٍ بِتَجْوِيزِ أَنْ يَلْحَقَهُ مُغَيِّرٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ تَأَخُّرُ ظُهُورِ وَقْتِ الْوُقُوعِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ إنَّمَا هُوَ أَنَّهُ إذَا أَلْحَقَ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَإِذَا لَمْ يُلْحِقْ تَبَيَّنَ الْوُقُوعُ مِنْ حِينِ تَلَفَّظَ بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا لَا يَنْفِيه أَبُو يُوسُفَ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ) أَيْ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ (تُجَانِسُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى) وَهُوَ فَوَاتُ الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ فَوَاتَهُ فِي هَذِهِ بِالْمَوْتِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَفِيمَا قَبْلَهَا بِالطَّلَاقِ فَيَقَعُ الْأَوَّلُ دُونَ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا ظَرْفًا إنْ قَرَنَهَا بِهَاءِ الْكِنَايَةِ) أَيْ أُضِيفَتْ كَلِمَةُ الظَّرْفِ إلَى ضَمِيرِ

صِفَةً لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا كَقَوْلِهِ: جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِلْأُولَى فَتَبِينُ بِالْأُولَى فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ، وَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْأَخِيرَةِ فَحَصَلَتْ الْإِبَانَةُ بِالْأُولَى (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ) لِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ صِفَةٌ لِلثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِهَا بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ فَاقْتَضَى إيقَاعَهَا فِي الْمَاضِي وَإِيقَاعَ الْأُولَى فِي الْحَالِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ أَيْضًا فَيَقْتَرِنَانِ فَيَقَعَانِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْأُولَى فَاقْتَضَى إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي الْحَالِ وَإِيقَاعَ الْأُخْرَى قَبْلَ هَذِهِ فَتَقْتَرِنَانِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: مَعَهَا وَاحِدَةٌ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلِ كَانَتْ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا كَجَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو، وَإِنْ لَمْ يَقْرِنْهَا بِهَا بَلْ أُضِيفَتْ إلَى ظَاهِرٍ كَجَاءَ زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو كَانَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ بِالضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهَا حِينَئِذٍ خَبَرٌ عَنْهُ. أَمَّا إذَا قُرِنَ بِهَا ارْتَفَعَ عَمْرٌو الْمُتَأَخِّرُ بِالِابْتِدَاءِ وَيَكُونُ الظَّرْفُ خَبَرَهُ وَالْخَبَرُ وَصْفٌ لِلْمُبْتَدَإِ، وَحِينَئِذٍ الْقَبْلِيَّةُ فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِلْأُولَى فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً تَقَعُ قَبْلَ الثَّانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي اللَّفْظِ: أَعْنِي الْمُضَافَ إلَيْهَا لَفْظَةُ " قَبْلَ " قَدْ يُلْحِقُهَا الثَّانِيَةَ، وَفِي قَبْلِهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْأَخِيرَةِ لِأَنَّهَا الْمُبْتَدَأُ الْمَخْبَرُ بِالظَّرْفِ عَنْهُ وَالْجُمْلَةُ مَوْصُوفٌ بِمَضْمُونِهَا وَاحِدَةُ الْأُولَى فَقَدْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً مَوْصُوفَةً بِقَبْلِيَّةٍ أُخْرَى لَهَا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعِ لَهَا وُجُودٌ سَابِقٌ عَلَى الْمَوْقِعَةِ فَيُحْكَمُ أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَرِنَانِ فَيَقَعَانِ. وَإِذَا كَانَ الظَّرْفُ لَفْظَةَ بَعْدَ فَفِي وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ يَكُونُ صِفَةً لِلْأُولَى فَقَدْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا بَعْدَ أُخْرَى وَهُوَ مَعْنَى قَبْلِيَّةٍ أُخْرَى لَهَا، وَلَا قُدْرَةَ عَلَى تَقْدِيمِ مَا لَمْ يَسْبِقْ لِلْوُجُودِ عَلَى الْمَوْجُودِ فَيَقْتَرِنَانِ بِحُكْمِ أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ فَيَقَعَانِ، وَفِي وَاحِدَةٍ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ أَوْقَعَ وَاحِدَةً مَوْصُوفَةً بِبَعْدِيَّةٍ أُخْرَى لَهَا فَوَقَعَتْ الْأُولَى قَبْلَهَا فَلَا تَلْحَقُ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَأَمَّا إذَا قَالَ وَاحِدَةً مَعَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ فَلَا فَرْقَ فِي الْحَاصِلِ لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي تَحْقِيقًا لِمَعْنَاهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ الْمُكَنَّى عَنْهُ. قُلْنَا: وَقَدْ وَجَدَ وَهِيَ وَاحِدَةٌ الَّتِي هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ إذْ قَدْ سَبَقَ لَفْظُهَا غَيْرَ أَنَّهُ يَجِبُ التَّوَقُّفُ لِاتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ وَهُوَ الْمَعِيَّةُ الْمَانِعَةُ مِنْ انْفِرَادِ السَّابِقِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَاهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُنْفَرِدٌ لَفْظًا وَإِنْ عَنَى سَبْقَ وُجُودِهِ فَمَمْنُوعٌ، وَمِنْ مَسَائِلِ قَبْلَ وَبَعْدَ مَا قِيلَ مَنْظُومًا: فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ ... قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ

لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمُكَنَّى عَنْهُ لَا مَحَالَةَ، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى (وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ) بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَتَعَلَّقْنَ جُمْلَةً كَمَا إذَا نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصُوَرُهُ ثَلَاثٌ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا ذَكَرَ بِلَفْظِ " قَبْلَ " أَوْ جَمِيعُهُ بِلَفْظِ بَعْدَ أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَفِي الْجَمْعِ كَالْبَيْتِ يُلْغِي قَبْلَ بِبَعْدِ فَيَبْقَى شَهْرٌ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَيَقَعُ فِي شَوَّالٍ، وَفِي نَحْوِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ أُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ لَفْظَةَ قَبْلَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَقَدْ عَرَفْتَ حُكْمَهُ. أَوْ لَا يَتَخَلَّلُ بَلْ يَكُونُ الْمَذْكُورُ مَحْضَ قَبْلُ نَحْوُ فِي شَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فَيَقَعُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَمِنْ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ لَفْظَةَ بَعْدَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا قَبْلُ قُلِبَ الْبَيْتُ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُلْغِي بَعْدَ بِقَبْلَ فَيَبْقَى شَهْرٌ بَعْدَ رَمَضَانَ فَيَقَعُ فِي شَعْبَانَ، أَوْ لَا يَتَخَلَّلُ بَلْ الْمَذْكُورُ مَحْضُ بَعْدُ نَحْوُ فِي شَهْرٍ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ فَيَقَعُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا) يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي: قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَقَبْلَهَا وَاحِدَةٌ وَبَعْدَ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَهَا وَاحِدَةٌ هُوَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. أَمَّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا: أَيْ فِي قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَقَبْلَهَا وَاحِدَةٌ وَبَعْدَ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَهَا وَاحِدَةٌ. وَاسْتُشْكِلَ فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا نَارُ جَهَنَّمَ» وَأُجِيبُ بِأَنَّ اللَّفْظَ أَشْعَرَ بِالْوُقُوعِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْغَيْرِ ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْعِهِ لَا مَحَالَةَ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا ثِنْتَانِ) وَلَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ: أَيْ لِجَمْعِ الْمُتَعَاطِفَاتِ مِمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِلًا كَجَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو

وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْقِرَانَ وَالتَّرْتِيبَ، فَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا إذَا نَجَّزَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَلَا يَقَعُ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِالشَّكِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ صَدْرَ الْكَلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَا كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ جَاءُوا مُطْلَقًا: أَيْ بِلَا قَيْدِ مَعِيَّةٍ أَوْ تَرَتُّبٍ بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ يَصْدُقُ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالْوَاحِدَةِ فِي التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَصَارَ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، وَكَمَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، وَهَذَا التَّفْرِيقُ اللَّفْظِيُّ لَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي حَالِ التَّكَلُّمِ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ لَا فِي حَالِ التَّطْلِيقِ تَنْجِيزًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْإِيقَاعِ وَلَا مُوجِبَ لِتَوَقُّفِ الْأَوَّلِ فَيَقَعُ، أَمَّا هُنَا فَيَتَوَقَّفُ فَيَتَعَلَّقُ الْكُلُّ دَفْعَةً ثُمَّ يَنْزِلْنَ كَذَلِكَ فَيَقَعُ الْكُلُّ، وَلَوْ سَلِمَ التَّعَاقُبُ فِي التَّعْلِيقِ فَالْمُتَعَلِّقَاتُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَنْزِلُ جُمْلَةً عِنْدَ وُجُودِهِ كَمَا لَوْ حَصَلَ بِأَيْمَانٍ تَتَخَلَّلُهَا أَزْمِنَةٌ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ بَعْدَ زَمَانٍ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ يَقَعُ الْكُلُّ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا إذَا نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلصُّورَةِ وَكَذَا فَيَتَعَلَّقْنَ وَيَقَعْنَ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ) الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ يَحْتَمِلُ عِنْدَ وُقُوعِ الْوَاوِ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُرَادَ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي ضِمْنِ الْقِرَانِ أَوْ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْخَاصِّ الْأَعَمُّ إلَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي ضِمْنِ أَحَدِ أَخِصَّائِهِ، وَعَلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُرَادَ الْجَمْعُ بِوَصْفِ التَّرْتِيبِ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً. كَمَا إذَا نَجَّزَ الثَّلَاثَ بِالْوَاوِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِمُلَاحَظَةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهَا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، فَهَكَذَا هَذَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبَعْدَهَا وَاحِدَةٌ أُخْرَى وَبَعْدَهَا أُخْرَى وَيَفُوتُ الْمَحَلُّ بِالْأُولَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ إرَادَةِ الْمَعِيَّةِ يَنْزِلُ الْكُلُّ وَلَا تَتَعَيَّنُ لِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَنُزُولُ الطَّلَاقِ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَتَنْزِلُ وَاحِدَةٌ وَلَا يَنْزِلُ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ. وَتَقْرِيرُ الْأُصُولِ أَنَّ الْأَوَّلَ تَعَلَّقَ قَبْلَ الثَّانِي لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ، وَتَعَلَّقَ الثَّانِي بِوَاسِطَتِهِ وَالثَّالِثُ بِوَاسِطَتِهِمَا فَيَنْزِلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ التَّعَلُّقُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ تَكْرَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الثَّانِي بِغَيْرِ شَرْطِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ الْوَاحِدِ طَلْقَاتٌ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ فَيَنْزِلْنَ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّرْطِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ الْجَزَاءُ لِأَنَّ تَأَخُّرَ الشَّرْطِ مُوجِبٌ لِتَوَقُّفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ فَتَعَلَّقَ الْكُلُّ فِيهِ دَفْعَةً فَيَنْزِلُ دَفْعَةً. وَنُقِضَ بِمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَدَخَلَتْ يَقَعُ ثَلَاثٌ، وَلَوْ نَجَّزَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَعَ وَاحِدَةً. وَأُجِيبُ بِأَنَّ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي بَدَلَ الْأَوَّلِ. وَلَا يُمْكِنُ فِي الطَّلَاقِ فَيَتَعَلَّقُ الْأَوَّلُ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُ الثَّانِي لِبَقَاءِ مَحَلِّ التَّعْلِيقِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ فَيَتَعَلَّقُ بِلَا وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ أَعَادَ الشَّرْطَ لِتَعْلِيقِ ثِنْتَيْنِ وَجَعَلَهُ يَمِينَيْنِ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الْكُلُّ جُمْلَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا نَجَّزَ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى فَلَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِإِيقَاعِ الثِّنْتَيْنِ وَقَوْلُهُمَا أَرْجَحُ. وَقَوْلُهُ: تَعَلَّقَ الثَّانِي بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ، إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ عِلَّةُ تَعَلُّقِهِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ عِلَّتُهُ جَمْعُ الْوَاوِ إيَّاهُ إلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ أُرِيدَ كَوْنُهُ سَابِقَ التَّعَلُّقِ سَلَّمْنَاهُ، وَلَا يُفِيدُ كَالْأَيْمَانِ الْمُتَعَاقِبَةِ؛ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ عِلَّةٌ لِتَعَلُّقِ الثَّانِي لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ نُزُولِهِ عِلَّةً لِنُزُولِهِ إذْ لَا تَلَازُمَ فَجَازَ كَوْنُهُ عِلَّةً لِتَعَلُّقِهِ فَيَتَقَدَّمُ فِي التَّعَلُّقِ، وَلَيْسَ نُزُولُهُ عِلَّةً لِنُزُولِهِ، بَلْ إذَا تَعَلَّقَ الثَّانِي

فَيَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ فَيَقَعْنَ جُمْلَةً وَلَا مُغَيِّرَ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ. وَلَوْ عَطَفَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ صَارَ مَعَ الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقَيْنِ بِشَرْطٍ، وَعِنْدَ نُزُولِ الشَّرْطِ يَنْزِلُ الْمَشْرُوطُ. وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقْرَبُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْأَيْمَانِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي تَعَلُّقِ الْكُلِّ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَعِيَّةِ أَوْ التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ أَنْ تَنْزِلَ كُلُّهَا عِنْدَ الشَّرْطِ كَالْأَيْمَانِ الْمُتَعَاقِبَةِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ. قُلْنَا: التَّرْتِيبُ الَّذِي يُرَادُ بِالْوَاوِ يَقْتَضِي كَمَا قَرَرْنَاهُ أَنَّ وُقُوعَ كُلِّ مُتَقَدِّمِ جُزْءٍ شَرْطُ وُقُوعِ الْمُتَأَخِّرِ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبَعْدَهَا أُخْرَى وَتَلِيهَا أُخْرَى فَلَا يَقَعُ مُتَأَخِّرٌ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْمُتَقَدِّمِ فَصَارَ الدُّخُولُ شَرْطَ كُلِّ مُتَأَخِّرٍ، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ الَّذِي اتَّفَقَ فِي الْأَيْمَانِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الشَّرْطُ فِي الْكُلِّ إلَّا شَرْطَ الْأَوَّلِ فَقَطْ، فَإِذَا وُجِدَ الدُّخُولُ مَثَلًا فَقَدْ وُجِدَ تَمَامُ شَرْطِ كُلِّ مُعَلَّقٍ مِنْ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ وَسَقَطَ الظِّهَارُ عِنْدَهُ وَالْإِيلَاءُ لِسَبْقِ الطَّلَاقِ فَتَبِينُ فَلَا تَبْقَى مَحَلًّا لِلظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ. وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُطَلِّقٌ مُظَاهِرٌ مُولٍ. وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةِ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَتَزَوَّجَهَا فَعَلَى الْخِلَافِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الظِّهَارَ وَالْإِيلَاءَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا وَقَعَ الْكُلُّ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِسَبْقِ الْإِيلَاءِ ثُمَّ هِيَ بَعْدَهُ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَتَطْلُقُ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَطَفَ بِحَرْفِ الْفَاءِ) فَقَالَ: أَيْ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ فَدَخَلَتْ (فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ) فَعِنْدَهُ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهَا، وَعِنْدُهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَفِي الْمَبْسُوطِ نَقَلَهُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ فَلْيَكُنْ عَنْهُمَا (وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَصَارَتْ كَثُمَّ وَبَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ الشَّرْطَ دُخُولَ الدَّارِ وَوُقُوعَ طَلْقَةٍ، وَلَا وُقُوعَ قَبْلَ مَجْمُوعِ الشَّرْطِ فَتَقَعُ الثَّانِيَةُ بَعْدَهُمَا، وَشَرْطُ الثَّالِثَةِ الدُّخُولُ وَوُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ فَيَقَعُ بَعْدَهُمَا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي قَرَّرْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبَعْدَهَا أُخْرَى، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت. فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، فَعِنْدَهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ ثِنْتَانِ وَتَتَعَلَّقُ الثَّالِثَةُ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهَا لِلتَّرَاخِي، وَكَمَالُهُ بِاعْتِبَارِهِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَكَأَنَّهُ فَصَلَ بِسُكُوتٍ، وَلَوْ سَكَتَ وَقَعَ الْأَوَّلُ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِيَتَعَلَّقَ فَكَذَا هُنَا. وَإِذَا وَقَعَ الْأَوَّلُ بَقِيَتْ مَحَلًّا فَتَقَعُ الثَّانِيَةُ وَتَتَعَلَّقُ الثَّالِثَةُ بِدُخُولِهَا الدَّارَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو الثَّانِي لِانْتِفَاءِ مَحَلِّيَّتِهَا، وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ

(وَأُمًّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَاتُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ أَوْ دَلَالَتِهِ. قَالَ (وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ عَنْ النِّكَاحِ وَتَحْتَمِلُ اعْتِدَادَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ بِنِيَّتِهِ فَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَالطَّلَاقُ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ. وَالْوَجْهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ، وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالثَّانِي قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ، فَأَثَرُ التَّرَاخِي يَظْهَرُ عِنْدَهُ فِي التَّعْلِيقِ كَأَنَّهُ سَكَتَ ثُمَّ تَكَلَّمَ، وَعِنْدَهُمَا فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَلَوْ لَمْ يَعْطِفْ أَصْلًا بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاحِدَةً يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَلَغَا مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَشْرِيكَهُ مَعَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَاتُ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكِنَايَاتِ وَقَدَّمَ الصَّرِيحَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْإِفْهَامِ، فَمَا كَانَ أَدْخَلَ وَأَظْهَرَ فِيهِ كَانَ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُضِعَ لَهُ، وَحِينَ كَانَ الصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْمَعْنَى كَانَ الْكِنَايَةُ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ بِهِ لِتَوَارُدِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفْ الْمُصَنِّفُ الْكِنَايَةَ كَمَا عَرَّفَ الصَّرِيحَ بَلْ ابْتَدَأَ فَقَالَ (وَهُوَ الْكِنَايَاتُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) إلَى آخِرِهِ لِاشْتِهَارِ أَنَّهَا ضِدَّ الصَّرِيحِ، وَحِينَ عَرَّفَهُ عُلِمَ أَنَّ الْكِنَايَةَ مَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ مَعَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ رَسْمُهَا مِنْ تَعْلِيلِهِ حَيْثُ قَالَ: إنَّهَا تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ، فَكَأَنَّ الْكِنَايَةَ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَزِمَ أَنْ يَسْتَفْسِرَ عَنْ مَقْصُودِهِ بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ حَالَةً ظَاهِرَةً تُفِيدُ مَقْصُودَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُهَا وَلَا يُصَدِّقُهُ فِي ادِّعَاءٍ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا وَهِيَ دَلَالَةُ الْحَالِ فَإِنَّهَا مِمَّا يُحْكَمُ بِإِرَادَةِ مُقْتَضَاهَا شَرْعًا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ الضَّرُورَةَ نِيَّةَ الْحَجِّ يَنْصَرِفُ إلَى نِيَّةِ الْحَجِّ الْفَرْضِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّيَّةَ بَاطِنَةٌ وَالْحَالُ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُرَادِ فَظَهَرَتْ نِيَّتُهُ بِهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي إنْكَارِ مُقْتَضَاهَا بَعْدَ ظُهُورِهِ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُصَدِّقُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إذَا نَوَى خِلَافَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَالِ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِالْوُقُوعِ، أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَالَ: أَرَدْتُ عَنْ وَثَاقٍ لَا يُصَدِّقُهُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هِيَ زَوْجَتُهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ) بَلْ مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ أَوْ مِنْ حُكْمِهِ، وَالْأَعَمُّ فِي الْمَادَّةِ الِاسْتِعْمَالِيَّة يَحْتَمِلُ كُلًّا مِمَّا صَدَقَاتِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِمُعَيِّنٍ، وَالْمُعَيِّنُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ النِّيَّةُ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَاضِي دَلَالَةُ الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَدَعْوَاهُ مَا أَرَادَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ حُكْمِهِ، وَلَمْ نَقُلْ: أَعَمُّ مِنْهُ لِمَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّهَا لَمْ يُرِدْ بِمَا سِوَى الثَّلَاثِ الرَّجْعِيَّةِ اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي أَنْتِ وَاحِدَةً الطَّلَاقَ أَصْلًا بَلْ مَا هُوَ حُكْمُهُ مِنْ الْبَيْنُونَةِ مِنْ النِّكَاحِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ تُسْتَعْمَلُ فِيهَا، وَسَنُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ وَنُقَرِّرُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْتَمِلُهُ مُتَعَلِّقًا لِمَعْنَاهَا أَوْ وَاقِعًا عِنْدَهُ فَتَدْخُلُ الثَّلَاثُ الرَّجْعِيَّةُ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الْكِنَايَاتُ (عَلَى ضَرْبَيْنِ) هَذَا تَقْسِيمٌ لِلْكِنَايَاتِ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ أَوَّلًا بِحَسَبِ مَا هِيَ كِنَايَةٌ عَنْهُ، وَثَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ بِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ هِيَ الْقِسْمَةُ الثَّانِيَةُ. أَمَّا الْأُولَى فَتَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حُكْمِ الطَّلَاقِ وَإِلَى مَا عَنْ تَفْوِيضِهِ الثَّانِي لَفْظَانِ اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَتَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا نَوَاهُ جُعِلَ كَأَنَّهُ قَالَهُ، وَالطَّلَاقُ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ قَوْمِهِ، وَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ تَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَلَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فِيهَا مُقْتَضًى أَوْ مُضْمَرٌ، وَلَوْ كَانَ مُظْهَرًا لَا تَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا أَوْلَى، وَفِي قَوْلِهِ وَاحِدَةٌ وَإِنْ صَارَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يُنَافِي نِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَدْخُلُ فِي يَدِهَا إلَّا بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِقَوْلِهَا بَعْدَ نِيَّتِهِ طَلَّقْت نَفْسِي وَاخْتَرْت نَفْسِي، وَالْأَوَّلُ مَا سِوَاهُمَا وَيَنْقَسِمُ إلَى مَا يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ وَهُوَ مَا سِوَى الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَسَنَذْكُرُ مَا فِيهِ، وَإِلَى مَا يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ. أَمَّا الْأُولَى: أَيْ كَوْنُ الْأُولَى وَهِيَ كَلِمَةُ اعْتَدِّي كِنَايَةً فَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ عَنْ النِّكَاحِ وَالِاعْتِدَادَ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ وَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَالطَّلَاقُ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاقْتِضَاءِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا قَالَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ لِيَرُدَّ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ، وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا عَتَقَتْ. وَيُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ وَهُوَ غَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ كَوْنُهَا مَجَازًا عَنْ كُونِي طَالِقًا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَجِبُ كَوْنُ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك كَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهَا اسْتِحْسَانٌ لِحَدِيثِ «سَوْدَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْبَائِنُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ بَعِيدٌ بَلْ ثُبُوتُ الرَّجْعِيِّ بِهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَيْنُونَةَ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا فَلَا يُتَّجَهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا. نَعَمْ الِاعْتِدَادُ يَقْتَضِي فُرْقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَعَيُّنَ الْبَائِنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَخَفُّ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ كَلِمَةُ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك فَلِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ وَهُوَ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَاحْتَمَلَ اسْتَبْرِئِيهِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِأُطَلِّقَك: يَعْنِي إذَا عَلِمْت خُلُوَّهُ عَنْ الْوَلَدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا أَيْضًا قَبْلَ الدُّخُولِ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا كَاعْتَدِّي، وَكَذَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهِيَ أَنْتِ وَاحِدَةٌ

الثَّلَاثِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ. قَالَ (وَبَقِيَّةُ الْكِنَايَاتِ إذَا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَعْتَا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا نَوَاهُ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ: يَعْنِي إذَا نَوَاهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ لِظُهُورِ أَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ وَالطَّلَاقُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ نَحْوُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدِي أَوْ فِي قَوْمِك مَدْحًا وَذَمًّا، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُقْتَضًى كَمَا هُوَ فِي اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك لِأَنَّهُ يَقَعُ شَرْعًا بِهَا فَهُوَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَمُضْمَرٌ فِي وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ مُظْهِرًا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً، فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ أُولَى أَنْ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَفِي وَاحِدَةٍ إنْ صَارَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ صِفَتِهِ لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدِ يَمْنَعُ إرَادَةَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْدُودِ بِالْهَاءِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ. وَاعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً بِأَنَّ فِيهِ تَكَلُّفًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الزَّوْجِ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْفَعُ احْتِمَالُهُ لِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالتَّطْلِيقُ بِالْمَصْدَرِ الْمَلْفُوظِ بِهِ شَائِعٌ فِي طَلَاقِ الْعَرَبِ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الشِّعْرِ الْقَائِلِ: فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إلَى آخِرِهِ، وَمِنْ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ طَلَّقَ الْأَرْبَعَ: اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ الطَّلَاقُ أَوْ طَلَاقٌ وَكَثِيرٌ، بِخِلَافِ التَّطْلِيقِ بِلَفْظِ أَنْتِ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الزَّوْجِ فَكَانَ احْتِمَالُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ لِلْمَصْدَرِ أَظْهَرَ مِنْ احْتِمَالِهَا لِمُنْفَرِدَةٍ عَنْ الزَّوْجِ فَضْلًا عَنْ تَعَيُّنِ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ رَفَعَ الْوَاحِدَةَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى، وَإِنْ نَصَبَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ: أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَوْقَعَ بِالصَّرِيحِ وَإِنْ سَكَنَ اُحْتِيجَ إلَى النِّيَّةِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ حُكْمٍ يَرْجِعُ إلَى الْعَامَّةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الرَّفْعَ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ نَعْتًا لِطَلْقَةٍ: أَيْ أَنْتِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالنَّصْبُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ آخَرَ: أَيْ أَنْتِ مُتَكَلِّمَةٌ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ الْعَوَامَّ وَالْخَوَاصَّ، وَلِأَنَّ الْخَاصَّةَ لَا تَلْتَزِمُ التَّكَلُّمَ الْعُرْفِيَّ عَلَى صِحَّةِ الْإِعْرَابِ بَلْ تِلْكَ صِنَاعَتُهُمْ وَالْعُرْفُ لُغَتُهُمْ، وَلِذَا تَرَى أَهْلَ الْعِلْمِ فِي مَجَارِي كَلَامِهِمْ لَا يُقِيمُونَهُ (قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ الْكِنَايَاتِ إذَا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، فَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ كَانَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً) وَفِي هَذَا الْإِطْلَاقِ نَظَرٌ، بَلْ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ بِبَعْضِ الْكِنَايَاتِ سِوَى الثَّلَاثِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك يَقَعُ رَجْعِيٌّ إذَا نَوَى، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مِنْ نِكَاحِك، قَالَهُ ابْنُ سَلَامٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ اُخْتُلِفَ فِي بَرِئْت مِنْ طَلَاقِك إذَا نَوَى، وَالْأَصَحُّ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي أَنْ يَقَعَ بَائِنًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ تَبْرِئَتِهِ مِنْهُ تَسْتَلْزِمُ عَجْزَهُ عَنْ الْإِيقَاعِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ الثَّلَاثِ أَوْ عَدَمِ الْإِيقَاعِ أَصْلًا وَبِذَلِكَ صَارَ كِنَايَةً، فَإِذَا أَرَادَ الْأَوَّلَ

وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَحَرَامٌ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَوَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ وَسَرَّحْتُك وَفَارَقْتُك وَأَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي وَأَنْتِ حُرَّةٌ وَتَقَنَّعِي وَتَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي وَاغْرُبِي وَاخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي وَابْتَغِي الْأَزْوَاجَ) لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَقَالَ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ إذَا كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَعَ وَصُرِفَ إلَى إحْدَى الْبَيْنُونَتَيْنِ وَهِيَ الَّتِي دُونَ الثَّلَاثِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: الطَّلَاقُ عَلَيْك يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَفِي وَهَبْتُك طَلَاقَك إذَا نَوَى يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَكَذَا قَالُوا فِي بِعْتُك طَلَاقَك إذَا قَالَتْ: اشْتَرَيْت مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ، ثُمَّ فِي الْهِبَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةً تَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ. وَلَوْ قَالَ نَوَيْت أَنْ يَكُون فِي يَدِهَا لَا يُصَدَّقُ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَمَا نَوَى، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَهِيَ زَوْجَتُهُ. هَذَا إذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ، فَلَوْ ابْتَدَأَتْ فَقَالَتْ: هَبْ لِي طَلَاقِي تُرِيدُ أَعْرِضْ عَنْهُ فَقَالَ: وَهَبْت لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ جَوَابُهَا فِيمَا طَلَبَتْ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ إذَا نَوَى لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ بِهِ وَنَوَى وَقَعَ، فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَقَدْ قَصَدَ عَدَمَ الْجَوَابِ، وَأُخْرِجَ الْكَلَامُ ابْتِدَاءً وَلَهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَدْرَى بِنَفْسِهِ وَنِيَّتِهِ، وَيَقَعُ رَجْعِيًّا فِي خُذِي طَلَاقَك وَأَقْرَضْتُك وَكَذَا فِي قَدْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ قَضَاهُ أَوْ شِئْت يَقَعُ بِالنِّيَّةِ رَجْعِيًّا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَحَرَامٌ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَالْحَقِي بِأَهْلِك) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ (وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك وَفَارَقْتُك وَأَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي وَأَنْتِ حُرَّةٌ) وَأَعْتَقْتُك مِثْلُ أَنْتِ حُرَّةٌ (تَقَنَّعِي وَتَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي وَاغْرُبِي) بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ (وَاخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي وَابْتَغِي الْأَزْوَاجَ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ) وَتَحْرِيرُ الْمُحْتَمَلَاتِ غَيْرُ خَافٍ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك تَمْثِيلٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالصُّورَةِ الْمُنْتَزَعَةِ مِنْ أَشْيَاءَ وَهِيَ هَيْئَةُ النَّاقَةِ إذَا أُرِيدَ إطْلَاقُهَا لِلرَّعْيِ وَهِيَ ذَاتُ رَسَنٍ فَأَلْقَى الْحَبْلَ عَلَى غَارِبِهَا: وَهُوَ مَا بَيْنَ السَّنَامِ وَالْعُنُقِ كَيْ لَا تَتَعَقَّلَ بِهِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا، فَشَبَّهَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْإِطْلَاقِيَّةِ إطْلَاقَ الْمَرْأَةِ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ التَّصَرُّفِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَصَارَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِتَعَدُّدِ صُوَرِ الْإِطْلَاقِ، وَفِي وَهَبْتُك لِأَهْلِك إذَا نَوَى يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ وَهَبْتُك لِأَهْلِك مَجَازًا عَنْ رَدَدْتُك عَلَيْهِمْ فَيَصِيرُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِمْ إيَّاهَا فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ، وَالْحَقِي بِأَهْلِك مِثْلُهُ فِي صَيْرُورَتِهَا إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ: وَهَبْتُك لِأَبِيك أَوْ لِابْنِك مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجَانِبِ (فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) وَهُوَ حَالُ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ أَوْ سُؤَالِ أَجْنَبِيٍّ (فَيَقَعُ فِي الْقَضَاءِ) وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت غَيْرَ الطَّلَاقِ (وَلَا يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا اخْتَارِي لِمَا نَذْكُرُ وَأَمْرُك بِيَدِك. قَالَ الْمُصَنِّفُ (سِوَى) أَيْ الْقُدُورِيِّ (بَيَّنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَقَالَ: لَا يُصَدَّقُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فِي الْقَضَاءِ) إذَا قَالَ: نَوَيْت غَيْرَ الطَّلَاقِ مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ، وَهَكَذَا فَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَشَايِخُ

قَالُوا (وَهَذَا فِيمَا لَا يَصْلُحُ رَدَّا) وَالْجُمْلَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ: حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا، وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ. وَالْكِنَايَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا، وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا رَدَّا، وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَسَبًّا وَشَتِيمَةً. فَفِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ النِّيَّةِ لِمَا قُلْنَا، وَفِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا، وَلَا يَصْلُحُ رَدَّا فِي الْقَضَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَائِنٌ بَتَّةٌ حَرَامٌ اعْتَدِّي أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ، وَيُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا مِثْلُ قَوْلِهِ: اذْهَبِي اُخْرُجِي قُومِي تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQكَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ (قَالُوا وَهَذَا) أَيْ كَوْنُهُ لَا يُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى نِيَّةً غَيْرَ الطَّلَاقِ بَعْدَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ إنَّمَا هُوَ (فِيمَا لَا يَصْلُحُ رَدًّا) أَمَّا مَا يَصْلُحُ لَهُ فَيُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ. ثُمَّ اسْتَأْنَفَ تَقْسِيمًا ضَابِطًا فَقَالَ: الْأَحْوَالُ هُنَا ثَلَاثَةٌ: حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ وَفَسَّرَهَا بِحَالَةِ الرِّضَا. وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ مَا قَدَّمْنَا. وَحَالَةُ الْغَضَبِ. وَالْكِنَايَاتُ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلَبِهَا الطَّلَاقَ: أَيْ التَّطْلِيقَ وَيَصْلُحُ رَدًّا لَهُ. وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا لَهُ. وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا. فَفِي حَالَةِ الرِّضَا يُصَدَّقُ فِي الْكُلِّ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَفِي حَالَةِ الْمُذَاكَرَةِ لِلطَّلَاقِ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا رَدًّا كَخَلِيَّةٍ بَرِيَّةٍ بَائِنٍ بَتَّةٍ بَتْلَةٍ حَرَامٍ اعْتَدِّي اسْتَتِرِي اخْتَارِي أَمْرُك بِيَدِك، وَيُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ وَلِلرَّدِّ مِثْلُ اُخْرُجِي اذْهَبِي افْلَحِي، تَقُولُ الْعَرَبُ افْلَحْ عَنِّي: أَيْ اذْهَبْ عَنِّي، وَاغْرُبِي قُومِي تَقَنَّعِي، وَمُرَادِفُهَا كَاسْتَتِرِي وَتَخَمَّرِي، وَمَعْنَى الرَّدِّ فِي هَذِهِ: أَيْ اشْتَغِلِي بِالتَّقَنُّعِ الَّذِي هُوَ أَنْفَعُ لَك مِنْ الْقِنَاعِ وَكَذَا أَخَوَاهُ، وَيَجُوزُ فِيهِ بِخُصُوصِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْقَنَاعَةِ وَفِي حَالِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا، وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتِيمَةً لَا رَدًّا كَخَلِيَّةٍ بَرِيَّةٍ بَتَّةٍ بَتْلَةٍ حَرَامٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، إذْ يَحْتَمِلُ خَلِيَّةً مِنْ الْخَيْرِ بَرِيَّةً مِنْهُ بَتَّةً بَتْلَةً: أَيْ مَقْطُوعَةً عَنْهُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ دُونَ الرَّدِّ وَالشَّتْمِ كَاعْتَدِّي اخْتَارِي أَمْرُك بِيَدِك اسْتَتِرِي. وَعُرِفَ مِمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ اخْتَارِي أَمْرُك بِيَدِك لَا يَقَعُ بِهِمَا الطَّلَاقُ إلَّا بِإِيقَاعِهَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ التَّفْوِيضِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّقْسِيمِ فِي الْأَحْوَالِ قِسْمَانِ: حَالَةُ الرِّضَا، وَحَالَةُ الْغَضَبِ. وَأَمَّا حَالَةُ الْمُذَاكَرَةِ فَتُصَدَّقُ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ سُؤَالُهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، فَتَحْرِيرُ التَّقْرِيرِ أَنَّ

وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَهُوَ الْأَدْنَى فَحُمِلَ عَلَيْهِ. وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ وَالسَّبِّ، إلَّا فِيمَا يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ كَقَوْلِهِ: اعْتَدِّي وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهَا لِأَنَّ الْغَضَبَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْتُ سَبِيلَك وَفَارَقْتُك، أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا فِيهَا مِنْ احْتِمَالِ مَعْنَى السَّبِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَالَةِ الرِّضَا الْمُجَرَّدِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ يُصَدَّقُ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، وَفِي حَالَةِ الرِّضَا الْمَسْئُولِ فِيهَا طَلَاقٌ يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ رَدًّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ سَبًّا أَوْ رَدًّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا السَّبَّ أَوْ الرَّدَّ، وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا فَقَطْ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمَسْئُولِ فِيهَا الطَّلَاقُ يَجْتَمِعُ فِي عَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي الْمُتَمَحِّضِ جَوَابًا سَبَبَانِ: الْمُذَاكَرَةُ وَالْغَضَبُ، وَكَذَا فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِيمَا يَصْلُحُ رَدًّا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُذَاكَرَةِ وَالْغَضَبِ يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي دَعْوَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ. وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلسَّبَبِ يَنْفَرِدُ الْغَضَبُ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى أَنْ تُعْرَفَ الْحَالُ الْمُطْلَقَةُ بِالْمُطْلَقَةِ عَنْ قَيْدِ الْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) أَلْحَقَ أَبُو يُوسُفَ بِاَلَّتِي تَحْتَمِلُ السَّبَّ أَلْفَاظًا أُخْرَى وَهِيَ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك خَلَّيْت سَبِيلَك فَارَقْتُك، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظِ ذَكَرَهَا الْوَلْوَالِجِيُّ، وَذَكَرَهَا الْعَتَّابِيُّ خَمْسَةً: لَا سَبِيلَ لَا مِلْكَ خَلَّيْت سَبِيلَك الْحَقِي بِأَهْلِك حَبْلُك عَلَى غَارِبِك. وَفِي الْإِيضَاحِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ خَمْسَةً هِيَ هَذِهِ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ مَكَانَ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَارَقْتُك فَتَتِمُّ سِتَّةَ أَلْفَاظٍ. وَوَجْهُ احْتِمَالِهَا السِّتَّ أَنْ لَا مِلْكَ لِي: يَعْنِي أَنْتِ أَقَلُّ مِنْ أَنْ تُنْسَبِي إلَيَّ بِالْمِلْكِ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِزِيَادَةِ شَرِّك وَخَلَّيْت سَبِيلَك وَفَارَقْتُك وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك: أَيْ أَنْتِ مُسِيئَةٌ لَا يَشْتَغِلُ أَحَدٌ بِتَأْدِيبِك إذْ لَا طَاقَةَ لِأَحَدٍ بِمُمَارَسَتِك. وَفِي رِوَايَةِ جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَلْحَقهَا بِالثَّلَاثِ الَّتِي لَا يَدِينُ فِيهَا فِي الْغَضَبِ كَمَا لَا يَدِينُ فِي الْمُذَاكَرَةِ، وَهِيَ اعْتَدِّي اخْتَارِي أَمْرُك بِيَدِك. وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك تَقَنَّعِي اسْتَتِرِي اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي تَزَوَّجِي لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك يَدِينُ فِي الْغَضَبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُذْكَرُ لِلْإِبْعَادِ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ يَبْعُدُ الْإِنْسَانُ عَنْ الزَّوْجَةِ فِيهِ، وَكَذَا فِي حَالِ ذِكْرِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا لِأَنَّ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك يَحْتَمِلُ عَلَيَّ طَلَاقُك وَهُوَ يُذْكَرُ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الطَّلَاقِ وَانْطَلِقِي وَانْتَقِلِي كَالْحَقِي وَلَا رِوَايَةَ فِي أَعَرْتُك طَلَاقَك ظَاهِرَةٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ الطَّلَاقُ فِي يَدِهَا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا مَنَافِعَ الطَّلَاقِ وَمَنْفَعَةُ الطَّلَاقِ التَّطْلِيقُ إنْ شَاءَتْ كَمَا كَانَ لِلزَّوْجِ، وَلَوْ قَالَ: طَلَاقُك عَلَيَّ لَا يَقَعُ أَصْلًا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك لِأَبِيك أَوْ لِابْنِك أَوْ لِلْأَزْوَاجِ فَهُوَ طَلَاقٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُرَدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالطَّلَاقِ عَادَةً، وَلَوْ قَالَ: لِأُخْتِك أَوْ خَالَتِك أَوْ عَمَّتِك أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِالطَّلَاقِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ زَادَ عَلَى اذْهَبِي فَقَالَ: اذْهَبِي فَبِيعِي ثَوْبَك لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاذْهَبِي يُعْمِلُ فِيهِ نِيَّةَ الطَّلَاقِ وَيَبْقَى الزَّائِدُ مَشُورَةً فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ الطَّلَاقِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَعْنَاهُ عَادَةً لِأَجْلِ الْبَيْعِ فَكَانَ صَرِيحُهُ خِلَافَ الْمَنْوِيِّ. وَمِنْ الْكِنَايَاتِ تَنَحَّيْ عَنِّي. وَاخْتُلِفَ فِي لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك عَمَلٌ، قِيلَ يَقَعُ إذَا نَوَى وَقِيلَ لَا، وَمِثْلُهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْءٌ. وَفِي أَرْبَعَةِ طُرُقٍ عَلَيْك مَفْتُوحَةٌ لَا يَقَعُ بِالنِّيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ خُذِي أَيُّهَا شِئْت، ثُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ أَسَدٍ يَقَعُ ثَلَاثًا، وَقَالَ ابْنُ سَلَامٍ: أَخَافُ أَنْ يَقَعَ ثَلَاثًا لِمَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ مُرَادَ النَّاسِ بِمِثْلِهِ اُسْلُكِي الطُّرُقَ الْأَرْبَعَةَ وَإِلَّا فَاللَّفْظُ إنَّمَا يُعْطِي الْأَمْرَ بِسُلُوكِ أَحَدِهَا. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَقَعَ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَمِنْهَا نَجَوْت مِنِّي. وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي وَهَبْتُك طَلَاقَك: لَا يَقَعُ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَلَا يَقَعُ فِي أَبَحْتُك طَلَاقَك وَإِنْ نَوَى أَوْ صَفَحْت عَنْهُ وَلَا بِأَحْبَبْتُ طَلَاقَك أَوْ رَضِيتُهُ أَوْ هَوَيْته أَوْ أَرَدْته وَإِنْ نَوَى، وَأَمَّا طَالِ بِلَا قَافٍ فَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْوُقُوعَ بِهِ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ مَعَ إسْكَانِ اللَّامِ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَمَعَ كَسْرِهَا يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ وَالْوَجْهُ إطْلَاقُ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِلَا قَافٍ لَيْسَ صَرِيحًا لِعَدَمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا التَّرْخِيمُ لُغَةً جَائِزٌ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ فَانْتَفَى لُغَةً وَعُرْفًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ الْيَمِينِ، هَذَا فِي حَالَةِ الرِّضَا وَعَدَمِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، أَمَّا فِي أَحَدِهِمَا فَيَقَعُ قَضَاءً أَسْكَتَهَا أَوْ لَا، وَفِيهِ أَيْضًا النَّظَرُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ بِلَا لَفْظٍ لَهُ وَلَا لِأَعَمَّ مِنْهُ لِيَكُونَ كِنَايَةً وَلَيْسَ بِمَجَازٍ فِيهِ، وَهَذَا الْبَحْثُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ أَصْلًا وَإِنْ نَوَى، وَمِثْلُ هَذَا الْبَحْثِ يَجْرِي فِي التَّطْلِيقِ بِالتَّهَجِّي كَأَنْتَ ط ال ق لِأَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا وَلَا كِنَايَةً لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا يَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ، وَأَوْضَاعُ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ هِيَ حُرُوفٌ، وَلِذَا لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ تَهَجِّيًا لَا يَجِبُ السُّجُودُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْآنًا، وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الصَّرِيحِ وَالِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِكَوْنِ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَيْهِ وَضْعًا أَوْ عُرْفًا وَحِينَئِذٍ يَقَعُ بِالتَّهَجِّي فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ النِّيَّةِ، وَكَذَا بِطَالِ بِلَا قَافٍ، وَفِي قَوْلِهِ لِآخَرَ: احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا أَوْ أَخْبِرْهَا بِهِ أَوْ بَشِّرْهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْمَحْمُولِ، وَمِنْهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيِّتَةِ أَوْ الْخَمْرِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ. وَفِي الْكَافِي لِلشَّهِيدِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَذِهِ عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي أَوْ مَحْرَمٌ مِنْ الرَّضَاعِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِأَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَصَرَّ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ مَزَحْت أَوْ كَذَبْت أَوْ وَهِمْت أَوْ نَسِيت صُدِّقَ وَلَا يُفَرَّقُ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفَرَّقَ مُطْلَقًا وَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالتَّحْرِيمِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا إيجَابُ تَحْرِيمٍ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ بِنْتِي مِنْ نَسَبٍ وَثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَمْ يُفَرَّقْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَكَذَا فِي هِيَ أَمِّي وَلَهُ أُمٌّ مَعْرُوفَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَمِثْلُهَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ وَكَذَا هِيَ أُخْتِي. وَاخْتُلِفَ فِي لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ وَمَا أَنَا لَك بِزَوْجٍ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا لِأَنَّ نَفْيَ النِّكَاحِ لَيْسَ طَلَاقًا بَلْ كَذِبٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي امْرَأَةٌ، أَوْ لَوْ سُئِلَ هَلْ لَك امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: لَا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ كَذَا هُنَا. وَلَهُ أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُ: أَيْ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ لِأَنِّي طَلَّقْتُك فَيَصِحُّ نَفْيُهُ كَمَا فِي لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَمَسْأَلَةُ الْحَلِفِ مَمْنُوعَةٌ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ بِدَلَالَةِ الْيَمِينِ عَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ النَّفْيَ عَنْ الْمَاضِي لَا فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْحَلِفَ يَكُونُ فِيمَا يَدْخُلُهُ الشَّكُّ لَا فِي إنْشَاءِ النَّفْيِ فِي الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: لَمْ أَتَزَوَّجْك

ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ بِهَا رَجْعِيٌّ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا طَلَاقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجُحُودٌ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ إذْ الطَّلَاقُ لَا يُتَصَوَّرُ بِلَا نِكَاحٍ، وَكَذَا بِدَلَالَةِ السُّؤَالِ عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي. وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ النَّاقِعِ: إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَسْت لِي بِزَوْجٍ فَقَالَ صَدَقْت يَنْوِي طَلَاقَهَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: لَسْت أَوْ مَا أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ لَسْت أَوْ مَا أَنَا زَوْجُك عِنْدَهُ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَأَلْغَيَاهُ، وَيَتَّصِلُ بِالْكِنَايَاتِ الطَّلَاقُ بِالْكِتَابَةِ لَوْ كَتَبَ طَلَاقًا أَوْ عَتَاقًا عَلَى مَا لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْخَطُّ كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ لَا يَقَعُ نَوَى بِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَكَذَا إذَا كَتَبَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ فِي كِتَابٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْكِتَابَةِ كَصَوْتٍ لَا يَسْتَبِينُ مِنْهُ حُرُوفٌ، فَلَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَبِينًا لَكِنْ لَا عَلَى رَسْمِ الرِّسَالَةِ وَالْخِطَابِ فَإِنَّهُ يَنْوِي فِيهِ، كَالْكَلَامِ الْمُكَنَّى لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْتُبُ مِثْلَهُ لِلْإِيقَاعِ وَقَدْ يَكْتُبُ مِثْلَهُ لِتَجْرِبَةِ الْخَطِّ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِلِسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِكِتَابَتِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ خِطَابًا أَوْ رِسَالَةً، فَإِنْ كَانَ عَلَى رَسْمِ كَتْبِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ يَا فُلَانَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ حُرٌّ أَوْ إذَا وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت مِنْ وَثَاقٍ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، ثُمَّ يَقَعُ عَقِيبَ الْكِتَابَةِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ إذَا وَصَلَ إلَيْك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِدُونِ الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَقَالُوا فِيمَنْ كَتَبَ كِتَابًا عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَفِيهِ إذَا وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَمَحَا ذِكْرَ الطَّلَاقِ مِنْهُ. وَأَنْفَذَهُ وَأَسْطُرُهُ بَاقِيَةٌ وَقَعَ إذَا وَصَلَ، وَلَوْ مَحَاهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ كَلَامٌ يَكُونُ رِسَالَةً لَمْ يَقَعُ، وَإِنْ وَصَلَ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ وُصُولُ الْكِتَابِ وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَمَا وَقَعَ فِي تَفْصِيلِ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَحَا مَا سِوَى كِتَابَةِ الطَّلَاقِ وَأَنْفَذَهُ فَوَصَلَ إلَيْهَا لَا يَقَعُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرِّسَالَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ لَا تَكُونُ كِتَابًا، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَحَا أَكْثَرَ مَا قَبْلَهُ فَأَرْسَلَهُ لَا يَقَعُ أَبْعَدُ مِنْ الْأَوَّلِ إذْ مُقْتَضَاهُ انْتِفَاءُ الْكِتَابِ بِانْتِفَاءِ ذِكْرِ كَثْرَةِ الْحَوَائِجِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. . وَلَوْ كَتَبَ الصَّحِيحَ إلَى امْرَأَتِهِ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ أَنْكَرَ الْكِتَابَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهَا: أَمَّا بَعْدُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إنْ كَانَ مَوْصُولًا بِكِتَابَتِهِ لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ ثُمَّ فَتَرَ فَتْرَةً ثُمَّ كَتَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَى الْغَائِبِ كَالْمَلْفُوظِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ وَالْخُلَاصَةِ. وَفِيهَا مَعْزُوًّا إلَى الْمُنْتَقَى: إذَا كَتَبَ كِتَابَ الطَّلَاقِ ثُمَّ نَسَخَهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ حِينَ كَتَبَ وَلَمْ يُمِلَّ هُوَ فَأَتَاهَا الْكِتَابَانِ طَلُقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ قَضَاءً، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى تَقَعُ وَاحِدَةٌ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا لَوْ وَصَلَ أَحَدُهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِوُصُولِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ قَضَاءً لَا دِيَانَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ طَلَاقًا آخَرَ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ نَحْوُهُ إنْ كَانَ يَكْتُبُ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ يَسْأَلَ بِكِتَابٍ فَيُجِيبُ بِكِتَابَةٍ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَكْتُبُ وَلَهُ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ يُعْرَفُ بِهَا طَلَاقُهُ وَنِكَاحُهُ وَبَيْعُهُ فَهِيَ كَالْكَلَامِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ شَكَكْنَا فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحْكَامَ الْأَخْرَسِ فِي هَذِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ بِهَا رَجْعِيٌّ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا طَلَاقٌ) وَالطَّلَاقُ بِلَا مَالٍ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ

لِأَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْعَدَدُ، وَالطَّلَاقُ مُعْقِبٌ لِلرَّجْعَةِ كَالصَّرِيحِ. وَلَنَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِبَانَةِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى الْوِلَايَةِ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى إثْبَاتِهَا كَيْ لَا يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ التَّدَارُكِ وَلَا يَقَعُ فِي عُهْدَتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّصِّ، وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْهُ حَتَّى أُرِيدَ هُوَ بِهَا لِيَدْفَعَ بِأَنَّ كَوْنَهَا كِنَايَاتٍ مَجَازٌ بَلْ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا كَمَا سَنَذْكُرُ بَلْ يَكْتَفِي بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقٌ وَالثَّانِي بِالنَّصِّ. فَإِنْ قِيلَ: النَّصُّ إنَّمَا أَفَادَ الرَّجْعَةَ بِالطَّلَاقِ الصَّرِيحِ مَنَعْنَاهُ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] الْمُعَقَّبَ بِقَوْلِهِ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] أَعَمُّ مِنْ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى مَعْنَى اللَّفْظِ لَا إلَى اللَّفْظِ، غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ بِالنَّصِّ الْمُقَارَنِ لَهَا أَعْنِي نَصَّ الِافْتِدَاءِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الِافْتِدَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا يَذْهَبُ مَالُهَا وَلَا يُفِيدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابَ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ إلَّا مَا كَانَ عَلَى مَالٍ أَوْ ثَلَاثًا. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِبَانَةِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ مَنْعَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ شَرْعًا أَثْبَتَهَا بِقَوْلِهِ: الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى إثْبَاتِ الْإِبَانَةِ كَيْ لَا يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ التَّدَارُكِ وَلَا يَقَعَ فِي عُهْدَتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَقَرَّرَ بِأَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْعِبَادِ، وَالزَّوْجُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِبَانَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةً دَفْعًا لِحَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا بِالثَّلَاثِ عَصَى، وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا رُبَّمَا تَتَرَاءَى لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي الرَّجْعَةِ فَيُرَاجِعُهَا فَيَبْدُو لَهُ فَيُطَلِّقُهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ وَهُوَ حَرَامٌ وَفِيهِ يَنْسَدُّ بَابُ التَّدَارُكِ، فَشَرَعَ لَهُ الْإِبَانَةَ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكَ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ بَدَا لَهُ أَمْكَنَهُ التَّزَوُّجَ وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ عَنْ اللَّفْظِ. وَالْأَوْجَهُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ هَكَذَا قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِبَانَةِ وَالثَّلَاثُ بِكَلِمَةٍ " حَرَامٌ " وَتَفْرِيقُهَا عَلَى مَا ذُكِرَ كَذَلِكَ فَلَزِمَ أَنْ تُشْرَعَ لَهُ الْإِبَانَةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ يَعْنِي شَرْعَ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ. وَالْأَقْرَبُ إلَى اللَّفْظِ مَا قِيلَ: إنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِبَانَةِ كَيْ لَا يَقَعَ فِي الرَّجْعَةِ بِغَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ بِأَنْ تَفْجَأَهُ الْمَرْأَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتُقَبِّلَهُ بِشَهْوَةٍ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا فَيَحْتَاجُ إلَى طَلَاقٍ ثَانٍ وَثَالِثٍ فَيَنْسَدُّ بَابُ التَّدَارُكِ، فَهُوَ لِأَجْلِ ذَلِكَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ تُشْرَعَ لَهُ الْإِبَانَةُ كَذَلِكَ كَيْ لَا تَفُوتَ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ. وَدَفَعَ بِأَنَّ هَذِهِ مَصْلَحَةٌ، وَثُبُوتُ التَّمَكُّنِ مِنْ إعَادَتِهَا إذَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ طَلَبُهَا وَتَغَيَّرَ رَأْيُهُ مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَحَلُّ التَّغَيُّرِ مَصْلَحَةٌ أُخْرَى أَكِيدَةٌ، إذْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ بَلْ وُقُوعُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَكْثَرُ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ لَمْ تَدْعُ النَّفْسُ بَعْدَهُ إلَى مُرَاجَعَةٍ، وَمَعَ الْإِبَانَةِ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ فَيَحْصُلَ لَهُ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَهَذِهِ لَا تَتَرَتَّبُ إلَّا عَلَى عَدَمِ الْإِبَانَةِ فَاقْتَضَتْ عَدَمَ شَرْعِيَّتِهَا، بِخِلَافِ تِلْكَ إذْ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا مَعَ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الْإِبَانَةِ بِيَسِيرٍ مِنْ الِاحْتِرَاسِ مِنْ فَجْأَتِهَا مُقَبِّلَةً وَنَحْوِهِ، فَكَانَ اعْتِبَارُ مَنْعِ الْإِبَانَةِ أَجْلَبَ لِلْمَصْلَحَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيتِ الْمَصْلَحَةِ الْأُخْرَى، فَإِنْ أَرَدْت تَخْصِيصَ نَصِّ إعْقَابِ الطَّلَاقِ الرَّجْعَةَ بِالْقِيَاسِ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ بِالِافْتِدَاءِ نَصًّا لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالنَّصِّ جَائِزٌ لَمْ يَتِمَّ الْمَعْنَى فِيهِ وَلَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْخَلَاصِ بِالْإِبَانَةِ لَيْسَ كَحَاجَةِ الْمَرْأَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِبَانَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْقِبُ النَّدَمَ لِتَرْكِهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ أَوْ تَفْرِيقُ الثَّلَاثِ عَلَى الْأَطْهَارِ بِخِلَافِهَا فَلَمْ يَتَوَقَّفْ دَفْعُ حَاجَتِهِ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ وَلِذَا رَجَّحْنَا كَرَاهَةَ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ بَعْدَمَا حَقَّقْنَا سَبَبَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِبَانَةِ مِنْ الْفِطَامِ. هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ أَعْنِي عَدَمَ انْسِدَادِ بَابِ التَّدَارُكِ وَبَابِ الرَّجْعَةِ إذَا تَغَيَّرَ رَأْيُهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ لَا جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ. وَالْوَجْهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا أَثْبَتَ الشَّرْعُ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَقَدْ أَثْبَتَ الْإِبَانَةَ لِأَنَّهَا مَعْنَاهَا، وَقَوْلُهُ: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ أَيْ الْمَسْنُونُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ وُقُوعِ الثَّلَاثَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ خُصُوصًا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَأَيْضًا لَفْظُ بَائِنٍ مَثَلًا يَقَعُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ الْغَلِيظَةُ بِفَمٍ وَاحِدٍ فَتَقَعُ بِهِ الْخَفِيفَةُ كَالطَّلَاقِ لَمَّا وَقَعَ بِالْغَلِيظَةِ وَقَعَ بِهِ الْخَفِيفَةُ. وَأَيْضًا خَصَّ مِنْهُ الطَّلَاقَ بِمَالٍ فَلَمْ يَبْقَ الْعُمُومُ مِنْهُ مُرَادًا فَحَاصِلُهُ الطَّلَاقُ الْمَسْنُونُ بِلَا مَالٍ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَحِينَ ثَبَتَ شَرْعُ الْإِيقَاعِ بِلَفْظِ بَائِنَةٍ ثَبَتَ أَيْضًا إخْرَاجُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَا مَالٍ لِأَنَّ شَرْعَ الْإِيقَاعِ بِهِ هُوَ جَعْلُ اللَّفْظِ سَبَبًا لِوُجُوبِ مَعْنَاهُ وَمَعْنَاهُ الْبَيْنُونَةُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ شَرْعًا بِهِ تَحْلِيفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا رُكَانَةَ حِينَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً، وَشَرَحَ قَوْلَهُ وَلَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا: يَعْنِي لَا تَرَدُّدَ فِي الْمُرَادِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَعْنَى بَائِنٍ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الِاتِّصَالِ مُرَادٌ، وَكَذَا الْبَتُّ وَالْبَتْلُ: الْقَطْعُ، وَالتَّرَدُّدُ إنَّمَا هُوَ فِي مُتَعَلِّقِهَا: أَعْنِي الْوَصْلَةَ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَالْخَيْرَاتِ وَالشَّرِّ، فَإِذَا تَعَيَّنَ بِالنِّيَّةِ عُمِلَ

وَلَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ دُونَ الطَّلَاقِ، وَانْتِقَاصُ الْعَدَدِ لِثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْوَصْلَةِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهَا لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَقِيقَتِهِ، وَكَذَا مَعْنَى الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ مَعْلُومٌ وَالتَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ، فَإِذَا عَيَّنَ الْمُرَادَ بِالنِّيَّةِ عَمِلَ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ كِنَايَةٌ مَجَازًا لِلتَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ الْمُتَعَلِّقِ الَّذِي بِهِ يَتَعَيَّنُ الْفَرْدُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ اللَّفْظُ. وَالْوَجْهُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكِنَايَةِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تُسَاوِي الْمَجَازَ بَلْ قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا بِتَعَدُّدِ الْمَعْنَى وَقَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً فِيهَا، وَقَدْ حُقِّقَ فِي نَحْوِ: طَوِيلُ النِّجَادِ وَكَثِيرُ الرَّمَادِ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةً طُولُ النِّجَادِ وَكَثْرَةُ الرَّمَادِ، لَكِنْ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَلْ لِيَعْبُرَ مِنْهُ إلَى طُولِ الْقَامَةِ وَكَثْرَةِ الْأَضْيَافِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: كَوْنُهَا كِنَايَةً لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مَجَازًا عَنْ الطَّلَاقِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ، فَالْقَطْعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالنِّكَاحِ فَرْدٌ مِنْ نَوْعٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَهُ احْتَمَلَ كَمَا يَحْتَمِلُ رَجُلٌ كُلًّا مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرَهُمَا. وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا أَوْ بِحَقِيقَةِ مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ نَحْوَ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك مَجَازٌ عَنْ التَّخْلِيَةِ وَالتَّرْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ، وَكَذَا وَهَبْتُك لِأَهْلِك لِتَعَذُّرِ حَقِيقَةِ الْهِبَةِ: أَعْنِي التَّمْلِيكَ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ رَدَدْتُك عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقِيَاسُ الْبَاقِي سَهْلٌ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَا الطَّلَاقُ بَلْ الْبَيْنُونَةُ لِأَنَّهَا هِيَ مَعْنَى اللَّفْظِ الدَّائِرِ فِي الْإِفْرَادِ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَهِيَ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَخَفِيفَةٍ كَالْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْخُلْعِ فَأَيُّهُمَا أَرَادَ صَحَّ، وَيَثْبُتُ مَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ طَالِقٍ عَلَى مَالٍ وَطَالِقٍ ثَلَاثًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَثْبُتُ عِنْدَ طَالِقٍ شَرْعًا لَازِمٌ أَعَمُّ يَثْبُتُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ

وَعِنْدَ انْعِدَامِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَدْنَى، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الِاثْنَتَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ عَدَدٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي وَقَالَ: نَوَيْت بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا دِينَ فِي الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَلِأَنَّهُ يَأْمُرُ امْرَأَتَهُ فِي الْعَادَةِ بِالِاعْتِدَادِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ (وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَانِ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ الطَّلَاقَ حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: نَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَيَيْنِ حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ الْحَالَ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ لَمْ تَكُنْ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخُلْعِ، فَقَوْلُنَا: يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ مَعْنَاهُ يَقَعُ لَازِمُ لَفْظِ الطَّلَاقِ شَرْعًا، وَانْتِقَاصُ عَدَدِهِ هُوَ بِتَعَدُّدِ وُقُوعِ ذَلِكَ اللَّازِمِ وَاسْتِكْمَالِهِ فِي ذَلِكَ وَبِإِرْسَالِ لَفْظِ الثَّلَاثِ، بَلْ مَعْنَى وَقَعَ الطَّلَاقُ وَقَعَ اللَّازِمُ الشَّرْعِيُّ لِأَنَّهُ هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي فَاتِحَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ فَارْجِعْ إلَيْهَا، فَالْوَاقِعُ بِالْكِنَايَةِ هُوَ الطَّلَاقُ بِلَا تَأْوِيلٍ. وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَاقِعَ الْبَيْنُونَةُ بِالْكِنَايَاتِ ثُمَّ يَنْتَقِصُ الْعَدَدُ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْوَصْلَةِ. وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَيَنْتَقِصُ بِهِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِتَحَقُّقِ زَوَالِهَا فِي الْفُسُوخِ مَعَ عَدَمِ الطَّلَاقِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ زَوَالَ الْوَصْلَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَعْقِبَ فِي غَيْرِ الْفَسْخِ النُّقْصَانَ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ بِالْكِنَايَةِ لَيْسَ فَسْخًا فَلَزِمَهُ نُقْصَانُ الْعَدَدِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ) أَيْ بِالْكِنَايَاتِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي التَّطْلِيقِ بِالْمَصْدَرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا: أَنْ يَنْوِيَ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ طَلَاقًا، أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا لَا غَيْرُ، وَبِالْأُولَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالْأُولَى حَيْضًا، وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ السِّتَّةِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا. أَوْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُخْرَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَيَيْنِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا، أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا، أَوْ بِالْأُولَى

وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ عَلَى نَفْيِ النِّيَّةِ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِيَةِ حَيْضًا وَبِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا وَالثَّانِيَةِ طَلَاقًا أَوْ بِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَدَ عَشَرَ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ أَوْ يَنْوِي بِكُلٍّ مِنْهَا حَيْضًا، أَوْ بِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا، أَوْ بِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا، وَبِالْأُولَى طَلَاقًا أَوْ بِالْأُخْرَيَيْنِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ السِّتَّةِ تَطْلُقُ وَاحِدَةً، أَوْ لَمْ يَنْوِ بِكُلٍّ مِنْهَا شَيْئًا فَلَا يَقَعُ فِي هَذَا الْوَجْهِ شَيْءٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ تَثْبُتُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ نِيَّةِ شَيْءٍ بِمَا بَعْدَهَا، وَيُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ الْحَيْضِ لِظُهُورِ الْأَمْرِ بِاعْتِدَادِ الْحَيْضِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ صَحَّ، وَكَذَا كُلُّ مَا قَبْلَ الْمَنْوِيِّ بِهَا، وَنِيَّةُ الْحَيْضِ بِوَاحِدَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ بِوَاحِدَةٍ مَنْوِيٍّ بِهَا الطَّلَاقُ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ، وَتَثْبُتُ بِهَا حَالَةُ الْمُذَاكَرَةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِوَاحِدَةٍ أُرِيدَ بِهَا الطَّلَاقُ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ لِصِحَّةِ الِاعْتِدَادِ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَلَا يَخْفَى التَّخْرِيجُ بَعْدَ هَذَا، وَأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْخِطَابُ مَعَ مَنْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ، فَلَوْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَقَالَ: أَرَدْت بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي تَرَبُّصًا بِالْأَشْهُرِ كَانَ حُكْمُهُ مِثْلَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت بِهِنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ كَمَا قَالَ دِيَانَةً لِاحْتِمَالِ قَصْدِ التَّأْكِيدِ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَعَلِمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا إذَا عَلِمَتْ مِنْهُ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ مُدَّعَاهُ، وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى السُّؤَالِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمُوهُ مِنْ أَنَّهَا حَالَ سُؤَالِهَا أَوْ سُؤَالِ أَجْنَبِيٍّ طَلَاقَهَا، بَلْ هِيَ أَعَمُّ مِنْ حَالَةِ السُّؤَالِ لِلطَّلَاقِ وَمِنْ مُجَرَّدِ ابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُذَاكَرَةُ الَّتِي تَصِيرُ الْكِنَايَةُ مَعَهَا ظَاهِرَةً فِي الْإِيقَاعِ إنَّمَا هِيَ سُؤَالُ الطَّلَاقِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْكِنَايَةِ الصَّالِحَةِ لِلْإِيقَاعِ دُونَ الرَّدِّ عَقِيبَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ الْإِيقَاعِ بِهِ فَيَمْتَنِعُ قُبُولُ دَعْوَاهُ عَدَمَ إرَادَةِ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْمُذَاكَرَةِ بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مَرَّةً، فَإِنَّ الْإِيقَاعَ مَرَّةً لَا يُوجِبُ ظُهُورَ الْإِيقَاعِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ ظَاهِرًا فِي الْإِيقَاعِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ إرَادَتِهِ بِالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ إلَخْ) قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَنَقْلَهُ مِنْ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَلُزُومُ الْيَمِينِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ بَعْدَ ثُبُوتِ احْتِمَالِ نَفْيِهِ بِالْكِنَايَةِ فَيَضْعُفُ مُجَرَّدُ نَفْيِهِ فَيَقْوَى بِالْيَمِينِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ أَصْلُهُ حَدِيثُ تَحْلِيفِ رُكَانَةَ الْمُتَقَدِّمُ. [فُرُوعٌ] طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ: جَعَلْتهَا بَائِنَةً صَارَتْ بَائِنَةً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَكُونُ إلَّا رَجْعِيَّةً. وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثًا صَارَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا تَكُونُ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ ثَلَاثًا. وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ جَعْلَهُ الْوَاحِدَةَ الرَّجْعِيَّةَ بَائِنَةً تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ. قُلْنَا: يَمْلِكُ الْبَائِنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى وَصْفِ ابْتِدَاءٍ اكْتِفَاءً بِأَصْلِ الطَّلَاق فَكَانَ رَجْعِيًّا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ، فَإِذَا أَبَانَهَا الْتَحَقَتْ بِأَصْلِ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ فَعَلَهَا ابْتِدَاءً كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لَمَّا مَلَكَ الْبَيْعَ النَّافِذَ كَانَ مَالِكًا لِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَمَلَكَ إلْحَاقَ وَصْفِهِ بِأَصْلِهِ كَتَنْفِيذِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّرِيحَ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ عِنْدَنَا، وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا. فَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ: أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ قَالَ: بَائِنٌ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. أَمَّا كَوْنُ الصَّرِيحِ يَلْحَقُ الْبَائِنَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] يَعْنِي الْخُلْعَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَهُوَ نَصٌّ عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَهُنَا الْقَيْدُ الْحُكْمِيُّ بَاقٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَحَلِّ كَالْحَيْضِ، وَلِهَذَا لَحِقَ الْبَائِنُ الصَّرِيحَ بَلْ أَوْلَى لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ الْبَائِنِ فَلِإِمْكَانِ جَعْلِهِ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ، حَتَّى لَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتَ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فَتُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً، وَلِهَذَا وَقَعَ الْبَائِنُ الْمُعَلَّقُ قَبْلَ تَنْجِيزِ الْبَيْنُونَةِ كَمَا مَثَّلْنَاهُ لِأَنَّهُ صَحَّ تَعْلِيقُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ خَبَرًا حِينَ صَدَرَ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ مِثْلَهُ لَازِمٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَلْحَقَ الصَّرِيحَ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ فِيهِ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا. وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الْإِخْبَارَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً. وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَذْكُرْ أَنْتِ بَائِنٌ ثَانِيًا لِيُجْعَلَ خَبَرًا بَلْ الَّذِي وَقَعَ أَثَرُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ وَهُوَ زَوَالُ الْقَيْدِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَحَلٌّ فَيَقَعُ وَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ بَعْدَ الْمُعَلَّقِ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ الَّذِي أَطْبَقُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ مَا هُوَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَبِهِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ بَائِنٌ، وَلِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مُقَابِلَ الصَّرِيحِ، وَلَا يُقَابِلُهُ الْبَائِنُ إلَّا إذَا كَانَ كِنَايَةً لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَعَمُّ مِنْ الْبَائِنِ لِأَنَّهُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَائِنًا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ أَوْ رَجْعِيًّا، وَالْكِنَايَةُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا فِي غَيْرِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك أَنْتِ وَاحِدَةٌ إلَّا بَائِنٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا مِنْ الزِّيَادَاتِ: الَّذِي يَلْحَقُ الْبَائِنَ لَا يَكُونُ رَجْعِيًّا، وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجْعِيًّا. وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَلْحَقُ الْبَائِنَ لَا يَكُونُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ السَّابِقَةَ تَمْنَعُ الرَّجْعَةَ الَّتِي هِيَ حُكْمُ الصَّرِيحِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ بِإِبَانَةٍ. مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَلْغُو بَائِنٌ هُوَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرِ الرَّجْعَةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءً، وَمَا زَادَ فِي تَعْلِيلِ الْإِلْغَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَاوِي مِنْ قَوْلِهِ: يَلْغُو تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَعَلَى مُجَرَّدِ الْإِلْغَاءِ اقْتَصَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَمَحَلُّهُ مَا ذَكَرْنَا. وَعَلَى هَذَا فَمَا وَقَعَ فِي حَلَبَ مِنْ الْخِلَافِ فِي وَاقِعَةٍ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ الْحَقُّ فِيهِ أَنَّهُ يَلْحَقُهَا لِمَا سَمِعْت مِنْ أَنَّ الصَّرِيحَ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، وَمِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ هُوَ مَا كَانَ كِنَايَةً عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْوَجْهُ. وَفِي الْحَقَائِقِ: لَوْ قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ فَعَلْتِ كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ هَكَذَا لِأَمْرٍ آخَرَ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا وَقَعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، ثُمَّ لَوْ فَعَلَ الْآخَرَ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ آخَرُ، وَقَالَ: هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ. [تَتِمَّةٌ] فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ مِنْ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَهُوَ مَجْمُوعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كُتُبِهِ، لَوْ شَهِدَا بِالطَّلَاقِ وَالزَّوْجَانِ مُتَصَادِقَانِ عَلَى عَدَمِ الطَّلَاقِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُكَذِّبُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَاهَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَلْزَمْنَاهُ الْإِيقَاعَ عَلَى إحْدَاهُنَّ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ كَالْأَوَّلِ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى طَلْقَتَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثٍ وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ، وَتَأْتِي هَذِهِ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدُ عَدْلٍ عَلَى الطَّلَاقِ فَسَأَلَتْ الْمَرْأَةُ الْقَاضِيَ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ حَتَّى تَأْتِيَ بِالْآخَرِ لَا يَفْعَلُ وَيَدْفَعُهَا إلَى زَوْجِهَا، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَادَّعَتْ أَنَّ بَقِيَّةَ الشُّهُودِ بِالْمِصْرِ وَشَاهِدُهَا عَدْلٌ، فَإِنْ أَجَّلَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا حَتَّى يَنْظُرَ مَا تَصْنَعُ فِي شَاهِدِهَا الْآخَرِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَإِنْ دَفَعَهَا لِلزَّوْجِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَأَنَّهَا دَخَلَتْ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا وَأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ، وَكَذَا فِي مَقَادِيرِ الشُّرُوطِ الَّتِي عَلَّقَ عَلَيْهَا فِي التَّعْلِيقِ وَالْإِرْسَالِ وَمَقَادِيرِ الْأَجْعَالِ وَصِفَاتِهَا وَفِي اشْتِرَاطِهَا وَحَذْفِهَا. وَإِذَا شَهِدَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلَتْ فُلَانَةُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَهَا، وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: وَحْدَهَا وَقَدْ دَخَلَتْ فَفُلَانَةُ تَطْلُقُ وَحْدَهَا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى تَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ وَآخَرُ عَلَى تَطْلِيقَةٍ رَجْعِيَّةٍ جَازَتْ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ، وَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَى تَطْلِيقَةٍ وَالْآخَرُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٍ أَوْ عَلَى وَاحِدَةٍ وَالْآخَرُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّهَا فِي الْعَطْفِ تَصِحُّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى اللَّفْظِ أَوْ مُرَادِفِهِ، بِخِلَافِ الْبَائِنِ فَلِذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى وَاحِدَةٍ وَالْآخَرُ عَلَى ثِنْتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الَّذِي شَهِدَ بِثِنْتَيْنِ لَمْ يَتَكَلَّمُ بِالْوَاحِدَةِ وَلَا بِمُرَادِفِهَا، وَسَيَأْتِي هَذَا الْأَصْلُ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ لَا بَلْ فُلَانَةُ، وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ سَمَّى الْأُولَى فَقَطْ جَازَتْ عَلَى الْأُولَى، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَالَ: طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الطَّلَاقِ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ: طَالِقٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ جَازَتْ، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ بِأَنْ شَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْكُوفَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِتَيَقُّنِ كَذِبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ شَهِدَا بِذَلِكَ فِي يَوْمَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَيَّامِ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ عَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَ زَيْنَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، وَلَوْ جَاءَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ فَقَضَى بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا، وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتَيْهِ: أَيَّتُكُمَا أَكَلَتْ هَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَجَاءَتْ كُلٌّ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا أَكَلَتْهُ تَطْلُقَانِ جَمِيعًا، وَإِنْ جَاءَتْ إحْدَاهُمَا بِبَيِّنَةٍ فَحُكِمَ بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتَا أَكَلَتَا لَمْ تَطْلُقَا.

[باب تفويض الطلاق]

بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ فَصْلٌ فِي الِاخْتِيَارِ (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ، فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا) لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْمَجْلِسُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ] [فَصْلٌ فِي الِاخْتِيَارِ] (بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ) (فَصْلٌ فِي الِاخْتِيَارِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ بِوِلَايَةِ الْمُطَلِّقِ نَفْسِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَحْتَ هَذَا الصِّنْفِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: التَّفْوِيضُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَبِلَفْظِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ (قَوْلُهُ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ) يَعْنِي يَنْوِي تَخْيِيرَهَا فِيهِ (أَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ) وَإِنْ طَالَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ بِالْأَعْمَالِ (فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ زَوْجَتَهُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمْرُهَا بِيَدِهَا فَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ، وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ بِهِ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَفِي غَيْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ نَصْرٍ وَبِهِ نَقُولُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» وَحَكَى صَاحِبُ

وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا، وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ اُعْتُبِرَتْ سَاعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُغْنِي هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ فَاعْتَرَضَ عَلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ تَسْتَقِرَّ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَلِذَا نَصَّ فِي بَلَاغَاتِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَائِلٌ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ، فَإِذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا فَيَكُونُ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا مِنْ قَوْلِ الْمَذْكُورِينَ وَسُكُوتِ غَيْرِهِمْ، وَأَيْنَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِمَّنْ نَقَلَ عَنْهُمْ الثَّانِيَ. وَقَوْلُهُ: فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ لَا يَضُرُّ بَعْدَ تَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ، مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ جَيِّدَةٌ. وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ " لَا تَعْجَلِي إلَخْ " فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ تَخْيِيرُهُ ذَلِكَ هَذَا التَّخْيِيرَ الْمُتَكَلَّمَ فِيهِ وَهِيَ أَنْ تُوقِعَ بِنَفْسِهَا بَلْ عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلَّقَهَا؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى الْآيَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّخْيِيرِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ) أَوْ رَدَّ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَبْقَ الزَّوْجُ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَمْلُوكًا كُلِّهِ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ، فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ التَّخْيِيرِ وَقَعَ. وَأَيْضًا لَوْ صَارَتْ مَالِكَةً كَانَ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَا يَحْنَثُ. وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ نَائِبَةً عَنْهُ لَا مَالِكَةً. وَأَيْضًا يَصِحُّ عِنْدَنَا تَوْكِيلُ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى تَعْلِيلِ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا بِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِكِ هُنَا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ لِاخْتِيَارِهِ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهَا

وَاحِدَةً، إلَّا أَنَّ الْمَجْلِسَ تَارَةً يَتَبَدَّلُ بِالذَّهَابِ عَنْهُ وَتَارَةً بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ، إذْ مَجْلِسُ الْأَكْلِ غَيْرُ مَجْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْمٌ عَلَى نَفْسِ الْفِعْلِ وَلَا خُلْفَ فِي عَدَمِ فِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ مُخْلِفٌ إنْ لَمْ يَفْعَلْ وَيُتَصَوَّرُ الْمِلْكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّ تَمْلِيكَ الْفِعْلِ هَكَذَا، وَلُزُومَ انْتِفَاءِ الْمِلْكِ بِالتَّمْلِيكِ فِي الْأَعْيَانِ لَا فِي مِلْكِ الْأَفْعَالِ لِلْقَطْعِ بِثُبُوتِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ لِفِعْلٍ وَاحِدٍ كَمُلَا وَهُوَ الِاقْتِصَاصُ، وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ مَمْنُوعَةٌ، وَالْحِنْثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْمَنْعُ مَذْكُورٌ فِي الزِّيَادَاتِ لِصَاحِبِ الْمُحِيطِ، وَأَمَّا الْمَدْيُونُ فَوَكِيلٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَ عَمَلُهُ فِي الْإِبْرَاءِ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ أَمْرِهِ، وَثَبَتَ أَثَرُ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ نَبْرِيهِ فِي تَطْلِيقِهَا نَفْسَهَا بِأَنْ يُقَالَ: هِيَ وَكِيلَةٌ فَهِيَ فِي نَفْسِ فِعْلِ الْإِيقَاعِ عَامِلَةٌ لَهُ، وَثُبُوتُ الْحَاصِلِ لَهَا ضِمْنًا، وَلَوْ الْتَزَمَ كَوْنَ الْمَدْيُونِ مُمَلَّكًا لَمْ يَصِحَّ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ وَسَنَذْكُرُ مَا هُوَ الْأَوْجَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي يَسْتَدْعِيهِ التَّمْلِيكُ هُوَ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْجَوَابَ الْمُتَكَلَّمَ فِيهِ هُوَ تَطْلِيقُهَا نَفْسَهَا وَهُوَ بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَلَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَطْلُوبِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّ هَذَا التَّمْلِيكَ يُخَالِفُ سَائِرَ التَّمْلِيكَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَبْقَى إلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ إنْ كَانَتْ غَائِبَةً، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّمْلِيكَ بِخُصُوصِهِ لَا يَسْتَدْعِي الْجَوَابَ الَّذِي يُتِمُّ بِهِ التَّمْلِيكَاتِ، وَلِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا يَتِمُّ بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ بِلَا قَبُولٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ لَا لِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا مَعْنَى التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ يُمْكِنُ فِي سَائِرِ الْوَكَالَاتِ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى إنْ بِعْته فَقَدْ أَجَزْته، وَالْوِلَايَاتُ لِتَضَمُّنِهَا إذَا حَكَمْت بَيْنَ مَنْ شِئْت فَقَدْ أَجَزْته فَكَانَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ الرُّجُوعُ وَالْعَزْلُ فِيهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِهَذَا الْمَعْنَى لِابْتِنَائِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ إذَا كَانَ الْمِلْكُ يَثْبُتُ فِيهِ بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ سَائِرَ التَّمْلِيكَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَبْقَى إلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، بَلْ بَقَاؤُهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ الَّتِي يَثْبُتُ الْمِلْكُ عِنْدَهَا، وَإِنَّمَا خَالَفَهَا بِمَا ذَكَرْنَا وَبِاعْتِبَارِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالْمُسْتَنَدُ فِيهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْخِطَابِ الْمُطْلَقِ، أَمَّا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَهُوَ لَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا فَوَّضَ وَهِيَ غَائِبَةٌ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهَا، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا الْيَوْمَ اُعْتُبِرَ مَجْلِسَ عِلْمِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَلَوْ مَضَى الْيَوْمُ ثُمَّ عَلِمَتْ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَكَذَا كُلُّ وَقْتٍ قُيِّدَ التَّفْوِيضُ بِهِ وَهِيَ غَائِبَةٌ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى انْقَضَى بَطَلَ خِيَارُهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ، إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا نَفْسَهَا وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ التَّحْقِيقُ (قَوْلُهُ: إذْ مَجْلِسُ إلَخْ) لَوْ كَانَا يَتَحَدَّثَانِ فَأَخَذَا

الْمُنَاظَرَةِ وَمَجْلِسُ الْقِتَالِ غَيْرُهُمَا. وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ: اخْتَارِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي نَفْسِهَا وَيَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي تَصَرُّفٍ آخَرَ غَيْرِهِ (فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً) . وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهَذَا شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَدِيمَ نِكَاحَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا فَيَمْلِكُ إقَامَتَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، ثُمَّ الْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِهَا وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ (وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَكْلِ انْقَضَى مَجْلِسُ الْحَدِيثِ وَجَاءَ مَجْلِسُ الْأَكْلِ، فَلَوْ انْتَقَلَا إلَى الْمُنَاظَرَةِ انْقَضَى مَجْلِسُ الْأَكْلِ وَجَاءَ مَجْلِسُ الْمُنَاظَرَةِ، وَلَوْ خَيَّرَهَا فَلَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِأَنَّ الْعَطَشَ قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا يَمْنَعُ التَّأَمُّلَ، وَلِبْسُ الثَّوْبِ قَدْ يَكُونُ لِتَدْعُوَ شُهُودًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَتْ مَا لَيْسَ قَلِيلًا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ قَسْرًا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِظُهُورِ الْإِعْرَاضِ بِهِ. وَوَجْهٌ بِأَنَّ فِي الْإِقَامَةِ أَنَّهَا يُمْكِنُهَا مُمَانَعَتُهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ تُبَادِرُ الزَّوْجَ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فَعَدَمُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا إذَا خَاضَتْ فِي كَلَامٍ آخَرَ، قَالَ تَعَالَى {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140] أَفَادَ أَنَّهُ إعْرَاضٌ عَنْ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ (اخْتَارِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي نَفْسِهَا) بِالْإِقَامَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَعَدَمِهِ (وَيَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي غَيْرِهِ) مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ، فَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَأَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلَاقِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ أَوْ شَتِيمَةٍ، وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهَا شَيْءٌ) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فَرْعُ مِلْكِ الْمُمَلَّكِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، لَوْ قَالَ: اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك أَوْ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي نَاوِيًا لَا يَقَعُ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْوُقُوعَ بِاخْتِيَارِهَا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَجْهٌ آخَرُ لِلِاسْتِحْسَانِ يُقَابِلُ الْقِيَاسَ وَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ بِخُصُوصِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي جَوَازَ إقَامَتِهَا مَقَامَهُ فِي الْفِرَاقِ وَلَا تَلَاقِيَ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ لِأَنَّ إقَامَتَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَهُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ) رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ ثَلَاثٌ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْوَاحِدَةِ، وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ. وَرَجَّحَ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ بِأَنَّ الْكِتَابَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْهُ الطَّلَاقَ بِمَالٍ وَقَبْلَ الدُّخُولِ وَلَزِمَ إخْرَاجُ الطَّلَاقِ بِمَا دَلَّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ مِنْ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَلَفْظُ اخْتَرْت نَفْسِي، بَلْ نَفْسُ تَخْيِيرِهَا يُفِيدُ مِلْكَهَا نَفْسَهَا إذَا اخْتَارَتْهَا لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ، وَإِلَّا لَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنَةٌ كَمَا رُوِيَ عَنْهُمَا الرَّجْعِيَّةُ، فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا. وَقَدْ تَرَجَّحَ بِمَا ذَكَرْنَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْخُلُوصَ وَالصَّفَاءَ، وَالْبَيْنُونَةُ تَثْبُتُ فِيهِ مُقْتَضًى فَلَا يَعُمُّ، بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ فَلَا يَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِهِ: اخْتَارِي وَإِنْ نَوَاهَا

نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ قَدْ تَتَنَوَّعُ. قَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ فِي كَلَامِهَا، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي فَقَالَتْ قَدْ: اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ فِي الْمُفَسَّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ الْآخَرِ وَلَا تَعْيِينَ مَعَ الْإِبْهَامِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ: اخْتَرْت تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ كَلَامَهُ مُفَسَّرٌ، وَكَلَامُهَا خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَيَتَضَمَّنُ إعَادَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ التَّفْوِيضِ بِقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ شَامِلٌ بِعُمُومِهِ لِمَعْنَى الشَّأْنِ لِلطَّلَاقِ فَكَانَ مِنْ أَفْرَادِهِ لَفْظًا وَالْمَصْدَرُ يَحْتَمِلُ نِيَّةَ الْعُمُومِ. وَقِيلَ الْفَرْقُ أَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَإِجْمَاعُهُمْ انْعَقَدَ عَلَى الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ: أَيْ بَائِنٌ وَنَحْوُهُ لِأَنَّ الْوُقُوعَ مُقْتَضَى نَفْسِ الْأَلْفَاظِ وَمُقْتَضَاهَا الْبَيْنُونَةُ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِ ثَلَاثٌ قَوْلًا بِكَمَالِ الِاسْتِخْلَاصِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا) يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالِاخْتِيَارَةِ وَالتَّطْلِيقَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ: اخْتَرْت أَبِي وَأُمِّي أَوْ الْأَزْوَاجَ أَوْ أَهْلِي بَعْدَ قَوْلِهِ: اخْتَارِي يَقَعُ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ فِي الْأَزْوَاجِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا أَهْلِي لِأَنَّ الْكَوْنَ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ اخْتَرْت أَهْلِي إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَيْنُونَةِ وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَلِذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ: الْحَقِي بِأَهْلِك، بِخِلَافِ قَوْلِهَا: اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَقَعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَهَا أَخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي كَلَامِهِ تَضَمَّنَ جَوَابُهَا إعَادَتَهُ كَأَنَّهَا قَالَتْ: فَعَلْت ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِهَا فَقَدْ وُجِدَ مَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْنُونَةِ فِي اللَّفْظِ الْعَامِلِ فِي الْإِيقَاعِ فَالْحَاجَةُ مَعَهُ لَيْسَ إلَّا إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ، فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُهَا تَمَّتْ عِلَّةُ الْبَيْنُونَةِ فَتَثْبُتُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ النَّفْسَ وَنَحْوَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يُفَسِّرُ الْمُبْهَمَ إذْ لَفْظُهُ حِينَئِذٍ مُبْهَمٌ، وَلِذَا كَانَ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِ اخْتَارِي مَا شِئْت مِنْ مَالٍ أَوْ حَالٍ أَوْ مَسْكَنٍ وَغَيْرِهِ. وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُفَسَّرِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالْإِيقَاعُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فِيهِ، وَلَوْلَا هَذَا لَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِتَفْسِيرِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ دُونَ الْمَقَالِيَّةِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الزَّوْجُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَعَ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَصْلًا كَاسْقِنِي، وَبِهَذَا يَبْطُلُ اكْتِفَاءُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْقَرِينَةِ عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي يَقَعُ، وَلَوْ قَدَّمَتْ زَوْجِي لَا يَقَعُ. وَالْوَجْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْأَوَّلِ وَخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا فِي الثَّانِي، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ زَوْجِي لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ عَطَفَتْ بِالْوَاوِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْمُقَدَّمِ وَيَلْغُو

(وَكَذَا لَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتِيَارَةً فَقَالَتْ: اخْتَرْت) لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الِاخْتِيَارَةِ تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ وَالِانْفِرَادِ، وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ مَرَّةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى فَصَارَ مُفَسَّرًا مِنْ جَانِبِهِ. (وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا نَوَى الزَّوْجُ) لِأَنَّ كَلَامَهَا مُفَسَّرٌ، وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ (وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَهِيَ طَالِقٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَعْدَهُ، وَلَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ جَعَلَ لَهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ تَخْتَارَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَا يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ إذْ هُوَ اعْتِيَاضٌ عَنْ تَرْكِ حَقِّ تَمَلُّكِ نَفْسِهَا فَهُوَ كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ تَرْكِ حَقِّ الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي اخْتِيَارَةً إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ ذِكْرَهُ الِاخْتِيَارَةَ فِي كَلَامِهِ تَفْسِيرٌ مِنْ جَانِبِهِ كَذِكْرِهِ نَفْسَهَا، فَلَوْ لَمْ تَزِدْ هِيَ عَلَى اخْتَرْت وَقَعَتْ بَائِنَةً. وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الْهَاءَ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ مَرَّةً بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ بِمَا شِئْت فَقَالَتْ: اخْتَرْت يَقَعُ الثَّلَاثُ، فَلَمَّا قَيَّدَ بِالْوَحْدَةِ ظَهَرَ أَنَّهُ أَرَادَ تَخْيِيرَهَا فِي الطَّلَاقِ فَكَانَ مُفَسَّرًا، فَإِلْزَامُ التَّنَاقُضِ بِأَنَّهُ أَثْبَتَ هُنَا إمْكَانَ تَعَدُّدِ الْوَاقِعِ وَلَوْ ثَلَاثًا وَنَفَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ مُنْدَفِعٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ مِمَّا ذَكَرْنَا كَوْنُ الِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ يَتَنَوَّعُ كَالْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ حَتَّى يُصَابَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ لَفْظٍ آخَرَ. فَإِنْ قِيلَ: إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ بِذِكْرِ النَّفْسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ أَهْلِي وَنَحْوَهُ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا. قُلْنَا: عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ، وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ، وَاعْتِبَارُ الْمُفَسَّرِ أَعَمَّ مِنْهُ حَتَّى بِقَرِينَةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ يُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُقُوعِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ، وَلَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ تَقَعُ رَجْعِيَّةً كَأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَ اللَّفْظِ إيقَاعًا، لَكِنَّ قَوْلَ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ وَلَمْ يَعْدُدْهُ عَلَيْنَا شَيْئًا» رَوَاهُ السِّتَّةُ. وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " فَلَمْ يَعْدُدْ " يُفِيدُ عَدَمَ وُقُوعِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي) الْمَقْصُودُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ كَأَخْتَارُ نَفْسِي سَوَاءٌ ذَكَرَتْ " أَنَا " أَوْ لَا، فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ وَعْدٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَإِنَّهَا قَالَتْ لَا بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» اعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَتَجُوزُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا: أُطَلِّقُ نَفْسِي لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِكَايَةٍ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَا أُطَلِّقُ حَيْثُ لَا تُطَلِّقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ: أَنَا أُعْتِقُ لَا يُعْتَقُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَالَتْ: «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا وَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] إلَى قَوْلِهِ {أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] فَقُلْتُ: فَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتُ» . وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَاعْتَبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا. لَا يُقَالُ: قَدْ ذَكَرَتْ أَنَّ التَّخْيِيرَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ هَذَا الْمُتَكَلَّمُ فِيهِ بَلْ إنَّهُنَّ لَوْ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ يُطَلِّقُهُنَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ اعْتِدَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا يُفِيدُ قِيَامَ مَعْنَاهُ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَتَجُوزُ فِي الِاسْتِقْبَالِ) هُوَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ، وَقِيلَ بِالْقَلْبِ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِهِ لِلْحَالِ خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا يُرَجَّحُ هُنَا إرَادَةُ أَحَدِ مَفْهُومَيْهِ: أَعْنِي الْحَالَ بِقَرِينَةٍ بِكَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ أَمْرٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ، وَذَلِكَ يُمْكِنُ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ فَيَصِحُّ الْإِخْبَارُ بِاللِّسَانِ عَمَّا هُوَ قَائِمٌ بِمَحَلٍّ آخَرَ حَالَ الْإِخْبَارِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةُ

قَوْلُهَا: أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ (وَقَالَا: تَطْلُقُ وَاحِدَةً) وَإِنَّمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا: أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ أَمْرٍ قَائِمٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ، فَلَوْ جَازَ قَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ أُطَلِّقُ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُفَ فِيهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقَعَ بِهِ هُنَا إنْ تُعُورِفَ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ) وَلَا إلَى ذِكْرِ نَفْسِهَا ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ التَّعَدُّدُ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّلَاقِ لَا بِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ، وَهَذَا يُفِيدُ عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فِي الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، لَا عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فِي الْوُقُوعِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِيرَ كَالصَّرِيحِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَإِنْ

يَتَكَرَّرُ لَهُمَا إنْ ذَكَرَ الْأُولَى، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ إنْ كَانَ لَا يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرَّرَ. وَمَا فِي الْجَامِعِ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَاشْتَرَطَ النِّيَّةَ مَعَ الْمَالِ وَالتَّكْرَارِ فَضْلًا عَنْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْأَحْوَالَ شُرُوطٌ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ: لَوْ كَرَّرَ فَقَالَ: أَمْرُك بِيَدِك أَمْرُك بِيَدِك أَوْ فَأَمْرُك بِيَدِك أَوْ وَأَمْرُك بِيَدِك بِالْفَاءِ أَوْ بِالْوَاوِ فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي وَقَالَ الزَّوْجُ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا يُزِيلُ الْإِبْهَامَ، وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ الِاخْتِيَارَ انْتَهَى وَهُوَ الْوَجْهُ. وَتَحَقَّقَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَشَرَطَ أَبُو مَعِينٍ النَّسَفِيُّ النِّيَّةَ مَعَ التَّكْرَارِ كَقَاضِي خَانْ. وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَشْهَدَ بِمَا اسْتَشْهَدْنَا بِهِ فِي لُزُومِ النِّيَّةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمَنْقُولِ عَلَى لُزُومِ النِّيَّةِ مُطْلَقًا وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي إذَا أَنْكَرَ إرَادَةَ الطَّلَاقِ. وَأَمَّا مَا فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ اشْتِرَاطِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: أَيْ يُشْتَرَطُ لِلْوُقُوعِ ثُبُوتُ النِّيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إثْبَاتَ أَجْوِبَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ قَوْلِنَا: يَقَعُ لَا يَقَعُ يَجِبُ لَا يَجِبُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ، غَيْرَ أَنَّا مَعَ ذَلِكَ اخْتَرْنَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ بِقَوْلِهِ: لَمْ أَنْوِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: لِانْتِهَاضِ الْوَجْهِ بِهِ لِأَنَّ تَكْرَارَ أَمْرِهِ بِالِاخْتِيَارِ لَا يُصَيِّرُهُ ظَاهِرًا فِي الطَّلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ اخْتَارِي فِي الْمَالِ وَاخْتَارِي فِي الْمَسْكَنِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ كَاعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي حَيْثُ يُصَدِّقُهُ فِي إنْكَارِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ لِإِمْكَانِ إرَادَةِ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ وَمَعَاصِيَك وَنِعَمِي. وَمَا فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: نَوَيْت بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ التَّأْكِيدَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ كَانَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْبَاقِي طَلَاقًا ظَاهِرًا، وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ ظَاهِرٌ. وَقَالَ فِي الْكَافِي فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا حُذِفَ لِشُهْرَتِهِ لِأَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْرِيعُ دُونَ بَيَانِ صِحَّةِ الْجَوَابِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنَّ حَذْفَ النِّيَّةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: إنْ ذَكَرَ الْأُولَى وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ إنْ كَانَ لَا يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ) يَعْنِي هُوَ فِي نَفْسِهِ يُفِيدُ الْفَرْدِيَّةَ وَالنِّسْبَةَ الْمَخْصُوصَةَ، فَإِنْ بَطَلَ الثَّانِي فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَحَلِّ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْمُجْتَمَعِ فِي الْمِلْكِ، أَعْنِي الثَّلَاثَ الَّتِي مَلَكَتْهَا بِقَوْلِهِ اخْتَارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، إذْ حَقِيقَةُ التَّرْتِيبِ فِي أَفْعَالِ الْأَعْيَانِ كَمَا يُقَالُ صَامَ حَجَّ

وَلَهُ أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَغْوٌ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ فِي الْمِلْكِ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ كَالْمُجْتَمِعِ فِي الْمَكَانِ، وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، فَإِذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ (وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَتْ بِهَا وَلِأَنَّ الِاخْتِيَارَةَ لِلتَّأْكِيدِ وَبِدُونِ التَّأْكِيدِ تَقَعُ الثَّلَاثُ فَمَعَ التَّأْكِيدِ أَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَجُزْ إبْطَالُ الْآخَرِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ (قَوْلُهُ وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأُولَى نَعْتٌ لِمُؤَنَّثٍ فَاسْتَدْعَى مَذْكُورًا يُوصَفُ بِهِ وَالْمَذْكُورُ ضِمْنًا الِاخْتِيَارَةُ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَرْت الِاخْتِيَارَةَ أَوْ الْمَرَّةَ الْأُولَى، وَلَوْ قَالَتْ ذَلِكَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا. وَالْآخَرُ أَنَّهَا أَتَتْ بِالتَّرْتِيبِ لَا فِيمَا يَلِيقُ وَصْفُهُ بِهِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى قَوْلُهَا اخْتَرْت فَيَكُونُ جَوَابًا لِلْكُلِّ، وَهَذَا تَتِمُّ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: إنَّ هَذَا وَصْفُ لَغْوٍ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَكَانِ، فَقَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ ابْتِدَاءً وَجْهٌ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ قَوْلِهِمَا إنْ كَانَ لَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ إلَخْ لَا يُطَابِقُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ. وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ لَفْظُ الْأُولَى، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ يُطْلِقُهُ عَلَى الْمُفْرَدِ، وَبَعْضُهُمْ يَنْسُبُهُ إلَى كُلِّهِمْ، ثُمَّ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْعُ أَنَّ الْإِفْرَادَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْأُولَى، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَدْلُولُهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ، حَتَّى إذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ وَهُوَ الْإِفْرَادُ. وَإِذَا لَغِيَا بَقِيَ قَوْلُهَا: اخْتَرْت وَهُوَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْكُلِّ فَيَقَعْنَ، وَلِذَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا. وَالْجَوَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْفَرْدِيَّةَ مَدْلُولٌ تَضَمُّنِيٌّ فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ جُزْأَيْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ هُوَ الْمَقْصُودَ وَالْآخَرُ تَبَعًا كَمَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ: وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَيَنْتَفِي التَّبَعُ بِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ وَالْوَصْفُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَضْعٌ لِذَاتٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يُلَاحَظْ الْفَرْدُ فِيهِ حَقِيقِيًّا أَوْ اعْتِبَارِيًّا كَالطَّائِفَةِ الْأُولَى وَالْجَمَاعَةِ الْأُولَى إلَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَّصِفٌ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، فَإِذَا بَطَلَتْ بَطَلَ الْكَلَامُ. وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ تَعْلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ التَّرْتِيبَ ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْمَعْنَى، فَصَدَقَ وَصْفُهَا بِالْأُولَى وَالْوُسْطَى إلَى آخِرِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ قَوْلَهُ: اخْتَارِي اخْتَارِي جُمْلَةٌ بَعْدَ جُمْلَةٍ. وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا اخْتَرْت لَفْظَتَك الْأُولَى أَوْ كَلِمَتَك الْأُولَى، وَلَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا بَعْدَ فَرْضِ إهْدَارِ وَصْفِ الطَّلَاقِ بِهِ. وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا مَنْ رَامَ الدَّفْعَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى اخْتَرْت الْإِيقَاعَ بِكَلِمَتِك الْأُولَى لِأَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِكَلِمَتِهِ قَطُّ بَلْ بِكَلِمَتِهَا مَرِيدَةً بِهَا الطَّلَاقَ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ: اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ الِاخْتِيَارَةَ أَوْ مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دَفْعَةً أَوْ بِدَفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارَةً وَاحِدَةً تَقَعُ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ جَوَابُ الْكُلِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ

(وَلَوْ قَالَتْ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الِانْطِلَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنْ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعْقِبَةٌ لِلرَّجْعَةِ بِالنَّصِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَالٍ لَزِمَ كُلُّهُ (قَوْلُهُ: فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) وَهُوَ سَهْوٌ بَلْ بَائِنٌ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْأَوْضَحِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَعَامَّةِ الْجَوَامِعِ سِوَى جَامِعِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ فِيهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالتَّخْيِيرِ بَائِنٌ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَمْلِيكُ النَّفْسِ مِنْهَا وَلَيْسَ فِي الرَّجْعِيِّ مِلْكُهَا نَفْسَهَا وَإِيقَاعُهَا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ، لَكِنْ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوُقُوعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ إلَيْهَا، وَالصَّرِيحُ لَا يُنَافِي الْبَيْنُونَةَ كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْمَالِ فَيَقَعُ بِهِ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إلَّا مَا مُلِّكَتْ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَأَوْقَعَتْ الرَّجْعِيَّ أَوْ بِالْعَكْسِ وَقَعَ مَا أَمَرَهَا بِهِ لَا مَا أَوْقَعَتْهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ اخْتَرْت وَطَلَّقْت حَيْثُ يَصِحُّ طَلَّقْت جَوَابًا لِاخْتَارِي حَتَّى تَقَعَ بِهِ الْبَائِنَةُ وَاخْتَرْت لَا يَصْلُحُ جَوَابَ طَلِّقِي نَفْسَك حَتَّى لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ. وَسَنَذْكُرُ جَوَابَهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِتَطْلِيقَةٍ) قِيلَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ هَذَا كَقَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِاخْتَرْتُ جَوَابًا لِطَلِّقِي نَفْسَك. أُجِيبُ بِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لَمَّا فَسَّرَ الْأَوَّلَ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْمُفَسَّرَ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ وَالتَّخْيِيرُ، وَقَوْلُهَا: اخْتَرْت يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ.

[فصل في الأمر باليد]

فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فُرُوعٌ] قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاخْتَارِي فَقَالَتْ: شِئْت وَاخْتَرْت يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ. وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ فَقَالَتْ: اخْتَرْت جَمِيعَ ذَلِكَ وَقَعَتْ الْأُولَيَانِ بِلَا شَيْءٍ وَالثَّالِثَةُ بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا الْمَقْرُونَةُ بِالْبَدَلِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالشُّرُوطِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي اخْتِيَارَةً أَوْ وَاحِدَةً أَوْ بِوَاحِدَةٍ. وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ إنْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى، وَبِأَلْفٍ إنْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأَخِيرَةَ. . وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ اسْمٌ لِلْوَاحِدَةِ فَلَا يَكُونُ جَوَابًا عَنْ الْكُلِّ بَلْ الْبَعْضِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تُسْأَلُ الْمَرْأَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَتْ: عَنَيْت الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ وَقَعَتَا بِلَا شَيْءٍ أَوْ الثَّالِثَةَ بَانَتْ بِأَلْفٍ. وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي وَاخْتَارِي وَاخْتَارِي بِالْعَطْفِ بِأَلْفٍ فَالْأَلْفُ مُقَابَلٌ بِالثَّلَاثِ لِلْعَطْفِ، فَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَوْ وَقَعَتْ وَقَعَتْ بِثُلُثِ الْبَدَلِ وَلَمْ يَرْضَهُ. وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ أَوْ الثَّالِثَةَ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ بِأَلْفٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي مِنْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ مَا شِئْت فَلَهَا اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا غَيْرُ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَعِنْدَهُمَا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهَا لِلْبَيَانِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. [فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ] (فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ) قَدَّمَ التَّخْيِيرَ لِتَأَيُّدِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَمِنْ عَدَمِ مِلْكِ الزَّوْجِ الرُّجُوعَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ سِوَى نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ هَاهُنَا لَا فِي التَّخْيِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ بِلَفْظِ أَمْرُك بِيَدِك لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ، وَصِحَّتُهُ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، وَكَذَا صِحَّةُ التَّفْوِيضِ بِلَفْظِ اخْتَارِي نَفْسَك لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَطْلِيقَهَا فَلَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ التَّفْوِيضُ مِنْهُ، وَلَفْظُ اخْتَارِي نَفْسَك يُفِيدُهُ، فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَتَّجِهُ تَقْدِيمُ التَّفْوِيضِ بِلَفْظِ اخْتَارِي لِتَأَيُّدِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - نَصًّا، بِخِلَافِهِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ خِلَافُ أَحَدٍ لَمْ يَقَعْ بِهِ ذَلِكَ النَّقْلُ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا افْتَرَقَ الْبَابَانِ فِي الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْإِيقَاعِ

(وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا كَالتَّخْيِيرِ، وَالْوَاحِدَةُ صِفَةٌ لِلِاخْتِيَارَةِ، فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَبِذَلِكَ يَقَعُ الثَّلَاثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ، فَإِنَّ إيقَاعَهَا بِهِ إنَّمَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا قِيَاسًا لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُمَلَّكَ إذْ لَا يَكُونُ مَا فِي مِلْكِهِ أَوْسَعَ مِمَّا فِي مِلْكِ مُمَلِّكِهِ وَهَذَا يَتَسَاوَى فِيهِ الْبَابَانِ، فَإِنَّ إيقَاعَهَا بِلَفْظِ اخْتَرْت نَفْسِي يَصِحُّ فِي جَوَابِ أَمْرُك بِيَدِك كَمَا يَصِحُّ فِي اخْتَارِي. وَأَمَّا الْإِيقَاعُ بِلَفْظِ أَمْرِي بِيَدِي وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَلَا اسْتِحْسَانًا فَلَا تَحُمْ حَوْلَ الْحِمَى وَتَتْرُكْ النُّزُولَ مَخَافَةً (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا) أَيْ يَنْوِي التَّفْوِيضَ فِي ثَلَاثٍ (فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ) وَهُنَا مَقَامَانِ: الْوُقُوعُ وَكَوْنُهُ ثَلَاثًا، وَالْوُقُوعُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ جَوَابًا، فَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ أَيْ الْأَمْرِ بِالْيَدِ تَمْلِيكًا كَالتَّخْيِيرِ فَجَوَابُهُ جَوَابُهُ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِطَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ كَالتَّخْيِيرِ، وَلَا يَصْلُحُ اخْتَرْت نَفْسِي جَوَابًا لَهُ حَتَّى لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَوَابُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ أَضْعَفُ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ، وَلِذَا لَوْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي فَأَجَازَهُ مُبْتَدَأً جَازَ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَتَوَقَّفُ وَلَا يَقَعُ، وَإِنْ أَجَازَهُ وَلَا يَمْلِكُ هُوَ الْإِيقَاعَ بِهِ فَصَلُحَ الْأَقْوَى جَوَابًا لِلْأَضْعَفِ دُونَ الْعَكْسِ لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ كَوْنُ الْأَقْوَى يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَضْعَفِ بِلَا عَكْسٍ يَحْتَاجُ إلَى التَّوْجِيهِ. وَيُمْكِنُ كَوْنُهُ لِأَنَّ الْجَوَابَ هُوَ الْعَامِلُ وَالتَّفْوِيضُ شَرْطُ عَمَلِهِ فَلَا يَكُونُ دُونَهُ بَلْ فَائِقًا أَوْ مُسَاوِيًا. وَفَرَّقَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ بِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْت مُبْهَمٌ، وَقَوْلَهُ: طَلِّقِي نَفْسَك مُفَسَّرٌ وَالْمُبْهَمُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْمُفَسَّرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْرِيرِ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّفْسِيرِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ أَفَادَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَالْوَاحِدَةُ) أَيْ الَّتِي نَطَقَتْ بِهَا (صِفَةُ الِاخْتِيَارَةِ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَبِذَلِكَ يَقَعُ الثَّلَاثُ) وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بِاخْتِيَارَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا وَصْفًا لَهَا لَكِنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ مُوجِبَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ وَصَرَّحَتْ بِقَوْلِهَا

(وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ فِي الْأُولَى الِاخْتِيَارَةُ، وَفِي الثَّانِيَةِ التَّطْلِيقَةُ إلَّا أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنَةً لِأَنَّ التَّفْوِيضَ فِي الْبَائِنِ ضَرُورَةُ مِلْكِهَا أَمْرَهَا، وَكَلَامُهَا خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَتَصِيرُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّفْوِيضِ مَذْكُورَةً فِي الْإِيقَاعِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ وَنِيَّةُ الثَّلَاثِ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِيَارَةً وَاحِدَةً كَوْنَ الْمُرَادِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ الِاخْتِيَارَةَ لَيْسَتْ إلَّا الْمَرَّةَ مِنْ الِاخْتِيَارِ، وَإِذَا كَانَ اخْتِيَارُهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ انْتَفَى الِاخْتِيَارُ بَعْدَهُ، وَكَوْنُهَا بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهَا اخْتِيَارٌ آخَرُ هُوَ بِأَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ، وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ تَرَكْته بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَرِهْته بِمَرَّةٍ وَأَعْرَضْت عَنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ هَذَا لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا بُلُوغَ مَا قُيِّدَ بِهِ مِنْ التَّرْكِ مَثَلًا وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِعْرَاضُ مُنْتَهَاهُ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ بِوَاحِدَةٍ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ صِفَةَ طَلْقَةٍ وَلَمَّا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي التَّطْلِيقِ فَقَوْلُهَا: اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ كَوْنِ إرَادَةِ الْمَوْصُوفِ طَلْقَةً

بِخِلَافِ قَوْلِهِ: اخْتَارِي لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ اللَّيْلُ وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ أَمْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ) لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذِكْرِ وَقْتَيْنِ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ إذْ ذِكْرُ الْيَوْمِ بِعِبَارَةِ الْفَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ فَكَانَا أَمْرَيْنِ فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ. قُلْنَا: الطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ اخْتِيَارَةً، فَإِذَا نَوَتْهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهَا نِيَّةٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاحْتِمَالَيْنِ لَمْ يَتَسَاوَيَا، فَإِنَّ خُصُوصَ الْعَامِلِ اللَّفْظِيِّ قَرِينَةُ خُصُوصِ الْمُقَدَّرِ وَهُوَ هُنَا لَفْظُ اخْتَرْت فِي قَوْلِهَا: اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَابَتْ بِطَلَّقْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ حَيْثُ تُقَدِّرُ الطَّلْقَةَ وَهُوَ بِخُصُوصِ الْعَامِلِ أَيْضًا، وَبِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَابِهَا بِطَلَّقْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَاخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ حَيْثُ يَقَعُ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ التَّطْلِيقَةُ بَائِنَةً لِأَنَّ التَّفْوِيضَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَائِنِ لِأَنَّهَا بِهِ تَمْلِكُ أَمْرَهَا وَإِنَّمَا تَمْلِكُهُ بِالْبَائِنِ لَا بِالرَّجْعِيِّ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ الثَّلَاثَ، فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ: نَوَيْت التَّفْوِيضَ فِي وَاحِدَةٍ بَعْدَمَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فِي الْجَوَابِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الثَّلَاثَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ الِاخْتِيَارُ لَا يَتَنَوَّعُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ اللَّيْلُ إلَى آخِرِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ وَالْيَوْمَ وَغَدًا يَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِيهِ تَمْلِكُهُ بَعْدَ الْغَدِ، وَالثَّانِي عَدَمُ مِلْكِهَا فِي اللَّيْلِ، وَفِي الْيَوْمِ وَغَدًا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ لَا تَمْلِكُ طَلَاقَ نَفْسِهَا غَدًا: أَيْ نَهَارًا وَتَمْلِكُهُ لَيْلًا. وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكُ وَاحِدَةٍ فِي الْيَوْمِ وَغَدًا وَتَمْلِيكَانِ فِي الْيَوْمِ وَبَعْدَ غَدٍ. وَجَعَلَهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكُلِّ تَمْلِيكًا وَاحِدًا فِي الْيَوْمِ وَبَعْدَ غَدٍ، فَلَمْ يُثْبِتْ الْخِيَارَ بَعْدَ الْغَدِ إذَا رَدَّتْهُ الْيَوْمَ قِيَاسًا عَلَى طَلِّقِي نَفْسَك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَاحِدًا فَكَذَا يَكُونُ هُنَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَى أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا. قُلْنَا: الطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ، وَإِذَا وَقَعَ تَصِيرُ بِهِ طَالِقًا فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ فَذِكْرُ بَعْدَ غَدٍ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ لَا يَقْتَضِي طَلَاقًا آخَرَ، أَمَّا الْأَمْرُ بِالْيَدِ فَيَحْتَمِلُهُ فَيَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ غَيْرَ أَنَّ عَطْفَ زَمَنٍ عَلَى زَمَنٍ مُمَاثِلٍ مَفْصُولٌ بَيْنَهُمَا بِزَمَنٍ مُمَاثِلٍ لَهُمَا ظَاهِرًا فِي قَصْدِ تَقْيِيدِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوَّلِ، وَتَقْيِيدُ أَمْرٍ آخَرَ بِالثَّانِي وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ لِهَذِهِ الطَّفْرَةِ مَعْنًى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَصِيرُ لَفْظُ يَوْمٍ مُفْرَدًا غَيْرَ مَجْمُوعٍ إلَى مَا بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ صَارَ عَطْفَ جُمْلَةٍ: أَيْ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ غَدٍ. وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ، بِخِلَافِ

وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُهُ، فَيُوَقَّتُ الْأَمْرُ بِالْأَوَّلِ وَجَعَلَ الثَّانِيَ أَمْرًا مُبْتَدَأً (وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا لَا يَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا فِي غَدٍ) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ وَقَدْ يَهْجُمُ اللَّيْلُ وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَا يَنْقَطِعُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فِي يَوْمَيْنِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا غَدًا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَوْمَ وَغَدًا فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ آخَرَ لِتَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ جَمْعًا بِحَرْفِ الْجَمْعِ فِي التَّمْلِيكِ الْوَاحِدِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك فِي يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ اسْتِعْمَالًا لُغَوِيًّا وَعُرْفِيًّا، عَلَى أَنَّ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ تَطْلُقُ طَلَاقَيْنِ، بِخِلَافِ الْيَوْمَ وَغَدًا يَمْتَنِعُ قِيَاسُهُ. وَأَيْضًا فِي: طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ فِي الْغَدِ لِأَنَّهَا طَالِقٌ فِيهِ أَيْضًا، بِخِلَافِ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا فِي الْغَدِ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ يَهْجُمُ اللَّيْلُ وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ تَعْلِيلًا لِدُخُولِ اللَّيْلِ فِي التَّمْلِيكِ الْمُضَافِ إلَى الْيَوْمِ وَغَدٍ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ اللَّيْلِ فِي الْيَوْمِ الْمُفْرَدِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى: أَعْنِي أَنَّهُ قَدْ يَهْجُمُ اللَّيْلُ وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا أَنَّهَا إذَا رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا غَدًا) رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ رَدَّ إيقَاعِ الزَّوْجِ لَوْ نَجَّزَ، فَكَذَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَثْبُتُ حُكْمُهُ لَهَا مِنْ الْمِلْكِ بِلَا قَبُولٍ كَالْإِيقَاعِ مِنْهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ رَدَّهَا لَغْوٌ، فَالْحَالُ كَمَا كَانَ فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي رَدَّتْ فِيهِ أَيْضًا فَصَارَ كَقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَمَا خَيَّرَهَا فِي الْيَوْمِ وَغَدًا وَاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ حَيْثُ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا. وَتَحْقِيقُ وَجْهِ الظَّاهِرِ أَنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْمِلْكِ مُغَيًّا شَرْعًا بِأَحَدِ الْأُمُورِ مِنْ انْقِضَاءِ مَجْلِسِ الْعِلْمِ أَوْ الْخِطَابِ بِلَا اخْتِيَارِ شَيْءٍ أَوْ بِفِعْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ أَوْ اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا، فَإِذَا رَدَّتْ بِاخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا خَرَجَ مِلْكُ الْإِيقَاعِ عَنْهَا فَلَا تَمْلِكُ اخْتِيَارَ نَفْسِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُضَافُ تَوْقِيتُ التَّمْلِيكِ بِهَذِهِ إلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ تَوْقِيتَهُ فِي الْجُمْلَةِ ثَابِتٌ شَرْعًا كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. وَالْأَوْجَهُ تَشْبِيهُهُ بِالْعَارِيَّةِ لِوَجْهَيْنِ: كَوْنُهُ بِلَا عِوَضٍ وَالْعَارِيَّةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ. وَالثَّانِي أَنَّ تَوْقِيتَهَا لَيْسَ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ مَضْبُوطَ الْكَمِّيَّةِ إذْ قَدْ يَمْتَدُّ يَوْمًا وَيَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا اخْتِيَارُهَا زَوْجَهَا وَفِعْلُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ بِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إنَّمَا لَهُ اخْتِيَارُ أَحَدِهِمَا فَكَمَا أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ زَوْجَهَا فَتَعُودُ إلَى النِّكَاحِ كَذَلِكَ إذَا اخْتَارَتْ

وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا الْيَوْمَ لَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ فِي الْغَدِ، فَكَذَا إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا بِرَدِّ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يَمْلِكُ إلَّا اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِمَا أَنَّهُ ذَكَرَ لِكُلِّ وَقْتٍ خَبَرًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوْجَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فَلَا يُفْصِحُ عَنْ جَوَابِ النُّكْتَةِ الَّتِي هِيَ مَبْنَى جَوَازِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا: أَعْنِي أَنَّ الْمِلْكَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إنَّمَا يَرْتَدُّ شَطْرُ التَّمْلِيكِ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ هَذَا التَّمْلِيكَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِلَا قَبُولٍ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ وَجْهِ الظَّاهِرِ حَمْلُ الرَّدِّ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَا تَتَعَرَّضُ لِمَا بِهِ الرَّدُّ فَيُمْكِنُ حَمْلُ رَدِّهَا عَلَى كَوْنِهِ بِمَا يَكُونُ بِلَفْظِ الرَّدِّ وَنَحْوِهِ بِأَنْ تَقُولَ عَقِيبَ الْمِلْكِ بِتَخْيِيرِهَا: رَدَدْت التَّفْوِيضَ أَوْ لَا أُطَلِّقُ، وَبِكَوْنِ هَذَا إعْطَاءً لِنَفْسِ هَذَا الْحُكْمِ وَيَكُونُ هُوَ مُسْتَنَدَ مَا فُرِّعَ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ يَقَعُ لَازِمًا فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهَا وَالْمَسْأَلَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَبِمَا ذَكَرْنَا تَنْدَفِعُ الْمُنَاقَضَةُ الْمُورَدَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ حَيْثُ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَفِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ: أَعْنِي فِي قَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا، وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا لَا يَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِرَدِّهَا هُنَا اخْتِيَارُهَا زَوْجَهَا الْيَوْمَ، وَحَقِيقَتُهُ انْتِهَاءُ مِلْكِهَا، وَهُنَاكَ الْمُرَادُ أَنْ تَقُولَ: رَدَدْت فَلَمْ يَبْقَ تَدَافُعٌ، لَكِنْ الشَّارِحُونَ قَرَّرُوا ثُبُوتَ التَّدَافُعِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ نَقَلُوا لِأَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ وَنَقَلُوا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَوَفَّقُوا بِأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّفْوِيضِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَرْتَدُّ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لِرَجُلٍ فَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ ثُبُوتُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ أَوْ التَّمْلِيكِ. أَمَّا الْإِسْقَاطُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَقَالَ تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] سَمَّى الْإِبْرَاءَ تَصَدُّقًا. وَمِمَّا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمُنَاقَصَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْفُصُولِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَخْرُجُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا. وَوَفَّقَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ فِيمَا إذَا كَانَ مُنَجَّزًا، وَعَدَمَهُ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا مِثْلُ أَنْ قَالَ: أكرترابزنم فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ وَجَدَ الشَّرْطَ يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ ضَرَبَهَا لَا يَصِيرُ بِيَدِهَا وَمِنْ الْمُنَاقَضَةِ تَصْرِيحُهُمْ بِصِحَّةِ إضَافَتِهِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ إذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ) حَتَّى لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا غَدًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا فِي الْغَدِ تَخْيِيرٌ جَدِيدٌ بَعْدَ ذَلِكَ التَّخْيِيرِ الْمُنْقَضِي بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لِكُلِّ وَقْتٍ خَبَرًا صُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ اشْتِرَاكَ الْوَقْتَيْنِ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَالْأَصْلُ اسْتِقْلَالُ كُلِّ كَلَامٍ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ هَذِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا، فَلَمْ يَبْقَ تَخْصِيصُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا لِأَنَّهُ مَخْرَجُ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا عَدَمُ جَوَازِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَيْلًا فَلَا تَغْفُلُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ لَهَا فِي يَوْمٍ مُفْرَدٍ وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ، وَالثَّابِتُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيه بِأَمْرٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ حَيْثُ يَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ فَقَطْ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فِي الْيَوْمِ إنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَهُوَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَفِي غَدٍ. وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ غَدًا بَعْدَ غَدٍ فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ مُتَرَادِفَةٌ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك أَبَدًا فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهَا

(وَإِنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فُلَانٌ فَلَمْ تَعْلَمْ بِقُدُومِهِ حَتَّى جَنَّ اللَّيْلُ فَلَا خِيَارَ لَهَا) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ مِمَّا يَمْتَدُّ فَيَحْمِلُ الْيَوْمَ الْمَقْرُونَ بِهِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَيَتَوَقَّتُ بِهِ ثُمَّ يَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ وَقْتِهِ (وَإِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ خَيَّرَهَا فَمَكَثَتْ يَوْمًا لَمْ تَقُمْ فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ) لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ التَّطْلِيقِ مِنْهَا (لِأَنَّ الْمَالِكَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَهِيَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّةً، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ صَحَّ) وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا يَوْمَ يَقْدَمُ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُفَارِقُ بِهِ سَائِرَ التَّمْلِيكَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا وَلَا تَعْلِيقُهَا بِخِلَافِ هَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ تَمْلِيكُ فِعْلٍ فَلَا يَقْتَضِي لَوَازِمَ تَمْلِيكَاتِ الْأَعْيَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ. فَإِنْ قِيلَ: يُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ: لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ ثَلَاثًا إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ: اخْتَرْت نَفْسِي طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِلْحَالِ، وَلَوْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا تَفْسِيرٌ لِلْأَمْرِ وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ، أَمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ إلَى وَقْتِ السُّنَّةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ يَقْتَضِي الْمَالِكِيَّةَ، وَالْأَمْرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ فِي الْحَالِ فَلَا تَثْبُتُ الْمَالِكِيَّةُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى السُّنَّةَ أَوْ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِمَا كَانَ تَفْسِيرًا يَثْبُتُ مَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَلَا يَثْبُتُ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ السُّنَّةُ وَالتَّعْلِيقُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الِاحْتِمَالِ احْتِمَالُ لَفْظِ التَّنْجِيزِ لِلتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَلَا مُتَعَلِّقًا بِهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ التَّفْوِيضِ فَكَانَ التَّعْلِيقُ مُرَادًا بِلَا لَفْظٍ، ثُمَّ لَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِقُدُومِهِ حَتَّى انْقَضَى يَوْمُ قُدُومِهِ وَدَخَلَ اللَّيْلُ فَلَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ مِمَّا يَمْتَدُّ فَيُحْمَلُ الْيَوْمُ الْمَقْرُونُ بِهِ عَلَى النَّهَارِ لَا عَلَى الْوَقْتِ مُطْلَقًا. وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ: يَعْنِي فِي آخِرِ فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْقُدُومُ فَيُحْمَلُ الْيَوْمُ عَلَى الْوَقْتِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ لِمَا حَقَّقْنَاهُ هُنَاكَ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ امْتِدَادُهُ وَعَدَمُهُ هُوَ الْمُضَافُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ خَيَّرَهَا فَمَكَثَتْ يَوْمًا لَمْ تَقُمْ فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ التَّطْلِيقِ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَالِكَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَهِيَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَقَدْ بَيِّنَاهُ) أَيْ فِي أَوَّلِ

ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا وَبُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهَا لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَازِمٌ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ التَّعْلِيقُ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا فَالْمَجْلِسُ تَارَةً يَتَبَدَّلُ بِالتَّحَوُّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلِ الِاخْتِيَارِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ هُنَاكَ هُوَ أَنَّ التَّمْلِيكَ يَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَاسْتَدَلَّ هُنَا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ. وَالْوَجْهُ الْمَشْهُورُ فِيهِ قَوْلُهُمْ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، وَإِلَّا فَالْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ تَمْلِيكٌ وَهُوَ لَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، وَسَنُحَقِّقُ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ لِيَنْدَفِعَ الْوَكِيلُ فِي الْمَشِيئَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدَّمْنَا مَا فِي قَوْلِهِ يَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ، فَالصَّوَابُ إسْنَادُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ إلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ قَالُوا لَهَا فِي الْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ) أَيْ تَسْمَعُ لَفْظَهُ بِالتَّخْيِيرِ (اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ) أَيْ مَجْلِسُ سَمَاعِهَا (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا) عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ يُفِيدُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ) أَمَّا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا، وَأَمَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَلِأَنَّ الْإِيقَاعَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّ الْوُقُوعَ مُضَافٌ إلَى مَعْنًى مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ طَلَّقْت نَفْسَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَثْبُتُ لِلتَّفْوِيضِ أَحْكَامٌ تَتَرَتَّبُ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ وَأَحْكَامٌ عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّهَا مِمَّا يُمْكِنُ تَرَتُّبُهَا عَلَى التَّمْلِيكِ، فَصِحَّةُ التَّوْقِيتِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ إلْحَاقَهُ بِالْعَارِيَّةِ أَقْرَبُ. ثُمَّ مِنْ صُوَرِ التَّوْقِيتِ مَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَأَنْ يَقُولَ: أَمْرُك بِيَدِك شَهْرًا أَوْ جُمُعَةً فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ التَّفْوِيضِ وَلَيْسَ هَذَا التَّوَقُّفُ سِوَى امْتِدَادِ الْمِلْكِ الَّذِي تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ، وَكَذَا عَدَمُ صِحَّةِ الرَّدِّ بَعْدَ سُكُوتِهِ أَوَّلَ الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالتَّمْلِيكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ، وَأَمَّا اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ فَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ يَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي يَسْتَدْعِيه التَّمْلِيكُ فِي الْمَجْلِسِ الْقَبُولُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، بَلْ امْتِدَادُهُ فِي تَمَامِ الْمَجْلِسِ أَثَرُ الْمِلْكِ وَارْتِفَاعُهُ بَعْدَهُ، وَنَفْسُ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ

وَمَرَّةً بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْخِيَارِ، وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ الْإِعْرَاضِ، إذْ الْقِيَامُ يُفَرِّقُ الرَّأْيَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَتْ يَوْمًا لَمْ تَقُمْ وَلَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَقْطَعُهُ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ. وَقَوْلُهُ مَكَثَتْ يَوْمًا لَيْسَ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ. وَقَوْلُهُ مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ يُرَادُ بِهِ عَمَلٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَ فِيهِ لَا مُطْلَقَ الْعَمَلِ (وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَجَلَسَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِقْبَالِ فَإِنَّ الْقُعُودَ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ (وَكَذَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ) لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ جِلْسَةٍ إلَى جِلْسَةٍ فَلَا يَكُونُ إعْرَاضًا، كَمَا إذَا كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي غَيْرِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الِاتِّكَاءَ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِالْأَمْرِ فَكَانَ إعْرَاضًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ تَطْلِيقَهَا نَفْسَهَا قَبُولٌ، قُلْنَا: لَا يَتِمُّ إذْ هُوَ التَّصَرُّفُ الْمُتَفَرِّعُ عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ لَهُ. أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ مِنْ الزَّوْجِ فَيُنَاسِبُ كُلًّا مِنْ التَّعْلِيقِ وَالتَّمْلِيكِ، لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ يَلْزَمُ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ جَمِيعَ الْآثَارِ يَصِحُّ تَرَتُّبُهَا عَلَى جِهَةِ الْمِلْكِ هُنَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ جِهَةِ التَّعْلِيقِ، وَقَوْلُهُمْ كَأَنَّهُ قَالَ: إذَا طَلَّقْت نَفْسَك فَأَنْتِ طَالِقٌ يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ فِي الْوَكَالَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: إذَا بِعْت مَتَاعِي فَقَدْ أَجَزْت بَيْعَك، وَالْوِلَايَةِ كَأَنَّ الْإِمَامَ قَالَ لَهُ: إذَا قَضَيْت فَقَدْ أَنَفَذْت قَضَاءَك كَمَا قَدَّمْنَا، وَالِاعْتِبَارَاتُ الَّتِي لَا أَثَرَ لَهَا كَثِيرَةٌ فِي دَائِرَةِ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ:) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ عَمَلٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَتْ فِيهِ) فَلَوْ لَبِسَتْ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ أَوْ أَكَلَتْ قَلِيلًا أَوْ شَرِبَتْ أَوْ قَرَأَتْ قَلِيلًا أَوْ سَبَّحَتْ أَوْ قَالَتْ اُدْعُ إلَيَّ أَبِي أَسْتَشِيرُهُ أَوْ الشُّهُودَ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا هُوَ عَمَلُ الْفُرْقَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ فِي التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ هَذَا مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: اخْتَارِي وَطَلِّقِي نَفْسَك وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَكَذَا إذْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك أَوْ طَلِّقْهَا إذَا شِئْت أَوْ إنْ شِئْت أَوْ أَعْتِقْ عَبْدِي إذَا شِئْت، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: بِعْهُ إنْ شِئْت لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ. وَلَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا يَبْطُلُ. وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَدْعُو الشُّهُودَ فَقَامَتْ لِتَدْعُوَ وَلَمْ تَنْتَقِلْ، قِيلَ لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَقِيلَ يَبْطُلُ لِلتَّبَدُّلِ وَلَا تُعْذَرُ فِيهِ كَمَا لَا تُعْذَرُ فِيمَا إذَا أُقِيمَتْ كُرْهًا، وَقِيلَ إذَا لَمْ تَنْتَقِلْ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِنْ انْتَقَلَتْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ نَامَتْ وَهِيَ قَاعِدَةٌ أَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ الْوِتْرَ فَأَتَمَّتْهَا أَوْ النَّفَلَ فَأَتَمَّتْ رَكْعَتَيْنِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَلَوْ قَامَتْ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَطَلَ إلَّا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ: لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي بِلِسَانِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي لَيْسَ رَدًّا فَتَمْلِكُ بَعْدَهُ الطَّلَاقَ. قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ إلَخْ كَلَامٌ زَائِدٌ فَيَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ

[فصل في المشيئة]

وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَتْ اُدْعُ أَبِي أَسْتَشِرْهُ أَوْ شُهُودًا أُشْهِدْهُمْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا) لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ لِتَحَرِّي الصَّوَابِ، وَالْإِشْهَادَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِنْكَارِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ (وَإِنْ كَانَتْ تَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فِي مَحْمَلٍ فَوَقَفَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا، وَإِنْ سَارَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا) لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ وَوُقُوفَهَا مُضَافٌ إلَيْهَا (وَالسَّفِينَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ) لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى رَاكِبِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا وَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يَقْدِرُ. . فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُبْدِلِ لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوْلِ وَإِفَاضَتِهِ فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَصَحُّ مِمَّا ذَكَرَ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ، لِأَنَّ مَنْ حَزَبَهُ أَمْرٌ قَدْ يَسْتَنِدُ لِأَجْلِ التَّفَكُّرِ لِأَنَّ الِاسْتِنَادِ وَالِاتِّكَاءَ سَبَبٌ لِلرَّاحَةِ كَالْقُعُودِ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَلِأَنَّهُ نَوْعٌ جِلْسَةٍ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الثَّابِتُ لِلْجَالِسِ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَارَتْ بَطُلَ) قِيلَ لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا مَعَ سُكُوتِهِ، وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَتَبَدَّلُ حُكْمًا، وَهَذَا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِيَصِيرَ الْجَوَابُ مُتَّصِلًا بِالْخِطَابِ وَقَدْ وُجِدَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوْجِ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةَ أَوْ الْمَحْمَلِ أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَنَزَلَتْ أَوْ تَحَوَّلَتْ إلَى دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فَرَكَبَتْ بَطُلَ خِيَارُهَا، وَفِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ وَهُمَا فِيهِ لَا يَبْطُلُ ذِكْرُهُ فِي الْغَايَةِ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالسَّفِينَةِ (قَوْلُهُ وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرَ مُضَافٍ إلَى رَاكِبِهَا) بَلْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الرِّيحِ وَدَفْعِ الْمَاءِ فِيمَا لَهُ جِرْيَةٍ كَالنِّيلِ فَلَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِسَيْرِهَا بَلْ يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَسَارَتْ بَطُلَ خِيَارُهَا. [فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ] (فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ) (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ

وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا) وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، فَلِهَذَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَيَنْصَرِفُ إلَى وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَدَمِهَا وَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ، وَلَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ نِيَّةُ الْعَدَدِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً لِأَنَّهُ جِنْسٌ فِي حَقِّهَا. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك قَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي طَلَقْت) وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَبَنْتُك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ وَصْفًا وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا) سَوَاءٌ أَوْقَعَتْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَفَرِّقًا وَإِنَّمَا صَحَّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ (لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ) فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً لِأَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَصَحَّ نِيَّةُ الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي طَلُقَتْ) أَيْ رَجْعِيًّا، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ صِحَّةِ الْجَوَابِ بِأَبَنْتُ وَعَدَمِهِ بِاخْتَرْت أَنَّ الْمُفَوَّضَ الطَّلَاقُ، وَالْإِبَانَةُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إيقَاعِهِ كِنَايَةً فَقَدْ أَجَابَتْ بِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا، بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، وَلِهَذَا لَوْ قَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ، وَإِنَّمَا صَارَ كِنَايَةً بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَا إذَا جُعِلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ، غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ وَصْفَ تَعْجِيلِ الْبَيْنُونَةِ فِيهِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ. لَا يُقَالُ: قَدْ صَحَّ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَمْرُ بِالْيَدِ هُوَ التَّخْيِيرُ مَعْنًى فَيَثْبُتُ جَوَابًا لَهُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّخْيِيرِ. وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّك مُخَيَّرَةٌ فِي أَمْرِك الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ بَيْنَ إيقَاعِهِ وَعَدَمِهِ، فَحَيْثُ جُعِلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ كَانَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ بِمُرَادِفِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ خُصُوصَ اللَّفْظِ مُلْغًى، بِخِلَافِ طَلِّقِي لِأَنَّهُ وَضْعًا طَلَبُ الطَّلَاقِ لَا التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِهِ، ثُمَّ إذَا أَجَابَتْ بِاخْتَرْت نَفْسِي خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِجَوَابِهَا بِأَبَنْتُ نَفْسِي لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا، لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تُغَايِرُ الطَّلَاقَ

تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ الزَّائِدُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ، كَمَا إذَا قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ. بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، لَوْ قَالَتْ ابْتِدَاءً: اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ عُرِفَ طَلَاقًا بِالْإِجْمَاعِ إذَا حَصَلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ بِتَنْجِيزٍ فَيَلْغُو. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الْإِبَانَةُ تَغَايُرُ الطَّلَاقَ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ) لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ، وَلَوْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَمَا يَخْرُجُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ تَطْلِيقَةً أَوْ قَالَ: ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ. الْجَوَابُ أَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ، فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ فِي الْوَصْفِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَيْسَ غَيْرَهُ، إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُرَافَقَةِ: أَعْنِي الثَّلَاثَ وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعَ بِالتَّطْلِيقَةِ وَالْأَلْفِ، وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعَ بِالْبَائِنِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ خِيَارُهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ) وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْهَا أَوْ قَوْلُ

(وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت. (وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ، فَلَا يَلْزَمُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً) وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا وَالْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْنَبِيٍّ لَهَا طَلِّقِي فُلَانَةَ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ فِيهِ لِغَيْرِهَا، وَكَذَا الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِقَوْلِ الدَّائِنِ لَهُ أَبْرِئْ ذِمَّتَك عَامِلٌ لِغَيْرِهِ بِالذَّاتِ وَلِنَفْسِهِ ضِمْنًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ، فَلَوْ لَزِمَ فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَقَدَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ طَلِّقِي وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك إذْ كُلُّ مَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فِي الْآخَرِ، وَإِنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالتَّمْلِيكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ شَرْعًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ وَالْوِلَايَاتِ، فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ تَوْكِيلٍ وَوِلَايَةٍ. وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) وَكَذَا إذَا شِئْت وَإِذَا مَا شِئْت لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعُمُومِ. وَيَرِدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي " إذْ " أَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ " إنْ " فَلَا تَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا، وَفِيهِ جَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَمْلِكُ مَا مَلَكَتْ، وَإِنَّمَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَقْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا تَمْلِكُهُ دُونَهَا، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ هَذَا إضَافَةٌ لِلتَّمْلِيكِ لَا تَنْجِيزٌ. وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْقَائِلِ (أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ فَلَا يَلْزَمُ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَقْتَصِرَ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ. وَقَالَ زُفَرُ: هَذَا وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِلَا

سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ: بِعْهُ إنْ شِئْت. وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذِكْرِ مَشِيئَةٍ (سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ) وَكِيلًا كَانَ أَوْ مَالِكًا (يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ) فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شِئْت لَا يَقْتَصِرُ وَلَهُ الرُّجُوعُ. أُجِيبَ بِأَنْ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَبْرِ بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةَ لَفْظًا صَارَ مُوجِبُ اللَّفْظِ التَّمْلِيكَ لَا التَّوْكِيلَ، لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ عَنْ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ امْتِثَالُهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعْتَبِرٍ ذَلِكَ امْتِثَالًا، فَإِذَا صَرَّحَ لَهُ الْمَالِكُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا فَيَسْتَلْزِمُ حُكْمَ التَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فَيَلْغُو وَصْفُ التَّمْلِيكِ وَيَبْقَى الْإِذْنُ وَالتَّصَرُّفُ بِمُقْتَضَى مُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. قِيلَ: فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَهَذَا غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قَوْلُهُ بِعْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ نَفْسِ قَوْلِهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلَّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ. وَإِلَى هُنَا تَمَّ مِنْ الْمُصَنِّفِ إنَاطَةُ وَصْفِ التَّمْلِيكِ مَرَّةً بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ الرَّأْيُ وَالْمَشِيئَةُ وَاحِدًا، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالرَّأْيِ الْعَمَلُ بِمَا يَرَاهُ أَصْوَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْخَذَ فِي مَفْهُومِهِ كَوْنُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَالْعَمَلُ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ لِغَيْرِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ أَيْ بِاخْتِيَارِهِ ابْتِدَاءً بِلَا اعْتِبَارِهِ عَلَى مُطَابَقَةِ أَمْرِ آمِرٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَصْوَبِيَّةِ فِي مُتَعَلِّقِهَا بَلْ هِيَ وَالْإِرَادَةُ يُخَصَّصَانِ الشَّيْءَ بِوَقْتِ وُجُودِهِ، وَالْأَوَّلُ نَقَضْنَاهُ بِالْوَكَالَةِ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْعَامِلَ بِرَأْيِهِ هُوَ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ عَلَى رَأْيِهِ مَا يُقَيِّدُهُ فِي فِعْلٍ وَلَا تَرْكٍ، وَالْوَكِيلُ وَإِنْ كَانَ بِوَكَالَةٍ عَامَّةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَهُ مَا يَغْلِبُهُ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَهُوَ لُزُومُ خُلْفِ الْوَعْدِ الثَّابِتِ ضِمْنَ رِضَاهُ بِالتَّوْكِيلِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ فَرَضِيَ كَانَ وَاعِدًا بِفِعْلِ مَا اسْتَعَانَ بِهِ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ أَخْلَفَ الْوَعْدَ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا لَا تُعَدُّ مُخْلِفَةً بِتَرْكِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَقْسِرْهَا عَلَيْهِ قَاسِرٌ شَرْعِيٌّ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ عَامِلًا بِرَأْيِ نَفْسِهِ

وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُبْتَدِئَةً، وَهَذَا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَهَا الْوَاحِدَةَ وَالثَّلَاثُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ مُجْتَمِعٍ وَالْوَاحِدَةُ فَرْدٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُغَايِرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ، بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا، وَالثَّانِي بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ، وَقَدَّمْنَا مَا فِي جَوَابِهِ مِنْ النَّظَرِ، وَلَوْ تَمَّ انْتَقَضَ بِالتَّفْوِيضِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ قَطْعًا لَيْسَ بِتَطْلِيقِ زَوْجَةِ غَيْرِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَالثَّالِثُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ) كَالزَّوْجِ نَفْسِهِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةً فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا) وَكَقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ طَلِّقِي نَفْسَك وَطَلَّقْت نَفْسِي وَضَرَّتِي، وَقَوْلُ الْعَبْدِ فِي جَوَابِ اعْتِقْ نَفْسَك أَعْتَقْت نَفْسِي وَفُلَانًا حَيْثُ يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي الْأُولَى وَرَجْعِيٌّ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَتَطْلُقُ هِيَ وَيَعْتِقُ هُوَ دُونَ مَنْ قَرَنَاهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا مُبْتَدِئَةً) فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا بَعْدَ الْأُولَى مِنْ الصُّوَرِ لِامْتِثَالِهَا بَدْءًا، ثُمَّ الْمُخَالَفَةُ بِمَا بَعْدَهُ فَلَا تُعْتَبَرُ. وَوَجْهُهَا فِي أَبَنْت نَفْسِي أَنَّ مَعْنَاهُ طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنًا وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ جَوَابٌ عَنْ الْأَوَّلِ: أَيْ أَنَّ الزَّوْجَ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ مِلْكِهِ الثَّلَاثَ، وَكَمَا إذَا صَرَّحَ بِمَا الثَّلَاثُ فِي ضِمْنِهِ فَيَثْبُتُ الْقَدْرُ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَيَلْغُو مَا سِوَاهُ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا

الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ، أَمَّا هَاهُنَا لَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ وَمَا أَتَتْ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَلَغَتْ. (وَإِنْ أَمَرَهَا بِطَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَطَلَّقَتْ بَائِنَةً، أَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَطَلَّقَتْ رَجْعِيَّةً وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ) فَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ لَهَا الزَّوْجُ: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَتَقُولُ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَتَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ قَوْلَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَغْوٌ مِنْهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إيقَاعِ الْأَصْلِ دُونَ تَعْيِينِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَأَنَّهَا اقْتَصَرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَلَّكْتُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا (أَمَّا هُنَا فَلَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ) لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا الْوَاحِدَةَ وَلَمْ تَأْتِ بِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَلَمْ تَصِرْ بِاعْتِبَارِهَا مَالِكَةً وَلَا بِاعْتِبَارِهَا مُتَصَرِّفَةً عَنْ الْآمِرِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ، وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّهَا مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ وَهِيَ شَيْءٌ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ، بِخِلَافِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا بِقَيْدِ ضِدِّهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الثَّلَاثُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ مُجْتَمَعُ الْوُحْدَانِ وَالْوَاحِدُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَبِخِلَافِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ. أَمَّا هُنَا فَلَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ لَا يَسْتَعْقِبُ إيرَادًا. وَوَقَعَ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَالثَّلَاثُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ: يَعْنِي فَلَمْ تَكُنْ بِإِيقَاعِهَا مُوَافَقَةً لِمَا مَلَّكَهَا. فَاعْتَرَضَ بِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عَنْهَا وَلَا غَيْرِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الطَّلَاقِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لِلْمُتَكَلِّمِينَ كَمَا أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ مَا لَيْسَ عَيْنًا فَهُوَ غَيْرٌ، وَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ وَضْعِ الِاصْطِلَاحِ أَصْلًا بَلْ عَدَمُ وَضْعِ لَفْظَةِ غَيْرٍ لُغَةً لَمْ يَتَوَقَّفْ إثْبَاتُ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ، إذْ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يُقَالَ فَوَّضَ إلَيْهَا الثَّلَاثَ وَالْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ إيَّاهَا فَلَا تَكُونُ مُفَوَّضَةً إلَيْهَا فَإِيرَادُ مِثْلِهِ إلْزَامٌ بِمُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ بَعْدَ الْتِزَامِهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ عَمَّا لَيْسَ إيَّاهُ بِلَفْظِ غَيْرٍ مَجَازًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَرَهَا بِطَلَاقٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَطَلَّقَتْ بَائِنًا أَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَطَلَّقْت رَجْعِيًّا وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهَا فَتَقُولُ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً تَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً تَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ قَوْلَهَا رَجْعِيَّةً لَغْوٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ) لَا إلَى ذِكْرِ وَصْفِهِ، فَذِكْرُهَا إيَّاهُ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِإِيقَاعِهَا لَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى التَّفْوِيضِ، فَذِكْرُهَا كَسُكُوتِهَا عَنْهُ، وَعِنْدَ سُكُوتِهَا يَقَعُ عَلَى الْوَصْفِ

عَلَى الْأَصْلِ فَيَقَعُ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ وَهِيَ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ مَا شَاءَتْ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ بِمَشِيئَةٍ لِلْوَاحِدَةِ كَإِيقَاعِهَا (وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ مَشِيئَةٌ لِلْوَاحِدَةِ، كَمَا أَنَّ إيقَاعَهَا إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ الزَّوْجُ: شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ بَطَلَ الْأَمْرُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ لِيَصِيرَ الزَّوْجُ شَائِيًا طَلَاقَهَا، وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفَوَّضِ. وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ، بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ، كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا، وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ أَبَنْت عَلَى مُخَالَفَةِ الْوَصْفِ فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا، فَلَوْ أَنَّهُ زَادَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَكَانَ تَفْوِيضُ الثَّلَاثِ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا إيَّاهَا وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ إلَّا وَاحِدَةً، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمَا، فَلَوْ زَادَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَالْخِلَافُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَهُمَا يَقُولَانِ: مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَنَّ إيقَاعَهَا إيقَاعُ الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ: شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ: شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ بَطَلَ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ) مِنْهَا (وَهِيَ قَدْ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَمَا وُجِدَ الشَّرْطُ ثُمَّ هُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّجُلِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ وَلَا فِي كَلَامِهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْتَ لِيَكُونَ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ شِئْتُ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا بَلْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ الصَّالِحِ لِلْإِيقَاعِ وَلَا فِي الْمَذْكُورِ

حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ إذَا نَوَى لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ إذْ الْمَشِيئَةُ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بِهِ نَحْوُ اسْقِنِي. (حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَنْوِيهِ وَقَعَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ وَالْإِرَادَةَ فِي صِفَةِ الْعِبَادِ مُخْتَلِفَانِ، وَفِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَرَادِفَانِ كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُلُهُمَا وُجُودٌ: أَيْ لَا يَكُونُ الْوُجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَكَذَا مَا أَرَادَهُ، لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ إنَّمَا يَكُونُ لِعَجْزِ الْمُرِيدِ لَا لِذَاتِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُؤَثِّرَةَ لِلْوُجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصِّيَّةُ الْقُدْرَةِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمُخَصِّصَةُ لِلْمَقْدُورِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ بِالْوَقْتِ وَالْكَيْفِيَّةِ، ثُمَّ الْقُدْرَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ عَنْ مُرَادِهِ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا فِي الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الْعِبَادِ، وَعَنْ هَذَا لَوْ قَالَ أَرَادَ اللَّهُ طَلَاقَك يَنْوِيهِ يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ شَاءَ اللَّهُ، بِخِلَافِ أَحَبَّ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ رَضِيَهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَلْزِمَانِ مِنْهُ تَعَالَى الْوُجُودَ. وَلَوْ قِيلَ: التَّخْصِيصُ بِالْوَقْتِ الْإِرَادَةُ يَكُونُ عَنْ طَلَبِهِ وَيَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ صِفَةِ الْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ. نَعَمْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَبَيْنِ أَنَّهُ فِي الْكَلَامِ طَلَبٌ تَكْلِيفِيٌّ وَهَذَا بِخِلَافِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ كَوْنُ الطَّلَبِ الْكَلَامِيِّ تَكْلِيفًا دَائِمًا كَمَا فِي الطَّلَبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِكُنْ. وَلَوْ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ الطَّلَبَ خَارِجٌ عَنْهَا لَزِمَ كَوْنُهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ لَا يَكُونُ فَرْقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ رِوَايَةً عَنْهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. بَقِيَ الشَّأْنُ فِي كَوْنِ الْمَشِيئَةِ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ لِلِاشْتِقَاقِ مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الشَّيْءَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ فِي مَفْهُومِهِ الْوُجُودَ اصْطِلَاحٌ طَارِئٌ عَلَى اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ لُغَةً يُقَالُ لِلْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ، وَكَوْنُ الْإِرَادَةِ نُسِبَتْ إلَى مَا لَا يَعْقِلُ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا

(وَكَذَا إذَا قَالَتْ شِئْتُ إنْ شَاءَ أَبِي أَوْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مَشِيئَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَبَطَلَ الْأَمْرُ (وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى طَلُقَتْ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا شِئْت فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) أَمَّا كَلِمَةُ مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهُمَا لِلْوَقْتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا عَقْلِيًّا أَوْ مَجَازًا لُغَوِيًّا فِي لَفْظِ الْإِرَادَةِ، عَلَى أَنَّهُ سُمِعَ نِسْبَةُ الْمَشِيئَةِ أَيْضًا إلَى ذَلِكَ. أَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي إصْلَاحِ الْمَنْطِقِ: يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارٍ عَقْرَا ... إذَا أَتَى قَرَّبْتُهُ لِمَا يَشَا مِنْ الشَّعِيرِ وَالْحَشِيشِ وَالْمَا وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ قَصْرِ الْمَمْدُودِ، فَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِيهِ: يَعْنِي بِكَوْنِ الْعُرْفِ الْعَامِّ أَنَّهُ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّيْءُ الْكَائِنُ مَصْدَرًا لِشَاءَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: شَاءَ شَيْئًا عَلَى إرَادَةِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ. وَلِمَا كَانَ الْوُجُودُ عَلَى هَذَا مُحْتَمِلَ اللَّفْظِ لَا مُوجِبَهُ احْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ فَلَزِمَ الْوُجُودُ فِيهَا، فَإِذَا قَالَ: شِئْت كَذَا فِي التَّخَاطُبِ الْعُرْفِيِّ فَمَعْنَاهُ أَوْجَدْتُهُ عَنْ اخْتِيَارٍ، بِخِلَافِ أَرَدْت كَذَا مُجَرَّدًا يُفِيدُ عُرْفًا عَدَمَ الْوُجُودِ، وَأَحْبَبْت طَلَاقَك وَرَضِيتُهُ مِثْلُ أَرَدْتُهُ، وَلَوْ قَالَ: شَائِي طَلَاقَك نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ فَقَالَتْ: شِئْت وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَرِيدِيهِ أَوْ اهْوَيْهِ أَوْ أَحِبِّيهِ أَوْ ارْضَيْهِ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُهُ أَحْبَبْتُهُ هَوَيْتُهُ رَضِيتُهُ لَا يَقَعُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت إلَى آخِرِهَا فَقَالَتْ: أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت إلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي يَتَعَلَّقُ بِإِخْبَارِهَا فَإِذَا قَالَتْ: أَحْبَبْت وَقَعَ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى) كَشِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ، أَوْ لِأَمْرٍ كَائِنٍ كَشِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ. قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ أَنْ يَكْفُرَ وَهُوَ مُنْتَفٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ فَاللَّازِمُ حَقٌّ، وَعَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ كُفْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ جُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا جَعَلَ تَعْلِيقَ كُفْرِهِ بِأَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ بِمَاضٍ تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْكُفْرَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يَكْفُرَ فَلْيَكْفُرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ. قُلْنَا: النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَكَلِّمًا بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْتِ أَوْ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْت فَرَدَّتْ) بِأَنْ قَالَتْ: لَا أَشَاءُ لَا يَكُونُ رَدًّا وَلَهَا أَنْ تَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، أَمَّا كَلِمَةُ مَتَى فَإِنَّهَا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، وَإِنَّمَا

قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ، وَأُمًّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهُمَا وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تُوجِبُ تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ (حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَرْتَدَّ بِرَدِّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا فِي الْحَالِ شَيْئًا بَلْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتِ مَشِيئَتِهَا فَلَا يَكُونُ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ هَذَا تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا، فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَ فِي لَفْظِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنْ الْوَاقِعُ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ، ثُمَّ لَا تَمْلِكُ طَلَاقَ نَفْسِهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ لَا الْأَفْعَالَ بِخِلَافِ كُلَّمَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهِيَ كَمَتَى عِنْدَهُمَا) فَمَا كَانَ حُكْمًا لِمَتَى يَكُونُ حُكْمًا لِإِذَا (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَتْ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ) الْمُجَرَّدِ عَنْ مَعْنَى الزَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ (لَكِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ) أَيْضًا مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَمَقْرُونًا بِهِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ تَحَقَّقَ فِيهِ ثُبُوتُ حُكْمٍ لَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ بِالشَّكِّ، فَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَدَمُ الطَّلَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهَا الزَّمَانُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت صَارَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِانْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهَا الشَّرْطُ الْمُجَرَّدُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا. نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ: أَرَدْت مُجَرَّدَ الشَّرْطِ لَنَا أَنْ نَقُولَ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَحْلِفُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَقَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ: يَعْنِي فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ. هَذَا وَالْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِهِ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقِهِمَا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا وَأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى زَمَانِهِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ مَشِيئَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: شِئْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَقَعَ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُضَافًا لَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ دَخَلَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهَا بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ فِي الْمُرَادِ بِإِذَا أَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْ الزَّمَانِ فَلَا يَخْرُجُ كَمَتَى، وَقَدْ صَرَّحَ آنِفًا فِي مَتَى بِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّمْلِيكِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ. وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فَاَلَّذِي دَخَلَ فِي مِلْكِهَا تَحْقِيقُ الشَّرْطِ أَوْ الْمُضَافِ إلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ مَشِيئَتُهَا الطَّلَاقَ لِيَقَعَ طَلَاقُهُ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ) مَعْنَاهُ تُطَلِّقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ تَجُوزُ بِالتَّطْلِيقِ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ: شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ كَلَامُهُمْ فِي قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك كُلَّمَا شِئْت (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ مُوجِبَ كُلَّمَا تَكْرَارُ الْأَفْعَالِ أَبَدًا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ أَنْ تَمْلِكَ طَلَاقَهَا أَيْضًا وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ

لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُسْتَحْدَثٌ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا) لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ عُمُومًا وَخُصُوصًا. (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) وَمَعْنَاهُ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ التَّفْوِيضُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ لَا إلَى عَدَمِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمِلْكِ الْمَعْدُومِ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَيْهِ انْصَرَفَ إلَى عَدَمِ الْمِلْكِ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ لَزِمَ أَنَّ بِاسْتِغْرَاقِهِ تَكْرَارًا يَنْتَهِي بِهِ التَّفْوِيضُ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الثَّلَاثُ، فَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ مَلَكَتْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ إنَّمَا تَمْلِكُ ثِنْتَيْنِ لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا لِعُمُومِ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومِ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جَمْعًا، وَعَلَى هَذَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثِنْتَيْنِ، فَلَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عِنْدَهُمَا وَاحِدَةً. وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعُ الْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْتِ أَوْ أَيْنَ شِئْتِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ لِلْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَغَا الْمَكَانُ صَارَ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت، وَبِهِ يَقَعُ لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُجْعَلُ الظَّرْفُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ إلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْقِيَامِ وَفِي أَدَوَاتِهِ مَا لَا يَبْطُلُ بِهِ كَمَتَى، وَإِذَا أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى إنْ أَوْلَى لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَصَرْفٌ لِشَرْطٍ وَفِيهِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ. وَاعْتَرَضَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَنَارِ بِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى انْتَهَى. فَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الزَّمَانَ كَمَتَى حَتَّى لَا يَخْرُجَ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَيْسَ مَعْنًى لِحَيْثُ وَأَيْنَ بَلْ مَعْنَاهُمَا الْمَكَانُ، وَإِنْ أَرَادَ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ مُطْلَقًا فَلَيْسَ مَعْنَاهُمَا أَصْلًا، بَلْ اسْمُ الظَّرْفِ اصْطِلَاحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَشْبِيهٍ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِالْأَوْعِيَةِ لِلْأَمْتِعَةِ وَهِيَ الظُّرُوفُ لُغَةً (قَوْلُهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ عُمُومًا) كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت (وَخُصُوصًا) فِي أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت طَلُقَتْ) إنْ كَانَتْ غَيْرَ

الْمَشِيئَةِ، فَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ نَوَيْت فَهُوَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَثْبُتُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ، أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ عَلَى الْقَلْبِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَغَا تَصَرُّفَهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ تُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا فِيمَا قَالُوا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمَدْخُولٍ بِهَا طَلْقَةً بَائِنَةً، وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّتِهَا بِعَدَمِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا طَلُقَتْ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ذَلِكَ شَاءَتْ أَوْ لَا، ثُمَّ إنْ قَالَتْ: شِئْت بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ تَصِيرُ كَذَلِكَ لِلْمُطَابَقَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَغَتْ مَشِيئَتُهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْ الزَّوْجَ نِيَّةٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا، حَتَّى لَوْ شَاءَتْ ثَلَاثًا أَوْ بَائِنَةً وَلَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ يَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ. أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِأَنَّهُ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْوَصْفِ لِأَنَّ كَيْفَ لِلْحَالِ، وَالزَّوْجُ لَوْ أَوْقَعَ رَجْعِيًّا يَمْلِكُ جَعْلَهُ بَائِنًا وَثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَكَذَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ هَذَا التَّفْوِيضِ تَمْلِكُ جَعْلَ مَا وَقَعَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَكَذَلِكَ تَمْلِكُ إيقَاعَ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ تَفْوِيضُ أَصْلِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ، كَذَا فِي الْكَافِي وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوعِ الرَّجْعِيَّةِ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ

وَقَالَ فِي الْأَصْلِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ مَا لَمْ تُوقِعْ الْمَرْأَةُ فَتَشَاءُ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعَتَاقُ لَهُمَا أَنَّهُ فَوَّضَ التَّطْلِيقَ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا لِتَكُونَ لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ: أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كَلِمَةَ كَيْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت) يَقَعُ لِلْحَالِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَشِيئَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ الطَّلَاقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهَا عِنْدَهُ بَلْ بِصِفَتِهِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ مَعًا بِمَشِيئَتِهَا. وَمَا قِيلَ: إنَّ الْعِتْقَ لَا كَيْفِيَّةَ لَهُ لِيَتَعَلَّقَ فَيَقَعُ أَلْبَتَّةَ يُوهِمُ عَدَمَ الْخِلَافِ أَوْ تَرْجِيحَ الْعِتْقِ بِذَلِكَ لَكِنَّ الثَّابِتَ مَا سَمِعْت مِنْ الْخِلَافِ وَعَدَمُ كَيْفِيَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى أَصْلِ الْعِتْقِ مَمْنُوعٌ بَلْ لَهُ كَيْفِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ مُعَلَّقًا وَمُنَجَّزًا عَلَى مَالٍ وَبِدُونِهِ عَلَى وَجْهِ التَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي مِنْ الزَّمَانِ وَمُقَيَّدًا بِهِ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ أَصْلُهُ بِمَشِيئَتِهَا حَتَّى وَقَعَ دُونَهَا وَقَعَ مَوْصُوفًا أَلْبَتَّةَ ضَرُورَةَ عَدَمِ انْفِكَاكِ الذَّاتِ عَنْ الْوَصْفِ فَقَدْ ثَبَتَ وَصْفٌ لَا بِمَشِيئَتِهَا، وَقَدْ كَانَ كُلُّ وَصْفٍ بِمَشِيئَتِهَا هَذَا خُلْفًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: حَقِيقَةُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَنْجِيزٌ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ جَاعِلًا صِفَتَهُ عَلَى مَشِيئَتِهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ أَصْلِهِ وَصْفُ الرَّجْعَةِ فَكَانَ فِي نَفْسِ كَلَامِهِ هَذَا مُخَصِّصًا بَعْضَ الْأَوْصَافِ مِنْ عُمُومِهَا. بَقِيَ أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى؟ تَخْصِيصُ الْعَامِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ الَّتِي هِيَ تَنْجِيزُ أَصْلِ الطَّلَاقِ أَوْ اعْتِبَارُ أَصْلِهِ مُعَلَّقًا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُمُومِ؟ وَالنَّظَرُ فِي تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ أَغْلِبُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُنَجَّزِ مُعَلَّقًا لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ. وَأَمَّا مَا رَجَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ بِتَقْدِيرِ قَوْلِهِمَا يَبْطُلُ الِاسْتِيصَافُ وَالْكَلَامُ يُحْمَلُ عَلَى التَّخْصِيصِ دُونَ التَّعْطِيلِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ كَيْفَ فِي التَّرْكِيبِ لِلِاسْتِيصَافِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِخْبَارِ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ أَصْلًا، بَلْ تَرْكِيبُ كَيْفَ شِئْت مَجَازٌ عَنْ كُلِّ كَيْفِيَّةٍ شِئْتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] أَيْ يَنْظُرُونَ إلَى كَيْفِيَّةِ خَلْقِهَا. فَإِنْ قُلْت: فَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ كَيْفَ شَرْطًا وَهُوَ أَحَدُ اسْتِعْمَالَيْهَا فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ تَعْلِيقَ أَصْلِ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ. فَالْجَوَابُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ شَرْطَ شَرْطِيَّتِهَا اتِّفَاقُ فِعْلَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَفْظًا وَمَعْنَى نَحْوُ كَيْفَ تَصْنَعْ أَصْنَعْ. وَمَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِمَا أَنَّ غَيْرَ الْمَحْسُوسِ حَالُهُ وَأَصْلُهُ سَوَاءٌ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا قَائِمًا بِالْآخَرِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُومُ بِالْجِسْمِ فَلَزِمَ مِنْهُ كَوْنُ الطَّلَاقِ لَيْسَ مَوْجُودًا بِدُونِ الْكَيْفِيَّةِ بَلْ كُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَكَيْفِيَّتِهِ سَوَاءٌ فِي الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ،

لِلِاسْتِيصَافِ، يُقَالُ كَيْفَ أَصْبَحْت وَالتَّفْوِيضُ فِي وَصْفِهِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ أَصْلِهِ وَوُجُودَ الطَّلَاقِ بِوُقُوعِهِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ) لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلْعَدَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا تَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِمَشِيئَتِهَا تَعَلَّقَ الْآخَرُ، فَحَاصِلُهُ ذِكْرٌ مَبْنًى آخَرَ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَرُورِيَّةِ تَعَلُّقِ الْأَصْلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ الْمَبْنَى لَيْسَ إلَّا التَّلَازُمُ فَمَا يَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ، وَلَا دَخْلَ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فِي ذَلِكَ فَالتَّقْرِيرُ مَا قَرَّرْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ) وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَيَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ كَيْفَ شِئْت عَلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْعَدَدِ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا الْعَدَدَ إذْ ذُكِرَ فَصَارَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْوَاقِعِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا كَمَا لَا يُبَاحُ لِلزَّوْجِ لَكِنْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا فِي التَّخْيِيرِ. وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. قَالَ: لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِهِمَا أَوْ ثِنْتَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَعَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي أَصْلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ إنْ شَاءَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مَا لَمْ تَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى مَشِيئَةِ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةِ الْإِبَاحَةِ، ثُمَّ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِمَا تَكَرَّرَ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَتِهِ وَمَا شِئْت تَعْمِيمُ الْعَدَدِ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ. وَأَوْرَدَ أَنَّ كَلِمَةَ مَا كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْعَدَدِ تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ نَحْوُ مَا دَامَ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي تَفْوِيضِ الْعَدَدِ فَلَا يَثْبُتُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ أَعْمَلْنَاهَا بِمَعْنَى لِوَقْتٍ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ أَعْمَلْنَاهَا بِمَعْنَى الْعَدَدِ يَبْطُلُ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ بِالشَّكِّ فَتَعَارَضَا، وَتَرَجَّحَ اعْتِبَارُهَا لِلْعَدَدِ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَوْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِمَعْنَى الْعَدَدِ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَبَادَرُ حَالَةَ وَصْلِهَا بِدَامَ

(فَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ، وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ خِطَابٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْحَالِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَا تُطَلِّقَ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: تُطَلِّقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَكَلِمَةَ مَنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِتَمْيِيزٍ فَحُمِلَ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ، كَمَا إذَا قَالَ: كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت أَوْ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ حَقِيقَةٌ لِلتَّبْعِيضِ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَعُمِلَ بِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ (إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ) بِأَنْ قَالَتْ: لَا أُطَلِّقُ (كَانَ رَدًّا) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِهِ بِكُلَّمَا. وَقَوْلُهُ (خِطَابٌ فِي الْحَالِ) احْتِرَازٌ عَنْ إذَا وَمَتَى: يَعْنِي هَذَا تَمْلِيكٌ مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ) بِالِاتِّفَاقِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلَاثِ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَتَطْلُقُ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَتْ (لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي الْعُمُومِ وَكَلِمَةُ مِنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ) أَيْ لِلْبَيَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] وَغَيْرُهُ صِلَةٌ {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [إبراهيم: 10] وَتَبْعِيضًا نَحْوُ أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ (فَيُحْمَلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ) مُحَافَظَةً عَلَى عُمُومِ مَا: أَيْ بَيَانُ الْجِنْسِ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ حُمِلَتْ عَلَى التَّبْعِيضِ: يَعْنِي فَيَكُونُ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّلَاثُ مِنْ الطَّلَاقِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الطَّلَاقِ عَدَدٌ إلَّا الثَّلَاثُ فَذَاكَ شَرْعًا، أَمَّا فِي الْإِمْكَانِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَطْلُقَ عِشْرِينَ وَمِائَةً وَغَيْرَهُمَا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ الْمَنْعَ، فَالْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك الْعَدَدَ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ دُونَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ. وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَكُونُ التَّفْوِيضُ فِي الثَّلَاثِ خَاصَّةً فَصِحَّةُ تَطْلِيقِهَا وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ مِلْكِهَا مَا دَخَلَتْ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا (كَمَا لَوْ قَالَ: كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت) لَهُ أَكْلُ الْكُلِّ (وَطَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ) فَشِئْنَ كُلُّهُنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى التَّبْعِيضِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَبْطُلُ عُمُومُ مَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ حَقِيقَةٌ فِي التَّبْعِيضِ) إذَا دَخَلَ عَلَى ذِي أَبْعَاضٍ وَالطَّلَاقُ مِنْهُ (وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا) بِمِنْ فِي مَعْنَاهَا فِي مِثْلِهِ وَبِمَا فِي عُمُومٍ مَخْصُوصٍ ضَرُورَةُ إعْمَالِ مِنْ فِي مَعْنَاهَا فِي مِثْلِهِ، بِخِلَافِ حَمْلِ مِنْ عَلَى الْبَيَانِ فَإِنَّ ضَابِطَهُ صِحَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَكَانَهَا وَوَصْلُهُ بِمَدْخُولِهَا مَعَ ضَمِيرٍ مُنْفَصِلٍ، مِثَالُهُ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] : أَيْ الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ، وَلَا يَحْسُنُ هُنَا طَلِّقِي نَفْسَك

وَفِيمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ تَرْكُ التَّبْعِيضِ بِدَلَالَةِ إظْهَارِ السَّمَاحَةِ أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ، فَإِنَّ مَا مَوْصُولُ مَعْرِفَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَوْصُوفِهَا مَعْرِفَةً وَهُوَ هُنَا الْعَدَدُ فَانْحَلَّ إلَى طَلِّقِي نَفْسَك الْعَدَدَ الَّذِي شِئْتِهِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ وَيَسْتَلْزِمُ سَبْقَ الْعَهْدِ بِالْعَدَدِ الَّذِي شَاءَتْهُ أَوْ تَشَاؤُهُ وَأَنَّهُ هُوَ الثَّلَاثُ فَيَكُونُ التَّفْوِيضُ ابْتِدَاءً إنَّمَا هُوَ فِي الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا جُزْءُ مَا مَلَكْتَهُ بِالتَّفْوِيضِ كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ وَاحِدَةً، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا بِخِلَافِ التَّبْعِيضِ حَيْثُ لَا يَسْتَلْزِمُ نَبْوَةً إذْ الْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك عَدَدًا شِئْتِهِ، عَلَى أَنَّ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، فَالْجُمْلَةُ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الرَّابِطِ الْمَحْذُوفِ قَيْدٌ فِي الْعَدَدِ مُزِيلٌ مِنْ إبْهَامِهِ. [فُرُوعٌ] قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً فَشَاءَتْ وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ تَشَائِي وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَإِذَا شَاءَتْ وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا شَاءَتْهَا تَقَعُ. وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفُلَانٌ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَفُلَانٌ لَا يَقَعُ بِالْمَشِيئَةِ مِنْ فُلَانٍ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى بَاطِلٍ فَيَبْطُلُ، وَلَوْ قَالَ حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا إذَا أَوْ مَتَى شِئْت لِأَنَّ حِينَ لِلْوَقْتِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ، فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إذَا شِئْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَشَاءَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ شَاءَتَا طَلَاقَ إحْدَاهُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَتُهُمَا طَلَاقَهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ. وَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ إنْ شِئْتُمَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخِرُ ثِنْتَيْنِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَتُهُمَا الثَّلَاثَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُمَا طَلِّقَاهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَنْفَرِدُ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ فَيَصِحُّ إيقَاعُهُ لِبَعْضِهَا. وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ وَقَعَ عَلَيْهِمَا بِمَشِيئَةِ الْأُولَى إنْ نَوَى الزَّوْجُ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ فِي الْوُقُوعِ وَيَحْتَمِلُ فِي الْمِلْكِ: أَيْ كِلَاهُمَا مَمْلُوكَانِ لِي فَأَيُّهُمَا نَوَى صَدَقَ. وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ إنْ شِئْت وَأَبَيْت أَوْ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَائِي لَمْ تَطْلُقْ أَبَدًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَشِيئَةَ وَالْإِبَاءَ شَرْطًا وَاحِدًا وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا. وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَشَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَامَتْ بِلَا مَشِيئَةٍ تَطْلُقُ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلِي. أَمَّا لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ فَقَالَ إنْ شِئْت وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْتَ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ أَبَدًا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَإِنْ أَبَيْت، فَإِنْ شَاءَتْ يَقَعُ وَإِنْ أَبَتْ يَقَعُ، وَإِنْ سَكَتَتْ حَتَّى قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ. وَكَذَا إنْ شِئْت أَوْ أَبَيْت. وَفِي طَالِقٍ إنْ أَبَيْت أَوْ كَرِهْت طَلَاقَك فَقَالَتْ: أَبَيْت تَطْلُقُ. وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَشَائِي طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ لَفْظَ أَبَيْت لِإِيجَادِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْإِبَاءُ وَقَدْ وُجِدَ، وَأَمَّا لَفْظُ لَمْ تَشَائِي فَلِلْعَدَمِ لَا لِلْإِيجَادِ وَعَدَمُ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهَا لَا أَشَاءُ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَشَاءَ مِنْ بَعْدُ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَقَالَتْ: شِئْت نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَقَالَ لَهَا آخَرُ أَعْتِقِي عَبْدَك فَبَدَأَتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِالْعِتْقِ زَوْجَهَا فَبَدَأَتْ بِالْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخِيَارُهَا فِي الطَّلَاقِ. وَعَنْهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً فَلَهَا الْمَشِيئَةُ السَّاعَةَ لَا عِنْدَ الطُّهْرِ، فَإِنْ شَاءَتْ السَّاعَةَ وَقَعَتْ عِنْدَ الطُّهْرِ. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ حِينَ تَطْهُرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْمَشِيئَةِ مِنْ طَلَاقِ الْأَصْلِ لَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فِي الْغَدِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ. وَقَالَ زُفَرُ: الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ فِيهِمَا. وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْعَكْسِ. وَفِي الْمُنْتَقَى بِرِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت غَدًا لَهَا الْمَشِيئَةُ غَدًا وَقَالَا: إنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْغَدِ فَلَهَا الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ غَدًا. وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي غَدًا إنْ شِئْت أَوْ اخْتَارِي إنْ شِئْت غَدًا، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك غَدًا إنْ شِئْت أَوْ أَمْرُك بِيَدِك إنْ شِئْت غَدًا فَالْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ فِي الْحَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك غَدًا إنْ شِئْت أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت غَدًا أَوْ إنْ شِئْت فَطَلِّقِي نَفْسَك غَدًا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إلَّا فِي الْغَدِ عِنْدَهُ، وَقَالَا: إنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فَتَقُولَ فِي الْحَالِ طَلَّقْت نَفْسِي غَدًا. وَالْمَذْكُورُ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنْتِ غَدًا طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ: السَّاعَةَ شِئْت كَانَ بَاطِلًا، إنَّمَا لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّ فِي الثَّانِي عَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ طَلَاقًا مُضَافًا إلَى غَدٍ. وَلَوْ عَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ طَلَاقًا مُنَجَّزًا تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ حَالًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ بَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا، فَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِهَا طَلَاقًا مُضَافًا. وَفِي الْأَوَّلِ بَدَأَ بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْغَدِ ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فَتُرَاعَى الْمَشِيئَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الْفَصْلَيْنِ تُرَاعَى الْمَشِيئَةُ فِي غَدٍ وَعِنْدَ زُفَرَ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِيهِمَا حَالًا وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت إذَا شِئْت فَهُمَا سَوَاءٌ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَخَّرَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَدَّمَهُ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا شَاءَتْ. وَلَوْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت هُنَا مَشِيئَتَانِ الْأُولَى عَلَى الْمَجْلِسِ وَالْأُخْرَى مُطَلَّقَةٌ إلَيْهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمُؤَقَّتَةِ، فَمَتَى شَاءَتْ بَعْدَ هَذَا طَلُقَتْ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَقُلْ شِئْت حَتَّى قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: إنْ شِئْت السَّاعَةَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ السَّاعَةَ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَقَالَ زَيْدٌ: شِئْت وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَا شَاءَ الثَّلَاثَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: شِئْت أَرْبَعًا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاحِدَةً وَإِنْ شِئْت اثْنَتَيْنِ فَقَالَتْ: شِئْت وَقَعَ الثَّلَاثُ. وَلَوْ قَالَ: اُخْرُجِي إنْ شِئْت يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَشَاءَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ وَقَعَ نَظِيرُهُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي فَقَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْت فَهِيَ ثَلَاثٌ. وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي بِلَا وَاوٍ فَطَلَّقَ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ. . وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي؟ فَقَالَ الزَّوْجُ: نَعَمْ فَقَالَتْ: طَلَّقْت يُنْظَرُ إنْ نَوَى الزَّوْجُ التَّفْوِيضَ وَقَعَ وَإِنْ نَوَى الرَّدَّ: يَعْنِي طَلِّقِي إنْ اسْتَطَعْت لَا يَقَعُ.

[باب الأيمان في الطلاق]

بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَقَعُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ] الْيَمِينُ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ. قَالَ الشَّاعِرُ: إنَّ الْمَقَادِيرَ بِالْأَوْقَاتِ نَازِلَةٌ ... وَلَا يَمِينَ عَلَى دَفْعِ الْمَقَادِيرِ أَيْ لَا قُوَّةَ، وَسُمِّيَتْ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْيَمِينِ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُخْرَى، وَسُمِّيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ يَمِينًا لِإِفَادَتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَرَدُّدِ النَّفْسِ فِيهِ، وَلَا شَكَّ فِي إفَادَةِ تَعْلِيقِ الْمَكْرُوهِ لِلنَّفْسِ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْزِلُ شَرْعًا عِنْدَ نُزُولِهِ قُوَّةُ الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَتَعْلِيقُ الْمَحْبُوبِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمِينًا (قَوْلُهُ وَإِذَا أَضَافَ إلَخْ) اسْتَعْمَلَهَا فِي الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَإِلَّا فَالْمِثَالُ لَا يُطَابِقُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إضَافَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقَعُ) وَنُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ خَصَّ بَلَدًا أَوْ قَبِيلَةً أَوْ صِنْفًا أَوْ امْرَأَةً صَحَّ، وَإِنْ عَمَّمَ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ إذْ فِيهِ سَدُّ بَابِ النِّكَاحِ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى.

وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَصَرُّفُ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْمِلْكُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ عِنْدَهُ وَقَبْلَ ذَلِكَ أَثَرُهُ الْمَنْعُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا مَعَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ بِالتَّكْفِيرِ. وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعُمُومِ وَذَلِكَ الْخُصُوصِ إلَّا أَنَّ صِحَّتَهُ فِي الْعُمُومِ مُطْلَقٌ، يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ بِمَعْنَاهُ، وَفِي الْمُعَيَّنَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، فَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الصِّفَةُ: أَعْنِي أَتَزَوَّجُهَا، بَلْ الصِّفَةُ فِيهَا لَغْوٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت هَذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالسَّبَبِ فِي الْمُحِيطِ. لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَطْلُقُ، وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمِلْكِ. وَلَوْ قَالَ: نِصْفُ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُزَوِّجُنِيهَا طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَدَلًا أَوْ شَرْطًا. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ. وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ. تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ» وَعِنْدَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْفَعُهُ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» انْتَهَى، وَفِيهِ جُوَيْبِرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَ: طَلَّقَ مَا لَا يَمْلِكُ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا «عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ عَمٌّ لِي: اعْمَلْ لِي عَمَلًا حَتَّى أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي، فَقُلْتُ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهُ لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ، قَالَ فَتَزَوَّجْتُهَا فَوَلَدَتْ لِي سَعْدًا وَسَعِيدًا» . وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ

وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا (وَإِذَا أَضَافَهُ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْإِبْرَاءِ، وَمَا ظُنَّ مَانِعًا مِنْ أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَى النِّكَاحِ ضِدَّ مُقْتَضَاهُ فَيَلْغُو، وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْوُصْلَةِ وَانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ فَلَا يَمْلِكُ جَعْلَهُ سَبَبًا لِانْقِطَاعِهَا، بِخِلَافِ الْعِتْقِ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فَتَعْلِيقُهُ بِهِ مُبَادَرَةٌ إلَى الْمَطْلُوبِ. أَمَّا الطَّلَاقُ فَمَحْظُورٌ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ بِتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَاجَةَ كَمَا تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْوَصْلَةِ بِالدُّخُولِ كَذَلِكَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، فَإِنَّ النَّفْسَ قَدْ تَدْعُو إلَى تَزَوُّجِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ حَالِهَا وَسُوءِ عِشْرَتِهَا وَيَخْشَى لَجَاجَتَهَا وَغَلَبَتَهَا عَلَيْهِ فَيُؤَيِّسُهَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِنِكَاحِهَا فِطَامًا لَهَا عَنْ مَوَاقِعِ الضَّرَرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُشْرَعَ كَمَا شُرِعَ تَعْلِيقُهُ بِخُرُوجِهَا لِيَفْطِمَهَا عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَتَحَقَّقَ الْمُقْتَضَى وَهُوَ تَكَلُّمُهُ بِالتَّعْلِيقِ لِمَا يَصِحُّ بِلَا مَانِعٍ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ لِمَا سَيُذْكَرُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ أَمَّا مَا قَبْلَ الْحَدِيثَيْنِ الْأَخِيرِينَ فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ هُوَ الطَّلَاقُ، أَمَّا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ فَلَيْسَ بِهِ بَلْ لَهُ عَرَضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ طَلَاقًا وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّرْطِ (وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلُّ أُمَّةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ هُوَ كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: أَوَ لَيْسَ قَدْ جَاءَ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ» قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: امْرَأَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ وَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَغَيْرُهُمَا) تَصْرِيحٌ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ الْمُشْعِرَةِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ خُصُوصًا بَعْدَ قَوْلِهِ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ يُعْطِي أَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ غَيْرِهِمَا أَيْضًا. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سَالِمٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَسْوَدِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَكْحُولٍ الشَّامِيِّ فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ يَوْمَ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هُوَ كَمَا قَالَ. وَفِي لَفْظٍ: يَجُوزُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَقَدْ نُقِلَ مَذْهَبُنَا أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَشُرَيْحٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ الْأَخِيرَانِ فَلَا شَكَّ فِي ضَعْفِهِمَا. قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: إنَّهُمَا بَاطِلَانِ، فَفِي الْأَوَّلِ أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: وَضَّاعٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ، وَفِي الْأَخِيرِ عَلِيُّ بْنُ قَرِينٍ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، بَلْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْقَاضِي شَيْخُ السُّهَيْلِيِّ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الصِّحَّةِ، وَلِذَا مَا عَمِلَ بِهَا مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، فَمَا قِيلَ: لَمْ يَرِدْ مَا يُعَارِضُهَا حَتَّى يُتْرَكَ الْعَمَلُ بِهَا سَاقِطٌ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فَرْعُ صِحَّةِ الدَّلِيلِ أَوَّلًا، كَيْفَ وَمَعَ عَدَمِ تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لَا دَلَالَةَ عَلَى نَفْيِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْلِيقِهِ بَلْ عَلَى نَفْيِ تَنْجِيزِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَالْجَوَابُ صَارَ ظَاهِرًا بَعْدَ اشْتِهَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لَا قَبْلَهُ، فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ النِّكَاحُ فَنَفَى ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا. بَقِيَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعُوا كَوْنَ الْمُعَلَّقِ لَيْسَ طَلَاقًا لِيَخْرُجَ عَنْ تَنَاوُلِ النَّصِّ، بَلْ هُوَ طَلَاقٌ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ الطَّلَاقِ تَعْلِيقَهُ، وَكَذَا الشَّرْعُ لَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَعَلَّقَ طَلَاقَهَا لَا يَحْنَثُ إجْمَاعًا. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَقَالَ الْقَاسِمُ: إنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُظَاهِرِ. فَقَدْ صَرَّحَ عُمَرُ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الظِّهَارِ بِالْمِلْكِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَالْكُلُّ وَاحِدٌ. وَالْخِلَافُ فِيهِ أَيْضًا وَكَذَا فِي الْإِيلَاءِ إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَصِحُّ فَمَتَى تَزَوَّجَهَا يَصِيرُ مُولِيًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيقُ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ فِي مَحَلٍّ فِي حَالٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَيَلْغُو كَتَعْلِيقِ الصَّبِيِّ بِأَنْ قَالَ: إذَا بَلَغْت فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ، وَتَعْلِيقُ الْبَالِغِ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ. قُلْنَا: لَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ بِقَوْلِنَا هُوَ طَلَاقٌ أَوْ لَيْسَ بِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِحُكْمِ الطَّلَاقِ مِنْ الْعِدَّةِ وَغَيْرِهَا تَأَخَّرَ عَمَلُهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ سَبَبًا شَرْعًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ فِي مَحَلٍّ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ اتِّصَالِهِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ شَرْعًا: أَعْنِي أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّرْعُ أَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ فِيهِ لَا مُجَرَّدُ الِاتِّصَالِ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ سَبَبِيَّتَهُ لَيْسَتْ إلَّا بِإِيجَابِهِ الْحُكْمَ فِي مَحِلِّ حُلُولِهِ مَلْزُومًا لِلْحُكْمِ فَيَحِلُّ حَيْثُ حَلَّ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ، بَلْ إذَا كَانَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ إذْ ذَاكَ لَا الْآنَ، فَإِذَا كَانَ ذَاكَ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ وَهُوَ التَّعْلِيقُ فَحِينَئِذٍ يَنْزِلُ بِالْمَحِلِّ سَبَبًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْبَيْعَ عَلَى مُنْتَظَرٍ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي الْحَالِ، غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ خِيَارَ أَنْ يَفْسَخَ إنْ لَمْ يُوَافِقْ غَرَضَهُ رِفْقًا بِهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْوُصُولِ فِي الْحَالِ بَلْ يُحَقِّقُ سَبَبِيَّتَهُ فِي الْحَالِ لَوْ تَأَمَّلْت هَذَا التَّرْكِيبَ. وَأَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِهِ مِنْ الصَّبِيِّ فَلَيْسَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَحَلِّ بَلْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيقِ كَالتَّنْجِيزِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَإِنَّ افْتِقَارَهُ فِي التَّصَرُّفِ إلَى الْمَحَلِّ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قَصْدِ التَّنْجِيزِ فِيهِ لِلْحَالِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ الْتِزَامُ يَمِينٍ يَقْصِدُ بِهَا بِالذَّاتِ الْبِرَّ: أَعْنِي مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ تَزَوُّجِهَا، وَهَذَا يَقُومُ بِهِ وَحْدَهُ فَيَتَضَمَّنُ هَذَا مَنْعَ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي الْمَحَلِّ فِي حَالِ عَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ بَلْ تَصَرُّفٌ مُقْتَصِرٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحِنْثُ أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ وَبِتَقْدِيرِهِ يَنْعَقِدُ كَلَامُهُ سَبَبًا وَهُوَ يَسْتَدْعِي الْمَحَلِّيَّةَ وَهُمَا مَعًا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لَزِمَ لِصِحَّةِ كَلَامِهِ فِي الْحَالِ ظُهُورُ قِيَامِ مِلْكِهِ عِنْدَ انْعِقَادِهِ. ثُمَّ رَأَيْنَا الشَّرْعَ صَحَّحَهُ مُكْتَفِيًا بِظُهُورِ قِيَامِهِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْمَنْكُوحَةِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ قِيَامَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَتَصْحِيحُهُ إيَّاهُ مَعَ تَيَقُّنِ قِيَامِهِ أَحْرَى وَذَلِكَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ، وَبِهَذَا حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ الْأَخِيرِ: أَعْنِي تَطْلِيقَهُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا رَأَيْنَا الشَّرْعَ صَحَّحَ قَوْلَهُ لِلْأَمَةِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَتَّى يُعْتِقَ مَا تَلِدُهُ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ مِلْكِ عِتْقِ الْوَلَدِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، فَظَهَرَ أَنَّ قِيَامَ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْحُكْمِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ، وَلَعَمْرِي إنَّ جُلَّ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِنِهَايَةِ الْإِيجَازِ وَطَلَاوَةِ الْأَلْفَاظِ. وَقَوْلُهُ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَقَعُ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك إذْ لَا يَثْبُتُ الشَّيْءُ مُنْتَفِيًا، وَمَرْجِعُ ضَمِيرِ أَثَرِهِ تَصَرُّفُ يَمِينٍ وَهُوَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ تَصَرُّفٌ هُوَ يَمِينٌ، وَكَذَا هُوَ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ، أَيْ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ الْمَحَلِّ بَلْ قِيَامُ ذِمَّةِ الْحَالِفِ فِي ذَلِكَ كَافٍ. وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ النِّكَاحِ. قُلْنَا: فَمَاذَا يَلْزَمُ إذْ قَدْ يَكُونُ عَلِمَ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ دِينًا لِعِلْمِهِ بِغَلَبَةِ الْجَوْرِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دُنْيَا لِعَدَمِ يَسَارِهِ وَلِنَفْسِهِ لَجَاجٌ فَيَأَّسَهَا، عَلَى أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ تَزَوُّجَهُ عِنْدَنَا بِأَنْ يَعْقِدَ لَهُ فُضُولِيٌّ وَيُجِيزُ هُوَ بِالْفِعْلِ كَسَوْقِ الْوَاجِبِ إلَيْهَا أَوْ الْوَطْءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ كَوْنُ الْمُضَافِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ كَالْمُعَلَّقِ، لَكِنَّهُمْ جَعَلُوهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ نَحْوَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلَانٌ، وَلَا فَرْقَ إلَّا ظُهُورُ إرَادَةِ الْمُضِيفِ الْإِيقَاعَ، بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ فَإِنَّ قَصْدَهُ الْبِرُّ، فَكَأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمَعْقُولَ صَارِفٌ لِلَّفْظِ عَنْ قَضِيَّتِهِ وَلَا يُعْرَى عَنْ شَيْءٍ مَعَ أَنَّ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَإِذَا جَاءَ غَدٌ وَاحِدٌ فِي قَصْدِ الْإِيقَاعِ، وَهُمْ يَجْعَلُونَ إذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقًا غَيْرَ سَبَبٍ فِي الْحَالِ وَالْآخَرُ سَبَبًا فِي الْحَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ يَنْزِلُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ أَوْقَعَ تَنْجِيزًا فَالْمُرَادُ الْإِيقَاعُ حُكْمًا، وَلِهَذَا إذَا عَلَّقَ الْعَاقِلُ الطَّلَاقَ ثُمَّ جُنَّ عِنْدَ الشَّرْطِ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ كَالْمَلْفُوظِ حَقِيقَةً لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ. [فُرُوعٌ] فِي الْمُنْتَقَى: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ: فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ: إحْدَاهُمَا عَلَى الْأَمْرِ وَالْأُخْرَى عَلَى التَّزَوُّجِ. وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ طَلُقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ وَالشَّرْطَ شَيْئَانِ وَقَدْ وُجِدَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ حَيْثُ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّرْطِ، فَإِنْ أَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلًا فَقَالَ: زَوِّجْنِي فُلَانَةَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا طَلُقَتْ لِكَمَالِ الشَّرْطِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ أَمَرْت إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْأَمْرِ قَبْلَ تَزْوِيجِ الْمَأْمُورِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِلَا وُقُوعِ شَيْءٍ فَلَا يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِهِ بَعْدَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ خَطَبْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَهَا فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ، قَالَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْخِطْبَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: الْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهُمَا، وَأَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ صَالِحٌ وَالْآخَرُ لَا فَإِنَّهُ نَصٌّ عَلَى الْحِنْثِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ قَبْلَ الْأَمْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَبْلَ الْخِطْبَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَعَ بِأَنْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ ابْتِدَاءً بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ: تَزَوَّجْتُك بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ. وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ: لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَتَزَوَّجَ فُلَانَةَ لَا تَطْلُقُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَضْمُونُ الشَّرْطَيْنِ. رَجُلٌ لَهُ مُطَلَّقَةٌ فَقَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَتَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك مَا عِشْت فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَالطَّلَاقُ عَلَيَّ وَاجِبٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا يَقَعُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ بِالْيَمِينِ الْأُولَى وَتَقَعُ أُخْرَى عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ يَصْرِفُهَا إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، هَذَا فِي النَّوَازِلِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الثَّانِيَةَ تَعْلِيقُ إيجَابِ الطَّلَاقِ بِالتَّزْوِيجِ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِ نَفْسِ الطَّلَاقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى طَلَاقُ إحْدَاهُمَا يُصْرَفُ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى لَمَّا

فَيَصِحُّ يَمِينًا أَوْ إيقَاعًا (وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفَهُ إلَى مِلْكٍ) لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِيَكُونَ مُخِيفًا فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ وَالظُّهُورُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ سَبَبِهِ (فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْصَرَفَتْ إلَى الطَّلَاقِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ زن ويرا طَلَاق، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ عَلَى إحْدَاهُمَا انْتَهَى. وَفِي نَظَرِهِ نَظَرٌ. أَمَّا قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ إلَخْ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّنْجِيزَ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَاجِبٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَالْمَذْكُورُ فِي النَّوَازِلِ بِنَاءٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى طَلَاقُ إحْدَاهُمَا إلَخْ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ لَا بَدَلِيٌّ فَيَشْمَلُ الزَّوْجَتَيْنِ مَعًا فَقَدْ حَرَّمَهُمَا وَزْن ويرا طَلَاق لَيْسَ مِثْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ امْرَأَتُهُ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ فَإِلَيْهِ تَعْيِينُهَا وَإِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ سَاقَ الْمَهْرَ وَنَحْوَهُ لَا تَطْلُقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ بِهِ لِانْتِقَالِ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ يَمِينًا أَوْ إيقَاعًا) أَيْ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ يَمِينًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عِنْدَنَا فِي الْحَالِ، أَوْ إيقَاعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفُهُ إلَى مِلْكِهِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْوُجُودِ) أَيْ ظَاهِرًا وُجُودُهُ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْقُوَّةُ: أَيْ عَلَى الِامْتِنَاعِ هُنَا (قَوْلُهُ وَالظُّهُورُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ) لَفْظُ الظُّهُورِ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَذَا لَفْظُ ظَاهِرٍ الْمَذْكُورِ آنِفًا، وَمَا كَانَ ظَاهِرَ الْوُجُودِ فَتَعَلَّقَ الْإِدْرَاكُ بِهِ قَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الظُّهُورِ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ الْخَاصِّ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ حِينَ صَدَرَ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ إيقَاعًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَلَا يَمِينًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ حَامِلًا عَلَى الْبِرِّ لِإِخَافَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مُخِيفًا لِعَدَمِ ظُهُورِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْفِعْلِ لِعَدَمِ ظُهُورِ ثُبُوتِ الْمَحَلِّيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. لَا يُقَالُ: لَمْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى الْعَاقِبَةِ، إنْ تَزَوَّجَهَا ظَهَرَ كَوْنُهُ يَمِينًا وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ إلَى أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا. لِأَنَّا نَقُولُ: تَحَقُّقُ عَدَمِ الْيَمِينِ حَالَ صُدُورِهِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُخِيفًا فَلَمْ يَقَعْ يَمِينًا فَلَا تَتَحَقَّقُ يَمِينٌ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِلَفْظٍ آخَرَ، وَمَعْنَى الْإِخَافَةِ هُنَا إخَافَةُ لُزُومِ نِصْفِ الْمَهْرِ إنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فَيَجِبُ الْمَالُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ التَّزَوُّجِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا قَوْلَهُ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ فِيهِ وَلَا مَنْعَ بِإِخَافَةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ لَا لِلشَّاذِّ (قَوْلُهُ وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ) يَعْنِي التَّزَوُّجَ (بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ) وَقَالَ بِشْرُ الْمَرِيسِيِّ:

لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَضَافَهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عَقِيبَ سَبَبِهِ، فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ هُوَ ذَلِكَ السَّبَبَ اقْتَرَنَ الْمِلْكُ وَالْوُقُوعُ وَالطَّلَاقُ الْمُقَارِنُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ أَوْ لِزَوَالِهِ لَا يَقَعُ كَالطَّالِقِ مَعَ نِكَاحِك أَوْ مَعَ مَوْتِي، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَقَدَّمُ الْمِلْكَ. وَالْجَوَابُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ: حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُسَبَّبَ، فَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك إنْ مَلَكْتُك بِالتَّزَوُّجِ، لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ سَبَبِهِ يَنْبُو عَنْ هَذَا، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ بَيَانُ وَجْهِ التَّجَوُّزِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، بَلْ هُوَ فِي هَذَا الْقِنِّ مِنْ الْمُسَلَّمَاتِ وَكَانَ سَبَبُ عُدُولِ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ أَنَّهُمْ دَفَعُوا الْوَارِدَ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ لَا تَطْلُقُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ تَمَامَ الْكَلَامِ مُضْمَرًا تَصْحِيحًا، وَالتَّقْدِيرُ إنْ تَزَوَّجْتُك فَدَخَلْت حَتَّى يَصِحَّ وَيَقَعَ بِهِ كَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ الْيَمِينَ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ أَوْ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فَلَا يُحْتَالُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَهَذَا يُنَافِي ذَلِكَ الْجَوَابَ. وَيَكْفِي فِي جَوَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى وُرُودُ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالسَّبَبِ الْمُسَبَّبُ أَوْ حَقِيقَتُهُ، وَالْأَوَّلُ تَصْحِيحُ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْمَنْقُولِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَلَى الثَّانِي يَرِدُ مَا قَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُدْفَعَ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى تَحْقِيقِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ لِانْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ وَطَرِيقِ الْمَجَازِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْسُنُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ مُرَادٌ بِهَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ كَمَا أَجَابَ بِهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [فُرُوعٌ] . لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ نَكَحَهَا يُوقِعُهُ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالنِّكَاحِ وَذَكَرَ مَعَهُ وَقْتًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِهِ فِيهِ فَلَغَا ذِكْرُهُ الْوَقْتَ وَبَقِيَ التَّعْلِيقُ. وَقَالَا: لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمَلْفُوظِ عِنْدَ الشَّرْطِ. وَلَوْ قَالَ وَقْتَ النِّكَاحِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَك لَا تَطْلُقُ كَذَا هَذَا وَلَوْ قَالَ لِوَالِدَيْهِ: إنْ زَوَّجْتُمَانِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَزَوَّجَاهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْوَالِدَيْنِ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِأَجْنَبِيَّةِ: مَا دُمْت فِي نِكَاحِي فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا لَا تَطْلُقُ، أَمَّا إذَا قَالَ لَهَا: إنْ تَزَوَّجْتُك فَمَا دُمْت فِي نِكَاحِي فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا تَطْلُقُ. (قَوْلُهُ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَخْ) وَمَنْ جُمْلَتِهَا لَوْ وَمَنْ وَأَيُّ وَأَيَّانَ وَأَيْنَ وَأَنَّى وَجَمِيعُهَا تَجْزِمُ إلَّا لَوْ وَإِذَا،

كُلُّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِمَّا تَلِيهَا أَفْعَالٌ فَتَكُونُ عَلَامَاتٍ عَلَى الْحِنْثِ، ثُمَّ كَلِمَةُ إنْ حَرْفٌ لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا، وَكَلِمَةُ كُلٍّ لَيْسَتْ شَرْطًا حَقِيقَةً لِأَنَّ مَا يَلِيهَا اسْمٌ وَالشَّرْطُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَزَاءُ وَالْأَجْزِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالشَّرْطِ لِتَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ يُجْزَمُ بِهَا إذَا زِيدَ بَعْدَهَا مَا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْزَمُ بِإِذَا فِي الشِّعْرِ وَكَذَا بِلَوْ، قَالَ لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ) يَعْنِي مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْعَلَامَةِ وَهُوَ الشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ، قَالَ تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أَيْ عَلَامَاتُهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَادَّةِ وَلَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ لَفْظِ عَلَامَةٍ وَشَرْطٍ (قَوْلُهُ فَتَكُونُ عَلَامَاتٍ) أَيْ يَكُونُ وُجُودُ الْأَفْعَالِ عَلَامَاتٍ عَلَى الْحِنْثِ وَالْحِنْثُ هُوَ وُقُوعُ الْجَزَاءِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى أَلْفَاظِ الشَّرْطِ عَلَامَاتُ وُجُودِ الْجَزَاءِ: أَيْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالذَّاتِ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ وَلَفْظِ لَوْ أَيْضًا كَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُفَادُ بِهَا امْتِنَاعَ فِعْلِ الشَّرْطِ الْمُسْتَلْزِمِ لِامْتِنَاعِ الْجَوَابِ، نَحْوُ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُك فَيُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إذَا وُجِدَ اسْتَلْزَمَ وُجُودَ الْجَوَابِ، لِأَنَّ اللَّازِمَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَلْزُومِ، وَعَلَى هَذَا فَجَمِيعُ الْأَدَوَاتِ تُفِيدُ الْوُجُودَ لِلْوُجُودِ إلَّا أَنَّ لَمَّا كَانَتْ أَدْخَلَ حَيْثُ وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ وَفُرِغَ مِنْهُ خُصَّتْ بِقَوْلِنَا حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ، وَلَوْ وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ امْتِنَاعِ الْمَلْزُومِ وَدَلَّتْ عَلَى الْوُجُودِ لِلْوُجُودِ بِالِالْتِزَامِ فَخُصَّتْ بِحَرْفِ امْتِنَاعٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ يُنَافِيهِ: أَعْنِي التَّعْلِيقَ عَلَى مَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ تَحَقُّقَ عَدَمِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلِعَدَمِ حُصُولِهِ لَمْ تُذْكَرْ لَمَّا، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ كَمَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيَّ وَلَا الْمَشْهُورَ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَعَلَّقُ. وَفِي الْحَاوِي فِي فُرُوعِنَا: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ تَزَوَّجْتُك تَطْلُقُ إذَا تَزَوَّجَهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِنَا {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً} [النساء: 9] الْآيَةُ. فَذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إلَى تَجْوِيزِهِ، وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا لِلتَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي. وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَكَذَا لِعَدَمِ حُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِي التَّعْلِيقِ بِلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهَا وَذَكَرَ كُلًّا وَلَيْسَتْ شَرْطًا لِثُبُوتِ مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَهَا وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ صِفَةَ الِاسْمِ الَّذِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ. [فُرُوعٌ] . قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك أَوْ لَوْلَا أَبُوك أَوْ لَوْلَا مَهْرُك لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا فِي الْإِخْبَارِ بِأَنْ قَالَ: طَلَّقْت

الَّذِي يَلِيهَا مِثْلُ قَوْلِك كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَمْسِ لَوْلَا كَذَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَوْضِعَ وُجُوبِ الْفَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ التَّعْلِيقُ إلَّا بِهَا إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيَتَعَلَّقَ بِدُونِهَا عَلَى خِلَافِ فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ هُوَ الْجَوَابُ أَوْ يُضْمَرُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ وَالْمُتَقَدِّمُ دَلِيلُهُ. وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَنَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلَا عَلَيْهِ مِنْ اعْتِبَارِهِ الْجَوَابَ. فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ لِلْحَالِ، فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ دِينَ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُتَنَجَّزُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ فَتُضْمَرُ الْفَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا وَدُفِعَ بِمَا إذَا أَجَابَ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ يُتَنَجَّزُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ دِينَ. وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَة. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَلَوْ نَوَى تَقْدِيمَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قِيلَ: يَصِحُّ وَتُحْمَلُ الْوَاوُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ وَاوَ الِابْتِدَاءِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي أَوَّلِ كَلَامٍ وَمَوَاضِعُ الْفَاءِ جُمِعَتْ مَفَارِيدَ فِي بَيْتٍ هُوَ هَذَا: طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ... وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ وَأَحْبَبْت ذِكْرَ بَعْضِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَإِيضَاحَهُ لِيُفْهَمَ فَنَظَمْتُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ وَهِيَ هَذِهِ: تَعْلَمُ جَوَابَ الشَّرْطِ حَتْمَ قِرَانِهِ ... بِفَاءٍ إذَا مَا فِعْلُهُ طَلَبًا أَتَى كَذَا جَامِدًا أَوْ مُقْسَمًا كَانَ أَوْ بِقَدْ ... وَرُبَّ وَسِينٍ أَوْ بِسَوْفَ ادْرِ يَا فَتَى أَوْ اسْمِيَّةً أَوْ كَانَ مَنْفِيَّ مَا وَإِنْ ... وَلَنْ مَنْ يَحُدْ عَمَّا حَدَدْنَاهُ قَدْ عَتَا وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَأَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلَتْ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَتَنَجَّزُ لِأَنَّ الْفَاءَ فَاصِلَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَتَعَلَّقُ لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ تَعْلِيقٍ. وَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي حَذْفِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا، وَذِكْرُ الْوَاوِ مَعَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ التَّنْجِيزُ مُوجِبَ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّعْلِيقَ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ وَهُوَ عَدَمُ كَوْنِ التَّعْلِيقِ إذْ ذَاكَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْفَاءُ وَإِنْ كَانَ حَرْفَ تَعْلِيقٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُهُ إلَّا فِي مَحِلِّهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ هُنَا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَنَجَّزَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا لِأَنَّ ذِكْرَهُ بَيَانٌ لِإِرَادَتِهِ التَّعْلِيقَ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلَتْ تَنَجَّزَ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةُ الْمُعْتَبَرَةُ كَالشَّرْطِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ مِثْلُ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، أَمَّا فِي الْمُعَيَّنَةِ فَلَغْوٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ. وَقَدْ نَاظَرَ مُحَمَّدٌ الْكِسَائِيَّ فِي ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ فَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّهَا بِمَعْنَى إذَا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: 17] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 91] وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْلَى إذْ لَا أَصْلَ لِجَعْلِهَا كَإِذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَتَيْنِ مَا ذُكِرَ بَلْ التَّعْلِيلُ هُوَ الْمَعْنَى الظَّاهِرُ فِيهِمَا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِهِ عَاطِفَةٌ عَلَى شَرْطٍ هُوَ نَقِيضُ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، تَقْدِيرُهُ إنْ لَمْ تَدْخُلِي وَإِنْ دَخَلْت، وَإِنْ

(فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْحَلَّتْ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً، فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِهِ (إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] الْآيَةُ وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ. قَالَ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ هِيَ الْوَصْلِيَّةُ، وَيَقَعُ فِي الْحَالِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذْ دَخَلْت وَبِقَوْلِهِ اُدْخُلِي الدَّارَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْحَالَ شَرْطٌ مِثْلُ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ (قَوْلُهُ فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْحَلَّتْ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً، فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ) وَإِذَا تَمَّ وَقَعَ الْحِنْثُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا بِيَمِينٍ أُخْرَى أَوْ بِعُمُومِ تِلْكَ الْيَمِينِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَتَى: إنَّهَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ كَقَوْلِهِ: مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مَوْقِدٍ وَالْحَقُّ أَنَّهَا إنَّمَا تُفِيدُ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ بِمَعْنَى أَنَّ أَيَّ وَقْتٍ تَأْتِي تَجِدْ ذَلِكَ، فَفِي مَتَى خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، الْمُفَادُ أَنَّ أَيَّ وَقْتٍ تَحَقَّقَ فِيهِ الْخُرُوجُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَإِذَا تَحَقَّقَ فِي وَقْتٍ وَقَعَ، ثُمَّ لَا يَقَعُ بِخُرُوجٍ آخَرَ إلَّا لَوْ أَفَادَتْ التَّكْرَارَ، وَإِنْ مَعَ لَفْظِ أَبَدًا مُؤَدَّى لَفْظِ مَتَى بِانْفِرَادِهِ، فَإِذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَطَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ، كَذَا أَجَابَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ. وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَسَائِلِ مَا فِي الْغَايَةِ: مَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ: مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مِرَارًا طَلُقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ عُمُومُهُ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] أَفَادَ الْعُمُومَ، وَلِذَا تَكَرَّرَ الْجَزَاءُ عَلَى قَاتِلِ وَاحِدٍ، وَبِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْعُمُومَ فِي الْأَوَّلِ لِعُمُومِ الصَّيْدِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَعَمَّ لِذَلِكَ لَا لِمَا ذُكِرَ. وَعُمُومُ الثَّانِي بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ. قِيلَ وَالْأَوْلَى الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام: 68] الْآيَةُ حَيْثُ يَحْرُمُ الْقُعُودُ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَقَدْ أَفَادَتْ إذَا التَّكْرَارَ لِعُمُومِ الِاسْمِ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ فِعْلُ الشَّرْطِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعُمُومَ بِالْعِلَّةِ لَا بِالصِّيغَةِ فِيهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ: لَوْ قَالَ: أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ تَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ، وَاسْتُشْكِلَ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ) وَمِنْ لَطِيفِ مَسَائِلِهَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا: كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الثَّانِيَةِ اقْتَضَى تَكْرَارَ الْجَزَاءِ بِتَكَرُّرِ الْوُقُوعِ فَيَتَكَرَّرُ إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا، وَفِي الْأُولَى اقْتَضَى تَكَرُّرَهُ بِتَكَرُّرِ طَلَاقِهِ. وَلَا يُقَالُ: طَلَّقَهَا إذَا طَلُقَتْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ: إحْدَاهُمَا بِحُكْمِ الْإِيقَاعِ، وَالْأُخْرَى بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ. (قَوْلُهُ وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ) أَوْرَدَ فِي كُلِّ عُمُومٍ وَلَا تَكْرَارٌ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ فَطَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ

لِأَنَّ بِاسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ الْمَمْلُوكَاتِ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَمْ يَبْقَ الْجَزَاءُ وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِهِ وَبِالشَّرْطِ. وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزَوُّجِ وَذَلِكَ غَيْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَطْلُقُ، وَأَمَّا الْوُقُوعُ عَلَى امْرَأَةٍ أُخْرَى بِتَزَوُّجِهَا فَبِاعْتِبَارِ عُمُومِ الِاسْمِ وَلَمْ يَنْشَأْ مِنْ نَفْسِ الشَّرْطِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْمِيمُ الْأَفْعَالِ وَالتَّكْرَارُ مِنْ ضَرُورَتِهِ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ بِآحَادٍ مُتَعَدِّدَةٍ يَكُونُ بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ مِنْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَخَلْت عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ) أَبَدًا لِأَنَّ الشَّرْطَ مِلْكٌ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ، وَكُلَّمَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ تَبِعَهُ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَيَتْبَعُهُ جَزَاؤُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى: إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَيَّنَةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا، وَاسْتَوْضَحَهُ بِمَا إذَا قَالَ: كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا أَوْ رَكِبْت دَابَّةً لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ. وَحَقِيقَةُ الْبَحْثِ ادِّعَاؤُهُ اتِّحَادَ الْحَاصِلِ بَيْنَ كُلِّ وَكُلَّمَا إذَا نُسِبَ فِعْلُهَا إلَى مُنَكَّرٍ. فَإِنْ قُلْت: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَإِنَّ كُلًّا يَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ يَثْبُتُ ضَرُورَةً، وَكُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ فِي الْأَفْعَالِ وَعُمُومِ الْأَسْمَاءِ يَثْبُتُ ضَرُورَةً، فَإِذَا وُجِدَ فِي لَفْظِ كُلٍّ اسْمٌ وَاحِدٌ انْحَلَّتْ فِي حَقِّهِ وَلَا يَتَكَرَّرُ بِهِ نَفْسُهُ وَبَقِيَتْ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَفِي كُلَّمَا إذَا وُجِدَ فِعْلٌ انْحَلَّتْ بِاعْتِبَارِهِ وَبَقِيَتْ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُمَاثِلَةِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْأَوَّلُ أَوْ لَا. قُلْنَا: قَدْ اعْتَرَفْتُمْ بِثُبُوتِ عُمُومِ الْأَسْمَاءِ ضَرُورَةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى النَّظَرِ إلَى سَبَبِهِ، إذْ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْعُمُومُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ فَصَارَ الْحَاصِلُ كُلُّ تَزَوُّجٍ لِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَفِي مِثْلِهِ تَنْقَسِمُ الْآحَادُ عَلَى الْآحَادِ ظَاهِرًا عَلَى مَا قَرَّرُوا فِي رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ وَ {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح: 7] فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ فِي فِعْلٍ انْحَلَّتْ فِي اسْمِهِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَيُدْفَعُ بِأَنَّ

مَحْصُورٍ. قَالَ (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ) (لَا يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَبَقِيَ وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَبَقِيَ الْيَمِينُ (ثُمَّ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ) لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ لِمَا قُلْنَا (وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَزَوَالَ الْمِلْكِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ (فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مِثْلُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ عِنْدَ التَّسَاوِي وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ دَائِرَةَ عُمُومِ الْأَفْعَالِ أَوْسَعُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَفْرَادِهِ مَا يَتَحَقَّقُ بِالتَّكْرَارِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَقَدْ فُرِضَ عُمُومُهُ بِكُلَّمَا فَلَا يُعْتَبَرُ كُلُّ اسْمٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (قَوْلُهُ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِمَا إذَا زَالَ الْمِلْكُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ، أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ فَدَخَلَتْ لَا تَطْلُقُ عَلَى مَا سَيَأْتِي. ثُمَّ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ إلَى آخِرِ مَا فِي الْكِتَابِ، هَذَا وَكَمَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ خِلَافًا لَزُفَرَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ لَحَاقِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقُ خِلَافًا لَهُمَا. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَاءَ تَائِبًا مُسْلِمًا فَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا يَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ عِنْدَهُ وَيَنْقُصُ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: لَمْ أَدْخُلْ وَقَالَ: دَخَلْت فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَمَسِّكَةً بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: لَمْ يُجَامِعْنِي وَقَالَ: فَعَلْت فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ أَنَّهَا مُتَمَسِّكَةٌ بِظَاهِرَيْنِ عَدَمِ الْجِمَاعِ وَحُرْمَتِهِ فِي الْحَيْضِ الدَّاعِيَةِ إلَى عَدَمِهِ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ وَاسْتَحْضَرَ هُنَا مَا فِي النِّكَاحِ. لَوْ قَالَ: بَلَغَك الْخَبَرُ فَسَكَتَ وَقَالَتْ: رَدَدْت الْقَوْلُ قَوْلُهُ، خِلَافًا لِزُفَرَ لِهَذَا أَيْضًا فَهَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَهِيَ فِي طُهْرٍ خَالٍ عَنْ الْجِمَاعِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ: جَامَعْتُك فِي حَيْضَتِك فَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حُكْمٍ وَاقِعٍ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ طَلَاقِ السُّنَّةِ بِالْفَرْضِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا) عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ رَحِمَهُمْ

يَقُولَ: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ: قَدْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) وَوَقَعَ الطَّلَاقُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا تُصَدَّقُ كَمَا فِي الدُّخُولِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ تَعَالَى. وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يَقَعُ وَتَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ بِإِدْخَالِ قُطْنَةٍ فِي فَرْجِهَا فِي زَمَانِ قَالَتْ ذَلِكَ. وَدُفِعَ بِأَنَّهَا أَمِينَةٌ مَأْمُورَةٌ بِإِظْهَارِ مَا فِي رَحِمِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] تَحْرِيمُ كِتْمَانِهَا أَمْرٌ بِالْإِظْهَارِ. وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالْإِظْهَارِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الْمُظْهِرِ، وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِهِ مَعَ أَنَّ إدْخَالَ الْقُطْنَةِ لَا يُوصِلُ إلَى عِلْمٍ وَلَا ظَنٍّ لِجَوَازِ أَخْذِ دَمٍ مِنْ الْخَارِجِ تَحَمَّلَتْ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) هَذَا إذَا كَذَّبَهَا، أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا، وَكَذَا فِي جَمِيعِ نَظَائِرِهِ (قَوْلُهُ كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ) أَيْ انْقِضَائِهَا، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ لَمْ يُرَاجِعْهَا فَقَالَتْ لَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ صِدْقَهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي انْقَطَعَ حَقُّ الرَّجْعَةِ، أَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ: انْقَضَتْ عِدَّتِي مِنْ فُلَانٍ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ جَازَ لَهُ تَزَوُّجُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا (وَالْغَشَيَانُ) أَيْ حِلُّ الْوَطْءِ وَحُرْمَتُهُ، فَلَوْ قَالَتْ: أَنَا حَائِضٌ حَرُمَ أَوْ طَاهِرٌ حَلَّ، أَوْ قَالَتْ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا: تَزَوَّجْت بِثَانٍ وَغَشِيَنِي حَلَّتْ لَهُ. لَا يُقَالُ: إمَّا أَنْ تَكُونَ حَاضَتْ أَوْ لَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي حَقِّهَا شَرْعًا الْإِخْبَارُ بِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَفِي حَقِّ ضَرَّتِهَا حَقِيقَتُهُ وَشَهَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ فَرْدٍ وَإِخْبَارُهَا بِهِ لَا يَسْرِي فِي حَقِّهَا مَعَ التَّكْذِيبِ، وَلَا بَعْدُ فِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ، كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى نَصِيبِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَاقُونَ، وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِمُسْتَحِقٍّ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، هَذَا وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِالْحَيْضِ وَهُوَ قَائِمٌ، أَمَّا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يَقَعُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ، وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ، وَهَذَا لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا: حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا، فَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ

(وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّهُ) أَوْ قَالَ: (إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ: أُحِبُّك) (طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَا تَطْلُقُ صَاحِبَتُهَا) لِمَا قُلْنَا، وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخْلِيصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ ذَلِكَ فَقُلْنَ: حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ فَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ. وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَطْلُقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ. وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ حَيْضَ الْكُلِّ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ عَلَيْهِنَّ فَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَحِضْنَ جَمِيعًا، وَإِنْ حَاضَ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَلَا يَثْبُتُ، وَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا: حِضْنَا لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ وَكَذَّبَ الْبَعْضَ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا وَلَا تَطْلُقُ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي الْغَيْرِ، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الشَّرْطِ فَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدَّقَ مَنْ سِوَاهَا جَمِيعًا. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ، إلَى قَوْلِهِ: لِمَا بَيَّنَّا) يُرِيدُ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ نُزُولُ الْجَزَاءِ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهَا بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ صِدْقِهَا، فَأُمِنَا هُنَا فَكَذِبُهَا مُتَيَقَّنٌ فَكَيْفَ نَحْكُمُ بِالْجَزَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. أَجَابَ بِمَنْعِ تَيَقُّنِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَعَدَمُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ إلَى دَرَجَةٍ يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ تَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا مَعَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الذَّوْقِ لِلْعَذَابِ فِي الْحَالِ عَلَى تَمَنِّي الْخَلَاصِ مِنْهُ بِالْعَذَابِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: أُحِبُّك كَاذِبَةً طَلُقَتْ قَضَاءً وَدَيَّانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ فَذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إنْ صَدَقَتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخُلُقِيَّةَ. قُلْنَا: بَلْ عَدَمُ إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا أَوْجَبَ النَّقْلَ إلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا فَاسْتَوَى التَّقْيِيدُ وَعَدَمُهُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ: لَسْت أُحِبُّهُ كَاذِبًا فَهِيَ امْرَأَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَاسْتَشْكَلَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي قَلْبِهَا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِ نَفْسِهِ، لَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا إذْ الْقَلْبُ مُتَقَلِّبٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ، فَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ مُتَعَذِّرٌ، وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأُمُورِ

وَفِي حَقِّهَا إنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِإِخْبَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَفِي حَقِّ غَيْرِهَا بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى الْأَصْلِ وَهِيَ الْمَحَبَّةُ (وَإِذَا قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا (فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ) لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا) لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلَةُ مِنْهَا، وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرَةِ لَا الْخَفِيَّةِ، كَالرُّخْصَةِ بِالسَّفَرِ وَالْحَدَثِ بِالنَّوْمِ وَالْجَنَابَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَلْبِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ إنَّمَا يُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِالْحَيْضِ فِي أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا، حَتَّى لَوْ قَامَتْ وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْحَيْضِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، وَلَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً. [فُرُوعٌ] . فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ السَّبِّ نَحْوُ قَرْطَبَانِ وَسَفَلَةٍ فَقَالَ: إنْ كُنْت كَمَا قُلْت: فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا آذَتْهُ. وَقَالَ الْإِسْكَافُ فِيمَنْ قَالَتْ: يَا قَرْطَبَانُ فَقَالَ زَوْجُهَا: إنْ كُنْت أَنَا قَرْطَبَانِ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ) وَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُعَيِّنَ ذَلِكَ فَيَقُولَ طَلُقَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ هَذَا الِاسْتِنَادِ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقًا فَجَنَى الْعَبْدُ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَمِرَّ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ، وَلَا تُحْسَبُ هَذِهِ الْحَيْضَةُ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ الشَّرْطُ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ حَيْضِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ) أَيْ يُحْكَمَ بِطُهْرِهَا عَنْ هَذَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ حِضْت حَيْثُ لَا يَكُونُ الْأَوَّلُ بِدْعِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ فِي الطُّهْرِ بِخِلَافِ الثَّانِي، ثُمَّ إنَّمَا يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا فَيَقَعُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِالِاغْتِسَالِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ صَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَأَمَّا بِالْعَشَرَةِ فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلَةُ) عَنْ هَذَا لَوْ قَالَ نِصْفَ حَيْضَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا فِي حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْكَامِلِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي قَوْلِهِ تَطْلُقُ بِحَيْضِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلتَّيَقُّنِ بِالنِّصْفِ. قُلْنَا: هَذَا نِصْفُ أَقْصَى مُدَّتِهِ لَا نِصْفُ الدُّرُورِ، وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَطْهُرْ ثُمَّ تَحِضْ. وَإِذَا قَالَ لِطَاهِرَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَهُرْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَقْتَضِي شَرْطًا مُسْتَقْبَلًا وَهَذَا الْحَيْضُ قَدْ مَضَى بَعْضُهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، وَمَا مَضَى لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْيَمِينِ وَالْبَاقِي تَبَعٌ لِلْمَاضِي فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْيَمِينُ كَمَا لَا يَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ، بِخِلَافِ

(وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبَ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ) لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْت لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ تَطْلِيقَةٌ، وَفِي التَّنَزُّهِ تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ) لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا تَقَعُ أُخْرَى بِهِ لِأَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِذًا فِي حَالٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِي حَالٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا، وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي حَيْضَةً بِشَهْرٍ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا حَاضَتْ فَلَا يُنْتَظَرُ الطُّهْرُ، وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إذَا صُمْت لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ) إذْ لَمْ يَقُلْ إذَا صُمْت يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بَرَكَتُهُ وَشَرْطُهُ بِإِمْسَاكِ سَاعَةٍ فَيَقَعُ بِهِ وَإِنْ قَطَعَتْهُ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا صُمْت فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ كَمَالَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّرَهُ بِمِعْيَارٍ كَإِذَا صُمْت يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي صَامَتْ فِيهِ. وَنَظِيرُ إذَا صُمْت يَوْمًا إذَا صُمْت صَوْمًا لَا يَقَعُ إلَّا بِتَمَامِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِعْيَارٍ، وَإِذَا صَلَّيْت صَلَاةً يَقَعُ بِرَكْعَتَيْنِ، وَفِي إذَا صَلَّيْت يَقَعُ بِرَكْعَةٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِالسَّابِقِ وَلَا يَقَعُ بِاللَّاحِقِ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَتَقْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحٌ مِنْ الْكِتَابِ. وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِاحْتِمَالِ الْخُرُوجِ مَعًا. قِيلَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ وِلَادَتَهُمَا مَعًا وَقَعَ الثَّلَاثُ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ. وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَوَّلَهُمْ وَقَعَ ثِنْتَانِ فِي الْقَضَاءِ وَثَلَاثٌ فِي التَّنَزُّهِ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِهِ وَثِنْتَيْنِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا بَقِيَ فِي الْبَطْنِ وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ آخِرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالْجَارِيَةِ انْحَلَّتْ بِالْأُولَى، وَلَا يَقَعُ بِالْغُلَامِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَالَ

(وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبَانَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَلَّمَتْ أَبَا عَمْرٍو ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَكَلَّمَتْ أَبَا يُوسُفَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَعَ الْوَاحِدَةِ الْأُولَى) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَقَعُ، وَهَذِهِ عَلَى وُجُوهٍ: (أَمَّا إنْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي الْمِلْكِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهَذَا ظَاهِرٌ، أَوْ وُجِدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ، أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ أَيْضًا لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ) أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةُ. لَهُ اعْتِبَارُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي إذْ هُمَا فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ. وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ، إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَةُ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتُرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثِنْتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِالْأَقَلِّ قَضَاءً وَبِالْأَكْثَرِ تَنَزُّهًا. وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَفِي التَّنَزُّهِ ثَلَاثٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْغُلَامَانِ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِأَوَّلِهِمَا وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَلَا بِالْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا وَقَعَ ثِنْتَانِ بِهَا وَوَاحِدَةً بِالْغُلَامِ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ. وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَطَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ حَمْلَك اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّهُ، فَمَا لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ جَارِيَةً أَوْ غُلَامًا لَا يَقَعُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ. وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَالْبَاقِي بِحَالِهِ وَقَعَ الثَّلَاثُ. وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ قَالَ: إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَطَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ) حَاصِلُ مَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الشَّرْطَ فِعْلًا مُتَعَلِّقًا بِشَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ اُشْتُرِطَ لِلْوُقُوعِ قِيَامُ الْمِلْك عِنْدَ آخِرِهِمَا عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَقِيَاسُهُ فِيمَا إذَا كَانَ فِعْلًا قَائِمًا بِاثْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَائِمٌ بِهِمَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مِثْلُ إنْ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الشَّرْطَ مَجِيئُهُمَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَجِيءَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ، وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ تَعَدُّدَهُ بِتَعَدُّدِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْفِعْلِ هُنَا بَلْ فِي مُتَعَلَّقِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدُهُ تَعَدُّدَهُ، فَإِنَّهَا لَوْ كَلَّمَتْهُمَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَغَايَتُهُ تَعَدُّدٌ بِالْقُوَّةِ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ اعْتِبَارُ الْأَوْلَى مِنْ الْوَصْفَيْنِ بِالثَّانِي فِي وُجُوبِ قِيَامِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ إذْ هُمَا فِي حُكْمِ هَذَا الطَّلَاقِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ) وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ الْأَهْلِيَّةِ: قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ، وَكَوْنُ الشَّرْطِ الْمِلْكَ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ

لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَتَصِحُّ الْيَمِينُ وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَوَّلِ غَالِبَ الْوُجُودِ بِتَقْدِيرِ الشَّرْطِ نَظَرًا إلَى ظُهُورِ الِاسْتِصْحَابِ وَمُتَيَقَّنُهُ فِي الثَّانِي، فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْإِخَافَةُ الْحَامِلَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ الْفِعْلِ، فَإِذَا تَمَّتْ لَا يُحْتَاجُ فِي بَقَائِهَا إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ حَقِيقَتِهَا بِقِيَامِ الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِوُقُوعِ الْحِنْثِ وَالْحِنْثُ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الْأَخِيرِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ إلَّا عِنْدَهُ، وَهَذَا مَا وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ. وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فَتَحَقُّقُهُمَا حَقِيقَةً بِتَكْرَارِ أَدَاتِهِمَا وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ بِوَاوٍ وَبِغَيْرِهِ، أَمَّا الثَّانِي فَكَقَوْلِهِ إنْ أَكَلْت إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَلْبَسْ ثُمَّ تَأْكُلْ فَتَقَدَّمَ الْمُؤَخَّرُ وَهَذَا الَّذِي سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ. وَصُورَتُهُ فِي الْجَامِعِ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَاسْتَغْنَى عَنْ اللِّقَاءِ بِتَقْدِيمِ الْجَزَاءِ، فَالْكَلَامُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَالتَّزَوُّجُ شَرْطُ الِانْحِلَالِ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] الْمَعْنَى: إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وقَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] فَالْجَوَابُ أَحْلَلْنَا لَك امْرَأَةً مُؤْمِنَةً بَعْدَ هِبَتِهَا نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ؛ فَالْمَعْنَى: إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَنْكِحَ مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ أَحْلَلْنَاهَا. قِيلَ وَيَحْتَمِلُ تَأَخُّرَ إرَادَتِهِ لِأَنَّهَا كَالْقَبُولِ، فَالْمَعْنَى: إنْ وَهَبَتْ مُؤْمِنَةٌ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ فَإِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ: أَيْ قَبْلَ أَحْلَلْنَاهَا. وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَأَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْكَلَامُ فِي مُوجِبِ اللَّفْظِ وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي مَعَ مَا بَعْدَهُ هُوَ الْجَزَاءُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ وَنِيَّةُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَخَفُّ مِنْ إضْمَارِ الْحَرْفِ لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِلْمَنْطُوقِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ فَكَانَ قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ لَبِسْت فَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ لُزُومِ التَّنْجِيزِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ. وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ لُزُومِ إضْمَارِ الْفَاءِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْكَسَ التَّرْتِيبُ. وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْطَ الِانْحِلَالِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعِدُهَا ثُمَّ يُعْطِيهَا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ سَأَلْتَنِي إنْ وَعَدْتُك إنْ أَعْطَيْتُك، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا، فَإِنْ كَانَ بِإِنْ تَطْلُقَ لِوُجُودِهِمَا كَيْفَ كَانَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي ذَلِكَ " إذَا " لَا " إنْ ". وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ ذَكَرَ بِكَلِمَةِ إنْ أَوْ مَتَى فَأَيُّهُمَا قَدِمَ أَوَّلًا يَقَعُ الطَّلَاقُ

الْحَالُ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: هِيَ طَالِقٌ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَتَعُودُ إلَيْهِ مَا بَقِيَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُنْتَظَرُ قُدُومُ الْآخَرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ يَمِينٌ تَامٌّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي لَا جَزَاءَ لَهُ، فَإِذَا عُطِفَ عَلَى شَرْطٍ تَعَلَّقَ بِهِ جَزَاؤُهُ: أَيْ تَعَلَّقَ جَزَاؤُهُ بِعَيْنِهِ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ، فَلِذَا لَوْ قَدِمَا مَعًا لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلَاقٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا إذَا خَلَّلَ الْجَزَاءَ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ فَقَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَيُّهُمَا سَبَقَ وَقَعَ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ تَطْلِيقَةٌ فَتَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ فَقَالَ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ حَتَّى يَقْدُمَا لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا مَحْضًا عَلَى شَرْطٍ لَا حُكْمَ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَصَارَ شَرْطًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِأَوَّلِهِمَا صَارَ عَطْفًا عَلَى الْيَمِينِ كَالْأَوَّلِ لَا عَلَى الشَّرْطِ فَقَطْ، فَإِنْ نَوَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِنِيَّةِ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا عَطَفَ بِلَا أَدَاةِ شَرْطٍ كَانَ الْمَجْمُوعُ شَرْطًا وَاحِدًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ نَوَى إضْمَارًا كَلِمَةَ الشَّرْطِ، كَذَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ. [تَنْبِيهٌ] يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ الِاتِّصَالُ كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَعُرُوضُ اللَّغْوِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَزَاءِ فَاصِلٌ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ. وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَغْوٌ كَقَوْلِهِ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ، بِخِلَافِ وَحُرٌّ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِلَفْظِهِ لَا يَكُونُ بِالْوَاوِ، فَإِنَّمَا يُشَاكِلُهُ حُرٌّ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا يُعْتَقُ فِيهِ. وَأَجْمَعُوا أَنَّ السُّكُوتَ وَالْعَطْفَ لَا يَمْنَعَانِ الْعَطْفَ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ غَيْرُ مُغَيِّرٍ بَلْ مُقَرَّرٌ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا تَعَقَّبَ الشَّرْطُ أَجْزِيَةً لَيْسَتْ أَيْمَانًا تَامَّةً ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبِ قَيْدِ الْكُلِّ. وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا يَتَعَلَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ، وَعَنْ هَذَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا إنْ دَخَلَتْ صَحَّ التَّعْلِيقُ فَيَتَعَلَّقُ الثَّلَاثُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ إلَخْ) فَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ لِلِاتِّفَاقِ فِيهَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ وَاحِدَةٌ بِهَا يَكْمُلُ الثَّلَاثُ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ بِوَاسِطَةِ مِلْكِهِ ثِنْتَيْنِ بِالْهَدْمِ مَعَ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَجَزَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً، وَعِنْدَهُمَا لَا إذْ يَمْلِكُ بَعْدَ

وَسَنُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعْت إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ ثَلَاثٌ مُطْلَقٌ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَقَدْ بَقِيَ حَتَّى وُقُوعِهَا فَتَبْقَى الْيَمِينُ. وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُقُوعِ ثِنْتَيْنِ (قَوْلُهُ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ) وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ غَالِبَ الْوُقُوعِ لِتَحَقُّقِ الْإِخَافَةِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ عَدَمُ الْعَوْدِ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ بِهِ عَدَمُ فِرَاقِهَا وَعَوْدُهَا إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْقَدُ لِلْعُمْرِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ مُرَادًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِهِ فَتَقَيَّدَ الْإِطْلَاقُ بِهِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ: أَعْنِي إرَادَةَ الْيَمِينِ. وَأَيْضًا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ خَرَجَتْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لَهُ، وَإِنَّمَا تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بَعْدَ الثَّانِي فَصَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بِالْإِسْلَامِ، وَبُطْلَانُ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوْتِ مَحِلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَتْ

(وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا فَلَمَّا الْتَقَى الْخِتَانَانِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمَهْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِوُجُودِ الْجِمَاعِ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلِاتِّحَادِ) وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَلَا دَوَامَ لِلْإِدْخَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْإِدْخَالُ بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ إذْ الْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِاللَّبَاثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQحَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا لَا يَقَعُ الْيَمِينُ فَهَذَا كَذَلِكَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ حَيْثُ يُعْتَقُ لِأَنَّ مَحَلِّيَّتَهُ بِالرِّقِّ وَلَمْ تَزُلْ بِالْبَيْعِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ حَيْثُ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ، خِلَافًا لِزُفَرَ حَيْثُ يُوقِعُ الْوَاحِدَةَ الْبَاقِيَةَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَفَادَ حِلًّا جَدِيدًا بِمِلْكٍ جَدِيدٍ يَمْلِكُ بِهِ الثَّلَاثَ لِأَنَّ عَدَمَ بَقَاءِ الْيَمِينِ بِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَلَمْ تَزُلْ بِالطَّلْقَتَيْنِ فَكَانَتْ بَاقِيَةً حَالَ عَوْدِهَا إلَيْهِ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةٌ كَقَوْلِ زُفَرَ لِقَوْلِهِمْ الْمُعَلَّقُ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةٌ فَكَانَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثُ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا، فَإِذَا زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، فَإِذَا نَجَزَ ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَدَخَلَتْ حَيْثُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ، إلَّا أَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ شَرْطِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَتَحْرِيمُ الْحِلِّ، وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الطَّلَقَاتِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا فَلَمَّا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَقَعَ الثَّلَاثُ) ثُمَّ لَمْ يُخْرِجْهُ فِي الْحَالِ بَلْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ: أَيْ الْعُقْرُ بِهَذَا اللُّبْثِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا جَامَعْتُك) فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَتَقَتْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا مَكَثَ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرٌ لَهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعُقْرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ بِالدَّوَامِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالْحُرِّيَّةِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَبَقِيَ الْعُقْرُ (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْجَامِعَ الْإِدْخَالُ وَلَيْسَ لَهُ دَوَامٌ) حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْإِدْخَالُ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَجِبْ لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ: أَيْ فِيهِ شُبْهَةُ أَنَّهُ جِمَاعٌ

[فصل في الاستثناء]

لِوُجُودِ الْمِسَاسِ، وَلَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ صَارَ مُرَاجِعًا بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٌ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ آخِرُهُ مُوجِبًا لَهُ، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ. وَإِذَا امْتَنَعَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْبَضْعِ الْمُحْتَرَمِ لَا يَخْلُو عَنْ حَدٍّ زَاجِرٍ أَوْ مَهْرٍ جَابِرٍ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجْعِيًّا يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِاللَّبَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ بِتَعَرُّضِ لِلْبَضْعِ عَلَى مَا مَرَّ فَلَمْ يُوجَبْ سَبَبٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلرَّجْعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِالْإِجْمَاعِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْإِدْخَالَ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ] وَهُوَ بَيَانٌ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَمْ يَرِدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ حَدًّا اسْمِيًّا لِمَفْهُومِ لَفْظِ اسْتِثْنَاءٍ اصْطِلَاحًا عَلَى أَنَّهُ مُتَوَاطِئٌ، وَعَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْإِخْرَاجِ لِبَعْضِ الْجِنْسِ مِنْ الْحُكْمِ مَجَازٌ فِيهِ لِبَعْضِ غَيْرِهِ، يُرَادُ الْكَائِنُ بَعْضُ الْجِنْسِ فِي الْمُتَّصِلِ وَيُقَيَّدُ بِغَيْرِهِ فِي الْمُنْقَطِعِ. وَالْأَوْجَهُ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ إلَّا حَقِيقَةٌ فِي الْإِخْرَاجِ لِبَعْضِ الْجِنْسِ مِنْ الْحُكْمِ فَقَطْ، وَفِيهِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ أَيْضًا بِالتَّوَاطُؤِ وَالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّهُ أَفْيَدُ، بِخِلَافِ مَعْنَى لَفْظِ اسْتِثْنَاءٍ فَإِنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَأُلْحِقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالتَّعْلِيقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنْعِ الْكَلَامِ مِنْ إثْبَاتِ مُوجَبِهِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ الْكُلَّ وَالِاسْتِثْنَاءَ الْبَعْضَ، وَقَدَّمَ مَسْأَلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لِمُشَابَهَتِهَا الشَّرْطَ فِي مَنْعِ الْكُلِّ، وَذَكَرَ أَدَاةَ التَّعْلِيقِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَهْيَعَةٍ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لَا إلَى غَايَةٍ، وَالشَّرْطُ مَنْعٌ إلَى غَايَةِ تَحَقُّقِهِ كَمَا يُفِيدُهُ: أُكْرِمُ بَنِي تَمِيمٍ إنْ دَخَلُوا، وَلِذَا لَمْ يُورِدْهُ فِي بَحْثِ التَّعْلِيقَاتِ، وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ اسْمٌ تَوْقِيفِيٌّ، قَالَ تَعَالَى {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18]

(وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لَمْ يَقُولُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلِلْمُشَارَكَةِ فِي الِاسْمِ أَيْضًا اُتُّجِهَ ذِكْرُهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي صِيَغِ الْإِخْبَارِ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءَ إيجَابٍ لَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. لَوْ قَالَ: أَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَهُمْ عِتْقُهُ. وَلَوْ قَالَ: بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ لِلْمَأْمُورِ بَيْعُهُ. قِيلَ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَقَعُ مُلْزِمًا فَيَحْتَاجُ إلَى إبْطَالِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَذَكَرَهُ لَيْسَ إلَّا ذَلِكَ، وَالْأَمْرُ لَا يَقَعُ مُلْزِمًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى عَزْلِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِيَجِبَ اعْتِبَارُ صِحَّتِهِ. وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ: كُلُّ مَا يَخْتَصُّ بِاللِّسَانِ يُبْطِلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالصَّوْمِ لَا يَرْفَعُهُ لَوْ قَالَ: نَوَيْت صَوْمَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ أَدَاؤُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، وَهَلْ الشَّرْطُ فِي صِحَّتِهِ تَصْحِيحُ حُرُوفِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوْ أَنْ يَسْمَعَهُ؟ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَخْ) وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ فِيمَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْحَائِطُ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوقَفْ لَهُ عَلَى مَشِيئَةٍ لَمْ يَقَعْ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، حَتَّى لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَقَعُ. وَحُكِيَ عِنْدَنَا فِيهِ خِلَافٌ قَالَ خَلْفٌ: يَقَعُ، وَقَالَ أَسَدٌ لَا يَقَعُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ طَلَاقًا، وَقَالَ: رَأَيْت أَبَا يُوسُفَ فِي النَّوْمِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَا يَقَعُ، فَقُلْت لِمَ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَكَانَ يَقَعُ؟ قُلْت: لَا، قَالَ كَذَا هَذَا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَصَارَ كَسُكُوتِ الْبِكْرِ إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَلَا تَدْرِي أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا يَمْضِي بِهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا. وَفِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي النِّيَّةِ. قِيلَ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ قَبْلَ فَرَاغِهِ، وَقِيلَ: وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَقِيلَ: وَلَوْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْكَلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهَا بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ مَا فِيهِ مَوْصُولًا اسْمِيًّا فَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِأَنَّ الْغَيْبَ هُوَ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْوَاقِعِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَلَا شَكَّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْمَذْكُورُ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ، وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهَا حَرْفِيًّا: أَيْ مُدَّةَ مَشِيئَةِ اللَّهِ فَلَا تَطْلُقُ، فَالْحُكْمُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ بَعْدَ ظُهُورِهِ بِالْمُنَجَّزِ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُقُوعِ مَعَ الْمَشِيئَةِ إذَا كَانَ الْأَظْهَرُ كَوْنُهَا الْمَصْدَرِيَّةِ الظَّرْفِيَّةِ لِيَتَرَجَّحَ تَعْلِيقُهُ بِالْمَشِيئَةِ، لَكِنْ الثَّابِتَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا مَوْصُولًا اسْمِيًّا، ثُمَّ لَا يَقَعُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً إذَا قُلْنَا بِتَسَاوِي اسْتِعْمَالَيْهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ الظَّرْفَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ وَعَلِمْت أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ مَجْلِسُ عِلْمِهِ، فَإِنْ شَاءَ فِيهِ طَلُقَتْ وَإِلَّا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ، وَكَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ أَوْ يُرِيدُ أَوْ يَجِبُ أَوْ يَرْضَى أَوْ يَهْوَى أَوْ يَرَى أَوْ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ تَقَيَّدَ بِمَجْلِسِ الْعِلْمِ، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إخْبَارُ فُلَانٍ بِلِسَانِهِ لَا مَشِيئَتِهِ وَرِضَاهُ بِقَلْبِهِ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ وَأَخَوَاتِهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ، وَلَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْعِبَارَةُ فَيُقَامُ مَقَامَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَكَذَا إذَا أَضَافَ الْمَشِيئَةَ وَالثَّلَاثَةَ بَعْدَهَا إلَيْهِ تَعَالَى بِالْبَاءِ فَقَالَ: طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، إذْ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ، وَالْكَائِنُ فِي التَّعْلِيقِ إلْصَاقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَإِنْ أَضَافَ الْأَرْبَعَةَ وَمَا بَعْدَهَا بِالْبَاءِ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا، وَإِنْ قَالَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِحُكْمِهِ أَوْ بِقَضَائِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِعِلْمِهِ أَوْ بِقُدْرَتِهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَيْهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي مِثْلِهِ التَّنْجِيزُ عُرْفًا، وَإِنْ قَالَ بِحَرْفِ اللَّامِ يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا بِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلِّهَا، سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْإِيقَاعِ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ. وَإِنْ قَالَ بِحَرْفِ " فِي " إنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ وَاقِعٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَلَا يَلْزَمُ الْقُدْرَةُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا هُنَا التَّقْدِيرُ، وَقَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْكَافِي. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُرَادَ الْعِلْمُ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَإِذَا كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهَا طَالِقٌ فَهُوَ فَرْعٌ تَحَقَّقَ طَلَاقًا، وَكَذَا نَقُولُ الْقُدْرَةُ عَلَى مَفْهُومِهَا وَلَا يَقَعُ، لِأَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَيْ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعُهُ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبْقَ تَحَقُّقِهِ. يُقَالُ لِلْفَاسِدِ الْحَالِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقُهُ فِي الْحَالِ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْعَبْدِ بِفِي كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ وَمَا بِمَعْنَاهَا مِنْ الْهَوَى وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ الْأَوَاخِرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْجِيزِ بِقَوْلِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي إرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ فَيَلْزَمُ الْوُقُوعُ، بِخِلَافِ تَوْجِيهِنَا. وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ وَثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَحِقَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَبَطَلَ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَشَاءَ اللَّهُ فَيُعْدَمُ الشَّرْطُ فَلَمْ يَقَعْ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ؛ وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَاحِدَةً الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَثِنْتَيْنِ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا وَقَعَ ثِنْتَانِ، لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَاحِدَةَ فِي الْيَوْمِ لَطَلَّقَهَا فِيهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ الْوَاحِدَةَ فَتَحَقَّقَ شَرْطُ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى الْوَاحِدَةَ بِخِلَافِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ فِيهَا عَدَمُ مَشِيئَتِهَا فَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهَا مَعَ عَدَمِ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمَسْأَلَتَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي النَّوَازِلِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ: طَالِقٌ الْيَوْمَ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فِي الْيَوْمِ فَطَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ. وَقَالَ: لَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْيَوْمِ فِي الْيَمِينَيْنِ فَهُوَ إلَى الْمَوْتِ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ ثَلَاثًا بِلَا فَصْلٍ، وَقَدْ ظَنَّ أَنَّهُ مُخَالِفُ مَسْأَلَةِ النَّوَازِلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُنْتَقَى تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّطْلِيقَتَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، إذْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى التَّطْلِيقَتَيْنِ لِأَوْقَعَهُمَا الزَّوْجُ. وَفِي مَسْأَلَةِ النَّوَازِلِ تَعْلِيقُ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ إيَّاهُمَا فَلَا يَقَعَانِ أَبَدًا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ» إلَخْ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ مَرْوِيٌّ. أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» لَفْظُ النَّسَائِيّ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنَ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: كَانَ أَيُّوبُ أَحْيَانًا يَرْفَعُهُ وَأَحْيَانًا لَا يَرْفَعُهُ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الرَّفْعِ لِمَا قَدَّمْنَا فِي نَظَائِرِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ تَعَارُضِ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَعَ لَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ الْمُورَدِ فِي الْيَمِينِ لَا يَتِمُّ فِي مُجَرَّدِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْكَعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ لِغُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ»

وَلِأَنَّهُ أَتَى بِصُورَةٍ الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّهُ إعْدَامٌ قَبْلَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ هَاهُنَا فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الشُّرُوطِ (وَلَوْ سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِسْحَاقَ، هَذَا نُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَلَمْ يُعْلَمْ تَوْثِيقُهُ عَنْ غَيْرِهِمَا. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ» ضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِحُمَيْدٍ، وَتَعَدُّدُ طُرُقِ الضَّعِيفِ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُهُ إلَى الْحَسَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعْفُهُ بِالْوَضْعِ، لَكِنْ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّعَدُّدِ لَا يَكْفِي (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِصُورَةِ الشَّرْطِ) أَيْ بِحَرْفِهِ دُونَ حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا ثَابِتَةٌ قَطْعًا أَوْ مُنْتَفِيَةٌ قَطْعًا فَلَا تَرَدُّدَ فِي حُكْمِهَا، وَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ تَعْلِيقٌ (فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ. (وَأَنَّهُ إعْدَامٌ) أَيْ التَّعْلِيقُ إعْدَامُ الْعَلِيَّةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ هُنَا فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] وَقَالَ: إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْت أَهْلِي ... وَعَادَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ مُلَاحَظَةً لِلصِّيغَةِ وَهُمَا لَاحَظَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَوْلَى، وَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسِهِ. وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِعَدَمِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ وَلَا تَطْلُقُ عَلَى الْإِبْطَالِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنَّفِ عَكْسُ هَذَا، وَهُوَ غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ يَمِينَيْنِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَعَلَى التَّعْلِيقِ يَعُودُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا لَا يَقَعُ، وَلَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ، وَعَلَى الْإِبْطَالِ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ، فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا أَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ، وَلَوْ أَدْخَلَهُ فِي الْإِيقَاعَيْنِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَلَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ إذَا دَخَلَ عَلَى إيقَاعَيْنِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَقَالَهُ حَنِثَ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا الْإِبْطَالِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ عَزَى إلَيْهِ الْإِبْطَالَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إبْطَالٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ) أَيْ إذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَكَتَ كَثِيرًا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِهِ بِجُشَاءٍ أَوْ تَنَفُّسٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَكَتَ قَدْرَ التَّنَفُّسِ ثُمَّ اسْتَثْنَى لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْفَصْلِ وَلِلْفَصْلِ اللَّغْوِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، لِأَنَّ التَّكْرَارَ لِلتَّأْكِيدِ شَائِعٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ يَقُولُ قَوْلُهُ وَثَلَاثًا لَغْوٌ فَيَقَعُ فَاصِلًا فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَوْ قَالَ: حُرٌّ حُرٌّ بِلَا وَاوٍ وَاسْتَثْنَى لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا بِلَا خِلَافٍ لِظُهُورِ التَّأْكِيدِ. وَقِيَاسُهُ إذَا كَرَّرَ ثَلَاثًا بِلَا وَاوٍ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ. وَلَوْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ وَعَتِيقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ فَلَا يُعْتَقُ، بِخِلَافِ حُرٌّ وَحُرٌّ لِأَنَّ الْعَطْفَ التَّفْسِيرِيَّ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَحُرٌّ لِقَوْلِهِ حُرٌّ تَفْسِيرًا فَكَانَ فَاصِلًا بِخِلَافِ حُرٌّ وَعَتِيقٌ، وَمِثْلُ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَغْوًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ تَكْمِيلُ الْأَوَّلِ. وَلَوْ قَالَ: ثَلَاثًا بَوَائِنَ أَوْ أَلْبَتَّةَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ مَعَ الثَّلَاثِ لَغْوٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ هَذَا وَيَتَرَاءَى خِلَافٌ فِي الْفَصْلِ بِالذِّكْرِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ مُسْتَثْنٍ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ رَجُلًا وَيَخَافَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فِي السِّرِّ يُحَلِّفُهُ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَذْكُرَ عَقِيبَ الْيَمِينِ مَوْصُولًا سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْفَصْلِ بِالذِّكْرِ، وَلَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ ثِقَلٌ وَطَالَ تَرَدُّدُهُ ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَسَدَ إنْسَانٌ فَاهُ سَاعَةً ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِرَفْعِهِ صَحَّ. وَعَنْ هِشَامٍ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فَأَمْسَكَتْ فَاهُ قَالَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً: يَعْنِي إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، وَلَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْفَصْلِ، وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُهُ إلَى سَنَةٍ. وَعَنْهُ أَبَدًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ «سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: يَعْنِي الْمَلَكَ، قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَنَسِيَ إلَى آخِرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قَالَهَا لَقَاتَلُوا جَمِيعًا» قُلْنَا: يَحْتَمِلُ قَوْلَ الْمَلَكِ لَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ قَالَهَا» : يَعْنِي مُتَّصِلًا. وَاسْتَدَلَّ الْمُطْلِقُونَ بِظَوَاهِرَ مِنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي مَكَّةَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا الْحَدِيثُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إلَّا الْإِذْخِرَ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» وَمِنْهَا أَنَّهُ «قَالَ فِي أَسْرَى بَدْرٍ: لَا يَفْلِتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إلَّا سُهَيْلَ بْنَ الْبَيْضَاءَ، فَقَالَ: إلَّا سُهَيْلَ بْنَ الْبَيْضَاءِ» وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ هَذَيْنِ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَى جِهَةِ النَّسْخِ دُفِعَ بِأَنَّهُ بِإِلَّا وَهِيَ تُؤْذِنُ بِاتِّصَالِ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّفْعُ بِنَفْسِ لَفْظِ الْقَائِلِ إيذَانًا بِأَنَّهُ وَافَقَ الشَّرْعَ الْمُتَجَدِّدَ، وَفِي الْعُرْفِيَّاتِ مِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فَيُقَدَّرُ لَهُ جُمْلَةٌ تُشَاكِلُ الْأُولَى مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِهَا كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ» وَيُجَابُ بِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَغْزُهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُكَفِّرْ وَلَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَى الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَكَفَّرَ عَنْهَا. فَحِينَ رَأَى أَنَّ عَدَمَ غَزْوِهِمْ خَيْرٌ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.

فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ ذِكْرُ الشَّرْطِ بَعْدَهُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَوْ طَلَّقَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّك قَدْ اسْتَثْنَيْت وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا غُصِبَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَسِعَهُ الْأَخْذُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِلَّا لَا يَأْخُذُ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ، لِأَنَّ عُرْفَ جَمِيعِ النَّاسِ وَصْلُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا فَصْلُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ وَلَفْظُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ» ثُمَّ يُوجِبُهُ أَيْضًا اللَّوَازِمُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِوُقُوعِ طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا إقْرَارٍ بِمَالٍ وَلَا مَا لَا يُحْصَى مِنْ اللَّوَازِمِ الْبَاطِلَةِ، وَبِذَلِكَ أَخَافَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَنْصُورَ حِينَ وَشَى بِهِ أَعْدَاؤُهُ إلَيْهِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ رَأْيَ جَدِّك ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ، فَقَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ مُخَالِفَتَهُ فِيهَا تَحْصِينُ الْخِلَافَةِ عَلَيْك وَمَنْعُ خُرُوجِ الْمُحَالِفِينَ لَك مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْك، وَإِلَّا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَثْنُوا إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِك. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِنَا فِي أَنَّهُ إذَا قَالَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ: يَتَنَجَّزَانِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُمَا بِشَرْطٍ مُحَقَّقٍ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ كُلًّا مِنْ طَلَاقِهَا وَعَتَاقَهَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّلَفُّظُ بِهِ، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ صُدُورَ اللَّفْظِ مِنْهُ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ صُدُورَهُ، وَإِنْ أَرَادَ وُجُودَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَدْ حَكَمَتْ الشَّرِيعَةُ أَنَّهُ إذَا صَدَرَ اللَّفْظُ وَجَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَرَادَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَشِيئَةِ فِيمَا بَعْدُ فَمَشِيئَتُهُ قَدِيمَةٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَظَنُّهُ أَنَّهَا تَتَجَدَّدُ مُحَالٌ. وَالْحُجَّةُ لَنَا مَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى. وَالْجَوَابُ عَنْ مُتَمَسَّكِهِ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِمُحَقَّقٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَخْتَارُ أَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيقَ وُجُودِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ فَقَدْ حَكَمَتْ الشَّرِيعَةُ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، إذْ التَّعْلِيقَاتُ مِنْ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ دَخَلْت الدَّارَ وُجِدَ فِيهِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَمْ تَحْكُمْ الشَّرِيعَةُ بِوُقُوعِهِ فِي الْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ ذِكْرُ الشَّرْطِ إلَخْ) إنَّمَا نَوْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اسْتِثْنَاءٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ النَّقْلِ عَنْهُمَا، وَقَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مَثَلًا، قَالَ فِي النَّوَازِلِ: هَذَا قَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ مِنْ الْأَمْثَالِ مَا لَيْسَ بِهِ حَقِيقَةٌ، وَلِأَنَّ الْمِثْلَ تَشْبِيهٌ وَلَا يَكُونُ فِي التَّشْبِيهِ إيجَابُ الْمَالِ، قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِيجَابَ عَلَى نَفْسِهِ. [فُرُوعٌ] طَلَّقَ أَوْ خَلَعَ ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ الشَّرْطَ وَلَا مُنَازِعَ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَكَذَا إذَا كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي لِلْإِمَامِ مَحْمُودٍ الْبُخَارِيِّ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ أَوْ قَالَا: لَمْ يَسْتَثْنِ قُبِلَتْ، وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَى النَّفْيِ بَلْ قَالَا: لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ لَفْظَةِ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الِاسْتِثْنَاءَ. فَفِي الْمُحِيطِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ: لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ إذَا عَرَفَ الطَّلَاقَ بِالْبَيِّنَةِ بَلْ إذَا عَرَفَ بِإِقْرَارِهِ، وَمِثْلُهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتَقْتُك أَمْسِ وَقُلْت: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَعْتِقُ. وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ: لَوْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقَنِي فَالْقَوْلُ لَهَا وَلَا يُصَدَّقُ الزَّوْجُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ

(وَكَذَا إذَا) (مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) لِأَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْمُوجِبَ دُونَ الْمُبْطِلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَوْ قَالَ لَهَا: قُلْت لَك: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَقَالَتْ: طَلَّقَنِي مُنَجَّزًا الْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: إذَا ذُكِرَ الْجُعْلُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ كَالْخَلْعِ. وَنَقَلَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ مَشَايِخَنَا أَجَابُوا فِي دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ أَنْ لَا يُصَدَّقَ الزَّوْجُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَقَدْ فَسَدَ حَالُ النَّاسِ. وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَالشُّهُودُ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى النَّفْيِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ تَصْدِيقًا لَهُ، وَإِنْ عُرِفَ بِالْفِسْقِ أَوْ جُهِلَ حَالُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ بِقَوْلِ الْمَانِعِ لِغَلَبَةِ الْفُسَّاقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا مَاتَتْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. وَقَوْلُهُ وَالْمَوْتُ يُنَافِي إلَى آخِرِهِ جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي الْوَاقِعَ مِنْ الطَّلَاقِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ قَبْلَ الْوَصْفِ أَوْ الْعَدَدِ لَا يَقَعُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَافِيَ الِاسْتِثْنَاءَ وَهُوَ الْمُبْطِلُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي الْمُوجِبَ فَيَبْطُلُ بِهِ وَيُنَاسِبُ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ) قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ يُرِيدُهُ وَيَعْلَمُ إرَادَتَهُ بِأَنْ ذَكَرَ لِآخِرِ قَصْدِهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: يَحْتَمِلُ كَذِبَهُ عَلَى الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ فَيَتْرُكَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِيهِ، ثُمَّ الْوَاقِعُ الْوُقُوعُ فَبَحْثُهُ هَذَا إذَا كَانَ لِإِثْبَاتِ عَدَمِ الْوُقُوعِ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ إذَا اكْتَفَى فِي إثْبَاتِ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ بِنِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لَهُ غَيْرُ اللَّجَاجِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: إلَّا ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. قَالُوا: لَمْ تَتَكَلَّمْ الْعَرَبُ بِهِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] وَالْغَاوُونَ الْأَكْثَرُونَ. قَالَ: تَعَالَى {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، إذْ الْمُرَادُ بِعِبَادِي الْخُلَّصُ هَكَذَا اسْتَقَرَّ الِاسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِيُّ، عَلَى أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ لِلتَّشْرِيفِ فَلَمْ يَدْخُلْ الْغَاوُونَ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لُغَةً وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي الْآيَةِ مَمْنُوعٌ وَلَوْ سُلِّمَ مَعَ مَا فِيهِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ» . وَلَوْ سُلِّمَ فَعَدَمُ السَّمَاعِ فِي تَرْكِيبٍ مُعَيَّنٍ

وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ لِفُلَانِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ يَبْقَى التَّكَلُّمُ بِالْبَعْضِ بَعْدَهُ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ لِيَصِيرَ مُتَكَلَّمًا بِهِ وَصَارِفًا لِلَّفْظِ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ مِائَةٌ إلَّا ثُمُنًا وَسُدُسَ ثُمُنٍ وَسَائِرَ الْكُسُورِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَرِدْ بِالصَّدْرِ. فَحَاصِلُ التَّرْكِيبِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى، وَقَوْلُهُمْ إخْرَاجٌ عَنْ الصَّدْرِ إلَى آخِرِهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِخْرَاجِ مُتَعَذِّرَةٌ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي سَبْقَ الدُّخُولِ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ الدُّخُولُ فِي التَّنَاوُلِ فَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يُفِيدُ الْإِخْرَاجَ مِنْهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، لِأَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ بَعْلَةِ وَضْعِهِ لِتَمَامِ الْمَعْنَى وَهِيَ قَائِمَةٌ مُطْلَقًا فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ الدُّخُولُ فِي الْإِرَادَةِ بِالْحُكْمِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ اسْتِثْنَاءٍ نَسْخًا، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] مِنْ الْإِخْبَارَاتِ، لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِي إرَادَةِ عُمُومِ الصَّدْرِ بِالْحُكْمِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعِ، أَوْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُنْتَفِيَ، أَوْ غَالِطًا فِي أَحَدِهِمَا وَيَسْتَحِيلَانِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ بَيَانُ أَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا لَمْ يَرِدْ بِالْحُكْمِ، ثُمَّ هَلْ يَكُونُ مُرَادًا بِالصَّدْرِ: أَعْنِي الْعَامَّ أَوْ الْكُلَّ، ثُمَّ أَخْرَجَ ثُمَّ حَكَمَ عَلَى الْبَاقِي، أَوْ أُرِيدَ ابْتِدَاءً بِالصَّدْرِ مَا سِوَى مَا بَعْدَ إلَّا وَإِلَّا قَرِينَتُهُ خِلَافٌ لَا يُوجِبُ خِلَافًا فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَاصِلَ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ تَكَلُّمُهُ بِالْبَاقِي: أَيْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، وَحَقَّقْنَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أُرِيدَ عَشَرَةٌ وَحُكِمَ عَلَى سَبْعَةٍ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً، فَإِرَادَةُ الْعَشَرَةِ بِعَشَرَةٍ بَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمَذْهَبُ الْآخَرُ بِزِيَادَةِ تَكَلُّفٍ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْقِيقِ دَلَالَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً اسْمًا مُرَكَّبًا لِمَعْنَى سَبْعَةٍ كَمَا نُسِبَ إلَى الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ، عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الْأُصُولِ، بَلْ مُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَعَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً. وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إخْرَاجٌ، وَفِيهِ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ لِاسْتِلْزَامِهِ فِي الْإِخْبَارِ مَا ذَكَرْنَا، وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ، وَالتَّخْصِيصُ بَيَانُ أَنَّ الْمُخَصَّصَ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا، أَوْ قَالُوهُ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ يُوجِبُ الْقَوْلَ بِالْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ حُكْمَيْنِ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَثَلًا فِي ضِمْنِ الْعَشَرَةِ بِالْإِثْبَاتِ وَبَعْدَ إلَّا بِالنَّفْيِ، لَكِنْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا حَقِيقَةَ لِلْإِسْنَادَيْنِ فِيهَا وَإِلَّا كَانَ تَنَاقُضًا، وَحِينَئِذٍ فَالثَّابِتُ صُورَةُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ حُكْمِ الصَّدْرِ وَمَا بَعْدَ إلَّا، وَتَرَجَّحَ الثَّانِي فَيَجِبُ حَمْلُ الْمَرْجُوحِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ لِكُلِّ مُعَارَضَةٍ تَرَجَّحَ فِيهَا أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ فِي الصَّدْرِ إلَّا عَلَى سَبْعَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ) قِيلَ: لِأَنَّهُ رُجُوعٌ بَعْدَ التَّقَرُّرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَحَّ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، لَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ، وَتَرْكِيبُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلتَّكَلُّمِ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا لَا لِنَفْيِ الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ التَّبَادُرُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى نَفْيِ أَنَّهُ لِنَفْيِ الْكُلِّ، بَلْ يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَنَحْوُهُ وَاسْتِقْرَاءُ اسْتِعْمَالَاتِ الْعَرَبِ تُفِيدُهُ وَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَجْوِيزِهِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى كَوْنِ الْكُلِّ مُخْرَجًا بِغَيْرِ لَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا مَمَالِيكِي فَيَعْتِقُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَزِيَادَاتِ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَفَاطِمَةَ وَحَفْصَةَ لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. وَفِي الْبَقَّالِيِّ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا لَا تَطْلُقُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاحِدَةً وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، فَكَانَ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى تَوَقُّفَ صِحَّةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوَّلًا، وَهُمَا يَرَيَانِ اقْتِصَارَ صِحَّتِهِ عَلَى الْأُولَى، وَزُفَرُ يَرَى اقْتِصَارَهُ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الصَّدْرَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِخْرَاجِ. وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ تَعَدُّدٍ يَصِحُّ مَعَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ. وَلَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا اثْنَتَيْنِ يَقَعُ الثَّلَاثُ، وَكَذَا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ إخْرَاجُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ الثِّنْتَيْنِ أَوْ الْوَاحِدَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ وَاحِدَةً مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً حَيْثُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ لِصِحَّةِ إخْرَاجِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الثِّنْتَيْنِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ، وَإِذَا تَعَقَّبَ جَمَلًا قَيَّدَ الْأَخِيرَةَ مِنْهَا، وَكَمَا قَيَّدْنَا بُطْلَانَ الْمُسْتَغْرَقِ بِمَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ كَذَلِكَ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْمُسْتَغْرِقَ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ يَكُونُ جَبْرًا لِلصَّدْرِ، فَإِنْ كَانَ صَحَّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَا وَاوٍ كَانَ الْكُلُّ إسْقَاطًا مِمَّا يَلِيهِ، فَيَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ إسْقَاطٌ مِنْ الصَّدْرِ وَكُلَّ شَفْعٍ جَبْرٌ لَهُ، فَإِذَا قَالَ: طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً كَانَ الْوَاقِعُ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّك أَسْقَطْت مِنْ الثَّلَاثِ ثِنْتَيْنِ أَوَّلًا فَصَارَ الْحَاصِلُ وَاحِدَةً، ثُمَّ أَسْقَطْت مِنْ السَّاقِطِ مِنْ الصَّدْرِ وَاحِدَةً فَجُبِرَ بِهَا الصَّدْرُ فَصَارَ الْبَاقِي ثِنْتَيْنِ، فَقَدْ أَخْرَجَ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَاحِدَةً فَصَارَتْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا مِنْ الثَّلَاثِ الصَّدْرِ فَصَارَ الْبَاقِي وَاحِدَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ الْمُسْتَثْنَاةَ مِنْ الثَّلَاثِ لَمْ تَبْطُلْ بَلْ تَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهَا فَيَصِحُّ أَوَّلًا فَيَبْطُلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَصْلُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْله تَعَالَى {إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 59] {إِلا امْرَأَتَهُ} [الحجر: 60] وَمِنْ فُرُوعِهَا الْمَعْرُوفَةِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً إلَّا سَبْعَةً إلَّا سِتَّةً إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً تَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ. وَلَوْ قَالَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ

[باب طلاق المريض]

وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ مَوْصُولًا بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثِنْتَانِ فَيَقَعَانِ وَفِي الثَّانِي وَاحِدَةٌ، فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ أَوَّلًا، وَيُسْتَتْبَعُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَا فِي الْحُكْمِ ابْتِدَاءً، فَلَوْ أَوْقَعَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ ثُمَّ اسْتَثْنَى كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْكُلِّ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا تَقَعُ وَاحِدَةً، أَوْ عَشَرَةً إلَّا تِسْعَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً، أَوْ خَمْسًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ الثَّلَاثُ. وَفِي الْمُنْتَقَى: طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا فَهِيَ ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ وَثَلَاثًا فَاصِلًا لَغْوًا فَاسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ فَيَقَعُ الْكُلُّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَأَنَّهُ قَالَ: سِتًّا إلَّا أَرْبَعًا. وَمَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَنْوِي، فَإِنْ قَالَ عَنِيت ثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِلَّا فَلَا خَارِجَ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ، كَذَلِكَ الْحَلْوَانِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا فِي الْمُنْتَقَى. وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ طُولِبَ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ثِنْتَانِ، وَمَا قِيلَ إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُنَاسِبُ أَصْلَ أَبِي يُوسُفَ، يَعْنِي فِي مَنْعِ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ تِلْكَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَا ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ. نَعَمْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تُنَاسِبُ تِلْكَ الرِّوَايَةَ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَتَقَعُ وَاحِدَةً. . [فَرْعٌ] إخْرَاجُ بَعْضِ التَّطْلِيقَةِ لَغْوٌ بِخِلَافِ إيقَاعِهِ. فَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: ثِنْتَانِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ فَكَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْإِيقَاعِ إنَّمَا لَا يَتَجَزَّأُ لِمَعْنًى فِي الْمَوْقِعِ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَتَجَزَّأُ فِيهِ فَصَارَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا [بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ] (بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَلَاقِ الصَّحِيحِ بِأَقْسَامِهِ مِنْ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَكُلًّا وَجُزْءًا شَرَعَ فِي بَيَانِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ إذْ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ، وَتَصَوُّرُ مَفْهُومِهِ ضَرُورِيٌّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فَهْمَ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِ الْمَرَضِ أَجْلَى مِنْ

(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَرِثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهِيَ السَّبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهْمِهِ مِنْ قَوْلنَا مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ، بَلْ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى (قَوْلُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا تَرِثُهُ، وَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ فِي الرَّجْعِيِّ يَرِثُهُ وَتَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَ فِي الصِّحَّةِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ فِي طَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَوَارَثَانِ فِي الْعِدَّةِ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرِثُهُ الْآخَرُ، وَبِالْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَرِثُهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ تَرِثُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِعَشْرَةِ أَزْوَاجٍ. وَلِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَيُعْرَفُ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِرْثِ بِالْعِدَّةِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي مَرَضٍ مَاتَ فِيهِ لَا تَرِثُ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقِ، وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الرِّضَا، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِرِضَاهَا لَا تَرِثُ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ كَوْنِهِمَا مِمَّنْ يَتَوَارَثَانِ حَالَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ إذَا مَرِضَ هُوَ إذْ ذَاكَ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَقْتَ الطَّلَاقِ لَا تَرِثُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ عِتْقٍ لَا تَرِثُ. أَمَّا لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ إذَا أَسْلَمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا تَرِثُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِزَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَرِثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرِ مِنْ سَنَتَيْنِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْ زِنًا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَتَيَقَّنُ بِوَضْعِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَرِثُ. وَعِنْدَهُمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الزِّنَا وَإِنْ قَالَتْهُ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ عِدَّةِ الْأَوَّلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَرِثُ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ (قَوْلُهُ وَهِيَ السَّبَبُ) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ هِيَ السَّبَبُ فِي الْإِرْثِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْبَيْنُونَةِ، وَكَذَا لَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةً لَاقْتَضَتْ التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْمُغِيرَةُ، وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ عَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَائِشَةَ وَزَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ

وَلِهَذَا لَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ. وَلَنَا أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ يَبْقَى فِي حَقِّ بَعْضِ الْآثَارِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشُرَيْحٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَاوُسٍ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَرْثِ الْعُكْلِيِّ. لَنَا الْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ. أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَّثَ تَمَاضُرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ بْنِ زِيَادٍ الْكَلْبِيَّةَ، وَقِيلَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ السُّلَمِيَّةُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا بَتَّ طَلَاقَهَا فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَقَالَ: مَا اتَّهَمْته وَلَكِنْ أَرَدْت السُّنَّةَ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَلْيَقُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ وَرَّثَهَا فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: مَا فَرَرْت مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَقَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُوَرِّثْهَا، أَرَادَ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِي إذْ ذَاكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي حَقِّهَا ذَلِكَ، وَهُوَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ فَلَا يُقْدَحُ فِيهِ. لَا يُقَالُ: بَلْ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَانَ سُكُوتِيًّا، وَحِينَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ سُكُوتَهُ لَمْ يَكُنْ وِفَاقًا. لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ إذْ ذَاكَ فَقِيهًا لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ الْفُقَهَاءِ إذْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتْوَى وَلَا شُهْرَةٌ بِفِقْهٍ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ يَتْبَعُ ظُهُورَ ذَلِكَ فَخِلَافُهُ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ. وَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ: كَانَ قَضَاءُ عُثْمَانَ بَعْدَ الْعِدَّةِ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى مَا لَوْ وَهَبَ كُلَّ مَالِهِ أَوْ تَبَرَّعَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِجَامِعِ إبْطَالِ حَقٍّ بَعْدَ تَعَلُّقِهِ بِمَالِهِ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ بِالْمَرَضِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَوْتِ، وَلِذَا حُجِرَ عَنْ التَّبَرُّعَاتِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالزَّوْجَةُ مِنْ الْوَرَثَةِ فَقَدْ تَمَّ الْقِيَاسُ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ، وَهَذَا الْقِيَاسُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ بَلْ هُوَ دَائِرٌ مَعَ ثُبُوتِ الْإِبْطَالِ سَوَاءً قَصَدَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ قِيَاسُهُ عَلَى قَاتِلِ الْمُوَرِّثِ. وَصُورَتُهُ: هَكَذَا قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا بَعْدَ تَعَلُّقِهِ فَيَثْبُتُ نَقِيضُ مَقْصُودِهِ كَقَاتِلِ الْمُوَرِّثِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ فَعَلَهُ مُحَرَّمًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فَالْحُكْمُ ثُبُوتُ نَقِيضِ مَقْصُودِهِ، وَلِذَا اخْتَلَفَ خُصُوصُ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَنْعُ الْمِيرَاثِ وَفِي الْفَرْعِ ثُبُوتُ الْمِيرَاثِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ فِي طَرِيقِ الْآمِدِيِّ بِمُنَاسِبِ غَرِيبٌ إذْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلُ بِالِاعْتِبَارِ، بَلْ الثَّابِتُ مُجَرَّدُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَهُ فِي الْمَحِلِّ: أَعْنِي الْقَاتِلَ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ تَرِثَ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ تَزَوُّجِهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا رَأَوْا أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الْإِمْكَانُ وَهُوَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِالْمِيرَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ وَالْعِتْقُ، فَحَيْثُ

فِي حَقِّ إرْثِهَا عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ لِأَنَّهُ لَا إمْكَانَ، وَالزَّوْجِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِإِرْثِهِ عَنْهَا فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِ خُصُوصًا إذَا رَضِيَ بِهِ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاقْتَضَى الدَّلِيلُ تَوْرِيثَ الشَّرْعِ إيَّاهَا لَزِمَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ بَقَاءُ النِّكَاحِ حَالَ الْمَوْتِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَقَاءَهُ إمَّا بِالْحُكْمِ بِقِيَامِهِ حَقِيقَةً أَوْ بِقِيَامِ آثَارِهِ مِنْ مَنْعِ الْخُرُوجِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيَامُ هَذِهِ الْآثَارِ لَيْسَ إلَّا بِقِيَامِ الْعِدَّةِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ تَوْرِيثِهَا بِمَوْتِهِ فِي عَدَمِهَا، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُعَيِّنْ لِقِيَاسِهِ أَصْلًا فِي الْإِلْحَاقِ، بَلْ قَالَ: قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَمِثْلُهُ لَا يُفْعَلُ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ أَمْوَالٌ شَتَّى يُمْكِنُ الْإِلْحَاقُ بِكُلٍّ مِنْهَا، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لِرَدِّ الْقَصْدِ أَصْلٌ سِوَى قَاتِلِ الْمُوَرِّثِ. وَيُمْكِنُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ أُصُولَهُ كُلَّ مَنْ أَلْزَمْ ضَرَرًا بِطَرِيقٍ غَيْرِ مُبَاحٍ فَإِنَّهُ يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ الزَّوْجِيَّةُ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ غَيْرُ جَيِّدٍ لِأَنَّهَا سَبَبُ إرْثِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ مَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: الزَّوْجِيَّةُ سَبَبُ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إلَخْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ) أَيْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لَا إمْكَانَ لِلتَّوْرِيثِ إذَا لَمْ يُعْهَدُ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ بَعْدَهَا. عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَبِهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ: أَيْ مَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قُدْرَةِ التَّزَوُّجِ وَهُوَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ: أَيْ مَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالزَّوْجِيَّةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَرِثُهَا: أَيْ الزَّوْجِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: أَيْ حَالَةَ مَرَضِهِ لَيْسَتْ سَبَبًا لِإِرْثِهِ عَنْهَا بَلْ فِي حَالِ مَرَضِهَا. وَنَقُولُ: لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَرِيضَةَ فَأَبَانَتْ نَفْسَهَا بِأَنْ ارْتَدَّتْ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ فِي حَقِّهَا فَيَرِثُهَا الزَّوْجُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّتْ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا بَانَتْ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ وَلَا هِيَ بِالرِّدَّةِ مُشْرِفَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ (قَوْلُهُ فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِ) بِرَفْعِ اللَّامِ فَتَبْطُلُ الزَّوْجِيَّةُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ تَرِثُهُ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ وَإِنْ بَطَلَتْ بِالْبَائِنِ حَقِيقَةً لَكِنَّهَا جُعِلَتْ بَاقِيَةً فِي حَقِّهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا لِأَنَّهُ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا، وَضَبْطُهُ بِنَصَبِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّفْيِ سَهْوٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْعَكِسُ الْغَرَضُ، إذْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ سَبَبًا لِإِرْثِهِ مِنْهَا لَبَطَلَتْ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبٍ فَلَا تَبْطُلُ، وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ فَيَجِبُ أَنْ يَرِثَهَا وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا) لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ الْمَقْصُودُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَائِنًا بِأَمْرِهَا،

وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَالتَّأْخِيرِ لِحَقِّهَا. وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي لِلرَّجْعَةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِهَذَا عَطَفَ قَوْلَهُ أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ إنَّمَا يُثْبِتُ طَلْقَةً بَائِنَةً، وَكَذَا إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِلْأَمْرِ مِنْهَا بِالْعِلَّةِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْعِلَّةَ. أَمَّا فِي التَّخْيِيرِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهَا، وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَلِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، لِأَنَّهُ شِرَاءُ الطَّلَاقِ، وَمُبَاشَرَةُ آخِرِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ كَمُبَاشَرَتِهَا، بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْعِلَّةِ. فَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا عَلَى التَّعَاقُبِ طَلُقَتَا ثَلَاثًا بِتَطْلِيقِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ وَوَرِثَتْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تُبَاشِرْ عِلَّةَ الْفُرْقَةِ لَا الْأُولَى لِأَنَّهَا الْمُبَاشِرَةُ. وَلَوْ بَدَأَتْ الْأُولَى بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا ثُمَّ بِطَلَاقِ نَفْسِهَا ثُمَّ الْأُخْرَى كَذَلِكَ وَرِثَتَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلَاقُ ضَرَّتِهَا لِإِطْلَاقِ نَفْسِهَا الْخُرُوجَ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِطَلَاقِ الضَّرَّةِ، وَالتَّفْوِيضُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ. وَلَوْ طَلَّقَتْ كُلٌّ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا مَعًا طَلُقَتَا وَلَمْ تَرِثَا لِأَنَّ كُلًّا طَلُقَتْ بِتَطْلِيقِ نَفْسِهَا ثُمَّ اشْتَغَلَتْ بِمَا لَا يُفِيدُ مِنْ تَطْلِيقِ ضَرَّتِهَا. وَإِنْ طَلَّقَتَا إحْدَاهُمَا بِأَنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَطَلَّقَتْهَا ضَرَّتُهَا وَوُجِدَ ذَلِكَ مَعًا طَلُقَتْ وَلَا تَرِثُ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا طَلَاقُ نَفْسِهَا وَطَلَاقُ الْوَكِيلِ فَيُضَافُ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ أَقْوَى، أَوْ كُلٌّ يَصْلُحُ عِلَّةً وَقَدْ نَزَلَا مَعًا فَيُضَافُ إلَى كُلٍّ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ. وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا فَطَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تُطَلِّقَ الْأُخْرَى نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا لِتَعَلُّقِ التَّفْوِيضِ بِمَشِيئَتِهِمَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَأَنَّهُ قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا طَلَاقَكُمَا، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ التَّفْوِيضَ بِشَرْطِ الْمَشِيئَةِ فَتَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِذَلِكَ، فَلَوْ طَلَّقَتْ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا طَلُقَتَا لِوُجُودِ كَمَالِ الْعِلَّةِ وَوَرِثَتْ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ بَاشَرَتْ آخِرَ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ وَالْأُولَى بَعْضُ الْعِلَّةِ. وَلَوْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا بَانَتَا وَوَرِثَتَاهُ لِأَنَّ كُلًّا بَاشَرَتْ بَعْضَ الْعِلَّةِ، هَذَا كُلُّهُ بِشَرْطِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ. وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ أَمْرُكُمَا بِيَدَيْكُمَا فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْهُمَا فَلَا تَنْفَرِدُ إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ كَمَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَتَا عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَقَعُ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّأْيَ إلَيْهِمَا فِي شَيْئَيْنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمَا فِي شَيْءٍ صَحَّ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ عَبْدَيْنِ فَبَاعَا أَحَدَهُمَا وَهُنَاكَ فَوَّضَ إلَيْهِمَا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهِمَا الطَّلَاقَيْنِ فَكَانَ عَدَمًا قَبْلَ الشَّرْطِ. وَلَوْ قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ كُلٌّ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَصَاحِبَتِي بِأَلْفٍ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا بَانَتَا بِأَلْفٍ وَيُقَسَّمُ عَلَى مَهْرَيْهِمَا لِأَنَّ الْأَلْفَ مُقَابَلٌ بِالْبُضْعَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ فَيَقُومُ بِمَا تَزَوَّجَهُمَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِثَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ إلَّا بِالْتِزَامِ الْمَالِ وَالْتِزَامِ كُلٍّ عِلَّةً لِأَنَّهُ شِرَاءُ الطَّلَاقِ، فَكَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً وَفِعْلُ الْأُخْرَى شَرْطًا وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ فَلِذَا بَطَلَ الْإِرْثُ. وَلَوْ طَلَّقَتَا إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ لِأَنَّهُمَا مَأْمُورَتَانِ بِطَلَاقِهِمَا فَقَدْ أَتَتَا بِبَعْضِ مَا أُمِرَتَا بِهِ وَلَمْ تَرِثْ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِقَبُولِهَا، وَإِنْ قَامَتَا بَطَلَ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِبَدَلٍ فَشَرْطُهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا، بِخِلَافِ الْمَأْمُورَتَيْنِ بِالطَّلَاقِ بِلَا بَدَلٍ لِأَنَّهُ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِيقَاعِ الْأَمْرِ، وَإِذَا بَطَلَ الْأَمْرُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بَطَلَ فِي حَقِّ الْأُخْرَى لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا الْكُلُّ مِنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ وَالتَّأْخِيرُ) أَيْ تَأْخِيرُ عَمَلِ الطَّلَاقِ

الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا (وَإِنْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كُنْت طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ. وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ بِأَمْرِهَا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْمِيرَاثِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ لَهَا جَمِيعَ مَا أَوْصَى وَمَا أَقَرَّ بِهِ، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَمَّا بَطَلَ بِسُؤَالِهَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا لَمَّا تَصَادَقَا عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا وَيَجُوزُ وَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهَا، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ وَهِيَ سَبَبُ التُّهْمَةِ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ وَلِهَذَا يُدَارُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ، وَلَا عِدَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَحِقَهَا وَهِيَ قَدْ رَضِيَتْ بِإِبْطَالِهِ، وَلِذَا لَوْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ لَمْ تَرِثْ لِرِضَاهَا بِالْمُبْطِلِ وَإِنْ كَانَتْ مُضْطَرَّةً، لِأَنَّ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي الْفُرْقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَأَجَازَ الزَّوْجُ فِي مَرَضِهِ حَيْثُ تَرِثُ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ إجَازَتُهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِتَمْكِينِ ابْنِ الزَّوْجِ لَا تَرِثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَرَّبَهَا مُكْرَهَةً لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْأَبُ كَالْمُبَاشِرِ. وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ وَرِثَهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً. وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ فَارَقَتْهُ فِي مَرَضِهَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ أَوْ الْبُلُوغِ وَرِثَهَا لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِهَا وَإِذَا لَمْ تَكُنْ طَلَاقًا. وَفِي الْيَنَابِيعِ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَفِي الْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةُ وَاللِّعَانِ لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا طَلَاقٌ فَكَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهِ. وَأَوْرَدَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِثَهَا أَصْلًا لِأَنَّا جَعَلْنَا قِيَامَ الْعِدَّةِ كَقِيَامِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهَا وَلَا عِدَّةَ هُنَا عِنْدَ مَوْتِهَا فَلَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ كَبُعْدِ الْعِدَّةِ. أُجِيبُ لَمَّا صَارَتْ مَحْجُورَةً عَنْ إبْطَالِ حَقِّهِ أَبْقَيْنَا النِّكَاحَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ أَوْرَدَا لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ كَمُسْتَعْجِلِ الْإِرْثِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ الَّذِي هُوَ مَبْنَى هَذَا الْجَوَابِ يَسْتَلْزِمُ تَوْرِيثَ امْرَأَةِ الْفَارِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَكْرَهُ عَلَى طَلَاقِهَا الثَّلَاثَ لَا تَرِثُ لِعَدَمِ قَصْدِ الْفِرَارِ، وَلَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ تَرِثُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا كُنْت طَلَّقَتْك،

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَخْتَارُ الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَيْهَا فَيَزِيدَ حَقُّهَا، وَالزَّوْجَانِ قَدْ يَتَوَاضَعَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَبَرَّهَا الزَّوْجُ بِمَالِهِ زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الزِّيَادَةِ فَرَدَدْنَاهَا، وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّحْنَاهُ، وَلَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالتَّزَوُّجِ وَالشَّهَادَةِ، فَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى قَوْلِهِ: فَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) هَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ: مَا إذَا تَصَادَقَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى طَلَاقِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْمَرَضِ، وَمَا إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِسُؤَالِهَا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِمَالٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمِيرَاثِ وَمِنْ كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْمُقِرِّ بِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا تَمَامُ الْمُوصَى بِهِ وَالْمُقِرِّ بِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَقَالَا فِي الْأَوَّلِ كَقَوْلِ زُفَرَ، وَفِي الثَّانِي كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. لِزُفَرَ إنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ الْإِرْثُ وَقَدْ بَطَلَ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي الْأُولَى وَسُؤَالِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ مُوجِبِهِمَا. قُلْنَا: ذَلِكَ لَوْ لَمْ تَكُنْ تُهْمَةً لَكِنَّهَا ثَابِتَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا: إنَّمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ ثُبُوتَ التُّهْمَةِ بِهِ بَاطِنٌ فَأُدِيرَ عَلَى مَظِنَّتِهَا وَذَلِكَ قِيَامُ الْعِدَّةِ وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى فَوَجَبَ تَفْصِيلُنَا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَدَارَ التُّهْمَةِ قِيَامُ الْعِدَّةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَنَّ مَا يَنْتَفِي بِالتُّهْمَةِ مِنْ جَوَازِ الشَّهَادَةِ ثَابِتٌ فِي الْأُولَى حَتَّى جَازَتْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَعُلِمَ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ شَرْعًا وَأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَعَنْ هَذَا جَازَ وَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهَا وَأَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ مِنْ وَقْتِ التَّصَادُقِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ قَصْرَ سَبَبِ التُّهْمَةِ عَلَى الْعِدَّةِ مَمْنُوعٌ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ أَيْضًا نَظَرًا إلَى تَقَدُّمِ النِّكَاحِ الْمُفِيدِ لِلْأُلْفَةِ وَالشَّفَقَةِ وَإِرَادَةِ إيصَالِ الْخَيْرِ، وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرَا مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ إلَّا فِي مَرَضِهِ كَانَا مُتَّهَمَيْنِ بِالْمُوَاضَعَةِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لَا فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالتَّوَاضُعِ لِلتَّزَوُّجِ بِأُخْتِهَا أَوْ هِيَ بِغَيْرِهِ أَوْ لِدَفْعِ الزَّكَاةِ أَوْ لِلشَّهَادَةِ فَلِذَا صَدَقَا فِيهَا لَا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الزَّائِدِ فَيَنْتَفِي، ثُمَّ مَا تَأْخُذُهُ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهِمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ لَا الدَّيْنِ. وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَى شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالتَّوَى عَلَى الْكُلِّ، وَلَوْ كَانَ مَا تَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ الدَّيْنِ لَكَانَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَوْ طَلَبَتْ أَنْ تَأْخُذَ دَنَانِيرَ وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ لَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ ذَلِكَ بَلْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ وَتُعَامَلُ فِيهِ بِزَعْمِهَا أَنْ مَا تَأْخُذُهُ دَيْنٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِفَسَادِ نِكَاحِهَا أَوْ خُلْعِهَا أَجْنَبِيٌّ فِي مَرَضِهِ تَرِثُ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: وَكَذَا لَوْ قَالَ كُنْت جَامَعْت أُمَّك أَوْ تَزَوَّجْتُك بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا يُدَارُ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ. وَالْقَرَابَةُ: أَيْ قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ لِأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَلَا الْأَبِ وَالْجَدِّ لِابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ. وَفِي الْغَايَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إنْ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ وَتَرَكَتْ خِدْمَتُهُ فِي مَرَضِهِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهَا فَحِينَئِذٍ لَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ لَهَا وَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْمُطَايَبَةِ وَمُبَالَغَتِهَا فِي خَدَمَتْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ لِلتُّهْمَةِ، وَقَاسَهُ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَك امْرَأَةٌ غَيْرِي أَوْ تَزَوَّجْت عَلِيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَالَ: قِيلَ الْأَوْلَى يُحَكَّمُ الْحَالُ

(وَمَنْ كَانَ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ) وَأَصْلُهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ امْرَأَة الْفَارِّ تَرِثُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ بِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا كَمَا إذَا كَانَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ، وَقَدْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ فِي تَوَجُّهِ الْهَلَاكِ الْغَالِبِ، وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ، فَالْمَحْصُورُ وَاَلَّذِي فِي صَفِّ الْقِتَالِ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ لِأَنَّ الْحِصْنَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَكَذَا الْمَنَعَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ، وَاَلَّذِي بَارَزَ أَوْ قُدِّمَ لَيُقْتَلَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَيَتَحَقَّقُ بِهِ الْفِرَارُ وَلِهَذَا أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ، وَقَوْلُهُ إذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ كَانَ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ وَخُصُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَضَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ. قَالَ السُّرُوجِيُّ: فَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ مِنْ تَحْكِيمِ الْحَالِ هُنَاكَ أَنْ تُحَكَّمَ هُنَا اهـ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُصُومَةِ ظَاهِرَةٌ فِي قَوْلِهَا تَزَوَّجْت عَلِيَّ وَنَحْوِهِ إذَا اقْتَرَنَ بِالْمُشَاجَرَةِ، أَمَّا هُنَا فَلَا، إذْ الْإِيصَاءُ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْمِيرَاثِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ تِلْكَ الْخُصُومَةَ وَالْبَغْضَاءَ لَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَإِلَّا لَمْ يُوصِ لَهَا ظَاهِرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ بِذَلِكَ الْإِيصَاءِ التَّوَاضُعُ عَلَى إظْهَارِ الْخُصُومَةِ وَالتَّشَاجُرِ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْحِيَلِ ذَلِكَ لِلْأَغْرَاضِ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ مَحْصُورًا إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ مَبْنَى الْفِرَارِ عَلَى الطَّلَاقِ حَالَ تَوَجُّهِ الْهَلَاكِ الْغَالِبِ عِنْدَهُ، وَغَلَبَةُ الْهَلَاكِ تَكُونُ حَالَ عَدَمِ الْمَرَضِ كَمَا تَكُونُ بِهِ وَتَوَجُّهُهُ بِغَيْرِهِ يَكُونُ بِالْمُبَارَزَةِ وَالتَّقْدُمَةِ لِلرَّجْمِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا، أَوْ فِي سَفِينَةٍ فَتَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ وَخِيفَ الْغَرَقُ أَوْ انْكَسَرَتْ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَبَقِيَ فِي فَمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَحْصُورًا فِي حِصْنٍ أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ أَوْ مَحْبُوسًا لِلْقَتْلِ أَوْ نَازِلًا فِي مَسْبَعَةٍ أَوْ فِي مَخْيَفٍ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْ رَاكِبٍ سَفِينَةً دُونَ مَا قُلْنَا، وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ، فَلَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفُرْقَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَحْوَالِ الْفِرَارِ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَتَمْكِينِ ابْنِ الزَّوْجِ وَالِارْتِدَادِ فَإِنَّهُ يَرِثُهَا عَلَى مَا بَيِّنَاهُ آنِفًا. وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا فِي حَالِ الطَّلْقِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذْ تَمَّ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثَبَتَ حُكْمُ فِرَارِهَا لِتَوَقُّعِ الْوِلَادَةِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. قُلْنَا: الْمَنَاطُ مَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ وَلَا يُخَافُ مِنْهُ إلَّا فِي الطَّلْقِ، وَتَوَجُّهُهُ بِالْمَرَضِ قِيلَ: أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَقُومَ إلَّا بِأَنْ يُقَامَ، وَقِيلَ إذَا خَطَا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُهَادَى فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَمَرِيضٌ. وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْمَرِيضَ جِدًّا لَا يَعْجُزُ أَنْ يَتَكَلَّفَ لِهَذَا الْقَدْرِ، وَقِيلَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يُهَادَى، وَقِيلَ أَنْ لَا يَقُومَ بِحَوَائِجِهِ فِي الْبَيْتِ كَمَا تَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّفُ، وَاَلَّذِي يَقْضِيهَا فِيهِ وَهُوَ يَشْتَكِي لَا يَكُونُ فَارًّا لِأَنَّ

بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَصَاحِبِ الْفِرَاشِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ إذَا قُتِلَ. (وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إذَا صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ أَوْ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ إلَّا فِي قَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ) وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ: إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كِلَاهُمَا فِي الْمَرَضِ. أَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنْ قَالَ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ أَوْ صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْفِرَارِ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ التَّعْلِيقِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرِثُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْمَرَضِ. وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْهُ، فَأَمَّا مَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَحَمُّ فَلَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا فِي الْبَيْتِ لَا فِي خَارِجِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَحِيحٌ، هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الصُّعُودُ إلَى السَّطْحِ فَهِيَ مَرِيضَةٌ، وَالْمَسْلُولُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْقَعَدُ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ غَالِبُ الْهَلَاكِ وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بِالتَّدَاوِي فَكَالْمَرِيضِ وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ. وَقِيلَ مَا كَانَ يَزْدَادُ أَبَدًا، لَا إنْ كَانَ يَزْدَادُ تَارَةً وَيَقِلُّ أُخْرَى، وَلَوْ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ فَطَلَّقَ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ أَوْ حُبِسَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ تَرِثُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِرَارُهُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَرَتَّبَ مَوْتُهُ فَلَا يُبَالِي بِكَوْنِهِ بِغَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ يَقْتَضِي إلْحَاقَ حَالَةِ الطَّلْقِ لِلْحَامِلِ وَالْمُبَارِزَةِ بِحَالِ الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَبْرُزَ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّقَ مَا هُوَ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَرَضِ، عَلَى أَنَّهُ غَالِبًا مُتَعَلِّقٌ بِالْخَوْفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ غَلَبَةَ الْهَلَاكِ فَتَأَمَّلْ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ فَشْوِ الطَّاعُونِ فَهَلْ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَصِحَّاءِ حُكْمُ الْمَرَضِ فَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَلَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا (قَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ) أَيْ طَالِقٌ بَائِنٌ لِأَنَّ الْفِرَارَ يَثْبُتُ بِهِ لَا بِالرَّجْعِيِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ إلَخْ) ضَبْطُهُ إمَّا أَنْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلِ أَحَدٍ أَوْ لَا. الثَّانِي التَّعْلِيقُ بِنَحْوِ مَجِيءِ الْغَدِ وَالْأَوَّلُ إمَّا بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ إمَّا الْمَرْأَةُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، وَالْكُلُّ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ وَوُقُوعُ الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطُ فَقَطْ. فَفِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ إنْ كَانَا فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ لِظُهُورِ قَصْدِ الْفِرَارِ بِالتَّعْلِيقِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ. وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْمَرَضِ. وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا بِنَفْسِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا: يَعْنِي يَسْلَمُ قَوْلُ زُفَرَ إنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْجَزِ لَكِنْ حُكْمًا لَا قَصْدًا، وَلِذَا لَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَقَعَ، وَلَوْ حَلَفَ بَعْدَ

وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ فَارًّا لِوُجُودِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ، إمَّا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ بُدٌّ فَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَكَلَامِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَرِثْ لِأَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ تَرِثُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِمَا لَهَا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ خَوْفِ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيقِ لَا يُطَلِّقُ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَمْ يَحْنَثْ، فَلَوْ كَانَ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَمْ يَقَعْ فِي الْأَوَّلِ وَحَنِثَ فِي الثَّانِي وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَارًّا بِالتَّعْلِيقِ فِي الصِّحَّةِ وَبَعْدَهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى مَنْعِ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا. وَأَمَّا فِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَتَرِثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُ الشَّرْطِ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ لِوُجُودِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ: إمَّا بِالتَّعْلِيقِ إنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ، أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَكَوْنُ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْهُ غَايَةَ مَا يُوجِبُ اضْطِرَارَهُ، وَالِاضْطِرَارُ فِي جَانِبِ الْفَاعِلِ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ، كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ أَتْلَفَهُ نَائِمًا أَوْ مُخْطِئًا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ فِعْلُهُ بِالظُّلْمِ، وَحَقُّهَا صَارَ مَعْصُومًا بِمَرَضِهِ فَاضْطِرَارُهُ إلَى إبْطَالِهِ يَرُدُّ عَلَيْهِ تَصَرُّفَهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْفِرَارِ مَعَ عَدَمِ الْفِرَارِ، وَمَا كَانَ مُوجِبَ الْمِيرَاثِ إلَّا الْفِرَارُ وَلَا فِرَارَ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ بُدٌّ فَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ) رُبَّمَا يُعْطِي أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ الْفِرَارِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ التَّعْلِيقُ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْفِرَارُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ لَكِنَّ ثُبُوتَ الْفِرَارِ مَعَ كَوْنِ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حَالَتَيْ كَوْنِ التَّعْلِيقِ فِي الْمَرَضِ أَوْ الصِّحَّةِ. وَعَلَى الثَّانِي لَا يَسْتَقِيمُ النَّظَرُ إلَى التَّعْلِيقِ فِي إثْبَاتِ الْفِرَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ اضْطِرَارٌ جَاءَ مِنْهُ حَيْثُ عُلِّقَ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِوُرُودِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَى الشَّرْطِ يَفْعَلُهُ فَكَانَ حَالَ التَّعْلِيقِ رَاضِيًا بِالشَّرْطِ، بَلْ إنَّمَا عَلَّقَ لِيَفْعَلَ الشَّرْطَ وَيَقَعَ الْجَزَاءُ وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَكَلَامِ زَيْدٍ لَمْ تَرِثْ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِالطَّلَاقِ، إذْ الرِّضَا بِالشَّرْطِ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ. أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ لِشَرِيكِهِ إنْ ضَرَبَتْهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ يُعْتَقُ وَلِلضَّارِبِ تَضْمِينُ الْحَالِفِ فَقَدْ رَضِيَ

أَوْ فِي الْعُقْبَى وَلَا رِضًا مَعَ الِاضْطِرَارِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ صُنْعٌ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَرِثُ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَلْجَأَهَا إلَى الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْتَقِل الْفِعْلُ إلَيْهِ كَأَنَّهَا آلَةٌ لَهُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ. قَالَ (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْ) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَرِثُ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ حِينَ أَوْقَعَ فِي الْمَرَضِ وَقَدْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَرَضُ إذَا تَعَقَّبَهُ بُرْءٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ مَرَضُ الْمَوْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا. وَلَوْ طَلَّقَهَا فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ مِنْ مَرَضِهِ وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشَّرْطِ، وَلَمْ يَجْعَل ذَلِكَ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَى فِعْلِ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْ هَذَا الْعَبْدَ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ لَهُ شَرِيكُهُ إنْ ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ فَلِلضَّارِبِ تَضْمِينُ الْحَالِفِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى فِعْلِ الشَّرْطِ، وَفِعْلُ الشَّرْطِ مُضْطَرًّا لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. وَأَجَابَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ فَيَبْطُلُ بِمَا لَهُ شُبْهَةُ الرِّضَا، وَلَا كَذَلِكَ الضَّمَانُ، وَقَدْ وُجِدَ هُنَا شُبْهَةُ رِضَا الْمَرْأَةِ فَكَفَى لِنَفْيِ حُكْمِ الْفِرَارِ (وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَالصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ) وَمِنْهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَاؤُهُ وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَالتَّنَفُّسُ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ) بِأَنْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ صَارَ الْمُكْرِهُ مُتْلِفًا حَتَّى يَضْمَنَ وَيَنْتَقِلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ، فَكَذَا هُنَا، وَكَفِعْلِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الشَّاهِدَيْنِ حَتَّى يَضْمَنَانِ إذَا رَجَعَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَلْجَأً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْضِ يَفْسُقُ. وَفِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا) يَعْنِي الْفِرَارَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْخَاصِّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا بِالْإِبَانَةِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ خِلَافُهُ. أَوْ نَقُولُ: هُوَ بِطَلَاقِهِ فَارٌّ لَكِنَّ الْفِرَارَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِشَرْطِ ثُبُوتِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا فَانْتَفَى شَرْطُ عَمَلِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا) أَيْ بَائِنًا

فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْ، وَإِنْ لَمْ تَرْتَدَّ بَلْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فِي الْجِمَاعِ وَرِثَتْ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ أَبْطَلَتْ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَلَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ، وَبِالْمُطَاوَعَةِ مَا أَبْطَلَتْ الْأَهْلِيَّةَ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ وَهُوَ الْبَاقِي، بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفُرْقَةَ فَتَكُونُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ السَّبَبِ، وَبَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهَا فَافْتَرَقَا (وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَاعَنَ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَرِثُ، وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَهَذَا مُلْحَقٌ بِالتَّعْلِيقِ بِفِعْلِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى الْخُصُومَةِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ (وَإِنْ آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْ، وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ أَيْضًا فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ) لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ خَالِيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثًا أَوْ غَيْرَهُ فِي مَرَضِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الطَّلَاقِ نَفْسِهِ مَسْأَلَةَ الْمُطَاوَعَةِ وَقَالَ إنَّهَا تَرِثُ، وَلَا يَتَفَرَّعُ إرْثُهَا عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ بَائِنًا لِأَنَّهَا إذَا طَاوَعَتْهُ بَعْدَ الرُّجْعَى لَا تَرِثُ كَمَا لَوْ طَاوَعَتْهُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ لَمْ تَرِثْ) بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا بِالرِّدَّةِ تَسْقُطُ ثُمَّ بِالْإِسْلَامِ تَعُودُ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّتُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ وَهُوَ الْبَاقِي) بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُزِيلُهُ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ بَلْ تَثْبُتُ مَعَهُ كَمَا فِي الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فَإِنَّمَا تُنَافِي النِّكَاحَ خَاصَّةً فَيَبْقَى الْإِرْثُ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ فَمَرْجِعُ ضَمِيرِ وَهُوَ الْبَاقِي الْإِرْثُ (قَوْلُهُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ) أَيْ حَالَةَ الْمَرَضِ (قَوْلُهُ فَتَكُونُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ السَّبَبِ) وَهُوَ النِّكَاحُ وَذَلِكَ رِضًا بِبُطْلَانِ الْمُسَبِّبِ (قَوْلُهُ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهَا) أَيْ لِتَقَدُّمِ الْحُرْمَةُ عَلَى الْمُطَاوَعَةِ لِحُصُولِهَا بِالطَّلَاقِ السَّابِقِ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ: أَيْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ، وَلَا رِضًا مَعَ الِاضْطِرَارِ كَذَا قِيلَ. وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَلْجَأَهَا إلَى الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهِ إلَخْ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، وَمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُوَازِنُ لِمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْقَذْفَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ، وَاللِّعَانَ فِي الْمَرَضِ وَقَوْلُهُ (إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى الْخُصُومَةِ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُلْحَقَ بِفِعْلِهَا الشَّرْطُ الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ هُوَ خُصُومَتُهَا: أَيْ مُطَالَبَتَهَا بِمُوجَبِ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ بِهِ يَنْدَفِعُ الْعَارُ، وَلَوْ جُعِلَ لِعَانُهَا صَحَّ أَيْضًا إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ إذْ لِعَانُهُ يُلْجِئُهَا إلَى لِعَانِهَا. لَا يُقَالُ: هُوَ أَيْضًا مَلْجَأٌ إلَى لِعَانِهِ مِنْ قِبَلِهَا لِأَنَّ الْإِلْجَاءَ فِي الْكُلِّ يَعُودُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهَا إلَى الْخُصُومَةِ وَأَثَرُهَا لِعَانُهُ فَكَانَ لِعَانُهُ مَنْسُوبًا إلَى اخْتِيَارِهِ، فَهِيَ وَإِنْ بَاشَرَتْ آخِرَ جُزْأَيْ مَدَارِ الْفُرْقَةِ وَهُوَ مَا تَمَسَّك بِهِ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي لِأَنَّ لِعَانَهَا آخِرُ اللِّعَانَيْنِ لَكِنَّ الزَّوْجَ اضْطَرَّهَا إلَيْهِ. وَقِيلَ فِي وَجْهِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْفُرْقَةُ قَذْفُ الرَّجُلِ وَلَمْ يَكُنْ قَذَفَهُ فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ سَبَبٌ بَعِيدٌ. ثُمَّ قِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ إنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ قَضَاءُ الْقَاضِي لَا اللِّعَانُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ

عَنْ الْوِقَاعِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِالتَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ قَالَ (وَالطَّلَاقُ الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ تَرِثُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُلْجِئُ لِلْقَاضِي إلَى الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ لَا يَسْتَنِدُ إلَّا إلَى الشَّهَادَةِ وَاللِّعَانُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُلْجِئَةِ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِالتَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ) كَأَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ أَقْرَبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَمَضَتْ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ فِيهِ لَا تَرِثُ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ فِي صِحَّتِهِ بِأَمْرِ سَمَاوِيٍّ وَوُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَا يَكُونُ فَارًّا. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِيلَاءَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ مِثْلَ التَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ بَلْ نَظِيرُ مَا لَوْ وَكَّلَ فِي صِحَّته بِالطَّلَاقِ وَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الْمَرَضِ كَانَ فَارًّا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَزْلِهِ، فَإِذَا لَمْ يَعْزِلْهُ كَانَ فَارًّا كَذَا هُنَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إبْطَالِ الْإِيلَاءِ فِي الْمَرَضِ بِالْفَيْءِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَارًّا. أُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ الْإِيلَاءِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ، فَإِنَّ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْإِيلَاءُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، بَلْ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْعَجْزِ وَاسْتَمَرَّ بِخِلَافِ عَزْلِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بِسُؤَالِهَا أَوْ لَا، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهِ، وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهِ إلَّا قِيَامُ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ مَشْرُوطٌ فِيهِمَا جَمِيعًا. [فُرُوعٌ] قَالَ صَحِيحٌ لِمَوْطُوءَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَيَّنَ فِي مَرَضِهِ فِي إحْدَاهُمَا صَارَ فَارًّا بِالْبَيَانِ، وَتَرِثُ لِأَنَّهُ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِيهَا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ، كَمَا لَوْ أَنْشَأَ فَجَعَلَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِلتُّهْمَةِ. وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى وَلَمْ تَرِثْ لِأَنَّهُ بَيَانٌ حُكْمِيٌّ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ فِي صِحَّتِهِ بِمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ فَجَاءَ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا تَرِثُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلطَّلَاقِ بِفِعْلِهِ فَتَرِثُ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ فِي صِحَّتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا نِصْفُ الْإِرْثِ إذْ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا مُطَلَّقَةٌ بِيَقِينٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ مَاتَتْ الَّتِي بَيَّنَ طَلَاقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ تَرِثْ مِنْهُ وَصَحَّ الْبَيَانُ فِيهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْ بَيَانِهِ بِخُرُوجِهَا عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ بِالْمَوْتِ، وَكَانَ الْإِرْثُ لِلْأُخْرَى لِأَنَّ التَّعْيِينَ دُونَ الْإِنْشَاءِ، وَلَوْ أَنْشَأَ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمُطَلَّقَةُ كَانَ جَمِيعُ الْإِرْثِ لِلْأُخْرَى، كَذَا هُنَا. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُخْرَى وَبَقِيَتْ الَّتِي بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِيهَا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَهَا نِصْفُ الْإِرْثِ لِأَنَّ الْبَيَانَ إنَّمَا بَطَلَ صِيَانَةً لِحَقِّهَا الثَّابِتِ ظَاهِرًا وَحَقُّهَا الثَّابِتُ ظَاهِرًا وَقْتَ الْبَيَانِ النِّصْفُ فَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا تَسْتَحِقُّ إلَّا النِّصْفَ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى كَانَ لَهَا الرُّبْعُ وَثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ لِلْمَرْأَةِ الْأُخْرَى، لِأَنَّنَا إنَّمَا أَبْطَلْنَا الْبَيَانَ صِيَانَةً لِحَقِّهَا الثَّابِتِ وَقْتَ الْبَيَانِ وَوَقْتَ الْبَيَانِ حَقُّهَا فِي الرُّبْعِ فَكَانَ لِلْمُعَيَّنَةِ الرُّبْعُ، وَلِأَنَّ الْأُخْرَى مَنْكُوحَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَسْتَحِقُّ كُلَّ الْإِرْثِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ، فَسَلِمَ النِّصْفُ لِلْأُخْرَى بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ الزَّوْجُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَقَلِّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَهُوَ لَيْسَ بِبَيَانٍ وَبَقِيَ الزَّوْجُ عَلَى خِيَارِهِ لِأَنَّ الْعَلُوقَ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ بِوَطْءٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَذَا لَا يَصْلُحُ بَيَانًا فَلَا يَكُونُ بَيَانًا بِالشَّكِّ إذْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ لِاحْتِمَالِ الْعَلُوقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ نَفَى الزَّوْجُ هَذَا الْوَلَدَ أُمِرَ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ قَالَ عَنَيْت عِنْدَ الْإِيقَاعِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ يُلَاعَنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّتِي وَلَدَتْ وَيُقْطَعُ

فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى يُحِلَّ الْوَطْءَ فَكَانَ السَّبَبُ قَائِمًا. قَالَ (وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَرِثُ إنَّمَا تَرِثُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ) وَقَدْ بَيِّنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَيُلْحَقُ بِالْأُمِّ لِأَنَّهُ قَذَفَ مَنْكُوحَتَهُ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت الَّتِي وَلَدَتْ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُرَادُهُ وَقْتَ الْإِيقَاعِ الَّتِي وَلَدَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً فَيَجِبُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ اللِّعَانِ. فَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْنِ عِنْدَ الْإِيقَاعِ أَحَدًا وَلَكِنْ أُرِيدُ بِالْمُبْهَمِ الَّتِي وَلَدَتْ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَ مَنْكُوحَتَهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَقْتَ التَّعْيِينِ وَلَا يُلَاعِنُ أَيْضًا لِأَنَّ شَرْطَهُ قِيَامُ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ بِالْبَيَانِ وَالنَّسَبُ ثَابِتٌ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرِ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ لِتَيَقُّنِنَا بِالْوَطْءِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَحُكْمُ الشَّرْعِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ يَكُونُ الْوَطْءُ مِنْهُ ضَرُورَةً، وَالْوَطْءُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بَيَانٌ إجْمَاعًا وَتَعَيَّنَتْ الَّتِي وَلَدَتْ لِلنِّكَاحِ، فَإِنْ نَفَى الْوَلَدَ لَاعَنَ وَلَا يَنْقَطِعُ النَّسَبُ عَنْهُ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِالْعَلُوقِ مِنْهُ مَانِعٌ مِنْ قَطْعِ النَّسَبِ عَنْهُ، فَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَقَلِّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ وَالْأُخْرَى وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ صَاحِبَةُ الْأَقَلِّ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّ وَطْأَهَا لَا يَصْلُحُ بَيَانًا وَوَطْءُ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ يَصْلُحُ بَيَانًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلُودَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَصَلَ بِعَلُوقٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بِيَقِينٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، أَمَّا عَلُوقُ الْأُخْرَى فَمَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانًا، وَعِدَّةُ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَ بَيْنَ وِلَادَتِهَا وَبَيْنَ وِلَادَةِ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ بَعْدَهَا أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَيَقُّنِنَا أَنَّ عَلُوقَ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ وَوَطْأَهَا كَانَ قَبْلَ وِلَادَةِ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ وَقَبْلَ الْوِلَادَةِ هِيَ حَامِلٌ وَعِدَّةُ الْحَامِلِ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَعِدَّةُ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ بِالْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ وَطْءَ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ كَانَ بَعْدَ وِلَادَةِ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ، وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِوَطْءِ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ أَوَّلًا طَلُقَتْ صَاحِبَةُ الْأَكْثَرِ بِإِقْرَارِهِ. وَلَا يَصْدُقُ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ فَطَلُقَتَا، كَمَنْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ وَعَنَيْتهَا طَلُقَتَا، وَإِنْ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ وَبَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ يَوْمٌ أَوْ أَكْثَرُ فَوِلَادَةُ الْأُولَى تَكُونُ بَيَانًا لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى، فَإِذَا وَلَدَتْ الْأُخْرَى بَعْدَهُ لَا يَتَحَوَّلُ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ عَلَيْهَا إلَى غَيْرِهَا، وَصَارَ كَمَا إذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ الْأُخْرَى يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ آخِرًا كَذَا هُنَا، وَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ. أَمَّا وَلَدُ الْأُولَى فَظَاهِرٌ، وَكَذَا وَلَدُ الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ وَطْئِهَا قَبْلَ عَلُوقِ الْأُولَى، وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَلَدًا آخَرَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الثَّانِي مِنْهُ أَيْضًا وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِعَلُوقِ الْوَلَدِ الثَّانِي حَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَحَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَطِئَهَا قَبْلَ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى رَحِمِهَا لِانْسِدَادِ فَمِهِ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَمْلَ انْفَتَحَ فَمُ الرَّحِمِ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَعَلَقَ الْوَلَدُ الثَّانِي قَبْلَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ حَالُ نُزُولِ الثَّلَاثِ وَالشَّيْءُ فِي نُزُولِهِ غَيْرُ نَازِلٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا فَيَتَعَلَّقُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَجِبُ الْعُقْرُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ مُعَلَّقًا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْكَافِي.

[باب الرجعة]

بَابُ الرَّجْعَةِ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْضَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الرَّجْعَةِ] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي إعْقَابِ الطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ ظَاهِرٌ، وَالرَّجْعَةُ تَتَعَدَّى وَلَا تَتَعَدَّى، يُقَالُ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَرَجَعْته إلَى أَهْلِهِ: أَيْ رَدَدْته، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] وَيُقَالُ فِي مَصْدَرِهِ أَيْضًا رَجْعًا وَرُجُوعًا وَمَرْجِعًا وَالرَّجْعِيُّ وَالرَّجْعَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَرُبَّمَا قَالُوا إلَى اللَّهِ رُجْعَانُك (قَوْلُهُ رَجْعِيَّةً) الرَّجْعِيُّ تَطْلِيقُ الْمَدْخُولِ بِهَا مَا دُونَ الثَّلَاثِ بِلَا مَالٍ، أَوْ مَا دُونَ الثِّنْتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ وَالْمُشَبَّهِ أَوْ بِبَعْضِ الْكِنَايَاتِ الْمَخْصُوصَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْكِنَايَاتِ. وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِالْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ فَلَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كِنَايَاتٍ رَجْعِيَّةٍ غَيْرِهَا فَمَا فَقَدَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَلَيْسَ بِرَجْعِيٍّ كَالثَّلَاثِ وَغَالِبِ الْكِنَايَاتِ وَلَوْ بِلَا مَالٍ وَكَالْوَاحِدَةِ عَلَى مَالٍ وَقَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ لَهَا قَبْلَهُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الرَّجْعَةُ، وَالْمَوْصُوفُ وَالْمُشَبَّهُ مُسْتَدْرَكَانِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] بَعْدَ قَوْلِهِ {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ثُمَّ قَوْلِهِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِ الْأَجَلِ قُرْبُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ: أَيْ فَقُرْبُ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ. فَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ لَا إعَادَةُ الزَّائِلِ، وَعَلَى شَرْعِيَّةِ الرَّجْعَةِ شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُطْلَقٌ فِي التَّقْدِيرَيْنِ وقَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ تَوَقُّفِ الرَّجْعَةِ عَلَى رِضَاهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ أَحَقَّ مُطْلَقًا: أَيْ هُوَ الَّذِي لَهُ حَقُّ الرَّجْعَةِ وَإِنْ أَبَتْ هِيَ وَأَبُوهَا، وَحِكْمَتُهُ اسْتِدْرَاكُ الزَّوْجِ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ التَّفْرِيطِ فِي حَقِّهِ مِنْ النِّكَاحِ لَا لِغَيْرِهِ لَا أَنَّهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْعِدَّةِ إذْ لَا يَكُونُ بَعْدَهَا بَعْلًا، وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ النِّكَاحِ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَنَّ إطْلَاقَ الرَّدِّ لَا يُوجِبُ كَوْنَ الْبَعْلِ مُجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ لِأَنَّ الرَّدَّ يَصْدُقُ حَقِيقَةً بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ زَوَالِ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَالَ بَعْدُ. يُقَالُ رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي بَيْعٍ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ كَمَا يُقَالُ بَعْدَ الزَّوَالِ يَجُوزُ رَدُّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ تَعَارَضَا كَانَ حَمْلُ الرَّدِّ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُجَازٌ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِيقَةِ الْبَعْلِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْبَعْلِ مُجَازًا مُحَافَظَةً عَلَى حَقِيقَةِ الرَّدِّ لِتَأَيُّدِ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الْبَعْلِ بِجَعْلِ الرَّجْعَةِ إمْسَاكًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] أَوْ نَقُولُ: يُمْكِنُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْحَقِيقَتَيْنِ بِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالرَّدِّ

وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَمَّى إمْسَاكًا وَهُوَ الْإِبْقَاءُ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِدَامَةُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا (وَالرَّجْعَةُ أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ (أَوْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ) وَهَذَا عِنْدَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّدَّ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ كَوْنُهَا بِحَيْثُ لَا تَحْرُمُ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ) إمْسَاكٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ أَوَّلًا وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَزُولُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا مِلْكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِيُسْتَدَامَ، وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَمَا وَقَعَ الْإِطْلَاقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى رِضَاهَا وَعَدَمِهِ كَذَلِكَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى قِيَامِ الْعِدَّةِ وَعَدَمِهَا. أَجَابَ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ قِيَامِهَا ضَرُورِيٌّ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَهَذَا صَرِيحٌ) أَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ رَاجَعْتُك فِي حَالِ خِطَابِهَا وَرَاجَعْت امْرَأَتِي فِي حَالِ غِيبَتِهَا وَحُضُورِهَا أَيْضًا، وَمِنْ الصَّرِيحِ ارْتَجَعْتُك وَرَجَعْتُك وَرَدَدْتُك وَأَمْسَكْتُك. وَفِي الْمُحِيطِ: مَسَكْتُك بِمَنْزِلَةٍ أَمْسَكْتُك وَهُمَا لُغَتَانِ، فَهَذِهِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِهَا بِلَا نِيَّةٍ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُشْتَرَطُ فِي رَدَدْتُك ذِكْرُ الصِّلَةِ فَيَقُولُ إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي أَوْ إلَى عِصْمَتِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِارْتِجَاعِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ حَسَنٌ إذْ مُطْلَقُهُ يُسْتَعْمَلُ لِضِدِّ الْقَبُولِ. وَالْكِنَايَاتُ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت وَأَنْتِ امْرَأَتِي فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تَصْدُقُ عَلَى إرَادَتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِمْسَاكِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّزَوُّجِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ رَجْعَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ رَجْعَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَزَوُّجَ الزَّوْجَةِ مَلْغِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي ضِمْنِهِ. قُلْنَا نَحْنُ لَا نَعْتَبِرُهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ التَّزَوُّجِ مَجَازًا فِي مَعْنَى الْإِمْسَاكِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ رَاجَعْتُك بِمَهْرِ أَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ قَبِلْت صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَهْرِ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا. وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَالْحَاوِي قَالَ: رَاجَعْتُك عَلَى أَلْفٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَجِبُ الْأَلْفُ وَلَا تَصِيرُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ أَحَدَ قَوْلَيْ مَالِكٍ خِلَافًا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِرَاجَعْتُكِ بِلَا نِيَّةٍ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ كَمَا فِي نِكَاحِ الْهَازِلِ (قَوْلُهُ أَوْ يُقَبِّلُهَا أَوْ يَلْمِسُهَا بِشَهْوَةٍ) يُحْتَمَلُ كَوْنُ الشَّهْوَةِ قَيْدًا فِي اللَّمْسِ لَا فِيهِمَا لِأَنَّهُ أَفْرَدَ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ بِقَيْدِ الشَّهْوَةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ غَرَضِهِ التَّشْرِيكُ فِي الْقَيْدِ لَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ الْكُلِّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ: التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرُ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ رَجْعَةٌ، وَلَمْ يُقَيِّدْ التَّقْبِيلَ فِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى دُبْرِهَا فَلَيْسَ بِرَجْعَةٍ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُكْرَهُ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَدَلَّ أَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ رَجْعَةً. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ فَقَيَّدَ الْقُبْلَةَ بِالشَّهْوَةِ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ إنَّ الْفِعْلَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الِاسْتِدَامَةِ وَالدَّلَالَةُ إنَّمَا تَقُومُ بِفِعْلٍ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ: أَيْ يَخْتَصُّ حُكْمُهُ بِهِ يُفِيدُ عَدَمَ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ حَتَّى يَحْرُمَ وَطْؤُهَا، وَعِنْدَنَا هُوَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَسَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفِعْلُ قَدْ يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِدَامَةِ كَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتِرَاطِهَا فِي الْقُبْلَةِ لِأَنَّ الْقُبْلَةَ مُطْلَقًا يَخْتَصُّ حُكْمُهَا بِهِ، بِخِلَافِ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَخْتَصَّانِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَا عَنْ شَهْوَةٍ لِمَا يُذْكَرُ فَلَا يَكُونَانِ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ دَلِيلًا، وَلَا يَكُونُ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إلَى غَيْرِ دَاخِلِ الْفَرْجِ مِنْهَا رَجْعَةً. هَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ فِي كَوْنِهِ رَجْعَةً إذَا كَانَ مَا صَدَرَ مِنْهَا بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا اتِّفَاقًا، فَإِنْ كَانَ اخْتِلَاسًا مِنْهَا بِأَنْ كَانَ نَائِمًا مَثَلًا لَا بِتَمْكِينِهِ، أَوْ فَعَلَتْهُ وَهُوَ مُكْرَهٌ أَوْ مَعْتُوهٌ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ انْتَهَى، وَعَنْ مُحَمَّد كَقَوْلٍ أَبِي يُوسُفَ. وَذَكَرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ الِاعْتِبَارُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا أَدْخَلَتْ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ كَانَتْ رَجْعَةً اتِّفَاقًا، كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا فَعَلَتْ بِالْبَائِعِ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ. وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بِأَنَّ إسْقَاطَ الْخِيَارِ قَدْ يَكُونَانِ بِفِعْلِهَا كَمَا إذَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَالرَّجْعَةُ لَا تَكُونُ بِفِعْلِهَا قَطُّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي الْجَارِيَةِ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِفِعْلِهَا، هَذَا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فِي الشَّهْوَةِ، فَإِذَا أَنْكَرَ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَكَذَا إنْ مَاتَ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ، وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا غَيْبٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَلَا تَكُونُ الْخَلْوَة وَلَا الْمُسَافَرَةُ بِهَا رَجْعَةً إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، وَتُكْرَهُ الْمُسَافَرَةُ بِهَا كَكَرَاهَةِ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَنْزِلِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُكْرَهُ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَخْرَسِ وَمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ سَبَبُ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ الْقَائِمِ أَوْ سَبَبُ اسْتِحْدَاثِ الْحِلِّ الزَّائِلِ. قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَقَالَ بِالثَّانِي، وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي حِلُّ الْوَطْءِ وَحُرْمَتُهُ، فَعِنْدَنَا يَحِلُّ لِقِيَامِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَكُونُ الْحِلُّ قَائِمًا قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَعِنْدَهُ إنْشَاءُ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتِيفَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَشَرْطٌ عِنْدَهُ عَلَى قَوْلٍ لَهُ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسَمَّى إمْسَاكًا (قَوْلُهُ وَسَنُقَرِّرُهُ) أَيْ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا: أَيْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ إلَى آخِرِهِ، وَهُنَاكَ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ) يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ الْمُخْتَصِّ

وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ وَهَذِهِ الْأَفَاعِيلُ تَخْتَصُّ بِهِ خُصُوصًا فِي الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ بِدُونِ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْقَابِلَةِ وَالطَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا، وَالنَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْفَرْجِ قَدْ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسَاكِنَيْنِ وَالزَّوْجُ يُسَاكِنُهَا فِي الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَ رَجْعَةً لَطَلَّقَهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَاهِدَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمِلْكِ كَمَنْ بَاعَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى اسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ فِيهَا فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ، فَكَمَا أَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِاسْتِدَامَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ يَثْبُتُ بِالْفِعْلِ كَذَلِكَ اسْتِدَامَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بَعْدَ سَبَبِ الزَّوَالِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الْبَيْعَ مَعَهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالطَّلَاقُ يُزِيلُهُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ فَكَانَ أَضْعَفَ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ. وَبِقَوْلِنَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْجِمَاعُ رَجْعَةٌ عِنْدَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَجَابِرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ: إنْ أَرَادَ بِهِ الرَّجْعَةَ فَهُوَ رَجْعَةٌ (قَوْلُهُ خُصُوصًا فِي الْحُرَّةِ) فَإِنَّهُ لَا سَبَبَ لِحِلِّهَا فِيهَا مُطْلَقًا إلَّا النِّكَاحُ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ فِيهَا بِأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ وَغَيْرِهِمَا) كَالْخَاتِنَةِ وَالشَّاهِدِ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ) أَيْ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْفَرْجِ رَجْعَةً لَطَلَّقَهَا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الطَّلَاقُ، وَهَذَا التَّعْمِيمُ يُفِيدُ أَنَّ النَّظَرَ إلَى دُبْرِهَا لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَبِهِ صَرَّحَ فِي نِكَاحِ الزِّيَادَاتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبْرِ أَشَارَ الْقُدُورِيُّ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ رَجْعَةٌ إذْ هُوَ مَسٌّ بِشَهْوَةٍ وَزِيَادَةٌ لَا تَرْفَعُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ وَلَا تَصِحُّ بِالْقَوْلِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. وَقِيلَ بِهِمَا. وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ ثُمَّ قَالَ وَطِئْتهَا وَأَنْكَرَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ. وَلَوْ قَالَ لَمْ أَدْخُلْ بِهَا لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. وَتَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهَا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَاطِلٌ كَالنِّكَاحِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّهُ يُرَاجِعُ بِالْقَوْلِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ: الرَّجْعَةُ سُنِّيَّةٌ وَبِدْعِيَّةٌ،

فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا تَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ. وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْإِشْهَادِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ، وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ، إلَّا أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَيْ لَا يَجْرِيَ التَّنَاكُرُ فِيهَا، وَمَا تَلَاهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ وَهُوَ فِيهَا مُسْتَحَبٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالسُّنِّيَّةُ بِالْقَوْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَاهِدَيْنِ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ) الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَا إشْهَادٍ وَأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَقَوْلِنَا فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةً عَنْهُ، وَكَذَا الْمَنْسُوبُ إلَى الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ لَهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبَسِيطِ وَفِي الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ: الْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَهُمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى الْأَظْهَرِ (قَوْلُهُ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ فِي الرَّجْعَةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْإِشْهَادِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَقَوْلُهُ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وقَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَقَوْلُهُ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرْ ابْنَكَ فَلْيُرَاجِعْهَا» وَهَذِهِ النُّصُوصُ سَاكِتَةٌ عَنْ قَيْدِ الْإِشْهَادِ فَاشْتِرَاطُهُ إثْبَاتٌ بِلَا دَلِيلٍ وَمَا تُلِيَ فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ إذْ الْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدْبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَرَنَ الرَّجْعَةَ بِالْمُفَارِقَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَدْ أَمَرَ بِشَيْئَيْنِ فِي جُمْلَتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يُرَادُ بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ كَالْوُجُوبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالْمَجَازِيُّ كَالنَّدْبِ، فَإِذَا ثَبَتَ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا لَزِمَ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَلِكَ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ وَإِلَّا لَزِمَ تَعْمِيمُ اللَّفْظِ فِي الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا وَقَدْ ثَبَتَ إرَادَةُ النَّدْبِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفَارَقَةِ فَلَزِمَ إرَادَتُهُ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، فَيَكُونُ النَّدْبُ الْمُرَادُ بِهِ شَامِلًا لَهُمَا وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا. أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَيُجِيزُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَنْتَهِضُ هَذَا عَلَيْهِ إلَّا بِانْتِهَاضِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ عَلَى وَجْهٍ بَدِيعٍ فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي الْأُصُولِ، وَمَعَ هَذَا التَّقْرِيرِ لَا حَاجَةَ

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْلِمَهَا كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ (وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَدَّقَتْهُ فَهِيَ رَجْعَةٌ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ . (وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَا: تَصِحُّ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ الْعِدَّةَ إذْ هِيَ بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا إلَى أَنْ تُخْبِرَ وَقَدْ سَبَقَتْهُ الرَّجْعَةُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا صَادَفَتْ حَالَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى إيرَادِ أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ فَكَيْفَ قُلْتُمْ بِهِ هُنَا وَالِاشْتِغَالُ بِجَوَابِهِ لِلْمُتَأَمِّلِ أَصْلًا؟ (قَوْلُهُ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ) قِيلَ عَلَيْهِ لَا مَعْصِيَةَ بِدُونِ عِلْمِهَا بِالرَّجْعَةِ. وَدَفَعَ بِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ تَقَعُ فِي الْمَعْصِيَةِ لِتَقْصِيرِهَا فِي الْأَمْرِ. وَاسْتَشْكَلَ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا إيجَابٌ لِلسُّؤَالِ عَلَيْهَا وَإِثْبَاتُ الْمَعْصِيَةِ بِالْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهَا، وَلَيْسَ السُّؤَالُ إلَّا لِدَفْعِ مَا هُوَ مُتَوَهَّمُ الْوُجُودِ بَعْدَ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ فَهُوَ وِزَانُ إعْلَامِهِ إيَّاهَا إذْ هُوَ أَيْضًا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَكَذَا سُؤَالُهَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا لِأَنَّهَا فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ، وَلَوْ رَاجَعَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَهِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ دَخَلَ بِهَا الْأَوَّلُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ إلَخْ) هُنَا مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى إذَا لَمْ يُظْهِرْ رَجْعَتَهَا فِي الْعِدَّةِ حَتَّى انْقَضَتْ فَقَالَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِانْقِضَائِهَا كُنْت رَاجَعْتُك فِيهَا. وَالثَّانِيَةُ قَالَ قَبْلَ الْعِلْمِ رَاجَعْتُك عَلَى سَبِيلِ الْإِنْشَاءِ. أَمَّا الْأُولَى فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً أَوْ حُرَّةً، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ أَوْ تُكَذِّبَهُ،

الِانْقِضَاءِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الِانْقِضَاءِ فَإِذَا أَخْبَرَتْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبْقِ الِانْقِضَاءِ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حَالُ قَوْلِ الزَّوْجِ وَمَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَالطَّلَاقُ يَقَعُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ وَالْمُرَاجَعَةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي الْحُرَّةِ إنْ صَدَّقَتْهُ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ لَا تَثْبُتُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ وَالْخَبَرُ مُجَرَّدُ دَعْوَى تَمَلُّكِ بُضْعِهَا بَعْدَ ظُهُورِ انْقِطَاعِ مِلْكِهِ، وَمُجَرَّدُ دَعْوَى مِلْكٍ فِي وَقْتٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَبُولُهَا مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فِيهِ إنْشَاؤُهُ كَأَنْ يَقُولَ فِي الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ تَثْبُتُ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَّهَمًا فِيهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يُنْشِئَهُ فِي الْحَالِ أَوْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إنْشَاءً إنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ تَحْتَمِلُهُ، فَصَارَ كَالْوَكِيلِ إذَا أَخْبَرَ قَبْلَ الْعَزْلِ بِبَيْعِ الْعَيْنِ يُصَدَّقُ لِمِلْكِهِ الْإِنْشَاءَ، وَبَعْدَ مَا بَلَغَهُ الْعَزْلُ لَوْ أَخْبَرَ بِبَيْعِهِ سَابِقًا وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ حَيْثُ لَمْ يُخْبِرْ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ إذَا كَذَّبَتْهُ بَلْ تَذْهَبُ إلَى حَالِهَا بِلَا يَمِينٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ إحْدَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي لَا يَمِينَ فِيهَا عِنْدَهُ وَفِي الْأَمَةِ إذَا كَذَّبَتْهُ وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى. وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَقَوْلِهِمَا، وَسَتَأْتِي أَوْجُهُ الْأَقْوَالِ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِلْحُرَّةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِلْأَمَةِ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ إذَا قَالَ قَبِلَ الِانْقِضَاءَ فَلْنُوَافِقْهُ فَنَقُولُ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِنْ قَالَتْ مُجِيبَةً انْقَضَتْ عِدَّتِي مَفْصُولًا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ سُكُوتِهَا وَعَدَمِ جَوَابِهَا عَلَى الْفَوْرِ. وَلَوْ قِيلَ وَجَبَ إحَالَتُهُ عَلَى أَقْرَبِ حَالِ التَّكَلُّمِ وَذَلِكَ حَالَ سُكُوتِهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ بَعْدَ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ أَمْكَنُ، وَإِنْ قَالَتْهُ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ الِانْقِضَاءَ، فَلَوْ لَمْ تَحْتَمِلْهُ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ إلَّا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَثَبَتَ ذَلِكَ. وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهُ أَنْشَأَهَا حَالَ قِيَامِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا لِبَقَائِهَا ظَاهِرًا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا فَتَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً انْقَضَتْ عِدَّتِي لَحِقَهَا طَلْقَةٌ أُخْرَى، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ قِيَامَهَا حَالَ كَلَامِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ شَرْعًا فَوَجَبَ قَبُولُ إخْبَارِهَا وَأَقْرَبُ زَمَانٍ يُحَالُ عَلَيْهِ خَبَرُهَا زَمَانُ تَكَلُّمِهِ فَتَكُونُ الرَّجْعَةُ مُقَارِنَةً لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ، كَمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك، وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ أَنْ خَرَجَ كَلَامُ الرَّجُلِ مَعَ قَوْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي يَنْبَغِي أَنْ لَا تَثْبُتَ الرَّجْعَةُ، وَمَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ الْمَقِيسِ لَهُمَا عَلَيْهَا مَمْنُوعَةٌ فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ. قِيلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهِ لِإِقْرَارِهِ بِالْوُقُوعِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنْشَاءٌ وَلَيْسَ بِإِخْبَارٍ لِيَكُونَ إقْرَارًا، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ أَنْشَأَ فِي وَقْتٍ لَا يَصِحُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ. نَعَمْ لَوْ عَرَفَ أَنَّ

(وَإِذْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا: قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى) لِأَنَّ بُضْعَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ، فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ لِلزَّوْجِ فَشَابَهُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ يَقُولُ حُكْمُ الرَّجْعَةِ يُبْتَنَى عَلَى الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا، فَكَذَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقْتَضَى الْفِقْهِ كَوْنُ إيقَاعِهِ وُجِدَ فِي حَالِ الِانْقِضَاءِ فَلَجَّ وَقَالَ لَا أَعْتَبِرُ هَذَا بَلْ وَقَعَ لَزِمَهُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى صِحِّيَّتَهُ إنْ طَلَّقْتُك وَنَحْوَهُ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ ظَاهِرٌ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ يَحْتَمِلُهُ لِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَرَاجَعْتُك بِالْعَكْسِ. فَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ هَذَا فَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْمَنْعِ، وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا كَانَتْ مُنْقَضِيَةً حَالَ إخْبَارِهَا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ حَيْثُ لَمْ تُسْتَحْلَفْ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْهَا فِي الْعِدَّةِ أَنَّ إلْزَامَ الْيَمِينِ لِفَائِدَةِ النُّكُولِ وَهُوَ بَذْلٌ عِنْدَهُ وَبَذْلُ الِامْتِنَاعِ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالِاحْتِبَاسِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنْ بَذْلَهَا لَا يَجُوزُ، ثُمَّ إذَا نَكَلَتْ هُنَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعِدَّةِ لِنُكُولِهَا ضَرُورَةً كَثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَتِهَا بِالْوِلَادَةِ. (قَوْلُهُ إذَا قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ لَهَا عِنْدَهُ، وَقَالَا: لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ) وَهُوَ مَنَافِعُ بُضْعِهَا لِلزَّوْجِ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ. وَلَا يَخْفَى قِيَامُ الْفَرْقِ بَيْنَ إقْرَارِهِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ وَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ الزَّوْجَ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِإِنْكَاحِهَا حَالَ غَيْبَتِهَا وَعَدَمِ إذْنِهَا فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ فِي دَعْوَى الْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ يَقُولُ إنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ مِنْ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا يَنْبَنِي عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ قِيَامِهَا وَانْقِضَائِهَا وَهِيَ أَمِينَةٌ فِيهَا مُصَدَّقَةٌ فِي الْإِخْبَارِ بِالِانْقِضَاءِ وَالْبَقَاءِ لَا قَوْلَ لِلْمَوْلَى فِيهَا أَصْلًا، فَكَذَا فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مُلَازَمَةَ يَحْكُمُ بِهَا الْعَقْلُ بَيْنَ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَهَا فِي الْعِدَّةِ وَبَيْنَ كَوْنِهَا لَهَا فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا إلَّا إذَا وَقَعَ لَازِمًا لِوُجُودِ قَوْلِهَا فِي الْعِدَّةِ قَوْلًا: أَيْ بِأَنْ تَدَّعِي فِيهَا الثُّبُوتَ أَوْ الِانْقِضَاءَ فَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَعَدَمُهَا لَازِمًا لِذَلِكَ، لِأَنَّ كَوْنَ الْقَوْلِ قَوْلَهَا فِيهَا مَا ثَبَتَ إلَّا لِأَجْلِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا فِي الْمُسْتَلْزَمِ لَا لِمَعْنَى تَقْتَضِيهِ فِيهَا، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي سَمَاعَ قَوْلِهَا فِي الرَّجْعَةِ ابْتِدَاءً كَمَا هُوَ هُنَا فَإِنَّهَا لَمْ تَدَّعِ فِي الْعِدَّةِ دَعْوَى يُخَالِفُهَا فِيهَا الزَّوْجُ بَلْ اتَّفَقَا عَلَى انْقِضَائِهَا وَوَقْتِ انْقِضَائِهَا، وَإِنَّمَا ادَّعَى فِي حَالِ كَوْنِهِ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ الِانْقِضَاءِ، وَهِيَ مُنْكِرَةٌ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ) بِأَنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَصَدَّقَتْهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ.

وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَهَا وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ (وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُك فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ إذْ هِيَ الْعَالِمَةُ بِهِ . (وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لَعَشْرَةِ أَيَّامٍ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ، وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٍ) لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ، فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ، وَفِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْتَضِدَ الِانْقِطَاعُ بِحَقِيقَةِ الِاغْتِسَالِ أَوْ بِلُزُومِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ فَاكْتَفَى بِالِانْقِطَاعِ، وَتَنْقَطِعُ إذَا تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا تَيَمَّمَتْ انْقَطَعَتْ، وَهَذَا قِيَاسٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَمَّا فِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ حَتَّى يَتَّفِقَ الْمَوْلَى وَالْأَمَةُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا لَا يَحْكُمُ بِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ إلَّا إذَا اتَّفَقَا، إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِالرَّجْعَةِ وَلَا بِعَدَمِهَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الصَّحِيحِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ، وَيَسْتَلْزِمُ ظُهُورُ مِلْكِ الْمَوْلَى الْمُتْعَةَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَذَّبَتْهُ وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ بِالتَّصْدِيقِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَ الرَّجْعَةِ وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ إذْ هِيَ الْعَالِمَةُ بِهِ) دُونَ غَيْرِهَا: أَيْ بِالِانْقِضَاءِ وَلِذَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إنِّي حَائِضٌ حَتَّى لَا يَحِلَّ قُرْبَانُهَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِلسَّيِّدِ. وَلَوْ قَالَتْ وَلَدْتُ: يَعْنِي قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي بِالْوِلَادَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ قَالَتْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ بَعْضِ الْخَلْقِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطْلُبَ يَمِينَهَا عَلَى أَنَّهَا أَسْقَطَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ (قَوْلُهُ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ) أَيْ بِأَنْ يَخْرُجَ وَقْتُهَا الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ فَتَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، فَإِنْ كَانَ الطُّهْرُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَهُوَ ذَلِكَ الزَّمَنُ الْيَسِيرُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا حَتَّى يَخْرُجَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَهُرَتْ فِي وَقْتٍ مُهْمَلٍ كَبَعْدِ الشُّرُوقِ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً) فَإِنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ زَائِدَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ لَيْسَا وَاجِبَيْنِ عَلَيْهَا، فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَإِنْ كَانَ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ حَلَّ وَطْؤُهَا وَانْقَطَعَتْ رَجْعَتُهَا (قَوْلُهُ وَتَنْقَطِعُ إذَا تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ) أَيْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا

حَتَّى يَثْبُتُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَثْبُتُ بِالِاغْتِسَالِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مُلَوَّثٌ غَيْرُ مُطَهِّرٌ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ أَنْ لَا تَتَضَاعَفَ الْوَاجِبَاتُ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَتَحَقَّقُ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا فِيمَا قَبْلَهَا مِنْ الْأَوْقَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ حَتَّى يَثْبُتُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ) بِرَفْعِ (يَثْبُتُ) لِأَنَّ حَتَّى هُنَا لَيْسَتْ لِلْغَايَةِ بَلْ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ جَوَازُ الصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْغُسْلِ فَكَانَ التَّيَمُّمُ مِثْلُهُ، ثُمَّ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ مِمَّا يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ، وَلِذَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَتْ لَمْعَةٌ انْقَطَعَتْ، وَكَذَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَمْ تَتَيَمَّمْ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهِ فَانْقِطَاعُهَا بِالتَّيَمُّمِ وَبِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ أَوْلَى. وَلَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ وَإِنْ قَامَ مَقَامَ الْغُسْلِ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ. وَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّزَوُّجِ عَدَمُ جَوَازِهِ مَعَهُ وَفِي الرَّجْعَةِ انْقِطَاعُهَا مَعَهُ حَتَّى لَا يَأْتِيَهَا رَجُلٌ فِي شُبْهَةٍ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مُلَوِّثٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ) أَيْ حَقِيقَةً لَا شَرْعًا كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. وَلْنُفَصِّلْ هَذَا الْمَقَامَ لِيَنْدَفِعَ مَا يُخَالُ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ لِلْأَوْهَامِ مُسْتَعِينًا فِيهِ بِالْمَلِكِ الْعَلَّامِ مُصَلِّيًا عَلَى سَيِّدِنَا نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلِ الرُّسُلِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ فَنَقُولُ: هَذَا الْبَحْثُ لَهُ ثَلَاثَةُ مَوَارِد فِي الْفِقْهِ: أَوَّلُهَا بَابُ التَّيَمُّمِ فِي الْبَحْثِ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ أَوْ لَا، فَقَالَ إنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ تُثْبِتُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ بِهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَهَا. فَاتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا فِي جَوَابِهِ عَلَى أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ تَعْمَلُ عَمَلَ الْمَاءِ مَا بَقِيَ شَرْطُهُ. وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ فِي تَقْرِيرِهِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُزِيلٌ لِلْحَدَثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا بَقِيَ شَرْطُهُ وَهُوَ الْعَدَمُ كَالْمَاءِ، إلَّا أَنَّهُ بِالْمَاءِ مُقَدَّرٌ إلَى وُجُودِ الْحَدَثِ، وَهُنَا إلَى شَيْئَيْنِ الْحَدَثِ وَالْمَاءِ. ثَانِيهَا بَابُ الْإِمَامَةِ فِي مَسْأَلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فَافْتَرَقُوا فِيهَا، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ، وَقَالَا: مُطْلَقَةٌ فَيَجُوزُ. وَثَالِثُهَا هُنَا فَافْتَرَقُوا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمْ عَكَسُوا كَلِمَتَهُمْ، فَتَرَاءَى لِمُحَمَّدٍ وَجْهَانِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ فِي الْإِمَامَةِ ضَرُورِيَّةٌ بَعْدَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ. وَالثَّانِي أَنَّ بَعْدَمَا قَالَ فِي الْإِمَامَةِ إنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ قَالَ هُنَا مُطْلَقَةٌ. وَلَهُمَا وَجْهٌ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا هُنَاكَ مُطْلَقَةٌ وَهُنَا ضَرُورِيَّةٌ مُلَوِّثَةٌ، وَكَثِيرٌ مِنْ الشَّارِحِينَ يَأْخُذُ فِي تَقْرِيرِ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْحَدَثَ بِيَقِينٍ، وَلِهَذَا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ إنَّمَا يَصِيرُ حَدَثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فَقَدْ نَاقَضُوا جَمِيعًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي التَّيَمُّمِ جِهَةَ الْإِطْلَاقِ وَجِهَةَ الضَّرُورَةِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ مُلَوَّثٌ فِي نَفْسِهِ مُغَبَّرٌ لَا يُطَهِّرُ: أَيْ لَا يُنَظِّفُ، فَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ يُزِيلُ الْحَدَثَ مُطْلَقًا كَالْمَاءِ إلَى غَايَةِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ وُجُودِ الْحَدَثِ أَوْ الْمَاءِ، وَمَعْنَى الضَّرُورَةِ أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ وَعَدَمُ تَفْوِيتِهَا وَتَكْثِيرٌ لِلْخَيْرَاتِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ إكْرَامًا لِهَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ، وَلِذَا كَانَ مِنْ الْخَصَائِصِ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ الْإِخْلَالَ بِمَعْنَى الْإِطْلَاقِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ بَيَانُ سَبَبِ شَرْعِيَّتِهِ. وَلَمَّا شُرِعَ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا شُرِعَ كَمَا شُرِعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ ضَعْفَهُ وَانْحِطَاطَهُ عَنْ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُلَوَّثًا وَمُغَبَّرًا فَهُوَ بِسَبَبِ عَدَمِ شَرْعِيَّتِهِ ابْتِدَاءً كَالْمَاءِ حَتَّى يَكُونَ الْمُكَلَّفُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْوُضُوءِ تَحْسِينَ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَتَنْظِيفَهَا لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا وَالتُّرَابُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ ضِدُّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ تَكْرِيمًا لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذِكْرُ التَّلْوِيثِ وَعَدَمِ تَطْهِيرِهِ فِي نَفْسِهِ ذِكْرُ سَبَبِ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا لِلْحَاجَةِ الْمَذْكُورَةِ. إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُهُمْ مَعَ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا مُطْلَقَةٌ: أَيْ تُزِيلُ الْحَدَثَ، وَيُسْتَبَاحُ بِهِ كُلُّ مَا يُسْتَبَاحُ بِالْمَاءِ عَلَى

وَالْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ أَيْضًا ضَرُورِيَّةٌ اقْتِضَائِيَّةٌ، ثُمَّ قِيلَ تَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ عِنْدَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهِ الَّذِي يُسْتَبَاحُ بِهِ لِيَنْتَفِيَ بِهِ قَصْرُ الصِّحَّةِ بِهِ عَلَى فَرْضٍ وَاحِدٍ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ إنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ عَلَى مَا سَمِعْت، فَمَنْ قَالَ إنَّهَا مُطْلَقَةٌ فِي مَوْضِعٍ وَقَالَ فِي آخَرَ إنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ مُنَاقِضًا أَصْلًا. وَقَوْلُ مَنْ ذَكَرَ فِي تَقْرِيرِهِ إنَّهُ لَا يَرْفَعُ بِيَقِينٍ حَاصِلُهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَرْفَعُهُ بِيَقِينٍ، وَهَذَا يَرْفَعُهُ ظَنَّا لِلْخِلَافِ فِي أَنَّ الْحَدَثَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ أَوْ مُجَرَّدُ مَانِعِيَّةٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ وَحِينَ قِيلَ بِهِ صَارَ مَحِلَّ اجْتِهَادٍ، غَيْرَ أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ الظَّنُّ. وَالثَّانِي لِمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْحَدَث وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ قَائِمٌ بِالْأَعْضَاءِ زَائِدٌ عَلَى نَفْسِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِالتَّيَمُّمِ، وَكَوْنُ الْحَدَثِ يَظْهَرُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ، إذْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدَثَ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ إلَى غَايَةٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ، وَالدَّلِيلُ الْمُلْجِئُ إلَى هَذَا كَوْنُ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يُعْقَلُ وَجْهُ كَوْنِهَا نَفْسَهَا حَدَثًا ثُمَّ النَّظَرُ فِي وَجْهِ تَعْيِينِ كُلٍّ مِنْهُمْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ بِخُصُوصِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ فِيهِ، فَأَمَّا وَجْهُ تَخْصِيصِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّهُ رَأَى وُجُوبَ الِاحْتِيَاطِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَالِاحْتِيَاطُ فِي اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَلَا يُعَلَّلُ هَذَا إلَّا بِجِهَةِ الضَّرُورَةِ فَاعْتَبَرَ لَهَا فَيَقُولُ: لَمَّا كَانَتْ ضَرُورِيَّةً حَيْثُ كَانَتْ تُنْتَقَضُ بِوُجُودِ الْمَاءِ وَلَا تَثْبُتُ إلَّا مَعَ عَدَمِهِ كَانَتْ ضَعِيفَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ فَيَكُونُ الِاقْتِدَاءُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ. وَفِي الرَّجْعَةِ الِاحْتِيَاطُ فِي انْقِطَاعِهَا وَلَا يُعَلَّلُ إلَّا بِجِهَةِ الْإِطْلَاقِ فَاعْتُبِرَ هَاهُنَا، وَهُمَا لَمَّا عَكَسَا الْحُكْمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَكْسِ الْمَبْنِيِّ فِيهِمَا بُدٌّ، وَالْبَاقِي بَعْدَ هَذَا إنَّمَا هُوَ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ فِي الْخِلَافَيْنِ فِي الْحُكْمِ. وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الِاقْتِدَاءِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الرَّجْعَةِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الضَّعْفَ الْكَائِنَ فِي طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ لَهُ أَثَرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ عِنْدَنَا، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ شَيْءٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ وَتَنْقَطِعُ بِهِ الرَّجْعَةُ خُصُوصًا وَالِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ. هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ اشْتِرَاطَ الْغُسْلِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ قَبْلَ الْعَشَرَةِ يَرُدُّهُ الدَّلِيلُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] لِخُلُوِّهِ عَنْ اشْتِرَاطِهِ، فَاشْتِرَاطُهُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَرُدُّهُ النَّصُّ. فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ تَعَيُّنَ الِانْقِضَاءِ مُنْتَفٍ لِفَرْضِ أَنَّهُ لَيْسَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَاحْتِمَالُ عَوْدِ الدَّمِ دُفِعَ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ الزَّائِدَ لَا يُجْدِي قَطْعُ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا فِي الْوَاقِعِ وَلَا شَرْعًا، لِأَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ بَعْدَ أَنْ قُلْنَا انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ فَكَانَ الْحَالُ مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ بَعْدَ الْغُسْلِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ قَبْلَهُ. وَلَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ هَذَا الْغُسْلِ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ بِهِ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ ثُمَّ عَاوَدَهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي التَّيَمُّمِ فَلَيْسَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا مُقَيَّدًا، هَكَذَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلِّ مِنْ عَشَرَةٍ وَلَمْ يُعَاوِدْهَا أَوْ عَاوَدَهَا وَتَجَاوَزَهَا ظَهَرَ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ مِنْ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذْ ذَاكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْغُسْلِ ظَهَرَ صِحَّتُهُ، وَإِنْ عَاوَدَهَا وَلَمْ يَتَجَاوَزْ فَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ بِالْعَكْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ أَيْضًا ضَرُورِيَّةٌ اقْتِضَائِيَّةٌ) إذْ حِلُّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْقِرَاءَةِ مِنْ ضَرُورَةِ حِلِّ الصَّلَاةِ وَمُقْتَضَاهُ،

وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِيَتَقَرَّرَ حُكْمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ (وَإِذَا اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَإِنْ كَانَ عُضْوًا فَمَا فَوْقَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ الْأَكْثَرَ. وَالْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ أَنْ تَبْقَى لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ لَا يَتَجَزَّأُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ، فَقُلْنَا بِأَنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا، بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا اللَّمْسُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لِنِسْيَانٍ أَوْ غَلَطٍ أَوْ زِيَادَةِ إتْقَانٍ، وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ رُكْنٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَجِبُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِيَتَقَرَّرَ الْحُكْمُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ فَسَادَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فِيهَا، وَلَوْ تَيَمَّمَتْ وَقَرَأَتْ أَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ، قَالَ الْكَرْخِيُّ: تَنْقَطِعُ بِهِ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا تَنْقَطِعُ بِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ) وَذَلِكَ كَنَحْوِ الْأُصْبُعِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْيَنَابِيعِ، وَكَذَا بَعْضُ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ وَالْعُضْوِ الْكَامِلِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ، إلَى قَوْلِهِ: وَالْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْعُضْوِ وَمَا دُونَهُ اسْتِحْسَانٌ، فَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ أَنْ تَنْقَطِعَ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَفِي بَعْضِ الْعُضْوِ أَنْ لَا تَنْقَطِعَ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ إلَى حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ. وَلَا يَخْفَى تَأَتِّي كُلٌّ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الْعُضْوِ وَمَا دُونَهُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَتَعَارَضَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قِيَاسَانِ: قِيَاسُ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَيُوجِبُ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ، وَقِيَاسُ بَقَاءِ الْحَدَثِ بِعَيْنِهِ فَيُوجِبُ عَدَمَ انْقِطَاعِهَا. وَمَبْنَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ الثَّانِي، إذْ حَاصِلُهُ اعْتِبَارُ ظُهُورِ عَدَمِ إصَابَةِ الْمَاءِ لِشَيْءٍ وَعَدَمُهُ، فَإِذَا ظَهَرَ عَدَمُهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ، وَإِذَا ظَهَرَ ثُبُوتُ الْإِصَابَةِ انْقَطَعَتْ غَيْرَ أَنَّ ظُهُورَ التَّرْكِ يَتَحَقَّقُ فِي الْعُضْوِ لَا فِي الْأَقَلِّ. عَلَى أَنَّ كَوْنَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قِيَاسًا مَمْنُوعٌ، بَلْ إنَّمَا

لِأَنَّهُ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ وَلَا يَغْفُلُ عَنْهُ عَادَةً فَافْتَرَقَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّ تَرْكَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَتَرْكِ عُضْوٍ كَامِلٍ. وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا دُونَ الْعُضْوِ لِأَنَّ فِي فَرْضِيَّتِهِ اخْتِلَافًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ. (وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّ الْحَبَلَ مَتَى ظَهَرَ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ جُعِلَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَذَلِكَ دَلِيلُ الْوَطْءِ مِنْهُ وَكَذَا إذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحْكَمُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ خَاصَّةٍ بِخُصُوصِ دَلَائِلَ فِيهَا لَا أَنَّهُ مُطَّرِدٌ شَرْعًا مُمَهِّدٌ. ثُمَّ وَجْهُ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ الْجَفَافُ إلَيْهِ بَعْدَ إصَابَةِ الْمَاءِ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَبِتَقْدِيرِهِ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، فَحَكَمَ بِانْقِطَاعِهَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ احْتِيَاطًا، وَلَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ حَتَّى تَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ، حَتَّى إنَّهَا لَوْ تَيَقَّنَتْ عَدَمَ إصَابَةِ الْمَاءِ بِأَنْ عَلِمَتْ قَصْدَهَا إلَى إخْلَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَنْ الْإِصَابَةِ. قُلْنَا: لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَإِنَّ احْتِمَالَ جَفَافِهِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ يَبْعُدُ فِيهِ جِدًّا لِأَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْهُ مِمَّنْ هُوَ بِصَدَدِ تَعْمِيمِ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فَلَمْ تَنْقَطِعْ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَرْكَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَتَرْكِ الْعُضْوِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ إذْ تَرْكُ كُلٍّ بِانْفِرَادِهِ كَتَرْكِ عُضْوٍ، وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَتَرْكِ مَا دُونَ الْعُضْوِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي فَرْضِيَّتِهِمَا) أَيْ فِي فَرْضِيَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ اخْتِلَافًا فَعَلَى تَقْدِيرِ الِافْتِرَاضِ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ السُّنَّةِ تَنْقَطِعُ، فَقَطَعْنَاهَا مُلَاحَظَةً لِهَذَا الِاحْتِمَالِ احْتِيَاطًا، وَلَوْ بَقِيَ أَحَدُ الْمَنْخِرَيْنِ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ (قَوْلُهُ وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ) قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا (وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ الْحَبَلَ مَتَى ظَهَرَ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ التَّزَوُّجِ جُعِلَ مِنْهُ شَرْعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) وَإِذَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ مِنْهُ فَقَدْ أَنْزَلَهُ وَاطِئًا وَبَطَلَ زَعْمُهُ فِي عَدَمِ الْوَطْءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِ حَقِّ الرَّجْعَةِ لَهُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ

مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا، وَإِذَا ثَبَتَ الْوَطْءُ تَأَكَّدَ الْمِلْكُ وَالطَّلَاقُ فِي مِلْكٍ مُتَأَكِّدٍ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَيَبْطُلُ زَعْمُهُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَذَا الْوَطْءِ الْإِحْصَانُ فَلَأَنْ تَثْبُتَ بِهِ الرَّجْعَةُ أَوْلَى. وَتَأْوِيلُ مَسْأَلَةِ الْوِلَادَةِ أَنْ تَلِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الرَّجْعَةُ. قَالَ: (فَإِنْ خَلَا بِهَا وَأَغْلَقَ بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQإيَّاهُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ حَكَمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَهَذَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ أَحَدٍ بِسَبَبِ إقْرَارِهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَأُخِذَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ ثُمَّ وَصَلَتْ إلَى يَدِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْحُكْمِ لِلْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ لَهُ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي عَبْدِ إنْسَانٍ إنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ حُكِمَ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ وَبِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ فَرْعُ تَكْذِيبِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَكْذِيبَ الشَّرْعِ إقْرَارَهُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ حَقٍّ لَهُ تَكْذِيبٌ فِي اللَّازِمِ فَيَنْتَفِيَانِ، وَإِذَا انْتَفَى عَدَمُ الْوَطْءِ وَالرَّجْعَةِ ثَبَتَ وُجُودُهُمَا فَعَادَ حَقُّهُ فِي الرَّجْعَةِ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَإِنَّ تَكْذِيبَ الشَّرْعِ يَقْصُرُهُ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ فَيَبْقَى لَازِمُ الْمُرْتَفَعِ بِالتَّكْذِيبِ كَمَا لَوْ لَمْ يُكَذَّبْ فَلِذَا كُذِّبَ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَثَبَتَ الْحُكْمُ بِهَا، وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْمَقَرِّ لَهُ بِالْعَيْنِ مَعَ تَكْذِيبِهِ بِالْحُكْمِ لِلْمُسْتَحِقِّ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْمَلْزُومِ مَعَ تَخَلُّفِ اللَّازِمِ وَإِنْ كَانَ لُزُومًا شَرْعِيًّا لِأَنَّ تَخَلُّفَهُ يُبْطِلُ اعْتِبَارَ الشَّرْعِ إيَّاهُ لَازِمًا وَقَدْ فَرَضَ اعْتِبَارَهُ لَازِمًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي اللُّزُومِ الْعَقْلِيِّ. أَمَّا الشَّرْعِيِّ فَقَدْ يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِاللُّزُومِ عَلَى تَقْدِيرٍ فَتَقْتَصِرُ الْمُلَازَمَةُ عَلَيْهِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ حِينَ أَقَرَّ بِالْعَيْنِ لِفُلَانٍ ثَبَتَ أَنَّ فُلَانًا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا كَذَّبَهُ الشَّرْعُ بِالْقَضَاءِ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لِفُلَانٍ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِفُلَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقِرِّ فَثَبَتَ اللُّزُومُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَذَا الْوَطْءِ الْإِحْصَانُ) أَيْ الْوَطْءِ الَّذِي يَثْبُتُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ وَالْإِحْصَانُ لَهُ مَدْخَلٌ فِي إيجَابِ الْعُقُوبَةِ فَلَأَنْ تَثْبُتَ بِهِ الرَّجْعَةُ وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْعُقُوبَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ مَسْأَلَةِ الْوِلَادَةِ أَنْ تَلِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ) أَيْ فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ بِأَنْ تَلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ النِّكَاحِ كَمَا قَدَّمْنَا (قَوْلُهُ وَأَغْلَقَ بَابًا) الْمُنَاسِبُ أَوْ أَغْلَقَ بِأَوْ كَمَا فَعَلَ فِي أَرْخَى لَا بِالْوَاوِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَفْصِيلٌ لِلْخَلْوَةِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِإِثْبَاتِهَا لَا مُبَايِنٌ لَهَا

وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَمْلِكْ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِالْوَطْءِ وَقَدْ أَقَرَّ بِعَدَمِهِ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالرَّجْعَةُ حَقُّهُ وَلَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا شَرْعًا، بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى يُبْتَنَى عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ لَا عَلَى الْقَبْضِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. (فَإِنْ رَاجَعَهَا) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا خَلَا بِهَا وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا (ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ) (صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذْ هِيَ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْوَلَدُ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَأُنْزِلَ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ دُونَ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي يَزُولُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ قَبْلَهُ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِالْوَطْءِ) إذْ بِعَدَمِهِ تَبِينُ بِالطَّلَاقِ لَا إلَى عِدَّةٍ، وَشَرْطُ الرَّجْعَةِ الْعِدَّةُ وَقَدْ أَقَرَّ بِعَدَمِهِ فَصَارَ مُبْطِلًا حَقَّ نَفْسِهِ مِنْ الرَّجْعَةِ (قَوْله وَلَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا شَرْعًا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ إنَّهُ هُنَا أَيْضًا صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا حَيْثُ لَزِمَهُ تَمَامُ الْمَهْرِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْخَلْوَةِ وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ شَرْعًا إنْزَالًا لَهُ وَاطِئًا شَرْعًا فَمُنِعَ كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا أَوْ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ، بَلْ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى تَمَامِ تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَهُوَ بُضْعُهَا بِالتَّخْلِيَةِ الَّتِي هِيَ وُسْعُهَا، وَلَوْ تَوَقَّفَ لُزُومُ كَمَالِ الْمَهْرِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هُوَ فِعْلَهَا لَتَضَرَّرَتْ فَلَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَتَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ أَوْ كَذِبِهِمَا وَالْعِدَّةُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا لِأَنَّ انْقِضَاءَهَا يَسْتَلْزِمُ حِلَّهَا لِلْأَزْوَاجِ فَهِيَ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهَا فَتَصِيرُ الْعِدَّةُ قَائِمَةً شَرْعًا وَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَقُمْ الْخَلْوَةُ هُنَا مَقَامَ الْوَطْءِ لَمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ. وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْعِدَّةَ تَسْتَدْعِي سَبَبًا فِي الشُّغْلِ مَرْدُودٌ بِالْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَلَوْ قَالَ جَامَعْتهَا كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي الْوَطْءِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) يَتَّصِلُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا شَرْعًا، وَعَنَى بِهِ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِظُهُورِ الْحَمْلِ حَالَ الطَّلَاقِ أَوْ بِالْوِلَادَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ لَهُ فِي قَوْلِهِ لَمْ أُجَامِعْهَا حَيْثُ جَعَلَهُ وَاطِئًا حُكْمًا لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَنْبَنِي عَلَى الدُّخُولِ وَقَدْ ثَبَتَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بِلَا مَاءٍ فَتَثْبُتُ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ بَعْدَمَا خَلَا بِهَا وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا) أَيْ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ لِاعْتِرَافِهِ بِعَدَمِ الْوَطْءِ، فَلَوْ جَاءَتْ بَعْدَ هَذِهِ الرَّجْعَةِ بِوَلَدٍ لِأَقَلِّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ صَحَّتْ: أَيْ ظَهَرَ صِحَّتُهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي) وَهُوَ إنْزَالُهُ وَاطِئًا بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَحِينَئِذٍ فَالصَّلَفُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ عَلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي يَحْرُمُ الْوَطْءُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ عَلَى زَعْمِهِ فِي عَدَمِ

وَالْمُسْلِمُ لَا يَفْعَلُ الْحَرَامَ (فَإِنْ قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ فَهِيَ رَجْعَةٌ) مَعْنَاهُ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَيَكُونُ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ عَلُوقٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا (وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ طَلَاقٌ وَالْوَلَدُ الثَّانِي رَجْعَةٌ وَكَذَا الثَّالِثُ) لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِالْأَوَّلِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَارَتْ مُعْتَدَّةً، وَبِالثَّانِي صَارَ مُرَاجِعًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْعَلُوقَ بِوَطْءٍ حَادِثٍ فِي الْعِدَّةِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّانِي بِوِلَادَةِ الْوَلَدِ الثَّانِي لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ، وَبِالْوَلَدِ الثَّالِثِ صَارَ مُرَاجِعًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَتَقَعُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ بِوِلَادَةِ الثَّالِثِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا حَائِلٌ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ حِينَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَطْءِ إذْ الْمُؤَدِّي عَلَى عِبَارَتِهِ هَكَذَا عَلَى اعْتِبَارِ إنْزَالِهِ وَاطِئًا بَعْدَ الطَّلَاقِ يَزُولُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ قَبْلَهُ فَيَحْرُمُ، وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ مِنْ هَذِهِ بِتَكَلُّفٍ بَعْدَ تَوَهُّمِ خَطَئِهَا (قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمُ لَا يَفْعَلُ الْحَرَامَ) فَإِنْ قِيلَ: وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ، فَالْجَوَابُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ كَذِبُهُ وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ الزِّنَا وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْكِذْبَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ) أَنْ فِيهِ لِلْوَصْلِ، فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَعْنَاهُ: أَيْ فَصَاعِدًا أَقَلُّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ عَشْرَ سِنِينَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لِأَنَّ الثَّانِيَ يُضَافُ إلَى عَلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ امْتِدَادَ الطُّهْرِ لَا غَايَةَ لَهُ إلَّا الْإِيَاسُ وَبِهِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً، وَفِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَكُونُ رَجْعَةً لِاحْتِمَالِ الْعَلُوقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ سَقَطَ هُنَا لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا مِنْ بَطْنَيْنِ كَانَ الثَّانِي مِنْ وَطْءٍ حَادِثٍ أَلْبَتَّةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ إذْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الثَّانِي مِنْ وَطْءٍ عَلَى حِدَتِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ الْكَائِنِ بَعْدَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ وَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهُمَا تَوْءَمَانِ فَيَقَعُ طَلْقَتَانِ بِالْأَوَّلَيْنِ لَا غَيْرَ إذْ بِالثَّالِثِ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلَانِ فِي بَطْنٍ وَالثَّالِثُ فِي بَطْنٍ تَقَعُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْأَوَّلِ لَا غَيْرُ، وَتَنْقَضِي

(وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ) لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ الرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ لَهُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مَشْرُوعًا (وَيُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا أَوْ يُسْمِعَهَا خَفْقَ نَعْلَيْهِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَكُونُ مُتَجَرِّدَةً فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: لَهُ ذَلِكَ لِقِيَامِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يَغْشَاهَا عِنْدَنَا. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمَلَ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ فَلَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ الْإِخْرَاجَ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَتَبْطُلُ الْعِدَّةُ وَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الزَّوْجِ. وَقَوْلُهُ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِدَّةُ بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ بِالثَّالِثِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ فِي بَطْنٍ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ فِي بَطْنٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانُوا فِي بُطُونٍ فَالْوَلَدُ الثَّانِي رَجْعَةٌ، وَكَذَا الثَّالِثُ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِالْأَوَّلِ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَبِالْوَلَدِ الثَّانِي صَارَ مُرَاجِعًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَلُوقَ بِوَطْءٍ حَادِثٍ فِي الْعِدَّةِ فَيَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا. وَقَوْلُهُ وَبِالثَّانِي صَارَ مُرَاجِعًا مَعْنَاهُ ظَهَرَ بِهِ الرَّجْعَةُ سَابِقًا ثُمَّ يَقَعُ بِالثَّانِي طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِكُلَّمَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّكْرَارِ وَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ وَبِالْوَلَدِ الثَّالِثِ تَظْهَرُ رَجْعَتُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَتَقَعُ الثَّالِثَةُ بِوِلَادَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ فِي النِّفَاسِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَا يَلْزَمُ لَهُ كَمْيَّةٌ خَاصَّةٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُمْتَدٌّ وَجَازَ أَنْ لَا تَرَى شَيْئًا أَصْلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ (قَوْلُهُ تَتَشَوَّفُ) التَّشَوُّفُ خَاصٌّ بِالْوَجْهِ وَالتَّزَيُّنُ عَامٌ مِنْ شُفْت الشَّيْءَ جَلَوْته وَدِينَارٌ مُشَوَّفٌ: أَيْ مَجْلُوٌّ وَهُوَ أَنْ تَجْلُوَ وَجْهَهَا وَتَصْقُلَهُ (قَوْلُهُ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا) وَكَذَا جَمِيعُ أَحْكَامِهِ مِنْ التَّوَارُثِ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ تَدْخُلُ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَتَطْلُقُ سِوَى الْمُسَافَرَةِ بِهَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ لِنَصٍّ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] نَزَلَتْ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِسِيَاقِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] أَيْ يَبْدُوَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، وَلِحُرْمَتِهَا بِهَذَا النَّصِّ لَمْ تُجْعَلْ رَجْعَةً لِأَنَّ الرَّجْعَةَ مَنْدُوبَةٌ وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا حَرَامٌ. قِيلَ وَلَا دَلَالَتُهَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يُصَرِّحُ بِعَدَمِ رَجْعَتِهَا. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْبِيلَ بِشَهْوَةٍ وَنَحْوَهُ يَكُونُ نَفْسُهُ رَجْعَةً وَإِنْ نَادَى عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ الرَّجْعَةِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ

مَعْنَاهُ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحَرِّمُهُ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَهُوَ الطَّلَاقُ. وَلَنَا أَنَّهَا قَائِمَةٌ حَتَّى يَمْلِكَ مُرَاجَعَتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا لِأَنَّ حَقَّ الرَّجْعَةِ ثَبَتَ نَظَرًا لِلزَّوْجِ لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ اعْتِرَاضِ النَّدَمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ اسْتِبْدَادَهُ بِهِ، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ اسْتِدَامَةً لَا إنْشَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا قُلْنَا، وَكَمَا لَا يَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ لَا يَحِلُّ الْخُرُوجُ بِهَا إلَى مَا دُونَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مَنُوطَةً بِالسَّفَرِ بَلْ بِالْخُرُوجِ، وَكَمَا يُكْرَهُ السَّفَرُ بِهَا تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ إذْ قَدْ يَنْظُرُ نَظَرًا يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ فَيُطَلِّقُهَا أُخْرَى فَيُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ حَرَامٌ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّمَا تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ غَشَيَانَهَا إذْ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ وَهُوَ مَكْرُوهٍ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ إذَا أَمِنَ لَا يُكْرَهُ، وَأَنَّ كَرَاهَةَ الْخَلْوَةِ حِينَئِذٍ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى التَّعْلِيلِ بِاحْتِمَالِ النَّظَرِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا كَأَنَّهُ لِبُعْدِهِ جِدًّا حَيْثُ كَانَ إنَّمَا هُوَ النَّظَرُ إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ، وَقَلَّ أَنْ يَقَعَ مَعَ الْخَلْوَةِ، حَتَّى إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مَعَ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ فِي عِصْمَتِهِ سِنِينَ لَا يَقَعُ لَهُ هَذَا النَّظَرُ إلَّا إنْ تَعَمَّدْهُ قَصْدًا حَالَةَ الْجِمَاعِ، لَكِنَّ الْوَجْهَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ: يَعْنِي الطَّلَاقَ وَعَمَلَهُ قُطِعَ النِّكَاحُ لِحَاجَتِهِ: أَيْ لِحَاجَةِ الزَّوْجِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ: أَيْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الرَّجْعَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمِلَ الْإِبَانَةَ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ وَأَنَّ مُسَافَرَتَهُ بِهَا كَانَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ كَمَا يَقْتَضِي قَصْرَ كَرَاهَةِ الْمُسَافَرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ مَا إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ كَذَلِكَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْخَلْوَةِ بِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الرَّجْعَةَ، وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ، وَأَنَّ الْمُبْطِلَ لَمْ يَعْمَلْ أَصْلًا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْخَلْوَةَ وَالْمُسَافَرَةَ لَمْ يَكُونَا بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ احْتِسَابُ الْأَقْرَاءِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَ الْمُبْطِلُ مُقْتَصِرًا عَلَى انْقِضَائِهَا لَمْ تُحْتَسَبْ وَاحْتِيجَ إلَى عِدَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ. وَالْأَوْجَهُ تَحْرِيمُ السَّفَرِ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِي مَنْعِ السَّفَرِ بِهَا دُونَ الْخَلْوَةِ لِعَدَمِ النَّصِّ وَقُصُورِ الْمَعْنَى وَهُوَ لُزُومُ الْمُرَاجَعَةِ بِالنَّصِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلُزُومُ ظُهُورِ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِأَجْنَبِيَّةٍ غَيْرُ ضَائِرٍ إذْ حَالَةُ تَحَقُّقِهَا كَانَتْ زَوْجَةً يُبَاحُ مَعَهَا شَرْعًا مَا يُبَاحُ مِنْ الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ) يَعْنِي اسْتِبْدَادَهُ بِهِ (يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ اسْتِدَامَةً لَا إنْشَاءً

[فصل فيما تحل به المطلقة]

إذْ الدَّلِيلُ يُنَافِيهِ وَالْقَاطِعُ أَخَّرَ عِلْمَهُ إلَى مُدَّةٍ إجْمَاعًا أَوْ نَظَرًا لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ (وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا) لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ لِأَنَّ زَوَالَهُ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ قَبْلَهُ، وَمَنْعُ الْغَيْرِ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدَّلِيلُ يُنَافِيهِ) أَيْ دَلِيلَ الِاسْتِبْدَادِ وَهُوَ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا يُنَافِيهِ: أَيْ يُنَافِي الْإِنْشَاءَ لِأَنَّ لَوْ كَانَ إنْشَاءً وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَسْتَبِدَّ بِهِ الزَّوْجُ بَلْ احْتَاجَ إلَى رِضَا الْمَرْأَةِ وَإِذْنِهَا وَالشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهُ احْتِيَاطًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ النُّصُوصِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْقَاطِعُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الزَّوْجِيَّةُ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ. قُلْنَا نَعَمْ وُجِدَ، وَلَكِنْ أَخَّرَ عَمَلَهُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ تَثْبُتُ بِلَا رِضَاهَا يُفِيدُ أَنَّ عَمَلَهُ وَهُوَ الْقَطْعُ مُؤَخِّرٌ. أَوْ نَقُولُ: تَأَخَّرَ عَمَلُهُ نَظَرًا لِلزَّوْجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ حَقَّ الرَّجْعَةِ ثَبَتَ نَظَرًا لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ] لَمَّا ذَكَرَ مَا يُتَدَارَكُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ذَكَرَ مَا يُتَدَارَكُ بِهِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ) تَرْكِيبٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ حِلَّ الْمَحِلِّ بَاقٍ أَوْ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ بَاقِيَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ هِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ مَحِلًّا وَلَا مَعْنَى لِنِسْبَةِ الْحِلِّ إلَيْهَا إذْ لَا مَعْنَى يَحِلُّ كَوْنُهَا مَحِلًّا (قَوْلُهُ لِأَنَّ زَوَالَهُ) مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْحِلُّ وَضَمِيرُ فَيَنْعَدِمُ لِلزَّوَالِ (قَوْلُهُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ مَا فَرْقٌ بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ جَازَ فِي الْعِدَّةِ لِلزَّوْجِ

وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ (وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَمُوتَ عَنْهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّزَوُّجُ لَا لِغَيْرِهِ فَأَجَابَ بِلُزُومِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ فِي الْأَجْنَبِيِّ دُونَ الزَّوْجِ وَهُوَ سَهْلٌ، وَقَدْ يُقَرِّرُ هَكَذَا الْمَنْعُ فِي الْعِدَّةِ عَامٌّ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] يَعْنِي انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَكَيْفَ جَازَ لِلزَّوْجِ تَزَوُّجُهَا فِي الْعِدَّةِ؟ حَاصِلُ هَذَا اسْتِشْكَالُ الْإِطْلَاقِ لِلزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ وَعُمُومُ النَّصِّ يَمْنَعُهُ. وَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْفَرْقِ. قُلْنَا: عُمُومُهُ فِي ضَمِيرِ تَعْزِمُوا، وَفِي الْعِدَّةِ خَصَّ مِنْهَا الْعِدَّةَ مِنْ الزَّوْجِ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ تَخْصِيصُهُ مِنْ الْعُمُومِ الْأَوَّلِ. وَحِكْمَةُ شَرْعِيَّةِ الْعِدَّةِ فِي الْأَصْلِ أَنْ لَا يَشْتَبِهَ النَّسَبُ (وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ) أَيْ إطْلَاقَ صَاحِبِ الْعِدَّةِ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْعِ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ فَلِذَلِكَ جَازَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَأَطْلَقَ، وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ بَيَانَ عِلَّةِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ: أَعْنِي الْإِجْمَاعَ، لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْآيِسَةَ لَا اشْتِبَاهَ فِي حَقِّهِمَا مَعَ عَدَمِ إطْلَاقِ الْغَيْرِ فِيهِمَا بَلْ بَيَانُ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ إطْلَاقِهِ، وَعَدَمُ الْمَانِعِ لَا يُعَلَّلُ بِهِ، لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ مَعَ الْمَانِعِ بَلْ هُوَ مُنْتَفٍ فَجَازَ الْإِجْمَاعُ، وَبَسَطَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الِاشْتِبَاهِ فَوُجُودُ الْحَاجَةِ إلَى الدَّفْعِ مُقْتَضٍ لِثُبُوتِ الْعِدَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّزَوُّجِ، فَفِي مَحِلٍّ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ الْحَاجَةِ إلَى الدَّفْعِ كَمَا فِي صَاحِبِ الْعِدَّةِ فُقِدَ الْمَانِعُ مِنْ عَدَمِهَا إلَّا أَنَّهُ وُجِدَ الْمُقْتَضِي لِلْعَدَمِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَكْسِ: يَعْنِي لَيْسَ عَدَمُهَا عِلَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ وَلِذَلِكَ ثَبَتَ الْحُكْمُ: أَعْنِي وُجُودَ الْعِدَّةِ مَعَ عَدَمِهَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] إمَّا بِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إظْهَارُ الْخَطَرِ الْمُحَلِّ إذَا تَأَمَّلْت حَيْثُ مُنِعَ عَنْ وُرُودِ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ عَلَيْهِ مُدَّةً لِيَعُزَّ عَلَى الرَّاغِبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ مُطْلَقًا كَمَا أَظْهَرَ خَطَرَهُ مَرَّةً أُخْرَى بِاشْتِرَاطِ جَمْعِ النَّاسِ لِيَشْهَدُوهُ أَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَوْ هِيَ فِيهِمَا تَعَبُّدٌ مَحْضٌ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمَا مِنْ حُكْمِ الْعِدَّةِ مَعَ النَّصِّ عَلَيْهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا مُعَلَّلٌ بِمَا قُلْنَا فَلَيْسَتْ الْعِدَّةُ مُطْلَقًا تَعَبُّدِيَّةً (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ إلَخْ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُطَلَّقَةِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لِصَرِيحِ إطْلَاقِ النَّصِّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ

فَالْمُرَادُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَالثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ الْغَايَةُ نِكَاحُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا، وَالزَّوْجِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَشَرْطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا تَحِلُّ بِلَا زَوْجٍ وَهُوَ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ مُصَادِمَةٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ رَآهُ أَنْ يَنْقُلَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْتَبِرَهُ لِأَنَّ فِي نَقْلِهِ إشَاعَتَهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفَتِحُ بَابٌ لِلشَّيْطَانِ فِي تَخْفِيفِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَهُ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِفَوْتِ شَرْطِهِ مِنْ عَدَمِ مُخَالِفَةِ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ. وَمِمَّا صُرِّحَ فِيهِ بِعَدَمِ الْفَرْقِ مُخْتَارَاتُ النَّوَازِلِ وَالْأَمْرُ فِيهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ لَا يَبْعُدُ إكْفَارُ مُخَالِفِهِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ) أَيْ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ طَلَّقَهَا (الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ) لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا عَقِيبَ الطَّلْقَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا أَيْ الثَّالِثَةَ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الثَّالِثَةَ هِيَ قَوْلُهُ {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَإِنَّ «أَبَا رَزِينٍ الْعُقَيْلِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَرَفْتُ الطَّلْقَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ: فِي قَوْلِهِ {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] » كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَكَأَنَّ الْمُرَادَ الْخِلَافُ فِي بَيَانِ شَرْعِيَّةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ وَقَعَ بِلَفْظِ التَّسْرِيحِ أَوْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] إذْ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ لِأَنَّهُ عَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْرِيحِ الثَّالِثَةُ وَلَا تَكْرَارَ، فَإِنَّ الثَّانِيَ ذُكِرَ شَرْطَا لِإِعْطَاءِ حُكْمِ الثَّالِثَةِ، وَالْأَوَّلُ ذُكِرَ لِبَيَانِ ابْتِدَاءِ شَرْعِيَّةِ الثَّالِثَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ شَرَعَهَا ثَلَاثًا وَرَتَّبَ عَلَى الثَّالِثَةِ حُكْمًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وَبَعْدَ هُمَا إمَّا إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِثَالِثَةٍ بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ اخْتِيَارًا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْجَائِزَيْنِ لَهُ فَحُكْمُهُ أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مُرَادٌ بِهِ الثَّالِثَةُ (قَوْلُهُ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ) فِيهِ مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْغَايَةُ) أَيْ غَايَةَ عَدَمِ الْحِلِّ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] هُوَ الزَّوْجُ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَلِذَا قُلْنَا لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ مَلَكَهَا أَوْ ثَلَاثًا لِحُرَّةٍ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَمَلَكَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يُزَوِّجَهَا فَيَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا (قَوْلُهُ وَالزَّوْجِيَّةُ) مُطْلَقًا، وَكَذَا الزَّوْجُ مُطْلَقًا إنَّمَا يَثْبُتُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، أَوْ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ مُضَافًا إلَى الْمَاضِي، لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْأَوَّلِ التَّحَصُّنُ وَالْإِعْفَافُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالصَّحِيحِ، وَفِي الثَّانِي صِدْقُ الْإِخْبَارِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالتَّزَوُّجِ فَاسِدًا وَلِذَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِالْفَاسِدِ لَا فِي حَلِفِهِ لَا يَتَزَوَّجُ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ إلَخْ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِعِبَارَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالسَّوْقِ (قَوْلُهُ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِعَادَةَ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِ لَفْظِ تَنْكِحَ

أَوْ يُزَادَ عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ» رُوِيَ بِرِوَايَاتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْعَقْدِ لِأَنَّ اسْمَ الزَّوْجِ يَتَضَمَّنُ إعَادَتَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ الْتِزَامًا، بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَطْءِ وَإِنْ كَانَ حِينَئِذٍ مَجَازًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ إذْ هُوَ حَالَ نِسْبَتِهِ إلَيْهَا يُرَادُ بِهِ التَّمْكِينُ مِنْ حَقِيقَتِهِ لَا حَقِيقَتُهُ، فَإِنَّ الْمَجَازَ فِي الْكَلَامِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِعَادَةِ هَذَا الْوَجْهُ عَلَى الْعُمُومِ. وَوَجْهٌ آخَرُ عَلَى رَأَيْنَا وَهُوَ أَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ مُجَازَيْنَ النِّكَاحُ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ الْوَطْءُ وَالزَّوْجُ فِي الْأَجْنَبِيِّ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ وَهُوَ النِّكَاحُ فِي التَّمْكِينِ وَالزَّوْجُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ يُزَادَ عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ) هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا أُرِيدَ بِلَفْظِ تَنْكِحَ فِي النَّصِّ الْعَقْدُ لَا عَلَى إرَادَةِ الْوَطْءِ فِيهِ (قَوْلُهُ يُرْوَى بِرِوَايَاتٍ) رَوَى الْجَمَاعَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ بِفَتْحِ الزَّايِ لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ» وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «كَذَبَتْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَحِلِّي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ قَالَ وَكَانَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنُوكَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا وَأَنْتِ تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاَللَّهِ

وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهِ سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ، وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ لِأَنَّهُ كَمَالٌ وَمُبَالَغَةٌ فِيهِ وَالْكَمَالُ قَيْدٌ زَائِدٌ (وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّحْلِيلِ كَالْبَالِغِ) لِوُجُودِ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الشَّرْطُ بِالنَّصِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ» وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ هَكَذَا: أَنْبَأْنَا مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عَنْ الزَّبِيرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ «أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ثَلَاثًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَكَحَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزَّبِيرِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا، فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَك حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» وَوَقَعَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَكْسُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ يُقَالُ لَهَا تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا رِفَاعَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمَّ فَارَقَهَا الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ يَا تَمِيمَةُ لَا تَرْجِعِي إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ رَجُلٌ غَيْرُهُ» قَالَ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إلَّا سَلَمَةُ أَبُو الْفَضْلِ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَوْ الْمُرَادُ الْخِلَافُ الْعَالِي سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَالشِّيعَةِ قَائِلِينَ بِقَوْلِهِ، وَاسْتُغْرِبَ ذَلِكَ مِنْ سَعِيدٍ حَتَّى قِيلَ لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ (قَوْلُهُ لَا يَنْفُذُ) لِمُخَالَفَتِهِ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَمَنْ أَفْتَى بِهَذَا الْقَوْلِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ انْتَهَى. وَهَذَا لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ ذَلِكَ لِإِغَاظَةِ الزَّوْجِ حَتَّى لَا يَسْرَحَ فِي كَثْرَةِ الطَّلَاقِ عُومِلَ بِمَا يَبْغُضُ حِينَ عَمِلَ أَبْغَضَ مَا يُبَاحُ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ) بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَنْ قُوَّةِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ إذَا كَانَ يَجِدُ لَذَّةَ حَرَارَةِ الْمَحِلِّ، فَلَوْ أَوْلَجَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لَا بِقُوَّتِهِ بَلْ بِمُسَاعِدَةِ الْيَدِ لَا يَحِلُّهَا إلَّا إنْ انْتَعَشَ وَعَمِلَ، وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ لَذَّةً أَصْلًا، بِخِلَافِ مَنْ فِي آلَتِهِ فُتُورٌ وَأَوْلَجَهَا فِيهَا حَتَّى الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِهِ، وَخَرَجَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ يُولَجُ فِي مَحِلِّ الْحِلِّ: أَيْ فِي مَحِلِّ الْخِتَانِ فَلَا يَحِلُّ بِسُحْقِهِ حَتَّى تَحْبَلَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ: إنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ لَا يُنْزِلُ لَا يَحِلُّ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ مَاؤُهُ صَارَ كَالصَّبِيِّ أَوْ دُونَهُ وَدَخَلَ الْخَصِيُّ الَّذِي مِثْلُهُ يُجَامِعُ فَيُحِلُّهَا. وَفِي التَّجْرِيدِ: لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا لَمْ يَحِلَّ، فَإِنْ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ كَانَ مَسْلُولًا وَجَامَعَهَا حَلَّتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي الْمَحِلِّ بِيَقِينٍ، حَتَّى لَوْ جَامَعَهَا وَهِيَ مُفْضَاةٌ لَا تَحِلُّ مَا لَمْ تَحْبَلْ، وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا فَوَطِئَهَا هَذَا الزَّوْجُ فَأَفْضَاهَا لَا يُحِلُّهَا، وَإِنْ كَانَ يُوطَأُ مِثْلُهَا حَلَّتْ وَإِنْ أَفْضَاهَا (قَوْلُهُ دُونَ الْإِنْزَالِ) خِلَافًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَا تَحِلُّ عِنْدَهُ حَتَّى يُنْزِلَ الثَّانِي حَمْلًا لِلْعُسَيْلَةِ عَلَيْهِ، وَمُنِعَ بِأَنَّهَا تَصْدُقُ مَعَهُ وَمَعَ الْإِيلَاجِ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَالٌ. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ» انْتَهَى. فَحَيْثُ صَدَقَ مُسَمَّى الْجِمَاعِ تَثْبُتُ فِيهِ إلَّا أَنَّ فِي سَنَدِهِ ابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَكِّيِّ مَجْهُولٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الشَّرْطُ بِالنَّصِّ) فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَوْ كَانَ هُوَ الشَّرْطُ لَيْسَ غَيْرَهُ حَلَّتْ بِدُخُولِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ لَكِنَّهَا لَا تَحِلُّ بِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَطَ الْعُسَيْلَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِ مِمَّنْ يَلْتَذُّ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا بِغَيْرِ إذْنِهِ عَاقِلًا

وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِيهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ: غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ يُجَامِعُ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَأَحَلَّهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنْ تَتَحَرَّك آلَتُهُ وَيَشْتَهِي، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهَا لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا وَالْحَاجَةِ إلَى الْإِيجَابِ فِي حَقِّهَا، أَمَّا لَا غُسْلَ عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا قَالَ (وَوَطْءُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لَا يُحِلُّهَا) لِأَنَّ الْغَايَةَ نِكَاحُ الزَّوْجِ (وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مَجْنُونًا إذَا كَانَ يُجَامِعُ مِثْلُهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي الذِّمِّيَّةِ حَتَّى يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَجَازَ السَّيِّدُ النِّكَاحَ فَلَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَطَأَهَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ، وَتَحِلُّ بِوَطْءِ الزَّوْجِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا. رَجُلٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَاشْتَرَى عَبْدًا صَغِيرًا لَهُ عَشْرُ سِنِينَ فَزَوَّجَهُ مِنْ مُطَلَّقَتِهِ فَجَامَعَهَا ثُمَّ مَلَّكَهَا إيَّاهُ فَقَبِلَتْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحَلَّتْ لِلزَّوْجِ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ) أَيْ فَسَّرَ الصَّبِيَّ الْمُرَاهِقَ فِي الْجَامِعِ فَقَالَ: غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ يُجَامِعُ، وَفِي الْمَنَافِعِ: الْمُرَاهِقُ الدَّانِي مِنْ الْبُلُوغِ، وَقِيلَ الَّذِي تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ وَيَشْتَهِي الْجِمَاعَ. وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ: إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِعَشْرِ سِنِينَ. وَلَا تَنْسَ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الزَّوْجِ كُفُؤًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَتْ الْحُرَّةُ نَفْسَهَا عَبْدًا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِدُخُولِهِ (قَوْلُهُ وَوَطْءُ الْمَوْلَى لَا يُحِلُّهَا) لِزَوْجِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ غَايَةَ الْحُرْمَةِ نِكَاحُ الزَّوْجِ وَلَيْسَ الْمَوْلَى زَوْجًا (قَوْلُهُ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحِلَّك لَهُ أَوْ تَقُولَ هِيَ ذَلِكَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ الْمُنْتَهِضَةِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» أَمَّا لَوْ نَوَيَاهُ وَلَمْ يَقُولَاهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ مَأْجُورًا لِقَصْدِهِ الْإِصْلَاحَ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وَالتَّخْرِيجُ عَنْ بَعْضِهِمْ يَكْفِينَا فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَحَدِيثُ عُقْبَةَ هَكَذَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: مَا أَرَاهُ سَمِعَ مِنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ وَلَا رُوِيَ عَنْهُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْإِسْنَادِ قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبٍ مِشْرَحٌ

وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا وَطِئَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ) لِوُجُودِ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَقَّتِ فِيهِ وَلَا يُحِلُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِفَسَادِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَا يُحِلُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ فَيُجَازَى بِمَنْعِ مَقْصُودِهِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُوَرِّثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرُدُّ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُعَنْعَنًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ بِهِ، وَلِذَلِكَ حَسَّنَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ لِأَنَّ شَيْخَ ابْنِ مَاجَهْ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ الْمِصْرِيِّينَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِعِلْمٍ وَضَبْطٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِشْرَحٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ وَثَّقَهُ. وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَلَا غَيْرُهُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّخْرِيجِ: الْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ بِهِ التَّحْلِيلُ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، لَكِنْ يُقَالُ لَمَّا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ هُوَ الْمُثَبِّتُ لِلْحِلِّ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ ثُمَّ جَوَابُهُ. أَمَّا الِاعْتِرَاضُ فَمَنْشَؤُهُ عَدَمُ مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الْحَرَامِ إلَّا عَلَى مَنْعٍ ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ، فَإِذَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ سَمَّوْهُ مَكْرُوهًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَكَلَامُهُ فِيهِ يَقْتَضِي تَلَازُمَ الْحُرْمَةِ وَالْفَسَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَعَ لُزُومِ الْإِثْمِ فِي الْعِبَادَاتِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا خُصُوصًا عَلَى مَا يُعْطَى كَلَامُهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَنْعِ الثَّابِتِ بِظَنِّيٍّ حَرَامًا (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْمُحَلِّلَ الشَّارِطَ هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ عُمُومَهُ وَهُوَ الْمُحَلِّلُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا وَإِلَّا شَمِلَ الْمُتَزَوِّجَ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُوَقِّتِ) وَالْمُوَقِّتُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ، أَوْ هُوَ الْمُتْعَةُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فَيَفْسُدُ فَلَا يُحِلُّهَا وَتَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْحِلَّ لِجَوَازِ كَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ شَارِطًا أَوْ طَالِبًا لِلْحِلِّ وَلِأَنَّهُ مَلْعُونٌ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ نِعْمَةٌ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يُلْعَنْ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ لِيُحِلَّهَا لِأَخِيهِ هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَّحَهُ. قُلْنَا: كَوْنُهُ فِي مَعْنَى الْمُوَقِّتِ مَمْنُوعٌ، إذْ تَعْيِينُ نِهَايَتِهِ الْوَطْءُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعْيِينَ وَقْتِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ قَدْ يَكُونُ فِي لَيْلَةِ الْخَلْوَةِ أَوْ بَعْدَ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ فَلَا تَوْقِيتَ صَرِيحٌ وَلَا مَعْنَى، وَحَقِيقَةُ الْمُحَلِّلِ مُثْبِتُ الْحِلِّ لَا مَنْ قَامَ بِهِ مُجَرَّدَ طَلَبِهِ، وَاللَّعْنَةُ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى يُعَارِضَ هَذَا الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ كُنَّا نَعُدُّهُ سِفَاحًا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَحْكُمُونَ بِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ وَهُوَ التَّوْقِيتُ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْقِيتٍ، وَالْغَرَضُ وَهُوَ حِلُّهَا لَهُ يَتَخَلَّفُ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ بِطَرِيقٍ

(وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْظُورٍ كَقَاتِلِ الْمُوَرِّثِ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُعَارَضٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَالْحِلُّ كَانَ ثَابِتًا ثُمَّ اعْتَرَضَ عَدَمَهُ مُغَيًّا بِنِكَاحٍ زَوْجٍ غَيْرِهِ، فَعِنْدَ وُجُودِ الْغَايَةِ يَنْتَهِي الْمَنْعُ الْمُغَيَّا فَيَثْبُتُ مَا كَانَ ثَابِتًا أَلْبَتَّةَ، فَحَيْثُ حُكِمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ مَعَ الدُّخُولِ لَزِمَ الْحِلُّ لِلْأَوَّلِ أَلْبَتَّةَ. وَمِنْ الْحِيَلِ إذَا خَافَتْ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ أَنْ تَقُولَ زَوَّجْتُك نَفْسِي عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أُرِيدُ، فَإِذَا قِيلَ عَلَى هَذَا جَازَ النِّكَاحُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ أَنَّ شَرْطَ التَّحْلِيلِ يَبْطُلُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الشَّرْطُ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمُحَلِّلُ مِنْ الطَّلَاقِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَوْضَةِ الزندويستي ذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْكَمَ بِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ كَوْنِهِ ضَعِيفَ الثُّبُوتِ تَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَالْعُقُودُ فِي مِثْلِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهَا مَا يَبْطُلُ فِيهِ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْأَصْلُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ هُوَ، فَيَجِبُ بُطْلَانُ هَذَا وَأَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الطَّلَاقِ. نَعَمْ يُكْرَهُ الشَّرْطُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَحْمَلِ الْحَدِيثِ، وَيَبْقَى مَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَصْدُ التَّحْلِيلِ بِلَا كَرَاهَةٍ. وَمَا أَوْرَدَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ عَادَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا فِي غَيْرِ مَحِلِّ كَلَامِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَصْدِ الزَّوْجِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ مُتَدَاوَلٌ، إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ وَصَارَ مَشْهُورًا بِهِ. وَهُنَا قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ مَأْجُورٌ وَإِنْ شَرَطَ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ، وَتَأْوِيلُ اللَّعْنِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ إذَا شَرَطَ الْأَجْرَ عَلَى ذَلِكَ. هَذَا، وَلَوْلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نَعُدُّهُ سِفَاحًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَ عَنْ وَاقِعَةِ حَالٍ مُفْرَدَةٍ لِشَخْصٍ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ أَنَّ تَعَلُّقَ اللَّعْنِ بِهِ إذَا كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ بِأَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْأَمْرِ شَرَطَ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ مِنْ فَعَّلَ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ وَهُوَ التَّكْثِيرُ فِي فِعْلِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ، فَلَوْ أَرَادَ تَعْلِيقَ اللَّعْنِ بِهِ بِمَرَّةٍ إذَا شَرَطَ لَقَالَ الْمُحِلُّ مِنْ أَحَلَّهَا بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ يَصْرِفُ عَنْ هَذَا فَيَكُونُ مِنْ نَحْوِ قَطَّعْت اللَّحْمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكْثِيرٌ (قَوْلُهُ وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي الطَّلْقَةَ وَالطَّلْقَتَيْنِ) يَعْنِي إذَا كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَا يَهْدِمُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَقْيِيدُهُ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ بِالْحُرَّةِ لِوَضْعِهَا فِي هَدْمِ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَمَةِ إلَّا هَدْمُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا لِأَنَّهُ لَا هَدْمَ فِي الْأَمَةِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَهْدِمُ) وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ

لِأَنَّهُ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا، وَلَا إنْهَاءَ لِلْحُرْمَةِ قَبْلَ الثُّبُوتِ. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ إذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَأَرَادَ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى كَمْ هِيَ عِنْدَهُ؟ فَالْتَفَتَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا؟ قَالَ: يَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي الْوَاحِدَةَ وَالثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، وَاسْأَلْ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: فَلَقِيت ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ فِي نَحْوِهِ قَالَ: هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ، وَنَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ. وَنُقِلَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَأَخَذَ الْمَشَايِخُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ شُبَّانِ الصَّحَابَةِ وَشُبَّانُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ مَشَايِخِ الصَّحَابَةِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْوَجْهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ) أَيْ لِأَنَّ الزَّوْجَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَيْ مُطْلَقًا لَا بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَكُونَ: أَيْ الزَّوْجَ مَنْهِيًّا لِلْحُرْمَةِ، وَلَا إنْهَاءَ لِلْحُرْمَةِ قَبْلَ الثُّبُوتِ: أَيْ ثُبُوتَهَا فَاللَّامُ بَدَلُ الْإِضَافَةِ وَلَا ثُبُوتَ لَهَا إلَّا بَعْدَ الثَّلَاثِ فَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا قَبْلَهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ أَوْ قَبْلَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي حَيْثُ تَعُودُ بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ. قُلْنَا: قَدْ عَمِلْنَا بِالنَّصِّ وَجَعَلْنَاهُ مَنْهِيَّا لِلْحُرْمَةِ فِي صُورَةِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ، لَكِنْ ثَبَتَ لَهُ وَصْفٌ آخَرُ بِنَصٍّ آخَرَ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحِلِّ مُطْلَقًا قُلْنَا بِهِ وَتَرَكْتُمْ أَنْتُمْ الْعَمَلَ بِهِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ آنِفًا. وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ سَمَّاهُ مُحَلِّلًا، وَحَقِيقَتُهُ مُثْبِتُ الْحِلِّ كَالْمُحَرَّمِ وَالْمُسْوَدِّ وَالْمُبْيَضِّ وَغَيْرُهَا مُثْبِتُ الْحُرْمَةِ وَالسَّوَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: تَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّ مَحْمَلَ الْحَدِيثِ الشَّارِطِ لِلْحِلِّ لِلْعِلْمِ قَطْعًا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ لَيْسَ مُتَعَلِّقُ اللَّعْنَةِ وَإِلَّا لَتَعَلَّقَتْ بِالْمُتَزَوِّجِ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مُتَعَلِّقِ اللَّعْنَةِ عَلَى مَا قَالُوا شَارِطَ الْحِلِّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ الْجَدِيدِ شَرْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْمُحَلِّلِ مُثْبِتَ الْحِلِّ بَلْ شَارِطَهُ. قِيلَ: لَا شَكَّ أَنَّ الزَّوْجَ يَثْبُتُ بِهِ الْحِلُّ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ مُثْبِتِ الْحِلِّ، فَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ: لَعَنَ اللَّهُ مُثْبِتَ الْحِلِّ إذَا شَرَطَ الْحِلَّ، فَلَا يَكُونُ شَارِطُ الْحِلِّ مُرَادًا بِلَفْظٍ مِنْ التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ بَلْ كُلُّهُ مُضْمَرٌ، فَفِيهِ حِينَئِذٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ مُثْبِتُ الْحِلِّ وَتَعْلِيقُ اللَّعْنَةِ بِهِ إذَا شَرَطَهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَحْمَلَهُ لَعْنَةُ الْمُحَلِّلِ إذَا شَرَطَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَلِّلِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ هُوَ الشَّارِطُ لِلْحِلِّ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُثْبِتًا لَهُ. نَعَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قِيلَ إنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مُحَلِّلًا فِي صُورَةِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ فَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ فِي غَيْرِهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُثْبِتُهُ فِيهَا بِدَلَالَتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحَلِّلًا فِي الْغَلِيظَةِ فَفِي الْخَفِيفَةِ أَوْلَى. وَأَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ زَوْجًا لِأَنَّ صُورَةَ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ مَحِلٌّ وَالْمَحِلُّ لَا يَدْخُلُ فِي التَّعْلِيلِ، لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ لَانْسَدَّ بَابُ الْقِيَاسِ لِأَنَّ مَحِلَّ الْأَصْلِ غَيْرُ مَحِلِّ الْفَرْعِ. وَأُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ يُمْكِنُ وَلَا يُمْكِنُ هُنَا لِأَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ فِيهِ، وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. أُجِيبُ إنْ لَمْ يَقْبَلُ الْمَحِلُّ أَصْلَ الْحِلِّ يَقْبَلُ ثُبُوتَ وَصْفِ

سَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَهُوَ الْمُثَبِّتُ لِلْحِلِّ (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصَدِّقَهَا إذَا كَانَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَمَالِ فِيهِ، بِأَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ يَمْلِكُ تَجْدِيدَهُ بَعْدَ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ، وَمَا صَلَحَ سَبَبًا لِأَصْلِ الشَّيْءِ صَلَحَ سَبَبًا لِوَصْفِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ غَايَةُ مَا تَحَقَّقَ مِنْ الشَّارِعِ تَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا، وَمَفْهُومُهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنَّهُ مُثْبِتٌ لِمُجَرَّدِ الْحِلِّ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَكَوْنُ الْحِلِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهِ، وَثُبُوتُهُ كَذَلِكَ فِي صُورَةِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَحِلٌّ ابْتَدَأَ فِيهِ الْحِلُّ لِاسْتِيفَاءِ الزَّوْجِ مَالَهُ مِنْ الطَّلْقَاتِ قَبْلَهُ، وَحَيْثُ ابْتَدَأَ ثُبُوتُ الْحِلِّ كَانَ ثَلَاثًا شَرْعًا، فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَقَدْ صَدَقَ قَوْلُ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ: وَمَسْأَلَةٌ يُخَالَفُ فِيهَا كِبَارُ الصَّحَابَةِ يَعُوزُ فِقْهُهَا وَيَصْعُبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَعُودِي إلَى رِفَاعَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» فَغَيَّا عَدَمَ الْعَوْدِ بِالذَّوْقِ. فَعِنْدَهُ يَنْتَهِي عَدَمُهُ وَيَثْبُتُ هُوَ، وَالْعَوْدُ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا يَمْلِكُ فِيهَا الزَّوْجُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِصِدْقِ حَقِيقَتِهِ قَبْلَ الزَّوْجِ الثَّانِي لَوْ قَالَ بَعْدَ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ بِلَا تَحَلُّلِ زَوْجٍ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَعُودِي إلَى فُلَانٍ صَدَقَ حَقِيقَتُهُ وَإِنْ كَانَ الْعَوْدُ لَا إلَى مَا يَمْلِكُ بِهِ ثَلَاثًا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى عَيْنِ الْحَالَةِ الْأُولَى مُحَالٌ، فَالْمُرَادُ الْعَوْدُ إلَى شَبَهِهَا وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِمُجَرَّدِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْحِلِّ لِانْتِفَاءِ اشْتِرَاطِ عُمُومِ وَجْهِ التَّشْبِيهِ (قَوْلُهُ فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْتُ وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي) فِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا ذَكَرَ إخْبَارَهَا هَكَذَا مَبْسُوطًا، لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي دَخَلَ بِي، إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرَائِطِ الْحِلِّ لَمْ تُصَدَّقْ وَإِلَّا تُصَدَّقُ، وَفِيمَا ذَكَرَتْهُ مَبْسُوطًا لَا تُصَدَّقُ فِي كُلِّ حَالٍ. وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا حَتَّى يَسْتَفْسِرَهَا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ النَّاسِ فِي حِلِّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. وَفِي التَّفَارِيقِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت أَوْ مَا دَخَلَ بِي صَدَقَتْ إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ جِهَتِهَا. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى النِّكَاحِ اعْتِرَافٌ مِنْهَا بِصِحَّتِهِ فَكَانَتْ مُتَنَاقِضَةً فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهَا، كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِهَا كُنْت مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ

لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَسَنُبَيِّنُهَا فِي بَابِ الْعِدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مُحَرَّمًا أَوْ كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ شُهُود، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ؛ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي. وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا ذَلِكَ وَكَذَّبَتْهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَلِذَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ كَمَالُهُ إنْ دَخَلَ بِهَا انْتَهَى مِنْ قَائِلِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ مَا يُوَافِقُ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ، قَالَ فِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْبَاءِ: لَوْ قَالَتْ بَعْدَمَا تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ مَا تَزَوَّجْت بِآخَرَ وَقَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ تَزَوَّجْت بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِك لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ الثَّانِي النِّكَاحُ وَقَعَ فَاسِدًا لِأَنِّي جَامَعْت أُمَّهَا إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ تَحِلُّ، كَذَا أَجَابَ الْقَاضِي الْإِمَامُ. وَلَوْ قَالَتْ دَخَلَ بِي الثَّانِي وَالثَّانِي مُنْكِرٌ فَالْمُعْتَبَرُ قَوْلُهَا، وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ. وَفِي النِّهَايَةِ وَلَمْ يَمُرَّ بِي: لَوْ قَالَ الْمُحَلِّلُ بَعْدَ الدُّخُولِ كُنْت حَلَفْت بِطَلَاقِهَا إنْ تَزَوَّجْتهَا هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قُلْت: يُبْنَى الْأَمْرُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهَا، إنْ كَانَ صَادِقًا عِنْدَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا تَحِلُّ. وَعَنْ الْفَضْلِيِّ: لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجْنِي فَإِنِّي تَزَوَّجْت غَيْرَك فَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت صُدِّقَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي، كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَحْمِلُ قَوْلَهَا تَزَوَّجْت عَلَى الْعَقْدِ، وَقَوْلَهَا مَا تَزَوَّجْت عَلَى مَعْنَى مَا دَخَلَ بِي لَا عَلَى إنْكَارِ مَا اعْتَرَفَتْ بِهِ، وَلِذَا قَالَ: إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مُنَاقَضَةً صَرِيحَةً. وَسُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ فَأُفْتِيَتْ الْمَرْأَةُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ وَخَافَتْ إنْ أَعْلَمَتْهُ بِذَلِكَ أَنْ يُنْكِرَ هَلْ لَهَا أَنْ تَسْتَحِلَّ بَعْدَ مَا يُفَارِقُهَا بِسَفَرٍ وَتَأْمُرَهُ إذَا حَضَرَ بِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ؟ قَالَ: نَعَمْ دِيَانَةً (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُهُ وَهُوَ النِّكَاحُ مُذَكَّرًا لِتَأْنِيثِ خَبَرِهِ وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَصْلِ (وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ) كَالْوِكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَاتِ، وَلِذَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ فِي الْهَدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ) أَفَادَ أَنَّ تَصْدِيقَهَا إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا مَشْرُوطٌ بِاحْتِمَالِ الْمُدَّةِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَسَنُبَيِّنُهَا فِي الْعِدَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَوَالَةُ غَيْرُ رَائِجَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا. وَأَجَابَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ فِي عِدَّةٍ غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يَقْضِي الْعَجَبَ مِنْ تَسْطِيرَهِ فِي الْأَوْرَاقِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا تَوْفِيقَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ بَيَانُهَا فِي الْكِتَابِ تَعَيَّنَ تَعَيُّنُهَا فِي الشَّرْحِ، وَذِكْرُ نُبْذَةٍ مِنْ الْخِلَافِ. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَقَلِّ مَا تُصَدَّقُ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَقَالَا: أَقَلُّهَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا. وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَوْ ادَّعَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ وَجَاءَتْ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ النِّسَاءِ الْعُدُولِ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا أَنَّهَا رَأَتْ الْحَيْضَ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَتُصَلِّي فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (قالون) وَمَعْنَاهُ بِالرُّومِيَّةِ أَحْسَنْت. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَلَحْظَتَانِ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ، وَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ إنْ وَقَعَ فِي الْحَيْضِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْجَوَاهِرِ: أَرْبَعُونَ. وَقَالَ إِسْحَاق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ: إنْ كَانَ لَهَا أَقْرَاءٌ مَعْلُومَةٌ تَعْرِفُهَا بِطَانَةُ أَهْلِهَا تُصَدَّقُ عَلَى مَا يُشْهَدُ بِهِ، وَإِلَّا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ قُلْنَا أَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قُلْنَا خَمْسَةَ عَشَرَ تَزْدَادُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَيَصِيرُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ إِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الشَّهْرَ الْوَاحِدَ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَطُهْرٍ فَتُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ إذَا أَخْبَرَتْ بِمَا دُونَهُ، وَالْمُكَذَّبُ عَادَةً كَالْمُكَذَّبِ حَقِيقَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا قَالَ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ مِائَةً فِي يَوْمٍ لَا يَصَّدَّقُ وَإِنْ اُحْتُمِلَ صِدْقُهُ بِأَنْ تَكَرَّرَ هَلَاكُ الْمُشْتَرَى فِي الْيَوْمِ، أَوَلَا يَرَى أَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَقَامَ الزَّمَانَ مَقَامَ الْأَقْرَاءِ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ قَدَّرَ الْعِدَّةَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ تَعَالَى وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَشْهَدَ بِمَا دُونَ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ أَنَّ هَذَا مِنْ النَّادِرِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَأَيْت أَنَّ قَوْلَ إِسْحَاقَ وَمَنْ مَعَهُ أَوْلَى بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَخْرِيجُهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُجْعَلَ مُطْلَقًا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ تَفَادِيًا مِنْ الطَّلَاقِ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا كُلُّ طُهْرٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ كُلُّ حَيْضَةٍ بِخَمْسَةٍ أَخْذًا بِالْوَسَطِ فِيهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنْ يُجْعَلَ مُطْلَقًا فِي آخِرِ الطُّهْرِ تَفَادِيًا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ وَطُهْرَيْنِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَأَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا طُهْرٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ وَحَيْضَتَانِ بِعِشْرَيْنِ. وَعَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا الطُّهْرُ الَّذِي وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِهِ، وَالْمُتَخَلِّلُ ثَلَاثُونَ وَحَيْضَتَانِ بِعَشَرَةٍ. وَتَخْرِيجُ قَوْلِهِمَا أَنْ يُجْعَلَ مُطْلَقًا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَطُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةٍ اعْتِبَارًا لِأَقَلِّهِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَأَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا حَيْضَتَانِ بِسِتَّةٍ وَطُهْرٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِثْلُهُ لِلثَّانِي وَزِيَادَةُ طُهْرٍ: يَعْنِي إذَا جَاءَتْ بَعْدَ الْمُدَّتَيْنِ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا تُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْتَسَبُ مَعَ الْمُدَّتَيْنِ طُهْرٌ آخَرُ فِي كُلٍّ تَخْرِيجٌ جُعِلَ

[باب الإيلاء]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّوْجُ فِيهِ مُطَلِّقًا فِي آخِرِ الطُّهْرِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِي إذَا جُعِلَ مُطَلِّقًا فِي آخِرِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّ عِدَّةَ الْأَوَّلِ انْقَضَتْ بِأَوَّلِ الطُّهْرِ لَزِمَ مَا قُلْنَا، وَلَوْ كَانَ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الثَّلَاثَ بِالْوِلَادَةِ فَوَلَدَتْ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا فِي قَوْلِهِ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلِّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ احْتِسَابًا لِلنِّفَاسِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ طُهْرٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَطُهْرَانِ بِسِتِّينَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ لَا يَكُونُ حَيْضًا بَلْ بَعْدَهُ، وَكَوْنُ مَا بَعْدَهُ حَيْضًا مَوْقُوفٌ عَلَى تَقَدُّمِ طُهْرٍ تَامٍّ وَهُوَ مَا قُلْنَا، هَذَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ فِي الثَّانِي إلَى سِتِّينَ عَلَى مَا سَمِعْت عَلَى التَّخْرِيجَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ فِي خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا لِأَنَّ نِفَاسَهَا يُقَدَّرُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَهُ لِأَنَّ مُدَّتَهُ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ؛ فَيُقَدَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِهِ بِيَوْمٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةٍ أَطْهَارٍ، وَيَحْتَاجُ فِي حَقِّ الثَّانِي إلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثَةٍ أَيْضًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ، فَإِذَا قَالَتْ كَانَ سَاعَةً صُدِّقَتْ ثُمَّ الطُّهْرُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَطُهْرَانِ، وَيَحْتَاجُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي إلَى أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَتَخْرِيجُهُ عَلَى الْمَذَاهِبِ غَيْرُ خَافٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْإِيلَاءِ] (بَابُ الْإِيلَاءِ) تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ بِأَرْبَعَةِ طُرُقٍ: الطَّلَاقِ، وَالْإِيلَاءِ، وَاللِّعَانِ، وَالظِّهَارِ. فَبَدَأَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْمُبَاحُ فِي وَقْتِهِ. ثُمَّ أَوْلَاهُ الْإِيلَاءَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ فِي الْإِبَاحَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَمِينٌ مَشْرُوعٌ لَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الظُّلْمِ لِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ إلَّا بِالطَّلَاقِ فِي الْحَالِ أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، غَيْرَ أَنَّ ثُبُوتَهُ بِأَسْبَابِ الْأَصْلِ وَالْأَشْهَرُ مِنْهَا الِابْتِدَاءُ بِهِ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا فَقُدِّمَ، ثُمَّ أَوْلَى الْإِيلَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ الْمَعْصِيَةُ، إذْ قَدْ يَكُونُ بِرِضَاهَا لِخَوْفِ غِيلٍ عَلَى وَلَدٍ وَعَدَمِ مُوَافَقَةِ مِزَاجِهَا وَنَحْوِهِ فَيَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ لِقَطْعِ لِجَاجِ النَّفْسِ، بِخِلَافِ الظِّهَارِ وَاللَّعَّانِ فَإِنَّهُمَا لَا يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَلِهَذَا قَدَّمَ عَلَيْهِمَا الْخُلْعَ لِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَسْتَلْزِمُهَا لِجَوَازِ أَنْ تَسْأَلَهُ لَا لِنُشُوزٍ بَلْ لِقَصْدِ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَوْ لِعَجْزٍ عَنْ أَدَاءِ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالْقِيَامِ بِأُمُورِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْإِيلَاءَ عَلَيْهِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِلْزَامِ الْمَعْصِيَةِ وَالِانْفِكَاكِ عَنْهَا لِاخْتِصَاصِهِ هُوَ بِزِيَادَةِ تَسْمِيَةِ الْمَالِ فَهُوَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْكَبِ مِنْ الْفَرْدِ. وَالْإِيلَاءُ لُغَةً الْيَمِينُ، وَالْجَمْعُ الْأَلَايَا. قَالَ الشَّاعِرُ: قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلْيَةُ بَرَّتْ وَفِعْلُهُ آلَى يُولِي إيلَاءً كَتَصْرِيفِ أَعْطَى. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بِاَللَّهِ أَوْ بِتَعْلِيقِ مَا يَسْتَشِقُّهُ عَلَى الْقُرْبَانِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْكَنْزِ: الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ يَتَحَقَّقُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ، وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ تَعَلَّقَ إشْقَاقُهُ بِعَارِضٍ ذَمِيمٍ فِي النَّفْسِ مِنْ الْجُبْنِ وَالْكَسَلِ، بِخِلَافِ إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ فَالْمُولِي حِينَئِذٍ مَنْ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ لُزُومِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ مَنْ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ الْكَفَّارَةِ لِقُصُورِ هَذَا عَنْ نَحْوِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ فُلَانَةُ طَالِقٌ. . وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ الْحَلِفُ الْمَذْكُورُ، وَشَرْطُهُ مَحَلِّيَّةُ الْمَرْأَةِ وَأَهْلِيَّةُ الْحَالِفِ وَعَدَمُ النَّقْصِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالْأَوَّلُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالثَّانِي بِأَهْلِيَّةِ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا بِأَهْلِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَيَصِحُّ إيلَاءُ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ بِمَا فِيهِ كَفَّارَةٌ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، فَإِنْ قَرِبَهَا لَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ بِلَا قُرْبَانٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا، أَمَّا لَوْ آلَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ كَإِنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَلَوْ آلَى بِمَا لَا يُلْزِمُ قُرْبَةً كَإِنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَحْوُهُ صَحَّ اتِّفَاقًا، وَحُكْمُهُ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ أَوْ الْجَزَاءِ الْمُعَلَّقِ بِتَقْدِيرِ الْحِنْثِ بِالْقُرْبَانِ، وَوُقُوعُ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ بِتَقْدِيرِ الْبَرِّ. وَأَلْفَاظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ؛ فَالصَّرِيحُ نَحْوَ لَا أَقْرَبُك لَا أُجَامِعُك لَا أَطَؤُك لَا أُبَاضِعُك لَا أَغْتَسِلُ مِنْك مِنْ جَنَابَةٍ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ الْجِمَاعَ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ، وَالْكِنَايَةُ نَحْوَ لَا أَمَسُّك لَا آتِيك لَا أَغْشَاك لَا أَلْمِسُك لَأَغِيظَنَّك لَأَسُوأَنَّكِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْك لَا أَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك لَا أُضَاجِعُك لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك فَلَا يَكُونُ إيلَاءً بِلَا نِيَّةٍ وَيُدِينُ فِي الْقَضَاءِ. وَقِيلَ الصَّرِيحُ لَفْظَانِ: لَا أُجَامِعُك، لَا أَنِيكُك، وَهَذِهِ كِنَايَاتٌ تَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ مَنُوطَةٌ بِتَبَادُرِ الْمَعْنَى لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لَا بِالْحَقِيقَةِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ كَوْنُ الصَّرِيحِ لَفْظًا وَاحِدًا وَهُوَ ثَانِي مَا ذَكَرَ. وَفِي الْبَدَائِعِ: الِافْتِضَاضُ فِي الْبِكْرِ يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَالدُّنُوُّ كِنَايَةٌ، وَكَذَا لَا أَبِيتُ مَعَك فِي فِرَاشٍ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُنْتَقَى لَا أَنَامُ مَعَك إيلَاءً بِلَا نِيَّةٍ، وَكَذَا لَا يَمَسُّ فَرْجِي فَرْجَك. فِي الذَّخِيرَةِ: وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ: لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك لَا يَصِيرُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَلُفَّ ذَكَرَهُ بِشَيْءٍ. وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ: يَحْنَثُ بِمَسِّ الْفَرْجِ دُونَ الْجِمَاعِ فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ قِيلَ فِيهِ بُعْدٌ وَهُوَ حَقٌّ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَوْنُ الْجِمَاعِ هُوَ الْمُرَادُ وَلِذَا كَانَ كِنَايَةً مُفْتَقِرَةً إلَى النِّيَّةِ وَهُوَ فَرْعُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَلِكَ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجِمَاعِ فَيَكُونُ مُولِيًا. وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ قَالَ أَنَا مِنْك مُولٍ فَإِنْ عَنَى الْخَبَرَ كَذِبًا فَلَيْسَ بِمُولٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَصْدُقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ هَذَا إيجَابٌ فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْإِيجَابَ فَهُوَ مُولٍ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِيلَاءَ

(وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةُ (فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ (وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذَا اللَّفْظِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلَ امْرَأَةِ فُلَانٍ وَقَدْ كَانَ فُلَانٌ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ نَوَى الْإِيلَاءَ كَانَ مُولِيًا لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِهَا فِي الْيَمِينِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ وَلَا التَّحْرِيمَ لَا يَكُونُ مُولِيًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْإِيلَاءُ الْحَلِفُ إلَخْ، وَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ أَوْ أَنَا مُولٍ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ حَلِفٍ إنْشَائِيَّةٍ وَلَا تَعْلِيقِيَّةٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الْحَلِفِ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَنَحْوَهُ أَوْ إنْ قَرِبْتُك، وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَنْتِ مِثْلُهَا إيَّاهُ وَلَا مُحَقِّقًا لِوُجُودِهِ لِفَرْضِ عَدَمِ وُجُودِهِ سَابِقًا وَلَاحِقًا، إلَّا أَنَّ هَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ، صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَفِيهِ: لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك فِي إيلَاءِ هَذِهِ كَانَ بَاطِلًا. وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَهُوَ مُولٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنَا مِنْك مُولٍ مَعْنَاهُ أَنَا مِنْك حَالِفٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ أَحْلِفُ فَقَطْ كَمَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَيَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَنَا حَالِفٌ، وَكَذَا التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ يَئُولُ إلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: لَا وَطِئْتُك فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا، خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ قَالَ: لَا جَامَعْتُك إلَّا جِمَاعَ سُوءٍ. سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ صَارَ مُولِيًا، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت جِمَاعًا ضَعِيفًا لَا يَزِيدُ عَلَى نَحْوِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَلَيْسَ بِمُولٍ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ مُولٍ (قَوْلُهُ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لَيْسَ حُكْمُ الْمُولِي مُطْلَقًا عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ بَلْ حُكْمُ هَذَا الْمُولِي الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ وَاَللَّهِ إلَخْ لِمَا سَتَعْرِفُ أَنَّ الْمُولِيَ قَدْ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ الْكَفَّارَةُ بِذَلِكَ التَّقْدِيرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ: لَا كَفَّارَةَ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحِنْثِ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ الْمَغْفِرَةَ بِتَقْدِيرِ الْفَيْءِ، وَالْمُرَادُ الْجِمَاعُ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ الرُّجُوعُ، وَبِالْجِمَاعِ يَتَحَقَّقُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ التَّرْكِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] وَقَوْلُهُ الْجَدِيدُ كَقَوْلِنَا لِأَنَّ وَعْدَ الْمَغْفِرَةِ بِسَبَبِ الْفَيْئَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ التَّوْبَةِ لَا يُنَافِي إلْزَامَ الْكَفَّارَةِ بَلْ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ انْفِكَاكُ التَّلَازُمِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ: أَعْنِي الْمَغْفِرَةَ وَسُقُوطَ الْكَفَّارَةِ، وَثُبُوتُ أَحَدِهِمَا مَعَ نَقِيضِ الْآخَرِ مُسْتَمِرٌّ فِي كُلِّ حَلِفٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ إذَا حَنِثَ الْحَالِفُ فِيهَا تَوْبَةٌ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ تَثْبُتُ مَعَ عَدَمِ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا إعْمَالًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَهُوَ قَوْلُ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. قَالَ قَتَادَةُ: خَالَفَ الْحَسَنُ النَّاسَ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ)

لِأَنَّ الْيَمِينَ تَرْتَفِعُ بِالْحِنْثِ (وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبِينُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْحَلُّ بِالْحِنْثِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبِينُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي) لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ تَبِينُ، بَلْ قَالَ يَقَعُ رَجْعِيًّا سَوَاءٌ طَلَّقَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ أَوْ الْحَاكِمُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَرُجِّحَ بِأَنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ إلَّا الثَّابِتَ بِالنَّصِّ. وَالْجَوَابُ مَنْعُ كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى، وَتَقَدَّمَ وَجْهُ دَفْعِهِ فِي الْكِنَايَاتِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَدْعِي سَبَبًا، وَالسَّبَبُ هُنَا أَنَّهُ وَقَعَ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الظُّلْمِ، وَالرَّجْعِيُّ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى عِصْمَتِهِ وَيُعِيدَ الْإِيلَاءَ فَتَعَيَّنَ الْبَائِنُ لِتَمْلِكَ نَفْسَهَا وَتَزُولُ سَلْطَنَتُهُ عَلَيْهَا جَزَاءً لِظُلْمِهِ مَعَ وُرُودِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى انْتِهَاضِهَا بِإِثْبَاتِهِ. ثُمَّ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الْفَيْءَ عِنْدَهُ يَكُونُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيَكُونُ بَعْدَهَا وَعِنْدَ مُضِيِّهَا يُوقَفُ إلَى أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَاقْتَضَى جَوَازَ الْفَيْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ. وَعِنْدَنَا الْفَيْءُ فِي الْمُدَّةِ لَا غَيْرُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَاءَ لِتَعْقِيبِ الْمَعْنَى فِي الزَّمَانِ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدِ كَجَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو، وَتَدْخُلُ الْجُمَلَ لِتَفْصِيلِ مُجْمَلٍ قَبْلَهَا وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْأَوَّلِ نَحْوَ {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] وَنَحْوَ: تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ التَّعْقِيبَ، بَلْ التَّعْقِيبُ الذِّكْرِيّ بِأَنْ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَكَالْأَوَّلِ كَجَاءَ زَيْدٌ فَقَامَ عَمْرٌو، وَكُلٌّ مِنْ التَّعْقِيبَيْنِ جَائِزُ الْإِرَادَةِ فِي الْآيَةِ؛ الْمَعْنَوِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِيلَاءِ، {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] أَيْ بَعْدَ الْإِيلَاءِ، وَالذِّكْرِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ أَنْ يَتَرَبَّصْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ مَعَ عَدَمِ الْوَطْءِ كَانَ مَوْضِعُ تَفْصِيلِ الْحَالِ فِي الْأَمْرَيْنِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] إلَى قَوْلِهِ {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 181] . وَاقِعٌ بِهَذَا الْمَعْرِضِ فَيَصِحُّ كَوْنُ الْمُرَادِ {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] : أَيْ رَجَعُوا عَمَّا اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ تَعْقِيبًا عَلَى الْإِيلَاءِ التَّعْقِيبُ الذِّكْرِيُّ أَوْ بَعْدَهَا تَعْقِيبًا عَلَى التَّرَبُّصِ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} [البقرة: 226] لِمَا حَدَثَ مِنْهُمْ مِنْ الْيَمِينِ عَلَى الظُّلْمِ وَعَقْدِ الْقَلْبِ عَلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ الْفَيْئَةِ الَّتِي هِيَ تَوْبَةٌ، أَوْ غَفُورٌ لِلْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ إنْ كَانَ بِرِضَاهَا لِغَرَضِ تَحْصِينِ وَلَدٍ عَنْ الْغِيلِ وَنَحْوِهِ رَحِيمٌ بِشَرْعِ الْكَفَّارَةِ كَافِيَةٌ عَنْهُ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] تَرَجَّحَ أَحَدُ الْجَائِزَيْنِ وَهُوَ كَوْنُ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ، إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ تَوَافُقُ الْقِرَاءَتَيْنِ شَاذَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا شَاذَّةٌ فَتَنْزِلُ تَفْسِيرًا لِلْمُرَادِ بِالْأُخْرَى، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ كَوْنِهِ فِي الْمُدَّةِ إذْ لَا تُعَارِضُ الْقِرَاءَةَ الْمَشْهُورَةَ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَإِنْ أَبَى الْخَصْمُ وَرَدَّ الْمُخْتَلَفَ إلَى الْمُخْتَلِفِ يَتِمُّ إذَا أَثْبَتَ الْأَصْلَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ إنَّمَا يَقْرَؤُهَا الرَّاوِي خَبَرًا عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ قُرْآنًا فَانْتِفَاءُ الْقُرْآنِيَّةِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّوَاتُرُ انْتِفَاءُ الْأَخَصِّ، فَإِنَّ الْقُرْآنِيَّةَ أَخَصُّ مِنْ الْخَبَرِيَّةِ، وَانْتِفَاءَ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْأَعَمِّ، فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ كَوْنِهَا قُرْآنًا أَوْ خَبَرًا عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ، وَذَلِكَ دَوَرَانٌ بَيْنَ الْحُجِّيَّةِ عَلَى وَجْهٍ وَبَيْنَهَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ لَا بَيْنَ الْحُجِّيَّةِ وَعَدَمِهَا. فَإِنْ قِيلَ: حَاصِلُ الْمُفَادِ بِهَا جَوَازُ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ. وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَفِيءَ بَعْدَهَا، وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ إذَا لَمْ يَفِئْ فِيهَا أَوْ لَا بَلْ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَيْءِ أَثْبَتْنَاهُ، وَالْقِرَاءَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تَنْفِيهِ. قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ حُكْمَ الْإِيلَاءِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَفِيءَ فِي الْمُدَّةِ أَوْ يَثْبُتَ الطَّلَاقُ بِتَطْلِيقِهِ أَوْ تَطْلِيقِ الْقَاضِي عَلَى الْخِلَافِ

لِأَنَّهُ مَانِعُ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ كَمَا فِي الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا هُوَ الْمُفَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] فِيهِنَّ فَكَذَا {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَكَذَا عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ التَّأْوِيلِ لِأَنَّ التَّرْدِيدَ مَأْخُوذٌ فِي كُلِّ قِسْمٍ مِنْهُ نَقِيضُ الْآخَرِ، أَيْ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ. فَلَمْ يَفِيئُوا فِيهَا وَهُوَ لَازِمٌ فَإِنَّهُمْ لَوْ فَاءُوا فِيهِنَّ لَمْ تَبْقَ عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنْ لَا فَيْءَ إلَّا فِي الْمُدَّةِ. الثَّانِي: أَنَّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ تَقَعُ الْفِرْقَةُ بَيْنَهُمَا طَلَاقًا بَائِنًا وَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَلَاقِهِ أَوْ بِطَلَاقِ الْقَاضِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يُتَصَوَّرُ الْعَزْمُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ النَّصَّ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مَسْمُوعٌ وَهُوَ قَوْلُهُ {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَاصِلُهُ إلْحَاقُ الْمُوَلِّي بِالْعِنِّينِ فِي حُكْمٍ هُوَ إلْزَامُهُ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِمَعْرُوفٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ، وَإِلَّا كَانَ مَوْقِعًا مِنْ غَيْرِ إيقَاعٍ. وَالْجَوَابُ: قَوْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَزْمُ عَلَيْهِ لَوْ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مَمْنُوعٌ، بَلْ إذَا فَرَضَ وُقُوعَهُ عِنْدَهَا كَانَ عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ عَزْمُهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى التَّرْكِ حَتَّى يَتِمَّ، فَمَعْنَى فَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنْ اسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ التَّرْكِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} [البقرة: 227] بِمَا يُقَارِنُ هَذَا التَّرْكَ وَالِاسْتِمْرَارَ مِنْ الْمُقَاوَلَةِ وَالْمُجَادَلَةِ وَحَدِيثَ النَّفْسِ بِهِ كَمَا يَسْمَعُ وَسْوَسَةَ الشَّيْطَانِ عَلِيمٌ بِمَا اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ الظُّلْمِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ، وَانْدَرَجَ فِي هَذَا جَوَابُ الثَّانِي. وَعَنْ الْأَخِيرِ بِأَنَّ الْعِنِّينَ لَيْسَ بِظَالِمٍ فَنَاسَبَهُ التَّخْفِيفُ عَلَيْهِ وَلِذَا كَانَ أَجَلُهُ أَكْثَرُ، وَالْمُولِيَ ظَالِمٌ يَمْنَعُ حَقَّهَا فَيُجَازَى بِوُقُوعِهِ بِنَفْسِ الِانْقِضَاءِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِلَا إيقَاعٍ بَلْ الزَّوْجُ بِالْإِيلَاءِ مُوقِعٌ، فَقَدْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَنْجِيزًا فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُؤَجَّلًا. أَوْ نَقُولُ: جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِهِ عِنْدَ اسْتِمْرَارِ ظُلْمِهِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ إنَّمَا هِيَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالنِّكَاحِ، وَلَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ الْآلَةُ الَّتِي يَثْبُتُ هُوَ عِنْدَهَا شَرْعًا وَلَمْ يَقْصُرْ الشَّرْعُ ثُبُوتَهُ عَلَى اللَّفْظِ، أَلَّا يَرَى أَنَّهُ حَكَمَ بِثُبُوتِهِ عِنْدَ كِتَابَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَتْ الْكِتَابَةُ لَفْظًا فَلَا بُعْدَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ عِنْدَ ظُلْمِهِ بِمَنْعِهِ حَقِّهَا هَذِهِ الْمُدَّةِ. لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَكُونُ ظَالِمًا بِذَلِكَ وَهُوَ بِوَطْئِهِ وَاحِدَةً لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَلَا يُلْزِمُهُ بِغَيْرِهَا فَهُوَ لَيْسَ بِظَالِمٍ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَامِعَهَا أَحْيَانًا لِيُعِفَّهَا، فَإِنْ أَبَى كَانَ عَاصِيًا. وَالنُّصُوصُ مِنْ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ تُفِيدُ ذَلِكَ، لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ هَذَا كُلُّهُ تَجْوِيزٌ لِوُقُوعِهِ كَذَلِكَ وَنَقُولُ بِجَوَازِهِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا هُوَ الثَّابِتُ بِمُقْتَضَى دَلَالَةِ الدَّلِيلِ وَهُوَ مَا قُلْنَا، فَإِنَّ الْآيَةَ وَإِنْ صَحَّ فِيهَا كَوْنُ الْعَزْمِ عَلَى الطَّلَاقِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قُلْتُمْ لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا مَا قُلْنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا أَفَادَتْ أَنْ لَا فَيْءَ بَعْدَ الْمُدَّةِ لَزِمَ انْتِفَاءُ قَوْلِكُمْ مِنْ إلْزَامِكُمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ الطَّلَاقِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا قُلْنَا، وَإِلَّا لَزِمَ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ وَهُوَ إلْزَامُهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ هُوَ مَحْمَلُ اسْتِدْلَالِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُصَادَرَةٌ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِعَيْنِ مَحِلِّ النِّزَاعِ كَأَنَّهُ قَالَ: فَجَازَاهُ بِذَلِكَ بِالنَّصِّ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مُفَسَّرَةٌ بِكَوْنِ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ بِقِرَاءَةٍ أُخْرَى إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِآثَارِ وَهِيَ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَيْمُونِيِّ قَالَ: ذَكَرْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدِيثَ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عُثْمَانَ يَعْنِي بِهِ مَا سَنَذْكُرُهُ مِمَّا يُوَافِقُ مَذْهَبَنَا قَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ خِلَافُهُ. قِيلَ لَهُ مَنْ رَوَاهُ؟ قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عُثْمَانَ، وَمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ

فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَزَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةٌ، وَلِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَحَكَمَ الشَّرْعُ بِتَأْجِيلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، فَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ تَوَقَّفَ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ. وَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْإِيلَاءِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَا تَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ إلَّا أَنْ يَمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَعْزِمَ بِالطَّلَاقِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ: أَيْ الْبُخَارِيُّ: قَالَ لِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تَوَقَّفَ حَتَّى يُطَلِّقَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ يَقُولُ يُوقَفُ الْمُولِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. قُلْنَا: الْآثَارُ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ مُعَارِضَةٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فِيمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرُ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْإِيلَاءِ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ. وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ سَنَدَهُ جَيِّدٌ مَوْصُولٌ، بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّ حَالَ رِجَالِهِ لَا يُعْرَفُ إلَى حَبِيبٍ، وَهُوَ أَيْضًا أَعْضَلُهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ طَاوُسًا أَخَذَ عَنْ عُثْمَانَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فِيمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأْنَا مَعْمَرُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُرْسَلٌ، فَإِنَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُرْسَلَةٌ، وَكَذَا قَتَادَةُ وَهُمَا مُتَعَاصِرَانِ، وَتُوُفِّيَ قَتَادَةُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَمِائَةٍ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ، وَكَذَا تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ فِي قَوْلٍ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ سِتَّ

(فَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ) لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشْرَةَ فَاعْتَدَلَا فِي هَذَا الْقَدْرِ. ثُمَّ الْمُثْبَتُ مِنْ اشْتِهَارِ قَتَادَةَ بِعِظَمِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا سَمِعَ بِعَيْنِهِ أَكْثَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ الْمُثْبَتِ لِمُحَمَّدٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ سِيرِينَ فَقَالَ: رَأَيْت حَمَامَةً الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً فَخَرَجَتْ عَنْهَا أَعْظَمُ مِمَّا دَخَلَتْ، وَرَأَيْت حَمَامَةً أُخْرَى الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً فَخَرَجَتْ مِنْهَا أَصْغَرُ مِمَّا دَخَلَتْ، وَرَأَيْت أُخْرَى الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً فَخَرَجَتْ كَمَا دَخَلَتْ سَوَاءً. فَقَالَ لَهُ ابْنُ سِيرِينَ: أَمَّا الَّتِي خَرَجَتْ أَعْظَمُ مِمَّا دَخَلَتْ فَذَاكَ الْحَسَنُ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَيُجَوِّدُهُ بِمَنْطِقِهِ ثُمَّ يَصِلُ فِيهِ مِنْ مَوَاعِظِهِ. وَأَمَّا الَّتِي خَرَجَتْ أَصْغَرُ فَذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يُنْتَقَصُ مِنْهُ وَيُسْأَلُ. وَأَمَّا الَّتِي خَرَجَتْ كَمَا دَخَلَتْ فَهُوَ قَتَادَةُ وَهُوَ أَحْفَظُ النَّاسِ انْتَهَى. وَفِي تَرَاجِمِهِ الْعَجَائِبُ مِنْ حِفْظِهِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا آلَى فَلَمْ يَفِئْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ. وَرِجَالُ هَذَا السَّنَدِ كُلُّهُمْ أَخْرَجَ لَهُمْ الشَّيْخَانِ فَهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ فَيَنْتَهِضُ مُعَارِضًا، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِأَنَّ أَصَحَّ الْحَدِيثِ مَا رُوِيَ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، ثُمَّ مَا كَانَ عَلَى شَرْطِهِمَا إلَى آخِرِ مَا عُرِفَ، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَرَضُ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَلَى نَفْسِ الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَهُمَا فَلَمْ يَفُتْهُ إلَّا كَوْنُهُ لَمْ يَكْتُبْ فِي خُصُوصِ أَوْرَاقٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ. وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَحَابِيٍّ وَبَلَدٍ فَيُقَالُ: أَصَحُّهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ، وَأَصَحُّ أَسَانِيدِ الشَّامِيِّينَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَأَصَحُّ أَسَانِيدِ الْيَمَانِيِّينَ مَعْمَرُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَيْضًا الْوُقُوفُ عَلَى اقْتِحَامِ هَذِهِ، فَإِنَّ فِي خُصُوصِ الْوَارِدِ مَا قَدْ يَلْزَمُ الْوُقُوفَ عَنْ ذَلِكَ، نَعَمْ قَدْ يَكُونُ الرَّاوِي الْمُعَيَّنُ أَكْثَرَ مُلَازَمَةً لِمُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِهِ فَيَصِيرُ أَدْرَى بِحَدِيثِهِ وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْهُ عَلَى مَعْنَى أَكْثَرَ إحَاطَةً بِأَفْرَادِ مُتُونِهِ، وَأَعْلَمُ بِعَادَتِهِ فِي تَحْدِيثِهِ وَعِنْدَ تَدْلِيسِهِ إنْ كَانَ وَبِقَصْدِهِ عِنْدَ إبْهَامِهِ وَإِرْسَالِهِ مِمَّنْ لَمْ يُلَازِمْهُ تِلْكَ الْمُلَازَمَةَ، أَمَّا فِي فَرْدٍ مُعَيَّنٍ فَرَضَ أَنَّ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي مَلَكَةِ النَّفْسِ مِنْ الضَّبْطِ أَوْ أَرْفَعْ سَمْعَهُ مِنْهُ فَأَتْقَنَهُ وَحَافَظَ عَلَيْهِ كَمَا يُحَافِظُ عَلَى سَائِرِ مَحْفُوظَاتِهِ يَكُونُ ذَلِكَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ بِمُعَارِضِهِ مَا هُوَ إلَّا مَحْضُ تَحَكُّمٍ، فَإِنْ بَعُدَ هَذَا الْفَرْضُ لَمْ يَبْقَ زِيَادَةُ الْآخَرِ إلَّا بِالْمُلَازَمَةِ، وَأَثَرِهَا الَّذِي يَزِيدُ بِهِ عَلَى الْآخَرِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَجْمُوعِ مُتُونِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ مَتْنٍ، وَحِينَئِذٍ فَنَاهِيَك بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ فَحَاصِلُهَا أَنَّ قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَذَلِكَ، وَكَذَا مَا ذَكَرَ عَنْ سُهَيْلٍ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ مَنْ هُمْ فَيَجُوزُ كَوْنُ بَعْضِهِمْ مِمَّنْ تَعَارَضَتْ عَنْهُ الرِّوَايَاتُ مَعَ اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ فِي عُلُوِّ الْحَالِ وَالْفِقْهِ كَمَا أَسْمَعْنَاك عَمَّنْ ذَكَرُوا، وَكَوْنُ مَنْ ذَهَبَ إلَى خِلَافِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُمْ أَفْقَهُ وَأَعْلَى مَنْصِبًا، وَنَحْنُ قَدْ أَخْرَجْنَا مَا قُلْنَاهُ عَنْ الْأَكَابِرِ مِثْلِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ مَا عَارَضَنَا

(وَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ) لِأَنَّهَا مُطْلَقَةً وَلَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ لِتَرْتَفِعَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْعُ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ (فَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا عَادَ الْإِيلَاءُ، فَإِنْ وَطِئَهَا وَإِلَّا وَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ، وَكَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِهِمْ مِمَّنْ أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِرِكَابِهِ حِينَ رَكِبَ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا، وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا قَدَّمْنَا، وَكَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَدِّهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَابْنُ إِسْحَاقَ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: آلَى النُّعْمَانُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَكَانَ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَضَرَبَ فَخْذَهُ وَقَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَاعْتَرِفْ بِتَطْلِيقَةٍ. وَأَخْرَجَ نَحْوَ مَذْهَبِنَا عَنْ عَطَاءٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَكْحُول. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَبِيصَةً وَسَالِمٍ وَأَبِي سَلَمَةَ وَهَذَا تَرْجِيحٌ عَامٌّ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْوُقُوعِ بِمُجَرَّدِ الْمُضِيِّ يَتَرَجَّحُ عَلَى قَوْلِ مُخَالِفِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ كَوْنِهِ مَحْمُولًا عَلَى السَّمَاعِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ لَفْظِ الْآيَةِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مَسْمُوعٌ لَهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِهِ عَلَى خِلَافِهِ، وَمَنْ قَالَ كَقَوْلِهِمْ لَمْ يَظْهَرْ فِي قَوْلِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَعَ الْمُتَبَادِرِ مِنْ اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ حَمْلُ قَوْلِهِمْ عَلَى سَمَاعٍ، وَانْدَرَجَ فِي هَذَا مَنْ رَوَى عَنْهُمْ الشَّافِعِيُّ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسُهَيْلٍ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ لِسُهَيْلٍ حُجَّةٌ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ) هُوَ أَنْ يُصَرِّحَ بِلَفْظِ الْأَبَدِ أَوْ يُطَلِّقَ فَيَقُولُ لَا أَقْرَبُك مُقْتَصِرًا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَلَيْسَ بِمُولٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِالْحَيْضِ فَلَا يُضَافُ الْمَنْعُ إلَى الْيَمِينِ، وَكَذَا لَا أَقْرَبُك حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَحَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ يَكُونُ مُولِيًا. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ لَازِمِ قَوْلِهِ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فِيمَا يَتَبَادَرُ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنْ يَقَعَ أُخْرَى عِنْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إذَا كَانَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بَعْدُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرْغِيُّ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْمَرْغِينَانِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ لِأَنَّ حَاصِلَ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ كُلَّمَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ أُجَامِعْك فِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَكَذَا إذَا صَرَّحَ بِمَلْزُومِهِ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ إنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْبَدَائِعِ وَتُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَشَرْحِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْجَامِعِ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْأَوَّلِ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا حَالَ قِيَامِ الْعِصْمَةِ فَانْعَقَدَ إيلَاءٌ وَثَبَتَ حُكْمُهُ مِنْ الْوُقُوعِ عِنْدَ مُضِيِّ الْأَشْهُرِ جَزَاءً

لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ لِإِطْلَاقِهَا، وَبِالتَّزَوُّجِ ثَبَتَ حَقُّهَا فَيَتَحَقَّقُ الظُّلْمُ وَيَعْتَبِرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ. (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا عَادَ الْإِيلَاءُ وَوَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إنْ لَمْ يَقْرَبْهَا) لِمَا بَيِّنَاهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ) لِتَقَيُّدِهِ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ الْخِلَافِيَّةِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِظُلْمِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُبَانَةِ حَقُّ الْوَطْءِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ ثَانِيًا ابْتِدَاءً فِي حَقِّهَا، فَلَا يَلْزَمُ حُكْمُ الْبَرِّ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ آلَى حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ ثُمَّ أَبَانَهَا تَنْجِيزًا ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ تَقَعُ الثَّانِيَةُ لِصِحَّةِ الْإِيلَاءِ لِصُدُورِهِ فِي حَالٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ ظُلْمُهُ فَيَكُونُ إذَا صَحَّ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الْبَائِنِ، وَالْبَائِنُ الْمُعَلَّقُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ الْمُنْجَزَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي ذَيْلِ الْكِنَايَاتِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَّضِحُ لَك الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ: إنَّهُ كَقَوْلِهِ كُلَّمَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إنَّمَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا انْعَقَدَ إيلَاءً شَرْعِيًّا مُسْتَعْقِبًا لِحُكْمِهِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَقْدِيرِ الْبَرِّ، وَانْعِقَادِهِ إيلَاءً إنَّمَا يَكُونُ حَالَ كَوْنِهِ ظَالِمًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ هُوَ جَزَاؤُهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا كَانَ الثَّابِتُ مُجَرَّدَ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِيلَاءِ فَلَا يَسْتَلْزِمُهُ فَيَبْقَى يَمِينًا دُونَ إيلَاءٍ فَلَا يَصِيرُ كَقَوْلِهِ كُلَّمَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْيَمِينِ الْمُجَرَّدَةِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ لِلْحِنْثِ كَذَا هَذَا، وَلِذَا قُلْنَا إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِوَاسِطَةِ تَكَرُّرِ النِّكَاحِ فِي الْإِيلَاءِ الْمُطْلَقِ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لَوْ وَطِئَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ دُونَ وَطْءٍ. (قَوْلُهُ وَيَعْتَبِرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ) أَطْلَقَ فِي ذَلِكَ وَكَذَا فِي الْكَافِي، وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْغَايَةِ تَبَعًا لِلتُّمُرْتَاشِيِّ والمرغيناني بِمَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا اعْتَبَرَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَمِثْلُهُ لَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ مُؤَبَّدًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا يَبْطُلُ الْإِيلَاءُ، فَإِنْ مَضَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ وَإِنْ مَضَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ عَادَ الْإِيلَاءُ، وَيَعْتَبِرُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَلَا يَحْتَسِبُ بِمَا مَضَى قَبْلَهُ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ احْتَسَبَ بِهِ. قَالَ فِي شَرَحَ الْكَنْزِ: وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ انْتَهَى. فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِتَقَيُّدِهِ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْمَنْعُ وَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِبُطْلَانِ حِلٍّ يُخَافُ بُطْلَانُهُ، وَلَا يُخَافُ بُطْلَانُ حِلٍّ سَيُوجِدُ جَدِيدًا بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ غَالِبُ الْعَدَمِ عَلَى وِزَانِ مَا قَدَّمْنَا فِي مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ، وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالدُّخُولِ

(وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ) لِإِطْلَاقِهَا وَعَدَمِ الْحِنْثِ (فَإِنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِوُجُودِ الْحِنْثِ (فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا ثُمَّ نَجَّزَ الثَّلَاثَ فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَدَخَلَتْ لَا تَطْلُقُ خِلَافًا لَزُفَرَ فَهَذِهِ فَرْعُ تِلْكَ وَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ كَتِلْكَ، وَكَذَا لَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَطَلَ الْإِيلَاءُ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ خِلَافًا لَزُفَرَ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فِي الْإِيلَاءِ الْمُؤَبَّدِ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ خِلَافًا لَهُ، وَلَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَتَطْلُقُ كُلَّمَا مَضَى عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهَا حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثِ، وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ وَقَدْ مَرَّتْ (قَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) وَقَالَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقُ: يَصِيرُ مُولِيًا فِي قَلِيلِ الْمُدَّةِ وَكَثِيرِهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْإِيلَاءَ بِكَوْنِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، بَلْ خَصَّ بِالْأَرْبَعَةِ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ وَأَطْلَقَ الْحَلِفَ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا صَحَّ عِنْدَهُ فَتْوَاهُ بِخِلَافِهِ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يَبْلُغْ الْحَدَّ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ: كَانَ إيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَقَّتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشُّعَبِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ كَقَوْلِ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ إيلَاءٌ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي دَفْعِهِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَإِنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فِي مِثْلِهِ ظَاهِرٌ فِي السَّمَاعِ لَكِنْ يَبْقَى فِيهِ أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ إذْ هُوَ تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْحَلِفِ فِي كَوْنِهِ إيلَاءٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُولِي مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَرْعُ كَوْنِ أَقَلِّ الْمُدَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَنَحْنُ

وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قُرْبَانِهَا فِي أَكْثَرِ الْمُدَّةِ بِلَا مَانِعٍ وَبِمِثْلِهِ لَا يُثْبِتُ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِيهِ (وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ مُولٍ) لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَجَمْعِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ (وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا نَقُولُ بِهِ إذْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَقْيِيدِ الْمُدَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا بِهَا فَإِثْبَاتُ كَوْنِ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِهِ مُصَادَرَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قُرْبَانِهَا فِي أَكْثَرِ الْمُدَّةِ بِلَا مَانِعٍ إلَخْ) . قِيلَ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ شَهْرًا، فَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا شَهْرًا وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الِامْتِنَاعِ إلَّا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ مُطْلَقًا لَا فِي أَكْثَرِهَا لِجَوَازِ كَوْنِ الْحَلِفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ لَفْظُ (أَكْثَرَ) مُقْحَمٌ وَبَعْدُ ذَلِكَ التَّقْرِيبِ ظَاهِرٌ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالْأَكْثَرِ تَمَامَ الْمُدَّةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ سَمَّاهَا أَكْثَرَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا. وَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْمَانِعَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي جَمِيعِهَا فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْحَلِفِ عَلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَاسْتَضْعَفَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ قَالَ فِي أَكْثَرِ الْمُدَّتَيْنِ انْتَهَى. وَوَجْهُهُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَلْزَمُ فِي إضَافَتِهِ إلَى شَيْءٍ كَوْنُهُ بَعْضَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَلِذَا امْتَنَعَ يُوسُفُ أَحْسَنُ إخْوَتِهِ، وَخَوَاصُّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ الْمَلَائِكَةِ، وَلَيْسَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ بَعْضَ الْمُدَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهَا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْأَرْبَعَةِ بَعْضَ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا فَلَزِمَ فِي صِحَّتِهِ أَنْ يَقُولَ أَكْثَرَ الْمُدَّتَيْنِ: يَعْنِي الْمُدَّةَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا وَمُدَّةَ الْإِيلَاءِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مُدَّتَانِ وَالثَّانِيَةُ أَكْثَرُهَا. وَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ كَانَ أَحْسَنَ وَأَسْلَمَ (قَوْلُهُ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ) إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَفْظُ بَعْضِ الشَّهْرَيْنِ لَيْسَ قَيْدًا فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَلْ قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ، وَلَفْظُ يَوْمًا فِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ قَيْدًا، لَا فَرْقَ بَيْنَ مُكْثِهِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً. وَقِيلَ تَكْرِيرُ الْيَمِينِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ تَنْجِيزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَقَيَّدَ بِمُكْثِهِ يَوْمًا لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ اتِّفَاقِيَّةً، وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ أَثْبَاتَ الْمَذْهَبِ نَصُّوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا يَمِينَانِ وَلَمْ يُحْكَ فِيهِ خِلَافٌ. وَإِنَّمَا حُكِيَ فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَذَكَرُوا أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ.

بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى شَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ تَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْمَنْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْمُنْتَقَى جَعْلُ كَوْنِهِمَا يَمِينَيْنِ قِيَاسًا وَكَوْنِهِمَا يَمِينًا وَاحِدَةً اسْتِحْسَانًا. وَفَرَّعَ فِي الدِّرَايَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزُوَهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَوَاحِدَةٌ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْأَشْهَرِ. وَلَوْ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ يَوْمٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا، لَكِنْ لَا لِمَا فِي الْكِتَابِ بَلْ لِتَدَاخُلِ الْمُدَّتَيْنِ فَتَتَأَخَّرُ الْمُدَّةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْأُولَى بِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ بِسَاعَةٍ بِحَسَبِ مَا فَصَلَ بِهِ بَيْنَ الْيَمِينَيْنِ. فَالْحَاصِلُ مِنْ حِلْفَيْهِ الْحَلِفُ عَلَى شَهْرَيْنِ وَيَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ عَلَى حَسَبِ الْفَاصِلِ. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْإِيلَاءَ يُوجِبُ طَلَاقًا فِي الْبَرِّ وَكَفَّارَةً فِي الْحِنْثِ، وَأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ كَوْنِهِ إيلَاءً وَيَمِينًا كَمَا قَدَّمْنَا، فَلِذَلِكَ قَدْ يَتَعَدَّدُ الْبَرُّ وَالْحِنْثُ وَقَدْ يَتَّحِدَانِ، وَقَدْ يَتَعَدَّدُ الْبَرُّ وَيَتَّحِدُ الْحِنْثُ وَقَلْبُهُ، وَتَعَدُّدُ الْبَرِّ بِتَعَدُّدِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ بِتَعَدُّدِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ بِتَعَدُّدِ الظُّلْمِ وَهُوَ بِتَعَدُّدِ مُدَّةِ الْمَنْعِ، وَمَا لَمْ يَجِبْ تَعْدُدْهَا مِنْ اللَّفْظِ كَانَتْ الْمُدَّتَانِ مُتَدَاخِلَتَيْنِ، وَتَعَدُّدُ الْيَمِينِ بِتَعَدُّدِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ تَكْرَارِ حَرْفِ (لَا) دَاخِلَةً عَلَى الْمُدَّةِ، وَمَنْ زَادَ السُّكُوتَ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِأَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ يَتَكَرَّرُ بَعْدَ السُّكُوتِ، وَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ الِاسْمِ الْكَرِيمِ لَمْ يَلْزَمْ التَّعَدُّدُ مِنْ تَعَدُّدِهِ. فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ وَالْمَجْلِسُ وَالْمَجَالِسُ سَوَاءٌ. وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِالثَّانِي الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ حَلَفَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ يَسْتَقِيمُ. مِثَالُ تَعَدُّدِهِمَا إذَا جَاءَ غَدٌّ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إذَا جَاءَ بَعْدَ غَدٍّ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك. أَمَّا إنَّهُمَا يَمِينَانِ فَلِتَعَدُّدٍ الذِّكْرِ، وَأَمَّا أَنَّهُمَا إيلَاءَانِ فَلِتَعَدُّدِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَرَّ فِي الْأُولَى وَبَانَتْ، فَإِذَا مَضَى يَوْمٌ آخَرُ بَرَّ فِي الثَّانِيَةِ وَطَلُقَتْ أَيْضًا؛ وَلَوْ قَرِبَهَا بَعْدَ الْغَدِ تَجِبُ كَفَّارَتَانِ وَإِنْ أَطْلَقَ لُزُومَهُمَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ قَرِبَهَا فِي الْغَدِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْغَدَّ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ إلَّا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَتَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ. وَنَظِيرُهُ فِي النَّوَازِلِ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمْهُ شَهْرًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ سَنَةً؛ إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْغَدِ فَعَلَيْهِ يَمِينَانِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمِنْ تَعَدُّدِهِمَا وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَكَذَا وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، إلَّا أَنَّهُ تَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِ الْمُدَّةِ بِلَا تَدَاخُلٍ فَلَا يَتَصَوَّرُ فِي قُرْبَانٍ وَاحِدٍ كَفَّارَتَانِ، وَهَذِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْهِدَايَةِ فِي عَدَمِ تَدَاخُلِ الْمُدَّتَيْنِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ يَوْمٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِيلَاءٍ كَمَا ذَكَرَ، وَلَكِنْ تَتَدَاخَلُ الْمُدَّتَانِ، فَلَوْ قَرِبَهَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى شَهْرَيْنِ يَمِينَانِ بَلْ عَلَى كُلِّ شَهْرَيْنِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ تَوَارَدَ شُرُوحُ الْهِدَايَةِ مِنْ النِّهَايَةِ، وَغَايَةُ الْبَيَانِ عَلَى الْخَطَإِ عِنْدَ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاحْذَرْهُ، فَلَوْ قَرِبَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَ أَطْلَقَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ بَعْدَ سَاعَةٍ فَصَاعِدًا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ بَعْدَ سَاعَةٍ قَالَ كَذَلِكَ فَقَرِبَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ لَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ لِلتَّدَاخُلِ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ، وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ سَاعَةٌ بَعْدَهَا تَبِينُ بِأُخْرَى إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّالِثَةِ تَبِينُ بِثَالِثَةٍ بِلَا خِلَافٍ، بِخِلَافِ مَا مَضَى فِي الْكِتَابِ فِي تَأْبِيدِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْإِيلَاءَاتِ هُنَاكَ تَنْزِلُ مُتَعَاقِبَةً بِوَاسِطَةِ تَأْبِيدِ الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ، فَجَاءَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ الثَّانِي فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا. وَمَنْ مَنَعَهُ قَالَ: لَا يُبْتَدَأُ الْإِيلَاءُ إلَّا فِي حَالٍ يَكُونُ بِالْمَنْعِ ظَالِمًا، أَمَّا هُنَا فَالْإِيلَاءَاتُ الثَّلَاثَةُ صُرِّحَ بِهَا فِي حَالِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ حَالُ تَحَقُّقِ ظُلْمِهِ بِهَا فَلَا يَتَوَقَّفُ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ عَلَى قِيَامِ النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ لَمْ تَقَعْ الثَّالِثَةُ إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا فَيَقَعُ بِحُكْمِ تَأْبِيدِ الْيَمِينِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ. وَمِثَالُ اتِّحَادِهِمَا: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ. وَفِي الْكَافِي فِي نَظِيرِهِ: كُلَّمَا كَلَّمْت وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَكَلَّمَتْهُمَا مَعًا، وَلَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ بِذَلِكَ فَائِدَةٌ فَإِنَّ بِتَكْلِيمِهِمَا مَعًا لَمْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ، بَلْ لَوْ كَلَّمْت أَحَدَهُمَا بَعْدَهُمَا ثَبَتَ الْإِيلَاءُ، فَالظَّاهِرُ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوَرِ تَعَدُّدِ الْبَرِّ. فَإِنَّ عِلَّةَ التَّعَدُّدِ فِيمَا بَعْدَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا فِي هَذِهِ. وَمِثَالُ تَعَدُّدِ الْبَرِّ وَاتِّحَادِ الْيَمِينِ: كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَدَخَلَتْهَا فِي يَوْمٍ ثُمَّ فِي يَوْمٍ آخَرَ ثُمَّ فِي يَوْمٍ آخَرَ، فَإِنْ قَرِبَهَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ، فَإِذَا مَضَى يَوْمٌ آخَرُ بَانَتْ بِأُخْرَى، وَإِذَا مَضَى يَوْمٌ آخَرُ بَانَتْ بِالثَّالِثَةِ، وَفِي هَذَا الْمِثَالِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ وَقَعَ جَزَاءً لِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ فَيَلْزَمُ تَكَرُّرُهُ. وَلَا يَشْكُلُ بِأَنَّهُ لَا حَلِفَ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا حَلِفَ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْحَلِفُ عِنْدَهُ، وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ وَاَللَّهِ كُلَّمَا دَخَلْت لَا أَقْرَبُك بِكُلَّمَا دَخَلْت فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ قَرِبْتُك يَتَعَدَّدُ بَرًّا، وَكُلَّمَا دَخَلْت انْعَقَدَتْ مُدَّةٌ يَقَعُ بِمُضِيِّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِتَعَذُّرِ وُقُوعِ شَيْءٍ آخَرَ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَنَحْوِهِ كُلَّمَا دَخَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ قَرِبْتُك سَوَاءٌ. وَمِثَالُ اتِّحَادِ الْإِيلَاءِ وَتَعَدُّدِ الْيَمِينِ: إذَا جَاءَ غَدٌّ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ فِي الْمَجْلِسِ إذَا جَاءَ غَدٌّ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ إيلَاءٌ وَاحِدٌ فِي حُكْمِ الْبَرِّ حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ الْغَدِّ طَلُقَتْ، وَإِنْ قَرِبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ لِاتِّحَادِ الْمُدَّةِ وَتَعَدُّدِ الِاسْمِ، وَكَذَا وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ لَفْظَ أُخْرَى أَوْ نَحْوَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ خِلَافِيَّةٌ. وَصُورَتُهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك

(وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) خِلَافًا لَزُفَرَ، هُوَ يَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى آخِرِهَا اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ فَتَمَّتْ مُدَّةُ الْمَنْعِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهَاهُنَا يُمْكِنُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمَ مُنْكَرٌ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْآخِرِ لِتَصْحِيحِهَا فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ التَّنْكِيرِ وَلَا كَذَلِكَ الْيَمِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فِي ثَلَاثَةِ مَجَالِسَ فَكُلٌّ مِنْ الْيَمِينِ وَالْإِيلَاءِ ثَلَاثَةٌ. وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّكْرَارَ فَالْيَمِينُ وَاحِدٌ وَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ أَرَادَ التَّشْدِيدَ وَالتَّغْلِيظَ وَهُوَ الِابْتِدَاءُ دُونَ التَّكْرَارِ فَالْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ إجْمَاعًا وَالْإِيلَاءُ ثَلَاثَةٌ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا تَبِينُ بِطَلْقَةٍ ثُمَّ عَقِيبُهَا تَبِينُ بِأُخْرَى ثُمَّ بِأُخْرَى إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَرِبَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا الْإِيلَاءُ وَاحِدٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَيَجِبُ بِالْقُرْبَانِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يَكْفِي لِأَيْمَانٍ كَثِيرَةٍ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمُدَّةُ مُتَّحِدَةً كَانَ الْمَنْعُ مُتَّحِدًا فَلَا يَتَكَرَّرُ الْإِيلَاءُ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) أَيْ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إذَا قَرِبَهَا وَبَقِيَ بَعْدَ يَوْمِ الْقُرْبَانِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا إلَى تَمَامِ السَّنَةِ؛ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْقُرْبَانِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ) وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَجَّرْتُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا يَنْصَرِفُ الْيَوْمُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ سَنَةً إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ يَكُونُ مُولِيًا صَرْفًا لَهُ إلَى الْآخَرِ وَبِمَا إذَا أَجَّلَ الدَّيْنَ (قَوْلُهُ وَهَاهُنَا يُمْكِنُهُ) لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمَ مُنْكَرٌ فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ تِلْكَ السَّنَةِ حَقِيقَةً فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ اعْتِبَارًا لِيَوْمِ الْوَطْءِ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُعَيَّنَ لِكَوْنِ الْيَوْمِ الْمُسْتَثْنَى آخِرُ السَّنَةِ لَيْسَ اللَّفْظُ بَلْ تَصْحِيحُ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ وَفِي الْحَمْلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ شَائِعًا فِي السَّنَةِ لَا تَتَعَيَّنُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَالنُّقْصَانِ يَنْصَرِفُ إلَى الْآخَرِ، وَكَذَا الْمَقْصُودُ مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ فَتَتَعَيَّنُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ. وَاَلَّذِي يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا سَنَةً إلَّا يَوْمًا يَنْصَرِفُ إلَى الْيَوْمِ الْأَخِيرِ. وَجَوَابُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ الْحَامِلَ وَهُوَ الْمُغَايَظَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِعَدَمِ كَلَامِهِ فِي الْحَالِ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ

(وَلَوْ قَرِبَهَا فِي يَوْمٍ وَالْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ صَارَ مُولِيًا) لِسُقُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ. (وَلَوْ قَالَ وَهُوَ بِالْبَصْرَةِ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الْكُوفَةَ وَامْرَأَتُهُ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُوفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِلْزَامِ إذْ الْإِيلَاءُ أَيْضًا يَكُونُ مِنْ الْمُغَايَظَةِ (قَوْلُهُ صَارَ مُولِيًا لِسُقُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ) مَعَ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَلَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ لَا أَقْرَبُك إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَقْرَبَهَا، فَإِذَا قَرِبَهَا صَارَ مُولِيًا. وَلَوْ قَالَ سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُك فِيهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا أَبَدًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى كُلَّ يَوْمٍ يَقْرَبُهَا فِيهِ فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا أَبَدًا، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ مَعَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ. وَإِذَا قَالَ سَنَةً فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِيهَا فَوَقَعَتْ طَلْقَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَضَتْ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى لَمْ يَقْرَبْهَا فِيهَا وَقَعَتْ أُخْرَى، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بِالضَّرُورَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَهُوَ بِالْبَصْرَةِ) إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا فِي مَكَان مُعَيَّنٍ هِيَ فِيهِ أَوْ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ فِي غَيْرِهِمَا، إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا عَلَى مَا فَرَّعَ قَاضِي خَانْ والمرغيناني فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَفَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إمْكَانَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَيَلْتَقِيَانِ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَزَوْجَتُهُ فِي بَلَدٍ فَحَلَفَ لَا يَدْخُلُهُ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَا يَصِيرُ مُولِيًا لِجَوَازِ أَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ فَيَلْتَقِيَانِ فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيَقْرَبُهَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا، فَإِنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ مُولِيًا عَلَى قَوْلِ كُلِّ مَنْ قَدَّمْنَا عِنْدَ انْعِقَادِ الْإِيلَاءِ إذَا حَلَفَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُ. وَكَذَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا فِي الْمُحَرَّمِ وَهُوَ فِي شَوَّالٍ أَوْ حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدَك وَإِلَى مُدَّةِ الْفِطَامِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ لِلْجُمْهُورِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ مِنْ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، وَقَدْ بَحَثْنَا هُنَاكَ أَنَّ هَذَا فَرْعُ كَوْنِ أَقَلِّ مُدَّةٍ يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ بِالْحَلِفِ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَبِالضَّرُورَةِ إنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُونَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَصْلًا مُمَهَّدًا فِي مَذْهَبِ الْمَانِعِينَ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَمِ انْعِقَادِهِ لِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِدَلِيلِهِ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَتُعَلَّلُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْهَبِيَّةُ لَا عِنْدَ قَصْدِ الْإِثْبَاتِ عَلَى الْمُخَالِفِ. ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنَّهُ مُولٍ، فَإِذَا تَرَكَهُنَّ فِي الْمُدَّةِ طُلِّقْنَ، وَلَوْ قَرِبَ ثَلَاثًا

(قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ بِصَوْمٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَهُوَ مُولٍ) لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ. وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ أَنْ يُعَلِّقَ بِقُرْبَانِهَا عِتْقَ عَبْدِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُمْكِنُهُ الْبَيْعُ ثُمَّ الْقُرْبَانُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُمَا يَقُولَانِ الْبَيْعُ مَوْهُومٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُنَّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَثَبَتَ أَنَّ إمْكَانَ الْقُرْبَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ. أُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِيلَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْعِ الْحَقِّ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهُنَّ، وَعَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ لِعَدَمِ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْحِنْثَ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِقُرْبَانِهِنَّ، وَالْمَوْجُودُ قُرْبَانُ بَعْضِهِنَّ. وَحَاصِلُ هَذَا تَخْصِيصُ اطِّرَادِ الْأَصْلِ بِمَا إذَا حَلَفَ عَلَى وَاحِدَةٍ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ بِحَجٍّ إلَخْ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صِيَامٌ أَوْ هَدْيٌ أَوْ اعْتِكَافٌ أَوْ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ لِزَوْجَةٍ أُخْرَى أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَعَلَيَّ عِتْقٌ لِعَبْدٍ مُبْهَمٍ فَهُوَ مُولٍ. أَمَّا لَوْ قَالَ فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ مَثَلًا فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَرْكُ الْقُرْبَانِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ ثُمَّ يَطَؤُهَا بِلَا شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ. وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ اتِّبَاعُ جِنَازَةٍ أَوْ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ أَوْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ تَسْبِيحَةٌ فَلَيْسَ بِمُولٍ. وَنُقِلَ فِي الصَّلَاةِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ، فَعِنْدَهُ يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهَا مِمَّا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُ. وَيَجِبُ صِحَّةُ الْإِيلَاءِ فِيمَا لَوْ قَالَ فَعَلَيَّ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَشُقُّ عَادَةً، وَكَذَا خِلَافُهُ ثَابِتٌ فِي مَسْأَلَةِ الْغَزْوِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلَ الْبَابِ. فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي فِي الصَّلَاةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَكُونَ مُولِيًا اتِّفَاقًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ كَالْحَجِّ. قُلْنَا: نَعَمْ لَوْ لَزِمَ مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ لَا يَسْقُطَ إلَّا بِالصَّلَاةِ فِيهِ، لَكِنْ الْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي غَيْرِهِ وَيَسْقُطُ النَّذْرُ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ. وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى هَذَا الْمِسْكَيْنِ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ مَالِي هِبَةً فِي الْمَسَاكِينِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّصَدُّقَ بِهِ. وَلَوْ قَالَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ حُرٌّ صَارَ مُولِيًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ يَصِيرُ مُولِيًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَصِيرُ مُولِيًا. وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَعْتِقَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَ فُلَانَةَ أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَك يَصِيرُ مُولِيًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ بِلَا شَيْءٍ بِأَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا وَلَا يَتَزَوَّجَ وَبِتَقْدِيمِ الْغَايَةِ. قُلْنَا لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ لَازِمٍ إذْ اللُّزُومُ لِأَجْلِ قُرْبَانِهَا كَاللُّزُومِ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مَتَى جَعَلَ لِيَمِينِهِ غَايَةً لَا تُوجَدُ فِي الْمُدَّةِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ أَوْ يَنْزِلَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ أَوْ الدَّابَّةُ فَهُوَ مُولٍ اسْتِحْسَانًا بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْقُرْبُ وَقْتَ التَّكَلُّمِ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْغَايَةُ لَا تَتَصَوَّرُ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ كَقَوْلِهِ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي أَوْ أَقْتُلَك أَوْ تَقْتُلِينِي أَوْ أَبِينَك وَإِنْ كَانَتْ تُوجَدُ فِي الْمُدَّةِ لَكِنَّهَا تُصْلِحُ جَزَاءً نَحْوَ حَتَّى أَعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أُطَلِّقَ فُلَانَةَ كَانَ مُولِيًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ عَرَفْت الْوَجْهَ (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْإِيلَاءِ بِالْحَلِفِ بِعِتْقِ عَبْدِهِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ ضَمِيرَ فِيهِ لِعِتْقِ عَبْدِهِ وَهُوَ الْمُعَيَّنُ لَا الْمُبْهَمُ، فَإِنَّ تَعْلِيلَهُ لَا يَتِمُّ فِيهِ (قَوْلُهُ الْبَيْعُ مَوْهُومٌ) أَيْ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ بِنَفْسِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُشْتَرِينَ، وَقَدْ لَا يَجِدُ مُشْتَرِيًا فِي الْمُدَّةِ فَتَمْضِي

فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةَ فِيهِ، وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُعَلِّقَ بِقُرْبَانِهَا طَلَاقَهَا أَوْ طَلَاقَ صَاحِبَتِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مَانِعٌ. (وَإِنْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَانَ مُولِيًا، وَإِنْ آلَى مِنْ الْبَائِنَةِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَمَحَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ وُجُودِهِ، بِخِلَافِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُوفَةِ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ لَهُ وَهُوَ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى امْتِثَالِهَا أَيْضًا لَكِنَّ امْتِثَالَهَا وَاجِبٌ وَالْوُجُوبُ طَرِيقُ الْوُجُودِ، بِخِلَافِ امْتِثَالِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ مَوْهُومًا فَلَا يُمْنَعُ الْمَانِعِيَّةُ الْكَائِنَةُ فِي الْجَزَاءِ وَهُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ بِالْقُرْبَانِ. وَلَوْ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَلَوْ مَلَكَهُ بِسَبَبِ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ عَادَ الْإِيلَاءُ مِنْ وَقْتِ الْمِلْكِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلُ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ لَمْ يَعُدْ لِسُقُوطِ الْيَمِينِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيْعِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَوْتُ الْمَرْأَةِ الْمُعَلَّقِ طَلَاقُهَا أَوْ إبَانَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَانَ مُولِيًا) بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِخِلَافِهِ مِنْ الْبَائِنَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَلِاحْتِمَالِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ فَلِاحْتِمَالِ رَجْعَتِهَا فَيَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ مُمْتَدًّا إلَى مَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَضَى شَهْرٌ مِنْ الرَّجْعَةِ بَانَتْ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى زَوَالَ الزَّوْجِيَّةِ بِالطَّلْقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَحُرْمَةَ الْوَطْءِ كَالْبَائِنَةِ، وَعَلَى قَوْلِنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ بِالْمَنْعِ ظَالِمًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِبْرَةَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ، وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَالْبَعْلُ الزَّوْجُ حَقِيقَةً عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الرَّجْعَةِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ فَيَشْمَلُهَا نَصُّ الْإِيلَاءِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْإِيلَاءُ وَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ لِخَوْفِ الْغِيلِ عَلَى وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّعَلُّلَ بِالظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ، بِخِلَافِ الْبَائِنِ لِانْتِفَاءِ اسْمِ الزَّوْجِ حَقِيقَةً فَيَنْتَفِي كَوْنُهَا مِنْ نِسَائِنَا. وَقِيلَ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا مِنْ الْبَائِنَةِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ تَعْلِيقُ طَلَاقٍ بَائِنٍ عَلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا قُرْبَانٍ، وَالْمُطَلَّقَةُ الْبَائِنَةُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ بَائِنٌ مُنْجَزٌ وَلَا مُعَلَّقٌ: يَعْنِي إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَبْلَهَا فَوَجَدَ الشَّرْطَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ الْبَائِنِ يَلْحَقُ، وَهَذَا الْحَصْرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْلَا هَذَا صَحَّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَنِسَائِنَا. وَالْحَقُّ أَنَّ مَبْنَى عَدَمِ لُحُوقِ الْبَائِنَةِ هُوَ مَبْنَى عَدَمِ الْإِيلَاءِ مِنْهَا وَهُوَ عَدَمُ الزَّوْجِيَّةِ فَالْإِسْنَادُ إلَيْهِ أَوْلَى، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَخَلُّفَ الْعِلَّةِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ نَقْضٌ إلَّا لِمَانِعٍ، فَالْحَقُّ أَنَّ الظُّلْمَ حِكْمَةٌ وَنَفْسُ الْإِيلَاءِ هُوَ الْعِلَّةُ فَلَا

الْإِيلَاءِ مَنْ تَكُونُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ، فَلَوْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ (وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَلَا مُظَاهِرًا) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَخْرَجِهِ وَقَعَ بَاطِلًا لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ (وَإِنْ قَرِبَهَا كَفَّرَ) لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ إذْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهِ (وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ. (وَإِنْ كَانَ الْمُولِي مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُجَامَعُ أَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُ وُجُودُهُ دَائِمًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي مَخْرَجِهِ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ) وَهِيَ كَوْنُهَا مِنْ نِسَائِنَا فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، قَالَ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مَحِلًّا وَقْتَ التَّكَلُّمِ بِالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ أَوْ وَقْتَ وُجُودِ شَرْطِهِمَا لَمَا عُرِفَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، فَإِذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَقَعَ صَحِيحًا، وَكَذَا إنَّ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ إلَّا عَقِيبَ التَّزَوُّجِ بِهَا لِأَنَّهَا إذْ ذَاكَ تَصِيرُ مِحْلَالًا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ لَمَّا كَانَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ اسْتَدْعَى انْعِقَادُهُ قِيَامَ حِلِّ وَطْئِهَا (قَوْلُهُ إذَا الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْوَطْءِ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ يَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ حِسًّا لَا شَرْعًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ (قَوْلُهُ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَسْتَوِي مُدَّةُ إيلَاءِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. وَالْقِيَاسُ عَلَى مُدَّةِ الْعِدَّةِ بِجَامِعِ كَوْنِهَا تَرَبَّصُ هُوَ أَجَلٌ لِلْبَيْنُونَةِ كَالْعِدَّةِ مَدْفُوعٌ، فَإِنَّ الْبَيْنُونَةَ لَا تَحْصُلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَأَيْضًا تَرَبَّصُ الْعِدَّةِ لِلْخَطَرِ وَتَعَرُّفُ الْفَرَاغِ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي تَرَبُّصِ الْإِيلَاءِ. وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِوَاءُ لِعُمُومِ نَصِّ الْإِيلَاءِ، لِأَنَّ الْأَمَةَ مِنْ نِسَائِنَا، وَلِأَنَّ ضَرْبَهَا إيلَاءٌ لِعُذْرِ الزَّوْجِ وَرِفْقًا جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ تَعَالَى مِنْ عَدَمِ الْمُعَاجَلَةِ بِالْعُقُوبَةِ، فَأُخِّرَتْ عُقُوبَتُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ بِظُلْمِهِ إلَى انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُولِي مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ) لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ عَدَمِ الْعُذْرِ لِلْمَرَضِ أَوْ لِلْجُبِّ، كَمَا أَنَّهُ فِي حَقِّهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَانِعِ مَرْضَهَا أَوْ الرَّتْقَ أَوْ الْقَرْنَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ مَنَعَ إيلَاءَ الْمَجْبُوبِ، وَمِنْ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ فَلَا ظُلْمَ. وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَلِأَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ فِيهِ إبْطَالُ حُكْمِ النَّصِّ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: لَوْ عَجَزَ عَنْ جِمَاعِهَا لِرَتْقِهَا أَوْ قَرَنِهَا أَوْ صِغَرِهَا أَوْ بِالْجُبِّ أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ كَانَ أَسِيرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لِكَوْنِهَا مُمْتَنِعَةً أَوْ كَانَتْ فِي مَكَان لَا يَعْرِفُهُ وَهِيَ نَاشِزَةٌ أَوْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ حَالَ الْقَاضِي

إلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا فَيْءَ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَيْئًا لَكَانَ حِنْثًا. وَلَنَا أَنَّهُ آذَاهَا بِذِكْرِ الْمَنْعِ فَيَكُونُ إرْضَاؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا لِشَهَادَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَفَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ بِأَنْ يَقُولَ فِئْت إلَيْهَا أَوْ رَجَعْت عَمَّا قُلْت أَوْ رَاجَعْتهَا أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ أَبْطَلَتْ إيلَاءَهَا. وَاخْتُلِفَ فِي الْحَبْسِ صُحِّحَ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ بِسَبَبِهِ فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ آلَى وَهِيَ مَجْنُونَةٌ أَوْ وَهُوَ مَحْبُوسٌ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ يَمْنَعُهُ أَوْ الْعَدُوُّ لَا يَكُونُ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ جَوَابُ الرِّوَايَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي. وَوَفَّقَ بِحَمْلِ مَا فِي الْكَافِي وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى السِّجْنِ بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ فَيُجَامِعُهَا وَمَنْعُ السُّلْطَانِ وَالْعَدُوِّ نَادِرٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَالْحَبْسِ بِحَقٍّ لَا يَعْتَبِرُ فِي الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ وَبِظُلْمٍ يَعْتَبِرُ، وَهَلْ يَكْفِي الرِّضَا بِالْقَلْبِ مِنْ الْمَرِيضِ؟ قِيلَ نَعَمْ حَتَّى إنَّ صَدَّقَتْهُ كَانَ فَيْئًا، وَقِيلَ لَا وَهُوَ أَوْجَهُ. ثُمَّ هَذَا إنْ كَانَ عَاجِزًا مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى لَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ قَادِرٌ فَمَكَثَ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الْعَجْزُ بِمَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جُبٍّ أَوْ أَسْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ آلَى وَزَالَ الْعَجْزُ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ خِلَافًا لَزُفَرَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ وَهُوَ الْمَدَارُ. قُلْنَا لَمَّا تَمَكَّنَ وَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ الْإِضْرَارُ فَلَا يَكُونُ فَيْؤُهُ إلَّا بِإِيفَاءِ حَقِّهَا بِالْجِمَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْعَبَ الْعَجْزُ الْمُدَّةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِيهَا فَكَانَ ظُلْمُهُ فِي الْإِيلَاءِ بِأَذَى اللِّسَانِ فَفَيْؤُهُ الَّذِي هُوَ تَوْبَتُهُ بِتَطْيِيبِ قَلْبِهَا بِهِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ آلَى إيلَاءً مُؤَبَّدًا وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ صَحَّ وَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْإِيلَاءَ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَعَادَ حُكْمُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَفِي زَمَانِ الصِّحَّةِ هِيَ مُبَانَةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِيهِ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ ذَلِكَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَبِينُ، وَلَوْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا وَإِلَى وَقْتِ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَالْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ. وَعِنْدَ زُفَرَ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ الْجِمَاعِ شَرْعًا فَثَبَتَ الْعَجْزُ فَكَانَ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ وَهُمْ اعْتَبَرُوا الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ بِاخْتِيَارِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ فِيمَا لَزِمَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَخْفِيفًا (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا فَيْءَ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَيْئًا لَكَانَ حِنْثًا) وَضَعْفُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ شِمَّةٌ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الْجِمَاعِ فَكَيْفَ يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، فَإِنْ

بِالْوَعْدِ بِاللِّسَانِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ الظُّلْمُ لَا يُجَازَى بِالطَّلَاقِ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَيْءُ وَصَارَ فَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْحَلِفِ. (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ) ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ فَيْئًا لَكَانَ حِنْثًا لِأَنَّ الْفَيْءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْجِمَاعِ، فَلَوْ كَانَ فَيْئًا لَكَانَ بِالْجِمَاعِ فَكَانَ حِنْثًا لَزِمَ صَرِيحُ الْمُصَادَرَةِ وَالنَّصُّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] لَا يُوجِبُ تَعَيُّنَ كَوْنِ الْفَيْءِ لَا الْجِمَاعَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَإِنْ رَجَعُوا عَنْ عَزْمِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الظُّلْمِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِرْضَائِهَا بِالْجِمَاعِ وَبِإِرْضَائِهَا بِالْقَوْلِ، وَوَعَدَ الْجِمَاعَ عِنْدَ عَجْزِهِ وَهِيَ مُشَاهِدَةٌ لِعَجْزِهِ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ مَا قَالَاهُ. وَالْحَقُّ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِنَا: وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ لِأَنَّ يَمِينَهُ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ الْحِنْثِ وَإِنْ بَطَلَتْ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَصَارَ فَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يُجَامِعْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا فَرْعُ تَمَامِهَا وَلَمْ تَتِمَّ حَتَّى قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْجِمَاعُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْبَدَلِ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْخَلَفِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ (قَوْلُهُ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ) هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ جَوَابُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ بَيَانَ الْمُجْمَلِ عَلَى الْمُجْمَلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ أَنَّ الْحَرَامَ ثَلَاثَةٌ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ يَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّوَقُّفُ، وَفِيهِ نَحْوَ أَحَدَ عَشَرَ مَذْهَبًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) إذْ حَقِيقَتُهُ وَصْفُهَا بِالْحُرْمَةِ وَهِيَ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ

لِأَنَّهُ يَمِينٌ ظَاهِرًا (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكِنَايَاتِ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ بِظِهَارٍ لِانْعِدَامِ التَّشْبِيهِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَهُوَ الرُّكْنُ فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ وَفِي الظِّهَارِ نَوْعُ حُرْمَةٍ وَالْمُطْلَقُ يَحْتَمِلُ الْمُقَيَّدَ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ كَذِبًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ مَسْرُوقُ وَالشُّعَبِيُّ فِي التَّحْرِيمِ إنَّهُ كَتَحْرِيمِ قَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَوْرَدَ لَوْ كَانَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لَانْصَرَفَ إلَيْهِ بِلَا نِيَّةٍ لَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْيَمِينِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةٌ أُولَى فَلَا تُنَالُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْيَمِينُ الْحَقِيقَةُ الثَّانِيَةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الِاشْتِهَارِ. وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَمِينٌ ظَاهِرًا، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى أَنْ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ فِي نِيَّتِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى كَمَا سَنَذْكُرُ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ) وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمَةِ خِلَافًا لَزُفَرَ وَالزُّهْرِيِّ، وَمَرَّ فِي الْكِنَايَاتِ وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِ الْحَالَةِ حَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ لَا. وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً ثُمَّ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى ثِنْتَيْنِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فَكَمُلَتْ الثَّلَاثُ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَلَيْسَ مَذْكُورًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا الطَّحَاوِيُّ، وَإِنَّمَا نَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَنْهُمَا مِنْ النَّوَادِرِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحْرِمَةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ ظِهَارٌ إذَا نَوَى بِهِ الظِّهَارَ عَلَى مَا عُرِفَ النَّقْلُ بِهِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ أَعَمُّ مِنْ الْحُرْمَةِ الَّتِي هِيَ ظِهَارٌ أَوْ لَا، وَالْأَعَمُّ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّاتُ، فَنِيَّةُ الظِّهَارِ نِيَّةُ مُحْتَمَلِ كَلَامِهِ لَا نِيَّةَ خِلَافِ ظَاهِرِهِ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا) وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ يَمِينًا وَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ مَنْ قَالَ: تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ بِلَا نِيَّةٍ فَتَبَيَّنَ وَصَحَّحَ فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَسُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ عَنْ امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا حَلَالُ اللَّهِ عَلَيْك حَرَامٌ فَقَالَ نَعَمْ تَحْرُمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا؟ قَالَ نَعَمْ وَكَذَلِكَ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا نَوَى امْرَأَتَهُ حَتَّى دَخَلَتْ لَا يَخْرُجُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَنْ الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ بِأَيِّ ذَلِكَ وُجِدَ، فَإِذَا تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ حَنِثَ وَانْقَضَى حُكْمُ يَمِينِهِ حَتَّى لَوْ قَرِبَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَنَاوَلَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مِمَّا يَسْتَوْفِيهِ وَاحِدٌ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ جَمِيعَهُ، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ اللِّبَاسُ

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إنَّمَا هُوَ يَمِينٌ عِنْدَنَا وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَصْرِفُ لَفَظَّةَ التَّحْرِيمِ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِالنِّيَّةِ. وَإِذَا دَخَلَ لَا يَخْرُجُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، وَلَوْ نَوَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ فِي نِسَائِهِ وَالْيَمِينَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ طَلَاقٌ وَيَمِينٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ) هُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ لِمَا ظَهَرَ مِنْ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَتَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ، وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ، وَلَوْ قَالَتْ هِيَ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ كَانَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ تَنْوِ، فَلَوْ مَكَّنَتْهُ حَنِثَتْ وَكَفَّرَتْ وَصَارَ كَمَا إذَا تَلَفَّظَ بِطَلَاقِهَا غَيْرُ نَاوٍ تَطْلُقُ لِلصَّرَاحَةِ وَالْعُرْفُ هُوَ الْمُوجِبُ لِثُبُوتِ الصَّرَاحَةِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَوْ نَوَى غَيْرَ الطَّلَاقِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ: لَا أَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْكِ حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمٌ أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك. وَيُشْتَرَطُ قَوْلُهُ عَلَيْك فِي تَحْرِيمِ نَفْسِهِ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، بِخِلَافِ نَفْسِهَا وَقَوْلُهُ أَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ أَرْبَعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ: إنْ كَانَ لَهُ وَاحِدَةٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَعَلَى فَتْوَى الْأُوزْجَنْدِيِّ وَالْإِمَامِ مَسْعُودٍ الْكَشَانِيِّ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةُ: هُوَ الْأَشْبَهُ. وَعِنْدِي أَنَّ الْأَشْبَهَ مَا فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ حَلَالُ اللَّهِ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ عُرْفٌ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هُنَّ طَوَالِقُ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ شَمِلَهُنَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ، وَحَيْثُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَعَ بَائِنًا. وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ لِامْرِئٍ آخَرَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفَعَلَ أَحَدُهُمَا حَتَّى وَقَعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ ثُمَّ فَعَلَ الْآخَرُ. قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ كَمَا لَوْ قَالَ مُعَلِّقًا دُونَ الْأَوَّلِ. [فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْإِيلَاءِ] لَوْ قَالَ لَا قَرِبْتُك مَا دُمْت امْرَأَتِي فَأَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَصِرْ مُولِيًا وَيَقْرَبُهَا بِلَا حِنْثٍ. وَلَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ وَلَدِي صَحَّ الْإِيلَاءُ خِلَافًا لَزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ بِنَذْرِ ذَبْحِ الْوَلَدِ ذَبْحُ شَاةٍ عِنْدَهُمْ، وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ. وَمَالِكٌ يُوجِبُ فِيهِ نَحْرَ جَزُورٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْأَوْجُهُ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ. وَلَوْ جُنَّ الْمُولِي وَوَطِئَهَا انْحَلَّتْ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ. وَلَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ

[باب الخلع]

(بَابُ الْخُلْعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّهِنَّ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِنَّ جَمِيعًا، قَالَ زُفَرُ: لَا يَكُونُ مُولِيًا مَا لَمْ يَطَأْ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ، لِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَقَعُ إذَا وَطِئَ الْكُلَّ، فَقُرْبَانُ الثَّلَاثِ يُمْكِنُهُ بِغَيْرِ حِنْثٍ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُنَّ بَلْ مِنْ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ قَرِبْت ثَلَاثًا مِنْكُنَّ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ الرَّابِعَةَ. قُلْنَا: قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهِنَّ كُلِّهِنَّ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهُنَّ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ وَطْءُ جَمِيعِهِنَّ لَا يَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ، وَإِذَا وُجِدَ يُضَافُ الْحِنْثُ إلَى وَطْءِ كُلِّهِنَّ لَا إلَى الرَّابِعَةِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مُعَلَّقَةٌ فَلَا تَنْعَقِدُ مَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا. وَلَوْ قَالَ لَهُنَّ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُنَّ جَعَلْنَاهُ مُولِيًا مِنْ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ زُفَرُ: مُولٍ مِنْ الْأَرْبَعِ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْ إحْدَاهُنَّ بَانَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعَيِّنَهَا، وَعِنْدَهُ بِنَّ كُلُّهُنَّ لِأَنَّ قَوْلَهُ إحْدَاكُنَّ وَوَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ سَوَاءٌ. وَلَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا فَكَذَا هَذَا. قُلْنَا إحْدَاكُنَّ لَا تَعُمُّ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةً، وَلِذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِكُلِّ إحْدَاهُنَّ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَأَمَّا وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَنَكِرَةٌ مَنْفِيَّةٌ فَتَعُمُّ، وَلِذَا صَحَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ بَانَتْ وَاحِدَةٌ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ، وَلَوْ بَيَّنَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ إحْدَاهُنَّ بِمَجِيءِ الْغَدِ وَبَيَّنَ قَبْلَ الْغَدِ، وَإِذَا بَيَّنَ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَتَعَيَّنَتْ الْمُبَانَةُ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَبِينُ الْأُخْرَى، وَكَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ، وَقَالَا: تَبِينُ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ مَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَمَّا زَالَتْ مُزَاحَمَةُ الْأُولَى بِالْبَيَانِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى بِالْإِيلَاءِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا. وَلَهُ أَنَّهُ آلَى مِنْ إحْدَاهُمَا لَا مِنْهُمَا، وَإِحْدَى هُنَا لَيْسَتْ نَكِرَةً حَتَّى تَعُمَّ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ وَتَعَيَّنَتْ فَلَا تَبِينُ الْأُخْرَى. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَيَحْنَثُ بِوَطْئِهَا. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ هَتْكَ حُرْمَةِ اسْمِهِ تَعَالَى لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا. وَفِي قَوْلِهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ إيلَاءً بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ آلَى ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ إيلَاؤُهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْفَيْءِ مَعَ بَقَاءِ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْفَيْءَ، وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهُ ادَّعَى الْفَيْءَ فِي حَالَةٍ لَا يَمْلِكُهُ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْخُلْعِ] هُوَ لُغَةً: النَّزْعُ خَلَعَ ثَوْبَهُ وَنَعْلَهُ، وَمِنْهُ خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إذَا افْتَدَتْ مِنْهُ بِمَالٍ، وَخَالَعَهَا وَتَخَالَعَا صِيغَ مِنْهَا الْمُفَاعَلَةُ مُلَاحَظَةً لِمُلَابَسَةِ كُلٍّ الْآخَرَ كَالثَّوْبِ، قَالَ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] وَفِي الشَّرْعِ: أَخْذُهُ الْمَالِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِ مَعَ الْمَفْهُومِ -

(وَإِذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQاللُّغَوِيِّ. وَالْفَرْقُ بِخُصُوصِ الْمُتَعَلِّقِ وَالْقَيْدِ الزَّائِدِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ هُوَ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِنَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ فِيهِ وَبِبَدَلٍ فِيمَا يَلِيهِ، فَالصَّحِيحُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ بَلْ فِي حُكْمِهِ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا لَجَرَى فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ فَسْخٌ وَفِي سُقُوطِ الْمَهْرِ لَوْ كَانَ الْمَالُ الْمُسَمَّى غَيْرَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ بِالْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ النَّزْعَ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ مُتَعَلَّقِهِ أَمْرًا حِسِّيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا كَقَيْدِ النِّكَاحِ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَوَّلًا لَمْ يُبْعِدْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ النَّقْلُ كَمَا غَلَطَ مَنْ جَعَلَ أُصُولَ الْفِقْهِ غَيْرَ مَنْقُولٍ لِانْدِرَاجِ حَقِيقَتِهِ فِي مُطْلَقِ مُسَمَّى الْأُصُولِ لُغَةً لِأَنَّ تَخْصِيصَ الِاسْمِ بِالْأَخَصِّ بَعْدَ كَوْنِهِ لِلْأَعَمِّ الصَّادِقِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ نَقْلٌ بِلَا شَكٍّ. وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ. وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عِنْدَنَا. وَصِفَتُهُ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا فَتُرَاعَى أَحْكَامُ الْيَمِينِ مِنْ جَانِبِهِ وَأَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ يَمِينٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَسَتَأْتِي ثَمَرَةُ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ) أَيْ تَخَاصَمَا (وَخَافَا) أَيْ عَلِمَا كَقَوْلِهِ: وَلَا تَدْفِنُنِي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي ... أَخَافُ إذَا مَا مِتَّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا أَيْ أَعْلَمُ. وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّدَهُ مِنْ الْمَوَاجِبِ الَّتِي أَمَرَ أَنْ لَا تَتَجَاوَزَ، وَهَذَا الشَّرْطُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ إذْ الْبَاعِثُ عَلَى الِاخْتِلَاعِ غَالِبًا ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ شَرْطٌ مُعْتَبَرُ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مُشَاقَّتُهُمَا كَذَا قِيلَ. وَقَدْ يُقَالُ: جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ الْإِبَاحَةُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ: وَإِبَاحَةُ الْأَخْذِ مِنْهَا مَشْرُوطَةٌ بِمُشَاقَّتِهَا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ شَرْطًا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) هَذَا حُكْمُ الْخُلْعِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَذَهَبَ الْمَزْنِيُّ إلَى أَنَّ الْخُلْعَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا، وَقِيدَتْ الظَّاهِرِيَّةُ صِحَّتَهُ بِمَا إذَا كَرِهَتْهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا أَوْ أَنْ لَا تُوَفِّيَهُ حَقَّهُ وَمَنَعَتْهُ إذَا كَرِهَهَا هُوَ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ. وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَقَعُ بِالْخُلْعِ طَلَاقٌ بَلْ هُوَ فَسْخٌ بِشَرْطِ عَدَمِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يَنْقُصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَقَعُ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا، فَإِنْ رَاجَعَهَا رَدَّ الْبَدَلَ الَّذِي أَخَذَهُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ الْمَزْنِيِّ إنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] نُسِخَ حُكْمُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِ هَذِهِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ، وَكَذَا الثَّانِي، وَلِأَنَّ هَذَا النَّهْيَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ اسْتِبْدَالَ غَيْرِهَا مَكَانَهَا، وَالْآيَةُ الْأُخْرَى مُطْلَقَةٌ فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ نَاسِخَةٌ لَهَا مُطْلَقًا؟ نَعَمْ لَوْ أَرَادَ بِالنَّسْخِ تَقَدُّمَ حُكْمِهَا عَلَى الْمُطْلَقَةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ: أَعْنِي صُورَةَ إرَادَةِ الزَّوْجِ الِاسْتِبْدَالَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نُشُوزٍ مِنْهَا كَانَ حَسَنًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ هَذَا الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَهُوَ حِينَئِذٍ وَجْهُ مَذْهَبِ الظَّاهِرِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ الْخَاصِّ مُطْلَقًا. فَالْجَوَابُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ عِنْدَنَا. لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: يَتَعَارَضَانِ كَانَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ حِينَئِذٍ وُجُوبُ التَّرْجِيحِ إذَا أَمْكَنَ، وَالتَّرْجِيحُ يَثْبُتُ لِلْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُبِيحِ لِأَنَّ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَهُوَ هُنَا فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ هَذَا الْخَاصُّ هُنَا بِحُكْمِ الْمُعَارَضَةِ لَا بِحُكْمِ التَّخْصِيصِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ قَدَّمْنَا فِيهِ الْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ كَانَ لِثُبُوتِ الِاحْتِيَاطِ بِسَبَبِ كَوْنِ حُكْمِ الْعَامِّ مَنْعًا وَالْخَاصُّ يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْضُ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ» مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَإِيجَابًا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» مَعَ قَوْلِهِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَإِلَّا فَنَفْسُ كَوْنِهِ عَامًّا لَا يَقْتَضِي التَّقَدُّمَ لَعَيْنِ مَفْهُومِهِ، بَلْ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ، بَلْ الْجَوَابُ الْقَوْلُ بِمُوجِبِهَا وَهُوَ عَدَمُ حَلِّ الْأَخْذِ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلَهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ: يَعْنِي كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ الْمُنْتَهِضَةِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ. وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي جَوَابِهِمْ: تَأْوِيلُ الْآيَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لَا فِي مَنْعِ وُجُوبِ الْمَالِ وَتَمَلُّكِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ مَعَ مُعَارَضَةِ مُوجِبِهَا، فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ تَنْفِي الْقَطْعِيَّةَ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ نَسْخِهَا بِالْمُعَارِضِ، لَكِنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرْنَا، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ الْحَقُّ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجْهُ قَوْلِ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ مَا رَوَى عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْخُلْعُ فُرْقَةٌ وَلَيْسَتْ بِطَلَاقٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ: لَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، قَالُوا: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَفِي آخِرِهَا وَالْخُلْعُ بَيْنَهُمَا. وَرَوَى نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ تُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ عَمُّهَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ إنَّ ابْنَةَ مُعَوِّذٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْيَوْمَ أَفَتَنْتَقِلُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لِتَنْتَقِلْ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَبَلٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عُثْمَانُ خَيْرُنَا وَأَعْلَمُنَا، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ رُبَيِّعَ وَعَمَّهَا صَحَابِيَّانِ، قَالُوا بِذَلِكَ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِالْآيَةِ، قَالَ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] إلَى أَنْ قَالَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ثُمَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: فَإِنْ طَلَّقَهَا: يَعْنِي الثَّالِثَةَ الْمُفَادَ شَرْعِيَّتُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ التَّقْرِيرِ فِي فَصْلٍ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَيَكُونُ الِافْتِدَاءُ غَيْرَ طَلَاقٍ، وَإِلَّا كَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا وَالثَّانِي مُنْتَفٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ يَقْبَلُ الْفَسْخَ. وَقَدْ تَحَقَّقَ فَسْخُهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي الِافْتِدَاءِ. قُلْنَا: أَمَّا هَذَا الْأَخِيرُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَجْهٌ مُجَوَّزٌ لِكَوْنِهِ فَسْخًا لَا يُوجِبُ كَوْنَ الْوَاقِعِ فِي الْوَاقِعِ أَحَدُ الْجَائِزَيْنِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ أَنَّهُ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ فَلَا يُفِيدُ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَبِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ التَّرْكِيبِ يُفِيدُ بُعْدَ غَايَةِ التَّنَزُّلِ أَنَّ الِافْتِدَاءَ فُرْقَةٌ لَيْسَ غَيْرُ. فَإِنَّ حَاصِلَ الثَّابِتِ بِهِ كَوْنُهُ تَعَالَى بَعْدَ مَا أَفَادَ شَرْعِيَّةَ الثَّلَاثِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ آخَرَ هُوَ جَوَازُ دَفْعِهَا الْبَدَلِ تَخَلُّصًا مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَأَخَذَهُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ غَيْرُ طَلَاقٍ أَوْ طَلَاقًا هُوَ الثَّالِثَةُ أَوَّلًا فَتَعَيَّنَ أَخْذُهَا مِنْ خَارِجٍ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا أَوْجُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ بَيَّنَ الثَّالِثَةَ بَعُوضٍ وَبِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الْجَوَابَ إلَيْهِ كَمَا سَمِعْت، وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَشْرَعَ الْخُلْعُ إلَّا بَعْدَ ثِنْتَيْنِ، بَلْ إنَّمَا نَصَّ عَلَى شَرْعِيَّةِ الثَّلَاثِ وَبَيَّنَ حُكْمًا آخَرَ هُوَ جَوَازُ الِافْتِدَاءِ عَنْ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عَنْ عُثْمَانَ فَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ قَالَ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا تُنْكَحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً. وَأَصْلُ هَذَا مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ» فَسَمَّى الْحَيْضَةَ عِدَّةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. ثُمَّ رَأَيْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ فِي خُلْعِ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِأَنَّهَا طَلْقَةٌ عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» فَقَوْلُ عُثْمَانَ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا: يَعْنِي الْعِدَّةَ الْمَعْهُودَةَ لِلْمُطَلَّقَاتِ، وَلِلشَّارِعِ وِلَايَةُ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ، فَهَذَا يُفِيدُك بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَدَمَ التَّلَازُمِ بَيْنَ عَدَمِ الْعِدَّةِ وَكَوْنِهِ فَسْخًا، عَلَى أَنَّ الَّذِي تَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ هَذَا هُوَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ جَاءَتْ هِيَ وَعَمُّهَا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عِدَّتُهَا أَوْ عِدَّتُكِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ. وَقَالَ: بَلَغَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْن يَسَارٍ وَابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ. وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ قَوْلُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ اتَّصَفَ بِاسْمِ الصَّحَابِيِّ يَتَّبِعُ أَقْضِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآيَ الْأَحْكَامِ وَعِلْمَ الْمُتَأَخِّرِ وَالْمُتَقَدِّمِ وَصَارَ أَهْلًا لِلِاجْتِهَادِ بَلْ يُقَلِّدُ بَعْضَهُمْ مَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُ حَالِ رُبَيِّعَ وَعَمِّهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهُمَا قَدْ اسْتَفْتَيَا عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُمَا مَا قَالَ فَاعْتَقَدَاهُ، فَلَيْسَ فِي الْمَعْنَى إلَّا قَوْلُ صَحَابِيِّينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَوْلُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ التَّلَازُمُ بَيْنَ نَفْيِ الْعِدَّةِ وَكَوْنِهِ فَسْخًا وَهُوَ مُنْتَفٍ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ أُمِّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَارْتَفَعَا إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَجَازَ ذَلِكَ وَقَالَ: هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونِي سَمَّيْت شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّيْت. وَلَا نَعْرِفُهُ فِيهِ إلَّا أَنَّ جُمْهَانَ لَمْ يَعْرِفْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَرَدَّ الْحَدِيثَ لِذَلِكَ، وَهُوَ جُمْهَانُ أَبُو يَعْلَى، وَأَبُو يَعْلَى مَوْلَى الْأَسْلَمِيِّينَ، وَيُقَالُ مَوْلَى يَعْقُوبَ الْقِبْطِيِّ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَابِعِيًّا. رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ. وَرَوَى عَنْهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: هُوَ جَدُّ جَدَّةِ عَلِيِّ بْن الْمَدِينِيِّ فَهِيَ ابْنَةُ عَبَّاسِ بْنِ جُمْهَانَ، رَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الصَّوْمِ عَنْ

وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ حَتَّى صَارَ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَالْوَاقِعُ بِالْكِنَايَةِ بَائِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي هُرَيْرَةَ «لِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ، وَزَكَاةُ الْجَسَدِ الصَّوْمُ، وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ» فَلِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِنَقْلِ مَذْهَبِنَا عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثُمَّ يُعَارِضُهُ قَوْلُ غَيْرِهِ، بَلْ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا تَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً إلَّا فِي فِدْيَةٍ أَوْ إيلَاءٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وَتَقَدَّمَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عُثْمَانَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةً» وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ لَهَا حُكْمُ الْوَصْلِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَكِبَارُ التَّابِعِينَ قَلَّ أَنْ يُرْسِلُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ وَإِنْ اتَّفَقَ غَيْرُهُ نَادِرًا فَعَنْ ثِقَةٍ، هَكَذَا تَتَبَّعْت مَرَاسِيلَهُ، وَبِهِ يَقْوَى ظَنُّ حُجِّيَّةِ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخُلْعُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ» وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَابْنُ عَدِيٍّ وَأَعَلَّهُ بِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرِ الثَّقَفِيِّ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً» وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ عَلَى طَرِيقِ أَهْلِ الشَّأْنِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالضَّعْفِ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَعَ احْتِمَالِ الصِّحَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَجَازَ أَنْ يَقُومَ دَلِيلُ الصِّحَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ الضَّعْفِ فِي الظَّاهِرِ. وَهَاهُنَا نَظَرٌ عَلَى أُصُولِنَا، وَهُوَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَوَى حَدِيثَ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» ثُمَّ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ بِأَنَّهُ فَسْخٌ، وَعَمَلُ الرَّاوِي عِنْدَنَا بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ رُجُوعُهُ كَمَا قَالُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّ ثَابِتًا طَلَّقَهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَبْقَى مِنْ مَحِلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ الْخُلْعُ، بَلْ يَصِيرُ طَلَاقًا عَلَى مَالٍ، فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ ذَلِكَ: الْخُلْعُ فَسْخُ كَلَامٍ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى فَحِينَئِذٍ مَا يَأْتِي مِنْ تَسْمِيَةِ الرَّاوِي لَهُ خُلْعًا حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ أَوَّلُ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ يَعْنِي أَوَّلَ طَلَاقٍ بِمَالٍ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلِّقْهَا امْتَثَلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَلَّقَ، وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ الْخُلْعُ عَلَى الطَّلَاقِ بِمَالٍ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ مَا قُلْنَاهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَرْفُوعِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يُقَاوِمُهُ النَّقْلُ التَّقْدِيرِيُّ، وَلَوْ تَرَكْنَا الْكُلَّ يَتَعَارَضُ وَرَجَعْنَا إلَى النَّظَرِ فِي الْمَعْنَى أَفَادَ مَا قُلْنَاهُ فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْخُلْعُ (مِنْ الْكِنَايَاتِ) حَتَّى لَوْ قَالَ خَلَعْتُك يَنْوِي الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ عِنْدَنَا، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُلْعِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْكِنَايَاتِ أَنَّهَا عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ بِالرُّجْعَى فَلَمْ يَنْخَلِعْ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِذِكْرِ الْمَالِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي خُرُوجَهُ عَنْ حَالِهِ، وَأَيْضًا هَذِهِ فُرْقَةٌ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ كَوْنِهَا طَلَاقًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْهُودُ وَالْحَمْلُ عَلَى مَا عَهِدَ وَاجِبٌ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلٌ وَلَمْ يَثْبُتْ كَمَا أَرَيْنَاك. وَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ قَبْلَ تَمَامِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ خِيَارٌ إذَا بَلَغَتْ وَعَتَقَتْ وَخِيَارُ الْمُولِي فَكَانَ ذَلِكَ امْتِنَاعًا عَنْ إتْمَامِهِ مَعْنًى، وَأَيْضًا مِلْكُ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّهُ وَارِدٌ

إلَّا أَنْ ذِكْرَ الْمَالِ أَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ هُنَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُسْلِمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ. (وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِوَضًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلَى أَنْ قَالَ {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالِاسْتِبْدَالِ فَلَا يَزِيدُ فِي وَحْشَتِهَا بِأَخْذِ الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْحُرَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبِضْعِ فَيَنْتَفِي هَذَا الْمِلْكُ فِي حَقِّ الْفَسْخِ، وَأَمَّا وَجْهُ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ فَلَمْ أَرَهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 229] فَإِنَّهُ تَعَالَى شَرَعَهُ مَشْرُوطًا لِخَوْفِ الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ إذْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ خِفْتُمْ وَهَذَا فَرْعُ التَّرَافُعِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ خِطَابُ (فَلَا تَأْخُذُوا) لِلْأَزْوَاجِ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَغْرَبٍ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ خِطَابَانِ يَتْلُو أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَالْمُخَاطَبُونَ بِأَحَدِهِمَا غَيْرُهُمْ بِالْآخِرِ. وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قِصَّةِ الرُّبَيِّعِ مِنْ الْمُوَطَّإِ يُفِيدُ أَنَّ الْخُلْعَ وَقَعَ دُونَ عِلْمِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَكَذَا ابْنُ عُمَرَ حِينَ سَمِعَ بِهِ فَأَفَادَ عَدَمُ فَهْمِهِمَا ذَلِكَ. فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ إذْنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ تَمْكِينِهِمْ مِنْ الْخُلْعِ إذَا خَافُوا عَلَيْهِمَا عَدَمَ الْقِيَامِ بِالْمَوَاجِبِ فِيمَا إذَا ارْتَفَعُوا إلَيْهِمْ لَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّرَافُعِ إلَيْهِمْ، وَعَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَفْهُومِ يَمْنَعُونَهُمْ عِنْدَ عَدَمِ هَذَا الْخَوْفِ بِالْقَوْلِ وَالْفَتْوَى، وَتَبَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَيْسَ مُبَاحًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِيهِ وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسَ بِهِ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» لَا بِالْحُكْمِ بَعْدَ النَّفَاذِ وَالصِّحَّةِ إذَا وَقَعَ. وَأَمَّا وَجْهُ مَنْ قَالَ إنَّهُ رَجْعِيٌّ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ مَا لَا حَاصِلَ لَهُ، وَلَا غُبَارَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهَا إنَّمَا بَذَلَتْ الْمَالَ لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَعَ الِافْتِدَاءَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ الَّذِي شُرِعَ لِأَجَلِهِ وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَالزَّوْجُ قَدْ مَلَكَ الْمَالَ حُكْمًا لِصِحَّةِ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَمْلِكَ نَفْسَهَا حُكْمًا لَهَا تَحْقِيقًا لَهَا كَمَا فِي جَانِبِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ) اسْتِدْرَاكٌ مِمَّا يُتَوَهَّمُ لُزُومُهُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ كِنَايَةٌ مِنْ افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَهَا يَصْدُقُ قَضَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالُوا: لَا يَصْدُقُ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْمُبَارَأَةِ وَالْبَيْعِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ بِأَنْ يَقُولَ بَارَأْتُك عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِعْت نَفْسَك أَوْ طَلَاقَك عَلَى أَلْفٍ وَعِنْدَ عَدَمِهِ يَصْدُقُ فِي إنْكَارِهَا قَضَاءً فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ لَا فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ لِأَنَّهُمَا صَرِيحَانِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. فَأَجَابَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ يُغْنِي عَنْهَا إذْ هُوَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ: عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ)

(وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا كَرِهْنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ طَابَ الْفَضْلُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا بَدْءًا. وَوَجْهُ الْأُخْرَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ «أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] نَهَى عَنْ الْأَخْذِ مِنْهَا عِنْدَ عَدَمِ نُشُوزِهَا وَكَوْنِهِ مِنْهُ. وَتَقَدَّمَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ دُونَ التَّحْرِيمِ لِلْمُعَارِضَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا مُعَارَضَةَ فِي التَّحْرِيمِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ نَفْيِ الْجُنَاحِ فِي آيَةِ الْمُطَلَّقَةِ مُقَيَّدًا بِالْمُشَاقَّةِ فَإِنَّ الْآيَةَ هَكَذَا (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وَالنَّهْيُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مُقَيَّدٌ بِانْفِرَادِهِ بِالنُّشُوزِ فَلَا يَتَلَاقَيَانِ فَلَا تَعَارَضَ فِي حُرْمَةِ الْأَخْذِ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَا كَانَ التَّحْرِيمُ ثَابِتًا بِالْعُمُومَاتِ الْقَطْعِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَفِي إمْسَاكِهَا لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ إضْرَارًا وَتَضْيِيقًا لِيَقْتَطِعَ مَالَهَا فِي مُقَابِلَةِ خَلَاصِهَا مِنْ الشِّدَّةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا مَعَهُ ذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] ... ... {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] فَهَذَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى حُرْمَةِ أَخْذِ مَالِهَا كَذَلِكَ فَيَكُونُ حَرَامًا إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ جَازَ فِي الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا: أَيْ يَحْكُمُ بِصِحَّةِ التَّمَلُّكِ وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ. وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا تَلَوْنَاهُ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (شَيْئَانِ الْجَوَازُ حُكْمًا) يَعْنِي الصِّحَّةَ وَالنَّفَاذَ فِي الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مُشَبَّهًا بِأَخْذِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ قَالَ فِيهَا جَازَ فِي الْقَضَاءِ (وَالْإِبَاحَةُ وَقَدْ تَرَكَ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] الْآيَةُ فَبَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْبَاقِي: أَيْ الْجَوَازِ فِي الْقَضَاءِ. لَا يُقَالُ: الْجَوَازُ هُوَ الْإِبَاحَةُ وَيَتَلَازَمَانِ وُجُودًا وَعَدَمًا. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ فَلَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ، وَمَعْنَى الْجَوَازِ مِنْ جَازَ: أَيْ مَرَّ. وَبَعُدَ فَهُوَ النَّافِذُ شَرْعًا: أَيْ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ الْآثَارِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مَعَ الْحِلِّ أَوْ الْحُرْمَةِ كَمَا فِي كُلِّ نَهْيٍ عَنْ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ لَمْ يَقُمْ فِيهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لِعَيْنِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتِ النِّدَاءِ وَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ فَلَا تَلَازُمَ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَالْأَخْذُ حَرَامٌ فِي حَالِ عَدَمِ نُشُوزِهَا وَإِنْ كَانَ بِرِضَاهَا، وَلَوْ فَعَلَ كَانَ أَخْذُهُ سَبَبًا لِلتَّمَلُّكِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فِيمَا قُلْنَا حَيْثُ يَمْلِكُ بِسَبَبٍ مَمْنُوعٍ. لَا يُقَالُ: النَّهْيُ هُنَا عَنْ أَمْرٍ حِسِّيٍّ فَيُعْدَمُ وُجُودُهُ شَرْعًا فَيُخْرِجُهُ عَنْ انْتِهَاضِهِ سَبَبًا مُفِيدًا لِحُكْمِ الْمِلْكِ كَالنَّهْيِ عَنْ الزِّنَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ إذَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِغَيْرِهِ لَا لَعَيْنِهِ وَهُنَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لِزِيَادَةِ الْإِيحَاشِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا تُرِكَ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ يَلْزَمُ انْتِفَاءُ النَّفَاذِ شَرْعًا وَذَلِكَ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى النَّفَاذِ لَيْسَ إلَّا دَلَالَةٌ الْتِزَامِيَّةٌ لِلْإِبَاحَةِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ الْمُطَابِقِيَّةَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، إذْ هِيَ الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيِّ لِنَفْيِ الْجُنَاحِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ النَّفَاذُ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْإِبَاحَةُ ارْتَفَعَتْ بِلَازِمِهَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ آخَرُ عَلَى ثُبُوتِ النَّفَاذِ شَرْعًا وَهُوَ مَعْدُومٌ، وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ قَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا بَدْءًا) أَيْ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] يَعْنِي بِطَرِيقِ دَلَالَتِهِ لَا عِبَارَتِهِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ رَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ مُشَاقَّتِهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي مُشَاقَّتِهِمَا مُشَاقَّتَهُ، فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا افْتَدَتْ بِهِ مُطْلَقًا فِيمَا فِيهِ مُشَاقَّةٌ مِنْهُ فَأَخْذُهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا مُشَاقَّةَ مِنْهُ فِيهِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْأُخْرَى قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي امْرَأَةِ ثَابِتٍ إلَخْ) تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ

وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا (وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ) وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا تَلَوْنَا شَيْئَانِ الْجَوَازُ حُكْمًا وَالْإِبَاحَةُ، وَقَدْ تُرِكَ الْعَمَلُ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ فَبَقِيَ مَعْمُولًا فِي الْبَاقِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ رُوِيَتْ مُرْسَلَةٌ وَمُسْنَدَةٌ. فَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَقْرَبُ الْأَسَانِيدِ سَنَدُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْكُو زَوْجَهَا، فَقَالَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَصْدَقَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَزِيَادَةً، قَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَلِكَ، وَقَالَ: وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْوَلِيدُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ «أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ كَانَتْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَكَانَ أَصْدَقَهَا حَدِيقَةً فَكَرِهَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَعْطَاكِ؟ قَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا وَلَكِنْ حَدِيقَتُهُ، قَالَتْ نَعَمْ، فَأَخَذَهَا وَخَلَّى سَبِيلَهَا» اهـ. قَالَ سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَبِدُّ بِالطَّلَاقِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَقَدْ عَلَّقَهُ بِقَبُولِهَا، وَالْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الْتِزَامَ الْمَالِ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمِلْكِ النِّكَاحِ مِمَّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ «لَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ نَعَمْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادُ» وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَسَمَّاهَا فِيهِ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَسَمَّاهَا حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا بِانْفِرَادِهِ، وَعِنْدَ غَيْرِنَا إذَا اُعْتُضِدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ يُرْسِلُهُ مَنْ رَوَى عَنْ غَيْرِ رِجَالِ الْأَوَّلِ أَوْ بِمُسْنَدٍ كَانَ حُجَّةً. وَقَدْ اُعْتُضِدَ هُنَا بِهِمَا جَمِيعًا وَظَهَرَ لَك الْخِلَافُ فِي اسْمِ الْمَرْأَةِ جَمِيلَةَ أَوْ حَبِيبَةَ أَوْ زَيْنَبَ، وَفِي اسْمِ أَبِيهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ أَوْ سَلُولَ أَوْ سَهْلٍ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ. فَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ: أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ فَخُوصِمَ فِي ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَهُ وَأَمَرَهُ بِأَخْذِ عِقَاصِ رَأْسِهَا فَمَا دُونَهُ. وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ جَاءَتْهُ مَوْلَاةٌ لِامْرَأَتِهِ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَمِنْ كُلِّ ثَوْبٍ حَتَّى نَقَبَتْهَا. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُفِعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ نَشَزَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ اخْلَعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا. ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ عِمْرَانَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَقَالَ طَاوُسٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَأَوْرَدَ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ أَنْ لَا يُعَارِضَ الْكِتَابَ وَهَذَا مُعَارِضٌ قَوْلَهُ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] أُجِيبَ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ عُورِضَ بِنَصٍّ آخَرَ مِثْلِهِ خَرَجَ عَنْ الْقَطْعِيَّةِ فِي الْحُكْمِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنْ كَانَ مُعَارِضًا لِنَصٍّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِآخَرَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] فَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَارَضَةَ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ فَجَازَ التَّمَسُّكُ بِهِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَحَدِ النَّصَّيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَخْذِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُقَيَّدٌ بِنُشُوزِهِ وَحْدِهِ وَإِطْلَاقُ الْأَخْذِ مِنْهَا قُيِّدَ بِنُشُوزِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا تَعَارُضَ فَلَا تَخْصِيصَ، لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَامِ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَى مَوْرِدِ الْخَاصِّ لِيَكُونَ خِلَافَ حُكْمِهِ فِي بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ تَخْصِيصًا. لَا يُقَالُ: أَخْذُ الزِّيَادَةِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ الْمُطَلَّقَةَ لِأَنَّهَا فِي نُشُوزِهِمَا وَنُشُوزُهَا وَحْدَهَا لَيْسَ نُشُوزَهُمَا. لِأَنَّا نَقُولُ: تَثْبُتُ إبَاحَةُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ فِي نُشُوزِهَا وَحْدَهَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى كَمَا بَيَّنَّا، وَعَلَى هَذَا فَيَظْهَرُ كَوْنُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْجَهَ. نَعَمْ يَكُونُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَيَكُونُ مَحْمَلُ مَنْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتًا مِنْ أَنْ يَزْدَادَ الْحَمْلُ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى وَطَرِيقُ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ

كَالْقِصَاصِ (وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالنَّفْسِ وَقَدْ مَلَكَ الزَّوْجُ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ فَتَمْلِكُ هِيَ الْآخَرَ وَهِيَ النَّفْسُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ. قَالَ (وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ مِثْلَ أَنْ يُخَالِعَ الْمُسْلِمُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ، وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ كَانَ رَجْعِيًّا) فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِلتَّعْلِيقِ بِالْقَبُولِ وَافْتِرَاقُهُمَا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْعِوَضُ كَانَ الْعَامِلُ فِي الْأَوَّلِ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ كِنَايَةٌ، وَفِي الثَّانِي الصَّرِيحُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَا سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا حَتَّى تَصِيرَ غَارَّةٌ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ وَلَا إلَى إيجَابِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِأَلْفٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَسَيَأْتِي، وَقَوْلُهُ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ: أَيْ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ فَيُطَالِبُهَا بِهِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً اخْتَلَعَتْ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا حَتَّى تُبَاعَ فِيهِ، وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا تُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى جَعْلِ عَلَى لِلشَّرْطِ وَاعْتِبَارِ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ الْقَبُولَ لَا الْأَدَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِقَبُولِهَا وَالْمُعَيَّنُ لِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي مَقَامِ الْمُعَاوَضَةِ وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْقَبُولِ لَا الْأَدَاءِ، وَإِلَى هُنَا يَتِمُّ التَّقْرِيرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ. وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلَهُ: وَلَوْ قُلْنَا بِتَعْلِيقَةِ بِالْأَدَاءِ كَانَتْ كَلِمَةُ (عَلَى) لِلشَّرْطِ الْمَحْضِ، وَهِيَ إنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ: يَعْنِي أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِالْأَدَاءِ يَخْرُجُ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى إنْ أَدَّيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ الشَّرْطُ الْمَحْضُ وَهُوَ مُضِرٌّ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَعْلِيقَ الْبَيْعِ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ أَمَّا الْخُلْعُ فَلَيْسَ مَحْضُ مُعَاوَضَةٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ أَوْ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مُحْتَاجًا إلَيْهَا فِي التَّقْرِيرِ لِاسْتِغْنَاءِ الدَّلِيلِ عَنْ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْوُقُوعِ بِقَبُولِهَا بِحَيْثُ يَنْزِلُ بِمُجَرَّدٍ هُوَ فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّحْقِيقُ أَمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ فَلَا، فَلِذَا اُخْتُلِفَ فِيمَا إذَا قَالَ خَلَعْت نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا فَقَالَتْ قَبِلْت قِيلَ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَنْوِي الزَّوْجُ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ دُونَ السَّوْمِ يَصِحُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْلِمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا (قَوْلُهُ وَهِيَ النَّفْسُ) أَنَّثَ ضَمِيرَ الْآخَرِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لِتَأْنِيثِ اسْمِهِ الْآخَرِ: أَعْنِي النَّفْسَ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي الْفُرْقَةِ عِوَضًا غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ

بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ خَمْرٌ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا فَصَارَ مَغْرُورًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ مُتَقَوِّمٌ وَمَا رَضِيَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى بَطَلَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوقِعًا بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَفِي الْخُلْعِ يَقَعُ بَائِنًا، وَفِي الطَّلَاقِ يَقَعُ رَجْعِيًّا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهِيَ دُونَ الثَّلَاثِ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ التَّقْيِيدَ بِهِمَا لِاشْتِهَارِ الْحَالِ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِحَيْثُ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَفِيهِمَا مَعًا لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِلزَّوْجِ. وَجْهُ الْحُكْمِ الشَّامِلِ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلِذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الطَّلَاقِ إجْمَاعًا وَإِبَاحَةُ الِافْتِدَاءِ لَيْسَ وَضْعًا لِتَقَوُّمِهِ شَرْعًا وَإِلَّا لَتَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ وَلَوْ بِالنَّوْعِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِذَا سَمَّى غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ فِي غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ كَانَ رَاضِيًا بِسُقُوطِهِ مَجَّانًا. وَجْهُ الِافْتِرَاقِ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي لَهَا دَلَالَةٌ عَلَى قَطْعِ الْوَصْلَةِ لِأَنَّهُ مِنْ خَلَعَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ وَالْقَمِيصَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا، كَمَا أَفَادَ حَقِيقَتَهُ، مِنْهَا قَطْعُ الْوَصْلَةِ كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ بَائِنًا وَمَا لَا فَرَجْعِيٌّ، وَلَفْظُ الْخُلْعِ مِنْ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ لَفْظِ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا سَلَف فَإِنَّمَا يَقَعُ بِهَا رَجْعِيٌّ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ لَا يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ، وَلَوْلَا ثُبُوتُ هَذَا الِاعْتِبَارِ عِنْدَنَا فِي الْكِنَايَاتِ لَقُلْنَا بِالرُّجْعَى فِيهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ يُخَالِفُنَا فِي هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي الْكِنَايَاتِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِيهَا، وَقَالَ هُنَا إنَّ الْوَاقِعَ بَائِنٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُوجِبُ فِيهِ رَدُّ مَهْرِ مِثْلِهَا قِيَاسًا عَلَى بُطْلَانِ الْعِوَضِ فِي الْمَهْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مَعَ الْفَارِقِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْبِضْعَ مُتَقَوِّمًا حَالَةَ الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ سَكَتَا عَنْ الْمَهْرِ لَزِمَتْ قِيمَتُهُ وَهِيَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُتَقَوِّمًا حَالَةَ الْخُرُوجِ لَمَا بَيَّنَّا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ بُطْلَانِ الْعِوَضِ لُزُومُ الْقِيمَةِ. وَفِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ خَلَعَهَا عَلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَخَمْرٌ وَمَالٌ صَحَّ وَلَا يَجِبُ لَهُ إلَّا الْمَالُ قِيلَ هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ صَحِيحٌ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا تَسْتَحِقُّهُ بِحَالٍ، وَعُرِفَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبَيْنُونَةَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَا هُوَ مَالٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَصِيرُ مَغْرُورًا) فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُرَدُّ مَهْرَهَا، وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ كَيْلِ الْخَمْرِ خَلًّا وَسَطًا كَمَا فِي الصَّدَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَلَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ بِكَوْنِهِ خَمْرًا لَا شَيْءَ لَهُ. (وَقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مَالٌ لَكِنَّهُ سَاقِطُ التَّقَوُّمِ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَاتَبَ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ حِينَئِذٍ بَاطِلَةٌ، حَتَّى لَوْ أَدَّى الْمَيِّتَةَ أَوْ الدَّمَ لَا يَعْتِقُ وَهَاهُنَا فَاسِدَةٌ، فَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ (لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ مُتَقَوِّمٌ) وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَثَمَنِهِ ابْتِدَاءً (وَمَا رَضِيَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا) لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ لَنَجِزَ عِتْقُهُ ابْتِدَاءً فَتَسْمِيَةُ مَالِ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ

أَمَّا مِلْكُ الْبِضْعِ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْبِضْعَ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ، وَالْفِقْهُ أَنَّهُ شَرِيفٌ فَلَمْ يَشْرَعْ تَمَلُّكَهُ إلَّا بِعِوَضٍ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ، فَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فَنَفْسُهُ شَرَفٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْمَالِ. قَالَ (وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) لِأَنَّ مَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَا عِوَضٍ، وَالْعِتْقُ لَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَيَنْزِلُ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَلَا إيجَابُ الْمُسَمَّى لِفَسَادِهِ وَلَا وُقُوعُهُ بِلَا بَدَلٍ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا احْتَبَسَ عِنْدَهُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ قِيمَةُ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْبَدَلُ فِي مَوْضِعِ لُزُومِهِ تَجِبُ قِيمَةُ الْمُبْدَلِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ عَنَى بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ الْخُرُوجِ أَوْ حَالَةَ الْبَقَاءِ لُزُومَ قِيمَتِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ شَرْعًا فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ عَنَى إمْكَانَ الِاعْتِيَاضِ فَالْبِضْعُ كَذَلِكَ حَالَةَ الْخُرُوجِ، فَلَا يُفِيدُ هَذَا الْفَرْقُ فِي الرُّجُوعِ بَيْنَهُمَا فِي تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. وَالْجَوَابُ الْمُرَادُ أَمْرٌ ثَالِثٌ وَهُوَ كَوْنُهُ لَهُ قِيمَةٌ فِي الْوَاقِعِ بِأَنَّ الشَّرْعَ قَوَّمَ أَوَّلًا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْبِضْعِ حَالَةَ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ وَالْفِقْهُ فِيهِ) أَيْ فِي لُزُومِ تَقَوُّمِهِ عِنْدَ الدُّخُولِ دُونَ الْخُرُوجِ (أَنَّهُ) أَيْ الْبِضْعَ (شَرِيفٌ فَلَمْ يُشْرَعْ تَمْلِكُهُ إلَّا بِعِوَضٍ، فَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فَنَفْسُهُ شَرَفٌ) أَيْ يَحْصُلُ بِهِ شَرَفُ الْبِضْعِ لِلتَّخَلُّصِ بِهِ مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ (فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْمَالِ) إذَا لَمْ يَجِبْ إلَّا هَذَا الْغَرَضُ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا بِدُونِهِ (قَوْلُهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) وَلَا يَنْعَكِسُ كُلِّيًّا، فَالصَّادِقُ بَعْضُ مَا جَازَ بَدَلَ خُلْعٍ جَازَ كَوْنُهُ مَهْرًا وَالْبَعْضُ لَا كَالْأَقَلِّ مِنْ الْعَشَرَةِ وَمَا فِي يَدِهَا، وَمَا فِي بَطْنِ غَنَمِهَا وَمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهَا يَجُوزُ وَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَلَا يَجُوزُ مَهْرًا بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ مَالًا فِي الْحَالِ بَلْ فِي الْمَآلِ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِالِانْفِصَالِ مِنْ الْبَطْنِ، وَأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ الطَّلَاقُ هُنَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، فَكَذَا الْآخَرُ: أَعْنِي الْمَالَ، وَلَا يَقْبَلُهُ مَا يُقَابِلُ الْمَالَ هُنَاكَ وَهُوَ مِلْكُ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ عِوَضُهُ الْآخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بُطُونِهَا شَيْءٌ حَالَةَ الْخُلْعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَمَا حَدَثَ فِي الْبَطْنِ بَعْدَ الْخُلْعِ لَهَا لَا لَهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ غَارَّةٍ، إذْ مَا فِي الْبَطْنِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهُ مَالًا إذَا ظَهَرَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رِيحًا أَوْ مَيِّتَةً فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ. وَيَصِحُّ التَّأْجِيلُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ مَعَ جَهَالَةٍ مُسْتَدْرَكَةٍ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ لَا الْفَاحِشَةِ كَالْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ وَالْمَيْسَرَةِ، وَحَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ يَجِبُ الْمَالُ حَالًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ إسْقَاطًا حَتَّى جَازَ تَعْلِيقُهُ وَخُلُوُّهُ مِنْ الْعِوَضِ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُحُ جَازَ الْمَجْهُولُ وَإِلَى الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ الْمُسْتَدْرَكِ الْجَهَالَةِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَجُوزُ اخْتِلَاعُهَا عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضِهَا وَرُكُوبِ دَابَّتِهَا وَخِدْمَتِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُلْزِمُ خَلْوَتَهُ

أَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ. (فَإِنْ قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي فَخَالَعَهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرُّهُ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ (وَإِنْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ فَخَالَعَهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَهْرَهَا) لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِعِوَضٍ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى وَقِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبِضْعِ: أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا أَوْ خِدْمَةِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ هَذِهِ تَجُوزُ مَهْرًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى أَنْ أُؤَخِّرَ مَا لِي عَلَيْك فَطَلَّقَهَا، فَإِنْ كَانَ لِلتَّأْخِيرِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ صَحَّ بِهِ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَصِحُّ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ تُبَرِّئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا لَهَا عَنْ فُلَانٍ فَالطَّلَاقُ بَائِنٌ انْتَهَى، كَأَنَّهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِيهِ مَالٌ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهَا بِهِ لَا تَسْقُطُ بَلْ تَتَأَخَّرُ، بِخِلَافِ الثَّانِي لِتَحَقُّقِ سُقُوطِ الْمَالِ أَوْ مُطَالَبَتِهَا إيَّاهُ بِهِ (قَوْلُهُ أَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ) وَهُوَ الْبِضْعُ حَالَةَ الْخُرُوجِ، بِخِلَافِهِ حَالَةَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ مُتَقَوِّمٌ. وَعَنْ هَذَا جَازَ تَزْوِيجُ الْأَبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَالِهَا. وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا يَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرِيضَةُ يَعْتَبِرُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا وَمَنْ بَدَلِ الْخُلْعِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالثُّلُثِ إذَا مَاتَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَهُ بَدَلُ الْخُلْعِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ) لِأَنَّ مَا فِي يَدِهَا قَدْ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ فَكَانَ بِذَلِكَ رَاضِيًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا أَوْ كَانَ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهَا عَلَى مَا فِي بَيْتِي أَوْ مَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ حَالَ قَوْلِهَا فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ، وَلَوْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَتَاعٍ وَلَيْسَ فِيهِ مَالٌ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا لِلْغُرُورِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لَا وَجْهَ إلَّا إيجَابُ الْمُسَمَّى) أَيْ مَا سَمَّتْهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ الْمَالُ (وَقِيمَتُهُ لِلْجَهَالَةِ) قِيلَ عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ وَأَقَلُّهُ دِرْهَمٌ لِمَا

(وَلَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) لِأَنَّهَا سَمَّتْ الْجَمْعَ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَكَلِمَةُ مِنْ هَاهُنَا لِلصِّلَةِ دُونَ التَّبْعِيضِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَخْتَلُّ بِدُونِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعُرِفَ فِي الْإِقْرَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَهَالَةَ تُوجِبُ الْفَسَادَ، وَلِأَنَّ كَوْنَ أَقَلِّ مَا هُوَ مَالٌ دِرْهَمًا مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا سَمَّتْ الْجَمْعَ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِي قَوْلِهَا دِرْهَمٌ ظَاهِرٌ، أَمَّا فِي الْمُحَلَّى فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهَا دِرْهَمٌ لِبُطْلَانِ الْجَمْعِيَّةِ بِاللَّامِ إلَى الْجِنْسِيَّةِ وَهُوَ يَصْدُقُ بِالْفَرْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهَا دِرْهَمٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْعَهْدِيَّةِ، فَأَمَّا إنْ أَمْكَنَ اُعْتُبِرَ كَوْنُهُ الْمُرَادُ وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّ قَوْلَهَا عَلَى مَا فِي يَدِي أَفَادَ كَوْنَ الْمُسَمَّى مَظْرُوفًا بِيَدِهَا وَهُوَ عَامٌ يَصْدُقُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا، فَصَارَ بِالدَّرَاهِمِ عَهْدٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ لَفْظَةِ مَا وَهُوَ مُبْهَمٌ وَلَفْظَةُ مِنْ وَقَعَتْ بَيَانًا وَمَدْخُولُهَا وَهُوَ الدَّرَاهِمُ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِخُصُوصِ الْمَظْرُوفِ فَصَارَ كَلَفْظِ الذَّكَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: 36] لِلْعَهْدِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ {مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35] وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُهُ فِي كَوْنِ مَدْخُولِ اللَّامِ هُنَا وَاقِعًا بَيَانًا لِلْمَعْهُودِ بِخِلَافِهِ فِي وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى لِأَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ مَا فِيهِ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ لِلْبَيْعَةِ إنَّمَا هُوَ الذَّكَرُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ إلَّا عِنْدَ إمْكَانِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِذَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ. لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْيِ دُونَ لَأَشْتَرِيَنَّ الْعَبِيدَ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَيَحْنَثُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ بِالْأَوَّلِ وَلَا يَبَرُّ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فِي الثَّانِي بَلْ بِشِرَاءِ ثَلَاثَةٍ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا صِلَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ أَلَا تَرَى إلَى صِدْقِ ضَابِطِهَا وَهُوَ صَلَاحِيَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَوْضِعِهَا مَوْصُولًا بِمَدْخُولِهَا حَالَ كَوْنِهِ خَبَرَ

(فَإِنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ لَهَا آبِقٍ عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ وَعَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ) لِأَنَّهُ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ، وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ إلَّا أَنَّ الْخُلْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ ضَمِيرُ الْمُبْهَمِ هَكَذَا مَا فِي يَدِي الَّذِي هُوَ الدَّرَاهِمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] لِصِدْقِ الرِّجْسِ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي لَفْظِ الصِّلَةِ اصْطِلَاحٌ، وَمَا قِيلَ إنَّ تُعَيُّنَّ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْبِضْعَ مُحْتَرَمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدَدٍ مُعْتَبَرٍ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ. دُفِعَ بِأَنَّهُ فَرْعُ تَقَوُّمِ الْبِضْعِ فِي الْخُرُوجِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ الْمَالُ مِنْ قَوْلِهَا عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ وَكَانَ الْبِضْعُ مُحْتَرَمًا فَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِبَدَلِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ عَنْهُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ، وَالدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ الْجِنْسُ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ الْجَمْعُ غَيْرُ ذِي خَطَرٍ وَلِذَا لَمْ يَقْطَعْ الْعُضْوَ بِهِ، بِخِلَافِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ ذُو خَطَرٍ وَهُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ الْجِنْسِ كَالْفَرْدِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَمْلًا لَا دَلَالَةً بِالْمُعَيَّنِ الْمَذْكُورِ، كَمَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْفَرْدِ بِمُعَيَّنٍ لِكَوْنِهِ الْمُتَيَقِّنَ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُعَيِّنُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ) يَعْنِي إنْ وَجَدَتْهُ سَلَّمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إلَخْ) هَذَا فَرْعُ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ غَيْرِ مَالٍ، فَالْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْقِيمَةِ فَتُدْفَعُ. وَكَذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ صَحَّتْ وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ إنْ رَضِيَ سَيِّدُهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَهَذَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّزَوُّجُ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَحُكْمُهُ كَذَلِكَ فَالْخُلْعُ عَلَيْهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُشَاحَحَةِ فَالْعَجْزُ يُفْضِي إلَيْهَا وَهُوَ لَمْ يَشْرَعْ إلَّا لِقَطْعِهَا فَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْآبِقِ فِيهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى دَابَّةٍ وَعَلَى أَنْ تُزَوَّجَهُ امْرَأَةً وَتُمْهِرَهَا عَنْهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ لَا التَّسْمِيَةُ فَيَرْجِعُ بِمَهْرِهَا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُتَفَاحِشَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ شَيْءٍ مُسَمًّى بِعَيْنِهِ وَلَا قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ أَوْ قِيمَتُهُ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ كَتَسْمِيَةِ عَبْدٍ وَسَطٍ، فَإِذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ أَوْجَبَتْ تَسْلِيمَ الْمُسَمَّى فَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْ ضَمَانِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْبَدَلِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ عَدَمِ حُكْمِهِ فَيَبْطُلُ هَذَا الشَّرْطُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ

لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَعَلَى هَذَا النِّكَاحِ (وَإِذَا قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ) لِأَنَّهَا لَمَّا طَلَبَتْ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ فَقَدْ طَلَبَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ يُوجِبُ سَلَامَتَهُ كَمَا يُوجِبُ أَصْلَهُ لِأَنَّ وُجُوبَ سَلَامَتِهِ تَبَعٌ لِوُجُوبِهِ فَوُجُوبُ أَصْلِهِ هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، ثُمَّ يَجِبُ كَوْنُهُ سَلِيمًا لِأَنَّ وُجُوبَ مُطْلَقِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي كَمَالَهُ، لِأَنَّ الْمَعِيبَ فَائِتٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْعَيْبُ، فَاشْتِرَاطُ نَفْيِهِ اشْتِرَاطُ نَفْيِ نَفْسِ مُقْتَضَاهُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مَعِيبًا لِأَنَّهُ إثْبَاتُهُ، ثُمَّ إسْقَاطُ بَعْضِ الْحُقُوقِ التَّابِعِ وُجُوبُهَا لِوُجُوبِهِ، وَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِإِثْبَاتِ مُقْتَضَاهُ. أَوْ نَقُولُ: السَّلَامَةُ إنَّمَا هِيَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الَّذِي لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ عَدَمُهَا وَهُوَ الْمُطْلَقُ لَا غَيْرُهُ، بِخِلَافِ أَصْلِ الْبَدَلِ فَإِنَّهُ حُكْمُ كُلِّ عَقْدٍ مُطْلَقًا. وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ، وَلَوْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ الْخُلْعِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الَّذِي أَخَذَتْهُ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ بِتَسْمِيَةِ الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا فَاسْتَحَقَّ لَزِمَهَا قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِتَسْلِيمِهِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَيَجِبُ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ مَاتَ قَبْلَ الْخُلْعِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَلِمَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَجِبَ لَهُ شَيْءٌ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْخَلِّ الْمُعَيَّنِ إذَا ظَهَرَ خَمْرًا وَهُوَ يَعْلَمُ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِعَبْدٍ حَلَالِ الدَّمِ فَقُتِلَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ كَالِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ وَجَبَ قَطْعُ يَدِهِ فَقُطِعَ عِنْدَ الزَّوْجِ رَدَّهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ (قَوْلُهُ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ قَامَ فَطَلَّقَهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَعَنْ مَالِكٍ تَقَعُ بِالْأَلْفِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ تَقَعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَالدَّعْوَى مَوْقُوفَةٌ عَلَى إثْبَاتِ التَّلَازُمِ بَيْنَ طَلَبِهَا الثَّلَاثِ بِأَلْفٍ وَطَلَبِ الْوَاحِدَةِ بِثُلُثِهِ فَأَثْبَتَهُ بِقَوْلِهِ إنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ بِاتِّفَاقٍ، وَالْعِوَضُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوِّضِ بِالضَّرُورَةِ وَإِلَّا لَخَلَا بَعْضُهُ عَنْهُ فَيَكُونُ بَعْضُهُ بِلَا عِوَضٍ، لَكِنَّ الْغَرَضَ أَنْ لَا تَبَرُّعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، لَكِنْ لَازَمَ هَذَا جَعْلُ كُلِّ طَلْقَةٍ بِمُقَابَلَةِ ثُلُثِ الْأَلْفِ، وَالْمَطْلُوبُ وَهُوَ طَلَبُ كُلِّ طَلْقَةٍ بِثُلُثِهِ لَازِمُهُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعِلْمُ مُحِيطًا بِالِانْقِسَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَكُونُ طَلَبُ الْجُمْلَةِ بِعِوَضٍ طَلَبَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، لَكِنْ يَبْقَى فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الطَّلْقَةِ بِحِصَّتِهَا حَالَ كَوْنِهَا مَعَ الطَّلْقَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ لَا مُنْفَرِدَةً، فَإِيقَاعُهُ الْوَاحِدَةَ فَقَطْ إيقَاعُ غَيْرِ الْمَسْئُولِ فَيَقَعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهُوَ وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَلِذَا رَتَّبَ فِي الْكَافِي الدَّعْوَى عَلَى اللَّازِمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَعْلُهَا كُلَّ طَلْقَةٍ بِثُلُثِهَا، وَجَعْلُهُ نَظِيرَ مَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ بِعْ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ الثَّلَاثَةَ بِأَلْفٍ فَبَاعَ أَحَدَهُمْ بِثُلُثِهَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَحْصِيلُ بَعْضِ الْمَقْصُودِ، كَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ مَقْصُودَهَا الْأَصْلِيَّ مِلْكُهَا نَفْسُهَا بِقَطْعِ مِلْكِهِ، غَيْرِ أَنَّهَا ذَكَرَتْ إحْدَى صُورَتِي ذَلِكَ وَهُوَ الثَّلَاثُ بَعْدَ عِلْمِهَا بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهَا فَإِبَانَتُهَا بِوَاحِدَةٍ تَحْصِيلُ أَصْلِ الْمَقْصُودِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى فَهُوَ أَوْلَى بِجَوَازِهِ بِحِصَّتِهَا، بِخِلَافِ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ بِعْتُك هَذِهِ الْأَعْبُدَ الثَّلَاثَةَ بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ بِثُلُثِهَا فَقَبِلَ فِي وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لِمَانِعٍ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فَإِنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ ضَمُّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ فِي الصَّفْقَةِ لِيُرَوِّجُوا الرَّدِيءَ، فَالْقَبُولُ

وَالْعِوَضُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ (وَإِنْ قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. وَقَالَا هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، حَتَّى إنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ. وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلشَّرْطِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ شَرْطًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لِلُّزُومِ حَقِيقَةً، وَاسْتُعِيرَ لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ يُلَازِمُ الْجَزَاءَ، وَإِذْ كَانَ لِلشَّرْطِ فَالْمَشْرُوطُ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَعْضِهَا إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ. وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ فِي وَاحِدَةٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُنَاكَ رَاضٍ بِالْبَيْنُونَةِ مُقَابِلًا بِثُلُثِ الْأَلْفِ حَيْثُ كَانَ الْإِيقَاعُ مِنْهُ، وَفِي هَذِهِ لَمْ يَرْضَ بِهَا إلَّا وَأَنْ يَكُونَ بِإِزَائِهَا أَلْفٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ الْإِيجَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ: قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَلْزَمُهَا الْأَلْفُ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ بِإِزَاءِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ. وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، وَلَوْ قَبِلَتْ الثَّلَاثَ بِالْأَلْفِ لَمْ يَقَعْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ قُبَيْلِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لِلُّزُومِ حَقِيقَةٍ وَاسْتُعِيرَ لِلشَّرْطِ) يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ كَلِمَةَ (عَلَى) لِلشَّرْطِ مُرَادُهُ مَجَازًا. وَفِي النِّهَايَةِ: لَا يَتِمُّ تَعْلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا عَلَى تَعْلِيلِ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ ادَّعَى أَنَّهَا لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُسْتَعَارَةً لِلشَّرْطِ، لَهُمَا أَنْ يَقُولَا لِمَ صَارَتْ تِلْكَ الِاسْتِعَارَةُ أَوْلَى مِنْ اسْتِعَارَتِهَا لِمَعْنَى الْبَاءِ، بَلْ اسْتِعَارَتُهَا لِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْلَى لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا الْإِلْزَامُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْإِلْصَاقِ وَاللُّزُومِ أَكْثَرُ مِنْهَا بَيْنَ الْإِلْزَامِ وَالشَّرْطِ. ثُمَّ نَقَلَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً وَهُوَ مُمْكِنٌ هُنَا إذْ الطَّلَاقُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا فِيهِ إذْ لَا يَعْدِلُ إلَى الْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِعْلَاءِ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْأَجْسَامِ الْمَحْسُوسَةِ كَقُمْتُ عَلَى السَّطْحِ وَالْعَتَبَةِ وَجَلَسْت عَلَى

بِخِلَافِ الْبَاءِ لِأَنَّهُ لِلْعِوَضِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَانَ مُبْتَدَأً فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ (وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الزَّوْجَ مَا رَضِيَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا لِتُسْلِمَ لَهُ الْأَلْفَ كُلَّهَا، بِخِلَافِ قَوْلِهَا طَلَّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَرْضَى (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ) وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْضِ وَالْبِسَاطِ وَمَسَحْت عَلَى رَأْسِي، وَهُوَ مَحْمَلُ إطْلَاقِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ كَوْنِهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ هِيَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى اللُّزُومِ الصَّادِقِ فِي ضِمْنِ مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّرْطُ الْمَحْضُ نَحْوَ قَوْلِهِ {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] أَيْ بِشَرْطِ ذَلِكَ، وَنَحْوَهُ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ، وَمَا يَجِبُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَبِعْنِي هَذَا عَلَى أَلْفٍ وَاحْمِلْهُ عَلَى دِرْهَمٍ، وَالْعُرْفِيَّةُ كَأَفْعَلُ كَذَا عَلَى أَنْ أَنْصُرَك أَوْ أُعْطِيَك أَوْ أَشْفَعَ لَك عِنْدَ فُلَانٍ، وَالْمَحَلُّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَحْضِ وَالِاعْتِيَاضِ بِهِ وَلَا مُرَجِّحَ، وَكَوْنُ مَدْخُولِهَا مَالًا لَا يُرَجِّحُ مَعْنَى الِاعْتِيَاضِ فَإِنَّ الْمَالَ يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا مَحْضًا حَتَّى لَا تَنْقَسِمُ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ مُقَابِلِهِ، كَمَا لَوْ قَالَتْ إنْ طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا فَلَكَ أَلْفٌ حَتَّى لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الطَّلْقَاتِ مُقَابَلًا بِشَيْءٍ بَلْ الْمَجْمُوعُ يَنْزِلُ عِنْدَ الْمَجْمُوعِ، كَمَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا مُنْقَسِمًا كَمَا فِي بِأَلْفٍ، فَعَلَى اعْتِبَارِ الْمُعَاوَضَةِ ثُلُثَ الْأَلْفِ بِالطَّلْقَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الشَّرْطِ لَا، إذْ الشَّرْطُ لَا تَتَوَزَّعُ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ، بَلْ مَجْمُوعُهُ مَجْعُولُ عَلَامَةٍ عَلَى نُزُولِ كُلِّهِ، فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ لُزُومِ ثُلُثِ الْأَلْفِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلَا يُحْتَاطُ فِي اللُّزُومِ إذْ الْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ اشْتِغَالُهَا، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُ لَفْظًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الِاسْتِعْلَاءِ وَاللُّزُومِ، وَكَوْنُهُ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ كَمَا فِي الْمُشْتَرَكَاتِ لَا يَنْفِيهِ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ لِلُزُومِ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِأَحَدِ الْمَفْهُومِينَ وَهُوَ خُصُوصُ الْمَادَّةِ أَعْنِي كَوْنَ مَدْخُولِهَا جِسْمًا مَحْسُوسًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَوْنُ الْمَجَازِ خَيْرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ هُوَ عِنْدَ التَّرَدُّدِ. أَمَّا عِنْدَ قِيَامِ دَلِيلِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ التَّبَادُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ وَاقِعٌ وَلَيْسَ إلَّا لِدَلِيلِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ دَعْوَى أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ هُوَ الِاسْتِعْلَاءُ وَالْمَجَازِيَّ اللُّزُومُ، لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ قَوْلَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَا يُرَجِّحُهُ لِأَنَّ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ هُمْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَأَحَدٌ مِنْ الْكُلِّ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْوَاضِعِ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ كَذَا، بَلْ لَيْسَ حُكْمُهُمْ بِهِ إلَّا بِنَاءً عَلَى مَا رَأَوْهُ مُتَبَادِرًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَهْلِ اللِّسَانِ، وَنَحْنُ أَوْجَدْنَاك تُبَادِرُ اللُّزُومَ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ كَمَا يَتَبَادَرُ الِاسْتِعْلَاءُ فِي الْآخَرِ. هَذَا وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى كَوْنِهِ فِي اللُّزُومِ مَجَازًا لَمْ يَضُرَّنَا فِي الْمَطْلُوبِ فَنَقُولُ: لَمَّا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ: أَعْنِي الِاسْتِعْلَاءَ كَانَ فِي الْمَجَازِيِّ: أَعْنِي اللُّزُومَ، وَهَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ مَعْنًى كُلِّيٌّ صَادِقٌ مَعَ مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّرْطِيَّةُ وَمَا يَجِبُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَاهُ بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ) تَقَدَّمَ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ ابْتِدَائِهَا وَابْتِدَائِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، إلَى قَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ) لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ

مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ بِعِوَضِ أَلْفٍ يَجِبُ لِي عَلَيْك، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى شَرْطِ أَلْفٍ يَكُونُ لِي عَلَيْك، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ بِدُونِ قَبُولِهِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَ وُجُودِهِ. وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ لِمَا قُلْنَا. (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ، وَقَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ خَلَعْتُك أَوْ بَارَأْتُك أَوْ طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ يَقَعُ عَلَى الْقَبُولِ فِي مَجْلِسِهَا وَهُوَ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَإِضَافَتُهُ، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِهَا الْمَالِ، وَهُوَ مِنْ جِهَتِهَا مُبَادَلَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَإِضَافَتُهَا، وَيَصِحُّ رُجُوعُهَا قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا. أَمَّا تَعْلِيقُهُ بِالْقَبُولِ فَلِأَنَّ الْبَاءَ لِلْمُعَاوَضَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْقَبُولِ، وَكَذَا عَلَى عِنْدَهُمَا فَلَا إشْكَالَ، وَعِنْدَهُ هِيَ لِلشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلِهِ فَهُوَ إمَّا الْقَبُولُ أَوْ الْأَدَاءُ، وَيَتَعَيَّنُ الْقَبُولُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ قَصْدُ الْمُعَاوَضَةِ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ لَمْ تُعْتَبَرْ جِهَةُ الْمُعَاوَضَةِ فِي قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ يَجِبُ ثُلُثُهَا. فَالْجَوَابُ: صَلَاحِيَّةُ هَذَا الْقَدْرِ لِكَوْنِهِ قَرِينَةً مُعَيَّنَةً لِلشَّرْطِ أَنَّهُ الْقَبُولُ أَوْ الْأَدَاءُ بَعْدَ لُزُومِ إرَادَةِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ جَعْلِهِ مُوجِبًا لِأَصْلِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لُزُومُهُ، بَلْ قَالُوا مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا تَعَلَّقَ بِالْقَبُولِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي جَوَابِ الرِّوَايَةِ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ إذَا أَعْطَيْتنِي أَوْ إذَا جِئْتنِي بِأَلْفٍ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُعْطِيَهُ لِلتَّصْرِيحِ بِجَعْلِ الْإِعْطَاءِ شَرْطًا بِخِلَافِهِ مَعَ عَلَى، حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ دَيْنٌ لَهَا وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ فِي مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ (عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي) دُونَ إنْ أَعْطَيْتنِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا بِأَلْفٍ لَهَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي مِنْك كَذَا، وَيُرَادُ قَبُولُهُ فِي الْعُرْفِ، قَالَ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] أَيْ حَتَّى يَقْبَلُوا، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ بِقَبُولِهَا يَنْتَهِي الْحَرْبُ مَعَهُمْ، هَذَا ثُمَّ فِي قَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي يَشْتَرِطُ الْإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَفِي قَوْلِهِ إذَا أَوْ مَتَى أَعْطَيْتنِي لَا حَاجَةَ إلَى الْإِعْطَاءِ فِي الْمَجْلِسِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مُلَاحَظٌ وَإِنْ ذُكِرَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، وَسَنَذْكُرُ نَحْوَهُ مِنْ مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَجْلِسِهَا فَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا حَتَّى صَحَّ رُجُوعُهَا إذَا ابْتَدَأَ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَلَا إضَافَتُهَا وَالْمُبَادَلَاتُ تَسْتَدْعِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا لَمْ تُجِبْ حَتَّى قَامَتْ لَمْ يُعْتَبَرْ قَبُولُهَا إذْ ذَاكَ وَفِي جَانِبِهِ هُوَ يَمِينٌ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. [فَرْعٌ] قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَقَبِلَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ إلَّا بَعْدَ التَّزَوُّجِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَغَيْرُهُ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَبِلَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ. وَالْحَقُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ خَلَعَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَيَشْتَرِطُ الْقَبُولَ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ) أَوْ قَالَتْ هِيَ أَوْ الْعَبْدُ طَلِّقْنِي أَوْ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفِي ابْتِدَائِهِ

وَكَذَا إذَا لَمْ يَقْبَلَا (وَقَالَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَلْفُ إذَا قَبِلَ) وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. لَهُمَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُعَاوَضَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ وَلَك دِرْهَمٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ بِدِرْهَمٍ. وَلَهُ أَنَّهُ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ فَلَا تَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ، إذْ الْأَصْلُ فِيهَا الِاسْتِقْلَالُ وَلَا دَلَالَةَ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِهِمَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ قَبِلَا أَوْ رَدَّا. وَفِي الثَّانِي يَقَعُ إذَا أَجَابَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَالَا: لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَقْبَلَا، فَإِذَا قَبِلَا وَقَعَ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ لَهُمَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقَعُ لِقَصْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُ لِلْخَيَّاطِ خِطْهُ وَلَك دِرْهَمٌ وَلِلْحَمَّالِ احْمِلْهُ وَلَك دِرْهَمٌ يُفِيدُهَا، وَيَلْزَمُ الْمُسَمَّى الْمَعْلُومُ بِإِرَادَةِ تَسَبُّبِ الْخِيَاطَةِ وَالْحَمْلِ لَكِنَّهُ تُرِكَ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِإِرَادَتِهِ. وَطَرِيقُهُ إفَادَةُ اللَّفْظِ لِذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ لِلْحَالِ، فَعِنْدَهُ الْحَاصِلُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ خِطْهُ فِي حَالِ وُجُوبِ الْأَلْفِ لِي عَلَيْك أَوْ لَك عَلَيَّ، وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْحَالُ إلَّا بِقَبُولِهِ، فَعِنْدَهُ يَثْبُتُ شَرْطُ الطَّلَاقِ إذْ الْأَحْوَالُ شُرُوطٌ فَيَقَعُ عَقِيبَهُ وَلَزِمَ الْمَالُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِالْمُعَاوَضَةِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ هَاهُنَا. قُلْنَا: الْخُلْعُ أَيْضًا مُعَاوَضَةٌ. وَلَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْك وَقَوْلَهُمَا وَلَك أَلْفٌ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ التَّامَّةِ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهَا فَلَا يَعْتَبِرُ فِيهَا مَا اُعْتُبِرَ فِيمَا قَبْلَهَا مِنْ الْقُيُودِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَضَرَّتُك طَالِقٌ تَطْلُقُ الضَّرَّةُ لِلْحَالِ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُفِيدُ مُشَارَكَتَهَا فِيهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِالدُّخُولِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَبْدِي حُرٌّ وَإِنْ كَانَ تَامًّا إلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ التَّعْلِيقِ قَاصِرٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الضَّرَّةِ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ وَضَرَّتَك إنْ كَانَ غَرَضُهُ التَّعْلِيقَ لِأَنَّ خَبَرَ الْأَوَّلِ يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ، وَلَا دَلَالَةَ هُنَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِمَا الْمَالُ، وَمَعَ عَدَمِ اللُّزُومِ فَالْكِرَامُ يَأْبُونَ قَبُولَ بَدَلِهِمَا أَشَدَّ الْإِبَاءِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا مُعَاوَضَةً فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ خِطْهُ مُقْتَصِرًا لَزِمَ إذَا خَاطَهُ أُجْرَةٌ الْمِثْلِ فَوَجَبَ بَقَاءُ الْوَاوِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْعَطْفُ فَيَكُونُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْإِيقَاعِ عَطَفَ أُخْرَى هِيَ دَعْوَى

وَالْإِجَارَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ دُونَهُ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ إذَا كَانَ لِلزَّوْجِ، وَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ رَدَّتْ الْخِيَارَ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ، وَإِنْ لَمْ تَرُدَّ طَلُقَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: الْخِيَارُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَعَلَيْهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ لَا لِلْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ، وَالتَّصَرُّفَانِ لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ فِي جَانِبِهِ يَمِينٌ وَمِنْ جَانِبِهَا شَرْطُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالٍ عَلَيْهِمَا ابْتِدَاءً. وَفِي قَوْلِهِمَا وَلَك أَلْفٌ إيجَابُ صِلَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَعْدًا مِنْهُمَا، وَالْمَوَاعِيدُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ فِيهِمَا بِلَا بَدَلٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ، لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ حُكْمًا مُعْتَبَرًا إلَّا بِآخِرِهِ، إذْ لَا مَعْنَى لِأَمْرِهِ بِأَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ، وَالْقَرِينَةُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لَا تَبْلُغُ هَذَا فَيَصِيرُ بِهِ تَعْلِيقًا لِلْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ فَيَتَوَقَّفُ الْوُقُوعُ عَلَيْهِ، أَمَّا هَذَا فَأَوَّلُ الْكَلَامِ مُفِيدٌ بِدُونِ آخِرِهِ مِنْهُ ظَاهِرًا، وَكَذَا مِنْهَا لِأَنَّهُ الْتِمَاسٌ صَحِيحٌ كَثِيرًا مَا يُفْرِدُ ذِكْرُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَضْمُونِ آخِرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَعْلَهُمْ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ يَسْتَلْزِمُ عَطْفَ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْأُصُولِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ، وَحِينَئِذٍ إنْ ادَّعَى أَنَّهَا حَقِيقَةً فِيهِ تَبَادَرَ إلَيْهِ الْمَنْعُ فَيَحْتَاجُ فِي تَرْجِيحِهِ عَلَى الْحَالِ إلَى دَلِيلٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ احْتِمَالَ الْوَاوِ لِلْحَالِ وَالِاسْتِئْنَافِ حَاصِلٌ، وَبِأَحَدِهِمَا يَلْزَمُ الْمَالُ وَبِالْآخَرِ لَا فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ جُمْلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَائِيَّةً، وَكَذَا أَنْتَ حُرٌّ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ، وَالطَّلَاقُ يَقَعُ عِنْدَهُ شَرْعًا بِالتَّطْلِيقِ الثَّابِتِ ضَرُورَةً فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَقَبِلَتْ) أَيْ الطَّلَاقَ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ الْتِزَامِ الْمَالِ وَالْخِيَارِ (فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ إذَا كَانَ لِلزَّوْجِ) فَبِمُجَرَّدِ قَبُولِهَا ذَلِكَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ (وَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ) فَلَا يَقَعُ بِقَبُولِهَا حَتَّى تَسْقُطَ الْخِيَارَ أَوْ تَمْضِيَ الْأَيَّامُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَقَعَ وَلَزِمَهَا الْمَالُ (فَإِنْ رَدَّتْ الْخِيَارَ فِي الْأَيَّامِ يَبْطُلُ) الطَّلَاقُ وَلُزُومُ الْمَالِ (وَهَذَا) التَّفْصِيلُ كُلُّهُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِبَارَةَ الْجَيِّدَةَ أَنْ يُقَالَ فَإِنْ رَدَّتْ اخْتِيَارَ الطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَتْ لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ، وَعِبَارَةُ قَاضِي خَانْ: فَإِنْ رَدَّتْ الطَّلَاقَ (وَقَالَا: الْخِيَارُ فِي الْوَجْهَيْنِ بَاطِلٌ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ بِمُجَرَّدِ قَبُولِهَا) وَعَلَيْهَا الْمَالُ (وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ إلَّا فِي عَقْدٍ لَازِمٍ كَالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ (لَا لِلْمَنْعِ مِنْ الِانْعِقَادِ وَالتَّصَرُّفَانِ) : أَعْنِي إيجَابَهُ وَقَبُولَهَا (لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ لَا مِنْهُ وَلَا مِنْهَا (لِأَنَّهُ فِي جَانِبِهِ يَمِينٌ) إذْ حَاصِلُهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِهَا الْمَالِ (وَفِي جَانِبِهَا شَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ هَذِهِ الْيَمِينِ بِتَأْوِيلِ الْحَلِفِ، فَإِذَا قَبِلَتْ كَانَ ذَلِكَ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ فِي جَانِبِهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ حَتَّى يَصِحَّ رُجُوعُهَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ، أَمَّا فِي جَانِبِهِ يَمِينٌ حَتَّى لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ، وَلَا خِيَارَ فِي الْأَيْمَانِ، وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ مِثْلُ جَانِبِهَا فِي الطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُودُ الشَّرْطِ، وَشَرْطُ الْيَمِينِ إذَا وُجِدَتْ لَا يَتَصَوَّرُ فَسْخُهَا فَتَعَذَّرَ فَسْخُهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلَ الْخِيَارِ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ لِمَا مَرَّ فَيَبْطُلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا بَطَلَ انْبَرَمَ مَا شُرِطَ فِيهِ (وَلَهُ أَنَّ الْخُلْعَ فِي جَانِبِهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) يَعْنِي مُعَاوَضَةً (وَلِذَا صَحَّ رُجُوعُهَا) عَنْهُ إذَا ابْتَدَأَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ هُوَ (وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ) بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَنَا، حَتَّى لَوْ قَامَتْ فَقَبِلَ هُوَ أَوْ قَامَتْ ثُمَّ قَبِلَتْ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِي لَا يَصِحُّ، وَلَوْ ذَكَرْته بِصَرِيحِ الشَّرْطِ. فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ إذَا قَالَتْ إنْ طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، فَإِنْ فَعَلَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ (وَفِي جَانِبِهِ يَمِينٌ) كَمَا قَالَا (حَتَّى لَا يَصِحَّ رُجُوعُهُ) بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ أَوْ هِيَ طَالِقٌ عَلَى كَذَا أَوْ بِكَذَا (وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ) فَلَا يَبْطُلُ إلَّا أَنْ يَنْقَضِيَ مَجْلِسُ خِطَابِهَا أَوْ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا الْخَبَرُ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَإِضَافَتُهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفٍ أَوْ فَقَدْ طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَتْ فِي الْغَدِ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا وَقَعَ وَلَزِمَهَا الْمَالُ، وَلَا يَصِحُّ قَبُولُهَا قَبْلَ الْغَدِ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِيجَابِ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ قَبْلِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ قَبْلَ الْإِيجَابِ (وَلَا خِيَارَ فِي الْأَيْمَانِ) فَبَطَلَ خِيَارُهُ، وَيَصِحُّ فِي الْبَيْعِ فَيَصِحُّ خِيَارُهَا، وَكَوْنُهُ شَرْطُ يَمِينِهِ لَا يَبْطُلُ حَقِيقَتَهُ فِي نَفْسِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ بِعْتُك هَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ يَكُونُ نَفْسُ الْبَيْعِ شَرْطَ يَمِينِهِ حَتَّى يَعْتِقَ بِوُجُودِهِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ كَوْنُهُ مُعَاوَضَةً مُسْتَلْزِمَةً لِحُكْمِهَا مِنْ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَبِالْخِيَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ خِيَارٌ فِي الطَّلَاقِ لَا مُعَاوَضَةٌ. فَإِنَّ قِيلَ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّا أَثْبَتْنَاهُ هُنَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ، فَإِنَّ ثُبُوتَهُ فِي الْبَيْعِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْغَبْنُ فِي النُّفُوسِ أَضَرُّ، وَالْحَاجَةُ إلَى التَّرَوِّي فِيهِ أَكْثَرُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَفُوتُهَا هَذَا الِازْدِوَاجُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ مِثْلُهُ لَهَا أَبَدًا، وَهَذَا الْمَعْنَى يَقِفُ عَلَيْهِ كُلُّ لُغَوِيٍّ بَعْدَ عِلْمِهِ بِشَرْعِيَّتِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ (قَوْلُهُ وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ) أَيْ عَلَى مَالٍ (كَجَانِبِهَا فِي الطَّلَاقِ) فَيَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ: قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ بِالْمَالِ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ فَالْإِقْرَارُ بِهِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّرْطِ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارٌ بِمَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَإِنْكَارُهُ الْقَبُولَ رُجُوعٌ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ] مِنْ صُوَرِ تَعْلِيقِ الْخُلْعِ أَنْ يَقُولَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ فَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ فَفَعَلَتْ صَحَّ الْخُلْعُ، ذَكَرَهُ فِي عَلَامَةِ السِّينِ مِنْ التَّجْنِيسِ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مِنْ الزَّوْجِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَبُولَهَا قَبْلَ الشَّرْطِ. وَفِي الْوَجِيزِ: إذَا قَالَ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدْ خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفٍ وَإِذَا جَاءَ غَدٌ إلَخْ كَانَ الْقَبُولُ إلَيْهَا بَعْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ وَقُدُومِ فُلَانٍ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ. وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ إقْرَارٌ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ لَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إذْ هُوَ لَازِمُ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا لَازِمُهُ، وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ هَذَا مِنْهُ وَمِنْهَا اخْتِلَافٌ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ وَهِيَ تَدَّعِيهِ لَتُثْبِتَ الطَّلَاقَ وَهُوَ مُنْكِرٌ غَيْرُ مُنَاقِضٍ إذْ لَمْ يَقْتَضِ إنْكَارُهُ الْقَبُولَ رُجُوعَهُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِعْتُك فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي إذْ الْبَيْعُ لَا يَقُومُ إلَّا بِهِ، فَإِنْكَارُهُ قَبُولَهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ، حَتَّى لَوْ كَانَ قَالَ لَهَا بِعْتُك طَلَاقَك أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ بَلْ قَبِلْت كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ وَبِعْتُك أَمْسِ نَفْسَك بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الزَّوْجِ لَهَا. وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخَوَاتٌ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ: قَالَ لَهَا قَدْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ فَقَالَتْ إنَّمَا سَأَلْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقْتَنِي وَاحِدَةً فَلَكَ ثُلُثُهَا الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْجُعَلِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْخُلْعِ، أَوْ قَالَتْ اُخْتُلِعَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ، أَمَّا إذَا اتَّفَقَا أَنَّهَا سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَقَالَتْ طَلَّقْتنِي وَاحِدَةً وَقَالَ هُوَ ثَلَاثًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ كَانَا فِي الْمَجْلِسِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجْلِسِ سُؤَالِهَا الثَّلَاثِ بِأَلْفٍ كَانَ لَهُ الْأَلْفُ، فَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُوقِعًا الْبَاقِيَ فِي الْمَجْلِسِ فَيَكُونُ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَزِمَهَا الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ إلَّا ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَإِنْ قَالَتْ سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقْتنِي وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ لَك: يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ هُوَ بَلْ سَأَلْتِنِي وَاحِدَةً عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقْتُكِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَإِنْ قَالَتْ سَأَلْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقْتنِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَاحِدَةً وَالْبَاقِيَ فِي غَيْرِهِ

قَالَ (وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ كِلَاهُمَا يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا إلَّا مَا سَمَّيَاهُ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ بَلْ الثَّلَاثُ فِيهِ فَالْقَوْلُ لَهَا. وَإِنْ قَالَتْ سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي أَنَا وَضَرَّتِي عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقْتنِي وَحْدِي وَقَالَ طَلَّقْتهَا مَعَك وَقَدْ افْتَرَقَا عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَالْقَوْلُ لَهَا وَعَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ وَالْأُخْرَى طَالِقٌ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا إنْ قَالَتْ فَلَمْ تُطَلِّقْنِي وَلَا هِيَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. وَمَسْأَلَةُ خُلْعِ الثِّنْتَيْنِ بِسُؤَالٍ وَاحِدٍ تَنْبِيهٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَلَعَ امْرَأَتَيْهِ عَلَى أَلْفٍ كَانَتْ مُنْقَسِمَةً عَلَى قَدْرِ مَا تَزَوَّجَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ سَأَلَتَاهُ طَلَاقَهُمَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَزِمَ الْمُطَلَّقَةَ حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ عَلَى قَدْرِ مَا تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَّقَ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَيْضًا لَزِمَهَا حِصَّتُهَا لَا أَنَّ الْأَلْفَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ. وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا افْتَرَقُوا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْخُلْعَ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَلْفِ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْجُعْلِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي لِلْخُلْعِ وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ فَشَهِدَ أَحَدُ شَاهِدِيهِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ جَازَ شَهَادَتُهُمَا عَلَى أَلْفٍ، وَإِنْ ادَّعَى أَلْفًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْجُعْلِ أَيْضًا، الْكُلُّ مِنْ مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ لِكَلَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ فَالْقَوْلُ لَهَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَحَالَفَانِ (قَوْلُهُ وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَتَرْكُ الْهَمْزَةِ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَارَأْتُك عَلَى أَلْفٍ وَتَقْبَلَ، وَقَوْلُهُ (يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ إلَى آخِرِهِ) مُقَيَّدٌ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ إذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ لَا تَقَعُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ، بَلْ لِلْمُخْتَلِعَةِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى إلَّا إنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ فَتَسْقُطُ دُونَ السُّكْنَى لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ، وَإِطْلَاقُ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْمَهْرِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ سَوَاءٌ سَمَّيَا شَيْئًا فِي الْخُلْعِ أَوْ لَا

لِمُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ يُعْتَبَرُ الْمَشْرُوطُ لَا غَيْرُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُمَا إمَّا أَنْ لَا يُسَمِّيَا شَيْئًا بِأَنْ يَقُولَ خَالَعْتكِ فَقَبِلْت وَلَمْ يَذْكُرَا شَيْئًا أَوْ سَمَّيَا الْمَهْرَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ مَالًا آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا لَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ حَتَّى تَأْخُذَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا. وَالثَّانِيَةُ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْهُ وَعَنْ دَيْنٍ آخَرَ سِوَاهُ. وَالثَّالِثَةُ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ لَا غَيْرُ. فَلَا يُطَالَبُ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ مَقْبُوضًا كَانَ أَوْ لَا حَتَّى لَا تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِهِ إنْ كَانَ مَقْبُوضًا كُلَّهُ، وَالْخُلْعُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا بِالْخُلْعِ فَحَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لَزِمَ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْمُرَادَ الِانْخِلَاعُ مِنْهُ. وَإِنْ سَمَّيَا الْمَهْرَ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَيْسَ مَقْبُوضًا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَجَعَ عَلَيْهَا بِجَمِيعِهِ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا فَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِهِ وَبِقَدْرِ نِصْفِهِ كُلِّهِ بِالشَّرْطِ وَنِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَلْفًا رَجَعَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ بِالْمَقْبُوضِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ نِصْفُ الْمُسَمَّى قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّهُ بِالشَّرْطِ وَرَدُّ النِّصْفِ الْآخَرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهَا قَبَضَتْ مَالًا تَسْتَحِقُّهُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّهُ، كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ. قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ إلَّا النِّصْفُ بِالشَّرْطِ وَيَسْقُطَ الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ، كَمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ كُلَّ الْمَهْرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ وَسَيَأْتِي، وَكَمَا إذَا سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ كُلُّ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا صَحَّتْ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ غَيْرُ أَنَّهُ سَقَطَ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَاشْتِرَاطُ الْمَهْرِ لَهُ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَيَنْصَرِفُ إلَى تَمَامِهِ، فَإِذَا كَانَتْ قَبَضَتْهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِكُلِّهِ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَفِي الْقِيَاسِ يَسْقُطُ عَنْهُ كُلُّهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَدْرَهُ بِالشَّرْطِ وَهِيَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالزَّائِدِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِمَا أَنَّ الْمَهْرَ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَيَجِبُ لَهَا ذَلِكَ. وَيَجِبُ لَهُ مِثْلُهُ عَلَيْهَا بِالشَّرْطِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا، وَإِنْ سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ بِأَنْ خَالَعَهَا عَلَى عُشْرِهِ مَثَلًا وَالْمَهْرُ أَلْفٌ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَكُلُّهُ مَقْبُوضٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَةٍ بِالشَّرْطِ وَسَلَّمَ الْبَاقِيَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ مِائَةٌ بِالشَّرْطِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكُلُّهُ مَقْبُوضٌ فَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِسِتِّمِائَةٍ بِالشَّرْطِ وَخَمْسِمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِينَ لِأَنَّهُ عُشْرُ مَهْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَرِئَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ لَفْظِ الْخُلْعِ، وَعَلَى مَا بَحَثْنَاهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِمِائَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ كُلُّهُ اسْتِحْسَانًا عُشْرُهُ بَدَلُ الْخُلْعِ وَالنِّصْفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ. وَإِنْ سَمَّيَا مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْمَهْرِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمَهْرُ مَقْبُوضٌ فَلَهُ الْمُسَمَّى لَيْسَ غَيْرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَهْرُ مَقْبُوضٌ فَلَهُ الْمُسَمَّى وَسَلَّمَ لَهَا مَا قَبَضَتْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَهُ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِحُكْمِ الْخُلْعِ. إذَا عَرَفْت هَذَا جِئْنَا إلَى الْخِلَافِيَّةِ (وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ) وَأَثَرُ

وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَتَقْتَضِيهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ قَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْغَرَضِ أَمَّا الْخُلْعُ فَمُقْتَضَاهُ الِانْخِلَاعُ وَقَدْ حَصَلَ فِي نَقْضِ النِّكَاحِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى انْقِطَاعِ الْأَحْكَامِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ يُنَبِّئُ عَنْ الْفَصْلِ وَمِنْهُ خَلَعَ النَّعْلَ وَخَلَعَ الْعَمَلَ وَهُوَ مُطْلَقٌ كَالْمُبَارَأَةِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِمَا فِي النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ وَحُقُوقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَاوَضَةِ لَيْسَ إلَّا فِي وُجُوبِ الْمُسَمَّى لَا فِي إسْقَاطِ غَيْرِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَلِذَا لَا يَسْقُطُ دَيْنٌ آخَرُ وَلَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ مَعَ أَنَّ النَّفَقَةَ أَضْعَفُ مِنْ الْمَهْرِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَتَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ) فِي كُلِّ دَيْنٍ إلَّا أَنَّا (قَيَّدْنَاهُ بِالْوَاجِبِ بِالنِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْغَرَضِ) فَإِنَّ الْغَرَضَ الْمُبَارَأَةُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ، أَمَّا الْخُلْعُ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي فَصْلًا وَانْخِلَاعًا، وَحَقِيقَتُهُ تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ غَيْرُ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَى سُقُوطِ الْمَهْرِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْخُلْعَ صَلَّحَ وَضْعًا شَرْعًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ الْكَائِنَةِ بِسَبَبِ النُّشُوزِ الْكَائِنِ بِسَبَبِ الْوَصْلَةِ الْقَائِمَةِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ، فَتَمَامُ تَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ بِجَعْلِهِ مُسْقِطًا لِمَا وَجَبَ بِسَبَبِ تِلْكَ الْوَصْلَةِ فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ وَإِلَّا عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ لِأَنَّ لَفْظَهُ وَلَفْظَ الْمُبَارَأَةِ يُفِيدُ إطْلَاقَهُمَا ذَلِكَ فِي الْمُبَارَأَةِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَلَفْظُ الْخُلْعِ يُفِيدُ انْخِلَاعَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ دُونَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ إذَا انْخَلَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ بِأَنْ يَنْخَلِعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْخَلَعَ الْآخَرُ كَذَلِكَ، وَثُبُوتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِسُقُوطِ مُطَالَبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِمُوَاجِبِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ بِالنِّكَاحِ. عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ كَالْخُلْعِ يَسْقُطُ بِهِ مَا يَسْقُطُ بِالْخُلْعِ، وَبِخِلَافِ دَيْنٍ آخَرَ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْخُلْعِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ وَصِلَةِ النِّكَاحِ لَا مُطْلَقًا، وَبِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَوَاجِبِ النِّكَاحِ، بَلْ يَحْدُثُ وُجُوبُ تَعَلُّقِهَا بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ شَرَطَا سُقُوطَهَا فِي الْخُلْعِ سَقَطَتْ بِاعْتِبَارِ مَا تَسْتَحِقُّهُ وَقْتَ الْخُلْعِ، وَالْبَاقِي سَقَطَ تَبَعًا فِي ضِمْنِ الْخُلْعِ، أَمَّا لَوْ لَمْ تَسْقُطْهَا حَتَّى انْخَلَعَتْ ثُمَّ أَسْقَطَتْ لَا تَسْقُطُ لِإِسْقَاطِهَا حِينَئِذٍ قَصْدًا لِمَا لَمْ يَجِبْ، فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِخِلَافِ ذَلِكَ الْإِسْقَاطِ الضِّمْنِيِّ، وَأَمَّا السُّكْنَى فَلَمَّا كَانَتْ فِي غَيْرِ بَيْتِ الطَّلَاقِ مَعْصِيَةٌ لَا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا بِحَالٍ إلَّا إنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مَئُونَةِ السُّكْنَى بِأَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، أَوْ أَنَّهَا تُعْطَى الْأُجْرَة مِنْ مَالِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ حِينَئِذٍ الْتِزَامُهَا ذَلِكَ. وَفِي الْقُنْيَةِ: الْإِبْرَاءُ وُجِدَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ النَّفَقَةِ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عِنْدَهُ. قِيلَ مَا سَبَقَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ يَبْطُلُ بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، لَكِنْ فِي الْيَنَابِيعِ: لَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبْرَأَتْهُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ صَحَّ، قَالَ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ انْتَهَى. بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ النَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا يَصِحُّ. هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَالثَّانِي يُوجِبُ كَوْنَ لَفْظِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا مُسْقِطًا لَهُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ انْطِلَاقَهَا: أَيْ الْمَرْأَةِ، وَانْطِلَاقُهَا عَنْ الزَّوْجِ يُوجِبُ مِثْلَهُ فِي حَقِّهِ، وَتَحَقُّقُ حَقِيقَةِ انْطِلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى الْكَمَالِ يَقْطَعُ مُطَالَبَةَ كُلٍّ الْآخَرَ بِمُوَاجِبِ النِّكَاحِ كَمَا قُلْنَا فِي الْخُلْعِ بِعَيْنِهِ. فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ تَرْجِيحُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَالْتِزَامُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ أَيْضًا يَسْقُطُ الْمَهْرُ كَالْخُلْعِ وَإِلَّا فَالْحَالُ مَا عَلِمَتْ. وَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: أَيْ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك نَفْسَك بِأَلْفٍ فَقَالَتْ اشْتَرَيْت اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَالْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةُ أَوَّلًا؟ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّهُ كَالْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ، وَتَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَزْدَادُ عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ يُنَبِّئُ عَنْ الْفَصْلِ فَالْفَصْلُ وُجِدَ عَلَى مِقْدَارٍ رَضِيَا بِهِ فَكَيْفَ يَسْقُطُ غَيْرُهُ ذُهُولٌ عَنْ التَّحْقِيقِ، فَإِنَّهُ إذَا أَنْبَأَ عَنْ الِانْفِصَالِ فِي مُتَعَلِّقَاتِ النِّكَاحِ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَسْقُطَ مُطَالَبَةُ كُلٍّ الْآخَرَ بِالْمَهْرِ ثُمَّ وَقَعَ التَّرَاضِي عَلَى إثْبَاتِهِ بِمَالٍ فَقَدْ وَقَعَ التَّرَاضِي عَلَى إثْبَاتِ سُقُوطِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ بِذَلِكَ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِمُقْتَضَاهُ مَعَ ذَلِكَ الْمَالِ بِالضَّرُورَةِ. [تَنْبِيهٌ] لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ بِخُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَالٍ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا، ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَكَذَا الْأَمَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ فَيَسْقُطُ وَتُبَاعُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا تُطَالَبُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ فِي الْإِذْنِ يُؤَدِّيَانِ مِنْ كَسْبِهِمَا. [فُرُوعٌ] إذَا شَرَطَا بَدَلًا لِلْخُلْعِ الْبَرَاءَةَ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهِيَ مَئُونَةُ الرَّضَاعِ إنْ وَقَّتَا لِذَلِكَ وَقْتًا كَسَنَةٍ مَثَلًا صَحَّ وَلَزِمَ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ. وَفِي الْمُنْتَقَى: إنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ وَتُرْضِعُ حَوْلَيْنِ اهـ. بِخِلَافِ الْفَطِيمِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: امْرَأَةٌ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى مَهْرِهَا وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا وَعَلَى أَنْ تُمْسِكَ وَلَدَهَا مِنْهُ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا بِنَفَقَتِهِ صَحَّ الْخُلْعُ وَيَجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا: يَعْنِي قَدْرَ النَّفَقَةِ، وَهَذَا لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْجَهَالَةَ غَيْرَ الْمُتَفَاحِشَةِ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْخُلْعِ، فَإِنْ تَرَكْته عَلَى زَوْجِهَا وَهَرَبَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ النَّفَقَةِ مِنْهَا، وَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِكِسْوَةِ الصَّبِيِّ إلَّا إنْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ فَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ مَجْهُولَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا أَوْ فَطِيمًا، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى دَرَاهِمَ ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا بِبَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى إرْضَاعِ الرَّضِيعِ جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِهِ عَلَى إمْسَاكِ الْفَطِيمِ بِنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْمُحِيطِ: ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ وَبِرَضَاعِ وَلَدِهِ الَّذِي هِيَ حَامِلٌ بِهِ إذَا وَلَدَتْهُ إلَى سَنَتَيْنِ جَازَ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ تَرُدُّ قِيمَةَ الرَّضَاعِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ تَرُدُّ قِيمَةَ رَضَاعِ سَنَةٍ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ عَلَيْهَا قِيمَتُهُ انْتَهَى. وَلَوْ كَانَتْ قَالَتْ عَشْرَ سِنِينَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِأُجْرَةِ رَضَاعِ سَنَتَيْنِ وَنَفَقَةُ بَاقِي السِّنِينَ إلَّا أَنْ قَالَتْ عِنْدَ الْخُلْعِ إنْ مَاتَ أَوْ مِتَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَتْ قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ. وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَهُ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ صَحَّ فِي الْأُنْثَى

قَالَ (وَمَنْ خَلَعَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِمَالِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهَا فِيهِ إذْ الْبُضْعُ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَالْبَدَلُ مُتَقَوِّمٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ الدُّخُولِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خَلْعُ الْمَرِيضَةِ مِنْ الثُّلُثِ وَنِكَاحُ الْمَرِيضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَالَهَا، ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقَعُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ قَبُولِهِ فَيَعْتَبِرُ بِالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا الْغُلَامِ، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ وَلَا يَتْرُكُهُ عِنْدَهَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ الْوَلَدِ، وَيَنْظُرُ إلَى مِثْلِ إمْسَاكِ الْوَلَدِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا. وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ ثُمَّ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى شَيْءٍ يَصِحُّ، وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ عَشْرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَطَالَبَتْهُ بِنَفَقَتِهِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَمَا شُرِطَ حَقٌّ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لَا عَلَى مَا أَفْتَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَالِهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَقَعَ وَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَهْرِ، وَمِثْلُهُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِهَا الَّذِي لَهَا عِنْدَهُ أَوْ مَتَاعِهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَقَعَ عَلَى مَهْرِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ سَقَطَ. وَإِنْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَهْرِهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ وَقَعَ بَائِنًا مَجَّانًا، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا بِمَهْرِهَا فَقَبِلَتْ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا وَقَعَ رَجْعِيًّا مَجَّانًا. (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا) يَحْتَمِلُ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِسُؤَالِ الْأَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ بَدَلَ الْخُلْعِ فَصَارَ كَأَنَّ الزَّوْجَ خَاطِبُ الْبِنْتِ بِالْخُلْعِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ لُزُومِ الْمَالِ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَلَمَّا صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَصَحَّ وُقُوعُهُ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهَا فِيهِ، إذْ الْبُضْعُ حَالَةَ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَالْبَدَلُ مُتَقَوِّمٌ، فَإِعْطَاءُ الْمُتَقَوِّمِ مِنْ مَالِهَا بَعُوضٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ بِمَالِهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ الدُّخُولِ) فَلَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ عَلَيْهِ وَلَزِمَ الْمَهْرُ فِي مَالِ الِابْنِ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْمُتَقَوِّمَ مِنْ مَالِهِ بِمُتَقَوِّمٍ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَعْتَبِرُ خَلْعُ الْمَرِيضَةِ) مُتَّصِلٌ بِكَوْنِ الْبِضْعِ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ، وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الْوَاجِبَ لِلزَّوْجِ إنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالثُّلُثِ إذَا مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَهُ بَدَلُ الْخُلْعِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ وَنِكَاحُ الْمَرِيضِ إلَخْ) مُتَّصِلٌ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى

(وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَالْأَلْفُ عَلَى الْأَبِ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِقَبُولِ الْأَبِ وَقَدْ وَجَدَ الشَّرْطَ وَمَا ذَكَرَ فِي وَجْهِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ أَنَّ الْأَبَ لَمَّا لَمْ يَضْمَنْ الْمَالَ صَارَ كَأَنَّهُ خَاطِبُ الصَّغِيرَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ وَالْأَيْمَانُ لَا تُجْرَى فِيهَا النِّيَابَةُ فَالْمُلَازَمَةُ الْأُولَى مَمْنُوعَةٌ، وَكَوْنُ الْمَوْجُودِ مِنْ الْأَبِ يَمِينًا غَيْرَ صَحِيحٍ، بَلْ مُجَرَّدُ الشَّرْطِ وَشَرْطُ الْيَمِينِ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، هَذَا إذَا قَبِلَ الْأَبُ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَهِيَ عَاقِلَةٌ تَعْقِلُ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ وَالْخُلْعَ سَالِبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: طَلَّقَهَا بِمَهْرِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَاقِلَةٌ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَلَا يَبْرَأُ. وَإِنْ قَبِلَ أَبُوهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ. رَوَى هِشَامُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقَعُ، وَرَوَى الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَلَوْ بَلَغَتْ فَأَجَازَتْ جَازَ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْأَبَ ضَامِنٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ الضَّمَانِ هُنَا الْتِزَامُ الْمَالِ لَا الْكَفَالَةِ عَنْ الصَّغِيرَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهَا (فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ) سَوَاءٌ خَلَعَهَا الْأَبُ عَلَى مَهْرِهَا وَضَمِنَهُ أَوْ أَلَفَّ مَثَلًا (فَيَجِبُ الْأَلْفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ) وَأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِالْإِقْرَاضِ وَالْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِبْضَاعِ (أَوْلَى) بِخِلَافِ بَدَلِ الْعِتْقِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ

وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ (وَإِنْ شَرَطَ الْأَلْفَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَا يَجِبُ الْمَالُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَامَةِ فَإِنْ قَبِلَهُ الْأَبُ عَنْهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (وَكَذَا إنْ خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا وَلَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ الْمَهْرَ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ قَبِلَتْ طَلُقَتْ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ) وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عَنْهَا فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا وَهُوَ إثْبَاتُ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ الْقُوَّةُ عَنْ ذَلِكَ الْإِسْقَاطِ، بِخِلَافِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ فِي الْخُلْعِ لَا يَحْصُلُ عَنْهُ لِلْمَرْأَةِ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا قَبْلَ فَصَارَ الْأَجْنَبِيُّ وَالْأَبُ مِثْلَهَا فِي أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا شَيْءٌ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ حَصَلَ مَا ذَكَرْنَا لَهُ، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْمُعَوَّضُ فَصَارَ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَالْخُلْعَ لَا يُفْسِدُ بِهَا (وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي وِلَايَةِ الْأَبِ) فَإِذَا بَلَغَتْ تَأْخُذُ نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكُلُّهُ إنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْ الزَّوْجِ وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْأَبِ الضَّامِنِ أَوْ تَرْجِعُ هِيَ عَلَى الْأَبِ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا أَخَذَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ كُلِّهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفَهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ الضَّامِنِ قِيمَتَهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ) أَيْ لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ الْأَلْفَ عَلَيْهَا (تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ) بِأَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً وَهِيَ أَهْلِيَّةُ الْمَرْأَةِ لِقَبُولِ بَدَلِ الْخُلْعِ إنْ شَرَطَ بِأَنْ تَعْرِفَ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ وَالْخُلْعَ سَالِبٌ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُوبِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَبُولُهَا، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَامَةِ إذْ الْبَيْنُونَةُ بِالْخُلْعِ تَعْتَمِدُ الْقَبُولَ دُونَ لُزُومَ الْمَالِ؛ أَلَا يَرَى إلَى بَيْنُونَتِهَا بِدُونِهِ فِيمَا إذَا سَمَّتْ خَمْرًا وَنَحْوَهُ، وَإِنْ قَبِلَهُ الْأَبُ بِدُونِهِ عَنْهَا فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ إذْ تَتَخَلَّصُ فِي عُهْدَتِهِ بِلَا مَالٍ وَلِذَا صَحَّ مِنْهَا فَصَارَ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَفِي أُخْرَى لَا يَصِحُّ لِأَنَّ قَبُولَهَا شَرْطُ الْيَمِينِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ خَالَعَهَا) أَيْ خَالَعَ الصَّغِيرَةَ الزَّوْجُ عَلَى مَهْرِهَا وَلَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ عَلَى مَا قُلْنَا آنِفًا فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ، وَإِنْ قَبِلَهُ الْأَبُ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ، فَإِنْ ضَمِنَهُ صَحَّ وَوَقَعَ

(وَإِنْ ضَمِنَ الْأَبُ الْمَهْرَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ طَلُقَتْ) لِوُجُودِ قَبُولِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَيَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ الصَّغِيرَةَ الْعَاقِلَةَ إذَا قَبِلَتْ الْخُلْعَ مِنْ زَوْجِهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ. هَذَا، ثُمَّ قِيلَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى مَالٍ مِثْلِ مَهْرِهَا، أَمَّا عَلَى مَهْرِهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ مِلْكِهَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ، وَلَا يَعْتَبِرُ ضَمَانُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَهْرِهَا كَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ آخَرَ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهُ لَا عَيْنَهُ وَضَمَانُ الْأَبِ إيَّاهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا وَالْخُلْعُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَزِمَ خَمْسُمِائَةٍ، وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى مَهْرِهَا وَهُوَ أَلْفٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ فِي الْقِيَاسِ يَجِبُ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَهِيَ وَجَبَ لَهَا خَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِقَدْرِهِ فَبَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ لَهُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُرَادُ بِهِ عُرْفًا مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ وَبَعْدَ قَبْضِهِ يَجِبُ لَهُ خَمْسُمِائَةٍ بِالشَّرْطِ وَتَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ، وَهَذَا عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَقْسَامَ كُلَّهَا. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ: إذَا خَلَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا وَهُوَ أَلْفٌ لَا كَمَا قَالَ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُهَا أَلْفٌ فَإِنَّهُ إذَا خَالَعَهَا كَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ آخَرَ غَيْرِ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّهُ مِثْلُ الْمَهْرِ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ، وَالْحُكْمُ فِيهِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ الْمُسَمَّى لَهُ سُقُوطُ الْمَهْرِ عَنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا، وَسَلَامَتُهُ لَهَا إنْ كَانَ مَقْبُوضًا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّقْسِيمِ، وَإِذْ قَدْ وَقَعَ الْكَلَامُ فِي خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نُبْذَةٍ مِنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا خَاطَبَ الزَّوْجَ فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ يُفِيدُ ضَمَانَهُ لَهُ أَوْ مِلْكَهُ إيَّاهُ أَوْ يُرْسِلُهُ أَوْ يُضِيفُهُ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَذَلِكَ بِأَنْ قَالَ اخْلَعْهَا عَلَى عَبْدِي هَذَا أَوْ أَلْفِيِّ هَذِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ فَفَعَلَ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَالْمُسَمَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ لَزِمَ قِيمَتُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لَا مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَا إلَى قَبُولِهِ، بَلْ يَكْفِي الْأَمْرُ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْخُلْعِ كَمَا فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اخْتَلَعْتِ نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ فَعَلْت قِيلَ لَا يَصِحُّ بِلَا قَبُولِ الزَّوْجِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ دُونَ السَّوْمِ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَسْمِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ لِعَبْدٍ أَوْ حُرٍّ فَإِنَّهُ إذَا خَلَعَهَا مِنْ الزَّوْجِ

وَأَصْلُهُ فِي الْكَبِيرَةِ إذَا اخْتَلَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُهَا أَلْفٌ فَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى عَبْدِهِ فَاسْتَحَقَّ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَلْ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْأَمَةِ حَتَّى تُبَاعَ فِيهِ لِظُهُورِ الدَّيْنِ فِي حَقِّ السَّيِّدِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَبُولَ الْخُلْعِ هُنَا وُجِدَ مِنْهَا حُكْمًا بِسَبَبِ وِلَايَةِ السَّيِّدِ عَلَيْهَا فَكَانَ قَبُولُهُ كَقَبُولِهَا فَكَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ الْتَزَمَ خُصُوصَ الْأَوَّلِ، فَإِذَا فَاتَ عَادَ إلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي حَقِّ السَّيِّدِ فَتُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهَا. وَإِذَا بِيعَتْ إنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ بُدِئَ بِهِ لِأَنَّ دَيْنَ الْخُلْعِ أَضْعَفُ، أَمَّا لَوْ خَلَعَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا وَهِيَ تَحْتَ عَبْدٍ صَحَّ، فَلَوْ ضَمِنَ الْمَوْلَى الدَّرَكَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَالْمُطَالَبَةُ عَلَى الْمَوْلَى لِالْتِزَامِهِ دُونَهَا لَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَا بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْبَدَلِ لَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمْ يُضِفْ إلَى أَحَدٍ، فَإِنْ قَبِلَتْ لَزِمَهَا تَسْلِيمُهُ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ عَجَزَتْ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ اُعْتُبِرَ قَبُولُ فُلَانٍ لِأَنَّ الْبَدَلَ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِرَبِّ الْعَبْدِ خَلَعْت امْرَأَتِي عَلَى عَبْدِك لِأَنَّ الْعَبْدَ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَالَ لَهَا خَالَعْتكِ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ أَوْ قَالَتْ هِيَ اخْلَعْنِي عَلَى دَارِ فُلَانٍ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا لِأَنَّ الْخَطَّابَ جَرَى مَعَهَا فَكَانَتْ هِيَ الدَّاخِلَةُ فِي الْعَقْدِ. وَلَوْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ فُلَانًا ضَامِنٌ فَأَجَابَ فَالْخُلْعُ مَعَهَا لِأَنَّهَا الْعَاقِدَةُ وَتَوَقَّفَ ضَمَانُ فُلَانٍ عَلَى قَبُولِهِ. وَلَوْ وَكَّلَتْ مَنْ يَخْلَعُهَا بِأَلْفٍ فَفَعَلَ فَالْمَالُ عَلَيْهَا دُونَ الْوَكِيلِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْخُلْعِ تَرْجِعُ إلَى مَنْ عُقِدَ لَهُ لَا إلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ ضَمِنَهُ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ، وَإِنْ أَدَّى يَرْجِعُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْخُلْعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَفَائِدَةُ أَمْرِهَا بِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ فَأَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا إذَا ضَمِنَ بِأَمْرِهِ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْأَمْرِ جَوَازُ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَبْدِ كَالْخُلْعِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. [فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ] الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ عِنْدَنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا سَلَفَ وَبِهِ قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَا يَلْحَقُهَا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ عِنْدَهُمْ. وَلَوْ قَالَ لَهَا الْكِنَايَاتُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيِّ مِثْلُ اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك أَنْتِ وَاحِدَةٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُمْ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ بِإِسْنَادِهِ فِي الْأَمَالِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَحَدِيثُهُمْ لَا أَصْلَ لَهُ، ذَكَرَهُ سِبْطُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي إيثَارِ الْإِنْصَافِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ خَلَعْت نَفْسِي مِنْك بِأَلْفٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٌ فَقَالَ الزَّوْجُ رَضِيت أَوْ أَجَزْت كَانَ ثَلَاثًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ. وَلَوْ خَلَعَ أَمَتَهُ عَلَى رَقَبَتِهَا وَزَوْجُهَا عَبْدٌ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ صَحَّ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مِلْكُهَا أَيْ مِلْكُهَا الزَّوْجِ بِهِ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ، وَمَتَى بَطَلَ النِّكَاحُ بَطَلَ

زَائِدَةٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ عَادَةً حَاصِلُ مَا يَلْزَمُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُلْعُ لَكِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ بَطَلَ الْبَدَلُ وَبَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ تَحْتَ حُرٍّ أَمَتَانِ دَخَلَ بِهِمَا فَخَلَعَهُمَا سَيِّدُهُمَا عَلَى رَقَبَةِ الصُّغْرَى فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ عَلَى الْكُبْرَى وَبَطَلَ الْخُلْعُ فِي الَّتِي خَلَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا وَهِيَ الصُّغْرَى لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ الْخُلْعِ عَلَى الْكُبْرَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُقَارِنْ مِلْكَ الزَّوْجِ فِيهَا لَا فِي الصُّغْرَى، لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي حَقِّهَا يُقَارِنُ مِلْكَ الزَّوْجِ بَعْضَ رَقَبَتِهَا فَتُقْسِمُ الصُّغْرَى عَلَى مَهْرَيْهِمَا لِأَنَّهُ جَعَلَهَا بَدَلًا عَنْ طَلَاقِهِمَا، فَمَا أَصَابَ مَهْرَ الْكُبْرَى فَهُوَ لِلزَّوْجِ، وَمَا أَصَابَ الصُّغْرَى بَقِيَ لِلْمَوْلَى، وَلَوْ خَلَعَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى رَقَبَةِ الْأُخْرَى طَلُقَتَا مَجَّانًا لِأَنَّ مِلْكَ رَقَبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يُقَارِنُ طَلَاقَهَا فَصَحَّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ وَلَا يُسْلِمُ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ. امْرَأَةٌ لَهَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا وَارِثَاهَا تَزَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ خَلَعَتْ بِمَهْرِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَلَا مَالَ لَهَا فِي غَيْرِهِ وَمَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ فَالْمَهْرُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَعْتَبِرُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْبَدَلِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ فَبَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ فَتَبَيَّنَ وَيَرِثَانِ بِالْقَرَابَةِ، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا عَلَى مَهْرِهَا وَمَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ فَلَهُ النِّصْفُ بِمِيرَاثِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. [قَاعِدَةٌ فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ] الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ طَلَاقَيْنِ وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا مَالًا يَكُونُ مُقَابَلًا بِهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِصَرْفِ الْبَدَلِ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا إذَا وَصَفَ الْأَوَّلَ بِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمَالُ حِينَئِذٍ مُقَابَلًا بِالثَّانِي وَوَصْفُهُ بِالْمُنَافِي كَالتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ الثَّانِي وَأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْمَرْأَةِ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَلْتَزِمُهُ لِتَمْلِكَ نَفْسَهَا، فَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ، أَوْ قَالَ عَلَى أَنَّك طَالِقٌ غَدًا بِأَلْفٍ، أَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى رَجْعِيَّةً بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِخَمْسِمِائَةٍ فِي الْحَالِ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَعُودَ مِلْكُهُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ تَطْلِيقَةٍ مُنْجِزَةٍ وَتَطْلِيقَةٍ مُضَافَةٍ إلَى الْغَدِ وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا مَالًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ مَكَانَ الْبَدَلِ اسْتِثْنَاءً يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ، فَإِذَا جَاءَ غَدٌ تَقَعُ أُخْرَى لِوُجُودِ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ لِحُصُولِهَا بِالْأُولَى، حَتَّى لَوْ نَكَحَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ تَقَعُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ لِوُجُودِ شَرْطِ وُجُوبِ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَى أَنَّك طَالِقٌ غَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ مَجَّانًا وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ لِتَعَذُّرِ الصَّرْفِ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُ وَصَفَ الْأُولَى بِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِهِ بَائِنَةً يُشْتَرَطُ التَّزَوُّجُ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِالثَّانِي. وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ يَقَعُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَفِي الطُّهْرِ الثَّانِي أُخْرَى مَجَّانًا لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى، وَلَا يَجِبُ بِالثَّانِيَةِ الْمَالُ إلَّا إذَا نَكَحَهَا قَبْلَ الطُّهْرِ الثَّانِي فَحِينَئِذٍ تَقَعُ أُخْرَى بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَفِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] لَوْ خَالَعَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَبْرَأُ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهُ: هَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ فَعَلَيْهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا بِذَكَرِ الْخُلْعِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لَا يَبْرَأُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَمَئُونَةِ السُّكْنَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَّا إذَا شَرَطَا فِي الْخُلْعِ، نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا ذَكَرَهُ السُّغْدِيُّ: أَعْنِي رَدَّهَا الْمَهْرِ. وَذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ فِيمَا إذَا قَالَ اخْتَلِعِي وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فَقَالَتْ اُخْتُلِعَتْ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهُ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَلَا يَكُونُ خُلْعًا كَأَنَّهُ. قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك بَائِنًا فَقَالَتْ طَلَّقْت، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ عَلَى مَا حَكَى عَنْهُ مِنْ رَدِّهَا مَا سَاقَهُ إلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا إذْ لَمْ يَجْعَلْ كَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُك بَائِنًا فَهَذَا مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ: إذَا قَالَ اخْتَلِعِي فَقَالَتْ اُخْتُلِعَتْ تَطْلُقُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ اشْتَرِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ اشْتَرَيْت لَا تَطْلُقُ بِأَنَّ قَوْلَهُ اخْتَلِعِي أَمْرٌ بِالطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الطَّلَاقَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ اشْتَرِي نَفْسَك لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْخُلْعِ الَّذِي هُوَ مُعَاوَضَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ مُقَدَّرًا، فَإِنْ قَدَّرَهُ بِأَنْ قَالَ بِمَهْرِك وَنَفَقَةِ عِدَّتِك وَقَالَتْ اشْتَرَيْت صَحَّ عَلَى رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، يُرِيدُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ اشْتَرِي نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا فَقَالَتْ اشْتَرَيْت لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْت، وَكَذَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا قَالَ اخْتَلِعِي مِنِّي بِكَذَا وَذَكَرَ مَالًا مُقَدَّرًا فَقَالَتْ اخْتَلَعْتُ. فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ: لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ خَلَعْت، وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ: يَصِحُّ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ فَبِحَمْلِ سُقُوطِ الْمَهْرِ وَجَعْلِهِ بَدَلًا فِيمَا إذَا لَمْ يُنَوِّبْهُ كَوْنَهُ خُلْعًا بِغَيْرِ مَالٍ وَحِمْلِ كَوْنِهِ طَلَاقًا بَائِنًا بِلَا مَالٍ عَلَى مَا إذَا نَوَى بِهِ كَوْنَهُ بِلَا مَالٍ، وَهَذَا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْخُلْعِ يَنْصَرِفُ إلَى الْفُرْقَةِ بَعُوضٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبٍ، فَإِذَا لَمْ يُسَمِّيَا مَالًا انْصَرَفَ إلَى الْمَهْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ خِلَافَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الْمُنْتَقَى. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا قَالَ لَهَا اخْتَلِعِي نَفْسَك فَقَالَتْ قَدْ خَلَعْتُ نَفْسِي لَا يَكُونُ خُلْعًا إلَّا عَلَى مَالٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِغَيْرِ مَالٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ خَلَعْتُك وَخَالَعْتُك، فَإِذَا قَالَ خَالَعْتكِ يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَلَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَلْزَمُ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ النِّيَّةِ، وَمِمَّا يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الطَّلَاقِ التَّصْرِيحُ بِنَفْيِ الْمَالِ كَمَا إذَا قَالَ اخْتَلِعِي مِنِّي بِغَيْرِ شَيْءٍ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ بِلَا مَالٍ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْمَالِ، نَقَلَهُ عَنْ مُحَمَّدٍ الْفَضْلِيِّ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ حَقِيقَتَهُ مَا فِيهِ الْمَالُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ اخْلَعْ امْرَأَتِي لَمْ يَمْلِكْ خَلْعَهَا بِلَا عِوَضٍ وَلَمْ يَجْعَلْ كَقَوْلِهِ طَلِّقْهَا بَائِنًا. وَلَوْ قَالَ اخْتَلِعِي عَلَى مَالٍ أَوْ بِمَا شِئْت وَلَمْ يُقَدِّرْهُ فَقَالَتْ اخْتَلَعْتُ عَلَى أَلْفٍ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ خَلَعْتُك أَوْ نَحْوَ أَجَزْت، فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي بِأَلْفٍ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ حَيْثُ يَتِمُّ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْوِيضَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَجْهُولٌ، فَلَوْ صَحَّ صَارَ الْوَاحِدُ مُسْتَزِيدًا مُسْتَنْقِصًا وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الثَّانِيَةِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِمُضَادَّةِ الْحُقُوقِ، وَحُقُوقُ الْخُلْعِ لَا تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ. إذَا لَقَّنَهَا اخْتَلَعْتُ مِنْك بِالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ، أَوْ لَقَّنَهَا أَبْرَأْتُك مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ قِيلَ يَصِحُّ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ كَالتَّوْكِيلِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِعِلْمِ الْوَكِيلِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا لَكِنَّهُ إسْقَاطٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَصَارَ شِبْهُ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ وَكُلُّ الْمُعَاوَضَاتِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ. وَهَذِهِ صُورَةٌ كَثِيرًا مَا تَقَعُ قَالَ أَبْرِئِينِي مِنْ كُلِّ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فَقَالَ فِي فَوْرِهِ طَلَّقْتُك وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا يَقَعُ بَائِنًا لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ، وَإِذَا اخْتَلَعَتْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهَا حَقًّا حَالَ الْخُلْعِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَسْمِيَةَ كُلِّ حَقٍّ لَهَا عَلَيْهِ وَكُلُّ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ وَيَنْصَرِفُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْقَائِمِ لَهَا إذْ ذَاكَ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يُصَحِّحُ هَذَا لِلْجَهَالَةِ، وَهَذَا عِنْدَنَا عُمُومٌ لَا إجْمَالٌ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا عَلَى أَلْفٍ أُخْرَى ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا لَمْ يَبْرَأْ الزَّوْجُ إلَّا مِنْ الثَّانِي دُونَ الْمَهْرِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِامْرَأَتِهِ فِي خَلْعِهَا فَخَلَعَهَا عَلَى أَلْفٍ فَأَنْكَرَتْ التَّوْكِيلَ، فَإِنْ كَانَ ضَمِنَ الْمَالَ لِلزَّوْجِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّهَا وَكَّلَتْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُ ذَلِكَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْخُلْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ بَاعَ مِنْهُ تَطْلِيقَةً بِأَلْفٍ قَالَ الصَّفَّارُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ضَمِنَ لَهُ الْمَهْرَ أَوْ لَا لِأَنَّ لَفْظَةَ الشِّرَاءِ لَفَظَّةُ الضَّمَانِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافِ: هَذَا وَالْخُلْعُ سَوَاءٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ الرِّسَالَةَ عَنْ امْرَأَةِ الرَّجُلِ إلَيْهِ فِي أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يُمْسِكَهَا فَقَالَ الزَّوْجُ لَا أُمْسِكُهَا بَلْ أُطَلِّقُهَا فَقَالَ الرَّسُولُ أَبْرَأْتُك مِنْ جَمِيعِ مَا لَهَا عَلَيْك فَطَلَّقَهَا فَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الْإِبْرَاءَ وَالرَّسُولُ يَدَّعِيهِ. فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ رِسَالَتَهَا أَوْ وَكَالَتَهَا إيَّاهُ لِذَلِكَ وَقَعَ وَهِيَ عَلَى حَقِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ فَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ حَقِّهَا عَلَيْك عَلَى أَنْ تُطَلِّقَهَا فَالطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْمَهْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَهَا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَهِيَ عَلَى حَقِّهَا، وَهَذِهِ فِي أَمْرِ الْحَكَمَيْنِ لَمَّا كَانَ سَبَبَ الْخُلْعِ الْمُشَاقَّةُ وَجَبَ ذِكْرُ أَمْرِ الْحَكَمَيْنِ فِيهِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] ضَمِيرُ يُرِيدَا لِلْحَكَمَيْنِ وَضَمِيرُ بَيْنِهِمَا لِلزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ لِلْحَكَمَيْنِ أَيْضًا، وَقِيلَ الضَّمِيرَانِ لِلزَّوْجَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْحَكَمَانِ مِنْ أَهْلِيهِمَا كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا أَخْبَرُ بِبَاطِنِ أَمْرِهِمَا وَأَشْفَقُ عَلَيْهِمَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِيهِمَا إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْ أَهْلِيهِمَا مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. وَقُلْنَا: الْمَعْنَى الْمَفْهُومُ الَّذِي قُلْنَاهُ صَارِفٌ عَنْ تَعْيِينِ كَوْنِ الْمُرَادِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَوْلُ الْحَكَمَيْنِ نَافِذٌ فِي الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ بِتَوْكِيلِهِمَا عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: قَوْلُهُمَا فِي ذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ. قُلْنَا: لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُطَلِّقَ وَلَا يُبْرِئَ مِنْ مَالِهِمَا فَكَيْفَ يَفْعَلُ ذَلِكَ نَائِبُهُ. وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلرَّازِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يَعِظُهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا، فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا. فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا رَفَعَ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَظْلَمُ رَدَّهُ إلَى السُّلْطَانِ فَأَخَذَ فَوْقَ يَدِهِ كَالْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ فَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالْفَصْلَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ ادَّعَى النُّشُوزَ وَادَّعَتْ هِيَ ظُلْمَهُ وَتَقْصِيرَهُ فِي حَقِّهَا يَفْعَلُ الْحَاكِمُ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَجْمَعَا وَلَا أَنْ يُفَرِّقَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا، وَمَا زَعَمَ إسْمَاعِيلُ الْمَالِكِيُّ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَعْرِفُوا أَمْرَ الْحَكَمَيْنِ إخْبَارٌ بِالنَّفْيِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَالْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ حِفْظُ اللِّسَانِ، وَمَا قَالَ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يُسَمَّى حَكَمًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْوَكَالَةُ تُؤَكِّدُ مَعْنَى الْحُكْمِيَّةِ لِقَبُولِ قَوْلِهِمَا عَلَيْهِمَا وَالْحَكَمَانِ يَمْضِيَانِ أَمْرَ الزَّوْجَيْنِ، فَإِذَا قَصَدَا الْحَقَّ وَفَّقَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلصَّوَابِ إذْ هُمَا مُوَكَّلَانِ لِلْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ فَعَلَيْهِمَا الِاجْتِهَادُ وَطَلَبُ الْخَيْرِ لَهُمَا، وَكُلُّ مَا وَرَدَّ عَنْ السَّلَفِ أَنَّ فِعْلَ الْحَكَمَيْنِ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رِضَاهُمَا إذْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمَا أَنْ يُطَلِّقَا امْرَأَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا أَنْ يَدْفَعَا مَالًا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ قَضَاءِ دَيْنِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَلَا

[باب الظهار]

بَابُ الظِّهَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلزَّوْجِ فِي مَالِهَا، قَالَ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ» وَالْحَكَمَانِ إنَّمَا بُعِثَا لِلصُّلْحِ، وَلِيَعْلَمَا ظُلْمَ الظَّالِمِ مِنْهُمَا فَيُنْكِرَا عَلَيْهِ ظُلْمَهُ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ أَعْلَمَا الْحَاكِمَ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ، فَالْحَكَمَانِ شَاهِدَانِ فِي حَالٍ وَمُصْلِحَانِ فِي حَالِ إذَا فُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِمَا. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُمَا يُفَرِّقَانِ وَيَخْلَعَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَنَا، وَلَيْسَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَاهِدًا فِي ذَلِكَ. [بَابُ الظِّهَارِ] (بَابُ الظِّهَارِ) مُنَاسَبَتُهُ بِالْخُلْعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ عَنْ النُّشُوزِ ظَاهِرًا، وَقَدَّمَ الْخُلْعَ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي بَابِ التَّحْرِيمِ إذْ هُوَ تَحْرِيمٌ بِقَطْعِ النِّكَاحِ وَهَذَا مَعَ بَقَائِهِ. وَالظِّهَارُ لُغَةً مَصْدَرُ ظَاهَرَ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الظَّهْرِ فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ تَرْجِعُ إلَى الظَّهْرِ مَعْنًى وَلَفْظًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ، فَيُقَالُ ظَاهَرْت: أَيْ قَابَلْت ظَهْرَك بِظَهْرِهِ حَقِيقَةً، وَإِذَا غَايَظْتَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُدَابِرْهُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُغَايَظَةَ تَقْتَضِي هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ، وَظَاهَرْته إذَا نَصَرْته بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقَالُ قَوَّى ظَهْرَهُ إذَا نَصَرَهُ، وَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَأَظْهَرَ وَتَظَاهَرَ وَاظَّاهَرَ وَظَهَّرَ وَتَظَهَّرَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَظَاهَرَ بَيْنَ ثَوْبَيْنِ إذَا لَبِسَ أَحَدَهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِ مَا يَلِي بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ظَهْرًا لِلثَّوْبِ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ كَوْنُ لَفْظِ الظَّهْرِ فِي بَعْضِ هَذِهِ التَّرَاكِيبِ مَجَازًا، وَكَوْنُهُ مَجَازًا لَا يَمْنَعُ الِاشْتِقَاقَ مِنْهُ وَيَكُونُ الْمُشْتَقُّ مَجَازًا أَيْضًا، وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِمَنْ مَعَ أَنَّهُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى التَّبْعِيدِ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا وَهُوَ مُبْعَدٌ ثُمَّ قِيلَ: الظَّهْرُ هُنَا مَجَازٌ عَنْ الْبَطْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْكَبُ الْبَطْنَ فَكَظَهْرِ أُمِّي: أَيْ كَبَطْنِهَا بِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ وَلِأَنَّهُ عَمُودُهُ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا هُوَ الصَّارِفُ عَنْ الْحَقِيقَةِ مِنْ النِّكَاتِ. وَقِيلَ خَصَّ الظَّهْرَ لِأَنَّ إتْيَانَ الْمَرْأَةِ مِنْ ظَهْرِهَا كَانَ حَرَامًا، فَإِتْيَانُ أُمِّهِ مِنْ ظَهْرِهَا أَحَرَمُ فَكَثُرَ التَّغْلِيظُ. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا شَائِعٍ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ الْكُلِّ بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ، وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ الِاتِّفَاقَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَانَةَ، وَفُلَانَةُ أُمُّ مَنْ زَنَى بِهَا أَوْ بِنْتُهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، وَسَنَذْكُرُ مَا هُوَ التَّحْقِيقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعُضْوِ الظَّهْرَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِاسْمِ الظِّهَارِ تَغْلِيبًا لِلظَّهْرِ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَصْلَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ وَشَرْطُهُ فِي الْمَرْأَةِ كَوْنُهَا زَوْجَةً، وَفِي الرَّجُلِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَرُكْنُهُ لِلَّفْظِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذَلِكَ التَّشْبِيهِ، وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيه إلَى وُجُودِ الْكَفَّارَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا فَقَالَ فِي الْمَنَافِعِ: تَجِبُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَبِيرَةٌ فَلَا يَصِحُّ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ الْمُغَلَّبُ فِيهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَلَا يَكُونُ الْمَحْظُورُ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ فَعَلَّقَ وُجُوبَهَا بِهِمَا لِيَخِفَّ مَعْنَى الْحُرْمَةِ بِاعْتِبَارِ الْعَوْدِ الَّذِي هُوَ إمْسَاكٌ فَيَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَيَصِحُّ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ. وَقِيلَ سَبَبُ وُجُوبِهَا الْعَوْدُ، وَالظِّهَارُ شَرْطٌ، وَلَفْظُ الْآيَةِ يَحْتَمِلُهُمَا وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] إلَى آخِرِهِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ تَرْتِيبِهَا عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى الْأَخِيرِ، لَكِنْ إذَا أَمْكَنَ الْبَسَاطَةُ صِيرَ إلَيْهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّرْكِيبِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ سَبَبُ وُجُوبِهَا الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ، وَالظِّهَارُ شَرْطٌ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ الْعَوْدِ فِي الْآيَةِ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ لَا شَرْطِهِ، وَالْكَفَّارَةُ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الظِّهَارِ لَا الْعَزْمِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْمُضَافِ فِي الْآيَةِ: أَيْ يَعُودُونَ لِضِدِّ مَا قَالُوا أَوْ لِتَدَارُكِهِ نَزَلَ الْقَوْلُ مَنْزِلَةَ الْمَقُولِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إرَادَةِ ظَاهِرِهَا وَهُوَ تَكْرَارُ نَفْسِ الظِّهَارِ كَمَا قَالَ دَاوُد لِلْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ يَرْوُونَهُمَا فَإِنَّ ظَاهِرَهُمَا عَدَمُ تَعَلُّقِهِمَا بِتَكَرُّرِهِ وَيُرَدُّ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ لَا تَتَقَرَّرُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ، حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْعَزْمِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لَا بِالظِّهَارِ وَلَا بِالْعَوْدِ، إذْ لَوْ وَجَبَتْ لَمَا سَقَطَتْ بَلْ مُوجِبُ الظِّهَارِ ثُبُوتُ التَّحْرِيمِ، فَإِذَا أَرَادَ رَفْعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا كَمَا تَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ النَّافِلَةَ يَجِبُ عَلَيْك إنْ صَلَّيْتهَا أَنْ تُقَدِّمَ الْوُضُوءَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ سُكُوتُهُ بَعْدَ ظِهَارِهِ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا. وَرُدَّ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَالْجِنَايَةِ، وَالظِّهَارُ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ لِيَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا جِنَايَةً، وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا لِيَسْعَى فِي أَمْرِ الْكَفَّارَةِ وَتَحْصِيلِهَا أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي طَلَاقِهَا أَوْ التَّكْفِيرِ فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُهُ بَعْدَ الظِّهَارِ جِنَايَةً فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تُرْفَعُ إلَّا بِكَفَّارَةٍ لَا بِمِلْكٍ وَلَا بِزَوْجٍ ثَانٍ، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ ثَلَاثًا فَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ أَوْ كَانَتْ أَمَةً وَمَلَكَهَا بَعْدَ مَا ظَاهَرَ مِنْهَا لَا يَحِلُّ قُرْبَانُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فِيهِمَا، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِحَبْسٍ، فَإِنْ أَبَى ضَرَبَهُ وَلَا يَضْرِبُ فِي الدِّينِيِّ، وَلَوْ قَالَ قَدْ كَفَّرْت صَدَقَ مَا لَمْ يُعْرَفْ بِالْكَذِبِ وَأَلْفَاظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَسَتَأْتِي. وَسَبَبُ نُزُولِ شَرْعِيَّتِهِ «قِصَّةُ خَوْلَةَ أَوْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، فَجِئْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْكُو إلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ

(وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا مَسُّهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلَى أَنْ قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] . وَالْظَ هَارُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ وَنَقَلَ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُوَقَّتٍ بِالْكَفَّارَةِ غَيْرِ مُزِيلٍ لِلنِّكَاحِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1] إلَى الْغَرَضِ، فَقَالَ: يُعْتِقُ رَقَبَةً، فَقُلْتُ لَا يَجِدُ، فَقَالَ: يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَيُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قُلْتُ: مَا عِنْدَهُ شَيْءٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ: فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: قَدْ أَحْسَنْتِ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهِمَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّكِ» قَالَ: وَالْعَرَقُ سِتُّونَ صَاعًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقِيلَ هُوَ مِكْيَالٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أَصَحُّ، وَفِي الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْمُظَاهِرِ أَنْ يُقَبِّلَهَا إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ لِلشَّفَقَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ مِنِّي كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ أَنْتِ عِنْدِي أَوْ مَعِي، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا مِنْك مُظَاهِرٌ وَقَدْ ظَاهَرْت مِنْك، وَمَتَى أَلْحَقَ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ لَا يَثْبُتُ، فَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ ثُبُوتُ التَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ ثُمَّ ارْتِفَاعُهُ بِالْكَفَّارَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الظِّهَارُ (جِنَايَةٌ) كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ

لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ، وَارْتِفَاعُهَا بِالْكَفَّارَةِ. ثُمَّ الْوَطْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا، فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْإِحْرَامُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا) بِالنَّصِّ فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَى هَذِهِ الْجِنَايَةِ بِالْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعُ هَذِهِ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَطْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ) تُفِيدُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ إذْ طَرِيقُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ، وَثَبَتَ مِنْ الشَّرْعِ خِلَافُهُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ، «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ إحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ» . وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ» فَوَجَبَ الْبَحْثُ عَنْ حِكْمَةِ الْفَرْقِ شَرْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِيَنْظُرَ هَلْ الظِّهَارُ مِنْ قَبِيلِ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقُ تَحْرِيمَ الدَّوَاعِي فِيهِ كَمَا قُلْنَا نَحْنُ وَمَالِكٌ؟ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ نَصًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ، أَوْ تَحْلِيلُهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلِهِمَا الْآخَرِ فَنَظَرْنَا فَعَقَلْنَا كَوْنَ حِكْمَتِهِ لُزُومَ الْحَرَجِ لَوْ حُرِّمَتْ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِمَا وَوُقُوعِ ضِدِّهِمَا مِنْ الْفِطْرِ وَالطُّهْرِ فَعَلَى كَثْرَةِ وُقُوعِهِمَا يَلْزَمُ الْحَرَجُ بِمَنْعِ الدَّوَاعِي، وَعَنْ كَثْرَةِ وُقُوعِ الضِّدَّيْنِ الظَّاهِرَيْنِ فِي كَثْرَةِ وُجُودِ الْجِمَاع يَنْتَفِي لُزُومُ شَرْعِ الزَّاجِرِ الْمَبَالِغ فَلَا يَحْرُمُ الدَّوَاعِي بِخِلَافِ الظِّهَارِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْرَامِ لَا تَكْثُرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ شَخْصٍ فَاسْتَمَرَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَتَقَدَّمَ لَهُ فِي الِاعْتِكَافِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ فِي حُرْمَةِ الدَّوَاعِي فِيهِ لَا فِي الصَّوْمِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ مَحْظُورُ الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ رُكْنُهُ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى دَوَاعِيهِ، وَقُرِّرَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْقَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ، وَالتَّحْرِيمُ الثَّابِتُ بِالنَّهْيِ لَمَّا كَانَ الثَّانِي أَقْوَى بِسَبَبِ أَنَّ النَّهْيَ تَنَاوَلَهُ مَقْصُودًا فَتَعَدَّى إلَى الدَّوَاعِي، بِخِلَافِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ نَهْيٌ أَصْلًا بَلْ طَلَبُ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ عَدَمَ ذَلِكَ فَحَرُمَ ذَلِكَ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى تَفْوِيتِ الْمَطْلُوبِ لَا مَقْصُودًا فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ. فَافْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْجِمَاعِ فِيهَا بِالنَّهْيِ، قَالَ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ نَفْيٌ مُسْتَعَارٌ لِلنَّهْيِ

(فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي وَاقَعَ فِي ظِهَارِهِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا لَنَبَّهَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ (وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَأْكِيدِهِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَقَالَ تَعَالَى فِي الْأَخِيرَيْنِ {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] وَلَمَّا كَانَ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ حُرْمَةِ الدَّوَاعِي لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكَفَّارَةِ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَإِنَّهُ مَصْدَرٌ وَاقِعٌ بَدَلًا مِنْ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ فَيَحْرُمُ الْجِمَاعُ لِتَفْوِيتِهِ الْمَأْمُورَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ قَبْلَ التَّمَاسِّ مَعَ أَنَّهُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الدَّوَاعِي فِي الْحَيْضِ لِأَنَّ (اعْتَزِلُوا) هُوَ نَفْسُ مَعْنَى النَّهْيِ حَتَّى أَنَّهُمْ لَمْ يَمْثُلُوا لِلنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ إلَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَلِمَ يُسَمُّوهُ إلَّا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلنَّفْسِ طَلَبُ التَّرْكِ عَدَلَ إلَى مَا ذُكِرَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّوَاعِيَ مَنْصُوصٌ عَلَى مَنْعِهَا فِي الظِّهَارِ، وَالْمَذْكُورُ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ إنَّمَا هُوَ حِكْمَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الظِّهَارِ وَمَا ذُكِرَ، أَمَّا كَوْنُهَا مَنْصُوصًا عَلَى مَنْعِهَا فَإِنَّهُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] لَا مُوجِبَ فِيهِ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ لِإِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ، وَيَحْرُمُ الْجِمَاعُ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ التَّمَاسِّ، فَكُلٌّ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ وَالْجِمَاعِ أَفْرَادُ التَّمَاسِّ فَيَحْرُمُ الْكُلُّ بِالنَّصِّ، وَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ الْمُخَالِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَفِي لَفْظٍ: بَيَاضَ سَاقَيْهَا، قَالَ: فَاعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ «فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَنَفَى كَوْنَ هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحًا رَدَّهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّهُ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورٌ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ إلَى آخِرِ السَّنَدِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ: كَفَّارَةً وَاحِدَةً» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَمَّا ذِكْرُ الِاسْتِغْفَارِ فِي الْحَدِيثِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ يَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَيُكَفِّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا لَنَبَّهَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَقَامُ الْبَيَانِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ تَمَامُ حُكْمِ الْحَادِثَةِ فَلَا تَجِبُ كَفَّارَتَانِ كَمَا نُقِلَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَبِيصَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، وَلَا ثَلَاث كَفَّارَاتٍ كَمَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ. (قَوْلُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ) أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ) أَوْ الْإِيلَاءَ أَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا إلَيْهِ اتِّبَاعُ الْمَشْرُوعِ لَا تَغْيِيرُهُ، وَهَذَا يَعُمُّ مَا قُلْنَا، وَمَا فِي الْكِتَابِ يَخُصُّ قَصْدَ

لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ (وَإِذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَفَخْذِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ) لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي عُضْوٍ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ (وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ مَحَارِمِهِ مِثْلَ أُخْتِهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ. وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْخَيْرَ عَنْ الْمَاضِي كِذْبًا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا فِي التُّحْفَةِ. وَلَوْ قِيلَ الْمَنْسُوخُ كَوْنُ هَذَا اللَّفْظِ طَلَاقًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ صِحَّةِ إرَادَتِهِ بِهِ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ وَيَصْلُحُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا إلَيْهِ اتِّبَاعِ الْمَشْرُوعِ لَا تَغْيِيرُهُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا وَهُوَ كَلَفْظِ أَنْتِ طَالِقٌ جُعِلَ شَرْعًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ غَيْرُهُ فَلَا يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ) اللَّامُ فِيهِمَا لِلْعَهْدِ: أَيْ الْمُحَلَّلَةُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ بِالْمُحَرَّمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّهُمَا الْمَعْهُودَتَانِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ ذِكْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى) يَعْنِي تَشْبِيهَ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ (يَتَحَقَّقُ فِي التَّشْبِيهِ بِعُضْوٍ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ) عَلَى التَّأْبِيدِ لَمَّا كَانَ الظِّهَارُ كَلَامًا تَشْبِيهِيًّا مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُشَبَّهَةِ وَالْمُشَبَّهِ بِهَا وَجَبَ إعْطَاءُ ضَابِطِهِمَا؛ فَفِي الْمُشَبَّهَةِ أَنْ تُذْكَرَ هِيَ أَوْ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْهَا أَوْ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جُمْلَتِهَا كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ وَالْفَرْجِ وَالْوَجْهِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ التَّعْبِيرِ بِهَذِهِ عَنْ الْكُلِّ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّصْفُ وَالثُّلُثُ فِي الْأَوَّلِ، وَفِي الْمُشَبَّهِ بِهَا أَنْ تُذْكَرَ هِيَ أَوْ عُضْوٌ مِنْهَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَّا أَنَّ مَعَ ذِكْرِهَا يَنْوِي كَمَا سَيَأْتِي. إذَا عَرَفْت هَذَا فَعِبَارَتُهُ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا إلَى قَوْلِهِ مِثْلُ أُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَيْسَتْ جَيِّدَةً لِأَنَّ ظَاهِرَهَا حُرْمَةُ النَّظَرِ إلَى هَؤُلَاءِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إذَا شَبَّهَهَا بِجُزْءٍ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ رَأْسُك أَوْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ فَرْجُك أَوْ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك أَوْ سُدُسُك كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ خَالَتِي أَوْ أُمِّ زَوْجَتِي أَوْ كَفَرْجِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ فَخْذِهَا أَوْ أَلْيَتِهَا كَانَ مُظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفُرُك أَوْ سِنُّك أَوْ بَطْنُك أَوْ فَخْذُك أَوْ جَنْبُك أَوْ ظَهْرُك كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجِهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا لِانْتِفَائِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ رَأْسُك إلَى آخِرِ مَا قُلْنَا كَيَدِ أُمِّي أَوْ جَنْبِهَا إلَخْ لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا لِانْتِفَائِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهَا وَمَسُّهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ يَدُك أَوْ رِجْلُك إلَخْ عَلَيَّ كَيَدِهَا أَوْ كَرِجْلِهَا إلَخْ لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا لِانْتِفَائِهِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، وَإِذَا أُحْكِمَتْ مُلَاحَظَةُ الْأَصْلَيْنِ

لِأَنَّهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ كَالْأُمِّ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك أَوْ بَدَنُك) لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الشَّائِعِ ثُمَّ يَتَعَدَّى كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْرَجَتْ فُرُوعًا كَثِيرَةً عَنْ تَفْرِيقِ مَا جَمَعْنَاهُ مِثْلُ فَرْجُك كَفَرْجِ أُمِّي فَرْجُك كَفَخْذِ أُمِّي يَكُونُ ظِهَارًا بَطْنُك كَفَرْجِهَا لَا يَكُونُ ظِهَارًا. وَوَجْهُ الِاعْتِبَارِ فِي الْمُشَبَّهَةِ بِكَوْنِ الْعُضْوِ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَالْجُزْءُ الشَّائِعُ مَا أَحَالَ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَةَ هُنَا كَالْمُطَلَّقَةِ هُنَاكَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ، وَفِي الْمُشَبَّهِ بِهَا بِكَوْنِ الْعُضْوِ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْمُحَرَّمَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ إلَخْ وَقَدْ تَمَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَحْثِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُنَّ) أَيْ أُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ كَالْأُمِّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ عَمَّتِك أَوْ أُخْتِك لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا لَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ مُوَقَّتَةٌ بِانْقِطَاعِ عِصْمَتِهِ لَهَا. ثُمَّ الْمُرَادُ تَأَبُّدُ الْحُرْمَةِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَلَوْ قَالَ كَظَهْرِ مَجُوسِيَّةٍ لَا يَكُونُ ظِهَارًا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَامِعِ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ بِاعْتِبَارِ دَوَامِ الْوَصْفِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ إسْلَامِهَا، بِخِلَافِ الْأُمِّيَّةِ وَالْأُخْتِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا. لَا يُقَالُ: يُرَدُّ عَلَى اشْتِرَاطِ تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ مَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ هَذِهِ يَنْوِي الظِّهَارَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَعْدَ التَّكْفِيرِ مَعَ أَنَّ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الظِّهَارِ فِي هَذِهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِ قَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا بِمَنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ، فَالظِّهَارُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ وَجْهِ الشَّبَهِ الْمُرَادِ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِ التَّشْبِيهِ بِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ آخَرَ ظَاهَرَ زَوْجُهَا مِنْهَا فَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ فُلَانَةَ يَنْوِي ذَلِكَ صَحَّ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ شَبَّهَ بِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالَةٍ أُخْرَى مِثْلُ أُخْتِ امْرَأَتِهِ وَمِثْلُ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ مُرْتَدَّةٍ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْأُمِّ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ كِنَايَاتٌ فَلَا تَكُونُ ظِهَارًا وَلَا إيلَاءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَبَعْدَ اشْتِرَاطِ تَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا؟ شَرَطَهُ فِي النِّهَايَةِ لِتَخْرُجَ أُمُّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتُهَا لِأَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِهِمَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، لَكِنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ فِي هَذِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُظَاهِرًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَوْ قَضَى بِحِلِّهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُظَاهِرًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِحِلِّ نِكَاحِهَا وَعَدَمِهِ، فَظَهَرَ مِمَّا نَقَلْنَا أَنَّ مَبْنَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي الظِّهَارِ وَعَدَمَهُ لَيْسَ كَوْنُ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا أَوَّلًا، بَلْ كَوْنُهَا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ أَوَّلًا، وَعَدَمُ تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ لِوُجُودِ الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ الْغَيْرِ الْمُحْتَمَلِ لِلتَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُعَارَضَةُ ثَابِتَةً فِي الْوَاقِعِ، وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ فِي كَوْنِ الْمَحِلِّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَفِي نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِهِ، وَلِذَا فَرَّقَ فِي الْمُحِيطِ بِوُجُودِ النَّصِّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِالْوَطْءِ وَعَدَمِهِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِبِنْتِهَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَحُرْمَةَ الدَّوَاعِي غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا. وَفِي الدِّرَايَةِ: فِي كَظَهْرِ أُخْتِي مِنْ لَبَنِ الْفَحْلِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ مَعَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، كَأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ

(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي يَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ) لِيَنْكَشِفَ حُكْمُهُ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ فَاشٍ فِي الْكَلَامِ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِجَمِيعِهَا، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْعُضْوِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي الْحُرْمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ عَلَى الْكَرَامَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمَّا كَانَ ظِهَارًا فَالتَّشْبِيهُ بِجَمِيعِهَا أَوْلَى. وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ إيلَاءٌ لِيَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا مَعَ أَنَّ فِي حُرْمَتِهَا عُمُومَ نَصِّ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ مِنْ الرَّضَاعَةِ» لَكِنَّ ذَلِكَ خُصَّ مِنْهُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّضَاعِ. وَالثَّانِي: إنَّمَا يُفِيدُ ثُبُوتَ أختية بِنْتِ الْفَحْلِ مِنْ غَيْرِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ بِالِالْتِزَامِ، وَمِثْلُهُ مَا رَأَيْت لَوْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَتِهِ الْمُلَاعَنِ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ مَعَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى تَأَبُّدَ حُرْمَتِهَا لِتَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ. أَمَّا إنْ أَرَادَ مَنْ أَرْضَعَهُمَا نَفْسُ الْفَحْلِ بِأَنْ نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فَلَا إشْكَالَ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي إطْلَاقِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا أختية هُنَاكَ أَصْلًا. وَمِمَّا يَشْكُلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زَنَى أَبُوهُ بِامْرَأَةٍ أَوْ ابْنُهُ فَشَبَّهَهَا بِأُمِّهَا أَوْ ابْنَتِهَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِحِلِّهَا لَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا وَيَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ غَايَةَ أُمِّ مَزْنِيَّةِ الْأَبِ وَالِابْنِ أَنْ تَكُونَ كَأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَالِابْنِ، وَلَا تَحْرُمُ أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، فَلَيْسَ التَّشْبِيهُ هُنَا بِمُحَرَّمَةٍ، وَلَوْ شَبَّهَ بِظَهْرِ أَبِيهِ أَوْ قَرِيبِهِ أَوْ بِظَهْرِ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِفَرْجِ أَبِيهِ أَوْ قَرِيبِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ فَرْجَهُمَا فِي الْحُرْمَةِ كَفَرْجِ أُمِّهِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَرْأَةُ لَا تَكُونُ مُظَاهَرَةً مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَفِي الدِّرَايَةِ: لَوْ قَالَتْ هِيَ أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ أَنَا عَلَيْك كَظَهْرِ أُمِّك لَا يَصِحُّ الظِّهَارُ عِنْدَنَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: هُوَ ظِهَارٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ حَكَى خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْحَسَنُ عَلَى الْعَكْسِ، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ وَالرَّوْضَةِ كَالْأَوَّلِ قَالَ: هُوَ يَمِينٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ظِهَارٌ عِنْدَ الْحَسَنِ، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَشْرَكَ مَعَهَا أُخْرَى كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا (وَقَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي) هُنَا أَلْفَاظُ أَنْتِ أُمِّي مِثْلُ أُمِّي كَأُمِّي حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي؛ فَفِي أَنْتِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَيَنْبَغِي أَنْ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ تَخْتَصُّ بِهِ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ. الظِّهَارُ لِمَكَانِ التَّشْبِيهِ وَالطَّلَاقُ لِمَكَانِ التَّحْرِيمِ وَالتَّشْبِيهُ تَأْكِيدٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ مَكْرُوهًا، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ يَا أُخَيَّةُ مَكْرُوهٌ. وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخَيَّةُ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ» وَنَحْنُ نَعْقِلُ أَنَّ مَعْنَى النَّهْيِ هُوَ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ تَشْبِيهِ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ الَّذِي هُوَ ظِهَارٌ، وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ هُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ أُمِّي أَقْوَى مِنْهُ مَعَ ذِكْرِ الْأَدَاةِ، وَلَفْظُ أُخَيَّةِ فِي يَا أُخَيَّةُ اسْتِعَارَةٌ بِلَا شَكٍّ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَفَادَ كَوْنَهُ لَيْسَ ظِهَارًا حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ حُكْمًا سِوَى الْكَرَاهَةِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَوْنِهِ ظِهَارًا مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَدَاةِ التَّشْبِيهِ شَرْعًا، وَمِثْلُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا يَا بِنْتِي أَوْ يَا أُخْتِي وَنَحْوَهُ، وَفِي مِثْلِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي يَنْوِي، فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ بَائِنًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَإِنْ نَوَى الْكَرَاهَةَ وَالظِّهَارَ فَكَمَا نَوَى كَمَا فِي الْكِنَايَاتِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الظِّهَارِ، فَعُلِمَ أَنَّ صَرِيحَهُ يَكُونُ التَّشْبِيهُ بِعُضْوٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ ظِهَارٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ لِهَذَا اللَّفْظِ الظِّهَارُ لِوُجُودِ التَّشْبِيهِ بِالْبَعْضِ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ نِيَّةُ شَيْءٍ يَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى ذَلِكَ الْمَنْوِيِّ تَصْحِيحًا لِإِرَادَتِهِ، وَجَعَلَ عَلَيَّ بِمَعْنَى عِنْدِي فِي الْكَرَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُفِيدَ لِلْكَرَامَةِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَفْظُ أَنْتِ عِنْدِي مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي، فَحِينَ لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ نِيَّةٌ عَمِلَ بِمُوجِبِهِ فِي نَفْسِهِ. وَلَهُمَا أَنْ يَمْنَعَا كَوْنَ الصَّرَاحَةِ تَثْبُتُ بِالتَّشْبِيهِ بِالْجُزْءِ حَالَ كَوْنِهِ فِي ضِمْنِ التَّشْبِيهِ بِالْكُلِّ بَلْ إذَا كَانَ التَّشْبِيهُ بِهِ ابْتِدَاءً، فَفِيمَا إذَا كَانَ التَّشْبِيهُ بِكُلِّهَا يَبْقَى مُجْمَلًا فِي حَقِّ جِهَةِ التَّشْبِيهِ، فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مُرَادٌ مَخْصُوصٌ لَا يُحْكَمُ بِشَيْءٍ خُصُوصًا وَالْحَمْلُ عَلَى الظِّهَارِ حَمْلٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ الْمُسْلِمِ الْمَعْصِيَةَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهَا وَلَا لَفْظٍ صَرِيحٍ فِيهَا، وَمَا أَمْكَنَ صَرْفُ تَصَرُّفَاتِهِ عَنْهَا وَجَبَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ فَالْمُصَنِّفُ حَكَى فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُمَا وَكَذَا غَيْرُهُ، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ: أَيْ أَدَاتِهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ أُمِّي وَكَأُمِّي جَمِيعًا وَاحِدٌ مُخْتَصٌّ بِالظِّهَارِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَقَدْ نَوَى مَا لَا يُنَافِيه فَإِنَّ الْحُرْمَةَ مُوجِبُ الظِّهَارَ فَيَثْبُتُ الْمَنْوِيُّ فِي ضِمْنِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْكَلَامِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ عِنْدَ التَّشْبِيهِ بِالْكُلِّ فَيَبْقَى الثَّابِتُ بِهِ لَا يَتَعَدَّى بِهِ الْمَنْوِيَّ وَتَحْرِيمُهَا مُطْلَقًا بِلَا ظِهَارٍ وَلَا طَلَاقٍ هُوَ الْإِيلَاءُ

وَالْوَجْهَانِ بَيَّنَّاهُمَا (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِهِ طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً لَمْ يَكُنْ إلَّا ظِهَارًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ عَلَى مَا نَوَى) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَحْتَمِلُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونَانِ جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ الْإِيلَاءُ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ السَّبَبِ وَالْحُكْمِ وَأُمُورٍ أُخَرَ، أَمَّا السَّبَبُ وَهُوَ الظِّهَارُ نَفْسُهُ فَكَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْإِيلَاءُ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَمِينٌ لَيْسَ مَعْصِيَةً بَلْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ يَقْتَرِنُ بِهِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ أَغْلَظُ حَيْثُ قُدِّرَ الْإِطْعَامُ بِسِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ صِيَامِ سِتِّينَ يَوْمًا، وَالْأُمُورُ الْأُخَرُ هِيَ أَنَّ حُرْمَتَهَا فِي الْإِيلَاءِ لَا تَثْبُتُ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا فَالشَّرْعُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَحْنَثَ وَيَطَأَهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ ثُمَّ يُكَفِّرُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ بِلَا إيلَاءٍ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بَلْ فِي حَقِّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ إذَا وَطِئَ وَكَانَ الْإِيلَاءُ مُؤَبَّدًا، وَفِي الظِّهَارِ يَثْبُتُ فِي الْحَالِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الدَّوَاعِي ثُمَّ لَا يَحِلُّ مِنْهَا شَيْءٌ آخَرُ حَتَّى يُكَفِّرَ أَوَّلًا، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ تَعُودُ بِالظِّهَارِ وَلَا تَحِلُّ مَا لَمْ يُكَفِّرْ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَاهَا وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ لَا تَحِلُّ مَا لَمْ يُكَفِّرْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ حِينَئِذٍ ظِهَارٌ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَكَّدٌ بِالتَّشْبِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَنْطَبِقُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ فِي مُجَرَّدِ أَنْتِ كَأُمِّي. وَفِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي فَإِنَّمَا لَهُ مُحْتَمَلَانِ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ لَا الْبِرُّ لِتَصْرِيحِهِ بِالْحُرْمَةِ، فَأَيُّهُمَا أَرَادَ ثَبَتَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ، وَهَاهُنَا يُتَّجَهُ الْمَذْكُورُ آنِفًا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي كَوْنِهِ ظِهَارًا لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَكَّدٌ بِالتَّشْبِيهِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهَانِ بَيَّنَّاهُمَا) يَعْنِي فِيمَا قَبْلَهَا: يَعْنِي قَوْلَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي يُوسُفَ لِيَكُونَ الثَّابِتُ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ، وَمِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ مَا ذَكَرْنَا. وَفِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي خِلَافٌ، فَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا سَوَاءٌ نَوَى طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (وَقَالَا: هُوَ عَلَى مَا نَوَى) ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَظِهَارٌ (لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَحْتَمِلُ كُلَّ ذَلِكَ) فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الْإِيلَاءَ يَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ كَظَهْرِ أُمِّي تَأْكِيدًا لَهُ لَا مُغَيِّرًا (غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا) مَعَهُ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِأَنْتِ حَرَامٌ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الظِّهَارِ بَعْدَهُ بِكَظَهْرِ أُمِّي (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونَانِ) فَقِيلَ لَا بِلَفْظِ حَرَامٌ إذْ لَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ بَلْ كُلُّ لَفْظٍ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْهُ فِي صِحَّةِ الظِّهَارِ مِنْ الْمُبَانَةِ. وَقِيلَ بَلْ الظِّهَارُ يَقَعُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِهِ بِنِيَّتِهِ، كَمَا إذْ قَالَ مَنْ لَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِزَيْنَبِ زَيْنَبُ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت الْأُخْرَى يَقَعُ عَلَيْهِمَا فِي الْأُخْرَى بِاعْتِرَافِهِ فِي الْمَعْرُوفَةِ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِيهِ فِي صَرْفِ النِّيَّةِ عَنْهَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ فِيمَا إذَا قَالَ عَنَيْت الطَّلَاقَ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَالْوَاقِعُ

وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، ثُمَّ هُوَ مُحْكَمٌ فَيُرَدُّ التَّحْرِيمُ إلَيْهِ. قَالَ (وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ الزَّوْجَةِ، حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] وَلِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْأَمَةِ تَابِعٌ فَلَا تُلْحَقُ بِالْمَنْكُوحَةِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ مَنْقُولٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَا طَلَاقَ فِي الْمَمْلُوكَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا نَوَى. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَلَوْ نَوَى الْإِيلَاءَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إيلَاءً وَظِهَارًا بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ التَّنَافِي (قَوْلُهُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي الْمَبْسُوطَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ: أَيْ لَفْظُ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ مُحْكَمٌ فِيهِ، وَلَفْظُ حَرَامٌ مُحْتَمَلٌ فَيُرَدّ إلَيْهِ إذَا قُرِنَ مَعَهُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ) مَوْطُوءَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ فِي الْأَمَةِ مُطْلَقًا، وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ فِي الْمَوْطُوءَةِ. لَنَا أَنَّ النَّصَّ يَتَنَاوَلُ نِسَاءَنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] وَالْأَمَةُ وَإِنْ صَحَّ إطْلَاقُ لَفْظِ نِسَائِنَا عَلَيْهَا لُغَةً لَكِنَّ صِحَّةَ الْإِطْلَاقِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ إضَافَةِ النِّسَاءِ إلَى رَجُلٍ أَوْ رِجَالٍ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مَعَ الزَّوْجَاتِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ هَؤُلَاءِ جَوَارِيه لَا نِسَاؤُهُ، وَحُرْمَةُ بِنْتِ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لَيْسَ لِأَنَّ أُمَّهَا مِنْ نِسَائِنَا مُرَادَةٌ بِالنَّصِّ بَلْ لِأَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَةٍ وَطْئًا حَلَالًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِلَا هَذَا الْقَيْدِ عِنْدَنَا، عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالنِّسَاءِ هُنَاكَ مَا تَصِحُّ بِهِ الْإِضَافَةُ حَتَّى يَشْمَلَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَهُنَّ الزَّوْجَاتُ، وَالْمَجَازِيُّ: أَعْنِي الْإِمَاءَ بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَأَمْكَنَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْإِمَاءِ كَثُبُوتِهِ فِي الزَّوْجَاتِ. أَمَّا هُنَا فَلَا اتِّفَاقَ وَلَا لُزُومَ عِنْدَنَا أَيْضًا لِيَثْبُتَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، لِأَنَّ الْإِمَاءَ لَسْنَ فِي مَعْنَى الزَّوْجَاتِ، لِأَنَّ الْحِلَّ فِيهِنَّ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ الْمِلْكِ حَتَّى يَثْبُتَ مَعَ عَدَمِهِ فِي الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُوَاضَعَةِ، بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْحِلَّ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُوجِبَ هَذَا التَّشْبِيهُ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ سِوَى التَّوْبَةِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِثُبُوتِ التَّحْرِيمِ فِيهِ فِي حَقِّ مَنْ لَهَا حَقٌّ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِيهِ فَيَبْقَى فِي حَقِّهَا عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا

(فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَجَازَتْ النِّكَاحَ فَالظِّهَارُ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ، وَالظِّهَارُ لَيْسَ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ، بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ. (وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ أَضَافَ الظِّهَارَ إلَيْهِنَّ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ (وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةُ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَالْكَفَّارَةُ لِإِنْهَاءِ الْحُرْمَةِ فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا، بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ مِنْهُنَّ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ذِكْرُ الِاسْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنُقِلَ عَنْهُ إلَى تَحْرِيمٍ مُغَيَّا بِالْكَفَّارَةِ وَلَا طَلَاقَ فِي الْأَمَةِ، وَلَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ بِشَيْءٍ لِلْمُتَأَمِّلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ) وَالتَّشْبِيهُ إنَّمَا انْعَقَدَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ الْمُغَيَّا حِينَ كَانَ كَذِبًا مَحْضًا فَلَا يَتَوَقَّفُ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ فَلْيَتَوَقَّفْ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا يَتَوَقَّفُ نِكَاحُهَا عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَتْ ظَهْرَ أَنَّهُ كَانَ التَّشْبِيهَ الْمُمْتَنِعَ. أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَالظِّهَارُ لَيْسَ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ، لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ حَلَالٌ وَالظِّهَارُ حَرَامٌ فَتَنَافَيَا، بِخِلَافِ الْعِتْقِ مَعَ الْمِلْكِ فَلَا يَتَوَقَّفُ وَلَا يَثْبُتُ الظِّهَارُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ، بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ مِنْ غَاصِبِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ: يَعْنِي يَثْبُتُ بِالْمِلْكِ حَتَّى أَنْ يُعْتِقَ إذَا شَاءَ فَيَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِهِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ وَلَا يَثْبُتُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَهُ لَزِمَهُ حُكْمُهُ، فَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ عَتَقَ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا) بِلَا خِلَافٍ (لِأَنَّهُ أَضَافَ الظِّهَارَ إلَيْهِنَّ) فَكَانَ كَإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِنَّ يُطَلَّقْنَ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ؛ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ: أَيْ كُلُّ مَنْ أَرَادَ وَطْأَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَعُرْوَةُ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ اعْتَبَرُوهُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِيلَاءِ

[فصل في الكفارة]

فَصْل فِي الْكَفَّارَة ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا الْكَفَّارَةُ لِوَضْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِهِنَّ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ذِكْرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَرَّرَ الظِّهَارُ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ حَيْثُ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ إلَّا إنْ نَوَى بِمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ الْأَوَّلَ تَأْكِيدًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً فِيهِمَا لَا كَمَا قِيلَ فِي الْمَجْلِسِ لَا الْمَجَالِسِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَوْرَدَ: لَمَّا ثَبَتَ بِالظِّهَارِ الْأَوَّلِ حُرْمَةٌ مُوَقَّتَةٌ فَكَيْفَ تَتَكَرَّرُ الْحُرْمَةُ بِتَكْرَارِ الظِّهَارِ وَمَا هُوَ إلَّا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. أُجِيبَ بِالْأَوَّلِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُوَقَّتَةُ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الْحِلِّ فَيَصِحُّ الظِّهَارُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَلَا مُنَافَاةَ فِي اجْتِمَاعِ أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ كَالْخَمْرِ حَرَامٌ عَلَى الصَّائِمِ لِعَيْنِهَا وَلِصَوْمِهِ وَلِيَمِينِهِ، وَهَذَا لَا يَدْفَعُ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنْ يُثْبِتَ بِكُلِّ سَبَبٍ حُرْمَةً كَمَا الْتَزَمَ فِي أَسْبَابِ الْحَدَثِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَاتِ. [فُرُوعٌ] لَا يَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كَالْإِيلَاءِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْبَرَامِكَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لَنَا وَ {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} [المجادلة: 2] وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنَّا، وَإِلْحَاقُهُ بِالْقِيَاسِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ جِنَايَةٌ حُكْمُهَا تَحْرِيمٌ يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ، وَشِرْكُ الْكَافِرِ يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ عَنْهُ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ حَتَّى اُشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فَيَبْقَى تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَهُوَ غَيْرُ حُكْمِهِ بِالنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا عَلَى رَأْيِكُمْ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِلْكِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِلْغَاءِ قَيْدِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ النَّصِّ فَيَكُونُ خِلَافَ الْكَفَّارَةِ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ لِيَكُونَ كَإِلْغَائِهِ فِي {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] وَمَا أُجِيبَ مِنْ أَنَّهَا عِبَادَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ عُقُوبَةٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ اتِّفَاقًا فَلَزِمَ كَوْنُهَا عِبَادَةً. وَمَا دَفَعَ بِهِ مِنْ أَنَّ افْتِقَارَهَا إلَيْهَا كَافْتِقَارِ الْكِنَايَاتِ إلَيْهَا وَلَيْسَتْ عِبَادَةً مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ بِلَا جَامِعٍ، لِأَنَّ افْتِقَارَ الْكِنَايَاتِ إلَيْهَا لِيَتَعَيَّنَ بِهِ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ وَهُوَ الطَّلَاقُ عَنْ غَيْرِهِ، وَافْتِقَارُ الْكَفَّارَةِ لِتَقَعَ عِبَادَةً وَإِلَّا فَلِمَاذَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ أَجَازَ إيلَاءَ الْكَافِرِ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ أَمْرَانِ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِتَقْدِيرِ الْبَرِّ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ حُرْمَةَ الِاسْمِ الْكَرِيمِ وَيَصُونُونَهُ فَيَنْعَقِدُ مِنْهُمْ نَظَرًا إلَى ذَلِكَ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِتَقْدِيرِ الْحِنْثِ، فَلَوْ فُرِضَ مِنْهُمْ الْحِنْثُ بِالْوَطْءِ انْتَفَى حُكْمُ الْبَرِّ وَتَعَذَّرَ التَّكْفِيرُ وَلَوْ ظَاهَرَ وَاسْتَثْنَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ كَفَّرَ إنْ كَفَّرَ فِي يَوْمِ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ظَاهَرَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا صَحَّ تَقْيِيدُهُ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى مَا سَلَفَ. وَيَصِحُّ بِشَرْطِ النِّكَاحِ، فَإِذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فِي رَجَبَ وَرَمَضَانَ وَكَفَّرَ فِي رَجَبَ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا، وَلَوْ ظَاهَرَ فَجُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى حُكْمِ الظِّهَارِ وَلَا يَكُونُ عَائِدًا بِالْإِفَاقَةِ خِلَافًا لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ. [فَصْل فِي الْكَفَّارَة]

قَالَ (وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْكَفَّارَةَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. قَالَ (وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَسِيسِ) وَهَذَا فِي الْإِعْتَاقِ، وَالصَّوْمُ ظَاهِرٌ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْإِطْعَامِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ مَنْهِيَّةٌ لِلْحُرْمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْوَطْءِ لِيَكُونَ الْوَطْءُ حَلَالًا قَالَ (وَتَجْزِي فِي الْعِتْقِ الرَّقَبَةُ الْكَافِرَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ) لِأَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَؤُلَاءِ إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ الْمَرْقُوقِ الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ) أَيْ إعْتَاقُهَا، فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَنَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ مُقَارِنًا لِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ لَا يَجْزِيه عَنْهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْإِطْعَامِ) يَعْنِي يَجِبُ كَوْنُهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ كَأَخَوَيْهِ، وَالنَّصُّ لَا يُوجِبُ بِلَفْظِهِ ذَلِكَ فِيهِ فَعَلَّلَهُ وَأَلْحَقَهُ بِهِمَا. وَحَاصِلُهُ عَقْلِيَّةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مَنْهِيَّةٌ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى إيجَادِهِمَا قَبْلَ التَّمَاسِّ، وَهَذَا كَفَّارَةُ مِثْلِهِمَا فَيَجِبُ كَوْنُهُ قَبْلَ التَّمَاسِّ، وَمَا قَدَّمْنَا رِوَايَتَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُصَحَّحِ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي وَاقَعَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ» مُطْلَقٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَجِبُ إجْرَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ. لَا يُقَالُ هَذَا كُلُّهُ يَتَرَاءَى أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى إطْلَاقِ النَّصِّ بِالْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ التَّحْرِيرَ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَقَالَ

وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الْكَافِرَةِ وَيَقُولُ: الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى عَدُوِّ اللَّهِ كَالزَّكَاةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَقَصْدُهُ مِنْ الْإِعْتَاقِ التَّمَكُّنُ مِنْ الطَّاعَةِ ثُمَّ مُقَارَفَتُهُ الْمَعْصِيَةَ يُحَالُ بِهِ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] . ثُمَّ أَعَادَ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ مَعَ الصِّيَامِ فَقَالَ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] ثُمَّ أَطْلَقَ الْإِطْعَامَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] فَلَوْ أُرِيدَ التَّقْيِيدُ فِي الْإِطْعَامِ لَذُكِرَ كَمَا ذُكِرَ فِيهِمَا بَلْ تَخْصِيصُهُ بِالْإِطْلَاقِ بَعْدَمَا نَصَّ عَلَى تَكْرِيرِ الْقَيْدِ مَعَ التَّخْصِيصِ غَيْرُ مُكْتَفًى بِهِ لِتَقْيِيدِهِ فِي التَّحْرِيرِ قَرِينَةً عَلَى قَصْدِ الْإِطْلَاقِ فِيهِ، وَمَا قِيلَ ذَكَرَهُ مَرَّتَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى إرَادَةِ تَكَرُّرِهِ مُطْلَقًا إذْ هُوَ دُفِعَ لِتَوَهُّمِهَا اخْتِصَاصَهُ بِالْخَصْلَةِ الْأُولَى لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَعَهَا وَلِتَوَهُّمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْأَخِيرَةِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَعَهَا وَلِلتَّطْوِيلِ لَوْ أَعَادَ مَعَهَا بَعْدَهُمَا فَكَلَامُهُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قَوَانِينِ الِاسْتِدْلَالِ بَلْ هُوَ تَحْسِينٌ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِطْلَاقِ بَعْدَ تَكْرِيرِ الْقَيْدِ مَعَ أَخَوَيْهِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ انْفِرَادِهِ عَنْهُمَا بِمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوَاعِدِ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ فِيهِ إجْمَاعٌ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ. وَالثَّابِتُ فِيهِ الْآنَ قَوْلَانِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. لِأَنَّا نَقُولُ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ افْتِرَاضُ الْإِطْعَامِ شَرْطًا لِحِلِّ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا مُطْلَقًا وَقَدْ جَرَيْنَا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَمْ نُقَيِّدْ اشْتِرَاطَهُ لِلْحِلِّ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَيَكُونُ زِيَادَةً بَلْ أَوْجَبْنَا ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْإِلْحَاقِ بِالْخَصْلَتَيْنِ فِي وُجُوبِ التَّقْدِيمِ لَا فِي اشْتِرَاطِهِ لِلْحِلِّ، وَالْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ الِافْتِرَاضُ فَالْمُتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ مِنْهُ الْوُجُوبُ. لَا يُقَالُ حِينَئِذٍ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْوَصْفُ الَّذِي زَادَ بِهِ الْفَرْضُ عَلَى الْوُجُوبِ لَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْإِيجَابُ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثُبُوتُهُ قَطْعِيًّا سُمِّيَ فَرْضًا، وَلَيْسَ كَيْفِيَّةُ الثُّبُوتِ جُزْءَ مَاهِيَّةِ الْحُكْمِ بَلْ جُزْءَ مَفْهُومِ لَفْظِ الْفَرْضِ تَأَمَّلْ، وَعَمَّا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِلْحِلِّ وَاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَرُبَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الصَّوْمِ يَسْتَأْنِفُ، وَلَوْ قَرُبَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَسْتَأْنِفُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ الصِّيَامَ بِكَوْنِهِ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَأَطْلَقَ فِي الْإِطْعَامِ، وَلَا يُحْمَلُ الْإِطْعَامُ عَلَى الصِّيَامِ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْحَادِثَةُ. (قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) مُتَّصِلٌ بِالْمَرْقُوقَةِ فَلِذَا لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَهُ لَا يَجْزِيه عَنْهَا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا وَعَنْ ذَلِكَ يَصِحُّ إعْتَاقُ الرَّضِيعِ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) الْمَشْهُورُ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ لَا؟ فَعِنْدَهُ نَعَمْ وَعِنْدَنَا لَا، إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ لُزُومًا عَقْلِيًّا، إذْ الشَّيْءُ لَا يَكُونُ نَفْسَهُ مَطْلُوبًا إدْخَالُهُ فِي الْوُجُودِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا كَالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَرَدَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِالتَّتَابُعِ فِي الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهَا وَلِلْكَلَامِ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْأَصْلِ فَمِنْ غَيْرِ هَذَا، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى أَصْلِهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ التَّصْدِيقِ فِي كَفَّارَةِ الْأَمْرِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ الْقَتْلُ ثُبُوتُ مِثْلِهِ فِيمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ لِيَكُونَ التَّقْيِيدُ فِيهِ بَيَانًا فِي الْمُطْلَقِ. وَتَقْرِيرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَهِيَ الْإِعْتَاقُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوِّ اللَّهِ، إذْ الْإِعْتَاقُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيَتَحَقَّقُ أَثَرُهُ لَهُ وَهُوَ الْعِتْقُ كَالزَّكَاةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ

(وَلَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ وَلَا الْمَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ) لِأَنَّ الْفَائِتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْبَصَرُ أَوْ الْبَطْشُ أَوْ الْمَشْيُ وَهُوَ الْمَانِعُ، أَمَّا إذَا اخْتَلَّتْ الْمَنْفَعَةُ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ، حَتَّى يُجَوِّزَ الْعَوْرَاءَ وَمَقْطُوعَةَ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَا فَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ اخْتَلَّتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا مَقْطُوعَتَيْنِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ إذْ هُوَ عَلَيْهِ مُتَعَذِّرٌ، وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ، لِأَنَّ الْفَائِتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَنْفَعَةِ بَاقٍ، فَإِنَّهُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ سَمِعَ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا بِأَنْ وُلِدَ أَصَمَّ وَهُوَ الْأَخْرَسُ لَا يَجْزِيه (وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ) لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهِمَا فَبِفَوَاتِهِمَا يَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ (وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإطْلَاقَ النَّصِّ إلَّا إذَا كَانَ مَانِعًا عَقْلِيًّا مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِحْسَانِ وَالتَّمْلِيكِ تَصَدُّقًا عَلَى الْكَافِرِ بِالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ» وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْلَا أَنَّ مَقْصُودَ الْقُرْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَحْصُلُ بِذَلِكَ لَمْ تُشَرَّعْ أَصْلًا، وَلَا يَزِيدُ الْفَرْضُ عَلَى كَوْنِهِ قُرْبَةً إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ، وَلَا يَظْهَرُ لِوَصْفِ الْمَأْمُورِيَّةِ أَثَرٌ فِي مُنَافَاةِ كَوْنِ مَحَلِّهِ كَافِرًا بَعْدَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَعْنَى الْقُرْبَةِ، وَلَوْلَا النَّصُّ الَّذِي يَخُصُّ الزَّكَاةَ لَقُلْنَا بِجَوَازِ دَفْعِهَا لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّقَرُّبَ بِفِعْلِ الْفَاعِلِ يَحْصُلُ لَا بِخُصُوصِ مَحَلِّ فِعْلِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يُعْتِقُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ بِالْإِسْلَامِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ تَخْلِيصِهِ مِنْ رَقَبَةِ الرِّقِّ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ افْتِرَاقُهُ هُوَ الْكُفْرُ لِسُوءِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَظَهَرَ ثُبُوتُ مَعْنَى التَّقَرُّبِ بِإِعْتَاقِهِ. هَذَا وَيَدْخُلُ فِي الْكَافِرَةِ الْمُرْتَدُّ وَالْمُرْتَدَّةُ، وَلَا خِلَافَ فِي إعْتَاقِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، وَإِعْتَاقُ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجْزِيه عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَإِعْتَاقُ الْمُسْتَأْمَنِ يَجْزِيه. (قَوْلُهُ وَلَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ كَامِلَ الرِّقِّ مَقْرُونًا

فَكَانَ فَائِتَ الْمَنَافِعِ (وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يَجْزِيه) لِأَنَّ الِاخْتِلَالَ غَيْرُ مَانِعٍ، وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ الْمَالِ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ يَكُونُ بِبَدَلٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْزِيه لِقِيَامِ الرِّقِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا تَقْبَلُ الْكِتَابَةُ الِانْفِسَاخَ، بِخِلَافِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الِانْفِسَاخَ، فَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. لَهُ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ. وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّيَّةِ، وَجِنْسُ مَا يَبْتَغِي مِنْ الْمَنَافِعِ بِلَا بَدَلٍ، فَظَهَرَ أَنَّ اخْتِلَالَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا يَضُرُّ وَلَا ثُبُوتُ الْعَيْبِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْجِنْسِ الْمَنْفَعَةَ تَصِيرُ الرَّقَبَةُ فَائِتَةً مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ نُقْصَانِهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فَوَاتَ الزِّينَةِ عَلَى الْكَمَالِ مَعَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوهُ فِي الدِّيَاتِ فَأُلْزِمُوا بِقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ تَمَامَ الدِّيَةِ، وَجَوَّزُوا هُنَا عِتْقَ مَقْطُوعِهِمَا إذَا كَانَ السَّمْعُ بَاقِيًا، وَمِثْلُهُ فِيمَنْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ فَلَمْ تَنْبُتْ لِفَسَادِ الْمَنْبَتِ، وَمَا عَلَّلُوا بِهِ فِي جَعْلِ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ مِنْ الْفَائِتِ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَمَالِيكِ يُعَلَّلُ بِهِ فِي فَوَاتِ الزِّينَةِ عَلَى الْكَمَالِ، لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ الْمَرْقُوقُ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ بَلْ الْحُرُّ، فَعَنْ هَذَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالدِّيَةِ فِيهِ، وَتَجُوزُ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْعَوْرَاءُ وَالْعَمْشَاءُ وَالْغَشْوَاءُ وَالْبَرْصَاءُ وَالرَّمْدَاءُ وَالْخُنْثَى، لَا مَقْطُوعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَى كُلٍّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَجُوزُ مِنْ خِلَافٍ. أَمَّا مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ فَلِمَا فِي الْكِتَابِ، وَمِثْلُهُ مَقْطُوعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ غَيْرَ الْإِبْهَامَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ كَالْكُلِّ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ إصْبَعَيْنِ غَيْرَ الْإِبْهَامِ مِنْ كُلِّ يَدٍ لَا سَاقِطُ الْأَسْنَانِ الْعَاجِزُ عَنْ الْأَكْلِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كُلَّهَا فِي حَقِّهِ فَائِتَةٌ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا إنَّمَا هُوَ بِالْعَقْلِ وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَيَجْزِي عِتْقُهُ أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَفِي الْأَصَمِّ رِوَايَتَانِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَمَحْمَلُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ: الْأَصَمُّ الَّذِي وُلِدَ أَصَمَّ وَهُوَ الْأَخْرَسُ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَمَحْمَلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ. وَرَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ قُضِيَ بِدَمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عَفَى عَنْهُ لَمْ يَجُزْ. وَفِي التَّجْنِيسِ: مِنْ عَلَامَةِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَرِيضًا عَنْ ظِهَارِهِ إنْ كَانَ يُرْجَى وَيُخَافُ عَلَيْهِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ مَعْنَى هَذَا وَقَدْ مَنَعَ فَوَاتَ لُزُومِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِقَطْعِ الْإِبْهَامَيْنِ بَلْ اللَّازِمُ اخْتِلَالُهَا وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَوَجَبَ بِقَطْعِهِمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، لَكِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَبِرْهُمَا إلَّا كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصَابِعِ، وَأَيْضًا رَتَّبَ عَلَى الدَّلِيلِ نَتِيجَةً لَا يَسْتَلْزِمُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ فَوَاتَ قُوَّةِ الْبَطْشِ لَيْسَتْ لَازِمَةً وَلَا عَنْهُ فَوَاتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ ضَعْفُهَا (وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا لَا الَّذِي أَدَّى بَعْضَ الْكِتَابَةِ وَالشَّافِعِيُّ مَنَعَهُ، وَأَلْحَقَ الْمُكَاتَبَ بِالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِجَامِعِ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فَنَقَصَ الرِّقُّ فِيهِ كَمَا نَقَصَ فِيهِمَا بَلْ هُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ فِي حُرٍّ عَتَقَ مُدَبَّرَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ، وَلَا يَعْتِقُ مُكَاتَبَهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَدَلَّ أَنَّهُ أَنْقَصُ رِقًّا مِنْهُمَا وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُكُمْ الْكِتَابَةُ إنَّمَا

دِرْهَمٌ " وَالْكِتَابَةُ لَا تُنَافِيه فَإِنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ بِعِوَضٍ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِهِ، وَلَوْ كَانَ مَانِعًا يَنْفَسِخُ مُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُهُ، إلَّا أَنَّهُ تَسْلَمُ لَهُ الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQاقْتَضَتْ فَكَّ الْحَجْرِ لَا غَيْرَ كَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَاسْتَبَدَّ الْمَوْلَى بِفَسْخِهَا كَالْمَنْعِ مِنْ التِّجَارَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ لَنَا فِي الْمُدَبَّرِ، فَإِنَّ عِنْدَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَإِعْتَاقُهُ جَائِزٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَنَا، وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى وَجْهِ الْإِثْبَاتِ لِنَفْسِهِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْق بِجِهَةٍ تَقْبَلُ الْفَسْخَ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِهَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الرِّقِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَهُوَ الْحَاصِلُ هُنَا، فَإِنَّ حَاصِلَ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ عُلِّقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ لَمْ يَلْزَمْ نُقْصَانُ الرِّقِّ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ سَائِرَ التَّعْلِيقَاتِ لَا تَحْتَمِلُ الِانْفِسَاخَ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَوْلَا ثُبُوتُ النَّصِّ الْمُفِيدِ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَتَبَيَّنْ نُقْصَانُ الرِّقِّ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَاصِلَ فِيهِمَا أَيْضًا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ. وَلَوْ تَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ لَمَا تُصَوِّرَ فَسْخُهُ وَإِعَادَتُهُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ نُقْصَانَ الرِّقِّ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِقَدْرِهِ وَثُبُوتِهِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ كَثُبُوتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَذَا مَا يُقَالُ حَقُّ الْعِتْقِ كَحَقِيقَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي حَقِّهِمَا بِجِهَةٍ لَازِمَةٍ، فَظَهَرَ أَنَّ الْكِتَابَةَ إنَّمَا أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ فِي الْمَكَاسِبِ، وَذَا لَا يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ إذْ الْمَكَاسِبُ غَيْرُ الرَّقَبَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. الْمُرَادُ بِهِ كَامِلٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ وَالرِّقِّ، وَإِنَّمَا يَسْتَبِدُّ الْمَوْلَى بِفَسْخِهِ لِأَنَّهُ بِبَدَلٍ فَانْعَقَدَ لَازِمًا عَلَى الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ فُكَّ بِلَا بَدَلٍ وَعَدَمُ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ حُرٌّ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، لَكِنَّ نُقْصَانَ الْمِلْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ نُقْصَانَ الرِّقِّ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ أَعَمُّ مِنْ مَحَلِّ الرِّقِّ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الرِّقِّ فِيهِ كَالْأَمْتِعَةِ، وَالْحَيَوَانِ غَيْرَ الْآدَمِيِّ، فَفِي الْعَبْدِ رِقٌّ فِي رَقَبَتِهِ وَمِلْكٌ يُحَاذِيه فِيهَا وَيَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا مِنْ مَنَافِعِهِ وَأَكْسَابِهِ وَالْكِتَابَةُ أَوْجَبَتْ الْفَكَّ فِي حَقِّ مَا يَزِيدُ عَلَى الرَّقَبَةِ وَهُوَ مَحَلُّ الْمِلْكِ لَا الرِّقِّ فَنَقَصَ بِهَا الْمِلْكُ لَا الرِّقُّ، وَلَكِنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الرِّقَّ لِأَنَّهُ لَوْ دَارَ مَعَ الْمِلْكِ ثَبَتَ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ أَيْضًا فَكَانَ حِينَئِذٍ كَشَرْعِ السَّائِبَةِ وَلَا مُوجِبَ لِنُقْصَانِهِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُزَحْزِحِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُسَلِّمَ لَهُ الْأَكْسَابَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ عِتْقُهُ حَيْثُ وَقَعَ إنَّمَا يَقَعُ شَرْعًا بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ عَيَّنَ السَّيِّدُ جِهَةَ التَّكْفِيرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ الْأَكْسَابَ وَالْأَوْلَادَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ أَجَابَ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُكَاتَبِ وَاحِدٌ

بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ، أَوْ لِأَنَّ الْفَسْخَ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَالْكَسْبِ (وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ جَازَ عَنْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِيك فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ وَهُوَ مُوسِرٌ وَضَمِنَ قِيمَةَ بَاقِيه لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِعْتَاقُ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى تَخْتَلِفُ جِهَاتُهُ، فَفِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْمُكَاتَبِ جَعَلَ هَذَا ذَلِكَ الْعِتْقَ لِكَوْنِهِ مُتَّحِدًا، وَفِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَوْلَى جُعِلَ إعْتَاقًا بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ، وَهُوَ كَالْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَجَعَلَ هِبَتَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الزَّوْجِ عِنْدَ الطَّلَاقِ، وَفِي حَقِّهَا يُجْعَلُ تَمْلِيكًا بِهِبَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَحَقِيقَةُ الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا إذَا حَصَلَ عَيْنُ الْمَقْصُودِ فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، فَفِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ نَفْسُ حَقِّهِ لَيْسَ إلَّا بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَقَدْ حَصَلَ فَلَا يُبَالَى بِكَوْنِهِ عَنْ سَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ هُنَا عَيْنُ حَقِّ الْمُكَاتَبِ لَيْسَ إلَّا عِتْقُهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَقَدْ حَصَلَ عَيْنُهُ. الثَّانِي: انْفِسَاخُ الْكِتَابَةِ ضَرُورِيٌّ، إذْ هُوَ ضَرُورَةُ تَصْحِيحِ عِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ عَاقِلٍ مُسْلِمٍ فِيمَا فِيهِ مَانِعٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ جَوَازِ التَّحْرِيرِ لِلتَّكْفِيرِ لَا فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى الرِّضَا فِيهِمَا فَيُعْتَقُ فِي حَقِّهِمَا مُكَاتَبًا فَتُسَلَّمُ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَتَقَ مُكَاتَبًا كَوْنُ عِتْقِهِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَإِلَّا لَتَقَرَّرَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ إذْ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ يُوجِبُ تَقَرُّرَ الْبَدَلِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ جَازَ عَنْهَا) هَذَا فِي الشِّرَاءِ، أَمَّا لَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا فَنَوَى الْكَفَّارَةَ فَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ صَحَّ. الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعٍ مِنْهُ إنْ نَوَى عِنْدَ صُنْعِهِ أَنْ يَكُونَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَنَوَى كَوْنَ الْعِتْقِ وَقْتَ دُخُولِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ نَوَاهُ وَقْتَ الْيَمِينِ جَازَ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ قِيمَةَ بَاقِيه) يَعْنِي أَعْتَقَ ذَلِكَ الْبَاقِي أَيْضًا (لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) بِنَاءً عَلَى تَجْزِيءِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِعْتَاقُ نِصْفِهِ إعْتَاقُ كُلِّهِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتِقَ إنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَيَمْلِكُهُ فَصَارَ مُعْتِقًا كُلَّهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ مِلْكُهُ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَكُونَ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ،

لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالضَّمَانِ فَصَارَ مُعْتِقًا كُلَّ الْعَبْدِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ مِلْكُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ يَنْتَقِصُ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَمِثْلُهُ يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ (فَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيه عَنْهَا جَازَ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِكَلَامَيْنِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ، كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ النُّقْصَانَ تَمَكَّنَ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا فَيَكُونُ عِتْقًا بِبَدَلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْبَدَلُ حَاصِلًا لِلْمُعْتِقِ بَلْ هُوَ لِلشَّرِيكِ الْمَقْصُودِ أَنَّهُ لَزِمَ الْعَبْدَ بَدَلٌ فِي مُقَابَلَةِ تَحْرِيرِ رَقَبَتِهِ. وَعِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَإِنَّمَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَنِصْفُ الرَّقَبَةِ لَيْسَ رَقَبَةً وَقَدْ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الرِّقِّ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ فَصَارَ كَأُمِّ الْوَلَدِ بَلْ أَشَدَّ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ هَذَا، وَهَذَا النُّقْصَانُ وَقَعَ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ثُمَّ بِالضَّمَانِ مَلَكَهُ نَاقِصًا، وَمِثْلُهُ يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ كَالتَّدْبِيرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا إلَّا شَيْئًا مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فَإِنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَهُ ثُمَّ نِصْفَهُ بَعْدَ كَوْنِ الْكُلِّ عَلَى مِلْكِهِ فَتَمَكَّنَ النُّقْصَانُ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ فَيَجُوزُ، كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا أُضْحِيَّةً فَأَصَابَتْ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَاعْوَرَّتْ فَإِنْ قِيلَ: الْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ مِلْكٌ لَلْمُعْتِق زَمَانَ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ لَا نُقْصَانَ فِيهِ. قُلْنَا: الْمِلْكُ إنَّمَا يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَيَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَالْكَفَّارَةُ غَيْرُهُمَا فَلَمْ تَجُزْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعَيُّبَ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَيْسَ كَالتَّعَيُّبِ بِصُنْعِهِ مُخْتَارًا، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ الشَّاةِ مُخْتَارًا عِنْدَ الذَّبْحِ نَقُولُ لَا يَجْزِيه، فَكَانَ الْمُشْتَرِكُ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُخْتَصِّ. لِأَنَّ مَالِكَ

وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقُ الْكُلِّ فَلَا يَكُونُ إعْتَاقًا بِكَلَامَيْنِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيه لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَشَرْطُ الْإِعْتَاقِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بِالنَّصِّ، وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقُ الْكُلِّ فَحَصَلَ الْكُلُّ قَبْلَ الْمَسِيسِ. (وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ مَا يَعْتِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّصْفِ لَا يَقْدِرُ عَلَى عِتْقِهِ إلَّا بِطَرِيقِ عِتْقِ نِصْفِهِ فَحَالُهُ أَشْبَهُ بِذَابِحِ الشَّاةِ مِنْ مَالِكِهِ عَلَى الْكَمَالِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي عَدَمِ مَانِعِيَّتِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْوَاجِبِ إلَّا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَا أَطْلَقَ لَهُ الْعِتْقَ بِمَرَّةٍ وَبِمَرَّاتٍ كَانَ لَازِمُهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ النَّقْصُ بِسَبَبِهِ مُطْلَقًا لَا يُمْنَعُ. وَعَنْ هَذَا بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِجْزَاءُ فِي الصُّورَتَيْنِ، فَإِنَّ النَّقْصَ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا حَصَلَ بِسَبَبِ الْعِتْقِ كَالثَّانِي، وَالْعَمْدُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ حُكْمِيٌّ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بِالضَّمَانِ يَسْتَنِدُ فَيَظْهَرُ مِلْكُهُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ إعْتَاقِ النِّصْفِ فَيَكُونُ كَالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّمَا يَسْتَنِدُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ دُونَ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ النَّقْصَ لَمَّا كَانَ حُكْمِيًّا فَسَوَاءٌ وُجِدَ فِي مِلْكِهِ بَيْنَ إعْتَاقِ نِصْفِهِ وَإِعْتَاقِ بَاقِيه أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بَيْنَ الْإِعْتَاقَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُنَافِي كَمَالَ الرُّقْيَةِ مُنِعَ مُطْلَقًا. وَجَوَابُهُ أَنَّ مُنَافَاةَ الْكَمَالِ لَا تَسْتَلْزِمُ مُنَافَاةَ الْإِجْزَاءِ إلَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ أُهْدِرَ لِحُصُولِهِ بِسَبَبِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَضَمِنَهُ كَانَ مُشْتَرِيًا النَّاقِصَ رِقًّا مَعْنَى فَمُعْتِقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْإِهْدَارُ دُونَ الشِّرَاءِ مَعْنَى لِنَاقِصِ الرِّقِّ ثُمَّ إعْتَاقُهُ، فَحَيْثُ أُهْدِرَ كَانَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَهُ وَبَعْضَ النِّصْفِ الْآخَرِ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيه، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ النُّقْصَانِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مُضَافًا إلَى الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لِذَلِكَ النِّصْفِ فَبَطَلَ قَدْرُ النُّقْصَانِ إذَا كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْدَهُ) فَإِنْ قِيلَ: كُلُّ إعْتَاقٍ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ كَانَ إعْتَاقَ عَبْدٍ كَامِلٍ فَهُوَ بَعْدَ الْمَسِيسِ، فَلَوْ كَانَ وُقُوعُهُ بَعْدَ الْمَسِيسِ مَانِعًا مِنْ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ بَعْدَهُ أَيْضًا. قُلْنَا إنَّمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ الثَّانِي، وَبَطَلَ إعْتَاقُ ذَلِكَ النِّصْفِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِلْحِلِّ مُطْلَقًا إعْتَاقُ كُلِّ الرَّقَبَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَلَمْ يُوجَدْ فَتَقَرَّرَ الْإِثْمُ بِذَلِكَ الْمَسِيسِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ اعْتِبَارُ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الشَّرْطِ حَتَّى يَكْفِيَ مَعَهُ عِتْقُ النِّصْفِ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَيْسَ هُوَ الشَّرْطُ فَتَبْقَى الْحُرْمَةُ بَعْدَ الْمَجْمُوعِ كَمَا كَانَتْ إلَى أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَهُوَ عِتْقُ مَجْمُوعٍ بِجَمِيعِ رَقَبَةٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ مَا يَعْتِقُ إلَخْ) فِي الْخِزَانَةِ: لَا يَصُومُ مَنْ لَهُ خَادِمٌ، بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ: يَجُوزُ الصَّوْمُ مَعَ وُجُودِ الْخَادِمِ

فَكَفَّارَتُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمُ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) أَمَّا التَّتَابُعُ فَلِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَقَعُ عَنْ الظِّهَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَالصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ الْكَامِلِ. (فَإِنْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا عَامِدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّتَابُعَ، إذْ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَسِيسِ شَرْطًا فَفِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ تَقْدِيمُ الْبَعْضِ وَفِيمَا قُلْتُمْ تَأْخِيرُ الْكُلِّ عَنْهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَأَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْهُ ضَرُورَةً بِالنَّصِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْتَبَرَاهُ بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلْعَطَشِ. وَالْفَرْقُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِهِ لِعَطَشِهِ وَاسْتِعْمَالُهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْخَادِمِ، كَذَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَسْكَنَ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لِبَاسِهِ وَلِبَاسِ أَهْلِهِ، بِخِلَافِ الْخَادِمِ. وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ: يُعْتَبَرُ الْإِعْسَارُ وَالْيَسَارُ وَقْتَ التَّكْفِيرِ: أَيْ الْأَدَاءِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَحْمَدُ وَالظَّاهِرِيَّةُ: وَقْتَ الْوُجُوبِ. وَلِلشَّافِعِيِّ أَقْوَالٌ كَالْقَوْلَيْنِ. وَثَالِثُهَا يُعْتَبَرُ أَغْلَظَ الْحَالَيْنِ (قَوْلُهُ فَكَفَّارَتُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ) إنْ صَامَهُمَا بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَتَا ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا، وَإِنْ صَامَهُمَا بِغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ صَبِيحَةَ تِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ (قَوْلُهُ فَإِنْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا) كَوْنُهَا الْمُظَاهَرَ مِنْهَا قَيْدٌ فِي لُزُومِ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ لَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ الْأُخْرَى نَاسِيًا لَا يَسْتَأْنِفُ عِنْدَهُ أَيْضًا، كَمَا لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ لِلصَّوْمِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ التَّتَابُعُ وَلَا يَنْقَطِعُ بِالنِّسْيَانِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ جِمَاعِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلصَّوْمِ بَلْ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ وَتَقَدُّمُهَا عَلَى الْمَسِيسِ شَرْطُ حِلِّهَا، فَبِالْجِمَاعِ نَاسِيًا فِي أَثْنَائِهِ يَبْطُلُ حُكْمُ الصَّوْمِ الْمُتَقَدِّمُ فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ عِتْقِ نِصْفِ

وَهَذَا الشَّرْطُ يَنْعَدِمُ بِهِ فَيَسْتَأْنِفُ (وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهَا يَوْمًا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ) لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ عَادَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدِ لِصِدْقِ كَوْنِ الْمَجْمُوع قَبْلَ التَّمَاسِّ، وَكَوْنُ السَّبَبِ النِّسْيَانُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ هَذَا الْوَاقِعِ وَعَدَمِ إفْسَادِ الصَّوْمِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَتَقْيِيدُهُ لَيْلًا بِكَوْنِهِ عَامِدًا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ جِمَاعُهَا لَيْلًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا سَوَاءٌ. لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي وَطْءٍ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهَا بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ لَزِمَ الِاسْتِقْبَالُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ لِلْحَيْضِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ حَيْثُ لَا تَسْتَأْنِفُ وَتُصَلِّ قَضَاءَهَا بَعْدَ الْحَيْضِ. وَلَوْ أَفْطَرَتْ يَوْمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ لَزِمَهَا الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا أَيَّامُ الْحَيْضِ عَادَةً وَوُجُودُ شَهْرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا أَيَّامُ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ ثَابِتٌ عَادَةً كَشَهْرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا نِفَاسُهَا فَلِذَا لَوْ نَفِسَتْ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَالْقَتْلِ اسْتَقْبَلَتْ؛ كَمَا لَوْ

(وَإِنْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ لَمْ يَجُزْ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الصَّوْمُ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ (وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ لَمْ يَجْزِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ. (وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُظَاهِرُ الصِّيَامَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (وَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَسَهْلِ بْنِ صَخْرٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاضَتْ فِي خِلَالِ صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ لِأَنَّهَا تَجِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا حَيْضَ فِيهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ) أَوْقَعَهُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ وَإِنْ أَطْعَمَ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ أَعْتَقَ، فَأَفَادَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يُطْعِمَ لِيَكُونَ هُوَ الْمُكَفِّرُ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِيَارِ فِي أَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَبْدَ أَمَرَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهُ ثُمَّ إعْتَاقُهُ عَنْهُ وَإِطْعَامُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَ عَبْدَهُ مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الصِّيَامَ) أَيْ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ كِبَرٍ (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَوْ دَفَعَ مَنْصُوصًا عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمَدْفُوعُ الْكَمِّيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ مِنْهُ شَرْعًا. مِثَالُهُ دَفَعَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ الْبُرِّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ عَنْ صَاعِ تَمْرٍ وَقِيمَتُهُ تَبْلُغُهُ لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ كَانَ التَّمْرُ صَاعًا دَفَعَهُ عَنْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ جَازَ. وَهَذَا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَاهُ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِي الِاعْتِبَارِ لَزِمَ إبْطَالُ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ صِنْفٍ وَهُوَ بَاطِلٌ، ثُمَّ إذَا فَعَلَهُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِلَّذِينَ أَعْطَاهُمْ الْقَدْرَ الْمُقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ اسْتَأْنَفَ فِي غَيْرِهِمْ. لَا يُقَالُ: لَوْ كَسَا عَشْرَةَ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ثَوْبًا وَاحِدًا عَنْ الْإِطْعَامِ جَازَ عَنْهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ قَدْرَ قِيمَةِ الْإِطْعَامِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. قُلْنَا: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الْكِسْوَةُ لَا الثَّوْبُ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالثَّوْبِ، فَلَمَّا لَمْ يُصِبْ كَلَا ثَوْبٍ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْمَنْصُوصَةِ: أَعْنِي الْكِسْوَةَ أَصْلًا لَا أَنَّهُ فَاعِلٌ لَهَا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ، إذْ لَا كِسْوَةَ إلَّا بِثَوْبٍ يَصِيرُ بِهِ مُكْتَسِيًا فَيَكُونُ فَاعِلًا غَيْرَ الْمَنْصُوصِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَنْ الْمَنْصُوصِ (قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَسَهْلِ بْنِ صَخْرٍ) وَصَوَابُهُ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ، وَالْحَدِيثُ غَرِيبٌ عَنْهُمَا. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ثَلَاثِينَ صَاعًا، قَالَ: لَا أَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُعِينَنِي، فَأَعَانَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةَ عَشَرَ

«لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْيَوْمِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَيُعْتَبَرُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَوْلُهُ أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مَذْهَبُنَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ (فَإِنْ أَعْطَى مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنَوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ (وَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ مِنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ اسْتِقْرَاضٌ مَعْنًى وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاعًا، وَأَعَانَهُ النَّاسُ حَتَّى بَلَغَ» انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كَانَ بُرًّا لِأَنَّ التَّمْرَ وَالشَّعِيرَ يَجْزِي مِنْهُ صَاعٌ. وَقَدَّمْنَا عَنْ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فِي حَدِيثِ «أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ، قَالَتْ امْرَأَتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: أَحْسَنْتِ» قَالَ فِيهِ: وَالْعَرَقُ سِتُّونَ صَاعًا. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْعَرَقُ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا ، وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سِتِّينَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى مُعَاوَنَتِهَا أَيْضًا بِعَرَقٍ آخَرَ فِي الْكَفَّارَةِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: الْعَرَقُ زِنْبِيلٌ يَأْخُذُ عُشْرُ صَاعًا، وَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ فِي أَنَّهُ كَانَ الْمُخْرَجُ تَمْرًا أَوْ بُرًّا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الَّذِي فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ قَالَ «فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا وَحْشِيَّيْنِ مَا أَمْلِكُ لَنَا طَعَامًا، قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إلَيْكَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا» الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَيَكْفِي مَا أَثْبَتْنَاهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ، إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِي كَمْيَّةِ الْمُخْرَجِ فِي الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ) وَهُوَ جِنْسُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ، بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ مَعَ الْإِطْعَامِ، وَبِخِلَافِ إعْتَاقِهِ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْجِنْسَ وَإِنْ كَانَ مُتَّحِدًا لَكِنْ امْتَنَعَ الْإِجْزَاءُ فِيهِ لِمَانِعٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَنِصْفَا رَقَبَتَيْنِ لَيْسَا رَقَبَةً، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةَ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِيهَا لَا يَمْنَعُ الْأُضْحِيَّةَ مِنْ حَيْثُ هُوَ اشْتِرَاكٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْبَدَنَةِ شَرْعًا

أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَتَحَقَّقَ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ (فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا التَّمْلِيكُ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ فَلَا يَنُوبُ مَنَابَهُ الْإِبَاحَةُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِطْعَامُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطُّعْمِ وَفِي الْإِبَاحَةِ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّمْلِيكِ، أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الزَّكَاةِ الْإِيتَاءُ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْأَدَاءُ وَهُمَا لِلتَّمْلِيكِ حَقِيقَةً (وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ عَشَّاهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَا يُجْزِئُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخُبْزٍ غَيْرِ مَأْدُومٍ إنْ كَانَ خُبْزَ بُرٍّ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ سَوَاءٌ كَانَتَا غَدَاءً وَعَشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ بَعْدَ اتِّحَادِ السِّتِّينَ، فَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى آخَرِينَ لَمْ يَجُزْ، وَالْمُعْتَبَرُ الْإِشْبَاعُ. عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: لَوْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ عَشَرَةٍ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ أَوْ ثَلَاثَةً فَشَبِعُوا أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ إلَّا صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَبْعَانَ اخْتَلَفُوا، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَجَدَ إطْعَامَ عَشْرَةٍ وَقَدْ شَبِعُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إشْبَاعُهُمْ وَهُوَ لَمْ يُشْبِعْهُمْ بَلْ أَشْبَعَ التِّسْعَةَ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطُّعْمِ) الطُّعْمُ بِالضَّمِّ الطَّعَامُ. لَا يُقَالُ: الِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ التَّمْلِيكِ، فَلَوْ كَانَ الْحَقِيقَةُ مَا ذَكَرْتُمْ كَانَ لَفْظُ الْإِطْعَامِ مُشْتَرَكًا مُعَمَّمًا أَوْ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ بِجَوَازِ التَّمْلِيكِ عِنْدَنَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَالدَّلَالَةُ لَا تَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ كَمَا فِي حُرْمَةِ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ مَعَ التَّأْفِيفِ، كَذَا هَذَا، فَلَمَّا نَصَّ عَلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْأَكْلِ فَالتَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِدَفْعِ كُلِّ الْحَاجَاتِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَكْلُ

لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَامِلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ، وَفِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ. (وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَالْحَاجَةُ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَالدَّفْعُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي الْإِبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَأَمَّا التَّمْلِيكُ مِنْ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِدَفَعَاتٍ، فَقَدْ قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ، وَقَدْ قِيلَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّمْلِيكِ تَتَجَدَّدُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْوَزُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ دَافِعٌ لِحَاجَةِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يَجْزِيه، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَبِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ فِي مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَصِيرُ هُوَ سِتِّينَ فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ مُبْطِلًا لِمُقْتَضَى النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ، وَأَصْحَابُنَا أَشَدُّ مُوَافَقَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ وَلِذَا قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَنْ قَرِيبٍ وَهِيَ مَا إذَا مَلَّكَ مِسْكِينًا وَاحِدًا وَظِيفَةَ سِتِّينَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ كُلُّهُ عَنْ وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا إذَا رَمَى الْجَمَرَاتِ السَّبْعَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ تُحْتَسَبُ عَنْ رَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ أَنَّ تَفْرِيقَ الدَّفْعِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ لِعَدَدِ الْمَسَاكِينِ سِتِّينَ، فَالنَّصُّ عَلَى الْعَدَدِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُسْتَلْزِمُ، وَغَايَةُ مَا يُعْطِيه كَلَامُهُمْ أَنَّ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ يَتَكَرَّرُ الْمِسْكِينُ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا، وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُرَادٌ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ السِّتِّينَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبٍ. فَإِنْ قُلْت: الْمَعْنَى الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ يَصِيرُ اللَّفْظُ مَجَازًا وَيَنْدَرِجُ فِيهِ التَّعَدُّدُ الْحُكْمِيُّ مَا هُوَ؟ قُلْت: هُوَ الْحَاجَةُ بِكَوْنِ سِتِّينَ مِسْكِينًا مَجَازًا عَنْ سِتِّينَ حَاجَةٍ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا حَاجَاتِ سِتِّينَ أَوْ حَاجَاتِ وَاحِدٍ إذَا تَحَقَّقَ تَكَرُّرُهَا، إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ إنَّمَا هُوَ عَدَدٌ وَمَعْدُودُهُ ذَوَاتُ الْمَسَاكِينِ مَعَ عَقْلِيَّة أَنَّ الْعَدَد مِمَّا يُقْصَدُ لِمَا فِي تَعْمِيمِ الْجَمِيعِ مِنْ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ وَاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ

بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ. (وَإِنْ قَرُبَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ) لِأَنَّهُ تَعَالَى مَا شَرَطَ فِي الْإِطْعَامِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْمَسِيسِ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ أَوْ الصَّوْمِ فَيَقَعَانِ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَالْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي نَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي إذَا دَفَعَ سِتِّينَ مَرَّةً لِوَاحِدٍ فِي يَوْمِ بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ قَبْلَ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ بِتَجَدُّدِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَكَانَ إطْعَامُ الطَّاعِمِ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَرَّاتُ تَمْلِيكَاتٍ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قِيلَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ لِأَنَّ الْمُجَوَّزَ سَدُّ الْخَلَّةِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ حَاجَةُ الطُّعْمِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِصَرْفِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَالصَّرْفُ إلَيْهِ بَعْدَهُ فِي يَوْمِهِ إطْعَامُ الطَّاعِمِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ كَانَ إطْعَامًا حَقِيقَةً، وَكَالدَّفْعِ إلَى الْغَنِيِّ بِخِلَافِ الدَّفْعِ فِي كَفَّارَةٍ أُخْرَى وَدَفَعَ غَيْرَهُ مِنْ كَفَّارَةِ مِثْلِهَا لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ كَالْهَالِكِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَسَا مِسْكِينًا وَاحِدًا عَشْرَةَ أَثْوَابٍ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ لِتَفَرُّقِ الدَّفْعِ مَعَ عَدَمِ تَجَدُّدِ الْحَاجَة إلَى الثَّوْبِ بِتَجَدُّدِ الْيَوْمِ. قُلْنَا: تَجَدُّدُ الْحَاجَةِ إلَى الثَّوْبِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الثَّوْبِ بِغَيْرِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَأُقِيمَ مُضِيُّ الزَّمَانِ مَقَامَهَا لِأَنَّهَا بِهِ تَتَجَدَّدُ، وَأَدْنَى ذَلِكَ يَوْمٌ لِجِنْسِ الْحَاجَاتِ وَمَا دُونَهُ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا. وَقِيلَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْإِطْعَامِ وَفَرَغَ مِنْ ذَلِكَ نُظِرَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَالْحَاجَةُ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ فَكَانَ الْمَدْفُوعُ أَوَّلًا هَالِكًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَدْفُوعِ ثَانِيًا كَمَا هُوَ هَالِكٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى دَافِعٍ آخَرَ وَكَفَّارَةٍ أُخْرَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ زَمَانٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ إذْ الْحَالُ قِيَامُهَا، وَرُبَّمَا يُشْعِرُ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى تَوْجِيهِ هَذَا الْقَوْلِ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ. وَنُكْتَةُ جَوَابِهِ مَنْعُ كَوْنِ التَّمْلِيكِ لِمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْإِطْعَامِ اُعْتُبِرَ ذَاتُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَمْلِيكٌ بَلْ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ إطْعَامٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ الشَّيْءِ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ أَحْكَامُ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَأَمَّا مَا نَعْتَقِدُهُ فَعَدَمُ جَوَازِ التَّمْلِيكِ كَالْإِطْعَامِ لِوَاحِدٍ وَلَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ مُصَادَمَةِ النَّصِّ بِالْمَعْنَى مَعَ أَنَّهُ مَعْنًى مُعَارَضٌ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَرُبَ الَّتِي إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْمَسِيسِ، فَإِنْ قَرُبَهَا فِي خِلَالِهِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ، لِأَنَّهُ تَعَالَى مَا شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَنَحْنُ لَا نَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ كَانَ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا فِي حُكْمَيْنِ، وَالْوُجُوبُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا لِتَوَهُّمِ وُقُوعِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ التَّمَاسِّ. بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ أَوْ الصِّيَامِ فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ أَوْ قَبْلَهُ لَزِمَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، فَلَوْ جُوِّزَ لِلْعَاجِزِ عَنْهُمَا الْقُرْبَانُ قَبْلَ الْإِطْعَامِ ثُمَّ اتَّفَقَ قُدْرَتُهُ فَلَزِمَ التَّكْفِيرُ بِهِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ بَعْدَ التَّمَاسِّ وَالْمُفْضِي إلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ حَالَ قِيَامِ الْعَجْزِ بِالْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَالْكِبَرِ وَالْمَرَضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ، وَبِاعْتِبَارِ الْأُمُورِ الْمَوْهُومَةِ لَا تُثْبِتُ الْأَحْكَامَ ابْتِدَاءً بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِحْبَابُ، فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ النَّصِّ، وَلَا يُعَلَّلُ بِمَا ذُكِرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ) هُوَ تَوَهُّمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ لَا يُعْدِمُ

(وَإِذَا أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ بُرٍّ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ أَطْعَمَ ذَلِكَ عَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا) لَهُ أَنَّ بِالْمُؤَدَّى وَفَاءً بِهِمَا وَالْمَصْرُوفُ إلَيْهِ مَحِلٌّ لَهُمَا فَيَقَعُ عَنْهُمَا كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ أَوْ فَرَّقَ فِي الدَّفْعِ. وَلَهُمَا أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ وَفِي الْجِنْسَيْنِ مُعْتَبَرَةٌ، وَإِذَا لَغَتْ النِّيَّةُ وَالْمُؤَدَّى يَصْلُحُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ فَيَمْنَعُ النُّقْصَانَ دُونَ الزِّيَادَةِ فَيَقَعُ عَنْهُمَا كَمَا إذَا نَوَى أَصْلَ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ فِي الدَّفْعِ لِأَنَّهُ فِي الدَّفْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي حُكْمِ مِسْكِينٍ آخَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشْرُوعِيَّةَ فَلَمْ تَنْعَدِمْ مَشْرُوعِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِالْإِطْعَامِ بِتَخَلُّلِ الْوَطْءِ (قَوْلُهُ عَنْ ظِهَارَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ (قَوْلُهُ لَهُ إلَخْ) حَاصِلُ الْوَجْهِ أَنَّهُ وَجَدَ الْمُقْتَضِي لِلْوُقُوعِ عَنْهُمَا فَيَقَعُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلْإِجْزَاءِ عَنْهُمَا صَرْفُ الْكَمِّيَّةِ الَّتِي تُجْزِي عَنْ كَفَّارَتَيْنِ إلَى الْمَحِلِّ مَقْرُونًا بِنِيَّةِ كَوْنِهِ عَمَّا عَلَيْهِ وَالْكُلُّ ثَابِتٌ فَيَلْزَمُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِجْزَاءُ. وَالْجَوَابُ مَنْعُ وُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَإِنَّمَا يُوجَدُ لَوْ كَانَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ مُعْتَبَرَةً لَكِنَّهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِتَمْيِيزِ بَعْضِ الْأَجْنَاسِ عَنْ بَعْضٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ لَا تَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ فَبَقِيَ نِيَّةُ مُطْلَقِ الظِّهَارِ وَبِمُجَرَّدِهَا لَا يَلْزَمُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَكَوْنُ الْمَدْفُوعِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ لَا تَمْتَنِعُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بَلْ النُّقْصَانُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ الدَّفْعَ أَوْ كَانَا جِنْسَيْنِ. وَقَدْ يُقَالُ اعْتِبَارُهَا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي أَشْخَاصِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْأَجْنَاسِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاعْتِبَارِ فِيمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ أَحَدِ الظِّهَارَيْنِ بِعَيْنِهِ صَحَّ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَمْ تُلْغَ حَتَّى حَلَّ وَطْءُ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَمِنْ الصُّوَرِ ظَنُّ أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنْهَا فَأَعْتَقَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنْ غَيْرِهَا لَا يَجْزِيه، وَمِنْهَا نِيَّةُ كَفَّارَةِ عَمْرَةَ لَا يَجْزِيه عَنْ نِيَّةِ كَفَّارَةِ زَيْنَبَ، فَهُنَا أَيْضًا يَجِبُ أَنْ لَا يَلْغُوَ

(وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ لَا يَنْوِي عَنْ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ عَنْهُمَا، وَكَذَا إذَا صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا جَازَ) لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُمَا رَقَبَةً وَاحِدَةً أَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارٍ وَقُتِلَ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجْزِيه عَنْ أَحَدِهِمَا فِي الْفَصْلَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدِهِمَا فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ كُلِّ ظِهَارٍ نِصْفَ الْعَبْدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَمَا أَعْتَقَ عَنْهُمَا لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ. وَلَنَا أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِثُبُوتِ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ فِي نِيَّةِ الظِّهَارَيْنِ وَهُوَ حِلُّهُمَا مَعًا. أُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ ادِّعَاءُ ثُبُوتِ الْمَانِعِ هُنَا وَهُوَ عَدَمُ سَعَةِ الْمَحَلِّ لِلْكَفَّارَتَيْنِ، فَإِنَّ مَحَلَّهُمَا فِي الْإِطْعَامِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِسْكِينًا، بِخِلَافِ صُورَةِ الْإِعْتَاقِ، وَهَذَا يَصِيرُ أَصْلُ الْجَوَابِ تَسْلِيمُ وُجُوبِ الْمُقْتَضَى وَادِّعَاءُ الْمَانِعِ، وَهُوَ رُجُوعٌ وَانْقِطَاعٍ عَنْ طَرِيقِ الْأَوَّلِ إذْ قَدْ ظَهَرَ صِحَّةُ. اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ أَنَّ اعْتِبَارَ السِّتِّينَ مِائَةً وَعِشْرِينَ بِالنَّظَرِ إلَى كَفَّارَتَيْنِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ اعْتِبَارِ الْوَاحِدِ سِتِّينَ فِي كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ وَظِيفَةَ الْوَاحِدِ مُسْتَهْلَكَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَفَّارَةٍ أُخْرَى فَهُوَ كَمُحْتَاجٍ آخَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَمَا دَفَعَ إلَّا مَعَ قِيَامِ الْحَاجَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَفَّارَةٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) هَذَا إذَا كَانَتْ الرَّقَبَةُ مُؤْمِنَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً صَحَّ عَنْ الظِّهَارِ لِأَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَصْلُحُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ فَتَعَيَّنَتْ لِلظِّهَارِ (قَوْلُهُ فِي الْفَصْلَيْنِ) هُمَا صُورَتَا اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ السِّتْرُ وَإِذْهَابُ أَثَرِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ (جِنْسٌ وَاحِدٌ) وَلِذَا حُمِلَ الْمُطْلَقُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْأُخْرَى (قَوْلُهُ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ) فَإِنَّهُ وَقَعَ نَفْلًا إذْ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ نِصْفِ رَقَبَةٍ عَنْ كَفَّارَةٍ

فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ غَيْرُ مُفِيدٍ فَتَلْغُو، وَفِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ مُفِيدَةٌ، وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ هَاهُنَا بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. نَظِيرُ الْأَوَّلِ إذَا صَامَ يَوْمًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ عَنْ يَوْمَيْنِ يَجْزِيه عَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَنَظِيرُ الثَّانِي إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِذَلِكَ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ إمْكَانُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِأَنَّهُ بَعْدَمَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْقَلِبُ إلَى غَيْرِهِ (قَوْله فَتَلْغُو) وَإِذَا لَغَتْ بَقِيَ نِيَّةُ مُطْلَقِ الظِّهَارِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَهَا فِي الِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ إلَخْ) لَمَّا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ أَجْوِبَةُ الْمَسَائِلِ أَفَادَ مَا بِهِ اخْتِلَافٌ وَالِاتِّحَادُ، فَمَا اخْتَلَفَ سَبَبُهُ فَهُوَ الْمُخْتَلِفُ، وَمَا لَا فَالْمُتَّحِدُ، وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبَيْنِ: أَعْنِي الْوَقْتَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِجَمْعِهِمَا بَلْ بِالدُّلُوكِ وَهُوَ مِنْ يَوْمِ غَيْرِهِ مِنْ آخَرَ، بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشُهُودِ الشَّهْرِ وَهُوَ وَاحِدٌ جَامِعٌ لِلْأَيَّامِ كُلِّهَا بِلِيَالِيهَا، فَكُلُّ يَوْمٍ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِصَوْمِهِ فَكَذَا شُهُودُ الشَّهْرِ، فَاجْتَمَعَ فِي وُجُوبِ صَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبَانِ: شُهُودُ الشَّهْرِ، وَخُصُوصُ الْيَوْمِ. فَبِاعْتِبَارِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ لَا يَحْتَاجُ فِي نِيَّةِ قَضَائِهِ إلَى تَعْيِينِ يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا أَوْ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَشَرْطٌ فِي الصَّلَوَاتِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ يَوْمَيْ الظُّهْرَيْنِ يَنْوِي أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاقِطَ التَّرْتِيبِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا شَرْطُ التَّعْيِينِ فِي الْيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ فَيَنْوِي عَمَّا عَلَيَّ مِنْ الرَّمَضَانِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِصَوْمِهِمَا بِزَمَانٍ بِجَمْعِهِمَا. وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا وَعَصْرًا أَوْ ظُهْرًا وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي وَعَدَمِ الرُّجْحَانِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى ظُهْرًا وَنَفْلًا حَيْثُ يَقَعُ عَنْ الظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَرْجِيحًا بِالْأَقْوَى، وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَصْلًا لِلتَّنَافِي، وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالنَّفَلِ أَوْ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ أَوْ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ وَالتَّطَوُّعَ يَكُونُ تَطَوُّعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ النِّيَّتَيْنِ لَمَّا

[باب اللعان]

بَابُ اللِّعَانِ قَالَ (إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَطَلَتَا بِالتَّعَارُضِ بَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ وَبِهَا يَصِحُّ النَّفَلُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْأَقْوَى لِأَنَّ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فَلَغَتْ فَبَقِيَ نِيَّةُ الْقَضَاءِ. وَلَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعَ فَهُوَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ الْجِهَتَانِ بِالتَّعَارُضِ بَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ وَبِهِ تَتَأَدَّى حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ نَوَى الْقَضَاءَ وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ تَطَوُّعًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِتَدَافُعِ النِّيَّتَيْنِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ صَامَ مُطْلَقًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ أَقْوَى لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ الْقَضَاءُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَنَوَاهُ وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ أَنَّهُ عَنْ النَّذْرِ لِأَنَّهُ نَفْلٌ فِي أَصْلِهِ، وَقَدَّمْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ، وَذَكَرْنَا إلْزَامَ مُحَمَّدٍ شُرُوعَهُ فِي النَّفْلِ فِي صُورَةِ نِيَّةِ الظُّهْرِ وَالنَّفَلِ فَارْجِعْ إلَيْهِ فَلْيَكُنْ هَذَا رِوَايَةً عَنْهُ فِيهِ. هَذَا وَمِمَّا يُعَكِّرُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُمَهِّدِ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ يَمِينٍ وَظِهَارٍ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا اسْتِحْسَانًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ اللِّعَانِ] هُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ، وَالْقِيَاسُ الْمُلَاعَنَةُ، وَكَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ يَجْعَلُونَ الْفِعَالَ وَالْمُفَاعَلَةَ مَصْدَرَيْنِ قِيَاسِيَّيْنِ لِفَاعِلٍ وَهُوَ مِنْ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ مِنْهُ الْتَعَنَ: أَيْ لَعَنَ نَفْسَهُ، وَلَاعَنَ إذَا فَاعَلَ غَيْرَهُ، وَمِنْهُ رَجُلٌ لَعْنَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ إذَا كَانَ كَثِيرَ اللَّعْنِ لِغَيْرِهِ، وَبِسُكُونِهَا إذَا لَعَنَهُ النَّاسُ كَثِيرًا. قَالَ: وَالضَّيْفُ أُكْرِمُهُ فَإِنَّ مَبِيتَهُ ... حَقٌّ وَلَا تَكُ لَعْنَةً لِلنُّزُلِ وَفِي الْفِقْهِ: هُوَ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْن الزَّوْجَيْنِ مِنْ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْرُوفَةِ، سُمِّيَ ذَلِكَ بِهِ لِوُجُودِ لَفْظِ اللَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَلَمْ يُسَمَّ بِاسْمِ الْغَضَبِ، وَهُوَ أَيْضًا مَوْجُودٌ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي كَلَامِهَا وَذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ أَسْبَقُ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ وَشَرْطُهُ قِيَامُ النِّكَاحِ وَمَا سَيُذْكَرُ. وَسَبَبُهُ قَذْفُهُ زَوْجَتَهُ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ. وَرُكْنُهُ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ. وَحُكْمُهُ حُرْمَتُهَا بَعْدَ التَّلَاعُنِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَأَهْلُهُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا) بِأَنْ يَقُولَ أَنْتِ زَانِيَةٌ أَوْ رَأَيْتُك تَزْنِينَ أَوْ يَا زَانِيَةُ، هَذَا مَذْهَبُ

وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا وَطَالَبَتْهُ بِمُوجِبِ الْقَذْفِ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمْهُورِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَجِبُ بِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ بَلْ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَاسْتُضْعِفَ بِأَنَّ الْكُلَّ رَمَى بِالزِّنَا وَهُوَ السَّبَبُ فَلَا فَرْقَ (قَوْلُهُ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ أَدَائِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ وَالْمَمْلُوكَيْنِ، وَلَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَجْرِي بَيْنَ الْأَعْمَيَيْنِ وَالْفَاسِقَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا أَدَاءَ لَهُمَا. وَدَفَعَ بِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِلْفِسْقِ وَلِعَدَمِ تَمْيِيزِ الْأَعْمَى بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَهُنَا هُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ دُونَ غَيْرِهَا. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُلَاعِنُ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا) فَلَوْ كَانَتْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَدَخَلَ بِهَا فِيهِ أَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ أَوْ زَنَتْ فِي عُمُرِهَا وَلَوْ مَرَّةً أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا بِشُبْهَةٍ وَلَوْ مَرَّةً لَا يَجْرِي اللِّعَانُ. وَأَوْرَدَ مَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَهُوَ شَرْطٌ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لَا يَجْرِي اللِّعَانُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا. وَأَجَابَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ اللِّعَانَ فِي حَقِّهِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا حَتَّى يَقَعَ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إحْصَانِهَا قَذْفُهَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا شَيْئًا لَا حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا اللِّعَانِ، أَمَّا قَذْفُ الرَّجُلِ عِنْدَ عَدَمِ إحْصَانِهِ فَمُوجِبُ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ فَلَمْ يُخِلَّ قَذْفُهُ عِنْدَ عَدَمِ إحْصَانِهِ عَنْ مُوجِبٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ إذْ الْحَدُّ أَصْلُ اللِّعَانِ فَكَانَ فِي مَعْنَى اللِّعَانِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: هَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ، وَكَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَالزَّانِي لَا يُخِلُّ بِهَذَا الشَّرْطِ

وَالْأَصْلُ أَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَنَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ اللِّعَانَ يَجْرِي بَيْنَ الْفَاسِقَيْنِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ فِيهَا لِتَثْبُتَ عِفَّتُهَا لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا، فَكَذَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ قَذْفِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ تُطَالِبَ الْمَرْأَةُ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ اللِّعَانُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ هَذَا الْمَعْنَى فَلِأَيِّ مَعْنًى يَمْتَنِعُ اهـ. الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمَقْذُوفَةُ دُونَهُ فَاخْتُصَّتْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا بَعْدَ اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِهِ لَيْسَ بِمَقْذُوفٍ وَهُوَ شَاهِدٌ فَاشْتُرِطَتْ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ دُونَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ) أَيْ إنَّ الْأَصْلَ فِي اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا، وَاشْتِرَاطُ كَوْنِهَا مَعَ ذَلِكَ عَفِيفَةً مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ، فَلِذَلِكَ اشْتَرَطْنَا أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ: أَيْ قَذْفِهِ لَهَا فَلِذَلِكَ اشْتَرَطْنَا كَوْنَهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَمَقَامُ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا إنْ كَانَ صَادِقًا (قَوْلُهُ عِنْدَنَا) قُيِّدَ بِهَذَا الظَّرْفِ لِيُفِيدَ الْخِلَافَ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ اللِّعَانُ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالشَّهَادَاتِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ مِمَّنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، فَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُهُ فَهُوَ أَهْلٌ لَهُ عِنْدَهُ، فَيَجِبُ اللِّعَانُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا، وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَقَوْلِنَا، وَجْهُ قَوْلِهِ قَوْله تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] فَقَوْلِهِ تَعَالَى " بِاَللَّهِ " مُحْكَمٌ فِي الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا، فَحَمَلْنَا الْمُحْتَمَلَ عَلَى الْمُحْكَمِ، لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِي الشَّرْعِ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ يَمِينِهِ، وَكَذَا الْمَعْهُودُ شَرْعًا عَدَمُ تَكَرُّرِ الشَّهَادَةِ فِي مَوْضِعٍ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ فِي الْقَسَامَةِ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحَلُّهَا الْإِثْبَاتَاتِ وَالْيَمِينُ لِلنَّفْيِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعَلُّقُ حَقِيقَتِهِمَا بِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ أَحَدِهِمَا وَمَجَازِ الْآخَرِ، فَلْيَكُنْ الْمَجَازُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُوجِبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَقْتَضِي فِي حِلِّ مَذْهَبِهِ أَنْ يُقَالَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِأَيْمَانٍ لَا أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالشَّهَادَةِ. وَلَنَا الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَجِبُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ قَوْله تَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] أَثْبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَجَعَلَ الشُّهَدَاءَ مَجَازًا عَنْ الْحَالِفِينَ يُصَيِّرُ الْمَعْنَى: وَلَمْ يَكُنْ

{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] نَصٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ قَرَنَ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي جَانِبِهَا بِالْغَضَبِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ حَالِفُونَ إلَّا أَنْفُسُهُمْ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ مَنْ يَحْلِفُ لَهُمْ يَحْلِفُونَ هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَهَذَا فَرْعُ تَصَوُّرِ حَلْفِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ لَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا، فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْيَمِينِ حَقِيقِيًّا لِلَّفْظِ الشَّهَادَةِ كَانَ هَذَا صَارِفًا عَنْهُ إلَى مَجَازِهِ فَكَيْفَ وَهُوَ مَجَازِيٌّ لَهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا كَانَ إمْكَانُ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى الْيَمِينِ فَكَيْفَ وَهَذَا صَارِفٌ عَنْ الْمَجَازِ وَمَا تُوُهِّمَ صَارِفًا مِمَّا ذُكِرَ غَيْرُ لَازِمٍ قَوْلُهُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ لِنَفْسِهِ، وَتَكَرُّرُ الْأَدَاءِ لَا عَهْدَ بِهِمَا. قُلْنَا: وَكُلٌّ مِنْ الْحَلِفِ لِغَيْرِهِ وَالْحَلِفُ لِإِيجَابِ الْحُكْمِ لَا عَهْدَ بِهِ، بَلْ الْيَمِينُ لِدَفْعِ الْحُكْمِ، فَإِنْ جَازَ لِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْحُكْمِ كَيْفَمَا أَرَادَ شَرْعِيَّةَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي مَحِلٍّ بِعَيْنِهِ ابْتِدَاءً جَازَ لَهُ أَيْضًا شَرْعِيَّةُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، ثُمَّ هُمَا أَقْرَبُ فِي الْقَوْلِ لِعَقْلِيَّةِ كَوْنِ التَّعَدُّدِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَرْبَعًا بَدَلًا عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ إقَامَةِ شُهُودِ الزِّنَا وَهُمْ أَرْبَعٌ وَعَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِنَفْسِهِ عِنْدَ التُّهْمَةِ وَلِذَا يَثْبُتُ عِنْدَ عَدَمِهَا أَعْظَمُ ثُبُوتٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران: 18] فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُشَرَّعَ عِنْدَ ضَعْفِهَا بِوَاسِطَةِ تَأْكِيدِهَا بِالْيَمِينِ وَإِلْزَامِ اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ إنْ كَانَ كَاذِبًا مَعَ عَدَمِ تَرَتُّبِ مُوجِبِهَا فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، إذْ مُوجِبُ شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْآخَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِثَابِتٍ هُنَا، بَلْ الثَّابِتُ عِنْدَهُمَا مَا هُوَ الثَّابِتُ بِالْأَيْمَانِ وَهُوَ انْدِفَاعُ مُوجِبِ دَعْوَى كُلٍّ عَنْ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا عِنْدَهُمَا وَلَمْ نَقُلْ بِهِمَا لِأَنَّ هَذَا الِانْدِفَاعَ لَيْسَ مُوجِبَ الشَّهَادَتَيْنِ بَلْ هُوَ مُوجِبُ تَعَارُضِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ الْيَمِينُ لِلنَّفْيِ إلَى آخِرِهِ فَمَحِلُّهُ مَا إذَا وَقَعَتْ فِي إنْكَارِ دَعْوَى مُدَّعٍ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْلِفُ عَلَى إخْبَارٍ بِأَمْرِ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهَا عَلَى صِدْقِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا عَلَى مَا وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ كَمَا إذَا جَمَعَ أَيْمَانًا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ يُخْبِرُ بِهِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ كَوْنِهَا مُؤَكِّدَةً لِلشَّهَادَةِ، إذْ لَوْ اخْتَلَفَ مُتَعَلِّقُهُمَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُؤَكِّدًا لِلْآخَرِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهَا (قَوْلُهُ قَائِمَةً مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ)

إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا، وَيَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى وَلَدَهَا صَارَ قَاذِفًا لَهَا ظَاهِرًا وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ مِنْ شُبْهَةٍ، كَمَا إذَا نَفَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ الْفِرَاشُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِهِ. فَنَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ قَذْفٌ حَتَّى يَظْهَرَ الْمُلْحَقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ زَوْجَةٍ عَلَى حِدَةٍ لَا مُطْلَقًا: أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَهُ بِالزِّنَا لَا يَجْزِيه لِعَانٌ وَاحِدٌ لَهُنَّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُلَاعِنَ كُلًّا مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فَقَذَفَهُنَّ حُدَّ وَاحِدًا لَهُنَّ. وَسَبَبُ هَذَا الِافْتِرَاقِ أَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ الْوَاحِدِ لِلْكُلِّ وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُنَّ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي اللِّعَانِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَيَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ الْكُلِّ فِي كَلِمَةٍ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَلَدَهُ مِنْهَا أَوْ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَيَجِبُ إرَادَةُ هَذَا الْإِطْلَاقِ. فَقَوْلُهُ فِي الْغَايَةِ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا الْمَوْلُودِ عَلَى فِرَاشِهِ لَا يُفِيدُ، لِأَنَّهُ لَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ يَكُونُ قَذْفًا لَهَا كَمَا لَوْ نَفَاهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ مُوجِبُهُ اللِّعَانَ لِمَا تَلَوْنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ إنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا بِالزِّنَا يَقِينًا لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِهِ بِوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لَا زِنًا. أَجَابَ بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّ النَّسَبَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ مِنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ لَكِنَّ الْوَاقِعَ انْتِفَاءُ ثُبُوتِهِ إلَّا مِنْ هَذَا الْفِرَاشِ الْقَائِمِ. فَإِذَا نَفَاهُ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ نَفْيًا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مُطْلَقًا وَيَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عَنْ زِنًا فَكَانَ قَذْفًا مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنْ غَيْرِ زِنًا وَلَا عِبْرَةَ بِهِ. فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا بِهِ، ثُمَّ شَبَّهَهُ بِمَا إذَا نَفَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ: يَعْنِي فَإِنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ قَائِمًا فِيهِ وَهَذَا مُصَرَّحٌ، بِخِلَافِ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَفَى الْوَلَدَ فَقَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَمْ يَقْذِفْهَا بِالزِّنَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا بِالزِّنَا يَقِينًا لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ. وَفِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ جَعَلَا هَذَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ الَّذِي وَلَدْتِيهِ مِنْ زَوْجِك لَا يَصِيرُ قَاذِفًا مَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا

وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إيفَائِهِ فَيُحْبَسُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِضَرُورَةٍ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ، إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا أَوْ عَزَلَ عَنْهَا عَزْلًا بَيِّنًا وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ هُوَ: يَعْنِي فَيَحْتَاجُ إلَى نَفْيِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْحِقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ يَقِينًا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ، وَثُبُوتُهُ فَرْعُ اعْتِبَارِهِ قَاذِفًا فَاعْتُبِرَ كَذَلِكَ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَجَوَابُ الْفَصْلَيْنِ يُخَالِفُ جَوَابَهُمَا الْمُصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ؛ وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَقْرِيرِهِ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ إلَخْ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاذِفًا بِالْإِجْمَاعِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، كَمَا فِي نَفْيِ أَجْنَبِيٍّ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، وَنَقَلَهُ مِنْ الْإِيضَاحِ وَالْمَبْسُوطِ، ثُمَّ نَقَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. ثُمَّ أَوْرَدَ صُورَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ مَقِيسًا لَهُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زَوْجِك وَلَمْ يَمْنَعْهُ فِي جَوَابِهِ بَلْ ذَكَرَ فِي جَوَابِهِ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَمُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ كَالْإِيضَاحِ وَالْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ، قِيلَ وَذُكِرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ: لَوْ قَالَ وَجَدْت مَعَهَا رَجُلًا يُجَامِعُهَا لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحِلَّ وَالْجِمَاعَ بِشُبْهَةٍ وَالنِّكَاحَ الْفَاسِدَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا: يَعْنِي فِي نَفْيِ نَسَبِ وَلَدِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالزِّنَا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا. قُلْت: وَعَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا، بِخِلَافِ قَطْعِ نَسَبِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُ أَيْ اللِّعَانُ حَقُّهَا لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ طَلَبُهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ مَنْ لَيْسَ وَلَدُهُ عَنْهُ (فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) فَيُحَدُّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إذَا امْتَنَعَ حَدَّهُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَكَذَا إذَا لَاعَنَ فَامْتَنَعَتْ عِنْدَهُ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا، وَعِنْدَنَا تُحْبَسُ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقُهُ فَيَرْتَفِعُ سَبَبُ وُجُوبِ لِعَانِهَا وَهُوَ التَّكَاذُبُ، لِأَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا أَكْذَبَ كُلٌّ الْآخَرَ فِيمَا ادَّعَاهُ. وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ الْقَذْفَ فَهُوَ السَّبَبُ وَالتَّكَاذُبُ شَرْطٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ:

(وَلَوْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ) لِمَا تَلَوْنَا مِنْ النَّصِّ إلَّا أَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي (فَإِنْ امْتَنَعَتْ حَبَسَهَا الْحَاكِمُ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى إيفَائِهِ فَتُحْبَسُ فِيهِ. (وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَرْتَفِعُ الشَّيْنُ، وَهَذَا إذَا اعْتَرَفَ بِالْقَذْفِ، فَلَوْ أَنْكَرَ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَلَزِمَهُ اللِّعَانُ. وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أَوْ غَابَا بَعْدَ مَا عَدَلَا لَا يُقْضَى بِاللِّعَانِ وَفِي الْمَالِ يُقْضَى. بِخِلَافِ مَا لَوْ عَمِيَا أَوْ فَسَقَا أَوْ ارْتَدَّا حَيْثُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ: أَوْ تَصَدَّقَهُ فَتُحَدُّ وَهُوَ غَلَطٌ، لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً، وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا بِالذَّاتِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بَلْ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ وَلَدُهُمَا، لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمًا لِلِّعَانِ وَلَمْ يُوجَدْ وَهُوَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْقَذْفِ مُطْلَقًا الْحَدُّ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] إلَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ زَوْجَةً بِاللِّعَانِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهُ بِهِ يُحَدُّ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تُلَاعِنْ بَعْدَمَا أَوْجَبَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا اللِّعَانَ بِلِعَانِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَتْ حُدَّتْ بِالزِّنَا، وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] قُلْنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6] أَيْ فَالْوَاجِبُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ فَاءَ الْجَزَاءِ يُحْذَفُ بَعْدَهَا الْمُبْتَدَأُ كَثِيرًا فَأَفَادَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَذْفِ النِّسَاءِ اللِّعَانُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا أَوْ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ ذَلِكَ الْعَامِّ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَلْزَمُ كَوْنُ الثَّابِتِ فِي قَذْفِ الزَّوْجَاتِ إنَّمَا هُوَ هَذَا فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ عَنْ إيفَائِهِ بَلْ تُحْبَسُ لِإِيفَائِهِ كَمَا فِي كُلِّ حَقٍّ امْتَنَعَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ عَنْ إيفَائِهِ لَا يُعَاقَبُ لِيُوفِيَهُ. وَالثَّابِتُ عِنْدَنَا أَنَّهُ بِطَرِيقِ النَّسْخِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَارَنْ الْعَامُّ وَهُوَ مُخَصَّصٌ أَوَّلٌ، وَلِلْعِلْمِ بِتَأَخُّرِهِ عَلَى مَا رَوَوْا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَإِلَّا فَحُدَّ عَلَى ظَهْرِكَ» فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ الْعَذَابِ فِي الْآيَةِ الْحَدَّ لِجَوَازِ كَوْنِهِ الْحَبْسَ. وَإِذْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ هُوَ الْوَاجِبُ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ. قِيلَ: وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَةِ عُدُولٍ ثُمَّ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَحَدُّهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَاسِقًا. وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَمِينٌ عِنْدَهُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ الْمَالِ وَلَا لِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَأَسْقَطَ بِهِ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ وَأَوْجَبَ بِهِ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا لِنُكُولِهَا بِامْتِنَاعِهَا عَنْ اللِّعَانِ. قُلْنَا: هُوَ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْعَجَبِ، فَإِنَّ كَوْنَ النُّكُولِ إقْرَارًا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ مِمَّا يَنْدَفِعُ بِمَا مَعَ أَنَّهُ غَايَةُ مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ مَرَّةً، ثُمَّ إنَّ عِنْدَهُ هَذِهِ الشُّبْهَةَ أَثَّرَتْ فِي مَنْعِ إيجَابِ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ الرَّجْمَ بِهِ وَهُوَ أَغْلَظُ الْحُدُودِ وَأَصْعَبُ إثْبَاتًا وَأَكْثَرُ شُرُوطًا. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فَتُحَدُّ هِيَ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَذَفَ وَجَاءَ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَشَهِدُوا حُدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَاعَنَ الزَّوْجُ (قَوْلُهُ أَوْ كَافِرًا)

أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَاللِّعَانُ خَلَفٌ عَنْهُ (وَإِنْ) (كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا) بِأَنْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ زَانِيَةً (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ) لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِ الْإِحْصَانِ فِي جَانِبِهَا وَامْتِنَاعِ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا فَيَسْقُطُ الْحَدُّ كَمَا إذَا صَدَّقَتْهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِمْ: الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQصُورَتُهُ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ هِيَ فَقَذَفَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] يَعْنِي الْحَدَّ، وَلَا تَحْرِيرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْحَدُّ فِي حَقِّ الْعُمُومِ، وَقَدْ جُعِلَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِاللِّعَانِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا عَلَى مَا قَرَّرْنَا مِنْ ثُبُوتِ نَسْخِهَا فِي قَذْفِ الزَّوْجَاتِ فَلَا يَكُونُ لِلْحَدِّ وُجُودٌ فِي قَذْفِهِنَّ لِارْتِفَاعِ الْمَنْسُوخِ فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِيهِنَّ لِأَنَّهُ مَصِيرٌ إلَى غَيْرِ حُكْمِهِ. وَالدَّلِيلُ يَنْفِيه. وَالْحَقُّ فِي التَّقْرِيرِ أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ إنَّمَا نَسَخَ حُكْمَ الْحَدِّ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْأَزْوَاجِ لَا فِي كُلِّ زَوْجٍ لِأَنَّ لَفْظَةَ النَّاسِخِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] تُفِيدُ ذَلِكَ فَيَبْقَى الْعَامُّ مُوجِبًا حُكْمَهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْحَدِّ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ) أَيْ الزَّوْجُ (مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ أَهْلِهَا إلَّا أَنَّهَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ تَكُونَ قَدْ زَنَتْ فِي عُمُرِهَا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا، أَمَّا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ تَكُونَ عَفِيفَةً مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ؛ فَقَدْ يُقَالُ امْتِنَاعُ اللِّعَانِ لِعَدَمِ شَرْطٍ مِنْ أَيْنَ يَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَ الْحَدِّ وَالْحَالُ أَنَّهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَصَارَ كَامْتِنَاعِ اللِّعَانِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا كَانَ أَهْلًا لِلِّعَانِ بِأَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ قَذْفِهِ إلَّا اللِّعَانَ لَا الْحَدَّ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ جِهَتِهَا امْتَنَعَ تَمَامُ الْمُوجِبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ جِهَتِهِ بِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلشَّهَادَةِ فَإِنَّ حُكْمَ قَذْفِهِ لَيْسَ اللِّعَانَ بَلْ الْحَدَّ لِمَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ» ) أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَطَاءِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَرْبَعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ لَا مُلَاعَنَةَ بَيْنَهُمْ: النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْيَهُودِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ» . وَأَخْرَجَهُ

وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَقَالَ وَتَابَعَهُ: يَعْنِي تَابَعَ عُثْمَانَ بْنَ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيَّ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ. وَرُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَهُمَا إمَامَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَرْفَعَاهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ مَوْقُوفًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُمَارَةَ بْنَ مَطَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَضَعَّفَ رُوَاتَهُ. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الضَّعِيفَ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ كَانَ حُجَّةً، وَهَذَا كَذَلِكَ خُصُوصًا وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِرِوَايَةِ الْإِمَامَيْنِ إيَّاهُ مَوْقُوفًا عَلَى جَدِّ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ عَلَى التَّقْرِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ شَهَادَاتٌ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ بِمَعْنَى مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ عَبْدًا وَهِيَ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ يُحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ قَذْفَ الْأَمَةِ وَالْكَافِرَةِ لَا يُوجِبُهُ، بِخِلَافِ قَذْفِ الْمَحْدُودَةِ إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً، فَإِنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ. وَلَوْ قَذَفَ الْكَافِرَةَ أَوْ الْأَمَةَ أَجْنَبِيٌّ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الزَّوْجُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ يُلَاعِنُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ فَهُوَ أَهْلٌ لَهُ، إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا. قِيلَ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ امْتِنَاعَهُ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ كَذَلِكَ هُوَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُرَاعَى الْجِهَتَانِ، فَبِاعْتِبَارِ جِهَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَفِيَ اللِّعَانُ فَقَطْ، وَبِاعْتِبَارِ جِهَتِهَا يَسْقُطُ اللِّعَانُ فَيَتْبَعُهُ سُقُوطُ الْحَدِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَذْفَ يُوجَدُ أَوَّلًا مِنْهُ، وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلِّعَانِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ، وَالْحَدُّ إنْ لَمْ يَكُنْ، وَعَدَمُ أَهْلِيَّتِهَا مَانِعٌ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْمَانِعِ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمَانِعِيَّةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، إذْ حَقِيقَتُهُ نِسْبَتُهُ إلَى الْمُقْتَضَى بِالْمَنْعِ، وَلَا وُجُودَ لِمُقْتَضَى اللِّعَانِ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمَانِعِيَّةُ مِنْ جِهَتِهَا لِلِّعَانِ. وَالْحَدُّ إنَّمَا يَسْقُطُ بِمَا مِنْ جِهَتِهَا تَبَعًا لِسُقُوطِ اللِّعَانِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْمُسْقِطُ الْمُسْتَتْبَعَ مِنْ جِهَتِهَا فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ وَقَدْ كَانَ ثَابِتًا فَإِنَّ قَذْفَ الزَّوْجِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ

(وَصِفَةُ اللِّعَانِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي بِالزَّوْجِ فَيَشْهَدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا. يُشِيرُ إلَيْهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ثُمَّ تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا. وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا) وَالْأَصْلُ فِي مَا تَلَوْنَاهُ مِنْ النَّصِّ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظَةِ الْمُوَاجَهَةِ يَقُولُ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلِاحْتِمَالِ. وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ لَفْظَةَ الْمُغَايَبَةِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهَا الْإِشَارَةُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ. قَالَ (وَإِذَا الْتَعَنَا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَصِفَةُ اللِّعَانِ إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي تَعَيُّنِهِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فَبَدَأَ بِهَا قَبْلَهُ لَا يُعْتَدُّ بِلِعَانِهَا فَتُعِيدُ بَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَالْمَرْأَةُ بِشَهَادَتِهَا تَقْدَحُ فِي شَهَادَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ شَهَادَتِهِ، وَلِهَذَا يُبْتَدَأُ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعِي فِي بَابِ الدَّعْوَى، ثُمَّ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ لَهُ كَذَا هُنَا، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّ تَفْرِيقَهُ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ لَا شَهَادَةٌ. وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى كَتَحَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ فِي الْغَايَةِ لَوْ بَدَأَ بِلِعَانِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ النَّصَّ أَعْقَبَ الرَّمْيَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ وَشَهَادَتِهَا الدَّارِئَةِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور: 8] وَلِأَنَّ الْفَاءَ دَخَلَتْ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ عَقِبَ جُمْلَةِ الْأَفْعَالِ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ [فُرُوعٌ] قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا سَقَطَ اللِّعَانُ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيًا وَجَبَ الْحَدُّ بِالْأَوَّلِ وَاللِّعَانُ بِالثَّانِي وَيُحَدُّ لِلْأَوَّلِ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ، وَلَوْ طَلَبَتْ اللِّعَانَ أَوَّلًا يُلَاعِنُ ثُمَّ يُحَدُّ، بِخِلَافِ حُدُودِ الْقَذْفِ إذَا اجْتَمَعَتْ فَإِنَّهُ يَكْفِي حَدٌّ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَلَوْ قَالَ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ فِي الْحَالِ فَتُلَاعِنُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُحَدُّ. وَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ أَنَّهُ يُلَاعِنُ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْجَهُ قَذَفَهَا ثُمَّ زَنَتْ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَيَسْقُطُ اللِّعَانُ بِرِدَّتِهَا، وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ، وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا يَسْقُطُ اللِّعَانُ، وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلِاحْتِمَالِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَضْمُرَ مُرْجِعًا لِلضَّمِيرِ الْغَائِبِ غَيْرَهَا، بِخِلَافِ الْخِطَابِ، وَتَقُولُ هِيَ أَيْضًا إنَّك لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتنِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقِيمَهُمَا الْقَاضِي مُتَقَابِلَيْنِ وَيَقُولَ لَهُ الْتَعِنْ (قَوْلُهُ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ) يَعْنِي انْقَطَعَ احْتِمَالُ ضَمِيرِ الْغَائِبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ انْقِطَاعَ الِاحْتِمَالِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِانْفِرَادِهَا لَا احْتِمَالَ مَعَهَا. (قَوْلُهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ) حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَرِثَهُ

وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ بِتَلَاعُنِهِمَا لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِالْحَدِيثِ. وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَلْزَمُهُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ذَلِكَ الْمُلَاعِنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا، هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ (وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي انْتَسَبَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعِنِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرُ، وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا إنْسَانًا فَحُدَّ لِلْقَذْفِ، أَوْ وُطِئَتْ هِيَ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُرْجَى عَوْدُ الْإِحْصَانِ، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا صَحَّ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّ وَطْأَهَا مُحَرَّمٌ كَمَا سَتَعْلَمُ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا ثَلَاثًا خَطَأً نَفَذَ تَفْرِيقُهُ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ وَبَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَا يَنْفُذُ (قَوْلُهُ بِالْحَدِيثِ) يُشِيرُ بِهِ إلَى حَدِيثِ «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَعَلُّقَ عَدَمِ الِاجْتِمَاعِ بِاللِّعَانِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى مُشْتَقٍّ يُفِيدُ أَنَّ مَبْدَأَ اشْتِقَاقِهِ عِلَّةٌ لَهُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ دَلِيلًا مُسْتَلْزِمًا لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِ. قِيلَ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا تُلَاعِنَ الْمَرْأَةُ أَصْلًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَالتَّمَسُّكُ بِمَرْوِيِّ زُفَرَ إنَّمَا يُفِيدُ حُرْمَتُهَا بِلِعَانِهِمَا لَا بِلِعَانِ أَحَدِهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ حَالَ اشْتِغَالِهِمَا بِاللِّعَانِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ جُمْلَةً بَلْ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعَاقُبِ فَتَعَذَّرَ إرَادَتُهَا، وَأَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ إلَى حَقِيقَةِ مَا يَعْقُبُ فَرَاغَهُمَا مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ فَاعْتَبَرْنَاهُ وَبِهِ نَقُولُ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ حُرْمَتِهَا وُقُوعُ الْفُرْقَةِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُمَا لَا يَأْتَلِفَانِ بَعْدَ اللَّعْنِ فَلَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فِي ذَلِكَ بَلْ وَلَا ظَاهِرٍ، بَلْ يَجُوزُ حُدُوثُ الْأُلْفَةِ بَعْدَ غَايَةِ الْعَدَاوَةِ كَمَا يَجُوزُ بَقَاءُ الْعَدَاوَةِ، وَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يَقْتَضِ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَلْ يُوجِبُ عَلَيْهِ التَّسْرِيحَ بِإِحْسَانٍ، فَإِنَّهُ بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ، كَمَا فِيمَا إذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ فَإِنَّهَا إذَا طَالَبَتْهُ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالتَّسْرِيحِ أَوْ التَّكْفِيرِ إلَّا أَنَّ الظُّلْمَ هُنَا لَا يَنْتَهِي بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بَلْ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ هُوَ الطَّلَاقُ فَيَنْحَصِرُ أَمْرُهُ فِيهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ مَنَابَهُ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِدَفْعِ الظُّلْمِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ» . وَمَا أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ «لَمَّا فَرَغَا مِنْ لِعَانِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا عُوَيْمِرٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَهُوَ الَّذِي عَنَى الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ الْمُلَاعِنِ إلَى آخِرِهِ، لَكِنَّ الصَّوَابَ مَا عَلِمْت أَنَّ الْقَائِلَ هُوَ الرَّجُلُ نَفْسُهُ وَكَذَبْت بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد «وَقَالَ: فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ مَا صَنَعَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةً» . «قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ عُوَيْمِرًا حِينَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ فَصَارَ كَمَنْ شَرَطَ الضَّمَانَ فِي السَّلَفِ وَهُوَ يَلْزَمُهُ شُرِطَ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ، وَتَفْرِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ تَفْرِيقُ حُكْمٍ لَا لِفُرْقَةِ الزَّوْجِ. وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَسَهْلٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ: أَيْ الْفُرْقَةُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَلِعَانِهِ قَالَ: «وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ قُوتٌ وَلَا سُكْنَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطْلِيقَهُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» إنَّمَا هُوَ إنْكَارُ طَلَبِ مَالِهِ مِنْهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَمَامُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي، قَالَ: لَا مَالَ لَكَ، إنْ كُنْت صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا» فَدَلَّ تَفْرِيقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَإِنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ. وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَكُونُ تَرْكُ الْإِنْكَارِ فِيهِ حُجَّةً لِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ فِيهِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ حَتَّى يَكُونَ تَرْكُ الْإِنْكَارِ فِيهِ حُجَّةً عَلَيْنَا، إنَّمَا ادَّعَيْنَا أَنَّهُ وَقَعَ لَغْوًا فَالسُّكُوتُ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَفْسَدَةً حِينَئِذٍ لِأَنَّ السُّكُوتَ يُفِيدُ تَقْرِيرَهُ وَأَنَّهُ الْوَاقِعُ، فَلَوْ كَانَ الْوَاقِعُ، وُقُوعَ الْفُرْقَةِ قَبْلَهُ كَانَ السُّكُوتُ مُفْضِيًا إلَى الْمَفَاسِدِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَقْرِيرَ وُقُوعِهِ الْآنَ فَيَسْتَلْزِمُ فِيمَا لَوْ فُرِضَ عَدَمُ طَلَاقِهِ أَوْ تَأْخِيرُهُ الطَّلَاقَ حَتَّى اعْتَرَضَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا أَوْ تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ قَبْلَ طَلَاقِهِ وَطَلَاقِ الْقَاضِي حَتَّى ظَنَّ حِلَّهَا فَيُجَامِعُهَا قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَتَوْرِيثِ الْآخَرِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ السُّكُوتُ مَعَ الْإِفْضَاءِ إلَى مِثْلِ هَذَا، فَإِنْ دَفَعَ بِأَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي يُتَوَهَّمُ فِيهَا وُقُوعُ الْمَوْتِ يَسِيرَةٌ جِدًّا إذْ الْفَرْضُ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ عِنْدَنَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي أَنْ يُطَلِّقَ، فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ هُوَ وَالْمَوْتُ فِي مِثْلِهَا أَنْدَرُ نَادِرٍ. قُلْنَا: وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَرْكٌ هُوَ عَلَامَةُ حُكْمٍ وَلَيْسَ هُوَ مَشْرُوعًا، وَأَيْضًا فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَعْنِي أَمْضَى ذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ لَا يَقَعُ أَوْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ ثُمَّ هُوَ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ رَفَضَ إمْضَاءَهُ

(وَهُوَ خَاطِبٌ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ) عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» نَصَّ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِكْذَابَ رُجُوعٌ وَالشَّهَادَةُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَا حُكْمَ لَهَا، لَا يَجْتَمِعَانِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ التَّلَاعُنُ وَلَا حُكْمُهُ بَعْدَ الْإِكْذَابِ فَيَجْتَمِعَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّلَاقَ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَفْهَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَهُوَ خَاطِبٌ إلَخْ) يَعْنِي إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ وَالتَّفْرِيقِ وَحُدَّ أَوْ لَمْ يُحَدَّ صَارَ خَاطِبَا مِنْ الْخِطْبَةِ يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَلَّتْ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدِ النِّكَاحِ كَذَا فِي الْغَايَةِ. وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ نَظَرَ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ حُدَّ أَيْضًا، وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ اللِّعَانَ أَثَرُهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّ قَذْفَهُ وَقَعَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لِأَنَّ الْقَذْفَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ حَدَّيْنِ، بِخِلَافِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بَعْدَ اللِّعَانِ لِأَنَّ حَدَّهُ حِينَئِذٍ لِلْقَذْفِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كَلِمَاتُ اللِّعَانِ لَا الْقَذْفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أُخِذَ حُكْمُهُ مِنْ اللِّعَانِ، وَلِذَا يُحَدُّ شُهُودُ الزِّنَا إذَا رَجَعُوا لِتَضَمُّنِ شَهَادَتِهِمْ نِسْبَتَهُ إلَى الزِّنَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ ثُمَّ بَانَتْ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ حُدَّ، وَكَمَا تَحِلُّ لَهُ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ بَعْدَ اللِّعَانِ كَذَلِكَ تَحِلُّ لَهُ لَوْ قَذَفَتْ شَخْصًا أَجْنَبِيًّا بَعْدَهُ فَحُدَّتْ أَوْ قَذَفَ هُوَ أَجْنَبِيًّا فَحُدَّ أَوْ زَنَتْ أَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا حَتَّى خَرَجَ بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لِارْتِفَاعِ السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَ الْمُتَلَاعِنَانِ، وَهُوَ عَلَى مَا قَالُوا أَنَّهُ كَيْ لَا يَتَكَرَّرُ اللِّعَانُ بِأَنْ يَقْذِفَهَا مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ لَمْ يُشَرَّعْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَّا مَرَّةً فِي الْعُمُرِ أَوْ بِخُلُوِّ الْقَذْفِ عَنْ الْمُوجِبِ فِي الدُّنْيَا، فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا افْتَرَقَ الْمُتَلَاعِنَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، فَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ. وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَإِذَا كَانَتْ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَكُونُ طَلَاقًا بَلْ فَسْخًا، وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ قَائِمَةً مَعَهَا كَمَا تَكُونُ بِالظِّهَارِ أَوْ زَالَتْ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ مِنْ حِينِ تَثْبُتُ تَثْبُتُ مُؤَبَّدَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ تَوَقُّفُهَا عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي. وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَلَاعِنَانِ إذَا افْتَرَقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» وَقَدْ طَعَنَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي ثُبُوتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَمَفْهُومُ شَرْطِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ لِلْمُتَأَمِّلِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ عَلَى مُقْتَضَى رَأْيِهِ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَا: «مَضَتْ السُّنَّةُ الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» . وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ

(وَلَوْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَصُورَةُ اللِّعَانِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَكَذَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ (وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَنَفَى الْوَلَدَ ذَكَرَ فِي اللِّعَانِ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى وَلَدَ امْرَأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْنِ مَسْعُودٍ: «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَجْتَمِعَانِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ التَّلَاعُنُ وَلَا حُكْمُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ بِشَرْطِ وَصْفِيَّةِ الْمَوْضُوعِ فَهِيَ الْقَضِيَّةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْمَشْرُوطَةِ، وَلَمْ يَبْقَيَا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ اللِّعَانِ مُتَلَاعِنَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ اللِّعَانُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بِالْإِكْذَابِ لِنَفْسِهِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ إنْ كَانَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَلُزُومِ الْحَدِّ. وَحُكْمُهُ عَدَمُهُ فَقَدْ انْتَفَتْ اللَّوَازِمُ الشَّرْعِيَّةُ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ مَلْزُومِهَا شَرْعًا فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ عَدَمُ حِلِّ الِاجْتِمَاعِ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ حِلُّ الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَنْ بَيْنَهُمَا تَلَاعُنٌ قَائِمٌ حُكْمًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ إرَادَتَهُمَا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ التَّلَاعُنِ حَقِيقَةً مُتَعَذِّرٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَثْبُتُ قِيَامُ التَّلَاعُنِ حُكْمًا بِتَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ مَنْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا تَلَاعُنٌ فِي الْخَارِجِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَ الْإِكْذَابِ إذْ ارْتِفَاعُ حُكْمِهِ وَقَطْعِ اعْتِبَارِهِ قَائِمًا شَرْعًا عِنْدَ الْإِكْذَابِ لَا يُوجِبُ ارْتِفَاعَ كَوْنِهِ قَدْ تَحَقَّقَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِج، وَلَكِنْ بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَرْجَحُ، وَأَظُنُّ أَنَّ الثَّانِي أَسْرَعُ إلَى الْفَهْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ لُزُومُ الْعَدَاوَةِ وَالضَّغِينَةِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ حُصُولُ الِانْتِظَامِ فَقَدَّمْنَا مَنْعَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ سَبَبُ تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ كَوْنُ أَحَدِهِمَا صَارَ مَلْعُونًا أَوْ مَغْضُوبًا عَلَيْهِ فَمَا أَبْعَدَهُ عَنْ الْفِقْهُ، إذْ لَا شَكَّ فِي بَقَاءِ إسْلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ صَنَعَ كَبِيرَةً تَصِحُّ مِنْهَا التَّوْبَةُ بِفَضْلِ ذِي الْفَضْلِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَمْنَعُ التَّنَاكُحَ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) شَرْطُ هَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي حَالٍ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِيهِ اللِّعَانُ؛ حَتَّى لَوْ عَلِقَ وَهِيَ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ ثُمَّ عَتَقَتْ وَأَسْلَمَتْ فَنَفْيُ نَسَبِ وَلَدِهَا لَا يَنْتَفِي وَلَا تَلَاعُنَ لِأَنَّ انْتِفَاءَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا حُكْمًا لِلِّعَانِ وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ نَسَبَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ فَلَا يَنْقَطِعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ يُنْزِلُ بِالسَّحْقِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَا لِعَانَ فِي الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ، وَكَذَا فِي نَفْيِهِ مِنْ وَطِئَ بِشُبْهَةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: قَذَفَهَا بِنَفْيِ وَلَدِهَا فَلَمْ يَلْتَعِنَا حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِهِ فَحَدُّ الْأَجْنَبِيِّ يُثْبِتُ نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ قَاذِفُهَا حُكِمَ بِكَذِبِهِ (قَوْلُهُ وَصُورَةُ اللِّعَانِ) أَيْ فِي الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى نَسَبَ وَلَدِ امْرَأَةِ هِلَالٍ» )

هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ هِلَالٍ وَأَلْحَقَهُ بِهَا» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا اللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ إنَّهُ غَلَطٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِامْرَأَةِ هِلَالٍ وَلَدٌ وَلَا قَذَفَهَا بِنَفْيِ وَلَدٍ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِنَسَبِ وَلَدِهَا الَّذِي أَتَتْ بِهِ فَإِنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ الْوَطْءِ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ، وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُهُمَا وَتَتَّفِقُ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ أَرْضِهِ عِشَاءً فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَرَأَى ذَلِكَ بِعَيْنَيْهِ وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ فَلَمْ يَهِجْهُ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي جِئْتُ أَهْلِي عِشَاءً فَوَجَدْتُ عِنْدَهُمْ رَجُلًا، فَرَأَيْت بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَاءَ بِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَنَزَلَتْ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: أَبْشِرْ يَا هِلَالُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، قَالَ هِلَالٌ: قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَلِكَ مِنْ رَبِّي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْسِلُوا إلَيْهَا فَجَاءَتْ، فَتَلَا عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ وَذَكَّرَهُمَا وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا، وَقَالَ هِلَالٌ: وَاَللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ كَذَبْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَاعِنُوا بَيْنَهُمَا فَشَهِدَ هِلَالٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَإِنَّ هَذِهِ هِيَ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكَ الْعِقَابَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا كَمَا لَمْ يَجْلِدْنِي اللَّهُ عَلَيْهَا فَشَهِدَ الْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، ثُمَّ قِيلَ لَهَا اشْهَدِي، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ. فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قِيلَ لَهَا اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَإِنَّ هَذِهِ هِيَ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْكَ الْعِقَابَ، فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي، فَشَهِدَتْ الْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا،، وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ وَلَا تُرْمَى وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَضَى أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهَا عَلَيْهِ سُكْنَى وَلَا قُوتٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أَوْ أُرَيْصِحَ أُثَيْبِجَ نَاتِئَ الْأَلْيَتَيْنِ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ، فَجَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ إلَى آخِرِ الْأَوْصَافِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . قَالَ عِكْرِمَةُ: وَكَانَ وَلَدُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ وَمَا يُدْعَى لِأَبٍ، هَذِهِ فِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «سَائِرُ الْيَوْمِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي» . وَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ. قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبْطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، قَالَ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ» . فَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا وَقَطَعَ نَسَبَ الْوَلَدِ الَّذِي تَأْتِي بِهِ. وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَكَانَتْ حُبْلَى.» وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَكَذَا أَيْضًا. وَقَالَ زَوْجُهَا: مَا قَرُبْتهَا مُنْذُ

فَيَتَضَمَّنُهُ الْقَضَاءُ بِالتَّفْرِيقِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِي يُفَرِّقُ وَيَقُولُ: قَدْ أَلْزَمْته أُمَّهُ وَأَخْرَجْته مِنْ نَسَبِ الْأَبِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ (فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ حَدَّهُ الْقَاضِي) لِإِقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِفَارِ النَّخْلِ، وَعِفَارُ النَّخْلِ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تُسْقَى بَعْدَ الْإِبَارِ بِشَهْرَيْنِ، «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ بَيِّنِ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ» . وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ عُوَيْمِرٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: شَهِدَ عُوَيْمِرُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَجْلَانِيُّ وَقَدْ رَمَى امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ وَأَنْكَرَ حَمْلَهَا فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حَامِلٌ، فَرَأَيْتُهُمَا يَتَلَاعَنَانِ قَائِمَيْنِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْمَرْأَةِ وَجَاءَتْ بِهِ أَشْبَهَ النَّاسِ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ عُوَيْمِرٌ قَدْ لَامَهُ قَوْمُهُ وَقَالُوا امْرَأَةٌ لَا نَعْلَمُ فِيهِ إلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا جَاءَ الشَّبَهُ بِشَرِيكٍ عَذَرَهُ النَّاسُ، وَعَاشَ الْمَوْلُودُ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ، وَعَاشَتْ أُمُّهُ بَعْدَهُ يَسِيرًا، وَصَارَ شَرِيكٌ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ بِحَالِ سُوءٍ» . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي غَيْرُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عُوَيْمِرًا مِنْ فُسَّاقِ الْحَدِيثِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَمْ يَحُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُوَيْمِرًا فِي قَذْفِهِ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ. وَشَهِدَ عُوَيْمِرُ بْنُ الْحَارِثِ وَشَرِيكُ ابْنُ سَحْمَاءَ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَفِي هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ عَاشَ سَنَتَيْنِ وَمَاتَ وَنَسَبُهُ مَا نُسِبَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ إلَى شَرِيكٍ إلَيْهِ أَيْضًا فِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ. قِيلَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا فِي «قِصَّةِ هِلَالٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِاَلَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِي هَذَا أَنَّ اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا كَانَ بَعْدَ الْوَضْعِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ خِلَافُهُ وَهَذَا تَعَارُضٌ (قَوْلُهُ فَيَتَضَمَّنُهُ الْقَضَاءُ إلَخْ) أَيْ يَثْبُتُ قَطْعُ النَّسَبِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِي يُفَرِّقُ إلَخْ) أَيْ لَا يَثْبُتُ قَطْعُ النَّسَبِ ضِمْنًا لِلتَّفْرِيقِ، لِأَنَّهُ: أَيْ التَّفْرِيقُ بِاللِّعَانِ (قَوْلُهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ) أَيْ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ وَلَا يَنْقَطِعُ نَسَبُ ذَلِكَ الْوَلَدِ، وَلَوْ نَفَى نَسَبَ أُمِّ الْوَلَدِ انْتَفَى الْوَلَدُ وَلَا لِعَانَ وَلَا تَفْرِيقَ بِهِ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَا يَنْتَفِي النَّسَبُ عَنْهُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا صَحِيحٌ، وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى الْمُلَاعِنُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُحَدُّ، فَلَوْ كَانَ قَدْ تَرَكَ وَلَدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَوَرِثَهُ الْأَبُ لِاحْتِيَاجِ الْحَيِّ إلَى النَّسَبِ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَلَهَا ابْنٌ فَأَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ. لَهُ أَنَّ الِابْنَ يُعَيَّرُ بِانْتِفَاءِ نَسَبِ أُمِّهِ كَأَبِيهِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ثُبُوتِ نَسَبِهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ) أَيْ بَعْدَ اللِّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ

(وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) وَهَذَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ فَارْتَفَعَ حُكْمُهُ الْمَنُوطُ بِهِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ بِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَكَذَا إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ) لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ مِنْ جَانِبِهَا (وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا إلَخْ) عَلَى وِزَانِ مَا قَدَّمْنَا فِي زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ اللِّعَانِ بِالْقَذْفِ بِمُجَرَّدِ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ) قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهَا إذَا حُدَّتْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِلُّهَا لِلزَّوْجِ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَزْنِيَ تَخْرُجُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَلِذَا أَطْلَقْنَا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ بِمَعْنَى نَسَبَتْ غَيْرَهَا لِلزِّنَا وَهُوَ مَعْنَى الْقَذْفِ، فَيَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ تَوَقُّفُ حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ عَلَى حَدِّهَا لِأَنَّهُ حَدُّ الْقَذْفِ؛ وَتَوْجِيهُ تَخْفِيفِهَا أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ زَنَتْ فَحُدَّتْ، فَإِنَّ حَدَّهَا حِينَئِذٍ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ زَوَالَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِطُرُوِّ الْفِسْقِ مَثَلًا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي عَنْهَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَدَالَةِ فَلَا يَجِبُ بُطْلَانُ ذَلِكَ اللِّعَانِ السَّابِقِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ لِيَبْطُلَ أَثَرُهُ مِنْ الْحُرْمَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ) قَذْفًا مُقْتَصَرًا (فَلَا لِعَانَ) وَكَذَا لَوْ أَسْنَدَ الْقَذْفَ وَهِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا فِي الْحَالِ بِأَنْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ وَجُنُونُهَا مَعْهُودٌ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْحَالِ لِأَنَّ فِعْلَهَا لَا يُوصَفُ بِالزِّنَا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ زَنَيْت وَأَنْتِ ذِمِّيَّةٌ أَوْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَعُمُرُهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ اللِّعَانُ يَتَعَلَّقُ بِالصَّرِيحِ

فَكَذَا لَا يُلَاعِنُ الزَّوْجُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ (وَقَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللِّعَانُ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالصَّرِيحِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ الشُّبْهَةِ وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِهَا (وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ حَمْلُك مِنِّي فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِقِيَامِ الْحَمْلِ فَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: اللِّعَانُ يَجِبُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِقِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَهُ فَيَتَحَقَّقُ الْقَذْفُ. قُلْنَا: إذَا لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْحَالِ يَصِيرُ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ بِك حَمْلٌ فَلَيْسَ مِنِّي. وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا زَنَيْت وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا تَلَاعَنَا) لِوُجُودِ الْقَذْفِ حَيْثُ ذَكَرَ الزِّنَا صَرِيحًا (وَلَمْ يَنْفِ الْقَاضِي الْحَمْلَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْفِيه لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى الْوَلَدَ عَنْ هِلَالٍ وَقَدْ قَذَفَهَا حَامِلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَحَدِّ الْقَذْفِ، وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ حَتَّى يَخْتَصَّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، فَلَوْ قَالَ أَحْلِفُ مَكَانَ أَشْهَدُ لَا يَجُوزُ وَلَا شَهَادَةَ لِلْأَخْرَسِ فِي الْأَمْوَالِ فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَكَذَا إذَا كَانَتْ خَرْسَاءَ لَا لِعَانَ لِأَنَّ قَذْفَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تُصَدِّقُهُ، أَوْ لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٌ وَالظَّاهِرِيَّةُ فَيُلَاعِنُ بِالْإِشَارَةِ عِنْدَهُمْ اعْتَبَرُوهُ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ وَصِحَّةِ بَيْعِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ. وَقَالُوا: إنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ أَصَمَتَتْ، فَقِيلَ لَهَا لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا فَأَشَارَتْ: أَيْ نَعَمْ فَرَأَوْا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ. قُلْنَا: لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَلَوْ ثَبَتَ فَتَجْوِيزُ الْوَصِيَّةِ مِمَّنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِالْإِشَارَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ حَدِّهِ بِهَا فَلَا يَجُوزُ اللِّعَانُ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَعْرَى عَنْ الشُّبْهَةِ وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَهَا (قَوْلُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ، وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: اللِّعَانُ يَجِبُ إلَخْ) يَعْنِي وَقْتَ الْوَضْعِ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْقَذْفِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْقَذْفِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَاعِنُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ قَذْفُهَا حَامِلًا عَلَى مَا تُفِيدُهُ الْقِصَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (قَوْلُهُ يَصِيرُ كَالْمُعَلَّقِ) كَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا، وَلَوْ قَالَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ فَكَذَا مَا بِمَعْنَاهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةَ الْمُعَلَّقِ إذْ بِالْوِلَادَةِ يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ قَذْفًا مُنَجَّزًا لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ التَّعْلِيقِ إذْ فِي كُلِّ مَوْقُوفٍ شُبْهَةُ التَّعْلِيقِ إذْ لَا يُعْرَفُ حُكْمُهُ إلَّا بِعَاقِبَتِهِ فَهُوَ كَالشَّرْطِ فِي حَقِّنَا، وَشُبْهَةُ التَّعْلِيقِ كَحَقِيقَتِهِ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَبِثُبُوتِ الشُّبْهَةِ امْتَنَعَ لِعَانُهَا حَامِلًا عِنْدَنَا لِأَنَّ الْحَمْلَ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ كَرَدِّ الْمَبِيعَةِ بِهِ وَالْإِرْثِ لَهُ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ وَلَهُ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَهِلَالٌ لَمْ يَكُنْ قَذَفَهَا بِنَفْيِ الْحَمْلِ بَلْ بِالزِّنَا، قَالَ: وَجَدْت شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ عَلَى بَطْنِهَا يَزْنِي بِهَا. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا» إلَى

وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِتَمَكُّنِ الِاحْتِمَالِ قَبْلَهُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ قِيَامَ الْحَبَلِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ (وَإِذَا نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ أَوْ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّهْنِئَةَ وَتُبْتَاعُ آلَةُ الْوِلَادَةِ صَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQآخِرِ مَا قَدَّمْنَا فَانْظُرْهُ كَانَ إمَّا لِعِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَمْلِهَا مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ أَوْ لِأَنَّ اللِّعَانَ تَأَخَّرَ حَتَّى ظَهَرَ الْحَمْلُ، وَكَذَا أَنْكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِعَانَ هِلَالٍ بِالْحَمْلِ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، عَلَى أَنَّ كَوْنَ لِعَانِهِمَا كَانَ قَبْلَ الْوَضْعِ مُعَارَضًا، فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ وَضْعِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ بَيِّنْ، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِاَلَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا» فَلَا يُسْتَدَلُّ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ التَّعَارُضَ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَمْلِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِلِاحْتِمَالِ قَبْلَهَا، إذْ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ نَفْخًا أَوْ مَاءً. وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِي عَنْ بَعْضِ خَوَاصِّهَا أَنَّهَا ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ وَاسْتَمَرَّ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَشْكُكْنَ فِيهِ حَتَّى تَهَيَّأْنَ لَهُ بِتَهْيِئَةِ ثِيَابِ الْمَوْلُودِ ثُمَّ أَصَابَهَا طَلْقٌ وَجَلَسَتْ الدَّايَةُ تَحْتَهَا وَلَمْ تَزَلْ تَعْصِرُ الْعَصْرَةَ بَعْدَ الْعَصْرَةِ وَفِي كُلِّ عَصْرَةٍ تَجِدُ مَاءً حَتَّى قَامَتْ فَارِغَةً مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ. وَأَمَّا تَوْرِيثُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ. وَأَمَّا الْعِتْقُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَعِتْقُهُ مُعَلَّقٌ مَعْنًى. وَأَمَّا رَدُّ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِالْحَمْلِ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ ظَاهِرٌ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبْهَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَا يَقْطَعُ نَسَبَ الْحَمْلِ قَبْلَ وَضْعِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَثْبُتُ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْوَلَدِ بِالِانْفِصَالِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ لِأَنَّ الْحَمْلَ ظَاهِرٌ وَاحْتِمَالُ الرِّيحِ شُبْهَةٌ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبْهَةِ، وَيَمْتَنِعُ اللِّعَانُ بِهَا لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْحُدُودِ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْعَيْبِ (قَوْلُهُ وَإِذَا نَفَى الرَّجُلُ) الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ شَرْطِ اعْتِبَارِ صِحَّةِ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَلَهُ

نَفْيُهُ وَلَاعَنَ بِهِ وَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَاعَنَ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَصِحُّ نَفْيُهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ) لِأَنَّ النَّفْيَ يَصِحُّ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ وَلَا يَصِحُّ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِمُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْوِلَادَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ لِأَنَّ الزَّمَانَ لِلتَّأَمُّلِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ فَاعْتَبَرْنَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَبُولُهُ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتُهُ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ أَوْ ابْتِيَاعُهُ مَتَاعَ الْوِلَادَةِ أَوْ مُضِيُّ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَنْ النَّفْيِ. وَلَوْ كَانَ غَائِبًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ ثُمَّ قَدِمَ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطَانِ مُتَّفِقٌ وَمُخْتَلِفٌ، فَالْمُتَّفِقُ أَنْ لَا يَقْبَلَ التَّهْنِئَةَ أَوْ لَا يَسْكُتَ عِنْدَهَا، وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا السُّكُوتُ رِضًا، وَقَدْ أَوْرَدْنَاهَا مَنْظُومَةً فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ إذَا هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ سُكُوتُهُ قَبُولًا، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ، لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، فَالْحَاجَةُ إلَى الدَّعْوَةِ وَالسُّكُوتُ لَيْسَ دَعْوَةً، وَنَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ ثَابِتٌ مِنْهُ فَسُكُوتُهُ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي النَّفْيِ، وَالْمُخْتَلِفُ فِيهِ أَنْ يَقَعَ. أَعْنِي النَّفْيَ فِي زَمَانِ التَّهْنِئَةِ عَادَةً وَابْتِيَاعُ آلَةِ الْوِلَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَقْبَلْ تَهْنِئَةً لَا يَنْتَفِي إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا عَلَى مَا سَيُذْكَرُ، ثُمَّ لَمْ يُعَيَّنْ لَهَا مِقْدَارٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيرَهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ سَبْعَةً لِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّهْنِئَةِ. وَضَعَّفَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ. وَعِنْدَهُمَا هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْوِلَادَةِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ النَّفْيُ إلَّا عَلَى فَوْرِ الْوِلَادَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا جَوَازَ تَأْخِيرِهِ مُدَّةً يَقَعُ فِيهَا التَّأَمُّلُ لِأَنَّ النَّفْيَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِي نَفْيِ وَلَدِهِ أَوْ اسْتِلْحَاقِ غَيْرِ وَلَدِهِ وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ. «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ لَا يَجُوزُ النَّفْيُ فَجَعَلَا الْقَصِيرَةَ مُدَّةَ النِّفَاسِ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْوِلَادَةِ، وَلِذَا أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ ثَابِتَةٌ فِيهَا مِنْ عَدَمِ حِلِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْقُرْبَانِ فَكَأَنَّهُمَا فَوْرَ الْوِلَادَةِ. وَقَالَ: لَا مَعْنَى لِتَعْيِينِ مُدَّةٍ أَصْلًا لِأَنَّهَا لِلتَّأَمُّلِ، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَالْأَحْوَالُ أَيْضًا تَخْتَلِفُ فِي إفَادَتِهِ، فَاعْتَبَرْنَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَبُولُ التَّهْنِئَةِ وَهُوَ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِثْلَ أَحْسَنَ اللَّهُ بَارَكَ اللَّهُ جَزَاك اللَّهُ رَزَقَك مِثْلَهُ، أَوْ أَمَّنَ عَلَى دُعَاءِ الْمُهَنِّئِ أَوْ سُكُوتُهُ عِنْدَ تَهْنِئَتِهِ أَوْ ابْتِيَاعُهُ مَتَاعَ الْوِلَادَةِ أَوْ مُضِيُّ ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اعْتِبَارَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَا قَبْلَهُ لِجَوَازِ النَّفْيِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ التَّعْيِينِ فَيُنَافِيه قَوْلُهُ لَا مَعْنَى لِلتَّعْيِينِ أَصْلًا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا) مَا تَقَدَّمَ كَانَ إذَا كَانَ حَاضِرًا، فَلَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ تُعْتَبَرُ

قَالَ (وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنَفَى الْأَوَّلَ وَاعْتَرَفَ بِالثَّانِي يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا) لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ (وَحُدَّ الزَّوْجُ) لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِي يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَاعَنَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ بِنَفْيِ الثَّانِي وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إنَّهَا عَفِيفَةٌ ثُمَّ قَالَ هِيَ زَانِيَةٌ، وَفِي ذَلِكَ التَّلَاعُنُ كَذَا هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ بَعْدَ قُدُومِهِ عِنْدَهُمَا قَدْرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ، وَعِنْدَهُ قَدْرَ مُدَّةِ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْفِصَالِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيه إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيه أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَمَا صَارَ شَيْخًا وَهُوَ قَبِيحٌ، فَلَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَلَهُ نَفْيُهُ إلَى تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَذَكَرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ لِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ لَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ وَيُلَاعِنُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ نَفَاهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ بَلَغَهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا وَيُقْطَعُ نَسَبُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا تَوْءَمَانِ) هُمَا اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ وَحُدَّ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي) وَعَلَى هَذَا فِي أَوْلَادٍ ثَلَاثَةٍ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَنَفَى الثَّانِي (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ) وَهُوَ مَا يَتَضَمَّنُهُ الِاعْتِرَافُ بِالْأَوَّلِ (سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ) بِنَفْيِ الثَّانِي حَقِيقَةً (فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هِيَ عَفِيفَةٌ) ثُمَّ قَذَفَهَا. لَا يُقَالُ: ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ مُعْتَبَرٌ بَاقٍ بَعْدَ نَفْيِ الثَّانِي، فَبِاعْتِبَارِ بَقَائِهِ شَرْعًا يَكُونُ مُكَذِّبًا نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِ الثَّانِي وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَدَّ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَقِيقَةُ انْقِطَاعُهُ وَثُبُوتُهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ، وَالْحَدُّ لَا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ هُنَا مُتَعَيِّنًا لَا الْحُكْمِيِّ. هَذَا وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ إلَخْ هُوَ هَذَا الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ مُقَدَّرًا وَهُوَ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْ اللَّفْظِ. [فُرُوعٌ] لَوْ نَفَاهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ قُتِلَ قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَفْيُ الْمَيِّتِ لِانْتِهَائِهِ بِالْمَوْتِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَلَا يَنْتَفِي الْحَيُّ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ، وَيُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْقَذْفِ، وَاللِّعَانُ يَنْفَكُّ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ، وَيَثْبُتُ النَّفْيُ تَبَعًا لَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَلَا يُلَاعِنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ لِعَانًا يَقْطَعُ النَّسَبُ عَلَى خِلَافِ مَا وَجَبَ وَلَوْ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ وَلَاعَنَ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ لَزِمَ الْوَلَدَانِ لِأَنَّ الْقَاطِعَ وَهُوَ اللِّعَانُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي، وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ الْآنَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْكُوحَةٍ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ وَاللِّعَانُ مَاضٍ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ انْتِفَائِهِ. وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُمَا وَلَدَايَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ لِثُبُوتِ نَسَبِهِمَا، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا لِعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لِلتَّصْرِيحِ بِالرُّجُوعِ. وَلَوْ قَالَا لَيْسَا ابْنَيَّ كَانَا ابْنَيْهِ وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْقَاضِي نَفَى أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ نَفْيٌ لِلتَّوْأَمَيْنِ فَلَيْسَا وَلَدَيْهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا مُطْلَقًا بَلْ مِنْ وَجْهٍ. وَفِي النَّوَادِرِ: ذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْ بِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فَأَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَنَفَى الثَّانِي يُلَاعِنُ وَهُمْ بَنُوهُ، وَلَوْ نَفَى الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي يُحَدُّ وَهُمْ بَنُوهُ. وَكَذَا فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ إذَا أَقَرَّ بِهِ وَنَفَاهُ ثُمَّ

[باب العنين وغيره]

بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ (وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَرَّ بِهِ يُلَاعِنُ وَيَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِثُبُوتِ نَسَبِ بَعْضِ الْحَمْلِ إقْرَارٌ بِالْكُلِّ، كَمَنْ قَالَ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ مِنِّي. وَاعْلَمْ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ إذَا قُطِعَ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَأُلْحِقَ بِالْأُمِّ لَا يُعْمَلُ الْقَطْعُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي بَعْضِهَا، فَيَبْقَى النَّسَبُ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِ اللُّحُوقِ بِالْغَيْرِ حَتَّى لَا يَجُوزَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ وَلَا صَرْفُ زَكَاةِ مَالِهِ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَبِ بِقَتْلِهِ. وَإِنْ كَانَ لِابْنِ الْمُلَاعِنَةِ ابْنٌ وَلِلزَّوْجِ بِنْتٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ. وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ هَذَا الْوَلَدُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَبْقَى فِي حَقِّ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّنْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ وَهُوَ مَقْطُوعُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَوَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ ثُبُوتِهِ مِنْ الْمُلَاعِنِ وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ أُمِّهِ لَا يُنَافِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ] لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْأَصِحَّاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَعْقَبَهَا بِذِكْرِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِمَّنْ بِهِ مَرَضٌ لَهُ نِسْبَةٌ إلَى النِّكَاحِ، وَالْعِنِّينُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ مَعَ قِيَامِ الْآلَةِ، مِنْ عُنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ، أَوْ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَقْصِدُهُ لِاسْتِرْخَائِهِ، وَجَمْعُ الْعِنِّينِ عُنُنٌ، وَيُقَالُ عِنِّينٌ بَيِّنُ التَّعَنُّنِ وَلَا يُقَالُ بَيِّنُ الْعُنَّةِ، وَلَوْ كَانَ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ لَا الْبِكْرِ لِضَعْفِ الْآلَةِ أَوْ إلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ لِسِحْرٍ أَوْ لَكِبَرِ سِنٍّ فَهُوَ عِنِّينٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا. وَمَا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤْتَى بِطَسْتٍ فِيهِ مَاءٌ بَارِدٌ فَيَجْلِسُ فِيهِ الْعِنِّينُ، فَإِنْ نَقَصَ ذَكَرُهُ وَانْزَوَى عُلِمَ أَنَّهُ لَا عُنَّةَ بِهِ وَإِلَّا عُلِمَ أَنَّهُ عِنِّينٌ، لَوْ اُعْتُبِرَ عِلْمٌ فَلَا يُؤَجَّلُ سَنَةً لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لَيْسَ إلَّا لِيُعْرَفَ أَنَّهُ عِنِّينٌ عَلَى مَا قَالُوا وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ أُجِّلَ مَعَ ذَلِكَ لَكِنَّ التَّأْجِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ. وَفِي الْمُحِيطِ: آلَتُهُ قَصِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهَا إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا كَالزِّرِّ فَحُكْمُهُ كَالْمَجْبُوبِ (قَوْلُهُ أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ سَنَةً) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَأْجِيلُ

هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهَا فِي الْوَطْءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ لِعِلَّةٍ مُعْتَرَضَةٍ، وَيَحْتَمِلُ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، وَقَدَّرْنَاهَا بِالسَّنَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ. فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُصَلِّ إلَيْهَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَجْزَ بِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَفَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ الْحَاكِمِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَمَا أَجَّلَهُ بَنَى الْمُتَوَلِّي عَلَى التَّأْجِيلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ) أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَلَهَا طُرُقٌ: فَمِنْهَا طَرِيقُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِنِّينِ أَنْ يُؤَجَّلَ سَنَةً، قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ يَوْمِ يُخَاصِمُ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ أَنْ يُؤَجِّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ يُرْفَعُ إلَيْهِ الْحَدِيثُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِ أَنَّ عُمَرَ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً، زَادَ فِي لَفْظِ وَقَالَ: إنْ أَتَاهَا وَإِلَّا فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا فَأَجَّلَهُ حَوْلًا، فَلَمَّا انْقَضَى حَوْلٌ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ وَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدَيْهِمَا، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْهُ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ جَامَعَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ) أَيْ مَعْرِفَةٍ لِكَوْنِ الِامْتِنَاعِ لِعِلَّةٍ مُعْتَرِضَةٍ أَوْ آفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَقَدَّرْنَاهَا بِالسَّنَةِ لِأَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ عِلَّةٍ مُعْتَرِضَةٍ فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِهَا مِنْ غَلَبَةِ حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ أَوْ رُطُوبَةٍ أَوْ يُبُوسَةٍ، وَالسَّنَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَكُلُّ فَصْلٍ بِأَحَدِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ، فَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ، وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَهُوَ أَرْدَأُ الْفُصُولِ، وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ، وَالرَّبِيعُ حَارٌّ رَطْبٌ، فَإِنْ كَانَ مَرَضُهُ عَنْ أَحَدِ هَذِهِ تَمَّ عِلَاجُهُ فِي الْفَصْلِ الْمُضَادِّ لَهُ فِيهِ، أَوْ مِنْ كَيْفِيَّتَيْنِ فَيَتِمُّ فِي مَجْمُوعِ فَصْلَيْنِ مُضَادَّيْنِ فَكَانَتْ السَّنَةُ تَمَامَ مَا يُتَعَرَّفُ بِهِ الْحَالُ. (قَوْلُهُ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ بِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ) وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مُوجِبَ التَّفْرِيقِ كَوْنُهُ مِنْ عِلَّةٍ أَصْلِيَّةٍ

وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ حَقُّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسَّنَةُ ضُرِبَتْ لِتَعْرِيفِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا سَنَةً كَوْنُ ذَلِكَ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي الْخِلْقَةِ، إذْ الْمَرَضُ قَدْ يَمْتَدُّ سَنَةً، وَأَيْضًا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ الْمَسْحُورِ، وَمُقْتَضَى السِّحْرِ مِمَّا قَدْ يَمْتَدُّ السِّنِينَ وَبِمُضِيِّ السَّنَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْآفَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِغَرَضِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ. فَالْحَقُّ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَنُوطٌ إمَّا بِغَلَبَةِ ظَنِّ عَدَمِ زَوَالِهِ لِزَمَانَتِهِ أَوْ لِلْأَصْلِيَّةِ، وَمُضِيُّ السَّنَةِ مَعَ عَدَمِ الْوُصُولِ مُوجِبٌ لِذَلِكَ، أَوْ هُوَ عَدَمُ إيفَاءِ حَقِّهَا فَقَطْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَالسَّنَةُ جُعِلَتْ غَايَةً فِي الصَّبْرِ وَإِبْلَاءَ الْعُذْرِ شَرْعًا، حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا قُرْبُ زَوَالِهِ وَقَالَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ أَجِّلْنِي يَوْمًا لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا، فَلَوْ رَضِيَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ كَانَ لَهَا ذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لِأَنَّ السَّنَةَ غَايَةٌ فِي إبْلَاءِ الْعُذْرِ. وَقَالَ لَبِيدٌ لِابْنَتَيْهِ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: تَمَنَّى ابْنَتَايَ أَنْ يَعِيشَ أَبُوهُمَا ... وَهَلْ أَنَا إلَّا مِنْ رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرَ فَقُومَا وَقُولَا بِاَلَّذِي قَدْ عَلِمْتُمَا ... وَلَا تَخْمُشَا وَجْهًا وَلَا تَحْلِقَا الشَّعْرَ إلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدْ اعْتَذَرَ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا) هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً غَيْرَ رَتْقَاءَ، فَإِنْ كَانَتْ رَتْقَاءَ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْفُرْقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالطَّلَبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِسَيِّدِهَا. وَهُوَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ فِي الْعَزْلِ. وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ مَرَّتْ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي طَلَبِ الْفُرْقَةِ بِتَأْخِيرِ الْمُرَافَعَةِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ بَعْدَ التَّأْجِيلِ مَهْمَا أُخِّرَتْ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَتَرَجِّي الْوُصُولِ لَا بِالرِّضَا بِالْمُقَامِ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِالشَّكِّ، وَلَوْ وَجَدَتْ كَبِيرَةٌ زَوْجَهَا الصَّغِيرَ عِنِّينًا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ لِأَنَّ لِلصِّبَا أَثَرًا فِي عَدَمِ الشَّهْوَةِ. قَالَ قَاضِي خَانْ: الْغُلَامُ الَّذِي بَلَغَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا لَمْ يُصَلِّ إلَى امْرَأَتِهِ وَيَصِلُ إلَى غَيْرِهَا يُؤَجَّلُ. وَلَوْ وَجَدَتْ زَوْجَهَا الْمَجْنُونَ عِنِّينًا فَخَاصَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ يُؤَجَّلُ لِسَنَةٍ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُعْدِمُ الشَّهْوَةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا وَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ مِمَّنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ بُلُوغِهِ فَيُجْعَلُ وَلِيُّهُ خَصْمًا وَإِلَّا نَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ لِلْحَالِ. وَلَوْ جَاءَ الْوَلِيُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى رِضَاهَا بِعُنَّتِهِ وَجَبِّهِ أَوْ عَلَى عِلْمِهَا بِحَالِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ النِّكَاحُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهَا عَلَى ذَلِكَ تَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ يُفَرَّقْ وَإِلَّا فُرِّقَ، وَلَوْ وُكِّلَتْ الْكَبِيرَةُ بِالتَّفْرِيقِ وَغَابَتْ هَلْ يُفَرِّقُ بِطَلَبِ الْوَكِيلِ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجَبِّ فَادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَهُ يُرِيهِ رَجُلًا، فَإِنْ أَمْكَنَ عِلْمُهُ بِهِ بِالْجَسِّ مِنْ وَرَاءِ ثَوْبٍ لَا يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِذَلِكَ إلَّا بِكَشْفِهَا لِلضَّرُورَةِ. وَلَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ بِوَلَدٍ بَعْدَ الْفُرْقَةِ إلَى سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ، بِخِلَافِهِ فِي الْعِنِّينِ حَيْثُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَبْطُلُ التَّفْرِيقُ. ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَفْرِيقِهِ وَهُوَ بَائِنٌ فَكَيْفَ يَبْطُلُ بَعْدَ وُقُوعِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ انْتَهَى. لَكِنَّ وَجْهَ التَّفْرِقَةِ يُبْعِدُ هَذَا الْبَحْثَ، وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعُنَّةِ وَالْجَبِّ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَهُوَ مَجْبُوبٌ، بِخِلَافِ

(وَتِلْكَ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي أُضِيفَ إلَى الزَّوْجِ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فَسْخٌ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا تَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً تَعُودُ مُعَلَّقَةً بِالْمُرَاجَعَةِ. (وَلَهَا كَمَالُ مَهْرِهَا إنْ كَانَ خَلَا بِهَا) فَإِنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ (وَيَجِبُ الْعِدَّةُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا (وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتِهِ مِنْ الْعِنِّينِ فَإِنَّ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ فَيَظْهَرُ بُطْلَانُ مَعْنَى الْفُرْقَةِ، بِخِلَافِ إقْرَارِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ بِالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ بَلْ هِيَ بِهِ مُنَاقِضَةٌ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالْفُرْقَةِ. وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةُ الْعِنِّينِ أَوْ الْمَجْبُوبِ صَغِيرَةً لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرْضَى بِهِ إذَا بَلَغَتْ، وَإِذَا رَضِيَتْ قَبْلَ التَّأْجِيلِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا سَقَطَ حَقُّهَا وَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ يُجَامِعُ وَلَا يُنْزِلُ لِجَفَافِ مَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبُ الْفُرْقَةِ (قَوْلُهُ وَتِلْكَ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: فُسِخَ لِأَنَّهَا مِنْ جِهَتِهَا، وَقَاسَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الْفُرْقَةِ بِالْجَبِّ. قُلْنَا: بَلْ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ حِينَ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا امْتَنَعَ كَانَ ظَالِمًا فَنَابَ الْقَاضِي عَنْهُ فِيهِ فَيُضَافُ فِعْلُهُ إلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجَبِّ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِهِ عِنْدَنَا أَيْضًا طَلَاقٌ. (قَوْلُهُ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا) أَيْ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ التَّامَّ النَّافِذَ اللَّازِمَ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الْمُطْلَقُ فَخَرَجَ الْفَاسِدُ وَالْمَوْقُوفُ وَالْفَسْخُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِتْمَامِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا يَقْبَلُهَا كَمَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَعَلَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ لِلْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ، إذْ لَا وُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُنَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْوَطْءِ اخْتِيَارًا تَعَنُّتًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ وَطْئِهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّهَا رَضِيَتْ حَيْثُ نَكَحَتْهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ؛ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِهِ أُخْرَى عَالِمَةً بِحَالِهِ فَفِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ يَكُونُ رِضًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ رِضًا لِجَوَازِ تَأْمِيلِهَا بُرْأَهُ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ وَزَمَانَتُهُ فَتَكُونُ بِالتَّزَوُّجِ بِهِ رَاضِيَةً بِالْعَيْبِ. (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهَا إذَا طَالَبَتْهُ بِالْفُرْقَةِ أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ سَنَةً ثُمَّ بَعْدَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذَا اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا فِي هَذَا النِّكَاحِ، وَإِنْ تَصَادَفَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَلَمْ يُصَلِّ إلَيْهَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَادَّعَى الْوُصُولَ

فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ حَقِّ الْفُرْقَةِ وَالْأَصْلُ هُوَ السَّلَامَةُ فِي الْجِبِلَّةِ (ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَطَلَ حَقُّهَا، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ أُجِّلَ سَنَةً) لِظُهُورِ كَذِبِهِ (وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الزَّوْجُ، فَإِنْ حَلَفَ لَا حَقَّ لَهَا، وَإِنْ نَكَلَ يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ إنْ طَلَبَتْ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ (وَالْخَصِيُّ يُؤَجَّلُ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ) لِأَنَّ وَطْأَهُ مَرْجُوٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَتْ: لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَكَلَ أُجِّلَ سَنَةً) سَوَاءٌ جُعِلَ النُّكُولُ إقْرَارًا أَوْ بَذْلًا فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا) يَعْنِي إذَا نَكَلَ وَكَانَتْ بِكْرًا وَقْتَ النِّكَاحِ لَا يُسْتَحْلَفُ بَلْ تَرَاهَا النِّسَاءُ، (فَإِنْ قُلْنَ) : هِيَ بِكْرٌ أُجِّلَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى الِاسْتِحْلَافِ وَالنُّكُولِ لِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ قُلْنَ: خَرَجَ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى مِنْ إرَاءَتِهَا لِامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ جَعَلَهُمَا جَمْعًا وَإِلَّا فَالْوَاحِدَةُ الْعَدْلَةُ تَكْفِي نَصَّ عَلَى الْعَدَالَةِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ أَنَّهَا بِكْرٌ أَنْ تُدْفَعَ فِي فَرْجِهَا أَصْغَرُ بَيْضَةٍ لِلدَّجَاجِ، فَإِنْ دَخَلَتْ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ فَهِيَ ثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ؛ أَوْ تُكْسَرُ وَتُسْكَبُ فِي فَرْجِهَا، فَإِنْ دَخَلَ فَثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تَبُولَ عَلَى الْجِدَارِ فَبِكْرٌ وَإِلَّا فَثَيِّبٌ، وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ تَثْبُتُ الثُّيُوبَةُ وَلَا يَثْبُتُ وُصُولُهُ إلَيْهَا لِأَنَّ الْبَكَارَةَ قَدْ تَزُولُ بِغَيْرِهِ كَوَثْبَةٍ وَنَحْوِهَا؛ غَيْرَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لَوْ قَالَتْ زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِأُصْبُعِهِ وَنَحْوِهِ فَيُحَلَّفُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا، فَإِنْ حَلَفَ تَقَرَّرَ النِّكَاحُ وَإِنْ نَكَلَ أَجَّلَهُ سَنَةً ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا، ثُمَّ إذَا أُجِّلَ وَمَضَتْ السَّنَةُ فَاخْتَلَفَا فِي الْوُصُولِ فِي السَّنَةِ فَعَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ التَّأْجِيلِ، إنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرْنَ إلَيْهَا، فَإِنْ قُلْنَ: بِكْرٌ خُيِّرَتْ لِلْحَالِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالْفُرْقَةِ، وَإِنْ قُلْنَ: ثَيِّبٌ حُلِّفَ فَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ وَإِنْ حَلَفَ اسْتَقَرَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَاخْتَلَفَا قَبْلَ التَّأْجِيلِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَ اسْتَقَرَّ النِّكَاحُ، وَلَوْ نَكَلَ أُجِّلَ وَخُيِّرَتْ بَعْدَهُ، وَفِي مَوْضِعٍ تُخَيَّرُ يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ كَتَخْيِيرِ الزَّوْجِ، فَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوِنَةُ الْقَاضِي وَلَوْ مُكْرَهَةً لَزِمَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهَا اخْتِيَارُ نَفْسِهَا قَبْلَ أَنْ تُقَامَ، وَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. وَقِيلَ: تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهَا وَلَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ) لِأَنَّهُ لِتَوَقُّعِ الْوُقُوعِ وَلَا تَوَقُّعَ لِفَقْدِ الْآلَةِ، بِخِلَافِ الْخَصِيِّ لِأَنَّ آلَتَهُ قَائِمَةٌ، وَإِنَّمَا سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ أَوْ وُجِئَ، وَالْمَوْجُوءُ الَّذِي رُضَّ خُصْيَتَاهُ.

(وَإِذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ سَنَةً وَقَالَ قَدْ جَامَعْتُهَا وَأَنْكَرَتْ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ. فَإِنْ قُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ) لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهِيَ الْبَكَارَةُ (وَإِنْ قُلْنَ: هِيَ ثَيِّبٌ حَلَفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ خُيِّرَتْ) لِتَأَيُّدِهَا بِالنُّكُولِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا تُخَيَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارٌ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَفِي التَّأْجِيلِ تُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ هُوَ الصَّحِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَاشِيَةِ: إنَّهُ تُمْرَسُ الْخُصْيَتَانِ وَهُوَ صَغِيرٌ مَرْسًا شَدِيدًا ثُمَّ يُحْبَسَانِ إلَى فَوْقٍ إلَى أَنْ يَرْتَفِعَا إلَى ظَهْرِهِ فَلَا يَعُودَانِ، وَيَكُونُ نَشِيطًا كَثِيرَ الْجِمَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْبِلُ، فَالتَّوَقُّعُ وَاقِعٌ فَيُؤَجَّلُ كَالْعِنِّينِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ سَنَةً فَقَالَ إلَخْ) قَدْ وَصَلْنَا هَذَا الِاخْتِلَافَ الْكَائِنَ بَعْدَ التَّأْجِيلِ بِالِاخْتِلَافِ قَبْلَهُ فَلَا نُعِيدُهُ. [فَرْعٌ] الْخُنْثَى إذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَإِلَّا أُجِّلَ كَالْعِنِّينِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ. وَكُلُّ مَنْ تَزَوَّجَتْ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ: أَعْنِي الْمَجْبُوبَ وَالْخَصِيَّ وَالْعِنِّينَ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِحَالِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِهِ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ. (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) صَحَّحَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْوَاقِعَاتِ احْتِرَازًا عَمَّا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانَ وَظَهِيرُ الدِّينِ مِنْ اعْتِبَارِهَا شَمْسِيَّةً، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ضُرِبَتْ السَّنَةُ إلَّا لِلتَّوَصُّلِ إلَى صَلَاحِ الطَّبْعِ وَرَفْعِ الْمَانِعِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُوَافِقَ طَبْعُهُ مُدَّةَ زِيَادَةِ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ اسْمُ السَّنَةِ قَوْلًا وَأَهْلُ الشَّرْعِ إنَّمَا يَتَعَارَفُونَ الْأَشْهُرَ وَالسِّنِينَ بِالْأَهِلَّةِ، فَإِذَا أُطْلِقَ السَّنَةُ انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ، ثُمَّ زِيَادَةُ الشَّمْسِيَّةِ قِيلَ: أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا. وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ: السَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَجُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ، وَالْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ كَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ. وَرَأَيْت فِي أُخْرَى عَنْهُ فِي الشَّمْسِيَّةِ زِيَادَةُ رُبُعِ يَوْمٍ مَعَ مَا ذَكَرْنَا. وَقِيلَ: الْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ، وَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبُعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ، وَفَضَلَ مَا بَيْنَهُمَا عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَثُلُثٌ وَرُبُعُ عُشْرِ يَوْمٍ بِالتَّقْرِيبِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُحْدَثٌ. وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ أَنْ يُؤَجِّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ تُرْفَعُ الدَّعْوَى إلَيْهِ، وَكَذَا قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ عُمَرَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَتْ إلَيْهِ فَأَجَّلَهُ حَوْلًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِي السَّنَةِ، وَالْحَوْلُ لَمْ يَرِدْ حِينَئِذٍ إلَّا مَا بِالْأَهِلَّةِ هَذَا الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَأَهْلُ الشَّرْعِ، عَلَى أَنَّ الْحَوْلَ

وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَبِشَهْرِ رَمَضَانَ لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ. (وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ: الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْجُنُونُ وَالرَّتْقُ وَالْقَرْنُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا أَوْ طَبْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُعْرَفْ بِعُرْفٍ آخَرَ بَلْ اسْمُ السَّنَةِ هُوَ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ الْعُرْفَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ) أَيْ تُحْتَسَبُ مِنْ السَّنَةِ لِوُجُودِهَا فِي السَّنَةِ يَقِينًا وَعَادَةً. (قَوْلُهُ وَلَا تُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا) هَكَذَا مُطْلَقًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَرِضَ أَحَدُهُمَا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْجِمَاعَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يُحْتَسَبْ وَعَوَّضَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوَطْءِ فِيهِ بِاللَّيْلِ لَا بِالنَّهَارِ وَذَلِكَ نِصْفُهُ، فَكَذَا النِّصْفُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي رِوَايَةٍ: إنَّ مَا فَوْقَ الشَّهْرِ كَذَلِكَ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ إنَّ مُدَّةَ الْكَثْرَةِ سَنَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَكْثَرُ السَّنَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ مَرِضَ فِي السَّنَةِ يُؤَجَّلُ مِقْدَارَ مَرَضِهِ، قِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنْ حَجَّ أَوْ غَابَ هُوَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ بِفِعْلِهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مَعَهُ أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ وَالْغَيْبَةَ، وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤَجَّلُ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَانَ عُذْرًا فَيُعَوَّضُ، فَإِنْ حُبِسَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِمَهْرِهَا وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْمَجِيءِ إلَى السِّجْنِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ فِيهِ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا فِيهِ لَمْ يُحْتَسَبْ، وَلَوْ رَافَعَتْهُ وَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ الْمُرَافَعَةِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا أَمْهَلَهُ شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَجَّلَهُ فَيَتِمُّ تَأْجِيلُهُ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ، وَلَوْ ظَاهَرَ بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبٌ) إلَخْ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ

وَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ خِيَارُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَيْبٍ فِي الْآخَرِ كَائِنًا مَنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي زِيَادٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَأَتْبَاعِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنَّهُ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ بِعَيْبٍ فِي الْمَرْأَةِ وَلَهَا هِيَ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ فِيهِ مِنْ الثَّلَاثَةِ: الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِكُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلِلزَّوْجِ الْفَسْخُ إذَا كَانَتْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَيْضًا، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي خَمْسَةِ عُيُوبٍ وَلَهَا فِي ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَشُرَيْحٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَتُرَدُّ بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ، وَكَذَا مِنْ الْجُنُونِ الْعَارِضِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ مَشْهُورَاتٌ، وَالْفِعْلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَيُقَالُ: جُذِمَ وَجُنَّ إذَا أُصِيبَ بِالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ فَهُوَ مَجْذُومٌ وَمَجْنُونٌ، وَلَا يُقَالُ أَجْذَمَ وَلَا أَجَنَّ وَلَا مَجَنَ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَفْعُولِينَ مِنْ أَفْعَلَ جَاءَتْ عَلَى مَفْعُولٍ دُونَ مُفْعَلٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ: مَجْنُونٌ وَمَحْزُونٌ مِنْ أَحْزَنَهُ اللَّهُ وَمَحْبُوبٌ مِنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ. وَجَاءَ عَلَى الْقِيَاسِ فِي الثَّالِثِ فِي قَوْلِ عَنْتَرَةَ: وَلَقَدْ نَزَلْتَ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحِبِّ الْمُكْرِمِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْبَرَصِ بَرِصَ فَهُوَ أَبْرَصُ وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ. وَالرَّتْقُ الِالْتِحَامُ، وَالرَّتْقَاءُ هِيَ الْمُلْتَحِمَةُ. وَالْقَرْنُ فِي الْفَرْجِ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ عَظْمٌ يَمْنَعُ سُلُوكَ الذَّكَرِ. لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ مَعَهُ النَّصُّ فِي بَعْضِهَا وَقِيَاسَانِ فِي بَعْضِهَا، وَثَلَاثَةُ أَقْيِسَةٍ فِي بَعْضِهَا. أَمَّا النَّصُّ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ بِالْعَيْبِ، قَالَ لِلَّتِي رَأَى بِكَشْحِهَا وَضَحًا أَوْ بَيَاضًا الْحَقِي بِأَهْلِكِ» فَصَارَ الْبَرَصُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فَيُلْحَقُ بِهِ الْجُذَامُ وَالْجُنُونُ بِجَامِعِ أَنَّهُ يَنْفِرُ مِنْهُ الطَّبْعُ، وَهَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُهُ مُنَافِرًا لِلطَّبْعِ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي جِنْسِ الْعِلَلِ وَهُوَ الْمُبَاعَدَةُ وَالْفِرَارُ فَإِنَّهُ جِنْسُ الْفَسْخِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» وَيُجْعَلُ الْجُذَامُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْفِرَارَ يَثْبُتُ بِفَسْخِ نِكَاحِهِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» وَيُقَاسُ النِّكَاحُ عَلَى الْبَيْعِ فِي أَنَّهُ يُفْسَخُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ، هَكَذَا عُيُوبٌ يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ فَيُفْسَخُ بِهَا النِّكَاحُ. وَقِيَاسًا عَلَى الْمَجْبُوبِ بِجَامِعِ الْمَنَافِعِ الْحِسِّيِّ فِيمَا بِهِ فَوَاتُ مَقْصُودِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا. قُلْنَا: أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَلَدٌ اسْمُهُ زَيْدٌ، وَلَوْ سَلِمَ جَازَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا. فَإِنَّ لَفْظَ الْحَقِي بِأَهْلِك مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إبَاحَةِ الْقُرْبِ مِنْهُ وَيُثَابُ بِخِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ وَعَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَتَخَلَّفَ فِيهِ جُزْءُ الْمُقْتَضِي أَوْ شَرْطُهُ، فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ بِفَسْخِ الْعَيْبِ مَعَ وُقُوعِهِ فِي عَقْدِ مُبَادَلَةٍ تَجْرِي فِيهِ الْمُشَاحَحَةُ وَالْمُضَايَقَةُ بِسَبَبِ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْمَالَ وَهَذَا شَرْطُ عَمَلِهِ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَالَ فِيهِ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا شُرِعَ إظْهَارًا لِخَطَرِ الْمَحَلِّ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ لَوَازِمُهُمَا حَتَّى

وَلَنَا أَنَّ فَوْتَ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَاخْتِلَالُهُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَالْمُسْتَحَقُّ هُوَ التَّمَكُّنُ وَهُوَ حَاصِلٌ. (وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجِ جُنُونٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ فَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهَا الْخِيَارُ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، بِخِلَافِ جَانِبِهِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِالطَّلَاقِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْجُبّ وَالْعُنَّةُ لِأَنَّهُمَا يُخِلَّانِ بِالْمَقْصُودِ الْمَشْرُوعِ لَهُ النِّكَاحُ، وَهَذِهِ الْعُيُوبُ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِهِ فَافْتَرَقَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَزْنَاهُ عَلَى عَبْدٍ وَفَرَسٍ غَيْرِ مَوْصُوفَيْنِ وَصُحِّحَ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَرْأَةِ أَصْلًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ عِنْدَهُ، ثُمَّ إذَا رَأَى عِنْدَنَا الْمَبِيعَ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارٌ لِلرَّدِّ بِلَا عَيْبٍ، وَفِي النِّكَاحِ لَوْ شَرَطَ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَالْعُذْرَةِ وَالْجَمَالِ وَالرَّشَاقَةِ وَصِغَرِ السِّنِّ فَظَهَرَتْ ثَيِّبًا عَجُوزًا شَوْهَاءَ ذَاتَ شِقٍّ مَائِلٍ وَلُعَابٍ سَائِلٍ وَأَنْفٍ هَائِلٍ وَعَقْلٍ زَائِلٍ لَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِهِ، وَفِي الْبَيْعِ يُفْسَخُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلَوْ هَزْلًا بِالْبَيْعِ لَمْ يَنْفُذْ، وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْهَزْلِ بِهِ فَكَذَلِكَ بِالْعِلَّةِ مُقْتَضِيَةٌ. وَعَنْ الْقِيَاسِ الثَّالِثِ بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ امْتِنَاعُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِجَوَازِ أَنْ يَطَأَ مَنْ هِيَ كَذَلِكَ وَيَتَوَصَّلَ بِالشَّقِّ وَالْقَطْعِ وَالْكَسْرِ غَايَةَ مَا فِيهِ نَفْرَةٌ طَبِيعِيَّةٌ، وَذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ الْفَسْخَ اتِّفَاقًا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِهِ فِي ذَاتِ الْقُرُوحِ الْفَاحِشَةِ وَالْبَخَرِ الزَّائِدِ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ وُجُودَ ذَلِكَ فِيهِ يُعَطِّلُ عَلَيْهَا الْمَقْصُودَ لِلْوَجْهِ الْأَخِيرِ بِخِلَافِهِ هُوَ إذَا وَجَدَهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ، وَوَجْهُ دَفْعِهِ وَدَفْعِ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَمَنْ مَعَهُ انْتَظَمَهُ دَفْعُ أَقْيِسَةِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ مَعَهُ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ فَوَاتَ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ) فَاخْتِلَالُهُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَ الْفَسْخَ، وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ النِّكَاحَ مُؤَقَّتٌ بِحَيَاتِهِمَا. (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ هَذِهِ الْعُيُوبِ لَا تُوجِبُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الثَّمَرَاتِ فَلَا تُرَاعَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى الْكَمَالِ وَالْمُسْتَحَقُّ التَّمَكُّنُ: أَيْ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ لِمَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا مُخِلَّانِ بِالْمَقْصُودِ) فَإِنْ قِيلَ: جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَطْءِ

[باب العدة]

بَابُ الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الثَّمَرَاتِ فَلَا يَجِبُ الْخِيَارُ بِفَوَاتِهِ وَهُنَا جَعَلَهُ الْمَقْصُودَ الْمَشْرُوعَ لَهُ النِّكَاحُ حَتَّى يَتَخَيَّرْنَ فِي الْفَسْخِ بِالْجَبِّ وَهَذَا تَدَافَعَ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْوَطْءَ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ كَوْنِهِ مَقْصُودًا بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ النِّكَاحُ وَهُوَ التَّوَالُدُ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، وَجِهَةُ كَوْنِهِ ثَمَرَةً حَيْثُ يَصِحُّ نِكَاحُهُ الرَّضِيعَةَ وَالْآيِسَةَ، فَلَوْ كَانَ مَقْصُودًا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ هَؤُلَاءِ كَمَا لَمْ يَجُزْ اسْتِئْجَارُ الْجَحْشِ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ الثَّمَرَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ بِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ إزَالَةَ قَيْدِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ لَا الْفَسْخِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إزَالَتِهِ بِهِ وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِغَيْرِهَا، وَجِهَةُ الْمَقْصُودِيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِهِ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَا الِاسْتِمْتَاعِ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُطَّرِدٌ لَا يَخْتَلِفُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِدَّةِ] لَمَّا تَرَتَّبَتْ الْعِدَّةُ فِي الْوُجُودِ عَلَى فُرْقَةِ النِّكَاحِ شَرْعًا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ وُجُوهِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخُلْعِ

(وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَهِيَ حُرَّةٌ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاللِّعَانِ وَأَحْكَامِ الْعِنِّينِ. وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: الْإِحْصَاءُ، عَدَّدْت الشَّيْءَ عِدَّةً أَحْصَيْته إحْصَاءً، وَتُقَالُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْدُودِ. وَفِي الشَّرْعِ: تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ الْمُتَأَكِّدِ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَشُبْهَتِهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى النِّكَاحِ، وَالتَّرَبُّصُ الِانْتِظَارُ: أَيْ انْتِظَارُ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِالتَّزَوُّجِ، فَحَقِيقَتُهُ تَرْكٌ لَزِمَ شَرْعًا لِلتَّزَوُّجِ وَالزِّينَةِ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ شَرْعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ سَبَبَهَا النِّكَاحُ أَوْ شُبْهَتُهُ، وَزَوَالُ ذَلِكَ شَرْطٌ، فَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِنَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ إلَى الشَّرْطِ، وَلَمْ يَخُصَّ الزَّوَالَ بِالنِّكَاحِ فَعَمَّ الشُّبْهَةَ. قَالُوا: وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ تَثْبُتُ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكَفُّ عَنْهَا، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعِدَّتَيْنِ إذَا وَجَبَتَا مِنْ رَجُلَيْنِ تَتَدَاخَلَانِ وَتَنْقَضِيَانِ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي التَّعْرِيفِ: هِيَ لُزُومُ التَّرَبُّصِ لِيَصِحَّ كَوْنُ رُكْنِهَا حُرُمَاتٍ لِأَنَّهَا لُزُومَاتٌ، وَإِلَّا فَالتَّرَبُّصُ فِعْلُهَا، وَالْحُرُمَاتُ أَحْكَامُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ نَفْسُهُ فِعْلًا، وَعَلَى هَذَا فَمَا قِيلَ فِي حُكْمِهَا: إنَّهُ حُرْمَةُ نِكَاحِهَا غَيْرَهُ عَلَيْهَا وَحُرْمَةُ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ الَّتِي تَثْبُتُ عِنْدَ الْفُرْقَةِ رُكْنُهَا بِالْفَرْضِ، وَحُرْمَةَ تَزَوُّجِهَا بِغَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الْحُرُمَاتِ. نَعَمْ حُرْمَةُ تَزَوُّجِهِ بِأُخْتِهَا لَا يَكُونُ مِنْ الْعِدَّةِ فَهُوَ حُكْمُ عِدَّتِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَعْنَى كَوْنِهِ هُوَ أَيْضًا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِدَّةِ وُجُوبُ الِانْتِظَارِ بِالتَّزَوُّجِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ فِي الْعِدَّةِ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّ اسْمَ الْعِدَّةِ اصْطِلَاحًا خُصَّ بِتَرَبُّصِهَا لَا بِتَرَبُّصِهِ، وَلَزِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ لَا يُقَالَ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَسَنُوَضِّحُهُ. (قَوْلُهُ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا) وَلَيْسَ رَجْعِيًّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَشَمَلَ طَلَاقَ الْخُلْعِ وَاللِّعَانِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ. قِيلَ: هُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهَا فَسْخٌ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ ابْتِدَاءٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخُلْعِ مِنْ الْمَنْقُولِ، إذْ لَا يُعْقَلُ كَوْنُ الْفَسْخِ مُؤَثِّرًا فِي نُقْصَانِ الْعِدَّةِ وَلِذَا وَجَبَتْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ فِي الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِ، وَخِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: عِدَّةُ الْمُلَاعِنَةِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ وَهِيَ حُرَّةٌ مِمَّنْ تَحِيضُ) يَعْنِي مِمَّنْ تَحَقَّقَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَبْلُغْ الْإِيَاسَ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحِيضُ أَوْ لَا، حَتَّى لَوْ بَلَغَتْ فَرَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ انْقَطَعَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تُنْقَضْ عِدَّتُهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ تَدْخُلَ الْإِيَاسَ فَتَعْتَدَّ بِالْأَشْهُرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَرَ شَيْئًا أَوْ رَأَتْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ. (قَوْلُهُ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ) مِثْلَ الِانْفِسَاخِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالرِّدَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالِافْتِرَاقِ عَنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. (قَوْلُهُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ مِنْ رُكْنِ الْعِدَّةِ كَوْنُ عِدَّتِهَا فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَتَعَلَّقُ فِي مُدَّةِ الْأَقْرَاءِ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَنْتَصِبَ لِأَنَّهُ ظَرْفُ زَمَانٍ مُعْرَبٌ وَاقِعٌ خَبَرًا عَنْ اسْمِ مَعْنَى

وَالْفُرْقَةُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَهِيَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا. وَالْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَطْهَارُ وَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا إذْ هُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَلَا يَنْتَظِمُهُمَا جُمْلَةُ لِلِاشْتِرَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْوَ السَّفَرُ غَدًا، لَكِنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِطْلَاقُ الْمَجَازِيُّ: أَعْنِي إطْلَاقَ الْعِدَّةِ عَلَى نَفْسِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ مَأْخُوذٌ مِنْهُ تَأَكُّدُهُ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِشُهْرَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] . (قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ إذَا كَانَتْ إلَخْ) لَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِلَا طَلَاقٍ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الطَّلَاقَ أَلْحَقَهُ بِالْجَامِعِ، وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَهَا فِي مَحَلِّ النَّصِّ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَجَعَلَهُ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ حَيْثُ قَالَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ: يَعْنِي يَتَبَادَرُ لِكُلِّ مَنْ عَلِمَ بِوُجُوبِ تَرْكِهَا النِّكَاحَ إلَى أَنْ تَحِيضَ عِنْدَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لِذَلِكَ، ثُمَّ كَوْنُهَا تَجِبُ لِلتَّعَرُّفِ لَا يَنْفِي أَنْ تَجِبَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا أَيْضًا تَجِبُ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ بِإِظْهَارِ الْأَسَفِ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِ الْأَقْرَاءِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ الثَّانِي كَمَا فِي صُوَرِ الْأَشْهُرِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يُؤْسَفُ عَلَيْهِ إذْ لَا إلْفَ وَلَا مَوَدَّةَ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَالْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَطْهَارُ) وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ مَالِكٍ، وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَوْلُنَا: هُوَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْعَبَادِلَةِ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ قَوْلُ الْعَبَادِلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَتَعَارَضَ عَنْهُ النَّقْلُ، وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ، وَثَبَتَهُ عَنْهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَأَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، فَعَارَضَ رِوَايَتَهُمْ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنَانِ بْنُ حَيِيٍّ وَالْبَصْرِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَشَرِيكٌ الْقَاضِي وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَرَبِيعَةُ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَإِسْحَاقُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَحْمَدُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْخَيَّاطُ الْمَدَنِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُمْ إذَا كَانَتْ الْحَيْضُ لَا الطُّهْرُ، إلَّا إذَا كَانَ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، فَأَمَّا الطُّهْرُ فَيُحْتَسَبُ بِهِ فَيَلْزَمُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِالشُّرُوعِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ فَعَلَيْهِ يَنْبَنِي قَوْلُهُمْ. (قَوْلُهُ إذْ هُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ مِنْ

وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى، إمَّا عَمَلًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَطْهَارِ وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُبْقِ جَمْعًا، أَوْ لِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِهِ (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمِ التَّجَوُّزِ بِاسْمِ الضِّدِّ فِي الضِّدِّ، وَقَدْ وَضَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعُقُولِ مِنْ مُعَرِّفَاتِ الِاشْتِرَاكِ كَوْنَ الْمَفْهُومِينَ مُتَضَادَّيْنِ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْأَدَبِ فَيَجُوزُ لِغَرَضِ تَمْلِيحٍ أَوْ تَهَكُّمٍ كَمَا يُقَالُ لِلْجَبَانِ أَسَدٌ أَوْ تَفَاؤُلٌ كَالْبَصِيرِ عَلَى الْأَعْمَى إلَّا أَنَّهَا بِمَعْزِلٍ مِنْ إفَادَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا. وَأَمَّا فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَقَامِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعَمَّمْ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعْيِينِ الْمُرَادِ مِنْ الْمَفْهُومَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ الِانْتِظَامِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِتَضَادِّ الْمَفْهُومَيْنِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا كَانَ أَحْسَنَ. لَا يُقَالُ: اسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي مُتَعَدِّدٍ اشْتِرَاكُهُ لَفْظًا لِجَوَازِ التَّوَاطُؤِ وَالتَّشْكِيكِ. لَا يُقَالُ: لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَمَا ذَكَرْت لِلتَّضَادِّ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا وَافَقَ مَنْ جَعَلَ تَعْمِيمَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَنْعِ تَعْمِيمِهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ التَّضَادِّ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَتَعْتَدُّ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدَ تَحْقِيقُهُمَا فِي زَمَنِ أَحَدِهِمَا. (قَوْلُهُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى) ادَّعَى الْحَقِيقَةَ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ وَاقْتَصَرَ عَلَى دَلِيلِ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ لِعَدَمِ دَلِيلٍ مُعْتَمَدٍ لَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: الْقُرْءُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ هُوَ الَّذِي يُجْمَعُ عَلَى قُرُوءٍ، وَأَمَّا بِمَعْنَى الْحَيْضِ فَإِنَّمَا يُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَكَوْنُهُ وَقَعَ فِي شِعْرِ الْأَعْشَى كَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمٌ غَزْوَةً ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا

(وَكَذَا الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ) بِآخِرِ الْآيَةِ. (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَكُمِّلَتْ فَصَارَتْ حَيْضَتَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ بِقَوْلِهِ: لَوْ اسْتَطَعْتُ لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُورِثَةٌ مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةٌ ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا أَيْ مِنْ أَطْهَارِهِنَّ لِلشُّغْلِ بِالْغَزْوِ عَنْهُنَّ لَا يُوجِبُ الْقَصْرَ عَلَيْهِ. وَكَذَا الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكَ» لَا يُوجِبُهُ. فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «فَانْظُرِي فَإِذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي وَصَلِّي» وَقَالَ الرَّاجِزُ: يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ وَضَبٍّ فَارِضٍ ... لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ يُرِيدُ كَحَيْضِ الْحَائِضِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ عَدَاوَتَهُ تَجْتَمِعَ فَتَهِيجُ كَدَمِ الْحَائِضِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي بَيْتِ الْأَعْشَى: إنَّ الْمُرَادَ نَفْسَ الزَّمَانِ: أَيْ زَمَانِ الطُّهْرِ، فَإِنَّ الْقُرْءَ يُقَالُ لِلزَّمَانِ لُغَةً كَثِيرًا، وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» يَعْنِي بِالْأَمْرِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِيهِ بِمَعْنَى فِي وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَيَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمُ الْعِدَّةِ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ مُقَارَنَةٌ لَهُ لِاقْتِضَائِهِ وُقُوعَهُ فِي وَقْتِ الْعِدَّةِ وَقِرَاءَةُ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ تَنْفِيهِ إذْ أَفَادَتْ أَنَّ اللَّامَ فِيهِ مُفِيدَةٌ مَعْنَى اسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مُحَقَّقٌ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ فِي التَّارِيخِ بِإِجْمَاعِ الْعَرَبِيَّةِ خَرَجَ لِثَلَاثٍ بَقَيْنَ وَنَحْوُهُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَ ابْنَ عُمَرَ بِذَلِكَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ فَلَمْ يُفْهَمْ أَنَّهَا الْأَطْهَارُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ عَنْهُ مِنْ خِلَافِ مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَتَمَسُّكُهُمْ بِتَأْنِيثِ الْعَدَدِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَهُوَ يَقْتَضِي تَذْكِيرَ الْمَعْدُودِ وَالطُّهْرُ هُوَ الْمُذَكَّرُ لَا الْحَيْضُ، فَلَوْ أُرِيدَ الْحَيْضُ لَقِيلَ: ثَلَاثَ قُرُوءٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ لَهُ اسْمَانِ مُذَكَّرٌ كَالْبُرِّ وَالْحِنْطَةِ وَلَا تَأْنِيثَ حَقِيقِيَّ يُؤَنَّثُ عَدَدُهُ إذَا أُضِيفَ إلَى اللَّفْظِ الْمُذَكَّرِ وَيُذَكَّرُ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمُؤَنَّثِ، وَفِي الْعَرَبِيَّةِ إذَا كَانَ الْمَعْدُودُ مُؤَنَّثًا وَاللَّفْظُ مُذَكَّرًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ لِلدَّمِ اسْمَيْنِ مُذَكَّرًا وَهُوَ الْقُرْءُ وَمُؤَنَّثًا وَهُوَ الْحَيْضُ فَحِينَ أُضِيفَ إلَى الْمُذَكَّرِ أُنِّثَ، وَكَذَا عَلَى الْأَصْلِ الْآخَرِ فَإِنَّ الدَّمَ مُذَكَّرٌ وَالْقُرْءَ مُذَكَّرٌ فَيُؤَنَّثُ عَدَدُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (عَمَلًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ) : أَيْ الْعَدَدِ فَإِنَّهُ جَمْعٌ مَعْنًى لَا صِيغَةً، أَوْ يُرِيدُ الْجَمْعَ الصِّيغِيَّ الْمَقْرُونَ بِالْعَدَدِ تَنْصِيصًا عَلَى الْمُرَادِ بِكَمِّيَّتِهِ: أَعْنِي لَفْظَ قُرُوءٍ الْمُقَيَّدَةَ بِثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرَ الْكَمِّيَّةِ الْعَدَدِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْ كَمِّيَّاتِ الْجُمُوعِ، فَكَيْفَ بِالْكَمِّيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ حَقِيقَةَ الْجَمْعِ وَهِيَ اللَّازِمَةُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْأَطْهَارِ حَيْثُ يَصِيرُ طُهْرَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ إذَا وَقَعَ فِي الطُّهْرِ وَإِلَّا لَزِمَ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، إذْ كُلُّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الطُّهْرُ قَالَ: تُحْتَسَبُ بِالطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ نَقْصٌ عَنْ التَّقْدِيرِ الْقَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ وَالثُّبُوتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حُمِلَ عَلَى الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ لَا يُحْتَسَبُ بِتِلْكَ

(وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ) لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئُ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفُهُ عَمَلًا بِالرِّقِّ. (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ وَزِيَادَةٌ تُثْبِتُ ضَرُورَةَ التَّكْمِيلِ وَهُوَ جَائِزٌ، إذْ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى حَقِيقَةِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ إلَّا بِهَا، بِخِلَافِ طُهْرَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ حَقِيقَتُهُ أَصْلًا. لَا يُقَالُ: قَدْ أُرِيدَ بِالْعَدَدِ غَيْرَ كَمِّيَّتِهِ الْمُفَادَةِ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يُرَدْ بِالْعَدَدِ عَدَدٌ آخَرُ مُبَايِنٌ لَهُ بَلْ مُجَرَّدُ التَّكْثِيرِ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ أَنْ يُرَادَ بِسَبْعِينَ مَثَلًا ثَمَانُونَ أَوْ مِائَةٌ. الثَّانِي: قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَيْ الْحَيْضَ هُوَ الْمُعَرِّفُ بِالذَّاتِ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، بِخِلَافِ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ وَإِنْ دَلَّ فَبِوَاسِطَةِ الْحَيْضِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفِيدُ لِعَدَمِ انْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ بِالْحَبَلِ إذْ لَوْ انْسَدَّ بِهِ لَمْ تَحِضْ عَادَةً، وَلِذَا نَصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ مُفِيدَ الْبَرَاءَةِ الْحَيْضُ حَيْثُ قَالَ فِي السَّبَايَا «حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَلَمْ يَقُلْ بِطُهْرٍ. الثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ تَخْرِيجُهُ. وَأَسْنَدَ الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا. وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُخَالِفُ الْحُرَّةَ فِيمَا بِهِ الِاعْتِدَادُ بَلْ فِي الْكَمِّيَّةِ فَيَلْتَحِقُ قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] لِلْإِجْمَالِ الْكَائِنِ بِالِاشْتِرَاكِ بَيَانًا لَهُ. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إلَى قَوْلِهِ {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَقْرَاءِ أَصْلٌ وَالْأَشْهُرُ خَلَفٌ عَنْهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِهَا، فَلَمَّا عَلَّقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَصِيرَ إلَيْهِ بِعَدَمِ الْحَيْضِ دَلَّ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْأَقْرَاءِ فِي الْآيَةِ وَكَوْنُهُ يَنْعَدِمُ الطُّهْرُ بِعَدَمِ الْحَيْضِ، فَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ الْحَيْضِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الطُّهْرِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ الظُّهُورُ، إذْ الظَّاهِرُ تَعْلِيقُ الْمَصِيرِ إلَى الْخَلْفِ بِعَدَمِ عَيْنِ مَا شُرِعَ أَصْلًا لَا بِعَدَمِ شَيْءٍ آخَرَ يَسْتَلْزِمُهُ، فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ: وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْقُرُوءِ، فَلَمَّا جَاءَ قَوْله تَعَالَى بِلَفْظِ الْحَيْضِ مَكَانَهُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ عُلِمَ أَنَّهُ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ هُوَ. [فَرْعٌ] تَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ بِالْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ وَطِئَهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ أَوْ كَانَ مُنْكِرًا إطْلَاقَهَا فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ، وَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا حَتَّى لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ هَذِهِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ وَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ) لِصِغَرٍ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ، وَأَقَلُّهُ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، أَوْ كِبَرٍ بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ وَانْقَطَعَ حَيْضُهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْقُرُوءِ قَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا عِدَّةَ الَّتِي تَحِيضُ فَاَلَّتِي لَا تَحِيضُ لَا نَدْرِي مَا عِدَّتُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَالْمَعْنَى: إنْ ارْتَبْتُمْ فِي عِدَّةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ فَلَمْ تَعْلَمُوهَا فَإِنَّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ إنْ ارْتَبْتُمْ فِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ أَهُوَ حَيْضٌ أَوْ فَسَادٌ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكَذَا الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ بِآخَرَ الْآيَةَ: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] يَعْنِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ بِالْحَيْضِ بَلْ بِالسِّنِّ بِأَنْ بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى

(وَعِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ. (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِمَا وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَلَمْ تَحِضْ إذَا طَلُقَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ أَيْضًا، ثُمَّ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ اعْتَدَّتْ بِأَشْهُرٍ هِلَالِيَّةٍ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ كُلُّهَا بِالْأَيَّامِ فَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِتِسْعِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُكَمَّلُ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الَّتِي لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فِي الِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ، ثُمَّ خَصَّ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ بِآخِرِهَا حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ بِآخِرِ الْآيَةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ آخِرَهَا: أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] هُوَ الْمُفِيدُ لِلِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ الَّتِي لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ كَمَا أَنَّهُ الْمُفِيدُ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا فِي الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ كَانَ طُهْرُهَا أَصْلِيًّا فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ، وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ لَا تَحِيضُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ هِيَ مُرَاهِقَةٌ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ إلَى سِنٍّ يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ أَنَّهُ تِسْعٌ أَوْ سَبْعٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ يُوقَفُ حَالُهَا حَتَّى يَظْهَرَ هَلْ حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ أَمْ لَا، فَإِنْ ظَهَرَ حَبَلُهَا اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَبِالْأَشْهُرِ. وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تُحْتَسَبَ بِالْأَشْهُرِ الَّتِي وَقَفَتْ لِيَظْهَرَ حَبَلُهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ، فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِعَدَمِ الْحَبَلِ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْهُرِ كَانَتْ هِيَ الْعِدَّةُ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا لَمْ تَدْرِ وَجْهَ عِدَّتِهَا حَتَّى انْقَضَتْ. وَلَوْ حَاضَتْ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَالْمُرَاهِقَةُ فِي أَثْنَاءِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ. هَذَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا، وَهُوَ مِمَّا يُلْغِزُ فَيُقَالُ: مُطَلَّقَةٌ شَابَّةٌ تَرَى مَا يَصْلُحُ حَيْضًا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ، لَكِنْ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ عِدَّتُهَا إلَّا بِالْحَيْضِ، لَكِنْ لَمَّا نَسِيَتْ عَادَتَهَا جَازَ كَوْنُهَا أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ آخِرَهُ، فَإِذَا قُدِّرَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ الَّتِي لَمْ تَنْسَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، فَجَازَ كَوْنُ عَادَتِهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَتَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ فِي خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ مِنْ الثَّالِثِ. وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ فِي الِانْقِضَاءِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ قَدْرُ مَا يَصِحُّ حَيْضَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ غَيْرُ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ. وَيَجِبُ فِي الَّتِي بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً مِثْلَ الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي ضَلَّتْ عَادَتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْوُجُوبِ عَلَى هَذِهِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بَلْ يَقُولُونَ تَعْتَدُّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا هِيَ لَا تُخَاطَبُ بِالِاعْتِدَادِ، وَلَكِنَّ الْوَلِيَّ يُخَاطِبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَثُبُوتُهَا فِي حَقِّهَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَوْجِيهِ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَائِلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرَاهَا الْحُرُمَاتِ أَوْ التَّرَبُّصَ الْوَاجِبَ. فَإِنْ قُلْت: وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُضِيَّ الْمُدَّةِ أَلَيْسَ أَنَّ فِيهَا يَجِبُ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخِطَابُ نَهْيِ التَّزَوُّجِ بِالْوَلِيِّ فَجَعَلَهَا الْمُدَّةَ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءُ قَوْلِ الْأَوَّلِ يُخَاطَبُ الْوَلِيُّ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا. فَالْجَوَابُ لَا يَلْزَمُ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا الْمُدَّةُ فَالثَّابِتُ فِيهَا عَدَمُ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَا خِطَابُ أَحَدٍ بَلْ وَضَعَ الشَّارِعُ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَوْ فَعَلَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا) يَعْنِي الْمُطَلَّقَةَ فَعِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَأَطْلَقَ فَيَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ الثَّابِتَ النَّسَبِ وَغَيْرَهُ، فَلَوْ طَلَّقَ كَبِيرٌ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْحَيْضِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: إذَا خَرَجَ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُ الْبَدَنِ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ سِوَى الرَّأْسِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَالْبَدَنُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْأَلْيَتَيْنِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: كُلُّ مَنْ حَبِلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِهِ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَمُلَتْ وَثُبُوتُ الزِّيَادَةِ لِضَرُورَةِ التَّكْمِيلِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ الْوَاجِبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ آنِفًا (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ ) أَيْ إلَى أَنَّ تَكْمِيلَ الثَّانِيَةِ ضَرُورَةٌ بِقَوْلِهِ لَوْ اسْتَطَعْت إلَى آخِرِهِ. أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَوْ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْعَلَهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا فَعَلْتُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَوْ جَعَلْتُهَا شَهْرًا وَنِصْفًا فَسَكَتَ عُمَرُ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِبَاقِي سَنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُ عُمَرَ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَالْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ أَيِسَ مِنْهَا، فَمَشُورَةُ الرَّجُلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفُهُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ كَالْأَمَةِ. (قَوْلُهُ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ آيِسَةً وَزَوْجُهَا عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ حَاضَتْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ لَمْ تَحِضْ وَلَمْ يَظْهَرْ حَبَلُهَا. وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ عِدَّتُهَا عَزِيمَةُ عَامٍ، وَرُخْصَةُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ} [البقرة: 240] الْآيَةَ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى نَسْخِهَا بِآيَةِ الْأَشْهُرِ: أَعْنِي مَا كَانَ مِنْ وُجُوبِ الْإِيصَاءِ وَالْإِيقَافِ إلَى الْحَوْلِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ أَخْذًا مِنْ تَذْكِيرِ الْعَدَدِ: أَعْنِي الْعَشْرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» فَيَجِبُ كَوْنُ الْمَعْدُودِ اللَّيَالِيَ وَإِلَّا لَأَنَّثَهُ. قُلْنَا: الِاسْتِعْمَالُ فِي مِثْلِهِ مِنْ ذِكْرِ عِدَّةِ اللَّيَالِي يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ عَلَى مَا عُرِفَ بِالتَّارِيخِ حَيْثُ يُكْتَبُ بِاللَّيَالِيِ فَيُقَالُ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مَثَلًا وَيُرَادُ كَوْنُ عِدَّةِ الْأَيَّامِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مِنْ وَقْتِ عِلْمِهَا، حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي سَفَرٍ فَلَمْ يَبْلُغْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْهَا مِنْ حِينِ عَلِمَتْ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْإِحْدَادَ وَلَا يُمْكِنُهَا إقَامَتُهُ إلَّا بِالْمُعْلَمِ. قُلْنَا: قُصَارَاهُ أَنْ تَكُونَ كَالْعَالِمَةِ وَلَمْ تُحِدَّ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ تَخْرُجُ اتِّفَاقًا مِنْ الْعِدَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا عَدَمُ التَّزَوُّجِ وَقَدْ وُجِدَ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ لِمَا سَيُذْكَرُ

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَقَالَ عُمَرُ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوُجُوبُهَا عَلَى الْكِتَابِيَّةِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً كَالْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ إذَا كَانَتْ حَامِلًا كَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُوجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] يُوجِبُهَا عَلَيْهَا فَيُجْمَعُ احْتِيَاطًا. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ تَنْفَسُ بَعْدَ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي: يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلُوا كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ: «وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» . وَفِي التِّرْمِذِيِّ: «أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ، لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى يُرِيدُ بِالْقُصْرَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ وَالطُّولَى الْبَقَرَةُ. وَالْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ. كَانُوا إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ اجْتَمَعُوا وَقَالُوا بَهْلَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِ مِنَّا. وَقِيلَ هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي زَمَانِنَا. وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ الْمُلَاعَنَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ لَاعَنْته لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ حَالَفْته. وَأَسْنَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؟ فَقَالَ: هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا» وَفِيهِ الْمُثَنَّى بْنُ صَبَاحٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَقَوْلُ عُمَرَ رَوَاهُ فِي الْمَوْطَأِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ: إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ، فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ وَلَمْ يُدْفَنْ بَعْدَ حَلَّتْ. وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ فَسَأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لَلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النِّكَاحَ، وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي أَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إنْ بَدَا لِي» . وَكُلَّمَا كَانَ الِاعْتِدَادُ بِالْوَضْعِ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِوَضْعِ الْكُلِّ، فَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا وَقَوْلُهَا أَفْتَانِي أَنِّي قَدْ حَلَلْت حِينَ وَضَعْت يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ نِفَاسِهَا، كَأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ

(وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا، أَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْإِجْمَاعِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ وَلَزِمَتْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ فِي الْوَفَاةِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا فِي حَقِّ تَغَيُّرِ الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ يُجْعَلُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ: فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا قَالَ لَهَا: انْكِحِي مَنْ شِئْت. رَتَّبَ الْإِحْلَالَ عَلَى التَّعَلِّي فَيَتَرَاءَى تَوَقُّفُهُ عَلَى الطُّهْرِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، لَكِنْ مَا ذَكَرْنَا صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ الْحِلِّ بِالْوَضْعِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْأَشْهُرِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْمُدَّةِ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ وَلَحِقَ بِالْمَيْتِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ) يَتَعَلَّقُ بِالْمُطَلَّقَةِ: أَيْ وَرِثَتْ الَّتِي طَلُقَتْ فِي الْمَرَضِ بِأَنْ طَلَّقَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا بِحَيْثُ صَارَ فَارًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ (فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ الْأَبْعَدُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ. فَلَوْ تَرَبَّصَتْ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَلَمْ تَسْتَكْمِلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَهَا. وَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَمْ تَمْضِ لَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ بِأَنْ امْتَدَّ طُهْرُهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَمْضِيَ. وَإِنْ مَكَثَتْ سِنِينَ مَا لَمْ تَدْخُلْ سِنَّ الْإِيَاسِ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ. إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَمَنْ فَسَّرَ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ بِأَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ مُقَصِّرٍ، إذْ لَا يَصْدُقُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ أَبْعَدَ مِنْ الثَّلَاثِ حِيَضٍ، وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَتَرَبَّصَ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي صُوَرٍ إحْدَاهَا: هَذِهِ. وَالثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَائِنٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ الِاعْتِدَادُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَلَوْ بَيَّنَ فِي إحْدَاهُمَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ. وَالثَّالِثَةُ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، وَسَنُفَصِّلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا، أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ وَدَخَلَتْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَرِثُ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْتَقِلُ وَلَا تَرِثُ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالْبَائِنِ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ حُكْمًا لَهُ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، وَإِنَّمَا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَدًّا لِقَصْدِهِ السَّيِّئِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِبَقَائِهِ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِهِ الْعِدَّةُ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

احْتِيَاطًا فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى وَرِثَتْهُ امْرَأَةٌ فَعِدَّتُهَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. وَقِيلَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النِّكَاحَ حِينَئِذٍ مَا اُعْتُبِرَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَرِثُ مِنْ الْكَافِرِ (فَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَإِنْ أَعْتَقَتْ وَهِيَ مَبْتُوتَةٌ أَوْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ فَتَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِيهِ. (قَوْلُهُ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِالْوَفَاةِ حَقِيقَةً وَبِالْمَوْتِ حُكْمًا؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَبَانَهَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَبِاعْتِبَارِهِ يَجِبُ عِدَّةُ الطَّلَاقِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَاعْتِبَارُ قِيَامِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ تَوْرِيثَهَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَلَازِمُهُ لُزُومُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَازِمُ اللَّازِمِ لَازِمٌ فَيَلْزَمُ تَوْرِيثَهَا الِاعْتِدَادُ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ فَتَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، لَكِنْ بَقِيَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ اعْتِبَارَهُ قَائِمًا لِرَدِّ قَصْدِهِ عَدَمَ تَوْرِيثِهَا عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ الْعِدَّةِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِرْثَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَالْعِدَّةُ تَثْبُتُ بِهِ، فَإِذَا بَقِيَ النِّكَاحُ شَرْعًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَلَأَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ الْعِدَّةِ أَوْلَى مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِلَازِمِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ احْتِيَاطًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مَقِيسٍ عَلَيْهِ مُقَدَّرٍ لِأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ زَوْجُ الْمُسْلِمَةِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَرِثُ زَوْجَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَلْ الْحَيْضُ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ كَانَ بِالرِّدَّةِ لَا بِالْوَفَاةِ. فَكَذَا هُنَا زَوَالُهُ بِالطَّلَاقِ لَا بِالْمَوْتِ فَلَا تَجِبُ عِدَّةُ الْمَوْتِ، فَأَجَابَ بِمَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَوَّلًا فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَلْ تَلْزَمُهَا إلَيْهِ أَشَارَ الْكَرْخِيُّ، وَمَا ذَكَرْت مِنْ مَذْهَبِك فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَيَلْزَمُهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْحِيَضِ فَلَا يَصِحُّ بِهِ الْإِلْزَامُ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ لُزُومَ الْحِيَضِ اتِّفَاقِيٌّ فَالْفَرْقُ أَنَّ تَوْرِيثَهَا وَهُوَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ النِّكَاحُ شَرْعٌ قَائِمًا إلَى الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ كَذَلِكَ لَمْ تَرِثْ إذْ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ الْكَافِرُ فَيَلْزَمُ الْعِلْمُ بِاعْتِبَارِ اسْتِنَادِ الْإِرْثِ إلَى وَقْتِ حُدُوثِ الرِّدَّةِ اعْتِبَارًا لِلرِّدَّةِ مَوْتًا حُكْمًا وَقَدْ تَحَقَّقَ هَذَا الْمَوْتُ وَهُمَا مُسْلِمَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ زَالَ بِهِ إسْلَامُهُ وَبِذَلِكَ السَّبَبِ لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِالْحِيَضِ فَلَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ فَتُكْمِلُ ثَلَاثَ حِيَضٍ لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ بَعْدَ الطَّلَاقِ

إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ الْمَوْتِ. (وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ) وَمَعْنَاهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلْفًا وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجْعِيِّ، فَلَمَّا أَعْتَقَتْ وَالْحَالُ قِيَامُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمُلَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَالْعِدَّةُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِعِدَّةِ الْحَرَائِرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ، كَذَا فِي الْكَافِي. وَوَضَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَفْظَ الطَّلَاقِ مَكَانَ لَفْظِ الْعِدَّةِ فَقَالَ: وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ بَلْ طَرَأَ كَمَالُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ لِبَقَائِهِ الْحُكْمِيِّ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ لَوْ كَانَتْ إجْمَاعِيَّةً لَكِنْ هِيَ خِلَافِيَّةٌ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تُكْمِلُ عِدَّتَهَا فِي الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ تُكْمِلُ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ اعْتِبَارِ بَقَائِهِ كَابْتِدَائِهِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ تَمَّ سَبَبُ عِدَّةِ الْإِمَاءِ، وَشَرْطُهَا وَهُوَ وُرُودُ الطَّلَاقِ عَلَى أَمَةٍ عَقِيبَ نِكَاحٍ مُتَأَكِّدٍ، فَلَوْ وَجَبَتْ عِدَّةُ الْحَرَائِرِ كَانَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى السَّبَبِ. وَتَحْقِيقُ الْجَوَابِ مَنَعَ تَأْثِيرَ سَبَبِ الْعِدَّةِ فِي كَمِّيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلْعِدَّةِ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَقَطْ لَا بِقَيْدِ كَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ، إذْ لَا يُعْقَلُ تَأْثِيرُ النِّكَاحِ فِي خُصُوصِ كَمِّيَّةٍ بَلْ فِي مُطْلَقِ التَّرَبُّصِ تَعَرُّفًا وَتَأَسُّفًا، وَتَقْدِيرُ الْكَمِّيَّةِ لِحِكْمَةٍ أُخْرَى سَنَذْكُرُهَا فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَحِينَئِذٍ سَلِمَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ لِلِانْتِقَالِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ. صُورَتُهَا: أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ، فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ. فَلَوْ أَعْتَقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِمَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ) يُمْكِنُ كَوْنُ كَانَ تَامَّةً: يَعْنِي إذَا وُجِدَتْ امْرَأَةٌ آيِسَةٌ فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ أَوْ فِي خِلَالِهَا (اُنْتُقِضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا) وَظَهَرَ فَسَادُ نِكَاحِهَا الْكَائِنِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِدَّةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْآخَرِ اُنْتُقِضَتْ عِدَّتُهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا صَرَّحُوا بِهِ، وَيَنْدَرِجُ فِي إطْلَاقِ الِانْتِقَاضِ وَهُوَ لَازِمٌ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلْفًا) وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْخَلْفِيَّةِ: أَيْ خَلْفِيَّةِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ عَنْ الْحِيَضِ تَحَقَّقَ الْإِيَاسُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ، وَالْإِيَاسُ لَا يَتَحَقَّقُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي، فَإِذَا ظَهَرَ الدَّمُ ظَهَرَ عَدَمُ الْخَلْفِيَّةِ فَظَهَرَ عَدَمُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الدَّمِ حَيْضًا، وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ مُجَرَّدِ وُجُودِهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ دَمًا فَاسِدًا فَلِذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ ذَلِكَ الْمُعْتَادِ، وَعَوْدُ الْعَادَةِ يُبْطِلُ الْإِيَاسَ ثُمَّ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنْ تَرَاهُ سَائِلًا كَثِيرًا جَعَلَهُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا رَأَتْ بَلَّةً يَسِيرَةً وَنَحْوَهَا، وَقَيَّدُوهُ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ، فَلَوْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ تَرْبِيَةً لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ فَقَالَ مَعْنَاهُ: إذَا رَأَتْهُ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا قَبْلَ الْإِيَاسِ أَصْفَرَ فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ أَوْ عَلَقًا فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ كَانَ حَيْضًا مُظْهِرًا عَدَمَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ، ثُمَّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ انْتِقَاضَ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِئْنَافَ، فَاقْتَضَى ثُبُوتَ ذَلِكَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِتَقْدِيرِ الْإِيَاسِ بِمُدَّةٍ أَوْ لَا. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ، وَإِيَاسُهَا عَلَى هَذِهِ أَنْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ هَذَا الْمَبْلَغَ وَانْقَطَعَ الدَّمُ حُكِمَ بِإِيَاسِهَا، فَإِنْ رَأَتْ بَعْدُ دَمًا يَكُونُ حَيْضًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَيَبْطُلُ الِاعْتِدَادُ بِتِلْكَ الْأَشْهُرِ وَيَظْهَرُ فَسَادُ النِّكَاحِ. وَيُمْكِنُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِمِثْلِهَا فِيمَا ذُكِرَ الْمُمَاثَلَةَ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يُقَدَّرُ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْمَنَافِعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ فِي الرُّومِيَّاتِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَفِي غَيْرِهِنَّ بِسِتِّينَ وَعَنْهُ بِسَبْعِينَ، وَبِهِ قَالَ الصَّفَّارُ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَوْ حَاضَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ تَصِيرُ سِتِّينَ سَنَةً وَتَعْتَدُّ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَةُ أُمِّهَا وَأَخَوَاتِهَا انْقِطَاعَهُ قَبْلَ السِّتِّينَ تَأْخُذُ بِعَادَتِهِنَّ وَبَعْدَ السِّتِّينَ لَا تَأْخُذُ بِعَادَتِهِنَّ. وَقَالَ الْأَقْطَعُ: فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا يَحِيضُ مِثْلُهَا. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِالْإِيَاسِ، وَكَذَا الْعِبَارَةُ الْقَائِلَةُ إذَا بَلَغَتْ الْمُقَدَّرَ: يَعْنِي وَانْقَطَعَ حَيْضُهَا حُكِمَ بِإِيَاسِهَا، فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بُلُوغِ الْمُقَدَّرِ مَعَ الِانْقِطَاعِ يُحْكَمُ بِهِ شَرْعًا. وَقِيلَ يَكُونُ حَيْضًا وَيَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ وَيَظْهَرُ فَسَادُ النِّكَاحِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِيَاسِ بَعْدَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ إذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ بِالِاجْتِهَادِ وَالدَّمُ حَيْضٌ بِالنَّصِّ، فَإِذَا رَأَتْهُ فَقَدْ وُجِدَ النَّصُّ، بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ فَيَبْطُلُ، كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ يُفِيدُ كَوْنَ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الِانْتِقَاضِ. وَفِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ. قَالُوا: وَلَوْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا تُبْطِلُ الْأَشْهُرَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، فَثَبَتَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالْإِيَاسِ، وَيُقَيَّدُ الِانْتِقَاضُ بِعَدَمِ حُكْمِهِ بِهِ. فَفِي الْخُلَاصَةِ نَقَلَ مِنْ نَوَادِرِ الصَّلَاةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ مُدَّةَ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ. ثُمَّ نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ مُقَاتِلٍ إنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِإِيَاسِهَا، أَمَّا إذَا انْقَطَعَ وَحُكِمَ بِإِيَاسِهَا وَهِيَ ابْنَةُ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهُ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يَكُونُ حَيْضًا. وَقَالَ بَعْدَهُ بِخُطُوطٍ: وَطَرِيقُ الْقَضَاءِ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَسَادَ النِّكَاحِ بِسَبَبِ قِيَامِ الْعِدَّةِ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِجَوَازِهِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ. قَالَ: وَكَانَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يُفْتِي بِأَنَّهَا لَوْ رَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ دَمًا يَكُونُ حَيْضًا، وَيُفْتِي بِبُطْلَانِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ إنْ كَانَتْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ، وَإِنْ كَانَتْ رَأَتْهُ بَعْدَ تَمَامِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ لَا تَبْطُلُ الْأَنْكِحَةُ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَوْ لَمْ يَقْضِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ صَرِيحًا مَبْنِيًّا عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَنَّ الْآيِسَةَ إذَا اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ

فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي. (وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَيِسَتْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ النِّكَاحِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا يَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ جَائِزًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ. وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ: الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ. انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ عَلَى التَّقْدِيرِ وَعَدَمِهِ، وَهِيَ تُنْتَقَضُ إذَا رَأَتْهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ وَبَعْدَهَا فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ قَدْرَ أَقَلِّ مُدَّةِ الْإِيَاسِ أَوْ لَا حُكِمَ بِالْإِيَاسِ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّصْوِيرِ وَالتَّعْلِيلِ لَا تُنْتَقَضُ مُطْلَقًا، تُنْتَقَضُ كَذَلِكَ إذَا رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا يَبْطُلُ فَلَا تُنْتَقَضُ الْأَنْكِحَةُ قَضَى بِالْإِيَاسِ أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّهِيدِ تُنْتَقَضُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَى بِإِيَاسِهَا كَمَا قُلْنَا: لَا تُنْتَقَضُ إنْ كَانَ حَكَمَ بِإِيَاسِهَا، وَهُوَ بِأَنْ يُدَّعَى فَسَادُ النِّكَاحِ فَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ وَبِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَتُنْتَقَضُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَكَمَ بِالْإِيَاسِ. وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الْمُصَحَّحُ فِي النَّوَازِلِ اُنْتُقِضَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا تَعْتَدُّ إلَّا بِالْحَيْضِ لَا الْمَاضِي، فَلَا تَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشَرَةُ عَنْ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ. وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ يُخَالِفُ إطْلَاقَ الِانْتِقَاضِ مُطْلَقًا كَانَ أَوْ مُفَصَّلًا، وَمَبْنَى مُخْتَارِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ تَحَقُّقِ الْإِيَاسِ لِخَلْفِيَّةِ الْأَشْهُرِ بِالنَّصِّ، وَإِنْ تَحَقَّقَ الْيَأْسُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِدَامَةِ الِانْقِطَاعِ إلَى الْمَمَاتِ، وَلَا شَكَّ فِي الْأَوَّلِ، لَكِنَّ كَوْنَ تَحَقُّقِهِ مَوْقُوفًا عَلَى اسْتِدَامَةِ الِانْقِطَاعِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ دَلِيلًا سِوَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ لَفْظِ الْيَأْسِ أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَأْسَ مِنْ مَقُولَةِ الْإِدْرَاكِ فَإِنَّهُ لَيْسَ إلَّا اعْتِقَادَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقَعُ أَبَدًا؛ أَمَّا أَنَّهُ يَسْتَدْعِي كَوْنَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ عِلْمًا حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ وُجُودُ خِلَافِ مُتَعَلَّقِهِ فَلَا، وَلِذَا قَدْ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ مِنْ الشَّيْءِ ثُمَّ يُوجَدُ، وَكَثِيرًا مَا يُقَالُ فِي الْوَقَائِعِ كُنْتُ آيَسْت مِنْ كَذَا ثُمَّ وَجَدْتُهُ. فَإِنَّمَا يَسْتَدْعِي سَبَبًا لَهُ، وَكَوْنُهُ بِأَنْ يَنْعَدِمَ الْحَيْضُ وَيَمْتَدَّ وَيَنْتَفِيَ مَخَايِلُ وُجُودِهِ فِي بَاقِي الْعُمُرِ لِكِبَرِ السِّنِّ كَافٍ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا رَأَتْهُ بَعْدَ الْإِيَاسِ لَا يُنْتَقَضُ مَا مَضَى، وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ الْمُبَاشِرُ عَنْ اعْتِدَادٍ بِالْأَشْهُرِ لِوُقُوعِهِ مُعْتَبَرًا لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَيَبْقَى النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُنْتَقَضُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَلَا تَعْتَدُّ إلَّا بِالْحَيْضِ فَيَكُونُ هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، أَوْ لَا يُنْتَقَضُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَيْضًا كَقَوْلِ الصَّفَّارِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى النَّظَرِ فِيمَا يَتَرَجَّحُ فِي هَذَا الْمَرْئِيِّ بَعْدَ الْإِيَاسِ أَهُوَ حَيْضٌ أَمْ دَمٌ فَاسِدٌ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْقَضَاءِ بِالْإِيَاسِ وَعَدَمِهِ، إذْ الْقَضَاءُ لَا يَرْفَعُ وُجُودَ الْمَحْسُوسَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي الِاخْتِلَافَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يُنْتَقَضُ مَا مَضَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِيَاسُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ فِي سِنِّهِ وَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ وَهُوَ الْخَمْسُ وَالْخَمْسُونَ وَعَدَمُ مَخَايِلِ كَوْنِهِ امْتِدَادًا لِلطُّهْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا الْحَيْضُ لِتَحَقُّقِ الدَّمِ الْمُعْتَادِ خَارِجًا مِنْ الْفَرْجِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْفَسَادِ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِيَاسَ لَا يُنَافِيهِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْإِيَاسُ تَحَقَّقَ حُكْمُهُ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْحَيْضُ تَحَقَّقَ حُكْمُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا كَوْنُ الْعَجْزِ الْمُسْتَدَامِ شَرْطًا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي فَلَا يُسْتَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْإِيَاسِ إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا تَثْبُتُ شَرْعًا، وَالْمَسْأَلَةُ نَصِّيَّةٌ لَا قِيَاسِيَّةٌ، نَصَّ تَعَالَى عَلَى تَعْلِيقِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ عِنْدَ الْإِيَاسِ وَقَدْ وُجِدَ فَثَبَتَ الِاعْتِدَادُ بِهَا بِالنَّصِّ ثُمَّ زَالَ الْإِيَاسُ فَثَبَتَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَقْرَاءِ بِالنَّصِّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَيِسَتْ) بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ عِنْدَ الْحَيْضَتَيْنِ وَانْقَطَعَ، أَوْ انْقَطَعَ عِنْدَهُمَا فِي سِنٍّ لَمْ تَحِضْ فِيهِ أُمُّهَا وَأَخَوَاتُهَا عَلَى مَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ. وَقَوْلُهُ (تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ) هَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الْمُفِيدُ لِكَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَاءَ يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي، وَكَذَا لَوْ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاتِهِ

(وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ عِدَّتُهُمَا الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) لِأَنَّهَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عَجَزَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِالْإِيمَاءِ وَهُمَا بَدَلَانِ. أُجِيبُ بِالْمَنْعِ فَلَيْسَ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ بَدَلًا مِنْهَا بِالْوُضُوءِ بَلْ التُّرَابُ خَلَفٌ عَنْ الْمَاءِ وَالطَّهَارَةُ بِهِ خَلَفٌ عَنْهَا بِالْمَاءِ، وَالْجَمْعُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ فِي رَفْعِ حَدَثٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَذَلِكَ بَلْ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَوَّلِ بِالْمَاءِ وَرَفْعُ الثَّانِي بِالتُّرَابِ، وَلَا الْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهَا وَزِيَادَةٌ، وَلَكِنْ سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ عَلَى حَالِهِ، وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ خَلْفًا عَنْ الْكُلِّ لِوُجُودِهِ مَعَهُ فَيَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ خَلْفًا عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّمَا تَكُونُ الْخَلَفِيَّةُ بِشَيْءٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا) وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحُ امْرَأَةِ الْغَيْرِ وَلَا عِلْمَ لِلزَّوْجِ الثَّانِي بِأَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالدُّخُولِ حَتَّى لَا يَحْرُمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ زِنًا، وَإِذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حَلَّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَبِهِ يُفْتَى، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَنِكَاحُ الْمَحَارِمِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْحِلِّ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ كَاَلَّتِي زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا وَالْمَوْجُودَةُ لَيْلًا عَلَى فِرَاشِهِ إذَا اُدُّعِيَ الِاشْتِبَاهُ. (قَوْلُهُ عِدَّتُهُمَا الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ) الْكَائِنَةُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَزَمَ الْوَاطِئُ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا (وَالْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ الْوَاطِئِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] وَمُطْلَقُ اسْمِ الزَّوْجِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمُتَزَوِّجِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَالْعِدَّةُ فِي حَقِّهِمَا لِلتَّعْرِيفِ لَا لِإِظْهَارِ خَطَرِ النِّكَاحِ بِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى زَوَالِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فَتُعْرَفُ الْبَرَاءَةُ فِيهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ فَلِذَا وَجَبَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَلَمْ يُكْتَفَ بِوَاحِدَةٍ كَمَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الصَّحِيحِ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ، وَحَيْضُ الْحَامِلِ مِمَّا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَلَا يَقْوَى ظَنُّ الْفَرَاغِ بِمَرَّةٍ لِجَوَازِ كَوْنِهِ حَيْضًا مَعَ الْحَمْلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ، أَوْ اسْتِحَاضَةً مَعَهُ عِنْدَنَا، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَرَّرَ فِي الْأَشْهُرِ فَإِنَّهُ يَضْعُفُ تَجْوِيزُ الْحَمْلِ مَعَهُ لِضَعْفِ تَجْوِيزِ مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ كَثِيرًا

(وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحَيْضِ أَوْ الِاسْتِحَاضَةِ مَعَ الْحَمْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُخَالَفَتِهَا قَلِيلًا وَهُوَ ثُبُوتُ الْحَمْلِ مَعَ الدَّمِ مَرَّةً، بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ التَّعَرُّفَ مَقْصُودٌ فِيهِ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ بِاسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَعَرَفْنَا بِذَلِكَ أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ التَّعَبُّدِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ: يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَلَا تَحْتَ زَوْجٍ وَلَا فِي عِدَّتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فِي الْأَوَّلِ. وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الْمَوْلَى لِعَدَمِ ظُهُورِ فِرَاشِ الْمَوْلَى. وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا وَمَوْلَاهَا وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا أَوَّلُ، فَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمٍ إلَى شَهْرَيْنِ وَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهُ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، أَوْ لَا يَعْلَمُ كَمْ بَيْنَهُمَا، فَفِي الْأَوَّلِ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَوْتُ الْمَوْلَى أَوَّلًا فَلَا عِدَّةَ مِنْهُ لِأَنَّهَا ذَاتُ بَعْلٍ، ثُمَّ مَوْتُ الزَّوْجِ بَعْدَهُ وَهِيَ حُرَّةٌ مُوجِبٌ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُ الزَّوْجِ أَوَّلًا لَزِمَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَوْتُ الْمَوْلَى قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا مُوجِبٌ لِلْعِتْقِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَلَا لِتَغَيُّرِهَا لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِفُرْقَةِ الرَّجْعِيِّ فَتَيَقَّنَّا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَدَارَتْ فِي الزَّوْجِ بَيْنَ كَوْنِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فَلَزِمَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَفِي الثَّانِي يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بِأَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ: يَعْنِي تَجْمَعُ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ، لِأَنَّ السَّيِّدَ إنْ كَانَ مَاتَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَوْتُ السَّيِّدِ بَعْدَهَا يُوجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الزَّوْجِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ عِدَّتِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَثَلَاثُ حِيَضٍ، فَلَمَّا لَمْ يَعْلَمْ الْوَاقِعَ كَانَ الِاحْتِيَاطُ بِأَنْ تَعْتَدَّ بِأَكْثَرَ مَا يَلْزَمُهَا، وَفِي الثَّالِثِ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْوَاقِعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَيْضُ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى وَهُوَ ظُهُورُ فِرَاشِهِ لَمْ يُوجَدْ، وَالِاحْتِيَاطُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ظُهُورِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقَوْلُهُمْ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَوْلُنَا قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ. وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِمْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَعِنْدَ غَيْرِنَا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قِيَاسِيَّةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَعِتْقِهِ كُلٌّ مِنْ أَمْرَيْنِ: زَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَزَوَالِ الْفِرَاشِ. فَقَاسُوا عَلَى الْأَوَّلِ هَكَذَا تَرَبُّصٌ

لِأَنَّهَا تَجِبُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَشَابَهَتْ الِاسْتِبْرَاءَ. وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَ عِدَّةَ النِّكَاحِ ثُمَّ إمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ فَإِنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيُقَدَّرُ بِحَيْضَةٍ كَالِاسْتِبْرَاءِ. وَقُلْنَا: تَرَبُّصٌ يَجِبُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَالتَّرَبُّصِ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا أَرْجَحُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا، فَالْقِيَاسُ الْمُوجِبُ لِلْأَكْثَرِ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا فِي إيجَابِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَيْضَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ وُجُوبِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَيْضَةِ لَيْسَ مُقْتَضَى قِيَاسِ الِاسْتِبْرَاءِ بَلْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لَيْسَ إلَّا تَعْدِيَةَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّرَبُّصِ حَيْضَةً فَقَطْ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّهُ مُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ أَثَرَ الْعِلَّةِ فِيهِ وَفِي كُلِّ قِيَاسٍ إنَّمَا هُوَ فِي تَعْدِيَةِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا فِي غَيْرِهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، ثُمَّ لَا يَجِبُ ذَلِكَ الْغَيْرُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهِ. فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَإِيجَابُ الزَّائِدِ عَلَى الْحَيْضَةِ يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ الَّذِي عَيَّنَّاهُ، وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَهُ مَا عَيَّنُوهُ فَيَسْلَمُ إيجَابُهُ عَنْ الْمُعَارِضِ. وَعَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ فَالْمُعَارَضَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَ كُلِّ قِيَاسَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبُ أَحَدِهِمَا بَعْضَ مُوجِبِ الْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ التَّعَرُّضُ لِغَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، فَإِذَا كَانَ فِي الْفَرْعِ جَامِعَانِ بِلَا مَانِعٍ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي فِيهِ حُكْمًا وُجُودِيًّا وَالْآخَرُ غَيْرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ انْتِفَاءُ حُكْمِ الْآخَرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ الْقِيَاسُ وَالتَّعْلِيلُ لِنَفْيِ حُكْمٍ، فَإِنَّ النَّفْيَ حِينَئِذٍ مُقْتَضَاهُ، وَفِيهِ كَلَامٌ فِي الْأُصُولِ وَمَنْ اخْتَارَهُ شَرَطَ كَوْنَ الْعِلَّةِ أَمْرًا عَدَمِيًّا. وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يُؤْثِرُ شَيْئًا، وَمَا وَقَعَ فِي الْفِقْهِ بِمَا ظَاهِرُهُ التَّعْلِيلُ بِهِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ الْخَمْسِ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَنَحْوِهِ فَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ الشَّرْعِ مَا اُعْتُبِرَ مَنُوطًا بِهِ الْخَمْسُ إلَّا ذَلِكَ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فَيَنْتَفِي الْخَمْسُ: أَيْ يَبْقَى عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّهُ إلْحَاقٌ بِجَامِعٍ مُؤْثِرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوجِبُ أَحَدِهِمَا بَعْضَ مُوجِبِ الْآخَرِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْجَامِعَيْنِ مُتَظَافَرَانِ عَلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِإِثْبَاتِ أَمْرٍ آخَرَ لَيْسَ نَفْيُهُ مُقْتَضَى الْآخَرِ. (قَوْلُهُ وَإِمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ: أَمَرَ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا عَتَقَتْ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَكَتَبَ إلَيَّ عُمَرَ فَكَتَبَ بِحُسْنِ رَأْيِهِ، فَأَمَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْوَفَاةِ كَذَلِكَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فِي الْعِتْقِ مِنْ شَخْصٍ قَوْلُهُ بِهِ فِي الْوَفَاةِ، أَلَا يُرَى إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ بِهَا فِي الْعِتْقِ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. لَكِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَبِيصَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ ضَائِرٍ إذَا كَانَ قَبِيصَةُ ثِقَةً. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ قَالَا: ثَلَاثٌ حِيَضٍ إذَا مَاتَ عَنْهَا: يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ. وَأَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ، فَعَلَى هَذَا تَعَارَضَ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالْحَارِثُ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّ غَالِبَ نَقْلِ الْمَذَاهِبِ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ مِثْلِهِ، وَالْمُتَحَقِّقُ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ السَّلَفِ

(وَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) كَمَا فِي النِّكَاحِ. (وَإِذَا مَاتَ الصَّغِيرُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبِهَا حَبَلٌ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَصَارَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَهُمَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَلِأَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيِ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَرْجِيحَ مَا يُوَافِقُ رَأْيَنَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الصَّبِيُّ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبِهَا حَبَلٌ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا مَاتَ وَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ اتِّفَاقًا ثُمَّ مُعَرِّفُ ذَلِكَ أَنْ تَضَعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا وَضَعَتْهُ كَذَلِكَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَوْتِهِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِقِيَامِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ بَلْ بِحُدُوثِهِ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِدَّةِ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا بَلْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اتِّفَاقًا. وَقِيلَ: الْمَحْكُومُ بِحُدُوثِهِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ مَوْتِهِ وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ الِانْقِضَاءُ بِالْوَضْعِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لِلْحُدُوثِ بِأَكْثَرَ سَنَتَيْنِ أَوْ بِسَنَتَيْنِ كَوَامِلَ لَيْسَ إلَّا لِلِاحْتِيَاطِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ فِي الصَّبِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِ الْحُكْمِ بِالْحُدُوثِ إلَى السَّنَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذْ لَمْ يُحْكَ فِي الظَّاهِرِ خِلَافٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ وَلَا جَامِعُ كَلَامِهِ الْحَاكِمُ، وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا يَعْنِي الِاعْتِدَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ عُلَمَائِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَكَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عِدَّتَهَا بِالشُّهُورِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ انْتَهَى. وَإِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُطَلَّقَةِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ مَعَ أَنَّهُ مَنْفِيُّ النَّسَبِ وَمَحْكُومٌ بِحُدُوثِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ فِي الْمَحْكُومِ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ يَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ الصَّغِيرِ غَيْرَ مُرَاهِقٍ. أَمَّا الْمُرَاهِقُ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَلَّقَ الْكَبِيرُ امْرَأَتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ غَيْرِ سِقْطٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا مِنْ الزِّنَا وَلَا يَعْلَمُ الْحَالَ ثُمَّ وَضَعَتْهُ كَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُمْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَا يَعْلَمُ لِصِحَّةِ كَوْنِهِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَقْدَ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ لَكِنْ يَجِبُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهِ الْعِدَّةَ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ. وَحَاصِلُ مُتَمَسِّكِهِمْ الْقِيَاسُ عَلَى الْحَادِثِ بَعْدَ مَوْتِ الصَّغِيرِ، هَكَذَا حُمِلَ مَنْفِيُّ النَّسَبِ فَلَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ كَالْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ مَوْتِ الصَّغِيرِ (وَلَهُمَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَلِأَنَّهَا) أَيْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي حَقِّ الْحَامِلِ وَقْتَ

مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ وَضْعِ الْحَمْلِ فِي أُولَاتِ الْأَحْمَالِ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ لِشَرْعِهَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ، لَكِنْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْتِ (مُقَدَّرَةٌ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فِي أُولَاتِ الْأَحْمَالِ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ لَشَرَعَهَا) أَيْ لَشَرَعَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ (بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ لَكِنْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ. وَهَذَا الْمَعْنَى) وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ النِّكَاحِ (يَتَحَقَّقُ فِي الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْهُ) كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَبِيرِ وَالنَّسَبُ مِنْهُ. وَتَلْخِيصُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ قِيَاسُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ وَقْتَ مَوْتِهِ بِغَيْرِ ثَابِتِ النَّسَبِ عَلَى زَوْجَةِ الْكَبِيرِ الْحَامِلِ وَقْتَ مَوْتِهِ بِثَابِتِ النَّسَبِ فِي حُكْمٍ هُوَ الِاعْتِدَادُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ بِجَامِعِ أَنَّهُ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ إظْهَارًا لِخَطَرِهِ مُتَعَرِّضًا فِيهِ لِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ وَصْفُ ثُبُوتِ نَسَبِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ، وَدَلِيلُ الْإِلْغَاءِ شَرْعُ الْأَشْهُرِ مَعَ تَحَقُّقِ الْأَقْرَاءِ، وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ صُورَةِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ لِنَفْيِ الْعِلَّةِ الْمُسَاوِيَةِ وَهِيَ ثُبُوتُ نَسَبِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ عِلَّةً مُسَاوِيَةً لِلِاعْتِدَادِ بِالْوَضْعِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْخِلَافِيَّةِ فَيَنْتَفِي الِاعْتِدَادُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا انْتَفَى فِي الْحَامِلِ بِحَادِثٍ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ وَنَحْنُ مَنَعْنَا عِلِّيَّتَهُ فَضْلًا عَنْ مُسَاوَاتِهِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الِاعْتِدَادِ بِالْوَضْعِ لَيْسَ إلَّا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ مَمْنُوعٌ بَلْ لِذَلِكَ وَلْيَثْبُتْ الْفَرَاغُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ النِّكَاحِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ، فَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلنَّفْيِ وَيَكْفِي كَوْنُ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا لِلْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَمْرٌ لِلْأَعَمِّ ثَبَتَ لِكُلِّ خُصُوصِيَّاتِهِ فَيَثْبُتُ كَوْنُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِلنَّفْيِ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَبْعَدْنَا بِهَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ: أَعْنِي الْمُطَلَّقَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَلِي الْوَضْعَ فَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهَا إنْ كَانَتْ تَعَجَّلَتْهَا إضَافَةً لِلْحَادِثِ وَهُوَ الْحَمْلُ الْحَادِثُ إلَى أَقْرَبِ زَمَانِهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ) شَرَعَ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ وَبَيْنَ مَحَلِّ الْخِلَافِ،

لِأَنَّهُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِ الْحَمْلِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا وَجَبَتْ وَجَبَتْ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةِ الْحَمْلِ فَافْتَرَقَا. وَلَا يَلْزَمُ امْرَأَةُ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ لَهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ فَكَانَ كَالْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا (وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ فِي الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ، وَالنِّكَاحُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ التَّصَوُّرِ. (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَمْ تَعْتَدَّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُقَدَّرَةٌ، بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا. (وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ، وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحَيْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا شَرَعَ الْعِدَّةَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إذَا كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتًا حَالَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ مُطْلَقًا يَخُصُّ بِالْعَقْلِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ حَالَ الْمَوْتِ حَالُ زَوَالِ النِّكَاحِ وَعِنْدَهُ يَتِمُّ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْعِدَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَثْبُتَ الْعِدَّةُ إذْ ذَاكَ. وَالْفَرْضُ أَنْ لَا حَمْلَ حِينَئِذٍ لِيَثْبُتَ بِالْوَضْعِ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَدَمِهِ لِلِاعْتِدَادِ بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْعَقْلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَعِنْدَ عَدَمِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَثْبُتُ لَا يَتَوَقَّفُ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالْأَشْهُرِ، وَبِهَذَا لَزِمَ أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ بِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ الْأَحْمَالُ حَالَةَ الْفُرْقَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ امْرَأَةُ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا حَبَلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ) بِأَنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مَعَ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَيْثُ تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ لَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ فَرْضِ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَأَجَابَ بِمَنْعِ الْحُكْمِ بِحُدُوثِهِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ شَرْعًا وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ بَيْنَ الْحُكْمِيِّ وَالْوَاقِعُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ قَائِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بِحُدُوثِهِ كَانَ الْحُكْمُ أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَشْهُرِ، وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ لَا مَعْنَى لِلْإِيرَادِ الْمُجَابِ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ. وَقَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ يَقُومُ مَقَامَهُ: أَيْ مَقَامَ الْعُلُوقِ فِي مَوْضِعِ التَّصَوُّرِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ تَقْدِيرًا إذَا أَمْكَنَ تَصَوُّرُهُ تَحْقِيقًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ ثَلَاثُ حِيَضٍ كَوَامِلَ) لِأَنَّهُ مُسَمَّى الِاسْمِ فِي ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» (قَوْلُهُ وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ) مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ الزَّوْجِ، وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاطِئُ الْمُطَلِّقُ

مُحْتَسَبًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةَ فَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعِبَادَةُ فَإِنَّهَا عِبَادَةُ كَفٍّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ فَلَا تَتَدَاخَلَانِ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ يَتَحَقَّقُ بِصُوَرٍ. مِنْهَا الَّتِي زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا، وَالْمَوْطُوءَةُ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الثَّلَاثِ فِي الْعِدَّةِ بِنِكَاحٍ قَبْلَ نِكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ أَوْ فِي الْعِدَّةِ إذَا قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَاَلَّتِي طَلَّقَهَا بِالْكِنَايَةِ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ فِي عِصْمَةٍ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، فَفِي هَذِهِ تَجِبُ عِدَّتَانِ وَيَتَدَاخَلَانِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَعَدَمُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَمَا فِي الْغَايَةِ مِنْ أَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمُطَلَّقَةِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي الْفِعْلِ وَالشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ لَا يُثْبِتُ النَّسَبَ بِالْوَطْءِ، وَإِنْ قَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَا تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ سَيَأْتِي دَفْعُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ مَعْنَى التَّدَاخُلِ جَعْلُ الْمَرْئِيِّ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ وُطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ تَمَامُهَا وَتُحْتَسَبُ بِهِمَا مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا إذَا شَاءَ لَا يُقِرُّ بِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الثَّانِي حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ بِالشُّهُورِ، قَالُوا: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ رُكْنَ الْعِدَّةِ مَاذَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْحُرُمَاتِ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِذَا وَجَبَ كَفٌّ عَنْهَا فِي مُدَّةٍ بِسَبَبٍ وَكَفٌّ عَنْهَا كَذَلِكَ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَتَدَاخَلَانِ، لِأَنَّ هَذَا الْكَفَّ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَاتُ لَا تَتَدَاخَلُ، إنَّمَا التَّدَاخُلُ لَائِقٌ بِالْعُقُوبَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْ الشَّهْوَتَيْنِ فِي يَوْمٍ بِسَبَبٍ ثُمَّ وَجَبَ مِثْلُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَعِنْدَنَا أَنَّ الرُّكْنَ نَفْسَ تِلْكَ الْحُرُمَاتِ الْكَائِنَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. وَيُمْكِنُ اجْتِمَاعُ حُرُمَاتٍ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَالْخُرُوجِ وَالتَّزَوُّجِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ شُرْبِهَا نَهَارًا لِلصَّائِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَنْقَضِي بِدُونِ عِلْمِهَا وَمَعَ تَرْكِهَا الْكَفَّ، وَنَحْنُ نَسْتَأْنِفُ الْكَلَامَ وَنَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِ سَبَبِ الْعِدَّةِ أُمُورٌ: هِيَ حُرْمَةُ الْخُرُوجِ وَحُرْمَةُ الزِّينَةِ وَحُرْمَةُ التَّزَوُّجِ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ تَنْتَهِي هَذِهِ الْحُرُمَاتُ بِانْتِهَائِهَا، وَوُجُوبُ التَّرَبُّصِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَيْضًا الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] مَعَ أَنَّ هَذَا الْوُجُوبَ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ لَازِمًا لِلْحُرْمَةِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَمُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ لَيْسَ إلَّا فِعْلَ الْمُكَلَّفِ، وَالتَّرَبُّصُ وَإِنْ كَانَ الِانْتِظَارُ فَهُوَ

وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعَرُّفُ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ بِالْوَاحِدَةِ فَتَتَدَاخَلَانِ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَنْقَضِي بِدُونِ عِلْمِهَا وَمَعَ تَرْكِهَا الْكَفَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ، فَإِنْ أَرَدْنَا تَعْيِينَهُ لَمْ نَرَ أَنْسَبَ بِهِ مِنْ كَوْنِهِ تَرَكَ تِلْكَ الْحُرُمَاتِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَتَرْكُ الشَّيْءِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ كَفِّ النَّفْسِ عَنْهُ أَوْ حَبْسِهَا. فَمَنْ ظَنَّ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْكَفِّ وَالتَّرْكِ بَعُدَ عَنْ التَّحْقِيقِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَاصِلُ {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] نَهْيًا عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْكَفَّ عَنْهَا كَمَا جَعَلُوا قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] نَهْيًا عَنْهُ فَالثَّابِتُ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ لُزُومَ الْكَفِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرْأَةِ إلَّا عِنْدَ عِلْمِهَا بِالسَّبَبِ، إذْ التَّكْلِيفُ بِالْمَقْدُورِ وَلَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ فَيُحْكَمُ بِهَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بِاعْتِبَارِ عِلْمِهِ بِالسَّبَبِ. وَالْمُقَدِّمَةُ الْقَائِلَةُ: إنَّ الْحُكْمَ الْمُقَيَّدَ بِمُدَّةٍ يَنْتَهِي بِانْتِهَائِهَا لَزِمَ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ حَتَّى تَمَّتْ الْعِدَّةُ خَرَجَتْ عَنْ الْعِدَّةِ غَيْرَ آثِمَةٍ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي حَقِّهَا لَمْ يَكُنْ حُكْمَ الْخِطَابِ، بَلْ غَايَتُهُ أَصْلُ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِالسَّبَبِ وَلَا طَلَبَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ عَلَى مَا عُرِفَ، أَوْ عَلِمْت ثُمَّ لَمْ تَكُفَّ: أَيْ لَمْ تَتَرَبَّصْ عَنْ الْخُرُوجِ وَالنِّكَاحِ حَتَّى انْتَهَتْ إلَى حَدِّ الزِّنَا إلَى أَنْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ خَرَجَتْ عَنْ الْعِدَّةِ آثِمَةً فَلَا يَكُونُ انْقِضَاؤُهَا بِلَا عِلْمِهَا وَمَعَ تَرْكِهَا الْكَفَّ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ تَحَقُّقُهَا فِي حَقِّ مَنْ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ تَحَقُّقَ الْعِدَّةِ فِي الشَّرْعِ بِالْأَصَالَةِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَرُّفِ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَلِإِظْهَارِ خَطَرِ النِّكَاحِ وَالْبُضْعِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَقَدْ لَا كَمَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ وَهُوَ كَفُّ الْقَادِرَةِ الْمُخْتَارَةِ نَفْسَهَا عَنْ مُتَعَلِّقَاتِ تِلْكَ الْحُرُمَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِدَّةَ تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ، أَمَّا عَلَى التَّرَبُّصِ فَفِي قَوْلِنَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَنَحْوِهِ

(وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِيهَا) تَحْقِيقًا لِلتَّدَاخُلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَلَى نَفْسِ الْمُدَّةِ فَفِي نَحْوِ قَوْلِنَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَمَا سَنَذْكُرُ أَيْضًا، وَأَمَّا عَلَى نَفْسِ الْحُرُمَاتِ فَبِفَرْضِ دَعْوَانَا أَنَّهَا الرُّكْنُ، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي بَيَانِ أَنَّ مُسَمَّى لَفْظِ الْعِدَّةِ فِي الشَّرْعِ مَاذَا؟ فَاَلَّذِي يُفِيدُهُ حَقِيقَةُ نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] أَنَّهُ نَفْسُ الْمُدَّةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ الْحُرُمَاتُ فِيهَا وَتَقَيَّدَتْ بِهَا لَا الْحُرُمَاتُ الثَّابِتَةُ فِيهَا وَلَا وُجُوبُ الْكَفِّ وَلَا التَّرَبُّصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] إنَّمَا يُفِيدُ لُزُومَ التَّرَبُّصِ لَا أَنَّهُ مُسَمَّى لَفْظِ الْعِدَّةِ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمُورِ ثَابِتٌ عِنْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَالْكَلَامُ الْآنَ لَيْسَ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] فَالْأَجَلُ هُوَ مَا كَانَ مِنْ الْمُدَّةِ لِتَأْخِيرِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ مُضِيِّهِ كَالْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ الثَّابِتُ بِمُضِيِّ هَذَا الْأَجَلِ حِلُّ النِّكَاحِ وَالْخُرُوجِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ قَبْلَهُ حُرْمَتُهُمَا، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا إلَّا عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ الرُّكْنَ كَمَا قُلْنَا فِي التَّرَبُّصِ، وَأَمَّا وَصْفُ الْعِدَّةِ بِالْوُجُوبِ فِي قَوْلِنَا الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ وَوَجَبَتْ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِعْلٌ كَالتَّرَبُّصِ وَالْكَفِّ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ الْمَفْهُومَ الْحَقِيقِيَّ إلَّا ظَاهِرًا، وَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ النَّظْمُ الْقُرْآنِيُّ. فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ مُسَمَّى الْعِدَّةِ الْمُدَّةَ الْخَاصَّةَ الَّتِي تَعَلَّقَتْ فِيهَا الْحُرُمَاتُ عِنْدَ الْكُلِّ. وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ بِنَاءُ الْخِلَافِ فِي تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ عَلَى كَوْنِ رُكْنِ الْعِدَّةِ الْكَفَّ أَوْ الْحُرُمَاتِ، بَلْ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا الْمُدَّةُ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حِينَئِذٍ تَعَلَّقَتْ فِيهَا حُرُمَاتٌ يَجِبُ لَهَا كَفُّ النَّفْسِ عَنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا. فَتَدَاخُلُ الْعِدَّتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ تَدَاخُلَ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ فِيمَا لَا أَنَّ تَدَاخُلَهَا تَدَاخُلُهَا وَاللَّازِمُ مُتَّحِدٌ حِينَئِذٍ وَهُوَ امْتِنَاعُ تَدَاخُلِ الْعِبَادَاتِ سَوَاءٌ جَاءَ لَازِمًا لِتَدَاخُلِ الْعِدَّةِ أَوْ كَانَ عَيْنَ تَدَاخُلِهَا فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ كَوْنِ الْمَبْنِيِّ مَا هُوَ. وَالدَّفْعُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الْكَفَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَجِبْ تَحَقُّقُهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ بَلْ مُطْلَقًا، إذْ لَا دَلِيلَ يُوجِبُ كَوْنَهُ وَجَبَ إيجَادَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بَلْ الدَّلِيلُ قَامَ عَلَى عَدَمِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ لَوْ وَقَعَ الْكَفُّ مِنْهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ بَلْ اتِّفَاقًا أَوْ لِغَرَضٍ مُبَاحٍ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهَا آثِمَةً مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْعِبَادَةُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الِاحْتِسَابِ لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى أَنَّهُ عِبَادَةٌ. نَعَمْ هُوَ لَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ عِبَادَةً، فَإِنَّ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ إذَا كَفَّتْ نَفْسَهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَغَيْرِهِ مَعَ فُرُوغِ النَّفْسِ لِذَلِكَ احْتِسَابًا لِلَّهِ وَقَصْدًا لِطَاعَتِهِ وَقَعَ ذَلِكَ عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَا أَنَّهُ يَجِبُ إيقَاعُهُ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِيهَا)

(وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقُ أَوْ الْوَفَاةُ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ لَمْ تَرَ فِيهَا دَمًا يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ الْأَشْهُرِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. (قَوْلُهُ وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ) لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقُ تَسَاهُلٌ، فَقَدْ قَدَّمُوا أَنَّ سَبَبَهَا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ شَرْطٌ وَأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ إلَى الشَّرْطِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ يَتِمُّ السَّبَبُ فَيَسْتَعْقِبُهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيَكُونُ مَبْدَأُ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِالضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ) بِأَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لَهَا بِالدَّيْنِ أَوْ يَتَوَاضَعَا عَلَيْهِ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا. وَإِذَا كَانَ مُخَالَفَةُ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ مَحَلَّ التُّهْمَةِ وَالنَّاسُ الَّذِينَ هُمْ مَظَانُّهَا، وَلِذَا فَصَّلَ السُّغْدِيُّ حَيْثُ قَالَ: مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَ الطَّلَاقُ إلَيْهِ، أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَعَلَى هَذَا إذَا فَارَقَهَا زَمَانًا ثُمَّ قَالَ لَهَا كُنْتُ طَلَّقْتُك مُنْذُ كَذَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ يُصَدَّقُ وَتُعْتَبَرُ عِدَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى لِاعْتِرَافِهَا بِالسُّقُوطِ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا، وَعُرِفَ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْإِقْرَارِ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ قَامَتْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ، وَأَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ إنَّمَا هُوَ إذَا صَدَّقَتْهُ، أَمَّا إذَا كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ فَلَا، وَكَذَا إذَا قَالَتْ لَا أَدْرِي، فَالْحُكْمُ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ، ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَمَشَايِخُنَا مَشَايِخُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَاقْتِصَارُ النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ غَيْرُ جَيِّدٍ ثُمَّ فِيهِ تَرْكٌ لِشَرْحِ الْكِتَابِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَأَتَاهَا مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ لِمُدَّةٍ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ فَلَا عِدَّةَ وَإِذَا شَكَّتْ فِي الْعِدَّةِ اعْتَدَّتْ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَسْتَيْقِنُ فِيهِ بِمَوْتِهِ. وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الضَّرْبَ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ. وَلَوْ طَلَّقَهَا

(وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ أَوْ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) وَقَالَ زُفَرُ: مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ وُجِدَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَجْرِي مَجْرَى الْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى حُكْمِ عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا يُكْتَفَى فِي الْكُلِّ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، فَقِيلَ: الْمُتَارَكَةُ أَوْ الْعَزْمُ لَا تُثْبِتُ الْعِدَّةَ مَعَ جَوَازِ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنْكَرَ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ فَقُضِيَ بِالطَّلَاقِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ أَوْ عَزْمِ الْوَاطِئِ) بِأَنْ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ تَرَكَ الْوَطْءَ فَإِنَّ الْإِخْبَارَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، أَمَّا آخِرُ الْوَطَآتِ لَا يُعْلَمُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ آخَرَ بَعْدَهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالنِّصَابُ الْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تَرَكْتُكِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَتَرَكْتُهَا وَخَلَّيْتُ سَبِيلَهَا أَمَّا عَدَمُ الْمَجِيءِ فَلَا إذْ الْغَيْبَةُ لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ يَعُودُ وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا لَا يَكُونُ مُتَارَكَةً. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ وُجِدَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَجْرِي مَجْرَى الْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ) لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ أَيْ كُلِّ الْوَطَآتِ (إلَى حُكْمِ عَقْدٍ وَاحِدٍ) وَهُوَ شُبْهَةُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلِهَذَا أَيْ لِاعْتِبَارِ الْكُلِّ وَاحِدًا يُكْتَفَى بِمَهْرٍ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ تَعَدَّدَتْ الْمُهُورُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ لِمَا عُرِفَ فَقَبْلَ الْمُتَارَكَةِ أَوْ الْعَزْمِ لَا تَثْبُتُ كُلُّ الْوَطَآتِ لِجَوَازِ غَيْرِهِ فَلَا تَثْبُتُ الْعِدَّةُ لَكِنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ زُفَرَ أَنَّهَا إذَا حَاضَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ أَيَّ وَطْءٍ كَانَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ ثَلَاثَ حِيَضٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ آخِرَ الْوَطَآتِ وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. عَادَ هَذَا التَّقْدِيرُ فَنَقُولُ: إنْ تَرَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثًا إلَخْ وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَةً بَعْدَ وَطْئِهِ ثُمَّ قَالَ: عَزَمْتُ عَلَى تَرْكِهِ اُحْتُسِبَ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ عِنْدَهُ مِنْ الْعِدَّةِ فَتَتَزَوَّجُ بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَعِنْدَنَا لَا تُحْتَسَبُ بِهَا (وَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ) مِنْ الْوَطْءِ (عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ) بِسَبَبِ ذَلِكَ

أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِخَفَائِهِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. (وَإِذَا قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ الْيَمِينِ) لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اُتُّهِمَتْ بِالْكَذِبِ فَتَحْلِفُ كَالْمُودِعِ. (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهِ إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى) لِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ، وَإِكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى إنَّمَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ (أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِخَفَاءِ الْوَطْءِ وَمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوَاطِئِ وَهُوَ حِلُّهَا لِلْأَزْوَاجِ وَالْخَفِيُّ لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ وَإِذَا أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ لَا تَثْبُتُ الْعِدَّةُ مَا دَامَ التَّمَكُّنُ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ قَائِمًا وَلَا يَنْقَطِعُ التَّمَكُّنُ كَذَلِكَ إلَّا بِالتَّفْرِيقِ أَوْ الْمُتَارَكَةِ صَرِيحًا فَلَا تَثْبُتُ الْعِدَّةُ إلَّا عِنْدَهُمَا وَاخْتَارَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ قَوْلَ زُفَرَ. وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْوَجْهُ أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ عَالِمَةً بِأَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَ وَطْئِهِ كَانَ صَحِيحًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا بَعْدَ التَّرْكِ فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا كَذَّبَهَا مَعَ كَوْنِ الْمُدَّةِ تَحْتَمِلُ انْقِضَاءَهَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ شَهْرَانِ عِنْدَهُ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْتَمِلْهُ الْمُدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَصْلًا. (قَوْلُهُ كَالْمُودَعِ) إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْهَلَاكَ وَأَنْكَرَ الْمُودَعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الرَّدِّ مَعَ أَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ إذَا كَذَّبَهُ. وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ الزَّوْجُ: أَخْبَرَتْنِي بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فَإِنْ كَانَ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا قَوْلُهَا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مُحْتَمَلٌ مِنْ إسْقَاطِ سِقْطٍ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَلَوْ كَانَ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ فَكَذَّبَتْهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ) الْمَدْخُولَ بِهَا (طَلَاقًا بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَقَالَ زُفَرُ نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ سُمِّيَ فِيهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ وَلَا تُكْمِلُ الْعِدَّةَ الْأُولَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا نِصْفُهُ أَوْ الْمُتْعَةُ وَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى. لِزُفَرِ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزَوُّجِ وَلَا تَجِبُ عِدَّةٌ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي وَلَا كَمَالُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ

التَّزَوُّجِ الثَّانِي، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا. وَلَهُمَا أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَهُوَ الْعِدَّةُ، فَإِذَا جَدَّدَ النِّكَاحَ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ نَابَ ذَلِكَ الْقَبْضُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ فِي هَذَا النِّكَاحِ كَالْغَاصِبِ يَشْتَرِي الْمَغْصُوبَ الَّذِي فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّزَوُّجِ الثَّانِي فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ ظَهَرَ حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ) أَيْ زَوْجَتَهُ الَّتِي هِيَ أُمُّ وَلَدِهِ إذَا كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ تَظْهَرْ الْعِدَّةُ حَتَّى حَلَّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ثُمَّ بِالْعِتْقِ تَظْهَرُ غَيْرَ أَنَّ هُنَا تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أَعْتَقَتْ وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ إلَى أَنْ تَذْهَبَ عِدَّةُ النِّكَاحِ وَهِيَ حَيْضَتَانِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهَا عِدَّةُ النِّكَاحِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّهَا عِدَّةُ أُمِّ وَلَدٍ أَعْتَقَتْ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ أَوْ لَا وَلَدَ لَهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ تَبْطُلُ فِي حَقِّهِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا فَإِذَا زَالَ بِالْعِتْقِ تَظْهَرُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا بِالطَّلَاقِ السَّابِقِ، وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهِمَا وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ مِنْ الطَّلَاقِ، وَفِي ذَلِكَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ. وَلَهُمَا أَنَّ الْوَطْءَ قَبْضٌ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى، وَبَقِيَ أَثَرُ هَذَا الْقَبْضِ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ إذْ هِيَ أَثَرُهُ، فَإِذَا جُدِّدَ النِّكَاحُ وَالْحَالُ قِيَامُ قَبْضِهَا نَابَ قَبْضُهَا الْقَائِمِ مَقَامَ اسْتِحْدَاثِ قَبْضٍ آخَرَ فَكَانَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ قَابِضًا كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِالْغَصْبِ نَابَ ذَلِكَ الْقَبْضُ عَنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَأْنَفِ وَلَا يُقَالُ: وَجَبَ عَلَى هَذَا أَنْ يَمْلِكَ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَهُوَ مُنْتَفٍ. لِأَنَّا نَقُولُ: نَحْنُ مَا جَعَلْنَا النِّكَاحَ الثَّانِيَ قَائِمًا مَقَامَ النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْعِدَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إقَامَتُهُ مَقَامَهُ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَإِلَّا كَانَ إقَامَةً فِي حَقِّ تَرْكِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ، أَلَا يَرَى أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ لَا يُثْبِتُهَا مَعَ أَنَّ الْخَلْوَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ؛ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ إقَامَةِ النِّكَاحِ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي ذَيْنِك الْحُكْمَيْنِ إقَامَتُهُ مَقَامَهُ وَثُبُوتُ الرَّجْعَةِ

فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ، وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. . قَالَ (وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: وَهُوَ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي أَوَّلًا. وَثَانِيهَا لَوْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَنْ ذَلِكَ الْفَاسِدِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا أَوَّلًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ وَلَا عَلَيْهَا اسْتِقْبَالُ الْعِدَّةِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْفَاسِدِ فَلَا يُجْعَلُ وَاطِئًا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ وَاطِئًا بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِهَا وَلَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ. وَثَالِثُهَا لَوْ دَخَلَ بِهَا فِي الصِّحَّةِ وَطَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْمَرَضِ فِي عِدَّتِهَا وَطَلَّقَهَا بَائِنًا قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَكُونُ فَارًّا أَمْ لَا. وَرَابِعُهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفُؤٍ وَدَخَلَ بِهَا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الْوَلِيِّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا هَذَا الرَّجُلُ فِي الْعِدَّةِ بِمَهْرٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ الثَّانِي كَامِلًا وَعِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ الْمَهْرِ الثَّانِي وَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى. وَخَامِسُهَا تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَبَلَغَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَسَادِسُهَا تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً فَدَخَلَ بِهَا فَبَلَغَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَسَابِعُهَا تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا. وَثَامِنُهَا تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا. وَتَاسِعُهَا تَزَوَّجَ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَعَاشِرُهَا تَزَوَّجَ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَأَعْتَقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ) أَوْ مَاتَ عَنْهَا (فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَجِبُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا الْمُسْلِمُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا حَقُّهُ وَمُعْتَقَدُهُ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصِيرَ بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُ مِنْ الْعَوْدِ إمَّا بِخُرُوجِهَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمَنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا

فَإِنْ تَزَوَّجَتْ جَازَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهَا وَعَلَى الذِّمِّيَّةِ الْعِدَّةُ) أَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَالِاخْتِلَافُ فِيهَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي نِكَاحِهِمْ مَحَارِمَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ مُعْتَقَدُهُمْ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِسَبَبِ التَّبَايُنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الرَّجُلُ وَتَرَكَهَا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ كَانَ فِيهَا حَقُّ بَنِي آدَمَ وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ حَتَّى كَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ تَزَوَّجَتْ جَازَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا) وَعَنْهُ لَا يَطَؤُهَا الزَّوْجُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَعَنْهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ (وَقَالَا عَلَيْهَا) أَيْ الْحَرْبِيَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً الْعِدَّةُ (وَعَلَى الذِّمِّيَّةِ الْعِدَّةُ. أَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَالْخِلَافُ فِيهَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي نِكَاحِهِمْ مَحَارِمَهُمْ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ) أَيْ الِاخْتِلَافِ الْمُشْبِهِ وَهُوَ عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ فِي بَابِ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ: وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ إلَى آخِرِهِ، أَوْ الْمُرَادُ كُلًّا مِنْ الِاخْتِلَافَيْنِ (وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ) لِمُسْلِمَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ) غَيْرِ التَّبَايُنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمُطَاوَعَةِ وَالْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ. (وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِسَبَبِ التَّبَايُنِ) وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمَةِ لِيُتَّجَهَ خُصُوصُ هَذَا الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فَهُوَ دَلِيلٌ يَخُصُّ الْخَارِجَةَ مُسْلِمَةً، وَلَوْ لَمْ يَخُصَّ بِهَا لَمْ تَظْهَرْ الْمُلَازَمَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ الْعِدَّةِ عَنْ طَلَاقِ الذِّمِّيِّ ذِمِّيَّةً إذَا كَانُوا يَدِينُونَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الزَّوْجُ) مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ صَارَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (وَتَرَكَهَا) فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا هُنَاكَ إجْمَاعًا حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا كَمَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ (لِعَدَمِ تَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ) لَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالْعِدَّةِ لِمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ أَنَّهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَتُخَاطَبُ بِهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ لَا تَجُوزُ بِالظَّنِّيِّ وقَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فِي الْمُطَلَّقَاتِ، فَإِلْحَاقُ التَّبَايُنِ بِالطَّلَاقِ قِيَاسًا يُقَيِّدُهُ بِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِالْقِيَاسِ، هَذَا وَالْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ تَعْتَدُّ كَالْمُسْلِمَةِ، وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تَجِبُ مَعَهَا الْعِدَّةُ عِنْدَ الْفُرْقَةِ كَمَا لَا يَجِبُ مَعَهَا

[فصل وعلى المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الحداد]

إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَا يَطَؤُهَا كَالْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (فَصْلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَهْرُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَجُوزُ لَهَا فَلَا تُقَامُ الْخَلْوَةُ مَقَامَ الْوَطْءِ، وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِهَا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَأَمَّا الْخَلْوَةُ الْفَاسِدَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْوَطْءُ مَعَ الْمَانِعِ كَالْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَجِبُ الْعِدَّةُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ كَمَالُ الْمَهْرِ، وَإِنْ اعْتَرَفَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَأَنَّ هَذَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ وُجُوبُ الْعِدَّةِ فِي كُلِّ صُوَرِ الْخَلْوَةِ، وَعِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ كَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، فَإِنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَكَذَا الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ وَحَيْثُ وَجَبَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ. فَفِي الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي الطَّلَاقِ أَوْ أَرْبَعَةٌ فِي الْوَفَاةِ بِالْأَهِلَّةِ، وَفِي الثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُعْتَبَرُ الْأَيَّامُ تِسْعِينَ فِي الطَّلَاقِ وَمِائَةً وَعِشْرِينَ فِي الْوَفَاةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ بِالْأَيَّامِ ثُمَّ تَعْتَدُّ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ وَتُكْمِلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِالْأَيَّامِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ آخِرُهُمَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [فَصْلٌ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ نَفْسَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَكَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا أَخَذَ يَذْكُرُ مَا يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْمُعْتَدَّاتِ فَإِنَّهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ

قَالَ (وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ) أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلِ وُجُوبِهَا. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ) يَعْنِي وَيَجِبُ بِسَبَبِ التَّزَوُّجِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَأَصْلُهُ الْمَبْتُوتُ طَلَاقُهَا، تَرَكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَهَلْ يُبَاحُ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ: لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أَخُوهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً، قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَبْتُوتَاتِ يُفِيدُ نَفْيَ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُحِدَّ عَلَى قَرَابَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ وَهُوَ يُرِيدُهَا. وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ. (قَوْلُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ: «تُوُفِّيَ حَمِيمٌ لِأُمِّ حَبِيبَةَ فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَمَسَحَتْهُ بِذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ: إنَّمَا أَصْنَعُ هَذَا لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَالْحَمِيمُ الْقَرِيبُ. وَقَدْ رُوِيَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَوَقَعَ فِيهِ مُفَسَّرًا هَكَذَا: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ. وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ «فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إيجَابِ الْإِحْدَادِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ نَفْيِ الْحِلِّ فَيُفِيدُ ثُبُوتَ الْحِلِّ وَلَا كَلَامَ فِيهِ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ نَفْيَ حِلِّ الْإِحْدَادِ نَفْيُ الْإِحْدَادِ فَاسْتِثْنَاؤُهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ نَفْيِهِ وَهُوَ إثْبَاتُهُ فَيَصِيرُ حَاصِلُهُ لَا إحْدَادَ إلَّا مِنْ زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ

وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَمَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُهُ عَلَى مَا عُرِفَ، وَمِنْ أَنَّ نَفْيَ حِلِّ الْإِحْدَادِ إيجَابُ الزِّينَةِ فَاسْتِثْنَاؤُهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْإِيجَابِ فَيَكُونُ إيجَابًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ غَيْرَ لَازِمٍ، إذْ يَمْنَعُ كَوْنَ نَفْيِ حِلِّ الشَّيْءِ الْحِسِّيِّ نَفْيٌ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا لِيَتَضَمَّنَ الِاسْتِثْنَاءُ الْإِخْبَارَ بِوُجُودِهِ بَلْ نَفْيٌ لَهُ عَنْ الْحِلِّ، وَلَوْ سَلِمَ فَوُجُودُ الشَّيْءِ فِي الشَّرْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ لِتَحَقُّقِهِ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَلَا وُجُوبَ. وَأَيْضًا اسْتِثْنَاءُ الْإِحْدَادِ مِنْ إيجَابِ الزِّينَةِ حَاصِلُهُ نَفْيُ وُجُوبِ الزِّينَةِ وَهُوَ مَعْنَى حِلِّ الْإِحْدَادِ، وَاتِّحَادُ الْجِنْسِ حَاصِلٌ مَعَ هَذَا، فَإِنَّ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْإِحْدَادُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ عَلَى صِفَةِ الْوُجُودِ فِيهِمَا فَهُوَ كَالْأَوَّلِ، فَلِذَا قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: وَمَا فَاهُوا بِهِ بِمَا فِيهِ ثَلْجُ الْفُؤَادِ. وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَكِنْ يَحِلُّ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَعَلَى مَنْ سِوَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . وَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِنَحْوِ حَدِيثِ حَفْصَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» فَإِنَّ فِيهِ تَصْرِيحًا بِالْإِخْبَارِ، وَيَكُونُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لِلْمُصَنِّفِ مَحْكُومًا بِإِرَادَةِ الْإِخْبَارِ بِوُجُودِ فِعْلِهَا مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحَمْلِ لِظُهُورِ إرَادَتِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، وَلَمْ يَخْفَ أَنَّ الْإِخْبَارَ الْمُوجِبَ لِلْوُجُوبِ الْإِخْبَارُ بِصُدُورِ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ثُبُوتِهِ شَرْعًا مَثَلًا إذَا قَالَ الْحِدَادُ تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ أَفَادَ الْوُجُوبَ لَا إذَا قَالَ الْحِدَادُ ثَابِتٌ شَرْعًا فَإِنَّهُ أَعَمُّ. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا ظَهَرَتْ نُبْذَةٌ مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» فَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ فِي تَفْصِيلِ مَعْنَى تَرْكِ الْإِحْدَادِ، وَالنُّبْذَةُ بِضَمِّ النُّونِ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ، وَالْقُسْطُ وَالْأَظْفَارُ نَوْعَانِ مِنْ الْبَخُورِ، رَخَّصَ فِيهِ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ فِي تَطْيِيبِ الْمَحَلِّ وَإِزَالَةِ كَرَاهَتِهِ. وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا قَالَتْ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنَكْحُلُهَا - بِضَمِّ الْحَاءِ -؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُرْمَى بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» قَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدَ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. الْحِفْشُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ: الْبَيْتُ الصَّغِيرُ قَرِيبُ السَّقْفِ حَقِيرٌ وَتَفْتَضُّ بِفَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ قِيلَ: أَيْ تَكْسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ أَوْ نَحْوِهِ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا وَتَنْبِذُهُ، فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ مَا تَفْتَضُّ بِهِ، فَهُوَ مِنْ فَضَّ اللَّهُ فَاهُ وَلَا فَضَّ اللَّهُ فَاك. وَقِيلَ: الِافْتِضَاضُ الْإِنْقَاءُ بِالْغُسْلِ لِيَصِيرَ كَالْفِضَّةِ فَهُوَ مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ لِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ لِصَبْرِهِ عَلَى صُحْبَتِهَا إلَى الْمَوْتِ، بِخِلَافِ ابْتِدَائِهِ

وَجَبَ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ زَوْجٍ وَفِي بُعْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ وَقَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأْسَفْ بِفَوْتِهِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ» . وَقَالَ «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ مُوحِشُهَا وَخُلْعِهِ لِأَنَّهَا رَاغِبَةٌ فِيهِ لِمَكَانِ سُؤَالِهَا. قُلْنَا: فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ نَصٌّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ» ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَعَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ هَكَذَا، وَلَفْظُهُ: «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَأَمَّا جَعْلُهُ حَدِيثَيْنِ حَدِيثَ «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» الْمُتَقَدِّمَ، وَحَدِيثَ أَبِي دَاوُد عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أُسَيْدٍ عَنْ أُمِّهَا عَنْ مَوْلَاةٍ لَهَا «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا فِي عِدَّتِي مِنْ وَفَاةِ أَبِي سَلَمَةَ: لَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ، قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ» فَمَعَ الطَّعْنِ فِي إسْنَادِهِ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ فَإِنَّهُ فِي مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَفَاةٍ. وَلَوْ سَلِمَ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ بِالْقِيَاسِ عَلَى عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِجَامِعِ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّ مَا عَيَّنَّهُ الشَّافِعِيُّ مُنَاسِبٌ مُعْتَبَرٌ فِي مَحَلِّ النَّصِّ وَهُوَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمُنَاسِبُ الْمُعْتَبَرُ عَلَى الْحَصْرِ بَلْ فِي الْمَحَلِّ أَيْضًا إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ فِي الْمَعَادِ وَالدُّنْيَا فَإِنَّهُ ضَابِطٌ لِلْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ لِفَوَاتِ الزَّوْجِ، وَكَوْنُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ مِنْ مُهَيِّجَاتِ شَهْوَةِ الْجِمَاعِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ النِّكَاحِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَتَمْتَنِعُ دَوَاعِيهِ دَفْعًا لِمَا يُدَافِعُ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ إلَى آخِرِهِ، لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ذَكَرَ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ حِكْمَةٌ لِأَنَّ الْمُنْضَبِطَ فَوَاتُ مَا قُلْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا هُوَ دَوَاعِيهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ يَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ، فَإِذَا وُجِدَ فِي مَحَلٍّ ثَبَتَ مَعَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ، فَفِي الْمَبْتُوتَةِ إنْ فُقِدَ التَّأَسُّفُ عَلَى الزَّوْجِ فَالْآخَرُ وَهُوَ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ مَوْجُودٌ، وَلَوْ تَمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ مُطْلَقًا لَيْسَ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23] فَلَا يَكُونُ الْإِحْدَادُ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مَنُوطٌ بِهِ لَزِمَ كَوْنُ وُجُوبِهِ تَبَعًا لِلْعِدَّةِ بِالنَّصِّ أَوْ مَعْلُولًا بِالْآخَرِ فَقَطْ، لَكِنْ مُنِعَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِكَيْلا تَأْسَوْا} [الحديد: 23]

عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةُ مُؤَنِهَا، وَالْإِبَانَةُ أَقْطَعُ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا (وَالْحِدَادُ) وَيُقَالُ الْإِحْدَادُ وَهُمَا لُغَتَانِ (أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَالْكُحْلَ وَالدُّهْنَ الْمُطَيَّبَ وَغَيْرَ الْمُطَيَّبِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا مِنْ وَجَعٍ) وَالْمُعْتَدُّ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ دَوَاعِي الرَّغْبَةِ فِيهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ النِّكَاحِ فَتَجْتَنِبُهَا كَيْ لَا تَصِيرَ ذَرِيعَةً إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي الِاكْتِحَالِ. وَالدُّهْنُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَفِيهِ زِينَةُ الشَّعْرِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ عَنْهُ قَالَ: إلَّا مِنْ عُذْرٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، وَالْمُرَادُ الدَّوَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآيَةَ، الْأَسَى مَعَ الصِّيَاحِ وَالْفَرَحُ مَعَ الصِّيَاحِ، نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا (قَوْلُهُ وَالْحِدَادُ وَيُقَالُ الْإِحْدَادُ) فَمِنْ الْأَوَّلِ يُقَالُ حَدَّتْ الْمَرْأَةُ تَحُدُّ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْضًا حِدَادٌ فَهِيَ حَادٌّ، وَمِنْ الثَّانِي يُقَالُ: أَحَدَّتْ تُحِدُّ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ. (قَوْلُهُ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ) وَلَا تَحْضُرَ عَمَلَهُ وَلَا تَتَّجِرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَالدُّهْنُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ طِيبٍ) إمَّا فِي ذَاتِهِ أَوْ فِي الْمُدْهَنِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ طِيبِ نَفْسِهِ بِهِ وَزِينَتِهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِلزَّيْلَعِيِّ مُخْرِجُ الْأَحَادِيثِ هُنَا وَهْمٌ. وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ لَفْظَةَ الدُّهْنِ عَطْفًا عَلَى الِاكْتِحَالِ فَقَالَ عَنْ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي الِاكْتِحَالِ وَالدُّهْنِ، فَخَرَّجَ حَدِيثَ مَنْعِهِ الِاكْتِحَالَ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الدُّهْنُ فَقَرِيبٌ وَهُوَ سَهْوٌ، فَإِنَّ الدُّهْنَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ طِيبٍ فَأَلْحَقَهُ إلْحَاقًا. (قَوْلُهُ قَالَ: إلَّا مِنْ عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ، وَذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ إلَى

لَا الزِّينَةُ. وَلَوْ اعْتَادَتْ الدُّهْنَ فَخَافَتْ وَجَعًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا ظَاهِرًا يُبَاحُ لَهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْوَاقِعِ، وَكَذَا لَيْسَ الْحَرِيرُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ. (وَلَا تَخْتَضِبْ بِالْحِنَّاءِ) لَمَا رَوَيْنَا (وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ وَلَا بَزَعْفَرَانٍ) لِأَنَّهُ يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ. قَالَ (وَلَا حِدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ (وَلَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ وَلَوْ مِنْ وَجَعٍ وَعُذْرٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ حَيْثُ نَهَى نَهْيًا مُؤَكَّدًا عَنْ الْكُحْلِ الَّتِي اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْخَوْفُ عَلَى عَيْنِهَا، وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا ظَاهِرًا يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومَاتِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أُسَيْدٍ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ زَوْجَهَا تُوُفِّيَ وَكَانَتْ تَشْتَكِي عَيْنَهَا فَتَكْتَحِلُ بِكُحْلِ الْجَلَاءِ فَأَرْسَلَتْ مَوْلَاةً لَهَا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَتْهَا عَنْ كُحْلِ الْجَلَاءِ فَقَالَتْ: لَا تَكْتَحِلْ مِنْهُ إلَّا مِنْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ يَشْتَدُّ عَلَيْك فَتَكْتَحِلِي بِاللَّيْلِ وَتَمْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ ثُمَّ قَالَتْ: عِنْدَ ذَلِكَ «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَيَّ صَبْرًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ فَقُلْتُ: إنَّمَا هِيَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ فَلَا تَجْعَلِيهِ إلَّا بِاللَّيْلِ وَانْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ، وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ أُمَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَتَمْتَشِطُ بِأَسْنَانِ الْمِشْطِ الْوَاسِعَةِ لَا الضَّيِّقَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَطْلَقَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مُطْلَقًا، وَكَوْنُهُ بِالضَّيِّقَةِ يَحْصُلُ مَعْنَى الزِّينَةِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا، وَبِالْوَاسِعَةِ يَحْصُلُ دَفْعُ الضَّرَرِ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ تَحْتَاجُ لِإِخْرَاجِ الْهَوَامِّ إلَى الضَّيِّقَةِ. نَعَمْ كُلُّ مَا أَرَادَتْ بِهِ مَعْنَى الزِّينَةِ لَمْ يَحِلَّ. وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتَيْنِ وَالسَّمْنِ فَمَنَعْنَاهُ نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِحُصُولِ الزِّينَةِ بِهِ، وَأَجَازَهُ الْإِمَامَانِ وَالظَّاهِرِيَّةُ. (قَوْلُهُ لِعُذْرٍ) كَالْحَكَّةِ وَالْقَمْلِ وَالْمَرَضِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُبَاحُ لَهَا الْحَرِيرُ الْأَسْوَدُ وَالْحُلِيُّ، وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ النَّصِّ فِي مَنْعِ الْمَصْبُوغِ يَنْفِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِ الْحُلِيِّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ الْمَصْبُوغِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَّا الْعَصْبَ فَشَمَلَ مَنْعَ الْأَسْوَدِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَفُوحُ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ خَلِقًا لَا رَائِحَةَ لَهُ يَجُوزُ. وَفِي الْكَافِي قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ إلَّا الْمَصْبُوغَ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِضَرُورَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لَكِنْ لَا تَقْصِدُ الزِّينَةَ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِخْلَافِ بِثَمَنِهِ أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا. وَرَوَى مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَلْبَسُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ» هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد. وَالْمَشْقُ الْمَغْرَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْعَصْبَ عِنْدَنَا. وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ رَقِيقَهُ وَغَلِيظَهُ، وَمَنَعَ مَالِكٌ رَقِيقَهُ دُونَ غَلِيظِهِ. وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِيهِ وَفِي تَفْسِيرِهِ، فِي الصِّحَاحِ: الْعَصْبُ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُنْسَجُ أَبْيَضَ ثُمَّ يُصْبَغُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي الْمُغْنِي: الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَبْتٌ يُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ، وَفُسِّرَتْ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا ثِيَابٌ مِنْ الْيَمَنِ فِيهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، وَيُبَاحُ لَهَا لُبْسُ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَجَعَلَهُ الظَّاهِرِيَّةُ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَخْضَرِ. (قَوْلُهُ وَلَا حِدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ) لَا حِدَادَ عِنْدَنَا عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا مَجْنُونَةٍ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِمَوْتِ الزَّوْجِ

صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ الْخِطَابَ مَوْضُوعٌ عَنْهَا (وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَعُمُّ النِّسَاءَ كَالْعِدَّةِ. قُلْنَا: يَجِبُ الْحِدَادُ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِتَرْكِهِ لَا يَجُوزُ لَهَا تَرْكُهُ فَلَا يُخَاطَبُ هَؤُلَاءِ بِهِ، وَلِذَا شَرَطَ الْإِيمَانَ فِيهِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» الْحَدِيثَ. قَوْلُهُمْ كَمَا تَعُمُّ الْعِدَّةُ عَلَيْهِنَّ. قُلْنَا: الْعِدَّةُ قَدْ تُقَالُ عَلَى كَفِّ النَّفْسِ عَنْ الْحُرُمَاتِ الْخَاصَّةِ وَعَلَى نَفْسِ الْحُرُمَاتِ وَعَلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ بِتَحْقِيقِهِ، وَالْعِدَّةُ اللَّازِمَةُ لَهُنَّ بِكُلٍّ مِنْ الْمَفْهُومَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ يَثْبُتُ شَرْعًا عَدَمُ صِحَّةِ نِكَاحِهِنَّ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِذَا بَاشَرَهُ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ قَبْلَهَا لَا يَصِحُّ شَرْعًا، وَلَا خِطَابَ لِلْعِبَادِ فِيهِ تَكْلِيفِيٌّ بَلْ هُوَ مِنْ رَبْطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ، بِخِلَافِ مَنْعِهَا عَنْ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ فَإِنَّهُ فِعْلُهَا الْحِسِّيِّ مَحْكُومٌ بِحُرْمَتِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ، فَلَوْ اكْتَحَلْنَ أَوْ لَبِسْنَ الْمُزَعْفَرَ أَوْ اخْتَضَبْنَ لَا يَأْثَمْنَ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ. نَعَمْ قَدْ ثَبَتَ عَلَى الْكَافِرَةِ فِي الْعِدَّةِ خِطَابُ عَدَمِ التَّزَوُّجِ لِحَقِّ الزَّوْجِ، فَإِنَّ فِي الْعِدَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى جِهَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْحِدَادُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ لِثُبُوتِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى، وَلَيْسَ فِي الْإِحْدَادِ فَوَاتُ حَقِّهِ فِي الِاسْتِخْدَامِ، بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ لَوْ لَزِمَهَا فِي الْعِدَّةِ ثَبَتَ ذَلِكَ، فَقُلْنَا: لَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا كَيْ لَا يَفُوتَ حَقُّهُ فِي اسْتِخْدَامِهَا، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِإِذْنِهِ لِفِنَاهُ، قَالَ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَجَبَ الْحِدَادُ لِعِلَّةِ فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ لَوَجَبَ بَعْدَ شِرَاءِ الْمَنْكُوحَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَمْ تَفُتْ لِقِيَامِ الْحِلِّ وَالْكِفَايَةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ أَحَطَّ مِنْ الْحِلِّ الثَّابِتِ بِالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِلَا دَعْوَةٍ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْأَحَطِّيَّةِ فَإِنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ لَيْسَ فَوَاتُهَا مُؤَثِّرًا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْخُصُوصِيَّةِ بَلْ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ مَا فِيهَا مِنْ أَنَّهَا سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةِ مَئُونَتِهَا، وَهَذَا الْقَدْرُ لَمْ يَفُتْ فَلَا مُوجِبَ لِلْحِدَادِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إشْكَالُ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ الْأَدْنَى وَهُوَ هَذَا الْحِلُّ عَنْ الْأَعْلَى وَالتَّقَصِّي عَنْهُ بِالْتِزَامِ وُجُوبِ الْحِدَادِ عَلَى الزَّوْجَةِ الْمُشْتَرَاةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِكَوْنِهَا حَلَالًا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا ظَهَرَ فَإِنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ عَلَيْهَا بَلْ دَلِيلُ نَفْيِهَا أَنَّهُ وُجُوبٌ

قَالَ (وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إحْدَادٌ) لِأَنَّهَا مَا فَاتَهَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ لِتُظْهِرَ التَّأَسُّفَ، وَالْإِبَاحَةُ أَصْلٌ. (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] إلَى أَنْ قَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السِّرُّ النِّكَاحُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ: إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّ لَهَا الزِّينَةَ وَالتَّطَيُّبَ بَعْدَ شِرَائِهَا وَالْوُجُوبُ يَسْتَتْبِعُ الْفَائِدَةَ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَوْ إعْتَاقِهَا حِدَادٌ) وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ وَالْمَنْكُوحَةُ فَاسِدًا لِأَنَّهُنَّ مَا فَاتَهُنَّ نِعْمَةُ النِّكَاحِ (وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ) أَيْ إبَاحَةُ الزِّينَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِالْإِعْتَاقِ يَزُولُ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْكُفْرِ فَهُوَ مَوْضِعُ السُّرُورِ لَا الْأَسَفِ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ ظَاهِرٌ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَوَاتُ عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ لِلْإِحْدَادِ عِلَّةً أُخْرَى وَهُوَ كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَوَاعِيَ الرَّغْبَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَقِلُّ وَهَذِهِ مَوْجُودَةٌ هُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحِدَادُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ كَوْنَهُمَا مَمْنُوعَتَيْنِ عَنْ النِّكَاحِ حُكْمُ وُجُوبِ الْحِدَادِ لَا عِلَّتُهُ. بَلْ عِلَّتُهُ فَوَاتُ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ يَدُورُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا، كَذَا قِيلَ وَهُوَ بِالضَّعِيفِ جَدِيرٌ. وَفِي النِّهَايَةِ: تِلْكَ حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَوَرَانِ وُجُوبِ الْإِحْدَادِ بِفَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ لَا الْحِكْمَةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) أَرَادَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، إذْ التَّعْرِيضُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا أَصْلًا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ، وَلِإِفْضَائِهِ إلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} [البقرة: 235] يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ أَوْ وَدِدْت أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَقَالَ الْقَاسِمُ يَقُولُ: إنَّك عَلَيَّ كَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْكِ خَيْرًا أَوْ نَحْوَ هَذَا. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قَالَ يَقُولُ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَى لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالتَّزَوُّجِ وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوَهُ إنَّك لَجَمِيلَةٌ أَوْ صَالِحَةٌ، وَلَا يُصَرِّحُ بِنِكَاحِهَا فَلَا يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَك أَوْ أَتَزَوَّجَك. وَسَبْكُ الْآيَةِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} [البقرة: 235] أَيْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ لَهُنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِإِرَادَةِ نِكَاحِهِنَّ {أَوْ أَكْنَنْتُمْ} [البقرة: 235] أَيْ أَضْمَرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فَلَمْ تَنْطِقُوا بِهِ تَعْرِيضًا وَلَا

(وَلَا يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا) أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] قِيلَ الْفَاحِشَةُ نَفْسُ الْخُرُوجِ، وَقِيلَ الزِّنَا، وَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ، وَقَدْ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَهْجُمَ اللَّيْلُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ دَارَةٌ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصْرِيحًا {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [البقرة: 235] فَاذْكُرُونَهُنَّ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أَيْ نِكَاحًا فَلَا تَقُولُوا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَسُمِّيَ النِّكَاحُ سِرًّا لِأَنَّهُ سَبَبُ السِّرِّ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ، وَحَدِيثُ «السِّرُّ النِّكَاحُ» الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ غَرِيبٌ {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وَالِاسْتِثْنَاءُ يَتَعَلَّقُ بِلَا تُوَاعِدُوهُنَّ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي السِّرِّ وَالِاسْتِدْرَاكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي أَبْرَزْنَا صُورَتَهُ وَهُوَ فَاذْكُرُوهُنَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَبَعْضَ اللَّيْلِ) يَخُصُّهُ مِنْ التَّعْلِيلِ قَوْلُهُ وَقَدْ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَهْجُمَ اللَّيْلُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا بَأْسَ أَنْ تَغِيبَ عَنْ بَيْتِهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهَا الْبَيْتُوتَةُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا، وَالْبَيْتُوتَةُ هِيَ الْكَيْنُونَةُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَهُ مَا يَنْفِي اخْتِيَارَ صِحَّتِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهَا وَعَسَى لَا تَجِدُ مَنْ يَكْفِيهَا مَئُونَتَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِنَفَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّ أَمْرَ الْمَعَاشِ يَكُونُ بِالنَّهَارِ عَادَةً دُونَ اللَّيَالِي فَأُبِيحَ الْخُرُوجُ لَهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيَالِي انْتَهَى. وَيُعْرَفُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَيْضًا أَنَّهَا إذَا كَانَ لَهَا قَدْرُ كِفَايَتِهَا صَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِزِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ الْحَلِّ كَوْنُ غَيْبَتِهَا بِسَبَبِ قِيَامِ شُغْلِ الْمَعِيشَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، فَمَتَى انْقَضَتْ حَاجَتُهَا لَا يَحِلُّ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَرْفُ الزَّمَانِ خَارِجَ بَيْتِهَا. (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ) اشْتَمَلَتْ عَلَى نَهْيِ الْأَزْوَاجِ عَنْ إخْرَاجِهِنَّ غَضَبًا عَلَيْهِنَّ وَكَرَاهَةً لِمُسَاكَنَتِهِنَّ أَوْ لِحَاجَتِهِمْ إلَى الْمَسَاكِنِ، وَعَلَى نَهْيِ الْمُطَلَّقَاتِ عَنْ الْخُرُوجِ وَنَهْيُهُنَّ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ أُوْقِعَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] قِيلَ: الْفَاحِشَةُ نَفْسُ الْخُرُوجِ، قَالَهُ النَّخَعِيُّ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقِيلَ الزِّنَا، فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِنَّ وَهُوَ قَوْلُ

حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا قِيلَ: إنَّهَا تَخْرُجُ نَهَارًا، وَقِيلَ لَا تَخْرُجُ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقٌّ عَلَيْهَا. . (وَعَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالْبَيْتُ الْمُضَافُ إلَيْهَا هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي تَسْكُنُهُ، وَلِهَذَا لَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا فَتَعْتَدَّ فِيهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّتِي قُتِلَ زَوْجُهَا «اُسْكُنِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» (وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا فَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ) انْتَقَلَتْ، لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ بِعُذْرٍ، وَالْعِبَادَاتُ تُؤَثِّرُ فِيهَا الْأَعْذَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَاحِشَةُ نُشُوزُهَا وَأَنْ تَكُونَ بَذِيَّةَ اللِّسَانِ عَلَى أَحْمَائِهَا. وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِأَنَّ إلَّا أَنَّ غَايَةٌ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ وَمَا قَالَهُ النَّخَعِيُّ أَبْدَعُ وَأَعْذَبُ فِي الْكَلَامِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْخَطَّابِيَّاتِ لَا تَزْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِقًا، وَلَا تَشْتُمْ أُمَّك إلَّا أَنْ تَكُونَ قَاطِعَ رَحِمٍ وَنَحْوَهُ، وَهُوَ بَدِيعٌ بَلِيغٌ جِدًّا يَخْرُجُ إظْهَارُ عُذُوبَتِهِ عَنْ غَرَضِنَا. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا قِيلَ: تَخْرُجُ نَهَارًا) لِأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَبْطَلَتْ النَّفَقَةَ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الِاخْتِيَارُ فِي إبْطَالِ حَقٍّ عَلَيْهَا، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَصَحَّحَهُ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ، وَهَذَا كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مَئُونَةَ السُّكْنَى تَبْطُلُ عَنْ الزَّوْجِ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ، وَأَمَّا أَنْ يَحِلَّ لَهَا الْخُرُوجُ فَلَا. وَالْحَقُّ أَنَّ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ فِي خُصُوصِ الْوَقَائِعِ، فَإِنْ عَلِمَ فِي وَاقِعَةٍ عَجْزَ هَذِهِ الْمُخْتَلِعَةِ عَنْ الْمَعِيشَةِ إنْ لَمْ تَخْرُجْ أَفْتَاهَا بِالْحِلِّ وَإِنْ عَلِمَ قُدْرَتَهَا أَفْتَاهَا بِالْحُرْمَةِ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ لِأَنَّ الْبَيْتَ الْمُضَافَ إلَيْهَا هُوَ الَّذِي تَسْكُنُهُ لَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا وَالزَّوْجُ مَعَهَا أَوْ لَا فَطَلَّقَهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا ذَلِكَ فَتَعْتَدَّ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) تَأْيِيدًا لِلِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ بِأَنَّ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ثَبَتَ عَلَى وَفْقِ مَا قُلْنَا: إنَّهُ مَدْلُولُ الْكِتَابِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ «عَنْ ذَرِيعَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ وَأَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ، قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةً، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ قَالَتْ: فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتِ؟ قَالَتْ: فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، قَالَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ» انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ حَدَّثَتْنِي زَيْنَبُ بِهِ. قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الْإِسْنَادِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا

فَصَارَ كَمَا إذَا خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا أَوْ خَافَتْ سُقُوطَ الْمَنْزِلِ أَوْ كَانَتْ فِيمَا بِأَجْرٍ وَلَا تَجِدُ مَا تُؤَدِّيهِ. (ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ مُعْتَرَفٌ بِالْحُرْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ، وَلَا تَخْرُجُ عَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا (وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ ضَاقَ عَلَيْهِمَا الْمَنْزِلُ فَلْتَخْرُجْ، وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ. وَهُمَا اثْنَانِ: سَعِيدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ أَشْهُرُهُمَا وَإِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ كَعْبٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ عَنْهُمَا الْجَهَالَةُ انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبٍ مَجْهُولَةٌ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَهَا غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ دَفَعَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَزَيْنَبُ كَذَلِكَ ثِقَةٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي تَصْحِيحِهِ تَوْثِيقُهُمَا، وَلَا يَضُرُّ الثِّقَةُ أَنْ لَا يَرْوِيَ عَنْهُ إلَّا وَاحِدٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَأَمَّا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ» فَقَالَ فِيهِ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَمَحْبُوبُ بْنُ مُحْرِزٍ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَعَطَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مُخْتَلِطٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ أَضْعَفُهُمْ، فَلِذَلِكَ أَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِهِ. وَذِكْرُ الْجَمْعِ أَصْوَبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا اللُّصُوصَ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ. وَإِذَا خَرَجَتْ إلَى مَنْزِلٍ لِلْعُذْرِ صَارَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَتَعْيِينُ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجِ وَفِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مُسْتَبِدَّةٌ فِي أَمْرِ السُّكْنَى حَتَّى أَنَّ أُجْرَةَ الْمَنْزِلِ إنْ كَانَ بِأَجْرٍ عَلَيْهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْكُنَ فِيهِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ الْكِرَاءَ وَتَجِدَ مَا هُوَ بِلَا كِرَاءٍ فَلَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ إلَيْهِ، وَكَذَا فِي الزَّوْجِ الْغَائِبِ، وَلَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ إلَى صَحْنِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا مَنَازِلُ الْأَجَانِبِ لِأَنَّهُ كَالْخُرُوجِ إلَى السِّكَّةِ، وَلِهَذَا يُقْطَعُ السَّارِقُ بِإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ مَنَازِلُ بَلْ بُيُوتٌ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى صَحْنِهَا وَلَا تَصِيرُ بِهِ خَارِجَةً عَنْ الدَّارِ وَتَبِيتُ فِي أَيِّ بَيْتٍ شَاءَتْ مِنْهَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ كَيْ لَا تَقَعَ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَكَذَا هَذَا فِي الْوَفَاةِ إذَا كَانَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا. ثُمَّ لَا بَأْسَ بِالْمُسَاكَنَةِ بَعْدَ اتِّخَاذِ الْحِجَابِ اكْتِفَاءً بِالْحَائِلِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ فَلَا يَقْدَمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْخُرُوجَ، الْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَرْجَحُ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ، كَمَا يُقَالُ إذَا تَعَارَضَ مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ تَرَجَّحَ الْمُحَرِّمُ أَوْ فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى، وَيُرَادُ مَا قُلْنَا، وَهَذَا لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا أَوْلَوِيَّةَ خُرُوجِهِ بِأَنَّ مُكْثَهَا وَاجِبٌ لَا مُكْثَهُ، وَمَتَى انْتَقَلَتْ فَتَعْيِينُ الْمَكَانِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا.

(وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا إلَى مَكَّةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي غَيْرِ مِصْرٍ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْخُرُوجِ مَعْنًى بَلْ هُوَ بِنَاءٌ (وَإِنْ كَانَتْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ إلَى الْمَقْصِدِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُكْثَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ، إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فِي مِصْرٍ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ حَتَّى تَعْتَدَّ ثُمَّ تَخْرُجَ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا) الْمَقْصُودُ إذَا سَافَرَ بِهَا فَطَلَّقَهَا فَإِمَّا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا؛ فَفِي الرَّجْعِيِّ تَتْبَعُ زَوْجَهَا حَيْثُ مَضَى لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ مِصْرِهَا وَمَقْصِدِهَا أَقَلُّ مِنْ السَّفَرِ، فَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ إلَى الْمَقْصِدِ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ أَوْ لَا مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إنْشَاءُ سَفَرٍ. وَخُرُوجُ الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا دُونَ السَّفَرِ مُبَاحٌ إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِمُحَرَّمٍ وَبِغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ رَجَعَتْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا سَفَرٌ أَوْ دُونَهُ. أَمَّا إنْ كَانَ مُدَّةُ سَفَرٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَى مَقْصِدِ سَفَرٍ وَالرُّجُوعَ لَيْسَ بِسَفَرٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مَا دُونَهَا فَتَرْجِعُ أَيْضًا لِأَنَّهَا كَمَا رَجَعَتْ تَصِيرُ مُقِيمَةً، وَإِذَا مَضَتْ تَكُونُ مُسَافِرَةً مَا لَمْ تَصِلْ إلَى الْمَقْصِدِ، فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ اسْتِدَامَةِ السَّفَرِ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا ذَلِكَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ أَوْجُهٌ. (قَوْلُهُ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ إلَى الْمَقْصِدِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) فَصَاعِدًا، فَإِذَا كَانَ دُونَهَا إلَى الْمَقْصِدِ لَا تَتَخَيَّرُ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا الذَّهَابُ إلَى الْمَقْصِدِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ

(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ تَعْتَدَّ) لَهُمَا أَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِأَذَى الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ فَهَذَا عُذْرٌ، وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمُحْرِمِ. وَلَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ، فَلَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ الْمُحْرِمِ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ: أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالٍ يَكُونُ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي مِصْرٍ فَإِنَّهَا لَا تَتَخَيَّرُ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَا. وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا وَمَقْصِدِهَا أَقَلُّ مِنْ السَّفَرِ فَتَتَخَيَّرُ وَالْأَوْلَى الرُّجُوعُ عَلَى مَا فِي الْكَافِي. وَعَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا وَالْآخَرُ دُونَهُ فَتَخْتَارُ مَا دُونَهُ لِأَنَّهَا بِاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ مُنْشِئَةً سَفَرًا دُونَ اخْتِيَارِهِ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَفَرًا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي مَفَازَةٍ أَوْ مِصْرٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَفَازَةٍ فَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ لَا، لِأَنَّ مَا يُخَافُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَشَدُّ مِمَّا يُخَافُ عَلَيْهَا فِي الْخُرُوجِ، وَالْأَوْلَى أَنْ تَخْتَارَ الرُّجُوعَ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ لَمْ تَخْرُجْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّ مَا يُخَافُ فِي السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَعْظَمُ مِمَّا يُخَافُ عَلَيْهَا فِي الْمِصْرِ فَكَانَ الْمُكْثُ فِي الْمِصْرِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْمَفَازَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ لَمْ تَخْرُجْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَا: تَخْرُجُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا. وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَظْهَرُ. لَهُمَا أَنَّهَا فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِمَحْرَمٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الْخُرُوجِ مُطْلَقٌ لَهَا إجْمَاعًا لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ ضَرَرِ الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الِانْفِرَادِ. وَمَتَى قُلْنَا: لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ فَإِذَا بَطَلَ مَعْنَى السَّفَرِ بِالْمَحْرَمِ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْخُرُوجِ وَهُوَ مُطْلَقٌ لِمَكَانِ الْغُرْبَةِ، إذْ الْغَرِيبُ يُؤْذَى وَيُهَانُ فَأَشْبَهَ الْمَفَازَةَ. وَلَهُ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِدَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ فِي الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ، فَالْعِدَّةُ أَوْلَى، وَمَا دُونَ السَّفَرِ إنَّمَا أُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجٍ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ لَا لِأَنَّ أَصْلَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ وَهِيَ هُنَا مُنْشِئَةٌ لِلْخُرُوجِ بِاعْتِبَارِ السَّفَرِ فَيَتَنَاوَلُهُ التَّحْرِيمُ، وَإِذَا تَنَاوَلَهُ لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَحْرَمِ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ حُرْمَةُ الْخُرُوجِ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ كَانَتْ الْجِهَتَانِ مُدَّةَ سَفَرٍ فَمَضَتْ أَوْ رَجَعَتْ وَبَلَغَتْ أَدْنَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ أَقَامَتْ فِيهِ وَاعْتَدَّتْ إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا إنْ وَجَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

[باب ثبوت النسب]

بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ (وَمَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا فَهُوَ ابْنُهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ، لِأَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ: الْبَدَوِيُّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَأَرَادَ نَقْلَهَا إلَى مَكَان آخَرَ، فِي الْكَلَأِ وَالْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ تَتَضَرَّرْ بِتَرْكِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ تَضَرَّرَتْ فَلَهُ ذَلِكَ إذْ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ] (بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ) أَعْقَبَهُ الْعِدَّةَ لِأَنَّهُ مِمَّا وَجَبَتْ لَهُ الْعِدَّةُ تَعَرُّفُ حَالِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَتَثْبُتُ مَوَاجِبُهُ وَعَدَمُهُ فَيَنْصَرِفُ كُلٌّ عَنْ الْآخَرِ فِي الْحَالِ: أَيْ فِي حَالِ مَعْرِفَةِ عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ وَذَلِكَ عِنْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا) لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ (فَهُوَ ابْنُهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) يُرِيدُ مِنْ وَقْتِ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ قَرَنَ الْيَوْمَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ، وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّلَ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِأَنَّهَا فِرَاشُهُ قَالَ فِي إثْبَاتِ كَوْنِهَا فِرَاشًا لِأَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ يَوْمِ النِّكَاحِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الْيَوْمِ الْوَقْتُ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ جَزَاءُ الشَّرْطِ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ لَا بِزَمَانٍ وَإِنْ لَطَفَ كَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا آنٌ خَالٍ بَلْ أَوَّلُ آنَاتٍ تَعْقُبُ وُجُودَ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِيهِ الْجَزَاءُ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى تَحَقُّقِ زَمَانٍ يَسَعُ التَّلَفُّظَ بِأَنْتِ طَالِقٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ ثُبُوتٌ حُكْمِيٌّ، وَإِذَنْ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ فَيَثْبُتُ

فِي حَالَةِ النِّكَاحِ وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُخَالِطُهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا فَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّسَبُ، وَتَصَوُّرُ الْعُلُوقِ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ ثَابِتٌ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُخَالِطُهَا وَطْئًا وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ، وَالْأَحْسَنُ تَجْوِيزُ أَنَّهُمَا وُكِّلَا بِهِ فَبَاشَرَ الْوَكِيلُ وَهُمَا كَذَلِكَ فَوَافَقَ عَقْدُهُ الْإِنْزَالَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفِرَاشِ وَهُوَ يَثْبُتُ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ الْمُقَارِنِ لِلْعُلُوقِ فَتَعَلَّقَ وَهِيَ فِرَاشٌ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَقَدْ يُقَالُ الْفِرَاشِيَّةُ أَثَرُ النِّكَاحِ: أَعْنِي الْعَقْدَ فَيَتَعَقَّبُهُ فَيَلْزَمُ سَبْقُ الْعُلُوقِ عَلَى الْفِرَاشِ. نَعَمْ إذَا فُسِّرَ الْفِرَاشُ بِالْعَقْدِ كَمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُمْ السَّابِقَ لَهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بِكَوْنِ الْمَرْأَةِ بِحَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا الْكَوْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْعَقْدِ، إلَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ فِي الْخَارِجِ وَكَلَامُهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ. وَتَقْرِيرُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْعُلُوقَ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ حَاصِلًا قَبْلَ زَوَالِ الْفِرَاشِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ: يَعْنِي أَنَّ زَوَالَ الْفِرَاشِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مَعَهُ، لِأَنَّ زَوَالَهُ أَثَرُهُ. لَا يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقَدْ عَيَّنُوا الثُّبُوتَ نَسَبُهُ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ وَلَا أَقَلَّ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا لَمْ يُثْبِتُوهُ فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ فَلِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِمَا يَسَعُ وَطْئًا بِالْفَرْضِ فَيَجِبُ اسْتِثْنَاءُ هَذَا الْقَدْرِ وَيَجِبُ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَهُمْ النَّسَبَ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَهُوَ سَنَتَانِ، وَلَا مُوجِبَ لِلصَّرْفِ عَنْهُ يُنَافِي الِاحْتِيَاطَ فِي إثْبَاتِهِ وَاحْتِمَالِ كَوْنِهِ حَدَثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَوْمٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَرُبَّمَا تَمْضِي دُهُورٌ لَمْ يُسْمَعْ فِيهَا وِلَادَةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمُ حُدُوثِهِ وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ، فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ وَتَرْكُنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَبْعَدُ؟ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فَرَضُوهُ لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ لِيُثْبِتُوا النَّسَبَ وَهُوَ كَوْنُهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَطَؤُهَا وَسَمِعَ كَلَامَهُمَا النَّاسُ وَهُمَا عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ وَافَقَ الْإِنْزَالُ الْعَقْدَ، أَوْ احْتِمَالُ كَوْنِ الْحَمْلِ إذَا زَادَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِاسْتِبْعَادِ هَذَا الْفَرْضِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ قِيَامُ الْفِرَاشِ كَافٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الدُّخُولِ بَلْ النِّكَاحُ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَمَا فِي تَزَوُّجِ الْمَشْرِقِيِّ بِمَغْرِبِيَّةٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْطٌ، وَلِذَا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ فِي الْمَغْرِبِيَّةِ لِثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالِاسْتِخْدَامَات فَيَكُونُ صَاحِبُ خُطْوَةٍ أَوْ جِنِّيًّا، وَأَمَّا لُزُومُ الْمَهْرِ كَامِلًا فَلِأَنَّهُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ. وَمَا قِيلَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَطْؤُهُ لِأَنَّ الْحَبَلَ قَدْ يَكُونُ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَرْجَ دُونَ جِمَاعٍ فَنَادِرٌ، وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعْتَادُ. وَفِي النِّهَايَةِ وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ، أَمَّا النِّصْفُ فَلِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِلدُّخُولِ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَلَى مَا نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ، قَالَ: إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ: لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَتَأَكَّدَ ذَلِكَ الصَّدَاقُ وَاشْتَبَهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لِلْمُتَأَمِّلِ لَا تُوجِبُ قَوْلَهُ بِلُزُومِ مَهْرٍ وَنِصْفٍ، بَلْ ظَاهِرَةٌ فِي نَفْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَا تُسَوَّغُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ. وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِ عِصْمَةٍ وَلَا عِدَّةٍ، بَلْ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَهُ أَوْ لِلنِّكَاحِ، فَأَقَلُّ الْأَمْرِ كَوْنُهُ قَبْلَهُ أَوْ لَا مُشْتَبِهٌ ذَلِكَ وَضَمِيرُ " بِهِ " فِي قَوْلِهِ فَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِهِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِي ثُبُوتِ هَذَا النَّسَبِ إمْكَانَ الدُّخُولِ وَتَصَوُّرُهُ لَيْسَ إلَّا بِمَا ذَكَرَ مِنْ تَزَوُّجِهَا حَالَ وَطْئِهَا الْمُبْتَدَإِ بِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَقَدْ حُكِمَ فِيهِ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ فِي صَرِيحِ الرِّوَايَةِ يَلْزَمُ كَوْنُ مَا ذَكَرَ مُطْلَقًا وَمَنْسُوبًا وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي حَالِ مَا يَطَؤُهَا عَلَيْهِ مَهْرَانِ: مَهْرٌ بِالزِّنَا لِسُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُحْصِنًا مُشْكِلًا لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ الْمَذْهَبِ، وَأَيْضًا الْفِعْلُ وَاحِدٌ، وَقَدْ اتَّصَفَ بِشُبْهَةِ الْحِلِّ فَيَجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَنَسِيَ فَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا حَيْثُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْوَطْءِ، أَمَّا هُنَا الطَّلَاقُ مَعَ الْوَطْءِ الْحَلَالِ فِي فِعْلٍ مُتَّحِدٍ فَصَارَ الْفِعْلُ كُلُّهُ لَهُ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ. وَفِي شَرْحِ أَبِي الْيُسْرِ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِمَا، قَالَ: قَدْ كُنْت أَفْتَيْت بِالْوُجُوبِ عَلَى الْحَالِفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ

(وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّهَا تَكُونُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) وَثَبَتَ نَسَبُهُ لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ بَعْدَهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَتْ رَجْعَةً) لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَمَنْ مَالَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُخْطِئًا، وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ وَرِثَهُ مَنْصُوصٌ عَنْ أَصْحَابِنَا وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ فَلَمْ يَبْقَ بِنِكَاحٍ وَلَا عِدَّةٍ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ لَمْ يَنْقَطِعْ النَّسَبُ. (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) وَلَوْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ (مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) فَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ بِأَنْ تَكُونَ سِتِّينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ كَذِبُهَا، وَكَذَا هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ انْقِضَاءَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ. أَمَّا ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِزِنَاهَا أَوْ بِوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ بِأَنْ امْتَدَّ إلَى مَا قَبْلَ سَنَتَيْنِ مِنْ مَجِيئِهَا بِهِ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَبِلَتْ، وَعَنْ هَذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَكُونُ زَوْجَةً بِالرَّجْعَةِ الْكَائِنَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا تَثْبُتُ رَجْعَتُهَا، فَإِنَّ الْعُلُوقَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعِصْمَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعِدَّةِ وَإِحَالَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ آخَرُ، وَالظَّاهِرُ الْوَطْءُ فِي الْعِصْمَةِ لَا الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ، وَمَا قَضَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَرْجَحُ مِنْ إضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى الزَّمَنِ الْقَرِيبِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي الرَّجْعَةِ وَمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ أَيْضًا فِيهَا، إذْ مُعْتَادُ النَّاسِ فِي الرَّجْعَةِ أَنْ يُرَاجِعُوا بِاللَّفْظِ. فَإِنْ قِيلَ: هُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُهَا

مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا. (وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ قَبْلَ الْعُلُوقِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا، (فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ) لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزَوَّجَتْ وَجَاءَتْ بِهِ مِنْ الزَّوْجِ الْآخَرِ. قُلْنَا: الْفَرْضُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمَا لَمْ تُقِرَّ بِذَلِكَ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ تَزَوُّجُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ وَلِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءُ نِكَاحٍ وَإِبْقَاءُ الْأَوَّلِ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ. (قَوْلُهُ وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ الْحَمْلِ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ) نَسَبُهُ لِتَيَقُّنِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَوَطْؤُهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ حَرَامٌ. قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَقْطَعِ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي تَجِيءُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابِ أَيْضًا وَهِيَ قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَإِنَّ فِيهَا أُلْحِقَتْ السَّنَتَانِ بِأَقَلَّ مِنْ السَّنَتَيْنِ حَتَّى إنَّهُمْ أَثْبَتُوا النَّسَبَ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ، وَإِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُ صِحَّةَ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ إلَى آخِرِهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ لَا يَمْكُثُ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ حَالَ قِيَامِ الْفِرَاشِ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَقْرِيرِ قَاضِي خَانْ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَنَّهُ يُجْعَلُ الْعُلُوقُ فِي حَالِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ زَوَالِ الْفِرَاشِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَهُوَ مُفَرِّغٌ لِلْمُتَعَلِّقِ: أَيْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي الْحَالِ الَّتِي هِيَ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ، وَلَهُ وَجْهٌ وَهُوَ كَوْنُهُ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْهُ وَقَدْ ادَّعَاهُ وَلَا مُعَارِضَ، وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ الِاشْتِرَاطُ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الشَّامِلِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي ضَعْفِهَا وَغَرَابَتِهَا. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذِهِ مُنَاقَضَةً لِمَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ مِنْ الْمُبَانَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ، وَنَصَّ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ كَانَتْ شُبْهَةُ الْفِعْلِ، وَفِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ ادَّعَاهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُطَلَّقَةِ عَلَى مَالٍ، وَبِحَمْلِ الْمَذْكُورِ هُنَا عَلَى الْمَبْتُوتَةِ بِالْكِنَايَاتِ فَيَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ إذَا لَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً، وَالْمَذْكُورُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى

لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ. وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَبْتُوتَةُ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنِهِ وَطْئًا بِشُبْهَةٍ، وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ ثَلَاثٍ لَا تَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ فَكَيْفَ بِالْمُعْتَدَّةِ فَيَجِبُ الْجَمْعُ مَثَلًا بِأَنْ يُقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَرِّحَ بِدَعْوَى الشُّبْهَةِ الْمَقْبُولَةِ غَيْرَ مُجَرَّدِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحُدُودِ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا وَطِئَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَالْبَائِنَةَ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، فَجُعِلَ هَذَا حُكْمَ وَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إذَا جَاءَتْ بِهِ مُطْلَقًا فَيَثْبُتُ عِنْدَهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَّا إذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُجَرَّدِ ظَنِّ الْحِلِّ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ بَلْ أَفَادَ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، غَيْرَ أَنَّ تَوْجِيهَ ذَلِكَ إمْكَانُ صِحَّتِهِ بِكَوْنِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْكِتَابِ سِوَاهُ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُجَرَّدِ ظَنِّ الْحِلِّ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ رِوَايَةُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَيَجِبُ أَنْ تَرُدَّ نَفَقَتُهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفُ: لَا تَنْقَضِي إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَلْزَمُهَا رَدُّ شَيْءٍ. لَهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ دُونَ الزِّنَا وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَحَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحِينَئِذٍ أَخَذَتْ مَالًا تَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فَتَرُدُّهُ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هِيَ فِي الْعِدَّةِ وَلِذَا لَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهِ قَبْلَ وَضْعِهِ فَكَأَنَّهَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ. وَلَوْ جَاءَتْ الْمَبْتُوتَةُ بِوَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اعْتَبَرَاهُ بِمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ فَادَّعَاهُمَا الْبَائِعُ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَيَتْبَعُهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ. قِيلَ: هُوَ الصَّوَابُ. وَلَيْسَ وَلَدُ الْجَارِيَةِ نَظِيرَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ يَجُوزُ كَوْنُهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ بَيْعِهِ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الثَّانِي فِي الْمَبْتُوتَةِ. وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَبَاقِيهِ لِأَكْثَرَ مِنْ السَّنَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَكُونَ الْخَارِجُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ نِصْفَ بَدَنِهِ، أَوْ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ أَكْثَرُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ وَالْبَاقِي لِأَكْثَرَ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ. وَفِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ: تَزَوَّجَ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَلْزَمُهُ وَلَدُهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُ وَلَدُ النِّكَاحِ فِي الْأَوَّلِ، وَفِي الثَّانِي يُضَافُ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الطَّلْقَةُ بَائِنَةً أَوْ رَجْعِيَّةً، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّ وَطْأَهَا لَا يَحِلُّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ الْوَلَدُ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ طَلَّقَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا وَأَنْ لَا يُتَصَوَّرَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنَةِ مُقَيَّدٌ بِأَحَدِ أُمُورٍ: أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إمَّا شَهَادَةٌ بِالْوِلَادَةِ، أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ، أَوْ حَبَلٌ ظَاهِرٌ كَمَا سَيَجِيءُ عَنْ قَرِيبٍ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَبْتُوتَةُ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا إلَخْ) قِيلَ: هُوَ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ دَلِيلُ أَنَّهُ يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَمَنْعَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ) لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَشْبَهَتْ الْكَبِيرَةَ. وَلَهُمَا أَنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةً مُتَعَيِّنَةً وَهُوَ الْأَشْهُرُ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ وَهُوَ فِي الدَّلَالَةِ فَوْقَ إقْرَارِهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ، وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْحَبَلَ يَكُونُ بِلَا جِمَاعٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبُلُوغِ، وَبَعِيدٌ أَنْ لَا تَحْتَمِلُ الْبَالِغَةُ الْجِمَاعَ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا طَلُقَتْ فَإِمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَمَا جَاءَتْ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِتَلْزَمَ الْعِدَّةُ بِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِالدُّخُولِ لِلْحُكْمِ بِالْعُلُوقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ. وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَأَمَّا إنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ لَمْ تُقِرَّ، فَإِنْ أَقَرَّتْ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِإِقْرَارِهَا، وَمَا جَاءَتْ بِهِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ قَبْلَهَا لِيُتَيَقَّنَ بِكَذِبِهَا، وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا وَلَمْ تَدَّعِ حَبَلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَإِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِي الرَّجْعِيِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي آخِرِ عِدَّتِهَا الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ فَعَلِقَتْ سَنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ ادَّعَتْ حَبَلًا فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا يَقْتَصِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَإِنْ طَالَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ لِجَوَازِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَوَطْئِهِ إيَّاهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا يَحْتَمِلُ كَوْنُهَا حَامِلًا لِفَرْضِ أَنَّهَا فِي سِنٍّ يَجُوزُ فِيهِ بُلُوغُهَا لِأَنَّهُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ

مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا لِأَنَّهُ يُجْعَلُ وَاطِئًا فِي آخِرِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ ثُمَّ تَأْتِي لِأَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ سَنَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ادَّعَتْ الْحَبَلَ فِي الْعِدَّةِ فَالْجَوَابُ فِيهَا وَفِي الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ، لِأَنَّ بِإِقْرَارِهَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا. (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا بَيْنَ الْوَفَاةِ وَبَيْنَ السَّنَتَيْنِ) وَقَالَ زُفَرُ: إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ لِتَعَيُّنِ الْجِهَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الصَّغِيرَةِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَمْلِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَفِيهِ شَكٌّ. (وَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَبَطَلَ الْإِقْرَارُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ) لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِدَّتِهَا فَأَشْبَهَتْ الْكَبِيرَةَ فِي احْتِمَالِ حُدُوثِ الْعُلُوقِ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَثْبُتُ نَسَبُ مَا تَأْتِي بِهِ إلَى سَنَتَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قِيَاسَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَبِيرَةِ الْمَبْتُوتَةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ أَنْ يَقُولَ إلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ هُنَا. وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ جِهَةً وَاحِدَةً فِي الشَّرْعِ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ وَهُوَ فِي الدَّلَالَةِ فَوْقَ إقْرَارِهَا بِالِانْقِضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلْفَ وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، بِخِلَافِ إقْرَارِهَا، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُجْعَلَ انْقِضَاؤُهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ بَعْدَ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ فَكَذَلِكَ هُنَا، فَلَزِمَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ادَّعَتْ الْحَبَلَ فِي الْعِدَّةِ فَالْجَوَابُ فِيهَا كَالْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ بِإِقْرَارِهَا بِالْحَبَلِ حُكِمَ بِبُلُوغِهَا. (قَوْلُهُ وَثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مَا بَيْنَ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ وَقَالَ زُفَرٌ: إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ) وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ فَوَجْهُهُ كَوَجْهِهِمَا فِي الصَّغِيرَةِ وَهُوَ أَنَّ لِعِدَّتِهَا جِهَةً وَاحِدَةً هِيَ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فَإِذَا لَمْ تُقِرَّ قَبْلَهَا بِالْحَبْلِ فَقَدْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِانْقِضَائِهَا بِهَا، فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَهَا لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ عَلَى مَا عُرِفَ وَيُمْنَعُ تَعَيُّنُ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ فِي حَقِّهَا بَلْ لَهَا كُلٌّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَبَلِ فَتَسْتَمِرُّ مَا لَمْ تَعْتَرِفْ بِالْحَبَلِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اعْتَرَفَتْ) ظَاهِرٌ وَتَقَدَّمَتْ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ

وَهَذَا اللَّفْظُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ. (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ كَوْنَ الْحَمْلِ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَمِينَاتٌ شَرْعًا فِي إخْبَارِهِنَّ عَنْ عِدَّتِهِنَّ، فَإِذَا أَخْبَرْنَ لَزِمَ إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ قَطْعًا. وَقَوْلُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ لِعَدَمِ التَّفْصِيلِ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ وَوَفَاةٍ، وَمِمَّا يَشْمَلُ أَيْضًا الْآيِسَةُ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الرَّجْعِيِّ أَوْ الْبَائِنِ فَهِيَ كَذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ يَثْبُتُ نَسَبُ مَا تَأْتِي بِهِ إلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فِي الْبَائِنِ وَأَكْثَرَ مِنْهَا فِي الرَّجْعِيِّ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مُطْلَقًا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ مُطْلَقَ إقْرَارِهَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَقْرَاءِ لَمَّا بَطَلَ الْيَأْسُ. هَذَا وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْآيِسَةَ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، وَإِذَا وَلَدَتْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ إلَى سَنَتَيْنِ سَوَاءٌ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تُقِرَّ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ (قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ يُعْلَمَ اعْتِرَافٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْوِلَادَةِ أَوْ يَكُونَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَهَادَةٍ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَفَاةٍ وَعَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ فَيُوَافِقُ تَصْرِيحَ قَاضِي خَانْ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الرَّجْعِيِّ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ قَيَّدَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقًا بَائِنًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ الْوِلَادَةَ وَالْحَبَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ النَّسَبُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَنَحْوَهُ فَعَلَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ حَيْثُ قَالَ: شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِمُؤَيِّدٍ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَفَاةٍ إذَا كَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ وَفِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى قَيْدِ إنْكَارِ الزَّوْجِ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ إنْكَارُ الْوِلَادَةِ وَالْحَبَلِ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ عَدْلَةٍ وَيَرِثُ بِذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا عِنْدَ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ حَقًّا عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ قِيَاسًا عَلَى الْعَدَدِ. وَقَوْلُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ: أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوَّلًا أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ الزَّوْجِ أَوَّلًا وَهَلْ يُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَلَا

وَهُوَ مُلْزِمٌ لِلنَّسَبِ وَالْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ أَنَّهُ مِنْهَا فَيَتَعَيَّنُ بِشَهَادَتِهَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَالْمُنْقَضِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْحُجَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ظَهَرَ الْحَبَلُ أَوْ صَدَرَ الِاعْتِرَافُ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالتَّعَيُّنَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا (فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْوِلَادَةِ أَحَدٌ فَهُوَ ابْنُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِ تَصْدِيقُهُمْ، أَمَّا فِي حَقِّ النَّسَبِ هَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ. قَالُوا: إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ يَثْبُتُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ وَلِهَذَا قِيلَ: تُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ، وَمَا ثَبَتَ تَبَعًا لَا يُرَاعَى فِيهِ الشَّرَائِطُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْسُقُ كَمَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَأَجْمَعَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّهُ يَثْبُتُ تَعْيِينُ الْوَلَدِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَالنَّسَبُ بِقِيَامِ الْفِرَاشِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ الرَّجْعِيِّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُتَّجَهُ تَقْيِيدُ الْخِلَافِ بِالْبَائِنِ كَمَا نَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَيَكُونُ الرَّجْعِيُّ كَالْعِصْمَةِ الْقَائِمَةِ حَتَّى حَلَّ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ أَحْمَدُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى امْرَأَتَانِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ (وَهُوَ) أَيْ الْفِرَاشُ (مُلْزِمٌ لِلنَّسَبِ) فِيمَا تَأْتِي بِهِ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (وَالْحَاجَةُ

(وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى) شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ (لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ) فَيَتَعَيَّنُ بِشَهَادَتِهَا عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْجَامِعُ قِيَامُ الْفِرَاشِ (وَلَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ) فَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَالْفِرَاشُ الْمُنْقَضِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِيَصْلُحَ مُؤَيِّدًا لِلْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ: أَعْنِي شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ مَاسَةً إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً، وَذَلِكَ بِكَمَالِ النِّصَابِ عَلَى وِلَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ بِفِرَاشِيَّتِهَا الْمُسْتَلْزِمَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ لِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ شَرْعًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا قَبْلَ دَعْوَاهَا أَوْ صَدَرَ الِاعْتِرَافُ بِهِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا وَقْتَ دَعْوَاهَا الْوِلَادَةَ، لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِمَا فِي الْبَطْنِ، وَقِيَامُ الْحَمْلِ ظَاهِرًا أَوْ اعْتِرَافًا، وَكَذَا قِيَامُ الْفِرَاشِ يُؤَيِّدُ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ بِهِ، وَقَوْلُهُمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مَمْنُوعٌ بَلْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ بِحَضْرَتِهِمْ بَيْتًا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَ الْوَلَدِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا النَّظَرَ بَلْ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَدْ أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ تَسْتَلْزِمُ فِسْقَهُمْ فَلَا تُقْبَلُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَقِيقَةَ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ عَادَةً كَالْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا هَلْ تَكْفِي لِلْإِثْبَاتِ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ تَتَأَيَّدَ بِمُؤَيِّدٍ فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ. وَلَهُمَا فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ لِأَنَّهُ جِنْسٌ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَاهُ فَتَمَامُهُ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مِنْ حَالِ قِيَامِ الْفِرَاشِ وَهُوَ يَدْفَعُهُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا مَعَ مُؤَيِّدٍ جَوَازُهَا بِدُونِهِ وَيَبْقَى عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْحَدِيثِ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا: «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَاتِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ. وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ وَامْرَأَتَانِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ» ، وَهَذَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي مَضَتْ السُّنَّةُ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ الرَّفْعَ إذَا كَانَ صَحَابِيًّا وَهُوَ هُنَا لَيْسَ صَحَابِيًّا، وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ» ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْأَعْمَشِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَايِنِيُّ فَقَدْ تَظَافَرَا وَقَوِيَ مَا هُوَ حُجَّةٌ بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَادَّعَتْ الْوِلَادَةَ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ فَهُوَ ابْنُ الْمَيِّتِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ تَصْدِيقُهُمْ فِيهِ، أَمَّا فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْمَيِّتِ لِيَظْهَرَ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً. قَالُوا: إذَا كَانُوا أَيْ الْوَرَثَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا مَعَ إنَاثٍ وَهُمْ عُدُولٌ ثَبَتَ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ فَيُشَارِكُ الْمُقِرِّينَ مِنْهُمْ وَالْمُنْكَرِينَ وَيُطَالِبُ غَرِيمَ الْمَيِّتِ بِدَيْنِهِ، وَعَنْ هَذَا قِيلَ: يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ: أَيْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ مِنْ الْوَرَثَةِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ، وَلَا يُرَاعَى لِلتَّبَعِ شَرَائِطُهُ إذَا ثَبَتَ أَصَالَةً، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا فِي حَقِّ الْمُقِرِّينَ مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَلَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ عُلُوقٍ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا ثَبَتَ، وَلَا إشْكَالَ سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ سَكَتَ، وَكَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ السِّتَّةِ بِلَا

النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ سَكَتَ) لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةُ تَامَّةٌ (فَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ الزَّوْجُ يُلَاعِنُ) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، وَاللِّعَانُ إنَّمَا يَجِبُ بِالْقَذْفِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهِ (فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُك مُنْذُ أَرْبَعَةٍ وَقَالَتْ هِيَ: مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَهُوَ ابْنُهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحِ لَا مِنْ سِفَاحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQزِيَادَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَاطِئًا لَهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ، وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَبْتُوتَةِ حَيْثُ نُفِيَ نَسَبُ مَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مَعَ تَصْحِيحِهِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ طَلَّقَهَا حَالَ جِمَاعِهَا وَصَادَفَ الْإِنْزَالُ الطَّلَاقَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ هُنَا لَا هُنَاكَ لِحَمْلِ أَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ، إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ هُنَا لَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ زَوْجٍ فَتَزَوَّجَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَأَمَّا عَدَمُ الثُّبُوتِ هُنَاكَ لِلشَّكِّ فَلَا يَسْتَلْزِمُ نِسْبَةَ فَسَادٍ إلَيْهَا لِجَوَازِ كَوْنِ عِدَّتِهَا انْقَضَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَعَلِقَتْ مِنْهُ. وَحَاصِلُ هَذَا رَفْعُ الْمَانِعِ مِنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ هُنَاكَ وَلَيْسَ بِجَوَابٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى السُّؤَالِ وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْإِمْكَانُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ كَمَا يَثْبُتُ هُنَا، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِيهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْإِمْكَانُ مَعَ الِاحْتِيَاطِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ) يَعْنِي فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ اتِّفَاقًا، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَعِنْدَهُ لِتَأَيُّدِهَا بِقِيَامِ الْفِرَاشِ، حَتَّى لَوْ نَفَاهُ بَعْدَ شَهَادَتِهَا لَاعَنَ وَلَا يَكُونُ هَذَا اللِّعَانُ لَزِمَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدَةِ لِيَلْزَمَ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ، وَالْحَدُّ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ اللِّعَانُ هُنَا، وَأَيْضًا يَلْزَمُ خَطَأُ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا النَّسَبُ وَأَثْبَتَ بِهَا اللِّعَانَ، بَلْ اللِّعَانُ إنَّمَا وَجَبَ بِالْقَذْفِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ نَفْيِ الْوَلَدِ لَا بِنَفْيِ الْوَلَدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَفْيُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ لُزُومِهِ وُجُودَ الْوَلَدِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ نَفْيِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ لِتَحَقُّقِهِ بِدُونِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَ هُنَا وُقُوعُهُ فِي ضِمْنِ النَّفْيِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا) ، فَقَالَ: تَزَوَّجْتُك لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا وَهُوَ أَنَّهُ وَلَدٌ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَلَا مِنْ زَوْجٍ

وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْلَافَ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ. (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تَطْلُقُ) لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَلِأَنَّهَا لَمَّا قَبِلَتْ فِي الْوِلَادَةِ تَقْبَلُ فِيمَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّ الْوِلَادَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزَوَّجَتْ بِهَذَا الزَّوْجِ فِي عِدَّتِهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ وَهُوَ إضَافَةُ الْحَادِثِ وَهُوَ النِّكَاحُ هُنَا إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ ظَاهِرَانِ فِي ثُبُوتِ نَسَبٍ قُدِّمَ الْمُثْبِتُ لَهُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فِيهِ حَتَّى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهَا مُتَأَيَّدٌ بِظَاهِرِهِ وَهُوَ عَدَمُ مُبَاشَرَتِهِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ حَبِلَتْ مِنْ زِنًا وَإِنْ صَحَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ ثُمَّ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهَذَا النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَزَوُّجُهَا حَامِلًا بِثَابِتِ النَّسَبِ لِيَكُونَ إقْرَارًا بِالْفَسَادِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِلَا شُهُودٍ لِجَوَازِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ حَيْثُ أَثْبَتَ النَّسَبَ، وَالشَّرْعُ إذَا كَذَّبَ الْإِقْرَارَ يَبْطُلُ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ مُحَمَّدٌ (الِاسْتِحْلَافَ) أَيْ اسْتِحْلَافَهَا وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَعِنْدَهُمَا تُسْتَحْلَفُ وَعِنْدَهُ لَا تُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِي النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ)

حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا (وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لَدَعْوَاهَا الْحِنْثَ، وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالزَّوْجُ يُنْكِرُهَا وَلَمْ يَكُنْ حَبَلُهَا ظَاهِرًا وَلَا أَقَرَّ هُوَ بِهِ (لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَكِنْ يَثْبُتُ النَّسَبُ. وَقَالَا تَطْلُقُ أَيْضًا لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي ثُبُوتِ وِلَادَتِهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَإِذَا كَانَتْ حُجَّةً مَقْبُولَةً فِيهَا تُقْبَلُ فِيمَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا وَهُوَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهَا لَمَّا قَبِلَتْ فِي الْوِلَادَةِ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ وَجْهًا آخَرَ بَلْ هُوَ تَمَامُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَصَارَتْ كَثُبُوتِ الْأُمُومَةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ كَانَ بِأَمَتِي هَذِهِ حَمْلٌ فَهُوَ مِنِّي، فَوَلَدَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنْكَرَ وِلَادَتَهَا فَشَهِدَتْ بِهَا امْرَأَةٌ، وَكَثُبُوتِ اللِّعَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ زَوْجَةٌ بِوَلَدٍ فَقَالَ: لَيْسَ مِنِّي وَلَا أَدْرِي أَوَلَدْتِيهِ أَمْ لَا فَشَهِدَتْ بِالْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ اللِّعَانُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ حُرًّا مَحْدُودًا فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ وَزَوَالَ مِلْكِهِ الثَّابِتِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ حُجَّةً كَذَلِكَ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَلَازَمَهُ الْمُخْتَصُّ بِهِ فَقُبِلَتْ فِيهَا وَثَبَتَ النَّسَبُ وَأُمُومَةُ الْوَلَدِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمُهُ اللَّازِمُ شَرْعًا، أَمَّا اللِّعَانُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَذْفِ وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ نَفْيِ الْوَلَدِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَيْسَ حُكْمًا مُخْتَصًّا بِهِ فَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ قُبِلَ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا يَثْبُتُ تَمَجُّسُ الذَّابِحِ، وَكَقَوْلِهِ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ، فَقَالَتْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ هُمَا حُكْمَانِ مُقْتَرِنَانِ. وَيُمْكِنُ جَعْلَ هَذَا إشْكَالًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ طَلَاقَهَا هِيَ زَوَالُ مِلْكِهِ وَهُوَ لَيْسَ لَازِمًا شَرْعِيًّا لِحَيْضِهَا بَلْ لَازِمُهُ الشَّرْعِيُّ حُرْمَةُ قُرْبَانِهَا فَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِهَا لَازِمُهُ الشَّرْعِيُّ وَلَازِمُهُ الْجَعْلِيُّ الْمُنْفَكُّ وَهُوَ حِنْثُهُ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ بِلَا شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ فِيهِ. (وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ) لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْحُبْلَى تَلِدُ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي إخْبَارِهَا بِالْوِلَادَةِ حَيْثُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا حَامِلٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ كَمَا إذَا عُلِّقَ بِحَيْضِهَا فَقَالَتْ: حِضْت، فَإِذَنْ ظَهَرَ الْفَرْقُ الدَّافِعُ لِلْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيقَ إنْ كَانَ بِمَا هُوَ مَعْلُومُ الْوُقُوعِ بَعْدَهُ وَعِلْمُهُ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا بِحَيْضِهَا وَبِوِلَادَتِهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِحَبَلِهَا أَوْ بِظُهُورِ حَبَلِهَا كَانَ الْتِزَامًا لِتَصْدِيقِهَا عِنْدَ إخْبَارِهَا بِهِ وَاعْتِرَافًا بِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ

قَالَ (وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ (وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثُمَّ قَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِوِلَادَتِهَا قَبْلَ الِاعْتِرَافِ بِحَبَلِهَا سَابِقًا وَلَا ظُهُورَ لِحَبَلٍ حَالَ التَّعْلِيقِ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ عِنْدَ إنْكَارِهِ إلَى الْحُجَّةِ. (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَعَنْ اللَّيْثِ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سَبْعُ سِنِينَ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ. أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَمِيلَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عَمُودِ الْمِغْزَلِ. وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ: لَا يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَمِنْ جِهَتِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَفِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ ظِلِّ مِغْزَلٍ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ يَقُولُ هَذَا؟ هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً كُلُّ بَطْنٍ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَحْكِيِّ عَنْ امْرَأَةِ ابْنِ عَجْلَانَ لِأَنَّهُ بَعْدَ صِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَى الشَّارِعِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْخَطَأُ، بِخِلَافِ الْحِكَايَةِ فَإِنَّمَا بَعْدَ صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مَالِكٍ وَالْمَرْأَةُ يُحْتَمَلُ خَطَؤُهَا، فَإِنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ انْقَطَعَ دَمُهَا أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ فِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ بِتَمَامِهَا كَانَتْ حَامِلًا فِيهَا لِجَوَازِ أَنَّهَا امْتَدَّ طُهْرُهَا سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ حَبِلَتْ، وَوُجُودُ الْحَرَكَةِ مَثَلًا فِي الْبَطْنِ لَوْ وُجِدَ لَيْسَ قَاطِعًا فِي الْحَمْلِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ غَيْرَ الْوَلَدِ، وَلَقَدْ أَخْبَرَنَا عَنْ امْرَأَةٍ أَنَّهَا وَجَدَتْ ذَلِكَ مُدَّةَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْحَرَكَةِ وَانْقِطَاعِ الدَّمِ وَكِبَرِ الْبَطْنِ وَإِدْرَاكِ الطَّلْقِ فَحِينَ جَلَسَتْ الْقَابِلَةُ تَحْتَهَا أَخَذَتْ فِي الطَّلْقِ فَكُلَّمَا طُلِقَتْ اعْتَصَرَتْ مَاءً هَكَذَا شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ انْضَمَرَ بَطْنُهَا وَقَامَتْ عَنْ قَابِلَتِهَا عَنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ. وَبِالْجُمْلَةِ مِثْلُ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ لَا يُعَارِضُ الرِّوَايَاتِ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَثْبَتَ نَسَبَ وَلَدِ الْمَرْأَةِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَنَتَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ فَوَجَدَهَا حَامِلًا فَهَمَّ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: إنْ كَانَ لَك عَلَيْهَا سَبِيلٌ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى وَلَدَتْ وَلَدًا قَدْ نَبَتَتْ ثَنِيَّتَاهُ يُشْبِهُ أَبَاهُ، فَلَمَّا رَآهُ الرَّجُلُ قَالَ: وَلَدِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّمَا هُوَ بِقِيَامِ الْفِرَاشِ وَدَعْوَى الرَّجُلِ نَسَبَهُ. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وَلَا خِلَافَ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] مَعَ تَفْسِيرِ الْفِصَالِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بِكَوْنِهِ

وَالشَّافِعِيُّ يُقَدِّرُ الْأَكْثَرَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قَالَتْهُ سَمَاعًا إذْ الْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ اشْتَرَاهَا لَزِمَهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عَامَيْنِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَاضِلِ لِلْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَرَّرَهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّضَاعِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَضْرُوبَةٌ بِتَمَامِهَا لِكُلٍّ مِنْ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُنْقِصَ قَامَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْحَمْلُ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ. قُلْنَا: قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهُ يُرَادُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِينَ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةُ ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ إلَى الصَّحِيحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذَكَرَهُ هُنَا وَمَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ فِي الْحَقِيقَةِ مَوْرِدُهُ لَا هُوَ فَنَقَلَ بَعْضَهُ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَيْهِ. وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهَمَّ عُثْمَانُ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَمَا إنَّهَا لَوْ خَاصَمَتْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَخَصَمَتْكُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَلَمْ يَبْقَ لِلْحَمْلِ إلَّا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَدَرَأَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدَّ عَنْهَا. فَالتَّمَسُّكُ بِدَرْءِ عُثْمَانَ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ وَمُفِيدٌ لِقَطْعِيَّةِ إرَادَةِ كَوْنِ الْمُدَّةِ بِمَجْمُوعِ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى صِحَّتِهِ حَيْثُ سَكَتُوا وَرَتَّبُوا الْحُكْمَ بِاعْتِبَارِهِ وَهُوَ يَبْطُلُ تَمَسُّكُهُ فِي الرَّضَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ التَّنَاقُضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ رَجْعِيَّةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا لَزِمَهُ: أَيْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلَفْظُ يَوْمٍ بَعْدَ مُنْذُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَقَيَّدْنَا بِبَعْدِ الدُّخُولِ وَوَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ فَارَقَهَا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ لَهَا أَوْ بَعْدَهُ وَالطَّلَاقُ ثِنْتَانِ ثَبَتَ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِأَقَلَّ بَلْ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ

لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ لِأَنَّهُ يُضَافُ الْحَادِثُ إلَى أَقْرَبِ وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ خُلْعًا أَوْ رَجْعِيًّا، أَمَّا إذَا كَانَ اثْنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يُضَافُ الْعُلُوقُ إلَّا إلَى مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالشِّرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ لِلتَّيَقُّنِ بِكَوْنِ الْعُلُوقِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ، وَوَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَلَدَ الْمَمْلُوكَةِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ إذَا كَانَ وَاحِدَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ إذْ لَا يَظْهَرُ عِدَّتُهَا فِي حَقِّهِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّتُهُ، وَالْمَرْأَةُ مَتَى وَلَدَتْ وَالْوَطْءُ حَلَالٌ يُقْضَى بِالْعُلُوقِ مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ شَكًّا وَأَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَاعْتِبَارُهَا فِي الْأَوَّلِ يُوجِبُ أَنَّهُ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُوجِبُ أَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ ثِنْتَيْنِ حَيْثُ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ بِهِ تَحْرُمُ الْأَمَةُ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يَحِلُّهَا الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْمُحَرَّمَةِ حُرْمَةً غَلِيظَةً مُغَيَّاةٌ بِنِكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ عَلَى مَا عُرِفَ فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْعُلُوقِ مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَيْهِمَا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ فَقَضَيْنَا بِالْعُلُوقِ مِنْ أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ حَمْلًا لِأَمْرِهِمَا عَلَى الصَّلَاحِ وَقَبْلَ الطَّلَاقِ كَانَتْ مَنْكُوحَةً فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا بِلَا دَعْوَةٍ، ثُمَّ إذَا كَانَتْ الْوَاحِدَةُ رَجْعِيَّةً وَهُوَ وَلَدُ

(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِالْإِجْمَاعِ. (وَمَنْ قَالَ لِغُلَامٍ هُوَ ابْنِي ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَتْ أُمُّ الْغُلَامِ وَقَالَتْ أَنَا امْرَأَتُهُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَهُوَ ابْنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَدَّةِ فَيَلْزَمُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِعَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَأَكْثَرَ بَعْدَ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا ثَبَتَ إلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَعْدَ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ حُكْمِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ ثَابِتٌ عِنْدَ عَدَمِ الطَّلَاقِ، يَعْنِي لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ كَانَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لِلرَّجْعِيَّةِ ثَابِتًا. وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْمَوْطُوءَةَ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ، لِأَنَّ النِّكَاحَ بَطَلَ بِالشِّرَاءِ وَصَارَتْ بِحَالٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ لَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ إلَّا بِدَعْوَةٍ وَالْعِتْقُ مَا زَادَهَا إلَّا بُعْدًا مِنْهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ بِلَا دَعْوَةٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ بَطَلَ النِّكَاحُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ لِلْمِلْكِ وَبِالْعِتْقِ ظَهَرَتْ، وَحُكْمُ مُعْتَدَّةٍ عَنْ بَائِنٍ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا تِلْكَ. وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ لِلْعِلْمِ بِثُبُوتِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ الْعَقْدِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْتِقْهَا وَلَكِنْ بَاعَهَا فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ بَاعَهَا؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ ادَّعَاهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي لِمَا مَرَّ أَنَّ النِّكَاحَ بَطَلَ؛ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ بِلَا تَصْدِيقٍ كَمَا قَالَ فِي الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ هُنَا لَا يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ لِأَنَّ الْعِدَّةَ ظَهَرَتْ ثَمَّ وَلَمْ تَظْهَرْ هُنَا. وَلَوْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِسْلَامِ فَنَفَاهُ لَاعَنَ وَيَقْطَعُ نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ عُلُوقَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ بِاعْتِبَارِهِ لَا لِعَانَ لَكِنَّ الْعُلُوقَ حَادِثٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ مَا قُلْنَا. وَكَذَا حُرٌّ تَحْتَهُ أَمَةٌ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَنَفَاهُ الزَّوْجُ لَاعَنَ وَإِنْ احْتَمَلَ الْعُلُوقُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ. فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمْ يُنْتَقَضُ بِمَسَائِلَ: إحْدَاهَا مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْهُ فَالْإِيجَابُ عَلَى إبْهَامِهِ وَلَا تَتَعَيَّنُ ضَرَّتُهَا لِلطَّلَاقِ ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ. وَثَانِيَتُهَا مَا لَوْ قَالَ لَهَا: إذَا حَبِلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَكَذَا لَوْ كَانَ هَذَا فِي تَعْلِيقِ الْعَتَاقِ بِالْحَبَلِ. وَثَالِثَتُهَا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ: أَعْنِي الْبَيَانَ وَالطَّلَاقَ وَالرَّجْعَةَ. قُلْنَا: الْحَوَادِثُ إنَّمَا تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ إبْطَالَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ أَوْ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْمُقْتَضَى، أَمَّا إذَا تَضَمَّنَتْ فَلَا، فَمَتَى عَوَّلْت عَلَى مَا قُلْنَا ثُمَّ اسْتَقْرَيْت الْمَسَائِلَ وَجَدْت الْأَمْرَ عَلَيْهِ، فَفِي ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ إبْطَالُ مَا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ بِلَا يَقِينٍ، وَفِي الرَّجْعَةِ كَذَلِكَ مَعَ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الدَّلِيلِ الدَّالِ عَلَى اسْتِكْرَاهِ الرَّجْعَةِ بِغَيْرِ الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُودِ النَّسَبِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الدَّعْوَةُ، وَالْحَاجَةُ إلَى

يَرِثَانِهِ) وَفِي النَّوَادِرِ جُعِلَ هَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِذَلِكَ وَضْعًا وَعَادَةً (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدٍ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ حُجَّةٌ فِي دَفْعِ الرِّقِّ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْيِينِ الْوَلَدِ وَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ: أَيْ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُدَّعِيًا هَذَا الْوَلَدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لَتَيَقَّنَّا بِقِيَامِهِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْقَوْلِ فَتَيَقَّنَّا بِالدَّعْوَى. (قَوْلُهُ يَرِثَانِهِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: ثُبُوتُ النِّكَاحِ هُنَا اقْتِضَائِيٌّ فَيَثْبُتُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ تَصْحِيحُ النَّسَبِ دُونَ الْإِرْثِ. قُلْنَا: النِّكَاحُ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى مَا هُوَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَلْزُومٌ لِاسْتِحْقَاقِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ الشَّيْءُ ثَبَتَ بِلَازِمِهِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا بِخِلَافِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَأَنَّهَا أُمُّ الْوَلَدِ) وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهَا حُرَّةً هِيَ أُمُّ ابْنِهِ لَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ عَادَةً وَعُرْفًا لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لِحُصُولِ الْأَوْلَادِ دُونَ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فَهُمَا احْتِمَالَانِ لَا يُعْتَبَرَانِ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ الْقَوِيِّ، وَكَذَا احْتِمَالُ كَوْنِهِ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَجَبَ الْحُكْمُ بِقِيَامِهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ. (قَوْلُهُ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَلَكِنَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِالدُّخُولِ بِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ بِقَوْلِهِمْ. (قَوْلُهُ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ) فَلَا يُقْضَى بِهِ كَالْمَفْقُودِ يُجْعَلُ حَيًّا فِي مَالِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ غَيْرُهُ مِنْهُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ مَفْقُودٌ مِنْ أَحَدٍ.

[باب الولد من أحق به]

بَابُ الْوَلَدِ مَنْ أَحَقُّ بِهِ (وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ وَأَقْدَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ بِقَوْلِهِ: رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ، قَالَهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ مُتَوَافِرُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْوَلَدِ مَنْ أَحَقُّ بِهِ] (بَابُ الْوَلَدِ مَنْ أَحَقُّ بِهِ) لَمَّا ذَكَرَ ثُبُوتَ نَسَبِ الْوَلَدِ عَقِيبَ أَحْوَالِ الْمُعْتَدَّةِ ذَكَرَ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ الْوَلَدُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ إلَخْ) هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي غَيْرِ مَا إذَا وَقَعَتْ بِرِدَّتِهَا لَحِقَتْ أَوْ لَا لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ وَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ بِأَنْ كَانَتْ فَاسِقَةً أَوْ تَخْرُجُ كُلُّ وَقْتٍ وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً أَوْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً وَلَدَتْ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَأَبَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرَبِّيَ إلَّا بِأَجْرٍ وَقَالَتْ: الْعَمَّةُ أَنَا أُرَبِّي بِغَيْرِ أَجْرٍ فَإِنَّ الْعَمَّةَ أَوْلَى هُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ) بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً لِأَنَّ الشَّفَقَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً) فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَعَمْرٌو هَذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَإِذَا أَرَادَ بِجَدِّهِ مُحَمَّدًا كَانَ مُرْسَلًا، وَإِذَا أَرَادَ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُتَّصِلًا، فَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ يَصِيرُ مُحْتَمِلًا لِلْإِرْسَالِ وَالِاتِّصَالِ، وَهُنَا نَصَّ عَلَى جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ. وَحَجْرُ الْإِنْسَانِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَالْحِوَاءُ بِالْكَسْرِ: بَيْتٌ مِنْ الْوَبَرِ وَالْجَمْعُ الْأَحْوِيَةُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ عَلَيْهِ) إبْدَاءٌ لِحِكْمَةِ خُصُوصِ هَذَا الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ أَشْفَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ جَزَاءً لَهَا حَقِيقَةً حَتَّى قَدْ يُقْرَضُ بِالْمِقْرَاضِ وَأَقْدَرَ عَلَى الْحَضَانَةِ لِتَبَتُّلِهَا بِمَصَالِحِهِ،

(وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ) عَلَى مَا نَذْكُرُ (وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا عَسَتْ تَعْجِزُ عَنْ الْحَضَانَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرَّجُلُ أَقْدَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَلِذَا جُعِلَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ لَهُ مَالٌ وَجُعِلَ عِنْدَهَا. وَقَوْلُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ إلَخْ يُشِيرُ إلَى مَا فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمًا، ثُمَّ فَارَقَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَكِبَ يَوْمًا إلَى قُبَاءَ فَوَجَدَ ابْنَهُ يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ، فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلَامِ فَنَازَعَتْهُ إيَّاهُ، فَأَقْبَلَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا ابْنِي، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: ابْنِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامَ. وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحْ فَتَزَوَّجَتْ فَجَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ ابْنَهُ، فَأَدْرَكَتْهُ شُمُوسٌ أُمُّ ابْنَةِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيَّةُ وَهِيَ أُمُّ جَمِيلَةَ فَأَخَذَتْهُ فَتَرَافَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا فَأَخَذَتْهُ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ ثُمَّ أَتَى عَلَيْهَا وَفِي حِجْرِهَا عَاصِمٌ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا فَتَجَاذَبَاهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى بَكَى الْغُلَامُ فَانْطَلَقَا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مَسْحُهَا وَحِجْرُهَا وَرِيحُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْك حَتَّى يَشِبَّ الصَّبِيُّ فَيَخْتَارُ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ عَلَى مَا نَذْكُرُ) أَيْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ، وَهَذَا إنْ كَانَ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَعَلَى ذِي الرَّحِمِ الْوَارِثِ عَلَى قَدْرِ الْمَوَارِيثِ (قَوْلُهُ وَلَا تُجْبَرُ) يَعْنِي إذَا طَلَبَتْ الْأُمُّ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ أَبَتْ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ تُجْبَرُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْهِنْدُوانِيُّ مِنْ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْوَلَدِ، قَالَ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ: لَا تُجْبَرُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي لَا عَادَةَ لَهَا بِالْإِرْضَاعِ، وَتُجْبَرُ الَّتِي هِيَ مِمَّنْ تُرْضِعُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ. وَيُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى أَخْذِ الْوَلَدِ بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَصِيَانَتَهُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا فَكَانَتْ الْآيَةُ لِلنَّدْبِ أَوْ مَحْمُولَةً عَلَى حَالَةِ الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ وَلِأَنَّهَا عَسَى أَنْ تَعْجِزَ عَنْهُ، لَكِنَّ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ: لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ الْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أُمِّهِ كَانَ إلَيْهَا مُحْتَاجًا هَذَا لَفْظُهُ، فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْفَقِيهَيْنِ جَوَابُ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْإِرْضَاعِ بَلْ فِي الْحَضَانَةِ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: ثُمَّ الْأُمُّ وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ فَتُجْبَرُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمٌّ تَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحَضَانَةِ أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مُحَرَّمٍ أَوْ مَاتَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَإِنْ عَلَتْ. وَعَنْ أَحْمَدَ أُمُّ الْأَبِ أَوْلَى وَإِنْ اسْتَضْعَفَ بِأَنَّ

(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمٌّ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ وَإِنْ بَعُدَتْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ الْأُمِّ فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأَخَوَاتِ) لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ، وَلِهَذَا تَحَرَّزَ مِيرَاثُهُنَّ السُّدُسُ وَلِأَنَّهَا أَوْفَرُ شَفَقَةً لِلْوِلَادِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ فَالْأَخَوَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ) لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ وَلِهَذَا قُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ. وَفِي رِوَايَةِ الْخَالَةِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] أَنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ (وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ) لِأَنَّهَا أَشْفَقُ (ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ (ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ) تَرْجِيحًا لِقَرَابَةِ الْأُمِّ (وَيَنْزِلْنَ كَمَا نَزَلْنَا الْأَخَوَاتُ) مَعْنَاهُ تَرْجِيحُ ذَاتِ قَرَابَتَيْنِ ثُمَّ قَرَابَةٍ الْأُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُمَّ الْأُمِّ تُدْلِي بِالْأُمِّ وَهِيَ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى الْأَبِ، فَمَنْ يُدْلِي بِهَا وِلَادًا أَحَقُّ مِمَّنْ يُدْلِي بِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْأُمِّ أُمٌّ فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِمَّنْ سِوَاهَا وَإِنْ عَلَتْ. وَعِنْدَ زُفَرَ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ أَوْ الْخَالَةُ أَوْلَى مِنْهَا. وَعَنْ مَالِكٍ الْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ الْجَدَّةِ لِأَبٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عَلِيًّا وَجَعْفَرَ الطَّيَّارَ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ اخْتَصَمُوا فِي بِنْتِ حَمْزَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا هِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَالَتِهَا وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْك، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ فِيهِ «إنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ» وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ «وَأَمَّا أَنْتَ يَا زَيْدُ فَأَخُونَا وَمَوْلَانَا وَالْجَارِيَةُ عِنْدَ خَالَتِهَا، فَإِنَّ الْخَالَةَ وَالِدَةٌ» قُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ تَشْبِيهٌ، فَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ فِي ثُبُوتِ الْحَضَانَةِ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ السِّيَاقَ أَفَادَ إرَادَةَ الْأَوَّلِ فَيَبْقَى أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فِي ثُبُوتِ أَصْلِ الْحَضَانَةِ أَوْ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ سِوَاهَا، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الثَّانِي وَالْأَوَّلُ مُتَيَقِّنٌ فَيَثْبُتُ فَلَا يُفِيدُ الْحُكْمُ بِأَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ أَحَدٍ بِخُصُوصِهِ أَصْلًا مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ فَيَبْقَى الْمَعْنَى الَّذِي عَنَيْنَاهُ بِلَا مُعَارِضٍ وَهُوَ أَنَّ الْجَدَّةَ أُمٌّ وَلِهَذَا تَحَرَّزَ مِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ السُّدُسِ، وَغَلَبَةُ الشَّفَقَةِ تَتْبَعُ الْوِلَادَ ظَاهِرًا فَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَدَّةً سُفْلَى وَلَا عُلْيَا فَالْأَخَوَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ وَأُولَئِكَ بَنَاتُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالشَّقِيقَةُ أَوْلَى مِنْ

(ثُمَّ الْعَمَّاتُ يَنْزِلْنَ كَذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ يَسْقُطُ حَقُّهَا) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا يُعْطِيهِ نَزْرًا وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا فَلَا نَظَرَ. قَالَ (إلَّا الْجَدَّةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدُّ) لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ لَهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ زَوْجٍ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) لِقِيَامِ الشَّفَقَةِ نَظَرًا إلَى الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ (وَمَنْ سَقَطَ حَقُّهَا بِالتَّزَوُّجِ يَعُودُ إذَا ارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ) لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ. (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ فَاخْتَصَمَ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَوْلَاهُمْ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَقْرَبِ وَقَدْ عُرِفَ التَّرْتِيبُ فِي مَوْضِعِهِ، غَيْرَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ إلَى عَصَبَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنِ الْعَمِّ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهَا، وَاَلَّتِي لِأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَبَعْدَ الْأُخْتِ لِأَبِ الْخَالَةِ. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ: الْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ وَتِلْكَ بِالْأَبِ. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ النِّكَاحِ: الْأُخْتُ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ اعْتِبَارًا لِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَتَقْدِيمِ الْمُدْلِي بِالْأُمِّ عَلَى الْمُدْلِي بِالْأَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ مَرْتَبَتِهِمَا قُرْبًا، فَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ النِّكَاحِ تُدْفَعُ بَعْدَ الْأُخْتِ لِأَبٍ إلَى بِنْتِ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، ثُمَّ إلَى بِنْتِ الْأُخْتِ لِأُمٍّ، ثُمَّ إلَى بِنْتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ، ثُمَّ إلَى الْخَالَةِ الشَّقِيقَةِ، ثُمَّ إلَى الْخَالَةِ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَمَّاتِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ إلَى خَالَةِ الْأُمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ إلَى عَمَّاتِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَخَالَةُ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ خَالَةِ الْأَبِ عِنْدَنَا، ثُمَّ خَالَاتُ الْأَبِ وَعَمَّاتُهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَوْلَادَ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَحَقُّ مِنْ الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ، وَأَنَّ الْأُخْتَ لِأُمٍّ أَحَقُّ مِنْ وَلَدِ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّ بِنْتَ الْأُخْتِ تُدْلِي إلَى مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ، وَأَمَّا بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَبِمَعْزِلٍ عَنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَالنَّزْرُ الْقَلِيلُ وَالشَّزْرُ نَظَرُ الْبُغْضِ. وَلَوْ ادَّعَى الْأَبُ أَنَّ الْأُمَّ تَزَوَّجَتْ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالتَّزَوُّجِ إلَّا أَنَّهَا ادَّعَتْ الطَّلَاقَ وَعَوْدَ حَقِّهَا، فَإِنْ لَمْ تُعَيِّنْ الزَّوْجَ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَإِنْ عَيَّنَتْهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ الزَّوْجُ. (قَوْلُهُ فَاخْتَصَمَ) الْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ وَجَبَ الِانْتِزَاعُ

(وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: حَتَّى يُسْتَغْنَى فَيَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَلْبَسُ وَحْدَهُ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِأَنَّ تَمَامَ الِاسْتِغْنَاءِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأَدُّبِ وَالتَّخَلُّقِ بِآدَابِ الرِّجَالِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ، وَالْخَصَّافُ قَدَّرَ الِاسْتِغْنَاءَ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ) لِأَنَّ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ وَالْأَبُ فِيهِ أَقْوَى وَأَهْدَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ النِّسَاءِ أَخَذَهُ الرِّجَالُ، وَأَوْلَاهُمْ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ، وَلِذَلِكَ إذَا اسْتَغْنَى عَنْ الْحَضَانَةِ كَانَ الْأَوْلَى بِحِفْظِهِ أَقْرَبَهُمْ تَعْصِيبًا، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ: أَيْ فِي الْفَرَائِضِ، وَأَوْلَى الْعُصُبَاتِ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ، ثُمَّ الْأَبُ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقُ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ سَفَلَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ الْعَمُّ شَقِيقٌ لِأَبٍ، ثُمَّ الْأَبُ. فَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْغُلَامُ فَيُبْدَأُ بِابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ، وَلَا تُدْفَعُ الصَّغِيرَةُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَحَارِمَ وَإِنَّمَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْغُلَامُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرَةِ عُصْبَةٌ تُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى الْعَمِّ لِأُمٍّ، ثُمَّ إلَى الْخَالِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِأُمٍّ، لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النِّكَاحِ. وَيُدْفَعُ الذَّكَرُ إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعُصُبَاتِ، وَلَا تُدْفَعُ الْأُنْثَى إلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ فِي الْمَحَارِمِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ مَنْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ لِفِسْقِهِ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الْإِمْسَاكِ، الْكُلُّ مِنْ الْكَافِي. وَإِذَا اجْتَمَعَ مُسْتَحِقُّو الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةٍ كَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ فَأَصْلَحُهُمْ أَوْلَى، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً فَإِلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَأْكُلَ إلَخْ) الَّذِي فِي الْأَصْلِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ النَّوَادِرِ: وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ، فَضَمَّهُ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا تَقَدَّمَ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رَشِيدٍ: وَيَتَوَضَّأُ وَحْدَهُ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَحْصُلَ الِاسْتِغْنَاءُ. ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ تَمَامُ الطَّهَارَةِ بِأَنْ يُطَهِّرَ وَجْهَهُ وَحْدَهُ بِلَا مُعِينٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ. (قَوْلُهُ وَالْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدَّرَ الِاسْتِغْنَاءَ بِسَبْعِ سِنِينَ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، لَا مَا قِيلَ: إنَّهُ يُقَدَّرُ بِتِسْعٍ لِأَنَّ الْأَبَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ ابْنُ سَبْعٍ وَقَالَتْ ابْنُ سِتٍّ لَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا وَلَكِنْ يَنْظُرُ إنْ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَلْبَسُ وَحْدَهُ دَفَعَ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ) وَهِيَ

(وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: حَتَّى تَسْتَغْنِيَ) لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا، وَلِهَذَا لَا تُؤَاجِرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ شَرْعًا. قَالَ (وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ كَالْحُرَّةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ) لِأَنَّهُمَا حُرَّتَانِ أَوَانَ ثُبُوتَ الْحَقِّ (وَلَيْسَ لَهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ حَقٌّ فِي الْوَلَدِ لِعَجْزِهِمَا) عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى (وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَوْ يَخَفْ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْهُ. وَفِي غِيَاثِ الْمُفْتِي الِاعْتِمَادُ عَلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ الزَّمَانِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ لِيُبْنَى عَلَيْهَا أَخْذَ الْأَبِ وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، قَالُوا: بِنْتُ تِسْعٍ مُشْتَهَاةٌ، وَخَمْسٍ لَيْسَتْ مُشْتَهَاةً، وَسِتٍّ وَسَبْعٍ وَثَمَانٍ إنْ كَانَتْ عَبْلَةً مُشْتَهَاةٌ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ) يَعْنِي الْجَدَّتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَالْأَبِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا) شَرْعًا، وَتَعْلِيمُ آدَابِ النِّسَاءِ مِنْ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَالْغَزْلِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ (بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ شَرْعًا) وَلِذَا جَازَ أَنْ تُؤَاجِرَهَا. قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ الشَّهِيدُ: فَإِنْ كَانَتْ الْبِكْرُ دَخَلَتْ فِي السِّنِّ وَاجْتَمَعَ عَقْلُهَا وَرَأْيُهَا وَأَخُوهَا مَخُوفٌ عَلَيْهَا فَلَهَا أَنْ تَنْزِلَ حَيْثُ أَحَبَّتْ فِي مَكَان لَا يُتَخَوَّفُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ كَالْحُرَّةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ) وَحَالُ الْحُرَّةِ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا كَانَ مَوْلَاهُ أَحَقَّ بِهِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ حُرًّا كَانَتْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَمِنْ مَوْلَاهُ إنْ كَانَ لَهُ مَوْلًى أَعْتَقَهُ، وَمِنْ مَوْلَاهَا إنْ كَانَ ابْنُهَا مِنْهُ قَبْلَ عِتْقِهَا، وَلَوْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَالْوَلَدُ لِمَوْلَاهَا وَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْأَبِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَلَمْ يُفَارِقْ أُمَّهُ فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالْوَلَدِ لَكِنْ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَفِي التُّحْفَةِ: الْمُكَاتَبَةُ إنْ وَلَدَتْ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَا حَقَّ لَهَا، وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ وَيَخَافُ) بِالرَّفْعِ اسْتِئْنَافًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْ يَخَفْ

لِلنَّظَرِ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ الضَّرَرِ بَعْدَهُ (وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَيَّرَ. وَلَنَا أَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الدَّعَةُ لِتَخْلِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّعِبِ فَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا، أَمَّا الْحَدِيثُ فَقُلْنَا قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ اهْدِهِ» فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِهِ الْأَنْظَرَ بِدُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَالِغًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى يَعْقِلْ، وَتُمْنَعُ أَنْ تُغَذِّيَهُ الْخَمْرَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَإِنْ خِيفَ ضُمَّ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَيُرْوَى بِالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى إلَى أَنْ يُخَافَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي، وَلَكِنَّ هَذَا فِي أَوْ لَا الْوَاوِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ لَا حَضَانَةَ لَهَا، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَوْلُهُ لِلنَّظَرِ قَبْلَ ذَلِكَ دَافِعٌ لِقَوْلِهِمْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَنْظَرَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأُمِّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا وَزِيَادَةِ قُدْرَتِهَا عَلَى التَّبَتُّلِ بِمُلَاحَظَتِهِ وَمَصَالِحِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ الدِّينِيِّ يَرْتَفِعُ بِمَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ) يَعْنِي إذَا بَلَغَ السِّنَّ الَّذِي يَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهِ كَسَبْعٍ مَثَلًا أَخَذَهُ الْأَبُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الْغُلَامِ ذَلِكَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ فِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يُخَيَّرُ فِي سَبْعٍ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا وَسَلَّمَ إلَيْهِ ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرُ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أُعِيدَ إلَيْهِ هَكَذَا أَبَدًا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ، وَالْمَعْتُوهُ لَا يُخَيَّرُ وَيَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ) أَخْرَجَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ قِصَّةٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ قَبْلَ أَنْ يُرْوَى الْحَدِيثُ حَاصِلُهَا أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا فِي وَاقِعَةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ ثُمَّ رُوِيَ الْحَدِيثُ، وَلَفْظَهُ «سَمِعْتُ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَهِمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ» وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْمَعْنَى عَلَى عَدَمِ التَّخْيِيرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا أَنْ يُوَفَّقَ لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ «أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَجَاءَا بِابْنٍ لَهُمَا صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَبَ هُنَا وَالْأُمَّ هُنَا ثُمَّ خَيَّرَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ، فَذَهَبَ إلَى أَبِيهِ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيمٌ، وَقَالَ رَافِعٌ ابْنَتِي، فَأَقْعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمَّ نَاحِيَةً وَالْأَبَ نَاحِيَةً وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ نَاحِيَةً وَقَالَ لَهُمَا اُدْعُوَاهَا، فَمَالَتْ الصَّبِيَّةُ إلَى أُمِّهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ اهْدِهَا فَمَالَتْ إلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَسَمَّى الْبِنْتَ عُمَيْرَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَمَةَ «أَنَّ أَبَوَيْنِ اخْتَصَمَا فِي وَلَدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدُهُمَا كَافِرٌ، فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَوَجَّهَ إلَى الْكَافِرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ، فَتَوَجَّهَ إلَى الْمُسْلِمِ فَقَضَى لَهُ بِهِ» قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ: اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ غُلَامٌ أَوْ جَارِيَةٌ وَلَعَلَّهُمَا قَضِيَّتَانِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبَوَيْهِ اخْتَصَمَا فِيهِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ: فِيهِ عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ سَلَمَةَ وَأَبَاهُ وَجَدَّهُ لَا يَعْرِفُونَ، وَلَوْ صَحَّتْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ خِلَافًا لِرِوَايَةِ أَصْحَابِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَإِنَّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهُوَ وَأَبُوهُ ثِقَتَانِ وَجَدُّهُ رَافِعُ بْنُ سِنَانٍ مَعْرُوفٌ، وَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ جَدُّ أَبِيهِ، قَالَ: فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ سِنَانٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ إذَا اخْتَارَ مَنْ اخْتَارَهُ الشَّرْعُ دَفَعَ لَهُ، لَكِنَّ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ بِتَخْيِيرِ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ دُعَائِهِ فَيَجِبُ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتِبَارُ مَظِنَّةِ الْأَنْظَرِيَّةِ وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا بِدَلِيلِ الِاسْتِقَاءِ مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَمَنْ دُونَ الْبُلُوغِ لَا يُرْسَلُ إلَى الْآبَارِ لِلِاسْتِقَاءِ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ السُّقُوطِ فِيهِ لِقِلَّةِ عَقْلِهِ وَعَجْزِهِ عَنْهُ غَالِبًا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إذَا بَلَغَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَيِّهِمَا أَرَادَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ سَفِيهًا مُفْسِدًا فَحِينَئِذٍ يَضُمُّهُ إلَى نَفْسِهِ اعْتِبَارًا لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ. أَمَّا الْجَارِيَةُ فَإِنْ بَلَغَتْ بِكْرًا ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ بَلَغَتْ ثَيِّبًا فَلَهَا أَنْ تَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ عَلَى نَفْسِهَا لَا يَوْثُقُ بِهَا فَلِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ، وَكَذَا الْأَخُ، وَلِلْعَمِّ الضَّمُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا، وَإِنْ كَانَ فَحِينَئِذٍ يَضَعُهَا الْقَاضِي عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، وَلِهَذَا صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُخَيِّرُوا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ عُمَرَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَمَا أَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ ابْنًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَاخْتَارَ أُمَّهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ مَيْلَ الِابْنِ إلَى أُمِّهِ وَهِيَ فِي الْوَاقِعِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ فَأَحَبَّ تَطْيِيبَ قَلْبِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لِلشَّرْعِ فَخَيَّرَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْ أَبَا بَكْرٍ الْكَلَامَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ عَدَمَ الْمُرَاجَعَةِ لَيْسَ دَلِيلًا لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إمَامًا يَجِبُ نَفَاذُ مَا يَحْكُمُ بِهِ مِنْ رَأْيِهِ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا لِيُوَافِقَ الْمَرْوِيَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ.

[فصل أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر]

فَصْلٌ (وَإِذَا أَرَادَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأَبِ (إلَّا أَنْ تَخْرُجَ بِهِ إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ الزَّوْجُ تَزَوَّجَهَا فِيهِ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَقَامَ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَأَهَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ أَرَادَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْمِصْرِ] (فَصْلٌ) إذَا ثَبَتَ حَقُّ الْحَضَانَةِ لِلْأُمِّ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ كَانَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا لِأَنَّ حَقَّ السُّكْنَى لَهُ بَعْدَ إيفَاءِ مُعَجَّلِ الْمَهْرِ خُصُوصًا بَعْدَمَا خَرَجَتْ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنَةً وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِ الْبَلْدَةِ الَّتِي تُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَيْهَا بَلَدَهَا وَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا أَوَّلًا، فَفِي الْأَوَّلِ لَيْسَ لِلْأَبِ مَنْعُهَا وَإِنْ بَعُدَتْ كَالْكُوفَةِ مِنْ الشَّامِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارَ حَرْبٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ حَرْبِيَّةً، وَلَوْ كَانَ كِلَاهُمَا مُسْتَأْمَنًا جَازَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَدَ النِّكَاحَ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقِيمُ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ وَجَبَ عَلَيْهَا الْمُتَابَعَةُ أَوْ تَابَعَتْهُ بِلَا وُجُوبٍ. وَإِذَا زَالَتْ الزَّوْجِيَّةُ لَمْ تَجِبْ الْمُتَابَعَةُ فَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَوْلَادُ غَيْبًا بِأَنْ تَزَوَّجَهَا مَثَلًا بِالْبَصْرَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَخَاصَمَتْهُ فِيهِمْ لِيَرُدَّهُمْ إلَيْهَا، فَإِنْ أَخْرَجَهُمْ بِإِذْنِهَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَجِيءَ بِهِمْ إلَيْهَا وَيُقَالُ لَهَا اذْهَبِي إلَيْهِمْ فَخُذِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَجِيءَ بِهِمْ إلَيْهَا. وَفِي الثَّانِي لَهُ مَنْعُهَا سَوَاءٌ كَانَ مِصْرَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ فِيهِ أَوْ عَقَدَ فِيهِ وَلَيْسَ مِصْرَهَا عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنْ تَخْرُجَ إلَى مِصْرٍ قَرِيبٍ، بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ الْأَبُ لِمُطَالَعَةِ الْوَلَدِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ كَذَلِكَ وَكَانَ الْعَقْدُ فِي قَرْيَةٍ لِأَنَّهُ كَالِانْتِقَالِ مِنْ حَارَةٍ إلَى حَارَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ فِي قَرْيَةٍ بَلْ مِصْرٍ فَلَيْسَ لَهَا إخْرَاجُهُ إلَى الْقَرْيَةِ الْقَرِيبَةِ، هَذَا فِيمَا بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ مَاتَتْ وَصَارَتْ الْحَضَانَةُ لِلْجَدَّةِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ بِالْوَلَدِ إلَى مِصْرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ، وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ لَا تُخْرِجُ الْوَلَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْغُلَامُ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ بَيْنَ الْأَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ. وَلِنَتَكَلَّمْ عَلَى فُصُولِ الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)

بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَلِهَذَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ بِهِ ذِمِّيًّا، وَإِنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى مِصْرٍ غَيْرِ وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ التَّزَوُّجُ فِيهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وُجِدَ فِي مَكَان يُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئَابٍ، أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ» وَإِنِّي تَأَهَّلْت مُنْذُ قَدِمْت مَكَّةَ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى كَذَلِكَ وَلَفْظُهُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ» وَإِنَّمَا أَتْمَمْت لِأَنِّي تَزَوَّجْت بِهَا مُنْذُ قَدِمْتهَا. وَقَدْ ضُعِّفَ عِكْرِمَةُ الْأَزْدِيُّ. (وَلِهَذَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ بِهِ ذِمِّيًّا) ظَاهِرُهُ أَنَّ بِالتَّزَوُّجِ يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا وَدَفَعَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ بَلْ لَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ بِالتَّزَوُّجِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْتِزَامَ الْمَقَامِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَوْدِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً لِعَدَمِ كَوْنِ الطَّلَاقِ فِي يَدِهَا فَيَكُونُ الْتِزَامًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِحَمْلِ الْحَرْبِيِّ عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ الْحَرْبِيِّ فَيَصِحُّ مُرَادًا بِهِ الْحَرْبِيَّةُ وَبِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْتِزَامَ الْمَقَامِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لَوْ سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ: وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي لَيْسَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي قُوبِلَتْ مَعَ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَلْ اتَّصَلَ قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَا ذَكَرَ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَعَ سَهْوًا انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ تَوْجِيهِهِ بِمَا قُلْنَا وَبِغَيْرِهِ، وَتَحْمِيلُ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ فَهُوَ تَزَوُّجُ الرَّجُلِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِيضَاحُ بِتَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّةِ عَلَى صَيْرُورَتِهِ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْحَالُ أَنَّ صَيْرُورَتَهَا كَذَلِكَ لِأَمْرٍ يَخُصُّهَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْتِزَامَ الْمَقَامِ فَلَيْسَ السَّوْقُ لِإِثْبَاتِهِ. (قَوْلُهُ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيُّ وَقِيلَ الْمَبْسُوطُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُعْتَادُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يُسْتَفَادُ الثَّانِي لِعَدَمِ الْمَعْهُودِيَّةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ تَخْرُجَ بِهَا إلَى وَطَنِهَا يُفِيدُ أَنَّ غَيْرَهُ دَاخِلٌ فِي الْحَظْرِ، وَاَلَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّزَوُّجُ غَيْرُ وَطَنِهَا. وَقَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَيْ مِنْ الْأَصْلِ، وَفِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَتْ الِانْتِقَالَ إلَى مِصْرِهَا وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ الْعَقْدُ لَمْ يَكُنْ لَهَا الِانْتِقَالُ بِهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. (قَوْلُهُ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ) أَيْ إذَا كَانَ

الْتِزَامًا لِلْمُكْثِ فِيهِ عُرْفًا، وَهَذَا أَصَحُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا: الْوَطَنُ وَوُجُودُ النِّكَاحِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ تَفَاوُتٌ، أَمَّا إذَا تَقَارَبَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِ أَنْ يُطَالِعَ وَلَدَهُ وَيَبِيتَ فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْقَرْيَتَيْنِ، وَلَوْ انْتَقَلَتْ مِنْ قَرْيَةِ الْمِصْرِ إلَى الْمِصْرِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ حَيْثُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْأَبِ، وَفِي عَكْسِهِ ضَرَرٌ بِالصَّغِيرِ لِتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّ فِي الْفَتَاوَى: مَنْ بَاعَ شَعِيرًا وَالشَّعِيرُ فِي الْقَرْيَةِ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهُ فِي مَكَانِهِ لَا فِي مَكَانِ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَسَلَّمَهُ فِي مَكَانِهِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَلَوْ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فَكَذَا حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ مِنْ ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ الثَّمَرَاتِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ اعْتِبَارًا لِلثَّمَرَاتِ بِالْأَحْكَامِ مِنْ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ. (قَوْلُهُ تَفَاوُتٌ) أَيْ بُعْدٌ، وَفِي عَكْسِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ قَرِيبَةً إلَّا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا وَهِيَ قَرْيَتُهَا فَحِينَئِذٍ لَهَا ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي شَرْحِ الْبَقَّالِيِّ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ بِحَالٍ وَقَعَ الْعَقْدُ هُنَاكَ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ. ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ: إذَا كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ فِي رُسْتَاقَ وَلَهُ قُرًى مُتَفَرِّقَةٌ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِهِمْ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ فَلَهَا ذَلِكَ، إنْ كَانَتْ الْقُرَى قَرِيبَةً يَنْظُرُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنْ أَبِيهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ يَوْمِهِ. وَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تُخْرِجُهُ مِنْ مِصْرٍ جَامِعٍ إلَى قُرًى، إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْهَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ وَقَعَ فِي تِلْكَ الْقُرَى. وَفِيهِ أَيْضًا: وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَشْتَرِيَ لِوَلَدِهَا وَتَبِيعَ وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب النفقة]

بَابُ النَّفَقَةِ قَالَ (النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ النَّفَقَةِ] (بَابُ النَّفَقَةِ) النَّفَقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ: وَهُوَ الْهَلَاكُ، نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا هَلَكَتْ، أَوْ مِنْ النِّفَاقِ وَهُوَ الرَّوَاجُ، نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نِفَاقًا رَاجَتْ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا فَاؤُهُ نُونٌ وَعَيْنُهُ فَاءٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ مِثْلُ نَفَقَ وَنَفَرَ وَنَفَخَ وَنَفَسَ وَنَفِيَ وَنَفِدَ. وَفِي الشَّرْعِ الْإِدْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا بِهِ بَقَاؤُهُ ثُمَّ نَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ، فَبَدَأَ بِالزَّوْجَاتِ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ النَّفَقَةِ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ فَرَّعَهَا، ثُمَّ بِالسَّبَبِ الْأَبْعَدِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] مَرْجِعُ الضَّمِيرِ لِلْوَالِدَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُنَّ، قِيلَ

فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ: أَصَّلَهُ الْقَاضِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ. وَهَذِهِ الدَّلَائِلُ لَا فَصْلَ فِيهَا فَتَسْتَوِي فِيهَا الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ (وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُهُمَا جَمِيعًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQهِيَ الزَّوْجَاتُ، وَقِيلَ هِيَ الْمُطَلَّقَاتُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] وَقَالَ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ " أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ " وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ بِعَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي ضِمْنِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي الْحَجِّ «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إلَّا مَا آخُذُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ» وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الْبَابِ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ. وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِهِ: مَا رَأَيْت أَحَدًا جُبِرَ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمَنْفَعَةٍ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ الرَّهْنُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ حَبْسِهِ لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لَلْمُرْتَهِنِ بَلْ مُشْتَرَكَةً، وَخَرَجَ الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا حَتَّى لَوْ تَعَجَّلَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ فَاسِدٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ، أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي فَلَا يَرْجِعُ. وَفِي الْفَتَاوَى: رَجُلٌ اُتُّهِمَ بِامْرَأَةٍ فَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ فَزُوِّجَتْ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْحَبَلَ مِنْهُ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا صَحِيحٌ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ. وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا تَسْتَحِقُّهَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ وَطْئِهَا، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْكُلِّ وَحَلَّ وَطْؤُهَا وَتَقَدَّمَ أَصْلُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ أَصْلُهُ الْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ) وَالْمُفْتِي وَالْوَالِي وَالْقَاضِي وَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ إذَا قَامُوا بِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ وَالنِّسَاءُ مَحْبُوسَاتٌ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُنَّ عَلَيْهِمْ مُسْلِمَاتٍ كُنَّ أَوْ لَا وَلَوْ غَنِيَّاتٍ. وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ شَرْطًا لَازِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ انْتِقَالَهَا، فَإِنْ طَلَبَهُ فَامْتَنَعَتْ لِحَقٍّ لَهَا كَمَهْرِهَا لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَقٍّ حِينَئِذٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِنُشُوزِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تُزَفَّ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُ الْأَقْطَعِ الشَّيْخِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَرْحِهِ: إنَّ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ مَنْظُورٌ فِيهِ، ثُمَّ قَرَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ حَيْثُ تَرَكَ النَّقْلَةَ فَلَا يَسْقُطُ

وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْيَسَارِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً وَالزَّوْجُ مُوسِرًا فَنَفَقَتُهَا دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ «خُذِي مِنْ مَالِ زَوْجِكِ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» اعْتَبَرَ حَالَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقُّهَا. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الْخَصَّافِ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَالَ بِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ. وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْيَسَارِ فِي يَسَارِهِمَا وَالْإِعْسَارِ فِي إعْسَارِهِمَا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي الِاخْتِلَافِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً وَهُوَ مُعْسِرٌ فَعَلَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ فِي الْأَوَّلِ نَفَقَةٌ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَةِ وَكَذَا فِي عَكْسِهِ، وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ فِي الْأَوَّلِ نَفَقَةُ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً لَمَا تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا فَقَدْ رَضِيَتْ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، وَفِي الثَّانِي نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ تَمَامَ الْأَقْسَامِ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ تَفْسِيرُ قَوْلِ الْخَصَّافِ، بَلْ تَرَكَ مَا إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً وَالزَّوْجُ مُعْسِرٌ وَكَأَنَّهُ لِاتِّحَادِ جَوَابِهِ بِجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً وَهُوَ مُوسِرٌ. وَكَانَ الْأَوْلَى حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَاقْتَصَرَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِ الْخَصَّافِ عَلَى حَدِيثِ هِنْدٍ وَقَالَ فِيهِ اُعْتُبِرَ حَالُهَا وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَصْلُحُ رَدًّا لِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَطْ: يَعْنِي إذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ حَالِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَطَلَ قَوْلُكُمْ يَعْتَبِرُ فَقَطْ. ثُمَّ اعْتِبَارُ حَالِهِ ثَابِتٌ لَا بُدَّ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ الْقَائِلُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ وَالْقَائِلُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا. وَيُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حَدِيثَ هِنْدٍ خَبَرٌ وَاحِدٌ وقَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] مُطْلَقٌ فِي اعْتِبَارِ ثُبُوتِ حَالِ الْمُوسِرِ مُعْسِرَةً كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ لَا وَالْمُعْسِرَةُ مُعْسِرَةً كَانَتْ أَوْ لَا، فَاعْتِبَارُ حَالِهِمَا زِيَادَةٌ مُوجِبَةٌ لِتَغْيِيرِ حُكْمِ النَّصِّ، إذْ تُوجَبُ الزِّيَادَةُ فِي مَوْضِعٍ يَقْتَضِي النَّصُّ فِيهِ عَدَمَهَا، وَعَدَمُهَا فِي مَوْضِعٍ يَقْتَضِي فِيهِ وُجُودَهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ دَفْعَ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا النَّصُّ فَنَقُولُ بِمُوجَبِهِ: إنَّهُ مُخَاطَبٌ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُفَادَ بِالنَّصِّ اعْتِبَارُ حَالِهِ فِي الْإِنْفَاقِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمُعْسِرَ لَا يُنْفِقُ فَوْقَ وُسْعِهِ وَهُوَ لَا يَنْفِي اعْتِبَارَ حَالِهَا

وَهُوَ الْفِقْهُ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ، وَالْفَقِيرَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى كِفَايَةِ الْمُوسِرَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ النَّصِّ أَنَّهُ يُخَاطِبُ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ وَهُوَ الْوَاجِبُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ عَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفُ مُدٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَدْرِ مَا يَجِبُ لَهَا، وَالْحَدِيثُ أَفَادَهُ فَلَا زِيَادَةَ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ تَكْلِيفَهُ بِإِخْرَاجِ قَدْرَ حَالِهِ، وَالْحَدِيثُ أَفَادَ اعْتِبَارَ حَالِهَا فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ لَا الْمُخْرِجِ فَيَجْتَمِعَانِ بِأَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً وَهُوَ مُعْسِرًا وَيَخْرُجُ قَدْرَ حَالِهِ فَبِالضَّرُورَةِ يَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ عِلْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ مُوسِرًا فَلَمْ يَنُصَّ عَلَى حَالِهِ وَأَطْلَقَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ كِفَايَتَهَا، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ اعْتِبَارُ حَالِهَا فَإِنَّ الْكِفَايَةَ تَخْتَلِفُ، ثُمَّ هَذَا الْبَحْثُ يُتَّجَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْآيَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] فَلَا لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي نَفْسِ الْوَاجِبِ الْمُفَادِ بِلَفْظٍ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ فِي الْمُتْعَةِ لَا فِي النَّفَقَةِ، وَيَدَّعِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتْعَةِ وَالنَّفَقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْلُوكًا بِهَا مَسْلَكَ الْكِسْوَةِ بَلْ هِيَ بَدَلُ نِصْفِ الْمَهْرِ، أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 236] الْآيَةَ يُقَيِّدُهُ بِالْقُدْرَتَيْنِ: أَيْ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ مَعَ قَدْرِهَا وَكَذَا الْآخَرُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنْ لَا يَدْفَعَ لِلْفَائِقَةِ مَا يَدْفَعُ لِلْفَقِيرَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْوَاجِبُ) أَيْ الْوَسَطُ هُوَ الْوَاجِبُ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا. وَقَدْ يُقَامُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ تَفْسِيرِ قَوْلِ

لِأَنَّ مَا وَجَبَ كِفَايَةً لَا يَتَقَدَّرُ شَرْعًا فِي نَفْسِهِ. (وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ) لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ فَكَانَ فَوْتُ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ فَيُجْعَلُ كَلَا فَائِتٍ. (وَإِنْ نَشَزَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ) لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ فِي أَوْسَاطِ الْحَالِ وَفِي اخْتِلَافِهِمَا بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فَوْقَ الْإِعْسَارِ وَدُونَ نَفَقَةِ الْيَسَارِ وَهَذَا وَسَطٌ. وَأَمَّا فِي يَسَارِهِمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَجِبُ نَفَقَةٌ هِيَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا فِي إعْسَارِهِمَا فَيَجِبُ أَيْضًا نَفَقَةُ وَسَطٍ فِي الْإِعْسَارِ وَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ إذَا فَرَضَ أَنَّ إعْسَارَهُمَا غَايَةٌ فِي الْإِعْسَارِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الْغَايَةُ فِيهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِهِ أَوْ حَالِهِمَا لَا يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ. وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكَ» مَا يُقَابِلُ الْمُنْكَرَ فَيَسْتَقِيمُ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مُتَوَسِّطَةِ الْحَالِ أَنَّ كِفَايَتَهَا دُونَ كِفَايَةِ الْفَائِقَةِ فَيَجِبُ ذَلِكَ لِيَسَارِهِ وَعِنْدَ غَايَةِ إعْسَارِهَا وَإِعْسَارِهِ الْمَعْرُوفِ دُونَ التَّوَسُّطِ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارَ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا فَرَضَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَبِاعْتِبَارِ الْحَالِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَكَمَا يُفْرَضُ لَهَا قَدْرُ الْكِفَايَةِ مِنْ الطَّعَامِ كَذَلِكَ مِنْ الْإِدَامِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَأْدُومًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا وَجَبَ كِفَايَةً لَا يَتَقَدَّرُ شَرْعًا فِي نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ وَبِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَكُلُّ جَوَابٍ عُرِفَ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ حَالِهِمَا فِي النَّفَقَةِ فَفِي الْكِسْوَةِ مِثْلُهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْعُسْرَةِ، كَذَا فِي الْأَصْلِ. وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا إنَّهُ قَادِرٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ. وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَالَ: يَنْظُرُ إلَى زِيِّهِ إلَّا فِي الْعَلَوِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا فَسَأَلَتْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ يَسَارِهِ فِي السِّرِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي، وَإِنْ فَعَلَهُ فَأَتَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ مُوسِرٌ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا عَلِمَا ذَلِكَ وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ: فَإِنْ أَخْبَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِمَا، فَإِنْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مُوسِرٌ فَأَقَامَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ أَخَذَ بِبَيِّنَتِهَا وَفَرَضَ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْمُوسِرِ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ)

فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَإِنْ عَادَتْ جَاءَ الِاحْتِبَاسُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ وَالزَّوْجُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ كَرْهًا. (وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِمْتَاعِ لِمَعْنًى فِيهَا، وَالِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مَقْصُودٍ مُسْتَحَقٌّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُ أَنَّ النُّشُوزَ الْمُسْتَعْقِبَ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ مَأْخُوذٌ فِيهِ خُرُوجُهَا عَنْ مَنْزِلِهِ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهِ عَدَمُ مُوَافَقَتِهَا عَلَى الْمَجِيءِ إلَى الْمَنْزِلِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهَا أَوْ امْتَنَعَتْ عَنْ أَنْ تَجِيءَ إلَى مَنْزِلِهِ ابْتِدَاءً بَعْدَ إيفَائِهِ مُعَجَّلَ مَهْرِهَا أَوْ عَدَمِ تَمْكِينِهَا إيَّاهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي مَنْزِلِهَا الْمَمْلُوكِ لَهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ مَعَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا، فَإِنْ كَانَتْ سَأَلَتْهُ فِي ذَلِكَ لِتَنْتَفِعَ بِمِلْكِهَا فَأَبَى فَمَنَعَتْهُ الدُّخُولَ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ. وَفِي الْفَتَاوَى: وَقَالَتْ إنَّمَا خَرَجْت لِأَنَّك سَاكِنٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً. وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ: لَوْ كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ وَهِيَ بِنَسَفَ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَيْهِ فَأَبَتْ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ لَهَا النَّفَقَةُ. (قَوْلُهُ لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا) أَيْ لَا تُوطَأُ. وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْوَطْءُ، وَبِهِ قَيَّدَ الْحَاكِمُ قَالَ: لَا نَفَقَةَ لِلصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُجَامِعُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَى أَنْ تَصِيرَ إلَى حَالَةٍ تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ الْأَبِ. وَاخْتُلِفَ فِيهَا، فَقِيلَ أَقَلُّهَا سَبْعُ سِنِينَ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ: اخْتِيَارُ مَشَايِخِنَا تِسْعُ سِنِينَ. وَالْحَقُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، فَإِنَّ احْتِمَالَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِنْيَةِ، وَعَلَى قَوْلِنَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ. وَفِي قَوْلٍ لَهُ: تَجِبُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَهْدِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالظَّاهِرِيَّةِ. قُلْنَا: أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ لِلْوَالِدَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] فَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ: يَعْنِي عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، فَثُبُوتُ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا خَارِجٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالزَّوْجَاتِ فِيهَا كَانَ الْمُرَادُ بَعْضَهُنَّ، أَلَا تَرَى أَنْ لَيْسَ كُلُّ زَوْجَةٍ تَسْتَحِقُّهَا كَالنَّاشِزَةِ فَيَعْمَلُ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي يُعَيِّنُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِيهِ النِّسَاءُ اللَّاتِي حَلَّتْ فُرُوجُهُنَّ، وَنَقُولُ: لَا يَحِلُّ فَرْجُ مَنْ لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَإِنَّهُ إهْلَاكٌ أَوْ طَرِيقُهُ. وَلَوْ سَلَّمَ فَالْإِنْفَاقُ عَلَى أَنَّ عُمُومَهُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّ النَّاشِزَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَاكَ بِالْمَعْنَى وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجْهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ أَجْنَبِيَّةٌ، فَاسْتِحْقَاقُهَا النَّفَقَةَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَيْهَا عَلَى قُصُورِهِ إلْحَاقًا لِلْمَالِكِ الْقَاصِرِ بِالْمِلْكِ الْكَامِلِ فِي الْمَرْقُوقَةِ،

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ فَلَهَا الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْلِاحْتِبَاسِهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ: أَعْنِي الْوَطْءَ أَوْ دَوَاعِيَهُ، أَوْ لِاحْتِبَاسِهَا مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إيجَابَهَا بِسَبَبِ مِلْكٍ كَامِلٍ لَا يَسْتَلْزِمُ إيجَابَهَا بِسَبَبِ مِلْكٍ نَاقِصٍ، إذْ لَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إيجَابُهَا فِي الْكَامِلِ لِمَعْنًى تَضَمَّنَهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّاقِصِ فَتَجِبُ فِيهِ لِذَلِكَ الْمُشْتَرِكُ لَا لِلْمِلْكِ، وَلَوْ عَيَّنَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِكَ لَكَانَ احْتِبَاسُهَا عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَسَنُورِدُهَا وَجْهًا وَجْهًا، وَأَيْضًا عِوَضُ الْمِلْكِ هُنَا الْمَهْرُ فَلَا تَكُونُ النَّفَقَةُ أَيْضًا عِوَضًا وَإِلَّا اجْتَمَعَ عَنْ الْمُعَوَّضِ الْوَاحِدِ عِوَضَانِ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْعِوَضِ الْوَاحِدِ مَجْمُوعَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَبْدٍ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُعَوِّضٌ يَثْبُتُ جُمْلَةً وَهُوَ تَمَامُ الْعِلَّةِ لِعِوَضِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ عِوَضِهِ يَثْبُتُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَذَلِكَ الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَوْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ الْعِوَضِ لَزِمَ جَهَالَةً أَيْ الْعِوَضَيْنِ فَإِنَّمَا تَجِبُ بِحَادِثٍ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ نَظَرًا إلَى بَقَائِهِ وَهَذَا طَرِيقُ الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَقُولَ النَّفَقَةُ فِي الْمَرْقُوقَةِ أَيْضًا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ لِمَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْمِلْكِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْوَطْءُ إنْ أَمْكَنَ لَا لِلْمِلْكِ وَهَذَا حَقٌّ؟ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْآبِقِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَلَا يَجُوزُ الْأَخِيرُ لِانْتِقَاضِهِ بِالنَّاشِزَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ الْعِلَّةُ لِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي حَقِّ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَالْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَمَنْ تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي عَقِيبَ إبْطَالِ الْأَقْسَامِ لِئَلَّا يَكُونَ مُبَرَّأً، فَلَمَّا أَثْبَتْنَا الْمُنَاسَبَةَ بِظُهُورِ الْأَثَرِ لَمْ يَبْقَ إلَّا صُورَةُ السَّبْرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إثْبَاتٌ عَلَيْهِ مَا عَيَّنَّاهُ بِظُهُورِ أَثَرِهِ وَإِبْطَالِ مَا عَيَّنُوهُ. هَذَا وَقَدْ نُقِضَ بِالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَاَلَّتِي أَصَابَهَا مَرَضٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَالْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لِكِبَرِهَا فَإِنَّ لَهُنَّ النَّفَقَةَ وَلَا احْتِبَاسَ لِلْوَطْءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي وَالِانْتِفَاعُ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي مَوْجُودٌ فِي هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُجَامِعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُجَامِعُ مِثْلَهَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً أَصْلًا فَلَا تُجَامَعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ حَتَّى إنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَسْتَنْكِرُ جِمَاعَ الرَّضِيعَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا يُسْتَنْكَرُ ذَلِكَ فِي الْعَجُوزِ وَالْمَرِيضَةِ. قَالُوا: فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً مُشْتَهَاةً يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ تَجِبُ النَّفَقَةُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا عَلَى مَنْ قَيَّدَ الصَّغِيرَةَ بِكَوْنِهَا لَا تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ فَرْضُ مُحَالٍ، لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِحَيْثُ تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. نَعَمْ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا هَلْ مَعْنَاهُ لَا تُشْتَهَى لِلْوَطْءِ أَوْ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْمُلَازَمَةُ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِنْ ثَبَتَ التَّلَازُمُ بَيْنَ عَدَمِ الْإِطَاقَةِ وَعَدَمِ الِاشْتِهَاءِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضٌ صَحِيحٌ. وَالظَّاهِرُ التَّلَازُمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ضَمُّ الْإِطَاقَةِ مُطْلَقًا وَلَا مِنْ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُطِيقُ الْوَطْءَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْجِمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ تُطِقْهُ مِنْ

(وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ. (وَإِذَا حُبِسَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَيْنٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا بِالْمُمَاطَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كُرْهًا فَذَهَبَ بِهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQخُصُوصِ زَوْجٍ مَثَلًا فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَمَنْ لَا فَلَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ. وَفِي خِزَانَةِ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ: عَشْرٌ مِنْ النِّسَاءِ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، وَالنَّاشِزَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ، وَإِذَا اغْتَصَبَهَا ظَالِمٌ فَذَهَبَ بِهَا، وَالْمَحْبُوسَةُ فِي دَيْنٍ، وَالْمُسَافِرَةُ بِحَجٍّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا زَوْجُهَا، وَالْأَمَةُ إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا مَوْلَاهَا، وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَالْمُرْتَدَّةُ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ أَبَاهُ بِشَهْوَةٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا إلَخْ) ذَكَرَ حُكْمَ الْعَجْزِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا بِأَنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُطِيقَانِ، وَلَوْ اعْتَبَرَ جَانِبَهُ تَجِبُ، وَلَوْ اعْتَبَرَ جَانِبَهَا لَا تَجِبُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهَا قَائِمٌ وَمَعَهُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: إذَا تَزَوَّجَ الْمَجْبُوبُ صَغِيرَةً لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا يَخْفَى إمْكَانُ عَكْسِ الْكَلَامِ فَيُقَالُ: يُجْعَلُ الْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْمَعْدُومِ فَتَجِبُ إلَى آخِرِهِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِتَسْلِيمِهَا لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ بِذَلِكَ التَّسْلِيمِ فَيَدُورُ وُجُوبُهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَلَا تَجِبُ فِي الصَّغِيرَيْنِ وَتَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ تَحْتَ الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ) أَيْ فِي صُورَتَيْ حَبْسِهَا وَغَصْبِهَا لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ جِهَتِهَا، وَاخْتَارَهُ السُّغْدِيُّ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ عِوَضًا عَنْ احْتِبَاسِهِ إيَّاهَا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا فَاتَ الِاحْتِبَاسُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ جُعِلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا فَتَجِبُ مَعَ فَوَاتِهِ، فَإِذَا كَانَ لَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرًا قَائِمًا فَفَاتَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ الْمُوجِبُ لَيْسَ غَيْرُ، فَعِنْدَ عَدَمِهِ يَنْعَدِمُ الْحُكْمُ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ غَصَبَ الْعَيْنَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجَرِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَأْجَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْآجِرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حُبِسَ هُوَ ظُلْمًا أَوْ فِي حَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ أَوْ هَرَبَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ الْإِسْلَامَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَكَذَا كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا بِحَقٍّ لَا تُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِفَوَاتِهِ مِنْ جِهَتِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَمُّدٌ

وَكَذَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ، وَلَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَافَرَ مَعَهَا الزَّوْجُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ لِقِيَامِهِ عَلَيْهَا وَتَجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ، وَلَا يَجِبُ الْكِرَاءُ لِمَا قُلْنَا (فَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ لِفَوْتِ الِاحْتِبَاسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ، وَالْمَانِعُ بِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ قَالُوا هَذَا حَسَنٌ. وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) أَيْ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ مَعَ الزَّوْجِ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ) قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ مِنْ جِهَتِهَا وَالِاحْتِبَاسُ الْفَائِتُ إنَّمَا يُجْعَلُ بَاقِيًا تَقْدِيرًا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ مِنْ جِهَتِهِ، ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ بِأَنْ يَعْتَبِرَ مَا كَانَ قِيمَةَ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ فَيَجِبُ دُونَ نَفَقَةِ السَّفَرِ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِحَقِّهَا بِإِزَاءِ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا فَلَا تَكُونُ عَلَى الزَّوْجِ كَالْمَرِيضَةِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّ الْمُدَاوَاةَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَضَرِ هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ. (قَوْلُهُ وَيَمَسُّهَا) أَيْ وَيَمَسُّهَا اسْتِمْتَاعًا وَيَدْخُلُ فِي مَسِّهَا كَذَلِكَ الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالْقُبْلَةِ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ الِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ قَائِمًا، وَكَذَلِكَ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِحُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِالدَّوَاعِي وَالِاسْتِئْنَاسِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ قَالُوا هَذَا حَسَنٌ. وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا صَحِيحَةً ثُمَّ طَرَأَ الْمَرَضُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعْلِيقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسِنُونَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذِهِ فَرْعِيَّتُهَا، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ لِاسْتِيفَاءِ مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالدَّوَاعِي وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ مَرِضَتْ أَوْ جُنَّتْ أَوْ أَصَابَهَا بَلَاءٌ يَمْنَعُ عَنْ الْجِمَاعِ أَوْ كَبِرَ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ جِمَاعُهَا. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إذَا كَبِرَتْ وَلَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ بِهَا رَتْقٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ قَرْنٌ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: قَالُوا إذَا مَرِضَتْ مَرَضًا لَا يُمَكِّنُ الِانْتِفَاعَ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يُمَكِّنُ الِانْتِفَاعَ بِهَا بِنَوْعِ انْتِفَاعٍ لَا تَسْقُطُ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً

(قَالَ: وَيُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَنَفَقَةُ خَادِمِهَا) الْمُرَادُ بِهَذَا بَيَانُ نَفَقَةِ الْخَادِمِ، وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَتُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ مُوسِرًا نَفَقَةُ خَادِمِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ تَجِبُ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ: لَوْ كَانَتْ مُحْرِمَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ تَجِبُ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: سَوَاءٌ أَصَابَتْهَا هَذِهِ الْعَوَارِضُ بَعْدَمَا انْتَقَلَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ قَبْلَهُ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَانِعَةً نَفْسَهَا، وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا نَفَقَةَ لِلرَّتْقَاءِ وَالْمَرِيضَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهَا، وَإِنْ انْتَقَلَتْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ يَرُدُّهَا إلَى أَهْلِهَا، أَمَّا إذَا نَقَلَهَا هُوَ إلَى بَيْتِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَا يَرُدُّهَا إلَى أَهْلِهَا انْتَهَى، كُلُّهُ مِنْ الْخُلَاصَةِ. وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا حَكَمْنَا بِهِ فِيمَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الَّتِي مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِهِ إذَا تَطَاوَلَ مَرَضُهَا تُعْتَبَرُ كَالرَّتْقَاءِ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَتُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ. . . إلَخْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمُرَادُ بِهَذَا بَيَانُ نَفَقَةِ الْخَادِمِ، وَهُوَ اعْتِذَارٌ عَنْ تَكْرَارِ نَفَقَتِهَا وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَصْلًا لِيَحْتَاجَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْهُ فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ إلَّا بَيَانُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَبَيَانُ وُجُوبِهَا وَوُجُوبُهَا لَيْسَ نَفْسَ بَيَانِ جَوَازِ الْفَرْضِ لِلْقَاضِي وَلَا جَوَازُهُ لَهُ وَلَا هُوَ مَلْزُومُهُ فَإِنَّ الْفَرْضَ قَدْ يَتَخَلَّفُ مَعَ قِيَامِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْأَقْضِيَةِ. الرَّجُلُ إذَا كَانَ صَاحِبَ مَائِدَةٍ وَطَعَامٍ كَثِيرٍ تَتَمَكَّنُ هِيَ مِنْ التَّنَاوُلِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ زَوْجَهَا بِفَرْضِ النَّفَقَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ تُفْرَضُ إذَا طُلِبَتْ فَأَفَادَ مَا قُلْنَا، ثُمَّ إذَا فُرِضَ فَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِنْفَاقَ إلَّا إذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي مَطْلُهُ فَحِينَئِذٍ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُعْطِيَهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَبَسَهُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَيَّدَ الْيَسَارُ أَثَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ نَفَقَتِهَا وَنَفَقَةِ الْخَادِمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، فَعِنْدَ عَدَمِهِ يَنْتَفِي الْفَرْضُ لَكِنْ بِانْتِفَاءِ فَرْضِ نَفَقَةِ الْخَادِمِ ثُمَّ يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ، فَفِي الْمُحْتَرِفِ يَوْمًا يَوْمًا: أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْجِيلِ نَفَقَةِ شَهْرٍ مَثَلًا دُفْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا مُعَجِّلًا، وَيُعْطِيَهَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْمَسَاءَ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي حَاجَتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ شَهْرٍ بِشَهْرٍ، أَوْ مِنْ الدَّهَّاقِينَ فَنَفَقَةُ سَنَةٍ بِسَنَةٍ، أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ لَا يَنْقَضِي عَمَلُهُمْ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأُسْبُوعِ كَذَلِكَ. وَلَوْ فُرِضَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ حَالِهِ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ إعْطَاءِ الزَّائِدِ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ يُفْرَضُ الْإِدَامُ أَيْضًا أَعْلَاهُ اللَّحْمُ وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ، وَقِيلَ فِي الْفَقِيرَةِ: لَا يُفْرَضُ الْإِدَامُ إلَّا إذَا كَانَ خُبْزَ شَعِيرٍ، وَالْحَقُّ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ فِيمَا عَلَى الزَّوْجِ الْحَطَبُ وَالصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَالدُّهْنُ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ وَثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً تَسْتَأْجِرُ مَنْ يَنْقُلَهُ وَلَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ الزَّوْجُ لَهَا أَوْ يَدَعَهَا تَنْقُلُ بِنَفْسِهَا، وَثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ مَئُونَةُ الْجِمَاعِ، وَفِي كِتَابِ رَزِينٍ جَعَلَهُ عَلَيْهَا، وَفَصَلَ فِي مَاءِ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَئُونَةُ الْجِمَاعِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهَا كَأُجْرَةِ

وَوَجْهُهُ أَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ (وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّبِيبِ. وَفِي الْمُحِيطِ: إذَا كَانَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَقَالَ: اُحْسُبُوا لَهَا مِنْهُ نَفَقَتَهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ حَيْثُ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاصَّاهُ. وَتُفْرَضُ الْكِسْوَةُ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا وَبَنَى بِهَا قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا الْكِسْوَةَ فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهَا قَبْلَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَهَا بِلُبْسِ الثَّوْبِ. لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ، وَإِذَا فُرِضَ لَهَا كِسْوَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَخَرَّقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا إنْ لَبِسَتْ لُبْسًا مُعْتَادًا تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكْفِهَا فَتُجَدِّدُ لِتُبَيِّنَ خَطَأَهُ فِي التَّقْدِيرِ، وَإِنْ تَخَرَّقَتْ لِخَرْقِ اسْتِعْمَالِهَا لَا يُفْرَضُ لَهَا أُخْرَى، وَلَوْ سُرِقَتْ الْكِسْوَةُ أَوْ هَلَكَتْ النَّفَقَةُ لَا يُفْرَضُ لَهَا أُخْرَى بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ، وَلَوْ لَمْ تَلْبَسْ حَتَّى مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ تُفْرَضُ لَهَا أُخْرَى بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ، كَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ. وَلَوْ كَانَتْ تَلْبَسُ يَوْمًا وَتَتْرُكُ يَوْمًا تَوْفِيرًا يُجَدِّدُ لَهَا الْكِسْوَةَ إذَا فَرَغَ الْفَصْلُ، وَلَوْ لَبِسَتْ دَائِمًا وَلَمْ تَتَخَرَّقْ لَمْ يُجَدِّدْ لَهَا إذَا فَرَغَ الْفَصْلُ، وَلَوْ فَرَضَ لَهَا دَرَاهِمَ فَبَقِيَتْ كُلُّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ أَيْضًا يُفْرَضُ وَفِي الْمَحَارِمِ لَا يُفْرَضُ. وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ يُفْرَضُ قَمِيصٌ وَمُقَنِّعَةٌ وَمِلْحَفَةٌ. وَتُزَادُ فِي الشِّتَاءِ سَرَاوِيلَ وَجُبَّةً بِاعْتِبَارِ عُسْرَتِهِ وَيَسْرَتِهِ. ذَكَرَ الْخَصَّافُ السَّرَاوِيلَ فِي كِسْوَةِ الشِّتَاءِ دُونَ الصَّيْفِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ أَصْلًا. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَمْ يُوجِبْ مُحَمَّدٌ الْإِزَارَ لِأَنَّهُ لِلْخُرُوجِ وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبُوا لَهَا الْمُكَعَّبَ وَالْخُفَّ انْتَهَى. وَقِيلَ اخْتِلَافُ عُرْفٍ وَالْعُرْفُ إيجَابُ السَّرَاوِيلِ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ لِلُبْسِهِ فِي الْبَيْتِ، فَالْقَاضِي يَنْظُرُ إلَى عُرْفِ كُلِّ قَوْمٍ فَيَفْرِضُ بِالْعُرْفِ، فَعَلَى الْمُعْسِرِ قَالَ مُحَمَّدٌ: دِرْعٌ يَهُودِيٌّ وَمِلْحَفَةٌ زَطِّيَةٌ وَخِمَارٌ سَابُورِيٌّ أَرْخَصُ مَا يَكُونُ مِمَّا يُدْفِئُهَا فِي الشِّتَاءِ، وَعَلَى الْمُوسِرِ دِرْعٌ يَهُودِيٌّ أَوْ هَرَوِيٌّ وَمِلْحَفَةٌ دِينَوَرِيَّةٌ وَخِمَارٌ إبْرَيْسَمُ وَكِسَاءٌ أَذْرَبِيجَانِيُّ، وَلَهَا فِي الصَّيْفِ دِرْعٌ سَابُورِيٌّ وَمِلْحَفَةُ كَتَّانٍ وَخِمَارٌ إبْرَيْسَمُ، فَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ الدِّرْعَ وَالْخِصَافَ وَالْقَمِيصَ وَهُمَا سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّ الْقَمِيصَ يَكُونُ مُجَيَّبًا مِنْ قِبَلِ الْكَتِفِ وَالدِّرْعَ مِنْ قِبَلِ الصَّدْرِ، وَيَجِبُ لَهَا فِي الشِّتَاءِ اللِّحَافُ وَفِرَاشُ النَّوْمِ، وَفِي كِسْوَةِ الْخَادِمِ ذَكَرُوا الْإِزَارَ وَالْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ هَذَا فِي دِيَارِهِمْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، أَمَّا فِي دِيَارِنَا يُفْرَضُ الْمُكَعَّبُ وَيُفْرَضُ مَا تَنَامُ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا فِرَاشٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا يَكْتَفِي بِفِرَاشٍ وَاحِدٍ لَهُمَا، لِأَنَّهَا قَدْ تَنْفَرِدُ فِي الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ، وَفِي الْأَثَرِ: " فِرَاشٌ لَك وَفِرَاشٌ لِأَهْلِك وَفِرَاشٌ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ ". وَإِذَا أَرْسَلَ ثَوْبًا فَاخْتَلَفَا فَقَالَتْ هَدِيَّةٌ وَقَالَ مِنْ الْكِسْوَةِ فَالْقَوْلُ لَهُ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ أَوْ عَلَى نَفْسِ مُدَّعَاهُ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي لِلْقَضَاءِ، وَكَذَا فِي دَرَاهِمَ فَقَالَتْ هَدِيَّةٌ وَقَالَ: نَفَقَةٌ أَوْ قَالَ مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَتْ نَفَقَةٌ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ قَضَاءِ الدُّيُونِ إذَا كَانَتْ مِنْ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ. (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ كِفَايَتَهَا إلَخْ) ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ ثُمَّ هَلْ يُرَادُ بِالْخَادِمِ مَمْلُوكُهَا أَوْ أَعَمُّ مِنْهُ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمَمْلُوكُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَا تَسْتَحِقُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَنْ يَخْدُمُهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لَهَا أَوْ لِغَيْرِهَا وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَوْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَنَفَقَةُ الْخَادِمِ لِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ، وَيُوَافِقُهُ مَا قَيَّدَ بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَلَامَ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: فَرَضَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَالدُّهْنِ وَاللَّحْمِ وَالْإِدَامِ فَقَالَتْ: لَا أَخْبِزُ وَلَا أَعْجِنُ وَلَا أُعَالِجُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَكْفِيهَا عَمَلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْفَقِيهُ: هَذَا إذَا كَانَ بِهَا عِلَّةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا، فَإِنْ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَإِلَى الْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اثْنَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى كِفَايَتَهَا بِنَفْسِهِ كَانَ كَافِيًا، فَكَذَا إذَا أَقَامَ الْوَاحِدُ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَقَالُوا: إنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ يَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ مَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرُ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ أَدْنَى الْكِفَايَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ مُوسِرًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عِنْدَ إعْسَارِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُعْسِرِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ وَهِيَ قَدْ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا. (وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ امْرَأَتِهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَهَا اسْتَدِينِي عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفَرَّقُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَفْعَلُهُ. وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا تُجْبَرُ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ تَطْبُخْ لَا يُعْطِيهَا الْإِدَامَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَلَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِخَادِمَيْنِ) وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَوَجْهُ الدَّفْعِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى) أَيْ الزَّوْجُ كِفَايَتَهَا بِنَفْسِهِ خِدْمَةً كَانَ كَافِيًا قَدْ يُمْنَعُ هَذَا عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَقْضِيَةِ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ أَنَا أَخْدُمُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُقْبَلُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إذَا كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْغِنَى زُفَّتْ إلَيْهِ مَعَ خَدَمٍ كَثِيرٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْكُلِّ عَلَيْهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهَا الطَّحَاوِيُّ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ يُفْرَضُ لَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكْتَفِ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَيُفْرَضُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا بِحَيْثُ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا الْخَادِمُ لِزِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حَالَةُ الْيَسَارِ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ أَدْنَى الْكِفَايَةِ فَقَطْ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَأَنَّهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ دُونَهَا يُنْفِقُ بِقَدْرِ حَالِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ خَادِمٌ لَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَتُهُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا لِدَفْعِ حَاجَتِهَا وَحَاجَتُهَا إلَى نَفَقَةِ الْخَادِمِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَصَارَ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ كِفَايَةَ الْخَادِمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالْغَازِي إذَا شَهِدَ الْوَقْعَةَ بِلَا فَرَسٍ وَأَغْنَى غِنَاءَ الْفَارِسِ لَا يُسْهِمُ لَهُ سَهْمَ الْفَرَسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَوْلَادٌ لَا يَكْفِيهِمْ خَادِمٌ وَاحِدٌ فَرَضَ عَلَيْهِ لِخَادِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اتِّفَاقًا. وَفِي التَّجْنِيسِ: امْرَأَةٌ لَهَا مَمَالِيكُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْفِقْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَهْرِي فَأَنْفَقَ فَقَالَتْ: لَا أَجْعَلُهَا مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّك اسْتَخْدَمْتهمْ، فَمَا أَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ بِأَمْرِهَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ امْرَأَتِهِ إلَخْ) بِقَوْلِنَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَابْنُ يَسَارٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالظَّاهِرِيَّةُ؛ وَمَعْنَى الِاسْتِدَانَةِ أَنْ تَشْتَرِيَ الطَّعَامَ عَلَى أَنْ

لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّفَقَةِ أَقْوَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَدِّيَ الزَّوْجُ ثَمَنَهُ. وَقَالَ الْخَصَّافُ: الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِيَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ كَقَوْلِنَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ الْعَجْزُ عَنْ الْكِسْوَةِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْمَسْكَنِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ طَلَاقٌ عِنْدَ مَالِكٍ. وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ، وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ، وَعَنْ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظُهُورَ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا، أَمَّا إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يَخْلُفْ لَهَا نَفَقَةً فَرَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَكَتَبَ الْقَاضِي إلَى عَالِمٍ يَرَى التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا هَلْ تَقَعُ الْفُرْقَةُ؟ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ السُّغْدِيُّ: نَعَمْ إذَا تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ النَّفَقَةِ. قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَةَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونُ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا الْعَجْزَ عَنْهُ، فَإِنْ رَفَعَ هَذَا الْقَضَاءَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ جَازَ قَضَاؤُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ ذِكْرُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ فُصُولِ الْإِمَامِ الْأُسْرُوشَنِيِّ فَتَكُونُ الشُّهُودُ عَلِمَتْ مَجَازَهُ مُجَازَفَتَهُمْ فَلَا يَقْضِي بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ إذَا غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً يُمْكِنُ بِغَيْرِ طَرِيقِ إثْبَاتِ عَجْزِهِ بِمَعْنَى فَقْرِهِ لِيَجِيءَ مَا قَالَ وَهُوَ أَنْ تَتَعَذَّرَ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: إذَا تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا بِغَيْبَتِهِ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ فَلَا يَلْزَمُ مَجِيءُ مَا قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَجَزَ إلَخْ) اسْتَدَلُّوا بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، فَقِيلَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: امْرَأَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي، خَادِمُكَ يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَلَدُكَ يَقُولُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ النَّسَائِيّ وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعِيدٌ وَمُحَمَّدٌ ثِقَتَانِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فُرُوخٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِزَوْجِهَا أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي» الْحَدِيثَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمَاكُ وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت سُنَّةٌ؟ قَالَ سُنَّةٌ. وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَايَتِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِهَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَالْقِيَاسُ عَلَى الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الْبَدَنَ يَبْقَى بِلَا وَطْءٍ وَلَا يَبْقَى بِلَا قُوتٍ، وَأَيْضًا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا؛ فَإِذَا

وَلَنَا أَنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ وَحَقَّهَا يَتَأَخَّرُ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى فِي الضَّرَرِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِفَرْضِ الْقَاضِي فَتَسْتَوْفِي الزَّمَانَ الثَّانِي، وَفَوْتُ الْمَالِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ لَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّنَاسُلُ. وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ مَعَ الْفَرْضِ أَنْ يُمَكِّنَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ فِي الْمُشْتَرَكِ جَوَازُ الْفَسْخِ لِعَدَمِهِ فَفِي الْمُخْتَصِّ بِهَا أَوْلَى، وَقِيَاسًا عَلَى الْمَرْقُوقِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ إذَا أَعْسَرَ بِنَفَقَتِهِ. (قَوْلُهُ وَلَنَا) الْمَنْقُولُ وَالْمَعْنَى، أَمَّا الْمَنْقُولُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَغَايَةُ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ أَعْسَرَ بِهَا الزَّوْجُ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مَأْمُورَةً بِالْإِنْظَارِ بِالنَّصِّ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ فِي إلْزَامِ الْفَسْخِ إبْطَالَ حَقِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي إلْزَامِ الْإِنْظَارِ عَلَيْهَا وَالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ تَأْخِيرَ حَقِّهَا دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا كَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى، وَبِهِ فَارَقَ الْجَبَّ وَالْعُنَّةَ وَالْمَمْلُوكَ لِأَنَّ حَقَّ الْجِمَاعِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْمَالِكِ، وَيَخُصُّ الْمَمْلُوكُ أَنَّ فِي إلْزَامِ بَيْعِهِ إبْطَالَ حَقِّ السَّيِّدِ إلَى خَلْفٍ هُوَ الثَّمَنُ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ كَانَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِينَ فِي إلْزَامِهِ بَيْعَهُ، إذْ فِيهِ تَخْلِيصُ الْمَمْلُوكِ مِنْ عَذَابِ الْجُوعِ وَحُصُولِ بَدَلِهِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ لِلسَّيِّدِ، بِخِلَافِ إلْزَامِ الْفُرْقَةِ فَإِنَّهُ إبْطَالُ حَقِّهِ بِلَا بَدَلٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا لَمْ يَعْتِقْهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ سُنَّةٌ فَلَعَلَّهُ لَا يُرِيدُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ إطْلَاقُ مِثْلِ ذَلِكَ غَيْرَ مُرِيدٍ بِهِ ذَلِكَ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ الْمَرْأَةُ فِي الْأَرْشِ كَالرَّجُلِ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَإِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَحَالُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ. قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ قَطَعَ إصْبَعَ امْرَأَةٍ؟ قَالَ: عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ، قَالَ: عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ، قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثًا، قَالَ: ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ، قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعًا مِنْ أَصَابِعِهَا، قَالَ: عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ، قُلْت: سُبْحَانَ اللَّهِ لَمَّا كَثُرَ أَلَمُهَا وَاشْتَدَّ مُصَابُهَا قَلَّ أَرْشُهَا. قَالَ: إنَّهُ السُّنَّةُ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَسَمَّى قَوْلَهُ سُنَّةً فَيَكُونُ مَا قَالَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ كَقَوْلِنَا فَاضْطَرَبَ الْمَرْوِيُّ مِنْهُ فَبَطَلَ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ رَفْعَهُ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ. رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ

إحَالَةَ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهَا دُونَ الزَّوْجِ. (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَخَاصَمَتْهُ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَمَا قَضَى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغِنًى» وَفِي لَفْظٍ: «مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الْوَلَدُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: لَا هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِلَا شُبْهَةٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِي قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَلْزَمُ بِالطَّلَاقِ، وَكَيْف وَهُوَ كَلَامٌ عَامٌّ مِنْهُ لَا يَخُصُّ الْمُعْسِرَ وَلَا الْمُوسِرَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا لَمْ يُطْعَمْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْفِرَاقِ بَلْ يُحْبَسُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَيْنًا وَهُوَ الِاتِّفَاقُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ مَعْنَاهُ الْإِرْشَادَ إلَى مَا يَنْبَغِي مِمَّا يُدْفَعُ بِهِ ضَرَرُ الدُّنْيَا، مِثْلُ {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يُبْدَأَ بِنَفَقَةِ الْعِيَالِ وَإِلَّا قَالُوا لَك مِثْلَ ذَلِكَ وَشَوَّشُوا عَلَيْك إذَا اسْتَهْلَكْت النَّفَقَةَ لِغَيْرِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ مِثْلَهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِثْلَ مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بَلْ مِثْلَ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَرِوَايَتِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ. (قَوْلُهُ إحَالَةُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ وَفِي التُّحْفَةِ: فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ أَنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ دَيْنَهُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَبِدُونِهِ الْأَمْرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بَلْ عَلَيْهَا وَهِيَ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ إيجَابُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ وَفَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَحْدَهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ: الْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرًا وَأَخٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إنْ امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ. قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ: تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَفَقَتِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ. (قَوْلُهُ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْيَسَارِ) هَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا صَاحِبُ الْكَنْزِ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ شَارِحُهُ بِأَنَّهُ نَوْعُ تَنَاقُضٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ قَوْلُ الْخَصَّافِ ثُمَّ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ، وَلَوْ كَانَ فَرَضَ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَحَالِهَا مِقْدَارًا ثُمَّ غَلَا السِّعْرُ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الْفَرْضِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى قَلْبِهِ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْقُصَ. (قَوْلُهُ وَمَا قَضَى بِهِ

تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ، فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا. (وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ يُنْفِقْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ لَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارٍ فِيهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى) لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَلَا يُسْتَحْكَمُ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا بِمُؤَكَّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالصُّلْحُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي، بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَتَقَرَّرُ حُكْمُ الْقَاضِي فِيهَا بِخُصُوصِ مِقْدَارٍ، وَلِأَنَّهُ كَانَ بِشَرْطِ الْإِعْسَارِ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ وَقَدْ زَالَ فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ. (قَوْلُهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا) بِأَنْ غَابَ عَنْهَا أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَتَهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِفَرْضٍ أَوْ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى مِقْدَارٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا إذَا لَمْ يُعْطِهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَتْ أَكَلَتْ مَعَهُ بَعْدَ الْفَرْضِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا صِلَةٌ) أَيْ مِنْ وَجْهٍ (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هِيَ عِوَضٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ احْتِبَاسٌ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِصْلَاحِ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ هِيَ عِوَضٌ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَجَبَتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لِإِقَامَةِ حَقِّ الشَّرْعِ وَأُمُورٍ مُشْتَرَكَةٍ كَإِعْفَافِ كُلِّ الْآخَرِ وَتَحْصِينِهِ عَنْ الْمَفَاسِدِ وَحِفْظِ النَّسَبِ وَتَحْصِيلِ الْوَلَدِ لِيُقِيمَ التَّكَالِيفَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ صِلَةٌ كَرِزْقِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي فَلَا تَمْلِكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلِاعْتِبَارِ أَنَّهَا عِوَضٌ قُلْنَا تَثْبُتُ إذَا قَضَى بِهَا أَوْ اصْطَلَحَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَعْلَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَلِاعْتِبَارِ أَنَّهَا صِلَةٌ قُلْنَا تَسْقُطُ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا اصْطِلَاحٍ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزُوًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيٍّ يَسِيرٍ مِنْ الزَّمَانِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا وَهَذَا حَقٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَلَا يُسْتَحْكَمُ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا حَمَلْنَا كَلَامَهُ فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ أَنَّهُ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُتَرَتِّبٌ عَلَى تَرَدُّدِهَا بَيْنَ الصِّلَةِ الْمَحْضَةِ وَالْعِوَضِ الْمَحْضِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُكَذَّبَةً شَرْعًا وَكَذَا الزَّوْجُ وَإِلَّا فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَار وَفَتْحِ بَابِ

(وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَمَضَى شُهُورٌ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ) وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِيرُ دَيْنًا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عِنْدَهُ فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَجَوَابُهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ. (وَإِنْ) (أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ السَّنَةِ) أَيْ عَجَّلَهَا (ثُمَّ مَاتَ) (لَمْ يُسْتَرْجَعْ مِنْهَا شَيْءٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يُحْتَسَبُ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَسَادِ خُصُوصًا عِنْدَ اضْطِرَارِهَا لِلنَّفَقَةِ مَعَ حَبْسِهَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَمَضَى شُهُورٌ سَقَطَتْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِعَدَمِ السُّقُوطِ بِالْقَضَاءِ بِحَالَةِ حَيَاتِهِمَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهَا فَوَافَقَ قَوْلَ الْخَصَّافِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَمْرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ تَامَّةٌ عَلَيْهِ عِنْدَ رَفْعِ قَضِيَّتِهَا لَهُ وَهُوَ الْقَاضِي فَكَانَ كَاسْتِدَانَتِهِ: أَيْ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سُقُوطُهَا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ بِالطَّلَاقِ وَالصَّحِيحُ لَا تَسْقُطُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ إنَّهُ اسْتَحْكَمَ هَذَا الدَّيْنَ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَجَعَلْتُمُوهُ مُؤَكَّدًا لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْوُجُوبُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ بِالْقَضَاءِ لَا يَبْطُلُ مَعْنَى الصِّلَةِ بَلْ يُوجِبُ تَأَكُّدَ هَذِهِ الصِّلَةِ فَتَصِيرُ الصِّلَةُ كَغَيْرِ الصِّلَةِ، وَإِذَا كَانَ مَعْنَى الصِّلَةِ بَاقِيًا أَثَّرَ الْمَوْتُ فِي سُقُوطِهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْأَهْلِيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَكَانَ أَقْوَى فِي إبْطَالِهِ الصِّلَةَ فَيَحْتَاجُ لِلِاسْتِحْكَامِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى زِيَادَةٍ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَفِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ تَبْطُلْ الْأَهْلِيَّةُ فَيُسْتَحْكَمُ بِمُجَرَّدِ التَّأَكُّدِ بِالْقَضَاءِ بِهَا. . [فَرْعٌ] إبْرَاءُ الزَّوْجَةِ مِنْ النَّفَقَةِ هَلْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ؟ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَفْرُوضَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي فَرَضَهَا كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَكَذَا صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ شَهْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَضَ لَهَا كُلَّ سَنَةٍ كَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ كَذَا كُلَّ شَهْرٍ فَإِنَّمَا فَرَضَ مَهْمَا يَتَجَدَّدُ الشَّهْرُ فَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ لَمْ يَتَجَدَّدْ الْفَرْضُ، وَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الْفَرْضُ لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الشَّهْرِ فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ

نَفَقَةُ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلزَّوْجِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ لِأَنَّهَا اسْتَعْجَلَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِبَاسِ، وَقَدْ بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْمَوْتِ فَيَبْطُلُ الْعِوَضُ بِقَدْرِهِ كَرِزْقِ الْقَاضِي وَعَطَاءِ الْمُقَاتَلَةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ صِلَةٌ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ لَا يُسْتَرَدُّ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْإِجْمَاعِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ الشَّهْرِ أَوْ مَا دُونَهُ لَا يُسْتَرْجَعُ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْحَالِ. (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ، وَلَهُ أَنْ يَفْدِيَ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ، فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهَا. وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَمَا مَضَى أَشْهُرٌ عَمَّا مَضَى وَعَمَّا يَسْتَقْبِلُ بَرِئَ عَمَّا مَضَى وَعَنْ شَهْرٍ (قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ لِلزَّوْجِ) فَتَرُدُّهُ، وَكَذَا تَرُدُّ قِيمَةَ الْمُسْتَهْلَكِ وَلَا تَرُدُّ قِيمَةَ الْهَالِكِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَالْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ، وَفِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ تَرُدُّ، وَقِيلَ لَا تَسْتَرِدُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَائِمَةٌ فِي مَوْتِهِ كَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ) بِخِلَافِ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ، وَالنَّظَرُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ وَيُعْطِي لِمَنْ يَلِي بَعْدَهُ مِنْ الْقُضَاةِ. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْهُ: لَا تَرُدُّ نَفَقَةَ الشَّهْرِ وَمَا دُونَهُ، فَلِهَذَا وَضَعَهَا فِي السُّنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهَا خِلَافٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَلِذَا لَوْ قَبَضَتْ نَفَقَةَ أَشْهُرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَالْبَاقِي شَهْرٌ فَأَقَلُّ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَفِي الذَّخِيرَةِ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَنَفَقَةِ النِّكَاحِ، فَلَوْ فَرَضَ لَهَا نَفَقَةً فِيهَا فَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ. وَهَلْ يُقَاسُ عَلَى الْمَوْتِ؟ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: فِيهِ كَلَامٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ الْحُلْوَانِيِّ قَالَ: الْمُخْتَارُ عِنْدِي لَا تَسْقُطُ. . (قَوْلُهُ فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهَا فَيُبَاعُ فِيهَا، فَإِذَا اشْتَرَاهُ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ فَرَضِيَ ظَهَرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ ثَانِيًا، وَكَذَا حَالُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهَلُمَّ جَرًّا. وَلَا يُبَاعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَّا فِي دَيْنِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ تَجَدُّدِ الزَّمَانِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ السَّيِّدِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِحَالِهِ أَوْ عَلِمَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَرْضَ فَلَهُ رَدُّهُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إذَنْ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا مَهْرَ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَدَخَلَ بِهَا طُولِبَ بِالْمَهْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَرْضِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَالْمَهْرُ وَلَا يُطَالَبْ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَوْ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ وَلَا يُبَاعُ بِالنَّفَقَةِ بِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ يُبَاعُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَبِلَ النَّقْلَ، هَذَا وَلَا نَفَقَةَ تَجِبُ لِوَلَدِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ لِأَنَّ أُمَّهُ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْوَلَدُ عَبْدٌ لِمَوْلَاهَا فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِنْ

فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَمَةً فَبَوَّأَهَا مَوْلَاهَا مَعَهُ مَنْزِلًا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ) لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ الِاحْتِبَاسُ (وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ، وَالتَّبْوِئَةُ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا، وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ، وَالتَّبْوِئَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ خَدَمَتْهُ الْجَارِيَةُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا لِيَكُونَ اسْتِرْدَادًا، وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْأَمَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى مَمْلُوكٍ وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّ وَلَدَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا حَتَّى كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى قِيمَتِهِ لِأَنَّهَا خَلْفُهُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصِّلَةِ وَالصِّلَاتُ تُبْطِلُ الْمَوْتَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْقِيمَةُ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الرَّقَبَةِ فِي دَيْنٍ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَمَةً) قَيْدُ الْحُرِّ اتِّفَاقِيٌّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّبْوِئَةِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذَّكَرِ لِيَعْلَمَ النَّفْيَ فِي الْبَاقِي بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ إذَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْحُرِّ الَّذِي هُوَ أَدْخَلُ فِي أَهْلِيَّةِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى مَا ذَكَرَ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَنْعِ مِنْ السَّيِّدِ، وَإِنْ كَانَ لِحَقِّهِ لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْمُوجِبُ وَهُوَ احْتِبَاسُ الزَّوْجِ وَلَا مُوجِبَ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ مَنْعِهَا لِنَفْسِهَا لِحَقِّهَا كَالْمَهْرِ فَإِنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ الْمُوجِبِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَجْعَلُ ثَابِتًا وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَالتَّبْوِئَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ) فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَقَّ الِاسْتِخْدَامِ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَتَجَدَّدُ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا بَوَّأَهَا فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا، وَاسْتِرْدَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ رُجُوعًا فِيمَا أَسْقَطَ بَلْ طَلَبَ حَقَّهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ أَوْ الْحَالِ وَلَهُ ذَلِكَ وَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُبَوِّئَهَا ثُمَّ يَسْتَرِدُّهَا ثُمَّ يُبَوِّئُهَا ثُمَّ يَسْتَرِدُّهَا وَهَلُمَّ جَرًّا، فَكُلَّمَا اسْتَرَدَّهَا سَقَطَتْ، فَإِذَا رَجَعَ فَبَوَّأَهَا وَجَبَتْ، وَلَوْ خَدَمَتْ الْمَوْلَى أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ اسْتِخْدَامٍ وَاسْتِرْدَادٍ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لِأَنَّهُ لَمْ تَبْطُلْ التَّبْوِئَةُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الِاسْتِرْدَادِ. (قَوْلُهُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا) أَيْ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ بِشَرْطِ التَّبْوِئَةِ (كَالْأَمَةِ)

[فصل على الزوج أن يسكنها في دار مفردة ليس فيها أحد من أهله]

فَصْلٌ (وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُفْرَدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ) لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ، وَإِذَا وَجَبَ حَقًّا لَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهِ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا، وَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، إلَّا أَنْ تَخْتَارَ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِانْتِقَاصِ حَقِّهَا (وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مَعَهَا) لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدٍ وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ. (وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ وَالِدَيْهَا وَوَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَهْلَهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا الْمُكَاتَبَةَ لِأَنَّهَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى كَالْحُرَّةِ لِاخْتِصَاصِهَا لِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا بِحُكْمِ عَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ [فَصْلٌ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُفْرَدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ) وَأَمَّا أَمَتُهُ فَقِيلَ أَيْضًا لَا يُسْكِنُهَا مَعَهَا إلَّا بِرِضَاهَا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى اسْتِخْدَامِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَإِذَا أَفْرَدَهَا فِي بَيْتٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ (قَوْلُهُ مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ) فِي قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] فَإِنَّ الْمُرَادَ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالسُّكْنَى بِالْمِلْكِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا (وَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مَعَهَا) قِيلَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ فَلَهُ إسْكَانُهُ مَعَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدٍ وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا) اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ أَفَادَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ: وَلَوْ كَانَتْ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا وَجَعَلَ لَهُ

لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ فَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ دُخُولِ مِلْكِهِ (وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَكَلَامِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ اخْتَارُوا) لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ وَالدَّوَامِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي اللِّبَاثِ وَتَطْوِيلِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ التَّقْدِيرُ بِسَنَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَافِقَ وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا، وَلَوْ شَكَتْ أَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا أَوْ يُؤْذِيهَا إنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِهَا أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَيْهِ أَسْكَنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ أَخْيَارٍ يَعْتَمِدُ الْقَاضِي عَلَى خَبَرِهِمْ. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ) أَيْ الْمَنْعُ مِنْ الْمُكَالَمَةِ (مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ) فِي الصَّحِيحِ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» ، وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّحِمُ شِجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ، قَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ» وَالشِّجْنَةُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَضَمِّهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَرَابَةٌ مُشْتَبِكَةٌ كَاشْتِبَاكِ الْعُرُوقِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَعْنِي بِالشِّجْنَةِ الْوَصْلَةَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ إلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ أَنَّ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ يَتَّصِلُ بِكُلٍّ مِنْ خُرُوجِهَا وَدُخُولِهِمَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى: لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَرْبَعِ خِصَالٍ، وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَرْبَعِ تَرْكُ الزِّينَةِ وَالزَّوْجُ يُرِيدُهَا وَتَرْكُ الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْغُسْلُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبَيْتِ أَمَّا مَا لَا تُمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَفِي زِيَارَةِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَبُوهَا أَوْ قَرِيبُهَا أَنْ يَجِيءَ إلَيْهَا عَلَى هَذَا الْجُمُعَةِ وَالسَّنَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ مُقَاتِلٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمَحْرَمَ مِنْ الزِّيَارَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَا عَلَى إتْيَانِهَا، فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلَى إتْيَانِهَا لَا تَذْهَبُ وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مَعَ الْأَبِ الْخُرُوجُ وَقَدْ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ فَتُمْنَعُ، وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَقْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْت، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ، أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحُ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ شَابَّةً وَالزَّوْجُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، بِخِلَافِ خُرُوجِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْسَرُ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهَا وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تُغْضِبَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ أَوْ لِآخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ لَا يَأْذَنُ لَهَا وَلَا تَخْرُجُ وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ، فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مَنْ الْعَالِمُ وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا نَازِلَةٌ وَلَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ لِتَتَعَلَّمَ مَسْأَلَةً مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ

(وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ فَرَضَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَالِ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْغَائِبِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَوَالِدَيْهِ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالزَّوْجِيَّةِ الْوَدِيعَةِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هَاهُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّلَاةِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ وَيُذَاكِرُ مَعَهَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ الْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ يَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ. وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ: الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا وَتَزُورَ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَا تُسَافِرُ مَعَ عَبْدِهَا خَصِيًّا كَانَ أَوْ فَحْلًا، وَكَذَا أَبُوهَا الْمَجُوسِيُّ وَالْمَحْرَمُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ، بِخِلَافِ الْمُرَاهِقِ وَحْدَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ اثْنَتَا عَشَرَ سَنَةً، وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مَحْرَمًا لِامْرَأَةٍ، وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً إلَى نَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ: وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ فِيهِ قَاضِي خَانْ. قَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ: دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ. رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصٍ، لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ انْتَهَى. وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ مِنْهَا فِي النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلُ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْحَمَّامُ حَرَامٌ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَرَدَّ اسْتِثْنَاءَ النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْإِزَارِ، وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» وَفِي سَنَدِهِمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الْإِفْرِيقِيُّ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَكَانَ يُقَوِّي أَمْرَهُ وَيَقُولُ: وَمُقَارِبُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَرَوَى عَيَّاشٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَيُحْتَجُّ بِهِ: يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زِيَادٍ، فَقَالَ نَعَمْ. (قَوْلُهُ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ) فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ قَوْلُهُ وَبِالنَّسَبِ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ لِأَنَّهُ رَتَّبَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الِاعْتِرَافِ قَوْلَهُ فَرَضَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَالِ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْغَائِبِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَوَالِدَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ) أَيْ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَحَدَهُمَا احْتَاجَ فِي الْقَضَاءِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ إلَى إقْرَارِ مَنْ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ دُونَ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا) فَإِنَّهُ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهَا مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ دَيْنًا وَذَلِكَ

فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا الْمَرْأَةُ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ حُقُوقِ الْغَائِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهَا مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ دَيْنًا إلَّا اعْتِرَافُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا يَثْبُتُ بِالِاعْتِرَافِ، وَلَا سِيَّمَا مُرَكَّبٌ مِنْ لَا النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ وَمَنْفِيِّهَا وَهُوَ سِيَّ وَمَعْنَاهُ الْمَثَلُ. قَالَ الشَّاعِرُ: فَإِيَّاكُمْ وَحَيَّةَ بَطْنِ وَادِ ... هَمُوسُ النَّابِ لَيْسَ لَكُمْ بِسِيِّ أَيْ بِمِثْلٍ وَلَا شَبِيهٍ، وَهُوَ وَاحِدُ سِيَّانِ مِنْ قَوْلِك هُمَا سِيَّانِ، وَأَصْلُهُ سِوَى قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا بَعْدَ كَسْرَةٍ أَوْ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْيَاءِ وَسَبْقِ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ، فَإِنْ جَرَرْت مَا بَعْدَ مَا كَزَيْدٍ مَثَلًا فِي قَوْلِك أَكْرَمَنِي الْقَوْمُ لَا سِيَّمَا زَيْدٍ فَهُوَ عَلَى أَنَّ سِيًّا مُضَافٌ إلَى زَيْدٍ وَمَا زَائِدٌ مُقْحَمٌ كَقَوْلِهِ: كُلُّ مَا حَيٍّ وَإِنْ أَمَرُوا ... وَارِدُو الْحَوْضِ الَّذِي وَرَدُوا وَإِنْ رَفَعْته فَعَلَى أَنَّ سِيًّا يُضَافُ إلَى مَا وَهُوَ مَوْصُولٌ اسْمِيٌّ حُذِفَ صَدْرُ صِلَتِهِ، وَالتَّقْدِيرُ لَا مِثْلَ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ، وَجَازَ كَوْنُهُ مُضَافًا مَعَ أَنَّ اسْمَ لَا يَجِبُ كَوْنُهُ نَكِرَةً لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مِثْلِ، وَمِثْلُ لَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ وَخَبَرُ لَا مَحْذُوفٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ خُرُوجٌ عَنْ الْأَصْلِ فِي الْجَرِّ، بِالزِّيَادَةِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، وَفِي الرَّفْعِ بِحَذْفِ صَدْرِ صِلَةِ الْمَوْصُولِ، وَهُوَ إنَّمَا يُقَاسُ إذَا طَالَتْ الصِّلَةُ. وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ الْجَرَّ عَلَى الرَّفْعِ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا أَوْسَعُ مِنْ حَذْفِ الْمُبْتَدَأ مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْمَوْقِعِ، وَقَدْ يُقَالُ زِيَادَةُ مَا فِي نَفْسِهِ كَثِيرٌ وَلَكِنْ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ مَمْنُوعٌ فَتَكَافَآ، وَأَمَّا نَصْبُ مَا بَعْدَ مَا فَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ صَاحِبُ الْغُرَّةِ: لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا، وَعَنْ هَذَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مُعْطٍ فِي فُصُولِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى بِلَا سِيَّمَا سِوَى الْجَرِّ وَالرَّفْعِ، وَذَكَرَ بَيْتَ امْرِئِ الْقِيسِ: أَلَا رُبَّ يَوْمٍ لَك مِنْهُنَّ صَالِحٌ ... وَلَا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ بِالْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ النَّصْبَ، لَكِنْ قَدْ رُوِيَ النَّصْبُ فِيهِ أَيْضًا فَقِيلَ عَلَى الظَّرْفِ، وَقِيلَ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ، وَقِيلَ مَجْمُوعُ لَا سِيَّمَا بِمَنْزِلَةِ إلَّا، وَمَعْنَى الْإِخْرَاجِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إلَّا فِيهَا هُوَ الْإِخْرَاجُ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِإِثْبَاتِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ، فَإِذَا قُلْت أَكْرَمَنِي الْقَوْمُ لَا سِيَّمَا زَيْدٍ فَقَدْ: أَثْبَتَ لَهُ أَبْلَغَ مِنْ إكْرَامِهِمْ وَقَدْ جَاءَ تَخْفِيفُهَا بِحَذْفِ إحْدَى الْيَاءَيْنِ

وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ تَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مُضَارَبَةً، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الدَّيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا، أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ، وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَى الْحَاضِرِ وَكَذَا عَلَى الْغَائِب، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ. قَالَ (وَيَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا بِهَا) نَظَرًا لِلْغَائِبِ لِأَنَّهَا رُبَّمَا اسْتَوْفَتْ النَّفَقَةَ أَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمِيرَاثِ إذَا قَسَمَ بَيْنَ وَرَثَةٍ حُضُورٍ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَقُولُوا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْكَفِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَكْفُولُ لَهُ مَجْهُولٌ وَهَاهُنَا مَعْلُومٌ وَهُوَ الزَّوْجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقِيلَ الْأُولَى لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْمُتَحَرِّكِ فَكَانَ حَذْفُهُ أَوْلَى، وَقِيلَ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا لَامٌ وَالْإِعْلَالُ فِي اللَّامِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ) بِإِقْرَارِهِ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهَا مِمَّا فِي يَدِهِ (تَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ) ضَرُورَةً. أَوْرَدَ عَلَيْهِ طَلَبَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ جَاءَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِمُودِعِ أَوْ بِمَدْيُونٍ لِلْغَائِبِ مُعَرِّفٍ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْبَعُ النَّظَرَ لِلْغَائِبِ، فَفِي الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ نَظَرٌ لَهُ بِإِبْقَاءِ مِلْكِهِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَإِبْقَاءِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ: أَعْنِي قَرَابَةَ الْوِلَادِ وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ ذَلِكَ بَلْ هُوَ قَضَاءٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَى الْحَاضِرِ) حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَعِنْدَهُ أَمْوَالٌ غَيْرُ الْأَثْمَانِ لَا يَبِيعُ عَلَيْهِ الْقَاضِي بَلْ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبِيعَ هُوَ وَيَقْضِي، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَبَسَهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَيْهِ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَعِنْدَهُمَا

وَيُحَلِّفُهَا بِاَللَّهِ مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ نَظَرًا لِلْغَائِبِ. قَالَ (وَلَا يَقْضِي بِنَفَقَةٍ فِي مَالٍ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ، أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ فَنَفَقَتُهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوْ لَمْ يَخْلُفْ مَالًا فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ لِيَفْرِضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا عَلَى الْغَائِبِ وَيَأْمُرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِذَلِكَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَقْضِي فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهَا وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ، فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَصَدَّقَهَا فَقَدْ أَخَذَتْ حَقَّهَا، وَإِنْ جَحَدَ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْكَفِيلُ أَوْ الْمَرْأَةُ، وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبِيعُ عَلَى الْحَاضِرِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ وَيُحَلِّفُهَا بِاَللَّهِ مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ) ثُمَّ إذَا جَاءَ الْغَائِبُ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ فِي إعْطَاءِ النَّفَقَةِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الْقَضَاءُ بِالدَّفْعِ كَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ مِنْ مَالِهِ شَرْعًا أَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ الْمُتَقَدِّمِ. وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ فِي بَيْتِهِ وَالْقَاضِي يَعْلَمُ الزَّوْجِيَّةَ أَطْلَقَ الْأَخْذَ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ هَذَا قَضَاءً بَلْ إيفَاءً، وَالْإِيفَاءُ لَا يُمْتَنَعُ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ، أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ فَطَلَبَ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْقَاضِي الْإِيفَاءَ مِنْهُ أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) وَهُمْ الزَّوْجَةُ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ، وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَنَحْوَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالصِّغَارِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ. (قَوْلُهُ فَنَفَقَتُهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ) لَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِدَلِيلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ دِيَانَةً، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ فَقَدْ يُمْتَنَعُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ لَا تَجِبَ النَّفَقَةُ فَلَا يُعَيَّنُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْوُجُوبِ إلَّا الْقَضَاءُ بِهِ فَيَنْتَفِي تَأْوِيلُهُ وَيَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ. وَفِي الْكَافِي: لَوْ أَنْفَقَ الْمَدْيُونُ أَوْ الْمُودِعُ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودِعُ وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ

وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقَاوِيلُ مَرْجُوعٌ عَنْهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا. (فَصْلٌ) (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ الْوَدِيعَةِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَنَظَرَ لِلْغَائِبِ فَإِنَّ الدَّيْنَ مَحْفُوظٌ لَا يَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقَاوِيلُ مَرْجُوعٌ عَنْهَا) مِنْهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا: إذَا جَحَدَ الْمَدْيُونُ أَوْ الْمُودَعُ الزَّوْجِيَّةَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقًّا فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ بِسَبَبٍ فَكَانَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ السَّبَبِ، كَمَنْ ادَّعَى بَيْتًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ لَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ النِّكَاحَ عَلَى الْغَائِبِ وَمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ لَيْسَ خَصْمًا فِيهِ. وَمِنْهَا مَا قَالَ بِهِ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَتِهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ لِيَفْرِضَ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَيَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَقَوْلُ زُفَرَ فِي ذَلِكَ مُتَقَرِّرٌ، وَنَقَلَ مِثْلَ قَوْلِ زُفَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَوَّى عَمَلَ الْقُضَاةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ. [فُرُوعٌ] فِي الْفَتَاوَى: امْرَأَةٌ قَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يُطِيلُ الْغَيْبَةَ عَنِّي فَطَلَبَتْ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: آخُذُ كَفِيلًا بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ أَخَذَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْكَفِيلَ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا: لَوْ كَفَلَ بِنَفَقَتِهَا مَا عَاشَتْ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ مَا بَقِيَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَلَى شَهْرٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ ضَمِنَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَفَلَ بِنَفَقَةِ عِدَّتِهَا كُلَّ شَهْرٍ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ

[فصل وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة]

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَهُ قَائِمٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا رُوِيَ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَلَمْ يَفْرِضْ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» وَلِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِانْعِدَامِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا لِأَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ. وَلَنَا أَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ احْتِبَاسٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالِاحْتِبَاسُ قَائِمٌ فِي حَقِّ حُكْمٍ مَقْصُودٍ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْوَلَدُ إذْ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ] قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ) وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةُ إذْ لَا بَيْنُونَةَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ (إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا) فَإِنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدَهُ، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَوَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ سَبِيلٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَنَكَحَتْهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ «لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى» وَرَوَاهُ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ «إنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ تَطْلِيقِهَا» وَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً هِيَ تَمَامُ الثَّلَاثِ، وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بِنَفَقَةٍ فَسَخِطَتْهَا فَقَالَا: وَاَللَّهِ لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ لَهُ، قَوْلَهُمَا فَقَالَ: «لَا نَفَقَةَ لَكِ» زَادَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ عَقِيبَ قَوْلِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ «وَلَا نَفَقَةَ لَكِ: إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا» وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ نَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا عَلِمْت. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ

فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا. وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَدَّهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَرَدَّهُ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّ التَّرَبُّصَ عِبَادَةٌ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ، فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ» الْحَدِيثَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَدَمُ طَعْنِ السَّلَفِ فِيهِ وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ وَعَدَمُ مُعَارِضٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، وَالْمُتَحَقَّقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضِدُّ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، أَمَّا طَعْنُ السَّلَفِ فَقَدْ طَعَنَ عَلَيْهَا فِيهِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ سَنَذْكُرُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِمْ الطَّعْنُ بِسَبَبِ كَوْنِ الرَّاوِي امْرَأَةً وَلَا كَوْنِ الرَّاوِي أَعْرَابِيًّا، فَقَدْ قَبِلُوا حَدِيثَ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي اعْتِدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا فِي هَذَا الْخَبَرِ، بِخِلَافِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ وَبِخَبَرِ الدَّجَّالِ حَفِظَتْهُ مَعَ طُولِهِ وَوَعَتْهُ وَأَدَّتْهُ، ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ لَهَا مِنْ الْفِقْهِ مَا أَفَادَ عِلْمًا وَجَلَالَةَ قَدْرٍ؛ وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إلَيْهَا قَبِيصَةَ بْنَ أَبِي ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنْ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَتْهُ بِهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا مِنْ امْرَأَةٍ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ الْقُرْآنُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] . إلَى قَوْله تَعَالَى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] قَالَتْ: هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ، فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا؟ " وَقَبِلَ عُمَرُ خَبَرَ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ وَحْدَهُ وَهُوَ أَعْرَابِيٌّ، فَجَزَمْنَا أَنَّ رَدَّ عُمَرَ وَغَيْرَهُ لِخَبَرِهَا لَيْسَ إلَّا لِمَا عَلِمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَالِفًا لَهُ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ السَّلَفِ إلَى أَنْ رَوَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَذَا الْخَبَرَ مَعَ أَنَّ عُمَرَ رَدَّهُ، وَصَرَّحَ بِالرِّوَايَةِ، بِخِلَافِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْت مَعَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفَقَةً، فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًا فَحَصَبَهُ بِهِ وَقَالَ: وَيْلَكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا. قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] » فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى. وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا رَفْعٌ فَكَيْفَ إذَا كَانَ قَائِلُهُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَفِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ زِيَادَةُ قَوْلِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» وَقُصَارَى مَا هُنَا أَنْ تُعَارَضَ رِوَايَتُهَا بِرِوَايَتِهِ، فَأَيُّ الرِّوَايَتَيْنِ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا؟ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ قَالَ " مَا كُنَّا نُغَيِّرُ فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ " فَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الدِّينُ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَيَنْزِلُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الشَّاذِّ. وَالثِّقَةُ إذَا شَذَّ لَا يُقْبَلُ مَا شَذَّ فِيهِ، وَيُصَرِّحُ بِهَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ مَرْوَانَ: سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، وَالنَّاسُ إذْ ذَاكَ هُمْ الصَّحَابَةُ، فَهَذَا فِي الْمَعْنَى حِكَايَةُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَوَصَفَهُ بِالْعِصْمَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْ إلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَلْبَتَّةَ، فَخَرَجَتْ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعْت، فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي إلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ فَقَالَتْ: أَمَا إنَّهُ لَا خَيْرَ لَهَا فِي ذِكْرِ ذَلِكَ. فَهَذَا غَايَةُ الْإِنْكَارِ حَيْثُ نَفَتْ الْخَبَرَ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ: أَعْلَمَ بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ فَقَدْ كُنَّ يَأْتِينَ إلَى مَنْزِلِهَا وَيَسْتَفْتِينَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثُرَ وَتَكَرَّرَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى: تَعْنِي فِي قَوْلِهَا: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ أَحْسِبُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إنَّمَا أَخْرَجَك هَذَا اللِّسَانُ: يَعْنِي أَنَّهَا اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا وَكَثُرَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ فَأَخْرَجَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ. وَيُفِيدُ ثُبُوتُهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَدْ احْتَجَّ بِهِ وَهُوَ مَعَاصِرُ عَائِشَةَ، وَأَعْظَمُ مُتَتَبِّعٍ لِأَقْوَالِ مَنْ عَاصَرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ حِفْظًا وَدِرَاسَةً، وَلَوْلَا أَنَّهُ عَلِمَهُ عَنْهَا مَا قَالَهُ، وَذَلِكَ مَا فِي أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَدَفَعْت إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقُلْت: فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ طَلُقَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ لِسَنَةٍ فَوَضَعَتْ عَلَى يَدِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَنْصِبِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسُبَ إلَى صَحَابِيَّةٍ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَكَذَا هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُسْتَنَدُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حَيْثُ قَالَ: خُرُوجُ فَاطِمَةَ إنَّمَا كَانَ عَنْ سُوءِ الْخُلُقِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْهُ. وَمِمَّنْ رَدَّهُ زَوْجُهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ أَبِي هُرْمُزَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَقُولُ: كَانَ أُسَامَةُ إذَا ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: يَعْنِي مِنْ انْتِقَالِهَا فِي عِدَّتِهَا رَمَاهَا بِمَا فِي يَدِهِ انْتَهَى. هَذَا مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ أَعْرَفَ بِالْمَكَانِ الَّذِي نَقَلَهَا عَنْهُ إلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى بَنَى بِهَا، فَهَذَا لَمْ يَكُنْ قَطْعًا إلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ مِنْهَا، أَوْ لِعِلْمِهِ بِخُصُوصِ سَبَبِ جَوَازِ انْتِقَالِهَا مِنْ اللَّسَنِ أَوْ خِيفَةَ الْمَكَانِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَمْ يَظْفَرْ الْمُخَرِّجُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِحَدِيثِ أُسَامَةَ فَاسْتَغْرَبَهُ وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ. وَقَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ قَالَ: فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ تُحَدِّثُ مِنْ خُرُوجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا: " الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ ". وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَرْبِ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا ذُكِرَ فِيهِ السَّمَاعُ، أَوْ كَانَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. وَحَرْبُ بْنُ أَبِي الْعَالِيَةِ أَيْضًا لَا يُحْتَجُّ بِهِ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالْأَشْبَهُ وَقْفُهُ عَلَى جَابِرٍ، وَهَذَا بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوْهِينِ رَفْعِهِ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ جَابِرًا عَلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ، وَقَدْ تَمَّ بِمَا ذَكَرْنَا بَيَانَ الْمُعَارِضِ وَالطَّعْنِ. وَأَمَّا بَيَانُ الِاضْطِرَابِ فَقَدْ سُمِعْت فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ سَافَرَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَتْهُ. وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ذَهَبَ فِي نَفَرٍ فَسَأَلُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ سُمِّيَ الزَّوْجُ أَبَا عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَبَا حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ. وَمِمَّنْ رَدَّ الْحَدِيثَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَمِنْ التَّابِعِينَ مَعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ شُرَيْحُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ. وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَبِعَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْعُذْرُ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا أَسْقَطَ تِلْكَ السُّكْنَى وَالْحَالُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: لَا نَفَقَةَ لَك وَلَا سُكْنَى، قُلْنَا: لَيْسَ عَلَيْنَا أَوَّلًا أَنْ نَشْتَغِلَ بِبَيَانِ الْعُذْرِ عَمَّا رَوَتْ، بَلْ يَكْفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَلِمَرْوِيِّ عُمَرَ فِي تَرْكِهِ كَائِنًا هُوَ فِي نَفْسِهِ مَا كَانَ، إلَّا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِذَلِكَ حَسَنٌ حَمْلًا لِمَرْوِيِّهَا عَلَى الصِّحَّةِ. وَنَقُولُ: فِيهِ أَنَّ عَدَمَ السُّكْنَى كَانَ لِمَا سَمِعَتْ. وَأَمَّا عَدَمُ النَّفَقَةِ فَلِأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ غَائِبًا وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ سِوَى الشَّعِيرِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ إلَيْهَا فَطَالَبَتْ هِيَ أَهْلَهُ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ «أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ الْحَدِيثَ. فَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى» عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَلَيْسَ يَجِبُ لَك عَلَى أَهْلِهِ شَيْءٌ فَلَا نَفَقَةَ لَك عَلَى أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ، فَلَمْ تَفْهَمْ هِيَ الْغَرَضَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَعَلَتْ تَرْوِي نَفْيَ النَّفَقَةِ مُطْلَقًا فَوَقَعَ إنْكَارُ النَّاسِ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ مَا نَظَرَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ لَهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ: وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَبِهِ جَاءَتْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُفَسِّرَةً لَهُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْبَوَائِنِ بِدَلِيلِ الْمَعْطُوفِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى عَقِيبَهُ {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ فِي غَيْرِ الْمُطَلَّقَاتِ أَوْ فِي الرَّجْعِيَّاتِ كَانَ التَّقْدِيرُ: أَسْكِنُوا الزَّوْجَاتِ وَالرَّجْعِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ، وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ. وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا مَعْنَى حِينَئِذٍ لِجَعْلِ غَايَةِ إيجَابِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا الْوَضْعَ. فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لَهَا مُطْلَقًا حَمْلًا كَانَتْ أَوْ لَا، وَضَعَتْ حَمْلَهَا أَوْ لَا، بِخِلَافِهِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْبَوَائِنِ فَإِنَّ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالْغَايَةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ عَدَمِ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ الْحَامِلِ فِي تَمَامِ مُدَّةِ الْحَمْلِ لِطُولِهَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى

أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى التَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَيْسَ بِمُرَاعًى فِيهِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهَا الْحَيْضُ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ (وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْصِيَةٍ مِثْلَ الرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَمَا إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً، بِخِلَافِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَمَا إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا) مِنْ نَفْسِهَا (فَلَهَا النَّفَقَةُ) مَعْنَاهُ: مَكَّنَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وقَوْله تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] يَرْجِعُ إلَى الرَّجْعِيَّاتِ مِنْهُنَّ، وَذِكْرُ حُكْمٍ خَاصٍّ بِبَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الصَّدْرُ لَا يُبْطِلُ عُمُومَ الصَّدْرِ. (قَوْلُهُ أَلَا يَرَى أَنَّ مَعْنَى التَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَيْسَ مُرَاعًى فِيهَا) اسْتِيضَاحٌ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ عِبَادَةٌ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تَحِضْ فِيهَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ مَا لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوبُهَا بِالْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيُعَارِضُ ذَلِكَ انْقِضَاؤُهَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِمَوْتِهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ. وَأَنْتَ إذَا أَنْعَمْت النَّظَرَ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْعِدَّةِ فِي مَسْأَلَةِ تَدَاخُلُ الْعِدَّتَيْنِ ظَهَرَ لَك جَوَابُ هَذَا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَأَتْقِنْهُ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ بِمَعْصِيَةٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ مُطْلَقًا وَعَمَّا يَجِيءُ مِنْ قِبَلِهَا بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ فِيهِمَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إمَّا مِنْ قِبَلِهِ أَوْ قِبَلِهَا، فَفِي الْأَوَّلِ لَهَا النَّفَقَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ مِثْلَ الْفُرْقَةِ بِطَلَاقِهِ أَوْ لِعَانِهِ أَوْ عُنَّتِهِ أَوْجَبِّهِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ، وَيُشْكِلُ عَلَى إيجَابِ النَّفَقَةِ لِلْمُلَاعَنَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ اللِّعَانِ فِي الْحَدِيثِ «مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا بَيْتًا وَلَا قُوتًا عَلَيْهِ» أَوْ بِمَعْصِيَةٍ مِثْلَ الْفُرْقَةِ بِتَقْبِيلِهِ بِنْتَ زَوْجَتِهِ، أَوْ إيلَائِهِ مَعَ عَدَمِ فَيْئِهِ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَوْ إبَائِهِ الْإِسْلَامَ إذَا أَسْلَمَتْ هِيَ، أَوْ ارْتَدَّ هُوَ فَعُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَلَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّ بِمَعْصِيَتِهِ لَا تُحْرَمُ هِيَ النَّفَقَةَ وَأَمَّا الثَّانِي فَإِمَّا بِمَعْصِيَةٍ مِثْلَ تَمْكِينِهَا ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ إبَائِهَا إذَا أَسْلَمَ هُوَ وَهِيَ وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ وَرِدَّتُهَا فَلَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ حَابِسَةٌ نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَتْ كَالنَّاشِزَةِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ مِثْلَ الْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَوَطْءِ ابْنِ الزَّوْجِ لَهَا مُكْرَهَةً تَجِبُ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ لَهَا أَوْ عُذِرَتْ شَرْعًا فِيهِ، وَلَهَا السُّكْنَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ حَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمَعْصِيَتِهَا، أَمَّا النَّفَقَةُ فَحَقٌّ لَهَا فَتُجَازَى بِسُقُوطِهِ بِمَعْصِيَتِهَا. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْمُوجِبُ لَهُ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهَا فَتَقَرَّرَ الْحَقُّ لَهَا فِيهِ قَبْلَ طُرُوُّ الْمَعْصِيَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) لَا لِعَيْنِ الرِّدَّةِ هُنَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَجِئْ بِسَبَبِهَا فَهِيَ وَتَمْكِينِهَا ابْنِ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ

لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَلَا عَمَلَ فِيهَا لِلرِّدَّةِ وَالتَّمْكِينِ، إلَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ، وَالْمُمَكَّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَلِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَاءٌ فَكَمَا لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِالتَّمْكِينِ هُنَا لَا تَسْقُطُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ بِالرِّدَّةِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ فِي هَذِهِ الرِّدَّةِ إذَا أُخْرِجَتْ وَحُبِسَتْ إذْ لَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْلِيلِ، أَوْ إذَا لَحِقَتْ حَتَّى لَوْ لَمْ تَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ تَخْرُجْ بَعْدَ هَذِهِ الرِّدَّةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ حُبِسَتْ أَوْ لَحِقَتْ فَعَادَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَجَعَتْ إلَى بَيْتِهَا عَادَ اسْتِحْقَاقُهَا لِلنَّفَقَةِ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ عَادَتْ إلَى بَيْتِهَا مُسْلِمَةً أَوْ مُرْتَدَّةً عَادَتْ نَفَقَتُهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ اللِّحَاقِ، يُخَالِفُهُ مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ عَادَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَوَفَّقَ بِحَمْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ عَلَى مَا إذَا حَكَمَ بِلَحَاقِهَا، وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى مَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ لَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّهَا الْمُفَوِّتَةُ لِمِلْكِ النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى الْمَنْزِلِ مُسْلِمَةً، وَلَوْ كَانَ تَمْكِينُهَا وَرِدَّتُهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ كَمَا لَوْ كَانَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي الرَّجْعِيِّ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهَا نَفَقَةٌ يَوْمَ طَلُقَتْ ثُمَّ صَارَتْ إلَى حَالٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَهَا أَنْ تَعُودَ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ، وَكُلَّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ طَلُقَتْ فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ بَعْدَهُ، فَلَوْ طَلَّقَ الْأَمَةَ بَائِنًا وَكَانَتْ مُبَوَّأَةً مَعَهُ بَيْتًا فَأَخْرَجَهَا الْمَوْلَى إلَى خِدْمَتِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، فَإِنْ أَعَادَهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ تَأْخُذُ النَّفَقَةَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى فَطَلُقَتْ فَأَرَادَ أَنْ يُبَوِّئَهَا مَعَ الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ وَتَأْخُذَ نَفَقَتَهَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً يَوْمَ الطَّلَاقِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْمَنْزِلِ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً إلَّا أَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا عَنْ حَقٍّ وَاجِبٍ لَهَا فَلَهَا أَنْ تَعُودَ فَتَأْخُذَهُ، وَهَذَا لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى لَفْظِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. وَلَوْ تَطَاوَلَتْ الْعِدَّةُ كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي سِنِّ الْإِيَاسِ فَتَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ صَالَحَ الْمُعْتَدَّةَ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ جَازَ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْحَيْضِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْتَدَّ الطُّهْرُ بِهَا، وَإِذَا لَمْ تُطَالِبْ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ سَقَطَتْ كَاَلَّتِي فِي الْعِصْمَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَفْرُوضَةً. وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ النَّفَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْهَا فِي عَقْدِ الْخُلْعِ صَحَّ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فِي الْخُلْعِ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ قَبْلَ الْوُجُوبِ يَجُوزُ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَالْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ وَإِسْقَاطُ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُطَلَّقَةِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ يَمِينِهَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ. وَلَوْ كَانَتْ ادَّعَتْ حَبَلًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا إلَى سَنَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَهُمَا كُنْت اعْتَقَدْته حَبَلًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ إيَّاهُ وَأَنَا حَائِلٌ لَمْ أَحِضْ وَقَالَ بَلْ ادَّعَيْت الْحَبَلَ كَذِبًا وَظَهَرَ كَذِبُك فَلَا نَفَقَةَ لَك لَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي إلَى قَوْلِهِ وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ تَدْخُلَ فِي سِنِّ الْإِيَاسِ فَتَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ الْفَضْلِيُّ: لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِذَلِكَ بَلْ يُوقَفُ حَالُهَا لِاحْتِمَالِ حَبَلِهَا فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، كَذَا ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ بَعْضُهُمْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا

[فصل ونفقة الأولاد الصغار على الأب]

فَصْلٌ (وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ كَمَا لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ فَرَاغُ رَحِمِهَا هَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَهُوَ حَسَنٌ. وَفِيهَا: رَجُلٌ غَابَ فَتَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فَحَضَرَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ الثَّانِي وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي، فَإِنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي عِدَّةِ الثَّانِي لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الثَّانِي مَا دَامَتْ فِي عِدَّةِ الثَّانِي، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الثَّانِي تَجِبُ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الزَّوْجِ، كَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى قَالَ: تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ، وَتَأْوِيلُهُ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي بَيْتِ الْعِدَّةِ، أَمَّا إذَا خَرَجَتْ فَلَا. [فَصْلٌ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ) قَيَّدَ بِالصِّغَرِ فَخَرَجَ الْبَالِغُ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ الْأَبُ إمَّا غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ، وَالْأَوْلَادُ إمَّا صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ، فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ غَنِيًّا وَالْأَوْلَادُ كِبَارًا، فَإِمَّا إنَاثٌ أَوْ ذُكُورٌ، فَالْإِنَاثُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ إلَى أَنْ يَتَزَوَّجْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَالٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُنَّ فِي عَمَلٍ وَلَا خِدْمَةٍ وَإِنْ كَانَ لَهُنَّ قُدْرَةٌ، وَإِذَا طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا عَادَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْأَبِ، وَالذُّكُورُ إمَّا عَاجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ لِزَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ شَلَلٍ أَوْ ذَهَابِ عَقْلٍ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ فَهُوَ عَاجِزٌ، وَكَذَا طَلَبَةُ الْعِلْمِ إذَا كَانُوا لَا يَهْتَدُونَ إلَى الْكَسْبِ نَفَقَتُهُمْ عَلَى آبَائِهِمْ؛ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ: هَذَا إذَا كَانَ بِهِمْ رُشْدٌ، وَقَوْلُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الصِّغَارِ، أَمَّا الْكِبَارُ فَعَلَى الظَّاهِرِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَاجِزِينَ لَا نَفَقَةَ لَهُمْ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْأَبُ غَنِيًّا وَهُمْ صِغَارٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَالٌ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الذَّكَرُ حَدَّ الْكَسْبِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُنْثَى ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا يُدْفَعُ كَسْبُ الِابْنِ إلَى أَمِينٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ؛ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ فَإِمَّا حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَنَفَقَتُهُمْ فِي مَالِهِمْ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَجَبَتْ عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِهِمْ يُنْفِقُ بِإِذْنِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ، فَلَوْ أَنْفَقَ بِلَا أَمْرِهِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ لَكِنْ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْحُكْمِ رُجُوعٌ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ فَقِيرًا، فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَكِبَارًا

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَادِرِينَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ نَفَقَتَهُ هُوَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا أَغْنِيَاءَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ وَهُمْ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ عَاجِزُونَ وَالْأَبُ أَيْضًا عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ، فَالْخَصَّافُ قَالَ: يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ نَفَقَتُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ اكْتَسَبَ، فَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْكَسْبِ حُبِسَ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ سَفُلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ إتْلَافُ النَّفْسِ وَلَا يَحِلُّ لِلْأَبِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ عَدَا الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ بِسَيْفٍ بِحَيْثُ لَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِحَاجَتِهِمْ أَوْ لَمْ يَكْتَسِبْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ وَالْجَدُّ أَوْ الْأُمُّ أَوْ الْخَالُ أَوْ الْعَمُّ مُوسِرٌ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الصَّغِيرِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ، وَكَذَا يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ مُوسِرَةٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ إلَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ فِي الْأَوَّلِ، وَمَا نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَأُمٌّ مُوسِرَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ لِجَعْلِهِ كَالْأَبِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَفِي نَفَقَاتِ الشَّهِيدِ: خَلَعَ امْرَأَتَهُ وَغَابَ عَنْهَا فَطَالَبَتْ عَمَّهُمْ فَعَلَى الْعَمِّ ثُلُثَا نَفَقَتِهِمْ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْأَبِ رِزْقَ الْوَالِدَاتِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَوْلُودِ لَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى عِلَّةِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْوِلَادُ لَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُفِيدُ كَوْنَ مَبْدَإِ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً لَهُ، فَإِذَا وَجَبَ نَفَقَةُ غَيْرِهِ بِسَبَبِهِ فَوُجُوبُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَحِينَ ثَبَتَتْ نَفَقَتُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى تَبَيَّنَ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَةِ هِيَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْخِدْمَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالرَّضَاعِ، حَتَّى إنَّ اللَّبَنَ الَّذِي هُوَ مَئُونَتُهُ إنَّمَا يَسْتَحِيلُ لَبَنًا مِنْ غِذَائِهَا، فَإِيجَابُ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ إيجَابُ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، إذْ لَيْسَتْ النَّفَقَةُ سِوَى إخْرَاجِ مَا يَحْتَاجُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِكِفَايَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكِتَابِ مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ مِنْ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ شَخْصٍ آخَرَ بَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى. فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ النَّفَقَةِ فَقَالَ هِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ

(فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ رَضِيعًا فَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْكِفَايَةَ عَلَى الْأَبِ وَأُجْرَةَ الرَّضَاعِ كَالنَّفَقَةِ وَلِأَنَّهَا عَسَاهَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ لِعُذْرٍ بِهَا فَلَا مَعْنَى لِلْجَبْرِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] بِإِلْزَامِهَا الْإِرْضَاعَ مَعَ كَرَاهَتِهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا بَيَانُ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ يُوجَدُ مَنْ تُرْضِعُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا تُوجَدُ مَنْ تُرْضِعُهُ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ صِيَانَةً لِلصَّبِيِّ عَنْ الضَّيَاعِ. قَالَ (وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَمَّا اسْتِئْجَارُ الْأَبِ فَلِأَنَّ الْأَجْرَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَهَا مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَهَا. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهَا) لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] إلَّا أَنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا، فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ، وَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ بَاقٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ لِإِرْضَاعِ ابْنٍ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ كَنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى الْأُمِّ أَنْ تُرْضِعَهُ) يَعْنِي فِي الْحُكْمِ إذَا امْتَنَعَتْ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْقَيْدِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا بَيَانُ الْحُكْمِ) أَيْ عَدَمُ الْجَبْرِ بَيَانُ الْحُكْمِ قَضَاءً بِمَعْنَى أَنَّهَا إذَا امْطتَنَعَتْ لَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَكَذَا غَسْلُ الثِّيَابِ وَالطَّبْخُ وَالْخَبْزُ وَكَنْسُ الْبَيْتِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَلَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَتْ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ تَسْلِيمُ نَفْسِهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ. (قَوْلُهُ وَذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ الْجَبْرِ إذَا وَجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَوْ وُجِدَ وَلَمْ يَقْبَلْ هُوَ ثَدْيَ غَيْرِهَا أُجْبِرَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لَا تُجْبَرُ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَالشَّرَابِ فَلَا يُؤَدِّي تَرْكُ إجْبَارِهَا إلَى التَّلَفِ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَصْوَبُ، لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ سَبَبُ تَمْرِيضِهِ وَمَوْتِهِ. (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَجْرَ لَهَا) أَيْ التَّرْبِيَةَ لَهَا بِحَقِّ الْحَضَانَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ اخْتِيَارِ الْفَقِيهَيْنِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالسَّمَرْقَنْدِيّ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَفِي كَلَامِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا يُفِيدُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ الْمُرْضِعَةَ أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِ الْأُمِّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ، بَلْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا فِيمَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ أَوْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ مَعَهَا إلَيْهِ أَوْ تَقُولَ: أَخْرِجُوهُ فَتَرْضِعَهُ عِنْدَ فِنَاءِ الدَّارِ ثُمَّ تُدْخِلُ الصَّبِيَّ إلَى أُمِّهِ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الْأُولَى) لَمَّا كَانَ التَّشْبِيهُ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ وَجْهِ الشَّبَهِ لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا وَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَهَذَا يَعْنِي عَدَمَ الِاسْتِئْجَارِ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ، وَإِلَّا لَوْ اُعْتُبِرَ عُمُومُ الشَّبَهِ كَانَ ذَلِكَ تَشْبِيهًا فِي الْحُكْمِ وَالْوَجْهِ، وَأَيْضًا رُبَّمَا يَكُونُ تَأْخِيرُ ذِكْرِ وَجْهِهِ لِلْإِيمَاءِ إلَّا أَنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ، وَكَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ الْمُعْتَدَّةَ فِي قَوْلِهِ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ وَإِنْ كَانَ مُقَابِلُهُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، إذْ مِنْ عَادَتِهِ تَأْخِيرُ وَجْهِ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قِيَامَ الْعِدَّةِ هُوَ قِيَامُ نَفْسِ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا حَقَقْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَلِهَذَا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَامْتَنَعَ

لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا (وَإِنْ) (انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا) يَعْنِي لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا (جَازَ) لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ (فَإِنْ قَالَ الْأَبُ لَا أَسْتَأْجِرُهَا وَجَاءَ بِغَيْرِهَا فَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِمِثْلِ أَجْرٍ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ أَجْرٍ) كَانَتْ هِيَ أَحَقَّ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ فَكَانَ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهَا (وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ. (وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ، كَمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ خَالَفَتْهُ فِي دِينِهِ) أَمَّا الْوَلَدُ فَلِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ فَإِنَّهُ بِإِزَاءِ الِاحْتِبَاسِ الثَّابِتِ بِهِ، وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الِاحْتِبَاسُ فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهَادَتُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ عَنْ ثَلَاثٍ أَوْ بَائِنٍ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا لِلْإِرْضَاعِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا) اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الضَّرَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] وَالضَّرَرُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إرْضَاعِهِ إذَا أَلْزَمَتْ وَالْعَجْزُ مُبْطِنٌ فَأُقِيمَ امْتِنَاعُهَا عَنْهُ مَقَامَ حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا عَنْ الْإِرْضَاعِ مَعَ دَاعِيَةِ حُنُوِّ الْوَالِدَةِ ظَاهِرٌ فِي عَجْزِهَا عَنْهُ، فَلِذَا لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَتْ، فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ عَنْ رَجْعِيٍّ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا هُوَ الْأَوْجَهُ ظَهَرَ عَدَمُ عَجْزِهَا فَظَهَرَ الْوُجُوبُ عَلَيْهَا وَلَا أَجْرَ يُسْتَحَقُّ فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ الْوَاجِبِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَيْضًا كَمَا قَبْلَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَالِدَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] أَعَمُّ مِنْ الْبَائِنَاتِ فَكَانَ الْإِيجَابُ عَامًّا عَلَى الْمَنْكُوحَاتِ وَالرَّجْعِيَّاتِ وَالْبَوَائِنِ قَبْلَ الْعِدَّةِ وَفِيهَا وَبَعْدَهَا، وَالْمَانِعُ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ

وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، أَمَّا إذَا كَانَ فَالْأَصْلُ أَنَّ نَفَقَةَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِ نَفْسِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. فَصْلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاسْتِئْجَارُ هُوَ الْوُجُوبُ وَهُوَ عَامٌّ فَيَعُمُّ الْمَنْعُ الْكُلَّ إذَا ظَهَرَتْ قُدْرَتُهُنَّ وَذَلِكَ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْإِرْضَاعِ بِأَجْرٍ. وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إنَّ الْإِرْضَاعَ مِنْ نَفَقَتِهِ وَهِيَ عَلَى الْأَبِ لَا الْأُمِّ. وَيُدْفَعُ بِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ أَوْجَبَهَا الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَابِ عَلَى الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ أَوْجَبَ رِزْقَهُ لَهَا بِإِدْرَارِ الثَّدْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا سِوَى الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا إلْقَامُهُ ثَدْيَهَا، وَثُبُوتُ هَذَا الْإِيجَابِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ: أَعْنِي {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا مُقَيَّدًا بِإِيجَابِ رِزْقِهَا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] فَفِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِدَّةِ وَهُوَ قَائِمٌ بِرِزْقِهَا وَفِيمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا يَقُومُ بِشَيْءٍ فَتَقُومُ الْأُجْرَةُ مَقَامَهُ. (قَوْلُهُ وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَالٌ) وَأَطْلَقَهُ فَعَمَّ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْمَالِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَقَطْ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُعْطِي مِنْهُ أَجْرَ رَضَاعِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ ذَلِكَ لَهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُحْتَبِسَةٌ لِغَرَضِ الْآخَرِ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً، أَمَّا الْوَلَدُ فَنَفَقَتُهُ لِلْحَاجَةِ، وَبِغِنَاهُ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده]

فَصْلٌ (وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ) أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلِهَذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَعَلَى الرَّجُلِ) أَيْ الْمُوسِرِ (قَوْلُهُ وَأَجْدَادُهُ) يَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ لِأَبٍ وَالْجَدُّ لِأُمٍّ وَإِنْ عَلَوْا، وَفِي جَدَّاتِهِ جَدَّاتُهُ لِأَبِيهِ وَجَدَّاتُهُ لِأُمِّهِ وَإِنْ عَلَوْنَ. وَقَوْلُهُ: إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ: إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ: إنَّهُ لَا يُجْبَرُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ، فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ. قِيلَ: هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي إيكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ الْغَنِيَّةِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ احْتِبَاسِهِ إيَّاهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ مَقْصُودٍ لَهُ فَكَانَ كَاسْتِحْقَاقِ الْقَاضِي الْغَنِيِّ. (قَوْلُهُ نَزَلَتْ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ) بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15] فَفَرَضَ سُبْحَانَهُ مُصَاحَبَتَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَتْرُكَهُمَا مَعَ الْجُوعِ وَالْعُرَى وَيَتَقَلَّبَ هُوَ فِي النِّعَمِ إلَى أَنَّ مَحْمَلَهَا عَلَى غَيْرِ الْحَرْبِيَّيْنِ، فَأَمَّا الْآبَاءُ الْحَرْبِيُّونَ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ فِي دَارِنَا لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] إلَى قَوْلِهِ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آيَةِ الْأَبَوَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَصَادَقَانِ فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَتَنْفَرِدُ آيَةُ الْمُصَاحَبَةِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَآيَةُ النَّهْيِ فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ فَتَعَارَضَا فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ فَقُدِّمَتْ آيَةُ النَّهْيِ لِتَقْدِيمِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُبِيحِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: النَّهْيُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِاَلَّذِينَ تَحَقَّقَ مِنْهُمْ قِتَالٌ فِي الدِّينِ وَإِخْرَاجُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُمَا قِتَالٌ وَلَا مُظَاهَرَةٌ عَلَى إخْرَاجٍ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمُجَرَّدِ جَامِعِ كَوْنِهِمْ حَرْبًا لِأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِمَجْمُوعِ مَنْ تَحَقَّقَ الْقِتَالُ وَالْإِخْرَاجُ مِنْهُ، وَأَيْضًا صَرَّحَ النَّصُّ بِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا أَيْضًا حَرْبِيُّونَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي اللَّفْظِ:

الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِأَنَّهُمْ سَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ. وَشُرِطَ الْفَقْرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَا مَالٍ، فَإِيجَابُ نَفَقَتِهِ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ لِمَا تَلَوْنَا (وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ) أَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهَا بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا لِحَقٍّ لَهُ مَقْصُودٍ، وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ ثَابِتَةٌ وَجُزْءَ الْمَرْءِ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ، فَكَمَا لَا يُمْتَنَعُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ لِكُفْرِهِ لَا يُمْتَنَعُ نَفَقَةُ جُزْئِهِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَرْبِيِّينَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنَيْنِ، لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ. (وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْنِي لَفْظَ الْأَبَوَيْنِ الَّذِي هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَانِ فِيمَا إذَا قَالُوا آمَنُونَا عَلَى آبَائِنَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ دُخُولِ الْأَجْدَادِ لِعُمُومِ انْتِظَامِ اللَّفْظِ، فَإِنْ أَرَادَ إلْحَاقَهُمْ بِالْقِيَاسِ فَلَا حَاجَةَ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ بَلْ يُعَلَّلُ اسْتِحْقَاقُ الْأَبَوَيْنِ النَّفَقَةَ بِتَسَبُّبِهِمْ فِي وُجُودِهِ وَيُلْحَقُ بِهِمْ الْأَجْدَادُ وَيَعْتَبِرُهُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ، وَمِنْ الْعَجَبِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ فِي الْأَمَانِ لِيَدْخُلَ الْأَجْدَادُ مَعَ أَنَّ الْأَمَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ. وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا يَقُومُ الْجَدُّ إلَخْ قِيَامُهُ مَقَامَهُ فِي الْوِرَاثَةِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ وَلَدِ الْوَلَدِ، هَذَا وَلَوْ قَالَ: إنَّهُمْ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَالِدَاتِ كَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ صَاحِبْهُمَا الْوَالِدَانِ لَا الْأَبَوَانِ. (قَوْلُهُ أَمَّا الزَّوْجَةُ إلَخْ) عُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ وَاجِبَةٌ بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا أَنَّهُ حَيْثُ أَضَافَ إيجَابَ النَّفَقَةِ إلَى الْعَقْدِ فَهُوَ إضَافَةٌ إلَى الْعِلَّةِ الْبَعِيدَةِ وَأَنَّ الْمُؤَثِّرَ بِالذَّاتِ هُوَ الِاحْتِبَاسُ الْخَاصُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا. (قَوْلُهُ فَكَمَا لَا يُمْتَنَعُ إلَخْ) الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: فَكَمَا يُجْبَرُ عَلَى إنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ كُفْرِهِ وَذِمَّتِهِ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ جُزْئِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الِامْتِنَاعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ بَلْ أَخَصُّ مِنْهُ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُ يَجْبُرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى إنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ، أَمَّا فَتْوَاهُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَا أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ) إظْهَارٌ لِبَعْضِ

وَكَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةَ بِالْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ، وَمَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ آكَدُ وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَعْلَى فِي الْقَطِيعَةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ، فَاعْتَبَرْنَا فِي الْأَعْلَى أَصْلَ الْعِلَّةِ وَفِي الْأَدْنَى الْعِلَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا (وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ) لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQصُوَرِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ: أَيْ نَفَقَةَ غَيْرِ الْوِلَادِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ: يَعْنِي بِالْقَرَابَةِ، وَالْمَحْرَمِيَّةُ مُقَيَّدٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ... ... {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَعَلَّقَهُ بِهِ، وَلَا إرْثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ وَارِثًا بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَاعْتَبَرْنَا فِي الْأَعْلَى) وَهُوَ دَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ (أَصْلُ الْعِلَّةِ) وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ (وَفِي الْأَدْنَى) وَهُوَ النَّفَقَةُ (الْعِلَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ) بِالتَّوَارُثِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إبْدَاءٌ لِحِكْمَةِ الشَّرْعِ: يَعْنِي إنَّمَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ إيجَابَ النَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ مُقَيَّدًا بِالْإِرْثِ وَشَرَعَ عِتْقَ الْقَرِيبِ إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ الْمَحْرَمَ بِلَا ذَلِكَ الْقَيْدِ لِهَذَا الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ النَّفَقَةِ قَطِيعَةٌ وَاسْتِمْرَارُ مِلْكِهِ رَقَبَةَ الْقَرِيبِ فَوْقَهُ فِي الْقَطِيعَةِ فَأَوْجَبَ رَفْعَهَا بِلَا مُؤَكَّدٍ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَهُ فِي الْقَطِيعَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ حِينَئِذٍ إلَّا بِمُؤَكَّدٍ. وَمَا قِيلَ الضَّابِطُ عِنْدَنَا الرَّحِمُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ وَالْإِرْثُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ وَلَهُمْ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ. وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ} [البقرة: 233] سِوَى مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ، وَالْخَالُ كَذَلِكَ لَا مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ. لَا يُقَالُ: هَذَا حِينَئِذٍ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ عَلَى إخْرَاجِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ. لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ هُوَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَهُوَ الْوَارِثُ وَنَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّ نَفْيَهُ مُضَافٌ إلَى اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ) يُفِيدُ أَنَّهُ مَلَكَهُمَا (بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَكَانَ أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ، وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ. وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مِلْكًا نَاجِزًا فِي مَالِهِ. قُلْنَا: نَعَمْ لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهَا مَرْفُوعًا «إنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ لَكُمْ {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] ، وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إذَا احْتَجْتُمْ إلَيْهَا» وَمِمَّا يَقْطَعُ بِأَنَّ مُؤَوَّلَ أَنَّهُ تَعَالَى وَرَّثَ الْأَبَ مِنْ ابْنِهِ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ وَلَدِهِ؛ فَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِلْكَهُ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ مَعَ وُجُودِهِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّفَقَةَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ أَثْلَاثًا عَلَى الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَالْحَقُّ الِاسْتِوَاءُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوِلَادِ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عُلِّقَ فِيهِ بِالْإِرْثِ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الْوِلَادِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَا تَوَارُثَ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُعْسِرًا وَهُمَا مُوسِرَانِ فَلَا نَفَقَةَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ وَيَجِبُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ مَعَ اعْتِبَارِهِ أَوْ لَا فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَالْحَلْوَانِيِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: إذَا كَانَ الْأَبُ زَمِنًا وَكَسْبُ الِابْنِ لَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَيْهِ كَيْ لَا يَضِيعَ وَلَا يَخْشَى بِذَلِكَ الْهَلَاكَ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَهْلَكُ عَلَى نِصْفِ بَطْنِهِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُو تَعِفُّوا وَفِي الْفَتَاوَى: يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَلَا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ

(وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً بَالِغَةً فَقِيرَةً أَوْ كَانَ ذَكَرًا بَالِغًا فَقِيرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى) لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ، وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ " ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوْجَةِ ابْنِهِ. وَفِي نَفَقَاتِ الْحَلْوَانِيِّ قَالَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ كَمَا قُلْنَا، وَفِي رِوَايَةٍ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ مَرِيضًا أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ يَحْتَاجُ إلَى الْخِدْمَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا فَلَا. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ، فَإِنَّ الِابْنَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمِهِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْقُرْبُ بَعْدَ الْجُزْئِيَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ وَبِنْتُ بِنْتٍ وَإِنْ سَفُلَتْ أَوْ ابْنُ بِنْتٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى بِنْتِ الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَ مِيرَاثُهُ لِأَخِيهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَمَوْلَى عَتَاقَةٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ، وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيهِ وَلَدٌ وَابْنُ ابْنٍ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَعَلَى الْبِنْتِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا لِقُرْبِ الْبِنْتِ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِمُرَجِّحٍ وَهُمَا وَارِثَانِ. وَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدُ ابْنٍ وَوَلَدُ بِنْتٍ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِرْثُ لِوَلَدِ الِابْنِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنَانِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَالْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَالِدٌ وَوَلَدٌ فَهِيَ عَلَى الْوَلَدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَيَتَرَجَّحُ الْوَلَدُ بِاعْتِبَارِ التَّأْوِيلِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَعَدَمِ التَّرْجِيحِ، الْكُلُّ مِنْ الْمُحِيطِ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ الِابْنُ هُوَ غَنِيٌّ وَلَيْسَ عَلَيَّ نَفَقَتُهُ وَقَالَ الْأَبُ أَنَا مُعْسِرٌ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الِابْنِ. (قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) أَيْ وَاجِبَةٌ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فَهُوَ مِنْ حَذْفِ الْخَبَرِ لِقَرِينَةٍ لَا مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْجَارِ وَالْمَجْرُورِ نَائِبَيْنِ عَنْ الْخَبَرِ لِوُجُوبِ تَعَلُّقِهِمَا بِالْكَوْنِ الْمُطْلَقِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ هُنَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: عَلَى كُلِّ وَارِثٍ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ. وَجْهُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْإِشَارَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] لِنَفْيِ الْمُضَارَّةِ لَا لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ، فَلَا يَبْقَى دَلِيلًا عَلَى إيجَابِ النَّفَقَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ لِعَدَمِ دَلِيلِهَا الشَّرْعِيِّ. قُلْنَا: نَفْيُهَا

وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى أَمَارَةُ الْحَاجَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ. بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ. قَالَ (وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ الْإِشَارَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالْكَافِ فَإِنَّهَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ لِلْبَعِيدِ دُونَ الْقَرِيبِ. وَجْهُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَهَا بِالْوَارِثِ فَقَيْدُ الْمَحْرَمِيَّةِ زِيَادَةٌ. قُلْنَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ " فَيَكُونُ بَيَانًا لِلْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْقَاطِعِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ. أُجِيبَ بِادِّعَاءِ شُهْرَتِهَا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِمَا فِي النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ «طَارِقٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ «عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمَّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمَّك، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أَبَاكَ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذَوِي قَرَابَتِكَ» فَهَذِهِ تُفِيدُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْإِرْثِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُفِيدُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ أَصْلًا لِأَنَّهُ جَوَابُ قَوْلِ السَّائِلِ مَنْ أَبَرُّ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ سُؤَالًا عَنْ الْبِرِّ الْمَفْرُوضِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ سُؤَالًا عَنْ الْأَفْضَلِ مِنْهُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِلنَّصِّ لِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى الْوَارِثِ بِالنَّصِّ لَا يَنْفِي أَنْ يَجِبَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَثْبُتُ عَلَى غَيْرِهِ بِالْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ. عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يُلْزِمَهُمْ أَنَّ الْوَارِثَ أُرِيدَ بِهِ الْقَرِيبَ عِنْدَ مَنْ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ خُصُوصًا عَلَى رَأْيِكُمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ قَرِيبٍ وَارِثٍ لِتَوْرِيثِكُمْ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ قَوْلِكُمْ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى قَالُوا: إذَا كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى خَالِهِ وَمِيرَاثَهُ لِابْنِ عَمِّهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ قَوْلُنَا: نَقْطَعُ بِأَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ لِوُجُوبِ الْوَصْلِ وَالْقَرَابَةِ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا بِالنُّصُوصِ هِيَ عَلَى الْمَحْرَمِيَّةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لَا يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَصْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الْقَرَائِبِ لِأَنَّ الِافْتِرَاشَ إمَّا عَدَمُ وَصْلٍ أَوْ يُؤَدِّي إلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ) وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ تَتَحَقَّقُ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ بَعْدَ كَوْنِهِ بَالِغًا. وَلِهَذَا أَخَذَ فِي الْبَالِغِ الَّذِي تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْوِلَادِ الزَّمَانَةَ حَيْثُ قَالُوا: وَالِابْنُ الزَّمِنُ الْبَالِغُ، وَيُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَا مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ: وَلَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ رَجُلًا صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً أَوْ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنِّي أُجْبِرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا انْتَهَى. وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ يَشُدُّ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ

لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ، وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ وَالْجَبْرَ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ. قَالَ (وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ عَلَى أَبَوَيْهِ أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ) لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَالْحَسَنِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] وَصَارَ كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمَئُونَةٌ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتَصَّ بِنَفَقَتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فِيهِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ، وَفِي غَيْرِ الْوَالِدِ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمِيرَاثِ حَتَّى تَكُونَ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ أَثْلَاثًا، وَنَفَقَةُ الْأَخِ الْمُعْسِرِ عَلَى الْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ الْمُوسِرَاتِ أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْحَلْوَانِيِّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ) بِطَرِيقِ أَنَّهُ يُفِيدُ عَلَيْهِ مَأْخَذَ الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ الْإِرْثُ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ وُجُودِ الْعِلَّةِ عَلَى قَدْرِ وُجُودِهَا. مِثَالُهُ إذَا كَانَ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْأَخِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُخْتِ الثُّلُثُ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمَا مِنْهُ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَا لِأُمٍّ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَإِرْثِهِمَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ عَصَبَةٌ أُخْرَى فَالثُّلُثَانِ عَلَى الْعَاصِبِ، وَلَوْ كَانَ أَخٌ لِأَبٍ وَأَخٌ لِأُمٍّ فَالسُّدُسُ عَلَى الْأَخِ لِأُمٍّ وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الْفَرْقِ) أَيْ بَيْنَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الزَّمِنِ. (قَوْلُهُ فَاخْتَصَّ بِنَفَقَتِهِ) لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ الْكَامِلَةِ صَارَ كَنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ لِيَكُونَ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ) بِأَنْ تَكُونَ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْرَى لِأَبٍ وَأُخْرَى لِأُمٍّ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا عَلَى الشَّقِيقَةِ وَخُمُسٌ

غَيْر أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فِي الْجُمْلَةِ لَا إحْرَازُهُ، فَإِنَّ الْمُعْسِرَ إذَا كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى خَالِهِ وَمِيرَاثُهُ يُحْرِزُهُ ابْنُ عَمِّهِ (وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ) لِأَنَّهَا تَجِبُ صِلَةً وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ، إذْ الْمَصَالِحُ لَا تَنْتَظِمُ دُونَهَا، وَلَا يَعْمَلُ فِي مِثْلِهَا الْإِعْسَارُ. ثُمَّ الْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا أَوْ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ الدَّائِمِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الَّتِي لِأَبٍ وَخُمُسٌ عَلَى الَّتِي لِأُمٍّ لِأَنَّ مِيرَاثَهُنَّ مِنْهُ كَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِنَّ. (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ) هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ وَقَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ. وَإِيضَاحَهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَارِثِ غَيْرُ مُرَادَةٍ، فَإِنَّهُ لِمَنْ قَامَ بِهِ الْإِرْثُ بِالْفِعْلِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ وَلَا نَفَقَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَعَذَّرَتْ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ، وَالْخَالُ كَذَلِكَ فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَجِبْ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَعَمٌّ أَوْ عَمَّةٌ فَإِنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَمِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ، وَإِحْرَازُ الْعَمِّ الْمِيرَاثَ فِي الْحَالِ لَوْ مَاتَ، فَلَوْ كَانَ الْعَمُّ مُعْسِرًا وَجَبَتْ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالِ أَثْلَاثًا عَلَى الْعَمَّةِ الثُّلُثُ وَيُجْعَلُ الْمُعْسِرُ كَالْمَيِّتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَهْلِيَّةُ الْمِيرَاثِ لَا إحْرَازُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُحْرِزُ لِلْمِيرَاثِ غَيْرَ مَحْرَمٍ وَمَعَهُ مَحْرَمٌ، أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ مَحْرَمِيَّةُ كُلِّهِمْ وَبَعْضِهِمْ لَا يُحْرَزُ الْمِيرَاثُ فِي الْحَالِ كَالْخَالِ وَالْعَمِّ إذَا اجْتَمَعَا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إحْرَازُ الْمِيرَاثِ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ، وَإِذَا اتَّفَقُوا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْإِرْثُ فِي الْحَالِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ فَقِيرًا جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ وَوَجَبَتْ عَلَى الْبَاقِينَ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ) أَيْ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَالْأُخْرَى بِمَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَ كَسْبُهُ دِرْهَمًا وَيَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ

وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، لَكِنَّ النِّصَابَ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ. (وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قُضِيَ فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ) وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ (وَإِذَا بَاعَ أَبُوهُ مَتَاعَهُ فِي نَفَقَتِهِ جَازَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ (وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ) وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ فِي حَالِ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ لَهُ سِوَى النَّفَقَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQدَوَانِقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّانِقَانِ لِلْقَرِيبِ، وَمَحْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَاجَةِ الْإِنْسَانِ إنْ كَانَ مُكْتَسِبًا وَلَا مَالَ لَهُ حَاصِلٌ اُعْتُبِرَ فَضْلُ كَسْبِهِ الْيَوْمِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ كَانَ لَهُ مَالٌ اُعْتُبِرَ نَفَقَةُ شَهْرٍ فَيُنْفِقُ ذَلِكَ الشَّهْرَ، فَإِنْ صَارَ فَقِيرًا ارْتَفَعَتْ نَفَقَتُهُمْ عَنْهُ. وَمَالَ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْكَسْبِ فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنْ قَالَ: لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَيُعْتَبَرُ فِي جَانِبِ الْمُؤَدِّي بِتَيْسِيرِ الْأَدَاءِ وَتَيْسِيرُ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ إذَا كَانَ كَسْبُهُ يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ وَمَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا، وَبِدَايَتُهُ النِّصَابُ فَيَتَقَدَّرُ بِهِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا نَقَلَ أَنَّهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ: وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ. (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ لَكِنْ لَا كَمَا يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ النُّصُبِ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، إلَّا أَنَّ النَّفَقَةَ لَمَّا كَانَتْ حَقَّ الْآدَمِيِّ نَفْسِهِ تُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ حَقٌّ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ الْآدَمِيِّ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى يُرَاعَى فِيهَا مِنْ التَّيْسِيرِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الْمُحْتَاجِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَدْرُ نِصَابٍ فَاضِلٍ لِتَجِبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ. فَإِذَا أَنْفَقَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ سَقَطَتْ، وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قَضَى فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَقْضِي لَهُ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ مَنْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إذَا قَدَرَ بِلَا قَضَاءٍ، فَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ وَالزَّوْجَةُ إذَا قَدَرُوا عَلَى مَالٍ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إذَا احْتَاجُوا. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ) عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ) وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ بَيْعُ عَقَارِ الِابْنِ إلَّا إذَا كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ) وَقَرَّرَ فِي النِّهَايَةِ وَجْهَ

وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي النَّفَقَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَالْأَبُ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ بِنَفْسِهَا، وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَةَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ. إذَا جَازَ بَيْعُ الْأَبِ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِنَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (وَإِنْ كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ فِي يَدِ أَبَوَيْهِ وَأَنْفَقَا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَقَدْ أَخَذَا جِنْسَ الْحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَاسِ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ رَشِيدًا إلَّا فِيمَا يَبِيعُهُ تَحْصِينًا عَلَى الْغَائِبِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَيْدَ الرَّشِيدِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْأَبِ. نَعَمْ إذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى مَا عُرِفَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْعُقُودَ الْمُوجِبَةَ لِلدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ فِي جَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَاكَ: إنَّ مَنْعَ الْمَالِ لَا يُفِيدُ مَعَ فَكِّ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ بِلِسَانِهِ بِأَنْ يُبَاشِرَ الْعُقُودَ إلَى آخِرِ مَا عُرِفَ فِي بَابِ الْحَجْرِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي نَفَقَتِهَا) مَعَ أَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِلْأَبِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ مَعَ عُمُومِ وِلَايَتِهِ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) حَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ بِثُبُوتِ وِلَايَةِ حِفْظِ مَالِ الِابْنِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ، وَبَيْعُ الْعُرُوضِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ، وَإِذَا مَلَكَهُ الْوَصِيُّ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ الْأَبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ صَارَ الْحَاصِلُ عِنْدَهُ الثَّمَنَ وَهُوَ جِنْسُ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهُ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ بِالْبَيْعِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ بَيْعُهُ إلَّا بِمَحْضِ الْوِلَايَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ صِغَرِ الْوَلَدِ أَوْ جُنُونِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ بَيْعِ الْأَبِ لِلْعُرُوضِ عَلَى الْكَبِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ جَوَازَ بَيْعِ

(وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي ضَمِنَ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِي الْحِفْظِ لَا غَيْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ أَمْرَهُ مُلْزِمٌ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ. وَإِذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِهِ. (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ بِالنَّفَقَةِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى لَا تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَقَدْ حَصَلَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى. قَالَ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَبَوَيْنِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْبَيْعَ إلَيْهِمَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ: وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ مَعْنَى الْوِلَادِ يَجْمَعُهُمَا وَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْفَاقِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا. أَمَّا بَيْعُهَا بِنَفْسِهَا فَبَعِيدٌ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالْوِلَادِ وَلَا بِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ بَلْ بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْحِفْظِ. (قَوْلُهُ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي ضَمِنَ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ. وَفِي النَّوَادِرِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَان يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا. وَقَالُوا فِي رُفْقَةٍ فِي سَفَرٍ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمْ أَوْ مَاتَ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ وَجَهَّزُوهُ مِنْ مَالِهِ لَا يَضْمَنُونَ اسْتِحْسَانًا وَمَاتَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ خَرَجُوا إلَى الْحَجِّ وَاحِدٌ فَبَاعُوا مَا كَانَ لَهُ مَعَهُمْ. فَلَمَّا وَصَلُوا سَأَلَهُمْ مُحَمَّدٌ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمْ تَكُونُوا فُقَهَاءَ، وَكَذَا بَاعَ مُحَمَّدٌ كُتُبَ تِلْمِيذٍ لَهُ مَاتَ وَأَنْفَقَ فِي تَجْهِيزِهِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] وَقَالُوا فِي عَبْدٍ مَأْذُونٍ مَاتَ مَوْلَاهُ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا مَعَهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْأَمْتِعَةِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ فِي مَسْجِدٍ لَهُ أَوْقَافٌ وَلَا مُتَوَلِّيَ لَهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي جَمْعِ رِيعِهَا وَأَنْفَقَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فِيمَا يَحْتَاجُ مِنْ شِرَاءِ الزَّيْتِ وَالْحُصْرِ وَالْحَشِيشِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا. (قَوْلُهُ فَظَهَرَ إلَخْ) يَعْنِي إذَا ضَمِنَهُ الْغَائِبُ ظَهَرَ مِلْكُهُ لِمَا دَفَعَهُ لِلْأَبَوَيْنِ حَالَ دَفْعِهِ لَهُمَا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمِلْكِهِ لَهُمَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) هَذَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ، فَأَمَّا إذَا قَصُرَتْ لَا تَسْقُطُ وَمَا دُونَ الشَّهْرِ قَصِيرَةٌ فَلَا تَسْقُطُ. قِيلَ وَكَيْفَ لَا تَصِيرُ الْقَصِيرَةُ دَيْنًا وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ بِالنَّفَقَةِ فَائِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا مَضَى سَقَطَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ، وَمِثْلُ هَذَا قَدَّمْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ لِلْحَاجَةِ) وَعَنْ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُمْ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً فَسُرِقَتْ أَوْ هَلَكَتْ كَانَ عَلَيْهِ أُخْرَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِمَا سُرِقَ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ أُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ تِلْكَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ لِأَنَّهَا لِلزَّوْجَةِ لَيْسَتْ شَرْعًا لِحَاجَتِهَا بَلْ لِاحْتِبَاسِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَبِالتَّلَفِ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَنْتِفْ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَسْقُطُ) وَإِنْ كَانَ فِي نَفَقَةِ

[فصل وعلى المولى أن ينفق على عبده وأمته]

فَصْلٌ (وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَمَالِيكِ «إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَوِي الْأَرْحَامِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي زَكَاةِ الْجَامِعِ أَنَّ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَسِوَى نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ: مَحْمَلُهُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ مَا إذَا أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانُوا حَتَّى احْتَاجُوا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدِينُوا بَلْ أَكَلُوا مِنْ الصَّدَقَةِ لَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا، وَإِلَى هَذَا مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَصَرُوهُ وَقَيَّدُوا إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ بِهِ، وَقِيلَ: مَحْمَلُهُ مَا إذَا قَصُرَتْ الْمُدَّةُ بِأَنْ تَكُونَ شَهْرًا فَأَقَلَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ، قِيلَ إلَّا الشَّعْبِيُّ، الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ وَالْمُودِعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَا عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ، وَالدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا كَانَ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِيهَا: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ أَمَةٌ أَنَّ هَذِهِ حُرَّةٌ قَبِلَ الْقَاضِي هَذِهِ الشَّهَادَةَ ادَّعَتْ الْأَمَةُ أَوْ جَحَدَتْ، وَيَضَعُهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَتُفْرَضُ نَفَقَةُ الْأَمَةِ إنْ طَلَبَتْ عَلَى الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ اهـ. وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا صَغِيرًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ لِغَيْرِهِ هَذَا عَبْدُك أَوْدَعْته عِنْدِي فَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ مَا أَوْدَعَهُ ثُمَّ يَقْضِي بِنَفَقَتِهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِرِقِّهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ فَيَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هُمْ إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَزَادَ فِيهِ «وَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُمْ

تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» (فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ حَتَّى يَبْقَى الْمَمْلُوكُ حَيًّا وَيَبْقَى فِيهِ مِلْكُ الْمَالِكِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ) بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا (أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهِمَا) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمَا وَإِبْقَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخُلْفِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ تَأْخِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ إبْطَالًا، وَبِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا، إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ» وَفِيهِ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَفِيهِ إضَاعَتُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُجْبَرُ، وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ لَا مِثْلِهِ، فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقُ كَفَى، بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَهُمْ إلَّا الْأَفْرَادُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا) عَلَى أَنْفُسِهِمَا. حَتَّى لَوْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ إلَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْكَسْبِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ إذَا أَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِصِنَاعَةٍ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمُعِينِ الْبَنَّاءِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ نَقْلًا مِنْ الْكَافِي فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُبُوتُهُ هُنَا أَوْلَى، وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا بِأَنْ كَانَتْ حَسَنَةً يُخْشَى مِنْ ذَلِكَ الْفِتْنَةُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ عَيْنًا إنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْكَسْبِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ عَلَى حَقِّهِ بِشَيْءٍ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا زَمِنًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْهُ وَتَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الصَّغِيرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ عَصَبَةً لَهُ كَابْنِ الْعَمِّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إلَخْ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْإِنْفَاقِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا لِأَنَّ فِي الْإِجْبَارِ نَوْعَ قَضَاءٍ وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَيَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، لَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكُونُ آثِمًا مُعَاقَبًا بِحَبْسِهَا عَنْ الْبَيْعِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ. وَفِي الْحَدِيثِ «امْرَأَةٌ دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، لَا هِيَ أَطْلَقَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ. وَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا» وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ» : يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «لَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ» وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَنْهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ» . وَعَنْ هَذَا مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا يَعْنِي كَالْأَمْلَاكِ مِنْ الدُّورِ وَالزُّرُوعِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْمَالِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةٍ فَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلَا بِدَعَ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ. وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الشَّرِيكِ، ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ. وَفِي الْمُحِيطِ: يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ لَتَضَرَّرَ الشَّرِيكُ. [فُرُوعٌ] وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مَالِكًا كَانَ أَوْ لَا. مِثَالُهُ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ. وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانِ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ. وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ وَسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ، فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى: أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ، فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ بِنَائِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا غَرِمَ فِيهِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِتَمْرِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ، وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهَا وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِشَجَرِهِ لِآخَرَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا لِأَنَّ الْكَسْبَ يُبَاعُ لِعَلَفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا أَقُولُ فِيمَا عَنْ مُحَمَّدٍ: ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا، وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدِ، وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ قِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمَلِكِ كَالْمَرْهُونِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ، وَيَجُوزُ وَضْعُ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[كتاب العتاق]

كِتَابُ الْعَتَاقِ الْإِعْتَاقُ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ. قَالَ (الْعِتْقُ يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي مِلْكِهِ) شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ وَالْبُلُوغِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْعَتَاقِ] ِ اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فِي أَنَّهُ إسْقَاطٌ إلَّا أَنَّهُ إسْقَاطُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالطَّلَاقُ إسْقَاطُ مِلْكِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَأَمَّا إسْقَاطُ مِلْكِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيُسَمَّى إبْرَاءً وَإِسْقَاطُ مِلْكِ الْقِصَاصِ يُسَمَّى عَفْوًا فَقَدْ مُيِّزَتْ أَنْوَاعُ الْإِسْقَاطَاتِ بِأَسْمَاءِ لِيُنْسَبَ إلَيْهَا مَعَ اخْتِصَارٍ، وَتَسْرِي إضَافَةً لِلْبَعْضِ إلَى الْكُلِّ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِهِ بِتَأْوِيلِ الْأَوَّلِ إلَى الْكُلِّ وَيَلْزَمُ حَتَّى لَا يَقْبَلَ الْفَسْخَ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ عَلَى الْعِتْقِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ وَصْلًا لَهُ بِمُقَابَلِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَحَلِّهِ بِشَرْطِ وُجُودِهِ فَكَانَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ هُوَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ مِلْكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ، وَبَيَانُ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ يُبَيِّنُ نَفْسَ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالنَّدْبِ وَالسَّرَيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْإِعْتَاقِ مِنْ الْمَحَاسِنِ فَإِنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، فَالْعِتْقُ إزَالَةُ أَثَرِ الْكُفْرِ وَهُوَ إحْيَاءٌ حُكْمِيٌّ لِأَثَرٍ حُكْمِيٍّ لِمَوْتٍ حُكْمِيٍّ. فَإِنَّ الْكَافِرَ مَيِّتٌ مَعْنًى. فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِحَيَاتِهِ وَلَمْ يُذَقْ حَلَاوَتَهَا الْعُلْيَا فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُوحٌ، قَالَ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] أَيْ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ، ثُمَّ أَثَرُ ذَلِكَ الْكُفْرِ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ سَلْبُ أَهْلِيَّتِهِ لِمَا تَأَهَّلَ لَهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ ثُبُوتِ الْوِلَايَاتِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ إنْكَاحِ الْبَنَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالشَّهَادَاتِ وَعَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ نِكَاحُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ، وَامْتَنَعَ أَيْضًا بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجَنَائِزِ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّهُ صَارَ بِذَلِكَ مُلْحَقًا بِالْأَمْوَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ، فَكَانَ الْعِتْقُ إحْيَاءً لَهُ مَعْنًى، وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَانَ جَزَاؤُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ الْعِتْقُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ الْإِعْتَاقَ مِنْ نَارِ الْجَحِيمِ الَّتِي هِيَ الْهَلَاكُ الْأَكْبَرُ. قُوبِلَ إحْيَاؤُهُ مَعْنَى بِإِحْيَائِهِ مَعْنًى أَعْظَمَ إحْيَاءً كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ سَيِّدِ الْأَخْيَارِ، مِنْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. رَوَاهُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَفِي لَفْظٍ «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ وَالْبَاقُونَ فِي الْعِتْقِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ» وَزَادَ أَبُو دَاوُد «وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ إلَّا كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِي مَكَانَ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ» وَهَذَا يَسْتَقِلُّ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اسْتِحْبَابِ عِتْقِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ عِتْقَهُ بِعِتْقِ الْمَرْأَتَيْنِ بِخِلَافِ عِتْقِهِ رَجُلًا. وَالْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ لُغَةً عِبَارَتَانِ عَنْ الْقُوَّةِ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ لِجَوَارِحِهَا. وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ عَلَى الطَّيَرَانِ، وَفَرَسٌ عَتِيقٌ إذَا كَانَ سَابِقًا وَذَلِكَ عَنْ قُوَّتِهِ، وَالْبَيْتُ الْعَتِيقُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ عَنْهُ مِلْكَ أَحَدٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ، وَقِيلَ لِلْقَدِيمِ عَتِيقٌ لِقُوَّةِ سَبْقِهِ، وَلِلْخَمْرِ إذَا تَقَادَمَتْ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا، وَبِاعْتِبَارِ الْقِدَمِ وَالسَّبْقِ جَاءَ بَيْتُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: عَلَيَّ أَلْيَةٌ عَتَقَتْ قَدِيمًا ... وَلَيْسَ لَهَا وَإِنْ طَلَبَتْ مَرَامُ يَعْنِي قُدِّمَتْ وَأَنَّهَا لَا تُرَامُ بِحِلٍّ، وَبَعْدَهُ: بِأَنَّ الْغَدْرَ قَدْ عَلِمَتْ مُعَدٌّ ... عَلَيَّ وَجَارَتِي مِنِّي حَرَامُ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَلَفَ مِنْ قَدِيمٍ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَلَا يَزْنِي بِجَارَتِهِ، وَكَذَا تَقُولُ عَتَقَتْ إذَا سَبَقَتْ وَذَلِكَ لِفَضْلِ الْقُوَّةِ، وَالْعِتْقُ أَيْضًا يُقَالُ لِلْجَمَالِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الصِّدِّيقُ عَتِيقًا لِجَمَالِهِ، وَقِيلَ لِقَدَمِهِ فِي الْخَيْرِ. وَقِيلَ لِعِتْقِهِ مِنْ النَّارِ، وَقِيلَ لِشَرَفِهِ فَإِنَّهُ قُوَّةٌ فِي الْحَسَبِ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْكَرِيمِ: يَعْنِي الْحَسِيبَ. وَقِيلَ قَالَتْ أُمُّهُ لَمَّا وَضَعَتْهُ هَذَا عَتِيقٌ مِنْ الْمَوْتِ وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ تَرْجِعُ إلَى زِيَادَةِ قُوَّةٍ فِي مَعَانِيهَا، وَقِيلَ هُوَ اسْمُهُ الْعَلَمُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ وَضْعِهِ لَهُ الْجَمَالُ أَوْ تَفَاؤُلًا لَهُ بِالْحَسَبِ الْمُنِيفِ أَوْ بِعَدَمِ الْمَوْتِ، وَإِذَا كَانَ الْعِتْقُ لُغَةً الْقُوَّةُ فَالْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَالْعِتْقُ فِي الشَّرْعِ: خُلُوصٌ حُكْمِيٌّ يَظْهَرُ فِي الْآدَمِيِّ عَمَّا قَدَّمْنَاهُ ثَابِتًا بِالرِّقِّ، وَلَا يَخْفَى ثُبُوتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا يُقَالُ: إنَّهُ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ

لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ، وَالْعَقْلِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْبَالِغُ: أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ ظَاهِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُوَّةَ الْمُفَسَّرَ هُوَ بِهَا لُغَةً أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا فِي الْبَدَنِ أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى آخَرَ، وَلِذَا أَطْلَقُوهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَدَدْنَاهَا بِاعْتِبَارِ قُوَّةٍ تَرْجِعُ إلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، إلَّا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْحُرِّيَّةِ الطَّارِئَةِ عَلَى الرِّقِّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُغْرِبِ حَيْثُ قَالَ: الْعِتْقُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ، فَالْإِعْتَاقُ شَرْعًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ وَالتَّحْرِيرُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْخُلُوصُ، يُقَال طِينٌ حَرٌّ لِلْخَالِصِ عَمَّا يَشُوبُهُ، وَمِنْهُ يُقَالُ أَرْضٌ حَرَّةٌ لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا، وَالْكُلُّ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْقُوَّةِ. وَالرِّقُّ فِي اللُّغَةِ الضَّعْفُ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَصَوْتٌ رَقِيقٌ، وَقَدْ يُقَالُ الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِقْهِيِّ تَجَوُّزٌ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ. وَسَبَبُهُ الْبَاعِثُ فِي الْوَاجِبِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ وَفِي غَيْرِهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا سَبَبُهُ الْمُثْبِتُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْسَ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ عَتَقَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَهُوَ نَفْسُهُ رُكْنُ الْإِعْتَاقِ اللَّفْظِيِّ الْإِنْشَائِيِّ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَحُكْمُهُ زَوَالُ الرِّقِّ عَنْهُ وَالْمِلْكُ وَصِفَتُهُ فِي الِاخْتِيَارِيِّ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ غَالِبًا وَلَا يَلْزَمُ فِي تَحَقُّقِهِ شَرْعًا وُقُوعُهُ عِبَادَةً فَإِنَّهُ يُوجَدُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَمِنْ الْكَافِرِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعْصِيَةً كَالْعِتْقِ لِلشَّيْطَانِ وَالصَّنَمِ وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ يَذْهَبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَرْتَدُّ أَوْ يُخَافُ مِنْهُ السَّرِقَةُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ، وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ مَعَ تَحْرِيمِهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْكَفَّارَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَالْعِتْقِ لِزَيْدٍ. وَالْقُرْبَةُ مَا يَكُونُ خَالِصًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَتَحْصُلُ أَنَّ الْعِتْقَ يُوصَفُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ. هَذَا وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ مَا لَمْ يَخَفْ مَا ذَكَرْنَا أَجْرٌ لِتَمْكِينِهِ مِنْ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ عَنْهُ، وَأَمَّا مَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَغْلَى ثَمَنًا مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عِتْقُهُ أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُهَا أَغْلَاهَا» بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ. وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْأَعْلَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ تَمْكِينُ الْمُسْلِمِ مِنْ مَقَاصِدِهِ وَتَفْرِيغِهِ. وَأَمَّا مَا يُقَالُ فِي عِتْقِ الْكَافِرِ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ رُسُوخُ الِاعْتِقَادَاتِ وَإِلْفُهَا فَلَا يَرْجِعُ عَنْهَا، وَلِذَا نُشَاهِدُ الْأَحْرَارَ بِالْأَصَالَةِ مِنْهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إلَّا ارْتِبَاطًا بِعَقَائِدِهِمْ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَضَتْ حُرِّيَّتُهُ، نَعَمْ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِي اسْتِحْبَابِ عِتْقِهِ تَحْصِيلُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا تَفْرِيغُهُ لِلتَّأَمُّلِ فَيُسَلَّمُ فَهُوَ احْتِمَالٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ) عَنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ

لِوُجُودِ الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ إذَا احْتَلَمْت لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» . (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنْتِ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ قَدْ حَرَّرْتُك أَوْ قَدْ أَعْتَقْتُك فَقَدْ عَتَقَ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرِيَّةِ لِلْعَبْدِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ لِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَالْمَالُ لِلْعَبْدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَكَانَ عُمَرُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَالِهِ، قِيلَ: الْحَدِيثُ خَطَأٌ وَفِعْلُ عُمَرَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ، وَلِلْجُمْهُورِ مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَا عُمَيْرُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَك عِتْقًا هَنِيًّا فَأَخْبِرْنِي بِمَالِك، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ غُلَامَهُ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِمَالِهِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ الصَّبِيُّ إلَخْ) وَكَذَا إذَا قَالَ الْمَجْنُونُ إذَا أَفَقْت فَهُوَ حُرٌّ لَا يَنْعَقِدُ كَلَامُهُمَا سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ حَالَ التَّكَلُّمِ الْمُلْزِمِ فَلَمْ يَقَعْ تَعْلِيقًا مُعْتَبَرًا. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطَّلَاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ. وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْوَكَالَةِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِيهِ) أَيْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِإِنْشَاءِ الْإِعْتَاقِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ الْمَوْلَى وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِتْقُ بِأَيِّ صِيغَةٍ كَانَ فِعْلًا أَوْ وَصْفًا أَوْ مَصْدَرًا، فَالْفِعْلُ نَحْوَ أَعْتَقْتُك وَحَرَّرْتُك وَأَعْتَقَك اللَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: بِالنِّيَّةِ وَالْوَصْفِ نَحْوَ أَنْتَ حُرٌّ مَحْرَمٌ عَتِيقٌ مُعْتَقٌ، وَلَوْ فِي النِّدَاءِ كَيَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَإِنَّهُ هَكَذَا حُرٌّ، وَالْمَوْلَى كَقَوْلِهِ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ يُعْتَقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَالْمَصْدَرُ الْعَتَاقُ عَلَيْك وَعِتْقُك عَلَيَّ. وَلَوْ زَادَ قَوْلُهُ وَاجِبٌ لَمْ يُعْتَقْ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ. وَلَوْ قَالَ أَنْتَ عِتْقٌ أَوْ عَتَاقٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ عَتَقَ بِالنِّيَّةِ، ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ. فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ ضَابِطِ الصَّرِيحِ، ثُمَّ حُكْمُ الصَّرِيحِ أَنْ يَقَعَ بِهِ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ لَا إنْ نَوَى غَيْرَهُ إلَّا فِي الْقَضَاءِ. أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ إذَا نَوَى غَيْرَهُ، فَلَوْ قَالَ: نَوَيْت بِالْمَوْلَى النَّاصِرَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ عَلَى مَا نَوَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ هَازِلًا، فَإِنْ كَانَ هَازِلًا فَإِنَّهُ يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ وَهُوَ الْكَذِبُ هَزْلًا هَكَذَا يَقْتَضِيهِ مَا صَدَّرَ بِهِ الْحَاكِمُ كِتَابَ الْعِتْقِ مِنْ الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ

لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ وَالْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِخْبَارِ فَقَدْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْإِخْبَارَ الْبَاطِلَ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ لَعِبَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ» وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231] فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْهَزْلِ بِهِ. وَذَكَرَ يَعْنِي مُحَمَّدًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ تَكَلَّمَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّرِيحِ فَكُّ الرَّقَبَةِ. وَدَفَعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ الْقَائِلِ «أَلَيْسَا سَوَاءً؟ فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا» وَقَوْلُهُ تُصْبِحُ حُرًّا إضَافَةٌ لِلْعِتْقِ وَتَقُومُ حُرًّا وَتَقْعُدُ يُعْتَقُ فِي الْحَالِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرُّ النَّفْسِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ قَالَ فِي أَفْعَالِك وَأَخْلَاقِك لَا يُعْتَقُ، هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةٍ وَقَالَ: أَمَّا أَنَا أَرَى أَنْ يُعْتَقَ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحُرِّيَّةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُعْتِقُ بِالنِّيَّةِ، قِيلَ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِأَدْنَى تَأَمُّلٍ يَظْهَرُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا النَّقْلِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَاسْتُبْعِدَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا) عَلَى وَجْهٍ يَتَبَادَرُ بِلَا قَرِينَةٍ مَعَ الشُّهْرَةِ فِيهِ وَذَلِكَ أَمَارَةُ الْوَضْعِ فَوَافَقَ قَوْلَ الْإِيضَاحِ وَغَيْرَهُ حَيْثُ قَالُوا: الصَّرِيحُ مَا وُضِعَ لَهُ وَالْوَضْعُ يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ. (قَوْلُهُ فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ، أَمَّا نِيَّةُ عَدَمِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ شَيْئًا آخَرَ فَمُعْتَبَرٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ. (قَوْلُهُ وَالْوَضْعُ) أَيْ وَضْعُ التَّرْكِيبِ لَا الْمُفْرَدِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى وَلَا الْمُرَكَّبُ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي وَضْعِ الْمُرَكَّبِ بَلْ التَّرْكِيبَاتُ مَوْضُوعَةٌ وَضْعًا نَوْعِيًّا؛ مَثَلًا وَضْعُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ الَّذِي عَيَّنَ الْوَاضِعُ صِيغَتَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُضِيِّ حَدَثِهِ إلَى شَيْءٍ لِيُفِيدَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَقْتِ النُّطْقِ فَجَعَلَهُ لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ وُضِعَ آخَرُ لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاجَةَ قَائِمَةٌ إلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ النُّطْقِ وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهَا، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ وَاللُّغَةُ فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فَكَانَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ فِيهَا، وَهَذَا لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَيْضًا يُثْبِتُونَ هَذَا الْمَعْنَى: أَعْنِي تَحْرِيرَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، فَقَوْلُهُ فَقَدْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَاعِلِ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الشَّارِعُ وَيُفِيدُهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِجَعَلِ الشَّارِعِ تَقْرِيرَهُ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ تَقْرِيرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَثْبُتُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ قَبِيلَهُ. وَكَلَامُ الْكَافِي فِي الْعِتْقِ أَيْضًا مِثْلُهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَى خَبَرِيَّتِهِ لَمْ يُجْعَلْ إنْشَاءً أَصْلًا، وَعَلَى هَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَفْظُهُ فِي الْبَيْعِ يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ مُشْتَبَهًا. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَعْنَى مُتَبَادَرٌ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْخِطَابُ لِعَبْدٍ أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِهِ أَيْضًا، وَالْوَضْعُ يُعْهَدُ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ مُخَاطَبٍ وَمُتَكَلِّمٍ فَلَمْ يَكُنْ وَضْعًا جَدِيدًا فَلْيَكُنْ ثُبُوتُ الْعِتْقِ عِنْدَهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ بِهِ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَافِي هُنَا وَهُوَ وَغَيْرُهُ فِي الطَّلَاقِ. ثُمَّ هَذَا التَّقْرِيرُ إنَّمَا يَجْرِي فِي غَيْرِ النِّدَاءِ، أَمَّا فِي النِّدَاءِ فَالتَّحْرِيرُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ وَضْعًا بَلْ اقْتِضَاءً عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. هَذَا وَيَلْحَقُ بِالصَّرِيحِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ وَهَبْتُك نَفْسَك أَوْ بِعْتُك نَفْسَك مِنْك فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذَا اللَّفْظِ إزَالَةُ مِلْكِهِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَهُ لِآخَرَ

لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ (وَلَا يَدِينُ قَضَاءً) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يُعْتَقُ) لِأَنَّهُ نِدَاءٌ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ هَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ فَيَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْوَصْفِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ يَا حُرُّ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ. وَلَوْ نَادَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَا آزَادَ وَقَدْ لَقَّبَهُ بِالْحُرِّ قَالُوا يُعْتَقُ، وَكَذَا عَكْسُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ رَأْسُكَ حُرٌّ أَوْ وَجْهُكَ أَوْ رَقَبَتُكَ أَوْ بَدَنُكَ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِذَا أَوْجَبَهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ مُزِيلًا بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، أَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُك نَفْسَك بِكَذَا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدِينُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَنَيْت أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فِي وَقْتٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ السَّبْيِ دِينَ، وَإِنْ كَانَ مُوَلَّدًا لَا يَدِينُ كَذَا فِي الْغَايَةِ. [فُرُوعٌ] فِي الْبَدَائِعِ: دَعَا عَبْدَهُ سَالِمًا فَأَجَابَهُ آخَرُ فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ الْمُجِيبُ. وَلَوْ قَالَ عَنِيت سَالِمًا عَتَقَا فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يُعْتَقُ الَّذِي عَنَاهُ، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ أَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ آخَرُ عَتَقَ سَالِمٌ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَبَ هُنَا إلَّا سَالِمٌ، وَفِيهِ قَالَ لِعَبْدٍ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ نَوَى الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَقَعَ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ مَا يُفْهَمُ عِنْدَ التَّرْكِيبِ، إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً لِأَنَّهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَمْ تُوضَعْ لِلْمَعْنَى فَصَارَتْ كَالْكِنَايَةِ فَتَقِفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ إذَا صَارَ حُرًّا فِي شَيْءٍ صَارَ حُرًّا فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ) هَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ تَكَلَّمَ فِي النِّدَاءِ فِي مَوَاضِعَ أَوَّلُهَا هَذَا وَتَمَامُ عِبَارَتِهِ فِيهِ فَيَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْوَصْفِ فِيهِ وَأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ يَا ابْنِي. ثَانِيهَا فِيمَا إذَا لَقِيَهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ يَا آزَادَ أَوْ آزَادَ وَنَادَاهُ يَا حُرُّ أَنَّهُ يُعْتَقُ فَقَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَانِ مَعًا يُفِيدَانِ أَنَّ عِتْقَهُ بِاعْتِبَارِ إخْبَارِهِ عَنْ ثُبُوتِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ فَيَثْبُتُ تَصْدِيقًا لَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إخْبَارَ فِي النِّدَاءِ إلَّا ضِمْنًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ يَا حُرُّ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى يَا مَنْ اتَّصَفَ بِالْحُرِّيَّةِ فَتَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ شَرْعًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهَا اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ الضِّمْنِيِّ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي نَقْلَ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ، وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُهُ يَا ابْنِي، يَا أَخِي حَيْثُ لَا يُعْتَقُ فَزَادَ فِيهِ فِي ثُبُوتِ الْإِعْتَاقِ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ عَنْ الْمُنَادَى يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَالْعِتْقِ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ يُجْعَلُ لِمُجَرَّدِ إعْلَامِهِ بِاسْتِحْضَارِهِ، وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ مِنْ مِائَةٍ كَانَ ابْنًا لَهُ قَبْلَ النِّدَاءِ لَا بِهِ. [فَرْعٌ] فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ يَا حُرُّ اسْقِنِي ثُمَّ اشْتَرَاهُ يُعْتَقُ، قِيلَ: هَذَا نَقْضٌ لِلْقَاعِدَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حَالَ النِّدَاءِ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يُعْتَقُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ) أَيْ إعْلَامُ الْعَبْدِ بِاسْمٍ عَلِمَهُ لِيَحْضُرَ بِنِدَائِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ عِلْمِيَّتُهُ لَهُ مَعْلُومَةً فَيَكُونُ قَصَدَ غَيْرَهُ، اسْتِحْضَارُ الذَّاتِ هُوَ الِاحْتِمَالُ دُونَ الظَّاهِرِ فَلَا يُعْتَقُ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ فَيُعْتَقُ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ) خَصَّ الْأَمَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَبْدِهِ فَرْجُك

يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَسَيَأْتِيك الِاخْتِلَافُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يَقَعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. (وَلَوْ قَالَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَنَوَى بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي بِعْتُك، وَيُحْتَمَلُ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا مُرَادًا إلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ (وَكَذَا كِنَايَاتُ الْعِتْقِ) وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ خَرَجْتِ مِنْ مِلْكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْكِ وَقَدْ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ السَّبِيلِ وَالْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ وَتَخْلِيَةُ السَّبِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْكِتَابَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ بِالْعِتْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ قَدْ أَطْلَقْتُك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يُعْتَقْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحُرٌّ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ: يُعْتَقُ كَالْأَمَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْعِتْقَ لَا تُعْتَقُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَرْجِ مَعَ الرِّقِّ يَجْتَمِعَانِ، وَفِي لِسَانِكَ حُرٌّ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ لِسَانُ الْقَوْمِ، وَفِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك حُرٌّ عَنْ الْجِمَاعِ عَتَقَتْ، وَفِي الدُّبُرِ وَالِاسْتِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ، وَفِي الْعِتْقِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَوْلَى ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي " ذَكَرُكَ حُرٌّ " لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ هُوَ ذَكَرٌ مِنْ الذُّكُورِ وَفُلَانٌ فَحْلٌ ذَكَرٌ وَهُوَ ذَكَرُهُمْ. (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِيك الِاخْتِلَافُ فِيهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تُجْزِي الْإِعْتَاقَ الْآتِيَةَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك) شُرُوعٌ فِي الْكِنَايَاتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ مِنْهَا مَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِ إذَا نَوَاهُ، وَمِنْهَا مَا لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَاهُ، فَالْأَوَّلُ نَحْوَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ خَرَجْتِ مِنْ مِلْكِي لَا رِقَّ لِي عَلَيْك خَلَّيْت سَبِيلَك وَلَا حَقَّ لِي عَلَيْك عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ أَطْلَقْتُك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرَّةٌ عَتَقَ فِي الْجَمِيعِ إنْ نَوَى، وَلَوْ قَالَ

لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ، وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ. (وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْتَ لِلَّهِ أَوْ جَعَلْتُك لِلَّهِ خَالِصًا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى، لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ بِحُكْمِ التَّخْلِيقِ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ الْخُلُوصَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْعِتْقِ. وَالثَّانِي نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ بِنْتَ مِنِّي وَلِأَمَتِهِ بِنْتِ عَنِّي أَوْ حَرُمْت عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ اُخْرُجِي أَوْ اُغْرُبِي أَوْ اسْتَتِرِي أَوْ تَقَنَّعِي أَوْ اذْهَبِي أَوْ اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِهَا وَإِنْ نَوَاهُ، وَكَذَلِكَ طَلَّقْتُك وَكَذَا سَائِرُ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ لِمَا سَنَذْكُرُ، وَكَذَا إذَا قَالَ اذْهَبْ أَوْ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى، وَفِي الْمُغْنِي اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت كِنَايَةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مِثْلُ الْحُرِّ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يُعْتَقُ إذَا نَوَى كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مِثْلَ امْرَأَةُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ قَدْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا إنْ نَوَى الْإِيلَاءَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ) قِيلَ فِيهِ تَسَامُحٌ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَالسَّلْطَنَةُ الْيَدُ، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ التَّحَقُّقُ لَا التَّسَاهُلُ وَالتَّجَوُّزُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ الْأَصْلِيَّ لِلسُّلْطَانِ هُوَ الْيَدُ وَتَسْمِيَةُ غَيْرِهِ بِهِ لِاتِّصَافِهِ بِالْيَدِ كَمَا تُسَمِّي رَجُلًا بِالْفَضْلِ لِاتِّصَافِهِ بِهِ، ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْن الْحُجَّةِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْحُجَّةُ وَالْيَدُ، فَإِذَا قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك فَإِنَّمَا نَفْيُ الْحُجَّةِ وَالْيَدِ وَنَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَسْتَدْعِي نَفْيَ الْمِلْكِ كَالْمُكَاتَبِ، بِخِلَافِ نَفْيِ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ نَفْيُ الطَّرِيقِ، وَالطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ لَا يُرَادُ حَقِيقَةً هُنَا فَجُعِلَ كِنَايَةً عَنْ الْمِلْكِ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ يُتَوَصَّلُ بِهِ شَرْعًا إلَى إنْقَاذِ التَّصَرُّفَاتِ، فَإِذَا صَحَّ جَهْلُهُ كِنَايَةً عَنْهُ عَتَقَ إذَا أَرَادَهُ، بِخِلَافِ السُّلْطَانِ فَإِنَّهُ الْيَدُ فَنَفْيُهُ نَفْيُ الْيَدِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ نَفْيَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، فَلَوْ جُعِلَ كِنَايَةً عَنْ الْعِتْقِ وَفِيهِ إزَالَةُ الْيَدِ وَالْمِلْكِ لَثَبَتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك. وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ مَالَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالنِّيَّةِ فِي لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ. وَعَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنِيَ عُمْرِي وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ نَفْيِ السُّلْطَانِ وَالسَّبِيلِ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِمَامِ لَا يَقَعُ لَهُ مِثْلُ هَذَا إلَّا وَالْمَحَلُّ مُشْكِلٌ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ الْيَدَ الْمُفَسَّرَ بِهَا السُّلْطَانُ لَيْسَ مُرَادًا بِهَا الْجَارِحَةُ الْمَحْسُوسَةُ بَلْ الْقُدْرَةُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ سُلْطَانٌ: أَيْ يَدٌ يَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ السُّلْطَانَ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِيلَاءُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْيُهُ نَفْيَ الِاسْتِيلَاءِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ مَا يُرَادُ بِنَفْيِ السَّبِيلِ بَلْ أَوْلَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَالْمَانِعُ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ لُزُومُ أَنْ يَثْبُتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرُ مِمَّا

وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ عَتَقَ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا؛ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ بِالْمِلْكِ ثَابِتَةٌ وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ النَّسَبُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ وَيُعْتَقُ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي مَجَازِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إعْمَالِهِ بِحَقِيقَتِهِ، وَوَجْهُ الْمَجَازِ نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ قَالَ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوُضِعَ لَهُ غَيْرُ مَانِعٍ، إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ أَوْسَعَ مِنْ الْحَقِيقِيِّ، وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَجَازَاتِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهَا يَصِيرُ فَرْدًا مِنْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، كَذَا هَذَا يَصِيرُ زَوَالُ الْيَدِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِيِّ: أَعْنِي الْعِتْقَ أَوْ زَوَالَ الْمِلْكِ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنُ نَفْيِ السُّلْطَانِ مِنْ الْكِنَايَاتِ. (قَوْلُهُ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ) قِيلَ هَذَا قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا مُعْتَبَرٌ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَذَكَرَ فِي الْيَنَابِيعِ الثَّبَاتُ لَيْسَ بِلَازِمٍ. وَفِي النِّهَايَةِ رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِأَبِي الْفَضْلِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ بِهِ الْكَرَامَةَ وَالشَّفَقَةَ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ يُصَدَّقُ. وَفِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: الثَّبَاتُ عَلَى ذَلِكَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ لَا الْعِتْقِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَجَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْمُجْتَبَى: هَذَا لَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أُوهِمْت أَوْ أَخْطَأْت يُعْتَقُ وَلَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ يُولَدُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ هَذِهِ بِنْتِي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا. قَالُوا: هَذَا فِي مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ، أَمَّا مَجْهُولَةُ النَّسَبِ إنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى عُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الثَّبَاتَ شَرْطُ الْفُرْقَةِ وَامْتِنَاعُ جَوَازِ النِّكَاحِ لَا الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ الثَّبَاتَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ لَا الْعِتْقِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ دُونَ الْعِتْقِ عَلَى مَا سَمِعْت مِنْ التَّزَوُّجِ بِمَنْ أَقَرَّ بِبِنْتَيْهَا. وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: إذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَابْنِ ابْنٍ أَوْ بِعَمٍّ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَهُ الْمَرِيضُ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ لِرَجُلٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَإِنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْمُوصَى لَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمَرِيضَ جَحَدَ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ لَازِمًا، ثُمَّ إذَا قَالَ هَذَا ابْنِي هَلْ تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ؟ قِيلَ لَا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، وَقِيلَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ حَتَّى لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَهَذَا أَعْدَلُ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِثْلُهُ فِي السِّنِّ يَجُوزُ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِمِثْلِ الْمُدَّعِي فِي السِّنِّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ. وَحَاصِلُهُ إذَا كَانَ سِنُّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ ابْنَهُ لَا الْمُشَاكَلَةَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَبْيَضَ نَاصِعًا وَالْمَقُولُ لَهُ أَسْوَدُ حَالِكٌ أَوْ بِالْقَلْبِ وَسِنُّهُ يَحْتَمِلُ

وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرَ وَابْنَ الْعَمِّ وَالْمُوَالَاةُ فِي الدِّينِ وَالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فِي الْعَتَاقَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ فَصَارَ كَاسْمٍ خَاصٍّ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً وَلِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ. وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ نَوْعُ مَجَازٍ، وَالْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ مُعْتَقًا فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ مَوْلَاتِي لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ الْمَوْلَى فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَبِالنِّدَاءِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ يُعْتَقُ بِأَنْ قَالَ: يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَكَذَا النِّدَاءُ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْإِكْرَامَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي. قُلْنَا: الْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنَهُ ابْنَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرُ) قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] وَابْنُ الْعَمِّ كَمَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ زَكَرِيَّا {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] . (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ شَارِحٌ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُمْ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً مَمْنُوعٌ بَلْ تَحْصُلُ لَهُ النُّصْرَةُ بِهِمْ. عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ، وَالْمُتَكَلِّمُ يُنَادِي أَنَا عَنِيت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى وَلَهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَهُمْ يَقُولُونَ: دَلَالَةُ الْحَالِ مِنْ كَلَامِك تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَسْفَلُ وَلَا تُعْتَبَرُ إرَادَةُ النَّاصِرِ وَنَحْوُهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْمُكَابَرَةِ اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ إنْ أَرَادَ دَائِمًا مَنَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْكَشِفَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِيَّة لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يَنْفِي غَيْرَهُ اقْتِرَانًا ظَاهِرًا كَمَا هُوَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَمَنْعُهُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِعَبْدِهِ لَا يُلَائِمُ مَا أَسْنَدَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَحْصُلُ النُّصْرَةُ بِهِمْ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ لَا يَسْتَدْعِي لِلنَّصْرِ عَبْدَهُ بَلْ بَنِي عَمِّهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبِيدُ وَالْخَدَمُ يَنْصُرُونَهُ لَكِنَّهُ يَأْنَفُ مِنْ دُعَائِهِمْ عَادَةً وَنِدَائِهِمْ لِذَلِكَ فَأَيْنَ دُعَاؤُهُ إيَّاهُمْ لِذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِمْ يَنْصُرُونَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْكِنَايَةَ فَطَغَى قَلَمُهُ فَنَقُولُ هَذَا الصَّرِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَرَدْت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ عَمَّا هُوَ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فِي إرَادَتِهِ الْعَتِيقَ فَأَثْبَتَ حُكْمَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَهَذَا الصَّرِيحُ بَعْدَهُ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَوْ أَرَادَ النَّاصِرَ لَمْ يُعْتَقْ فَأَيْنَ الْمُكَابَرَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي هَذَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ: وَأَنَّهُ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي) وَهُوَ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَبِقَوْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِكْرَامُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِيِّ أَفَادَ أَنَّهُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ نَاوِيًا لِلْعِتْقِ عَتَقَ وَهَكَذَا فِي يَا سَيِّدُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُعْتَقُ بِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَنْوِ عَتَقَ فِي يَا سَيِّدِي لَا فِي يَا سَيِّدُ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ) وَهُوَ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَلَا

فَكَانَ إكْرَامًا مَحْضًا. (وَلَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى إلَّا أَنَّهُ إذْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْمُنَادَى اسْتِحْضَارًا لَهُ بِالْوَصْفِ الْمَخْصُوصِ كَمَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِذَا كَانَ النِّدَاءُ بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ دُونَ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ فِيهِ لِتَعَذُّرِهِ وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ انْخَلَقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ابْنًا لَهُ بِهَذَا النِّدَاءِ فَكَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَاذًّا أَنَّهُ يُعْتَقُ فِيهِمَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّاهِرِ. وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنُ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةُ لِأَنَّهُ تَصْغِيرُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَالْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ. (وَإِنْ قَالَ لِغُلَامٍ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ سَيِّدًا بِالْعِتْقِ لِسَيِّدِهِ. وَالْوَجْهُ أَنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَعَذِّرَةٌ لِفَرْضِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حُرٌّ غَيْرُ عَبْدٍ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ، وَلَمْ يَلْزَمْ خُصُوصُ الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ مَجَازِيًّا آخَرَ هُوَ الْإِكْرَامُ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَقُلْنَا إذَا نَوَى بِيَا سَيِّدِي الْعِتْقُ عَتَقَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ صُيِّرَ إلَى الْأَخَفِّ الَّذِي هُوَ الْإِكْرَامُ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِلَا نِيَّةٍ، بِخِلَافِ يَا مَوْلَايَ لِأَنَّهُ بِحَقِيقَتِهِ فِي الْأَسْفَلِ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بَعْدَ انْتِفَاءِ الْحَقَائِقِ الْآخَرُ بِالنَّافِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى بِمَطْلُوبِيَّةِ حُضُورِهِ، فَإِنْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ تَضَمَّنَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ الْوَصْفِ تَصْدِيقًا لَهُ كَمَا سَلَفَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَجَرَّدَ لِلْإِعْلَامِ وَالْبُنُوَّةِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا مِنْ جِهَةِ الْعِتْقِ إلَّا تَابِعًا لَوْ تَخَلَّقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ وَلَا تَثْبُتُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ، إذْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ تَصْدِيقًا لَهُ فَيُعْتَقُ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا عَمِّي يَا خَالِي أَوْ يَا أَبِي يَا جَدًّ أَوْ يَا ابْنِي أَوْ لِجَارِيَتِهِ يَا عَمَّتِي يَا خَالَتِي أَوْ يَا أُخْتِي أَوْ لِعَبْدِهِ يَا أَخِي لَا يُعْتَقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَوَجَّهَهُ عَلَى وَجْهٍ يُدْفَعُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّدَاءِ اسْتِحْضَارَ الذَّاتِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ يُوصَفُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ جُعِلَ مُثَبِّتًا لَهُ مَعَ النِّدَاءِ وَإِلَّا لَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا لِذَلِكَ اللَّفْظِ سَوَاءٌ خُلِقَ مِنْ مَائِهِ أَوْ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ

لَهُمْ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالُ الْحَقِيقَةِ فَيُرَدُّ فَيَلْغُو كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ، إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجَوُّزًا، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ، بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأٌ سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْشُ، وَأَنَّهُ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ مَاءِ غَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ إذَا خُلِقَ مِنْ مَائِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِنِيَّةٍ إلَّا بِذَلِكَ التَّحْقِيقِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ لَا بِاللَّفْظِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهُ لَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِتَصْحِيحِهِ يَجِبُ كَوْنُهُ خَبَرًا صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا تَضَمَّنَهُ النِّدَاءُ بِالْوَصْفِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ فِي يَا حُرُّ مُسَاهَلَةٌ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْجَوَابِ فَإِنَّ الثَّابِتَ الْحُرِّيَّةُ، فَإِنْ قَرَّرَ ثُبُوتَهَا اقْتِضَاءً لِلْخَبَرِ الضِّمْنِيِّ أَوْ إثْبَاتُهُ مِنْهُ بِلَفْظِ النِّدَاءِ بِالْوَصْفِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ شَاذَّةٌ فَلَيْسَ وَجْهُهَا إلَّا لُزُومُ الثُّبُوتِ اقْتِضَاءً لِلْخَبَرِ الضِّمْنِيِّ بِتَحَقُّقِ وَصْفِ الْأَبْنِيَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَجْهُولَ النَّسَبِ، وَمِثْلُهُ يُولَدُ لَهُ، وَعَدَمُ الْعِتْقِ إذَا كَانَ مَعْلُومَ النَّسَبِ. (قَوْلُهُ لَهُمْ أَنْ هَذَا كَلَامٌ مُحَالٌ) أَيْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ مُحَالٌ فَيُرَدُّ فَيَلْغُو نَفْسُهُ، وَإِذَا عُدَّ لَغْوًا لَمْ يُوجِبْ حُكْمًا أَصْلًا لَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا لَغَا قَوْلُهُ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ

حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ، وَمَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ فَالْقَطْعُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَحُكْمًا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْعِتْقُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْمَجَازِ عِنْدَهُمَا تَصَوُّرُ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْمَجَازِيَّ لَيْسَ مَحَلًّا، وَعِنْدَهُ لَا بَلْ الشَّرْطُ صِحَّةُ التَّرْكِيبِ لُغَةً بِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا مُبْتَدَأً وَخَبَرًا، وَمَنْ سَعِدَ بِانْتِهَاضِ وَجْهِهِ فِي الْمَبْنِيِّ سَعِدَ بِهَذَا الْفَرْعِ وَنَحْوِهِ، وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ كُلَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ أَنَّ الْبُنُوَّةَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ وَأَنَّهُ طَرِيقُ الْمَجَازِ، بَلْ يَشْتَرِطَانِ بَعْدَ ذَلِكَ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ تَصَوُّرُ حُكْمِ الْأَصْلِ: أَيْ الْحَقِيقِيِّ. فَتَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَنْ تَقُولَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَلَفِ بِهِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ أَوْ تَعْيِينِ الْمَجَازِ بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَاخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ، فَعِنْدَهُمَا الْخَلْفِيَّةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ: يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يُثْبِتُهُ الْمَجَازُ كَثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِلَفْظِ هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي يُثْبِتُهُ نَفْسُ هَذَا اللَّفْظِ إذَا كَانَ حَقِيقَةً وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّكَلُّمِ: يَعْنِي نَفْسَ الْكَلَامِ فَيَكُونُ لَفْظُ هَذَا ابْنِي مُسْتَعْمَلًا فِي الْحُرِّيَّةِ خَلَفًا عَنْ هَذَا ابْنِي مُسْتَعْمَلًا فِي ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ. وَقِيلَ بَلْ خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ هَذَا حُرٌّ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْآخَرِ صَحِيحًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا خِلَافًا سِوَى فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ، وَعَلَى مَا قِيلَ يَكُونُ فِيهَا، وَفِي الْأَصْلِ أَيْضًا أَنَّهُ نَفْسُ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الْمَجَازُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ اللَّفْظُ الَّذِي يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيرِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِيجَابِ بِصِيغَتِهِ، فَإِذَا وُجِدَ وَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ بِحَقِيقَتِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صِحَّةَ الْأَصْلِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مَعَ تَعَذُّرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ، أَمَّا فِي هَذَا حُرٌّ فَصَحِيحٌ لَفْظُهُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا مَرَّةً بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَجَازِ مِنْ انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ لِتَوَقُّفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِهِ وَإِلَّا اسْتَحَالَ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ، وَمَرَّةً بِالْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَشُرْبِ مَا فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ حَيْثُ يَحْنَثُ عَقِيبَ الْيَمِينِ فِي الْأُولَى، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ دُونَ الثَّانِيَةِ، فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ، وَلَمَّا أَمْكَنَ الْبِرُّ فِي الْأُولَى لِتَصَوُّرِ مَسِّ السَّمَاءِ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّ الْخَلَفِ، وَلَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ، فَرَأَيْنَا الْخَلَفَ يُعْتَمَدُ قِيَامُهُ مَكَانَ الْأَصْلِ، وَتَارَةً بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِاللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ الْخَلَفِيَّةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَلَى فَهْمِ الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِيَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى اللَّازِمِ الْمُرَادِ، وَفَهْمُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ تَحَقُّقِهِ فِي الْخَارِجِ. وَنُجِيبُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ تِلْكَ الْخَلْفِيَّةَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ، وَمَعْنَى خَلْفِيَّةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِآخَرَ هُوَ كَوْنُهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ شَرْعًا بِتَقْدِيرِ تَعَذُّرِ

وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي وَمِثْلُهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِمَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ: هَذَا جَدِّي قِيلَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ. بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتِثَالِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا فَرْعُ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ، وَتَعَلُّقُ الْخِطَابِ دَائِرٌ مَعَ الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ كَالْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْمَسِّ وَالتَّيَمُّمِ لِلْوُضُوءِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا خَلَفٌ اسْتَحَالَ أَصْلُهُ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ إذْ ذَاكَ، وَلَمْ تَجِبْ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْبِرِّ، وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ لُزُومِ إمْكَانِ مَحَلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِخَلَفِهِ، وَلُزُومِ إمْكَانِ مَعْنًى وُضِعَ لَهُ لَفْظٌ لِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ اللَّفْظِ مَجَازًا، وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ الْأَصْلِيِّ هُوَ وُجُوبُ الْبِرِّ لَا الْبِرُّ نَفْسُهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ بِاللَّفْظِ بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ مَرَّةً فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَأُخْرَى فِيمَا لَمْ يُوضَعْ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا لِذَلِكَ سِوَى وُجُودِ مُشْتَرَكٍ يَجُوزُ التَّجَوُّزُ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ شَيْئًا سِوَى إلَى إدْرَاكِ الْحَقِيقِيِّ، ثُمَّ الْحَاجَةُ إلَى إدْرَاكِهِ لَيْسَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِتُسْتَعْلَمَ الْعَلَاقَةُ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُتَصَوَّرْ لَمْ تُعْلَمْ الْعَلَاقَةُ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مُجَرَّدِ فَهْمِهِ أَيْضًا غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ. فَاشْتِرَاطُ إمْكَانِ وُجُودِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْخَارِجِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بَلْ اللُّغَةُ تَنْفِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَجُوزَ زَيْدٌ أَسَدٌ فَإِنَّهُ وِزَانُ هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ، فَإِنَّ مَعْنَى الْمُرَكَّبِ الْحَقِيقِيِّ مُسْتَحِيلٌ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْإِنْسَانِ أَسَدًا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِهِ بَلْ وَعَلَى بَلَاغَتِهِ. وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا مُسْتَعَارٌ بِجُمْلَتِهِ، بِخِلَافِ هَذَا أَسَدٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي نِسْبَتِهِ دُونَ الْأَلْفَاظِ مَمْنُوعٌ. وَإِذَا ثَبَتَ انْتِفَاءُ هَذَا الشَّرْطِ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَتَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ لَهُ وَلِلْكَلَامِ طَرِيقٌ يُتَجَوَّزُ بِهِ فِيهِ تَعَيَّنَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ إذْ لَا مُزَاحِمَ كَيْ لَا يُلْغِي كَلَامَ الْعَاقِلِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا فِي مَعْنَى عَتَقَ عَلِيٌّ مِنْ حِينَ مَلَكْته اسْتِعْمَالًا لِاسْمِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ عَتَقَ دِيَانَةً قَضَاءً وَإِلَّا فَقَضَاءً، وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، بِخِلَافِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ تُخْلَقَ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ فِيهِ إلَى الْمَجَازِ فَلَغَا ضَرُورَةً. وَقَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ مَقِيسٍ آخَرَ لَهُمَا، وَهُوَ إذَا كَانَ قَالَ لِآخَرَ قَطَعْت يَدَك خَطَأً فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْغُو هَذَا الْكَلَامُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ لِعَدَمِ إمْكَانِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ. فَأَجَابَ بِأَنَّ لَغْوَهُ لَيْسَ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ بَلْ لِتَعَذُّرِ كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي انْقَطَعَ سَبَبُهُ مَالٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْأَرْشُ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا عَنْ حَقِيقَةِ الْقَطْعِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ اللَّفْظِ تَجَوُّزًا بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ. وَاَلَّذِي يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَالِ لَيْسَ الْقَطْعُ سَبَبًا لَهُ فَامْتَنَعَ إيجَابُ الْمَالِ مُطْلَقًا فَلَغَا ضَرُورَةً، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَخْتَلِفُ ذَاتُهَا حَاصِلَةً عَنْ لَفْظِ حُرٍّ أَوْ لَفْظِ ابْنِي، فَأَمْكَنَ الْمَجَازِيُّ حِينَ تَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ فَوَجَبَ صَوْنُهُ عَنْ اللَّغْوِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ هَذَا أَبِي إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ:

وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَخِي لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَقُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنَتِي فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهُ يَلْغُو فَقَالَ بَلْ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ هَذَا جَدِّي فَأَجَابَ عَنْهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةِ مَنْ يُعْتَقُ بِمِلْكِهِ. وَثَانِيًا بِالْفَرْقِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ اتِّفَاقًا. وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي) أَيْ لِعَبْدِهِ (لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ. وَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ، فَحَوَالَةُ وَجْهِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْبُنُوَّةَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ، وَيُعْرَفُ مِنْهُ وَجْهُ هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْأُخُوَّةَ سَبَبٌ لِعِتْقِ الْمَمْلُوكِ، وَحَوَالَةُ الظَّاهِرِ عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذَا جَدِّي، وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ. وَنَظِيرُهُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَلَا ذِكْرَ لِمَا بِهِ يُفِيدُ الْحُكْمَ فِي التَّرْكِيبِ فَلَا يُفِيدُ حُكْمًا، وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ تُقَالُ لِمَا بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَالدِّينِ فَلَا يَتَعَيَّنُ النَّسَبُ إلَّا بِدَلِيلٍ، حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ أَبِي أَوْ مِنْ أُمِّي أَوْ مِنْ النَّسَبِ عَتَقَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ تَخْرِيجُ الْفَرْعِ عَلَيْهِ قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْعُ التَّعْيِينِ لِثُبُوتِ اسْتِعْمَالِهِ كَثِيرًا فِي مَعْنَى الشَّفَقَةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هَذَا لِأَنَّهُ أَيْسَرُ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِي يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي لَمَّا تَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى وَهِيَ الْمُتَعَيِّنَةُ هُنَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ هَذَا أَخِي فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِهِ. وَدَفَعَهُ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُشَارِكِ فِي النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْقَبِيلَةِ، وَحُكْمُ الْمُشْتَرَكِ التَّوَقُّفُ إلَى الْقَرِينَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ أَبِي وَنَحْوِهِ عَتَقَ، وَبِأَنَّ الْعِتْقَ بِعِلَّةِ الْوِلَادِ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي اللَّفْظِ لِيَكُونَ مَجَازًا عَنْ لَازِمِهِ فَامْتَنَعَ لِعَدَمِ طَرِيقِهِ، يَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْعُ الِاشْتِرَاكِ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي النَّسَبِ مَجَازٌ فِي الْبَاقِيَاتِ؛ وَلَوْ دَارَ بَيْنَهُمَا كَانَ الْمَجَازُ أَوْلَى وَأَنَّ عِلَّةَ عِتْقِ الْقَرِيبِ عِنْدَنَا الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَا خُصُوصَ الْوِلَادِ وَلِذَا يُعْتَقُ فِي هَذَا خَالِي وَعَمِّي وَهِيَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا أَخِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِكْرَامَ وَالنَّسَبَ، بِخِلَافِ الْعَمِّ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْإِكْرَامِ عَادَةً، وَهَذَا يُقَوِّي مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي هَذَا ابْنِي فَلَا يَخْلُصُ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْعِتْقِ فِي هَذَا أَخِي وَهِيَ مَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا بِنْتِي) وَكَذَا

بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي النِّكَاحِ. (وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ تَخَمَّرِي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ تُعْتَقْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُعْتَقُ إذَا نَوَى، وَكَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ عَلَى مَا قَالَ مَشَايِخُهُمْ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَهُ أَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ مُوَافَقَةً إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكُ الْعَيْنِ، أَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مِلْكُ النِّكَاحِ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ التَّأْبِيدُ مِنْ شَرْطِهِ وَالتَّأْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ وَعَمَلُ اللَّفْظَيْنِ فِي إسْقَاطِ مَا هُوَ حَقُّهُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلِهَذَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ فِيهِ بِالشَّرْطِ، أَمَّا الْأَحْكَامُ فَتَثْبُتُ سَبَبٌ سَابِقٌ وَهُوَ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، وَلِهَذَا يَصْلُحُ لَفْظَةُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ فَكَذَا عَكْسُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذَا ابْنِي لَا يُعْتَقُ وَإِنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَجَازٌ عَنْ عِتْقٍ فِي الْمُذَكَّرِ لِأَنَّهُ لِجِهَةِ الْبِنْتِيَّةِ حَقِيقَةٌ. وَالثَّانِي عَنْهُ فِي الْأُنْثَى فَانْتَفَى حَقِيقَتُهُ لِانْتِفَاءِ مَحَلٍّ يَنْزِلُ فِيهِ، وَلَا يَتَجَوَّزُ بِلَفْظِ الِابْنِ فِي الْبِنْتِ وَقَلَبَهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ لَازِمٍ مَشْهُورٍ وَغَيْرِهِ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْمِيمُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ وَالْآخَرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُضَافٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَدِيعِ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَجَازُ عَقْلِيًّا فِي نَفْسِ إضَافَةِ الْبِنْتِ، وَكُلٌّ مِنْ لَفْظِ الْإِشَارَةِ وَالْبِنْتِ وَالْيَاءِ حَقِيقَةٌ، فَالتَّجَوُّزُ فِي نِسْبَةِ الْمُرَادِ بِالْإِشَارَةِ بِالْبِنْتِيَّةِ إلَى مُسَمَّى الْيَاءِ عَنْ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ بِالْعِتْقِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَيَانُ تَعَذُّرِ عِتْقِهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ، تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى وَبَيَّنَ هَذَا الْأَصْلَ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ بِقَوْلِهِ حَقَقْنَاهُ فِي النِّكَاحِ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ هُنَا مَعَ الْمُسَمَّى جِنْسَانِ لِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِي الْإِنْسَانِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى: أَعْنِي مُسَمَّى بِنْتٍ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا لِأَنَّ الثَّابِتَ ذَكَرٌ. (قَوْلُهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ جَمِيعُ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ) كَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، وَالطَّلَاقُ وَالْكِنَايَةُ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتْلَةٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ بِنْتِ مِنِّي أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَاخْرُجِي وَقُومِي وَاذْهَبِي وَاغْرُبِي وَاخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَتَقَنَّعِي، أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ، أَوْ قَالَ لَهُ طَلَّقْتُك لَا يُعْتَقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ نَوَى، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَطْلَقْتُك وَنَوَى حَيْثُ يُعْتَقُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعْتَقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا نَوَى. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا كَقَوْلِنَا، وَالْأُخْرَى كَقَوْلِهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ) أَيْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ (مُوَافَقَةً) . (قَوْلُهُ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ: أَعْنِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ التَّصَرُّفَيْنِ الْوَارِدَيْنِ عَلَيْهِمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ النِّكَاحَ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ شَرْعًا لَا مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لِتَرَتُّبِ لَازِمِ مِلْكِ الْعَيْنِ شَرْعًا عَلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّأْبِيدِ

وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا هُوَ فَوْقَهُ، فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَانْسَاغَ فِي عَكْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَانْتِفَاءِ لَازِمِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُ وَهُوَ التَّوْقِيتُ حَتَّى إنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ، إذْ هُوَ لَازِمُ الْمِلْكِ الْمَنْفَعَةُ: أَعْنِي الْإِجَارَةَ، وَيُسْتَفَادُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِلْكُ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ كُلًّا مِنْ التَّصَرُّفَيْنِ إسْقَاطٌ لَلْمِلْكِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَزِمَتْ السِّرَايَةُ فِيهِ، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَتَمَلُّكِ الْأَمْوَالِ وَهِيَ مَعْنَى الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَيْسَ الْعِتْقُ هُوَ الْمُثْبِتُ لَهَا، بَلْ تَثْبُتُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْعِتْقِ وَهُوَ كَوْنُ الْعَبْدِ آدَمِيًّا مُكَلَّفًا، فَإِنَّ هَذِهِ خَصَائِصُ الْآدَمِيَّةِ، فَالْآدَمِيَّةُ مَعَ التَّكْلِيفِ هِيَ السَّبَبُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ بِمَانِعِ الرِّقِّ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ الْمَانِعُ فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْمُقْتَضَى كَالزَّوْجَةِ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ، وَالتَّزَوُّجُ امْتَنَعَ بِمَانِعِ الزَّوْجِيَّةِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ وَلَا يَسْلُبُ أَهْلِيَّتَهَا عَنْهُ، ثُمَّ بِالْفُرْقَةِ يَزُولُ الْمَانِعُ لَهَا عَنْهُ، وَلِهَذَا يَصِحُّ لَفْظَةُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ كِنَايَةً عَنْ الْعِتْقِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَوَّلِ لِلْمُنَاسَبَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا نَاسَبَ الشَّيْءُ غَيْرَهُ نَاسَبَهُ الْآخَرُ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ) أَيْ مَا لَا يَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى مُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْمَعْنَى جَائِزِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ لَا يُوجِبُ شَرْعًا ثُبُوتَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، كَمَا لَوْ قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْقِنِي يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ لَا يَقَعَانِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ لِأَنَّ مُسَوِّغَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى إمَّا وَضْعُهُ لَهُ أَوْ التَّجَوُّزُ بِهِ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ. وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ التَّجَوُّزَ لَهُ طُرُقٌ مَخْصُوصَةٌ لُغَةً وَضْعُ وَاضِعِ اللُّغَةِ أَنْوَاعَهَا، وَهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ نَوْعَ الْعَلَاقَةِ مَوْضُوعٌ وَوَضْعُ نَفْسِ اللَّفْظِ لِلْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ وَضْعًا عَامًّا، وَهَذَا مَا يُقَالُ الْمَجَازُ مَوْضُوعٌ وَضْعًا نَوْعِيًّا، وَحَقِيقَةُ الْحَاصِلِ مَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّ لَفْظٍ وُجِدَ بَيْنَ مُسَمَّاهُ وَمَعْنًى آخَرَ مُشْتَرَكٌ اعْتَبَرْته فَلِمُتَكَلِّمٍ أَنْ يُطْلِقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَثُبُوتُ اعْتِبَارِهِ عَنْهُ بِأَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ بِاعْتِبَارٍ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَثَبَتَ بِهِ اعْتِبَارُهُ لِذَلِكَ النَّوْعِ لِتَحَقُّقِهِ فِي ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ أَوْ نُقِلَ اعْتِبَارُهُ. وَالثَّابِتُ عَنْهُ فِي عَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ أَنْ يَكُونَ فِي وَصْفٍ خَرَجَ ظَاهِرٌ فِي الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ ثُبُوتُهُ فِيهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُتَجَوَّزِ بِهِ فَيَصِيرُ الْمُتَجَوَّزُ بِهِ مُشَبَّهًا وَالْمُتَجَوَّزُ عَنْهُ مُشَبَّهًا بِهِ، وَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَصْفًا مُخْتَصًّا مُرَادُهُمْ كَوْنُهُ ظَاهِرًا فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ لَا حَقِيقَةَ الِاخْتِصَاصِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فَلَا يَتَجَوَّزُ بِاعْتِبَارِهِ إلَى مَا لَيْسَ هُوَ فِيهِ، فَلِلْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِأَسَدٍ لِلْأَبْخَرِ وَالْمَحْمُومِ مَعَ أَنَّهُمَا وَصْفَانِ مُلَازِمَانِ لِلْأَسَدِ لِعَدَمِ ظُهُورِهِمَا وَشُهْرَتِهِمَا، وَلِلثَّانِي وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: الْإِعْتَاقُ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ تِلْكَ الْقُوَّةِ الَّتِي فَصَّلْنَا فُرُوعَهَا لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ مِلْكِ تِلْكَ الْأُمُورِ قَبْلَهُ. وَالْأَصْلُ فِي إضَافَةِ عَدَمِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي لَا إلَى قِيَامِ الْمَانِعِ لِأَنَّ عَدَمَهُ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمُقْتَضِي، وَلَوْ سَلَّمَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُقْتَضِي فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ مَا لَمْ يُثْبِتْ وُجُودَهُ وَلَمْ يُثْبِتْ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ الْآدَمِيَّةُ مَعَ التَّكْلِيفِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مِلْكًا، أَمَّا عَقْلًا فَظَاهِرٌ، وَشَرْعًا لَمْ يَثْبُتْ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا دَوَرَانُ ذَلِكَ الْمِلْكِ مَعَ الْحُرِّيَّةِ فَلْتَكُنْ هِيَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ، وَالطَّلَاقُ لِإِزَالَةِ قَيْدِ النِّكَاحِ فَيَعْمَلُ مِلْكُهَا الْقَائِمُ عَمَلَهُ حَتَّى يَجُوزَ الْخُرُوجُ وَالتَّزَوُّجُ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَهَا مُتَحَقِّقُ الثُّبُوتِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا وَشَهَادَتُهَا وَلَمْ يُمْتَنَعْ مِنْهَا سِوَى مَا قُلْنَا لِحِفْظِ النَّسَبِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ إزَالَةِ الْمَانِعِ فِي مَحَلٍّ لِيَعْمَلَ الْمِلْكُ الْقَائِمُ عَمَلَهُ وَبَيْنَ إثْبَاتِ الْمِلْكِ الزَّائِلِ لِمَحَلٍّ لِعَلَاقَةٍ تُجَوِّزُ التَّجَوُّزَ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ: أَيْ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ ثُبُوتُهَا فِيهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ الْمُشْبِهِ بَلْ هُوَ هُنَا عَكْسُ هَذَا، فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ الْمُشْتَرَكَ ثُبُوتُهُ فِي الْعِتْقِ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ، وَالتَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقْتَضِي كَوْنَ الطَّلَاقِ هُوَ الْأَكْثَرُ إسْقَاطًا وَأَشْهَرُ بِهِ فَلِذَا جَازَ التَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ عَنْ الطَّلَاقِ لِوُقُوعِهِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَامْتَنَعَ عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ حَيْثُ كَانَ سَبَبَ زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ فِيهِ لَفْظُ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ، بِخِلَافِ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ الْمُسَبَّبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا إنْ اخْتَصَّ وَإِلَّا وُجِدَ الْمُسَبَّبُ دُونَ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَلَازُمَ فَلَا عَلَاقَةَ، وَمَا قِيلَ لَيْسَ سَبَبًا أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَأَعْتَقَهَا لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ الْعِلَّةُ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَلَوْ سَلَّمَ فَالْعِلَّةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ عِنْدَ كَوْنِ الْحُكْمِ مَعْدُومًا قَبْلَهَا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْبَوْلَ بَعْدَ الرِّيحِ لَا يُوجِبُ حَدَثًا وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً لِلْحَدَثِ، وَعَلَى مَنْ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ يُوجِبُ حَدَثًا آخَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَوْجَبَ الْعِتْقَ حُرْمَةً أُخْرَى لِلْمُتْعَةِ، فَعَنْ هَذَا قِيلَ الْكِنَايَاتُ مِنْهَا مَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِنَفْسِك

[فصل ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه]

(وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ (وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ (وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ عَتَقَ) لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ إذْ الرَّأْسُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مَلَّكْتُكهَا أَوْ وَهَبْت نَفْسَك مِنْك أَوْ أَوْصَيْت لَك بِنَفْسِك أَوْ بِعْت نَفْسَك مِنْك، فَهَذِهِ كِنَايَاتٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَمِلُ مَعَانِيَ وَهَذِهِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِتْقِ فَاسْتَغْنَتْ عَنْهَا. وَمِنْهَا مَا يَقَعُ بِالنِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا مَا لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى كَلَفْظِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي مِثْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ كَمَا فِي مَوْلَايَ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا سِوَى الْعِتْقِ انْتَفَتْ إرَادَتُهُ فَتَعَيَّنَ فَأُلْحِقَ بِالصَّرِيحِ، وَالِانْتِفَاءُ الْمَعْنَى الْمُزَاحِمُ هُنَا بِسَبَبِ تَعَذُّرِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ فَتَعَيَّنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ يَخُصُّ الْوَضْعِيَّ وَإِلَّا فَيُجْعَلَانِ صَرِيحًا، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَقَدْ اخْتَرْنَاهُ فِي كُتُبِنَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ، هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ إثْبَاتًا مُؤَكَّدًا فَلِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ الْمُجَرَّدِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ، وَلَوْ قَالَ رَأْسُ حُرٍّ عَتَقَ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ إذْ الرَّأْسُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِهِ) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْوِي كَمَا لَوْ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَوْ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ عَتَقَ إذَا نَوَاهُ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ خَاطَ مَمْلُوكُهُ ثَوْبًا فَقَالَ هَذِهِ خِيَاطَةُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ. وَفِي الْهَارُونِيِّ: لَوْ رَآهَا تَمْشِي فَقَالَ هَذِهِ مِشْيَةُ حُرٍّ أَوْ تَتَكَلَّمُ فَقَالَ هَذَا كَلَامُ حُرٍّ لَمْ تُعْتَقْ، إلَّا أَنْ يَقُولَ أَرَدْت الْعِتْقَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنْ قَوْلِ نَفْسِهِ: يُعْتَقُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ وَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَبْيٍ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَبَوَاك حُرَّانِ. وَفِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ قَالَ فَرْجُك حُرٌّ مِنْ الْجِمَاعِ فَهِيَ حُرَّةٌ فِي الْقَضَاءِ، وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُعْتَقُ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ: اسْتُك حُرٌّ كَانَ حُرًّا، وَكَذَا ذَكَرُك حُرٌّ وَتَقَدَّمَ. [فَصْلٌ وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ] (فَصْلٌ)

فَصْلٌ (وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ " وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَنْتَظِمُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَيَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وِلَادًا أَوْ غَيْرَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْقَبَ الْعِتْقَ الِاخْتِيَارِيَّ بِالِاضْطِرَارِيِّ (قَوْلُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِسَبَبِ أَنَّ ضَمْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ سُفْيَانَ وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَقَالَ: ضَمْرَةُ ثِقَةٌ، وَإِذَا أَسْنَدَ الْحَدِيثَ ثِقَةٌ فَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُهُ بِهِ وَلَا إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ وَلَا وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ، وَصَوَّبَ ابْنُ الْقَطَّانِ كَلَامَهُ، وَمِمَّنْ وَثَّقَ ضَمْرَةَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي الصَّحِيحِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ: انْفَرَدَ بِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: وَقَدْ شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ إسْمَاعِيلَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ سَمُرَةَ فِيمَا يَحْسِبُ حَمَّادٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ مُرْسَلًا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ انْتَهَى. وَفِيهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ أَنَّ رَفْعَ الثِّقَةِ لَا يَضُرُّهُ إرْسَالُ غَيْرِهِ. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَعَائِشَةَ وَعَلِيٍّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَ أَخِيهِ مَمْلُوكَتَهُ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَّ أَوْلَادَهَا فَأَتَى ابْنُ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي زَوَّجَنِي وَلِيدَتَهُ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ لِي أَوْلَادًا فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَلَدِي، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَذَبَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي دَخَلْتُ السُّوقَ فَوَجَدْت أَخِي يُبَاعُ فَاشْتَرَيْتُهُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْتِقَهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِهِ. لَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ أَوْ لَا يَقْتَضِيه، وَالْأُخُوَّةُ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ أَوْ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ التَّكَاتُبُ عَلَى الْمَكَاتِبِ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ وَلَمْ يَمْتَنِعُ فِيهِ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْتَقَهُ» . (قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ) وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَفِي الْغَايَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَحَمَّادُ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَاللَّيْثُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَإِسْحَاقُ وَالظَّاهِرِيَّةُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَعْتِقُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لَا غَيْرُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ: إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ الْإِعْتَاقِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» وَلَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ فَيُعْتِقَهُ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ فَلَا تَمْنَعُ بَقَاءَهُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا - لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} [مريم: 93 - 94] {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95] ثَبَتَ بِهِ أَنَّ الِابْنِيَّةَ تُنَافِي الْعَبْدِيَّةَ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الِابْنِيَّةُ انْتَفَتْ الْعَبْدِيَّةُ وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ فَيُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ كَمَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ، وَالتَّعْقِيبُ حَاصِلٌ إذْ الْعِتْقُ يَعْقُبُ الشِّرَاءَ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا لَهُ الْمِلْكَ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ لَمْ يَثْبُتْ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِهِ لِاسْتِعْقَابِ الْبَيْنُونَةِ (قَوْلُهُ: لَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ) فِي الْوِلَادِ (يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ) عَلَى غَيْرِ الْقَرِيبِ مِنْ الْعَبِيدِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَمْلَاكِ إذْ لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهَا مِنْ غَيْرِ رِضًا وَاخْتِيَارٍ (أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ) الْقِيَاسُ وَلَا يَنْفِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي الْوِلَادِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، وَالْأُخُوَّةُ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ: أَيْ إلْحَاقُ غَيْرِ الْوِلَادِ بِالْوِلَادِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ: أَيْ الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ، بَلْ يَجِبُ الْإِلْحَاقُ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ مِنْ الْقَرَابَاتِ، فَالْقَرَابَاتُ ثَلَاثٌ وِلَادٌ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَعَدَمِهَا كَأَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَأَبْنَاءِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ. وَيَجِبُ رَدُّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى مَا هُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ قَرَابَتَيْ الْوِلَادِ وَغَيْرِ الْمَحَارِمِ، وَهُوَ بِالثَّانِي أَشْبَهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ قَرَابَةُ مُجَاوِرَةٍ فِي الرَّحِمِ، وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ قَرَابَةٌ بَعْضِيَّةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّا رَأَيْنَا أَحْكَامَهُمْ مُتَّحِدَةٌ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَوَدِ وَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَامْتِنَاعِ التَّكَاتُبِ فَكَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) فَيَضْمَحِلُّ مَعَهُ جَمِيعُ الْمَعَانِي الْمُعَيَّنَةِ. وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ بَلْ دَلَالَةُ النَّصِّ تَقْرِيرُهُ (مِلْكُ قَرِيبِهِ قَرَابَةً مُؤْثَرَةٍ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ) كَمَا فِي الْوِلَادِ (وَهَذَا) أَعْنِي كَوْنُهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ

هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْأَصْلِ، وَالْوِلَادُ مَلْغِيٌّ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَحَرُمَ النِّكَاحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْأَصْلِ) وَهُوَ قَرَابَةُ الْوِلَادِ: يَعْنِي هُوَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ فِيهِ وَالْوِلَادُ مَلْغِيٌّ، وَلَوْ سُلِّمَ فَغَايَةُ مَا صَنَعَ أَنَّهُ أَرَانَا عَدَمَ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْحُكْمِ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يُعَلِّلَ الْأَصْلَ بِأُخْرَى مُتَعَدِّيَةٍ إلَى مَا لَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ تِلْكَ وَهِيَ مَا عَيَّنَّاهُ مِنْ الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ لِأَنَّهَا قَدْ ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ دَفْعُ مِلْكِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ أَدْنَى الذِّلَّتَيْنِ، فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي دَفْعِ أَعْلَاهُمَا وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ أَوْلَى، وَهَذَا الْمَسْلَكُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ هُوَ الَّذِي لَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ وَالنَّصُّ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِهِ وَهُوَ مَا رَوَيْنَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ لِمَا عُرِفَ، وَهَذَا يُفِيدُ إلْغَاءَ مَا عَيَّنَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ) إلْزَامٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ لَكِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ. وَالْمَكَاتِبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ يُقْدِرُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالِافْتِرَاضِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، بِخِلَافِ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ مِنْ مَقَاصِدِ الْكِتَابَةِ فَامْتَنَعَ الْبَيْعُ فَيَعْتِقُ تَحْقِيقًا لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَى الْأَخِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا قُلْنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ ابْنَةَ عَمِّهِ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَا ثَبَتَتْ بِالْقَرَابَةِ وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ خِلَافُهُ وَكَأَنَّهُ ثَابِتٌ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِثِقَةِ الرُّوَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى الِانْفِرَادِ بِالرَّفْعِ، وَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَصِلُ وَكَثِيرًا مَا يُرْسِلُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاسِطَةٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ عَيَّنَ الْوَاسِطَةَ مَرَّةً وَتَرَكَ أُخْرَى، وَلَوْ كَانَ مُرْسَلًا كَانَ مِنْ الْمُرْسَلِ الْمَقْبُولِ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ قَوْلُنَا وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَيُقْبَلُ بِلَا شَرْطٍ بَعْدَ صِحَّةِ السَّنَدِ وَقَدْ عُلِمَتْ صِحَّتُهُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَيُقْبَلُ إذَا عَمِلَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَفْقِهِ، وَأَنْتَ سَمِعْت أَنَّ الثَّابِتَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُمْ، فَثَبَتَ بِهَذَا مُشَارَكَةُ هَذِهِ الْقَرَابَةِ لِلْوِلَادِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، فَإِنْ شَارَكُوا غَيْرَ الْمَحَارِمِ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ اعْتِبَارُهُمْ بِهِمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إلْحَاقٌ بِالْأَشْبَهِيَّةِ وَلَا أَثَرَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَهُ فَالْمَعْنَى الَّذِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْلَى مِنْهُ فَكَيْفَ مَعَ النَّصِّ عَلَى نَفْسِ حُكْمِ الْفَرْعِ. (قَوْلُهُ وَالِافْتِرَاضُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ لِعَدَمِ التَّكَاتُبِ فَقَالَ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الَّتِي عَيَّنَهَا الشَّرْعُ افْتِرَاضُ الْوَصْلِ، وَالِافْتِرَاضُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ قَائِمَةٌ بِالْحُرِّ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ، وَالْكِتَابَةُ نَوْعُ إعْتَاقٍ فَلَيْسَ كِتَابَةُ غَيْرِ الْوِلَادِ مِمَّا تَنْتَظِمُ كِتَابَتُهُ، بِخِلَافِ كِتَابَةِ الْوِلَادِ فَإِنَّهُ لِكَوْنِ الْجُزْئِيَّةِ قَائِمَةً يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَرِدُ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، عَلَى أَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَى الْأَخِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِهِمَا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ نَفْسِهِ وَشَهَادَةٌ لَهَا مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا الْمَانِعُ مُنْتَفٍ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ وَهِيَ

فَشَابَهَ النَّفَقَةَ. (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ) لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَوَصْفُ الْقُرْبَةِ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ فَلَا يَخْتَلُّ الْعِتْقُ بِعَدَمِهِ فِي اللَّفْظَيْنِ الْآخَرَيْنِ. (وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) لِصُدُورِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَإِنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ) أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمَ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْإِيضَاحِ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ عِتْقُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَرِيبَهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّاهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِفِ: يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَقَالَ: لَا وَلَاءَ لَهُ، لَكِنَّ عِتْقَهُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْإِعْتَاقِ فَهُوَ كَالْمُرَاغَمِ ثُمَّ قَالَ: الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ ثَمَّةَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا وَلَاءَ لَهُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ الْوَلَاءُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ، وَعَلَى هَذَا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْإِيضَاحِ أَنْ يُرَادَ بِالْمُسْلِمِ ثَمَّةَ الَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهُنَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ هُنَاكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ هُنَا فَلِذَا لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِعِلَّةِ الْقَرَابَةِ الْمُورِثَةِ بِالنَّصِّ، فَلَمْ يَجِبْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ. (قَوْلُهُ وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) فِي الْمُكْرَهِ خِلَافَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يُزِيلُ إلَّا الرِّضَا وَالْعِتْقُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَلِذَا جَازَ عِتْقُ الْهَازِلِ. وَفِي السَّكْرَانِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْوُقُوعِ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ) كَمَا يَقُولُ: إنْ مَلَكْتُك أَوْ مَلَكْت عَبْدًا وَنَحْوَهُ فَهُوَ حُرٌّ (فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ وَحْدَهُ، فَإِنَّ مَالِكًا يُوَافِقُنَا فِيهِ وَكَذَا عَنْ أَحْمَدَ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ إذْ لَمْ يُجَوِّزْ إضَافَتَهُ إلَى الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. وَعِنْدَنَا

فَيُجْرَى فِيهِ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ التَّمْلِيكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَحَّحُ مُطَّرِدٌ فِيهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ فَلَمْ يَفْتَرِقَا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَيَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيقُ) لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِلْوُقُوعِ بَقَاءُ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ؛ فَعِنْدَنَا زَوَالُ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ وَعِنْدَهُ يُبْطِلُهُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْعِقَادِ الْمُعَلَّقِ سَبَبًا فِي الْحَالِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ) سَوَاءٌ خَرَجَ سَيِّدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمًا أَوْ لَا. وَقُيِّدَ بِالْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَعْتِقْ، وَبِقَوْلِنَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا خَرَجَ سَيِّدُهُ مُسْلِمًا يُرَدُّ إلَيْهِ. وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ: إذَا أَسْلَمَ عَتَقَ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ. وَأَوْرَدَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَيْهِ أَنَّ سَلْمَانَ أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ وَلَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِهَذَا إلَّا لِعِتْقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الطَّائِفِ وَهِيَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِدَهْرٍ. وَبِدَعْوَى نَسْخِ تَمَلُّكِ الْكَافِرِ لِلْمُؤْمِنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلَا شَكَّ فِي اتِّجَاهِ الْإِيرَادِ وَهُوَ مِمَّا يَصْلُحُ دَلِيلًا لَنَا. وَفِي الْجَوَابِ مَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَادِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد قَالَ: «خَرَجَ عِبْدَانُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ، فَقَالَ مَوَالِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ وَاَللَّهِ مَا خَرَجُوا رَغْبَةً فِي دِينِكَ وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ، فَقَالَ نَاسٌ: صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ إلَيْهِمْ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَا أَرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هَذَا، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ وَقَالَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي جَمَاعَةً مِنْ الْعَبِيدِ خَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا أَبُو بَكْرَةَ وَوَرْدَانُ وَالْمُنْبَعِثُ وَالْأَزْرَقُ وَمُحْسِنُ النِّبَالُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ وَيَسَارٌ وَنَافِعٌ وَمَرْزُوقٌ، كُلُّ هَؤُلَاءِ أَعْتَقَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ تَكَلَّمُوا فِي هَؤُلَاءِ أَنْ يُرَدُّوا إلَى الرِّقِّ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِمْ " وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّهُ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الطَّائِفِ بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُمْ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ الْعُتَقَاءُ» . وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد: «فَلَمَّا أَسْلَمَ مَوَالِيهِمْ رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَاءَ إلَيْهِمْ» وَفِيهِ مَجْهُولٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا وَقَالَ «ثُمَّ وَفَدَ أَهْلُ الطَّائِفِ فَأَسْلَمُوا وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّ عَلَيْنَا رَقِيقَنَا الَّذِينَ أَتَوْكَ فَقَالَ: لَا، أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ وَرَدَّ إلَى كُلِّ رَجُلٍ وَلَاءَ عَبْدِهِ»

وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً. (وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا) إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا (وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ خَاصَّةً عَتَقَ دُونَهَا) لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إعْتَاقِهَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا إلَيْهِ تَبَعًا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، ثُمَّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ صَحِيحٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَنِينِ وَشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِعْتَاقِ فَافْتَرَقَا. (وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَلَى مَالٍ صَحَّ) وَلَا يَجِبُ الْمَالُ إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ الْمَالِ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَلَا إلَى إلْزَامِهِ الْأُمَّ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ، وَاشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتِقِ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ابْتِدَاءً) احْتِرَازٌ عَنْ بَقَاءِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِطَرِيقِهِ. (قَوْلُهُ عَتَقَ حَمْلَهَا) بِإِجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَوْ اسْتَثْنَاهُ لَا يَصِحُّ كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنْهَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَوْلُهُمْ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ فَأَعْتَقْت لَا يَعْتِقُ هُوَ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ. وَلَوْ مَاتَ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَرِثَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ صَحِيحٌ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ عِتْقَ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ بَلْ قَبْلَهُ وَتَعْتِقُ أُمُّهُ تَبَعًا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأُمِّ إذَا عَتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا عِنْدَ بَيْعِهَا لَا يَجُوزُ قَصْدًا فَكَذَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ) وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ أُمِّ الْوَلَدِ الْعِتْقَ بِوَلَدِهَا ثُمَّ عِتْقُهَا عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَبِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا إنَّمَا يُرَدُّ نَقْضًا لَوْ كَانَ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ تَبَعًا لِعِتْقِ ابْنِهَا بِالنَّصِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ هُوَ فَرْعُ عِتْقِهِ وَهُوَ فَرْعُ سَابِقِيَّةِ رِقِّهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُعَلِّقُ حُرًّا فَلَا يُرَدُّ نَقْضًا أَصْلًا لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّهُ خَرَجَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَسَنَذْكُرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُ. (قَوْلُهُ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّسْلِيمِ فَلِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْآبِقِ وَيَجُوزُ عِتْقُهُ.

عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَبَلِ وَقْتَ الْعِتْقِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ. قَالَ (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ لِمَوْلَاهَا. (وَوَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا) لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ الْحَضَانَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ) الْحَوَالَةُ غَيْرُ رَائِجَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالْخُلْعِ حَيْثُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَدَلِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى مَالِ مُعَاوَضَةٍ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِهِ نَفْسَهُ وَتَحْدُثُ لَهَا الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَذَلِكَ أَيْ شَيْءٌ نَفِيسٌ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ إلَّا عَلَى مَنْ يُسَلَّمُ لَهُ الْمُعَوَّضُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْدُثُ لَهَا قُوَّةٌ بِهِ وَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ ثَابِتًا لَهَا قَبْلَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهَا جَازَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجَنِينِ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَلِذَا لَوْ قَالَ لِلْأَمَةِ أَعْتَقْتُ مَا فِي بَطْنِك عَلَى أَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ عَتَقَ بِلَا شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى أَمَتِهِ شَيْءٌ بِسَبَبِ غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ، فَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا تَوْأَمَيْنِ جَاءَتْ بِأَوَّلِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِالثَّانِي لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَمَةُ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ حِينَئِذٍ فَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِوُجُودِهِ حِينَ أَعْتَقَهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَعَلَى هَذَا فَرْعُ مَا لَوْ قَالَ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ ثُمَّ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، إنْ ضَرَبَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَجِبُ دِيَةُ الْجَنِينِ لِأَبِيهِ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ حُرٌّ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَكُونُ لِعُصْبَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى قَاتِلٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ، وَإِنْ ضَرَبَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ كَذَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ) التَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَعْلَقُ حُرًّا لَا أَنَّهُ يَعْلَقُ مَمْلُوكًا ثُمَّ يَعْتِقُ كَمَا يَقْتَضِيهِ

أَوْ لِاسْتِهْلَاكِ مَائِهِ بِمَائِهَا وَالْمُنَافَاةُ مُتَحَقِّقَةٌ وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِهِ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّ الْوَالِدَ مَا رَضِيَ بِهِ. (وَوَلَدُ الْحُرَّةِ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ) لِأَنَّ جَانِبَهَا رَاجِحٌ فَيَتَّبِعُهَا فِي وَصْفِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يَتَّبِعُهَا فِي الْمَمْلُوكِيَّةِ والمرقوقية ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرُ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ قَطُّ إلَّا حُرًّا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الْوَلَدُ يَعْلَقُ حُرًّا مِنْ الْمَاءَيْنِ لِأَنَّ مَاءَهُ حُرٌّ وَمَاءَ جَارِيَتِهِ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ، بِخِلَافِ ابْنِهِ مِنْ جَارِيَةِ الْغَيْرِ فَإِنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهَا بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهَا بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَلِذَا لَا يَنْتَفِي عَنْهَا بِحَالٍ وَقَدْ يَنْتَفِي عَنْ الْأَبِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِالزِّنَا وَبَعْدَ الْمُلَاعَنَةِ حَتَّى يَتَوَارَثَانِ دُونَ الْأَبِ فَكَانَ مَاؤُهَا أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، أَوْ لِاسْتِهْلَاكِ مَائِهِ بِمَائِهَا لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِهِ وَيَزْدَادُ قُوَّةً مِنْهَا لِأَمَتِهِ، أَوْ تَرَجَّحَ بِالْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ أَوْ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَعُضْوٍ مِنْهَا حَتَّى قَدْ يُقْرَضُ بِالْمِقْرَاضِ وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ بَيْعِهَا وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِرِقِّ الْوَلَدِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى تَزَوُّجِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِرِقِّهَا وَفِي هَذَا إجْمَاعٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ هَاشِمِيًّا كَانَ وَلَدُهُ هَاشِمِيًّا مَرْقُوقًا، بِخِلَافِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ فَلِذَا قُلْنَا: يَعْلَقُ حُرًّا فِي حَقِّهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ. (قَوْلُهُ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْمَمْلُوكِيَّةِ والمرقوقية)

[باب العبد يعتق بعضه]

وَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَ عَبْدِهِ) عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْرَدَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِيُفِيدَ تَغَايُرَ مَفْهُومَيْهِمَا، فَالرِّقُّ هُوَ الذُّلُّ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ جَزَاءَ اسْتِنْكَافِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْمِلْكُ هُوَ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعُ سَلْبِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ حَقُّهُ، فَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْأَسِيرُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ لَا الْمَمْلُوكِيَّةِ حَتَّى يُحْرَزَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَالْمِلْكُ عَامٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ وَالرِّقُّ خَاصٌّ بِالْإِنْسَانِ، وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ وَلَا يَزُولُ الرِّقُّ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا. لَكِنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ قَصْدًا ثُمَّ يُتْبِعُهُ الرِّقُّ ضَرُورَةً فَرَاغَهُ بِذَلِكَ الزَّوَالِ عَنْ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِرَقَبَتِهِ فَبَيَّنَ بِهِمَا أَنَّهُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَلِذَا إذَا تَوَلَّدَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ كَالْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ مَعَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ يُؤْكَلُ، وَإِذَا تَوَلَّدَ بَيْنَ الْوَحْشِ وَالْإِنْسِيَّةِ كَالْبَقَرَةِ يَنْزُو عَلَيْهَا حِمَارُ وَحْشٍ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ، وَلِاخْتِلَافِ مَفْهُومَيْهِمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْكَمْيَّةِ فِي شَخْصٍ فَهُمَا كَامِلَانِ فِي الْقِنِّ. وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ عِتْقُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ. وَالْمُكَاتَبُ عَكْسُهُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ. وَمَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فَكَيْفَ يَقْبَلُ النُّقْصَانَ يَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنُقْصَانِ الرِّقِّ نُقْصَانُ حَالِهِ لَا نُقْصَانُ ذَاتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَحُكْمِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ، وَفِي النَّسَبِ يَتْبَعُ الْأَبَ وَفِي الدِّينِ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ] لَا شَكَّ فِي كَثْرَةِ وُقُوعِ عِتْقِ الْكُلِّ وَنُدْرَةِ عِتْقِ الْبَعْضِ، وَفِي أَنَّ مَا كَثُرَ وُجُودُهُ فَالْحَاجَةُ إلَى بَيَانِ أَحْكَامِهِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَى مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ، وَأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ الْمَاسَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّادِرَةِ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ، وَالِاسْتِسْعَاءُ أَنْ

(يَعْتِقُ كُلُّهُ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْتِقُ كُلُّهُ. لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ، أَوْ هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ. وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَاجِرَهُ فَيَأْخُذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ. ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ السِّعَايَةِ فَعَلَ ذَلِكَ إذَا

يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعِ الْإِضَافَةِ وَالتَّعَدِّي إلَى مَا وَرَاءَهُ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَالْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِيَّةِ فِي كُلِّهِ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ، فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا إذْ هُوَ مَالِكُ يَدٍ إلَّا رَقَبَةً، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ. وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا إلَى أَحَدٍ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُقَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَهُ عَمَلٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ غَيْرُ هَذَا، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَتَكُونُ الْإِجَازَةُ تَنْفُذُ عَلَيْهِ جَبْرًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا عَيَّنَ مِقْدَارًا كَرُبْعِك حُرٌّ وَنَحْوِهِ، فَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك أَوْ شِقْصٌ أُمِرَ بِالْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ: سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَقِيَاسُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَعْتِقَ سُدُسَهُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالسَّهْمِ مِنْ عَبْدِهِ فَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ. وَقَوْلُهُ: عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ تَعْبِيرٌ بِالْعِتْقِ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا عَنْ زَوَالِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَقِيقٌ كُلُّهُ بِخِلَافِهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَا: يَعْتِقُ كُلُّهُ فَإِنَّهُ عَنْ زَوَالِ الرِّقِّ: أَيْ وَقَالَا يَزُولُ الرِّقُّ عَنْهُ كُلُّهُ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ: وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ: وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ قَوْلُ

وَيُفْسَخُ، وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ حَالَةً مُتَوَسِّطَةً، فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ، حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَفِي الْقِنَّةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيِّ: يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى وَاحِدًا أَوْ كَانَ لِشَرِيكَيْنِ وَالْمُعْتَقُ مُوسِرٌ، أَمَّا إذَا كَانَ لِشَرِيكَيْنِ وَالْمُعْتَقُ مُعْسِرٌ فَيَبْقَى مِلْكُ السَّاكِتِ كَمَا كَانَ حَتَّى جَازَ لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَهُ وَالْمُرَادُ مِنْ تَجْزِيءِ الْإِعْتَاقِ تَجْزِيءُ الْمَحَلِّ فِي قَبُولِ حُكْمِهِ فَيَثْبُتُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ فِي تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَوَارَدُوا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي التَّجْزِيءِ وَعَدَمِهِ، فَإِنَّ الْقَائِلَ الْعِتْقُ أَوْ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ لَمْ يُرِدْهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُرِيدُهُ بِهِ قَائِلٌ إنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ زَوَالُ الرِّقِّ أَوْ إزَالَتُهُ إذْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي عَدَمِ تَجْزِيئِهِ بَلْ زَوَالُ الْمِلْكِ أَوْ إزَالَتُهُ، وَلَا خِلَافَ فِي تَجْزِيئِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: اُخْتُلِفَ فِي تَجْزِيءِ الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ أَوْ الْإِعْتَاقِ، بَلْ الْخِلَافُ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا فِيمَا يُوجِبُهُ الْإِعْتَاقُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ، فَعِنْدَهُ زَوَالُ الْمِلْكِ وَيَتْبَعُهُ زَوَالُ الرِّقِّ فَلَزِمَ تَجْزِيءُ مُوجَبِهِ، غَيْرَ أَنَّ زَوَالَ الرِّقِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ شَرْعًا كَحُكْمِ الْحَدَثِ لَا يَزُولُ إلَّا عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ الْأَعْضَاءِ وَغَسْلُهَا مُتَجَزِّئٌ، وَهَذَا لِضَرُورَةِ أَنَّ الْعِتْقَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ هِيَ قُدْرَةٌ عَلَى تَصَرُّفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ الْوِلَايَاتِ كَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ بِنِيَّتِهِ وَنَفْسِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ هَذِهِ فِي بَعْضِهِ شَائِعًا فَقَطَعَ بِعَدَمِ تَجْزِيئِهِ وَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ قَطْعًا. فَلَزِمَ مَا قُلْنَا مِنْ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْبَعْضِ، وَتَوَقَّفَ زَوَالُ الرِّقِّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْبَاقِي، وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ الدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ بِهِ أَوَّلًا زَوَالُ الْمِلْكِ أَوْ الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَالْوَجْهُ مُنْتَهِضٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ. أَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى حَقِّهِ وَحَقُّهُ الْمِلْكُ، أَمَّا الرِّقُّ فَحَقُّ اللَّهِ أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَلْزَمُ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِعْتَاقِ زَوَالُ الْمِلْكِ أَوَّلًا ثُمَّ يَزُولُ الرِّقُّ شَرْعًا اتِّفَاقًا إذَا زَالَ لَا إلَى مَالِكٍ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُسَمَّى إعْتَاقًا وَإِلَّا لَكَانَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ إعْتَاقًا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ إزَالَةَ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعِتْقِ لَا إزَالَةُ الْمِلْكِ كَيْفَمَا كَانَ. وَأَمَّا السَّمْعُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» أَفَادَ تَصَوُّرُ عِتْقِ الْبَعْضِ فَقَطْ. وَقَوْلُ أَيُّوبَ: لَا نَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ هُوَ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ لَا يَضُرُّ، إذْ الظَّاهِرُ بَلْ الْوَاجِبُ أَنَّهُ مِنْهُ، إذْ لَا يَجُوزُ إدْرَاجُ مِثْلِ هَذِهِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَاطِعٍ فِي إفَادَةِ أَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يُوجِبْ فِي الْحَدِيثِ عِلَّةً قَادِحَةً، وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتَسْعَى بِهِ غَيْرُ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ، أَيْ لَا يُغْلِي عَلَيْهِ الثَّمَنَ، أَفَادَ عَدَمَ سِرَايَةِ الْعِتْقِ إلَى الْكُلِّ بِمُجَرَّدِ عِتْقِ الْبَعْضِ وَإِلَّا لَكَانَ قَدْ خَلَصَ قَبْلَ تَخْلِيصِ الْمُعْتَقِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ فَهُوَ عَتِيقٌ» وَفِي لَفْظٍ «فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ» فَإِنَّمَا يَقْتَضِي عِتْقُ كُلِّهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَتَهُ، وَلَيْسَ مُدَّعَاهُمَا ذَلِكَ بَلْ إنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ بِمُجَرَّدِ إعْتَاقِ بَعْضِهِ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا، فَقَدْ أَفَادَتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْعِتْقَ مِمَّا يَقْتَصِرُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ السِّرَايَةَ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ إعْتَاقُ الْبَعْضِ إعْتَاقًا لِلْكُلِّ وَإِتْلَافًا لَهُ لَضَمِنَ مُطْلَقًا، كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ بِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي هَذَا: إنَّ السِّعَايَةَ تَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الِاقْتِصَارُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» زَوَالَ الْمِلْكِ، وَكَذَا يَلْزَمُ فِي قَوْلِ كُلِّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِتَجْزِيئِهِ كَالْحَسَنِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ، بِخِلَافِ مَا قِيلَ: إنَّ قَوْلَ عُمَرَ قَوْلُهُمَا فَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ لَنَا غُلَامٌ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فَأَبْلَى فِيهَا، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أُمِّي وَأَخِي الْأَسْوَدِ فَأَرَادُوا عِتْقَهُ وَكُنْت يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا، فَذَكَرَ الْأَسْوَدُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: أَعْتِقُوا أَنْتُمْ، فَإِذَا بَلَغَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ فِيهِ أَعْتَقَ وَإِلَّا ضَمَّنَكُمْ. أَثْبَتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ إعْتَاقُهُمَا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا عِنْدَ أَحَدٍ فَلَزِمَ الْمَطْلُوبُ، وَهُوَ أَنَّ النَّازِلَ بِالْإِعْتَاقِ بِالذَّاتِ زَوَالُ الْمِلْكِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي إعْتَاقِ بَعْضِ الْعَبْدِ الْخَاصِّ بِهِ أَنْ يَعْتِقَ ذَلِكَ الْقَدْرِ: أَيْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَبْقَى كَمَالُ الرِّقِّ فِيهِ كُلِّهِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَكَلَّمُ فِيهَا، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا زَالَ بِالْإِعْتَاقِ هُوَ الْمِلْكُ وَالرِّقُّ ثَابِتٌ فِي كُلِّهِ وَلَازَمَهُ شَرْعًا أَنْ لَا يَبْقَى فِي الرِّقِّ لَزِمَ أَنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَاقِي عِنْدَهُ، وَمَا لَمْ يُؤَدَّ السِّعَايَةُ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عِتْقُ كُلِّهِ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ، وَكَوْنُهُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَدَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَلَا اسْتِخْدَامَ وَكَوْنُهُ رَقِيقًا كُلَّهُ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الِاسْتِخْدَامِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَسْعَى زَالَ الْمِلْكُ عَنْ بَعْضِهِ لَا إلَى مَالِك صَدَقَةٍ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَالُ ضَرُورَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ تَضْمِينُهُ قَسْرًا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ عِتْقَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ بِاخْتِيَارِهِ يُقَالُ وَيُفْسَخُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ، وَعَلَى هَذَا مَا إذَا أَعْتَقَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ وَلَدَتْ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتَقَ الْقِيمَةَ عَنْ نَصِيبِهِ يَوْمَ أَعْتَقَ وَلَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَا صَنَعَ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الشَّرِيكِ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً حِينَ وَلَدَتْ وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا كَمَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِكَسْبِهَا، وَالِاعْتِرَاضُ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمُكَاتَبِ لِهَذَا الْفَرْقِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ وَجْهِ الشَّبَهِ فِيهِ، وَإِذَا تَحَقَّقْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ إلْحَاقِهِمْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ إلْحَاقُ إزَالَةِ الرِّقِّ بِهَا فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ

بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ. (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ) ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ،. فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ (وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ) وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَغَيْرُ مَحَلَّ الْخِلَافِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا أَوْ إلْحَاقَ إزَالَةِ الْمِلْكِ بِهَا فِيهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ. وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِي تَقْرِيرِهِ أَنْ يُجْعَلَ إلْحَاقًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ بِأَنْ يَتَنَزَّلَ وَيَدَّعِي أَنَّ الْمُتَجَزِّئَ زَوَالُ الْمِلْكِ إلَى مَالِكٍ لَا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ إلْحَاقًا بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّ فِي الطَّلَاقِ زَوَالَ مِلْكٍ لَا إلَى مَالِكٍ وَفِي الْعَفْوِ زَوَالُ حَقٍّ لَا إلَى مُسْتَحَقٍّ آخَرَ وَالِاسْتِيلَادُ زَوَالُ مِلْكٍ كَذَلِكَ: أَعْنِي مَالِكَ بَيْعِهَا وَهِبَتِهَا. وَالْجَوَابُ أَوَّلًا أَنَّهُ إلْحَاقٌ بِلَا جَامِعٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّجْزِيءِ فِي الْأُصُولِ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ، إذْ لَا يُمْكِنُ نِصْفُ الْمَرْأَةِ مَنْكُوحَةً وَنِصْفُهَا مُطَلَّقَةً، وَلَا نِصْفُهَا مُسْتَوْلَدًا وَنِصْفُهَا لَا، وَلَا إسْقَاطُ نِصْفِ حَقِّ الْقَتْلِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ بِثُبُوتِ حَقِّهِ لَا نِصْفِهِ، فَمَعَهُ لَا يَثْبُتُ وَهُوَ مَعْنَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَلَيْسَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ لَا إلَى مَالِكٍ، بَلْ لَا أَثَرَ لِكَوْنِ الزَّوَالِ إلَى مَالِكٍ أَوَّلًا إلَيْهِ، بِخِلَافِ زَوَالِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ حَالَةً مُتَوَسِّطَةً: أَيْ لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا زَوَالُ كِلَيْهِمَا أَوْ بَقَاؤُهُمَا، (فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ ) أَيْ فَأَثْبَتْنَا زَوَالَ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ، فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِمَا مُوجِبُ الْحُرْمَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْعَفْوُ وَمُوجِبُ الْحِلِّ وَهُوَ عَدَمُ اتِّصَافِ الْبَعْضِ بِهِ. وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ فَمُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ عَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنَّمَا كَمُلَ فِي الْقِنَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الِاسْتِيلَادِ فَصَارَ مُسْتَوْلِدًا جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَثَبَتَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ ضَرُورَةً. (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ) أَيْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ (فَإِنْ كَانَ) الْمُعْتِقُ (مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ) مُنْجَزًا أَوْ مُضَافًا، وَيَنْبَغِي إذَا أَضَافَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ مَعْنًى، وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ) قِيمَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَهُ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ) فِيهَا. (فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي الْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ (وَهَذَا) كُلُّهُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ خَمْسَ خِيَارَاتٍ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَأَنْ يُدْبِرَهُ وَعَلِمْتَ حُكْمَهُ أَنْ يُسْتَسْعَى وَأَنْ يُكَاتِبَهُ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ، وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى، وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ عَنْ السِّعَايَةِ يُؤَاجِرُهُ جَبْرًا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى عِوَضٍ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عُرُوضٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ صَبِيًّا وَالْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَالْخِيَارُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ لِوَلِيِّهِ، وَالتَّضْمِينُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْظَرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ لِيَخْتَارَ. قِيلَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قَاضٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قَاضٍ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا لِيَخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ اخْتِيَارُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الصَّبِيِّ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا التَّضْمِينُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَاتَبَ وَالِاسْتِسْعَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يُكَاتَبَ، وَلَكِنْ قَالَ: سَبَبُ الِاسْتِسْعَاءِ قَدْ تَقَرَّرَ وَهُوَ عِتْقُ الشَّرِيكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْفَعُ مِنْ التَّضْمِينِ فَلِهَذَا مَلَكَ الْمَأْذُونُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً. وَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَوَلَاءُ نَصِيبِهِمَا لِمَوْلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِمَا وَهُوَ الْمَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَقْدِيرُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ صَحِيحًا ثُمَّ عَمِيَ يَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ صَحِيحًا، وَقَلْبُهُ لَوْ كَانَ أَعْمَى يَوْمَ الْعِتْقِ فَانْجَلَى بَيَاضُ عَيْنَيْهِ يَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ أَعْمَى لِأَنَّهُ حَالُ ثُبُوتِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَكَذَا يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ وَقْتَ الْعِتْقِ، فَلَوْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الْعِتْقِ فَأَعْسَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَأَيْسَرَ لَا ضَمَانَ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا نَظَرَ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْعِتْقِ فِيمَا مَضَى يُقَوَّمُ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ فَيُحَالُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِ ظُهُورِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ، وَلَوْ تَصَادَقُوا عَلَى وَقْتِ الْعِتْقِ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ كَالْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَيُنْكِرُ الزِّيَادَةَ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَقَالَ الْمُعْتِقُ: أَعْتَقْتُ وَأَنَا مُعْسِرٌ وَقَالَ الشَّرِيكُ بَلْ وَأَنْتَ مُوسِرٌ، نُظِرَ إلَى حَالِهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ إمَّا لِأَنَّهُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا مَضَى يَحْكُمُ الْحَالُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ مُوسِرًا فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْيَسَارَ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فِي الْحَالِ فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْعُسْرَةَ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ كَالْمُسْتَأْجَرِ مَعَ رَبِّ الطَّاحُونَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ يَحْكُمُ الْحَالُ. وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ فِي مُدَّةٍ يَخْتَلِفُ حَالُهُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ فِي إنْكَارِ يَسَارِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَهُ فَاخْتَارَ الشَّرِيكُ ضَمَانَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ وَيَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالضَّمَانِ أَوْ رَضِيَ بِهِ الْمُعْتِقُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُ. قِيلَ: مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ، وَقِيلَ بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ مَاتَ السَّاكِتُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مَا كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا تَوْرِيثَ الْخِيَارِ بَلْ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْخِيَارَ لِلْمُوَرِّثِ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ شَاءُوا أَعْتَقُوا وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُعْتَقَ، فَإِنْ ضَمَّنُوهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ إلَيْهِمْ يَمْلِكُ نَصِيبَهُمْ كَمَا كَانَ يَتَمَلَّكُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ اخْتَارُوا الْإِعْتَاقَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَالْوَلَاءُ فِي هَذَا النَّصِيبِ لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يُورَثُ عَيْنُهُ وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ

(وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى حَرْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَجْزِيءُ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ. لَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ، إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ وَالْوَلَاءُ يَكُونُ لَهُ فَيَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ إذْ الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا وَرِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى التَّضْمِينِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُكَاتَبِ لَا يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ، فَكَذَلِكَ هُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَصِيبَ السَّاكِتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ فَصْلُ الْوَلَاءِ الَّذِي تَقَدَّمَ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الْمُوَرِّثِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُوَرِّثِ أَنْ يَخْتَارَ التَّضْمِينَ فِي الْبَعْضِ وَالسِّعَايَةَ فِي الْبَعْضِ فَكَذَا الْوَرَثَةُ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ السَّاكِتُ وَلَكِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ السَّاكِتُ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتَقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالضَّمَانَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ عَلَى الْمُعْتَقِ مَا لَمْ يَخْتَرْ ضَمَانَهُ، فَإِذَا هَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَقَرَّرَ الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ صِحَّةَ اخْتِيَارِ التَّضْمِينِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ هُوَ أَنْ يَمْلِكَ نَصِيبَهُ مِنْهُ بِالضَّمَانِ وَقَدْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الْإِفْسَادُ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، وَمَوْتُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْغَصْبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَضْمِينَهُ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ عِنْدَ ذَلِكَ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ نَصِيبَهُ أَوْ وَهَبَهُ عَلَى عِوَضٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ كَالتَّضْمِينِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ مَحَلٍّ لَهُ. وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ: لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ مَاتَ لَا يُؤْخَذُ ضَمَانُ الْعِتْقِ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بَلْ يَسْقُطُ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ صِلَةً وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَإِنَّمَا عُرِفَ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ عِنْدَ عُسْرَتِهِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ) أَيْ السَّاكِتِ (إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا ضَمِنَ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى حَرْفَيْنِ أَحَدِهِمَا تُجْزِئُ الْإِعْتَاقِ) عِنْدَهُ (وَعَدَمُهُ) عِنْدَهُمَا فَيَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتَقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ)

قُسِّمَ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ. وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صَبْغِ الْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَهُنَا، إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمَا فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ الَّتِي ظَاهِرُهَا تُجْزِئُ الْإِعْتَاقِ كَقَوْلِهِ «فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَحَدِيثُ «فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ثُمَّ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا» فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَكَذَا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَتَقَ» وَاَلَّتِي ظَاهِرُهَا عَدَمُ تَجْزِيئِهِ كَحَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ غُلَامٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ، وَأَجَازَ عِتْقَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ رَزِينٌ فِي مَالِهِ. وَفِي لَفْظٍ «هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ» كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ عِنْدَ يَسَارِهِ التَّضْمِينُ لَيْسَ غَيْرُ، وَلِذَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَسَّمَ فَجَعَلَ الْحُكْمَ عِنْدَ يَسَارِهِ تَضْمِينَهُ وَعِنْدَ إعْسَارِهِ الِاسْتِسْعَاءَ، وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ. وَاسْتُدِلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (إنَّهُ) أَيْ السَّاكِتُ (احْتَبَسَتْ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ) وَإِنْ وَقَعَ احْتِبَاسُهَا عِنْدَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فَأَلْقَتْ ثَوْبَ إنْسَانٍ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ فَانْصَبَغَ بِهِ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ أَنْ يُضَمِّنَ مَالِكَ الثَّوْبِ قِيمَةَ صَبْغِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِمَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ) وَيَأْخُذُ فَضْلَ كَسْبِهِ كَالْمُعْسِرِ الْمَدْيُونِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقِيَاسُ تَضْمِينُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدِ كَانَ تَضْمِينُ غَيْرِهِ غَيْرَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ إفْسَادُ نَصِيبِهِ بِعِتْقِهِ الِاخْتِيَارِيِّ لَكِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَدَمَ دَارِهِ فَانْهَدَمَتْ لِذَلِكَ دَارُ جَارِهِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ لِلنُّصُوصِ بِالتَّعْلِيقِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا لَا إذَا كَانَ مُوسِرًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ فَلَا يَلْزَمُ نَفْيُ الِاسْتِسْعَاءِ عِنْدَ نَفْيِ الْإِعْسَارِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْضًا بِالدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِبَاسِ كَذَا أَوْرَدَهُ شَارِحٌ. وَأَجَابَ: وَالتَّحْقِيقُ فِي إيرَادِهِ أَنَّ النُّصُوصَ قَسَّمَتْ فَأَعْطَتْ حُكْمَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَحُكْمَ عَدَمِهِ فَقَالَ عِنْدَ الْيَسَارِ التَّضْمِينُ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ وَهُوَ الْإِعْسَارُ الِاسْتِسْعَاءُ، وَالْقِسْمَةُ تُفِيدُ اخْتِصَاصَ كُلِّ قِسْمٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُوجَدُ الِاسْتِسْعَاءُ عِنْدَ الْيَسَارِ كَمَا لَا يُوجَدُ التَّضْمِينُ عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ الْجَوَابُ. وَقَدْ أُجِيب أَيْضًا بِنَحْوِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ ذُكِرَتْ بِلَفْظِ الشَّرْطِ، وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ، وَحَقِيقَةُ هَذَا الْجَوَابِ مَنْعُ أَنَّ الْقِسْمَةَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ مُطْلَقًا، بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطَيْنِ بَلْ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا أَثَرَ لِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَوَحْدَتِهِ فِي اخْتِلَافِ حُكْمِ الْقِسْمَةِ. وَفِي الْكَافِي: جَهْلُ فَائِدَةِ الْقِسْمَةِ نَفْيُ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ كَمَا تُفِيدُ نَفْيَ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا تُفِيدُ نَفْيَ الِاسْتِسْعَاءِ لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِعَيْنِ الْجِهَةِ الَّتِي تُفِيدُ بِهَا تِلْكَ الْإِفَادَةَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَفَادَتْ الْقِسْمَةُ نَفْيَ الشَّرِكَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا أَعْطَى فِيهَا حُكْمَ الشَّرْطِ وَحُكْمَ نَقِيضِهِ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْمَذْكُورَ مَعَ كُلٍّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ تَمَامُ حُكْمِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُهُ. وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اقْتِصَارَ الشَّارِعِ عَلَى التَّضْمِينِ عِنْدَ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ إذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ يَقْتَضِي قَصْرَ الِاسْتِسْعَاءِ عَلَى عِتْقِ الشَّرِيكِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَلَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْمُعْتِقُ، فَبَيَّنَ الشَّارِعُ مَوْضِعَ مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ التَّضْمِينُ فِي صُورَةِ الْيَسَارِ وَتَرْكُ الْآخَرِ وَهُوَ جَوَازُ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فِيهَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَنْصُوبٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَفَادَ جَوَازَ الِاسْتِسْعَاءِ مَقْصُورًا فَنَفَى الْقَصْرَ وَبَقِيَ جَوَازُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَقْلِيلَ مُعَارَضَةِ الدَّلِيلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي قَصْرِ الْجَوَازِ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ أَقَلُّ مِنْهُ فِي نَفْيِ أَصْلِ جَوَازِهِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ مُخَصِّصًا لِلْقِيَاسِ، إذْ بَيَّنَ بِشَرْعِيَّةِ التَّضْمِينِ مَعَ الْيَسَارِ أَنَّ تَعْيِينَ الِاسْتِسْعَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَفْسِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَحَلِّ، أَمَّا إذَا كَانَ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إتْمَامِهَا وَجَبَ كَالشُّرُوعِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ خُصُوصًا وَعَدَمُ إتْمَامِهَا يُوجِبُ إتْعَابًا لِلْآخَرِ وَهُوَ الْعَبْدُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْبَةِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالنَّصُّ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ عِنْدَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي صُورَةِ الْإِعْسَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ التَّوْجِيهِ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ عِتْقَ مَا يَمْلِكُهُ مَشْرُوعٌ وَعِبَادَةٌ، وَالْإِتْلَافُ وَقَعَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْغَيْرِ وَإِنْ فَسَدَتْ مَالِيَّةُ بَاقِي الْعَبْدِ، كَمَنْ هَدَمَ جِدَارَهُ فَانْهَدَمَ جِدَارُ غَيْرِهِ. فَالْحَقُّ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ وَالنَّصُّ خَصَّصَهُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ أَنَّ السَّاكِتَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَلَا سِعَايَةَ

ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى، لِأَنَّ بِهِ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِيصَالِ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلًا، وَسَبَبُ هَذَا الْقَوْلِ إعْلَالُهُمْ لَفْظَ السِّعَايَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ النَّسَائِيّ: أَثْبَتَ أَصْحَابُ قَتَادَةَ شُعْبَةُ وَهِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَقَدْ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَلَى خِلَافِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ: يَعْنِي فِي ذِكْرِ السِّعَايَةِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ هَمَّامًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ فَجَعَلَ الْكَلَامَ الْأَخِيرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: أَحَادِيثُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَتَبَهَا إمْلَاءً. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ وَضَبْطُهُ فَصْلُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فَجَعَلَا الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْسَبُهُمَا وَهِمَا فِيهِ لِمُخَالَفَةِ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: اضْطَرَبَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي السِّعَايَةِ، فَمَرَّةً يَذْكُرُهَا وَمَرَّةً لَا يَذْكُرُهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي السِّتَّةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: فِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ الْأَثْبَاتِ فِي قَتَادَةَ، وَلَيْسَ هُوَ بِدُونِ هَمَّامٍ عَنْهُ. وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ فِيهِ وَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَيَحْيَى بْنُ صُبَيْحٍ الْخُرَاسَانِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَحَسْبُك بِذَلِكَ: يَعْنِي بِرَفْعِهِمَا الِاسْتِسْعَاءَ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ: مِثْلُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَوْ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْبَاقِي وَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَمْلُوكِيَّتِهِ، وَأَنَّ لَهُ التَّضْمِينَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ زُفَرَ وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، لَا يَعْتِقُ الْبَاقِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ. . (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ السَّاكِتِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ اسْتَثْنَى الْكَفَافَ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْخَادِمُ وَثِيَابُ الْبَدَنِ (لَا يَسَارَ الْغِنَى) أَيْ الْغِنَى الْمُحَرِّمِ لِلصَّدَقَةِ كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ (لِأَنَّ بِيَسَارِ التَّيْسِيرِ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) جَانِبِ الْمُعْتِقِ وَجَانِبِ السَّاكِتِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُعْتِقِ الْقُرْبَةُ وَتَتْمِيمُهَا بِضَمَانِهِ

ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ، فَعَدَمُ رُجُوعِ الْمُعْتِقِ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِعَدَمِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ. وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِ فَخِيَارُ الْإِعْتَاقِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَالتَّضْمِينُ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ جَانٍ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِهِ نَصِيبَهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ، وَالِاسْتِسْعَاءُ لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَقْصُودُ السَّاكِتِ بَدَلُ حِصَّتِهِ وَتَحْقِيقُهُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَسْرَعَ مِنْ الِاسْتِسْعَاءِ فَكَانَ اعْتِبَارُ نِصَابِ التَّيْسِيرِ أَسْرَعَ فِي تَحْقِيقِ مَقْصُودِهِمَا فَوَجَبَ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيلٌ لِلنَّصِّ وَإِلَّا فَصَرِيحُ النَّصِّ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عِنْدَ مُجَرَّدِ تَمَلُّكِ قِيمَتِهِ الْحِصَّةَ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ» بِاتِّفَاقِ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا) أَيْ تَخْرِيجُ تَفْصِيلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا (فَعَدَمُ رُجُوعِ الْمُعْتِقِ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِعَدَمِ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ) فَلَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ مَنْقُولًا إلَيْهِ عَمَّا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلَا وَجْهَ لِرُجُوعِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا جَعْلُهُمَا الْوَلَاءَ كُلَّهُ لِلْمُعْتِقِ لِلْحِصَّةِ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ فَكَانَ إعْتَاقُ بَعْضِهِ إعْتَاقَ كُلِّهِ. وَيَسْعَى فِي حَالَةِ إعْسَارِهِ حُرًّا مَدْيُونًا. وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِثْبَاتُهُ خِيَارَ الْإِعْتَاقِ لِلسَّاكِتِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ مُنْجَزٌ عِنْدَهُ فَلَا يَعْتِقُ الْبَاقِي بِعِتْقِ الْمُعْتِقِ نَصِيبَهُ (وَالتَّضْمِينِ) بِالْجَرِّ: أَيْ وَخِيَارُ التَّضْمِينِ لِلْمُعْتِقِ (لِأَنَّ الْمُعْتِقَ جَانٍ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِمْهَارِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (مِمَّا سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ) مِنْ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالِاسْتِسْعَاءِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى التَّضْمِينِ: أَيْ وَإِثْبَاتُ خِيَارِ الِاسْتِسْعَاءِ (لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّهُ احْتَبَسَ مَالِيَّةَ نَصِيبِهِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَصَارَ كَالسَّاكِتِ وَلِلسَّاكِتِ وِلَايَةُ الِاسْتِسْعَاءِ، فَكَذَا لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ وَضَمِنَ لِلْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَلِلْمَالِكِ التَّضْمِينُ، فَكَذَا

وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَقَدْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاسْتِسْعَاءِ فَكَذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضِمْنًا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَقَدْ عَتَقَ بَعْضُهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْبَاقِيَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ إنْ شَاءَ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ. وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتِقِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى لِمَا بَيَّنَّا، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَسْعِي عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا لِأَنَّهُ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ أَوْ لَا يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الْمُعْتَقِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعُسْرَتِهِ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي رَقَبَةٍ قَدْ فُكَّتْ أَوْ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُوسِرِ كَقَوْلِهِمَا. وَقَالَ فِي الْمُعْسِرِ: يَبْقَى نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ يُبَاعُ وَيُوهَبُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْغَاصِبِ، وَلِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ كَعَبْدٍ خَاصٍّ بِهِ أَعْتَقَ بَعْضَهُ فَلَهُ عِتْقُ الْبَاقِي أَوْ اسْتِسْعَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ (ضَمِنَا) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمِلْكِ قَصْدًا حَتَّى لَوْ بَاعَ السَّاكِتُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ قَصْدًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ قَصْدًا عَدَمُهُ ضِمْنًا (وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ) غَايَتُهُ أَنَّ بَعْضَهُ بِبَدَلٍ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْوَلَاءَ (وَ) أَمَّا (فِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتِقِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ احْتِبَاسِ مِلْكِهِ (وَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ لِلسَّاكِتِ: أَيْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْتِقِ (فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَسْعَى) عَلَى الْمَفْعُولِ: أَيْ الْعَبْدُ (عَلَى الْمُعْتِقِ بِشَيْءٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا) خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عِنْدَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا أَيْسَرَ، وَإِنَّمَا لَا يَرْجِعُ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ هُوَ بِسِعَايَتِهِ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الْمُعْتِقِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا (بِخِلَافِ) الْعَبْدِ (الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي رَقَبَةٍ قَدْ فُكَّتْ أَوْ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِذَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ) إذَا أَيْسَرَ، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ مَا إذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَأَبَتْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى خَمْرٍ مَثَلًا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ فَاسْتَحَقَّتْ عَتَقَ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ حُرٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَإِنَّهُ يَسْعَى وَهُوَ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ (وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُوسِرِ كَقَوْلِهِمَا وَقَالَ فِي الْمُعْسِرِ يَبْقَى نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ يُبَاعُ وَيُوهَبُ) وَهَذَا قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ (وَجْهُهُ) عِنْدَهُ (أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَضْمِينِ

الشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ وَلَا إلَى السِّعَايَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِجَانٍ وَلَا رَاضٍ بِهِ، وَلَا إلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ لِلْإِضْرَارِ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ. قُلْنَا: إلَى الِاسْتِسْعَاءِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ بَلْ تُبْتَنَى السِّعَايَةُ عَلَى احْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُوَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالضَّعْفِ السَّالِبِ لَهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. قَالَ (وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ سَعَى الْعَبْدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَصَارَ مُكَاتِبًا فِي زَعْمِهِ عِنْدَهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِرْقَاقُ فَيَصْدُقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ وَلَا لِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَانٍ وَلَا رَاضٍ بِهِ، وَلَا لِإِعْتَاقِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ. قُلْنَا: نَخْتَارُ أَنْ يُسْتَسْعَى) قَوْلُهُ غَيْرُ جَانٍ إلَخْ. قُلْنَا: لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ، بَلْ مَدَارُ لُزُومِهِ احْتِبَاسُ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَبْغِ الثَّوْبِ الْمُطَارِ، وَقَدْ يُتَمَسَّكُ لَهُ بِمَا رُوِيَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي قَوْلِهِ «فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرَقَّ مَا رَقَّ» . وَيُدْفَعُ بِأَنَّهَا كَمَا قَالَ أَهْلُ الشَّأْنِ ضَعِيفَةٌ مَكْذُوبَةٌ، وَلَوْ ثَبَتَ لَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالرِّقِّ فِيهَا الْمِلْكَ مَجَازًا لِامْتِنَاعِ اتِّصَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِالْقُوَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالضَّعْفِ السَّالِبِ لَهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا بَلْ بِقَوْلِهِ " عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " كِفَايَةً، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ، إنْ لَمْ يَلْزَمْ بَقَاءُ الْبَاقِي رَقِيقًا يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ مَمْلُوكًا وَالْمِلْكُ هُوَ الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ قَوْلِهِ «فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اسْتَسْعَى غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» يُوجِبُ اسْتِسْعَاءَهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِعِ مَعَ أَنَّ وَجْهَهُ مَا قَدَّمْنَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ النَّافِينَ صِحَّةَ رِوَايَةِ الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا أَنَّهُ يُسْتَسْعَى إنْ اخْتَارَ ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ غَيْرُ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ. وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِهِ " لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ " فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ كُلِّهِ كَمَا قَالَا أَوْ عَدَمَ تَقَرُّرِهِ وَهُوَ الْأَوْلَى. وَإِذَا لَمْ يُقَرَّرْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْسِرِ لَزِمَ الِاسْتِسْعَاءُ وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ مَجَّانًا جَبْرًا بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَالِاسْتِسْعَاءُ بِلَا جِنَايَةٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٌ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ الْمُعْسِرُ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ اضْطَرَّهُ إلَى فِكَاكِ رَقَبَتِهِ حَيْثُ حَكَمَ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ بِنَفَاذِ عِتْقِ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَأَنْ لَا يُقِرَّ الْبَاقِي فِي الْمِلْكِ وَلَا يُذْهِبَ مَالَ السَّاكِتِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُخْتَارٍ فِيهِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ هُوَ كَقَوْلِهِمَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ أَصْحَابِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ سَعَى الْعَبْدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعَتَقَ (وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَصَارَ) الْعَبْدُ بِذَلِكَ (مُكَاتَبًا لَهُ) أَيْ فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبِ (وَيَزْعُمُ أَنَّهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ اسْتِرْقَاقُهُ فَيَصْدُقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِ

وَيَسْتَسْعِيه لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ أَوْ مَمْلُوكُهُ فَلِهَذَا يَسْتَسْعِيَانِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَالَيْنِ فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ، لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الشَّرِيكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَسْتَسْعِيه) إنْ شَاءَ أَوْ يُعْتِقُهُ (لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ كَاذِبًا كَانَ) فِي دَعْوَاهُ عِتْقُ الشَّرِيكِ (أَوْ صَادِقًا لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ) إنْ كَانَ صَادِقًا (أَوْ مَمْلُوكَهُ) إنْ كَانَ كَاذِبًا (فَلِهَذَا يَسْتَسْعِيَانِهِ) أَمَّا فِي الصِّدْقِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْكَذِبِ فَلِتَمَكُّنِ الْإِنْسَانِ مِنْ أَمْرِ عَبْدِهِ أَنْ يَسْعَى وَيَأْتِيَهُ بِأَكْسَابِهِ (وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّ حَقَّهُ) أَيْ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمَا (فِي الْحَالَيْنِ) حَالِ يَسَارٍ الْآخَرِ وَإِعْسَارِهِ (فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ) السِّعَايَةِ أَوْ التَّضْمِينِ إلَّا أَنَّ فِي الْيَسَارِ حَقَّهُ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ غَيْرُ عَيْنٍ وَفِي الْإِعْسَارِ حَقُّهُ فِي أَحَدِهِمَا عَيْنًا وَهُوَ السِّعَايَةُ، وَهَذَا (لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الشَّرِيكِ) الْإِعْتَاقَ، وَشَهَادَةُ الْآخَرِ لَيْسَتْ

فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ وَهُوَ السِّعَايَةُ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عَتَقَ نَصِيبُ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَعَتَقَ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْرَأُ عَنْ سِعَايَتِهِ بِدَعْوَى الْعَتَاقِ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَثْبُتْ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ وَالْبَرَاءَةُ عَنْ السِّعَايَةِ قَدْ ثَبَتَتْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إذْ الْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فَلَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ (وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQنَافِذَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَرْدٌ وَيَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ أَعْتَقَ لَمْ تُقْبَلْ لِلْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنَّهُمَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهِمَا حَقَّ التَّضْمِينِ أَوْ يَشْهَدَانِ لِعَبْدِهِمَا، وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا مَا أَثْبَتْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ بِحُرْمَةِ اسْتِرْقَاقِهِ ضِمْنًا لِلشَّهَادَةِ (فَتَعَيَّنَ السِّعَايَةُ) وَهُوَ عَبْدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ. وَأَوْرَدَ أَنَّ التَّضْمِينَ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ جَازَ التَّضْمِينُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اعْتِقَادُ كُلٍّ أَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ يَحْلِفُ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّ الْمَآلَ إلَى السِّعَايَةِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنْ لَا تَحْلِيفَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِصِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَالَ شَارِحٌ: هَذَا كُلُّهُ أَيْ تَعَيُّنُ اسْتِسْعَائِهِمَا الْعَبْدَ إلَخْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ كُلًّا يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ الضَّمَانَ وَالضَّمَانُ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ فَيُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْجَهُ، فَيَجِبُ فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ لُزُومُ اسْتِسْعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْعَبْدِ أَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَى قَاضٍ بَلْ خَاطَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِأَنَّك أَعْتَقْت نَصِيبَك وَهُوَ يُنْكِرُ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَ حُكْمُهَا إلَّا الِاسْتِسْعَاءَ، أَمًّا لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا التَّضْمِينَ أَوْ أَرَادَاهُ وَنَصِيبُهُمَا مُتَفَاوِتٌ فَتَرَافَعَا أَوْ رَفَعَهُمَا ذُو حِسْبَةٍ فِيمَا لَوْ اسْتَرَقَّاهُ بَعْدَ قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ سَأَلَهُمَا فَأَجَابَا بِالْإِنْكَارِ فَحَلَفَا لَا يَسْتَرِقُّ لِأَنَّ كُلًّا يَقُولُ: إنَّ صَاحِبَهُ حَلَفَ كَاذِبًا وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِسْعَاؤُهُ، وَلَوْ اعْتَرَفَا أَنَّهُمَا عَتَقَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ كُلٌّ الْآخَرَ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَلَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْمُنْكِرَ يَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً، فَإِنَّهُ إنْ نَكَلَ صَارَ مُعْتَرِفًا أَوْ بَاذِلًا فَصَارَا مُعْتَرِفَيْنِ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ كَمَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْ سِعَايَتِهِ) وَإِنَّمَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ (لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ السِّعَايَةِ قَدْ ثَبَتَتْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) بِثُبُوتِ سَبَبِهَا حَيْثُ أَقَرَّ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ مَعَ يَسَارِهِ (وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا) لِفَرْضِ أَنَّ الْمُعْتِقَ مُعْسِرٌ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا بَلْ حُرٌّ مَدْيُونٌ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ، وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ مِنْ السِّعَايَةِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ)

صَاحِبِهِ وَهُوَ يَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا. (وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ دَخَلَ فَهُوَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يُدْرَى أَدَخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ النِّصْفُ وَسَعَى لَهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْمُقْضَى عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ يُثْبِتُهُ (لِصَاحِبِهِ) حَيْثُ ادَّعَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَالْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ: أَيْ لَا يَثْبُتُ بِهِ إلَّا مَا لَا يَتَجَزَّأُ أَصْلًا مِنْ زَوَالِ الرِّقِّ (وَهُوَ) أَيْ صَاحِبُهُ (يَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا) فَلَوْ لَمْ يَتَّفِقَا حَتَّى مَاتَ وَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَيْتُ الْمَالِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ) فِي عَبْدٍ (إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ) يَعْنِي الْعَبْدَ (الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ دَخَلَهَا غَدًا فَهُوَ حُرٌّ، فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يُدْرَى أَدَخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ النِّصْفُ وَسَعَى لَهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ) بَيْنَهُمَا (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) عَلَى تَفْصِيلٍ يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى فِي النِّصْفِ لَهُمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا يَسْعَى فِي الرُّبْعِ لِلْمُوسِرِ، وَلَوْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَسْعَى لِأَحَدٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ أَوْ لَا يَمْنَعُهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي سَبَقَ، فَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا النِّصْفُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ) لَهُمَا إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَبِنِصْفِهِ لِلْمُوسِرِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا، وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَهَذِهِ عَلَى وِزَانِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَعْنِي إقْرَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ، وَهُنَاكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا وَالْآخَرُ مُوسِرًا لَا يَسْعَى إلَّا لِلْمُوسِرِ، فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا لِأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُ السِّعَايَةَ أَبَدًا يَكُونُ هُوَ السَّاكِتُ وَالْآخَرُ مُعْتِقٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَإِنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنْ تَضْمِينِ الْمُعْسِرِ فَيَأْخُذُ السِّعَايَةَ وَعَلَى إنْزَالِ الْمُعْسِرِ هُوَ السَّاكِتُ فَزَعْمُهُ أَنْ لَا سِعَايَةَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ الْمُوسِرِ وَتَضْمِينُهُ مُتَعَذِّرٌ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ بِمُبَاشَرَةِ شَرْطِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى شَيْءٍ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا يَزْعُمُ أَنَّ حَقَّهُ تَضْمِينُ الْآخَرِ لَيْسَ غَيْرُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ فَلَا تَضْمِينَ وَلَا سِعَايَةَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ) وَهُوَ الَّذِي تَحَقَّقَ شَرْطُهُ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ عِتْقُ الْعَبْدِ (وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ) وَلَا التَّوْزِيعُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَقَعْ شَرْطُهُ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِعْطَائِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ شَرْطُهُ وَعَتَقَ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ

فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ، كَذَا هَذَا. وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَانِثٌ بِيَقِينٍ، وَمَعَ التَّيَقُّنِ بِسُقُوطِ النِّصْفِ كَيْفَ يُقْضَى بِوُجُوبِ الْكُلِّ، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِعُ بِالشُّيُوعِ وَالتَّوْزِيعِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ وَمَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ أَوْ الْبَيَانِ، وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ أَوْ لَا يَمْنَعُهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي سَبَقَ. (وَلَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْمُعَيَّنِ فَلَمْ يُنَافِهِ التَّوْزِيعُ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ) فَكَذَا لَا يُقْضَى بِسُقُوطِ شَيْءٍ لِذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِسُقُوطِ شَيْءٍ وَجَبَ الْكُلُّ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَانِثٌ بِيَقِينٍ. وَمَعَ التَّيَقُّنِ بِالسُّقُوطِ كَيْفَ يُقْضَى بِهِ، وَالْجَهَالَةُ) الْمَانِعَةُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالسُّقُوطِ (تَرْتَفِعُ بِالشُّيُوعِ) أَيْ شُيُوعِ النِّصْفِ الَّذِي عَتَقَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكَيْنِ (وَتَوْزِيعُهُ) عَلَيْهِمَا فَصَارَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالسُّقُوطِ الْمَوْلَيَيْنِ فَلَا جَهَالَةَ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ لَوْ قُضِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ عَيْنٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِلضَّرُورَةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّوْزِيعِ وَهُوَ عَدَمُ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِتَمَامِهِ وَكَوْنُ التَّعْيِينِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَمْنَعُ التَّوْزِيعَ مُنْتَفٍ بِمَا فِي كِتَابِ التَّحَرِّي: عَشْرَةُ رِجَالٍ لِكُلٍّ مِنْهُمْ جَارِيَةٌ أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ جَارِيَتَهُ ثُمَّ صَارَ لَا يُدْرَى الْمُعْتِقُ وَلَا الْمُعْتَقَةُ ثُمَّ اجْتَمَعْنَ فِي مِلْكِ وَاحِدٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِنَّ وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِ قِيمَتِهَا، وَصَارَ (كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ وَمَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ) فِي الثَّانِي (أَوْ الْبَيَانُ) فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْعِتْقَ يُوَزَّعُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهِ لِلْوَرَثَةِ. وَقَيْدُ مَوْتِهِ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمُتْ إنَّمَا يُطَالَبُ بِالْبَيَانِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلِ الْوَارِثِ يُقَامُ مَقَامُهُ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْوِرَاثَةِ فِيمَا لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْعُ فِيهِ وِرَاثَةً فِي الثَّانِي وَإِسْقَاطُ جَمِيعِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فِي الْأَوَّلِ وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوَّلًا. وَقِيلَ: إنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُقْضَى عَلَيْهِ لَا تَمْنَعُ الْقَضَاءَ إذَا كَانَ الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُقْضَى عَلَيْهَا مِنْهُنَّ مَجْهُولَةً، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومًا جَازَ الْقَضَاءُ، كَذَا هُنَا الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْعَبْدُ. وَهَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ إلَخْ) يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى عَبْدٍ وَاحِدٍ، وَهَذِهِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ كُلٌّ عَلَى عَبْدٍ لَهُ غَيْرِ الْآخَرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ دَخَلَ فُلَانٌ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ

مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ مَجْهُولٌ، وَكَذَلِكَ الْمَقْضِيَّ لَهُ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ بِهِ مَعْلُومٌ فَغَلَبَ الْمَعْلُومُ الْمَجْهُولَ. (وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ) لِأَنَّهُ مَلَكَ شِقْصَ قَرِيبِهِ وَشِرَاؤُهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَا مَرَّ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) عَلِمَ الْآخَرُ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (وَكَذَا إذَا وَرِثَاهُ، وَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: فِي الشِّرَاءِ يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الِابْنُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا مَلَكَا، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ رَجُلَانِ وَأَحَدُهُمَا قَدْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يَدْرِ الدُّخُولَ وَعَدَمَهُ (لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ الْكُلِّ (لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ) بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ (مَجْهُولٌ وَالْمَقْضِيَّ لَهُ وَهُوَ الْمُعْتِقُ مَجْهُولٌ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ) وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ صَحَّ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا يَحْنَثُ أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَبِيعُ عَبْدَهُ، وَزَعْمَ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ، وَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُمَا وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ الْآنَ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُولٌ. وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ، لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأَوَّلِ هُوَ مُقِرٌّ بِوُجُودِ شَرْطِ الثَّانِيَةِ، وَبِالثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْأُولَى. وَقِيلَ لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَالْآخَرَ بِوُجُودِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ تَحَقُّقُهُ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهِ. قُلْنَا: ذَاكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعَبْدِي حُرٌّ، بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ الْمُمَارِي فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَاضِي لِتَحْقِيقِ الدُّخُولِ فِيهِ، وَحَقِيقَةُ شَرْطِهِ ظُهُورُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَاضِي، وَكَذَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِخِلَافِ إنْ دَخَلَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِنُزُولِ الْعِتْقِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَا يُوجِبُ إقْرَارَهُ بِنُزُولِ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا) بِعَقْدٍ وَاحِدٍ بِأَنْ خَاطَبَ الْبَائِعُ الْأَبَ وَالْآخَرَ مَعًا بِأَنْ قَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَبِلَا (عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ لِأَنَّهُ مَلَكَ شِقْصًا مِنْ ابْنِهِ) فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا سَوَاءٌ عَلِمَ الشَّرِيكُ أَنَّهُ ابْنُ الْآخَرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَكِنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُمَا لَوْ وَرِثَاهُ لَا يَضْمَنُ الْأَبُ، وَكَذَا فِي كُلِّ قَرِيبٍ يَعْتِقُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ: أَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ» إلَخْ يُفِيدُ كَوْنَ الْعِتْقِ اخْتِيَارِيًّا (وَقَالَ: فِي الشِّرَاءِ يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الِابْنُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا مَلَكَاهُ بِهِبَةٍ) مَعًا (أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَعَلَى هَذَا) الْخِلَافُ أَيْضًا (إذَا اشْتَرَاهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ) أَمَّا لَوْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ

لَهُمَا أَنَّهُ أَبْطَلَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَلَهُ أَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ فَلَا يُضَمِّنُهُ، كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ صَرِيحًا، وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQشِرَاءُ كُلِّهِ (لَهُمَا أَنَّهُ) أَيْ الْأَبَ (أَبْطَلَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِعْتَاقِ) الِاخْتِيَارِيِّ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى الشِّرَاءِ وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ (وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ مُخْتَارًا فِيهِ. وَلَهُ أَنَّ شَرْطَ التَّضْمِينِ مَعَ الْعِتْقِ الِاخْتِيَارِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ بِرِضَا مَنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ، وَلَمَّا بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَهُ مُخْتَارًا وَهُوَ عِلَّةُ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ كَانَ رَاضِيًا بِإِفْسَادِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِهِ صَرِيحًا. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ فِي قَوْلِهِ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إعْتَاقَهُ يَثْبُتُ اخْتِيَارِيًّا بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ عِتْقَهُ عَنْهَا. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَاهُ بِمُبَاشَرَتِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ رِضًا بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَيْسَ عِلَّةَ الْوُقُوعِ بَلْ الْعِلَّةُ هِيَ قَوْلُ الشَّرِيكِ هُوَ حُرٌّ الْوَاقِعُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ، بِخِلَافِ قَبُولِ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةُ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْعَقْدُ، وَكُلُّ مَنْ بَاشَرَهُ فَهُوَ مُبَاشِرٌ عِلَّةَ الْعِتْقِ. وَلَوْ قِيلَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ أَلَيْسَ أَنَّهُ يُفِيدُ رِضَاهُ بِوُقُوعِ الْجَزَاءِ وَالْمَدَارُ هُوَ وُجُودُ دَلَالَةِ الرِّضَا. قُلْنَا: لَا شَكَّ أَنَّ لَهُ تَأْدِيبَ عَبْدِهِ إذَا اقْتَضَاهُ حَالُهُ، وَمَنْعُهُ مِنْهُ ضَرَرٌ لَا يَلْزَمُهُ بِإِلْزَامِهِ إيَّاهُ، فَحَلِفُهُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ ظُلْمٌ مِنْهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي التَّضْمِينِ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ ضَرَبْت هَذَا الْعَبْدَ الْيَوْمَ ظُلْمًا فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ حَتَّى عَتَقَ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ بِخِلَافِهِ. وَأَمَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ مَنْعِ أَنَّ مُبَاشَرَتَهُ لِلْعَقْدِ رِضًا لِأَنَّهُ ضَرَرٌ وَالْعَاقِلُ لَا يَرْضَى بِهِ وَلِأَنَّ وَضْعَهُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِهِ لَا لِزَوَالِهِ فَمَدْفُوعٌ بِالضَّرُورَةِ، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَ فِعْلِ كَذَا يَثْبُتُ كَذَا ثُمَّ فَعَلَهُ مُخْتَارًا جَزَمَ الْعَقْلُ بِأَنَّهُ رِضًا مِنْهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَحْقِيقُ الْمِلْكِ قَدْ يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْهُ إثْبَاتَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَلِلْعَاقِلِ فِي ذَلِكَ أَغْرَاضٌ صَحِيحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ مِنْ اسْتِفَادَةِ الْمَدْحِ وَالْوَلَاءِ، وَقَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَأُخْرَوِيَّةٍ مِنْ الْأَجْرِ. لَا يُقَالُ: رِضَا الْأَبِ بِالشِّرَاءِ رِضًا بِالْإِعْتَاقِ وَالرِّضَا بِالْإِعْتَاقِ رِضًا بِالضَّمَانِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُثْبِتُهُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَاخْتَارَ السَّاكِتُ التَّضْمِينَ فَكَيْفَ يَنْفِيهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: كَوْنُهُ رِضًا بِالضَّمَانِ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ تَضْمِينِ الْآخَرِ لَهُ، إلَّا إذَا لَمْ

وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا حَتَّى يَخْتَلِفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَيَسْقُطَ بِالرِّضَا، وَلَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ، كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْآمِرُ بِمِلْكِهِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُنْ رِضًا بِإِعْتَاقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا إيرَادُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا هَكَذَا الْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِعْتَاقُ الْبَعْضِ إعْتَاقُ الْكُلِّ، وَلَا يُمْكِنُ إعْتَاقُ الْكُلِّ إلَّا بِتَمَلُّكِ نَصِيبِ الْآخَرِ، وَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِالضَّمَانِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَمَلُّكٌ ضِمْنِيٌّ فَلَا تَوَجُّهَ لَهُ هُنَا. (قَوْلُهُ وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَوْنُهُ رَضِيَ بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ لَا يُوجِبُ إسْقَاطَ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فَقَالَ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ التَّمَلُّكِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ ضَمَانُ إفْسَادٍ، وَبَسْطُهُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْعِتْقِ ضَمَانَانِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَلَا يُسْقِطُهُ الرِّضَا بِسَبَبِهِ وَذَلِكَ ضَمَانُ الِاسْتِيلَادِ، فَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهَا لَهُ، وَمِنْ حُكْمِ ضَمَانِ التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا ضَمَانَ الِاسْتِيلَادِ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ لِأَنَّ وَضْعَ الِاسْتِيلَادِ لِطَلَبِ الْوَلَدِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي التَّمَلُّكَ فَأَثْبَتْنَاهُ. وَضَمَانُ إتْلَافٍ وَهُوَ ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ، وَيُقَالُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ فِي عِتْقِ الْإِنْسَانِ مَا يَمْلِكُهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُفْسِدُ بِهِ نَصِيبَ الشَّرِيكِ، فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَضَمَانُ إفْسَادٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ فِي هَذَا الْإِفْسَادِ نَعَمْ لَوْ قَصَدَ بِعِتْقِهِ قَصْدًا فَاسِدًا أَثِمَ بِهِ أَمَّا وَضْعُ الْعِتْقِ فَلَيْسَ مُقْتَضِيًا لُزُومَهُ، ثُمَّ كَوْنُ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ ضَمَانَ إتْلَافٍ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا وَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بَيْنَ عِلْمِ الشَّرِيكِ بِالْإبْنِيَّةِ وَعَدَمِهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّرِيكِ عَالِمًا بِالْإبْنِيَّةِ فَلَا يَضْمَنُ الْأَبُ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ فَنُضَمِّنُهُ، لِأَنَّ رِضَاهُ لَا يَتَحَقَّقُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِحَقِّهِ فِي التَّضْمِينِ مُبَاشَرَتُهُ لِسَبَبِ إسْقَاطِهِ فَلَا يَخْتَلِفُ بِعِلْمِهِ وَجَهْلِهِ، كَمَا إذَا أَطْعَمَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالُهُ سَقَطَ تَضْمِينُهُ الْغَاصِبَ. وَالنَّظِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْآمِرُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْآكِلُ إذَا عَلِمَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ ضَمَانُ الْإِتْلَافِ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، أَلَّا يُرَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ لَا يَتَقَيَّدُ ضَمَانُهُ بِكَوْنِهِ مُوسِرًا. فَإِنْ قُلْت: قَدْ أَسْلَفْت أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ مُحْتَبَسُ حَقِّ السَّاكِتِ وَالْمَذْكُورُ هُنَا أَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ

(وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ نِصْفَهُ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ) لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الِابْنَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ) لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ. وَقَالَا: لَا خِيَارَ لَهُ وَيَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا. (وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا) وَمَعْنَاهُ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ فَلَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ شَيْئًا عِنْدَهُ، وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ. (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ) فَأَرَادُوا الضَّمَانَ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا وَلَا يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّضْمِينُ لِلْإِتْلَافِ. قُلْنَا: قَدْ حُكِيَ خِلَافٌ فِي الْقِيَاسِ مَا هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الْقِيَاسِ الِاسْتِسْعَاءَ هُوَ أَقْرَبُ الْقِيَاسَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِبَاسِ عِنْدَ الْعَبْدِ وَعَدَمِ جِنَايَةِ الْمُعْتِقِ وَلِذَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِفَرْضِ وُرُودِ النَّصِّ عَلَى خِلَافِ إطْلَاقِ مُقْتَضَاهُمَا مِنْ الِاسْتِسْعَاءِ وَإِنَّمَا التَّضْمِينُ دَائِمًا. وَكُلُّ قِيَاسٍ خَالَفَهُ النَّصُّ فَهُوَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ ظَهَرَ لِلْمُجْتَهِدِ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الْمُوَافِقُ لِلنَّصِّ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ. وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ هُنَا هُوَ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْ صَلَاتِهِ قَادِرًا عَلَى إتْمَامِهِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَمْ يَجِبْ وَوَجَبَ لَهُ أَجْرٌ قَدْرَ عَمَلِهِ وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَارْجِعْ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ) لِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ مَا كَانَ إلَّا قَبُولُهُ الْبَيْعَ مَعَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا فَلِذَا وَقَعَ اتِّفَاقُهُمْ هُنَا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الِابْنُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَحْدَهُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ (وَقَالَا: لَا خِيَارَ لَهُ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ، بَلْ يَتَعَيَّنُ التَّضْمِينُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِلْبَائِعِ (وَقَالَا: إنْ كَانَ مُوسِرًا يَضْمَنُ، وَمَعْنَاهُ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ) وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ وَالرِّضَا بِعِتْقِ نَصِيبِهِ يَمْنَعُ التَّضْمِينَ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ رِضًا بِعِتْقِ نَصِيبِهِ بَلْ ذَكَرَ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ وَهُوَ أَنَّ الرِّضَا يَمْنَعُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ) فَأَرَادَ كُلٌّ مِنْ السَّاكِتِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ يُدَبِّرْ وَالْمُدَبِّرُ الضَّمَانَ وَهُمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (فَأَرَادُوا الضَّمَانَ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ) ثُلُثَ قِيمَةِ الْعَبْدِ قِنًّا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ شَيْئًا، وَإِذَا ضَمِنَ الْمُدَبِّرُ الثُّلُثَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ شَاءَ عَلَى وَزَانَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ حِصَّتَهُ

(وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ، وَلَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ، وَقَدْ أَفْسَدَ بِالتَّدْبِيرِ نَصِيبَ الْآخَرَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُدَبِّرَ نَصِيبَهُ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ طُرُقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ بَيْعًا وَهِبَةً عَلَى مَا مَرَّ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ وَسَقَطَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ سَبَبُ ضَمَانِ تَدْبِيرِ الْمُدَبَّرِ وَإِعْتَاقِ هَذَا الْمُعْتَقِ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَضَمَّنَهُ السَّاكِتُ حَيْثُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . (وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ) أَعْنِي ثُلُثَهُ قِنًّا (وَهَذَا) كُلُّهُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلًا وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَأَصْلُ هَذَا) الْخِلَافِ (أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْعِتْقِ) إذْ هُوَ عِتْقٌ مُضَافٌ (فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ، وَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ وَقَدْ أَفْسَدَ بِالتَّدْبِيرِ نَصِيبَ الْآخَرَيْنِ) حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْبَيْعُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَمْهَارِ (فَثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُ خِيَارَاتٍ ) أَنْ يُدَبِّرَ نَصِيبَهُ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا، (فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ وَسَقَطَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ) هُوَ الثَّالِثُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ يُدَبِّرْ (سَبَبَا ضَمَانٍ) أَحَدُهُمَا (تَدْبِيرُ الْمُدَبِّرِ) الَّذِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ مَا أَفْسَدَ (وَ) الْآخَرُ (عِتْقُ هَذَا الْمُعْتِقِ) فَإِنَّهُ تَغَيُّرُ نَصِيبِ الْمُدَبِّرِ وَالسَّاكِتِ حَيْثُ كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَبَطَلَ ذَلِكَ بِعِتْقِ الْمُعْتِقِ حَيْثُ اسْتَحَقَّ بِهِ الْعَبْدُ خُرُوجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ التَّضْمِينِ (غَيْرَ أَنَّ) السَّاكِتَ لَهُ (تَضْمِينُ الْمُدَبِّرِ) لَيْسَ غَيْرُ (لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ) فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَعْتَدِلُ جَانِبَا الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ. فَإِنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْمَضْمُونُ لَهُ بَدَلَ مِلْكِهِ

حَتَّى جُعِلَ الْغَصْبُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقْتَ التَّدْبِيرِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمَكَاتِبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَبَ فِي تَحْقِيقِ الْمُعَادَلَةِ أَنْ يَمْلِكَ مُعْطِيهِ وَهُوَ الضَّامِنُ مَا دَفَعَ بَدَلَهُ، فَحَيْثُ أَمْكَنَ هَذَا لَا يَعْدِلُ عَنْهُ (وَلِهَذَا كَانَ ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ جَعَلَهُ ضَمَانَ إتْلَافٍ، فَإِذَا جَعَلَ الضَّمَانَ فِيمَا هُوَ عُدْوَانٌ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ فَفِي الْعِتْقِ وَشُعَبِهِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى، وَهَذَا يُحَقِّقُ مَا ذَكَرْت لَك فِي قَوْلِهِمْ ضَمَانُ جِنَايَةٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ ضَمَانَ جِنَايَةٍ مَا فِي قَاضِي خَانْ: لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ وَقَضَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا، وَالْمُرَابَحَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَاكْتَسَبَ عِنْدَهُ أَكْسَابًا ثُمَّ أَبَقَ وَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ كَانَتْ الْأَكْسَابُ لِلْغَاصِبِ لِصَيْرُورَتِهِ مِلْكًا لَهُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صِحَّةُ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ بِالْغَصْبِ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْإِتْلَافَاتِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ ضَمَانِ الْمُعَاوَضَةِ مَا أَمْكَنَ وَجَبَ هُنَا لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ (لِكَوْنِهِ) أَيْ نَصِيبِ السَّاكِتِ (قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ) فِي الْمَضْمُونِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ فَامْتَنَعَ جَعْلُ الْعِتْقِ الْكَائِنِ بَعْدَهُ سَبَبًا لِضَمَانِ الْمُعَاوَضَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (عِنْدَ ذَلِكَ مُدَبَّرٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حُرٌّ (أَوْ مُكَاتَبٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمَكَاتِبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ) . فَقَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ وَلَدُ الْمُصَنِّفِ: هُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ عِنْدَ

فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ، ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا، وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى مَا قَالُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِعْتَاقِ لَيْسَ حُرًّا وَلَا مُكَاتَبًا، بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ يَصِيرُ كَذَلِكَ، وَالْمُسْتَسْعَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَكِنْ لَا تَنْفَسِخُ هَذِهِ الْكِتَابَةُ بِالْعَجْزِ وَلَا بِالتَّفَاسُخِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِلسَّاكِتِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ لَا يُمْكِنُ مِلْكُ هَذَا الْمَضْمُونِ فَكَانَ ضَمَانَ إفْسَادٍ (فَلِهَذَا يُضَمِّنُ) السَّاكِتُ (الْمُدَبِّرَ) لَيْسَ غَيْرُ (ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا) فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ كَانَ مُتَمَكِّنًا قَبْلَ عِتْقِهِ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ إلَى مَوْتِهِ فَامْتَنَعَ بِعِتْقِهِ كُلُّ ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى الْإِفْسَادِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَفْسَدَهُ مُدَبَّرًا وَالْمُدَبَّرُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مُدَبَّرًا لِشَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ مُدَبِّرًا وَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ بِالضَّمَانِ (قَوْلُهُ وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا) فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِنًّا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا ضَمِنَ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّ ثُلُثَيْهَا وَهِيَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثُهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ سِتَّةٌ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا) طَرِيقَتُهُ فِي مِثْلِهِ الْإِشْعَارُ بِالْخِلَافِ، فَقِيلَ قِيمَتُهُ قِيمَتُهُ قِنًّا وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْقِيَمَ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَنَافِعِ الْمُمْكِنَةِ، وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْمَمْلُوكِ بِعَيْنِهِ وَبَدَلِهِ وَفَاتَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: تَقُومُ خِدْمَتُهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ حَزْرًا فِيهِ فَمَا بَلَغَتْ فَهِيَ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ وَالسِّعَايَةِ وَالْبَدَلِ، وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ، وَقِيلَ: يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَائِتَ الْمَنْفَعَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذَكَرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ، وَهَذَا حَسَنٌ عِنْدِي وَأَمَّا قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ فَثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا وَبَقِيَ مِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقِيلَ قِيمَةُ خِدْمَتِهَا مُدَّةَ عُمْرِهَا عَلَى الْحَزْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مُدَّةَ عُمْرِ أَحَدِهِمَا مِنْهَا وَمِنْ مَوْلَاهَا، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا

وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّهُ حَرِيدًا وَإِنْ بَقِيَتْ الرَّقَبَةُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا يُضَمِّنُ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ (قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ) وَهُوَ ثُلُثُهُ قِنًّا فَيَكُونُ قَدْ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ثُلُثُهَا قِنًّا وَثُلُثُهَا مُدَبَّرًا (لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُلُثِهِ قِنًّا (يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا) إلَى وَقْتِ التَّدْبِيرِ (وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ) وَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى حَالِ أَدَاءِ الضَّمَانِ (دُونَ وَجْهٍ) وَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ حَالَ التَّدْبِيرِ (فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ) بَلْ الْمِلْكُ الْمُمْكِنُ مِنْ الضَّمَانِ هُوَ الثَّابِتُ حَالَ الْعِتْقِ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَضَمَّنَهُ السَّاكِتُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ مُسْتَنِدًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ نَصِيبُ السَّاكِتِ إلَيْهِ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ وَكَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ، فَكَذَا لِلْمُعْتِقِ، أَمَّا هُنَا فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ فَكَذَا لَيْسَ الْقَائِمُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْمُدَبِّرُ، وَلِذَا كَانَ لِلْمُدَبِّرِ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ كَمَا كَانَ لِلسَّاكِتِ الْقَائِمِ هُوَ مَقَامَهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنِدَ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلتَّضْمِينِ، إذْ قَدْ ثَبَتَ التَّضْمِينُ بِهِ لِلْعَبْدِ غَيْرَ أَنَّ الْمُدَبِّرَ وُجِدَ فِيهِ مَانِعٌ مِنْهُ وَهُوَ قِيَامُ مَقَامِ السَّاكِتِ الَّذِي لَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ، فَكَانَ الْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ مِنْ الِابْتِدَاءِ لَا يُضَمِّنُهُ مَا ضَمَّنَ لِلسَّاكِتِ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ لَهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ذَلِكَ الثُّلُثَ فَكَذَا لَيْسَ لِلْقَائِمِ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ ثُلُثِ نَفْسِهِ: أَعْنِي ثُلُثَ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِيهِ مَقَامَ أَحَدٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ وُرُودُ أَصْلِ السُّؤَالِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنِدَ لَا يَنْهَضُ سَبَبًا لِضَمَانِ مُفْسِدِهِ كَالْمُعْتِقِ الْمُفْسِدِ بِإِعْتَاقِهِ مِلْكَ الْمُدَبِّرِ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ. وَالرُّجُوعُ عَلَى الْعَبْدِ لَيْسَ تَضْمِينًا لِمُفْسِدِ الْمِلْكِ الْمُسْتَنِدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مُفْسِدًا شَيْئًا بَلْ تَضْمِينُهُ لِقِيَامِهِ بِالضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ مَقَامَ السَّاكِتِ وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَهُ، فَكَذَا مَنْ صَارَ الْمِلْكُ لَهُ وَقَامَ مَقَامَهُ.

وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ وَالثُّلُثُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتِقْ الْمُعْتِقُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْمُدَبِّرِ الضَّمَانَ لِلسَّاكِتِ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ تَضْمِينُهُ مَا ضَمَّنَهُ مِنْ ثُلُثِ قِيمَتِهِ عَبْدًا مَعَ ثُلُثِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَلَهُ تَضْمِينُ كُلِّ ثُلُثٍ بِصِفَتِهِ، كَذَا عَلَّلُوا. وَالْوَجْهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ فِي أَصْلِ التَّعْلِيلِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ مَا ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ حَالَ عِتْقِ الْمُعْتِقِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْوَارِدَ أَيْضًا لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِلْكُهُ حَالَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا، وَيَحْتَاجُ إلَى تَتْمِيمِهِ بِقَوْلِنَا فَيَكُونُ ثَابِتًا حَالَ الْإِعْتَاقِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَيَعُودُ السُّؤَالُ بِعِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَيُدْفَعُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ وُرُودِهِ. هَذَا وَأَوْرَدَ الطَّلَبَةُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ حِينَ مَلَكَ ثُلُثَ السَّاكِتِ بِالضَّمَانِ صَارَ مُدَبَّرًا لَا قِنًّا، وَلِذَا قُلْنَا فِي وَجْهِ كَوْنِ ثُلُثَيْ الْوَلَاءِ لَهُ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ دَبَّرَ ثُلُثَيْهِ ابْتِدَاءً. وَالْجَوَابُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَنْعِ كَوْنِ الثُّلُثِ الَّذِي مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ صَارَ مُدَبَّرًا بَلْ هُوَ قِنٌّ عَلَى مِلْكِهِ، إذْ لَا مُوجِبَ لِصَيْرُورَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ ظُهُورَ الْمِلْكِ الْآنَ لَا يُوجِبُهُ وَالتَّدْبِيرُ يَتَجَزَّأُ، وَذِكْرُهُمْ إيَّاهُ فِي وَجْهِ كَوْنِ ثُلُثَيْ الْوَلَاءِ لَهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، إذْ يَكْفِي فِيهِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ حِينَ أَعْتَقَ الْآخَرُ وَأَدَّى الضَّمَانَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا تَمَلُّكٍ. (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ وَالثُّلُثُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ) فَإِنَّ أَحَدَ ثُلُثَيْهِ كَانَ نَصِيبُهُ بِالْأَصَالَةِ وَالْآخَرُ تَمَلَّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَبَّرَ ثُلُثَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ الْمُعْتِقِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ ثُلُثٌ أَعْتَقَهُ وَثُلُثٌ أَدَّى ضَمَانَهُ لِلْمُدَبِّرِ لَيْسَ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْوَلَاءِ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لَيْسَ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ وَمُعَاوَضَةٍ بَلْ ضَمَانَ إفْسَادٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ وَحِينَ أَعْتَقَهُ كَانَ مُدَبَّرًا، وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ اخْتَارَ سِعَايَةَ الْعَبْدِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا أَثْلَاثًا لِكُلٍّ ثُلُثُهُ. وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ: أَيْ بَيْنَ عَصَبَةِ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنَسَبَهُ لِقَاضِي خَانْ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُتَجَزِّئَ يُوجِبُ إخْرَاجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِتَنْجِيزِ أَحَدِ الْأُمُورِ مِنْ التَّضْمِينِ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةِ وَالْعِتْقِ حَتَّى مَنَعَ اسْتِخْدَامَ الْمُدَبِّرَ إيَّاهُ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ابْتِدَاءً وَدَبَّرَهُ الْآخَرُ السَّاكِتُ فَإِنَّهُ لَا تَتَأَخَّرُ حُرِّيَّةُ بَاقِيهِ إلَى مَوْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِتْقٌ مُنْجَزٌ بَلْ تَدْبِيرٌ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ كِتَابَةُ الْآخَرِ أَوْ قَلْبُهُ أَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِشَرِيكَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا تَقَيَّدَ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ مُكَاتَبًا مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَلَا سِعَايَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ نَصِيبَ الْآخَرِ عَلَى حَالِهِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا مَا فِي الزِّيَادَاتِ: مُكَاتَبٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا سِعَايَةَ إلَّا بَعْدَ عَجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّ حَاصِلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ اسْتِسْعَاءٌ خَاصٌّ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ فَيَتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ إذَا كَانَ مُوسِرًا

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلْمُدَبِّرِ وَقَدْ أَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا فَيَضْمَنُهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِصَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْآخَرُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا وَيَوْمًا تَخْدُمُ الْمُنْكِرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: إنْ شَاءَ الْمُنْكِرُ اسْتَسْعَى الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ مُخْتَارًا أَوْ جَبْرًا بِإِجَارَتِهِ فَهُوَ يُحَقِّقُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فِيهِ الرِّقُّ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَى هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ التَّدْبِيرُ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ كُلُّهُ مُدَبِّرًا لِشَرِيكِهِ الْمُدَبِّرِ (وَقَدْ أَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا) فَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ (وَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ) أَيْ مَا إذَا اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ حَيْثُ يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا (بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ) لَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِيَكُونَ نَصُّ الِاخْتِلَافِ بِالْإِعْسَارِ وَالْيَسَارِ وَارِدًا فِيهِ (وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ) عَلَى قَوْلِهِمَا (لِلْمُدَبِّرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ) لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ ضَمَانَ الْإِفْسَادِ فِي الْإِعْتَاقِ لَا يُنَافِي ضَمَانَ التَّمَلُّكِ لِأَنَّهُمَا حَيْثُ قَالَا: إنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ فِي كُلِّ الْعَبْدِ حَتَّى كَانَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ مِلْكِ نَصِيبِ السَّاكِتِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَنْزِلُ عِتْقُهُ فِي جُزْءٍ لَا يَمْلِكُهُ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ كَانَ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى ضَمَانُ التَّدْبِيرِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَزَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِصَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا) أَيْ لَا تَخْدُمُ فِيهِ أَحَدًا (وَيَوْمًا تَخْدُمُ الْمُنْكِرَ) وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ قَبْلَ تَصْدِيقِهِ عَتَقَتْ بِشَهَادَةِ الْآخَرِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لَهُ، وَتَسْعَى لِوَرَثَةِ الْمُنْكِرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَوَجْهُ

لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ كَذَا هَذَا فَتَمْتَنِعُ الْخِدْمَةُ وَنَصِيبُ الْمُنْكِرِ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ فَتَخْرُجُ إلَى الْعَتَاقِ بِالسِّعَايَةِ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا التَّفْرِيعِ أَنَّهُ عِنْدَ مَوْتِ الشَّرِيكِ كَأَنَّهُ قَالَ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ جِهَةِ شَرِيكِي، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهِ أَعْتَقَ شَرِيكِي نَصِيبَهُ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَضْمِينِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَهُوَ مُنْكِرٌ لَكِنَّهُ يُفْسِدُ الرِّقَّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إفْسَادِهِ بِإِعْتَاقِهِ اُعْتُبِرَ إقْرَارُهُ بِفَسَادِهِ ثُمَّ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي تَمَامِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ عَلَيْهِ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَعَى لَهُ وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي السِّعَايَةِ بَلْ فِي تَضْمِينِ الشَّرِيكِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ لِإِنْكَارِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ شَاءَ الْمُنْكِرُ اسْتَسْعَى الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا. وَضَمَّهُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ وَقَالَا بِاعْتِبَارِ قَوْلٍ مَرْجُوعٍ لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَنْبَغِي مِثْلُهُ أَنْ يُفْعَلَ إلَّا أَنْ يُقْرَنَ بِالْبَيَانِ فَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مَثَلًا وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الْآنَ مَا لَيْسَ هُوَ قَائِلًا بِهِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ خِدْمَةَ الْمُنْكِرِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ؟ الْأَوَّلِ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا بَلْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ صَارَ حَقُّ الْمُنْكِرِ فِي سِعَايَتِهَا وَتَخْرُجُ بِهَا إلَى الْحُرِّيَّةِ. وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا احْتِبَاسَ، وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا: أَيْ تَأْخُذُ جِنَايَتَهَا مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهَا لِتَسْتَعِينَ بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ. (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ اسْتَوْلَدَهَا. كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ) حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِذَا صَارَ لَهُ حُكْمُ الْمُسْتَوْلِدِ امْتَنَعَ الِاسْتِخْدَامُ عَلَى الْمُنْكِرِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْمُقِرُّ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ الِاسْتِخْدَامُ، وَالْمُقِرُّ أَيْضًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِخْدَامُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الِاسْتِخْدَامُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَالْحَالُ أَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ اسْتِسْعَائِهَا لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهَا وَمَنَافِعِهَا عِنْدَهَا، وَلَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ شَرِيكِهِ، فَإِذَا اسْتَسْعَاهَا فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْمُنْكِرَ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَالْمُقِرَّ يُبَرِّئُهَا

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صَدَقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كَذَبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَيَثْبُتُ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَلَا خِدْمَةَ لِلشَّرِيكِ الشَّاهِدِ وَلَا اسْتِسْعَاءَ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ وَالضَّمَانِ، وَالْإِقْرَارُ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ. (وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَهُمَا فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّ مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ وَمُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُبْتَنَى عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ أَوْرَدْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ وَيَدَّعِي أَنَّ حَقَّهُ فِي تَضْمِينِ الْمُنْكِرِ لِدَعْوَاهُ الِاسْتِيلَادَ فَصَارَتْ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لَمَّا امْتَنَعَ بِإِسْلَامِهَا مَقَاصِدُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مَجَّانًا لِلْإِضْرَارِ بِهِ وَجَبَ أَنْ تَعْتِقَ بِالسِّعَايَةِ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) وَعَلِمْت أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَهُ (أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُنْكِرِ نِصْفَ خِدْمَتِهَا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ) لِأَنَّ الْمُقِرَّ إمَّا صَادِقٌ فَيَكُونُ جَمِيعُ خِدْمَتِهَا لَهُ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ خِدْمَتَهَا، أَوْ كَاذِبٌ فَلَهُ نِصْفُهَا وَالْآخَرُ لِلْمُقِرِّ فَاسْتِحْقَاقُهُ نِصْفَهَا مُتَيَقَّنٌ. وَأَمَّا الشَّرِيكُ الْمُقِرُّ فَلَا اسْتِخْدَامَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا اسْتِسْعَاءَ لِأَنَّهُ يُبَرِّئُهَا عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ وَالضَّمَانِ عَلَى شَرِيكِهِ، وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. وَقَوْلُهُمَا انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ. قُلْنَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ إقْرَارٌ بِالنَّسَبِ (وَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لَا يُرَدُّ بِالرَّدِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ) بِنَفْسِهِ حُكْمًا، نَعَمْ يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يُؤَاخَذَ بِإِقْرَارِهِ فَيَمْتَنِعُ اسْتِخْدَامُهُ وَاسْتِسْعَاؤُهُ وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْرِي قَوْلُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَيَبْقَى حَقُّهُ عَلَى مَا كَانَ وَعِتْقُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ هَذَا لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا مِنْ الِانْقِلَابِ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الِانْقِلَابِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَهُمَا) بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ (فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَتْ لِلسَّاكِتِ فِيهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ، فَعِنْدَهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُبْتَنَى عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ)

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ، وَبِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى: إحْدَاهَا هَذَا: وَالثَّانِيَةُ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَهِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَعَتَقَ وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْوَلَدَ فِي النِّصْفِ: يَعْنِي إذَا بَلَغَ حَدًّا يُسْتَسْعَى فِيهِ مِثْلُهُ. وَمِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا تَسْعَى لِلْآخَرِ عِنْدَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَتَسْعَى عِنْدَهُمَا. وَمِنْهَا لَوْ غَصَبَ أُمَّ الْوَلَدِ غَاصِبٌ فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَهُ وَيَضْمَنُ عِنْدَهُمَا. وَذَكَرَ فِي الرُّقَيَّاتِ يَضْمَنُهَا عِنْدَهُ بِالْغَصْبِ كَمَا يَضْمَنُ بِهِ الصَّبِيَّ الْحُرَّ، حَتَّى لَوْ وَضَعَهَا فِي مَسْبَعَةٍ فَافْتَرَسَهَا سَبْعٌ يَضْمَنُ عِنْدَهُ كَمَا يَضْمَنُ الصَّبِيَّ الْحُرَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِنْهَا لَوْ بَاعَهَا وَسَلَّمَهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ وَيَضْمَنُ عِنْدَهُمَا. وَمِنْهَا أَمَةٌ حُبْلَى بِيعَتْ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ صَحَّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُحْبَسُ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (أَنَّهَا مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا) وَكَذَا يَمْلِكُ كَسْبَهَا، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَتْ، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ وَالْفَائِتُ لَيْسَ إلَّا مُكْنَةُ الْبَيْعِ وَهُوَ لَا يَنْفِي التَّقَوُّمَ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ وَالْآبِقِ وَامْتِنَاعُ سِعَايَتِهَا لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى أَوْ وَرَثَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا مَثَلًا لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى حَاجَتِهَا لِدَفْعِ حَاجَتِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ نَسَبُهُ وَمَاؤُهُ وَهَذَا مَانِعٌ يَخُصُّهَا لَا يُوجَدُ فِي الْمُدَبَّرِ فَلِذَا افْتَرَقَا فِي السِّعَايَةِ وَعَدَمِهَا (وَهَذَا) أَيْ الِانْتِفَاعُ الْمُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ (دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيهَا لِعَدَمِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ، وَلَا زِيَادَةَ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ، أَلَا يُرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ سَعَتْ لَهُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ الْمُسْلِمِ وَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ، فَإِذَا ثَبَتَ التَّقَوُّمُ فِي إحْدَاهُمَا ثَبَتَ فِي الْأُخْرَى، وَكَذَا وَلَدُ الْمَغْرُورِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّ الْمَغْرُورَ يَضْمَنُ قِيمَةَ وَلَدِهِ مِنْهَا عِنْدَنَا. وَحَاصِلُهُ دَلِيلَانِ: الْأَوَّلُ قِيَاسٌ عَلَى الْمُدَبَّرِ، وَالثَّانِي إجْمَاعٌ مُرَكَّبٌ. وَأَيْضًا ثَبَتَتْ مَالِيَّتُهَا فَلَا تَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِمُقْتَضٍ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ الطَّارِئِ بِالِاسْتِيلَادِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِذَلِكَ لِثُبُوتِهِ مَعَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ فِيهِ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ مَعَ انْتِفَاءِ عَدَمِ

غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ، أَمَّا السِّعَايَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ بَاقِيَانِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ وَهِيَ مُحْرَزَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّقَوُّمِ وَالْإِحْرَازُ لِلتَّقَوُّمِ تَابِعٌ، وَلِهَذَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ لِثُبُوتِهِمَا فِيهِ. (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا لِفَوَاتِ) مَنْفَعَتَيْنِ (مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) وَالْبَاقِي مَنْفَعَةٌ مِنْ ثَلَاثٍ فَحِصَّتُهَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ (بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ) فَقَطْ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيُسْتَخْدَمُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قِنًّا. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا يُفِيدُ الْخِلَافَ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَسَكَتَ الْآخَرُ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) الْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّوَازِمِ إنَّمَا هِيَ لَوَازِمُ الْمِلْكِ بَعْضُهَا أَعَمُّ مِنْهُ يَثْبُتُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْوَطْءَ يَثْبُتُ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَنْكُوحَةِ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالْإِجَارَةُ تَثْبُتُ بِالْإِجَارَةِ وَاللَّازِمُ الْخَاصُّ هُوَ مِلْكُ الْكَسْبِ، وَلَا كَلَامَ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي التَّقَوُّمِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا بِالْمِلْكِ وَإِنْ ثَبَتَ مَعَهُ، وَالْآدَمِيُّ وَإِنْ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ مَالًا لِأَنَّهُ خُلِقَ لَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَالِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إذَا أُحْرِزَ لِلتَّمَوُّلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَحْرَزَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ إحْرَازُهُ لَهَا لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ تَمَلُّكِهَا كَانَ لِلتَّمَوُّلِ، لَكِنْ عِنْدَمَا اسْتَوْلَدَهَا تُحَوَّلُ صِفَتُهَا عَنْ الْمَالِيَّةِ إلَى مِلْكٍ مُجَرَّدٍ عَنْهَا فَصَارَتْ مُحْرِزَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَهَذِهِ الْمُقَدَّمَةُ تَقْبَلُ الْمَنْعَ: أَعْنِي انْتِفَاءَ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ بِالْإِحْرَازِ لِلنَّسَبِ بِأَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ الْإِحْرَازِ لِلنَّسَبِ وَانْتِفَاءِ التَّقَوُّمِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُنَافِهِ لَكِنَّهُ تَابِعٌ فَصَارَ الْإِحْرَازُ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ كَالْمُنْتَفِي، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُبُوتُ لَوَازِمِ الِانْتِفَاءِ شَرْعًا وَهُوَ عَدَمُ سِعَايَتِهَا لِغَرِيمٍ أَوْ وَارِثٍ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهَا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ، وَإِنَّ مَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَيَاتِهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، كَالْمُدَبَّرِ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ خَرَجَ وَالتَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْحَيَاةِ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ مُوصًى بِهِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا بَطَلَتْ فَسَعَى فِي قِيمَتِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ التَّقَوُّمُ فِي الْمُدَبَّرِ وَرُدَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مُتَقَوِّمًا جَازَ بَيْعُهُ، فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِ الْمُدَبِّرِ مِنْ نَيْلِهِ ثَوَابَ عِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ إلْزَامِ التَّقَوُّمِ بِأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ بِمَنْعِ تَقَوُّمِهَا، وَإِلْزَامِ السِّعَايَةِ فِيهَا لَيْسَ لِذَلِكَ بَلْ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا مُسْلِمَةً مَمْلُوكَةً لَهُ وَلَا إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مَجَّانًا وَهُوَ مِلْكٌ صَحِيحٌ فَأُنْزِلَتْ مُكَاتَبَةً عَلَيْهِ عَلَى قِيمَتِهَا. وَنَقُولُ: لَا يَفْتَقِرُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ إلَى التَّقَوُّمِ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمِ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَلَوْ سُلِّمَ، فَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهَا مِنْ تِلْكَ الضَّرُورَةِ، أَوْ نَقُولُ: هُوَ يَعْتَقِدُ الْمَالِيَّةَ فِيهَا وَجَوَازَ بَيْعِهَا، وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِمْ يُبْتَنَى

وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَعَمِلَ السَّبَبُ فِي إسْقَاطِ التَّقَوُّمِ، وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ فِيهِ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِهِ فَافْتَرَقَا. وَفِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ قَضَيْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْجَانِبَيْنِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا يَفْتَقِرُ وُجُوبُهُ إلَى التَّقَوُّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى اعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي مَالِيَّةِ الْخَمْرِ، أَوْ أَنَّ مِلْكَهُ لَمَّا احْتَبَسَ عِنْدَهَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا، كَالْقِصَاصِ إذَا احْتَبَسَ نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْآخَرِ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ. وَبِهَذَا تَمَّ الْوَجْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا) أَيْ فِي أُمِّ الْوَلَدِ (مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ) فَغَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ، إذْ قَدْ ثَبَتَ شَرْعًا بِمَا ذَكَرْنَا عَدَمُ تَقَوُّمِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ حِكْمَةٍ شَرْعِيَّةٍ. عَدَمُ تَقَوُّمِهَا: يَعْنِي أَنَّ حِكْمَةَ إسْقَاطِ الشَّرْعِ تَقَوُّمَهَا ثُبُوتُ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْلَاهَا الْحُرِّ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْمُصَاهَرَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ حَيْثُ قَالَ: كَيْفَ تَبِيعُوهُنَّ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ لُحُومُهُنَّ بِلُحُومِكُمْ وَدِمَاؤُهُنَّ بِدِمَائِكُمْ؟ فَلِثُبُوتِ ذَلِكَ ثَبَتَ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ تُنَجَّزَ حُرِّيَّتُهَا لَكِنْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِهِ فَبَقِيَ فِيمَا سِوَاهُ وَهُوَ عَدَمُ التَّقَوُّمِ لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّقَوُّمِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَنَجُّزِ الْعِتْقِ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَثْبَتَ لَهَا الْوَلَدُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ فَبَقِيَ فِيمَا سِوَى حَقِيقَةِ الْعِتْقِ مَعْمُولًا بِهِ وَمِنْهُ سُقُوطُ التَّقَوُّمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالتَّدْبِيرُ أَيْضًا كَذَلِكَ: أَيْ سَبَبٌ فِي الْحَالِ لِلْعِتْقِ لِمَا ذَكَرَ فِي بَابِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْتَفِيَ تَقَوُّمُ الْمُدَبَّرِ عَلَى وَزْنِ انْتِفَائِهِ بِسَبَبِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَ سَبَبِيَّةِ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ لِضَرُورَةٍ هِيَ أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ يُوجِبُ بُطْلَانَهُ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّةُ كَلَامِهِ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ خَاصَّةً لَا فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ بَلْ يَبْقَى فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ عَلَى الْأَصْلِ: يَعْنِي فَتَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّتُهُ لِسُقُوطِ التَّقَوُّمِ

[باب عتق أحد العبدين]

بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِتْقَ مَنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ إلْزَامُ التَّنَاقُضِ وَذَلِكَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ لِأُمِّ الْوَلَدِ فَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ سَبَبَ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، وَسَبَبَ سُقُوطِهِ فِي الْمُدَبَّرِ مُتَأَخِّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا بَيَّنَّا. [بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ] هَذَا أَيْضًا مِنْ عِتْقِ الْبَعْضِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي بَعْضِ الْوَاحِدِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي بَعْضِ الْمُتَعَدِّدِ فَنُزِّلَ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي عِتْقِ بَعْضِ مَا هُوَ بَعْضٌ لِهَذَا وَهُوَ الْوَاحِدُ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَدَخَلَ آخَرُ) وَهُوَ الْبَاقِي مِنْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ (فَقَالَ) الْمَوْلَى (أَحَدُكُمَا حُرٌّ) فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُبَيِّنَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ بَيَانِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيَانِ. وَحُكْمُ هَذَا الْقَوْلِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ أَنْ يُؤْمَرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْلَى بِالْبَيَانِ، وَلِلْعَبِيدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْشَاءً فِي الْمُبْهَمِ الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِحُكْمِهِ، وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ إنْشَائِيَّتُهُ وَصَارَ خَبَرًا بِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ وَهُوَ الثَّابِتُ، فَلَا يُفِيدُ فِي الْخَارِجِ عِتْقًا. فَإِنْ قِيلَ: الْبَيَانُ لَهُ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَيَّنِ وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يَنْزِلُ فِي الْمُعَيَّنِ فَصَارَ بِبَيَانِهِ فِي الثَّابِتِ كَأَنَّهُ إنْشَاءٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ بَعْدَمَا أَعْتَقَ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَلَوْ نَجَّزَ عِتْقَ الثَّابِتِ بِعِتْقٍ مُسْتَقِلٍّ عَتَقَ الْخَارِجُ فَكَذَا يَعْتِقُ بِالْبَيَانِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ فِي الْمُعَيَّنِ بِهِ لَا يَكُونُ بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِأَنَّهُ عِتْقُ مُبْهَمٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَكُونُ إنْشَاءً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا خَاصَمَهُ الْعَبْدَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إنْشَاءِ الْعِتْقِ يَكُونُ إظْهَارًا، فَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْشَاءِ يَعْتِقُ الدَّاخِلُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِخْبَارِ لَا يَعْتِقُ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ بَيَّنَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عِتْقَ الْخَارِجِ فَلَا إشْكَالَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي وَيُعْمَلُ بِبَيَانِهِ، وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي فَقَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الدَّاخِلَ عَتَقَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ فَأَيَّهمَا بَيَّنَهُ مِنْ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عُمِلَ بِهِ. وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الثَّابِتَ عَتَقَ وَتَعَيَّنَ عِتْقُ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ حَالَ وُجُودِهِ كَانَا رَقِيقَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْلَى شَيْئًا حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ فَالْمَوْتُ بَيَانٌ أَيْضًا، فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ لِلْعِتْقِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّابِتَ هُوَ الْمُزَاحِمُ لَهُمَا وَلَمْ يَبْقَ، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ أُمِرَ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَاتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى عِتْقِ نِصْفِ الْخَارِجِ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ. وَاخْتُلِفَ فِي الدَّاخِلِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ أَيْضًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُ رُبُعُهُ. وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُمَا بِعِتْقِ النِّصْفِ وَثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ مَعَ قَوْلِهِمَا يُعْدَمُ تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِعَدَمِ تَجَزِّيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْحَالُ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِانْقِسَامِهِ انْقَسَمَ ضَرُورَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ التَّجَزِّي عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ. وَرَدَّهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِمَنْعِ ضَرُورَةِ الِانْقِسَامِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَتَقَ مِنْهُ الْبَعْضُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يُقَرُّ فِي الرِّقِّ بَلْ يَسْعَى فِي بَاقِيهِ حَتَّى يَخْلُصَ كُلُّهُ حُرًّا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ: يَعْتِقُ جَمِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا وَيَسْعَى فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَتَّحِدُ الْحَاصِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَسْعَوْنَ وَهُمْ عَبِيدٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَوْنَ وَهُمْ أَحْرَارٌ، إذْ الْحَاصِلُ أَنَّ الضَّرُورَةَ أَوْجَبَتْ أَنْ لَا يَعْتِقَ جَمِيعُ وَاحِدٍ مَجَّانًا لَا أَنْ يَعْتِقَ بَعْضٌ فَقَطْ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عِتْقُ الْبَاقِي إلَى

أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ، وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبُعًا آخَرَ لِأَنَّ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَشَاعَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ بِالثَّانِي فِي نِصْفَيْهِ، فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ بَقِيَ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ فَتَمَّتْ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هُوَ بِالثَّانِي يَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ فَيَنْتَصِفُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ الرُّبُعُ بِالثَّانِي وَالنِّصْفُ بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَمَّا دَارَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتَ مِنْهُ الرُّبُعُ فَكَذَلِكَ يُصِيبُ الدَّاخِلَ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا، وَقَضِيَّتُهُ التَّنْصِيفُ وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى الرُّبُعِ فِي حَقِّ الثَّابِتِ لِاسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلدَّاخِلِ مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدَاءِ السِّعَايَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمَا مُخَالَفَةُ أَصْلِهِمَا. وَرُدَّ عَلَى ذَلِكَ الطَّالِبِ بِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الْكُلُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ قَوْلِ الْمَوْلَى أَحَدُكُمَا حُرٌّ إعْتَاقَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ، بَلْ أَحَدُكُمَا لَا يُؤَدِّي مَعْنَى كِلَاكُمَا؛ وَقَدْ يَدْفَعُ عَنْهُ هَذَا بِمَنْعِ كَوْنِ الْمُوجَبِ ذَلِكَ بَلْ مُوجَبُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ شَائِعَةٍ، وَإِنَّمَا عَتَقَ الْكُلُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ تَوْزِيعَهُ وَحِينَ لَزِمَ التَّوْزِيعُ فَوَجَبَ عِتْقُ بَعْضٍ وَجَبَ وُقُوعُهُ فِي الْكُلِّ فَكَانَ التَّوْزِيعُ مُقْتَضَى الضَّرُورَةِ فَوُقُوعُ عِتْقِ النِّصْفِ مَثَلًا مُوجَبًا لِلتَّوْزِيعِ كَوُقُوعِهِ مُوجَبًا لِقَوْلِهِ أَعْتَقْت نِصْفَك، فَكَمَا يَقَعُ انْعِتَاقُ النِّصْفِ انْعِتَاقًا لِلْكُلِّ إذَا وَقَعَ عَنْ مُوجَبِهِ كَذَلِكَ يَقَعُ هُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا مُوجَبَ أَصْلًا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ أَصْلِهِمَا، وَمُوَافَقَةُ أَبِي يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي عِتْقِ نِصْفِ الدَّاخِلِ لَا تُوجِبُ مُوَافَقَتَهُ فِي التَّجَزِّي. وَوَجْهُ الِاتِّفَاقِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ) إذْ لَا مُرَجِّحَ (غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبُعًا آخَرَ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا) لَكِنَّ نِصْفَ الثَّابِتِ شَاعَ فِي نِصْفَيْهِ، فَمَا أَصَابَ مِنْهُ الْمُعْتَقَ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ مِنْ الْعِتْقِ عَتَقَ فَيَسْلَمُ لَهُ الرُّبُعُ مُضَافًا إلَى عِتْقِ النِّصْفِ بِالْأَوَّلِ فَتَمَّ لَهُ عِتْقُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ (وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ الثَّابِتُ بِالثَّانِي يَعْتِقُ نِصْفُهُ) الْبَاقِي، وَلَوْ أُرِيدَ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ فَعَتَقَ نِصْفُهُ فِي حَالٍ وَلَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي حَالٍ فَيُقْسَمُ النِّصْفُ لَهُ فَيَعْتِقُ رُبُعُهُ وَقَدْ كَانَ عَتَقَ لَهُ النِّصْفُ بِالْأَوَّلِ فَيَكْمُلُ لَهُ عِتْقُ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ. وَجْهُ الْمَذْكُورِ لِمُحَمَّدٍ فِي الدَّاخِلِ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتَ مِنْهُ الرُّبُعُ فَكَذَلِكَ يُصِيبُ الدَّاخِلَ (قَوْلُهُ وَهُمَا يَقُولَانِ) حَاصِلُهُ أَنَّ إصَابَةَ الرُّبُعِ عِنْدَهُمَا لَيْسَ قَضِيَّةً لِلْكَلَامِ بَلْ قَضِيَّتُهُ عِتْقُ نِصْفِهِ لَكِنَّهُ لِشُيُوعِهِ فِي كُلِّهِ وَنِصْفِهِ شَائِعًا مُعْتَقٌ، فَمَا أَصَابَ مِنْهُ هَذَا النِّصْفُ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْقِنَّ عَتَقَ فَلَغَا رُبُعُهُ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي النِّصْفِ الَّذِي أَصَابَ الدَّاخِلَ، وَقَدْ عَلِمْت آنِفًا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُوَافِقْ عَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ، وَتَقَدَّمَ لَهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ فِي حَالَةٍ وَهِيَ أَنْ يُرِيدَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ الْخَارِجَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الثَّابِتَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَثْبُتُ بِهِ عِتْقٌ كَامِلٌ بَيْنَهُمَا لِكُلٍّ نِصْفُهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّتِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَانْتَصَفَ الثَّابِتُ بِهِ فَأَصَابَ كُلًّا رُبُعُهُ فَلِذَا عَتَقَ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَمِنْ الدَّاخِلِ رُبُعُهُ. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا ظَهَرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي وَجْهِ الِاتِّفَاقِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ عِتْقَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ النِّصْفُ أَصْلًا بَلْ أَصَابَهُ الرُّبُعُ ابْتِدَاءً بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُرِيدُ الْخَارِجَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَيِّتُ الْعِتْقَ فِيهِ لَوْ بَيَّنَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُعَيَّنَ حَالَ صُدُورِهِ بَلْ الْمُبْهَمَ، ثُمَّ بِالتَّعْيِينِ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْمُبْهَمُ فِيهِ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَفِي الْأَصَحِّ يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْبَيَانِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ بِاسْمِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا يَصِحُّ بَيَانُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت نَوَيْته عِنْدَ التَّلَفُّظِ. لَنَا فِي تَأْصِيلِ اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ لِلْقِتَالِ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنِصْفِ الْعَقْلِ» وَلَيْسَ هَذَا إلَّا لِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ السُّجُودَ جَازَ كَوْنُهُ لِلَّهِ فَيَكُونُ إسْلَامًا فَيَجِبُ كَمَالُ الْعَقْلِ، وَجَازَ كَوْنُهُ تَعْظِيمًا لِلظَّاهِرِينَ عَلَيْهِمْ تَقِيَّةً مِنْ الْقَتْلِ كَمَا يَفْعَلُونَهُ فَكَانَ مُوجِبًا لِكَمَالِهِ فِي اعْتِبَارٍ غَيْرَ مُوجِبٍ فِي اعْتِبَارٍ فَقَضَى بِالنِّصْفِ. وَجْهُ اعْتِبَارِ الْقُرْعَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهُ لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا صَحَّ سَنَدُهُ جَازَ أَنْ يُضَعَّفَ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ. وَمِنْ الْعِلَلِ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَكَذَا مُخَالَفَةُ الْعَادَةِ الْقَاضِيَةِ بِخِلَافِهِ، قَالُوا: هَذَا يُخَالِفُ نَصَّ الْقُرْآنِ بِتَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقُ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْخَطَرِ، وَالْقُرْعَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ إنْ ظَهَرَ كَذَا لَا إنْ ظَهَرَ كَذَا، وَأَمَّا قَضَاءُ الْعَادَةِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِنَفْيِ أَنَّ وَاحِدًا يَمْلِكُ سِتَّةَ أَعْبُدٍ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا ثَوْبٍ وَلَا نُحَاسٍ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا قَمْحٍ وَلَا دَارٍ يَسْكُنُهَا، وَلَا شَيْءٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لِلْعَرَبِ ذَلِكَ لِيَأْخُذُوا غَلَّتَهُمْ أَوْ يَكُونُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي غَنِيمَةٍ إنْ كَانَ مَعَ الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضْنَاهُ مِنْ عَدَمِ شَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا تَقْضِي الْعَادَةُ بِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ أَنْدَرُ نَادِرٍ فَكَانَ مُسْتَحِيلًا فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَوَجَبَ رَدُّ الرِّوَايَةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْبَاطِنَةِ، كَمَا قَالُوا فِي الْمُتَفَرِّدِ بِزِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِغَلَطِهِ وَصَارَ هَذَا مِنْ جِنْسِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. وَأَمَّا مَا قِيلَ: إنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ فَلَا تَعُمُّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى طَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقًا صَحِيحًا جَازَ ارْتِكَابُهُ وَتَقَرَّرَ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِلَّا فَمِثْلُهُ يَلْزَمُ فِيمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ مِنْ قِصَّةِ الْخَثْعَمِيِّينَ بِلَا فَرْقٍ، وَكَذَا نَحْوُهُ مِنْ أَوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ، وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ لَيْسَ إلَّا دَلَالَةَ الْعَادَةِ، وَالْكِتَابُ عَلَى نَفْيِ مُقْتَضَاهُ فَيُحْكَمُ بِغَلَطِهِ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنْ عِمْرَانَ، وَلِذَلِكَ أُجْمِعَ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا، وَعَلَى عَدَمِهَا أَيْضًا عِنْدَ تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ، وَنَحْنُ لَا نَنْفِي شَرْعِيَّةَ الْقُرْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ نُثْبِتُهَا شَرْعًا لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ وَدَفْعِ الْأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلسَّفَرِ بِنِسَائِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَفَرُهُ بِكُلِّ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَسَارَعُ الضَّغَائِنُ إلَى مَنْ يَخُصُّهَا مِنْ بَيْنِهِنَّ فَكَانَ الْإِقْرَاعُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ، وَكَذَا إقْرَاعُ الْقَاضِي فِي الْأَنْصِبَاءِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَالْبِدَايَةِ بِتَحْلِيفِ أَحَدِ الْمُتَحَالِفَيْنِ إنَّمَا

فَيَثْبُتُ فِيهِ النِّصْفُ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ فَنَقُولُ: يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَيَبْلُغُ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً، وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ فَيُجْعَلَ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ، فَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَمَعْت اسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سِتَّةٍ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ عِنْدَهُ سَهْمٌ فَنَقَصَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ بِسَهْمٍ وَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَبَاقِي التَّخْرِيجِ مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ لِدَفْعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تُهْمَةِ الْمَيْلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ تَرْكُهَا فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَمِنْهُ اسْتِهَامُ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَهُمْ عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - كَانَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ كَانَ أَحَقَّ بِكَفَالَتِهَا لِأَنَّ خَالَتَهَا كَانَتْ تَحْتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ بِهَا لِاسْتِحْقَاقٍ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمْ فِي سَبَبِهِ فَأَوْلَى مِنْهُ ظَاهِرُ التَّوْزِيعِ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تُؤَدِّي إلَى حِرْمَانِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا كَانَ شَائِعًا فِيهِمْ يَقَعُ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِذَا جُمِعَ الْكُلُّ فِي وَاحِدٍ فَقَدْ حُرِمَ الْآخَرُ بَعْضَ حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُزِّعَ فَإِنَّهُ يَنَالُ كُلًّا شَيْءٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَائِعًا فِيهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَشَرَةِ الْمَالِكِينَ لِعَشْرِ جَوَارٍ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ جَارِيَتَهُ ثُمَّ لَمْ تَدُرْ وَصَارَ مِلْكُ الْعُشْرِ لِوَاحِدٍ حَيْثُ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ عُشْرُهَا وَتَسْعَى فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهَا فَفِيهِ إصَابَةُ الْمُسْتَحِقِّ بَعْضَ حَقِّهِ يَقِينًا وَمَعَ الْقُرْعَةِ جَازَ أَنْ يَفُوتَهَا كُلُّ حَقِّهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ قَسْمَ الثُّلُثِ وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَيَضْرِبُ كُلٌّ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا) أَيْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَسِتَّةٌ وَذَلِكَ (لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ) وَإِنَّمَا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ (لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ فَنَقُولُ يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ مِنْهُ) مِنْ أَرْبَعَةٍ (وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَيَبْلُغُ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً) خَارِجَةً مِنْ الثُّلُثِ فَلَا بُدَّ مِنْ

(وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنِ سُهْمَانِ الْوَرَثَةِ ضِعْفَهَا لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ ضِعْفُ الثُّلُثِ وَهُمَا سِهَامُهُمْ فَيَبْلُغُ كُلُّ الْمَالِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَكُلُّ الْمَالِ هُوَ الْأَعْبُدُ الثَّلَاثَةُ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ بِالضَّرُورَةِ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ، وَمِنْ الْآخَرَيْنِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ إلَى ثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهِ، وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ بِنِصْفِ سُبْعٍ وَصَارَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ سَبْعِينَ وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ بِثُلُثِ سُبْعٍ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا يَضْرِبُ الدَّاخِلُ بِسَهْمٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ رُبُعُهُ سُدُسًا، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ سِهَامُ الْعِتْقِ سِتَّةً وَسِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفُهَا أَلْبَتَّةَ فَتَكُونُ كُلُّ التَّرِكَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيُجْعَلُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى سِتَّةٍ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ فَكَانَ الْمُعْتَقُ مِنْ مُسْتَحِقِّ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ عَلَى قَوْلِهِ نِصْفَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ مِنْهُ نِصْفُهُ إلَّا نِصْفَ سُبْعٍ وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَهُمَا ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ ثُلُثُهُ إلَّا ثُلُثَ سُبْعٍ وَمِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ سُدُسُهُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ سُبْعَاهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَاصِلَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَخْتَلِفُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ) يَعْنِي قَالَ لِزَوْجَتَيْنِ لَهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ إحْدَاهُمَا وَدَخَلَتْ زَوْجَةٌ لَهُ ثَالِثَةٌ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ (وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ) وَوَجَبَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ) وَوَجَبَ لَهَا خَمْسَةُ أَثْمَانِهِ (وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ) وَوَجَبَ لَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِهِ فَأَلْزَمَهُمَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُنَاقَضَةَ فَإِنَّ سُقُوطَ رُبْعِ مَهْرِ الْخَارِجَةِ لِوُقُوعِ طَلَاقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّابِتَةِ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ مَهْرَيْهِمَا لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِسُقُوطِهِ مِنْ الْأُخْرَى فَوُزِّعَ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ رُبُعُ مَهْرِهَا، وَالْكَلَامُ الثَّانِي مُوجَبٌ فِي حَالٍ هِيَ أَنْ تُرَادَ الْخَارِجَةُ دُونَ حَالٍ وَهِيَ أَنْ تُرَادَ الثَّابِتَةُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَمَنْكُوحَةٍ لِأَنَّهُ

قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَاصَّةً، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبُعُهُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ وَتَمَامَ تَفْرِيعَاتِهَا فِي الزِّيَادَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا عِدَّةَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَتَنَصَّفُ وَيَثْبُتُ بِهِ سُقُوطُ الرُّبُعِ مُوَزَّعًا لِيَسْقُطَ ثُمُنُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ وَمِثْلُهُ مِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ فَيُضَمُّ إلَى مَا سَقَطَ مَعَ الْأُولَى فَيَتِمُّ لَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ فَيَجِبُ مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ فَيَعْتِقُ رُبُعُ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّ الثُّمُنَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ الرُّبُعِ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَالثُّمُنُ هُوَ رُبُعُ النِّصْفِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِهِ (قِيلَ هَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَسْقُطُ رُبُعُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ) لَا الثُّمُنُ فَلَا يَتِمُّ بِهِ الْإِلْزَامُ (وَقِيلَ) بَلْ (هُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا) وَالْفَرْقُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي زِيَادَاتِهِ وَذَكَرَ تَمَامَ تَفْرِيعَاتِهَا أَيْضًا فِيهَا. أَمَّا التَّفْرِيعَاتُ فَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْعِتْقِ قَبْلَ مَوْتِ أَحَدِ وَبَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، وَأَمَّا التَّفْرِيعَاتُ فِي الطَّلَاقِ، فَمِنْهَا أَنَّ مِيرَاثَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّسَاءِ وَهُوَ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ يَنْقَسِمُ بَيْنَ الدَّاخِلَةِ وَالْأُولَيَيْنِ نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ لِلدَّاخِلَةِ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا إحْدَى الْأُولَيَيْنِ: أَعْنِي الثَّابِتَةَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا لَيْسَتْ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْأُخْرَى. وَمِنْهَا أَنَّ الثَّابِتَةَ لَوْ مَاتَتْ وَالزَّوْجُ حَيٌّ طَلُقَتْ الْخَارِجَةُ وَالدَّاخِلَةُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَتَاقِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى الزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ، وَإِنْ مَاتَتْ الدَّاخِلَةُ كَانَ عَلَيْهِ بَيَانُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْخَارِجَةِ طَلُقَتْ الثَّابِتَةُ أَيْضًا لِعَدَمِ مُزَاحَمَةِ الدَّاخِلَةِ بِالْمَوْتِ؛ وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتَةِ لَمْ تَطْلُقْ الْخَارِجَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ الْخَارِجَةُ طَلُقَتْ الثَّابِتَةُ دُونَ الدَّاخِلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى بَيَّنَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ فِي الْخَارِجَةِ صَحَّ وَعَلَيْهِ بَيَانُ الثَّانِي، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الثَّابِتَةِ أَوْ الدَّاخِلَةِ بِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّابِتَةِ لَغَا الْكَلَامُ الثَّانِي، وَإِنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ عَلَى الدَّاخِلَةِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْخَارِجَةِ أَوْ الثَّابِتَةِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتَةِ طَلُقَتْ وَطَلُقَتْ الْخَارِجَةُ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْفَرْقُ فَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ فِي الْعِتْقِ صَحِيحٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الدَّاخِلِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الثَّابِتِ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَتَقَ نِصْفُهُ وَهُوَ يَقُولُ بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ فَصَحَّ اللَّفْظُ الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرَ مَحَلٍّ لَهُ وَاسِطَةٌ وَالطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْإِيجَابِ الثَّانِي فِيهِ دَائِرًا بَيْنَ كَوْنِهِ مُوجِبًا لِسُقُوطِ النِّصْفِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُوجِبٍ شَيْئًا بِخِلَافِهِ فِي الْعِتْقِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ فَلِأَنَّ الثَّابِتَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا، فَكَانَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ عِتْقَ نِصْفِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُكَاتَبًا فِي الْإِيجَابِ الثَّانِي إنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَإِلَّا فَالْإِيجَابُ الْأَوَّلُ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ عِتْقُ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ بِكَمَالِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ نِصْفِ أَحَدٍ بِهِ، لَكِنْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ الْوَاحِدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمْ، فَقَدْ يُقَالُ مِنْ طَرَفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ إنَّمَا هُوَ حَالُ صُدُورِ مَا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ، وَحَالُ صُدُورِ الْإِيجَابِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ فِي الثَّابِتِ عِتْقٌ أَصْلًا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الِاعْتِبَارُ حَالَ صُدُورِهِ إذَا كَانَ لِتَعَرُّفِ حُكْمِهِ إذْ ذَاكَ، وَنَحْنُ إنَّمَا نُرِيدُ أَنْ نَتَعَرَّفَ حُكْمَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ يُعْتَبَرُ تَعْلِيقًا فِي حَقِّ الدَّاخِلِ بِحُكْمٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ. أَمَّا الْبَرَاءَةُ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا تَحْتَمِلُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَيُعْتَبَرُ تَنْجِيزًا فِي حَقِّ الْبَرَاءَةِ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ تَنْجِيزًا كَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ أَوْ لَا يُوجِبَ شَيْئًا فَأَوْجَبَ سُقُوطَ رُبْعِ الْمَهْرِ مِنْ الثَّابِتَةِ وَالدَّاخِلَةِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّاخِلَةِ ثُمُنٌ وَتَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ أَثْمَانِ مَهْرِهَا وَمِنْ الثَّابِتَةِ كَذَلِكَ وَكَانَ سَقَطَ الْمُتَيَقَّنُ بِالْأَوَّلِ فَيَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ وَتَسْتَحِقُّ ثُمُنًا وَاحِدًا. هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَخْصِيصَ أَبِي يُوسُفَ

(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ، وَالْمَقْصُودَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَرْقِ بِمَا ذَكَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ فِي الْأَعْبُدِ فَيَقْوَى بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ ذَلِكَ السُّؤَالِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ) الْمَقْصُودُ ذِكْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ يُوجِبُ الْبَيَانَ كَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ لَا بَيَانَ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَبِاللَّفْظِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت نَوَيْته عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَعْتِقُ أَصْلًا. وَالْبَيَانُ يَقَعُ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ اخْتَرْت أَنْ يَكُونَ هَذَا حُرًّا بِذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي قُلْته، أَوْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ بِذَلِكَ الْعِتْقِ أَوْ أَعْتَقْتُك بِذَلِكَ الْعِتْقِ، أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت بِذَلِكَ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً فَلَا يَعْتِقُ الْآخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا عَتَقَ هُوَ وَالْآخَرُ مَعًا لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ آخَرُ نَازِلٌ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ وَبِهِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِنُزُولِ عِتْقٍ آخَرَ فَكَانَ كَالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ بِذَلِكَ الْإِعْتَاقِ. وَدَلَالَةً كَمَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا مَعَ قَبْضٍ وَدُونَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِتَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ نَجَّزَ عِتْقَ أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَهُ أَوَّلًا، وَلِذَا عَتَقَ الْآخَرُ بِالْمُسَاوَمَةِ فِي صَاحِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ فِي الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ فَيَقَعُ بَيَانًا لِعِتْقِ الْآخَرِ، وَحُكْمًا كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْآخَرُ، وَلَيْسَ بَيَانًا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا، وَلِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَا إنْشَاءَ فِي الْآخَرِ بِمَوْتِ قَرِينِهِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ صِفَةُ اللَّفْظِ، بَلْ لَزِمَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ذَلِكَ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الَّذِي مَاتَ لِنُزُولِ الْعِتْقِ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَلَزِمَ لِذَلِكَ الْكَلَامِ عِتْقُ الْحَيِّ وَمَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ الْمُنَجَّزِ يَقَعُ بِهِ فِي الْمُعْتَقِ الْمُبْهَمِ الْمُعَلَّقِ كَأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ عَتَقَ الْبَاقِي. وَفُرِّقَ بَيْنَ الْبَيَانِ الْحُكْمِيِّ وَالصَّرِيحِ، فَإِنَّ الْحُكْمِيَّ قَدْ رَأَيْت أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ قَبْلَ الشَّرْطِ اخْتَرْت أَنْ يَعْتِقَ فُلَانٌ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ قَبْلَ وَقْتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ ثُمَّ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا لِلْحِنْثِ لَا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُمَا ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ ثَبَتَ حُكْمُ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ الْيَمِينُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ الْمَجْهُولَةِ يَعْنِي قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَعَ آخَرَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فَعَتَقَ ذَلِكَ الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ عَتَقَ الْآخَرُ لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ بِالْعِتْقِ فَصَارَ كَمَوْتِهِ وَلَوْ كَاتَبَ أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ يَكُونُ بَيَانًا، وَلَوْ اسْتَخْدَمَ أَحَدَهُمَا أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ بَيَانًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى الْمُتَكَلِّمِ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ بِسَبَبِ بَيْعِهِ إيَّاهُ (وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُلْتَزَمُ بِقَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَإِنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ كَامِلٍ بِالْبَيَانِ. وَبِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَبْقَ عِتْقُهُ عِتْقًا كَامِلًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ عِنْدَ الْمَوْتِ (فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ) قَصَدَ (اسْتِبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ) بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَأَنْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَالْمَقْصُودَانِ)

يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ دَلَالَةً وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَالْمُطْلَقِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا، وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْمَحْفُوظِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ؛. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَالِانْتِفَاعَ الْمُسْتَمِرَّ إلَى الْمَوْتِ (يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ بِالْإِيجَابِ الْمُبْهَمِ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ الْآخَرُ دَلَالَةً) (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا) أَيْ إذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا فَعَلِقَتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلْعِتْقِ لِلْمَعْنَيَيْنِ وَهُمَا كَوْنُهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْمُدَبَّرِ وَقَصْدُ إبْقَائِهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إلَى الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْوَطْءَ بِالْمُعَلِّقِ لِأَنَّ الْوَطْءَ غَيْرَ الْمُعَلِّقِ لَيْسَ بَيَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا سَنَذْكُرُ. وَاسْتَشْكَلَ عَلَى تَعَيُّنِ الْآخَرِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلْبَيْعِ الْمَيِّتُ لَا الْحَيُّ مَعَ أَنَّ بِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ كَمَا لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْعِتْقِ، وَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إحْدَى هَاتَيْنِ بِنْتِي أَوْ أُمُّ وَلَدِي ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا لَا تَتَعَيَّنُ الْحَيَّةُ لِلِاسْتِيلَادِ وَلَا لِلْحُرِّيَّةِ. وَجَوَابُ الْأَوَّلِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ عِنْدَ إشْرَافِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمَوْتِ تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِيهِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ كَمَا قَبَضَهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ تَعْيِيبٍ فَإِنَّمَا تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ وَهُوَ حَيٌّ لَا مَيِّتٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْعِتْقُ بِالْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ، فَلَوْ عَتَقَ كَانَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَامْتَنَعَ فَمَاتَ رَقِيقًا لِعَدَمِ مُوجِبِ النَّقْلِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ. وَجَوَابُ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَيْسَ إيقَاعًا بِصِيغَتِهِ بَلْ إخْبَارٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبَرَ بِهَذَا عَنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَيُرْجَعَ إلَى بَيَانِ الْمَوْلَى. وَقَوْلُهُ (لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ) يُرِيدُ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ قَصْدُ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ، وَالْوُصُولُ إلَى الثَّمَنِ يُنَافِي الْعِتْقَ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ. (قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ: إذَا وَهَبَ أَحَدَهُمَا وَأَقْبَضَ أَوْ تَصَدَّقَ وَأَقْبَضَ عَتَقَ الْآخَرُ،

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لِمَا نُبَيِّنُ (وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا) لَمْ تَعْتِقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا الْمِلْكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنَكَّرَةِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالُوا: ذِكْرُهُ الْإِقْبَاضَ تَوْكِيدٌ لَا لِلشَّرْطِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ تَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ إذَا عَيَّنَتْ الْآخَرَ وَلَيْسَ فِيهَا خُرُوجٌ عَنْ الْمِلْكِ فَعَقْدُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ أَدْخَلُ فِي طَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَهُ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا) يَعْنِي تَطْلُقُ الْحَيَّةُ (لِمَا قُلْنَا) فِي الْعِتْقِ مِنْ عِتْقِ الْبَاقِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الْعِتْقِ (وَكَذَا لَوْ وَطِئَ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ تَطْلُقُ الْأُخْرَى لِمَا نُبَيِّنُ) فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَتَيْنِ الَّتِي تَلِيهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا) وَلَمْ تَعْلَقْ (لَمْ تَعْتِقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، أَمَّا لَوْ عَلِقَتْ عَتَقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا مُدَبَّرَةٌ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ (وَقَالَا تَعْتِقُ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ (لَهُمَا أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي مِلْكٍ) وَإِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ فِي الْمِلْكِ لِعِتْقِ إحْدَاهُمَا بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَلِذَا لَوْ قَتَلَهُمَا إنْسَانٌ وَجَبَ نِصْفُ دِيَةٍ وَقِيمَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَ بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا مُبَيِّنًا لِلْمُسْتَبْقَى لِمِلْكِهَا (فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ) الْمُبْهَمِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا أَوْ دَخَلَ فَقَالَ: طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ ثَلَاثًا فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الطَّلَاقَ بِمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى لِحِلِّ وَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَهَلْ يَثْبُتُ الْبَيَانُ فِي الطَّلَاقِ بِالْمُقَدِّمَاتِ؟ فِي الزِّيَادَاتِ لَا يَثْبُتُ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَحْصُلُ بِالتَّقْبِيلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ (وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهِمَا) جَمِيعًا حَتَّى

ثُمَّ يُقَالُ الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ أَوْ يُقَالُ نَازِلٌ فِي الْمُنَكَّرَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ تَقَبُّلِهِ وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْمُعَيَّنَةَ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ، أَمَّا الْأَمَةُ فَالْمَقْصُودُ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ كَانَ الْوَاجِبُ عُقْرَ مَمْلُوكَتَيْنِ وَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْبَدَلَ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُنْكَرَةِ: أَيْ الْمُبْهَمَةِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهِيَ غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ وَتُنَافِيهَا، لِأَنَّ الْمُعَيَّنَةَ لَيْسَتْ دَائِرَةً بَيْنَ نَفْسِهَا وَالْمُعَيَّنَةُ الْأُخْرَى فِي حَقِّ الْعِلْمِ وَالْمُبْهَمَةُ أَحَدٌ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا وَوُقُوعُهُ فِي الْمُعَيَّنَةِ مَشْرُوطٌ بِالْبَيَانِ فَكَانَ عِتْقُ الْمُعَيَّنَةِ مُعَلَّقًا بِهِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّ لَهُ وَطْأَهُمَا قَبْلَ الشَّرْطِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ. فَقَوْلُهُمَا إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ إنْ أُرِيدَ الْمُعَيَّنَةُ مَنَعْنَاهُ أَوْ الْمُبْهَمَةُ سَلَّمْنَاهُ، وَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَوَطْؤُهُمَا لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّ الْحُرْمَةِ فَحَلَّ، فَإِذَا حَلَّ وَطْءُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ وَطْءُ إحْدَاهُمَا دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ الْأُخْرَى بِعِتْقِهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ الْحَلَالُ وَطْءَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَحِينَئِذٍ يَرِدُ النَّقْضُ بِالْوَطْءِ بِالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذُكِرَ لَزِمَ حِلُّ وَطْئِهِمَا لِوُقُوعِهِ فِي مُعَيَّنَةٍ وَالْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْمُبْهَمَةُ، فَإِذَا أُجِيبَ عَنْهُ بِتَقْيِيدِ حِلِّهِمَا بِمَا إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ إحْدَاهُمَا لِلطَّلَاقِ وَبِمُجَرَّدِ وَطْءِ إحْدَاهُمَا تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى فَتُحَرَّمُ بِخِلَافِهِ فِي الْعِتْقِ عَادَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ كَمَا كَانَ الْوَطْءُ بَيَانًا فِي الطَّلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا فِي الْعِتْقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الزَّوْجَتَيْنِ الْمُعَيَّنَتَيْنِ قَائِمٌ، وَإِنَّمَا الْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْمُبْهَمَةُ، وَلَا جَوَابَ لَهُ سِوَى أَنَّ الدَّالَ فِي الْأَصْلِ: أَعْنِي الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ لَيْسَ إلَّا قَصْدَ الِاسْتِبْقَاءِ فَإِنَّهُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ الْأُخْرَى إذَا كَانَ الْوَاجِبُ إخْرَاجَ إحْدَاهُمَا عَنْ الْمِلْكِ وَهُوَ مُبْطِنٌ فَيُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ طَلَبَهُ يُفِيدُ اسْتِبْقَاءَ مَنْ هُوَ مِنْهَا كَيْ لَا يَضِيعَ حَالُهُ، وَوَطْءُ

(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْكُوحَةِ هُوَ الْمُفِيدُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ لَهُ عَقْدُهَا لَا وَطْءُ الْأَمَةِ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَمْ يُوضَعْ لِذَلِكَ بَلْ لِلِاسْتِخْدَامِ، وَوَطْؤُهَا مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِخْدَامِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ، فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ الْوَلَدِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، وَعَلَى هَذَا وَيَكْفِي فِي دَلِيلِهِمَا أَنْ يُقَالَ وَطْءُ إحْدَاهُمَا دَلِيلُ اسْتِبْقَائِهَا كَالْوَطْءِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ، وَفِي وَجْهٍ قَوْلُهُ مَنَعَ دَلَالَتَهُ، وَالْفَرْقُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَحِلِّ وَطْئِهِمَا. ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ لِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا، وَقَدْ وَضَعَ فِي الْأُصُولِ مَسْأَلَةً يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّمَ أَحَدٌ أَشْيَاءَ كَمَا يَجُوزُ إيجَابُ أَحَدٍ أَشْيَاءَ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَحُكْمُ تَحْرِيمِ أَحَدٍ أَشْيَاءَ جَوَازُ فِعْلِهَا إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّهَا فِعْلًا كَانَ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ قَطْعًا وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ قَدْ يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْوَطْءُ لِعَارِضٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمَجُوسِيَّةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ قِيَامُهُ حِلَّ الْوَطْءِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ مُوجَبَ اللَّفْظِ وَهُوَ عِتْقُ إحْدَاهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، فَفِي وَطْئِهِمَا وَطْءُ الْمُحَرَّمَةِ بِيَقِينٍ فَلَا يَحِلُّ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ قَائِمًا فِيهِمَا، بِخِلَافِ أَخْذِهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمِلْكِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحِلِّ الْوَطْءِ، وَغَرَامَةُ قِيمَةِ مَمْلُوكِينَ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ نِصْفُ قِيمَةٍ وَدِيَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إذَا قَتَلَهُمَا رَجُلٌ لِصِحَّةِ إثْبَاتِهِ بِدُونِ التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ بِيَقِينٍ وَلَا تُعْرَفُ فَتُنَصَّفُ فِي الضَّمَانِ ثُمَّ مَا هُوَ قِيمَةٌ لِلْمَوْلَى وَمَا هُوَ دِيَةٌ لِلْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلَانِ فَإِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قِيمَةَ أَمَةٍ إذْ لَيْسَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرَّةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ يَقُولُ ذَلِكَ فَتَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ قَتْلِ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْحُرَّةَ لَا تَعْدُوهُمَا فَتَحَقَّقَ عَلَيْهِ ضَمَانُ حُرَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ بِعَيْنِهَا فَتَوَزَّعَ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُمْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِمَا مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ فَجَازَ وَطْؤُهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَا تَعْلِيقَ بَلْ تَنْجِيزٌ مَأْمُورٌ فِي الشَّرْعِ بِتَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ كَانَ يَمِينًا مَحْضًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إيقَاعِ شَرْطِهِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَهُنَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَعُرِفَ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْوُقُوعِ فِي الْمُعَيَّنَةِ عَلَيْهِ شَبَهًا لَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ أَحْكَامِهِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ قَبْلَ الشَّرْطِ فِيهِمَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ صَرِيحًا بَلْ خَرَجَ مِنْ تَعْلِيلِهِ الْمِلْكَ فِيهِمَا بِحِلِّ وَطْءِ إحْدَاهُمَا. [فُرُوعٌ] مِنْ الْبَيَانِ لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ عَتَقَتْ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ الْأُخْرَى عَتَقَتْ الْأُولَى فَتَعْتِقَانِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ إقْرَارٌ بِعِتْقِ الْأُخْرَى فَقَدْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِمَا، وَكَذَا هَذَا فِي الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَيَّ أَلْفٌ فَقِيلَ لَهُ أَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَا لَمْ يَجِبْ لِلْآخَرِ شَيْءٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ فِي الْإِقْرَارِ الْمُبْهَمِ لَيْسَ وَاجِبًا بِخِلَافِهِ فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمُبْهَمِ. وَلَوْ قَالَ أَمَةٌ وَعَبْدٌ مِنْ رَقِيقِي حُرَّانِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ وَعَبْدَانِ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَمِنْ كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْإِمَاءُ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إنْ كَانَتَا أَمَتَيْنِ عَتَقَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهَا أَوْ ثَلَاثًا عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهَا وَتَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ) وَتَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهَا (وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ) وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ (وَالْغُلَامُ عَبْدٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا

الْأُمُّ بِشَرْطٍ وَالْجَارِيَةُ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لَهَا، إذْ الْأُمُّ حُرَّةٌ حِينَ وَلَدَتْهَا، وَتَرِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ، أَمَّا الْغُلَامُ يَرِقُّ فِي الْحَالَيْنِ فَلِهَذَا يَكُونُ عَبْدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعِتْقُ الْأُمِّ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهَا وَالْجَارِيَةِ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَقَدْ وَلَدَتْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ وَتَرِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ، فَإِذَا عَتَقَتَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْغُلَامُ عَبْدٌ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَأُمُّهُ قِنَّةٌ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَعْتِقُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا إيَّاهُ أَوَّلًا لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطُ عِتْقِهَا وَالْمَشْرُوطُ يَتَعَقَّبُ الشَّرْطَ وَهَذَا الْجَوَابُ كَمَا تَرَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ. وَالْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِعِتْقِهِ وَاعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ إيقَاعُ الْعِتْقِ بِالشَّكِّ، فَعَنْ هَذَا حَكَمَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ أَوَّلًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ. وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ بَلْ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يُحَلَّفُ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا، فَإِنْ نَكَلَ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ، وَإِنْ حَلَفَ فَكُلُّهُمْ أَرِقَّاءٌ، وَأَنَّ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ وَالِابْنَةُ حُرَّةٌ وَتَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ جَوَابَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعْتِقُ جَمِيعُ الْجَارِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا عَتَقَتْ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا عَتَقَتْ تَبَعًا لِلْأُمِّ. وَأَمَّا انْتِصَافُ عِتْقِ الْأُمِّ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي وِلَادَةِ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَتَرِقُّ فِي الْجَارِيَةِ، وَجَوَابُ الْكِتَابِ عِتْقُ نِصْفِهَا مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ. وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي لَمْ يُتَيَقَّنْ وُجُودُهُ إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ

وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ، فَإِنْ حَلَفَ يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرَةٌ لِكَوْنِهَا نَفْعًا مَحْضًا فَاعْتُبِرَ النُّكُولُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَتْ الْأُمُّ بِنُكُولِ الْمَوْلَى خَاصَّةً دُونَ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ، وَصِحَّةُ النُّكُولِ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ، كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت غَدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ أَمْ لَا لِلشَّكِّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ، فَكَذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا فِي طَرَفَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ. فَإِنْ قُلْت: الْمَفْرُوضُ فِي صُورَةِ الْكِتَابِ تَصَادُقُهُمْ عَلَى عَدَمِ عِلْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ فَكَيْفَ يُحَلَّفُ وَلَا دَعْوَى وَلَا مُنَازِعَ؟ قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى دَعْوَى مِنْ خَارِجِ حِسْبَةِ عِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ بِنْتِهَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ أَنْكَرَتْ الْعِتْقَ وَشُهِدَ بِهِ تُقْبَلُ، فَعَلَى هَذَا جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ حِسْبَةً إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِيُحَلَّفَ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ، هَذَا وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي تَعْلِيلِهِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأُمَّ تَدَّعِي الْعِتْقَ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، فَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ دَعْوَى الْأُمِّ وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْكِتَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَرْجِيحِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ حَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَرِدْ عَنْهُمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ الْجَوَابَ. وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَائِنَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ إلَخْ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الظَّاهِر لَا الْخَفِيِّ وَلِهَذَا قَيَّدَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ فَقَالَ الْعَبْدُ فَعَلْت لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَخْ، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ ظَاهِرَةً فَيُوجِبُ الشَّكُّ فِيهَا اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ كَمَا فِي الْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ) بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا (لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ) مَعًا (لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ) تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا نَفْعٌ مَحْضٌ مَعَ ثُبُوتِ وِلَايَتِهَا عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ وَعَجْزِ الصَّغِيرَةِ عَنْ دَعْوَاهَا لِنَفْسِهَا فَاعْتُبِرَ نُكُولُهُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا (فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا) مِنْ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا (وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهِ) يَعْنِي وَلَدَتْهُمَا فَادَّعَتْ الْأُمُّ تَقَدُّمَ الْغُلَامِ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ بَالِغَةٌ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ خَاصَّةً بِنُكُولِهِ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَنْ الْغَيْرِ إنَّمَا تَصِحُّ بِوِلَايَةٍ أَوْ إنَابَةٍ وَهُمَا مُنْتَفِيَتَانِ عَنْ الْكَبِيرَةِ فَلَا تَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ الْبِنْتِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا ثَبَتَ عِتْقُ الْأُمِّ يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ حُرِّيَّةُ بِنْتِهَا لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ فَالْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّتِهَا إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةِ الْأُخْرَى. أُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ عِتْقِ الْأُمِّ بِالنُّكُولِ عِتْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَذْلًا لِمَالِيَّتِهَا مِنْ الْمَوْلَى لِيَتْرُكَ الْحَلِفَ أَوْ إقْرَارًا بِحُرِّيَّتِهَا بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَلَا يُوجِبُ عِتْقَ الْبِنْتِ، وَبِأَنَّ النُّكُولَ جُعِلَ إقْرَارًا عَلَى قَوْلِهِمَا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنَا كَفِيلٌ بِكُلِّ مَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا فَأَنْكَرَ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ

وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِسَبْقِ وِلَادَةِ الْغُلَامِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ يَثْبُتُ عِتْقُ الْجَارِيَةِ بِنُكُولِ الْمَوْلَى دُونَ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا، وَالتَّحْلِيفُ عَلَى الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ كَفِيلًا، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ صَارَ كَفِيلًا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِسَبْقِ وِلَادَةِ الْغُلَامِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ ثَبَتَ عِتْقُ الْجَارِيَةِ بِنُكُولِ الْمَوْلَى دُونَ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا) فِي أَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالنُّكُولُ يُبْنَى عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى مِنْ الْوُجُوهِ الْبَاقِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ فِي الثَّانِي وَيَعْتِقُ كُلُّ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَبِهِمَا تَتِمُّ الْأَوْجُهُ لِلْمَسْأَلَةِ سِتَّةً. [فَرْعٌ] فِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا فَهُمَا حُرَّانِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ الْأَوَّلُ عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْغُلَامِ وَرُبُعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ، أَمَّا الْأُمُّ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ يَجِبُ أَنْ يَعْتِقَ ثُلُثُهَا لِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَتَرِقُّ فِي حَالَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ وِلَادَةُ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي حَالٍ بِأَنْ وَلَدَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا، وَيَرِقُّ فِي حَالٍ بِأَنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْجَارِيَتَانِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ رُبُعُهَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ إصَابَةَ الْحُرِّيَّةِ بِجِهَتَيْنِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعْتِقَ بِعِتْقِ نَفْسِهِ، وَمَتَى عَتَقَ بِعِتْقِ نَفْسِهِ لَا يَعْتِقُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ إلْغَاءِ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ فَأَلْغَيْنَا إصَابَةَ الْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَاعْتَبَرْنَا الْإِصَابَةَ بِعِتْقِ أَنْفُسِهِمَا لِأَنَّهُمَا أَقَلُّ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ، فَإِنْ كَانَتْ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا لَا يَعْتِقَانِ بِعِتْقِ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ وِلَادَةُ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا تَعْتِقُ الْأَخِيرَةُ بِعِتْقِ نَفْسِهَا فَتَثْبُتُ لَهُمَا حُرِّيَّةٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَثْبُتُ نِصْفُهُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ مِنْ كُلٍّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِأَنَّ الْغُلَامَ لَوْ كَانَ أَوَّلًا تَعْتِقُ الْأُمُّ فَتَعْتِقُ الْجَارِيَتَانِ بِعِتْقِهَا، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْغُلَامُ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ الْأُولَى وَالْأُخْرَى رَقِيقَةٌ فَكَانَ لَهُمَا عِتْقٌ وَنِصْفٌ بَيْنَهُمَا وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ

الْوَجْهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ) اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ (وَإِنْ شُهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الشَّهَادَةُ فِي الْعِتْقِ مِثْلُ ذَلِكَ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَ أَبِي عِصْمَةَ وَقَالَ: هُوَ الَّذِي يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ فِي الْعَتَاقِ) أَيْ عَتَاقِ الْأَصْلِ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا بِتَدْبِيرِهِ أَحَدَهُمَا مُطْلَقًا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُ وَقَعَ كَانَ وَصِيَّةً، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ وَيُؤْمَرُ بِتَنْجِيزِ عِتْقِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ (قَوْلُهُ وَأَصْلُ هَذَا) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ (أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ) مُطْلَقًا لَا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ رَشِيدُ الدِّينِ أَنَّ الدَّعْوَى عِنْدَهُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ بَلْ فِي الْعَارِضَةِ فَقَطْ (وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ) بِلَا دَعْوَى (وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ) وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْأَمَةُ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا وَتَعْتِقُ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ، وَكَذَا عَلَى طَلَاقِ إحْدَى النِّسَاءِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ أَنْكَرَتْ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ عَلَى إحْدَاهُنَّ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ) وَجْهُ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ حَقُّ الشَّرْعِ إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْمِيلُ الْحُدُودِ وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ وَالْجِهَادُ وَالزَّكَاةُ، وَيَصِحُّ نَذْرُهُ بِهِ وَحَلِفُهُ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ، وَلَا يَرْتَدُّ إقْرَارُ السَّيِّدِ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّنَاقُضِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ ثُمَّ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا لِمَنْعٍ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يُبْطِلُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا لَا تَكْفِي شَهَادَةُ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا دِينِيًّا يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِبْطَالَ مَالِيَّةِ مَالِهِ، فَلِذَا شُرِطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ اثْنَانِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ إمَّا زَوَالُ الْمِلْكِ الْمُسْتَلْزِمِ لِثُبُوتِ الْقُوَّةِ مِنْ مَالِكِيَّتِهِ، أَوْ هُوَ نَفْسُهَا، وَكِلَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرَيْنِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْحَقِيقَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُثْبِتُ مَا ذُكِرَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى ثَمَرَاتٍ لِهَذَا الثُّبُوتِ فَصَحَّ كَوْنُهُ حَقَّهُ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَا يَكُونُ ثُبُوتُ اللَّازِمِ إلَّا بَعْدَ الْمَلْزُومِ، وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَلْزِمُ حَقَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَاهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا عِتْقُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ حُرْمَةُ فَرْجِهَا الَّتِي هِيَ حَقُّهُ تَعَالَى تَثْبُتُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهَا مِنْ الْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِطَ دَعْوَاهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ لِرَغْبَتِهَا فِي صُحْبَةِ مَوْلَاهَا حَتَّى نَقُولَ: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَيْضًا مُتَّهَمًا قُبِلَتْ بِلَا دَعْوَاهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَزِمَهُ حَدُّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ فِي طَرَفٍ حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ. قُلْنَا: نَفْرِضُ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ تُنْكِرْ وَلَكِنَّهَا سَاكِتَةٌ لِعَدَمِ عِلْمِهَا بِحُرِّيَّتِهَا، ثُمَّ قَدْ يُمْنَعُ تَأْثِيرُ كَوْنِ الثَّابِتِ بِالْعِتْقِ أَوَّلًا مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ مُسْتَلْزِمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى، لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ اسْتِلْزَامُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ حُكْمُهُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى سَوَاءٌ ثَبَتَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا؛ فَإِنْ حُوِّلَ التَّقْرِيرُ هَكَذَا الْعِتْقُ يَتَضَمَّنُ حَقَّ الْعَبْدِ وَحَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَمَّا حَقُّهُ سُبْحَانَهُ فَمَا ذَكَرْتُمْ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مَالِكًا لِأَكْسَابِ نَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَتَثْبُتُ وِلَايَاتُهُ مِنْ نَفَاذِ قَوْلِهِ فِي الشَّهَادَةِ وَإِنْكَاحِ بِنْتِهِ وَحُصُولِ الْمِيرَاثِ لَهُ إذَا مَاتَ قَرِيبُهُ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى دَعْوَى بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِعَدَمِ الِارْتِدَادِ بِالرَّدِّ وَعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى قَبُولِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ حَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِصًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ وَإِبْرَاءَ الْكَفِيلِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَكَذَا التَّنَاقُضُ فَإِنَّ عَدَمَ مَنْعِهِ لِخَفَاءِ رِقِّ الْأَصْلِ وَحُرِّيَّتِهِ كَمَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلِمَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ فِي الْعِتْقِ الْحَقَّانِ فَلِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، قُلْنَا: لَا يُمْنَعُ التَّنَاقُضُ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ، وَلِحَقِّ الْعَبْدِ شَرَطْنَا الدَّعْوَى وَالشَّاهِدَيْنِ أَيْضًا. وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِتْقُ الْأَمَةِ فَإِنَّ فِيهَا الْحَقَّيْنِ فَتَجِبُ الدَّعْوَى وَالشَّاهِدَانِ لِحَقِّ الْعَبْدِ، وَلَا يُمْنَعُ التَّنَاقُضُ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَيْضًا إذَا كَانَ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى لَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهَا لِأَنَّهُ بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مَعَهُ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى الدَّعْوَى وَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ، لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِلَا دَعْوَى فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى اقْتَضَى وُجُوبَ تَرْتِيبِ مُقْتَضَاهَا وَالْآخَرُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَثْبُتَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ اجْتِمَاعُ الْحَقَّيْنِ وَتَعَارُضُ مُقْتَضَاهُمَا، فَتَرَجَّحَ مَا ثَبَتَ شَرْعًا لِاحْتِيَاطٍ فِي أَمْرِهِ وَتَوْكِيدِهِ، وَأَمْرُ الْفُرُوجِ مُحْتَاطٌ فِيهِ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ إثْبَاتُهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِثْلُهُ، فَلِذَا وَقَعَ الْفَرْقُ عِنْدَهُ بَيْنَ عِتْقِ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقِ وَبَيْنَ عِتْقِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ حَقَّهُ سُبْحَانَهُ الثَّابِتَ وَهُوَ حُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ الْمُقْتَضِي لِنَفْيِ الدَّعْوَى لَيْسَ

وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ. وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ انْعَدَمَ الدَّعْوَى. أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَعَدَمُ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَشَابَهُ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ التَّأْكِيدِ بِحَيْثُ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ بِلَا دَعْوَى، وَهُمَا يَقُولَانِ جَمِيعُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بِلَا دَعْوَى لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَصْمُ فِيهَا وَالْعَبْدُ الشَّاهِدُ نَائِبُهُ فَتُضَمَّنُ شَهَادَتُهُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَإِنْ افْتَقَرَ ثُبُوتُهُ إلَى الدَّعْوَى فَقَدْ انْتَصَبَ النَّائِبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى نَائِبًا عَنْهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، فَإِنَّ الْمُثْبِتَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الشَّهَادَةَ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِيهِ مَا لَوْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ الْعِتْقَ وَلَا تُهْمَةَ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّرْجِيحُ وَيَتَرَجَّحُ حَقُّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَلَا يُقَالُ: الْمُقَرَّرُ تَرَجُّحُ حَقِّ الْعَبْدِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ بِأَنْ كَانَ ثُبُوتُ أَحَدِهِمَا يَنْتَفِي مَعَهُ الْآخَرُ وَهُنَا يَثْبُتُ حَقُّ الْعَبْدِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ إذَا أَثْبَتْنَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ إثْبَاتًا لِحَقِّ الْعَبْدِ سَابِقًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَى رَغْمِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لِأَنَّهُ عِتْقُ الْمَجْهُولِ (وَالدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ) وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَتَنْتَفِي الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا مُطْلَقًا فَتُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ فَرْجِهَا عَلَى مَوْلَاهَا وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا (فَشَابَهُ الطَّلَاقَ) وَفِيهِ لَا يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ بِهِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ فَكَذَا هَذَا (وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) فَانْتَفَى الْمُسْقَطُ فِيهِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ

وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ. أَمَّا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ وَصِيَّةً، وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ. وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَشِيعُ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا مُتَعَيَّنًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ سُقُوطِ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ تَحْرِيمَ فَرْجِهَا عَلَى الْمُعْتِقِ لَشُرِطَتْ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ لَمْ تَتَضَمَّنْ تَحْرِيمَ فَرْجِهَا لِحُرْمَتِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَحِلِّهَا فِي الرَّجْعِيِّ بَعْدَهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ بِعِتْقِهَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّ وَطْءَ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ الْمَمْلُوكَةِ لَيْسَ بِزِنًا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ عِتْقِهَا وَبَعْدَهُ يَلْزَمُهُ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ يَنْعَقِدُ بِهِ سَبَبُ حُرْمَةِ فَرْجِهَا فَأَثْبَتَتْ تَحْرِيمًا مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى عِنْدَهُ، وَمَا قِيلَ إنَّ وَطْأَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ خُبْثُهَا كَالْحَائِضِ فَبِالشَّهَادَةِ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ الْوَطْءُ فِيهِ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا بِعِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فِي صِحَّتِهِ) . (أَمَّا إذَا شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ) لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمَا بِعِتْقٍ هُوَ وَصِيَّةٌ وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدَّمْنَا

وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَقَدْ قِيلَ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ. وَقِيلَ تُقْبَلُ لِلشُّيُوعِ هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ يَكُونُ وَصِيَّةً مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَهُ لِعَدَمِ خَصْمٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ الدَّعْوَى، وَإِذَا كَانَ وَصِيَّةً فَالْخَصْمُ فِيهَا هُوَ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ مِنْ حُقُوقِ الْمُوصِي فَهُوَ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي فِيهَا وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ نَائِبٌ مَعْلُومٌ هُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْخَصْمَ فِي إثْبَاتِ الْعِتْقِ لَيْسَ هُوَ السَّيِّدُ لِإِنْكَارِهِ بَلْ هُوَ الْعَبْدُ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَوَجْهٌ آخَرُ لِلِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ أَنَّ الْخَصْمَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْعِتْقِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصِيَ كَانَ كُلًّا مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا مُعَيَّنَانِ، وَفِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا تَصِحُّ خُصُومَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَالْمُعْتَقُ الْمُبْهَمُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنَّ الْعِتْقَ حِينَئِذٍ يَشِيعُ فِيهِمَا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا خَصْمًا مَعْلُومًا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَصْمِ هُنَا مَنْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ وَلَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ فَفَرَضَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ مُنْكِرِينَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ: يَعْنِي الْوَصِيَّ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مُنْكِرِينَ أَوْ الْوَرَثَةَ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ مُنْكِرًا فَقِيلَ: فَيُشْكِلُ مَا لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ مُنْكِرًا إذْ لَا تَبْطُلُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِوَصِيَّةٍ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ خَلَفًا وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِاعْتِبَارِ جَعْلِ الْمَيِّتِ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا، وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَيَاتِهِ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ قَبُولَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِاعْتِبَارِهَا وَصِيَّةً لِاعْتِبَارِهِ مُدَّعِيًا وَعَدَمُ قَبُولِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ الْعَبْدَانِ وَهُمَا غَيْرُ مَنْ أُثْبِتَ فِيهِ الْعِتْقُ أَعْنِي الْمُبْهَمَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْزَالَهُ مُدَّعِيًا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَمَّا قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ، وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ، وَرُدَّتْ لِعَدَمِ الْمُدَّعِي وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَرِيضُ قَدْ أُصْمِتَ حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُؤَخَّرَ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَيُقْضَى بِهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا، أَوْ يَعِيشَ فَيُطْلَقَ لِسَانُهُ فَيَرُدَّ لِعَدَمِ الْخَصْمِ الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ) لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْرِيعِهَا عَلَى قَوْلِهِ (فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ) لِإِسْنَادِهِمَا الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا (وَقِيلَ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْعِتْقَ شَاعَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَصِحُّ دَعْوَاهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَصَحَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبُولَهَا قَالَ: لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ فَيَتَعَدَّى بِإِحْدَاهُمَا، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: شُيُوعُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى صِحَّةِ كَوْنِ الْعَبْدَيْنِ مُدَّعِيَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ قَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَلَا مُثْبِتَ لَهُ إلَّا الشَّهَادَةُ وَصِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ مِنْ الْخَصْمِ فَصَارَ ثُبُوتُ شُيُوعِ الْعِتْقِ مُتَوَقِّفًا عَلَى ثُبُوتِ الشَّهَادَةِ، فَلَوْ أُثْبِتَتْ الشَّهَادَةُ بِصِحَّةِ خُصُومَتِهِمَا وَهِيَ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِيهِمَا شَائِعًا لَزِمَ الدَّوْرُ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ وَجْهُ ثُبُوتِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ لَزِمَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِهَا وَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ] شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَمَةً بِعَيْنِهَا وَسَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ وَهُوَ عِتْقُ مَعْلُومَةٍ بَلْ مَجْهُولَةٍ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَسَمَّاهَا فَنَسِيَاهَا. وَعِنْدَ زُفَرَ تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ زُفَرَ فِي هَذِهِ لِأَنَّهَا كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ وَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَلَوْ شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا وَلَا يَعْرِفُونَ سَالِمًا وَلَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ اسْمُهُ سَالِمٌ عَتَقَ لِأَنَّهُ كَانَ مُعَيَّنًا لِمَا أَوْجَبَهُ، وَكَوْنُ الشُّهُودِ لَا يَعْرِفُونَ عَيْنَ الْمُسَمَّى لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ، كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْعَبْدَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدُوا بِبَيْعِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ كُلُّ وَاحِدٍ اسْمُهُ سَالِمٌ وَالْمَوْلَى يَجْحَدُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى لِقَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، وَلَا تَتَحَقَّقُ هُنَا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا فَصَارَتْ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةِ. . [وَهَذَا فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ] إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ الْعِتْقَ وَأَقَامَ شَاهِدًا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى، وَفِي الْأَمَةِ إذَا قَالَتْ: شَاهِدِي الْآخَرُ حَاضِرٌ يُحَالُ، وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ إنْ كَانَ الْمَوْلَى مَخُوفًا عَلَى الْعَبْدِ حِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُنْظَرَ فِي أَمْرِ الشُّهُودِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ تَمَّتْ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا نَفَذَ فَثَبَتَتْ بِهِ الْحَيْلُولَةُ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا شَهِدَا بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ اللَّفْظِ أَوْ اللُّغَةِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَوْلٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ فَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَافَ الْمَشْهُودِ بِهِ اخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ وَهَبَهُ نَفْسَهُ لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَضْعًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالْإِعْتَاقَ إحْدَاثُ الْقُوَّةِ أَوْ إزَالَةُ الْمِلْكِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَيُحْمَلُ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي اللَّفْظِ لَا يَمْنَعُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُؤَدَّى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا وَضْعًا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ لِقَبُولِهَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَفْظًا مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ لَفْظٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ فَأَحَدُهُمَا جَعَلَهُ كَلَامَ زَيْدٍ وَالْآخَرُ الدُّخُولَ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ، إذْ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ الدُّخُولُ مَثَلًا وَقَالَ الْمَوْلَى بَلْ كَلَامُ فُلَانٍ فَأَيَّهمَا فَعَلَ فَهُوَ حُرٌّ لِثُبُوتِ الدُّخُولِ شَرْطًا بِالشَّهَادَةِ وَالْكَلَامِ بِقَوْلِ الْمَوْلَى. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِجُعْلٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ جُعْلٍ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِجُعْلٍ يُخَالِفُ الْعِتْقَ بِغَيْرِ جُعْلٍ فِي الْأَحْكَامِ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْجُعْلِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ الْجُعْلَ سَوَاءٌ ادَّعَى الْعَبْدُ أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا. وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ وَالْعَبْدُ يُنْكِرُ عَتَقَ لِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِحُرِّيَّتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِإِكْذَابِهِ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ بِالْأَكْثَرِ، وَإِنْ ادَّعَى الْعِتْقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَأَحَدُهُمَا يَشْهَدُ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَقُومُ هُنَا عَلَى الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا تَقُومُ عَلَى الْمَالِ، وَمَنْ ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِأَلْفٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى، بِخِلَافِ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ إنْ كَلَّمَ زَيْدًا وَالْآخَرُ إنْ دَخَلَ بِأَيِّهِمَا فَعَلَ عَتَقَ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ التَّعْلِيقَيْنِ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ. وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى فِي مِقْدَارِ مَا أَعْتَقَهُ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنَّهُ

[باب الحلف بالعتق]

بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدَّاهَا وَأَقَامَ الْمَوْلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَيْنِ إلَخْ فَالْعَبْدُ حُرٌّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ تَنَجُّزَ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ. وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ وَأَقَامَ الْمَوْلَى أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ تَنَجَّزَ بِالْقَبُولِ فَكَانَ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِي بَيِّنَةِ الْمَوْلَى. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ فَأَدَّاهَا مِنْ مَالِ الْمَوْلَى كَانَ حُرًّا وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْعِتْقُ هُنَا حَصَلَ بِالْقَبُولِ لَا بِأَدَاءِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْفَصْلُ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْأَدَاءِ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى مَسْرُوقًا أَوْ مَغْصُوبًا مِنْ الْمَوْلَى ثُمَّ رَدَّ هَذَا الْمَالَ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَقَعُ عَنْ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْحُكْمِ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ. وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِ الْحُكْمِ وَلَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَلَكِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَةَ مَا أَتْلَفَا مِنْ مَالِيَّتِهِ عَلَى الْمَوْلَى إذْ قَدْ اعْتَرَفَا بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّتَهُ عَلَى الْمَوْلَى بِغَيْرِ حَقٍّ. وَلَوْ ضَمِنَا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةُ غَيْرِهِمْ بِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ أَعْتَقَهُ إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الضَّمَانُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِمَا هُوَ لَغْوٌ وَعَتَقَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْمُعْتَقُ لَا يُعْتَقُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ لَمْ يَرْجِعُوا بِمَا ضَمِنُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا ضَمِنُوا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي حُرِّيَّةُ الْعَبْدِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مُدَّعٍ لِذَلِكَ، وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ لَمْ يُتْلِفُوا عَلَى الْمَوْلَى شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمْ، وَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَعِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى وَلَا مُدَّعٍ لِمَا شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي، فَإِنَّ الْعَبْدَ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَ الْعِتْقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ] الْحَلِفُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ حَلَفَ سَمَاعِيٌّ، وَلَهُ مَصْدَرٌ آخَرُ: أَعْنِي حَلْفًا بِالْإِسْكَانِ، يُقَالُ حَلَفَ حَلِفًا وَحَلْفًا، وَتَدْخُلُهُ التَّاءُ لِلْمَرَّةِ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ: عَلَيَّ حَلْفَةٌ لَا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا ... وَلَا خَارِجٌ مِنْ فِي زُورُ كَلَامِ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: حَلَفْت لَهَا بِاَللَّهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ ... لَنَامُوا فَمَا إنْ مِنْ حَدِيثٍ وَلَا صَالِ وَالْمُرَادُ بِالْحَلِفِ بِالْعِتْقِ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، وَلَمَّا كَانَ الْمُعَلَّقُ قَاصِرًا فِي السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْمُنَجَّزِ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنْ يُولِيَ التَّصَرُّفَ الَّذِي يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ الْحَلِفَ بِهِ كَمَا فَعَلَ فِي الطَّلَاقِ وَلَا يَضُمُّ الْكُلَّ إلَى كِتَابِ الْأَيْمَانِ لِيَكُونَ أَضْبَطَ لِأَحْكَامِ التَّصَرُّفِ الْوَاحِدِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ فِي بَابِهِ وَلَا تَتَفَرَّقُ أَحْكَامُهُ فِي الْأَبْوَابِ أَوْلَى الْعِتْقَ الْحَلِفَ بِهِ.

(وَمَنْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ يَوْمَئِذٍ تَقْدِيرُهُ يَوْمَ إذْ دَخَلْت، إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ الْفِعْلَ وَعَوَّضَهُ بِالتَّنْوِينِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيَامَ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَبْدٌ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي يَمِينِهِ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَعْتِقْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ مَنْ لَا يُجِيزُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ قَبْلَ الْمِلْكِ أَجَازَهُ فِي الْعِتْقِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ وَعِنْدَنَا الْمُصَحِّحُ مُطَّرِدٌ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي اشْتَرَاهُ، وَلَمَّا كَانَ عِتْقُ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ لَا يَكُونُ بِكَلَامٍ قَبْلَ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إضَافَةً إلَى الْمِلْكِ قَرَّرَهُ لِيَرُدَّهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي يَوْمَئِذٍ عِوَضٌ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمُضَافِ إلَيْهَا لَفْظُ إذْ تَقْدِيرُهُ إذْ دَخَلْت وَلَفْظُ يَوْمٍ ظَرْفٌ لِمَمْلُوكٍ فَكَانَ التَّقْدِيرُ كُلُّ مَنْ لَا يَكُونُ فِي مِلْكِي يَوْمَ الدُّخُولِ حُرٌّ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إضَافَةُ عِتْقِ الْمَمْلُوكِ يَوْمَ الدُّخُولِ إلَى يَوْمِ الدُّخُولِ، وَالْمَمْلُوكُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِلْكٍ فَصَارَ. كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت مَمْلُوكًا وَقْتَ الدُّخُولِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ يُصَدَّقُ بِمِلْكٍ قَبْلَ الدُّخُولِ يُقَارِنُ بَقَاؤُهُ الدُّخُولَ فَكَانَ إضَافَةَ الْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ مَعْنًى، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ فَدَخَلَ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْعِتْقَ إلَى مِلْكِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا مَعْنًى، وَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ إلَى لَفْظِ وَقْتٍ عَنْ لَفْظِ يَوْمٍ فِي قَوْلِهِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيَامَ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ يَوْمٍ مُرَادُهُ بِهِ الْوَقْتُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ إنَّمَا أُضِيفَ إلَى لَفْظِ إذْ الْمُضَافَةِ لِلدُّخُولِ لَكِنَّ مَعْنَى إذْ غَيْرُ مُلَاحَظٍ وَإِلَّا كَانَ الْمُرَادُ يَوْمَ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ عَلَى مَعْنَى يَوْمِ الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ الدُّخُولُ تَقْيِيدًا لِلْيَوْمِ بِهِ، لَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَقْتَ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ مِثْلَهُ كَثِيرًا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ كَنَحْوِ {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4] {بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 5] وَلَا يُلَاحَظُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُلَاحَظُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقْتَ وَقْتِ يَغْلِبُونَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَا يَوْمَ وَقْتِ يَغْلِبُونَ يَفْرَحُونَ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ فَعُرِفَ أَنَّ لَفْظَ إذْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا تَكْثِيرًا لِلْعِوَضِ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ عِمَادًا لَهُ: أَعْنِي التَّنْوِينَ لِكَوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا سَاكِنًا تَحْسِينًا وَلَمْ يُلَاحَظْ مَعْنَاهَا، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ حِينَ حَلَفَ فَبَقِيَ فِي مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِمَا بَيَّنَّا: أَيْ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ لَا وَقْتَ التَّكَلُّمِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي يَمِينِهِ يَوْمَئِذٍ) بَلْ قَالَ إذَا دَخَلْت

لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَى الْجَزَاءِ تَأَخَّرَ إلَى وُجُودٍ فَيَعْتِقُ إذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْيَمِينِ. (وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَعْتِقْ) وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَالِ، وَفِي قِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْيَمِينِ احْتِمَالٌ لِوُجُودِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ الْمُطْلَقَ، وَالْجَنِينُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا مَقْصُودًا، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ دُونَ الْأَعْضَاءِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ التَّكَلُّمِ، بَلْ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ. وَوَجَّهَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَخْتَصُّ بِالْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ يَتَعَلَّقُ فِي الْحَالِ بِمُلُوكٍ: أَيْ الْمَمْلُوكُ فِي الْحَالِ حُرِّيَّتُهُ هِيَ الْجَزَاءُ، فَلَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ تَأَخَّرَتْ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ عِنْدَ الشَّرْطِ مَنْ كَانَ مَمْلُوكًا عِنْدَ التَّكَلُّمِ. وَوَجْهُ كَوْنِ كُلِّ مَمْلُوكٍ لِي حَالًا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْوَصْفِ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ قِيَامِهِ بِهِ أَوْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ: أَيْ الِاخْتِصَاصُ مَنْ جَرَتْ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا إلَيْهِ: بِهِ: أَيْ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَلَزِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ اخْتِصَاصُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُتَّصِفِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْحَالِ وَهِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ فَلَزِمَ قِيَامُ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةَ اتِّصَافِهِ بِأَثَرِهَا فِي الْحَالِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ. هَذَا وَيَعْتِقُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْعَبِيدُ وَلَوْ مَرْهُونِينَ أَوْ مَأْذُونِينَ أَوْ مُؤَجَّرِينَ وَالْإِمَاءُ وَلَوْ كُنَّ حَوَامِلَ أَوْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ وَالْمُدَبَّرُونَ وَأَوْلَادُهُمْ، وَلَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ هُوَ حُرٌّ يَدًا، وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ فَقَطْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً مَعَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَعُمُّ النِّسَاءَ حَقِيقَةً وَوَضْعًا وَلَا يَدْخُلُ الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَا الْجَنِينُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَهُمْ وَلَا عَبِيدُ عَبْدِ التَّاجِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُونَ نَوَاهُمْ أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَلَوْ نَوَاهُمْ. وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت مَا يَسْتَقْبِلُ عَتَقَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَمَا سَيَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ لِأَنَّ قَصَدَ تَغْيِيرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ فِي إبْطَالِ حُكْمِ الظَّاهِرِ وَاعْتَبَرْنَا اعْتِرَافَهُ لِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ عِتْقَ مَا هُوَ فِي مِلْكِهِ مَعَ هَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ مَمَالِيكِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ وَنَوَى الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَقَالُوا لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً، بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي وَنَوَى التَّخْصِيصَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ وَفِي الْوَجْهَيْنِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلُّهُمْ تَأْكِيدٌ لِلْعَامِّ قَبْلَهُ وَهُوَ مَمَالِيكِي؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَهُوَ يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ غَالِبًا وَالتَّخْصِيصُ يُوجِبُ الْمَجَازَ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهِ أَصْلُ الْعُمُومِ فَقَطْ فَقُبِلَ التَّخْصِيصُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَعْتِقْ) سَوَاءٌ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْقَوْلِ أَوْ أَقَلَّ، أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ الذُّكُورَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي تَدْخُلُ الْحَامِلُ فَيَدْخُلُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا. (وَإِنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ، أَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً يُقَالُ: أَنَا أَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا وَيُرَادُ بِهِ الْحَالُ، وَكَذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَالِاسْتِقْبَالُ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيَكُونُ مُطْلَقُهُ لِلْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِأَنَّ اللَّفْظَ: أَيْ لَفْظَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِهِ، وَفِي قِيَامِ الْحَمْلِ حَالَ التَّكَلُّمِ احْتِمَالٌ لِوُجُودِ تَمَامِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ، فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ قَائِمًا عِنْدَهُ فَلَا يَعْتِقُ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَلَمْ يَقُلْ لَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ لَا تَكُونُ إلَّا أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِأَنَّ التَّيَقُّنَ لِوُجُودِهِ حَالَ التَّكَلُّمِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا، لَكِنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ الْمُطْلَقِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَمْلُوكِ بِالْأَصَالَةِ وَالِاسْتِقْلَالِ، وَالْحَمْلُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حَتَّى يَنْتَقِلَ بِانْتِقَالِهَا وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا كَمَا يَتَغَذَّى الْعُضْوُ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا بَلْ تَبَعًا لِلْحَامِلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الشَّرْعِ نَفْسًا مَمْلُوكَةً أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَا تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالذُّكُورَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ وَلَمْ يَقُلْ ذَكَرٍ تَدْخُلُ الْأُنْثَى فَتَدْخُلُ الْحَامِلُ فَيَعْتِقُ حَمْلُهَا تَبَعًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ مَمْلُوكٍ إمَّا لِذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَقَيْدُ التَّذْكِيرِ لَيْسَ جُزْءَ الْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ التَّأْنِيثُ جُزْءَ مَفْهُومِ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكٌ أَعَمَّ مِنْ مَمْلُوكَةٍ فَالثَّابِتُ فِيهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْنِيثِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْنِيثِ وَإِمَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اسْتَمَرَّ فِيهِ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي أَنَّ بَعْدَ غَدٍ ظَرْفٌ لِحُرٍّ لَا لِأَمْلِكهُ (أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ وَلَهُ مَمْلُوكٌ وَاحِدٌ) فِي الصُّورَتَيْنِ (فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ) دُونَ الْمُشْتَرِي وَلَفْظُ: بَعْدُ غَدٍ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهُ فَاعِلٌ لِجَاءَ لَا ظَرْفٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلَّ مَمْلُوكٍ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لِلْحَالِ،

(وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ، أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا آخَرَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَإِنْ مَاتَ عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ: يَعْتِقُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ. لَهُ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ هُوَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا لَفْظُ أَمْلِكُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً، يُقَالُ أَنَا أَمْلِكُ كَذَا فَيَتَبَادَرُ مِنْهُ الْحَالُ، وَالتَّبَادُرُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ وَلِذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ وَسَوْفَ وَغَيْرِهِمَا كَإِسْنَادِهِ إلَى مُتَوَقَّعٍ وَاقْتِضَائِهِ طَلَبًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي النَّحْوِ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَذَاهِبِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقِيلَ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: أَمْلِكُ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِقْبَالِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ لِلْحَالِ شَرْعًا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ. وَعُرْفًا يُقَالُ أَمْلِكُ كَذَا دِرْهَمًا فَكَانَ كَالْحَقِيقَةِ فِي الْحَالِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَنًّا أَنَّ مَذْهَبَ النُّحَاةِ لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ. وَأَعْجَبُ مِنْهُ جَوَابُ مَنْ رَامَ دَفْعَهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لِلْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ اهـ. فَتَرَكَ النَّظَرَ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلِذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَشْرُوطُ بِالْقَرِينَةِ بَلْ الْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَيْسَ مَذْهَبَ كُلِّ النُّحَاةِ بَلْ الْمَذَاهِبُ ثَلَاثَةٌ، وَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ كَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَادُ الِاسْتِقْبَالُ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْحَالِ، وَأَمَّا اخْتِيَارُ عَكْسِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عِنْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا تَفْرِيعُهُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فَغَايَةُ مَا وُجِّهَ بِهِ أَنَّ تَعَيُّنَ الْحَالِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ: أَيْ الْمُعَيِّنَةِ لِأَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ، بِخِلَافِ نَحْوِ أُسَافِرُ وَأَتَزَوَّجُ فَإِنَّهُ مَحْفُوفٌ بِقَرِينَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ كَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَعْتِقُ الْمَمْلُوكُ بَعْدَ الْحَالِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ مَاتَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ) مُطْلَقٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ، وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ بَلْ مُدَبَّرٍ مُقَيَّدٍ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَا جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ إنْ خَرَجَا مِنْهُ عَتَقَ جَمِيعُ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا يَضْرِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهِ فِيهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ الْكُلِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ

وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الْوَصَايَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الْمُنْتَظَرَةُ وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ، وَكَذَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ، وَكَذَا الْوَصْفُ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ، وَلِهَذَا صَارَ بِهِ الْكَائِنُ فِي مِلْكِهِ حَالَ التَّكَلُّمِ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ دُونَ الْآخَرِ، وَبِهَذَا الْوَجْهِ طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَوْجَبَ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَالَ فَقَطْ، فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَمْلُوكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَلْزَمُ إمَّا تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ أَوْ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ثُمَّ يَلْزَمُ تَدْبِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَاكَ فِي الْحَالِ وَالْمُسْتَحْدَثِ عِنْدَ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ سَأَمْلِكُهُ مُدَبَّرٌ، وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْمُجْتَمِعُ فِي الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ عُمُومُ الْمَجَازِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ مَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ غَدًا مِمَّنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ حَالَ التَّكَلُّمِ أَوْ مَلَكَهُ إلَى غَدٍ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُتَنَاوَلُ إلَّا الْمَمْلُوكُ فِي الْغَدِ فَيَلْزَمُ تَدْبِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَدْبِيرًا مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِي عِنْدَ الْمَوْتِ مُدَبَّرٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ، أَوْ يُرَادُ الْمُسْتَقْبِلُ فَقَطْ كَمَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ إلَى أَنْ أَمُوتَ أَوْ أَبَدًا لَزِمَ أَنْ لَا يَعْتِقَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَصِيرَ مُدَبَّرًا وَهُوَ مُنْتَفٍ فَبَطَلَتْ الْأَقْسَامُ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَ الْكَائِنُ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَقَطْ وَلَازَمَهُ مَا ذَكَرْنَا. وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ صُورَةَ التَّرَاكِيبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا يَتَنَاوَلُ الْحَالَ فَقَطْ اتِّفَاقًا وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ قَالَهُ وَلَا يَعْتِقُ مَا يَسْتَقْبِلُ مِلْكَهُ، وَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبِلَ لَا غَيْرُ اتِّفَاقًا وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ وَنَحْوُهُ، وَمَا فِيهِ خِلَافُهُمَا وَهُوَ نَحْوُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا، فَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتِقُ فِي الْغَدِ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَالْمُسْتَحْدَثُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْيَسُ بِمَسْأَلَتِهِ يَوْمَئِذٍ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا) أَيْ مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ لَا لَفْظَ أَمْلِكُهُ فَقَطْ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ (إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٍ) لِأَنَّ حَاصِلَ التَّدْبِيرِ إيجَابٌ لِلْعِتْقِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا هُوَ الْإِيصَاءُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْإِيصَاءِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعْنَى التَّدْبِيرِ، وَمُقْتَضَى إيجَابِ عِتْقِ مَا يَمْلِكُهُ وُقُوعُهُ فِي الْحَاصِلِ فِي الْمِلْكِ حَالَ التَّكَلُّمِ ثُمَّ هُوَ مُضَافٌ إلَى الْمَوْتِ فَكَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ بِمَا يَمْلِكُهُ دُخُولُ مَا فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ: أَيْ

وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْمَوْتِ حَالَةُ التَّمَلُّكِ اسْتِقْبَالٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ فَافْتَرَقَا. وَلَا يُقَالُ: إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ. لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ لَكِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَابِسَةِ لِمَا فِيهَا وَالرَّهْنُ هُوَ الْحَبْسُ وَزَمَنُ الْحَالِ هُوَ الْحَابِسُ لِمَا فِيهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَدُخُولِ مَا فِي الْحَالَةِ الْمُنْتَظَرَةِ أَيْضًا لِلِاتِّفَاقِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ دَخَلَ الْمُسْتَحْدَثُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَادٌ دَخَلُوا وَاسْتَحَقُّوا الْمُوصَى بِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْوَصِيَّةِ دُخُولُ كُلِّ مَا فِي الْحَالَيْنِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْمَيِّتِ مِنْ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَالْبِرِّ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ كُلُّ عَبْدٍ حُرٌّ فَيَعْتِقُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَمِنْهُ مَا مَلَكَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الصَّرِيحِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ جِهَةُ الْإِيجَابِ، فَلَا يَدْخُلُ إلَّا الْحَاصِلُ فِي الْحَالِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَنْفِي اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ: أَعْنِي لَفْظَ أَمْلِكُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْجَمْعُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لَا بِسَبَبَيْنِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لِلْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فِي الْأُصُولِ، وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ

بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابِ عِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارَيْنِ وَبِالنَّظَرِ إلَى شَيْئَيْنِ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَفْظَهُ أَوْجَبَ تَقْدِيرَ لَفْظٍ إذْ كَانَ وَصِيَّةً وَهُوَ مَا قَدَّرْنَاهُ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِهِ مَا اسْتَحْدَثَ مِلْكَهُ وَالْمُوجِبُ لِلتَّقْدِيرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْبِرِّ لِلْأَصْحَابِ، وَهَذَا الْمُوجِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ تَقْدِيرِهِ عِنْدَ مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِلَّا كَانَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عِبَارَتُهُ عِنْدَ مِلْكِهِ لَا الصَّرِيحَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْحَالَ وَلَا الْمُقَدَّرَةُ لِتَأْخِيرِ تَقْدِيرِهَا إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا كَانَ دَافِعًا لِلْإِشْكَالِ. [فُرُوعٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ] قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ الْمُعْتَقَ بَعْدَ الشَّرْطِ وَبَعْدَ الْبَيْعِ هُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَا يَعْتِقُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بَاقٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي تَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ وَقْتُ نُزُولِ الْعِتْقِ هُوَ وَقْتُ زَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُمَا مَعًا يَتَعَقَّبَانِ الْبَيْعَ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَالِ تَقَرُّرِ زَوَالِهِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ انْحِلَالِ الْيَمِينِ نُزُولُ الْجَزَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدَ الْبَيْعِ حَتَّى اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ بُطْلَانِ الْيَمِينِ عِنْدَنَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الْأُخْرَى عَتَقَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَبَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ دَخَلَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْأُخْرَى بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ، فَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَكَلَّمَ فُلَانًا لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَيْسَ إلَّا الْكَلَامَ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَامِ وَجَزَائِهِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ بِالدُّخُولِ فَالدُّخُولُ شَرْطُ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْيَمِينُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَكَلَامُهُ غَيْرُ مُوقَعٍ. وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَمَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيَصِيرُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ قَائِمًا، وَالتَّدْبِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّدْبِيرُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِهِ. وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ فَفَعَلَ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا نِصْفُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ وَالْمُعَلَّقُ كَانَ النِّصْفَ وَالْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهِ لِسَيِّدِهِ. وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فَلَا يَسْعَى، وَلَوْ كَانَ بَاعَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَ شَرِيكِهِ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ النِّصْفُ الْمُبْتَاعُ لَا الْمُسْتَحْدَثُ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الْعِتْقُ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ حِمَارٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ هَذَا أَوْ هَذَا عَتَقَ عَبْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ، وَقَالَا: لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَمِثْلُهُ وَأَصْلُهُ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَأُسْطُوَانَةٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ عَبْدُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ إيجَابُ الْحُرِّيَّةِ لِلْجَزْمِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ هَذَا لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ بِإِيجَابٍ لَهَا كَقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ لَا. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّرْطِ قَالَ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ فُلَانٌ وَآخَرُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عَتَقَ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَصَاحِبُ الدَّارِ فِي شَهَادَتِهِ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فَصَحَّتْ شَهَادَتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْته فَشَهِدَ هُوَ وَآخَرُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ فُلَانًا فِي هَذِهِ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى الشَّرْطِ، وَلَوْ شَهِدَ ابْنَا فُلَانٍ أَنَّهُ كَلَّمَ أَبَاهُمَا، فَإِنْ جَحَدَ الْأَبُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى أَبِيهِمَا بِالْكَلَامِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ دَعَاهُ أَبُوهُمَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ بَاطِلَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَشْهُودِ بِهِ لِأَبِيهِمَا فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْمَنْفَعَةَ لِثُبُوتِ التُّهْمَةِ وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا يُظْهِرَانِ صِدْقَهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ فِي النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب العتق على جعل]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِقَبُولِهِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ] (بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ أَبْوَابِ الْعِتْقِ مُنْجَزِهَا وَمُعَلَّقِهَا كَمَا أَخَّرَ الْخُلْعَ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ مِنْ الْإِسْقَاطِ غَيْرُ أَصْلٍ، بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَأَخَّرَ مَا لَيْسَ بِأَصْلٍ عَمَّا هُوَ أَصْلٌ، وَالْجُعْلُ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ، وَكَذَا الْجَعِيلَةُ، وَيُقَالُ الْجَعَالَةُ ضَبْطُ جِيمِهَا بِالْكَسْرِ فِي الصِّحَاحِ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيِّ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ لِلْفَارَابِيِّ بِالْفَتْحِ فَيَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ عَلَى أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنْ تَجِيئَنِي بِأَلْفٍ أَوْ بِعْتُك نَفْسَك بِأَلْفِ أَوْ وَهَبْتُكهَا عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي أَلْفًا فَإِنَّهُ يُعْتِقُ إذَا قَبِلَ، وَإِنَّمَا يُعْتِقُ بِمُجَرَّدِ قَبُولِهِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْوَلَاءِ بِعِوَضٍ وَبِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ

فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا، وَمَا شَرَطَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ عَلَى مَا عُرِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمِ الْمُعَاوَضَاتِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَكَمَا إذَا طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى ثَبَتَ مِلْكُهُ فِي الْعِوَضِ الْكَائِنِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ بِقَبُولِهِ فَيَلْزَمُ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْمُعَوَّضِ، وَإِلَّا اجْتَمَعَ الْعِوَضَانِ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَاتِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهِ. فَإِنْ قَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ دَيْنًا يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ رَدَّهُ أَوْ أَعْرَضَ إمَّا بِالْقِيَامِ أَوْ بِاشْتِغَالِهِ بِعَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْدَهُ، وَإِذَا صَارَ دَيْنًا عَلَى حُرٍّ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَعَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ. أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلُودِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ دَيْنِ الْمُوَرِّثِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْطَتْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهَا كَفِيلًا بِالْمَالِ الَّذِي أَعْتَقَهَا عَلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ مَدْيُونَةٌ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي لِثُبُوتِهِ بِالشَّرْعِ لِضَرُورَةِ حُصُولِ الْعِتْقِ لِلْعَبْدِ وَالْبَدَلِ

وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَنْتَظِمُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ وَالْعَرَضِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَكَذَا الطَّعَامُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَلَا تَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَوْلَى فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْكَفِيلِ، وَالْمُنَافِي هُوَ الرِّقُّ فَإِنَّهُ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى عَلَى مَرْقُوقِهِ دَيْنٌ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مَا لَا يُخْرِجُ الْمَدْيُونَ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ مِمَّنْ لَهُ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا بِأَنْ عَجَزَ نَفْسُهُ، وَكَمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَا شَاءَ يَدًا بِيَدٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ كَالْأَثْمَانِ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ. (قَوْلُهُ: وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَالٍ يَنْتَظِمُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَرْضِ وَالْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ مَعْلُومَ الْجِنْسِ كَمِائَةِ قَفِيزٍ حِنْطَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَيِّدَةً أَوْ صَعِيدِيَّةً وَكَفَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ يَسِيرَةٌ فَتُتَحَمَّلُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهُ النِّكَاحَ. وَعَلَّلَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ مُعَاوَضَةً بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ: يَعْنِي الْحَاصِلَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَالِ لَيْسَ مَالًا؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَيْسَ مَالًا؛ لِأَنَّهُ مُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالدَّيْنِ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ، وَكَذَا الْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِيهَا يُغْتَفَرُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَلْزَمُهُ الْوَسَطُ فِي تَسْمِيَةِ الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِمَا مِنْ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ. وَلَوْ أَتَاهُ بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ دَابَّةٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ. وَلَوْ أَدَّى إلَيْهِ الْعَبْدَ أَوْ الْعَرْضَ فَاسْتُحِقَّ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فِي الْعَقْدِ فَعَلَى الْعَبْدِ مِثْلُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِيمَةَ فِي مِثْلِهِ مُخَلِّصٌ، وَإِنْ كَانَ مُعَيِّنًا بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ بِعْتُك نَفْسَك بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ فَقَبِلَ وَعَتَقَ وَسَلَّمَهُ فَاسْتُحِقَّ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَبْدِ الْغَيْرِ صَحَّ الْبَيْعُ فَكَذَا هُنَا، إلَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ إذَا لَمْ يُجِزْ مَالِكُ الْعَبْدِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَهُنَا لَا يُفْسَخُ بَعْدَ نُزُولِ الْعِتْقِ بِالْقَبُولِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَالِ جِنْسَهُ أَوْ مِقْدَارَهُ بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك عَلَى عَبْدٍ وَقَالَ الْعَبْدُ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَقَالَ الْعَبْدُ عَلَى مِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْمَالِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِاتِّفَاقِهِمَا وَالْمَالُ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِهِ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى إمَّا لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّ نَفْسِهِ بِبَيِّنَتِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ وَهِيَ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ: أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ تَمَّ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِالْقَبُولِ فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَمَّا هُنَا فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَقَعُ الْعِتْقُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ، إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا فَأَيُّ الشَّرْطَيْنِ أَتَى بِهِ الْعَبْدُ يَعْتِقُ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْإِلْزَامِ، وَفِي بَيِّنَةِ الْعَبْدِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ أَتَمُّ، فَإِنَّهَا إذَا قُبِلَتْ عَتَقَ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ، وَلَيْسَ فِي بَيِّنَةِ الْمَوْلَى إلْزَامٌ فَإِنَّهَا إذَا قُبِلَتْ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ أَدَاءُ الْمَالِ هَكَذَا، فَاعْرِفْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ الْعَبْدُ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِقَبُولِهِ الْمَالَ وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمَوْلَى، وَلِهَذَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا.

قَالَ: (وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ صَحَّ وَصَارَ مَأْذُونًا) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَحَّ أَنَّهُ يُعْتَقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الِانْتِهَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّهُ رَغَّبَهُ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ، وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ دُونَ التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةً. (وَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْحُقُوقِ أَنَّهُ يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ الْعَبْدُ يَدَّعِي وُجُودَ الشَّرْطِ بِقَبُولِهِ وَزَوَالَ مِلْكِ الْمَوْلَى بِهِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ قُلْت لَك أَمْسِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَأْ، وَقَالَ الْعَبْدُ بَلْ قَدْ شِئْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ قَبِلْت الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ إلَّا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تَقْبَلْ رَاجِعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ صَحَّ وَصَارَ مَأْذُونًا) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمَعْنَى صَحَّ قَوْلُهُ: أَيْ التَّعْلِيقُ فَيَسْتَعْقِبُ مُقْتَضَاهُ. وَهُوَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الِانْتِهَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي خِلَافِيَّةِ زُفَرَ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ صَرِيحًا فِي التَّعْلِيقِ بَلْ صَرِيحَةٌ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَصَارَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا ضَرُورَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِصِحَّةِ هَذَا التَّعْلِيقِ وَاسْتِعْقَابِهِ آثَارَهُ مِنْ الْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَتَمَكَّنَ شَرْعًا مِنْ الِاكْتِسَابِ حَيْثُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ، وَيَسْتَلْزِمُ طَلَبُ الْمَوْلَى مِنْهُ الْمَالَ فَلَزِمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لِلِاكْتِسَابِ فِي الْعَادَةِ وَخُصُوصًا عَادَةُ الْمُتَحَقِّقِينَ بِصِفَةِ أَنَّهُمْ مَوَالِيَ الْعَبِيدِ هُوَ التِّجَارَةُ لَا التَّكَدِّي؛ لِأَنَّهُ خِسَّةٌ يَلْحَقُ الْمَوْلَى عَارُهَا، لَكِنَّهُ لَوْ اكْتَسَبَ مِنْهُ فَأَدَّى عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَنْزِلَ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ أَخَذَهُ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى نِسْبَةِ الْإِجْبَارِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّهُ قَبَضَ هَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ صَحِيحًا، أَمَّا لَوْ كَانَ خَمْرًا أَوْ مَجْهُولًا جَهَالَةً فَاحِشَةً كَمَا لَوْ كَانَ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا خَمْرًا أَوْ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِمَا: أَيْ لَا يَنْزِلُ قَابِضًا إلَّا إنْ

وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا جَبْرَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ. وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْلَى الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ حَتَّى كَانَ بَائِنًا فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا فِي الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَجَعَلْنَاهُ مُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخَذَهُ مُخْتَارًا، وَأَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَحَجَجْت بِهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَيْئَيْنِ الْمَالِ وَالْحَجِّ فَلَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْمَالِ لِبُطْلَانِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلِذَا إنْ كَانَ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إتْمَامُ الشَّرْطِ وَالْحَجُّ وَقَعَ مَشُورَةً. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ: أَيْ لَا يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بَلْ إنْ أَخَذَهُ كَانَ قَابِضًا وَعَتَقَ الْعَبْدُ. وَقَوْلُهُ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَإِذَا كَانَ يَمِينًا فَلَا إجْبَارَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ الشَّرْطِ بَلْ بِالشَّرْطِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْإِنْسَانُ سَبَبًا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَازِمَةٍ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ فَيُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهِ إذَا أَتَى بِهِ أَمَّا هُنَا الْبَدَلُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى قَبُولُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَثْبُتُ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ إذَا حَفَّ بِمَا يَقْتَضِيهَا كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ مُقْتَصِرًا، وَنَسَبَهُ إلَى الْخِزَانَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا وَلَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشُرُوطٍ، وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَالتَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَشُرُوطٍ سَوَاءً. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ جَعَلَهُ مُنَجَّمًا وَالتَّنْجِيمُ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَاسْتُشْهِدَ لِأَبِي حَفْصٍ بِمَا لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَمْ يُؤَدِّهِ فِيهِ، وَأَدَّاهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ اتِّفَاقًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا تَنْجِيمٌ تَحْتَمِلُ التَّأَمُّلَ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ) مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَيَنَالَ السَّيِّدُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالَ عِوَضًا عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَقَدْ فَرَضَ صِحَّةَ هَذَا التَّصَرُّفِ لِتَحْقِيقِ هَذَا الْغَرَضِ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ مُعَاوَضَةً، وَلِذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتِ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى وَقَعَ بَائِنًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ لَازِمًا عَلَى الْعَبْدِ تَأَخَّرَ هَذَا الِاعْتِبَارُ إلَى وَقْتِ أَدَائِهِ إيَّاهُ، وَيَلْزَمُ اعْتِبَارُهُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ مَا بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدَرِهَا فَيَثْبُتُ مِلْكُهُ لِذَلِكَ قُبَيْلَهُ وَيَلْزَمُ قَبُولُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ الْقَائِلُ فِيهِ كَيْفَ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ وَكُلٌّ مِنْ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ عَلَى مَا ذَكَرَ يَكُونُ الْمَالُ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَوْلَى. وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ لِلْعَبْدِ، وَهَذَا يَتِمُّ إنْ أُرِيدَ بِالْمُبْدَلِ الْعِتْقُ، أَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِعْتَاقُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ فَلَا، وَلَوْ حَوَّلَ تَقْرِيرَ الْإِشْكَالِ إلَى أَنَّ الْمَالَ مِلْكُ السَّيِّدِ فَكَيْفَ يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ أُنْزِلَ مُكَاتَبًا كَمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا كَانَ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَقَعْ هَذَا الْجَوَابُ دَافِعًا، بِخِلَافِ ذَلِكَ الْجَوَابِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ كَيْفَمَا قَرَّرَ. فَأَمَّا مَا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَالْوَاجِبُ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ وَإِلَّا لَتَضَرَّرَ السَّيِّدُ إذْ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ مِنْ سَيِّدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَدَاءُ مَالٍ وَتَسْرِي الْحُرِّيَّةُ إلَى الْمَوْلُودِ لِلْأَمَةِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِالْأَدَاءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَبْدًا؛ لِأَنَّ رِقَّ الْوَلَدِ وَحُرِّيَّتَهُ تَابِعَةٌ لِأُمِّهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ جِهَتَا التَّعْلِيقِ وَالْمُعَاوَضَةِ فَوَجَبَ تَوْفِيرُ مُقْتَضَى كُلٍّ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يَدُورُ الْفِقْهُ، أَيْ عَلَى تَرْتِيبِ مُقْتَضَى كُلِّ شَبَهٍ عَلَيْهِ وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ الْمُخْتَلِفَةُ الَّتِي بَعْضُهَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ تَعْلِيقًا وَبَعْضُهَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ مُعَاوَضَةً، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَأَخَّرَ اعْتِبَارُ الْمُعَاوَضَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ كَانَتْ أَحْكَامُ الشَّرْطِ أَكْثَرَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ أَحْكَامِهَا إلَّا مَا هُوَ بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَ السَّيِّدُ بَعْضَ الْمُؤَدَّى زُيُوفًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقَدْرِهِ جِيَادًا وَمَا كَانَ مِنْ

فَعَلَى هَذَا يَدُورُ الْفِقْهُ وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ نَظِيرُهُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا حَطَّ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ. ثُمَّ لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ لِاسْتِحْقَاقِهَا، وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرُورِيَّاتِ الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ تَقْدِيمُ مِلْكِ الْعَبْدِ لِمَا أَدَّاهُ وَإِنْزَالُهُ قَابِضًا إذَا أَتَاهُ بِهِ، وَفِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ جِهَةُ التَّعْلِيقِ فَكَثُرَتْ آثَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُعَاوَضَةِ فَلِهَذَا خَالَفَ الْمُعَاوَضَةَ الَّتِي هِيَ الْكِتَابَةُ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ. الْأُولَى: مَا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَتَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدِّي مِنْهُ عَنْهُ وَيَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ كَانَ لِوِرْثِهِ الْمَوْلَى وَيُبَاعُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى حُطَّ عَنِّي مِائَةً فَحَطَّ الْمَوْلَى عَنْهُ مِائَةً وَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. وَالْخَامِسَةُ: لَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ عَنْ الْأَلْفِ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ كَذَا ذَكَرُوهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَوْقِعَ لَهَا إذْ الْفَرْقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِبْرَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَكُونُ وَالْإِبْرَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ عَيْبٍ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِ مَا يَأْتِي بِهِ خِلَافٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، نَعَمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، وَلَكِنْ لَوْ قَبَضَهُ عَتَقَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَهُ، وَيُعَدُّ قَابِضًا. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ وُجُوبَ الْقَبُولِ وَإِنْزَالَهُ قَابِضًا كَانَ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ بِالْبَيْعِ فَلَا يَجِبُ الْقَبُولُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ قَبَلَهُ عَتَقَ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ؛ لِمَا عُرِفَ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عِنْدِي أَوْجُهٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الَّتِي تُطِلُّ بِالْبَيْعِ الَّتِي هِيَ الْقَائِمَةُ عِنْدَهُ. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ إنْزَالَهُ مُكَاتَبًا إنَّمَا هُوَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَهُوَ مَا عِنْدَ أَدَائِهِ فَلَا يَنْزِلُ مُكَاتَبًا قَبْلَهُ بَلْ الثَّابِتُ قَبْلَهُ لَيْسَ إلَّا أَحْكَامُ التَّعْلِيقِ وَالْبَيْعُ كَانَ قَبْلَهُ وَلَا كِتَابَةَ حِينَئِذٍ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا فَتَبْطُلُ، وَقَدْ فُرِضَ بَقَاءُ هَذِهِ الْيَمِينِ وَاعْتِبَارُ صِحَّتِهَا بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَجِبُ ثُبُوتُ أَحْكَامِهَا، وَمِنْهَا وُجُوبُ الْقَبُولِ إذَا أَتَى بِالْمَالِ. السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَلَوْ اُخْتُلِفَ بِأَنْ أَعْرَضَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَذْكُورُ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَفْظَةَ إنْ، فَإِنْ كَانَ لَفْظَةُ مَتَى أَوْ إذَا فَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. التَّاسِعَةُ: أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَظْفَرُ بِهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا يُؤَدِّيهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. الْعَاشِرَةُ: أَنَّهُ إذَا أَدَّى وَعَتَقَ وَفَضَلَ عِنْدَهُ مَالٌ مِمَّا اكْتَسَبَهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ فَيَأْخُذُهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. الْحَادِيَةَ عَشَرَ لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ مَالًا قَبْلَ تَعْلِيقِ السَّيِّدِ فَأَدَّاهُ بَعْدَهُ إلَيْهِ عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ بِهِ أَحَقَّ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِذَا أَدَّى مِنْهُ عَتَقَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَوْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ أَدَاءُ الْكُلِّ

ثُمَّ الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ، وَفِي قَوْلِهِ إذَا أَدَّيْت لَا يَقْتَصِرُ؛ لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يُوجَدْ كَمَا لَوْ حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسَائِلِ؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ، فَكَمَا يَجِبُ قَبُولُ الْكُلِّ يَجِبُ قَبُولُ بَعْضِهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي وُرُودِ مَنْعِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَبُولِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ، وَلَيْسَ أَدَاءُ الْبَعْضِ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُحَقِّقٌ لِلْكُلِّ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَعْضُهُ فَلِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْإِيضَاحِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ قَبُولِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَّهُ الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ هُوَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْقَبُولِ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْأَوْجُهُ وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ وُجُوبَ قَبُولِهِ الْبَعْضَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْكُلِّ دَفْعَةً، وَمَا تَحَمَّلَ مَشَقَّةَ الِاكْتِسَابِ إلَّا لِذَلِكَ الْغَرَضِ، فَلَوْ وَقَفْنَاهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْكُلِّ ذَهَبَ تَحَمُّلُهُ كَدَّ سَعْيِهِ خَالِيًا عَنْ غَرَضِهِ. وَمِمَّا تَقَدَّمَ يُعْلَمُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ خَطَفَهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِهِ جَازَ وَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ مِنْ أَدَاءِ الْمَشْرُوطِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ يَعْتِقُ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ) بِمِثْلِهَا، أَمَّا الْعِتْقُ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ أَدَاءُ الْأَلْفِ حَتَّى يَعْتِقَ لَوْ كَانَتْ أَلْفًا مَغْصُوبَةً، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْمَغْصُوبَةِ، وَأَمَّا رُجُوعُ الْمَوْلَى بِمِثْلِهَا فَلِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِاسْتِحْقَاقِهَا إضَافَةً لِلْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلرُّجُوعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُ مَا اكْتَسَبَهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَيَصِيرُ عِنْدَهُ كَالْمُكَاتَبِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِيمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ، وَهَذَا يُوجِبُهُ النَّظَرُ فِي الْغَرَضِ، وَهُوَ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَدَاءِ أَلْفٍ يَحْدُثُ حُصُولُهَا لَهُ فَيَمْلِكُ مَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ، وَتِلْكَ الْأَلْفُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) فَلَوْ اخْتَلَفَ

بِمَنْزِلَةِ مَتَى. (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجْلِسُ بِأَنْ قَامَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْرَضَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ ثُمَّ أَدَّى لَا يَعْتِقُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ مَحْضٌ، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ إنْ لِلشَّرْطِ فَقَطْ، بِخِلَافِ إذَا وَمَتَى لِدَلَالَتِهِمَا عَلَيْهِ لَا يَتَوَقَّفُ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى عَتَقَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ بِمَنْزِلَةِ إذَا وَمَتَى. وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ إنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الْوَقْتِ صَارَ الْمُعَلَّقُ بِهِ الْأَدَاءَ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ كَالْأَمْرِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ يَتَخَيَّرُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْوَقْتِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ مُقْتَضًى لِلْفِعْلِ وَوَقْتُ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ حَاضِرٌ مُتَيَقَّنٌ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ ضَرُورَةَ الْفِعْلِ أَنَّ تَحْقِيقَ الْفِعْلِ بِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ فَلَا يَثْبُتُ مَدْلُولًا أَصْلًا فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْفِعْلِ وَقْتَ وُجُودِهِ أَيْ وَقْتَ وُجِدَ. لَا يُقَالُ: بِالْأَدَاءِ يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِقْدَارُ الْحِنْثِ كَمَا يُسْتَثْنَى مِقْدَارُ الْبِرِّ فِي حَلِفِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ حَتَّى لَمْ يَحْنَثْ بِقَدْرِ شُغْلِهِ بِنَزْعِهِ فَلَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ بِالْأَدَاءِ. [فَرْعٌ] . قَالَ إنْ أَدَّيْتُمَا إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَنْ يَعْتِقَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ أَدَاؤُهُمَا جَمِيعَ الْمَالِ، وَجُمْلَةُ الشَّرْطِ تُقَابِلُ جُمْلَةَ الْمَشْرُوطِ مِنْ غَيْرِ انْقِسَامِ الْأَجْزَاءِ عَلَى الْأَجْزَاءِ، وَإِنَّمَا الِانْقِسَامُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَلِذَا لَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الْأَلْفِ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ، لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُمَا فَلَا يَتِمُّ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ قَالَ الْمُؤَدِّي خَمْسُمِائَةٍ مِنْ عِنْدِي وَخَمْسُمِائَةٍ بَعَثَ بِهَا صَاحِبِي لِأُؤَدِّيَهَا إلَيْك عِتْقًا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الرَّسُولِ كَأَدَاءِ الْمُرْسِلِ فَتَمَّ الشَّرْطُ وَهُوَ أَدَاؤُهُمَا، وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ لَا يَعْتِقَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَدَاءَهُمَا وَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَدَّى لِيَعْتِقَا وَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ، فَإِنْ قَالَ أُؤَدِّيهَا إلَيْك عَلَى أَنَّهُمَا حُرَّانِ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْتِقَهُمَا فَقَبِلَ عَلَى ذَلِكَ عِتْقًا وَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي بِالْمَالِ عَلَى السَّيِّدِ. أَمَّا الْمُعْتَقُ فَلِأَنَّ قَبُولَ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ مِنْهُ لَهُمَا، وَأَمَّا حَقُّ الرُّجُوعِ فَلِأَنَّ عِوَضَ الْعِتْقِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ قَالَ هُمَا أَمَرَانِي أَنْ أُؤَدِّيَهَا إلَيْك فَقَبِلَهَا عَتَقَا؛ لِأَنَّهُ رَسُولٌ عَنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا بِأَلْفٍ) فَإِنَّ الْقَبُولَ مَحَلُّهُ الْغَدُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْإِيجَابِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ الْقَبُولُ إنَّمَا

الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِقِيَامِ الرِّقِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْتَبَرُ فِي مَجْلِسِهِ وَمَجْلِسُهُ وَقْتُ وُجُودِهِ وَالْإِضَافَةُ تُؤَخِّرُ وُجُودَهُ إلَى وُجُودِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ هُنَا مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ أَمْكَنَتْ إضَافَةٌ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ فِيهِ أَيْضًا كَوْنُ قَبُولِ الْبَيْعِ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمُضَافِ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْقَبُولِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لِلتَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِي الْمُدَبَّرِ. وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا صَحِيحًا، وَإِذَا عَتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبُولِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْقَبُولِ إلَّا لِيَظْهَرَ اخْتِيَارُ التَّدْبِيرِ مِنْ الْعَبْدِ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ اخْتَرْت التَّدْبِيرَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ وَصَارَ كَمَا إذَا عَلَّقَ تَدْبِيرَهُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ. وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ هُوَ مَعْنَى أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْقَبُولَ فِي الْحَالِ: أُجِيبَ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ تَصَرُّفٌ بِيَمِينٍ مِنْ السَّيِّدِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ، وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ إضَافَةٌ لَفْظًا لِيَكُونَ يَمِينًا فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا افْتَرَقَ وَقْتُ الْقَبُولِ فَاعْتُبِرَ فِي الْحَالِ فِي أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ الْأَلْفَ فِي التَّدْبِيرِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ مُتَحَقِّقٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَاعْتُبِرَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَهَا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ وَحَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا الْإِعْتَاقُ الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ هُوَ الثَّابِتُ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِلَا فَرْقٍ، بَلْ الْمَعْنَى وَاحِدٌ دَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ كَلَفْظِ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ مِنْ نَحْوِ إنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ نَاطِقٍ، ثُمَّ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَرْعًا عَنْ صِحَّةِ تِلْكَ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ التَّدْبِيرُ، لَا أَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ هُوَ مَعْنَى التَّدْبِيرِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَرْقُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَوَادِرِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ: إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ لَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ السَّاعَةَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَقَالَ قَبِلْت أَدَاءَ الْأَلْفِ عَتَقَ، فَعَلَى هَذَا اسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَبِلَ كَانَ مُدَبَّرًا وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ إذَا مَاتَ السَّيِّدُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ، إذَا قَالَ إنْ مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ الْقَبُولُ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا الْوَفَاةِ، فَإِذَا قَبِلَ صَحَّ التَّدْبِيرُ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَقْتَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَقْتَ وُقُوعِ الْعَتَاقِ، فَسَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ حَالَةَ الْحَيَاةِ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِيهِمَا فِي لُزُومِ الْمَالِ. وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِيَعْتِقَ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا سَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ ذَكَرْنَا عَنْهُ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَمَا قِيلَ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ مَوْتِي فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْوَفَاةِ لَا يَصِحُّ، إذْ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَنَّ الْقَبُولَ فِي حَالَةِ

قَالُوا: لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ قَبِلَ بَعْدِ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ، وَهَذَا صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيَاةِ رِوَايَةٌ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ أَنَّ الْقَبُولَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْإِيجَابَ مُعَلَّقٌ صَرِيحًا بِالْمَوْتِ وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْحَالِ وَهُنَا هُوَ بِالْمَوْتِ مُضَافٌ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَعْدَلَ هُوَ لُزُومُ الْمَالِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِخُصُوصِ هَذَا الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا حُصُولُ الْمَالِ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ، وَإِلَّا لَقَالَ إنْ اخْتَرْت التَّدْبِيرَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِهِ إلَّا بِبَدَلٍ، وَتَعْلِيقُهُ بِقَبُولِ الْمَالِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَلَا مَانِعَ شَرْعِيَّ مِنْهُ إذْ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ عَلَى عَبْدِهِ الْمَالَ إذَا كَانَ بِسَبَبِ الْعِتْقِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حُرًّا. فَالْحَاصِلُ تَأَخُّرُ وُجُوبِ الْمَالِ إلَى زَمَنِ حُرِّيَّتِهِ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ مِنْ ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَأَمَّا وُقُوعُ الْعِتْقِ عِنْدَ الْقَبُولِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمَشَايِخِ: لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَرَثَةُ، وَزَادَ غَيْرُهُ: أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي إنْ امْتَنَعُوا، وَإِلَّا أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ عِتْقَهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا تَنْجِيزًا، فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَخَلَ لَا يَعْتِقُ، وَإِذَا أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ لَهُ، وَلِذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ لَا يَعْتِقُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ، قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ إلَّا عِنْدَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ، وَلِذَا لَوْ جُنَّ بَعْدَ التَّعْلِيقِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ وَالْعَتَاقُ، وَلِذَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ التَّدْبِيرُ إلَّا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ. وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ الْمَسَائِلِ بِأَنَّ هُنَاكَ الْمَوْجُودَ بُطْلَانُ أَهْلِيَّةِ الْمُعَلَّقِ فَقَطْ وَهُنَا الثَّابِتُ هَذَا وَزِيَادَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِ الْمُعَلِّقِ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ إلَّا وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ دَافِعًا لِلسُّؤَالِ، وَهُوَ أَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ فَوَاتِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَلِّقِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ خُرُوجِ الْمَحَلِّ عَنْ مَحَلِّيَّتِهِ عِتْقُهُ إنْ أَرَادَ الْمُجِيبُ أَنَّهُ جُزْءُ الْمَانِعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ انْتِفَاءَ أَهْلِيَّةِ الْمُعَلِّقِ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ عِنْدَ الشَّرْطِ، فَصَارَ الْحَاصِلُ مِنْ الْإِيرَادِ أَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ. فَأَجَابَ الْمُجِيبُ بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى أَوْ مَانِعٍ وَقَالَ: هَذَا جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ، وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَيْثُ عَلَّلَ بِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ عَدَمَ أَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ بِسَبَبِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَبْنَى السُّؤَالِ عَلَى فَهْمِ أَنَّهُ الْمَوْتُ. وَيُمْكِنُ كَوْنُ مُرَادِهِ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِإِعْتَاقِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَزِمَ خُرُوجُهُ إلَى مِلْكِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ كَالْمُدَبَّرِ بَلْ بَعْدَ الْقَبُولِ الْكَائِنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِذَا تَأَخَّرَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَوْتِ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِعِتْقِ الْوَرَثَةِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ

قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَعْتِقُ إلَّا بِعِتْقِهِمْ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ شَارِحٌ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ حُكْمًا لِكَلَامٍ صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْكَلَامَ صَدَرَ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ ثُمَّ اُسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُعْتَبَرٌ وَهُوَ فَرْعُ كَوْنِ الْإِيجَابِ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ لَمْ يَعْتِقْ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا بِإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ يَبْقَ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ؛ لِقَوْلِهِ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَعْدَ كَوْنِ الْكَلَامِ حِينَ صُدُورِهِ مُعْتَبَرًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْعِتْقِ، ثُمَّ نَفْيُ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ بِالْقَبُولِ يَثْبُتُ لُزُومُ الْعِتْقِ عَلَى الْوَارِثِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي، وَلَمْ يَكُنْ لَوْلَا الْقَبُولُ ذَلِكَ بَلْ يُبَاعُ وَيُورَثُ فَكَيْفَ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ لَهُ. نَعَمْ يُقَالُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَمَا السَّبَبُ إلَى نَقْلِهِ إلَى مِلْكِهِمْ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا سَائِبَةَ. فَلَوْ بَقِيَ فِي سَاعِهِ الْقَبُولِ بِلَا مِلْكِهِمْ لَزِمَ السَّائِبَةَ فَلِمَ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ وَيُجْعَلُ مِثْلَ مَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَهُوَ نَفَاذُ إيجَابِهِ وَصِحَّتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ قَبُولُهُ مُعْتَبَرًا فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يُعْتَبَرُ بَعْدَهُ بَلْ يَتَقَيَّدُ بِهِ. وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَوَادِرِ بِشْرٍ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَقَالَ قَبِلْت أَدَاءَ الْأَلْفِ عَتَقَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ تَأَخُّرِ عِتْقِهِ إلَى عِتْقِ الْوَارِثِ، كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ذَلِكَ الشَّارِحُ أَيْضًا مَعَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمَيِّتِ لَا يُتَصَوَّرُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْخِلَافِ، ثُمَّ نَقُولُ الْعِتْقُ مَا وَقَعَ إلَّا مِنْ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ الْمُعَلَّقِ أَوْ الْمُضَافِ الصَّادِرِ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ نُزُولُ أَثَرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ إشْكَالٌ هُوَ لُزُومُ أَنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ شَهْرًا فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ اعْتِبَارًا لِحَاجَتِهِ إلَى نَفَاذِ إيجَابِهِ وَاعْتِبَارِهِ، وَطُولُ الْمُدَّةِ وَقِصَرُهَا لَا أَثَرَ لَهُ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ حَاجَتُهُ إلَى مَا ذَكَرَ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِيهِمَا، وَسَيَأْتِي لِبَعْضِهِمْ فَرْقٌ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ مَثَلًا) أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ سَاعَتِهِ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (قِيمَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَةِ أَرْبَعِ سِنِينَ) أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِدْمَةَ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ إذْ هِيَ خِدْمَةُ الْبَيْتِ الْمُعْتَادَةُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِوَضًا فَتَعَلَّقَ بِقَبُولِهَا

أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِدْمَةَ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِوَضًا فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِالْقَبُولِ، وَقَدْ وُجِدَ وَلَزِمَهُ خِدْمَةُ أَرْبَعِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَالْخِلَافِيَّةُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مَنْ بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ أَوْ هَلَكَتْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ عِنْدَهُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ بِالْهَلَاكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى الْخِدْمَةِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ عِوَضًا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ أَخَذَتْ حُكْمَ الْمَالِ بِالْعَقْدِ، وَلِذَا صَحَّتْ مَهْرًا مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِابْتِغَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَالِ، ثُمَّ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الْمَوْلَى قَبْلَ حُصُولِ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ تَحَقَّقَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَكَذَا لَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ فَاحِشٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ فَكَانَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ ظَاهِرٌ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِنَاءَ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ، بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَائِيٌّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ فِي مَوْتِ الْمَوْلَى بِعَيْنِ الْخِدْمَةِ. قِيلَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الِاسْتِخْدَامِ، وَقِيلَ بَلْ الْخِدْمَةُ هِيَ الْمُعْتَادَةُ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ، لَكِنْ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَنْفَعَةٌ وَهِيَ لَا تُورَثُ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ أَوْ الْخِدْمَةَ جُعِلَتْ بَدَلَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْعِتْقُ وَقَدْ حَصَلَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ، وَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ إذْ الْعِتْقُ لَا يُفْسَخُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَى جَارِيَةٍ أَوْ خَالَعَ عَلَيْهَا أَوْ صَالَحَ عَنْ دَمِ

وَكَذَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَصَارَ نَظِيرَهَا. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَعْتِقْ أَمَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا فَفَعَلَ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَلَى الْمَأْمُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ حَيْثُ يَجِبُ الْأَلْفُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ جَائِزٌ وَفِي الْعَتَاقِ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمْدٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ هَلَكَتْ حَيْثُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبَدَلِ اتِّفَاقًا. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا بَدَلُ مَا هُوَ مَالٌ وَهُوَ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيِّدِ حَيْثُ أَخَذَ مَالًا فِي مُقَابَلَةِ إخْرَاجِهِ مَالًا عَنْ مِلْكِهِ. نَعَمْ هُنَا مُلَاحَظَةٌ أُخْرَى وَهِيَ اعْتِبَارُ مَا أَخَذَ فِي مُقَابَلَةِ مَا بِهِ خَرَجَ الْمَالُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ تَلَفُّظُهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ لَا يَنْفِي الْأَمْرَ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ خُرُوجُ مَالٍ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ الْعِوَضِ، فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ إنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ مَا قِيسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدُوا بِإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ وَإِبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ ثُمَّ رَجَعُوا لَا يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ وَقِيمَةَ الْبُضْعِ. وَلَوْ شَهِدُوا بِالْإِعْتَاقِ وَرَجَعُوا ضَمِنُوا، وَلَوْ خَدَمَهُ سَنَةً مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ رَقَبَتِهِ وَعَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ قِسْ. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ فَعِنْدَهُمَا عَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَةُ الْخَمْرِ، هَذَا فِي الْمُعَاوَضَةِ. أَمَّا لَوْ كَانَ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي أَرْبَعَ سِنِينَ أَوْ سَنَةً مَثَلًا فَخَدَمَ بَعْضَهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَعْتِقُ؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَيُبَاعُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْمَوْلَى، وَكَذَا لَوْ أَعْطَاهُ مَالًا عِوَضًا عَنْ خِدْمَتِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى مِنْهَا أَوْ بَعْضَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي وَأَوْلَادِي فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمُدَّةِ يَتَعَذَّرُ الْعِتْقُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْ أَمَتَكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ لَفْظِ عَلَيَّ قَبْلَ عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا وَلَيْسَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَهِيَ أَدُلُّ مِنْهُ عَلَى إيجَابِ الْمَالِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعَ تَرْكِهَا أَيْضًا، فَإِذَا عَتَقَ فَإِمَّا أَنْ تُزَوِّجَهُ أَوْ لَا وَلَا يَلْزَمُهَا تَزَوُّجُهُ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ، فَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ شَيْءٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِ أَمَرَهُ الْمُخَاطَبُ بِإِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ وَتَزْوِيجِهَا مِنْهُ عَلَى عِوَضِ أَلْفٍ مَشْرُوطَةٍ عَلَيْهَا عَنْهَا وَعَنْ مَهْرِهَا، فَلَمَّا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ بَطَلَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ مِنْهَا، وَأَمَّا حِصَّةُ الْعِتْقِ فَبَاطِلَةٌ إذْ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِيهِ كَالْمَرْأَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِلْكٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُهُ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ فِيهِ قُوَّةً حُكْمِيَّةً وَهِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَالْقَضَاءِ، وَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ إلَّا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُعَوَّضُ، وَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ قَسَمَتْ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا، فَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ مِنْهُ، وَمَا أَصَابَ مَهْرَهَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَةً وَمَهْرُهَا مِائَةً أَوْ كَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا وَقِيمَتُهَا أَلْفًا سَقَطَ عَنْهُ خَمْسُمِائَةٍ وَوَجَبَ خَمْسُمِائَةٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَفَاوَتَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْنِ أَوْ أَلْفَيْنِ وَمَهْرُهَا مِائَةً أَوْ أَلْفًا سَقَطَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَوَجَبَ لَهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ: يَعْنِي مَا ذَكَرَ فِي خُلْعِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ

وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قُسِّمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا، فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ، وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ بَطَلَ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءُ اقْتِضَاءً عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَبِالْبُضْعِ نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا، وَوَجَبَتْ حِصَّةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَبَطَلَ عَنْهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ وَهُوَ الْبُضْعُ، فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَمَا أَصَابَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرًا لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ) عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَفَعَلَ: أَيْ أَعْتَقَ قُسِمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا، وَمَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا أَدَّاهُ لِلْمَأْمُورِ وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ سَقَطَ عَنْهُ: يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ، وَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِلْمَأْمُورِ حِصَّةُ قِيمَتِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءُ اقْتِضَاءً عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، لَكِنَّهُ ضَمَّ إلَى رَقَبَتِهَا تَزْوِيجَهَا وَقَابَلَ الْمَجْمُوعَ بِعِوَضِ أَلْفٍ فَانْقَسَمَتْ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَّةِ، وَكَانَ هَذَا

[باب التدبير]

بَابُ التَّدْبِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ فِي الْبَيْعِ بِأَلْفٍ حَيْثُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَتِهِمَا، فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَجَبَ ثَمَنًا بِنَاءً عَلَى دُخُولِ الْمُدَبَّرِ فِي الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مَالًا ثُمَّ خُرُوجُهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ نَفْسَهُ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا لَكِنْ أَخَذَتْ حُكْمَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ حَالَ الدُّخُولِ وَإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَسَادُ هَذَا الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ جَمْعِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ إلَى مَا هُوَ مَالٌ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالُ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ، وَإِذَا فَسَدَ وَجَبَ، إمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْهَا، وَالْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلَا عِتْقَ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ، وَإِمَّا وُجُوبُ كُلِّ الْقِيمَةِ لِلْمَأْمُورِ إنْ اُعْتُبِرَ قَبْضُهَا نَفْسُهَا بِالْعِتْقِ قَبْضًا لِلْمَوْلَى، وَإِنْ ضَعُفَ فَيَكْتَفِي بِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ حَيْثُ وَجَبَتْ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَجَبَتْ كُلَّهَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ مُنْدَرِجًا فِي الْبَيْعِ ضِمْنًا لَهُ فَلَا يُرَاعَى مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْتَقِلًّا وَلَا يَفْسُدُ بِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ فِي كُلِّ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَذْكُرْهُ: يَعْنِي مُحَمَّدًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ عَنِّي، وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ مَا ذَكَرَ فِيهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي مَا ذَكَرَ فِيهِ عَنِّي وَمَا لَمْ يَذْكُرْ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. [بَابُ التَّدْبِيرِ] (بَابُ التَّدْبِيرِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْعِتْقِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعِتْقِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَوَجْهُ التَّرْتِيبِ ظَاهِرٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ مُرَكَّبٌ، وَهُوَ بَعْدَ الْمُفْرَدِ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ بَابِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ كُلِّهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا تَقْيِيدٌ لِلْعِتْقِ بِشَرْطٍ غَيْرِ الْمَوْتِ، كَمَا أَنَّ التَّدْبِيرَ تَقْيِيدُهُ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهَا إلَى هَاهُنَا، ثُمَّ التَّدْبِيرُ لُغَةً النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ. وَشَرْعًا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْمَمْلُوكِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَشَرْطُهُ الْمِلْكُ فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمُكَاتَبِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَالِكٌ يَدًا، وَلَا مَعْنًى فِي التَّحْقِيقِ لِقَوْلِهِمْ مَالِكٌ يَدًا، بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ مِلْكُهُ مُتَزَلْزِلٌ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مَالِكٌ شَرْعًا لَكِنَّهُ بِعَرْضٍ أَنْ يَزُولَ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ بَعْضَ آثَارِ الْمِلْكِ مُنْتَفٍ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ كَمِلْكِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَأَمَّا السَّكْرَانُ وَالْمُكْرَهُ فَتَدْبِيرُهَا جَائِزٌ عِنْدَنَا كَإِعْتَاقِهِمَا، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا أُعْتِقْتُ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَهُ قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ، وَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مَا بَعْدَ حَقِيقَةِ

(إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ إذْ مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتك فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكِ لَهُ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ كَالْمُنْجِزِ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَلَكَ لَا يُعْتَقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُعْتَقُ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ هُوَ فِي تَدْبِيرِ الْمَالِكِ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا. فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ دَبِّرْ عَبْدِي إنْ شِئْت فَدَبَّرَهُ جَازَ، وَهَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ لِتَصْرِيحِهِ بِالْمَشِيئَةِ وَنَظِيرُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَإِذْ قَدْ أَنْجَزَ الْكَلَامَ إلَى الْوَكَالَةِ فَهَذَا فَرْعٌ مِنْهُ. قَالَ لِرَجُلَيْنِ دَبِّرَا عَبْدِي فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ، وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهُ فِي التَّدْبِيرِ إلَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ جَعَلْت أَمْرَهُ إلَيْكُمَا فِي تَدْبِيرِهِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمَا هَذَا التَّصَرُّفَ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا مُعَبِّرَيْنِ عَنْهُ، وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَعِبَارَةُ الْمُثَنَّى سَوَاءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ يَنْهَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يُدَبِّرَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي جَعْلِ الْأَمْرِ إلَيْهِمَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ وَقَدْ دَبَرْتُك صَارَ مُدَبَّرًا) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ، فَإِنَّهُ أَيْ التَّدْبِيرَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ. وَهَذِهِ تُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ فَأَفَادَ أَنَّ كُلَّمَا أَفَادَ إثْبَاتَهُ عَنْ دُبُرٍ كَذَلِكَ فَهُوَ صَرِيحٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: مَا يَكُونُ بِلَفْظِ إضَافَةٍ كَبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا وَمِنْهُ إنْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ عِتْقٌ أَوْ مُعْتَقٌ بَعْدَ مَوْتِي. وَالثَّانِي مَا يَكُونُ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ كَإِنْ مِتَّ أَوْ إذَا مِتَّ أَوْ مَتَى مِتَّ أَوْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ أَوْ حَادِثٌ فَأَنْتَ حُرٌّ وَتُعُورِفَ الْحَدَثُ وَالْحَادِثُ فِي الْمَوْتِ، وَكَذَا أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعَ وَفِي تُسْتَعَارُ فِي مَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي يَصِيرُ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ اسْمٌ لِمَنْ يَعْتِقُ عَنْ دُبُرِ مَوْتِهِ فَكَانَ هَذَا وَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي سَوَاءً، وَكَذَا أَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك بَعْدَ مَوْتِي. وَالثَّالِثُ: مَا يَكُونُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَأَوْصَيْتُ لَك بِرَقَبَتِك أَوْ بِنَفْسِك أَوْ بِعِتْقِك، وَكَذَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي فَتَدْخُلُ رَقَبَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ. وَفِي الْكَافِي: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ عَتِيقٌ يَوْمَ يَمُوتُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ مَا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ نَوَى النَّهَارَ فَقَطْ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ لَيْلًا. يَعْنِي فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَ كَالْمُدَبَّرِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ صَرَائِحُ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرْعِ، وَكَذَلِكَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ تُوُورِثَتْ بِلَا شُبْهَةٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ فُلَانٍ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ، وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوَّلًا يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِك فُلَانًا أَوْ بَعْدَ مَوْتِي فَإِذَا كَلَّمَ فُلَانًا صَارَ مُدَبَّرًا. وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت يَنْوِي فِيهِ، فَإِنْ نَوَى الْمَشِيئَةَ السَّاعَةَ فَشَاءَ الْعَبْدُ سَاعَتَهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ التَّدْبِيرِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَإِنْ نَوَى الْمَشِيئَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ

(ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ) كَمَا فِي الْكِتَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْلَى فَشَاءَ الْعَبْدُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ حُرٌّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّدْبِيرِ. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ هُنَا إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْوَصِيِّ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتِقْ بِنَفْسِ الْمَوْتِ صَارَ مِيرَاثًا فَلَا يَعْتِقُ بَعْدَهُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمْ وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً يَحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمْ بَعْدَ الشَّهْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ وَكَذَا بِيَوْمٍ. وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ: إذَا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُعْتِقَهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا تَنْجِيزًا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ دُونَ الْكَفَّارَةِ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فِي التَّعْلِيقِ فَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ بِمُضِيِّ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَوْ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ وَهُوَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَعَسَّرُ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ، بَلْ إنْ شَاءَ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيُنْجِزَ عِتْقَهُ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشِيئَةِ مِنْ الْعَبْدِ فِي مَجْلِسِ مَوْتِهِ أَوْ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ كَمَا يَتَقَيَّدُ بِهَذَا مَشِيئَتُهُ فِي حَيَاتِهِ بِمَجْلِسِ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ إذَا كَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَتَوَقَّفُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ. وَفِي الْأَصْلِ: لَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ بَلْ بِمُضِيِّ يَوْمٍ بَعْدَهُ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي سَمَّى حَتَّى يُعْتِقَهُ الْوَرَثَةُ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْأُولَى فَقَالَ: إذَا أَخَّرَ الْعِتْقَ عَنْ مَوْتِهِ بِزَمَانٍ مُمْتَدٍّ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْأَمْرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقُوهُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ فَإِنَّهَا تَتَّصِلُ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ فَيَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى، وَلَا تَدْعُو إلَى إعْتَاقِ الْوَارِثِ، وَهَذَا إنْ تَمَّ أَشْكَلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ، فَإِنَّ زَمَنَ الْقَبُولِ كَزَمَنِ الْمَشِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَصَّلَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى أَوْ بِعِلْمِهِ بِمَوْتِهِ. لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَفَاذِ إيجَابِهِ وَثُبُوتِ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ مَعْلُومٍ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ. وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ يَلْزَمُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِمْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاسْتِصْحَابُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ أَسْهَلُ مِنْ رَفْعِهِ، ثُمَّ إدْخَالُهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ ثُمَّ إخْرَاجُهُ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى لِحَاجَتِهِ. ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا يَقَعُ هُنَا يَقَعُ مَجَّانًا فَوَجَبَ عِتْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى. لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الْيَوْمِ بَعْدَهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَشْكُوكٍ، وَهِيَ مِنْ مَوَاضِعِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِمْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الَّذِي عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ بِلَا بَدَلٍ أَوْ بِكِتَابِهِ أَوْ عَتَقَ عَلَى مَالٍ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ يَجُوزُ، فَيَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ وَإِجَارَتُهُ وَأَخْذُ أُجْرَتِهِ وَتَزْوِيجُ الْمُدَبَّرَةِ وَوَطْؤُهَا وَأَخْذُ مَهْرِهَا وَأَرْشُ جِنَايَتِهَا، وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ ثَابِتٌ، وَبِهِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِيَّةِ الْمَرْهُونِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ، وَلَا مَالِيَّةَ لِلْمُدَبَّرِ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى فِي جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا مَا اسْتَهْلَكَهُ فَدَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يَسْعَى فِيهِ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنْ لَيْسَ لِلْمَوْلَى دَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَكَمَا فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا سَبَبَ غَيْرَهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَرْشِ، وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ مَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَمَالِيكِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بَعْدَ التَّدْبِيرِ. وَاسْتُشْكِلَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى مَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمَالِيكُ وَاشْتَرَى مَمَالِيكَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ فَكَانَ عِتْقُهُمْ مُعَلَّقًا بِمُطْلَقِ مَوْتِ السَّيِّدِ. ثُمَّ إنَّهُ لَوْ بَاعَ الَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ صَحَّ، وَلَمْ يَدْخُلُوا تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْدُومِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْإِيجَابِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَطَلَ ثُلُثُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَنَاوَلَتْهُمْ بِعَيْنِهِمْ فَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ حِصَّتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَوُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي كَانَ الْكُلُّ لِلِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهِمْ مَعْدُومِينَ عِنْدَ الْإِيجَابِ فَتَنَاوَلَتْ مَنْ يَكُونُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ) لِلْمَنْقُولِ وَالْمَعْنَى. أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إلَيْهِ» . وَفِي لَفْظٍ «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ وَكَانَ مُحْتَاجًا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ فَقَالَ: اقْضِ دَيْنَكَ وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ» وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ. وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَدِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ الْمُدَبَّرَ» وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ " أَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَطَاوَلَ مَرَضُهَا فَذَهَبَ بَنُو أَخِيهَا إلَى رَجُلٍ فَذَكَرُوا لَهُ مَرَضَهَا فَقَالَ: إنَّكُمْ تُخْبِرُونِي عَنْ امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ، قَالَ: فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهَا سَحَرَتْهَا وَكَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْهَا فَدَعَتْهَا ثُمَّ سَأَلَتْهَا مَاذَا أَرَدْت؟ قَالَتْ: أَرَدْت أَنْ تَمُوتِي حَتَّى أُعْتَقَ، قَالَتْ: فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ تُبَاعِي مِنْ أَشَدِّ الْعَرَبِ مَلَكَةً، فَبَاعَتْهَا وَأَمَرَتْ بِثَمَنِهَا فَجُعِلَ فِي مِثْلِهَا " وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ سَرَقَ فِي دَيْنِهِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] » ذَكَرَهُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ الْآنَ بَعْدَ النَّسْخِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ

ثُمَّ جَعَلَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى لِوُجُودِهِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَالُ بُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ قَائِمٌ قَبْلَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ مَانِعٌ وَالْمَنْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ، إذَا لَمْ يُوجِبْ التَّدْبِيرُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْهُ، ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ " وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَفْعَهُ وَصَحَّحَ وَقَفَهُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانَ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ " وَضَعَّفَ ابْنَ ظَبْيَانَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقَفَهُ صَحِيحٌ وَضَعَّفَ رَفْعَهُ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ لَا إشْكَالَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْوُقُوفِ فَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حِينَئِذٍ لَا يُعَارِضُهُ النَّصُّ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُعَارِضُهُ لَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ. فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ تَقْلِيدِهِ فَظَاهِرٌ، وَعَلَى عَدَمِ تَقْلِيدِهِ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السَّمَاعِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ

وَأَمْكَنَ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ الشَّرْطِ؛ لِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ فَافْتَرَقَا؛ وَلِأَنَّهُ وَصِيَّةُ خِلَافَةٍ فِي الْحَالِ كَالْوِرَاثَةِ وَإِبْطَالُ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْبَيْعِ وَمَا يُضَاهِيهِ ذَلِكَ. قَالَ: (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُؤَاجِرَهُ وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْعِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَهُ مُسْتَصْحَبٌ بِرِقِّهِ فَمَنْعُهُ مَعَ عَدَمِ زَوَالِ الرِّقِّ وَعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بِجُزْءِ الْمَوْلَى كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ فَبَطَلَ مَا قِيلَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَصْلُحُ لِمُعَارِضَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَأَيْضًا ثَبَتَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ عَطَاءَ وَطَاوُسًا يَقُولَانِ عَنْ جَابِرٍ فِي الَّذِي أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِتْقُهُ عَنْ دُبُرٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فَيَقْضِيَ دَيْنَهُ الْحَدِيثَ. فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: شَهِدْت الْحَدِيثَ عَنْ جَابِرٍ «إنَّمَا أَذِنَ فِي بَيْعِ خِدْمَتِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ الْكُوفِيِّ عَنْ

كَانَتْ أَمَةً وَطِئَهَا وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ ثَابِتٌ لَهُ وَبِهِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي جَعْفَرٍ. وَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَلَكِنَّ حَدِيثَهُ هَذَا مُرْسَلٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَزْرَمِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ انْتَهَى. فَلَوْ تَمَّ تَضْعِيفُ عَبْدِ الْغَفَّارِ لَمْ يَضُرَّ لَكِنَّ الْحَقَّ عَدَمُهُ وَإِنْ كَانَ مُتَشَيِّعًا، فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ الْبَاقِرُ الْإِمَامُ بْنُ عَلِيِّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بِأَنَّهُ شَهِدَ حَدِيثَ جَابِرٍ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي بَيْعِ مَنَافِعِهِ، وَلَا يُمْكِنُ لِثِقَةِ إمَامِ ذَلِكَ إلَّا لِعِلْمِهِ بِذَلِكَ مِنْ جَابِرٍ رَاوِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ الْعِزِّ: قَوْلُ مَنْ قَالَ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بَاعَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّ التَّدْبِيرَ عَقْدٌ لَازِمٌ سَعَى فِي تَأْوِيلِ مَا يُخَالِفُ اعْتِقَادَهُ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِ تَأْوِيلِهِ، وَالنَّصُّ مُطْلَقٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا لِمُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِإِطْلَاقِهِ، وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ ثُمَّ نُسِخَ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ بَاعَ مُدَبَّرًا لَيْسَ إلَّا حِكَايَةَ الرَّاوِي فِعْلًا جُزْئِيًّا لَا عُمُومَ لَهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ أَوْ دَبَّرَ أَعَمُّ مِنْ الْمُطْلَقِ، وَالْمُقَيَّدِ إذْ يَصْدُقُ عَلَى الَّذِي دَبَّرَ مُقَيَّدًا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ، وَأَنَّ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلُ تَابِعِيٍّ ثِقَةٍ، وَقَدْ أَقَمْنَا الدَّلَالَاتِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ بَلْ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُسْنَدِ بَعْدَ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ عَلِمْت قَطْعًا أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ بَلْ سَالِمَةٌ عَنْ الْمُعَارِضِ. وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إنْ لَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ يَعْضُدُهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِجَوَازِ كَوْنِ تَدْبِيرِهَا كَانَ مُقَيَّدًا، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ حَدِيثُ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَحَلَّ النِّزَاعِ أَلْبَتَّةَ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى السَّمَاعِ بِمَا ذَكَرْنَا فَظَهَرَ لَك تَحَامُلُهُ أَوْ غَلَطُهُ. وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي أَبْطَلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَنْعَ بَيْعِهِ، فَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ، وَبِهِ لَا يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ غَيْرِ الْمَوْتِ، وَكَذَا إنْ اعْتَبَرَ جِهَةَ كَوْنِهِ وَصِيَّةً، فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَبَيْعُ الْمُوصَى بِهِ جَائِزٌ، فَظَهَرَ أَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ شَبَهَيْ التَّعْلِيقِ وَالْوَصِيَّةِ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ. وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَرِيبٍ قَوْلَهُ وَعَلَى هَذَا: أَيْ إعْمَالِ الشَّبَهَيْنِ يَدُورُ الْفِقْهُ. وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا ثُبُوتَ إلَّا بِسَبَبٍ وَلَا سَبَبَ غَيْرَهُ: أَيْ غَيْرَ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ الْمُعَلَّقِ فِي إذَا مِتَّ أَوْ الْمُضَافُ فِي بَعْدِ مَوْتِي، فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَجَعْلُهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حَالُ وُجُودِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ إنَّمَا لَهُ ثُبُوتٌ حُكْمِيٌّ، فَإِضَافَةُ السَّبَبِيَّةِ إلَيْهِ حَالَ وُجُودِهِ أَوْلَى، فَهَذَا وَجْهُ أَوْلَوِيَّةِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ، وَوَجْهٌ آخَرُ يُوجِبُ عَدَمَ إمْكَانِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ إلَخْ: يَعْنِي لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَزَوَالِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ لَهُمَا وَالْمَوْتُ يُبْطِلُهَا، بِخِلَافِ الْجُنُونِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلٌ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ كَمَا إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ وَقَبِلَ وَلِيُّهُ وَزَوَالُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ ضَمَانُهُ مِنْ مَالِهِ فَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَلَوْ ارْتَدَّ أَبَوَاهُ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ امْرَأَتُهُ، فَلِذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِيَزُولَ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ التَّصَرُّفِ لَا لِمُجَرَّدِ زَوَالِ الْمِلْكِ وَالْمَجْنُونُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ سَالِبٌ لِأَهْلِيَّةِ الْأَمْرَيْنِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ حَالَ حَيَاتِهِ سَبَبًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَزِمَتْ سَبَبِيَّتُهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا انْتَفَتْ لَكِنَّهَا لَمْ تَنْتَفِ شَرْعًا، وَلِأَنَّ سَائِرَ التَّعْلِيقَاتِ فِيهَا مَانِعٌ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ سَبَبًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ وَالْيَمِينُ فِي مِثْلِهِ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ كَمَا قَدْ تُعْقَدُ لِلْحَمْلِ، فَالْمَنْعُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هُوَ

(فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَالْحُكْمُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَيَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ؛ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ. (وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) وَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْصِدُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَأَنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَهُمَا، وَوُقُوعُهَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ، فَلَزِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَهُوَ التَّدْبِيرُ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ يَمِينٌ فَلَا يُمْكِنُ سَبَبِيَّةُ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمْكَنَ فِي التَّدْبِيرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ فَلَزِمَتْ سَبَبِيَّتُهُ فِي الْحَالِ. وَإِذَا انْعَقَدَتْ سَبَبِيَّةُ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهُ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِحَقِيقَةٍ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ أَلْبَتَّةَ لَزِمَ أَنَّ الْمُرَادَ ثُبُوتُ الْمُعَلَّقِ فِيهِ لَا مَنْعُهُ فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا فَانْتَفَى مَانِعُ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ فَيَنْعَقِدُ فِيهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ لَا يَنْدَفِعُ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْعِ كَوْنِهِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ؛ لِجَوَازِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ الْغَدِ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْغَدِ وُجُودَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى وَنُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَغَيْرِهِمَا، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فِي الْأَغْلَبِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدَ النَّادِرَ بِهِ اعْتِرَافٌ بِالْإِيرَادِ، عَلَى أَنَّ كَوْنَ التَّعْلِيقِ بِمِثْلِ مَجِيءِ الْغَدِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ نَادِرًا غَيْرُ صَحِيحٌ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَا هُوَ حَاصِلُ الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيقَ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ فِي الْحَالِ كَالْوِرَاثَةِ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى عِبَارَتِهِ إلَّا بِعِنَايَةٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ: أَيْ الْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ خِلَافَةٌ كَالْوِرَاثَةِ حَتَّى مُنِعَتْ مِنْ لُحُوقِ الرُّجُوعِ عَنْهَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَعْتِقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي، فَإِنَّ الْأَوَّلَ اسْتِخْلَافٌ مُوجِبٌ لِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ أَعْتِقُوهُ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا فَرْقٌ بِعَيْنِ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ إذَا كَانَتْ تَدْبِيرًا كَانَتْ خِلَافَةً تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمُوصَى بِهِ وَعَدَمَ جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهُ كَأَعْتِقُوا هَذَا الْعَبْدَ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَجَازَ بَيْعُهُ، وَهَذَا عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَبِالصِّيغَةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ تُبْدِيَ خُصُوصِيَّةً فِي تِلْكَ الْعِبَارَةِ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُنَا إلَّا كَوْنُ الْعَبْدِ خُوطِبَ بِهِ أَوْ كَوْنُ الْعِتْقِ عُلِّقَ صَرِيحًا بِالْمَوْتِ أَوْ أُضِيفَ، وَكَوْنُ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ اللُّزُومِ، وَعَدَمُ جَوَازِ الرُّجُوعِ مَمْنُوعٌ، فَأُلْحِقَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا هُوَ بِالسَّمْعِ الْمُتَقَدِّمِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مُعَارَضَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ لَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ بَيَانُ حِكْمَةِ الشَّرْعِ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِمَا رَوَيْنَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَنَفَاذُهَا مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَسْتَغْرِقُ رَقَبَةَ الْمُدَبَّرِ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ فَكَيْفَ بِالْوَصِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيُرَدُّ قِيمَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِ

ذَلِكَ نُقِلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ الْمُطْلَقُ، أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ تَدْبِيرًا مُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا: وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مُدَبَّرٌ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ لَا أَبَاهُ، فَإِنَّ زَوْجَةَ الْمُدَبَّرِ لَوْ كَانَتْ حُرَّةٌ كَانَ وَلَدُهَا حُرًّا، أَوْ أَمَةً فَوَلَدُهَا عَبْدٌ سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ حُرًّا عَبْدًا مُدَبَّرًا أَوْ لَا، ثُمَّ الْمُرَادُ الْوَلَدُ الَّذِي كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ أَوْ الْوَلَدُ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ، أَمَّا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ قَبْلَهُ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِهَا. أَمَّا الَّذِي كَانَ حَمْلًا فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَأَمَّا الَّذِي حَمَلَتْ، بِهِ بَعْدَهُ فَفِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَشُرَيْحٍ وَمَسْرُوقٍ وَالثَّوْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ: يَعْنِي الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ سَرَيَانَ التَّدْبِيرِ إلَى الْوَلَدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إشْكَالٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ طَرَفِ الشَّافِعِيِّ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وَلَدِهَا فَقَالَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَقَالَتْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقَّ الْعِتْقِ لِوَلَدِهَا، وَلَوْ ادَّعَتْهُ لِنَفْسِهَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَلِوَلَدِهَا كَذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهَا لِإِثْبَاتِهَا زِيَادَةَ حَقِّ الْعِتْقِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْمَوْلَى يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَهُوَ مَا ادَّعَتْ مِنْ وِلَادَتِهَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي التَّدْبِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا دَبَّرَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَعِتْقِهِ وَحْدَهُ، فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُدَبَّرًا وَإِلَّا لَا، وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَ أَحَدُهُمَا حَمْلَهَا وَوَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَتَضْمِينِ الْمُدَبِّرِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى السِّعَايَةِ، وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا بِأَنْ قَالَ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَقَالَ الْآخَرُ أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ كَلَامِ الْأَوَّلِ فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ دَبَّرَ الْأَوَّلُ فَتَدَبَّرَ نَصِيبُهُ بِتَدْبِيرِهِ وَتَدْبِيرُ نَصِيبِ الْآخَرِ بِتَدْبِيرِ أُمِّهِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْأَوَّلِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ تَدْبِيرِ الْأُمِّ فَالْوَلَدُ كُلُّهُ مُدَبَّرٌ لِلَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ التَّدْبِيرِ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَالْجُزْءِ، وَفِي هَذَا لَا يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ فَكَانَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَنِصْفُهَا مُدَبَّرٌ لِلَّذِي دَبَّرَهَا وَلِلْآخَرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فَتَعْتِقُ الْأُمُّ بِضَمَانٍ وَالْوَلَدُ الْمُدَبَّرُ بِلَا ضَمَانٍ؛ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حِينِ دُبِّرَ، وَعُلُوقُ الْوَلَدِ بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الشَّرِيكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهَا فِي مُدَّةٍ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ إلَّا تَضْمِينُ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ فَكَذَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَلِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُسْتَسْعَاةِ حِينَ ثَبَتَ لَهَا حَقٌّ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ تَكُونُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا، وَإِذَا دَبَّرَ مَا فِي بَطْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا وَلَا يُمْهِرَهَا. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْأَصْلِ: إذَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَتْ الْهِبَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا. وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّهُ إذَا دَبَّرَ مَا فِي الْبَطْنِ لَوْ وَهَبَ الْأُمَّ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ هِبَتُهَا؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا

(وَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِتَرَدُّدٍ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ) مَعْنَاهُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهِ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَطْنِ، فَلَوْ وَهَبَ الْأُمَّ فَالْمَوْهُوبُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَأَمَّا بَعْدَ عِتْقِهِ فَغَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يَتَّصِلْ الْمَوْهُوبُ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا ابْنُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَهَا. وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ بِيَوْمٍ فَهُمَا مُدَبَّرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ وَتَيَقَّنَّا بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا حَالَ التَّدْبِيرِ فِي الْبَطْنِ، وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ كَاتَبَهَا جَازَ، وَإِنْ وَضَعَتْ بَعْدَ هَذَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ التَّدْبِيرُ فِي الْوَلَدِ صَحِيحًا لَكِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْأُمِّ، فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَا جَمِيعًا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ عَتَقَ الْوَلَدُ بِالتَّدْبِيرِ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ الْمَوْلَى فَعَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فَالْوَلَدُ بِالْخِيَارِ فِي اخْتِيَارِهِ الْحُرِّيَّةَ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَيَخْتَارُ الْأَنْفَعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حَصَلَ. وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَدُك الَّذِي فِي بَطْنِك وَلَدُ مُدَبَّرَةٍ أَوْ وَلَدُ حُرَّةٍ وَلَا يُرِيدُ بِهِ عِتْقًا لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ وَلَيْسَ بِتَحْقِيقٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ مِثْلُ الْحُرَّةِ أَوْ الْمُدَبَّرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مَرَضِ كَذَا أَوْ قُتِلْت أَوْ غَرِقْت فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَمْ تَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ هَلْ تَقَعُ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ، وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ. ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُكْمُ التَّدْبِيرِ لَهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهِ فَإِذْ ذَاكَ يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَلْ لَا يُمْكِنُ، فَأَمَّا مَا قِيلَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا فَجَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ رَجَعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ قَدْ انْعَدَمَ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَمَضَى شَهْرٌ فَإِنَّهُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ يَعْتِقُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى مَعَ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِالشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا سَمَّى فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ بِالْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى غَدٍ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقًّا لِلْعَبْدِ لِلْحَالِ فَكَذَا هُنَا. وَلَوْ قَالَ إذَا مِتَّ أَوْ قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى قَوْلِ

وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ إلَى سَنَةٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQزُفَرَ هُوَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ حَتَّى يَعْتِقَ إذَا مَاتَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ، وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا فَالْمَوْتُ لَيْسَ بِقَتْلٍ، وَتَعْلِيقُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ. وَقَوْلُ زُفَرَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْمَعْنَى بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِ الْكَائِنِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُطْلَقُ الْمَوْتِ كَيْفَمَا كَانَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ إذَا مِتَّ وَغُسِّلْت فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَشَيْءٍ آخَرَ بَعْدَهُ، ثُمَّ إذَا مَاتَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ غُسِّلَ مَا لَمْ يُعْتِقُوهُ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِهِمْ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتَّ وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ عَقِيبَ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فَهُوَ نَظِيرُ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتٍ بِصِفَةٍ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ دُخُولِهِ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُقَيَّدِ) أَيْ وَمِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ (أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ) فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ الْعَشْرِ عَتَقَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ السَّنَةِ أَوْ الْعَشْرِ لَمْ يَعْتِقْ، وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ كَوْنُهُ لَوْ مَاتَ فِي رَأْسِ السَّنَةِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا لَوْلَاهَا تَنَاوَلَ الْكَلَامُ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ عِتْقِهِ فَيَصِيرُ حُرًّا بَعْدَ السَّنَةِ وَالْعَشْرِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ وَمِنْهُ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ أَوْ بِيَوْمٍ فَإِنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ حَتَّى مَلَكَ بَيْعَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ. قُلْنَا: لَمْ يُوجَدْ تَعَلُّقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ شَهْرٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قِيلَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ، وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى الشَّهْرِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ) فَيَكُونُ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ قَاضِي خَانَ: عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ التَّعْيِينِ، وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ ذِكْرُ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ غَالِبًا تَأْبِيدٌ مَعْنًى، وَهُوَ كَالْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ لَوْ سَمَّيَا مُدَّةٌ لَا يَعِيشَانِ إلَيْهَا غَالِبًا صَحَّ النِّكَاحُ عِنْدَ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ تَأْيِيدٌ مَعْنًى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَوْقِيتٌ فَلَا يَصِحُّ، وَالْمُصَنِّفُ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ. [فُرُوعٌ] . كَاتَبَ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ

[باب الاستيلاد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدَاءِ الْمَالِ بِالْعِتْقِ الْحَاصِلِ عَنْ التَّدْبِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَقَطَ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمَّا عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ، فَكَذَا إذَا سَبَقَ التَّدْبِيرُ الْكِتَابَةَ. وَلَا مَعْنًى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْمُسْتَحَقُّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى جَمِيعَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي حَيَاتِهِ يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ لَمَّا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ كَاسْتِحْقَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ جَمِيعَهَا بِالِاسْتِيلَادِ. وَلَوْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ صَحَّ وَوَجَبَ الْمَالُ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَمْنَعُ وُرُودَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ ثُبُوتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابِلَتِهِ. وَعُرِفَ أَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ فَيَكُونُ الْبَدَلُ بِمُقَابِلِهِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ كَانَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا بِإِزَاءِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ، فَأَمَّا قَبْلَ الْمَوْتِ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّدْبِيرِ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ هُنَاكَ بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِشَيْءٍ مِنْ رَقَبَتِهِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ، فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ. وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ بِرَقَبَتِهِ لَهُ وَهِيَ عَيْنٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ لَا تَنْفُذُ مِنْ مَالٍ آخَرَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ قُتِلَ لَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي قِيمَتِهِ وَلَا ثَمَنِهِ مِنْ مَالِ الْمُوصِي، وَفِي إسْقَاطِ بَعْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ذَلِكَ فَامْتَنَعَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ التَّدْبِيرِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ، إمَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ إنْ أَدَّى، أَوْ مَالُ رَقَبَتِهِ إنْ عَجَزَ فَيَكُونُ مُوصِيًا لَهُ بِمَا هُوَ حَقُّهُ فَلِهَذَا يُنَفَّذُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ سَعَى فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِجِهَةِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ وَقَدْ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ، وَالْمَالُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَقَلُّ الْمَالَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ ثُلُثَهَا سَقَطَ عَنْهُ وَلَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ كَمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ. وَلَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي أَقَلِّهِمَا عَيْنًا. وَلَوْ كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ فَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا فَيَبْقَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَا وَلَدَيْنِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى عَنْهُ شَيْئًا إنَّمَا أَدَّى عَنْ الْأُمِّ، فَإِنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ كَسْبَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَيَّةً كَانَتْ أَحَقَّ بِهِ فَكَانَ أَدَاءُ مَنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا أَدَاءٌ مِنْ مَالِ الْأُمِّ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ مُدَبَّرَيْنِ جَمِيعًا وَكُلٌّ كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَا وَتَرَكَ أَحَدُهُمَا وَلَدًا وُلِدَ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ مِنْ أَمَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ، وَإِنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ لِأَبِيهِ وَلِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ لِأَبِيهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَلِذَا كَانَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ. [بَابُ الِاسْتِيلَادِ]

بَابُ الِاسْتِيلَادِ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَقَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» أَخْبَرَ عَنْ إعْتَاقِهَا فَيَثْبُتُ بَعْضُ مَوَاجِبِهِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْبَيْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقْدِ وَتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ وَصَلَ بَيْنَهُمَا، وَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِتْقَ بِهِ بِإِيجَابِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ. وَالِاسْتِيلَادُ مَصْدَرُ اسْتَوْلَدَ: أَيْ طَلَبَ الْوَلَدَ، وَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خُصُوصٌ، وَهُوَ طَلَبُ وَلَدِ أَمَتِهِ: أَيْ اسْتِلْحَاقِهِ: أَيْ بَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ هَذَا الِاسْتِلْحَاقِ الثَّابِتَةِ فِي الْأُمِّ، وَأَصْلُهُ اسْتِوْلَادٌ، وَمِثْلُهُ يَجِبُ قَلْبُ وَاوِهِ يَاءً كَمِيعَادٍ وَمِيزَانٍ وَمِيقَاتٍ فَصَارَ اسْتِيلَادًا، وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرِ ثَابِتِ النَّسَبِ. وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ الْأَمَةُ الَّتِي ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِك كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَقَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَيْسَ وِلَادَتُهَا مِنْهُ مُسْتَلْزِمًا ثُبُوتَهُ، فَفِي الْعِبَارَةِ قُصُورٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِالْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ، وَلِذَا رَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا وَلَا هِبَتُهَا، بَلْ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُنْجِزْ عِتْقَهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَلَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ السَّيِّدُ مَدْيُونًا مُسْتَغْرَقًا، وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ، إلَّا مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ فَقَالُوا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا عَنْهُ فَانْتَهَيْنَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «كُنَّا نَبِيعُهُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ بِزَيْدٍ الْعَمِّيِّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: زَيْدٌ الْعَمِّيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَنُقِلَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ الصِّدِّيقِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَكِنْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ: تُعْتَقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ، فَهَذَا يُصَرِّحُ بِرُجُوعِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْهُمَا. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِلْجُمْهُورِ بِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خَطَّابِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّهِ «عَنْ سَلَامَةَ بِنْتِ مَعْقِلٍ امْرَأَةٍ مِنْ خَارِجَةَ قَيْسِ عَيْلَانَ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا قَالَتْ قَدِمَ بِي عَمِّي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَاعَنِي مِنْ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو أَخِي أَبِي الْيُسْرِ بْنِ عَمْرٍو فَوَلَدْتُ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحُبَابِ ثُمَّ هَلَكَ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: الْآنَ وَاَللَّهِ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ مِنْ خَارِجَةَ قَيْسِ عَيْلَانَ قَدِمَ بِي عَمِّي الْمَدِينَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَاعَنِي مِنْ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو أَخِي أَبِي الْيُسْرِ بْنِ عَمْرٍو فَوَلَدْتُ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَمَاتَ فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ الْآنَ وَاَللَّهِ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَنْ وَلِيُّ الْحُبَابِ؟ قِيلَ أَخُوهُ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، فَبَعَثَ إلَيْهِ فَقَالَ: أَعْتِقُوهَا، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدِمَ عَلَيَّ فَأَتَوْنِي أُعَوِّضُكُمْ، قَالَتْ: فَأَعْتَقُونِي وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقِيقٌ فَعَوَّضَهُمْ مِنِّي غُلَامًا» . وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَهُمْ أَنْ يُعْتِقُوهَا وَيُعَوِّضَهُمْ لَمَّا اسْتَرَقَتْ قَلْبَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، بَلْ يُفِيدُ أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ وَإِلَّا لَبَيَّنَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهَا عَتَقَتْ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِعِتْقِهَا بَعُوضٍ يَقُومُ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهِ لَهُمْ. نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِأَعْتِقُوهَا خَلُّوا سَبِيلَهَا كَمَا فَسَّرَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَنَّ الْعِوَضَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ مِنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَكِنْ هَذَا احْتِمَالُ غَيْرِ الظَّاهِرِ وَالْعِبْرَةُ لِلظَّاهِرِ فَلَا يُصَارُ إلَى هَذَا إلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ يُوجِبُهُ وَيُعَيِّنُهُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: يَعْنِي فِي مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «ذَكَرْتُ أُمَّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَطَرِيقُهُ مَعْلُولٌ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ لَكِنْ أَعَلَّهُ بِابْنِ أَبِي سَبْرَةَ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ حُسَيْنًا مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ شَرِيكٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَهَذَا تَوْثِيقٌ لِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَرَوَاهُ أَبُو يُعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحُرَّةٌ إذَا مَاتَ إلَّا أَنْ يُعْتِقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَلَدَتْ مِنْهُ أَمَتُهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» وَالطُّرُقُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلِذَا قَالَ الْأَصْحَابُ: إنَّهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَإِذْ قَدْ كَثُرَتْ طُرُقُ هَذَا الْمَعْنَى وَتَعَدَّدَتْ وَاشْتُهِرَتْ فَلَا يَضُرُّهُ وُقُوعُ رَاوٍ ضَعِيفٍ فِيهِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ قَالَ فِي كِتَابَةِ: وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ فِي كِتَابِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَاحٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو خَيْثَمَةَ الْمِصِّيصِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ إبْرَاهِيمَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَصْبَغَ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» فَلَوْ كَانَتْ مَارِيَةُ مَالًا بِيعَتْ وَصَارَ ثَمَنُهَا صَدَقَةً. وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأُمَّهَاتِ» وَفِي بَيْعِهِنَّ تَفْرِيقٌ. وَإِذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ " أَعْتَقَهَا إلَخْ " وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ إلَى الْمَوْتِ إجْمَاعًا وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَجَازِ الْأَوَّلِ، فَيَثْبُتُ فِي الْحَالِ بَعْضُ مَوَاجِبِ الْعِتْقِ مِنْ امْتِنَاعِ تَمْلِيكِهَا. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يُونُسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُوَرَّثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا دَامَ حَيًّا. فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» ثُمَّ أَخْرَجَهُ بِسَنَدٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ الْمَدِينِيِّ وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ، وَلَيَّنَهُ هُوَ وَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيِّ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَقَالَ عَنْهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَهُوَ الَّذِي رَفَعَهُ. وَقَالَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَرَ: لَمْ يَتَجَاوَزُوهُ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعِنْدِي أَنَّ الَّذِي أَسْنَدَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ وَقَفَهُ. وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: " أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ " وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِفْرِيقِيِّ كَانَ غَيْرَ حُجَّةٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَعْضُدُ رَفْعَهُ مَعَ تَرْجِيحِ ابْنِ الْقَطَّانِ فَثَبَتَ الرَّفْعُ بِمَا قُلْنَا، وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ وَقْفِهِ عَلَى عُمَرَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ الثُّلُثِ وَقَالَ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ» وَعَدَمُ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ لِعُمَرَ حِينَ أَفْتَى بِهِ وَأَمَرَ فَانْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى عَدَمِ بَيْعِهِنَّ، فَهَذَا يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ بِعِلْمِهِ

وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ قَدْ اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَيْزُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، إلَّا أَنَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ تَبْقَى الْجُزْئِيَّةُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَضَعُفَ السَّبَبُ فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدِ الْمَوْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ مِثْلَ قَوْلِ الرَّاوِي: كُنَّا نَفْعَلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمُهُ الرَّفْعُ لَكِنْ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا، فَإِذَا قَامَ دَلِيلٌ فِي خُصُوصٍ مِنْهُ عَلَى عَدَمِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ. وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ بِعِلْمِهِ وَتَقْرِيرِهِ ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يَظْهَرْ النَّاسِخُ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقِصَرِ مُدَّتِهِ مَعَ اشْتِغَالِهِ فِيهَا بِحُرُوبِ مُسَيْلِمَةَ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكَاةَ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ كَمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَتَرَكْنَاهَا» وَأَيًّا مَا كَانَ وَجَبَ الْحُكْمُ الْآنَ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ. هَذَا إذَا قَصَرْنَا النَّظَرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ، فَأَمَّا بِمُلَاحَظَةِ الْمَرْفُوعَاتِ الْمُتَعَاضِدَةِ فَلَا شَكَّ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ مَا أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُبَعْنَ فَقُلْت لَهُ: فَرَأْيُك وَرَأْيُ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِك وَحْدَك فِي الْفُرْقَةِ فَضَحِكَ عَلِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ رُجُوعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ يَرَى اشْتِرَاطًا انْقِرَاضَ الْعَصْرِ فِي تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ. وَسُئِلَ دَاوُد عَنْ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ. إذْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ حَاضِرًا فَعَارَضَهُ فَقَالَ: قَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَامْتَنَعَ بَيْعُهَا لَمَّا حَبِلَتْ بِوَلَدِ سَيِّدِهَا، وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ فَانْقَطَعَ دَاوُد وَكَانَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ وَيَقُولَ: الزَّوَالُ كَانَ بِمَانِعٍ عَرَضَ وَهُوَ قِيَامُ الْوَلَدِ الْحُرِّ فِي بَطْنِهَا وَزَالَ بِانْفِصَالِهِ فَعَادَ مَا كَانَ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ) اللَّذَيْنِ خُلِقَ مِنْهُمَا (قَدْ اخْتَلَطَا) وَهُوَ جُزْؤُهُمَا بِحَيْثُ لَا تَمْيِيزَ، وَهَذِهِ الْجُزْئِيَّةُ، وَإِنْ زَالَتْ بِانْفِصَالِ الْوَلَدِ لَكِنَّهَا بَقِيَتْ حُكْمًا وَلَمْ تَنْقَطِعْ لِأَنَّ تِلْكَ الْجُزْئِيَّةِ أَوْجَبَتْ نِسْبَتَهَا إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ وَبِالِانْفِصَالِ تَقَرَّرَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ أُمُّ وَلَدِهِ فَقَدْ بَقِيَ أَثَرُهَا شَرْعًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ فِيمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ قَارِبٍ قَالَ: اشْتَرَى ابْنِي أَمَةً مِنْ رَجُلٍ قَدْ أَسْقَطَتْ مِنْهُ فَأَمَرَ عُمَرُ بِرَدِّهَا وَقَالَ: أَبْعَدَ مَا اخْتَلَطَتْ لُحُومُكُمْ بِلُحُومِهِنَّ وَدِمَاؤُكُمْ بِدِمَائِهِنَّ؟ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ يَضْعُفُ بِالِانْفِصَالِ (فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى الْمَوْتِ) وَلَمَّا وَرَدَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ

وَبَقَاءُ الْجُزْئِيَّةِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ النَّسَبِ وَهُوَ مِنْ جَانِبِ الرِّجَالِ. فَكَذَا الْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّهِنَّ، حَتَّى إذَا مَلَكَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يُعْتَقْ الزَّوْجُ الَّذِي مَلَكَتْهُ بِمَوْتِهَا، وَبِثُبُوتِ عِتْقٍ مُؤَجَّلٍ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ فَيُمْنَعُ جَوَازُ الْبَيْعِ وَإِخْرَاجُهَا لَا إلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَيُوجِبُ عِتْقَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ فَيُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا الْعَبْدَ بَعْدَمَا وَلَدَتْ لَهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ الْكَائِنَةَ بِتَوَسُّطِ الْوَلَدِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا لِكُلٍّ مِنْ الْأُمِّ وَالْأَبِ قِسْطٌ مِنْهَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنَّ بَقَاءَ الْجُزْئِيَّةِ حُكْمًا بَعْدَ الِانْفِصَالِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ سِوَاهُ، وَالنَّسَبُ إلَى الرِّجَالِ: أَيْ إلَى الْآبَاءِ لَا إلَى الْأُمَّهَاتِ. (فَكَذَا الْحُرِّيَّةُ) الَّتِي تُبْتَنَى عَلَى النَّسَبِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لَا بِالْجِيمِ تَثْبُتُ لِلنِّسَاءِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَيْهِمْ فَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحُرَّ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ دُونَ الْعَكْسِ إذْ لَيْسَ النَّسَبُ إلَيْهِنَّ، فَلَوْ مَلَكَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا الْعَبْدَ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ لَهُ لَا يُعْتَقُ بِمَوْتِهَا وَلَمَّا تَعَلَّقَ بِالْآخِرَةِ بِالنَّسَبِ لَمْ تَثْبُتْ الْأُمُومَةُ بِدُونِهِ، فَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ لِرَجُلٍ بِزِنًا ثُمَّ مَلَكَهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي دَعْوَى الْأَصْلِ: أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ وَلَدًا فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ هُوَ ابْنُك لَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ حُرٌّ وَأُمَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفَةً لَا يَمْلِكُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأُمُومَةُ بِلَا ثُبُوتِ نَسَبٍ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِهِ وَلِذَا كَانَ حُرًّا فَلَمْ تَثْبُتْ دُونَ نَسَبٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ الْأُمُومَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَكُونُ إلَّا تَابِعًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ ظَاهِرًا فِي الْقَضَاءِ فَبِكُلٍّ مِنْ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِمَا سَيَجِيءُ فِيمَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ أُمِّ وَلَدِهِ الْمُزَوَّجَةِ (قَوْلُهُ وَبِثُبُوتِ عِتْقٍ إلَخْ) يَعْنِي قَدْ ثَبَتَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا عِتْقٌ مُؤَجَّلٌ، وَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ عِتْقِهَا مُؤَجَّلًا أَنْ يَثْبُتَ لَهَا فِي الْحَالِ حَقُّ الْعِتْقِ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا وَإِخْرَاجُهَا إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُول: ثُبُوتُ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ثَابِتٌ فِي قَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ الْبَيْعُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ثُبُوتِ الْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومِ الْوُقُوعِ ثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِهَا فِي الْحَالِ بَلْ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ. فَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا فِي الْحَالِ لِلْعِتْقِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ إلَّا حُكْمَ النَّصِّ، حَيْثُ صَرَّحَ النَّصُّ بِأَنَّهُنَّ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ لِمَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا لَهُ وَالْبَعْضُ الْآخِرُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ) بِأَنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا وَلَدَهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، فَهَذَانِ حُكْمَانِ وَقَعَ التَّشْبِيهُ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ أُمُومَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ذِكْرٌ فَقَصَرَ التَّعْلِيلَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ) أَيْ فِيمَا يُمْكِنُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ وَهِيَ الْقِنَّةُ فَتَصِيرُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ فِيمَا

قَالَ: (وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا قَائِمٌ فَأَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهُ يَتَجَزَّأُ ضَرُورَةَ عَدَمِ قَبُولِهِ لِلنَّقْلِ فَيَقْتَصِرُ بِالضَّرُورَةِ. فَلِذَا قَدَّمَ فِي بَابِ الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فَلَا تَنَاقُضَ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ: أَيْ لَا يَكُونُ مَعَهُ بَعْضُ الْمُسْتَوْلَدَةِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْمُسْتَوْلِدِ إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ. وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَبَعِيدٌ فَلِذَا لَمَّا قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ يَتَجَزَّأُ فِي بَابِ الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ لَمْ يَجْعَلْ أَثَرَهُ إلَّا فِيمَا إذَا اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَإِنَّمَا هُوَ بِوُجُودِ الدَّعْوَةِ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْبَعْضِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهَا) وَهُوَ مُطْلَقٌ لِهَذِهِ الْأُمُورِ. (فَأَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ) وَمَنَعَ مَالِكٌ إجَارَتَهَا كَبَيْعِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ، وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ لِنَقْلِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْإِجَارَةِ وَيَمْلِكُ كَسْبَهَا وَلَهُ إعْتَاقُهَا وَكِتَابَتُهَا. وَأَوْرَدَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ تَزْوِيجَهَا؛ لِأَنَّ تَوَهُّمَ شَغْلِ رَحِمِهِمَا بِمَاءِ الْمَوْلَى قَائِمٌ، وَتَوَهُّمَ الشَّغْلِ مَانِعٌ مِنْ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ جَعَلَ لَهَا الشَّرْعُ حَالًا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْفَرَاغِ فَجَازَ نِكَاحُهَا عِنْدَ وُجُودِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِأُمِّ الْوَلَدِ مِثْلَهُ سِوَى الِاسْتِبْرَاءِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ قَبْلَهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ جَوَازَ النِّكَاحِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْوَطْءِ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي خُرُوجِهِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَحَقَّقَ خُرُوجُهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ نِكَاحِ الْغَيْرِ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِمُوجِبٍ وَجَعَلَهُ الشَّارِعُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ الدَّالِ عَلَى الْفَرَاغِ حَقِيقَةً فَلَا تُزَوَّجُ قَبْلَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا سَلِمَ أَنَّ احْتِمَالَ الشَّغْلِ مَانِعٌ وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ بَعْدَ الْوَطْءِ لَزِمَ تَحَقُّقُ خُرُوجِ الْجَوَازِ لَا وُقُوعُ الشَّكِّ فِيهِ كَالْعِدَّةِ، وَوَجَبَ أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا. وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَعْدَهُ أَفْضَلُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ، فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ

(وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَا ثَبَّتَ النَّسَبُ بِالْعَقْدِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ وَأَنَّهُ أَكْثَرُ إفْضَاءً أَوْلَى. وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِرَاشَيْنِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ وَلَدُهَا بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لَيْسَ إلَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ لَا تَوَهُّمُ الشَّغْلِ، وَهَذَا حَقٌّ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَسْأَلَةِ: مَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا حَيْثُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَحِلُّ الْوَطْءُ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ الشَّغْلِ ثَابِتٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا لَيْسَ ثَابِتَ النَّسَبِ جَازَ النِّكَاحُ وَالْوَطْءُ؛ لِانْتِفَاءِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ، وَلِذَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَزَوُّجُ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا لِانْتِفَاءِ الْفِرَاشِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَضَعَ وَامْتِنَاعُ نِكَاحِ الْمُهَاجِرَةِ الْحَامِلِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ دُونَ غَيْرِهَا، وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ الْحَقُّ مَنْعُ كَوْنِ احْتِمَالِ الشَّغْلِ بِالْمَاءِ مَانِعًا فَلِذَا جَازَ النِّكَاحُ عَقِيبَ وَطْئِهَا، وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَوْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ، إنَّمَا الْمَانِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ الْقَوِيَّيْنِ، وَفِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ لَيْسَ قَوِيًّا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهَا فِرَاشٌ حَالَ الْعِدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ فَفِي تَزَوُّجِهَا جَمْعٌ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ. [فَرْعٌ] . إذَا بَاعَ خِدْمَةَ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْهَا عَتَقَتْ كَمَا إذَا بَاعَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِنْهُ؛ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا تُعْتَقُ، بِخِلَافِ بَيْعِ رَقَبَتِهَا مِنْهَا حَيْثُ تُعْتَقُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا) أَيْ وَلَدِ الْأَمَةِ لَا أُمِّ الْوَلَدِ، وَهَذَا رُجُوعٌ إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي قَوْلِهِ إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَمَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَعَ الْعَزْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَثْبُتُ إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ بِحَيْضَةٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهَا بِالْوَطْءِ صَارَتْ فِرَاشًا كَالنِّكَاحِ وَفِيهِ يَلْزَمُ الْوَلَدُ، وَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا مَعَ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَهُمْ يَنْفَصِلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا تَحِيضَ وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ فَيُحْكَمُ عِنْدَ وُجُودِهِ بِعَدَمِ الْحَمْلِ حُكْمًا بِالْغَالِبِ، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي دُبْرِهَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ وَجْهٌ مُضَعَّفٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ) هَذَا وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِمَا تَأْتِي بِهِ الْأَمَةُ بِمُجَرَّدِ وَطِئَهَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ بِعَقْدِ الْبَالِغِ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُ مَا تَأْتِي بِهِ الْمَنْكُوحَةُ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْوَطْءُ؛ لِوُجُودِهِ بَعْدَ الْمُفْضِي إلَى الْوَلَدِ فَثُبُوتُهُ بَعْدَ وَطْءِ الْبَالِغِ وَأَنَّهُ أَكْثَرُ إفْضَاءً إلَى وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْلَى. وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الصَّبِيَّ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ، وَإِنْ كَانَ بِعَقْدٍ وُضِعَ لِلْوَلَدِ (وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ) مِنْ قَصْدِهِ وَهُوَ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَنُقْصَانِهِ عِنْدَهُمَا فَكَانَ

فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ بِمَنْزِلَةِ مَالِكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، بِخِلَافِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَعَيَّنُ مَقْصُودًا مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرُ عَدَمَ قَصْدِهِ فَكَانَ لِلظَّاهِرِ الْعَزْلُ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ فَلَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْوَطْءِ، وَمَا قِيلَ الْوَطْءُ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ وَقَدْ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَدَمُهُ. قُلْنَا: وَلَا يَتَعَيَّنُ وُجُودُهُ كَمَا قُلْتُمْ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ مِنْ الْعَدَمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ دَلِيلِهِمْ فِيهِ الْمَنْقُولُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَعْنِي فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهَهُ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَى بِهِ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ وَرِثَهُ لَا عَلَى أَنَّهُ أَخُوهُ، وَلِذَا قَالَ هُوَ لَك وَلَمْ يَقُلْ هُوَ أَخُوك، وَقَالَ: احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، وَلَوْ كَانَ أَخًا لَهَا بِالشَّرْعِ لَمْ يَجِبْ احْتِجَابُهَا مِنْهُ، فَهَذَا دَفْعٌ بِانْتِفَاءِ لَازِمِ الْأُخُوَّةِ شَرْعًا وَالْأَوَّلُ بِاللَّفْظِ نَفْسِهِ. وَيُدْفَعُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ» وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالِاحْتِجَابِ فَلِمَا رَأَى مِنْ الشَّبَهِ الْبَيِّنِ بِعُتْبَةَ. وَيُدْفَعُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ حِينَئِذٍ مُعَارِضَةٌ لِرِوَايَةِ " هُوَ لَك " وَهِيَ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ الْمَعْرُوفَةُ فَلَا تُعَارِضُهَا الشَّاذَّةُ، وَالشَّبَهُ لَا يُوجِبُ احْتِجَابَ أُخْتِهِ شَرْعًا مِنْهُ، وَإِلَّا لَوَجَبَ الْآنَ وُجُوبًا مُسْتَمِرًّا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَشْبَهَ غَيْرَ أَبِيهِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ مِنْهُ يَجِبُ حُكْمًا لِلشَّبَهِ احْتِجَابُ أُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَجَدَتْهُ لِأَبِيهِ مِنْهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا. وَإِذْن قَوْلُهُ: " لِلْفِرَاشِ الْوَلَدُ " يَنْتَفِي بِهِ نَسَبُهُ عَنْ سَعْدٍ بِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ وَعَنْ عَبْدٍ بِأَنَّهُ أَخُوهُ: يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَلَا فِرَاشَ الْوَاحِدِ مِنْ عُتْبَةَ وَزَمْعَةَ فَهُوَ حِينَئِذٍ عَبْدٌ لَك يَا عَبْدُ مِيرَاثٌ لَك مِنْ أَبِيك. وَاعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «أَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَهُ، وَأَمَّا أَنْتِ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ» فَتَصْرِيحُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَخَاهَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ أَخًا لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وَبِهِ تَقْوَى مُعَارَضَةُ رِوَايَةِ هُوَ أَخُوك. وَقَوْلُهُ " أَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَهُ " يُفِيدُ أَنَّهُ أَخُوهُمَا، فَإِمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ لِتَدَافُعِ مَعْنَاهُ، أَوْ يَجْمَعَ بِأَنَّ الْمُثْبَتَ الْأُخُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْمَنْفِيَّ الْأُخُوَّةُ الْحَقِيقَةُ، وَهُوَ أَنْ يُخْلَقَا مِنْ مَاءِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي عَدَمِ الِاحْتِجَابِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْأُخُوَّةِ بِمَعْنَى التَّخَلُّقِ مِنْ مَاءِ شَخْصٍ وَاحِدٍ مَعَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ ثَابِتًا بِثُبُوتِ النَّسَبِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ شَبَهُ غَيْرِ الْمَنْسُوبِ كَمَا هُوَ فِي الصُّورَةِ الْمَرْوِيَّةِ، ثُمَّ يَجْعَلُ هَذَا لَيْسَ حُكْمًا مُسْتَمِرًّا عَلَى مَا ذَكَرْنَا خَاصًّا بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ حِجَابَهُنَّ مَنِيعٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لَهُنَّ: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] وَعَلَى هَذَا يَجِبُ حَمْلُ الْوَلِيدَةِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ وُلِدَتْ لِزَمْعَةَ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ هُوَ لَك: أَيْ مَقْضِيٌّ بِهِ لَك، وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَخُوك كَمَا هُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْتَزِلُونَهُنَّ، لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنَّهُ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا، فَاعْتَزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ اُتْرُكُوا. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فَمُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ

(فَإِنْ) (جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِ) مَعْنَاهُ بَعْدَ اعْتِرَافٍ مِنْهُ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْوَلَدِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا كَالْمَعْقُودَةِ (إلَّا أَنَّهُ إذَا نَفَاهُ يَنْتَفِي بِقَوْلِهِ) ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِنَفْيِهِ إلَّا بِاللِّعَانِ؛ لِتَأَكُّدِ الْفِرَاشِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ إبْطَالَهُ بِالتَّزْوِيجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ جَارِيَتِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ فَشَقَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مِمَّنْ هُوَ؟ فَقَالَتْ: مِنْ رَاعَى الْإِبِلِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ. وَأَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي جَارِيَةً فَحَمَلَتْ فَقَالَ: لَيْسَ مِنِّي إنِّي أَتَيْتهَا إتْيَانًا لَا أُرِيدُ بِهِ الْوَلَدَ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَطَأُ جَارِيَةً فَارِسِيَّةً وَيَعْزِلُ عَنْهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَأَعْتَقَ الْوَلَدَ وَجَلَدَهَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: مِمَّنْ حَمَلْت؟ فَقَالَتْ مِنْك، فَقَالَ: كَذَبْت مَا وَصَلَ إلَيْك مَا يَكُونُ مِنْهُ الْحَمْلُ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِوَطْئِهَا. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّهُ يَلْحَقُ بِالْوَاطِئِ مُطْلَقًا جَازَ لِكَوْنِهِ عَلِمَ مِنْ بَعْضِهِمْ إنْكَارَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِلْحَاقُهُ، وَذَلِكَ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَاطِئَ إذَا لَمْ يَعْزِلْ وَحَصَّنَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافُ بِهِ. فَقَدْ يَكُونُ عَلِمَ مِنْ النَّاسِ إنْكَارَ أَوْلَادِ الْإِمَاءِ مُطْلَقًا فَقَالَ لَهُمْ إنِّي مُلْحِقٌ بِكُمْ إيَّاهُمْ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ مِنْهُ الِاعْتِدَالُ فِي الْأَمْرِ بِأَنْ يَعْتَرِفَ بِمِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافُ بِهِ وَيَنْفِيَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفْيُهُ أَوْ يَجُوزُ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ اعْتَرَفَ بِوَلَدِهَا الْأَوَّلِ (بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِالِاعْتِرَافِ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ كَوْنُ الْوَلَدِ مَقْصُودًا مِنْ الْوَطْءِ فَصَارَتْ فِرَاشًا، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِ الْفِرَاشِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مَقْصُودًا مِنْ وَطْئِهَا الْوَلَدُ ظَاهِرًا كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ ظَهَرَ قَصْدُهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ وَضْعًا شَرْعِيًّا كَالْمَنْكُوحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْوَلَدَ يَثْبُتُ نَسَبُ مَا تَأْتِي بِهِ فَإِنَّمَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مُتَعَيَّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ وَهُوَ الَّذِي عَرَّفُوا بِهِ الْفِرَاشَ وَظَهَرَ أَنْ لَيْسَ الْفُرُشُ ثَلَاثَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بَلْ فِرَاشَانِ: قَوِيٌّ وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ، وَضَعِيفٌ وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ بِسَبَبِ أَنَّ وَلَدَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ يَنْتَفِي نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِاللِّعَانِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَقَالَ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْفِرَاشِ عَلَيْهَا وَهُوَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مُتَعَيَّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ أَوْ كَوْنَهَا يُقْصَدُ بِوَطْئِهَا الْوَلَدُ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَاهُ، وَمِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى ضَعْفِهِ كَوْنُهُ يَمْلِكُ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ فَقَالَ كُنْت أَطَأُ بِقَصْدِ الْوَلَدِ عِنْدَ مَجِيئِهَا بِالْوَلَدِ أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ مَا أَتَتْ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ وَلَدِي؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِ هُوَ وَلَدِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَطْأَهُ حِينَئِذٍ بِقَصْدِ الْوَلَدِ. وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الدَّرْسِ: يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِنْ كُنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاعْتِرَافَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافَ؛ لِيَعْتَرِفَ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بَلْ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً، وَأَظُنُّ أَنْ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِذَلِكَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ: أَيْ نَفْيَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ أَوْ لَمْ يَتَطَاوَلْ الزَّمَانُ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ، وَالتَّطَاوُلُ دَلِيلُ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ فِيهَا دَلِيلُ إقْرَارِهِ مِنْ قَبُولِهِ التَّهْنِئَةَ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ حُكْمٌ. فَأَمَّا الدَّيَّانَةُ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَيَدَّعِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالتَّصْرِيحِ بِإِقْرَارِهِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي التَّطَاوُلِ سَبَقَ فِي اللِّعَانِ. هَذَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ مَا تَأْتِي بِهِ فِي حَالِ حِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بَعْدَ الْوَلَدِ، أَمَّا لَوْ عَرَضَ بَعْدَهُ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ بِأَنَّ وَطِئَهَا أَبُو سَيِّدِهَا أَوْ ابْنُهُ أَوْ وَطِئَ السَّيِّدُ أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا أَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ بِكِتَابَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا بِاسْتِلْحَاقِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ عُرُوضِ الْحُرْمَةِ أَوْ لِتَمَامِهَا، فَفِي الْأَوَّلِ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ عُرُوضِ الْحُرْمَةِ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا تَأَكَّدَ بِالْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ نَقْلَهُ فَالْتَحَقَ بِفِرَاشِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَضَتْ الْحُرْمَةُ بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَحْرُمْ مُطْلَقًا وَلَا مُتَعَلِّقًا بِاخْتِيَارِهَا بَلْ مَعَ ذَلِكَ الْعَارِضِ الَّذِي عَرَضَ لَا بِاخْتِيَارِهَا الْمُنْقَضِي عَادَةً بِلَا اخْتِيَارِهَا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ عَدَمِ لِزُمُومِهِ الْوَلَدَ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ مَا لَمْ يَدَّعِهِ (حُكْمٌ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ: يَعْنِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ بِلَا دَعْوَةٍ، فَأَمَّا الدِّيَانَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ حِينَ وَطِئَهَا لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا عَنْ مَظَانِّ رِيبَةِ الزِّنَا يَلْزَمُهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَدَّعِيَهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَزَلَ عَنْهَا حَصَّنَهَا أَوَّلًا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ وَلَكِنْ لَمْ يُحَصِّنْهَا فَتَرَكَهَا تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ بِلَا رَقِيبٍ مَأْمُونٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ (لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ) وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِسَبَبِ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ زِنَا الْمُسْلِمَةِ (يُقَابِلُهُ) أَيْ يُعَارِضُهُ (ظَاهِرٌ آخَرُ) وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِوُجُودِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا الْعَزْلُ أَوْ عَدَمُ التَّحْصِينِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ لَفْظَةَ أَوْ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا أَوْلَى مِنْ الْوَاوِ لِتَنْصِيصِهَا عَلَى الْمُرَادِ. وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا إذَا عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ. اهـ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ كَوْنَهُ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ ضَبْطِهِ الْعَزْلَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا ظُهُورُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا أَفْضَى إلَيْهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا مَحِلُّ نَظَرٍ، بَلْ أَوْرَدَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّلَ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ بِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِنْزَالِ وَنَفْسُهُ يَتَغَيَّبُ عَنْ بَصَرِهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ فَيَقْتَضِي هَذَا ثُبُوتَ النَّسَبِ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَإِلَّا تَنَاقَضَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا أَحَدَ يَقُولُ بِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ الْأَمَةُ بِمُجَرَّدِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ بِلَا إنْزَالٍ، بَلْ إنَّهُ يَثْبُتُ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ، وَهَذَا فَرْعُ الْإِنْزَالِ. وَحِينَئِذٍ فَالْمَذْكُورُ فِي الْغُسْلِ بَيَانُ حِكْمَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى إيجَابِ الْغُسْلِ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فَظَهَرَ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ غَايَةُ الِاحْتِيَاطِ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّرْعِ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ، بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَلْحَقَ نَسَبُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ

أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. (فَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ حُرٌّ وَوَلَدَ الْقِنَّةِ رَقِيقٌ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا إذْ الْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُسْتَلْحَقَ نَسَبُ مَنْ هُوَ مِنْهُ فَكَانَ أَمْرُ الِاسْتِلْحَاقِ مَبْنِيًّا عَلَى الْيَقِينِ أَوْ الظُّهُورِ الَّذِي لَا يُقَابِلُهُ مَا يُوجِبُ شَكًّا. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) ذَكَرَهُمَا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَهُ سَوَاءٌ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ حَصَّنَهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهَا وَحَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ، وَهَذَا كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ سَبَبُهُ يَكُونُ مُحَالًا بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدَّعِيَ وَلَدَهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْهُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ الْوَلَدَ. وَفِي الْإِيضَاحِ ذَكَرَهُمَا بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أُحِبُّ أَنْ يَدَّعِيَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ أَنْ يُعْتِقَ الْوَلَدَ فَهَذَا يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ، وَعِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ تُفِيدُ الْوُجُوبَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ) يَعْنِي مِنْ الزَّوْجِ (فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا رَهْنُهُ وَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَلَا يَسْعَى لِأَحَدٍ، وَلَهُ

وَيُعْتَقُ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ. (وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ وَلَا يُجْعَلْنَ مِنْ الثُّلُثِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِخْدَامُهُ، وَإِجَارَتُهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ جَارِيَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهِ حَيْثُ قَالَ: هُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصِّفَاتِ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَيَحْدُثُ الْوَلَدُ عَلَى صِفَتِهَا كَالتَّدْبِيرِ، وَلِهَذَا كَانَ وَلَدُ الْقِنَّةِ قِنًّا، وَوَلَدُ الْحُرَّةِ حُرًّا، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهُ أَقْوَى، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ، وَالنَّسَبُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْمَوْلَى، وَالْأَوْجُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قُوَّةِ الْفِرَاشِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْمَرْجُوحُ، وَإِلَّا فَالْوَلَدُ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا سَيُذْكَرُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا فِرَاشَ لِلْمَوْلَى حَالَ كَوْنِهَا زَوْجَةً لِلْغَيْرِ أَصْلًا، وَهَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ فَهُوَ ابْنٌ لِلسَّيِّدِ وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَيُسْتَحَبُّ بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ احْتِيَاطًا، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ صَحَّ النِّكَاحُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ يُعْتَقُ بِدَعْوَةِ الْمَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ حَيْثُ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّ ابْنَهُ مِنْ أَمَتِهِ يَعْلَقُ حُرًّا كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ عَارَضَهُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ مُعَارِضٌ أَقْوَى مِنْهُ فَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ بِهِ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ فِي ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِهِ ذَلِكَ فَأَخَذَ بِزَعْمِهِ. وَلَمْ يُسْتَحْسَنْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَزْوِيجِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحْسَنُ لَوْ كَانَ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أُمَّ وَلَدٍ كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَبْسُوطِ: زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ، وَقَدْ تَكَلَّفَ لَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَوَلَدُ الْقِنَّةِ قِنٌّ ابْتِدَاءً وَمَا بَعْدَهُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَدُ الْقِنَّةِ قِنٌّ وَنَسَبُهُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ إذَا زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا، وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذُكِرَ لِبَيَانِ سِرَايَةِ وَصْفِ الْأُمِّ إلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلِهَا (قَوْلُهُ: وَيُعْتَقُ الْوَلَدُ) أَيْ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُزَوَّجَةِ الَّذِي ادَّعَاهُ بِعِتْقٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكَهُ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنَهُ. (وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ حَيْثُ ادَّعَى أَنَّ وَلَدَهَا مِنْهُ وَعِتْقُ الْوَلَدِ ظَاهِرٌ بَلْ قَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ عَلِقَ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ الْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَثْبُتُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيلَادِ كَافٍ لِثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ، وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ مَا لَمْ يَثْبُتْ، وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ وَعْدُهُ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ مِنْ السَّيِّدِ قَائِمٌ؛ لِجَوَازِهِ بِوَطْءٍ قَبْلَ النِّكَاحِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ؛ لِثُبُوتِهِ مِنْ الزَّوْجِ فَبَقِيَ مُعْتَبَرًا فِي الْأُمِّ لِحَاجَتِهَا إلَى الْأُمُومِيَّةِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ) يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ (مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ وَلَا يُجْعَلْنَ مِنْ الثُّلُثِ» ) وَفِي نُسْخَةٍ مَكَانُ لَا يُبَعْنَ " لَا يَسْعَيْنَ "، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَعْلِيلِهِ وَلَا

وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ وَالدَّيْنِ كَالتَّكْفِينِ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الْحَوَائِجِ (وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي دَيْنِ الْمَوْلَى لِلْغُرَمَاءِ) لَمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَالْقِصَاصِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسِعَايَةَ إلَخْ بِقَوْلِهِ (لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ السِّعَايَةَ عَنْهَا حَيْثُ قَالَ " وَأَنْ لَا يَسْعَيْنَ " وَمَا قِيلَ " وَأَنْ لَا يُبَعْنَ " يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْبَيْعِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمَالِيَّةِ إلَخْ مَنْقُوضٌ بِالْمُدَبَّرِ، ثُمَّ لَمْ يُعْرَفْ هَذَا الْحَدِيثُ، وَالشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّهُ غَرِيبٌ قَالَ: وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ، وَسَاقَ كَثِيرًا مِمَّا قَدَّمْنَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُمَلَّكُ وَتُعْتَقُ بِالْمَوْتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّهَا فِي غَيْرِ الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهَا تُعْتَقُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذَلِكَ، فَإِنَّ عِتْقَهَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مِنْ كُلِّ الْمَالِ كَالْمُدَبَّرِ يُعْتَقُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَكُونُ مِنْ كُلِّهِ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إلَّا أَنَّ جَمَاعَةً تَكَلَّمُوا فِي عَبْدِ الْمَلِكِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ) كَحَاجَتِهِ إلَى الْأَكْلِ: أَيْ وَحَاجَتُهُ إلَى أُمِّهِ مُسَاوِيَةٌ لِحَاجَتِهِ إلَى الْوَلَدِ وَلِهَذَا جَازَ اسْتِيلَادُهُ جَارِيَةَ ابْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِحَاجَتِهِ إلَى وُجُودِ نَسْلِهِ كَمَا جَازَ لَهُ أَكْلُ مَالِهِ لِلْحَاجَةِ وَحَاجَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ فَلَا تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَعَلَى الْإِرْثِ فَلَا تَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إذَا لَمْ تَخْرُجُ مِنْهُ فَصَارَ إعْتَاقُهَا كَالدَّفْنِ وَالتَّكْفِينِ (بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الْحَوَائِجِ) لَا مِنْ الْأَصْلِيَّةِ، إذْ لَيْسَ ثَمَّ نَسَبُ وَلَدٍ يَتْبَعُهُ أُمُومَةٌ فَلَا يُقَدَّمُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ عَلَى الدَّيْنِ، وَلَا عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ يَسَعْهُ سَعَى فِي بَاقِي قِيمَته، وَلَوْ كَانَ دَيْنُ السَّيِّد مُسْتَغْرِقًا سَعَى فِي كُلّ قِيمَتِهِ عَلَى مَا سَلَفَ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا) أَيْ أُمَّ الْوَلَدِ (لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (حَتَّى لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ) يَعْنِي إذَا مَاتَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ حَتْفَ أَنْفِهَا، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَ إذَا مَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَكَذَا لَا تَضْمَنُ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَا بِالْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَلَا تَسْعَى هِيَ فِي شَيْءٍ أَيْضًا، وَعِنْدَهُمَا تَضْمَنُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَإِنَّمَا تُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الصَّبِيُّ الْحُرُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ ذَهَبَتْ بِهَا إلَى طَرِيقٍ فِيهَا سِبَاعٌ فَأَتْلَفَتْهَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا. (لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَالْقِصَاصِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ

(وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا) وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَا تُعْتَقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُعْتَقُ فِي الْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عُرِضَ عَلَى الْمَوْلَى الْإِسْلَامُ فَأَبَى، فَإِنْ أَسْلَمَ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا. لَهُ أَنَّ إزَالَةَ الذُّلِّ عَنْهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ وَاجِبَةٌ وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِعْتَاقِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْبَيْعُ فَتَعَيَّنَ الْإِعْتَاقُ. وَلَنَا أَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي جَعْلِهَا مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ الذُّلُّ عَنْهَا بِصَيْرُورَتِهَا حُرَّةً يَدًا وَالضَّرَرُ عَنْ الذِّمِّيِّ لِانْبِعَاثِهَا عَلَى الْكَسْبِ نَيْلًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ فَيَصِلُ الذِّمِّيُّ إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ، أَمَّا لَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُفْلِسَةٌ تَتَوَانَى فِي الْكَسْبِ وَمَالِيَّةُ أُمُّ الْوَلَدِ يَعْتَقِدُهَا الذِّمِّيُّ مُتَقَوِّمَةً فَيُتْرَكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَدْيُونٌ فَلَيْسَ لِأَصْحَابِ الدُّيُونِ أَنْ يُطَالِبُوا مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِدَيْنِهِمْ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ مَالًا مُتَقَوِّمًا حَتَّى يَأْخُذُوا بِمُقَابَلَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاصِ مَالًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إذَا قَتَلَ الْمَدْيُونُ شَخْصًا لَا يَقْدِرُ الْغُرَمَاءُ عَلَى مَنْعِ وَلِيِّ الْقِصَاصِ مِنْ قَتْلِهِ قِصَاصًا. وَقِيلَ مَعْنَاهُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا مَدْيُونًا وَعَفَا الْمَدْيُونُ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّ، وَلَيْسَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْعَفْوِ. وَقِيلَ إذَا قَتَلَ شَخْصٌ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا مَالِيًّا وَالْأَقْرَبُ الْمُتَبَادَرُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَتْ فَعُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى مَوْلَاهَا فَأَبَى فَإِنَّهُ يُخْرِجُهَا الْقَاضِي عَنْ وِلَايَتِهِ بِأَنْ يُقَدِّرَ قِيمَتَهَا فَيُنَجِّمَهَا عَلَيْهَا فَتَصِيرُ مُكَاتَبَةً إلَّا أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَى الرِّقِّ وَلَوْ عَجَزَتْ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ إلَى الرِّقِّ رُدَّتْ إلَى الْكِتَابَةِ لِقِيَامِ إسْلَامِهَا وَهُوَ الْمُوجِبُ فَلَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ التَّعْجِيزِ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ النَّصْرَانِيِّ وَتَسْمِيَةُ مِثْلِ هَذَا دَوْرًا عَلَى التَّشْبِيهِ، وَإِلَّا فَاللَّازِمُ لَيْسَ إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تُقَدَّرُ إلَّا كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَوْ وَجَدَتْ الْمَالَ فِي الْحَالِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ. (وَقَالَ زُفَرُ: تُعْتَقُ لِلْحَالِ) أَيْ لِحَالِ إبَاءِ مَوْلَاهَا الْإِسْلَامَ (وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا) تُطَالَبُ بِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ عِنْدَ الْعَرْضِ فَهِيَ عَلَى حَالِهَا بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالظَّاهِرِيَّةُ: تُعْتَقُ مَجَّانًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُحَالُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا فَضْلًا عَنْ انْتِفَاعٍ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ وَيُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ فَتُعْتَقَ بِمَوْتِهِ أَوْ يُسْلِمَ فَتَحِلَّ لَهُ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ النَّظَرَ، وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الذِّمِّيِّ وَاجِبٌ لِذِمَّتِهِ وَعَنْ الْمُسْلِمِ؛ لِإِسْلَامِهِ وَذَلِكَ فِي إعْتَاقِهَا بِالْقِيمَةِ لَهُ، بِخِلَافِ مَجَّانًا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، فَإِنَّهُ إهْدَارُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ النَّظَرِ إذَا أَمْكَنَ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَفِيهِ زِيَادَةُ إضْرَارٍ بِهِ مِنْ إيجَابِ النَّفَقَةِ بِلَا انْتِفَاعٍ مَعَ إمْكَانِ دَفْعِهِ عَنْهُ. قُلْنَا: الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت غَيْرَ أَنَّ قَوْلَنَا أَدْفَعُ لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَعَنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْبَدَلِ عَقِيبَ عِتْقِهَا؛ لِأَنَّهَا تُعْتَقُ مُفْلِسَةً، وَرُبَّمَا تَتَوَانَى فِي الِاكْتِسَابِ إذَا كَانَ مَقْصُودُ الْعِتْقِ قَدْ حَصَلَ لَهَا قَبْلَهُ فَيَتَضَرَّرُ الذِّمِّيُّ لِذَلِكَ وَتَتَضَرَّرُ هِيَ بِشَغْلِ ذِمَّتِهَا بِحَقِّ ذِمِّيٍّ، وَرُبَّمَا تَمُوتُ قَبْلَ إيفَائِهَا حَقَّهُ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: خُصُومَةُ الذِّمِّيِّ وَالدَّابَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ عِتْقُهَا عَلَى الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ حَامِلٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَكَانَ اعْتِبَارُنَا أَوْلَى إذْ كَانَ أَنْظَرَ لِلْجَانِبَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَالِيَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ بِنَفْيِ مَالِيَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ هُوَ أَنَّهَا كَيْفَ تَسْعَى. فِي قِيمَتِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهَا لِانْتِفَاءِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَك فَقَالَ الذِّمِّيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا (فَيُتْرَكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ) أَيْ مَعَ مَا يَعْتَقِدُهُ. وَلِأَنَّا

وَلِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ، وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ الْمُشْتَرَكِ إذَا عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ يَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ. (وَلَوْ مَاتَ مَوْلَاهَا عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَوْ عَجَزَتْ فِي حَيَاتِهِ لَا تُرَدُّ قِنَّةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ قِنَّةً أُعِيدَتْ مُكَاتَبَةً لِقِيَامِ الْمُوجِبِ (وَمَنْ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأُمِرْنَا بِذَلِكَ فَقَدْ أُمِرْنَا بِاعْتِبَارِهَا مُتَقَوِّمَةً فِي حَقِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً مَعَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَقَوِّمَةً مُطْلَقًا فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ، وَهَذَا يَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَضْمُونُ مَالًا كَمَا فِي الْقِصَاصِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ مُسْتَحِقِّينَ إذَا عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ يَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ؛ لِأَنَّهُ احْتَبَسَ نَصِيبُهُمْ عِنْدَ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ مَنْ عَفَا، وَلَيْسَ نَصِيبُهُمْ حَقًّا مَالِيًّا بَلْ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ فَيَلْزَمُهُ بَدَلُهُ بِمَنْزِلَةِ إزَالَةِ مِلْكِهِ بِلَا بَدَلٍ فَيَتَضَرَّرُ الذِّمِّيُّ إلَّا أَنَّ هَذَا لَوْ تَمَّ اسْتَلْزَمَ التَّضْمِينَ بِغَصْبِ الْمَنَافِعِ وَغَصْبِ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ لِلضَّمَانِ مُجَرَّدُ الِاحْتِرَامِ. وَوُجِّهَ أَيْضًا بِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ فَلَمْ تَدُلَّ السِّعَايَةُ عَلَى تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَأَنْتَ سَمِعْت فِي الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ وَجْهَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَدَلَ مَا هُوَ مَالٌ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَأَنَّ كَوْنَهُ بَدَلَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ مَوْلَاهَا النَّصْرَانِيُّ عَتَقَتْ) وَسَقَطَتْ عَنْهَا السِّعَايَةُ. (لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ) (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ) يَعْنِي تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ (ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ) بِذَلِكَ الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ نِكَاحًا فَاسِدًا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ جَاءَتْ بِهِ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ فَمَلَكَهَا، ثُمَّ عِنْدَنَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ وَقْتِ مِلْكِهَا لَا مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَعِنْدَ زُفَرَ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ عِنْدَ الْمِلْكِ بِالْعُلُوقِ السَّابِقِ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْعُلُوقِ كُلُّ مَنْ وُلِدَ لَهَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا ثَبَتَ فِيهَا وَصْفُ الْأُمِّيَّةِ بَعْدَ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ فَقَبْلَهُ الْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ وَلَا سِرَايَةَ فِي الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ الْأُمُومَةِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ وَلَدًا لَهَا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَ وَلَدَهُ مِنْهَا قَبْلَ مِلْكِهَا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْكُلَّ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعَتَقَ وَلَدُهُ، وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ خِلَافًا لَزُفَرَ، بِخِلَافِ الْحَادِثِ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ أُمِّهِ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ بِنِكَاحٍ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَظَهَرَتْ أَمَةً تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَنَا. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلٍ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَفِي آخَرَ

وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ثُمَّ مَلَكَهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَنَا، وَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَهُوَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ. لَهُ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا إذَا عَلِقْت مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا الزَّانِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْئِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَالْجُزْئِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا وَقَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (وَهُوَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ) وَهُوَ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ (أَنَّهَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا إذَا عَلِقَتْ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهُ الزَّانِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أُمُومَةَ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا) ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْأُمُومَةَ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا (؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ) وَهُوَ حُرٌّ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَسْتَحِقَّ هِيَ الْحُرِّيَّةَ. وَاعْتَرَضَ مَنْ قَصُرَ نَظَرُهُ عَلَى خُصُوصِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الرِّقَّ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مُسْتَمِرٌّ إلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا، وَالْوَلَدُ عَلِقَ حُرًّا فَقَدْ خَالَفَ الْجُزْءُ الْكُلَّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُنْفَصِلٌ وَلَيْسَ كَالْمُتَّصِلِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِ الْمَذْكُورِ يَدْفَعُ هَذَا الِاعْتِرَاضَ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ اقْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِبَقِيَّةِ التَّقْرِيرِ. وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ جُزْأَهَا حُرٌّ وَمُقْتَضَاهُ حُرِّيَّتُهَا، إذْ لَا يُخَالِفُ الْجُزْءُ الْكُلَّ، إلَّا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِعَرْضِيَّةِ الِانْفِصَالِ، وَالْوَلَدُ وَإِنْ كَانَ جُزْءًا حَالَةَ الِاتِّصَالِ لَكِنَّهُ جُعِلَ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ حَتَّى جَازَ إعْتَاقُهُ دُونَهَا فَثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ عَمَّلَا بِشَبَهَيْ الْجُزْئِيَّةِ وَعَدَمِهَا؛ لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فِي الْحَالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ إذَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ، وَتَأَيَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فَشَرَطَ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْعِتْقِ أَنْ تَلِدَ مِنْ سَيِّدِهَا، وَهَذِهِ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا. (وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْأُمُومَةِ) فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصْلُ (هُوَ الْجُزْئِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ؛ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِسَبَبِ الْوَلَدِ (وَالْجُزْئِيَّةُ إنَّمَا ثَبَتَتْ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا) فَتَثْبُتُ الْجُزْئِيَّةُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، فَثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ

فَتَثْبُتُ الْجُزْئِيَّةُ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ، بِخِلَافِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ فِيهِ لِلْوَلَدِ إلَى الزَّانِي، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ عَلَى الزَّانِي إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. نَظِيرُهُ مَنْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ نِسْبَتِهِ إلَى الْوَالِدِ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ. (وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُزْئِيَّةِ الثَّابِتِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الزَّوْجِ فَتَثْبُتُ الْأُمُومَةُ (بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا نَسَبَ يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ مِنْ الزَّانِي) فَلَا تَصِيرَ الْأَمَةُ الَّتِي جَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ الزِّنَا إذَا مَلَكَهَا الزَّانِي أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اسْتِحْسَانًا، خِلَافًا لَزُفَرَ حَيْثُ قَالَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ الْوَلَدُ إذَا مَلَكَهُ أَبُوهُ مِنْ الزِّنَا إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا يُعْتَقُ عَلَى الزَّانِي إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً بِغَيْرِ وَاسِطَةِ نَظِيرِهِ) أَيْ نَظِيرِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ لَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ انْتِسَابِهِ إلَى أَبِيهِ (مَنْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يُعْتَقُ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ بَلْ (بِوَاسِطَةِ نِسْبَتِهِ إلَى الْوَالِدِ) وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً عَتَقَ كَمَا إذَا كَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْأُمُومَةَ تَتْبَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ عِنْدَ الْمِلْكِ. وَالْعِتْقُ الْمُنَجَّزُ يَتْبَعُ حَقِيقَةَ الْجُزْئِيَّةِ عِنْدَ الْمِلْكِ أَوْ ثُبُوتِ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ ثَابِتَةٍ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَيُّمَا أَمَةٍ " الْحَدِيثَ، لَيْسَ فِيهِ قَصْرُ الْأُمُومَةِ عَلَى السَّيِّدِ بَلْ إنَّهَا تَثْبُتُ مِنْهُ غَيْرَ مُتَعَرَّضٍ لِنَفْيِهَا عَنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا صَحَّ تَعْلِيلُهُ بِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ مِنْهُ ثَبَتَتْ مِنْ غَيْرِهِ إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ، وَقَدْ صَحَّ مِنْ الزَّوْجِ فَتَثْبُتُ بِالْوِلَادَةِ مِنْهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّا نَنْفِي الْمَفْهُومَ الْمُخَالِفَ، وَهُمْ وَإِنْ أَثْبَتُوهُ قَدَّمُوا عَلَيْهِ الْقِيَاسَ، فَإِذَا صَحَّ قِيَاسُ الزَّوْجِ عَلَى السَّيِّدِ فِي ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ لَزِمَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى تَعْلِيلِنَا مَا إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدَ أَمَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ، فَإِنَّهُ نَسَبُهُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ السَّيِّدِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْأُمُومَةِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الشَّرْعُ فَكَانَ دَائِرًا مَعَ ثُبُوتِ النَّسَبِ شَرْعًا أَوْ اعْتِرَافًا. وَمِمَّا تَنْتَفِي فِيهِ الْأُمُومَةُ مَا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ: أَمَةٌ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ، فَإِنْ مَلَكَهُ الْمُدَّعَى عَتَقَ وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ

وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا) وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ انْعَلَقَ حُرَّ الْأَصْلِ لِاسْتِنَادِ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ. (وَإِنْ وَطِئَ أَبُو الْأَبِ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ لَمْ يَثْبُتُ النَّسَبُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ حَالَ قِيَامِ الْأَبِ (وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا ثَبَتَ مِنْ الْجَدِّ كَمَا يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ) ؛ لِظُهُورِ وِلَايَتِهِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ، وَكُفْرُ الْأَبِ وَرِقُهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْوِلَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ) سَوَاءً كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ لَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ كَوَطْءِ الْحَائِضِ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا قُبَيْلَ الْوَطْءِ بِالْقِيمَةِ؛ لِيَقَعَ الْوَطْءُ فِي مِلْكِهِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا) لِسَبْقِ مِلْكِهِ الْوَطْءَ (وَلَا قِيمَةَ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ انْعَلَقَ حُرًّا؛ لِتَقَدُّمِ الْمِلْكِ عَلَى الْأُمِّ (وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا) فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ مِنْ (كِتَابِ النِّكَاحِ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَمَهْرَهَا وَهُوَ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِهِ الْمِلْكَ حُكْمًا لِلْوَطْءِ، إذْ لَوْ أَثْبَتَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ لَمْ يَتَّجِهْ لَهُ إيجَابُ الْمَهْرِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَعَلَى هَذَا تَسْتَمِرُّ عَلَى مِلْكِ الِابْنِ. وَمَذْهَبُ مَالِكٌ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالْقِيمَةِ بِمُجَرَّدِ الْوَطْءِ حَمَلَتْ أَوْ لَا، وَإِذَا كَانَ تَمَلُّكُهَا لَازِمًا عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ دَعْوَةُ وَلَدِ مُدَبَّرَةِ ابْنِهِ وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ إذْ لَا يَقْبَلَانِ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ الْجَارِيَةِ عُرْفٌ يُخْرِجُهُمَا فَقَدْ أَخْرَجَهُمَا بِاللَّفْظِ، وَإِلَّا فَبِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ هَذَا الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَبُ صَاحِبَ وِلَايَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى الدَّعْوَةِ أَيْضًا، فَلَوْ بَاعَ الِابْنُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ رَدٍّ وَوَلَدَتْ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بَاعَهَا فَادَّعَاهُ الْأَبُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الِابْنُ كَمَا إذَا ادَّعَى الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ وَصَدَّقَهُ، وَكَذَا دَعْوَةُ الْجَدِّ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ كَافِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَبْدًا فَعَتَقَ أَوْ مَجْنُونًا فَأَفَاقَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ وَالْإِفَاقَةِ إلَى الدَّعْوَةِ فَادَّعَاهُ لَا تَصِحُّ؛ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ، أَمَّا الْمَعْتُوهُ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إفَاقَتِهِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا تَصِحُّ؛ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عِنْدَ الْعُلُوقِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَتَهَ لَا يُبْطِلُ الْحَقَّ وَالْوِلَايَةَ بَلْ يَعْجِزُ عَنْ الْعَمَلِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ الْمُدَّعِي مُرْتَدًّا فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ صَحَّتْ، وَإِلَّا لَا. وَعِنْدَهُمَا صَحِيحَةٌ وَهِيَ فَرْعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالْقِيمَةِ فَكَانَ كَالْبَيْعِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَتَوَقَّفَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُرْتَدِّ فِي مَالِ وَلَدِهِ مَوْقُوفٌ عِنْدَ هُمَا أَيْضًا، لَكِنَّهَا تَضَمَّنَتْ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَفِيهِ لَا يَتَوَقَّفُ لَا سِيَّمَا فِي النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَيَنْفُذُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَطِئَ أَبُو الْأَبِ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ مُسْلِمًا حُرًّا عَاقِلًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ قِيَامُ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ مُتَّصِفًا بِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مَجْنُونًا فَإِنَّ الْجَدَّ حِينَئِذٍ يَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ جَارِيَةَ ابْنِ ابْنِهِ لِقِيَامِ وِلَايَتِهِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُرْتَدًّا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْجَدِّ عِنْدَ هُمَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ عِنْدَهُمَا فَمَنَعَتْ تَصَرُّفَ الْجَدِّ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَبُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْجَدِّ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لُحِقَ وَقَضَى بِلَحَاقِهِ صَحَّتْ، وَلَوْ بَاعَ ابْنُ الِابْنِ الْجَارِيَةَ حَامِلًا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بَاعَهَا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْجَدِّ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَبِ.

(وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسُبُّهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعُلُوقُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَنْعَلِقُ مِنْ مَاءَيْنِ. (وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبَهُ إذْ هُوَ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً، إذْ الْمِلْكُ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَعَقَّبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ شَرْطًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَقَدَّمُهُ فَصَارَ وَاطِئًا مِلْكَ نَفْسِهِ (وَلَا يَغْرَمُ قِيمَةَ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) سَوَاءً كَانَ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا، وَأَعْتَقَ الْآخَرَ مَعًا فَالدَّعْوَةُ أَوْلَى لِتَضَمُّنِهَا ثُبُوتَ نَسَبِ الْوَلَدِ دُونَ إعْتَاقِ الْآخَرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي نِصْفِهِ الْمَمْلُوكِ لَهُ مِنْ الْجَارِيَةِ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي، وَلَفْظُ " فِي " يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى " مِنْ " الَّتِي لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ: أَيْ ثَبَتَ مِنْ نِصْفِ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكِ لَهُ وَلَا يَكُونُ لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» أَيْ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِسَبَبِ نِصْفِهِ الْمَمْلُوكِ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي يَنْبُو عَنْهُ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ نِصْفِ الْأُمِّ فَيَثْبُتُ مِنْ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ أَيْ النَّسَبُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتُهُ مِنْ امْرَأَةٍ، فَثُبُوتُهُ مِنْ بَعْضِهَا هُوَ عَيْنُ ثُبُوتِهِ مِنْ كُلِّهَا. وَلَا يُقَالُ: سَيَأْتِي أَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَجْزِئَةٌ مِنْ امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ مِنْ كُلِّهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا مِنْ بَعْضِهَا لِوَاحِدٍ وَمِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ لِلْآخَرِ، وَإِنَّمَا لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْعُلُوقُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي امْرَأَةٍ، بِأَنْ عَلِقَ الْوَلَدُ مِنْ مَاءِ رَجُلَيْنِ عَلَى قَوْلِنَا؛ لِأَنَّهَا إذَا عَلِقَتْ مِنْ الْأَوَّلِ انْسَدَّ فَمُ الرَّحِمِ فَلَا تَعْلَقُ مِنْ الْآخَرَ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِنَا لَا يَمْتَنِعُ، بَلْ وَاقِعٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ مُثْبِتِي الْقِيَافَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي. فَعَدَمُ التَّجَزِّي أَنْ لَا يَعْلَقَ الْوَلَدُ بِنِصْفِهَا (قَوْلُهُ: وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ

فَلَمْ يَتَعَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتُ النَّسَبِ فَلَا يَصِيرُ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بَلْ تَصِيرُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَعِنْدَهُ يَصِيرُ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ، وَلَا يَمْتَنِعُ تَجَزِّي الْأُمُومَةِ كَمَا امْتَنَعَ تَجَزِّي ثُبُوتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ هُوَ ثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ، وَالْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ بِمَعْنَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَجَازَتْ أُمُومَةُ نِصْفِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْتَقُ نِصْفُهَا بِالْمَوْتِ ثُمَّ يَثْبُتُ حُكْمُ عِتْقِ الْبَعْضِ مِنْ الِاسْتِسْعَاءِ فِي الْبَاقِي أَوْ إعْتَاقِهِ إلَى آخِرِ مَا عُرِفَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ النَّصُّ الْمُفِيدُ لِتَجَزِّي الْعِتْقِ أَوْجَبَ أَنْ لَا يُقَرَّ بَعْضُهُ عَتِيقًا وَبَعْضُهُ رَقِيقًا وَالْأُمُومَةُ شُعْبَةٌ مِنْ الْعِتْقِ وَجَبَ فِيهَا إذَا صَارَ بَعْضُهَا أُمَّ وَلَدٍ بِمَعْنَى اسْتَحَقَّ بَعْضُهَا الْعِتْقَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ كُلُّهَا وَلَا يَبْقَى بَعْضُهَا رَقِيقًا وَبَعْضُهَا مُسْتَحِقًّا لِلْعِتْقِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرَّ تَجَزِّيهَا فِي حَقِّ الْأُمُومَةِ، بَلْ التَّجَزِّي فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ يُتَمِّمَ الْكُلَّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيلَ تَمَلُّكِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ تَعْلِيلٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ. يُقَالُ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَالْعِلْمِ، وَلَوْ قِيلَ لَا مِنْ الطَّرِيقِ عُدَّ جُنُونًا، وَكَوْنُهُ أَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالِاسْتِيلَادِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَيُّنَ الضَّمَانِ عَلَى مَعْنًى لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مِنْ الشَّرِيكِ، بَلْ الثَّابِتُ بِهِ جَوَازِ أَنْ يَضْمَنَهُ، وَلِلْإِنْسَانِ تَرْكُ حَقِّهِ، وَهَا هُنَا لَوْ رَضِيَ الشَّرِيكُ بِتَرْكِ تَضْمِينِهِ وَيَصِيرُ نِصْفُهَا مِلْكًا لَهُ وَنِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْآخَرِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ يُعْتَقُ نِصْفُهَا، وَيُرَقُّ نِصْفُهَا الْآخَرُ أَوْ تَسْعَى لَهُ إذَا ذَاكَ لَا يَجُوزُ، فَلَيْسَ الْمُوجِبُ لِلنَّقْلِ إلَّا مَا قُلْنَا مِنْ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَتَقَ الْبَعْضُ لَا يَبْقَى الْبَعْضُ رَقِيقًا وَأُلْحِقَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِحَقِيقَتِهَا وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ نِصْفِهَا يَوْمَ وَطْئِهَا الَّذِي عَلِقَتْ مِنْهُ، وَكَذَا نِصْفُ الْعُقْرِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ نِصْفُ عُقْرِهَا عَلَى الْمُسْتَوْلِدِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي نِصْفِ شَرِيكِهِ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَعَقَّبُهُ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مُقَارِنًا لِلْعُلُوقِ لِاسْتِنَادِهِ إلَيْهِ فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْوَطْءِ، وَبِابْتِدَائِهِ يَثْبُتُ الْمَهْرُ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِنْزَالِ فَلَزِمَ سَبْقُ وُجُوبِ الْمَهْرِ الِاسْتِيلَادَ بِالضَّرُورَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَيَسْقُطُ مَا أَصَابَ حِصَّتَهُ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَمَا قِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ يُقَارِنُهَا فِي الْخَارِجِ لَمْ يَخْتَرْهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ مَلَأَ الْكِتَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَوَّلُهُ مِنْ بَابِ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ فِي خِلَافِيَّةِ زُفَرَ فِيمَا إذَا دَفَعَ النِّصَابَ إلَى الْفَقِيرِ مَنَعَهُ زُفَرُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ قَارَنَ الْغِنَى، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ حُكْمُ الدَّفْعِ فَيَتَعَقَّبُهُ فَحَصَلَ الدَّفْعُ إلَى الْفَقِيرِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُكَرِّرُهُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مِثْلُهُ، ثُمَّ ضَمَانُ قِيمَةِ نِصْفِ الشَّرِيكِ لَازِمٌ فِي يَسَارِهِ، وَإِعْسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ كَالْبَيْعِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُعْسِرًا سَعَتْ أُمُّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الِاسْتِيلَادِ حَصَلَتْ لَهَا، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ الْأَبُ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ الْعُقْرَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا يَثْبُتُ شَرْطًا لِلِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَيَتَقَدَّمُ لِيَقَعَ الْوَطْءُ فِي مِلْكِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمِلْكُ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ الِاسْتِيلَادِ، وَهُوَ بِالْعُلُوقِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْعُلُوقِ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْوَطْءِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْفِعْلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْوَلَدُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْفِعْلُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَطْلُوبِ، فَالتَّقَدُّمُ عَلَى الْعُلُوقِ تَقَدُّمٌ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ الِاسْتِيلَادُ، وَمِنْهُ الْوَطْءُ فَاعْتُبِرَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ. وَلَا يَغْرَمُ قِيمَةَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَمِلْكُهُ يَثْبُتُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْضًا فَلَمْ يَنْعَلِقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ بَلْ عَلِقَ حُرًّا فَلَا يَضْمَنُ

(وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا) مَعْنَاهُ إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْقَافَةِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ مُتَعَذِّرٌ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهِ، وَقَدْ سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ شَيْئًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ فِي نِصْفِ شَرِيكِهِ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيُعْتِقُهُ أَنَّ الْعُلُوقَ قَبْلَ مِلْكِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَحْصُلُ مَمْلُوكُ النِّصْفِ لَهُ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ. وَاسْتِنَادُ النَّسَبِ إلَى الْعُلُوقِ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي مِلْكِ الشَّرِيكِ لَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَعْلَقَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى مِلْكِهِ. لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ كَوْنُهُ أَرَادَ بِالِاسْتِيلَادِ فِي قَوْلِهِ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ الْوَطْءَ. لِأَنَّا نَقُولُ: الِاسْتِيلَادُ إمَّا أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْعُلُوقِ، أَوْ عَلَى مَجْمُوعِ الْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ وَالْعُلُوقِ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَطْءِ بِلَا إنْزَالٍ فَلَا. وَلَوْ سَلِمَ لَمْ يَصِحَّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ مِنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَوْلِدِ ضَرُورَةُ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَا تَصِيرُ إلَّا بِالْعُلُوقِ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ بِلَا مُوجِبٍ. وَالِاعْتِرَاضُ السَّابِقُ بِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ مَعَهَا فِي الْأَصَحِّ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ مَعَ الْعُلُوقِ أَيْضًا بِلَا مُوجِبٍ؛ لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَلْزَمْ النَّقْلُ. فَالْوَجْهُ جَعَلَهُ مُعَقِّبًا لِلْعُلُوقِ بِلَا فَصْلٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَاءٌ مَهِينٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يُضْمَنُ، وَحِينَ صَارَ بِحَيْثُ يُضْمَنُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ حِينَ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَوْلَدِ انْتَقَلَتْ بِأَجْزَائِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا ذَلِكَ الْمَاءُ، هَذَا إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا، فَإِنْ اشْتَرَيَاهَا حَامِلًا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ الِاسْتِيلَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي مِلْكِهَا، وَلِذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرٌ لِشَرِيكِهِ هُنَا، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا كَانَتْ دَعْوَتُهُ مِلْكٌ وَهِيَ كَالْإِعْتَاقِ الْمُوقِعِ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ كَالْبَيْعِ، وَلَا عُقْرَ لِشَرِيكِهِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَمْ يُوجَدْ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا) وَكَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَتَخْدُمُ كُلًّا مِنْهُمَا يَوْمًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ لِلْحَيِّ فِي تَرْكِهِ الْمَيِّتِ لِرِضَا كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِتْقِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا تَسْعَى لِلْحَيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا. وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَهُ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلسَّاكِتِ، وَلَا سِعَايَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَتَسْعَى إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعُقْرِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ. وَفَائِدَةُ إيجَابِ الْعُقْرِ مَعَ التَّقَاصِّ بِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَبْرَأ أَحَدَهُمَا عَنْ حَقِّهِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ. وَأَيْضًا لَوْ قُوِّمَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرِ بِالذَّهَبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ الذَّهَبَ وَيَرِثُ

وَلَنَا كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ: لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا، هُوَ ابْنُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالِابْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ. فَهَذِهِ أَحْكَامُ دَعْوَتِهِمَا ذَكَرَهَا الْقُدُورِيُّ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا حَتَّى إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ كُلُّ مِيرَاثِ الِابْنِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهَا بِوَجْهِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَالَ: وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَسَيُقَيِّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ، فَلَوْ كَانَ بِأَنْ كَانَ الشَّرِيكَانِ أَبًا وَابْنًا فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ وَحْدَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا يَثْبُتُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَحْدَهُ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ فَيَثْبُتُ مِنْهُمَا وَيَكُونُ مُسْلِمًا، وَقَيَّدَهُ هَاهُنَا بِمَا إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا، وَهُوَ أَنْ تَلِدَهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: يَعْنِي فَصَاعِدًا وَلَوْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ مَلَكَاهَا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ الْحَمْلُ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا نِكَاحًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَوَلَدَتْ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ فَادَّعَيَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ الزَّوْجِ فَإِنَّ نَصِيبَهُ صَارَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّي عِنْدَهُمَا وَلِإِبْقَاءِهِ عِنْدَهُ فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا. وَأَيْضًا مَا إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا رَقَبَةً فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ آخَرَ فَوَلَدَتْ: يَعْنِي لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ بَيْعِ النِّصْفِ فَادَّعَيَاهُ يَكُونُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ، وَعَمَّا إذَا كَانَ الْحَمْلُ قَبْلَ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ اشْتَرَيَا أَمَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ مَلَكَاهَا أَوْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مِلْكِهِمَا إيَّاهَا فَاشْتَرَيَاهَا فَادَّعَيَاهُ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقٍ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيُعْتَقُ الْوَلَدُ مُقْتَصَرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ شَرْطَهَا كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ، وَتَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَعْلَقُ حُرًّا وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنِي وَأُمُّهُ فِي مِلْكِهِ هَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَوْ لَا؟ قِيلَ نَعَمْ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْلُومَهُ، وَقِيلَ لَا فِيهِمَا، وَقِيلَ نَعَمْ فِي مَجْهُولِهِ لَا فِي مَعْلُومِهِ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حُكْمُنَا عِنْدَ جَهْلِنَا بِحَالِ الْعُلُوقِ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُهُ فِي الْقَدِيمِ، وَرَجَّحَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ حَدِيثَ الْقَافَةِ. وَقِيلَ يَعْمَلُ بِهِ إذَا فُقِدَتْ الْقَافَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْقَائِفِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَائِفٌ وَقَفَ حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ فَيَنْتَسِبُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَسِبْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ نَسَبُهُ مَوْقُوفًا لَا يَثْبُتُ لَهُ نَسَبٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّهِ. وَالْقَائِفُ هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ آثَارَ الْآبَاءِ فِي الْأَبْنَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْآثَارِ مِنْ قَافَ أَثَرَهُ يَقُوفُهُ مَقْلُوبُ قَفَا أَثَرَهُ مِثْلَ رَاءٍ مَقْلُوبُ رَأَى، وَالْقِيَافَةُ مَشْهُورَةٌ فِي بَنِي مُدْلِجٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْلِجِيًّا فَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ فِي الْإِمَاءِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا تَعَلَّقَ مِنْ رَجُلٍ انْسَدَّ فَمُ الرَّحِمِ مُتَعَذَّرٌ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَافَةَ لَوْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا لَا يُلْحَقُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ إذَا أَلْحَقُوا بِهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ الْعَمَلُ بِالشَّبَهِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ حَيْثُ سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا أَخْرَجَ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ كُلِّهِمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَات يَوْمٍ مَسْرُورًا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدٌ وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ. (وَلَنَا كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ) ذَكَرَ أَنَّ شُرَيْحًا كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَارِيَةٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنَّهُمَا لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا، وَهُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا. وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَحَلَّ مَحَلَّ

يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ. وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ، وَالنَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَكِنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ، فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ، وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِجْمَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. قَالَ: (وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ) يَعْنِي الدَّعْوَةِ مَعَ الْمِلْكِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ، وَالنَّسَبُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَوِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَالْحَضَانَةِ فَمَا يَقْبَلُ التَّجَزِّي كَالْإِرْثِ، وَمَا ذَكَرنَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ، وَمَا لَا يَقْبَلُهَا كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ هُوَ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ؛ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَعَلِيٌّ يَقُولُ هُوَ ابْنُهُمَا وَهُمَا أَبَوَاهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ، وَذَكَرَهُ سَعِيدٌ أَيْضًا، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي طُهْرِ امْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يُشْبِهُهُمَا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَدَعَا الْقَافَةَ فَنَظَرُوا فَقَالُوا نَرَاهُ يُشْبِهُهُمَا، فَأَلْحَقَهُ بِهِمَا وَجَعَلَهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا وَلَدًا فَدَعَا عُمَرُ الْقَافَةَ وَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِبَصَرِ الْقَافَةِ وَأَلْحَقَهُ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ. ثُمَّ ذَكَر أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَا دَعَا عُمَرُ الْقَافَةَ فَرَأَوْا شَبَهَهُ فِيهِمَا وَرَأَى عُمَرُ مِثْلَ مَا رَأَتْ الْقَافَةُ قَالَ: قَدْ كُنْت أَعْلَمُ أَنَّ الْكَلْبَةَ تَلِدُ لِأَكْلَبَ فَيَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ لِأَبِيهِ مَا كُنْت أَرَى أَنَّ مَاءَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ. وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَأَى الْقَافَةِ وَعُمَرُ جَمِيعًا شَبَهُهُ فِيهِمَا وَشَبَهُهُمَا فِيهِ، وَقَالَ: هُوَ بَيْنَكُمَا يَرِثُكُمَا وَتَرِثَانِهِ، قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ لِلْآخِرِ مِنْهُمَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى مَا أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ مَوْلًى لِآلِ مَخْزُومٍ قَالَ: وَقَعَ رَجُلَانِ عَلَى جَارِيَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَعَلَقَتْ الْجَارِيَةُ فَلَمْ يُدْرَ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ، فَأَتَيَا عَلِيًّا فَقَالَ هُوَ بَيْنَكُمَا يَرِثُكُمَا وَتَرِثَانِهِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَتَاهُ رَجُلَانِ وَقَعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْوَلَدُ بَيْنَكُمَا وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا. وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: يَرْوِيه سِمَاكٌ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لَمْ يُسَمِّهِ، وَقَابُوسُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى عَلِيٌّ مَرْفُوعًا خِلَافَ ذَلِكَ. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا حُبَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرَقْمَ قَالَ: «أُتِيَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِثَلَاثَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ قَالَا لَا، حَتَّى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَأَلَهُمْ جَمِيعًا فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِاَلَّذِي صَارَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ أَيْضًا مَوْقُوفًا، وَكَذَا النَّسَائِيّ عَلَى عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ أَجْوَدَ مِنْ إسْنَادِ الْمَرْفُوعِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ فِيهِ: فَأَغْرَمَهُ ثُلُثَيْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِصَاحِبَيْهِ، وَهُوَ حَسَنٌ مُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِالدِّيَةِ فِيمَا قَبْلَهُ. وَحَاصِلُ مَا تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِقَوْلِ الْقَافَةِ، وَأَنَّ عُمَرَ قَضَى عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِمْ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ إثْبَاتَ عَلِيٍّ النَّسَبَ بِالْقُرْعَةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مَا يُنْسَبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ هُوَ سُرُورُهُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ. فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ سُرُورَهُ كَانَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ فَكَانُوا لِذَلِكَ يَطْعَنُونَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ قَوْلَ الْقَافَةِ فَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ مَقْطَعًا لَطَعَنَهُمْ، فَسُرُورُهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ قَطْعِ طَعْنِهِمْ وَاسْتِرَاحَةِ مُسْلِمٍ مِنْ التَّأَذِّي بِنَفْيِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ خَطَئِهِمْ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ كَوْنُ الْقِيَافَةِ حَقًّا فِي نَفْسِهَا فَتَكُونُ مُتَعَلَّقَ سُرُورِهِ أَيْضًا، أَوْ لَيْسَتْ حَقًّا فَيَخْتَصُّ سُرُورُهُ بِمَا قُلْنَا فَلَزِمَ أَنَّ حُكْمَنَا بِكَوْنِ سُرُورِهِ بِهَا نَفْسِهَا فَرْعُ حُكْمِنَا بِأَنَّهَا حَقٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّيَّتِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ. وَطَعَنَ يَطْعَنُ بِضَمِّ عَيْنِ الْمُضَارِعِ بِالرُّمْحِ وَفِي النَّسَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُسْتُدِلَّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَافَةِ بِحَدِيثِ اللِّعَان حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «إنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُثَيْبِجَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ» وَهَذِهِ هِيَ الْقِيَافَةُ، وَالْحُكْمُ بِالشَّبَهِ. وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ لَا الْقِيَافَةِ. وَقَدْ يُقَالُ الظَّاهِرُ عِنْدَ إرَادَةِ تَعْرِيفِهِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِيَافَةُ مُعْتَبَرَةً لَكَانَ شَرْعِيَّةَ اللِّعَانِ تَخْتَصُّ بِمَا إذَا لَمْ يُشْبِهَ الْمَرْمِيَّ بِهِ أَشْبَهَ الزَّوْجَ أَوْ لَا لِحُصُولِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنًا لِلنَّافِي، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِكَذِبِهَا فِي نَسَبِ الْوَلَدِ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَقِّيَّةَ قِيَافَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقِّيَّةَ قِيَافَةِ غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْقِيَافَةَ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ ظَاهِرَةٍ يَسْتَوِي النَّاسُ فِي مَعْرِفَتِهَا، ثُمَّ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِفِعْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ إلْحَاقُهُ بِالْقُرْعَةِ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَطُرُقُهُ صَحِيحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْقُرْعَةَ طَرِيقٌ صَحِيحَةٌ لِتَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ، بَلْ سُرَّ بِهِ، فَإِنَّ الضَّحِكَ دَلِيلُهُ مَعَ عَدَمِ الْإِنْكَارِ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِنَسْخِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى مَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ مِنْ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْقَافَةِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْقُوَّةِ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يُعَارِضُهُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ مِنْ قِصَّةِ شُرَيْحٍ؛ لِخَفَائِهَا وَعَدَمِ تَثْبِيتِهَا. وَإِنْ كَانَتْ قِصَّةً مُرْسَلَةً، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، وَكَذَا عُرْوَةُ عَنْهُ، لَكِنَّهُمَا إمَامَانِ لَا يَرْوِيَانِ إلَّا عَنْ قُوَّةِ أَمِينٍ مَعَ حُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ عِنْدَنَا فَكَيْفَ بِهِ مِنْ هَذَيْنِ؟ عَلَى أَنَّ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَعَمْ فِي إسْنَادِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رُبَّمَا يَكُونُ كَالْمَوْصُولِ بِعُمَرَ؛ لِأَنَّ سَعِيدًا رَوَى عَنْ عُمَرَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ مِثْلِ هَذَا، وَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ عُمَرَ بِالْقِيَافَةِ لَزِمَ أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ فِي سُرُورِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَوْنُ الْحَقِّيَّةِ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ ثَابِتٌ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا لَمْ يَقُلْ بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اثْنَيْنِ يَلْزَمُهُ اعْتِقَادُ أَنَّ فِعْلَ عُمَرَ كَانَ عَنْ رَأْيِهِ لَا بِقَوْلِ الْقَافَةِ فَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ اثْنَيْنِ إذْ حَلَّ مَحِلَّ الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَلْزُومٌ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّ سُرُورَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا إلَّا بِرَدِّ طَعْنِهِمْ أَوْ ثُبُوتِ نَسْخِهِ وَبِهِ نَقُولُ، إلَّا أَنَّا

إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَبًا لِلْآخِرِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَفِي حَقِّ الْأَبِ وَهُوَ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي نَصِيبِ الِابْنِ، وَسُرُورُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رُوِيَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ مُقْطِعًا لِطَعْنِهِمْ فَسُرَّ بِهِ (وَكَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا) ؛ لِصِحَّةِ دَعْوَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ فِي الْوَلَدِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِوَالِدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا نَقُولُ إنَّهُ مِنْ مَائِهِمَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الرَّحِمِ إلَّا مُتَعَاقِبَيْنِ. فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَوَّلِ لَمْ يُتَصَوَّرْ خَلْقُهُ مِنْ الثَّانِي، بَلْ إنَّهُ يَزِيدُ فِي الْأَوَّلِ فِي سَمْعِهِ قُوَّةً وَفِي بَصَرِهِ وَأَعْضَائِهِ. وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ فَقَاصِرٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ تَحِيضُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ بِالِانْسِدَادِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ مَعَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ مَاءِ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ كَمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَخَمْسَةٍ وَأَكْثَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَنْفِي ثُبُوتَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، لَكِنَّهُ تَرْكٌ لِأَثَرِ عُمَرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَثْبُتُ لِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِقُرْبِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الِاثْنَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ الِاشْتِبَاهُ وَالدَّعْوَةُ فَلَا فَرْقَ. فَلَوْ تَنَازَعَ فِيهِ امْرَأَتَانِ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْضَى لِلْمَرْأَتَيْنِ فَلَا يَلْحَقُ إلَّا بِأُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَنْصِبَاءِ مُتَفَاوِتَةً أَوْ مُتَسَاوِيَةً فِي الْجَارِيَةِ فِي دَعْوَى الْوَلَدِ، وَلَوْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ تُصَدِّقُهُ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَقَطْ، فَلَوْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمْ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَبًا لِلْآخَرِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا وَعَلِمْت أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَمَةٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَعَبْدٍ وَلَدَتْ فَادَّعَوْهُ فَالْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَوْلَى لِاجْتِمَاعِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فِيهِ مَعَ الْمِلْكِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ بَلْ مِنْ بَعْدِهِ فَقَطْ فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَكِنْ بِيَدِ الْوَلَدِ تَحْصِيلُ الْإِسْلَامِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ مِلْكٍ وَالْوَلَدُ عَلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ بِأَدَاءِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبٌ وَادَّعَى الْمُدَبَّرُ وَالْعَبْدُ لَا يَثْبُتُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ لَهُمْ مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ، قِيلَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ وُهِبَتْ لَهُ أَمَةٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ أَنْ يُزَوَّجَ مِنْهَا أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَمُرْتَدٍّ فَالْوَلَدُ لِلْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ وَغَرِمَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ الْعُقْرِ. (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا لِصِحَّةِ دَعْوَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ الْوَلَدِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِوَلَدِهَا) وَلَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ

(وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعُقْرِ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ (وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ. (وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ يَدَّعِي وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَكْسَابِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى لَا يَتَمَلَّكَهُ وَالْأَبُ يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ فَلَا مُعْتَبَرَ بِتَصْدِيقِ الِابْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: وَيَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ) حَيْثُ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنَهُ وَحْدَهُ، وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ (وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالْأُبُوَّةِ لَا تَسْرِي فِي حَقِّ الْآخَرَ، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ الدَّعْوَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالْمِلْكِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى شَيْءٍ يَصِيرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَكَذَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ابْنٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ) ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ، لَكِنْ إذَا مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِمَا سَيُذْكَرُ. (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ بَلْ يَثْبُتُ) نَسَبُهُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ دَعَوْتِهِ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ إلَى تَصْدِيقِهِ، وَقَوْلُهُ وَهَذَا قَوْلُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ يَدَّعِي وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ كَسْبُ كَسْبِ الْمُدَّعِي، أَوْ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي الْمُكَاتَبِ مِلْكُ رَقَبَتِهِ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِحَقِيقَةِ مِلْكِ كَسْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ كَانَ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْمَلِكِ، وَلَيْسَ لِلْوَالِدِ مِلْكٌ حَقِيقَةً فِي رَقَبَةِ وَلَدِهِ بَلْ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ بِمَالِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَحَقُّ الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ التَّمَلُّكِ، فَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِ جَارِيَةِ الِابْنِ مِنْ الْأَبِ بِمُجَرَّدِ دَعَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى تَصْدِيقِهِ فَالثُّبُوتُ مِنْ الْمَوْلَى أَوْلَى. (وَوَجْهُ الظَّاهِرِ: وَهُوَ الْفَرْقُ) بَيْنَ جَارِيَةِ الِابْنِ وَجَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ (أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَكْسَابِ مُكَاتَبِهِ) بِسَبَبِ حَجَرِهِ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ تَمَلُّكِهِ (وَالْأَبُ يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ) لِحَاجَتِهِ عَلَى مَا عُرِفَ (فَلَا مُعْتَبَرَ بِتَصْدِيقِهِ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَارِثِ يَسْتَوْلِدُ أَمَةً مِنْ تَرِكَةٍ مُسْتَغْرَقَةٍ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ بِلَا تَصْدِيقِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ حَتَّى مَلَكَ اسْتِخْلَاصَ مَا يَشَاءُ مِنْ

قَالَ: (وَعَلَيْهِ عُقْرُهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُهُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ لِمَا نَذْكُرُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرِكَةِ بِإِعْطَاءِ قِيمَتِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَقُّ مِنْهُ لِيَحْتَاجَ إلَى تَصْدِيقِهِ. بِخِلَافِ الْبَائِعِ يَدَّعِي وَلَدَ الْمَبِيعَةِ بَعْد الْبَيْعِ يَصِحُّ لِاتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ وَوَجَبَ لِلْوَلَدِ حَقُّ الْعِتْقِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِاعْتِرَاضِ الْبَيْعِ. وَهَاهُنَا إنْ حَصَلَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى لِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ لَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي مِلْكِهِ لِلْجَارِيَةِ مِلْكًا خَالِصًا. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لُوحِظَ حَجْرَ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ فَتَصْدِيقُهُ لَا يُوجِبُ فَكَّ الْحَجْرِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ أَنَّهُ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَيُقْضَى أَنْ لَا يَثْبُتَ النَّسَبُ إذْ لَمْ يَرْتَفِعْ بِهِ الْمَانِعُ مِنْ ثُبُوتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا كَانَ مُكَذِّبًا لَهُ مَعَ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ أَقْوَى مِنْ التَّصْدِيقِ فَظَهَرَ ضَعْفُ اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْحِجْرَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ لِكَوْنِهِ هُوَ أَحَقُّ بِالدَّعْوَى فَلَا يَظْهَرُ حَقُّهُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يُكَذِّبَهُ بِأَنْ يَدَّعِيَهُ هُوَ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْلَامِ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْوَطْءِ فَإِنَّ تَكْذِيبَهُ قَائِمٌ، وَاخْتِبَارُ التَّصْدِيقِ لَيْسَ لِاسْتِعْلَامِ الْوَطْءِ قَطْعًا بَلْ تَقْدِيمًا لِلْأَحَقِّ عَلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اسْتَلْحَقَ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِ الْآخِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ مِنْ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ عُقْرُهَا) لِلْمُكَاتَبِ (لِأَنَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى لَا يَتَقَدَّمُهُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ: أَيْ حَقِّ الْمَلِكِ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ لِمَا نَذْكُرُهُ: يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ عَقِيبَةَ أَنَّهُ كَسْبُ كَسْبِهِ. بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ مِلْكٍ فِي الْجَارِيَةِ فَيَتَقَدَّمُ مِلْكُهُ إيَّاهَا؛ لِتَصْحِيحِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا يَجِبُ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَةَ نَفْسِهِ، وَإِذَا وَجَبَ لِنَفْسِ الْمُكَاتَبَةِ الْعُقْرُ إذَا وَطِئَهَا الْمَوْلَى مَعَ ثُبُوتِ حَقِيقَةِ مِلْكِهِ فِيهَا فَلَأَنْ يَجِبَ بِوَطْءِ أَمَتِهَا أَوْلَى، وَأَبْعَدَ شَارِحٌ فَقَالَ: أَيْ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ حَقٌّ مَعَ أَنَّ مُجَرَّدَ ثُبُوتِ حَقٍّ فِي ذِمَّةِ

قَالَ: (وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ إنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبُ كَسْبِهِ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ (وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ (وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَكَاتِبُ فِي النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ (فَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) ؛ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ وَزَوَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ إذْ هُوَ الْمَانِعُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَيِّدِ أَمَةٍ لَا يُصَحِّحُ اسْتِيلَادَ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَقَدْ تَنَاوَلَهُ مِنْ مَكَان بَعِيدِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. (قَوْلُهُ: وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) عَطْفٌ عَلَى عُقْرِهَا: أَيْ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ (لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ) أَيْ الْجَارِيَةَ بِتَأْوِيلِ الشَّخْصِ (كَسْبُ كَسْبِهِ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ) حَيْثُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا يُوجِبُ حُرِّيَّتَهُ (فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ) كَمَا أَنَّ الْمَغْرُورَ بِشِرَاءِ أَمَةٍ اسْتَوْلَدَهَا فَاسْتُحِقَّتْ اعْتَمَدَ دَلِيلًا هُوَ الْبَيْعُ فَجُعِلَ عُذْرًا فِي حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْوَلَدِ هُنَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ وُلِدَ، وَقِيمَةُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُلُوقَ هُنَا حَصَلَ فِي مِلْكٍ لِمَوْلَى وَهُوَ مُقْتَضٍ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِحَقِّ مِلْكِهِ لِمَالِكِهَا إنَّهُ مَحْجُورٌ بِحَجْرٍ شَرْعِيٍّ عَنْهَا فَشَرْطٌ تَصْدِيقُهُ، فَإِذَا جَاءَ التَّصْدِيقُ صَحَّتْ الدَّعْوَى وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا فِي أَقْرَبِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَأَمَّا الْمَغْرُورُ فَضَمَانُهُ قِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ حَبَسَهَا عَنْ صَاحِبِهَا تَقْدِيرًا فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْحَبْسِ، وَتَحَقُّقُ هَذَا الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ إنَّمَا يَكُونُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ يَوْمَهَا. (ثُمَّ لَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً كَمَا فِي أُمِّ وَلَدِ الْمَغْرُورِ) الْمَبِيعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنَّ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاسْتِيلَادِ اسْتِلْحَاقُ الْوَلَدِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَصِحَّتُهُ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَأَمَّا ثُبُوتُ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ فَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ أَكْثَرُهَا دُونَ بَعْضٍ وَلَيْسَ عَيْنًا لِيَلْزَمَ نَفْيَ مَا أَثْبَتَهُ، ثُمَّ إذَا مَلَكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ فِي النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَكْسَابِ مُكَاتَبِهِ (فَلَوْ مَلَكَهُ) أَيْ لَوْ مَلَكَ الْوَلَدَ (يَوْمًا) مِنْ الدَّهْرِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) وَكَانَ وَلَدًا لَهُ (لِقِيَامِ الْمُوجِبِ) وَهُوَ إقْرَارُهُ بِالِاسْتِيلَادِ، وَزَوَالُ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ

[كتاب الأيمان]

كِتَابُ الْأَيْمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ] رَجُلٌ فَجَرَ بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ اشْتَرَى الْوَلَدُ عَتَقَ الْوَلَدُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُحِيطِ: يَجُوزُ إعْتَاقُ أُمِّ الْوَلَدِ وَكِتَابَتُهَا لِتَعْجِيلِ الْحُرِّيَّةِ، وَكَذَا تَدْبِيرُهَا لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: اسْتَوْلَدَ مُدَبَّرَتَهُ بَطُلَ التَّدْبِيرُ وَتُعْتَقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَلَا تَسْعَى فِي دَيْنٍ. وَفِي الْكَافِي: أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَالَا فِي صِحَّتِهِمَا هِيَ أُمُّ وَلَدِ أَحَدِنَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا يُؤْمَرُ الْحَيُّ بِالْبَيَانِ دُونَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَالْوَرَثَةُ تُخْبِرُ بِفِعْلِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ قَالَ الْحَيُّ هِيَ أُمُّ وَلَدِي فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَا يَضْمَنُ مِنْ الْعُقْرِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لِمَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا بَعْدَ مِلْكِهَا فَلَعَلَّهُ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ قَبْلُ، وَلَوْ قَالَ هِيَ أُمُّ وَلَدِ الْمَيِّتِ عَتَقَتْ صَدَّقَتْهُ الْوَرَثَةُ أَوْ كَذَّبَتْهُ لِأَنَّهُ إنْ صَدَقَ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَذَبَ فَكَذَلِكَ لِإِقْرَارِهِ بِعِتْقِهَا بِمَوْتِهِ، وَلَا سِعَايَةَ لِلْحَيِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ إنْ كَذَّبُوهُ فِي إقْرَارِهِ، وَإِنْ صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَقَرُّوا بِعَدَمِ السِّعَايَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] ِ اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ الْيَمِينِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ الْهَزْلَ وَالْإِكْرَاهَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ عَلَى الْكُلِّ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالطَّلَاقُ رَفْعُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَإِيلَاؤُهُ إيَّاهُ أَوْجَهُ. وَاخْتَصَّ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْأَيْمَانِ بِزِيَادَةٍ مُنَاسَبَةٍ بِالطَّلَاقِ مِنْ جِهَةِ مُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ الْإِسْقَاطُ، وَفِي لَازِمِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ السِّرَايَةِ

قَالَ: (الْأَيْمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) الْيَمِينُ الْغَمُوسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدَّمَهُ عَلَى الْيَمِينِ. وَلَفْظُ الْيَمِينِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ لُغَةً، وَالْأَوَّلَانِ ظَاهِرَانِ. وَشَاهِدُ الْقُوَّةِ قَوْله تَعَالَى {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] وَقَوْلُ الشَّمَّاخِ وَقِيلَ الْحُطَيْئَةُ: رَأَيْت عَرَابَةَ الْأَوْسِيِّ يَسْمُو ... إلَى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ أَيْ بِالْقُوَّةِ، ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّمَا سُمِّيَ الْقَسَمُ يَمِينًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الْيَمِينَ هُوَ الْقُوَّةُ وَالْحَالِفُ يَتَقَوَّى بِالْإِقْسَامِ عَلَى الْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَكُونَ بِأَيْمَانِهِمْ عِنْدَ الْقَسَمِ فَسَمَّيْت بِذَلِكَ. يُفِيدُ أَنَّهُ لَفْظٌ مَنْقُولٌ وَمَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ جُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً بَعْدَهَا خَبَرِيَّةً، وَتَرْكُ لَفْظِ أُولَى يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ، فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ وَجُمْلَةٌ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِيَّةِ كَحَلَفْتُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ أَحْلِفُ وَالِاسْمِيَّةُ مُقَدَّمَةُ الْخَبَرِ كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مُؤَخَّرَتُهُ نَحْوُ لَعَمْرُك لَأَفْعَلَنَّ، وَهُوَ مِثَالٌ أَيْضًا لِغَيْرِ الْمُصَرَّحِ بِجُزْأَيْهَا وَمِنْهُ وَاَللَّهِ وَتَاللَّهِ، فَإِنَّ الْحَرْفَ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الْفِعْلِ. وَأَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ: الْحَلِفُ، وَالْقَسَمُ وَالْعَهْدُ، وَالْمِيثَاقُ وَالْإِيلَاءُ، وَالْيَمِينُ. وَخَرَجَ بِإِنْشَائِيَّةٍ نَحْوَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. فَإِنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ إنْشَاءً فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا لُغَةً، وَأَمَّا مَفْهُومُهُ الِاصْطِلَاحِيُّ فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ مُقْسَمٌ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ وَمُؤَكَّدٌ بِهَا مَضْمُونُ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا وَتَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا فَدَخَلَتْ بِقَيْدٍ ظَاهِرٍ الْغَمُوسُ أَوْ الْتِزَامُ مَكْرُوهِ كُفْرٍ أَوْ زَوَالُ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ؛ لِيَمْنَعَ عَنْهُ أَوْ مَحْبُوبٍ؛ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ فَدَخَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ مِثْلَ إنْ فَعَلَ فَهُوَ يَهُودِيُّ وَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ بِضَمِّ التَّاءِ لِمَنْعِ نَفْسِهِ وَبِكَسْرِهَا لِمَنْعِهَا وَإِنْ بَشَّرْتَنِي فَأَنْتَ حُرٌّ. وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ، فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَانْفِرَادُ اللُّغَوِيِّ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَعْظُمُ، وَانْفِرَادُ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي التَّعْلِيقَاتِ. ثُمَّ قِيلَ: يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ، وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَأَمَّا شَرْطُهَا فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، وَحُكْمُهَا الَّذِي يَلْزَمُ بِوُجُودِهَا وُجُوبُ الْبِرِّ فِيمَا إذَا عُقِدَتْ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ فَيَثْبُتُ وُجُوبَانِ لِأَمْرَيْنِ الْفِعْلُ وَالْبِرُّ، وَوُجُوبُ الْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى ضِدِّهِمَا أَوْ نَدْبُهُ فِيمَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ جَائِزًا وَسَيَأْتِي. وَإِذَا حَنِثَ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْحِنْثُ أَوْ يَحْرُمُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. (قَوْلُهُ: الْيَمِينُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: يَمِينُ الْغَمُوسِ)

وَيَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ، وَيَمِينُ لَغْوٍ. (فَالْغَمُوسُ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ، فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ فِيهَا صَاحِبُهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ ذَنْبٍ هَتَكَ حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَحَقَّقَ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَةَ. وَلَنَا أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصَحُّ مِنْ النُّسَخِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ عَلَى الْوَصْفِ لَا الْإِضَافَةِ أَوْ يَمِينٌ غَمُوسٌ. وَأَمَّا يَمِينُ الْغَمُوسِ فَإِضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ، وَمَا قِيلَ هُوَ كَعِلْمِ الطِّبِّ رُدَّ بِأَنَّهُ إضَافَةُ الْجِنْسِ إلَى نَوْعِهِ؛ لِأَنَّ الطِّبَّ نَوْعٌ لَا وَصْفٌ لِلْمُضَافِ وَمِثْلُ صَلَاةِ الْأُولَى مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ، وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِغَمْسِهَا صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ. (قَوْلُهُ: فَالْغَمُوسُ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ بِهِ) وَلَيْسَ هَذَا بِقَيْدٍ بَلْ الْحَلِفُ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا كَذَلِكَ كَوَاللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ بِلَا شُبْهَةٍ. وَأَقْرَبُ الْأَلْفَاظِ إلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَهُ النَّارَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَالْمُرَادُ بِالْمَصْبُورَةِ الْمُلْزِمَةُ بِالْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ: أَيْ الْمَحْبُوسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَصْبُورٌ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهَا الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ) فِي الْأَصْلِ وَهِيَ الْمَعْقُودَةُ (لِرَفْعِ ذَنْبٍ هَتَكَ حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَحَقَّقَ) فِي الْغَمُوسِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ وُجُوبُهَا. (وَلَنَا أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ) لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ

وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِ مُبْتَدَإٍ، وَمَا فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» (وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا) أَيْ بِمَا هُوَ كَبِيرَةٌ (بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ؛ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ) بِأَنْ يَحْنَثَ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ الْبِرِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ (فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِ مُبْتَدَإٍ) غَيْرِ مُقَارِنٍ مُتَعَمِّدٍ بِنَفْسِ الْيَمِينِ كَمَا فِي الْغَمُوسِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ. وَحَاصِلُ هَذَا إبْدَاءُ وَصْفٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُبَاحًا وَادِّعَاءُ كَوْنِهِ جُزْءَ الْمُؤَثِّرِ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ وَقَدْ نُقِضَ بِالظِّهَارِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُوجِبَ فِيهِ الْعَوْدُ لَا نَفْسُ الظِّهَارِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَهُوَ مُبَاحٌ لِكَوْنِهِ إمْسَاكًا بِالْمَعْرُوفِ وَبِالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بِخَمْرٍ أَوْ زِنًا. وَأُجِيبَ: الْكَفَّارَةُ بِاعْتِبَارِ الْفِطْرِ الْعَمْدِ الْمُشْتَهَى، وَيَجِبُ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا كَبِيرَةٌ. وَلَخَّصَهُ آخَرُ بِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي نَفْسِهِ وَحَرَامٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ فَوَجَبَ الْحَدُّ بِالْأَوَّلِ وَالْكَفَّارَةُ بِالثَّانِي. وَنُقِضَ أَيْضًا بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدًا عَمْدًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَيْنَ الْفِعْلِ لَيْسَ حَرَامًا؛ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمُ لَمْ يُحَرَّمْ وَإِنَّمَا حُرِّمَ بِإِحْرَامِهِ وَبِالْحُرُمِ لَا بِنَفْسِهِ، وَصَحَّحَ شَارِحٌ الْإِيرَادَ وَمَنَعَ نَفْيَ كَوْنِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَجَعَلَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ خَبْطًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْفَسَادِ فِيهَا، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ قَوْلِهِمْ الْمَعْصِيَةُ لَا تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ؛ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً بِمَا إذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ. وَمَرْجِعُهُ إلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ فِي الْفِعْلِ لِذَاتِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ قَلِيلٌ جِدًّا كَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ، وَكَوْنُ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ مِنْهُ قَدْ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ أَوْ عِبَادَةٌ إذْ هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَهَذَا لَا يَسْقُطُ مِنْ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ الْحَالِفِ غَمُوسًا، وَإِلَّا كَانَتْ كُفْرًا، وَإِنَّمَا رَوَّجَ بِهِ بَاطِلَهُ فَقُبْحُهَا لَيْسَ

(وَالْمُنْعَقِدَةُ مَا يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ وَإِذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لِقَصْدِهِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الْيَمِينِ مُوجِبٌ لِحُرْمَتِهَا فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ مَا حُرِّمَ لِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ حُرْمَةِ السَّبَبِ تَمْنَعُ مُنَاسَبَتَهَا لِلْعِبَادَةِ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ كَوْنِ الْحُرْمَةِ لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْكَفَّارَةِ جَابِرَةً أَوْ سَاتِرَةً فِي ذَنْبٍ أَخَفَّ شَرْعِيَّتُهَا كَذَلِكَ فِي ذَنْبٍ أَعْظَمَ كَانَ أَوْجَهَ. وَلِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا الْغَمُوسُ مَكْسُوبَةٌ بِالْقَلْبِ. وَالْمَكْسُوبَةُ يُؤَاخِذُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُرَادَ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْكَفَّارَةُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ مُطْلَقًا فِي الْآخِرَةِ فَهِيَ الْمُرَادُ بِالْمُؤَاخَذَةِ فِي الْمَكْسُوبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي الْمَعْقُودَةِ الْكَفَّارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، قَالُوا: الْغَمُوسُ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْقُودَةِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهَا بِالنَّصِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى زِيَادَةِ تَكَلُّفِ الْجَوَابِ مَعَ أَنَّهَا مَعْقُودَةٌ؛ لِأَنَّهَا رَبْطٌ فِي الشَّرْعِ لِلِاسْمِ الْعَظِيمِ بِمَعْنًى عَلَى وَجْهٍ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَإِذَا حَنِثَ انْحَلَّتْ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ وَالْحَامِلِ أَوْ لِتَوْكِيدِ صِدْقِهِ الظَّاهِرِ، فَإِذَا طَابَقَ الْخَبَرَ بِرٌّ وَانْحَلَّتْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بِالْحِنْثِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَالْغَمُوسُ قَارَنَهَا مَا يَحِلُّهَا وَهُوَ مَا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهَا رَفَعَهَا وَحَلَّهَا فَلَمْ تَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَارَنَهَا مَنَعَ انْعِقَادَهَا كَالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَسِّ السَّمَاءِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَارِنْهَا؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَا يَحِلُّهَا هُوَ انْعِدَامُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْحَالِ. وَعَلَى هَذَا قِيلَ الْغَمُوسُ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا، وَمَا قُطِعَ بِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ شَرْعًا يُقْطَعُ بِانْتِفَائِهِ شَرْعًا، وَتَسْمِيَتُهَا يَمِينًا مَجَازٌ بِعَلَاقَةِ الصُّورَةِ كَالْفَرَسِ لِلصُّورَةِ الْمَنْقُوشَةِ أَوْ هُوَ مِنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ. وَعَلَى أَحَدِهِمَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ» وَنَحْوُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعْقُودَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ سِوَى الْمَكْسُوبَةِ بِالْقَلْبِ، وَكَوْنُ الْغَمُوسِ قَارَنَهَا الْحِنْثُ لَا يَنْفِي الِانْعِقَادَ عِنْدَهُ، وَكَوْنُهَا لَا تُسَمَّى يَمِينًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْبِرِّ بَعِيدٌ إذْ لَا شَكَّ فِي تَسْمِيَتِهَا يَمِينًا لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا بِحَيْثُ لَا تَقْبَلُ التَّشْكِيكَ، فَلَيْسَ الْوَجْهُ إلَّا مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ ذَنْبٍ أَصْغَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ شَرْعُهَا لِرَفْعِ أَكْبَرَ، وَإِذَا أَدْخَلَهَا فِي مُسَمَّى الْمُنْعَقِدَةِ وَجَعَلَ الْمُنْعَقِدَةَ تَنْقَسِمُ إلَى غَمُوسٍ وَغَيْرِهَا عَسِرَ النَّظَرُ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لُغَةً أَوْ سُمِعَ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ صَرَّحَ بِجَوْدَتِهِ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ قَالَ فِيهِ «خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَهْتُ مُؤْمِنٍ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَالْيَمِينُ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ» انْتَهَى. وَكُلُّ مَنْ قَالَ لَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْيَمِينِ الْمَصْبُورَةِ عَلَى مَالٍ كَاذِبًا وَغَيْرِهَا، وَصَابِرَةٌ بِمَعْنَى مَصْبُورَةٍ كَعِيشَةِ رَاضِيَةٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَصْبُورَةَ الْمَقْضِيُّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَصْبُورٌ عَلَيْهَا: أَيْ مَحْبُوسٌ، وَالصَّبْرُ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَالِ تَصَرُّفِهِ وَدَفْعِهِ مُخْتَارًا عَنْ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُنْعَقِدَةُ مَا يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ، فَإِذَا حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَ " مَا " فِي قَوْلِهِ مَا يَحْلِفُ مَصْدَرِيَّةٌ: أَيْ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى مَاضٍ صَادِقًا فِيهِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ أَمْسِ لَا تُسَمَّى مُنْعَقِدَةً، وَيَقْتَضِي أَنَّهَا إمَّا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَهُوَ بَعِيدٌ، أَوْ زِيَادَةُ أَقْسَامِ الْيَمِينِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِحَصْرِهِمْ السَّابِقِ، وَفِي كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ، فَإِنْ أَرَادَ لُغَةً فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ، وَفِي هَذَا الْيَمِينِ فَائِدَةُ

(وَالْيَمِينُ اللَّغْوُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَهَذِهِ الْيَمِينُ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهِ صَاحِبَهَا) وَمِنْ اللَّغْوِ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَزَيْدٌ وَهُوَ يَظُنُّهُ زَيْدًا وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ} [البقرة: 225] الْآيَةَ، إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأْكِيدِ صِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ عِنْدَ السَّامِعِ، وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَهَا فِي اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ بِحَسَبِ الْإِرَادَةِ فَقَدْ فَسَّرَهُ السَّلَفُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ فَكَانَ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ: وَيَمِينُ اللَّغْوِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ) مِثْلَ وَاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلْت الدَّارَ وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْت زَيْدًا وَنَحْوُهُ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَفْعَالُ كَمَا ذَكَرْنَا وَالصِّفَاتُ. وَمِنْ الثَّانِي مَا فِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ حَلَّفَهُ السُّلْطَانُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَمْرِ كَذَا فَحَلَفَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَرْجُو أَنْ لَا يَحْنَثَ (فَهَذِهِ الْيَمِينُ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا) وَإِنَّمَا قَيَّدَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِالرَّجَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حِينَ قَالَ {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] لِلِاخْتِلَافِ فِي مَعْنَى اللَّغْوِ، فَفَسَّرَهُ مُحَمَّدٌ بِمَا ذَكَرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ يَمِينٍ صَدَرَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي الْمَاضِي وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَهُوَ مُبَايِنٌ لِلتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ، كَمَا قَالَ: لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ، وَهُوَ

قَالَ: (وَالْقَاصِدُ فِي الْيَمِينِ وَالْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي سَوَاءٌ) حَتَّى تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْيَمِينُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلًّا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ» . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَسْرُوقٌ: لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَيَتْرُكُهَا لَاغِيًا بِيَمِينِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ. فَلَمَّا اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى اللَّغْوِ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّغْوَ بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَذَا بِالثَّالِثِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَا فِي الدُّنْيَا بِالْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعُذْرُ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ، فَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْلِيقَ بَلْ التَّبَرُّكَ بِاسْمِ اللَّهِ وَالتَّأَدُّبَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ: «وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» . وَأَمَّا التَّفْسِيرُ الرَّابِعُ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ، وَكَوْنُهُ لَغْوًا هُوَ اخْتِيَارُ سَعِيدٍ. (قَوْلُهُ: وَالْقَاصِدُ فِي الْيَمِينِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَالنَّاسِي) وَهُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا عَنْهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: الْخَاطِئُ وَهُوَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامِ غَيْرِ الْحَلِفِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ، فَإِذَا حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَعْضُهُمْ كَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ جَعَلَ مَكَانَ الْيَمِينِ الْعَتَاقَ، وَالْمَحْفُوظُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ الْعَتَاقِ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، وَمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ» وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ لَاعِبًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ» وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ مَوْقُوفًا أَنَّهُمَا قَالَا «ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا " أَرْبَعٌ " وَزَادَ " وَالنَّذْرُ " وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَمِينَ فِي مَعْنَى النَّذْرِ فَيُقَاسَ عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلَ بِالْيَمِينِ جِدًّا، وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا، وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ، وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا، وَإِذَا كَانَ اللَّغْوُ بِتَفْسِيرِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْيَمِينَ مَعَ ظَنِّ الْبِرِّ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْيَمِينِ، فَمَا

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ، وَسَنُبَيِّنُ فِي الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَهُوَ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ كَالنَّائِمِ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ لَا حُكْمَ لَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حُكْمُ الْيَمِينِ. وَأَيْضًا فَتَفْسِيرُ اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلًّا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ» ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسُ التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ النَّاسِيَ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ كَذَلِكَ فِي بَيْتِهِ لَا يَقْصِدُ التَّكَلُّمَ بِهِ بَلْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ غَيْرُ مُرَادٍ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إيَّاهُ كَانَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْهَازِلِ، فَحَمْلُ النَّاسِي عَلَى اللَّاغِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْهَازِلِ، وَهَذَا الَّذِي أُدِينُهُ وَتَقَدَّمَ لَنَا مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ فَلَا تَكُنْ غَافِلًا. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ) فَيَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الْمُكْرَهِ وَلَا النَّاسِي وَلَا الْمُخْطِئِ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي عَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِ الْمُكْرَهِ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبِي أُمَامَةَ قَالَا: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ» ثُمَّ قَالَ عَنْبَسَةُ ضَعِيفٌ. قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بَلْ مَوْضُوعٌ، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَهُوَ سَوَاءٌ) فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ ذَاكِرًا لِيَمِينِهِ مُحْتَارًا. وَعَنْ كُلٍّ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ يَحْنَثُ وَلَا يَحْنَثُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ مَرَّ جَوَابُهُ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا (لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ) يَعْنِي بِالشَّرْطِ السَّبَبَ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ هُوَ السَّبَبُ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ حَقِيقَةَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ الْيَمِينُ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ عَلَى مَا عُرِفَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ سَبَبًا كَانَ أَوْ شَرْطًا وَبِالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ لَمْ يَنْعَدِمْ وُجُودُهُ فَاسْتَعْقَبَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ. (وَكَذَا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ) تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ

[باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا]

بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا قَالَ: (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ آخَرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مُتَعَارَفٌ، وَمَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ فَصَلُحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا وَمَانِعًا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَخْرُجُهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ هُوَ إذَا أَفَاقَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ: أَيْ السَّبَبِ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ رَفْعَ الذَّنْبِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الذَّنْبِ الْحَاصِلِ بِالْحِنْثِ، وَلَا ذَنْبَ عَلَى الْحَانِثِ إذَا كَانَ مَغْمِيًّا عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونًا. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ لَا يَجِبُ حُصُولُهَا مَعَ شَرْعِ الْحُكْمِ دَائِمًا بَلْ تُنَاطُ بِمَظِنَّتِهَا وَهُوَ كَوْنُ شَرْعِ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ يُحَصِّلُ مَصْلَحَةً أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا، كَمَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ شُرِعَ وُجُوبُهُ مَعَ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ يَحْصُلُ مَعَهُ دَفْعُ مَفْسَدَةِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ فَأُدِيرَ عَلَى نَفْسِ الشِّرَاءِ مَعَ الْقَبْضِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَهْمُ حَاصِلًا أَوْ لَا كَمَا فِي شِرَاءِ الْأَمَةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْبُلُوغِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي شِرَاءِ الْأَمَةِ الْبِكْرِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّوَهُّمَ حَاصِلٌ لِجَوَازِ حَبَلِ الْبِكْرِ وَمَمْلُوكَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّ كَوْنَهَا لِرَفْعِ الذَّنْبِ دَائِمًا مَمْنُوعٌ بَلْ لِتَوْفِيرِ تَعْظِيمِ الِاسْمِ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى أَمْرٍ ثُمَّ يَحْلِفُ عَنْهُ مَجَّانًا لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ أَوْ يَنْدُبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا] (بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا) (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ آخَرَ مِنْ أَسْمَائِهِ) تُفِيدُ لَفْظَةُ آخَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاَللَّهِ اللَّفْظُ فَتَأَمَّلْ، وَالِاسْمُ الْآخَرُ كَالرَّحْمَنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرَّحِيمِ وَالْقَدِيرِ، وَمِنْهُ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَإِذَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ وَالطَّالِبُ الْغَالِبُ إنَّهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَفَ أَهْلُ بَغْدَادَ الْحَلِفَ بِهِ لَزِمَ. إمَّا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْأَسْمَاءِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُسْمَعْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْغَالِبُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] وَإِمَّا كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَسْمَاءِ، وَيُفِيدُ قَوْلُهُ آخَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ اسْمًا خَاصًّا، فَلَوْ قَالَ وَاسْمِ اللَّهِ فَهُوَ عَامٌّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَيْسَ بِيَمِينٍ. وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمِينٌ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. وَلَوْ قَالَ وَبِاسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَوْلُهُ أَوْ بِصِفَةِ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا قَيَّدَ فِي الصِّفَةِ فَقَطْ، فَأَفَادَ أَنَّ الْحَلِفَ بِالِاسْمِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ بَلْ هُوَ يَمِينٌ تَعَارَفُوهُ أَوْ لَمْ يَتَعَارَفُوهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْعَزِيزِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ فَلَيْسَ يَمِينًا، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَأَمَّا الصِّفَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ فَقَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْحَلِفِ بِهَا مُتَعَارَفًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوْ الذَّاتِ، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِمْ: وَأَمَانَةُ اللَّهِ أَنَّهُ يَمِينٌ، ثُمَّ سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي؛ لِأَنَّهُ رَآهُمْ يَحْلِفُونَ بِهِ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ يَمِينٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى وَاَللَّهِ الْأَمِينِ، فَالْمُرَادُ الْأَمَانَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا لَفْظَةُ الْأَمِينِ كَعِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ ضِمْنُ الْعَزِيزِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ كَوْنِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَغَضَبَهُ وَسَخَطَهُ وَرَحْمَتِهِ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَيَزْدَادُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ. فَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ فِي تَبْصِرَةِ الْأَدِلَّةِ: إنَّ الْحَلِفَ بِالْعِلْمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ مَشْرُوعٌ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الصِّفَةَ الْقَائِمَةَ بِهِ فَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، بَلْ هُوَ عَلَى مُحَاذَاةِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ فِي الْأَسْمَاءِ: إنَّ مَا كَانَ بِحَيْثُ يُسَمَّى بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا لَا، فَجَعَلَ مِثْلَهُ فِي الصِّفَاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الذَّاتِ إنْ أُرِيدَ صِفَتُهُ الْقَائِمَةِ بِهِ فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا لَا. لَا يُقَالُ: مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَجْرِيَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ مِثْلُهُ، إنْ أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةَ كَانَ يَمِينًا أَوْ الْمَقْدُورُ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْمَصْدَرِ الْمَفْعُولَ أَوْ الْمَصْدَرَ وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ أَثَرِ قُدْرَتِهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهِ وَقُدْرَةُ اللَّهِ الْحَلِفُ بِهَا مُتَعَارَفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَلِفِ بِلَا تَفْصِيلٍ فِي الْإِرَادَةِ. وَلِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ تَفْصِيلٌ آخَرُ هُوَ أَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَكُونُ يَمِينًا أَوْ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَصِفَاتُ الذَّاتِ مَا يُوصَفُ سُبْحَانَهُ بِهَا وَلَا يُوصَفُ بِأَضْدَادِهَا كَالْقُدْرَةِ وَالْجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ. وَصِفَاتُ الْفِعْلِ مَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِهَا وَبِأَضْدَادِهَا كَالرَّحْمَةِ وَالرِّضَا لِوَصْفِهِ سُبْحَانَهُ بِالْغَضَبِ وَالسَّخَطِ. وَقَالُوا: ذِكْرُ صِفَاتِ الذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ، وَذِكْرُ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَيْسَ كَالذَّاتِ. قِيلَ يَقْصِدُونَ بِهَذَا الْفَرْقِ الْإِشَارَةَ إلَى مَذْهَبِهِمْ أَنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ غَيْرُ اللَّهِ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ هُوَ مَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ بِزَمَانٍ أَوْ بِمَكَانٍ أَوْ بِوُجُودٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ مَحْضٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبْتَنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ وَعَدَمِهِ، بَلْ صِفَةُ الذَّاتِ مُطْلَقًا

قَالَ (إلَّا قَوْلَهُ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ. وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ، يُقَالُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَك فِينَا: أَيْ مَعْلُومَك (وَلَوْ) (قَالَ وَغَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا) وَكَذَا وَرَحْمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ؛ وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا أَثَرُهُ، وَهُوَ الْمَطَرُ أَوْ الْجَنَّةُ وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ يُرَادُ بِهِمَا الْعُقُوبَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحْلَفُ بِهَا تُعُورِفَ أَوْ لَا، وَصِفَةُ الْفِعْلِ لَا يُحْلَفُ بِهَا وَلَوْ تُعُورِفَ، وَعَلَى هَذَا فَيَلْزَمُ أَنَّ سَمْعَ اللَّهِ وَبَصَرَهُ وَعِلْمَهُ يَكُونُ يَمِينًا عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَسْمَاءُ الَّتِي لَا يُسَمَّى بِهَا غَيْرُهُ كَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالرَّحْمَنِ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ يَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يَمِينًا بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَا الصِّفَاتُ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ صِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ فَيَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى عُرْفٍ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى كَالْحَيِّ وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَرِيمِ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُرْفُ أَوْ نِيَّةُ الْحَالِفِ، وَكَذَا مَا يَكُونُ مِنْ صِفَتِهِ تَعَالَى كَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَقْدُورِ وَالْمَعْلُومِ اتِّسَاعًا. كَمَا يُقَالُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَك فِينَا، وَكَذَا صِفَاتُ الْفِعْلِ كَخَلْقِهِ وَرِزْقِهِ، فَفِي هَذِهِ يَجْرِي التَّعْلِيلُ بِالتَّعَارُفِ وَعَدَمِهِ، وَوَجْهُ اللَّهِ يَمِينٌ إلَّا إنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ. (قَوْلُهُ إلَّا قَوْلُهُ وَعِلْمُ اللَّهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لَكِنْ قَيَّدَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا فَيَقْتَضِي أَنَّ عِلْمَهُ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ عُرْفًا فَيَتَنَاوَلُهُ الصَّدْرُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ حُكْمِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي لَفْظِهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَكَانَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. وَأَوْرَدَ عَلَى تَعْلِيلِهِ الثَّانِي الْقُدْرَةَ فَإِنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْمَقْدُورُ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْمَقْدُورَ بِالْوُجُودِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَلَمْ يَحْتَمِلْ إرَادَتُهُ بِالْحَلِفِ. وَقِيلَ الْوُجُودُ مَعْدُومٌ وَلَا تَعَارُفَ بِالْحَلِفِ بِالْمَعْدُومِ فَلَمْ يَكْفِ الْمُرَادُ بِالْحَلِفِ بِالْقُدْرَةِ إلَّا الصِّفَةَ الْقَائِمَةَ بِذَاتِهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْعِلْمِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْلُومُ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَعْلُومُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالْوُجُودِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ إرَادَةُ الْمَقْدُورِ بَعْدَ الْوُجُودِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. إمَّا وُقُوعًا فَقَالُوا اُنْظُرْ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ قَطْعًا إلَّا الْمَوْجُودَ. وَإِمَّا تَحْقِيقًا فَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الْمَقْدُورِ إذَا كَانَ مَجَازًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ مَقْدُورٌ بَعْدَ الْوُجُودِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فَيَكُونَ لَفْظُ قُدْرَةٍ فِي الْمَقْدُورِ بَعْدَ الْوُجُودِ مَجَازًا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ. نَعَمْ الْحَقُّ أَنْ لَا مَوْقِعَ لِلتَّعْلِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ تَفْرِيعَ كَوْنِ الْحَلِفِ بِالْعِلْمِ لَيْسَ يَمِينًا لَيْسَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُعْتَبَرِي الْعُرْفِ وَعَدَمِهِ فِي الْيَمِينِ، فَالتَّعْلِيلُ لَيْسَ إلَّا بِنَفْيِ التَّعَارُفِ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ بَيْنَ صِفَةِ الذَّاتِ وَغَيْرِهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِأَنَّهُ يُرَادُ بِالصِّفَةِ الْمَفْعُولُ

(وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» (وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْهُمَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا كُفْرٌ. . قَالَ (وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ، وَحُرُوفُ الْقَسَمِ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَالْبَاءُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْقَوْلَيْنِ فَلَا مَوْقِعَ لِلتَّعْلِيلِ بِهِ. (قَوْلُهُ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ (وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ. قَالَ (وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ) أَمَّا إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ بِأَنْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ النَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ التَّبَرُّؤَ مِنْهُمَا كُفْرٌ فَيَكُونُ فِي كُلِّ مِنْهُمَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ يَكُونُ يَمِينًا عِنْدَنَا، وَكَذَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا. وَبِحُرْمَةِ شَهِدَ اللَّهُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَيْسَ يَمِينًا. وَلَوْ رَفَعَ كِتَابَ فِقْهٍ أَوْ حِسَابٍ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ فَقَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا فِيهِ إنْ فَعَلَ فَفَعَلَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَتَعْلِيلُ عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ؛ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ وَغَيْرُ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مُنِعَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَزَّلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفُ الْمُنْقَضِيَةُ الْمُنْعَدِمَةُ وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ إذَا قِيلَ لَهُمْ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ تَعَدَّوْا إلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يَدُورَ مَعَ الْعُرْفِ. وَأَمَّا الْحَلِفُ بجان سرتو وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ بِحَيَاةِ رَأْسِك وَرَأْسِ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبِرَّ وَاجِبٌ فِيهِ يَكْفُرُ. وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ عَلِيُّ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَقُلْت إنَّهُ شِرْكٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا. (قَوْلُهُ: وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ إلَى قَوْلِهِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ) قَالَ تَعَالَى {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23] {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وَقَالَ تَعَالَى

(وَقَدْ يُضْمِرُ الْحَرْفَ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا) لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إيجَازًا، ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ لِانْتِزَاعِ الْحَرْفِ الْخَافِضِ، وَقِيلَ يُخْفَضُ فَتَكُونُ الْكِسْرَةُ دَالَّةً عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّ الْبَاءَ تُبَدَّلُ بِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] . أَيْ آمَنْتُمْ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} [النحل: 63] الْآيَةَ. وَمَثَّلَ لِلْبَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَبْلَهُ {لا تُشْرِكْ} [لقمان: 13] ثُمَّ قَالُوا الْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا صِلَةُ الْحَلِفِ، وَالْأَصْلُ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ تُلْصِقُ فِعْلَ الْقَسَمِ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ. ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ فَهْمِ الْمَقْصُودِ، وَلِأَصَالَتِهَا دَخَلَتْ فِي الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ نَحْوُ بِك لَأَفْعَلَنَّ. ثُمَّ الْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا لِمُنَاسَبَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا فِي الْإِلْصَاقِ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ فَلِكَوْنِهَا بَدَلًا انْحَطَّتْ عَنْهَا بِدَرَجَةٍ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا الْمُضْمَرِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ أُبْدِلَتْ كَثِيرًا مِنْهَا كَمَا فِي تُجَاهٍ وَتُخَمَةِ وَتُرَاثٍ فَانْحَطَّتْ دَرَجَتَيْنِ فَلَمْ تَدْخُلْ مِنْ الْمُظْهَرِ إلَّا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ تَرَبِّي وَتَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ وَكَذَا تَحِيَّاتِكَ. [فَرْعٌ] . قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ لَيْسَ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَعَلَى هَذَا بِالْوَاوِ إلَّا أَنَّ نَصَارَى دِيَارِنَا تَعَارَفُوهُ فَيَقُولُونَ وَاسْمِ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُضْمَرُ الْحَرْفُ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ) يُرِيدُ بِالْحَذْفِ الْإِضْمَارَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ بِخِلَافِ الْحَذْفِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ النَّصْبِ الْحَرْفُ مَحْذُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ. وَفِي حَالَةِ الْجَرِّ مُضْمَرًا لِظُهُورِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْجَرُّ فِي الِاسْمِ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ لِانْتِزَاعِ الْخَافِضِ، وَقِيلَ يُخْفَضُ فَتَكُونُ الْكَسْرَةُ دَالَّةً عَلَى الْمَحْذُوفِ ظَاهِرٌ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ تَبَعٌ لِلْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: النَّصْبُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْخَفْضُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُمَا وَجْهَانِ سَائِغَانِ لِلْعَرَبِ لَيْسَ أَحَدٌ يُنْكِرُ أَحَدَهُمَا لِيَتَأَتَّى الْخِلَافُ. وَحُكِيَ الرَّفْعُ أَيْضًا نَحْوُ اللَّهُ لَا أَفْعَلَنَّ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَإٍ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ عَلَى إضْمَارِ خَبَرٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ قَسَمِي أَوْ قَسَمِي اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ، غَيْرَ أَنَّ النَّصْبَ أَكْثَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ. وَقَوْلُهُ فِي النَّصْبِ؛ لِانْتِزَاعِ الْخَافِضِ خِلَافُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ بِفِعْلِ الْقَسَمِ لَمَّا حُذِفَ الْحَرْفُ اتَّصَلَ الْفِعْلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ عِنْدَ انْتِزَاعِ الْخَافِضِ: أَيْ بِالْفِعْلِ عِنْدَهُ. وَأَمَّا الْجَرُّ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِالْحَرْفِ الْمُضْمَرِ. وَهُوَ قَلِيلٌ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ: إذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَبِيلَةً ... أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالْأَكُفِّ الْأَصَابِعُ أَيْ إلَى كُلَيْبٍ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تُبْدَلُ بِهَا) أَيْ بِاللَّامِ قَالَ تَعَالَى {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] {آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 76] وَالْقِصَّةُ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِيَتُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْحَقِّ وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ. وَلَهُمَا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ فَيَكُونُ حَلِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ، قَالُوا: وَلَوْ قَالَ وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا، وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُنَكَّرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٌ. أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تُبَدَّلُ بِهَا بِمَعْنَى أَنْ تُوضَعَ مَكَانَهَا دَالَّةً عَلَى عَيْنِ مَدْلُولِهَا، وَفِي الْآيَتَيْنِ الْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] أَيْ صَدَقْتُمُوهُ وَانْقَدْتُمْ إلَيْهِ طَاعَةً {آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 76] لَا يُفِيدُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ سَلَّمَ فَكَوْنُهَا وَقَعَتْ صِلَةَ فِعْلٍ خَاصٍّ كَذَلِكَ وَهُوَ آمَنْتُمْ لَا يَلْزَمُ فِي كُلِّ فِعْلٍ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ مَعْنَى ذَلِكَ الْفِعْلِ يَتَأَتَّى مَعْنَاهُمَا فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي الْقَسَمِ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ اللَّامُ إلَّا فِي قَسَمٍ مُتَضَمِّنٍ مَعْنَى التَّعَجُّبِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسِ: دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ. وَكَقَوْلِهِمْ: لِلَّهِ لَا يُؤَخَّرُ الْأَجَلُ، فَاسْتِعْمَالُهَا قَسَمًا مُجَرَّدًا عَنْهُ لَا يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يُتَعَارَفَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَارِ احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلنَّذْرِ وَتَحْتَمِلُ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ فَائِدَةَ هَذَا الِاحْتِرَازِ؛ لِأَنَّ لَفْظًا فِي الْمُخْتَارِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا كُلِّهَا فَكَانَ الْوَاقِعُ لَهُمْ مَا لَيْسَ هُوَ فِيهِ. هَذَا وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْيَمِينِ بَيْنَ أَنْ يُعْرِبَ الْمُقْسِمَ بِهِ خَطَأً أَوْ صَوَابًا أَوْ يُسَكِّنَهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا أَسْكَنَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ مَعْقُودًا بِمَا أُرِيدَ مَنْعُهُ أَوْ فِعْلُهُ ثَابِتٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خُصُوصِيَّةٍ فِي اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَالَ وَحَقُّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَعَنْهُ أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنْ يَكُونَ يَمِينًا) يَعْنِي إذَا أُطْلِقَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ عُدَّ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، قَالَ تَعَالَى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] (وَهُوَ حَقِيَتُهُ) أَيْ كَوْنُهُ تَعَالَى ثَابِتُ الذَّاتِ مَوْجُودُهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ الْحَقِّ (وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ) فَوَجَبَ كَوْنُهُ يَمِينًا، وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: يَعْنِي فِي عَدَمِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ انْصَرَفَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ إلَى الْيَمِينِ فَانْصَرَفَ الْحَقُّ إلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ فَصَارَ كَقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّهُ) أَيْ حَقَّ اللَّهِ (يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ) وَصَارَ ذَلِكَ مُتَبَادَرًا شَرْعًا وَعُرْفًا حَتَّى كَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ حَيْثُ لَا يُتَبَادَرُ سِوَاهُ إذْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْطِرُ مِنْ ذِكْرِهِ وُجُودُهُ وَثُبُوتُ ذَاتِهِ، وَالْحَلِفُ بِالطَّاعَاتِ حَلِفٌ بِغَيْرِهِ وَغَيْرِ صِفَتِهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَالْمَعْدُودُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى هُوَ الْحَقُّ الْمَقْرُونُ بِاللَّامِ، وَبِهَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ تَرْجِيحُ بَعْضِهِمْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَمِينٌ بِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَبِهِ حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ. وَإِذَا كَانَ الْحَلِفُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ يَمِينًا لِلتَّعَارُفِ فَبِحَقِّ اللَّهِ كَذَلِكَ لِلتَّعَارُفِ. فَإِنَّ التَّعَارُفَ يُعْتَبَرُ بَعْدَ كَوْنِ الصِّفَةِ مُشْتَرَكَةً فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةِ غَيْرِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لَفْظَ حَقٍّ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مَا هُوَ صِفَةُ اللَّهِ بَلْ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ فَصَارَ نَفْسَ وُجُودِهِ وَنَحْوُهُ كَالْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ. ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الطَّاعَاتُ بِقَوْلِ السَّائِلِ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ؟ فَقَالَ: أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» إلَى آخَرِهِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ صِلَتَهُ بِلَفْظِ عَلَى الْعِبَادِ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ أَنَّهُ غَيْرُ وُجُودِهِ وَصِفَتِهِ. وَالْكَلَامُ فِي لَفْظِ حَقٍّ غَيْرُ مَقْرُونٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ، فَلَيْسَ الْوَجْهُ إلَّا مَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَاعْتَرَضَهُ

(وَلَوْ قَالَ أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَهُوَ حَالِفٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَجُعِلَ حَالِفًا فِي الْحَالِ، وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَصُرِفَ إلَيْهِ. وَلِهَذَا قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ وَالْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَارِحٌ بِأَنَّ الْحَقَّ بِالتَّعْرِيفِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} [يونس: 76] فَكَيْفَ يَكُونُ يَمِينًا بِلَا خِلَافٍ، لَكِنَّ جَوَابَهُ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْيَمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ اسْمًا لَهُ تَعَالَى لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُخْتَارِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصِّلِ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يُرِيدَ فَالْحَقُّ يَتَبَادَرُ مِنْهُ ذَاتُهُ تَعَالَى، فَصَارَ غَيْرُهُ مَهْجُورًا لَا بِدَلِيلٍ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ أَبِي نَصْرٍ إنْ نَوَى بِالْحَقِّ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ مِنْ الشَّارِحِينَ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إجْمَاعَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. وَلَوْ قَالَ حَقًّا بِأَنْ قَالَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَك كَذَا وَنَحْوَهُ لَا تَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَيَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ، وَالْمُنَكَّرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَالْحَقِّ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُنَكَّرَ لَيْسَ اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ مَا قَالَ الْبَلْخِيّ: إنَّ قَوْلَهُ بِحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَضَعْفُهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مِثْلُ وَحَقُّ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَعَلِمْت الْمُغَايَرَةَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا فَكَذَا بِحَقِّ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أُقْسِمُ إلَخْ) إذَا حَلَفَ بِلَفْظِ الْقَسَمِ فَإِمَّا بِلَفْظِ الْمَاضِيَ أَوْ الْمُضَارِعَ وَكُلُّ مِنْهُمَا إمَّا مَوْصُولٌ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِصِفَتِهِ أَوْ لَا، فَإِذَا كَانَ مَاضِيًا مَوْصُولًا بِالِاسْمِ مِثْلَ حَلَفْت بِاَللَّهِ أَوْ أَقْسَمْت أَوْ شَهِدْت بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَكَذَا عَزَمْت بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ فَهُوَ يَمِينٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا كَانَ مُضَارِعًا مِثْلَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ إلَخْ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلَ وَعْدًا. وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَمَجَازٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ لِلْمُصَنِّفِ، وَلِهَذَا لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِقَرِينَةِ السِّينِ وَنَحْوِهِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى حَقِيقَتِهِ. وَأَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِأَنَّ فِي الْعُرْفِ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ لِلْعِلْمِ بِأَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ الْوَعْدَ بِالشَّهَادَةِ، وَكَذَا قَوْلُ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كَذَلِكَ عُرْفًا فَجَازَ أَنْ يُقَالَ هِيَ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَيُسْتَعْمَلُ لِلْحَالِ بِقَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ كَالتَّقْيِيدِ بِلَفْظِ الْآنَ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى فِيهَا مِثْلَ أَحْلِفُ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ أَوْ حَلَفْت فَعِنْدَنَا هُوَ يَمِينٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ زُفَرُ: إنْ نَوَى يَكُونُ يَمِينًا وَإِلَّا لَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِيَمِينٍ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا نَوَى فِي قَوْلِهِ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ إلَخْ يَكُونُ يَمِينًا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا. وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ أُقْسِمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَكَذَا يَحْتَمِلُ الْعِدَّةَ وَالْإِنْشَاءَ لِلْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ يَمِينًا كَذَا قِيلَ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُ لِقَوْلِ الْقَائِلِ إنْ نَوَى كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا. وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، وَمِنْ أَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَصُرِفَ إلَيْهِ: أَيْ إلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَلِهَذَا قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ: أَيْ لِاحْتِمَالِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلِاحْتِمَالِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هَذَا الْخِلَافَ صَرِيحًا فِي الْمَذْهَبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُقْسَمَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ: يَعْنِي إذَا نَوَى الْيَمِينَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا. أَمَّا إذَا نَوَى غَيْرَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَكُونَ حَالِفًا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ شَرْعًا فَإِنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ لَا الْحَالِفِ حِينَئِذٍ. وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَبْطٌ فِي مَوْضِعَيْنِ أَشَدُّهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ تَوَهُّمُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْقَائِلِ: أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَلَا حِنْثَ إذْ أَوْرَدَ السُّؤَالَ الْقَائِلَ: الْيَمِينُ مَا كَانَ حَامِلًا عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ مُوجِبًا لِلْبِرِّ، وَعِنْدَ فَوَاتِهِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ. فَقَوْلُهُ أُقْسِمُ هَاهُنَا لَيْسَ مُوجِبًا شَيْئًا مِنْ الْبِرِّ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ يَمِينًا عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ يَمِينًا؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِسَتْرِ ذَنْبٍ هَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ، وَلَيْسَ فِي أُقْسِمُ مُجَرَّدًا هَتْكٌ، فَكَيْفَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ أُقْسِمُ أُلْحِقَ بِقَوْلِهِ عَلَى يَمِينٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ لَا كَفَّارَةَ لَهَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ نَفَى الْكَفَّارَةَ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ لَمَّا كَانَ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ لَا يُفِيدُ قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ لَهَا: ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ هَذَا إقْرَارًا عَنْ مُوجِبِ الْيَمِينِ وَمُوجِبُهَا الْبِرُّ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْكَفَّارَةُ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ الْبِرِّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ يَمِينَهُ عَلَى شَيْءٍ فَكَانَ إقْرَارًا عَنْ الْمُوجِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ، وَبِالْإِقْرَارِ يَجِبُ الْحَدُّ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا. فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ وَعَلَيَّ نَذْرٌ كَانَ فِي قَوْلِهِ أُقْسِمُ عِنْدَ قِرَانِ النِّيَّةِ بِالْقَسَمِ كَذَا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْحَالُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ. ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ أُقْسِمُ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى وُجُوبِ الْبِرِّ ابْتِدَاءً وَلَا إلَى تَصَوُّرِ هَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ وَقَدْ شُنِّعَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْيَمِينَ بِذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ مَعْنَاهُ إذَا وُجِدَ ذِكْرُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَنُقِضَتْ الْيَمِينُ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُرِكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَخْفَى هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ أَوْ لَا، فَإِمَّا أَنَّ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ فَلَا خَفَاءَ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّتُهُ أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ أَوْ مَا أَفَادَ عَيْنَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ كُلُّهَا أَيْمَانٌ، وَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَدْ ذَكَرَ مِنْهَا هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، وَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَحَكَمَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَنَّهُ يَمِينٌ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ أَوْ قَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، بَلْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ الْحِنْثِ فِي كُلٍّ مِنْهَا لِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَمِعْت قَوْلَهُ وَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلِأَنَّ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا إنْ كَانَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي أَنْ يَقُولَ: أَقْسَمْت عِنْدَ الْقَاضِي بَلْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ كَانَ سَبِيلُهُ أَنْ يُفْتِيَهُ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْت صَادِقًا فَعَلَيْك الْكَفَّارَةُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الْإِنْشَاءُ، وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ لَا الْإِخْبَارِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ابْتِدَاءً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَغَا، بِخِلَافِ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِالْتِزَامُ ابْتِدَاءً. وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ اسْتِدْلَالُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ يَمِينٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} [التوبة: 96] وقَوْله تَعَالَى {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ قَوْلَهُ أَقْسَمُوا إخْبَارٌ عَنْ وُجُودِ قَسَمٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَسَمَ كَانَ قَوْلُهُمْ نُقْسِمُ لَنَصْرِمُنَّهَا، فَإِنَّهُمْ لَوْ قَالُوا وَاَللَّهِ لَنَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا، وَمِثْلُهُ فِي {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} [التوبة: 96] لَا يَلْزَمُ كَوْنُ حَلِفِهِمْ كَانَ بِلَفْظِ الْحَلِفِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ لَفْظِ الْحَلِفِ بِلَا ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ «الَّذِي رَأَى

(وَلَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ سوكند ميخورم بخداي يَكُونُ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ. وَلَوْ قَالَ سوكند خورم قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ سوكند خورم بِطَلَاقِ زنم لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. قَالَ: (وَكَذَا قَوْلُهُ لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ) لِأَنَّ عَمْرُ اللَّهِ بَقَاءُ اللَّهِ، وَأَيْمُ اللَّهِ مَعْنَاهُ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ وَأَيْمُ صِلَةٌ كَالْوَاوِ، وَالْحَلِفُ بِاللَّفْظَيْنِ مُتَعَارَفٌ. (وَكَذَا قَوْلُهُ وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91] وَالْمِيثَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQرُؤْيَا فَقَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ائْذَنْ لِي فَلْأَعْبُرْهَا فَأَذِنَ لَهُ فَعَبَرَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَصَبْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتَ، فَقَالَ أَقْسَمْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُخْبِرُنِّي، قَالَ لَا تُقْسِمْ» هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ سوكندمي خورم بخداي يَكُونُ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَحْلِفُ الْآنَ بِاَللَّهِ، وَلَوْ قَالَ سوكند خورم قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَلَوْ قَالَ سوكند خورم بِطَلَاقِ زنم: يَعْنِي أَحْلِفُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِي لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ فِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا قَوْلُهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ) يَعْنِي يَكُونُ حَالِفًا كَمَا هُوَ حَالِفٌ فِي أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَأَخَوَاتِهِ؛ لِأَنَّ عَمْرُ اللَّهِ بَقَاؤُهُ، وَفِيهِ ضَمُّ الْعَيْنِ وَفَتْحُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ الْمَضْمُومِ فِي الْقَسَمِ وَلَا يَلْحَقُ الْمَفْتُوحَةَ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ، بِخِلَافِ عَمْرِو الْعَلَمِ فَإِنَّهَا أُلْحِقَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرٍ، وَالْبَقَاءُ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَاعِدَتِهِ وَهُوَ أَنْ يُوصَفَ بِهِ لَا بِضِدِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَبَقَاءُ اللَّهِ كَقُدْرَةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَإِذَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ اللَّامُ رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَحُذِفَ الْخَبَرُ: أَيْ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمِي، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْهُ اللَّامُ نُصِبَ نَصْبَ الْمَصَادِرِ فَتَقُولُ عَمْرُ اللَّهِ مَا فَعَلْت وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ كَمَا فِي اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: عَمَرَكَ اللَّهُ مَا فَعَلْت فَمَعْنَاهُ بِإِقْرَارِك لَهُ بِالْبَقَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ إقْرَارُهُ وَاعْتِقَادُهُ، وَأَمَّا أَيْمُ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فَخُفِّفَ بِالْحَذْفِ حَتَّى صَارَ أَيْمَ اللَّهِ ثُمَّ خَفِّفْ أَيْضًا فَقِيلَ: مُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَيَكُونُ مِيمًا وَاحِدَةً، وَبِهَذَا نَفَى سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَيُقَالُ مُنُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَفَتْحِهِمَا وَكَسْرِهِمَا وَهَمْزَةُ أَيْمَنَ بِالْقَطْعِ، وَإِنَّمَا وُصِلَتْ فِي الْوَصْلِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ اُجْتُلِبَتْ لِيُمَكَّنَ بِهَا كَالرَّمَلِ كَهَمْزَةِ ابْنٍ وَامْرِئٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ السَّاكِنَةِ الْأَوَائِلِ، وَإِنَّمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهِمَا مُتَعَارَفٌ، قَالَ تَعَالَى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ إمَارَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إمَارَتِهِ «إنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَاَيْمُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ» الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا قَوْلُهُ وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) يَعْنِي إذَا أُطْلِقَ عِنْدَنَا، وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ

الْعَهْدِ (وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَمِلُ الْعِبَادَاتِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ النِّيَّةِ وقَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ} [النحل: 91] لَا يُفِيدُ أَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ لِجَوَازِ كَوْنِهِمَا شَيْئَيْنِ: الْأَمْرِ بِالْإِيفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَالنَّهْيِ عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَانِ الْمُؤَكَّدَةِ بِأَيِّ مَعْنًى فُرِضَ النَّقْضُ فَاسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى أَنَّهَا عَيْنٌ لَا يَتِمُّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ لَا يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ بِإِخْلَافِ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ إلَّا لَوْ ثَبَتَ فِي مَكَان آخَرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ كَذَلِكَ. قُلْنَا: إنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ لَمَّا جَعَلُوا الْمُرَادَ بِالْأَيْمَانِ هِيَ الْعُهُودُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا أَوْ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ إيَّاهَا يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلِفًا بِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا حَكَمَ بِأَنَّ أَشْهَدُ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ لَهُمَا فِي مَعْنَى الْيَمِينِ فَيُصْرَفَانِ إلَيْهِ فَلَا يَصْرِفُهُمَا عَنْهُ إلَّا نِيَّةُ عَدَمِهِ. فَالْحَالَاتُ ثَلَاثَةٌ: إذَا نَوَى الْيَمِينَ أَوْ لَمْ يَنْوِ يَمِينًا وَلَا غَيْرَهُ فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ الْيَمِينِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا الذِّمَّةُ وَالْأَمَانَةُ كَأَنْ يَقُولَ: وَذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ وَأَمَانَةُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. وَاسْتُدِلَّ عَلَى كَوْنِهَا يَمِينًا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا يَقُولُ إذَا حَاصَرْتُمْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَأَرَادُوكُمْ عَلَى أَنْ تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ فَلَا تُعْطُوهُمْ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّمَا يَمِينٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَالْمِيثَاقُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ وَكَذَا الذِّمَّةُ. وَلِهَذَا يُسَمَّى الذِّمِّيُّ مُعَاهَدًا، وَالْأَمَانَةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. فَعِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ هُوَ يَمِينٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا فُسِّرَتْ بِالْعِبَادَاتِ. قُلْنَا: غَلَبَ إرَادَةُ الْيَمِينِ بِهَا إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ حَرْفِ الْقَسَمِ فَوَجَبَ عَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا» فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ كَوْنِهِ يَمِينًا. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْحَلِفِ بِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأَمَانَتُهُ وَمِيثَاقُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَلَوْ حَنِثَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ يَجِبُ عَلَيْهِ بِكُلِّ لَفْظٍ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَمِينٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا إذَا كَرَّرَ الْوَاوَ، كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا قَصَدَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَمِينًا تَعَدَّدَتْ الْأَيْمَانُ وَإِلَّا يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ لِلتَّوْكِيدِ فَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. قُلْنَا: الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْمُغَايَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ) يَعْنِي يَكُونُ يَمِينًا إذَا ذَكَرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذَرَ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى إذَا لَمْ يَفِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَذَا النَّذْرِ الْمُطْلَقِ شَيْئًا مِنْ الْقُرَبِ كَحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ، فَإِنْ كَانَ نَوَى بِقَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلَتْ كَذَا قُرْبَةً مَقْصُودَةً يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا فَفَعَلَ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْقُرْبَةُ. قَالَ الْحَاكِمُ: وَإِنْ حَلَفَ بِالنَّذْرِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذْر نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُوجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةَ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْمُطْلَقِ فِي اللَّفْظِ قُرْبَةً مُعَيَّنَةً كَانَتْ كَالْمُسَمَّاةِ؛ لِأَنَّهَا مُسَمَّاةٌ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ الْحَدِيثُ إلَى مَا لَا نِيَّةَ مَعَهُ مِنْ لَفْظِ النَّذْرِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ لَمْ تَجْعَلْهُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ هَذَا الْتِزَامَ الْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، فَأَمَّا إذَا ذَكَرَ صِيغَةَ النَّذْرِ بِأَنْ

(وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيُّ أَوْ نَصْرَانِيُّ أَوْ كَافِرٌ تَكُونُ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا تَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ عَقَدَ فِعْلَهُ فَهُوَ الْغَمُوسُ، وَلَا يَكْفُرُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ. وَقِيلَ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِيهِمَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا صَلَاةً رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ أَوْ مُعَلَّقًا بِهِ أَوْ ذَكَرَ لَفْظَ النَّذْرِ مُسَمًّى مَعَهُ الْمَنْذُورَ مِثْلَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ مُعَلِّقًا أَوْ مُنَجِّزًا فَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْكَفَّارَةِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ صِيغَةِ النَّذْرِ وَلَفْظِ النَّذْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ يَكُونُ يَمِينًا) فَإِذَا فَعَلَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ قِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ يَمِينٌ بِالنَّصِّ، وَذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِهِ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثُمَّ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] . وَوَجْهُ الْإِلْحَاقِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ وَهُوَ فِعْلُ كَذَا عَلَمًا عَلَى كُفْرِهِ، وَمُعْتَقَدُهُ حُرْمَةُ كُفْرِهِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ: أَيْ الشَّرْطَ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَرَّمْت عَلَى نَفْسِي فِعْلَ كَذَا كَدُخُولِ الدَّارِ. وَلَوْ قَالَ دُخُولُ الدَّارِ مَثَلًا عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَ يَمِينًا فَكَانَ تَعْلِيقُ الْكُفْرِ وَنَحْوِهِ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ يَمِينًا إذَا عَرَفَ هَذَا، فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ كَأَنْ قَالَ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ فَهِيَ يَمِينُ الْغَمُوسِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةُ، وَهَلْ يَكْفُرُ حَتَّى تَكُونَ التَّوْبَةُ اللَّازِمَةُ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ مِنْ الْكُفْرِ وَتَجْدِيدَ الْإِسْلَامِ؟ . قِيلَ لَا، وَقِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً هُوَ كَافِرٌ.

(وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ) لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكُلُ رِبًا) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ فِيهِ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَمُوسًا لَا يَكْفُرُ، وَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ كُفْرَهُ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَكْفُرُ إذَا فَعَلَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» فَهَذَا يَتَرَاءَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَهُ يَمِينًا أَوْ كُفْرًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ مِمَّنْ يَحْلِفُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ لَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا لُزُومَ الْكُفْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ، فَإِنْ تَمَّ هَذَا، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ شَاهِدٌ لِمَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِكُفْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُهُ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ) أَيْ لَا يَلْزَمُ سَبَبِيَّةُ الشَّرْطِ لَهُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الدُّعَاءِ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الْمَدْعُوِّ بَلْ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ (وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرًا أَوْ آكِلُ رِبًا) لَا يَكُونُ يَمِينًا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ مَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْفِعْلِ يَصِيرُ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَذَلِكَ إلَّا بِفِعْلٍ مُسْتَأْنَفٍ يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ، وَوُجُودُ هَذَا الْفِعْلِ لَيْسَ لَازِمًا؛ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُوجِبًا امْتِنَاعَهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ بِالرِّضَا بِهِ يَكْفُرُ عَنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَمَلٍ آخَرَ أَوْ اعْتِقَادٍ، وَالرِّضَا يَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَيُوجِبُ عِنْدَهُ الْكُفْرَ لَوْلَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ. أَمَّا الْخَمْرُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا السَّرِقَةُ فَعِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ، وَكَذَا إذَا أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ بِالسَّيْفِ عَلَى الزِّنَا وَحُرْمَةُ الِاسْمِ لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَلَمْ تَكُنْ حُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُرْمَةِ تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ أَوْ لَا تَحْتَمِلُهُ لَا أَثَرَ لَهُ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ الْمُبَاحِ فَهُوَ يَمِينٌ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْمُبَاحَ يُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهُ لِلِارْتِفَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَا مَعْنَى لِزِيَادَةِ كَلَامٍ لَا دَخْلَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ أَنْ يُقَالَ إنْ فَعَلْت فَأَنَا زَانٍ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ: فِي تَعَدُّدِ الْيَمِينِ وَوَحْدَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ] إذَا عَدَّدَ مَا يَحْلِفُ بِهِ بِلَا وَاوٍ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ أَوْ عَدَمِ اخْتِلَافِهِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ كَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَوْ يَقُولَ وَاَللَّهِ اللَّهِ، إلَّا أَنَّ تَعْلِيلَ هَذَا بِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّانِيَ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ مُؤَوَّلٌ، وَكَذَا بِلَا اخْتِلَافٍ مَعَ الْوَاوِ نَحْوَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ كَانَ بِوَاوٍ فِي الِاخْتِلَافِ نَحْوَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ تَعَدَّدَتْ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِهَا، وَكَذَا بِوَاوَيْنِ مَعَ الِاتِّحَادِ نَحْوُ وَاَللَّهِ وَوَاللَّهِ فَيَتَفَرَّعُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَوَاللَّهِ وَالرَّحْمَنِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ، أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ فَيَمِينَانِ حَتَّى لَوْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ، فَيَلْزَمُهُ لِفِعْلِ مَا سَمَّاهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَلِفَةِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْوَاوَ الْكَائِنَةَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ لِلْقَسَمِ لَا لِلْعَطْفِ، وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَلَوْ قَالَ بِوَاوَيْنِ كَوَاللَّهِ وَوَالرَّحْمَنِ فَكَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ فِي غَيْرِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ نَحْوَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ مُطْلَقًا هَذَا قَبْلَ ذِكْرِ الْجَوَابِ. أَمَّا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ أَعَادَهُ بِعَيْنِهِ فَكَفَّارَتَانِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَقَرُبَهَا مَرَّةً لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِالثَّانِي الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ صَدَقَ دِيَانَةً، وَهِيَ عِبَارَةٌ مُتَسَاهَلٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُرِيدَ بِالثَّانِي تَكْرَارَ الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدَهُ، اخْتَارَ هَذَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: فَإِنْ نَوَى بِهِ الْمُبَالَغَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِيلَاءِ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ وَالْمَجْلِسُ وَالْمَجَالِسُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِالثَّانِي الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَوْ حَلَفَ بِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ يَسْتَقِيمُ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا رَوَى الْحَسَنُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ نُسْخَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ فِي أَيْمَانِ الْأَصْلِ: إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ ثُمَّ حَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَبَدًا ثُمَّ فَعَلَهُ إنْ نَوَى يَمِينًا مُبْتَدَأَةً أَوْ التَّشْدِيدَ أَوْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينَيْنِ، أَمَّا إذَا نَوَى بِالثَّانِي الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَدَّمْنَا فِي الْإِيلَاءِ: لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ شَهْرًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ سَنَةً إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ يَمِينُ الْيَوْمِ وَيَمِينُ الشَّهْرِ وَيَمِينُ السَّنَةِ، فَعَلَيْهِ إذَا كَلَّمَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ؛ لِأَنَّ يَمِينَ الْيَوْمِ انْحَلَّتْ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ فَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ يَمِينَانِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعُرِفَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَيَمِينَانِ، يُفِيدُ أَنَّ فِي مِثْلِهِ تَعَدُّدَ الْيَمِينِ مَنُوطٌ بِتَكَرُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ تَكَرُّرِ الِالْتِزَامِ بِالْكُفْرِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَبَرِيءٌ مِنْ الزَّبُورِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْفُرْقَانِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ، وَلَوْ قَالَ هُوَ شَرِيكُ الْيَهُودِيِّ فَهُوَ كَقَوْلِهِ يَهُودِيٌّ وَلَوْ قَالَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا: يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ أَرَادَ عَنْ فَرْضِيَّتِهَا يَكُونُ يَمِينًا أَوْ عَنْ أَجْرِهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَالِاحْتِيَاطُ هُوَ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ مِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّيْتهَا وَحَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِنْ

[فصل في الكفارة]

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ) قَالَ (كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ يُجْزِي فِيهَا مَا يُجْزِي فِي الظِّهَارِ وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ، وَأَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُرْآنِ الَّذِي تَعَلَّمْت. وَاخْتُلِفَ فِي بَرِيءٍ مِنْ الشَّفَاعَةِ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ. وَلَوْ قَالَ دَخَلْت الدَّارَ أَمْسِ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلْتهَا فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ حَالِفٌ. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ لِآخَرَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَبْدُك حُرٌّ فَقَالَ نَعَمْ إلَّا بِإِذْنِك فَهَذَا إنْ كَلَّمَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ اللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ الْحَلِفَ وَكَذَا الْمُجِيبُ فَهُمَا حَالِفَانِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ إنْ لَمْ يَفْعَلْ الْمُجِيبُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ جَوَابٌ وَهُوَ يَسْتَدْعِي إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَكَأَنَّهُ قَالَ نَعَمْ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَإِنْ نَوَى الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَالْمُجِيبُ الْحَلِفَ فَالْمُجِيبُ هُوَ الْحَالِفُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كُلٌّ مِنْهُمَا شَيْئًا فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبُ فِي قَوْلِهِ اللَّهِ وَفِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ بِالْوَاوِ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ. وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ فَأَرَادَ الْمُجِيبُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ يَمِينٌ. وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: نَعَمْ وَعْدًا بِلَا يَمِينٍ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَلَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ بِاَللَّهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إنْ لَمْ تَقْضِ دَيْنِي غَدًا فَامْرَأَتُك طَالِقٌ فَقَالَ الْمَدْيُونُ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ قُلْ نَعَمْ فَقَالَ نَعَمْ، وَأَرَادَ جَوَابَهُ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ ثَانِيًا فَتَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ دَخَلَ بَيْنَهُمَا انْقِطَاعٌ. فِي الْفَتَاوَى وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: فَقَالَ لِآخَرَ وَاَللَّهِ لَا أَجِيءُ إلَى ضِيَافَتِك فَقَالَ الْآخَرُ وَلَا تَجِيءُ إلَى ضِيَافَتِي فَقَالَ نَعَمْ يَصِيرُ حَالِفًا ثَانِيًا. [فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ] الْكَفَّارَةُ فَعَّالَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ وَبِهِ سُمِّيَ اللَّيْلُ كَافِرًا قَالَ: فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا وَتَكَفَّرَ بِثَوْبِهِ اشْتَمَلَ بِهِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الْيَمِينِ فِي قَوْلِنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إضَافَةٌ إلَى السَّبَبِ فَالْيَمِينُ هُوَ السَّبَبُ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ (قَوْلُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ) أَيْ إعْتَاقُهَا لَا نَفْسُ الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ (وَيُجْزِي فِيهَا مَا يُجْزِي فِي الظِّهَارِ) وَتَقَدَّمَ الْمُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ أَنَّهَا الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرَةُ، وَلَا يُجَزِّئُ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَتُجْزِي الْعَوْرَاءُ لَا الْعَمْيَاءُ وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ، وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَفِي الْأَصَمِّ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ، وَفِيمَنْ يُفِيقُ وَيُجَنُّ يَجُوزُ، وَلَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُمَا لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ نَقَصَ الرِّقُّ فِيهِمَا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ كَالْمَعْتُوقِ بِعِوَضٍ (وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ) يَعْنِي إنْ كَسَا ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَهُوَ أَفْضَلُ (وَأَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ) كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخَيُّرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُخَيَّرُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ. وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَهِيَ كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ شَعِيرٍ ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَنِصْفُهُ مِنْ بُرٍّ. وَبِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ. وَبِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ. وَبِإِسْنَادِهِ إلَى مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ كَفَّارَةٍ فِي الْقُرْآنِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَلَوْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ وَفِيهِمْ فَطِيمٌ أَوْ فَوْقُهُ سِنًّا لَمْ يَجُزْ عَنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ بِخُبْزٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ بُرًّا لَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَبِإِدَامٍ. وَيَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ كُلٌّ مِنْ التَّمْلِيكِ وَالْإِبَاحَةِ وَتَقَدَّمَ (وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ) وَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ أَيُّهَا شَاءَ. وَيَتَعَيَّنُ الْوَاجِبُ عَيْنًا بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَدَخَلَ فِيمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ كَفَّارَةُ يَمِينِهِ إلَّا بِالصَّوْمِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا لَا يُجْزِيهِ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْمُسْتَسْعَى، وَلَوْ صَامَ الْعَبْدُ فَيُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ وَلَوْ بِسَاعَةٍ فَأَصَابَ مَالًا وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ) مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ (كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُخَيَّرُ) بَيْنَ التَّتَابُعِ وَالتَّفْرِيقِ (لِإِطْلَاقِ النَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ شَرَطَ التَّتَابُعَ كَقَوْلِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ (وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَهِيَ كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ) لِشُهْرَتِهَا عَلَى مَا قِيلَ إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ يَجُوزُ تَقْيِيدُ النَّصِّ الْقَاطِعِ بِهِ فَيُقَيَّدُ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الشَّافِعِيُّ كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْكُمْ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ كَانَا فِي حَادِثَيْنِ وَأَنْتُمْ تَحْمِلُونَهُ فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ إنَّكُمْ جَرَيْتُمْ عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ هُنَا وَتَرَكْتُمُوهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي قَوْلِهِ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» وَقَوْلُهُ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . أُجِيبَ عَنَّا بِأَنَا إنَّمَا نَحْمِلُ فِي الْحَادِثَةِ الْوَاحِدَةِ لِلضَّرُورَةِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ مَطْلُوبًا بِقَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى الْمُطْلَقِ، وَبِقَيْدِ إطْلَاقِهِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بِقَيْدِ التَّتَابُعِ وَلَا يُجْزِي التَّفْرِيقُ وَالثَّانِي يَقْتَضِي جَوَازَهُ مُفَرَّقًا كَجَوَازِهِ مُتَتَابِعًا، وَإِذَا وَجَبَ الْقَيْدُ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ انْتِفَاءُ الثَّانِي فَلَزِمَ الْحَمْلُ ضَرُورَةً، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِوُرُودِ النَّصَّيْنِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِي الْأَسْبَابِ، وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْأَسْبَابِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ سَبَبًا، وَهَذَا كَلَامٌ مُحْتَاجٌ إلَى تَحْقِيقٍ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْحَمْلَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا لَوْ قُلْنَا بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمُطْلَقِ أَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا. وَالْحَاصِلُ مِنْ الْمُقَيَّدِ أَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ سَبَبٌ وَغَيْرُ الْمُسْلِمِ لَيْسَ سَبَبًا لِفَرْضِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَيَتَعَارَضَانِ فِي غَيْرِ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا فُرِضَ تَقْدِيمُ الْمَفْهُومِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَزِمَ انْتِفَاءُ سَبَبِيَّةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَلَزِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُسْلِمَ فَقَطْ هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ الْحَمْلُ ضَرُورَةً لَكِنَّا لَمْ نَقُلْ بِهِ فَبَقِيَ مُقْتَضَى الْمُطْلَقِ بِلَا مُعَارِضٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَغَيْرَهُ

ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ أَدْنَى الْكِسْوَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ أَدْنَاهُ مَا يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ السَّرَاوِيلَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ، لَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يُجْزِيه عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبٌ. وَأَجَابُوا عَمَّا لَزِمَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ تَجَاذَبَهَا أَصْلَانِ فِي التَّتَابُعِ وَعَدَمِهِ، فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ يُوجِبُ التَّتَابُعَ، وَحَمْلُهُ عَلَى صَوْمِ الْمُتْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ دَمٌ جُبِرَ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ فَتُرِكَ الْحَمْلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِلتَّعَارُضِ وَعُمِلَ بِإِطْلَاقِ نَصِّ الْكَفَّارَةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِسْوَةِ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْمَبْسُوطِ أَوْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ (فِي بَيَانِ أَدْنَى الْكِسْوَةِ) الْمُسْقِطَةِ لِلْوَاجِبِ مِنْ أَنَّهُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ (مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُجْزِيهِ دَفْعُ السَّرَاوِيلِ، وَعَنْهُ تَقْيِيدُهُ بِالرَّجُلِ، فَإِنْ أَعْطَى السَّرَاوِيلَ امْرَأَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَلَاتُهَا فِيهِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنَّ أَدْنَاهُ مَا يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ، وَلَا يَجُوزُ السَّرَاوِيلُ عَلَى هَذَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ لَابِسَ السَّرَاوِيلِ يُسَمَّى عُرْيَانًا عُرْفًا) فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصًا أَوْ جُبَّةً أَوْ رِدَاءً أَوْ قَبَاءً أَوْ إزَارًا سَابِلًا بِحَيْثُ الْمُقْسَمُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةُ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِلَّا فَهُوَ كَالسَّرَاوِيلِ، وَلَا تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ إلَّا إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا ثَوْبٌ مُجْزِئٌ مِمَّا ذَكَرْنَا جَازَ. وَأَمَّا الْقَلَنْسُوَةُ فَلَا تُجْزِئُ بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْمَقْسَمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إذَا قَدِمَ وَفْدٌ عَلَى الْأَمِيرِ وَأَعْطَاهُمْ قَلَنْسُوَةً قِيلَ قَدْ كَسَاهُمْ قِيلَ قَدْ كَسَاهُمْ فَلَا عَمَلَ عَلَى هَذَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَرِدَاءٍ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ثَوْبَانِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا كُلُّهُ إذَا دَفَعَ إلَى الرَّجُلِ، أَمَّا إذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ خِمَارٍ مَعَ الثَّوْبِ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ دُونَهُ، وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْجَوَابِ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ، وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ، إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلُ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا وَإِزَارًا وَخِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةٌ، وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ أَوْ لَا، ثُمَّ اعْتِبَارُ الْفَقْرِ وَالْغِنَى عِنْدَنَا عِنْدَ إرَادَةِ التَّكْفِيرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ الْحِنْثِ، فَلَوْ كَانَ مُوسِرًا عِنْدَ الْحِنْثِ ثُمَّ أَعْسَرَ عِنْدَ التَّكْفِيرِ أَجُزْأَهُ الصَّوْمُ عِنْدَنَا وَبِعَكْسِهِ لَا يُجْزِيهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْقَلْبِ قَاسَهُ عَلَى الْحَدِّ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتَ الْوُجُوبِ لِلتَّنْصِيفِ بِالرِّقِّ. وَقُلْنَا: الصَّوْمُ خَلَفٌ عَنْ الْمَالِ كَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ، أَمَّا حَدُّ الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ حَدِّ الْحُرِّ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ مَا لَا يُجْزِيهِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ أَعْطَى الْفَقِيرَ ثَوْبًا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ الْوَاقِعَةِ كَفَّارَةً بِطَرِيقِ الْكِسْوَةِ مِثْلَ السَّرَاوِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ أَوْ نِصْفِ ثَوْبٍ مُجْزِئٌ وَقِيمَتُهُ تَبْلُغُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَجْزَأَهُ عَنْ إطْعَامِ فَقِيرٍ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا إذَا أَعْطَى عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ثَوْبًا كَبِيرًا لَا يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ مِنْهُ لِلْكِسْوَةِ،

(وَإِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يُجْزِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِيهِ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَبْلُغُ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ قِيمَةَ مَا ذَكَرْنَا أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِالْإِطْعَامِ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ عَنْ الْإِطْعَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عَنْ الْإِطْعَامِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْإِطْعَامِ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُجْزِيهِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَاعْتَرَضَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَإِذَا لَمْ يَنْوِ عَنْ الْإِطْعَامِ لَا يَقَعُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَ الْمُكَفِّرَ بَيْنَ خِصَالٍ ثَلَاثٍ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهَا صَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً وَتَنَحَّى الْآخَرَانِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَصَحِيحٌ وَبِهِ نَقُولُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» دَلِيلُهُ فَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُؤَدِّي طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً إلَى كَوْنِهِ كَفَّارَةً إلَّا بِنِيَّةٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ وَالتَّكْفِيرَ بِالْكِسْوَةِ مَثَلًا فَمَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْوَاجِبَ التَّكْفِيرُ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كُلٌّ مِنْهَا مُتَعَلَّقُ الْوَاجِبِ وَهُوَ فِعْلُ الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْوَاجِبِ، فَإِذَا دَفَعَ أَحَدَهَا نَاوِيًا الِامْتِثَالَ فَقَدْ تَمَّ الْوَاجِبُ سَوَاءٌ كَانَ يَصِحُّ إطْعَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ السُّقُوطُ عَلَى أَنْ يَنْوِيَ بِدَفْعِ أَحَدِهَا أَنَّهُ عَنْ الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكْفِ لِنَفْسِهِ لَزِمَ أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ خَصْلَةٍ فِي نَفْسِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ فِي الْإِطْعَامِ أَنَّهُ إطْعَامٌ وَفِي دَفْعِ الثَّوْبِ أَنَّهُ كِسْوَةٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ، بَلْ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ نِيَّةُ الِامْتِثَالِ بِالْفِعْلِ إذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْإِسْقَاطِ بِوَجْهٍ وَقَدْ نَوَى الْإِسْقَاطَ فَانْصَرَفَ إلَى مَا بِهِ الْإِسْقَاطُ فَظَهَرَ ضَعْفُ كَلَامِ الْمُعْتَرِضِ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مُخْتَارًا لِلْكِسْوَةِ إذَا دَفَعَ مَا لَا يَسْتَقِيمُ كِسْوَةً مَمْنُوعٌ، وَقَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَعْطَى نِصْفَ صَاعٍ تَمْرٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ بُرٍّ لَا يُجْزِي عَنْهُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ جِنْسَ الْكَفَّارَةِ فِي التَّمْرِ وَالْبُرِّ مُتَّحِدٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَهُوَ سَدُّ حَاجَةِ الْبَطْنِ مِنْ التَّغَذِّي فَلَا يُدْفَعُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَالْقَمْحِ عَنْ الشَّعِيرِ. بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ مَعَ الْإِطْعَامِ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِدَفْعِ حَاجَتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ دَفْعِ حَاجَةِ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ وَدَفْعِ حَاجَةِ التَّغَذِّي فَجَازَ جَعْلُ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْمَوْرِدِ مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا صَغِيرًا نَفِيسًا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَوْبَ كِرْبَاسَ يُجْزِي عَنْ الْكِسْوَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْزِيَهُ عَنْ الْكِسْوَةِ بَلْ عَنْ الْإِطْعَامِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْزِيهِ بِالْمَالِ) دُونَ الصَّوْمِ (لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ) وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ لِلْكَفَّارَةِ هُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي النَّصِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ، وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْمُضَافِ الْوَاقِعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ مُتَعَلِّقُهُ. كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ، وَإِذَا ثَبَتَ سَبَبِيَّتُهُ جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَرْطٌ. وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ثَابِتٌ شَرْعًا، كَمَا جَازَ فِي الزَّكَاةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ، وَكَمَا فِي تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجَرْحِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالسَّرَايَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْمَالُ وَالصَّوْمُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ، وَفِي الْجَدِيدِ لَا يُقَدَّمُ الصَّوْمُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ: يَعْنِي أَنَّ تَقَدُّمَ الْوَاجِبِ بَعْدَ السَّبَبِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يُعْرَفْ شَرْعًا إلَّا فِي الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ

فَأَشْبَهَ التَّكْفِيرَ بَعْدَ الْجَرْحِ. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ هَاهُنَا، وَلَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِأَنَّهُ مَانِعٌ غَيْرُ مُفْضٍ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا صَوْمًا كَانَ أَوْ مَالًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّقْدِيمِ كَمَا سَيُذْكَرُ (وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ) مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ قَالَ الْقَائِلُ: فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا وَبِهِ سُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ (وَلَا جِنَايَةَ) قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِهِ لَا بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَلِذَا أَقْدَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ عَلَى الْأَيْمَانِ وَكَوْنُ الْحِنْثِ جِنَايَةً مُطْلَقًا لَيْسَ وَاقِعًا إذْ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْكَلَامَ مَخْرَجَ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ إخْلَافِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ الْحِنْثُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ مَعْصِيَةٌ أَوْ لَا، وَالْمَدَارُ تَوْفِيرُ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ السَّبَبَ الْحِنْثُ، وَالْيَمِينَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ وَالْيَمِينُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ عَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُفْضِيًا إلَيْهِ. نَعَمْ قَدْ يَتَّفِقُ تَحَقُّقُهُ اتِّفَاقًا لَا عَنْ الْيَمِينِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ نَفْسَ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِيهِ نَفْسُ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ فَإِنَّهُ مُفْضٍ إلَى التَّلَفِ فَلَزِمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ الْمَذْكُورَةَ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الشَّرْطِ جَائِزَةٌ وَثَابِتَةٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْحِنْثَ شَرْطُ الْوُجُوبِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ قَبْلَهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ، وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ فَلَا يَقَعُ التَّكْفِيرُ وَاجِبًا قَبْلَهُ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَلَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ بِفِعْلٍ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، فَهَذَا مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَقَعَ الشَّرْعُ عَلَى خِلَافِهِ فِي الزَّكَاةِ وَالْجُرْحِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ فَلَا يُلْحَقُ غَيْرُهُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ لْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» قُلْنَا: الْمَعْرُوفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ لَفْظُ ثُمَّ إلَّا وَهُوَ مُقَابَلٌ بِرِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ بِالْوَاوِ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ فِي أَبِي دَاوُد قَالَ فِيهِ «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُقَابَلَةٌ بِرِوَايَاتٍ عَدِيدَةٍ كَحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِالْوَاوِ فَيُنْزَلُ مَنْزِلَةَ الشَّاذِّ مِنْهَا فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مَعْنَى الْوَاوِ حَمْلًا لِلْقَلِيلِ الْأَقْرَبِ إلَى الْغَلَطِ عَلَى الْكَثِيرِ. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا حَلَفَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، إلَى أَنْ قَالَ: إلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي ثُمَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَهَذَا

(ثُمَّ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْمِسْكِينِ) لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً. قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا يَنْبَغِي أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إلَى آخِرِ مَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِيهِ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَقَدْ شَذَّتْ رِوَايَةُ ثُمَّ لِمُخَالَفَتِهَا رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ فَصَدَقَ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْمُنْكَرِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا خَالَفَ الْحَافِظُ فِيهَا الْأَكْثَرَ: يَعْنِي مِنْ سِوَاهُ مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ فَلَا يُعْمَلُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَكُونُ التَّعْقِيبُ الْمُفَادُ بِالْفَاءِ لِجُمْلَةِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي اُدْخُلْ السُّوقَ فَاشْتَرِ لَحْمًا وَفَاكِهَةً، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَعْقِيبُ دُخُولِ السُّوقِ بِشِرَاءِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَهَكَذَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاوَ لَمَّا لَمْ تَقْتَضِ التَّعْقِيبَ كَانَ قَوْلُهُ فَلْيُكَفِّرْ لَا يَلْزَمُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحِنْثِ بَلْ جَازَ كَوْنُهُ قَبْلَهُ كَمَا بَعْدَهُ فَلَزِمَ مِنْ هَذَا كَوْنُ الْحَاصِلِ فَلْيَفْعَلْ الْأَمْرَيْنِ فَيَكُونُ الْمُعَقَّبُ الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ وَرَدَتْ رِوَايَاتٌ بِعَكْسِهِ: مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» . وَمِنْهَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَزَاءِ عَنْ عَمِّهِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي آتِيهِ أَسْأَلُهُ فَلَا يُعْطِينِي وَلَا يَصِلُنِي ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَيَّ فَيَأْتِينِي وَيَسْأَلُنِي وَقَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُعْطِيَهُ وَلَا أَصِلَهُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِي» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ؛ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ صِحَّةُ رِوَايَةِ " ثُمَّ " كَانَ مِنْ تَغْيِيرِ الرِّوَايَةِ، إذْ قَدْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِالْوَاوِ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْوَاجِبُ كَمَا قَدَّمْنَا حَمْلُ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ الشَّهِيرِ لَا عَكْسُهُ، فَتُحْمَلُ ثُمَّ عَلَى الْوَاوِ الَّتِي امْتَلَأَتْ كُتُبُ الْحَدِيثِ مِنْهَا دُونَ ثُمَّ. وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَمْ يُعْرَفْ أَصْلًا: أَعْنِي قَوْلَهُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، هَذَا وَلَفْظُ الْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَهُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْفَقِيرِ) يَعْنِي إذَا دَفَعَ إلَى الْفَقِيرِ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقُلْنَا لَا يُجْزِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَن فُلَانًا يَنْبَغِي أَنْ يُحْنِثَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْنِثَ (نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا

وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ تَفْوِيتُ الْبِرِّ إلَى جَارٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ. (وَإِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا وَلَا هُوَ أَهْلُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ) مِنْ تَحْنِيثِ نَفْسِهِ (تَفْوِيتُ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ) وَثُبُوتُ جَابِرِ الشَّيْءِ كَثُبُوتِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْمُتَحَقَّقُ الْبِرَّ (وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ) أَيْ فِي ضِدِّ مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ وَضِدُّ تَحْنِيثِ نَفْسِهِ هُوَ أَنْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تَتَقَرَّرُ الْمَعْصِيَةُ دُونَ جَابِرٍ يَجْبُرُهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ: فِعْلُ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوَهُ، فَإِنَّ الْحِنْثَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِهِ غَدًا لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ، وَكَذَا تَيْسِيرُ الْمُطَالَبَةِ. أَوْ عَلَى شَيْءٍ وَضِدُّهُ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ الْكُفْرِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَالْمُرَادُ حُكْمُ الْحِنْثِ الْمَعْهُودِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ

(وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا وَعَلَيْهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَذَرَ الْكَافِرُ مَا هُوَ قُرْبَةٌ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ صَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ، وَبِقَوْلِنَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِإِيجَابِهِ دُونَ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ أَهْلًا لَهَا، وَصَارَ كَالْعَبْدِ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إحْدَى الْخِصَالِ، فَكَذَا هَذَا لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ تَعَيَّنَ مَا سِوَاهُ، وَأَيْضًا هُوَ أَهْلٌ لِلْبِرِّ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا وَيَمْتَنِعُ عَنْ إخْلَافِ مَا عَقَدَهُ بِهِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعَاوَى وَيَدْخُلُ فِي الْمَالِ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ الْعِبَادَةِ كَالْعِتْقِ لِلشَّيْطَانِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ مُجَرَّدَ إسْقَاطِ الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ سَمْعٌ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْمًا، فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» وَفِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَهُ {نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12] فَيَعْنِي صُوَرَ الْأَيْمَانِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا. وَالْحَاصِلُ لُزُومُ تَأْوِيلٍ إمَّا فِي {لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ لَا إيفَاءَ لَهُمْ بِهَا أَوْ فِي {نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12] عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ صُوَرُ الْأَيْمَانِ دُونَ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَتَرَجَّحَ الثَّانِي بِالْفِقْهِ، وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لَهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ عِبَادَةً يُجْبَرُ بِهَا مَا ثَبَتَ مِنْ إثْمِ الْحِنْثِ إنْ كَانَ، أَوْ مَا وَقَعَ مِنْ إخْلَافِ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى إقَامَةً لِوَاجِبِهِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لِفِعْلِ عِبَادَةٍ. وَقَوْلُهُمْ إيجَابُ الْمَالِ وَالْعِتْقِ يُمْكِنُ تَجْرِيدُهُ عَنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي إيجَابِ الْمَالِ وَالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إيجَابُهُمَا، وَالْكَلَامُ فِي إيجَابِهِمَا كَفَّارَةً، وَإِيجَابُهُمَا كَفَّارَةً لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَمَّا ذَكَرْنَا، إذْ لَوْ فُصِلَ لَمْ يَكُنْ كَفَّارَةً لِأَنَّ مَا شُرِعَ بِصِفَةٍ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَإِلَّا فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ، وَأَمَّا تَحْلِيفُ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُبَرِّيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» فَالْمُرَادُ كَمَا قُلْنَا صُوَرُ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ، وَالْكَافِرُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ شَرْعًا الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ الْمُسْتَعْقِبُ لِحُكْمِهِ فَهُوَ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةَ الْيَمِينِ بِهِ كَاذِبًا فَيَمْتَنِعُ عَنْهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ ظُهُورِ الْحَقِّ فَشُرِعَ الْتِزَامُهُ بِصُورَتِهَا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ. وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ مَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَعْظِيمًا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُجَازَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ نَذْرَ الْكَافِرِ لَا يَصِحُّ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ كَاللَّجَاجِ وَهُمْ يُؤَوِّلُونَهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَفْعَلَ قُرْبَةً مُسْتَأْنَفَةً فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لَا عَلَى أَنَّهُ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ دَعَا إلَى هَذَا الْعِلْمُ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِقُرْبَةٍ مِنْ الْقُرَبِ فَلَيْسَ أَهْلًا لِالْتِزَامِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهَا لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ، وَتَصْحِيحُ الِالْتِزَامِ ابْتِدَاءً يُرَادُ لِفِعْلِ نَفْسِ الْمُلْتَزِمِ. لَا لِإِضْعَافِ الْعَذَابِ. وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إنَّهُ لَيْسَ مُتَقَرِّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ إلَى رَبِّهِ الَّذِي يَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي بَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ بِنَذْرِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِهِ فَفِيهِ قُصُورٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ) كَهَذَا الثَّوْبُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ هَذَا الطَّعَامُ أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ أَوْ الدَّابَّةُ (لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا وَعَلَيْهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَلَيْسَ مِلْكُهُ شَرْطًا لِلُزُومِ حُكْمِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ جَازَ فِي نَحْوِ: كَلَامُ زَيْدٍ عَلَيَّ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْيَمِينُ. وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ إحْمَالُهُ بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لِغَيْرِهِ بِإِثْبَاتِ مُوجِبِ الْيَمِينِ فَيُصَارُ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَرَامٌ، وَلَوْ أُرِيدَ بِلَفْظِ شَيْئًا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِ دَخَلَ نَحْوُ: كَلَامُ زَيْدٍ وَلَمْ يَدْخُلْ نَحْوُ هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ لِطَعَامٍ لَا يَمْلِكُهُ، لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ حَالِفًا، حَتَّى لَوْ أَكَلَهُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَمْنَعُ تَحْرِيمَهُ حَلِفًا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ حَرَّمَ الْخَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّحْرِيمَ: يَعْنِي الْإِنْشَاءَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا شَرِبَهَا كَأَنَّهُ حَلَفَ لَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا، وَالْمَنْقُولُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، عِنْدَ أَحَدِهِمَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الْآخَرِ لَا يَحْنَثُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى نِيَّةٍ، وَلَوْ قَالَ الْخِنْزِيرُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ أَكَلْته. وَقِيلَ هُوَ قِيَاسُ الْخَمْرِ وَهُوَ الْوَجْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ انْصِرَافُ الْيَمِينِ إلَى الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَمَا فِي تَحْرِيمِ الشَّرْعِ لَهَا فِي نَحْوِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَحُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ وَالشُّرْبِ وَالْأَكْلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَبِسَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ، وَإِنْ قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ كُلُّ طَعَامٍ آكُلُهُ فِي مَنْزِلِك فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهُ، هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَحْنَثُ، وَالنَّاسُ يُرِيدُونَ بِهَذَا أَنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت هَذَا فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ أَنْ يَحْنَثَ إذَا أَكَلَهُ، وَكَذَا مَا ذَكَرَ فِي الْحِيَلِ إنْ أَكَلْت طَعَامًا عِنْدَك أَبَدًا فَهُوَ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابَ الْقِيَاسِ. وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَيَّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: وَكَذَا كَلَامُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا كَلَامُ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَكَذَا أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُمْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُمْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْبَعْضِ وَإِنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك يَكُونُ يَمِينًا، فَلَوْ جَامَعَهَا طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً تَحْنَثُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَأُدْخِلَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لِدَرَاهِمَ فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ اشْتَرَى بِهَا حَنِثَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لَمْ يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) يَعْنِي إلَّا فِي الْجَوَارِي وَالنِّسَاءِ، وَبِهِ قَالَ

ثُمَّ إذَا فَعَلَ مِمَّا حَرَّمَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الْمَعْنَى مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا ثَبَتَ تَنَاوَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْيَمِينُ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ فِي الْجَوَارِي، وَالنِّسَاءُ فِي مَعْنَاهَا فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ شَيْئًا مِمَّا هُوَ حَلَالٌ، وَأَنَّهُ فَرَضَ لَهُ تَحِلَّتَهُ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَعُلِمَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ يَمِينًا فِيهَا الْكَفَّارَةُ غَيْرَ مُفِيدٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي تَخْصِيصِهِ بِمَوْرِدِهِ أَوْ تَعْمِيمِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَهُوَ قَوْلُهُ {مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] وَقَدْ يَدْفَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ مَا وَقَعَ تَحْرِيمُهُ: أَيْ لِمَ حَرَّمْت مَا كَانَ حَلَالًا لَك، وَلِذَا قَالَ {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِنَّ لَا يَتَعَلَّقُ بِعُمُومِ تَحْرِيمِ الْمُبَاحَاتِ بَلْ بِبَعْضٍ يَسِيرٍ، بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ كَمَا وَرَدَ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ وَرَدَ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي تَحْرِيمِ الْعَسَلِ. فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَلَى أَنَّ أَيَّتُنَا إنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ إنِّي أَجِدُ مِنْكِ رِيحَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إحْدَانَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ وَلَنْ أَعُودَ إلَيْهِ فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم: 1] » وَهَذَا أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ لِأَنَّ رَاوِيَهُ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ وَفِيهِ زِيَادَةُ الصِّحَّةِ وَحِينَئِذٍ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ نُزُولِهَا فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وقَوْله تَعَالَى {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهَا فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ لِأَنَّ مَرْضَاتَهُنَّ كَانَ فِي ذَلِكَ لَا فِي تَرْكِ الْعَسَلِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَيْضًا فِي تَرْكِ شُرْبِهِ عِنْدَ الضَّرَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَذُوقُهُ» فَلِذَلِكَ سُمِّيَ تَحْرِيمًا وَلَزِمَتْ التَّحِلَّةُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ وَيُقَيَّدَ بِهِ حُكْمُ النَّصِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ هُوَ قَوْلُهُ «وَلَنْ أَعُودَ إلَيْهِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ مُوجِبٍ لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَحَدٍ فَحَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْهُ كَانَ يَمِينًا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ ذَلِكَ الْقَوْلِ قَوْلٌ آخَرُ لَمْ يُرْوَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ ثَبَتَ بِهِ الْيَمِينُ فَجَازَ كَوْنُهُ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَذُوقُهُ وَجَازَ كَوْنُهُ لَفْظ التَّحْرِيمِ، إلَّا أَنَّ لَفْظَ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ قَالَ حَرَّمْت كَذَا وَنَحْوَهُ، بِخِلَافِ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ. وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَهُ يُنَبِّئُ عَنْ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ إعْمَالُهُ بِإِثْبَاتِ حُرْمَتِهِ: أَيْ حُرْمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِإِثْبَاتِ مُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْبِرُّ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَالْكَفَّارَةُ إنْ فَعَلَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِ فَعَمَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ النِّسَاءَ وَغَيْرَهُنَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا فَعَلَ مِمَّا حَرَّمَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الْمَعْنَى مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ) فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ الْمُحَرَّمُ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ اسْتَبَاحَهُ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا ثَبَتَ تَنَاوَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ) فَبِتَنَاوُلِ جُزْءٍ يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ

(وَلَوْ قَالَ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ، هَذَا قَوْلُ زَفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْبِرُّ لَا يَتَحَصَّلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ، وَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ عَادَةً. وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ. وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا تُصْرَفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عَنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُمْ وَهَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى مَا نَقَلَ قَاضِي خَانْ عَنْ الْمَشَايِخِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ) فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَّغَ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ) كَفَتْحِ الْعَيْنَيْنِ وَتَحْرِيكِ الْجَفْنَيْنِ (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِهِ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْبِرُّ لَا يَحْصُلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُعْقَدْ لِلْحِنْثِ ابْتِدَاءً: أَيْ لَا يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْ عَقْدِ الْيَمِينِ الْحِنْثَ فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً صَارِفَةً عَنْ صِرَافَةِ الْعُمُومِ (وَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ (يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً) وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، فَظَهَرَ، أَنَّ مَا قِيلَ إنَّهُ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ لَا يَصِحُّ إذْ لَيْسَ مَجْمُوعُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَخَصَّ الْخُصُوصِ بَلْ حُمِلَ عَلَى مَا تُعُورِفَ فِيهِ اللَّفْظُ. (وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ) فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ، فَإِذَا نَوَاهَا اتَّصَلَتْ النِّيَّةُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ فَصَحَّ فِيهِ دُخُولُهَا فِي الْإِرَادَةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ اسْقِنِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ، فَلَوْ وَقَعَ كَانَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً) لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى قُرْبَانِهَا إيلَاءٌ وَلَا يَنْصَرِفُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَأَيَّهَا فَعَلَ حَنِثَ، وَإِذَا كَانَ إيلَاءً فَهُوَ إيلَاءٌ مُؤَبَّدٌ، فَإِنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ إلَى آخِرِ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ الْمُؤَبَّدِ. (وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَشَايِخِنَا) أَيْ مَشَايِخِ بَلْخٍ كَأَبِي بِكْرٍ الْإِسْكَافِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ (قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مُنَجَّزًا لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ) فِي الطَّلَاقِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: هَكَذَا قَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ، وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ

وَكَذَا يَنْبَغِي فِي قَوْلِهِ حَلَالٌ يُرْوَى حَرَامٌ لِلْعُرْفِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ هرجه بردست رَاسَتْ كيرم بِرِوَيْ حَرَامٌ أَنَّهُ هَلْ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ. (وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذَا لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ، وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لَمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ، فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا وَيَقُولُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا، فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفَ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَى كَلَامِك وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ، وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ. وَفِي التَّتِمَّةِ: لَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ قَالَ حَلَالُ خداي وَلَهُ امْرَأَةٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكَذَا يَنْبَغِي فِي حَلَالِ بروي حَرَامٌ لِلْعُرْفِ: يَعْنِي يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ لِلْفَتْوَى (وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ هرجه بردست راست كيرم بروى حرام أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ أَوْ لَا. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ. وَلَوْ قَالَ هرجه بدست راست كيرفته أُمّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كيرم. وَلَوْ قَالَ هرجه بدست حُبْ كيرم، فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَإِنْ نَوَى. وَلَوْ قَالَ هرجه بدست رَاسَتْ كيرفتم لَا يَكُونُ طَلَاقًا لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي قَوْلِهِ كيرم وَلَا عُرْفَ فِي قَوْلِهِ كيرفتم. وَلَوْ قَالَ هرجه بدست كيرم وَلَمْ يَقُلْ رَاسَتْ أَوَجَبَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ هرجه بدست كيرم. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي انْصِرَافِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةً أَوْ فَارِسِيَّةً إلَى مَعْنًى بِلَا نِيَّةِ التَّعَارُفِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ. وَفِيمَا يَنْصَرِفُ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مُصَدَّقٌ. . (قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ كَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ حَجَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَنَحْوُهُ مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ لِنَفْسِهَا وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ (فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَا) وَهَذِهِ شُرُوطُ لُزُومِ النَّذْرِ، فَخَرَجَ النَّذْرُ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَنْذُورِ مَعْصِيَةً يَمْنَعُ انْعِقَادَ النَّذْرِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ أَوْ لَيْسَ فِيهِ جِهَةُ الْقُرْبَةِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ يَنْعَقِدُ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِصَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِهِ، وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ. وَلَنَا فِيهِ بَحْثٌ ذَكَرْنَاهُ فِي مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَيْنًا لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ قَالَ فِيهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَمَعَ ذَلِكَ فَالْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبَيَّنَ عِلَّتَهُ، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ بِهِ أَوْ عَيْنٍ وَهُوَ خِلَافِيَّةُ زُفَرَ. فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ عَنْ نَذْرِهِ أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَتَصَدَّقَ فِي غَدٍ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ نَذْرِهِ أَجُزْأَهُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِزُفَرَ. لَهُ أَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا نَذَرَهُ. وَلَنَا أَنَّ لُزُومَ مَا الْتَزَمَهُ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِاعْتِبَارَاتٍ أُخَرَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي صَيْرُورَتِهِ قُرْبَةً وَقَدْ أَتَى بِالْقُرْبَةِ الْمُلْتَزَمَةِ، وَكَذَا إذَا نَذَرَ

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» . (وَإِنْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَدَّاهَا فِي أَقَلَّ شَرَفًا مِنْهُ أَوْ فِيمَا لَا شَرَفَ لَهُ أَجُزْأَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَأَفْضَلُ الْأَمَاكِنِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، ثُمَّ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ الْجَامِعُ، ثُمَّ مَسْجِدُ الْحَيِّ، ثُمَّ الْبَيْتُ لَهُ أَنَّهُ نَذَرَ بِزِيَادَةِ قُرْبَةٍ فَيَلْزَمُ. قُلْنَا: عُرِفَ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الْتِزَامَهُ مَا هُوَ قُرْبَةٌ مُوجِبٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّرْعِ اعْتِبَارُ تَخْصِيصِ الْعَبْدِ الْعِبَادَةَ بِمَكَانٍ، بَلْ إنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَعَدَّى لُزُومُ أَصْلِ الْقُرْبَةِ بِالْتِزَامِهِ إلَى لُزُومِ التَّخْصِيصِ بِمَكَانٍ فَكَانَ مُلْغًى وَبَقِيَ لَازِمًا بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ. فَإِنْ قُلْت: مِنْ شُرُوطِ النَّذْرِ كَوْنُهُ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَكَيْفَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ بِلَا وُضُوءٍ يَصِحُّ نَذْرُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مُحَمَّدًا أَهْدَرَهُ لِذَلِكَ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّمَا صَحَّحَهُ بِوُضُوءٍ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَشْرُوطِ الْتِزَامُ الشَّرْطِ. فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَغْوٌ لَا يُؤَثِّرُ، وَنَظِيرُهُ إذَا نَذَرَهُمَا بِلَا قِرَاءَةٍ أَلْزَمْنَاهُ رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً أَلْزَمْنَاهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَلْزَمْنَاهُ بِأَرْبَعٍ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِي الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِلَا قِرَاءَةٍ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ غَيْرُ قُرْبَةٍ. وَفِي الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَا إذَا نَذَرَ بِثَلَاثٍ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ رَكْعَةً بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا الْتَزَمَهَا مُفْرَدَةً عَلَى قَوْلِهِ. وَلَنَا مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الِالْتِزَامَ بِشَيْءٍ الْتِزَامٌ بِمَا لَا صِحَّةَ إلَّا بِهِ، وَلَا صِحَّةَ لِلصَّلَاةِ بِلَا قِرَاءَةٍ، وَلَا لِلرَّكْعَةِ إلَّا بِضَمِّ الثَّانِيَةِ، فَكَانَ مُلْتَزِمًا الْقِرَاءَةَ وَالثَّانِيَةَ. وَاحْتَاجَ مُحَمَّدٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْتِزَامِ الصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ حَيْثُ أَبْطَلَهُ وَالْتِزَامِهَا بِلَا قِرَاءَةٍ حَيْثُ أَجَازَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ بِلَا طَهَارَةٍ لَيْسَتْ عِبَادَةً أَصْلًا، وَبِلَا قِرَاءَةٍ تَكُونُ عِبَادَةً كَصَلَاةِ الْأُمِّيِّ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَإِنْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْ مُتَفَرِّقَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ مَحَلُّهَا بِالْأَصَالَةِ فَلَمْ أَرَ إخْلَاءً مِنْهَا نَصِيحَةً لِدِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» ) وَهَذَا دَلِيلُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَفِي لُزُومِ الْمَنْذُورِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، قَالَ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لِلْآيَةِ، وَتَقَدَّمَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا تُوجِبُ الِافْتِرَاضَ لِلْقَطْعِيَّةِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ إذْ خُصَّ مِنْهَا النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ وَمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ. وَمِنْ السُّنَّةِ كَثِيرٌ مِنْهَا حَدِيثٌ فِي الْبُخَارِيِّ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْإِيفَاءِ بِهِ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِافْتِرَاضِ الْإِيفَاءِ بِالنَّذْرِ. [فُرُوعٌ] إذَا نَذَرَ شَهْرًا فَإِمَّا بِعَيْنِهِ كَرَجَبٍ وَجَبَ التَّتَابُعُ، لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَرَمَضَانَ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاؤُهُ، كَذَا هَذَا، وَإِنْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَشَهْرٍ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ، وَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَزِمَهُ، وَلَوْ الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ لَزِمَهُ مَا يَمْلِكُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا كَانَ يَمِينًا وَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، وَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ يَقَعُ عَلَى عَشَرَةٍ. عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِلَّهِ عَلَيَّ طَعَامُ مِسْكِينٍ لَزِمَهُ نِصْفُ صَاعٍ حِنْطَةً اسْتِحْسَانًا، لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهَا أَثِمَ وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي. قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي فَعَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا أَوْ ذَبَحْت شَاةً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ أَذْبَحُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا لَزِمَهُ. قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا فَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) الَّذِي رَوَيْنَاهُ

وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْوَفَاءِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا. وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُنْجَزٍ وَلَا مُعَلَّقٍ. وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الشَّرْطِ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ: أَيْ عَنْ لُزُومِ عَيْنِ الْمَنْذُورِ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ: أَيْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ بِعَيْنِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. فَإِذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ إنْ شَاءَ حَجَّ أَوْ صَامَ سَنَةً وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ. فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا صَارَ مُخَيَّرًا بَيْنَ صَوْمِ سَنَةٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْأَوَّلُ وَهُوَ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ عَيْنًا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَالتَّخْيِيرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ خَالِدٍ التِّرْمِذِيِّ قَالَ: خَرَجْت حَاجًّا فَلَمَّا دَخَلْت الْكُوفَةَ قَرَأْت كِتَابَ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ،

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمَّا انْتَهَيْت إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ قِفْ. فَإِنَّ مِنْ رَأْيِي أَنْ أَرْجِعَ، فَلَمَّا رَجَعْت مِنْ الْحَجِّ إذَا أَبُو حَنِيفَةَ قَدْ تُوُفِّيَ، فَأَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ يَتَخَيَّرُ، وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ. وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: مَشَايِخُ بَلْخٍ وَبُخَارَى يُفْتُونَ بِهَذَا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. قَالَ: لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ النُّصُوصَ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَسْقُطَ بِالْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا فَيَتَعَارَضُ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الْإِيفَاءِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْمُنَجَّزِ. وَمُقْتَضَى سُقُوطِهِ بِالْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُعَلَّقِ. وَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ فَالنَّذْرُ فِيهِ مَعْدُومٌ فَيَصِيرُ كَالْيَمِينِ فِي أَنَّ سَبَبَ الْإِيجَابِ وَهُوَ الْحِنْثُ مُنْتَفٍ حَالَ التَّكَلُّمِ فَيُلْحَقُ بِهِ. بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُنَجَّزِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ ثَابِتٌ فِي وَقْتِهِ فَيُعْمَلُ فِيهِ حَدِيثُ الْإِيفَاءِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الَّذِي تُجْزِئُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ مِثْلَ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ كَوْنَهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ كَوْنَ الْمَنْذُورِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ النَّذْرِ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ بِالضَّرُورَةِ يَكُونُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ عَنْهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُرِيدُ إيجَابَ الْعِبَادَاتِ دَائِمًا وَإِنْ كَانَتْ مَجْلَبَةً لِلثَّوَابِ مَخَافَةَ أَنْ يُثْقَلَ فَيَتَعَرَّضَ لِلْعِقَابِ، وَلِهَذَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ» الْحَدِيثَ، وَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ مَاتَ عَدُوِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا فِعْلُ عَيْنِ الْمَنْذُورِ. لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ كَوْنَهُ كَانَ مُرِيدًا كَوْنَ النَّذْرِ فَكَانَ النَّذْرُ فِي مَعْنَى الْمُنَجَّزِ فَيَنْدَرِجُ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِيفَاءِ بِهِ فَصَارَ مَحْمَلُ مَا يَقْتَضِي الْإِيفَاءَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ الْمُرَادِ كَوْنُهُ، وَمَحْمَلُ مَا يُقْتَضَى إجْزَاءَ الْكَفَّارَةِ الْمُعَلَّقِ الَّذِي لَا يُرَادُ كَوْنُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ نَذْرُ اللَّجَاجِ. وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِيهِ كَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَاَسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلِاكْتِفَاءِ فِي خُصُوصِ هَذَا النَّذْرِ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ مَعَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ، وَلَيْسَ هَذَا إلَّا لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَوْلَى مِمَّا قِيلَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ يُرَدْ كَوْنُهُ كَانَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ فَإِنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ فَأَجْزَأَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. بِخِلَافِ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْيَمِينَ كَمَا يَكُونُ لِلْمَنْعِ يَكُونُ لِلْحَمْلِ فَلَا يَخْتَصُّ مَعْنَاهَا بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ فَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا تَحَكُّمٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ) أَيْ عَلَى مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ (فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) وَكَذَا إذَا نَذَرَ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنَا

[باب اليمين في الدخول والسكنى]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالسُّكْنَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَكَذَلِكَ قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: 69] وَلَمْ يَصْبِرْ وَلَمْ يُعَدَّ مُخْلِفًا لِوَعْدِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَغَيَّرُ بِذِكْرِهِ حُكْمٌ، وَلِلْجُمْهُورِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَعْنِي إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَخْرُجُ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ عَلَّقَ خُرُوجَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا خَرَجَ لَا يَحْنَثُ، فَإِنَّ الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ عَدَمَ الْخُرُوجِ لَا أَخْرُجُ فَإِذَا خَرَجَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ عَدَمَ الْخُرُوجِ، وَهَذَا يَنْتَهِضُ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَالْكَلَامُ مَعَهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى عُسْرٌ. فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ هُوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ شَاءَ اللَّهُ قَوْلَهُ. وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ بِشَرْطِهِ فَلَا يُمْكِنُ إعْدَامُهُ، فَلَوْ جَعَلَ مَصْرُوفًا إلَى الْوُقُوعِ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وُقُوعَ طَلَاقِك فَخِلَافُ اللَّفْظِ، ثُمَّ لَا يُجْدِي لِأَنَّهُ قَدْ شَاءَ اللَّهُ وُقُوعَ طَلَاقِهَا إذْ قَدْ شَاءَ تَلَفُّظَهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ إنْ كَانَ لَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ شَاءَ حَيْثُ وُجِدَ فَيُوجَدُ حُكْمُهُ أَوْ نَفْسُ الْوُقُوعِ فَقَدْ شَاءَهُ حَيْثُ شَاءَ عِلَّتَهُ وَهُوَ تَلَفُّظُهُ. وَمَا فِي الطَّلَاقِ تَقَدَّمَ تَضْعِيفُهُ، وَهَذَا مَا وَعُدْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ، ثُمَّ شَرْطُ عَمَلِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِبْطَالِ الِاتِّصَالُ، وَمَا انْقَطَعَ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ وَنَحْوِهِ لَا يَضُرُّ. . [بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالسُّكْنَى] أَرَادَ بَيَانَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُحْلَفُ عَلَيْهَا فِعْلًا فِعْلًا فَبَدَأَ بِفِعْلِ السُّكْنَى لِأَنَّ أَوَّلَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْإِنْسَانُ أَنْ يَحُلَّ مَكَانًا ثُمَّ يَفْعَلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ اللُّبْسِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْكَعْبَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ الْبِيعَةَ أَوْ الْكَنِيسَةَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْبَيْتَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا (وَكَذَا إذَا دَخَلَ دِهْلِيزًا أَوْ ظُلَّةَ بَابِ الدَّارِ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَالظُّلَّةُ مَا تَكُونُ عَلَى السِّكَّةِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الدِّهْلِيزُ بِحَيْثُ لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ يَبْقَى دَاخِلًا وَهُوَ مُسْقَفٌ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّ حَاجَةَ الْحُلُولِ فِي مَكَان أَلْزَمُ لِلْجِسْمِ مِنْ أَكْلِهِ وَلُبْسِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ الْكَنِيسَةَ) وَهُوَ مُتَعَبَّدُ الْيَهُودِ أَوْ الْبِيعَةُ وَهُوَ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ كَمَا عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْعُرْفِيِّ: أَعْنِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا مَعَانِيهَا الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا فِي الْعُرْفِ، كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَالَ كَوْنِهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا عُهِدَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا. ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَا جَرَى عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ فَحَكَمَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ، وَمِنْهُمْ مِنْ قَيَّدَ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْعُرْفِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلِيُّ بِحَقِيقَتِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُصَيِّرُ الْمُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ إلَّا مَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ لَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ بَلْ أَحْدَثَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ، وَأَنَّ مَا لَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ وَوَضْعٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُتَكَلِّمٌ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ، وَهَذَا يَهْدِمُ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَيِّرْ الْمُعْتَبَرَ إلَّا اللُّغَةَ إلَّا مَا تَعَذَّرَ وَهَذَا بَعِيدٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفَ اللُّغَةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ غَيْرَهَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا. نَعَمْ مَا وَقَعَ اسْتِعْمَالُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْعُرْفِ تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ عَلَى أَنَّهَا الْعُرْفُ، فَأَمَّا الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ نَوَاهُ فِي عُمُومِ بَيْتًا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ بَيْتٍ، وَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَنَا بِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْعُرْفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُوجِبُ الْكَلَامِ مَا يَكُونُ مَعْنًى عُرْفِيًّا لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ شَيْءٍ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَالْكَعْبَةُ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا بَيْتٌ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران: 96] وَكَذَا الْمَسْجِدُ فِي قَوْله تَعَالَى

(وَإِنْ دَخَلَ صُفَّةً حَنِثَ) لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَالشَّتْوِيِّ وَالصَّيْفِيِّ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الصُّفَّةُ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ، وَهَكَذَا كَانَتْ صِفَافُهُمْ. وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ) لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، يَقُولُ دَارٌ عَامِرَةٌ، وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وَكَذَا بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ وَبَيْتُ الْحَمَامِ، وَلَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَيْتُ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَا يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً فَدَخَلَ الدِّهْلِيزُ إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَةً لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ صَارَ دَاخِلًا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ وَلَهُ سِعَةٌ يَصْلُحُ لِلْمَبِيتِ مُسَقَّفٌ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ، وَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِالصُّفَّةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعُ حَوَائِطَ كَمَا هِيَ صِفَافُ الْكُوفَةِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسَقَّفًا كَمَا هِيَ صِفَافُ دِيَارِنَا لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مُفَتَّحه وَاسِعٌ، وَكَذَا الظُّلَّةُ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَابِ مُسَقَّفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَابَاطًا وَهُوَ مَا عَلَى ظَاهِرِ الْبَابِ فِي الشَّارِعِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ أَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الْبَابِ وَأَطْرَافُهَا الْأُخْرَى عَلَى جِدَارِ الْجَارِ الْمُقَابِلِ لَهُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدِّهْلِيزُ مُسَقَّفًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَيْرُ عَامِرَةٍ فِي الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ، وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ) قَالَ نَابِغَةُ ذُبْيَانَ وَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ ... أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَبَدِ

وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَفْت فِيهَا أُصَيْلَانًا أُسَائِلُهَا ... عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ إلَّا الْأَوَارِي لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا ... وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْجَبَلِ بِحَيْثُ يُسْنَدُ إلَيْهِ: أَيْ يُصْعَدُ لَمْ يَضُرَّهَا السَّيْلُ، وَأَقْوَتْ أَقْفَرَتْ، وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَبَدِ بِالْبَاءِ السَّالِفُ الْمَاضِي، وَالْأَبَدُ الدَّهْرُ: أَيْ طَالَ عَلَيْهَا مَاضِي الزَّمَانِ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ خَرَابِهَا. وَأُصَيْلَانًا تَصْغِيرٌ جَمْعُ أَصِيلٍ أُصْلَانٌ كَبَعِيرٍ وَبُعْرَانٍ وَهُوَ عَشِيَّةُ النَّهَارِ وَقَدْ تُبْدَلُ نُونُهُ لَامًا فَيُقَالُ أُصَيْلَالٌ، وَإِنَّمَا صَغَّرَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قِصَرِ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ لِلْمُسَاءَلَةِ. وَهَذَا السُّؤَالُ تَوَجُّعٌ وَتَحَسُّرٌ، وَعَيَّتْ جَوَابًا عَجَزَتْ. يُقَالُ فِي تَعَبِ الْبَدَنِ إعْيَاءٌ وَالْفِعْلُ أَعْيَا وَفِي كَلَامِ اللِّسَانِ عِيٌّ. وَرُئِيَ فَاضِلٌ قَادِمًا إلَى الْمَدِينَةِ مَاشِيًا فَقِيلَ لَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْلَانَا عَيَّ أَمْ أَعْيَا؟ فَقَالَ بَلْ أُعْيِيت، فَوَضْعُ أَعْيَتْ جَوَابًا فِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ مَكَانَ عَيَّتْ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ. وَالْأَوَارِي جَمْعُ آرِيِّ وَهِيَ مَحَابِسُ الْخَيْلِ وَمَرَابِطُهَا، وَاللَّأْيُ الْبُطْءُ: أَيْ تَبَيُّنِي لَهَا بِبُطْءٍ فَاسْتَلْزَمَ تَعَبًا، فَمَنْ فَسَّرَ اللَّأْيَ بِالشِّدَّةِ فَهُوَ بِاللَّازِمِ، فَإِنَّ الْبُطْءَ فِي التَّبَيُّنِ لَا يَكُونُ إلَّا لِتَعَبٍ فِيهِ. وَالنُّؤْيُ حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ يُجْعَلُ حَوْلَ الْخِبَاءِ لِمَنْعِ السَّيْلِ مِنْ دُخُولِهِ، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ حَفِيرَةٌ غَلَطٌ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَ عُمْقُ الْحَفِيرَةِ حَتَّى تَمْنَعَ السَّيْلَ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِئْرًا امْتَلَأَتْ فِي لَحْظَةٍ وَفَاضَتْ، وَإِنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَهُ: رَدَّتْ عَلَيْهِ أَقَاصِيَهُ وَلِيدَةٌ ... ضَرْبَ الْوَلِيدَةِ بِالْمِسْحَاةِ فِي الثَّأَدِ يَعْنِي رَدَّتْ الْوَلِيدَةُ وَهِيَ الْأَمَةُ الشَّابَّةُ مَا تَبَاعَدَ مِنْ النُّؤْىِ بِسَبَبِ تَهَدُّمِهِ عَلَيْهِ بِضَرْبِ الْمِسْحَاةِ فِي الثَّأَدِ وَهِيَ الْأَرْضُ النَّدِيَّةُ. قَالَ الْأَعْلَمُ: وَهُوَ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، وَأَرَادَ بِالْمَظْلُومَةِ الْأَرْضَ الَّتِي لَمْ تُمْطَرْ، وَالْجَلَدُ الصُّلْبَةُ، فَيَكُونُ النُّؤْيُ وَالْوَتَدُ أَشَدَّ ثَبَاتًا فِيهَا وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: يَا دَارَ مَاوِيَّةَ بِالْحَائِلِ ... فَالسَّهَبِ فَالْخَبَّتَيْنِ مِنْ عَاقِلِ صُمَّ صَدَاهَا وَعَفَا رَسْمُهَا ... وَاسْتَعْجَمَتْ عَنْ مَنْطِقِ السَّائِلِ يُرِيدُ أَنَّهَا مُقْفِرَةٌ لَا أَنِيسَ بِهَا فَيَسْمَعُ صَوْتَهُ وَلَا أَحَدَ يَتَكَلَّمُ فَيُجِيبُهُ الصَّدَى. وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِابْنَةِ الْجَبَلِ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: لِمَنْ طَلَلٌ أَبْصَرْته فَشَجَانِي ... كَخَطِّ زَبُورٍ فِي عَسِيبِ يَمَانِي دِيَارٌ لِهِنْدٍ وَالرَّبَابُ وَفَرْنَنِي ... لَيَالِينَا بِالنَّعْفِ مِنْ بَدَلَانِي يُرِيدُ أَنَّهَا دَرَسَتْ وَخَفِيَتْ الْآثَارُ كَخَفَاءِ خَطِّ الْكِتَابِ وَدِقَّتِهِ إذَا كَانَ فِي عَسِيبٍ يَمَانٍ وَكَانَ أَهْلُ الْيُمْنِ يَكْتُبُونَ عُهُودَهُمْ فِي عَسِيبِ النَّخْلَةِ فَهَذِهِ الْأَشْعَارُ وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً تَشْهَدُ بِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لِلْعَرْصَةِ لَيْسَ غَيْرُ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِهَذِهِ الْأَشْعَارِ لَا يُرِيدُونَ بِالِاسْمِ إلَّا الْعَرْصَةَ فَقَطْ فَإِنَّ هَذِهِ الدِّيَارَ الَّتِي ذَكَرُوهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنَاءٌ أَصْلًا بَلْ هِيَ عَرَصَاتٌ مَنْزُولَاتٌ إنَّمَا يَضَعُونَ فِيهَا الْأَخْبِيَةَ لَا أَبْنِيَةَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ فَصَحَّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ فِيهَا كَوْنُهَا قَدْ نَزَلَتْ، غَيْرَ أَنَّهَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْمُدُنِ. لَا يُقَالُ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِيهَا. وَلَوْ انْهَدَمَ بَعْدَ ذَلِكَ

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ ثُمَّ بُنِيَتْ أُخْرَى فَدَخَلَهَا يَحْنَثُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ بَعْدَ الِانْهِدَامِ، (وَإِنْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ بَيْتًا فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ دَارًا لِاعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْحَمَّامِ وَأَشْبَاهِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ اسْمَ الدَّارِيَةِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ وَصَارَ صَحْرَاءَ لَمْ يَحْنَثْ) لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ، حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ الْحِيطَانُ وَسَقَطَ السَّقْفُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ (وَكَذَا إذَا بَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُهَا قِيلَ دَارٌ خَرَابٌ فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ جُزْءَ الْمَفْهُومِ لَهَا، فَأَمَّا إذَا مُحِيَتْ الْأَبْنِيَةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَادَتْ سَاحَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الدَّارِ فِي الْعُرْفِ عَلَيْهَا كَهَذِهِ دَارُ فُلَانٍ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، فَالْحَقِيقَةُ أَنْ يُقَالَ كَانَتْ دَارًا، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً بِأَنْ صَارَتْ لِأَبْنَاءِ بِمَا لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُقَابِلِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمُنَكَّرِ فِي الْحُكْمِ إذَا تَوَارَدَ حُكْمُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ، فَأَمَّا إذَا دَخَلَ بَعْدَمَا زَالَتْ بَعْضُ حِيطَانِهَا فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا فِيهَا يَعْنِي مُعْتَبَرًا فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ لِأَنَّ ذَاتَه تَتَعَرَّفُ بِالْإِشَارَةِ فَوْقَ مَا تَتَعَرَّفُ بِالْوَصْفِ، وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لَهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ ثُمَّ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى فَدَخَلَهَا حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ بَعْدَ الِانْهِدَامِ، وَلَوْ بُنِيَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ بُنِيَتْ بَيْتًا فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ دَارًا) وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ أَوْ جُعِلَتْ نَهْرًا فَدَخَلَهُ لِاعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ الْمَبْنِيُّ ثَانِيًا مِنْ الْحَمَّامِ وَمَا مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ اسْمُ الدَّارِيَّةِ بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، وَكَذَا إذَا بَنَى دَارًا بَعْدَمَا انْهَدَمَ مَا بُنِيَ ثَانِيًا مِنْ الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا غَيْرُ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا. وَيَرِدُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ الْبِنَاءَ إنْ كَانَ جُزْءَ مَفْهُومِ الدَّارِ عُرْفًا فَعَدَمُ الْحِنْثِ إذَا زَالَ فِي الْمُنَكَّرِ حَقٌّ لَكِنَّ ثُبُوتَ الْحِنْثِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهَا بَعْدَمَا صَارَتْ صَحْرَاءَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كَوْنَ الْإِشَارَةِ تُعَيِّنُ الذَّاتَ إنَّمَا يَقْتَضِي تَعَيُّنُ هَذَا الْبِنَاءِ مَعَ السَّاحَةِ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ وَفْد انْتَفَى، وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ دَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَبُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ الثَّانِيَ لَيْسَ عَيْنَ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ عِنْدَهُمْ خِلَافُهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَلِفُ إذَا وَقَعَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَقَعَ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ فَيَحْنَثُ بِوُجُودِ الْجُزْءِ الْوَاحِدِ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ بَلْ عَلَى الْمَجْمُوعِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَعُمْرًا أَوْ أَهْلَ الْكُوفَةِ لَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا، بَلْ الْمُعْتَبَرُ كَوْنُ الْعَرْصَةِ بُنِيَتْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْحِنْثِ فِي الْمُنَكَّرِ فِيمَا إذَا دَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ لِوُجُودِ تَمَامِ الْمُسَمَّى. . (قَوْلُهُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ وَصَارَ صَحْرَاءَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ قَدْ زَالَ بِالِانْهِدَامِ لِزَوَالِ مُسَمَّاهُ وَهُوَ الْبِنَاءُ الَّذِي يُبَاتُ فِيهِ، بِخِلَافِ الدَّارِ لِأَنَّهَا تُسَمَّى دَارًا وَلَا بِنَاءَ فِيهَا، فَلَوْ بَقِيَتْ الْحِيطَانُ وَزَالَ السَّقْفُ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ، وَهَذَا

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا حَنِثَ) لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ. قَالَ (وَكَذَا إذَا دَخَلَ دِهْلِيزَهَا) وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُك أَنَّ ذِكْرَ السَّقْفِ فِي الدِّهْلِيزِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُسَقَّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِلْبَيْتُوتَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَالْبَيْتُ لَا يَلْزَمُ فِي مَفْهُومِهِ السَّقْفُ فَقَدْ تَكُونُ مُسَقَّفًا وَهُوَ الْبَيْتُ الشِّتْوِيُّ وَغَيْرُ مُسَقَّفٍ وَهُوَ الصَّيْفِيُّ (وَكَذَا إذَا بَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ) وَهَذَا الْمَبْنِيُّ غَيْرُ الْبَيْتِ الَّذِي مَنَعَ نَفْسَهُ دُخُولَهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتَ شَعْرٍ أَوْ فُسْطَاطًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا يَحْنَثُ. . (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا) مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ مِنْ الْبَابِ بِأَنْ ظَفِرَ مِنْ سَطْحٍ إلَى سَطْحِهَا (حَنِثَ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ، أَلَّا يُرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ) فَلَوْ عُدَّ السَّطْحُ خَارِجًا فَسَدَ. وَقَدْ يُقَالُ الْمَبْنَى مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَجَازَ كَوْنُ بَعْضِ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ خَارِجًا فِي الْعُرْفِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ فِنَاءَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى جَازَ اقْتِدَاءُ مَنْ فِيهِ بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَارِجٌ فَالْأَقْرَبُ مَا قِيلَ الدَّارُ عِبَارَةٌ عَمَّا أَحَاطَتْ بِهِ الدَّائِرَةُ، وَهَذَا حَاصِلٌ فِي عُلُوِّ الدَّارِ وَسَطْحِهَا، وَهَذَا يَتِمُّ إذَا كَانَ السَّطْحُ بِحَضِيرٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَضِيرٌ فَلَيْسَ هُوَ إلَّا فِي هَوَاءِ الدَّارِ فَلَا يَحْنَثُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفٌ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّهُ دَاخِلُ الدَّارِ. وَالْحَقُّ أَنَّ السَّطْحَ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا حِسًّا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ فِي الْعُرْفِ دَخَلَ الدَّارَ بَلْ لَا يَتَعَلَّقُ لَفْظُ دَخَلَ إلَّا بِجَوْفِ الدَّارِ حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَكِنْ صَعِدَ السَّطْحَ مِنْ خَارِجٍ بِحَبْلٍ، وَهَذَا فِي عُرْفِ مَنْ لَيْسَ أَهْلَ اللِّسَانِ فَطَابَقَ عُرْفُ الْعَجَمِ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنْ يُحْمَلَ جَوَابُ الْمُتَقَدِّمِينَ بِالْحِنْثِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلسَّطْحِ حَضِيرٌ وَجَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُعَبِّرُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَعْنِي عُرْفَ الْعَجَمِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَضِيرٌ اتَّجَهَ وَهَذَا اعْتِقَادِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ) أَيْ بِالْوُقُوفِ عَلَى السَّطْحِ. وَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِالصُّعُودِ عَلَى شَجَرَةٍ دَاخِلَهَا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلَ الدَّارِ مَا لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهَا، وَكَذَا إذَا قَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا دَخَلَ دِهْلِيزهَا) يَعْنِي يَحْنَثُ وَيَجِبُ فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَوَائِطُ وَهُوَ مُسَقَّفٌ. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ لَازِمًا فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ بَلْ فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ الشِّتْوِيِّ،

(وَإِنْ وَقَفَ فِي طَاقِ الْبَابِ بِحَيْثُ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ كَانَ خَارِجًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْبَابَ لِإِحْرَازِ الدَّارِ وَمَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْخَارِجُ مِنْ الدَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ وَقَفَ فِي طَاقِ الْبَابِ وَهُوَ بِحَيْثُ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبَابَ لِإِحْرَازِ الدَّارِ وَمَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْخَارِجُ عَنْ الْبَابِ فِي الدَّارِ) وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فَأَخْرَجَ إحْدَاهُمَا أَوْ رَأْسَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - «وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَاوِلُ عَائِشَةَ رَأْسَهُ لِتُصْلِحَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي بَيْتِهَا» لِأَنَّ قِيَامَهُ بِالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَكُونُ بِإِحْدَاهُمَا دَاخِلًا وَلَا خَارِجًا. وَفِي هَذَا خِلَافٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ عَلَى أَسْقُفَّةِ الْبَابِ وَبَعْضُ قَدَمِهَا بِحَالٍ لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ كَانَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ دَاخِلًا وَبَعْضُهُ الْبَاقِي خَارِجًا إنْ كَانَ اعْتِمَادُهَا عَلَى النِّصْفِ الْخَارِجِ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى النِّصْفِ الدَّاخِلِ أَوْ عَلَيْهِمَا لَا يَحْنَثُ. قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّيْخَانِ الْإِمَامَانِ شَمْسَا الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ. هَذَا إذَا كَانَ يَدْخُلُ قَائِمًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَدْخُلُ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ جَنْبِهِ فَقَدْ خَرَجَ حَتَّى صَارَ بَعْضُهُ دَاخِلَ الدَّارِ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ دَاخِلَ الدَّارِ يَصِيرُ دَاخِلًا، وَإِنْ كَانَ سَاقَاهُ خَارِجًا وَلَوْ تَنَاوَلَ بِيَدِهِ شَيْئًا مِنْ دَاخِلٍ لَا يَحْنَثُ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَأُدْخِلَ مُكْرَهًا: أَيْ مَحْمُولًا لَا يَحْنَثُ، فَإِنْ أُدْخِلَ وَهُوَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ لَكِنْ رَضِيَ بِقَلْبِهِ اخْتَلَفُوا، وَالْأَصَحُّ لَا يَحْنَثُ، فَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ دُخُولِهِ مُكْرَهًا: أَيْ مَحْمُولًا ثُمَّ دَخَلَ هَلْ يَحْنَثُ اخْتَلَفُوا. قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ: لَا يَحْنَثُ، وَهَكَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَسَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ. وَلَوْ اشْتَدَّ فِي الْمَشْيِ فَوَقَعَ فِي الْبَابِ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ بَيْتًا مِنْهَا قَدْ أُشْرِعَ إلَى السِّكَّةِ حَنِثَ إذَا كَانَ أَحَدُ بَابَيْهِ فِي السِّكَّةِ وَالْآخَرُ فِي الدَّارِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ فِي عُلُوِّهَا عَلَى الطَّرِيقِ وَلَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ، وَكَذَا الْكَنِيفُ إذَا كَانَ بَابُهُ فِي الدَّارِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَلْخَ أَوْ مَدِينَةَ كَذَا فَعَلَى الْعُمْرَانِ، بِخِلَافِ كُورَةِ بُخَارَى أَوْ رُسْتَاقَ، كَذَا إذَا دَخَلَ أَرْضَهَا حَنِثَ. وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا أَنَّ كُورَةَ بُخَارَى عَلَى الْعُمْرَانِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ كُورَةَ مِصْرَ وَهُوَ بِالشَّامِّ فَبِدُخُولِ الْعَرِيشِ يَحْنَثُ، وَعَلَى الْحَمْلِ عَلَى الْعُمْرَانِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ فَمَرَّ بِهَا فِي سَفِينَةٍ بِدِجْلَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْفُرَاتَ فَدَخَلَتْ سَفِينَتُهُ فِي الْفُرَاتِ أَوْ دَخَلَ جِسْرًا لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ قَالَ إنْ وَضَعْت قَدَمَيَّ فِي دَارِ فُلَانٍ فَكَذَا فَوَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فِيهَا لَا يَحْنَثُ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ هُنَا مَجَازٌ عَنْ الدُّخُولِ وَلَا يَحْنَثُ فِي الْحَلِفِ لَا يَدْخُلُ بِوَضْعِ إحْدَى رِجْلَيْهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَهُدِمَ ثُمَّ بُنِيَ مَسْجِدًا فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ كَالدَّارِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ سِكَّةَ فُلَانٍ فَدَخَلَ مَسْجِدًا فِيهَا وَلَمْ يَدْخُلْهَا لَا يَحْنَثُ فِي الْمُخْتَارِ. قَالَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَا مَسْجِدَ بَابٍ فِي السِّكَّةِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ بَيْتًا فِي طَرِيقِ السِّكَّةِ إنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فِيهَا حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ ظُهْرُهُ فِيهَا وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَابَانِ بَابٌ فِيهَا وَبَابٌ فِي غَيْرِهَا حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ بَابِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ لَهَا بَابٌ

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ حَتَّى يَخْرُجَ ثُمَّ يَدْخُلَ) اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ لَا دَوَامَ لَهُ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ حَلَفَ فَجُهِلَ لَهَا بَابٌ آخَرُ فَدَخَلَ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى بَابٍ مَنْسُوبٌ إلَيْهَا فَيَسْتَوِي الْقَدِيمُ وَالْحَادِثُ إلَّا إنْ عَيَّنَ ذَلِكَ الْبَابَ فِي حَلِفِهِ، وَلَوْ نَوَاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فِي حَلِفِهِ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ قَنَاةً حَتَّى صَارَ تَحْتَهَا إنْ كَانَ لَهَا مِفْتَحٌ فِي الدَّارِ يُنْتَفَعُ بِهِ بِأَنْ يَسْتَقُوا مِنْهُ حَنِثَ إذَا وَصَلَ هُنَاكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِإِضَاءَةِ الْقَنَاةِ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْفُسْطَاطَ فَقُوِّضَ وَضُرِبَ فِي مَكَانٍ آخَرَ فَدَخَلَهُ حَنِثَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ) بِالْمُكْثِ فِيهَا أَيَّامًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقُعُودِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ حَتَّى يَدْخُلَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالْمُكْثِ وَإِنْ قَصُرَ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَهُ حُكْمُ ابْتِدَاءِ الدُّخُولِ حَتَّى صَحَّتْ إرَادَتُهُ بِهِ: أَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَنَوَى بِهِ الْمُكْثَ وَالْقَرَارَ فِيهَا صَحَّ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ ابْتِدَاءً لَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ) حَقِيقَةً لُغَةً وَعُرْفًا فِي الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَلَا دَوَامَ لِذَلِكَ، فَلَيْسَ الدَّوَامُ مَفْهُومَهُ وَلَا جُزْءَ مَفْهُومِهِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلدُّخُولِ عَادَةً وَإِنَّ قَلَّ إذْ كَانَ الدُّخُولُ يُرَادُ لِلْمُكْثِ لَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ بِهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِلَّفْظِ بَلْ الْحَقِيقِيِّ. وَكَذَا لَوْ كَانَ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا غَدًا وَهُوَ فِيهَا فَمَكَثَ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا فِيهِ إذْ لَمْ يَخْرُجْ، وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ. وَعَلَى هَذَا قَدْ يُقَالُ لَيْسَ هُنَا قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْكَائِنَ فِي مُقَابَلَتِهِ هُوَ مَا يَتَبَادَرُ وَيَتَسَارَعُ إلَى الذِّهْنِ، وَلَا يَتَسَارَعُ لِأَحَدٍ مِنْ لَفْظِ أَدْخُلُ مَعْنَى أَسْتَمِرُّ مُقِيمًا فَيُقْضَى الْعَجَبُ مِنْ زُفَرَ بِقَوْلِهِ بِالْحِنْثِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَيْهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إلَّا فِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ زُفَرَ. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ ثُمَّ يَخْرُجَ، وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ وَلَا يَتَطَهَّرُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَاسْتَدَامَ النِّكَاحُ وَالطَّهَارَةُ لَا يَحْنَثُ. بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ، وَكَذَا لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَمَكَثَ قَلِيلًا حَنِثَ، فَلَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ نَزَلَ أَوْ أَخَذَ فِي النَّقْلَةِ لَمْ يَحْنَثْ خِلَافًا لِزُفَرَ. أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْحِنْثُ بِمُكْثِهِ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ لَهَا دَوَامٌ بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ رَاكِبَةٌ فَمَكَثَتْ سَاعَةً يُمْكِنُهَا النُّزُولُ فِيهَا طَلُقَتْ، فَإِنْ مَكَثَتْ سَاعَةً أُخْرَى كَذَلِكَ طَلُقَتْ أُخْرَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَرَكِبَ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ، لِأَنَّ لَفْظَ رَكِبْت لِذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ رَاكِبًا يُرَادُ بِهِ إنْشَاءَ الرُّكُوبِ فَلَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِمْرَارِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ حَلِفِ الرَّاكِبِ لَا يَرْكَبُ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ وَمَا فِي حُكْمِهِ عُرْفًا، وَاسْتُوْضِحَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَهَا دَوَامٌ بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهَا بِقَوْلِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهَا مُدَّةٌ فَيُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا وَسَكَنْت شَهْرًا. بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ لِنَفْسِ الدُّخُولِ، بَلْ يُقَالُ فِي مَجَارِي الْكَلَامِ دَخَلْت عَلَيْهِ يَوْمًا مُرَادًا بِهِ إمَّا مُجَرَّدُ بَيَانِ الظَّرْفِيَّةِ لَا التَّقْدِيرُ، وَإِمَّا مُطْلَقُ

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَأَخَذَ فِي النَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَلَّ. وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَانُ تَحْقِيقِهِ (فَإِنْ لَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ لَهَا دَوَامٌ بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهَا مُدَّةٌ يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ وَلَوْ نَوَى الِابْتِدَاءَ الْخَالِصَ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْتِ إذَا كَانَ لَا يَمْتَدُّ فَيُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ النَّهَارَ وَاللَّيْلَ. وَذَلِكَ أَعْنِي عَدَمَ ضَرْبِ الْمُدَّةِ تَقْدِيرًا لِلدُّخُولِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَجَدُّدُ أَمْثَالٍ يَصِيرُ بِهِ مُتَكَرِّرًا لِيَحْنَثَ بِحُدُوثِ الْمُتَكَرِّرَاتِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَقَاءَ. وَهَذِهِ عَلَى عَكْسِهِ يَنْعَقِدُ بِمُقْتَضَى مُطْلَقِ اللَّفْظِ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ. وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ فَقَطْ فَمُحْتَمَلُهُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا أَسْكُنُ وَأَرْكَبُ وَأَلْبَسُ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ فَقَطْ صَدَقَ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِمْرَارِهِ سَاكِنًا وَرَاكِبًا. وَفَرَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ لَهَا تَجَدُّدُ أَمْثَالٍ يَصِيرُ بِهَا فِي مَعْنَى الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَهُوَ لَابِسٌ لَيَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ غَدًا وَاسْتَمَرَّ لَابِسَهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَحْنَثُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ فِي الْغَدِ. ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِتَأْخِيرِ سَاعَةٍ إذَا أَمْكَنَهُ النَّقْلُ فِيهَا. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ بِأَنْ كَانَ بِعُذْرِ اللَّيْلِ وَخَوْفِ اللِّصِّ أَوْ مَنْعِ ذِي السُّلْطَانِ أَوْ عَدَمِ مَوْضِعٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَتْحَهُ أَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِ الْمَتَاعِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَنْقُلُهَا لَا يَحْنَثُ وَيُلْحَقُ ذَلِكَ الْوَقْتُ بِالْعَدَمِ لِلْعُذْرِ، وَأَوْرَدَ مَا ذَكَرَ الْفَضْلِيُّ فِيمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَهِيَ طَالِقٌ فَقُيِّدَ أَوْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ حَنِثَ. وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَفِي مَنْزِلِ أَبِيهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي فَطَالِقٌ فَمَنَعَهَا أَبُوهَا حَنِثَ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَدَمًا فَيَحْنَثُ بِتَحَقُّقِهِ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْعَدَمَ

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ فِيهَا وَلَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ إلَيْهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاكِنَهَا بِبَقَاءِ أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا عُرْفًا، فَإِنَّ السُّوقِيَّ عَامَّةَ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ وَيَقُولُ أَسْكُنُ سِكَّةَ كَذَا، وَالْبَيْتُ وَالْمَحَلَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَكَوْنُهُ فِعْلًا فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالسُّكْنَى لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارِيُّ وَيَنْعَدِمُ بِعَدَمِهِ فَيَصِيرُ مَسْكَنًا لَا سَاكِنًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي فُرُوعٍ وَنُوضِحُ الْوَجْهَ بِأَتَمَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا لَوْ بَقِيَ أَيَّامًا فِي طَلَبِ مَسْكَنٍ وَتَرَكَ الْأَمْتِعَةَ وَالْأَهْلَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يَحْنَثُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَنْزِلِ مِنْ عَمَلِ النَّقْلِ وَصَارَ مُدَّةُ الطَّلَبِ مُسْتَثْنَاةً إذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي الطَّلَبِ، وَهَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ فِي طَلَبِ الْمَنْزِلِ. وَلَوْ أَخَذَ فِي النَّقْلَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِنْ كَانَتْ النَّقَلَاتُ لَا تَفْتُرُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَنْقُلُ مَتَاعَهُ فِي يَوْمٍ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّقْلُ بِأَسْرَعِ الْوُجُوهِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يُسَمَّى نَاقِلًا فِي الْعُرْفِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْحِنْثَ قَدْ وُجِدَ بِمَا وُجِدَ مِنْ الْقَدْرِ الْيَسِيرِ مِنْ السُّكْنَى وَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ. وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ لَا لِلْحِنْثِ ابْتِدَاءً وَإِنْ وَجَبَ الْحِنْثُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْيَمِينِ وَضْعًا الْبِرَّ وَجَبَ اسْتِثْنَاءُ مِقْدَارِ مَا يُحَقِّقُهُ مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ قَدْرُ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ النُّزُولُ وَالنَّقْلَةُ وَالنَّزْعُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ هُوَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ وَأَهْلَهُ فِيهَا وَلَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ حَنِثَ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ الَّتِي قَبْلَهَا، لَمَّا كَانَ بِالْأَخْذِ فِي النَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ يَبَرُّ ذَكَرَ مَعْنَى النَّقْلَةِ الَّتِي بِهَا يَتَحَقَّقُ الْبِرُّ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَقِلًا مِنْ الدَّارِ مِنْ نَقْلِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَكَذَا الْحَلِفُ عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَ فِي هَذِهِ الْمُحَلَّةِ أَوْ السِّكَّةِ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ أَبَدًا حَنِثَ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى عَزْمِ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَنْقُلُهُمْ لِأَنَّهُ يُعَدُّ الْمُتَأَهِّلُ سَاكِنًا بِمَحِلِّ سُكْنَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ عُرْفًا. وَاسْتَشْهَدَ لِلْعُرْفِ بِأَنَّ السُّوقِيَّ عَامَّةَ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا لَيْلًا أَوْ بَعْضَ اللَّيْلِ أَيْضًا وَيَقُولُ أَنَا سَاكِنٌ فِي مُحَلَّةِ كَذَا وَذَلِكَ لِقَرَارِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِهَا، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ التَّحْوِيلِ. قِيلَ وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْعَادَةُ بِخِلَافِهَا وَهُوَ إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ عَدَمِ الْعَوْدِ فَقَدْ انْتَقَلَ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ بِنَفْسِهِ انْتَقَلَ. وَعِنْدَنَا الْعِبْرَةُ لِلْعَادَةِ لِطُرُوِّهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَالْحَالِفُ يُرِيدُ ذَلِكَ ظَاهِرًا فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَالْعَادَةُ أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ بِمَكَانٍ بِبَلْدَةٍ هُوَ بِهَا فَهُوَ سَاكِنٌ فِيهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ فَبَنَى اللَّفْظَ عَلَيْهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ قَائِمًا عَلَى عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا كَابْنٍ كَبِيرٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا. فَلَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْكُنُ هَذِهِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا وَمَالَهَا لَا يَحْنَثُ، وَقَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ حَلِفَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَلَوْ عَقَدَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ. نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ لِلْعُرْفِ وَذَلِكَ أَنَّ السُّوقِيَّ إنَّمَا يَقُولُ أَنَا سَاكِنٌ فِي مُحَلَّةِ كَذَا وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ الْعَوْدِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ السُّكْنَى فِيمَا إذَا خَرَجَ عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ كَمَا هِيَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ، فَالْوَجْهُ تَرْكُ خُصُوصِ هَذَا الشَّاهِدِ وَيَدَّعِي أَنَّ الْعُرْفَ عَلَى أَنَّهُ سَاكِنٌ مَا لَمْ يَنْقُلْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ بَعْدَ خُرُوجِهِ كَذَلِكَ فُلَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ

بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ. وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ لَا يَتَوَقَّفُ الْبِرُّ عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ عُرْفًا. بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالْقَرْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ كُلِّ الْمَتَاعِ، حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكْنَى قَدْ ثَبَتَ بِالْكُلِّ فَيَبْقَى مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ. يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَدَخْدَائِيَّتِهِ لِأَنَّ مَا وَرَاء ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى. قَالُوا: هَذَا أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْكَنِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ بَعْدُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ إلَى آخِرِهِ) مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَمِثْلُهُ الْبَيْتُ وَالسِّكَّةُ وَالْمُحَلَّةُ وَهِيَ تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الْجَارَةُ. فَلَوْ كَانَ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذَا الْمِصْرَ أَوْ هَذِهِ الْمَدِينَةَ قَالَ: لَا يَتَوَقَّفُ الْبِرُّ عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الْمِصْرِ الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ تَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ عُرْفًا فَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَهْلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَمَالُهُ وَهُوَ بِنَفْسِهِ قَاطِنٌ بِالْكُوفَةِ هُوَ سَاكِنٌ بِالْبَصْرَةِ (وَالْقَرْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْقَرْيَةَ أَوْ الْبَلْدَةَ وَهِيَ قَرْيَةٌ فَانْتَقَلَ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فِي الْأُولَى لَا يَحْنَثُ، وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ قَالَ هِيَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ فَيَحْنَثُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بُدَّ) فِي كَوْنِهِ انْتَقَلَ مِنْ الدَّارِ وَمَا شَاكَلَهَا مِمَّا ذَكَرْنَا (مِنْ نَقْلِ كُلِّ الْمَتَاعِ، حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ وَنَحْوُهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ الْحَالِفِ تَثْبُتُ بِالْكُلِّ فَتَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ) فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذَا أَصْلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى جَعَلَ صِفَةَ السُّكُونِ فِي الْعَصِيرِ مَانِعًا مِنْ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا، وَبَقَاءُ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ مِنَّا فِي بَلْدَةٍ ارْتَدَّ أَهْلُهَا مَانِعًا مِنْ أَنْ تَصِيرَ دَارَ حَرْبٍ إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْبَاقِي يَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى، وَأَمَّا بَقَاءُ مِكْنَسَةٍ أَوْ وَتَدٍ أَوْ قِطْعَةِ حَصِيرٍ لَا يَبْقَى فِيهَا سَاكِنًا فَلَا يَحْنَثُ. وَحَقِيقَةُ وَجْهِ دَفْعِهِ أَنَّ قَوْلَهُ السُّكْنَى تَثْبُتُ بِالْكُلِّ إنْ أَرَادَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْكُلِّ هُوَ الْعِلَّةُ فِي سُكْنَاهُ مَعَ انْقِطَاعِ نَفْسِهِ إلَى الْقَرَارِ فِي الْمَكَانِ مَنَعْنَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ بَعْضَ تِلْكَ الْأَمْتِعَةِ انْتَفَتْ السُّكْنَى فَعُلِمَ أَنَّ السُّكْنَى تَثْبُتُ مَعَ الْكُلِّ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ فَإِنَّمَا هِيَ مَنُوطَةٌ فِي الْعُرْفِ بِقَرَارِهِ عَلَى وَجْهِ الِانْقِطَاعِ إلَيْهِ مَعَ مَا يَتَأَتَّى بِهِ دَفْعُ الْحَاجَاتِ الْكَائِنَةِ فِي السُّكْنَى فَكَانَتْ السُّكْنَى ثَابِتَةً مَعَ الْكُلِّ وَبِدُونِ الْكُلِّ، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ يَعُدُّ مَنْ خَرَجَ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ وَنَقَلَ أَهْلَهُ وَبَعْضُ مَالِهِ يُرِيدُ أَنْ يَنْقُلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ تَرَكَهُ لِتَفَاهَتِهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ تَارِكًا لِسُكْنَى ذَلِكَ الْمَكَانِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُعْتَبَرُ فِي الْبِرِّ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ) بِأَنْ يَغْفُلَ عَنْ شَيْءٍ كَإِبْرَةٍ فِي شَقِّ حَائِطٍ أَوْ يَتَعَسَّرُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَبَرُ فِي الْبِرِّ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَدَخْدَائِيَّتِهِ) أَيْ سُكْنَاهُ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ (لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى) إذْ لَيْسَ مِنْ حَاجَتِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالُوا: هَذَا أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ فِي نَفْيِ الْحِنْثِ) عَنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى

وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى يَبَرَّ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ، دَلِيلُهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَمَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا هَذَا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَدَارَ هُنَا لَيْسَ عَلَى نَقْلِ الْكُلِّ لِيَقُومَ الْأَكْثَرُ مَقَامَهُ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ فِي أَنَّهُ سَاكِنٌ أَوْ لَا. وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ قَفْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَلْ انْتَقَلَ عَنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي نَقْلِ الْأَمْتِعَةِ أَمَّا الْأَهْلُ فَلَا بُدَّ فِي الْبِرِّ مِنْ نَقْلِهِمْ كُلِّهِمْ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ حَتَّى يَبَرَّ) بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبَرَّ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا قِيلَ يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ نَقْلُ الْمُصَنِّفِ اسْتِدْلَالًا بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ. كُوفِيٌّ نَقَلَ عِيَالَهُ إلَى مَكَّةَ لِيَتَوَطَّنَ فَلَمَّا تَوَطَّنَ بِمَكَّةَ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى خُرَاسَانَ فَمَرَّ بِالْكُوفَةِ يُصَلِّي بِهَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ انْتَقَضَ بِوَطَنِهِ بِمَكَّةَ، وَإِنْ بَدَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إلَى مَكَّةَ صَلَّى بِالْكُوفَةِ مَارًّا عَلَيْهَا أَرْبَعًا لِأَنَّ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ بِالْكُوفَةِ قَائِمٌ مَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ، فَكَذَا هُنَا يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ. وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَاكِنًا. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ سَلَّمَ دَارِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ رَدَّ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُؤَاجِرِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ دَارًا أُخْرَى، وَإِطْلَاقُ عَدَمِ الْحِنْثِ أَوْجَهُ، وَكَوْنُ وَطَنِهِ بَاقِيًا فِي حَقِّ إتْمَامِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَسْتَوْطِنْ غَيْرَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتَهُ سَاكِنًا عُرْفًا بِذَلِكَ الْمَكَانِ بَلْ يُقْطَعُ مِنْ الْعُرْفِ فِيمَنْ نَقَلَ أَهْلَهُ وَأَمْتِعَتَهُ وَخَرَجَ مُسَافِرًا أَنْ لَا يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ سَاكِنٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَلْ يُقَالُ فِيهِ حَالَ السَّفَرِ انْتَقَلَ عَنْ سُكْنَى هَذَا الْمَكَانِ وَهُوَ قَاصِدٌ سُكْنَى كَذَا. وَإِذَا لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ قَصْدُ مَكَان مُعَيَّنٍ قِيلَ هُوَ الْآنَ غَيْرُ سَاكِنٍ فِي مَكَان حَتَّى يُنْظَرَ أَيْنَ يَسْكُنُ، وَإِذَا ثَبَتَ نَفْيُ تِلْكَ السُّكْنَى ثَبَتَ الْبِرُّ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَحَمَلَهُ فَأَخْرَجَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ (وَلَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ (وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ) الْخُرُوجُ مُقَابِلٌ لِلدُّخُولِ فَنَاسَبَ إعْقَابُهُ بِهِ، وَيَعْقُبُ الْخُرُوجَ الرُّكُوبُ ثُمَّ الرُّجُوعُ وَهُوَ الْإِتْيَانُ، فَلَمَّا ارْتَبَطَتْ أَوْرَدَهَا فِي بَابِ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَوْ الدَّارِ أَوْ الْبَيْتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَحَمَلَهُ فَأَخْرَجَهُ حَنِثَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ كَذَا هَذَا. وَلَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الْخُرُوجُ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْحَالِفِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلنَّقْلِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِخْرَاجِ مُكْرَهًا هُنَا أَنْ يَحْمِلَهُ وَيُخْرِجَهُ كَارِهًا لِذَلِكَ الْإِكْرَاهِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ. فَإِنَّهُ إذَا تَوَعَّدَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَعْدَمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ حَتَّى أَكَلَهُ حَنِثَ. وَلَوْ أَوْجَرَ فِي حَلْقِهِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ

فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الرِّضَا. قَالَ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْمَوْجُودَ خُرُوجٌ مُسْتَثْنًى، وَالْمُضِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ) لِوُجُودِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ وَهُوَ الشَّرْطُ، إذْ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَهَا) لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا} [الشعراء: 16] وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَيْهَا قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ، وَقِيلَ هُوَ كَالْخُرُوجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّحِيحِ. وَقِيلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَلَمْ يَفْعَلْ صَارَ كَالْآمِرِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الرِّضَا وَلَمْ يُوجَدْ الْأَمْرُ وَلَا الْفِعْلُ مِنْهُ فَلَا يُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَيْهِ. وَلَوْ قِيلَ قَصْرُ الِانْتِقَالِ عَلَى الْآمِرِ مَحِلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ يَحْنَثُ يَجْعَلُ الرِّضَا أَيْضًا فَلَا دَفْعَ بِفَرْعٍ اتِّفَاقِيٍّ، وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَهُ فَفَعَلَ لَا يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ لِانْتِسَابِ الْإِتْلَافِ إلَيْهِ بِالْأَمْرِ، فَلَوْ أَتْلَفَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ يَنْظُرُ فَلَمْ يَنْهَهُ ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِأَحَدٍ بَيْنَ كَوْنِهِ رَاضِيًا أَوْ لَا، ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْنَثْ بِإِخْرَاجِهِ مَحْمُولًا لِإِنْسَانٍ أَوْ بِهُبُوبِ رِيحٍ حَمَلَتْهُ هَلْ تَنْحَلُ الْيَمِينُ؟ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ: تَنْحَلُّ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ: لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَحْنَثُ لِانْقِطَاعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَيْفَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فِي الذِّمَّةِ. وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ؟ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ. وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ. وَمَنْ قَالَ لَمْ تَنْحَلَّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ) وَنَحْوِهِ فَخَرَجَ إلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى حَاجَاتٍ لَهُ أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْخُرُوجَ الْمَوْجُودَ مِنْهُ إلَى الْجِنَازَةِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْخُرُوجِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا الِانْفِصَالُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَالذَّهَابُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ) أَوْ دَارِ فُلَانٍ فَخَرَجَ مُرِيدًا مَكَّةَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ حَنِثَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخُرُوجَ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ وَقَدْ وُجِدَ بِقَصْدِ. مَكَّةَ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَى عَدَمِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ رَجَعَ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَحْنَثَ إذَا رَجَعَ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ عِمْرَانَ مِصْرِهِ وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا جَاوَزَ عِمْرَانَهُ عَلَى قَصْدِهَا كَأَنَّهُ ضَمَّنَ لَفْظَ أَخْرُجُ مَعْنَى أُسَافِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَيْهَا سَفَرٌ لَكِنَّ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُدَّةُ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا) فَخَرَجَ بِقَصْدِهَا (لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَهَا لِأَنَّ الْإِتْيَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ، قَالَ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا} [الشعراء: 16] وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَيْهَا قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ) فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَهَا وَهُوَ قَوْلُ نُصَيْرٍ. قَالَ تَعَالَى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: 43] وَالْمُرَادُ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَتَبْلِيغُهُ الرِّسَالَةَ (وَقِيلَ الذَّهَابُ كَالْخُرُوجِ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ

وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ. (وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَهَذَا عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ: إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ، وَإِنْ عَنَى اسْتِطَاعَةَ الْقَضَاءِ دَيْنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ وَيُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَصِحَّةِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُتَعَارَفِ. فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَوَّلِ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ثُمَّ قِيلَ وَتَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا، وَقِيلَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ تَعَالَى {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33] أَيْ يُزِيلَهُ، فَبِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ تَحَقَّقَ الْحِنْثُ، وَكَوْنُهُ اُسْتُعْمِلَ مُرَادًا بِهِ الْوُصُولُ فِي {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: 43] لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا مَعَ الْوُصُولِ وَمَعَ عَدَمِهِ فَيَكُونَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْخُرُوجِ بِلَا وُصُولٍ وَالْخُرُوجِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وُصُولٌ. فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا لِتَحَقُّقِ الْمُسَمَّى بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِالذَّهَابِ شَيْئًا. وَلَوْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ أَوْ الْإِتْيَانَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ إلَيْهِ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ الْخُرُوجُ عَنْ قَصْدٍ. وَفِي الْإِتْيَانِ إلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ لِلْحِنْثِ. بَلْ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ حَنِثَ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ. كَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ) هَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إذَا حَلَفَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَإِمَّا أَنْ يُطْلِقَهَا أَوْ يُؤَقِّتَهَا بِوَقْتٍ مِثْلَ لَأَفْعَلَنَّ غَدًا أَوْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَفِي الْمُطْلَقَةِ مِثْلِ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا أَوْ لَيُطَلِّقَنَّ زَوْجَتَهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَبْقَى مَا أَمْكَنَ الْبِرُّ. وَحَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ الْيَمِينُ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْبِرُّ بِفَوَاتِهِ لَمْ يَسْقُطْ الْيَمِينُ وَلَمْ يَلْزَمْ انْحِلَالُهَا فَتَبْقَى إلَى أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِالْحِنْثِ، وَلَا يَقَعُ الْيَأْسُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ، فَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا لَيَفْعَلَنَّ وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَوْتِهِ وَمَوْتِهَا فِي الصَّحِيحِ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَفِي الْمُقَيَّدَةِ تَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْنَثْ. فَإِذَا قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَفْعَلْ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ) أَيْ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ (لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ) وَصُورَتُهُ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِك غَدًا إنْ اسْتَطَعْت، وَلَا نِيَّةَ لَهُ تَصْرِفُ الِاسْتِطَاعَةَ إلَى سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَعَرَّفُ إلَيْهِ، وَهَذَا مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ دُونَ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْقُدْرَةُ

(وَمَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ حَنِثَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ) لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ، وَمَا وَرَاءَهُ دَاخِلٌ فِي الْحَظْرِ الْعَامِّ. وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ بَلْ تُخْلَقُ مَعَهُ بِلَا تَأْثِيرٍ لَهَا فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَرَادَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ إنْ اسْتَطَعْت صَحَّتْ إرَادَتُهَا، فَإِذَا لَمْ يَأْتِهِ لِعُذْرٍ مِنْهُ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَحْنَثُ كَأَنَّهُ قَالَ لَآتِيَنك إنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى إتْيَانِي أَوْ إلَّا أَنْ لَا يَخْلُقَ إتْيَانِي، وَهُوَ إذَا لَمْ يَأْتِ لَمْ يُخْلَقْ إتْيَانُهُ وَلَا اسْتِطَاعَةُ الْإِتْيَانِ الْمُقَارِنَةُ وَإِلَّا لَأَتَى، وَإِذَا صَحَّتْ إرَادَتُهَا فَهَلْ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً أَوْ دِيَانَةً فَقَطْ؟ قِيلَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّازِيّ، وَقِيلَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذَا كَانَ اسْمُ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ حَنِثَ) وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ، وَمِثْلُهُ إنْ خَرَجَتْ إلَّا بِقِنَاعٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ، فَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْخُرُوجِ الْمُلْصَقِ بِالْإِذْنِ دَاخِلٌ فِي الْحَظْرِ الْعَامِّ، وَهُوَ النَّكِرَةُ الْمُؤَوَّلَةُ مِنْ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا تَخْرُجِي خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي، وَطَرِيقُ إسْقَاطِ هَذَا الْإِذْنِ أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ نَهَاهَا لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً ثُمَّ نَهَى عَمِلَ نَهْيُهُ اتِّفَاقًا فَكَذَا بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ نَهْيُهُ بَعْدَ الْمَرَّةِ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بَعْدَهُ. بِخِلَافِ النَّهْيِ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ بِالْإِذْنِ الْعَامِّ. وَلَوْ أَذِنَ لَهَا إذْنًا غَيْرَ مَسْمُوحٍ لَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ إذْنٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمَسْمُوعِ وَغَيْرِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا سُمِّيَ إذْنًا لِكَوْنِهِ مُعَلَّمًا أَوْ لِوُقُوعِهِ فِي الْإِذْنِ وَلَمْ يُوجَدْ. ثَمَّ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى الْإِذْنِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجِينَ إلَّا بِإِذْنِي مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ لَهُ الْمَنْعُ وَهُوَ مِثْلُ السُّلْطَانِ إذَا حَلَّفَ إنْسَانًا لَيَرْفَعَن إلَيْهِ خَبَرَ كُلِّ دَاعِرٍ فِي الْمَدِينَةِ كَانَ عَلَى مُدَّةِ وِلَايَتِهِ، فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ. وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلِذَا لَا يُصَدِّقُ الْقَاضِي، أَمَّا إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. فَظَاهِرُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ،

(وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ غَايَةٍ فَتَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ حَتَّى آذَنَ لَك. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ مَرَّةً مُوجِبُ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ لَا تَخْرُجِي حَتَّى آذَنَ لَك، وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُمَا، فَيُسْتَعَارُ إلَّا بِإِذْنِي لِمَعْنًى حَتَّى آذَنَ وَفِي حَتَّى آذَنَ تَنْحَلُّ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ فِي حَتَّى أَنَّهَا أَيْضًا تُوجِبُ التَّكْرَارَ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] {فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور: 28] وَنَحْنُ نَقُولُ إنْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ يُرَادُ فَلَا نِزَاعَ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مُؤَدَّى اللَّفْظِ فَقُلْنَا لَا، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ حَتَّى آذَنَ لَك يَكُونُ قَدْ جَعَلَ النَّهْيَ عَنْ الْخُرُوجِ مُطْلَقًا مُغَيًّا بِوُجُودِ مَا هُوَ إذْنٌ. وَبِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْإِذْنِ يَتَحَقَّقُ مَا هُوَ إذْنٌ فَيَتَحَقَّقُ غَايَةُ النَّهْيِ فَيَزُولُ الْمَنْعُ الْمُضَافُ إلَى اللَّفْظِ. فَإِنْ كَانَ مَنْعٌ آخَرُ فَبِغَيْرِهِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ خِلَافُ مُقْتَضَاهُ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي أَنَّهُ تَنْتَهِي الْيَمِينُ بِخُرْجَةٍ وَاحِدَةٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا تَطْلُقُ بِالْخُرُوجِ بَعْدَهُ بِلَا إذْنٍ. وَفِي وَجْهٍ كَقَوْلِنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ وَالْقَفَّالِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ) وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ لُزُومُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ فِيهِ أَيْضًا مِثْلُ إلَّا بِإِذْنِي وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي لِأَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا خُرُوجًا إذْنِي فَلَزِمَ إرَادَةُ الْبَاءِ فَصَارَ بِإِذْنِي. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ إرَادَةِ الْبَاءِ مَحْذُوفَةً أَوْ مَا قُلْنَا مِنْ جَعْلِهَا بِمَعْنَى حَتَّى مَجَازًا: أَيْ حَتَّى آذَنَ لَك، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ كَالْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي يَنْعَقِدُ عَلَى إذْنٍ وَاحِدٍ. وَإِذَا لَزِمَ فِي إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ وَجَبَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا. وَمَجَازُ غَيْرِ الْخَذْفِ أَوْلَى مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي وَصْفِ اللَّفْظِ، وَمَجَازُ الْحَذْفِ تَصَرُّفٌ فِي ذَاتِهِ بِالْإِعْدَامِ مَعَ الْإِرَادَةِ، ثُمَّ هُوَ مُوَافِقٌ لِلِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ، قَالَ تَعَالَى {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَحَقَّقَ بِمَعْنَى مَا بِإِضْمَارِ الْبَاءِ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] الْآيَةَ، وَالثَّابِتُ وُجُوبُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ، بَلْ وُجُوبُ التَّكْرَارِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ مَنْعَ دُخُولِ الْإِنْسَانِ بَيْتَ غَيْرِهِ فَضْلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِإِذْنِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مِثْلَ هَذَا وَهُوَ كَثِيرٌ مِثْلُ {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]

(وَلَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ آخَرُ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ فَوْرٍ. وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِظْهَارِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الرَّدُّ عَنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ وَالْخُرْجَةِ عُرْفًا، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَسْتَقِلُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ الْفِعْلِ مَعَ كُلِّ مُتَكَرِّرٍ، فَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَى التَّكْرَارِ سِوَاهُ. وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا عَنْ الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ لُزُومَ تَكْرَارِ الْإِذْنِ لِلْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فِيهَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} [الأحزاب: 53] فَأَلْزَمَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ مِمَّا يُؤْذِي الزَّوْجَ أَيْضًا، وَهَذَا ذُهُولٌ عَظِيمٌ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] الْمَنْعُ الَّذِي هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ. أَمَّا هُنَا فَالنَّظَرُ فِيمَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ يَمِينُ الْحَالِفِ وَيَلْزَمُ بِعَدَمِهِ الْكَفَّارَةُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللَّفْظِ النَّاصِّ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا بِالْعِلَّةِ لَوْ صَرَّحَ بِهَا بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءَ الْعِنَبِ الْمُشْتَدِّ لِإِسْكَارِهِ فَإِنَّهُ لَوْ شَرِبَ مِزْرًا لَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ حَنِثَ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مُسْكِرًا، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا بَلْ اُسْتُنْبِطَتْ كَمَا فَعَلَ هَذَا الْبَاحِثُ حَيْثُ اسْتَنْبَطَ أَنَّ الزَّوْجَ يَكْرَهُ خُرُوجَ زَوْجَتِهِ بِلَا إذْنٍ. نَعَمْ قَدْ قَالَ: لَا تَجِدُ دَلِيلًا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ كُلِّ دُخُولٍ إلَّا بِإِذْنٍ، وَكُلُّ مَشِيئَةٍ لِلْعِبَادِ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ قَوْلٍ إنِّي فَاعِلٌ غَدًا كَذَا إلَّا بِقِرَانِهِ بِالْمَشِيئَةِ سِوَى الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ خُصُوصًا فِي الْأَخِيرِ. وَلَوْ فُرِضَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ فَمُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ إلَّا هَذِهِ الْأَدِلَّةُ. وَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ هَذَا الْمَجَازِ أَكْثَرَ وَالْكَثْرَةُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ، وَحِينَئِذٍ كَوْنُ غَيْرِ مَجَازِ الْحَذْفِ أَوْلَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مَا يَكُونُ الْحَذْفُ فِيهِ مُطَّرِدًا مُسْتَمِرًّا مَفْهُومًا مِنْ اللَّفْظِ بِلَا زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ أَنْ وَأَنَّ مُطَّرِدٌ وَهُنَا لَفْظَانِ آخَرَانِ هُمَا إلَى أَنْ آذَنَ لَك، وَيَجِبُ أَنْ يُسْلَكَ بِهِ مَسْلَكُ حَتَّى، وَبِغَيْرِ إذْنِي، وَيَجِبُ فِيهِ تَكْرَارُ الْإِذْنِ مِثْلُ إلَّا بِإِذْنِي لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ مَعَ وُجُودِ الْبَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَقْدُمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدُمَ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي دَارِهِ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ فِي هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّ قُدُومَ فُلَانٍ لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً، وَالْإِذْنُ فِي الْكَلَامِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُوجَدُ مِنْ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَكَذَا خُرُوجُ الرَّجُلِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً، بِخِلَافِ الْإِذْنِ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ الْخُرُوجَ الْمَأْذُونَ فِيهِ عَادَةً لَا كُلَّ خُرُوجٍ، إلَّا بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِيهِ مِثْلُ أَذِنْت لَك أَنْ تَخْرُجِي كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ وَنَحْوِهِ، فَكَانَ الِاقْتِصَارُ فِي هَذَا الْوُجُودِ الصَّارِفِ عَنْ التَّكْرَارِ، لَا لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْكُلِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بَلْ مُؤَدَّى اللَّفْظِ مَا ذَكَرْنَا، وَثُبُوتُ خِلَافِهِ لِلصَّارِفِ الْعُرْفِيِّ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُؤَدَّى اللَّفْظِيُّ فِي مِثْلِ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي، وَإِلَّا أَنْ آذَنَ لَك لَمْ يَقَعْ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ آخَرُ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ، وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينُ الْفَوْرِ، انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِظْهَارِهَا) وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ: مُؤَبَّدَةٌ وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا

اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي قَالَ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَخَرَجَ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ وَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدَءًا. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ مَدْيُونٍ أَوْ غَيْرِ مَدْيُونٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ. فَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمِينَ الْفَوْرِ وَهِيَ يَمِينٌ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ، وَهِيَ مَا يَكُونُ جَوَابًا لِكَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لِآخَرَ تَعَالَ تَغَدَّ عِنْدِي فَيَقُولَ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَيَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ. فَإِذَا تَغَدَّى فِي يَوْمِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ جَوَابًا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالْمَسْئُولِ الْحَالِيِّ فَيَنْصَرِفُ الْحَلِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْحَالِيِّ لِتَقَعَ الْمُطَابَقَةُ فَلَزِمَ الْحَالُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا تَغَدَّى فِي مَنْزِلِهِ مِنْ يَوْمِهِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْجَوَابِ فَيُعْتَبَرُ مُبْتَدِئًا لَا مُجِيبًا فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ وَيُلْغَى ظَاهِرُ الْحَالِ، وَإِلْغَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَعْنَاهُ أَوْ مَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ، كَامْرَأَةٍ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ، وَمِنْهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَحَلَفَ عَلَيْهِ لَا يَضْرِبُهُ. فَإِذَا تَرَكَهُ سَاعَةً بِحَيْثُ يَذْهَبُ فَوْرُ ذَلِكَ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ لِذَلِكَ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ. وَهُوَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ غَدَاءٍ وَخُرُوجٍ وَضَرْبٍ. فَاعْتُبِرَ الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرْنَا. وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا

لَمْ يَحْنَثْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَحْنَثُ وَإِنَّ نَوَى لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمَوْلَى لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا، وَكَذَا شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ» الْحَدِيثَ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا: يَحْنَثُ إذَا نَوَاهُ لِاخْتِلَالِ الْإِضَافَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ لِلسَّيِّدِ عِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ انْعَقَدَ عَلَى حِمَارِهِ وَبَغْلَتِهِ وَفَرَسِهِ، فَلَوْ رَكِبَ جَمَلَهُ أَوْ فِيلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ اسْمُ الدَّابَّةِ لِمَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَهُ بِالْمَرْكُوبِ الْمُعْتَادِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ رُكُوبُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمَلُ مِمَّا يُرْكَبُ أَيْضًا فِي الْأَسْفَارِ وَبَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْجَمَلِ إلَّا إذَا نَوَاهُ، وَكَذَا الْفِيلُ وَالْبَقَرُ إذَا نَوَاهُ حَنِثَ وَإِلَّا لَا. وَيَنْبَغِي إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ الْبَدْوِ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى الْجَمَلِ أَيْضًا بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ رُكُوبَهَا مُعْتَادٌ لَهُمْ، وَكَذَا إذَا كَانَ حَضَرِيًّا جَمَّالًا وَالْمَحْلُوفُ عَلَى دَابَّتِهِ جَمَّالٌ دَخَلَ فِي يَمِينِهِ بِلَا نِيَّةٍ. وَإِذَا كَانَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ انْعِقَادُهَا عَلَى الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ. فَلَوْ نَوَى بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ بِأَنْ نَوَى الْحِمَارَ دُونَ الْفَرَسِ مَثَلًا لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً، لِأَنَّ نِيَّةَ الْخُصُوصِ لَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ اللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى دَابَّتِهِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِكُلِّ مَرْكَبٍ سَفِينَةٍ أَوْ مَحْمَلٍ أَوْ دَابَّةٍ

[باب اليمين في الأكل والشرب]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ رَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ مَدْيُونٍ أَوْ غَيْرِ مَدْيُونٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ دَابَّةَ عَبْدِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ. إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِرُكُوبِهَا وَإِنْ نَوَى دَابَّةَ الْعَبْدِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى لَكِنَّهُ عَرَضَتْ إضَافَتُهُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا وَشَرْعًا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، وَإِنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعَ» أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاخْتَلَّتْ إضَافَةُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لَهُ فَقَصْرُ الْإِطْلَاقِ عَنْ تَنَاوُلِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا: وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ يَحْنَثُ إذَا نَوَاهُ، فَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَنَوَاهُ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ السَّيِّدِ لِمَا فِي يَدِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مَمْلُوكٌ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ فَيَحْنَثُ بِنِيَّتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ نَوَى دَابَّةَ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ يَنْوِ لِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي الدَّابَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا: أَيْ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ يَمْلِكُهَا الْمَحْلُوفُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَمَا فِي يَدِ الْمَأْذُونِ مِلْكُ السَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا مُسْتَغْرِقًا فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِرُكُوبِهَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَسْعَدُ بِالْعُرْفِ هُنَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذِهِ دَابَّةُ عَبْدِ فُلَانٍ، وَتِلْكَ دَابَّةُ سَيِّدِهِ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا يُضِيفُهُ الْعُرْفُ إلَيْهِ لَا إلَى مَا يُضِيفُهُ الْمِلْكُ إلَيْهِ مَعَ إضَافَةِ الْعُرْفِ إيَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَأَقَلُّ مَا يَجِبُ إذَا صَارَتْ هَذِهِ الدَّابَّةُ تُضَافُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ لَا يَنْعَقِدَ عَلَيْهَا إلَّا بِقَصْدِهَا، لِأَنَّهُ إنْ نُظِرَ إلَى إضَافَتِهَا إلَيْهِ انْعَقَدَتْ عَلَيْهَا، وَإِنْ نُظِرَ إلَى إضَافَتِهَا إلَى غَيْرِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ إذَا كَانَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى السَّيِّدِ بِالْكُلِّيَّةِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْعُرْفَ مَا كَانَ يُضِيفُهُ إلَى السَّيِّدِ مَعَ إضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ إلَّا بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ] أَعْقَبَهُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَنْزِلِ يُرَادُ لِتَحْصِيلِ مَا بِهِ بَقَاءُ الْبِنْيَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] عَلَى مَا يُقَالُ. وَالْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ إلَى الْجَوْفِ

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ الثَّمَرُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَيَصْلُحُ مَجَازًا عَنْهُ، لَكِنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصُنْعِهِ جَدِيدَةً حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ ابْتَلَعَهُ بِلَا مَضْغٍ. وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ كَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ هَكَذَا فِي التَّجْرِيدِ. وَذَكَرَ الزندوستي أَنَّ الْأَكْلَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ وَالْحَلْقِ. وَالذَّوْقَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ دُونَ الْحَلْقِ. وَالِابْتِلَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْحَلْقِ دُونَ الشِّفَاهِ. وَالْمَصَّ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ اللَّهَاةِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ فِي فَمِهِ شَيْءٌ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَابْتَلَعَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّوَابُ. إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ أَكَلَ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْضَغُ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِإِيصَالِ مَا بِحَيْثُ يُمْضَغُ إلَى الْجَوْفِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ عَمَلُ الشِّفَاهِ إنَّمَا يُرَادُ حَرَكَتُهَا فَهُوَ فِي الْكُلِّ، وَيَلْزَمُ أَنْ يَحْنَثَ بِبَلْعِ مَا كَانَ فِي فَمِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَرَكَةِ شَفَتَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ عَمَلِ الشِّفَاهِ هَشْمُهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ الذَّوْقَ عَمَلُ الْفَمِ لِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الطَّعْمِ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ أَوْ لَا. قِيلَ فَكُلُّ أَكْلٍ ذَوْقٌ وَلَيْسَ كُلُّ ذَوْقٍ أَكْلًا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَكْلَ إذَا كَانَ إيصَالَ مَا بِحَيْثُ يُهْشَمُ لَمْ يَكُنْ عَمَلُ الْفَمِ مُعْتَبَرًا فِي مَفْهُومِهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَهُ فَقَدْ لَزِمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا مِنْ وَجْهٍ فَيَجْتَمِعَانِ فِي إيصَالِ مَا هُشِمَ فَإِنَّ الْهَشْمَ عَمَلُ الْفَمِ: أَعْنِي الْحَنَكَيْنِ، وَيَنْفَرِدُ الذَّوْقُ فِيمَا لَمْ يُوصَلْ وَالْأَكْلُ فِيمَا اُبْتُلِعَ بِلَا مَضْغٍ مِمَّا بِحَيْثُ يُمْضَغُ وَلَا يُعْرَفُ طَعْمُهُ إلَّا بِالْمَضْغِ كَقَلْبِ اللَّوْزِ وَالْجَوْزِ، لَكِنَّ فِي الْمُحِيطِ: حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْرَبُ لَا يَحْنَثُ بِالذَّوْقِ. وَمَا رَوَى هِشَامٌ: حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَيَمِينُهُ عَلَى الذَّوْقِ حَقِيقَةً وَهُوَ أَنْ لَا يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ تَعَالَى تَغَدَّ مَعِي فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ مَعَهُ طَعَامًا وَشَرَابًا، فَهَذَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مَفْهُومٌ مِنْ مَفْهُومِ الذَّوْقِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْأَكْلِ فِي الْحَلِفِ عَلَى الذَّوْقِ، وَاَلَّذِي يَغْلِبُ ظَنُّهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُحِيطِ يُرَادُ بِهَا الْأَكْلُ الْمُقْتَرِنُ بِالْمَضْغِ أَوْ الْبَلْعِ لِمَا لَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ طَعْمِهِ عَلَى الْمَضْغِ، لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ ابْتِلَاعَ قَلْبِ لَوْزَةٍ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَاقَ اللَّوْزَ وَلَا يَحْنَثُ بِبَلْعِهَا، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ فَأَكَلَهُ مَعَهُ حَنِثَ، وَلَوْ عَنَى بِالذَّوْقِ الْأَكْلَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمْتَصُّهُ وَيَرْمِي ثُفْلَهُ وَيَبْتَلِعُ الْمُتَحَصِّلَ بِالْمَصِّ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ أَكْلًا وَلَا شُرْبًا بَلْ مَصٌّ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ ثَرَدَ فِيهِ فَأَوْصَلَهُ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا فَثَرَدَ فِيهِ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ شَرِبَهُ حَنِثَ. قِيلَ هَذَا إذَا حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ، أَمَّا إذَا حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ يُسَمَّى خردن، فَإِذَا قَالَ نمى خرم بِلَا نِيَّةٍ صُدِّقَ عَلَيْهِمَا فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهَذَا حَقٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَجَفَّفَهُ وَدَقَّهُ ثُمَّ مَرَسَهُ بِالْمَاءِ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ أَكَلَهُ مَبْلُولًا حَنِثَ، وَالسَّوِيقُ إذَا شَرِبَهُ بِالْمَاءِ يَكُونُ شُرْبًا لَا أَكْلًا. فَإِنْ بَلَّهُ بِالْمَاءِ فَأَكَلَهُ حَنِثَ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا) بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ

(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ صَارَ اللَّبَنُ شِيرَازًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَكَذَا كَوْنُهُ لَبَنًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَأْكُولٌ فَلَا يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الدَّاعِي دَاعِيًا فِي الشَّرْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ، وَمِثْلُهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعُ الْأَكْلِ قَبْلَ الْيَمِينِ فَيَلْغُو الْحَلِفُ فَوَجَبَ لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ صَرْفُهَا إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا تَجَوُّزًا بِاسْمِ السَّبَبِ وَهُوَ النَّخْلَةُ فِي الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْخَارِجُ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِيهِ لَكِنْ بِلَا تَغَيُّرٍ بِصُنْعٍ جَدِيدٍ، فَلَا يَحْنَثُ بِالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا صَقْرُ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالرَّامِخِ وَالْجُمَّارِ وَالطَّلْعِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ مُطْلَقًا وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35] وَقِيلَ لِأَنَّ مَا تَحَصَّلَ بِالصَّنْعَةِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ابْتِدَاءً مِنْ النَّخْلَةِ، وَمِنْ ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ انْعَقَدَ عَلَيْهِ يَمِينُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ " مِنْ " الْمَذْكُورَةَ فِي كَلَامِهِ دَاخِلَةٌ عَلَى النَّخْلَةِ تَبْعِيضِيَّةٌ لَا ابْتِدَائِيَّةٌ، نَعَمْ مِنْ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّأْوِيلِ: أَعْنِي قَوْلَهُ لَا آكُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلَةِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَذْكُورِ؛ وَمِثْلُهُ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ فَهُوَ عَلَى عِنَبِهِ وَحِصْرِمِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ. وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دِبْسِهِ وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ فَإِنَّهُ مَاءُ الْعِنَبِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا صُنْعٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ نُضْجِ الْعِنَبِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ كَامِنًا بَيْنَ الْقِشْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ، ثُمَّ انْصِرَافُ الْيَمِينِ إلَى مَا يَخْرُجُ فِي الْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ مِنْ الشَّجَرَةِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهَا ثَمَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَمَرَةٌ انْعَقَدَتْ عَلَى ثَمَنِهَا فَيَحْنَثُ بِهِ: أَيْ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا. [فَرْعٌ] حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقَطَعَ غُصْنًا مِنْهَا وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرَةِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ هَذَا الْغُصْنِ لَا يَحْنَثُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْنَثُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَصَارَ شِيرَازًا) أَيْ رَائِيًا وَهُوَ الْخَاثِرُ إذَا اُسْتُخْرِجَ مَاءَهُ فَأَكَلَهُ (لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بِصِفَةٍ دَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ تَقَيَّدَ بِهِ فِي الْمُعَرَّفِ

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا حَنِثَ) لِأَنَّ صِفَةَ الصِّغَرِ فِي هَذَا لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ امْتِنَاعًا عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُنَكَّرِ. فَإِذَا زَالَتْ زَالَ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَمَا لَا تَصْلُحُ دَاعِيَةً اُعْتُبِرَ فِي الْمُنَكَّرِ دُونَ الْمُعَرَّفِ؛ وَصِفَةُ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ مِمَّا قَدْ تَدْعُو إلَى الْيَمِينِ بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ، وَكَذَا صِفَةُ اللَّبَنِيَّةِ فَإِذَا زَالَتْ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَأَكَلَهُ أَكَلَ مَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ، وَيُخَصُّ اللَّبَنُ وَجْهُ ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَأْكُولٌ فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ لَا عَلَى مَا يَصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِشِيرَازِهِ وَلَا بِسَمْنِهِ وَزُبْدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا شَاخَ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَعَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا يُخَالُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ مِنْ جَهْلِهِ وَسُوءِ أَدَبِهِ إذَا كَانَ الشَّارِعُ مَنَعَنَا مِنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الدَّاعِيَ قَدْ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَبَ الِاتِّبَاعُ، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ قَدْ يَجُوزُ أَوْ يَجِبُ إذَا كَانَ لِلَّهِ بِأَنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ أَوْ يُخْشَى فِتْنَةٌ أَوْ فَسَادٌ عَرَضَهُ بِكَلَامِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ الْهِجْرَانَ مُطْلَقًا فَحَيْثُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يُحْكَمُ إلَّا أَنَّهُ وُجِدَ الْمُسَوِّغَ، وَإِذَا وُجِدَ اُعْتُبِرَ الدَّاعِيَ فَتَقَيَّدَ بِصِبَاهُ وَشَبِيبَتِهِ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا حَنِثَ لِأَنَّ صِفَةَ الصِّغَرِ فِي هَذَا لَيْسَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ) فَلَا تَقْيِيدَ بِهِ فَانْعَقَدَتْ عَلَى ذَاتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ كَبْشًا لِوُجُودِ ذَاتِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَتْ دَاعِيَةً لِأَنَّ الصِّغَرَ دَاعٍ إلَى الْأَكْلِ لَا إلَى عَدَمِهِ، فَالْمُمْتَنِعُ عَنْهُ مَعَ صُلُوحِهِ أَشَدُّ امْتِنَاعًا عَنْهُ كَبْشًا، وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَمَلَ لَيْسَ مَحْمُودًا فِي الضَّأْنِ لِكَثْرَةِ رُطُوبَاتِهِ زِيَادَةً حَتَّى قِيلَ فِيهِ النَّحِسُ بَيْنَ الْجَيِّدَيْنِ بِخِلَافَةِ كَبْشًا فَإِنَّ لَحْمَهُ حِينَئِذٍ أَكْثَرُ قُوَّةً وَتَقْوِيَةً لِلْبَدَنِ لِقِلَّةِ رُطُوبَاتِهِ فَصَارَ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ فَأَكَلَهُ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ. وَاعْلَمْ أَنَّ إيرَادَ مِثْلِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ ذُهُولٌ عَنْ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَنِسْيَانٌ أَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى الْعُرْفِ فَيُصْرَفُ اللَّفْظُ إلَى الْمُعْتَادَةِ فِي الْعَمَلِ وَالْعُرْفِ فِي الْقَوْلِ، وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَوْ أَرَادَ مَعْنًى تَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ. فَفِي مَسْأَلَةِ الْحَمَلِ الْعُمُومُ يُفَضِّلُونَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ غِذَاءٌ فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ وَمَا يُدْرِكُ نَحِسَهُ إلَّا أَفْرَادٌ عَرَفُوا شَيْئًا مِنْ الطِّبِّ فَوَجَبَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَنْ يُصْرَفَ الْيَمِينُ إلَى ذَاتِ الْحَمَلِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَالِحًا فِي الْغَايَةِ عِنْدَ الْعُمُومِ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْفَرْدِ مِنْ الْعُمُومِ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِهِمْ فَيَنْصَرِفُ حَلِفُهُ إلَيْهِمْ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ الْحَمَلِيَّةُ قَيْدًا، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَمَّا كَانَ مَوْضِعَ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ عِنْدَ الْعُمُومِ، وَفِي الشَّرْعِ لَمْ يُجْعَلْ الصِّبَا دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْعُمُومِ فَيَنْصَرِفُ إلَى ذَاتِهِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي كَوْنَ حَالِفٍ مِنْ النَّاسِ عَرَفَ عَدَمَ طِيبِ الْحَمَلِ وَسُوءَ أَدَبِ

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا فَأَكَلَ مُذَنِّبًا حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَحْنَثُ فِي الرُّطَبِ) يَعْنِي بِالْبُسْرِ الْمُذَنِّبِ وَلَا فِي الْبُسْرِ بِالرُّطَبِ الْمُذَنِّبِ لِأَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى رُطَبًا وَالْبُسْرَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى بُسْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الشِّرَاءِ. وَلَهُ أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ مَا يَكُونُ فِي ذَنَبِهِ قَلِيلُ بُسْرٍ، وَالْبُسْرَ الْمُذَنِّبَ عَلَى عَكْسِهِ فَيَكُونُ آكِلُهُ آكِلَ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مَقْصُودٌ فِي الْأَكْلِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ فَيَتْبَعُ الْقَلِيلُ فِيهِ الْكَثِيرَ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبَ تَابِعٌ (وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَكْلِ يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْأَكْلَ يُصَادِفُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا أَوْ لَا يَأْكُلُهُ فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ وَأَكَلَهَا يَحْنَثُ فِي الْأَكْلِ دُونَ الشِّرَاءِ لِمَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَبِيٍّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْدَعُهُ إلَّا تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَهُ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ مَعَهُ يَضُرُّهُ فِي عِرْضِهِ أَوْ دِينِهِ فَعَقَدَ يَمِينَهُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى مُدَّةِ كَوْنِهِ حَمَلًا، وَفِي الثَّانِي عَلَى مُدَّةِ صِبَاهُ. فَإِنَّا نَقُولُ: لَوْ أَرَادَ حَالِفٌ تَقْيِيدَهُ بِالْحَمَلِيَّةِ وَالصِّبَا لَمْ نَمْنَعْهُ وَصَرَفْنَا يَمِينَهُ حَيْثُ صَرَفَهَا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنَّمَا يُسْلَكُ بِهِ مَا عَلَيْهِ الْعُمُومُ أَخْطَئُوا فِيهِ أَوْ أَصَابُوا فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْك بِبَالٍ فَإِنَّك تَدْفَعُ بِهِ كَثِيرًا مِنْ أَمْثَالِ هَذَا الْغَلَطِ الْمُورَدِ عَلَى الْأَئِمَّةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ) وَالْيَمِينُ انْعَقَدَتْ عَلَى خُصُوصِ صِفَةِ الْبُسْرِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا دَاعِيَةٌ لِلْيَمِينِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا وَلَا رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا) بِكَسْرِ النُّونِ: وَهُوَ مَا بَدَا الْإِرْطَابُ مِنْ ذَنَبِهِ (حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَحْنَثُ) هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ، وَأَكْثَرُ كُتُبِ الْفِقْهِ الْمُعْتَبَرَةِ مِثْلِ الْمَبْسُوطِ وَشُرُوحِهِ وَكَافِي الْحَاكِمِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ للإسبيجابي وَشُرُوحِ الْجَامِعَيْنِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ وَالْمَنْظُومَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَغْلِبُ ظَنُّ

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَحْنَثُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ مِنْ الدَّمِ وَلَا دَمَ فِيهِ لِسُكُونِهِ فِي الْمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَطَأِ خِلَافِهِ ذُكِرَ فِيهَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعٌ: وَهُمَا مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا، وَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي هَاتَيْنِ اتِّفَاقًا. وَخِلَافِيَّتَانِ: وَهُمَا مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا. وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي هَاتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْبُسْرَ الْمُذَنِّبَ لَا يُسَمَّى رُطَبًا لِأَنَّ الرُّطَبَ فِيهِ مَقْلُوبٌ وَأَنَّ الرُّطَبَ الَّذِي فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبُسْرِيَّةِ لَا يُسَمَّى بُسْرًا فَلَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ. وَكَذَا لَا يَحْنَثُ فِي شِرَائِهِمَا بِحَلِفِهِ لَا يَشْتَرِي بُسْرًا أَوْ رُطَبًا. وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ أَكْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ هُوَ أَكْلُ رُطَبٍ وَبُسْرٍ فَيَحْنَثُ بِهِ لَا بِالْكُلِّ وَهَذَا لِأَنَّ أَكْلَ كُلِّ جُزْءٍ مَقْصُودٌ لِأَنَّهُ يَمْضَغُ وَيَبْلَغُ بِمَضْغٍ وَابْتِلَاعٍ يَخُصُّهُ فَلَا يَتْبَعُ الْقَلِيلُ مِنْهُ الْكَثِيرَ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَةٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُمَا فَيَكُونُ الْقَلِيلُ فِيهِ تَبَعًا لِلْكَثِيرِ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَادَفَ الْمَجْمُوعَ فَكَانَ الرُّطَبُ تَابِعًا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ حَبَّةً حَبَّةً حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَحْنَثْ ذَكَرَهُ الشَّهِيدُ فِي كَافِيهِ. وَقَدْ يُقَالُ أَوَّلًا التَّعْلِيلُ لِلْمَذْكُورِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا فَصَلَهُ فَأَكَلَهُ وَحْدَهُ. أَمَّا لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مَخْلُوطًا بِبَعْضِ الْبُسْرِ تَحَقَّقَتْ التَّبَعِيَّةُ فِي الْأَكْلِ، وَثَانِيًا هُوَ بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا الْعُرْفِ وَإِلَّا فَالرُّطَبُ الَّذِي فِيهِ بُقْعَةُ بُسْرٍ لَا يُقَالُ لِآكِلِهِ آكِلُ بُسْرٍ فِي الْعُرْفِ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَقْعَدَ بِالْمَبْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا إلَخْ) تَنْعَقِدُ هَذِهِ الْيَمِينُ عَلَى لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا، وَفِي حِنْثِهِ بِالنِّيءِ خِلَافٌ الْأَظْهَرُ لَا يَحْنَثُ، وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ، فَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَحْنَثُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَهُوَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سُمِّيَ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] أَيْ مِنْ الْبَحْرِ وَهُوَ السَّمَكُ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ سُفْيَانُ لِمَنْ اسْتَفْتَاهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا فَرَجَعَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ ارْجِعْ فَاسْأَلْهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَا يَحْنَثُ، فَقَالَ أَلَيْسَ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح: 19] فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: كَأَنَّك السَّائِلُ الَّذِي سَأَلْتنِي أَمْسِ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ سُفْيَانُ: لَا يَحْنَثُ فِي هَذَا وَلَا فِي الْأَوَّلِ، فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ. وَظَهَرَ أَنَّ تَمَسُّكَ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ بِالْعُرْفِ لَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ مَجَازِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ مِنْ الدَّمِ وَلَا دَمَ فِي السَّمَكِ لِسُكُونِهِ الْمَاءَ، وَلِذَا حَلَّ بِلَا ذَكَاةٍ. فَإِنَّهُ يُنْقَضُ بِالْأَلْيَةِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ مِنْ الدَّمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا لِمَكَانِ الْعُرْفِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا وَلَا تَذْهَبُ أَوْهَامُ أَهْلِ الْعُرْفِ إلَيْهِ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ اللَّحْمِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لَحْمًا فَاشْتَرَى سَمَكًا عُدَّ مُخَالِفًا،

(وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقِيٌّ إلَّا أَنَّهُ حَرَامٌ. وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ مِنْ الْحَرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَيْضًا يَمْنَعُ أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الِانْعِقَادِ مِنْ الدَّمِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الِالْتِحَامِ وَالْأَيْمَانُ لَا تُبْنَى عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتَدٍ فَجَلَسَ عَلَى جَبَلٍ لَا يَحْنَثُ مَعَ تَسْمِيَتِهَا فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً وَأَوْتَادًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ، أَمَّا إذَا نَوَاهُ فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا حَنِثَ. [فَرْعٌ] لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ نَوَاهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ حَرَامٌ وَالْيَمِينُ تَنْعَقِدُ عَلَى الْحَرَامِ مَنْعًا وَحَمْلًا وَإِنْ وَجَبَ فِي الْحَمْلِ أَنْ يَحْنَثَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ لِلنَّصِّ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» وَلَمَّا كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ وَلَا تَذْهَبُ الْأَوْهَامُ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ إلَى أَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْعُرْفِ لَحْمُ الْآدَمِيِّ لَحْمًا وَكَذَا لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْعُرْفُ فِي قَوْلِنَا أَكَلَ فُلَانٌ لَحْمًا كَمَا فَعَلْنَا فِي لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ اُعْتُبِرَ الْعُرْفُ فِي رَكِبَ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ رُكُوبُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَتَقَيَّدَ الرُّكُوبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِهِ. ثُمَّ نَقَلَ الْعَتَّابِيُّ خِلَافَهُ فَقَالَ: قِيلَ الْحَالِفُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْكَافِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَمَا قِيلَ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ لَا يُقَيِّدُ اللَّفْظَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ رَدَّا عَلَى الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ. وَأَوْرَدَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَكَيْفَ تَجِبُ بِفِعْلٍ هُوَ حَرَامٌ مَحْضٌ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ إنَّمَا يُرَاعَيَانِ فِي السَّبَبِ وَالسَّبَبُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ، وَإِنَّمَا عَلِقَ بِهِمَا حَتَّى لَا يَجُوزَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ وَحْدَهُ لِيَكُونَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ مَوْصُوفًا بِالْإِبَاحَةِ وَالْحُرْمَةِ الْإِبَاحَةُ لِلْيَمِينِ وَالْحَظْرُ لِلْحِنْثِ، وَهَذَا انْصِرَافٌ عَنْ الْمَذْهَبِ الْمُجْمَعِ عَلَى نَقْلِهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْحِنْثُ وَكَوْنُهُ الْيَمِينَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِلْقَاءُ الشَّرَاشِرِ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُغْنِي عَنْ التَّهَالُكِ فِي إثْبَاتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَسْلِيمًا أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ، وَلَكِنَّا شَرَطْنَا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْحِنْثَ لِمَا ذُكِرَ، وَحِينَئِذٍ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَيُوجِبُ بُطْلَانَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إلَى الشَّرْطِ لَا إلَى السَّبَبِ، وَكُلُّ هَذَا بِسَبَبِ الْتِزَامِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ الثَّابِتَةِ بِالْحِنْثِ، وَنَحْنُ جَعَلْنَاهَا جَبْرًا لِحُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْفَائِتَةِ بِالْحِنْثِ مَعْصِيَةً كَانَ الْحِنْثُ أَوْ طَاعَةً وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِنْثَ إذَا كَانَ وَاجِبًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، وَمَا يُظَنُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ وَاجِبًا حَرَامًا مِنْ وَجْهَيْنِ تَوَهُّمٌ، وَإِلَّا فَمَعْنَى الْوَاجِبِ

(وَكَذَا إذَا أَكَلَ كَبِدًا أَوْ كَرِشًا) لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً فَإِنَّ نُمُوَّهُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا فِي شَحْمِ الْبَطْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَحْنَثُ فِي شَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا) وَهُوَ اللَّحْمُ السَّمِينُ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الشَّحْمِ فِيهِ وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً؛ أَلَا تَرَاهُ أَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَتَحْصُلُ بِهِ قُوَّتُهُ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْعِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى بَيْعِ الشَّحْمِ، وَقِيلَ هَذَا بِالْعَرَبِيَّةِ، فَأَمَّا اسْمُ بِيه بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرَامِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ نَهْيًا عَنْهُ وَطَلَبًا لَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ بِعَيْنِهِ مَطْلُوبَ الْعَدَمِ مَطْلُوبَ الْإِيجَادِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا وَهْمًا مِنْ الْأَوْهَامِ، وَمِثْلُهُ فِي كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ تَثْبُتُ، وَلَا جِنَايَةَ إذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَكَلَ كَبِدًا أَوْ كَرِشًا) أَوْ رِئَةً أَوْ قَلْبًا أَوْ طِحَالًا: يَعْنِي يَحْنَثُ لِأَنَّ نَمْوَةَ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا. وَلَوْ أَكَلَ الرَّأْسَ وَالْأَكَارِعَ يَحْنَثُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فِي اللَّحْمِ. بِخِلَافِ شَحْمِ الظَّهْرِ يَحْنَثُ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلَّحْمِ فِي الْوُجُودِ، وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ لَحْمٌ سَمِينٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا فِي شَحْمِ الْبَطْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَحْنَثُ فِي شَحْمِ الظَّهْرِ وَهُوَ اللَّحْمُ السَّمِينُ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةَ الشَّحْمِ فِيهِ وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ) فَلَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ نَفْسِ مُسَمَّاهُ، وَلِذَا اسْتَثْنَى فِي قَوْله تَعَالَى {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] فَيَحْنَثُ بِهِ (وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ) فِي اتِّخَاذِ أَلْوَانِ الطَّعَامِ وَالْقَلَايَا فَيُجْعَلُ قِطَعًا وَيُلْقَى فِيهَا لِيُؤْكَلَ أَكْلَ اللَّحْمِ وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِالشَّحْمِ (وَتَحْصُلُ بِهِ قُوَّتُهُ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ اللَّحْمَ، وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْعِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ شَحْمًا) وَالْقَاطِعُ بِنَفْيِ قَوْلِهِمَا إنَّ الْعُرْفَ لَا يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ الشَّحْمِ إلَّا مَا فِي الْبَطْنِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا فِي الْعُرْفِ، وَبَائِعُ ذَلِكَ يُسَمَّى لَحَّامًا، وَالْأَيْمَانُ لَا تُبْنَى عَلَى الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَضُرُّ تَسْمِيَتُهَا شَحْمًا فِي آيَةِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ شَحْمُ الظَّهْرِ إمَّا أَلْيَةٌ أَوْ لَحْمٌ أَوْ شَحْمٌ لَا قَائِلَ إنَّهُ أَلْيَةٌ وَلَيْسَ بِلَحْمٍ لِأَنَّهُ يُذَوَّبُ دُونَ اللَّحْمِ. وَأَيْضًا يُقَالُ لَهُ شَحْمُ الظَّهْرِ لَا لَحْمُ الظَّهْرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ شَحْمٌ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا لَا يُفِيدُ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ. وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَذُوبُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِهِ يَلْزَمُ كَوْنُ الذَّوْبِ لَيْسَ لَازِمًا مُخْتَصًّا، وَاللَّوَازِمُ جَازَ كَوْنُهَا مُسَاوِيَةً لِمَلْزُومِهَا وَكَوْنُهَا أَعَمَّ مِنْهُ فَتَشْتَرِكُ الْأَنْوَاعُ الْمُتَبَايِنَةُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَجَازَ كَوْنُ الذَّوْبِ يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ بِلَحْمٍ وَفِي بَعْضِ مَا هُوَ لَحْمٌ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ وَكَذَا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ لَحْمُ الظَّهْرِ بَلْ نَقْطَعُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ لَحْمٌ سَمِينٌ، وَلَوْ قِيلَ هَذَا لَحْمُ الظَّهْرِ أَوْ مِنْ الظَّهْرِ لَمْ يُعَدَّ مُخْطِئًا، وَلِذَا صَحَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ فَصَارَتْ الشُّحُومُ أَرْبَعَةً: شَحْمُ الظَّهْرِ. وَشَحْمٌ مُخْتَلِطٌ بِالْعَظْمِ، وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ. وَشَحْمُ الْبَطْنِ، فَفِي شَحْمِ الْبَطْنِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ، بَلْ لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا فِي الْعَظْمِ. قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ مُخَّ الْعَظْمِ شَحْمٌ اهـ. وَكَذَا لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي الْحِنْثِ بِمَا عَلَى الْأَمْعَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَسْمِيَتِهِ شَحْمًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا) أَيْ الْخِلَافُ فِيمَا

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ شَحْمًا فَاشْتَرَى أَلْيَةً أَوْ أَكَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا يُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا قَالَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَأَمَّا اسْمُ بيه بِالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ فَلَا يَحْنَثُ إذَا عَقَدَ بِالْفَارِسِيَّةِ بِأَنْ قَالَ: نمى خرم بيه ثُمَّ أَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا أَوْ قَالَ شَحْمًا فَاشْتَرَى أَلْيَةً أَوْ أَكَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ نَوْعٌ ثَالِثٌ لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ) وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ عَلَى اللَّحْمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا فِي يَمِينِ الشَّحْمِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الشَّحْمِ فَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَمِيعُ اسْتِعْمَالَاتِهِ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ عَنْزٍ يَحْنَثُ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَا يَحْنَثُ مِصْرِيًّا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ قَرَوِيًّا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ فِيهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ فَأَكَلَ لَحْمَ الْجَامُوسِ يَحْنَثُ لَا فِي عَكْسِهِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَعَمَّ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ النَّاسَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا سَمَّاهُ فَمَضَغَهُ حَتَّى دَخَلَ جَوْفَهُ شَيْءٌ مِنْ مَائِهِ ثُمَّ أَلْقَاهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا فِي الْعِنَبِ فَازْدَرَدَ. فَإِنْ رَمَى الْقِشْرَ وَالْحَبَّ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ رَمَى قِشْرَهُ فَقَطْ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ وَالْحَبَّ حَنِثَ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْأَكْثَرَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ الْحَلْوَى فَأَيَّ شَيْءٍ أَكَلَهُ مِنْ الْحَلْوَى مِنْ الْخَبِيصِ أَوْ الْعَسَلِ أَوْ السُّكَّرِ أَوْ النَّاطِفِ حَنِثَ، ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. قَالَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الشَّافِعِيِّ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، أَمَّا فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالْخَبِيصِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِلْحًا فَأَكَلَ طَعَامًا مَالِحًا يَحْنَثُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفُلْفُلَ فَأَكَلَ طَعَامًا فِيهِ فُلْفُلٌ، إنْ وَجَدَ طَعْمَ الْفُلْفُلِ يَحْنَثْ. وَالْفَقِيهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمِلْحِ وَالْفُلْفُلِ، فِي الْفُلْفُلِ يَحْنَثُ لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمِلْحِ فَلَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَأْكُلْ عَيْنَهُ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، إلَّا إذَا كَانَ وَقْتَ الْحَلِفِ دَلَالَةٌ عَلَى صَرْفِهِ إلَى الطَّعَامِ الْمَالِحِ، وَيَقُولُ الْفَقِيهُ يُفْتِي. وَفِي الْخُلَاصَةِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مِلْحِ خَتْنِهِ فَأَخَذَ مَاءً وَمِلْحًا وَجَعَلَهُمَا فِي الْعَجِينِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَلَاشَى. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَطُبِخَ بِأُرْزٍ فَأَكَلَهُ ذَكَرَ النَّسَفِيُّ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ رُئِيَتْ عَيْنُهُ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ مَاءً. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: إذَا كَانَ يُرَى عَيْنُهُ وَيُوجَدُ طَعْمُهُ يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زَعْفَرَانًا فَأَكَلَ كَعْكًا عَلَى وَجْهِهِ زَعْفَرَانٌ يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا السَّمْنَ فَجَعَلَهُ خَبِيصًا فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ، إلَّا إذَا وَجَدَ طَعْمَهُ وَلَمْ يَرَ عَيْنَهُ فَلَا يَحْنَثُ. وَكَذَا عَلَى هَذَا التَّمْرُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ فَجَعَلَهُ عَصِيدَةً فَأَكَلَهَا لَا يَحْنَثُ، وَفِي أَكْلِ هَذَا السُّكَّرِ لَا يَحْنَثُ بِمَصِّ مَائِهِ، وَلَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَشْتَرِيهِ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِ سَخْلَةٍ اشْتَرَاهَا فُلَانٌ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَى أَنَّ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ مَرَقَةٌ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ قَلِيلَةٌ لَا يَعُدُّهَا إذَا عَلِمَ بِهَا أَوْ كَثِيرَةٌ فَاسِدَةٌ لَا يَحْنَثُ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ وَقَدْ غُرِفَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، كَمَا لَوْ سَخَّنَتْ الْمَحْلُوفُ عَلَى طَعَامِهَا مَا طَبَخَهُ غَيْرُهَا. وَفِي التَّجْرِيدِ: قِيلَ اسْمُ الطَّبْخِ يَقَعُ بِوَضْعِ الْقِدْرِ لَا بِإِيقَادِ النَّارِ، وَقِيلَ لَوْ أَوْقَدَ غَيْرُهَا فَوَضَعَتْ هِيَ الْقِدْرَ لَا يَحْنَثُ اهـ. وَفِي عُرْفِنَا لَيْسَ وَاضِعُ الْقِدْرِ طَابِخًا قَطْعًا وَمُجَرَّدُ الْإِيقَادِ كَذَلِكَ، وَمِثْلُهُ يُسَمَّى صَبِيُّ الطَّبَّاخِ: يَعْنِي مُعِينَهُ، وَالطَّبَّاخُ هُوَ الْمُرَكَّبُ بِوَضْعِ التَّوَابِلِ وَإِنْ لَمْ يُوقِدْ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ: حَلَفَ عَلَى مَا لَا يُؤْكَلُ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ فَاشْتَرَى بِهِ مَا يُؤْكَلُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى مَا يُؤْكَلُ فَاشْتَرَى بِهِ مَا يُؤْكَلُ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، فَعَقْدُ الْيَمِينِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى بَدَلِهِ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا يَمْلِكُهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا مِمَّا اشْتَرَاهُ إذَا بَاعَهُ فَأَكَلَهُ، وَكَذَا مِنْ مِيرَاثِهِ إذَا أَخْرَجَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَحْنَثُ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ مَا زَرَعَ فُلَانٌ يَحْنَثُ بِهِ عِنْدَ

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْضِمَهَا، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: إنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا حَنِثَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْهُ عُرْفًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً فَإِنَّهَا تُقْلَى وَتُغْلَى وَتُؤْكَلُ قَضْمًا وَهِيَ قَاضِيَةٌ عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ. وَلَوْ قَضَمَهَا حَنِثَ عِنْدَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ لِعُمُومِ الْمَجَازِ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي الْخُبْزِ حَنِثَ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّارِعِ، وَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَا يَنْسَخُهُ الشِّرَاءُ، أَمَّا لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ ذَلِكَ الزَّرْعَ فَبَذَرَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ، وَمِثْلُهُ مِنْ طَعَامٍ يَصْنَعُهُ فُلَانٌ فَصَنَعَهُ وَبَاعَهُ فَأَكَلَ يَحْنَثُ، وَكَذَا مِنْ كَسْبِ فُلَانٍ فَاكْتَسَبَ وَمَاتَ فَوَرِثَ عَنْهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ، وَلَوْ انْتَقَلَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا يَشْتَرِي ثَوْبًا مَسَّهُ فُلَانٌ فَمَسَّهُ فُلَانٌ فَبَاعَهُ مِنْهُ حَنِثَ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ غَصْبٍ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ إثْمُ الدِّرْهَمِ، أَمَّا لَوْ أَكَلَ خُبْزًا غَصَبَهُ حَنِثَ، وَلَوْ اشْتَرَى بِذَلِكَ الْخُبْزِ لَحْمًا لَا يَحْنَثُ: يَعْنِي إذَا أَكَلَ اللَّحْمَ. وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ أَوْ قِرْدٍ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ نَصْرٌ: بِهِ نَأْخُذُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّهُ حَرَامٌ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: مَا كَانَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ لَا يَكُونُ حَرَامًا مُطْلَقًا وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَوْ اُضْطُرَّ لِأَكْلِ الْحَرَامِ أَوْ الْمَيْتَةِ اخْتَلَفُوا، وَالْمُخْتَارُ يَحْنَثُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ بُرًّا فَطَحَنَهُ إنْ أَعْطَى مِثْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَكَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ الضَّمَانَ. وَفِي الْأَجْنَاسِ الْمَعْتُوهُ وَالْمُكْرَهُ إذَا فَعَلَا شَيْئًا حَرَامًا فَهُوَ لَيْسَ بِحَلَالٍ لَهُمَا. وَلَوْ أَكَلَ مِنْ الْكَرْمِ الَّذِي دَفَعَهُ مُعَامَلَةً لَا يَحْنَثُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْكِلُ، وَعِنْدَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّمَا أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ يَعْنِي وَلَا نِيَّةَ لَهُ) لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْضِمَهَا غَيْرَ نِيئَةٍ، وَلَوْ قَضَمَهَا نِيئَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا أَوْ دَقِيقِهَا أَوْ سَوِيقِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَا: إنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا أَيْضًا حَنِثَ لِأَنَّ الْأَكْلَ مِنْ خُبْزِهَا مَفْهُومٌ مِنْهُ عُرْفًا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً: يَعْنِي يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ أَكَلَ الْحِنْطَةَ حَقِيقَةً: أَيْ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ عَيْنَ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ مَعْنًى ثَابِتٌ، فَإِنَّ النَّاسَ يَغْلُونَ الْحِنْطَةَ وَيَأْكُلُونَهَا وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِ بِلَادِنَا بَلِيلَةً، وَتُقْلَى: أَيْ تُوضَعُ جَافَّةً فِي الْقِدْرِ ثُمَّ تُؤْكَلُ قَضْمًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْقَضْمِ بِخُصُوصِهَا وَهُوَ الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ بَلْ أَنْ يَأْكُلَ عَيْنَهَا بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ أَوْ بِسُطُوحِهَا، فَإِذَا ثَبَتَ لِلَّفْظِ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَهِيَ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ أَكْلُ خُبْزِهَا وَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ فَأَكَلَ لَبَنَهَا أَوْ سَمْنَهَا أَوْ زُبْدَهَا أَوْ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخِهَا لَا يَحْنَثُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى عَيْنِهَا إذَا كَانَ مَأْكُولًا وَهُمَا يَعْكِسَانِ هَذَا الْأَصْلَ وَيَرَيَانِ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ أَوْلَى، وَرُجِّحَ قَوْلُهُمَا بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يُرِيدُ الْعُرْفَ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ وَالْبَيْضَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلَّفْظِ مَجَازٌ أَشْهَرُ لِيُرَجَّحَ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَاَلَّذِي يَغْلِبُ أَنَّ التَّعَارُفَ وَالْأَكْثَرِيَّةَ لِوُجُودِ الْمَعْنَى وَهُوَ نَفْسُ فِعْلُ أَكْلِ خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا لِاسْتِعْمَالِ لَفْظِ أَكَلْت الْيَوْمَ الْحِنْطَةَ أَوْ لَا آكُلُ حِنْطَةً فِيهِ بَلْ لَفْظُ أَكَلْت

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ حَنِثَ) لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَانْصَرَفَ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ (وَلَوْ اسْتَفَّهُ كَمَا هُوَ لَا يَحْنَثُ) هُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ مُرَادًا. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُعْتَادُ أَهْلُ الْمِصْرِ أَكْلَهُ خُبْزًا) وَذَلِكَ خُبْزُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ (وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ الْقَطَائِفِ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا إلَّا إذَا نَوَاهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (وَكَذَا لَوْ أَكَلَ خُبْزَ الْأُرْزِ بِالْعِرَاقِ لَمْ يَحْنَثْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحِنْطَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَكْلُ عَيْنِهَا كَمَا يُرَادُ مَا يُخْبَزُ مِنْ دَقِيقِهَا فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَرَجُّحِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَجَازِ، لَا يُقَالُ: أَكْثَرِيَّةُ الْمَعْنَى تُوجِبُ أَكْثَرِيَّةَ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ بِهِ عَلَيْهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا لَفْظٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ بِهِ، وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَكَلْت خُبْزَ الْحِنْطَةِ، وَيُقَالُ أَكَلْت الْحِنْطَةَ، بَلْ الْآنَ لَا يُتَعَارَفُ فِي أَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهَا إلَّا لَفْظٌ آخَرُ وَهُوَ أَكَلْت الْخُبْزَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْلَ الْخُبْزِ فَيَحْنَثُ بِهِ لَا بِالْقَضْمِ أَوْ الْقَضْمُ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ اتِّفَاقًا، وَقَضَمَ يَقْضِمُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا قَضَمَهَا. وَصَحَّحَهَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَرَجَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَحْنَثُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ حَنِثَ فِي الْخُبْزِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْقَضْمِ، وَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بَلْ يَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ زَحْفًا لِجَعْلِهِ مَجَازًا فِي الدُّخُولِ. وَلَوْ أَكَلَ مِنْ سَوِيقِهَا حَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَيَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْخُبْزِ وَالسَّوِيقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا ذُكِرَتْ مَقْرُونَةً بِالْأَكْلِ يُرَادُ بِهَا الْخُبْزُ دُونَ السَّوِيقِ، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ عُمُومَ الْمَجَازِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا حَلَفَ عَلَى حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ. جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَحَكُّمٌ. وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إيرَادِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ يَعُمُّ الْمُعَيَّنَةَ وَالْمُنَكَّرَةَ وَهُوَ أَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ حَنِثَ لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ) فَيَحْنَثُ بِعَصِيدَتِهِ. وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ اتَّخَذَ مِنْهُ خَبِيصًا أَخَافُ أَنْ يَحْنَثَ، فَلَوْ اسْتَفَّ عَيْنَهُ لَا يَحْنَثُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مُرَادًا فِي الْعُرْفِ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِذَا نَوَاهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ، وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ. قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ حَقِيقَةٌ مَهْجُورَةٌ وَلَمَّا تَعَيَّنَ إرَادَةُ الْمَجَازِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَا يَحْنَثُ لِانْصِرَافِ يَمِينِهِ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَطْءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يَعْتَادُهُ أَهْلُ مِصْرِهِ خُبْزًا وَذَلِكَ خُبْزُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ) وَلَوْ كَانَ أَهْلُ بَلَدِهِ لَا يُعْتَادُونَ أَكْلَ الشَّعِيرِ لَا يَحْنَثُ بِهِ. وَلَوْ اعْتَادُوا خُبْزَ الذُّرَةِ كَالْحِجَازِ وَالْيُمْنِ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقَطَائِفِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِأَكْلِ الْكَمَاجِ لِأَنَّهُ

لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ عِنْدَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ بِطَبَرِسْتَانَ أَوْ فِي بَلْدَةٍ طَعَامُهُمْ ذَلِكَ يَحْنَثُ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشِّوَاءَ فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَكَانِ الْحَقِيقَةِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْمِيمَ مُتَعَذِّرٌ فَيُصْرَفُ إلَى خَاصٍّ هُوَ مُتَعَارَفٌ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ يَحْنَثْ لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ فِي الْمِصْرِ) وَيُقَالُ يُكْنَسُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَهُوَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQخُبْزٌ وَزِيَادَةٌ، فَالِاخْتِصَاصُ بِاسْمٍ لِلزِّيَادَةِ لَا لِلنَّقْصِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالثَّرِيدِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا تَفَتَّتَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا، وَلَا يَحْنَثُ بِالْعَصِيدِ وَالطَّطْمَاجِ، وَلَا يَحْنَثُ لَوْ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حِيلَةِ أَكْلِهِ أَنْ يَدُقَّهُ فَيُلْقِيَهُ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا، وَلَا يَحْنَثُ فِي خُبْزِ الْأُرْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَالِفُ فِي بَلْدَةٍ يَعْتَادُونَهُ كَمَا فِي طَبَرِسْتَانَ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا طَبَرِيٌّ وَهُوَ اسْمُ آمُلَ وَأَعْمَالِهَا. قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْت الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الْأَنْصَارِيَّ بِبَغْدَادَ يَقُولُ إنَّمَا هِيَ تَبَرِسْتَانُ لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يُحَارِبُونَ بِالْفَاسِ فَعُرِّبَ فَقِيلَ طَبَرِسْتَانُ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: طَبَرِسْتَانُ مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَخَذَهُ الْفَاسُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَالْمُرَادُ بِالْفَاسِ الطَّبَرُ وَهُوَ مُعَرَّبُ تَبَرَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَ السَّمْعَانِيُّ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: وَقَدْ سُئِلْت لَوْ أَنَّ بَدْوِيًّا اعْتَادَ أَكْلَ خُبْزِ الشَّعِيرِ فَدَخَلَ بَلْدَةً الْمُعْتَادُ فِيهَا أَكْلُ خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَاسْتَمَرَّ هُوَ لَا يَأْكُلُ إلَّا الشَّعِيرَ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَقُلْت: يَنْعَقِدُ عَلَى عُرْفِ نَفْسِهِ فَيَحْنَثُ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ إلَّا إذَا كَالَ الْحَالِفُ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مِنْهُمْ فِيهِ فَيُصْرَفُ كَلَامُهُ إلَيْهِ لِذَلِكَ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ بَلْ هُوَ مُجَانِبٌ لَهُمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ فَقَطْ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ) الْمَشْوِيَّيْنِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا شَوِيُّ الْعَرَبِ وَقَوْلُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَحْمَدَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ) يَعْنِي بِالْمَاءِ حَتَّى إنَّ مَا يُتَّخَذُ قَلِيَّةً مِنْ اللَّحْمِ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ بِالْعُرْفِ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الدَّوَاءَ مِمَّا يُطْبَخُ، وَكَذَا الْفُولُ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الْفُولُ الْحَارُّ، وَلَا يُقَالُ لِآكِلِهِ آكِلُ طَبِيخًا فَيَنْصَرِفُ إلَى خَاصٍّ هُوَ أَخَصُّ الْخُصُوصِ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِمَرَقٍ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ مِمَّا يُطْبَخُ فَيَحْنَثُ بِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِلَا لَحْمٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ. قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ: الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّحْمَ بِالْمَاءِ طَبِيخٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ مَرَقِ اللَّحْمِ حَنِثَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ الْمَرَقَ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ اللَّحْمُ حَنِثَ، وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمَنْقُولِ خِلَافُهُ. وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا: يَعْنِي فِي الْعُرْفِ، بِخِلَافِ مَرَقِ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ) فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَيُبَاعُ فِيهَا مِنْ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.

رُءُوسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى الْغَنَمِ خَاصَّةً، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ كَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ فِيهِمَا وَفِي زَمَنِهِمَا فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً وَفِي زَمَانِنَا يُفْتَى عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَكَلَ تُفَّاحًا أَوْ بِطِّيخًا وَمِشْمِشًا حَنِثَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَهُوَ عَلَى رُءُوسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: عَلَى الْغَنَمِ خَاصَّةً، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ، فَكَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ فِيهَا ثُمَّ صَارَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَرَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَفِي زَمَانِهِمَا فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ حَلِفُ الْحَالِفِ كَمَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَوْرَدَ أَنَّ الْعَادَةَ كَمَا هِيَ فِي الرُّءُوسِ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ أَوْ الْبَقَرِ مَعَهَا كَذَلِكَ فِي اللَّحْمِ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى لَحْمِ مَا يَحِلُّ، إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِبَيْعِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ وَأَكْلِهِ، مَعَ أَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ بِاعْتِبَارِهِمَا فَحَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِهِمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ فِيهَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ: يَعْنِي اللُّغَوِيَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ اعْتِبَارُ التَّعَارُفِ حِينَئِذٍ، وَاللَّحْمُ يُمْكِنُ فِيهِ أَكْلُ كُلِّ مَا يُسَمَّى لَحْمًا فَانْعَقَدَ بِاعْتِبَارِهِ، بِخِلَافِ الرُّءُوسِ لَا يُمْكِنُ أَكْلُ حَقِيقَتِهَا إذْ هِيَ مَجْمُوعُ الْعَظْمِ مَعَ اللَّحْمِ فَيَصِيرُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَنَقَصَ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِي الرُّءُوسِ عَلَى الْعُمُومِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُ الشِّرَاءِ عَلَى الْعُمُومِ فِيهَا. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ بَلْ مِنْ الرُّءُوسِ مَا لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ كَرَأْسِ الْآدَمِيِّ، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا أُورِدَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا رَكِبَ كَافِرًا وَهُوَ دَابَّةٌ حَقِيقَةً فَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ إمْكَانَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ عُمُومِهِ مُنْتَفٍ إذْ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلُ وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا وَلَا يُمْكِنُ رُكُوبُهُ فَيَصِيرُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهَذَا يَهْدِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ فَوَجَبَ عِنْدَ عَدَمِ نِيَّتِهِ أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَلَيْهِ الْعُرْفُ، وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ الْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ عَدَمَ الْحِنْثِ وَلَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ. . (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَكَلَ تُفَّاحًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ مِشْمِشًا حَنِثَ)

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: حَنِثَ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ أَيْضًا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ: أَيْ يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ، وَالرُّطَبُ وَالْيَابِسُ فِيهِ سَوَاءً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ التَّفَكُّهُ بِهِ مُعْتَادًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِيَابِسِ الْبِطِّيخِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي التُّفَّاحِ وَأَخَوَاتِهِ فَيَحْنَثُ بِهَا وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا وَأَكْلًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا. وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ مَوْجُودٌ فِيهَا فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ وَالتَّنَعُّمُ بِهَا يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهَا وَيُتَدَاوَى بِهَا فَأَوْجَبَ قُصُورًا فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ أَوْ مِنْ الْأَقْوَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا يَحْنَثُ بِالْخَوْخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى، وَهَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ: أَيْ يُتَنَعَّمُ وَيُتَلَذَّذُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْغِذَاءِ الْأَصْلِيِّ وَلِهَذَا يُقَالُ النَّارُ فَاكِهَةُ الشِّتَاءِ وَالْمِزَاحُ فَاكِهَةٌ وَالرُّطَبُ وَالْيَابِسُ فِيهِ: أَيْ فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ سَوَاءً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ التَّفَكُّهُ بِهِ مُعْتَادًا فِي الْحَالَيْنِ، فَإِنْ خَصَّتْ الْعَادَةُ التَّفَكُّهَ بِإِحْدَى الْحَالَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى كَالْبِطِّيخِ فَإِنَّهَا خَصَّتْ التَّفَكُّهَ بِهِ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ دُونَ حَالِ يُبْسِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ يَابِسًا، وَهَذَا مَعْنَى: أَيْ مَعْنَى التَّفَكُّهِ بِأَنْ يُؤْكَلَ زِيَادَةً عَلَى الْغِذَاءِ مَوْجُودٌ فِي التُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ فَيَحْنَثُ بِهَا اتِّفَاقًا وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا وَأَكْلًا حَتَّى يُوضَعَانِ عَلَى الْمَائِدَةِ كَمَا يُوضَعُ الْبَقْلُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ وَهِيَ مَحِلُّ الْخِلَافِ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ مَوْجُودٌ فِيهَا بَلْ هِيَ أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ، وَالتَّنَعُّمُ بِهَا يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ فَيَحْنَثُ بِهَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: هِيَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهَا مُنْفَرِدَةً حَتَّى يُسْتَغْنَى بِهَا فِي الْجُمْلَةِ فِي قِيَامِ الْبَدَنِ وَمَقْرُونَةً مَعَ الْخُبْزِ وَيُتَدَاوَى بِبَعْضِهَا كَالرُّمَّانِ فِي بَعْضِ عَوَارِضِ الْبَدَنِ، وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهَا يُتَفَكَّهُ بِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ أَصَالَةً لِحَاجَةِ الْبَقَاءِ قَصُرَ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَيَحْنَثُ بِالثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا، وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ كَحَبِّ الرُّمَّانِ وَمِنْ الْأَقْوَاتِ وَهُوَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ. وَالْمَشَايِخُ قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ، فَفِي زَمَانِهِ لَا يَعُدُّونَهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ فَكُلُّ شَيْءٍ اُصْطُبِغَ بِهِ فَهُوَ إدَامٌ وَالشِّوَاءُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَالْمِلْحُ إدَامٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُوَادَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ مُوَافِقٌ لَهُ كَاللَّحْمِ وَالْبِيضِ وَنَحْوِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا، وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الِاخْتِلَاطِ حَقِيقَةٌ لِيَكُونَ قَائِمًا بِهِ، وَفِي أَنْ يُؤْكَلَ عَلَى الِانْفِرَادِ حُكْمًا، وَتَمَامُ الْمُوَافَقَةِ فِي الِامْتِزَاجِ أَيْضًا، وَالْخَلُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ بَلْ يُشْرَبُ، وَالْمِلْحُ لَا يُؤْكَلُ بِانْفِرَادِهِ عَادَةً وَلِأَنَّهُ يَذُوبُ فَيَكُونُ تَبَعًا، بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَمَا يُضَاهِيهِ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْدِيدِ، وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ لَيْسَا بِإِدَامٍ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي زَمَانِهِمَا عُدَّتْ مِنْهَا فَأَفْتَيَا بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُخَالِفُ هَذَا الْجَمْعَ، فَإِنَّ مَبْنَى هَذَا الْعُرْفُ، وَالِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَبْنَاهُ اللُّغَةُ حَيْثُ قَالَ الْفَاكِهَةُ مَا يُتَفَكَّهُ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةً، وَالتَّفَكُّهُ بِالشَّيْءِ مَا يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَصَالَةً، وَهَذَا مَعْنَى اللُّغَةِ، وَاسْتِعْمَالُ الْعِنَبِ وَأَخَوَيْهِ لَيْسَ كَذَلِكَ دَائِمًا فَقَصُرَ إلَخْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ بِجَوَازِ كَوْنِ الْعُرْفِ وَافَقَ اللُّغَةَ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ خَالَفَهَا فِي زَمَانِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ مَا ذَكَرَ آنِفًا مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ اللُّغَةُ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَيُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا ذَلِكَ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَمْنَعَا كَوْنَ الِاسْتِقْلَالِ بِهِ أَحْيَانَا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ النَّاسِ يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ كَوْنِهِ مِمَّا يُتَفَكَّهُ بِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ فَكُلُّ شَيْءٍ اُصْطُبِغَ بِهِ فَهُوَ إدَامٌ) كَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ وَالْمَرَقِ وَالْمِلْحِ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الذَّوْبِ فِي الْفَمِ وَيَحْصُلُ بِهِ صَبْغُ الْخُبْزِ، وَاصْطُبِغَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الصَّبْغِ، وَلَمَّا كَانَ ثُلَاثِيُّهُ وَهُوَ صَبَغَ مُتَعَدِّيًا إلَى وَاحِدٍ جَاءَ الِافْتِعَالُ مِنْهُ لَازِمًا فَلَا يُقَالُ اصْطَبَغَ الْخُبْزَ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُقَامَ مَقَامَ الْفَاعِلِ إذَا بُنِيَ الْفِعْلُ لَهُ فَإِنَّمَا يُقَامُ غَيْرُهُ مِنْ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ وَنَحْوِهِ، فَلِذَا يُقَالُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاُصْطُبِغَ بِهِ وَلَا يُقَالُ اصْطَبَغَ الْخُبْزَ، وَمَا لَمْ يَصْبُغْ الْخُبْزَ مِمَّا لَهُ جُرْمٌ كَجُرْمِ الْخُبْزِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ كَاللَّحْمِ وَالْبِيضِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُصْبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَمَا ذَكَرْنَا إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا كَالْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَأَمْثَالِهَا لَيْسَ إدَامًا بِالْإِجْمَاعِ: أَيْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهُمَا عَلَى الْخِلَافِ، وَمِمَّنْ صَحَّحَ الِاتِّفَاقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَا بِإِدَامٍ، وَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَقْلُ، وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُؤْكَلَانِ تَبَعًا لِلْخُبْزِ يَكُونُ إدَامًا، أَمَّا الْبُقُولُ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ آكِلَهَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا إلَّا مَا قَدْ يُقَالُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْلِهِمْ الْكُرَّاثَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبُقُولُ وَالْبَصَلُ وَسَائِرُ الثِّمَارِ إدَامٌ. وَفِي التَّمْرِ عِنْدَهُ وَجْهَانِ: فِي وَجْهٍ إدَامٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ وَقَالَ هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ: لَيْسَ إدَامًا لِأَنَّهُ فَاكِهَةً كَالزَّبِيبِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُبْنِ وَالْبِيضِ وَاللَّحْمِ، فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَحْدَهَا غَالِبًا فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَمُوَافَقَةً لَهُ، وَالْمُؤَادَمَةُ الْمُوَافَقَةُ وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُغِيرَةِ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً: لَوْ نَظَرْتَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يُوَفَّقَ، فَمَا يُؤْكَلُ غَالِبًا تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُوَافِقًا لَهُ إدَامٌ وَالْجُبْنُ وَأَخَوَاهُ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيِّدُ الْإِدَامِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَيُقَالُ إنَّ مَلِكَ الرُّومِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِشَرِّ إدَامٍ عَلَى يَدِ شَرِّ رَجُلٍ، فَبَعَثَ إلَيْهِ جُبْنًا عَلَى يَدِ رَجُلٍ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ أَصْهَارِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا، فَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَحْيَانَا لَيْسَ إدَامًا وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَادَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِيرَ مَعَ الْخُبْزِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهِيَ بِأَنْ يَقُومَ بِهِ قِيَامَ الصَّبْغِ بِالثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ جِسْمُهُ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ الْخَلَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَ عَرَضَا يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ. وَالْأَجْرَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْبِيضِ وَمَا مَعَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُوَافِقًا، سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ. وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ كَوْنُهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا مَنَعْنَاهُ. نَعَمْ مَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا مُوَافِقًا أَكْمَلُ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ، لَكِنَّ الْإِدَامَ لَا يَخُصُّ اسْمُهُ الْأَكْمَلَ مِنْهُ. وَاسْتُدِلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُرْفَعُ إلَى الْفَمِ وَحْدَهُ بَعْدَ الْخُبْزِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ، بِخِلَافِ الْمُصْطَبَغِ بِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ كَوْنَهُ سَيِّدَ الْإِدَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ إدَامًا، إذْ قَدْ يُقَالُ فِي الْخَلِيفَةِ سَيِّدُ الْعَجَمِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ. وَأَمَّا حِكَايَةُ مُعَاوِيَةَ فَيَتَوَقَّفُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِحَّتِهَا وَهِيَ بَعِيدَةٌ مِنْهَا إذْ يَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ عَالِمٍ أَنْ يَتَكَلَّفَ إرْسَالَ شَخْصٍ إلَى بِلَادِ الرُّومِ مُلْتَزِمًا لِمُؤْنَتِهِ لِغَرَضٍ مُهْمَلٍ لِكَافِرٍ. وَالسُّكْنَى فِي بَيْتِ الصِّهْرِ فَقَطْ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّاكِنُ شَرَّ رَجُلٍ، فَآثَارُ الْبُطْلَانِ تَلُوحُ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَدَفْعُ الِاسْتِدْلَالِ لَهُمَا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّبَعِيَّةُ فِي الْأَكْلِ، وَالْأَكْلُ هُوَ فِعْلُ الْفَمِ وَالْحَلْقِ وَهُمَا مُخْتَلِطَانِ فِيهِ ثَمَّةَ فَتَحْصُلُ التَّبَعِيَّةُ حِينَئِذٍ. وَيُدْفَعُ بِأَنَّ كَوْنَ التَّبَعِيَّةِ فِي الْفَمِ بَعْدَ رَفْعِ كُلٍّ عَلَى حِدَتِهِ تُحَكَّمُ إذْ هُمَا فِيهِ إذًا جِسْمَانِ مُتَكَافِئَانِ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا رُفِعَ صِبْغًا لِلْخُبْزِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ سَدُّ الْجُوعِ بِالْخُبْزِ لَا بِالصِّبْغِ. وَأَمَّا الْجِسْمَانِ الْمُتَكَافِئَانِ فَكُلٌّ يَصْلُحُ لِرَفْعِ الْجُوعِ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ إلَى الْآخَرِ فِي رَفْعِهِ.

(وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ وَالْعَشَاءُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ يُسَمَّى عِشَاءً وَلِهَذَا تُسَمَّى الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ (وَالسُّحُورُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَكْسِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا رَغِيفًا فَأَكَلَ مَعَهُ الْبِيضَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا وَحَنِثَ عِنْد مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ وَالْعَشَاءُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ (مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) وَهَذَا تَسَاهُلٌ مَعْرُوفُ الْمَعْنَى لَا يُعْتَرَضُ بِهِ. فَإِنَّ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتَيْنِ لَا لِلْأَكْلِ فِيهِمَا. فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ فَالتَّغَدِّي الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالتَّعَشِّي الْأَكْلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَخْ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ يُسَمَّى عِشَاءً بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ، إذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ» وَفُسِّرَتْ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. هَذَا وَتَفْسِيرُ التَّغَدِّي بِالْأَكْلِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى آخِرِهِ مَذْكُورٌ فِي التَّجْرِيدِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَوَقْتُ التَّغَدِّي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَيُشْبِهُ كَوْنَهُ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِيهَا التَّسَحُّرُ بَعْدَ ذَهَابِ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ، وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قَالَ: إذَا دَخَلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ أَكْثَرُ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ السُّحُورِ مِنْ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا: وَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ انْتَهَى. فَعُرْفُهُمْ كَانَ مُوَافِقًا لِلُّغَةِ لِأَنَّ الْغَدْوَةَ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ، وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوَّلُهُ فَالْأَكْلُ فِيهِ تَغَدٍّ، وَقَدْ أُطْلِقَ السُّحُورُ غَدَاءً فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» وَلَيْسَ إلَّا مَجَازًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْغَدَاةِ، وَكَذَا السُّحُورُ لَمَّا كَانَ لَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَالسَّحَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سُمِّيَ مَا يُؤْكَلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَحُورًا بِفَتْحِ السِّينِ وَالْأَكْلُ فِيهِ تَسَحُّرًا، وَالتَّضَحِّي الْأَكْلُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَيُسَمَّى الضَّحَاءُ أَيْضًا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، وَوَقْتُ الضُّحَى مِنْ حِينَ تَحِلُّ الصَّلَاةُ إلَى أَنْ تَزُولَ، وَأَصْلُ هَذِهِ فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُعْطِيَن فُلَانًا حَقَّهُ ضَحْوَةً: فَوَقْتُ الضَّحْوَةِ مِنْ حِينَ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ، وَإِنْ قَالَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ فَلَهُ مِنْ حِينَ تَطْلُعُ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَالنَّهْيُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ. وَالْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا مَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالْآخَرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأَيَّهمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يُمْسِيَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ

ثُمَّ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ مَا يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً وَتُعْتَبَرُ عَادَةُ أَهْلِ كُلِّ بَلْدَةٍ فِي حَقِّهِمْ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ. (وَمَنْ قَالَ إنْ لَبِسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ وَالثَّوْبُ وَمَا يُضَاهِيهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَلَغَتْ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي مَحَلِّ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَعُمِلَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمَسَاءِ الثَّانِي وَهُوَ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَالضَّحْوَةُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَالتَّصْبِيحُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضَّحْوَةِ: يَعْنِي الْكُبْرَى لِأَنَّهُ مِنْ الْإِصْبَاحِ وَهَذَا يُعْرَفُ بِتَسْمِيَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنه غَدْوَةً فَهَذَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ مَا يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً) وَكَذَا السُّحُورُ، فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الشِّبَعِ لَا يَحْنَثُ بِحَلِفِهِ مَا تَغَدَّيْت وَلَا تَعَشَّيْت وَلَا تَسَحَّرْت. وَيُرَدُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: «تَعَشَّوْا وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ حَشَفٍ فَإِنَّ تَرْكَ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَفًّا مِنْ حَشَفٍ لَا يَبْلُغُ فِي الْعَادَةِ نِصْفَ الشِّبَعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعُرْفَ الطَّارِئَ يُفِيدُ أَنَّهُ مَعَ الشِّبَعِ لِلْقَطْعِ مَا بِقَوْلِهِمْ مَا تَغَدَّيْت الْيَوْمَ أَوْ مَا تَعَشَّيْت الْبَارِحَةَ وَإِنْ كَانَ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ وَكَذَا يُعْتَبَرُ فِي الْغَدَاءِ وَأَخَوَيْهِ فِي حَقِّ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مَا يَعْتَادُونَهُ مِنْ مَأْكُولِهِمْ، فَلَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ أَكْلَ الْخُبْزِ فِي الْغَدَاءِ أَوْ اللَّحْمِ أَوْ اللَّبَنِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ حَتَّى إنَّ الْحَضَرِيَّ إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْغَدَاءِ فَشَرِبَ اللَّبَنَ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْبَدْوِيُّ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ غِذَاءُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَلَوْ أَكَلَ غَيْرَ الْخُبْزِ مِنْ أُرْزٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُعْتَادٍ التَّغَدِّي بِهِ حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا. . (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ إنْ لَبِسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ نَوَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ) مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَلْبُوسِ أَوْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ فِي إنْ أَكَلْت وَإِنْ شَرِبْت لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ لَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَيَّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ لَبِسَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهَا الْخَصَّافُ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ لِتَعْيِينِ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ. وَالثَّوْبُ فِي إنْ لَبِسْت وَالْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ فِي إنْ أَكَلْت وَإِنْ شَرِبْت غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا فَلَمْ تُصَادِفْ النِّيَّةُ مَحَلَّهَا فَلَغَتْ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا تَنْصِيصًا فَهُوَ مَذْكُورٌ تَقْدِيرًا وَهُوَ كَالْمَذْكُورِ تَنْصِيصًا. أُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِضَرُورَةِ اقْتِضَاءِ الْأَكْلِ مَأْكُولًا، وَكَذَا اللُّبْسُ وَالشُّرْبُ، وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا، وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالضَّرُورَةُ فِي تَصْحِيحِ الْكَلَامِ، وَتَصْحِيحُهُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى مَأْكُولٍ لَا عَلَى مَأْكُولٍ هُوَ كَذَا فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ، فَمَبْنَى الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ أَوْ لَهُ عُمُومٌ عَلَى مَا ذَكَرُوا، أَمَّا لَوْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا وَقَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّفْظَ الْعَامَّ الْقَابِلَ لِلتَّخْصِيصِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ لِمَآلِهَا إلَى كَوْنِهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُثْبَتَ فِي الْيَمِينِ يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ لُبْسِ الثَّوْبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: يُعْتَبَرُ تَخْصِيصًا لِلْمَصْدَرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ بِذِكْرِ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الطَّلَاقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَصْدَرَ أَيْضًا ضَرُورِيٌّ لِلْفِعْلِ وَالضَّرُورَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِلَا تَعْمِيمٍ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ جَعَلَ الْمَصْدَرَ مَذْكُورًا بِذِكْرِ الْفِعْلِ فَقَبْلَ الْعُمُومِ حَتَّى صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، بَلْ الْحَقُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ عَامٌّ، وَكَمَا قُلْتُمْ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ مَثَلًا يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ إلَى غَيْرِهِ تَخْصِيصًا لِنَفْسِ الْخُرُوجِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْخُرُوجَ إلَى مَكَان خَاصٍّ كَبَغْدَادَ حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَكَانَ غَيْرَ مَذْكُورٍ، فَكَذَا يُرَادُ تَخْصِيصُ فِعْلِ الْأَكْلِ، وَهَكَذَا قَوْلُكُمْ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَضْمُونِ لِلْفِعْلِ. قُلْنَا: ذَلِكَ الْمَصْدَرُ وَإِنْ عَمَّ بِسَبَبِ أَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ لِأَنَّ عُمُومَهُ ضَرُورَةٌ تُحَقِّقُ الْفِعْلَ فِي النَّفْيِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي خُصُوصِ مَحَلِّهِ الْخَاصِّ: أَعْنِي بَعْدَ لَفْظَةِ لَا فِي لَا آكُلُ إلَّا بِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ هُنَاكَ، وَمَا لَيْسَ ثُبُوتُهُ إلَّا ضَرُورَةً أَمْرٌ لَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ غَيْرَهُ، وَلَا يَثْبُتُ مَا هُوَ زَائِدٌ عَلَيْهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْفِعْلِ فِي النَّفْيِ ثُبُوتُ الْمَصْدَرِ الْعَامِّ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْفِعْلِ ثُبُوتُ التَّصَرُّفِ بِالتَّخْصِيصِ فَلَا يَقْبَلُهُ، بِخِلَافِ إنْ أَكَلْت أَكْلًا فَإِنَّ الِاسْمَ حِينَئِذٍ مَذْكُورٌ صَرِيحًا فَيَقْبَلُ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ هُوَ لَا يُشَكِّلُ الْفَرْقَ لِأَنَّ أَكْلَ الْمَذْكُورِينَ لَيْسَ عَيْنَ الْأَكْلِ الضِّمْنِيِّ لِلْفِعْلِ الضَّرُورِيِّ الثُّبُوتِ فَقَامَ الْمَذْكُورُ مَقَامَ الِاسْمِ وَقَبْلَ التَّخْصِيصِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْخُرُوجِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ الْقَاضِي أَبُو الْهَيْثَمِ وَالْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ وَالْقَاضِي الْقُمِّيُّ وَالْقَاضِي أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ، وَحَمَلُوا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيهَا عَلَى مَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت خُرُوجًا وَكَأَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ الْكَاتِبِ. وَمَنْ الْتَزَمَهَا أَجَابَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمَا قُبِلَتْ إرَادَةُ أَحَدِ نَوْعَيْهِ وَبِهِ أُجِيبَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمُسَاكَنَةِ، فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى كَامِلَةٍ وَهِيَ الْمُسَاكَنَةُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَمُطْلَقَةٌ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي دَارٍ، فَإِرَادَةُ الْمُسَاكَنَةِ فِي بَيْتٍ إرَادَةُ أَخَصِّ أَنْوَاعِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ أَوْ لَا يَنْكِحُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ دُونَ امْرَأَةٍ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إمْرَارِ الْمَاءِ وَالتَّنَوُّعُ فِي أَسْبَابِهِ. وَكَذَا لَا يَسْكُنُ دَارَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانٍ وَقَالَ عَنَيْت بِأَجْرٍ وَلَمْ يَسْبِقْ قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامٌ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ أَوْ اسْتَعَارَهَا فَأَبَى فَحَلَفَ يَنْوِي السُّكْنَى بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ لَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ سَكَنَهَا بِغَيْرِ أَجْرٍ حَنِثَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا اشْتَرَاهَا فُلَانٌ وَعَنَى اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ مُتَنَوِّعٌ إلَى مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَمَا يُوجِبُهُ لِغَيْرِهِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ، بِخِلَافِ السُّكْنَى نَفْسِهَا لِأَنَّهَا لَا تَتَنَوَّعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا الْكَيْنُونَةُ فِي الدَّارِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِالصِّفَةِ وَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ بِخِلَافِ الْجِنْسِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصَرِيَّةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ، وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ فِي الْجِنْسِ كَأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآبَاءِ اخْتِلَافٌ بِالْجِنْسِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِلَادِ اخْتِلَافٌ بِالصِّفَةِ، وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ لَفْظِ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ عَيْنُ ذِكْرِ وَلَدٍ لَهُ آبَاءُ إلَى آدَمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَنْ كَانَ لَهَا أَبٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ وَأَرَادَ بَعْضَ الْآبَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَيْسَ الصِّفَاتُ مَذْكُورَةً بِعَيْنِ وَلَدِ آدَمَ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو الْمَوْجُودُ عَنْ صِفَةٍ فَثُبُوتُهَا مُقْتَضَى الْوُجُودِ لَا اللَّفْظِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْخَارِجِيَّةَ لَا تُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ إلَّا نَوْعًا وَاحِدًا، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، وَلَا بَيْنَ الْخُرُوجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الشِّرَاءِ، فَكَمَا أَنَّ اتِّحَادَ الْغُسْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا إمْرَارُ الْمَاءِ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ لَيْسَ إلَّا قَطْعُ الْمَسَافَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ فِي الزَّمَانِ فَلَا تَصِيرُ مُنْقَسِمَةً إلَى نَوْعَيْنِ إلَّا بِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ شَرْعًا، فَإِنَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَلِمْنَا اعْتِبَارَ الشَّرْعِ إيَّاهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخُرُوجِ الْمُخْتَلِفِ الْأَحْكَامِ فِي السَّفَرِ وَغَيْرِهِ وَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلِفٌ حُكْمُهُمَا فَيُحْكَمُ بِتَعَدُّدِ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ وَالسُّكْنَى لَيْسَ فِيهِمَا لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى وَكُلٌّ فِي نَفْسِهِ نَوْعٌ لِأَنَّ الْكُلَّ قَرَارٌ فِي الْمَكَانِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْمَفْعُولَ فِي لَا آكُلُ وَلَا أَلْبَسُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى لِأَنَّ الْمُقْتَضَى مَا يُقَدَّرُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِمَّا يُحْكَمُ بِكَذِبِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِثْلَ " رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ " أَوْ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ شَرْعًا مَثَلَ أَعْتِقْ عَبْدَك وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا آكُلُ يُحْكَمُ بِكَذِبِ قَائِلِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا مُتَضَمِّنًا حُكْمًا لَا يَصِحُّ شَرْعًا. نَعَمْ الْمَفْعُولُ: أَعْنِي الْمَأْكُولَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ وُجُودِ فِعْلِ الْآكِلِ، وَمِثْلُهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامٍ كَذَلِكَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يُسْتَدْعَى مَعْنَاهُ زَمَانًا وَمَكَانًا، فَكَانَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِنَا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعَانِ، وَبَيْنَ قَامَ زَيْدٌ وَجَلَسَ عَمْرٌو، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمَفْعُولِ اقْتِصَارًا وَتَنَاسِيًا، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُقْتَضَى وَالْمَحْذُوفِ وَجَعَلُوا الْمَحْذُوفَ يَقْبَلُ الْعُمُومَ، فَلَنَا أَنْ نَقُولَ: عُمُومُهُ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَقَدْ صَرَّحَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ جَمْعٌ بِأَنَّ مِنْ الْعُمُومَاتِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ مِثْلُ الْمَعَانِي إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي كَمَا هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. فَكَذَلِكَ هَذَا الْمَحْذُوفُ إذْ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِتَنَاسِيهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ، إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ إلَّا الْإِخْبَارُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِمَا قُلْنَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّخْصِيصِ فِي بَاقِي الْمُتَعَلَّقَاتِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، حَتَّى لَوْ نَوَى لَا يَأْكُلُ فِي مَكَان دُونَ آخَرَ أَوْ زَمَانٍ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِنْ صُوَرِ تَخْصِيصِ الْحَالِ أَنْ يَقُولَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَهُوَ قَائِمٌ وَنَوَى فِي حَالِ قِيَامِهِ فَنِيَّتُهُ لَغْوٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ الْقَائِمَ فَإِنَّ نِيَّتَهُ تُعْمَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَفْعُولَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ إذْ لَا يُعْقَلُ الْفِعْلُ إلَّا بِعَقْلِيَّتِهِ مَمْنُوعٌ بَلْ نَقْطَعُ بِتَعَقُّلِ مَعْنَى الْمُتَعَدِّي بِدُونِ إخْطَارِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِوُجُودِهِ

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ) حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إذَا شَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفُ الْمَفْهُومِ. وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ إجْمَاعًا فَمُنِعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مَدْلُولًا لِلَّفْظِ. هَذَا، وَكَوْنُ إرَادَةِ نَوْعٍ لَيْسَ تَخْصِيصًا مِنْ الْعَامِّ مِمَّا يَقْبَلُ الْمَنْعَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ قَصْرٍ عَامٍّ عَلَى بَعْضِ مُتَنَاوَلَاتِهِ، وَأَقْرَبُ الْأُمُورِ إلَيْك قَوْلُهُ «لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ» تَخْصِيصٌ لِاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، وَالنِّسَاءُ نَوْعٌ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْمُشْرِكِينَ، وَمَعْنَى تَخْصِيصِ النَّوْعِ لَيْسَ إلَّا إخْرَاجُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ تَخْصِيصُ السَّفَرِ تَخْصِيصُ كُلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ فَيَسْتَمِرُّ الْإِشْكَالُ فِي يَمِينِ الْمُسَاكَنَةِ وَالْخُرُوجِ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ مَنْ ذَكَرْنَا. وَلَا يُجَابُ بِمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ جَوَابًا عَنْ إيرَادِ قَائِلٍ لَوْ صَحَّتْ نِيَّةُ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَانُ نَوْعٍ لَا بَيَانُ تَخْصِيصٍ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْخُرُوجِ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ قُلْنَا نِيَّةُ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ بَيَانُ نَوْعٍ مِنْ وَجْهٍ وَتَخْصِيصٌ عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَهُ عُمُومٌ، فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا كَانَ تَخْصِيصًا، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْمِلْكِ بَيَانُ نَوْعٍ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَقُلْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَانُ نَوْعٍ يَصِحُّ هَذَا الْبَيَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ مَلْفُوظًا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَخْصِيصٌ لَمْ يَجُزْ فِي الْقَضَاءِ. وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ يَصِحُّ نِيَّةً أَيَّ أَنْوَاعِ الْبَيْنُونَةِ شَاءَ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَعَمَّ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَعُمُّ اسْتِغْرَاقًا. بِخِلَافِهِ فِي النَّفْيِ لَوْ قُلْت رَأَيْت رَجُلًا لَا يَعُمُّ أَصْنَافَ الرِّجَالِ اسْتِغْرَاقًا بِخِلَافِ مَا رَأَيْت رَجُلًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا) أَيْ يَتَنَاوَلَ بِفَمِهِ مِنْ نَفْسِ النَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَمَّا إذَا نَوَى بِإِنَاءٍ حَنِثَ بِهِ إجْمَاعًا، وَقَالَا: إنْ شَرِبَ مِنْهَا كَيْفَمَا شَرِبَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ كَرْعًا حَنِثَ لَا فَرْقً بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا بِإِنَاءٍ أَوْ كَرْعًا فِي دِجْلَةَ أَوْ نَهْرٍ آخَرَ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَاءِ إلَيْهَا ثَابِتَةٌ فِي جَمْعِ هَذِهِ الصُّوَرِ. وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَجْهُهُ أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِنَا شَرِبَتْ مِنْ دِجْلَةَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا إمَّا مَجَازُ حَذْفٍ، أَيْ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ، أَوْ مَجَازُ عَلَاقَةٍ بِأَنْ يُعَبِّرَ بِدِجْلَةَ عَنْ مَائِهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ لِأَكْثَرِيَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَلِشُهْرَةِ جَرْيِ النَّهْرِ مُقَرِّرِينَ لَهُ بِأَنَّ عَلَاقَتَهُ الْمُجَاوَرَةُ، ثُمَّ هُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ

(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ حَنِثَ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بَقِيَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ فَصَارَ كَمَا إذَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسُ الْكَرْعِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ فَيَعُمُّ الْكَرْعَ وَغَيْرَهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ كَيْفَمَا كَانَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَلْقَى وَأَدْخَلَ قَدَمَيْهِ فَقَطْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ دُخُولًا وَالْيَمِينُ انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلْكَلَامِ الْكَرْعُ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِلْعَرَبِ وَأَهْلِ الْعُرْفِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّعَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ يَفْعَلُونَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنٍّ وَإِلَّا كَرَعْنَا» وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ مُسْتَعْمَلًا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً فَيَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَمَّا لَمْ تُهْجَرْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ إجْمَاعًا، إلَّا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ حَنِثَ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ لَا بِاعْتِبَارِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ بِذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَلَا إهْدَارُ هَذَا الْقِسْمِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْكَرْعَ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ لِأَنَّ مِنْ هُنَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، فَالْمَعْنَى ابْتِدَاءُ الشُّرْبِ مِنْ نَفْسِ دِجْلَةَ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِوَضْعِ الْفَمِ عَلَيْهَا نَفْسِهَا، فَإِذَا وَضَعَ الْفَمَ عَلَى يَدِهِ أَوْ كُوزٍ وَنَحْوِهِ فِيهِ مَاؤُهَا لَمْ يُصَدِّقْ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ وَهُوَ وَضْعُ فَمِهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَأَمَّا مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ فَإِنَّمَا يَصْلُحُ تَوْجِيهًا لِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ لَا أَشْرَبُ بَعْضَ مَاءِ دِجْلَةَ، إذْ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ دِجْلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَامِ مَعْنًى لِأَنَّ نَفْسَ دِجْلَةَ وَهُوَ الْأَرْضُ الْمَشْقُوقَةُ نَهْرًا لَيْسَ مِمَّا يُشْرَبُ، وَلَوْ أُرِيدَ مَجَازُ دِجْلَةَ وَهُوَ مَاؤُهَا صَحَّتْ لِلتَّبْعِيضِ وَيَصِيرُ الْمُرَادُ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ وَهُوَ نَفْسُ قَوْلِهِمَا فَيَحْنَثُ بِالْكَرْعِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَاءُ دِجْلَةَ، وَعَلَى هَذَا فَيُتَّجَهُ قَوْلُهُمَا بَعْدَ الْوَجْهِ الْمَشْهُورِ: وَفِي تَقَدُّمِ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ انْصَرَفَ إلَى الْمَشْهُورِ مِنْهُ وَإِنْ جُعِلَتْ مِنْ لِلْبَيَانِ بِأَنْ يُقَالَ وَضْعُ الْفَمِ عَلَى نَفْسِ دِجْلَةَ لَا يُفْعَلُ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا لِلِابْتِدَاءِ فَلَزِمَ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ دِجْلَةَ مَاؤُهَا جَازَ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ. فَالْمَعْنَى: لَا يَشْرَبُ بَعْضَ مَاءِ دِجْلَةَ، أَوْ لِلِابْتِدَاءِ وَالْمَعْنَى: لَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَيَحْنَثُ بِشُرْبِ مَائِهَا كَرْعًا وَغَيْرَهُ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ} [البقرة: 249] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249] مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا بِالْيَدِ يُخَالِفُ الشُّرْبَ مِنْهُ فَغَلَطٌ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَالِاتِّصَالُ أَوْلَى إذَا أَمْكَنَ وَهُوَ مُمْكِنٌ بَلْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ اُبْتُلُوا بِتَرْكِ الشُّرْبِ مِنْ النَّهْرِ شُرْبَ كِفَايَةٍ وَرِيٍّ، فَإِنَّ حَاصِلَ الْمَعْنَى مَنْ شَرِبَ مِنْهُ مُطْلَقًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَافِيًا فَلَيْسَ مِنِّي إلَّا مَنْ شَرِبَ مِنْهُ قَدْرَ كَفِّهِ تَحْقِيقًا بِأَنَّ اغْتَرَفَهَا. وَاَلَّذِي انْتَظَمَ عَلَيْهِ رَأْيُ أَصْحَابِنَا فِي الدَّرْسِ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اسْمَ الدِّجْلَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ حَقِيقَةٌ فِي نَفْسِ النَّهْرِ دُونَ الْمَاءِ. وَإِرَادَةُ وَضْعِ فَمِهِ عَلَى نَفْسِ أَجْزَائِهِ مُنْتَفٍ، فَالْمُرَادُ لَيْسَ إلَّا وَضْعُهُ عَلَى الْمَاءِ الْكَائِنِ فِيهَا، وَحِينَئِذٍ جَازَ كَوْنُ الِاسْمِ حَقِيقَةً فِيهِ مُشْتَرَكًا أَوْ مَجَازًا، فَإِنْ فُرِضَ مُشْتَرَكًا فَلَا إشْكَالَ أَنَّ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ: أَعْنِي مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ بِوَضْعِ الْفَمِ فِي مَائِهَا حَالَ كَوْنِهِ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ وَإِنْ فُرِضَ مَجَازًا فِي هَذَا الْمَاءِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلَّفْظِ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ إلَخْ أَنَّ التَّرْكِيبَ حَقِيقَةٌ فِي وَصْلِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلَا أَشْرَبُ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِدِجْلَةَ وَهُوَ الْمَاءُ الْكَائِنُ فِي النَّهْرِ الْخَالِصِ وَحِينَئِذٍ جَازَ كَوْنُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَالْمَعْنَى: لَا أَشْرَبُ بَعْضَ دِجْلَةَ: أَيْ الْمَاءَ الْخَاصَّ فِي الْمَكَانِ الْخَاصِّ، فَظَهَرَ إمْكَانُ كَوْنِهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلتَّبْعِيضِ مَعَ صِحَّةِ قَوْلِهِ لِلَّفْظِ: أَيْ التَّرْكِيبُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ هِيَ الشُّرْبُ مِنْ نَفْسِ الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي الْمَكَانِ الْخَاصِّ ثُمَّ يَتَرَجَّحُ مَجَازُهُ فِي الْمُفْرَدِ: أَعْنِي دِجْلَةَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي مَائِهَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي نَفْسِ النَّهْرِ عَلَى مَجَازِهِمَا وَهُوَ دِجْلَةُ فِي مَائِهَا لَا بِهَذَا الْقَيْدِ حَتَّى حَنِثَ بِالشُّرْبِ مِنْهُ بِإِنَاءٍ وَمِنْ نَهْرٍ صَغِيرٍ يَأْخُذُ مِنْهَا بِأَنَّهُ مَجَازٌ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ: أَعْنِي دِجْلَةَ بِمَعْنَى النَّهْرِ. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَصَبَّ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَوْ قَالَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَصَبَّ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْحُبِّ أَوْ مِنْ مَاءِ هَذَا الْحُبِّ فَنَقَلَ إلَى حُبٍّ آخَرَ. وَلَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْحُبِّ أَوْ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الشَّرْعِيُّ: لَوْ كَانَ الْحُبُّ أَوْ الْبِئْرُ مَلْآنُ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى الِاعْتِرَافِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الِاعْتِرَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلْآن فَيَمِينُهُ عَلَى الِاغْتِرَاف. وَلَوْ تَكَلَّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَرَعَ مِنْ أَسْفَلِ الْحُبِّ وَالْبِئْرِ اخْتَلَفُوا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالْكَرْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. [فُرُوعٌ] لَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ إجْمَاعًا، أَمَّا عِنْدَهُ، فَلِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الْكَرْعِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ مِثْلُ الْفُرَاتِ فِي إمْسَاكِ الْمَاءِ فَيَقْطَعُ النِّسْبَةَ فَخَرَجَ عَنْ عُمُومِ الْمَجَازِ. أَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى مَاءٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْفُرَاتِ، وَالنِّسْبَةُ لَا تَنْقَطِعُ بِالْأَنْهَارِ الصِّغَارِ. وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا يَحْنَثُ بِكُلِّ مَاءٍ عَذْبٍ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَجَرَتْ الدِّجْلَةُ بِمَاءِ الْمَطَرِ فَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ شَرِبَ مِنْ مَاءِ وَادٍ سَالَ مِنْ الْمَطَرِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ مُسْتَنْقَعٍ حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فَانْجَمَدَ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، فَإِنْ ذَابَ فَشَرِبَ حَنِثَ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْبِسَاطِ فَجَعَلَهُ خُرْجًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، فَإِنْ فَتَقَهُ فَصَارَ بِسَاطًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ حَنِثَ. وَفِي فَتَاوَى مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ: لَا يَحْنَثُ إذَا شَرِبَهُ لِانْقِطَاعِهِ النِّسْبَةَ الْأُولَى لِانْتِسَابِهِ إلَى الْجَمْدِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْحِلِّ حَنِثَ لِأَنَّ النِّسْبَةَ لَا تَنْقَطِعُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ وَسَطِ دِجْلَةَ فَوَسَطُهُ مَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّطِّ وَذَلِكَ قَدْرُ ثُلُثِ النَّهْرِ أَوْ رُبُعِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي النِّيلِ لِأَنَّ الشَّطَّ يَنْتَفِي قَبْلَ الرُّبُعِ أَيْضًا لِسِعَتِهِ. وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا فَهُوَ الْمُسْكِرُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَلَوْ مَطْبُوخًا لِأَنَّ الصَّالِحِينَ يُسَمُّونَهُ شَارِبَ خَمْرٍ، وَلَوْ نَوَى الْمُسْكِرَ يَحْنَثُ بِكُلِّ مُسْكِرٍ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا حَنِثَ بِشُرْبِ الْمَاءِ وَالنَّبِيذِ، وَكَذَا بِالْمُسَمَّى عِنْدَنَا أَقْسِمَةً وَفُقَّاعًا لَا يَشْرَبُ الْخَلَّ وَالسَّمْنَ وَالزَّيْتَ وَالْعَسَلَ. وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِالْمَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي اسْمِ الشَّرَابِ لِغَيْرِ الْمَاءِ وَيَحْنَثُ بِشُرْبِ اللِّينُوفَرِ. وَقِيلَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ. حَلَفَ لَا يَشْرَبُ بِغَيْرِ إذْنِ فُلَانٍ فَأَعْطَاهُ فُلَانٌ وَلَمْ يَأْذَنْ بِلِسَانِهِ. فِي الْخُلَاصَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ، وَهَذَا دَلِيلُ الرِّضَا وَلَيْسَ بِإِذْنٍ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ خَمْرًا فَمَزَجَهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا كَالْأَقْسِمَةِ وَنَحْوِهِ يُعْتَبَرُ بِالْغَالِبِ، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ الْغَلَبَةُ بِاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ مِنْهُمَا، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا فَصَبَّ عَلَيْهِ مَاءً وَشَرِبَهُ يَحْنَثُ إنْ كَانَ اللَّوْنُ لَوْنَ اللَّبَنِ وَيُوجَدُ طَعْمُهُ، وَإِنْ كَانَ لَوْنَ الْمَاءِ لَا يَحْنَثُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بِالْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ سِوَاهُ حَنِثَ اسْتِحْسَانًا. وَأَمَّا إذَا خَلَطَهُ بِجِنْسِهِ بِأَنْ حَلَفَ عَلَى لَبَنِ بَقَرَةٍ فَخَلَطَهُ بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَالْجِنْسَيْنِ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَهُ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ بَلْ يَتَكَثَّرُ بِجِنْسِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا يَمْتَزِجُ بِالْمَزْجِ،

(مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَأُهْرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) يَعْنِي إذَا مَضَى الْيَوْمُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَأَصْلُهُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهِ تُصَوَّرُ الْبِرِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْبِرِّ لِيُمْكِنَ إيجَابُهُ. وَلَهُ أَنَّهُ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ مُوجِبًا لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْخُلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ. قُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ لِيَنْعَقِدَ فِي حَقِّ الْخُلْفِ وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ الْغَمُوسُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ (وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً؛ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا فِيمَا لَا يَمْتَزِجُ كَالدُّهْنِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الدُّهْنِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَيْسَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَأُهْرِيقَ قَبْلَ اللَّيْلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) سَوَاءٌ عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْنَثُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا مَضَى الْيَوْمُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ الْوَقْتِ وَلِبَقَاءِ الْيَمِينِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْوَقْتِ عِنْدَهُمَا إلَى وُجُوبِ الْبِرِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ تَصَوُّرُ الْبِرِّ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ وَلَا لِبَقَاءِ الْمُقَيَّدَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَمِمَّا ابْتَنَى عَلَى الْخِلَافِ: لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَن زَيْدًا الْيَوْمَ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا، وَيَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنهُ وَهُوَ مَيِّتٌ وَالْحَالِفُ جَاهِلٌ بِمَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا جَهْلَهُ بِمَوْتِهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ انْعَقَدَتْ وَحَنِثَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ عَلَى إزَالَةِ حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى حَيَاتِهِ الْقَائِمَةِ فِي ظَنِّهِ وَالْوَاقِعُ انْتِفَاؤُهَا فَكَانَ الْبِرُّ غَيْرَ مُتَصَوَّرٍ كَمَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَاءَ فِيهِ لَكِنَّهُ مَاءٌ آخَرُ غَيْرُ

فَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُوَقَّتِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ فَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ، وَفِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْبِرُّ كَمَا فُرِغَ وَقَدْ عَجَزَ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْبِرُّ كَمَا فُرِغَ، فَإِذَا فَاتَ الْبِرُّ بِفَوَاتِ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ؛ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ فَيَجِبُ الْبِرُّ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْبِرِّ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ فَلَا يَجِبُ الْبِرُّ فِيهِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ كَمَا إذَا عَقَدَهُ ابْتِدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الْحَلِفَ كَانَ عَلَى الْمَاءِ الْكَائِنِ فِيهِ حَالَ الْحَلِفِ وَلَا مَاءَ فِيهِ إذْ ذَاكَ فَلِذَا لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا. وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَأَكَلَ قَبْلَ اللَّيْلِ أَوْ لَيَقْضِيَن فُلَانًا دِينَهُ غَدًا وَفُلَانٌ قَدْ مَاتَ وَلَا عِلْمَ لَهُ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْغَدِ أَوْ قَضَاهُ قَبْلَهُ أَوْ أَبْرَأهُ فُلَانٌ قَبْلَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ عِنْدَهُمَا وَانْعَقَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ إنْ رَأَيْت عَمْرًا فَلَمْ أُعْلِمْك فَعَبْدِي حُرٌّ فَرَآهُ زَيْدٌ فَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا أَوْ قَالَ هُوَ عَمْرٌو لَا يُعْتَقُ عِنْدَهُمَا لِفَوَاتِ الْإِعْلَامِ فَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ، وَعِنْدَهُ يُعْتَقُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُعْطِيهِ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ ثُمَّ أَعْطَاهُ لَمْ يَحْنَثْ خِلَافًا لَهُ، وَكَذَا لَيَضْرِبَنهُ أَوْ لَيُكَلِّمَنهُ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ حَمْلًا أَوْ مَنْعًا أَوْ لِإِظْهَارِ مَعْنَى الصِّدْقِ فَكَانَ مَحِلُّهَا خَبَرًا يُمْكِنُ فِيهِ الْبِرُّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَاتَ وَلَا انْعِقَادَ إلَّا فِي مَحِلِّهَا، وَإِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ فَلَا حِنْثَ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا مُنْعَقِدَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي الْخُلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَلِفِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ أَوْ لَيَقْلِبَن هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَيْثُ يَنْعَقِدُ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ عَادَةً، ثُمَّ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِمَا قُلْنَا. قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ لِيَنْعَقِدَ فِي حَقِّ الْخُلْفِ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْأَصْلِ فَيَنْعَقِدُ أَوَّلًا فِي حَقِّهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْخُلْفِ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ، وَلِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ الْغَمُوسُ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ حَيْثُ كَانَ لِلْبِرِّ مُسْتَحِيلًا فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْيَوْمَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِلْحَالِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَأُهْرِيقَ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا (قَوْلُهُ فَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ إلَخْ) لَا شَكَّ أَنَّ هُنَا أَرْبَعُ صُوَرٍ: صُورَتَانِ فِي الْمُقَيَّدَةِ بِالْيَوْمِ أَوْ وَقْتٍ آخَرَ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ وَقْتَ الْحَلِفِ وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَصُورَتَانِ فِي الْمُطْلَقَةِ عِنْدَهُمَا هَاتَانِ أَيْضًا؛ فَفِي الْمُقَيَّدَةِ وَلَا مَاءَ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ وَتَنْعَقِدُ عِنْدَهُ وَيَحْنَثُ لِلْحَالِ لِلْعَجْزِ الدَّائِمِ عَنْ

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَن هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَحَنِثَ عَقِيبَهَا) وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً فَلَا يَنْعَقِدُ. وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ حَقِيقَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَ السَّمَاءَ وَكَذَا تَحَوُّلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِرِّ مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ إلَى الْمَوْتِ، وَفِي الْمُقَيَّدَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ تَنْعَقِدُ بِهِ اتِّفَاقًا، فَإِذَا أُهْرِيقَ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ بَطَلَتْ عِنْدَهُمَا لِانْعِقَادِهَا ثُمَّ طَرَأَ الْعَجْزُ عَنْ الْفِعْلِ قَبْلَ آخِرِ الْمُدَّةِ لِفَوَاتِ شَرْطِ بَقَائِهَا وَهُوَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ حَالَ الْبَقَاءِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَعِنْدَهُ يَتَأَخَّرُ الْحِنْثُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَهُنَاكَ يَحْنَثُ. وَفِي الْمُطْلَقَةِ وَلَا مَاءَ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ تَنْعَقِدُ، وَيَحْنَثُ لِلْعَجْزِ الْحَالِيِّ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، وَفِي الْمُطْلَقَةِ وَفِيهِ مَاءٌ تَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا لِإِمْكَانِ الْبِرِّ عِنْدَهُمَا، فَإِذَا أُرِيقَ حَنِثَ اتِّفَاقًا. أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ تَصَوُّرَ الْبِرِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْمُطْلَقَةِ إلَّا لِانْعِقَادِهَا فَقَطْ وَقَدْ وُجِدَ حَالَ الِانْعِقَادِ لِفَرْضِ وُجُودِ الْمَاءِ حَالَ الْحَلِفِ، فَقَدْ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْمُقَيَّدَةِ فَأَوْجَبَ الْحِنْثَ مُطْلَقًا آخِرَ الْوَقْتِ وَبَيْنَ الْمُطْلَقَةِ إذَا كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا حَالَ الْحَلِفِ فَأَوْجَبَ الْحِنْثَ حَالَ الْإِرَاقَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَالْحِنْثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْيَمِينِ. وَلَا فَرْقَ أَنَّ التَّأْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْفِعْلِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْفِعْلُ عَلَيْهِ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لَا يُرْجَى لَهُ فَائِدَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَاءٌ وَقْتَ الْحَلِفِ لَكِنَّ اللَّفْظَ مَا أَوْجَبَ انْعِقَادَ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْفِعْلِ مُضَيَّقًا مُتَعَيَّنًا إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ. وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ لِهَذَا بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ وَلَا مَاءَ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِ الْحِنْثِ. وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ لَا يَقَعُ الْحِنْثُ فِيهَا إلَّا بِمَوْتِ الْحَالِفِ أَوْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ حَلِفِهِ عَلَى ضَرْبِهِ أَوْ طَلَاقِهَا. فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبِرُّ مَرْجُوًّا وَلَا رَجَاءَ لَهُ هُنَا. وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا لَا يَثْبُتُ هَذَا الْيَأْسُ إلَّا عِنْدَ الْإِرَاقَةِ فَيَحْنَثُ إذْ ذَاكَ، وَهُمَا أَيْضًا يَحْتَاجَانِ إلَى الْفَرْقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا ذَكَرَ الْوَقْتَ فَأُهْرِيقَ قَبْلَ آخِرِهِ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ فَأُهْرِيقَ يَحْنَثُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا ذُكِرَ كَانَ الْبِرُّ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَعِنْدَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَائِتٌ فَكَأَنَّهُ حَلَفَ إذْ ذَاكَ لَيَشْرَبَن مَا فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ. وَعَلِمْت بِهَذَا أَنَّ اشْتِرَاطَهُمَا بَقَاءَ التَّصَوُّرِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ هُوَ فِي الْمَعْنَى اشْتِرَاطُ التَّصَوُّرِ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ فَإِنَّ الْبِرَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا فَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حَنِثَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وُجُوبُ الْبِرِّ فِي الْمُطْلَقَةِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ بِمَعْنَى تُعِنْهُ حَتَّى يَحْنَثَ فِي ثَانِي الْحَالِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ الْمُوَسَّعِ إلَى الْمَوْتِ فَيَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فَالْمُؤَقَّتَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَذَلِكَ الْجُزْءُ بِمَنْزِلَةِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ تَبْطُلُ الْيَمِينُ عِنْدَ آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ فِي الْمُؤَقَّتَةِ وَلَمْ تَبْطُلْ عِنْدَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فِي الْمُطْلَقَةِ. وَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الْخِلَافِيَّةِ مَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي لِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت لَهُ صَدَاقَك فَأُمُّك طَالِقٌ، فَحِيلَةُ عَدَمِ حِنْثِهِمَا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ بِمَهْرِهَا ثَوْبًا مَلْفُوفًا وَتَقْبِضَهُ، فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ أَبُوهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ صَدَاقَهَا وَلَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالْبَيْعِ، ثُمَّ إذَا أَرَادَتْ عَوْدَ الصَّدَاقِ رَدَّتْهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَن هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَحَنِثَ عَقِيبَهَا) يَعْنِي إذَا حَلَفَ

[باب اليمين في الكلام]

مُتَصَوَّرًا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبًا لِخُلْفِهِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِحُكْمِ الْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً. كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، لِأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ. (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا كَمَا هِيَ فِي الْكِتَابِ. أَمَّا إذَا وَقَّتَ فَقَالَ لَأَصْعَدَن غَدًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى بِمُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حَنِثَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً كَمَاءِ الْكُوزِ فَلَا تَنْعَقِدُ. وَلَنَا أَنَّ صُعُودَ السَّمَاءِ مُمْكِنٌ وَلِذَا صَعِدَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَبَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَذَا تَحْوِيلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا بِتَحْوِيلِ اللَّهِ بِخَلْعِهِ صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ وَإِلْبَاسِ صِفَةِ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ. وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ، وَلَعَلَّهُ مِنْ إثْبَاتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَكَانَ لَا الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِخُلْفِهِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً فَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ كَمَا قُلْنَا مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ مَعَهُ احْتِمَالُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَحُكِمَ بِالْحِنْثِ إجْمَاعًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ لِأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ الَّذِي لَا مَاءَ فِيهِ لَا يُمْكِنُ وَلَا تَتَعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِهِ فَلِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ. فَمَحَطُّ الْخِلَافِ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً بِالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ لَفْظٍ مُتَصَوَّرٍ فَمَعْنَاهُ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُتَعَقَّلًا مُتَفَهَّمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ] (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَهَمُّ مِنْ الْكَلَامِ كَالْأَكْلِ وَالسُّكْنَى وَتَوَابِعِهِمَا شَرَعَ فِي الْكَلَامِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيصَالِ مَا فِي نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ لِتَحْصِيلِ مَقَاصِدِهِ. وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ الْأَعَمِّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرْطٌ أَنْ يُوقِظَهُ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَنَبَّهْ كَانَ إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا لِتَقَدُّمِ الْأَعَمِّ عَلَى الْخُصُوصِيَّاتِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ) لِقُرْبِ مَكَانِهِ مِنْهُ (إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ: أَيْ لِغَفْلَتِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِلْمَ بِوُصُولِ صَوْتِهِ إلَى صِمَاخِهِ غَيْرُ ثَابِتٍ فَأُدِيرَ عَلَى مَظِنَّةِ ذَلِكَ فَحُكِمَ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مُصْغَيَا سَالِمًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَصَمَّ حَنِثَ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرْطٌ أَنْ يُوقِظَهُ، فَإِنَّهُ فِي بَعْضِهَا فَنَادَاهُ أَوْ أَيْقَظَهُ، وَفِي بَعْضِهَا فَنَادَاهُ وَأَيْقَظَهُ. قَالَ: وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُنَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَبِهْ بِكَلَامِهِ صَارَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُمَيِّزَ حُرُوفَهُ، وَفِي ذَلِكَ يَكُونُ لَاغِيًا لَا مُتَكَلِّمًا مُنَادِيًا، وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَيِّتًا لَا يَحْنَثُ بِكَلَامِهِ، بِخِلَافِ الْأَصَمِّ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ كَلَّمَهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْلَا الصَّمَمُ سَمِعَ، لَا يُقَالُ: يَصِحُّ مِثْلُ هَذَا فِي الْمَيِّتِ. لِأَنَّا نَقُولُ: يَمِينُهُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى الْحَيِّ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ هُوَ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ إظْهَارُ الْمُقَاطَعَةِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَالْبَعِيدِ الَّذِي لَا شُعُورَ لَهُ بِنِدَائِهِ وَكَلَامِهِ، لَكِنَّ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا نَادَى الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْحَرْبِ بِالْأَمَانِ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ لِشُغْلِهِمْ بِالْحَرْبِ فَهُوَ أَمَانٌ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَيْمَانِ الْحِنْثُ وَإِنْ لَمْ يُوقِظْهُ انْتَهَى. وَقَدْ فَرَّقَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْأَمَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ. وَقِيلَ يُحْكَمُ فِيهَا بِالْخِلَافِ، فَعِنْدَهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يَجْعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ، وَالْمُرَادُ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا مَرَّ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى مَاءٍ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِبْعَادِ لِلْمَشَايِخِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا حَقِيقَةً وَإِلَى جَانِبِهِ حَفِيرَةُ مَاءٍ لَا يَعْلَمُ بِهَا لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ فَكَيْف بِالنَّائِمِ حَتَّى حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّاعِسِ، وَأُضِيفَ إلَى هَذِهِ مَسَائِلُ تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ جُعِلَ فِيهَا النَّائِمُ كَالْمُسْتَيْقِظِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٌ عَنْهَا لَا مُتَّصِلٌ، فَلَوْ قَالَ مَوْصُولًا إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ قُومِي أَوْ شَتَمَهَا أَوْ زَجَرَهَا مُتَّصِلًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ فَاذْهَبِي أَوْ اذْهَبِي لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ. وَأَمَّا مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ أَوْ غَدًا حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ بِقَوْلِهِ أَوْ غَدًا فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٌ، فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُقَالُ إلَّا كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لِآخَرَ إنْ ابْتَدَأْتُك بِكَلَامٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ مَعًا لَا يَحْنَثُ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ أَنْ يُكَلِّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً. وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ ابْتَدَأْتُك بِكَلَامٍ وَقَالَتْ هِيَ لَهُ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهَا، وَلَا تَحْنَثُ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ابْتِدَائِهَا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ لَا أَنْ لَا يَقْصِدَهُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَضَاءً أَيْضًا. أَمَّا لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ صُدِّقَ قَضَاءً عِنْدَنَا، وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ إمَامًا قِيلَ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأُولَى وَاقِعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِهَا لِأَنَّهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَصَحُّ مَا فِي الشَّافِي أَنَّهُ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ. وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ إمَامًا يَحْنَثُ إذَا نَوَاهُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَعَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِأَنَّ سَلَامَ الْإِمَامِ يُخْرِجُ الْمُقْتَدِي عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَلَوْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ حَنِثَ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَيَّسَتْ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ كَيْ ترحنث، وَبِهِ أَخَذَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَبَّيْكَ أَوْ لَبَّى حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ الْحَالِفُ بِكَلَامٍ لَا يَفْهَمُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِشَيْءٍ فَقَالَ وَقَدْ مَرَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَا حَائِطَ اسْمَعْ افْعَلْ كَيْتَ وَكَيْتَ فَسَمِعَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَفَهِمَهُ لَا يَحْنَثُ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَنَاوَلَ امْرَأَتَهُ شَيْئًا وَقَالَهَا حَنِثَ. وَلَوْ جَاءَ كَافِرٌ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَبَيَّنَ الْإِسْلَامَ مُسْمِعًا لَهُ وَلَمْ يُوَجِّهْ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي الْمُحِيطِ. لَوْ سَبَّحَ الْحَالِفُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِلسَّهْوِ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ مُقْتَدٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَخَارِجُ الصَّلَاةِ يَحْنَثُ. وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عُرْفًا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ فَلَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَا الْكِتَابَةِ، وَالْإِخْبَارُ وَالْإِقْرَارُ وَالْبِشَارَةُ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ، وَالْإِيمَاءِ وَالْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَامِ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ أَيْضًا. فَإِنْ نَوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: أَيْ فِي الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَامِ وَالْإِخْبَارِ كَوْنَهُ بِالْكَلَامِ وَالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِشَارَةِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُحَدِّثُهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُشَافِهَهُ، وَكَذَا لَا يُكَلِّمُهُ يُقْتَصَرُ عَلَى الْمُشَافَهَةِ. وَلَوْ قَالَ لَا أُبَشِّرُهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ حَنِثَ. وَفِي قَوْلِهِ إنْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ وَنَحْوَهُ يَحْنَثُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَلَوْ قَالَ بِقُدُومِهِ وَنَحْوِهِ فَعَلَى الصِّدْقِ خَاصَّةً، وَكَذَا إنْ أَعْلَمْتنِي، وَكَذَا الْبِشَارَةُ وَمِثْلُهُ إنْ كَتَبْت إلَيَّ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَكَتَبَ قَبْلَ قُدُومِهِ فَوَصَلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ حَنِثَ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهِ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ إنْ كَتَبْت إلَيَّ بِقُدُومِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْتُبَ بِقُدُومِهِ الْوَاقِعَ. وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: سَأَلَنِي هَارُونُ الرَّشِيدُ عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ إلَى فُلَانٍ فَأَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ إلَيْهِ بِإِيمَاءٍ أَوْ إشَارَةٍ هَلْ يَحْنَثُ؟ فَقُلْت نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا كَانَ مِثْلُك. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَكْتُبُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ وَمِنْ عَادَتِهِمْ الْأَمْرُ بِالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ فِيهِ حَتَّى فَهِمَهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَيَحْنَثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِيهِ لَا عَيْنَ التَّلَفُّظِ بِهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا لَمْ يَحْنَثْ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلًّا مِنْهُمَا فَيَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ ذُكِرَ خِلَافُهُ

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ، أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْآذِنِ كَالرِّضَا. قُلْنَا: الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَتَأَبَّدَ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ الَّذِي يَلِي يَمِينَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ) أَيْ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ (أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ يَحْنَثُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ. وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ أَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْآذِنِ كَالرِّضَا، فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَا فُلَانٍ فَرَضِيَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ حَتَّى كَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الرِّضَا مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ، نَعَمْ هُوَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا ظَاهِرًا لَكِنَّ مَعْنَاهُ الْإِعْلَامُ بِالرِّضَا فَلَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الرِّضَا، وَمَا نُوقِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ يَصِحُّ الْإِذْنُ حَتَّى إذَا عَلِمَ يَصِيرُ مَأْذُونًا. دُفِعَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَقْصُودِ الْمَوْرِدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْإِذْنِ قَبْلَ الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ: حَتَّى إذَا عَلِمَ صَارَ مَأْذُونًا فَعَرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُكْمُ الْإِذْنِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ: أَذِنَ لِعَبْدِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَلِمَ بِإِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ، غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْإِذْنَ يَثْبُتُ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ فَسَقَطَ تَكَلُّفُ جَوَابِهِ. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ: يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ) أَيْ ابْتِدَاءُ الشَّهْرِ (مِنْ حِينِ حَلَفَ) لِأَنَّ دَلَالَةَ حَالِهِ وَهُوَ غَيْظُهُ الْبَاعِثُ عَلَى الْحَلِفِ يُوجِبُ تَرْكَ الْكَلَامِ مِنْ الْآنِ، وَنَظِيرُهُ إذَا أَجَّرَهُ شَهْرًا لِأَنَّ الْعُقُودَ تُرَادُ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الْقَائِمَةِ فِي الْحَالِ ظَاهِرًا، فَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ

دَخْلًا عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَمْ تَتَأَبَّدْ الْيَمِينُ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ وَأَنَّهُ مُنَكِّرٌ فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ لَا يَحْنَثُ. وَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ صَلَاتِهِ حَنِثَ) وَعَلَى هَذَا التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ، وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بَلْ قَارِئًا وَمُسَبِّحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْحَالِ فَسَدَ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ بِجَهَالَةِ ابْتِدَائِهَا وَكَذَا آجَالُ الدُّيُونِ، وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي قَوْلِهِ كَفَلْت لَك بِنَفْسِهِ إلَى شَهْرٍ؛ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا لِبَيَانِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ لِانْتِهَائِهَا، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِانْتِهَاءِ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ بَعْدَ الشَّهْرِ وَأَلْحَقَاهَا بِآجَالِ الدُّيُونِ فَجَعَلَاهَا لِبَيَانِ ابْتِدَائِهَا فَلَا يَلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ قَبْلَ الشَّهْرِ، وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي مِثْلِهِ لِلتَّرْفِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا فَإِنَّهُ نَكِرَةً فِي الْإِثْبَاتِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ شَهْرًا شَائِعًا يُعَيِّنُهُ الْحَلِفُ وَلَا مُوجِبَ لِصَرْفِهِ إلَى الْحَالِ وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ فَكَانَ ذِكْرُ الشَّهْرِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ مَا يَلِي يَمِينُهُ دَاخِلًا عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ حَيْثُ لَمْ يَعْطِفْ قَوْلَهُ عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ بِالْوَاوِ، وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَرَّرَهُ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ وَحْدَهَا تَسْتَقِلُّ بِصَرْفِ الِابْتِدَاءِ إلَى مَا يَلِي الْحَلِفَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمَا قَبْلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ تَأَبَّدَ مُتَّصِلًا بِالْإِيجَابِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الشَّهْرِ لَا دَلَالَةَ لَهُ سِوَى عَلَى تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ الْخَاصَّةِ ثُمَّ الزَّائِدُ عَلَيْهِ مُنْتَفٍ بِالْأَصْلِ لَا بِدَلَالَتِهِ عَلَى النَّفْي، وَلَوْ فُرِضَ لَهُ دَلَالَةً عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ ذَلِكَ الزَّائِدِ هُوَ مَا يَلِي شَهْرًا ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَالِ فَلِذَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ هُوَ الْمُعَيَّنُ لِابْتِدَائِهَا فَكَانَ وَجْهًا وَاحِدًا، إلَّا أَنَّك عَلِمْت مِنْ تَقْرِيرِنَا أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ لُزُومِ التَّأْبِيدِ وَالْإِخْرَاجِ. وَأَمَّا مَا فَرَّعَ عَلَى اسْتِقْلَالِ الْإِخْرَاجِ مِمَّا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مِنْ قَوْلِهِ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا أَوْ كَلَامَهُ شَهْرًا تَنَاوَلَ شَهْرًا مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ وَالْكَلَامِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذَكَرَ الْوَقْتَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ أُسَاكِنْهُ فَالْكُلُّ مُشْكِلٌ بَلْ لَوْ تَرَكَ الصَّوْمَ شَهْرًا فِي عُمْرِهِ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْهُ مُتَّصِلًا بِالْحَلِفِ وَهُوَ تَحْمِيلُ اللَّفْظِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي مِثْلِهِ عُرْفٌ يَصْرِفُهُ إلَى الْوَصْلِ بِالْحَلِفِ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ، وَعَلَى هَذَا التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ) إذَا فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجِهَا يَحْنَثُ، وَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَيْ الْقُرْآنَ وَالذَّكَرَ كَلَامٌ حَقِيقَةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» فَقِيلَ عَلَيْهِ إنَّمَا نَفَى عَنْهَا كَلَامَ النَّاسِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْكَلَامِ مُطْلَقًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَوَابُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَمَّا كَانَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ لَا يُسَمَّى التَّسْبِيحُ وَالْقُرْآنُ أَيْضًا وَمَا مَعَهُ كَلَامًا حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ سَبَّحَ طُولَ يَوْمِهِ أَوْ قَرَأَ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْيَوْمَ بِكَلِمَةٍ اخْتَارَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَاخْتِيرَ

(وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَأَمْرَأَتْهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ (وَإِنْ عَنِيَ النَّهَارَ خَاصَّةً دِينَ فِي الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ: أَيْ تَفْرِيقٍ بَيْنَ عَقْدِ الْيَمِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ. وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَكَلَّمْت بِكَلَامٍ حَسَنٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَتْ بِلَا عَطْفٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُتَعَدِّدٌ بِالِاسْتِئْنَافِ كُلٌّ بِخِلَافِ الْمَعْطُوفِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُطْلَقِ الْكَلَامِ عُرْفًا لَا فِيمَا قُيِّدَ بِقَيْدٍ أَصْلًا. وَأَمَّا الشِّعْرُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَنْظُومٌ، وَفِي الْحَدِيثِ «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ » وَعُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِيمَاءِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) فَإِنْ كَلَّمَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا حَنِثَ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِهِ: لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّوْلِيَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ؛ قِيلَ فِي وَجْهِهِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَقْبَلُ الِامْتِدَادَ إلَّا بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ كَالضَّرْبِ وَالْجُلُوسِ وَالسَّفَرِ وَالرُّكُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ صُورَةٌ وَمَعْنَى، وَالْكَلَامُ الثَّانِي يُفِيدُ مَعْنًى غَيْرَ مُفَادِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ مِثْلًا. وَمَا قِيلَ الْكَلَامُ يَتَنَوَّعُ إلَى خَبَرٍ وَاسْتِخْبَارٍ وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْكَلَامِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ مُمْتَدٌّ، فَقَدْ يُقَالُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ إذْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهُ عَلَى هَذَا مُمْتَدٌّ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ الْكَلَامِ لَيْسَ إلَّا الْأَلْفَاظُ مُفِيدَةً مَعْنًى كَيْفَمَا كَانَ فَتَحَقَّقَتْ الْمُمَاثَلَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُفَادُ مِنْ نَوْعِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْقَوْلَانِ، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ الطَّلَاقُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ لِأَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا يَمْتَدُّ يُقَالُ كَلَّمْته يَوْمًا، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَظْرُوفِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ هَذَا الْأَصْلِ فِي الطَّلَاقِ وَاخْتِلَافِ عِبَارَاتِهِمْ فِيهِ. وَأَنَّ الْأَوْلَى الِاعْتِبَارُ بِالْعَامِلِ الْمُعْتَبَرِ وَاقِعًا فِيهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ مَعْنَى مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الظَّرْفُ وَعَدَمُهُ لِجَعْلِ الْيَوْمِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ، بِخِلَافِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا إلَّا لِتَعْيِينِ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَا قُصِدَ إلَى إثْبَاتِ مَعْنَاهُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍّ فَكَلَّمَهُ لَيْلًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَمْ يَدْخُلْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يَدْخُلْ اللَّيْلُ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي التَّتِمَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّرْكِيبِ كَمَا ذَكَرْنَا بَلْ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ فِيهِ النَّهَارُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِدَلَالَةِ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ عِنْدَ ذِكْرِ الْغَدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍّ تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ كَقَوْلِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ذِكْرُ كَلِمَةِ " فِي " فِي كُلِّ يَوْمٍ لِتَجْدِيدِ الْكَلَامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ يَوْمٍ تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّجْدِيدُ لَوْ أُرِيدَ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَنِيَ النَّهَارَ خَاصَّةً) أَيْ بِلَفْظِ الْيَوْمِ (دِينَ) أَيْ صُدِّقَ (فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ) أَيْ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ كَثِيرًا فَيَقْبَلُهُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّهَارِ وَمُطْلَقِ الْوَقْتِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ فَكَانَ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ

(وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً، وَمَا جَاءَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ (وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ غَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي سَوَادِهِ كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً، وَمَا نَافِيَةٌ، وَجَاءَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ كَمَا جَاءَ فِي لَفْظِ الْيَوْمِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ قَوْلَ الْقَائِلِ: وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً ... لَيَالِي لَاقَيْنَا جِذَامًا وَحِمْيَرَا سَقَيْنَاهُمْ كَأْسًا سُقِينَا بِمِثْلِهَا ... وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْمَوْتِ أَصْبَرَا وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْحَرْبَ لَمْ تَكُنْ لَيْلًا. أَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ اللَّيَالِيَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَذِكْرُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ يَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُفْرَدُ: يَعْنِي ذِكْرَ اللَّيَالِيِ يَنْتَظِمُ النُّهُرَ الَّتِي بِإِزَائِهَا، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ يَنْتَظِمُ اللَّيَالِي الَّتِي بِإِزَائِهَا. قَالَ تَعَالَى {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْمُفْرَدِ، فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَةِ لَا يَسْتَتْبِعُ الْيَوْمَ وَلَا بِالْقَلْبِ. وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّاعِرَ قَصَدَ أَنَّ الْمُلَاقَاةَ كَانَتْ مُسْتَوْعِبَةً لِلَّيَالِيِ تَتْبَعُهَا أَيَّامٌ بِقَدْرِهَا، وَالْمُتَعَارَفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْوَقْتُ لَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْوَاقِعَ قَدْ يَكُونُ أَنَّ الْحَرْبَ دَامَتْ بَيْنَهُمْ أَيَّامًا وَلَيَالِيهَا، وَهَذَا كَثِيرُ الْوُقُوعِ، فَأَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ بِالْوَاقِعِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَا يُفِيدُهُ وَلَا دَخْلَ لِذَلِكَ فِي خُصُوصِ عُرِفَ. (قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ قَالَ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِذْنِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ غَايَةٌ) أَيْ لِأَنَّ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ غَايَةٌ لِعَدَمِ الْكَلَامِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ فِعْلَ الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ فِي الْيَمِينِ يَكُونُ لِلْمَنْعِ مِنْهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَنْفِيِّ بِهِ وَبِالْقَلْبِ؛ فَقَوْلُهُ إنْ كَلَّمْته حَتَّى يَقْدَمَ بِمَعْنَى لَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى يَقْدَمَ وَإِنْ وَقَعَ خِلَافُ ذَلِكَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَإِذَا كَانَ غَايَةٌ لِعَدَمِ الْكَلَامِ فَالْيَمِينُ مَعْقُودَةٌ عَلَى الْكَلَامِ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ مَا بَقِيَ عَدَمُ الْإِذْنِ الْوَاقِعِ غَايَةً فَيَقَعُ الْحِنْثُ بِالْكَلَامِ حَالَ عَدَمِهِ وَيَنْتَهِي بَعْدَ الْغَايَةِ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِهِ فَلَا يَحْنَثُ: الْكَلَامُ بَعْدَ مَجِيئِهِ وَإِذْنِهِ، أَمَّا أَنَّ حَتَّى غَايَةٌ فَظَاهِرٌ،

وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْغَايَةِ وَمُنْتَهِيَةٌ بَعْدَهَا فَلَا يَحْنَثُ بِالْكَلَامِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْيَمِينِ (وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ سَقَطَتْ الْيَمِينُ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْهُ كَلَامٌ يَنْتَهِي بِالْإِذْنِ وَالْقُدُومِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ فَسَقَطَتْ الْيَمِينُ. وَعِنْدَهُ التَّصَوُّرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَعِنْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِمَّا أَنَّ إلَّا أَنْ غَايَةٌ فَلِأَنَّ بِهِ يَنْتَهِي مَنْعُ الْكَلَامِ فَشَابَهَتْ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ الْغَايَةُ لِمَنْعِهِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمَهَا، وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] أَيْ إلَى مَوْتِهِمْ. وَقِيلَ هِيَ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى حَالِهَا وَفِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَوْ الْأَحْوَالِ عَلَى مَعْنَى " امْرَأَتُهُ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ أَوْ الْأَحْوَالِ إلَّا وَقْتَ قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ إذْنِهِ وَإِلَّا حَالَ قُدُومِهِ أَوْ إذْنِهِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ إلَى الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ أَنْ يَقْدَمَ وَأَنْ يَأْذَنَ، فَإِنَّ تَقْدِيرَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ إلَّا إذْنُهُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَقْيِيدَ الْكَلَامِ بِوَقْتِ الْإِذْنِ وَالْقُدُومِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَوْقَاتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتَ وَهُوَ غَيْرُ الْوَاقِعِ، ثُمَّ أَوْرَدَ أَنَّ " إلَّا أَنْ شَرْطٌ لَا غَايَةٌ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ فَإِنَّ الْمَعْنَى إنْ لَمْ يَقْدَمْ زَيْدٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لِلْغَايَةِ فِيمَا يُحْتَمَلُ التَّأْقِيتُ وَالطَّلَاقُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ: يَعْنِي فَتَكُونُ فِيهِ لِلشَّرْطِ اهـ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا يَمْتَدُّ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ هُنَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَلِمَا كَانَ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْتَرِضَ بِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ مُثْبَتٌ فَالْمَفْهُومُ أَنَّ الْقُدُومَ شَرْطُ الطَّلَاقِ لَا عَدَمُهُ. وَجَّهَهُ شَارِحٌ آخَرُ فَقَالَ وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى إنْ لَمْ يَقْدَمْ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ لَا عَلَى أَنْ قَدِمَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدُومَ رَافِعًا لِلطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْقُدُومُ عَلَمًا عَلَى الْوُقُوعِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّرْكِيبِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ مُسْتَمِرٌّ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ فَيَرْتَفِعُ فَيَكُونُ قُدُومُهُ عَلَمًا عَلَى الْوُقُوعِ قَبْلَهُ، وَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ حَالَ قُدُومِ فُلَانٍ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِنَا إنْ لَمْ يَقْدَمْ، فَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ ارْتِفَاعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِالْقُدُومِ وَأَمْكَنَ وُقُوعُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدُومِ اُعْتُبِرَ الْمُمْكِنُ فَجُعِلَ عَدَمُ الْقُدُومِ شَرْطًا وَهُوَ حَاصِلُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ أَوْ يَأْذَنَ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقُك فَأَنْتِ طَالِقٌ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْمَصِيرُ إلَى هَذَا الْمَجَازِ: يَعْنِي الْغَايَةَ لَا يُصَارُ إلَى ذَلِكَ الْمَجَازِ: يَعْنِي الشَّرْطَ لِأَنَّ فِي هَذَا إجْرَاءُ الْمَجَازِ فِي مُجَرَّدِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَفِي ذَلِكَ إجْرَاؤُهُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْقُدُومِ، لِأَنَّا نَجْعَلُ اسْتِثْنَاءَ الْقُدُومِ مَجَازًا عَنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْقُدُومِ وَإِجْرَاءِ الْمَجَازِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ سَقَطَتْ الْيَمِينُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ كَلَامٌ يَنْتَهِي) الْمَنْعُ مِنْهُ (بِالْإِذْنِ وَالْقُدُومِ وَلَمْ يَبْقَ) الْإِذْنُ وَلَا الْقُدُومُ (بَعْدَ مَوْتِ مَنْ إلَيْهِ الْإِذْنُ وَالْقُدُومُ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ) فَلَمْ يَبْقَ الْبِرُّ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ، وَبَقَاءُ تَصَوُّرِهِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذَا الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْإِذْنِ وَالْقُدُومِ إذْ بِهِمَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الْبِرِّ إذْ يُتَمَكَّنُ مِنْ الْكَلَامِ بِلَا حِنْثٍ فَيَسْقُطُ بِسُقُوطِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّصَوُّرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَعِنْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ، فَأَيُّ وَقْتٍ كَلَّمَهُ فِيهِ يَحْنَثُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى إعَادَةِ فُلَانٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقْدَمَ وَيَأْذَنَ.

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ امْرَأَةَ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ فَبَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ عَادَى صَدِيقَهُ فَكَلَّمَهُمْ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ، إمَّا إضَافَةُ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةُ نِسْبَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ، قَالَ هَذَا فِي إضَافَةِ الْمِلْكِ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ كَالْمَرْأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُعَادَةَ غَيْرُ الْحَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَى إذْنِهِ فِيهَا وَقُدُومِهِ وَهِيَ الْحَيَاةُ الْقَائِمَةُ حَالَةَ الْحَلِفِ لِأَنَّ تِلْكَ عَرَضٌ تَلَاشِي لَا يُمْكِنُ إعَادَتُهَا بِعَيْنِهَا، وَإِنْ أُعِيدَتْ الرُّوحُ فَإِنَّ الْحَيَاةَ غَيْرُ الرُّوحِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِلرُّوحِ فِيمَا لَهُ رُوحٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدًا لَهُ بِعَيْنِهِ) إنَّمَا أَرَادَ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْعُبُودِيَّةِ أَوْ امْرَأَةَ فُلَانٍ إلَخْ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى هِجْرَانِ مَحَلِّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ كَلَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ فَرَسَهُ أَوْ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ فِي الْكُلِّ مَعْرِفَةٌ لِعَيْنِ مَا عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى هَجْرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ إضَافَةَ مِلْكٍ كَعَبْدِهِ وَدَارِهِ وَدَابَّتِهِ أَوْ إضَافَةَ نِسْبَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْمَلِكِ كَزَوْجَتِهِ وَصَدِيقِهِ، فَالْإِضَافَةُ مُطْلَقًا تُفِيدُ النِّسْبَةَ وَالنِّسْبَةُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا نِسْبَةُ مِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ إضَافَةِ النِّسْبَةِ تُقَابِلُ إضَافَةَ الْمَلِكِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ تَقَابُلٌ بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِخُصُوصِ عُرْفٍ اصْطِلَاحِيٍّ وَهُوَ مَحْمَلُ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ لِلْمُصَنِّفِ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ مُطْلَقًا لِلتَّعْرِيفِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يُقْرِنَ بِهِ لَفْظَ الْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ هَذَا أَوْ زَوْجَتَهُ هَذِهِ أَوْ لَا، فَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِشَارَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّاعِي فِي الْيَمِينِ كَرَاهَتُهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ وَإِلَّا لَعَرَّفَهُ بِاسْمِ الْعَلَمِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِالْإِضَافَةِ أَنَّ عَرَضَ اشْتِرَاكِ مِثْلِ لَا أُكَلِّمُ رَاشِدًا عَبْدَ فُلَانٍ لِيُزِيلَ الِاشْتِرَاكَ الْعَارِضَ فِي اسْمِ رَاشِدٍ أَوْ فُلَانَةَ زَوْجَةَ فُلَانٍ كَذَلِكَ، فَلَمَّا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَهْجُرَ بَعْضَهَا لِذَاتِهِ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ، وَحِينَئِذٍ فَالْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى هَجْرِ الْمُضَافِ حَالَ قِيَامِ الْإِضَافَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ بِأَنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْيَمِينِ وَدَامَتْ الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتِ الْفِعْلِ أَوْ انْقَطَعَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ بِأَنْ بَاعَ وَطَلَّقَ ثُمَّ اسْتَرَدَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ الْيَمِينِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَكَلَّمَهُ حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ فَاسْتَحْدَثَ زَوْجَةً يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ النِّسْبَةُ الثَّابِتَةُ الَّتِي عَنْهَا صُحِّحَتْ الْإِضَافَةُ بِأَنْ بَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ وَدَارَهُ وَثَوْبَهُ وَدَابَّته وَعَادَى صَدِيقَهُ وَطَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَكَلَّمَ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ وَالصَّدِيقَ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لَا يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ بِاعْتِبَارِ النِّسْبَةِ الْقَائِمَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ وَالْحَالُ أَنَّهَا زَائِلَةٌ عِنْدَهُ وَهَذَا الْأَصْلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَالْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ فِي الْمَمْلُوكِ عَلَى الْإِضَافَةِ الْقَائِمَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ عَلَى الْقَائِمَةِ وَقْتَ الْيَمِينِ، فَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَعَادَى صَدِيقَهُ وَاسْتَحْدَثَ زَوْجَةً وَصَدِيقًا فَكَلَّمَ الْمُسْتَحْدَثَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَلَّمَ الْمَتْرُوكَةَ حَنِثَ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ مِنْ الزِّيَادَاتِ. وَوَجْهُهُ مَا جَوَّزْنَاهُ فِي أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُمَا

وَالصِّدِّيقِ. قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةِ لِلتَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّدِيقَ مَقْصُودَانِ بِالْهِجْرَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ. وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ بِالشَّكِّ (وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْصِدَانِ بِالْهَجْرِ لِأَنْفُسِهَا لَا لِغَيْرِهِمَا، فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِمُجَرَّدِ تَعْرِيفِ الذَّاتِ الْمَهْجُورَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا أَوْ وُجُودُهَا وَقْتَ الْفِعْلِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ أَيْ الْهَجْرُ بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ زَوْجَةُ فُلَانٍ هَذِهِ وَنَحْوهَا مِمَّا إضَافَتُهُ إضَافَةَ نِسْبَةٍ فَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِهِ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا كَمَا سَيُذْكَرُ وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ. لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْهَجْرَ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهِ، وَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ جَوَازُ كَوْنِ هَجْرِهِ لِنَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْنَثُ وَعَلَى الثَّانِي لَا فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ فِي مَحَلٍّ مَنْسُوبٍ إلَى الْغَيْرِ بِالْمِلْكِ يُرَاعَى لِلْحِنْثِ وُجُودُ النِّسْبَةِ وَقْتَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالنِّسْبَةِ وَقْتَ الْيَمِينِ إذَا لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى الْغَيْرِ لَا بِالْمِلْكِ يُرَاعَى وُجُودُ النِّسْبَةِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا وَقْتَ الْفِعْلِ. ثُمَّ وَجَّهَ الْفَرْقَ بِأَنَّ فِي إضَافَةِ الْمِلْك الْحَامِلِ عَلَى الْيَمِينِ مَعْنًى فِي الْمَالِكِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَادَى لَعَيْنِهَا. وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ مَعْنًى فِيهِمْ لِأَنَّ الْأَذَى يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْأَذَى. أُجِيبَ بِأَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ ذَكَرَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِهَذَا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَبْدَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ الْأَحْرَارِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ كَالْحِمَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْهُ أَذًى إنَّمَا يُقْصَدُ هِجْرَانُ سَيِّدِهِ بِهِجْرَانِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَعْنِي هَذَا الْأَصْلَ لَا يَصِحُّ إلَّا لِمُحَمَّدٍ فَقَطْ، فَإِطْلَاقُ جَعْلِهِ أَصْلًا لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ يُوهِمُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ الْأَصْلُ لِصَاحِبِ الْمَذْهَبِ. هَذَا، وَرُوِيَ أَنَّ هِشَامًا أَخْبَرَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: لَا يَحْنَثُ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ الْإِشَارَةَ، فَأَمَّا إنْ عَيَّنَهُ فَذَكَرَ الْإِشَارَةَ بِأَنْ قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ هَذَا أَوْ دَارُهُ هَذِهِ أَوْ امْرَأَتُهُ هَذِهِ أَوْ صَدِيقُهُ هَذَا فَبَاعَ الْعَبْدَ وَالدَّارَ وَطَلَّقَ وَعَادَى فَكَلَّمَهُ وَدَخَلَ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْمَمْلُوكِ مِنْ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَحَنِثَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبَى يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَحْنَثُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي الْكُلِّ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ مِنْهَا فِيهِ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ التَّعْرِيفِ الْآخَرِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا وَسُقُوطُ الْأُخْرَى

قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ هَذَا أَوْ امْرَأَةُ فُلَانٍ بِعَيْنِهَا أَوْ صَدِيقُ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَبْدِ وَحَنِثَ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَبَاعَهَا ثُمَّ دَخَلَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ أَبْلَغُ مِنْهَا فِيهِ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلُغِيَتْ الْإِضَافَةُ وَصَارَ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الدَّاعِي إلَى الْيَمِينِ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا تُهْجَرُ وَلَا تُعَادَى لِذَوَاتِهَا، وَكَذَا الْعَبْدُ لِسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ بَلْ لِمَعْنًى فِي مُلَّاكِهَا فَتَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِحَالِ قِيَامِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ نِسْبَةٍ كَالصَّدِيقِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يُعَادَى لِذَاتِهِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ وَالدَّاعِي الْمَعْنَى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ، مَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا اُعْتُبِرَتْ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى خُصُوصِ الْعَيْنِ فَلَزِمَ الْحِنْثُ بِتَرْكِ هِجْرَانِهَا بَعْدَ الْإِضَافَةِ كَمَا قَبْلَهُ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ هِجْرَانَ الْمُضَافِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَيْسَ لِذَاتِهِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا فَتَقَيَّدَ بِبَقَاءِ النِّسْبَةِ مَعَ الْإِشَارَةِ وَعَدَمِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِمَّا يُعَادَى لِنَفْسِهِ كَمَا يُعَادَى لِغَيْرِهِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْإِشَارَةِ اسْتَوَى الْحَالُ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ وَمَعَ زِيَادَةِ الْإِشَارَةِ تَرَجَّحَ كَوْنُ هَجْرِهِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، فَلَا يَتَقَيَّدُ الْحِنْثُ بِدَوَامِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ كَوْنَ الدَّاعِي إلَى الْيَمِينِ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ إضَافَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الدَّاعِي كَمَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ يَجُوزُ كَوْنُهُ نَفْسُ الْمُضَافِ حَيْثُ كَانَ صَالِحًا لَأَنْ يُعَادَى لِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ لَغَتْ الْإِضَافَةَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ لَهَا فَائِدَةً وَهِيَ إفَادَةُ أَنَّ الْهِجْرَانَ مَنُوطٌ بِنِسْبَتِهِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ لِغَيْظٍ مِنْهُ فَيُعْتَبَرُ كُلٌّ مِنْهَا لِفَائِدَتِهِ. وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ الْعِزِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ بِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ سَاقِطَ الْمَنْزِلَةِ قَدْ يُقْصَدُ بِالْهِجْرَانِ وَالْحَالِفُ لَوْ أَرَادَ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ سَيِّدِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِشَارَةِ، فَلَمَّا أَشَارَ

قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا التَّعْرِيفَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادَى لِمَعْنًى فِي الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ وَقَدْ صَارَ شَيْخًا حَنِثَ) لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ إذْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذَا عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ قَصْدُهُ بِالْهِجْرَانِ، وَقَالَ وَكَذَلِكَ الدَّارُ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ أَظْهَرُ لِظُهُورِ صِحَّةِ قَصْدِهِ بِالْهِجْرَانِ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ انْتَهَى. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ كُلَّ فَائِدَةٍ؛ فَفَائِدَةُ الْإِشَارَةِ التَّعْرِيفُ، وَفَائِدَةُ الْإِضَافَةِ بَيَانُ مَنَاطِ الْهَجْرِ. قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَسْتَقِلُّ بِالْفَائِدَتَيْنِ، فَإِنَّهَا أَيْضًا تُعَرِّفُ الشَّخْصَ الْمَحْلُوفَ عَلَى هَجْرِهِ كَمَا تُفِيدُ الْآخَرَ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ كَمَا تُفِيدُ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِهَا التَّخْصِيصُ أَيْضًا، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِالْإِضَافَةِ وَحْدَهَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ انْعَقَدَتْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لَهُ، وَفِي قَوْلِهِ عَبْدُ فُلَانٍ هَذَا لَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ عَبْدٍ آخَرَ لِفُلَانٍ وَإِنْ كَانَتْ الْإِضَافَةُ تُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ هَجْرِ الْعَبْدِ نِسْبَتُهُ لِسَيِّدِهِ، وَلَكِنَّ الْحِنْثَ فِي الْأَيْمَانِ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِفِعْلِ عَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَتُعْطِيَنَّ هَذَا الْفَقِيرَ لِفَقْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَمَّا لَوْ نَوَى أَنْ لَا يَدْخُلَهَا مَا دَامَتْ لِفُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلَهَا وَإِنْ زَالَتْ الْإِضَافَةُ فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الثَّانِي وَنَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَرُوِيَ شُذُوذًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي دَارِ فُلَانٍ هَذِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَعَنْهُ أَيْضًا لَا يَحْنَثُ بِالدَّارِ الْمُتَجَدِّدِ مِلْكِهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُسْتَحْدَثُ فِيهَا عَادَةً فَإِنَّهَا آخِرُ مَا يُبَاعُ وَأَوَّلُ مَا يُشْتَرَى عَادَةً فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِالْقَائِمَةِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ، فَإِنَّ الدَّارَ قَدْ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى مِرَارًا فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْيَمِينَ تَتَقَيَّدُ فِي الْكُلِّ بِالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ، رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْهُ قَالَ: إذَا قَالَ دَارَ فُلَانٍ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يُسْتَحْدَثُ مِلْكُهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ دَارًا لِفُلَانٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارَ فُلَانٍ تَمَامُ الْكَلَامِ بِذِكْرِ الْإِضَافَةِ وَإِلَّا كَانَ مُجْمَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمِلْكِ لِفُلَانٍ وَقْتَ يَمِينِهِ. وَفِي قَوْلِهِ دَارًا لِفُلَانٍ الْكَلَامُ تَامٌّ بِلَا ذِكْرِ فُلَانٍ فَكَانَ ذِكْرُ فُلَانٍ تَقْيِيدًا لِلْيَمِينِ بِمَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى فُلَانٍ وَقْتَ السُّكْنَى، ثُمَّ فِي الْحَلِفِ لَا يَسْكُنُ دَارًا لِفُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِسُكْنَى دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ فُلَانٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُ غَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالْبِنْتِ الَّتِي تُولَدُ بَعْدَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مُشْكَلٌ فَإِنَّهَا إضَافَةُ نِسْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ التَّزَوُّجِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ تَزَوَّجْت بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أَمَتَهُ أَنَّهُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ) بِالْإِجْمَاعِ (لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَى التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادَى لِمَعْنًى فِي الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى صَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِعَيْنِهِ وَالطَّيْلَسَانُ مُعَرَّبُ تَيْلَسَانَ أَبْدَلُوا التَّاءَ طَاءً مِنْ لِبَاسِ الْعَجَمِ مُدَوَّرٌ أَسْوَدُ لُحْمَتُهُ وَسُدَاهُ صُوفٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا صَارَ شَيْخًا حَنِثَ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ إذْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ) وَلَا تَتَقَيَّدُ بِشَبِيبَتِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ الصِّفَةَ

[فصل حلف لا يكلم حينا أو زمانا]

(فَصْلٌ) قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّ الْحِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْقَلِيلُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَقَدْ يُرَادُ بِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] وَهَذَا هُوَ الْوَسَطُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَسِيرَ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِوُجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ الصِّفَةَ تُعْتَبَرُ فِي الْحَاضِرِ إذَا كَانَتْ دَاعِيَةً وَصِفَةُ الرُّطْبِيَّةِ مِمَّا تَدْعُو بَعْضَ النَّاسِ إلَى الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ فَتُقَيَّدُ بِهِ، بِخِلَافِ الشَّبِيهِ هُنَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْوَجِيزِ لِبُرْهَانِ الدِّينِ مَحْمُودِ الْبُخَارِيِّ: حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَبِيًّا أَوْ غُلَامًا أَوْ شَابًّا أَوْ كَهْلًا فَالْكَلَامُ فِي مَعْرِفَةِ هَؤُلَاءِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَالْعُرْفِ. أَمَّا اللُّغَةُ قَالُوا الصَّبِيُّ يُسَمَّى غُلَامًا إلَى تِسْعَ عَشَرَةَ، وَمِنْ تِسْعَ عَشَرَةَ شَابٌّ إلَى أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ، وَمِنْ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ كَهْلًا إلَى إحْدَى وَخَمْسِينَ، وَمِنْ إحْدَى وَخَمْسِينَ شَيْخٌ إلَى آخَرِ عُمُرِهِ. وَأَمَّا الشَّرْعُ فَالْغُلَامُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْبُلُوغِ مَعْلُومٌ، فَإِذَا بَلَغَ صَارَ شَابًّا وَفَتًى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ الْكُهُولَةَ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسِينَ فَهُوَ شَيْخٌ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الشَّابُّ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الشَّمْطُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْكَهْلُ مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى آخَرِ عُمْرِهِ، وَالشَّيْخُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ. وَكَانَ يَقُولُ قَبْلَ هَذَا: الْكَهْلُ مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ، وَالشَّيْخُ مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى مِائَةٍ، وَهُنَا رِوَايَاتٌ أُخْرَى وَانْتِشَارٌ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا بِهِ الْإِفْتَاءُ. [فَصْلٌ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حِينًا أَوْ زَمَانًا] (فَصْلٌ فِي يَمِينِ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حِينًا أَوْ زَمَانًا) لَمَّا كَانَ مَا فِيهِ كَالتَّبَعِ لِمَا تَقَدَّمَ تَرْجَمَهُ بِالْفَصْلِ (وَقَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينُ أَوْ الزَّمَانُ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي النَّفْيِ) كَلَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا (وَالْإِثْبَاتِ) نَحْوُ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ أَوْ زَمَانًا،

الِامْتِنَاعِ فِيهِ عَادَةً، وَالْمُؤَبَّدُ لَا يُقْصَدُ غَالِبًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ يَتَأَبَّدُ فَيَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرْنَا. وَكَذَا الزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ، يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ زَمَانٍ بِمَعْنَى وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّهْرُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ) وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عُرْفًا. لَهُمَا أَنَّ دَهْرًا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ وَالزَّمَانِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ حِينٍ وَمُنْذُ دَهْرٍ بِمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ تَوَقَّفَ فِي تَقْدِيرِهِ لِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تُدْرَكُ قِيَاسًا وَالْعُرْفُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُهُ لِاخْتِلَافٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْ الزَّمَانِ، فَإِنْ نَوَى مِقْدَارًا صُدِّقَ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحِينِ وَالزَّمَانِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَفِي الْقَلِيلِ قَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ: فَبِتُّ كَأَنِّي سَاوَرَتْنِي ضَئِيلَةٌ ... مِنْ الرَّقْشِ فِي أَنْيَابِهَا السُّمُّ نَاقِعُ تَبَادَرَهَا الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سُمِّهَا ... تُطْلِقُهُ حِينًا وَحِينًا تُرَاجِعُ يُرِيدُ أَنَّ السُّمَّ تَارَةً يَخِفُّ أَلَمُهُ وَتَارَةً يَشْتَدُّ، وَأَمَّا فِي الْكَثِيرِ فَالْمُفَسِّرُونَ فِي هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَأَمَّا فِي الْمُتَوَسِّطِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] وَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لِأَنَّ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ الطَّلْعُ إلَى أَنْ يَصِيرَ رُطَبًا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَلَمَّا وَقَعَ الِاسْتِعْمَالُ كَذَلِكَ وَلَا نِيَّةَ مُعَيَّنَةَ لِلْحَالِفِ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ لَا يُقْصَدُ بِالْحَلِفِ وَإِلَّا لَمْ يَحْلِفْ لِتَحَقُّقِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ عَادَةً بِلَا يَمِينٍ. وَالْمَدِيدُ هُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً لَا يُقْصَدُ بِالْحَلِفِ عَادَةً لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَبَدِ، فَمُرِيدُهُ خَارِجٌ عَنْ الْعَادَةِ إذْ لَمْ يُسْمَعْ مَنْ يَقُولُ لَا أُكَلِّمُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مُقَيَّدًا بِهَا، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْحِينِ وَمَا مَعَهُ تَأَبَّدَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَنْ يَرِدَ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْ الزَّمَانِ وَلَا الْأَبَدِ وَلَا الْأَرْبَعِينَ فَيُحَكَّمُ الْوَسَطُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَالشَّافِعِيُّ يَصْرِفُهُ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ سَاعَةٌ وَعَرَفْت أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَإِلَّا تَرَكَ ذِكْرُهُ وَيَحْصُلُ بِلَا حَلِفٍ، وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ، يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ زَمَانٍ كَمَا يُقَالُ مُنْذُ حِينٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَلِأَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، بَلْ إنَّهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَدِيدِ وَالْقَصِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ، وَهُوَ أَخُو الْحِينِ فِي الْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي خُصُوصِ الْمُدَّةِ فَيُصْرَفُ إلَى مَا سُمِعَ مُتَوَسِّطًا. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا إنْ تَمَّ فِي زَمَانِ الْمُنَكَّرِ لَمْ يَتِمَّ فِي الْمُعَرَّفِ، بَلْ الظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ لِلْأَبَدِ كَالدَّهْرِ وَالْعُمْرِ وَلِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ، فَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الزَّمَانَ إلَّا سَنَةً صَحَّ، وَعَهْدِيَّةُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي لَفْظِ الْحِينِ وَكَوْنُ الزَّمَانِ مِثْلُهُ إنْ أُرِيدَ فِي الْوَضْعِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَيَّنِ لِخُصُوصِ مُدَّةٍ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا وَسَطًا، وَإِنْ أُرِيد فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ مِنْ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ شَاءَ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) يَعْنِي الْمُنَكَّرَ يَنْصَرِفُ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي مِقْدَارٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَإِنْ كَانَ عَمِلَ بِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاتِّفَاقًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّهْرُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ دَهْرًا وَالدَّهْرُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِالِاتِّفَاقِ يُصْرَفُ إلَى الْأَبَدِ، وَإِنَّمَا تَوَقُّفُهُ فِي الْمُنَكَّرِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَاتِهِ لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الْأَنْحَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَدِيدُ وَالْقَصِيرُ وَالْوَسَطُ، فَلَمْ يَدْرِ بِمَاذَا يُقَدِّرُ، وَتَقْدِيرُهُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الزَّمَانِ فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْعَادِ مَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَثْبُتْ تَوْقِيتٌ فِيهِ زَائِدٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَ التَّوَقُّفُ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ» فَإِذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الدَّهْرَ اُحْتُمِلَ أَنَّ الْيَمِينَ مُؤَبَّدَةٌ، وَالْمَعْنَى وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ وَاَللَّهِ، فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ حَرْفَ الْقَسَمِ يُحْذَفُ وَيَنْصِبُ الِاسْمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الظَّرْفَ وَهُوَ الْأَبَدُ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: هَلْ الدَّهْرُ إلَّا لَيْلَةٌ وَنَهَارُهَا ... وَإِلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غِيَارُهَا فَالنَّكِرَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْإِثْبَاتِ فَهِيَ لِلْعُمُومِ بِقَرِينَةٍ: أَيْ كُلُّ طُلُوعٍ وَكُلُّ غُرُوبٍ إلَخْ، وَعُرِفَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ لِلْعُمُومِ بِقَرِينَةٍ مِثْلُ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ وَهَذَا الْوَجْهُ يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ فِي الْمُعَرَّفِ أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي يُرَادُ بِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُعَرَّفُ مِنْهُ لَا الْمُنَكَّرُ، وَتَوَقُّفُهُ دَلِيلُ فِقْهِهِ وَدِينِهِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهِ نَفْسِهِ، رَحِمَنَا اللَّهُ بِهِ، وَقَدْ نَظَمَ جُمْلَةَ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ قَالَ لَا أَدْرِي لِمَا لَمْ يَدْرِهِ ... فَقَدْ اقْتَدَى فِي الْفِقْهِ بِالنُّعْمَانِ فِي الدَّهْرِ وَالْخُنْثَى كَذَاك جَوَابُهُ ... وَمَحَلُّ أَطْفَالٍ وَوَقْتُ خِتَانِ وَالْمُرَادُ بِالْأَطْفَالِ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي الْجَنَائِزِ.

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ ذُكِرَ مُنَكَّرًا فَيُتَنَاوَلُ أَقَلَّ الْجَمْعِ وَهُوَ الثَّلَاثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لِأَنَّ اللَّامَ لِلْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَيْهَا. وَلَهُ أَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ] إذَا قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ. وَاخْتَلَفَ جَوَابُ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الْمُنَكَّرِ نَحْوُ عُمْرًا، فَمَرَّةً قَالَ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عُمْرٍ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَمَرَّةً قَالَ هُوَ مِثْلُ الْحِينِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ قَالَ وَأَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُك دُهُورًا أَوْ أَزْمِنَةً أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْجُمَعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهَا عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ كَالْمُعَرَّفِ. قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ أَصَحُّ. وَوَجَّهَهُ الْمُصَنَّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ مُنَكَّرٍ فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ الْجُمَعِ وَهُوَ الثَّلَاثُ كَمَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْهُ، لَكِنْ لَا مُعَيِّنَ لِلزَّائِدِ فَلَزِمَ الْمُتَيَقَّنُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي عَبِيدًا وَلَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. وَأَوْرَدَ أَنَّ حِكَايَةَ الِاتِّفَاقِ فِي الْمُثُلِ الْمَذْكُورَةِ تُوجِبُ عَدَمَ تَوَقُّفِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَعْنَى الدَّهْرِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَدْرِي مَعْنَى الْمُفْرَدِ لَا يَدْرِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ قَوْلُهُ الدُّهُورُ لِثَلَاثَةٍ مِمَّا يُرَادُ بِهِ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَا هُوَ، نَعَمْ يَلْزَمُ لِكُلِّ عَاقِلٍ نَفْيُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمَكَانِ الْجَمْعِ. وَمِنْ فُرُوعِ الْمُنَكَّرِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا إنْ حَلَفَ قَبْلَ الطُّلُوعِ فَهُوَ عَلَى مَا مِنْ الطُّلُوعِ إلَى الْغُرُوبِ، وَإِنْ حَلَفَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَلَى مَا مِنْ وَقْتِ حَلِفِهِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَدْخُلُ اللَّيْلُ فَإِنْ كَلَّمَهُ لَيْلًا حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ الْيَوْمُ وَقَعَ عَلَى بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ دَخَلَ اللَّيْلُ سَوَاءٌ حَلَفَ بَعْدَ الطُّلُوعِ أَوْ قَبْلَهُ، وَالْجَوَابُ فِي اللَّيْلِ مِثْلُهُ فِي الْيَوْمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَكَذَلِكَ الْجُمَعُ وَالشُّهُورُ وَالسِّنِينَ وَالدُّهُورُ وَالْأَزْمِنَةُ لِلتَّعْرِيفِ يَنْصَرِفُ إلَى عَشَرَةٍ مِنْ تِلْكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْدُودَاتِ، فَفِي غَيْرِ الْأَزْمِنَةِ ظَاهِرٌ، وَفِي الْأَزْمِنَةِ يَلْزَمُهُ خَمْسُ سِنِينَ لِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ. وَقَالَا: فِي الْأَيَّامِ يَنْصَرِفُ إلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَفِي الشُّهُورِ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، وَفِي الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ وَالدُّهُورِ وَالْأَزْمِنَةِ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ وَهُوَ الْأَبَدُ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ إذَا أَمْكَنَ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ صُرِفَتْ إلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدُ ثَابِتٌ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ فَانْصَرَفَتْ الْأَيَّامُ إلَيْهَا، وَفِي الشُّهُورِ شُهُورُ السَّنَةِ فَيَنْصَرِفُ التَّعْرِيفُ إلَيْهَا، وَلَا عَهْدَ فِي خُصُوصٍ فِيمَا سِوَاهُمَا فَيَنْصَرِفُ إلَى اسْتِغْرَاقِ الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ وَالدُّهُورِ وَالْأَزْمِنَةِ وَذَلِكَ هُوَ جَمِيعُ الْعُمُرِ أَوْ هِيَ لِلْعَهْدِ فِيهَا أَيْضًا، فَإِنَّ الْمَعْهُودَ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا لَيْسَ إلَّا الْعُمُرُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَا مَعْهُودَ دُونَهُ: أَيْ دُونَ الْعُمُرِ، وَحَاصِلُهُ اسْتِغْرَاقُ سِنِي الْعُمُرِ وَجُمَعِهِ. وَلَهُ أَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا عُهِدَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ لَفْظُ الْجُمَعِ عَلَى الْيَقِينِ وَذَلِكَ عَشْرَةٌ، وَعَهْدِيَّتُهُ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا وَقَعَ مُمَيِّزُ الْعَدَدِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَكُونُ لَفْظُ أَيَّامٍ مُرَادًا بِهَا الثَّلَاثَةُ بِيَقِينٍ، وَكَذَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ إلَى عَشَرَةٍ، فَكَانَتْ الْعَشَرَةُ مُنْتَهَى مَا قُطِعَ بِإِرَادَتِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِيمَا لَا يُحْصَى مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ فَكَانَ مَعْهُودًا مِنْ لَفْظِ الْجَمْعِ، بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} [الأعراف: 160] وَ {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] فَإِنَّ الْجَمْعَ هُنَا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ يَقِينًا مَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ لَكِنَّهُ بِوُجُودِ ذَلِكَ مُرَادًا مَرَّةً لَا يَصِيرُ مَعْهُودًا مِنْ اللَّفْظِ بِحَيْثُ يُصْرَفُ إلَيْهِ مَتَى ذُكِرَ بِلَا مُعَيِّنٍ وَكَانَ الْمَعْهُودُ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَفْظُ الْجَمْعِ يَقِينًا مُسْتَمِرًّا لَيْسَ إلَّا الْعَشَرَةُ فِيمَا دُونَهَا، وَالْعَشَرَةُ مُنْتَهَى مَا عُهِدَ شَائِعًا إرَادَتُهُ بِهِ قَطْعًا فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ مُمَيِّزًا لِعَدَدٍ نَحْوُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ حَيْثُ أُرِيدَ بِهِ جَمِيعُ الْأَيَّامِ فَإِنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّامِ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْمُقَرَّرَ أَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ الْعَهْدُ حُمِلَ عَلَيْهِ دُونَ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ، وَالْعَهْدُ ثَابِتٌ فِيمَا يُرَادُ بِالْجَمْعِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ. وَالْفَرْضُ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ الْمُسْتَمِرِّ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَقْصَى الْمَعْهُودِ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَهُ مَعْهُودًا أَيْضًا لِأَنَّهُ كَمَا عُهِدَ اسْتِعْمَالُهُ مُمَيَّزًا فِي الْعَشَرَةِ عُهِدَ فِيمَا دُونَهَا لِاسْتِغْرَاقِ اللَّامِ، وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِغْرَاقُ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِأَنَّ مَدْخُولَ اللَّامِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَهْدٌ وَلَا قَرِينَةٌ تَعَيَّنَ غَيْرُ الِاسْتِغْرَاقِ مِنْ الْمَرَاتِبِ حَتَّى صُرِفَ إلَى الْجِنْسِ الصَّالِحِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَانَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ لَمَّا انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ، وَالْمَعْهُودُ كُلُّ مَرْتَبَةٍ مِنْ الْمَرَاتِبِ الَّتِي أَوَّلُهَا ثَلَاثَةٌ وَأَقْصَاهَا عَشَرَةٌ وَلَا مُعَيِّنَ كَانَتْ لِاسْتِغْرَاقِ الْمَعْهُودِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْعِزِّ مِنْ قَوْلِهِ: وَهَذَا أَيْ كَوْنُ أَقْصَى مَا يُرَادُ بِهِ الْعَشَرَةُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ يُسَمَّى الزَّائِدُ عَلَيْهِ بِالْجَمْعِ بِلَا رَيْبٍ، وَذَكَرَ شَاهِدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا} [آل عمران: 140] . وَ {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] قَالَ: وَلَيْسَ فِي قَوْلِ الْحَالِفِ لَا أُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ اسْمُ الْعَدَدِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَقْصَى مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَكَذَلِكَ الْأَيَّامُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ انْدَفَعَ لِأَنَّك عَلِمَتْ أَنَّ الْقَصْدَ تَعْيِينُ مَا عُهِدَ مُرَادًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْرَارِ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْجَمْعِ الْخَاصِّ عِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَكَوْنُ لَفْظٍ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَا عُهِدَ مُسْتَمِرًّا كَثِيرًا لَا يُوجِبُ نَفْيَ عَهْدِيَّتِهِ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا مُشَاحَّتُهُ الْخَبَّازِيَّ حَيْثُ قَالَ الْخَبَّازِيُّ اسْمُ الْجَمْعِ لِلْعَشَرَةِ وَمَا دُونَهَا إلَى الثَّلَاثَةِ حَقِيقَةُ حَالَتَيْ الْإِطْلَاقِ وَاقْتِرَانِهِ بِالْعَدَدِ، وَلَمَّا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْعَدَدِ وَالِاسْمِ مَتَى كَانَ لِلشَّيْءِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَانَ أَثْبَتَ مِمَّا هُوَ اسْمٌ لَهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ دَفَعَ كَلَامَهُ هَذَا بِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعِ وَاسْمِ الْجَمْعِ فَلِهَذَا قَالَ إنَّهُ لِلْعَشَرَةِ وَمَا

(وَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ فِي الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ) وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْعُمُرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْهُودَ دُونَهُ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْأَيَّامُ الْكَثِيرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَشَرَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَيَّامِ، وَقَالَا: سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ. وَقِيلَ لَوْ كَانَ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ فِيهَا بِلَفْظِ الْفَرْدِ دُونَ الْجَمْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَهَا حَقِيقَةً فِي حَالَيْنِ وَلِمَا فَوْقَهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا فِي بَعْضِ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ أَنَّهُ يُطْلَقُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ كَمَا فِي رَهْطٍ وَذَوْدٍ وَنَفَرٍ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِ الْخَبَّازِيِّ اسْمُ الْجَمْعِ بَيَانِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى الِاسْمُ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ، وَمِثْلُ هَذَا فِي عِبَارَاتِ جَمِيعِ أَهْلِ الْفُنُونِ أَكْثَرَ وَأَشْهَرَ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى نَاظِرٍ فِي الْعِلْمِ، فَحَاصِلُ كَلَامِ الْخَبَّازِيِّ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا أَثْبَتُ مِنْهُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُرَادُ بِهِ فِي حَالَتَيْنِ وَالثَّانِي فِي حَالَةٍ، يَعْنِي فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى مَا عُهِدَ لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَيَّنِ لَازِمًا، وَحَقِيقَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَبْدَإِ التَّقْرِيرِ شَرْحٌ لَهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّحَ قَوْلَهُمَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ بِأَنَّ عَهْدَهُمَا أَعْهَدُ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَهْدِيَّةَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَادَّةٍ خَاصَّةٍ: يَعْنِي الْجَمْعَ مُطْلَقًا عَهْدٌ لِلْعَشَرَةِ، فَإِذَا عَرَضَ فِي خُصُوصِ مَادَّةٍ مِنْ الْجَمْعِ كَالْأَيَّامِ عَهْدِيَّةَ عَدَدٍ غَيْرِهِ كَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى، وَقَدْ عُهِدَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ وَفِي الشُّهُورِ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ صَرْفُ خُصُوصِ هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ إلَيْهِمَا أَوْلَى، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْجُمُوعِ كَالسِّنِينَ وَالْأَزْمِنَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي مَادَّتَيْهِمَا عَدَدٌ آخَرُ فَيُصْرَفُ إلَى مَا اسْتَقَرَّ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ إرَادَةِ الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ مُغَالَطَةٌ فَإِنَّ السَّبْعَةَ الْمَعْهُودَةَ نَفْسُ الْأَزْمِنَةِ الْخَاصَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِيَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الْأَحَدِ إلَى آخِرِهِ، وَالْكَلَامُ فِي لَفْظِ أَيَّامٍ إذَا أُطْلِقَ عَلَى عَهْدٍ مِنْهُ تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ الْخَاصَّةِ لِلسَّبْعَةِ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ كَثْرَةُ إطْلَاقِ لَفْظِ أَيَّامٍ وَشُهُورٍ وَيُرَادُ بِهِ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرَ إلَى آخِرِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، بَلْ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ الْمُسَمَّيَاتُ مُتَكَرِّرَةٌ وَغَيْرُ مُتَكَرِّرَةٍ وَغَيْرُ بَالِغَةٍ السَّبْعَةِ بِحَسَبِ الْمُرَادَاتِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ، فَالْجَوَابُ مَنْعُ تَوَقُّفِ انْصِرَافِ اللَّامِ إلَى الْعَهْدِ عَلَى تَقَدُّمِ الْعَهْدِ عَنْ لَفْظِ النَّكِرَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْعَهْدِ بِالْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ أَوْ لَا عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ الْمَعْنَى مَعْهُودًا بِأَيِّ طَرِيقِ فَرْضٍ ثُمَّ أُطْلِقَ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ انْصَرَفَ إلَيْهِ. وَقَدْ قَسَّمَ الْمُحَقِّقُونَ الْعَهْدَ إلَى ذِكْرِي وَعِلْمِي وَمَثَّلَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] فَإِنَّ ذَاتَ الْغَارِ هِيَ الْمَعْهُودَةُ لَا مِنْ لَفْظٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ بَلْ مِنْ وُجُودٍ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ جَعْلُ مَا سَمَّاهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ عَهْدٌ بِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُنَا الْعَامُّ يَخُصُّ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، فَإِنَّ الْعَهْدَ لَيْسَتْ إلَّا عَمَلًا عُهِدَ مُسْتَمِرًّا ثُمَّ يُطْلَقُ اللَّفْظُ الَّذِي يَعُمُّهَا وَغَيْرُهَا فَيُقَيَّدُ بِهَا لِعَهْدِيَّتِهَا عَمَلًا لَا لَفْظًا وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْأَيَّامُ الْكَثِيرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا تَنَاوَلَهُ اسْمُ الْأَيَّامِ) عَلَى الْيَقِينِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَقَالَا: سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ) وَقَدْ يُقَالُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ أَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَمُقْتَضَاهُ إنْ نُظِرَ إلَى الْكَثْرَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى هُنَا أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا بِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْظَرْ إلَى الْكَثْرَةِ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ مُخْتَلِفٌ، فَرُبَّمَا يُقَالُ فِي السَّبْعَةِ كَثِيرَةٌ وَرُبَّمَا يُقَالُ قَلِيلَةٌ، وَكَذَا الْعَشَرَةُ وَالْعِشْرُونَ فَإِنَّهُ يُقَالُ بِاعْتِبَارَاتٍ وَنِسَبٍ لَمْ تَنْضَبِطْ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا نِيَّةَ لِلْقَائِلِ فِي مِقْدَارِ الْكَثِيرِ، فَفَرَّعَ كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: أَمَّا بِلِسَانِنَا فَلَا يَجِيءُ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَلْ يُصْرَفُ إلَى أَيَّامِ الْجُمُعَةِ بِالِاتِّفَاقِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ اكرخدمت كنى مراروزهاي بِسَيَّارِ توازاذي إذَا خَدَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يُعْتَقُ لِأَنَّ فِي لِسَانِنَا تُسْتَعْمَلُ مَعَ جَمِيعِ الْأَعْدَادِ لَفْظَةً روز فَلَا يَجِيءُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ انْتِهَاءِ الْأَيَّامِ إلَى الْعَشَرَةِ، وَهَذَا حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] قَالَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَهُوَ عَلَى السَّادِسَ عَشَرَ مِنْهُ، وَآخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ هَذَا الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ، وَجُمَعٌ وَسُنُونَ مُنَكَّرٌ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَلَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ أَوْ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَهُ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا وَيَوْمُهَا، وَإِنْ نَوَى السَّاعَةَ الَّتِي أَهَلَّ فِيهَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَهُ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى خَامِسَ عَشَرِهِ، وَإِنْ قَالَ آخِرُ الشَّهْرِ فَمِنْ سَادِسَ عَشَرِهِ إلَى آخِرِهِ، أَوْ غُرَّةِ الشَّهْرِ فَاللَّيْلَةُ الْأُولَى وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ فِي الْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ لِلْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ سَلْخُ الشَّهْرِ فَالتَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ، وَإِنْ قَالَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَلَهُ وَقْتُ الظُّهْرِ كُلِّهِ، وَعِنْدَ طُلُوعُ الشَّمْسِ لَهُ مِنْ حِينَ تَبْدُو إلَى أَنْ تَبْيَضَّ، وَإِنْ قَالَ وَقْتَ الضَّحْوَةِ فَمِنْ حِينَ تَبْيَضُّ إلَى أَنْ تَزُولَ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَ بَرَّ، وَإِنْ قَالَ الْمَسَاءُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَسَاءَ مَسَاءَانِ، وَلَوْ قَالَ فِي الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُمْ حِسَابٌ يَعْرِفُونَ بِهِ الشِّتَاءَ وَالرَّبِيعَ وَالصَّيْفَ وَالْخَرِيفَ فَهُوَ عَلَى حِسَابِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالشِّتَاءُ مَا يَشْتَدُّ فِيهِ الْبَرْدُ عَلَى الدَّوَامِ، وَالصَّيْفُ مَا يَشْتَدُّ فِيهِ الْحَرُّ عَلَى الدَّوَامِ؛ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ: الْخَرِيفُ مَا يَنْكَسِرُ فِيهِ الْحَرُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَالرَّبِيعُ مَا يَنْكَسِرُ فِيهِ الْبَرْدُ عَلَى الدَّوَامِ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ عِنْدَنَا شَيْءٌ فِي مَعْرِفَةِ الصَّيْفِ، إنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ النَّاسِ، فَإِذَا قَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ ذَهَبَ الشِّتَاءُ وَالصَّيْفُ فَهُوَ كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَالِفُ فِي بَلَدٍ لَهُمْ حِسَابٌ يَعْرِفُونَ بِهِ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ مُسْتَمِرًّا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَأَوَّلُ الشِّتَاءِ مَا يَلْبَسُ النَّاسُ فِيهِ الْحَشْوَ وَالْفَرْوَ، وَآخِرُهُ مَا يَسْتَغْنِي النَّاسُ فِيهِ عَنْهُمَا، وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ إذَا اسْتَثْقَلَ ثِيَابَ الشِّتَاءِ وَاسْتَخَفَّ ثِيَابَ الصَّيْفِ، وَالرَّبِيعُ مِنْ آخَرِ الشِّتَاءِ إلَى أَوَّلِ الصَّيْفِ، وَالْخَرِيفُ مِنْ آخِرِ الصَّيْفِ إلَى أَوَّلِ الشِّتَاءِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا أَيْسَرُ لِلنَّاسِ. وَقِيلَ إذَا كَانَ عَلَى الْأَشْجَارِ أَوْرَاقٌ وَثِمَارٌ فَهُوَ صَيْفٌ، وَإِذَا بَقِيَ الْأَوْرَاقُ دُونَ

[باب اليمين في العتق والطلاق]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ) (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ) لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ، وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالثِّمَارِ فَخَرِيفٌ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا أَوْرَاقٌ فَالشِّتَاءُ، وَإِذَا خَرَجَتْ الْأَوْرَاقُ دُونَ الثِّمَارِ فَالرَّبِيعُ وَهُوَ إذَا خَرَجَتْ الْأَزْهَارُ. وَلَوْ قَالَ إلَى وُقُوعِ الثَّلْجِ أَرَادَ وَقْتَ وُقُوعِهِ فَعَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَذَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى حَقِيقَةَ وُقُوعِهِ فَعَلَى حَقِيقَةِ الْوُقُوعِ وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى كَنْسِهِ لَا يُعْتَبَرُ مَا يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَمَا لَا يَسْتَبِينُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَلَوْ وَقَعَ الثَّلْجُ فِي بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْحَالِفِ لَا يُعْتَبَرُ بَلْ الْمُعْتَبَرُ وُقُوعُهُ فِي بَلْدَتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَالِفُ فِي بَلْدَةٍ لَا يَقَعُ بِهَا ثَلْجٌ تَأَبَّدَتْ الْيَمِينُ. وَلَوْ قَالَ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ فَقَدِمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ انْتَهَتْ الْيَمِينُ، وَلَوْ ذَكَرَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، فَعَلَى السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا، وَالْخِلَافُ فِيهِ مَعْرُوفٌ بَيْنَ عُلَمَائِنَا، فَإِنْ كَانَ حَلَفَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ هُمَا حَتَّى يَجِيءَ مِثْلُهُ مِنْ رَمَضَانَ الْقَابِلِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَمْضِي كُلَّ رَمَضَانَ الْقَابِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ عِنْدَ الْكُلِّ لَكِنَّهُ يَقُولُ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَعِنْدَهُمَا فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ لَكِنْ لَا تُعْرَفُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ] (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ) لَمَّا كَثُرَ وُقُوعُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ قَدَّمَهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ) وَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِهِ عِتْقَ أَمَةٍ لِأَنَّ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وُلِدَ حَقِيقَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَشَرْعًا حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ بِهِ نُفَسَاءَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَتَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي السِّقْطِ «يَظَلُّ مُحْبَنْطِئًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُدْخِلَ أَبَوَاهُ الْجَنَّةَ» يُرْوَى بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الْعَظِيمُ الْبَطْنِ الْمُنْتَفِخُ: أَيْ يُنْفَخُ بَطْنُهُ مِنْ الِامْتِلَاءِ مِنْ الْغَضَبِ، وَبِلَا هَمْزٍ هُوَ الْمُتَغَضَّبُ الْمُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ وَالْفِعْلُ مِنْهُمَا احْبَنْطَأَ مَهْمُوزًا وَاحْبَنْطَى مَقْصُورًا، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ السِّقْطَ لَهُ حُكْمُ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْحُكْمِ، فَلَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ أَيْضًا لِأَنَّهُ وَلَدٌ حَتَّى

تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ (وَلَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْجَزَاءُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْوَلَدِ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ جَزَاءً وَهِيَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي دَفْعِ تَسَلُّطِ الْغَيْرِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الْمَيِّتِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا، بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَارَتْ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا يُعْتَبَرْ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي الْحَيْضِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) آنِفًا لَكِنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِهِ وَلَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبَانَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَدَخَلَتْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَا يَحْنَثُ، حَتَّى لَوْ رَجَعَتْ فَدَخَلَتْ لَا يَقَعُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ إلَّا الْوَلَدُ الْحَيُّ هُنَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَزَاءَ وَصْفًا لِلْمَوْصُوفِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْوَلَدُ، وَهَذَا الْوَصْفُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْحَيِّ فَتَقَيَّدَ الْمَوْصُوفُ بِالشَّرْطِ بِالْحَيَاةِ وَإِلَّا لُغِيَ الْكَلَامُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا، بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ لِلْأُمِّ وَحُرِّيَّتِهَا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا لِلْوَلَدِ بِالْحَيِّ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالطَّلَاقَ وَاقِعٌ وَصْفًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُ تَقْيِيدُهُ بِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ قِيلَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ ثُمَّ عَبْدًا لِنَفْسِهِ لَا يُعْتَقُ الثَّانِي لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَقَيَّدْ ضَرُورَةُ وَصْفِهِ بِالْحُرِّيَّةِ بِعَبْدٍ لِنَفْسِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ مَحَلٌّ لِلْإِعْتَاقِ لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ مَالِكِهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إضْمَارِ الْمِلْكِ فِيهِ. أَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يَصِحُّ إيجَابُ الْعِتْقِ فِيهِ لَا مَوْقُوفًا وَلَا غَيْرَهُ، وَبِهَذَا يَقَعُ الْجَوَابُ عَمَّا قَدْ يُورَدُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْجَزَاءِ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالشَّرْطِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ أَبَانَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَدَخَلَتْ انْحَلَّتْ وَلَمْ يَقَعْ بَعْدُ وَلَمْ يُضْمِرْ قَوْلَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فِي عِصْمَتِي وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَحَلٌّ لِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ وَتَوَقَّفَ عَلَى نِكَاحِهَا فَتَطْلُقُ عِنْدَهُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ. وَفِي الْإِيضَاحِ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ عَبْدٌ حَيٌّ يُعْتَقُ الْحَيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ. وَالصَّحِيحُ

لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا (وَإِذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا عَتَقَ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ (فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ آخَرَ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) لِانْعِدَامِ التَّفَرُّدِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالسَّبَقِ فِي الثَّالِثِ فَانْعَدَمَتْ الْأَوَّلِيَّةُ (وَإِنْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّفَرُّدُ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً وَالثَّالِثُ سَابِقٌ فِي هَذَا الْوَصْفِ (وَإِنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ الْآخَرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَلَا سَابِقَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ فَاتَّصَفَ بِالْآخِرِيَّةِ (وَيُعْتَقُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى يَعْتَبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَا: يُعْتَقُ يَوْمَ مَاتَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا وَنِصْفًا مَعًا عَتَقَ التَّامُّ. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَمْلِكُهُ فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَك كُرًّا وَنِصْفًا كَذَلِكَ لَمْ يُهْدِ شَيْئًا لِأَنَّ النِّصْفَ يُزَاحِمُ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ الْكُرِّ لِأَنَّهُ مَعَ كُلِّ نِصْفٍ مِنْهُ كُرٍّ بِخِلَافِ نِصْفِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ فَيَكْمُلُ الْعَبْدُ بِنِصْفَيْهِ، ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ والمرغيناني (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ) فَاشْتَرَى عَبْدًا عَتَقَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ فَتَحَقَّقَ بِشِرَائِهِ شَرْطُ الْعِتْقِ فَيُعْتَقُ، فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ آخَرَ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِانْعِدَامِ التَّفَرُّدِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالسَّبَقِ فِي الثَّالِثِ فَانْعَدَمَتْ الْأَوَّلِيَّةُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّفَرُّدُ بِهِ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً فَيُقَيَّدُ عَامِلُهُ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَاهُ فَيُفِيدُ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي حَالِ تَفَرُّدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ صَادِقٌ فِي الثَّالِثِ فَيُعْتَقُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدًا لَا يُعْتَقُ الثَّالِثُ لِأَنَّ وَاحِدًا يُحْتَمَلُ التَّفَرُّدَ فِي الذَّاتِ فَيَكُونُ حَالًا مُؤَكَّدَةً لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ فِي ذَاتِهِ فَلَا يُعْتَقُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَوَّلَيْنِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ بِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ وَسَابِقٌ عَلَى مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ الثَّالِثُ أَوْلَى بِهَذَا الْمَعْنَى، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى يُعْتَقُ كُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الِانْفِرَادِ فِي تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِهِ فَتَكُونُ مُؤَسِّسَةً فَيُعْتَقُ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ فِي تَعَلُّقِ الْفِعْلِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يُعْتَقُ بِالشَّكِّ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمَالِكِ: أَيْ حَالَ كَوْنِي مُنْفَرِدًا فَلَا يُعْتَقُ بِالشَّكِّ، إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا وَمَاتَ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّ الْآخَرَ فَرْدٌ لَاحِقٌ) وَالْفَرْضُ أَنْ لَا سَابِقَ لِهَذَا

حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ فَأَمَّا اتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ فَمِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَعْلِيقُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِهِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَرَيَانِ الْإِرْثِ وَعَدَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدِ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَنَاطُ الْعِتْقِ فَلَمْ يُعْتَقْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةِ وُجُودٌ سَابِقٌ بِالْفِعْلِ، وَفِي الْأَوَّلِيَّةِ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ لَا وُجُودُ آخِرِ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يُعْتِقْ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ إذْ لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهُ غَيْرَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فِي قَوْلِهِ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْآخَرُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ لَمْ يَعْقُبْهُ غَيْرُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ عِتْقِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَقُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ عِتْقُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الصِّحَّةِ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَالَا: يُعْتَقُ يَوْمَ مَاتَ الْمَوْلَى حَتَّى يُعْتَبَرَ عِتْقُهُ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ إلَى الْمَوْتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ أَشْتَرِ بَعْدَك آخَرُ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَهُ كَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ ثَابِتًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرِّفٌ لِلشَّرْطِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ اتِّصَافًا بِالْآخِرِيَّةِ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَرْضِيَّةِ الزَّوَالِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بَعْدَهُ غَيْرَهُ، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَشْتَرِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ آخِرًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يُحْكَمُ بِطَلَاقِهَا فِي الْحَالِ بَلْ حَتَّى يَمْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا امْتَدَّ ظَهَرَ أَنَّهَا طَلُقَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ حَيْثُ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ كَانَ حَيْضًا وَكَوْنُ صِفَةِ الْآخِرِيَّةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ وَأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَوْتِ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْطَ عَدَمَ الشِّرَاءِ بَلْ أَمْرٌ آخَرُ لَا يَتَحَقَّقُ ظُهُورُهُ إلَّا بِهِ فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ مُقْتَصِرًا إلَّا لَوْ كَانَ هُوَ نَفْسُ الشَّرْطِ، فَإِذَا كَانَ الْمَظْهَرُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ ثَبَتَ عِنْدَهُ مُسْتَنِدًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا وَمُسْتَنِدًا عِنْدَهُ. وَفَائِدَتُهُ: أَيْ فَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَعَدَمِهِ؛ فَعِنْدَهُمَا تَرِثُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ فَارًّا حَيْثُ حَكَمَا بِطَلَاقِهَا فِي آخِرِ نَفَسٍ مِنْ حَيَاتِهِ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ وَاحِدٍ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةُ

(وَمَنْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِوِلَادَةِ فُلَانَةَ فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقِينَ عَتَقَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا بِالْعُرْفِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَوَّلِ (وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) لِأَنَّهَا تَحَقَّقَتْ مِنْ الْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَفَاةِ، وَعِنْدَهُ لَا تَرِثُ لِأَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَقْتَ تَزَوُّجِهَا، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ مَهْرٌ بِالدُّخُولِ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتُعْتَبَرُ عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك، فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ يُقْتَصَرُ طَلَاقُهَا عَلَى الْحَالِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِكَوْنِ الشَّرْطِ عَدَمُ التَّزَوُّجِ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَهُ فَيَتَحَقَّقُ بِهِ الشَّرْطُ، وَلَيْسَ مِثْلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ الْعَدَمِ الْمَجْعُولِ شَرْطًا فَلَمْ يَكُنْ الْعَدَمُ السَّابِقُ تَمَامَ الشَّرْطِ، إذْ مَا لَمْ يَتِمَّ آخِرُ الشَّرْطِ لَا يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ الْآخِرِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتِمُّ بِذَلِكَ الشَّرْطِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى وَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْلُقْ هِيَ وَتَطْلُقُ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مَرَّةً، لِأَنَّ الَّتِي أَعَادَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجَ اتَّصَفَتْ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَلَا تَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ، كَقَوْلِهِ آخِرُ عَبْدٍ أَضْرِبُهُ وَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ آخَرَ ثُمَّ أَعَادَ الضَّرْبَ عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الَّذِي ضَرَبَهُ ثَانِيًا لَا الْمَعَادُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِوِلَادَةِ فُلَانَةَ فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقِينَ) أَيْ مُتَعَاقِبِينَ عَتَقَ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ فَقَطْ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ إنَّمَا تَحَقَّقَتْ مِنْهُ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا فِي الْعُرْفِ، وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مَا يُغَيِّرُ الْبَشَرَةَ سَارًّا كَانَ أَوْ ضَارًّا، قَالَ تَعَالَى {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] وَلَكِنْ إذَا وَقَعَ بِمَا يُكْرَهُ قُرِنَ بِذِكْرِ مَا بِهِ الْوَعِيدُ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا خَاصٌّ بِالْمَحْبُوبِ، وَمَا وَرَدَ فِي الْمَكْرُوهِ فَمَجَازٌ دُفِعَ بِمَادَّةِ اشْتِقَاقِهِ وَهِيَ الْبَشَرَةُ فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ لِذَلِكَ الْخَبَرَ أَثَرًا فِي الْبَشَرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِمَا يَخَافُهُ الْإِنْسَانُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ بَشَرَتِهِ فِي الْمُشَاهَدِ الْمَعْرُوفِ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِالْمَحْبُوبِ إلَّا أَنَّ عَلَى الْعُرْفِ بِنَاءَ الْأَيْمَانِ، وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا لِأَنَّ الْبِشَارَةَ تَحَقَّقَتْ مِنْ الْكُلِّ. قَالَ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] فَنَسَبَهَا إلَى جَمَاعَةٍ فَحَقِيقَتُهَا تَتَحَقَّقُ بِالْأَوَّلِيَّةِ مِنْ فَرْدٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدِ، فَابْتَدَرَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِالْبِشَارَةِ، فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَتَى ذَكَرَ: بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ» وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْبِشَارَةِ إخْبَارٌ بِأَنْ قَالَ إنْ أَخْبَرَنِي وَالْبَاقِي بِحَالِهِ عَتَقَ الْكُلُّ، ثُمَّ إنْ عَدَّى بِالْبَاءِ بِأَنْ قَالَ إنْ

(وَلَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ، فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. لَهُمَا أَنَّ الشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ، فَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ الْقَرَابَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَتُهُ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ. وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» جَعَلَ نَفْسَ الشِّرَاءِ إعْتَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهُ وَصَارَ نَظِيرُ قَوْلِهِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْبَرَنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ اشْتَرَطَ فِيهِ الصِّدْقَ لِإِفَادَتِهَا إلْصَاقَ الْخَبَرِ بِنَفْسِ الْقُدُومِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ لُصُوقُهَا الْإِخْبَارَ بِنَفْسِهِ: يَعْنِي بِنَفْسِ الْقُدُومِ لَفْظًا وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي الْكَذِبِ، فَاشْتِرَاطُ الصِّدْقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَحَقُّقَ الْإِلْصَاقِ إنَّمَا يَكُونُ بِإِلْصَاقِ الْإِخْبَارِ بِنَفْسِ الْوَاقِعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ أَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ عَتَقَ كُلُّ مَنْ أَخْبَرَهُ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّدْقِ فِي الْبِشَارَةِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْبَشَرَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْأَخْبَارِ السَّارَّةِ صِدْقًا كَذَلِكَ يَحْصُلُ كَذِبًا. وَأُجِيبَ بِمَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ، وَالْوَجْهُ فِيهِ نَقْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ) لِأَنَّ وُقُوعَهُ كَفَّارَةٌ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذِهِ النِّيَّةُ يُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ، وَهَذَا تَسَاهُلٌ، فَإِنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ هُوَ قَوْلُهُ هُوَ حُرٌّ وَهُوَ جُزْءُ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ هُوَ مَجْمُوعُ التَّرْكِيبِ التَّعْلِيقِيِّ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ ذَلِكَ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ التَّكَلُّمِ بِهِ بَلْ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ الْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَجُزْ عَنْهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ وَإِنْ كَانَ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ السَّابِقُ فَإِنَّهُ الْعِلَّةُ، أَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُ عَمَلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّيَّةِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى عَنْ كَفَّارَةٍ لَا يَجْزِيه لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ لَا مُتَأَخِّرٌ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ حَتَّى لَوْ كَانَ نَوَى عِنْدَهُ إذَا اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهُ عَتَقَ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيه يُرِيدُ عَنْ كَفَّارَتِي. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَزَاءَ الْمُعَلَّقَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عِلَّةً عِنْدَ الشَّرْطِ، وَالشِّرَاءُ هُوَ الشَّرْطُ، وَقَدْ قُرِنَتْ النِّيَّةُ بِالْعِلَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَنْهَا لِقِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَبْلَ الشَّرْطِ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً اعْتَبَرَ الشَّرْعُ لَهُ حُكْمَ الْعِلِّيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ اتِّفَاقًا، فَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ لَمْ يُعْتَبَرْ أَصْلًا فَلِذَا يَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِيه عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ لِلْعِتْقِ هِيَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَا شِرَاءُ الْقَرِيبِ لِأَنَّهَا الَّتِي ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي وُجُوبِ الصِّلَةِ كَالنَّفَقَةِ فَهِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ شَرْطُ عَمَلِهَا سَوَاءٌ حَصَلَ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ نَفْسُ الْعِلَّةِ فَلَا لِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ لِإِزَالَتِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُقْتَضَاهُ. وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، لِمَا رَوَى السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

(وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ) وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» يُرِيدُ فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَ هُوَ عِنْدَ ذَلِكَ الشِّرَاءِ، وَهَذَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِ عِتْقِهِ إلَى إعْتَاقٍ زَائِدٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَرَابَةَ ظَاهِرَةُ الْأَثَرِ فِيهِ شَرْعًا، وَقَدْ رَتَّبَ عِتْقَهُ عَلَى شِرَائِهِ بِالْفَاءِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى فَيُعْتِقَ هُوَ فَهُوَ مِثْلُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ، وَالتَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ كَمَا بَيَّنَّا فِي وَجْهِ قَوْلِ زُفَرَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمِلْكَ أَيْضًا كَذَلِكَ بِالنَّصِّ مَعَ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى عَيْنِ حِكْمَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ تَحْصِيلًا لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْقَطِيعَةِ الْحَاصِلَةِ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ كَالْبَهَائِمِ وَالْأَمْتِعَةِ وَلِمَصْلَحَةِ الصِّلَةِ، وَهَذِهِ عَيْنُ حِكْمَةِ الْقَرَابَةِ الَّتِي بِهَا كَانَتْ عِلَّةُ الْعِتْقِ فَوَجَبَ كَوْنُ مَجْمُوعِ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ عِلَّةُ الْعِتْقِ وَلِذَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا، وَاشْتُهِرَتْ عِبَارَتُنَا الْقَائِلَةُ شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ غَيْرَ أَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، أَيْ عِلَّةُ جُزْءِ الْعِلَّةِ. وَلَمَّا كَانَ الشِّرَاءُ الِاخْتِيَارِيُّ هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَزِمَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ، فَإِذَا نَوَى عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ صَحَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ الْأَبَ وَغَيْرَهُ بِالْإِرْثِ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِ بِلَا اخْتِيَارٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ النِّيَّةُ فِيهِ فَلَا يُعْتَقُ عَنْ كَفَّارَتِهِ إذَا نَوَاهُ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْعِتْقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُهِبَ لَهُ أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَنَوَى عِنْدَ الْقَبُولِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِسَبْقِهَا مُخْتَارًا فِي السَّبَبِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْتِيبِ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ الْعِتْقُ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَمَامِ الْعِلَّةِ. وَأَمَّا الْمُنَافَاةُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قَوْلِهِمْ الشِّرَاءُ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَتُهُ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ فِي قَوْلِنَا شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْقَرِيبِ وَمِلْكُ الْقَرِيبِ عِلَّةُ الْعِتْقِ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةٌ إلَى عِلَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَالْمُنَافَاةُ إنَّمَا تَثْبُتُ لَوْ كَانَ إزَالَةُ الْمِلْكِ نَفْسُ مُوجِبِ الشِّرَاءِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ؛ وَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَصْلُ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ لَمْ تُجِزْهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ) وَإِنْ نَوَى عِنْدَ الشِّرَاءِ كَوْنَ عِتْقِهَا عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ، قَالُوا: وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ

إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَجْزِيه عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تَنْضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِقِنَّةٍ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي حَيْثُ يَجْزِيه عَنْهَا إذَا اشْتَرَاهَا لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ تَخْتَلَّ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَمِينِ وَقَدْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ (وَمَنْ) (قَالَ إنْ تُسُرِّيت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ يَقُولُ لَهَا (إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ) وَهُوَ الشِّرَاءُ (وَلَا تَجْزِيه عَنْ الْكَفَّارَةِ) وَإِنَّمَا صُوِّرَتْ هَكَذَا لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ شِرَاءِ الْقَرِيبِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَشِرَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَإِلَّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجْزِي مُعَلَّقًا أَوْ مُنْجَزًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشِّرَاءَيْنِ مَعَ أَنَّ الشِّرَاءَ فِي الْفَصْلَيْنِ مَسْبُوقٌ بِمَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا الْقَرَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ حَتَّى جُعِلَ إعْتَاقًا مِنْ وَجْهٍ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَهِيَ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَدْ عَتَقَتْ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ عِتْقُهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ تَنْجِيزًا إعْتَاقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. وَالْوَاجِبُ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الشِّرَاءِ أُعْتِقَ مِنْ وَجْهٍ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِقِنَّةٍ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي حَيْثُ تَجْزِيه إذَا اشْتَرَاهَا لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ تَخْتَلَّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْكَفَّارَةِ وَقَدْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ) فَكَمُلَ الْمُوجِبُ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ إنْ تُسُرِّيت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ) اعْلَمْ أَنَّ التَّسَرِّي هُنَا تَفَعُّلٌ مِنْ السُّرِّيَّةِ وَهُوَ اتِّخَاذُهَا، وَالسُّرِّيَّةُ إنْ كَانَتْ مِنْ السُّرُورِ فَإِنَّهَا تُسَرُّ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَيُسَرُّ هُوَ بِهَا أَوْ مِنْ السُّرِّ وَالسِّيَادَةِ فَضَمُّ سِينِهَا عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ السِّرِّ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ أَوْ بِمَعْنَى ضِدِّ الْجَهْرِ فَإِنَّهَا قَدْ تَخْفَى عَنْ الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ فَضَمُّهَا مِنْ تَغْيِيرَاتِ النَّسَبِ كَمَا قَالُوا دُهْرِيٌّ بِالضَّمِّ فِي النِّسْبَةِ إلَى الدَّهْرِ وَفِي النِّسْبَةِ إلَى السَّهْلِ مِنْ الْأَرْضِ سُهْلِيٌّ بِالضَّمِّ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ مَصْدَرِهِ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ التَّسَرِّي قِيلَ تَسَرَّى بِإِبْدَالِ الْيَاءِ أَلِفًا

فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُنَكَّرَةٌ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ جَارِيَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَمْ تُعْتَقْ) خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الْمِلْكِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ التَّسَرُّرُ قِيلَ تَسَرَّرَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقَالَ أَلَّا تُسِرِّي فِي الْمَصْدَرَيْنِ لِأَنَّهُ اتِّخَاذُ السُّرِّيَّةِ، لَكِنْ لُوحِظَ فِيهِ أَصْلُ السُّرِّيَّةِ وَهُوَ السُّرُورُ أَوْ السِّرُّ فَاسْتُعْمِلَ بِرَاءَيْنِ بِإِبْدَالِ الْيَاءِ رَاءً، وَخُصَّتْ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ عَنْ عَائِشَةَ وَسُئِلَتْ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَتْ " لَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا النِّكَاحَ وَالِاسْتِسْرَارَ " وَالْقِيَاسُ الِاسْتِسْرَاءُ بِهَمْزَةٍ هِيَ بَدَلُ الْيَاءِ الْوَاقِعَةِ طَرَفًا بَعْدَ أَلْفٍ سَاكِنَةٍ كَهَمْزَةِ كِسَاءٍ، وَمَعْنَى التَّسَرِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يُحْصِنَ أَمَتَهُ وَيَعُدُّهَا لِلْجِمَاعِ أَفْضَى إلَيْهِ بِمَائِهِ أَوْ عَزَلَ عَنْهَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَعْزِلَ مَاءَهُ مَعَ ذَلِكَ، فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ. لَنَا أَنَّ مَادَّةَ اشْتِقَاقِهِ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَتْ مِنْ السُّرُورِ أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَى الْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَا تَقْتَضِي الْإِنْزَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ وَالسُّرُورَ وَالسِّيَادَةَ كُلٌّ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، فَأَخَذَهُ فِي الْمَفْهُومِ وَاعْتِبَارُهُ بِلَا دَلِيلٍ، وَكَوْنُ الْعُرْفِ فِي التَّسَرِّي تَحْصِينُهَا لِطَلَبِ الْوَلَدِ دَائِمًا مَمْنُوعٌ بَلْ الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فِي الْمُشَاهَدِ؛ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَلِدَ لَهُ إذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَلَوْ قَالَ إنْ تُسُرِّيت جَارِيَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا عَتَقَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ فَمَلَك عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا يُعْتَقُ هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَحْدَثُ. وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ إجْمَاعِيَّةٌ. وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ الْحَلِفِ فَتَسَرَّاهَا لَا تُعْتَقُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ زُفَرُ: تُعْتَقُ لِأَنَّ التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرُ الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ مَلَكْت أَمَةً فَتَسَرَّيْتهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ

وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةٌ صِحَّةُ التَّسَرِّي وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا أَنَّهُ لَوْ عَتَقَتْ الْمُشْتَرَاةُ لَزِمَ صِحَّةُ تَعْلِيقِ عِتْقِ مَنْ لَيْسَ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّسَرِّي لَيْسَ نَفْسُ الْمِلْكِ وَلَا سَبَبُهُ بَلْ قَدْ يَتَّفِقُ بَعْدَهُ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَ إلَّا إعْدَادُ أَمَةٍ حَصَّنَهَا لِلْجِمَاعِ، فَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ وُجُودَ الْمِلْكِ سَابِقًا عَلَى ابْتِدَاءِ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ أَوْ مُقَارِنًا، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَسْتَلْزِمُ إخْطَارَهُ عِنْدَ التَّكَلُّمِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ خُطُورِهِ، ثُمَّ تَقْدِيرُهُ مُرَادًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا بَيِّنًا لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ فِي الذِّهْنِ بَلْ لَازِمٌ لِوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ، وَاللَّوَازِمُ الْخَارِجِيَّةُ لَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُهَا تَعَقُّلُ مَا هُوَ مَلْزُومُهَا فِي الْخَارِجِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت أَمَةً فَتَسَرَّيْتهَا إلَخْ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِجَعْلِ الشَّرْطِ الْمِلْكَ، وَبِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّ عِتْقَ عَبْدِهِ الْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ لِاعْتِبَارِنَا الشَّرْطَ مَجْمُوعٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ، بَلْ لِاقْتِضَاءِ الشَّرْطِ الْمِلْكَ، غَيْرَ أَنَّ الشَّرْطَ هُنَاكَ إذَا ثَبَتَ بِمُقْتَضَاهُ ثَبَتَ الْجَزَاءُ وَهُوَ عِتْقُ عَبْدِهِ، أَمَّا هَاهُنَا لَوْ ثَبَتَ التَّسَرِّي لَا يَثْبُتُ عِتْقُ الْمُتَسَرَّى بِهَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ الشَّرْطِ شَرْعًا وَهُوَ كَوْنُهُ نَفْسُ الْمِلْكِ أَوْ سَبَبُهُ فَلِهَذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ هَاهُنَا ضَرُورَةُ صِحَّةِ التَّسَرِّي بِهِ فَقَطْ لِأَنَّ الثَّابِتَ ضَرُورَةٌ أَمْرٌ لَا يَتَجَاوَزُهَا، ثُمَّ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ التَّسَرِّي عِتْقُهَا لِاحْتِيَاجِ عِتْقِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْإِعْتَاقِ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ مِلْكِهَا إلَى كَوْنِهِ مُعَلَّقًا بِالْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ وِزَانَ مَسْأَلَتِنَا، وَإِنَّمَا وِزَانُهَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةِ إنْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً. وَنَحْنُ نَقُولُ فِي هَذِهِ لَا تَطْلُقُ الْأُخْرَيَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بِالتَّطْلِيقِ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ كَوْنُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ. نَعَمْ قَدْ يُقَدَّرُ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى الْمَعْنَى فَيَصِيرُ مُعْتَبَرًا لَفْظًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِتَصْحِيحِ الْجَزَاءِ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ غَرَضَ الْيَمِينِ الْحَمْلُ فَإِنَّهُ يَعْرِفُ قَصْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِيُوجَدَ الْجَزَاءُ كَمَا قَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَفْظَ حَيًّا فِي قَوْلِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ لِتَصْحِيحِ الْجَزَاءِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ غَرَضَهُ وُجُودُ الشَّرْطِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا وَتَخْفِيفُهَا عَلَيْهَا، فَفِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُعْرَفُ أَنَّ الْغَرَضَ مَنْعُ الشَّرْطِ بِمَنْعِ

وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ دُونَ الْجَزَاءِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فَهَذِهِ وِزَانُ مَسْأَلَتِنَا (وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَعَبِيدُهُ) لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي هَؤُلَاءِ، إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ التَّقْدِيرُ لِتَصْحِيحِ وُقُوعِ الْجَزَاءِ، وَحَلَفَ التَّسَرِّي مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى زُفَرَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالْمُقْتَضَى حَتَّى حَكَمَ فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَنْ الْمَأْمُورِ فَكَيْفَ خَالَفَ هُنَا وَحَكَمَ بِاعْتِبَارِهِ وَتَقْدِيرِهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا إصْلَاحُهُ لَهُ فَإِنَّ مُنَاقَضَتَهُ لَا تَضُرُّنَا. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى بَلْ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ حَيْثُ كَانَ فَهْمُ الْمِلْكِ ثَابِتًا عِنْدَ فَهْمِ مَعْنَى التَّسَرِّي. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ صُورَةِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَعِلَّةٍ حَتَّى قِيلَ هِيَ قِيَاسٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ إلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ فِي فَهْمِ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ. فَالْوَجْهُ كَوْنُ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى إنْ وَطَئْتُ مَمْلُوكَةً لِي فَكَانَتْ الدَّلَالَةُ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ، وَقَدْ نَقَلْنَا فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ تَفْسِيرًا لِلدَّلَالَةِ بِمَعْنَى دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَإِنْ لَمْ تَرْضَهُ، هَذَا وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُقْتَضَى، لِأَنَّ الْمُقْتَضَى مَا يَكُونُ ثُبُوتُهُ لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ الْكَلَامِ الظَّاهِرُ عَدَمُ صِحَّتِهِ لُغَةً مِثْلُ " رَفْعِ الْخَطَأِ " أَوْ شَرْعًا مِثْلُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي. وَقَوْلُ الْقَائِلِ إنْ تَسَرَّيْت لَا يَتَبَادَرُ كَذِبُهُ فَيَحْتَاجُ فِي تَصْحِيحِهِ إلَى التَّقْدِيرِ إزَالَةً لِلْخَطَأِ تَصْحِيحًا لِمَا لَمْ يَصِحَّ ظَاهِرُهُ، وَهَذَا عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَاهُ فِي إنْ أَكَلْت بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَاحِدٌ وَهُوَ إعْدَادُ الْمَمْلُوكَةِ إلَخْ لَا الْإِعْدَادُ الْأَعَمُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا فَهُوَ مَدْلُولُ تَضَمُّنِيٌّ مِنْ قَبِيلِ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَعَبِيدُهُ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي هَؤُلَاءِ) أَيْ إضَافَةُ الْمِلْكِ الْكَامِلِ فِي هَؤُلَاءِ إلَى السَّيِّدِ ثَابِتَةٌ رَقَبَةً وَيَدًا فَدَخَلُوا فَيُعْتَقُونَ، وَيَدْخُلُ الْإِمَاءُ وَالذُّكُورُ، وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ فَقَطْ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَلَوْ نَوَى السُّودَ دُونَ غَيْرِهِمْ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ بِوَصْفٍ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ ذِكْرُهُ وَلَا عُمُومٌ إلَّا اللَّفْظُ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ، بِخِلَافِ الرِّجَالِ لِأَنَّ لَفْظَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِلرِّجَالِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ تَعْمِيمُ مَمْلُوكٍ وَهُوَ لِلذَّكَرِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْأُنْثَى مَمْلُوكَةً، وَلَكِنْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يُسْتَعْمَلُ لَهُمَا الْمَمْلُوكُ عَادَةً: يَعْنِي إذَا عَمَّمَ (مَمْلُوكٍ) بِإِدْخَالِ (كُلُّ) وَنَحْوِهِ يَشْمَلُ الْإِنَاثَ حَقِيقَةً كَمَا ذُكِرَ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ كَالْمُسْلِمِينَ. وَالْوَاوُ فِي فَعَلُوا عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حَقِيقَةٌ فِي الْكُلِّ فَلِذَا كَانَ نِيَّةُ الذُّكُورِ خَاصَّةً خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً،

(وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ) لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ فَاخْتَلَّتْ الْإِضَافَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ (وَمَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأَوَّلِيَّيْنِ ثُمَّ عَطَفَ الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ) لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ نَوَى النِّسَاءَ وَحْدَهُنَّ لَا يُصَدَّقُ لَا دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الْمُدَبَّرِينَ، فِي رِوَايَةٍ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُصَدَّقُ لَا دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَقُ مُكَاتَبُوهُ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمْ غَيْرُ ثَابِتٍ) يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ فَاخْتَلَّتْ إضَافَةُ الْمِلْكِ إلَيْهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْوِيَهُمْ بِلَفْظِ كُلُّ مَمْلُوكٍ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لَوْ قَالَ كُلُّ مَرْقُوقٍ لِي حُرٌّ أَنْ يُعْتَقَ الْمُكَاتَبُونَ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِمْ كَامِلٌ، وَلَا تُعْتَقُ أُمُّ الْوَلَدِ إلَّا بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأَوَّلِيَّيْنِ ثُمَّ عَطَفَ الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ) مِنْهُمَا وَالْعَطْفُ يُشْرَكُ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَحُكْمُهُ هُنَا الطَّلَاقُ الْمُنْجَزُ وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي التَّعْيِينِ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ، وَيُتَخَيَّرُ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا) وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ نِصْفُ الْأَلْفِ لِلثَّالِثِ وَعَلَيْهِ بَيَانُ مَنْ لَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ. وَقَدْ يُقَالُ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ كَمَا يَصِحُّ عَلَى الْأَحَدِ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ يَصِحُّ عَلَى هَذِهِ الثَّانِيَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الثَّالِثَةِ لِأَنَّ التَّرْدِيدَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْأُولَى فَقَطْ وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَعًا فَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ لِذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالضَّرْبِ) وَلَمَّا كَانَتْ الْأَيْمَانُ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَمَا بَعْدَهَا قَدَّمَهَا عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ بَابٍ عَقَدَهُ فَوُقُوعُهُ أَقَلُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَأَكْثَرُ مِمَّا بَعْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ وَيَسْتَغْنِي الْوَكِيلُ فِيهِ عَنْ نِسْبَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ لِوُجُودِهِ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ كَالْحَلِفِ وَلَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي وَلَا يُؤَجِّرُ وَلَا يَسْتَأْجِرُ وَلَا يُصَالِحُ عَنْ مَالٍ وَلَا يُقَاسِمُ، وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يُسْتَنَابُ فِيهِ وَيَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى النِّسْبَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُخَاصِمُ فُلَانًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَقُولُ أَدَّعِي لِمُوَكِّلِي، وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يَقْتَصِرُ أَصْلَ الْفَائِدَةِ فِيهِ عَلَى مَحَلِّهِ كَضَرْبِ الْوَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ بَلْ هُوَ فِيهِ سَفِيرٌ وَنَاقِلُ عِبَارَةٍ يَحْنَثُ فِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ كَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَوَكَّلَ بِهِ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يُعْتِقُ بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ أَوْ لَا يُكَاتِبُ أَوْ لَا يَهَبُ أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ أَوْ لَا يُوصِي أَوْ لَا يَسْتَقْرِضُ أَوْ لَا يُصَالِحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ لَا يُودِعُ أَوْ لَا يَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ أَوْ لَا يُعِيرُ أَوْ لَا يَسْتَعِيرُ. وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ تَرْجِعُ مَصْلَحَتُهُ إلَى الْآمِرِ كَحَلِفِهِ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ وَلَا يَذْبَحُ شَاتَه فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَمِنْهُ قَضَاءُ

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يُؤَاجِرُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْعَقْدَ وُجِدَ لَهُ مِنْ الْعَاقِدِ حَتَّى كَانَتْ الْحُقُوقُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْحَالِفُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ الشَّرْطُ وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ الْآمِرِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا أَوْ يَكُونَ الْحَالِفُ ذَا سُلْطَانٍ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَعْتَادُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يُعْتِقُ فَوَكَّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذَا سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ إلَى الْآمِرِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ لَا إلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ بِهِ لَمْ يَدِينَ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) وَسَنُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ عَلَى دَابَّتِهِ وَخِيَاطَةُ الثَّوْبِ وَبِنَاءُ الدَّارِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يُؤَاجِرُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْعَقْدَ وُجِدَ مِنْ الْعَاقِدِ) لَا مِنْ الْحَالِفِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمًا حَتَّى رَجَعَتْ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَكَانَ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالتَّسْلِيمِ لِلثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ وَالْمُخَاصِمُ بِالْعَيْبِ وَبِالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالْأُجْرَةِ (وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ) بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ (هُوَ الْحَالِفُ) لَا يَبِيعُ إلَخْ (يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ) لِصِدْقِ أَنَّهُ بَاعَ وَاشْتَرَى وَاسْتَأْجَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَحْنَثُ لِأَنَّ بِالْأَمْرِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَهُ لَهُ حَنِثَ. قُلْنَا: لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَهُوَ الشَّرْطُ لِلْحِنْثِ بَلْ مِنْ الْعَاقِدِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا (وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ) الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ لَا كُلُّ حُكْمٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى الْأَعَمِّ، بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ فِيهِ عَلَى حَلْقِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْحَلْقِ مُطْلَقًا فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ: يَعْنِي فَإِذَا نَوَى الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ يَحْنَثُ بِبَيْعِ الْوَكِيلِ (أَوْ يَكُونَ الْحَالِفُ ذَا سُلْطَانٍ لَا يَتَوَلَّى الْعُقُودَ بِنَفْسِهِ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْفِعْلِ لَيْسَ إلَّا الْأَمْرُ بِهِ فَيُوجَدُ سَبَبُ الْحِنْثِ بِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ رُبَّمَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ عَقْدَ بَيْعِ الْمَبِيعَاتِ، ثُمَّ لَوْ فَعَلَ الْآمِرُ بِنَفْسِهِ يَحْنَثُ أَيْضًا لِانْعِقَادِهِ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْمُورِهِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلًا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ مَرَّةً وَيُوَكِّلُ أُخْرَى تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ، وَكُلُّ فِعْلٍ لَا يَعْتَادُهُ الْحَالِفُ كَائِنًا مَنْ كَانَ كَحَلِفِهِ لَا يَبْنِي وَلَا يُطَيِّنُ الْعَقْدُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ فَوَكَّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ) يَعْنِي إذَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَوَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِهِمْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَإِنَّمَا نِسْبَتُهُ إلَى الْآمِرِ مَجَازٌ، ثُمَّ إنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَكُمْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ كَمَا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَنْتُمْ تَأْبُونَهُ. قُلْنَا: لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ كَانَ نَاقِلًا عِبَارَةً لِلْمُوَكِّلِ فَانْضَافَ الْعَقْدُ كُلُّهُ لَفْظًا وَحُكْمًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ بِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ لِلْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ شَعْرٍ أَوْ حِكْمَةٍ هَذَا لَيْسَ كَلَامُ هَذَا الرَّجُلِ بَلْ كَلَامُ فُلَانٍ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَدَمَ لُزُومِ أَحْكَامِ هَذَا الْعُقُودِ نَظَرًا إلَى الْفَرْضِ وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا يَلْزَمُ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ مُبَاشَرَةِ مَأْمُورِهِ وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ بِهِ لَمْ يَدِينَ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَدِينُ، وَلَوْ خَلَعَهَا أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ حَنِثَ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وِلَايَةُ ضَرْبِ عَبْدِهِ وَذَبْحِ شَاتِه فَيَمْلِكُ تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَنْفَعَتَهُ رَاجِعَةً إلَى الْآمِرِ فَيَجْعَلُ هُوَ مُبَاشِرًا إذْ لَا حُقُوقَ لَهُ تَرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت أَنْ لَا أَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِي دِينَ فِي الْقَضَاءِ) بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا، فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَيَدِينُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، أَمَّا الذَّبْحُ وَالضَّرْبُ فَفِعْلٌ حِسِّيٌّ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالتَّسْبِيبِ مَجَازٌ، فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQبَانَتْ حَنِثَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ فَعِنْدَ مُضِيِّهَا يَقَعُ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا وَقَعَ حُكْمًا دَفْعًا لِضَرَرِهَا فَلَا يَكُونُ شَرْطُ الْحِنْثِ مَوْجُودًا. وَلَوْ كَانَ عِنِّينًا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْمُدَّةِ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ زُفَرَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَلَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ. وَفِي الْإِجَازَةِ بِالْفِعْلِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُجِيزِ بِالْفِعْلِ عَاقِدًا لَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ. وَلَوْ وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ وَلَا يَعْتِقُ ثُمَّ طَلَّقَ الْوَكِيلُ أَوْ أَعْتَقَ يَحْنَثُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ هُنَا مَنْقُولَةٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وِلَايَةُ ضَرْبِ عَبْدِهِ وَذَبْحِ شَاتِه فَيَمْلِكُ تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ) فَلِمِلْكِهِ إيَّاهُ انْتَقَلَ فِعْلُ الضَّرْبِ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْأَمْرِ بِهِ (ثُمَّ مَنْفَعَتُهُ رَاجِعَةٌ إلَى الْآمِرِ) عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ مِنْ أَدَبِهِ وَانْزِجَارِهِ فَيُجْعَلُ مُبَاشِرًا إذْ لَا حُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي ضَرْبِ عَبْدِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ حُرًّا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَمَلَكَا الْأَمْرَ بِهِ (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت أَنْ لَا أَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِي دِينَ فِي الْقَضَاءِ) ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ شَرْعِيٍّ يُوجِبُ أَثَرًا شَرْعِيًّا فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ الْفُرْقَةُ (وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ كَالرَّسُولِ بِهِ وَلِسَانُ الرَّسُولِ كَلِسَانِ الْمُرْسِلِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ خَاصَّةً فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ دَاخِلٍ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُرْسِلِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ مُقْتَضَيَاتِهِ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَهِيَ الْحُقُوقُ، وَحَقِيقَةُ الْمُرَادِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَمَا مَعَهُ لَمَّا كَانَ لَفْظًا يَثْبُتُ عِنْدَهُ أَثَرٌ شَرْعِيٌّ فَالْحَلِفُ عَلَى تَرْكِهِ حَلِفٌ عَلَى أَنْ لَا تُوجَدَ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ فَنِيَّةُ أَحَدِهِمَا خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَمَّا الذَّبْحُ وَالضَّرْبُ فَفِعْلٌ حِسِّيٌّ) لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ أَثَرِهِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَثْبُتُ مَعَ أَثَرِهِ مِنْ الْفَاعِلِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ، فَنِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ مَجَازِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ تَسَبُّبِهِ فِيهِ، فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْمَجْعُولِ أَسْبَابًا شَرْعِيَّةً لِآثَارٍ شَرْعِيَّةٍ لَا تَثْبُتُ تِلْكَ الْآثَارُ إلَّا بِإِذْنٍ عَنْ وِلَايَةٍ، فَلَمَّا كَانَ لِلْإِذْنِ فِيهَا أَثَرٌ نَقَلَهَا إلَى الْحَالِفِ، قَالُوا: وَثُبُوتُ تَصْدِيقِهِ قَضَاءٌ فِي ضَرْبِ الْعَبْدِ رِوَايَةٌ فِي تَصْدِيقِهِ بِ قَضَاءٌ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ الْمُبَاشَرَةُ فِيهِمَا فَيُصَدَّقُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ) فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ التَّأَدُّبُ وَالتَّثَقُّفُ فَلَمْ يَنْسِبْ فَعَلَهُ إلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِضَرْبِ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الِائْتِمَارِ بِأَمْرِهِ عَائِدَةٌ إلَى الْآمِرِ فَيُضَافُ الْفِعْلُ إلَيْهِ (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ بِعْت لَك هَذَا الثَّوْبَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَدَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ دَخَلَ عَلَى الْبَيْعِ فَيَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ إذْ الْبَيْعُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَلَمْ تُوجَدْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ دَخَلَ عَلَى الْعَيْنِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ فَيَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَنَظِيرُهُ الصِّيَاغَةُ وَالْخِيَاطَةُ وَكُلُّ مَا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَقُّ أَنَّ الْفَرْقَ ثَابِتٌ وَلَكِنَّ تَأْثِيرَهُ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ يَتَحَقَّقُ أَثَرُهُ بِلَا إذْنٍ وَالْقَوْلُ لَا يَتَحَقَّقُ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ إلَّا بِإِذْنٍ لَا يَجْزِمُ عِنْدَهُ بِلُزُومِ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَى الْوَلَدِ) الْمَضْرُوبِ (وَهِيَ التَّأَدُّبُ وَالتَّثَقُّفُ) أَيْ التَّقَوُّمُ وَتَرْكُ الِاعْوِجَاجِ فِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةُ وَالْأَخْلَاقُ (فَلَمْ يُنْسَبْ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ) وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْأَبِ أَيْضًا، لَكِنَّ أَصْلَ الْمَنَافِعِ وَحَقِيقَتَهَا إنَّمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَا مُوجِبَ لِلنَّقْلِ. وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا وَعُرْفِ عَامَّتِنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ ضَرَبَ فُلَانٌ الْيَوْمَ وَلَدَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ، وَيَقُولُ الْعَامِّيُّ لِوَلَدِهِ غَدًا أَسْقِيَك عَلَقَةً ثُمَّ يَذْكُرُ لِمُؤَدِّبِ الْوَلَدِ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَعُدُّ الْأَبَ نَفْسَهُ قَدْ حَقَّقَ إيعَادَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكْذِبْ، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى مَعْنَى لَا يَقَعُ بِك ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ إنْ بِعْت لَك هَذَا الثَّوْبَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَخْ) لَا شَكَّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِعْت لَك هَذَا الثَّوْبَ وَبِعْت هَذَا الثَّوْبَ لَك بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَمَّا عَلَى جَعْلِ الْمُخَاطَبِ مُشْتَرِيًا لَهُ فِيهِمَا فَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ، وَأَمَّا عَلَى

(وَمَنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْمِلْكُ فِيهِ قَائِمٌ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَعْلِهَا فِيهِمَا لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ بِعْته لِأَجَلِك فَهِيَ أَيْضًا تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ عَلَى مَا ذَكَرُوا، لَكِنَّ الْوَجْهَ الظَّاهِرَ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنَّهُ إذَا وَلِيَتْ اللَّامُ الْفِعْلَ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَفْعُولِ نَحْوُ بِعْت لَك هَذَا كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ. وَوَجْهُ إفَادَتِهَا الِاخْتِصَاصُ هُوَ أَنَّهَا تَضْعِيفٌ مُتَعَلِّقُهَا لِمَدْخُولِهَا وَمُتَعَلِّقُهَا الْفِعْلُ وَمَدْخُولُهَا كَافُّ الْمُخَاطَبِ، فَتُفِيدُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ، وَكَوْنُهُ مُخْتَصًّا بِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ إطْلَاقُ فِعْلِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِأَمْرِهِ، وَإِذَا بَاعَ بِأَمْرِهِ كَانَ بَيْعُهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِهِ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ أَجْلِهِ، فَإِذَا دَسَّ الْمُخَاطَبُ ثَوْبَهُ بِلَا عِلْمِهِ فَبَاعَهُ لَمْ يَكُنْ بَاعَهُ مِنْ أَجْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَمْرِهِ بِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا كَوْنُ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ كَالصِّيَاغَةِ نَحْوُ إنْ صُغْت لَك خَاتَمًا، وَكَذَا إنْ خِطْت لَك وَإِنْ بَنَيْت لَك بَيْتًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك حَيْثُ يَحْنَثُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لِلْمُخَاطَبِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يُوجَدُ مَعَ أَمْرِهِ وَعَدَمِ أَمْرِهِ وَهُوَ بَيْعُ ثَوْبٍ مُخْتَصٍّ بِالْمُخَاطَبِ لِأَنَّ اللَّامَ هُنَا أَقْرَبُ إلَى الِاسْمِ الَّذِي هُوَ الثَّوْبُ مِنْهُ لِلْفِعْلِ، وَالْقُرْبُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَيُوجِبُ إضَافَتُهَا الثَّوْبَ إلَى مَدْخُولِهَا عَلَى مَا سَبَقَ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَلِيَتْ فِعْلًا لَا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ مِثْلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ، فَلَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا أَوْ طَعَامًا لَك أَوْ شَرِبْت لَك شَرَابًا أَوْ شَرَابًا لَك أَوْ ضَرَبْت لَك غُلَامًا أَوْ غُلَامًا لَك أَوْ دَخَلْت لَك دَارًا أَوْ دَارًا لَك فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ دَارٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُخَاطَبُ: أَيْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَأَكْلِ طَعَامٍ يَمْلِكُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِعِلْمِهِ أَوْ دُونَهُمَا. ثُمَّ ذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلَامِ الْوَلَدُ لِأَنَّ ضَرْبَ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْوَكَالَةَ فَكَانَ كَالْإِجَارَةِ، قَالَ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] وَقَالَ قَاضِي خَانْ الْمُرَادُ بِهِ الْعَبْدُ لِلْعُرْفِ، وَلِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ وَمَحَلُّ الضَّرْبِ يُمْلَكُ بِهِ فَانْصَرَفَ اللَّامُ إلَى مَا يُمْلَكُ لَا إلَى مَا لَا يُمْلَكُ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَ) الْفَرْضُ أَنَّ (الْمِلْكَ فِيهِ قَائِمٌ) لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ لَا يُوجِبُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ (فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ)

(وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ) أَيْضًا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَالْمِلْكُ قَائِمٌ فِيهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَا عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ بِتَعْلِيقِهِ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنْجَزِ، وَلَوْ نَجَّزَ الْعِتْقَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ سَابِقًا عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوُجُودِ الْمَحَلِّ وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ غَصَبَهُ لَا يَعْتَقُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَاتِّ لِأَنَّهُ كَمَا تَمَّ الْبَيْعُ يَزُولُ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ قِيلَ وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْلُولَ مَعَ الْعِلَّةِ فِي الْخَارِجِ وَعَقِيبَ الشَّرْطِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ كَمَا هُوَ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ هُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لِذَلِكَ الْعَبْدِ فَكَانَ الْمَعْلُولُ وَهُوَ الْمِلْكُ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ حَيْثُ وُجِدَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ وُجُودِ الْعِتْقِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بَلْ إنَّمَا قَارَنَ الْإِعْتَاقَ زَوَالُ الْمِلْكِ فَلَمْ يَنْزِلْ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ فَلَمْ يُصَادِفْ الْمِلْكَ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا لَلْمُصَنِّفِ فَتَذَّكَّرْهُ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَعْلُولَ عَقِيبُ الْعِلَّةِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْمُصَنِّفِ، فَعُرِفَ بِهَذَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ الْمَسْأَلَةَ بِكَوْنِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا بَاتًّا لَا يَعْتِقُ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) يَعْنِي لِلْمُشْتَرِي (يُعْتَقُ أَيْضًا) أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا بَاتًّا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَ غَصَبَهُ عَتَقَ لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتَقًا مِلْكَ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ شِرَاءً صَحِيحًا بَاتًّا عَتَقَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَالْمِلْكُ قَائِمٌ فِيهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ الْوَاقِعَ فِي هَذَا الْعَبْدِ بِسَبَبِ تَعْلِيقِ هَذَا الْمُشْتَرِي وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ، وَهُوَ لَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَأَعْتَقَهُ قَبْلَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ يُعْتَقُ وَثَبَتَ الْمِلْكُ سَابِقًا لَهُ شَرْطًا اقْتِضَائِيًّا فَكَذَا هَذَا. وَأَوْرَدَ طَلَبَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْبَيْعِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ نِكَاحًا فَاسِدًا مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ

(وَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ عَدَمُ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ (وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ هَذِهِ الَّتِي حَلَّفَتْهُ فِي الْقَضَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَسْتَعْقِبْ الْمِلْكَ فَهُوَ بَيْعٌ تَامٌّ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي مَحَلِّهِ فَكَانَ وُجُودُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ كَانَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ إذْ الْحُرِّيَّةُ تَنْفِي وُرُودَ الْمِلْكِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمِلْكُ فَاسِدًا فَلَا يُحْكَمُ بِهَذَا الشَّرْطِ إلَّا إذَا صَحَّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا وُرُودَ لِهَذَا السُّؤَالِ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَعْقُبُ الْمِلْكَ لَهُ بِسَبَبٍ خَاصٍّ فِيهِ وَهُوَ تَعْلِيقُهُ السَّابِقُ عِتْقَ مَنْ يَشْتَرِيه فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُنْزِلَ الْعِتْقَ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ وَيَسْتَلْزِمُ سَبْقَ الْمِلْكِ اقْتِضَاءً وَمِثْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي النِّكَاحِ. وَأَوْرَدَ مَنْعَ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ كَالْمُنْجَزِ لِأَنَّ الْمُنْجَزَ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْخِيَارِ وَالْحُكْمِ بِتَقَدُّمِهِ يَلْغُو، وَالْمُعَلَّقُ لَا يَلْزَمُ إلْغَاؤُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَيَنْزِلُ إذْ ذَاكَ وَلَا يَلْغُو. وَأُجِيبَ لَمَّا أَمْكَنَ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا يَجْرِي فِي الْمُنْجَزِ وَالْعِتْقُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ إذْ ذَاكَ وَإِلَّا جَازَ أَنْ يُفْسَخَ قَبْلَ الْمُدَّةِ فَلَا يُعْتَقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يُعْتَقُ إلَّا أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَكَلُّمٌ بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَتَّى يَسْقُطَ خِيَارُهُ، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ عَلَى الْقَرِيبِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا عَلَّقَ عِتْقَهُ فِي قَوْلِهِ " مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ " بِالْمِلْكِ لَا بِالشِّرَاءِ، أَمَّا هُنَا فَالْإِيجَابُ الْمُعَلَّقُ صَارَ مُنْجَزًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَصَارَ قَائِلًا أَنْتَ حُرٌّ فَيَنْفَسِخُ الْخِيَارُ ضَرُورَةً (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ) تَدْبِيرًا مُطْلَقًا (طَلُقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ) وَهُوَ عَدَمُ بَيْعِهِ (قَدْ تَحَقَّقَ) بِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْهُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ بِالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِهِ بِلَفْظِ إنْ فَمَاتَ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَنْعَ وُقُوعِ الْيَأْسِ فِي الْعِتْقِ مُطْلَقًا بَلْ فِي الْعَبْدِ، أَمَّا فِي الْأَمَةِ فَجَازَ أَنْ تَرْتَدَّ بَعْدَ الْعِتْقِ فَتُسْبَى فَيَمْلِكُهَا هَذَا الْحَالِفُ فَيُعْتِقُهَا. وَفِي التَّدْبِيرِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا تَطْلُقُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَطْلُقُ لِأَنَّ مَا فُرِضَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَوْهُومَةِ الْوُقُوعُ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى بَيْعِ هَذَا الْمِلْكِ لَا كُلِّ مِلْكٍ. وَأُجِيبَ أَيْضًا عَنْ الْمُدَبَّرِ بِأَنَّ بَيْعَهُ بَيْعُ قِنٍّ لِانْفِسَاخِ التَّدْبِيرِ بِالْقَضَاءِ فَيُعْتَقُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا، وَيَجْرِي فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالتَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا تَزَوَّجْت عَلِيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ هَذِهِ الَّتِي حَلَّفَتْهُ فِي الْقَضَاءِ) وَإِنْ قَالَ نَوَيْت

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ جَوَابًا فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ غَرَضَهُ إرْضَاؤُهَا وَهُوَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ عُمُومُ الْكَلَامِ وَقَدْ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدِئًا، وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ إيحَاشُهَا حِينَ اعْتَرَضَتْ عَلَيْهِ فِيمَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَهَا صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَذَكَرُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ جَوَابًا فَيَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرُك طَالِقٌ دَلَالَةً (وَلِأَنَّ غَرَضَهُ إرْضَاؤُهَا) لَا إيحَاشُهَا. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَلَا مُخَصَّصٌ مُتَيَقَّنٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فَهُوَ غَرَضُ إرْضَائِهَا. وَجَازَ كَوْنُ غَرَضِهِ إيحَاشُهَا لِاعْتِرَاضِهَا عَلَيْهِ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، فَالْحُكْمُ بِمُعَيَّنٍ تَحَكُّمٌ، وَلِأَنَّهُ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْجَوَابِ إذْ يَكْفِيه أَنْ يَقُولَ إنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ فَهِيَ طَالِقٌ فَلَمَّا لَمْ يَقْتَصِرْ جُعِلَ مُبْتَدِئًا تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] قَالَ: لِي إلَيْك حَاجَةٌ أَتَقْضِيهَا لِي؟ فَقَالَ نَعَمْ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك ثَلَاثًا، لَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. وَلَوْ حَلَفَ لَيُطِيعَنهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَيَنْهَاهُ عَنْهُ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ فَجَامَعَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ تَحْلِيفِهِ عَلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ بِهِ النَّهْيَ عَنْ جِمَاعِ الْمَرْأَةِ عَادَةً كَمَا لَا يُرِيدُونَ بِهِ النَّهْيَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَكُلُّ طَلَاقٍ يُضَافُ إلَيْهِ يَحْنَثُ بِهِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقٌ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ يَحْنَثُ لَا بِمَا لَا يُضَافُ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِلَّعْنَةِ وَاللِّعَانِ وَلَا بِإِجَازَةِ خُلْعِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ، وَيَحْنَثُ لَوْ أَجَازَهُ بِالْقَوْلِ. قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ الْيَوْمَ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ دَخَلَهَا الْيَوْمَ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كَانَا رَأَيَانِي دَخَلْت لَمْ يُعْتَقْ عَبْدُهُ بِقَوْلِهِمَا رَأَيْنَاهُ دَخَلَ حَتَّى يَشْهَدَ آخَرَانِ غَيْرَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ رَأَيَاهُ دَخَلَ. ادَّعَتْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَحَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَةٍ أُخْرَى لَهُ مَا هِيَ امْرَأَتُهُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَقَالَ كَانَتْ امْرَأَتِي فَطَلَّقْتهَا قَالَ لَا يَحْنَثُ. حَلَفَ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمَا. حَلَفَ بِطَلَاقٍ وَلَا يَدْرِي حَلَفَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَحَرَّى وَيَعْمَلُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ لِلتَّحَرِّي، فَإِنْ اسْتَوَى ظَنُّهُ يَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا. قَالَ: عَمْرَةُ طَالِقٌ السَّاعَةَ أَوْ زَيْنَبُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ، فَإِذَا دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا خُيِّرَ فِي إيقَاعِهِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَلَوْ اتَّهَمَتْ امْرَأَةٌ بِالسَّرِقَةِ فَأَمَرَتْ زَوْجَهَا أَنْ يَحْلِفَ بِطَلَاقِهَا أَنَّهَا لَمْ تَسْرِقْ فَحَلَفَ فَقَالَتْ قَدْ كُنْت سَرَقْت فَلِلزَّوْجِ أَنْ

[باب اليمين في الحج والصلاة والصوم]

بَابُ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وَمَنْ قَالَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاجِبَةٍ وَلَا مَقْصُودَةٍ فِي الْأَصْلِ، مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلِأَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا إيجَابَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ زِيَارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُصَدِّقَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مُتَنَاقِضَةٌ. حَلَفَ إنْ لَمْ يُجَامِعْ امْرَأَتَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ فَهِيَ طَالِقٌ، قَالُوا هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ. حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ ابْنَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ فَوُلِدَ لَهُ ابْنٌ فَكَلَّمَهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَلَدِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ] (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ) قَدَّمَهَا بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ فَتَتَرَجَّحُ فِي نَفْسِهَا، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ إنْ تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يَعْرِضَ مَا يُوجِبُ تَقْدِيمَ غَيْرِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْوُقُوعِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَهَمِّيَّةِ التَّقْدِيمِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ وَهُوَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ) وَكَذَا عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ بَكَّةَ بِالْبَاءِ (فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا)

الْبَيْتِ مَاشِيًا فَيَلْزَمُهُ مَاشِيًا، وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ) وَلَوْ قَالَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. لَهُمَا أَنَّ الْحَرَمَ شَامِلٌ عَلَى الْبَيْتِ، وَكَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ، بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ. وَلَهُ أَنَّ الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ فِي الْكَعْبَةِ مَذْكُورٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِيُفِيدَ أَنَّ وُجُوبَ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَغَا لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الْمَشْيَ إلَّا لِيَصِلَ إلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ اسْتَحَالَ التَّسَبُّبُ لِحُصُولِهِ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ مَدْلُولَ الْمَشْيِ لَيْسَ هُوَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، بَلْ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ أَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ وَلَا يَفْعَلَ نُسُكًا، إمَّا ابْتِدَاءُ مَعْصِيَةٍ وَإِمَّا بِأَنْ يَقْصِدَ مَكَانًا فِي الْحِلِّ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ غَيْرُ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِهِ، وَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالْبَيْتَ بِلَا إحْرَامٍ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ وَيُوجِبُ الْمَشْيَ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَلْزَمُهُ إذَا خَرَجَ أَنْ يَعُودَ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ، وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ هَذَا الْبَيْتَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَلَا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَبَبُ الْإِحْرَامِ صَوْنًا لَهُ عَنْ اللَّغْوِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَقْصِدَ بِسَيْرِهِ مَكَانًا دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ غَيْرُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا بِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ وَهُوَ أَنَّ الذَّهَابَ إلَى هُنَاكَ يَكُونُ لِقَصْدِ الْإِحْرَامِ لِمَا عُرِفَ مِنْ إلْغَاءِ الْأَلْفَاظِ وَهِيَ مَا إذَا نَذَرَ الذَّهَابَ إلَى مَكَّةَ كَأَنْ قَالَ: عَلَيَّ الذَّهَابُ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ الذَّهَابُ إلَى مَكَّةَ أَوْ السَّفَرُ إلَيْهَا أَوْ الرُّكُوبُ إلَيْهَا أَوْ الْمَسِيرُ أَوْ الْمُضِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ فِيهَا صَوْنًا عَنْ اللَّغْوِ، بَلْ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ إيجَابُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ بِهِ فَصَارَ فِيهِ مَجَازًا لُغَوِيًّا وَحَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ لَا يَجِبَ بِهَذَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاجِبَةٍ وَهُوَ الْمَشْيُ وَلَا مَقْصُودَةٍ فِي الْأَصْلِ. وَلَوْ قِيلَ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ فَإِنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَدِرَ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ مَاشِيًا، أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ لِلُزُومِ النَّذْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ بَعْدَ كَوْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ النَّذْرُ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَالْمَشْيِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ مَرْكَبًا وَيَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ الطَّوَافَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ لَا شَرْطَ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ جِنْسِ الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ. وَأُورِدَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الصَّوْمَ وَمِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ إيجَابَ الْمَشْرُوطِ إيجَابُ الشَّرْطِ، وَلَا خَفَاءَ فِي بُعْدِهِ فَإِنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَرْعُ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي صِحَّةِ وُجُوبِ الْمَتْبُوعِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى لُزُومِهِ بِلُزُومِهِ وَلُزُومُ الشَّرْطِ فَرْعُ لُزُومِ الْمَشْرُوطِ، وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الِاعْتِكَافُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَلْ يَصْرِفُونَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُمْ وَالشَّافِعِيَّ لَا يُصَحِّحُونَ نَذْرَ الْكَافِرِ. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ يُوجِبُ إهْدَارَ اشْتِرَاطِ وُجُودِ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِذَا تَعَارَفُوهُ لِلْإِيجَابِ صَارَ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ زِيَارَةُ الْبَيْتِ مَاشِيًا فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ بِبَيْتِ اللَّهِ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ. وَأُورِدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَشْيُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْحَجُّ لَا يَلْزَمُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى حِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مَاشِيًا لِأَنَّ الْمَشْيَ لَمْ يُهْدَرْ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا، فَإِنَّهُ رُوِيَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَسَنَدُهُ حُجَّةٌ، وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ «لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ» فَمَحْمُولٌ إمَّا عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الْمَرْوِيِّ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ: يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ الْإِشْكَالِ جَوَازُ رُكُوبِهَا وَلَوْ أَهْدَتْ؛ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ وَيَتَصَدَّقَ، بَلْ لَوْ فَرَّقَ لَزِمَ اسْتِئْنَافُهُ فَاقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى ذَلِكَ لِيُفِيدَ دَفْعَ ذَلِكَ، وَعُرِفَ لُزُومُ الْفِدْيَةِ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَهْدِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «وَإِنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ» ثُمَّ يُعْرَفُ لُزُومُ الْفِدْيَةِ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَقِيَّتَهُ هُنَاكَ ذَيْلًا طَوِيلًا وَفُرُوعًا جَمَّةً، وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ بَيْتِهِ

(وَمَنْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ، وَقَالَ: حَجَجْتُ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عَبْدُهُ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ فِيهِ مِنْ الْمِيقَاتِ: يَعْنِي فَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ فِيهِ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِهِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أُخْتِ عُقْبَةَ قَالَ «وَلْتُهْدِ بَدَنَةً» لَكِنَّهُمْ عَمِلُوا بِإِطْلَاقِ الْهَدْيِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ «عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ، وَقَالَ: إنَّ مِنْ الْمُثْلَةِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيُهْدِ هَدْيًا وَلْيَرْكَبْ» وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، لَكِنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ وَاجِبٌ فَتَجِبُ الْبَدَنَةُ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى الْمَشْيِ قَالَ: يَمْشِي، فَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ وَأَهْدَى بَدَنَةً. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ قَالَ: يَمْشِي، فَإِذَا أَعْيَا رَكِبَ وَأَهْدَى جَزُورًا. وَأُخْرِجَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ. وَأَمَّا وُرُودُ الْبَدَنَةِ فِي خُصُوصِ حَدِيثِ أُخْتِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَسْنَدَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْ نَذْرِ أُخْتِكَ، لِتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً» وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّاذِرُ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَحَدَ الَّذِي لَزِمَهُ حَجًّا فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَخْرُجُ إلَى عَرَفَاتٍ مَاشِيًا إلَى أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ إسْقَاطَهُ بِعُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ مِنْهُ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَشْيُ فِي ذَهَابِهِ إلَى الْحِلِّ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْهُ مُحْرِمًا. وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ بَلْدَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا مِنْهَا بَلْ هُوَ ذَاهِبٌ إلَى مَحِلِّ الْإِحْرَامِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ: أَعْنِي الْمَوَاقِيتَ فِي الْأَصَحِّ لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ أَنَّ بَغْدَادِيًّا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَقِيَهُ بِالْكُوفَةِ فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ بَغْدَادَ. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ السَّفَرُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَعَ إخْوَانِهِ، وَمِثْلُهُ الشَّدُّ وَالْهَرْوَلَةُ وَالسَّعْيُ إلَى مَكَّةَ، وَكَذَا عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ أَوْ مِيزَابِهَا أَوْ أُسْطُوَانَةِ الْبَيْتِ أَوْ الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ إلَى عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَلْزَمُهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ. وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ تُعُورِفَ بَعْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إيجَابُ النُّسُكِ بِهِمَا فَقَالَا بِهِ كَمَا تُعُورِفَ بِالْمَشْيِ إلَى الْكَعْبَةِ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ الَّذِي ذُكِرَ لَهُمَا مُتَضَائِلٌ وَهُوَ أَنَّ الْحَرَمَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْكَعْبَةِ فَذِكْرُ الْمُشْتَمِلِ ذِكْرٌ لِلْمَشْمُولِ وَهُوَ الْكَعْبَةُ، وَلَوْ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ، فَكَذَا ذِكْرُ الْمُشْتَمِلِ لِأَنَّ إيجَابَ اللَّفْظِ لِتَعَارُفِ عَيْنِهِ فِيهِ، وَلَيْسَ عَيْنُ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ عَيْنِهِ وَهُوَ وَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَقَالَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ: حَجَجْتُ وَأَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عَبْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ)

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَقُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ. وَلَهُمَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهُ لَا مَطَالِبَ لَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ عِلْمُ الشَّاهِدِ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمَيَّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَقُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مُشَاهَدٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ) وَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ (وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ) ذَلِكَ الْعَامَ (فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ) فَيُعْتَقُ (وَلَهُمَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ) مَعْنًى (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ) فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى التَّضْحِيَةِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ وَهُوَ الْعَبْدُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا يَطْلُبُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُعَلَّقْ بِهَا، وَمَا لَا مَطَالِبَ لَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ بَقِيَتْ فِي الْحَاصِلِ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ بَاطِلَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُطْلَقًا بَاطِلَةٌ بَلْ النَّفْيُ إذَا كَانَ مِمَّا يَعْلَمُ وَيُحِيطُ بِهِ الشَّاهِدُ صَحَّتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى وَالرَّجُلُ يَقُولُ وَصَلْتُ بِهِ ذَلِكَ قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَبَانَتْ امْرَأَتُهُ لِإِحَاطَةِ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ لَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ) . فِي عَدَمِ الْقَبُولِ، بِأَنْ يُقَالَ: النَّفْيُ إذَا كَانَ كَذَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَا لَا تَصِحُّ (تَيَسُّرًا) وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ فِي تَمْيِيزِ نَفْيٍ مِنْ نَفْيٍ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السِّيَرِ فَالْقَبُولُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى السُّكُوتِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَصَارَ كَشُهُودِ الْإِرْثِ إذَا قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ حَيْثُ يُعْطِي لَهُ كُلَّ التَّرِكَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِرْثِ وَالنَّفْيُ فِي ضِمْنِهِ وَالْإِرْثُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ، فَأَمَّا النَّحْرُ وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا وَنَفْيُ الْحَجِّ فِي ضِمْنِهِ لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَا ذُكِرَ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ كَعَدَمِهَا فِي حَقِّهِ فَبَقِيَ النَّفْيُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا، وَأَمَّا مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ تُقْبَلُ فِي الشُّرُوطِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا قُبِلَتْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الشُّرُوطِ. فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهَا قَامَتْ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ مُعَايَنٍ وَهُوَ كَوْنُهُ خَارِجًا فَيَثْبُتُ النَّفْيُ ضِمْنًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ كَمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّضْحِيَةِ إذْ لَمْ تَكُنْ

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَصَامَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ يَوْمِهِ حَنِثَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ يَوْمًا أَوْ صَوْمًا فَصَامَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ لَا يَحْنَثُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهِيَ شَرْطَ الْعِتْقِ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ بِهَا، كَذَلِكَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ الشَّرْطُ بَلْ عَدَمُ الدُّخُولِ كَعَدَمِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَلَمَّا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا هُوَ وُجُودِيٌّ مُتَضَمِّنٌ لِلْمُدَّعَى بِهِ مِنْ النَّفْيِ الْمَجْعُولِ شَرْطًا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَّعًى بِهِ لِتَضَمُّنِهِ الْمُدَّعَى بِهِ، كَذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَةِ التَّضْحِيَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلنَّفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْجَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَأَمْسَكَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ يَوْمِهِ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ) وَهُوَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ إذْ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَلَى الْمُفْطِرَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ وَقَدْ وُجِدَ تَمَامُ حَقِيقَتِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى أَدْنَى إمْسَاكٍ فِي وَقْتِهِ تَكْرَارٌ لِلشَّرْطِ، وَلِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ إذَا تَمَّتْ حَقِيقَتُهُ يُسَمَّى فَاعِلًا، وَلِذَا أَنْزِلَ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَابِحًا حَيْثُ أَمَرَّ السِّكِّينَ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ فَقِيلَ لَهُ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَقِيقَتُهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالصَّلَاةِ، فَلِذَا قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَنَّهُ إذَا قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ حَنِثَ إذَا قَطَعَ، فَلَوْ قَطَعَ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ تَمَامُ حَقِيقَتِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ يَوْمًا أَوْ صَوْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِصَوْمِ سَاعَةٍ) بَلْ بِإِتْمَامِ الْيَوْمِ، أَمَّا فِي " يَوْمًا " فَظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي " صَوْمًا " لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا فَلِذَا قُلْنَا: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ صَلَاةٌ تَجِبُ رَكْعَتَانِ عِنْدَنَا لَا يُقَالُ: الْمَصْدَرُ مَذْكُورٌ بِذِكْرِ الْفِعْلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَلِفِهِ لَا يَصُومُ وَلَا يَصُومُ صَوْمًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْأَوَّلِ إلَّا بِيَوْمٍ. لِأَنَّا نَقُولُ: الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي غَيْرِ تَحْقِيقِ الْفِعْلِ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ اخْتِيَارِيٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُطْلَقِ فَيُوجِبُ الْكَمَالَ. وَقَدْ أُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ: لَأَصُومَنَّ هَذَا الْيَوْمَ وَكَانَ بَعْدَ أَنْ أَكَلَ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ تُصَلِّ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَاضَتْ مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ مَا صَلَّتْ رَكْعَةً صَحَّتْ الْيَمِينُ وَطَلُقَتْ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ مَقْرُونٌ بِذِكْرِ الْيَوْمِ وَلَا كَمَالَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْيَمِينَ تَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ، وَالصَّوْمُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلُ مُتَصَوَّرٌ كَمَا فِي صُورَةِ النَّاسِي، وَكَذَا الصَّلَاةُ مِنْ الْحَائِضِ لِأَنَّ دُرُورَ الدَّمِ لَا يَمْنَعُ كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَشْرَعْ مَعَ دُرُورٍ هُوَ حَيْضٌ فَفَاتَ شَرْطُ أَدَائِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْفِعْلِ وَهُوَ الْمَاءُ غَيْرُ قَائِمٍ أَصْلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ بِوَجْهٍ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ إنَّمَا تَصْلُحَانِ مُبْتَدَأَتَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَنَا كَانَ فِي الْمُطْلَقِ وَهُوَ لَفْظُ " يَوْمًا "، وَلَفْظُ " هَذَا الْيَوْمِ " لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ مُعَرَّفٌ وَالْمُطْلَقَاتُ هِيَ النَّكِرَاتُ وَهِيَ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ وَإِلَّا فَزَيْدٌ وَعَمْرٌو مُطْلَقٌ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ. وَالْمَسْأَلَتَانِ مُشْكِلَتَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْعًا مُنْتَفٍ، وَكَوْنُهُ مُمْكِنًا فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَهِيَ صُورَةُ النِّسْيَانِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَا يُفِيدُ، فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي صُورَةِ الْحَلِفِ مُسْتَحِيلًا شَرْعًا لَمْ يُتَصَوَّرْ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّيْنِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا تَنْعَقِدَانِ ثُمَّ يَحْنَثُ. وَاعْلَمْ أَنَّ التُّمُرْتَاشِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَهُوَ عَلَى الْجَائِزِ لِأَنَّهُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ فِي الْمَاضِي، وَظَاهِرُهُ يُشْكِلُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ

لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّوْمُ التَّامُّ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَذَلِكَ بِإِنْهَائِهِ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ صَرِيحٌ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِهِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَقَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ سَجَدَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ قَطَعَ حَنِثَ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالِافْتِتَاحِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَمَا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِهَا لَا يُسَمَّى صَلَاةً، بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَيَتَكَرَّرُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQحَنَّثَهُ بَعْدَ مَا قَالَ ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ يَوْمِهِ لَكِنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ أَصَحُّ لِأَنَّهَا نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَقَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَطَعَ لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ) يَعْنِي عَلَى الصَّوْمِ (أَنْ يَحْنَثَ بِالِافْتِتَاحِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً) يَعْنِي لَمْ يُوجَدْ تَمَامُ حَقِيقَتِهَا وَالْحَقِيقَةُ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ (بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَيَتَكَرَّرُ بِالْجُزْءِ الثَّانِي) وَلِذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ صَوْمِ سَاعَةٍ مُكَرَّرٌ مِنْ جِنْسِ مَا مَضَى فَصَارَ صَوْمُ سَاعَةٍ كَالصَّلَاةِ رَكْعَةً، يَعْنِي لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهَا تَمَامُ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ سَجَدَ مَعَ ذَلِكَ) يَعْنِي الرُّكُوعَ وَمَا قَبْلَهُ (ثُمَّ قَطَعَ حَنِثَ) وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَقَعُ عَلَى الْجَائِزِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَ الْيَمِينُ فِي الْمَاضِي: أَيْ حَلَفَ مَا صَلَّيْت وَكَانَ قَدْ صَلَّى فَاسِدَةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمَاضِيَةَ يُرَادُ الْخَبَرُ عَنْهَا لَا التَّقَرُّبُ بِهَا وَيَصِحُّ الْخَبَرُ عَنْ الْفَاسِدَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفَاسِدَةِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَيَكُونَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ بَيَانًا لَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّيَ فَصَلَّى صَلَاةً فَاسِدَةً بِأَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَثَلًا لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ مَا بِهِ حُصُولُ الثَّوَابِ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ. قَالَ: وَلَوْ نَوَى الْفَاسِدَةَ صُدِّقَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّ الْفَاسِدَ صَلَاةٌ صُورَةً، وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى صُورَتِهِ مَجَازًا جَائِزٌ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَعَ هَذَا يَحْنَثُ بِالصَّحِيحَةِ أَيْضًا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ أَنَّ فِي الصَّحِيحِ مَا فِي الْفَاسِدَةِ وَزِيَادَةً عَلَى شَرْطِ الْحِنْثِ فَلَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ، وَلَوْ كَانَ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ: إنْ كُنْت صَلَّيْت فَهِيَ عَلَى الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ لَا أُصَلِّي وَلَا أُصَلِّي صَلَاةً حَيْثُ يَحْنَثُ بِرَكْعَةٍ فَقَالَ: وَفِي صُورَةٍ: حَذْفُ الْمَفْعُولِ الْمَنْفِيِّ فِعْلُ الصَّلَاةِ لَا كَوْنُ الْمَفْعُولِ صَلَاةً، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالرَّكْعَةِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَطَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ انْتَقَضَ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَلَكِنْ بَعْدَ صِحَّتِهِ، وَالِانْتِقَاضُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حُكْمٍ يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ، وَالْحِنْثُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْفَاسِدَةِ هِيَ الَّتِي لَمْ يُوصَفْ مِنْهَا شَيْءٌ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ فِي وَقْتٍ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشُّرُوعِ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي الصَّوْمِ وَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ هُنَاكَ أَيْضًا. وَأُورِدَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْقَعْدَةُ وَلَيْسَتْ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَعْدَةَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السَّجْدَةِ، وَهَذَا أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَقُّفِ الْحِنْثِ عَلَى الرَّفْعِ مِنْهَا وَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ. وَمَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ لِتَمَامِ حَقِيقَةِ السُّجُودِ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ. ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ الْقَعْدَةُ هِيَ الرُّكْنَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الْخَمْسَةُ، وَالْقَعْدَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَحَرَّرَ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْخَتْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ رُكْنًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فِي لَا يَصُومُ صَوْمًا (وَأَقَلُّ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ) نَهْيًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لَوْ فُعِلَتْ. وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ صَلَّيْتَ رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يُعْتَقُ. وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَتَقَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: تَبَيَّنَ بِهَذِهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: يَعْنِي وَحْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي رَكْعَةً وَصَلَاةُ الرَّكْعَةِ حَقِيقَةً دُونَ مُجَرَّدِ الصُّورَةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا. وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَمْ يَقُلْ رَكْعَةً، وَالْبُتَيْرَاءُ تَصْغِيرُ الْبَتْرَاءِ تَأْنِيثُ الْأَبْتَرِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لِلنَّاقِصِ. وَفِي الْبَيْعِ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْفَرْقُ غَيْرُ خَافٍ. ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَهَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ لَمَا ذَكَرْته، وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَقْعُدَ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يَؤُمُّ أَحَدًا فَصَلَّى فَجَاءَ نَاسٌ وَاقْتَدَوْا بِهِ فَقَالَ نَوَيْت أَنْ لَا أَؤُمَّ أَحَدًا صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً إلَّا إنْ أَشْهَدَ أَنِّي إنَّمَا أُصَلِّي لِنَفْسِي، وَكَذَا لَوْ صَلَّى هَذَا الْحَالِفُ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ وَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَ لِنَفْسِهِ الْجُمُعَةَ جَازَتْ الْجُمُعَةُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَقَدْ وُجِدَ وَحَنِثَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً. وَيَنْبَغِي إذَا أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ كَالْأَوَّلِ إنْ أَشْهَدَ صُدِّقَ فِيهِمَا وَإِلَّا فَفِي الدِّيَانَةِ. وَلَوْ قَالَ مَا صَلَّيْت الْيَوْمَ صَلَاةً يُرِيدُ فِي جَمَاعَةٍ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ. وَلَوْ قَالَ مَا صَلَّيْت الْيَوْمَ الظُّهْرَ يُرِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَسَعُهُ النِّيَّةُ فِي هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ قَالَهُ بِمَعْنَى ظُهْرِ مُقِيمٍ وَسِعَتْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي مَا أَخَّرْت صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا وَقَدْ نَامَ فَقَضَاهَا، اخْتَلَفُوا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَ التَّذَكُّرِ وَقْتُهَا بِالْحَدِيثِ فَيَصِحُّ أَوَّلًا بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَقْتِ الْأَصْلِيِّ.

[باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك]

بَابُ الْيَمِينِ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَبِسْتِ مِنْ غَزْلِكِ فَهُوَ هَدْيٌ فَاشْتَرَى قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ وَنَسَجَتْهُ فَلَبِسَهُ فَهُوَ هَدْيٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ حَتَّى تَغْزِلَ مِنْ قُطْنٍ مَلَكَهُ يَوْمَ حَلَفَ) وَمَعْنَى الْهَدْيِ التَّصَدُّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا. لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ مِلْكِهِ. وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ) قَدَّمَهُ عَلَى الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ لِأَنَّ اللُّبْسَ أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْهُ لَا بِقَيْدِ خُصُوصِ الْمَلْبُوسِ، أَوْ لِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ أَوْسَعُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ. وَالْحُلِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَثُدِيٍّ وَثَدْيٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَبِسْتِ مِنْ غَزْلِكِ) أَيْ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِك أَيْ مَغْزُولِك (فَهُوَ هَدْيٌ) فَغَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ الْحَلِفِ فَلَبِسَهُ فَهُوَ هَدْيٌ اتِّفَاقًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ قُطْنٌ أَوْ كَانَ لَكِنْ لَمْ تَغْزِلْ مِنْهُ بَلْ غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْحَلِفِ فَلَبِسَهُ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ هَدْيٌ (وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهُ حَتَّى تَغْزِلَهُ مِنْ قُطْنِ مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ) أَيْ وَقْتَ الْحَلِفِ (وَمَعْنَى الْهَدْيِ) هُنَا (مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا) فَإِنْ كَانَ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَلَا يُجْزِيهِ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ. وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَةِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ: فَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ مَا لَا يُنْقَلُ كَإِهْدَاءِ دَارٍ وَنَحْوِهَا فَهُوَ نَذْرٌ بِقِيمَتِهَا (وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ) فِيمَا هُوَ (فِي الْمِلْكِ) «قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . (أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ) مِثْلُ إنْ اشْتَرَيْت كَذَا فَهُوَ هَدْيٌ أَوْ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ اللُّبْسَ الْمَجْعُولَ شَرْطًا لَيْسَ سَبَبًا لَمِلْكِ الْمَلْبُوسِ وَلَا مُتَعَلَّقُهُ الَّذِي هُوَ غَزْلُ الْمَرْأَةِ سَبَبًا لِمِلْكِهِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقُطْنَ، وَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمَلْكِ الْقُطْنِ لِأَنَّ غَزْلَهَا يَكُونُ مِنْ قُطْنِهَا وَيَكُونُ مِنْ قُطْنِهِ، فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِي الْمُشْتَرَى مِنْ الْقُطْنِ إذَا غُزِلَ. (وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقُطْنَ وَيَجْعَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ تَغْزِلُهُ فَيَكُونُ الْمَغْزُولُ مَمْلُوكًا لَهُ (وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ) بِالْأَلْفَاظِ، فَالتَّعْلِيقُ بِغَزْلِهَا تَعْلِيقٌ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لِلثَّوْبِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَمْلِكُهُ بِسَبَبِ غَزْلِك قُطْنَهُ فَهُوَ هَدْيٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ مِلْكِ الْقُطْنِ وَلَا إلَى الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ لَا يَمْلِكُ الْمَغْزُولَ بِالْغَزْلِ إلَّا إذَا كَانَ الْقُطْنُ مَمْلُوكًا لَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمْلِكَ الْقُطْنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ فِي حَالِ الْحَلِفِ، ثُمَّ اسْتَوْضَحَ عَلَى أَنَّ غَزْلَهَا

وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبٌ عَادِيٌّ لِمِلْكِهِ الْمَغْزُولَ بِقَوْلِهِ (وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ) بِالِاتِّفَاقِ (مَعَ أَنَّ الْقُطْنَ غَيْرُ مَذْكُورٍ) وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ ذِكْرِ الْغَزْلِ ذِكْرَ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي الْمَغْزُولِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ سَبَبًا كَوْنُهُ كُلَّمَا وَقَعَ ثَبَتَ الْحُكْمُ عَنْهُ، وَكَوْنُ الْغَزْلِ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ كُلَّمَا وَقَعَ ثَبَتَ عِنْدَهُ مِلْكُ الزَّوْجِ فِي الْمَغْزُولِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ التَّسَرِّي حَيْثُ لَا يَحْنَثُ فِيهَا بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الْحَلِفِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى التَّسَرِّي لَيْسَتْ إضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُثْبِتُ عِنْدَ التَّسَرِّي أَثَرًا لَهُ بَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ زُفَرَ فِي مَسْأَلَةِ التَّسَرِّي هَذَا، وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ. [وَهَذِهِ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِاللُّبْسِ] حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ فَلَمَّا بَلَغَ الذَّيْلُ السُّرَّةَ تَذَكَّرَ فَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ وَرِجْلَاهُ بَعْدُ فِي اللِّحَافِ حَنِثَ. حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ وَلَمْ يَقُلْ ثَوْبًا حَنِثَ وَالسَّرَاوِيلُ ثَوْبٌ يَحْنَثُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الثَّوْبَ فَاتَّخَذَ مِنْهُ قَلَنْسُوَةً حَنِثَ. وَلَوْ ائْتَزَرَ أَوْ ارْتَدَى حَنِثَ سَوَاءٌ الْقَمِيصُ وَغَيْرُهُ، بِخِلَافِ لَا أَلْبَسُ قَمِيصًا لَا يَحْنَثُ إذَا ائْتَزَرَ بِهِ أَوْ ارْتَدَى فَيَنْعَقِدُ عَلَى اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ فَائْتَزَرَ بِهِ أَوْ تَعَمَّمَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ هَذَا السَّرَاوِيلَ فَائْتَزَرَ بِهِ أَوْ تَعَمَّمَ حَنِثَ، وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ يُرِيدُ حَمْلَهُ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الْقَبَاءَ أَوْ قَبَاءً وَلَمْ يُعَيِّنْ فَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَفِي " هَذَا الْقَبَاءِ " يَحْنَثُ لِأَنَّ فِي الْمُنْكَرِ يُعْتَبَرُ اللُّبْسُ الْمُعْتَادُ، وَفِي الْمُعَيَّنِ الْوَصْفِ لَغْوٌ فَلَا يُعْتَبَرُ اللُّبْسُ الْمُعْتَادُ بَلْ مُطْلَقُ اللُّبْسِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْوَالِدُ الْحِنْثَ فِي الْمُنْكَرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُلْبَسُ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَلَوْ وَضْع الْقَبَاءَ عَلَى اللِّحَافِ وَنَامَ تَحْتَهُ قِيلَ لَا يَحْنَثُ، وَقِيلَ: بَلْ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْقَبَاءَ فَوْقَ الدِّثَارِ حَالَةَ النَّوْمِ يَحْنَثُ، وَالْمُرَادُ بِالدِّثَارِ مَا يُلْبَسُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَهُوَ الشِّعَارُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» وَفِي ثَوْبِ فُلَانٍ فَوَضَعَ قَبَاءَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ يَحْنَثُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ لَابِسٌ لَكِنْ لَبِسَ الرِّدَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْقَبَاءِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ الْمُخْتَارُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُلْبَسٌ لَا لَابِسٌ، فَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا حَلَفَ لَا يُدْخِلُ فَحُمِلَ وَأُدْخِلَ، فَلَوْ انْتَبَهَ فَأَلْقَاهُ كَمَا انْتَبَهَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ تَرَكَ يَحْنَثُ عَلِمَ أَنَّهُ الثَّوْبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفًّا فَأَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ لَا يَحْنَثُ بِالزِّيقِ وَالزِّرِّ وَالْعُرْوَةِ، وَلَوْ لَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ. أَمَّا لَوْ قَالَ: ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ رُقْعَةٌ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهِ وَصْلَةٌ مِنْ كُمِّهِ أَوْ دِخْرِيصِهِ أَوْ عَلِمَ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ مَا خِيطَ مِنْهُ أَوْ مَا فِيهِ سِلْكَةٌ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ لَبِسَ تِكَّةً مِنْ غَزْلِهَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَلَبِسَ ثَوْبًا نَسَجَهُ غِلْمَانُهُ وَفُلَانٌ هُوَ الْمُتَقَبِّلُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ. لَا يَلْبَسُ حَرِيرًا أَوْ إبْرَيْسَمًا

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا حَتَّى أُبِيحَ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ وَالتَّخَتُّمُ بِهِ لِقَصْدِ الْخَتْمِ (وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ حَنِثَ) لِأَنَّهُ حُلِيٌّ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ. (وَلَوْ لَبِسَ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ غَيْرِ مُرَصَّعٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ حُلِيٌّ حَقِيقَةً حَتَّى سُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّى بِهِ عُرْفًا إلَّا مُرَصَّعًا، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَوْبٍ كُلِّهِ أَوْ لُحْمَتِهِ مِنْهُ لَا مَا سُدَاهُ أَوْ عَلِمَهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. لَا يَلْبَسُ هَذَا الْقُطْنَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ انْصَرَفَ إلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ، فَلَوْ حَشَا بِهِ ثَوْبًا وَهُوَ الْمُضَرَّبُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ هُوَ عَلَى الثَّوْبِ، وَإِنْ نَوَى عَيْنَ الْغَزْلِ لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ يَلْبَسُ الثَّوْبَ لَا الْغَزْلَ وَلَا يَلْبَسُ عَيْنَ الْغَزْلِ. لَا يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يَبِيعُ الثِّيَابَ فَاشْتَرَى مِنْهُ وَلَبِسَ يَحْنَثُ. لَا يَلْبَسُ كَتَّانًا فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ كَتَّانٌ وَغَيْرُهُ حَنِثَ. لَا يَكْسُو فُلَانًا فَكَسَاهُ قَلَنْسُوَةً أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَنِثَ إلَّا إنْ نَوَى كِسْوَتَهُ بِيَدِهِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَحْنَثُ (لَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا) بِدَلِيلِ أَنَّهُ أُبِيحَ لِلرِّجَالِ مَعَ مَنْعِهِمْ مِنْ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ لِقَصْدِ التَّخَتُّمِ لَا لِلزِّينَةِ فَلَمْ يَكُنْ حُلِيًّا كَامِلًا فِي حَقِّهِمْ وَإِنْ كَانَتْ الزِّينَةُ لَازِمَ وُجُودِهِ لَكِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ بِهِ فَكَانَ عَدَمًا خُصُوصًا فِي الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ. قَالَ الْمَشَايِخُ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَصُوغًا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ لَهُ فَصٌّ، فَإِنْ كَانَ حَنِثَ لِأَنَّهُ لُبْسُ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الزِّينَةُ لَا التَّخَتُّمُ فَكَمُلَ مَعْنَى التَّحَلِّي بِهِ وَصَارَ كَلُبْسِهِ سِوَارًا أَوْ خَلْخَالًا أَوْ قِلَادَةً أَوْ قُرْطًا أَوْ دُمْلُوجًا حَيْثُ يَحْنَثُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَلَوْ مِنْ الْفِضَّةِ. وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُهُ النِّسَاءُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ يَنْفِي كَوْنَهُ حُلِيًّا، وَإِنْ كَانَ زِينَةً (وَلَوْ كَانَ) الْخَاتَمُ (مِنْ ذَهَبٍ حَنِثَ) مُطْلَقًا بِفَصٍّ وَبِلَا فَصٍّ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَلَوْ لَبِسَ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ غَيْرَ مُرَصَّعٍ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَحْنَثُ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ عِقْدُ زَبَرْجَدٍ أَوْ زُمُرُّدٍ أَوْ يَاقُوتٍ، وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ حُلِيٌّ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ يَتَزَيَّنُ بِهِ وَسُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14] وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ هُوَ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُتَحَلَّى بِهِ) فِي الْعَادَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (عُرْفًا إلَّا مُرَصَّعًا) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ) لَا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُرَصَّعِ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ. قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: قِيَاسُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ وَالرِّجَالُ اللُّؤْلُؤَ (وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ)

وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّيَ بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَنَامَ عَلَيْهِ وَفَوْقَهُ قِرَامٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ تَبَعُ الْفِرَاشِ فَيُعَدُّ نَائِمًا عَلَيْهِ (وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ فَقَطَعَ النِّسْبَةَ عَنْ الْأَوَّلِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ لِبَاسُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَيْهِ، وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ فِي الْعَادَةِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَقَطَعَ النِّسْبَةَ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي زَمَانِهِ كَانَ لَا يُتَحَلَّى بِهِ إلَّا مُرَصَّعًا، وَفِي عُرْفِهِمَا تَحَلَّوْا بِالسَّاذَجِ (وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا) لِأَنَّ الْعُرْفَ الْقَائِمَ أَنَّهُ يُتَحَلَّى بِهِ سَاذَجًا كَمَا يُتَحَلَّى بِهِ مُرَصَّعًا (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ) أَيْ فِرَاشٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ نَكِرَةً بِأَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ حَنِثَ بِوَضْعِ الْفِرَاشِ عَلَى الْفِرَاشِ لِأَنَّهُ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ نَكِرَةٍ، ثُمَّ إذَا نَامَ عَلَيْهِ (وَفَوْقَهُ قِرَامٌ حَنِثَ) لِأَنَّ الْقِرَامَ تَبَعٌ لِلْفِرَاشِ لِأَنَّهُ سَاتِرٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ فَوْقَهُ كَاَلَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الْمُلَى: أَيْ الْمِلَاءَةُ الْمَجْعُولَةُ فَوْقَ الطَّرَّاحَةِ، وَإِذَا كَانَ تَبَعًا لَهُ لَمْ يُعْتَبَرْ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَامَ عَلَى نَفْسِ الْفِرَاشِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا نَامَ عَلَى الْأَعْلَى لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ فَتَنْقَطِعُ النِّسْبَةُ إلَى الْأَسْفَلِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَائِمًا عَلَى فِرَاشَيْنِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ النِّسْبَةُ وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَيْسَ تَبَعًا لِمِثْلِهِ وَلَا يَضُرُّنَا نَفْيُهُ فِي الْفِرَاشَيْنِ بَلْ كُلُّ أَصْلٍ بِنَفْسِهِ وَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِتَعَارُفِ قَوْلِنَا نَامَ عَلَى فِرَاشَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْأَعْلَى (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ) عُرْفًا فَاعْتَبَرَ الْعُرْفُ كُلًّا مِنْ الْأَرْضِ وَالْبِسَاطِ وَالْحَصِيرِ أَصْلًا، وَلِهَذَا يُقَالُ: اجْلِسْ عَلَى الْبِسَاطِ لَا تَجْلِسْ عَلَى الْحَصِيرِ، وَتَارَةً اجْلِسْ عَلَى الْحَصِيرِ لَا تَجْلِسْ عَلَى الْأَرْضِ فَجَعَلَ الْجَالِسَ عَلَى أَحَدِهِمَا غَيْرَ جَالِسٍ عَلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَلَسَ عَلَى ذُيُولِهِ حَيْثُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ، وَيُقَالُ: جَلَسَ فُلَانٌ عَلَى الْأَرْضِ فَيَحْنَثُ، وَسِرُّهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ اللِّبَاسُ تَبَعًا لَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا بَلْ كَأَنَّهُ جَلَسَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَرْضِ. نَعَمْ لَوْ خَلَعَ ثَوْبَهُ فَبَسَطَهُ وَجَلَسَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِارْتِفَاعِ التَّبَعِيَّةِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ) أَوْ فِرَاشٌ (حَنِثَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَيْهِ وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ فِي الْعَادَةِ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى مَا يُفْرَشُ عَلَيْهِ، يُقَالُ جَلَسَ الْأَمِيرُ عَلَى السَّرِيرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فَوْقَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفُرُشِ (بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْآخَرَ الْأَعْلَى (مِثْلُ الْأَوَّلِ) الْأَسْفَلِ فَلَمْ يُجْعَلْ تَابِعًا لَهُ فِي الْعُرْفِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي الْفِرَاشِ بِالْعُرْفِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ نَامَ عَلَى فِرَاشَيْنِ وَلَا يُقَالُ جَلَسَ عَلَى سَرِيرَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ، بَلْ يُقَالُ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَ سَرِيرٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي هَذَا الدُّكَّانِ وَهَذَا السَّطْحِ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَبَسَطَ عَلَيْهِ وَجَلَسَ حَنِثَ. وَلَوْ بَنَى دُكَّانًا فَوْقَ الدُّكَّانِ

[باب اليمين في الضرب والقتل وغيره]

(بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ) (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ إنْ ضَرَبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَاتَ فَضَرَبَهُ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ) لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ، وَالْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ، وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ سَطْحًا عَلَى السَّطْحِ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى أَحَدِهِمَا انْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ عَنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَعْلَى، وَلِذَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ عَلَى سَطْحِ الْكَنِيفِ وَالْإِسْطَبْلِ. وَلَوْ بَنَى عَلَى ذَلِكَ سَطْحًا آخَرَ فَصَلَّى عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا بِنَعْلٍ أَوْ خُفٍّ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ مَشَى عَلَى أَحْجَارٍ حَنِثَ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْضِ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ] (بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ الْغُسْلِ وَالْكِسْوَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: إنْ ضَرَبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ) حَتَّى إذَا مَاتَ فَضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ (لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ) أَوْ اسْتِعْمَالِ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلتَّأْدِيبِ، (وَالْإِيلَامُ) وَالْأَدَبُ (لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ لَا يَحِسُّ وَلِذَا كَانَ الْحَقُّ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ مَا يَحِسُّ بِالْأَلَمِ. وَالْبِنْيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ الْأَجْزَاءُ بَلْ هِيَ مُخْتَلِطَةٌ بِالتُّرَابِ فَعُذِّبَ جُعِلَتْ الْحَيَاةُ فِي تِلْكَ الْأَجْزَاءِ

وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَيِّتِ لَا يَتَحَقَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي لَا يَأْخُذُهَا الْبَصَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَقَدِيرٌ. وَالْخِلَافُ فِيهِ إنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ عَذَابِ الْقَبْرِ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ مَعَ عَدَمِ الْإِحْسَاسِ. وَقَدْ أُورِدَ عَلَى أَخْذِ الْإِيلَامِ فِي تَعْرِيفِ الضَّرْبِ قَوْله تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] فَقَدْ بَرَّ بِضَرْبِ الضِّغْثِ وَهِيَ حُزْمَةٌ مِنْ رَيْحَانٍ وَنَحْوِهِ وَلَا إيلَامَ فِيهِ. وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِمَنْعِ عَدَمِ الْأَلَمِ فِي ضَرْبِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَبْضَةٌ مِنْ الشَّجَرِ، وَإِنْ سَلِمَ فَمَخْصُوصٌ بِأَيُّوبَ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ تَمَسَّك بِهِ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ فِي جَوَازِ الْحِيلَةِ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ. وَفِي الْكَشَّافِ: هَذِهِ الرُّخْصَةُ بَاقِيَةٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْبِرَّ بِضَرْبٍ بِضِغْثٍ بِلَا أَلَمٍ أَصْلًا خُصُوصِيَّةٌ رَحْمَةً لِزَوْجَةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ بَقَاءُ شَرْعِيَّةِ الْحِيلَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى قُلْنَا: إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَضَرَبَهُ بِهَا مَرَّةً لَا يَحْنَثُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُصِيبَ بَدَنَهُ كُلُّ سَوْطٍ مِنْهَا، وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِأَطْرَافِهَا قَائِمَةً أَوْ بِأَعْرَاضِهَا مَبْسُوطَةً، وَالْإِيلَامُ شَرْطٌ فِيهِ، أَمَّا عَدَمُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا. وَلَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ لَهُ شُعْبَتَانِ خَمْسِينَ مَرَّةً يَبَرُّ، وَلَوْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَخَفَّفَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ لَا يَبَرُّ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ صُورَةً لَا مَعْنًى. وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنَاهُ، فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِأَنْ يَتَأَلَّمَ، حَتَّى إنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ شَرَطَ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ رُءُوسِ الْأَعْوَادِ وَضَرَبَ بِهَا كَوْنَ كُلِّ عُودٍ بِحَالِ لَوْ ضَرَبَ مُنْفَرِدًا بِهِ لَأَوْجَعَ الْمَضْرُوبَ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا بِالْحِنْثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَلَمِ. [فُرُوعٌ] قَالَ: لَأَضْرِبَنَّكَ حَتَّى أَقْتُلَك هُوَ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ، وَمِثْلُهُ حَتَّى أَتْرُكَك لَا حَيٌّ وَلَا مَيِّتٌ، وَحَتَّى تَسْتَغِيثَ فَهُوَ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ، وَكَذَا حَتَّى تَبُولَ أَوْ حَتَّى تَبْرُكَ. وَعِنْدِي أَيْضًا عَلَى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ لَأَضْرِبَنَّكَ بِالسَّيْفِ حَتَّى تَمُوتَ، وَلَأَضْرِبَنَّ وَلَدَك عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَنْشَقَّ نِصْفَيْنِ، فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ بِهِ الْأَرْضَ وَيَرْكُلَهُ فَقَطْ، وَخِلَافُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ. حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِالسَّيْفِ حَنِثَ بِضَرْبِهِ بِغِلَافِهِ وَهُوَ فِيهِ، وَكَذَا بِالسَّوْطِ فَلَفَّهُ بِخِرْقَةٍ وَضَرَبَهُ حَنِثَ. حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِنَصْلِ هَذَا السِّكِّينِ أَوْ بِزُجِّ هَذَا الرُّمْحِ فَنَزَعَهُ وَرَكَّبَ غَيْرَهُ وَضَرَبَهُ بِهِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ: إنْ لَقِيتُك فَلَمْ أَضْرِبْك فَعَبْدِي حُرٌّ فَرَآهُ عَلَى سَطْحٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ بِحَيْثُ لَا تَصِلُ إلَيْهِ يَدُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ضَرْبِهِ لَا يَحْنَثُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ قَدْرُ مِيلٍ أَوْ أَكْثَرُ فَلَمْ يَلْقَهُ. حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَضَرَبَ أَمَتَهُ: يَعْنِي فَأَصَابَ ضَرْبُهُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ قَصْدٍ حَنِثَ. حَلَفَ لَا أُعَذِّبُهُ فَحَبَسَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَبْسَ تَعْذِيبٌ قَاصِرٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكِسْوَةُ) إذَا حَلَفَ لَيَكْسُوَنَّهُ فَأَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا بَعْدَ مَوْتِهِ يَحْنَثُ وَتَقْتَصِرُ

إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ السَّتْرَ، وَقِيلَ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى اللُّبْسِ (وَكَذَا الْكَلَامُ وَالدُّخُولُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ زِيَارَتُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُزَارُ قَبْرُهُ لَا هُوَ (وَلَوْ قَالَ: إنْ غَسَّلْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَغَسَّلَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَمَعْنَاهُ التَّطْهِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِسْوَةُ عَلَى الْحَيَاةِ لِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ فِي مَفْهُومِهَا، وَلِذَا لَوْ قَالَ: كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ كَانَ هِبَةً، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ إحْدَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا فِيمَا سِوَى الْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ أَهْلًا لَلتَّمَلُّكِ لِيَصِحَّ التَّمْلِيكُ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُرَادُ بِهِ اللُّبْسُ دُونَ التَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُنْوَى بِهِ السَّتْرَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّتْرَةَ تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْحَيِّ فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى حَالَتَيْ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، وَذِكْرُ ضَمِيرٍ بِهِ وَهُوَ الْكِسْوَةُ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: كَسَوْتُك، وَقِيلَ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِكْسَاءِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي اللُّغَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَلَامُ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَيَاةِ، فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ فَلَا يَفْهَمُ. وَأُورِدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَهْلِ الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَتُكَلِّمُ الْمَوْتَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِي مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ مِنْهُمْ» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ: يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَدَّتْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَبِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَوْعِظَةِ لِلْأَحْيَاءِ لَا لِإِفْهَامِ الْمَوْتَى، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، أَمَّا نِسَاؤُكُمْ فَنُكِحَتْ وَأَمَّا أَمْوَالُكُمْ فَقُسِمَتْ، وَأَمَّا دُورُكُمْ فَقَدْ سُكِنَتْ، فَهَذَا خَبَرُكُمْ عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ " وَبِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِأُولَئِكَ تَضْعِيفًا لِلْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا» وَلْيُنْظَرْ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ (قَوْلُهُ وَالدُّخُولُ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ تَقَيَّدَ بِالْحَيَاةِ، فَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَيِّتًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ زِيَارَتُهُ أَوْ خِدْمَتُهُ حَتَّى لَا يُقَالَ دَخَلَ عَلَى حَائِطٍ وَلَا عَلَى دَابَّةٍ، وَالزِّيَارَةُ لِلْمَيِّتِ لَيْسَتْ حَقِيقَةً بَلْ إنَّمَا الْمَزُورُ قَبْرُهُ، وَلِهَذَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» وَلَمْ يَقُلْ عَنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: إنْ غَسَّلْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ انْعَقَدَ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ لِأَنَّ الْغُسْلَ الْإِسَالَةُ) وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ بِهِ التَّطْهِيرُ أَوْ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَالْكُلُّ يَتَحَقَّقُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْأَصْلِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُلِذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيَسُرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ اهـ. وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ

وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِيلَامُ، (وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي حَالِ الْمُلَاعَبَةِ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ. وَتَقْبِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَا أُدْرِجَ فِي الْكَفَنِ مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الشَّفَقَةِ أَوْ التَّعْظِيمِ. وَقِيلَ إنْ عَقَدَ عَلَى تَقْبِيلِ مُلْتَحٍ يَحْنَثُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُغَسِّلُ فُلَانًا أَوْ لَا يَحْمِلُهُ أَوْ لَا يَمَسُّهُ أَوْ لَا يُلْبِسُهُ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) وَكَذَا لَوْ وَجَأَهَا أَوْ قَرَصَهَا، وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا. وَأُجِيبَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَذَلِكَ. وَفِي الْمُنْتَقَى: حَلَفَ لَا يَضْرِبُ فُلَانًا فَنَفَضَ ثَوْبَهُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ نُشَّابَةٍ فَأَصَابَهُ لَا يَحْنَثُ. وَاسْتَشْكَلَ يَمِينُ الضَّرْبِ بِأَنَّهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِصُورَةِ الضَّرْبِ عُرْفًا فَهُوَ إيقَاعُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْخَنْقِ وَمَدِّ الشَّعْرِ وَالْعَضِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ ضَرْبًا أَوْ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِيلَامُ فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ بِالرَّمْيِ بِالْحَجَرِ أَوْ بِهِمَا فَيَحْنَثُ بِالضَّرْبِ مَعَ الْإِيلَامِ مُمَازَحَةً لَكِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ إشْكَالٌ وَارِدٌ. وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ حُصُولُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الضَّرْبُ لَفْظًا أَوْ عُرْفًا. مِثَالُهُ حَلَفَ لَا يَبِيعُ كَذَا بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ عُرْفًا

[باب اليمين في تقاضي الدراهم]

(وَمَنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِيهِ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فَيَنْعَقِدُ ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْعَجْزِ الْعَادِيِّ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ وَلَا تُتَصَوَّرُ فَيَصِيرُ قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلُ الْعِلْمِ هُوَ الصَّحِيحَ. بَابُ الْيَمِينِ فِي تَقَاضِي الدَّرَاهِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ بِعَشَرَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَلْ بِأَكْثَرَ. وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ لَفْظًا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ فَقَدْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عُرْفًا فَلَا يَحْنَثُ غَيْرُ دَافِعٍ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ. ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ: هَذَا يَعْنِي الْحِنْثَ إذَا كَانَ فِي الْغَضَبِ، أَمَّا إذَا فَعَلَ فِي الْمُمَازَحَةِ فَلَا يَحْنَثُ، وَلَوْ أَدْمَاهَا لَكِنْ لَا عَلَى قَصْدِ الْإِدْمَاءِ بَلْ وَقَعَ الْخَطَأُ فِي الْمُمَازَحَةِ بِالْيَدِ. وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا إذَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِمَدِّ الشَّعْرِ وَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ، وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ وَالْحَالِفُ عَالِمٌ بِمَوْتِهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ حَلِفِهِ وَالْقَتْلُ إزَالَةُ الْحَيَاةِ بِسَبَبٍ عَادِيٍّ مَخْصُوصٍ لَزِمَ أَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى إزَالَةِ حَيَاةِ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ فَيَنْعَقِدُ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِلْعَجْزِ الْحَالِي الْمُسْتَمِرِّ عَادَةً (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ لَا مَحَالَةَ عَلَى إزَالَةِ الْحَيَاةِ الْقَائِمَةِ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إزَالَةُ الْقَائِمَةِ وَلَا حَيَاةَ قَائِمَةٌ (فَكَانَ قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ عَلَى الِاخْتِلَافِ) السَّابِقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَهُمَا، فَعِنْدَهُ يَنْعَقِدُ وَيَحْنَثُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا حِنْثَ إذْ لَا انْعِقَادَ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ (تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ) بَلْ الْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ مَاءً وَقْتَ الْحَلِفِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْكُوزَ لَا مَاءَ فِيهِ فَحَلَفَ فَقَالَ: إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنْ لَا مَاءَ فِي هَذَا الْكُوزِ فَحَلَفَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ يَمِينُهُ عِنْدَهُمَا عَلَى مَاءٍ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكُوزِ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ ثُمَّ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ الْمُسْتَمِرُّ يُوجِبُ حِنْثَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْكُوزِ مَاءً؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى مَاءٍ فِي الْكُوزِ، وَلَوْ أَوْجَدَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مَاءً كَانَ غَيْرَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ شُرْبُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي تَقَاضِي الدَّرَاهِمِ] (بَابُ الْيَمِينِ فِي تَقَاضِي الدَّرَاهِمِ) التَّقَاضِي: الْمُطَالَبَةُ وَهُوَ سَبَبٌ لِلْقَضَاءِ وَهِيَ مَسَائِلُ الْبَابِ فَتُرْجِمَ الْبَابُ بِمَا هُوَ سَبَبُ مَسَائِلِهِ وَخَصَّ الدَّرَاهِمَ

(وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ عَلَى مَا دُونَ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ يُعَدُّ قَرِيبًا، وَالشَّهْرُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يُعَدُّ بَعِيدًا، وَلِهَذَا يُقَالُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ مَا لَقِيتُك مُنْذُ شَهْرٍ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ ثُمَّ وَجَدَ فُلَانٌ بَعْضَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ) لِأَنَّ الزِّيَافَةَ عَيْبٌ وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ، وَلِهَذَا لَوْ تَجُوزُ بِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ دَوْرًا فِي الْمُعَامَلَاتِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ) أَوْ عَاجِلًا (فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ) فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الشَّهْرِ حَنِثَ (وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ) أَوْ آجِلًا (فَهُوَ عَلَى أَكْثَرِ) مِنْ شَهْرٍ وَعَلَى (الشَّهْرِ) أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ قَصَدَ الطِّبَاقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَهُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمَوْتِ إذَا مَاتَ لِشَهْرٍ فَصَاعِدًا مِنْ حِينِ حَلَفَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ بِلَا غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ إلَى الْمَوْتِ، فَإِنْ مَاتَ لِأَقَلَّ مِنْهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَيْسَ فِي يَمِينِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ تَقْدِيرٌ؛ لِأَنَّهُ إضَافِيٌّ، فَكُلُّ مُدَّةٍ قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا وَبَعِيدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا دُونَهَا، وَمُدَّةُ الدُّنْيَا كُلِّهَا قَرِيبَةٌ بِاعْتِبَارٍ وَبَعِيدَةٌ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِحِنْثِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ. وَقُلْنَا: هُنَا وَجْهَانِ مِنْ الِاعْتِبَارِ اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ وَلَا ضَبْطَ فِيهَا كَمَا ذَكَرْت، وَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ. وَالْعُرْفُ يَعُدُّ الشَّهْرَ بَعِيدًا فَإِنَّهُ يُقَالُ: مَا رَأَيْتُك مُنْذُ شَهْرٍ عِنْدَ اسْتِبْعَادِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ النِّيَّةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ وَإِلَى بَعِيدٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ أَوْ عَاجِلًا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ صَحَّتْ، وَكَذَا إلَى آخِرِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ، وَتَقَدَّمَتْ فُرُوعٌ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ ضُحًى أَوْ عِنْدَ الْهِلَالِ وَنَحْوَهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ فُلَانٌ بَعْضَهَا) أَيْ بَعْضَ الدَّرَاهِمِ (زُيُوفًا) وَهِيَ الْمَغْشُوشَةُ غِشًّا قَلِيلًا بِحَيْثُ يَتَجَوَّزُ التُّجَّارُ بِهَا، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ (أَوْ نَبَهْرَجَةً) وَغِشُّهَا أَكْثَرُ مِنْ الزُّيُوفِ يَرُدُّهُ مِنْ التُّجَّارِ الْمُسْتَقْصِي، وَيَقْبَلُهُ السَّهْلُ مِنْهُمْ (أَوْ مُسْتَحِقُّهُ لَمْ يَحْنَثْ) بِذَلِكَ سَوَاءٌ رَدَّ بَدَلَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ لَا؛ (لِأَنَّ الزَّيْفَ عَيْبٌ) وَكَذَا نَبَهْرَجَةٌ وَلَفْظُ الزِّيَافَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ غَيْرُ عَرَبِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ (وَالْعَيْبُ) فِي الْجِنْسِ (لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ) أَيْ جِنْسَ الدَّرَاهِمِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ وَصْفِ الزِّيَافَةِ لَا يُعْدِمُ اسْمَ الدَّرَاهِمِ (لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا) فِي الصَّرْفِ: أَيْ لَوْ جُعِلَتْ بَدَلًا فِي الصَّرْفِ بِالْجِيَادِ أَوْ جُعِلَتْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ صَحَّ مَعَ أَنَّ الِافْتِرَاقَ عَنْ

فَوُجِدَ شَرْطُ الْبِرِّ وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهِ الْبِرَّ الْمُتَحَقِّقَ (وَإِنْ وَجَدَهَا رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَنِثَ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّجَوُّزُ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (وَإِنْ بَاعَهُ بِهَا عَبْدًا وَقَبَضَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْقَبْضَ لِيَتَقَرَّرَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ قَبْضٍ مُفْسِدٌ لَهُمَا، فَعُرِفَ أَنَّهُمَا لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُمَا جِنْسُ الدَّرَاهِمِ فَيَبَرُّ فِي الْيَمِينِ بِهِمَا سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ الدَّفْعِ (وَ) كَذَا قَبْضُ الدَّرَاهِمِ (الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ) وَلِذَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ قَبْضَهَا جَازَ، وَإِذَا بَرَّ فِي دَفْعِ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ رَدَّ الزُّيُوفَ أَوْ النَّبَهْرَجَةَ أَوْ اُسْتُرِدَّتْ الْمُسْتَحَقَّةُ لَا يَرْتَفِعُ الْبِرُّ، وَإِنْ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ، وَمِثْلُهُ لَوْ دَفَعَ الْمُكَاتَبُ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ وَعَتَقَ فَرَدَّهَا مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بِسَبَبِ أَنَّهَا زَيْفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ مُسْتَحَقَّةٌ لَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ (وَلَوْ كَانَتْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَنِثَ) إذَا انْقَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يَرُدَّ بَدَلَهَا دَرَاهِمَ. وَالسَّتُّوقَةُ الْمَغْشُوشَةُ غِشًّا زَائِدًا وَهُوَ تَعْرِيبُ سِيّ تُوقَةَ: أَيْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ طَبَقَتَا الْوَجْهَيْنِ فِضَّةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا نُحَاسٌ وَنَحْوُهُ؛ (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَا يَتَجَوَّزَ بِهَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) وَلَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ بِأَدَائِهَا، فَلَوْ رَدَّهَا الْمَوْلَى ظَهَرَ عَدَمُ عِتْقِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ إنْ بَاعَ الْحَالِفُ الْمَدْيُونُ رَبَّ الدَّيْنِ الَّذِي حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ الْيَوْمَ دَيْنَهُ فِي الْيَوْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَى قَضَائِهِ فِيهِ (عَبْدًا وَقَبَضَهُ) رَبُّ الدَّيْنِ (بَرَّ) الْمَدْيُونُ (فِي يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ لَوْ وَقَعَ بِالدَّرَاهِمِ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ. وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِي ذِمَّةِ الْقَابِضِ وَهُوَ الدَّائِنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ لِيَتَمَلَّكَهُ وَلِلدَّائِنِ مِثْلُهُ عَلَى الْمُقْبَضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا، فَكَذَا هُنَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُقَاصَصُ بِهِ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بِإِعْطَاءِ الْعَبْدِ قِصَاصًا وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ ثَمَنُ الْعَبْدِ وَلَهُ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلُهَا فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا، ثُمَّ الْبِرُّ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ قَبَضَ الدَّائِنُ الْعَبْدَ أَوْ لَا، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمَدْيُونِ الْحَالِفِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَعَادَ الدَّيْنُ، وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ فِي الْيَمِينِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ تَأْكِيدًا لِلْبَيْعِ لِيَتَقَرَّرَ الدَّيْنُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَإِنْ وَجَبَ بِالْبَيْعِ لَكِنَّهُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لِجَوَازِ أَنْ يَهْلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَقَبَضَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ تَفِي بِالدَّيْنِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، هَذَا إذَا حَلَفَ الْمَدْيُونُ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ

(وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ) يَعْنِي الدَّيْنَ (لَمْ يَبَرَّ) لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَعَلَهُ، وَالْهِبَةُ إسْقَاطٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ. (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَبُّ الدَّيْنِ فَقَالَ: إنْ لَمْ أَقْبِضْ مَالِي عَلَيْك الْيَوْمَ أَوْ إنْ لَمْ أَسْتَوْفِ. قَالَ مُحَمَّدٌ (فَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَبَرَّ) يَعْنِي إذَا وَهَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الدَّرَاهِمَ الدَّيْنَ فِي الْيَوْمِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ فَقَبِلَ لَمْ يَبَرَّ الْمَدْيُونُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ (لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ) وَلِأَنَّ فِعْلَ الْمَدْيُونِ وَالْهِبَةِ فِعْلُ الدَّائِنِ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُ هَذَا فِعْلَ الْآخَرِ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا لَمْ يَبَرَّ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا عِنْدَهُمَا لِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ: يَعْنِي تَعَذُّرَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ. وَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ أَنَّ بَقَاءَ التَّصَوُّرِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ هُنَا فِي يَمِينٍ مُؤَقَّتَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَذْكُرْ الْيَوْمَ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ارْتِفَاعَ النَّقِيضَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ نَقِيضُ الْحِنْثِ فَلَا يَرْتَفِعَانِ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ النَّقِيضَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجِبُ صِدْقُ أَحَدِهِمَا دَائِمًا هُمَا فِي الْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ كَوُجُودِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ، أَمَّا فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا تَعَلَّقَ قِيَامُ النَّقِيضَيْنِ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا مَا دَامَ السَّبَبُ قَائِمًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ قِيَامَ الْيَمِينِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا مَحَالَةَ مِنْ الْحِنْثِ أَوْ الْبِرِّ شَرْعًا، فَإِنْ فُرِضَ انْتِفَاؤُهُ انْتَفَى الْحِنْثُ وَالْبِرُّ كَمَا هُوَ قَبْلَ الْيَمِينِ حَيْثُ لَا بِرَّ وَلَا حِنْثَ، فَإِذَا فُرِضَ ارْتِفَاعُهُ كَانَ الْحَالُ كَمَا هُوَ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَجَمِيعُ مَا أُورِدَ مِنْ الِاسْتِشْهَادِ مِثْلُ قَوْلِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ لَمْ يَحْنَثْ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَحْنَثْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ لَهُ قَالُوا بَرَّ وَلَمْ يَحْنَثْ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْبِرُّ وَهُوَ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْهِبَةِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْحَالِفِ عَلَى يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَمَا أَشَرْنَا إلَى ذَلِكَ، أَمَّا الْمُطْلَقَةُ بِأَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ فَأَبْرَأَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بَلْ فِي الِابْتِدَاءِ، وَحِينَ حَلَفَ كَانَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَكَانَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ ثَابِتًا فَانْعَقَدَتْ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَأْسِ مِنْ الْبِرِّ بِالْهِبَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ

لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْضُ الْكُلِّ وَلَكِنَّهُ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ مُضَافٍ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ (فَإِنْ قَبَضَ دَيْنَهُ فِي وَزَنَيْنَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْرِيقٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَادَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى عَنْهُ (وَمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عُرْفًا نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمِائَةِ اسْتِثْنَاؤُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا (وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَيْرَ مِائَةٍ أَوْ سِوَى مِائَةٍ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَحْنَثْ) بِمُجَرَّدِ قَبْضِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قَبْضِ بَاقِيهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ حَنِثَ (لِأَنَّ الشَّرْطَ) أَيْ شَرْطَ الْحِنْثِ (قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ) الْمُتَفَرِّقَ (إلَى كُلِّ الدَّيْنِ) حَيْثُ قَالَ: لَا أَقْبِضُ دَيْنِي وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَمَامِهِ مُتَفَرِّقًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتَعَدُّدِ الْوَزْنِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزْنَتَيْنِ إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَكَانَ الْوَزْنَتَانِ كَوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَشَاغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَخْتَلِفُ مَجْلِسُ الْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُهُ بِوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ لِكَثْرَتِهِ فَجُعِلَ التَّفْرِيقُ الْكَائِنُ بِهَذَا السَّبَبِ مُسْتَثْنًى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُؤَقَّتَةٌ هَكَذَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَخَذْتُهَا مِنْك الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَخْذُ كُلِّ الْمِائَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ أَخَذْتُ مِنْهَا الْيَوْمَ مِنْك دِرْهَمَيْنِ دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَخْذَ بَعْضِ الْمِائَةِ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ وُجِدَ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا خَمْسِينَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عُرْفًا نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ) فَيَصْدُقُ عَلَى الْخَمْسِينَ، إذْ يَصْدُقُ أَنَّ الْخَمْسِينَ لَيْسَ زَائِدًا عَلَى الْمِائَةِ. وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى اللَّفْظِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى جَعْلِ الْمُسْتَثْنَى مَسْكُوتًا عَلَى حُكْمِهِ، فَإِنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ لَيْسَ لِي مَالٌ إلَّا مِائَةٌ فَالْمِائَةُ مُخْرَجَةٌ مِنْ نَفْيِ الْمَالِ، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُسْتَثْنَى مَسْكُوتٌ فَتَكُونُ الْمِائَةُ غَيْرَ مَحْكُومٍ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ بَلْ وَلَا مُتَعَرَّضًا لَهَا بِإِثْبَاتٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَأَمَّا عَلَى جَعْلِهِ مُثْبَتًا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ أُخْرَى، أَوْ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَهُوَ مُخْتَارُنَا، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَيَحْنَثُ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنَّ لَهُ مِائَةً. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمِائَةِ اسْتِثْنَاؤُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا) فَظَاهِرُهُ

[مسائل متفرقة]

مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] (وَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَعَمَّ الِامْتِنَاعُ ضَرُورَةَ عُمُومِ النَّفْيِ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَفَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ فِعْلٌ وَاحِدٌ غَيْرُ عَيْنٍ، إذْ الْمَقَامُ مَقَامُ الْإِثْبَاتِ فَيَبَرُّ بِأَيِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْهُ وَذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ وَجْهٌ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عُرْفًا إلَخْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولًا لَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ إخْرَاجَهَا لَيْسَ إلَّا مِنْ النَّفْيِ، وَحَاصِلُهُ إخْرَاجُ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمِائَةِ مِنْ عَدَمِ الْمِلْكِ، فَلَوْ صَحَّ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ خَمْسِينَ مِنْ مِلْكِهِ فَكَانَ يَحْنَثُ فَلَيْسَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إلَّا وَجْهَ الْعُرْفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعْطَى زَيْدًا مِائَةً مَثَلًا فَقَالَ زَيْدٌ: لَمْ يُعْطِنِي إلَّا خَمْسِينَ فَقَالَ: إنْ كُنْت أَعْطَيْته إلَّا مِائَةً فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَقَلِّ، وَكَذَا إذَا اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ فَقَالَ: لِي عَلَيْهِ مِائَةٌ وَقَالَ الْآخَرُ: خَمْسُونَ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِي عَلَيْهِ إلَّا مِائَةٌ فَهَذَا لِنَفْيِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِيَمِينِهِ الرَّدَّ عَلَى الْمُنْكَرِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كُنْتُ أَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ فَمَلَكَ عَشَرَةً لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى، وَلَوْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى الْخَمْسِينَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ أَوْ حَلَفَ مَا لِي مَالٌ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَالِ الزَّكَاةِ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ عُرُوضٌ وَضِيَاعٌ وَدُورٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] أَيْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ لِأَمْرٍ حَاضِرٍ فِي الذِّهْنِ أَوْ تَأَخَّرَ وَضْعُ التَّرْجَمَةِ عَنْ وَضْعِ الْمَسَائِلِ فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ تَقَدُّمُ التَّرْجَمَةِ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَذْكُرُوا لِمَا شَذَّ عَنْ الْأَبْوَابِ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ وَنَحْوَهَا (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ فَعَمَّ الِامْتِنَاعُ) فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَقْبِلَةِ (ضَرُورَةَ عُمُومِ النَّفْيِ) لِلْفِعْلِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْمَصْدَرِ النَّكِرَةِ فَلَوْ وُجِدَ مَرَّةً لَمْ يَكُنْ النَّفْيُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ثَابِتًا (وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا بَرَّ بِالْفِعْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ فِعْلٌ وَاحِدٌ غَيْرُ عَيْنٍ، إذْ الْمَقَامُ مَقَامُ الْإِثْبَاتِ فَيَبَرُّ بِأَيِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مُكْرَهًا فِيهِ أَوْ نَاسِيًا أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَا يُحْكَمْ بِوُقُوعِ الْحِنْثِ حَتَّى يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْفِعْلِ (وَذَلِكَ بِمَوْتِ الْحَالِفِ) قَبْلَ الْفِعْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْكَفَّارَةِ (أَوْ بِفَوْتِ مَحِلِّ الْفِعْلِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ أَكَلَ الرَّغِيفَ قَبْلَ أَكْلِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً كَمَا أَرَيْنَاك، فَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلُ لَآكُلَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ سَقَطَتْ بِفَوَاتِ مَحِلِّ الْفِعْلِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا سَلَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ

(وَإِذَا اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لِيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ فَهَذَا عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ أَوْ شَرِّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ، وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُضِيِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لِيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْمَدِينَةَ) وَهُوَ بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ كُلُّ مُفْسِدٍ وَجَمْعُهُ دُعَّارٌ مِنْ الدَّعْرِ وَهُوَ الْفَسَادُ، وَمِنْهُ دَعِرَ الْعَوْدَ يَدْعَرُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا فَسَدَ (فَهُوَ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) فَلَوْ عُزِلَ لَا يَلْزَمُهُ إخْبَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهَذَا التَّخْصِيصُ فِي الزَّمَانِ يَثْبُتُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الِاسْتِحْلَافِ زَجْرُهُ بِمَا يَدْفَعُ شَرَّهُ أَوْ شَرَّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زُجِرَ دَاعِرٌ انْزَجَرَ دَاعِرٌ آخَرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي حَالِ وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ (فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَإِذَا سَقَطَتْ الْيَمِينُ لَا تَعُودُ وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعَادَ فَيَزْجُرَهُ لِتَقَدُّمِ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَيْضًا: ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ بِالدَّاعِرِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلَفُ أَوْ عُزِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا بِالْيَأْسِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ اهـ. وَلَوْ حُكِمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ، فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ: أَيْ فَوْرِ عِلْمِهِ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ، وَكَذَا لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيُّدًا بِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ وَالزَّوْجِيَّةُ سَقَطَتْ ثُمَّ لَا تَعُودُ الْيَمِينُ بِعَوْدِهِمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ، إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْإِذْنَ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِهِ بِزَمَانِ الْوِلَايَةِ فِي الْإِذْنِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِك طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَقَيَّدْ يَمِينُهُ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِهِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَيَهَبَنَّ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) الْأَصْلُ أَنَّ اسْمَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّهْنِ وَالْخُلْعِ

لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِثْلُهُ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ وَلِهَذَا يُقَالُ وُهِبَ وَلَمْ يَقْبَلْ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ السَّمَاحَةِ وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِزَاءِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا، وَفِي عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ بِإِزَاءِ الْإِيجَابِ فَقَطْ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْعُمْرِيِّ وَالنِّحْلِيِّ وَالْإِقْرَارِ وَالْهَدِيَّةِ. وَقَالَ زَفَرُ: هِيَ كَالْبَيْعِ. وَفِي الْبَيْعِ وَمَا مَعَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لِلْمَجْمُوعِ. فَلِذَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك أَمْسِ هَذَا الثَّوْبَ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ: بَلْ قَبِلْت أَوْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ بَلْ قَبِلْت الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْبَيْعِ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ تَقْبَلْ رُجُوعٌ عَنْهُ، وَكَذَا عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَأَوْجَبَ فَقَطْ، وَعَلَى الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ لَيَبِيعَنَّ الْيَوْمَ فَأَوْجَبَ فِيهِ فَقَطْ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، فَعِنْدَنَا يَبَرُّ الْإِيجَابُ، وَعِنْدَهُ يَحْنَثُ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ لِزُفَرَ بِاعْتِبَارِهِ بِالْبَيْعِ (لِأَنَّهُ) أَيْ عَقْدَ الْهِبَةِ (تَمْلِيكُ مِثْلِهِ) حَتَّى يَتَوَقَّفَ تَمَامُ سَبَبِيَّتِهِ عَلَى الْقَبُولِ فَلَا يَكُونُ هُوَ: أَيْ عَقْدُ الْهِبَةِ بِلَا قَبُولٍ كَالْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بَلْ بِمُجَرَّدِ إيجَابِ الْهِبَةِ وَالْقَبُولِ مِنْ الْآخَرِ بَرَّ لِتَمَامِ السَّبَبِ، وَإِنَّمَا الْقَبْضُ شَرْطُ حُكْمِهِ وَالسَّبَبُ يَتِمُّ دُونَهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَهُ الْقَبْضُ فَلَا يَبَرُّ حَتَّى يَقْبِضَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ بِلَا حُكْمٍ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ) أَيْ الْهِبَةُ اسْمٌ لِلتَّبَرُّعِ، فَإِذَا تَبَرَّعَ وُجِدَ الْمُسَمَّى فَيَحْنَثُ، وَلَا يُرَادُ تَمَامُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إلَّا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ، إلَّا أَنَّ بِالرَّدِّ يُنْتَقَضُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ بِلَا اخْتِيَارٍ وَنَحْوِهِ مِنْ فَسْخِ نِكَاحِ الزَّوْجَةِ الْمَرْقُوقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَوِّلَ وَلَا عَمَلَ عَلَى هَذَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ لِتَمَامِ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي احْتِيَاجِهِ إلَى الْقَبُولِ فِي تَمَامِ الْعَقْدِ وَوُقُوعِهِ سَبَبًا لِمِلْكِ الْآخَرِ كَالْبَيْعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِهِ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ بِلَا بَدَلٍ حَتَّى يَظْهَرَ رِضَاهُ بِذَلِكَ بِلَفْظِهِ الْمُفِيدِ لَهُ فَهُوَ كَالْبَيْعِ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي تَعْيِينِ مُسَمَّيَاتٍ شَرْعِيَّةٍ لِأَلْفَاظٍ هِيَ لَفْظُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَأَخَوَاتِهِمَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ أَوْ الِاسْتِدْلَالِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ بَاعَ فُلَانٌ كَذَا أَوْ بِعْت كَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ وُقُوعُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حُكِمَ بِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ لِلْمَجْمُوعِ، ثُمَّ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي اسْمِ الْهِبَةِ فَقَالَ زُفَرُ هُوَ كَذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِالنَّقْلِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» فَقَدْ أُطْلِقَ اسْمُ الْإِهْدَاءِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَقَطْ لِفَرْضِ أَنَّهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَهْدَى إمَّا حِكَايَةُ قَوْلِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَهْدَيْتُ لَك هَذَا أَوْ حِكَايَةُ فِعْلٍ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يُفِيدُ أَنَّ اسْمَ الْهِدَايَةِ يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ فِعْلِ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْآخَرِ أَوْ لَا. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِنَا: وَهَبْت لِفُلَانٍ فَلَمْ يَقْبَلْ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظَ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِيجَابِ بِقَرِينَةٍ كَقَوْلِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا يُقَالُ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَكَوْنُهُ ظَهَرَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مُجَرَّدِ الْإِيجَابِ بِقَرِينَةٍ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ هُوَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْته هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَكُنْ مُخْطِئًا وَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِاسْمِ الْكُلِّ

يَتِمُّ بِهِ، أَمَّا الْبَيْعُ فَمُعَاوَضَةٌ فَاقْتَضَى الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَمَنْ حَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجُزْءِ، فَلَوْ دَلَّ صِحَّةُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَهَبْت فَلَمْ يَقْبَلْ عَلَى أَنَّ وَضْعَ لَفْظِ الْهِبَةِ لِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ: بِعْته فَلَمْ يَقْبَلْ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْإِثْبَاتِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كُنْت نَحَلْتُك عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِ الْعَالِيَةِ وَإِنَّك لَمْ تَكُونِي حُزْتِيهِ. فَسَمَّاهُ نِحْلًى قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِضُ عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْ زُفَرَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِيهِ الْقَبْضُ أَيْضًا، وَلَسْنَا نُصَحِّحُهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَالْقَبْضُ شَرْطُ الْحُكْمِ لَا مِنْ تَمَامِ السَّبَبِ وَمُسَمَّى اللَّفْظِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْقَائِلُ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ إظْهَارُ السَّمَاحَةِ وَهُوَ يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ: يَعْنِي فَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْمَ بِإِزَاءِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِلَّا كَانَتْ أَسْمَاءُ الْأُمُورِ الَّتِي لَهَا غَايَاتٌ أَسْمَاءً لِتِلْكَ الْغَايَاتِ. وَأَيْضًا فَقَصْدُ الْإِظْهَارِ لِلسَّمَاحَةِ هُوَ عَيْنُ الْمُرَاءَاةِ، وَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ فِعْلِ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ عَلَيْهِ، بَلْ اللَّازِمُ كَوْنُ الْمَقْصُودِ مِنْهَا وُصُولَ النَّفْعِ لِلْحَبِيبِ وَالْفَقِيرِ الْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا أَلْيَقُ أَنْ يُجْعَلَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْوُصُولُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْقَبُولِ وَالْإِيجَابِ، وَأَقَرَّ بِهَا أَنَّهُ اسْمٌ لِلتَّبَرُّعِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ. وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ وَإِنْ كَانَ تَمَامُ السَّبَبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، فَهُوَ اسْمٌ لِجُزْءِ السَّبَبِ إنْ سَلِمَ هَذَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْقَرْضُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَبُولَ الْمُسْتَقْرِضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِي حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي فُلَانٌ أَلْفًا فَلَمْ أَقْبَلْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالْإِبْرَاءُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِاللَّفْظِ دُونَ قَبْضٍ. وَالْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ فِي الْقَرْضِ وَالْإِبْرَاءِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِيهَا كَالْهِبَةِ. قِيلَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَلْحَقَ الْإِبْرَاءُ الْهِبَةَ لِعَدَمِ الْعِوَضِ، وَالْقَرْضُ بِالْبَيْعِ لِلْعِوَضِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَهُ شَبَهَانِ: شَبَهٌ بِالْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا عَيْنُ مَالٍ، فَبِاعْتِبَارِهِ قُلْنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ. وَشَبَهٌ بِالتَّمْلِيكَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَآلَهُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ حَتَّى جَرَتْ أَحْكَامُ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَلِهَذَا قُلْنَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ، وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ كَالْهِبَةِ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يُوصِي بِوَصِيَّةٍ فَوَهَبَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ فِي مَرَضِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَهَبَنَّهُ الْيَوْمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَوَهَبَهُ مِائَةً لَهُ عَلَى آخَرَ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهَا بَرَّ، وَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْعَتَّابِيِّ أَنَّ الْإِبَاحَةَ وَالْوَصِيَّةَ وَالْإِقْرَارَ وَالِاسْتِخْدَامَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ مِنْ الْآخَرِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدٍ: إنْ وَهَبَك فُلَانٌ مِنِّي فَأَنْتَ حُرٌّ فَوَهَبَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَا يَعْتِقُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ بَدَأَ الْوَاهِبُ فَقَالَ: وَهَبْتُكَهُ لَا يُعْتَقُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَإِنْ بَدَأَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَالَ وُهِبْتُهُ مِنْك عَتَقَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ عَبْدَهُ مِنْ فُلَانٍ فَوَهَبَهُ لَهُ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ الْحَالِفُ الْهِبَةَ حَنِثَ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَلَا يَهَبُ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَهُ لَهُ عَلَى عِوَضٍ حَنِثَ. حَلَفَ لَا يَسْتَدِينُ دَيْنًا فَتَزَوَّجَ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُهُ ثُمَّ شَارَكَهُ بِمَالٍ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَالشَّرِيكُ هُوَ الِابْنُ لَا الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبْحَ لِلْأَبِ فِي الْمَالِ، وَتَنْعَقِدُ يَمِينُ نَفْيِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَادَاتُ النَّاسِ مِنْ الشَّرِكَةِ فِي التِّجَارَاتِ دُونَ الْأَعْيَانِ، فَلَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَرِكَةٌ فِي شَيْءٍ حَيْثُ يَحْنَثُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَرِثَا شَيْئًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْهُ مُخْتَارًا إنَّمَا لَزِمَهُ حُكْمًا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ

لَا يَشُمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ وَلَهُمَا سَاقٌ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى دُهْنِهِ) اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَلِهَذَا يُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَالشِّرَاءُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَشَمُّ رَيْحَانًا فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا لَمْ يَحْنَثْ) وَيَشَمُّ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشِّينِ مُضَارِعُ شَمِمْت الطِّيبَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَأَمَّا شَمَمْت الطِّيبَ أَشُمُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ وَصُحِّحَ عَدَمُهُ فَقَدْ نَقَلَهَا الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ بِفَصِيحَةٍ. ثُمَّ يَمِينُ الشَّمِّ تَنْعَقِدُ عَلَى الشَّمِّ الْمَقْصُودِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ طِيبًا فَوَجَدَ رِيحَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ وَصَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الرَّيْحَانُ كُلُّ مَا طَابَ رِيحُهُ مِنْ النَّبَاتِ. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ: مَا لِسَاقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا لِوَرَقِهِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْعِرَاقِ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ. وَقِيلَ اسْمٌ لِمَا لَيْسَ لَهُ شَجَرٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] ثُمَّ قَالَ {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12] وَلِأَنَّ الرَّيْحَانَ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يَنْبُتُ مِنْ بَزْرِهِ مِمَّا لَا شَجَرَ لَهُ وَلِعَيْنِهِ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ، وَشَجَرُ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ لَيْسَ لِعَيْنِهِ رَائِحَةٌ إنَّمَا الرَّائِحَةُ لِلزَّهْرِ خَاصَّةً، هَذَا وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي دِيَارِنَا إهْدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ مُتَعَارَفٌ لِنَوْعٍ وَهُوَ رَيْحَانُ الْحَمَاحِمِ، وَأَمَّا كَوْنُ الرَّيْحَانِ التَّرْنَجِيِّ مِنْهُ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ؛ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَهُ التَّقْيِيدَ فَيُقَالُ رَيْحَانٌ تُرُنْجِيٌّ، وَعِنْدَنَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الرَّيْحَانِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحَمَاحِمُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِعَيْنِ ذَلِكَ النَّوْعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا فَهُوَ عَلَى دُهْنِهِ) دُونَ وَرَقِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِوَرَقِهِ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ فَكَانَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ بَائِعَ الدُّهْنِ ثُمَّ صَارَ كُلٌّ يُسَمَّى بِهِ فِي أَيَّامِ الْكَرْخِيِّ فَقَالَ بِهِ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ إلَّا عَلَى نَفْسِ النَّبَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّهْنِ أَصْلًا كَمَا قَالَ فِي الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ إنَّ الْيَمِينَ عَلَى شِرَائِهِمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَرَقِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْمٌ لِلْوَرَقِ وَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْبَنَفْسَجِ. [فُرُوعٌ مُتَفَرِّقَةُ الْأَصْنَافِ] إذَا حَلَفَ عَلَى الدَّجَاجِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَكَذَا الْحَمَلُ وَالْإِبِلُ وَالْبَعِيرُ وَالْجَزُورُ وَالْبَقَرُ وَالْبَقَرَةُ وَالْبَغْلُ وَالْبَغْلَةُ وَالشَّاةُ وَالْغَنَمُ وَالْحِمَارُ وَالْخَيْلُ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ، قَالَ قَائِلُهُمْ: لَمَّا مَرَرْت بِدَيْرِ هِنْدٍ أَرَّقَنِي ... صَوْتُ الدَّجَاجِ وَضَرْبٌ بِالنَّوَاقِيسِ

وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَقَعُ عَلَى الْوَرَقِ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْوَرْدِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْوَرَقِ) لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ، وَفِي الْبَنَفْسَجِ قَاضٍ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّوْتُ إنَّمَا هُوَ لِلدِّيكِ، وَفِي الْحَدِيثِ «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْبَقَرَةُ: لَا تَتَنَاوَلُ الثَّوْرَ وَلَيْسَ بِذَلِكَ، وَالثَّوْرُ وَالْكَبْشُ وَالدِّيكُ لِلذَّكَرِ، وَالْبِرْذَوْنُ لِلْعَجَمِيِّ، وَالْبَقَرُ لَا يَتَنَاوَلُ الْجَامُوسَ لِلْعُرْفِ. حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَلَا كَذَا فَفَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ النَّفْيِ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَكَذَلِكَ يَحْنَثُ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ فُلَانٌ فَجَاءَ بِحِمَّصٍ فَطَبَخَ فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ وَفِيهِ طَعْمُ الْحِمَّصِ حَنِثَ، ذَكَرَهَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ. وَعَلَى هَذَا يَجِبُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَ اللَّحْمِ. حَلَفَ لَا يَشْرَبُ حَرَامًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَقَاءَ وَشَرِبَ قَيْأَهُ لَا يَحْنَثُ. قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ سَقَيْت الْحِمَارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَذَهَبَ بِهِ فَسَقَاهُ فَلَمْ يَشْرَبْ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ سَقَاهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ. حَلَفَ لَا يَشْرَبُ عَصِيرًا فَعُصِرَ عُنْقُودٌ فِي حَلْقِهِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ عَصَرَهُ فِي كَفِّهِ فَحَسَاهُ حَنِثَ، أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا يَدْخُلُ حَلْقِي حَنِثَ فِيهِمَا. وَفِي الْفَتَاوَى: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، أَمَّا عُرْفُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ حَانِثًا؛ لِأَنَّ مَاءَ الْعِنَبِ لَا يُسَمَّى عَصِيرًا فِي أَوَّلِ مَا يُعْصَرُ. حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا تَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهِيَ فِيهَا وَبَابُهَا مُغْلَقٌ وَلِلدَّارِ حَافِظٌ فَهِيَ مَعْذُورَةٌ حَتَّى يُفْتَحَ الْبَابُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَسَوَّرَ الْحَائِطَ. قَالَ الْفَقِيهُ: وَبِهِ نَأْخُذُ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ فِي بَيْتِ وَالِدِهَا: إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ فَمَنَعَهَا الْوَالِدُ مِنْ الْحُضُورِ مَنْعًا حِسِّيًّا حَنِثَ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: هَذَا فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ، وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَبَيْنَ عَدَمِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ يَجْعَلُ الْمَوْجُودَ مَعْدُومًا بِالْعُذْرِ كَالْإِكْرَاهِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُجْعَلُ الْمَعْدُومُ مَوْجُودًا وَإِنْ وُجِدَ الْعُذْرُ اهـ. يَعْنِي وَقَدْ أُكْرِهَتْ عَلَى السُّكْنَى وَهُوَ فِعْلٌ، وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ لَا يُضَافُ الْفِعْلُ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَابِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ فِيمَنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ الْيَوْمَ فَقُيِّدَ الْحَالِفُ وَمُنِعَ أَيَّامًا أَنَّهُ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ لَيْلًا فَهِيَ مَعْذُورَةٌ حَتَّى تُصْبِحَ. وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا لِخَوْفِ لِصٍّ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مَا سَلَفَ الْوَعْدُ بِهِ. قَالَ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ وَلَهُ عَبْدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يُعْتَقُ لِانْصِرَافِهِ إلَى التَّامِّ، وَمِثْلُهُ لَا آكُلُ مِمَّا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَاشْتَرَاهُ مَعَ آخَرَ فَصَارَ مُشْتَرَكًا لَا يَحْنَثُ لَوْ أَكَلَ مِنْهُ، وَيَعْتِقُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَا يَعْتِقُ عَبْدُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ عَبْدُهُ مُسْتَغْرِقًا كَسْبَهُ وَرَقَبَتَهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ نَوَى الْمَوْلَى عِتْقَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إنْ نَوَاهُ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ نَوَاهُ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَتَقُوا جَمِيعًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا. قَالَ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ حَالِفٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُخَاطَبُ حَنِثَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِحْلَافَ فَهُوَ اسْتِحْلَافٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يَفْعَلْ. وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَقْسَمْت أَوْ أَقْسَمْت بِاَللَّهِ عَلَيْك لَتَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ عَلَيْك أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْك فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الِاسْتِفْهَامَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَلَوْ قَالَ: عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ فَعَلْت فَقَالَ: نَعَمْ فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَإِنْ نَوَاهُ. اشْتَرَى مَنًّا مِنْ اللَّحْمِ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: هُوَ أَقَلُّ مِنْ مَنٍّ وَحَلَفَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَنًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يُطْبَخُ قَبْلَ أَنْ يُوزَنَ فَلَا يَحْنَثُ هُوَ وَلَا الْمَرْأَةُ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ خُبْزِ خَتْنِهِ فَسَافَرَ الْخَتْنُ وَخَلَّفَ لِامْرَأَتِهِ دَقِيقًا نَفَقَةً فَأَكَلَ مِنْهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ. قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: هَذَا إذَا لَمْ يُفْرِزْ قَدْرًا لَكِنْ قَالَ لَهَا: كُلِي مِنْ دَقِيقِي بِقَدْرِ مَا يَكْفِيكِ، أَمَّا إذَا أَفْرَزَ قَدْرًا مِنْ الدَّقِيقِ وَأَعْطَاهَا إيَّاهُ صَارَ مِلْكًا لَهَا فَلَا يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي الْفَتَاوَى: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَتَنَاهَدَا فَأَكَلَ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آكِلٌ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي الْعُرْفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ: قُلْت لِلْقَاضِي الْإِمَامِ: لَوْ كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ هَذَا، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ آكِلًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، قَالَ: نَعَمْ اسْتَصْوَبَنِي وَلَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْخِلَافِ اهـ. وَأَقُولُ: الْفَرْقُ أَنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ لِأَكْلِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَنَاهِدَيْنِ مَالَ نَفْسِهِ عُرْفًا لَا حَقِيقَةَ، وَعَلَى الْعُرْفِ تَبْتَنِي الْأَيْمَانُ فَلَمْ يَحْنَثْ، وَعَدَمُ جَوَازِ التَّنَاهُدِ مَعَ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ آكِلٍ مَالَ نَفْسِهِ حَقِيقَةً بَلْ بَعْضُ مَالِ الصَّبِيِّ أَيْضًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ خُبْزِ فُلَانٍ فَأَكَلَ خُبْزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ يَحْنَثُ. وَقَالَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ حِصَّتَهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَمَاتَ فُلَانٌ وَهُوَ وَارِثُهُ فَأَكَلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ أَوْ كَانَ فَأَكَلَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا لِفُلَانٍ فَأَكَلَ رَغِيفَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَحْنَثُ. فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: وَكَذَا دَارٌ بَيْنَ أُخْتَيْنِ قَالَ زَوْجُ إحْدَاهُمَا إنْ دَخَلْت إلَّا فِي نَصِيبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَقْسُومَةٍ فَدَخَلَتْ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا مَا دَخَلَتْ فِي غَيْرِ نَصِيبِهَا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا لِفُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَزْرَعُ أَرْضَ فُلَانٍ فَزَرَعَ أَرْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَرْضِ يُسَمَّى أَرْضًا وَنِصْفَ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ حَبٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَنِثَ. وَلَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُشْتَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَبِيخِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِمَّا طَبَخَهُ مَعَ غَيْرِهِ حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ قِدْرِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ قِدْرٍ طَبَخَهَا فُلَانٌ لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي الْأَصْلِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ حَنِثَ إلَّا إذَا نَوَى شِرَاءَهُ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ أَوْ يَمْلِكُهُ فَلَبِسَ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ مَعَ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَلَا يَقَعُ عَلَى الْبَعْضِ. وَمِثْلُهُ لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا فُلَانٌ فَدَخَلَ دَارًا اشْتَرَاهَا فُلَانٌ مَعَ غَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: امْرَأَةٌ وَهَبَتْ طَيْرًا فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا: إكراز نرددايكي تَوّ بحرم فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَهَبَتْ مِنْ آخَرَ فَأَكَلَ الْحَالِفُ يَحْنَثُ. قَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَا يَأْتِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ. صُورَتُهَا فِي الْفَتَاوَى: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَنِ غَزْلِ فُلَانَةَ فَبَاعَتْ غَزْلَهَا وَوَهَبَتْ الثَّمَنَ لِابْنِهَا ثُمَّ وَهَبَ الِابْنُ لِلْحَالِفِ فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ. قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت الْيَوْمَ إلَّا رَغِيفًا أَوْ إنْ تَغَدَّيْت بِرَغِيفٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَكَلَ رَغِيفًا ثُمَّ أَكَلَ بَعْدَهُ تَمْرًا أَوْ فَاكِهَةً حَنِثَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْيَوْمَ إلَّا رَغِيفًا مَعَ الْخَلِّ أَوْ الزَّيْتِ أَوْ اللَّبَنِ لَا يَكُونُ حَانِثًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي الْمُجَانَسَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْنَى الْمَطْلُوبُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُجَانِسُ الرَّغِيفَ فِي الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَهَذَا خِلَافُ الْأَوَّلِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت الْيَوْمَ أَكْثَرَ مِنْ رَغِيفٍ فَهُوَ عَلَى الْخُبْزِ خَاصَّةً. وَفِي الْفَتَاوَى: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْخَابِيَةَ الَّتِي فِيهَا الزَّيْتُ فَأَكَلَ بَعْضَهَا حَنِثَ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَكْلِ بَيْعٌ فَبَاعَ النِّصْفَ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْبَيْضَةَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْكُلَ كُلَّهَا وَكَذَا فِي الْبَيْضَتَيْنِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الشَّيْءَ كَالرَّغِيفِ مَثَلًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: إنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كُلَّهُ فِي مَرَّةٍ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَكَلَ بَعْضَ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسِهِ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ يَشْرَبُهُ فِي شَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى جَمِيعِهِ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، لَكِنْ فِي الْفَتَاوَى لِلْقَاضِي: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ وَبَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ يَحْنَثُ، فَإِنْ نَوَى كُلَّهُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَلْ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ. وَكَأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا قَلِيلًا جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُقَالُ إلَّا أَنَّ فُلَانًا أَكَلَ جَمِيعَ الرَّغِيفِ لِقِلَّةِ الْمَتْرُوكِ وَإِلَّا فَقَدْ سَمِعْت مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَنَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْبَعْضِ. وَتَقَدَّمَ مِنْ النُّصُوصِ لَوْ قَالَ: هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ مِنْهُ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ: قَالَ مَشَايِخُنَا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْبَعْضِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ كُلَّمَا أَكَلْت اللَّحْمَ أَوْ كُلَّمَا شَرِبْت الْمَاءَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ لُقْمَةٍ مِنْ اللَّحْمِ فِي كُلِّ نَفَسٍ مِنْ الْمَاءِ دِرْهَمٌ. حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحِنْثَ بِأَحَدِهِمَا فَيَحْنَثُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُهُمَا أَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ: اين دوكس سحون نكويم وَنَوَى وَاحِدًا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَى نَفْسِهِ يَصِحُّ اهـ. فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَوْ قَالَ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ لَا يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةً فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْيَمِينِ الِامْتِنَاعُ عَنْ جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ، أَمَّا لَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَلَا شَكَّ فِي تَنَاوُلِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ. حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ مِنْ امْرَأَتِهِ مِنْ جَنَابَةٍ فَجَامَعَهَا ثُمَّ جَامَعَ أُخْرَى أَوْ عَلَى الْعَكْسِ يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ عَلَى الْجِمَاعِ كِنَايَةً. وَلَوْ نَوَى حَقِيقَةَ الْغُسْلِ حَنِثَ أَيْضًا إذَا اغْتَسَلَ؛ لِأَنَّهُ اغْتَسَلَ عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا فَيَحْنَثُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ وَغَيْرِهِ حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحِلُّ تِكَّتَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُجَامِعُ صَحَّ وَهُوَ مُولٍ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ إنْ فَتَحَ سَرَاوِيلَهُ لِلْبَوْلِ ثُمَّ جَامَعَهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ فَتْحَ سَرَاوِيلِهِ عَلَيْهَا أَنْ يَفْتَحَ لِأَجْلِ جِمَاعِهَا، وَإِنْ فَتَحَهُ لِجِمَاعِهَا وَلَمْ يُجَامِعْ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَانِثًا لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحِلُّ تِكَّتَهُ فِي الْغُرْبَةِ فَجَامَعَ مِنْ غَيْرِ حَلِّ التِّكَّةِ إنْ نَوَى عَيْنَ حَلِّهَا لَا يَحْنَثُ وَصُدِّقَ قَضَاءً، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَحْنَثُ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ: إنْ اغْتَسَلْت مِنْ الْحَرَامِ فَعَانَقَ أَجْنَبِيَّةً فَأَنْزَلَ قَالُوا: يُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ حَانِثًا وَيَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى الْجِمَاعِ. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَوْ حَلَفَتْ لَا تَغْسِلُ رَأْسَهَا مِنْ جَنَابَةِ زَوْجِهَا فَجَامَعَهَا مُكْرَهَةً قَالَ الصَّفَّارُ:

[كتاب الحدود]

كِتَابُ الْحُدُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْجُو أَنْ لَا تَحْنَثَ. فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لِأَنَّ قَوْلَهَا كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ، فَإِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَيْهِ لَا تَحْنَثْ. وَلَوْ قَالَ لَهَا عِنْدَ إرَادَتِهِ الْجِمَاعَ: إنْ لَمْ تُمَكِّنِينِي أَوْ لَمْ تَدْخُلِي مَعِي فِي الْبَيْتِ فَلَمْ تَفْعَلْ أَوْ فَعَلَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ إنْ كَانَ بَعْدَ سُكُونِ شَهْوَتِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: حَلَفَ لَا يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَجَامَعَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا يَحْنَثُ، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يَحْنَثُ بِهِمَا. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ فَعَلْت حَرَامًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَهَذَا عَلَى الْجِمَاعِ، فَإِنْ عَلِمَتْهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ بِمُعَايَنَتِهَا بِتَدَاخُلِ الْفَرْجَيْنِ وَتَعْرِفُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَلَا زَوْجَةً أَوْ شَهِدَ عِنْدَهَا أَرْبَعَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى الزِّنَا وَالزِّنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِذَلِكَ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهَا كَفَى مَرَّةً لَا يَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ، فَإِنْ جَحَدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ فَعَلَ وَلَيْسَ لِامْرَأَتِهِ بَيِّنَةٌ حَلَّفَتْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِنْ حَلَفَ وَسِعَهَا الْمُقَامُ مَعَهُ. قُلْت: فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُقَيِّدُ مَسْأَلَةَ مَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقِينًا ثُمَّ أَنْكَرَ فَإِنَّهَا لَا تُمَكِّنُهُ أَبَدًا، وَإِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ مَنْعَهُ عَنْهَا لَهَا أَنْ تَسُمَّهُ. وَلَوْ قَالَ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: اكرتو باكسي حرام كِنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبَانَهَا فَجَامَعَهَا فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ عُمُومَ اللَّفْظِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْغَرَضَ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ فَلَا تَطْلُقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ إنْ فَعَلْت فَلَمْ أَفْعَلْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ لَمْ يَفْعَلْ عَلَى فَوْرِ فِعْلِهِ حَنِثَ. حَلَفَ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ شَخْصَهُ وَنَسَبَهُ وَلَا يَعْرِفُ اسْمَهُ، فَفِي الْبَالِغِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْبَالِغِ كَذَلِكَ، وَيَحْنَثُ فِي الصَّغِيرِ، وَعَلَيْهِ فُرِّعَ مَا لَوْ وُلِدَ لِرَجُلٍ وَلَدٌ فَأَخْرَجَهُ إلَى جَارٍ لَهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ بَعْدُ فَرَآهُ الْجَارُ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ هَذَا الصَّبِيَّ يَحْنَثُ. وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَلَا يَدْرِي اسْمَهَا فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ وَهُوَ يَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ دُونَ اسْمِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِهِ مَعْرِفَةَ وَجْهِهِ فَيَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ مَا دَامَ فُلَانٌ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَخَرَجَ فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ فُلَانٌ فَفَعَلَهُ ثَانِيًا لَا يَحْنَثُ. حَلَفَ لَا أَتْرُكُ فُلَانًا يَفْعَلُ كَذَا كَلَا يَمُرُّ أَوْ لَا يَذْهَبُ مِنْ هُنَا أَوْ لَا يَدْخُلُ يَبَرُّ بِقَوْلِهِ لَهُ لَا تَفْعَلْ لَا تَخْرُجْ لَا تَمُرَّ أَطَاعَهُ أَوْ عَصَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [كِتَابُ الْحُدُودِ] (كِتَابُ الْحُدُودِ) لَمَّا اشْتَمَلَتْ الْأَيْمَانُ عَلَى بَيَانِ الْكَفَّارَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ أَوَّلَاهَا الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ عُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ انْدِفَاعًا إلَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ بِتَدْرِيجٍ، وَلَوْلَا مَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ مِنْ لُزُومِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ لَكَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإيلَاءُ الْحُدُودِ الصَّوْمَ أَوْجَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ حَتَّى تَدَاخَلَتْ عَلَى مَا عُرِفَ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعِبَادَةِ، لَكِنْ كَانَ يَكُونُ التَّرْتِيبُ حِينَئِذٍ الصَّلَاةَ ثُمَّ الْأَيْمَانَ ثُمَّ الصَّوْمَ ثُمَّ الْحُدُودَ ثُمَّ الْحَجَّ، فَيَقَعُ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مَا يُبْعِدُ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَيُوجِبُ اسْتِعْمَالَ الشَّارِعِ لَهَا كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ قَالَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ، ثُمَّ مَحَاسِنُ الْحُدُودِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ بِبَيَانٍ وَتُكْتَبُ بِبَيَانٍ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ وَغَيْرَهُ يَسْتَوِي فِي مَعْرِفَةِ أَنَّهَا لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسَادِ؛ فَفِي الزِّنَا ضَيَاعُ الذُّرِّيَّةِ وَإِمَاتَتُهَا مَعْنًى بِسَبَبِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَلَا يَلْزَمُ بِمَوْتِ الْوَلَدِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ النَّاسِ الْبُرَآءِ وَغَيْرِهِ؛ وَلِذَا نُدِبَ عُمُومُ النَّاسِ إلَى حُضُورِ حَدِّهِ وَرَجْمِهِ. وَفِي بَاقِي الْحُدُودِ زَوَالُ الْعَقْلِ وَإِفْسَادُ الْأَعْرَاضِ وَأَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَقُبْحُ هَذِهِ الْأُمُورِ مَرْكُوزٌ فِي الْعُقُولِ وَلِذَا لَمْ تُبَحْ الْأَمْوَالُ وَالْأَعْرَاضُ وَالزِّنَا وَالسُّكْرُ فِي مِلَّةٍ مِنْ الْمِلَلِ وَإِنْ أُبِيحَ الشُّرْبُ، وَحِينَ كَانَ فَسَادُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَامًّا كَانَتْ الْحُدُودُ الَّتِي هِيَ مَانِعَةٌ مِنْهَا حُقُوقَ اللَّهِ عَلَى الْخُلُوصِ، فَإِنَّهَا حُقُوقُهُ تَعَالَى عَلَى الْخُصُوصِ أَبَدًا تُفِيدُ مَصَالِحَ عَامَّةً، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ لِلِانْزِجَارِ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ؛ وَالْعِبَارَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي بَيَانِ حِكْمَةِ شَرْعِيَّتِهَا الزَّجْرُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الزَّجْرُ يُرَادُ لِلِانْزِجَارِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى قَوْلِهِ الِانْزِجَارَ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: وَالطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِأَصْلِيَّةٍ إلَى آخِرِهِ: أَيْ الطَّهَارَةُ مِنْ ذَنْبٍ بِسَبَبِ الْحَدِّ يُفِيدُ أَنَّهُ مَقْصُودٌ أَيْضًا مِنْ شَرْعِيَّتِهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا أَصْلِيًّا بَلْ هُوَ تَبَعٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الِانْزِجَارِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ إثْمٍ قَبْلَ سَبَبِهِ أَصْلًا، بَلْ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا لِتِلْكَ الْحِكْمَةِ، وَأَمَّا ذَلِكَ فَقَوْلُ طَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «إنَّ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَاصِي شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ذَلِكَ أَيْ التَّقْتِيلُ وَالصَّلْبُ وَالنَّفْيُ بِأَنَّ {لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] فَأَخْبَرَ أَنَّ جَزَاءَ فِعْلِهِمْ عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَعُقُوبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، إلَّا مَنْ تَابَ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ. وَبِالْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي الدُّنْيَا، وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا تَابَ فِي الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ضَرْبَهُ أَوْ رَجْمَهُ يَكُونُ مَعَهُ تَوْبَةٌ مِنْهُ لِذَوْقِهِ مُسَبَّبَ فِعْلَهُ فَيُقَيَّدُ بِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَتَقْيِيدُ الظَّنِّيِّ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْقَطْعِيِّ لَهُ مُتَعَيِّنٌ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِلطُّهْرَةِ فَأَدَّاهُ بِعِبَارَةٍ غَيْرِ جَيِّدَةٍ، وَلِذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِشَرْعِيَّتِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَلَا طُهْرَةَ فِي حَقِّهِ مِنْ الذَّنْبِ بِالْحَدِّ: يَعْنِي أَنَّ عُقُوبَةَ الذَّنْبِ لَمْ تَرْتَفِعْ بِمُجَرَّدِ الْحَدِّ بَلْ بِالتَّوْبَةِ مَعَهُ إنْ وُجِدَ، وَلَمْ تَتَحَقَّقْ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ عِبَادَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْحَدَّ بِمُجَرَّدِهِ يُسْقِطُ إثْمَ ذَلِكَ السَّبَبِ الْخَاصِّ الَّذِي حُدَّ بِهِ، فَإِنْ قَالَ: إنَّ الْحَدَّ لَا يُسْقِطُ عَنْ الْكَافِرِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ فِي ذَلِكَ إذْ السَّمْعُ إنَّمَا يُوجِبُ لُزُومَ عُقُوبَةِ الْكُفْرِ فِي حَقِّهِ لَا بِتَضَاعُفِ عَذَابِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْحَدَّ مُسْقِطًا لِعُقُوبَةِ مَعْصِيَةٍ صَارَ الْفَاعِلُ لَهَا إذَا حُدَّ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا فَلَا يُضَمُّ إلَى عَذَابِ الْكُفْرِ عَذَابُ تِلْكَ

قَالَ: الْحَدُّ لُغَةً: هُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ الْحَدَّادُ لِلْبَوَّابِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ. وَالْمَقْصِدُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِهِ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ، وَالطَّهَارَةُ لَيْسَتْ أَصْلِيَّةً فِيهِ بِدَلِيلِ شَرْعِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْصِيَةِ إذَا حُدَّ بِهَا الْكَافِرُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الْحَدِّ مُسْقِطًا بِأَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِهٌ لَهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِجَوَازِ التَّكْفِيرِ بِمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْمَكَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ تَحْقِيقُ الْعِبَارَةِ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّهَا مَوَانِعُ قَبْلَ الْفِعْلِ زَوَاجِرُ بَعْدَهُ: أَيْ الْعِلْمُ بِشَرْعِيَّتِهَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ وَإِيقَاعُهَا بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ الْحَدُّ لُغَةً الْمَنْعُ) وَعَلَيْهِ قَوْلُ نَابِغَةَ ذُبْيَانَ: إلَّا سُلَيْمَانَ إذْ قَالَ الْإِلَهُ لَهُ ... قُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنْ الْفَنَدِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلَامُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَعْلَمُ فِي شَرْحِ دِيوَانِهِ، وَكُلُّ مَانِعِ شَيْءٍ فَهُوَ حَادٌّ لَهُ، وَحَدَّادٌ إذَا صِيغَ لِلْمُبَالَغَةِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَوَّابِ لِمَنْعِهِ مِنْ الدُّخُولِ وَالسَّجَّانُ حَدَّادٌ لِمَنْعِهِ مِنْ الْخُرُوجِ بِلَا شَكٍّ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ لَا يُفِيدُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَقُولُ لِي الْحَدَّادُ وَهُوَ يَقُودُنِي ... إلَى السِّجْنِ لَا تَجْزَعْ فَمَا بِك مِنْ بَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْقَائِلِ الَّذِي كَانَ يَقُودُهُ هُوَ السَّجَّانَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُوصِلُهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ حَدَّادٌ لَهُ إذْ يَمْنَعُهُ مِنْ الذَّهَابِ إلَى حَالِ سَبِيلِهِ، وَلِلْخَمَّارِ حَدَّادٌ لِمَنْعِهِ الْخَمْرَ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى: فَقُمْنَا وَلَمَّا يَصِحْ دِيكُنَا ... إلَى جَوْنَةٍ عِنْدَ حَدَّادِهَا وَسَمَّى أَهْلُ الِاصْطِلَاحِ الْمُعَرِّفَ لِلْمَاهِيَّةِ حَدًّا لِمَنْعِهِ مِنْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَحُدُودُ الدَّارِ نِهَايَاتُهَا لِمَنْعِهَا عَنْ دُخُولِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهَا وَخُرُوجِ بَعْضِهَا إلَيْهِ. وَفِي الشَّرْعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ، فَلَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ نَوْعٌ مِنْهُ وَهُوَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ لَكِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الضَّرْبِ بَلْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ مِنْ حَبْسٍ وَعَرْكِ أُذُنٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَفِي اصْطِلَاحٍ آخَرَ لَا يُؤْخَذُ الْقَيْدُ الْأَخِيرُ فَيُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا، فَالْحَدُّ هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّ الْحَدَّ عَلَى هَذَا قِسْمَانِ: مَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ، وَمَا لَا يَقْبَلُهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ الْحَدُّ مُطْلَقًا لَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَعَلَيْهِ ابْتَنَى عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلِذَا أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّام وَقَالَ: إذَا بَلَغَ إلَى الْإِمَامِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفَا، وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ، فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ

قَالَ (الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، وَكَذَا الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الصِّدْقَ فِيهِ مُرَجَّحٌ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِهِ مَضَرَّةٌ وَمَعَرَّةٌ، وَالْوُصُولُ إلَى الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ مُتَعَذِّرٌ، فَيُكْتَفَى بِالظَّاهِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) ابْتَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهُ، وَالشُّرْبُ وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَدُّهُ بِتِلْكَ الْقَطِيعَةِ، وَالزِّنَا مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] وَتُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ، وَعَلَيْهَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ: أَبَا طَاهِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُهُ ... وَمَنْ يَشْرَبْ الْخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسْكِرًا بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ التَّسْكِيرِ، وَالْخُرْطُومُ مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ، قَالَ: وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْحُكَّامِ، أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ فَبِإِيجَادِ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الزِّنَا فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَهُنَاكَ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، وَخُصَّ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ لِنَفْيِ ثُبُوتِهِ بِعِلْمِ الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا سَائِرُ الْحُدُودِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَنَقَلَ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ دُونَ الْحَاصِلِ بِمُشَاهَدَةِ الْإِمَامِ. قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ اعْتِبَارَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَنُقِلَ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لِأَنَّهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ تَعْلِيلٌ لِلْوَاقِعِ مِنْ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ فَإِنَّهَا يَثْبُتُ بِهَا غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَحَاصِلُهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَطْعُ اكْتَفَى بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ فِي الْبَيِّنَةِ وَفِي الْإِقْرَارِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِسَبَبِ الْحَدِّ يَسْتَلْحِقُ مَضَرَّةً فِي الْبَدَنِ وَمَعَرَّةً فِي الْعَرْضِ تُوجِبُ نِكَايَةً فِي الْقَلْبِ فَلَمْ يَكُنْ

قَالَ (فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِكَ» وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى السَّتْرِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالْإِشَاعَةُ ضِدُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا مَعَ الصِّدْقِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْآخِرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِهِ بِالْحَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ وَقَصْدًا إلَى تَحْقِيقِ النِّكَايَةِ لِنَفْسِهِ إذْ وَرْطَتُهُ فِي أَسْبَابِ سُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى لِيَنَالَ دَرَجَةَ أَهْلِ الْعَزْمِ (قَوْلُهُ فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ) لَيْسَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ (عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا) ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الزَّوْجِ مِنْهُمْ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ هُوَ مُتَّهَمٌ وَنَحْنُ نَقُولُ: التُّهْمَةُ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ، وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الشُّهُودُ أَرْبَعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا: يَعْنِي هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ «ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِكَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَلَمْ يُحْفَظْ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» نَعَمْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ، فَرَفَعَتْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْبَعَةَ شُهُودٍ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» وَالْمَسْأَلَةُ وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْأَرْبَعَةِ قَطْعِيَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ حِكْمَةَ اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِنَفْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ حِكْمَتَهُ أَنَّ شَهَادَةَ الزِّنَا تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ عَلَى اثْنَيْنِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ يَحْتَاجُ إلَى اثْنَيْنِ فَلَزِمَتْ الْأَرْبَعَةُ، أَمَّا إنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ مَعْنَى السَّتْرِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَثُرَتْ شُرُوطُهُ قَلَّ وُجُودُهُ، فَإِنَّ وُجُودَهُ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَيْسَ كَوُجُودِهِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ الِانْدِرَاءُ. وَأَمَّا إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَلِمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً» وَإِذَا كَانَ السَّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأُولَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ الزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ، أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ

(، وَإِذَا شَهِدُوا سَأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَمَتَى زَنَى وَبِمَنْ زَنَى؟) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَعَنْ الْمُزَنِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ بِالْخِطَابَاتِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفَاعِلِينَ وَالزَّجْرِ لَهُمْ، فَإِذَا ظَهَرَ حَالُ الشَّرَهِ فِي الزِّنَا مَثَلًا وَالشُّرْبِ وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَإِشَاعَتُهُ فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ الْمَطْلُوبِ حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظُهُورُ عَدَمِهَا مِمَّنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ تَحْقِيقُ السَّبَبِ الْآخَرِ لِلْإِخْلَاءِ وَهُوَ الْحُدُودُ، بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا مُتَنَدِّمًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الشَّاهِدِ. «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهُزَالٍ فِي مَاعِزٍ لَوْ كُنْت سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ» الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي كَانَ فِي مِثْلِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغِيبَةِ فِيهِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا. وَأَمَّا إنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْحِكْمَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلِأَنَّ شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ كَمَا تَكُونُ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً عَلَى أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ قَتَلُوا فُلَانًا وَنَحْوَهُ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَا سَأَلَهُمْ الْحَاكِمُ) عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَمَتَى زَنَى وَبِمَنْ زَنَى) ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَعَنْ الْمُزَنِيَّةِ، وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا فِي ذَلِكَ فَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ الْخَمْسَةَ، وَالسَّمْعِيُّ مُقْتَصِرٌ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا. فَحَاصِلُهُ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِدَلِيلَيْنِ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَلَامُ فِي اسْتِفْسَارِ الشُّهُودِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِاسْتِفْسَارِ الْمُقِرِّ وَهُوَ مَاعِزٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ عِلَّةَ اسْتِفْسَارِهِ بِعَيْنِهِمَا ثَابِتَةٌ فِي الشُّهُودِ كَمَا سَتُسْمَعُ فَوَجَبَ اسْتِفْسَارُهُمْ. أَمَّا إنَّهُ اسْتَفْسَرَهُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ فَفِيمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَ فِي الْخَامِسَةِ فَقَالَ: أَنِكْتَهَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا، قَالَ نَعَمْ؟ قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَكَمَا يَغِيبُ الرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مِثْلَ مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ، فَسَكَتَ عَنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ فَقَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَقَالَا: نَحْنُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ، فَقَالَا: وَمَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عَرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا» وَأَمَّا اسْتِفْسَارُهُ عَنْ الْمُزَنِيَّةِ فَفِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ هُزَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ:

وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ عَسَاهُ غَيْرُ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ عَنَاهُ أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي الْمُتَقَادِمِ مِنْ الزَّمَانِ أَوْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ لَا يَعْرِفُهَا هُوَ وَلَا الشُّهُودُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْتَ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ، قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَعَادَ حَتَّى قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَبِمَنْ؟ قَالَ بِفُلَانَةَ قَالَ: هَلْ ضَاجَعْتَهَا؛ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: هَلْ بَاشَرْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ جَامَعْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ خَرَجَ يَشْتَدُّ فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَقَدْ عَجَزَ أَصْحَابُهُ فَنَزَعَ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فَقَالَ فِيهِ «فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَرُجِمَ، فَلَمْ يُقْتَلْ حَتَّى رَمَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِلَحْيِ بَعِيرِهِ فَأَصَابَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ» وَأَمَّا إنَّ فِي الِاسْتِفْسَارِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الِاحْتِيَاطَ فَمَا قَالَ: لِأَنَّهُ عَسَاهُ غَيْرُ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ عَنَاهُ بِأَنْ ظَنَّ مُمَاسَّةَ الْفَرْجَيْنِ حَرَامًا زِنًا، أَوْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ مُحَرَّمٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَشْهَدُ بِالزِّنَا، فَلِهَذَا الِاحْتِمَالِ سَأَلَهُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ كَانَ مُكْرَهًا وَيَرَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ فَيَكُونُ مُخْتَارًا فِيهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَشْهَدُ بِهِ فَلِهَذَا سَأَلَهُ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ. وَفِي التَّحْقِيقِ هُوَ حَالَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالزَّانِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ عِنْدَنَا فَلِهَذَا سَأَلَهُمْ أَيْنَ زَنَى، وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ فِي زَمَانٍ مُتَقَادِمٍ وَلَا حَدَّ فِيهِ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ فِي زَمَنِ صِبَاهُ فَلِهَذَا سَأَلَهُمْ مَتَى زَنَى، وَحَدُّ التَّقَادُمِ سَيَأْتِي، ثُمَّ يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْمُزْنَى بِهَا مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِزِنَاهَا وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كَجَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ كَانَتْ جَارِيَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ وَلَا يَعْلَمُهَا الشُّهُودُ كَمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ حِينَ شُهِدَ عَلَيْهِ كَيْفَ حَلَّ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا فِي بَيْتِي وَكَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمْ كُوَّةٌ يَبْدُو مِنْهَا لِلنَّاظِرِ مَا فِي بَيْتِ الْمُغِيرَةِ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فَشَهِدُوا، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: وَاَللَّهِ مَا أَتَيْت إلَّا امْرَأَتِي، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى دَرَأَهُ عَنْهُ بِعَدَمِ قَوْلِ زِيَادٍ وَهُوَ الرَّابِعُ رَأَيْته كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَحَدَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يَحُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَا نَسَبَ إلَيْهِ الزِّنَا، بَلْ قَالَ رَأَيْت قَدَمَيْنِ مَخْضُوبَتَيْنِ وَأَنْفَاسًا عَالِيَةً وَلَحَافًا يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَنْ يَتُوبُوا فَتَابَ اثْنَانِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوبَ فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ حَتَّى مَاتَ وَعَادَ مِثْلَ الْعُضْوِ مِنْ الْعِبَادَةِ اهـ. فَلِهَذَا يَسْأَلُهُمْ عَنْ الْمُزْنَى بِهَا مَنْ هِيَ، وَقِيَاسُهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ الزَّانِي بِهَا مَنْ هُوَ، فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ وَزِيَادَةً، وَهُوَ جَوَازُ كَوْنِهِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا إنْ مَكَّنَتْ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَدٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُمَا زَنَيَا لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَا الشُّهُودُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَلَمْ يَثْبُتْ قَذْفُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا مَا يَنْفِي كَوْنَ مَا ذَكَرُوهُ زِنًا لِيَظْهَرَ قَذْفُهُمْ لِغَيْرِ الزَّانِي بِالزِّنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَفُوهُ

كَوَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ (فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَعُدِّلُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ) وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْحُدُودِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَتَعْدِيلُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ نُبَيِّنُهُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي الْأَصْلِ: يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلِاتِّهَامِ بِالْجِنَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ صِفَتِهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فُسَّاقٌ بِالزِّنَا لَا يُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يُحَدُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ بَاقُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُونَ. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ الْقَاذِفُ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَأَبَى الرَّابِعُ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الزِّنَا قَذْفٌ، لَكِنْ عِنْدَ تَمَامِ الْحُجَّةِ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا، فَلَمَّا لَمْ يَتِمَّ بِامْتِنَاعِهِ بَقِيَ كَلَامُ الثَّلَاثَةِ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ، وَلَوْ شَهِدُوا فَسَأَلَهُمْ فَبَيَّنَ ثَلَاثَةٌ وَلَمْ يَزِدْ وَاحِدٌ عَلَى الزِّنَا لَا يُحَدُّ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الرَّابِعَ لَوْ قَالَ: إنَّهُ زَانٍ فَسُئِلَ عَنْ صِفَتِهِ فَلَمْ يَصِفْهُ أَنَّهُ يُحَدُّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ لِلْقَاضِي فِي مَجْلِسٍ غَيْرِ الْمَجْلِسِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ وَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ، وَهُوَ حَاصِلُ جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ الزِّنَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَعُدِّلُوا فِي السِّرِّ، بِأَنْ يَبْعَثَ وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَلَانِيَةُ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولَ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَهُوَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ حَدِّهِ، وَهَذَا مَا وَعَدَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَهُ فِي الشَّهَادَاتِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ فِسْقٌ كَمَا اكْتَفَى بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَمْوَالِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ. وَلَمَّا كَانَ لُزُومُ هَذَا عَلَى الْحَاكِمِ مَوْقُوفًا عَلَى ثُبُوتِ إيجَابِ الدَّرْءِ مَا أَمْكَنَ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهَا مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ وَيَزِيدُ ضَعِيفٌ. وَأَسْنَدَ فِي عِلَلِهِ عَنْ الْبُخَارِيِّ يَزِيدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمَوْقُوفُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ دَرْءُ الْحَدِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَقْوَى، وَكَانَ ذِكْرُ هَذِهِ ذِكْرًا لِمُسْتَنِدِ الْإِجْمَاعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُغْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ تَعْدِيلِ الْمُزَكَّى، وَلَوْلَا مَا ثَبَتَ مِنْ إهْدَارِ الشَّرْعِ عِلْمُهُ بِالزِّنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِالسَّمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ يَحُدُّهُ بِعِلْمِهِ، لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ إهْدَارُ عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِمْ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ) أَيْ قَالَ إذَا وَصَفَ الشُّهُودُ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ يَحْبِسُ الْقَاضِي الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا

وَقَدْ حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَسَيَأْتِيك الْفَرْقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَالْإِقْرَارُ أَنْ يُقِرَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ، كَمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي) فَاشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَوْ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ. وَاشْتِرَاطُ الْأَرْبَعِ مَذْهَبُنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَكْتَفِي بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ، وَتَكْرَارُ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ زِيَادَةَ الظُّهُورِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ. وَلَنَا حَدِيثُ مَاعِزٍ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ الْإِقَامَةَ إلَى أَنْ تَمَّ الْإِقْرَارُ مِنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ» فَلَوْ ظَهَرَ بِمَا دُونَهَا لَمَا أَخَّرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَقَدْ يَهْرُبُ، وَلَا وَجْهَ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ وَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَبْسِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ. أَجَابَ بِأَنَّ حَبْسَهُ لَيْسَ لِلِاحْتِيَاطِ بَلْ هُوَ تَعْزِيرٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْفَوَاحِشِ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ بَعْدُ، وَحَبْسُ الْمُتَّهَمِينَ تَعْزِيرًا لَهُمْ جَائِزٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدُوا بِالدَّيْنِ لَا يُحْبَسُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِهِ قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى الْعُقُوبَاتِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَالْقَضَاءِ بِمُوجِبِ الشَّهَادَةِ الْحَبْسُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ بَعْدَ الثُّبُوتِ عُقُوبَتَهُ أَغْلَظُ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَسَيَأْتِيك الْفَرْقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ حَبَسَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ «ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ حَتَّى نَزَلَا بِضَجِنَانَ مِنْ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ وَعِنْدَهُمَا نَاسٌ مِنْ غَطَفَانَ مَعَهُمْ ظَهْرٌ لَهُمْ، فَأَصْبَحَ الْغَطَفَانِيُّونَ وَقَدْ فَقَدُوا بَعِيرَيْنِ مِنْ إبِلِهِمْ وَاتَّهَمُوا الْغِفَارِيَّيْنِ، فَأَتَوْا بِهِمَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَبَسَ أَحَدَ الْغِفَارِيَّيْنِ وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبْ فَالْتَمِسْ فَلَمْ يَكُ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ الْغِفَارِيَّيْنِ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَلَكَ وَقَتَلَكَ فِي سَبِيلِهِ، فَقَالَ: فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ» (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ أَنْ يُقِرَّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) قَدَّمَ الثُّبُوتَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ، وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ، وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ قَاصِرٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ صَرِيحًا وَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ، وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَا بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ شُبْهَةً كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مَجْنُونٍ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ إفَاقَتِهِ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى صَحَّ إقْرَارُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ فَظَهَرَ مَجْبُوبًا أَوْ أَقَرَّتْ فَظَهَرَتْ رَتْقَاءَ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُخْبِرَ النِّسَاءَ بِأَنَّهَا رَتْقَاءُ قَبْلَ الْحَدِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إخْبَارَهُنَّ بِالرَّتْقِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَبِالشُّبْهَةِ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِخَرْسَاءَ أَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا زَنَتْ بِأَخْرَسَ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ تَعَدُّدِ الْإِقْرَارِ فَنَفَاهُ الْحَسَنُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْعَسِيفِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: «وَاغْدُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلَمْ يَقُلْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلِأَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَمْ تُقِرَّ أَرْبَعًا وَإِنَّمَا رَدَّ مَاعِزًا؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ لَهُ أَبِك جُنُونٌ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ. وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ، فَقَالَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا وَنَفَاهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ، وَاكْتَفَوْا بِالْأَرْبَعِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ظَاهِرٌ فِيهِ وَهُوَ مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى بَيَّنَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ أَحْصَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ» فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. قُلْنَا: نَعَمْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ لَكِنْ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي إفَادَةِ أَنَّهَا فِي مَجَالِسَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ «أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ مِنْ الْغَدِ فَرَدَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ فَسَأَلَهُمْ هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إلَّا وَفِي الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً فَرَجَمَهُ» وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَ وَأَنَا عِنْدَهُ مَرَّةً فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّانِيَةَ فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّالِثَةَ فَرَدَّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنْ اعْتَرَفْتَ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ، قَالَ: فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ فَحَبَسَهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» فَصَرَّحَ بِتَعْدَادِ الْمَجِيءِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ غَيْبَتَهُ، وَنَحْنُ إنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ إذَا تَغَيَّبَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ مَجْلِسٌ آخَرُ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ الْأَبْعَدَ زَنَى، فَقَالَ لَهُ: وَيْلَكَ وَمَا يُدْرِيكَ مَا الزِّنَا فَأَمَرَ بِهِ فَطُرِدَ وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِهِ فَطُرِدَ وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِهِ فَطُرِدَ وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَدْخَلْتَ وَأَخْرَجْتَ؟ قَالَ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ» فَهَذِهِ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ ظَاهِرٌ فِي تَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَيْهَا وَأَنَّ قَوْلَهُ فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مَعْدُودٌ مَعَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إقْرَارًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَيْ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الْمُكْتَفِينَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَأَمَّا كَوْنُ الْغَامِدِيَّةِ لَمْ تُقِرَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَمْنُوعٌ، بَلْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ «قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ وَمَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا، وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ» . فَهَذَا نَصٌّ فِي إقْرَارِهَا أَرْبَعًا، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ تَفَاصِيلَهَا، وَالرُّوَاةُ كَثِيرًا مَا يَحْذِفُونَ بَعْضَ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى أَنَّهُ رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ «أَنَّهَا أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَهُوَ يَرُدُّهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي» الْحَدِيثَ غَيْرَ أَنَّهُ فِيهِ مَجْهُولًا تَتَمَيَّزُ جَهَالَتُهُ بِمَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَأَمَّا كَوْنُهُ رَدَّ مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَانَ لِاسْتِرَابَتِهِ فِي عَقْلِهِ، فَإِنْ سَلِمَ لَا يَتَوَقَّفُ عِلْمُ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَالثَّلَاثَةُ مَوْضُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ جُعِلَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهَا لَا يُعْذَرُ الْمَغْبُونُ، وَالْمُرْتَدُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ ثَلَاثًا لِيُرَاجِعَ نَفْسَهُ فِي شُبْهَتِهِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْبَعَةُ عَدَدًا مُعْتَبَرًا فِي اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ لَمْ يُؤَخَّرْ رَجْمُهُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَرْتِيبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَهُوَ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهَا، وَكَذَا الصَّحَابَةُ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ هُزَالٍ «إنَّكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعًا فَبِمَنْ زَنَيْتَ» وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ هُزَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ. وَزَادَ فِيهِ أَحْمَدُ. قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ حِينَ رَآهُ: وَاَللَّهِ يَا هُزَالُ لَوْ كُنْت سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك مِمَّا صَنَعْت بِهِ» قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَبُوهُ نُعَيْمٌ ذُكِرَ فِي الثِّقَاتِ أَيْضًا وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ. وَقَدْ رَوَى تَرْتِيبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَرْبَعِ جَمَاعَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ: فَمِنْهَا مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْهَا فِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّك قَدْ شَهِدْت عَلَى نَفْسِك

لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ اخْتَصَّتْ فِيهِ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، فَكَذَا الْإِقْرَارُ إعْظَامًا لِأَمْرِ الزِّنَا وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ لِمَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْبَعَ مَرَّاتٍ» وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «أَلَيْسَ إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» وَتَقَدَّمَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ اعْتَرَفْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك» إلَّا أَنَّ فِي إسْنَادِهِ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ، وَكَوْنُهُ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ رَدَّهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَمِنْ اخْتِصَارِ الرَّاوِي، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقَرَّ أَرْبَعًا. وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ «شَهِدْت عَلَى نَفْسِك» يُؤْنَسُ مِنْهُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَةِ، فَكَمَا أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعًا عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ فِي غَيْرِهِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ فِي إقْرَارِهِ إنْزَالًا لِكُلِّ إقْرَارٍ مَنْزِلَةَ شَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَكَانَ النَّظَرُ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ، وَإِذَنْ فَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» مَعْنَاهُ الِاعْتِرَافُ الْمَعْهُودُ فِي الزِّنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ خَاصَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الصَّحَابَةِ، هَذَا وَنُقِلَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي اسْتِفْسَارِ مَاعِزٍ أَنَّهُ رَجَمَهُ بَعْدَ الْخَامِسَةِ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ عَدَّ آحَادَ الْأَقَارِيرِ فَإِنَّ فِيهَا إقْرَارَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْجَمْعِ فَكَانَتْ خَمْسًا. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ كَوْنُ رَدِّهِ لِيَرْجِعَ. قُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَهُ بِالرُّجُوعِ وَلَكِنْ فِي مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ الْمُوجِبِ. وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ الْمُوجِبُ هُوَ الْأَوَّلَ لَلَقَّنَهُ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ يُطْلِقُهُ مُخْتَارًا فِي إطْلَاقِهِ لِيَذْهَبَ، وَقَدْ لَا يَرْجِعُ هَكَذَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَهَذَا لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِقَامَةَ مُخَاطَبٌ بِهَا الْإِمَامُ بِالنَّصِّ إذَا ثَبَتَ السَّبَبُ عِنْدَهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَإِلَّا فَاتَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ فَإِيجَابُ السَّبَبِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ جَوَازَ رَدِّهِ وَإِخْرَاجِهِ لِيَذْهَبَ وَيَرْجِعَ وَقَدْ لَا يَرْجِعُ بَلْ يَذْهَبُ إلَى حَالِ سَبِيلِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْإِقْرَارِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: إنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذَا الْحَقِّ لَا يُوجِبُ شَيْئًا عَلَى الْإِمَامِ فَيَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ غَيْرَ رَاجِعٍ عَنْهُ خُصُوصًا فِي زَمَنٍ لَمْ تُعْرَفْ فِيهِ تَفَاصِيلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلنَّاسِ بَعْدُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ قَالَتْ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَتُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا؟ وَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى مِنْ الزِّنَا» ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَحَدٍ بَلْ لَمَّا قَالَتْهُ قَالَ: «أَمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِصَبِيٍّ فِي خِرْقَةٍ فَقَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْته، قَالَ: فَاذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ قَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحَفَرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَرْجُمُوهَا فَرَجَمُوهَا، فَنَقَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّهُ إيَّاهَا فَقَالَ: مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ اعْتَبَرَ قَوْلَهَا فَلَمْ يَرُدَّهَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ رَدَّهَا وَغَيَّاهُ إلَى وِلَادَتِهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى فِطَامِهَا

وَلِأَنَّ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ؛ فَعِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِي الْإِقْرَارِ، وَالْإِقْرَارُ قَائِمٌ بِالْمُقِرِّ فَيُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ مَجْلِسِهِ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي. وَالِاخْتِلَافُ بِأَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ ثُمَّ يَجِيءَ فَيُقِرَّ، هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَرَدَ مَاعِزًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى تَوَارَى بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ. قَالَ (فَإِذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَدُّ) لِتَمَامِ الْحُجَّةِ، وَمَعْنَى السُّؤَالِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيَّنَّاهُ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ السُّؤَالَ فِيهِ عَنْ الزَّمَانِ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ. وَقِيلَ لَوْ سَأَلَهُ جَازَ لِجَوَازِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ (فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسَطِهِ قُبِلَ رُجُوعُهُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاتِّفَاقِ الْحَالِ بِأَنْ تَثْبُتَ مَعَ ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّدِّ مُطْلَقًا سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي خُصُوصِ هَذَا الرَّدِّ، وَلَعَلَّهَا كُلَّمَا رَجَعَتْ إلَيْهِ يَصْدُرُ مِنْهَا مَا هُوَ إقْرَارٌ. إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ فِي مَجْلِسِهَا شَيْءٌ مِمَّا هِيَ بِصَدَدِهِ، هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ إقْرَارَهَا كَانَ أَرْبَعًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ حَتَّى يُعَدَّ الْوَاقِعُ فِيهِ وَاحِدًا وَكَانَ الْمُقَامُ مَقَامَ الِاحْتِيَاطِ فِي الدَّرْءِ اُعْتُبِرَ فِي الْحُكْمِ بِتَعَدُّدِ الْأَقَارِيرِ بِعَدَدِ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ دُونَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بِهِ يَتَحَقَّقُ الْإِقْرَارُ وَبِهِ فَارِقُ الشَّهَادَةِ. فَإِنَّ الْأَرْبَعَ فِيهَا اُعْتُبِرَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، حَتَّى لَوْ جَاءُوا فِي مَجَالِسَ حُدُّوا؛ لِأَنَّهَا كَلَامُ جَمَاعَةٍ حَقِيقَةً فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا وَاحِدًا، بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ فَإِنَّهُ مِنْ وَاحِدٍ فَأَمْكَنَ فِيهِ اعْتِبَارُ الِاتِّحَادِ فِي اتِّحَادِ الْمَجَالِسِ فَاعْتُبِرَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ تَحْقِيقًا لِلِاحْتِيَاطِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ: إنَّ اشْتِرَاطَ الْأَرْبَعِ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُتَّهَمُ بِخِلَافِ الْمُقِرِّ فَالتُّهْمَةُ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَالصَّلَاحِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ لَا شَكَّ فِي الصِّدْقِ وَأَصْلِ التَّعَدُّدِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ حَتَّى لَزِمَ الِاثْنَانِ لِإِمْكَانِ النِّسْيَانِ فَيَذْكُرُهُ الْآخَرُ لَا لِلتُّهْمَةِ وَزَوَالِهَا بِالْآخَرِ، وَيُشْتَرَطُ فِي النِّسَاءِ كَذَلِكَ أَيْضًا بِالنَّصِّ، قَالَ تَعَالَى {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تُخَالِطُ الْمَرْأَةَ لَا الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ فَلَزِمَتْ الْأُخْرَى لِتُذَكِّرَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَرَدَ مَاعِزًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى تَوَارَى بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ) لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَأَقْرَبُ الْأَلْفَاظِ إلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ طُرِدَ وَأُخْرِجَ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَمَّنُ دَافِعًا لِلْحَدِّ لَزِمَهُ الْحَدُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ السُّؤَالَ فِيهِ عَنْ الزَّمَانِ فَلَا يَقُولُ مَتَى زَنَيْت، وَذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَهَذَا السُّؤَالُ لِتِلْكَ الْفَائِدَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّقَادُمُ مُسْقِطًا لَمْ يَكُنْ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ فَائِدَةٌ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا، وَهَذَا بِخِلَافِ سُؤَالِ بِمَنْ زَنَيْت؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبَيِّنُ مَنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي جَوَابِهِ: لَا أَعْرِفُ الَّتِي زَنَيْت بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُسْقِطُ كَوْنَ فِعْلِهِ زِنًا بَلْ تَضَمَّنَ إقْرَارُهُ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمُزَنِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَعَرَفَهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجْهَلُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: لِأَنَّهُ وَجَبَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ وَإِنْكَارِهِ كَمَا إذَا وَجَبَ بِالشَّهَادَةِ وَصَارَ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ. وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ كَالْإِقْرَارِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُكَذِّبُهُ فِيهِ فَتَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ فِي الْإِقْرَارِ. بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ لِوُجُودِ مَنْ يُكَذِّبُهُ، وَلَا كَذَلِكَ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ الشَّرْعِ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ فَيَقُولَ لَهُ: لَعَلَّك لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَاعِزٍ لَعَلَّك لَمَسْتهَا أَوْ قَبَّلْتهَا» قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ الْإِمَامُ: لَعَلَّك تَزَوَّجْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا يُحَدُّ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا «لِحَدِيثِ الْعَسِيفِ أَنَّهُ حَدَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ فَقَالَ: فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ، وَلِأَنَّ انْتِظَارَ حُضُورِهَا إنَّمَا هُوَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَذْكُرَ مُسْقِطًا عَنْهُ وَعَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ كَمَا يُؤَخَّرُ إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرْجِعَ الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَبِهِ لَا يَنْدَرِئُ الْحَدُّ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَتْهُ وَقَالَتْ لَا أَعْرِفُهُ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُحَدُّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا زَنَتْ بِفُلَانٍ فَأَنْكَرَ فُلَانٌ تُحَدُّ هِيَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْمَسْطُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ بَعْدَمَا أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ سَقَطَ. وَعَنْ أَحْمَدَ كَقَوْلِنَا. وَعَنْ مَالِكٍ فِي قَبُولِ رُجُوعِهِ رِوَايَتَانِ، فَاسْتَغْنَيْنَا عَنْ تَحْرِيرِ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ. وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَقَوْلُهُ كَمَا إذَا وَجَبَ بِالشَّهَادَةِ تَحْرِيرُ الْجَامِعِ فِيهِ أَنَّهُ إنْكَارٌ بَعْدَ الثُّبُوتِ، كَمَا لَوْ فَرَضَ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَلَمَّا سَأَلَهُمْ الْحَاكِمُ الْأَسْئِلَةَ الْخَمْسَةَ وَتَمَّتْ الْحُجَّةُ أَنْكَرَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَكَلَّفَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ مَحِلٌّ وَصِحَّتُهُ شَرْعًا حُكْمٌ، فَيَجِبُ كَوْنُ الْمَحِلِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارٍ بِغَيْرِهِ وَهُوَ لَيْسَ مُمْتَنِعًا فِي الشَّهَادَةِ. نَعَمْ فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ: يَعْنِي لَوْ أَقَرَّ بِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ لَا يُقْبَلُ، فَكَذَا لَا يُقْبَلُ فِي الزِّنَا. وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُكَذِّبُهُ فِيهِ فَتَتَحَقَّقُ بِهِ الشُّبْهَةُ فِي الْإِقْرَارِ السَّابِقِ عَلَيْهِ فَيَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ الْإِقْرَارِ السَّابِقِ فَافْهَمْ بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُكَذِّبُهُ فِي إخْبَارِهِ الثَّانِي فَيَنْعَدِمُ أَثَرُهُ فِي إخْبَارِهِ الْأَوَّلِ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَاعِزٍ «لَعَلَّك لَمَسْتهَا» رُوِيَ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ «لَعَلَّك مَسِسْتهَا لَعَلَّك قَبَّلْتهَا» وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ «لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت» وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: لَعَلَّك تَزَوَّجْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُلَقِّنَهُ مَا يَكُونُ ذِكْرُهُ دَارِئًا لِلْحَدِّ لِيَذْكُرَهُ كَائِنًا مَا كَانَ كَمَا «قَالَ أَيْضًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلسَّارِقِ الَّذِي جِيءَ بِهِ إلَيْهِ أَسَرَقْت وَمَا إخَالُهُ سَرَقَ» .

[فصل في كيفية الحد وإقامته]

فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَدِّ وَإِقَامَتِهِ (وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ وَكَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَقَدْ أَحْصَنَ» . وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَدِّ وَإِقَامَتِهِ] فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إقَامَةِ الْحَدِّ) بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَدِّ تَكُونُ إقَامَتُهُ فَذَكَرَ كَيْفِيَّتَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ وَكَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا) هَذَا مِنْ الْأَحْرُفِ الَّتِي جَاءَ الْفَاعِلُ مِنْهَا عَلَى مُفْعَلٍ بِفَتْحٍ الْعَيْنِ، يَقُولُ أَحْصَنَ يُحْصِنُ فَهُوَ مُحْصَنٌ فِي أَلْفَاظٍ مَعْدُودَةٍ هِيَ أَسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَبٌ إذَا طَالَ وَأَمْعَنَ فِي الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِسْهَابِ، وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: اُدْعُ اللَّهَ لَنَا، فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْهَبِينَ، بِفَتْحِ الْهَاءِ. وَأَلْفَجَ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ: افْتَقَرَ فَهُوَ مُلْفَجٌ، الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ فِيهِ سِيَّانِ، وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا أَيْضًا إذَا أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ (قَوْلُهُ رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْكَارُ الْخَوَارِجِ الرَّجْمَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَنْكَرُوا حُجِّيَّةَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَجَهْلٌ مُرَكَّبٌ بِالدَّلِيلِ بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ، وَإِنْ أَنْكَرُوا وُقُوعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِنْكَارِهِمْ حُجِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَهُوَ بَعْدَ بُطْلَانِهِ بِالدَّلِيلِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرَّجْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَاتِرُ الْمَعْنَى كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وُجُودِ حَاتِمٍ وَالْآحَادُ فِي تَفَاصِيلِ صُوَرِهِ وَخُصُوصِيَّاتِهِ. أَمَّا أَصْلُ الرَّجْمِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَلَقَدْ كُوشِفَ بِهِمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَاشَفَ بِهِمْ حَيْثُ قَالَ: خَشِيت أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ خَطَبَ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ. وَإِنِّي خَشِيت أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ فَيَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجَدُ الرَّجْمَ، الْحَدِيثَ. وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ عُمَرَ زَادَ فِي الْكِتَابِ لَكَتَبْتهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: أَيْ الْمَشْهُورِ الْمَرْوِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الدَّارِ وَقَالَ: أُنْشِدُكُمْ بِاَللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، وَارْتِدَادٌ بَعْدَ إسْلَامٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ فَعَلَامَ تَقْتُلُونِي» الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ

وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. قَالَ (وَيُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ وَيَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَتَجَاسَرُ عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُ فَكَانَ فِي بُدَاءَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُشْتَرَطُ بُدَاءَتُهُ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ. قُلْنَا: كُلُّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُ الْجَلْدَ فَرُبَّمَا يَقَعُ مُهْلِكًا وَالْإِهْلَاكُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عُثْمَانَ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا مِنْ إحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارِمِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ «قَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ حَيْثُ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا قَطُّ إلَّا فِي ثَلَاثِ خِصَالٍ: رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ، وَرَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، وَرَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ» . وَلَا شَكَّ فِي رَجْمِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُخَرِّجِ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُرَادُ بِهِ الْمَتْنُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاقِعٌ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ السَّنَدِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الشُّهْرَةَ وَقَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ بِالتَّظَافُرِ وَالْقَبُولِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْكَارَهُ إنْكَارُ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالْمُتَوَاتِرِ مَعْنًى أَوْ لَفْظًا كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّ انْحِرَافَهُمْ عَنْ الِاخْتِلَاطِ بِالصَّحَابَةِ وَالْمُسْلِمِينَ وَتَرْكَ التَّرَدُّدِ إلَى عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّوَاةِ أَوْقَعَهُمْ فِي جَهَالَاتٍ كَثِيرَةٍ لِخَفَاءِ السَّمْعِ عَنْهُمْ وَالشُّهْرَةِ، وَلِذَا حِينَ عَابُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَوْلَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَلْزَمَهُمْ بِأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَمَقَادِيرِ الزَّكَوَاتِ، فَقَالُوا: ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَهَذَا أَيْضًا فَعَلَهُ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ (قَوْلُهُ وَيُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ) ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «قَالَ فَرَجَمْنَاهُ يَعْنِي مَاعِزًا بِالْمُصَلَّى» . وَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد «فَانْطَلَقْنَا بِهِ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» ؛ لِأَنَّ الْمُصَلَّى كَانَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ فَيَتَّفِقُ الْحَدِيثَانِ. وَأَمَّا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ «فَأَمَرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ» فَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ عَلَى أَنَّهُ اُتُّبِعَ حِينَ هَرَبَ حَتَّى أُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الصِّحَاحَ وَالْحِسَانَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ إلَيْهَا هَارِبًا لَا أَنَّهُ ذَهَبَ بِهِ إلَيْهَا ابْتِدَاءً لِيُرْجَمَ بِهَا، وَلِأَنَّ الرَّجْمَ بَيْنَ الْجُدَرَانِ يُوجِبُ ضَرَرًا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ لِبَعْضٍ لِلْمَضِيقِ (قَوْلُهُ وَيَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) وَهَذَا شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ عَنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُحَدُّونَ هُمْ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِمْ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ فَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِمْ تَضْعُفُ نُفُوسُهُمْ عَنْ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ كَمَا تَرَاهُ فِي الْمُشَاهَدِ مِنْ امْتِنَاعِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْحَلَالِ لِلْأَكْلِ وَالْأُضْحِيَّةِ بَلْ وَمِنْ حُضُورِهَا، فَكَانَ امْتِنَاعُهُمْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ شُبْهَةٌ فِي امْتِنَاعِ الْحَدِّ عَنْهُمْ. وَقِيلَ يُحْدَوُنَّ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ شَرْطًا اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ: يَعْنِي إذَا ثَبَتَ الْحَدُّ بِالشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُحْصَنِ لَا يُشْتَرَطُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ ابْتِدَاءُ الشُّهُودِ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْجَلْدَ لَا يُحْسِنُهُ كُلُّ أَحَدٍ، فَقَدْ يَقَعُ لِعَدَمِ الْخِبْرَةِ مُهْلِكًا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ، بِخِلَافِ الرَّجْمِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِهْلَاكُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ ابْتِدَائِهِمْ بِالْجَلْدِ عَدَمُهُ فِي الرَّجْمِ، وَهَذَا دَفْعٌ لِإِلْحَاقِهِ. وَأَمَّا إثْبَاتُ الْمَذْهَبِ فَبِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ مَعْنَاهُ لِيُحْمَلَ عَلَى السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَتَسَاهَلُ فِي الْأَدَاءِ فَعِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ يَتَعَاظَمُ ذَلِكَ فَيَنْدَفِعُ الْحَدُّ بِتَحَقُّقِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ شُبْهَةُ الرُّجُوعِ حَقِيقَةً وَالرُّجُوعُ شُبْهَةٌ فَاحْتِمَالُهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَبِهَا لَا يَنْدَرِئُ الْحَدُّ عَلَى مَا عُرِفَ وَسَيَأْتِي، إنَّمَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الِابْتِدَاءِ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الرُّجُوعِ بَلْ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا. فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ خَوْرُ الطِّبَاعِ عَنْ الْقَتْلِ حَتَّى يَمْتَنِعَ كَثِيرٌ عَنْ ذَبْحِ الْمُبَاحِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالدَّجَاجَةِ فَكَيْفَ بِالْأَعْلَى، فَالِامْتِنَاعُ عَنْ قَتْلِهِ لَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي الرُّجُوعِ، بَلْ ظَاهِرٌ فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ وَهُوَ عَدَمُ قَتْلِ الْإِنْسَانِ فَكَانَ فِي الِامْتِنَاعِ شُبْهَةُ الرُّجُوعِ لَا دَلَالَتُهُ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَشْتَرِطْ الِابْتِدَاءَ بِقَتْلِهِ بَلْ بِرَمْيِهِ، حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ حَصَلَ الشَّرْطُ فَامْتِنَاعُهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ دَلِيلُ رُجُوعِهِ، لَكِنَّهُ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ فَإِنَّهُ أَمَارَةٌ لَا يُقْطَعُ بِوُجُودِ الْمَدْلُولِ مَعَهُ فَكَانَ ثُبُوتُ الرُّجُوعِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالرُّجُوعُ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةُ رُجُوعٍ بِخِلَافِ شُبْهَةِ الرُّجُوعِ وَاحْتِمَالِهِ. لَا يُقَالُ: احْتِمَالُ الرُّجُوعِ رُجُوعٌ وَالرُّجُوعُ شُبْهَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ شُبْهَةٌ فِي الشَّهَادَةِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فِيهَا، وَحِينَ لَزِمَ كَوْنُ الثَّابِتِ بِالِامْتِنَاعِ رُجُوعًا فِيهِ شُبْهَةٌ كَانَ الثَّابِتُ قَذْفًا فِيهِ شُبْهَةٌ، بِخِلَافِ صَرِيحِ الرُّجُوعِ فَإِنَّ بِهِ يَظْهَرُ أَنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ بِلَا شُبْهَةٍ فَيُحَدُّ بِهِ هُنَاكَ وَلَا يُحَدُّ بِدَلَالَةِ الرُّجُوعِ إذَا لَمْ تَكُنْ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً يُوجَدُ مَعَهَا الْمَدْلُولُ قَطْعًا لِثُبُوتِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَذْفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا ثُبُوتُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ عَلَى الزِّنَا أَمَرَ الشُّهُودَ أَنْ يَرْجُمُوا ثُمَّ يَرْجُمَ هُوَ ثُمَّ يَرْجُمَ النَّاسُ، فَإِذَا كَانَ بِإِقْرَارٍ بَدَأَ هُوَ فَرَجَمَ ثُمَّ رَجَمَ النَّاسُ بَعْدَهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَيُّهَا النَّاسِ إنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ زِنَا السِّرِّ، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ، فَزِنَا السِّرِّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ فَيَكُونَ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ فَيَكُونَ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، قَالَ: وَفِي يَدِهِ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ فَرَمَاهَا بِحَجَرٍ فَأَصَابَ صُدْغَهَا فَاسْتَدَارَتْ وَرَمَى النَّاسُ بَعْدَهُ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «كَانَ لِشُرَاحَةَ زَوْجٌ غَائِبٌ بِالشَّامِ وَأَنَّهَا حَبِلَتْ، فَجَاءَ بِهَا مَوْلَاهَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ زَنَتْ، فَاعْتَرَفَتْ فَجَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحَفَرَ لَهَا إلَى السُّرَّةِ وَأَنَا شَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ: الرَّجْمُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ يَشْهَدُ ثُمَّ يُتْبِعُ شَهَادَتَهُ حَجَرَهُ، وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ فَأَنَا

(فَإِنْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلُ مَنْ يَرْمِيهَا فَرَمَاهَا بِحَجَرٍ ثُمَّ رَمَاهَا النَّاسُ» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَفِيهِ " أَنَّهُ قَالَ لَهَا: لَعَلَّهُ وَقَعَ عَلَيْك وَأَنْتِ نَائِمَةٌ، قَالَتْ لَا، قَالَ: فَلَعَلَّهُ اسْتَكْرَهَك، قَالَتْ لَا، قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَحُبِسَتْ، فَلَمَّا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا أَخْرَجَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ فَضَرَبَهَا مِائَةً وَحَفَرَ لَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الرَّحْبَةِ وَأَحَاطَ النَّاسُ بِهَا " الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَيْضًا " أَنَّهُ صَفَّهُمْ ثَلَاثَ صُفُوفٍ ثُمَّ رَجَمَهَا ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَرَجَمَ صَفٌّ ثُمَّ صَفٌّ ثُمَّ صَفٌّ ". وَأَوْرَدَ أَنَّ إثْبَاتَ اشْتِرَاطِ الْبُدَاءَةِ بِهَذَا زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ بِمَا هُوَ دُونَ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَإِصْلَاحُ الْإِيرَادِ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْقَطْعِيِّ الْمُطْلَقِ فَكَانَ كَتَقْيِيدِ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ الْقَطْعِيَّ هُنَا هُوَ مَجْمُوعُ وُجُوبِ الرَّجْمِ وَدَرْئِهِ بِالشُّبْهَةِ، فَإِذَا دَلَّ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ عَلَى أَنَّ الْبُدَاءَةَ شَرْطٌ لَزِمَ أَنَّ عَدَمَهَا شُبْهَةٌ فَيَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ بِحُكْمِ الْقَطْعِ بِوُجُوبِ دَرْءِ هَذَا الْحُكْمِ الْقَطْعِيِّ بِالشُّبْهَةِ، وَمَوْتُ الشُّهُودِ مُسْقِطٌ أَوْ أَحَدِهِمْ، وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ غَابَ أَحَدُهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بُدَاءَتَهُمْ مُسْتَحَبَّةٌ لَا مُسْتَحَقَّةٌ، فَإِذَا امْتَنَعُوا أَوْ غَابُوا أَوْ مَاتُوا يُقِيمُ الْحَدَّ، وَكَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِاعْتِرَاضِ مَا يَخْرُجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ فَسَقَ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا. وَفِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ أَوْ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ وَحَضَرُوا يَرْمِي الْقَاضِي، وَلَوْ قُطِعَتْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ امْتَنَعَتْ الْإِقَامَةُ. وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ شَرْطًا فَفَوَاتُ الشَّرْطِ كَيْفَ كَانَ يَمْنَعُ الْمَشْرُوطَ. وَأَيْضًا عَجْزُهُمْ بِالضَّعِيفِ لَيْسَ فَوْقَ عَجْزِهِمْ بِالْمَوْتِ، إلَّا أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ فَرَّقَ بِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَقْطُوعِي الْأَيْدِي لَمْ تَسْتَحِقَّ الْبُدَاءَةَ بِهِمْ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَدْ اسْتَحَقَّتْ، فَإِذَا تَعَذَّرَ بِالْمَوْتِ أَوْ الْغَيْبَةِ صَارَ كَمَا لَوْ امْتَنَعُوا، وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِشَرْطِيَّتِهِ بِكَوْنِ الشُّهُودِ قَادِرِينَ عَلَى الرَّجْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُسْقِطَ

وَكَذَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. «وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ وَكَانَتْ قَدْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا» (وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَاعِزٍ اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ» وَلِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الْغُسْلُ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا «وَصَلَّى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْغَامِدِيَّةِ بَعْدَمَا رُجِمَتْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجْمَعُهَا. وَمِمَّا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ وَيُسْقِطُ الْحَدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ عَنْ الْبَيِّنَةِ مَرَّةً يُسْقِطُهُ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَانَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّهَادَةِ عَدَمُ الْإِقْرَارِ فَفَاتَ الشَّرْطُ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ فَكَانَ كَالْأَوَّلِ، وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يَبْدَأُ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَقَوْلُهُ «وَرَمَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ فَحَفَرَ لَهَا إلَى السُّرَّةِ» ثُمَّ ذَكَرَ إسْنَادًا آخَرَ وَزَادَ «ثُمَّ رَمَاهَا بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ ثُمَّ قَالَ: ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ، فَلَمَّا طَفَتْ أَخْرَجَهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَفِيهِ مَجْهُولٌ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ تَمَّ أَمْرُ هَذَا الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاشْتِرَاطِ. فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ، فَإِنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ رَجَمَهُ النَّاسُ عَنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِابْتِدَاءِ اخْتِبَارًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي أَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يَتَسَاهَلْ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ، فَإِذَا امْتَنَعَ حِينَئِذٍ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ شُبْهَةِ تَقْصِيرِهِ فِي الْقَضَاءِ وَهِيَ دَارِئَةٌ فَكَأَنَّ الْبُدَاءَةَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ إذْ لَزِمَ عَنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَا أَنَّهُ جَعَلَ شَرْطًا بِذَاتِهِ، وَهَذَا فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنْتَفٍ فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ إذَا لَمْ يَبْدَأْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ، فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهِمَا. قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ رَجَمَ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَلِأَنَّهُ تَيْسِيرٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلَا يَقْصِدُهُ وَيَكْتَفِي بِغَيْرِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَاعِزٍ «اصْنَعُوا بِهِ» الْحَدِيثَ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ قَالَ «لَمَّا رُجِمَ مَاعِزٌ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: اصْنَعُوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ مِنْ الْغُسْلِ

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَكَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] إلَّا أَنَّهُ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَعْمُولًا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَفَنِ وَالْحَنُوطِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ» وَأَمَّا صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْغَامِدِيَّةِ فَأَخْرَجَهُ السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ «فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وُجِدَتْ تَوْبَةٌ أَفْضَلُ مِنْ أَنَّهَا جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي أَمْرِ مَاعِزٍ «قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ» قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قِيلَ لِلْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ «وَصَلَّى عَلَيْهِ» قَالَهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ قَالَ لَا. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحُوهُ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ» فَفِيهِ مَجَاهِيلُ فَإِنَّ فِيهِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ. نَعَمْ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي مَاعِزٍ «وَقَالَ لَهُ خَيْرًا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» مُعَارِضٌ صَرِيحٌ فِي صَلَاتِهِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي، لَكِنْ عَلَى أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ بِدَلِيلٍ يُسَاوِي الْإِثْبَاتَ وَيَطْلُبُ التَّرْجِيحَ بِغَيْرِهِ لَا يَنْتَهِضُ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّفْيَ وَهُوَ كَوْنُهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا شَهِدَ الصَّلَاةَ بِتَمَامِهَا يَعْلَمُ عَدَمَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ صَلَاتَهُ فَيَطْلُبُ التَّرْجِيحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا شَكَّ فِيهَا، فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا، بِخِلَافِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُغَسَّلُ لِيَكُونَ الْأَثَرُ شَاهِدًا لَهُ، وَالْإِظْهَارُ زِيَادَةُ تَشْرِيفِهِ بِقِيَامِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى مَاعِزٍ فَفِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ. وَالْغَامِدِيَّةُ مِنْ بَنِي غَامِدٍ حَيٌّ مِنْ الْأَزْدِ. قَالَهُ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ. وَفِي كِتَابِ أَنْسَابِ الْعَرَبِ غَامِدٌ بَطْنٌ مِنْ خُزَاعَةَ، وَقَدْ سَمِعْت فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَتَتْ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ» (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَكَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَإِنَّمَا قَدَّمَ الزَّانِيَةَ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ إذْ الدَّاعِيَةُ فِيهَا أَكْثَرُ وَلَوْلَا تَمْكِينُهَا لَمْ يَزْنِ، وَهَذَا

قَالَ (يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَامٌّ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ نُسِخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ قَطْعًا، وَيَكْفِينَا فِي تَعَيُّنِ النَّاسِخِ الْقَاطِعِ بِرَجْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ. الْقَطْعِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ ادِّعَاءِ كَوْنِ النَّاسِخِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِثُبُوتِ كَوْنِهَا قُرْآنًا ثُمَّ انْتِسَاخُ تِلَاوَتِهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا عُمَرُ وَسَكَتَ النَّاسُ، فَإِنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ حُجَّةً مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَبِتَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا إذْ ذَاكَ حُضُورًا؛ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ ظَنِّيٌّ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ: إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى الْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ، وَعُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ نَسْخِ عُمُومِ الْآيَةِ فَيَكُونُ رَأْيُهُ أَنَّ الرَّجْمَ حُكْمٌ زَائِدٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ قِيلَ بِهِ، وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ» وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا) قِيلَ الْمُرَادُ بِثَمَرَةِ السَّوْطِ عَذْبَتُهُ وَذَنَبُهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ وَاحِدَةِ ثَمَرِ الشَّجَرِ. وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ عَقْدُ أَطْرَافِهِ. وَرَجَّحَ الْمُطَرِّزِيُّ إرَادَةَ الْأَوَّلِ هُنَا لِمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ. وَفِي الْإِيضَاحِ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْرَبَ بِسَوْطٍ لَهُ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا ضُرِبَ بِهَا تَصِيرُ كُلُّ ضَرْبَةٍ ضَرْبَتَيْنِ. وَفِي الدِّرَايَةِ: لَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ لَا ثَمَرَةَ لَهُ: أَيْ لَا عُقْدَةَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَصْلًا، بَلْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْعُقْدَةُ وَإِمَّا تَلْيِينُ طَرَفِهِ بِالدَّقِّ إذَا كَانَ يَابِسًا وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ فَتُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى يَلِينَ ثُمَّ يُضْرَبَ بِهِ. قُلْنَا لَهُ: فِي زَمَنِ مَنْ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا يُضْرَبَ بِهِ وَفِي طَرَفِهِ يُبْسٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْرَحُ أَوْ يُبْرِحُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِيهِ عُقْدَةٌ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ شَدِيدٍ لَهُ ثَمَرَةٌ، فَقَالَ: سَوْطٌ دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ لَيِّنٍ

وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِإِفْضَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْهَلَاكِ وَخُلُوِّ الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ (وَتُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) مَعْنَاهُ دُونَ الْإِزَارِ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ، وَلِأَنَّ التَّجْرِيدَ أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْأَلَمِ إلَيْهِ. وَهَذَا الْحَدُّ مَبْنَاهُ عَلَى الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ وَفِي نَزْعِ الْإِزَارِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فَيَتَوَقَّاهُ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ. قَالَ (إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ، وَكَذَا الْوَجْهُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَنُ فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ وَذَلِكَ إهْلَاكٌ مَعْنًى فَلَا يُشْرَعُ حَدًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ: سَوْطٌ فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ فَقَالَ: هَذَا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ» وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَوْطٍ» فَذَكَرَهُ، وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. وَالْحَاصِلُ أَنْ يُجْتَنَبَ كُلٌّ مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَعْنَى الْعُقْدَةِ وَمَعْنَى الْفَرْعِ الَّذِي يَصِيرُ ذَنَبَيْنِ تَعْمِيمًا لِلْمُشْتَرِكِ فِي النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْعَدَدَ مِائَةً، وَلَوْ تُجُوِّزَ بِالثَّمَرَةِ فِيمَا يُشَاكِلُ الْعُقْدَةَ لِيَعُمَّ الْمَجَازُ مَا هُوَ يَابِسُ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُدَقَّ رَأْسُهُ فَيَصِيرَ مُتَوَسِّطًا (قَوْلُهُ بَيْنَ الْمُوجِعِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ) فَيَكُونُ مُؤْلِمًا غَيْرَ مُوجِعٍ، فَلَزِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُوجِعِ الْمُبَرِّحَ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَقِمْ، وَوَجْهُ هَذَا ظَاهِرٌ. وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ (قَوْلُهُ وَتُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) إلَّا الْإِزَارَ لِيَسْتُرَ عَوْرَتَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُتْرَكُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ قَمِيصَانِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْجَلْدِ لَا يَقْتَضِي التَّجْرِيدَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ زَادَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْكَنْزِ فَقَالَ: صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ فَأُبْعِدَ عَمَّا قَالَ الْمُخَرِّجُ إنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ عَلِيٍّ بَلْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنْهُ " أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ فَضَرَبَهُ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ قَسْطَلَّانِيٌّ قَاعِدًا ". وَأَسْنَدَ إلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْمَحْدُودِ: أَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْوًا أَوْ مَحْشُوًّا. وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَحِلُّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ تَجْرِيدٌ وَلَا مَدٌّ. قَوْلُهُ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْسِدُهُ، وَاسْتَثْنَى الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْفَرْجَ. وَذَكَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلَمْ يَحْفَظْهُ الْمُخَرِّجُونَ مَرْفُوعًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ أَوْ فِي حَدٍّ فَقَالَ اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ: اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ. قَالَ: رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ فِي حَالِ قِيَامِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ لَوْ تَوَجَّهَ لِأَحَدٍ ضَرْبُ وَجْهِ مَنْ يُبَارِزُهُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَالَةَ الْحَمَلَةِ لَا يَكُفُّ عَنْهُ، إذْ قَدْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْتُلُهُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَنْ يُضْرَبُ صَبْرًا فِي حَدٍّ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ. وَفِي الْقَتْلِ صَرِيحُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ امْرَأَةً فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ ثُمَّ قَالَ: ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ» وَحِينَئِذٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَكَذَا مُخْتَصَرًا عَلَيْهِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُرِيدَانِ قَطْعًا ضَرْبَ الْوَجْهِ وَالْمَذَاكِيرِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْمَخْصُوصِ، عَلَى أَنَّهُ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْرِبُ الرَّأْسَ أَيْضًا رَجَعَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ سَوْطًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: اضْرِبُوا الرَّأْسَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا. قُلْنَا: تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ أُبِيحَ قَتْلُهُ. وَيُقَالُ: إنَّهُ وَرَدَ فِي حَرْبِيٍّ كَانَ مِنْ دُعَاةِ الْكَفَرَةِ وَالْإِهْلَاكُ فِيهِ مُسْتَحَقٌّ (وَيُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا وَالنِّسَاءُ قُعُودًا، وَلِأَنَّ مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ، وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ. ثُمَّ قَوْلُهُ: غَيْرَ مَمْدُودٍ، فَقَدْ قِيلَ الْمَدُّ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذُكِرَ فِي رِوَايَةٍ غَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا حَكَيْنَاهُ آنِفًا. وَبِمَا سَمِعْته تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ دَلِيلٌ عَلَى بَعْضِ الْمَطْلُوبِ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ وَهُوَ ضَرْبُ الرَّأْسِ مُلْحَقٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ وَهُوَ إهْلَاكٌ مَعْنًى. وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَقْلَ فِي الرَّأْسِ إلَّا أَنْ يَئُولَ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ. وَمَا قِيلَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْكَافِي إنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخُصُّ الظُّهُورَ وَاسْتِدْلَالُ الشَّارِحِينَ عَلَيْهِ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك» غَيْرُ ثَابِتٍ فِي كُتُبِهِمْ، بَلْ الَّذِي فِيهَا كَقَوْلِنَا. وَإِنَّمَا تِلْكَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ خَصَّ الظَّهْرَ وَمَا يَلِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّهْرِ نَفْسُهُ: أَيْ حَدٌّ عَلَيْك بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» وَأَنَّهُ فِي نَحْوِ الْحَدِّ فَمَا سِوَاهُ دَاخِلٌ فِي الضَّرْبِ، ثُمَّ خَصَّ مِنْهُ الْفَرْجَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّعْزِيرِ: يُضْرَبُ الظَّهْرُ وَفِي الْحُدُودِ الْأَعْضَاءُ وَالْمَذَاكِيرُ جَمْعُ ذَكَرٍ بِمَعْنَى الْعُضْوِ فَرَّقُوا فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الذَّكَرِ بِمَعْنَى الرَّجُلِ حَيْثُ قَالُوا ذُكْرَانٌ وَذُكُورَةٌ وَذِكَارَةٌ وَبِمَعْنَى الْعُضْوِ. ثُمَّ جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ مَا حَوْلَهُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ ذَكَرًا كَمَا قَالُوا: شَابَتْ مَفَارِقُهُ وَإِنَّمَا لَهُ مَفْرِقٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُضْرَبُ الرَّأْسُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً رَجَعَ إلَيْهِ) بَعْدَ أَنْ كَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: لَا يُضْرَبُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُتِيَ بِرَجُلٍ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ فَقَالَ: اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا. وَالْمَسْعُودِيُّ مُضَعَّفٌ. وَلَكِنْ رَوَى الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ صُبَيْغٌ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ وَأَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صُبَيْغٌ، فَأَخَذَ عُمَرُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، وَجَعَلَ يَضْرِبُهُ حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسْبُك فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْت أَجِدُ فِي رَأْسِي. وَهَذَا يُنَافِي جَوَابَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَتْلِ. وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ وَاقِعَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ فِيهِ فَإِنَّ ضَرْبَ عُمَرَ الرَّأْسَ كَانَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَكَذَا ضَرْبُ أَبِي بَكْرٍ لِلَّذِي انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ. هَذَا وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا الصَّدْرَ وَالْبَطْنَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الصَّدْرُ مِنْ الْمَحَامِلِ، وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ الْمُتَوَسِّطِ عَدَدًا يَسِيرًا لَا يَقْتُلُ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ بِالصَّدْرِ. نَعَمْ إذَا فُعِلَ بِالْعَصَا كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فِي بُيُوتِ الظَّلَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْرَبَ الْبَطْنُ (قَوْلُهُ: وَيُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا) وَكَذَا التَّعْزِيرُ (قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً فِي الْحُدُودِ (وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ) زَجْرًا لِلْعَامَّةِ عَنْ مِثْلِهِ (وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ) وَالْمَرْأَةُ مَبْنَى أَمْرِهَا عَلَى السَّتْرِ فَيُكْتَفَى بِتَشْهِيرِ الْحَدِّ فَقَطْ بِلَا زِيَادَةٍ (وَقَوْلُهُ غَيْرَ مَمْدُودٍ قِيلَ الْمَدُّ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ

وَيُمَدَّ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ السَّوْطَ فَيَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ بَعْدَ الضَّرْبِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُفْعَلُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ جَلْدَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنْقِصٌ لِلنِّعْمَةِ فَيَكُونُ مُنْقِصًا لِلْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عِنْدَ تَوَافُرِ النِّعَمِ أَفْحَشُ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّغْلِيظِ (وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ تَشْمَلُهُمَا (غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُنْزَعُ مِنْ ثِيَابِهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ السَّوْطُ بِأَنْ يَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَى جَسَدِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْجَسَدِ) وَفِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ وَقَدْ يُفْضِي إلَى الْجُرْحِ (وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ) فَلَفْظُ مَمْدُودٍ مُعَمَّمٌ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِي النَّفْيِ فَجَازَ تَعْمِيمُهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَقِفْ وَيَصْبِرْ لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ أَوْ يُمْسَكُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ) وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُعْرَفُ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ فَيَرْجِعُ بِهِ إلَى دَلَالَةِ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ، بَلْ الْمُسَاوَاةُ تَكْفِي فِيهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَدْخُلُونَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ وَالنَّصُّ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي تَزَوُّجِ الْإِمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] إلَى قَوْلِهِ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ثُمَّ تَمَّمَ حُكْمَهُنَّ إذَا زَنَيْنَ، وَلِأَنَّ الدَّاعِيَةَ فِيهِنَّ أَقْوَى وَهُوَ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ الزَّانِيَةِ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ: أَعْنِي الْإِحْصَانَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ عَلَى الْأَرِقَّاءِ نِصْفَ الْمِائَةِ أَحْصَنُوا أَوْ لَمْ يُحْصِنُوا. وَأَسْنَدَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدٍ بْنِ خَالِدَ الْجُهَنِيَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ وَهُوَ الْحَبْلُ» وَالْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يُجَوِّزُونَ أَنْ لَا يُرَادَ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أَحْصَنَ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ» وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا حَتَّى تُحْصِنَ بِزَوْجٍ، وَعَلَى هَذَا هُوَ مُعْتَبَرُ الْمَفْهُومِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَقُرِئَ إذَا أَحْصَنَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَتُؤُوِّلَ عَلَى مَعْنَى أَسْلَمْنَ، وَحِينَ أَلْزَمَ سُبْحَانَهُ نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ إذَا أَحْصَنَّ لَزِمَ أَنْ لَا رَجْمَ عَلَى الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِلنِّعْمَةِ فَتَنْقُصُ الْعُقُوبَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عِنْدَ تَوَافُرِ النِّعَمِ أَفْحَشُ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّغْلِيظِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] (قَوْلُهُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) لِشُمُولِ النُّصُوصِ إيَّاهُمَا، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْصَنًا رُجِمَ وَإِلَّا فَعَلَى كُلٍّ الْجَلْدُ، أَوْ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا فَعَلَى الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ وَعَلَى الْآخَرِ

لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْمَضْرُوبِ وَالسَّتْرُ حَاصِلٌ بِدُونِهِمَا فَيُنْزَعَانِ (وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (وَإِنْ حُفِرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثُنْدُوَتِهَا، وَحَفَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِشُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ وَإِنْ تَرَكَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَهِيَ مَسْتُورَةٌ بِثِيَابِهَا، وَالْحَفْرُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَيُحْفَرُ إلَى الصَّدْرِ لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا حَفَرَهُ لِمَاعِزٍ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْإِقَامَةِ عَلَى التَّشْهِيرِ فِي الرِّجَالِ، وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَلْدُ، وَكَذَلِكَ فِي ظُهُورِ الزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ يَكُونُ عَلَى مَا شُرِطَ. وَقَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إلَخْ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: سَوَاءٌ فَلَا يُنْزَعُ عَنْ الْمَرْأَةِ ثِيَابُهَا إلَّا الْمَحْشُوِّ وَالْفَرْوِ (وَلِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ) ؛ لِأَنَّ بَدَنَهَا كُلَّهُ عَوْرَةٌ إلَّا مَا عُرِفَ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ (وَتُضْرَبُ) الْمَرْأَةُ (جَالِسَةً لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ (وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا) قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ) لِهَذَا وَلِذَلِكَ حَفَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثُنْدُوَتِهَا. وَالثَّنْدُوَةُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْهَمْزَةِ مَكَانَ الْوَاوِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً، وَالدَّالُ مَضْمُومَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ: ثَدْيُ الرَّجُلِ أَوْ لَحْمُ الثَّدْيَيْنِ، وَمَا قِيلَ الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ وَالثَّنْدُوَةُ لِلرَّجُلِ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِحَدِيثِ الَّذِي وَضَعَ سَيْفَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ (وَلِذَا حَفَرَ عَلِيٌّ لِشُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ) بِسُكُونِ الْمِيمِ وَهِيَ قَبِيلَةٌ كَانَتْ عَيْبَةَ عَلِيٍّ، وَقَدْ مَدَحَهُمْ وَقَالَ فِي مَدِيحِهِ لَهُمْ: فَلَوْ كُنْت بَوَّابًا عَلَى بَابِ جَنَّةٍ ... لَقُلْت لِهَمْدَانَ اُدْخُلِي بِسَلَامِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ شُرَاحَةَ وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ حَفَرَ لَهَا إلَى السُّرَّةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ تَرَكَ) الْحَفْرَ (لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ) يَعْنِي لَمْ يُوجِبْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ هُوَ الْإِيجَابُ، وَقَالَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ. وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ أَمْرِهِ، وَإِلَّا كَانَتْ مُنَاقَضَةً غَرِيبَةً، فَإِنَّ مِثْلَهَا إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ، أَمَّا مَعَهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ فَغَرِيبٌ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْفِرُ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ) تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَتِهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ حَفَرَ لَهُ وَهُوَ مُنْكَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ وَالرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةَ الْمُتَضَافِرَةَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ فِي الرِّجَالِ) لَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ، بَلْ الْحَدُّ مُطْلَقًا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّشْهِيرِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُزَادُ فِي شُهْرَتِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَيَكْتَفِي فِي الْمَرْأَةِ بِالْإِخْرَاجِ وَالْإِتْيَانِ بِهَا إلَى مُجْتَمَعِ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ وَخُصُوصًا فِي الرَّجْمِ. وَأَمَّا فِي الْجَلْدِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] أَيْ الزَّانِيَةَ وَالزَّانِي، فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ طَائِفَةً: أَيْ جَمَاعَةً أَنْ يَحْضُرُوا إقَامَةَ الْحَدِّ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدَةٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ اثْنَانِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَشَرَةٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَرْبَعَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ تَجْرِيدٌ وَلَا مَدٌّ، وَلِأَنَّ مَاعِزًا انْتَصَبَ لَهُمْ قَائِمًا لَمْ يُمْسَكْ وَلَمْ يُرْبَطْ، إلَّا أَنْ لَا يَصْبِرَ

(وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً مُطْلَقَةً عَلَيْهِ كَالْإِمَامِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ فَصَارَ كَالتَّعْزِيرِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْحُدُودَ» وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْهَا إخْلَاءُ الْعَالِمِ عَنْ الْفَسَادِ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ هُوَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ الصَّبِيُّ، وَحَقُّ الشَّرْعِ مَوْضُوعٌ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَعْيَاهُمْ فَحِينَئِذٍ يُمْسَكُ فَيُرْبَطُ، فَإِذَا هَرَبَ فِي الرَّجْمِ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا يُتْبَعُ وَتُرِكَ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُودًا عَلَيْهِ اُتُّبِعَ وَرُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّ هَرَبَهُ رُجُوعٌ ظَاهِرًا وَرُجُوعُهُ يَعْمَلُ فِي إقْرَارِهِ لَا فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ صِفَةَ الرَّجْمِ أَنْ يُصَفُّوا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ كُلَّمَا رَجَمَهُ صَفٌّ تَنَحَّوْا. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ، بَلْ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي قِصَّةِ شُرَاحَةَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَفِيهِ: أَحَاطَ النَّاسُ بِهَا وَأَخَذُوا الْحِجَارَةَ قَالَ: لَيْسَ هَكَذَا الرَّجْمُ إذَنْ يُصِيبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، صُفُّوا كَصَفِّ الصَّلَاةِ صَفًّا خَلْفَ صَفٍّ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ رَجَمَهَا ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَرَجَمَ صَفٌّ ثُمَّ صَفٌّ ثُمَّ صَفٌّ. وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي مَسْجِدٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَلَا تَعْزِيرٌ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّأْدِيبِ فِي الْمَسْجِدِ خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَقَامَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ فَخَطَّأَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَجَمِّرُوهَا فِي جُمَعِكُمْ وَصُفُّوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ» وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَحْدُودِ فَيَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يُقِيمُهُ بِلَا إذْنٍ، وَعَنْ مَالِكٍ إلَّا فِي الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ امْرَأَةً. وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَتْلًا بِسَبَبِ الرِّدَّةِ أَوْ قَطْعَ الطَّرِيقِ أَوْ قَطْعًا لِلسَّرِقَةِ، فَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ نَعَمْ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ إلَى الْإِمَامِ لَهُمْ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ. وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ. وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْزِيرَهُ صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عَنْ الْفَسَادِ فَكَذَا الْحَدُّ، وَلِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً مُطْلَقَةً عَلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ مِنْهُ مَا لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَمِلْكُهُ لِلْإِقَامَةِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْإِمَامِ. وَلَنَا مَا رَوَى الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ: الْحُدُودُ، وَالصَّدَقَاتُ. وَالْجُمُعَاتُ، وَالْفَيْءُ» وَلِأَنَّ الْحَدَّ خَالِصُ

قَالَ (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ) فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ إذْ لَا خِطَابَ دُونَهُمَا، وَمَا وَرَاءَهُمَا يُشْتَرَطُ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِوَاسِطَةِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ إذْ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ يَتَغَلَّظُ عِنْدَ تَكَثُّرِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا نَائِبُهُ وَهُوَ الْإِمَامُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَوْنُهُ حَقَّ اللَّهِ فَإِنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ نَائِبُهُ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الِاسْتِنَابَةَ تُعْرَفُ بِالسَّمْعِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَنَابَ فِي حَقِّهِ الْمُتَوَجِّهِ مِنْهُ عَلَى الْأَرِقَّاءِ مَوَالِيَهُمْ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِنَفْسِهِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِقَامَةَ بِنَفْسِهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ كَانَ مُمْتَثِلًا فَجَازَ كَوْنُ الْمُرَادِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ لِيَأْمُرَ بِإِقَامَتِهِ، لَكِنْ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُعَارِضُ الْمَذْكُورُ لَا يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ عَلَى الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَقَامَ فُلَانٌ الْحَدَّ عَلَى فُلَانٍ أَوْ جَلَدَ فُلَانٌ فُلَانًا، وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ بَاشَرَهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ، عَلَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَحَدٌ دَائِرٌ فِيهِمَا لَا فِي ثَلَاثَةٍ وَهُمَا هَذَانِ مَعَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ لِيَحُدَّهُ، نَعَمْ مَنْ اسْتَقَرَّ اعْتِقَادُهُ عَلَى أَنَّ إقَامَةَ الْحُدُودِ إلَى الْإِمَامِ فَالْمُتَبَادَرُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ الْأَخِيرِ بِخُصُوصِهِ (قَوْلُهُ وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ) قَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ إحْصَانَ الْقَذْفِ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي. وَالْإِحْصَانُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ، قَالَ تَعَالَى {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] وَأَطْلَقَ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّارِحِ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَبِمَعْنَى الْعَقْلِ وَبِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ مِنْهُ {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] وَبِمَعْنَى التَّزْوِيجِ وَبِمَعْنَى الْإِصَابَةِ فِي النِّكَاحِ وَبِمَعْنَى الْعِفَّةِ، يُقَالُ أَحْصَنَتْ: أَيْ عَفَّتْ وَأَحْصَنَهَا زَوْجُهَا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْمُتَقَدِّمُونَ يَقُولُونَ: إنَّ شَرَائِطَ الْإِحْصَانِ سَبْعَةٌ، وَعَدَّ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطَا الْأَهْلِيَّةِ لِلْعُقُوبَةِ، وَإِلَى

وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ. وَقَدْ شُرِعَ الرَّجْمُ بِالزِّنَا عِنْدَ اسْتِجْمَاعِهَا فَيُنَاطُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ، وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ تَكْمِيلِ الْعُقُوبَةِ لَا شَرْطُ الْإِحْصَانِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَشَرْطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ» وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالدُّخُولِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ: الْإِسْلَامُ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَكَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ فِي شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ أَمَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَدَخَلَ بِهَا لَا يَصِيرُ الزَّوْجُ مُحْصَنًا بِهَذَا الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ زَنَى بَعْدَهُ لَا يُرْجَمُ عِنْدَنَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَصِيرُ مُحْصَنَةً فَلَا تُرْجَمُ لَوْ زَنَتْ. وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا فَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ: أَيْ أَنْ يَطَأَهَا إذَا زَنَى لَا يُرْجَمُ، وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا لَا يُرْجَمُ لَوْ زَنَى مَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَتْ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا، فَإِذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُنَا يَدْخُلُ بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ: يَعْنِي تَكُونُ الصِّحَّةُ قَائِمَةً حَالَ الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِتَزَوُّجِهَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَقِيبَهُ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً: أَيْ الشَّرَائِطُ الَّتِي هِيَ الْإِحْصَانُ، وَكَذَا شَرْطُ الْإِحْصَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الرَّجْمِ هُوَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ، فَهِيَ أَجْزَاؤُهُ، وَهُوَ هَيْئَةٌ تَكُونُ بِاجْتِمَاعِهَا فَهِيَ أَجْزَاءُ عِلَّةٍ، وَكُلُّ جُزْءٍ عِلَّةٌ، فَكُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ شَرْطُ وُجُوبِ الرَّجْمِ، وَالْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُسَمَّى بِالْإِحْصَانِ، وَالشَّرْطُ يَثْبُتُ سَمْعًا أَوْ قِيَاسًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ. لَا يُقَالُ: كَمَا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ قِيَاسًا فَكَذَا شُرُوطُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ شُرُوطُهُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ نَفْسِ الْحَدِّ إمَّا لِعَدَمِ الْمَعْقُولِيَّةِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمَا ازْدَادَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَإِثْبَاتُ الشَّرْطِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ لَا لِإِيجَابِهِ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي تَحْقِيقِهِ، وَقَدْ أَثْبَتَ الْمُصَنِّفُ شَرْطَ اتِّفَاقِهِمَا فِي صِفَةِ الْإِحْصَانِ مَعَ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: (وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ) فَإِنَّ مِنْ النِّعَمِ كَوْنَ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُكَافِئًا لِلْآخَرِ فِي صِفَاتِهِ الشَّرِيفَةِ ثُمَّ قَالَ: (وَقَدْ شُرِعَ الرَّجْمُ بِالزِّنَا عِنْدَ اسْتِجْمَاعِهَا فَيُنَاطُ بِهِ) أَيْ بِاسْتِجْمَاعِهَا، وَإِذَا نِيطَ بِكُلِّهَا يَلْزَمُ أَنْ يَنْتَفِيَ الْحَدُّ بِانْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْهَا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُ كُلٍّ مِثْلَ الْآخَرِ فَيَلْزَمُ اشْتِرَاطُهُ لِظُهُورِ أَثَرِ وُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَعَدَمُ تَمَاثُلِهِمَا شُبْهَةٌ فِي تَصَوُّرِ الصَّارِفِ فَيَنْدَرِئُ بِهِ، وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي بَيَانِ كَوْنِهَا مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ الصَّارِفَةِ عَنْ الزِّنَا بِكَمَالِ انْدِفَاعِ حَاجَتِهِ إلَى الْوَطْءِ عِنْدَهَا، فَكَوْنُهُ بَالِغًا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا تَكْمُلُ فِيهِ رَغْبَةُ الْكَبِيرَةِ وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا الْمَجْنُونَةُ لَا يُرْغَبُ فِيهَا بَلْ هِيَ مَحَلُّ نَفْرَةِ الطِّبَاعِ، وَكَذَا يَنْفِرُ الْمُسْلِمُ عَنْ صُحْبَةِ مَنْ يُفَارِقُهُ فِي دِينِهِ مِنْهُ وَمِنْهَا، وَكَذَا يَرَى الْحُرُّ انْحِطَاطًا بِتَزَوُّجِ الرَّقِيقِ

بِخِلَافِ الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِهِمَا وَنَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُمْكِنَةٌ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ مُمْكِنٌ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ، وَالْإِصَابَةُ شِبَعٌ بِالْحَلَالِ، وَالْإِسْلَامُ يُمَكِّنُهُ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ وَيُؤَكِّدُ اعْتِقَادَ الْحُرْمَةِ فَيَكُونُ الْكُلُّ مَزْجَرَةً عَنْ الزِّنَا. وَالْجِنَايَةُ بَعْدَ تَوَفُّرِ الزَّوَاجِرِ أَغْلَظُ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ قَدْ زَنَيَا» قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ ثُمَّ نُسِخَ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا تَكْمُلُ الرَّغْبَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا ظَهَرَ تَكَامُلُ الصَّارِفِ وَفِيهِ تَكَامُلُ النِّعْمَةِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عِنْدَهَا أَفْحَشَ فَنَاسَبَ كَوْنَ الْعُقُوبَةِ أَغْلَظَ فَشُرِعَتْ لِذَلِكَ وَهِيَ الرَّجْمُ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِهَا فَنِيطَ بِهِ: أَيْ بِالِاسْتِجْمَاعِ لَهَا (بِخِلَافِ الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِهِمَا وَنَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ) وَوَجْهُ عَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا فِي تَكْمِيلِ الْعُقُوبَةِ أَنَّهُمَا لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي تَكْمِيلِ الصَّارِفِ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَأَوْرَدَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الزَّوْجِ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ كَمَا يُفِيدُهُ مَا ذُكِرَ فِي نَفْرَةِ الْمُسْلِمِ. وَأُجِيبَ بِأَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ فَتُسْلِمَ هِيَ فَيَطَأَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ وَإِبَائِهِ، وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهِ هُمَا زَوْجَانِ (قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فِي الْإِحْصَانِ (وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا: فَلَوْ زَنَى الذِّمِّيُّ الثَّيِّبُ الْحُرُّ، يُجْلَدُ عِنْدَنَا وَيُرْجَمُ عِنْدَهُمْ. لَهُمْ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَرَجُلًا قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الزِّنَا؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ إيلَاجٌ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ارْفَعْ يَدَك، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالَ: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا» وَاَلَّذِي وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، فَإِنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَوَّلًا، وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عِنْدَمَا قَدِمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَدِينَةَ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ حَدِّ الزِّنَا وَلَيْسَ فِيهَا اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ فِي الرَّجْمِ، ثُمَّ نَزَلَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِالرَّجْمِ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْإِحْصَانِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَتْلُوٍّ، وَعُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» فَقَالَ إِسْحَاقُ رَفَعَهُ مَرَّةً فَقَالَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَقَّفَهُ مَرَّةً. وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَيُقَالُ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَفْظُ إِسْحَاقَ كَمَا تَرَاهُ لَيْسَ فِيهِ رُجُوعٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ عَنْ الرَّاوِي أَنَّهُ مَرَّةً رَفَعَهُ وَمَرَّةً أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْفَتْوَى فَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَهُ بَعْدَ صِحَّةِ الطَّرِيقِ إلَيْهِ مَحْكُومٌ بِرَفْعِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الرَّفْعُ وَالْوَقْفُ حُكِمَ بِالرَّفْعِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا خُرِّجَ مِنْ طُرُقٍ فِيهَا ضَعْفٌ لَمْ يَضُرَّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ» فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَمَعْنَاهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِيَهُودِيَّةٍ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَتَزَوَّجْهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُك» وَضُعِّفَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ كَعْبًا، لَكِنْ رَوَاهُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الِانْقِطَاعَ عِنْدَنَا دَاخِلٌ فِي الْإِرْسَالِ بَعْدَ عَدَالَةِ الرُّوَاةِ، وَبَقِيَّةُ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ أَوَّلَ هَذَا الشَّرْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ شَاهِدٌ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَجُّ بِهِ، وَلَا مَعْنَى لِفَصْلِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِالْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهُمَا مَعًا فِي غَرَضٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَمَنْ مَعَهُ بَلْ كَانَ الْوَجْهُ جَمْعُهُمَا ثُمَّ يَقُولُ هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسْهَلَ مِمَّا ادَّعَى أَنْ يُقَالَ: حِينَ رَجَمَهُمَا كَانَ الرَّجْمُ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» ثُمَّ الظَّاهِرُ كَوْنُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَإِلَّا لَمْ يَرْجُمْهُمْ لِانْتِسَاخِ شَرِيعَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُمْ عَنْ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ لِيُبَكِّتَهُمْ بِتَرْكِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ فَحَكَمَ بِرَجْمِهِمَا بِشَرْعِهِ الْمُوَافِقِ لِشَرْعِهِمْ، وَإِذَا لَزِمَ كَوْنُ الرَّجْمِ كَانَ ثَابِتًا فِي شَرْعِنَا حَالَ رَجْمِهِمْ بِلَا اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ الْمُفِيدُ لِاشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ تَارِيخٌ يُعْرَفُ بِهِ تَقَدُّمُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ أَوْ تَأَخُّرُهُ، فَيَكُونُ رَجْمُهُ الْيَهُودِيَّيْنِ وَقَوْلُهُ الْمَذْكُورُ مُتَعَارِضَيْنِ فَيَطْلُبُ التَّرْجِيحَ، وَالْقَوْلُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْقَوْلِ يُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ وَتَقْدِيمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ يُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَالْأَوْلَى فِي الْحُدُودِ تَرْجِيحُ الدَّافِعِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ مُرَجَّحٍ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِتَأَخُّرِهِ اجْتِهَادًا، وَلَقَدْ طَاحَ بِهَذَا دَفْعُ بَعْضِ الْمُعْتَرِضِينَ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ) الْمُحَقِّقِ لِلْإِحْصَانِ (إيلَاجٌ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ) وَهُوَ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ

وَشَرْطُ صِفَةِ الْإِحْصَانِ فِيهِمَا عِنْدَ الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ الْكَافِرَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ أَوْ الصَّبِيَّةِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَوْصُوفًا بِإِحْدَى هَذِهِ الصِّفَاتِ وَهِيَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بِذَلِكَ لَا تَتَكَامَلُ إذْ الطَّبْعُ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْمَجْنُونَةِ، وَقَلَّمَا يَرْغَبُ فِي الصَّبِيَّةِ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهَا فِيهِ وَفِي الْمَمْلُوكَةِ حَذَرًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ. وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُهُمَا فِي الْكَافِرَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ» قَالَ (وَلَا يُجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ. وَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ الْكَافِرَةِ إلَخْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَيُجْمَعُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ. لِلْجُمْهُورِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُجْمَعْ، وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ فِي مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وَصَاحِبَةِ الْعَسِيفِ، وَقَدْ تَظَافَرَتْ الطُّرُقُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ بَعْدَ سُؤَالِهِ عَنْ الْإِحْصَانِ وَتَلْقِينِهِ الرُّجُوعَ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَمْرِ بِالرَّجْمِ فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» وَقَالَ: «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلَمْ يَقُلْ فَاجْلِدْهَا ثُمَّ اُرْجُمْهَا. وَقَالَ فِي بَاقِي الْحَدِيثِ «فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَتْ» وَكَذَا فِي الْغَامِدِيَّةِ وَالْجُهَنِيَّةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَهَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَمْرِ بِرَجْمِهَا وَتَكَرَّرَ، وَلَمْ يَزِدْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ فَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَيْرَ الرَّجْمِ، فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ

وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى عَنْ الْمَقْصُودِ مَعَ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ زَجْرَ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالرَّجْمِ إذْ هُوَ فِي الْعُقُوبَةِ أَقْصَاهَا وَزَجْرُهُ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ هَلَاكِهِ. قَالَ (وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ) وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ بَابِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجَبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَجْمٌ أَوْ رَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ» يَجِبُ قَطْعًا كَوْنُهُ مَنْسُوخًا. قَالَ (وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يُعْرِي عَنْ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الِانْزِجَارُ أَوْ قَصْدُ الِانْزِجَارِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ إذَا كَانَ لَاحِقًا كَانَ الْجَلْدُ خُلُوًّا عَنْ الْفَائِدَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا الْحَدُّ وَالنَّسْخُ قَدْ تَحَقَّقَ فِي حَقِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ كَانَ أَوَّلًا الْأَذَى بِاللِّسَانِ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي حَقِّهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] إلَى قَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» وَإِلَّا لَقَالَ خُذُوا عَنْ اللَّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ. وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ فَلَزِمَ نَسْخُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ خُصُوصُ النَّاسِخِ. وَأَمَّا جَلْدُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شُرَاحَةَ ثُمَّ رَجْمُهَا فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إحْصَانُهَا إلَّا بَعْدَ جَلْدِهَا، أَوْ هُوَ رَأْيٌ لَا يُقَاوِمُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَطْعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) وَكَذَا أَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. وَلَهُ فِي الْعَبْدِ أَقْوَالٌ يُغَرَّبُ سَنَةً، نِصْفَ سَنَةٍ، لَا يُغَرَّبُ أَصْلًا. وَأَمَّا تَغْرِيبُ الْمَرْأَةِ فَمَعَ مَحْرَمٍ وَأُجْرَتُهُ عَلَيْهَا فِي قَوْلٍ، وَفِي بَيْتِ الْمَالِ فِي قَوْلٍ. وَلَوْ امْتَنَعَ فَفِي قَوْلٍ يُجْبِرُهُ الْإِمَامُ، وَفِي قَوْلٍ لَا. وَلَوْ كَانَتْ الطَّرِيقُ آمِنَةً فَفِي تَغْرِيبِهَا بِلَا مَحْرَمٍ قَوْلَانِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي» الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي» الْحَدِيثَ، وَتَقَدَّمَ (وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّاعِيَةُ إلَى ذَلِكَ، وَلِذَا قِيلَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْعَرَبِ: مَا حَمَلَك عَلَى الزِّنَا مَعَ فَضْلِ عَقْلِك؟ قَالَتْ: طُولُ السَّوَادِ وَقُرْبُ الْوِسَادِ. وَالسَّوَادُ الْمُسَارَّةُ مِنْ سَاوَدَهُ إذَا سَارَّهُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2]

وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ فَتْحَ بَابِ الزِّنَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرَةِ ثُمَّ فِيهِ قَطْعُ مَوَادِّ الْبَقَاءِ، فَرُبَّمَا تَتَّخِذُ زِنَاهَا مَكْسَبَةً وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ وُجُوهِ الزِّنَا، وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُرَجَّحَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةٌ، وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشَارِعًا فِي بَيَانِ حُكْمِ الزِّنَا مَا هُوَ. فَكَانَ الْمَذْكُورُ تَمَامَ حُكْمِهِ وَإِلَّا كَانَ تَجْهِيلًا، إذْ يُفْهَمُ أَنَّهُ تَمَامُ الْحُكْمِ وَلَيْسَ تَمَامَهُ فِي الْوَاقِعِ فَكَانَ مَعَ الشُّرُوعِ فِي الْبَيَانِ أَبْعَدَ مِنْ تَرْكِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ يُوقِعُ فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ وَذَلِكَ فِي الْبَسِيطِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِعَ هَذَا فَقَطْ، فَلَوْ ثَبَتَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ كَانَ شُبْهَةً مُعَارِضَةً لَا مُثْبِتَةً لِمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ الْمَمْنُوعَةُ. وَأَمَّا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إثْبَاتُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ الْقُرْآنُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وَإِلَّا بَطَلَتْ أَكْثَرُ السُّنَنِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ نَسْخًا وَتَسْمِيَتُهَا نَسْخًا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ، وَلِذَا زِيدَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْإِحْدَادُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ التَّرَبُّصُ، فَهُوَ يُفِيدُ عَدَمَ مَعْرِفَةِ الِاصْطِلَاحِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الزِّيَادَةِ إثْبَاتَ مَا لَمْ يُثْبِتْهُ الْقُرْآنُ وَلَمْ يَنْفِهِ. لَا يَقُولُ بِهَذَا عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ، بَلْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْإِطْلَاقَ مِمَّا يُرَادُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمُطْلَقِ، وَبِاللَّفْظِ يُفَادُ الْمَعْنَى، فَأَفَادَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ مُرَادٌ وَبِالتَّقْيِيدِ يَنْتَفِي حُكْمُهُ عَنْ بَعْضِ مَا أَثْبَتَهُ فِيهِ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ. ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا نَسْخٌ، وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ، وَظَنَّ الْمُعْتَرِضُ أَنَّ الْإِحْدَادَ زِيَادَةُ غَلَطٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَقْيِيدًا لِلتَّرَبُّصِ وَإِلَّا لَوْ تَرَبَّصَتْ وَلَمْ تُحَدَّ فِي تَرَبُّصِهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْعِدَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَكُونُ عَاصِيَةً بِتَرْكِ وَاجِبٍ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّمَا أَثْبَتَ الْحَدِيثَ وَاجِبًا لَا أَنَّهُ قَيَّدَ مُطْلَقَ الْكِتَابِ. نَعَمْ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ اتِّفَاقًا، وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَى ادِّعَاءِ نَسْخِ هَذَا الْخَبَرِ مُسْتَأْنِسًا لَهُ بِنَسْخِ شَطْرِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الْجَمِيعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ فَكَذَا نِصْفُهُ الْآخَرُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُرْوَى جُمَلٌ بَعْضُهَا نُسِخَ وَبَعْضُهَا لَا. وَلَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ وَادَّعَى أَنَّهُ آحَادٌ لَا مَشْهُورٌ وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ إنْ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَمَمْنُوعٌ لِظُهُورِ الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّتِهِ بِمَعْنَى صِحَّةِ سَنَدِهِ فَكَثِيرٌ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ كَذَلِكَ فَلَمْ تَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا آحَادًا، وَقَدْ خُطِّئَ مَنْ ظَنَّهُ يَصِيرُ قَطْعِيًّا فَادَّعَى فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ وَغَلِطَ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِذَا كَانَ آحَادًا وَقَدْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ احْتِمَالُ النَّسْخِ بِقَرِينَةِ نَسْخِ شَطْرِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَنْ الْآحَادِ الَّتِي لَمْ يَتَطَرَّقْ ذَلِكَ إلَيْهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يُنْسَخَ بِهِ مَا أَفَادَهُ الْكِتَابُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْمُوجِبِ الْجَلْدُ فَإِنَّهُ يُعَارِضُهُ فِيهِ، لَا أَنَّ الْكِتَابَ سَاكِتٌ عَنْ نَفْيِ التَّغْرِيبِ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ التَّغْرِيبِ بِطَرِيقِ الْحَدِّ، فَإِنَّ أَقْصَى مَا فِيهِ دَلَالَةُ قَوْلِهِ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَهُوَ عَطْفُ وَاجِبٍ عَلَى وَاجِبٍ وَهُوَ لَا يَقْتَضِيهِ، بَلْ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ بِنَفْيِ عَامٍ» وَإِقَامَةُ الْحَدِّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ فِي الْحَدِّ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُ اسْتَعْمَلَ الْحَدَّ فِي جُزْءِ مُسَمَّاهُ وَعَطَفَهُ عَلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ بَعِيدٌ وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُهُ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَا يُفِيدُهُ فَجَازَ كَوْنُهُ تَغْرِيبًا لِمَصْلَحَةٍ. وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَأَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَا دَلَّ إلَّا عَلَى الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ» فَلَمْ تَدْخُلْ الْمَرْأَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُثْبِتُ الْأَحْكَامَ فِي النِّسَاءِ بِالنُّصُوصِ الْمُفِيدَةِ إيَّاهَا لِلرِّجَالِ بِتَنْقِيحِ الْمُنَاطِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ نَفْسَ الْحَدِيثِ يَجِبُ أَنْ يَشْمَلَهُنَّ فَإِنَّهُ قَالَ «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ» الْحَدِيثَ، فَنَصَّ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ وَالْجَلْدَ سَبِيلٌ لَهُنَّ، وَالْبِكْرُ يُقَالُ عَلَى الْأُنْثَى؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» ثُمَّ عَارَضَ مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَعْنَى بِأَنَّ فِي النَّفْيِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ لِانْفِرَادِهَا عَنْ الْعَشِيرَةِ وَعَمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُمْ إنْ كَانَ لَهَا شَهْوَةٌ قَوِيَّةٌ فَتَفْعَلُهُ، وَقَدْ تَفْعَلُهُ لِحَامِلٍ آخَرَ وَهُوَ حَاجَتُهَا إلَى مَا يَقُومُ بِأَوَدِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي إفْضَائِهِ إلَى الْفَسَادِ أَرْجَحُ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ إفْضَاءِ قِلَّةِ الْمَعَارِفِ إلَى عَدَمِ الْفَسَادِ خُصُوصًا فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ لِمَنْ يُشَاهِدُ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ يُجْلَدَانِ مِائَةً وَيُنْفَيَانِ سَنَةً. قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا. نَعَمْ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ مَصْلَحَةٌ فِي التَّغْرِيبِ تَعْزِيرًا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَهُوَ مَحْمَلُ التَّغْرِيبِ الْوَاقِعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلصَّحَابَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. فَفِي التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا كُرَيْبٌ وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ» إلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ فَرَفَعُوهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ الْحَدِيثَ. وَهَكَذَا رُوِيَ

وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَقَدْ عُرِفَ طَرِيقُهُ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً فَيُغَرِّبَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى) وَذَلِكَ تَعْزِيرٌ وَسِيَاسَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفِيدُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَكُونُ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّفْيُ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَقُولُوا فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ نُمَيْرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ الْحَدِيثَ. لَمْ يَقُلْ فِيهِ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ الصَّوَابُ، لَكِنْ رَوَى النَّسَائِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ وَقَالَ: رِجَالُهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُسْأَلُ عَنْهُ لِثِقَتِهِ وَشُهْرَتِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: عِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ابْنِ إدْرِيسَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي ثُبُوتِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتِلَافًا عَنْ الْحُفَّاظِ

(وَإِذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ رُجِمَ) ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ لَمْ يُجْلَدْ حَتَّى يَبْرَأَ) كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْقَطْعُ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ (وَإِنْ زَنَتْ الْحَامِلُ لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ (وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ لَمْ تُجْلَدْ حَتَّى تَتَعَالَى مِنْ نِفَاسِهَا) أَيْ تَرْتَفِعَ يُرِيدُ بِهِ تَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى زَمَانِ الْبُرْءِ. بِخِلَافِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ عَنْهُمَا أَيْضًا فِي الْمُوَطَّأِ. وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ عُثْمَانَ فَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ ابْنِ يَسَارٍ مَوْلًى لِعُثْمَانَ قَالَ: جَلَدَ عُثْمَانُ امْرَأَةً فِي زِنًا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ الْمَهْرِيُّ إلَى خَيْبَرَ نَفَاهَا إلَيْهِ. فَهَذَا التَّغْرِيبُ الْمَرْوِيُّ عَمَّنْ ذَكَرْنَا كَتَغْرِيبِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ وَغَيْرَهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لِجَمَالِهِ اُفْتُتِنَ بِهِ بَعْضُ النِّسَاءِ حَتَّى سَمِعَ قَوْلَ قَائِلَةٍ: هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَوْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ إلَى فَتًى مَاجِدِ الْأَعْرَاقِ مُقْتَبَلٍ ... سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَفْيًا، وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ السُّلُوكِ الْمُحَقِّقِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَرَضِيَ عَنَّا بِهِمْ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ كَانُوا يُغَرِّبُونَ الْمُرِيدَ إذَا بَدَا مِنْهُ قُوَّةُ نَفْسٍ وَلَجَاجٍ لِتَنْكَسِرَ نَفْسُهُ وَتَلِينَ، وَمِثْلُ هَذَا الْمُرِيدُ أَوْ مَنْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْقَاضِي فِي التَّغْرِيبِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي نَدَمٍ وَشِدَّةٍ، وَإِنَّمَا زَلَّ زَلَّةً لِغَلَبَةِ النَّفْسِ. أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَحِ وَلَهُ حَالٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِغَلَبَةِ النَّفْسِ فَنَفْيُهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُوَسِّعُ طُرُقَ الْفَسَادِ وَيُسَهِّلُهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ) بِأَنْ كَانَ مُحْصَنًا حُدَّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ قَتْلُهُ وَرَجْمُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ) ؛ لِأَنَّ جَلْدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالسُّلِّ أَوْ كَانَ خَدْلَجًا ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُضْرَبُ بِعِثْكَالٍ فِيهِ مِائَةٌ شِمْرَاخٍ فَيُضْرَبُ بِهِ دُفْعَةً، وَقَدْ سَمِعْت فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ كُلِّ شِمْرَاخٍ إلَى بَدَنِهِ، وَكَذَا قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ حِينَئِذٍ مَبْسُوطَةً، وَلِخَوْفِ التَّلَفِ لَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ، بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى اعْتِدَالِ الزَّمَانِ، وَهَذَا فِي الْبَرْدِ عِنْدَ مَنْ يَرَى تَجْرِيدَ الْمَحْدُودِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ، أَمَّا الْحَرُّ فَلَا. نَعَمْ لَوْ كَانَ ضَرْبُ الْحَدِّ مُبَرِّحًا صَحَّ ذَلِكَ لَكِنَّهُ شَدِيدٌ غَيْرُ مُبَرِّحٍ وَلَا جَارِحٍ فَلَا يَقْتَضِي الْحَالُ تَأْخِيرَ حَدِّهِ لِلْبَرْدِ وَالْحَرِّ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ جُرْحٌ عَظِيمٌ يُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْفَصْلَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِذَا زَنَتْ الْحَامِلُ) لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَوْ جَلْدًا (كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ لَا جَرِيمَةَ مِنْهُ، فَلَوْ وَلَدَتْ أَوْ كَانَتْ نُفَسَاءَ فَحَتَّى تَتَعَالَى

[باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه]

صِيَانَةَ الْوَلَدِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلْغَامِدِيَّةِ بَعْدَمَا وَضَعَتْ ارْجِعِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُك» ثُمَّ الْحُبْلَى تُحْبَسُ إلَى أَنْ تَلِدَ إنْ كَانَ الْحَدُّ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ كَيْ لَا تَهْرُبَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ عَامِلٌ فَلَا يُفِيدُ الْحَبْسُ. (بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ نِفَاسِهَا فِي الْجَلْدِ، وَلَوْ أَطَالَتْ فِي التَّأْخِيرِ وَتَقُولُ لَمْ أَضَعْ بَعْدُ أَوْ شُهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَقَالَتْ أَنَا حُبْلَى تُرَى لِلنِّسَاءِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حَامِلٌ أَجَّلَهَا حَوْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَلِدْ رَجَمَهَا (ثُمَّ الْحُبْلَى تُحْبَسُ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ إلَى أَنْ تَلِدَ) وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا تُحْبَسُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ مَتَى شَاءَتْ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا وَلَدَتْ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَفْطِمَ الْوَلَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُرَبِّيهِ. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ «أَنَّهُ رَدَّهَا حَتَّى يَسْتَغْنِيَ فَرَجَعَتْ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ وَفِي يَدِهِ كِسْرَةٌ وَقَالَتْ هَا قَدْ فَطَمْته» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ «اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَ: إذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إلَيَّ رَضَاعُهُ، قَالَ: فَرَجَمَهَا» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَمَهَا حِينَ وَضَعَتْ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَالطَّرِيقَانِ فِي مُسْلِمٍ وَهَذَا أَصَحُّ طَرِيقًا؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ وَفِيهِ مَقَالٌ. وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَيْنِ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ نِسْبَتُهَا إلَى الْأَزْدِ. وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ رَجَمَهَا بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ» . [بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ] (بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ) لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ إنَّمَا هُوَ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ الْحُدُودِ كَانَ الْحَدُّ هُوَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ، فَلَزِمَ الِابْتِدَاءُ بِتَعْرِيفِهِ لُغَةً وَشَرْعًا فَفَعَلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ تَقْدِيمَ حَدِّ الزِّنَا فَقَدَّمَهُ وَأَعْطَى أَحْكَامَهُ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَذَلِكَ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ. وَحَاصِلُ أَحْكَامِهِ كَيْفِيَّةُ ثُبُوتِهِ وَشُرُوطُهَا وَكَيْفِيَّةُ إقَامَتِهِ وَشُرُوطُهَا فَكَانَ تَصَوُّرُ حَقِيقَةِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزِّنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقْصُودِ الْكِتَابِ ثَانِيًا، وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّحَقُّقِ فِي الْوُجُودِ أَوَّلًا فَأَخَّرَ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَهُ إلَى أَنْ فَرَغَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الزِّنَا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ: يَعْنِي لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ قَيْدٌ وَعَرَّفَهُ عَلَى هَذَا

قَالَ (الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا) وَإِنَّهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ: وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ، وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَرِّي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّقْدِيرِ بِأَنَّهُ (وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ) وَهَذَا لِأَنَّ فِي اللُّغَةِ مَعْنَى الْمِلْكِ أَمْرٌ ثَابِتٌ قَبْلَ مَجِيءِ هَذَا الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ أَمْرًا شَرْعِيًّا، لَكِنْ ثُبُوتُهُ بِالشَّرْعِ الْأَوَّلِ بِالضَّرُورَةِ، وَالنَّاسُ لَمْ يُتْرَكُوا سُدًى فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْمِلْكِ أَمْرًا مَشْرُوعًا مِنْ بَعْثِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ مِنْ قَبْلِ بَعْثِهِ بِوَحْيٍ يَخُصُّهُ: أَيْ يَخُصُّ الْمِلْكَ فَكَانَ ثُبُوتُهُ شَرْعًا مَعَ اللُّغَةِ مُطْلَقًا فِي الْوُجُودِ الدُّنْيَوِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّغَةُ عَرَبِيَّةً أَمْ غَيْرَهَا مَخْصُوصَةً بِالدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ قَبْلَهَا فَثُبُوتُ الْمُسَمَّى فِي الدُّنْيَا وَالْوَضْعِ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلزِّنَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ مِنْهُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ، وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مِنْهُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ» وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِهِ، فَلَوْلَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الزِّنَا وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إلَخْ لَصَحَّ تَعْرِيفُهُ وَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ كَانَ ظَاهِرًا فِي قَصْدِهِ إلَى تَعْرِيفِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ، وَحِينَئِذٍ يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ وَطْءُ الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَوَطْءُ الْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّ الْجِنْسَ وَطْءُ الرَّجُلِ، فَالْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِهِ أَنَّهُ وَطْءٌ مُكَلَّفٌ طَائِعٌ مُشْتَهَاةٌ حَالًا أَوْ مَاضِيًا فِي الْقُبُلِ بِلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ زِنَا الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ وَبِالصَّبِيَّةِ الَّتِي تُشْتَهَى وَالْمَيِّتَةِ وَالْبَهِيمَةِ وَدَخَلَ وَطْءُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَجُوزِ، وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى عَكْسِهِ زِنَا الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ زِنًا وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ جِنْسُ التَّعْرِيفِ. وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ زِنَاهَا يَدْخُلُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ بِسَبَبِ التَّمْكِينِ طَوْعًا، إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا زِنًا حَقِيقَةً وَأَنَّ ذَلِكَ التَّمْكِينَ هُوَ مُسَمَّى زِنًا لُغَةً وَتُسَمَّى هِيَ زَانِيَةً حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً بِالتَّمْكِينِ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا يَشْمَلُهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ وَطْءُ الْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ فَفَسَادُ الْحَدِّ بِحَالِهِ. وَكَوْنُ فِعْلِهَا تَبَعًا لِفِعْلِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَالْكَلَامُ فِي تَنَاوُلِ اللَّفْظِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى زَانِيَةً حَقِيقَةً أَصْلًا وَأَنَّ تَسْمِيَتَهَا فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنَّهُ تَبَعٌ بَلْ لَا يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي التَّعْرِيفِ. وَعَلَى هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا مَكَّنَتْ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْمُسْلِمَةُ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَبِمَا ذَكَرْنَا يَظْهَرُ فَسَادُ مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ فِعْلَ الْوَطْءِ أَمْرٌ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا وُجِدَ فِعْلُ الْوَطْءِ بَيْنَهُمَا يَتَّصِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ وَتُسَمَّى هِيَ وَاطِئَةً وَلِذَا سَمَّاهَا سُبْحَانَهُ زَانِيَةً. وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ عَلَى التَّعْرِيفِ مُغَالَطَةٌ، وَالْقَطْعُ بِأَنَّ وَطْأَهُ لَيْسَ يَصْدُقُ عَلَى تَمْكِينِهَا بِهُوَ هُوَ، فَإِذَا جَعَلَ الْجِنْسَ وَطْءَ الرَّجُلِ فَكَيْفَ يَنْتَظِمُ اللَّفْظُ تَمْكِينَ الْمَرْأَةِ وَكَوْنُ الْفِعْلِ الْجُزْئِيِّ الْخَارِجِيِّ إذَا وُجِدَ مِنْ الرَّجُلِ فِي الْخَارِجِ يَسْتَدْعِي فِعْلًا آخَرَ مِنْهَا إذَا كَانَتْ طَائِعَةً لَا يَقْتَضِي أَنَّ اللَّفْظَ الْخَاصَّ بِفِعْلِهِ يَشْمَلُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. فَالْحَقُّ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ زَانِيَةً حَقِيقَةً وَأُرِيدَ شُمُولُ التَّعْرِيفِ لِزِنَاهَا فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ أَوْ تَمْكِينِهَا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُقَالُ: إدْخَالُ الْمُكَلَّفِ الطَّائِعِ قَدْرَ حَشَفَتِهِ قُبُلَ مُشْتَهَاةٍ حَالًا أَوْ مَاضِيًا بِلَا مِلْكٍ وَشُبْهَةٍ أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَمْكِينُهَا لِيَصْدُقَ عَلَى مَا لَوْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ فَتَرَكَهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَيْسَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ سِوَى التَّمْكِينِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِأَخْذِ عَدَمِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ فِي الزِّنَا: أَيْ إنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزِّنَا مَحْظُورٌ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ يُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ: أَيْ يُؤَيِّدُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَفَادَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ بِسَبَبِ دَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ أَفَادَ عَدَمَهَا، وَدَرْءُ الْحَدِّ عِنْدَ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرِكَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَهُوَ بِدَلَالَتِهِ، ثُمَّ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قِيلَ لَمْ يُحْفَظْ مَرْفُوعًا، وَذُكِرَ أَنَّهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَأَنْ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا بِالشُّبُهَاتِ. وَأُخْرِجَ عَنْ مُعَاذٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا: إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك الْحَدُّ فَادْرَأْهُ. وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَصْحَابِهِمْ الظَّاهِرِيَّةِ أَنَّ الْحَدَّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحِلُّ أَنْ يُدْرَأَ بِشُبْهَةٍ، وَشَنَّعَ بِأَنَّ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ لِإِثْبَاتِ الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ لَيْسَ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ بَلْ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ طُرُقٍ لَا خَيْرَ فِيهَا، وَأَعَلَّ مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِمَّا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِالْإِرْسَالِ وَهُوَ غَيْرُ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَإِنَّهَا مَعْلُولَةٌ بِإِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ. وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ أَوْ شَكَّ أَنْ يُوقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ تَعَالَى» مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ جَهِلَ حُرْمَةَ شَيْءٍ وَحِلَّهُ فَالْوَرَعُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ، وَمَنْ جَهِلَ وُجُوبَ أَمْرٍ وَعَدَمَهُ فَلَا يُوجِبُهُ، وَمَنْ جَهِلَ أَوْجَبَ الْحَدَّ أَمْ لَا وَجَبَ أَنْ يُقِيمَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْإِرْسَالَ لَا يَقْدَحُ، وَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ

يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ثُمَّ الشُّبْهَةُ نَوْعَانِ: شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ، وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ إسْقَاطَ الْوَاجِبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِشُبْهَةٍ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْلِ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الثُّبُوتِ لَا يَرْتَفِعُ بِشُبْهَةٍ، فَحَيْثُ ذَكَرَهُ صَحَابِيٌّ حُمِلَ عَلَى الرَّفْعِ. وَأَيْضًا فِي إجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ «الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ» كِفَايَةٌ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ. وَفِي تَتَبُّعِ الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ مَا يُقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَقَدْ عَلِمْنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِمَاعِزٍ لَعَلَّك قَبَّلْت، لَعَلَّك لَمَسْت، لَعَلَّك غَمَزْت» كُلُّ ذَلِكَ يُلَقِّنُهُ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالزِّنَا، وَلَيْسَ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ إلَّا كَوْنُهُ إذَا قَالَهَا تُرِكَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ. وَلَمْ يَقُلْ لِمَنْ اعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ لَعَلَّهُ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَك فَضَاعَتْ وَنَحْوُهُ، وَكَذَا قَالَ لِلسَّارِقِ الَّذِي جِيءَ بِهِ إلَيْهِ «أَسَرَقْت مَا إخَالُهُ سَرَقَ» وَلِلْغَامِدِيَّةِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِشُرَاحَةَ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ لَعَلَّهُ وَقَعَ عَلَيْك وَأَنْتِ نَائِمَةٌ، لَعَلَّهُ اسْتَكْرَهَك، لَعَلَّ مَوْلَاك زَوَّجَك مِنْهُ وَأَنْتِ تَكْتُمِينَهُ، وَتُتْبَعُ مِثْلُهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ يُوجِبُ طَوْلًا. فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ كَوْنُ الْحَدِّ يُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ بِلَا شَكٍّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِفْسَارَاتِ الْمُفِيدَةَ لِقَصْدِ الِاحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ كُلُّهَا كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ صَرِيحِ الْإِقْرَارِ وَبِهِ الثُّبُوتُ، وَهَذَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ وَمِنْ قَوْلِهِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» فَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْطُوعًا بِثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَانَ الشَّكُّ فِيهِ شَكًّا فِي ضَرُورِيٍّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَائِلِهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ أَحْيَانًا فِي بَعْضٍ أَهِيَ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ أَوْ لَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: الشُّبْهَةُ مَا يُثْبِتُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَا لِلْفُقَهَاءِ فِي تَقْسِيمِهَا وَتَسْمِيَتِهَا اصْطِلَاحَاتٌ؛ فَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: الشُّبْهَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: فِي الْمَحَلِّ، وَالْفَاعِلِ، وَالْجِهَةِ. أَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فَوَطْءُ

فَالْأُولَى تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُظَنَّ غَيْرُ الدَّلِيلِ دَلِيلًا وَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ. وَالثَّانِيَةُ تَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ. وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِالنَّوْعَيْنِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الثَّانِيَةِ إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْأُولَى وَإِنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًا فِي الْأُولَى؛ وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَمَحَّضْ فِي الثَّانِيَةِ فَشُبْهَةُ الْفِعْلِ فِي ثَمَانِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوْجَتِهِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمَةِ وَالْمُحْرِمَةِ وَأَمَتِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَجَارِيَةِ وَلَدِهِ وَلَا حَدَّ فِيهِ، وَلَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ كَأُخْتِهِ أَوْ بِنْتِهِ مِنْهُمَا أَوْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْفَاعِلِ فَمِثْلُ أَنْ يَجِدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَيَطَأَهَا ظَانًّا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَلَا حَدَّ، وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْجِهَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ كُلُّ جِهَةٍ صَحَّحَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَبَاحَ الْوَطْءَ بِهَا لَا حَدَّ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَبِلَا شُهُودٍ. وَأَصْحَابُنَا قَسَّمُوا الشُّبْهَةَ قِسْمَيْنِ: شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ، وَشُبْهَةُ مُشَابَهَةٍ: أَيْ شُبْهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ. وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةَ مِلْكٍ: أَيْ الثَّابِتُ شُبْهَةُ حُكْمِ الشَّرْعِ بِحِلِّ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ فَالْأُولَى تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ، وَلَا دَلِيلَ فِي السَّمْعِ يُفِيدُ الْحِلَّ، بَلْ ظُنَّ غَيْرُ الدَّلِيلِ دَلِيلًا كَمَا يُظَنُّ أَنَّ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ تَحِلُّ لَهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَاسْتِخْدَامُهَا حَلَالٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ، وَإِلَّا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا لِفَرْضِ أَنْ لَا دَلِيلَ أَصْلًا لِتَثْبُتَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ الْحِلَّ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةٌ أَصْلًا (وَالثَّانِيَةُ) وَهِيَ الشُّبْهَةُ الْحُكْمِيَّةُ (تَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ) كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» سَوَاءٌ ظَنَّ الْحِلَّ أَوْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ بِثُبُوتِ الدَّلِيلِ قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمَهَا أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهَا (قَوْلُهُ وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ، (وَقَوْلُهُ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الثَّانِي) أَيْ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ (إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًا) لِفَرْضِ أَنْ لَا شُبْهَةَ

مَوَاضِعَ: جَارِيَةُ أَبِيهِ وَأُمُّهُ وَزَوْجَتُهُ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَبَائِنًا بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَأُمُّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَجَارِيَةُ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَالْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكٍ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ لِظَنِّهِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَهُوَ أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَيْهِ: أَيْ إلَى الْوَاطِئِ لَا إلَى الْمَحَلِّ، فَكَانَ الْمَحَلُّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ بِهَذَا الْوَطْءِ، وَكَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الزَّانِي. قِيلَ هَذَا غَيْرُ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي شُبْهَةِ الْعَقْدِ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ. وَفِي الْإِيضَاحِ: الْمُطَلَّقَةُ بِعِوَضٍ وَالْمُخْتَلِعَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا. قَالَ شَارِحٌ: بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَثُبُوتُ نَسَبِ الْمَبْتُوتَةِ عَنْ ثَلَاثٍ أَوْ خُلْعٍ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ وَطْءٍ فِي الْعِدَّةِ بَلْ بِاعْتِبَارِ عُلُوقٍ سَابِقٍ عَلَى الطَّلَاقِ، وَلِذَا ذَكَرُوا أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا يَثْبُتُ إلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ: يَعْنِي لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْعُلُوقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِتَمَامِهِمَا، وَأَنْتَ عَلِمْت فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ إنَّمَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا لَمْ يَدَّعِهِ، أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ قَدْ نُصَّ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ وَيُحْمَلُ عَلَى وَطْءٍ فِي الْعِدَّةِ بِشُبْهَةٍ، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا مُطْلَقٌ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بِحَمْلِ أَحَدِ النَّصَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى فِي النَّظَرِ، وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ بَاقِي مَحَالِّ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ كَجَارِيَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ لَا شُبْهَةَ عَقْدٍ فِيهِمَا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالدَّعْوَةِ فَشُبْهَةُ الْفِعْلِ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ: أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَكَذَا جَدُّهُ وَجَدَّتُهُ، وَإِنْ عَلَيَا أَوْ زَوْجَتُهُ، أَوْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا

فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا قَالَتْ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي. وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ. وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: جَارِيَةُ ابْنِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ، وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمُشْتَرِكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَالْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ. فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعِدَّةِ، أَوْ بَائِنًا عَلَى مَالٍ، وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ بِلَا مَالٍ فَهِيَ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ، أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي أَعْتَقَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهِ وَالْعَبْدُ يَطَأُ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ، وَالْمُرْتَهِنُ يَطَأُ الْمَرْهُونَةَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ (فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ وَجَبَ الْحَدُّ) وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الظَّنَّ وَالْآخَرُ لَمْ يَدَّعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا بِعِلْمِهِمَا الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا ثَبَتَتْ فِي الْفِعْلِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَعَدَّتْ إلَى الْآخَرِ ضَرُورَةً. وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: جَارِيَةُ ابْنِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ، وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي، وَالْمَجْعُولَةُ مَهْرًا إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلزَّوْجَةِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَالِكُ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى وَطْئِهَا بِتِلْكَ الْيَدِ مَعَ الْمِلْكِ، وَمِلْكُ الْيَدِ ثَابِتٌ وَالْمِلْكُ الزَّائِلُ مُزَلْزَلٌ وَالْمُشْتَرِكَةُ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ، وَالْمَرْهُونَةُ إذَا وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ وَعَلِمْت أَنَّهَا لَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ (فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ)

ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا يَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إذَا عَرَفْنَا هَذَا (وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ) لِزَوَالِ الْمِلْكِ الْمُحَلَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ وَهِيَ هَاهُنَا قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ: أَيْ الْحُرْمَةِ الْقَائِمَةِ فِيهَا شُبْهَةُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ نَظَرًا إلَى دَلِيلِ الْحِلِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَنَحْوُهُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا. وَفِي الْإِيضَاحِ فِي الْمَرْهُونَةِ إذَا قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ يُحَدُّ، فَلَا يُعْتَبَرُ ظَنُّهُ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا بَلْ مِنْ مَعْنَاهَا، فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا فَلَا شُبْهَةَ فِعْلٍ وَصَارَ كَالْغَرِيمِ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ الْمَيِّتِ. وَجْهُ عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَمَالِكًا بِالْهَلَاكِ مِنْ وَقْتِ الرَّهْنِ فَصَارَ كَجَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ فَهِيَ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ، وَإِنْ اشْتَبَهَ إلَّا أَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّهْنِ سَبَبًا، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ حَالَ قِيَامِ الْجَارِيَةِ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا مَعَ هَلَاكِهَا، فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ مِلْكِهَا سَبَبًا لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَكَانَ كَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ. هَذَا وَقَدْ دَخَلَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ صُوَرٌ مِثْلُ وَطْءِ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ وَمُكَاتَبِهِ وَوَطْءِ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَاَلَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ جَارِيَتَهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَارِيَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُك غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ الَّتِي حَرُمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ بِمُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ أُمَّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ فَاسْتُحْسِنَ أَنْ يُدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدُّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ) فَصَارَتْ الشُّبْهَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةً: شُبْهَةُ الْفِعْلِ، وَشُبْهَةُ الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةُ الْعَقْدِ، وَكَذَا قَسَّمَهَا فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ فِي شُبْهَةِ الْعَقْدِ أَنْ يَطَأَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ وَطِئَ الْعَبْدُ مَنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ. قَالَ: وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ خَمْسًا فِي عَقْدٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ بِوَطْءٍ وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْحَدُّ.

وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِانْتِفَاءِ الْحِلِّ وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَلَوْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ قَائِمٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ وَالْحَبْسِ وَالنَّفَقَةِ فَاعْتُبِرَ ظَنُّهُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَالْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامِ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِّيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يُحَدَّ) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيهِ؛ فَمِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ) إذْ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] يَعْنِي الثَّالِثَةَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَحَلِّ وَهُمْ الْإِمَامِيَّةُ وَالزَّيْدِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِكَلِمَةٍ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ فَتَكُونُ حَلَالًا لِزَوْجِهَا (لِأَنَّهُ خِلَافٌ) بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُعْتَبَرُ (لَا اخْتِلَافٌ) كَائِنٌ بَيْنَ الْأُمَّةِ حَالَ تَرَدُّدِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَهُمْ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ لِيُعْتَبَرَ، وَهَذَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ تَقَرَّرَ فِي زَمَنِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي أَنَّهَا تَكُونُ وَاحِدَةً يَجِبُ كَوْنُهَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً إلَى آخِرِ مَا يُعْلَمُ فِيمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُقُوعُ الثَّلَاثِ خِلَافَ مَا نَقَلُوا عَنْهُ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْمُصَنِّفِ بِالْفَاءِ قَوْلَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْإِجْمَاعِ لَا عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ قَوْلِهِ نَطَقَ الْكِتَابُ بِانْتِفَاءِ الْحِلِّ لِأَنَّ مَحَلَّ انْتِفَاءِ الْحِلِّ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا أَوْقَعَ الثَّالِثَةَ بَعْدَ تَقَدُّمِ ثِنْتَيْنِ، وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهَا، إنَّمَا خِلَافُهُمْ فِي الثَّلَاثِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ هُوَ مُتَنَاوَلَ النَّصِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ قَائِمٌ) بِقِيَامِ الْعِدَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ إذَا وَلَدَتْ، وَلَهُ حَبْسُهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَلِذَا يَحْرُمُ عِنْدَنَا نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَتَمْتَنِعُ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَأَمْكَنَ أَنْ نَقِيسَ حِلَّ الْوَطْءِ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَنَجْعَلَ الِاشْتِبَاهَ عَلَيْهِ عُذْرًا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي أَوْ جَارِيَةً أَجْنَبِيَّةً عَلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا) وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ (وَالْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ) يُرِيدُ حُرْمَةَ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي حُرْمَتِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِالْكِنَايَةِ كَأَنْ (قَالَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا) وَنَحْوُهُ (ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ) فِي الْكِنَايَةِ (فَمِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ أَنَّهَا) أَيْ الْكِنَايَاتِ (رَجْعِيَّةٌ) وَكَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَفِي مُصَنِّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ: جَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي كَلَامٌ فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ الَّذِي بِيَدِك مِنْ أَمْرِي بِيَدِي لَعَلِمْت كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ: فَقُلْت لَهَا: قَدْ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَرَاهَا وَاحِدَةً وَأَنْتَ

وَكَذَا إذَا نَوَى ثَلَاثًا لِقِيَامِ الِاخْتِلَافِ مَعَ ذَلِكَ (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ) لِأَنَّ الشُّبْهَةَ حُكْمِيَّةٌ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتِ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْأُبُوَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَقُّ بِالرَّجْعَةِ، وَسَأَلْنَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: مَاذَا قُلْت؟ قَالَ: قُلْت أَرَاهَا وَاحِدَةً وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَزَادَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: وَلَوْ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَرِّيَّةِ وَالْخَلِيَّةِ هِيَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَجْعَتِهَا. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ إذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْهُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَزَوْجُهَا أَمْلَكُ بِهَا. وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ فِي خَلِيَّةٍ وَبَرِّيَّةٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَنْ غَيْرِهِمْ فِيهَا أَنَّهَا وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ خَطَأُ مَنْ بَحَثَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَقَالَ: يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ ذَوَاتِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُلْعِ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ تَقَعُ فُرْقَتُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَكَذَا لَوْ نَوَى ثَلَاثًا بِالْكِنَايَةِ فَوَقَعْنَ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَعُرِفَ أَنَّ تَحَقُّقَهَا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ، وَالثَّابِتُ هُنَا قِيَامُ الْخِلَافِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ أَبُو حَنِيفَةَ حَتَّى لَمْ يُخَفِّفْ النَّجَاسَةَ بِهِ؛ فَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ عَنْ دَلِيلٍ قَائِمٍ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنْت وَمَالُك لِأَبِيك» غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ فِي إثْبَاتِ حَقِيقَةِ مِلْكِ الْأَبِ لِمَالِ ابْنِهِ نَفْسِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا وُطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت حُرْمَتَهَا لَا يُحَدُّ، وَهِيَ مَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا بِالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ) ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِ ابْنِهِ حَالَ قِيَامِ ابْنِهِ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ ثُمَّ فِي الِاسْتِيلَادِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ حُكْمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ دَلِيلٍ هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْمُنْذِرِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَأَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَصْغَرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ جَابِرٍ «جَاءَ رَجُلٌ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِيهْ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِيَهْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اُدْعُهُ لِيَهْ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ ابْنَك يَزْعُمُ أَنَّك تُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مَالَهُ، فَقَالَ: سَلْهُ هَلْ هُوَ إلَّا عَمَّاتِهِ أَوْ قَرَابَاتِهِ أَوْ مَا أُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي، قَالَ: فَهَبَطَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الشَّيْخَ قَالَ فِي نَفْسِهِ شِعْرًا لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاهُ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قُلْت فِي نَفْسِك شِعْرًا لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاك فَهَاتِهِ، فَقَالَ: لَا يَزَالُ يَزِيدُنَا اللَّهُ بِك بَصِيرَةً وَيَقِينًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: غَذَوْتُك مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا ... تَعُلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْك وَتَنْهَلُ إذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْك بِالسَّقَمِ لَمْ أَبَتْ ... لِسَقَمِك إلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ

قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الْجَدِّ. قَالَ (وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ، وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ) لِأَنَّ بَيْنَ هَؤُلَاءِ انْبِسَاطًا فِي الِانْتِفَاعِ فَظَنَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فَكَانَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ إلَّا أَنَّهُ زِنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْهَا وَإِنَّهَا ... لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ مُوَكَّلُ كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَك بِاَلَّذِي ... طَرَقْت بِهِ دُونِي فَعَيْنِي تُهْمِلُ فَلَمَّا بَلَغْت السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي ... إلَيْك مَرَامًا فِيك كُنْت أُؤَمِّلُ جَعَلْت جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً ... كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ فَلَيْتُك إذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي ... فَعَلْت كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ فَأَوْلَيْتَنِي حَقَّ الْجِوَارِ وَلَمْ تَكُنْ ... عَلَيَّ بِمَالٍ دُونَ مَالِكِ تَبْخَلُ قَالَ: فَبَكَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَخَذَ بِتَلْبِيبِ ابْنِهِ وَقَالَ: اذْهَبْ أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . وَرُوِيَ حَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا (وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِ الْجَارِيَةِ مِنْ وَطْءِ وَالِدِ سَيِّدِهَا وَجَدِّهِ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ الَّذِي هُوَ سَيِّدُ الْأَمَةِ حَيًّا فَإِنَّهُ قَالَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ: لَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَثْبُتُ النَّسَبُ: أَيْ مِنْ وَاطِئِ جَارِيَةِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، لَكِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ وَهُوَ فَرْعُ تَمَلُّكِهَا وَالْجَدُّ لَا يَتَمَلَّكُهَا حَالَ حَيَاةِ الْأَبِ. وَمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ النِّهَايَةِ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ: إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ نَافِلَتِهِ وَالْأَبُ فِي الْأَحْيَاءِ، وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يُحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ يَجِبُ الْحُكْمُ بِغَلَطِهِ، وَأَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ لَفْظَةُ لَا لِأَنَّ جَمِيعَ الشَّارِحِينَ لِهَذَا الْمَكَانِ مُصَرِّحُونَ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ، وَنَفْسُ أَبِي اللَّيْثِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْأَبِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّ مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لَمْ تَثْبُتْ دَعْوَةُ الْجَدِّ إذَا كَذَّبَهُ. وَكَذَا الْوَلَدُ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِيلَادِ تَبْتَنِي عَلَى وِلَايَةِ نَقْلِ الْجَارِيَةِ إلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ وِلَايَةُ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ، وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَدُ الْوَلَدِ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْجَدِّ وَأَنَّهُ عَمُّهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَدِّ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا، وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ الْبُنُوَّةُ فَيَجِبُ الْعُقْرُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي حَيَاةِ الْأَب وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَدِّ عِنْدَ ذَلِكَ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الدَّعْوَةِ، صَدَّقَهُ ابْنُ الِابْنِ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ كَالْأَبِ فِي الْوِلَايَةِ فَلَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى نَفْسِهِ بِدَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ (قَوْلُهُ وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت حِلَّهَا لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ) وَزُفَرُ يَحُدُّهُ لِقِيَامِ الْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِتَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ، كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ عَلَى ظَنِّ الْحِلِّ (وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ) فَقَالَ: ظَنَنْت حِلَّهَا لِي لَا يُحَدُّ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت حُرْمَتَهَا حُدَّ (لِأَنَّ بَيْنَ هَؤُلَاءِ) أَيْ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ وَالْعَبْدِ وَأَمَةِ سَيِّدِهِ (انْبِسَاطًا فِي الِانْتِفَاعِ فَظُنَّ مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ) بِخِلَافِ مَا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ عَلَى مَا يَأْتِي (فَكَانَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ إلَّا أَنَّهُ زِنًا

حَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ: ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ فِي الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ فِي الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَا سَائِرُ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ) وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْجَارِيَةُ) أَيْ إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ ظَنَنْت أَنَّ عَبْدَ مَوْلَايَ أَوْ ابْنَ مَوْلَايَ أَوْ مَوْلَاتِي يَحِلُّ لِي أَوْ زَوْجَ سَيِّدَتِي وَكَذَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ (وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ) ذَلِكَ لَا يُحَدُّ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُحَدُّ الْفَحْلُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَمَكَّنَتْ فِي التَّبَعِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الزِّنَا فَلَا تَكُونُ مُتَمَكِّنَةً فِي الْأَصْلِ، بِخِلَافِ ثُبُوتِهَا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إذَا قَالَ: ظَنَنْت حِلَّهَا لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي الْأَصْلِ يَسْتَتْبِعُ التَّبَعَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا كَانَ وَاحِدًا لَهُ نِسْبَةٌ إلَيْهِمَا كَانَ مَا يَثْبُت فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ زَنَى الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ يُحَدُّ هُوَ دُونَهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الصَّبِيَّةِ لَا لِلشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ شُبْهَةٌ فَوَجَبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْعُقُوبَةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ لَمَّا تَحَقَّقَتْ فِي الْفِعْلِ نَفَتْ الْحَدَّ عَنْ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِزَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ جَارِيَةُ الزَّوْجَةِ وَغَيْرُهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ وَلَدُهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ قَرَابَةٍ غَيْرِ الْوِلَادِ كَالْخَالِ وَالْخَالَةِ (وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ انْبِسَاطِ كُلٍّ فِي مَالِ الْآخَرِ، فَدَعْوَى ظَنِّهِ الْحِلَّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذِهِ لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ: شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ، وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَ الدَّارَ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ لَا تَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ، وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ الْحَدِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِلْمُهُ بِالْحُرْمَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَانَ قَلِيلَ الْجَدْوَى أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحُدَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي ثَبَتَ زِنَاهُ عِنْدَهُ عَرَفَ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ، ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْإِمَامِ. هَذَا وَأُورِدَ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ لَا يُقْطَعُ، فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا انْبِسَاطًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَطْعَ مَنُوطٌ بِالْأَخْذِ مِنْ الْحِرْزِ وَدُخُولِهِ فِي بَيْتِ هَؤُلَاءِ بِلَا حِشْمَةٍ وَاسْتِئْذَانٍ عَادَةً

(وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقَالَتْ النِّسَاءُ: إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) قَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِالْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْإِخْبَارُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ، إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمِلْكَ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً (وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ فَلَمْ يَكُنْ الظَّنُّ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْفِي مَعْنَى الْحِرْزِ فَانْتَفَى الْقَطْعُ. أَمَّا الْحَدُّ فَمَنُوطٌ بِعَدَمِ الْحِلِّ وَشُبْهَتِهِ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا (قَوْلُهُ وَمَنْ زُفَّتْ) أَيْ بُعِثَتْ (إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ لَا يُعْلَمُ فِيهَا خِلَافٌ، ثُمَّ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ فِيهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ نَسَبٌ. فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا شُبْهَةُ دَلِيلٍ، فَإِنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ: هِيَ زَوْجَتُك دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَلِذَا حَلَّ وَطْءُ الْأَمَةِ إذَا جَاءَتْ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ: مَوْلَايَ أَرْسَلَنِي إلَيْك هَدِيَّةً، فَإِذَا كَانَ دَلِيلًا غَيْرَ صَحِيحٍ فِي الْوَاقِعِ أَوْجَبَ الشُّبْهَةَ الَّتِي يَثْبُتُ مَعَهَا النَّسَبُ وَعَلَى الْمَزْفُوفَةِ الْعِدَّةُ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ إحْصَانَهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ مُعْتَمَدًا دَلِيلًا وَلِذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْمَهْرُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ وَطْئًا حَلَالًا ظَاهِرًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَقِيَ الظَّاهِرُ مُعْتَبَرًا فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَبِالشُّبْهَةِ سَقَطَ الْحَدُّ. لَكِنْ سَقَطَ إحْصَانُهُ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ زِنًا، وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى كَوْنِهَا شُبْهَةَ مَحَلٍّ لِأَنَّ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ زِنًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَأَطْلَقُوا أَنَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ مَحَلٍّ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلِمْتهَا حَرَامًا عَلَيَّ لِعِلْمِي بِكَذِبِ النِّسَاءِ لَا يُحَدُّ وَيُحَدُّ قَاذِفًا. وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَكَوْنُ الْإِخْبَارِ يُطْلِقُ الْجِمَاعَ شَرْعًا لَيْسَ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هُوَ مَا مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ نَحْوُ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْمِلْكُ الْقَائِمُ لِلشَّرِيكِ لَا مَا يُطْلَقُ شَرْعًا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ: أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ فِيهِ. وَبِهَذِهِ وَالْمُعْتَدَّةِ ظَهَرَ عَدَمُ انْضِبَاطِ مَا مَهَّدُوهُ مِنْ أَحْكَامِ الشُّبْهَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَاسُوهَا عَلَى الْمَزْفُوفَةِ بِجَامِعِ ظَنِّ الْحِلِّ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ

لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ الَّتِي فِي بَيْتِهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ، إلَّا إنْ كَانَ دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ وَقَالَتْ: أَنَا زَوْجَتُك فَوَاقَعَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ دَلِيلٌ (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ الْحِلُّ وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يُقْبَلُ مَقْصُودُهُ، وَالْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ قَابِلَةٌ لِلتَّوَالُدِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا شُبْهَةَ هَاهُنَا أَصْلًا سِوَى أَنْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ، وَمُجَرَّدُ وُجُودِ امْرَأَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْحِلِّ لِيَسْتَنِدَ الظَّنُّ إلَيْهِ (وَهَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى الْفِرَاشِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ) مِنْ حَبَائِبِهَا الزَّائِرَاتِ لَهَا وَقَرَابَاتِهَا فَلَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى مَا يَصْلُحُ دَلِيلَ حِلٍّ، فَكَانَ كَمَا لَوْ ظَنَّ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِلْخِدْمَةِ وَالْمُودَعَةَ حَلَالًا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ. قَالَ (وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى) لِأَنَّ الْوُجُودَ عَلَى الْفِرَاشِ كَمَا ذَكَرْنَا لَيْسَ صَالِحًا لِاسْتِنَادِ الظَّنِّ إلَيْهِ (وَغَيْرَهُ) مِثْلُ مَا يَحْصُلُ بِالنِّعْمَةِ وَالْحَرَكَاتِ الْمَأْلُوفَةِ فَيُحَدُّ أَيْضًا (إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ وَقَالَتْ أَنَا زَوْجَتُك فَوَاقَعَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ دَلِيلٌ) وَجَازَ تَشَابُهُ النَّغْمَةِ خُصُوصًا لَوْ لَمْ تَطُلْ الصُّحْبَةُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَقَالَتْ: أَنَا زَوْجَتُك لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَقُلْهُ بَلْ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْجَوَابِ بِنَعَمْ وَنَحْوِهِ فَوَطِئَهَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَالُ مُتَوَسِّطًا فِي اطْمِئْنَانِ النَّفْسِ إلَى أَنَّهَا هِيَ (قَوْلُهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا) بِأَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ بِنَسَبٍ كَأُمِّهِ أَوْ ابْنَتِهِ (فَوَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَهْرُ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لَا حَدًّا مُقَدَّرًا شَرْعًا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ) وَكَذَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ (يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ) وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُوَسَّطَ الضَّمِيرُ الْمُنْفَصِلُ فَيَقُولَ وَقَالَا هُمَا وَالشَّافِعِيُّ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُتَّصِلِ

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْحِلِّ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ لَا نَفْسَ الثَّابِتِ، إلَّا أَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَفْصِلَ بِضَمِيرٍ مُنْفَصِلٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى قَوْلٍ وَإِلَّا فَشَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مُحَرَّمَةٍ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَفِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ: مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتُهُ وَمُطَلَّقَتُهُ الثَّلَاثَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ كَالْمُحَرَّمِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَبِلَا شُهُودٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَمَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: أَرَادَ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا نِكَاحَ الْمَحَارِمِ وَالْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ وَمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ وَأُخْتِ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَنِكَاحَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ بِلَا إذْنِ الْمَوْلَى وَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ، فَفِي كُلِّ هَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَعِنْدَهُمْ يَجِبُ إذَا عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَقَدْ تَعَارَضَا حَيْثُ جَعَلَ فِي الْكَافِي الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْأَمَةَ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ، وَتَزَوُّجَ الْعَبْدِ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ مَحَلَّ الِاتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ، وَجَعَلَهَا هَذَا الشَّارِحُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَأَضَافَ إلَى ذَلِكَ مَا سَمِعْت، ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيرِ، ثُمَّ قَوْلُ حَافِظِ الدِّينِ فِي الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ سُقُوطِ الْحَدِّ فِي تَزَوُّجِ الْمَجُوسِيَّةِ وَمَا مَعَهَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا: يَعْنِي حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ يَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُحَدَّ عِنْدَهُمَا فِي تَزَوُّجِ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمَا مَعَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِبَقَاءِ نِكَاحِهَا وَعِدَّتِهَا؛ كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْمَجُوسِيَّةِ مُغَيَّاةٌ بِتَمَجُّسِهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ حَلَّتْ، كَمَا أَنَّ تِلْكَ لَوْ طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي الْمَحَارِمِ فَقَطْ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي. وَاَلَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهِمْ وَتَحْرِيرِهِمْ مِثْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ كَذَلِكَ ذَكَرُوا، فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُحَدُّ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ: مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَامِسَةً أَوْ مُعْتَدَّةً. وَعِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ تُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى عِلْمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَيَوْجَعُ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ، فَعُمِّمَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ خَصَّ مُخَالَفَتَهُمَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ، فَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الرِّوَايَاتِ. وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَحَارِمِ رِوَايَةً عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يُضْرَبُ عُنُقُهُ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَقَصَرَ ابْنُ حَزْمٍ قَتْلَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ امْرَأَةَ أَبِيهِ قَصْرًا لِلْحَدِيثِ الْآتِي عَلَى مَوْرِدِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ تُضْرَبُ عُنُقُهُ، وَيُؤْخَذُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَذَلِكَ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ قَالَ: «لَقِيت خَالِي وَمَعَهُ رَايَةٌ فَقُلْت لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَاقْتُلُوهُ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَقَدَ مُسْتَحِلًّا فَارْتَدَّ بِذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ ضَرْبَ الْعُنُقِ وَأَخْذَ الْمَالِ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ لِلْكُفْرِ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ «مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ جَدَّهُ مُعَاوِيَةَ إلَى رَجُلٍ عَرَّسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ وَيُخَمِّسَ مَالَهُ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ فَارْتَدَّ بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَرَّسَ بِهَا وَتَعْرِيسُهُ بِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ وَطْأَهُ إيَّاهَا، وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يُحَدُّ بِهِ فَضْلًا عَنْ الْقَتْلِ فَحَيْثُ كَانَ الْقَتْلُ كَانَ لِلرِّدَّةِ. وَهَذَا لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْحَدِّ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَانَ قَتْلُهُ جَائِزًا كَوْنُهُ لِوَطْئِهِ وَكَوْنُهُ لِرِدَّتِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ لِلرِّدَّةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ لِلْوَطْءِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَذَلِكَ يَكْفِينَا. وَقَالُوا: جَازَ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ لِلِاسْتِحْلَالِ، أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا. وَجْهُ الْقَائِلِ بِالْحَدِّ أَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ وَالْوَاطِئُ أَهْلٌ لِلْحَدِّ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَيَجِبُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ وَلَيْسَ الْعَقْدُ شُبْهَةً لِأَنَّهُ نَفْسَهُ جِنَايَةٌ هُنَا تُوجِبُ الْعُقُوبَةَ انْضَمَّتْ إلَى الزِّنَا فَلَمْ تَكُنْ شُبْهَةً كَمَا لَوْ أَكْرَهَهَا وَعَاقَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا؛ وَمَدَارُ الْخِلَافِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يُوجِبُ شُبْهَةً أَمْ لَا، فَعِنْدَهُمْ لَا كَمَا ذُكِرَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ وَزُفَرَ نَعَمْ، وَمَدَارُ كَوْنِهِ يُوجِبُ شُبْهَةً عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ مَحَلُّهُ أَوْ لَا، فَعِنْدَهُمْ لَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُ الْحِلُّ، وَهَذِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ فَكَانَ الثَّابِتُ صُورَةَ الْعَقْدِ لَا انْعِقَادَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا انْعِقَادَ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ عُقِدَ عَلَى ذَكَرٍ، وَعِنْدَهُ نَعَمْ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ لَيْسَتْ لِقَبُولِ الْحِلِّ بَلْ لِقَبُولِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلِذَا صَحَّ مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهَا، وَبِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ يَظْهَرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَارَدُوا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدَةٍ فِي الْمَحَلِّيَّةِ، فَهُمْ حَيْثُ نَفَوْا مَحَلِّيَّتَهَا أَرَادُوا بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ هَذَا الْعَاقِدِ: أَيْ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِعَقْدِ هَذَا الْعَاقِدِ وَلِذَا عَلَّلُوهُ بِعَدَمِ حِلِّهَا، وَلَا شَكَّ فِي حِلِّهَا لِغَيْرِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لَا مَحَلِّيَّتِهَا لِلْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْعَقْدُ، وَهُوَ حَيْثُ أَثْبَتَ مَحَلِّيَّتَهَا أَرَادَ مَحَلِّيَّتَهَا لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ عَاقِدٍ وَلِذَا عَلَّلَ بِقَبُولِهَا مَقَاصِدَهُ. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ أَطْلَقَ الْكُلَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ عَدَمُ مَحَلِّيَّةِ الْمَحَارِمِ لِنِكَاحِ الْمُحَرَّمِ. فَفِي الْأُصُولِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ مَجَازٌ عَنْ النَّفْيِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ، وَفِي الْفِقْهِ كَثِيرٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَحَلُّ النِّكَاحِ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْمَحَلِّيَّةِ لِعَقْدِ النَّاكِحِ الْخَاصِّ. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا أَثْبَتَ مَحَلِّيَّتَهَا لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ نَاكِحٍ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ. بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَنَّ أَيُّ الِاعْتِبَارَيْنِ فِي ثُبُوتِ الْمَحَلِّيَّةِ أَوْلَى كَوْنُهُ قَابِلًا لِلْمَقَاصِدِ أَوْ كَوْنُهُ حَلَالًا، إنْ نَظَرْنَا إلَى الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَتْبَعَ الْحِلُّ قِيَامَ الْحَاجَةِ لِتُدْفَعَ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ، أَوْ إلَى السَّمْعِ أَعْنِي مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُلِّ: إنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا فِيهَا عَدَمُ الْحِلِّ تَرَجَّحُوا، وَقَدْ رُجِّحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» حُكِمَ بِالْبُطْلَانِ وَأَوْجَبَ الْمَهْرَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْحَدِّ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَوْنُهُ لَا يَعْتَقِدُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِتَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ آيِلٌ إلَى الْبُطْلَانِ بِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ كُفْءٍ وَالْآخَرُ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهَا كَالْأَمَةِ وَالصَّبِيَّةِ، عَلَى هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ

(وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يُعَزَّرُ) لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ (وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَزَّرُ، وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ، وَقَالَا: هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ) وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقْرَبُ التَّأْوِيلَيْنِ لِنُدْرَةِ فَسْخِ وَلِيٍّ بِسَبَبِ عَدَمِ كَفَاءَةِ مَنْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ وَقَدْ حُكِمَ فِيهِ بِالْمَهْرِ إنْ دَخَلَ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ تَحَقُّقَ الشُّبْهَةِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا مَحَالَةَ شُبْهَةُ الْحِلِّ لَكِنْ حِلُّهَا لَيْسَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ. وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَثُبُوتُ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ أَقَلُّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ وُجُودُ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَحَارِمِ، وَشُبْهَةُ الْحِلِّ لَيْسَ ثُبُوتَ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا ثُبُوتَ لِمَا لَهُ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَ عُقُوبَتَهُ بِأَشَدَّ مَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُثْبِتْ عُقُوبَةً هِيَ الْحَدُّ فَعُرِفَ أَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ. وَمِنْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا فَفَعَلَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ، وَقَالَ: هُمَا وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يُحَدُّ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ ثُمَّ زَنَى بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اتِّفَاقًا. وَلَهُ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالزِّنَا الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ تَكُونُ مَحَلًّا لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، بِخِلَافِ الِاسْتِئْجَارِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى مَحَلٍّ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِيهِ لَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ. وَفِي الْكَافِي: لَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِكَ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك أَوْ خُذِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ لِأَطَأَك. وَالْحَقُّ فِي هَذَا كُلِّهِ وُجُوبُ الْحَدِّ إذْ الْمَذْكُورُ مَعْنًى يُعَارِضُهُ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] فَالْمَعْنَى الَّذِي يُفِيدُ أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا مَعَ قَوْلِهِ: أَزْنِي بِك لَا يُجْلَدُ مَعَهُ لِلَفْظَةِ الْمَهْرِ مُعَارِضٌ لَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) بِأَنْ أَوْلَجَ فِي مَغَابِنِ بَطْنِهَا وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الدُّبُرَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ (يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ) مُحَرَّمٌ (لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ) فَفِيهِ التَّعْزِيرُ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَتَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً أُخْرَى فَإِنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً) أَيْ أَجْنَبِيَّةً (فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ) أَيْ دُبُرِهَا (أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ) وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ، وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ سِيَاسَةً، أَمَّا الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ وَقَالَا هُوَ كَالزِّنَا، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ اعْتِرَافَهُمَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الزِّنَا بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا فَيُحَدُّ جَلْدًا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ وَرَجْمًا إنْ أَحْصَنَ. وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغُلَامِ. أَمَّا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا حُدَّ بِلَا خِلَافٍ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لَا يُحَدُّ إجْمَاعًا، كَذَا فِي الْكَافِي. نَعَمْ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْزِيرِ وَالْقَتْلِ لِمَنْ اعْتَادَهُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ، لَكِنْ

وَقَالَ فِي قَوْلٍ يُقْتَلَانِ بِكُلِّ حَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ» وَيُرْوَى «فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ» وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا لِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي مُوجِبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ بِاتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ، وَكَذَا هُوَ أَنْدَرُ وُقُوعًا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّاعِي إلَى الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ عِنْدَهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلشَّافِعِيِّ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ قَوْلَانِ، وَهَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ: أَيْ هَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا فِيهَا، قِيلَ إنْ كَانَ حُرْمَتُهَا عَقْلًا وَسَمْعًا لَا تَكُونُ، وَإِنْ كَانَ سَمْعًا فَقَطْ جَازَ أَنْ تَكُونَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِيهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَبْعَدَهُ وَاسْتَقْبَحَهُ فَقَالَ {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] وَسَمَّاهُ خَبِيثَةً فَقَالَ {كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74] وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهُمَا (وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ (فِي قَوْلٍ: يُقْتَلَانِ) فَفِي وَجْهٍ بِالسَّيْفِ (بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ بِكْرَيْنِ كَانَا أَوْ ثَيِّبَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ يُرْجَمَانِ بِكُلِّ حَالٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ مِنْ مَذْهَبِهِ يُحَدُّ جَلْدًا وَتَغْرِيبًا إنْ كَانَ بِكْرًا وَرَجْمًا إنْ أَحْصَنَ. وَجْهُ الْقَتْلِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ، الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو فَقَالَ «مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَتْلَ. وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ رَوَاهُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي صَالِحٍ غَيْرُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمْرِيُّ، وَهُوَ يُضَعِّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَبْلِ حِفْظِهِ، وَبِسَنَدِ السُّنَنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو صَدُوقٌ، لَكِنَّهُ رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ مَنَاكِيرَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَسَكَتَ عَنْهُ. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيَّ سَاقِطٌ، وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي أَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْدَمَ بِهِ عَلَى الْقَتْلِ مُسْتَمِرًّا عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ، وَلَوْ سَلِمَ حُمِلَ عَلَى قَتْلِهِ سِيَاسَةً. وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لِمُجَرَّدِ قَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ بَلْ أَبْلَغُ حُرْمَةً وَتَضْيِيعًا لِلْمَاءِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَنْكَشِفُ فِي الزِّنَا بِالْعَقْدِ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ الْوَلَدُ فِيهِ، بِخِلَافِ اللِّوَاطَةِ فِيهِمَا فَيَثْبُتُ حُكْمُ الزِّنَا لَهُ بِدَلَالَةِ نَصِّ حَدِّ الزِّنَا لَا بِالْقِيَاسِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا وَلَا مَعْنَاهُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَدٌّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ التَّحْرِيقَ بِالنَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُهْدَمُ عَلَيْهِ الْجِدَارُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْقِيهِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ مَعَ إتْبَاعِ الْأَحْجَارِ، فَلَوْ كَانَ زِنًا فِي اللِّسَانِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا بَلْ كَانُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى إيجَابِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهِ. فَاخْتِلَافُهُمْ فِي مُوجِبِهِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الزِّنَا لُغَةً وَلَا مَعْنَاهُ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِ الْقَائِلِ: مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ ... لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءٌ فَلِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْبَيْتُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ حَيْثُ قَالَ قَائِلُهُمْ وَذِكْرُ الْبَيْتِ غَلَطٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شِعْرِ أَبِي نُوَاسٍ مِنْ قَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا: دَعْ عَنْك لَوْمِي فَإِنَّ اللُّوَّمَ إغْرَاءُ ... وَدَاوِنِي بِاَلَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ وَهِيَ قَصِيدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي دِيوَانِهِ، وَهُوَ مُوَلَّدٌ لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِكَلَامِهِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَطْهِيرُ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ عَنْ أَمْثَالِهِ. وَأَيْضًا لَا يُثْبِتُ دَلَالَةً لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمَ فِي الزِّنَا لَيْسَ إضَاعَةَ الْمَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إضَاعَتُهُ لِجَوَازِ إضَاعَتِهِ بِالْعَزْلِ بَلْ إفْضَاؤُهُ إلَى إضَاعَةِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ إهْلَاكٌ مَعْنًى، فَإِنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ وَالْأُمُّ بِمُفْرَدِهَا عَاجِزَةٌ عَنْهُ فَيَشِبُّ عَلَى أَسْوَإِ الْأَحْوَالِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَدَّعِيهِ بَعْضُ السُّفَهَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ شَرْعًا لِيَخْتَصَّ بِهِ وَيَنْفَعَهُ وَيَشْتَبِهَ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ فَيَقَعَ التَّقَاتُلُ وَالْفِتْنَةُ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي اللِّوَاطِ (وَكَذَا هُوَ أَنْدَرُ وُقُوعًا مِنْ الزِّنَا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ) عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، بِخِلَافِ الزِّنَا لِتَحَقُّقِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْرَارِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِ الزِّنَا بِصَبِيَّةٍ لَا تُشْتَهَى أَصْلًا إذْ قَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِأَوْكَدِيَّةِ الْحُرْمَةِ فِي ثُبُوتِ عَيْنِ مُوجِبِ الْآخَرِ، وَلِذَا لَا يُحَدُّ بِشُرْبِ الْبَوْلِ الْمُجْمَعِ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَيُحَدُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحَدُّ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمُسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ دُونَ الْأَعْلَى بَلْ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لَهُ زَاجِرٌ قَوِيٌّ وَقَدْ لَا إلَّا إيعَادَ عِقَابِ الْآخِرَةِ. وَأَمَّا تَخْرِيجُ مَا عَنْ الصَّحَابَةِ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعُزَيْرِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ دَاوُد بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْعَرَبِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ فَسَأَلَهُمْ، فَكَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلًا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: هَذَا ذَنْبٌ لَمْ يَعْصِ بِهِ إلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ صَنَعَ اللَّهُ بِهَا مَا عَلِمْتُمْ، نَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ

(وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً وَفِي وُجُودِ الدَّاعِي لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْهُ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ أَوْ فَرْطُ الشَّبَقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ فِي آخِرِ رِدَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا حَدُّ اللِّوَاطَةِ؛ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْقَرْيَةِ فَيُرْمَى مِنْهُ مُنَكَّسًا ثُمَّ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، وَكَأَنَّ مَأْخَذَ هَذَا أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ أُهْلِكُوا بِذَلِكَ حَيْثُ حُمِلَتْ قُرَاهُمْ وَنُكِّسَتْ بِهِمْ، وَلَا شَكَّ فِي اتِّبَاعِ الْهَدِيمِ بِهِمْ وَهُمْ نَازِلُونَ. وَذَكَرَ مَشَايِخُنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ يُحْبَسَانِ فِي أَنْتَنِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يَمُوتَا نَتِنًا. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِتَسْمِيَتِهَا فَاحِشَةً فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْفَاحِشَةَ لَا تَخُصُّ لُغَةً الزِّنَا، قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا " أَيْ مِنْ أَنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَكَذَا إذَا زَنَى بِمَيِّتَةٍ لِأَنَّهُ لِلزَّجْرِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ فِيمَا طَرِيقُ وُجُودِهِ مُنْفَتِحٌ سَالِكٌ. وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ وَلَا السُّفَهَاءُ، وَإِنْ اتَّفَقَ لِبَعْضِهِمْ ذَلِكَ لِغَلَبَةِ الشَّبَقِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الزَّاجِرِ لِزَجْرِ الطَّبْعِ عَنْهُ (وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الْبَهِيمَةِ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ (وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ) امْتِدَادِ (التَّحَدُّثِ بِهِ) كُلَّمَا رُئِيَتْ فَيَتَأَذَّى الْفَاعِلُ بِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَإِذَا ذُبِحَتْ وَهِيَ مِمَّا لَا تُؤْكَلُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا إنْ كَانَ مَالِكُهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِأَجْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تُؤْكَلُ أُكِلَتْ، وَضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُؤْكَلُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرْوِيِّ مَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا» قُلْت لَهُ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ قَالَ: مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا أَوْ يُنْتَفَعُ بِهَا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا مَا عَمِلَ. وَلَعَلَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا هُوَ الْمُتَمَسِّكُ لِأَبِي يُوسُفَ فِي عَدَمِ أَكْلِهَا إلَّا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ قَطْعِ التَّعْيِيرِ أَقْرَبُ إلَى النَّفْسِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْبَاقُونَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَمْرٍو هَذَا، وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، وَضَعَّفَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ: " لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ " وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ الرَّفْعُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِمَا وَتَأْوِيلِهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا، وَمُحَالٌ أَنْ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَتْلُ ثُمَّ يُخَالِفُهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَفْظُهُ «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو

وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ (وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَدُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَهُ أَيْنَمَا كَانَ مَقَامُهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ فِيهِمَا فَيُعَرَّى الْوُجُوبُ عَنْ الْفَائِدَةِ، وَلَا تُقَامُ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِزِيَادَةٍ. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (قَوْلُهُ وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا) فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ (لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ (يُحَدُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ أَيْنَمَا كَانَ مَقَامُهُ) قُلْنَا: سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُلْتَزَمٌ لِلْأَحْكَامِ، لَكِنَّ الْحَدَّ لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُلْتَزَمَهُ بِالْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، بَلْ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ الْتِزَامُهُ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَضَى بِإِقَامَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذَا بَلْ فِي نَفْسِ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ فَهَذَا الدَّلِيلُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الْإِقَامَةُ عَلَى الزَّانِي مُطْلَقًا أَيْنَمَا كَانَ زِنَاهُ. وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: امْتَنَعَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ وَلَا قُدْرَةَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا وُجُوبَ، وَإِلَّا عُرِّيَ عَنْ الْفَائِدَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ لِيَحْصُلَ الزَّجْرُ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَرَجَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا لِلْإِيجَابِ حَالَ وُجُودِهِ لَمْ يَنْقَلِبْ مُوجِبًا لَهُ حَالَ عَدَمِهِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» لَمْ يُعْلَمْ لَهُ وُجُودٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُهَا بِالْعَدُوِّ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَإِلَى عُمَّالِهِ: أَنْ لَا تُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا نَوْعُ انْقِطَاعٍ، وَمُعْتَقَدُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْإِرْسَالِ، وَأَنَّ حَذْفَ الشَّيْخِ لَا يَكُونُ مِنْ الْعَدْلِ الْمُجْتَهَدِ إلَّا لِلْعِلْمِ بِثِقَتِهِ فَلَا يَضُرُّ عَلَى رَأْيِ مُثْبِتِي الْمُرْسَلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ كَوْنِ الْمُرْسَلِ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ وَالْعَدَالَةِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَزَادَ: لِئَلَّا تَحْمِلَهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ أَنْ يَلْحَقَ بِالْكُفَّارِ انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا: حَدَّثَتَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ رُومَانٍ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ نَهَى أَنْ يُقَامَ عَلَى أَحَدٍ حَدٌّ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ» انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ " فِي الْغَزْوِ " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ يَرَوْنَ أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ فِي الْغَزْوِ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ مَنْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْعَدُوِّ، فَإِذَا رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، فَمَذْهَبُهُمْ تَأْخِيرُ الْحَدِّ إلَى الْقُفُولِ، وَبُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي أَرْطَاةَ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُنْكِرُونَ سَمَاعَ بُسْرٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ رَجُلُ سُوءٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَذَلِكَ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ سُوءِ فِعْلِهِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرَّةِ اهـ. فَلَوْ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ رَضِيَ مَا وَقَعَ عَامَ الْحَرَّةِ وَكَانَ مِنْ أَعْوَانِهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ لَوْ ثَبَتَتْ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ لِلْعَمَلِ مُعَلَّلَةً بِمَخَافَةِ لَحَاقِ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنَّهُ يُقَامُ إذَا خَرَجَ وَكَوْنُهُ يُقِيمُهُ إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَا الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَلْ إنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا إذَا زَنَى. قُلْنَا: أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلُ، وَلَوْ سَلِمَ احْتِمَالُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يَتَرَجَّحُ الثَّانِي، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ هُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ. قَالَ: وَرَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ فِي السُّنَنِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَصْلِ، وَأَيْضًا مُعَارِضٌ إطْلَاقَ {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ زِيَادَةً. فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ مَوَاضِعُ الشُّبْهَةِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الزِّنَا نَفْسَهُ مَأْخُوذٌ فِيهِ عَدَمُهَا فَإِنَّهُ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَشُبْهَتِهِ، فَتَرْتِيبُهُ سُبْحَانَهُ إيجَابَ الْحَدِّ عَلَى الزِّنَا تَرْتِيبُ ابْتِدَاءٍ عَلَى مَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مُخَصِّصًا أَوَّلُ، وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ الْمَذْكُورُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَجْزَ الْإِمَامِ عَنْ الْإِقَامَةِ حَالَ دُخُولِ الزِّنَا فِي الْوُجُودِ يُوجِبُ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِيجَابِ، إنَّمَا ذَلِكَ لَوْ عَجَزَ مُطْلَقًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْوُجُوبُ فِي الْحَالِ مُعَلَّقًا بِالْقُدْرَةِ، وَلَكِنَّهُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ. وَتَصْحِيحُهُ أَنْ يُقَالَ: جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْحَالِ تَعْلِيقُ الْإِيجَابِ بِالْقُدْرَةِ: أَيْ إذَا قَدَرْت فَأَقِمْ عَلَيْهِ، فَالْوُجُوبُ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ وَمَوْجُودٌ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ فِي الْمَأْكَلِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُمْكِنٌ لَكِنْ أَيْنَ دَلِيلُهُ، فَإِنَّ الْآيَاتِ

مَا خَرَجَ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً. وَلَوْ غَزَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ بِنَفْسِهِ كَالْخَلِيفَةِ وَأَمِيرِ مِصْرَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ، بِخِلَافِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ تُفَوَّضْ إلَيْهِمَا الْإِقَامَةُ. (وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَزَنَى بِذِمِّيَّةٍ أَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِحَرْبِيَّةٍ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ وَالْحَرْبِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الذِّمِّيِّ) يَعْنِي إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ، فَأَمَّا إذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ بِذِمِّيَّةٍ لَا يُحَدَّانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ) وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، كَمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا تُفِيدُ تَنْجِيزَ الْوُجُوبِ لَا تَعْلِيقَهُ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْقُدْرَةَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ فَنَعْلَمُ انْتِفَاءَ مُقْتَضَاهَا فِي الزَّانِي فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَيْنَ دَلِيلُ تَعْلِيقِ الْإِيجَابِ حَالَ زِنَا الزَّانِي فِي دَارِ الْحَرْبِ بِاقْتِدَارِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَثْبُتْ تَعْلِيقُهُ كَمَا لَمْ يَثْبُتْ تَنْجِيزُهُ. فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ تَعْلِيقَهُ يَثْبُتُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآثَارِ الْمُفِيدَةِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَقَامَهُ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد وَهُوَ يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْمُخَالِفَ لِلْمَذْهَبِ مِنْ ذَيْنِك الِاحْتِمَالَيْنِ. وَأَيْضًا قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَالَ الزِّنَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْإِقَامَةُ، بَلْ إنَّمَا يَجِبُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَقَبْلَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبٌ أَصْلًا. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بَعْدَ الْخُرُوجِ أَوْ شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ تَقَادُمٍ وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ قَادِرٌ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ إيجَابُ الْإِقَامَةِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَلَوْ غَزَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ بِنَفْسِهِ كَالْخَلِيفَةِ وَأَمِيرِ الْمِصْرِ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ فَالْقُدْرَةُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمُعَسْكَرِ فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى ثُمَّ عَادَ إلَى الْمُعَسْكَرِ لَا يُقِيمُهُ. وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ زَنَى فِي الْعَسْكَرِ وَالْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي أَيَّامِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ لِلْوِلَايَةِ حِينَئِذٍ، أَمَّا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ فَلَا يُقِيمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ تُفَوَّضْ إلَيْهِمَا الْإِقَامَةُ (قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا بِأَمَانٍ) وَهُوَ الْمُسْتَأْمَنُ (فَزَنَى بِذِمِّيَّةٍ إلَخْ) حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا زَنَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْلِمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ دُونَ الْحَرْبِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا: لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: عَلَيْهِمَا الْحَدُّ جَمِيعًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ، فَصَارَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ تُحَدُّ الْمَزْنِيُّ بِهَا الْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ كُلُّهُمْ. وَتَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَا دَخَلَ لِلْقَرَارِ بَلْ لِحَاجَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَصِرْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ مِنْ الْحُكْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَمِعَ فِي الْإِنْصَافِ يَلْتَزِمْ الِانْتِصَافَ، وَالْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِهِمْ، أَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَمَحْضُ حَقِّ الشَّرْعِ. وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ، أَمَّا الِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ. نَظِيرُهُ إذَا زَنَى الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ وَتَمْكِينُ الْبَالِغَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحُدَّانِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ، وَإِنْ زَنَى الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيَّةِ الْمُسْتَأْمَنَةِ حُدَّ الرَّجُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحُدَّانِ جَمِيعًا. وَالْأَصْلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَرْبِيِّ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ زِنًا وَلَا سَرِقَةٍ وَلَا شُرْبِ خَمْرٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ الْكُلُّ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ، فَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، وَحَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ. وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ، كَمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّنَا وَشِرَاءِ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَنَّ فِعْلَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ زِنًا لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا وَالتَّمْكِينُ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَا يُخَاطَبَانِ، وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا زَنَى الْمُكْرَهُ بِالْمُطَاوِعَةِ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لَا تُحَدُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْمُصْحَفِ وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِمَا، بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ إبَاحَتَهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ لِلْقَرَارِ بَلْ لِحَاجَةٍ يَقْضِيهَا وَيَرْجِعُ وَعَلَيْنَا أَنْ نُمَكِّنَهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِشَرْطِهِ لَمْ يَكُنْ بِالِاسْتِئْمَانِ مُلْتَزِمًا جَمِيعَ أَحْكَامِنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، بَلْ مَا يَرْجِعُ مِنْهَا إلَى تَحْصِيلِ مَقْصِدِهِ وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ مُلْتَزِمًا الْإِنْصَافَ وَكَفَّ الْأَذَى، إذْ قَدْ الْتَزَمْنَا لَهُ بِأَمَانِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَالْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِهِمْ فَلَزِمَاهُ، أَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَخَالِصُ حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَكَذَا الْمُغَلَّبُ فِي السَّرِقَةِ حَقُّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَصَاحِبُهُ تَعَالَى مَنَعَنَا مِنْ اسْتِيفَائِهِ عِنْدَ إعْطَاءِ أَمَانِهِ، بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْمُصْحَفِ وَالْإِجْبَارِ عَلَى بَيْعِهِمَا فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ فِي اسْتِخْدَامِهِ قَهْرًا وَإِذْلَالًا لِلْمُسْلِمِ، وَكَذَلِكَ فِي اسْتِخْفَافِهِ بِالْمُصْحَفِ وَالزِّنَا مُسْتَثْنًى مِنْ كُلِّ عُهُودِهِمْ. وَلِمُحَمَّدٍ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ إذَا زَنَى بِمُسْتَأْمَنَةٍ حَيْثُ يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى الْفَاعِلِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ إذَا زَنَتْ بِمُسْتَأْمَنٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَيْهِمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الزِّنَا فِعْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَبَعٌ لِكَوْنِهَا مَحَلًّا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ

قَالَ (وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ طَاوَعَتْهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ (وَإِنْ زَنَى صَحِيحٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الْعُذْرَ مِنْ جَانِبِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ فَكَذَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ. وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا، إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ فِي مَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتِنَاعَهُ فِي التَّبَعِ، بِخِلَافِ امْتِنَاعِهِ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ أَيْ دَلِيلُهُ إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ يُحَدُّ هُوَ دُونَهَا، وَفِي تَمْكِينِ الْبَالِغَةِ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ لَا تُحَدُّ، وَتَمْكِينُهَا إنَّمَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إذَا مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ مُوجِبٍ لَهُ وَفِعْلُ الْحَرْبِيِّ لَيْسَ مُوجِبًا لَهُ فَلَا يَكُونُ تَمْكِينُهَا مُوجِبًا عَلَيْهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِعْلَ الْمُسْتَأْمَنِ زِنًا لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِالْحُرُمَاتِ كَحُرْمَةِ الْكُفْرِ وَالزِّنَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ حَدُّهُ لِأَنَّ إقَامَتَهُ بِالْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ مُنْدَفِعَةٌ عَنْهُ بِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ إلَّا فِيمَا الْتَزَمَهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَقَدْ مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا لَا قُصُورَ فِيهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا وَصَارَ كَمَا لَوْ مَكَّنَتْ مُسْلِمًا فَهَرَبَ تُحَدُّ هِيَ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَصَّهُ وَتَبَعِيَّتُهَا فِي الْفِعْلِ لَا فِي حُكْمِهِ، بِخِلَافِ تَمْكِينِهَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يُخَاطَبَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا زِنًا فَلَمْ تُمَكِّنْ مِنْ الزِّنَا، وَنَظِيرُهُ لَوْ زَنَى مُكْرَهٌ بِمُطَاوِعَةٍ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ (قَوْلُهُ وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ طَاوَعَتْهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، (وَإِنْ زَنَى صَحِيحٌ) أَيْ عَاقِلٌ بَالِغٌ (بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً) ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الْعُذْرَ مِنْ جَانِبِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ فَكَذَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ مِنْ جَانِبِهَا (وَهَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ) وَقَدْ فَعَلَتْ مَا هِيَ بِهِ زَانِيَةٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ زِنَاهَا انْقِضَاءُ شَهْوَتِهَا بِآلَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً وَهُوَ لَيْسَ إلَّا بِذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا زَانِيَةٌ حَقِيقَةً كَوْنُهَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا، فَلَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ زِنَاهَا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا كَالْمَجْبُوبِ (وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ) لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَخَذُوا جِنْسَ تَعْرِيفِهِ وَطْءَ الرَّجُلِ فَكَانَتْ خَارِجَةً (وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلٌّ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا وَهِيَ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ) كَ {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] وَ {مَاءٍ

الْمَرْضِيَّةِ، أَوْ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلَّقَ الْحَدُّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ قَبِيحِ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَمُؤْتَمٌّ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُنَاطُ بِهِ الْحَدُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَافِقٍ} [الطارق: 6] أَيْ مُرْضَيَةٍ وَمَدْفُوقٍ (أَوْ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً) لِزِنَا الزَّانِي (بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلَّقَ الْحَدُّ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ) مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنَاهَا وَالزِّنَا فِعْلُ مَنْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ آثِمٌ بِهِ (وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُنَاطُ بِهِ الْحَدُّ) وَعَلَى هَذَا لَوْ قُلْنَا: إنَّهَا بِالتَّمْكِينِ زَانِيَةٌ حَقِيقَةً لُغَةً لَا يَضُرُّنَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُسَمَّى زَانِيَةً حَقِيقَةً بِالتَّمْكِينِ مِمَّا هُوَ زِنًا وَهُوَ مُنْتَفٍ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا زَانِيَةٌ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَزْنِيٌّ بِهَا حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ كَوْنُ إطْلَاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً وَهُوَ بَاطِلٌ؟ فَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ لَوْ كَانَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ فَإِنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً بِاعْتِبَارِ تَمْكِينِهَا طَائِعَةٌ لِقَضَاءِ شَهْوَتِهَا مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا وَمُزْنِيَةٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ زِنًا، فَلَوْ مَنَعَ وَقِيلَ بَلْ تَرَتُّبُ الْحَدِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَمْكِينِهَا مِنْ الْوَطْءِ الْمُفْضِي إلَى اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَتَضْيِيعِ الْوَلَدِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمُ لِلزِّنَا سَوَاءٌ وَقَعَ زِنًا أَوْ لَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كَوْنُهُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا أَنْسَبُ مِنْ كَوْنِهِ بِمَا لَيْسَ زِنًا، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ جَازَ كَوْنُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَدَارَ تَمْكِينُهَا الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُوجِبٍ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِوُجُوبِ الدَّرْءِ فِي مِثْلِهِ بِذَلِكَ، لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: كَوْنُ الزِّنَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ مِمَّنْ هُوَ مُخَاطَبٌ مَمْنُوعٌ بَلْ إدْخَالُ الرَّجُلِ قَدْرَ حَشَفَتِهِ قُبُلَ مُشْتَهَاةٍ حَالًا أَوْ مَاضِيًا بِلَا مِلْكٍ وَشُبْهَةٍ، وَكَوْنُهُ بَالِغًا عَاقِلًا لِاعْتِبَارِهِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ شَرْعًا فَقَدْ مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا لُغَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى فَاعِلِهِ حَدٌّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ تَمْكِينِهَا صَبِيًّا فَلَا تُحَدُّ وَمَجْنُونًا فَتُحَدُّ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ وَطِئَ الرَّجُلُ يَخُصُّ الْبَالِغَ لَكِنْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ. وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ فِعْلَ الْمَجْنُونِ زِنًا وَلَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ احْتِيَاطٍ فِي الدَّرْءِ لَا فِي الْإِيجَابِ فَلَا تُحَدُّ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا ذَكَرْنَاهُ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ لَوْ كَانَ تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا يَمْنَعُ الْحَدَّ عَنْهَا لَاسْتَفْسَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا هَلْ زَنَى بِك مَجْنُونٌ أَوْ صَبِيٌّ، كَمَا أَنَّهُ اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا فَقَالَ: أَبِك جُنُونٌ حِينَ كَانَ جُنُونُهُ يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ: زَنَيْت فَقَدْ اعْتَرَفَتْ بِتَمْكِينِ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِفْسَارِهَا عَنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَاعِزٍ فَإِنَّهُ

قَالَ (وَمَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى زَنَى فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا يُحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ. ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْمُلْجِئَ قَائِمٌ ظَاهِرًا، وَالِانْتِشَارُ دَلِيلٌ مُتَرَدِّدٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ قَصْدٍ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا لَا طَوْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عِنْدَهُمَا قَدْ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَهُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، بِخِلَافِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ وَلَا الْخُرُوجُ بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا (وَمَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ هِيَ: تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَقَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي ذَلِكَ) لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَرَابَ أَمْرَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلِذَا لَمْ يَسْأَلْ الْغَامِدِيَّةَ أَبِك جُنُونٌ مَعَ أَنَّهَا مِثْلُ مَاعِزٍ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِجُنُونِهَا. وَأُورِدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْعُقْرُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمَلِكِ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا، أَمَّا الْعُقْرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ الْحَدُّ كَمَا لَوْ زَنَى الصَّبِيُّ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مُكْرَهَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَهُنَا لَا يَجِبُ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْإِيجَابَ عَلَيْهِ هُنَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ لَرَجَعَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا طَاوَعَتْهُ صَارَتْ آمِرَةً لَهُ بِالزِّنَا مَعَهَا وَقَدْ لَحِقَ الصَّبِيُّ غُرْمٌ بِذَلِكَ الْأَمْرِ وَصَحَّ الْأَمْرُ مِنْهَا لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا فَلَا يُفِيدُ الْإِيجَابُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً لَا يَرْجِعُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ أَمْرِهَا لِعَدَمِ وِلَايَتِهَا، وَفِي الْمُكْرَهَةِ عَدَمُ الْأَمْرِ أَصْلًا فَكَانَ الْإِيجَابُ مُفِيدًا. وَأَمَّا إيرَادُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ انْتَفَى عَنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ مَنْقُوضَةٌ بِزِنَا الْمُكْرَهِ بِالْمُطَاوَعَةِ وَالْمُسْتَأْمَنِ بِالذِّمِّيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ فَوُرُودُهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ هَذِهِ قَاعِدَةً وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِيرَادِ ثُمَّ تَكَلُّفِ الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى زَنَى فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يُحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ (لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَهَذَا آيَةُ الطَّوَاعِيَةِ) فَاقْتُرِنَ بِالْإِكْرَاهِ مَا يَنْفِيهِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ كَانَ حَالَ فِعْلِهِ إيَّاهُ غَيْرَ مُكْرَهٍ فَبَطَلَ أَثَرُ الْإِكْرَاهِ السَّابِقِ وَوَجَبَ الْحَدُّ، بِخِلَافِ إكْرَاهِ الْمَرْأَةِ عَلَى الزِّنَا فَإِنَّهُ بِالتَّمْكِينِ وَلَيْسَ مَعَ التَّمْكِينِ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ فَلَا تُحَدُّ إجْمَاعًا (ثُمَّ رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ الْمُكْرَهُ أَيْضًا لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُلْجِئَ إلَى الْفِعْلِ قَائِمٌ ظَاهِرًا) وَهُوَ قِيَامُ السَّيْفِ وَنَحْوِهِ، وَالِانْتِشَارُ لَا يَسْتَلْزِمُ الطَّوَاعِيَةَ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لَهُ إذْ يَكُونُ مَعَهُ وَيَكُونُ طَبْعًا لِقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ. وَقَدْ يَكُونُ لِرِيحٍ تُسْفَلُ إلَى الْحَجَرِ حَتَّى يُوجَدَ مِنْ النَّائِمِ وَلَا قَصْدَ مِنْهُ فَلَا يُتْرَكُ أَثَرُ الْيَقِينِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ إلَى الْمُحْتَمَلِ (فَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ مُخْتَارًا فِي الزِّنَا، وَكَذَا عِنْدَ زُفَرَ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ الْإِكْرَاهُ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ عِنْدَهُمَا لَكِنْ قَالَا الِانْتِشَارُ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ فَقَالَا يُحَدُّ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ) وَالِانْتِشَارُ لَا يَسْتَلْزِمُ الطَّوَاعِيَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. قَالَ الْمَشَايِخُ: وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، فَفِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالسُّلْطَانِ، وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتْ الْقُوَّةُ لِكُلِّ مُتَغَلِّبٍ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْإِكْرَاهِ حَيْثُ قَالَ: وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ سِيَّانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَخْ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقِرَّ الرَّجُلُ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ أَنَّهُ

لِخَطَرِ الْبُضْعِ (وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) مَعْنَاهُ: قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفِّرُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQزَنَى بِفُلَانَةَ حَتَّى كَانَ إقْرَارُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَقَالَتْ هِيَ بَلْ تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ كَذَلِكَ بِالزِّنَا مَعَ فُلَانٍ وَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ تَزَوَّجْتُهَا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ مُدَّعِي النِّكَاحِ مِنْهُمَا يَكُونُ النِّكَاحُ ثَابِتًا فَلَا حَدَّ، وَبِتَقْدِيرِ كَذِبِهِ لَا نِكَاحَ فَيَجِبُ الْحَدُّ فَلَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي صُورَتَيْ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ وَدَعْوَاهُ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي صُورَةِ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ مُعْتَرِفَةً بِأَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لِدَعْوَاهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا مَعَ ثُبُوتِ الْوَطْءِ بِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِهَتِهِ كَانَتْ مُكَذَّبَةً شَرْعًا، وَالْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ عَقْدٍ أَوْ عُقْرٍ فَلَزِمَ لَهَا الْمَهْرُ، وَإِنْ رَدَّتْهُ إلَّا أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْمُقِرُّ، فَإِنْ حُدَّ ثُمَّ ادَّعَى الْآخَرُ النِّكَاحَ لَا مَهْرَ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ. ثَانِيهِمَا أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعًا كَذَلِكَ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ فُلَانَةُ: مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ، أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مَعَ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ: مَا زَنَيْت بِهَا وَلَا أَعْرِفُهَا لَا يُحَدُّ الْمُقِرُّ بِالزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُحَدُّ الْمُقِرُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَعَدَمُ ثُبُوتِ الزِّنَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُقِرِّ لَا يُورِثُ شُبْهَةَ الْعَدَمِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ كَمَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً وَسَمَّاهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَدَّ انْتَفَى فِي حَقِّ الْمُنْكَرِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّفْيِ عَنْهُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الِانْتِفَاءِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَتِمُّ بِهِمَا، فَإِنْ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ تَعَدَّتْ إلَى طَرَفَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالزِّنَا مُطْلَقًا إنَّمَا أَقَرَّ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ وَقَدْ دَرَأَ الشَّرْعُ عَنْ فُلَانَةَ وَهُوَ عَيْنُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَيَنْدَرِئُ عَنْهُ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ: زَنَيْت فَإِنَّهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ كَذِبَهُ لَكِنْ لَا مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ يَدْفَعُهُ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً لِأَنَّ الزِّنَا لَمْ يَنْتَفِ فِي حَقِّهَا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ النَّفْيَ وَهُوَ الْإِنْكَارُ، حَتَّى لَوْ حَضَرَتْ وَأَقَرَّتْ أَرْبَعًا حُدَّتْ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَيْبَةَ لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً، بَلْ الِاعْتِبَارُ لِلْإِنْكَارِ وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَتْ ثَبَتَتْ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ إنْكَارَهَا فَلَا شُبْهَةَ فَيُحَدُّ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي صُورَةِ دَعْوَى النِّكَاحِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَمَّا سَقَطَ بِإِنْكَارِ وَصْفِ الْفِعْلِ وَهُوَ الزِّنَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ بِدَعْوَى النِّكَاحِ فَإِنْكَارُ أَصْلِ الْفِعْلِ أَوْلَى. قُلْنَا: خَصَّا تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الرَّجُلِ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ رَوَى «أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ بِالزِّنَا أَرْبَعًا بِامْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْ، فَحَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ لَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ وَادَّعَتْ عَلَى الرَّجُلِ الْقَذْفَ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا) أَيْ بِفِعْلِ الزِّنَا (فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْجَارِيَةِ لِتَكُونَ

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لَمِلْكِ الْأَمَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQصُورَةَ الْخِلَافِ، فَإِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ عَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَنْهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَادَتُهُ إذَا كَانَ خِلَافُهُ ثَابِتًا ذَكَرَهُ، وَكَذَا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَافِي خِلَافًا، وَإِنَّمَا نَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ خِلَافَهُ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَحَيْثُ نَقَلَ قَوْلَهُ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا قَوْلَ لِمُحَمَّدٍ فِيهَا. وَقِيلَ الْأَشْبَهُ كَوْنُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا قَوْلَ لَهُ بِأَنْ تُوقَفَ لِذِكْرِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ فِي عِدَادِ تَلَامِذَتِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا قَالَهُ قَوْلًا يَنْقُلُهُ هُوَ، وَعَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ هَكَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الزَّانِي بِسَبَبِ أَنَّ قَتْلَهُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ، وَإِذَا مَلَكَهَا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ سَقَطَ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ مَلَكَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ حَيْثُ يَسْقُطُ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ فِيمَا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ قَتَلَهَا أَوْ مَلَكَهَا بِالْفِدَاءِ بِأَنْ زَنَى بِجَارِيَةٍ جَنَتْ عَلَيْهِ فَدُفِعَتْ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُحَدُّ فِي الْكُلِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بِالدَّفْعِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مُسْتَنِدًا، وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ النِّكَاحِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَنَى وَجَنَى فَيُؤَاخَذُ بِمُوجِبِ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ، وَلَا مُنَافَاةَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ، وَكَوْنُ الضَّمَانِ يَمْنَعُ الْحَدَّ لِاسْتِلْزَامِهِ الْمِلْكَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ دَمٍ حَتَّى وَجَبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا تَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَهُوَ يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ الْمَالُ، وَالدَّمُ لَيْسَ بِمَالٍ، ثُمَّ تَنْزِلُ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الضَّمَانَ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَكَانَ يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ، وَالِاسْتِنَادُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْفَائِتِ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ الَّتِي اُسْتُوْفِيَتْ فَائِتَةٌ وَلَيْسَ مَحَلُّهَا وَهُوَ الْعَيْنُ قَائِمًا لِيُثْبِتَ شُبْهَةَ قِيَامِ الْمَنَافِعِ فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ مِلْكِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ الْمِلْكُ فِيهَا لَا شُبْهَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَسْرُوقِ، وَلَمْ يُفِدْ

وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَاعْتِرَاضُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَهُ، كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ، وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ فَإِنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ كَمَا فِي هِبَةِ الْمَسْرُوقِ لَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا فَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكُ الْمُسَبَّبُ عَنْ الضَّمَانِ مِلْكَ تِلْكَ الْمَنَافِعِ لِيَسْقُطَ الْحَدُّ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ شَرْطَ إقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ الْخُصُومَةُ وَبِالْهِبَةِ انْقَطَعَتْ، بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَبَطَلَ الْقِيَاسُ، وَمَآلُ هَذَا التَّقْرِيرِ إلَى أَنَّ الثَّابِتَ بِهَذَا الضَّمَانِ شُبْهَةُ شُبْهَةِ مِلْكِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ شُبْهَةُ مِلْكِ الْعَيْنِ لَا حَقِيقَتُهُ، وَبِحَقِيقَتِهِ تَثْبُتُ شُبْهَةُ مِلْكِ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا كَانَ الثَّابِتُ شُبْهَةَ مِلْكِ الْعَيْنِ فَهُوَ شُبْهَةُ شُبْهَةِ مِلْكِ الْمَنَافِعِ وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. وَحَاصِلُ التَّقْرِيرِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَثْبَتَ شُبْهَةَ مِلْكِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ وَنَحْنُ نَفَيْنَاهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُثْبِتُ بِالضَّمَانِ حَقِيقَةَ مِلْكِ الْمَنَافِعِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ يَظْهَرُ مَا فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّنَزُّلِ مِنْ التَّسَاهُلِ. وَبِالْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ يَتَّضِحُ حُسْنُ اتِّصَالِ قَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَمَّةَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً) أَيْ فِي مِلْكِ الْمَنَافِعِ تَبَعًا فَيَنْدَرِئُ عَنْهَا الْحَدُّ، أَمَّا هَاهُنَا فَالْعَيْنُ فَائِتَةٌ بِالْقَتْلِ فَلَا تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا يُقَالُ: هَذَا التَّمْلِيكُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَلَا يَضُرُّهُ انْتِفَاءُ الْمَمْلُوكِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُسْتَنَدُ يُثْبَتُ أَوَّلًا ثُمَّ يُسْتَنَدُ، فَاسْتَدْعَى ثُبُوتَ الْمَحَلِّ حَالَ الْأَوَّلِيَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَثَمَرَتُهُ أَنَّ الثَّابِتَ فِي الْمَنَافِعِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ وَلَوْ تَمَّ

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ) لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتُهَا إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِصَاصُ وَالْأَمْوَالُ مِنْهَا. وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ قَالُوا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكُ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ بَعْضَ الْقِيمَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بِإِزَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ الَّتِي يَجِبُ الْحَدُّ لِأَجْلِهَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يُحَدَّ، وَإِلَّا وَجَبَ ضَمَانَانِ بِإِزَاءِ مَضْمُونٍ وَاحِدٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوضَعْ الْفِعْلُ لِلْقَتْلِ كَانَ أَوَّلُهُ كَجِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ ثُمَّ حَدَثَ الْقَتْلُ فَكَانَ الضَّمَانُ كُلُّهُ بِإِزَائِهِ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. أَمَّا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ. وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانَ: لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ) مِمَّا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ (لَا يُؤَاخَذُ بِهِ إلَّا الْقِصَاصُ وَالْمَالُ) فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يُؤَاخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهِ وَتَعَذَّرَ إقَامَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ إقَامَتَهُ بِطَرِيقِ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، وَلَا يَفْعَلُ أَحَدٌ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ. وَفَائِدَةُ الْإِيجَابِ الِاسْتِيفَاءُ. فَإِذَا تَعَذَّرَ لَمْ يَجِبْ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ لِأَنَّ حَقَّ اسْتِيفَائِهَا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْمَنَعَةِ فَالْمُسْلِمُونَ مَنَعَتُهُ فَيُقَدَّرُ بِهِمْ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ الْوُجُوبُ مُفِيدًا، وَالْمُغَلَّبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ فَكَانَ كَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لِتَمْكِينِ الْوَلِيِّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ الْحُكْمَ فِيهِ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا صَحَّتْ هَذِهِ الِاسْتِنَابَةُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ اسْتَوْفَاهُ الْعَبْدُ، أَوْ حَقٌّ لِلَّهِ اسْتَوْفَاهُ ذَلِكَ النَّائِبُ. وَقِيلَ لَا مُخَلِّصَ إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: 2] يُفْهِمُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهِ بِالْجَلْدِ الْإِمَامُ أَنْ يَجْلِدَ غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ أَيْنَ دَلِيلُ إيجَابِ الِاسْتِنَابَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها]

(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا) (وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ إقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا] قُدِّمَ أَنَّ الْحَدَّ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَقُدِّمَ كَيْفِيَّةُ الثُّبُوتِ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّ وُجُودَ مَا ثَبَتَ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ أَنْدَرُ نَادِرٍ لِضِيقِ شُرُوطِهِ الْمُقْتَضِي لِإِعْدَامِهِ، وَهُوَ أَنْ يُرَى ذَكَرُ الرَّجُلِ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ. وَأَيْضًا لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ الزِّنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَمْ يُحَدُّوا إلَّا بِالْإِقْرَارِ، فَقُدِّمَ مَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ، وَمَا كَانَ الثُّبُوتُ بِهِ عِنْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعِنْدَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ إقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً) فَقَوْلُهُ مُتَقَادِمٌ إسْنَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى ضَمِيرِ السَّبَبِ: أَيْ مُتَقَادِمٌ سَبَبُهُ وَهُوَ الزِّنَا مَثَلًا وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ. وَقَوْلُهُ شَهِدُوا بِحَدٍّ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ بِسَبَبِ الْحَدِّ، وَالتَّقَادُمُ صِفَةٌ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ إلَخْ جُمْلَةٌ فِي مَحَلِّ جَرٍّ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلنَّكِرَةِ وَهِيَ حَدٌّ، وَالْفَاعِلُ بَعْدَهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُعْدُ عُذْرًا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ وَلَوْ مِنْ بُعْدِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْمُسَارَعَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى زِيَادَاتٍ مُفِيدَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَضَمِنَ السَّرِقَةَ) ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَقَرَّ هُوَ بَعْدَ حِينٍ بِذَلِكَ أُخِذَ بِهِ إلَّا الشُّرْبَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا، وَلَا يَخْفَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَضَمِنَ السَّرِقَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلٌ مَشْهُورٌ، فَإِنَّ الَّذِي يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ الشَّهَادَةُ بِأَسْبَابِهَا ثُمَّ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِقْرَارِ بِهَا أَرْبَعَةَ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِهَا وَقَبُولُ الْإِقْرَارِ بِمَا سِوَى الشُّرْبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. الثَّانِي رَدُّهَا وَقَبُولُ الْإِقْرَارِ حَتَّى بِالشُّرْبِ الْقَدِيمِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. الثَّالِثُ قَبُولُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. الرَّابِعُ رَدُّهُمَا، نُقِلَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِقَلْبِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَاسْتُدِلَّ لِلشَّافِعِيِّ وَالْآخَرَيْنِ بِإِلْحَاقِهِ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُمَا حُجَّتَانِ شَرْعِيَّتَانِ يَثْبُتُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْحَدُّ، فَكَمَا لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالتَّقَادُمِ كَذَا الشَّهَادَةُ وَبِحُقُوقِ الْعِبَادِ. وَلَنَا وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَعْدَ التَّقَادُمِ شَهَادَةُ مُتَّهَمٍ وَشَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ مَرْدُودَةٌ. أَمَّا الْكُبْرَى فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» أَيْ مُتَّهَمٍ. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ قَالَ " أَيُّمَا شُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى حَدٍّ لَمْ يَشْهَدُوا عِنْدَ حَضْرَتِهِ فَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى ضَغَنٍ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ ". وَأَمَّا الصُّغْرَى فَلِأَنَّ الشَّاهِدَ بِسَبَبِ الْحَدِّ مَأْمُورٌ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: السَّتْرُ احْتِسَابًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» مَعَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، أَوْ الشَّهَادَةُ بِهِ احْتِسَابًا لِمَقْصِدِ إخْلَاءِ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ لِلِانْزِجَارِ بِالْحَدِّ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ عَلَى الْفَوْرِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ السَّتْرِ وَإِخْلَاءِ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ طَلَبُهُ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِذَا شَهِدَ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَزِمَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الْفِسْقُ، وَإِمَّا تُهْمَةُ الْعَدَاوَةِ لِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَصْلِ اخْتَارَ الْأَدَاءَ وَعَدَمَ السَّتْرِ ثُمَّ أَخَّرَهُ لَزِمَ الْأَوَّلُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ السَّتْرَ ثُمَّ شَهِدَ لَزِمَ الثَّانِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الْوَاجِبُ بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا، فَانْصِرَافُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الشَّهَادَةِ مَوْضِعُ ظَنِّ أَنَّهُ حَرَّكَهُ حُدُوثُ عَدَاوَةٍ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْفِسْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا التُّهْمَةِ، إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ إذْ لَمْ يُوجِبْ تَحَقُّقَ تُهْمَةٍ، وَبِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِيهَا فَتَأْخِيرُ الشَّاهِدِ لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فِسْقٌ وَلَا تُهْمَةٌ، وَفِي الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ فَتَوَقَّفَ عَلَى الدَّعْوَى كَغَيْرِهِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالتَّقَادُمِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ الدَّعْوَى مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِالتَّقَادُمِ لَزِمَ فِي السَّرِقَةِ أَنْ لَا تُرَدَّ الشَّهَادَةُ بِهَا عِنْدَ التَّقَادُمِ لِاشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِيهَا لَكِنَّهَا تُرَدُّ. أَجَابَ أَوَّلًا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ السَّرِقَةَ فِيهَا أَمْرَانِ الْحَدُّ وَالْمَالُ، فَمَا يَرْجِعُ إلَى الْحَدِّ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَبِاعْتِبَارِ الْمَالِ تُشْتَرَطُ، وَالشَّهَادَةُ بِالسَّرِقَةِ لَا تَخْلُصُ لِأَحَدِهِمَا بَلْ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، فَاشْتُرِطَتْ الدَّعْوَى لِلُزُومِ الْمَالِ لَا لِلُزُومِ الْحَدِّ، وَلِذَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِهَا بَعْدَ التَّقَادُمِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ وَلَا نَقْطَعُهُ لِأَنَّ الْحَدَّ يَبْطُلُ بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ الْأَمْرَيْنِ فِيهَا أَنَّهُ إذَا شَهِدُوا بِهَا عَلَى إنْسَانٍ وَالْمُدَّعِي غَائِبٌ وَهُوَ صَاحِبُ الْمَالِ يُحْبَسُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُدَّعِي لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْقَذْفِ لَا يُحْبَسُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يَحْضُرَ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْخَالِصَةِ، وَإِنَّمَا لَا يُقْطَعُ قَبْلَ حُضُورِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَرَقَ مِلْكَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ أَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَضَمُّنِ الشَّهَادَةِ بِالسَّرِقَةِ الشَّهَادَةَ بِمِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَالشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِإِنْسَانٍ يَتَوَقَّفُ قَبُولُهَا عَلَى حُضُورِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْمِلْكِ وَدَعْوَاهُ، فَإِذَا أُخِّرَ رَدَدْنَاهُ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا الْمَالِ بَلْ أَلْزَمْنَاهُ الْمَالَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: زَنَيْت بِفُلَانَةَ أَوْ قَلَبَهُ وَهِيَ غَائِبَةٌ لَا يَدْرِي جَوَابَهَا يُحَدُّ، وَلَا يُسْتَأْنَى بِالْحَدِّ لِأَنَّ الثَّابِتَ هُنَاكَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَا تُعْتَبَرُ، وَفِي السَّرِقَةِ لَا تَثْبُتُ

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَبِالْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالسَّتْرِ، فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ لِاخْتِيَارِ السَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِضَغِينَةٍ هَيَّجَتْهُ أَوْ لِعَدَاوَةٍ حَرَّكَتْهُ فَيُتَّهَمُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لَا لِلسَّتْرِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا فَتَيَقَّنَّا بِالْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ، فَحَدُّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَيَكُونَ التَّقَادُمُ فِيهِ مَانِعًا، وَحَدُّ الْقَذْفِ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَالتَّقَادُمُ غَيْرُ مَانِعٍ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ، بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلًا إلَّا بِثُبُوتِ الْمَالِ، وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِالشَّهَادَةِ إلَّا بِالدَّعْوَى، وَإِنَّمَا يُحْبَسُ لِلتُّهْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الثَّابِتَ فِي غَيْبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الشُّبْهَةُ لِأَنَّ الثَّابِتَ احْتِمَالُ أَنْ يَقُولَ هُوَ مِلْكُهُ، وَقَوْلُهُ هُوَ مِلْكُهُ لَيْسَ شُبْهَةً بَلْ حَقِيقَةُ الْمُبَرِّئِ، بِخِلَافِ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ مَثَلًا لَوْ حَضَرَتْ لِأَنَّهُ نَفْسُ الشُّبْهَةِ فَاحْتِمَالُهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ ثَانِيًا بِأَنَّ بُطْلَانَ الشَّهَادَةِ بِالتَّقَادُمِ لَمَّا كَانَ لِلتُّهْمَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَأُقِيمَ التَّقَادُمُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ مَقَامَهَا فَلَا يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى وُجُودِ التُّهْمَةِ وَعَدَمِهَا، كَالرُّخْصَةِ لَمَّا كَانَتْ لِلْمَشَقَّةِ وَهِيَ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ أُدِيرَ عَلَى السَّفَرِ فَلَمْ يُلَاحَظْ بَعْدَ ذَلِكَ وُجُودُهَا وَلَا عَدَمُهَا فَتُرَدُّ بِالتَّقَادُمِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ بِالتَّقَادُمِ لَيْسَ إلَّا لِلتُّهْمَةِ، وَمَحَلُّ التُّهْمَةِ ظَاهِرٌ يُدْرِكُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنَاطَتِهِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَصِحُّ تَشْبِيهُهُ بِالْمَشَقَّةِ مَعَ السَّفَرِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ فَلَا تُمْكِنُ الْإِنَاطَةُ بِهِ فَنِيطَ بِمَا هُوَ مُنْضَبِطٌ، فَالْعُدُولُ لِلْحَاجَةِ لِلِانْضِبَاطِ وَلَا حَاجَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت: فَظَاهِرُ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ مَعَ رَدِّ الشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْحَدِّ فِيمَا لَوْ عَلِمَ الْمُدَّعِي بِالسَّرِقَةِ فَلَمْ يَدَّعِ إلَّا بَعْدَ حِينٍ فَشَهِدُوا فَإِنَّهُ لَا تُهْمَةَ بِتَأْخِيرِهِمْ، وَمَعَ هَذَا لَا يُقْطَعُ بَلْ يَضْمَنُ الْمَالَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ تُهْمَةٌ فَالرَّدُّ يُضَافُ إلَيْهَا، وَمَا لَمْ يَكُنْ فَإِلَى الْمُدَّعِي عَلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانَ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي السَّرِقَةِ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَا لِتُهْمَةٍ فِي الشُّهُودِ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطُ الْقَبُولِ بَلْ لِخَلَلٍ فِي الدَّعْوَى، فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ كَانَ مُخْبِرًا فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِذَا أُخِّرَ فَقَدْ اخْتَارَ السَّتْرَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَالْحَدُّ بَلْ بَقِيَ لَهُ حَقُّ دَعْوَى الْمَالِ فَقَطْ فَيُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ؛ كَمَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى السَّرِقَةِ يُقْضَى

لِلْحَدِّ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ لِلْمَالِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى كَوْنِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ التُّهْمَةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ، وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ تُقَامُ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ إعْلَامُهُ فَبِالْكِتْمَانِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا، ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ اهـ. فَيُجْعَلُ هَذَا الِاعْتِبَارُ فِيمَا إذَا كَانَ تَأْخِيرُ الشُّهُودِ الشَّهَادَةَ لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى بَعْدَ عِلْمِ صَاحِبِ الْمَالِ بِالسَّرِقَةِ، أَمَّا لَوْ أُخِّرُوا لَا لِتَأْخِيرِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الدَّعْوَى بَعْدَ عِلْمِهِ وَعِلْمِهِمْ بِعِلْمِهِ بِإِعْلَامِهِمْ أَوْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ شَهِدُوا فَالْوَجْهُ الْأَخِيرُ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ تُقَامُ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ إعْلَامُهُ، وَبِالْكِتْمَانِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا) يَقْتَضِي أَنْ تُرَدَّ فِي حَقِّ الْمَالِ أَيْضًا لِلْفِسْقِ، وَلَكِنْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بَعْدَ التَّقَادُمِ تَثْبُتُ التُّهْمَةُ الْمَانِعَةُ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَدِّ، لَكِنَّ السَّارِقَ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ لِعَدَمِ تَأْخِيرِ الدَّعْوَى بَعْدَ عِلْمِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، لَوْ هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ) وَقَوْلُ زُفَرَ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ بِعُذْرِ هَرَبِهِ وَقَدْ زَالَ الْعُذْرُ (وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ) أَيْ الِاسْتِيفَاءَ (مِنْ الْقَضَاءِ) بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ حُقُوقِ غَيْرِهِ. وَهَذَا لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اسْتِنَابَتُهُ تَعَالَى الْحَاكِمَ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِلَا شُبْهَةٍ فَكَانَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَضَاءِ، أَوْ هُوَ هُنَا إذْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّلَفُّظِ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ حَتَّى جَازَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِهِ، بِخِلَافِهِ فِي حُقُوقِ غَيْرِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ فِيهَا لِإِعْلَامِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِحَقِّيَّةِ حَقِّهِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ اسْتِيفَائِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُمَا فَإِنَّمَا هُوَ فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى اسْتِيفَاؤُهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قِيَامُ الشَّهَادَةِ شَرْطًا حَالَ الِاسْتِيفَاءِ، كَمَا هُوَ شَرْطٌ حَالَ الْقَضَاءِ بِحَقِّ غَيْرِهِ إجْمَاعًا، وَبِالتَّقَادُمِ لَمْ تَبْقَ الشَّهَادَةُ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ الِاسْتِيفَاءُ فَانْتَفَى، وَهَذَا رَدُّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ، فَإِنَّ كَوْنَ قِيَامِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ الْقَضَاءِ شَرْطًا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي مَعْنَى قِيَامِهَا، فَعِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَطْرَأْ مَا يَنْقُضُهَا مِنْ الرُّجُوعِ هِيَ قَائِمَةٌ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا ثُمَّ غَابُوا أَوْ مَاتُوا جَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَعِنْدَنَا قِيَامُهَا بِقِيَامِهِمْ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ وَالْحُضُورِ. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لَوْ سَلِمَ تَرَجَّحَ هَذَا لَكِنَّ التَّقَادُمَ إنَّمَا يَبْطُلُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَدَاءِ لِلتُّهْمَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ الشَّهَادَةُ بِلَا تَقَادُمٍ وَوَقَعَتْ صَحِيحَةً مُوجِبَةً فَاتِّفَاقِ تَقَادُمِ السَّبَبِ بِلَا تَوَانٍ مِنْهُمَا لَا يَبْطُلُ الْوَاقِعُ صَحِيحًا، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ رَدَّهَا أُنِيطَ بِالتَّقَادُمِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى التُّهْمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ يَجِبُ كَوْنُهُ

الْحُدُودِ. وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّقَادُمِ، وَأَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ حِينٍ، وَهَكَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْ فِي ذَلِكَ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، أَمَّا إذَا كَانَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ. وَالتَّقَادُمُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُنِيطَ بِتَقَادُمٍ عَنْ تَوَانٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ وَإِلَّا فَمَمْنُوعٌ، وَنَذْكُرُ فِيمَا يَلِي هَذِهِ الْقَوْلَةَ مَا فِيهِ زِيَادَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّقَادُمِ، وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ حَيْثُ قَالَ شَهِدُوا بَعْدَ حِينٍ) وَقَدْ جَعَلُوهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمْ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْهُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَهَدْنَا بِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقَدِّرَهُ لَنَا فَلَمْ يَفْعَلْ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ، فَمَا يَرَاهُ بَعْدَ مُجَانَبَةِ الْهَوَى تَفْرِيطًا تَقَادُمٌ، وَمَا لَا يُعَدُّ تَفْرِيطًا غَيْرُ تَقَادُمٍ، وَأَحْوَالُ الشُّهُودِ وَالنَّاسِ وَالْعُرْفِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِنَظَرٍ نُظِرَ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ فِيهَا تَأْخِيرٌ فَنَصْبُ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِشَهْرٍ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ) عَلَى مَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ لَا يَحْنَثُ وَبَعْدَهُ يَحْنَثُ (وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَمَأْخَذُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِمَّا فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ سَأَلَ الْقَاضِي الشُّهُودَ مَتَى زَنَى بِهَا فَقَالُوا مُنْذُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ أُقِيمَ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالُوا شَهْرٌ أَوْ أَكْثَرُ دُرِئَ عَنْهُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ: فَقَدَّرَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِشَهْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (وَهَذَا) أَعْنِي كَوْنَ الشَّهْرِ فَصَاعِدًا يَمْنَعُ قَبُولَهَا (إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَاضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، أَمَّا إذَا كَانَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ) بَعْدَ الشَّهْرِ (لِأَنَّ الْمَانِعَ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ)

عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَفُلَانَةُ غَائِبَةٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالْغَيْبَةِ تَنْعَدِمُ الدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا، وَبِالْحُضُورِ يُتَوَهَّمُ دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ نَظَرَ فِي هَذَا التَّقَادُمِ إلَى تَحَقُّقِ التُّهْمَةِ فِيهِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَرِيبٍ أَنَّهُ بَعْدَ مَا أُنِيطَ بِالتَّقَادُمِ لَا يُرَاعَى وُجُودُ التُّهْمَةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ الْمَانِعُ الْبُعْدَ أَوْ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ حَتَّى تَقَادَمَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ التَّقَادُمُ الْمُنَاطَ بِهِ بَلْ هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَذِهِ الْمَوَانِعُ مِنْ الشَّهَادَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ فِي الْمَعْنَى إلَى اعْتِبَارِ التَّقَادُمِ الْمُنَاطِ بِهِ مَا يَلْزَمُهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْفِسْقِ وَالتُّهْمَةِ، ثُمَّ هَذَا التَّقَادُمُ الْمُقَدَّرُ بِشَهْرٍ بِالِاتِّفَاقِ فِي غَيْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَمَّا فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ) فَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ بَعْدَهَا لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُمَا، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ) أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِغَائِبَةٍ يُحَدُّ الرَّجُلُ بِإِجْمَاعِهِمْ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِغَائِبَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَرَحِمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَنَقَلَ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُحَدُّ حَتَّى تَحْضُرَ الْمَرْأَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَدَّعِيَ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ مِنْ نِكَاحٍ مَثَلًا وَنَحْوِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْكُلِّ، وَسَيَظْهَرُ وَجْهُ بُطْلَانِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ. وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالْغَيْبَةِ تَنْعَدِمُ الدَّعْوَى وَالدَّعْوَى شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ) لِلْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّرِقَةِ تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِمِلْكِ الْمَسْرُوقِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالشَّهَادَةُ لِلْمَرْءِ عَلَى الْمَرْءِ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى وَلَيْسَتْ شَرْطًا لِثُبُوتِ الزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقِصَاصِ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ اسْتِيفَاؤُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَحْضُرَ فَيُقِرَّ بِالْعَفْوِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ بِزِنَا الْغَائِبَةِ فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ بَلْ الثَّابِتُ فِي صُورَةِ الْقِصَاصِ نَفْسُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ احْتِمَالُ الْعَفْوِ فَإِنَّ الْعَفْوَ لَيْسَ شُبْهَةً بَلْ حَقِيقَةُ الْمُسْقِطِ فَاحْتِمَالُهُ هُوَ الشُّبْهَةُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ لَوْ كَانَ الْعَفْوُ نَفْسُهُ شُبْهَةً فَيَكُونُ احْتِمَالُهُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ الْغَائِبَةِ فَإِنَّ نَفْسَ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ مَثَلًا شُبْهَةٌ، فَاحْتِمَالُ دَعْوَاهَا ذَلِكَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَاعْتِبَارُهَا بَاطِلٌ وَإِلَّا أَدَّى إلَى نَفْيِ كُلِّ حَدٍّ فَإِنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ، وَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، وَكَذَا الشُّهُودُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعُوا، فَلَوْ اُعْتُبِرَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ انْتَفَى كُلُّ حَدٍّ. وَجْهُ أَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ أَنَّ نَفْسَ رُجُوعِ الْمُقِرِّ وَالشَّاهِدِ شُبْهَةٌ لِأَنَّهُ

(وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا لَمْ يُحَدَّ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمَتُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَاسْتَكْرَهَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (وَقَالَا: يُحَدُّ الرَّجُلُ خَاصَّةً) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمُوجِبِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ، بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ طَوَاعِيَتَهَا شَرْطُ تَحَقُّقِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يَثْبُتْ لِاخْتِلَافِهِمَا. وَلَهُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَمِلُ كَذِبَهُ فِي الرُّجُوعِ فَاحْتِمَالُ الرُّجُوعِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ) فَلَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَيْتُمُوهَا مَعِي لَيْسَتْ زَوْجَتِي وَلَا أَمَتِي لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ، وَهَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ لَيْسَ إقْرَارًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَلَا يُحَدُّ، وَأَمَّا مَا قِيلَ وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا فَبِمَرَّةٍ لَا يُقَامُ الْحَدُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَرْبَعًا حُدَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ. قُلْنَا: الْإِنْسَانُ كَمَا لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ حَالَ الِاشْتِبَاهِ، فَلَمَّا أَقَرَّ بِالزِّنَا كَانَ فَرْعُ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ، وَصَارَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ أَعْرِفْهَا: أَيْ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا وَلَكِنْ عَلِمْتُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَكَانَ هَذَا كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ فَكَانَ قَوْلُهُ لَا يَعْرِفُهَا لَيْسَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ) حَاصِلُهَا أَنَّهُ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ إلَّا أَنَّ رَجُلَيْنِ قَالَا اسْتَكْرَهَهَا وَآخَرَيْنِ قَالَا طَاوَعَتْهُ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَقَالَا: يُحَدُّ الرَّجُلُ خَاصَّةً لِاتِّفَاقِهِمْ) أَيْ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ عَلَيْهِ، كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ وَفِي غَالِبِهَا لِاتِّفَاقِهِمَا: أَيْ الْفَرِيقَيْنِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ) أَيْ تَفَرَّدَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ مِنْهُ (هِيَ الْإِكْرَاهُ) وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ (بِخِلَافِ جَانِبِهَا لِأَنَّ طَوَاعِيَتَهَا شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَثْبُتْ) إذْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَتَعَارَضُوا، فَعَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا لِمَعْنًى غَيْرِ مُشْتَرِكٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا لَوْ زَنَى بِصَغِيرَةٍ مُشْتَهَاةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَرَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَقَالَ اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ اثْنَانِ عَلَى تَقْدِيرٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ طَائِعَةً؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ: أَيْ الزِّنَا يَكُونُ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُبَاشِرٌ لَهُ فَكَانَا مَشْهُودًا عَلَيْهِمَا فَيَجِبُ الْحَدَّانِ، وَوَاحِدٌ عَلَى تَقْدِيرٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً

وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا. وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ زِنَاهَا مُكْرَهَةً يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَصَارَا خَصْمَيْنِ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بِالْكُوفَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الزِّنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ خِلَافًا لِزُفَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ فَكَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَاحِدًا، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُخْرِجُ الْمَرْأَةَ مِنْ أَنْ تَكُونَ فَاعِلَةً لِلزِّنَا حُكْمًا، وَلِهَذَا لَا تَأْثَمُ بِالتَّمْكِينِ مُكْرَهَةً، فَاخْتِلَافُ الْفِعْلِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَوْرَثَ اخْتِلَافَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَاخْتِلَافُ الْفِعْلِ مِنْ أَقْوَى الشُّبْهَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي إسْقَاطِهِ عَنْ الرَّجُلِ لَيْسَ إلَّا اخْتِلَافُ الْفِعْلِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِذَلِكَ فَكَوْنُهُ يَسْتَلْزِمُ الشَّهَادَةَ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِنِصَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِحَدِّهِ عِنْدَهُمَا، وَلَا فَائِدَةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي إيرَادِ هَذَا الْكَلَامِ، بَلْ الَّذِي يُفِيدُهُ اخْتِلَافُ الْفِعْلِ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَاشْتِغَالُهُ بِزِيَادَةِ كَلَامٍ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَا يُفِيدُ فِي الْمَقْصُودِ فَائِدَةَ بَعِيدٍ، وَكَوْنُهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ مَشْهُودًا عَلَيْهَا مَعَهُ، وَالْفَرْضُ أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ وَهُوَ طَوَاعِيَتُهَا غَيْرُ ثَابِتٍ، فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مَفْرُوضٌ فَرْضًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا، وَلِذَا حَمَلَ شَارِحُ لَفْظَةِ عَلَيْهِ عَلَى بِهِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي فَقَالَ: وَلَهُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ اخْتَلَفَ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمَا: أَيْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا الِاخْتِلَافُ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي جَانِبِهَا فَيَكُونُ مُخْتَلِفًا فِي جَانِبِهِ ضَرُورَةً يَعْنِي أَنَّ الزِّنَا بِطَائِعَةٍ غَيْرُ الزِّنَا بِمُكْرَهَةٍ وَشَهَادَتُهُمْ بِزِنًا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَالشَّاهِدَانِ بِزِنَاهُ بِطَائِعَةٍ يَنْفِيَانِ زِنَاهُ بِمُكْرَهَةٍ وَالْآخَرَانِ يَنْفِيَانِ زِنَاهُ بِطَائِعَةٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ عَلَى خُصُوصِ الزِّنَا الْمُتَحَقِّقِ فِي الْخَارِجِ شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقُومُ بِهِمَا لَا يُرِيدُ قِيَامَ الْعَرْضِ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّهُ وَاحِدٌ بِالشَّخْصِ بَلْ إنَّهُ يَتَحَقَّقُ قِيَامُهُ، أَيْ وُجُودُهُ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ) لَمَّا انْدَرَأَ الْحَدُّ عَنْهَا (صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا) بِالزِّنَا (فَصَارَا خَصْمَيْنِ لَهَا) وَلَا شَهَادَةَ لِلْخَصْمِ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُحَدَّا حَدَّ الْقَذْفِ، لَكِنْ سَقَطَ بِشَهَادَةِ الْآخَرَيْنِ بِزِنَاهُ مُكْرَهَةً، فَإِنَّ الزِّنَا مُكْرَهًا يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَالْإِحْصَانُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، فَلَمَّا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي حَقِّهَا سَقَطَتْ فِي حَقِّهِ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْفِعْلِ فَصَارَ عَلَى زِنَاهُ شَاهِدَانِ فَلَا يُحَدُّ، وَهَذَا الِاعْتِذَارُ فِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرَ فِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَجِبْ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ مُخْرِجٌ لِكَلَامِهِمْ عَنْ كَوْنِهِ قَذْفًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا لَكِنْ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ أَسْقَطَاهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ إلَخْ) أَيْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا اثْنَانِ مِنْهُمْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ وَالْآخَرَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ (دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الزِّنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ) لِأَنَّ الزِّنَا بِالْكُوفَةِ لَيْسَ هُوَ الزِّنَا بِالْبَصْرَةِ (وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ (وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ)

لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصُّورَةِ وَالْمَرْأَةِ (وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) مَعْنَاهُ: أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَى فِي زَاوِيَةٍ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالِانْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ، أَوْ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبُهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدُ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْقَذْفِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ، فَعِنْدَهُ يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَمَّا لَمْ يَتَكَامَلْ بِكُلِّ زِنًا صَارُوا قَذَفَةً، كَمَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً شَهِدُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ. قُلْنَا: كَلَامُهُمْ وَقَعَ شَهَادَةً لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَتَمَّ الْعَدَدُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ شُبْهَةَ الِاتِّحَادِ فِي نِسْبَةِ الزِّنَا لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَصِيغَةُ الشَّهَادَةِ ثَابِتَةٌ وَبِذَلِكَ حَصَلَ شُبْهَةُ اتِّحَادِ الزِّنَا الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ عَنْهُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الزِّنَا شُبْهَةً أَوْجَبَتْ الدَّرْءَ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَفِي الْقَذْفِ شُبْهَةٌ أَوْجَبَتْ الدَّرْءَ عَنْ الشُّهُودِ. قَالَ قَاضِي خَانَ: وَكَلَامُنَا أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] وَقَدْ وُجِدَ الْإِتْيَانُ بِأَرْبَعَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتِ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَا فِي زَاوِيَةٍ وَهَذَا) أَعْنِي حَدَّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ (اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَدُّوا) لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً، وَبِهِ يَخْتَلِفُ الْفِعْلُ الْمَشْهُودُ بِهِ فَتَصِيرُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ الْبَلَدَيْنِ وَالدَّارَيْنِ، وَالْقِيَاسُ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ حَيْثُ نَسَبُوهُ إلَى بَيْتِ وَاحِدٍ صَغِيرٍ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَعْيِينُهُمْ زَوَايَاهُ وَاخْتِلَافُهُمْ فِيهَا لَا يُوجِبُ تُعَدَّدَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْبَيْتَ إذَا

(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بِالنُّخَيْلَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِدَيْرِ هِنْدٍ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمْ جَمِيعًا) أَمَّا عَنْهُمَا فَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ غَيْرِ عَيْنٍ، وَأَمَّا عَنْ الشُّهُودِ فَلِاحْتِمَالِ صِدْقِ كُلِّ فَرِيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ صَغِيرًا وَالْفِعْلُ وَسَطَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي جِهَةٍ يَظُنُّ أَنَّهُ إلَيْهِ أَقْرَبُ فَيَقُولُ: إنَّهُ فِي الزَّاوِيَةِ الَّتِي تَلِيهِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ هَذَا فَكَانَ كَالدَّارَيْنِ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ صُورَةً لَا حَقِيقَةً أَوْ حَقِيقَةً وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ، بِأَنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ ثُمَّ صَارَ إلَى أُخْرَى بِتَحَرُّكِهِمَا عِنْدَ الْفِعْلِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفُوا نَقْلَهُ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا قَائِمٌ فِي الْبَلْدَتَيْنِ. نَعَمْ إنَّمَا هُمْ مُكَلَّفُونَ بِأَنْ يَقُولُوا مَثَلًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْوَجْهُ مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَوْفِيقٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَهُوَ احْتِيَاطٌ فِي الْإِقَامَةِ وَالْوَاجِبُ دَرْؤُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّوْفِيقَ مَشْرُوعٌ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ التَّعْطِيلِ، فَإِنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ قُبِلُوا مَعَ احْتِمَالِ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى زِنَاهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ، وَقَبُولُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِ الزِّنَا الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي شَهَادَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاخْتِلَافُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَفِي هَذِهِ مَسْكُوتٌ عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّوْفِيقَ مَشْرُوعٌ فِي كُلٍّ مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمَنْصُوصِ وَالْمَسْكُوتِ. وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا اخْتَلَفُوا فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ أَوْ فِي السِّمَنِ وَالْهُزَالِ أَوْ فِي أَنَّهَا بَيْضَاءُ أَوْ سَمْرَاءُ أَوْ عَلَيْهَا ثَوْبٌ أَحْمَرُ أَوْ أَسْوَدُ تُقْبَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا شَهِدُوا، فَاخْتَلَفُوا فِي الْإِكْرَاهِ وَالطَّوَاعِيَةِ، فَإِنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ كُرْهًا وَانْتِهَاؤُهُ طَوَاعِيَةً. قَالَ فِي الْكَافِي: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ كُرْهًا إذَا كَانَ عَنْ إكْرَاهٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِانْتِهَاءِ يَجِبُ، فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَهُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الزَّاوِيَتَيْنِ يَجِبُ فَافْتَرَقَا (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِالنُّخَيْلَةِ) بِالنُّونِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَصْغِيرُ نَخْلَةٍ مَكَانٌ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ، وَقَدْ يُقَالُ بَجِيلَةٌ بِالْبَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْجِيمِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ اسْمُ قَبِيلَةٍ بِالْيَمَنِ (وَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِدَيْرِ هِنْدٍ فَلَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، أَمَّا عَنْهُمَا فَلِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ غَيْرِ عَيْنٍ) إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الزِّنَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ فَلَا يَجِبُ حَدُّهُمَا بِالشَّكِّ، وَأَمَّا فِي الشُّهُودِ فَلِلتَّيَقُّنِ بِصِدْقِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يُحَدُّونَ بِالشَّكِّ، فَلَوْ كَانَ الْمَكَانَانِ مُتَقَارِبَيْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ يَصِحُّ كَوْنُ الْأَمْرَيْنِ فِيهِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ يُقَالُ لِوَقْتٍ مُمْتَدٍّ امْتِدَادًا عُرْفِيًّا لَا أَنَّهُ يَخُصُّ أَنَّ ظُهُورَهَا مِنْ الْأُفُقِ، وَيَحْتَمِلُ تَكْرَارَ الْفِعْلِ. وَدَيْرُ هِنْدٍ: دَيْرٌ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ، وَهِنْدٌ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ مَاءِ السَّمَاءِ كَانَتْ تَرَهَّبَتْ وَبَنَتْ هَذَا الدَّيْرَ وَأَقَامَتْ بِهِ، وَخَطَبَهَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَيَّامَ إمَارَتِهِ عَلَى الْكُوفَةِ فَقَالَتْ: وَالصَّلِيبُ مَا فِي رَغْبَةٍ لِجَمَالٍ وَلَا كَثْرَةِ مَالٍ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَخِرَ بِنِكَاحِي فَيَقُولَ: نَكَحْت بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَإِلَّا فَأَيُّ رَغْبَةٍ لِشَيْخٍ أَعْوَرَ فِي عَجُوزٍ عَمْيَاءَ؟ فَصَدَّقَهَا الْمُغِيرَةُ وَقَالَ فِي ذَلِكَ: أَدْرَكْت مَا مَنَّيْت نَفْسِي خَالِيًا ... لِلَّهِ دَرُّك يَا ابْنَةَ النُّعْمَانِ فَلَقَدْ رَدَدْت عَلَى الْمُغِيرَةِ دَهْيَةً ... إنَّ الْمُلُوكَ ذَكِيَّةُ الْأَذْهَانِ

(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا وَهِيَ بِكْرٌ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَعَنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّسَاءَ نَظَرْنَ إلَيْهَا فَقُلْنَا إنَّهَا بِكْرٌ، وَشَهَادَتُهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي إيجَابِهِ فَلِهَذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُمْ عُمْيَانٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ) وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَالُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْحَدُّ وَهُمْ لَيْسُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQإنِّي لِحَلِفِك بِالصَّلِيبِ مُصَدِّقٌ ... وَالصَّلْبُ أَصْدَقُ حَلْفَةِ الرُّهْبَانِ وَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُهَا فَسَأَلَهَا يَوْمًا عَنْ حَالِهَا فَقَالَتْ: فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا ... إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَنْتَصِفُ فَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا ... تُقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتُصَرَّفُ ذَكَرَ هَذَا ابْنُ الشَّجَرِيِّ فِي أَمَالِيهِ عَلَى الْقَصِيدَةِ الْمَنَازِلِيَّةِ لِلشَّرِيفِ الرَّضِيِّ الَّتِي أَوَّلُهَا: مَا زِلْت أَطْرُقُ الْمَنَازِلَ بِاللَّوَى ... حَتَّى نَزَلْت مَنَازِلَ النُّعْمَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ رَأَيْت بِدَيْرِ هِنْدٍ مَنْزِلًا ... أَلْمَى مِنْ الضَّرَّاءِ وَالْحِدْثَانِ أَغْضَى كَمُسْتَمِعِ الْهَوَانِ تَغَيَّبَتْ ... أَنْصَارُهُ وَخَلَا عَنْ الْأَعْوَانِ بَالِي الْمَعَالِمِ أَطْرَقْت شُرُفَاتُهُ ... إطْرَاقَ مُنْجَذِبِ الْقَرِينَةِ عَانِ وَذَكَرْت مَسْحَبَهَا الرِّيَاطَ بِجَوِّهِ ... مِنْ قَبْلِ بَيْعِ زَمَانِهَا بِزَمَانِ وَبِمَا تَرُدُّ عَلَى الْمُغِيرَةِ دَهْيَهُ ... نَزْعَ النَّوَارِ بَطِيئَةَ الْإِذْعَانِ وَالنَّوَارُ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي تَنْفِرُ مِنْ الرِّيبَةِ، يُقَالُ نَارَتْ الْمَرْأَةُ تَنُورُ نُورًا إذَا نَفَرَتْ عَنْ الْقَبِيحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا وَهِيَ بِكْرٌ) بِأَنْ نَظَرَ النِّسَاءُ إلَيْهَا فَقُلْنَ هِيَ بِكْرٌ (دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا (وَعَنْهُمْ) أَيْ وَيُدْرَأُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ الشُّهُودِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ، أَمَّا الدَّرْءُ عَنْهُمَا فَلِظُهُورِ كَذِبِ الشُّهُودِ إذْ لَا بَكَارَةَ مَعَ الزِّنَا، وَقَوْلُ النِّسَاءِ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَتَثْبُتُ بَكَارَتُهَا بِشَهَادَتِهِنَّ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ تُعَارِضْ شَهَادَتُهُنَّ شَهَادَتَهُمْ تَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ بَكَارَتُهَا، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنْ تَعُودَ الْعُذْرَةُ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي إزَالَتِهَا فَلَا يُعَارِضُ شَهَادَةَ الزِّنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْحَدُّ، وَإِنْ عَارَضَتْ بِأَنْ لَا يَتَحَقَّقَ عَوْدُ الْعُذْرَةِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ شَهَادَتُهُنَّ لِأَنَّهَا لَا تَقْوَى قُوَّةَ شَهَادَتِهِمْ. قُلْنَا: سَوَاءٌ انْتَهَضَتَ مُعَارَضَةٌ أَوْ لَا لَا بُدَّ أَنْ تُورَثَ شُبْهَةٌ بِهَا يَنْدَرِئُ، وَلِذَا يَسْقُطُ بِقَوْلِهِنَّ هِيَ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ وَيَقِلُّ فِي ذَلِكَ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا عَنْ الشُّهُودِ فَلِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِمْ لِقَوْلِهِنَّ فَقَوْلُهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ بِكَذِبِهِمْ لِجَوَازِ صِدْقِهِمْ وَتَكُونُ الْعُذْرَةُ قَدْ عَادَتْ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي إزَالَتِهَا بِالزِّنَا أَوْ لِكَذِبِهِنَّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُمْ عُمْيَانٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ يُحَدُّ الشُّهُودُ وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ) الْأَصْلُ أَنَّ الشُّهُودَ بِاعْتِبَارِ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ أَنْوَاعٌ:

مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ فَلَمْ تَثْبُتْ شُبْهَةُ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْأَدَاءِ (وَإِنْ شَهِدُوا بِذَلِكَ وَهُمْ فُسَّاقٌ أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ فُسَّاقٌ لَمْ يُحَدُّوا) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ. وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ يَنْفُذُ عِنْدَنَا، وَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا، وَبِاعْتِبَارِ قُصُورٍ فِي الْأَدَاءِ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ يَثْبُتُ شُبْهَةُ عَدَمِ الزِّنَا فَلِهَذَا امْتَنَعَ الْحَدَّانِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَهُوَ كَالْعَبْدِ عِنْدَهُ (وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ لَا حِسْبَةَ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَهُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْعَدْلُ. وَأَهْلٌ لَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْقُصُورِ كَالْفُسَّاقِ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَمُقَابِلُ الْقِسْمَيْنِ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ وَلَا لِلْأَدَاءِ وَهُمْ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ وَالْكُفَّارُ. وَأَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ لَا الْأَدَاءِ كَالْمَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَالْعُمْيَانِ. فَالْأَوَّلُ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِ وَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِهَا، وَالثَّانِي يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهَا لِيَظْهَرَ صِدْقُهُ أَوْ لَا فَلَا، وَالثَّالِثُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا حَتَّى لَمْ يُعْتَبَرْ فِيمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لِلْأَدَاءِ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِمَا وَشَهَادَتِهِمَا، وَالرَّابِعُ يُعْتَبَرُ فِي هَذَا فَصَحَّ النِّكَاحُ بِحُضُورِ الْعُمْيَانِ وَالْقَذَفَةِ وَلَوْ شَهِدُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَدَمُ الْحَدِّ لِلزِّنَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ: أَيْ الْعُمْيَانِ وَالْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ مَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ كَالْمَالِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهَا مَا لَا يَثْبُتُ مَعَهَا مِنْ الْحُدُودِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعُمْيَانَ وَالْمَحْدُودِينَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْأَدَاءِ، وَالْعَبْدَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ أَيْضًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا لِأَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْأَدَاءِ فَصَارُوا قَذَفَةً فَيُحَدُّونَ، بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى الزِّنَا لَا يُحَدُّونَ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلُوا لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْأَدَاءِ مَعَ قُصُورٍ، حَتَّى لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ نَفَذَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فَاحْتَطْنَا فِي الْحَدِّ فَسَقَطَ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الثُّبُوتِ وَعَنْ الشُّهُودِ لِثُبُوتِ شُبْهَةِ الثُّبُوتِ، وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ أَرْبَعَةٍ) بِأَنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَأَقَلَّ (حُدُّوا) حَدَّ الْقَذْفِ: يَعْنِي إذَا طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَتَوَقَّفَ عَلَى طَلَبِهِ، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَحِينَ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعُ بْنُ عَلْقَمَةَ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَلَمْ تَكْمُلْ بِشَهَادَةِ زِيَادٍ حُدَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثَّلَاثَةُ الشُّهُودِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا،

نُقْصَانِ الْعَدَدِ وَخُرُوجِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْقَذْفِ بِاعْتِبَارِهَا (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَضُرِبَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ الشُّهُودُ ثَلَاثَةٌ (وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَرْشُ الضَّرْبِ، وَإِنْ رُجِمَ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: أَرْشُ الضَّرْبِ أَيْضًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ جَرَحَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ، وَعَلَى هَذَا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ. لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقُ الضَّرْبِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْجَرْحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ فَيَنْتَظِمُ الْجَارِحُ وَغَيْرُهُ فَيُضَافُ إلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ بِالرُّجُوعِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ تَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ فَصَارَ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَرْبَعَةُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ وَاسْمُ أُمِّهِمْ سُمَيَّةُ. وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلِأَنَّ اللَّفْظَ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَذْفٌ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْقَذْفِ إذَا اُعْتُبِرَ شَهَادَةً، وَلَا يُعْتَبَرُ شَهَادَةً إلَّا إذَا كَانُوا نِصَابًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَضُرِبَ بِشَهَادَتِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا حُدَّ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ جَلْدًا فَجَرَحَهُ الْحَدُّ أَوْ مَاتَ مِنْهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ إيَّاهُ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْضُ الشُّهُودِ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ أَعْمَى أَوْ كَافِرًا فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ حِينَئِذٍ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَمَتَى كَانُوا أَقَلَّ حُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: أَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَدِيَةُ النَّفْسِ فِيمَا إذَا مَاتَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْحَدُّ الرَّجْمَ فَرُجِمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُ الشُّهُودِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَى هَذَا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ) يَعْنِي بَعْدَ مَا ضُرِبَ فَجُرِحَ أَوْ مَاتَ (لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ) أَرْشَ الْجِرَاحَةِ إنْ لَمْ يَمُتْ وَالدِّيَةَ إنْ مَاتَ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ كُلَّ الْحُسْنِ لَفْظ وَعَلَى هَذَا هُنَا لِأَنَّ مِثْلَهُ يُقَالُ إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي الْمُشَارِ إلَيْهَا كَالْخِلَافِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ هُوَ أَنَّ الْأَرْشَ وَالدِّيَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَيْسَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ وَهُنَا عِنْدَهُمَا عَلَى الشُّهُودِ، وَعِنْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: الْأَرْشُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ مُطْلَقُ الضَّرْبِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْجَرْحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ فَيَنْتَظِمُ الْخَارِجُ وَغَيْرُهُ فَيُضَافُ) الْجُرْحُ وَالْمَوْتُ (إلَى شَهَادَتِهِمْ) فَصَارُوا كَالْمُبَاشِرِينَ لِمَا أَوْجَبُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ فَرُجُوعُهُمْ اعْتِرَافٌ بِأَنَّهُمْ جُنَاةٌ فِي شَهَادَتِهِمْ، كَمَنْ ضَرَبَ شَخْصًا بِسَوْطٍ فَجَرَحَهُ أَوْ مَاتَ، وَكَشُهُودِ الْقِصَاصِ وَالْقَطْعِ إذَا رَجَعُوا، هَذَا إذَا رَجَعُوا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْجِعُوا بَلْ ظَهَرَ بَعْضُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا إلَخْ وَهُوَ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُونُوا مُعْتَرِفِينَ بِجِنَايَتِهِمْ فَيَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ إلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ الْآمِرُ لَهُ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ عِنْدَ صِحَّةِ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْجَلْدُ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ جَارِحٍ وَلَا مُهْلِكٍ، فَلَا يَقَعُ جَارِحًا ظَاهِرًا إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ وَهُوَ قِلَّةُ هِدَايَتِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا لَمْ يُحَدَّ) لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الشُّبْهَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَحَمُّلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرِ فَكَأَنَّهُ ضَرَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ظَهَرَ خَطَؤُهُ، وَفِيهِ يَكُونُ الضَّمَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِنَفْسِهِ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ الَّتِي لَحِقَتْهُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ لَهُمْ فِي مَالِهِمْ، وَصَارَ الْجُرْحُ وَالْمَوْتُ مِنْ الْجَلْدِ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ إذَا قَضَى بِهِ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عِنْدَ ظُهُورِ الشُّهُودِ مَحْدُودِينَ أَوْ عَبِيدًا إلَخْ فِي بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ هُوَ الْحَدُّ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ جَارِحٍ وَلَا مُهْلِكٍ) فَتَضَمَّنَ هَذَا مَنْعَ قَوْلِهِمَا: الْوَاجِبُ مُطْلَقُ الضَّرْبِ، وَقَوْلُهُمَا فِي إثْبَاتِهِ: إنَّ الِاحْتِزَازَ عَنْ الْجَارِحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ مَمْنُوعٌ بَلْ مُمْكِنٌ غَيْرُ عَسِرٍ أَيْضًا (وَلَا يَقَعُ جَارِحًا إلَّا لِحَرْقِ الضَّارِبِ وَقِلَّةِ هِدَايَتِهِ وَتَرْكِ احْتِيَاطِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ) فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الشُّهُودِ وَلَا الْقَاضِي، بِخِلَافِ الرَّجْمِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ قَضَى بِهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ ظَهَرَ خَطَؤُهُ وَمَصْلَحَةُ عَمَلِهِ لِلْعَامَّةِ فَيَكُونُ مُوجِبُ ضَرَرِ خَطَئِهِ عَلَيْهِمْ فِي مَا لَهُمْ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ. أَمَّا الْجَلْدُ الْجَارِحُ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فَيَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْجَلَّادِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ، فَلَوْ ضَمَّنَّاهُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْغَرَامَةُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ وَلَا عَلَى الْقَاضِي لِتَثْبُتَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَمْ تَجِبْ أَصْلًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ فَلَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهَذَا الْوَجْهِ بَلْ بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ لَا جَارِحٍ وَلَا كَاسِرٍ وَلَا قَاتِلٍ، فَإِذَا وُجِدَ فِعْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. رَجَعَ مُتَعَدِّيًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ جَعْلِهِ احْتِرَازًا عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْخِلَافِ فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا لَمْ يُحَدَّ لِمَا فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ (مِنْ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ) لِتَحَقُّقِهَا فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي تَحْمِيلِ الْأُصُولِ، وَفِي نَقْلِ الْفُرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِهَا إذَا تَكَامَلَتْ شُرُوطُهَا، وَنَحْنُ بَيَّنَّا زِيَادَةَ الشُّبْهَةِ وَهِيَ، وَإِنْ لَمْ تُمْنَعْ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ

(فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُونَ فَشَهِدُوا عَلَى الْمُعَايَنَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا) مَعْنَاهُ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَدْ رُدَّتْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ فِي عَيْنِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ بِالْأَمْرِ وَالتَّحْمِيلِ، وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَامْتِنَاعُ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ عَلَيْهِ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ. وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا لِإِيجَابِهِ (وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَرُجِمَ فَكُلَّمَا رَجَعَ وَاحِدٌ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ الرَّاجِعِ رُبْعَ الْحَقِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَسَنُبَيِّنُهُ فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْحَدُّ فَمَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْعَ اعْتَبَرَ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَلْزَمَ الْقَضَاءَ بِمُوجِبِهَا فِي الْمَالِ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ اعْتِبَارُهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ صَحِيحَةٌ لِذَلِكَ وَلَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الْحُدُودِ لِزِيَادَةِ شُبْهَةٍ فِيهَا فَعُلِمَ أَنَّ الشَّهَادَةَ مَعَ زِيَادَةِ مِثْلِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ مُعْتَبَرَةٌ إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَسَبَبُهُ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهَا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ رَدُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ الشَّهَادَةِ كَمَا رُدَّتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهَا، وَلِأَنَّهَا بَدَلٌ وَاعْتِبَارُ الْبَدَلِ فِي مَوْضِعٍ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ لَا فِيمَا يُحْتَاطُ فِي إبْطَالِهِ (فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُونَ) يَعْنِي الْأُصُولَ (فَشَهِدُوا بِالْمُعَايَنَةِ) بِنَفْسِ مَا شَهِدَ بِهِ الْفُرُوعُ مِنْ الزِّنَا فَعِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا (لِأَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ الْأُصُولِ قَدْ رَدَّهَا الشَّرْعُ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّهِ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ فِي عَيْنِ الْحَادِثَةِ) الَّتِي شَهِدَ بِهَا الْأُصُولُ (إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ) فَصَارَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا (ثُمَّ لَا يُحَدُّ الشُّهُودُ) الْأُصُولُ وَلَا الْفُرُوعُ (لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ) فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ قَذْفًا، غَيْرَ أَنَّهُ امْتَنَعَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا لِإِيجَابِهِ فَلَا يُوجِبُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الشُّهُودِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَرُجِمَ) حَاصِلُ وُجُوهِ رُجُوعِ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ: إمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كُلَّهَا، فَذَكَرَ أَوَّلًا مَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ وَهُوَ الرَّجْمُ مَثَلًا، وَأَنَّ حُكْمَهُ أَنَّهُ وَحْدَهُ يَغْرَمُ رُبْعَ الدِّيَةِ. أَمَّا غَرَامَةُ رُبْعِ الدِّيَةِ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَيَكُونُ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ الرَّاجِعِ رُبْعَهَا لِإِتْلَافِهِ بِهَا رُبْعَ النَّفْسِ حُكْمًا فَيَضْمَنُ بَدَلَ الرُّبْعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْقَتْلُ لَا الْمَالُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ أَنَّهُمْ إذَا رَجَعُوا يُقْتَلُونَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَسَنُبَيِّنُهُ فِي الدِّيَاتِ) قِيلَ وَقَعَتْ الْحَوَالَةُ غَيْرَ رَائِجَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ وَأَمَّا حَدُّ الرَّاجِعِ وَحْدَهُ فَمَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يَحُدُّهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَاذِفَ حَيٍّ بِرُجُوعِهِ فَقَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يُورَثُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ فَيُورَثُ شُبْهَةً، وَإِنْ كَانَ قَاذِفَ مَيِّتٍ فَهُوَ مَرْجُومٌ بِحُكْمِ

لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّاجِعُ قَاذِفَ حَيٍّ فَقَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ قَاذِفَ مَيِّتٍ فَهُوَ مَرْجُومٌ بِحُكْمِ الْقَاضِي فَيُورِثُ ذَلِكَ شُبْهَةً. وَلَنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَنْقَلِبُ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ بِهِ تُفْسَخُ شَهَادَتُهُ فَجُعِلَ لِلْحَالِ قَذْفًا لِلْمَيِّتِ وَقَدْ انْفَسَخَتْ الْحُجَّةُ فَيَنْفَسِخُ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِقِيَامِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِي وَحُكْمُهُ بِرَجْمِهِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي إحْصَانِهِ وَلِهَذَا لَا يُحَدُّ الْبَاقُونَ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: وَلَنَا إلَخْ) حَاصِلُهُ اخْتِيَارُ الشِّقِّ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ قَذْفُ مَيِّتٍ ثُمَّ نَفَى الشُّبْهَةَ الدَّارِئَةَ لِحَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ، أَمَّا إنَّهُ قَذْفُ مَيِّتٍ فَلِأَنَّ بِالرُّجُوعِ تَنْفَسِخُ شَهَادَتُهُ فَتَصِيرُ قَذْفًا لِلْحَالِ لَا أَنَّهُ بِالرُّجُوعِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ كَانَتْ قَذْفًا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا حِينَ وَقَعَتْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً شَهَادَةً غَيْرَ أَنَّ بِالرُّجُوعِ تَنْفَسِخُ فَتَصِيرُ قَذْفًا لِلْحَالِ، كَمَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ ثُمَّ وَجَدَ الشَّرْطَ بَعْدَ سَنَةٍ فَوَقَعَ يَقَعُ الْآنَ لَا أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَقَعَ حِينَ التَّكَلُّمِ بِهِ، وَكَذَا إذَا فَسَخَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ مَعَ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا بَعْدَ الْحَدِّ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِعَ وَغَيْرَهُ قَذَفَةٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ فَكَانَ عَدَدُ الشُّهُودِ نَاقِصًا فَيُحَدُّونَ، وَإِنَّمَا لَا يُحَدُّونَ مِنْ بَعْدِ الرَّجْمِ عِنْدَ ظُهُورِ أَحَدِهِمْ عَبْدًا لِأَنَّهُ قَذَفَ حَيًّا فَمَاتَ، وَأَمَّا إنَّ كَوْنَهُ مَرْجُومًا لَيْسَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ دَارِئَةً لِلْحَدِّ عَنْهُ، فَلِأَنَّهُ لَمَّا انْفَسَخَتْ الْحُجَّةُ انْفَسَخَ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ بِرَجْمِهِ فِي حَقِّهِ بِزَعْمِهِ وَاعْتِرَافِهِ، فَإِذَا انْفَسَخَ تَلَاشَى فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَكِنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ خَاصَّةً فَلَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلِذَا حُدَّ الرَّاجِعُ وَلَمْ يُحَدَّ غَيْرُهُ لَوْ قَذَفَهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمَّا كَانَ قَائِمًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ صَارَ الْمَرْجُومُ غَيْرَ مُحْصَنٍ فِي حَقِّهِ. ثُمَّ

(فَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حُدُّوا جَمِيعًا وَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حُدَّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ، كَمَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا جَمِيعًا. وَقَالَ زُفَرُ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ (فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِمَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رُجُوعَ الْوَاحِدِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا حَتَّى رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ (حُدُّوا جَمِيعًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَزُفَرُ: (يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ) فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إلَى وُقُوعِهَا قَذْفًا. فَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فَفَسْخُ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً كَالرُّجُوعِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ) أَيْ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ (مِنْ الْقَضَاءِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ كَوْنِ الْإِمْضَاءِ مِنْ الْقَضَاءِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ التَّقَادُمِ فَكَانَ رُجُوعُهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَرُجُوعِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ كَوْنِ الْإِمْضَاءِ مِنْ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا اعْتَرَضَتْ أَسْبَابُ الْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ أَوْ سُقُوطُ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ أَوْ عَزْلُ الْقَاضِي يَمْتَنِعُ اسْتِيفَاءُ حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ رُجُوعَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَقَالَ: (وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا جَمِيعًا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَقَالَ زُفَرُ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً) لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَامِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَتَبْقَى شَهَادَتُهُمْ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لَا تَنْقَلِبُ قَذْفًا (وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ) وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَبَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كَلَامُهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً مَا دَامَ بِصِفَةِ إيجَابِهِ الْقَضَاءَ عَلَى الْقَاضِي وَبِالرُّجُوعِ انْتَفَى فَكَانَ قَذْفًا، وَهَذَا لِأَنَّ كَوْنَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْقَذْفِ إلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِاتِّصَالِهِ بِحَقِيقَةِ الْقَضَاءِ مِمَّا يُمْنَعُ. إذَا عُرِفَ هَذَا قُلْنَا: لَوْ امْتَنَعَ الرَّابِعُ عَنْ الْأَدَاءِ يُحَدُّ الثَّلَاثَةُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِسُكُوتِ الرَّابِعِ بَلْ بِنِسْبَةِ الثَّلَاثَةِ إيَّاهُ إلَى الزِّنَا قَوْلًا، فَكَذَا إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمْ يُحَدُّ ثَلَاثَتُهُمْ بِقَوْلِهِمْ زَنَى (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً) عَطْفٌ عَلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ (فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ) أَيْ بَعْدَ الرَّجْمِ (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا حَدَّ وَلَا غَرَامَةَ (لِأَنَّهُ بَقِيَ) بَعْدَ رُجُوعِهِ (مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ سِوَى قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ (وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ) مَعَ الْأَوَّلِ (حُدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) وَلِلشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُمَا إنْ قَالَا: أَخْطَأْنَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا قِسْطُهُمَا مِنْ الدِّيَةِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ: فِي وَجْهٍ خُمُسَاهَا، وَفِي وَجْهٍ رُبْعُهَا كَقَوْلِنَا وَلَوْ قَالَا: تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ يُقْتَلَانِ (أَمَّا الْحَدُّ فَلِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ تَنْقَلِبُ قَذْفًا لِلْحَالِ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ

وَأَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، وَالْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ عَلَى مَا عُرِفَ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ مَجُوسٌ أَوْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ (وَقَالَا هُوَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ، لَهُمَا أَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي عِنْدَ رُجُوعِ الثَّانِي تَنْفَسِخُ شَهَادَتُهُمَا قَذْفًا لِعَدَمِ بَقَاءِ تَمَامِ الْحُجَّةِ بَعْدَ رُجُوعِ الثَّانِي، لَا أَنَّ رُجُوعَ الثَّانِي هُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، (وَأَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَالْمُعْتَبَرُ) فِي قَدْرِ لُزُومِ الْغَرَامَةِ (بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ) لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ عَلَى مَا عُرِفَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَزُكُّوا) أَيْ بِأَنْ قَالَ الْمُزَكُّونَ: هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ، أَمَّا لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى قَوْلِهِمْ عُدُولٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَكِّينَ بِالِاتِّفَاقِ إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا، فَإِذَا زُكُّوا كَمَا قُلْنَا فَرُجِمَ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْضُهُمْ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَإِمَّا أَنْ يَسْتَمِرَّ الْمُزَكُّونَ عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ قَائِلِينَ هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اتِّفَاقًا، وَمَعْنَاهُ بَعْدَ ظُهُورِ كُفْرِهِمْ حُكْمُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا طَرَأَ كُفْرُهُمْ بَعْدُ، وَإِنْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُونَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَمْ يَبْقَ لِصُورَةِ الرُّجُوعِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ إلَّا أَنْ يَقُولُوا تَعَمَّدْنَا فَقُلْنَا هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ مَعَ عِلْمِنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا: تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ فِي صُورَةِ الرُّجُوعِ الْخِلَافِيَّةِ قَوْلَيْنِ أَنْ يَرْجِعُوا بِهَذَا الْوَجْهِ أَوْ بِأَعَمَّ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (لَهُمَا أَنَّهُمْ) لَوْ ضَمِنُوا لَكَانَ ضَمَانَ عُدْوَانٍ وَهُوَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ التَّسَبُّبِ وَعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا التَّسَبُّبُ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ الزِّنَا وَهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهُ

أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ شَهِدُوا بِإِحْصَانِهِ. وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً عَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ، فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدُوا بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَخْبَرُوا، وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ وَظَهَرُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً، وَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا (أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ) فَكَمَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ بَعْدَ رَجْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهِ إذَا ظَهَرَ غَيْرَ مُحْصَنٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا السَّبَبَ كَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الْمُزَكُّونَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا (إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً) مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ بِالرَّجْمِ عَلَى الْحَاكِمِ (بِالتَّزْكِيَةِ، فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ) لِلْإِتْلَافِ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ مُوجِبِيَّةَ الشَّهَادَةِ لِلْحُكْمِ بِهِ، وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ كَالْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا عَلَى مَا عُرِفَ، بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ وَلَا لِتَغْلِيظِهَا بَلْ الزِّنَا هُوَ الْمُوجِبُ فَعِنْدَ الْإِحْصَانِ يُوجِبُهَا غَلِيظَةً لِأَنَّهُ كُفْرَانُ نِعْمَةِ اللَّهِ فَلَمْ تُضَفْ الْعُقُوبَةُ إلَى نَفْسِ الْإِحْصَانِ الَّذِي هُوَ النِّعْمَةُ بَلْ إلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ الشَّهَادَةَ بِثُبُوتِ عَلَامَةٍ عَلَى اسْتِحْقَاقِ تَغْلِيظِ الْعُقُوبَةِ، وَالسَّبَبُ وَضْعُ الْكُفْرَانِ فِي مَوْضِعِ الشُّكْرِ، ثُمَّ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ بِأَنْ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ إلَخْ بَلْ ذَلِكَ أَوْ الْإِخْبَارُ كَأَنْ يَقُولُوا: هُمْ أَحْرَارٌ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ اتِّفَاقًا، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي الْمُزَكَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَيَشْتَرِطُ الِاثْنَيْنِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ الْأَرْبَعَةِ فِي الزِّنَا، وَيَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْإِحْصَانِ ثُمَّ لَا يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا فَمَاتَ وَلَا يُورَثُ اسْتِحْقَاقُ حَدِّ الْقَذْفِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَنْظُومَةِ قَوْلُهُ: عَلَى الْمُزَكِّينَ ضَمَانُ مَنْ رُجِمَ ... إنْ ظَهَرَ الشَّاهِدُ عَبْدًا وَعُلِمَ وَأَوْجَبَا ضَمَانَ هَذَا الْمُتْلَفِ ... مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَاعْرِفْ وَفِي الْمُزَكِّينَ إذَا هُمْ رَجَعُوا ... كَذَا وَقَالُوا عُزِّرُوا وَأُوجِعُوا وَفِي الْمُخْتَلَفِ مَا يُوَافِقُ مَا فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الرُّجُوعِ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ. قَالَ فِي الْمُصَفَّى شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ: وَهُنَا إشْكَالٌ هَائِلٌ، فَإِنَّا إنْ أَوَّلْنَا الْمَسْأَلَةَ بِالرُّجُوعِ يَلْزَمْ التَّكْرَارُ، وَإِنْ لَمْ نُؤَوِّلْهَا بِالرُّجُوعِ يَلْزَمْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ هُنَا، وَفِي الشَّرْحِ خِلَافُهُ ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَوَّلَ بِالرُّجُوعِ

(وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ ثُمَّ وَجَدَ الشُّهُودَ عَبِيدًا فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ) وَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَصِرْ حُجَّةً بَعْدُ، وَلِأَنَّهُ ظَنَّهُ مُبَاحَ الدَّمِ مُعْتَمِدًا عَلَى دَلِيلٍ مُبِيحٍ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَنَّهُ حَرْبِيًّا وَعَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَالْعَوَاقِلُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَيَجِبُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ (وَإِنْ رُجِمَ ثُمَّ وُجِدُوا عَبِيدًا فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنَقَلَ فِعْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِيمَا إذَا ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا وَرَجَعَ الْمُزَكُّونَ أَيْضًا. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ يَعْنِي الَّتِي فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ فِيمَا إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ فَحَسْبُ وَالتَّفَاوُتُ ظَاهِرٌ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: مَا إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا وَرَجَعُوا، وَمَا إذَا رَجَعُوا فَقَطْ؛ وَأَمَّا تَعْزِيرُهُمْ فَبِاتِّفَاقٍ. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمُجْمَعِ: وَلَوْ شَهِدُوا فَزُكُّوا فَرُجِمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ إنْ تَعَمَّدُوا. وَقَالَا: فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلَوْ رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عُزِّرَ، وَإِلَّا يُفِيدَ تَحَقُّقَ الْخِلَافِ فِي الضَّمَانِ فِي مُجَرَّدِ رُجُوعِهِمْ، بَلْ أَفَادَ مُجَرَّدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى التَّعْزِيرِ، فَالْإِشْكَالُ قَائِمٌ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ عَلَى مَا مَشَى هُوَ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُ الْجَمْعِ اشْتِرَاطُ الرُّجُوعِ مَعَ الظُّهُورِ لِتَحَقُّقِ الْخِلَافِ فَلَا يَنْفَرِدُ الظُّهُورُ بِالتَّضْمِينِ الْخِلَافِيِّ بَلْ الِاتِّفَاقُ أَنَّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا سَيُذْكَرُ، وَيَنْفَرِدُ رُجُوعُ الْمُزَكِّينَ بِالتَّضْمِينِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَهْوَ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ مِنْ الْعَجَبِ كَوْنَ مُجَرَّدِ رُجُوعِ الْمُزَكِّينَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَا يُذْكَرُ فِي الْأُصُولِ كَالْجَامِعِ وَالْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ إلَخْ) اسْتَوْفَى أَقْسَامَهَا فِي كَافِي حَافِظِ الدِّينِ فَقَالَ: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ، وَإِنْ قَضَى بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا بَعْدَ الْقَضَاءِ ثُمَّ وَجَدَ الشُّهُودَ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَحْقُونَ الدَّمَ عَمْدًا، لَكِنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَصِرْ مُبَاحَ الدَّمِ وَقَدْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الرَّجْمُ وَهُوَ قَدْ حَزَّ رَقَبَتَهُ فَلَمْ يُوَافِقْ أَمْرَ الْقَاضِي لِيَصِيرَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجِبُ الدِّيَةُ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالرَّجْمِ نَفَذَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَحِينَ قَتَلَهُ كَانَ الْقَضَاءُ صَحِيحًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ نُفِّذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْإِبَاحَةِ، فَإِذَا نُفِّذَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ تَثْبُتُ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَصِرْ حُجَّةً: يَعْنِي فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ فَصَارَ كَمَنْ قَتَلَ إنْسَانًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَعَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ. وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، وَمَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ يَجِبُ مُؤَجَّلًا كَالدِّيَةِ، بِخِلَافِ مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ حَيْثُ يَجِبُ حَالًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ لَا بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ وَمَا فِي الْكِتَابِ لَا يَخْفَى بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ رَجَمَ) ضَبَطَهُ

إلَيْهِ، وَلَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ عُنُقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ أَمْرَهُ (وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لَهُمْ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الطَّبِيبَ وَالْقَابِلَةَ (وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ وَلَهُ امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ) مَعْنَاهُ أَنْ يُنْكِرَ الدُّخُولَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ وَالْإِحْصَانَ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَسَاتِذَةُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لِيَرْجِعَ ضَمِيرُهُ إلَى الرَّجُلِ فِي قَوْلِهِ: فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ، وَيُطَابِقُ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ فِي الْمَبْسُوطِ مَا فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَتَلَهُ رَجْمًا ثُمَّ وُجِدُوا عَبِيدًا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْجَلَّادِ إذَا جَرَحَ مِنْ قَوْلِهِ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ (كَذَا هَذَا) أَيْ الرَّجُلُ الْقَاتِلُ بِالرَّجْمِ بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي (بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ عُنُقَهُ) ثُمَّ ظَهَرُوا عَبِيدًا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ كَمَا ذَكَرْنَا (لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ أَمْرَهُ) فَلَمْ يَنْتَقِلْ فِعْلُهُ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَلِهَذَا يُؤَدِّبُهُ عَلَى الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ وَلَا يُؤَدِّبُهُ هُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ) أَيْ إلَى فَرْجَيْهِمَا (قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنْصُوصِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عَلَى إقَامَةِ الْحِسْبَةِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا يُوجِبُ فِسْقًا كَنَظَرِ الْقَابِلَةِ وَالْخَافِضَةِ وَالْخَتَّانِ وَالطَّبِيبِ. وَعَدَّ فِي الْخُلَاصَةِ مَوَاضِعَ حِلِّ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ لِلضَّرُورَةِ فَزَادَ الِاحْتِقَانَ وَالْبَكَارَةَ فِي الْعُنَّةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالْمَرْأَةُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ سَتَرَ مَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِلتَّلَذُّذِ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا. وَنُسِبَ إلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إلَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنُوا كَيْفِيَّةَ النَّظَرِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا، وَقُلْنَا: إنَّ النَّظَرَ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ وَلَهُ امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: (مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْكِرُ الدُّخُولَ بِهَا بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ) أَيْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ) شَرْعًا (بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ (وَلِذَا لَوْ طَلَّقَهَا) طَلْقَةً (يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ) وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِالْوَاحِدَةِ الصَّرِيحَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا مُقِرَّانِ بِالْوَلَدِ، وَلَوْ ثَبَتَ الدُّخُولُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثَبَتَ الْإِحْصَانُ، فَإِذَا ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الشَّرْعِ وَبِإِقْرَارِهِمَا أَوْلَى، وَعَلَى كَوْنِ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ وُجُودُ سَائِرِ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ يَدْخُلُ فِيهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا صَحِيحًا، فَمَا عَنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ

(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ رُجِمَ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ؛ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ، وَزُفَرُ يَقُولُ إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ، وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ دُخُولٍ لَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ بِفَرْضِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لَا يَكُونُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةِ الْغَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ وَلَا مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يَسْتَمِرُّ ظَاهِرًا مُوَلَّدًا عَلَى وَجْهِ الدِّيمَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَلَهُ امْرَأَةٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَشُهِدَ عَلَيْهِ إلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ أَنَّ الْإِحْصَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، إلَّا أَنَّ الْمَبْنِيَّ مُخْتَلِفٌ، فَعِنْدَهُمْ شَهَادَتُهُنَّ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ لَا تُقْبَلُ. وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ قُبِلَتْ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ، وَالشَّأْنُ إثْبَاتُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَنَفْيِهِ لِأَنَّهُ الْمَدَارُ فَقَالَ: لِأَنَّ تَغْلِيظَ الْعُقُوبَةِ يَثْبُتُ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ الْمَحْضِ (فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ) وَهُوَ مُحْصَنٌ (أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ زِنَاهُ لَا تُقْبَلُ) مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الذِّمِّيِّ بِالْعِتْقِ مَقْبُولَةٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ (لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فَصَارَ كَشَهَادَتِهِمْ عَلَى زِنَاهُ إذْ كَانَ الْمَقْصُودُ تَكْمِيلُ الْعُقُوبَةِ، وَلَزِمَ مِنْ أَصْلِهِ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَضْمَنُونَ إذْ كَانَ عَلَامَةً مَحْضَةً (وَلَنَا) فِي نَفْيِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (أَنَّ الْإِحْصَانَ) لَيْسَ إلَّا (عِبَارَةٌ عَنْ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ) بَعْضُهَا غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَبَعْضُهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالدُّخُولِ فِيهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهَا سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ وَلَا سَبَبًا لِسَبَبِهِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الْمَعْصِيَةُ. وَالْإِحْصَانُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ مَانِعٌ مِنْ سَبَبٍ لِلْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِضِدِّ سَبَبِهَا وَهُوَ الطَّاعَةُ وَالشُّكْرُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْحُكْمِ وَهُوَ مَانِعٌ لِسَبَبِهِ، فَالسَّبَبُ لَيْسَ إلَّا الزِّنَا إلَّا أَنَّهُ مُخْتَلِفُ الْحُكْمِ فَفِي حَالِ الْإِحْصَانِ حُكْمُهُ الرَّجْمُ وَفِي غَيْرِهِ الْجَلْدُ، فَكَانَ الْإِحْصَانُ السَّابِقُ عَلَى الزِّنَا مُعَرَّفًا لِخُصُوصِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالزِّنَا أَعْنِي خُصُوصَ الْعُقُوبَةِ، وَالْعَلَامَةُ الْمَحْضَةُ قَطُّ لَا يَكُونُ لَهَا تَأْثِيرٌ فَلَا تَكُونُ عِلَّةً وَلَا فِي مَعْنَاهَا فَكَيْفَ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا وَظَهَرَ أَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ الْإِحْصَانَ يَثْبُتُ مَعَهُ بِالزِّنَا عُقُوبَةٌ غَلِيظَةٌ، وَبِالشَّهَادَةِ يَظْهَرُ مَا ثَبَتَ بِالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَلَمَّا

بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ سَبْقُ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُ (فَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ فَرْعُ مَا تَقَدَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ وَلَا عِلَّةً جَازَ أَنْ يَدْخُلَ فِي إثْبَاتِهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، كَمَا لَوْ شَهِدَتَا مَعَ الرَّجُلِ بِالنِّكَاحِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالدُّخُولِ فِي غَرَضٍ آخَرَ كَتَكْمِيلِ الْمَهْرِ حَتَّى يَثْبُتَ إحْصَانُهُ، ثُمَّ اُتُّفِقَ أَنَّهُ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَلَيْسَ أَنَّهُ يُرْجَمُ كَذَا إذَا شَهِدَتَا بَعْدَ ظُهُورِ الزِّنَا بِهِ، فَكَمَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ سَبَبًا كَذَا بَعْدَهُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِظُهُورِ دَيْنٍ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ فَشَهِدَ اثْنَانِ بِالدَّيْنِ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَلَا يُضَافُ الْعِتْقُ إلَى الشَّهَادَةِ بِالدَّيْنِ بَلْ إلَى الْمُعَلَّقِ، كَذَا هُنَا لَا يُضَافُ الرَّجْمُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالْإِحْصَانِ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ بَلْ إلَى الزِّنَا (بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الذِّمِّيَّيْنِ) عَلَى الذِّمِّيِّ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ (وَإِنَّمَا لَا يُعْتَقُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ) الْعَبْدُ (الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ) فَلَا تَنْفُذُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَتَغَلَّظُ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ فَتَصِيرُ مِائَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ خَمْسِينَ. وَاسْتُشْكِلَ كَوْنُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِلْحَدِّ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْإِحْصَانِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ صَحَّ رُجُوعُهُ كَالزِّنَا وَلِذَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِحْصَانِ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى، فَيَجِبُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ الذُّكُورَةُ كَالتَّزْكِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. أُجِيبَ بِأَنَّ صِحَّةَ الرُّجُوعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْمُقَرِّ بِهِ عِلَّةً لِلْعُقُوبَةِ بَلْ عَلَى كَوْنِ الْمُقَرِّ بِهِ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ إذَا رَجَعَ عَنْهُ وَلَا مُكَذِّبَ لَهُ فِي سَبَبِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُكَذِّبُهُ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْحِسْبَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ إظْهَارِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَانِعُ مِنْ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَيْسَ هَذَا الْقَدْرَ بَلْ كَوْنُهُ سَبَبًا لِأَصْلِ الْعُقُوبَةِ، فَحِينَ ثَبَتَتْ الْعُقُوبَةُ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ بِسَبَبِهَا كَانَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ تُسْمَعُ بِلَا دَعْوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ. [فُرُوعٌ مِنْ الْمَبْسُوطِ] شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ، فَشَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ فَيُرْجَمُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَثْبُتُ فَلَا يُرْجَمُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا أَوْ أَتَاهَا فَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الدُّخُولَ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ وَيُرَادُ بِهِ الْخَلْوَةُ وَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالشَّكِّ. وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ عُرْفًا مُسْتَمِرًّا حَتَّى صَارَ يَتَبَادَرُ مَعَ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالنِّسَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَلَا إجْمَالَ فِيهِ عُرْفًا فَكَانَتْ كَشَهَادَتِهِمْ عَلَى الْجِمَاعِ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الزِّنَا بِفُلَانَةَ وَأَرْبَعَةٌ غَيْرُهُمْ شَهِدُوا بِهِ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى فَرُجِمَ فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ ضَمِنُوا دِيَتَهُ إجْمَاعًا، وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّ رُجُوعَ كُلِّ فَرِيقٍ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَصَارَ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ كَأَنَّ الْفَرِيقَ الْآخَرَ ثَابِتٌ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَقُولُ: إنَّهُ عَفِيفٌ قُتِلَ ظُلْمًا وَأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَقَرَّ مَرَّةً بَعْدُ حُدَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَقَعَتْ مُعْتَبَرَةً فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِإِقْرَارٍ مُعْتَبَرٍ وَالْإِقْرَارُ مَرَّةً هُنَا كَالْعَدَمِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُحَدُّ، وَهُوَ

[باب حد الشرب]

(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ) (وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصَحُّ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إنْكَارُ الْخَصْمِ وَهُوَ مُقِرٌّ وَلَا حُكْمَ لِإِقْرَارِهِ فَبَطَلَ الْحَدُّ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ، وَإِنْ فَسَدَ حُكْمًا فَصُورَتُهُ قَائِمَةٌ فَيُورِثُ شُبْهَةً. [بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ] قَدَّمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَعْظَمُ جُرْمًا وَلِذَا كَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ، وَأَخَّرَ عَنْهُ حَدَّ الشُّرْبِ لِتَيَقُّنِ سَبَبِهِ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ الْقَذْفُ قَدْ يَكُونُ صِدْقًا، وَأَخَّرَ حَدَّ السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ لِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَصِيَانَةُ الْأَنْسَابِ وَالْعَقْلِ آكَدُ مِنْ صِيَانَةِ الْمَالِ. بَقِيَ أَنَّهُ أَخَّرَهُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمَالَ دُونَ الْعِرْضِ فَإِنَّهُ جُعِلَ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ عَنْ كُلِّ مَا تَكْرَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ) أَيْ إلَى الْحَاكِمِ (وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ) وَهُوَ غَيْرُ سَكْرَانَ مِنْهَا وَيُعْرَفُ كَوْنُهُ يُحَدُّ إذَا كَانَ سَكْرَانَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ (أَوْ سَكْرَانَ) أَيْ جَاءُوا بِهِ إلَيْهِ وَهُوَ سَكْرَانُ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ النَّبِيذِ (فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالشُّرْبِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ عَدَمُ السُّكْرِ مِنْهَا. وَفِي الثَّانِي وَهُوَ السُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا (فَإِنَّهُ يُحَدُّ) وَالشَّهَادَةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقَيَّدَةٌ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ فَلَا بُدَّ مَعَ شَهَادَتِهِمَا بِالشُّرْبِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ الرِّيحَ قَائِمٌ حَالَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ بِأَنْ يَشْهَدَا بِهِ وَبِالشُّرْبِ أَوْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ فَقَطْ فَيَأْمُرَ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيُسْتَنْكَهُ وَيُخْبِرُهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ، وَأَمَّا إذَا جَاءُوا بِهِ مِنْ بَعِيدٍ فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ مَجِيئَهُمْ بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمْ أَخَذُوهُ فِي حَالِ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى ذِكْرِ

وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ) لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ قَدْ ظَهَرَتْ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ» . (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رَائِحَتِهَا لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ) وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رِيحُهَا وَالسُّكْرُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ، فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ لِلْحَاكِمِ خُصُوصًا بَعْدَ مَا حَمَلْنَا كَوْنَهُ سَكْرَانَ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ فَإِنَّ رِيحَ الْخَمْرِ لَا تُوجَدُ مِنْ السَّكْرَانِ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ، فَالْمُرَادُ بِالثَّانِي أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ سَكِرَ مِنْ غَيْرِهَا مَعَ وُجُودِ رَائِحَةِ ذَلِكَ الْمُسْكِرِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْخَمْرِ (وَكَذَلِكَ) عَلَيْهِ الْحَدُّ (إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ قَدْ ظَهَرَتْ) بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ (وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ. وَالْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الشُّرْبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ» ) إلَى أَنْ قَالَ «فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ. ثُمَّ إنْ سَكِرَ» إلَخْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَصَحَّحَهُ الذَّهَبِيُّ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى ثُمَّ نُسِخَ الْقَتْلُ. أَخْرَجَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» إلَخْ، قَالَ «ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ» وَزَادَ فِي لَفْظٍ «فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ ارْتَفَعَ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِالنُّعْمَانِ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ» ، فَكَانَ نَسْخًا وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَنْبَأَنَا قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، وَرَفَعَ الْقَتْلَ وَكَانَتْ رُخْصَةً» وَقَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَعِنْدَهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَمِخْوَلُ بْنُ رَاشِدٍ فَقَالَ لَهُمَا: كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ اهـ. وَقَبِيصَةُ فِي صُحْبَتِهِ خِلَافٌ. وَإِثْبَاتُ النَّسْخِ بِهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا أَثْبَتَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ التَّارِيخِ. نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِالنَّسْخِ الِاجْتِهَادِيِّ: أَيْ تَعَارَضَا فِي الْقَتْلِ فَرَجَحَ النَّافِي لَهُ فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِنَسْخِهِ فَإِنَّ هَذَا لَازِمٌ فِي كُلِّ تَرْجِيحٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رَائِحَتِهَا لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رِيحُهَا) أَوْ ذَهَبَ السُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا (لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةُ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُحَدُّ، فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ

غَيْرَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا، وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا قِيلَ: يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْت مُدَامَةً ... فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا التَّقَادُمُ (مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا) أَنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي أَوْ بِشَهْرٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) بِلَا شَكٍّ (بِخِلَافِ الرَّائِحَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ: يَقُولُونَ لِي انْكَهْ شَرِبْتَ مُدَامَةً ... فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا) وَانْكِهِ بِوَزْنِ امْنَعْ، وَنَكِهَ مِنْ بَابِهِ؛ أَيْ أَظْهَرَ رَائِحَةَ فَمِهِ. وَقَالَ الْآخَرُ: سَفَرْجَلَةٌ تَحْكِي ثَدْيَ النَّوَاهِدِ ... لَهَا عَرْفٌ ذِي فِسْقٍ وَصُفْرَةِ زَاهِدِ فَظَهَرَ أَنَّ رَائِحَةَ الْخَمْرِ مِمَّا تَلْتَبِسُ بِغَيْرِهَا فَلَا يُنَاطُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ بِوُجُودِهَا وَلَا بِذَهَابِهَا، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَلْتَبِسُ عَلَى ذَوِي الْمَعْرِفَةِ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ بِوُجُودِهَا، لِأَنَّ الْمَعْقُولَ تَقَيُّدُ قَبُولِهَا بِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَالتُّهْمَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الشَّهَادَةِ بِسَبَبِ وُقُوعِهَا بَعْدَ ذَهَابِ الرَّائِحَةِ بَلْ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ تَأْخِيرًا يُعَدُّ تَفْرِيطًا، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي تَأْخِيرِ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ وَبِهِ تَذْهَبُ الرَّائِحَةُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عُرِفَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ الْجَابِرُ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِابْنِ أَخٍ لَهُ سَكْرَانَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: تَرْتِرُوهُ وَمَزْمِزُوهُ وَاسْتَنْكِهُوهُ، فَفَعَلُوا فَرَفَعَهُ إلَى السِّجْنِ، ثُمَّ عَادَ بِهِ مِنْ الْغَدِ وَدَعَا بِسَوْطٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَدُقَّتْ ثَمَرَتُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى صَارَتْ دِرَّةً، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اجْلِدْ وَأَرْجِعْ يَدَك وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَابِرِ بِهِ. وَدُفِعَ بِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَوْنُ الشَّهَادَةِ لَا يُعْمَلُ بِهَا إلَّا مَعَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ فِيهِ شَهَادَةٌ مُنِعَ مِنْ الْعَمَلِ بِهَا لِعَدَمِ الرَّائِحَةِ وَقْتَ أَدَائِهَا بَلْ وَلَا إقْرَارٌ، إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ حَدَّهُ بِظُهُورِ الرَّائِحَةِ بِالتَّرْتَرَةِ وَالْمَزْمَزَةِ. وَالْمَزْمَزَةُ التَّحْرِيكُ بِعُنْفٍ وَالتَّرْتَرَةُ وَالتَّلْتَلَةُ التَّحْرِيكُ، وَهُمَا بِتَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ بَعِيرًا: بَعِيدُ مَسَافِ الْخَطْوِ غَوْجٌ شَمَرْدَلُ ... تُقَطِّعُ أَنْفَاسَ الْمَهَارَى تَلَاتِلُهُ أَيْ حَرَكَاتُهُ. وَالْمَسَافُ جَمْعُ مَسَافَةٍ وَالْغَوْجُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْوَاسِعُ الصَّدْرِ. وَمَعْنَى تَقْطِيعِ تَلَاتِلِهِ أَنْفَاسَ الْمَهَارَى: أَنَّهُ إذَا بَارَاهَا فِي السَّيْرِ أَظْهَرَ فِي أَنْفَاسِهَا الضِّيقَ وَالتَّتَابُعَ لِمَا يُجْهِدُهَا، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِأَنَّ بِالتَّحْرِيكِ تَظْهَرُ الرَّائِحَةُ مِنْ

وَلِأَنَّ قِيَامَ الْأَثَرِ مِنْ أَقْوَى دَلَالَةٍ عَلَى الْقُرْبِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِهِ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرَّوَائِحِ مُمْكِنٌ لِلْمُسْتَدِلِّ، وَإِنَّمَا تَشْتَبِهُ عَلَى الْجُهَّالِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. وَعِنْدَهُمَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ، لِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ شَرَطَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعِدَةِ الَّتِي كَانَتْ خَفِيَتْ وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاَللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحْسَنْت، فَبَيْنَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إذْ وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ، فَضَرَبَهُ الْحَدَّ» . وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ، وَفِي لَفْظٍ رِيحَ شَرَابٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الرِّيحِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ الرَّائِحَةِ مَعَ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْأَصَحُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ نَفْيُهُ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ يُعَارِضُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ عَزَّرَ مَنْ وَجَدَ مِنْهُ الرَّائِحَةَ، وَيَتَرَجَّحُ لِأَنَّهُ أَصَحُّ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَلَدَ مَنْ وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ حَدًّا تَامًّا، وَقَدْ اسْتَبْعَدَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحُدُودِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا مُقِرًّا أَنْ يُرَدَّ أَوْ يُدْرَأَ مَا اُسْتُطِيعَ فَكَيْفَ يَأْمُرُ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالْمَزْمَزَةِ عِنْدَ عَدَمِ الرَّائِحَةِ لِيَظْهَرَ الرِّيحُ فَيَحُدّهُ، فَإِنْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُولَعًا بِالشَّرَابِ مُدْمِنًا عَلَيْهِ فَاسْتَجَازَ ذَلِكَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ قِيَامَ الرَّائِحَةِ مِنْ أَقْوَى دَلَالَةٍ عَلَى الْقُرْبِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْقُرْبِ) ثُمَّ أَجَابَ عَمَّا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الرَّائِحَةَ مُشْتَبِهَةٌ بِقَوْلِهِ (وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرَّوَائِحِ مُمْكِنٌ لِلْمُسْتَدِلِّ. وَإِنَّمَا تُشْتَبَهُ عَلَى الْجُهَّالِ) فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ لِأَنَّ كَوْنَهَا دَلِيلًا عَلَى الْقُرْبِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْحِصَارَ الْقُرْبِ فِيهَا لِيَلْزَمَ مِنْ انْتِفَائِهَا ثُبُوتُ الْبُعْدِ وَالتَّقَادُمِ، لِأَنَّ الْقُرْبَ يَتَحَقَّقُ بِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ لَا بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ الْمَانِعُ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْقُرْبِ بِالرَّائِحَةِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا) لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالتَّقَادُمِ اتِّفَاقًا (عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ) مِنْ أَنَّ الْبُطْلَانَ لِلتُّهْمَةِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَّهِمُ عَلَى نَفْسِهِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ) عَلَى الْمُقِرِّ بِالشُّرْبِ (إلَّا) إذَا أَقَرَّ (عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ لِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ شَرَطَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْحَدِّ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الرَّائِحَةِ فَيَبْقَى

(وَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ أَوْ سَكْرَانُ فَذَهَبُوا بِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ حُدَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ كَبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالشَّاهِدُ لَا يُتَّهَمُ فِي مِثْلِهِ. (وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتِفَاؤُهُ فِي غَيْرِهَا بِالْأَصْلِ لَا مُضَافًا إلَى لَفْظِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا إضَافَةُ ثُبُوتِهِ إلَى الْإِجْمَاعِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ فَقِيلَ لِأَنَّهُ مِنْ الْآحَادِ، وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ وَالْإِجْمَاعُ قَطْعِيٌّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ. فَأَمَّا قَوْلُ الْجَصَّاصِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَيَثْبُتُ الْحَدُّ بِالْآحَادِ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَقَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ. فَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ أَشْكَلَ عَلَيْهِ جَعْلُهُ إيَّاهُ أَوَّلًا الْأَصْلُ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ أَشْكَلَ نِسْبَةُ الْإِثْبَاتِ إلَى الْإِجْمَاعِ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا أَلْزَمَ قِيَامَهَا عِنْدَ الْحَدِّ بِلَا إقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَ إقْرَارِهِ فَلْيُبَيِّنْ فِي الرِّوَايَةِ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: هَذَا أَعْظَمُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلِ أَنْ يَبْطُلَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ وَأَنَا أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ عَامًا (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ أَوْ سَكْرَانُ) مِنْ غَيْرِهَا وَرِيحُ ذَلِكَ الشَّرَابِ يُوجَدُ مِنْهُ (وَذَهَبُوا بِهِ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ) أَوْ مَكَان بَعِيدٍ (فَانْقَطَعَ ذَلِكَ) : أَيْ الرِّيحُ (قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ) إلَيْهِ (حُدَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى انْقِطَاعِهَا لِعُذْرِ بُعْدِ الْمَسَافَةِ فَلَا يُتَّهَمُ فِي هَذَا التَّأْخِيرِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عِنْدَ عُثْمَانَ عَلَى عُقْبَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَكَانَ بِالْكُوفَةِ فَحَمَلَهُ إلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ . (قَوْلُهُ وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ) فَالْحَدُّ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ بِالسُّكْرِ. وَفِي الْخَمْرِ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ وَاحِدَةٍ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كُلُّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَحُدَّ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَهَذَانِ مَطْلُوبَانِ، وَيَسْتَدِلُّونَ تَارَةً بِالْقِيَاسِ وَتَارَةً بِالسَّمَاعِ. أَمَّا السَّمَاعُ فَتَارَةً بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ لُغَةٌ

لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى أَعْرَابِيٍّ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ. وَسَنُبَيِّنُ الْكَلَامَ فِي حَدِّ السُّكْرِ وَمِقْدَارِ حَدِّهِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ. فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ". وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ «وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَأَمَّا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ طَعَنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَكَيْفَ لَهُ بِذَلِكَ وَقَدْ رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: كُنْت سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَمَا شَرَابُهُمْ إلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. وَإِذَا ثَبَتَ عُمُومُ الِاسْمِ ثَبَتَ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَوُجُوبُ الْحَدِّ بِالْحَدِيثِ الْمُوجِبِ ثُبُوتَهُ فِي الْخَمْرِ لِأَنَّهُ مُسَمَّى الْخَمْرِ، لَكِنْ هَذِهِ كُلُّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِحَذْفِ أَدَاتِهِ فَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، كَزَيْدٌ أَسَدٌ: أَيْ فِي حُكْمِهِ، وَكَذَا الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ أَوْ مِنْ خَمْسَةٍ هُوَ عَلَى الِادِّعَاءِ حِينَ اتَّحَدَ حُكْمُهَا بِهَا جَازَ تَنْزِيلُهَا مَنْزِلَتَهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الِاسْتِعْمَالَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ تَقُولُ السُّلْطَانُ هُوَ فُلَانٌ إذَا كَانَ فُلَانٌ نَافِذَ الْكَلِمَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَيُعْمَلُ بِكَلَامِهِ أَيْ الْمُحَرَّمُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَاءِ الْعِنَبِ بَلْ كُلِّ مَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ هُوَ لَا يُرَادُ إلَّا الْحُكْمُ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ فِي التَّشْبِيهِ عُمُومُ وَجْهِهِ فِي كُلِّ صِفَةٍ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ثُبُوتُ الْحَدِّ بِالْأَشْرِبَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْخَمْرِ، بَلْ يُصَحِّحُ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ فِيهَا ثُبُوتُ حُرْمَتِهَا فِي الْجُمْلَةِ إمَّا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا أَوْ كَثِيرُهَا الْمُسْكِرُ مِنْهَا. وَكَوْنُ التَّشْبِيهِ خِلَافَ الْأَصْلِ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ فِي اللُّغَةِ مِنْ تَفْسِيرِ الْخَمْرِ بِالنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا اشْتَدَّ. وَهَذَا مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ تَتَبَّعَ مَوَاقِعَ اسْتِعْمَالَاتهمْ، وَلَقَدْ يَطُولُ الْكَلَامُ بِإِيرَادِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ عَلَى الْخَمْرِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مَاءَ الْعِنَبِ لِثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ غَيْرُهَا لِمَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ: وَمَا شَرَابُهُمْ يَوْمَئِذٍ: أَيْ يَوْمَ حُرِّمَتْ إلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. فَعُرِفَ أَنَّ مَا أَطْلَقَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحَمْلِ لِغَيْرِهَا عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِغَيْرِ عُمُومِ الِاسْمِ لُغَةً فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ الْفَرْقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ «فَالْحُسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَجْوَدُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارِ الْمَوْصِلِيِّ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِمَا الشَّيْخَانِ، وَحِينَئِذٍ فَجَوَابُهُمْ بِعَدَمِ ثُبُوتِ هَذِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَا حَمْلُهُ عَلَى مَا بِهِ حَصَلَ السُّكْرُ وَهُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ لِأَنَّ صَرِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْقَلِيلُ. وَمَا أُسْنِدَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " قَالَ: هِيَ الشَّرْبَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي أَسْكَرَتْك. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ضَعِيفٌ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ: يَعْنِي النَّخَعِيّ. وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا فَقَالَ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَسُنَ عَارَضَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَرْفُوعَاتِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، وَلَوْ عَارَضَهُ كَانَ الْمُحَرَّمُ مُقَدَّمًا. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ. نَعَمْ هُوَ مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدَةٍ هِيَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا وَالْمُسْكِرِ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. وَفِي لَفْظٍ: وَمَا أَسْكَرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شُبْرُمَةَ فَهَذَا إنَّمَا فِيهِ تَحْرِيمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ، وَإِذَا كَانَتْ طَرِيقُهُ أَقْوَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ، وَلَفْظُ السُّكْرِ تَصْحِيفٌ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ تَرَجَّحَ الْمَنْعُ السَّابِقُ عَلَيْهِ، بَلْ هَذَا التَّرْجِيحُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ ثُبُوتَ الْحَدِّ بِالْقَلِيلِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَوْ بِقِيَاسٍ فَهُمْ يَقِيسُونَهُ بِجَامِعِ كَوْنِهِ مُسْكِرًا، وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ مَنْعٌ خُصُوصًا وَعُمُومًا. أَمَّا خُصُوصًا فَمَنَعُوا أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ مُعَلَّلَةٌ بِالْإِسْكَارِ وَذَكَرُوا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ» إلَخْ. وَفِيهِ مَا عَلِمْت. ثُمَّ قَوْلُهُ بِعَيْنِهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ عَيْنُهَا، بَلْ إنَّ عَيْنَهَا حُرِّمَتْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا» وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِيهِ بِالْبَاءِ لَا بِاللَّامِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذَكَرَ فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ نَفْيِ تَعْلِيلِهَا بِالْإِسْكَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا لِنَفْيِ أَنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِإِسْكَارِهَا: أَيْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْإِسْكَارَ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمٌ حَتَّى تَثْبُتَ الْعِلَّةُ وَهِيَ الْإِسْكَارُ أَوْ مَظِنَّتُهُ مِنْ الْكَثِيرِ، لَا أَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ مُعَلَّلَةً أَصْلًا بَلْ هِيَ مُعَلَّلَةٌ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ وَإِنْ كَانَ الْقُدُورِيُّ مُصِرًّا عَلَى مَنْعِ التَّعْلِيلِ أَصْلًا. وَنَقَضَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْعِلَّةَ بِأَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يَضُرُّ كَثِيرُهُ لَا يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَإِنْ كَانَ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مَا يُفِيدُ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِ إلْحَاقِ الشَّافِعِيِّ حُرْمَةَ الْمُثَلَّثِ الْعِنَبِيِّ بِالْخَمْرِ. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ قَلِيلُهُ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ، وَالْمُثَلَّثُ لِغِلَظِهِ لَا يَدْعُو وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غِذَاءٌ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا أَنَّ اعْتِبَارَ دِعَايَةِ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ فِي الْحُرْمَةِ لَيْسَ إلَّا لِحُرْمَةِ السُّكْرِ. فَفِي التَّحْقِيقِ الْإِسْكَارُ هُوَ الْمُحَرَّمُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ الْمَوْقِعُ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَإِتْيَانِ الْمَفَاسِدِ مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ. كَمَا أَشَارَ النَّصُّ إلَى عِلِّيَّتِهَا، وَلَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَنْعِ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِذَنْ فَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ، وَلَكِنْ ثَبَتَ بِالسُّكْرِ مِنْهُ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ» الْحَدِيثَ. فَلَوْ ثَبَتَ بِهِ حِلُّ مَا لَمْ يُسْكِرْ لَكَانَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ فَمُوجِبُهُ لَيْسَ إلَّا ثُبُوتُ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السُّكْرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الْخَمْرِ يَنْفِي فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالسُّكْرِ. لِأَنَّ فِي الْخَمْرِ يُحَدُّ بِالْقَلِيلِ مِنْهَا بَلْ يُوهِمُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ مِنْهَا حَتَّى يُسْكِرَ، وَإِذَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِهَا صَارَ الْحَدُّ مُنْتَفِيًا عِنْدَ عَدَمِ السُّكْرِ بِهِ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ. وَمِنْهَا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَرِبَ مِنْ إدَاوَةِ عُمَرَ نَبِيذًا فَسَكِرَ بِهِ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إنَّمَا شَرِبْته مِنْ إدَاوَتِك، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّمَا جَلَدْنَاك عَلَى السُّكْرِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِسَعِيدِ بْنِ ذِي لَعْوَةَ ضُعِّفَ وَفِيهِ جَهَالَةٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ مُخَارِقٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَايَرَ رَجُلًا

(وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا) لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ، وَكَذَا الشُّرْبُ قَدْ يَقَعُ عَنْ إكْرَاهٍ أَوْ اضْطِرَارٍ (وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي سَفَرٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا أَفْطَرَ أَهْوَى إلَى قِرْبَةٍ لِعُمَرَ مُعَلَّقَةٍ فِيهَا نَبِيذٌ فَشَرِبَهُ فَسَكِرَ فَضَرَبَهُ عُمَرُ الْحَدَّ، فَقَالَ: إنَّمَا شَرِبْته مِنْ قِرْبَتِك، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّا جَلَدْنَا لِسُكْرِك. وَفِيهِ بَلَاغٌ وَهُوَ عِنْدِي انْقِطَاعٌ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ دَاوَرَ عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذِ تَمْرٍ فَجَلَدَهُ» وَعِمْرَانُ بْنُ دَاوَرَ بِفَتْحِ الْوَاوِ فِيهِ مَقَالٌ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ إدَاوَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِصِفِّينَ فَسَكِرَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي السُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ ثَمَانُونَ. فَهَذِهِ وَإِنْ ضُعِّفَ بَعْضُهَا فَتَعَدُّدُ الطُّرُقِ تُرَقِّيه إلَى الْحَسَنِ، مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْحَدِّ بِالْكَثِيرِ فَإِنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَدِّ بِالْقَلِيلِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ كَمَا تَرَى لَا تَفْصِلُ بَيْنَ نَبِيذٍ وَنَبِيذٍ وَالْمُصَنِّفُ قَيَّدَ وُجُوبَ الْحَدِّ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ) فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحُبُوبِ كُلِّهَا وَالْعَسَلِ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَعْنِي إذَا شَرِبَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرَبٍ فَلَا يُحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا عِنْدَهُ. وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا طَلَّقَ وَهُوَ سَكْرَانُ مِنْهَا كَالنَّائِمِ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ قَالَ: وَهَلْ يُحَدُّ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ؟ قِيلَ لَا يُحَدُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ، قَالُوا: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ إذَا اشْتَدَّ فَهُوَ عَلَى هَذَا اهـ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ هُنَا لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ حَدًّا غَيْرَ الْمُخْتَارِ، وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ أَنَّهُمَا سُئِلَا فِيمَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ فَارْتَفَعَ إلَى رَأْسِهِ وَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ هَلْ يَقَعُ؟ قَالَا: إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ حِينَ شَرِبَهُ مَا هُوَ يَقَعُ (قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ بِهِ رِيحُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ) فَلَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (وَكَذَا الشُّرْبُ قَدْ يَكُونُ عَنْ إكْرَاهٍ) فَوُجُودُ عَيْنِهَا فِي الْقَيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ، فَلَوْ وَجَبَ

وَشَرِبَهُ طَوْعًا) لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ، وَكَذَا شُرْبُ الْمُكْرَهِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدُّ وَجَبَ بِلَا مُوجِبٍ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ قَرِيبٍ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرَّوَائِحِ مُمْكِنٌ لِلْمُسْتَدِلِّ فَقُطِعَ الِاحْتِمَالُ وَهُنَا عَكْسٌ. قَالَ الْمُوَرِّدُ: وَتَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ فِي تَوْجِيهِهِ، يُرِيدُ بِهِ صَاحِبَ النِّهَايَةِ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي نَفْسِ الرَّوَائِحِ قَبْلَ الِاسْتِدْلَالِ وَالتَّمْيِيزِ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْصَاءِ. قَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ التَّمْيِيزُ يَحْصُلُ بِالِاسْتِدْلَالِ فَإِذَا اسْتَدَلَّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَرْتَفِعُ الِاحْتِمَالُ فِي الرَّائِحَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ التَّمْيِيزَ لِمَنْ يُعَايِنُهُ، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ مَنْ عَايَنَ الشُّرْبَ يَبْنِي عَلَى يَقِينٍ لَا عَلَى اسْتِدْلَالٍ وَتَخْمِينٍ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَثْبَتَ التَّمْيِيزَ فِي صُورَةِ الِاسْتِدْلَالِ لَا فِي صُورَةِ الْعِيَانِ اهـ. فَبَقِيَ الْإِشْكَالُ بِحَالِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مُعَايَنَةُ الشُّرْبِ وَالِاسْتِدْلَالُ لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ الْمَشْرُوبَ جَازَ كَوْنُهُ غَيْرَ الْخَمْرِ فَيُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ خَمْرٌ بِالرَّائِحَةِ فَكَوْنُ الْمُصَنِّفِ جَعَلَ التَّمْيِيزَ يُفِيدُهُ الِاسْتِدْلَال لَا يُنَافِي حَالَةَ الْعِيَانِ، أَيْ عِيَانِ الشُّرْبِ، ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مُحْتَمَلًا لَا يُنَافِي أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَرَائِنَ بِحَيْثُ يُحْكَمُ بِهِ مَعَ شُبْهَةٍ مَا، فَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الِاحْتِمَالِ وَعَدَمِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، بَلْ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ الِاسْتِدْلَال مَعَ ثُبُوتِ ضَرْبٍ مِنْ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ أَنَّهُ قَطَعَ الِاحْتِمَالَ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بِالِاسْتِدْلَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ وَالْمَقْصُودَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ثُبُوتُ طَرِيقِ الدَّرْءِ، أَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْحَدِّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ وَالتَّقَيُّؤِ فَظَاهِرٌ، وَطَرِيقُهُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدُّ لَكَانَ مَعَ شُبْهَةِ عَدَمِهِ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ وَإِنْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهَا فَإِنَّ فِيهَا مَعَ الدَّلِيلِ شُبْهَةً قَوِيَّةً فَلَا يَثْبُتُ الْحَدُّ مَعَهَا، وَأَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ فَلَا شَكَّ أَنَّ فِي إثْبَاتِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّقَادُمِ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ دَرْءًا كَثِيرًا وَاسِعًا، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ هَذَا الطَّرِيقِ الْكَائِنِ لِلدَّرْءِ إلَّا بِاعْتِبَارِ إمْكَانِ تَمْيِيزِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِهَا، فَحَكَمَ بِاعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَإِنْ كَانَ مَلْزُومًا لِشُبْهَةِ النَّفْيِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْصِيلِ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ لِلدَّرْءِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ التَّمْيِيزُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةٍ لَكَانَ الشَّهَادَةُ وَالْإِقْرَارُ مَعْمُولًا بِهِمَا فِي أَزْمِنَةٍ كَثِيرَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ بِلَا رَائِحَةٍ فَيُقَامُ بِذَلِكَ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْحُدُودِ. وَحِينَ اشْتَرَطَ ذَلِكَ وَضَحَتْ طَرِيقُهُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالِاحْتِمَالِ، فَظَهَرَ أَنَّ كُلًّا صَحِيحٌ فِي مَوْضِعِهِ فَدَرْءُ الْحَدِّ فِي مُجَرَّدِ الرَّائِحَةِ وَالْقَيْءِ لِلِاحْتِمَالِ وَرَدَتْ الشَّهَادَةُ بِلَا رَائِحَةٍ، إذْ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ إلَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ) السَّكْرَانُ (حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ) وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّ غَيْبُوبَةَ الْعَقْلِ وَغَلَبَةَ الطَّرَبِ وَالشَّرْحِ يُخَفِّفُ الْأَلَمَ، حَتَّى حُكِيَ لِي أَنَّ بَعْضَ الْمُتَصَابِينَ اسْتَدْعَوْا إنْسَانًا لِيَضْحَكُوا عَلَيْهِ بِهِ أَخْلَاطٌ ثَقِيلَةٌ لَزِجَةٌ بِرُكْبَتَيْهِ لَا يُقِلُّهُمَا إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، فَلَمَّا غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ ادَّعَى الْقُوَّةَ وَالْإِقْدَامَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مُمَازِحًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِلَّا فَضَعْ هَذِهِ الْجَمْرَةَ عَلَى رُكْبَتِك، فَأَقْدَمَ وَوَضَعَهَا حَتَّى أَكَلَتْ مَا هُنَاكَ

(وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ سَوْطًا) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ لَحْمِهِ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ حَتَّى طَفِئَتْ أَوْ أَزَالَهَا بَعْضُ الْحَاضِرِينَ الشَّكُّ مِنِّي فَلَمَّا أَفَاقَ وَجَدَ مَا بِهِ مِنْ جِرَاحَةِ النَّارِ الْبَالِغَةِ وَوَرِمَتْ رُكْبَتُهُ وَمَكَثَ بِهَا مُدَّةً إلَى أَنْ بَرَأَتْ، فَعَادَتْ بِذَلِكَ الْكَيِّ الْبَالِغِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالنَّظَافَةِ مِنْ الْأَخْلَاطِ وَصَارَ يَقُولُ: يَا لَيْتَهَا كَانَتْ فِي الرُّكْبَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يَسْتَطِعْ أَصْلًا فِي حَالِ صَحْوِهِ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِالْأُخْرَى لِيَسْتَرِيحَ مِنْ أَلَمِهَا وَمَنْظَرِهَا. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ الْحَدُّ فَائِدَتَهُ إلَّا حَالَ الصَّحْوِ وَتَأْخِيرُ الْحَدِّ لِعُذْرٍ جَائِزٌ (قَوْلُهُ وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهَا (ثَمَانُونَ سَوْطًا) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَرْبَعُونَ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ رَأَى أَنْ يَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَعَيُّنِ الثَّمَانِينَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ آخِرُ إمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إذَا عَتَوْا أَوْ فَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ» . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنْ الرِّيفِ وَالْقُرَى قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ نَجْعَلَهُ ثَمَانِينَ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ، قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ» . وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ، فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَشَارَ بِذَلِكَ فَرَوَى الْحَدِيثَ مَرَّةً مُقْتَصِرًا عَلَى هَذَا وَمَرَّةً عَلَى هَذَا. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ الشَّرْبَ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَالْعِصِيِّ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْلِدُهُمْ أَرْبَعِينَ حَتَّى تُوُفِّيَ إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا شَرِبَ» إلَخْ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَضَرَبَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ، وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ» فَيُمْكِنُ بِجَرِيدَتَيْنِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ بِأَنْ انْكَسَرَتْ وَاحِدَةٌ فَأُخِذَتْ أُخْرَى وَإِلَّا فَهِيَ ثَمَانُونَ، وَيَكُونُ مِمَّا رَأَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ. وَقَوْلُ الرَّاوِي بَعْدَ ذَلِكَ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ إلَخْ لَا يُنَافِي ذَلِكَ، فَإِنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فَوَقَعَ اخْتِيَارُهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ الثَّمَانِينَ الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ يُبْعِدُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَلَدَ ثَمَانِينَ، وَمَا تَقَدَّمَ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي جَلَدَ الثَّمَانِينَ، بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنْتُ أُقِيمُ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتُ فِيهِ فَأَجِدُ مِنْهُ فِي نَفْسِي إلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ إنْ مَاتَ وَدْيَتُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّهُ، وَالْمُرَادُ لَمْ يَسُنَّ فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّهُ أَمَرَ بِضَرْبِهِ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ قَدَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِأَرْبَعِينَ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى ثَمَانِينَ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا عَلَى تَعَيُّنِهِ، وَالْحُكْمُ الْمَعْلُومُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَدَمُ تَعَيُّنِهِ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ لِزِيَادَةِ فَسَادٍ فِيهِ، ثُمَّ رَأَوْا أَهْلَ الزَّمَانِ تَغَيَّرُوا إلَى نَحْوِهِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ السَّائِبِ: حَتَّى إذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا وَعَلِمُوا أَنَّ الزَّمَانَ كُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ فَسَادُ أَهْلِهِ أَكْثَرَ

(يُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ) ثُمَّ يُجَرَّدُ فِي الْمَشْهُودِ مِنْ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مَرَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ثَانِيًا (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ سَوْطًا) لِأَنَّ الرِّقَّ مُتَّصِفٌ عَلَى مَا عُرِفَ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّكَرِ ثُمَّ رَجَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ هُوَ مَا كَانَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَمْثَالِهِمْ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ جَلْدِ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ بَعْدَ عُمَرَ فَلَمْ يَصِحَّ. وَذَلِكَ مَا فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: «شَهِدْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ أُتِيَ بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ وَرَجُلٌ آخَرُ فَشَهِدَ أَنَّهُ رَآهُ يَشْرَبُهَا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّؤُهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْهَا حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا، فَقَالَ: عَلِيٌّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَأَخَذَ السَّوْطَ وَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ إلَى أَنْ بَلَغَ أَرْبَعِينَ، قَالَ: حَسْبُك، جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ» . (قَوْلُهُ يُفَرِّقُ الضَّرْبَ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا) وَنَقَلَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلضَّارِبِ أَعْطِ كُلَّ ذِي عُضْوٍ حَقَّهُ: يَعْنِي مَا خَلَا الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ وَالْفَرْجَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْرِبُ الرَّأْسَ أَيْضًا وَتَقَدَّمَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُجَرِّدُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرِّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ. وَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّا أَظْهَرْنَا) أَيْ الشَّرْعَ أَظْهَرَ (التَّخْفِيفَ مَرَّةً) بِنُقْصَانِ الْعَدَدِ (فَلَا يُعْتَبَرُ ثَانِيًا) بِعَدَمِ التَّجْرِيدِ وَإِلَّا قَارَبَ الْمَقْصُودَ مِنْ الِانْزِجَارِ الْفَوَاتُ، وَتَقَدَّمَ لَهُ مِثْلُهُ فِي الطَّهَارَةِ حَيْثُ قَالَ فِي جَوَابِ تَخْفِيفِهِمَا الرَّوْثُ وَالْخَثَى لِلضَّرُورَةِ. قُلْنَا الضَّرُورَةُ قَدْ أَثَّرَتْ فِي النِّعَالِ مَرَّةً فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا: أَيْ فَلَا تُخَفَّفُ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَهُ ضِدُّهُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ لِلْمُسَافِرِ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ قَدْ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الطَّهَارَةِ أَنْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ نَفْيِ التَّخْفِيفِ ثَانِيًا وَوُجُودِهِ أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودُهُ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ الدَّلِيلُ وَعَدَمُهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ عَلَى مَا عُرِفَ) مِنْ أَنَّ الرِّقَّ مُؤَثِّرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ، فَإِذَا قُلْنَا إنَّ حَدَّ الْحُرِّ ثَمَانُونَ قُلْنَا إنَّ حَدَّ الْعَبْدِ أَرْبَعُونَ، وَمَنْ قَالَ حَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ قَالَ حَدُّ الْعَبْدِ عِشْرُونَ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّكَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ عَصِيرُ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ (ثُمَّ رَجَعَ

لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (وَيَثْبُتُ الشُّرْبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَ) يَثْبُتُ (بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي السَّرِقَةِ، وَسَنُبَيِّنُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ) لِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ وَتُهْمَةَ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ. (وَالسَّكْرَانُ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَلَا يَعْقِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْتَلِطُ كَلَامُهُ) لِأَنَّهُ هُوَ السَّكْرَانُ فِي الْعُرْفِ، وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) وَلَا مُكَذِّبَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُ فَيُقْبَلُ، وَلَا يَصِحُّ ضَمُّ سِينِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالسُّكْرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ إمَّا فِي حَالِ سُكْرِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُ السَّكْرَانِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ لِلتَّقَادُمِ فَلَا يُوجَدُ مَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ الشُّرْبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَيَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ مَرَّتَيْنِ) وَقَوْلُهُ (سَنُبَيِّنُهَا هُنَاكَ) أَيْ سَنُبَيِّنُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الشَّهَادَاتِ (وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ) وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا (لِأَنَّ فِيهَا) أَيْ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ (شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَاعْتَبَرَهَا عِنْدَ عَدَمِ الرَّجُلَيْنِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَتَا مَعَ رَجُلٍ مَعَ إمْكَانِ رَجُلَيْنِ صَحَّ إجْمَاعًا (وَ) فِيهِ (تُهْمَةُ الضَّلَالِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] فِي الْكَشَّافِ أَنْ تَضِلَّ: أَيْ لَا تَهْتَدِي لِلشَّهَادَةِ، وَفِي التَّيْسِيرِ: الضَّلَالُ هُنَا النِّسْيَانُ. وَقَوْلُهُ فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَيْ تُزِيلَ نِسْيَانَهَا (قَوْلُهُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي يُحَدُّ) لِسُكْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَلَا يَعْقِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ) زَادَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَا الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ (وَقَالَا: هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْلِطُ) وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ غَالِبُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا، فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ اخْتَلَطَ كَلَامُهُ جَدَّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ (وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ إذَا كَانَ

وَلَهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا دَرْءًا لِلْحَدِّ. وَنِهَايَةُ السَّكْرَانِ يَغْلِبُ السُّرُورُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَسْلُبُهُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدَحِ الْمُسْكِرُ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالْإِجْمَاعِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَهْذِي يُسَمَّى سَكْرَانُ وَتَأَيَّدَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ: إذَا سَكِرَ هَذَى (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا دَرْءًا) بِدَلِيلِ الْإِلْزَامِ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا أَنْ يَقُولَ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَفِي السَّرِقَةِ بِالْأَخْذِ مِنْ الْحِرْزِ التَّامِّ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ شُبْهَةُ الصَّحْوِ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ. وَأَمَّا فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فَمَا قَالَا فَاحْتَاطَ فِي أَمْرِ الْحَدِّ وَفِي الْحُرْمَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى قَوْلَهُمَا لِضَعْفِ وَجْهِ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ تُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا فَقَدْ سَلَّمَ أَنَّ السُّكْرَ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْحَالَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَأَنَّهُ تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ هِيَ سُكْرٌ، وَالْحَدُّ إنَّمَا أُنِيطَ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي أَثْبَتَ حَدَّ السُّكْرِ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى سُكْرًا لَا بِالْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ، عَلَى أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي ذَكَرَ قَلَّمَا يَصِلُ إلَيْهَا سَكْرَانُ فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارَ السُّكْرِ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَوْ كَانَ حَفِظَهَا فِيمَا حَفِظَ مِنْهُ لَا مَنْ لَمْ يَدْرِ شَيْئًا أَصْلًا. قَالَ بِشْرٌ: فَقُلْت لِأَبِي يُوسُفَ: كَيْفَ أَمَرْت بِهَا مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ فَرُبَّمَا يُخْطِئُ فِيهَا الْعَاقِلُ الصَّاحِي؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ أَنَّ الَّذِي عَجَزَ عَنْ قِرَاءَتِهَا سَكْرَانُ: يَعْنِي بِهِ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا فَأَكَلْنَا وَسَقَانَا مِنْ الْخَمْرِ فَأَخَذَتْ الْخَمْرُ مِنَّا، وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْت {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا بَلْ وَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ فَإِنَّهُ طَرِيقُ سَمَاعِ تَبْدِيلِ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ سَكْرَانَ إذَا قِيلَ لَهُ اقْرَأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] يَقُولُ لَا أُحْسِنُهَا الْآنَ بَلْ يَنْدَفِعُ قَارِئًا فَيُبَدِّلُهَا إلَى الْكُفْرِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْزَمَ أَحَدٌ بِطَرِيقِ ذِكْرِ مَا هُوَ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ. نَعَمْ لَوْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِقَامَةِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ السَّكْرَانِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ لَهُ طَرِيقٌ مَعْلُومٌ هِيَ مَا ذَكَرْنَا. وقَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] لِمَنْ لَمْ يُحْسِنْهَا لَا يُوجِبُ قَصْرَ الْمُعَرَّفِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ) مَمْنُوعٌ، بَلْ إذَا حَكَمَ الْعُرْفُ وَاللُّغَةُ

وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ ظُهُورَ أَثَرِهِ فِي مِشْيَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ وَهَذَا مِمَّا يَتَفَاوَتُ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ. (وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّهُ سَكْرَانُ بِمِقْدَارٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْحَالِ حُكِمَ بِأَنَّهُ سَكْرَانُ بِلَا شُبْهَةِ صَحْوٍ، وَمَا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ التَّمْيِيزِ لَمْ يُجْعَلْ شُبْهَةً فِي أَنَّهُ سَكْرَانُ، وَإِذَا كَانَ سَكْرَانَ بِلَا شُبْهَةِ حَدٍّ فَالْمُعْتَبَرُ ثُبُوتُ الشُّبْهَةِ فِي سُكْرِهِ فِي نَفْيِ الْحَدِّ لَا ثُبُوتُ شُبْهَةِ صَحْوِهِ. وَعُرِفَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ اسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ السُّكْرَ هُوَ أَنْ لَا يَعْقِلَ مَنْطِقًا إلَخْ غَرِيقٌ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهَا فِي عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ وَلَمْ يَصِلْ سُكْرُهُمْ إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ كَمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا الْوُجُوبَ وَقَامُوا لِلْإِسْقَاطِ وَجَعَلَهُمْ سُكَارَى فَهِيَ تُفِيدُ ضِدَّ قَوْلِهِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا} [النساء: 43] الْآيَةَ فَإِنَّمَا أَطْلَقَ لَهُمْ الصَّلَاةَ حَتَّى يَصْحُوا كُلَّ الصَّحْوِ بِأَنْ يَعْلَمُوا جَمِيعَ مَا يَقُولُونَ خَشْيَةَ أَنْ يُبَدِّلُوا بَعْضَ مَا يَقُولُونَ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ مِنْ مَرَاتِبِ السُّكْرِ كَذَا وَكَذَا، بَلْ أَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ سُمِّيَ سَكْرَانَ، وَكَوْنُ الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْحَدِّ مَا هُوَ لَا تَعَرُّضَ لَهُ بِوَجْهٍ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ ظُهُورَ أَثَرِهِ فِي مِشْيَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِجْمَاعِ فِي قَوْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدْحِ الْمُسْكِرُ مَا قَالَاهُ بِالْإِجْمَاعِ الْإِجْمَاعُ الْمَذْهَبِيُّ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ يُخَالِفُ قَوْلَهُمَا. وَاعْتَرَضَهُ شَارِحٌ بِأَنَّهُ قَلَّدَ فِيهِ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ الْحَدَّ فِي شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ جِنْسُهُ وَإِنْ قَلَّ، وَلَا يُعْتَبَرُ السُّكْرُ أَصْلًا. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ نَقْلِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي تَحْدِيدِ السُّكْرِ مَا هُوَ اعْتِقَادُ النَّاقِلِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَحُدُّ بِالسُّكْرِ، بَلْ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ يَحُدُّ بِالسُّكْرِ عِنْدَنَا حَدَّ السُّكْرِ مُطْلَقًا عَنْهُمَا وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُفَصَّلًا عَنْ الْإِمَامِ: أَيْ هُوَ بِاعْتِبَارِ اقْتِضَائِهِ الْحَدَّ هُوَ أَقْصَاهُ، وَبِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْحُرْمَةِ هُوَ مَا ذَكَرْتُمْ. وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَنْ فَسَّرَ السُّكْرَ يَحُدُّ بِلَا سُكْرٍ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ كَأَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَيَشْرَبَنَّ حَتَّى يَسْكَرَ فَيَحُدُّهُ لِيَعْلَمَ مَتَى يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِأَنَّ هَذَا يَتَفَاوَتُ: أَيْ لَا يَنْضَبِطُ فَكَمْ مِنْ صَاحٍ يَتَمَايَلُ وَيَزْلِقُ فِي مِشْيَتِهِ وَسَكْرَانُ ثَابِتٌ وَمَا لَا يَنْضَبِطُ لَا يُضْبَطُ بِهِ، وَلِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي كَلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارٌ بِالْأَقْوَالِ لَا بِالْمَشْيِ حَيْثُ قَالَ إذَا سَكِرَ هَذَى إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ، إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ، وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فِي حَالِ سُكْرِهِ وَبِالسَّرِقَةِ يُحَدُّ بَعْدَ الصَّحْوِ وَيُقْطَعُ، وَإِنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ، وَذَلِكَ الْإِقْرَارُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَالْأَقْوَالِ الَّتِي يَقُولُهَا. فَهُوَ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بَعْدَ سَاعَةٍ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ. هَذَا مَعَ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى

فَيَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ مُجُونًا وَتَهَتُّكًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى السُّكْرِ الْمُتَّصِفِ هُوَ بِهِ فَيَنْدَرِئُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَإِنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهِ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يُجْعَلَ رَاجِعًا عَنْهُ لَكِنَّ رُجُوعَهُ عَنْهُ لَا يُقْبَلُ. هَذَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي السُّكْرِ الَّذِي لَا يَصِحُّ مَعَهُ الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُمَا فَيَتَّفِقُونَ فِيهِ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ أَدْرَأُ لِلْحُدُودِ مِنْهُ لَوْ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ فِيهِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ (وَالسَّكْرَانُ كَالصَّاحِي) فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ (عُقُوبَةً عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْآفَةَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانُ حُبِسَ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُحَدَّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسَ حَتَّى يَخِفَّ عَنْهُ الضَّرْبُ فَيُحَدَّ لِلسُّكْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ، وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ سُكْرِهِ لَا يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ: بِالسُّكْرِ، وَكَذَا يُؤَاخَذُ بِالْإِقْرَارِ بِسَبَبِ الْقِصَاصِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ الْمَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ) أَوْ الِاسْتِخْفَافِ، وَبِاعْتِبَارِ الِاسْتِخْفَافِ حُكِمَ بِكُفْرِ الْهَازِلِ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهِ لِمَا يَقُولُ، وَلَا اعْتِقَادَ لِلسَّكْرَانِ وَلَا اسْتِخْفَافَ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ قِيَامِ الْإِدْرَاكِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَدِّهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَقَوْلِهِمَا، وَلِذَا لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ السَّكْرَانِ بِتَكَلُّمِهِ مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يُفَسِّرَا السَّكْرَانَ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا، فَوَجْهُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا اعْتَبَرَ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ فِي السَّكْرَانِ احْتِيَاطًا لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ حَتَّى قَالُوا: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَيْهِ وَيَبْنِي عَلَيْهِ، فَلَوْ اعْتَبَرَ فِي اعْتِبَارِ عَدَمِ رِدَّتِهِ بِالتَّكَلُّمِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ أَقْصَى السُّكْرِ كَانَ احْتِيَاطًا لِتَكْفِيرِهِ لِأَنَّهُ يَكْفُرُ فِي جَمِيعِ مَا قَبْلَ تِلْكَ الْحَالَةِ هَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ. أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الِاعْتِبَارُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ دَرْكَهُ قَائِمًا حَتَّى خَاطَبَهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] يَتَضَمَّنُ خِطَابَ السُّكَارَى، لِأَنَّهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ مُخَاطَبٌ بِأَنْ لَا يَقْرَبَهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا لَجَازَ لَهُ قُرْبَانُهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لِعَدَمِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ هَذَا الْخِطَابُ فَائِدَةً أَصْلًا فَهُوَ خِطَابٌ لِلصَّاحِي أَنْ لَا يَقْرَبَهَا إذَا سَكِرَ. فَالِامْتِثَالُ مَطْلُوبٌ مِنْهُ حَالَ السُّكْرِ سَوَاءٌ كَانَ يَعْقِلُ دَرْكَ شَيْءٍ مَا أَوْ لَا كَالنَّائِمِ وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَالَ السُّكْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَحَقُّقَ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَلَا

[باب حد القذف]

(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQدَرْكَ لَيْسَ إلَّا عُقُوبَةٌ، إذْ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ، فَاعْتِبَارُ دَرْكِهِ زَائِلًا فِي حَقِّ الرِّدَّةِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الِاعْتِقَادِ، وَالِاسْتِخْفَافُ اعْتِبَارٌ مُخَالِفٌ لِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ فِي حَقِّهِ. قُلْنَا: ثَبَتَ مِنْ الشَّرْعِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَمَا عَاقَبَهُ بِلُزُومِ الْأَحْكَامِ مَعَ عَدَمِ فَهْمِ الْخِطَابِ خَفَّفَ عَنْهُ فِي أَصْلِ الدِّينِ رَحْمَةً عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً، وَذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِ الْقَارِئِ مَعَ إسْقَاطِ لَفْظَةِ " لَا " مِنْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ السُّكْرَ الَّذِي كَانَ بِهِمْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ لَا دَرْكَ أَصْلًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَقَامُوا إلَى الْأَدَاءِ، فَعِلْمُنَا أَنَّ الشَّارِعَ رَحِمَهُ فِي أَصْلِ الدِّينِ وَعَاقَبَهُ فِي فُرُوعِهِ وَلِهَذَا صَحَّحْنَا إسْلَامَهُ، وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْنَا بِرِدَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَرْكٌ وَلَمْ نُصَحِّحْ مِنْ الْكَافِرِ السَّكْرَانِ إسْلَامَهُ، وَمِمَّا ذَكَرْنَا يُعْرَفُ صِحَّةُ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا السَّكْرَانَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ كَلِمَةُ رِدَّةٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى أَقْصَى السُّكْرِ إنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهَا كَمَا قَرَأَ عَلِيٌّ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فَغَيَّرَ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ مُدْرِكًا لَهَا قَاصِدًا مُسْتَحْضِرًا مَعْنَاهَا فَإِنَّهُ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِطَرِيقِ تَكْفِيرِ الْهَازِلِ. وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَدْرِي مِنْ حَالِهِ إلَّا أَنَّهُ سَكْرَانُ تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ فَلَا يَحْكُمُ بِكُفْرِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] تَقَدَّمَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. وَالْقَذْفُ لُغَةً الرَّمْيُ بِالشَّيْءِ. وَفِي الشَّرْعِ: رَمْيٌ بِالزِّنَا، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ. وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ. وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ. وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَامَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَاجْتَنَبَ السَّبْعَ الْكَبَائِرَ نُودِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَدْخُلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ» وَذَكَرَ مِنْهَا قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ. وَتَعَلَّقَ الْحَدُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدِينَ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (وَالْمُرَادُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا) حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِسَائِرِ الْمَعَاصِي غَيْرِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بَلْ التَّعْزِيرُ (وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا (وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ) يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ لِيَظْهَرَ بِهِ صِدْقُهُ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ، وَلَا شَيْءَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إلَّا الزِّنَا، ثُمَّ ثَبَتَ وُجُوبُ جَلْدِ الْقَاذِفِ لِلْمُحْصَنِ بِدَلَالَةِ هَذَا النَّصِّ بِالْقَطْعِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ صِفَةُ الْأُنُوثَةِ وَاسْتِقْلَالِ دَفْعِ عَارِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّأْثِيرِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى ثُبُوتِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا) بِأَنْ قَالَ زَنَيْت أَوْ يَا زَانِي

وَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلَى أَنْ قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ إذْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا، وَيُشْتَرَطُ مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ وَإِحْصَانُ الْمَقْذُوفِ لِمَا تَلَوْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ) الْقَاذِفُ (حُرًّا) وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حُدَّ أَرْبَعِينَ سَوْطًا. شَرْطُ الْإِحْصَانِ فِي الْمَقْذُوفِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا عَفِيفًا. وَعَنْ دَاوُد عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ، وَأَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُ الْعَبْدِ. وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ بَلْ كَوْنُ الْمَقْذُوفِ بِحَيْثُ يُجَامِعُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا وَهِيَ خِلَافُ الْمُصَحَّحِ عَنْهُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يُحَدُّ بِقَذْفِ الذِّمِّيَّةِ إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَسَيَأْتِي الْوَجْهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (بِصَرِيحِ الزِّنَا) يَحْتَرِزُ عَنْ الْقَذْفِ بِالْكِنَايَةِ كَقَائِلِ صَدَقْت لِمَنْ قَالَ يَا زَانِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ كَمَا قُلْت فَإِنَّهُ يُحَدُّ. وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ الْآخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ. وَلَوْ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ حُدَّ. وَيُحَدُّ بِقَوْلِهِ زَنَى فَرْجُك وَبِقَوْلِهِ زَنَيْتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا قَطَعَ كَلَامَهُ وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ بِخِلَافِهِ مَوْصُولًا. وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ أَوْ أَبِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَسُفْيَانُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يُحَدُّ بِالتَّعْرِيضِ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَ رَجُلًا بِالتَّعْرِيضِ، وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِهِ مِنْ الْقَرِينَةِ صَارَ كَالصَّرِيحِ. قُلْنَا لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ مِثْلَهُ، فَإِنَّا رَأَيْنَاهُ حَرَّمَ صَرِيحَ خِطْبَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ فَقَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] وَقَالَ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] فَإِذَا ثَبَتَ مِنْ الشَّرْعِ نَفْيُ اتِّحَادِ حُكْمِهِمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحَدَّ الْمُحْتَاطَ فِي دَرْئِهِ. وَأَمَّا

قَالَ (وَيُفَرَّقُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا (وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ، بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا (غَيْرَ أَنَّهُ يُنْزَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِدْلَال بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَلْزَمْ الْحَدُّ لِلَّذِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّ إلْزَامَ حَدِّ الْقَذْفِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَدَّعِ. وَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّ الْحَدَّ يَثْبُتُ بِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ، وَوُرُودُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الرِّوَايَاتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِالِاقْتِضَاءِ وَالثَّابِتُ مُقْتَضِي كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ. وَالْحَقُّ أَنْ لَا دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ فِي ذَلِكَ لِمَا سَيُذْكَرُ بَلْ حَدُّهُ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ فَهُوَ وَارِدٌ لَا يَنْدَفِعُ. وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْقَذْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الزِّنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيِّ أَوْ النَّبَطِيِّ أَوْ الْفَارِسِيِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يُحَدُّ لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْت بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ إلَخْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَرَاهِمَ حَيْثُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا. وَلَوْ قَالَ هَذَا لِرَجُلٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أَخْذُ الْمَالِ. وَلَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ جَامَعَك فُلَانٌ جِمَاعًا حَرَامًا لَا يُحَدُّ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَلِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ، إذْ الْجِمَاعُ الْحَرَامُ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَكَذَا لَا يُحَدُّ فِي قَوْلِهِ يَا حَرَامْ زَادَهْ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ زِنًا، وَلَا بِقَوْلِهِ أَشْهَدَنِي رَجُلٌ أَنَّك زَانٍ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِقَذْفِ غَيْرِهِ، وَلَا بِقَوْلِهِ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ أَزَنَى الزُّنَاةِ، لِأَنَّ أَفْعَلَ فِي مِثْلِهِ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْعِلْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ فِي فُرُوعٍ نَذْكُرُهَا. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ فَإِجْمَاعٌ إذَا كَانَ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمُطَالَبَةُ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ ثُمَّ إنَّ نَفْيَهُ عَنْ غَيْرِ الْمَقْذُوفِ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ، وَأَوْرَدَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْمُطَالَبَةُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. فَالْجَوَابُ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مُطْلَقًا يَتَوَقَّفُ النَّظَرُ فِيهِ عَلَى الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا. نَعَمْ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ قَذْفٌ نَحْوُ الرَّتْقَاءِ وَالْمَجْبُوبِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَعَ صِدْقِ الْقَذْفِ لِلْمُحْصَنَةِ بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَكَذَا الْأَخْرَسُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُصَدِّقَهُ لَوْ نَطَقَ. وَفِي الْأَوَّلَيْنِ كَذِبُهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَانْتَفَى إلْحَاقُ الشَّيْنِ إلَّا بِنَفْسِهِ. وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةً لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ التَّاءَ تُزَادُ لَهُ كَمَا فِي عَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْبُوبًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ مَحَلٌّ لِلزِّنَا لَا يُحَدُّ، وَكَوْنُ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ مَجَازٌ لِمَا عُهِدَ لَهَا مِنْ التَّأْنِيثِ، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانٍ حُدَّ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ التَّرْخِيمَ شَائِعٌ (وَيُفَرَّقُ) الضَّرْبُ (عَلَى أَعْضَائِهِ لِمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا) . (قَوْلُهُ وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ) إلَّا فِي قَوْلِ مَالِكٍ (لِأَنَّ سَبَبَهُ) وَهُوَ النِّسْبَةُ إلَى الزِّنَا كَذِبًا (غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ) لِجَوَازِ كَوْنِهِ صَادِقًا غَيْرَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَيَانِ، بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّ سَبَبَهُ مُعَايِنٌ لِلشُّهُودِ أَوْ لِلْمُقِرِّ بِهِ، وَالْمَعْلُومُ لَهُمَا هُنَا نَفْسُ الْقَذْفِ، وَإِيجَابُهُ الْحَدَّ لَيْسَ بِذَاتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ كَاذِبًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِعَدَمِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، قَالَ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِثْبَاتِ بِالشُّهَدَاءِ لِأَنَّ فَائِدَةَ النِّسْبَةِ هُنَاكَ تَحْصُلُ، أَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ فَإِنَّمَا هُوَ تَشْنِيعٌ وَلَقْلَقَةٌ تُقَابَلُ بِمِثْلِهَا بِلَا فَائِدَةٍ (بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا غَيْرَ أَنَّهُ يَنْزِعُ

عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ بِهِ (وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا جُلِدَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا لِمَكَانِ الرِّقِّ. وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِحْصَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ، وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّ الْعَارَ لَا يَلْحَقُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا، وَالْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَالْعِفَّةُ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَكَذَا الْقَاذِفُ صَادِقٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ) أَيْ الثَّوْبَ الْمَحْشُوَّ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْأَلَمِ إلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا. (قَوْلُهُ وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا إلَخْ) قَدَّمْنَا ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ، وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَتَقَدَّمَتْ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْقَاذِفُ الْإِحْصَانَ وَعَجَزَ الْمَقْذُوفُ عَنْ الْبَيِّنَةِ لَا يَحْلِفُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مُحْصَنَةٌ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْحُرِّيَّةَ لِيُحَدَّ حَدَّ الْأَرِقَّاءِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُحَدُّ كَالْأَحْرَارِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّهُ حُرٌّ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ حَدَّهُ ثَمَانِينَ، وَهَذَا قَضَاءٌ يَعْلَمُهُ فِيمَا لَيْسَ سَبَبًا لِلْحَدِّ فَيَجُوزُ (أَمَّا اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ فَلِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِحْصَانِ، قَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ) فَالرَّقِيقُ لَيْسَ مُحْصَنًا بِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَوْنُهُ مُحْصَنًا بِمَعْنًى آخَرَ كَالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ يُوجِبُ كَوْنُهُ مُحْصَنًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي إحْصَانِهِ تُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ عَنْ قَاذِفِهِ فَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَكُونَ مُحْصَنًا بِجَمِيعِ الْمَفْهُومَاتِ الَّتِي أُطْلِقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الْإِحْصَانِ إلَّا مَا أَجْمَعَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي تَحَقُّقِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ كَوْنُهَا زَوْجَةً أَوْ كَوْنُ الْمَقْذُوفِ زَوْجًا، فَإِنَّهُ جَاءَ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] أَيْ الْمُتَزَوِّجَاتُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي إحْصَانِ الْقَذْفِ بَلْ فِي إحْصَانِ الرَّجْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْصَانَ أُطْلِقَ بِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِمَعْنَى الْإِسْلَامِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَسْلَمْنَ، وَهَذَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي الْإِحْصَانِ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَبِمَعْنَى الْعِفَّةِ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا، قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وَالْمُرَادُ بِهِنَّ الْعَفَائِفُ، وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَفِيهِ إجْمَاعٌ، إلَّا مَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ مُحْصَنٌ فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ

(وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لِأُمِّهِ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْفِي عَنْ الزَّانِي لَا عَنْ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصَحُّ عَنْهُ كَقَوْلِ النَّاسِ وَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً، فَإِنَّ الْحَدَّ بِعِلَّةِ إلْحَاقِ الْعَارِ وَمِثْلُهَا يَلْحَقُهُ. وَالْعَامَّةُ يَمْنَعُونَ كَوْنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَلْحَقُهُمَا عَارٌ بِنِسْبَتِهِمَا إلَى الزِّنَا بَلْ رُبَّمَا يُضْحَكُ مِنْ الْقَائِلِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ يَا زَانِي، إمَّا لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ. وَإِمَّا لِعَدَمِ خِطَابِهِمَا بِالْحُرُمَاتِ. وَلَوْ فُرِضَ لُحُوقُ عَارٍ لِمُرَاهِقٍ فَلَيْسَ إلْحَاقًا عَلَى الْكَمَالِ فَيَنْدَرِئُ. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّنَا الْمُؤَثِّمُ، وَإِلَّا فَهُوَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا إذْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، لَكِنَّ الْقَذْفَ إنَّمَا يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا كَانَ بِزِنًا يُؤَثَّمُ صَاحِبُهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ الْقَائِلُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الزِّنَا مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُ مَجْنُونٍ زَنَى حَالَةَ جُنُونِهِ لَكِنْ لَا يُحَدُّ وَإِنْ كَانَ قَذَفَهُ حِينَ إفَاقَتِهِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعِفَّةِ فَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. وَلَوْ لَحِقَهُ عَارٌ آخَرُ فَهُوَ صِدْقٌ. وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلْفِرْيَةِ لَا لِلصِّدْقِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ: لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمُرِهِ. فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ. وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ أَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً سَقَطَ إحْصَانُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ. وَلَوْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا فَدَخَلَ بِهَا أَوْ أُمِّهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ. وَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ انْتَهَى لَفْظُهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بِنْتِ الْمَمْسُوسَةِ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً) وَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لِأُمِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أُمُّهُ زَانِيَةٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَلَا نِكَاحَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ كَانَ عَنْ زِنَاهَا مَعَهُ. قِيلَ فَعَلَى هَذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً حَتَّى يَشْمَلَ جَمِيعَ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ. وَأَوْرَدَ

(وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ فِي غَضَبٍ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ يُحَدُّ، وَلَوْ قَالَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ عِنْدَ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ سَبًّا لَهُ، وَفِي غَيْرِهِ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ مُشَابَهَتِهِ أَبَاهُ فِي أَسْبَابِ الْمُرُوءَةِ (وَلَوْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ يَعْنِي جَدَّهُ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كَلَامِهِ، وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يُحَدُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَجَازًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ أَبِيهِ وَلَا تَكُونَ أُمُّهُ زَانِيَةً بِأَنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. الْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّك لَسْت لِأَبِيك الَّذِي وُلِدْتَ مِنْ مَائِهِ بَلْ مَقْطُوعُ النَّسَبِ مِنْهُ، وَهَذَا مَلْزُومٌ بِأَنَّ الْأُمَّ زَنَتْ مَعَ صَاحِبِ الْمَاءِ الَّذِي وُلِدَ مِنْهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُنْفَى عَنْ الزَّانِي لَا عَنْ غَيْرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ نَفْيَ نَسَبِهِ عَنْ أَبِيهِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ أَبِيهِ زَانِيًا لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُنْفَى عَنْ الزَّانِي فَيَلْزَمُ أَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ مَعَ أَبِيهِ فَجَاءَتْ بِهِ مِنْ الزِّنَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ كَوْنِ أَبِيهِ زَنَى بِأُمِّهِ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ وَلَا يَكُونُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ فَالْوَجْهُ إثْبَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِعَدَمِ إرَادَةِ الْأَبِ الَّذِي يُدْعَى إلَيْهِ وَيُنْسَبُ بِخُصُوصِهِ، وَلَا شَكَّ فِي هَذَا وَإِلَّا كَانَتْ بِمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَهِيَ الَّتِي يَرِدُ عَلَيْهَا السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ، وَجَوَابُهُ مَا سَيَجِيءُ. وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ الْحَدِّ فِي هَذِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَإِذَنْ يَخْتَلِفُ الْمُرَادُ بِلَفْظِ الْأَبِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِالْأَبِ الْأَبُ الْمَشْهُورُ، فَيَكُونُ النَّفْيُ مَجَازًا عَنْ نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ فِي مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ فِي غَضَبٍ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى إلَيْهِ يُحَدُّ، وَلَوْ قَالَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ عِنْدَ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ) أَيْ حَقِيقَةُ نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ لِأَنَّهُ حَالَةُ سَبٍّ وَشَتْمٍ، وَفِي غَيْرِهِ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ عَلَى عَدَمِ تَشَبُّهِهِ بِهِ فِي مَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَيْسَ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا أَمْرًا لَازِمًا لِجَوَازِ نَفْيِهِ عَنْهُ. وَالْقَصْدُ إلَى إثْبَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، فَثُبُوتُ الْحَدِّ بِهِ بِمَعُونَةِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا لَا يُثْبِتُ الْقَذْفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا. وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْحَدَّ اسْتِحْسَانًا بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: بَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَدَّ إلَّا فِي قَذْفِ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيِ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ. ثُمَّ حَمَلُوا الْأَثَرَ عَلَى النَّفْيِ حَالَةَ الْغَضَبِ، وَحَكَمُوا بِأَنَّهُ حَالَةَ عَدَمِهِ لَمْ يَنْفِهِ عَنْ أَبِيهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّخْصِيصِ فِي شَيْءٍ إذْ لَيْسَ قَذْفًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَخْصِيصًا لَوْ كَانَ قَذْفًا أُخْرِجَ مِنْ حُكْمِ الْقَذْفِ. وَلَوْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا ابْنِ فُلَانَةَ لَا يُحَدُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ حَدَّهُ فِي قَوْلِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُ، وَإِذَا نَفَى نَسَبَهُ عَنْ أُمِّهِ فَقَدْ نَفَى وِلَادَتَهَا إيَّاهُ فَقَدْ نَفَى زِنَاهَا بِهِ فَكَيْفَ يُحَدُّ. هَذَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْصِيلٌ بَلْ يُحَدُّ أَلْبَتَّةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا حَلِيلَةَ فُلَانٍ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ يُرِيدُ بِفُلَانٍ جَدَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كَلَامِهِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ: يَعْنِي جَدَّهُ هُوَ صَادِقٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ مَجَازًا مُتَعَارَفًا

(وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ فَطَالَبَ الِابْنُ بِحَدِّهِ حُدَّ الْقَاذِفُ) لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا (وَلَا يُطَالِبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ وَهُوَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ) لِأَنَّ الْعَارَ يَلْتَحِقُ بِهِ لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُ مَعْنًى. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يُورَثُ عِنْدَهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي بَعْضِ أَصْحَابِنَا ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَأَمِيرُ الْحَاجِّ جَدُّهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ ابْنُ فُلَانٍ لِعَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَبِ كَمَا سَيَأْتِي. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ هُوَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ وَمَعْنًى حَقِيقِيٌّ هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ أَوْ عَدَمِ زِنَاهَا بَلْ بِشُبْهَةٍ، فَهِيَ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: يُمْكِنُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْخُصُوصِ، وَقَدْ حَكَمُوا بِتَحْكِيمِ الْغَضَبِ وَعَدَمِهِ، فَمَعَهُ يُرَادُ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ، وَمَعَ عَدَمِهِ يُرَادُ الْمَجَازِيُّ. وَقَوْلُهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ هُوَ نَفْيُ مُشَابَهَتِهِ لِجَدِّهِ، وَمَعْنَيَانِ حَقِيقِيَّانِ أَحَدُهُمَا نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ وَالْآخَرُ نَفْيُ كَوْنِهِ أَبًا أَعْلَى لَهُ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ: نَفْيُ كَوْنِ أَبِيهِ خُلِقَ مِنْ مَائِهِ بَلْ زَنَتْ جَدَّتُهُ بِهِ، أَوْ جَاءَتْ بِهِ بِشُبْهَةِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي يَصِحُّ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهَا، وَقَدْ حُكِمَ بِتَعْيِينِ الْغَضَبِ: أَحَدُهَا بِعَيْنِهِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ، إذْ لَا مَعْنَى لَأَنْ يُخْبِرَهُ فِي السِّبَابِ بِأَنَّ أُمَّهُ جَاءَتْ بِهِ بِغَيْرِ زِنًا بَلْ بِشُبْهَةٍ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ أَيْضًا بِتَعْيِينِ الْغَضَبِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ نَفْيُ نَسَبِ أَبِيهِ عَنْهُ وَقَذْفِ جَدَّتِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِأَنْ لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَاءِ جَدِّك، وَهُوَ مَعَ سَمَاجَتِهِ أَبْعَدُ فِي الْإِرَادَةِ مِنْ أَنْ يُرَادَ نَفْيُ أُبُوَّتِهِ لِأَبِيهِ، لِأَنَّ هَذَا كَقَوْلِنَا السَّمَاءُ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا إجْمَاعٌ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِلَا تَفْصِيلٍ، كَمَا أَنَّ فِي تِلْكَ إجْمَاعًا عَلَى ثُبُوتِهِ بِالتَّفْصِيلِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ حُدَّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ صَرِيحٍ لِجَوَازِ كَوْنِهِ ابْنَهُ شَرْعًا بِلَا زِنًا عَلَى مَا قُلْنَا، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ سَتَأْتِي فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهَا هُنَا أَنْسَبُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ كَانَ لِلْوَلَدِ الْمُطَالَبَةُ بِحَدِّهِ) فَإِذَا طَالَبَ بِهِ حُدَّ الْقَاذِفُ (وَلَا يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ) وَهُوَ الْوَالِدُ وَإِنْ عَلَا وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ، لِأَنَّ الْعَارَ يَلْتَحِقُ بِهِمَا لِلْجُزْئِيَّةِ فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا مَعْنًى لَهُمَا فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ، لَكِنَّ لُحُوقَهُ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ لُحُوقِ الْمَقْذُوفِ بِالذَّاتِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْخُصُومَةِ، لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ

مَا نُبَيِّنُ، وَعِنْدَنَا وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ، وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ كَمَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الِابْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ خِلَافًا لِزُفَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْصُودًا فَلَا يُطَالَبُ غَيْرُهُ بِمُوجِبِهِ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ عَنْ مُطَالَبَتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا، فَلِذَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلَا لِوَالِدِهِ الْمُطَالَبَةُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ يُجَوِّزُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغَائِبُ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ يَثْبُتُ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ: رَجُلٌ قَذَفَ مَيِّتًا فَلِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْقَاذِفَ وَيَحُدَّهُ، وَوَلَدُ الِابْنِ وَوَلَدُ الْبِنْتِ سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا جَدٌّ أَبُو الْأَبِ وَلَا أُمُّ الْأُمِّ وَلَا عَمَّةٌ وَلَا مَوْلَاهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَيْضًا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي قَالَ مُحَمَّدٌ: لِكُلِّ مَنْ يَرِثُهُ وَيُورَثُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَاذِفَ وَيَحُدَّهُ اهـ. وَهَذِهِ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. ثُمَّ لِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ يَرِثُهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَرِثَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ. وَالثَّانِي غَيْرُ الْوَارِثِ بِالزَّوْجِيَّةِ. وَالثَّالِثُ يَرِثُهُ ذُكُورُ الْعَصَبَاتِ لَا غَيْرُهُمْ (وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ لُحُوقِ الْعَارِ، وَلِذَا لَا يَثْبُتُ لِلْأَخِ عِنْدَنَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِهِ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ. فَاللَّاحِقُ مِنْ الْعَارِ لِلْإِنْسَانِ كَاللَّاحِقِ لِنَفْسِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، بِخِلَافِ الْأَخِ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرُ عَارِ زِنَا أَخِيهِ كَمَا لَا يَلْحَقُهُ النَّفْعُ بِانْتِفَاعِ أَخِيهِ، وَلِعِلْمِ الشَّرْعِ بِذَلِكَ أَجَازَ شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ، فَلَيْسَ لِأَخِي الْمَقْذُوفِ وَلَا لِعَمِّهِ وَخَالِهِ الْمُطَالَبَةُ بِحَدِّ الْقَذْفِ، وَلَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ نَفْسِ الْمَشْهُودِ لَهُ (وَلِهَذَا) أَعْنِي لِكَوْنِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ لِلُحُوقِ الْعَارِ غَيْرَ دَائِرٍ مَعَ الْإِرْثِ (يَثْبُتُ لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ) أَوْ الرِّقِّ أَوْ الْكُفْرِ فَلِقَاتِلِ أَبِيهِ أَنْ يُطَالِبَ قَاذِفَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ بِحَدِّ الْقَذْفِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ بِنْتِ الْمَقْذُوفِ كَمَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الِابْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَيَثْبُتُ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ (وَكَذَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ) حَقُّ الْمُطَالَبَةِ (مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ خِلَافًا لِزُفَرَ) وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ لِأَنَّهُ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) يَعْنِي فِي رِوَايَةٍ لَيْسَتْ هِيَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَوَجْهُهَا أَنَّ نَسَبَهُ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ جَدَّتِهِ لِأُمِّهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي لَفْظِ وَلَدِ الْوَلَدِ وَلِذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ لَا يَدْخُلُ ابْنُ الْبِنْتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ عَنْهُمْ أَوْ لَا يُمْنَعُ عَدَمُ الدُّخُولِ بَلْ يَدْخُلُ

(وَإِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ) خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ: الْقَذْفُ يَتَنَاوَلُهُ مَعْنًى لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ طَرِيقُهُ الْإِرْثَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى. وَلَنَا أَنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ فَيَأْخُذُهُ بِالْحَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِحْصَانَ فِي الَّذِي يُنْسَبُ إلَى الزِّنَا شَرْطٌ لِيَقَعَ تَعْيِيرًا عَلَى الْكَمَالِ ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَقَوْلِ الْخَصَّافِ وَقَدْ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ فِي الْوَقْفِ، وَثَانِيًا بِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْمَبْنَى مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ مَبْنَى ثُبُوتِ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْقَذْفِ ثُبُوتُ الْجُزْئِيَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِرُجُوعِ عَارِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْإِنْسَانِ إلَى الْآخَرِ، وَثُبُوتُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ بِثُبُوتِ تَبَادُرِ وَلَدِ الْبِنْتِ مِنْ قَوْلِنَا أَوْلَادُ فُلَانٍ لِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى مَنْ يُسَمَّى بِهِ. فَإِذَا لَمْ يَتَبَادَرْ لَا يَشْمَلُهُ الْوَقْفُ وَصَارَ كَالْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِ فُلَانٍ لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ بَنَاتِهِ لِهَذَا. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ إنَّ مَا يَلْحَقُ الْوَلَدَ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ وَلَدَ الْوَلَدِ فَصَارَ وَلَدُ الْوَلَدِ مَعَ الْوَلَدِ كَوَلَدِ الْمَقْذُوفِ مَعَهُ وَاعْتَبَرَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا خُصُومَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ. وَالْجَوَابُ مَنَعَ أَنَّ مَا يَلْحَقُ الْأَقْرَبَ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ الْأَبْعَدَ بَلْ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْمَقْذُوفِ بِالْجُزْئِيَّةِ لَحِقَهُ مِنْ الْعَارِ مِثْلُ مَا لَحِقَ الْآخَرَ لِاتِّحَادِ الْجِهَةِ وَالتَّبَعِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمَقْذُوفِ مَعَ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ الْعَارُ مَقْصُودًا بِالْإِلْحَاقِ بِهِ دُونَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ. وَأَمَّا حَقُّ خُصُومَةِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَقْرَبِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» فَعُلِمَ تَرَتُّبُهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْمَ يُشْعِرُ بِهِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ ظَهَرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ بِقَذْفِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ إنَّمَا خَالَفَ زُفَرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَمَا وَجْهُ مَا فِي قَاضِي خَانَ فَإِذَا قَالَ جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. قُلْنَا: ذَلِكَ لِلْإِيهَامِ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ ابْنِ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى، فَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَتْ مُحْصَنَةً حُدَّ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَلِابْنِهِ الْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِزُفَرَ) وَلِكُلِّ مَنْ قَالَ طَرِيقُهُ لِلْإِرْثِ: يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا بِأَنْ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ وَلَا يُطَالَبُ بِهِ الِابْنُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَقْذُوفِ (هُوَ يَقُولُ الْقَذْفُ تَنَاوَلَ الِابْنَ مَعْنًى لَا صُورَةً لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِ) وَلَيْسَ الْحَدُّ الْآنَ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لِأَجْلِ أُمِّهِ إذْ لَيْسَ طَرِيقُهُ الْإِرْثَ عِنْدَنَا. وَإِذَا تَنَاوَلَهُ مَعْنًى فَغَايَةُ أَمْرِهِ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْقَذْفِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ، فَكَذَا إذَا كَانَ مَقْذُوفًا مَعْنًى فَقَطْ (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ الْقَاذِفُ (عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ) هُوَ أُمُّهُ أَوْ أَبُوهُ (فَيَأْخُذُهُ بِالْحَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِحْصَانَ فِي) الْمَقْذُوفِ قَصْدًا وَهُوَ (الَّذِي يُنْسَبُ إلَى الزِّنَا شَرْطٌ لِيَقَعَ تَعْيِيرًا عَلَى الْكَمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ تَعْيِيرًا كَامِلًا إلَّا إذَا كَانَ مُحْصَنًا (ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا

التَّعْيِيرُ الْكَامِلُ إلَى وَلَدِهِ، وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ، بِخِلَافِ إذَا تَنَاوَلَ الْقَذْفُ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّعْيِيرُ عَلَى الْكَمَالِ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فِي الْمَنْسُوبِ إلَى الزِّنَا (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ، وَلَا لِلِابْنِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ عَبْدِهِ، وَكَذَا الْأَبُ بِسَبَبِ ابْنِهِ، وَلِهَذَا لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَانْعِدَامِ الْمَانِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْيِيرُ الْكَامِلُ إلَى وَلَدِهِ) فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ عَلَى طَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِلشَّيْنِ الَّذِي لَحِقَهُ لَا لِلْخِلَافَةِ، ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ إقَامَةُ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى (وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهُ نَفْسَهُ) لِعَدَمِ إحْصَانِهِ فَلَمْ يَقَعْ التَّعْيِيرُ إذْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا عَلَى الْكَمَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ لِلتَّعْيِيرِ الْكَامِلِ وَهُوَ بِإِحْصَانِ الْمَقْذُوفِ فَإِنْ كَانَ حَيًّا كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ لَهُ أَوْ مَيِّتًا طَالَبَ بِهِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّعْيِيرُ الْكَامِلُ فِي حَقِّهِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ) أَيْ الَّتِي قَذَفَهَا فِي حَالِ مَوْتِهَا (وَلَا لِلِابْنِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ) وَإِنْ عَلَا (بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ) الَّتِي قَذَفَهَا فِي حَالِ مَوْتِهَا بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ حُرَّةٌ، أَوْ قَالَ لِابْنِهِ أَوْ لِابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ بَعْدَ وَفَاةِ أُمِّهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ لِلِابْنِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لِإِطْلَاقِ آيَةِ {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] وَلِأَنَّهُ حَدٌّ هُوَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ إقَامَتِهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا حُدَّ الْأَبُ سَقَطَتْ عَدَالَةُ الِابْنِ لِمُبَاشَرَتِهِ سَبَبَ عُقُوبَةِ أَبِيهِ مَعَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِطْلَاقَ أَوْ الْعُمُومَ مُخْرَجٌ مِنْهُ الْوَلَدُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارِضَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَالْمَانِعُ مُقَدَّمٌ (وَلِهَذَا لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ) وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ فَانْتَقَضَتْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ وَصَارَ الْأَصْلُ لَنَا عُمُومَ الْآيَةِ، أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ، وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ فَلِشُبْهَةِ الْمِلْكِ لِلْأَبِ فِي الْمَسْرُوقِ فَلَا يُرَدُّ عَلَى مَالِكٍ. نَعَمْ دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى كَوْنِهِ لَا يُقَادُ بِهِ لَازِمَةٌ، فَإِنَّ إهْدَارَ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْوَلَدِ تُوجِبُ إهْدَارَهَا فِي عِرْضِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى مَعَ أَنَّ الْقِصَاصَ مُتَيَقَّنٌ بِسَبَبِهِ وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فِيهِمَا، وَلِضَعْفِ الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ بِسَبَبِ مَالِ الِابْنِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ عَبْدِهِ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مُطَالَبَةِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ بِقَذْفِ أُمِّهِ، قِيلَ لِأَنَّ حَقَّ عَبْدِهِ حَقُّهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ بِسَبَبِ حَقِّ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي قَالَ لِوَلَدِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ (وَلَدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ) بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّ الْخُصُومَةِ وَظَهَرَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا

(وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَمَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي) عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَقُّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الزَّاجِرِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ، وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ وَبِكُلِّ ذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَانِعٌ دُونَ الْآخَرِ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ فِي الْآخَرِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ يَسْتَحِقُّونَ الْمُطَالَبَةَ فَعَفَا أَحَدُهُمْ كَانَ لِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، بِخِلَافِ عَفْوِ أَحَدِ مُسْتَحَقِّي الْقِصَاصَ بِمَنْعِ اسْتِيفَاءِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ وَاحِدٌ لِلْمَيِّتِ مَوْرُوثٌ لِلْوَارِثِينَ، فَبِإِسْقَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْعَفْوِ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ تُجْزِيهِ، أَمَّا هُنَا فَالْحَقُّ فِي الْحَدُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِكُلِّ وِلَايَةٍ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِهِمَا. [فَرْعٌ] يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ مِنْ الْغَائِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّ خُصُومَةَ الْوَكِيلِ تَقُومُ مَقَامَ خُصُومَةِ الْمُوَكِّلِ، وَشَرْطُ الْحَدِّ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ، وَالْإِجْمَاعُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ الْوَكِيلُ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ كَانَ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ عَفَا أَوْ أَنَّ الْمَقْذُوفَ قَدْ صَدَّقَ الْقَاذِفَ أَوْ أَكْذَبَ شُهُودَهُ، وَلَا يَخْفَى قُصُورُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَفْوِ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ فَمَعَ احْتِمَالِهِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ) فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْبَاقِي فَيُقَامُ لَهُ (وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ) كَالْقِصَاصِ (فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ (هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ) نَعْلَمُ (أَنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا. وَالْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الزَّوَاجِرِ كُلِّهَا إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ) إذْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهَذَا إنْسَانٌ دُونَ غَيْرِهِ (وَبِكُلٍّ) مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ (تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ) فَبِاعْتِبَارِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ شُرِطَتْ الدَّعْوَى فِي إقَامَتِهِ وَلَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ بِالتَّقَادُمِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ إذَا عَلِمَهُ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ، وَكَذَا لَوْ قَذَفَهُ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي حَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ ثُمَّ وَلِيَ الْقَضَاءَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ، وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ إذَا اجْتَمَعَا. وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى اسْتَوْفَاهُ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ سُقُوطِهِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ عَلَيْهِ الْقَاذِفُ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَالْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ التَّالِفِ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ وَلَمْ يُمْكِنْ إهْدَارُ مُقْتَضَى إحْدَاهُمَا لَزِمَ اعْتِبَارُهُمَا فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّ فِيهِ الْحَقَّيْنِ (إلَّا أَنَّ

فَالشَّافِعِيُّ مَالَ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ، وَنَحْنُ صِرْنَا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مَرْعِيًّا بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ عَكْسُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الشَّرْعِ إلَّا نِيَابَةً عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مِنْهَا الْإِرْثُ، إذْ الْإِرْثُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا فِي حُقُوقِ الشَّرْعِ. وَمِنْهَا الْعَفْوُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ عِنْدَهُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجْرِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَفْوِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيَّ مَالَ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ، وَنَحْنُ صِرْنَا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَلَّى اسْتِيفَاءَهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مَرْعِيًا) بِتَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لَا مُهْدَرًا (وَلَا كَذَلِكَ عَكْسُهُ) أَيْ لَوْ غَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لَزِمَ أَنْ لَا يُسْتَوْفَى حَقُّ الشَّرْعِ إلَّا بِالتَّحْكِيمِ بِجَعْلِ وِلَايَةِ اسْتِيفَائِهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ يَنْصِبُهُ الشَّرْعُ عَلَى إنَابَةِ الْعَبْدِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، بَلْ الثَّانِي اسْتِنَابَةُ الْإِمَامِ حَتَّى كَانَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ تَعَالَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْأَصْلِ تَفَرَّعَتْ فُرُوعٌ أُخْرَى مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَعْدَ الْفُرُوعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا الشَّاهِدَةِ لِكُلٍّ مِنْ ثُبُوتِ الْجِهَتَيْنِ، مِنْهَا الْإِرْثُ فَعِنْدَهُ يُورَثُ. وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ إذْ الْإِرْثُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى: أَيْ إنَّمَا يَرِثُ الْعَبْدُ حَقَّ الْعَبْدِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَالًا، أَوْ مَا يَتَّصِلُ بِالْمَالِ كَالْكَفَالَةِ، أَوْ فِيمَا يَنْقَلِبُ إلَى الْمَالِ كَالْقِصَاصِ، وَالْحَدُّ لَيْسَ شَيْئًا مِنْهَا فَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ عَلَى اسْتِخْلَافِ الشَّرْعِ وَارِثَ مَنْ جُعِلَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ أَوْ وَصِيَّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ الَّتِي جَعَلَهَا شَرْطًا لِظُهُورِ حَقِّهِ، وَمِنْهَا الْعَفْوُ، فَإِنَّهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْقَذْفُ وَالْإِحْصَانُ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَيُحَدُّ عِنْدَنَا، وَيَصِحُّ عِنْدَهُ، وَلَا يَسْقُطُ عِنْدَنَا الْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ الْقَذْفَ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَا أَنَّهُ وَقَعَ ثُمَّ سَقَطَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، وَهَذَا كَمَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَقْذُوفُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِمَعْنَى ظُهُورِ أَنَّ الْقَذْفَ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ يَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهِ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، حَتَّى لَوْ قَذَفَ شَخْصًا مَرَّاتٍ أَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً كَانَ فِيهِ حَدٌّ وَاحِدٌ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ حَدٌّ بَيْنَ الْقَذْفَيْنِ. وَلَوْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ فَحُدَّ فَفِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ ادَّعَى آخَرُونَ كُمِّلَ ذَلِكَ الْحَدُّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَفْوِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ. (قَوْلُهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْغَالِبَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ إلَخْ) وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِ الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَتَفْرِيعِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَالْأَشْهَرُ لِأَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَذَهَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ

وَخَرَّجَ الْأَحْكَامَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ) لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ حَقًّا فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ، بِخِلَافِ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ. (وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ أَوْ عَدَمِ الْفَصَاحَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لِمَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَخَرَّجَ الْأَحْكَامَ) الْمُخْتَلَفَ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، أَمَّا تَوْجِيهُ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ تُبْنَى عَلَيْهِ وَالْمَعْقُولُ يَشْهَدُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ. وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْأَحْكَامِ فَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الضَّرْبِ الْوَاجِبِ أَوْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَزِيدُ الْمَقْذُوفَ فِي قُوَّتِهِ لِحَنَقِهِ فَيَقَعُ مُتْلِفًا؛ وَإِنَّمَا لَا يُورَثُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ لَيْسَ مَالًا وَلَا بِمَنْزِلَتِهِ فَهُوَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا. وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَمَّا هُوَ مُوَلًّى عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ، وَلِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي الْعَفْوِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَارِ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ، وَهَذَا كَمَا تَرَى تَخْرِيجٌ لِبَعْضِ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلِفَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي تَخْرِيجِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَفْوِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْمَقْذُوفِ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مَمْنُوعٌ، بَلْ فِيهِ صِيَانَةُ أَعْرَاضِ النَّاسِ عَنْ خُصُوصِ الْقَاذِفِ، وَصِيَانَةُ أَعْرَاضِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى الْعُمُومِ. وَأَنَّ الْعَفْوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِالْعَارِ بَلْ قَدْ لَا يَرْضَى الْإِنْسَانُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ، وَكَوْنُهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ لِلتُّهْمَةِ بِسَبَبِ حَنَقِهِ فَلَا يَنْفِي أَنْ يَعْفُوَ فَلَا يَعْقِلُ ذَلِكَ أَصْلًا، وَمَا ذَكَرْنَا فِي تَرْجِيحِ تَغْلِيبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْجَهُ مِمَّا فِي الْخَبَّازِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ حَقُّ النَّاسِ فَقَدْ وَقَعَ فِي آخَرَ أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ حَقًّا فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ) فَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِالْغَيْرِ وَبِالرُّجُوعِ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّ الْغَيْرِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَثْبَتَ حَقَّ الْغَيْرِ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ فِي الْإِقْرَارِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَوْنُهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ لَا أَثَرَ لَهُ، بَلْ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا أَلْحَقَ الشَّيْنَ ثَبَتَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يُقْبَلُ إبْطَالُهُ، فَإِلْحَاقُ الشَّيْنِ تَأْثِيرُهُ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْآدَمِيِّ لَيْسَ غَيْرُ، ثُمَّ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ لَيْسَ إلَّا لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ) أَوْ قَالَ لَسْت بِعَرَبِيٍّ (لَا يُحَدُّ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ

(وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ، لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ (وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ إلَى زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَذْفٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا، أَمَّا الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ مَالِكٌ: يُحَدُّ إذَا نَوَى الشَّتْمَ، وَعَنْهُ إذَا قَالَ يَا رُومِيُّ لِعَرَبِيٍّ أَوْ فَارِسِيٍّ أَوْ يَا فَارِسِيُّ لِرُومِيٍّ أَوْ عَرَبِيٍّ أَوْ يَا ابْنَ الْخَيَّاطِ وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ خَيَّاطٌ يُحَدُّ. قُلْنَا: الْعُرْفُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يُرَادَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ فِي الْأَخْلَاقِ أَوْ عَدَمِ الْفَصَاحَةِ، وَأَمَّا قَذْفُ أُمِّهِ أَوْ جَدَّةٍ مِنْ جَدَّاتِهِ لِأَبِيهِ فَلَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ فَلِذَا أَطْلَقُوا نَفْيَ الْحَدِّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ حَالَةَ الْغَضَبِ أَوْ الرِّضَا، وَهَذَا لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْأَخْلَاقِ الدَّنِيَّةِ مِمَّا يُشْتَمُّ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يُتَعَارَفْ مِثْلُهُ فِي الْقَذْفِ أَصْلًا يُجْعَلُ فِي الْغَضَبِ شَتْمًا بِهَذَا الْقَدْرِ، وَلِأَنَّ النَّبَطِيَّ قَدْ يُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ إلَى الْمَكَانِ عَلَى مَا قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ: النَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ يَا رُسْتَاقِيُّ يَا رِيفِيُّ فِي عُرْفِنَا: أَيْ يَا قَرَوِيُّ لَا يُحَدُّ بِهِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ النَّبَطِيُّ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) وَكَذَا إذَا قَالَ يَا ابْنَ مُزَيْقِيَاءَ وَيَا ابْنَ جَلَا لِأَنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ هَذِهِ لِقَصْدِ الْمَدْحِ، فَمَاءُ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ الْغِطْرِيفُ الْأَزْدِيُّ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْقَحْطِ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ مَقَامَ الْقَطْرِ فَهُوَ كَمَاءِ السَّمَاءِ عَطَاءً وُجُودًا. وَمُزَيْقِيَاءُ لُقِّبَ بِهِ ابْنُهُ عَمْرُو لِأَنَّهُ كَانَ يُمَزِّقُ كُلَّ يَوْمٍ حُلَّتَيْنِ يَلْبَسُهُمَا فَيَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى لُبْسِهِمَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَهُمَا غَيْرُهُ وَهُوَ مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقَائِلِ يَا ابْنَ مُزَيْقِيَاءَ لِلذَّمِّ بِالسَّرَفِ وَالْإِعْجَابِ، لَكِنَّ عُرْفَ الْعَامَّةِ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُ جُودُهُ، وَقَدْ لُقِّبَ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَيْضًا لِلْحُسْنِ وَالصَّفَاءِ وَبِهِ لُقِّبَتْ أُمُّ ابْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ لِذَلِكَ، وَقِيلَ لِوَلَدِهَا بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ قَالَ زُهَيْرٌ: وَلَازَمَتْ الْمُلُوكَ مِنْ آلِ نَصْرٍ ... وَبَعْدَهُمْ بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ، وَأَمَّا جَلَا فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ مُرَادًا بِهِ إنْسَانٌ فِي قَوْلِ سُحَيْمٍ: أَنَا ابْنُ جَلَا وَطَلَّاعُ الثَّنَايَا ... مَتَى أَضَعُ الْعِمَامَةَ تَعْرِفُونِي وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَمًا لَهُ بَلْ وَصْفٌ حَيْثُ قَالَ جَلَا هُنَا فِعْلُ مَاضٍ كَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ابْنُ الَّذِي جَلَا: أَيْ أَوْضَحَ وَكَشَفَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَلَّاخِ: أَنَا الْقَلَّاخُ بْنُ جُنَابِ بْنِ جَلَا فَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ عَلَمًا لَقَبًا وَكَوْنُهُ وَصْفًا أَيْضًا، ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي كَشْفِ الشَّدَائِدِ وَإِمَاطَةِ الْمَكَارِهِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ: يَعْنِي وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُحَدُّ فِي حَالِ السِّبَابِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ قَدْ سُمِّيَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لِلسَّخَاءِ وَالصَّفَاءِ فَيَنْبَغِي فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّفْيِ، لَكِنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لِمَا لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِذَلِكَ الْقَصْدِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لَمَّا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي النَّفْيِ يُحْمَلُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ عَلَى سَبِّهِ بِنَفْيِ الشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ عَنْهُ لَيْسَ غَيْرُ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَسَبَهُ لِعَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا فَالْأَوَّلُ) وَهُوَ تَسْمِيَةُ الْعَمِّ أَبًا

فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمَّا لَهُ. وَالثَّانِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالُ أَبٌ» . وَالثَّالِثُ لِلتَّرْبِيَةِ. (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ زَنَأْتَ فِي الْجَبَلِ وَقَالَ عَنَيْتُ صُعُودَ الْجَبَلِ حُدَّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةٌ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ: وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ ... وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمًّا لَهُ) أَيْ لِيَعْقُوبَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَالثَّانِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالُ أَبٌ» ) قَالُوا هُوَ غَرِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ لِأَبِي شُجَاعٍ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «الْخَالُ وَالِدُ مَنْ لَا وَالِدَ لَهُ» (وَالثَّالِثُ لِلتَّرْبِيَةِ) وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ (وَمَنْ قَالَ بِغَيْرِهِ زَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ وَقَالَ عَنَيْتُ صَعِدْتَ الْجَبَلَ) وَالْحَالَةُ حَالَةُ الْغَضَبِ وَسَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مُرَادٌ لَا يُصَدَّقُ (وَيُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةٌ، قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ) وَالزِّنَا وَإِنْ كَانَ يُهْمَزُ فَيُقَالُ زَنَأَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكِنَّ ذِكْرَ الْجَبَلِ يُقَرِّرُ الصُّعُودَ مُرَادًا. وَقَوْلُهُ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ هُوَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ تُرْقِصُ ابْنًا لَهَا أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ عَمَلِ تُرِيدُ عَمَلِي وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكِلِ ... يُصْبِحُ فِي مَضْجَعِهِ قَدْ انْجَدِلْ وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ شَارِحِ إصْلَاحِ الْمَنْطِقِ فَقَالَ إنَّمَا هِيَ لِرَجُلٍ رَأَى ابْنًا لَهُ تُرْقِصُهُ أُمُّهُ فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهَا وَقَالَ أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك " الْأَبْيَاتَ ". وَهَذَا الرَّجُلُ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمُنْقِرِيُّ: أَيْ كُنْ مِثْلَ أَبِي أُمِّك أَوْ مِثْلَ عَمَلِي فَحُذِفَ الْمُضَافُ إلَيْهِ، وَالْمُرَادُ كُنْ مِثْلَ أَبِي أُمِّك أَوْ مِثْلِي، وَكَانَ أَبُو أُمِّهِ شَرِيفًا سَيِّدًا وَهُوَ زَيْدُ الْفَوَارِسِ بْنُ ضِرَارٍ الضَّبِّيُّ، وَأُمُّهُ مَنْفُوسَةُ بِنْتُ زَيْدِ الْفَوَارِسِ، قَالَ: فَأَخَذَتْهُ أُمُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَجَعَلَتْ تُرْقِصُهُ وَتَقُولُ: أَشْبِهْ أَخِي أَوْ أَشْبِهَنَّ أَبَاكَا ... أَمَّا أَبِي فَلَنْ تَنَالَ ذَاكَا تَقْصُرُ عَنْ مِثْلِهِ يَدَاكَا ... وَاَللَّهُ بِالنِّعْمَةِ قَدْ وَالَاكَا

وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ كَمَا يُلَيِّنُ الْمَهْمُوزَ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي أَوْ قَالَ زَنَأْت، وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ لِلْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا، وَقِيلَ يُحَدُّ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي فَقَالَ لَا بَلْ أَنْتِ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْهِلَّوْفُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَفْتُوحَةً الثَّقِيلُ، وَالْوَكِلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلَهُ أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ بِالْجِيمِ، وَقَالَ: هُوَ اسْمُ رَجُلٍ هُوَ أَبُو حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ وَهُوَ جَمَلُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْوَكِلُ الْعِيَالُ عَلَى غَيْرِهِ (وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا) عَلَى مَا أَسْلَفْنَا (لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ) أَيْ اللَّيِّنَ فِي غَيْرِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَقَوْلِ الْعَجَّاجِ وَخِنْدَفٌ هَأْمَةُ هَذَا الْعَالِمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَبْرًا فَقَدْ هَيَّجْت شَوْقَ الْمُشْتَئِقِ لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ الْكَسْرِ بِالْهَمْزِ، وَأَمَّا نَحْوُ قَطَعَ اللَّهُ أَدِّيهِ: أَيْ يَدَيْهِ، فَالتَّمْثِيلُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِحَرْفِ اللِّينِ أَوْ الْمُلَيَّنِ حَرْفُ الْعِلَّةِ، لَكِنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى أَنَّهُ حَرْفُ الْعِلَّةِ بِقَيْدِ السُّكُونِ وَقَدْ يَهْمِزُونَ فِي الِالْتِقَاءِ عَلَى حَدِّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْجَادَّةِ يُقَالُ دَأْبَةٌ وَشَأْبَةٌ، وَقُرِئَ وَلَا الضَّأْلِينَ شَاذًّا وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُقَالُ بِمَعْنَى الْفَاحِشَةِ وَبِمَعْنَى الصُّعُودِ، فَحَالَةُ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا، وَهَذَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ إرَادَةُ قَيْدٍ لِلْغَضَبِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ فَكَانَ كَمَا لَوْ قَالَ يَا زَانِي أَوْ زَنَأْت فَإِنَّهُ يُحَدُّ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ (وَذِكْرُ الْجَبَلِ بِعَيْنِ الصُّعُودِ مُرَادًا) قُلْنَا إنَّمَا يُعَيَّنُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى فَيُقَالُ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِمَّا يُمْنَعُ بَلْ يُقَالُ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ بِمَعْنَى صَعِدْت ذَكَرَهُ فِي الْجَمْهَرَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْبَيْتُ الْمَذْكُورُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ لَيْسَ إلَّا الصُّعُودُ وَهُوَ بِلَفْظَةِ فِي، بَلْ الْجَوَابُ مَنَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْجَبَلِ يُعَيِّنُ الصُّعُودَ فَإِنَّ الْفَاحِشَةَ قَدْ تَقَعُ فِي الْجَبَلِ: أَيْ فِي بَعْضِ بُطُونِهِ، وَعَلَى الْجَبَلِ: أَيْ فَوْقَهُ، كَمَا قَدْ تَقَعُ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ، فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ قَرِينَةً مَانِعَةً مِنْ إرَادَةِ الْفَاحِشَةِ فَبَقِيَ الِاحْتِمَالُ بِحَالِهِ وَتَرَجَّحَ إرَادَةُ الْفَاحِشَةِ بِقَرِينَةِ حَالِ السِّبَابِ وَالْمُخَاصَمَةِ (وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ) وَالْبَاقِي بِحَالِهِ: أَيْ فِي حَالِ الْغَضَبِ (قِيلَ لَا يُحَدُّ لِمَا قُلْنَا) آنِفًا إنْ ذَكَرَ لَفْظَةَ " عَلَى " تَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ الصُّعُودَ. (وَقِيلَ يُحَدُّ) لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ حَالَةُ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ وَهُوَ الْأَوْجُهُ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ تَقْيِيدِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ بِحَالَةِ الْغَضَبِ أَنَّ فِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذْ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ بَلْ لَا دَاعِيَ، فَالظَّاهِرُ عَدَمُ إرَادَةِ السَّبِّ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ لَا بَلْ أَنْتَ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ) إذَا طَالَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ، وَإِذَا طَالَبَ كُلٌّ الْآخَرَ وَأَثْبَتَ مَا طَلَبَ بِهِ عِنْدَ

إذْ هِيَ كَلِمَةُ عَطْفٍ يُسْتَدْرَكُ بِهَا الْغَلَطُ فَيَصِيرُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ مَذْكُورًا فِي الثَّانِي. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا الْحَدَّ، وَفِي الْبَدَاءَةِ بِالْحَدِّ إبْطَالُ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ، إذْ اللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ (وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت بِكَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) مَعْنَاهُ قَالَتْ بَعْدَمَا قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ وَانْعِدَامِهِ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاكِمِ لَزِمَهُ حِينَئِذٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ فَلَا يَتَمَكَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ إسْقَاطِهِ فَيُحَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَهُ بَلْ أَنْتَ تَكَافَآ وَلَا يُعَزَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَقَدْ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلْآخَرِ فَتَسَاقَطَا، أَمَّا كَوْنُ الْأَوَّلِ قَاذِفًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمُجِيبُ عَبْدًا حُدَّ هُوَ خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِقَوْلِهِ بَلْ أَنْتَ وَالْحُرُّ وَإِنْ كَانَ قَاذِفًا أَيْضًا، لَكِنْ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ الْعَبْدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (إذْ هِيَ) يَعْنِي بَلْ (كَلِمَةُ عَطْفٍ يُسْتَدْرَكُ بِهَا الْغَلَطُ) يَعْنِي فِي التَّرَاكِيبِ الِاسْتِعْمَالِيَّة (فَيَصِيرُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي التَّرْكِيبِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ خَبَرِيًّا (مَذْكُورًا فِي الثَّانِي) فَإِذَا قَالَ زَيْدٌ قَامَ أَوْ قَامَ زَيْدٌ لَا بَلْ عَمْرٌو فَقَدْ وَضَعَ عَمْرًا فِي التَّرْكِيبِ الْأَوَّلِ مَوْضِعَ زَيْدٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْخَبَرُ وَهُوَ الْفِعْلُ الْمُتَأَخِّرُ أَوْ الْمُتَقَدِّمُ خَبَرًا عَنْهُ وَلَمْ يُرِدْ بِالْأَوَّلِ لَفْظَ يَا زَانِي بَلْ هُوَ إعْطَاءُ النَّظِيرِ مَعْنًى: أَيْ هِيَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَيَصِيرُ وَاصِفًا لِلْمُتَكَلِّمِ الْأَوَّلِ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِهِ مَعْنًى لِأَنَّ يَا زَانِي فِي مَعْنَى أَدْعُوك وَأَنْتَ زَانٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَا بَلْ أَنْتَ، حُدَّتْ الْمَرْأَةُ خَاصَّةً) إذَا تَرَافَعَا (وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا إيَّاهُ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّيْنِ إذَا اجْتَمَعَا وَفِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا إسْقَاطُ الْآخَرِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، وَاللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَبِتَقْدِيمِ حَدِّ الْمَرْأَةِ يَبْطُلُ اللِّعَانُ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَحْدُودَةً، فِي قَذْفٍ، وَاللِّعَانُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمَحْدُودَةِ فِي الْقَذْفِ وَبَيْنَ زَوْجِهَا لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ، وَبِتَقْدِيمِ اللِّعَانِ لَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهَا لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجْرِي عَلَى الْمُلَاعَنَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ فَخَاصَمَتْهُ الْأُمُّ فَحُدَّ سَقَطَ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ، فَلَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا لَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، فَإِذَا خَاصَمَتْ الْأُمُّ بَعْدَهُ حُدَّ لِلْقَذْفِ فَقَدَّمْنَا الْحَدَّ دَرْءًا لِلِّعَانِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَاهُ (وَلَوْ) كَانَتْ (قَالَتْ) فِي جَوَابِ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةً (زَنَيْت بِكَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ) فَتَكُونُ قَدْ صَدَقَتْ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الزِّنَا فَيَسْقُطُ اللِّعَانُ وَقَذَفَتْهُ حَيْثُ نَسَبَتْهُ إلَى الزِّنَا وَلَمْ يُصَدِّقْهَا عَلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَانْعِدَامُهُ مِنْهُ) أَيْ انْعِدَامُ التَّصْدِيقِ مِنْهُ فَيَجِبُ الْحَدُّ دُونَ

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ مَا كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك. وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ مِنْهَا فَجَاءَ مَا قُلْنَا. (وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ) لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا فَيُلَاعَنُ (وَإِنْ نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ حُدَّ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صُيِّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةَ التَّكَاذُبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ. فَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ يُصَارُ إلَى الْأَصْلِ، وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي اللِّعَانِ (وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ) فِي الْوَجْهَيْنِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQاللِّعَانِ (وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ مَا كَانَ مِنْ تَمْكِينِي إيَّاكَ بَعْدَ النِّكَاحِ) وَهَذَا كَلَامٌ يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْعَادَةِ مَجْرَى مَجَازِ الْمُشَاكَلَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، فَإِنَّ فِعْلَهَا مَعَهُ بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ لَيْسَ زِنًا، كَمَا أَنَّ الْجَزَاءَ لَيْسَ سَيِّئَةً وَلَكِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُهُ لِلْمُشَاكَلَةِ حِينَ ذُكِرَ مَعَهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ هَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَقْذِفْهُ، وَيَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَذَفَ زَوْجَتَهُ، فَعَلَى تَقْدِيرٍ يَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ، وَعَلَى تَقْدِيرٍ يَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ، وَالْحُكْمُ بِتَعَيُّنِ أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ بِعَيْنِهِ مُتَعَذِّرٌ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي كُلٍّ مِنْ وُجُوبِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالشَّكِّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (فَجَاءَ مَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ. وَلَوْلَا أَنَّ مِثْلَ قَوْلِهَا مَعْلُومُ الْوُقُوعِ مِنْ الْمَرْأَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَصْدَيْنِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ إيَّاهَا بِالْإِغَاظَةِ لَوَجَبَ حَدُّهَا أَلْبَتَّةَ عَيْنًا بِقَذْفِهَا إيَّاهُ. إذْ النِّسْبَةُ إلَى الزِّنَا تَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ تَحْلِفَ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا وَلَمْ تُرِدْ قَذْفَهُ وَيَكْتَفِي بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ فِي وَجْهٍ، وَعَلَى الزَّوْجِ الْحَدُّ دُونَهَا لِأَنَّ هَذَا مِنْهَا لَيْسَ إقْرَارًا صَحِيحًا بِالزِّنَا. وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ. وَلَوْ ابْتَدَأَتْ الزَّوْجَةُ فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا زَنَيْت بِكَ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ فَإِنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا لِزَوْجَتِهِ فَيُلَاعَنُ) وَإِنْ نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ اللِّعَانِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ الَّذِي كَانَ وَجَبَ بِنَفْيِهِ لِلْوَلَدِ (لِأَنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صُيِّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةَ التَّكَاذُبِ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي زِنَا الزَّوْجَةِ (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي اللِّعَانِ مَا هُوَ إلَّا (حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّهُ قَذَفَهَا (فَإِذَا بَطَلَ) الْحَلِفُ بِبُطْلَانِ (التَّكَاذُبِ صُيِّرَ إلَى الْأَصْلِ) فَيُحَدُّ الرَّجُلُ. وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي اللِّعَانِ) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ أَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَتَفْرِيقِ الْقَاضِي حَدَّهُ الْقَاضِي وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوَلَدِ ثُمَّ نَفَاهُ وَمَا إذَا نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ (لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا) فَيَثْبُتُ وَلَا يَنْتَفِي بِمَا بَعْدَهُ (أَوْ لَاحِقًا) فِي الثَّانِيَةِ فَيَثْبُتُ بِهِ بَعْدَ النَّفْيِ.

وَاللِّعَانُ يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ كَمَا يَصِحُّ بِدُونِ الْوَلَدِ (وَإِنْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا. (وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً وَمَعَهَا أَوْلَادٌ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ أَبٌ أَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِوَلَدٍ وَالْوَلَدُ حَيٌّ أَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَاللِّعَانُ يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ هُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ لَيْسَ إلَّا نَفْيَ الْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يُنْفَ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ قَطْعُ النَّسَبِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ بَعْدَ أَنْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ وَلَا يُقْطَعُ النَّسَبُ (كَمَا يَصِحُّ بِلَا وَلَدٍ) أَصْلًا بِأَنْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَلَا وَلَدَ فَإِنَّهُ يُلَاعَنُ وَلَا وَلَدَ هُنَاكَ يُقْطَعُ نَسَبُهُ، وَأَمَّا إنَّهُ لَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ الْآيِسَةِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي النَّسَبُ فَيَثْبُتُ انْفِكَاكُ اللِّعَانِ عَنْ قَطْعِ النَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ) أَيْ الزَّوْجُ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ (لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ) إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ ابْنُهَا (أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ) فَكَانَ نَفْيُ كَوْنِهِ ابْنَهُ لِنَفْيِ وِلَادَتِهَا إيَّاهُ. وَبِنَفْيِ وِلَادَتِهَا لَا يَصِيرُ قَاذِفًا لِأَنَّهُ إنْكَارٌ لِلزِّنَا مِنْهَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً وَمَعَهَا أَوْلَادٌ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ أَبٌ أَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِوَلَدٍ وَالْوَلَدُ حَيٌّ) وَقْتَ الْقَذْفِ أَوْ مَيِّتٌ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) . أَمَّا لَوْ قَذَفَ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ نَفْسَهُ أَوْ وَلَدَ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ اللِّعَانِ ادَّعَى الْوَلَدَ فَحُدَّ أَوْ لَمْ يُحَدَّ حَتَّى مَاتَ فَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ فَقَذَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَاذِفٌ غَيْرُهُ أَوْ هُوَ قَبْلَ مَوْتِهِ حُدَّ، وَلَا يُحَدُّ الَّذِي قَذَفَهَا قَبْلَ تَكْذِيبِ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَهُوَ يُنْكِرُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَيُحَدُّ. وَمَنْ قَذَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ صُورَةِ الزَّوَانِي، وَلَوْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ فَرَافَعَتْهُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ وَجْهِ عَدَمِ الْحَدِّ فِي ذَاتِ الْأَوْلَادِ قِيَامُ أَمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا: أَيْ إلَى الْإِمَارَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْعِفَّةُ (شَرْطٌ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ صَحَّ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ قَوْلِهِ «وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَدَّعِيَ وَلَدَهَا لِأَبٍ وَلَا يَرْمِيَ وَلَدَهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ» ، وَكَذَا

(وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِانْعِدَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا. فَقَالَ (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ) لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ، وَلِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَلَدِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ يَرِثُ أُمَّهُ وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَمَنْ رَمَاهَا بِهِ جُلِدَ ثَمَانِينَ» أَشْكَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ جَعَلُوا قَذْفَ الْمُلَاعَنَةِ بِوَلَدٍ كَقَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا وَلَدٍ (وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَاعَنَتْ) بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّنَا وَثُبُوتِ أَمَارَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: اللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا فَكَانَتْ كَالْمَحْدُودَةِ بِالزِّنَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فَهِيَ مُحْصَنَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللِّعَانَ فِي حَقِّهِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا إلَى غَيْرِهَا حَتَّى قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ أَنَّهُ إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِذَلِكَ الزِّنَا الَّذِي لَاعَنَتْ بِهِ لَا يُحَدُّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُحَدَّ الزَّوْجُ لَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ اللِّعَانِ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُحَدُّ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهَا بِوَجْهٍ. وَقَوْلُهُمْ اللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُحَدَّ قَاذِفُهَا لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَجُعِلَ اللِّعَانُ بَدَلَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الزِّنَا عَلَيْهَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ إثْبَاتِهِ لِيَسْقُطَ إحْصَانُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ لِيَشْتَفِيَ الصَّادِقُ مِنْهُمَا حَيْثُ يَتَضَاعَفُ بِهِ عَلَى الْكَاذِبِ عَذَابُهُ بِأَنْ يُضَافَ إلَى عَذَابِ الزِّنَا عَذَابُ الشَّهَادَاتِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْأَيْمَانِ الْغَمُوسَةِ، أَوْ يُضَافَ ذَلِكَ إلَى عَذَابِ الِافْتِرَاءِ وَالْقَذْفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِنَفْيِ الْوَلَدَ لِأَنَّ أَمَارَةَ الزِّنَا قَائِمَةٌ فَأَوْجَبَتْ ذَلِكَ، وَقَدْ أُوِّلَ قَوْلُهُمْ بِمَا لَا يَشْرَحُ صَدْرًا وَلَا يَرْفَعُ إصْرًا، فَالْحَقُّ أَنَّ كَوْنَهُ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى تَأْوِيلٍ وَأَمَّا الْجَانِبُ الْآخَرُ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ لَا يَرْتَفِعُ، وَوُرُودُ السُّؤَالِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقِيٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا وُرُودَ لَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ) شَبَّهَهُ بِالشَّرْطِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ عِنْدَهُ الْإِحْصَانُ بَلْ هُوَ مَجْمُوعُ أُمُورٍ الْعِفَّةُ أَحَدُهَا فَهُوَ جُزْءُ مَفْهُومِ الْإِحْصَانِ بِالْحَقِيقَةِ (وَلِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ) لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ زِنًا كَذَا قِيلَ، وَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ أَوْ أَبْهَمَ، أَمَّا إذَا قَذَفَهُ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ فِيهِ فَيُحَدُّ، وَالْحُكْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَنْصُوصُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ زَانِيًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَذَفَ بِذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِزِنًا آخَرَ أَوْ أَبْهَمَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ خِلَافًا لِإِبْرَاهِيمَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ وَفِي مَعْنَاهُ الْمُحْصَنِينَ وَبِالزِّنَا لَا يَبْقَى الْإِحْصَانُ فَرَمْيُهُ رَمْيُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ، نَعَمْ هُوَ مُحَرَّمٌ وَأَذًى بَعْدَ التَّوْبَةِ فَيُعَزَّرُ (وَالْأَصْلُ) فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ الَّذِي يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ وَالْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ الَّذِي لَا يُسْقِطُهُ (أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ) عَلَى قَاذِفِهِ (لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ) فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ كَانَ زَانِيًا فَيُصَدَّقُ قَاذِفُهُ فَلَا يَكُونُ فِرْيَةً وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ (وَإِنْ كَانَ) وَطِئَ وَطْئًا (مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ) قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لَيْسَ بِزِنًا إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمُحَرَّمُ (لِعَيْنِهِ) هُوَ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَوَطْءِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُكْرَهَةِ. وَأَعْنِي أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا. فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ. وَلَا يَخْرُجُ الْفِعْلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهَا كَمَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمُكْرَهِ الْوَاطِئِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَمَةِ غَيْرِهِ (أَوْ مِنْ وَجْهٍ) كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَوَطْءِ أَمَتَيْهِ الْأُخْتَيْنِ أَوْ الزَّوْجَةِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ (وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ) فِي ثُبُوتِ حَدِّ الْقَاذِفِ لِلْوَاطِئِ فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ (كَوْنَ تِلْكَ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ) كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا الِابْنُ أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي عُقْدَةٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ جَمَعَهُمَا فِي الْعَقْدِ فَوَطِئَ الْأَمَةَ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَظَرَ إلَى دَاخِلِ فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ بِحَيْثُ انْتَشَرَ مَعَهُ ذَكَرُهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا أَوْ أُمَّهَا أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا حُدَّ قَاذِفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا لِتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلِاخْتِلَافِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَزْنِيَّةَ أَبِيهِ فَوَطِئَهَا فَيَسْقُطُ إحْصَانُهُ، وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يَعْتَبِرُ الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِأَنْ ثَبَتَتْ بِقِيَاسٍ أَوْ احْتِيَاطٍ كَثُبُوتِهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ، لِأَنَّ ثُبُوتَهَا لِإِقَامَةِ السَّبَبِ مُقَامَ الْمُسَبِّبِ احْتِيَاطًا فَهِيَ حُرْمَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يَنْتَفِي بِهَا الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِزِنَا الْأَبِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَكَذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ مُسْقِطٌ

أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لِتَكُونَ ثَابِتَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ (وَبَيَانُهُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ (وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً زَنَتْ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا) لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهَا شَرْعًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. (وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا أَتَى أَمَتَهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ لَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ بِالْوَطْءِ، وَنَحْنُ نَقُولُ مِلْكُ الذَّاتِ بَاقٍ وَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ إذْ هِيَ مُؤَقَّتَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْإِحْصَانِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ) مِثَالُهُ حُرْمَةُ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ لِلْأَبِ بِلَا شُهُودٍ عَلَى الِابْنِ بِنَاءً عَلَى ادِّعَاءِ شُهْرَةِ حَدِيثِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَلِذَا لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ. وَحُرْمَةُ وَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ خَالَتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ عَمَّتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . (قَوْلُهُ بَيَانُهُ) شُرُوعٌ فِي تَفْرِيعِ فُرُوعٍ أُخْرَى عَلَى الْأَصْلِ (إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ) فَالْقَاذِفُ صَادِقٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الْمُقَارِنَةِ لِثُبُوتِ الْمُوجِبِ. بِخِلَافِ رُجُوعِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ لَا يُعْمَلُ هَاهُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقَارِنْهُ بَلْ وَقَعَ مُتَأَخِّرًا. وَالْفَرْضُ أَنَّ بِالْإِقْرَارِ تَقَرَّرَ حَقُّ آدَمِيٍّ لَمْ تَعْمَلُ الشُّبْهَةُ اللَّاحِقَةُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ اللَّاحِقَةَ بَعْدَ تَقَرُّرِ حَقِّ الْآدَمِيِّ لَا تَرْفَعُهُ. فَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الرُّجُوعُ عَامِلًا فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً زَنَتْ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا) أَوْ رَجُلًا زَنَا فِي نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَالْمُرَادُ قَذْفُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ كَافِرَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقٍ زَنَى وَهُوَ عَبْدٌ زَنَيْتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ لَا يُحَدُّ، كَمَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَنْتِ كِتَابِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالٍ لَوْ عَلِمْنَا مِنْهُ صَرِيحَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْ حَدُّهُ، لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَلِذَا يُقَامُ الْجَلْدُ عَلَيْهِ حَدًّا، بِخِلَافِ الرَّجْمِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْعَبْدُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ بِحَيْثُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ لَا، حَتَّى إنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَذَفَهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الزِّنَا تَحَقَّقَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَكُونُ قَاذِفُهُ صَادِقًا. وَإِنَّمَا ارْتَفَعَ بِالْإِسْلَامِ الْإِثْمُ دُونَ حَقِيقَةِ الزِّنَا (وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا أَتَى أَمَتَهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ) أَوْ مُزَوَّجَةٌ أَوْ الْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا (أَوْ أَمَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ) أَوْ مُظَاهِرٌ مِنْهَا أَوْ صَائِمَةٌ صَوْمَ فَرْضٍ وَهُوَ عَالِمٌ بِصَوْمِهَا (أَوْ مُكَاتَبَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ مِلْكٌ فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالْوَطْءِ فِيهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ (لِأَنَّ الْحُرْمَةَ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ التَّقَادِيرِ (مُؤَقَّتَةٌ) مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ فِيهَا لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا، لِأَنَّ الزِّنَا مَا كَانَ بِلَا مِلْكٍ قَالَ تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ وَلِهَذَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْعُقْرُ) لَهَا، وَلَوْ بَقِيَ الْمِلْكُ شَرْعًا مِنْ وَجْهٍ لِمَا لَزِمَهُ وَإِنْ حَرُمَ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنْ قُلْتُمْ إنَّ مِلْكَ الذَّاتِ انْتَفَى مِنْ وَجْهٍ كَالْمُشْتَرَكَةِ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ أَنَّ مِلْكَ الْوَطْءِ انْتَفَى سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحَدِّ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ فَثَبَتَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لِغَيْرِهِ إذْ هِيَ مُؤَقَّتَةٌ، وَوُجُوبُ الْعُقْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْإِحْصَانِ كَالرَّاهِنِ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ وَهِيَ بِكْرٌ يَلْزَمُهُ

(وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُؤَبَّدَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَوْ قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي الْحُرِّيَّةِ لِمَكَانِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ. (وَلَوْ قَذَفَ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ بِالْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ. (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ) لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلِأَنَّهُ طَمِعَ فِي أَنْ لَا يُؤْذِيَ فَيَكُونَ مُلْتَزَمًا أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَمُوجِبُ أَذَاهُ الْحَدُّ (وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي قَذْفٍ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ إذَا تَابَ وَهِيَ تُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ (وَإِذَا حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) لِأَنَّ لَهُ الشَّهَادَةَ عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتِمَّةً لَحَدِّهِ (فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَدْخُلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُقْرُ وَلَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ. ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ (وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُؤَبَّدَةٌ) وَقَوْلُهُ (وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِوَطْئِهَا لَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِقِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهَا فَكَانَتْ مُؤَقَّتَةً، أَمَّا حُرْمَةُ الرَّضَاعِ لَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهَا فَلَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلْحِلِّ أَصْلًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ) فِي شَرْطِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْإِحْصَانُ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي إحْصَانِهِ، وَبِهِ يَسْقُطُ الْحَدُّ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ الْإِحْصَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَذَفَ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ إلَخْ) يَعْنِي وَلَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ بِأُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ بِنْتِهِ (ثُمَّ أَسْلَمَ) فَفُسِخَ نِكَاحُهُمَا فَقَذَفَهُ مُسْلِمٌ فِي حَالِ إسْلَامِهِ يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: لَا يُحَدُّ) بِنَاءً عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ، وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ (قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلِأَنَّهُ طَمِعَ فِي أَنْ لَا يُؤْذِيَ فَيَكُونَ مُلْتَزِمًا بِالضَّرُورَةِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ طَمِعَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ فَكَانَ مُلْتَزِمًا مُوجِبَ أَذَاهُ وَهُوَ الْحَدُّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي قَذْفٍ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ) عِنْدَنَا لِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ عِنْدَنَا مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعِنْدَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ كَالتَّائِبِ مِنْ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي (وَهِيَ) خِلَافِيَّةٌ (تُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَإِذَا حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) وَهَذَا لِأَنَّ لَهُ الشَّهَادَةَ عَلَى جِنْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ عِنْدَنَا، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ مِنْ تَمَامِ حَدِّ الْقَذْفِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ (فَإِذَا أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَدْخُلْ

تَحْتَ الرَّدِّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا فِي حَالِ الرِّقِّ فَكَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ. (وَإِنْ ضُرِبَ سَوْطًا فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مُتَمِّمٌ لِلْحَدِّ فَيَكُونُ صِفَةً لَهُ وَالْمُقَامُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْتَ الرَّدِّ) لِأَنَّ النَّصَّ يُوجِبُ رَدَّ شَهَادَتِهِ الْقَائِمَةِ وَقْتَ الْقَذْفِ وَلَيْسَتْ فِيهِ تِلْكَ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الرَّدِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ الْمَحْدُودُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ أَبَدًا، وَالرِّدَّةُ مَا زَادَتْهُ إلَّا شَرًّا فَبِالْإِسْلَامِ لَمْ تَحْدُثْ لَهُ شَهَادَةٌ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَلِهَذَا قُبِلَتْ مُطْلَقًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ غَيْرِهِمْ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَهُ وَقَدْ رُدَّتْ بِالْقَذْفِ. قُلْنَا: إنَّ هَذِهِ أُخْرَى نَافِذَةٌ عَلَى الْكُلِّ لَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِتَبَعِيَّتِهِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ فَقَطْ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِلرِّقِّ وَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَعَ الْجَلْدِ فَيَنْصَرِفُ إلَى رَدِّ مَا يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مُقْتَضَى النَّصِّ عَدَمُ قَبُولِ كُلِّ شَهَادَةٍ لَهُ حَادِثَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَالْحَادِثَةُ شَهَادَةٌ وَاقِعَةٌ فِي الْآبَادِ فَمُقْتَضَى النَّصِّ رَدُّهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِمَا فِي الْوُسْعِ فَحِينَئِذٍ كُلِّفَ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ، وَالِامْتِثَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِرَدِّ شَهَادَةٍ قَائِمَةٍ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فِيمَا يُحْدِثُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ شَهَادَةٌ قَائِمَةٌ فَرُدَّتْ تَحَقَّقَ الِامْتِثَالُ وَتَمَّ، فَلَوْ حَدَثَتْ أُخْرَى فَلَوْ رُدَّتْ كَانَ بِلَا مُقْتَضٍ إذْ الْمُوجَبُ أَخْذُ مُقْتَضَاهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ضُرِبَ) يَعْنِي الْكَافِرَ (سَوْطًا فِي) حَدِّ (قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مُتَمِّمٌ لِلْحَدِّ فَيَكُونُ صِفَةً لَهُ) أَيْ لِلْحَدِّ (وَالْمَقَامُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ

بَعْضُ الْحَدِّ فَلَا يَكُونُ رَدُّ الشَّهَادَةِ صِفَةً لَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذْ الْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ (وَمَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ قَذَفَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُ الْحَدِّ) وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَلَمْ يَكُنْ رَدُّ الشَّهَادَةِ صِفَةً لَهُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذْ الْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِمَا ذَكَرْنَا وَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأُقِيمَ الْبَاقِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الْمُقَامَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَعْضُ الْحَدِّ كَذَلِكَ الْمُقَامُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ صِفَةً، وَأَيْضًا جَعْلُهُ صِفَةً لِمَا أُقِيمَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْلَى لَمَّا أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ وَصْفَيْنِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْوَصْفِ الْآخَرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْأَمْرِ بِالْجَلْدِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْقَبُولِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُرَتَّبًا عَلَى الْآخَرِ فَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُمْكِنُ، وَالْمُمْكِنُ رَدُّ شَهَادَةٍ قَائِمَةٍ لِلْحَالِ فَيَتَقَيَّدُ النَّهْيُ بِهِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى قَوْلِهِ صِفَةً لَهُ بَلْ هُوَ تَقْرِيرٌ آخَرُ. وَأَصْلُ هَذَا مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ قَالَ: لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يُضْرَبْ تَمَامَ الْحَدِّ إذَا كَانَ عَدْلًا، ثُمَّ قَالَ وَالْحَدُّ لَا يَتَجَزَّأُ فَمَا دُونَهُ يَكُونُ تَعْزِيرًا لَا حَدًّا، وَالتَّعْزِيرُ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلشَّهَادَةِ، قَالَ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَالثَّانِيَةُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَدِّ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَالثَّالِثَةُ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا سَقَطَتْ، قَالَ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ فِي النَّصْرَانِيِّ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَمَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ قَذَفَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ) سَوَاءٌ قَذَفَ وَاحِدًا مِرَارًا أَوْ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ كَقَوْلِهِ أَنْتُمْ زُنَاةٌ أَوْ بِكَلِمَاتٍ كَأَنْ يَقُولَ يَا فُلَانُ أَنْتَ زَانٍ وَفُلَانٌ زَانٍ حَتَّى إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَادَّعَى وَحُدَّ لِذَلِكَ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ فَادَّعَى أَنَّهُ قَذَفَهُ لَا يُقَامُ إذَا كَانَ بِقَذْفٍ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ، لِأَنَّ حُضُورَ بَعْضِهِمْ لِلْخُصُومَةِ كَحُضُورِ كُلِّهِمْ فَلَا يُحَدُّ ثَانِيًا إلَّا إذَا كَانَ بِقَذْفٍ آخَرَ مُسْتَأْنَفٍ. وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَمِعَ مَنْ يَقُولُ لِشَخْصٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَحَدَّهُ حَدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ: يَا لَلْعَجَبِ لِقَاضِي بَلَدِنَا أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ: أَخَذَهُ بِدُونِ طَلَبِ الْمَقْذُوفِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ خَاصَمَ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ حَدَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَبَّصَ بَيْنَهُمَا يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى يَخِفَّ أَثَرُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ. الرَّابِعُ: ضَرَبَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْخَامِسُ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّفَ أَنَّ وَالِدَيْهِ فِي الْأَحْيَاءِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ فَالْخُصُومَةُ لَهُمَا وَإِلَّا فَالْخُصُومَةُ لِلِابْنِ. وَمِنْ فُرُوعِ التَّدَاخُلِ أَنَّهُ لَوْ ضُرِبَ الْقَاذِفُ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ قَذْفًا آخَرَ لَا يُضْرَبُ إلَّا ذَلِكَ السَّوْطَ الْوَاحِدَ لِلتَّدَاخُلِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْحَدَّانِ، لِأَنَّ كَمَالَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ بِالسَّوْطِ الَّذِي بَقِيَ، وَسَنَذْكُرُ مِنْهُ أَيْضًا فِي فُرُوعٍ نَخْتِمُ بِهَا. وَقَوْلُهُ (غَيْرَ مَرَّةٍ) يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ: أَيْ مَنْ زَنَى غَيْرَ مَرَّةٍ أَوْ شَرِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَوْ قَذَفَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ

أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ، وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ بِالْأَوَّلِ قَائِمٌ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَسَرَقَ وَشَرِبَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَتَدَاخَلُ. وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اخْتَلَفَ الْمَقْذُوفُ أَوْ الْمَقْذُوفُ بِهِ وَهُوَ الزِّنَا لَا يَتَدَاخَلُ، لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّةً فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قَذْفَ جَمَاعَةٍ بِكَلِمَةٍ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلٍ وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ أَوْ قَذَفَ وَاحِدًا مَرَّاتٍ بِزِنًا آخَرَ يَجِبُ لِكُلِّ قَذْفٍ حَدٌّ. وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ وَلَا تَفْصِيلَ بَلْ لَا تَعَدُّدَ كَيْفَمَا كَانَ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ وَطَاوُسٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَاحْتَجَّا بِأَنَّ مُقْتَضَى الْآيَةِ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُشْعِرِ بِالْعِلِّيَّةِ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ. وَفِي الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ لَا يَتَدَاخَلُ وَلَوْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَنَا مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ (أَمَّا الْأَوَّلَانِ) وَهُوَ كُلٌّ مِنْ الزِّنَا وَالشُّرْبِ (فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ) عَنْ فِعْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ) بِالْحَدِّ الْوَاحِدِ الْمُقَامِ بَعْدَ الزِّنَا الْمُتَعَدِّدِ مِنْهُ وَالشُّرْبِ الْمُتَعَدِّدِ (قَائِمٌ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي) وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى يَجِبُ حَدٌّ آخَرُ لِتَيَقُّنِنَا بِعَدَمِ انْزِجَارِهِ بِالْأَوَّلِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمَّا كَانَ عَلَى دَفْعِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ كَانَ مُقَيَّدًا لِمَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ التَّكْرَارِ عِنْدَ التَّكَرُّرِ بِالتَّكَرُّرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ، بَلْ هَذَا ضَرُورِيٌّ فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْإِقَامَةِ فِي قَوْلِهِ {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] الْأَئِمَّةُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ هَذَا الْخِطَابُ إلَّا بَعْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُمْ فَكَانَ حَاصِلُ النَّصِّ إيجَابَ الْحَدِّ إذَا ثَبَتَ السَّبَبُ عِنْدَهُمْ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ بِوَصْفِ الْكَثْرَةِ أَوْ الْقِلَّةِ، فَإِذَا ثَبَتَ وُقُوعُهُ مِنْهُ كَثِيرًا كَانَ مُوجِبًا لِجَلْدِ مِائَةٍ أَوْ ثَمَانِينَ لَيْسَ غَيْرُ، فَإِذَا جُلِدَ ذَلِكَ وَقَعَ الِامْتِثَالُ، ثُمَّ هُوَ أَيْضًا تَرَكَ مُقْتَضَى التَّكَرُّرِ بِالتَّكَرُّرِ فِيمَا إذَا قَذَفَ وَاحِدًا مَرَّةً ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا بِذَلِكَ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُحِدُّهُ مَرَّتَيْنِ، وَفِي حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ فَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ لَهُ بِالْآيَةِ لَا يُخَلِّصُهُ فَإِنَّهُ يُلْجِئُ إلَى تَرْكِ مِثْلِهَا مِنْ آيَةِ حَدِّ الزِّنَا فَيَعُودُ إلَى أَنَّ هَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ، بِخِلَافِ الزِّنَا فَكَانَ الْمَبْنِيُّ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ آدَمِيٍّ، فَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَخْصَرُ وَأَصْوَبُ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مُلْحَقًا بِهِمَا) لَا حَاجَةَ إلَى إلْحَاقِهِ، بَلْ عَيْنُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ يَجْرِي فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ حَدٌّ شُرِعَ حَقًّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ عَنْ الْأَعْرَاضِ، فَحَيْثُ أُقِيمَ ثَبَتَتْ شُبْهَةٌ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، وَحَقُّ الْعَبْدِ فِي الْخُصُومَةِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ لَيْسَ غَيْرُ. (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ وَسَرَقَ) ثُمَّ أَخَذَ يَعْنِي الْأَسْبَابَ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَيْثُ تَجِبُ الْحُدُودُ الْمُخْتَلِفَةُ كُلُّهَا لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَدِّ الْخَمْرِ صِيَانَةُ الْعُقُولِ، وَمِنْ حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ، وَمِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ، وَثَبَتَ كُلٌّ بِخِطَابٍ يَخُصُّهُ، فَلَوْ حَدَدْنَا فِي الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ حَدًّا وَاحِدًا عَطَّلْنَا نَصًّا مِنْ النُّصُوصِ عَنْ مُوجِبِهِ. [فُرُوعٌ] ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةَ وَالشُّرْبَ وَالْقَذْفَ وَفَقْءَ عَيْنِ رَجُلٍ يُبْدَأُ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إذَا بَرِئَ أَخْرَجَهُ فَحَدَّهُ لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَقِّهِ، فَإِذَا بَرِئَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِحَدِّ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ كُلًّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَصٍّ يُتْلَى، وَيَجْعَلُ حَدَّ الشُّرْبِ آخِرَهَا فَإِنَّهُ أَضْعَفُ لِأَنَّهُ بِمَا لَا يُتْلَى، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّهُ» وَكُلَّمَا أَقَامَ عَلَيْهِ حَدًّا حَبَسَهُ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ رُبَّمَا يَهْرَبُ فَيَصِيرُ الْإِمَامُ مُضَيِّعًا لِلْحُدُودِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا اقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ وَضَرَبَهُ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ رَجَمَهُ، لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَتَى اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهَا قَتْلُ نَفْسٍ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا سِوَى ذَلِكَ. هَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَأَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْهُ بِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا دُونَهُ لَا يُفِيدُ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ لَوْ أَتْلَفَهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلِهَذَا يَضْمَنُهُ فَيُؤْمَرُ بِإِيفَائِهَا مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا قَوَدٌ وَلَا تَعْزِيرٌ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ إنْ أَرَادَ أَنْ يُقَامَ بِحَضْرَتِهِ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ «كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْغَامِدِيَّةِ» ، أَوْ يَبْعَثُ أَمِينًا «كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَاعِزٍ» ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ فِي الْقَذْفِ إذَا أَنْكَرَهُ. وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْحُدُودِ لِأَنَّ النُّكُولَ إمَّا بَذْلٌ وَالْبَذْلُ لَا يَكُونُ فِي الْحُدُودِ أَوْ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ، وَالْحَدُّ لَا يُقَامُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُ عَلَى سَبَبِهِمَا، وَيَسْتَحْلِفُ فِي السَّرِقَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ السَّرِقَةِ أَخْذُ الْمَالِ بِقَيْدٍ فَيَحْلِفُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ لَا عَلَى فِعْلِ السَّرِقَةِ، وَعِنْدَ نُكُولِهِ يَقْضِي بِمُوجَبِ الْأَخْذِ وَهُوَ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْأَخْذُ فَيَضْمَنُ وَلَا يُقْطَعُ، وَإِذَا أَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً بِالْقَذْفِ سَأَلَهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْقَذْفِ مَا هُوَ وَعَنْ خُصُوصِ مَا قَالَ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِغَيْرِ الزِّنَا قَدْ يَظُنُّونَهُ قَذْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِفْسَارِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ قَذَفَهُ لَا يُحَدُّ، وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي وَهُمْ عُدُولٌ حُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ حَبَسَ الْقَاذِفَ حَتَّى يُزَكُّوا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ أَعْرَاضٍ فِي النَّاسِ فَيُحْبَسُ فِي هَذِهِ التُّهْمَةِ وَلَا يَكْفُلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَلَا تَكَفُّلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا يَحْبِسُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ، وَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ عِنْدَهُمَا فِي دَعْوَى حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تَكْفِيلَ بِنَفْسِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْزِئُ فِي إيفَائِهِمَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْكَفَالَةِ إقَامَةُ الْكَفِيلِ مُقَامَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي الْإِيفَاءِ. وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ. فَأَمَّا أَخْذُ الْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَعَمَ الْمَقْذُوفُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُلَازِمُهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَا: حَدُّ الْقَذْفِ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ مِثْلُ حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفْسِهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي مِنْ حَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِ الْخَصْمِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: هَذَا احْتِيَاطٌ وَالْحُدُودُ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهَا لَا فِي إثْبَاتِهَا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: مُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ، فَأَمَّا إذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ نَفْسَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَالْكَفِيلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إنَّمَا يُطْلَبُ بِهَذَا الْقَدْرِ، فَأَمَّا إنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقِمْ أَحَدًا وَلَا يُلَازِمُهُ إلَّا إلَى آخَرِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ حَبَسَهُ إذَا قَالَ إنَّ لَهُ شَاهِدًا آخَرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً هَذَا الْمِقْدَارُ اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَا يَرَى الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ، وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْبِسُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَذْفِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يُمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ سَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ، فَمَا لَمْ يَتَّفِقْ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ لَا يُقْضَى بِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي إقْرَارِهِ بِالْقَذْفِ وَإِنْشَائِهِ لَهُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْقَذْفُ قَوْلٌ قَدْ يُكَرَّرُ فَيَكُونُ حُكْمُ الثَّانِي حُكْمَ الْأَوَّلِ، فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ، إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ هُنَاكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ بِالْقَذْفِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْإِنْشَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ قَذَفَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ قَذَفَهَا فِي الْحَالِ كَانَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ، وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَذْفُ بِهَا مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ اللُّغَةِ يَتَمَكَّنُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّرَاحَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا لَوْ أَشْهَدَ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَالْآخَرَ لَسْت لِأَبِيك، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَا يُحَدُّ، وَلَا يُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ الْقَذْفِ كِتَابُ الْقَاضِي وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَلَوْ قَالَ الْقَاذِفُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَذْفِ عِنْدَ الْقَاضِي عِنْدِي بَيِّنَةٌ تُصَدِّقُ قَوْلِي أُجِّلَ مِقْدَارَ قِيَامِ الْقَاضِي مِنْ مَجْلِسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِقَ عَنْهُ وَيُقَالُ لَهُ ابْعَثْ إلَى شُهُودِك. وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِي بِهِمْ أُطْلِقَ عَنْهُ وَبَعَثَ مَعَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ شُرَطِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُفْتَقَرْ إلَى هَذَا لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَدِّ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَدَّ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِتَأْخِيرِ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، وَإِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَلِيلٌ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ كَالتَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْجَلَّادُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَأْنَى بِهِ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي لِأَنَّ الْقَذْفَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ أَرْبَعَةٍ وَالْعَجْزُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِمْهَالِ، كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى طَعْنًا فِي الشُّهُودِ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي. وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا، وَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا أَرْبَعَةٌ، فَلَوْ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ حُدَّ هُوَ وَالثَّلَاثَةُ، قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ وَعَنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَكَأَنَّا سَمِعْنَا إقْرَارَهُ بِالزِّنَا، إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِقْرَارِ إسْقَاطُ الْحَدِّ لَا إقَامَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ وَلَوْ كَثُرَتْ الشُّهُودُ، وَلَوْ زَنَى الْمَقْذُوفُ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْ ارْتَدَّ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ إحْصَانَ الْمَقْذُوفِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ، وَكَذَا إذَا خَرِسَ أَوْ عَتِهَ وَلَكِنْ لَا لِزَوَالِ إحْصَانِهِ بَلْ لِتَمَكُّنِ شُبْهَةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاطِقًا صَدَّقَهُ، وَلَا يُلَقِّنُ الْقَاضِي لِلشُّهُودِ مَا تَتِمُّ بِهِ شَهَادَتُهُمْ فِي الْحُدُودِ. (جِنْسٌ آخَرُ) تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى النَّاسِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ قَالَ: أَنْتِ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ أَزَنَى مِنِّي لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ مَا رَأَيْت زَانِيَةً خَيْرًا مِنْك لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ وَطِئَكِ فُلَانٌ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ فَجَرَ بِكَ أَوْ جَامَعَك حَرَامًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّك زَانٍ أَوْ أُشْهِدْتُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ زَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك يَكُونُ قَاذِفًا لَهُمَا لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ لَا مَعِيَّةَ حَالَ الزِّنَا فَانْصَرَفَ إلَى مَعِيَّةِ الْفِعْلِ دُونَ الْحُضُورِ، وَمَنْ قَالَ لَسْت لِأَبَوَيْك لَا يَكُونُ قَاذِفًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَسْت لِإِنْسَانٍ لَسْت لِرَجُلٍ لَيْسَ قَذْفًا. رَجُلٌ قَذَفَ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ عَمَّهُ حُدَّ. قَالَ لِرَجُلٍ قُلْ لِفُلَانٍ يَا زَانِي

[فصل في التعزير]

فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ فُلَانٌ يَقُولُ لَك يَا زَانِي لَا حَدَّ عَلَى الرَّسُولِ وَلَا عَلَى الْمُرْسِلِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ يَا زَانِي حُدَّ الرَّسُولُ خَاصَّةً. وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتَةً فَصَدَّقَهُ ابْنُهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِقَذْفِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ أَوْ يَا ابْنَ الْحَائِكِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَلَطُّفٌ. وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ أَوْ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: رَجُلٌ قَالَ فِي مَيِّتٍ لَمْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ وَلَمْ يَزْنِ فَقَالَ أحرجه كُرْده سِتّ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِشَارَةٍ إلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ. وَلَوْ قَالَ أَيْنَ حمه كُرْده سِتّ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ وَلَمْ يُكَنِّهِ. وَلَوْ قَالَ وَلَا أَيْنَ حمه كُرْده است يَكُونُ قَذْفًا، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ فِعْلُ الْكُلِّ. وَمَعْنَى الثَّانِي فِعْلُ هَذِهِ كُلِّهَا. وَمَعْنَى الثَّالِثِ هُوَ فِعْلُ هَذِهِ كُلِّهَا. وَفِي الْفَتَاوَى: قَالَ لِرَجُلَيْنِ: أَحَدُكُمَا زَانٍ، فَقَالَ لَهُ هَذَا هُوَ لِأَحَدِهِمَا فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَذْفِ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا. وَلَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ كُلُّكُمْ زَانٍ إلَّا وَاحِدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِيهِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُسْتَثْنَى. وَمِنْ فُرُوعِ تَدَاخُلِ حَدِّ الْقَذْفِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: عَبْدٌ قَذَفَ حُرًّا فَأَعْتَقَ فَقَذَفَ آخَرَ فَاجْتَمَعَا ضُرِبَ ثَمَانِينَ، وَلَوْ قَذَفَ الْأَوَّلَ فَضُرِبَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ الْآخَرُ تَمَّمَ لَهُ الثَّمَانِينَ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَقَعَ لَهُمَا يَبْقَى الْبَاقِي أَرْبَعِينَ، وَلَوْ قَذَفَ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الثَّانِي تَكُونُ الثَّمَانُونَ لَهُمَا جَمِيعًا، وَلَا يُضْرَبُ ثَمَانِينَ مُسْتَأْنَفًا لِأَنَّ مَا بَقِيَ تَمَامُهُ حَدُّ الْأَحْرَارِ فَجَازَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْأَحْرَارُ وَهَذَا مَا وَعَدْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا رُوسِيَّ يُحَدُّ. وَلَوْ قَالَ يَا قَحْبَةَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ. [فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ] (فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ) لَمَّا قَدَّمَ الْحُدُودَ الْمُقَدَّرَةَ بِالنُّصُوصِ الْقَاطِعَةِ وَهِيَ أَوْكَدُ أَتْبَعَهَا التَّعْزِيرَ الَّذِي هُوَ دُونَهَا فِي الْمِقْدَارِ وَالدَّلِيلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ. وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] أَمَرَ بِضَرْبِ الزَّوْجَاتِ تَأْدِيبًا وَتَهْذِيبًا. وَفِي الْكَافِي قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَرْفَعْ عَصَاك عَنْ أَهْلِك» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَزَّرَ رَجُلًا قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مُخَنَّثُ» . وَفِي الْمُحِيطِ: رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَلَّقَ سَوْطَهُ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُهُ» وَأَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرٍ إلَّا فِي حَدٍّ» وَسَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ» فِي الصِّبْيَانِ، فَهَذَا دَلِيلُ شَرْعِيَّةِ التَّعْزِيرِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ. وَبِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الزَّجْرَ عَنْ الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ كَيْ لَا تَصِيرَ مَلَكَاتٌ فَيَفْحُشُ وَيَسْتَدْرِجُ إلَى مَا هُوَ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فِيهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالصَّيْحَةِ وَمِنْهُمْ يَحْتَاجُ إلَى اللَّطْمَةِ وَإِلَى الضَّرْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى الْحَبْسِ. وَفِي الشَّافِي: التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ: تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعَلَوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَيَنْزَجِرُ بِهِ، وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالدَّهَاقِينُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ، وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقَةُ بِالْجَرِّ وَالْحَبْسِ، وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّةِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ التَّعْزِيرُ لِلسُّلْطَانِ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَعِنْدَهُمَا وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ سَمِعْت مِنْ ثِقَةٍ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ، أَوْ الْوَالِي جَازَ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَشَايِخِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: يَجُوزُ التَّعْزِيرُ الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِكُلِّ

(وَمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا عُزِّرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدٍ بِعِلَّةِ النِّيَابَةِ عَنْ اللَّهِ. وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ عَمَّنْ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ أَيَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ عَنْ الزِّنَا بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا يَقْتُلُهُ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ يَحِلُّ قَتْلُهَا أَيْضًا. وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ تَعْزِيرٌ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا، وَصَرَّحَ فِي الْمُنْتَقَى بِذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ. وَالشَّارِعُ وَلَّى كُلَّ أَحَدٍ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» الْحَدِيثَ. بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ تَوْلِيَتُهَا إلَّا لِلْوُلَاةِ، وَبِخِلَافِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ بِالْقَذْفِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَا فِيهِ، ثُمَّ التَّعْزِيرُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ التَّعْزِيرُ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ وَاجِبًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إنِّي لَقِيت امْرَأَةً فَأَصَبْت مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَطَأَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَصَلَّيْت مَعَنَا؟ قَالَ نَعَمْ، فَتَلَا عَلَيْهِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] » وَقَالَ فِي الْأَنْصَارِيِّ: «اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» «وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ لِلزُّبَيْرِ فِي سَقْيِ أَرْضِهِ فَلَمْ يُوَافِقْ غَرَضَهُ إنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك، فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُعَزِّرْهُ» . وَلَنَا أَنَّ مَا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ يَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ بَعْدَ مُجَانَبَةِ هَوَى نَفْسِهِ الْمَصْلَحَةَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُزْجَرُ إلَّا بِهِ وَجَبَ لِأَنَّهُ زَاجِرٌ مَشْرُوعٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ كَالْحَدِّ، وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِدُونِهِ لَا يَجِبُ وَهُوَ مَحْمَلُ حَدِيثِ الَّذِي ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَصَابَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا وَهُوَ نَادِمٌ مُنْزَجِرٌ، لِأَنَّ ذِكْرَهُ لَهُ لَيْسَ إلَّا لِلِاسْتِعْلَامِ بِمُوجِبِهِ لِيَفْعَلَ مَعَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّبَيْرِ فَالتَّعْزِيرُ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجُوزُ تَرْكُهُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: التَّعْزِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْإِبْرَاءُ وَالْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ: يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ سَبَبُهُ يَحْلِفُ وَيَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ، فَحَقُّ الْعَبْدِ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا ذُكِرَ. وَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا شَاهِدًا إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ. فَإِنْ قُلْت: فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ: إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلُ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا فَلَا يُعَزَّرُ. فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضْرَبُ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي فِيهَا مِنْ إسْقَاطِ التَّعْزِيرِ. قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا قُلْت مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مُنَاقَضَةَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ فَقَدْ حَصَلَ تَعْزِيرُهُ بِالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي التَّعْزِيرِ. وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ: يَعْنِي بِالضَّرْبِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ حِينَئِذٍ بِالضَّرْبِ، وَيُمْكِنُ كَوْنُ مَحْمَلِهِ حَقِّ آدَمِيٍّ مِنْ الشَّتْمِ وَهُوَ مُمْكِنٌ يَكُونُ تَعْزِيرُهُ بِمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرَّجُلِ يَشْتُمُ النَّاسَ: إذَا كَانَ لَهُ مُرُوءَةٌ وُعِظَ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ حُبِسَ. وَإِنْ كَانَ سَبَّابًا ضُرِبَ وَحُبِسَ: يَعْنِي الَّذِي دُونَ ذَلِكَ، وَالْمُرُوءَةُ عِنْدِي فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا عُزِّرَ) بِالْإِجْمَاعِ إلَّا عَلَى قَوْلِ دَاوُد فِي الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الذِّمِّيَّةِ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ قَالَ: يُحَدُّ بِهِ،

لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ، وَقَدْ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ (وَكَذَا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ الزِّنَا فَقَالَ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا سَارِقُ) لِأَنَّهُ آذَاهُ وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ، إلَّا أَنَّهُ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتَهُ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَفِي الثَّانِيَةِ: الرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ (وَلَوْ قَالَ يَا حِمَارُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ لَمْ يُعَزَّرْ) لِأَنَّهُ مَا أُلْحِقَ الشَّيْنُ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِنَفْيِهِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَيْنًا، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَسْبُوبُ مِنْ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا عُزِّرَ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْكَلَامَ (جِنَايَةُ قَذْفٍ وَقَدْ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَكَذَا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ الزِّنَا فَقَالَ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا سَارِقُ) وَمِثْلُهُ يَا لِصُّ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ يَا زِنْدِيقُ أَوْ يَا مَقْبُوحُ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا قَرْطَبَانُ يَا مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ أَوْ يَا لُوطِيُّ أَوْ قَالَ أَنْتَ تَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا دَيُّوثُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا مَأْوَى الزَّوَانِي يَا مَأْوَى اللُّصُوصِ يَا مُنَافِقُ يَا يَهُودِيُّ عُزِّرَ هَكَذَا مُطْلَقًا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ صَالِحٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ لِفَاسِقٍ يَا فَاسِقُ أَوْ لِلِّصِّ يَا لِصُّ أَوْ لِلْفَاجِرِ يَا فَاجِرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُنَا إنَّهُ آذَاهُ بِمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الشَّيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَافُهُ بِهَذِهِ، أَمَّا مَنْ عُلِمَ فَإِنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ. وَقِيلَ فِي يَا لُوطِيُّ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ عُزِّرَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ، قُلْت: أَوْ هَزْلٍ مِمَّنْ تَعَوَّدَ بِالْهَزْلِ بِالْقَبِيحِ، وَلَوْ قَذَفَهُ بِإِتْيَانِ مَيْتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ عُزِّرَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (إلَّا أَنَّهُ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتَهُ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى) وَهُوَ مَا إذَا قَذَفَ غَيْرَ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا (لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ) وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا (وَفِي الثَّانِيَةِ) وَهُوَ مَا إذَا قَذَفَهُ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ الْمَعَاصِي (الرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ) (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ يَا حِمَارُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ لَمْ يُعَزَّرْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى شَيْنِ مَعْصِيَةٍ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْنٌ أَصْلًا، بَلْ إنَّمَا أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ كَانَ كَذِبُهُ ظَاهِرًا، وَمِثْلُهُ يَا بَقَرُ يَا ثَوْرُ يَا حَيَّةُ يَا تَيْسُ يَا قِرْدُ يَا ذِئْبُ يَا حَجَّامُ يَا بَغَّاءُ يَا وَلَدَ حَرَامٍ يَا عَيَّارُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ يَا سُخْرَةُ يَا ضُحَكَةُ يَا كَشْحَانُ يَا أَبْلَهُ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَأَبُوهُ لَيْسَ بِحَجَّامٍ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ يَا كَلْبُ يَا رُسْتَاقِيُّ يَا مُؤَاجِرُ يَا مُوَسْوِسُ لَمْ يُعَزَّرْ. وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي الْكَشْحَانِ إذْ قِيلَ إنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْقَرْطَبَانِ وَالدَّيُّوثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَبِالْقَرْطَبَانِ فِي الْعُرْفِ الرَّجُلُ الَّذِي يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَمِثْلُهُ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ الْمُعَرِّصُ وَالْقُوَّادُ، وَعَدَمُ التَّعْزِيرِ فِي الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَيْنَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُذْكَرُ لِلشَّتِيمَةِ فِي عُرْفِنَا. فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي يَا كَلْبُ لَا يُعَزَّرُ. قَالَ: وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَتِيمَةً ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ قَطْعًا انْتَهَى. وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّهُ شَتِيمَةً وَلِهَذَا يُسَمُّونَ بِكَلْبٍ وَذِئْبٍ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ عَنْ أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ فِي يَا خِنْزِيرُ يَا حِمَارُ يُعَزَّرُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُحَمَّدِ لَا يُعَزَّرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَحْسَنَ التَّعْزِيرَ إذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ فَتَحَصَّلَتْ ثَلَاثَةٌ: الْمَذْهَبُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يُعَزَّرُ مُطْلَقًا، وَمُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ يُعَزَّرُ مُطْلَقًا. وَالْمُفَصَّلُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْأَشْرَافِ فَيُعَزَّرُ قَائِلُهُ

وَهَذَا أَحْسَنُ. . وَالتَّعْزِيرُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» وَإِذَا تَعَذَّرَ تَبْلِيغُهُ حَدًّا فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ نَظَرَا إلَى أَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ فَصَرَفَاهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَنَقَصَا مِنْهُ سَوْطًا. وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ أَقَلَّ الْحَدِّ فِي الْأَحْرَارِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ ثُمَّ نَقَصَ سَوْطًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَقَصَ خَمْسَةً وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ فَقَلَّدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَا فَلَا، وَيُعَزَّرُ فِي مُقَامِرٍ وَفِي قَذِرٍ، قِيلَ وَفِي بَلِيدٍ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يُشْبِهُ يَا أَبْلَهُ وَلَمْ يَعْزِرُوا بِهِ (قَوْلُهُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْلُغُ بِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَالْأَصْلُ) فِي نَقْصِهِ عَنْ الْمَحْدُودِ (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» ) ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ نَاجِيَةَ فِي فَوَائِدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُصَيْنٍ الْأَصْبَحِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ بَلَغَ " الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ مُرْسَلًا فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ بَلَغَ " الْحَدِيثَ، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعَمَلِ وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِذَا لَزِمَ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ حَدًّا فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ نَظَرَا إلَى صِرَافَةِ عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ فَصَرَفَاهُ إلَيْهِ فَنَحَّاهُ عَنْ حَدِّ الْأَرِقَّاءِ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدٌّ فَلَا يَبْلُغُ إلَيْهِمَا بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ، خُصُوصًا وَالْمَحَلُّ مَحَلُّ احْتِيَاطٍ فِي الدَّرْءِ (وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ أَقَلَّ حُدُودِ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ ثُمَّ نَقَصَ سَوْطًا فِي رِوَايَةِ) هِشَامٍ عَنْهُ (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُنَا لَيْسَ حَدًّا فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْكُوتِ عَنْ النَّهْيِ عَنْهُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ. قِيلَ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنًى مَعْقُولٌ، وَذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ فِي تَعْزِيرِ رَجُلٍ بِتِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ، وَكَانَ يَعْقِدُ لِكُلِّ خَمْسَةٍ عَقْدًا بِأَصَابِعِهِ فَعَقَدَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يَعْقِدْ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِنُقْصَانِهَا عَنْ الْخَمْسَةِ فَظَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِتِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ، قَالَ: وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ: يَعْنِي خَمْسَةً وَسَبْعِينَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ: وَنُقِلَ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ:

ثُمَّ قَدَّرَ الْأَدْنَى فِي الْكِتَابِ بِثَلَاثِ جَلَدَاتٍ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ، وَذَكَرَ مَشَايِخُنَا أَنَّ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ لِأَنَّهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ إنَّ أَبَا يُوسُفَ أَخَذَ النِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَأَكْثَرُهُ مِائَةٌ، وَالنِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْعَبِيدِ وَأَكْثَرُهُ خَمْسُونَ فَتَحْصُلُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ. وَمَنَعَ صِحَّةَ اعْتِبَارِ هَذَا الْأَخْذِ وَهُوَ لَا يَضُرُّهُ بَعْدَ أَنْ أَثَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ قَلَّدَ عَلِيًّا فِيهِ، وَكَوْنُهُ لَا يَعْقِلُ يُؤَكِّدُهُ، إذْ الْغَرَضُ أَنَّ مَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ يَجِبُ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ جَوَابُهُ بِمَنْعِ ثُبُوتِهِ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ إنَّهُ غَرِيبٌ، وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحُرِّ، وَقَالَ فِي الْعَبْدِ تِسْعَةَ عَشَرَ لِأَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ فِي الْخَمْرِ عِنْدَهُ عِشْرُونَ وَفِي الْأَحْرَارِ أَرْبَعُونَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ، فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى الْحَدِّ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ مُجَانِبًا لِهَوَى النَّفْسِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ مَعْنَ بْنَ زَائِدَةَ عَمِلَ خَاتَمًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ جَاءَ بِهِ لِصَاحِبِ بَيْتِ الْمَالِ فَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا، فَبَلَغَ عُمَرَ ذَلِكَ فَضَرَبَهُ مِائَةً وَحَبَسَهُ، فَكُلِّمَ فِيهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى، فَكُلِّمَ فِيهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً وَنَفَاهُ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ الشَّاعِرِ قَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ لِلشُّرْبِ وَعِشْرِينَ سَوْطًا لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ. وَلَنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، وَلِأَنَّ الْعُقُوبَةَ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِمَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ الزِّنَا فَوْقَ مَا فُرِضَ بِالزِّنَا، وَحَدِيثُ مَعْنٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ ذُنُوبًا كَثِيرَةً أَوْ كَانَ ذَنْبُهُ يَشْتَمِلُ كَثْرَةً مِنْهَا لِتَزْوِيرِهِ وَأَخْذِهِ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقِّهِ وَفَتْحِهِ بَابَ هَذِهِ الْحِيلَةِ مِمَّنْ كَانَتْ نَفْسُهُ عَارِيَّةً عَنْ اسْتِشْرَافِهَا، وَحَدِيثُ النَّجَاشِيِّ ظَاهِرٌ أَنْ لَا احْتِجَاجَ فِيهِ، فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ ضَرْبَهُ الْعِشْرِينَ فَوْقَ الثَّمَانِينَ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ، وَقَدْ نَصَّتْ عَلَى أَنَّهُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْقَائِلَةُ إنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ الشَّاعِرِ وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ ثُمَّ ضَرَبَهُ مِنْ الْغَدِ عِشْرِينَ، وَقَالَ: ضَرَبْنَاك الْعِشْرِينَ بِجُرْأَتِك عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِفْطَارِك فِي رَمَضَانَ، فَأَيْنَ الزِّيَادَةُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى الْحَدِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا اُشْتُهِرَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُ قَالَ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ وَبَعْضُ الثِّقَاتِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِدَلِيلِ عَمَلِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ. وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ لَا تَبْلُغَ بِنَكَالٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَوْطًا، وَيُرْوَى ثَلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ. وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ أَكْثَرِهِ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يُعْرَفُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ: أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَبِغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، أَمَّا إنْ اقْتَضَى رَأْيُهُ الضَّرْبَ فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَدَّرَ الْأَدْنَى فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (بِثَلَاثِ جَلَدَاتٍ، لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ، وَذَكَرَ مَشَايِخُنَا أَنَّ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِهِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ) وَجْهُ مُخَالَفَةِ هَذَا الْكَلَامِ لِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ اكْتَفَى بِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ فَقَالَ: وَاخْتِيَارُ التَّعْزِيرِ إلَى الْقَاضِي مِنْ وَاحِدٍ إلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ بِنَوْعِ الضَّرْبِ فَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَنْزَجِرُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ يُكْمِلُ لَهُ ثَلَاثَةً، لِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ أَقَلُّهُ إذْ لَيْسَ وَرَاءَ الْأَقَلِّ شَيْءٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْزَجِرُ بِعِشْرِينَ كَانَتْ الْعِشْرُونَ أَقَلَّ مَا يَجِبُ تَعْزِيرُهُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ نَقْصُهُ عَنْهُ. فَلَوْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ كَانَ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ، وَعَنْهُ أَنْ يُقَرَّبَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ بَابِهِ؛ فَيُقَرَّبُ الْمَسُّ وَالْقُبْلَةُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا، وَالْقَذْفُ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ. . قَالَ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ) لِأَنَّهُ صَلُحَ تَعْزِيرًا وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي التَّعْزِيرِ بِالتُّهْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَمَا شُرِعَ فِي الْحَدِّ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْزِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَلُّ مَا يَجِبُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ وَتَبْقَى فَائِدَةُ تَقْدِيرِ أَكْثَرِهِ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ أَنْ لَوْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ لَا يَبْلُغُ قَدْرَ ذَلِكَ وَيَضْرِبُهُ الْأَكْثَرَ فَقَطْ. نَعَمْ يُبَدِّلُ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِنَوْعٍ آخَرَ وَهُوَ الْحَبْسُ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ) وَاحْتِمَالِ الْمَضْرُوبِ وَعَدَمِ احْتِمَالِهِ (وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُ كُلَّ نَوْعٍ) مِنْ أَسْبَابِ التَّعْزِيرِ (مِنْ بَابِهِ) فَيُقَرِّبُ بِالْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَالرَّمْيِ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ الْمَعَاصِي مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ. وَكَذَا السُّكْرُ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ قِيلَ: مَعْنَاهُ يُعَزَّرُ فِي اللَّمْسِ الْحَرَامِ وَالْقُبْلَةِ أَكْثَرَ جَلَدَاتِ التَّعْزِيرِ، وَيُعَزَّرُ فِي قَوْلِهِ نَحْوَ يَا كَافِرُ وَيَا خَبِيثُ أَقَلَّ جَلَدَاتِ التَّعْزِيرِ، وَلَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّعْزِيرِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ يَبْلُغُ أَقْصَى التَّعْزِيرِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يَجِبُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ أَقْصَاهُ فَيَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى أَنَّ أَكْثَرَ الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَا يَنْزَجِرُ بِهَا أَوْ هُوَ فِي شَكٍّ مِنْ انْزِجَارِهِ بِهَا يُضَمُّ إلَيْهِ الْحَبْسُ (لِأَنَّ الْحَبْسَ صَلُحَ تَعْزِيرًا) بِانْفِرَادِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ وَيَحْبِسَهُ أَيَّامًا عُقُوبَةً لَهُ فَعَلَ، ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ (وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فِي الْجُمْلَةِ) وَهُوَ مَا سَلَفَ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ» (فَجَازَ أَنْ يَضُمَّهُ) إذَا شَكَّ فِي انْزِجَارِهِ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْحَبْسَ بِمُفْرَدِهِ يَقَعُ تَعْزِيرًا تَامًّا (لَمْ يُشْرَعْ بِالتُّهْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ) أَيْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَبْسُ بِتُهْمَةِ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ شَتِيمَةً فَاحِشَةً أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ وَأَقَامَ شُهُودًا لَا يُحْبَسُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ وَيُحْبَسَ فِي الْحُدُودِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا عَدَلَتْ الشُّهُودُ كَانَ الْحَبْسُ تَمَامَ مُوجِبِ مَا شَهِدُوا بِهِ، فَلَوْ حُبِسَ قَبْلَهُ لَزِمَ إعْطَاءُ حُكْمِ السَّبَبِ لَهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ، لِأَنَّهُ إذَا شَهِدُوا بِمُوجِبِهِ

قَالَ (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ جَرَى التَّخْفِيفُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ، وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَالَ (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ جِنَايَةً حَتَّى شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ (ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَلِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَا يُغَلَّظُ مِنْ حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَعْدِلُوا حُبِسَ، لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهُ بِالتَّعْدِيلِ كَانَ الْوَاجِبُ بِهِ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الْحَبْسِ فَيُحْبَسُ تَعْزِيرًا لِلتُّهْمَةِ. (قَوْلُهُ وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّخْفِيفُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ) مِنْ الِانْزِجَارِ (وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ) لِجَرَيَانِ التَّخْفِيفِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي حُدُودِ الْأَصْلِ أَنَّ التَّعْزِيرَ يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ. وَذَكَرَ فِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ التَّعْزِيرَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ بَلْ مَوْضُوعُ مَا ذُكِرَ فِي الْحُدُودِ إذَا وَجَبَ تَبْلِيغُ التَّعْزِيرِ إلَى أَقْصَى غَايَاتِهِ بِأَنْ أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ مُحَرَّمٍ غَيْرَ الْجِمَاعِ أَوْ أَخَذَ السَّارِقُ بَعْدَمَا جَمَعَ الْمَتَاعَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَإِذَا بَلَغَ غَايَةَ التَّعْزِيرِ فُرِّقَ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَإِلَّا أَفْسَدَ الْعُضْوَ لِمُوَالَاةِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ الْكَثِيرِ عَلَيْهِ. وَمَوْضُوعُ مَا فِي الْأَشْرِبَةِ مَا إذَا عُزِّرَ أَدْنَى التَّعْزِيرِ كَثَلَاثَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِذَا حُدَّ عَدَدًا يَسِيرًا فَالْإِقَامَةُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا تُفْسِدُهُ، وَتَفْرِيقُهَا أَيْضًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ مَقْصُودُ الِانْزِجَارِ فَيُجْمَعُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى شِدَّةِ الضَّرْبِ قُوَّتُهُ لَا جَمْعُهُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا قِيلَ إذَا صَحَّ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) يَلِي التَّعْزِيرَ فِي الشِّدَّةِ (لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَأَعْظَمُ جِنَايَةٍ حَتَّى شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ) وَهُوَ إتْلَافُ النَّفْسِ بِالْكُلِّيَّةِ (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَكِنْ لَا يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ، وَفِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ غَيْرَ مُقَدَّرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ) فَيَكُونُ سَبَبِيَّتُهُ لَا شُبْهَةَ فِيهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ الشُّرْبَ مُتَيَقَّنُ السَّبَبِيَّةِ لِلْحَدِّ لَا مُتَيَقَّنُ الثُّبُوتِ لِأَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَهُمَا لَا يُوجِبَانِ الْيَقِينَ. فَإِنْ قِيلَ: يُفِيدُ أَنَّهُ شَرْعًا بِمَعْنَى أَنَّ عِنْدَهُمَا يَسْتَيْقِنُ لُزُومَ الْحَدِّ أَوْ أَنَّ الثَّابِتَ بِهِمَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ. قُلْنَا: كَذَلِكَ الْقَذْفُ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ فَلَا يَقَعُ فَرْقٌ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْقَذْفِ لِأَنَّ سَبَبَهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِرْيَةً وَبِالْبَيِّنَةِ لَا يُتَيَقَّنُ بِذَلِكَ لِجَوَازِ صِدْقِهِ فِيمَا نَسَبَهُ إلَيْهِ (وَلِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَلَا يَغْلُظُ) مَرَّةً أُخْرَى (مِنْ حَيْثُ

الْوَصْفُ. (وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِيهِ، وَالْإِطْلَاقَاتُ تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ خَطَأٌ فِيهِ، إذْ التَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَرْجِعُ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ. قُلْنَا لَمَّا اسْتَوْفَى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ صَارَ كَأَنَّ اللَّهَ أَمَاتَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَصْفُ) وَهُوَ شِدَّةُ الضَّرْبِ، وَلِأَنَّ الشُّرْبَ يَنْتَظِمُ الْقَذْفَ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا شَرِبَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَيَجْتَمِعُ عَلَى الشَّارِبِ حَدُّ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ فَيَزْدَادُ الْعَدَدُ نَظَرًا إلَى الْمَظِنَّةِ فَلَا يُغَلَّظُ بِالشِّدَّةِ. فَأَشَدُّهَا التَّعْزِيرُ وَأَخَفُّهَا حَدُّ الْقَذْفِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَشَدُّ الضَّرْبِ حَدُّ الزِّنَا ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ ثُمَّ التَّعْزِيرُ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْكُلُّ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكُلِّ وَاحِدٌ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ يُحَدُّ وَيُعَزَّرُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: يُضْرَبُ فِي التَّعْزِيرِ قَائِمًا عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، وَيُنْزَعُ الْحَشْوُ وَالْفَرْوُ وَلَا يُمَدُّ فِي التَّعْزِيرِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُ ثُمَّ فِي قَوْلٍ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَرْجِعُ إلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِسَبَبٍ عَمِلَهُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ أَصْلَ التَّعْزِيرِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَجَبَ فَالضَّرْبُ غَيْرُ مُتَعَيِّنِ فِي التَّعْزِيرِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُبَاحًا فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَهَذَا يَخُصُّ التَّعْزِيرَ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرُ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ الِانْزِجَارِ لَهُ فِي التَّعْزِيرِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَمَا فِي الْفِصَادِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْفِعْلِ وَإِلَّا عُوقِبَ، وَالسَّلَامَةُ خَارِجَةٌ عَنْ وُسْعِهِ، إذْ الَّذِي فِي وُسْعِهِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِسَبَبِهَا الْقَرِيبِ، وَهُوَ بَيْنَ أَنْ يُبَالِغَ فِي التَّخْفِيفِ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِهِ عَنْهُ، أَوْ يَفْعَلَ مَا يَقَعُ زَاجِرًا وَهُوَ مَا هُوَ مُؤْلِمٌ زَاجِرٌ، وَقَدْ يَتَّفِقُ أَنْ يَمُوتَ

[كتاب السرقة]

كِتَابُ السَّرِقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِنْسَانُ بِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْأَمْرُ بِالضَّرْبِ الْمُؤْلِمِ الزَّاجِرِ مَعَ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُبَاحَاتِ فَإِنَّهَا رَفْعُ الْجُنَاحِ فِي الْفِعْلِ وَإِطْلَاقِهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُلْزَمٍ بِهِ فَصَحَّ تَقْيِيدُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَالِاصْطِيَادِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ إذَا عَزَّرَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَمَنْفَعَتُهُ تَرْجِعُ إلَيْهِ كَمَا تَرْجِعُ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ اسْتِقَامَتُهَا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَيَضْرِبُ ابْنَهُ، وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا أَدَّبَ الصَّبِيَّ فَمَاتَ مِنْهُ يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيِّ، أَمَّا لَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ أَوْ أَفْضَاهَا لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْمَهْرَ بِذَلِكَ الْجِمَاعِ؛ فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَجَبَ ضَمَانَانِ بِمَضْمُونٍ وَاحِدٍ. . [تَتِمَّةٌ] الْأَوْلَى لِلْإِنْسَانِ فِيمَا إذَا قِيلَ لَهُ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ، قَالُوا: لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ، الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، وَلَوْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي لِيُؤَدِّبَهُ يَجُوزُ، وَلَوْ أَجَابَ مَعَ هَذَا فَقَالَ بَلْ أَنْتَ لَا بَأْسَ، وَإِذَا أَسَاءَ الْعَبْدُ الْأَدَبَ حَلَّ لِمَوْلَاهُ تَأْدِيبُهُ وَكَذَا الزَّوْجَةُ. وَفِي فَتَاوَى الشَّافِعِيِّ: مَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ يُحْبَسُ وَيُجْلَدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ، وَفِيهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا كَانَ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَيَشْتَرِي وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ يُحْبَسُ وَيُؤَدَّبُ ثُمَّ يَخْرُجُ، وَالسَّاحِرُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَفْعَلُ إنْ تَابَ وَتَبَرَّأَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلُ وَكَذَا السَّاحِرَةُ تُقْتَلُ بِرِدَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، لَكِنَّ السَّاحِرَةَ تُقْتَلُ بِالْأَثَرِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ اُقْتُلُوا السَّاحِرَ وَالسَّاحِرَةَ، زَادَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُ السَّحَرَ وَيَجْحَدُ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ يَقُولُ فَإِنَّ هَذَا السَّاحِرَ يُقْتَلُ إذَا أُخِذَ وَثَبَتَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. وَفِي الْفَتَاوَى: رَجُلٌ يَتَّخِذُ لُعْبَةً لِلنَّاسِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجَتِهِ بِتِلْكَ اللُّعْبَةِ فَهَذَا سِحْرٌ وَيُحْكَمُ بِارْتِدَادِهِ وَيُقْتَلُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُطْلَقًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ أَثَرًا انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ هَذَا الرَّجُلِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: أَعْنِي عَدَمَ الْحُكْمِ بِارْتِدَادِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ أَنْ يُضْرَبَ وَيُحْبَسَ حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً. وَهَلْ تَحِلُّ الْكِتَابَةُ بِمَا عَلِمَ أَنَّ فُلَانًا يَتَعَاطَى مِنْ الْمَنَاكِيرِ لِأَبِيهِ؟ قَالُوا: إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ أَبَاهُ يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ عَلَى ابْنِهِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ لَا يَكْتُبُ، وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ، وَيُعَزَّرُ مَنْ شَهِدَ شُرْبَ الشَّارِبِينَ وَالْمُجْتَمِعُونَ عَلَى شِبْهِ الشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبُوا وَمَنْ مَعَهُ رَكْوَةُ خَمْرٍ، وَالْمُفْطِرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَالْمُسْلِمُ الَّذِي يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَكَذَا الْمُغَنِّي وَالْمُخَنَّثِ وَالنَّائِحَةُ يُعَزَّرُونَ وَيُحْبَسُونَ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا شَتَمَ الذِّمِّيَّ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً، وَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ يُحْبَسُ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ تَظْهَرَ التَّوْبَةُ، وَكَذَا يُسْجَنُ مَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . [كِتَابُ السَّرِقَةِ] (كِتَابُ السَّرِقَةِ) لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحُدُودِ الِانْزِجَارَ عَنْ أَسْبَابِهَا بِسَبَبِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ رُوعِيَ فِي تَرْتِيبِهَا

السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ، وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّعْلِيمِ تَرَتُّبُ أَسْبَابِهَا فِي الْمَفَاسِدِ، فَمَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَعْظَمَ يُقَدَّمُ عَلَى مَا هُوَ أَخَفُّ لِأَنَّ تَعْلِيمَهُ وَتَعَلُّمَهُ أَهَمُّ. وَأَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ النَّفْسِ وَهُوَ الزِّنَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهِ كَوْنِهِ قَتْلًا مَعْنًى. وَيَلِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْعَقْلِ وَهُوَ الشُّرْبُ لِأَنَّهُ كَفَوَاتِ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ عَدِيمَ الْعَقْلِ لَا يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ كَعَدِيمِ النَّفْسِ. وَيَلِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ الْعَرْضِ وَهُوَ الْقَذْفُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الذَّاتِ يُؤَثِّرُ فِيهَا وَيَلْزَقُ أَمْرًا قَبِيحًا. وَيَلِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ الْأَمْرُ الْمَخْلُوقُ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ وَالْعِرْضِ فَكَانَ آخِرًا فَأَخَّرَهُ. وَلِلسَّرِقَةِ تَفْسِيرٌ لُغَةً وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ، وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَمِعَ مُسْتَخْفِيًا. وَفِي الشَّرِيعَةِ هِيَ هَذَا أَيْضًا، وَإِنَّمَا زِيدَ عَلَى مَفْهُومِهَا قُيُودٌ فِي إنَاطَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ أَقَلِّ مِنْ النِّصَابِ خُفْيَةً سَرِقَةٌ شَرْعًا لَكِنْ لَمْ يُعَلِّقْ الشَّرْعُ بِهِ حُكْمَ الْقَاطِعِ فَهِيَ شُرُوطٌ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَإِذْ قِيلَ السَّرِقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْأَخْذُ خُفْيَةً مَعَ كَذَا وَكَذَا لَا يَحْسُنُ، بَلْ السَّرِقَةُ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الشَّرْعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ هِيَ أَخْذُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مِقْدَارَهَا خُفْيَةً عَمَّنْ هُوَ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمُتَمَوَّلِ لِلْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ، وَتُعَمَّمُ الشُّبْهَةُ فِي التَّأْوِيلِ قِيلَ: فَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ وَلَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ ذِي الرَّحِمِ الْكَامِلَةِ، وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ كَالصَّلَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَمَا قِيلَ هِيَ فِي مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَالزِّيَادَاتُ شُرُوطٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ. وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْأَفْعَالِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهَا فِي الشَّرْعِ لِلدُّعَاءِ وَالْأَفْعَالُ شَرْطُ قَبُولِهِ؛ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ الدُّعَاءُ قَطُّ، هَذَا وَسَيَأْتِي فِي السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ) يَعْنِي الْخُفْيَةَ (مُرَاعًى فِيهَا إمَّا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً) وَذَلِكَ فِي سَرِقَةِ النَّهَارِ فِي الْمِصْرِ (أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرَ) وَهِيَ فِي سَرِقَةِ اللَّيْلِ، فَلِذَا إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ لَيْلًا خُفْيَةً ثُمَّ أَخَذَ الْمَالَ مُجَاهَرَةً وَلَوْ بَعْدَ مُقَاتَلَةٍ مِمَّنْ فِي يَدِهِ قُطِعَ بِهِ

كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ. وَفِي الْكُبْرَى: أَعْنِي قَطْعَ الطَّرِيقِ مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطَّرِيقِ بِأَعْوَانِهِ. وَفِي الصُّغْرَى: مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. قَالَ (وَإِذَا سَرَقَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ الْقَطْعُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِاكْتِفَاءِ بِالْخُفْيَةِ الْأُولَى، وَإِذَا كَابَرَهُ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا وَأَخَذَ مَالَهُ لَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ خُفْيَةً، وَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ فِي اللَّيْلِ، لَكِنْ يُقْطَعُ إذْ غَالِبُ السَّرِقَاتِ فِي اللَّيْلِ تَصِيرُ مُغَالَبَةً إذْ قَلِيلًا مَا يَخْتَفِي فِي الدُّخُولِ وَالْأَخْذِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَرْعٌ إذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ دُخُولَهُ وَاللِّصُّ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ فِيهَا أَوْ يَعْلَمُهُ اللِّصُّ وَصَاحِبُ الدَّارِ لَا يَعْلَمُ دُخُولَهُ أَوْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ قُطِعَ، وَلَوْ عَلِمَا لَا يَقْطَعُ. وَلَمَّا كَانَتْ السَّرِقَةُ تَشْمَلُ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَالْخُفْيَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الصُّغْرَى هِيَ الْخُفْيَةُ عَنْ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالضَّارِبِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ كَانَتْ الْخُفْيَةُ مُعْتَبَرَةً فِي الْكُبْرَى مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْإِمَامِ وَمَنَعَةُ الْمُسْلِمِينَ الْمُلْتَزَمِ حِفْظُ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ وَرُكْنُهَا نَفْسُ الْأَخْذِ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَمِنْهَا تَفْصِيلُ النِّصَابِ فَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا سَرَقَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ قَوْله تَعَالَى

قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الْآيَةَ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا وَالْقَطْعُ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْمَالِ الْخَطِيرِ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَفْتُرُ فِي الْحَقِيرِ، وَكَذَا أَخْذُهُ لَا يَخْفَى فَلَا يَتَحَقَّقُ رُكْنُهُ وَلَا حِكْمَةُ الزَّجْرِ لِأَنَّهَا فِيمَا يَغْلِبُ، وَالتَّقْدِيرُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَذْهَبُنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّقْدِيرُ بِرُبْعِ دِينَارٍ. وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. لَهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَأَقَلُّ مَا نُقِلَ فِي تَقْدِيرِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ بِهِ أَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الْآيَةَ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا) لِأَنَّهَا بِالْمُخَالَفَةِ وَالْمُخَالَفَةُ فَرْعُ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْمَالِ الْخَطِيرِ) اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقْطَعُ بِكُلِّ مِقْدَارٍ مِنْ الْمَالِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ، فَقَالَ بِالْأَوَّلِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَدَاوُد وَالْخَوَارِجُ وَابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَعُلَمَاءِ الْأَقْطَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ إلَّا بِمَالٍ مُقَدَّرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَزِمَ فِي الْأَوَّلِ التَّأْوِيلُ بِالْحَبْلِ الَّذِي يَبْلُغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَبِالْبَيْضَةِ الْبَيْضَةَ مِنْ الْحَدِيدِ أَوْ النَّسْخِ، وَلَوْ قِيلَ وَنَسْخُهُ أَيْضًا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ نَسْخِ مَا رَوَيْتُمْ. قُلْنَا: لَا تَارِيخَ؛ بَقِيَ وَجْهُ أَوْلَوِيَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ مَعَ الْجُمْهُورِ، فَإِنَّ مِثْلَهُ فِي بَابِ الْحُدُودِ مُتَعَيَّنٌ عِنْدَ التَّعَارُضِ، ثُمَّ قَدْ نُقِلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ يَتَقَيَّدُ إطْلَاقُ الْآيَةِ وَبِالْعَقْلِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيرَ مُطْلَقًا تَفْتُرُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ فَلَا يُمْنَعُ أَصْلًا كَحَبَّةِ قَمْحٍ وَهُوَ مِمَّا يَشْمَلُهُ إطْلَاقُ الْآيَةِ (وَكَذَا لَا يَخْفَى أَخْذُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ) بِأَخْذِهِ (رُكْنُ السَّرِقَةِ) وَهُوَ الْأَخْذُ خُفْيَةً (وَلَا حِكْمَةَ الزَّجْرِ) أَيْضًا (لِأَنَّهَا فِيمَا يَغْلِبُ) فَإِنَّ مَا لَا يَغْلِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَاطَى فَلَا حَاجَةَ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، فَهَذَا مُخَصِّصٌ عَقْلِيٌّ بَعْدَ كَوْنِهَا مَخْصُوصَةً بِمَا لَيْسَ مِنْ حِرْزٍ بِالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّارِطُونَ لِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ فِي تَعْيِينِهِ، فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ رُبْعُ دِينَارٍ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، لِمَا رُوِيَ مِنْ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أُتْرُجَّةً فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ بِدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ. قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ سَوَاءٌ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ

غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: «كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا» وَالثَّلَاثَةُ رُبْعُهَا. وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَكْثَرِ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى احْتِيَالًا لِدَرْءِ الْحَدِّ. وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْأَقَلِّ شُبْهَةَ عَدَمِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ، وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ اتَّضَعَ، وَذَلِكَ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، وَعُثْمَانُ قَطَعَ فِي أُتْرُجَّةٍ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ انْتَهَى. وَكَوْنُ الْمِجَنِّ بِثَلَاثَةٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» . أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» (غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: «كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا» فَالثَّلَاثَةُ رُبْعُهَا) وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» وَكَانَ رُبْعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْقَطْعَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ أَنَّهُ مَا كَانَ إلَّا فِي مِقْدَارِ ثَمَنِهِ لَا حَقِيقَةَ اللَّفْظِ وَهِيَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ كَانَ نَفْسَ ثَمَنِهِ فَقُطِعَ بِهِ إذْ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمَسْرُوقُ كَانَ نَفْسَ الْمِجَنِّ فَقُطِعَ بِهِ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ (وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَكْثَرِ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ) فَعُرِفَ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ حَدِيثَ أَيْمَنَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ مُجَاهِدٍ «عَنْ أَيْمَنَ قَالَ: لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ» وَسَكَتَ عَنْهُ. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذِهِ «سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْطَعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» ، فَكَيْفَ قُلْت: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا؟ فَقَالَ: قَدْ رَوَى شَرِيكٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أَخِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: لِأُمِّهِ، وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَابَ بِأَنَّ أَيْمَنَ بْنَ أُمِّ أَيْمَنَ قَاتَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ مُجَاهِدٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْمَرَاسِيلِ: وَسَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ وَكَانَ فَقِيهًا قَالَ: «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا» ، قَالَ أَبِي: هُوَ مُرْسَلٌ، وَأَرَى أَنَّهُ وَالِدُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ وَلَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ، وَظَهَرَ بِهَذَا الْقَدْرِ أَنَّ أَيْمَنَ اسْمٌ لِلصَّحَابِيِّ فَهُوَ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُنَيْنٍ وَاسْمٌ لِتَابِعِيٍّ آخَرَ. وَقَالَ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي كِتَابِهِ: أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، رَوَى عَنْ سَعْدٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، ثُمَّ قَالَ أَيْمَنُ مَوْلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقِيلَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي عُمَرَ. عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّرِقَةِ إلَى أَنْ قَالَ: وَعَنْهُ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ، قَالَ النَّسَائِيّ: مَا أَحْسَبُ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً، فَقَدْ جَعَلَهُ اسْمًا لِتَابِعِيَّيْنِ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ فَجَعَلَاهُمَا وَاحِدًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى ابْنِ أَبِي عُمَرَ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ، رَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَيْمَنَ وَالِدِ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَقَالَ: مَكِّيٌّ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَبَشِيُّ مَوْلًى لِابْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَخْزُومِيِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ، وَابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ،

وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك اشْتِرَاطَ الْمَضْرُوبِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ رِعَايَةً لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ أَخَا أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَيْمَنَ بْنَ أُمِّ أَيْمَنَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً فَقَدْ وَهَمَ، حَدِيثُهُ فِي الْقَطْعِ مُرْسَلٌ، فَهَذَا يُخَالِفُ الشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ ذُكِرَ أَنَّ أَيْمَنَ بْنَ أُمِّ أَيْمَنَ قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَنَّهُ صَحَابِيٌّ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهَكَذَا فَعَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، أَيْمَنُ لَا صُحْبَةَ لَهُ وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ دِينَارٌ» رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي أَيْمَنَ رَاوِي قِيمَةِ الْمِجَنِّ هَلْ هُوَ صَحَابِيٌّ أَوْ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، فَإِنْ كَانَ صَحَابِيًّا فَلَا إشْكَالَ. وَإِنْ كَانَ تَابِعِيًّا ثِقَةً كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ الْإِمَامُ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ وَابْنُ حِبَّانَ فَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ. وَالْإِرْسَالُ لَيْسَ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَادِحًا بَلْ هُوَ حُجَّةٌ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَقْوِيمِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ أَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِالْأَكْثَرِ هُنَا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ الدَّرْءَ مَا أَمْكَنَ فِي الْحُدُودِ، ثُمَّ يَقْوَى بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَكَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ قَطَعْت: يَدَ صَاحِبِهِ» وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَهَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ عَنْهُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَأَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ فَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. وَهُوَ مُرْسَلٌ رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَسْمَعُ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ انْتَهَى. وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْكُلَّ مَا رَوَوْهُ إلَّا عَنْ الْقَاسِمِ، لَكِنْ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُقَاتِلٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ قَطْعُ الْيَدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» ، وَهَذَا مَوْصُولٌ وَفِي رِوَايَةِ خَلَفِ بْنِ يَاسِينَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: «إنَّمَا كَانَ الْقَطْعُ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حَرْبٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْفَعُهُ «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» فَهَذَا مَوْصُولٌ مَرْفُوعٌ، وَلَوْ كَانَ مَوْقُوفًا لَكَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لَا دَخْلَ لِلْعَقْلِ فِيهَا فَالْمَوْقُوفُ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى الرَّفْعِ (قَوْلُهُ وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ) يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا) فَإِذَا أُطْلِقَ بِلَا قَيْدٍ، فَهُوَ وَجْهُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا مَضْرُوبَةً فِي الْقَطْعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُدُورِيِّ (وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِلظَّاهِرِ مِنْ الْحَدِيثِ وَ (رِعَايَةً لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهَا شَرْطُ الْعُقُوبَةِ، وَشُرُوطُ الْعُقُوبَاتِ يُرَاعَى وُجُودُهَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. وَلِهَذَا شَرَطْنَا الْجَوْدَةَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ زُيُوفًا لَا يُقْطَعُ

حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً تِبْرًا قِيمَتُهَا أَنْقَصُ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ، وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ. وَقَوْلُهُ أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا، وَلَا بُدَّ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ دَارِئَةٌ، وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا، وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهَا لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوَصْفِ بِنُقْصَانِ الذَّاتِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ بِهَا إذَا كَانَتْ رَائِجَةً (حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً تِبْرًا) أَيْ فِضَّةً غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ صَكًّا (قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَصْكُوكَةٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ) عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِلْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُ سَبْعَةٍ) يَعْنِي الْمُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي يُقْطَعُ بِعَشَرَةٍ مِنْهَا مَا يَكُونُ وَزْنُ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ (كَمَا قِيلَ) كَمَا فِي الزَّكَاةِ. وَتَقَدَّمَ بَحْثُنَا فِيهَا فِي الزَّكَاةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى أَقَلُّ مَا كَانَ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَا قَالُوا، وَأَمَّا هُنَا فَمُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ «الدَّرَاهِمَ كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ. صِنْفٌ وَزْنُ خَمْسَةٍ، وَصِنْفٌ وَزْنُ سِتَّةٍ. وَصِنْفٌ وَزْنُ عَشَرَةٍ» أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْقَطْعِ وَزْنُ عَشَرَةٍ، فَهَذَا مُقْتَضَى أَصْلِهِمْ فِي تَرْجِيحِ تَقْدِيرِ الْمِجَنِّ بِعَشَرَةٍ بِأَنَّهُ أَدْرَأُ لِلْحَدِّ، وَمَا كَانَ دَارِئًا كَانَ أَوْلَى. لَا يُقَالُ: هَذَا إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ قَدَّرَ نِصَابَ الْقَطْعِ بِعَشْرَةٍ قَدَّرَ الْعَشَرَةَ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مِمَّنْ نَقَلَ تَقْدِيرَهُ بِعَشَرَةٍ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَلَمْ يُنْقَلْ تَقْدِيرُهُمَا بِوَزْنِ سَبْعَةٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ لُزُومُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ، ثُمَّ هَذَا الْبَحْثُ إلْزَامٌ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ وَزْنَ سَبْعَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَّا إنْ قِيلَ كَالشَّافِعِيَّةِ إنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ (أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةً إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا) حَتَّى لَوْ سَرَقَ دِينَارًا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ لَا يُقْطَعُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. قَالَ: وَالْمُرَادُ مِنْ الدِّينَارِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا بِهِ لَا قِيمَةَ الْوَقْتِ، أَيْ يَكُونُ دِينَارًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ

قَالَ (وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ، وَلِأَنَّ التَّنْصِيفَ مُتَعَذِّرٌ فَيَتَكَامَلُ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ. (وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ مَرَّتَيْنِ) وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ الْبَيِّنَةُ كَذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي الزِّنَا. وَلَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQدَرَاهِمَ فِضَّةٍ جِيَادٍ بِوَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ أَوْ أَكْثَرَ سَوَاءٌ كَانَا فِي الْوَقْتِ كَذَلِكَ أَوْ لَا فَلَا اعْتِبَارَ لِلْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فِيهِ السِّعْرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ قِيمَةِ غَيْرِ الْفِضَّةِ بِعَشَرَةٍ يَوْمَ السَّرِقَةِ وَوَقْتَ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ نَقَصَ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَطْعِ عَنْ عَشَرَةٍ لَمْ يُقْطَعْ، إلَّا إنْ كَانَ النَّقْصُ بِسَبَبِ عَيْبٍ دَخَلَهُ أَوْ فَوَاتِ بَعْضِ الْعَيْنِ، فَعَلَى هَذَا إذَا سَرَقَ فِي بَلَدٍ مَا قِيمَتُهُ فِيهَا عَشَرَةٌ فَأُخِذَ فِي أُخْرَى وَقِيمَتُهَا فِيهَا أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ، وَفِي قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ فَقَطْ. وَلَوْ سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ عَشَرَةِ فِضَّةٍ تُسَاوِي عَشَرَةً مَصْكُوكَةً لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ النَّصَّ. وَهُوَ قَوْلُهُ «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَهُوَ أَنْ يَسْرِقَ وَزْنَ عَشَرَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْقَصْدِ إلَى النِّصَابِ الْمَأْخُوذِ، وَعَلَيْهِ ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ: سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ دُونَ الْعَشَرَةِ وَعَلَى طَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُودٌ لَا يُقْطَعُ، وَذَكَرَ مِنْ عَلَامَةِ فَتَاوَى أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ: إذَا سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ دَرَاهِمُ مَضْرُوبَةٌ لَا يُقْطَعُ، وَقَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ وِعَاءً لِلدَّرَاهِمِ عَادَةً، فَإِنْ كَانَ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ يَقَعُ عَلَى سَرِقَةِ الدَّرَاهِمِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ كِيسًا فِيهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْكِيسُ يُسَاوِي دِرْهَمًا، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ وَلَوْ لِعَشَرَةِ رِجَالٍ يُقْطَعُ، بِخِلَافِ السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ عَلَى الْخِلَافِ وَأَنْ يُخْرِجَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ لَا يُقْطَعُ، وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَتَغَوَّطَهُ بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِلْحَالِ وَأَنْ يُخْرِجَ النِّصَابَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ بَاقِيَهُ لَا يُقْطَعُ. (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ) بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَلَا يُمْكِنُ التَّنْصِيفُ (فَيَتَكَامَلُ) وَهَذَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُوجِبَةٌ لِلْعُقُوبَةِ (صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ) وَالرِّقُّ مُنَصِّفٌ فَمَا أَمْكَنَ فِيهِ التَّنْصِيفُ نُصِّفَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَحْصُلُ مُوجِبُ الْعُقُوبَةِ، وَمَا لَا كَمُلَ ضَرُورَةً وَإِلَّا أُهْدِرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّ لَهُ حَدَّيْنِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ، فَانْتَظَمَ النَّصُّ الْحُرَّ وَالْمَرْقُوقَ فِي الْجَلْدِ فَحَدُّهُ عَلَى نِصْفِ حَدِّ الْأَحْرَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ثُمَّ شُرِعَ الْحَدُّ الْآخَرُ وَهُوَ الرَّجْمُ عَلَى الْأَحْرَارِ ابْتِدَاءً بِحَيْثُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْأَرِقَّاءَ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ مَرَّتَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزُفَرَ وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْإِقْرَارَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ اسْتَدَلُّوا بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْنَى، أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ

فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُفِيدُ فِيهَا تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُفِيدُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ. وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ، وَاشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فِي الزِّنَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتَرَفَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعَادَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» فَلَمْ يَقْطَعْهُ إلَّا بَعْدَ تَكَرُّرِ إقْرَارِهِ: وَأَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِسَرِقَةٍ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ: قَدْ شَهِدْتَ عَلَى نَفْسِكَ شَهَادَتَيْنِ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ فَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِلْحَاقُ الْإِقْرَارِ بِهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا فِي الْعَدَدِ فَيُقَالُ حَدٌّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الْإِقْرَارِ بِهِ بِعَدَدِ الشُّهُودِ نَظِيرُهُ إلْحَاقُ الْإِقْرَارِ فِي حَدِّ الزِّنَا فِي الْعَدَدِ بِالشَّهَادَةِ فِيهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا سَرَقَ، فَقَالَ: مَا إخَالُهُ سَرَقَ، فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ؛ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ، قَالَ: فَذَهَبَ بِهِ فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ. إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ: تُبْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: تُبْتُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ» فَقَدْ قَطَعَهُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمُعَارَضٌ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدًّا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عُقُوبَةٌ هَكَذَا ظَهَرَ الْمُوجِبُ مَرَّةً (فَيُكْتَفَى بِهِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ) وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَمَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِتَقْلِيلِ التُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ، إذْ لَا يُتَّهَمُ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّهُ ضَرَرًا بَالِغًا، عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ إمَّا صَادِقٌ فَالثَّانِي لَا يُفِيدُ شَيْئًا إذْ لَا يَزْدَادُ صِدْقًا. وَإِمَّا كَاذِبٌ فَبِالثَّانِي لَا يَصِيرُ صِدْقًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَائِدَتُهُ رَفْعُ احْتِمَالِ كَوْنِهِ يَرْجِعُ عَنْهُ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْتَفِي بِالتَّكْرَارِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ التَّكْرَارِ فَيُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَالِ رُجُوعُهُ بِوَجْهٍ (لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ) فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ، وَأَمَّا النَّظَرُ الْمَذْكُورُ: أَعْنِي اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا مُتَعَدِّدًا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَكَيْفَ وَحُكْمُ أَصْلِهِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْعَدَدِ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ، فَالْوَاقِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْ تَعَدُّدِ الشَّهَادَةِ وَتَعَدُّدِ الْإِقْرَارِ فِي الزِّنَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ ابْتِدَاءً لَا بِالْقِيَاسِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ مِنْ عَلَامَةِ الْعُيُونِ] قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ: يَعْنِي بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ، وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ: سَرَقْتُ مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ. وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْتُ مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا

قَالَ (وَيَجِبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) لِتَحَقُّقِ الظُّهُورِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا الْإِمَامُ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ، وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ وَانْتَفَى الضَّمَانُ وَالْمِائَةُ الْأُولَى لَا يَدَّعِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ، بِخِلَافِ الْأُولَى، وَلَوْ قَالَ سَرَقْتُ مِائَتَيْنِ بَلْ مِائَةً لَمْ يُقْطَعْ، وَيَضْمَنُ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهُمَا فَوَجَبَ الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالْمِائَةِ إذْ لَا يَدَّعِيهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَلَوْ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمِائَةِ لَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا الْإِمَامُ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ) أَيْ كَيْفَ سَرَقَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ سَرَقَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ لَا يُقْطَعُ مَعَهَا كَأَنْ نَقَبَ الْجِدَارَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، وَأَخْرَجَ بَعْضَ النِّصَابِ ثُمَّ عَادَ وَأَخْرَجَ الْبَعْضَ الْآخَرَ أَوْ نَاوَلَ رَفِيقًا لَهُ عَلَى الْبَابِ فَأَخْرَجَهُ وَيَسْأَلُهُمَا (عَنْ مَاهِيَّتِهَا) فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَالنَّقْصِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (وَعَنْ زَمَانِهَا) لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ، وَعِنْدَ التَّقَادُمِ إذَا شَهِدُوا يُضَمَّنُ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ عَلَى مَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ التَّقَادُمَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ قَبُولَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَطْعِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يُتَّهَمُ فِي تَأْخِيرِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ لِلْمُصَنِّفِ وَلِقَاضِي خَانْ، وَيَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ثُبُوتُ السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ حَيْثُ لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ التَّقَادُمَ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَلَا يَسْأَلُ الْمُقِرَّ عَنْ الْمَكَانِ لَكِنْ يَسْأَلُهُ عَنْ بَاقِي الشُّرُوطِ مِنْ الْحِرْزِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا. وَفِي الْكَافِي: وَعَنْ الْمَسْرُوقِ إذْ سَرِقَةُ كُلِّ مَالٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ كَمَا فِي الثَّمَرِ وَالْكُمَّثْرَى، وَقَدْرِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ دُونَ نِصَابٍ، وَعَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَمِنْ الزَّوْجِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ السُّؤَالَ عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ يُخَاصِمُ وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا الْحَاضِرِ وَخُصُومَةُ الْحَاضِرِ لَا يَسْتَلْزِمُ بَيَانَهُمَا النِّسْبَةَ مِنْ السَّارِقِ وَلَا الدَّعْوَى تَسْتَلْزِمُ أَنْ

[باب ما يقطع فيه وما لا يقطع]

(قَالَ وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ سَرِقَةُ النِّصَابِ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّهِ. بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولَ سَرَقَ مَالِي وَأَنَا مَوْلَاهُ أَوْ جَدُّهُ، وَإِنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ، وَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي عَرَفَ الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ قَطَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حَالَهُمْ حُبِسَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى يُعَدَّلُوا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ، وَالتَّوَثُّقُ بِالتَّكْفِيلِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ لَا كَفَالَةَ فِي الْحُدُودِ وَهُنَا نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ بِنَفْسِهِ جَائِزٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُجْبَرُ، وَلَمْ يَقَعْ تَفْصِيلٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ: أَعْنِي حَبْسَهُ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يُزَكَّوْا، وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يُحْبَسُ بِتُهْمَةِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَا التَّعْزِيرَ بِسَبَبِ أَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْفَسَادِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْفِيلُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ حَبْسِهِ بِسَبَبِ مَا لَزِمَهُ مِنْ التُّهْمَةِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَلِذَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى: مَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ يُحْبَسُ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ، بِخِلَافِ مَنْ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَيَشْتَرِي وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ وَيُؤَدَّبُ ثُمَّ يُخْرَجُ. وَفِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ: لِصٌّ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ وَجَدَهُ رَجُلٌ يَذْهَبُ فِي حَاجَةٍ لَهُ غَيْرَ مَشْغُولٍ بِالسَّرِقَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَتُوبَ لِأَنَّ الْحَبْسَ زَجْرًا لِلتُّهْمَةِ مَشْرُوعٌ، وَإِذَا عَدَلَ الشَّاهِدَانِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ لَمْ يَقْطَعْهُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرَا، وَكَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ، وَهَذَا فِي كُلِّ الْحُدُودِ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا هَكَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَإِنْ أَصَابَ أَقَلَّ لَا يُقْطَعُ) وَمَعْلُومٌ تَقْيِيدُ قَطْعِهِمْ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا صَبِيٌّ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يُقْطَعُونَ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ أَحَدُهُمْ نِصَابًا بَعْدَ كَوْنِ تَمَامِ الْمَسْرُوقِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لِدُخُولِهِمْ تَحْتَ النَّصِّ. قُلْنَا: الْقَطْعُ لِكُلِّ سَارِقٍ بِسَرِقَتِهِ نِصَابًا وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ: يَعْنِي أَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ جِنَايَةُ السَّرِقَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِمُجَرَّدِهِ بَلْ حَتَّى يَكُونَ مَا سَرَقَهُ نِصَابًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . [بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ] (بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ) مَا يُقْطَعُ فِيهِ هُوَ الْمَسْرُوقُ، وَهُوَ مُتَعَلَّقُ السَّرِقَةِ إذْ هُوَ مَحَلُّهَا: فَهُوَ ثَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ فَلِذَا أَخَّرَهُ عَنْ

(وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ وَالسَّمَكِ وَالطَّيْرِ وَالصَّيْدِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَغَرَةِ وَالنُّورَةِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» ، أَيْ الْحَقِيرِ، وَمَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا، فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيَانِ السَّرِقَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا (قَوْلُهُ لَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ إذَا سُرِقَ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ أُخِذَ وَأُحْرِزَ وَصَارَ مَمْلُوكًا. التَّافِهُ وَالتَّفَهُ: الْحَقِيرُ الْخَسِيسُ مِنْ بَابِ لَبِسَ (كَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ وَالسَّمَكِ وَالطَّيْرِ وَالصَّيْدِ) بَرِّيًّا أَوْ بَحْرِيًّا (وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَغَرَةِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: الطِّينُ الْأَحْمَرُ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا (وَالنُّورَةِ) (قَوْلُهُ الْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وَمُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ السَّارِقُ يُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» . زَادَ فِي مُسْنَدِهِ: «وَلَمْ يُقْطَعْ فِي أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ» . وَرَوَاهُ مُرْسَلًا أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَكَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مُسْنَدًا أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَبِيصَةَ الْفَزَارِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَقُلْ فِي عَبْدِ اللَّهِ هَذَا شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا فَذَكَرْتُهُ لِأُبَيِّنَ أَنَّ فِي رِوَايَاتِهِ نَظَرًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمُرْسَلَاتِ كُلَّهَا حُجَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَصْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُتَابَعَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ لَمْ تَحْدُثْ فِيهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ (غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ) فَيَكُونُ مُتَنَاوَلَ النَّصِّ فَلَا يُقْطَعُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْكِتَابُ مَخْصُوصٌ بِقَاطِعٍ فَجَازَ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ (بِصُورَتِهِ) لِيَخْرُجَ الْأَبْوَابُ وَالْأَوَانِي وَالْخَشَبُ. وَ (غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ) لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْمَعَادِنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْجَارِ لِكَوْنِهَا مَرْغُوبًا فِيهَا فَيُقْطَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الزِّرْنِيخِ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِهِ لِأَنَّهُ يُحَرَّزُ وَيُصَانُ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ الدُّورَ لِلْعِمَارَةِ فَكَانَ إحْرَازُهُ نَاقِصًا، بِخِلَافِ السَّاجِ وَالْأَبَنُوسِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْوَسْمَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ. وَقَوْلُهُ (تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيهِ) يَعْنِي فَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى اسْتِحْصَالِهِ وَعَلَى الْمُعَالَجَةِ

وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ، فَقَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ وَلِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْخَشَبَ يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الدَّارِ لِلْعِمَارَةِ لَا لِلْإِحْرَازِ وَالطَّيْرُ يَطِيرُ وَالصَّيْدُ يَفِرُّ وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا. وَيَدْخُلُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحُ وَالطَّرِيُّ، وَفِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْبَطُّ وَالْحَمَامُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّوَصُّلِ إلَيْهِ (وَلَا تَضَنُّ بِهِ الطِّبَاعُ) إذَا أُحْرِزَ، حَتَّى إنَّهُ (قَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ) وَلَا يُنْسَبُ إلَى الْجِنَايَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّنَّةَ بِهَا تُعَدُّ مِنْ الْخَسَاسَةِ. وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ كَمَا دُونَ النِّصَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهِ نَاقِصٌ) فَإِنَّ الْخَشَبَ بِصُورَتِهِ الْأُولَى يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ، وَإِنَّمَا يُدْخَلُ فِي الدَّارِ لِلْعِمَارَةِ لَا لِلْإِحْرَازِ، وَذَلِكَ فِي زَمَانِهِمْ. وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَيُحْرَزُ فِي دَكَاكِينِ التُّجَّارِ. قَالَ (وَالطَّيْرُ يَطِيرُ) يَعْنِي مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيهِ. وَالْوَجْهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالطَّيْرُ يَطِيرُ مِنْ بَيَانِ نُقْصَانِ الْحِرْزِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ قَاصِرٌ عَنْ جَمِيعِ صُوَرِ الدَّعْوَى (وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّيْدِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» (وَهُوَ) حَالَ كَوْنِهِ (عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ (تُورِثُ) الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ فِيهِ (شُبْهَةً) بَعْدَ الْإِحْرَازِ فَيَمْتَنِعُ الْقَطْعُ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الشُّبْهَةَ الْعَامَّةَ الثَّابِتَةَ فِي الْكُلِّ بِالْإِبَاحَةِ لِأَصْلِهَا ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ» فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْحَشِيشَ وَالْقَصَبَ بِلَفْظِ الْكَلَإِ فَفِيهِ قُصُورٌ أَيْضًا. قَالَ (وَيَدْخُلُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحُ وَالطَّرِيُّ) وَصَوَابُهُ السَّمَكُ الْمَلِيحُ أَوْ الْمَمْلُوحُ (وَفِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْبَطُّ وَالْحَمَامُ لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ وَالطَّيْرُ يَطِيرُ فَيَقِلُّ إحْرَازُهُ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ» ) فَحَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ رَفْعُهُ، بَلْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ فِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَجُلٍ سَرَقَ دَجَاجَةً فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ. فَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ عُثْمَانُ: لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ طَيْرًا فَاسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطَعَ فِي الطَّيْرِ، وَمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَطْعٌ، فَتَرَكَهُ عُمَرُ. فَإِنْ كَانَ هَذَا مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ السَّمَاعِ، وَإِلَّا فَتَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَنَا

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الطِّينَ وَالتُّرَابَ وَالسِّرْقِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرْنَا. قَالَ: (وَلَا قَطْعَ فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا فِي كَثَرٍ» وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ، وَقِيلَ الْوَدِيُّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَاللَّحْمِ وَالثَّمَرِ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ إجْمَاعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ فِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ أَوْ الْجِرَانُ قُطِعَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبٌ لِمَا عُرِفَ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الطِّينَ وَالتُّرَابَ وَالسِّرْقِينَ) وَرُوِيَ عَنْهُ إلَّا فِي الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَالطِّينِ وَالْجِصِّ وَالْمَعَازِفِ وَالنَّبِيذِ، لِأَنَّ مَا سِوَى هَذِهِ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ مُحَرَّزَةٌ فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا، وَالْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ زَالَتْ وَزَالَ أَثَرُهَا بِالْإِحْرَازِ بَعْدَ التَّمَلُّكِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرْنَا) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَثُبُوتِ الشُّبْهَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ) وَالْخُبْزِ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بِاللَّحْمِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَمْلُوحًا قَدِيمًا أَوْ غَيْرَهُ (وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ بِهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، وَعَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَرِيسَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ مَرَاتِعِهَا فَقَالَ: فِيهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبٌ وَنَكَالٌ، وَمَا أُخِذَ مِنْ عَطَنِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الْمِجَنَّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالثِّمَارُ وَمَا أُخِذَ مِنْهَا فِي أَكْمَامِهَا؟ فَقَالَ: مَنْ أَخَذَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ احْتَمَلَ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ وَضَرْبٌ وَنَكَالٌ، وَمَا أُخِذَ مِنْ أَجْرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي لَفْظٍ «مَا تَرَى فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ؟ فَقَالَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ قَطْعٌ إلَّا مَا أَوَاهُ الْجَرِينُ، فَمَا أُخِذَ مِنْ الْجَرِينِ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتٌ وَنَكَالٌ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِهَذَا الْمَتْنِ، وَقَالَ: قَالَ إمَامُنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثِقَةً فَهُوَ كَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَوَقَفَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:

قُلْنَا: أَخْرَجَهُ عَنْ وِفَاقِ الْعَادَةِ، وَاَلَّذِي يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فِي عَادَتِهِمْ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثَّمَرِ وَفِيهِ الْقَطْعُ. قَالَ (وَلَا قَطْعَ فِي الْفَاكِهَةِ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ قَطْعٌ حَتَّى يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ» . وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ أَجَابَ (بِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ وَفْقِ الْعَادَةِ، وَاَلَّذِي يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فِي عَادَتِهِمْ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الثَّمَرِ وَفِيهِ الْقَطْعُ) لَكِنْ مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ قَوْلِهِ: الْجَرِينُ الْمِرْبَدُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الرُّطَبُ لِيَجِفَّ وَجَمْعُهُ جُرُنٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ الرُّطَبُ فِي زَمَانٍ وَهُوَ أَوَّلُ وَضْعِهِ، وَالْيَابِسُ وَهُوَ الْكَائِنُ فِي آخِرِ حَالِهِ فِيهِ، ثُمَّ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَفْظُ الْجِرَانِ، وَكَأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الْجِرَانُ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الشَّكِّ، وَجِرَانُ الْبَعِيرِ مُقَدَّمُ عُنُقِهِ مِنْ مَذْبَحِهِ إلَى مَنْخِرِهِ، وَالْجَمْعُ جُرُنٌ، فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى بِهِ هَاهُنَا الْجِرَابُ الْمُتَّخَذُ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَتَّى يُؤْوِيَهُ الْمِرْبَدُ أَوْ الْجِرَابُ، ثُمَّ الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ: أَيْ الْمِرْبَدُ حَتَّى يَجِفَّ: أَيْ حَتَّى يَتِمَّ إيوَاءُ الْجَرِينِ إيَّاهُ فَإِنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يُنْقَلُ عَنْهُ وَيُدْخَلُ الْحِرْزَ، وَإِلَّا فَنَفْسُ الْجَرِينِ لَيْسَ حِرْزًا لِيَجِبَ الْقَطْعُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَارِسٌ يَتَرَصَّدُهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» وَقَوْلُهُ «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ: «أَنَّ غُلَامًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطٍ، فَرُفِعَ إلَى مَرْوَانَ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» . وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ وَاسِعًا انْتَهَى. وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَارَضَ الِانْقِطَاعُ وَالْوَصْلُ، وَالْوَصْلُ أَوْلَى لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ زِيَادَةٌ مِنْ الرَّاوِي الثِّقَةِ، وَقَدْ تَلَقَّتْ الْأُمَّةُ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقَبُولِ فَقَدْ تَعَارَضَا فِي الرُّطَبِ الْمَوْضُوعِ فِي الْجَرِينِ، وَفِي مِثْلِهِ مِنْ الْحُدُودِ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَا يَمْنَعُ الْحَدَّ دَرْءًا لِلْحَدِّ، وَلِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ بِمِثْلَيْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ فَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ قُوَّةَ ثُبُوتِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ، فَفِيهِ دَلَالَةُ الضَّعْفِ أَوْ النَّسْخِ فَيَنْفَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ الْمُعَارِضِ، فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَتَقَيَّدُ حَدِيثُ الثَّمَرِ وَالْكَثَرِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ: يَعْنِي يُفَصَّلُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَهُ مِنْ أَعْلَى النَّخْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ يُخْرِجَهُ فَفِيهِ ضِعْفُ قِيمَتِهِ. وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ، أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ بَيْدَرِهِ فَيُقْطَعُ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ. وَقِيلَ هُوَ الْوَدِيُّ وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ خَطَأٌ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنِّي لَا أَقْطَعُ فِي الطَّعَامِ» وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَمْ يُعِلَّهُ بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِنْدَنَا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ لَزِمَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفُسَاءُ كَالْمُهَيَّإِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَاللَّحْمِ وَالثِّمَارِ الرَّطْبَةِ مُطْلَقًا فِي الْجَرِينِ وَغَيْرِهِ. هَذَا وَالْقَطْعُ فِي الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَحْطِ، وَأَمَّا فِيهَا فَلَا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ عَنْ ضَرُورَةِ ظَاهِرٍ، أَوْ هِيَ تُبِيحُ التَّنَاوُلَ، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةِ مُضْطَرٍّ» وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا قَطْعَ

(وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) لِأَنَّ السَّارِقَ يَتَأَوَّلُ فِي تَنَاوُلِهَا الْإِرَاقَةَ، وَلِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ فَتَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ. قَالَ (وَلَا فِي الطُّنْبُورِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَازِفِ (وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُصْحَفِ فَتُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَكْتُوبِ وَإِحْرَازُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِلْجِلْدِ وَالْأَوْرَاقِ وَالْحِلْيَةِ وَإِنَّمَا هِيَ تَوَابِعُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ، كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ تَرْبُو عَلَى النِّصَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عَامِ سَنَةٍ» . (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) أَيْ الْمُسْكِرَةِ. وَالطَّرَبُ اسْتِخْفَافُ الْعَقْلِ، وَمَا يُوجِبُ الطَّرَبَ شِدَّةُ حُزْنٍ وَجَزَعٍ فَيَسْتَخِفُّ الْعَقْلُ فَيَصْدُرُ مِنْهُ مَا لَا يَلِيقُ كَمَا تَرَاهُ مِنْ صِيَاحِ الثَّكْلَيَاتِ وَضَرْبِ خُدُودِهِنَّ وَشَقِّ جُيُوبِهِنَّ فِيمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا وَيَسْلُبُ أَجْرَ مُصِيبَتِهِنَّ ثُمَّ يُوجِبُ لَعْنَهُنَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، أَوْ شِدَّةُ سُرُورٍ فَيُوجِبُ مَا هُوَ مَعْهُودٌ مِنْ الثُّمَالَى وَالْمَسْأَلَةُ بِلَا خِلَافٍ، أَمَّا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَلِأَنَّهَا كَالْخَمْرِ عِنْدَهُمْ، وَعِنْدَنَا إنْ كَانَ الشَّرَابُ حُلْوًا فَهُوَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَإِنْ كَانَ مُرًّا فَإِنْ كَانَ خَمْرًا. فَلَا قِيمَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَلِلْعُلَمَاءِ فِي تَقَوُّمِهِ اخْتِلَافٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ مِنْ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ الدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّ السَّارِقَ يُحْمَلُ حَالُهُ عَلَى أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِيهَا الْإِرَاقَةَ فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ بِإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَفِي سَرِقَةِ الْأَصْلِ يُقْطَعُ بِالْخَلِّ وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ مِنْ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ فِي الْخَلِّ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَمْرًا مَرَّةً. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ بِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ: لَا قَطْعَ فِي الرُّبِّ وَالْجُلَّابِ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي الطُّنْبُورِ) وَنَحْوِهِ مِنْ آلَاتٍ الْمَلَاهِي بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا حَتَّى لَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ ضَمِنَهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ آخِذُهُ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَالْمَعَازِفُ جَمْعُ الْمِعْزَفِ وَهِيَ آلَةُ اللَّهْوِ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَمَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (يُقْطَعُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا بَلَغَتْ حِلْيَتُهُ نِصَابًا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: يُقْطَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مَالٌ مُحَرَّزٌ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى، وَلِأَنَّ وَرَقَهُ مَالٌ وَبِمَا كُتِبَ فِيهِ ازْدَادَ بِهِ وَلَمْ يُنْتَقَصْ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: إنْ أَخَذَهُ يَتَأَوَّلُ الْقِرَاءَةَ لِإِزَالَةِ الْإِشْكَالِ لَا يُقْطَعُ (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِيهِ) وَلِأَنَّ الْمَالِيَّةَ لِلتَّبَعِ وَهِيَ الْحِلْيَةُ وَالْأَوْرَاقُ لَا لِلْمَتْبُوعِ وَهُوَ الْمَكْتُوبُ (وَإِحْرَازُهُ لِأَجْلِهِ) وَالْآخِذُ أَيْضًا يَتَأَوَّلُ أَخْذَهُ لِأَجْلِهِ لَا لِلتَّبَعِ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ تَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ) لَا يُقْطَعُ، وَكَمَنْ

(وَلَا قَطْعَ فِي أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَصَارَ كَبَابِ الدَّارِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يُحَرَّزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا وَلَا يُحَرَّزُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَتَاعِهِ. قَالَ (وَلَا الصَّلِيبِ مِنْ الذَّهَبِ وَلَا الشِّطْرَنْجِ وَلَا النَّرْدِ) لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَهَا الْكَسْرَ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الَّذِي عَلَيْهِ التِّمْثَالُ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ فَلَا تَثْبُتُ شُبْهَةُ إبَاحَةِ الْكَسْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّلِيبُ فِي الْمُصَلَّى لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ آخَرَ يُقْطَعُ لِكَمَالِ الْمَالِيَّةِ وَالْحِرْزِ. (وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُلِيِّ تَبَعٌ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الصَّبِيَّ إسْكَاتَهُ أَوْ حَمْلَهُ إلَى مُرْضِعَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَرَقَ صَبِيًّا وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ كَثِيرٌ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ الْمَالَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَوَجَدَ فِي جَيْبِهِ عَشَرَةً مَضْرُوبَةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا لَمْ أَقْطَعْهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهَا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّ سَرِقَتَهُ تَمَّتْ فِي نِصَابٍ كَامِلٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ السَّارِقَ إنَّمَا قَصَدَ إخْرَاجَ مَا يَعْلَمُ بِهِ دُونَ مَا لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِالدَّرَاهِمِ فَقَصْدُهُ أَخْذُ الدَّرَاهِمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا فَإِنَّ قَصْدَهُ الثَّوْبُ وَهُوَ لَا يُسَاوِي نِصَابًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يُجْعَلُ وِعَاءً عَادَةً لِلدَّرَاهِمِ قُطِعَ وَإِلَّا لَا. وَهُنَا رُدِّدَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ظُهُورُ قَصْدِ الْمَسْرُوقِ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ قَصْدَ النِّصَابِ مِنْ الْمَالِ قُطِعَ وَإِلَّا لَا. وَعَلَى هَذَا فَمَسْأَلَةُ الْعِلْمِ بِالْمَصْرُورِ وَعَدَمِهِ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ الْمَدَارُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ مَا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِعِلْمِهِ بِمَا فِي الثَّوْبِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ دَلَالَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كِيسًا فِيهِ الدَّرَاهِمُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أَقْصِدْ لَمْ أَعْلَمْ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِي أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِإِحْرَازِ مِثْلِهِ، وَكَذَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمْ فِي بَابِ الدَّارِ، فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ، وَالْوَجْهُ مَا قُلْنَا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إمَّا لَيْسَ مُحَرَّزًا أَوْ فِي حِرْزِهِ شُبْهَةٌ إذْ هُوَ بَادٍ لِلْغَادِي وَالرَّائِحِ وَمَعَهَا يَنْتَفِي الْحَدُّ، عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي مَقَامِ نَصْبِ الْخِلَافِ لِيُلْزِمَهُ ذَلِكَ بَلْ أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى أُصُولِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْصِبْ خِلَافًا وَإِنَّمَا يُعْتَرَضُ بِذَلِكَ لَوْ نَصَبَ الْخِلَافَ. وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ كَحُصْرِهِ وَقَنَادِيلِهِ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَكَذَا لَا يُقْطَعُ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَالْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ لَهُ، وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَنْتَفِي الْقَطْعُ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي صَلِيبٍ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَلَا الشِّطْرَنْجِ) وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ بِوَزْنِ قِرْطَعْبٍ (وَلَا النَّرْدِ) لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَهَا الْكَسْرَ: أَيْ إبَاحَةَ الْأَخْذِ لِلْكَسْرِ (نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ) فَلَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَالِيَّةِ، وَالصَّلِيبُ مَا هُوَ بِهَيْئَةِ خَطَّيْنِ مُتَقَاطِعَيْنِ، وَيُقَالُ لِكُلِّ جِسْمٍ صُلْبٍ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ) أَيْ مَعَابِدِهِمْ (لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ) لِأَنَّهُ بَيْتٌ مَأْذُونٌ فِي دُخُولِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ فِي حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُحَرَّزٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ عَامٌّ لَا يَخُصُّ غَيْرَ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمُسْقِطُ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ) يَبْلُغُ نِصَابًا، وَقَيَّدَ بِالْحُرِّ لِيَخْرُجَ الْعَبْدُ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَالْحُلِيُّ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ هُوَ نِصَابٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَحْدَهُ فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ ثَرِيدٌ. وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ كَيْ لَا يَكُونَ فِي يَدِ نَفْسِهِ. (وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ) لِأَنَّهُ غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ (وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) لِتَحَقُّقِهَا بِحَدِّهَا إلَّا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ هُوَ وَالْبَالِغُ سَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِ يَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِهَا مَا يُلْبَسُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا بَلَغَ مَا عَلَيْهِ نِصَابًا لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَحْدَهُ فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ، وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ) فَلَوْ كَانَ يَمْشِي وَيَتَكَلَّمُ وَيُمَيِّزُ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَكَانَ أَخْذُهُ خِدَاعًا وَلَا قَطْعَ فِي الْخِدَاعِ، وَحَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي الْخِلَافَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَمَنْ ذَكَرَهُ كَصَاحِبِ الْمُخْتَلَفِ ذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ. قِيلَ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ كَالْمَالِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْنَا يَكُونُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْأَخْذِ دُونَ مَا عَلَيْهِ وَإِلَّا لَأَخَذَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا قَطْعَ إلَّا بِأَخْذِ الْمَالِ فَلَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ إثْمُهُ وَعِقَابُهُ أَشَدَّ مِنْ سَارِقِ الْمَالِ. فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ جَلَّ جَلَالُهُ «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أُعْطِيَ بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» لَكِنَّ الْقَطْعَ الَّذِي هُوَ الْعُقُوبَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَرْعًا. وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَصْدِ تَسْكِيتِهِ أَوْ إبْلَاغِهِ إلَى مُرْضِعَتِهِ فَبَعِيدٌ بَعْدَ فَرْضِ تَحَقُّقِ سَرِقَتِهِ الظَّاهِرِ مِنْهَا خِلَافُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ ثَرِيدٌ) أَوْ كَلْبًا عَلَيْهِ قِلَادَةُ فِضَّةٍ يُقْطَعُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِنَاءَ تَابِعٌ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ فِي الْمَتْبُوعِ الْقَطْعُ لَمْ يَجِبْ فِي التَّابِعِ، وَاعْتِقَادِي وُجُوبُ الْقَطْعِ فِي الْإِنَاءِ الْمُعَايَنِ ذَهَبِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا كَانَ، فَإِنَّ تَبَعِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ بِالْأَخْذِ إلَيْهِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصْلٌ مَقْصُودٌ بِالْأَخْذِ، بَلْ الْقَصْدُ إلَيْهِ أَظْهَرُ مِنْهُ إلَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِمَالِيَّتِهِ إلَى أَضْعَافِ مَا فِيهِ، وَالْمَانِعُ مِنْ الْقَطْعِ إنَّمَا هُوَ التَّبَعِيَّةُ فِي قَصْدِ الْأَخْذِ لَا اعْتِبَارُ غَيْرِهِ وَلَا ظَاهِرَ يُفِيدُهُ، وَمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ الْعُيُونِ: سَرَقَ كُوزًا فِيهِ عَسَلٌ وَقِيمَةُ الْكُوزِ تِسْعَةٌ وَقِيمَةُ الْعَسَلِ دِرْهَمٌ يُقْطَعُ، وَكَذَا إذَا سَرَقَ حِمَارًا يُسَاوِي تِسْعَةً وَعَلَيْهِ إكَافٌ يُسَاوِي دِرْهَمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ قُمْقُمَةً فِيهَا مَاءٌ يُسَاوِي عَشَرَةً لِأَنَّهُ سَرَقَ مَاءً مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً مَصْرُورٌ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ، قَالَ: يُقْطَعُ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مَالًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ) يَعْنِي الْعَبْدَ الْمُمَيِّزَ الْمُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ، إلَّا إذَا كَانَ نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الطَّاعَةِ فَحِينَئِذٍ يُقْطَعُ، ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ ابْنُ قُدَامَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مَشَايِخُنَا، بَلْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الْآدَمِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ سَوَاءٌ كَانَ نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَعْجَمِيًّا، وَقَالُوا: هُوَ لَيْسَ بِسَرِقَةٍ، بَلْ إمَّا غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ (وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، هَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاعَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مَعَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَقْطَعَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ، فَصَارَ كَوْنُهُ

وَلَهُمَا أَنَّهُ مَالٌ مُطْلَقٌ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ إلَّا أَنَّهُ انْضَمَّ إلَيْهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ. (وَلَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ (إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ) لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَوَاغِدَ. قَالَ (وَلَا فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ) لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهَا يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ظَاهِرٌ فِي مَالِيَّةِ الْكَلْبِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. (وَلَا قَطْعَ فِي دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ وَلَا بَرْبَطٍ وَلَا مِزْمَارٍ) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا قِيمَةَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQآدَمِيًّا شُبْهَةً فِي مَالِيَّتِهِ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ، فَالدَّفْعُ مِنْهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ فُسُوقُ اسْتِدْلَالِهِمَا كَمَا قِيلَ. وَلَهُمَا أَنَّ حَقِيقَةَ السَّرِقَةِ وَهُوَ أَخْذُ مَالٍ مُعْتَبَرٍ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ مَعَ بَاقِي الشُّرُوطِ قَدْ وُجِدَتْ فَيَجِبُ الْقَطْعُ غَيْرُ وَافٍ بِالْمَقْصُودِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَهُمَا أَنَّهُ مَالٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ) إنْ كَانَ يَمْشِي وَيَعْقِلُ (أَوْ بِعَرْضٍ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ) إنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَحْسَنَ مِنْهُ لِتَضَمُّنِ لَفْظِ مُطْلَقٍ مَنْعَ أَنَّ فِي مَالِيَّتِهِ شُبْهَةً وَانْضِمَامُ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ إلَيْهِ لَا يُوجِبُهَا بَعْدَ صِدْقِ مَعْنَى الْمَالِ الْكَامِلِ عَلَيْهِ كَيْفَ وَهُوَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ عِنْدَ النَّاسِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمَالِيَّةِ يُصَيِّرُهُ كَمَالٍ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَسَارِقُهُ كَسَارِقِ دُرَّةٍ نَفِيسَةٍ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ؛ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ الْمَعْنَى عَلَى الْقَلْبِ وَهُوَ سَرِقَةُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فِيمَا هُوَ مَالٌ لَمْ يَبْعُدْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَنْعِ ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ فِي مَالِيَّتِهِ بِمَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ الْآخِذُ بِهِ نَفْعًا (فَكَانَ الْمَقْصُودُ الْكَوَاغِدَ) وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ: وَلَا يُقْطَعُ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا الْكُتُبُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى عِلْمِ الشَّرِيعَةِ كَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي غَيْرِهَا فَقِيلَ مُلْحَقَةٌ بِدَفَاتِرِ الْحِسَابِ فَيُقْطَعُ فِيهَا، وَقِيلَ بِكُتُبِ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا قَدْ تَتَوَقَّفُ عَلَى اللُّغَةِ وَالشِّعْرِ. وَالْحَاجَةُ وَإِنْ قَلَّتْ كَفَتْ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ، وَمُقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي الْقَطْعِ بِكُتُبِ السِّحْرِ وَالْفَلْسَفَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ مَا فِيهَا لِأَهْلِ الدِّيَانَةِ فَكَانَتْ سَرِقَةً صَرْفًا، وَلِأَنَّ عَدَمَ الْقَطْعِ بِإِلْحَاقِهَا بِالْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَتْ إيَّاهَا إذْ لَا تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا فِيهَا، بِخِلَافِ كُتُبِ الْأَدَبِ وَالشِّعْرِ. وَيُمْكِنُ فِي كُتُبِ الْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ عَدَمُ الْقَطْعِ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ بِالْكُلِّ مِنْ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَأَنْتَ سَمِعْت مَا بِهِ الدَّفْعُ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ) بِالْإِجْمَاعِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ قَرِينِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ قَالَ عَدَمُ الْقَطْعِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ. أَمَّا فِي الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ فَيُقْطَعُ، وَقُلْنَا هُوَ مُبَاحُ الْأَصْلِ وَبِحَسَبِ الْأَصْلِ هُوَ (غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ظَاهِرٌ فِي مَالِيَّةِ الْكَلْبِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً) فِيهَا. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِي دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ وَلَا بَرْبَطٍ وَلَا مِزْمَارٍ) وَكَذَا جَمِيعُ آلَاتٍ اللَّهْوِ (لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا قِيمَةَ لَهَا.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِذُهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ فِيهَا. (وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ وَالْقِنَا وَالْآبَنُوسِ وَالصَّنْدَلِ) لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُحَرَّزَةٌ لِكَوْنِهَا عَزِيزَةً عِنْدَ النَّاسِ وَلَا تُوجَدُ بِصُورَتِهَا مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ (وَيُقْطَعُ فِي الْفُصُوصِ الْخُضْرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ) لِأَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (وَإِذَا اتَّخَذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانِيَ وَأَبْوَابًا قُطِعَ فِيهَا) لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحَرَّزُ بِخِلَافِ الْحَصِيرِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِ لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ حَتَّى يُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ، وَفِي الْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ قَالُوا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي سَرِقَتِهَا لِغَلَبَةِ الصَّنْعَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي غَيْرِ الْمُرَكَّبِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ خَفِيفًا لَا يَثْقُلُ عَلَى الْوَاحِدِ حَمْلُهُ لِأَنَّ الثَّقِيلَ مِنْهُ لَا يُرْغَبُ فِي سَرِقَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهَا الْكَسْرَ) وَفِي دَالِ الدُّفِّ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ. وَاخْتُلِفَ فِي طَبْلِ الْغُزَاةِ فَقِيلَ لَا يُقْطَعُ بِهِ، وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلَّهْوِ وَإِنْ كَانَ وَضْعُهُ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلَّهْوِ فَلَيْسَ آلَةَ لَهْوٍ. (قَوْلُهُ وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ وَالْقِنَا وَالْآبَنُوسِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ فِيمَا سُمِعَ (وَالصَّنْدَلِ) وَالْعُودِ الرَّطْبِ لِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، فَأَمَّا كَوْنُهَا تُوجَدُ مُبَاحَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ فِيهِ شُبْهَةٌ فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَمْوَالِ حَتَّى الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ مُبَاحَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَعَ هَذَا يُقْطَعُ فِيهَا فِي دَارِنَا. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا قَطْعَ فِي الْعَاجِ مَا لَمْ يُعْمَلْ، وَكَذَا نَقَلَ الْبَقَّالِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْآبَنُوسِ، وَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ عَدَمُ الْقَطْعِ فِي الْعَاجِ لِمَا قِيلَ مِنْ نَجَاسَةِ عَيْنِ الْفِيلِ فَإِنَّهُ يَنْفِي مَالِيَّةَ الْعَاجِ فَحَلَّتْ الشُّبْهَةُ فِي الْمَالِيَّةِ (وَيُقْطَعُ فِي الْفُصُوصِ) النَّفِيسَةِ (وَالزَّبَرْجَدِ لِأَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ، وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ) . (قَوْلُهُ وَإِذَا اتَّخَذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانِيَ وَأَبْوَابًا قُطِعَ فِيهَا لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَشَبَ (بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ) وَلِهَذَا تُحَرَّزُ (بِخِلَافِ الْحَصِيرِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ) لِتَنْقَطِعَ مُلَاحَظَتُهُ بِهَا فَلَمْ تَخْرُجْ بِهَا مِنْ كَوْنِهَا تَافِهًا بَيْنَ النَّاسِ (حَتَّى إنَّ الْحَصِيرَ يُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ) وَكَذَا الْقَصَبُ الْمَصْنُوعُ بَوَارِي، بِخِلَافِ الْخَشَبِ فَإِنَّهُ غَلَبَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ فَقُطِعَ فِيمَا اتَّصَلَتْ بِهِ مِنْهُ، حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ فِي الْحُصْرِ أَيْضًا قُطِعَ

(وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ) لِقُصُورٍ فِي الْحِرْزِ (وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ) لِأَنَّهُ يُجَاهِرُ بِفِعْلِهِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي مُخْتَلِسٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا خَائِنٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا كَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ وَالْعَبْدَانِيَّةُ فِي دِيَارِ مِصْرَ والْإسْكَنْدَرانيَّة وَهِيَ الْعَبْدَانِيَّةُ. وَيُقْطَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِالْحُصْرِ مُطْلَقًا. هَذَا وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: سَرَقَ جُلُودَ السِّبَاعِ الْمَدْبُوغَةِ لَا يُقْطَعُ، فَإِذَا جُعِلَتْ مُصَلًّى أَوْ بِسَاطًا يُقْطَعُ. هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ ذَلِكَ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ جُلُودَ السِّبَاعِ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ اسْمًا آخَرَ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ غَلَبَةَ الصَّنْعَةِ الَّتِي يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْجِنْسِ بِهَا أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهَا اسْمٌ. وَعَلِمْتَ عَدَمَ الْقَطْعِ فِي الْحُصْرِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَفِيسَةٍ مَعَ تَجَدُّدِ اسْمٍ آخَرَ لَهَا فَلْيَكُنْ ذَلِكَ لِنُقْصَانِ إحْرَازِهَا حَيْثُ كَانَتْ تُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ أَوْ لِأَنَّ شُبْهَةَ التَّفَاهَةِ فِيهَا كَمَا قَالُوا إنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْمِلْحِ لِذَلِكَ؛ وَلَا يُقْطَعُ فِي الْآجُرِّ وَالْفَخَّارِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهَا عَلَى قِيمَتِهَا. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فِي الزُّجَاجِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَسْرُعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ فَكَانَ نَاقِصَ الْمَالِيَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ كَالْخَشَبِ إذَا صُنِعَ مِنْهُ الْأَوَانِي، ثُمَّ إنَّمَا يُقْطَعُ فِي الْبَابِ الْمَصْنُوعِ مِنْ الْخَشَبِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُرَكَّبٍ عَلَى الْجِدَارِ بَلْ مَوْضُوعٌ دَاخِلَ الْحِرْزِ. أَمَّا الْمُرَكَّبُ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ عِنْدَنَا فَصَارَ كَسَرِقَةِ ثَوْبٍ بُسِطَ عَلَى الْجِدَارِ إلَى السِّكَّةِ، وَغَيْرُ الْمُرَكَّبِ لَا يُقْطَعُ بِهِ إذَا كَانَ ثَقِيلًا لَا يَحْمِلُهُ الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ. وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ ثِقَلَهُ لَا يُنَافِي مَالِيَّتَهُ وَلَا يُنْقِصُهَا. فَإِنَّمَا تَقِلُّ فِيهِ رَغْبَةُ الْوَاحِدِ لَا الْجَمَاعَةِ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا امْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي فَرْدَةِ حِمْلٍ مِنْ قُمَاشٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَلِذَا أَطْلَقَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي الْقَطْعَ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ. وَفِي الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الْمَبْسُوطِ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِي بَابِ الدَّارِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَمُحَرَّزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فِيهِ وَحِرْزُ حَائِطِ الدَّارِ بِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا فِيهَا إذَا كَانَتْ فِي الْعُمْرَانِ، وَمَا كَانَ حِرْزًا لِنَفْسِهِ يَكُونُ حِرْزًا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَمْنُوعٌ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ إلَخْ) وَهُمَا اسْمَا فَاعِلٍ مِنْ الْخِيَانَةِ وَهُوَ أَنْ يُؤْتَمَنَ عَلَى شَيْءٍ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَيَأْخُذَهُ وَيَدَّعِيَ ضَيَاعَهُ، أَوْ يُنْكِرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً، وَعَلَّلَهُ بِقُصُورِ الْحِرْزِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي يَدِ الْخَائِنِ وَحِرْزِهِ لَا حِرْزِ الْمَالِكِ عَلَى الْخُلُوصِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حِرْزَهُ وَإِنْ كَانَ حِرْزًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ أَحْرَزَهُ بِإِيدَاعِهِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ حِرْزٌ مَأْذُونٌ لِلسَّارِقِ فِي دُخُولِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا مُنْتَهِبٍ) لِأَنَّهُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ لَا مُخْتَفٍ فَلَا سَرِقَةَ فَلَا قَطْعَ (وَكَذَا الْمُخْتَلِسُ) فَإِنَّهُ الْمُخْتَطِفُ لِلشَّيْءِ مِنْ الْبَيْتِ وَيَذْهَبُ أَوْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ. وَفِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَهُوَ تَصْحِيحٌ مِنْهُمَا. وَتَعْلِيلُ أَبِي دَاوُد مَرْجُوحٌ بِذَلِكَ. وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لَكِنَّ مَذْهَبَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِي جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِهَا» وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ أَخَذُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ عَنْ سَرِقَةٍ صَدَرَتْ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَيْضًا مُتَّصِفَةً مَشْهُورَةً بِجَحْدِ الْعَارِيَّةِ فَعَرَّفَتْهَا عَائِشَةُ بِوَصْفِهَا الْمَشْهُورِ، فَالْمَعْنَى امْرَأَةٌ كَانَ وَصْفُهَا جَحْدَ الْعَارِيَّةِ فَسَرَقَتْ فَأَمَرَ بِقَطْعِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ فِي قِصَّتِهَا «أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ شَفَعَ فِيهَا الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَامَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطِيبًا

(وَلَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ فِيهِ. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ» وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ خُصُوصًا وَقَدْ تَلَقَّتْ الْأُمَّةُ الْحَدِيثَ الْآخَرَ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهَا لَمْ تَسْرِقْ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «اسْتَعَارَتْ امْرَأَةٌ مِنِّي حُلِيًّا عَلَى أَلْسِنَةِ أُنَاسٍ يَعْرِفُونَ وَلَا تَعْرِفُ هِيَ فَبَاعَتْهُ، فَأُخِذَتْ فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا» ، وَهِيَ الَّتِي شَفَعَ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَقَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ كَانَ حَدِيثُ جَابِرٍ مُقَدَّمًا. وَيُحْمَلُ الْقَطْعُ بِجَحْدِ الْعَارِيَّةِ عَلَى النَّسْخِ، وَكَذَا لَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ «وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ امْرَأَةً بِجَحْدِ الْمَتَاعِ، وَأُخْرَى بِالسَّرِقَةِ» يُحْمَلُ عَلَى نَسْخِ الْقَطْعِ بِالْعَارِيَّةِ بِمَا قُلْنَا. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ «لَمَّا سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمْنَا ذَلِكَ، وَكَانَتْ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَجِئْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُكَلِّمُهُ فِيهَا وَقُلْنَا: وَنَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَطْهُرُ خَيْرًا لَهَا، فَأَتَيْنَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَقُلْنَا لَهُ: كَلِّمْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ: مَا إكْثَارُكُمْ عَلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا» قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسْوَدِ. وَقِيلَ هِيَ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ) وَهُوَ الَّذِي يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى بَعْدَ الدَّفْنِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (عَلَيْهِ الْقَطْعُ) وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ أَبُو ثَوْرٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ. ثُمَّ الْكَفَنُ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ مَا كَانَ مَشْرُوعًا فَلَا يُقْطَعُ فِي الزَّائِدِ عَلَى كَفَنِ السُّنَّةِ وَكَذَا مَا تُرِكَ مَعَهُ مِنْ طِيبٍ أَوْ مَالٍ ذَهَبٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ وَسَفَهٌ فَلَيْسَ مُحَرَّزًا. وَفِي الْوَجِيزِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ وَجْهَانِ، ثُمَّ الْكَفَنُ لِلْوَارِثِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ الْخَصْمُ فِي الْقَطْعِ، وَإِنْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ فَهُوَ الْخَصْمُ لِأَنَّهُ لَهُ (لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» ) وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَرَّحَ بِضَعْفِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ

«لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي نَفْسِهَا نَادِرَةُ الْوُجُودِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِي سَنَدِهِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ كَبِشْرِ بْنِ حَازِمٍ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» قَالَ: وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) أَيْ بِعُرْفِهِمْ. وَأَمَّا الْآثَارُ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِيَ عَنْ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، ثُمَّ أَعَلَّهُ بِسُهَيْلِ بْنِ ذَكْوَانَ الْمَكِّيِّ. قَالَ عَطَاءٌ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالْكَذِبِ. وَيُمَاثِلُهُ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَفِيهِ مَجْهُولٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَقِيته بِمِنًى عَنْ رَوْحِ بْنِ قَاسِمٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى النَّبَّاشِ قَطْعٌ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ وَجَدَ قَوْمًا يَخْتَفُونَ الْقُبُورَ بِالْيَمَنِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ اقْطَعْ أَيْدِيَهُمْ. فَأَحْسَنُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُتِيَ مَرْوَانُ بِقَوْمٍ يَخْتَفُونَ: أَيْ يَنْبُشُونَ الْقُبُورَ فَضَرَبَهُمْ وَنَفَاهُمْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ اهـ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَزَادَ: وَطَوَّفَ بِهِمْ. وَكَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُخِذَ نَبَّاشٌ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْمَدِينَةِ فَسَأَلَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ وَيُطَافَ بِهِ اهـ. وَحِينَئِذٍ لَا شَكَّ فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِنَا مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلَهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحَرَّزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ فِيهِ. أَمَّا الْمَالِيَّةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْحِرْزُ فَلِأَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِلْمَيِّتِ وَثِيَابُهُ تَبَعٌ لَهُ فَيَكُونُ حِرْزًا لَهَا أَيْضًا، وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَبْرَ بَيْتًا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَيْفَ أَنْتَ إذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ؟ يَعْنِي الْقَبْرَ، وَقُلْت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَوْ مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَيْك بِالصَّبْرِ» وَقَدْ بَوَّبَ أَبُو دَاوُد عَلَيْهِ فَقَالَ: بَابُ قَطْعِ النَّبَّاشِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُد لِأَنَّهُ سَمَّى الْقَبْرَ بَيْتًا وَالْبَيْتُ حِرْزٌ وَالسَّارِقُ مِنْ الْحِرْزِ يُقْطَعُ وَلِأَنَّهُ حِرْزُ مِثْلِهِ لِأَنَّ حِرْزَ كُلِّ شَيْءٍ مَا يَلِيقُ بِهِ. فَحِرْزُ الدَّوَابِّ بِالْإِصْطَبْلِ وَالدُّرَّةُ بِالْحُقِّ وَالصُّنْدُوقِ وَالشَّاةِ

وَكَذَا إذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ لِمَا بَيَّنَّاهُ. (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْهُمْ. قَالَ (وَلَا مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحَظِيرَةِ، فَلَوْ سُرِقَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ الدُّرَّةَ مِنْ إصْطَبْلٍ أَوْ مِنْ حَظِيرَةٍ لَا يُقْطَعُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا كَفَّنَ صَبِيًّا مِنْ مَالِهِ لَا يَضْمَنُ لِوَرَثَتِهِ شَيْئًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّزًا كَانَ تَضْيِيعًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فَكَانَ أَخْذُ الْكَفَنِ مِنْ الْقَبْرِ عَيْنَ السَّرِقَةِ. وَالْجَوَابُ أَوَّلًا مَنْعُ الْحِرْزِ لِأَنَّهُ حُفْرَةٌ فِي الصَّحْرَاءِ مَأْذُونٌ لِلْعُمُومِ فِي الْمُرُورِ بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا غَلَقَ عَلَيْهِ وَلَا حَارِسَ مُتَصَدٍّ لِحِفْظِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى أَنَّهُ حِرْزٌ تَسْمِيَةً ادِّعَائِيَّةً بِلَا مَعْنًى وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَلُزُومُ التَّضْيِيعِ لَوْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا مَمْنُوعٌ بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَصْرُوفًا إلَى حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَالصَّرْفُ إلَى الْحَاجَةِ لَيْسَ تَضْيِيعًا فَلِذَا لَا يُضْمَنُ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي حِرْزِيَّتِهِ شُبْهَةٌ وَبِهِ يَنْتَفِي الْقَطْعُ وَيَبْقَى ثُبُوتُ الشُّبْهَةِ فِي كَوْنِهِ مَمْلُوكًا. وَفِي ثُبُوتِ الْخَلَلِ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْحَدِّ وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ زِيَادَةً فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الدَّرْءَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْكَفَنَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ، لَا لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَلَا لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَلِذَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْغَرِيمِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِحَقِّهِ. فَإِنْ صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ لَمْ يُقْطَعْ. وَإِلَّا فَتَحَقَّقَتْ شُبْهَةٌ فِي مَمْلُوكِيَّتِهِ بِقَوْلِنَا فَلَا يُقْطَعُ بِهِ أَيْضًا. بَلْ نَقُولُ: تَحَقَّقَ قُصُورٌ فِي نَفْسِ مَالِيَّةِ الْكَفَنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرَّغْبَةُ وَالضِّنَّةُ وَالْكَفَنُ يَنْفِرُ عَنْهُ كُلُّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كُفِّنَ بِهِ مَيِّتٌ إلَّا نَادِرًا مِنْ النَّاسِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ شَرْعَ الْحَدِّ لِلِانْزِجَارِ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ لَمَّا يَكْثُرُ وُجُودُهُ. فَأَمَّا مَا يَنْدُرُ فَلَا يُشْرَعُ فِيهِ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الِانْزِجَارَ حَاصِلٌ طَبْعًا كَمَا قُلْنَا فِي عَدَمِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِتَسْمِيَتِهِ بَيْتًا فَأَبْعَدُ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ إمَّا مَجَازٌ فَإِنَّ الْبَيْتَ مَا يَحُوطُهُ أَرْبَعُ حَوَائِطَ تُوضَعُ لِلْبَيْتِ وَلَيْسَ فِي الْقَبْرِ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحِرْزَ فَقَدْ يَصْدُقُ مَعَ عَدَمِ الْحِرْزِ أَصْلًا كَالْمَسْجِدِ. وَمَعَ الْحِرْزِ مَعَ نُقْصَانٍ وَهُوَ كَثِيرٌ، وَمَعَ الْحِرْزِ التَّامِّ، فَمُجَرَّدُ تَسْمِيَتِهِ بَيْتًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَطْعَ خُصُوصًا فِي مَقَامِ وُجُوبِ دَرْئِهِ مَا أَمْكَنَ، بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى بَعْضِ الْمَاصَدَقَاتِ الَّتِي لَا حَدَّ مَعَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا فِي الْقَبْرِ الْكَائِنِ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَقِيلَ يُقْطَعُ بِهِ لِوُجُودِ الْحِرْزِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يُقْطَعُ عِنْدَنَا وَإِنْ وُجِدَ الْحِرْزُ لِلْمَوَانِعِ الْأُخَرِ مِنْ نُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ وَعَدَمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهِ (وَكَذَا إذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ تَحَقُّقِ الْخَلَلِ فِي الْمَالِيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا. هَذَا وَلَوْ اعْتَادَ لِصٌّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهُ سِيَاسَةً لَا حَدًّا، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رَوَاهُ لَوْ صَحَّ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ. وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُحَرَّزٌ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْحَاجَةِ (وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْهُمْ) وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِثْلُهُ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ: أَرْسِلْهُ فَمَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ (وَلَا يُقْطَعُ مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ)

لِمَا قُلْنَا. (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ) ، وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إلَّا بَيْعًا بِالتَّرَاضِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ أَوْ رَهْنًا بِحَقِّهِ. قُلْنَا: هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ مِنْهُ دَنَانِيرَ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ، وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ يَسْرِقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ حِرْزِ الْآخَرِ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا (لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ لِلسَّارِقِ فِيهِ حَقًّا. (قَوْلُهُ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ، وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ سَوَاءٌ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ يَصِيرُ شُبْهَةً دَارِئَةً وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعْطَاءُ الْآنَ (وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ) لَا يُقْطَعُ (لِأَنَّ بِالزِّيَادَةِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي ذَلِكَ الْمَالِ) بِمِقْدَارِ حَقِّهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَدْيُونِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ مُمَاطِلًا أَوْ غَيْرَ مُمَاطِلٍ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي تَفْصِيلِهِ بَيْنَ الْمُمَاطِلِ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ وَغَيْرِ الْمُمَاطِلِ فَيُقْطَعُ. وَلَوْ أُخِذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَأَخَذَ عُرُوضًا قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَخَذْتهَا رَهْنًا بِدَيْنِي فَلَا يُقْطَعُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نُقِلَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى) قَضَاءً لِحَقِّهِ أَوْ رَهْنًا بِهِ (قُلْنَا: هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ) فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً دَارِئَةً إلَّا إنْ ادَّعَى ذَلِكَ (وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَأَخَذَ دَنَانِيرَ) أَوْ عَلَى الْقَلْبِ اُخْتُلِفَ فِيهِ (قِيلَ يُقْطَعُ) لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ قِصَاصًا بِحَقِّهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ بَيْعًا فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا (وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ) لِلْمُجَانَسَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ، وَيُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمُ، وَلَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ

(وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا فَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُتَكَامِلَةٌ كَالْأُولَى بَلْ أَقْبَحُ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ، وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ. وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ أَوْجَبَ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّ، وَقِيَامُ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْجِنَايَةِ مِنْهُ نَادِرٌ لِتَحَمُّلِهِ مَشَقَّةَ الزَّاجِرِ فَتُعَرَّى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الْعَبْدُ مِنْ غَرِيمِ الْمَوْلَى قُطِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى وَكَّلَهُمَا بِالْقَبْضِ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ حِينَئِذٍ لَهُمَا. وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ أَوْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِغَيْرِهِ. وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُقْطَعُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا فَرَدَّهَا) بِأَنْ كَانَتْ قَائِمَةً (ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا يُقْطَعُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ) فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِطَرِيقٍ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ الْيُسْرَى» الْحَدِيثَ (وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ الثَّانِيَةَ مِثْلُ الْأُولَى) فِي سَبَبِيَّةِ الْقَطْعِ (بَلْ أَفْحَشُ) لِأَنَّ الْعَوْدَ بَعْدَ الزَّجْرِ أَقْبَحُ. وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ، وَيَخُصُّ أَبَا يُوسُفَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ عَادَ تَقَوُّمُهُ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ السَّارِقُ لَوْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الرَّدِّ فَتَمَّتْ سَبَبِيَّةُ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَهُ أَوْ سَرَقَهُ هُوَ مِنْ غَيْرِهِ (وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ) فَإِنَّهُ يُقْطَعُ اتِّفَاقًا. (وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ أَوْجَبَ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ) فِي حَقِّ السَّارِقِ (وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ أَنَّهَا سَاقِطَةٌ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّ وَقِيَامِ الْمُوجِبِ) لِلسُّقُوطِ (وَهُوَ الْقَطْعُ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ يُوجِبُ

وَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ. قَالَ (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ وَقُطِعَ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ عَلَامَةُ التَّبَدُّلِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقَاءَ السُّقُوطِ الَّذِي تَحَقَّقَ بِالْقَطْعِ فَحَيْثُ عَادَتْ الْعِصْمَةُ وَانْتَفَى السُّقُوطُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ كَانَ مَعَ شُبْهَةِ عَدَمِهِ فَيَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ السُّقُوطَ لَيْسَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْطُوعِ يَدَهُ لَا سِوَاهُ فَيُقْطَعُ، وَبِخِلَافِ صُورَةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ السَّارِقِ وَسَرِقَةُ السَّارِقِ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِمَا تَبَدُّلَ الْمَلِكِ، وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ حُكْمًا كَمَا عُرِفَ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ» مَعَ أَنَّهُ عَيْنُ اللَّحْمِ، مَعَ أَنَّ مَشَايِخَ الْعِرَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي صُورَةِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ مَشَايِخِ بُخَارَى يُقْطَعُ لِتَبَدُّلِ الْعَيْنِ حُكْمًا وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. وَأَيْضًا فَتَكْرَارُ الْجِنَايَةِ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ نَادِرٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ لَا يُشْرَعُ فِيهِ عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ زَاجِرَةٌ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُعَرَّى عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ، إذْ هِيَ قَلِيلَةٌ بِالْفَرْضِ فَلَمْ تَقَعْ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ بِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ أَنَا بَاقٍ عَلَى نِسْبَتِي إلَيْهِ الزِّنَا الَّذِي نَسَبْته إلَيْهِ لَا يُحَدُّ ثَانِيًا، فَكَذَا هَذَا، أَمَّا لَوْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ حُدَّ بِهِ. وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ النَّقْضُ بِالزِّنَا ثَانِيًا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي زَنَى بِهَا أَوَّلًا بَعْدَ أَنْ جُلِدَ حَدًّا بِزِنَاهُ الْأَوَّلِ بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا إجْمَاعًا، فَلَمْ يَكُنْ تَقَدُّمُ الزَّاجِرِ مُوجِبًا لِعَدَمِ شَرْعِيَّتِهِ. ثَانِيًا وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَوْ شَرَعَ. وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ فِي الزِّنَا لَا تَسْقُطُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، وَهَذَا فَرْقٌ صَحِيحٌ يَتِمُّ بِهِ وَجْهُ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَكِنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلنَّقْضِ الْوَارِدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِخُصُوصِهِ: أَعْنِي كَوْنَ إقَامَةِ الْحَدِّ أَوَّلًا تُوجِبُ نُدْرَةَ الْعَوْدِ فَتُوجِبُ عَدَمَ شَرْعِ الزَّاجِرِ فِي الْعَوْدِ، وَكَذَا الْفَرْقُ بِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَالْخُصُومَةُ لَا تَتَكَرَّرُ فِي مَحَلٍّ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مُوجِبِ مَا هِيَ فِيهِ كَحَدِّ الْقَذْفِ غَيْرِ دَافِعِ الْوَارِدِ عَلَى خُصُوصِ هَذَا الْوَجْهِ الْمُدَّعَى اسْتِقْلَالُهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ) الْمَسْرُوقُ الَّذِي قُطِعَ بِهِ (غَزْلًا ثُمَّ نُسِجَ) بَعْدَ رَدِّهِ (فَسَرَقَهُ) ثَانِيًا (قُطِعَ) وَكَذَا لَوْ كَانَ قُطْنًا فَصَارَ غَزْلًا (لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ مَعَ قِيَامِهِ بِصُورَةِ الثَّوْبِ.

[فصل في الحرز والأخذ منه]

وَإِذَا تَبَدَّلَتْ انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَالْقَطْعُ فِيهِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ ثَانِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ) فَالْأَوَّلُ وَهُوَ الْوِلَادُ لِلْبُسُوطَةِ فِي الْمَالِ وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا تَبَدَّلَتْ الْعَيْنُ انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَالْقَطْعِ) وَهُوَ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى لَفْظِ اتِّحَادِ لَا عَلَى لَفْظِ الْمَحَلِّ: أَيْ وَانْتَفَتْ الشُّبْهَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ الْقَطْعِ لَا مِنْ اتِّحَادِ الْقَطْعِ وَهِيَ شُبْهَةُ قِيَامِ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْعَيْنِ وَالتَّغَيُّرُ يُوجِبُهَا شَيْئًا آخَرَ. فَإِنْ قِيلَ: الْعَيْنُ قَائِمَةٌ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَالصُّورَةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَمَكِّنَ قَبْلَ تَبَدُّلِ الصُّورَةِ شُبْهَةُ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ فَكَانَ الْمُتَمَكِّنُ بَعْدَهُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَإِذَا سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَقُطِعَ بِهِ وَرَدَّهُ فَجَعَلَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ آنِيَةً أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ عَادَ السَّارِقُ فَسَرَقَهُ لَا يُقْطَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ، وَقَالَا: يُقْطَعُ لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ. وَفِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ: سَرَقَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ ثُمَّ رَدَّهُ فَنُقِضَ فَسَرَقَ الْمَنْقُوضَ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَقُّ الْمَالِكِ لَوْ فَعَلَهُ الْغَاصِبُ فَلَمْ يَصِرْ فِي حُكْمِ عَيْنٍ أُخْرَى. . [فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ] قَدَّمَ بَيَانَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ الْمَسْرُوقِ وَهُوَ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فِي ذَاتِهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِحِرْزِهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ، ثُمَّ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحِرْزِ شَرْطٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ فِي الْحِرْزِ قُطِعَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ. وَعَنْ دَاوُد لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ أَصْلًا. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَمَّنْ نُقِلَتْ عَنْهُ، وَلَا مَقَالَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنْ لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَلَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ فَتَخَصَّصَتْ الْآيَةُ بِهِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بَعْدَهُ بِمَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِجْمَاعِيَّةِ وَمَا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ الْحِرْزُ مَا عُدَّ عُرْفًا حِرْزًا لِلْأَشْيَاءِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى بَيَانِهِ، فَيُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ رُدَّ إلَى عُرْفِ النَّاسِ فِيهِ وَالْعُرْفُ يَتَفَاوَتُ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ اخْتِلَافٌ لِذَلِكَ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحَرَّزُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَكَذَا هُوَ فِي الشَّرْعِ إلَّا أَنَّهُ بِقَيْدِ الْمَالِيَّةِ: أَيْ الْمَكَانُ الَّذِي يُحَرَّزُ فِيهِ الْمَالُ كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْخَيْمَةِ وَالشَّخْصِ نَفْسِهِ، وَالْمُحَرَّزُ مَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ) وَإِنْ عَلَيَا (أَوْ وَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ (أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ (لَا يُقْطَعُ)

الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ. وَالثَّانِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي، وَلِهَذَا أَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الصَّدِيقَيْنِ لِأَنَّهُ عَادَاهُ بِالسَّرِقَةِ. وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ أَلْحَقَهَا بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مَتَاعَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَلَوْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ يُقْطَعُ) اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ مَالِكٌ وَشُذُوذٌ: يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِمَا، وَلِذَا يُحَدُّ بِالزِّنَا بِجَارِيَتِهِمَا وَيُقْتَلُ بِقَتْلِهِمَا وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُهُ فِي الْكَافِي، أَمَّا فِي الْوِلَادِ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقْطَعُ الْأَبُ أَيْضًا فِي سَرِقَةِ مَالِ ابْنِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ الْوِلَادِ. أَمَّا وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَيْ عَدَمُ الْقَطْعِ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَلِأَنَّهَا عَادَةً تَكُونُ مَعَهَا الْبُسُوطَةُ فِي الْمَالِ وَالْإِذْنُ فِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ حَتَّى يُعَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ وَلِذَا مُنِعَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ شَرْعًا، وَيَخُصُّ سَرِقَةَ الْأَبِ مِنْ مَالِ الِابْنِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَأَمَّا غَيْرُ الْوِلَادِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالثَّانِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي) أَيْ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ فَأَلْحَقَهُمْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ " مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ " وَنَحْنُ أَلْحَقْنَاهُ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَقَدْ رَأَيْنَا الشَّرْعَ أَلْحَقَهُمْ بِهِمْ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ وَافْتِرَاضِ الْوَصْلِ، فَلِذَا أَلْحَقْنَاهُمْ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ ثَابِتٌ عَادَةً لِلزِّيَارَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَلِذَا حَلَّ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ كَالْعَضُدِ لِلدُّمْلُوجِ وَالصَّدْرِ لِلْقِلَادَةِ وَالسَّاقِ لِلْخَلْخَالِ. وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلُزُومِ الْحَرَجِ لَوْ وَجَبَ سَتْرُهَا عَنْهُ مَعَ كَثْرَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهِيَ مُزَاوِلَةُ الْأَعْمَالِ وَعَدَمِ احْتِشَامِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ. وَأَيْضًا فَهَذِهِ الرَّحِمُ الْمُحَرَّمَةُ يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا، وَبِالْقَطْعِ يَحْصُلُ الْقَطْعُ فَوَجَبَ صَوْنُهَا بِدَرْئِهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانِ الْحِرْزِ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] وَرَفْعُ الْجُنَاحِ عَنْ الْأَكْلِ مِنْ بُيُوتِ الْأَعْمَامِ أَوْ الْعَمَّاتِ مُطْلَقًا يُؤْنِسُ إطْلَاقَ الدُّخُولِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَإِطْلَاقُ الْأَكْلِ مُطْلَقًا يَمْنَعُ قَطْعَ الْقَرِيبِ، ثُمَّ هُوَ إنْ تُرِكَ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْمَنْعِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] كَمَا قَالَ {أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ} [النور: 61] وَالْحَالُ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ صَدِيقِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ سَرِقَةَ مَالِهِ فَقَدْ عَادَاهُ فَلَمْ يُقْطَعْ الْآخِذُ إلَّا فِي حَالِ الْعَدَاوَةِ (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ سَرَقَ مَالَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ) فَسَرِقَةُ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ سَرِقَةٌ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَسَرِقَةُ مَالِ ذِي الرَّحِمِ مِنْ بَيْتِ

(وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ، بِخِلَافِ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهَا عَادَةً. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قَرَابَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِهَا لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ بِالزِّنَا وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَلَّمَا يَشْتَهِرُ فَلَا بُسُوطَةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ النَّسَبِ. (وَإِذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً، وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ حِرْزٍ الْآخَرِ خَاصَّةً لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِبُسُوطَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ سَرِقَةٌ مِنْ حِرْزٍ فَيُقْطَعُ، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِي الْقَطْعِ الْقَطِيعَةَ فَيَنْدَرِئُ وَهُوَ الْمَوْعُودُ، وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُعَرِّجْ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ بِخِلَافِ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهَا عَادَةً) وَلِذَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْأَبُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِ الْقَرَابَةِ لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بِالزِّنَا) بِأَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَيُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُمَا (وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ) فَإِنَّ فِيهَا مَحْرَمِيَّةً بِلَا قَرَابَةٍ مَعَ اتِّحَادِ سَبَبِ الْمَحْرَمِيَّةِ فِيهِمَا، فَالْإِلْحَاقُ بِهَا فِي إثْبَاتِ الْقَطْعِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالْوَطْءِ، ثُمَّ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِإِبْطَالِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِأَبِي يُوسُفَ صَرِيحًا وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا إلَخْ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَلَّمَا يَشْتَهِرُ فَلَا بُسُوطُةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ النَّسَبِ) فَإِنَّهُ يَشْتَهِرُ بِلَا تَحَشُّمٍ وَلَا تُهْمَةٍ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ مَنْعَ قَوْلِهِ إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إلَخْ، فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ إلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا تُهْمَةً لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهَا لِعَدَمِ الشُّهْرَةِ فَيُتَّهَمُ فَلَا يَدْخُلُ بِلَا اسْتِئْذَانٍ، بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَشْتَهِرُ فَلَا يُنْكَرُ دُخُولُهُ، فَلِذَا قُطِعَ فِي سَرِقَةِ مَالِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَمْ يُقْطَعْ فِي سَرِقَةِ مَالِ أُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ عَادَةً) فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ (وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ حِرْزِ الْآخَرِ خَاصَّةً لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ كَقَوْلِنَا، وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ يُقْطَعُ الرَّجُلُ خَاصَّةً لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقًّا فِي مَالِهِ: أَيْ النَّفَقَةَ. وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا بُسُوطَةً فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً وَدَلَالَةً فَإِنَّهَا لَمَّا بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ أَنْفَسُ

عَادَةً وَدَلَالَةً وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ. (وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ لَهُ فِي أَكْسَابِهِ حَقًّا (وَكَذَلِكَ السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَرْءًا وَتَعْلِيلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَالِ كَانَتْ بِالْمَالِ أَسْمَحُ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا سَبَبًا يُوجِبُ التَّوَارُثَ مِنْ غَيْرِ حَجْبِ حِرْمَانٍ كَالْوَالِدَيْنِ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَةِ سَيِّدِهِ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ، فَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ خَادِمُ الزَّوْجِ فَالزَّوْجُ أَوْلَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (هُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) يَعْنِي عِنْدَنَا لَا يُقْطَعُ أَحَدُهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لِاتِّصَالِ الْمَنَافِعِ، وَعِنْدَهُ يُقْطَعُ كَمَا تُقْبَلُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. فَإِنْ قُلْت: أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رُبَّمَا لَا يَبْسُطُ لِلْآخَرِ فِي مَالِهِ بَلْ يَحْبِسُهُ عَنْهُ وَيُحَرِّزُهُ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالِابْنُ قَدْ يَتَّفِقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَلَا قَطْعَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْأَصْهَارِ وَالْأَخْتَانِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ، وَقَالَا: يُقْطَعُ. وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجَةِ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ زَوْجِ ابْنَتِهِ أَوْ بِنْتِ زَوْجِ أُمِّهِ إنْ كَانَ يَجْمَعُهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ لَمْ يُقْطَعْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ فِي مَنْزِلٍ عَلَى حِدَةٍ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ. وَلَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَبَانَتْ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ أَنْ قُضِيَ بِالْقَطْعِ أَوْ لَمْ يُقْضَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ يُقْطَعُ. وَلَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ أَوْ الْمُخْتَلِعَةِ فِي الْعِدَّةِ لَا قَطْعَ، وَكَذَا إذَا سَرَقَتْ هِيَ مِنْ الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ يَجِبُ الْقَطْعُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ) بِلَا خِلَافٍ (لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ) وَلِأَنَّ مَالَهُ مَوْقُوفٌ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ كَانَ لِلْمَوْلَى أَوْ عَتَقَ كَانَ لَهُ، فَلَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ مَالٍ مَوْقُوفٍ دَائِرٍ بَيْنَ السَّارِقِ وَغَيْرِهِ، كَمَا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ، وَكَمَا لَا قَطْعَ عَلَى السَّيِّدِ كَذَلِكَ لَا قَطْعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ إذَا سَرَقَ مَالَ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ أَوْ مِنْ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ مَنْ عَدَا سَيِّدَهُ كَزَوْجَةِ سَيِّدِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَتَقَدَّمَ أَثَرُ عُمَرَ وَهُوَ فِي السَّرِقَةِ مِنْ مَالِ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ، وَكَانَ ثَمَنُ الْمِرْآةِ سِتِّينَ دِرْهَمًا، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ خِلَافَهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ فَتُخَصُّ بِهِ الْآيَةُ، وَالْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ) لَا يُقْطَعُ (لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ دَرْءًا وَتَعْلِيلًا) رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْأَبْرَصِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِرَجُلٍ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ فَقَالَ: لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ خَائِنٌ فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَكَانَ قَدْ سَرَقَ مِغْفَرًا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. قِيلَ وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ

وَقَالَ (وَالْحِرْزُ عَلَى نَوْعَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ وَالدُّورِ. وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِإِحْرَازِ الْأَمْتِعَةِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصُّنْدُوقِ وَالْحَانُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِهِ، وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» (وَفِي الْمُحَرَّزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَكَلَامُنَا فِيمَا سَرَقَهُ بَعْضُ مُسْتَحَقِّي الْغَنِيمَةِ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ) لِوُجُوبِ الْقَطْعِ (لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَافِظٌ مِنْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِ أَوْ إنْسَانٍ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ يَكُونُ الْمَالُ سَائِبًا فَلَا يَتَحَقَّقُ إخْفَاءُ الْأَخْذِ وَالدُّخُولُ فَلَا تَتَحَقَّقُ السَّرِقَةُ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] بِنَفْسِهِ يُوجِبُ الْحِرْزَ إذْ لَا تُتَصَوَّرُ السَّرِقَةُ دُونَ الْإِخْفَاءِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِخْفَاءُ دُونَ الْحَافِظِ، فَيُخْفِي الْأَخْذَ مِنْهُ أَوْ الْبِنَاءُ فَيُخْفِي دُخُولَهُ بَيْتَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ. وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِهِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَلَا فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ، فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوْ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» وَنَحْوُهُ وَارِدٌ عَلَى وَفْقِ الْكِتَابِ لَا مُبَيِّنٌ مُخَصِّصٌ (ثُمَّ هُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: حِرْزٌ) بِالْمَكَانِ (كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ) وَالْجُدَرَانِ وَالْحَوَانِيتِ لِلتُّجَّارِ وَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِ بِلَادِ مِصْرَ الدَّكَاكِينَ وَالصَّنَادِيقَ وَالْخِيَامَ وَالْخَرْكَاهَ وَجَمِيعَ مَا أُعِدَّ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الْأَمَاكِنِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ. وَذَلِكَ (كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ) أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ (أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِهِ. وَقَدْ «قَطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» ) عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَالْحَاكِمُ، وَحَكَمَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَأَلْفَاظٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا انْقِطَاعٌ وَفِي بَعْضِهَا مَنْ هُوَ مُضَعَّفٌ، وَلَكِنْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَاتَّسَعَ مَجِيئُهُ اتِّسَاعًا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ بِلَا شُبْهَةٍ. وَفِي طَرِيقِ السُّنَنِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ مِنْ بُرْدٍ فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَنَامَ. فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ. فَأَخَذَهُ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَسَرَقْت رِدَاءَ هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبَا بِهِ فَاقْطَعَا يَدَهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: مَا كُنْت أُرِيدُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فِي رِدَائِي، قَالَ: فَلَوْلَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» زَادَ النَّسَائِيّ " فَقَطَعَهُ " وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ: سَمَّاهُ خَمِيصَةً ثَمَنَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحَرَّزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ

الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِدُونِهِ وَهُوَ الْبَيْتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَفْتُوحٌ حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ لِقِيَامِ يَدِهِ فِيهِ قَبْلَهُ. بِخِلَافِ الْمُحَرَّزِ بِالْحَافِظِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ، كَمَا أُخِذَ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا فِي الْعُيُونِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ الْحَمَّامِ فِي وَقْتِ الْإِذْنِ: أَيْ فِي وَقْتِ دُخُولِهَا إذَا كَانَ ثَمَّةَ حَافِظٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَفِي الْكَافِي: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ (أَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِدُونِ الْحَافِظِ) لِأَنَّ الْمَكَانَ فِي نَفْسِهِ صَالِحٌ لِلْإِحْرَازِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ وُصُولِ يَدِ غَيْرِ صَاحِبِهِ إلَى مَا فِيهِ، وَيَكُونُ الْمَالُ مَعَ ذَلِكَ مُخْتَفِيًا، وَلَيْسَ هَذَا مَعَ الْحَافِظِ فَهُوَ فَرْعٌ، وَلَا اعْتِبَارَ لِلْفَرْعِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مَعَهُ، فَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي وَقْتِ الْإِذْنِ فِي دُخُولِهَا وَسَرَقَ مِنْهَا مَا عِنْدَهُ حَافِظٌ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّ الْحَمَّامَ فِي نَفْسِهِ صَالِحٌ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَّ الْحِرْزُ لِلْإِذْنِ فِي دُخُولِهَا وَلِذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ مَا وُضِعَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِمَالٍ عِنْدَهُ مَنْ يَحْفَظُهُ فِيهِ، وَقَدْ قُطِعَ سَارِقُ رِدَاءِ صَفْوَانَ وَكَانَ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ. وَلِكَوْنِ الْمَكَانِ هُوَ الْحِرْزَ الَّذِي يُقْتَصَرُ النَّظَرُ عَلَيْهِ قُلْنَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ أَوْ لَهُ بَابٌ وَلَكِنَّهُ مَفْتُوحٌ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِلْإِحْرَازِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِقِيَامِ يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ) مِنْ دَارِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ إلَّا بِإِزَالَةِ يَدِهِ وَذَلِكَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ حِرْزِهِ (بِخِلَافِ الْمُحَرَّزِ بِالْحَافِظِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا أَخَذَهُ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ) فَيَجِبُ مُوجِبُهَا (وَلَا فَرْقَ) فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ (بَيْنَ كَوْنِ الْحَافِظِ) فِي الطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ وَالْمَسْجِدِ (مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ) أَوْ تَحْتَ رَأْسِهِ (أَوْ عِنْدَهُ) وَهُوَ بِحَيْثُ يَرَاهُ (لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ) وَبِحَضْرَتِهِ كَيْفَمَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ لَا (حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ) وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَتَاعِ تَحْتَ

وَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ، بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى. . قَالَ (وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحَرَّزًا بِأَحَدِ الْحِرْزَيْنِ (وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ عَادَةً أَوْ حَقِيقَةً فِي الدُّخُولِ فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْخَانَاتُ، إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِالْحَافِظِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأْسِهِ أَوْ تَحْتَ جَنْبِهِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرْنَا (وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ) إذَا حَفِظَ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ كَذَلِكَ فَسُرِقَتْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِفْظًا لَضَمِنَا (بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى) فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا الضَّمَانَ عَلَى الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا، ثُمَّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ يَكُونُ حِرْزًا لِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، حَتَّى لَوْ سَرَقَ لُؤْلُؤَةً مِنْ إصْطَبْلٍ أَوْ حَظِيرَةِ غَنَمٍ يُقْطَعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ الْغَنَمَ مِنْ الْمَرْعَى فَقَدْ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ الْقَطْعِ فِيهِ وَفِي الْفَرَسِ وَالْبَقَرِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، فَإِنْ كَانَ قُطِعَ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاعِيًا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَحْفَظُهَا الرَّاعِي فَفِي الْبَقَّالِيِّ لَا يُقْطَعُ، وَهَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَطْلَقَ خُوَاهَرْ زَادَهْ ثُبُوتَ الْقَطْعِ إذَا كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ. وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الرَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدْ لِحِفْظِهَا مِنْ السُّرَّاقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُعْتَبَرُ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فَلَا يُقْطَعُ بِاللُّؤْلُؤَةِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَالثِّيَابِ النَّفِيسَةِ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ) كَالصَّحْرَاءِ (وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحَرَّزًا بِأَحَدِ الْحِرْزَيْنِ) وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ إذَا كَانَ وَقْتَ الْإِذْنِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَخْتَصُّ بِمَا يَلِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يَرِدُ الْحَمَّامُ فَإِنَّهُ حِرْزٌ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ تَقْيِيدٌ لَهُ، فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ يَدْخُلُ فِي بَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ (الْخَانَاتُ وَالْحَوَانِيتُ) فَيَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ عَدَمِ الْقَطْعِ نَهَارًا فَإِنَّ التَّاجِرَ يَفْتَحُ حَانُوتَهُ نَهَارًا فِي السُّوقِ وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُولِ لِيَشْتَرُوا مِنْهُ فَإِذَا سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْهُ شَيْئًا لَا يُقْطَعُ وَكَذَا الْخَانَاتُ (إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ) وَإِنَّمَا اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِالنَّهَارِ لِلْإِذْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِاللَّيْلِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِالْحَافِظِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ

مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُحَرَّزًا بِالْمَكَانِ، بِخِلَافِ الْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الَّذِي أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَكَانَ الْمَكَانُ حِرْزًا فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ. (وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ) لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي دُخُولِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الدَّارِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً. (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا مَعْنًى فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَخْذِ) (فَإِنْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا مَقَاصِيرُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ الْمَقْصُورَةِ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ) لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ بِاعْتِبَارِ سَاكِنِهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ (وَإِنْ أَغَارَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّزًا بِالْمَكَانِ) لِيَنْقَطِعَ اعْتِبَارُ الْحَافِظِ ثُمَّ تَخْتَلُّ حِرْزِيَّتُهُ بِالْإِذْنِ كَالْحَمَّامِ، فَكَانَ الْحَافِظُ مُعْتَبَرًا حِرْزًا فَيُقْطَعُ بِالْأَخْذِ، وَعَلَى هَذَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ: جَمَاعَةٌ نَزَلُوا بَيْتًا أَوْ خَانًا فَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَتَاعًا وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ يَحْفَظُهُ أَوْ تَحْتَ رَأْسِهِ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ قُطِعَ. (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي دُخُولِهِ، وَلِأَنَّهُ) بِالْإِذْنِ صَارَ (بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الدَّارِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً) وَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ الَّتِي أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا وَهُوَ مُقْفَلٌ أَوْ مِنْ صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ، ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، لِأَنَّ الدَّارَ مَعَ جَمِيعِ بُيُوتِهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ، وَلِهَذَا إذَا أَخْرَجَ اللِّصُّ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ إلَى الدَّارِ لَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ، وَإِذَا كَانَ وَاحِدًا فَبِالْإِذْنِ فِي الدَّارِ اخْتَلَّ الْحِرْزُ فِي الْبُيُوتِ، وَسَيَأْتِي مَا يُفِيدُ هَذَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ، وَلِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا مَعْنًى فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَخْذِ) وَهَتْكِ الْحِرْزِ (فَإِذَا كَانَتْ فِيهَا مَقَاصِيرُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَقْصُورَةٍ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ) هَذَا كَلَامُ مُحَمَّدٍ، وَأُوِّلَ بِمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فِيهَا بُيُوتُ كُلِّ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ أَهْلُ بَيْتٍ عَلَى حِدَتِهِمْ وَيَسْتَغْنُونَ بِهِ اسْتِغْنَاءَ أَهْلِ الْمَنَازِلِ بِمَنَازِلِهِمْ عَنْ صَحْنِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَهُمْ بِالسِّكَّةِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَيْهَا كَالْإِخْرَاجِ إلَى السِّكَّةِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ كُلَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ. وَهُنَا كُلُّ بَيْتٍ حِرْزٌ عَلَى حِدَتِهِ لِاخْتِلَافِ السُّكَّانِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْقَوْمُ إذَا كَانُوا فِي دَارِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَقْصُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ عَلَيْهِ بَابٌ يُغْلَقُ فَنَقَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَرَقَ مِنْهُ إنْ كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً يُقْطَعُ وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّلَفِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ الْقَطْعِ لِأَنَّ شَرْطَهُ هَتْكُ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَغَارَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ) يُرِيدُ دَخَلَ

لِمَا بَيَّنَّا. (وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ فَدَخَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ خُرُوجِهِ. وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ أَخْرَجَ الدَّاخِلُ يَدَهُ وَنَاوَلَهَا الْخَارِجَ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ، وَإِنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ فَعَلَيْهِمَا الْقَطْعُ. وَهِيَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةٍ تَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ وَخَرَجَ فَأَخَذَهُ قُطِعَ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْصُورَةً عَلَى غِرَّةٍ فَأَخَذَ بِسُرْعَةٍ، يُقَالُ أَغَارَ الْفَرَسُ وَالثَّعْلَبُ فِي الْعَدُوِّ: إذَا أَسْرَعَ. وَقَوْلُهُ فَسَرَقَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَغَارَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ فَدَخَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَتَنَاوَلَهُ آخَرُ خَارِجَ الْبَيْتِ) عِنْدَ النَّقْبِ أَوْ عَلَى الْبَابِ (فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ إخْرَاجِ الدَّاخِلِ يَدَهُ إلَى الْخَارِجِ أَوْ إدْخَالِ الْخَارِجِ يَدَهُ (ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ أَخْرَجَ الدَّاخِلُ يَدَهُ مِنْهَا إلَى الْخَارِجِ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ، وَإِنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا فَعَلَيْهِمَا الْقَطْعُ) وَعُلِّلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ (لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ) الْمَسْرُوقِ (قَبْلَ خُرُوجِهِ) أَيْ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّاخِلِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقْطَعَ الدَّاخِلُ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ دَخَلَ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ الْمَالَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ. وَكَوْنُهُ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ مَعَهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ فِي السَّرِقَةِ وَإِخْرَاجِ الْمَالِ، وَمَا قِيلَ إنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ بِفِعْلِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ ثُمَّ الْخَارِجُ لَا يُقْطَعُ فَكَذَا الدَّاخِلُ مَمْنُوعٌ بَلْ تَمَّتْ بِالدَّاخِلِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا تَتِمُّ بِهِمَا إذَا أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَأَخَذَهَا. وَفِيهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعَانِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ إنْ كَانَا مُتَعَاوِنَيْنِ قُطِعَا وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ: فَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ بِفِعْلِهِ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا إذَا اتَّفَقَ أَنَّ خَارِجًا رَأَى نَقْبًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَوَقَعَتْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا جَمَعَهُ الدَّاخِلُ فَأَخَذَهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى تَأْتِي يَعْنِي مَسْأَلَةَ نَقْبِ الْبَيْتِ وَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا إذَا وَضَعَ الدَّاخِلُ الْمَالَ عِنْدَ النَّقْبِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ، قِيلَ يُقْطَعُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ. قِيلَ وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ نَهْرٌ جَارٍ فَرَمَى الْمَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ، إنْ خَرَجَ بِقُوَّةِ الْمَاءِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ، وَقِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَا إذَا أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ جَرْيَ الْمَاءِ بِهِ كَانَ بِسَبَبِ إلْقَائِهِ فِيهِ فَيَصِيرُ الْإِخْرَاجُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَهُوَ زِيَادَةُ حِيلَةٍ مِنْهُ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْقَطْعِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ رَاكِدًا أَوْ جَرْيُهُ ضَعِيفًا فَأَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكِ الْمَاءِ قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا يَرُدُّ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْمَالِ وَلَكِنْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اعْتِرَاضُ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ (وَلَوْ أَلْقَاهُ) الدَّاخِلُ (فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ قُطِعَ) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ (لَهُ أَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ

كَمَا لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ، وَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ السِّكَّةِ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ. وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ، أَوْ لِيَتَفَرَّغَ لِقِتَالِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِلْفِرَارِ وَلَمْ تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا، فَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ) لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ. (وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ) بِأَنْ تَرَكَهُ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ (وَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ السِّكَّةِ) غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ فَلَا يُقْطَعُ بِحَالٍ (وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ لِضِيقِ النَّقْبِ أَوْ لِيَتَفَرَّغَ لِقِتَالِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِلْفِرَارِ) إنْ أُدْرِكَ (وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى الْمَالِ الَّذِي أَخْرَجَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا. وَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ) لِمَالِ صَاحِبِ الدَّارِ عَدَاوَةً وَمُضَارَّةً (لَا سَارِقٌ) وَإِذَا أَخَذَهُ غَيْرُهُ فَقَدْ اعْتَرَضَتْ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَقُطِعَتْ نِسْبَةُ الْأَخْذِ إلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ يَدَ السَّارِقِ تَثْبُتُ عَلَيْهِ، وَبِالْإِلْقَاءِ لَمْ تَزُلْ يَدُهُ حُكْمًا لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ يَدٍ أُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَكَانِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حُكْمًا فَرَدُّهُ إلَيْهِ كَرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ لِسُقُوطِ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ بِالْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ (وَكَذَا إذَا حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ بِسَوْقِهِ) فَيُقْطَعُ. وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي الْيُسْرِ: وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ فِي عُنُقِ كَلْبٍ وَزَجَرَهُ يُقْطَعُ، وَلَوْ خَرَجَ بِلَا زَجْرِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارًا. فَمَا لَمْ يَفْسُدْ اخْتِيَارُهَا بِالْحَمْلِ وَالسَّوْقِ لَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَيْهَا. وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ عَلَى طَائِرٍ فَطَارَ بِهِ إلَى مَنْزِلِ السَّارِقِ أَوْ لَمْ يَسُقْ الْحِمَارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ إلَى مَنْزِلِ السَّارِقِ لَا يُقْطَعُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ بَعْدَ الْأَخْذِ، وَالْأَخْذُ إنْ نُسِبَ إلَى الْكُلِّ فَالْإِخْرَاجُ إنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ فَإِنَّمَا تَمَّتْ السَّرِقَةُ مِنْهُ. قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا قَطْعَهُمْ

لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ وُجِدَ مِنْهُ فَتَمَّتْ السَّرِقَةُ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْكُلِّ مَعْنًى لِلْمُعَاوَنَةِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ يَحْمِلَ الْبَعْضُ الْمَتَاعَ وَيَتَشَمَّرَ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَطْعُ لَأَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ. . قَالَ (وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ، كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَخْرَجَ الْغِطْرِيفِيَّ. وَلَنَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ وَالْكَمَالِ فِي الدُّخُولِ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ. بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ دُونَ الدُّخُولِ، وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْبَعْضِ الْمَتَاعَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَادُ. قَالَ (وَإِنْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْإِخْرَاجَ وَإِنْ قَامَ بِهِ وَحْدَهُ لَكِنَّهُ فِي الْمَعْنَى مِنْ الْكُلِّ لِتَعَاوُنِهِمْ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى) وَإِذَا بَاشَرَ بَعْضُهُمْ الْقَتْلَ وَالْأَخْذَ وَالْبَاقُونَ وُقُوفٌ يَجِبُ حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى الْكُلِّ لِنِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَى الْكُلِّ شَرْعًا بِسَبَبِ مُعَاوَنَتِهِمْ، وَأَنَّ قُدْرَةَ الْقَاتِلِ وَالْآخِذِ إنَّمَا هِيَ بِهِمْ فَكَذَا هَذَا (فَإِنَّ السُّرَّاقَ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فَيَتَفَرَّغُ غَيْرُ الْحَامِلِ لِلدَّفْعِ) فَكَانَ مِثْلَهُ وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَتِمُّ الْوَجْهُ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَطْعُ أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ) إنْ مُنِعَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنَّمَا وَضَعَهَا فِي دُخُولِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي فِعْلِ السَّرِقَةِ لَا يُقْطَعُ إلَّا الدَّاخِلُ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عُزِّرُوا كُلُّهُمْ وَأَبَّدَ حَبْسَهُمْ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ. (قَوْلُهُ وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ خِلَافًا (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَالدُّخُولُ فِيهِ لَمْ يُفْعَلْ قَطُّ إلَّا لَهُ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ الدُّخُولِ وَقَدْ وُجِدَ، فَاعْتِبَارُهُ شَرْطًا فِي الْقَطْعِ بَعْدَ الْمَقْصُودِ اعْتِبَارُ صُورَةٍ لَا أَثَرَ لَهَا غَيْرُ مَا حَصَلَ (وَصَارَ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَخْرَجَ الْغِطْرِيفِيَّ) أَوْ فِي الْجُوَالِقِ. وَالْغِطْرِيفِيُّ: دِرْهَمٌ مَنْسُوبٌ إلَى الْغِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامِ الرَّشِيدِ، وَكَانَتْ دَرَاهِمُهُ مِنْ أَعَزِّ النُّقُودِ بِبُخَارَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ) وَعَرَفْت أَنَّ هَذَا فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ فَأَثْبَتَهُ بِقَوْلِهِ (تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ) أَيْ شُبْهَةِ عَدَمِ السَّرِقَةِ وَهِيَ مُسْقِطَةٌ، فَإِنَّ النَّاقِصَ يُشْبِهُ الْعَدَمَ، وَقَدْ يُمْنَعُ نُقْصَانُ هَذِهِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَالدُّخُولُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهَا، وَلَا شَرْطًا لِوُجُودِهَا إذْ قَدْ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِلَا دُخُولٍ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَهُ، وَفِي كِلَا الصُّورَتَيْنِ مَعْنَى السَّرِقَةِ تَامٌّ لَا نَقْصَ فِيهِ، وَكَوْنُ الدُّخُولِ هُوَ الْمُعْتَادُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ شَيْءٍ مَا لَمْ يُبْصِرْهُ بِعَيْنِهِ مِنْ جَوَانِبِ الْبَيْتِ فَيَقْصِدُ إلَيْهِ. وَقَلَّمَا يُدْخِلُ الْإِنْسَانُ يَدَهُ مِنْ كُوَّةِ بَيْتٍ فَتَقَعُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّنْدُوقِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصُّنْدُوقِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، بِخِلَافِ الْبَيْتِ (وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْبَعْضِ الْمَتَاعَ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ) . (قَوْلُهُ وَمَنْ طَرَّ) أَيْ شَقَّ (صُرَّةً) وَالصُّرَّةُ الْهِمْيَانُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصُّرَّةِ هُنَا

لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ يُقْطَعُ) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ، فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَا يُوجَدُ هَتْكُ الْحِرْزِ. وَفِي الثَّانِي الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلٍ، فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْكُمُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ، ثُمَّ الْأَخْذُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْطَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ إمَّا بِالْكُمِّ أَوْ بِصَاحِبِهِ. قُلْنَا: الْحِرْزُ هُوَ الْكُمُّ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُهُ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْضِعُ الْمَشْدُودُ فِيهِ دَرَاهِمُ مِنْ الْكُمِّ (لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ قُطِعَ، لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ، فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ خَارِجٍ فَلَا يُوجَدُ هَتْكُ الْحِرْزِ. وَفِي الثَّانِي الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْكُمُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ، ثُمَّ الْأَخْذُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ) فَإِذَا كَانَ الرِّبَاطُ مِنْ خَارِجٍ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَ الدَّرَاهِمَ حِينَئِذٍ مِنْ بَاطِنِ الْكُمِّ، وَإِنْ كَانَ الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْخُذُهَا مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ، فَظَهَرَ أَنَّ انْعِكَاسَ الْجَوَابِ (لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) أَيْ الطَّرَّارَ (يُقْطَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ فِي صُورَةِ أَخْذِهِ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّزًا بِالْكُمِّ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِصَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ مُحَرَّزًا بِصَاحِبِهِ وَهُوَ نَائِمٌ إلَى جَنْبِهِ فَلَأَنْ يَكُونَ مُحَرَّزًا بِهِ وَهُوَ يَقْظَانُ وَالْمَالُ يُلَاصِقُ بَدَنَهُ أَوْلَى (قُلْنَا: بَلْ الْحِرْزُ هُنَا لَيْسَ إلَّا الْكُمَّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَعْتَمِدُ الْكُمَّ) أَوْ الْجَيْبَ لَا قِيَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ الْكُمُّ كَالصُّنْدُوقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَطْرُورَ كُمُّهُ إمَّا فِي حَالِ الْمَشْيِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، فَمَقْصُودُهُ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ إلَّا قَطْعَ الْمَسَافَةِ لَا حِفْظَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَمَقْصُودُهُ الِاسْتِرَاحَةُ عَنْ حِفْظِ الْمَالِ وَهُوَ شُغْلُ قَلْبِهِ بِمُرَاقَبَتِهِ فَإِنَّهُ مُتْعِبٌ لِلنَّفْسِ فَيَرْبِطُهُ لِيُرِيحَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الرَّبْطُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَقَّ جُوَالِقًا عَلَى جَمَلٍ يَسِيرُ فَأَخَذَ مَا فِيهِ قُطِعَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اعْتَمَدَ الْجُوَالِقَ فَكَانَ السَّارِقُ مِنْهُ هَاتِكًا لِلْحِرْزِ فَيُقْطَعُ، وَلَوْ أَخَذَ الْجُوَالِقَ بِمَا فِيهِ لَا يُقْطَعُ. وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْفُسْطَاطِ قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ نَفْسَ الْفُسْطَاطِ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحَرَّزًا بَلْ مَا فِيهِ مُحَرَّزٌ بِهِ فَلِذَا قُطِعَ فِيمَا فِيهِ دُونَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْفُسْطَاطُ مَلْفُوفًا عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ أَوْ فِي فُسْطَاطٍ آخَرَ

أَوْ الِاسْتِرَاحَةِ فَأَشْبَهَ الْجُوَالِقَ. (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّزٍ مَقْصُودًا فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ وَالرَّاكِبَ يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ. حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا يُقْطَعُ (وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْجُوَالِقَ فِي مِثْلِ هَذَا حِرْزٌ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ صِيَانَتَهَا كَالْكُمِّ فَوُجِدَ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ (وَإِنْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَصَاحِبُهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ قُطِعَ) وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَ الْجُوَالِقُ فِي مَوْضِعٍ هُوَ لَيْسَ بِحِرْزٍ كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ مُحَرَّزًا بِصَاحِبِهِ لِكَوْنِهِ مُتَرَصِّدًا لِحِفْظِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحِفْظُ الْمُعْتَادُ وَالْجُلُوسُ عِنْدَهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ يُعَدُّ حِفْظًا عَادَةً وَكَذَا النَّوْمُ بِقُرْبٍ مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ. وَلَوْ سَرَقَ الْغَنَمَ مِنْ الْمَرْعَى لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الرَّاعِي مَعَهَا، لِأَنَّ الرَّاعِيَ لَا يَقْصِدُ الْحِفْظَ بَلْ مُجَرَّدَ الرَّعْيِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ فِي حَظِيرَةٍ بَنَاهَا لَهَا وَعَلَيْهَا بَابٌ مُغْلَقٌ فَأَخْرَجَهَا مِنْهُ قُطِعَ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِحِفْظِهَا. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الرَّاعِي بِحَيْثُ يَرَاهَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا مُحَرَّزَةٌ بِهِ. وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ نَظَرِهِ أَوْ هُوَ نَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ فَلَيْسَتْ مُحَرَّزَةً، وَكَذَا إذَا أَخَذَ الْجُوَالِقَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْجِمَالِ الْمُقَطَّرَةِ يُقْطَعُ. وَبِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الطَّرِّ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الطَّرَّارَ يُقْطَعُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ مَقْصُودٍ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّائِقَ وَالرَّاكِبَ وَالْقَائِدَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا يُقْطَعُ وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ قُطِعَ لِأَنَّ الْجُوَالِقَ فِي مِثْلِ هَذَا حِرْزٌ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ صِيَانَتُهَا كَالْكُمِّ فَوُجِدَ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كُلٌّ مِنْ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ حَافِظٌ حِرْزٌ فَيُقْطَعُ فِي أَخْذِ الْجَمَلِ وَالْحِمْلِ وَالْجُوَالِقِ وَالشَّقِّ ثُمَّ الْأَخْذِ. وَأَمَّا الْقَائِدُ فَحَافِظٌ لِلْحِمْلِ الَّذِي زِمَامُهُ بِيَدِهِ فَقَطْ عِنْدَنَا. وَعِنْدَهُمْ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهَا إذَا الْتَفَتَ إلَيْهَا حَافِظٌ لِلْكُلِّ فَالْكُلُّ مُحَرَّزَةٌ عِنْدَهُمْ بِقَوْدِهِ. وَفَرْضُ أَنَّ قَصْدَهُ الْقَطْعُ لِلْمَسَافَةِ وَنَقْلُ الْأَمْتِعَةِ لَا يُنَافِي أَنْ يَقْصِدَ الْحِفْظَ مَعَ ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ ذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوجِبْ الْقَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الرَّاعِي إيَّاهَا فِي الْمَرْعَى وَغَيْبَتِهَا عَنْ عَيْنِهِ أَوْ مَعَ نَوْمِهِ، وَالْقِطَارُ بِكَسْرِ الْقَافِ: الْإِبِلُ يُشَدُّ زِمَامُ بَعْضِهَا خَلْفَ بَعْضٍ عَلَى نَسَقٍ، وَمِنْهُ جَاءَ الْقَوْمُ مُتَقَاطِرِينَ: إذَا جَاءَ بَعْضُهُمْ إثْرَ بَعْضٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَصَاحِبُهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ قُطِعَ. وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْجُوَالِقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِحِرْزٍ كَالطَّرِيقِ) وَالْمَفَازَةِ وَالْمَسْجِدِ (وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ مُحَرَّزًا بِصَاحِبِهِ لِكَوْنِهِ مُتَرَصِّدًا لِحِفْظِهِ. وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحِفْظُ الْمُعْتَادُ، وَالْجُلُوسُ عِنْدَهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ يُعَدُّ حِفْظًا عَادَةً، وَكَذَا النَّوْمُ بِقُرْبٍ مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي عِنْدَ التَّصْحِيحِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ

[فصل في كيفية القطع وإثباته]

وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ حَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ قَالَ (وَيُقْطَعُ يَمِينَ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَيُحْسَمُ) فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَالْيَمِينُ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْيَدَ إلَى الْإِبِطِ، وَهَذَا الْمَفْصِلُ: أَعْنِي الرُّسْغَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَامِعِ: وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ حَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ الْحَافِظِ كَوْنُهُ عِنْدَهُ أَوْ تَحْتَهُ. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ] ظَاهِرُ تَرْتِيبِهِ عَلَى بَيَانِ نَفْسِ السَّرِقَةِ وَتَفَاصِيلِ الْمَالِ وَالْحِرْزِ لِأَنَّهُ حُكْمُ سَرِقَةِ الْمَالِ الْخَالِصِ مِنْ الْحِرْزِ فَيَتَعَقَّبُهُ (فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَا مِنْ قَبْلُ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَالْمَعْنَى يَدَيْهُمَا، وَحُكْمُ اللُّغَةِ أَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ أَنْ يُجْمَعَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَقَدْ يُثَنَّى وَقَالَ: ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ وَالْأَفْصَحُ الْجَمْعُ، وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيَمِينَ. فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ قِرَاءَةٌ مَشْهُورَةٌ فَكَانَ خَبَرًا مَشْهُورًا فَيُقَيِّدُ إطْلَاقَ النَّصِّ، فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ

كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ، وَالْحَسْمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي قَوْلِهِ {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقَدْ قَطَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْيَمِينَ، وَكَذَا الصَّحَابَةُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُرَادًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَكَانَ يَقْطَعُ الْيَسَارَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَنْفَعُ مِنْ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْيَسَارِ، فَلَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ مُرَادًا وَالِامْتِثَالُ يَحْصُلُ بِكُلٍّ لَمْ يَقْطَعْ إلَّا الْيَسَارَ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ مَا أَمْكَنَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الزَّنْدِ وَهُوَ مَفْصِلُ الرُّسْغِ وَيُقَالُ الْكُوعُ فَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ، وَمِثْلُهُ لَا يُطْلَبُ فِيهِ سَنَدٌ بِخُصُوصِهِ كَالْمُتَوَاتِرِ لَا يُبَالِي فِيهِ بِكُفْرِ النَّاقِلِينَ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِمْ أَوْ ضَعْفِهِمْ. وَرُوِيَ فِيهِ خُصُوصُ مُتُونٍ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثِ رِدَاءِ صَفْوَانَ قَالَ فِيهِ " ثُمَّ أُمِرَ بِقَطْعِهِ مِنْ الْمَفْصِلِ " وَضُعِّفَ بِالْعَزْرَمِيِّ. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَارِقًا مِنْ الْمَفْصِلِ» وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا أَعْرِفُ لَهُ حَالًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ رَجُلًا مِنْ الْمَفْصِلِ» وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِرْسَالُ. وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَطَعَا مِنْ الْمَفْصِلِ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، فَمَا نُقِلَ عَنْ شُذُوذٍ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِ الْأُصْبُعِ لِأَنَّ بِهَا الْبَطْشَ، وَعَنْ الْخَوَارِجِ مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ مِنْ الْمَنْكِبِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ هُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَهُمْ لَمْ يَقْدَحُوا فِي الْإِجْمَاعِ قَبْلَ الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَعَلَى مَا إلَى الرُّسْغِ إطْلَاقًا أَشْهَرَ مِنْهُ إلَى الْمَنْكِبِ، بَلْ صَارَ يَتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْيَدِ فَكَانَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِهِ؛ لَئِنْ سَلِمَ اشْتِرَاكُ الِاسْمِ جَازَ كَوْنُ مَا إلَى الْمَنْكِبِ هُوَ الْمُرَادُ وَمَا إلَى الرُّسْغِ، فَيَتَعَيَّنُ مَا إلَى الرُّسْغِ دَرْءًا لِلزَّائِدِ عِنْدَ احْتِمَالِ عَدَمِهِ. وَأَمَّا الْحَسْمُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا إخَالُهُ سَرَقَ فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ، فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: تُبْ إلَى اللَّهِ، قَالَ: تُبْت إلَى اللَّهِ، قَالَ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُجَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمَفْصِلِ ثُمَّ حَسَمَهُمْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ. وَالْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ. وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ: هُوَ أَنْ يُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ، وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْحَسْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ أَمَرَ الْقَاطِعَ بِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ، وَعِنْدَنَا هُوَ عَلَى السَّارِقِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ) يَقْتَضِي وُجُوبَهُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَأْثَمُ. وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً

(فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا جِنَايَةً بَلْ فَوْقَهَا فَتَكُونُ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْحَدِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ يُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّوَافِضُ: يُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُ كَذَلِكَ وَيَدَعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَا يُقْطَعُ) بَلْ يُعَزَّرُ (وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) أَوْ يَمُوتَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» ) وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ قَالَ «جِيءَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ قَالَ: اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَقَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الْخَامِسَةِ قَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ وَرَمَيْنَا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ» قَالَ النَّسَائِيّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ اللَّخْمِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِصٍّ قَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ، فَقُطِعَ، ثُمَّ سَرَقَ فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ الْأَرْبَعُ كُلُّهَا. ثُمَّ سَرَقَ الْخَامِسَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ بِهَذَا حِينَ قَالَ: اُقْتُلُوهُ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَرُوِيَ مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ. فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ. فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَفِي سَنَدِهِ الْوَاقِدِيُّ. وَهُنَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ الطَّعْنِ، وَلِذَا طَعَنَ الطَّحَاوِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِلَّا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي مُشَاوَرَةِ عَلِيٍّ؛ وَلَئِنْ سَلِمَ يُحْمَلُ عَلَى الِانْتِسَاخِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ تَغْلِيظٌ فِي الْحُدُودِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ أَيْدِي الْعُرَنِيِّينَ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ اُنْتُسِخَ ذَلِكَ. وَأَمَّا فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ، فَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَبِيك

وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ: إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ فَقَدُوا عِقْدًا لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ، فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ، فَاعْتَرَفَ الْأَقْطَعُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلٌ أَقْطَعُ. فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ فِي سَرِقَةٍ وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا زِدْت عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُوَلِّينِي شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ فَخُنْته فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطَعَ يَدِي وَرِجْلِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كُنْت صَادِقًا فَلَأُقِيدَنَّكَ مِنْهُ، فَلَمْ يَلْبَسُوا إلَّا قَلِيلًا حَتَّى فَقَدَ آلُ أَبِي بَكْرٍ حُلِيًّا لَهُمْ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَظْهِرْ مَنْ سَرَقَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ، قَالَ: فَمَا انْتَصَفَ النَّهَارُ حَتَّى عَثَرُوا عَلَى الْمَتَاعِ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيْلَك إنَّك لَقَلِيلُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ، فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ الثَّانِيَةَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنَّمَا كَانَ الَّذِي سَرَقَ حُلِيَّ أَسْمَاءَ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُمْنَى فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ رِجْلَهُ الْيُسْرَى. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ أَعْلَمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ هَذَا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُعَزَّزُ وَيُحْبَسُ كَقَوْلِنَا فِي الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ ضَمَّنْته السِّجْنَ حَتَّى يُحْدِثَ خَيْرًا، إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ أَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلٌ يَمْشِي عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ لَا يَقْطَعُ إلَّا الْيَدَ وَالرِّجْلَ. وَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ سَجَنَهُ وَيَقُولُ: إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ السَّارِقُ يَدًا وَرِجْلًا، فَإِذَا أُتِيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ أَدَعَهُ لَا يَتَطَهَّرُ لِصَلَاتِهِ. وَلَكِنْ احْبِسُوهُ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ أَقْطَعُ يَدَهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَمَسَّحُ وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ، أَقْطَعُ رِجْلَهُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَمْشِي، إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ وَخَلَّدَهُ فِي السِّجْنِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ عَنْ السَّارِقِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ. وَأَخْرَجَ عَنْ سِمَاكٍ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَهُمْ فِي سَارِقٍ فَأَجْمَعُوا عَلَى مِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ. وَأَخْرَجَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذَا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، وَلَا تَقْطَعُوا يَدَهُ الْأُخْرَى وَذَرُوهُ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَلَكِنْ احْبِسُوهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَخْرَجَ عَنْ النَّخَعِيِّ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُتْرَكُ ابْنُ آدَمَ مِثْلَ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ، فَبَعِيدٌ أَنْ يَقَعَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ هَذِهِ الْحَوَادِثِ الَّتِي غَالِبًا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا مِثْلُ سَارِقٍ يَقْطَعُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَتَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَالصَّحَابَةُ يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ عِنْدَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمُلَازِمِينَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -،

عَلَيْهَا، بِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَحَجَّهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ، وَلِأَنَّهُ نَادِرُ الْوُجُودِ وَالزَّجْرُ فِيمَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ. وَالْحَدِيثُ طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى السِّيَاسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ أَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ إنْ كَانَ يَنْقُلُ لَهُمْ إنْ غَابُوا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ تَقْضِي الْعَادَةُ، فَامْتِنَاعُ عَلِيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا لِضَعْفِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِتْيَانِ عَلَى أَرْبَعَتِهِ وَإِمَّا لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَدًّا مُسْتَمِرًّا بَلْ مَنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتْلَهُ لَمَّا شَاهَدَ فِيهِ مِنْ السَّعْيِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَبَعْدَ الطِّبَاعِ عَنْ الرُّجُوعِ فَلَهُ قَتْلُهُ سِيَاسَةً فَيَفْعَلُ ذَلِكَ الْقَتْلَ الْمَعْنَوِيَّ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا حَاجَّ عَلِيٌّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَحَجَّهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا) يُشِيرُ إلَى مَا فِي تَنْقِيحِ ابْنِ عَبْدِ الْهَادِي. قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: قَتَلْته إذًا وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ، بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ، فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ. وَقَالَ سَعِيدٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ فَأَمَرَ أَنْ يُقْطَعَ رِجْلُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ اللَّهُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ، فَقَدْ قَطَعْت يَدَ هَذَا وَرِجْلَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقْطَعَ رِجْلَهُ فَتَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ قَائِمَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا، إمَّا أَنْ تُعَزِّرَهُ، وَإِمَّا أَنْ تُودِعَهُ السِّجْنَ فَاسْتَوْدَعَهُ السِّجْنَ. وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ مِنْ اسْتِدْلَالِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُوَافَقَةِ عُمَرَ لَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّهُ إهْلَاكٌ مَعْنًى) هُوَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَتَلْته إذًا (وَالْحَدُّ زَاجِرٌ) لَا مُهْلِكٌ (وَلِأَنَّهُ نَادِرُ الْوُجُودِ) أَيْ يَنْدُرُ أَنْ يَسْرِقَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ (وَالْحَدُّ) لَا يُشْرَعُ إلَّا (فِيمَا يَغْلِبُ) عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ (بِخِلَافِ الْقِصَاصِ) يَعْنِي لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيَّ رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ أَرْبَعَتَهُ قُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ (لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ) لَا يُقَالُ: الْيَدُ الْيُسْرَى مَحَلُّ لِلْقَطْعِ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ مِنْهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَمَلًا بِالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ خَرَجَتْ مِنْ كَوْنِهَا مُرَادَةً وَتَعَيَّنَتْ الْيُمْنَى مُرَادَةً. وَالْأَمْرُ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ وَإِنْ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ أَمْكَنَ، وَإِذَا انْتَفَى إرَادَةُ الْيُسْرَى بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْيِيدِ انْتَفَى مَحَلِّيَّتُهَا لِلْقَطْعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، وَثَبَتَ قَطْعُ

(وَإِذَا كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا أَوْ مَشْيًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِمَا قُلْنَا (وَكَذَا إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ الْأُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَى الْإِبْهَامِ) لِأَنَّ قِوَامَ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ (فَإِنْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَ) لِأَنَّ فَوَاتَ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا ظَاهِرًا فِي الْبَطْشِ، بِخِلَافِ فَوَاتِ الْأُصْبُعَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ وَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّجْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَانْتَفَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْعَدَمِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى) أَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ (لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ (تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا) فِيمَا إذَا كَانَتْ الْيَدُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ مَشْلُولَةً (أَوْ مَشْيًا) إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَتَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ إهْلَاكٌ حَتَّى وَجَبَ تَمَامُ الدِّيَةِ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْيَ لَا يَتَأَتَّى مَعَ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَكَذَا) لَا يُقْطَعُ يَمِينَ السَّارِقِ (إذَا كَانَتْ إبْهَامُ يَدِهِ الْيُسْرَى) أَوْ رِجْلِهِ الْيُسْرَى (مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ الْأُصْبُعَانِ) مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (سِوَى الْإِبْهَامِ) لِأَنَّ فَوْتَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ فَوْتِ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ، بِخِلَافِ فَوْتِ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَيُقْطَعُ، وَلَا يُشْكَلُ أَنَّ الشَّلَلَ وَقَطْعَ الْإِبْهَامِ وَالْأَصَابِعِ لَوْ كَانَ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً قُطِعَتْ فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً، وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ حَيْثُ جُعِلَ الْقَائِمُ مَقَامَ الْإِبْهَامِ الْمُخِلِّ بِالْبَطْشِ فَوَاتُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَهُنَا جَعَلَهُ أُصْبُعَيْنِ لِأَنَّ الْحَدَّ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ) أَيْ لِلَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ فَعَّالٌ مِنْهُ كَالْجَلَّادِ مِنْ الْجَلْدِ (اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ (وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَإِ وَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ) أَرْشَ الْيَسَارِ (وَعِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُ فِي الْخَطَإِ أَيْضًا) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَدَ هَذَا فَقَطَعَ الْيَسَارَ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ كَقَوْلِنَا فِيمَا إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فِي انْتِظَارِ التَّعْدِيلِ ثُمَّ عُدِّلَتْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَتُقْطَعُ يَدُ الْقَاطِعِ قِصَاصًا وَيَضْمَنُ الْمَسْرُوقُ لَوْ كَانَ أَتْلَفَهُ، لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ. وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى يُقْتَصُّ لَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَطْعُ الْيُمْنَى لِمَا عُرِفَ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ) أَيْ الْمُرَادُ (بِالْخَطَأِ) الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ (الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْيُسْرَى بَعْدَ قَوْلِ الْحَاكِمِ اقْطَعْ يَمِينَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي أَنَّ قَطْعَهَا يُجْزِئُ

وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا. وَقِيلَ يُجْعَلُ عُذْرًا أَيْضًا. لَهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُ. قُلْنَا إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَوْضُوعٌ. وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٍ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْحَدَّادِ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الشِّمَالِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا) لِأَنَّهُ بَعِيدٌ يُتَّهَمُ فِيهِ مُدَّعِيهِ، وَعَلَى هَذَا فَالْقَطْعُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَمْدٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعْنَى الْعَمْدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَطْعَ لِلْيَسَارِ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ فِي إجْزَائِهَا (وَقِيلَ) الْخَطَأُ فِي الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ (يُجْعَلُ عَفْوًا أَيْضًا. لِزُفَرَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً. وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُهَا. وَلَنَا أَنَّهُ) إنَّمَا (أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ وَخَطَأُ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ) بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُسَوِّي بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ (وَلَهُمَا) فِي الْعَمْدِ (أَنَّهُ) جَانٍ حَيْثُ (قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً بِلَا تَأْوِيلٍ تَعَمُّدًا لِلظُّلْمِ فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ) لِأَنَّهُ هُوَ لَمْ يَفْعَلْهُ عَنْ اجْتِهَادٍ (وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقَوَدُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ) النَّاشِئَةِ مِنْ إطْلَاقِ النَّصِّ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ) وَإِنْ (أَتْلَفَ) بِلَا حَقٍّ ظُلْمًا لَكِنَّهُ (أَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ) وَهِيَ الْيَمِينُ فَإِنَّهَا لَا تُقْطَعُ بَعْدَ قَطْعِ الْيُسْرَى وَهِيَ خَيْرٌ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهَا أَتَمُّ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ أَخْلَفَ لِأَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَكَانَتْ كَالْفَائِتَةِ فَأَخْلَفَهَا إلَى خَلْفِ اسْتِمْرَارِهَا وَبَقَائِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، لِأَنَّهُ وَإِنْ امْتَنَعَ بِهِ قَطْعُ يَدِهِ لَكِنْ لَمْ يُعَوِّضْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أُتْلِفَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ، وَأَمَّا إنْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَلَمْ يُعَوِّضْ عَلَيْهِ شَيْئًا أَصْلًا وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ بِبَيْعِ عَبْدٍ بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ شَهِدَا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْإِخْلَافِ بِقَطْعِ يَسَارِهِ (غَيْرِ الْحَدَّادِ أَيْضًا) لِلْإِخْلَافِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ

وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ قَطْعَهُ بِأَمْرِهِ. ثُمَّ فِي الْعَمْدِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا. وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاجْتِهَادِ لَا يَضْمَنُ (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبُ بِالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِخُصُومَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا قَطَعَ الْحَدَّادُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَهُ غَيْرُهُ فَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ وَفِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ أَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي) فَقَطَعَهَا (لَا يَضْمَنُ) وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ (بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ ثُمَّ فِي الْعَمْدِ عِنْدَهُ عَلَى السَّارِقِ ضَمَانُ الْمَالِ) إذَا كَانَ اسْتَهْلَكَهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا فَفِي الْخَطَإِ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) أَعْنِي طَرِيقَةَ عَدَمِ وُقُوعِهِ حَدًّا. وَقِيلَ طَرِيقَةُ الْإِخْلَافِ وَلَازِمُهَا عَدَمُ وُقُوعِهِ حَدًّا فَكِلَاهُمَا وَاحِدٌ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى اللَّفْظِ (وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاجْتِهَادِ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ الْحَدِّ وَالْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَإِنَّمَا خَصَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى السَّارِقِ فِي عَمْدِ الْقَطْعِ مَعَ أَنَّهُمَا أَيْضًا يَضْمَنَانِهِ لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْحَدَّادِ ضَمَانًا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَطْعَ الْحَدَّادِ وَقَعَ حَدًّا وَلِذَا لَمْ يَضْمَنْهُ، فَأَزَالَ الْوَهْمَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهُ لِإِخْلَافِهِ لَا لِوُقُوعِهِ حَدًّا (قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبُ بِالسَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ) وَالْخَصْمُ هُوَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَالَبَةُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَكَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ) هُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ كَالْبَيِّنَةِ. يَعْنِي إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ إنِّي سَرَقْت مَالَ فُلَانٍ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ حَتَّى يَحْضُرَ فُلَانٌ وَيَدَّعِي. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ خُصُومَةَ الْعَبْدِ لَيْسَ إلَّا لِيَظْهَرَ سَبَبُ الْقَطْعِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَبِالْإِقْرَارِ يَظْهَرُ السَّبَبُ فَلَا حَاجَةَ إلَى ظُهُورِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ فَهُوَ لِلْمُقِرِّ ظَاهِرًا. وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ ثُمَّ لِحَاضِرٍ جَازَ، وَلِأَنَّ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ بِإِبَاحَةِ الْمَالِكِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِطَائِفَةِ السَّارِقِ مِنْهُمْ ثَابِتَةٌ. وَكَذَا شُبْهَةُ وُجُودِ

وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ (وَلِلْمُسْتَوْدَعِ وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَقْطَعُوا السَّارِقَ مِنْهُمْ) وَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَيْضًا، وَكَذَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَوْدَعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ، وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْنِهِ لَهُ فِي دُخُولِهِ فِي بَيْتِهِ فَاعْتُبِرَتْ الْمُطَالَبَةُ دَفْعًا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ. بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ بِإِبَاحَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَمْ تَتَمَكَّنْ فِيهِ هَذِهِ الشُّبْهَةُ. وَالْحَقُّ احْتِمَالُ إبَاحَةِ الْمَالِكِ وَنَحْوِهِ هِيَ الشُّبْهَةُ الْمَوْهُومَةُ الَّتِي سَيَنْفِيهَا الْمُصَنِّفُ وَسَيَتَّضِحُ لَك، فَالْمُعَوِّلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مِلْكَ الْمُقَرَّرِ قَائِمٌ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُقَرُّ لَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا غَابَ) الْمَسْرُوقُ مِنْهُ (عِنْدَ الْقَطْعِ) لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَحْضُرَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِمَالِكٍ (لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ) عَلَى مَا مَرَّ، وَعَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَكُونُ التَّشْبِيهُ فِي ثُبُوتِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ كَقَوْلِنَا، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطُ شَرْعٍ مِنْ بَيَانِ مَنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ فَقَالَ (وَلِلْمُسْتَوْدَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَقْطَعُوا السَّارِقَ مِنْهُمْ) أَيْ إذَا سَرَقَ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ، وَأَمَّا صَاحِبُ الرِّبَا فَكَالْمُشْتَرِي عَشَرَةً بِخَمْسَةٍ إذَا قَبَضَ الْعَشَرَةَ فَسَرَقَهَا سَارِقٌ قَطَعَ بِخُصُومَتِهِ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ. إذْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَالْمَغْصُوبِ (وَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ) يُخَاصِمَهُ وَ (يَقْطَعَهُ أَيْضًا) كَمَا لِلْمُودَعِ (وَكَذَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَوْدَعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ) كَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ يَقْطَعُ السَّارِقَ لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ بِخُصُومَتِهِمْ (وَيُقْطَعُ أَيْضًا السَّارِقُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ) بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ (إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ) وَالصَّحِيحُ مِنْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ،

حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ بِدُونِهِ. وَالشَّافِعِيُّ بَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ لَا خُصُومَةَ لِهَؤُلَاءِ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَهُ. وَزُفَرُ يَقُولُ: وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ ضَرُورَةُ الْحِفْظِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الصِّيَانَةِ. وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا، وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مُطْلَقًا إذْ الِاعْتِبَارُ لِحَاجَتِهِمْ إلَى الِاسْتِرْدَادِ فَيَسْتَوْفِي الْقَطْعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي رَدِّهَا، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْقَضَاءِ. وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَوَابَ الْقِيَاسِ: يَعْنِي أَنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ كَالْمُودَعِ يَسْتَرِدُّهُ لِلْحِفْظِ فَلَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَهْلِكًا لَا يُقْطَعُ إلَّا بِخُصُومَةِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ سَقَطَ عَنْ الرَّاهِنِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِي مُطَالَبَتِهِ بِالْعَيْنِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلْحِفْظِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلرَّاهِنِ وِلَايَةُ الْقَطْعِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَزْيَدَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ عَشَرَةٍ، لِأَنَّ الزَّائِدَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ الْمُرْتَهِنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ كَالْمُودَعِ وَالرَّاهِنُ كَالْمُودَعِ فَيُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ (قَوْلُهُ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَاهُ) أَيْ بَنَى عَدَمَ الْقَطْعِ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ (عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ أَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُمْ فِي الِاسْتِرْدَادِ) عِنْدَ جُحُودِ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ الْمُودَعُ كَأَبْنَاءِ غَيْرِ الْمُودَعِ، إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ لِإِبْقَاءِ الْيَدِ، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكُوهَا لِإِعَادَةِ الْيَدِ أَوْلَى. قِيلَ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِهِمْ يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا يَقُولُ مَالِكٌ وَيَزِيدُ الْمُسْتَعِيرَ أَيْضًا (وَزُفَرُ يَقُولُ: وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ ضَرُورَةُ الْحِفْظِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَطْعِ (تَفْوِيتَ الصِّيَانَةِ) لِسُقُوطِ الضَّمَانِ بِهِ فَيَفُوتُ الْحِفْظُ فَيَعُودُ الْأَمْرُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ إذْ تَصِيرُ خُصُومَتُهُ لِإِثْبَاتِ الْحِفْظِ سَبَبًا لِنَفْيِهِ (وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا، وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مُطْلَقًا) وَهَذِهِ النُّكْتَةُ هِيَ مَبْنَى الْخِلَافِ: أَعْنِي كَوْنَ خُصُومَتِهِمْ مُعْتَبَرَةً فَأَثْبَتَهَا بِقَوْلِهِ (إذْ الِاعْتِبَارُ لِحَاجَتِهِمْ إلَى الِاسْتِرْدَادِ)

وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُصُومَةِ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةِ الِاعْتِرَاضِ كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهُوَ بِالْيَدِ فَكَانَ اسْتِعَادَتُهَا حَقًّا لَهُمْ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ لِلْمَالِكِ بَلْ الْمِلْكُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُرَدَّ إلَّا لِلْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَا الْيَدِ إنْ كَانَ أَمِينًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ فَكَانَ خُصُومَةً فِي حَقٍّ لَهُمْ ثُمَّ تَظْهَرُ بِهِ السَّرِقَةُ فَيَجِبُ بِهَا الْقَطْعُ، وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى إضَافَةِ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ بَلْ يَقُولُ سَرَقَ مِنِّي وَقَصْدُهُ إحْيَاءُ حَقِّ الْمَالِكِ وَحَقِّ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ خُصُومَتِهِ فِي الْقِصَاصِ لَا تُعْتَبَرُ فَلَا يُقْتَصُّ بِخُصُومَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقُّهُ فِي إعَادَةِ يَدِهِ. وَأَوْرَدَ أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِحُضُورِ الْمَالِكِ وَهُوَ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ وَكِيلُ الْمَالِكِ بَيِّنَةً عَلَى السَّرِقَةِ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مَعَ ظُهُورِ السَّرِقَةِ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فِيهِمَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِتَوَهُّمِ الشُّبْهَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَالتَّوَهُّمُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ يُقْطَعُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَصْحَابُ يَدٍ صَحِيحَةٍ، وَبَيَّنَّا أَنَّ لَهُمْ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فَخُصُومَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ. وَفِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ هِيَ جَوَازُ أَنْ يَرُدَّ الْمَالِكُ إقْرَارَهُ فَيَبْقَى الْمَالُ مَمْلُوكًا لِلسَّارِقِ فَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ مَعَ ذَلِكَ اسْتِيفَاءٌ مَعَ الشُّبْهَةِ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ بِقَوْلِهِ (وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ) حَقًّا لِلَّهِ وَإِنْ لَزِمَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَا دَائِمِيٍّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَهْلَكًا فَلَيْسَ لَازِمًا لِلْقَطْعِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ مُهْدَرٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ بِخُصُومَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِسَرِقَةِ مَالِ الْيَتِيمِ وَإِنْ لَزِمَهُ سُقُوطُ الضَّمَانِ فَكَانَ تَعْلِيلُهُ لِذَلِكَ مَرْدُودًا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةٍ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنْ يُقَالَ احْتِمَالُ إقْرَارِ الْمَالِكِ لَهُ: أَيْ اعْتِرَافُهُ بِأَنَّهَا لَهُ وَإِذْنُهُ إذَا حَضَرَ ثَابِتٌ فَلَا يُقْطَعُ مَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَقَالَ هَذِهِ شُبْهَةٌ يُتَوَهَّمُ اعْتِرَاضُهَا عِنْدَ حُضُورِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمِثْلِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ شُبْهَةٌ ثَابِتٌ تَوَهُّمُهَا فِي الْحَالِ لَا عَلَى تَقْدِيرٍ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْقَطْعَ يُسْتَوْفَى بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ تُوُهِّمَ اعْتِرَاضُ رُجُوعِهِ، وَكَذَا لَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُسْتَوْدَعُ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ حَضَرَ الْمُسْتَوْدَعُ قَالَ كَانَ ضَيْفِي أَوْ أَذِنْت لَهُ فِي الدُّخُولِ فِي بَيْتِي، وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِلْخُصُومَةِ مِنْ احْتِمَالِ إبَاحَةِ الْمَالِكِ الْمَسْرُوقَ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ جَازَ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ قَالَ كُنْت أَبَحْته لِلْمُسْلِمِينَ

فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ ثَابِتَةً (وَإِنْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي) لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا، وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لِطَائِفَةٍ السَّارِقُ مِنْهُمْ كَمَا جَازَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ سِرًّا، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ شُبْهَةً مَوْهُومَةً لَا تُعْتَبَرُ فَكَذَلِكَ تِلْكَ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ تِلْكَ بِسَبَبِ قِيَامِ احْتِمَالِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا عَلَى تَقْدِيرِ حُضُورِهِ الْمُنْتَفِي فِي الْحَالِ فَهَذِهِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْمَالِكِ كَانَ أَذِنَ لَهُ أَوْ أَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِهِ قَائِمٌ فِي الْحَالِ. وَقَوْلُهُ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَقْطَعَهُ حَالَ غَيْبَةِ الْمُسْتَوْدَعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ مَالِكِهِ سَوَاءٌ قُطِعَ السَّارِقُ الْأَوَّلُ أَوْ لَا. وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَى السَّارِقِ ضَمَانُهُ كَانَ سَاقِطَ التَّقَوُّمِ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَالِكِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ لَهُ فَيَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ وَلَا يَدَ أَمَانَةٍ وَلَا يَدَ مِلْكٍ فَكَانَ الْمَسْرُوقُ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا قَطْعَ فِيهِ. وَرُوِيَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ قَطَعْت الْأَوَّلَ لَمْ أَقْطَعْ الثَّانِي وَإِنْ دَرَأْت الْقَطْعَ عَنْ الْأَوَّلِ لِشُبْهَةٍ قَطَعْت الثَّانِي. وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ لِأَبِي يُوسُفَ. وَأَطْلَقَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَدَمَ قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ أَمَانَةٍ وَلَا يَدَ مِلْكٍ فَكَانَ ضَائِعًا وَلَا قَطْعَ فِي أَخْذِ مَالٍ ضَائِعٍ. قُلْنَا: بَقِيَ أَنْ يَكُونَ يَدَ غَصْبٍ وَالسَّارِقُ مِنْهُ يُقْطَعُ فَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ (وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ)

(وَلَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَ مَا دُرِئَ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ (وَمَنْ) (سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ) إلَى الْحَاكِمِ (لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةَ ضَرُورَةِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ وَلَا أَمَانَةٍ وَلَا مِلْكٍ وَالرَّدُّ مِنْهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْهُ إلَى الْمَالِكِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ هَذَا الْحَالُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الثَّانِي إذَا رَدَّهُ لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَإِلَّا حَفِظَهُ كَمَا يَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغُيَّبِ (وَلَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَ مَا دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ) بَدْءًا (كَ) يَدِ (الْغَاصِبِ) (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا رَدَّهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ) الَّتِي هِيَ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ فَكَانَتْ شَرْطًا فِي الْقَطْعِ، وَالْخُصُومَةُ لَا تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّهَا أَعْنِي الْخُصُومَةَ الْمُوجِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. وَهِيَ (إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةً لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ) الْمُنَازَعَةُ بِالرَّدِّ (بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَكَذَا بَعْدَ سَمَاعِهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا لِظُهُورِ السَّرِقَةِ عِنْدَ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ بَعْدَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَإِذَا رُدَّ الْمَالُ لِلْخُصُومَةِ حَصَلَ مَقْصُودُهَا وَبِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الشَّيْءِ يَنْتَهِي وَبِالِانْتِهَاءِ يَتَقَرَّرُ فِي نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْخُصُومَةُ قَائِمَةً لِقِيَامِ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ قُطِعَ بَعْدَ رَدِّهِ. وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بَيْنَ أَنْ يُرَدَّ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ أَوْ يَدِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ، وَلِذَا يَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُودَعُ بِالرَّدِّ إلَيْهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ مِلْكٍ فِي مَالِهِ، فَالرَّدُّ إلَيْهِمْ رَدٌّ إلَيْهِ حُكْمًا وَذَلِكَ كَافٍ فِي الرَّدِّ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّ إلَى ابْنِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ الْمُحَرَّمَةِ كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ يَبْرَأُ فَلَا يُقْطَعُ كَمَا لَوْ رَدَّهُ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى غُلَامَهُ أَوْ مُسَانَهَةً يَبْرَأُ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ فَلَا يُقْطَعُ. وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَرَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ الْعِيَالِ وَرَدَّهُ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ: أَيْ سَرَقَ مِنْ شَخْصٍ وَرَدَّهُ إلَى مَنْ يَعُولُ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ يَبْرَأُ وَلَا يُقْطَعُ. وَيَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُودَعُ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى مَنْ يَعُولُ الْمُودِعَ. وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَأَقَارِبِهِ

(وَإِذَا قُضِيَ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ) مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ (وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا الْمَالِكُ إيَّاهُ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا وَظُهُورًا، وَبِهَذَا الْعَارِضِ لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ فَلَا شُبْهَةَ. وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالِاسْتِيفَاءِ، إذْ الْقَضَاءُ لِلْإِظْهَارِ وَالْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَرَّمَةِ الَّذِينَ فِي عِيَالِهِ وَلَا إلَى الزَّوْجَةِ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا قُضِيَ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوَهَبَهَا لَهُ الْمَالِكُ) وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ (لَا يُقْطَعُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ) وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ (يُقْطَعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا) بِفِعْلِهَا بِلَا شُبْهَةٍ (وَظُهُورًا) عِنْدَ الْحَاكِمِ وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ، وَلَا شُبْهَةَ فِي السَّرِقَةِ إلَّا لَوْ صَحَّ اعْتِبَارُ عَارِضِ الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ مُتَقَدِّمًا لِيَثْبُتَ اعْتِبَارُهُ (وَقْتَ السَّرِقَةِ) وَلَا مُوجِبَ لِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ (فَلَا شُبْهَةَ) فَيُقْطَعُ. وَمِمَّا يَنْفِي صِحَّةَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ مَا فِي «حَدِيثِ صَفْوَانَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُرِدْ هَذَا، رِدَائِي عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، زَادَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَتِهِ «فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالسَّرِقَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ بِالْإِقْرَارِ يَظْهَرُ الْمِلْكُ السَّابِقُ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ) يَعْنِي اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ بِالْفِعْلِ (مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ) فَمَا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْطَعُ فَكَذَا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَالشَّأْنُ فِي بَيَانِ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ هُوَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي حَدِّ الزِّنَا، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا كَانَ هَذَا هُنَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ هُوَ مِنْ قَبْلُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَضَاءِ (بِالِاسْتِيفَاءِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْضِ بَعْدَ تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ بِاللَّفْظِ بَلْ أَمَرَ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ اسْتَوْفَى هُوَ الْحَدَّ بِنَفْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ بِاللَّفْظِ لَيْسَ إلَّا إظْهَارُ الْحَقِّ لِلْمُسْتَحِقِّ وَالْمُسْتَحِقُّ هُنَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْحَقُّ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الْإِظْهَارِ فَلَا حَاجَةَ

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ. قَالَ (وَكَذَا إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ النِّصَابِ) يَعْنِي قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ. وَلَنَا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ النُّقْصَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْقَضَاءِ لَفْظًا، بَلْ وَلَا يُفِيدُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْهُ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ (يُشْتَرَطُ قِيَامُهَا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ) كَمَا عِنْدَ الْقَضَاءِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بِالْهِبَةِ، بِخِلَافِ رَدِّهِ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ لِأَنَّ بِهِ تَنْتَهِي الْخُصُومَةُ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ بَعْدَهُ مُتَقَرِّرَةً فَيُقْطَعُ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَفِي رِوَايَةٍ كَمَا ذُكِرَ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ: أَنَا أَبِيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ. وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ لَمْ يَذْكُرْ ذَاكَ بَلْ قَوْلُهُ مَا كُنْت أُرِيدُ هَذَا، وَقَوْلُهُ أَيُقْطَعُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فِي ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا؟ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي الْهِبَةِ، ثُمَّ الْوَاقِعَةُ وَاحِدَةٌ فَكَانَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ اضْطِرَابٌ، وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ. وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ قَوْلِهِ هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ كَانَ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ السَّرِقَةِ أَيْ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ عَنْ الْعَشَرَةِ لَا يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ: يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ ذَاتُ الْعَيْنِ نَاقِصَةً وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْبَاقِي مِنْهَا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ كَذَلِكَ (وَلَنَا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ كَمَالُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي نُقْصَانِ الْقِيمَةِ (بِخِلَافِ نُقْصَانِ

فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَمُلَ النِّصَابُ عَيْنًا وَدَيْنًا، كَمَا إذَا اُسْتُهْلِكَ كُلُّهُ، أَمَّا نُقْصَانُ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا. (وَإِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ. وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ (وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْنِ لِأَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) فَكَانَ الثَّابِتُ عَنْهُ الْقَطْعَ نِصَابًا كَامِلًا بَعْضُهُ دَيْنٌ وَبَعْضُهُ عَيْنٌ، بِخِلَافِ نُقْصَانِ السِّعْرِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ وَذَا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ فَلَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَمَعْنَى فَلَمْ يُقْطَعْ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ السَّارِقُ اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ ثُمَّ يَسْقُطُ ضَمَانُهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَيِّنَةٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ بَعْدَمَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِهِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَمْ أَسْرِقْ بَلْ هُوَ مِلْكِي فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْمَالُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ) وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَطْعِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ، إذْ لَا يَعْجِزُ سَارِقٌ عَنْ هَذَا. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ قِيلَ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ قُطِعَ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ كَذِبُهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَوْلَى الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَهِيَ احْتِمَالُ صِدْقِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ) مِنْ أَنَّهُ يُفْضِي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ (بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ) إجْمَاعًا. وَالسَّارِقُ لَا يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُ شُبْهَةً دَارِئَةً إذَا رَجَعَ، عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا مِنْ السُّرَّاقِ أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ كَالْفُقَهَاءِ وَهُمْ لَا يَسْرِقُونَ غَالِبًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ: أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ مِنْهُمَا وَيُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ. لِأَنَّ السَّرِقَةَ ثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهِمَا

عَلَى الشَّرِكَةِ (فَإِنْ سَرَقَا ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا) وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ. وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْغَيْبَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَبْقَى مَعْدُومًا وَالْمَعْدُومُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا مَرَّ (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالْعَشَرَةُ لِلْمَوْلَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَالْعَشَرَةُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَمَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى (وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الشَّرِكَةِ) فَتَتَّحِدُ فَتَعْمَلُ الشُّبْهَةُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ فَإِنْ سَرَقَا ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ) الْحَاضِرُ مِنْهُمَا (فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا) وَقَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ إنْ حَضَرَ) الْغَائِبُ (رُبَّمَا يَدَّعِي شُبْهَةً) وَالسَّرِقَةُ وَاحِدَةٌ فَتَعْمَلُ فِي حَقِّهِمَا (وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْغَيْبَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَبْقَى مَعْدُومًا) فَإِنَّمَا عَمِلَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ فَقَطْ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَوَهُّمِ حُدُوثِ شُبْهَةٍ عَلَى مَا مَرَّ) فِي خِلَافِيَّةِ زُفَرَ فِي الْقَطْعِ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ، ثُمَّ لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ تُعَادَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ تَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مَعَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَيُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ بَاقِي الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا) حَاصِلُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ إمَّا مَأْذُونٌ لَهُ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ فَالْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ يُقْطَعُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا ضَمَانَ مَعَ الْقَطْعِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يَضْمَنُ الْمَالَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ قُطِعَ عِنْدَ

وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى نَفْسِهِ وَطَرَفِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ وَالْمَالِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ. وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا، وَنَحْنُ نَقُولُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا قُطِعَ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَيُرَدُّ الْمَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يُرَدُّ الْمَالُ. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا، فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ. وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ فَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ، أَوْ مَأْذُونًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ. وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ فِي هَذَا. أَعْنِي إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِقَائِمَةٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْطَعُ وَتُرَدُّ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَرِقَتِهَا مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ الْمُقَرُّ لَهُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: سَمِعْت أُسْتَاذِي ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ: الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْحُمْلَانِ فِي الزَّكَاةِ. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فِي إقْرَارِهِ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي، أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي الْقَطْعِ وَرَدُّ الْمَالِ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِهِ اتِّفَاقًا، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ مَعَ زُفَرَ فَقَالَ (إنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ إقْرَارَهُ) بِهَا (يُرَدُّ) أَثَرُهُ (عَلَى نَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ) بِالْإِتْلَافِ (وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى) فَالْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارٌ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ (وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ) لَمَّا تَضَمَّنَ إقْرَارُهُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ وَالطَّرَفِ وَبَطَلَ فِي الطَّرَفِ (يُؤَاخَذُ) بِالْمَالِ (بِضَمَانِهِ) إنْ كَانَ هَالِكًا وَيَرُدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا (لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّطًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى) حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ (وَنَحْنُ نَقُولُ الْإِقْرَارُ بِهَا مِنْهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ أَثَرَ الْإِقْرَارِ بِهَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ آدَمِيٌّ) لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ مِلْكِهِ؛ أَلَا

ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَضْرَارِ، وَمِثْلُهُ مَقْبُولٌ عَلَى الْغَيْرِ. لِمُحَمَّدٍ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ فَيَبْقَى مَالُ الْمَوْلَى، وَلَا قَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ فِي سَرِقَةِ مَالِ الْمَوْلَى. يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا وَالْقَطْعُ تَابِعٌ حَتَّى تُسْمَعَ الْخُصُومَةُ فِيهِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ دُونَهُ، وَفِي عَكْسِهِ لَا تُسْمَعُ وَلَا يَثْبُتُ، وَإِذَا بَطَلَ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ بَطَلَ فِي التَّبَعِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا. وَلِأَبِي يُوسُف أَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ كَانَ مُبْقًى فِيهِ عَلَى أَصْلِ الْآدَمِيَّةِ فَيَمْلِكُهُ هُوَ كَالطَّلَاقِ (وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ) لِيَبْطُلَ فِي حَقِّ السَّيِّدِ لِأَنَّ ضَرَرَهُ الرَّاجِعَ إلَيْهِ بِهِ فَوْقَ ضَرَرِ الرَّاجِعِ بِهِ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْفُذُ عَلَى الْغَيْرِ، كَمَا إذَا شَهِدَ الْعَبْدُ الْعَدْلُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ حَتَّى يَلْزَمَ جَمِيعَ النَّاسِ صَوْمُهُ، لِأَنَّ مَا لَزِمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَرْعٌ لَزِمَهُ مِثْلُهُ فَنَفَذَ فِي حَقِّهِمْ تَبَعًا لِنَفَاذِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمُفْلِسُ بِعَمْدِ الْقَتْلِ يُقْتَلُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ دُيُونِ النَّاسِ. وَ (لِمُحَمَّدٍ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ بَاطِلٌ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْغَصْبِ فَيَبْقَى مَا فِي يَدِهِ مَالُ الْمَوْلَى) إذْ الْفَرْضُ تَكْذِيبُ الْمَوْلَى لَهُ فِي إقْرَارِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالِ الْمَوْلَى وَبِسَرِقَةِ مَالِ الْمَوْلَى لَا يُقْطَعُ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَتِمُّ الْوَجْهُ. وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ يُؤَيِّدُهُ إلَخْ زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ: أَيْ يُؤَكِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ (أَنَّ الْمَالَ) فِي لُزُومِ الْقَطْعِ (أَصْلٌ وَالْقَطْعُ تَابِعٌ) وَالتَّابِعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَ مَتْبُوعِهِ، فَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ لِلْغَيْرِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. وَبَيَانُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ أَنَّ الْخُصُومَةَ تُسْمَعُ فِي السَّرِقَةِ فِي حَقِّ الْمَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ فَقَطْ سُمِعَتْ وَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ (وَ) لِذَا (يَثْبُتُ الْمَالُ) فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ بِلَا قَطْعٍ فِيمَا لَوْ ادَّعَاهَا وَأَقَامَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ شَهِدُوا بِهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْمَالِ (دُونَ الْقَطْعِ) وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ (وَفِي عَكْسِهِ لَا تُسْمَعُ) حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أُرِيدُ الْقَطْعَ دُونَ الْمَالِ لَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ فَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا لِلْمَالِ، وَقَدْ انْتَفَى الْمَالُ بِمَا قُلْنَا فَانْتَفَى الْقَطْعُ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ) أَيْ أَقَرَّ بِمَا

بِالْقَطْعِ وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَبِالْمَالِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ فِيهِ، وَالْقَطْعُ يُسْتَحَقُّ بِدُونِهِ؛ كَمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو وَزَيْدٌ يَقُولُ هُوَ ثَوْبِي يُقْطَعُ يَدُ الْمُقِرِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُصَدَّقُ فِي تَعْيِينِ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ مِنْ زَيْدٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا فَيَصِحُّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ، وَالْمَالُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ تَابِعٌ لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُطَ عِصْمَةُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ وَيُسْتَوْفَى الْقَطْعُ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ. بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْمُودَعِ. أَمَّا لَا يَجِبُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ مَالَ الْمَوْلَى فَافْتَرَقَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوجِبُ شَيْئَيْنِ (الْقَطْعَ وَهُوَ) إقْرَارٌ (عَلَى نَفْسِهِ) فَيُقْطَعُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مَعَ زُفَرَ مِنْ وَجْهِ صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (وَالْمَالَ وَهُوَ) إقْرَارٌ (عَلَى الْمَوْلَى) وَهُوَ يُكَذِّبُهُ (فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْقَطْعُ يُسْتَحَقُّ بِدُونِ الْمَالِ) كَمَا إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ (وَكَمَا لَوْ قَالَ حُرٌّ: هَذَا الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو، وَزَيْدٌ يَقُولُ هُوَ ثَوْبِي يُقْطَعُ) وَلَا يُنْزَعُ الثَّوْبُ مِنْ زَيْدٍ إلَى عَمْرٍو فَيُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي حَقِّ الْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا) فِي الْكَلَامِ مَعَ زُفَرَ مِنْ أَنَّهُ آدَمِيٌّ إلَى آخِرِهِ، وَيَلْزَمُهُ صِحَّتُهُ بِالْمَالِ أَنَّهُ لِغَيْرِ الْمَوْلَى لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَجِبَ الْقَطْعُ شَرْعًا بِمَالٍ مَسْرُوقٍ لِلْمَوْلَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَهُوَ مَلْزُومٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ بِكَوْنِ الْمَالِ لِلْمُقَرِّ لَهُ إذْ لَا قَطْعَ بِمَالِ السَّيِّدِ وَإِلَى هُنَا يَتِمُّ الْوَجْهُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ وَالْمَالُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ تَابِعٌ لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُطَ عِصْمَةُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ وَيَسْتَوْفِي الْقَطْعَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ) زِيَادَةً لَا تَظْهَرُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحُرِّ) يُرِيدُ إلْزَامَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو وَيُقْطَعُ بِهِ وَلَا يُدْفَعُ لِعَمْرٍو، فَكَذَا جَازَ أَنْ يُقْطَعَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ فَقَالَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْقَطْعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَحْمُولٌ عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِعَمْرٍو وَأَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ غَصْبٌ

وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُقْطَعُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ قَالَ (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا) لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ (وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِهْلَاكَ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ قَدْ اخْتَلَفَ سَبَبَاهُمَا فَلَا يَمْتَنِعَانِ فَالْقَطْعُ حَقُّ الشَّرْعِ وَسَبَبُهُ تَرْكُ الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ. وَالضَّمَانُ حَقُّ الْعَبْدِ وَسَبَبُهُ أَخْذُ الْمَالِ فَصَارَ كَاسْتِهْلَاكِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ مَمْلُوكَةٍ لِذِمِّيٍّ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَادِّعَاءُ زَيْدٍ أَنَّ الثَّوْبَ لَهُ جَازَ كَوْنُهُ إنْكَارًا لِلْوَدِيعَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمُقِرَّ لَيْسَ خَصْمًا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْقَطْعُ بِسَرِقَةِ ثَوْبِ مُودَعٍ أَوْ مَغْصُوبٍ ثَابِتٌ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الثَّوْبَ وَدِيعَةً لِلْمَوْلَى أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ سَرِقَةَ مَالِ الْمَوْلَى وَبِهِ لَا يُقْطَعُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِهْلَاكَ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَضْمَنْ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَهُ فِيهِ جِنَايَةٌ ثَانِيَةٌ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْهَلَاكِ وَلَا جِنَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فِيهِ أَوْلَى (وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ) وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ سِيرِينَ (وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْبَتِّيِّ وَإِسْحَاقَ وَحَمَّادٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ السَّارِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، وَلَا خِلَافَ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ. وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ قَبْلَهُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ. وَجْهُ قَوْلِهِمْ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَمْلُوكًا عُدْوَانًا فَيَضْمَنُهُ قِيَاسًا عَلَى الْغَصْبِ، وَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ مُنَافَاةٌ بَيْنَ حَقَّيْ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ، وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَقُّ اللَّهِ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَالْآخَرُ حَقُّ الضَّرَرِ فَيُقْطَعُ حَقًّا لِلَّهِ وَيَضْمَنُ حَقًّا لِلْعَبْدِ (وَصَارَ كَاسْتِهْلَاكِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَمِ) يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَيَضْمَنُهُ حَقًّا لِلْعَبْدِ (وَكَشُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ) عَلَى قَوْلِكُمْ فَإِنَّكُمْ تَحُدُّونَهُ حَقًّا لِلَّهِ وَتُغَرِّمُونَهُ قِيمَتَهَا حَقًّا لِلذِّمِّيِّ فَهَذَا إلْزَامِيٌّ فَإِنَّهُمْ لَا يُضَمِّنُونَهُ الْخَمْرَ بِاسْتِهْلَاكِهَا (وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيمَا رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْت سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَخِيهِ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي، وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَبْقَى مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ لَكَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ قَالَ «لَا يَغْرَمُ صَاحِبُ سَرِقَةٍ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ» وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ» وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ جَدُّهُ، فَإِنَّهُ مِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ آخَرُ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ الْفُرَاتِ رَوَاهُ عَنْ الْمُفَضَّلِ فَأَدْخَلَ بَيْنَ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا مَجْهُولٌ، وَقِيلَ إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ. وَعِنْدَنَا الْإِرْسَالُ غَيْرُ قَادِحٍ بَعْدَ ثِقَةِ الرَّاوِي وَأَمَانَتِهِ، وَذَلِكَ السَّاقِطُ إنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ فَقَدْ عُرِفَ وَبَطَلَ الْقَدْحُ بِهِ. وَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى غُرْمِ السَّارِقِ أُجْرَةُ الْقَاطِعِ مَدْفُوعٌ بِرِوَايَةِ الْبَزَّارِ: «لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ سَرِقَتَهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ» وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بَعْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَهُ) وَلَا قَطْعَ فِي مِلْكِهِ لَكِنَّ الْقَطْعَ ثَابِتٌ قَطْعًا (فَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي) وَالْمُؤَدِّي إلَيْهِ الضَّمَانُ فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ (وَلِأَنَّ الْمَسْرُوقَ لَا يَبْقَى مَعَ الْقَطْعِ مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ كَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ) وَإِنَّمَا حَرُمَ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ فَكَانَ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ شُبْهَةً فِي السَّرِقَةِ، إذْ الشُّبْهَةُ لَيْسَتْ إلَّا كَوْنُ الْحُرْمَةِ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ، لَكِنَّ الْحَدَّ وَهُوَ الْقَطْعُ ثَابِتٌ إجْمَاعًا (فَكَانَ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ) فَقَطْ (كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ) وَلَا يُقَالُ جَازَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ وَنَفْسِهِ كَالزِّنَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: مَا فُرِضَ فِيهِ الْكَلَامُ وَهُوَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ لَا يَكُونُ قَطُّ مُحَرَّمًا إلَّا لِغَيْرِهِ. وَوَقْتُ اسْتِخْلَاصِهِ الْحُرْمَةُ لِنَفْسِهِ تَعَالَى قُبَيْلَ فِعْلِ السَّرِقَةِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ تَعَالَى أَنَّهَا تَتَّصِلُ بِهَا السَّرِقَةُ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ لَنَا ذَلِكَ بِتَحَقُّقِ الْقَطْعِ، فَإِذَا قُطِعَ عَلِمْنَا أَنَّهُ اسْتَخْلَصَ الْحُرْمَةَ حَقًّا لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَالِ، كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ الْأَبَ مَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَارِيَةَ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ مِنْ الِابْنِ لَهُ بِظُهُورِ دَعْوَاهُ وَلَدَهَا لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ شُرِعَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ بِدَعْوَاهُ فَعَلِمْنَا حُكْمَهُ تَعَالَى بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا إلَيْهِ قَبْلَ الْوَطْءِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ

إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرِ السَّرِقَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الشُّبْهَةُ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ دُونَ غَيْرِهِ. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ، وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى اتِّصَالَ الْوَطْءِ بِهَا، وَكَذَا فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَى سَبْقِ الشَّرْطِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ فِي الضَّمَانِ بِالِاسْتِهْلَاكِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ الْعِصْمَةَ انْتَقَلَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَارَ الْمَسْرُوقُ كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْحَالُ؟ فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ فِعْلٍ آخَرَ) إنَّمَا الضَّرُورَةُ فِي نَفْيِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ عَنْ فِعْلِ السَّرِقَةِ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْقَطْعِ (وَكَذَا الشُّبْهَةُ) أَيْ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ إنَّمَا (تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ) وَهُوَ السَّرِقَةُ (دُونَ غَيْرِهِ) وَهُوَ الِاسْتِهْلَاكُ (وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ) وَإِنْ كَانَ فِعْلًا آخَرَ إلَّا أَنَّهُ (إتْمَامُ الْمَقْصُودِ) بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَسْرُوقِ فَكَانَ مَعْدُودًا مِنْهَا (فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ) كَمَا اُعْتُبِرَتْ فِي السَّرِقَةِ (وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ) فِي فَصْلِ الِاسْتِهْلَاكِ (لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ) بَيْنَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّمَانِ، لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مَعْصُومٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ فِي حَالَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فَقَطْ، وَالضَّمَانُ مَالٌ مَعْصُومٌ حَقًّا لَهُ فِي حَالَتَيْ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَإِذَا انْتَفَتْ الْمُمَاثَلَةُ انْتَفَى الضَّمَانُ، لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مَشْرُوطٌ بِالْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ شُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُهُ، وَفِيهِ جِنَايَةٌ عَلَى عَقْلِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْحَدَّ فَيُحَدُّ بِذَلِكَ فَكَانَا حُرْمَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ صَيْدُ الْحَرَمِ الْمَمْلُوكِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ السَّارِقِ قَضَاءً لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ، فَأَمَّا دِيَانَةً فَيُفْتَى بِالضَّمَانِ

قَالَ (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا، وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ لِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا. لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ. وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ فَلَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبَيْنِ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً. وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا اسْتَوْفَى فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلُحُوقِ الْخُسْرَانِ وَالنُّقْصَانِ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ السَّارِقِ. وَفِي الْإِيضَاحِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ الثَّوْبَ عَلَى مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مَحْظُورٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ، كَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ قَضَاءً وَيَلْزَمُهُ دِيَانَةً، وَكَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ، وَتَعَذُّرُ إيجَابِ الضَّمَانِ بِعَارِضٍ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُعْتَبَرُ قَضِيَّةُ السَّبَبِ (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا) بِخُصُومَةِ صَاحِبِهَا وَحْدَهُ (فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْقَطْعُ (لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا) لِأَرْبَابِ تِلْكَ السَّرِقَاتِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا) السَّرِقَةَ (الَّتِي قُطِعَ فِيهَا، فَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) مِنْ السَّرِقَاتِ (بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْغَائِبِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ) . وَلَا خُصُومَةَ مِنْ الْغَائِبِ فَلَمْ تَظْهَرْ الْخُصُومَةُ مِنْهُمْ فَلَمْ يَظْهَرْ الْقَطْعُ بِسَرِقَاتِهِمْ (فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً. وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ. وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْحَاكِمِ) فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ

[باب ما يحدث السارق في السرقة]

إلَى الْكُلِّ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ النُّصُبُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ فَخَاصَمَ فِي الْبَعْضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ مَا يُحْدِثُ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ) (وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَتَمَلُّكَ الْمَضْمُونِ وَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّابِتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ التَّدَاخُلُ وَمَعْنَاهُ وُقُوعُ الْحَدِّ الْوَاحِدِ عَنْ كُلِّ الْأَسْبَابِ السَّابِقَةِ وَقَدْ وُجِدَ لَزِمَ وُقُوعُهُ عَنْهَا وَهُوَ مَلْزُومٌ لِسُقُوطِ ضَمَانِهَا كُلِّهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمَ الْقَاضِي بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا أَثَرَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ شَرْعًا عِنْدَ الْقَطْعِ وَهُوَ وُقُوعُهُ عَنْ كُلِّ الْأَسْبَابِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ ضَمَانِهَا فَكَانَ سُقُوطُ الضَّمَانِ ثَابِتًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. [بَابُ مَا يُحْدِثُ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ] (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ) قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْحِرْزِ (نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ، وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً) بَعْدَ الشَّقِّ (قُطِعَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ) وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي عَشَرَةً بَعْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ شَقَّهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ قُطِعَ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي إفَادَةِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي بَعْضِهَا مَا يُفِيدُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِمَا وَهِيَ كَلَامُ الْهِدَايَةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْعَتَّابِيِّ حَيْثُ قَالُوا: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا قَوْلُ الْإِسْبِيجَابِيِّ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظَّاهِرِ

(وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ وُضِعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ لَا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُ لَا يُوَرِّثُ) الشُّبْهَةَ كَنَفْسِ الْأَخْذِ، وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخْذَ الثَّوْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ زَادَ فَقَالَ فِي كِفَايَتِهِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي بَعْضِهَا مَا يُفِيدُ أَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ، وَكَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ شَاءَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَتَاعِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ السَّرِقَةَ مَا تَمَّتْ إلَّا وَقَدْ انْعَقَدَ لِلسَّارِقِ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ؛ إذْ بِالْخَرْقِ الْفَاحِشِ يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ وِلَايَةُ تَضْمِينِ السَّارِقِ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَتَرْكَهُ لَهُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَمَا انْعَقَدَ لِلسَّارِقِ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ لَا يُقْطَعُ بِهِ. كَمَا لَوْ سَرَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، وَلَكِنْ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ وَقَعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الشَّقَّ وَقَعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ (لَا لِلْمِلْكِ) وَثُبُوتَ وِلَايَةِ الْغَيْرِ أَنْ يَمْلِكَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، بَلْ السَّبَبُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ اخْتِيَارِ التَّضْمِينِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ تِلْكَ الْوِلَايَةُ مُوجِبَةً لِلسَّبَبِيَّةِ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ مَوْضُوعًا لِلتَّمْلِيكِ كَالْبَيْعِ فِيمَا قِسْت عَلَيْهِ لَا فِيمَا وُضِعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ. فَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الشَّقِّ وَصُورَةِ الْبَيْعِ كَوْنُ نَفْسِ التَّصَرُّفِ وُضِعَ لِلتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الشَّقِّ. وَلَمَّا كَانَ الْكَلَامُ لَيْسَ فِي الْأَخْذِ بَلْ فِي الشَّقِّ تَكَلَّفَ فِي تَقْرِيرِهِ بِأَنْ قِيلَ الْأَخْذُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ لَا لِلْمِلْكِ فَكَانَ كَالشَّقِّ عُدْوَانًا فَكَمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَخْذِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ دَارِئَةً لِلْقَطْعِ بَلْ يُقْطَعُ إجْمَاعًا كَذَلِكَ الشَّقُّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الشَّقُّ سَبَبًا لِلضَّمَانِ إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ التَّضْمِينَ (فَيَثْبُتُ ضَرُورَةُ أَدَاءِ الضَّمَانِ) أَوْ الْقَضَاءِ بِهِ (وَمِثْلُهُ لَا يُورَثُ شُبْهَةً) وَإِلَّا لَثَبَتَ مِثْلُهَا (فِي نَفْسِ الْأَخْذِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ كَالشَّقِّ فَصَارَ (نَظِيرَ مَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ) وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِنْ انْعَقَدَ سَبَبُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي بِهِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الْكَائِنَ فِي الْقَطْعِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا وَاخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخْذَ الثَّوْبِ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ

فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ (وَلَوْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَّكَهُ) إيَّاهُ (بِالْهِبَةِ) بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُقْطَعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ كُلِّ الْقِيمَةِ) فَانْتَفَى وَجْهُ أَبِي يُوسُفَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ فِي الْيَسِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَرْقَ يَكُونُ يَسِيرًا وَيَكُونُ فَاحِشًا، وَتَارَةً يَكُونُ إتْلَافًا وَاسْتِهْلَاكًا، وَفِيهِ يَجِبُ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ، وَعَلَى هَذَا لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَا تَمَّتْ السَّرِقَةُ إلَّا بِمَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ، وَقَدْ حَدَّهُ التُّمُرْتَاشِيُّ بِأَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ. وَأَمَّا الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَقِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَاحِشٌ، وَإِلَّا فَيَسِيرٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَصَاعِدًا مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى مَا بِهِ يَصِيرُ إتْلَافًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَأَوْرَدَ فِي الْكَافِي عَلَى الْقَطْعِ مَعَ إيجَابِ ضَمَانِ النُّقْصَانِ فِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ أَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ. وَأَجَابَ فَقَالَ: إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ جَزَاءِ الْفِعْلِ وَبَدَلِ الْمَحَلِّ فِي جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إلَيْهِ؛ إذْ الْقَطْعُ يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ بِالْخَرْقِ وَالْخَرْقُ لَيْسَ مِنْ السَّرِقَةِ فِي شَيْءٍ. وَاسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الِاسْتِهْلَاكُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّهُ فَعَلَ غَيْرَ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ، فَكَذَا هُنَا عِصْمَةُ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ: وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ هَذَا كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ لَكِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَالْحَقُّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَالنَّقْصُ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ هُنَاكَ بَعْدَ السَّرِقَةِ بِأَنْ سَرَقَ وَاسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا نَقَصَ قَبْلَ تَمَامِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ قِيمَةِ مَا نَقَصَ ثَابِتٌ قَبْلَ السَّرِقَةِ، ثُمَّ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ كَانَ الْمَسْرُوقُ هُوَ النَّاقِصَ فَالْقَطْعُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَسْرُوقِ النَّاقِصِ وَلَمْ نُضَمِّنْهُ إيَّاهُ، أَلَا يُرَى إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ: فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ، أَمَّا الْقَطْعُ فَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ الْحِرْزِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، وَأَمَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ فَلِوُجُودِ

(وَإِنْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ (وَمَنْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ فِيهِ وَتَرَكَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهِمَا) وَأَصْلُهُ فِي الْغَصْبِ فَهَذِهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ وُجُوبُ الْحَدِّ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَقِيلَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبِهِ وَهُوَ التَّعْيِيبُ الَّذِي وَقَعَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ الَّذِي بِهِ تَتِمُّ السَّرِقَةُ، وَوُجُوبُ ضَمَانِ النُّقْصَانِ لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعِ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْنَعُ، كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ وَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ، وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الْبَاحِثِ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ إلَى آخِرِهِ فَغَلَطٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ السَّرِقَةِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ مَا كَانَ لَهُ مِلْكٌ فِي الْمُخْرَجِ، فَإِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ السَّرِقَةِ وَقَدْ هَلَكَ قَبْلَهَا، وَحِينَ وَرَدَتْ السَّرِقَةُ وَرَدَتْ عَلَى مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمَمْلُوكُ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَمْ يُقْطَعْ) وَلَوْ سَاوَتْ نِصَابًا بَعْدَ الذَّبْحِ (لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ) عَلَى مَا مَرَّ لَكِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ) بِأَنْ كَانَتْ نِصَابًا (فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَقَالَا: يُقْطَعُ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهِمَا) وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ آخَرَ فِي الْغَصْبِ وَهُوَ مَا إذَا غَصَبَ نَقْرَةَ فِضَّةٍ فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ فَضَرَبَهَا حُلِيًّا فَكَذَا هُنَا لَا يَنْقَطِعُ بِالصَّكِّ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِي السَّرِقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَتَبَدَّلْ فَيُقْطَعُ فَالْقَطْعُ عِنْدَهُ لَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَدْ قِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بِمَا حَدَثَ مِنْ الصَّنْعَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَخَذَ وَزْنًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقِيلَ يُقْطَعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ عَيْنَ الْمَسْرُوقِ لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ صَارَ شَيْئًا آخَرَ فَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ ثُمَّ قَطَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ مُبَدِّلَةٌ لِلْعَيْنِ كَالصَّنْعَةِ فِي الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ بِأَنْ غَصَبَ حَدِيدًا أَوْ صُفْرًا فَجَعَلَهُ سَيْفًا أَوْ آنِيَةً، وَكَذَا الِاسْمُ كَانَ تِبْرًا ذَهَبًا فِضَّةً فَصَارَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ. وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ فِي الذَّهَبِ

(فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبْغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ) اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ الثَّوْبِ أَصْلًا قَائِمًا وَكَوْنُ الصَّبْغِ تَابِعًا. وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى، حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ مَصْبُوغًا يَضْمَنُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ بِالْهَلَاكِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ السَّارِقِ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ، لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ بِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفِضَّةِ وَلَوْ تَقَوَّمَتْ وَبَدَّلَتْ الِاسْمَ لَمْ تُعْتَبَرْ مَوْجُودَةً شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا حُكْمُ الرِّبَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ آنِيَةِ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ فِضَّةً بِأَحَدَ عَشَرَ فِضَّةً وَقَلْبُهُ فَكَانَتْ الْعَيْنُ كَمَا كَانَتْ حُكْمًا فَيُقْطَعُ وَتُؤْخَذُ لِلْمَالِكِ، عَلَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ، وَهُوَ اسْمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنَّمَا حَدَثَ اسْمٌ آخَرُ مَعَ ذَلِكَ الِاسْمِ (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبْغَهُ أَحْمَرَ) يُقْطَعُ بِهِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَا يَضْمَنُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَيُعْطَى قَدْرَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي الثَّوْبِ اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ) فَإِنَّ غَاصِبَ الثَّوْبِ إذَا صَبَغَهُ أَحْمَرَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الِاسْتِرْدَادِ اتِّفَاقًا، فَكَذَا فِي السَّرِقَةِ (وَالْجَامِعُ كَوْنُ الثَّوْبِ أَصْلًا وَالصَّبْغُ تَابِعًا. وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً) وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَعْنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ (حَتَّى لَوْ أَرَادَ) الْمَسْرُوقُ مِنْهُ (أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ يَضْمَنُ لَهُ) قِيمَةَ (الصَّبْغِ وَحَقُّ الْمَالِكِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى) فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ أَوْ اُسْتُهْلِكَ عِنْدَ السَّارِقِ لَا يَضْمَنُ فَكَانَ حَقُّ السَّارِقِ أَحَقَّ بِالتَّرْجِيحِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا فَعَلَهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ بِذَلِكَ (بِخِلَافِ الْغَصْبِ، لِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ) مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَالْغَاصِبِ الَّذِي صَبَغَهُ (قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى) لِانْتِفَاءِ مَا يَخِلُّ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّ الْغَاصِبِ وَهُوَ الْقَطْعُ (فَاسْتَوَيَا فَرَجَّحْنَا الْمَالِكَ بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ الصَّبْغَ تَابِعٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَبَغَهُ) أَيْ السَّارِقُ (أَسْوَدَ) ثُمَّ قَطَعَ أَوْ قَطَعَ

[باب قطع الطريق]

أُخِذَ مِنْهُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ السَّوَادَ زِيَادَةٌ عِنْدَهُ كَالْحُمْرَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ. (بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) قَالَ (وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعِينَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَبَغَهُ أَسْوَدَ (يُؤْخَذُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ) فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ (لِأَنَّ السَّوَادَ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ) وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ السَّارِقِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ زِيَادَةٌ) لَكِنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا قَالَ فِي الْحُمْرَةِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ) فِي الِاسْتِرْدَادِ. قَالُوا: وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فِي زَمَنِهِ وَيَلْبَسُونَهُ فِي زَمَنِهِمَا. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ سَرَقَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ فَهُوَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّبْغِ: أَيْ الْأَحْمَرِ لَيْسَ لِلْمَالِكِ عَلَى السَّارِقِ سَبِيلٌ فِي السَّوِيقِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَأْخُذُهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ السَّمْنُ وَالْعَسَلُ. [بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ] أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَأَحْكَامِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَرِقَةٍ مُطْلَقَةٍ وَلِذَا لَا يَتَبَادَرُ هُوَ أَوْ مَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ السَّرِقَةِ بَلْ إنَّمَا يَتَبَادَرُ الْأَخْذُ خُفْيَةً عَنْ النَّاسِ، وَلَكِنْ أُطْلِقَ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ اسْمُ السَّرِقَةِ مَجَازًا لِلضَّرْبِ مِنْ الْإِخْفَاءِ وَهُوَ الْإِخْفَاءُ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ مِنْ الْكَشَّافِ، وَأَرْبَابِ الْإِدْرَاكِ فَكَانَ السَّرِقَةُ فِيهِ مَجَازًا وَلِذَا لَا تُطْلَقُ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ إلَّا مُقَيَّدَةً فَيُقَالُ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى، وَلَوْ قِيلَ السَّرِقَةُ فَقَطْ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعِينَ) بِقُوَّتِهِمْ عَمَّنْ يَقْصِدُ مُقَاتَلَتَهُمْ (أَوْ وَاحِدٌ لَهُ مَنَعَةٌ) بِقُوَّتِهِ وَنَجْدَتِهِ: يَعْنِي شَوْكَتَهُ (يَقْصِدُونَ قَطْعَ الطَّرِيقِ) أَيْ أَخْذُ الْمَارَّةِ فَأَحْوَالُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَزَاءِ الشَّرْعِيِّ أَرْبَعَةٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ

مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِّمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَالرَّابِعَةُ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةٌ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَزَاءِ فَإِمَّا أَنْ يُؤْخَذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا بَلْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ سِوَى مُجَرَّدِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ إلَى أَنْ أُخِذُوا فَحُكْمُهُمْ أَنْ يُعَزَّرُوا وَيُحْبَسُوا إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ فِي الْحَبْسِ أَوْ يَمُوتُوا. وَأَمَّا إنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِّمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ الْإِمَامُ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمْ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى. وَأَمَّا إنْ قَتَلُوا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَلَوْ يَأْخُذُوا مَالًا فَيَقْتُلُهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا، وَمَعْنَى حَدًّا أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ لَا يَقْبَلُ عَفْوَهُمْ لِأَنَّ الْحَدَّ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسْمَعُ فِيهِ عَفْوُ غَيْرِهِ، فَمَتَى عَفَا عَنْهُمْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى. وَالرَّابِعَةُ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَيَقْتُلُوا، وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ يُقْتَلُ قِصَاصًا، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَالِ فَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَمَالَ إلَى الْقَتْلِ، فَإِنَّا سَنَذْكُرُ فِي نَظِيرِهَا أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ. وَفِيهَا أَيْضًا إنْ خَرَجَ عَلَى الْقَافِلَةِ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَافَ النَّاسَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ يُعَزَّرُ وَيُخْلَى سَبِيلُهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّهُ يُحْبَسُ امْتِثَالًا لِلنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ. وَالْخَامِسَةُ أَنْ يُؤْخَذُوا بَعْدَ مَا أَحْدَثُوا تَوْبَةً وَتَأْتِي أَيْضًا فِي الْكِتَابِ، وَالتَّقْيِيدُ بِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ لِيَخْرُجَ الْمُسْتَأْمَنُ، فَلَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ بِاعْتِبَارِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ وَإِخْفَاءِ ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَبَاقِي الشُّرُوطِ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ فِي بَرِّيَّةٍ لَا فِي مِصْرٍ وَلَا قَرْيَةٍ وَلَا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُقَدِّمُهُ الشَّارِحُونَ يَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ مُفَصَّلًا (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي تَوْزِيعِ الْأَجْزِيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْجِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] الْآيَةَ؛ سَمَّى قَاطِعَ الطَّرِيقِ مُحَارِبًا لِلَّهِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مُعْتَمِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَاَلَّذِي يُزِيلُ أَمْنَهُ مُحَارِبٌ لِمَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْأَمْنِ، وَأَمَّا مُحَارَبَتُهُ لِرَسُولِهِ فَإِمَّا بِاعْتِبَارِ عِصْيَانِ أَمْرِهِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْحَافِظُ لِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْخُلَفَاءُ وَالْمُلُوكُ بَعْدَهُ نُوَّابُهُ، فَإِذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَوَلَّى حِفْظَهَا بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ فَقَدْ حَارَبَهُ أَوْ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَقْدِيرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ (وَالْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ التَّوْزِيعُ) أَيْ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَقَتَادَةُ وَأَصْحَابُ أَحْمَدَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ مُطْلَقًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْقَاطِعَ جَلْدًا ذَا رَأْيٍ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ جَلْدًا

وَلِأَنَّ الْجِنَايَاتِ تَتَفَاوَتُ عَلَى الْأَحْوَالِ فَاللَّائِقُ تَغَلُّظُ الْحُكْمِ بِتَغَلُّظِهَا. أَمَّا الْحَبْسُ فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ بِدَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ أَهْلِهَا، وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرَ الْإِخَافَةِ. وَشَرْطُ الْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَنَعَةِ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا بَيَّنَّاهَا لِمَا تَلَوْنَاهُ. وَشَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِتَكُونَ الْعِصْمَةُ مُؤَبَّدَةً، وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. وَشَرْطُ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ كَيْ لَا يُسْتَبَاحَ طَرَفُهُ إلَّا بِتَنَاوُلِهِ مَالَهُ خَطَرٌ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ كَمَا بَيَّنَّاهَا لِمَا تَلَوْنَاهُ (وَيُقْتَلُونَ حَدًّا، حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْهُمْ لَا يُلْتَفَت إلَى عَفْوِهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا رَأْيَ لَهُ قَطَعَهُ. وَلَنَا مَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: وَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بُرْدَةَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيَّ، فَجَاءَ أُنَاسٌ يُرِيدُنَّ الْإِسْلَامَ فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ أَبِي بُرْدَةَ الطَّرِيقَ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَدِّ أَنَّ مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ صُلِبَ، وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ قُتِلَ، وَمَنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ. وَمَنْ جَاءَ مُسْلِمًا هَدَمَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الشِّرْكِ» . وَفِي رِوَايَةِ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ نُفِيَ» . وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ كُلُّهَا أَجِزْيَةٌ عَلَى جِنَايَةِ الْقَطْعِ، وَمِنْ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ تَتَفَاوَتُ خِفَّةً وَغِلْظًا، وَالْعَمَلُ بِالْإِطْلَاقِ الْمَحْضِ لِلْآيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَى أَغْلَظِهَا أَخَفُّ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى أَخَفِّهَا أَغْلَظُ الْأَجْزِيَةِ. وَهَذَا مِمَّا يَدْفَعُهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِتَوْزِيعِ الْأَغْلَظِ لِلْأَغْلَظِ وَالْأَخَفِّ لِلْأَخَفِّ، وَلِأَنَّ فِي هَذَا التَّوْزِيعِ مُوَافَقَةً لِأَصْلِ الشَّرْعِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ، وَالْقَطْعُ بِالْأَخْذِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْأَخْذَ لَمَّا كَانَ أَغْلَظَ مِنْ أَخْذِ السَّرِقَةِ حَيْثُ كَانَ مُجَاهَرَةً وَمُكَابَرَةً مَعَ إشْهَارِ السِّلَاحِ جُعِلَ الْمَرَّةُ مِنْهُ كَالْمَرَّتَيْنِ، فَقُطِعَ فِي الْأَخْذِ مَرَّةً الْيَدُ وَالرِّجْلُ مَعًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ النِّصَابِ فِيهِ عِشْرِينَ، لِأَنَّ الْغِلَظَ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ لَا مُتَعَلَّقِهِ، وَلِمُوَافَقَةِ قَاعِدَةِ الشَّرْعِ شَرَطَ فِي قَطْعِهِمْ كَوْنَ مَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا كَامِلًا كَيْ لَا يُسْتَبَاحَ طَرَفُهُ بِأَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَيُخَالِفَ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ. وَلَمْ يَشْرِطْ مَالِكٌ سِوَى أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ نِصَابًا فَصَاعِدًا أَصَابَ كُلًّا نِصَابٌ أَوْ لَا، وَكَوْنُ الْمَقْطُوعِ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ

لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (إذَا قَتَلُوا وَأَخْذُو الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ) لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيُسْرَى بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَثْوَى نِصْفُهُ، وَكَذَا الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يُسْرَاهُ شَلَّاءَ لَا تُقْطَعُ يَمِينُهُ، وَكَذَا رِجْلُهُ الْيُمْنَى لَوْ كَانَتْ شَلَّاءَ لَا تُقْطَعُ الْيُسْرَى، وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى لَا تُقْطَعُ لَهُ يَدٌ، وَكَذَا الرِّجْلُ الْيُسْرَى. فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ فِي الْأَجْزِيَةِ الْمُوَزَّعَةِ الْحَبْسُ. قُلْنَا: هُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ النَّفْيُ مِنْ الْأَرْضِ: أَيْ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مَا دَامَ حَيًّا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى بَعْضِهَا وَهِيَ بَلْدَتُهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ دَفْعُ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا مَنَعَةٍ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى فَعَمِلْنَا بِمَجَازِهِ، وَهُوَ الْحَبْسُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الدُّنْيَا. قَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ فِي الْغُرَرِ: خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا وَلِمَا رَأَى مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مُجَرَّدَ النَّفْيِ لَا يُفِيدُ فِي الْمَقْصُودِ قَالَ: يُحْبَسُ فِي بَلْدَةِ النَّفْيِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَتَفَاوَتُ بِالْحَبْسِ فِي بَلْدَةِ النَّفْيِ وَغَيْرِهَا فَيَقَعُ تَعْيِينُ بَلْدَةِ النَّفْيِ فِي غَيْرِ الْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ (قَوْلُهُ وَالرَّابِعَةُ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ (مَا إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) بِلَا صَلْبٍ وَقَطْعٍ (وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ) أَحْيَاءً ثُمَّ قَتَلَهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بُدَّ مِنْ الصَّلْبِ لِلنَّصِّ فِي الْحَدِّ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْحَدِّ كَالْقَتْلِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. أَجَابَ بِأَنَّ أَصْلَ التَّشْهِيرِ يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَبَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَا غَيْرُهُ صَلَبَ أَحَدًا، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ لَا يُحَتِّمُ الصَّلْبَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] إنَّمَا يُفِيدُ أَنْ يُقَتَّلُوا بِلَا صَلْبٍ أَوْ يُصَلَّبُوا بِلَا قَتْلٍ، لَكِنْ يُقْتَلُ بَعْدَ الصَّلْبِ مَصْلُوبًا بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ. وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ مِنْ الْمَباسِيطِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذِكْرُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْقَاطِعُ ذَا رَأْيٍ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الصَّلْبِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ (وَجْهُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ) هِيَ جِنَايَةُ قَطْعِ الطَّرِيقِ (فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ

كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَلِهَذَا كَانَ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَعًا فِي الْكُبْرَى حَدًّا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا فِي الصُّغْرَى حَدَّيْنِ، وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرَ بَيْن الصَّلْبِ وَتَرْكِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ التَّشْهِيرُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ أَصْلُ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ (وَيُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ) وَمِثْلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ. وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ) إذَا اجْتَمَعَا بِأَنْ سَرَقَ الْمُحْصَنُ ثُمَّ زَنَى فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَلَا يُقْطَعُ اتِّفَاقًا (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَعَ مُحَمَّدٍ (أَنَّ هَذِهِ) الْجِنَايَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَهَذَا الْمَجْمُوعُ مِنْ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ أَيْضًا (عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا) حَيْثُ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي تَفْوِيتِ الْأَمْنِ (حَيْثُ فَوَّتَ الْأَمْنَ عَلَى الْمَالِ وَالنَّفْسِ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ) وَكَوْنُهَا أُمُورًا مُتَعَدِّدَةً لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدَ الْحُدُودِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ؛ أَلَّا يُرَى أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَهُوَ فِي الصُّغْرَى حَدَّانِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّوْزِيعِ الَّذِي لَزِمَ اعْتِبَارُهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ ثُمَّ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ التَّوْزِيعَ أَدَّى إلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ. وَهَذَا قَدْ أَخَذَهُ فَيُقْطَعُ، وَأَنَّ مَنْ قَتَلَ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ، وَهَذَا قَتَلَ فَيَجِبُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَأَمَّا عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ حُكْمُهُ مِنْ الِانْفِرَادِ فَجَازَ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ دُخُولِ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ هُوَ مَا إذَا كَانَا حَدَّيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ النَّفْسِ وَالْآخَرُ النَّفْسُ، أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ حَدًّا وَاحِدًا فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَتِهِ فَهِيَ أَجْزَاءُ حَدٍّ وَاحِدٍ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ بَدَأَ بِالْجُزْءِ الَّذِي لَا تَتْلَفُ بِهِ النَّفْسُ فَعَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ بَدَأَ بِمَا تَتْلَفُ بِهِ لَا يَفْعَلُ الْآخَرَ لِانْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ، وَهُوَ الضَّرْبُ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ صَلْبَهُ، أَوْ مَا إذَا قُلْنَا بِلُزُومِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ (يُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَمِثْلُهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبْلُغُ فِي الرَّدْعِ) وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ وَهُوَ بِمَا يَحْصُلُ فِي الْحَيَاةِ لَا بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] فَلَزِمَ كَوْنُ الصَّلْبِ بِلَا قَتْلٍ لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لَهُ بِحَرْفِ الْعِنَادِ فَلَا يَتَصَادَقُ مَعَهُ، وَالْقَتْلُ الَّذِي يَعْرِضُ بَعْدَ الصَّلْبِ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ. وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ، فَإِنَّهَا نُسِخَتْ مِنْ لَدُنْ الْعُرَنِيِّينَ عَلَى مَا عُرِفَ. لَا يُقَالُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَخْفَى

الْمَقْصُودُ بِهِ. قَالَ (وَلَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا فَيَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَقَطَّعَ فَيَسْقُطَ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ. قُلْنَا: حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالنِّهَايَةُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْقَاطِعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ) اعْتِبَارًا بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَقَدْ بَيَّنَّاهُ (فَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ أَجْرَى الْحَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَجْمَعِهِمْ) لِأَنَّهُ جَزَاءَ الْمُحَارَبَةِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا زَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ انْحَازُوا إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ تَحَقَّقَ. قَالَ (وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ بَعْضًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَيْفٍ فَهُوَ سَوَاءٌ) لِأَنَّهُ يَقَعُ قَطْعًا لِلطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ الْقَاطِعُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَقَدْ جَرَحَ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَأُخِذَ الْأَرْشُ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْأَرْشُ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ) لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَيَسْتَوْفِيهِ الْوَلِيُّ (وَإِنْ أَخَذَ مَالًا ثُمَّ جَرَحَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرَجْلُهُ وَبَطَلَتْ الْجِرَاحَاتُ) لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا يُكَافِئُ وَجْهَ الطَّحَاوِيِّ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَاصِلُ لَيْسَ غَيْرُ صَلْبٍ وَقَتْلٍ بِطَعْنِ الرُّمْحِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَادُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْقَتْلُ بِهِ فَلَيْسَ مُثْلَةً عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ فِي جَدْعِ الْأُذُنَيْنِ وَقَطْعِ الْأَنْفِ وَسَمْلِ الْعَيْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُثْلَةٌ فَالصَّلْبُ لَيْسَ غَيْرُ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِشَرْعِيَّتِهِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمُثْلَةُ الْخَاصَّةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمَنْسُوخِ قَطْعًا لَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ يَدْفِنُونَهُ، وَعَلِمْت فِي كِتَابِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ (وَلَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا فَيَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَقَطَّعَ فَيَسْقُطَ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ. قُلْنَا: حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَا وَالنِّهَايَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ) مِنْ النَّصِّ، وَكَوْنُهُ أَمَرَ بِالصَّلْبِ لَا يَقْتَضِي الدَّوَامَ بَلْ بِمِقْدَارٍ مُتَعَارَفٍ لِإِيلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي مُهْلَةِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَتَلَ الْقَاطِعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ) لِمَا بَيَّنَّا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِنْ سُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِالْقَطْعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالْبَاقُونَ وُقُوفٌ لَمْ يَقْتُلُوا مَعَهُ وَلَمْ يُعِينُوهُ (أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ) فَيُقْتَلُوا، وَلَوْ كَانُوا مِائَةً بِقَتْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاحِدًا (لِأَنَّ الْقَتْلَ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ) الَّتِي فِيهَا قَتْلٌ بِالنَّصِّ مَعَ التَّوْزِيعِ (وَالْمُحَارَبَةُ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا انْهَزَمُوا انْحَازُوا إلَيْهِمْ) وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْمُحَارَبَةُ مَعَ الْقَتْلِ فَيَشْمَلُ الْجَزَاءُ الْكُلَّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قُلْنَا إنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْمُحَارَبَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُبَاشِرُ وَالرِّدْءُ كَالْغَنِيمَةِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْلِ بِسَيْفٍ أَوْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ فِي قَتْلِ الْكُلِّ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِصَاصَ بِالْمُثَقَّلِ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ فَلَا يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ، وَلِهَذَا يُقْتَلُ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ الْقَاطِعُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَقَدْ جَرَحَ) فَمَا كَانَ مِنْ جِرَاحَةٍ يَجْرِي فِيهَا الْقِصَاصُ (اُقْتُصَّ وَمَا كَانَ لَا يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ) وَيُعْرَفُ مَا يُقْتَصُّ بِهِ وَمَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا (لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ) مِنْ قَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ (فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ الْوَلِيُّ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا ثُمَّ جَرَحَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ) مِنْ خِلَافٍ (وَبَطَلَتْ الْجِرَاحَاتُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ) أَيْ مَا حَلَّ

حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ (وَإِنْ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ) لِأَنَّ الْحَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَا يُقَامُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ، فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا مِنْ تَفْرِيقِ اتِّصَالِ الْجِسْمِ بِالْجِرَاحَاتِ (حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ) وَلِذَا تَبْطُلُ الْجِرَاحَاتُ إذَا قَتَلَ فَقُتِلَ حَدًّا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أُخِذَ بَعْدَمَا تَابَ) سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ بِالنَّصِّ. قَالَ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ (فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ) لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ قِصَاصٌ فَصَحَّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالصُّلْحُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَتْلٌ بِحَدِيدٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِهِ، وَنَحْوِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا كَانَ أَخَذَ مَالًا ثُمَّ تَابَ فَإِنَّ صَاحِبَهُ إنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا وَيَأْخُذُهُ إنْ كَانَ قَائِمًا لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ (فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ كَمَا فِي النَّفْسِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ: رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِتَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ. وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّ الْمَالَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَقِيلَ يَسْقُطُ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ

وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) فَالْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصْلِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى بِخُصُوصِهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى بَاقِي الْحُدُودِ مَعَ مُعَارَضَةِ النَّصِّ، وَسَائِرُ الْحُدُودِ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَعَنْهُمَا تَسْقُطُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ رَجْمَ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ كَانَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ شَبَهُ التَّنَاقُضِ، لِأَنَّهَا إذَا تَوَقَّفَتْ عَلَى رَدِّ الْمَالِ فَأَخَذَ الْقَاطِعُ قَبْلَ الرَّدِّ أُخِذَ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَالْأَخْذُ قَبْلَ التَّوْبَةِ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فِيهِ الْحَدُّ بِقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. أُجِيبَ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا رَدَّ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ عَلَامَةُ تَوْبَتِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ فَيَجِبُ الضَّمَانُ لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي أَوْ اسْتَهْلَكَهُ؛ وَمِثْلُ مَا لَوْ أُخِذُوا بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَالرُّجُوعِ إلَى الْقِصَاصِ وَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ فِيهِ وَفِي الْمَالِ مَا لَوْ أُخِذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ وَقَدْ قَتَلُوا، وَلَكِنْ أَخَذُوا مِنْ الْمَالِ قَلِيلًا لَا يُصِيبُ كُلًّا نِصَابٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا قِصَاصًا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا. وَقَالَ عِيسَى: يَقْتُلُهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا لِأَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ قَتَلَهُمْ حَدًّا لَا قِصَاصًا، وَهَذَا لِأَنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ كَالْعَدَمِ، وَلِأَنَّهُ تَتَغَلَّظُ جِنَايَتُهُمْ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ. وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُمْ يَقْصِدُونَ بِالْقَطْعِ أَخْذَ الْمَالِ، وَقَتْلُهُمْ لَيْسَ إلَّا لِيَصِلُوا إلَيْهِ، فَإِذَا تَرَكُوا أَخْذَ الْمَالِ عَرَفْنَا أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقَتْلُ لَا الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ إلَّا لِلْمَالِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ وَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْقِصَاصِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُطَّاعِ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) فَتَظْهَرُ أَحْكَامُ الْقِصَاصِ وَتَضْمِينُ الْمَالِ وَالْجِرَاحَاتِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: تَابُوا وَفِيهِمْ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ فَدَاهُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ قِصَاصٌ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَبْقَى حُكْمُ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْأَطْرَافِ، وَالْوَاقِعُ مِنْهَا عَمْدٌ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ) الْأَخْذَ وَالْقَتْلَ (يُحَدُّ الْبَاقُونَ) وَإِنْ بَاشَرَ ذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَى الْبَاقِينَ. وَقِيلَ كَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ قَالَ الْمَذْكُورُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، أَوْ يَقُولُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ: الْعُقَلَاءُ عَنْ الْبَالِغِينَ فَإِنَّ الْعُقَلَاءَ مِمَّا يُقَالُ فِي مُقَابِلَةِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ (وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى) إنْ وَلِي الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّبِيُّ

لَهُ أَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ، وَالرَّدُّ تَابِعٌ وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَاقِلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ، وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ. وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقَدْ قِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإخْرَاجَ الْمَتَاعِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْكُلِّ، وَإِنْ وَلِيَ غَيْرُهُمَا قُطِعُوا إلَّا الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ. وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ غَيْرِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَذِي الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ اخْتَصَّ بِهَا وَاحِدٌ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ (لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ وَالرِّدْءَ تَابِعٌ، فَفِي مُبَاشَرَةِ الْعَاقِلِ الْخَلَلُ فِي التَّبَعِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَا خَلَلَ فِي الْأَصْلِ) فَيُحَدُّ الْبَاقُونَ (وَفِي عَكْسِهِ) وَهُوَ أَنْ يُبَاشِرَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ (يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى) وَهُوَ السُّقُوطُ عَنْ الْأَصْلِ، فَإِنَّ السُّقُوطَ حِينَئِذٍ فِي التَّبَعِ فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ وَهُوَ حَدُّ الْبَاقِينَ فَلَا يُحَدُّونَ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْكُلِّ يُسَمَّى جِنَايَةَ قَطْعِ الطَّرِيقِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بِجَمَاعَةٍ فَكَانَ الصَّادِرُ مِنْ الْكَثِيرِ جِنَايَةً وَاحِدَةً (قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا) لِلْحَدِّ لِشُبْهَةٍ أَوْ عَدَمِ تَكْلِيفٍ لَا يُوجِبُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ (فِعْلَ الْبَاقِينَ) حِينَئِذٍ (بَعْضُ الْعِلَّةِ وَ) بِبَعْضِ الْعِلَّةِ (لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ وَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ) إذَا اجْتَمَعَا فِي قَتْلِ مَعْصُومِ الدَّمِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الْعَامِدِ (وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقِيلَ تَأْوِيلُهُ) أَيْ تَأْوِيلُ سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْكُلِّ (أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ) وَفِي الْقُطَّاعِ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَتَصِيرُ شُبْهَةً فِي نَصِيبِ الْبَاقِينَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ يَمْتَنِعُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنِ الْمَالُ مُشْتَرَكًا؛ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَخَذُوا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يُحَدُّونَ بِاعْتِبَارِ الْمَأْخُوذِ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُجْرَى عَلَى الْإِطْلَاقِ) وَأَنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ مَالَ جَمِيعِ الْقَافِلَةِ فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطُّرُقِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِحِرْزٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْقَافِلَةُ (وَالْجِنَايَةُ وَاحِدَةٌ) وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ

فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمَنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ، وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ (وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ) لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا) . (وَإِذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ الطَّرِيقَ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ) لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ (وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ) اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ إنْ كَانَ بِقُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ) بِخِلَافِ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ هُنَاكَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لِبَعْضِ الْقُطَّاعِ لَا يُحَدُّونَ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْقَافِلَةُ (مُسْتَأْمَنٌ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَحْدَهُ لَا يُوجِبُ حَدَّ الْقَطْعِ كَمَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، ثُمَّ عِنْدَ اخْتِلَاطِ ذِي الرَّحِمِ، الْقَاطِعُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْقَافِلَةِ صَارَ شُبْهَةً فِي الْحَدِّ، فَكَذَا يَجِبُ عِنْدَ اخْتِلَاطِ الْمُسْتَأْمَنِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ. أَجَابَ بِأَنَّ (الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ إنَّمَا كَانَ لِخَلَلٍ فِي عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ) فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْقَرِيبَ سَرَقَ مَالَ الْقَرِيبِ وَغَيْرِ الْقَرِيبِ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ (وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا وَإِنْ شَاءُوا اقْتَصُّوا) وَيَجْرِي الْحَالُ فِي الْمَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَرِيبٍ، وَلَوْ لَمْ يَقَعْ الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ إلَّا فِي الْمُسْتَأْمَنِينَ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ يَضْمَنُونَ أَمْوَالَ الْمُسْتَأْمَنِينَ لِثُبُوتِ عِصْمَةِ أَمْوَالِهِمْ لِلْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ الطَّرِيقَ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ) وَهُوَ الْقَافِلَةُ فَصَارَ كَسَارِقٍ سَرَقَ مَتَاعَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَهُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إنْ قَتَلَ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِمُثَقَّلٍ عِنْدَهُمَا وَرَدُّ الْمَالِ إنْ أَخَذَهُ، وَهُوَ قَائِمٌ وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ) وَهِيَ مَنْزِلُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوفَةِ بِحَيْثُ يَتَّصِلُ عُمْرَانُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى (فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ اسْتِحْسَانًا) وَكَذَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، وَحَدَّ بَعْضُهُمْ مَكَانَ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ فِي قَرْيَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَفِي الْقِيَاسِ) أَنْ (يَكُونَ قَاطِعًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ فِي وَجِيزِهِمْ: مَنْ أَخَذَ فِي الْبَلَدِ مَالًا مُغَالَبَةً فَهُوَ قَاطِعُ طَرِيقٍ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلَوْ بِقُرْبٍ مِنْهُ يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ بَلْ مُجَاهَرَتُهُ هُنَا أَغْلَظُ مِنْ مُجَاهَرَتِهِ فِي الْمَفَازَةِ. وَلَا تَفْصِيلَ فِي النَّصِّ فِي مَكَانِ الْقَطْعِ. وَعَنْ مَالِكٍ كُلُّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ لِصَاحِبِهِ الِاسْتِغَاثَةُ فَهُوَ مُحَارِبٌ. وَعَنْهُ لَا مُحَارَبَةُ إلَّا عَلَى قَدْرِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْعُمْرَانِ. وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ مَرَّةً وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ قَصْدَهُ

وَعَنْهُ إنْ قَاتَلُوا نَهَارًا بِالسِّلَاحِ أَوْ لَيْلًا بِهِ أَوْ بِالْخَشَبِ فَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ وَالْغَوْثُ يُبْطِئُ بِاللَّيَالِيِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ، إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ أَيْضًا لَا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْجِنَايَةَ، وَلَوْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِمَا بَيَّنَّا (وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَسَنُبَيِّنُ فِي بَابِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالسِّلَاحِ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَهُوَ قَاطِعٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَفِي اللَّيْلِ يَكُونُ قَاطِعًا بِالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ (لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ) فَيَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ قَبْلَ الْغَوْثِ (وَالْغَوْثُ يُبْطِئُ بِاللَّيَالِيِ) فَيَتَحَقَّقُ بِلَا سِلَاحٍ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ) وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَمْ يُنَطْ بِمُسَمَّى قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أُنِيطَ بِمُحَارَبَةِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ، ثُمَّ هَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يُفِيدُ تَعْيِينَ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْقَاطِعِ. وَلَا شَكَّ فِي أَنْ لَيْسَ لُحُوقُ الْغَوْثِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا وَهُوَ مَا عَلَّلَ بِهِ لِلظَّاهِرِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ لَيْسُوا قُطَّاعًا فَسَبِيلُهُمْ أَنْ يُضْرَبُوا وَيُحْبَسُوا، وَإِنْ قَتَلُوا لَزِمَ الْقِصَاصُ وَأَحْكَامُهُ، وَإِنْ أَخَذُوا مَالًا ضَمِنُوهُ إذَا أَتْلَفُوهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ إنْ قَتَلُوا قُتِلُوا حَدًّا فَلَا يُقْبَلُ عَفْوَ الْأَوْلِيَاءِ فِيهِمْ ثُمَّ لَا يَضْمَنُونَ عَلَى مَا سَمِعْت. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عِنْدَ انْدِفَاعِ الْحَدِّ (قَوْلُهُ: وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدِّيَاتِ) وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ الْمُثْقَلِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ عِنْدَهُ فِي الْعَمْدِ حَيْثُ كَانَتْ الْآلَةُ فِيهَا قُصُورٌ يُوجِبُ التَّرَدُّدَ فِي أَنَّهُ قَصَدَ قَتْلَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ أَوْ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي إيلَامِهِ وَإِدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ وَعَدَمُ احْتِمَالِهِ لِذَلِكَ (فَإِنْ خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ) الْآنَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَصْدُهُ إلَى الْقَتْلِ بِالتَّخْنِيقِ حَيْثُ عُرِفَ إفْضَاؤُهُ إلَى الْقَتْلِ ثُمَّ صَارَ يَعْتَمِدُهُ (وَلِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ) وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ (يُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ) . [فُرُوعٌ] نَصَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ فِي حُكْمِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَغَيْرِهِمَا، أَمَّا الْعَبْدُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَغَيْرِهَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَطْعٌ وَقَتْلٌ وَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي جَرَيَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ مِنْهَا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ، لِأَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّبَبَ هُوَ الْمُحَارَبَةُ، وَالْمَرْأَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَيْسَتْ مُحَارِبَةً كَالصَّبِيِّ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهَا فِي اسْتِحْقَاقِ مَا يُسْتَحَقُّ بِالْمُحَارَبَةِ وَهُوَ السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يُسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَكَذَا فِي الْعُقُوبَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْمُحَارَبَةِ، وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لَا يُسَاوِي الْحُرَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَيُسَاوِيهِ فِي هَذَا الْحَدِّ. وَفِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي النِّسَاءِ. وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَطَعَ قَوْمٌ الطَّرِيقَ وَمَعَهُمْ امْرَأَةٌ فَبَاشَرَتْ الْمَرْأَةُ الْقَتْلَ وَأَخَذَتْ الْمَالَ دُونَ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَامُ عَلَيْهَا وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُمْ جَمِيعًا لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِمْ وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالصَّبِيِّ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَذْكُرُ هَذِهِ، أَعْنِي كَوْنَ الْمَرْأَةِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْقَطْعِ ثُمَّ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيهَا وَيَذْكُرُ حَاصِلَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَيَتْرُكُ نَقَلَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهَا كَالرِّجَالِ مَنْسُوبًا إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ مُسَاعَدَةِ الْوَجْهِ وَوُرُودِ النَّقْضِ الصَّحِيحِ عَلَى مُخْتَارِ الْكَرْخِيِّ بِالْعَبْدِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَمِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرُهُمْ مَعَ ضَعْفِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّفْرِقَةِ مِثْلَ الْفَرْقِ بِضَعْفِ الْبَيِّنَةِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الضَّعِيفِ مَعَ مُصَادَمَتِهِ إطْلَاقَ الْكِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. وَمَا فِي النَّوَازِلِ مِنْ قَوْلِهِ عَشْرُ نِسْوَةٍ قَطَعْنَ الطَّرِيقَ فَقَتَلْنَ وَأَخَذْنَ الْمَالَ قُتِلْنَ وَضَمِنَّ الْمَالَ بِنَاءً عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُنَّ لَسْنَ مُحَارِبَاتٍ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَاتَلَتْ الْعَدُوَّ وَأُسِرَتْ لَمْ تُقْتَلْ، وَإِنَّمَا قُتِلْنَ بِقَتْلِهِنَّ وَالضَّمَانُ لِأَخْذِهِنَّ الْمَالَ، وَيَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَبُو يُوسُفَ شَرَطَ مَرَّتَيْنِ كَقَوْلِهِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَيُقْبَلُ رُجُوعُ الْقَاطِعِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيُؤْخَذُ بِالْمَالِ إنْ كَانَ أَقَرَّ بِهِ مَعَهُ وَبِالْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَطْعِ أَوْ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِمْ بِهِ لَا يُقْبَلُ، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْقَطْعِ عَلَى أَبِي الشَّاهِدِ وَإِنْ عَلَا وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَوْ قَالَا قَطَعُوا عَلَيْنَا وَعَلَى أَصْحَابِنَا وَأَخَذُوا مَالَنَا لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ وَلَهُ وَلِيٌّ يُعْرَفُ أَوْ لَا يُعْرَفُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَلَوْ قَطَعُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى تُجَّارٍ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَغْيِ ثُمَّ أَتَى بِهِمْ إلَى الْإِمَامِ لَا يَمْضِي عَلَيْهِمْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمْ بَاشَرُوا السَّبَبَ حِينَ لَمْ يَكُونُوا تَحْتَ يَدِهِ، وَفِي مَوْضِعٍ لَا يَجْرِي بِهِ حُكْمُهُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِعْلُهُمْ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْإِقَامَةَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَفْعَلُهُ، وَمِثْلُهُ تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَلَوْ رُفِعُوا إلَى قَاضٍ يَرَى تَضْمِينَهُمْ الْمَالَ فَضَمَّنَهُمْ وَسَلَّمَهُمْ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَوَدِ فَصَالَحُوهُمْ عَلَى الدِّيَاتِ ثُمَّ رُفِعُوا بَعْدَ زَمَانٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ، إمَّا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ وَفِيهِ نَظَرٌ، أَوْ لِعَدَمِ الْخَصْمِ وَقَدْ سَقَطَ خُصُومَتُهُمْ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِمْ أَوْ لِقَضَاءِ الْأَوَّلِ فَيَتِمُّ بِذَلِكَ لِنَفَاذِهِ؛ إذْ هُوَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهِدٍ فِيهِ مِنْ تَقَرُّرِ الضَّمَانِ. وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَحَبَسَهُمْ لِذَلِكَ فَذَهَبَ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُمْ. لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَتْ حُرْمَةُ نَفْسِهِ سَقَطَتْ حُرْمَةُ أَطْرَافِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِقَطْعِهِ لِلطَّرِيقِ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً، ثُمَّ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِحِلِّ دَمِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ مَا قَتَلَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، فَوُجُودُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ كَعَدَمِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ وَلِيَّ الَّذِي قَتَلَهُ الْقَاطِعُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِظُهُورِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّ نَفْسِهِ. وَلَوْ أَنَّ لُصُوصًا أَخَذُوا مَتَاعَ قَوْمٍ فَاسْتَعَانُوا بِقَوْمٍ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ إنْ كَانَ أَرْبَابُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ حَلَّ قِتَالُهُمْ، وَكَذَا إذَا غَابُوا وَالْخَارِجُونَ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَيَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ الْمَتَاعِ

[كتاب السير]

(كِتَابُ السِّيَرِ) السِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْأُمُورِ، وَفِي الشَّرْعِ تَخْتَصُّ بِسِيَرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَغَازِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ لِلِاسْتِرْدَادِ لِلرَّدِّ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الرَّدِّ، وَلَوْ اقْتَتَلُوا مَعَ قَاطِعٍ فَقَتَلُوهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لِأَجْلِ مَالِهِمْ، فَإِنْ فَرَّ مِنْهُمْ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ تَرَكُوهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لَا لِأَجْلِ مَالِهِمْ، وَكَذَا لَوْ فَرَّ رَجُلٌ مِنْ الْقُطَّاعِ فَلَحِقُوهُ وَقَدْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَكَانٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ إيَّاهُ لَا لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَيَقْتُلَ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . [كِتَابُ السِّيَرِ] أَوْرَدَ الْجِهَادَ عَقِيبِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَاسَبَهَا بِوَجْهَيْنِ بِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا وَمِنْ مَضْمُونِ هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ إخْلَاءُ الْعَالَمِ مِنْ الْفَسَادِ، وَبِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَسُنَ لِحُسْنِ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ، وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَأَدَّى بِفِعْلِ نَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ الْقِتَالُ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا لِوَجْهَيْنِ: كَوْنُ الْفَسَادِ الْمَطْلُوبِ الْإِخْلَاءُ عَنْهُ بِالْجِهَادِ أَعْظَمَ كُلِّ فَسَادٍ وَأَقْبَحَهُ، وَالْعَادَةُ فِي التَّعَالِيمِ الشُّرُوعُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَكَوْنُهُ مُعَامَلَةً مَعَ الْكُفَّارِ، وَالْحُدُودُ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَقْدِيمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْلِمِينَ أَوْلَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَهُ مُنَاسَبَةً خَاصَّةً بِالْعِبَادَاتِ، فَلِذَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَقِيبَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ فِعْلَةٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السَّيْرِ فَيَكُونُ لِبَيَانِ هَيْئَةِ السَّيْرِ وَحَالَتُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَةً لِلْهَيْئَةِ كَجِلْسَةٍ وَخِمْرَةٍ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ كَذَلِكَ فِي السَّيْرِ الْمَعْنَوِيِّ حَيْثُ قَالُوا فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَارَ فِينَا بِسِيرَةِ الْعُمْرَيْنِ، لَكِنْ غَلَبَ فِي لِسَانِ أَهْلِ الشَّرْعِ عَلَى الطَّرَائِقِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي غَزْوِ الْكُفَّارِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ كَوْنَهَا تَسْتَلْزِمُ السَّيْرَ وَقَطْعَ الْمَسَافَةِ. وَقَدْ يُقَالُ كِتَابُ الْجِهَادِ، وَهُوَ أَيْضًا أَعَمُّ غَلَبَ فِي عُرْفِهِمْ عَلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ دَعَوْتُهُمْ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ، وَقِتَالُهُمْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا، وَفِي غَيْرِ كُتُبِ الْفِقْهِ يُقَالُ: كِتَابُ الْمَغَازِي، وَهُوَ أَيْضًا أَعَمُّ، جَمْعُ مَغْزَاةٍ مَصْدَرًا سَمَاعِيًّا لِغَزَا دَالًّا عَلَى الْوَحْدَةِ، وَالْقِيَاسِيُّ غَزْوٌ وَغَزْوَةٌ لِلْوَحْدَةِ كَضَرْبَةٍ وَضَرْبٍ وَهُوَ قَصْدُ الْعَدُوِّ لِلْقِتَالِ خُصَّ فِي عُرْفِهِمْ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ. هَذَا وَفَضْلُ الْجِهَادِ عَظِيمٌ، وَكَيْفَ لَا وَحَاصِلُهُ بَذْلُ أَعَزِّ الْمَحْبُوبَاتِ وَإِدْخَالِ أَعْظَمِ الْمَشَقَّاتِ عَلَيْهِ وَهُوَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَرُّبًا بِذَلِكَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَشَقُّ مِنْهُ قَصْرُ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَاتِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ عَلَى الدَّوَامِ وَمُجَانَبَةِ أَهَوِيَتِهَا، وَلِذَا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ رَجَعَ مِنْ مَغْزَاةٍ رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَهُ فِي الْفَضِيلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا فِي حَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ أَفْضَلَ بَعْدَ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةً مُعَارِضَةً لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كُلٍّ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ السَّائِلِ، فَإِذَا كَانَ السَّائِلُ يَلِيقُ بِهِ الْجِهَادُ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ تَهْيِئَتِهِ لَهُ وَاسْتِعْدَادِهِ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ كَانَ الْجِهَادُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْجَلَادَةِ وَالْغَنَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا وَتِلْكَ هِيَ الْفَرَائِضُ، وَفِي هَذَا لَا يُتَرَدَّدُ فِي أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَأَخْذَ النَّفْسِ بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ. وَلِأَنَّ هَذِهِ فَرْضُ عَيْنٍ وَتَتَكَرَّرُ وَالْجِهَادُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ افْتِرَاضَ الْجِهَادِ لَيْسَ إلَّا لِلْإِيمَانِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ مَقْصُودًا وَحَسَنًا لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا وَهِيَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَفِيهِ طُولٌ إلَى أَنْ قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا شَحَبَ وَجْهٌ وَلَا اغْبَرَّتْ قَدَمٌ فِي عَمَلٍ يُبْتَغَى بِهِ دَرَجَاتُ الْآخِرَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ كَجِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلٌّ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مُرَادَةً بِلَفْظِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ فِقْهِ الرَّاوِي وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِمَا عَضَّدَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ فِيهِ أَصْلًا، فَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ جَهْلُ الْجِهَادِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَهُوَ يَصْدُقُ إذَا كَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ قَبْلَهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ فَلَا مُعَارَضَةَ إلَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى الْمَقْصُودِ. وَمِنْ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مُقَامُ الرَّجُلِ فِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الرَّجُلِ سِتِّينَ سَنَةً» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَعْدِلُ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا تَسْتَطِيعُونَهُ، فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَثَلُ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمِثْلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ عَنْ صَلَاتِهِ وَلَا صِيَامِهِ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

قَالَ (الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمِنْ تَوَابِعِ الْجِهَادِ الرِّبَاطُ، وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان يُتَوَقَّعُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهِ لِقَصْدِ دَفْعٍ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أَجْرَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ «وَبُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ثِقَاتٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَمِنَ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةِ صَلَاةٍ، وَنَفَقَتُهُ الدِّينَارَ، وَالدِّرْهَمُ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِهِ» هَذَا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ الرِّبَاطُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ مَكَان فَفِي النَّوَازِلِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَوْ كَانَ رِبَاطًا فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِهِمْ مُرَابِطُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى مَوْضِعٍ مَرَّةً يَكُونُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ رِبَاطًا إلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَإِذَا أَغَارُوا مَرَّتَيْنِ يَكُونُ رِبَاطًا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَإِذَا أَغَارُوا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَكُونُ رِبَاطًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى: وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ مَحَلِّ الرِّبَاطِ مَا وَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ ذُكِرَ فِي حَدِيثٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُتَطَوِّعًا لَا يَأْخُذُهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَرَ النَّارَ بِعَيْنِهِ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] » رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى. وَفِيهِ لِينٌ مُحْتَمَلٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَلَيْسَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ، فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ فِيهَا سِوَى الْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَلْنَخْتِمْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَعَبْدُ الْقَطِيفَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغَبَّرَةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ» (قَوْلُهُ الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ

إذَا قَامَ بِهِ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ) أَمَّا الْفَرْضِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا قَامَ بِهِ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ) وَهَذَا وَاقِعٌ مَوْقِعَ تَفْسِيرِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (أَمَّا الْفَرْضِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] وقَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36] وقَوْله تَعَالَى انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالتَّخْصِيصُ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ لَفْظِيٍّ مُقَارِنٍ لِلْمَعْنَى، وَبِهَذِهِ يَنْتَفِي مَا نُقِلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ لِلنَّدْبِ، وَكَذَا {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} [البقرة: 216] كَقَوْلِهِ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَيَجِبُ حَمْلُهُ إنْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَثْبُتُ الْفَرْضُ وَهِيَ عُمُومَاتٌ مَخْصُوصَةٌ، وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ، وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْفَرْضُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُخْرِجَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ مَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ عَلَى مَا عُرِفَ وَبِالتَّخْصِيصِ بِهِ لَا يَصِيرُ الْعَامُّ ظَنِّيًّا، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَنَفْسُ النَّصِّ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقٍ بِغَيْرِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ الْمَخْصُوصِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ مَقْرُونٌ بِمَا يُقَيِّدُهُ بِغَيْرِهِمْ وَهُوَ مِنْ حَيْثُ يُحَارَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36] فَأَفَادَ أَنَّ قِتَالنَا الْمَأْمُورَ بِهِ جَزَاءٌ لِقِتَالِهِمْ وَمُسَبَّبٌ عَنْهُ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أَيْ لَا تَكُونَ مِنْهُمْ فِتْنَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ بِالْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَفْتِنُونَ مَنْ أَسْلَمَ بِالتَّعْذِيبِ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي السِّيَرِ، فَأَمَرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْقِتَالِ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَلَا يَقْدِرُونَ

وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَأَرَادَ بِهِ فَرْضًا بَاقِيًا، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ إفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا فُرِضَ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَفْتِينِ الْمُسْلِمِ عَنْ دِينِهِ، فَكَانَ الْأَمْرُ ابْتِدَاءً بِقِتَالِ مَنْ بِحَيْثُ يُحَارِبُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَكَّدَ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ حِينَ رَأَى الْمَقْتُولَةَ «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَدَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُنْسَخُ، وَهَذَا لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْإِيضَاحِ إذَا تَأَيَّدَ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْمُفِيدُ حِينَئِذٍ الْكِتَابُ وَالْإِجْمَاعُ، وَجَاءَ الْخَبَرُ عَلَى وَفْقِهِمَا، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثٍ «وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ» فِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: هُوَ فِي مَعْنَى الْمَجْهُولِ. وَلَا شَكَّ

فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ (فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ، وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ بِهِ قَطْعَ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيَجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ (إلَّا أَنْ) (يَكُونُ النَّفِيرُ عَامًّا) فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ أَنَّ الْجِهَادَ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُنْسَخْ، فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ لَا قَائِلَ أَنَّ بِقِتَالِ آخِرِ الْأُمَّةِ الدَّجَّالَ يَنْتَهِي وُجُوبُ الْجِهَادِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لَيْسَ مُجَرَّدًا ابْتِلَاءَ الْمُكَلَّفِينَ بَلْ إعْزَازُ الدِّينِ، وَدَفْعُ شَرِّ الْكُفَّارِ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] (فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ بِالْبَعْضِ سَقَطَ) هُوَ لِحُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ (كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) الْمَقْصُودُ مِنْهَا قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِ. وَذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ تَمَسُّكًا بِعَيْنِ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ إذْ بِمِثْلِهَا يَثْبُتُ فُرُوضُ الْأَعْيَانِ. قُلْنَا: نَعَمْ لَوْلَا قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95] وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا لَاشْتَغَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِهِ فَيَتَعَطَّلُ الْمَعَاشُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى بِالزِّرَاعَةِ وَالْجَلْبِ بِالتِّجَارَةِ وَيَسْتَلْزِمُ (قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ) يَعْنِي الْخَيْلَ (وَالسِّلَاحِ) وَالْأَقْوَاتِ فَيُؤَدِّي إيجَابُهُ عَلَى الْكُلِّ إلَى تَرْكِهِ لِلْعَجْزِ (فَلَزِمَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ مَا ذُكِرَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَزِمَ فِي كَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ أَنْ يَخْرُجَ الْكُلُّ مِنْ الْأَمْصَارِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمًا بَلْ يَكُونُ كَالْحَجِّ عَلَى الْكُلِّ، وَلَا يَخْرُجُ الْكُلُّ بَلْ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يَخْرُجَ فَفِي مَرَّةٍ طَائِفَةٌ وَفِي مَرَّةٍ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَهَكَذَا، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الْمَعَاشِ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ نَصُّ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95] ثُمَّ هَذَا (إذَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا، فَإِنْ كَانَ) بِأَنْ هَجَمُوا عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ (فَيَصِيرُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَنْفِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا فَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ النَّفْرُ، وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَهْلِهَا كِفَايَةٌ وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ مِمَّنْ يَقْرُبُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْ يَقْرُبُ كِفَايَةٌ أَوْ تَكَاسَلُوا أَوْ عَصَوْا، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَجِبَ عَلَى جَمِيعِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] الْآيَةَ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَيْهِمْ، فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا، كَجِهَازِ الْمَيِّتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَجِبُ أَوَّلًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا عَجْزًا وَجَبَ عَلَى مَنْ بِبَلَدِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هَكَذَا ذَكَرُوا، وَكَأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا دَامَ الْحَرْبُ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ الْأَبْعَدُونَ وَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ. بِخِلَافِ إنْفَاذِ الْأَسِيرِ وُجُوبُهُ عَلَى الْكُلِّ مُتَّجَهٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِمَّنْ عَلِمَ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْثَمَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقُعُودُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِ النَّاسِ وَتَكَاسُلِهِمْ أَوْ قُعُودِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْعِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ رُكْبَانًا وَمُشَاةً، وَقِيلَ شَبَابًا وَشُيُوخًا، وَقِيلَ عُزَّابًا وَمُتَزَوِّجِينَ، وَقِيلَ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالُ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ: أَيْ انْفِرُوا مَعَ كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فَأَفَادَ الْعَيْنِيَّةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَا يُفِيدُ تَعْيِينُهَا الْعَيْنِيَّةَ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآيَاتِ كُلُّهَا لِإِفَادَةِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ تُعْرَفُ الْكِفَايَةُ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا الْعَيْنِيَّةُ فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ فَبِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مِنْ إغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَالْمَظْلُومِ، وَهَذَا مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ) قَالَ (فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ) يَعْنِي قَوْلَهُ: وَاجِبٌ وَأَنَّهُمْ فِي سِعَةٍ مِنْ تَرْكِهِ (إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكِفَايَةِ)

وَآخِرُهُ إلَى النَّفِيرِ الْعَامِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَحَصَّلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيُفْتَرَضُ عَلَى الْكُلِّ (وَقِتَالُ الْكُفَّارِ وَاجِبٌ) وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا لِلْعُمُومَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادُ تَرْكُ الْكُلِّ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَهُوَ تَرْكُ الْبَعْضِ (وَآخِرُهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ (يُفِيدُ الْعَيْنِيَّةَ) إذْ صَارَ الْحَاصِلُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ يَسَعُ الْبَعْضُ تُرْكَهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ فَلَا يَسَعُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ فَيَخْرُجُ الْمَرِيضُ الْمُدَنَّفُ. وَأَمَّا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ دُونَ الدَّفْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ لِتَكْثِيرِ السَّوَادِ فَإِنَّ فِيهِ إرْهَابًا. وَنَفَرَ الْقَوْمُ نَفْرًا وَنَفِيرًا إذَا خَرَجُوا (قَوْلُهُ وَقِتَالُ الْكُفَّارِ) الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا وَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا وَلَمْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ مِنْ غَيْرِهِمْ (وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُونَا) لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لَهُ لَمْ تُقَيِّدْ الْوُجُوبَ بِبَدَاءَتِهِمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (لِلْعُمُومَاتِ)

(وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الصِّبَا مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ (وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ) التَّقَدُّمُ حَقُّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ (وَلَا أَعْمَى وَلَا مُقْعَدٍ وَلَا أَقْطَعَ لِعَجْزِهِمْ، فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُ النِّكَاحِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ؛ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمَا مَقْنَعًا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا عُمُومُ الْمُكَلَّفِينَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَقَطْ فَالْمُرَادُ إطْلَاقُ الْعُمُومَاتِ فِي بَدَاءَتِهِمْ وَعَدَمِهَا خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ. وَالزَّمَانُ الْخَاصُّ كَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِعَطَاءٍ، وَلَقَدْ اُسْتُبْعِدَ مَا عَنْ الثَّوْرِيِّ وَتَمَسُّكُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ نَسْخُهُ. وَصَرِيحُ قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ يُوجِبُ أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَحَاصَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّائِفَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ إلَى آخِرِ الْمُحَرَّمِ أَوْ إلَى شَهْرٍ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى نَسْخِ الْحُرْمَةِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَهُوَ بِنَاءً عَلَى التَّجَوُّزِ بِلَفْظِ حَيْثُ فِي الزَّمَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَثُرَ فِي الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ إلَخْ) الْوَجْهُ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي فِي الْمُقَاتِلَةِ» الْحَدِيثَ (وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ) بِإِذْنِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى حَقِّهِ. وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ حَقٌّ مُتَعَيَّنٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدِ وَتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَلَوْ تَعَلَّقَ بِهِمَا الْجِهَادُ لَزِمَ إطْلَاقُ فِعْلِهِ لَهُمَا، وَإِطْلَاقُهُ يَسْتَلْزِمُ إطْلَاقَ تَرْكِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ، فَلَوْ تَعَلَّقَ بِهِمْ لَزِمَهُ إبْطَالُ حَقٍّ جَعَلَهُ اللَّهُ مُتَعَيِّنًا لِحَقٍّ لَمْ يَجْعَلْهُ مُتَعَيَّنًا عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّازِمُ بَاطِلٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُونَ مَخْصُوصِينَ مِنْ الْعُمُومَاتِ لِدَلِيلٍ مُقَارِنٍ وَهُوَ الْعَقْلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ فَرْضُ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ. نَعَمْ لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ بِالْقِتَالِ يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَلَا نَقُولُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ حَتَّى إذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالرُّوحِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ بِخِطَابِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ بِذَلِكَ، وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُمْ قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ، وَعَنْ هَذَا حَرُمَ الْخُرُوجُ إلَى الْجِهَادِ وَأَحَدُ الْأَبَوَيْنِ كَارِهٌ لِأَنَّ طَاعَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا مَعَ أَنَّ فِي خُصُوصِهِ أَحَادِيثَ مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَهُ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَقَدَّمْنَا مِنْ صَحِيحِهِ آنِفًا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ

إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ (وَيُكْرَهُ الْجُعَلُ مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِإِلْحَاقِ الْأَدْنَى، يُؤَيِّدُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ» وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدَّمَ فِيهِ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْجِهَادِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: جِئْت أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْت أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» وَفِيهِ عَنْ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْيَمَنِ، فَقَالَ: هَلْ لَك أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ قَالَ: أَبَوَايَ، قَالَ: أَذِنَا لَك، قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَك فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» وَأَمَّا الْأَعْمَى وَالْأَقْطَعُ فَقَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] وَقَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] وَالْمُقْعَدُ الْأَعْرَجُ، قَالَهُ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْجَعْلُ) يُرِيدُ بِالْجَعْلِ هُنَا أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالزَّادِ (مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ) وَهُوَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ، وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ فَيُسَمَّى غَنِيمَةً (لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ) وَهَذَا وَجْهٌ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْإِمَامِ بِخُصُوصِهِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْجَعْلَ يُشْبِهُ الْأُجْرَةَ، وَحَقِيقَةُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ حَرَامٌ فَمَا يُشْبِهُهَا مَكْرُوهٌ يُوجِبُهَا عَلَى الْغَازِيِّ وَعَلَى الْإِمَامِ كَرَاهَةٌ تَسَبُّبِهِ فِي الْمَكْرُوهِ، وَحَقِيقَةُ الْجَعْلِ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مَالِ الْغَازِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِعِبَادَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ فَتَكُونُ كَالْحَجِّ، وَأَنَّ وُجُوبَ تَجْهِيزِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْجِهَازِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُعْطِيهِمْ اسْتِحْقَاقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَيْرَ كَافٍ لِلْجِهَازِ مَعَ حَاجَةِ الْمُقَامِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ ذَلِكَ عَلَى نِسْبَةِ عَدْلٍ (لِأَنَّ بِهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى) وَهُوَ تَعَدِّي شَرِّ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ (بِإِلْحَاقِ) الضَّرَرِ (الْأَدْنَى) وَاسْتَأْنَسَ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ» (وَبِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ) أَمَّا «قِصَّةُ صَفْوَانَ فَلَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ يَطْلُبُ مِنْهُ أَدْرَاعًا عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى حُنَيْنٍ. فَفِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْعٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ إذْ ذَاكَ

[باب كيفية القتال]

(بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ) (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَحَاصَرُوا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى شِرْكِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ طَلَبَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَيِّرَهُ شَهْرَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَيَّرْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ عَرَضَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى حُنَيْنٍ فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَغَصْبًا؟ قَالَ: لَا بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً، فَبَعَثَهَا ثُمَّ اسْتَحْمَلَهُ إيَّاهَا فَحَمَلَهَا عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ» . وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ: «فَضَاعَ بَعْضُهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَضْمَنَهَا، فَقَالَ: لَا أَنَا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ أَرْغَبُ» . وَهَذَا لَا يُطَابِقُ نَفْسَ الْمُدَّعِي وَهُوَ تَكْلِيفُ الْإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يُعِينُوا الْخَارِجِينَ، وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ إلَّا بِالِالْتِزَامِ، فَإِنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ فِي الْمُتَكَلِّمِ فِيهِ لَا يَأْخُذُهُ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهُ لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. نَعَمْ فِيهِ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ يَتَوَسَّلُ إلَى الْجِهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ بِالِاسْتِعَارَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ لَهُمْ. وَأَمَّا مَا عَنْ عُمَرَ فَظَاهِرٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى يُغْزِيهِ عَنْهُ لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ يَأْخُذُ الْجِهَازَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ غَازٍ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ يُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ فَصَرِيحٌ فِيهِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْزِي عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَمْرُ الْفَرَسِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَغْزِي الْعَزَبَ وَيَأْخُذُ فَرَسَ الْمُقِيمِ فَيُعْطِيهِ الْمُسَافِرَ. [بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ] لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْقِتَالَ لَازِمٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَفَعَلَهُ عَلَى حَدٍّ مَحْدُودٍ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ فَشَرَعَ فِيهِ فَقَالَ: (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ عَطْفَ جُمْلَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ وَاوَ اسْتِئْنَافٍ (فَحَاصَرُوا مَدِينَةً) وَهِيَ الْبَلْدَةُ الْكَبِيرَةُ فَعَيْلَةٌ مِنْ مَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ (أَوْ حِصْنًا) وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُحْصَنُ الَّذِي لَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَا فِي جَوْفِهِ (دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّهُ

مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ (فَإِنْ أَجَابُوا كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَأَلْفَاظُ بَعْضِهِمْ تَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ وَتَخْتَلِفُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اُغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا وَلَا تَغْلُوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا، وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى إحْدَى خِصَالٍ ثَلَاثٍ أَوْ خِلَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَعْلِمْهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك وَذِمَّةَ أَصْحَابِك فَإِنَّكُمْ إنْ تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَإِذَا أَهْلُ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَصَبْتَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا، ثُمَّ اقْضُوا فِيهِمْ بَعْدُ مَا شِئْتُمْ» وَفِي الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ كَثْرَةٌ. وَفِي نَفْسِ هَذَا الْحُكْمِ شُهْرَةٌ وَإِجْمَاعٌ، وَلِأَنَّ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا مَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيِ عِيَالِهِمْ فَرُبَّمَا يُجِيبُونَ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِعْلَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلَوْ قَاتَلُوهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمُوا، وَلَكِنْ لَا غَرَامَةَ بِمَا أَتْلَفُوا مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ مِنْ دِيَةٍ وَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حُرْمَةِ الْقَتْلِ لَا تُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَتَلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. وَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَالْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْمُحِيطِ: بُلُوغُ الدَّعْوَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ اسْتَفَاضَ شَرْقًا وَغَرْبًا أَنَّهُمْ إلَى مَاذَا يَدْعُونَ وَعَلَى مَاذَا يُقَاتِلُونَ فَأُقِيمَ ظُهُورُهَا مَقَامَهَا انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ فَيَجِبُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهِ ظَنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَإِذَا كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ لَا تَجِبُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ. أَمَّا عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَوْفٍ: كَتَبْت إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ فَكَتَبَ إلَيَّ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ «قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَهِدَ إلَيْهِ فَقَالَ: أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا وَحَرِّقْ» وَالْغَارَّةُ لَا يَكُونُ مَعَ دَعْوَةٍ. وَأُبْنَى بِوَزْنِ حُبْلَى مَوْضِعٌ مِنْ فَلَسْطِينَ بَيْنَ عَسْقَلَانَ وَالرَّمْلَةِ، وَيُقَالُ يُبْنَى بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ آخِرَ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ اسْمُ قَبِيلَةٍ. وَأَمَّا

(وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعَوْهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ) بِهِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمَرَاءَ الْجُيُوشِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَمَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ كَالْمُرْتَدِّينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لَا فَائِدَةَ فِي دُعَائِهِمْ إلَى قَبُولِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] (فَإِنْ بَذَلُوهَا فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَالْمُرَادُ بِالْبَذْلِ الْقَبُولُ وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَدْعُوهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ «فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى سَلْبِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَنُكْفَى مُؤْنَةُ الْقِتَالِ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ لِلنَّهْيِ، وَلَا غَرَامَةَ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ فَصَارَ كَقَتْلِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ) مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ» . «وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ يُحَرِّقَ» وَالْغَارَةُ لَا تَكُونُ بِدَعْوَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِحْبَابُ فَلِأَنَّ التَّكْرَارَ قَدْ يُجْدِي الْمَقْصُودَ فَيَنْعَدِمُ الضَّرَرُ الْأَعْلَى، وَقُيِّدَ هَذَا الِاسْتِحْبَابُ بِأَنْ لَا يَتَضَمَّنَ ضَرَرًا بِأَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ يَسْتَعِدُّونَ أَوْ يَحْتَالُونَ أَوْ يَتَحَصَّنُونَ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ كَالْعِلْمِ بَلْ هُوَ الْمُرَادُ، وَإِذًا فَحَقِيقَتُهُ يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَجَابَ الْمَدْعُوُّ أَوْ غَيْرُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا إشْكَالَ، وَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ جَعَلَهُ غَايَةَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ حَيْثُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعَوْهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِهَذَا أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ (وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ وَلَا مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ عَلَى مَا سَيَتَّضِحُ (فَإِنْ بَذَلُوهَا) أَيْ قَبِلُوهَا (وَكَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، بَلْ هُوَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ،

قَالَ (فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ اسْتَعَانُوا بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَحَارَبُوهُمْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ «فَإِنَّ أَبَوْا ذَلِكَ فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْهَا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ» وَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ. قَالَ (وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ) كَمَا نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الطَّائِفِ (وَحَرَّقُوهُمْ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ. قَالَ (وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ وَقَطَّعُوا أَشْجَارَهُمْ وَأَفْسَدُوا زُرُوعَهُمْ) لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلْحَاقَ الْكَبْتِ وَالْغَيْظِ بِهِمْ وَكَسْرَةَ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا، (وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَتْلُ الْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ ضَرَرٌ خَاصٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا فَدَمُهُ كَدَمِنَا وَدِينُهُ كَدِينِنَا وَضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَبَا الْجَنُوبِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ اسْتَعَانُوا عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحَارَبُوهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ «فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ» ) وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِطُولِهِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَالْمُدَمِّرُ الْمُهْلِكُ (فَيُسْتَعَانُ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ كَمَا نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ) عَلَى مَا فِي التِّرْمِذِيِّ مُفَصَّلًا فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ، قُلْت: لِوَكِيعٍ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَزَادَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي، وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَحَرَّقَهُمْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ» عَلَى مَا رَوَى السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَهُ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ» : يَعْنِي أَنَّ الْبُوَيْرَةَ اسْمٌ لِنَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَبْتُ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَكَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ ذَلِكَ فَيَفْعَلُونَ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ التَّحْرِيقِ وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ وَإِفْسَادِ الزَّرْعِ، هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) بَلْ وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَصِبْيَانِهِمْ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُمْ إنْ كَفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِرَمْيِهِمْ إلَّا الْكُفَّارُ. فَإِنْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ

وَلِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو حِصْنٌ عَنْ مُسْلِمٍ، فَلَوْ امْتَنَعَ بِاعْتِبَارِهِ لَانْسَدَّ بَابُهُ (وَإِنَّ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأُسَارَى لَمْ يَكُفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَيَقْصِدُونَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ) لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فِعْلًا فَلَقَدْ أُمْكِنَ قَصْدًا، وَالطَّاعَةُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَمَا أَصَابُوهُ مِنْهُمْ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ وَالْغَرَامَاتُ لَا تُقْرَنُ بِالْفُرُوضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَمْيُهُمْ فِي صُورَةِ التَّتَرُّسِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْكَفِّ عَنْ رَمْيِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ انْهِزَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، فَإِنْ رَمَوْا وَأُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي الدِّيَةِ قَوْلَانِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إنْ قَصْدَهُ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ الدِّيَةُ عَلِمَهُ مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِعَيْنِهِ بَلْ رَمَى إلَى الصَّفِّ فَأُصِيبَ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، وَتَرْكُ قَتْلِ الْكَافِرِ جَائِزٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَلْإِمَامَ أَنْ لَا يَقْتُلَ الْأُسَارَى لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ تَرْكُهُ لِعَدَمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ مَفْسَدَةَ قَتْلِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ مَصْلَحَةِ قَتْلِ الْكَافِرِ. وَجْهُ الْإِطْلَاقِ أَمْرَانِ

بِخِلَافِ حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ مَخَافَةَ الضَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ نَفْسِهِ. أَمَّا الْجِهَادُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى إتْلَافِ النَّفْسِ فَيُمْتَنَعُ حِذَارَ الضَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ أَنَّا أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ مُطْلَقًا، وَلَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا الْمَعْنَى انْسَدَّ بَابُهُ، لِأَنَّ حِصْنًا مَا أَوْ مَدِينَةً قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ أَسْرِ مُسْلِمٍ فَلَزِمَ مِنْ افْتِرَاضِ الْقِتَالِ مَعَ الْوَاقِعِ مِنْ عَدَمِ خُلُوِّ مَدِينَةٍ أَوْ حِصْنٍ عَادَةً إهْدَارُ اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فِيهِ، وَصَارَ كَرَمْيِهِمْ مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ أَوْلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فِيهِمْ وَاحْتِمَالُ قَتْلِهِ وَهُوَ الْجَامِعُ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالرَّمْيِ إلَّا الْكَافِرَ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُسْلِمِ بِالْقَتْلِ حَرَامٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَفْتَرِضْ وَهُوَ مَا إذَا فُتِحَتْ الْبَلْدَةُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا فَتْحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِيهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَلِكَ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ أَخْرَجَ وَاحِدًا مِنْ عَرَضِ النَّاسِ حَلَّ إذَنْ قَتْلُ الْبَاقِي لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ فِي الْبَاقِينَ شَكٌّ، بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فِيهِمْ مَعْلُومٌ بِالْفَرْضِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ الثَّانِي أَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ بِإِثْبَاتِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ وَهُوَ وَاجِبٌ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَحَالَ وَجْهَ مَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ عَلَى وَجْهَيْ مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ أَسِيرٌ مُسْلِمٌ حِينَئِذٍ أَوْ تَاجِرٌ. وَقَدْ يُقَالُ إنْ سَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَهْلُ حِصْنٍ عَنْ تَاجِرٍ أَوْ أَسِيرٍ، فَإِطْلَاقُ افْتِرَاضِ الْقِتَالِ إهْدَارٌ لِاعْتِبَارِهِ مَانِعًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَهْلُ حِصْنٍ أَنْ يَتَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ إطْلَاقُ الِافْتِرَاضِ إهْدَارًا لِحُرْمَةِ الرَّمْيِ، فَإِنَّ الْمُشَاهَدَةَ نَفَتْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقًا إلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ غَالِبًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِانْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ لَوْ لَمْ يَرْمِ وَحَلَّ الرَّمْيُ عِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ قِتَالٍ مَعَ الْكُفَّارِ هُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ: أَيْ مُجْتَمَعِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ الظَّفَرُ تَضَرَّرَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ وَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، وَبِتَقْدِيرِهِ هُوَ ضَرَرٌ خَفِيفٌ أَشَدُّ مِنْهُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ فِي غَالِبِ الظَّنِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الضَّرَرُ الْعَامُّ مُقَدَّمًا عَلَى هَذَا إذَا كَانَ فِيهِ هَزِيمَتُهُمْ وَنَحْوُهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَغْرَمْ الدِّيَةَ إذَا أُصِيبَ مُسْلِمٌ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِمْ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُقْرَنُ بِالْغَرَامَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَزَّرَهُ الْقَاضِي أَوْ حَدَّهُ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَإِلَّا امْتَنَعَ عَنْ الْإِقَامَةِ (بِخِلَافِ) الْمُضْطَرِّ (حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ) عَنْ الْأَكْلِ (مَخَافَةَ الضَّمَانِ) لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ هَلَاكُ نَفْسِهِ وَالضَّمَانُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِهَا فَلَا تُمْتَنَعُ (أَمَّا الْجِهَادُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى إتْلَافِ نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ حِذَارُهُ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا فِي الْمُضْطَرِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ الضَّمَانِ

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانُوا عَسْكَرًا عَظِيمًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ (وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةً لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَهُنَّ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ وَتَعْرِيضَ الْمَصَاحِفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يَفُونَ بِالْعَهْدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ، وَالْعَجَائِزُ يَخْرُجْنَ فِي الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ لِإِقَامَةِ عَمَلٍ يَلِيقُ بِهِنَّ كَالطَّبْخِ وَالسَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ، فَأَمَّا الشَّوَابُّ فَمَقَامُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَدْفَعُ لِلْفِتْنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا، فَهُوَ كَالْمُبَاحِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ افْتِرَاضِ الْجِهَادِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانُوا عَسْكَرًا عَظِيمًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَهُنَّ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ، وَتَعْرِيضَ الْمَصَاحِفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ) مِنْهُمْ لَهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» ) وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ السِّتَّةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَقَوْلُهُ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْقُمِّيِّ، وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَصَاحِفِ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يُكْرَهُ. أَمَّا التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد وَابْنَ مَاجَهْ زَادَا بَعْدَ قَوْلِهِ «إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» ، قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَيَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِنِّي أَخَافُ» فَلِذَا حَكَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بِأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَلَّطَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَالِكٌ لَمْ يَسْمَعْهَا فَوَافَقَ تَأْوِيلُهُ أَوْ شَكَّ فِي سَمَاعِهِ إيَّاهَا. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْعَسْكَرِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شَأْنِهِمْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَقَدْ لَا يَكْمُنُونَ، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّرَى، وَهُوَ السَّيْرُ لَيْلًا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُؤْمَنُ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُ فِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ إلَى السَّرِيَّةِ طَفْرَةٌ كَبِيرَةٌ لَيْسَتْ مُنَاسِبَةً؛ وَاَلَّذِي يُؤْمَنُ عَلَيْهِ فِي تَوَغُّلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ إلَّا الْعَسْكَرُ الْعَظِيمُ. وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» وَهُوَ أَكْثَرُ مَا رَوَى فِيهِ هَذَا بِاعْتِبَارِهِ أَحْوَطُ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ إطْلَاقُ الْمَنْعِ أَخْذًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ

وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ ضَرُورَةٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُنَّ لِلْمُبَاضَعَةِ وَالْخِدْمَةِ، فَإِنْ كَانُوا لَا بُدَّ مُخْرَجِينَ فَبِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ (وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ لِلضَّرُورَةِ) وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَلَا يَغُلُّوا وَلَا يُمَثِّلُوا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَغْلُو وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» وَالْغُلُولُ: السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَالْغَدْرُ: الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَيْشِ وَالسَّرَايَا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ نَيْلُ الْعَدُوِّ لَهُ فِي الْجَيْشِ الْعَظِيمِ نَادِرًا فَنِسْيَانُهُ وَسُقُوطُهُ لَيْسَ بِنَادِرٍ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ لَمَّا كَانَتْ مَخَافَةَ نَيْلِهِ فَيُنَاطُ بِمَا هُوَ مَظِنَّتُهُ فَيَخْرُجُ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ، وَالنِّسْيَانُ وَالسُّقُوطُ نَادِرٌ مَعَ الِاهْتِمَامِ وَالتَّشَمُّرِ لِلْحِفْظِ الْبَاعِثِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَمَلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّنْ يَخَافُ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ فَيَأْخُذُهُ لِتَعَاهُدِهِ فَيُبْعَدُ ذَلِكَ مِنْهُ وَكُتُبُ الْفِقْهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مَعْزُوًّا إلَى السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَكُتُبُ الْحَدِيثِ أَوْلَى، ثُمَّ الْأَوْلَى فِي إخْرَاجِ النِّسَاءِ الْعَجَائِزِ لِلطِّبِّ وَالْمُدَاوَاةِ وَالسَّقْيِ دُونَ الشَّوَابِّ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْمُبَاضَعَةِ فَالْأَوْلَى إخْرَاجُ الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ (وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ) وَقَدْ «قَاتَلَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَقَرَّهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ لَمَقَامُهَا خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ» يَعْنِي بَعْضَ الْمُنْهَزِمِينَ (قَوْلُهُ وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ تَقَدُّمِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى (إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَغْدِرُوا أَوْ يَغُلُّوا أَوْ يُمَثِّلُوا، وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَالْغَدْرُ الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَغْلُوا» إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا تُمَثِّلُوا» أَيْ الْمُثْلَةُ يُقَالُ مَثَلْت بِالرَّجُلِ بِوَزْنِ ضَرَبْت أَمْثُلُ بِهِ بِوَزْنِ أَنْصُرُ مَثْلًا وَمُثْلَةً إذَا سَوَّدْت وَجْهَهُ أَوْ قَطَعْت أَنْفَهُ وَنَحْوَهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ هُوَ الْمَنْقُولُ) وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ؛ فَعِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ مَنْسُوخَةٌ كَمَا ذَكَرَ قَتَادَةُ فِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيِّ قَالَ أَنَسٌ: «مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ خُطْبَةً إلَّا نَهَى فِيهَا عَنْ الْمُثْلَةِ» . وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي سِيرَتِهِ: مِنْ النَّاسِ مَنْ أَبَى ذَلِكَ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَيْسَ فِيهَا يَعْنِي آيَةَ الْحِرَابَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَشْعُرُ بِهِ لَفْظَةٌ إنَّمَا مِنْ الِاقْتِصَارِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ. وَأَمَّا مَنْ زَادَ عَلَى الْحِرَابَةِ جِنَايَاتٍ أُخَرَ كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ كَمَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي خَبَرِهِمْ " أَنَّهُمْ قَطَعُوا يَدَ الرَّاعِي وَرِجْلَهُ وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتَّى مَاتَ " فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ وَالزِّيَادَةِ فِي عُقُوبَتِهِمْ فَهَذَا لَيْسَ بِمُثْلَةٍ، وَالْمُثْلَةُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً عَلَى غَيْرِ جَزَاءٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ» وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا جَنَى عَلَى قَوْمٍ جِنَايَاتٍ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَاقْتُصَّ مِنْهُ لَمَّا كَانَ التَّشْوِيهُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمُثْلَةِ. وَقَالَ: ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: يَعْنِي آيَةَ الْجَزَاءِ سَبَبًا آخَرَ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الْأَقْوَالُ وَتَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ فَلَا نَسْخَ. وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمُثْلَةَ بِمَنْ مَثَّلَ جَزَاءٌ ثَابِتٌ لَمْ يُنْسَخْ، وَالْمُثْلَةُ بِمَنْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ لَا عَنْ مُثْلَةٍ لَا تَحِلُّ لَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ

وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ هُوَ الْمَنْقُولُ (وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا مُقْعَدًا وَلَا أَعْمَى) لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقَتْلِ عِنْدَنَا هُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا لَا يَقْتُلُ يَابِسُ الشَّقِّ وَالْمَقْطُوعُ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ يُخَالِفُنَا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَالْمُقْعَدِ وَالْأَعْمَى ـــــــــــــــــــــــــــــQتُشْرَعْ أَوَّلًا لِأَنَّ مَا وَقَعَ لِلْعُرَنِيِّينَ كَانَ جَزَاءَ تَمْثِيلِهِمْ بِالرَّاعِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ «لَا تُمَثِّلُوا» عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَنَحْوِهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ مُثْلَةِ الْعُرَنِيِّينَ فَظَاهِرُ نَسْخِهَا أَوْ لَا يُدْرَى فَيَتَعَارَضُ مُحَرَّمٌ وَمُبِيحٌ خُصُوصًا وَالْمَحْرَمُ قَوْلٌ فَيَتَقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ، وَكُلَّمَا تَعَارَضَ نَصَّانِ وَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِنَسْخِ الْآخَرِ، وَرِوَايَةُ أَنَسٍ صَرِيحٌ فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ جَنَى عَلَى جَمَاعَةٍ جِنَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةً لَيْسَ فِيهَا قَتْلٌ بِأَنْ قَطَعَ أَنْفَ رَجُلٍ وَأُذُنَيْ رَجُلٍ وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ وَقَطَعَ يَدَ آخَرَ وَرِجْلَ آخَرَ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَدَاءً لِحَقِّهِ، لَكِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُسْتَأْتَى بِكُلِّ قِصَاصٍ بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا الرَّجُلُ مُمَثَّلًا بِهِ: أَيْ مُثْلَةً ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ النَّهْيِ وَالنَّسْخِ فِيمَنْ مَثَّلَ بِشَخْصٍ حَتَّى قَتَلَهُ، فَمُقْتَضَى النَّسْخِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بَعْدَ الظَّفَرِ وَالنَّصْرِ، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالًا كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضَرَبَ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَضَرَبَ فَقَطَعَ أَنْفَهُ وَيَدَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا) أَخْرَجَ السِّتَّةُ إلَّا النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْتُولَةً فَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغْلُوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» وَفِيهِ خَالِدُ بْنُ الْفَزَرِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَاكَ، وَأَمَّا مُعَارَضَتُهُ بِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا الشُّيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبَقُوا شَرْخَهُمْ» ، فَأَضْعَفُ مِنْهُ ثُمَّ عَلَى أُصُولِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ لَا مُعَارَضَةَ بَلْ يَجِبُ أَنْ تُخَصَّ الشُّيُوخَ بِغَيْرِ الْفَانِي، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الشَّيْخُ الْفَانِي لِيَخُصَّ الْعَامَّ مُطْلَقًا بِالْخَاصِّ. نَعَمْ يُعَارَضُ ظَاهِرًا بِمَا أَخْرَجَ السِّتَّةُ «عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيِّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هُمْ مِنْهُمْ» وَفِي لَفْظٍ " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ " فَيَجِبُ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ حَمْلَهُ عَلَى مَوْرِدِ السُّؤَالِ وَهُمْ الْمُبَيِّتُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ إلَى الصِّغَارِ بِأَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّ التَّبْيِيتَ يَكُونُ مَعَهُ ذَلِكَ، وَالتَّبْيِيتُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالْكَبْسَةِ، وَمَا الظَّنُّ إلَّا أَنَّ حُرْمَةَ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إجْمَاعٌ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً» فَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْمُرَقَّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّهِ «رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمَعِينَ عَلَى شَيْءٍ فَبَعَثَ رَجُلًا

لِأَنَّ الْمُبِيحَ عِنْدَهُ الْكُفْرُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا، وَقَدَّ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ» «وَحِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مَقْتُولَةٌ قَالَ: هَاهْ، مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فَلِمَ قُتِلَتْ؟» قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَلِكَةً) لِتَعَدِّي ضَرَرِهَا إلَى الْعِبَادِ، وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ: اُنْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: امْرَأَةٌ قَتِيلٌ، فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ: قُلْ لِخَالِدٍ لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا» وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقَّعِ، وَكَذَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِي لَفْظِهِ فَقَالَ «هَاهْ مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَصَارَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَهَاهْ كَلِمَةُ زَجْرٍ، وَالْهَاءُ الثَّانِيَةُ لِلسَّكْتِ. وَإِذَا ثَبَتَ فَقَدْ عَلَّلَ الْقَتْلَ بِالْمُقَاتِلَةِ فِي قَوْلِهِ «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» فَثَبَتَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحِرَابَةِ فَلَزِمَ قَتْلُ مَا كَانَ مَظِنَّةً لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ إيَّاهُ، وَبِمَنْعِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ أَوْ يَابِسِ الشِّقِّ وَنَحْوِهِ يَبْطُلُ كَوْنُ الْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُفْرٌ عِلَّةً أُخْرَى، وَإِلَّا لَقُتِلَ هَؤُلَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَالْحَجَّةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّافِعِيِّ (مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي مِنْ عَدَمِ قَتْلِ يَابِسِ الشِّقِّ، لَكِنْ هَذَا الْإِلْزَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَفِي الشُّيُوخِ وَالْعُمْيَانِ وَالضُّعَفَاءِ وَالزَّمْنَى وَمَقْطُوعِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلٍ يَجُوزُ قَتْلَهُمْ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لِعُمُومِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ» وَلِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَالْكُفْرُ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ. وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَذَكَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَانِعِ مِنْ قَتْلِ الشَّيْخِ الْفَانِي. قَالَ: وَالْمُقْعَدُ وَالزَّمِنِ وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ فِي مَعْنَاهُ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَوْصَى يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ فَقَالَ: " لَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا النِّسَاءَ وَلَا الشُّيُوخَ " الْخَبَرَ انْتَهَى. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالذِّمِّيِّ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَجَازَ تَخْصِيصُ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَمَنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِالْقِيَاسِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ خَبَرٌ فَكَيْفَ وَفِيهِمْ مَا سَمِعْت، بَلْ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ النُّصُوصَ مُقَيَّدَةٌ ابْتِدَاءً بِالْمُحَارِبِينَ عَلَى مَا تَرْجِعُ إلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الشُّيُوخِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِالِانْقِطَاعِ عِنْدَهُمْ وَبِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَجِبُ تَخْصِيصُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَلَى أُصُولِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ» فَالْمُرَادُ بِالذَّرَارِيِّ النِّسَاءُ مِنْ اسْمِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ. قَالَ فِي الْعُرَنِيِّينَ: وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا» أَيْ امْرَأَةً وَلَا أَجِيرًا، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ هُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ نَقْتُلُهُ وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدَّ، وَاَلَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرِفَ وَزَالَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُمَيَّزِينَ فَهَذَا حِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ. قَالَ: وَأَمَّا الزَّمْنَى فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوخِ فَيَجُوزُ قَتَلَهُمْ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ كَمَا يَقْتُلُ سَائِرَ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا عُقَلَاءَ وَنَقْتُلُهُمْ أَيْضًا إذَا ارْتَدُّوا اهـ. وَلَا نَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَنَقْتُلُ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حُكْمِ عَدَمِ الْقَتْلِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَحَدٍ،

قَاتَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ دَفْعَا لِشَرِّهِ، وَلِأَنَّ الْقِتَالَ مُبِيحٌ حَقِيقَةً (وَلَا يَقْتُلُ مَجْنُونًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَيُقْتَلَ دَفْعًا لِشَرِّهِ، غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ، وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ نَحْوَهُ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الرَّجُلُ أَبَاهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيَقْتُلَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْنَائِهِ (فَإِنْ أَدْرَكَهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اقْتِحَامِهِ الْمَأْثَمَ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهَرَ الْأَبُ الْمُسْلِمُ سَيْفَهُ عَلَى ابْنِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ يَقْتُلهُ لِمَا بَيَّنَّا فَهَذَا أَوْلَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَحَّ «أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَتْلِ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ وَكَانَ عُمْرُهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ» عَامًا أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ عَمِيَ لَمَّا جِيءَ بِهِ فِي جَيْشِ هَوَازِنَ لِلرَّأْيِ، وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْ كُلِّ مَنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ (إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا) أَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إذَا قَاتَلُوا بَعْدَ الْأَسْرِ، وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ، وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ وَالْمَعْتُوهُ الْمَلِكُ، لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ وَلَا أَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، فَإِنْ خَالَطُوا قُتِلُوا كَالْقِسِّيسِينَ، وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُقْتَلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الرَّجُلُ أَبَاهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) أَوْ جَدَّهُ أَوْ أُمَّهُ إذَا قَاتَلَتْ أَوْ جَدَّتَهُ (بِالْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] نَزَلَتْ فِي الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ مُشْرِكَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [لقمان: 15] الْآيَةَ (وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ لِإِحْيَائِهِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْنَائِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ أَدْرَكَ الْأَبُ الِابْنَ لِيَقْتُلَهُ وَالِابْنُ قَادِرٌ عَلَى قَتْلِهِ (امْتَنَعَ) الِابْنُ (عَلَى الْأَبِ) بِغَيْرِ الْقَتْلِ بَلْ يَشْغَلُهُ بِالْمُحَاوَلَةِ بِأَنْ يُعَرْقِبَ فَرَسَهُ أَوْ يَطْرَحَهُ عَنْ فَرَسِهِ وَيُلْجِئَهُ إلَى مَكَان، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهُ وَيَتْرُكَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَرْبًا عَلَيْنَا بَلْ يُلْجِئُهُ إلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَدَعُهُ أَنْ يَهْرَبَ إلَى أَنْ يَجِيءَ مَنْ يَقْتُلُهُ، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الِابْنُ مِنْ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ فَلِيَقْتُلْهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا أَرَادَ قَتْلَ ابْنَهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ شَرِّهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ فِي سَفَرٍ وَعَطِشَا وَمَعَ الِابْنِ مَاءٌ يَكْفِي لِنَجَاةِ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلِابْنِ شِرْبُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ أَبَاهُ الْمُشْرِكَ يَذْكُرُ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ يَكُونُ لَهُ قَتْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرُفَ وَكَرُمَ، فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» . وَلَا يُكْرَهُ لِلْأَبِ قَتْلُ ابْنِهِ الْمُشْرِكِ، وَكَذَا سَائِرُ الْقَرَابَاتِ عِنْدَنَا كَالْعَمِّ وَالْخَالِ يُبَاحُ قَتْلُهُمْ، وَلَا مُنَاقَضَةَ

[باب الموادعة ومن يجوز أمانه]

(بَابُ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانَهُ) (وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] «وَوَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ» ، وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ مَعْنًى إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ نَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ إلَّا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ الْقَرَابَاتِ الْبُغَاةِ يُكْرَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُمْ كَالْأَبِ، وَأَمَّا فِي الرَّجْمِ إذَا كَانَ الِابْنُ أَحَدَ الشُّهُودِ فَيَبْتَدِئُ بِالرَّجْمِ وَلَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بِأَنْ يَرْمِيَهُ مَثَلًا بِحَصَاةٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانَهُ] الْمُوَادَعَةُ الْمُسَالَمَةُ، وَهُوَ جِهَادٌ مَعْنًى لَا صُورَةً، فَأَخَّرَهُ عَنْ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْجِهَادَ، وَتَرْكُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ يَتَحَقَّقُ تَرْكُ الزِّنَا وَسَائِرُ الْمَعَاصِي مِمَّنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ أَصْلًا، وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ وَهُوَ مُكَلَّفٌ بِتَرْكِهَا فِي جَمِيعِ عُمُرِهِ، وَإِلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِالْمُحَالِ (قَوْلُهُ وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ) بِمَالٍ وَبِلَا مَالٍ (وَكَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَكِنَّ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَقْيِيدِهَا بِرُؤْيَةِ مَصْلَحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ بِآيَةٍ أُخْرَى هِيَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمُوَادَعَةِ مَصْلَحَةٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي السَّلْمِ كَسْرُ السِّينِ وَفَتْحُهَا مَعَ سُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} [النساء: 90] وَمُقْتَضَى الْأُصُولِ أَنَّهَا إمَّا مَنْسُوخَةٌ إنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ بَعْدَهَا: أَيْ نَسْخَ الْإِطْلَاقِ وَتَقْيِيدَهُ بِحَالَةِ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ الْمُعَارَضَةِ فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ تَرَجَّحَ مُقْتَضَى الْمَنْعِ. أَعْنِي آيَةَ {وَلا تَهِنُوا} [آل عمران: 139] كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي تَقْدِيمِ الْمُحَرَّمِ.

دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ، وَلَا يُقْتَصَرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَرْوِيَّةِ لِتَعَدِّي الْمَعْنَى إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْجِهَادَ صُورَةً وَمَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا حَدِيثُ مُوَادَعَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرَ سِنِينَ» فَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَغَازِي أَنَّهَا سَنَتَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ أَهْلَ النَّقْلِ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَوَقَعَ فِي سِيرَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَتَيْنِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مُرْسَلًا، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَوْلُهُمَا سَنَتَيْنِ يُرِيدَانِ بَقَاءَهُ سَنَتَيْنِ إلَى أَنْ نَقَضَ الْمُشْرِكُونَ عَهْدَهُمْ وَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ لِفَتْحِ مَكَّةَ، وَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الصُّلْحِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي سِيرَتِهِ وَسِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَعَلَى أَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً وَأَنَّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُسْنَدِهِ مُطَوَّلًا بِقِصَّةِ الْفَتْحِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. وَكَذَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ إلَى أَنْ قَالَ: عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ إلَخْ. وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَجْهٌ حَسَنٌ بِهِ تَنْتَفِي الْمُعَارَضَةُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فَإِنَّ الْكُلَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْفَتْحِ كَانَ نَقْضَ قُرَيْشٍ الْعَهْدَ حَيْثُ أَعَانُوا عَلَى خُزَاعَةَ وَكَانُوا دَخَلُوا فِي حِلْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الصُّلْحِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ ظَاهِرًا بِأَنَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ سَنَتَيْنِ أَنَّ بَقَاءَهُ سَنَتَانِ، وَمَنْ قَالَ عَشْرًا قَالَ إنَّهُ عَقَدَهُ عَشَرًا كَمَا رَوَاهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ) وَهُوَ جَوَازُ الْمُوَادَعَةِ (عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ (لِتَعَدِّي الْمَعْنَى) الَّذِي بِهِ عَلَّلَ جَوَازَهَا، وَهُوَ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ثُبُوتُ مَصْلَحَتِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَكْثَرَ (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ) الْمُوَادَعَةُ أَوْ الْمُدَّةُ الْمُسَمَّاةُ (خَيْرًا) لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى) وَمَا أُبِيحَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِهَادٌ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا فَهُوَ تَرْكٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ مَنْعِهِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ. وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ مُسْتَظْهَرٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلَقَدْ كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ مَصَالِحَ عَظِيمَةً، فَإِنَّ النَّاسَ لَمَّا تَقَارَبُوا انْكَشَفَ مَحَاسِنُ الْإِسْلَامِ لِلَّذِينَ كَانُوا مُتَبَاعِدِينَ لَا يَعْقِلُونَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَارَبُوهُمْ وَتَخَالَطُوا بِهِمْ

(وَإِنْ صَالَحَهُمْ مُدَّةً ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَنْفَعَ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ» ، وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَادًا وَإِيفَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْعُهُودِ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ» وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ، وَيَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ. قَالَ (وَإِنَّ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ وَلَمْ يُنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ) لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَطَعُوا الطَّرِيقَ وَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ حَيْثُ لَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ فَفِعْلُهُمْ لَا يُلْزِمُ غَيْرَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ بِاتِّفَاقِهِمْ مَعْنًى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَهُمْ مُدَّةً ثُمَّ رَأَى أَنَّ نَقْضَ الصُّلْحِ أَنْفَعُ نَبَذَ إلَيْهِمْ) أَيْ أَلْقَى إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا كَانَ وَقَعَ، قَالَ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] أَيْ عَلَى سَوَاءٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ، لَكِنْ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِخَوْفِ الْخِيَانَةِ، وَهُوَ مِثْلُ {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فِي الْكِتَابَةِ، وَلَعَلَّ خَوْفَ الْخِيَانَةِ لَازِمٌ لِلْعِلْمِ بِكُفْرِهِمْ وَكَوْنِهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِخُطُورِ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ الْمُهَادَنَةَ فِي الْأَوَّلِ مَا صَحَّتْ إلَّا لِأَنَّهَا أَنْفَعُ فَلَمَّا تَبَدَّلَ الْحَالُ عَادَ إلَى الْمَنْعِ (وَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ) وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْعُمُومَاتِ نَحْوَ مَا صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَرْبَعُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: «كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلَادِهِمْ حَتَّى إذَا انْقَضَى الْعَهْدُ غَزَاهُمْ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلْيَشُدَّ عَقْدَهُ وَلَا يَحِلَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُّهَا أَوْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ» ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ» فَلَمْ يُعْرَفْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا مِنْ قَوْلِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ هَذَا. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ» فَالْأَلْيَقُ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا فِيمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ (وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ) وَكَذَا إذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً يَكُونُ نَقْضًا فِي حَقِّهِمْ خَاصَّةً فَيُقْتَلُونَ وَيَسْتَرِقُّونَهُمْ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الذَّرَارِيّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ فَيَكُونَ نَقْضًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لَا فِي حَقِّهِمْ، وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدَأْ أَهْلُ مَكَّةَ بَلْ هُمْ بَدَءُوا بِالْغَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ بَلْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعْمِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى

(وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْمُوَادَعَةُ بِغَيْرِ الْمَالِ فَكَذَا بِالْمَالِ، لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْزِلُوا بِسَاحَتِهِمْ بَلْ أَرْسَلُوا رَسُولًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ، أَمَّا إذَا أَحَاطَ الْجَيْشُ بِهِمْ ثُمَّ أَخَذُوا الْمَالَ فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْقَهْرِ مَعْنًى (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَيُوَادِعُهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبْغَتَهُمْ، هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ لِجَمِيعِ أَصْحَابِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي. وَمَنْ تَلَقَّى الْقِصَّةَ وَرَوَاهَا كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَا: «كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِهِ دَخَلَ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ، فَمَكَثُوا فِي الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةِ أَوْ الثَّمَانِيَةِ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلًا بِمَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ هَذَا لَيْلٌ وَلَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ وَلَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَقَاتَلُوا خُزَاعَةَ مَعَهُمْ، وَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَنْشَدَهُ: لَاهُمَّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا إنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا ... وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكَّدَا هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا ... فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا فَانْصُرْ رَسُولَ اللَّهِ نَصْرًا عُتَّدَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نُصِرْت يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَتَجَهَّزُوا وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعْمَى عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرُهُمْ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ» . وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ نَحْوَ هَذَا «وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ، قَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْك مَا صَنَعُوا بِبَنِي كَعْبٍ؟» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ، وَرَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَفِيهِ «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟ فَقَالَ: إنَّهُمْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ فَأَنَا غَارٍ بِهِمْ» فِي النَّبْذِ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إعْلَامِهِمْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِمْ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ مُوَادَعَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنْ يَأْخُذَ) الْمُسْلِمُونَ (عَلَى ذَلِكَ مَالًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بِلَا مَالٍ فَبِالْمَالِ وَهُوَ أَكْثَرُ نَفْعًا أَوْلَى، إلَّا أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فَلَا يُوَادِعُهُمْ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى. قَالَ شَارِحٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ: يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْجُعْلِ قَبْلَ بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوَادَعَةَ تَجُوزُ وَأَخْذُ مَالِهِمْ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَالُ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُتَأَهِّبِينَ لِلْحَرْبِ لِقِلَّةِ الْعَدَدِ الْحَاضِرِ لِتَفَرُّقِ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْبِلَادِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جِهَادٌ، وَفِي أَخْذِ مَالِهِمْ كَسْرٌ لِشَوْكَتِهِمْ وَتَقْلِيلٌ لِمَادَّتِهِمْ فَأَخْذُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْجِهَادِ

(وَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ لِمَا نُبَيِّنُ (وَلَوْ أَخَذَهُ لَمْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ. وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَإِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا الْأُجْرَةِ عَلَى التَّرْكِ وَبِاعْتِبَارِهِ، ثُمَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ بَلْ بِرَسُولٍ، أَمَّا إذَا نَزَلْنَا بِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُ الْبَاقِيَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُمْ قَهْرًا مَعْنًى. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَلَا بَأْسَ بِمُوَادَعَتِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا قَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَا ذَكَرْنَا، قَالَ: يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيُّ بِقَوْلِهِ غَلَبَ الْمُرْتَدُّونَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِمُوَادَعَتِهِمْ عِنْدَ الْخَوْفِ، فَلَوْ وَادَعَهُمْ عَلَى الْمَالِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْ الْمُرْتَدِّ جِزْيَةٌ. وَقَوْلُهُ (لِمَا نُبَيِّنُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْجِزْيَةِ (وَ) مَعَ هَذَا (لَوْ أَخَذَهُ لَا يَرُدَّهُ) عَلَيْهِمْ لِأَنَّ مَالَهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا، بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ حَيْثُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فَيْئًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ حَالَ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ) أَيْ النَّقِيصَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ مُتَجَانِفًا عَنْ الصُّلْحِ: أَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، قَالَ: أَوْ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَوْ لَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: الْزَمْ غَرْزَهُ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيَرِ. وَفِي الْحَدِيثِ «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ فَالْعِزَّةُ خَاصِّيَّةُ الْإِيمَانِ» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] (إلَّا إذَا خَافَ) الْإِمَامُ (الْهَلَاكَ) عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ الْبَلَاءُ فِي وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ أَرْسَلَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ وَالْحَرْثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ وَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى

لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ وَاجِبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا يُجَهَّزُ إلَيْهِمْ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا، فَجَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصُّلْحِ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَفْعَلَ بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَذَكَرَ لَهُمَا ذَلِكَ وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرًا تُحِبُّهُ فَتَصْنَعَهُ أَمْ شَيْئًا أَمَرَك اللَّهُ بِهِ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَالَ: بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاَللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا لِأَنِّي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَأَرَدْت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنَّا تَمْرَةً إلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا، أَفَحَيْنَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِك وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا؟ مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاَللَّهِ مَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ قَالَ: لِيُجْهِدُوا عَلَيْنَا» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بِهِ عَاصِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ. وَعَلَّلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ دَفَعَ الْهَلَاكِ وَاجِبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ) وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَلَا بِقَتْلِ غَيْرِهِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ يَصْبِرُ لِلْقَتْلِ وَلَا يَقْتُلُ غَيْرَهُ؛ وَلَوْ شَرَطُوا فِي الصُّلْحِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا مِنْهُمْ بَطَلَ الشَّرْطُ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَا يُرَدُّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُهَيْلٍ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَرَدَّهُ، فَصَارَ يُنَادِي يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي عَنْ دِينِي؟ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ وَاحْتَسِبْ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَكَذَا رَدَّ أَبَا بَصِيرٍ» وَأَمَّا لَوْ شُرِطَ مِثْلُهُ فِي النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ رَدُّهُنَّ وَلَا شَكَّ فِي انْفِسَاخِ نِكَاحِهَا، فَلَوْ طَلَبَ زَوْجُهَا الْحَرْبِيُّ الْمَهْرَ هَلْ يُعْطَاهُ؟ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلٍ لَا يُعْطَاهُ وَهُوَ قَوْلُنَا، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَفِي قَوْلٍ يُعْطَاهُ، قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَهَذَا هُوَ دَلِيلُ النَّسْخِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَيْضًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي ذَلِكَ، بَلْ مَفْسَدَةُ رَدِّ الْمُسْلِمِ إلَيْهِمْ أَكْثَرُ، وَحِينَ شُرِعَ ذَلِكَ كَانَ فِي قَوْمٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ لَا يُبَالِغُونَ فِي تَعْذِيبِهِ، فَإِنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ لَا تَتَعَرَّضُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى إنَّمَا يَتَوَلَّى رَدْعَهُ عَشِيرَتَهُ، وَهُمْ لَا يَبْلُغُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقَيْدِ وَالسَّبِّ وَالْإِهَانَةِ، وَلَقَدْ كَانَ بِمَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِثْلِ أَبِي بَصِيرٍ وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُهَيْلٍ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ لَمْ يَبْلُغُوا فِيهِمْ النِّكَايَةَ لِعَشَائِرِهِمْ وَالْأَمْرُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ) إذَا حَضَرُوا مُسْتَأْمَنِينَ (وَلَا يُجَهَّزُ إلَيْهِمْ) مَعَ التُّجَّارِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمَلَهُ إلَيْهِمْ» وَالْمَعْرُوفُ مَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَمُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ

وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا الْكُرَاعُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ الْحَدِيدُ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ، وَكَذَا بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ فَكَانُوا حَرْبًا عَلَيْنَا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ، إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْرَ ثُمَامَةَ أَنْ يَمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ السَّقَّاءِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّقِيطِيِّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي نَقْلِ السِّلَاحِ وَتَجْهِيزِهِ إلَيْهِمْ (تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا الْكُرَاعِ) أَيْ الْخَيْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْمُوَادَعَةِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا (لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الِانْقِضَاءِ أَوْ النَّقْضِ) قَالَ (وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ) أَيْ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ حَمْلِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ بِهِ يَحْصُلُ التَّقْوَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْمَقْصُودُ إضْعَافُهُمْ (إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ) أَيْ نَقْلَ الطَّعَامِ إلَيْهِمْ (بِالنَّصِّ) يَعْنِي حَدِيثَ ثُمَامَةَ، وَحَدِيثَ إسْلَامِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إسْلَامِ ثُمَامَةَ، وَفِي آخِرِهِ قَوْلُهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ قَالُوا لَهُ أَصَبَوْت؟ «فَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا صَبَوْت وَلَكِنِّي أَسْلَمْت وَصَدَّقْت مُحَمَّدًا وَآمَنْت بِهِ، وَاَيْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ لَا تَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ وَكَانَتْ رِيفُ مَكَّةَ مَا بَقِيَتْ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَانْصَرَفَ إلَى بَلَدِهِ وَمَنَعَ الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ثُمَامَةَ يَحْمِلَ إلَيْهِمْ الطَّعَامَ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي آخَرِ السِّيرَةِ، «وَذَكَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ صَبَأْت؟ فَقَالَ لَا، وَلَكِنِّي اتَّبَعْت خَيْرَ الدِّينِ دِينِ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّك قَدْ قَطَعْت أَرْحَامَنَا، فَكَتَبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ» . وَأَمَّا بَيْعُ الْحَدِيدِ فَمَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ نَصَّ عَلَى تَسْوِيَةِ الْحَدِيدِ وَالسِّلَاحِ. وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا فِي السِّلَاحِ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا كَرِهْنَا بَيْعَ الْمَزَامِيرَ وَأَبْطَلْنَا بَيْعَ الْخَمْرَ وَلَمْ نَرَ بِبَيْعِ الْعِنَبِ بَأْسًا وَلَا بِبَيْعِ الْخَشَبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِهِ: وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالُوا فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَجْعَلُهُ خَمْرًا؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ بِآلَةِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ يَصِيرُ آلَةً لَهَا بَعْدَ مَا يَصِيرُ خَمْرًا، وَأَمَّا هُنَا فَالسِّلَاحُ آلَةُ الْفِتْنَةِ فِي الْحَالِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْفِتْنَةِ، قِيلَ بِإِشَارَةِ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ بَيْعَ الْحَدِيدِ مِنْهُمْ لَا يُكْرَهُ. [فُرُوعٌ مِنْ الْمَبْسُوطِ] طَلَبَ مَلِكٌ مِنْهُمْ الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ يُتْرَكَ أَنْ يَحْكُمَ فِي أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ مَا شَاءَ مِنْ قَتْلٍ وَظُلْمٍ لَا يَصْلُحُ فِي الْإِسْلَامِ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْرِيرَ عَلَى الظُّلْمِ مَعَ قُدْرَةِ الْمَنْعِ مِنْهُ حَرَامٌ، وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ مَنْ يَلْتَزِمُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَشَرْطُ خِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ هُمْ عَبِيدُهُ يَبِيعُ مِنْهُمْ

[فصل أمن رجل حر أو امرأة حرة كافرا أو جماعة أو أهل حصن أو مدينة]

(فَصْلٌ) (إذَا أَمَّنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا شَاءَ فَصَالَحَ وَصَارَ ذِمَّةً فَهُمْ عَبِيدٌ لَهُ كَمَا كَانُوا يَبِيعُونَهُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي الْأَحْرَارِ، وَلَوْ أَسْلَمَ كَانُوا عَبِيدَهُ، فَكَذَا إذَا صَارَ ذِمِّيًّا، وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهُمْ بِيَدِهِ الْقَاهِرَةِ وَقَدْ ازْدَادَتْ وَكَادَةً بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَإِنْ ظَفَرَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ فَاسْتَنْقَذَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَهُمْ عَلَى هَذَا الْمَلِكِ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامَ بِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْمَلِكُ وَأَهْلُ أَرْضِهِ أَوْ أَسْلَمُوا هُمْ دُونَهُ هُمْ عَبِيدُهُ وَلَوْ وَادَعُوا عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا وَعَلَى أَنْ لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ فِي بِلَادِهِمْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ بِهَذِهِ الْمُوَادَعَةُ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ حَرْبٍ، وَتَرَكَ الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ إنْ كَانَ بَعْدَ مَا أَحَاطَ بِهِمْ الْجَيْشُ أَوْ قَبْلَهُ بِرَسُولٍ تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذَا الْمَالِ، وَلَوْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ فَكَانُوا كُلُّهُمْ مُسْتَأْمَنِينَ وَاسْتِرْقَاقُ الْمُسْتَأْمَنِ لَا يَجُوزُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْ بَاعَ ابْنَهُ بَعْدَ هَذَا الصُّلْحِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مِنْ نُفُوسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ بِحُكْمِ تِلْكَ الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ تَأَكَّدَتْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحُوهُمْ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوَّلَ السُّنَّةِ وَقَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَكُمْ وَنُصَالِحُكُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً عَلَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِنَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنِينَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لَا تَتَنَاوَلُهُمْ الْمُوَادَعَةُ وَمِنْهَا يَثْبُتُ الْأَمَانُ لَهُمْ، فَإِذَا جَعَلُوهُمْ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُوَادَعَةِ بِجَعْلِهِمْ إيَّاهُمْ عِوَضًا لِلْمُسْلِمِينَ صَارُوا مَمَالِيكَ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُوَادَعَةِ، وَالْمَشْرُوطُ فِي السِّنِينَ الْكَائِنَةِ بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ أَرِقَّاءُ فَجَازَ. وَلَوْ سَرَقَ مُسْلِمٌ مَالَهُمْ بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ لَا يَحِلُّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ لَا يُمْلَكُ بِالسَّرِقَةِ لِأَنَّهُ غَدْرٌ فَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ. وَلَوْ أَغَارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ كَمَالِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ رَدُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْمُوَادَعَةِ مَا خَرَجُوا عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ حَرْبٍ؛ إذْ لَمْ يَنْقَادُوا إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِنُصْرَتِهِمْ، وَلَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ دَارَ حَرْبٍ أُخْرَى فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ لِأَنَّهُ فِي أَمَانِ الْمُسْلِمِينَ. [فَصْلٌ أَمَّنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ] (فَصْلٌ فِي الْأَمَانِ) وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمُوَادَعَةِ فِي التَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ إذَا أَمِنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ) عَلَى إسْنَادِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ (وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ) أَيْ لَا تَزِيدُ دِيَةُ الشَّرِيفِ عَلَى دِيَةِ الْوَضِيعِ «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَخْرَجَ

وَهُوَ الْوَاحِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» وَمَعْنَى يُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ: أَيْ يُرَدُّ الْأَبْعَدُ مِنْهُمْ التَّبَعَةَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاقْتَطَعَ الْإِمَامُ مِنْهُمْ سَرَايَا وَوَجَّهَهَا لِلْإِغَارَةِ فَمَا غَنِمَتْهُ جُعِلَ لَهَا مَا سَمَّى وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ؛ لِأَنَّ بِهِمْ قَدَرَتْ السَّرَايَا عَلَى التَّوَغُّلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ يَدٌ إلَخْ: أَيْ كَأَنَّهُمْ آلَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمِلَلِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ تَعَاوُنِهِمْ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ» الْحَدِيثَ. فَفَسَّرَ الرَّدَّ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ بِالْإِجَارَةِ، فَالْمَعْنَى يُرَدُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونَ كُلُّهُمْ مُجِيرًا. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَحَلُّ الدِّيَةِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَا كَتَبْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْقُرْآنَ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحَدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنْ قَالَ إنَّ الشَّيْخَ عَلَاءَ الدِّينِ وَهَمَ إذْ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد. وَالْوَاقِعُ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ أَخْرَجَاهُ غَلَطٌ، فَإِنَّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ «تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُخَرِّجَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ لَا مَا هُوَ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْ الْحَدِيثِ فَقَطْ، وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ أَدْنَاهُمْ بِأَقَلِّهِمْ فِي الْعَدَدِ (وَهُوَ الْوَاحِدُ) احْتِرَازًا عَنْ تَفْسِيرِ مُحَمَّدٍ مِنْ الدَّنَاءَةِ لِيَدْخُلَ الْعَبْدُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، إذْ هُوَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا فِيهِ دَلِيلٌ لِمُحَمَّدٍ وَهُوَ إطْلَاقُ الْأَدْنَى بِمَعْنَى الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي أَمَانِ الْمَرْأَةِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانُ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت وَأَمِنَّا مَنْ أَمِنْت» وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «ذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجَرْت حَمَوَيْنِ لِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَرَادَ هَذَا أَنْ يَقْتُلَهُمَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ» الْحَدِيثَ. وَكَانَ الَّذِي أَجَارَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كِلَاهُمَا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيَجُوزُ. وَتَرْجَمَ التِّرْمِذِيُّ بَابَ أَمَانِ الْمَرْأَةِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ» يَعْنِي تُجِيرُ الْقَوْمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ فِي السَّنَدِ سَمِعَ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِنْهَا حَدِيثُ إجَارَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا الْعَاصِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:

وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَنَعَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْأَمَانُ مِنْهُ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلَّهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَكَذَا الْأَمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ. فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ) كَمَا إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي النَّبْذِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَلَا وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِطُولِهِ. قَالَ الْمُصَنَّفُ (وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ) أَيْ الْوَاحِدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِهِ بِالتَّسَبُّبِ بِمَالِهَا وَعَبِيدِهَا فَيَخَافُ مِنْهُ (فَيَتَحَقَّقُ الْأَمَانُ مِنْهُ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلَّهُ) أَيْ مَحَلَّ الْأَمَانِ وَهُوَ الْكَافِرُ الْخَائِفُ، وَإِذَا صَدَرَ التَّصَرُّفُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ نَفَذَ (ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُجِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ إلَخْ فَيَصْلُحُ تَعْلِيلًا بِلَا وَاوٍ لِلتَّعَدِّي، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى لَا يَزِيدُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُؤْمِنِ، فَأَمَّا تَعَدِّيهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ضَرُورِيًّا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ. وَمَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ التَّجَزِّي يَصْلُحُ دَلِيلًا لَهُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَتَجَزَّأْ كَانَ أَمَانُ الْوَاحِدِ أَمَانَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ أَمَانِ الْكُلِّ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ تَجَزِّيهِ بِأَنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْإِيمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَذَا الْأَمَانُ، وَفَسَّرَ بِالتَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ، وَبَعْضُهُمْ بِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ لِأَنَّهُ يُقَالُ آمَنْته فَأَمِنَ: أَيْ أَعْطَيْته الْأَمَانَ فَأَمِنَ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ آمَنْت بِمَعْنَى صَدَقْت بِالدِّينِ فَأَمِنَ الْكَافِرُ: أَيْ حَصَلَ لَهُ الْأَمَانُ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ السَّبَبُ عِلَّةً وَهُوَ مَجَازٌ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ السَّبَبِ الْمُفْضِي فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ سَبَبٌ مُفْضٍ إلَى أَمَانِ الْحَرْبِيِّ بِإِعْطَاءِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ لَهُ، فَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ: أَيْ إعْطَاءُ الْأَمَانِ سَبَبُ الْأَمَانِ بِمَعْنَى عِلَّتِهِ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يَتَجَزَّأُ الْأَمَانُ، أَوْ الْإِيمَانُ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ لِلْأَمَانِ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يَتَجَزَّأُ الْأَمَانُ وَصَارَ (كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ) إذَا زَوَّجَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ نَفَذَ عَلَى الْكُلِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهَا لَا تَتَجَزَّأُ إنَّمَا عَلِمْنَاهُ مِنْ النَّصِّ الْمُوجِبِ لِلنَّفَاذِ عَلَى الْكُلِّ إذَا صَدَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَهُوَ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَمَانِ الْوَاحِدِ (مَفْسَدَةٌ فَيُنْبَذُ إلَيْهِمْ كَمَا إذَا أَمِنَ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي النَّبْذِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) فِي الْبَابِ السَّابِقِ

وَلَوْ حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا وَأَمِنَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَيْشِ وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ يَنْبِذُ الْإِمَامُ لِمَا بَيَّنَّا، وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ بِالتَّأْخِيرِ فَكَانَ مَعْذُورًا (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ (وَلَا أَسِيرٍ وَلَا تَاجِرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فِيهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّهُمْ كُلَّمَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ يَجِدُونَ أَسِيرًا أَوْ تَاجِرًا فَيَتَخَلَّصُونَ بِأَمَانِهِ فَلَا يَنْفَتِحُ لَنَا بَابُ الْفَتْحِ. وَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قَوْلُنَا يَفْعَلُ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ وَعَنْ تَرْكِ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى. وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلَوْ حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا وَأَمِنَ وَأَمِنَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ إلَخْ) فَلَيْسَ تَكْرَارًا مَحْضًا بَلْ ذَكَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ بِخِلَافِ، مَا إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ) لَا يُؤَدِّبُهُ (لِأَنَّهُ رُبَّمَا) فَعَلَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ (تَفُوتَ الْمَصْلَحَةُ بِالتَّأْخِيرِ) إلَى أَنْ يَعْلَمَ الْإِمَامُ بِهَا وَيُؤَمِّنُ هُوَ بِنَفْسِهِ. وَالِافْتِيَاتُ افْتِعَالٌ مِنْ الْفَوْتِ وَهُوَ السَّبْقُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ الِافْتِعَالُ لِلسَّبْقِ إلَى الشَّيْءِ دُونَ ائْتِمَارِ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَامِرَ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ فَاتَنِي ذَلِكَ الْفَارِسُ: أَيْ سَبَقَنِي فَأَصْلُهُ افْتِوَاتٌ قُلِبَتْ وَاوُهُ يَاءً لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا، وَالتَّعْلِيلُ بِهِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي أَنْ يُؤَدِّبَهُ مُطْلَقًا لِتَحَقُّقِ الِافْتِيَاتِ فِيمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِنَا افْتِيَاتٌ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُمْ اعْتِقَادًا، وَأَيْضًا لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَالْأَمَانُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفَاذُ كَلَامِهِ عَلَى غَيْرِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى (وَلَا أَسِيرٍ وَلَا تَاجِرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ) فِي دَارِ الْحَرْبِ (لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ، وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ يَجِدُونَ أَسِيرًا أَوْ تَاجِرًا فَيَتَخَلَّصُونَ بِأَمَانِهِ فَلَا يَنْفَتِحُ بَابُ الْفَتْحِ) . (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ الْأَمَانَ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ وَلَا خَوْفَ مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ مُقِيمًا فِي دَارِهِمْ لَا مَنَعَةَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ دِفَاعٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ (وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ

لِمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَانُ الْعَبْدِ أَمَانٌ» رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُمْتَنِعٌ فَيَصِحُّ أَمَانُهُ اعْتِبَارًا بِالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ وَبِالْمُؤَيَّدِ مِنْ الْأَمَانِ، فَالْإِيمَانُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا لِلْعِبَادَةِ، وَالْجِهَادُ عِبَادَةٌ، وَالِامْتِنَاعُ لِتَحَقُّقِ إزَالَةِ الْخَوْفِ بِهِ، وَالتَّأْثِيرُ إعْزَازُ الدِّينِ وَإِقَامَةُ الْمَصْلَحَةِ فِي حَقِّ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ إذْ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ مَنَافِعِ الْمُوَلَّى وَلَا تَعْطِيلَ فِي مُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَهُ فَلَمْ يُلَاقِ الْأَمَانُ مَحَلَّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدْنَاهُمْ» (وَ) لِمَا (رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَانُ الْعَبْدِ أَمَانٌ» وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُمْتَنِعٌ) أَيْ لَهُ قُوَّةٌ يَمْتَنِعُ بِهَا وَيَضُرُّ غَيْرَهُ (فَيَصِحُّ أَمَانُهُ اعْتِبَارًا بِالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ وَالْمُؤَبَّدِ مِنْ الْأَمَانِ) وَهُوَ عَقْدُ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ إذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ لِأَهْلِ مَدِينَةٍ صَحَّ وَلَزِمَ وَصَارُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ، فَهَذَا وَهُوَ الْمُوَقَّتُ مِنْ الذِّمَّةِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ تَمَامُ الْمُؤْثَرِ فِي صِحَّةِ الْأَمَانِ. أَمَّا الْإِيمَانُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادُ مِنْ أَعْظَمِهَا. وَأَمَّا اعْتِبَارُ الِامْتِنَاعِ فَلِتَحَقُّقِ إزَالَةِ الْخَوْفِ وَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الْمُؤْثَرُ الْجَامِعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَهُوَ (إعْزَازُ الدِّينِ وَإِقَامَةُ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ إذْ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ) لَا فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ (وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةَ) أَيْ الْجِهَادَ بِالسَّيْفِ لِتَعْرِيضِ مَنَافِعِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمَوْلَى عَلَى الْفَوَاتِ بِأَنْ يُقْتَلَ، وَهَذَا الْمَانِعُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْجِهَادِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ لَا بِوَجْهِ إعْطَاءِ الْأَمَانِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْجِهَادِ فَرْقٌ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ مِنْهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ (أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ) لِانْتِفَاءِ الْخَوْفِ مِنْهُ (فَلَمْ يُلَاقِ الْأَمَانُ مَحَلَّهُ) وَهُوَ الْخَائِفُ مِنْ الْمُؤْمِنِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ وَهُوَ الْإِعْزَازُ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَخَافُ مِنْهُ وَلَا الْمَصْلَحَةُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُخْطِئُ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمَصْلَحَةِ فِي الْأَمَانِ إنَّمَا تَقُومُ بِمَنْ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَهُوَ الْمَأْذُونُ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِالْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ الْمُمَارِسِ لَهُ.

بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ مُتَحَقِّقٌ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةَ لِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْرِي عَنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ فِي حَقِّهِ، وَالْأَمَانُ نَوْعُ قِتَالٍ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ، وَفِيهِ سَدُّ بَابِ الِاسْتِغْنَامِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَالْخَطَأُ نَادِرٌ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقِتَالَ، وَبِخِلَافِ الْمُؤَبَّدِ لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ، وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ فَافْتَرَقَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي خَطَئِهِ سَدُّ بَابِ الِاسْتِغْنَامِ عَلَى مَوْلَاهُ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَعْرَ عَنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ احْتِمَالًا رَاجِحًا (بِخِلَافِ) الْعَبْدِ (الْمَأْذُونِ، وَبِخِلَافِ) الْأَمَانِ (الْمُؤَبَّدِ) بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ (لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ) وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ ذَلِكَ (وَلِأَنَّهُ مُقَابِلٌ بِالْجِزْيَةِ) فَالْمَصْلَحَةُ لِلسَّيِّدِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُحَقَّقَةٌ فِيهِ (وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيَّا قِتَالَهُمْ بِهِ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] فَفِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمْ (إسْقَاطُ الْفَرْضِ) عَنْ الْإِمَامِ وَعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ كَذَلِكَ (نَفْعٌ) مُحَقَّقٌ (فَافْتَرَقَا) وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ الْعَامَّةِ تَضَمَّنَ قِيَاسَيْنِ: قِيَاسَ أَمَانِ الْمَحْجُورِ عَلَى أَمَانِ الْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ، وَقِيَاسَ أَمَانِ الْمَحْجُورِ عَلَى عَقْدِ الذِّمَّةِ مِنْ الْمَحْجُورِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ فَرْقَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِي مُتَّجَهٌ. وَأَمَّا دَفْعُهُ الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ فَلَا لِأَنَّهُ إنْ فَرَّقَ بِأَنَّهُ لَا يَخَافُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ يَخَافُ مِنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْمَأْذُونَ لَهُ فَيَخَافُونَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَخَافُونَهُ بَلْ كُلُّ مَنْ رَأَوْهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سِوَى الْبِنْيَةِ فَهُوَ مَخُوفٌ لَهُمْ. وَأَمَّا بِأَنَّ الظَّاهِرَ خَطَؤُهُ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ لِأَنَّ الْأَمَانَ غَيْرُ لَازِمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، بَلْ إذَا كَانَ كَذَلِكَ نَبَذَ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ بِهِ. نَعَمْ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى غَيْرُ تَامٍّ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: شَهِدْت قَرْيَةً مِنْ قُرَى فَارِسٍ يُقَالُ لَهَا شَاهِرَتَا، فَحَاصَرْنَاهَا شَهْرًا، حَتَّى إذَا كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ وَطَمِعْنَا أَنْ نُصَبِّحَهُمْ انْصَرَفْنَا عَنْهُمْ عِنْدَ الْمُقِيلِ، فَتَخَلَّفَ عَبْدٌ مِنَّا فَاسْتَأْمَنُوهُ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ أَمَانًا ثُمَّ رَمَى بِهِ

وَلَوْ أَمِنَ الصَّبِيُّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَجَعْنَا إلَيْهِمْ خَرَجُوا إلَيْنَا فِي ثِيَابِهِمْ وَوَضَعُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقُلْنَا لَهُمْ: مَا شَأْنُكُمْ، فَقَالُوا أَمِنْتُمُونَا وَأَخْرَجُوا إلَيْنَا السَّهْمَ فِيهِ كِتَابٌ بِأَمَانِهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا عَبْدٌ وَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، قَالُوا: لَا نَدْرِي عَبْدَكُمْ مِنْ حُرِّكُمْ وَقَدْ خَرَجْنَا بِأَمَانٍ، فَكَتَبْنَا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَتَبَ: إنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَهُ وَزَادَ: وَأَجَازَ عُمَرُ أَمَانَهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ فَجَازَ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ، وَأَيْضًا جَازَ كَوْنُهُ مَحْجُورًا وَالْأَمَانُ كَانَ عَقْدَ ذِمَّةٍ وَأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ عُمَرَ قَوْلَهُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ يَقْتَضِي إنَاطَتَهُ مُطْلَقًا بِذَلِكَ وَالْحَدِيثُ جَيِّدٌ وَفُضَيْلُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمِنَ الصَّبِيُّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ) بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَعَلَى الْخِلَافِ) بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي وَجْهٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَطَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ (وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ) بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ أَنْ يَعْقِلَ الْإِسْلَامَ وَيَصِفَهُ، وَأَضَافَ أَبَا يُوسُفَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا نَقَلَهُ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ نَاقِلًا عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: الْغُلَامُ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ وَهُوَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَيَصِفُهُ جَازَ لَهُ أَمَانُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُهُ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا وَقَعَ الْإِطْلَاقُ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَمَانُ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَصِفَاتِهِ، وَكَذَا الْمُخْتَلِطُ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْبَالِغِ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِنَفْسِهِ، فَهَذَا كَمَا تَرَى إجْرَاءٌ لِلْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ مُطْلَقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ الْعَاقِلِ مَحْجُورًا عَنْ الْقِتَالِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ، فَفِي الثَّانِي لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الْأَمَانِ. هَذَا وَمِنْ أَلْفَاظِ الْأَمَانِ قَوْلُك لِلْحَرْبِيِّ لَا تَخَفْ وَلَا تَوْجَلْ أَوْ مترسيت أَوْ لَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ أَوْ ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ تَعَالَ فَاسْمَعْ الْكَلَامَ، ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ النَّاطِفِيُّ فِي السَّيْرِ إمْلَاءً: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِأَمَانٍ، وَأَبُو يُوسُفَ اسْتَحْسَنَ أَنْ يَكُونَ أَمَانًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

[باب الغنائم وقسمتها]

(بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا) (وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا] لَمَّا ذَكَرَ قِتَالَ الْكُفَّارِ وَذَكَرَ مَا يَنْتَهِي بِهِ مِنْ الْمُوَادَعَةِ ذَكَرَ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ غَالِبًا وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى النُّفُوسِ وَتَوَابِعِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ غَالِبًا لِاسْتِقْرَاءِ تَأْيِيدِ اللَّهِ تَعَالَى جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ وَنُصْرَتَهُمْ فِي الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً) يَجُوزُ فِي الْوَاوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا حَاصَرَ الْإِمَامُ، وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَنْوَةَ بِالْقَهْرِ، وَهُوَ ضِدُّهَا لِأَنَّهَا مِنْ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً إذَا ذَلَّ وَخَضَعَ، وَمِنْهُ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فَتَحَ بَلْدَةً حَالَ كَوْنِ أَهْلِهَا ذَوِي عَنْوَةٍ: أَيْ ذُلٍّ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَهْرَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَفِيهِ وَضْعُ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الْحَالِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَرَّدٍ إلَّا فِي أَلْفَاظٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِطْلَاقُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ فِي غَيْرِ التَّعَارِيفِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارَاتِ عَلَى أَنْ يُرَادَ مَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا الْمَجَازِيِّ، لَكِنْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى آخَرَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ كَكَثِيرِ الرَّمَادِ، وَلَوْ أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْجُودِ كَانَ مَجَازًا مِنْ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ اُشْتُهِرَ، فَإِنَّ عَنْوَةً اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْقَهْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ نَفْسِهِ تَعْرِيفًا، وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهُ) أَيْ الْبَلَدَ (بَيْنَ الْغَانِمِينَ) مَعَ رُءُوسِ أَهْلِهَا اسْتِرْقَاقًا وَأَمْوَالِهِمْ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ لِجِهَاتِهِ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ وَقَسَّمَ مَا سِوَاهُمْ مِنْ الْأَرَاضِيِ وَالْأَمْوَالِ وَالذَّرَارِيِّ، وَيَضَعُ عَلَى الْأَرَاضِي الْمَقْسُومَةِ الْعُشْرَ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَوَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى الرُّءُوسِ وَالْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمَاءِ الَّذِي يَسْقِي بِهِ أَهُوَ مَاءُ الْعُشْرِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعُيُونِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْآبَارِ أَوْ مَاءُ الْخَرَاجِ كَالْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ. وَأَمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرْضِهِمْ فَقَطْ فَمَكْرُوهٌ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَالِ مَا يَتَمَكَّنُونَ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى الْأَرَاضِي إلَى أَنْ تُخْرِجَ الْغِلَالَ، وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ. وَأَمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ مَعَ الْمَالِ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ بِرِقَابِهِمْ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ بِرَدِّهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ.

(وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيهمْ الْخَرَاجَ) كَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُحْمَدْ مَنْ خَالَفَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQنَعَمْ لَهُ أَنْ يُبْقِيَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ بِلَا مَالٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمْ فَيَكُونُوا فُقَرَاءَ يَكْتَسِبُونَ بِالسَّعْيِ وَالْأَعْمَالِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ كَمَا سَيَذْكُرُ. هَذَا وَقَدْ قِيلَ الْأَوْلَى الْأَوَّلُ وَهُوَ قِسْمَةُ الْأَرَاضِي وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِهَا. ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الْأَرْضِ بِقِسْمَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَيْبَرَ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ بَلْدَةٌ وَلَا قَرْيَةٌ إلَّا قَسَمْتهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ» . وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: أَخْبَرْنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت «عُمَرَ يَقُولُ: لَوْلَا أَنْ يُتْرَكَ آخِرُ النَّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ مَا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قَرْيَةً إلَّا قَسَمْتهَا سُهْمَانًا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ سُهْمَانًا» فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ قَسَّمَهَا كُلَّهَا. وَاَلَّذِي فِي أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ «قَسَّمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا» . وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَسَّمَهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ: يَعْنِي أَعْطَى لِكُلِّ مِائَةِ رَجُلٍ سَهْمًا» . وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ، وَعَزَلَ النِّصْفَ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ يَنْزِلُ بِهِ مِنْ الْوُفُودِ وَالْأُمُورِ وَنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ نِصْفُ النِّصْفِ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مَعْنَى مَالِ بَيْتِ الْمَالِ. ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ كَانَ الْوَطِيحَ وَالْكَتِيبَةَ وَالسَّلَالِمَ وَتَوَابِعَهَا، فَلَمَّا صَارَتْ الْأَمْوَالُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُمَّالٌ يَكْفُونَهُمْ عَمَلَهَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ فَعَامَلَهُمْ. زَادَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ فَعَامَلَهُمْ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَكَثُرَ الْعُمَّالُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَقَوُوا عَلَى الْعَمَلِ، فَأَجْلَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْيَهُودَ إلَى أَرْضِ الشَّامِ وَقَسَمَ الْأَمْوَالَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْيَوْمِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي فِي أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ كُلُّهَا عَنْوَةً أَوْ بَعْضُهَا صُلْحًا، وَصَحَّحَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْأَوَّلَ. وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ الثَّانِيَ، وَغَلَّطَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: وَإِنَّمَا دَخَلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحِصْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسْلَمَهُمَا أَهْلُهُمَا فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَهُمَا الْوَطِيحُ وَالسَّلَالِمُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَاصَرَهُمْ فِيهِمَا حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ، وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ، فَحَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمْوَالَ وَجَمِيعَ الْحُصُونِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ مَغْنُومِينَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ صُلْحٌ، وَلَعَمْرِي إنَّهُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَضَرْبٌ مِنْ الصُّلْحِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا أَرْضَهُمْ إلَّا بِالْحِصَارِ وَالْقِتَالِ فَكَانَ حُكْمُهَا كَحُكْمِ سَائِرِ أَرْضِ خَيْبَرَ كُلِّهَا عَنْوَةً غَنِيمَةً مَقْسُومَةً بَيْنَ أَهْلِهَا، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ صُلْحًا لَمَلَكَهَا أَهْلُهَا كَمَا مَلَكَ أَهْلُ الصُّلْحِ أَرْضَهُمْ وَسَائِرَ أَمْوَالِهِمْ» فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَيْ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً دُونَ مَا قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهُ إلَى قَوْلِهِ: هَكَذَا فَعَلَ عُمَرُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ) لَا شَكَّ فِي إقْرَارِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْلَ السَّوَادِ

وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ. وَقِيلَ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ، وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِيَكُونَ عِدَّةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَهَذَا فِي الْعَقَارِ. أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ عَمِلَهُ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَفَرَضَ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشْرَةً وَعَلَى الرِّطَابِ خَمْسَةً، وَفَرَضَ عَلَى رِقَابِ الْمُوسِرِينَ فِي الْعَامِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَعَلَى مَنْ دُونَهُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَعَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَحُمِلَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ إلَى عُمَرَ ثَمَانُونَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، إلَّا أَنَّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَجُعِلَتْ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْمَنْقُولَاتِ لِلْغَانِمَيْنِ. وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَخُصَّهَا بِأَهْلِ الْخُمُسِ لَكِنَّهُ اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ وَاسْتَرَدَّهَا وَرَدَّهَا عَلَى أَهْلِهَا بِخَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ: بَاعَهَا مِنْ أَهْلِهَا بِثَمَنٍ مُنَجَّمٍ. وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي أَنَّ السَّوَادَ فُتِحَ عَنْوَةً، وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَظَّفَ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ مُحْتَجًّا قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] إلَى قَوْلِهِ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] أَيْ الْغَنِيمَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لَهُمْ بِالْمَنِّ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ، وَتَلَا عُمَرُ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ إلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ كَبِلَالٍ وَسَلْمَانَ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَدَعَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَلَمْ يُحْمَدُوا وَنَدِمُوا وَرَجَعُوا إلَى رَأْيِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْأَرَاضِي لَيْسَ حَتْمًا أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضَهَا، وَلِهَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ تَصِيرُ الْأَرْضُ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَدْرَى بِالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى نَقِيضِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ آمِنٌ» وَلَوْ كَانَ صُلْحًا لَأَمِنُوا كُلُّهُمْ بِهِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ وَإِلَى مَا ثَبَتَ مِنْ إجَارَةِ أُمِّ هَانِئٍ مِنْ

وَفِي الْعَقَارِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ فِي الْمَنِّ إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ أَوْ مِلْكِهِمْ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُعَادَلُ، وَالْخَرَاجُ غَيْرُ مُعَادَلٍ لِقَتْلِهِ، بِخِلَافِ الرِّقَابِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ رَأْسًا بِالْقَتْلِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُمْ كَالْأُكْرَةِ الْعَامِلَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ وَالْمُؤَنِ مُرْتَفِعَةٌ مَعَ مَا إنَّهُ يَحْظَى بِهِ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدُ، وَالْخَرَاجُ وَإِنْ قَلَّ حَالًا فَقَدْ جَلَّ مَآلًا لِدَوَامِهِ، وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِيِ يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ بِقَدْرِ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الْعَمَلُ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإجَارَتِهِ وَمُدَافَعَتِهَا عَلَيْهَا عَنْ قَتْلِهِ، «وَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ بَعْدَ دُخُولِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ» . وَأَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَا يُسْفَكُ بِهَا دَمٌ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُولُوا لَهُ إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ» فَقَوْلُهُ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَفِي الْعَقَارِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) فَعِنْدَهُ يَقْسِمُ الْكُلَّ (لِأَنَّ فِي الْمَنِّ) بِالْأَرْضِ (إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ) عَلَى قَوْلِكُمْ (أَوْ مِلْكِهِمْ) عَلَى قَوْلِي (فَلَا يَجُوزُ) لِلْإِمَامِ ذَلِكَ (بِلَا بَدَلٍ يُعَادِلُهُ وَالْخَرَاجُ لَا يُعَادِلُ لِقِلَّتِهِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ (بِخِلَافِ الرِّقَابِ لِأَنَّ لِلْأَمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ رَأْسًا بِالْقَتْلِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ) مِنْ فِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ وُجُودِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُعَارِضُوهُ فَكَانَ إجْمَاعًا. فَإِنْ قِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِمُخَالَفَةِ بِلَالٍ وَمَنْ مَعَهُ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ اجْتِهَادُهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَلَوْ سَوَّغُوا لَهُمْ ذَلِكَ لَمَّا دَعَا عَلَى الْمُخَالِفِ (وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا) لِلْمُسْلِمِينَ (لِأَنَّهُمْ) يَصِيرُونَ (كَالْأُكْرَةِ الْعَامِلَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ مَعَ ارْتِفَاعِ الْمُؤَنِ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَفِي هَذَا مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى (مَعَ أَنَّهُ يَحْظَى بِهِ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدُ) فَيَحْصُلُ عُمُومُ النَّفْعِ لِلْمُسْلِمِينَ (وَالْخَرَاجُ، وَإِنْ قَلَّ حَالًا فَقَدْ جَلَّ مَآلًا) فَرُبَّمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ أَضْعَافُ

قَالَ (وَهُوَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ قَتَلَ» ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ) لِأَنَّ فِيهَا دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَنْفَعَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَةِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُسْلِمُوا (لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ قَتَلَ) مِنْ الْأُسَارَى إذَا لَا شَكَّ فِي قَتْلِهِ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ مِنْ أَسَارَى بَدْرٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ الَّذِي قَالَتْ فِيهِ أُخْتُهُ قَتِيلَةُ الْأَبْيَاتِ الَّتِي مِنْهَا: يَا رَاكِبًا إنَّ الْأَثِيلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا فَإِنَّ تَحِيَّةً ... مَا إنْ تُزَلْ بِهَا الرَّكَائِبُ تَخْفِقُ مِنِّي إلَيْك وَعَبْرَةٌ مَسْفُوحَةٌ ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْت وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ الْأَبْيَاتِ وَطَعِيمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَهُوَ أَخُو الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ. وَأَمَّا مَا قَالَ هُشَيْمٌ إنَّهُ قَتَلَ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ فَغَلَطَ بِلَا شَكٍّ وَكَيْفَ وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا لَشَفَّعْته فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى» (وَلِأَنَّ فِي قَتْلِهِمْ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ) الْكَائِنِ مِنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَصْلَحَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) وَلِهَذَا قُلْنَا: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغُزَاةِ أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرًا بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَقَدْ يَرَى مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِرْقَاقِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَاتَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَتَلَ بِلَا مُلْجِئٍ بِأَنْ خَافَ الْقَاتِلُ شَرَّ الْأَسِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُ إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ مَقْصُودِهِ وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ بِقَتْلِهِ شَيْئًا (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارَ ذِمَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ السَّوَادِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ) يَعْنِي إذَا أُسِرُوا فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْأُسَارَى، وَيَتَحَقَّقُ الْأَسْرُ

عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَسْلَمُوا لَا يَقْتُلُهُمْ لِانْدِفَاعِ الشَّرِّ بِدُونِهِ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ) تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ إسْلَامِهِمْ قَبْلَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ بَعْدُ (وَلَا يُفَادَى بِالْأُسَارَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ. وَلَهُ أَنَّ فِيهِ مَعُونَةً لِلْكَفَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حَرْبِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلَاءً فِي حَقِّهِ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْنَا، وَالْإِعَانَةُ بِدَفْعِ أَسِيرَهُمْ إلَيْهِمْ مُضَافٌ إلَيْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُرْتَدِّينَ إذَا غُلِبُوا وَصَارُوا حَرْبًا (عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ بَلْ إمَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ (فَإِنْ أَسْلَمَ الْأُسَارَى) بَعْدَ الْأَسْرِ (لَا يَقْتُلُهُمْ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ قَتْلِهِمْ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي الرِّقَّ جَزَاءً عَلَى الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمُلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْحَرْبِيِّ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْعَرَبِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَخْذِ) لَا يَسْتَرِقُّونَ وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا؛ لِأَنَّهُ إسْلَامٌ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمُلْكِ فِيهِمْ (قَوْلُهُ وَلَا يُفَادِي بِالْأُسَارَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَعَلَيْهَا مَشَى الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُفَادِي بِهِمْ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ إلَّا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِنَّ عِنْدَهُمْ، وَمَنَعَ أَحْمَدُ الْمُفَادَاةَ بِصِبْيَانِهِمْ، وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. قِيلَ: وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِالْأُسَارَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ. وَجْهُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ (أَنَّ فِيهِ مَعُونَةَ الْكَفَرَةِ لِأَنَّهُ يَعُودُ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابَتِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلَاءً فِي حَقِّهِ فَقَطْ) وَالضَّرَرُ بِدَفْعِ أَسِرْهُمْ إلَيْهِمْ يَعُودُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْمُوَافَقَةِ لِقَوْلِ الْعَامَّةِ إنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَظِيمَةٌ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْنَا بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ يَدْفَعُهُ ظَاهِرًا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَتَلَخَّصُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ ضَرَرُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقُومُ بِدَفْعِهِ وَاحِدٌ مِثْلُهُ ظَاهِرًا فَيَتَكَافَآنِ، ثُمَّ يَبْقَى فَضِيلَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي زِيَادَةُ تَرْجِيحٍ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِمَا بَيَّنَّا. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتَدَلَّا بِأُسَارَى بَدْرٍ، وَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ فِي أَيْدِينَا لَا يُفَادَى بِمُسْلِمٍ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِهِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْأُسَارَى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ «مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] » وَلِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ وَالْقَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ «خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ: فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السُّوقِ فَقَالَ لِي: يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ: أَعْنِي الَّتِي كَانَ أَبُو بَكْرٍ نَفَّلَهُ إيَّاهَا، فَقُلْت: هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا كَشَفْت لَهَا ثَوْبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ» إلَّا أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ رَأْيَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَادُونَ بِالنِّسَاءِ وَيَبْقَى الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِمَا بَيَّنَّا) فِي الْمُفَادَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ رَدِّهِ حَرْبًا عَلَيْنَا (وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأُسَارَى بَدْرٍ) إذْ لَا شَكَّ فِي احْتِيَاجِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ فِي شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إذَا ذَاكَ، فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْمُفَادَاةِ الْكَائِنَةِ فِي بَدْرٍ بِالْمَالِ. وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ تِلْكَ الْمُفَادَاةِ مِنْ الْعَتَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] أَيْ يَقْتُلَ أَعْدَاءَ اللَّهِ مِنْ الْأَرْضِ فَيَنْفِيَهُمْ عَنْهَا {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [الأنفال: 67] قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] وَهُوَ أَنْ لَا يُعَذِّبَ أَحَدًا قَبْلَ النَّهْيِ، وَلَمْ يَكُنْ نَهَاهُمْ {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68] مِنْ الْغَنَائِمِ وَالْأُسَارَى {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] ثُمَّ أَحَلَّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ تَعَالَى فَقَالَ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] هِيَ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ الْفِدَاءِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لِلْغَنِيمَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. قُلْنَا: لَوْ سَلَّمَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَفِي رَدِّهِ تَكْثِيرُ الْمُحَارَبِينَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ. وَفِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ. وَأَبُو بَكْرٍ بِأَخْذِ الْفِدَاءِ تَقَوِّيًا وَرَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا. وَرُوِيَ «أَنَّهُمْ لَمَّا أَخَذُوا الْفِدَاءَ نَزَلَتْ الْآيَةُ، فَدَخَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذَا هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ يَبْكِيَانِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَبْكِي عَلَى أَصْحَابِك فِي أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَوْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إلَّا عُمَرُ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ» لِقَوْلِهِ كَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبَّ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ وَهُوَ فِي أَيْدِينَا لَا يُفَادَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ) فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَخْلِيصَ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ لِمُسْلِمٍ آخَرَ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى الْأُسَارَى) وَهُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَجْهُ قَوْلِ

فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَعِوَضٍ، وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا وَلَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ» . وَلَنَا أَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنَّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ» عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِهِ إلَى عَائِشَةَ «لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثْت زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ كَانَتْ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى بِهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا، فَفَعَلُوا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَزَادَ «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ زَيْنَبَ إلَيْهِ فَفَعَلَ» وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ أَسَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ فَخَلَّى سَبِيلَهُ. وَأَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنَّ عَلَيْهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَامْتَدَحَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبْيَاتٍ ثُمَّ قَدِمَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي أُحُدٍ فَأُسِرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكَّةَ بَعْدَهَا، تَقُولُ خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ» وَيَكْفِي مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أُسَارَى بَدْرٍ «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ شَارِحٍ بِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمَنُّ؛ لِأَنَّ لَوْ لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ: يَعْنِي فَيُفِيدُ امْتِنَاعَ الْمَنِّ. وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصَرٍ بِالْكَلَامِ أَنَّ التَّرْكِيبَ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ لَتَرَكَهُمْ وَصِدْقُهُ وَاجِبٌ وَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَنُّ جَائِزًا فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ يُطْلِقُهُمْ لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهُمْ، وَالْإِطْلَاقُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَّا وَهُوَ جَائِزٌ شَرْعًا، وَكَوْنُهُ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، لَا يَنْفِي جَوَازَهُ شَرْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةَ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْمَنِّ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَقِصَّةُ بَدْرٍ كَانَتْ سَابِقَةً عَلَيْهَا. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأُسَارَى بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ، فِيهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ الْمَأْمُورَ حَتْمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ) أَيْ مِنْ مَوَاشِي أَهْلِ الْحَرْبِ (فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا ثُمَّ أَحْرَقَهَا وَلَا يَعْقِرُهَا) كَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ بِالْحَيَوَانِ، وَعَقَرَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَسَهُ رُبَّمَا كَانَ لِظَنِّهِ عَدَمَ الْفَتْحِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ فَخَشَى أَنْ يَنَالَ الْمُشْرِكُونَ فَرَسَهُ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ لِضِيقِ الْحَالِ عَنْهُ بِالشُّغْلِ بِالْقِتَالِ أَوْ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْمُثْلَةِ أَوْ عِلْمِهِ بِهَا (وَلَا يَتْرُكُهَا) لَهُمْ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأَحْمَدُ (يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ» ) قُلْنَا: هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ الْأَعْدَاءِ، ثُمَّ يُحْرَقُ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ الْعَقْرِ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا، وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَعَمْ رُوِيَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ نَفْسِهِ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ جُيُوشًا إلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ: إنِّي أُوصِيَك بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلُنَّ صَبِيًّا وَلَا امْرَأَةً وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَقَرَةً إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تُخْرِبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تُحَرِّقَنَّ، وَلَا تُغْرِقَنَّ، وَلَا تَجْبُنْ، وَلَا تَغْلُلْ. ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا آنَسَ الْفَتْحُ وَصَيْرُورَةُ الْبِلَادِ دَارَ إسْلَامٍ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَمِرَّ فِي بُعُوثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ. وَذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا تُحْرِقْ وَلَا تُخْرِبْ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ لَا تُحَرِّقَنَّ وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ عَلِمَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ حَرِّقْ» بَقِيَ مُجَرَّدُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ لِغَرَضِ الْأَكْلِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ (وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَتِهِمْ) وَتَعْرِيضِهِمْ عَلَى الْهَلَكَةِ وَالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يَحْرِقُ (لِيَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ) وَالتَّحْرِيقُ لِهَذَا الْغَرَضِ الْكَرِيمِ (بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْثٍ فَقَالَ لَنَا: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرَقُوهُمَا بِالنَّارِ، فَلَمَّا خَرَجْنَا دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَاقْتُلُوهُمَا وَلَا تُحَرِّقُوهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَمَّاهُمَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَطَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَذَكَرَ السَّبَبَ أَنَّهُمَا كَانَا رَوَّعَا زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَتْ لَاحِقَةً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا. وَالْقَضِيَّةُ مُفَصَّلَةٌ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ مَعْرُوفَةٌ لِأَهْلِ السِّيَرِ. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا «تَحْرِيقَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الزَّنَادِقَةَ الَّذِينَ أَتَى بِهِمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَخَذْتُ بُرْغُوثًا فَأَلْقَيْته فِي النَّارِ، فَقَالَتْ: سَمِعْت أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» هَذَا (وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا، وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا كَالْحَدِيدِ يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ) وَمَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ: تُتْرَكُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي أَرْضٍ غَامِرَةٍ: أَيْ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ، ثُمَّ هُمْ قَدْ صَارُوا أُسَارَى بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ. وَقَدْ «أَوْصَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَسْرَى خَيْرًا» . حَدَّثَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا، فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مَرَّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي فَقَالَ لَهُ شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ فَإِنَّ أُمَّهُ

(وَلَا يُقَسِّمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ ذَكَرْنَاهَا فِي الْكِفَايَةِ. لَهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ إذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فِي الصَّيُودِ، وَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِيلَاءِ سِوَى إثْبَاتِ الْيَدِ وَقَدْ تَحَقَّقَ. وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ» ، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيهِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ مَعْنًى فَتَدْخُلُ تَحْتَهُ، وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْحَافِظَةِ وَالنَّاقِلَةِ وَالثَّانِي مُنْعَدِمٌ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الِاسْتِنْقَاذِ وَوُجُودِهِ ظَاهِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَاتُ مَتَاعٍ، قَالَ: وَكُنْت فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ فَكَانُوا إذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ بِنَا، مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ مِنْ الْخُبْزِ إلَّا نَفَحَنِي بِهَا، قَالَ: فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا» فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلُوا جُوعًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَضْطَرُّوا إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ الْحَمْلِ وَالْمِيرَةِ فَيَتْرُكُوا ضَرُورَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا تُقَسَّمُ غَنِيمَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى تَخْرُجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) إذَا انْهَزَمَ الْكُفَّارُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقَسِّمَهَا حَتَّى يُحْرِزَهَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ. وَعَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ الْإِمَامِ حَمُولَةٌ يَحْمِلُهَا عَلَيْهَا يُقَسِّمُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. (وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ) بِالْهَزِيمَةِ وَيَلْزَمُهُ أَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ هُنَاكَ لَا تُفِيدُ مِلْكًا إلَّا إذَا كَانَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَإِنَّهُ أَمْضَى الْقَضَاءَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ فَإِنَّ الْحَاجَةَ مَوْضِعُهَا مُسْتَثْنًى. وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِالْقِسْمَةِ حَيْثُمَا كَانَتْ، أَوْ بِاخْتِيَارِ الْغَانِمِ التَّمَلُّكَ، وَلَيْسَ هُوَ قَائِلًا إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِينَ بِالْهَزِيمَةِ كَمَا نَقَلُوا عَنْهُ. وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَسْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ بَلْ يَتَأَكَّدُ الْحَقَّ، لِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ عَتَقَ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ وَيَجْرِي فِيهِ مَا عُرِفَ فِي عِتْقِ الشَّرِيكِ، وَتَخْرُجُ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا: مِنْهَا لَوْ وَطِئَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاحِدَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَهُ لَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْهَزِيمَةِ بَلْ لِاخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ فَبِالْهَزِيمَةِ ثَبَتَ لِكُلٍّ حَقُّ الْمِلْكِ، فَإِنْ سَلَّمْت بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَخَذَهَا، وَإِلَّا أَخَذَهَا وَكَمَّلَ مِنْ مَالِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْحَمْلِ. وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْدُثُ لِثُبُوتِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَتُقْسَمُ الْجَارِيَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَنَا، وَإِنْ تَأَكَّدَ الْحَقَّ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ فَيَتَمَلَّكُهَا بِنَاءً عَلَى الِاسْتِيلَادِ، وَلَيْسَ لَهُ هُنَا تَمَلُّكُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَارِيَةِ بِدُونِ رَأْيِ الْإِمَامِ. نَعَمْ لَوْ قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ أَوْ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا لِأَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ لَهَا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ تِلْكَ الرَّايَةِ، وَالْعَرَّافَةُ شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَعِتْقُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ نَافِذٌ، لَكِنَّ هَذَا إذَا قَلُّوا حَتَّى تَكُونَ الشَّرِكَةُ خَاصَّةً، أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا؛ لِأَنَّ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ. قَالَ: وَالْقَلِيلُ إذَا كَانُوا مِائَةً أَوْ أَقَلَّ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُوَقِّت وَيُجْعَلَ مَوْكُولًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. وَمِنْهَا جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ الْإِمَامِ لِبَعْضِ الْغَنِيمَةِ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَنَا مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. وَمِنْهَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الْغُزَاةِ أَوْ قُتِلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوَرَّثُ سَهْمُهُ عِنْدَنَا وَيُوَرَّثُ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى التَّأَكُّدِ بِالْهَزِيمَةِ حَتَّى صَحَّ مِنْهُ التَّمَلُّكُ وَالتَّأَكُّدُ يَكْفِي لِلْإِرْثِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّا نَقُولُ إنَّهُ يُوَرَّثُ إذَا مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمِ لِلتَّأَكُّدِ لَا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُؤَكَّدَ يُوَرَّثُ كَحَقِّ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الضَّعِيفِ كَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْحَقِّ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِإِبَاحَةِ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَبِعَدَمِ ضَمَانِ مَا أُتْلِفَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ فَكَانَ حَقًّا ضَعِيفًا كَحَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالشَّافِعِيَّةُ إنْ مَنَعُوا الثَّانِيَ لَمْ يَمْنَعُوا الْأَوَّلَ. وَمِنْهَا لَوْ لَحِقَ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْقَسْمِ شَارَكَ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ لِلتَّأَكُّدِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّمَا الثَّابِتُ لِلْغُزَاةِ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ حَقُّ الْمِلْكِ لَا حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْتِقُ، وَكَذَا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ إذَا أَسْلَمُوا بَعْدَ أَخْذِهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْغُزَاةِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ فِي الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَدَدِ. ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَمَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يُؤْخَذُوا فَإِنَّ إسْلَامَهُمْ بَعْدَ الْأَخْذِ لَا يُزِيلُ عَنْهُمْ الرِّقَّ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ فِي الْغَنِيمَةِ كَالْمَدَدِ. وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا، قَالَ: وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ يَتَأَكَّدُ حَقُّ الْمِلْكِ وَيَسْتَقِرُّ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ، وَلَوْ بَاعَ الْإِمَامُ جَازَ، وَلَوْ لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ لَا يُشَارِكُونَ وَيَضْمَنُ الْمُتْلَفَ، وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي التُّحْفَةِ مَاشٍ مَعَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْحَقُّ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ وَيَتَأَكَّدُ بِالْإِحْرَازِ وَيَمْلِكُ بِالْقِسْمَةِ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ وَيَتَأَكَّدُ بِالطَّلَبِ وَيَتِمُّ الْمِلْكُ بِالْأَخْذِ، وَمَا دَامَ الْحَقُّ ضَعِيفًا لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ الضَّعِيفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَوَجَّهَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ يَتِمُّ بِالْهَزِيمَةِ؛ لِأَنَّ بِهَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَمْلِكُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ إلَّا سَبْقَ الْيَدِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ كَمَا فِي الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَأَوْطَاسَ فِي دِيَارِهِمْ» . وَلَنَا مَنْعُ أَنَّ السَّبَبَ تَمَّ فَإِنَّ تَمَامَهُ بِثُبُوتِ الْيَدِ النَّاقِلَةِ، أَيْ قُدْرَةِ النَّقْلِ وَالتَّصَرُّفِ كَيْفَ شَاءَ نَقْلًا وَادِّخَارًا وَهَذَا مُنْتَفٍ عَنْهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الظُّهُورَ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِنْقَاذَ مِنْهُمْ لَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّارَ مُضَافَةٌ إلَيْهِمْ فَدَلَّ أَنَّهُ مَقْهُورٌ مَا دَامَ فِيهَا نَوْعًا مِنْ الْقَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا دَارَ حَرْبٍ وَيَنْصَرِفَ عَنْهَا فَكَانَ قَاهِرًا مِنْ وَجْهٍ مَقْهُورًا مِنْ وَجْهٍ، فَكَانَ اسْتِيلَاءً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَمْ يَتِمَّ سَبَبُ مِلْكِ الْمُبَاحِ فَلَمْ يَمْلِكْ فَلَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْنًى، فَإِنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةٌ وَفِي الْقِسْمَةِ ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ شَرِيكٍ لَمَّا اجْتَمَعَ نَصِيبُهُ فِي الْعَيْنِ كَانَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ نَصِيبِهِ فِي الْبَاقِي، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْعَبْدُ مُرَاغَمًا حَيْثُ يَعْتِقُ بِوُصُولِهِ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَكَذَا الْمَرْأَةُ الْمُرَاغَمَةُ تَبِينُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ بِالنَّصِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَكْفِي فِيهِ امْتِنَاعُهُ ظَاهِرًا فِي الْحَالِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى

ثُمَّ قِيلَ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ تَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْقِسْمَةِ إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ، لِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ. وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَسِّمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ رَاجِحٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ، وَقِسْمَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنَائِمَ حُنَيْنٍ كَانَ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ إلَى الْجِعْرَانَةِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ حُدُودِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ وَأَرْضُ حُنَيْنٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، وَهَذَا لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ تَصِيرُ دَارَ إسْلَامٍ بِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ وَبِثُبُوتِ الْأَمْنِ لِلْمُقِيمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، وَكَوْنُهَا مُتَاخِمَةً لِدَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ. وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ كَمَا قِيلَ بَلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِمُجَرَّدِ الْهَزِيمَةِ بَلْ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ هَلْ تُوجِبُ الْمِلْكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْكَنَكَ أَنْ تَجْعَلَ الدَّلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى ذَلِكَ. وَتَقْرِيرُهُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَمَامِ الِاسْتِيلَادِ عَلَى الْمُبَاحِ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقِسْمُ مَلَكَ. وَلَنَا مَنْعُ تَمَامِ السَّبَبِ فَلَا تُفِيدُ الْقِسْمَةُ الْمِلْكَ إلَّا عِنْدَ تَمَامِهِ وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا لَا تَصِحُّ إذَا قَسَمَ بِلَا اجْتِهَادٍ أَوْ اجْتَهَدَ فَوَقَعَ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ، أَمَّا إذَا قَسَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهِدًا فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ وَثُبُوتِ الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ» فَغَرِيبٌ جِدًّا. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ أَوْ فِي كَرَاهَتِهَا، فَقِيلَ: الْمُرَادُ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَا تَثْبُتَ الْأَحْكَامُ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَنَفَاذِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ لَا بُطْلَانُ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَغَلُوا بِهَا يَتَكَاسَلُونَ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ وَرُبَّمَا يَتَفَرَّقُونَ، فَرُبَّمَا يَكُرُّ الْعَدُوُّ عَلَى بَعْضِهِمْ فَكَانَ الْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَا يُعْدَمُ الْجَوَازُ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْسِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا قَسَمَ إلَّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ» ، وَالْأَفْعَالُ الْمُتَّفِقَةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ لَا تَكُونُ إلَّا لِدَاعٍ هِيَ كَرَاهَةُ خِلَافِهِ أَوْ بُطْلَانِهِ، وَالْكَرَاهَةُ أَدْنَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. قِيلَ: وَنُقِلَ الْخِلَافُ هَكَذَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَبْسُوطِ غَيْرَ جَيِّدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ خِلَافٌ عَنْهُمْ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَهَذَا لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِفْرَادِيَّةَ الْمَوْضُوعَةَ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، مِثْلَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ لَا يُوَرَّثُ حَقُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْ ذَلِكَ الْعَلَفِ وَنَحْوِهِ شَيْءٌ، وَمِنْهَا عَدَمُ جَوَازِ التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ، وَجَوَازُهُ قَبْلَهُ وَمُشَارَكَةُ الْمَدَدِ اللَّاحِقِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، ثُمَّ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ:

إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ سَلَبِ الْجَوَازِ فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ إيرَاثِ الْكَرَاهَةِ. (وَالرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ فِي الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ أَوْ شُهُودُ الْوَقْعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ رَاجِحٌ عَلَى دَلِيلِ جَوَازِهَا، إلَّا أَنَّهُ تَقَاعُدٌ عَنْ سَلْبِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ سَلْبُ الْجَوَازِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَمْ يَبْطُلْ الْمَرْجُوحُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَصَلَ مِنْ مُعَارَضَةِ الدَّلِيلِينَ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ لَمَّا انْتَفَتْ النَّجَاسَةُ لَمْ تَنْتَفِ الْكَرَاهَةُ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَنْبُو عَنْ الْقَوَاعِدِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ مِنْ الدَّلِيلِينَ وَتَرْكِ الْمَرْجُوحِ. وَإِذَا كَانَ الرَّاجِحُ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَكُوِّنَ لَهُ مُخَالِفٌ وَلَا إجْمَاعَ لَا يُوجِبُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ النُّزُولُ عَنْ مُقْتَضَاهُ وَإِلَّا فَكُلُّ خِلَافِيَّةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَزِمَ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فَمَا مُوجِبُ إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ؟ وَالتَّحْقِيقُ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ حُرْمَةِ اللَّحْمِ الْمُوجِبَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ عَارِضَةُ شِدَّةِ الْمُخَالَطَةِ وَتَرَجَّحَ عَلَيْهِ فَانْتَفَتْ النَّجَاسَةُ. وَالْكَرَاهَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَحْتَاجُ خُصُوصُهُ إلَى دَلِيلٍ، وَشِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ دَلِيلُ الطَّهَارَةِ فَقَطْ فَتَبْقَى الْكَرَاهَةُ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ قَسَمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ وَالرِّدْءُ) أَيْ الْعَوْنُ (وَالْمُقَاتِلُ) أَيْ الْمُبَاشِرُ لِلْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ (سَوَاءٌ) فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى آخَرَ بِشَيْءٍ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَسَنُبَيِّنُ سَبَبَهُ فِيمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ) أَيْ الْمَدَدَ (فِيهَا) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتِمُّ لِلْغَانِمِينَ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَجَازَ أَنْ يُشَارِكَهُمْ الْمَدَدَ إذَا قَامَ بِهِ الدَّلِيلُ، وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَدَدِ إلَّا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْقِسْمَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَبَيْعُ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ قَبْلَ لِحَاقِ الْمَدَدِ. هَذَا وَعَلَى مَا حَقَقْنَاهُ الْمَبْنِيُّ تَأَكَّدَ وَعَدَمُهُ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «بَعَثَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَانًا عَلَى سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ،

وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ عِنْدَنَا بِالْإِحْرَازِ أَوْ بِقِسْمَةِ الْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَيْعِهِ الْمَغَانِمَ فِيهَا، لِأَنَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتِمُّ الْمِلْكُ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ شَرِكَةِ الْمَدَدِ. قَالَ (وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ فِي الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يُسْهِمُ لَهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَلِأَنَّهُ وَجَدَ الْجِهَادَ مَعْنًى بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدُ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْقِتَالُ فَيُفِيدُ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ الْقِتَالِ، وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدِمَ أَبَانٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ بَعْدَمَا فَتَحَهَا، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ» لَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّ وُصُولَ الْمَدَدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً، وَخَيْبَرُ صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ بِمُجَرَّدِ فَتْحِهَا فَكَانَ قُدُومُهُمْ وَالْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا إسْهَامُهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ: «بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي. فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا إلَى النَّجَاشِيِّ، فَوَفَيْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَنَا هَاهُنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا فَأَقَمْنَا حَتَّى قَدِمْنَا فَوَافَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا. وَلَمْ يُسْهِمْ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ إلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا» فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: إنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِيَسْتَمِيلَ قُلُوبَهُمْ لَا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ حَسَنٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْهَا. وَحَمَلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا قَبْلَ حَوْزِ الْغَنَائِمِ خِلَافَ مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ فِي عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بَيْنَ كَوْنِ الْوُصُولِ قَبْلَ الْحَوْزِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ بَعْدَ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ) أَيْ (فِي الْغَنِيمَةِ) لَا سَهْمَ وَلَا رَضْخَ (إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) فَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّونَ السَّهْمَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا. وَالْآخَرُ يُسْهِمُ لَهُمْ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ غَزَوْا نَهَاوَنْدَ، فَأَمَدَّهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَعَلَيْهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَظَهَرُوا، فَأَرَادَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنْ لَا يَقْسِمُوا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الْأَجْدَعُ تُرِيدُ أَنْ تُشَارِكَنَا فِي غَنَائِمِنَا؟ وَكَانَتْ أُذُنُهُ جُدِعَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: خَيْرُ أُذُنِي سَبَبْت، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَتَبَ عُمَرُ إنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:

أَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنْ يُشْهِدَهَا عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ. (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْغَنَائِمُ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ لِيَحْمُوَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ فَيُقَسِّمَهَا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَالْجُمْلَةُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ فِي الْمَغْنَمِ حَمُولَةً يَحْمِلُ الْغَنَائِمَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَمُولَةَ وَالْمَحْمُولَ مَالُهُمْ. وَكَذَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَضْلُ حَمُولَةٍ لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ لِلْغَانِمِينَ أَوْ لِبَعْضِهِمْ لَا يُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إجَارَةٍ وَصَارَ كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّتُهُ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَ رَفِيقِهِ فَضْلُ حَمُولَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ. وَهَذَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ لَا يَرَى جَوَازَ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ إيَّاهُ، وَكَذَا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ (تَأْوِيلُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ) وَالْوَقْعَةُ هِيَ الْقِتَالُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمُجْمَلِ الْوَقْعَةُ صَدْمَةُ الْحَرْبِ، وَشُهُودُهُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِإِظْهَارِ خُرُوجِهِ لِلْجِهَادِ وَالتَّجْهِيزِ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَإِمَّا بِحَقِيقَةِ قِتَالِهِ بِأَنْ كَانَ خُرُوجُهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِهِ كَالسُّوقِيِّ وَسَائِسِ الدَّوَابِّ فَإِنَّ خُرُوجَهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِمُجَرَّدِ شُهُودِهِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ، فَإِذَا قَاتَلَ ظَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَهُ غَيْرَ أَنَّهُ ضَمَّ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ كَالتِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ لَا يَنْتَقِصُ بِهِ ثَوَابُ حَجِّهِ. وَعَلَى كَوْنِ السَّبَبِ مَا قُلْنَا فَرْعَ مَا لَوْ أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابُوا بَعْدَهُ غَنِيمَةً ثُمَّ انْفَلَتَ فَلَحِقَ بِالْجَيْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا شَارَكَهُمْ فِيهَا وَفِي كُلِّ مَا يُصِيبُونَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا بَعْدَهُ، وَلَوْ لَحِقَ بِعَسْكَرٍ غَيْرِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُمْ وَقَدْ أَصَابُوا غَنَائِمَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا إلَّا أَنْ يَلْقَوْا قِتَالًا فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ، لِأَنَّهُ مَا انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ مِنْ اللُّحُوقِ بِهِمْ الْفِرَارَ وَنَجَاةَ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَصَدَ بِاللَّحَاقِ بِهِمْ الْقِتَالَ، وَكَذَا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَحِقَ بِالْعَسْكَرِ. وَالْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ وَلَحِقَ بِالْعَسْكَرِ، وَالتَّاجِرُ الَّذِي دَخَلَ بِأَمَانٍ إذَا لَحِقَ بِالْعَسْكَرِ إنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيرٍ وَفَرَسٍ وَغَيْرِهِ (يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ) فَقِيلَ: قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْحَاجَةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِالِاجْتِهَادِ فَتَصِحُّ، وَقِيلَ قِسْمَةُ إيدَاعٍ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَرِدُّهَا فَيَقْسِمُهَا، ثُمَّ عَلَى هَذَا يَكُونُ بِالْأُجْرَةِ وَهَلْ يُكْرِهُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ لَا يُكْرِهُهُمْ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا يَطِيبُ مِنْ نَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَنْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَ رَفِيقِهِ دَابَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا كُرْهًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إجَارَةٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ مَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَةِ السَّفِينَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَعِيرِ فِي الْبَرِّيَّةِ فَإِنَّهُ تَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا إجَارَةٌ بِأَجْرِ الْمِثْلِ جَبْرًا. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يُكْرِهُهُمْ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الضَّرَرَ الْعَامَّ بِالضَّرَرِ الْخَاصِّ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ رَاجِعَةٌ إلَيْهِمْ، وَالْأُجْرَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ خَافَ تَفَرُّقَهُمْ لَوْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَفْعَلُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلْحَاجَةِ، وَفِيهِ إسْقَاطُ الْإِكْرَاهِ وَإِسْقَاطُ الْأُجْرَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْقُدُورِيِّ

وَيُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِتَحْمِيلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَصْلَ (وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ بَعْدَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. . قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مَا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَرْسَلَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَاجَةِ، وَقَدْ شَرَطَهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي أُخْرَى. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ. وَجْهُ الْأُخْرَى قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تَحْمِلُوهَا» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ الْغَازِيَ لَا يَسْتَصْحِبُ قُوتَ نَفْسِهِ وَعَلَفَ ظَهْرِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِيهَا وَالْمِيرَةُ مُنْقَطِعَةٌ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ السِّلَاحِ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تُمَسُّ إلَيْهِ الْحَاجَةُ فَتُعْتَبَرُ حَقِيقَتُهَا فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ فِي الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَالدَّابَّةُ مِثْلُ السِّلَاحِ، وَالطَّعَامُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ. قَالَ (وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ) وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ: الطِّيبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَصْلَ فِيهِ) وَهَذَا فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاهِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ) تَقَدَّمَ تَفْرِيعُهَا عَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ قَبْلَ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مَا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ) عَلَفَ الدَّابَّةَ عَلَفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ ضَرْبًا فَهِيَ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفٌ وَالْعَلَفُ مَا اعْتَلَفَهُ. وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ

(وَيُدْهِنُوا بِالدُّهْنِ وَيُوقِحُوا بِهِ الدَّابَّةَ) لِمَسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ (وَيُقَاتِلُوا بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ السِّلَاحِ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَا قِسْمَةٍ) وَتَأْوِيلُهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلَاحٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إبَاحَةٌ وَصَارَ كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَبِيعُونَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ عَيْنٍ كَانَتْ لِلْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ فَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِلِاشْتِرَاكِ، إلَّا أَنَّهُ يُقَسِّمُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا احْتَاجُوا إلَى الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ فَالْمَكْرُوهُ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْمَدَدِ مُحْتَمَلٌ، وَحَاجَةُ هَؤُلَاءِ مُتَيَقَّنٌ بِهَا فَكَانَ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَةَ فِي السِّلَاحِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ وَاحِدٌ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَإِنْ احْتَاجَ الْكُلُّ يُقَسِّمُ فِي الْفَصْلَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَاجُوا إلَى السَّبْيِ حَيْثُ لَا يُقَسِّمُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْجُودَ إمَّا مَا يُؤْكَلُ أَوْ لَا، وَمَا يُؤْكَلُ إمَّا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْهِلِيلَجِ أَوْ لَا، فَالثَّانِي لَيْسَ لَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ كَالْفَرَسِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ انْكَسَرَ سَيْفُهُ. أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ وَفَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ نَحْوَ الْحَطَبِ، بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْمَنْحُوتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَثَرًا لِلْمِلْكِ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ إذَا انْقَضَى الْحَرْبُ، وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا ضَرَّهُ الْبَرْدُ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ احْتَاجَ الْكُلُّ إلَى الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ قَسَمَهَا حِينَئِذٍ بَيْنَهُمْ (وَلَمْ يَذْكُرْ) مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قِسْمَةَ السِّلَاحِ وَلَا فَرْقَ) كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي السِّلَاحِ وَالثِّيَابِ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ السَّبْيِ لَا يَقْسِمُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ لَا مِنْ أُصُولِهَا فَيَسْتَصْحِبُهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُشَاةً، فَإِنْ لَمْ يُطِيقُوا، وَلَيْسَ مَعَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ قَتَلَ الرِّجَالَ وَتَرَكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَهَلْ يُكْرَهُ مَنْ عِنْدَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ عَلَى الْحَمْلِ: يَعْنِي بِالْأَجْرِ فِيهِ رِوَايَتَانِ تَقَدَّمَتَا. وَأَمَّا مَا يُتَدَاوَى بِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَنَاوُلُهُ، وَكَذَا الطِّيبُ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ بَلْ الْفُضُولُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ» وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بِأَحَدِهِمْ مَرَضٌ يَحُوجُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَلُبْسِ الثَّوْبِ، فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ

قَالَ (وَمَنْ) (أَسْلَمَ مِنْهُمْ) مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاجَةِ. وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَا لِلتَّدَاوِي سَوَاءٌ كَانَ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْخُبْزِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَاكِهَةِ الْيَابِسَةِ وَالرَّطْبَةِ وَالْبَصَلِ وَالشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ وَالْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَلَهُمْ الْأَكْلُ، وَالْأَدْهَانُ تِلْكَ الْأَدْهَانُ؛ لِأَنَّ الْأَدْهَانَ انْتِفَاعٌ فِي الْبَدَنِ كَالْأَكْلِ وَيُوقِحُوا الدَّوَابَّ بِهَا، وَتَوْقِيحُ الدَّابَّةِ تَصْلِيبُ حَافِرِهَا بِالدُّهْنِ إذَا حَفِيَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ. وَالرَّاءُ أَيْ التَّرْقِيحُ خَطَأٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهُ. وَنُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِالرَّاءِ مِنْ التَّرْقِيحِ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ قَالَ: هَكَذَا قَرَأْنَا عَلَى الْمَشَايِخِ. وَفِي الْجَمْهَرَةِ: رَقَّحَ عَيْشَهُ تَرْقِيحًا إذَا أَصْلَحَهُ وَأَنْشَدَ: يَتْرُكُ مَا رَقَّحَ مِنْ عَيْشِهِ ... يَعِيثُ فِيهِ هَمَجُ هَامِجٍ وَالْهَمَجُ مِنْ النَّاسِ هُمْ الَّذِينَ لَا نِظَامَ لَهُمْ، فَالتَّرْقِيحُ أَعَمُّ مِنْ التَّوْقِيحِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَكُونُ غَيْرَ مُهَيَّأٍ كَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَلَهُمْ ذَبْحُهَا وَأَكْلُهَا وَيَرُدُّونَ الْجِلْدَ إلَى الْغَنِيمَةِ. ثُمَّ شَرَطَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الْحَاجَةَ إلَى التَّنَاوُلِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ تَنَاوُلُهُ إلَّا التَّاجِرَ وَالدَّاخِلَ لِخِدْمَةِ الْجُنْدِيِّ بِأَجْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُمْ، وَلَوْ فَعَلُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذُ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَنِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِمْ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مَا يَكْفِي الدَّاخِلَ لِخِدْمَتِهِ كَعَبْدِهِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ عَادَةً فَصَارَ الْحَاصِلُ مَنْعَ الدَّاخِلِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْغَازِي أَنْ يَأْخُذَ لِأَجَلِهِ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْحَاجَةِ قَائِمٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَسْبَابِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ يُنَاطُ بِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تُحَمِّلُوهَا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. أَنْبَأْنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَوْمَ خَيْبَرَ كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلَا تَحْمِلُوا» وَأَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي مَغَازِيهِ بِغَيْرِ هَذَا السَّنَدِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يُوَافِقُ رِوَايَةَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: " أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَانِئِ بْنِ كُلْثُومٍ أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّا فَتَحْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ فَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِأَمْرِك، فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاسَ يَأْكُلُونَ وَيَعْلِفُونَ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَفِيهِ خُمُسٌ لِلَّهِ وَسِهَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا دَلِيلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ، فَإِنْ بَاعُوا رَدُّوا الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ اسْتِحْقَاقًا (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ. وَالْحُكْمُ فِيهَا مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَوَلَدَهُ الصِّغَارَ وَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ إلَى آخِرِ مَا سَنَذْكُرُ. ثَانِيهَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَا لَهُ هُنَاكَ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَسْلَمَ كَانَ مُسْتَتْبِعًا لَهُمْ فَصَارُوا مُسْلِمِينَ فَلَا يَرُدُّ الرِّقَّ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِانْقِطَاعِ يَدِهِ عَنْهُ بِالتَّبَايُنِ فَيَغْنَمُ، وَمَا أَوْدَعَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَيْسَ فَيْئًا لِأَنَّ يَدَهُمَا يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَتَدْفَعُ إحْرَازَ الْمُسْلِمِ فَتُرَدُّ عَلَيْهِ، وَمَا أَوْدَعَ حَرْبِيًّا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيْءٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَهُ لِأَنَّ يَدَهُ تَخْلُفُ يَدَهُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا

(أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الِاسْتِرْقَاقِ (وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ) لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا (وَكُلُّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدَهُ الْحَقِيقِيَّةَ إلَيْهِ يَدُ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ (أَوْ وَدِيعَةً فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَتْ يَدًا صَحِيحَةً حَتَّى لَا تَدْفَعَ اغْتِنَامَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَمْوَالِهِ. وَثَالِثُهَا مُسْتَأْمَنٌ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِ فَجَمِيعُ مَا خَلَفَهُ فِيهَا مِنْ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْمَالِ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ، فَبِالظُّهُورِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ، أَمَّا فِي غَيْرِ الْأَوْلَادِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِيهِمْ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِيرُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَكَانُوا مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ. رَابِعُهَا: دَخَلَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَالْكُلُّ لَهُ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَكُونُ يَدُهُ مُحْرِزَةً دَافِعَةً لِإِحْرَازِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهَا، فَأَمَّا الْأَرْضُونَ فَالْوَجْهُ فِيهَا مَا سَنَذْكُرُ، وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ وَامْرَأَتُهُ الْحُبْلَى الْحَرْبِيَّةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ وَوَدِيعَتُهُ وَلَوْ عِنْدَ حَرْبِيٍّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَدُهُ عَلَيْهَا. وَلْنَأْتِ إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَالَ: وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَخْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ أَسْلَمَ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا خَلَفَهُ فِيهَا حَتَّى صِغَارَهُ فَيْءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ يَخُصُّ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ لِمَا سَمِعْته آنِفًا مِنْ أَنَّ الَّذِي خَرَجَ فَظَهَرَ عَلَى الدَّارِ وَهُوَ عِنْدَنَا لَا يُحْرِزُ غَيْرَ بَنِيهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِكُلِّ مَنْ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ وَحِينَئِذٍ (يُحْرِزُ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ تَبَعًا وَكُلَّ مَالٍ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَقْدٍ وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لَمْ يُقَاتِلُوا (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» ) . قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا السَّنَدِ سَنَدُ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَزَا ثَقِيفًا، فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَدَعَاهُ: أَيْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَخْرًا فَقَالَ لَهُ: إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ سَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَسَأَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاءً لِبَنِي سُلَيْمٍ فَأَنْزَلَهُ إيَّاهُ وَأَسْلَمَ، يَعْنِي السُّلَيْمِيِّينَ، وَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْلَمْنَا وَأَتَيْنَا صَخْرًا لِيَدْفَعَ إلَيْنَا مَاءَنَا فَأَبَى، فَدَعَاهُ فَقَالَ: يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَادْفَعْ إلَى الْقَوْمِ مَاءَهُمْ» وَأَبَانُ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ وَتَضْعِيفِهِ، وَصَخْرُ بْنُ الْعَيْلَةِ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَلِيهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ، وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي الْعَيْلَةِ (وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ الْحَقِيقِيَّةُ إلَيْهِ يَدَ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ) وَقَوْلُهُ (أَوْ وَدِيعَةً) أَوْدَعَهَا (فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ

لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ وَيَدُهُ كَيَدِهِ (فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِ الْحِرَابِ فَعَقَارُهُ فَيْءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَالْمَنْقُولِ. وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانُهَا إذَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ. وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ عَلَى الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَثْبُتُ (وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ (وَكَذَا حَمْلُهَا فَيْءٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ إنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا كَالْمُنْفَصِلِ. وَلَنَا أَنَّهُ جُزْؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ) بِنَصْبِ وَدِيعَةٍ (وَيَدُهُ) أَيْ يَدُ الْمُودِعِ (كَيَدِهِ، فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَعَقَارُهُ فَيْءٌ) وَمَالُهُ مِنْ زَرْعٍ قَبْلَ أَنْ يَحْصُدَ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَالْمَنْقُولِ) وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِهِمْ نَقَلَ الْخِلَافَ فَقَالَ (وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةً عَلَى الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَثْبُتُ) وَحَكَاهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا فَقَالَ: فَأَمَّا عَقَارُهُ لَا يَصِيرُ غَنِيمَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَسْتَحْسِنُ فَأَجْعَلُ عَقَارَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُحْتَرَمٌ لَهُ كَالْمَنْقُولِ اهـ. وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَصِيرُ فَيْئًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ فَيْءٌ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانِهَا؛ إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً) بَلْ حُكْمًا، وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ أَحْكَامٍ فَكَانَتْ يَدُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الدَّارِ وَبَعْدَ ظُهُورِهِمْ يَدُهُمْ أَقْوَى مِنْ يَدِ السُّلْطَانِ وَأَهْلِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ شَرْعًا سَالِبَةً لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ يَشْهَدُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ فَيْءٍ فَإِنَّهُ قَالَ لِصَخْرٍ حِينَ مَنَعَهُمْ مَاءَهُمْ: «إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ» فَسَمَّاهُ مَالًا. وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَاءِ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا الْمَاءُ لَا نَفْسُ الْمَاءِ بِخُصُوصِهِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ أَنْزَلَنِي فَأَنْزَلَهُ إيَّاهُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» بِنَاءً عَلَى تَسْمِيَتِهَا مَالًا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، لَكِنْ قَدْ ضَعَّفَ أَبَانًا جَمَاعَةٌ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَةُ الْمَاءِ وَنُزُولُ الْأَرْضِ لِأَجْلِهِ. قَالَ (وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَذَا حَمْلُهَا فَيْءٌ) وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِخَيْرِ الْأَبَوَيْنِ دِينًا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ إنَّهُ مُسْلِمٌ كَالْمُنْفَصِلِ. وَلَنَا أَنَّهُ جُزْؤُهَا

فَيَرِقُّ بِرِقِّهَا وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِأَنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ (وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ) لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ وَلَا تَبَعِيَّةَ (وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِمْ (وَمَا كَانَ مِنْ مَالِهِ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ) غَصْبًا كَانَ أَوْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ (وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فَيْئًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَرِقُّ بِرِقِّهَا. وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ الْغَيْرُ تَكُونُ أَوْلَادُهُ مُسْلِمِينَ أَرِقَّاءَ (بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ) لَا يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا (وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ) فَهُوَ (فَيْءٌ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَالَهُ. وَلِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَمَّا قَاتَلَ، وَالْفَرْضُ أَنَّ سَيِّدَهُ مُسْلِمٌ فَقَدْ تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ فَخَرَجَ عَنْ يَدِهِ فَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِمْ فَنَقَصَتْ نِسْبَتُهُ بِالْمَالِيَّةِ إلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ كَمَالَ مَعْنَى مَالِيَّتِهِ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا (مَا كَانَ مِنْ مَالِهِ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ غَصْبًا فَهُوَ فَيْءٌ) لِارْتِفَاعِ يَدِهِ بِالْغَصْبِ، وَالْيَدُ الَّتِي خَلَفَتْ لَيْسَتْ صَحِيحَةً وَلَا مُحْتَرَمَةً، وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ الْغَاصِبَ مَلَكَهُ بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَكَذَا إذَا كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ حَرْبِيٍّ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً لَا تَكُونُ فَيْئًا فَكَذَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ حُكْمًا، بِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ يَدَ الْحَرْبِيِّ لَيْسَتْ مُحْتَرَمَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ يَدُ الْغَانِمِينَ عَنْ مَالِهِمْ فَلَا تُدْفَعُ يَدُهُمْ عَنْ مَالِ غَيْرِهِمْ. وَأَوْرَدَ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ الْحَرْبِيِّ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ يَدِهِ وَجَبَ أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَ الْأَصْلِ وَهُوَ يَدُ الْمُسْلِمِ لَا بِوَصْفِ نَفْسِهَا، كَمَا أَنَّ التُّرَابَ لَمَّا كَانَ خَلْفًا عَنْ الْمَاءِ عَمِلَ بِصِفَةِ الْمَاءِ فَرَفَعَ الْحَدَثَ فَيَكُونُ الْمَالُ مَعْصُومًا لِعِصْمَةِ صَاحِبِهِ. أُجِيبُ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَالَ

كَذَا ذُكِرَ الِاخْتِلَافُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ. لَهُمَا أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ، وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ فِيهَا. وَلَوْ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصْلِ غَيْرُ مَعْصُومٍ بَلْ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَإِنَّمَا يَنْعَصِمُ تَبَعًا لِعِصْمَةِ مَالِكِهِ، وَتَبَعِيَّتُهُ لَهُ فِي الْعِصْمَةِ إنَّمَا تَثْبُتُ إذَا ثَبَتَتْ يَدُ الْمَالِكِ الْمَعْصُومِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مَعَ الِاحْتِرَامِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ هُنَا، وَهَذَا مِمَّا قَدْ يُمْنَعُ فِيهِ عَدَمُ الِاحْتِرَامِ بَلْ يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ مُحْتَرَمَةٌ، وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ إنَّمَا هِيَ يَدُ الْحَرْبِيِّ الْحَقِيقِيَّةُ. الثَّانِي أَنَّ قِيَامَ يَدِ الْمُودِعِ حَقِيقِيٌّ، وَهُوَ الْحَرْبِيُّ وَقِيَامُ يَدِ الْمُودِعِ الْمُسْلِمِ حُكْمِيٌّ، فَاعْتِبَارُ الْحُكْمِيِّ إنْ أَوْجَبَ الْعِصْمَةَ فَالْحَقِيقِيُّ يَمْنَعُهَا وَالْعِصْمَةُ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَلَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ. وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا مَنْعُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً بَلْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الثُّبُوتِ مِنْ حِينِ أَسْلَمَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْحَرْبِيِّ. وَالنَّصُّ يُوجِبُ فِي مِلْكِهِ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ. وَأَمَّا مَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. أَوْ قَالَ (هَكَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَالَا: لَا يَكُونُ فَيْئًا إلَى أَنْ قَالَ: وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَكْرَارٌ لَا مَعْنَى لَهُ. ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إنَّهُ تَتَّبِعَ النُّسَخَ، وَالصَّحِيحُ مِنْهَا أَنْ يُقَالَ: وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فَيْئًا؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَكَذَا، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْجَامِعِ: وَلَوْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ الْحَرْبِيِّ أَوْ غَصْبًا عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ ضَائِعًا فَهُوَ فَيْءٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فَيْئًا، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَغَيْرِهِمَا (لَهُمَا أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ. وَلَهُ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ)

إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ التَّعَرُّضُ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ بِعَارِضِ شَرِّهِ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ وَلَيْسَتْ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ. (وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ، وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا، وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُوَرِّثَ نَصِيبَهُ وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُقَسَّمْ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِنَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ. وَلَنَا أَنَّ الِاخْتِصَاصَ ضَرُورَةُ الْحَاجَةِ وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ تَصَدَّقُوا بِهِ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَانْتَفَعُوا بِهِ إنْ كَانُوا مَحَاوِيجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ مَعَهُ بِسَبَبِ انْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حَمَلَ الْأَمَانَةَ (وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ) كَانَ (بِعَارِضِ شَرِّهِ) فَلَمَّا انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ عَادَ الْأَصْلُ (بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ) فِي الْأَصْلِ (وَلَيْسَتْ فِي يَدِهِ) حَالَ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ (فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ) فَكَانَ مُبَاحًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ وَدِيعَةٌ فَإِنَّهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ حُكْمًا مَعَ الِاحْتِرَامِ فَلَمْ يَكُنْ فَيْئًا، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ يَتِمُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ يَقْتَضِي أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ إلَى الْمُسْلِمِ الْغَاصِبِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُبَاحًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نُقْصَانِ الْمِلْكِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْيَدِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ فِي يَدٍ حُكْمًا) أُنِّثَ عَلَى تَأْوِيلِ الْأَمْوَالِ [فُرُوعٌ] أَسَرَ الْعَدُوُّ عَبْدًا ثُمَّ أَسْلَمُوا فَهُوَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعَبْدُ جَنَى جِنَايَةً أَوْ أَتْلَفَ مَتَاعًا فَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ، وَلَزِمَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَتِهِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ لَا يَبْقَى فِيهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَأَمَّا الدَّيْنُ فَفِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَنْهُ بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ شَاغِلٌ لِمَالِيَّتِهِ فَإِنَّمَا مَلَكَهُ مَشْغُولًا بِهِ. فَلَوْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَوْ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي غَنِيمَةٍ: أَيْ وَلَمْ يُسْلِمْ مَوْلَاهُ فَأَخَذَهُ الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَبْطُلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُعِيدُهُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَانَ ثَابِتًا فِي قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَتْلَ عَمْدٍ لَمْ تَبْطُلْ عَنْهُ بِحَالٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا لِأَنَّ الضَّرُورَةَ انْدَفَعَتْ، وَالْإِبَاحَةُ) الَّتِي كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا كَانَتْ (بِاعْتِبَارِهَا، وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ، وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ طَعَامٌ أَوْ عَلَفٌ يَرُدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَسَمَ) الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِشَرْطِهِ، وَلَوْ انْتَفَعَ بِهِ قَبْلَ قِسْمَتِهَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ يَرُدُّ قِيمَتَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ (وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ) وَهُوَ الْوَاحِدُ الدَّاخِلُ أَوْ

[فصل في كيفية القسمة]

لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ عَلَى الْغَانِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا انْتَفَعُوا بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ تُرَدُّ قِيمَتُهُ إلَى الْمَغْنَمِ إنْ كَانَ لَمْ يُقَسَّمْ، وَإِنْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ فَالْغَنِيُّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ وَالْفَقِيرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ مَقَامِ الْأَصْلِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. . (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ) قَالَ (وَيُقَسِّمُ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَيُخْرِجُ خُمُسَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] اسْتَثْنَى الْخُمُسَ (وَيُقَسِّمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاثْنَانِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَخَذَ شَيْئًا فَأَخْرَجَهُ يَخْتَصُّ بِهِ. قُلْنَا: مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَانِمِينَ، وَالِاخْتِصَاصُ كَانَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ لِأَنَّهُ دَائِمًا أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَبَعْدَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَيَتَصَدَّقُونَ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانُوا بَاعُوهُ. هَذَا إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَإِنْ كَانُوا مَحَاوِيجَ فُقَرَاءَ انْتَفَعُوا بِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا (لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ عَلَى الْغَانِمِينَ) لِتَفَرُّقِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا تَصَرَّفُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا قِيمَةُ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ يَتَصَدَّقُ بِهَا الْغَنِيُّ لَا الْفَقِيرُ (لِقِيَامِ الْقِيمَةِ مَقَامَ الْأَصْلِ) وَأَخْذِهَا حُكْمَهُ. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ) قِيلَ لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الْغَنِيمَةِ شَرَعَ يُبَيِّنُ قِسْمَتَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ الْغَنِيمَةِ وُجُوبَ قِسْمَتِهَا، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَتِهِ لِكَثْرَةِ مَبَاحِثِهِ وَشُعَبِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَالْقِسْمَةُ جَعْلُ النَّصِيبِ الشَّائِعِ مَحَلًّا مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَيُخْرِجُ خُمُسَهَا) أَيْ عَنْ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) هَذَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] اسْتَثْنَى الْخُمُسَ أَيْ اللَّهُ تَعَالَى أَخْرَجَ الْخُمُسَ

(ثُمَّ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَالَا: لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ وَغِنَاؤُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الرَّاجِلِ؛ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالثَّبَاتِ، وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ لَا غَيْرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» فَتَعَارَضَ فِعْلَاهُ، فَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ» كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَّمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنْ يَثْبُتَ حَقُّ الْغَانِمِينَ فِيهِ فَكَانَ اسْتِثْنَاءَ مَعْنًى لِلْإِخْرَاجِ، وَهُوَ مِنْ اسْتَثْنَيْت الشَّيْءَ: أَيْ زَوَيْته لِنَفْسِي، فَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا قِسْمَةِ الْإِمَامِ بَلْ الْخُمُسُ دَاخِلٌ فِي قِسْمَتِهِ؛ إذْ حَاصِلُ بَيَانِ قِسْمَتِهَا هُوَ أَنْ يُعْطِيَ خُمُسَهَا لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَيُعْطِيَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ (فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَزَفَرٍ (لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ السِّتَّةُ إلَّا النَّسَائِيّ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْهُ «قَسَمَ فِي النَّقْلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَفِي رِوَايَةٍ بِإِسْقَاطِ لَفْظِ النَّقْلِ. وَفِي رِوَايَةٍ «أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ» وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ أَوَّلَ مِنْ الشُّرَّاحِ كَوْنَ الْمُرَادُ مِنْ الرِّجَالِ الرَّجَّالَةَ وَمِنْ الْخَيْلِ الْفُرْسَانَ، بَلْ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الْقَائِلَةِ «قَسَمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَتْ الرَّجَّالَةُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَالْخَيْلُ مِائَتَيْنِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ (وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغَنَاءِ) وَهُوَ بِالْمَدَدِ وَالْفَتْحِ الْإِجْزَاءُ وَالْكِفَايَةُ (وَغَنَاءُ الْفَارِسِ الْكَرُّ) أَيْ الْحَمَلَةُ عَلَى الْأَعْدَاءِ (وَالْفَرُّ) الْكَائِنُ لِلْكَرَّةِ أَوْ لِلنَّجَاةِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ الْفِرَارُ، وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ إنْ لَمْ يَفِرَّ كَيْ لَا يَرْتَكِبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (وَالثَّبَاتُ وَلَيْسَ لِلرَّاجِلِ إلَّا الثَّبَاتُ) فَأَغْنَى فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، وَالرَّاجِلُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ الَّذِي رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» . وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ فِي حَدِيثِ الْخُمُسِ

وَإِذَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ تُرَجَّحَ رِوَايَةُ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، لَكِنْ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ سَمِعْت أَبِي يَذْكُرُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، قَالَ: «شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ؟ قَالُوا: أُوحِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نُوجِفُ، فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّهُ لَفَتْحٌ، فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فِيهِمْ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا وَهَمٌ «وَإِنَّمَا كَانُوا مِائَتَيْ فَارِسٍ فَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ سَهْمًا» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا قَالَ: «فَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ وَأَعْطَى الرَّجُلَ» : يَعْنِي صَاحِبَهُ، فَغَلَطَ الرَّاوِي عَنْهُ. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِالْجَهْلِ بِحَالِ يَعْقُوبَ. وَأَمَّا ابْنُهُ مُجَمِّعٌ الرَّاوِي عَنْهُ فَثِقَةٌ. وَمِنْهَا مَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهُ سُبْحَةٌ، فَأَسْهَمَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَلَهُ سَهْمٌ» . وَفِي سَنَدِهِ الْوَاقِدِيُّ. وَأَخْرَجَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا فِي الْمَغَازِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: «شَهِدْت بَنِي قُرَيْظَةَ فَارِسًا فَضَرَبَ لِي بِسَهْمٍ وَلِفَرَسِي بِسَهْمٍ» وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السِّرِّيِّ، حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهَا ثُمَّ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» . وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي عَارَضَ بِهِ الْمُصَنِّفَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنِّفِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» اهـ. وَمِنْ طَرِيقَهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: هَذَا عِنْدِي وَهَمٌ مِنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ بِشْرٍ وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ نُمَيْرٍ خِلَافَ هَذَا، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ كَرَامَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ خِلَافَ هَذَا: يَعْنِي أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، تَمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَلَا شَكَّ أَنَّ نُعَيْمًا ثِقَةٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» قَالَ: وَتَابَعَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ. وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ الْعُمَرِيِّ بِالشَّكِّ فِي الْفَارِسِ أَوْ الْفَرَسِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُنْهَالٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَخَالَفَهُ النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمَّادٍ. وَمِمَّنْ رَوَى حَدِيثَ عُبَيْدِ اللَّهِ مُتَعَارِضًا الْكَرْخِيُّ، لَكِنَّ رِوَايَةَ السَّهْمَيْنِ عَنْهُ أَثْبَتُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ [الْمُؤْتَلَفُ وَالْمُخْتَلَفُ] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَوِيَّةَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر

وَلِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ غِنَاؤُهُ مِثْلَيْ غِنَاءِ الرَّاجِلِ فَيَفْضُلُ عَلَيْهِ بِسَهْمٍ وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَلِلْفَارِسِ سَبَبَانِ النَّفْسُ وَالْفَرَسُ، وَلِلرَّاجِلِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى ضَعْفِهِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَمِينٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَسِّمُ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» . وَإِذَا ثَبَتَ التَّعَارُضُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بَلْ فِي فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى تَعَارُضِ رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا تَرَجَّحَ النَّفْيُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَبِالْمَعْنَى وَهُوَ (أَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ) وَالثَّبَاتُ جِنْسٌ فَهُمَا اثْنَانِ لِلْفَارِسِ وَلِلرَّاجِلِ أَحَدُهُمَا فَلَهُ ضِعْفُ مَالِهِ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ إلَّا بِالزِّيَادَةِ فِي الْغَنَاءِ ضَرُورَةً وَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الزِّيَادَةِ فِي الْقِتَالِ حَقِيقَةً، لِأَنَّ كَمْ مِنْ رَاجِلٍ أَنْفَعَ فِيهِ مِنْ رَاجِلٍ وَفَارِسٍ مِنْ فَارِسٍ، لَا يُسْتَنْكَرُ زِيَادَةُ إغْنَاءِ رَاجِلٍ عَنْ فَارِسٍ، فَإِنَّمَا (يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَلِلْفَارِسِ سَبَبَانِ) فِي الْغَنَاءِ بِنَفْسِهِ وَفَرَسِهِ (وَلِلرَّاجِلِ نَفْسُهُ فَقَطْ) فَكَانَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَإِذَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ تُرَجَّحُ رِوَايَةُ غَيْرِهِ) . يُرِيدُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَلِمْت مَا فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُعَارَضَةُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّرْكِ فَرْعُ الْمُسَاوَاةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبُخَارِيِّ فَهُوَ أَصَحُّ. قُلْنَا: قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ كَوْنَ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ أَصَحَّ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ فِي غَيْرِهِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، أَوْ رِجَالٌ رَوَى عَنْهُمْ الْبُخَارِيُّ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِهِ، مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا يَحْمِلُ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى التَّنْفِيلِ فَكَانَ إعْمَالُهُمَا أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ كَوْنِهِ سَنَدًا صَحِيحًا عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى وَذَكَرْنَا مَنْ تَابَعَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَارَضَ فِعْلَاهُ فَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: يَعْنِي قَوْلَهُ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَخَطِئَ مَنْ عَزَاهُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثُمَّ هُوَ وِزَانُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ قَوْلِهِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ وَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ وَعُلِمَ مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ مِنْ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَصِيرَ أَوَّلًا إلَى الْفِعْلِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ التَّمَسُّكُ بِهِ حِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى الْقَوْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. هَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَخَارِجَ حَدِيثِ الثَّلَاثَةِ أَكْثَرُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ

(وَلَا يُسْهِمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ» وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَعْيَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْآخَرِ، وَلَهُمَا «أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ أَوْسٍ قَادَ فَرَسَيْنِ فَلَمْ يُسْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَتَحَقَّقُ بِفَرَسَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَا يَكُونُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مُفْضِيًا إلَى الْقِتَالِ عَلَيْهِمَا فَيُسْهِمُ لِوَاحِدٍ، وَلِهَذَا لَا يُسْهِمُ لِثَلَاثَةِ أَفْرَاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِيهِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رُهْمٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ، وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ الزُّبَيْرِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. وَهِيَ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْ الْمَقَالِ مِنْهَا مَا لَا يُنَافِي قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ رِوَايَةَ الثَّلَاثَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّنْفِيلِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ. وَنَصُّ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَمَعَنَا فَرَسٌ» لَا يُنَافِيهِ، وَكَذَا حَدِيثُ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى الزُّبَيْرَ سَهْمًا وَفَرَسَهُ سَهْمَيْنِ» وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُزَاةً فَأَعْطَى الْفَارِسَ مِنَّا ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا» بَلْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرُهُ الْمُسْتَمِرُّ وَإِلَّا لَقَالَ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ قَضَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَحْوَهُ، فَلَمَّا قَالَ غُزَاةً وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَوَاتٍ ثُمَّ خَصَّ هَذَا الْفِعْلِ بِغُزَاةٍ مِنْهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. نَعَمْ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ لِحَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَعْطَانِي يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى عَنْهُ يَوْمَ خَيْبَرَ وَلَا تَنَافِيَ، إذَا جَازَ كَوْنُهُ قَسَّمَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِمَا. وَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّهُ شَهِدَ حُنَيْنًا فَأَسْهَمَ لِفَرَسِهِ سَهْمَيْنِ وَلَهُ سَهْمًا» . وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ لِلْفَارِسِ وَفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ» لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَدْ بَقِيَ حَدِيثُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَنْ عَائِشَةَ، وَتَقَدَّمَ مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ بَنِي قُرَيْظَةَ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي كَبْشٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنِّي جَعَلَتْ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا» فَمَنْ نَقَصَهُمَا نَقَصَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْقَيْسِيِّ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَتَوْهِينِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُسْهِمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) أَيْ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِفَرَسَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ (يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ) فَيُعْطِي خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمٌ لَهُ وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ» وَهَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُحْصَنٍ قَالَ: «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَرَسِي أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَلِي سَهْمًا فَأَخَذْت خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَمِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرْنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ. أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مَكْحُولٍ «أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ كَمَا أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَهْمَيْنِ وَهُوَ رَاجِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ قَبِلَهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ مُنْقَطِعًا وَقَالَ بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي دَفْعِهِ: وَهِشَامٌ أَثْبَتُ فِي حَدِيثِ أَبِيهِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَأَهْلُ الْمَغَازِي لَمْ يَرْوُوا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ» ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَضَرَ خَيْبَرَ بِثَلَاثَةِ أَفْرَاسٍ السَّكْبِ وَالضَّرْبِ وَالْمُرْتَجَزِ، وَلَمْ يَأْخُذْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. يُرِيدُ بِحَدِيثِ هِشَامٍ مَا تَقَدَّمَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِي وَسَهْمًا لِي وَسَهْمًا لِأُمِّي مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى» . وَمِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِأُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ» وَهَذَا أَحْسَنُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي لَمْ يَرْوُوا أَنَّهُ أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: «كَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَرَسَانِ، فَأَسْهَمَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَادَ فِي خَيْبَرَ ثَلَاثَةَ أَفْرَاسٍ لِزَازٍ وَالضَّرْبِ وَالسَّكْبِ وَقَادَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ أَفْرَاسًا، وَقَادَ خِرَاشُ بْنُ الصِّمَّةِ فَرَسَيْنِ، وَقَادَ الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسٍ فَرَسَيْنِ. وَقَادَ أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَرَسَيْنِ، فَأَسْهَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِكُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَرَسَانِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةً لِفَرَسَيْهِ وَسَهْمًا لَهُ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ» ، وَيُقَالُ إنَّهُ لَمْ يُسْهِمْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ. وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِنَفْسِهِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ. إلَى هُنَا كَلَامُ الْوَاقِدِيِّ مَعَ اخْتِصَارِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا فَرْجُ بْنُ فُضَالَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ أَسْهِمْ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَلِصَاحِبِهِمَا سَهْمًا فَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَمَا كَانَ فَوْقَ الْفَرَسَيْنِ فَهُوَ جَنَائِبُ. وَقَالَ سَعِيدٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِلرَّجُلِ فَوْقَ فَرَسَيْنِ» . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ «الْبَرَاءِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ قَادَ فَرَسَيْنِ فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» فَغَرِيبٌ، بَلْ جَاءَ عَنْهُ عَكْسُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ قَالَ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ قَرِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْمَدَنِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ أَوْسٍ «أَنَّهُ قَادَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسَيْنِ فَضَرَبَ لَهُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» إلَّا أَنَّ هَذِهِ غَرَائِبُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: أَلَمْ أَسْمَعْ بِالْقَسَمِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَاسْتَمَرَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى طَرِيقَةِ حَمْلِ الزَّائِدِ عَلَى التَّنْفِيلِ. قَالَ (كَمَا أَعْطَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ سَهْمَيْنِ وَهُوَ رَاجِلٌ) حَدِيثُهُ فِي مُسْلِمٍ قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، ثُمَّ أَعْطَانِي سَهْمَيْنِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ. فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا» . وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ قَالَ: وَكَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ فِي تِلْكَ الْغُزَاةِ رَاجِلًا فَأَعْطَاهُ مِنْ خُمُسِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مِنْ سِهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ. وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ وَقَالَ: كَانَ سَلَمَةُ قَدْ اسْتَنْقَذَ لِقَاحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: فَحَدَّثْت بِهِ سُفْيَانَ فَقَالَ: خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْقَاسِمُ: وَهَذَا

(وَالْبَرَاذِينُ وَالْعَتَاقُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْإِرْهَابَ مُضَافٌ إلَى جِنْسِ الْخَيْلِ فِي الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وَاسْمُ الْخَيْلِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَرَاذِينِ وَالْعِرَابِ وَالْهَجِينِ وَالْمَقْرِفِ إطْلَاقًا وَاحِدًا، وَلِأَنَّ الْعَرَبِيَّ إنْ كَانَ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى فَالْبِرْذَوْنُ أَصَبْرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا، فَفِي كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاسْتَوَيَا. (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ، وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ) وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى عَكْسِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدِي أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِهِ وَإِلَّا لَمْ يُسَمَّ نَفْلًا بَلْ هِبَةً. وَخَبَرُ سَلَمَةَ وَاللِّقَاحِ مُفَصَّلٌ فِي السِّيرَةِ (قَوْلُهُ وَالْبَرَاذِينُ) وَهِيَ خَيْلُ الْعَجَمِ وَاحِدُهَا بِرْذَوْنٌ (وَالْعَتَاقُ) جَمْعُ عَتِيقٍ: أَيْ كَرِيمٌ رَاتِعٌ وَهِيَ كِرَامُ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْبَرَاذِينُ وَالْخَيْلُ الْعَرَبِيَّةُ هُمَا (سَوَاءٌ) فِي الْقِسْمِ فَلَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا لَا يَفْضُلُ الْعَتِيقُ عَلَى الْهَجِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ أَبُوهُ مِنْ الْبَرَاذِينِ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ، وَلَا عَلَى الْمَقْرِفِ وَهُوَ مَا يَكُونُ أَبُوهُ عَرِيبًا وَأُمُّهُ بِرْذَوْنَةً. قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا لِأَنَّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مَنْ يَقُولُ لَا يُسْهِمُ لِلْبَرَاذِينِ وَرَوَوْا فِيهِ حَدِيثًا شَاذًّا. وَحُجَّتُنَا فِيهِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ إطْلَاقَ الْخَيْلِ يَشْمَلُهُمَا، وَكَذَا الْإِرْهَابُ، وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ خُصُوصِيَّةً لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ. فَالْعَتِيقُ إنْ فُضِّلَ بِجَوْدَةِ الْكَرِّ وَالْفَرِّ فَالْبِرْذَوْنُ يُفَضَّلُ بِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ عَلَى الْحَمْلِ وَالصَّبْرِ وَلِينِ الْعِطْفِ، وَكَوْنُهُ أَلْيَنَ عِطْفًا مِنْ الْعَرَبِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذَا دَائِرٌ مَعَ التَّعْلِيمِ، وَالْعَرَبِيُّ أَقْبَلُ لِلْآدَابِ مِنْ الْعَجَمِيِّ مِنْ الْخَيْلِ، وَكَوْنُ أَحَدٍ يَقُولُ لَا يُسْهِمُ بِالْكُلِّيَّةِ لِلْفَرَسِ الْعَجَمِيِّ بَعِيدٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ لِمَا نَقَلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ فَضَّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْمُقَارِفِ. وَفِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ وَهُوَ بِأَرْمِينِيَّةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يُفَضِّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْخَيْلِ الْمُقَارِفِ فِي الْعَطَاءِ، فَعَرَضَ الْخَيْلَ فَمَرَّ بِهِ عَمْرُو بْنُ مُعْدِي كَرِبَ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: فَرَسُكَ هَذَا مُقْرِفٌ، فَغَضِبَ عَمْرٌو وَقَالَ: هَجِينٌ عَرَفَ هَجِينًا مِثْلَهُ، فَوَثَبَ إلَيْهِ قَيْسٌ: يَعْنِي ابْنَ مَكْشُوحٍ فَتَوَعَّدَهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: أَتُوعِدُنِي كَأَنَّك ذُو رُعَيْنٍ ... بِأَفْضَلِ عِيشَةٍ أَوْ ذُو نُوَاسِ وَكَائِنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنْ نُعَيْمٍ ... وَمُلْكٍ ثَابِتُ فِي النَّاسِ رَاسِي قَدِيمٌ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ ... عَظِيمٌ قَاهِرُ الْجَبَرُوتِ قَاسِي فَأَمْسَى أَهْلُهُ بَادُوا وَأَمْسَى ... يُحَوَّلُ مِنْ أُنَاسٍ فِي أُنَاسِ (قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ هَلَكَ فَقَاتَلَ رَاجِلًا (اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ. وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى) فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَرَسًا) فَقَاتَلَ فَارِسًا عَلَيْهِ (اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ، وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى عَكْسِهِ)

وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا حَالَةُ الْمُجَاوَزَةِ، وَعِنْدَهُ حَالَةُ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ لَهُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْقَهْرُ وَالْقِتَالُ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الشَّخْصِ عِنْدَهُ وَالْمُجَاوَزَةُ وَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ، وَتَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِالْقِتَالِ يَدُلُّ عَلَى إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ تَعَلَّقَ بِشُهُودِ الْوَقْعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِتَالِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسَهَا قِتَالٌ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْخَوْفُ بِهَا وَالْحَالُ بَعْدَهَا حَالَةُ الدَّوَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَصْلَيْنِ (وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ فِيمَا إذَا دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ سَهْمَ فَارِسٍ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ (وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا حَالَةُ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ مُجَاوَزَةِ الدَّرْبِ وَهُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ (وَعِنْدَهُ حَالَ الْحَرْبِ. لَهُ أَنَّ السَّبَبَ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ إذَا وُجِدَتْ (هُوَ قَتْلَاهُ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الشَّخْصِ) الْمُسْتَحَقِّ (عِنْدَهُ) دُونَ الْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ (وَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ) أَيْ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ (كَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ) لِقَصْدِ الْقِتَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ، وَحَالَةُ الْغَازِي عِنْدَ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ لَا تُعْتَبَرُ، فَكَذَا عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَ الْقِتَالِ تَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ بِهِ الرَّاجِعَةِ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا قَاتَلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ غَيْرُهُمَا فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الرَّضْخَ، فَظَهَرَ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِهِ الْغَنِيمَةَ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ (وَلَوْ تَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ فَبِشُهُودِ الْوَقْعَةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِتَالِ) مِنْ الْمُجَاوَزَةِ (وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسَهَا مِنْ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ الْخَوْفُ بِهَا) وَالْإِغَاظَةُ، (وَالْحَالُ بَعْدَهَا حَالُ بَقَاءِ الْقِتَالِ) إلَّا أَنَّهُ تَنَوُّعُ الْقِتَالِ إلَى

وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ؛ وَكَذَا عَلَى شُهُودِ الْوَقْعَةِ لِأَنَّ حَالَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ فَتُقَامُ الْمُجَاوَزَةُ مَقَامَهُ؛ إذْ هُوَ السَّبَبُ الْمُفْضِي إلَيْهِ ظَاهِرًا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الشَّخْصِ بِحَالَةِ الْمُجَاوَزَةِ فَارِسًا كَانَ أَوْ رَاجِلًا. وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَةِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالُ فَارِسًا. وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفُرْسَانِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجَاوَزَةِ إلَى دَرَاهِمِ، وَسُلُوكُهُمْ قَهْرًا بِالْمَنَعَةِ لِإِهْلَاكِهِمْ وَإِلَى حَقِيقَةِ الْمُسَايَفَةِ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِحَالِ الدَّوَامِ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ، وَكَذَا عَلَى شُهُودِ الْوَقْعَةِ لِأَنَّ حَالَ) شُغْلِ شَاغِلٍ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْإِمَامِ اسْتِعْلَامُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ بِهِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، بِخِلَافِهِ فِي حَقِّ أَفْرَادٍ قَلِيلَةٍ مِنْ النَّاسِ كَقِتَالِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فَأُدِيرَ فِي حَقِّهِمْ عَلَيْهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ فَيُقَامُ فِي حَقِّ الْكُلِّ السَّبَبُ الْمُفْضِي إلَى الْقِتَالِ ظَاهِرَ مَقَامِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي التَّعَذُّرِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ يَجِبُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى أَنَّ هَذَا قَاتَلَ فَارِسًا لَا يَجُرُّ بِذَلِكَ نَفْعًا لِنَفْسِهِ بَلْ ضَرَرًا فَإِنَّهُ يُنْقِصُ سَهْمَ نَفْسِهِ فَهُوَ يُلْزِمُ نَفْسَهُ أَوَّلًا الضَّرَرَ، وَشَرِكَتَهُ فِي أَصْلِ الْمَغْنَمِ لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى شَهَادَتِهِ هَذِهِ؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ: مَنْ يَشْهَدُ لِي حَيْثُ جَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فِي حُنَيْنٍ؟ فَشَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ» وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا أَهْلُ الْعَسْكَرِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ خُصُوصًا فِي غَزَوَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ) أَوْ لِمُشَجَّرَةٍ أَوْ لِأَنَّهُ فِي سَفِينَةٍ دَخَلَ فِيهَا بِفَرَسِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهَا إذَا خَلَصَ إلَى بَرِّهِمْ فَلَاقُوهُمْ قَبْلَهُ وَاقْتَتَلُوا فِي السَّفِينَةِ كَانَ لَهُمْ سَهْمُ الْفُرْسَانِ (وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ وَهَبَهُ) وَسَلَّمَهُ (أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمُجَاوَزَةِ) بِالْفَرَسِ (الْقِتَالَ) عَلَيْهِ بَلْ التِّجَارَةَ بِهِ، وَسَبَبُ اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْفَارِسِ هُوَ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ عَلَيْهِ لَا مُطْلَقُ الْمُجَاوَزَةِ (وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَا يَسْقُطُ سَهْمُ الْفَارِسِ) بِالِاتِّفَاقِ (وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ) لَا يَسْقُطُ (عِنْدَ الْبَعْضِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ التِّجَارَةُ وَإِنَّمَا انْتَظَرَ حَالَةَ الْعِزَّةِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةِ حَالَةُ الْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ طَلَبُ النَّفْسِ التَّحَصُّنَ، فَبَيْعُهُ فِيهَا دَلِيلٌ أَنَّهُ عَنَّ لَهُ غَرَضٌ الْآنَ فِيهِ، إمَّا لِأَنَّهُ وَجَدَهُ غَيْرَ مُوَافِقٍ لَهُ فَرُبَّمَا يَقْتُلُهُ لِعَدَمِ أَدَبِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَيْسَ هُوَ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ حَالَةَ الْقِتَالِ لِيَكُونَ بَيْعُهُ إذْ ذَاكَ انْتِظَارًا لِحَالَةِ الرَّغَبَاتِ فِي الشِّرَاءِ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ جَاوَزَ بِفَرَسٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ لِكِبَرِهِ أَوْ ضَعْفِهِ أَوْ هُزَالِهِ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ، وَإِنْ كَانَ الْفَرَسُ مَرِيضًا فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَلَوْ جَاوَزَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ أَوْ مُسْتَأْجَرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:

(وَلَا يُسْهِمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يُسْهِمُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَكَانَ يَرْضَخُ لَهُمْ» وَلَمَّا اسْتَعَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ، وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ، وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ عَاجِزَانِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ، وَالْعَبْدُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُوَلَّى وَلَهُ مَنْعُهُ، إلَّا أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ مَعَ إظْهَارِ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِمْ، وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمُوَلَّى عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْقِتَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رِوَايَةٍ لَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ سَهْمُ رَاجِلٍ. وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ جَاوَزَ بِفَرَسٍ لِقَصْدِ الْقِتَالِ عَلَيْهِ تُرَجَّحُ الْأُولَى، إلَّا أَنْ يُزَادَ فِي أَجْزَاءِ السَّبَبِ بِفَرَسٍ مَمْلُوكٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ الْمُعِيرُ وَغَيْرُهُ حَتَّى قَاتَلَ عَلَيْهِ كَانَ فَارِسًا (قَوْلُهُ وَلَا يُسْهِمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ) أَيْ يُعْطَوْنَ مِنْ كَثِيرٍ، فَإِنَّ الرَّضْخَةَ هِيَ الْإِعْطَاءُ كَذَلِكَ، وَالْكَثِيرُ السَّهْمُ، فَالرَّضْخُ لَا يَبْلُغُ السَّهْمَ وَلَكِنْ دُونَهُ (عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ) وَسَوَاءٌ قَاتَلَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَالْمُكَاتَبُ كَالْعَبْدِ) لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُسْهِمُ إلَخْ. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ: كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحَرُورِيُّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُحْذَيَا. وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ: كَتَبَ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ النِّسَاءِ هَلْ كُنَّ يَشْهَدْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: أَنَا كَتَبْت كِتَابَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى نَجْدَةَ، قَدْ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِمَّا أَنْ يُضْرَبَ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فَلَا، وَقَدْ كَانَ يَرْضَخُ لَهُنَّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: شَهِدْت خَيْبَرَ مَعَ سَادَاتِي، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَخْبَرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ. وَأَمَّا مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَدَّةِ حَشْرَجَ بْنِ زِيَادَةَ أُمِّ أَبِيهِ «أَنَّهَا خَرَجَتْ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ سَادِسَةَ سِتِّ نِسْوَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَعَثَ إلَيْنَا فَجِئْنَا فَرَأَيْنَا فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ فَقَالَ: مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ وَبِإِذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشَّعْرَ وَنُعِينُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ وَنَسْقِي السَّوِيقَ، فَقَالَ: قُمْنَ حَتَّى إذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ» وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِجَهَالَةِ رَافِعٍ وَحَشْرَجَ مِنْ رُوَاتِهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُشْبِهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُنَّ مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ. هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْعَطَاءِ، وَأَرَادَتْ بِالسَّهْمِ مَا خُصِّصَ بِهِ. وَالْمَعْنَى خَصَّنَا بِشَيْءٍ كَمَا فَعَلَ بِالرِّجَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْلُغْ بِهَؤُلَاءِ الرَّجَّالَةِ مِنْهُمْ سَهْمُ الرَّجَّالَةِ وَلَا بِالْفَارِسِ سَهْمُ الْفُرْسَانِ، لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ أُصُولٌ فِي التَّبَعِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ، وَيَزِيدُ الذِّمِّيَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ لِكَوْنِ الْجِهَادِ عِبَادَةً وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا. وَمِنْ الْأُمُورِ الِاسْتِحْسَانَيْ ةِ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَالتَّبَعِ وَالْأَصْلِ بِخِلَافِ السُّوقِيِّ فِي الْعَسْكَرِ وَالْمُسْتَأْجَرِ لِخِدْمَةِ الْغَازِي إذَا قَاتَلَا حَيْثُ يَسْتَحِقَّانِ سَهْمًا كَامِلًا، وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ زَمَنَ الْقِتَالِ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِهِ فَلَمْ يَكُونَا تَبَعًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ بَلْ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ الرَّضْخُ عِنْدَنَا مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَحْمَدَ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ. وَفِي

ثُمَّ الْعَبْدُ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمُوَلَّى فَصَارَ كَالتَّاجِرِ، وَالْمَرْأَةُ يَرْضَخُ لَهَا إذَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ فَيُقَامُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِعَانَةِ مَقَامَ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ، وَالذِّمِّيُّ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ فِي الدَّلَالَةِ إذَا كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمَ إذَا قَاتَلَ؛ لِأَنَّهُ جِهَادٌ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي حُكْمِ الْجِهَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ الْخُمُسِ (ثُمَّ الْعَبْدُ إنَّمَا يُرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ) وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالذِّمِّيُّ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْقِتَالِ إذَا فُرِضَ الصَّبِيُّ قَادِرًا عَلَيْهِ فَلَا يُقَامُ غَيْرُ الْقِتَالِ فِي حَقِّهِمْ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى بِالْقِتَالِ وَبِالْخِدْمَةِ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْهُ فَأُقِيمَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ مِنْهَا مَقَامَهُ وَصِحَّةُ أَمَانِهَا لِثُبُوتِ شُبْهَةِ الْقِتَالِ مِنْهَا، وَالْأَمَانُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ احْتِيَاطًا فِيهِ، وَلَا يَرِدُ إعْطَاءُ الذِّمِّيِّ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ، بَلْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ رَضْخًا بَلْ بِمَقَامِ الْأُجْرَةُ وَلِهَذَا يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَ عَمَلُهُ ذَلِكَ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَاتَلَ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْجِهَادِ، وَلَا يُسَوَّى فِي عَمَلِ الْجِهَادِ بَيْنَ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ مِنْهُ وَلَا يُصَحِّحُهُ لَهُ فَلِذَلِكَ (لَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالُوا: وَالسَّهْمُ مَرْفُوعٌ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّهُ الْمَفْعُولُ بِلَا وَاسِطَةِ حَرْفٍ فَيَكُونُ هُوَ النَّائِبَ عَنْ الْفَاعِلِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَأَمَّا مَنْ يُجِيزُ إقَامَةَ الظَّرْفِ وَالْمَجْرُورِ مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ فَيُجِيزُ نَصْبَهُ وَيَكُونُ النَّائِبُ لَفَظَ بِهِ. وَهَلْ يُسْتَعَانُ بِالْكَافِرِ عِنْدَنَا إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَجَمَاعَةٌ لَا يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ لِمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ إلَى بَدْرٍ فَلَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ لَا، قَالَ: ارْجِعْ فَلَنْ نَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ لَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ نَعَمْ، قَالَ انْطَلِقْ» وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ إسَافٍ قَالَ «أَتَيْت أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَحِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ، فَقَالَ: أَتُسْلِمَانِ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا مَعَهُ. قَالَ: فَقَتَلْت رَجُلًا وَضَرَبَنِي ضَرْبَةً وَتَزَوَّجْت بِنْتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: لَا عَدِمْت رَجُلًا وَشَّحَكَ هَذَا الْوِشَاحَ، فَأَقُولُ: لَا عَدِمْت رَجُلًا عَجَّلَ أَبَاكِ إلَى النَّارِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: «وَلَمَّا اسْتَعَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ» : يَعْنِي لَمْ يُسْهِمُ لَهُمْ يُفِيدُ مُعَارَضَةَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَالْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرْنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «اسْتَعَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِ قَيْنُقَاعَ فَرَضَخَ لَهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ» وَلَكِنْ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ مُضَعَّفٌ. وَأَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ إلَى مُحَيِّصَةُ قَالَ: «وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَشَرَةٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ غَزَا بِهِمْ أَهْلَ خَيْبَرَ وَأَسْهَمَ لَهُمْ كَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَالُ أَحَذَاهُمْ وَلَمْ

(وَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُسْهِمْ لَهُمْ» . وَأَسْنَدَ التِّرْمِذِيُّ إلَى الزُّهْرِيِّ قَالَ: «أَسْهَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ» وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، مَعَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ الْقَطَّانِ كَانَ لَا يَرَى مَرَاسِيلَ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ شَيْئًا وَيَقُولُ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرِّيحِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ لَا تُقَاوِمُ أَحَادِيثَ الْمَنْعِ فِي الْقُوَّةِ فَكَيْفَ تُعَارِضُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «رَدُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُشْرِكَ وَالْمُشْرِكِينَ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، ثُمَّ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَعَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِيَهُودِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَاسْتَعَانَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ» ، فَالرَّدُّ إنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ وَأَنْ يَرُدَّهُ كَمَا لَهُ رَدُّ الْمُسْلِمِ الْمَعْنَى يَخَافُهُ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَقَدْ نَسَخَهُ مَا بَعْدَهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَرَجُوا طَوْعًا وَيَرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهِمُ لَهُمْ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ رَايَةٌ تَخُصُّهُمْ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهُمْ، وَلَعَلَّ رَدَّهُ مَنْ رَدَّهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْخُمُسُ) أَيْ الَّذِينَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ أَوَّلًا (فَيُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ) عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ، وَذَوُو الْقُرْبَى لَا تَحِلُّ لَهُمْ، هَذَا رَأْيُ الْكَرْخِيِّ، وَسَيَأْتِي رَأْيُ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْيَتَامَى مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى فِي سَهْمِ الْيَتَامَى الْمَذْكُورِينَ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ. وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ، وَالْمَسَاكِينُ مِنْهُمْ فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ، وَفُقَرَاءُ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى فِي أَبْنَاءِ السَّبِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ اسْمِ الْيَتِيمِ حَيْثُ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ لَا بِالْيُتْمِ. أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْيَتِيمَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْجِهَادِ وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا، وَمِثْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي التَّأْوِيلَاتِ لِلشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ: لَمَّا كَانَ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى يَسْتَحِقُّونَ بِالْفَقْرِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ. أَجَابَ بِأَنَّ أَفْهَامَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْ تُفْضِي إلَى الْفَقِيرِ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الصَّدَقَةِ وَلَا تَحِلُّ لَهُمْ. وَفِي التُّحْفَةِ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَصَارِفَ، الْخُمُسُ عِنْدَنَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ صُرِفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِذَوِي الْقُرْبَى خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ) وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَحْمَدُ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: الْأَمْرُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إنْ شَاءَ قَسَّمَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى غَيْرَهُمْ إنْ كَانَ أَمْرُ غَيْرِهِمْ أَهَمَّ مِنْ أَمْرِهِمْ (وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ) مِنْ الْقَرَابَاتِ وَنَحْنُ نُوَافِقُهُ عَلَى أَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُرَادَةَ هُنَا تَخُصُّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، فَالْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْغَنِيِّ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَعَدَمِهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَالثَّوْرِيُّ: يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] مِنْ غَيْرِ فَصْلِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» وَالْعِوَضُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأُنْثَى، وَيَدْفَعُ لِلْقَاضِي وَالدَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ النَّصِّ (لَهُ إطْلَاقٌ قَوْله تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ) وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِوَصْفٍ يُوجِبُ أَنَّ مَبْدَأَ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لَهُ وَلَا تَفْصِيلَ فِيهَا بِخِلَافِ الْيَتَامَى فَإِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ فِيهِمْ الْفَقْرَ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الْيَتِيمِ يُشْعِرُ بِالْحَاجَةِ فَكَانَ مُقَيَّدًا مَعْنًى بِهَا، بِخِلَافِ ذَوِي الْقُرْبَى، ثُمَّ لَا تَنْتَفِي مُنَاسَبَتُهَا بِالْغِنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ هَذِهِ الْكَرَامَةِ (وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً) ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَحَدٌ مَعَ عِلْمِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ وَتَوَافُرِهِمْ فَكَانَ إجْمَاعًا، إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْكَلَامُ فِي إثْبَاتِهِ، فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «الْخُمُسَ كَانَ يُقَسَّمُ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: لِلَّهِ وَالرَّسُولِ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ» . ثُمَّ قَسَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا جَعْفَرَ: يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَقُلْت: أَرَأَيْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ وُلِّيَ الْعِرَاقَ وَمَا وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ كَيْفَ صَنَعَ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى؟ قَالَ: سَلَكَ بِهِ وَاَللَّهِ سَبِيلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُلْت: وَكَيْفَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ؟ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا كَانَ أَهْلُهُ يَصْدُرُونَ إلَّا عَنْ رَأْيِهِ، قُلْت: فَمَا مَنَعَهُ؟ قَالَ: كَرِهَ وَاَللَّهِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ انْتَهَى. وَكَوْنُ الْخُلَفَاءِ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَبِهِ تَصِحُّ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ، فَإِنَّ الْكَلْبِيَّ مُضَعَّفٌ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ وَافَقَ النَّاسَ. وَإِنَّمَا الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَا إجْمَاعَ بِمُخَالَفَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَحِينَ ثَبَتَ هَذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ لِظُهُورِ أَنَّهُ الصَّوَابُ لَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ اجْتِهَادُهُ اجْتِهَادَهُمَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ خَالَفَهُمَا فِي أَشْيَاءَ لَمْ تُوَافِقْ رَأْيَهُ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَحِينَ وَافَقَهُمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ رَجَعَ إلَى رَأْيِهِمَا إنْ كَانَ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى خِلَافَهُ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ رَأْيُ عَلِيٍّ فِي الْخُمُسِ رَأْيَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: وَلَا إجْمَاعَ بِدُونِ أَهْلِ الْبَيْتِ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنْ فِعْلَهُ كَانَ تَقِيَّةً مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ خِلَافُهُمَا، وَكَيْفَ وَفِيهِ مَنْعُ الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ حَقِّهِمْ فِي اعْتِقَادِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَنْعُهُ إلَّا لِرُجُوعِهِ وَظُهُورِ الدَّلِيلِ لَهُ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلِ كَذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ، وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَعَ فَالْأَخْذُ بِقَوْلِ الرَّاشِدِينَ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِعَدَمِ النَّكِيرِ مِنْ أَحَدٍ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَمْ يَكُنْ سَهْمٌ مُسْتَحَقٌّ لِذَوِي الْقُرْبَى أَصْلًا لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ لَمْ يُعْطُوهُمْ وَهُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ أَعْطَاهُمْ بِلَا شُبْهَةٍ.

وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّلَ فَقَالَ: «إنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّصْرِ قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَابَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الدَّلِيلَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ السَّهْمَ لِلْفَقِيرِ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَرِيبٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. وَأَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسَاقَ السَّنَدَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنَيْهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمَا: انْطَلِقَا إلَى عَمِّكُمَا لَعَلَّهُ يَسْتَعِينُ بِكُمَا عَلَى صَدَقَاتٍ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَاهُ بِحَاجَتِهِمَا، فَقَالَ لَهُمَا: «لَا يَحِلُّ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ وَلَا غُسَالَةُ الْأَيْدِي، إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ وَيَكْفِيكُمْ» وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِهِ بِلَفْظِ «رَغِبْت لَكُمْ عَنْ غُسَالَةِ أَيْدِي النَّاسِ إنَّ لَكُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ» وَهُوَ إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَلَفْظُ الْعِوَضِ إنَّمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ التَّابِعِينَ، ثُمَّ فِي كَوْنِ الْعِوَضِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى، فَيَقْتَضِي اعْتِقَادَ اسْتِحْقَاقِ فُقَرَائِهِمْ أَوْ كَوْنَهُمْ مَصَارِفَ مُسْتَمِرًّا، وَيُنَافِيهِ اعْتِقَادُ حَقِيقَةِ مَنْعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إيَّاهُمْ مُطْلَقًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَيْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا ذَوِي الْقُرْبَى شَيْئًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ فُقَرَائِهِمْ، وَكَذَا يُنَافِيهِ إعْطَاؤُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَغْنِيَاءَ مِنْهُمْ، كَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ أَعْطَى الْعَبَّاسَ وَكَانَ لَهُ عِشْرُونَ عَبْدًا يَتَّجِرُونَ» . وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ إلَخْ) يَدْفَعُ هَذَا السُّؤَالَ الثَّانِيَ، لَكِنْ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْمُنَاقَضَةَ مَعَ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْحَاصِلَ حِينَئِذٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ نُصْرَتَهُ، وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْفَقِيرَ مِنْهُمْ، وَمِنْ الْأَغْنِيَاءِ مَنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْعَبَّاسِ فَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْخُلَفَاءِ أَنْ يُعْطُوهُمْ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلْتُمْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوهُمْ بَلْ حَصَرُوا الْقِسْمَةَ فِي الثَّلَاثَةِ. وَيُعَكِّرُ مَا سَيَرْوِيهِ فِي تَصْحِيحِ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْطَى الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ سَهْمًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إعْطَاءُ عُمَرَ بِقَيْدِ الْفَقْرِ مَرْوِيًّا، بَلْ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَسِّمْ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنْ الْخُمُسِ شَيْئًا كَمَا قَسَّمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ» قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُقَسِّمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَ يُعْطِيهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ وَمَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى سَمِعْت «عَلِيًّا قَالَ: اجْتَمَعْت أَنَا وَالْعَبَّاسُ وَفَاطِمَةُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ رَأَيْت أَنْ تُوَلِّينِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَقْسِمُهُ حَيَاتَك كَيْ لَا يُنَازِعَنِي أَحَدٌ بَعْدَك فَافْعَلْ، قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَسَمْته حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وِلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ آخِرُ سَنَةٍ مِنْ سِنِي عُمَرَ أَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَعَزَلَ حَقَّنَا ثُمَّ أَرْسَلَهُ إلَيَّ فَقُلْت: بِنَا الْعَامَ غِنًى وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ حَاجَةٌ فَارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ، فَرَدَّهُ ثُمَّ لَمْ يَدَعْنِي إلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ، فَلَقِيت الْعَبَّاسَ بَعْدَمَا خَرَجْت مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ حَرَمْتَنَا الْغَدَاةَ شَيْئًا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَكَانَ رَجُلًا دَاهِيًا» فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدُ الْإِعْطَاءِ بِفَقْرِ الْمُعْطَى مِنْهُمْ وَكَيْفَ وَالْعَبَّاسُ كَانَ مِمَّنْ يُعْطِي وَلَمْ يَتَّصِفْ بِالْفَقْرِ مَعَ أَنَّ الْحَافِظَ الْمُنْذِرِيَّ ضَعَّفَ هَذَا فَقَالَ: وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُقَسِّمْ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَسَّمَ لَهُمْ، وَحَدِيثُ جُبَيْرٍ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ لَا يَصِحُّ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُعْطُوا ذَوِي الْقُرْبَى بَيَانَ مَصْرِفٍ لَا اسْتِحْقَاقَ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ مَنْعُهُمْ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَذَلِكَ أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى وَإِنْ قُيِّدْت بِالنُّصْرَةِ الْمُوَازِرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ بَقَوْا بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُعْطُوهُمْ كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ: أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَذْكُورِينَ مَصْرِفٌ حَتَّى جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، كَأَنْ يُعْطِيَ تَمَامَ الْخُمُسِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَنْ يُعْطِيَ تَمَامَهُ لِلْيَتَامَى كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التُّحْفَةِ فَجَازَ لِلرَّاشِدِينَ أَنْ يَصْرِفُوهُ إلَى غَيْرِهِمْ، خُصُوصًا وَقَدْ رَأَوْهُمْ أَغْنِيَاءَ مُتَمَوِّلِينَ إذْ ذَاكَ وَرَأَوْا صَرْفَهُ إلَى غَيْرِهِمْ أَنْفَعَ. وَنَقُولُ مَعَ ذَلِكَ: إنَّ الْفَقِيرَ مِنْهُمْ مَصْرِفٌ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُدْفَعُ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إنَّهُمْ يُحْرَمُونَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ بِمَنْعِ كَوْنِ الْخُمُسِ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَالُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ حَقُّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِمْ لَا حَقٌّ لَنَا لَزِمَنَا أَدَاؤُهُ طَاعَةً لَهُ لِيَصِيرَ وَسَخًا، وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَرَفَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ لَمْ يَفْعَلْ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ مُقْتَضَاهُ كَوْنُ الْغَنِيِّ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى مَصْرِفًا غَيْرَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ لَمْ يُعْطُوهُمْ اخْتِيَارًا مِنْهُمْ لِغَيْرِهِمْ فِي الصَّرْفِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْغَنِيُّ مَصْرِفًا صَحَّ الصَّرْفُ إلَيْهِ، وَأَجْزَأَ؛ لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مِنْ حَيْثُ إذَا صُرِفَ إلَيْهِ سَقَطَ الْوَاجِبُ بِهِ وَلَيْسَ غِنَى ذَوِي الْقُرْبَى عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ. هَذَا وَأَمَّا أَنَّهُ يَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ مَصَارِفَ كَانَ لِلنُّصْرَةِ فَلِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِسَنَدِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكَ

قَالَ (فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُمُسِ فَإِنَّهُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ، وَسَهْمُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَانْطَلَقْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْوَضْعِ الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ فِيهِمْ، فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكَتْنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» أَشَارَ بِهَذَا إلَى نُصْرَتِهِمْ إيَّاهُ نُصْرَةَ الْمُؤَانَسَةِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ إذَا ذَاكَ نَصْرَ قِتَالٍ فَهُوَ يُشِيرُ إلَى دُخُولِهِمْ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ حِينَ تَعَاقَدَتْ قُرَيْشٌ عَلَى هِجْرَانِ بَنِي هَاشِمٍ وَأَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَالْقِصَّةُ فِي السِّيرَةِ شَهِيرَةٌ. وَعَنْ هَذَا اسْتَحَقَّتْ ذَرَارِيِّهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ قِتَالٌ. وَشَرْحُ قَوْلِهِ قَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهَذَا الْجَدُّ، أَعْنِي عَبْدَ مَنَافٍ لَهُ أَوْلَادُ هَاشِمٍ الَّذِي مِنْ ذُرِّيَّتِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُطَّلِبُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ، فَكَانَ قَرَابَةُ كُلٍّ مِنْ نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَالْمُطَّلِبِ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاحِدَةً، فَمُقْتَضَى اسْتِحْقَاقِ ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ يَسْتَحِقَّ الْكُلُّ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوْ يَكُونَ فُقَرَاءُ الْكُلِّ مَصَارِفَ عَلَى قَوْلِنَا، فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الْمُرَادَ الْقَرَابَةُ الَّتِي تَحَقَّقَ مِنْهَا تِلْكَ النُّصْرَةُ السَّابِقَةُ، وَمَنْعُ الرَّاشِدِينَ لَهُمْ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى عِلْمِهِمْ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بَلْ إنَّهُمْ مَصَارِفُ وَرَأَوْا غَيْرَهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ ذَوِي الْقُرْبَى شَرَعَ يُبَيِّنُ حَالَ سَهْمِ اللَّهِ وَسَهْمِ الرَّسُولِ، فَذَكَرَ أَنَّ سَهْمَهُ وَسَهْمَ رَسُولِهِ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] وَلِكَذَا وَكَذَا أَنَّ لَهُ سُبْحَانَهُ سَهْمًا كَمَا لِكُلٍّ مِنْ الْأَصْنَافِ سَهْمٌ، بَلْ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ بِذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [النساء: 131] فَسَهْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَاحِدٌ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَهْمُ اللَّهِ ثَابِتٌ يُصْرَفُ إلَى بِنَاءِ بَيْتِهِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً، وَإِلَّا فَإِلَى مَسْجِدِ كُلِّ بَلْدَةٍ ثَبَتَ فِيهَا الْخُمُسُ. وَدَفَعَهُ بِأَنَّ السَّلَفَ فَسَّرُوهُ بِمَا ذَكَرَ. فَإِنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ نَهْشَلٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَرَأَ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ثُمَّ قَالَ: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ مِفْتَاحُ الْكَلَامِ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [النساء: 131] وَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنِيفَةِ فِيهِ قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامِ اللَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَفِي غَيْرِ حَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ فَصَرَفَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ» ، فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ تَكُونُ فِي سِتَّةٍ (قَوْلُهُ وَسَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ، وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِخْرَاجِ الْخُمُسِ كَمَا اصْطَفَى

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصْرَفُ سَهْمُ الرَّسُولِ إلَى الْخَلِيفَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ (وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّصْرَةِ) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ (وَبَعْدُ بِالْفَقْرِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: سَهْمُ الْفَقِيرِ مِنْهُمْ سَاقِطٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ نَظَرًا إلَى الْمَصْرِفِ فَيُحَرِّمُهُ كَمَا حَرَّمَ الْعِمَالَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَا الْفَقَارِ وَهُوَ سَيْفُ مُنَبَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ حِينَ أَتَى بِهِ عَلِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ أَنْ قَتَلَ مُنَبَّهًا ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَكَمَا اصْطَفَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخَطَبَ مِنْ غَنِيمَةِ خَيْبَرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُصْرَفُ سَهْمُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْخَلِيفَةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِإِمَامَتِهِ لَا بِرِسَالَتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ إنَّمَا قَسَّمُوا الْخُمُسَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ لَقَسَّمُوهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَرَفَعُوا سَهْمَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يُنْقَلُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ، وَأَيْضًا فَهُوَ حُكْمٌ عُلِّقَ بِمُشْتَقٍّ وَهُوَ الرَّسُولُ فَيَكُونُ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً وَهُوَ الرِّسَالَةُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى إلَخْ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي فِيهِ. وَقَوْلُهُ (كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّصْرَةِ لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ (وَبَعْدَهُ بِالْفَقْرِ) لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُرْبَى الْمُخْتَصَّةُ بِتِلْكَ الْمُرَافَقَةِ فِي الضِّيقِ وَالْمُؤَانَسَةِ فِيهِ فَتَكُونُ الْمَصَارِفُ مُطْلَقًا فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ، وَإِمَّا الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ فَهُمْ الْمَصَارِفُ كَذَلِكَ: أَيْ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، فَلَيْسَ الْوَجْهُ فِيهِ إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ أُرِيدَ أَنَّ الْقَرَابَةَ النَّاصِرَةَ مَصَارِفُ كَغَيْرِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُمْ اخْتِيَارًا لِأَحَدِ الْحَائِزِينَ لَهُ، لَا أَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ

وَقِيلَ هُوَ الْأَصَحُّ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْطَى الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ، وَالْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ، أَمَّا فُقَرَاؤُهُمْ فَيَدْخُلُونَ فِي الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ. (وَإِذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ) لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَلَبَةً لَا اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً، وَالْخُمُسُ وَظِيفَتُهَا، وَلَوْ دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ بِالْإِمْدَادِ فَصَارَ كَالْمَنَعَةِ (فَإِنْ دَخَلَتْ جَمَاعَةٌ لَهَا مَنَعَةٌ فَأَخَذُوا شَيْئًا خُمِّسَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ قَهْرًا وَغَلَبَةً فَكَانَ غَنِيمَةً، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصُرَهُمْ إذْ لَوْ خَذَلَهُمْ كَانَ فِيهِ وَهْنُ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَصْرِفٍ دُونَ مَصْرِفٍ، ثُمَّ رَأَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الصَّرْفَ إلَى غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا فُقَرَاؤُهُمْ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْطَوْا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَا هُوَ الْحَقُّ فِي التَّقْرِيرِ، وَإِنَّمَا قَالَ (وَقِيلَ هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ مَنْ يُرَجِّحُ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ تَوْجِيهَهُ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْطَى الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (وَالْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ) يُرِيدُ إجْمَاعَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَإِلَّا فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ إلَى الْيَوْمِ مِنْ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرِينَ إلَخْ) جَمَعَهُ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ فَأَخَذُوا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ فَأَخَذُوا وَيُمْكِنُ كَوْنُهُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَيْضًا مُرَادٌ إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ) وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ كَالْوَاحِدِ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَيُخَمِّسُ. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ قَدَّرَ الْجَمَاعَةَ الَّتِي لَا مَنَعَةَ لَهَا بِسَبْعَةٍ، وَاَلَّتِي لَهَا مَنَعَةٌ بِعَشَرَةٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُخَمَّسُ مَا أَخَذَهُ الْوَاحِدُ تَلَصُّصًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ حَرْبِيٌّ أُخِذَ قَهْرًا فَكَانَ غَنِيمَةً فَيُخَمَّسُ بِالنَّصِّ، وَنَحْنُ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ نَمْنَعُ أَنَّهُ يُسَمَّى غَنِيمَةً، بَلْ الْغَنِيمَةُ مَا أُخِذَ قَهْرًا وَغَلَبَةً لَا اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً، إذْ الْمُتَلَصِّصُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِحِيلَةٍ فَكَانَ هَذَا اكْتِسَابًا مُبَاحًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ، وَمَحَلُّ الْخُمُسِ مَا هُوَ الْغَنِيمَةُ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ مَا قَاسُوا

[فصل في التنفيل]

(فَصْلٌ فِي التَّنْفِيلِ) قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَيُحَرِّضَ بِهِ عَلَى الْقِتَالِ فَيَقُولَ " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " وَيَقُولَ لِلسَّرِيَّةِ قَدْ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا رَفَعَ الْخُمُسَ لِأَنَّ التَّحْرِيضَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ مِنْ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ إذَا دَخَلَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصُرَهُمْ حَيْثُ أَذِنَ لَهُمْ، كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرَ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ لَهُمْ مَنَعَةٌ كَالْأَرْبَعَةِ أَوْ الْعَشَرَةِ إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَحَامِيًا عَنْ تَوْهِينِ الْمُسْلِمِينَ وَالدِّينِ فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ نُصْرَةِ الْإِمَامِ مُتَلَصِّصِينَ، وَكَانَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا غَنِيمَةً، وَخَذَلَهُ خِذْلَانًا إذَا تَرَكَ نَصْرَهُ وَأَسْلَمَهُ. [فَصْلٌ فِي التَّنْفِيلِ] نَوْعٌ مِنْ الْقِسْمَةِ فَأَلْحَقَهُ بِهَا، وَقَدَّمَ تِلْكَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهَا بِضَابِطٍ وَهَذَا بِلَا ضَابِطٍ لِأَنَّهُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِأَنْ يُنَفِّلَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا وَنَحْوَهُمَا. وَالتَّنْفِيلُ إعْطَاءُ الْإِمَامِ الْفَارِسَ فَوْقَ سَهْمِهِ، وَهُوَ مِنْ النَّفْلِ وَهُوَ الزَّائِدُ، وَمِنْهُ النَّافِلَةُ لِلزَّائِدِ عَلَى الْفَرْضِ، وَيُقَالُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَيُقَالُ نَفَّلَهُ تَنْفِيلًا وَنَفَلَهُ بِالتَّخْفِيفِ نَفْلًا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الْإِمَامُ) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَفِّلَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ تَحْرِيضٌ، وَالتَّحْرِيضُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَبِهِ يَتَأَكَّدُ مَا سَلَف بِأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَفْظٌ لَا بَأْسَ إنَّمَا يُقَالُ لِمَا تَرَكَهُ أَوْلَى لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْرِيضَ وَاجِبٌ لِلنَّصِّ الْمَذْكُورِ، لَكِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّنْفِيلِ لِيَكُونَ التَّنْفِيلُ وَاجِبًا بَلْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ أَحَدَ خِصَالِ التَّحْرِيضِ كَانَ التَّنْفِيلُ وَاجِبًا مُخَيَّرًا، ثُمَّ إذَا كَانَ هُوَ أَدْعَى الْخِصَالِ إلَى الْمَقْصُودِ يَكُونُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَسْقُطُ بِهِ أَوْلَى وَهُوَ الْمَنْدُوبُ فَصَارَ الْمَنْدُوبُ اخْتِيَارَ الْإِسْقَاطِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَا هُوَ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ. وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي التَّنْفِيلِ تَرْجِيحُ الْبَعْضِ وَتَوْهِينُ الْآخَرِينَ وَتَوْهِينُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِلَّا حَرَّمَ التَّنْفِيلَ لِاسْتِلْزَامِهِ مُحَرَّمًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَالَ الْقِتَالِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِسَلْبِ الْمَقْتُولِ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا» فَإِنَّمَا كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَرْبِ فِي حُنَيْنٍ (قَوْلُهُ فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) أَوْ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ (أَوْ يَقُولُ لِلسَّرِيَّةِ قَدْ جَعَلْت لَكُمْ) النِّصْفَ أَوْ (الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) أَيْ بَعْدَ رَفْعِ الْخُمُسِ

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَهَذَا نَوْعُ تَحْرِيضٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِمَا ذَكَرَ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْكُلِّ، فَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ (وَلَا يُنَفِّلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ. قَالَ (إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمُسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا لَوْ قَالَ لِلْعَسْكَرِ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لِلسَّرِيَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السُّهْمَانِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ إذًا فِيهِ تَسْوِيَةُ الْفَارِسِ بِالرَّاجِلِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ. ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ فِيهِمَا، وَهُوَ بُطْلَانُ السُّهْمَانِ الْمَنْصُوصَةِ بِالسَّوِيَّةِ، بَلْ وَزِيَادَةُ حِرْمَانِ مَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا أَصْلًا بِانْتِهَائِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، وَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَوَاشِي، وَبِهِ أَيْضًا يَنْتَفِي مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ جَازَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ إيحَاشِ الْبَاقِينَ وَزِيَادَةُ الْفِتْنَةِ، وَلَا يُنَفِّلُ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ جَازَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. ثُمَّ مَحَلُّ التَّنْفِيلِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَمَا بَقِيَ لِلْغَانِمِينَ. قُلْنَا: إنَّمَا هِيَ حَقُّهُمْ بَعْدَ الْإِصَابَةِ، أَمَّا قَبْلَهَا فَهُوَ مَالُ الْكُفَّارِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّنْفِيلِ إنَّمَا هُوَ مِمَّا يُصَابُ لَا حَالَ كَوْنِهِ مَا لَهُمْ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْإِصَابَةِ، وَعِنْدَ الْإِصَابَةِ لَمْ يَبْقَ مَالُ الْكَفَرَةِ. نَعَمْ حَقُّ الْغَانِمِينَ فِيهِ ضَعِيفٌ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَقَعَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ هَجَمَهَا الْعَدُوُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَفِّلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِصَابَةِ صَارَ مُحْرِزًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمُسِ) . أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُمْ فَهُوَ لِلْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ كَذَا لَا يَجُوز إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِمْ. أُجِيبُ إنَّمَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ جَعْلِ الْمُنَفِّلِ لَهُ مِنْ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَصَرْفُ الْخُمُسِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ يَكْفِي لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ مَصَارِفُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَهُ فِي الْغِنَى وَيَجْعَلَ نَفْلًا لَهُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْمُحْتَاجِينَ لَا الْأَغْنِيَاءِ، فَجَعْلُهُ لِلْأَغْنِيَاءِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ

(وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ السَّلْبَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السَّلْبُ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصْبُ شَرْعٍ لِأَنَّهُ بَعَثَهُ لَهُ، وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ مُقْبِلًا أَكْثَرَ غِنَاءً فَيَخْتَصُّ بِسَلَبِهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ فَيَكُونُ غَنِيمَةً فَيُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ «لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك» وَمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ نَصْبَ الشَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ التَّنْفِيلَ فَنَحْمِلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا رَوَيْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ أَوْ الرَّضْخِ وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَهُ فِيمَنْ يَرْضَخُ لَهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا كَقَوْلِ أَحْمَدَ، وَالثَّانِي لَا سَلَبَ لَهُ. وَشَرَطَا أَنْ يَقْتُلَهُ مُقْبِلًا لَا مُدْبِرًا، وَأَنْ لَا يَرْمِيَ سَهْمًا إلَى صَفِّ الْمُشْرِكِينَ فَيُصِيبَ وَاحِدًا فَيَقْتُلَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ غِنَاءً كَثِيرًا، إذْ كُلُّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ. وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى حُنَيْنٍ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ: فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ، فَقُمْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ: يَعْنِي قِصَّةَ قَتْلِهِ لِلْقَتِيلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَاهَا اللَّهِ إذَنْ لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيَك سَلَبَهُ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ، قَالَ فَأَعْطَانِيهِ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ أَنَّ هَذَا مِنْهُ نَصْبَ الشَّرْعِ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ، أَوْ كَانَ تَحْرِيضًا بِالتَّنْفِيلِ قَالَهُ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ وَغَيْرِهَا يَخُصُّهُمَا؛ فَعِنْدَهُ (هُوَ نَصْبُ الشَّرْعِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي قَوْلِهِ (لِأَنَّهُ إنَّمَا بُعِثَ لِذَلِكَ) وَقُلْنَا: كَوْنُهُ تَنْفِيلًا هُوَ أَيْضًا مِنْ نَصْبِ الشَّرْعِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ (بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: «لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك» ) فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى أَحَدِ مُحْتَمِلَيْ قَوْلِهِ " وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " وَهُوَ أَنَّهُ تَنْفِيلٌ فِي تِلْكَ الْغُزَاةِ لَا نِصَابٌ عَامٌّ لِلشَّرْعِ، وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَوْ حَسَنٌ، لَكِنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ: بَلَغَ حَبِيبَ بْنَ مُسْلِمَةَ أَنَّ صَاحِبَ قُبْرُصَ خَرَجَ يُرِيدُ طَرِيقَ أَذْرَبِيجَانَ وَمَعَهُ زُمُرُّدٌ وَيَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَغَيْرُهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَجَاءَ بِمَا مَعَهُ، فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَهُ فَقَالَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: لَا تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» وَهَذَا مَعْلُولٌ بِعَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ. وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: كُنَّا مُعَسْكِرِينَ بِدَابِقٍ فَذَكَرَ لِحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ إلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ بِسَلَبِهِ يَحْتَمِلُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَبْغَالٍ مِنْ الدِّيبَاجِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَأَرَادَ حَبِيبٌ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ بَعْضَهُ، فَقَالَ حَبِيبٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِلْأَبَدِ، وَسَمِعَ مُعَاذٌ ذَلِكَ فَأَتَى أَبَا عُبَيْدَةَ وَحَبِيبٌ يُخَاصِمُهُ، فَقَالَ مُعَاذٌ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ وَتَأْخُذُ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك، فَإِنَّمَا لَك مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك، وَحَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ مُعَاذٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَعْطَوْهُ بَعْضَ الْخُمُسِ، فَبَاعَهُ حَبِيبٌ بِأَلْفِ دِينَارٍ. وَفِيهِ كَمَا تَرَى مَجْهُولٌ. وَيَخُصُّ الْمُصَنِّفَ أَنَّهُ جَعَلَهُ خِطَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَبِيبٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَسَمَّاهُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَصَوَابُهُ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَلَكِنْ قَدْ لَا يَضُرُّ ضَعْفُهُ، فَإِنَّا إنَّمَا نَسْتَأْنِسُ بِهِ لِأَحَدِ مُحْتَمَلَيْ لَفْظٍ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَدْ يَتَأَيَّدُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ بَعْدَمَا رَأَى سَيْفَيْهِمَا ": كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، ثُمَّ قَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَحْدَهُ " وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِلْقَاتِلِ لَقَضَى بِهِ لَهُمَا، إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ دَفَعَهُ بِأَنَّ غَنِيمَةَ بَدْرٍ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَصِّ الْكِتَابِ يُعْطِي مِنْهَا مَنْ شَاءَ، وَقَدْ قَسَّمَ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَحْضُرُوا، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ بَدْرٍ فَقَضَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. يَعْنِي مَا كَانَ إذْ ذَاكَ قَالَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ قَالَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا عَلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقٍ فِيهِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ بَدْرٍ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَجَاءَ أَبُو الْيُسْرِ بِأَسِيرَيْنِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا كَانَ بِنَا جُبْنٌ عَنْ الْعَدُوِّ وَلَا ضَنٌّ بِالْحَيَاةِ أَنْ نَصْنَعَ مَا صَنَعَ إخْوَانُنَا وَلَكِنَّا رَأَيْنَاكَ قَدْ أَفْرَدْت فَكَرِهْنَا أَنْ نَدْعَكَ بِمَضْيَعَةٍ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُوَزِّعُوا تِلْكَ الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ» ، فَظَهَرَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَهُ لَيْسَ نَصْبُ الشَّرْعِ لِلْأَبَدِ. وَهُوَ وَإِنْ ضَعُفَ سَنَدُهُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا. فِي أَبِي دَاوُد وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِلَفْظِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ مِنْ الرَّاوِي عَنْ خُصُوصِ مَا قَالَهُ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنِّي دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، فَإِنَّ الْحَالَ بِذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلَا الْحَالُ يَقْتَضِي ذَاكَ لِقِلَّتِهَا أَوْ عَدَمِهَا، فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الْمُكَنِّيَ عَنْهُ الرَّاوِي هُوَ السَّلَبُ، وَمَا أُخِذَ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ أَنْ يَحْصُلُ فِي الْحَرْبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا رُوِيَ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ بَاطِلًا فَيَقَعُ الظَّنُّ بِصِحَّةِ جَعْلِهِ فِي بَدْرٍ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، وَالْمَأْخُوذُ لِلْآخِذِ فَيَجِبُ قَبُولُهُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَظَافَرَتْ بِهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ عَلَى مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» أَنَّهُ لَيْسَ نَصْبًا عَامًّا مُسْتَمِرًّا، وَالضَّعِيفُ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ يَرْتَقِي إلَى الْحَسَنِ فَيَغْلِبُ الظَّنَّ أَنَّهُ تَنْفِيلٌ فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ بَقِيَّةُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، لَوْ انْهَزَمْتُمْ فِئْتُمْ إلَيْنَا فَلَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى، فَأَبَى الْفِتْيَانُ ذَلِكَ وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا

وَزِيَادَةُ الْغِنَاءِ لَا تُعْتَبَرُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. (وَالسَّلَبُ مَا عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَرْكَبِهِ، وَكَذَا مَا كَانَ عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ، وَكَذَا مَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ عَلَى وَسَطِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثَ. فَقَوْلُهُ جَعَلَهُ يُبَيِّنُ أَنَّ كَذَا وَكَذَا هُوَ جَعْلُهُ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِينَ وَالْمَأْخُوذُ لِلْآخِذِينَ. وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ أَنَّهُ كَمَا قُلْنَا. قَالَ: خَرَجْت مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِي مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ، وَسِلَاحٌ مُذَهَّبٌ فَجَعَلَ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ، وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ فَخَرَّ فَعَلَاهُ وَقَتَلَهُ وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنْهُ سَلَبَ الرُّومِيِّ، قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْت خَالِدًا فَقُلْت لَهُ: يَا خَالِدُ أَمَّا عَلِمْت «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ» ، قَالَ بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ، قُلْت: لَتَرُدَّنَّهُ أَوْ لِأُعَرِّفَنكهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ. قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَصَصْت عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ وَمَا فَعَلَ الْمَدَدِيُّ وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْت مِنْهُ، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْت دُونَكَ يَا خَالِدُ أَلَمْ أَفِ لَكَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي أُمَرَائِي لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ» فَفِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ رَدُّ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» إلَّا فِي حُنَيْنٍ، فَإِنَّ مُؤْتَةَ كَانَتْ قَبْلَ حُنَيْنٍ، وَقَدْ اتَّفَقَ عَوْفٌ وَخَالِدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ» قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ مَنَعَ خَالِدًا مِنْ رَدِّهِ بَعْدَمَا أَمَرَهُ بِهِ، فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ تَنْفِيلًا وَأَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ كَانَ تَنْفِيلًا طَابَتْ نَفْسُ الْإِمَامِ لَهُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ شَرْعًا لَازِمًا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ. وَقَوْلُ الْخَطَابِيِّ: إنَّمَا مَنَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى عَوْفٍ سَلَبَهُ زَجْرًا لِعَوْفٍ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَخَالِدٌ كَانَ مُجْتَهِدًا، فَأَمْضَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالْيَسِيرُ مِنْ الضَّرَرِ يَتَحَمَّلُ لِلْكَثِيرِ مِنْ النَّفْعِ غَلَطٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَبَ لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي تَجَرَّأَ وَهُوَ عَوْفٌ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْمَدَدِيِّ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَغَضَبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ كَانَ أَشَدَّ عَلَى عَوْفٍ مِنْ مَنْعِ السَّلَبِ وَأَزْجَرَ لَهُ مِنْهُ. فَالْوَجْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحَبَّ أَوَّلًا أَنْ يُمْضِيَ شَفَاعَتَهُ لِلْمَدَدِيِّ فِي التَّنْفِيلِ، فَلَمَّا غَضِبَ مِنْهُ رَدَّ شَفَاعَتَهُ وَذَلِكَ بِمَنْعِ السَّلَبِ لَا أَنَّهُ لِغَضَبِهِ وَسِيَاسَتِهِ يَزْجُرُهُ بِمَنْعِ حَقٍّ آخَرَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا عَامًّا لَازِمًا. قَوْلُهُ (وَزِيَادَةُ الْغِنَاءِ) جَوَابٌ عَنْ تَخْصِيصِهِ بِكَوْنِهِ يَقْتُلُهُ مُقْبِلًا فَقَالَ زِيَادَةُ الْغِنَاءِ (فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا تُعْتَبَرُ) مُوجِبَةً زِيَادَةً مِنْ الْمَغْنَمِ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مَا قَدَّمَهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ بَلْ نَفْسُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى شَاهِدٍ بِأَنَّ إغْنَاءَ هَذَا فِي هَذَا الْحَرْبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَلَا يَكْفِي زِيَادَةُ شُهْرَةٍ هَذَا دُونَ ذَلِكَ؛ إذْ لَا بُعْدَ أَنْ يَتَّفِقَ إغْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْمَشْهُورِ فِي وَقْتٍ أَكْثَرَ مِنْ الْمَشْهُورِ، أَوْ يُشِيرَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (وَقَوْلُهُ وَالسَّلَبُ مَا عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَرْكَبِهِ وَمَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ وَمَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالٍ فِي حَقِيبَتِهِ وَمَا عَلَى وَسَطِهِ) مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (وَمَا)

وَمَا كَانَ مَعَ غُلَامِهِ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى فَلَيْسَ بِسَلَبِهِ، ثُمَّ حُكْمُ التَّنْفِيلِ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ، فَأَمَّا الْمِلْكُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَهَا مُسْلِمٌ وَاسْتَبْرَأَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا لَا يَبِيعُهَا. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيَبِيعَهَا، لِأَنَّ التَّنْفِيلَ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَهُ كَمَا يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبِالشِّرَاءِ مِنْ الْحَرْبِيِّ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ قَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسِوَى ذَلِكَ مِمَّا (هُوَ مَعَ غُلَامِهِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ فَلَيْسَ مِنْهُ) بَلْ حَقُّ الْكُلِّ. وَالْحَقِيبَةُ الرِّفَادَةُ فِي مُؤَخَّرِ الْقَتَبِ، وَكُلُّ شَيْءٍ شَدَدْته فِي مُؤْخِرَةِ رَحْلِك أَوْ قَتَبِك فَقَدْ اسْتَحْقَبْتَهُ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمِنْطَقَةِ وَالطَّوْقِ وَالسِّوَارِ وَالْخَاتَمِ وَمَا فِي وَسَطِهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَحَقِيبَتِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَيْسَ مِنْ السَّلَبِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ مِنْ السَّلَبِ وَهُوَ قَوْلُنَا وَعَنْ أَحْمَدَ فِي بُرْدَتِهِ رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ ثُمَّ حُكْمُ التَّنْفِيلِ قَطْعُ حَقِّ الْبَاقِينَ) فَقَطْ (وَأَمَّا الْمِلْكُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْحَافِظَةِ وَالنَّاقِلَةِ إلَخْ (حَتَّى لَوْ قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ) وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ (فَأَصَابَهَا مُسْلِمٌ فَاسْتَبْرَأَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا) فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يَطَأَهَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِمِلْكِهَا بِتَنْفِيلِ الْإِمَامِ فَصَارَ كَالْمُخْتَصِّ بِشِرَائِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ قَسْمِ الْإِمَامِ الْغَنَائِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهِدًا حَيْثُ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ إذَا أَخَذَ جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاسْتَبْرَأَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَا اخْتَصَّ بِمِلْكِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَحِقَهُ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ شَارَكُوهُ فِيهَا. وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِي النَّفْلِ لَيْسَ إلَّا الْقَهْرُ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَقْهُورَ دَارًا وَقَاهِرَ يَدًا فَيَكُونُ السَّبَبُ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، لَا أَثَرَ لِلتَّنْفِيلِ فِي إثْبَاتِ الْقَهْرِ بَلْ فِي قَطْعِ حَقِّ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَإِنَّمَا سَبَبُهُ مَا هُوَ السَّبَبُ فِي كُلِّ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الْعَقْدُ وَالْقَبْضُ بِالتَّرَاضِي لَا الْقَهْرُ وَقَدْ تَمَّ، وَعَدَمُ الْحِلِّ لِلْمُتَلَصِّصِ لِعَدَمِ تَمَامِ الْقَهْرِ أَيْضًا قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا لِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ لُحُوقَ الْجَيْشِ مَوْهُومٌ فَلَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْمِلْكِ يَتِمُّ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ خِلَافٌ. قِيلَ نَعَمْ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتِمُّ مِلْكُ مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ فَيَطَؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِالِاتِّفَاقِ كَالْمُشْتَرَاةِ، وَجَعَلَ الْأَظْهَرَ فِي الْمَبْسُوطِ عَدَمَ الْحِلِّ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِمُحَمَّدٍ إلَّا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ (وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ) ذَكَرَهُ لِدَفْعِ شُبْهَةٍ تَرُدُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمُتْلِفَ لِسَلَبٍ نَفَّلَهُ الْإِمَامُ رَجُلًا يَضْمَنُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَوَرَدَ عَلَيْهِمَا أَنَّ الضَّمَانَ دَلِيلُ تَمَامِ الْمِلْكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحِلَّ الْوَطْءَ عِنْدَكُمَا أَيْضًا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ بَلْ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي نُسْخَةٍ وَقَدْ قِيلَ بِالْوَاوِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[باب استيلاء الكفار]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ) (إذَا غَلَبَ التُّرْكُ عَلَى الرُّومِ فَسَبَوْهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ فِي مَالٍ مُبَاحٍ وَهُوَ السَّبَبُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ غَلَبْنَا عَلَى التُّرْكِ حَلَّ لَنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ. (وَإِذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ] ِ) . لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِمْ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَحُكْمِ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْنَا وَتَقْدِيمُهُ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا غَلَبَ التُّرْكُ عَلَى الرُّومِ) أَيْ كُفَّارُ التُّرْكِ عَلَى كُفَّارِ الرُّومِ (فَسَبَوْهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ) عَنْ قَرِيبٍ (فَإِنْ غَلَبْنَا عَلَى التُّرْكِ حَلَّ لَنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ مَالٍ) أَيْ مِمَّا أَخَذُوهُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مُوَادَعَةٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَغْدِرْهُمْ إنَّمَا أَخَذْنَا مَالًا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِمْ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ فَاقْتَتَلُوا فَغَلَبَتْ إحْدَاهُمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْمَغْنُومَ مِنْ مَالِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مِنْ الْغَانِمَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالْإِحْرَازُ بِدَارِ الْحَرْبِ شَرْطٌ، أَمَّا بِدَارِهِمْ فَلَا. وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ وَاقْتَتَلُوا فِي دَارِنَا لَا نَشْتَرِي مِنْ الْغَالِبِينَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَكُونُ شِرَاؤُنَا غَدْرًا بِالْآخَرِينَ فَإِنَّهُ عَلَى مِلْكِهِمْ. وَأَمَّا لَوْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْ الْغَالِبِينَ نَفْسًا أَوْ مَالًا؟ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْمَأْخُوذِ وَبَيْنَ الْآخِذِ قَرَابَةٌ مُحَرِّمَةٌ كَالْأُمِّيَّةِ أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْآخِذِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ دَانُوا بِذَلِكَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ دَانُوا بِأَنَّ مَنْ قَهَرَ آخَرَ مَلَكَهُ جَازَ الشِّرَاءُ، وَإِلَّا لَا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، إلَّا أَنَّ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَمْلِكُونَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مَحْظُورٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالْمَحْظُورُ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَةِ الْخَصْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ مَالِكٍ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ يَمْلِكُونَهَا. وَلِأَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَقَوْلِنَا وَكَقَوْلِ مَالِكٍ: فَيَتَفَرَّعُ عَلَى مِلْكِهِمْ أَمْوَالَنَا بِالْإِحْرَازِ أَنَّ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا أَخَذُوهُ فَيَأْكُلَهُ وَيَطَأَ الْجَارِيَةَ لِمِلْكِهِمْ كُلَّ ذَلِكَ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَمْلِكُونَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ) أَيْ اسْتِيلَاءَهُمْ عَلَى أَمْوَالِنَا (مَحْظُورٌ ابْتِدَاءً) عِنْدَ الْأَخْذِ (وَانْتِهَاءً) عِنْدَ صَيْرُورَتِهَا فِي دَارِهِمْ؛ لِبَقَاءِ عِصْمَةِ الْمَالِ لِبَقَاءِ سَبَبِهَا وَهُوَ عِصْمَةُ الْمَالِكِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ إجْمَاعًا. (وَالْمَحْظُورُ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَتِهِ) فَصَارَ كَاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ وَكَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا؛ وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مُسْنَدًا إلَى عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: «كَانَتْ الْعَضْبَاءُ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ، فَأَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ وَفِيهِ الْعَضْبَاءُ وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا إذَا نَزَلُوا يُرِيحُونَ إبِلَهُمْ فِي أَفْنِيَتِهِمْ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَتْ الْمَرْأَةُ وَقَدْ نَامُوا فَجَعَلَتْ لَا تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حَتَّى أَتَتْ عَلَى الْعَضْبَاءِ، فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ فَرَكِبَتْهَا ثُمَّ وَجَّهَتْ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَنَذَرَتْ لَئِنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَجَّاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَرَفَتْ النَّاقَةَ، فَأَتَوْا بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بِنَذْرِهَا، فَقَالَ: بِئْسَ مَا جَزَيْتِيهَا أَوْ وَفَّيْتِيهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . وَفِي لَفْظٍ: فَأَخَذَ نَاقَتَهُ. وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ يَمْلِكُونَ بِالْإِحْرَازِ لَمَلَكَتْهَا الْمَرْأَةُ لِإِحْرَازِهِمْ إيَّاهَا. وَلِلْجُمْهُورِ أَوْجُهٌ مِنْ النَّقْلِ وَالْمَعْنَى، فَالْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] سَمَّاهُمْ فُقَرَاءَ، وَالْفَقِيرُ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مَلَكُوا أَمْوَالَهُمْ الَّتِي خَلَّفُوهَا وَهَاجَرُوا عَنْهَا، وَلَيْسَ مَنْ مَلَكَ مَالًا وَهُوَ فِي مَكَان لَا يَصِلُ إلَيْهِ فَقِيرًا بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِابْنِ السَّبِيلِ وَلِذَا عُطِفُوا عَلَيْهِمْ فِي نَصِّ الصَّدَقَةِ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُونَ مِمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «قِيلَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْفَتْحِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ. وَرُوِيَ أَتَنْزِلُ غَدًا بِدَارِك؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ» ، وَإِنَّمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ عَقِيلًا كَانَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ دَلِيلُ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، فَإِنَّ عَقِيلًا إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَى الرِّبَاعِ بِإِرْثِهِ إيَّاهَا مِنْ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلِيًّا وَجَعْفَرًا مُسْلِمَيْنِ وَعَقِيلًا وَطَالِبًا كَافِرَيْنِ فَوَرِثَاهُ، لَا أَنَّ الدِّيَارَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا هَاجَرَ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا فَمَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ قَالَ: «وَجَدَ رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ نَاقَةً لَهُ، فَارْتَفَعَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْعَدُوِّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فَأَنْتَ أَحَقُّ، وَإِلَّا فَخَلِّ عَنْ نَاقَتِهِ» وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مُسْنِدًا عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. وَفِي سَنَدِهِ يَاسِينُ الزَّيَّاتُ مُضَعَّفٌ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيمَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَاسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ: إنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ قُسِّمَ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ» وَضُعِّفَ بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ وَجَدَ مَالَهُ فِي الْفَيْءِ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ وَجَدَهُ بَعْدَمَا قُسِّمَ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ»

وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمُكَلَّفِ كَاسْتِيلَائِنَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ لِضَرُورَةِ تَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ عَادَ مُبَاحًا كَمَا كَانَ، غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا وَمَآلًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضُعِّفَ بِإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ فِيهِ رِشْدِينُ وَضَعَّفَهُ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ فِي الْفَيْءِ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» وَفِيهِ يَاسِينُ ضُعِّفَ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مَا أَخَذَ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ لَهُ، وَمَا قُسِّمَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إلَّا بِالْقِيمَةِ. قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا وَكِلَاهُمَا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فِيمَا أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ: أَيْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ جَرَتْ فِيهِ السِّهَامُ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَرُوِيَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ إلَى سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ اشْتَرَى مَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَشُكُّ بَعْدَ هَذِهِ الْكَثْرَةِ فِي نَفْيِ أَصْلِ هَذَا الْحُكْمِ، وَيَدُورُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَضْعِيفٍ بِالْإِرْسَالِ أَوْ التَّكَلُّمِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، فَإِنَّ الظَّنَّ بِلَا شَكٍّ يَقَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ، وَأَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْكَذِبَ. وَيَبْعُدُ أَنَّهُ وَقَعَ غَلَطٌ لِلْكُلِّ فِي ذَلِكَ، وَتَوَافَقُوا فِي هَذَا الْغَلَطِ، بَلْ لَا شَكَّ أَنَّ الرَّاوِيَ الضَّعِيفَ إذَا كَثُرَ مَجِيءُ مَعْنَى مَا رَوَاهُ يَكُونُ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ الضَّعِيفَ الْغَلَطُ دَائِمًا، وَلَا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ حَالِهِ السَّهْوَ وَالْغَلَطَ. هَذَا مَعَ اعْتِضَادِهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ مِنْ الصَّحِيحِ. وَحَدِيثُ الْعَضْبَاءِ كَانَ قَبْلَ إحْرَازِهِمْ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ أَلَا يُرَى إلَى قَوْلِهِ وَكَانُوا إذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا إلَخْ فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (الِاسْتِيلَاءُ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ) يَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ الْكَائِنَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ (فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَاسْتِيلَائِنَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ) فَإِنَّهُ مَا تَمَّ لَنَا الْمَلِكُ فِيهِ إلَّا لِهَذَا الْمَعْنَى (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُهُ مُبَاحًا إذْ ذَاكَ (لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ (لِضَرُورَةِ تَمَكُّنِ الْمُحْتَاجِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ) مِنْ الِانْتِفَاعِ (عَادَ مُبَاحًا) وَزَوَالُهَا عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْيَقِينِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، فَإِنَّ الْإِحْرَازَ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَامًّا وَهُوَ (الِاقْتِدَارُ عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا وَمَآلًا) بِالِادِّخَارِ إلَى وَقْتِ حَاجَتِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا أَحْرَزْنَا أَمْوَالَهُمْ لَا تَزُولُ أَمْلَاكُهُمْ؛ لِأَنَّ

وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إذَا صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةٍ تَفُوقُ الْمِلْكَ وَهُوَ الثَّوَابُ الْآجِلُ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الْعَاجِلِ؟ . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِصْمَةَ وَمُكْنَةَ الِانْتِفَاعِ ثَابِتَةٌ مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ وَالْمِلَّةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِالشَّكِّ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: الْمَحْظُورُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ. فَقَالَ: ذَاكَ فِي الْمَحْظُورِ لِنَفْسِهِ (أَمَّا الْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ فَلَا فَإِنَّا وَجَدْنَاهُ صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةٍ تَفُوقُ الْمِلْكَ وَهُوَ الثَّوَابُ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الدُّنْيَوِيِّ) وَالْقِيَاسُ عَلَى اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا، وَكَذَا عَلَى غَصْبِ الْمُسْلِمِ مَالَ الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إحْرَازٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْبَاغِي. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِصْمَةَ إنْ أُزِيلَتْ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ لَا يَكُونُ الِاسْتِيلَاءُ مَحْظُورًا لِيَحْتَاجَ إلَى هَذَا الْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَالَتْ لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لَهُمْ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِسْلَامِ، وَالْمُقَوَّمَةَ زَالَتْ؛ لِأَنَّهَا بِالدَّارِ. وَقَدْ يُقَالُ إنْ كَانَ الْمِلْكُ زَالَ تَبَعًا لِزَوَالِ الْقِيمَةِ صَارَ مُبَاحًا وَعَادَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ لَزِمَ الثَّانِي فَالْمَدَارُ الْإِبَاحَةُ وَعَدَمُهَا. ثُمَّ الْوَجْهُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ مَحْظُورٌ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إنْ أُرِيدَ بِهِ ابْتِدَاءُ الْأَخْذِ أَوْ إدْخَالُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَجِبُ كَوْنُهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَهُوَ قَبِيحٌ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُ الْغَصْبِ؛ لِقِيَامِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ قَبِيحٌ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ، كَذَا أُورِدَ فِي الْأُصُولِ عَلَى كَوْنِ الْغَصْبِ يُفِيدُ الْمِلْكَ ذَلِكَ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُفِيدَ لَهُ هُوَ الضَّمَانُ عَلَى مَا فِي تَوْجِيهِهِ مِنْ الْكَلَامِ، بَلْ نَقُولُ: لَيْسَ الِاسْتِيلَاءُ الْأَوَّلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ وَلَا الْإِدْخَالُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، بَلْ الْإِدْخَالُ سَبَبُ زَوَالِ مُكْنَةِ الِانْتِفَاعِ وَزَوَالُ مُكْنَةُ الِانْتِفَاعِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ لَا يَتَّصِفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَفْعَالِ. ثُمَّ الِاسْتِيلَاءُ الْكَائِنُ فِي الْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ الْمُبَاحِ سَبَبُ مِلْكِ الْكَافِرِ، وَهَذَا الِاسْتِيلَاءُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، وَإِبَاحَتُهُ مُسَبَّبَةٌ عَمَّا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَهُوَ زَوَالُ الْمُكْنَةِ، فَأَمَّا الْأَخْذُ وَمَا يَلِيهِ فَأَسْبَابٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَكَانَ الْوَجْهُ مَنْعَ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُنَا مَحْظُورٌ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُبَاحٌ. وَالسَّبَبُ الْبَعِيدُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُسَبَّبِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْبَعِيدَةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْمَعْلُولِ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ إبَاحَةً أَصْلًا. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي التَّقْرِيرِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مَحْظُورٍ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّ اسْتِيلَاءَهُمْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ وَبَعْدَهُ ارْتَفَعَتْ الْعِصْمَةُ فَوَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، كَمَالِ الْمُسْلِمِ ثَمَّةَ إذَا لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا يَقْتَضِي أَنَّ مَالَهُ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَالُهُ مَعْصُومٌ عَلَيْهِ غَيْرُ الْعَقَارِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ،

(فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدَهَا الْمَالِكُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَهُمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَحَبُّوا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «إنْ وَجَدْته قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْته بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِالْقِيمَةِ» وَلِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ زَالَ مِلْكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ نَظَرًا لَهُ، إلَّا أَنَّ فِي الْأَخْذِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ضَرَرًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ الْخَاصِّ فَيَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ؛ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالشَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَامَّةٌ فَيَقِلُّ الضَّرَرُ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ. (وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرٌ فَاشْتَرَى ذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَالِكُهُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مَجَّانًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْعِوَضَ بِمُقَابَلَتِهِ فَكَانَ اعْتِدَالُ النَّظَرِ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ، وَلَوْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ مَغْنُومًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَبَبُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ بَلْ يَكْفِي الْمَنْعُ بِأَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَحْظُورٌ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدَهَا الْمَالِكُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَهُمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَحَبُّوا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ إنْ وَجَدْته إلَخْ) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْحَدِيثِ وَنَظَائِرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: أَخَذَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ حُكْمًا لَازِمًا يَقْتَضِي قِيَامَ مِلْكِهِ. أُجِيبُ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْوَاهِبَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَهَبَهُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ شَرْعًا، وَكَذَا الشَّفِيعُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَالِكِ الْمُشْتَرِي فِي الْأَخْذِ وَلَا مِلْكَ لَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي الشَّرْعِ صُوَرًا يُقَدَّمُ فِيهَا غَيْرُ الْمَالِكِ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا أَرَيْنَاك فَلَأَنْ يُقَدَّمَ غَيْرُ الْمَالِكِ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ أَوْلَى وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِي الْمَغْنُومِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَجَبْرُ ضَرُورَةِ الْقَوِيِّ بِضَرَرٍ يَسِيرٍ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ أَوَّلًا فِي الْحَقِّ دُونَ الْمِلْكِ، وَثَانِيًا هِيَ شَرِكَةٌ عَامَّةٌ فَيَخِفُّ ضَرَرُ كُلِّ وَاحِدٍ خِفَّةً كَثِيرَةً. وَصُورَةُ الشَّفِيعِ شَبِيهَةٌ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِتَقَدُّمِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكٍ مُنْتَفٍ بِإِزَالَةِ مِلْكٍ مَوْجُودٍ بِالثَّمَنِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْجِوَارِ أَوْ الْخُلْطَةِ مَعَ دَفْعِ ضَرَرِ إتْلَافِ مَالِ الْآخَرِ، وَأَشْبَهَ بِالتَّاجِرِ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ ثَابِتٍ بِعِوَضٍ بِإِحْدَاثِ مِلْكٍ زَائِلٍ بِعِوَضٍ بِقَدْرِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا لَمْ يُزِلْ الْمِلْكَ الْخَاصَّ الْحَادِثَ لِلْغَازِي فِي مُقَابَلَةِ غَنَاءٍ حَصَلَ لَهُ لَا بِمُقَابَلَةِ مَالٍ بَذَلَهُ إلَّا بِبَدَلِهِ؛ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ وَيَخِفَّ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَأَنْ لَا يُزِيلَهُ بِرَفْعِ مِلْكٍ حَصَلَ بِعِوَضٍ بِإِحْدَاثِ مِلْكٍ إلَّا بِعِوَضٍ؛ لِيَعْتَدِلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْلَى. (وَلَوْ) أَنَّ التَّاجِرَ (اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ) هَذَا وَلَوْ تَرَكَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِشِرَائِهِ، وَإِخْرَاجِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ زَمَانًا طَوِيلًا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَيْسَ لَهُ كَالشَّفِيعِ إذَا لَمْ يَطْلُبْ الشُّفْعَةَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ (وَلَوْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ) فِي مُقَابَلَةِ مَا كَالْمَالِ أَوْ أَثْقَلَ مِنْ الْمَالِ إذْ الْمَالُ ثَابِتٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمُكَافَأَةَ مَطْلُوبَةٌ وَالظَّاهِرُ إيقَاعُهَا (فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ) وَقَدْ يُمْنَعُ هَذَا بِالرُّجُوعِ. وَلَوْ كَانَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ مِثْلِيًّا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَا

وَهُوَ مِثْلِيٌّ يَأْخُذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا يَأْخُذُهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْمِثْلِ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْهُوبًا لَا يَأْخُذُهُ لِمَا بَيَّنَّا. وَكَذَا إذَا كَانَ مُشْتَرًى بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا. قَالَ: (فَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أُخِذَ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ) أَمَّا الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ فَلِمَا قُلْنَا (وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ صَحِيحٌ، فَلَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمَّا تَحَوَّلَتْ إلَى الشَّفِيعِ صَارَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْخُذُهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (لِأَنَّ أَخْذَهُ بِالْمِثْلِ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ) الْمِثْلِيُّ (مَوْهُوبًا) مِنْ الْكَافِرِ لِلْمُخْرِجِ لَهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْمِثْلُ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ لِمَا قُلْنَا. (وَكَذَا إذَا كَانَ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْكُفَّارِ (مُشْتَرًى بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا) لَيْسَ لِصَاحِبِهِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ قَدْرًا مِنْهُ أَوْ بِجِنْسِهِ لَكِنْ أَدْوَنُ مِنْهُ أَوْ أَحْسَنُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمِثْلِ مَا أَعْطَى الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ. [فَرْعٌ] اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُشْتَرِي مِنْهُمْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَمَلَّكُ عَلَيْهِ مَالُهُ بِمَا يُقِرُّ هُوَ بِهِ كَالْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ، وَأَخَذَ أَرْشَهَا، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ صَحِيحٌ) ؛ لِأَنَّهُ آخِذٌ بَدَلِ مِلْكٍ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا عَلَى مَا سَنَذْكُرُ (فَلَوْ أَخَذَهُ) أَيْ الْأَرْشَ (أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ) دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَعَلِمْت أَنَّهُ لَا يُفِيدُ وَلَوْ أَخَذَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَبَاعَهَا الْغَانِمُ بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ فَأَرَادَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ أَخْذَ الْوَلَدِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ ذَلِكَ بِأَلْفٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَسَّمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْأَخْذِ، فَمَا أَصَابَ كُلًّا فَهُوَ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَلْفِ. (وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ) بِمَا نَقَصَ مِنْ عَيْنِهِ (لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ) بِمَا نَقَصَ مِنْ عَيْنِ الْعَبْدِ وَالْعَيْنُ كَالْوَصْفِ؛ لِأَنَّهَا يَحْصُلُ بِهَا وَصْفُ الْإِبْصَارِ،

الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ فِيهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، أَمَّا هَاهُنَا الْمِلْكُ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ فَاتَتْ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ فَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَابَلْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَبِفَوَاتِهِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. وَلِهَذَا لَوْ ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَقَدْ نَفَيَاهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَذَهَبَتْ يَدُهُ أَوْ عَيْنُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْعُقْرُ كَالْأَرْشِ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْوَصْفَ إنَّمَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ، أَمَّا إذَا صَارَ فَلَهُ حَظٌّ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يُحَطُّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يَخُصُّ الْعَيْنَ، وَلَوْ اعْوَرَّتْ فِي يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُحَطُّ بَلْ يُرَابَحُ عَلَى كُلِّ الثَّمَنِ، وَكَذَا فِي الشُّفْعَةِ إذَا كَانَ فَوَاتُ وَصْفِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ بِفِعْلٍ قَصْدِيٍّ قُوبِلَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ شَخْصٌ بَعْضَ بِنَاءِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتَهُ، وَلَوْ فَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَأَنْ جَفَّ شَجَرُ الْبُسْتَانِ وَنَحْوُهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَبِهَذَا أُورِدَ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَصْدِيِّ، أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَالشُّفْعَةُ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا سَوَاءٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْوَصْفَ إنَّمَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ عِنْدَ صَيْرُورَتِهِ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ فِي الْمِلْكِ الْفَاسِدِ، وَمَوْضِعُ وُجُوبِ اجْتِنَابِ الشُّبْهَةِ كَمَا ذَكَرْت مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ دُونَ الْخِيَانَةِ، وَلِلشُّبْهَةِ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ فِيهَا وَالْمِلْكُ فِي الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي كَالْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ تَحْوِيلِهِ إلَيْهِ. أَمَّا فِي الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا يُشْبِهُ الْفَاسِدَ فَالثَّمَنُ يُقَابِلُ الْعَيْنَ لَا غَيْرُ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تُضْمَنُ فِيهِ: أَيْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ فَسْخِ السَّبَبِ، فَالْأَصْلُ فِي تَقَوُّمِ الصِّفَاتِ هُوَ الْغَصْبُ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمَالِكِ وَمُبَالَغَةً فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ دُونَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِتَحَقُّقِ التَّرَاضِي فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ تَرَاضِيَهُمَا فِي حَقِّ الْحِلِّ، وَطَلَبَ رَدَّ كُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلَهُ إلَى الْآخَرِ. وَفِي الْكَافِي:

(وَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسَرُوهُ ثَانِيًا وَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الثَّانِي بِالثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الثَّانِي بِالثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ (ثُمَّ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِأَلْفَيْنِ إنْ شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ فَيَأْخُذُهُ بِهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ الثَّانِي غَائِبًا لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ حَضْرَتِهِ (وَلَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا أَهْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ ثَبَتَ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ نَصًّا وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَلَا يُحَطُّ عَنْهُ. هَذَا وَلَوْ أَنَّهُ فَقِئَ عَيْنَاهُ عِنْدَ الْغَازِي الْمَقْسُومِ لَهُ فَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَسَلَّمَهُ لِلْفَاقِئِ فَلِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ أَخْذُهُ مِنْ الْفَاقِئِ بِقِيمَتِهِ أَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: بِقِيمَتِهِ سَلِيمًا وَهِيَ الَّتِي أَعْطَاهَا الْفَاقِئُ لِلْمَوْلَى. لَهُمَا أَنَّهُ فَوَّتَ وَصْفًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ. وَلَهُ أَنَّهُ طَرَفٌ وَهُوَ مَقْصُودٌ فَهُوَ كَفَوَاتِ بَعْضِ الْأَصْلِ فَيُسْقِطُ حِصَّتَهُ مِنْ الْقِيمَةِ كَالْوَلَدِ مَعَ الْأُمِّ، وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِمَسْأَلَةِ الْهِدَايَةِ، بَلْ الْوَجْهُ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ فَوَاتَ الطَّرَفِ هُنَا بِفِعْلِ الَّذِي مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا ثُمَّ قَطَعَ طَرَفَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ رَاضِيًا بِتَنْقِيصِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْفَاقِئَ غَيَّرَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ. [فَرْعٌ] . أَسَرُوا جَارِيَةً، وَأَحْرَزُوهَا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ غَانِمٍ فَبَاعَهَا بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ، فَأَرَادَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ أَخْذَ الْوَلَدِ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ ذَلِكَ بِأَلْفٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَسَّمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْأَخْذِ، فَمَا أَصَابَ كُلًّا فَهُوَ حِصَّتُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَسَرُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (عَبْدًا) لِمُسْلِمٍ (فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ) مِنْهُمْ (بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسَرُوهُ ثَانِيًا، وَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَلْفٍ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ أَوَّلًا (أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الثَّانِي) وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّانِي غَائِبًا كَمَا سَيَذْكُرُ (لِأَنَّ الْأَسْرَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ) بَلْ عَلَى الثَّانِي، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ أَخْذِهِ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ إعْطَاؤُهُ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَهَبَهُ لَهُ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ، ثُمَّ إذَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِأَلْفٍ فَأَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَخَذَهُ بِأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِذَلِكَ فَفِي مُقَابَلَةِ الْعَبْدِ الَّذِي غَرْضُهُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ بِأَلْفٍ يَفُوتُ الْأَلْفُ الْأُخْرَى عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِلَا عِوَضٍ أَصْلًا. [فَرْعٌ] . لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ الثَّانِي بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ إنْ مِثْلِيًّا فَبِمِثْلِهِ، أَوْ قِيَمِيًّا بِأَنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مُقَايَضَةً فَبِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلْقَدِيمِ أَنْ يَنْقُضَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ؛ لِيَأْخُذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ وَالْوَجْهُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يَبِيعُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا أَهْلُ

الْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ مُدَبَّرِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَمُكَاتَبِينَا وَأَحْرَارَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي مَحَلِّهِ، وَالْمَحَلُّ الْمَالُ الْمُبَاحُ، وَالْحُرُّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا مَنْ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ، بِخِلَافِ رِقَابِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ. (وَإِذَا أَبَقَ عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ، وَلِهَذَا لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ. وَلَهُ أَنَّهُ ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِهِ لِتَحَقُّقِ يَدِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى فَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ) الْكَائِنَةِ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ (مُدَبَّرِينَا وَلَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَلَا مُكَاتَبِينَا وَلَا أَحْرَارَنَا، وَنَمْلِكُ نَحْنُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ) وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ التَّامُّ (إنَّمَا يُفِيدُ الْحُكْمَ) وَهُوَ الْمِلْكُ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ (فِي مَحَلِّهِ، وَمَحَلُّهُ الْمَالُ الْمُبَاحُ وَالْحُرُّ الْمُسْلِمُ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا مَنْ سِوَاهُ) مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ مُدَبِّرِينَا وَمَنْ بَعْدَهُمْ (لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمْ مِنْ وَجْهٍ) مَعَ الْإِسْلَامِ (بِخِلَافِ رِقَابِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً إلَى جِنَايَتِهِمْ) بِالْكُفْرِ (وَلَا جِنَايَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ) . وَيَتَفَرَّعُ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِمْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ لَوْ أَسَرُوا أُمَّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى دَارِهِمْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيُعَوِّضُ الْإِمَامُ مَنْ وَقَعَ فِي قَسْمِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قِيمَتَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى تَاجِرٌ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا عِوَضٍ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَبَقَ عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ (وَدَخَلَ إلَيْهِمْ) دَارَ الْحَرْبِ (فَأَخَذُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ؛ لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ قَابِلٍ لِلتَّمَلُّكِ مُحْرَزٍ بِدَارِ الْحَرْبِ وَبِهِ يَتِمُّ الْمِلْكُ لَهُمْ، وَهَذَا (لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لِحَقِّ الْمَالِكِ وَقَدْ زَالَتْ) وَصَارَ كَمَا لَوْ نَدَّتْ إلَيْهِمْ دَابَّةٌ: أَيْ شَرَدَتْ مِنْ بَابِ ضَرَبَ إلَّا أَنَّ مَصْدَرَهُ جَاءَ نُدُودًا كَمَا جَاءَ عَلَى نَدًّا الْقِيَاسِيِّ، وَكَمَا لَوْ أَخَذُوا الْعَبْدَ الْآبِقَ أَوْ غَيْرَ الْآبِقِ مِنْ دَارِنَا إذَا أَحْرَزُوهُ حَيْثُ يَمْلِكُونَهُ فَكَذَا هَذَا. (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَبْدَ ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ فَلَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى نَفْسَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْبُوضًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ يَدِهِ (لِتَحَقُّقِ يَدِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لِلْمَوْلَى مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى) بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ (فَظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ) سَابِقَةً عَلَى يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُمْ

وَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحِلًّا لِلْمِلْكِ، بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ. وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِغَيْرِ شَيْءٍ مَوْهُوبًا كَانَ أَوْ مُشْتَرًى أَوْ مَغْنُومًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يُؤَدَّى عِوَضُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإيَّاهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَرَاخَى لَحْظَةً عَنْ دُخُولِهِ، وَإِذَا سَبَقَتْ يَدُهُ يَدَهُمْ (صَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحِلًّا لِلتَّمَلُّكِ، بِخِلَافِ الْآبِقِ الْمُتَرَدِّدِ) فِي دَارِنَا إذَا أَخَذُوهُ (لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى قَائِمَةٌ عَلَيْهِ) مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا (لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ) فَيُمْكِنُهُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى وُجُودِهِ فَالِاقْتِدَارُ بَاقٍ (فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ) عَلَى نَفْسِهِ. وَلَا كَذَلِكَ الْمَأْذُونُ فِي الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ بِإِذْنِهِ وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ، وَبِخِلَافِ الدَّابَّةِ الَّتِي نَدَّتْ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِهِ لِلْيَدِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ اعْتِبَارِهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُؤَنَّثَةٌ وَقَدْ يُعَادُ عَلَى الظُّهُورِ أَيْ سُقُوطِ اعْتِبَارِ ظُهُورِهِ (وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ مِلْكٌ فِيهِ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِغَيْرِ شَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ مَوْهُوبًا) مِنْهُمْ لِلَّذِي أَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (أَوْ مُشْتَرًى) مِنْهُمْ (أَوْ مَغْنُومًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا) إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ (يُؤَدِّي) الْإِمَامُ (عِوَضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ (لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ؛ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ، وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ) وَتَفَرُّقِ الْمَالِ فِي أَيْدِيهِمْ، وَأَيْدِي غَيْرِهِمْ بِتَصَرُّفِهِمْ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْحَرَجِ، وَبَيْتُ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْ نَوَائِبِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَضَلَ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ يَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهُ كَلُؤْلُؤَةٍ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا لَحِقَ غَرَامَةٌ كَانَ فِيهِ، وَلَا يُعْطَى الْمُشْتَرِي شَيْئًا إذَا كَانَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى. فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِإِذْنِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ. وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ فِي الْمُشْتَرِي وَبِالْقِيمَةِ فِي الْمَوْهُوبِ كَمَا فِي الْمَأْسُورِ غَيْرِ الْآبِقِ. وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ فَأَبَقَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا مِنْ الْأَصْلِ فَهُوَ ذِمِّيٌّ تَبَعًا لِمَوْلَاهُ، وَفِي الْعَبْدِ

وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ جُعْلُ الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ إذْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ. (وَإِنْ نَدَّ بَعِيرٌ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ) لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ لِتَظْهَرَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. (وَإِنْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَصَاحِبُهُ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ) لِمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ أَبَقَ عَبْدٌ إلَيْهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ بِفَرَسٍ وَمَتَاعٍ فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْفَرَسَ وَالْمَتَاعَ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَمَا مَعَهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ) اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِي كُلِّ فَرْدٍ (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ) ؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِطَرِيقٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْبَيْعُ وَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ عَبْدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالذِّمِّيِّ إذَا أَبَقَ قَوْلَانِ ذَكَرَهُ فِي طَرِيقِهِ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْغَازِي أَوْ التَّاجِرِ (جَعْلُ الْآبِقِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ إذَا أَخَذَهُ؛ لِيَرُدَّهُ فَيَكُونُ عَامِلًا لَهُ وَهَاهُنَا إنَّمَا هُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَدَّ بَعِيرٌ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ) وَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى مِلْكِهِمْ إيَّاهُ أَنَّهُ (لَوْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ، وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ مَالِكًا مِنْهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ) . (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَقَ عَبْدٌ إلَيْهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ بِفَرَسٍ وَمَتَاعٍ فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَاشْتَرَى رَجُلٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْمَتَاعَ وَالْفَرَسَ بِالثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ أَيْضًا بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ) وَهَذِهِ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى مِلْكِهِمْ الْعَبْدَ الْآبِقَ إلَيْهِمْ عِنْدَهُمَا دُونَهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ ظَهَرَتْ عَلَى مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَتَمْنَعُ ظُهُورَ يَدِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ كَمَا مَنَعَتْ ظُهُورَ يَدِهِمْ عَلَيْهِ نَفْسِهِ لِسَبْقِهَا. أُجِيبُ بِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ صَارَ لَهُ يَدٌ بِلَا مِلْكٍ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهِ فَيَبْقَى فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْغَائِبِ فَيَمْلِكُهُ الْكُفَّارُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ سَبْقَ الْيَدِ يَمْنَعُ اسْتِيلَاءَهُمْ عِنْدَهُ، فَإِنَّهَا يَمْلِكُونَ الْمَالَ بِإِبَاحَتِهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُبَاحًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ يَدٌ لِأَحَدٍ، وَإِلَّا مَلَكُوا الْعَبْدَ، وَالْفَرْضُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ عَلَيْهِ يَدٌ فَتَدْفَعُ الِاسْتِيلَاءَ الْمُوجِبَ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِ مَنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ قَائِمٌ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ يَدَهُ ظَهَرَتْ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ فَكَانَتْ ظَاهِرَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَاعْتَبَرْنَاهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ الْمَالِ. وَدُفِعَ بِأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْعَبْدِ عَلَى الْمَالِ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ مَالٌ مُبَاحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا، وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً) حَالَ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (بِطَرِيقٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْبَيْعُ) فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا بَاعَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ إلَيْهِ (وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَبْرُ عَلَيْهِ فَبَقِيَ عَبْدًا فِي يَدِهِ) وَلِأَنَّ الْإِحْرَازَ بِدَارِ الْحَرْبِ سَبَبٌ؛ لِثُبُوتِ مِلْكِهِمْ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ، فَيُقَامُ الشَّرْطُ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ تَخْلِيصًا لَهُ، كَمَا يُقَامُ مُضِيُّ ثَلَاثِ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ إذَا أَخَذُوا عَبْدًا مُسْلِمًا دَارَ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ الثَّابِتُ لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ حَالَةَ الْإِحْرَازِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْبَيْعِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَا كَانَ إلَّا لِوُجُوبِ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ عَنْ إذْلَالِ الْكَافِرِ) فَهُوَ الْوَاجِبُ بِالذَّاتِ إجْمَاعًا، وَوُجُوبُ الْجَبْرِ عَلَى الْبَيْعِ لِيُتَوَصَّلَ إلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ تَعَيَّنَ إخْرَاجُهُ بِعِوَضٍ بَيْعًا طَرِيقًا حَالَ قِيَامِ أَمَانِهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ بِأَخْذِ مَالِهِ، وَلَوْلَاهُ لَأَعْتَقْنَاهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ أَمَانُهُ، وَسَقَطَتْ عِصْمَةُ مَالِهِ بِوُجُودِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَجِبُ التَّخْلِيصُ بِالْإِعْتَاقِ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ إعْتَاقَ الْقَاضِي قَدْ تَعَذَّرَ بِحُلُولِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، إذْ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى مَنْ هُنَاكَ فَأُقِيمَ شَرْطُ زَوَالِ عِصْمَةِ مَالِهِ، وَهُوَ دُخُولُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَقَامَ عِلَّةِ عِتْقِهِ وَهُوَ إعْتَاقُ الْقَاضِي (كَمَا أُقِيمَ مُضِيُّ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَقَامَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي) بَعْدَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْآخَرِ، وَإِبَائِهِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقَّ اسْتِرْدَادِهِ، فَإِذَا أَعْتَقْنَاهُ

فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. (وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَبِيدًا مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا وَخَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى بِعِتْقِهِمْ وَقَالَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ أَوْ بِالِالْتِحَاقِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، إذَا ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ، وَاعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ يَدِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ ثُبُوتًا عَلَى نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْحَرْبِيِّ حِينَ أَحْرَزَهُ أَبْطَلْنَا حَقَّ اسْتِرْدَادِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ إلَى رِقِّهِ جَبْرًا فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لِلْمُقْتَضِي عَنْ عَمَلِهِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ لَا يُفَرَّقُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ وَلَمْ يَهْرُبْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُعْتَقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الْقَهْرِ الْخَاصِّ وَقَدْ عُدِمَ إذْ زَالَ قَهْرُهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ. وَلَهُ أَنَّ قَهْرَهُ زَالَ حَقِيقَةً بِالْبَيْعِ، وَكَانَ إسْلَامُهُ يُوجِبُ إزَالَةَ قَهْرِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْخِطَابُ بِالْإِزَالَةِ فَأُقِيمَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ مَقَامَ الْإِزَالَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ) أَسْلَمَ وَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى (ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَكَذَا إذَا خَرَجَ عَبِيدٌ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ) مُسْلِمِينَ، وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ (لِمَا رَوَى) أَبُو دَاوُد مُسْنَدًا إلَى عَلِيٍّ قَالَ: «خَرَجَ عَبْدَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَتَبَ مَوَالِيهمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا خَرَجُوا رَغْبَةً فِي دِينِك، وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ، فَقَالَ نَاسٌ: صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ فَقَالَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَفِيهِ أَحَادِيثُ قَدَّمْنَاهَا، وَمِنْهَا إسْلَامُ عَبِيدِ الطَّائِفِ، وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرَةَ وَالْمُنْبَعِثُ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهَا فَهَذَا دَلِيلُ عِتْقِهِمْ إذَا خَرَجُوا مُسْلِمِينَ. وَأَمَّا عِتْقُهُمْ إذَا ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ فَلِأَنَّهُ لَمَّا الْتَحَقَ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ إلَيْهِمْ فِي أَنَّهُ امْتَنَعَ بِهِمْ. وَقَوْلُهُ: (وَاعْتِبَارُ يَدِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَرَضُهُ لِلْبَيْعِ فَبَاعَهُ، فَقَدْ وَرَدَتْ يَدُ الْغَانِمِينَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي اسْتِرْقَاقَهُمْ. أَجَابَ أَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَظْهَرْ لِحَقِّ الْمَوْلَى لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ. ثُمَّ هِيَ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا فِي الْمَوْلَى الْكَافِرِ فَيَسْتَحِقُّ الْحُكْمَ بِعِتْقِهِ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ مِنْ إذْلَالِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَصْلِ الْيَدِ لَا يَكْفِي مَا لَمْ يَتَأَكَّدْ إذْ لَا قُدْرَةَ بِدُونِهِ فَكَانَتْ مَنَعَةُ الْغَانِمِينَ هِيَ الْمُؤَكِّدَةُ لَهَا فَيُعْتَقُ. هَذَا وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى الدَّارِ فَهُوَ رَقِيقٌ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَيُعْتَقَ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَثْبُتُ وَلَاءٌ: أَيْ لَا يَثْبُتُ وَلَاءُ الْعَبْدِ الْخَارِجِ إلَيْنَا مُسْلِمًا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى الدَّارِ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا إذَا عَرَضَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ الْعَبْدُ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ حَقَّ الْإِعْتَاقِ بِالْإِسْلَامِ لَكِنَّا نَحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ آخَرَ؛ لِيَزُولَ بِهِ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَمَّا عَرَضَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَقَيْدُ الْمُرَاغَمَةِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ خَرَجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ لِحَاجَتِهِ، فَإِنَّهُ إذَا

فَالْحَاجَةُ فِي حَقِّهِ إلَى زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ وَفِي حَقِّهِمْ إلَى إثْبَاتِ الْيَدِ ابْتِدَاءً فَلِهَذَا كَانَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَرَجَ كَذَلِكَ فَأَسْلَمَ فِي دَارِنَا حُكْمُهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْإِمَامُ وَيَحْفَظَ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِأَمَانٍ صَارَتْ رَقَبَتُهُ دَاخِلَةً فِيهِ، كَمَا لَوْ دَخَلَ سَيِّدُهُ بِهِ وَبِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ. [فُرُوعٌ] . وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ جِنَايَةً خَطَأً أَوْ أَفْسَدَ مَتَاعًا فَلَزِمَهُ دَيْنُهُ ثُمَّ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» ثُمَّ تَبْطُلُ الْجِنَايَةُ دُونَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا تَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى، حَتَّى لَوْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لَا يَبْقَى فِيهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَفِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَنْهُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى كَمَا لَا يَبْطُلُ بِبَيْعِهِ. وَلَوْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ أَوْ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْغَنِيمَةِ فَأَخَذَهُ الْمَوْلَى فَكُلٌّ مَنْ الْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُعِيدُهُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَانَ ثَابِتًا فِي قَدِيمِ مِلْكِهِ. وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَتْلَ عَمْدٍ لَمْ تَبْطُلْ عَنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِهِ نَفْسُهُ فَلَا تَبْطُلُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ لُزُومِ الْقِصَاصِ. وَلَوْ وَقَعَ الْعَبْدُ الْمَأْسُورُ فِي سَهْمِ رَجُلٍ أَوْ اشْتَرَاهُ فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الْمَوْلَى نَفَذَ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ؛ وَلِأَنَّ وَلَاءَهُ لَزِمَ لِلْمُعْتِقِ عَلَى وَجْهٍ لَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ. وَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ بِلَا عِتْقٍ لِلْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَوَلَدَهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْوِلَادَةِ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا قَابِلَةً لِلنَّقْلِ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْ عَيْنِهَا فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَا يَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ فِي الْعَيْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ تَصَرُّفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْحَقُّ الضَّعِيفُ لَا يَعْدُو مَحَلَّهُ، وَالْوَلَدُ وَإِنْ كَانَ جُزْءًا فَفِي الْمَآلِ هُوَ مَحَلٌّ آخَرُ، بِخِلَافِ حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ قَوِيٌّ لَا يَبْطُلُ بِبَيْعِهِ أَوْ هِبَتِهِ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ. وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ بِلَا فَسْخٍ، وَالنِّكَاحُ أَلْزَمُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِهِ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا أَخَذَ مِنْ عُقْرِهَا، وَأَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ يُزَوِّجْهَا الْمُشْتَرِي فَلَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا الْمَوْلَى وَثُبُوتُ حَقِّ أَخْذِهِ لَا يَمْنَعُ وَطْءَ الْمَالِكِ. وَلَوْ أَسَرُوا جَارِيَةً مَرْهُونَةً بِأَلْفٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا وَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ أَخَذَهَا مَوْلَاهَا الرَّاهِنُ بِهَا وَلَمْ تَبْقَ رَهْنًا؛ لِأَنَّهَا تَاوِيَةٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ كَالْمُجَدِّدِ لِمِلْكِهَا فَلَا يَأْخُذُهَا الْمُرْتَهِنُ إلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّاهِنِ الْأَلْفَ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ. وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ، وَكَذَا إذَا صَارَ ذِمِّيًّا، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ حَرْبِيٍّ آخَرَ؛ وَلَوْ خَرَجَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ وَمَعَهُ ذَلِكَ الْمَالُ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَبْدًا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَلَا يُمَكَّنُ الْحَرْبِيُّ مِنْ إعَادَتِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَإِذْلَالِهِ. وَلَوْ أَسَرُوا جَارِيَةً وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ عَارِيَّةً أَوْ إجَارَةً فَحَقُّ الْأَخْذِ إذَا أُخْرِجَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ غَنِيمَةٍ لِمَالِكِهَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمَالِكِ لَا لِلْيَدِ، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مِنْ الْمُودَعِ وَمَنْ ذَكَرْنَا لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاسْتِرْدَادُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَالِكِ فِي حِفْظِهِ وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمَالِكِ بِالْغَصْبِ، بِخِلَافِ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَلَوْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ إحْرَازِهَا تُوجِبُ أَنْ يَمْلِكُوهَا، وَنَقْلُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ كَالْبَيْعِ، وَالتَّبَايُنُ الْقَاطِعُ لَهُ مَا هُوَ تَبَايُنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْمُسْلِمَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَقِيقَةً.

[باب المستأمن]

(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ) (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ دِمَائِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ بِالِاسْتِئْمَانِ، فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ، إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ أَوْ حَبَسَهُمْ أَوْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِعِلْمِ الْمَلِكِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَوُّضُ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا (فَإِنْ غَدَرَ بِهِمْ) أَعْنِي التَّاجِرُ (فَأَخَذَ شَيْئًا وَخَرَجَ بِهِ) ( ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ] ِ) . أَخَّرَهُ عَنْ الِاسْتِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ بِالْقَهْرِ يَكُونُ وَالِاسْتِئْمَانُ بَعْدَ الْقَهْرِ فَأَوْرَدَهُ كَذَلِكَ، وَتَقْدِيمُ اسْتِئْمَانِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُ) بِالِاسْتِئْمَانِ (ضَمِنَ) لَهُمْ (أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ) فَإِخْلَافُهُ غَدْرٌ (وَالْغَدْرُ حَرَامٌ) بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ» وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمَرَاءِ الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا «لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا» فِي وَصِيَّتِهِ لَهُمْ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَا لَوْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِنَا وَبَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمْ مُوَادَعَةٌ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْغَالِبَةِ شَيْئًا مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي غَنِمُوهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا؛ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَكَانَ شِرَاؤُنَا غَدْرًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَتَلُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَنَا الشِّرَاءُ، وَالشَّرْطُ الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا بِدَارِهِمْ بِخُصُوصِهَا، وَلَوْ كَانُوا اقْتَتَلُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَقُولُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْرِزَهَا الْغَالِبُونَ بِدَارِهِمْ إنْ كَانُوا لَا يَدِينُونَ أَنَّ مَنْ قَهَرَ آخَرَ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مَلَكَهُ، وَإِنْ كَانُوا يَدِينُونَ فَلَا؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَجَاءَ رَجُلٌ بِأُمِّهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لِيَبِيعَهُ مِنْهُ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَنْعِهِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إنْ كَانُوا يَدِينُونَ ذَلِكَ جَازَ شِرَاؤُهُ مِنْهُمْ، وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ: إنْ كَانُوا يَدِينُونَ أَنَّ مَنْ قَهَرَ آخَرَ مَلَكَهُ فَهُوَ إذَا مَلَكَ هَؤُلَاءِ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ فَيَصِيرُونَ أَحْرَارًا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُمْ، وَلَوْ جَاءَ بِبَعْضِ أَحْرَارِهِمْ قَالُوا: إنْ كَانُوا يَدِينُونَ أَنَّ مَنْ قَهَرَ شَخْصًا مَلَكَهُ جَازَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ، وَإِلَّا لَا، مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إحْرَازٌ بِدَارٍ أُخْرَى غَيْرِ دَارِ الْمَقْهُورِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، وَكَذَا قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ أَيْضًا (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ) وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ حَيْثُ قَالَ (فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ) وَتَرَكُوهُ فِي دَارِهِ (طَوْعًا) أَوْ أَعْتَقُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَأْمَنْ، وَعِتْقُهُمْ لَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ سَيِّدَهُ أَوْ غَيْرَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ وَيَمْلِكَهُ مِلْكًا لَا خُبْثَ فِيهِ. (فَإِنْ غَدَرَ بِهِمْ) التَّاجِرُ (فَأَخَذَ شَيْئًا، وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ

مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا) لِوُرُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، إلَّا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ (فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ هُوَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا وَاسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ لَمْ يُقْضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا؛ لِعَدَمِ وُرُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ) عِنْدَ عَدَمِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ فَأَوْرَثَ خُبْثًا فِيهِ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ كَمِلْكِ الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ مَعَ حُرْمَةِ مُبَاشَرَتِهِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ (لِأَنَّ الْحَظْرَ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ سَبَبِ الْمِلْكِ) كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إذَا صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةٍ تَفُوقُ الْمِلْكَ إلَخْ، وَسَبِيلُ مَا يُمْلَكُ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ التَّصَدُّقُ بِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ غَدْرًا جَارِيَةً لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنَّ حُرْمَةَ وَطْئِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً، وَتَحِلُّ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِيهِ؛ لِثُبُوتِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَبِبَيْعِ الْمُشْتَرِي انْقَطَعَ حَقُّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، وَهُنَا الْكَرَاهَةُ لِلْغَدْرِ وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِيهِ. أَمَّا لَوْ سَبَى قَوْمٌ أَهْلَ الدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ مِنْ السَّابِي؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُمْ بِالْإِحْرَازِ وَهُمْ كَانُوا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ الْغَدْرُ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَدْرًا. [فَرْعٌ نَفِيسٌ مِنْ الْمَبْسُوطِ] . لَوْ أَغَارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ الَّتِي فِيهِمْ الْمُسْلِمُ الْمُسْتَأْمَنُ، لَا يَحِلُّ لَهُ قِتَالُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ إلَّا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ لَمَّا كَانَ تَعْرِيضًا لِنَفْسِهِ عَلَى الْهَلَاكِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِذَلِكَ أَوْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَهُوَ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ لَيْسَ قِتَالُهُ لِهَؤُلَاءِ إلَّا إعْلَاءً لِلْكُفْرِ. وَلَوْ أَغَارَ أَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِي فِيهِمْ مُسْلِمُونَ مُسْتَأْمَنُونَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَسَرُوا ذَرَارِيَّهُمْ فَمَرُّوا بِهِمْ عَلَى أُولَئِكَ الْمُسْتَأْمَنِينَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْقُضُوا عُهُودَهُمْ وَيُقَاتِلُوهُمْ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ رِقَابَهُمْ فَتَقْرِيرُهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ تَقْرِيرٌ عَلَى الظُّلْمِ، وَلَمْ يَضْمَنُوا ذَلِكَ لَهُمْ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ، وَقَدْ ضَمِنُوا لَهُمْ أَنْ لَا يَتَعَرَّضُوا لِأَمْوَالِهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُونَ ذَرَارِيَّ الْخَوَارِجِ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ. وَمِنْ فُرُوعِهِ: لَوْ تَزَوَّجَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْهُمْ ثُمَّ أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قَهْرًا مَلَكَهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهَا، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَخَرَجَتْ طَوْعًا مَعَهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا فِي تَصْوِيرِهَا مَا إذَا أَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يُخْرِجُهَا لِيَبِيعَهَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا كَرْهًا لَا لِهَذَا الْغَرَضِ بَلْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِزَوْجَتِهِ حَيْثُ شَاءَ إذَا أَوْفَاهَا مُعَجَّلَ مَهْرِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَهَا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ هُوَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) مَالًا (ثُمَّ خَرَجَ) الْمُسْلِمُ (إلَيْنَا وَاسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ) فَخَرَجَ أَيْضًا مُسْتَأْمَنًا (لَمْ يُقْضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ. أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ

يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي غَصَبَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فَعَلَا ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ لِمَا قُلْنَا (وَلَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقْضَ بِالْغَصْبِ) أَمَّا الْمُدَايَنَةُ فَلِأَنَّهَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بِالتَّرَاضِي، وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ. وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَا خُبْثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) وَلَكِنْ يُفْتَى بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا قَاصِرٌ كَمَا تَرَى لَا يَشْمَلُ وَجْهَ عَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْضَى عَلَى الْمُسْلِمِ، وَعُمُومُ عَدَمِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُمَا بِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا وَصَارَ كَمَا لَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ. وَكَوْنُ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ دِيَانَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقَضَاءِ هُوَ أَيْضًا مِمَّا يَحْتَاج إلَى مُوجِبٍ. وَأَجَابَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، فَإِنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِي أَنْ يَبْطُلَ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِلَا مُوجِبٍ لِوُجُوبِ إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ بِمُوجِبٍ، بَلْ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِقَامَةِ وَالْإِجْلَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْإِدَانَةُ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ، وَالِاسْتِدَانَةُ الِابْتِيَاعُ بِالدَّيْنِ. (وَأَمَّا) أَنَّهُ لَا يُقْضَى (بِالْغَصْبِ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا (فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي غَصَبَهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْغَاصِبُ كَافِرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ مُسْلِمًا مُسْتَأْمَنًا (عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي بَابِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَفِي غَصْبِ الْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ مُغِيرَيْنِ دَارَ الْحَرْبِ إلَخْ، إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسْتَأْمَنَ الْغَاصِبَ لِمَالِ الْحَرْبِيِّ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إفْتَاءً لَا قَضَاءً؛ لِتَرْتَفِعَ مَعْصِيَةُ الْغَدْرِ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ كَمَا تَرَى (وَكَذَا لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فَعَلَا ذَلِكَ) أَيْ أَدَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ غَصَبَهُ (ثُمَّ خَرَجَا) إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَيْنِ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ) وَقَدْ أَدَانَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ غَصَبَهُ (يُقْضَى بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا خَاصَّةً دُونَ الْغَصْبِ) أَمَّا (الْقَضَاءُ بِالْمُدَايَنَةِ) أَيْ بِالدَّيْنِ (فَلِأَنَّهَا) حِينَ وَقَعَتْ (وَقَعَتْ صَحِيحَةً؛ لِوُقُوعِهَا بِالتَّرَاضِي، وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْقَضَاءِ لِاعْتِرَافِهِمَا بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ) وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إذْ لَمْ يُقْضَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بَلْ سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْعِلَاوَةِ إذْ يُقْضَى لِلْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. (وَأَمَّا الْغَصْبُ) فَإِنَّمَا لَا يُقْضَى بِهِ لِإِتْلَافِهِ فِيمَا مَلَكَهُ (وَلَا خُبْثَ

فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالرَّدِّ. (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَغَصَبَ حَرْبِيًّا ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ أُمِرَ بِرَدِّ الْغَصْبِ وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ) أَمَّا عَدَمُ الْقَضَاءِ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالرَّدِّ وَمُرَادُهُ الْفَتْوَى بِهِ فَلِأَنَّهُ فَسَدَ الْمِلْكُ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ نَقْصُ الْعَهْدِ (وَإِذَا دَخَلَ مُسْلِمَانِ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ) أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الدُّخُولِ بِالْأَمَانِ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ، وَلَا مَنَعَةَ دُونَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ لِيُؤْمَرَ بِالرَّدِّ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا. (قَوْلُهُ: إذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ فَغَصَبَ حَرْبِيًّا ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ إلَخْ) عُرِفَ أَحْكَامُهُمَا مِمَّا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ مُسْلِمَانِ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَى الْقَاتِلِ عَمْدًا الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (وَعَلَى الْقَاتِلِ خَطَأً الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) أَيْضًا (وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا بِالْإِسْلَامِ عُدْوَانًا وَظُلْمًا وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ، وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي سُقُوطِ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُكَثِّرٌ سَوَادَهُمْ مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ كَثَّرَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ كَانَ مُتَوَطِّنًا هُنَاكَ لَا يَكُونُ مَعْصُومًا، فَإِذَا كَانَ مُكَثِّرًا مِنْ وَجْهٍ تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي قِيَامِ الْعِصْمَةِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْقِصَاصَ فِي الْعَمْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ رِوَايَةِ الْإِمْلَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ حَيْثُ كَانَ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُنْتَقَضُ إحْرَازُهُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، وَالْقِصَاصُ حَقٌّ لِلْوَلِيِّ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى وِلَايَةِ الْإِمَامِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ يَنْدَرِجُ فِيمَا سَنَذْكُرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (أَمَّا الْكَفَّارَةُ) يَعْنِي فِي الْخَطَإِ (فَلِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (وَ) وُجُوبُ الدِّيَةِ (لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الدُّخُولِ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ (بِالْأَمَانِ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) فِي الْعَمْدِ (لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ، وَلَا مَنَعَةَ دُونَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ) فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوُجُوبِ. وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ بِسُقُوطِهِ بِعَارِضٍ مُقَارِنٍ لِلْقَتْلِ يَنْقَلِبُ كَقَتْلِ الرَّجُلِ ابْنَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ إذَا طَلَبَ الْوَلِيُّ تَمْكِينَهُ

وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ؛ وَفِي الْخَطَإِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا. (وَإِنْ كَانَا أَسِيرَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ تَاجِرٌ أَسِيرًا) فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: (فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ) ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلْ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَامْتِنَاعُ الْقِصَاصِ؛ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ وَيَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا قُلْنَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ؛ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلِهَذَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِحْرَازُ أَصْلًا وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ، وَلَا يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ قَتْلُ الْقَاتِلِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْوِلَايَةِ قَاصِرَةً وَقْتَ السَّبَبِ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْقَضَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ إذَا كَانَتْ ثَابِتَةً عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ رَفَعَ إلَى قَاضٍ مُطَالَبَةً بِثَمَنِ مَبِيعٍ صَدَرَ الْبَيْعُ فِيهِ قَبْلَ وِلَايَةِ الْقَاضِي فَإِنَّ وِلَايَتَهُ مُنْعَدِمَةٌ عِنْدَ السَّبَبِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الْمُرَافَعَةِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ بِالْإِسْلَامِ قَائِمَةٌ، وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ ثَابِتٌ وَهُوَ السَّبَبُ، وَالْمَانِعُ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْإِمَامِ مُنْتَفٍ لِمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِقَامَةَ يَنْفَرِدُ بِهَا الْوَلِيُّ فَمَنْعُهُ مِنْهُ خِلَافُ الدَّلِيلِ. فَالْأَقْرَبُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْقِصَاصِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا فِيهِ، إذْ نَمْنَعُ كَوْنَ ذَلِكَ شُبْهَةً تُوجِبُ السُّقُوطَ، أَوْ أَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إبَاحَةٍ فَالْكَوْنُ فِيهَا شُبْهَةٌ دَارِئَةٌ. وَقَدْ يُقَالُ: إنْ قُلْتُمْ إنَّهَا دَارُ إبَاحَةِ لِلْقَتْلِ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ أَوْ قَتْلُ الْكَافِرِ فِيهِ فَلَا يُفِيدُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ كَوْنَهَا دَارَ إبَاحَةٍ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ كَافٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ إبَاحَةَ الشَّرْعِ قَتْلَهُ لَمْ تَحْصُلْ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ بَلْ إبَاحَةٌ مِنْ جِهَتِهِ وَقَدْ جُعِلَ ذَلِكَ مَانِعًا إلَّا أَنْ نَمْنَعَ عَدَمَ الْقِصَاصِ فِي قَوْلِهِ اُقْتُلْنِي. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] وَ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْقَتْلِ خَطَأً، فَإِنَّهُ قَتْلٌ وَلَيْسَ يَجِبُ فِيهِ قِصَاصٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْمَعْنَى أَيْضًا. قَالَ: (وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَفِي الْخَطَأِ) إنَّمَا تَجِبُ أَيْضًا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِتَرْكِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ فِي حِفْظِ الْقَاتِلِ وَمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا) أَيْ الْمُسْلِمَانِ (أَسِيرَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ تَاجِرٌ أَسِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا (إلَّا الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَإِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ عِقَابُ الْآخِرَةِ فِي الْعَمْدِ (وَقَالَا: فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِئْمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الدُّخُولِ بِالْأَمَانِ فَكَانَ الْأَسِيرَانِ كَالْمُسْتَأْمَنَيْنِ (وَ) أَمَّا (امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ فَلِعَدَمِ الْمَنَعَةِ) كَمَا ذَكَرْنَا (وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِمَا قُلْنَا) أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ. هَذَا وَقِيَاسُ مَا نَقَلَ قَاضِي خَانْ عَنْهُمَا فِي الْمُسْلِمَيْنِ الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ أَنْ يَقُولَا بِهِ فِي الْأَسِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ يَعُمُّهُمَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسِيرَيْنِ وَالْمُسْتَأْمَنَيْنِ (أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْصُورًا فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى يَصِيرَ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِحْرَازُ أَصْلًا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَكَذَا تَبِعَهُ (وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا) فِي سُقُوطِ عِصْمَتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِجَامِعِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ

[فصل دخل الحربي إلينا مستأمنا]

وَخَصَّ الْخَطَأَ بِالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا. فَصْلٌ قَالَ: (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا لَمْ يُمَكَّنْ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا سَنَةً وَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ: إنْ أَقَمْتَ تَمَامَ السَّنَةِ وَضَعْتُ عَلَيْك الْجِزْيَةُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا فَتَلْتَحِقُ الْمَضَرَّةُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ الْمِيرَةِ وَالْجَلَبِ وَسَدَّ بَابِ التِّجَارَةِ، فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ لِمَصْلَحَةِ الْجِزْيَةِ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ إلَى وَطَنِهِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ صَارَ مُلْتَزِمًا الْجِزْيَةَ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَقِّتَ فِي ذَلِكَ مَا دُونَ السَّنَةِ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ (وَإِذَا أَقَامَهَا بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ يَصِيرُ ذِمِّيًّا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَ) إنَّمَا (خَصَّ الْكَفَّارَةَ بِالْخَطَإِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا) كَمَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِمَا حَدِيثُ الشُّبْهَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا فِيهِ. [فَصْلٌ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا لَمْ يُمَكَّنْ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا سَنَةً) ثُمَّ يَرْجِعُ (بَلْ يَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ إنْ أَقَمْتَ تَمَامَ السَّنَةِ وَضَعْتُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ. وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا لَهُمْ) أَيْ جَاسُوسًا (وَعَوْنًا عَلَيْنَا فَتَلْتَحِقُ الْمَضَرَّةُ بِالْمُسْلِمِينَ وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعُ الْمِيرَةِ وَالْجَلَبِ ) وَهُوَ مَا يُجْلَبُ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ (فَفَصَّلْنَا بَيْنَ الدَّائِمَةِ وَالْيَسِيرَةِ بِسَنَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ، فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَهَا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ) أَيْ قَوْلُهُ: لَهُ مَا يَعْتَمِدُهُ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ صَارَ

لِمَا قُلْنَا (ثُمَّ لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ، كَيْفَ وَأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الْجِزْيَةِ وَجَعْلَ وَلَدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَفِيهِ مَضَرَّةٌ بِالْمُسْلِمِينَ. (فَإِنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَهُوَ ذِمِّيٌّ) ؛ لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الرَّأْسِ، فَإِذَا الْتَزَمَهُ صَارَ مُلْتَزِمًا الْمَقَامَ فِي دَارِنَا، أَمَّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِذَا لَزِمَهُ خَرَاجُ الْأَرْضِ فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِلُزُومِ الْخَرَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذِمِّيًّا (فَلَا يُمَكَّنُ بَعْدَهَا مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِهِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ إذْ فِيهِ قَطْعُ الْجِزْيَةِ (وَتَصْيِيرُهُ وَوَلَدَهُ حَرْبًا عَلَيْنَا وَفِيهِ مَضَرَّةٌ بِالْمُسْلِمِينَ) وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ لِلسَّنَةِ الَّتِي أَقَامَهَا إلَّا إنْ قَالَ لَهُ: إنْ أَقَمْتهَا أَخَذْت مِنْك الْجِزْيَةَ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْعَوْدِ إذَا أَقَامَ سَنَةً، وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فَقَالَ: (لَوْ أَقَامَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّم إلَيْهِ الْإِمَامُ فَلَهُ الرُّجُوعُ) . قِيلَ: وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا، فَإِنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّم إلَيْهِ فَيَأْمُرَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ الْحَوْلُ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ بِقَوْلِهِ إنْ أَقَمْت طَوِيلًا مَنَعْتُك مِنْ الْعَوْدِ، فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً مَنَعَهُ، وَفِي هَذَا اشْتِرَاطُ التَّقَدُّمِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ مُدَّةً خَاصَّةً، وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَا أَنْ يُوَقِّتَ مُدَّةً قَلِيلَةً كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْحِقَهُ عُسْرًا بِتَقْصِيرِ الْمُدَّةِ جِدًّا خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مُعَامَلَاتٌ يَحْتَاجُ فِي اقْتِضَائِهَا إلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ. [فُرُوعٌ] لَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَنْ مَالٍ وَوَرَثَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وُقِفَ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ، فَإِذَا قَدِمُوا فَلَا بُدَّ أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْخُذُوا، فَإِنْ أَقَامُوا بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُبِلَتْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ إقَامَتَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ أَنْسَابَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْرِفُهَا الْمُسْلِمُونَ فَصَارَ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَإِذَا قَالُوا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ دَفَعَ إلَيْهِمْ الْمَالَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ كَفِيلًا لِمَا يَظْهَرُ فِي الْمَآلِ مِنْ ذَلِكَ. قِيلَ: هُوَ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُسْلِمِينَ. وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا، وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ كِتَابُهُ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَا يُمَكَّنُ أَنْ يَرْجِعَ مَعَهُ بِسِلَاحٍ اشْتَرَاهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ بَلْ بِاَلَّذِي دَخَلَ بِهِ، فَإِنْ بَاعَ سَيْفَهُ وَاشْتَرَى بِهِ قَوْسًا أَوْ نُشَّابًا أَوْ رُمْحًا لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى سَيْفًا أَحْسَنَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ مُكِّنَ مِنْهُ، وَمَنْ وُجِدَ فِي دَارِنَا بِلَا أَمَانٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ فَيْءٌ، فَإِنْ قَالَ: دَخَلْت بِأَمَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَأُخِذَ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا رَسُولٌ، فَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ كِتَابٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ بِعَلَامَةٍ تُعْرَفُ بِذَلِكَ كَانَ آمِنًا فَإِنَّ الرَّسُولَ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَمَانٍ خَاصٍّ بَلْ بِكَوْنِهِ رَسُولًا يَأْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَهُوَ زُورٌ فَيَكُونُ هُوَ وَمَا مَعَهُ فَيْئًا، وَإِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِلَا أَمَانٍ فَأَخَذَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَكُونُ فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ رِوَايَةُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ وَيَكُون فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا وَلَكِنْ لَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُؤْذَى حَتَّى يَخْرُجَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ صَارَ ذِمِّيًّا) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عُشْرِيَّةً فَإِنَّهَا تَسْتَمِرُّ عُشْرِيَّةً عَلَى قَوْلِ

فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَهُوَ ذِمِّيٌّ تَصْرِيحٌ بِشَرْطِ الْوَضْعِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ جَمَّةٌ فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ. (وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً) ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمُقَامَ تَبَعًا لِلزَّوْجِ (وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَرْجِعُ إلَى بَلَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ. (وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمْ فَقَدْ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْعَوْدِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ (وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ، فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظُهِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٍ، فَإِنَّهَا وَظِيفَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً فَتُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ وَقْتِ وَضْعِ الْخَرَاجِ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الذِّمِّيِّ فِي حَقِّهِ مِنْ مَنْعِ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَضَمَانِ الْمُسْلِمِ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ، وَوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً، وَوُجُوبِ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ، فَتَحْرُمُ غَيْبَتُهُ كَمَا تَحْرُمُ غَيْبَةُ الْمُسْلِمِ فَضْلًا عَمَّا يَفْعَلُهُ السُّفَهَاءُ مِنْ صَفْعِهِ وَشَتْمِهِ فِي الْأَسْوَاقِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا. وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْجَمَّةُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ وَالْجَمُّ الْكَثِيرُ، وَالْمُرَادُ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ إلْزَامُهُ بِهِ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِهِ، وَمُنْذُ بَاشَرَ السَّبَبَ وَهُوَ زِرَاعَتُهَا أَوْ تَعْطِيلُهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ زِرَاعَتُهَا بِالْإِجَارَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ بِهِ ذِمِّيًّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا خَرَاجُهَا عَلَى مَالِكِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْأَخْذِ؛ لِعَدَمِ الْأَخْذِ مِنْهُ. وَكَذَا إذَا أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا يُظَنُّ بِوَضْعِ الْإِمَامِ وَتَوْظِيفِهِ أَنْ يَقُولَ وَظَّفْت عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْخَرَاجَ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَطُّ لَا يَقُولُ فِي كُلِّ قِطْعَةِ أَرْضٍ كَذَلِكَ، بَلْ الْخَرَاجُ مِنْ حِينِ اسْتَقَرَّ وَظِيفَةً لِلْأَرَاضِيِ الْمَعْلُومَةِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ. نَعَمْ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ شِرَائِهَا كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ الْتَزَمَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُحْكَمُ بِالذِّمَّةِ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِهِ حَتَّى يَزُولَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِاسْتِمْرَارِهَا فِي يَدِهِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ بِتَعْطِيلِهَا أَوْ زِرَاعَتِهَا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً) فَفِي تَزَوُّجِهَا مُسْلِمًا أَوْلَى، وَعَكْسُهُ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ فَتَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا كَمَا قَالَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَرْبِيَّةِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ، وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بِأَنَّ تَزَوُّجَهُ لَيْسَ دَلَالَةَ الْتِزَامِهِ الْمَقَامَ، فَإِنَّ فِي يَدِهِ طَلَاقَهَا وَالْمُضِيَّ عَنْهَا بِخِلَافِهَا، فَحِينَ أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ كَانَتْ مُلْتَزِمَةً بِمَا يَأْتِي مِنْهُ، وَمِنْهُ عَدَمُ الطَّلَاقِ وَمَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى دَارِهَا فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً فَيُوضَعُ الْخَرَاجُ عَلَى أَرْضِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمْ فَقَدْ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْعَوْدِ وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ) لَهُ مَا دَامَ حَيًّا، وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ مِنْ غَيْرِ

عَلَى الدَّارِ فَقُتِلَ سَقَطَتْ دُيُونُهُ وَصَارَتْ الْوَدِيعَةُ فَيْئًا) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ، وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ (وَإِنْ قُتِلَ وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى الدَّارِ فَالْقَرْضُ الْوَدِيعَةُ لِوَرَثَتِهِ) وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَلِكَ مَالُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ فِي مَالِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ: (وَمَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ) قَالُوا: هُوَ مِثْلُ الْأَرَاضِي الَّتِي أَجْلَوْا أَهْلَهَا عَنْهَا وَالْجِزْيَةِ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِمَا الْخُمُسُ اعْتِبَارًا بِالْغَنِيمَةِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ وَكَذَا عُمَرُ وَمُعَاذٌ، وَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُخَمَّسْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُظْهَرَ عَلَى دَارِهِمْ كَمَا إذَا مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مَشْمُولٌ بِأَمَانِنَا مَا دَامَ فِي دَارِنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ فَيْئًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى دَارِهِمْ تَكُونُ فَيْئًا وَلَا تَكُونُ يَدُ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ مَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعْصُومٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إبَاحَةٍ لَا عِصْمَةٍ فَلَا يَصِيرُ مَعْصُومًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَثْبُتُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ نَفْسُهُ مَغْنُومًا وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤْسَرَ أَوْ يُظْهَرَ عَلَى دَارِهِ فَيُقْتَلَ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْوَدِيعَةِ فَيْئًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا، فَإِذَا غُنِمَ غُنِمَتْ، بِخِلَافِ مَا لَهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِهِ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ وَجْهٍ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا يَخْتَصُّ بِهَا الْمُودِعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّيْنِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَيَسْقُطُ عَمَّنْ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ يَدِهِ عَلَيْهِ مُنْتَفٍ إذْ قَدْ صَارَ مِلْكًا لِلْمَدْيُونِ، وَإِنَّمَا هِيَ ثَابِتَةٌ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ بِاسْتِغْنَامِهِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ. وَإِذَا حَقَّقْتَ هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ اخْتِصَاصَ الْمَدْيُونِ بِهِ ضَرُورِيٌّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ) أَيْ مَا أَعْمَلُوا خَيْلَهُمْ وَرِكَابَهُمْ فِي تَحْصِيلِهِ بِلَا قِتَالٍ. وَالْوَجْفُ وَالْوَجِيفُ ضَرْبٌ مِنْ سَيْرِ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ، وَيُقَالُ وَجَفَ الْبَعِيرُ وَجْفًا وَوَجِيفًا، وَأَوْجَفْتُهُ إذَا حَمَلْته عَلَى الْوَجِيفِ (يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجِ) وَكَذَا الْجِزْيَةُ فِي عُمَارَةِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَسَدِّ الثُّغُورِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا كَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ، وَإِلَى أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُحْتَسَبِينَ وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُقَاتِلَةِ وَحِفْظِ الطَّرِيقِ مِنْ اللُّصُوصِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ أَحَدٌ. (قَالُوا: هُوَ مِثْلُ الْأَرَاضِي الَّتِي أَجْلَوْا أَهْلَهَا عَنْهَا وَالْجِزْيَةِ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِمَا) وَفِي

وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِمُبَاشَرَةِ الْغَانِمِينَ وَبِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَحَقَّ الْخُمُسَ بِمَعْنًى وَاسْتَحَقَّهُ الْغَانِمُونَ بِمَعْنًى، وَفِي هَذَا السَّبَبِ وَاحِدٌ، وَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْخُمُسِ. (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَلَهُ امْرَأَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَمَالٌ أَوْدَعَ بَعْضَهُ ذِمِّيًّا وَبَعْضَهُ حَرْبِيًّا وَبَعْضَهُ مُسْلِمًا فَأَسْلَمَ هَاهُنَا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَيْءٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِ النُّسَخِ: فِيهَا أَيْ الْأَرْضِ، وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ، وَيُقَالُ أَجْلَى السُّلْطَانُ الْقَوْمَ وَجَلَّاهُمْ يَتَعَدَّى بِلَا هَمْزَةٍ: أَيْ أَخْرَجَهُمْ فَجَلَوْا: أَيْ خَرَجُوا، وَأَجْلَى الْقَوْمُ أَيْضًا خَرَجُوا، فَكُلٌّ مِنْ ذِي الْهَمْزَةِ وَعَدَمِهَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ بِلَا قِتَالٍ عَنْ خَوْفٍ أَوْ أُخِذَ مِنْهُمْ لِلْكَفِّ عَنْهُمْ يُخَمَّسُ، وَمَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ كَالْجِزْيَةِ وَعُشْرِ التِّجَارَةِ وَمَالِ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَفِي الْقَدِيمِ لَا يُخَمَّسُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَفِي الْجَدِيدِ يُخَمَّسُ. وَلِأَحْمَدَ فِي الْفَيْءِ رِوَايَتَانِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا لَا يُخَمَّسُ، ثُمَّ هَذَا الْخُمُسُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُصْرَفُ إلَى مَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ، وَذَكَرُوا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْجِزْيَةِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: مَا قَالَ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا فِي عَصْرِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْغَنِيمَةِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مَالٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكُفَّارِ عَنْ قُوَّةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّهُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ، وَفَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ خَمَّسَهُ بَلْ كَانَ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ وَلَوْ بِطَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَلَى مَا قَضَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَمُخَالَفَةُ مَا قَضَتْ بِهِ الْعَادَةُ بَاطِلٌ فَوُقُوعُهُ بَاطِلٌ، بَلْ قَدْ وَرَدَ فِيهِ خِلَافُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنٍ لِعَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى مَنْ سَأَلَهُ عَنْ مَوَاضِعِ الْفَيْءِ أَنَّهُ مَا حَكَمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَرَآهُ الْمُؤْمِنِينَ عَدْلًا مُوَافِقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَعَلَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» فَرَضَ الْأَعْطِيَةَ وَعَقَدَ لِأَهْلِ الْأَدْيَانِ ذِمَّةً بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ لَمْ يَضْرِبْ فِيهَا بِخُمُسٍ وَلَا مَغْنَمٍ. وَأَمَّا مَا فِي السُّنَنِ عَنْ عُمَرَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِصَةً يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ قُوتَ سَنَةٍ فَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَانَ إلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ، بَلْ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَصَارِفَ بَيْتِ الْمَالِ إذْ ذَاكَ لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْأَئِمَّةِ وَآلَاتِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَنَفَقَتِهِ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ قُضَاةٌ وَلَا جُسُورٌ وَلَا قَنَاطِرُ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ مَا تَحَقَّقَتْ لَهُ أَدْنَى قُدْرَةٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَفِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ دَفْعُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِكُلٍّ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْغَانِمِينَ وَقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتُحِقَّ الْخُمُسُ بِمَعْنًى وَاسْتُحِقَّ الْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ بِمَعْنًى، وَفِي هَذَا السَّبَبِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الرُّعْبِ الْخَالِي عَنْ الْقِتَالِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَبْعَاضِهِ مُسْتَحِقُّونَ بِجِهَتَيْنِ بَلْ اسْتِحْقَاقُهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَلَهُ امْرَأَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَمَالٌ أَوْدَعَ بَعْضَهُ ذِمِّيًّا وَبَعْضَهُ حَرْبِيًّا وَبَعْضَهُ مُسْلِمًا فَأَسْلَمَ هُنَا) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ ظُهِرَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى دَارِهِمْ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَيْءٌ.

أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ حَرْبِيُّونَ كِبَارٌ وَلَيْسُوا بِأَتْبَاعٍ، وَكَذَلِكَ مَا فِي بَطْنِهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لِمَا قُلْنَا مِنْ قَبْلُ. وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ، وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، وَكَذَا أَمْوَالُهُ لَا تَصِيرُ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِهِ نَفْسَهُ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ فَظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ) تَبَعًا لِأَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا تَحْتَ وِلَايَتِهِ حِينَ أَسْلَمَ إذْ الدَّارُ وَاحِدَةٌ (وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَهُوَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ مُحْتَرَمَةٍ وَيَدُهُ كَيَدِهِ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَيْءٌ) أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَلِمَا قُلْنَا. وَأَمَّا الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ الْحَرْبَى؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَعْصُومًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْحَرْبِيِّ لَيْسَتْ يَدًا مُحْتَرَمَةً. (وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ هُنَاكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ أَرَاقَ دَمًا مَعْصُومًا (لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ) لِكَوْنِهِ مُسْتَجْلِبًا لِلْكَرَامَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ أَصْلُهَا الْمُؤْثِمَةُ؛ لِحُصُولِ أَصْلِ الزَّجْرِ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلَادُ الْكِبَارُ فَإِنَّهُمْ حَرْبِيُّونَ وَلَيْسُوا بِأَتْبَاعٍ) لِلَّذِي خَرَجَ؛ لِأَنَّهُمْ كِبَارٌ (وَكَذَا مَا فِي بَطْنِهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا) يَكُونُ فَيْئًا مَرْقُوقًا (لِمَا قُلْنَا) فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ مِنْ أَنَّهُ جُزْؤُهَا (وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ، وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، وَكَذَا أَمْوَالُهُ لَا تَصِيرُ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِهِ نَفْسَهُ) بِالْإِسْلَامِ (لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا. فَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ) . إلَيْنَا (فَظُهِرَ عَلَى الدَّارِ) وَبَاقِي الصُّورَةِ بِحَالِهَا. (فَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ تَبَعًا لِأَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا تَحْتَ وِلَايَتِهِ حِينَ أَسْلَمَ) وَلَوْ كَانَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي هُمْ فِيهِمَا (إذْ الدَّارُ وَاحِدَةٌ، وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ مُحْتَرَمَةٍ وَيَدُهُ كَيَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِمَا غَصْبًا فَإِنَّهُ يَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ فَيْئًا إلَّا مَا كَانَ مِنْ غَصْبٍ عِنْدَ حَرْبِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَتَقَدَّمَتْ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مَعَ أُخْرَيَيْنِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ مُسْتَوْفًى. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ) صَالِحُونَ؛ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ (لِأَنَّهُ أَرَاقَ دَمًا مَعْصُومًا) بِالْإِسْلَامِ (لِكَوْنِ الْإِسْلَامِ مُسْتَحِقًّا لِلْكَرَامَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ أَصْلُهَا) الْعِصْمَةُ (الْمُؤْثِمَةُ؛ لِحُصُولِ أَصْلِ الزَّجْرِ بِهَا) أَيْ بِالْعِصْمَةِ،

وَهِيَ ثَابِتَةٌ إجْمَاعًا، وَالْمُقَوَّمَةُ كَمَالٍ فِيهِ لِكَمَالِ الِامْتِنَاعِ بِهِ فَيَكُونُ وَصْفًا فِيهِ فَتَتَعَلَّقُ بِمَا عُلِّقَ بِهِ الْأَصْلُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةَ. جَعَلَ التَّحْرِيرَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ أَوْ إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَنْتَفِي غَيْرُهُ، وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ بِالْآدَمِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ بِهِ، أَيْ بِالْإِثْمِ لَكَانَ أَحْسَنَ (وَ) الْعِصْمَةُ (الْمُقَوَّمَةُ كَمَالٍ فِيهِ) أَيْ فِي أَصْلِ الْعِصْمَةِ (لِكَمَالِ الِامْتِنَاعِ بِهِ) أَيْ التَّقْوِيمِ عَلَى الْمُنْتَهِكِ لَهَا (فَتُعَلَّقُ) هَذِهِ الْعِصْمَةُ (بِمَا عُلِّقَ بِهِ الْأَصْلُ) أَعْنِي الْمُؤْثِمَةَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " فَتَنْصَرِفُ الْعِصْمَةُ إلَى كَمَالِهَا وَذَلِكَ بِالْمُقَوَّمَةِ وَالْمُؤْثِمَةِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَإِنَّهُ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى مَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ اكْتِفَاءً بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَفَاضَ فِي تَفَاصِيلِ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ الْخَطَإِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ كَانَ} [النساء: 92] أَيْ الْمَقْتُولُ {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَعُرِفَ أَنَّهُ تَمَامُ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّهُ مُفِيضٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَائِنِ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا فَقَالَ مُوجِبُهُ كَذَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلَّ الْمُوجِبِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِمُوجِبِهِ بَلْ لِبَعْضِ مُوجِبِهِ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا آخَرَ قَدَّمَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ، وَقَرَّرَ بِأَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ هُوَ الْكَافِي يُقَالُ جَزَى فُلَانٌ: أَيْ كَفَى وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْجَزَاءِ الْمَجْعُولِ مَعْنَى الْفَاءِ لَفْظٌ اصْطِلَاحِيٌّ: أَيْ جَعْلِيٌّ لَا أَنَّ اللُّغَةَ وَضَعَتْ لَفْظَ الْفَاءِ لِمَعْنَى لَفْظِ الْجَزَاءِ حَتَّى يُقَالَ الْجَزَاءُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْفَاءِ الْكَافِي. بَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِ النُّحَاةِ الْفَاءُ لِلْجَزَاءِ: أَيْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُسَبَّبٌ عَمَّا قَبْلَهَا فَسُمِّيَ الْمُسَبَّبُ جَزَاءً اصْطِلَاحًا لَا لُغَةً فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ) فِي الْأَصْلِ (بِالْآدَمِيَّةِ) لَا بِوَصْفِ الْإِسْلَامِ

لِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مُتَحَمِّلًا أَعْبَاءَ التَّكْلِيفِ، وَالْقِيَامَ بِهَا بِحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ، وَالْأَمْوَالُ تَابِعَةٌ لَهَا. أَمَّا الْمُقَوَّمَةُ فَالْأَصْلُ فِيهَا الْأَمْوَالُ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يُؤْذِنُ بِجَبْرِ الْفَائِتِ وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ النُّفُوسِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ التَّمَاثُلَ، وَهُوَ فِي الْمَالِ دُونَ النَّفْسِ فَكَانَتْ النُّفُوسُ تَابِعَةً، ثُمَّ الْعِصْمَةُ الْمُقَوَّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ؛ لِأَنَّ الْعِزَّةَ بِالْمَنَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي النُّفُوسِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ مَنَعَةِ الْكَفَرَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ أَوْجَبَ إبْطَالَهَا. وَالْمُرْتَدُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِنَا مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ حُكْمًا لِقَصْدِهِمَا الِانْتِقَالَ إلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ خُلِقَ مُتَحَمِّلًا أَعْبَاءَ التَّكَالِيفِ وَالْقِيَامِ بِهَا) لَا يُمْكِنُ إلَّا مَعَ (حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لَهُ) ، وَإِنَّمَا زَالَتْ بِعَارِضِ الْكُفْرِ فَإِذَا انْتَفَى عَادَتْ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ مُبَاحَةٌ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَالْعِصْمَةُ الْمُقَوَّمَةُ بِالْعَكْسِ فَالْأَمْوَالُ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا لَا النُّفُوسُ (لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يُؤْذِنُ بِجَبْرِ الْفَائِتِ) وَمِنْ شَرْطِهِ التَّمَاثُلُ وَهُوَ فِي الْأَمْوَالِ لَا النُّفُوسِ، فَكَانَتْ النُّفُوسُ تَابِعَةً فِي الْعِصْمَةِ الْمُقَوِّمَةِ لِلْأَمْوَالِ. (ثُمَّ الْعِصْمَةُ الْمُقَوَّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ؛ لِأَنَّ الْعِزَّةَ بِالْمَنَعَةِ، فَكَذَا فِي النُّفُوسِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ اعْتِبَارَ مَنَعَةِ الْكُفْرِ) فَأَوْجَبَ بُطْلَانَهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ فِي الْمُرْتَدِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ إذَا قُتِلَا فِي دَارِنَا الدِّيَةُ. أَجَابَ بِأَنَّهُمَا (مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا لِقَصْدِ الِانْتِقَالِ إلَيْهَا) فَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ» فَنَقُولُ: لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ الْعِصْمَةِ شَرْعًا وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَمَالُهَا إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا بِحَقِّهِ وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَكُونُوا فِي دَارِنَا لَا يُكَثِّرُونَ

(وَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ قَتَلَ حَرْبِيًّا دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً خَطَأً فَتُعْتَبَرُ بِسَائِرِ النُّفُوسِ الْمَعْصُومَةِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلْإِمَامِ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ (وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ) ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَعْصُومَةٌ، وَالْقَتْلَ عَمْدٌ، وَالْوَلِيَّ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْعَامَّةُ أَوْ السُّلْطَانُ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ مَعْنَاهُ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ وَهُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ أَنْفَعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقَوَدِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْمَالِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْعَامَّةِ وَوِلَايَتُهُ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَادَ الْعَدُوِّ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَنْتَهِضُ فِي الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ قَتَلَ حَرْبِيًّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً) بِالْإِسْلَامِ وَدَارِهِ (خَطَأً، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِلْإِمَامِ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ لَا وَارِثَ لَهُ) بِالْفَرْضِ لَا أَنَّ الْمَأْخُوذَ يَمْلِكُهُ هُوَ بَلْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، (وَإِنْ كَانَ) قَتْلُ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ وَالْمُسْتَأْمَنِ الَّذِي أَسْلَمَ، وَلَمْ يُسْلِمْ مَعَهُ وَارِثٌ قَصْدًا وَلَا تَبَعًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ دَخَلَ بِهِ إلَيْنَا (عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ) مِنْهُ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَا الْجَبْرِ (لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ عِنْدَنَا الْقِصَاصُ عَيْنًا) إلَّا أَنْ يَتَصَالَحُوا عَلَى الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلسُّلْطَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ. (قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ) وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَالدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلِهِ لَكِنْ قَدْ يَعُودُ إلَيْهِمْ مِنْ قَتْلِهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى هِيَ أَنْ يَنْزَجِرَ أَمْثَالُهُ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ فَيُرَى بِمَا هُوَ أَنْفَعُ فِي رَأْيِهِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ قَدْ تَكُونُ أَنْفَعَ، وَإِلَّا كَانَ يَتَعَيَّنُ الصُّلْحُ مِنْهُ عَلَيْهَا. (وَأَمَّا أَنْ يَعْفُوَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى الْعَامَّةِ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ) وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا فَقَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا أَقْتُلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَلِيٍّ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ إنْ كَانَ ابْنَ رَشْدَةٍ، وَكَالْأُمِّ إنْ كَانَ ابْنَ زِنًا، فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ فَلَا يُسْتَوْفَى كَالْمُكَاتَبِ الَّذِي قُتِلَ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَتَرَكَ وَفَاءً. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَلِيٌّ وَلَا هُوَ فِي مَظِنَّتِهِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُفِيدُ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَكَانَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَيُسْتَوْفَى.

[باب العشر والخراج]

(بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ) قَالَ: (أَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عُشْرٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيُمْنِ بِمَهْرَةَ إلَى حَدِّ الشَّامِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ] لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا ذَكَرَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا وَذَلِكَ هُوَ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِ وَرَأْسِهِ، وَفِي تَفَارِيعِهِمَا كَثْرَةٌ فَأَوْرَدَهُمَا فِي بَابَيْنِ، وَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَانَ بِعَرْضٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعُشْرَ فِيهِ أَيْضًا تَتْمِيمًا لِوَظِيفَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا السَّبَبُ فِي الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ جَمِيعًا، وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ. وَالْعُشْرُ لُغَةً وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَالْخَرَاجُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ أَوْ نَمَاءِ الْغُلَامِ، وَسُمِّيَ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ وَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَالرَّأْسِ، وَحَدَّدَ الْأَرَاضِيَ الْعُشْرِيَّةَ وَالْخَرَاجِيَّةَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَضْبَطُ فَقَالَ (أَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا عُشْرِيَّةٌ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ) وَهُوَ مَاءٌ لِتَمِيمٍ وَذَكَرَ ضَمِيرَ الْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهِ وَهُوَ لَفْظُ " مَا " فِي قَوْلِهِ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ (إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ عَلَى الظَّاهِرِ، وَحَجَرٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِهَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: حُدُودُ أَرْضِ الْعَرَبِ مَا وَرَاء حُدُودِ الْكُوفَةِ إلَى أَقْصَى صَخْرٍ بِالْيَمَنِ، فَعُرِفَ أَنَّهُ حَجَرٌ بِالْفَتْحِ، وَالْمُرَادُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْيَمَنِ وَهُوَ آخِرُ حَجَرٍ مِنْهَا، وَمَهَرَةُ حِينَئِذٍ فِي آخِرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْيَمَنِ، وَقَوْلُهُمْ مِنْ أَوَّلِ عَذِيبِ الْقَادِسِيَّةِ إلَى آخِرِ حَجَرٍ يُوجِبُ أَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَرَاءَ أَرْضِ الْكُوفَةِ، هَذَا طُولُهَا، وَعَرْضُهَا مِنْ رَمْلِ يَبْرِينَ وَالدَّهْنَاءِ وَيُعْرَفُ بِرَمْلِ عَالِجٍ إلَى مَشَارِفِ الشَّامِ: أَيْ قُرَاهَا، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِمُنْقَطِعِ السَّمَاوَةِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةُ وَمَكَّةُ وَالْيَمَنُ وَالطَّائِفُ وَالْبَرِيَّةُ. وَالْحِجَازُ هُوَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ سُمِّيَ جَزِيرَةً؛ لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشِ وَبَحْرَ فَارِسٍ

وَالسَّوَادُ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ، وَمِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ وَيُقَالُ مِنْ الْعَلْثِ إلَى عَبَّادَانَ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرَاضِي الْعَرَبِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرَاضِيِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقَرَّ أَهْلُهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ، وَعُمَرُ حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ. قَالَ: (وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً وَقَهْرًا لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْخَرَاجَ فَتَبْقَى الْأَرَاضِي مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (: وَكُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَكَذَا هُوَ أَخَفُّ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْخَارِجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفُرَاتَ أَحَاطَتْ بِهَا، وَسُمِّيَ حِجَازًا؛ لِأَنَّهُ حُجِزَ بَيْن تِهَامَةَ وَنَجْدٍ (وَالسَّوَادُ) أَيْ سَوَادُ الْعِرَاقِ: أَيْ أَرْضُهُ سُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ اخْضِرَارِهِ. وَحْدَهُ (مِنْ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ) عَرْضًا (وَمِنْ الْعَلْثِ إلَى عَبَّادَانَ) طُولًا (وَيُقَالُ مِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ إلَى عَبَّادَانَ) قِيلَ هُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الثَّعْلَبِيَّةَ بَعْدَ الْعُذَيْبِ بِكَثِيرٍ، إذَا عُرِفَ هَذَا فَأَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا عُشْرِيَّةٌ (لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ) بَعْدَهُ (لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ) وَلَوْ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَقَضَتْ الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ وَلَوْ بِطَرِيقٍ ضَعِيفٍ، فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ قَضَاءُ الْعَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ. (وَلِأَنَّ شَرْطَ الْخَرَاجِ أَنْ يُقَرَّ أَهْلُهَا) عَلَيْهَا (عَلَى كُفْرِهِمْ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَالْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ) ، وَإِلَّا يَقْتُلُونَ؛ وَلِأَنَّهُ كَمَا لَا رِقَّ عَلَى الْعَرَبِ فَكَذَا لَا خَرَاجَ عَلَى أَرْضِهِمْ، وَسَوَادُ الْعِرَاقِ الْمُحَدَّدُ الْمَذْكُورُ خَرَاجِيٌّ (لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ أَثَرٌ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي تَقْدِيرِ الْمَوْضُوعِ. وَقَوْلُهُ: (وَوُضِعَ عَلَى مِصْرَ إلَخْ) أَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ إلَى مَشْيَخَةٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ افْتَتَحَ مِصْرَ عَنْوَةً وَاسْتَبَاحَ مَا فِيهَا وَعَزَلَ مِنْهُ مَغَانِمَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ صَالَحَهُمْ بَعْدُ عَلَى وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجِ عَلَى أَرَاضِيهمْ، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ،، وَأَسْنَدَ أَيْضًا إلَى عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَبْعَثُ بِجِزْيَةِ أَهْلِ مِصْرَ وَخَرَاجِهَا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُلَّ سَنَةٍ بَعْدَ حَبْسِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَقَدْ اسْتَبْطَأَهُ عُمَرُ فِي الْخَرَاجِ سَنَةً فَكَتَبَ بِكِتَابٍ يَلُومُهُ وَيُشَدِّدُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مِنْ أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى يَدَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. ، وَأَمَّا وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِ الشَّامِّ فَمَعْرُوفٌ. قِيلَ وَمُدُنُ الشَّامِّ فُتِحَتْ صُلْحًا، وَأَرَاضِيهَا عَنْوَةً عَلَى يَدِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَشُرَحْبِيلِ بْنِ حَسَنَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَفُتِحَتْ أَجْنَادِينَ صُلْحًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي دَالِهَا الْفَتْحُ فِي الْمَشْهُورِ وَالْكَسْرُ. (قَوْلُهُ: وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ) فِيهَا بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ (لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ، وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِهَا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا) عَلَيْهَا فَأَحْرَزُوا مِلْكَهُمْ فِيهَا (أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ) الْوَاجِبُ (بِنَفْسِ الْخَارِجِ) فَلَا يُؤْخَذُ

(وَكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ) وَكَذَا إذَا صَالَحَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ، وَمَكَّةُ مَخْصُوصَةٌ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَحَهَا عَنْوَةً وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا، وَلَمْ يُوَظِّفْ الْخَرَاجَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَوَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ، وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَمْ يَكُنْ خَارِجًا فَهُوَ أَلْيَقُ بِالْمُسْلِمِ. (وَكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَكَذَا إذَا صَالَحَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ لِلتَّعَلُّقِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ، وَفِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَمَكَّةُ مَخْصُوصَةٌ مِنْ هَذَا) الْعُمُومِ (فَإِنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً) عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا بِمَا لَا يُشَكُّ مَعَهُ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً (وَلَمْ يُوَظَّفْ عَلَيْهَا خَرَاجًا) وَلِنَخُصَّ هَذَا الْمَكَانَ بِحَدِيثٍ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ فَقَالَ «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى إحْدَى الْمَجْبَنَتَيْنِ وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمَجْبَنَةِ الْأُخْرَى وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْجِسْرِ، وَأَخَذُوا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَتِيبَةٍ، قَالَ: فَنَظَرَ إلَيَّ وَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قُلْت لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ فَلَا يَأْتِينِي إلَّا أَنْصَارِيٌّ، فَهَتَفَ بِهِمْ فَجَاءُوا فَأَطَافُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَا تَرَوْنَ إلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ، وَأَتْبَاعِهِمْ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَضَرَبَ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَقَالَ: اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا حَتَّى تُوَافُونِي عَلَى الصَّفَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إلَّا قَتَلَهُ» الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، فَاضْمُمْ هَذَا إلَى مَا هُنَاكَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقُتَبِيُّ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَصُلْحًا مِنْ الْبِلَادِ فَذَكَرَ أَنَّ الْأَهْوَازَ وَفَارِسَ، وَأَصْبَهَانَ فُتِحَتْ عَنْوَةً لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى يَدَيْ أَبِي مُوسَى وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَكَانَتْ أَصْبَهَانُ عَلَى يَدَيْ أَبِي مُوسَى خَاصَّةً، وَأَمَّا خُرَاسَانُ وَمَرْوُ الرُّوذِ فُتِحَتَا صُلْحًا فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ إلَى يَدَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَأَمَّا مَا وَرَاءَهُمَا فَافْتُتِحَ بَعْدَ عُثْمَانَ عَلَى يَدِ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِمُعَاوِيَةَ صُلْحًا وَسَمَرْقَنْدُ وكش وَنَسَفُ وَبُخَارَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ وَقُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ. وَأَمَّا الرَّيُّ فَافْتَتَحَهَا أَبُو مُوسَى فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ صُلْحًا، وَفِي وِلَايَتِهِ فُتِحَتْ طَبَرِسْتَانَ عَلَى يَدَيْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ صُلْحًا، ثُمَّ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَلَاءِ وَالطَّالِقَانِ وَدُنْبَاوَنْدُ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ. وَأَمَّا جُرْجَان فَفِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، وَكَرْمَانُ وَسِجِسْتَانُ فَتَحَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ صُلْحًا. وَافْتُتِحَ الْجَبَلُ كُلُّهُ عَنْوَةً فِي وَقْعَةِ جَلُولَاءَ، وَنَهَاوَنْدُ عَلَى يَدَيْ سَعْدٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ. وَأَمَّا الْجَزِيرَةُ فَفُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى يَدَيْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ وَالْجَزِيرَةُ مَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَالْمُوصِلُ مِنْ الْجَزِيرَةِ، وَأَمَّا هَجَرُ فَأَدَّوْا الْجِزْيَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَا دَوْمَةُ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا الْيَمَامَةُ فَافْتَتَحَهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا الْهِنْدُ فَافْتَتَحَهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَوَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ إلَخْ) قَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ مُخَالَفَةٌ بَيْنَ مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْجَامِعِ أَوْ زِيَادَةٌ فِي الْجَامِعِ يَقُولُ بَعْدَ لَفْظِ

قَالَ: (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَيِّزِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَمَعْنَاهُ بِقُرْبِهِ (فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ) ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُدُورِيِّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى آخِرِهِ، وَهُنَا الْمُخَالَفَةُ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ: كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ مُطْلَقٍ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ أَوْ لَا يَصِلُ بِأَنْ اُسْتُنْبِطَ فِيهَا عَيْنٌ، وَلَفْظُ الْجَامِعِ قَيَّدَ خَرَاجِيَّتَهَا بِأَنْ يَصِلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ تُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ لَمْ تَكُنْ إلَّا خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا كُفَّارٌ. وَالْكُفَّارُ لَوْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُشْرِيَّةَ قَدْ تُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ لَا تَبْقَى عَلَى الْعُشْرِيَّةِ بَلْ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَكَيْفَ يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِتَوْظِيفِ الْعُشْرِ، ثُمَّ كَوْنُهَا عُشْرِيَّةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَذَلِكَ، أَمَّا فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ أَيْضًا يَمْنَعُهُ، وَالْعِبَارَةُ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ الْجَامِعِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَيْسَتْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِالْقِتَالِ فَصَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَاسْتُخْرِجَ فِيهِ عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ وَالْأَرَاضِي الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ. فَقَوْلُهُ: وَكُلُّ شَيْءٍ يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ عَطْفٌ عَلَى كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَالْعَطْفُ يُوجِبُ الْمُغَايَرَةَ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: وَكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً وَوَصَفَهَا أَنَّهَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ. وَحَاصِلُهُ تَقْسِيمُ أَرْضِ الْخَرَاجِ إلَى مَا يُفْتَحُ عَنْوَةً، وَإِلَى مَا لَمْ يُفْتَحْ عَنْوَةً لَكِنَّهَا تُسْقَى بِمَاءِ الْأَنْهَارِ. نَعَمْ يَجِبُ تَقْيِيدُ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا بِالضَّرُورَةِ، وَكَأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ، إذْ لَا يَبْتَدِئُ الْمُسْلِمُ فِي أَوَّلِ الْفَتْحِ قَطُّ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ فِي الْأَرَاضِي الْمَقْسُومَةِ كَمَا يَجِبُ تَقْيِيدُ الْأَنْهَارِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ خَرَاجِيَّةً مَا لَمْ تَكُنْ حَوْلَهَا الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً إنْ أُقِرَّ الْكُفَّارُ عَلَيْهَا لَا يُوَظَّفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْخَرَاجُ، وَلَوْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ، وَإِنْ قُسِّمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظَّفُ إلَى الْعُشْرِ، وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهَارِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَبِالضَّرُورَةِ يُرَادُ الْأَرْضُ الَّتِي أَحْيَاهَا مُحْيٍ، فَإِنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً مِمَّا يُبْتَدَأُ فِيهَا التَّوْظِيفُ غَيْرَ الْمَقْسُومَةِ، وَالْمُقَرَّرِ أَهْلُهَا عَلَيْهَا لَيْسَ إلَّا الْمَوَاتَ الَّتِي أُحْيِيَتْ، وَيَصِيرُ الْمَعْنَى كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ إذَا أَقَامَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً بَلْ أَحْيَاهَا مُسْلِمٌ إنْ كَانَ صِفَتُهَا أَنَّهَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ مَاءُ عَيْنٍ وَنَحْوُهُ فَعُشْرِيَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ شَرَحَهُ هَكَذَا اسْتَغْنَى بِهِ عَنْ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهِ فَإِنَّهَا هِيَ. وَحَاصِلُهَا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِيمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً بِبِئْرٍ حَفَرَهَا أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا أَوْ مَاءٍ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ أَوْ بَاقِي الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ أَوْ بِالْمَطَرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ مِثْلَ نَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ وَهُوَ مِلْكٌ مِنْ الْعَجَمِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي مِثْلِهِ لِلْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ لِنَمَاءِ الْأَرْضِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً كَرْهًا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ بِمَاءِ الْخَرَاجِ دَلَالَةٌ عَلَى الْتِزَامِهِ فَتَصِيرُ خَرَاجِيَّةً عَلَيْهِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ بِحَيِّزِهَا) أَيْ بِمَا يَقْرَبُ مِنْهَا (فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ: أَيْ بِقُرْبِهِ فَخَرَاجِيَّةٌ أَوْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعُشْرِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ مِنْ أَسْبَابِ

(وَالْبَصْرَةُ عِنْدَهُ عُشْرِيَّةٌ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ حَيِّزَ الشَّيْءِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ، كَفِنَاءِ الدَّارِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الدَّارِ حَتَّى يَجُوزَ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْبَصْرَةِ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ، إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ وَظَّفُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَحْيَاهَا بِبِئْرٍ حَفَرَهَا أَوْ بِعَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا أَوْ مَاءِ دِجْلَةَ أَوْ الْفُرَاتِ أَوْ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ) وَكَذَا إنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ السَّمَاءِ (وَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَهَا الْأَعَاجِمُ) مِثْلَ نَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ (فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْمَاءِ إذْ هُوَ السَّبَبُ لِلنَّمَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ كَرْهًا فَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ بِمَاءِ الْخَرَاجِ دَلَالَةُ الْتِزَامِهِ. قَالَ: (وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ مِنْ كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرْجِيحِ فَتَرَجَّحَ كَوْنُهَا خَرَاجِيَّةً بِالْقُرْبِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَعُشْرِيَّةً كَذَلِكَ، وَأَصْلُهُ أَفْنِيَةُ الدُّورِ أُعْطِيَ لَهُ فِي الشَّرْعِ حُكْمُهَا حَتَّى جَازَ لِصَاحِبِ الدَّارِ الِانْتِفَاعُ بِفِنَائِهَا وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ لَهُ حَقَّ الِانْتِفَاعِ لَوْ قَالَ الْمُسْتَأْجَرُ لِلْأُجَرَاءِ هَذَا فِنَائِي وَلَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ وَلَكِنْ احْفِرُوا فَحَفَرُوا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي الِاسْتِحْسَانِ، بَلْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا فِي انْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَفْرِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَثْنَى الْبَصْرَةَ مِنْ ضَابِطِهِ فَإِنَّهَا عُشْرِيَّةٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى جَعْلِهَا عُشْرِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهَا لِذَلِكَ. هَذَا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا لِمُسْلِمٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهَا ذِمِّيٌّ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً سَوَاءٌ سُقِيَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ الْعُشْرِ، وَظَهَرَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ لَا يُبْتَدَأُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ صُنْعٌ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَهُوَ السَّقْيُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ جَزَاءُ الْمُقَاتِلَةِ عَلَى حِمَايَتِهِمْ فَمَا سُقِيَ بِمَا حَمَوْهُ وَجَبَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ مِنْ كُلِّ

جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمٌ، وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخِيلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ حَتَّى يَمْسَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ، وَجَعَلَ حُذَيْفَةَ مُشْرِفًا عَلَيْهِ، وَكَوَّنَهُ فَبَلَغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ وَوَضَعَ عَلَى ذَلِكَ مَا قُلْنَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ) ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. نَصَّ عَلَى أَنَّهُ الصَّاعُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنِي السَّرِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ عَلَى الْكَرْمِ عَشَرَةً وَعَلَى الرَّطْبَةِ خَمْسَةً وَعَلَى كُلِّ أَرْضٍ يَبْلُغُهَا الْمَاءُ عَمِلَتْ أَوْ لَمْ تَعْمَلْ دِرْهَمًا وَمَخْتُومًا. قَالَ عَامِرٌ: هُوَ الْحَجَّاجِيُّ وَهُوَ الصَّاعُ انْتَهَى. وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنْ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ مِمَّا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلزَّرْعِ فَفِي كُلِّ جَرِيبٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ زَرَعَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَفِيهِ كُلَّ سَنَةٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ جَرِيبِ زَرْعٍ. وَالْقَفِيزُ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ وَهُوَ رُبُعُ الْهَاشِمِيِّ، وَهُوَ مِثْلُ الصَّاعِ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَفِيزِ الْمَأْخُوذِ قَفِيزٌ مِمَّا زَرَعَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ عَدَسًا أَوْ ذُرَةً، قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتُحْسِنَ. وَالدِّرْهَمُ مَا يُوزَنُ سَبْعَةٌ. وَالْمُرَادُ مِنْ الْجَرِيبِ أَرْضٌ طُولُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا كَذَلِكَ بِذِرَاعِ الْمَلِكِ كِسْرَى وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ فَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ؛ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْعَامَّةِ سِتٌّ. وَقَوْلُهُ: فِي الْكَافِي مَا قِيلَ الْجَرِيبُ سِتُّونَ فِي سِتِّينَ حِكَايَةٌ عَنْ جَرِيبِهِمْ فِي أَرَاضِيِهِمْ، وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ فِي الْأَرَاضِي كُلِّهَا، بَلْ جَرِيبُ الْأَرْضِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مُتَعَارَفٍ أَهْلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَرِيبَ يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ فِي الْبُلْدَانِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَّحِدَ الْوَاجِبُ وَهُوَ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَقَادِيرِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عُرْفُ بَلَدٍ فِيهِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَعُرْفُ أُخْرَى فِيهِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَكَذَا مَا قِيلَ الْجَرِيبُ مَا يُبْذَرُ فِيهِ مِائَةُ رِطْلٍ، وَقِيلَ مَا يُبْذَرُ فِيهِ مِنْ الْحِنْطَةِ سِتُّونَ مَنًّا، وَقِيلَ خَمْسُونَ فِي دِيَارِهِمْ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا جَرِيبُ الرَّطْبَةِ فَفِيهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ الْخَارِجِ (وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخِيلِ الْمُتَّصِلَةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فَقَيْدُ الِاتِّصَالِ يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي جَوَانِبِ الْأَرْضِ وَوَسَطِهَا مَزْرُوعَةً فَلَا شَيْءَ فِيهَا، بَلْ الْمُعْتَبَرُ وَظِيفَةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الزُّرُوعِ، وَكَذَا لَوْ غَرَسَ أَشْجَارًا غَيْرَ مُثْمِرَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مُلْتَفَّةً لَا يُمْكِنُ زِرَاعَةُ أَرْضِهَا فَهِيَ كَرْمٌ ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ أَنْبَتَ أَرْضُهُ كَرْمًا فَعَلَيْهِ خَرَاجُهَا إلَى أَنْ يُطْعَمَ، فَإِذَا أُطْعِمَ فَإِنْ كَانَ ضِعْفَ وَظِيفَةِ الْكَرْمِ فَفِيهِ وَظِيفَةُ الْكَرْمِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَنِصْفُهُ إلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قَفِيزٍ وَدِرْهَمٍ، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيْهِ وَظِيفَةُ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُطْعَمَ الْكَرْمُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ (فَ) قَالَ: (إنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ حَتَّى يَمْسَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ) وَهُوَ الَّذِي آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ (وَجَعَلَ حُذَيْفَةَ مُشْرِفًا عَلَيْهِ وَكَوَّنَهُ فَبَلَغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ، وَوَضَعَ عَلَى ذَلِكَ مَا قُلْنَا، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ) قَالَ شَارِحٌ فِي قَوْلِهِ وَوَضَعَ عَلَى ذَلِكَ مَا قُلْنَا: إنَّهُ سَهْوٌ، بَلْ يُقَالُ وَوَضَعَ ذَلِكَ عَلَى مَا قُلْنَا: أَيْ وَضَعَ الْخَرَاجَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَرْجِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ السِّتُّ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفٍ: أَيْ

وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا مُؤْنَةً وَالْمَزَارِعَ أَكْثَرُهَا مُؤْنَةً وَالرُّطَبُ بَيْنَهُمَا، وَالْوَظِيفَةُ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهَا فَجُعِلَ الْوَاجِبُ فِي الْكَرْمِ أَعْلَاهَا وَفِي الزَّرْعِ أَدْنَاهَا وَفِي الرُّطَبَةِ أَوْسَطَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوُضِعَ عَلَى الْجِرْبَانِ الْمَقَادِيرَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَلَا سَهْوَ يُنْسَبُ إلَى قَائِلِ هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ بِهِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ اخْتَلَفَتْ كَثِيرًا فِي تَقْدِيرِ الْوَظِيفَةِ، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى الْبَسَاتِينِ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى الرِّطَابِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى الْكُرُومِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، وَلَمْ يَضَعْ عَلَى النَّخِيلِ شَيْئًا جَعَلَهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ. ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ فَوَضَعَ عُثْمَانُ عَلَى الْجَرِيبِ مِنْ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَصَبِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ: يَعْنِي الرَّطْبَةَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْبُرِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ: أَنْبَأْنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ إلَى أَنْ قَالَ: فَمَسَحَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ سَوَادَ الْكُوفَةِ مِنْ أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَجَعَلَ عَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْعِنَبِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَصَبِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الْجَرِيبِ مِنْ الْبُرِّ أَرْبَعَةً، وَعَلَى الْجَرِيبِ مِنْ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ، وَفِيهِ قَالَ: فَأَخَذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضِيَ بِهِ، فَقَدْ رَأَيْت مَا هُنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ. وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ إجَارَةَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ فَتُفَوَّضُ إلَى إجَارَتِهِ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ الْآنَ فِي أَرَاضِي مِصْرَ، فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ الْآنَ بَدَلُ إجَارَةٍ لَا خَرَاجٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَرَاضِيَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ، وَهَذَا بَعْدَمَا قُلْنَا إنَّ أَرْضَ مِصْرَ خَرَاجِيَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ إخْلَافِ وَرَثَةٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُ الْإِمَامِ وَلَا شِرَاؤُهُ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ لِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَنَظَرِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ إلَّا لِضَرُورَةِ عَدَمِ وُجُودِ مَا يُنْفِقُهُ سِوَاهُ، فَلِذَا كَتَبْت فِي فَتْوَى رُفِعَتْ إلَيَّ فِي شِرَاءِ السُّلْطَانِ الْأَشْرَفِ بَرْسَبَاي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَرْضٍ مِمَّنْ وَلَّاهُ نَظَرَ بَيْتِ الْمَالِ هَلْ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي وَلَّاهُ؟ فَكَتَبْت: إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ جَازَ ذَلِكَ. وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ كَمَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي جَرِيبِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ دِرْهَمٌ، وَالْبَاقِي كَقَوْلِنَا. وَقِيلَ كُلُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ صَحِيحَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ لِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي فَوُضِعَ بَعْضُهَا أَقَلَّ وَبَعْضُهَا أَكْثَرَ؛ لِتَفَاوُتِ الرِّيعِ فِي نَاحِيَةٍ مَعَ نَاحِيَةٍ، وَمَا قُلْنَا أَشْهَرُ رِوَايَةً، وَأَرْفَقُ بِالرَّعِيَّةِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَعْنَى فِي اخْتِلَافِ الْوَظِيفَةِ فَقَالَ: (وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا مُؤْنَةً) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْأَبَدِ بِلَا مُؤْنَةٍ، وَأَكْثَرُهَا رِيعًا (وَالْمَزَارِعُ) أَقَلُّهَا رِيعًا وَ (أَكْثَرُهَا مُؤْنَةً) لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الْبَذْرِ وَمُؤَنِ الزِّرَاعَةِ مِنْ الْحِرَاثَةِ وَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ فِي كُلِّ عَامٍ (وَالرِّطَابُ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُومُ دَوَامَ الْكَرْمِ وَيَتَكَلَّفُ فِي عَمَلِهَا كُلَّ عَامٍ فَوَجَبَ تَفَاوُتُ الْوَاجِبِ بِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ، أَصْلُهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا سَقَتْ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ»

قَالَ: (وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَصْنَافِ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبُسْتَانِ وَغَيْرِهِ يُوضَعُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الطَّاقَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ وَقَدْ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ فِي ذَلِكَ فَنَعْتَبِرُهَا فِيمَا لَا تَوْظِيفَ فِيهِ. قَالُوا: وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ لِمَا كَانَ لَنَا أَنْ نُقَسِّمَ الْكُلَّ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. وَالْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ أُخَرُ، وَفِي دِيَارِنَا وَظَّفُوا مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي الْأَرَاضِي كُلِّهَا وَتُرِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا نَقَصَهُمْ الْإِمَامُ) وَالنُّقْصَانُ عِنْدَ قِلَّةِ الرِّيعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، فَقَالَا: لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ، وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النُّقْصَانِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عِنْدَ زِيَادَةِ الرِّيعِ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَزِدْ حِينَ أُخْبِرَ بِزِيَادَةِ الطَّاقَةِ، (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْأَرَاضِي الَّتِي فِيهَا أَصْنَافٌ غَيْرُ مَا وَصَفَ فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (كَالزَّعْفَرَانِ) وَالنَّخِيلِ الْمُلْتَفَّةِ (وَالْبُسْتَانِ) وَهُوَ أَرْضٌ يَحُوطُهَا حَوَائِطُ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَأَشْجَارٌ، وَكَذَا غَيْرُ ذَلِكَ كَالنَّخِيلِ الْمُلْتَفَّةِ (يُوضَعُ عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ) فَيُوضَعُ عَلَى النَّخِيلِ الْمُلْتَفَّةِ بِحَسَبِ مَا تُطِيقُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الْكَرْمِ، وَعَلَى جَرِيبِ الزَّعْفَرَانِ كَذَلِكَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى غَلَّتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سِوَى غَلَّةِ الزَّرْعِ يُؤْخَذُ قَدْرُ خَرَاجِ الزَّرْعِ أَوْ الرَّطْبَةِ يُؤْخَذُ خَرَاجُ الرَّطْبَةِ أَوْ الْكَرْمِ فَالْكَرْمُ، وَإِنَّمَا يُنْتَهَى إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ (لِأَنَّ التَّنْصِيفَ) بَعْدَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَقْتُلَهُمْ وَنَتَمَلَّكَ رِقَابَ الْأَرَاضِي وَالْأَمْوَالِ (عَيْنُ الْإِنْصَافِ. قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْخَارِجُ مِنْهَا ضِعْفَهُ نَقَصَ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ، كَذَا أَفَادَهُ فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الْأَرَاضِي لَا تُطِيقُ أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ خَمْسَةً بِأَنْ كَانَ الْخَارِجُ لَا يَبْلُغُ عِشْرَةً يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِ الْخَارِجِ انْتَهَى. وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرَضِينَ الَّتِي وَظَّفَ عَلَيْهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ نَقَصَ نُزُلُهَا وَضَعُفَتْ الْآنَ أَوْ غَيَّرَهَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأَرَاضِي الَّتِي وَظَّفَ فِيهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ إمَامٌ آخَرُ مِثْلَ وَظِيفَةِ عُمَرَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَأَمَّا فِي بَلَدٍ لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَبْتَدِئَ فِيهَا التَّوْظِيفَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَزِيدُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: لَهُ ذَلِكَ، وَمَعْنَى هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ بَعْدَ الْإِمَامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُزْرَعُ الْحِنْطَةُ فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزًا وَهِيَ تُطِيقُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته مِنْ حَمْلِ الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا عَلَى مَا يَشْمَلُ أَرْضَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَزِدْ حِينَ أُخْبِرَ بِزِيَادَةِ طَاقَةِ الْأَرْضِ، فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: أَخَافُ أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: أَرْضُ كَذَا وَكَذَا يُطِيقُونَ مِنْ الْخَرَاجِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: لَيْسَ إلَيْهِمْ سَبِيلٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ)

لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَهُوَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْخَرَاجِ، وَفِيمَا إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَاتَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ أَوْ يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ خُرُوجِ الْخَارِجِ. قَالَ (وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا فِي غَلَبَةِ الْمَاءِ أَوْ انْقِطَاعِهِ (فَلِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْخَرَاجِ) ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَلِفَوْتِ (النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ، أَوْ يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْخَارِجِ عِنْدَ الْخُرُوجِ) ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الزِّرَاعَةِ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَإِذَا وُجِدَ الْأَصْلُ بَطَلَ اعْتِبَارُ الْخَلَفِ وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْأَصْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ حَمَلُوا الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ مِنْ سُقُوطِ الْخَرَاجِ بِالِاصْطِلَامِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ الزِّرَاعَةُ ثَانِيًا، فَإِنْ بَقِيَ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَهَا. وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى: تَكَلَّمُوا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ زِرَاعَةُ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَمْ أَيِّ زَرْعٍ كَانَ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مُدَّةُ تَرْكِ الزَّرْعِ فِيهَا أَوْ مُدَّةٌ يَبْلُغُ الزَّرْعُ فِيهَا مَبْلَغًا يَكُونُ قِيمَتُهُ ضِعْفَ الْخَرَاجِ. وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْوَجْهَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ إدَارَةَ الْحُكْمِ عَلَى حَقِيقَةِ الْخَارِجِ إنْ أُسْقِطَ الْوَاجِبُ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ الْإِيجَابَ بِالتَّعْطِيلِ فِيهَا بَعْدَهُ مِنْ الزَّمَانِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَصَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ بَقِيَ إمْكَانُ الزِّرَاعَةِ إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ هَذَا، وَإِعَادَةُ الزَّرْعِ تَسْتَدْعِي مُؤَنًا كَالْأَوَّلِ، فَإِنْ أَخْرَجَ شَيْئًا فَقُصَارَاهُ أَنْ يَفِيَ بِالْخَرَاجَيْنِ فَأَخْذُ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَزْرَعْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَخَيُّرُ أَصْلِ مَالِ الزَّارِعِ وَكَذَا إنْ زَرَعَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ) مِنْ الزِّرَاعَةِ (كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَهُ) أَيْ فَوَّتَ الزَّرْعَ وَهَذَا بِشَرْطِ التَّمَكُّنِ كَمَا يُفِيدُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لِعَدَمِ قُوَّتِهِ، وَأَسْبَابِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا لِغَيْرِهِ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُعْطِيَهُ الْبَاقِيَ، أَوْ يُؤَجِّرَهَا، وَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ يَزْرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ بَاعَهَا، وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهَا خَرَاجَ السَّنَةِ الْمُنْسَلِخَةِ وَدَفَعَ بَاقِيَ الثَّمَنِ لِصَاحِبِهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ يَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَوْعَ حَجْرٍ فَفِيهِ دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ بِإِثْبَاتِ ضَرَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمُكَارِي الْمُفْلِسِ وَالطَّبِيبِ

قَالُوا: مَنْ انْتَقِلْ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ، وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ. (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَأَمْكَنَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَيُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ لِمَا قُلْنَا) ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَاهِلِ. وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّرَاعَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا عَلَى الْبَائِعِ، وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِلْعَاجِزِ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لِيَعْمَلَ فِيهَا صَحِيحٌ أَيْضًا. وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ: (مَا إذَا انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ مَثَلًا تَزْرَعُ الْكَرْمَ فَزَرَعَهَا حُبُوبًا (أُخِذَ مِنْهُ خَرَاجُ الْأَعْلَى) وَهُوَ الْكَرْمُ (لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: لَا يُفْتَى بِهَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَسَلُّطِ الظَّلَمَةِ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إذْ يَدَّعِي كُلُّ ظَالِمٍ أَنَّ أَرْضَهُ تَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ وَعِلَاجُهُ صَعْبٌ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخَرَاجُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَوَازِ يَسْقُطُ الْخَرَاجُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَهُوَ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْمُسْلِمِ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ فِيهِ الْمُؤْنَةَ، وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ الْمُؤْنَةِ كَالْعُشْرِ، وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو مِنْهَا، فَإِبْقَاءُ مَا تَقَرَّرَ وَاجِبًا أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ وَضْعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمُوَافَقَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا كَانَ إلَّا لِيَجِدَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَهْلِ الْفَتْحِ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُمْ، وَفَتْحُ هَذَا الْبَابِ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ هَذَا الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ بَعِيدٍ بَعْدَ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعْرِفَةِ مَحَاسِنِهِ أَوْ تَقِيَّةٍ مِنْ الْكُلْفَةِ وَتَجَشُّمِ الْمَشَاقِّ فِي الزِّرَاعَةِ ثُمَّ دَفْعِ نَحْوِ النِّصْفِ لِلْغَيْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلِشُرَيْحٍ أَرْضُ الْخَرَاجِ فَدَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ كَرَاهَةِ تَمَلُّكِهَا. حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنِّي اشْتَرَيْت أَرْضًا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ، فَقَالَ: عُمَرُ: أَنْتَ فِيهَا مِثْلُ صَاحِبِهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ نَهْرِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا، وَأَدَّتْ مَا عَلَى أَرْضِهَا مِنْ الْخَرَاجِ فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا، وَإِلَّا فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَرْضِهِمْ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ دِهْقَانَةً مِنْ أَرْضِ نَهْرِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: ادْفَعُوا إلَيْهَا أَرْضَهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ زُبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ دِهْقَانًا أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ وَأَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (وَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا فِي مَحِلَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ أَقَمْت فِي أَرْضِك رَفَعْنَا عَنْك الْخَرَاجَ عَنْ رَأْسِك، وَأَخَذْنَاهَا مِنْ أَرْضِك، وَإِنْ تَحَوَّلْت عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ قَالَا: إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ الْجِزْيَةَ، وَأَخَذْنَا خَرَاجَهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ، وَأَخْذِ الْخَرَاجِ، وَأَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ) وَصَرَّحَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ. قِيلَ: وَلَوْ قَالَ مِنْ الْمُسْلِمِ كَانَ أَوْلَى، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى تَعْلِيقِهِ بِلَفْظِ أَخَذَ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَإِنَّ الْأَخْذَ يَقُومُ بِالْإِمَامِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إفَادَةَ أَنَّهُ هَلْ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَخْذُ الْخَرَاجِ مِنْ الْمُسْلِمِ، بَلْ الْمَقْصُودُ إفَادَةُ حُكْمِ شِرَاءِ الْمُسْلِمِ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ وَتَعَرُّضَهُ بِذَلِكَ لِلْأَخْذِ مِنْهُ، هَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فَيَجِبُ لَفْظُ لِلْمُسْلِمِ لِيَتَعَلَّقَ بِالشِّرَاءِ فِي قَوْلِهِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ لِلْمُسْلِمِ وَعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، لَا كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْمُتَقَشِّفَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِمْ وَرَحِمَنَا بِهِمْ مِنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ فَقَالَ: مَا دَخَلَ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا ذَلُّوا» ظَنَّا مِنْهُمْ أَنَّ الذُّلَّ بِالْتِزَامِ الْخَرَاجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ قَعَدُوا عَنْ الْغَزْوِ فَكَّرَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ فَجَعَلُوهُمْ أَذِلَّةً لَا مَا ذَكَرُوهُ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الْتِزَامُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَكَفَّلَ بِجِزْيَةِ ذِمِّيٍّ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ (يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ) ذَاتًا، فَإِنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْخَرَاجُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَمَحِلًّا فَإِنَّ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ، وَالْخَرَاجُ فِي الذِّمَّةِ، وَسَبَبًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا، وَسَبَبُ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةِ بِهِ تَقْدِيرًا وَمَصْرِفًا، فَمَصْرِفُ الْعُشْرِ الْفُقَرَاءُ، وَمَصْرِفُ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَ سَبَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَيَجِبَانِ كَوُجُوبِ الدَّيْنِ مَعَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» ) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ عَلَى مُسْلِمٍ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ»

وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً؛ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً قَهْرًا، وَالْعُشْرُ فِي أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا، وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، وَسَبَبُ الْحَقَّيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا، وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَى الْأَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مُضَعَّفٌ إلَى غَايَةٍ حَتَّى نُسِبَ إلَى الْوَضْعِ، وَإِلَى الْكَذِبِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَجَاءَ يَحْيَى وَصَلَهُ. نَعَمْ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ التَّابِعِينَ مِثْلِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُغِيرَةِ خَتَنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَمْزَةَ السَّلُولِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: " لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضٍ ". وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُمَيْلَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: " لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي مَالٍ ". وَحَاصِلُ هَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ إلَّا نَقْلَ مَذْهَبِ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ فَيَكُونُ حَدِيثًا مُرْسَلًا. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَذْهَبًا لِجَمَاعَةٍ آخَرِينَ فَهَذَا نَقْلُ الْمَذَاهِبِ لَا اسْتِدْلَالٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَقَدْ مَنَعَ بِنَقْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْجَمْعَ فِي الْأَخْذِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمْ يَتِمَّ، وَعَدَمُ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ كَوْنُهُ لِتَفْوِيضِ الدَّفْعِ إلَى الْمَالِكِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ بِعَدَمِ الْجَمْعِ لِيَحْتَجَّ بِهِ مَنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِمْ عَلَى أَنَّ فِعْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَنْعِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَّبِعًا لَهُ مُقْتَفِيًا لِآثَارِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كُتُبِهِ فِي جَوَابِ السَّائِلِ فِي مَسْأَلَةِ خُمُسِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إذَا رَجَعْت إلَيْهِ يُفِيدُك ذَلِكَ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ مَنَعَ تُعَدَّدَ السَّبَبِ وَجَعَلَ السَّبَبَ فِيهَا مَعًا الْأَرْضَ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالسَّبَبِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْأَرْضُ هُنَا وَظِيفَتَانِ مَعَ أَنَّ الْعُمُومَاتِ تَقْتَضِيهِ مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا سَقَتْ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يُؤْخَذَ مَعَ الْخَرَاجِ إنْ كَانَ؛ وَلِأَنَّ تَعَدُّدَ الْحُكْمِ وَاتِّحَادِهِ بِتَعَدُّدِ السَّبَبِ وَاتِّحَادِهِ، وَسَبَبُ كُلٍّ مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ. (إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ النَّمَاءُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا) ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ إضَافِيٌّ فَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خَارِجٌ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرُهُ (وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا، وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَيْهَا) فَيُقَالُ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَعُشْرُ الْأَرْضِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ، وَكَوْنُ الْأَرْضِ مَعَ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ غَيْرَ الْأَرْضِ مَعَ التَّحْقِيقِيِّ مُخَالَفَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ، فَالْأَرْضُ النَّامِيَةُ هِيَ السَّبَبُ، وَإِذَا اتَّحَدَ السَّبَبُ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَصَارَ كَزَكَاةِ التِّجَارَةِ وَالسَّائِمَةِ، فَإِنَّ السَّبَبَ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ وَهُوَ الْغُنْمُ مَثَلًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ: الْغُنْمُ مَعَ السَّوْمِ غَيْرُهَا مَعَ قَصْدِ التِّجَارَةِ فَيَجِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ إذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا، وَالْعُشْرُ فِي الْأَرْضِ إذَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا) عَلَيْهَا، وَلَازِمُ الْأَوَّلِ الْكُرْهُ وَلَازِمُ الثَّانِي الطَّوْعُ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْخَرَاجِ يَكُونُ مَعَ الْفَتْحِ عَنْوَةً، وَهُوَ مَا إذَا أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، وَكَذَا بَعْضُ صُوَرِ الْعُشْرِ وَهُوَ مَا إذَا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، كَمَا أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْخَرَاجِ لَا يَكُونُ مَعَ الْعَنْوَةِ وَالْقَهْرِ بَلْ لِلصُّلْحِ، أَوْ بِأَنْ أَحْيَاهَا وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ، أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ عَلَى الْخِلَافِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الرَّاشِدِينَ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَأْخُذُوا عُشْرًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَإِلَّا لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ تَفَاصِيلُ أَخْذِهِمْ الْخَرَاجَ بِهَذَا تَقْضِي الْعَادَةُ، وَكَوْنُهُمْ فَوَّضُوا الدَّفْعَ إلَى الْمُلَّاكِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، أَرَأَيْت إذَا كَانَ الْعُشْرُ وَظِيفَةً فِي الْأَرْضِ الَّتِي وُظِّفَ فِيهَا الْخَرَاجُ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ هَلْ يَقْرَبُ أَنْ يَتَوَلَّوْا أَخْذَ وَظِيفَةٍ وَيَكِلُوا الْأُخْرَى إلَيْهِمْ لَيْسَ لِهَذَا مَعْنًى، وَكَيْفَ وَهُمْ كُفَّارٌ لَا يُؤْمَنُونَ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا كَانَ الظَّنُّ عَدَمَ أَخْذِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ دَلِيلًا بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَيَكُونُ إجْمَاعًا.

[باب الجزية]

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا. (وَلَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا، بِخِلَافِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرًا إلَّا بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ خَارِجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ) (الْجِزْيَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: لَا يَجْتَمِعُ الْأَجْرُ وَالضَّمَانُ عِنْدَنَا وَالْعُقْرُ وَالْحَدُّ وَالْجَلْدُ وَالنَّفْيُ، وَكَذَا الرَّجْمُ مَعَ الْجَلْدِ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ مَعَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَالشَّافِعِيُّ يُوَافِقُ فِي الْجَلْدِ مَعَ الرَّجْمِ وَمَا سِوَاهُ يَجْمَعُ. (وَكَذَا الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَصُورَتُهُ إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ أَلْزَمُ لِلْأَرْضِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا) فِي سَنَةٍ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، وَقَدْ يُوَازِي بِهَا تَعَلُّقَ الْخَرَاجِ بِالتَّمَكُّنِ فَيَسْتَوِيَانِ، فَالْخَرَاجُ لَهُ شِدَّةٌ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالتَّمَكُّنِ، وَلَهُ خِفَّةٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَكَرُّرِهِ فِي السَّنَةِ وَلَوْ زَرَعَ فِيهَا مِرَارًا، وَالْعُشْرُ لَهُ شِدَّةٌ وَهُوَ تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ خُرُوجِ الْخَارِجِ وَخِفَّةٌ بِتَعَلُّقِهِ بِعَيْنِ الْخَارِجِ، فَإِذَا عَطَّلَهَا لَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ، فَإِنْ أَثْبَتَتْ الْخِفَّةُ لِلْعُشْرِ مُطْلَقًا بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ وَهُوَ عَدَمُ تَكَرُّرِ الزَّرْعِ فِي الْعَامِ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْغَالِبِ أَنْ تُعَطَّلَ الْأَرْضُ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْ أَرْضِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ؛ لِأَنَّ وَقْفَهَا إخْرَاجٌ مِنْ مُسْتَحِقٍّ إلَى مُسْتَحِقٍّ، وَبِذَلِكَ لَا يَبْطُلُ الْخَرَاجُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُطَالَبَ بِذَلِكَ النَّاظِرُ. [بَابُ الْجِزْيَةِ] (بَابُ الْجِزْيَةِ) . هَذَا هُوَ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَرَاجِ، وَقُدِّمَ الْأَوَّلُ لِقُوَّتِهِ، إذْ يَجِبُ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ

(وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ) (: جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ فَتَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ) كَمَا «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ» ، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُلْزَمُونَ بِهَا إلَّا إذَا لَمْ يُسْلِمُوا؛ وَلِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ الْخَرَاجُ فَإِنَّمَا يَتَبَادَرُ خَرَاجُ الْأَرْضِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا مُقَيَّدًا فَيُقَالُ خَرَاجُ الرَّأْسِ، وَعَلَامَةُ الْمَجَازِ لُزُومُ التَّقْيِيدِ، وَتُجْمَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى جِزَى كَلِحْيَةٍ وَلِحَى وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْجَزَاءُ، وَإِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى فِعْلَةٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ وَهِيَ هَيْئَةُ الْإِذْلَالِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ عَلَى مَا سَيُعْرَفُ (وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ) عَلَيْهَا (فَتَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ) فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ، وَأَصْلُهُ «صُلْحُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ وَهُمْ قَوْمٌ نَصَارَى بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي الْعَامِ» عَلَى مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ، وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ» انْتَهَى. وَصَالَحَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ، فَلَزِمَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الزَّكَاةِ. هَذَا، وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ بَعْدَ أَنْ قَالَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ: يَعْنِي قِيمَتَهَا أُوقِيَّةٌ، وَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ: كُلُّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْأُوقِيَّةَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَالْحُلَّةُ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْحُلَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ رُءُوسِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَلْفَا حُلَّةٍ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَعَلَى جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ تُقَسَّمُ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا، وَعَلَى كُلِّ أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِي نَجْرَانَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ بَاعَ أَرْضَهُ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ تَغْلِبِيٍّ، وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي أَرَاضِيِهِمْ، وَأَمَّا جِزْيَةُ رُءُوسِهِمْ فَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ اهـ. يَعْنِي أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يُؤْخَذُ سَوَاءٌ بَاعَ بَعْضُهُمْ أَرْضَهُ أَوْ لَمْ يَبِعْ، ثُمَّ إذَا بَاعَ أَرْضَهُ يُؤْخَذُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ عَلَى حَالِهِ، وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسْلِمِ وَعُشْرَانِ مِنْ التَّغْلِبِيِّ الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَنِي نَجْرَانَ، فَإِنَّ نَجْرَانَ اسْمُ أَرْضٍ مِنْ حَيِّزِ الْيَمَنِ لَا اسْمُ أَبِي قَبِيلَةٍ، فَلِذَا كَانَ الثَّابِتُ

(وَجِزْيَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ وَضْعَهَا إذَا غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ الظَّاهِرِ الْغِنَى فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَأْخُذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ. وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمًا) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضَعُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ مَا يَعْدِلُ الدِّينَارَ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَدِيثِ أَهْلُ نَجْرَانَ (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (جِزْيَةٌ يَبْتَدِئ الْإِمَامُ بِتَوْظِيفِهَا إذَا غَلَبَ عَلَى الْكُفَّارِ) فَفَتَحَ بِلَادَهُمْ (وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ) فَهَذِهِ مُقَدَّرَةٌ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ شَاءُوا أَوْ أَبَوْا اسْتَرَقَّ أَوْ لَمْ يَرْضَوْا (فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) بِوَزْنِ سَبْعَةٍ (يَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى أَوْسَطِ الْحَالِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمًا) وَاحِدًا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضَعُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ) أَيْ بَالِغٍ (دِينَارًا) أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِهِمْ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا. وَالدِّينَارُ فِي الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بِعَشَرَةٍ إلَّا فِي الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ يُقَابَلُ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِذَلِكَ. وَعِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِهِمْ لَا يُعْتَبَرُ الدِّينَارُ إلَّا بِالسِّعْرِ وَالْقِيمَةِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَاكِسَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ وَمِنْ الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَمِنْ الْفَقِيرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دِينَارٌ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: هِيَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، بَلْ تُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ مُعَاذًا بِأَخْذِ الدِّينَارِ، وَصَالَحَ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ» وَعُمَرُ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ كَمَا هُوَ قَوْلُنَا، وَصَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهَا بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ الدِّينَارِ جَازَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ: إحْدَاهُمَا كَقَوْلِنَا، وَالْأُخْرَى كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَجْهُ قَوْلِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ «عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيَّ الْيَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ فَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْحَالِمَةِ. وَفِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ أَوْ حَالِمَةٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ» . وَكَانَ مَعْمَرٌ يَقُولُ: هَذَا غَلَطٌ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ شَيْءٌ وَفِيهِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِيهَا ذِكْرُ

أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِسَبَبِ الْكُفْرِ كَالذَّرَارِيِّ وَالنِّسْوَانِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَنْتَظِمُ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ. وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ فَتَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالِمَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا نَرَى مَنْسُوخٌ، إذْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَوِلْدَانُهُمْ يُقْتَلُونَ مَعَ رِجَالِهِمْ، وَيُسْتَضَاءُ لِذَلِكَ بِمَا رَوَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ «أَنَّ خَيْلًا أَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» . ثُمَّ أَسْنَدَ أَبُو عُبَيْدٍ «عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ أَنَقْتُلُهُمْ مَعَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهِمْ يَوْمَ خَيْبَرَ» . وَالْعَدْلُ بِالْفَتْحِ الْمِثْلُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَبِالْكَسْرِ الْمِثْلُ مِنْ الْجِنْسِ. وَالْمَعَافِرِيُّ ثَوْبٌ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرَ بَنِي مُرَّةً ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِلثَّوْبِ بِلَا نِسْبَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: مَعَافِرُ حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ تُنْسَبُ إلَيْهِ هَذِهِ الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ. وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ. وَفِي الْجَمْهَرَةِ لِابْنِ دُرَيْدٍ: الْمَعَافِرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ تُنْسَبُ إلَيْهِ الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ. وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيِّ: الْبُرْدُ الْمَعَافِرِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرَ مِنْ الْيَمَنِ. وَفِي الْجَمْهَرَةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: ثَوْبُ مَعَافِرَ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، فَمَنْ نَسَبَ فَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ (وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ عَلَى مَنْ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بِسَبَبِ الْكُفْرِ كَالذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَنْتَظِمُ) فِيهِ (الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُقْتَلُ (قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَّهَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى السَّوَادِ، فَمَسَحَا أَرْضَهَا وَوَضَعَا عَلَيْهَا الْخَرَاجَ، وَجَعَلَا النَّاسَ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ عَلَى مَا قُلْنَا، فَلَمَّا رَجَعَا أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ عَمِلَ عُثْمَانُ كَذَلِكَ ثُمَّ عَمِلَ عَلِيٌّ كَذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وَعَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْجِزْيَةِ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مَنْدَلٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ إلَى آخِرِهِ. وَطَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ إلَى أَبِي نَضْرَةَ أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا فَتَحَ مِنْ الْبِلَادِ، فَوَضَعَ عَلَى الْغَنِيِّ إلَى آخِرِهِ. وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَسْنَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ إلَى حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ بِلَا نَكِيرٍ، فَحَلَّ مَحِلَّ الْإِجْمَاعِ. ثُمَّ عَارَضَ الْمُصَنِّفُ مَعْنَاهُ بِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْجِزْيَةَ (وَجَبَ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ) أَيْ خَلْفًا عَنْ نُصْرَةِ مُقَاتِلَةِ أَهْلِ الدَّارِ، لِأَنَّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى نُصْرَتِهِمْ وَقَدْ فَاتَتْ بِمَيْلِهِمْ إلَى أَهْلِ الدَّارِ الْمُعَادِينَ لَنَا لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَلِهَذَا صُرِفَتْ إلَى الْمُقَاتِلَةِ وَوُضِعَتْ عَلَى الصَّالِحِينَ لِلْقِتَالِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ الْقِتَالُ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِمْ لِأَنَّ نُصْرَةَ الْغَنِيِّ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَوْقَ نُصْرَةِ الْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْصُرُ رَاكِبًا وَيَرْكَبُ مَعَهُ غُلَامُهُ، وَالْمُتَوَسِّطُ رَاكِبًا فَقَطْ، وَالْفَقِيرُ رَاجِلًا؛ وَهَذَا مَعْنَى

وَهَذَا لِأَنَّهُ وَجَبَ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْرِ وَقِلَّتِهِ، فَكَذَا أُجْرَتُهُ هُوَ بَدَلُهُ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ صُلْحًا، وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْحَالِمَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْجِزْيَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَذَلِكَ) أَيْ النُّصْرَةُ (يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْرِ وَقِلَّتِهِ فَكَذَا مَا هُوَ بَدَلُهُ) يَعْنِي الْجِزْيَةَ، وَإِلْحَاقًا بِخَرَاجِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ وَجَبَ عَلَى التَّفَاوُتِ. فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ لَزِمَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُمْ لَوْ قَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَنَةً مُتَبَرِّعِينَ أَوْ بِطَلَبِ الْإِمَامِ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَالْحَالُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَعَ ذَلِكَ. أُجِيبُ بِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ نُصْرَتَهُمْ بِالْمَالِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ النُّصْرَةَ الَّتِي فَاتَتْ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَنُصْرَةُ الْإِسْلَامِ فَاتَتْ بِالْكُفْرِ فَأُبْدِلَتْ بِالْمَالِ، وَلَيْسَ نُصْرَتُهُمْ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ تِلْكَ النُّصْرَةَ الْفَائِتَةَ فَلَا يَبْطُلُ خَلَفُهَا. نَعَمْ سَيَجِيءُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْجِزْيَةَ خَلَفٌ عَنْ قَتْلِهِمْ، وَالْوَجْهُ أَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ قَتْلِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ جَمِيعًا. قَالَ: (وَمَا رَوَاهُ) مِنْ وَضْعِ الدِّينَارِ عَلَى الْكُلِّ (مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صُلْحًا) فَإِنَّ الْيَمَنَ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً بَلْ صُلْحًا فَوَقَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَقُلْنَا: وَلِأَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا أَهْلَ فَاقَةٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ فَفَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قُلْت لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ. هَذَا، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ؛ فَقِيلَ إنْ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُوسِرٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ فَصَاعِدًا مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْعَشَرَةِ فَمُتَوَسِّطٌ، وَمَنْ كَانَ مُعْتَمِلًا فَهُوَ مُكْتَسِبٌ. وَعَنْ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ: مَنْ كَانَ يَمْلِكُ قُوتَهُ وَقُوتَ عِيَالِهِ وَزِيَادَةً فَمُوسِرٌ، وَإِنْ مَلَكَ بِلَا فَضْلٍ فَهُوَ الْوَسَطُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرُ الْكِفَايَةِ فَهُوَ الْمُعْتَمِلُ: أَيْ الْمُكْتَسِبُ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُنْظَرُ إلَى عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي ذَلِكَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ خَمْسِينَ أَلْفًا بِبَلْخٍ يُعَدُّ مِنْ الْمُكْثِرِينَ وَفِي الْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ لَا يُعَدُّ مُكْثِرًا. وَذَكَرَهُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ وَالْمُعْتَمِلِ الْمُكْتَسِبُ، وَالِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ؛ وَقُيِّدَ بِالِاعْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَصَاعِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَهُوَ قَادِرٌ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ

قَالَ: (وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] الْآيَةَ، «وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ» . قَالَ: (وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْقِتَالَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [الأنفال: 39] إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَ تَرْكِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَفِي حَقِّ الْمَجُوسِ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ مَنْ وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَنْ عَطَّلَ الْأَرْضَ. (قَوْلُهُ وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ) الْيَهُودِ. وَيَدْخُلُ فِيهِمْ السَّامِرَةُ فَإِنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي فُرُوعٍ. وَالنَّصَارَى وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْفِرِنْجُ وَالْأَرْمَنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَأَمَّا الصَّابِئُونَ فَعَلَى الْخِلَافِ مَنْ قَالَ هُمْ مِنْ النَّصَارَى أَوْ قَالَ هُمْ مِنْ الْيَهُودِ فَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ قَالَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ فَلَيْسُوا مِنْ الْكِتَابِيِّينَ بَلْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَتُؤْخَذُ: أَيْ الْجِزْيَةُ مِنْ الصَّابِئَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَأُطْلِقَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَشَمَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ. وَأَمَّا الْمَجُوسُ عَبَدَةُ النَّارِ فَفِي الْبُخَارِيِّ: «وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَوَضَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ) وَهَجَرُ بَلْدَةٌ فِي الْبَحْرَيْنِ (قَوْلُهُ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ) بِالْجَرِّ: أَيْ وَتُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ الْقِتَالُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [الأنفال: 39] إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَ تَرْكِهِ) إلَى الْجِزْيَةِ (فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْقُرْآنِ) أَعْنِي مَا تَلَوْنَاهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] (وَفِي الْمَجُوسِ بِالْخَبَرِ) الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (فَبَقِيَ مَنْ وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْجِزْيَةِ (يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ) أَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَصِيرُ مَنْفَعَةُ نَفْسِهِ لَنَا، وَكَذَا الْجِزْيَةُ (فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ) وَالْحَالُ أَنَّ (نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ) فَقَدْ أَدَّى حَاجَةَ نَفْسِهِ إلَيْنَا أَوْ بَعْضَهَا، فَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ تَخْصِيصَ عُمُومِ وُجُوبِ الْقِتَالِ الَّذِي

(وَإِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) ؛ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا الْمُرْتَدِّينَ) لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلَّظَ، أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ؛ فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْتَرَقُّ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاُسْتُدِلَّ بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِإِخْرَاجِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمَجُوس عِنْدَ قَبُولِهِمْ الْجِزْيَةَ كَمَا ذَكَرَ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى. وَإِنَّمَا لَمْ تُضْرَبْ الْجِزْيَةُ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مَعَ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا أَتْبَاعًا لِأُصُولِهِمْ فِي الْكُفْرِ فَكَانُوا أَتْبَاعًا فِي حُكْمِهِمْ، فَكَأَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى الرَّجُلِ وَأَتْبَاعِهِ فِي الْمَعْنَى إنْ كَانَ لَهُ أَتْبَاعٌ، وَإِلَّا فَهِيَ عَنْهُ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: وَإِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ (فَهُمْ فَيْءٌ) وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُوضَعُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا الْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمَا) يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ (قَدْ تَغَلَّظَ) فَلَمْ يَكُونُوا فِي مَعْنَى الْعَجَمِ (أَمَّا الْعَرَبُ فَلِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ) فَكَانَ كُفْرُهُمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَغْلَظَ مِنْ كُفْرِ الْعَجَمِ (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَلِأَنَّ كُفْرَهُمْ بَعْدَمَا هُدُوا لِلْإِسْلَامِ وَوَقَفُوا عَلَى مَحَاسِنِهِ) فَكَانَ كَذَلِكَ (فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ) لِزِيَادَةِ الْكُفْرِ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُسْتَرَقُّ مُشْرِكُو الْعَرَبِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ إتْلَافٌ حُكْمًا فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ إتْلَافُ نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أَيْ إلَى أَنْ يُسْلِمُوا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَا يُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ» وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ " أَوْ الْقَتْلُ "

وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا (وَإِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَرَقَّ نِسْوَانَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانِهِمْ لَمَّا ارْتَدُّوا وَقَسَّمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ قُتِلَ) لِمَا ذَكَرْنَا. (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ أَوْ عَنْ الْقِتَالِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. قَالَ (وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى) وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكَانَ أَوْ السَّيْفُ. وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رِقَّ عَلَى عَرَبِيٍّ» وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ رِقٌّ لَكَانَ الْيَوْمَ» قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) يَعْنِي مِنْ أَنَّ كُفْرَهُ أَغْلَظُ فَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْأَخَفِّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ (فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) يُسْتَرَقُّونَ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَرَقَ ذَرَارِيَّ أَوْطَاسٍ وَهَوَازِنَ» وَأَبُو بَكْرٍ اسْتَرَقَّ بَنِي حَنِيفَةَ. أَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ لَهُ فِي قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: ثُمَّ إنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ وَنِصْفَ السَّبْيِ، ثُمَّ دَخَلَ حُصُونَهُمْ صُلْحًا فَأَخْرَجَ السِّلَاحَ وَالْكُرَاعَ وَالْأَمْوَالَ وَالسَّبْيَ، ثُمَّ قَسَّمَ السَّبْيَ قِسْمَيْنِ، وَأَقْرَعَ عَلَى الْقِسْمَيْنِ فَخَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَفِيهِ مَكْتُوبٌ لِلَّهِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَتْ: قَدْ رَأَيْت أُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَتْ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الْحَنَفِيَّةَ وَيُسَمَّى ابْنُهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ، وَحَنِيفَةُ أَبُو حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ جَذِيمَةَ ضَرَبَهُ حِينَ الْتَقَيَا فَحَنَفَ رِجْلَهُ وَضَرَبَ حَنِيفَةُ يَدَهُ فَجَذَمَهَا فَسُمِّيَ جَذِيمَةَ وَحَنِيفَةُ بْنُ نَجِيحَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ ذَرَارِيَّ الْمُرْتَدِّينَ وَنِسَاءَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ بِخِلَافِ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ لَا يُجْبَرُونَ. وَأَمَّا الزَّنَادِقَةُ قَالُوا: لَوْ جَاءَ زِنْدِيقٌ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَتَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، فَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُمْ بَاطِنِيَّةٌ يَعْتَقِدُونَ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ فَيُقْتَلُ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. (قَوْلُهُ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ) وَكَذَا عَلَى مَجْنُونٍ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْ قَتْلِهِمْ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ عَنْ قِتَالِهِمْ نُصْرَةً لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْلِنَا، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا كَذَلِكَ (وَلَا عَلَى أَعْمَى أَوْ زَمِنٍ وَلَا الْمَفْلُوجِ) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ لِاعْتِبَارِهَا أُجْرَةَ الدَّارِ (وَلَا) تُؤْخَذُ (مِنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ)

لِمَا بَيَّنَّا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ (وَلَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. لَهُ إطْلَاقُ حَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَنَا أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفْهَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ لَا يُوَظَّفُ عَلَى أَرْضٍ لَا طَاقَةَ لَهَا فَكَذَا هَذَا الْخَرْجُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْتَمِلِ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا تَجِبُ فَلَا تَجِبُ بِالشَّكِّ (وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى قِتَالٍ وَلَا كَسْبٍ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ) فِي الْحَرْبِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَلَا يُقَاتَلُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (لِمَا بَيَّنَّا) وَالْجِزْيَةُ بَدَلٌ عَنْهُمَا وَيُقَالُ زَمِنَ الرَّجُلُ كَعَلِمَ يَزْمَنُ زَمَانَةً (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) أَيْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ أَحْسَنَ حِرْفَةً، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي ذِمَّتِهِ. (لَهُ إطْلَاقُ حَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ» (وَلَنَا أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُوَظِّفْ الْجِزْيَةَ عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) أَرَادَ بِعُثْمَانَ هَذَا عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ حِينَ بَعَثَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَوَى ابْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْعَبْسِيُّ صِلَةُ بْنِ زُفَرَ قَالَ: أَبْصَرَ عُمَرُ شَيْخًا كَبِيرًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ مَا لَك؟ قَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ، وَإِنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَنْصَفْنَاك، أَكَلْنَا شَبِيبَتَك ثُمَّ نَأْخُذُ مِنْك الْجِزْيَةَ ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ لَا يَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ (وَلِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ كَمَا لَا يُوَظَّفُ عَلَى أَرْضٍ لَا طَاقَةَ لَهَا فَكَذَا خَرَاجُ الرَّأْسِ) بِجَامِعِ عَدَمِ الطَّاقَةِ؛ لِحِكْمَةِ دَفْعِ الضَّرَرِ الدُّنْيَوِيِّ (وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْتَمِلِ) بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَبِتَوْظِيفِ عُمَرَ الْمُقْتَرِنِ بِالْإِجْمَاعِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. فَإِنْ قُلْت: مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوْظِيفِ عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ الْمُعْتَمِلُ. قُلْنَا: قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُكْتَسِبِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. لَا يُقَالُ: فَنَفْيُهُ عَنْ غَيْرِ الْمُكْتَسِبِ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ وَلَا يَقُولُونَ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ بَلْ جَازَ أَنْ يُضَافَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ التَّوْظِيفِ عَلَى مَنْ لَمْ يُذْكَرْ، ثُمَّ إنَّمَا تَوَظَّفَ عَلَى الْمُعْتَمِلِ إذَا كَانَ صَحِيحًا فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ، وَإِلَّا فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَرَضٍ فَلَا يُجْعَلُ الْقَلِيلُ مِنْهُ عُذْرًا وَهُوَ مَا نَقَصَ عَنْ نِصْفِ الْعَامِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُوضَعُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا) وَعَلَى الِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ الْحَرْبِيَّ يُقْتَلُ (وَعَلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي لَا تَجِبُ) ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ عَاجِزٌ عَنْ النُّصْرَةِ فَامْتَنَعَ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ فَامْتَنَعَ الْخَلَفُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ انْتِفَاءُ الْأَصْلِ، وَإِمْكَانُهُ فَدَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ (فَلَا تَجِبُ بِالشَّكِّ) وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ الْقِتَالِ فِي حَقِّنَا جَمِيعًا فَلَا يَتَحَقَّقُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُوجِبُ لِانْتِفَاءِ الْكُلِّ بِنَفْيِ الْجُزْءِ، وَهَذَا لِمَا نَذْكُرُهُ فِيمَا يَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَإِذَا كَانَ خَلَفًا عَنْ الْمَجْمُوعِ فَلَا يَحْسُنُ قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ بِالشَّكِّ بَلْ لَا تَجِبُ بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ ذَكَرَ أُمَّ الْوَلَدِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَعَلَّهُ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ فَسَقَطَتْ لَفْظَةُ ابْنٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ) يَعْنِي لَمَّا قُلْنَا لَا تُوضَعُ عَلَيْهِمْ جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَوَالِيهِمْ فَيُؤَدُّونَ

لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ) كَذَا ذَكَرَ هَاهُنَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَجْهُ الْوَضْعِ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ. وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمِلُ صَحِيحًا وَيَكْتَفِي بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ. (وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ) وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ كَافِرًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا. لَهُ أَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُمْ، فَأَزَالَ هَذَا الِاحْتِمَالَ بِقَوْلِهِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ (لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ) فِي الْجِزْيَةِ حَتَّى لَزِمَهُمْ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ (بِسَبَبِهِمْ) فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَنْهُمْ شَيْءٌ آخَرُ وَإِلَّا كَانُوا مُلْزَمِينَ بِجِزْيَتَيْنِ، وَيُقَرَّرُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُمْ أَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ فَكَانَتْ الْجِزْيَةُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ مَعْنًى شَرْعًا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ غِنَى الْمُلَّاكِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَالٌ وَيَجُرُّونَ الْمَالَ بِالْكَسْبِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ) جَمْعُ رَاهِبٍ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ رُهْبَانٌ أَيْضًا، وَشُرِطَ أَنْ لَا يُخَالِطَ النَّاسَ، وَمَنْ خَالَطَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ. (هَكَذَا ذَكَرَ) الْقُدُورِيُّ (وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تُوضَعُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَوَجْهُ الْوَضْعِ أَنَّهُ الَّذِي ضَيَّعَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ فَصَارَ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) مِنْ الزِّرَاعَةِ. (وَوَجْهُ وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا عِنْدَنَا بَدَلٌ عَنْ نُصْرَتِهِمْ الَّتِي فَاتَتْ بِالْكُفْرِ وَعِنْدَهُ بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ، فَأَفَادَ صِحَّةَ هَذَا الِاعْتِبَارِ عِنْدَنَا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ فَقَطْ بَلْ الْمَجْمُوعُ مِنْهُ وَمِنْ كَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ نُصْرَتِهِمْ إيَّانَا فَمَتَى تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى وُجُوبُهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا جِزْيَةَ عَلَى السَّيَّاحِينَ. قِيلَ يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ مِنْهُمْ فَيَكُونُ اتِّفَاقًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هُوَ مَنْ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَمَنْ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ لَا يُقْتَلُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ) بِأَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كَمَالِ السَّنَةِ (سَقَطَتْ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا مَاتَ كَافِرًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا) وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ أَوْ أَسْلَمَ. وَفِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا أَيْضًا قِسْطُ مَا مَضَى، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَوْ أُقْعِدَ أَوْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ افْتَقَرَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ (لَهُ أَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ) الَّتِي ثَبَتَتْ لِلذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ (أَوْ) بَدَلًا (عَنْ السُّكْنَى) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ آخَرُ لَهُ. (وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ) وَهُوَ حَقْنُ دَمِهِ وَسُكْنَاهُ إلَى

فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعِوَضُ بِهَذَا الْعَارِضِ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ.» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْتِ أَوْ الْإِسْلَامِ وَصَارَ بِذَلِكَ مُسْتَوْفِيًا الْمُبْدَلَ فَتَقَرَّرَ الْبَدَلُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ. (فَلَا يَسْقُطُ بِهَذَا الْعَارِضِ) الَّذِي هُوَ مَوْتُهُ أَوْ إسْلَامُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِيمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ. (وَلَنَا مَا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» ) قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ: يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، وَبِاللَّفْظِ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ» وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَابُوسًا، وَلَيْسَ قَابُوسٌ فِي مُسْنَدِ الطَّبَرَانِيِّ، فَهَذَا بِعُمُومِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا كَانَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ، بَلْ هُوَ الْمُرَادُ بِخُصُوصِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْفَائِدَةِ، إذْ عَدَمُ الْجِزْيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدَّيْنِ، فَالْإِخْبَارُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْفَائِدَةِ لَيْسَ كَالْإِخْبَارِ بِسُقُوطِهَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ. وَهَذَا يَخُصُّ السُّقُوطَ بِالْإِسْلَامِ، وَالْوَجْهُ يَعُمُّ مَوْتَهُ وَإِسْلَامَهُ، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَرِدُ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ، ثُمَّ لَا يَرْتَفِعُ الِاسْتِرْقَاقُ بِالْإِسْلَامِ، وَكَذَا خَرَاجُ الْأَرْضِ، وَتَرْتَفِعُ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ،

وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ وَلِهَذَا تُسَمَّى جِزْيَةً وَهِيَ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ، وَعُقُوبَةُ الْكُفْرِ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ شَرْعَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا لَا يَكُونُ إلَّا لِدَفْعِ الشَّرِّ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ؛ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَالذِّمِّيُّ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ عُقِلَتْ حِكْمَةٌ فَذَاكَ وَإِلَّا وَجَبَ الِاتِّبَاعُ. عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجِزْيَةِ وَاضِحٌ إذْ لَا إذْلَالَ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ كَيْ تَبْقَى فِي أَيْدِينَا، وَالْمُسْلِمُ مِمَّنْ يَسْعَى فِي بَقَائِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا ذُلٌّ ظَاهِرٌ وَشَنَارٌ. وَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ؛ فَلِأَنَّ إسْلَامَهُ بَعْدَ تَعَلُّقِ مِلْكِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِرَقَبَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ. بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مِلْكُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ اسْتِحْقَاقٌ لِلْعُمُومِ، وَالْحَقُّ الْخَاصُّ فَضْلًا عَنْ الْعَامِّ لَيْسَ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا) ، أَيْ الْجِزْيَةَ إنَّمَا (وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ جِزْيَةً وَهِيَ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ) وَهُوَ يُقَالُ عَلَى الثَّوَابِ بِسَبَبِ الطَّاعَةِ وَالْعُقُوبَةِ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا شَكَّ فِي انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ، وَلِذَا أُخِذَتْ بِطَرِيقِ الْإِذْلَالِ بَلْ هَذَا ضَرُورِيٌّ مِنْ الدِّينِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَلَى مَعْصِيَةِ الْكُفْرِ دُنْيَوِيَّةٌ لَا بَدَلُ مُعَاوَضَةٍ كَمَا ظَنَّهُ. (فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ) وَلِهَذَا لَا يُضْرَبُ مَنْ سَبَقَ مَوْتُهُ إقَامَةَ حَدٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِدَفْعِ شَرِّهِ فِي الدُّنْيَا بِحَسَبِ مَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّرُّ، وَالشَّرُّ الَّذِي يُتَوَقَّعُ بِسَبَبِ الْكُفْرِ الْحِرَابَةُ وَالْفِتْنَةُ عَنْ الدِّينِ الْحَقِّ (وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ) وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا بَدَلًا: أَيْ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ لَنَا فَكَانَتْ عُقُوبَةً دُنْيَوِيَّةً عَلَى كُفْرِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِحِرَابَتِهِ دَفْعًا لَهَا بِإِضْعَافِهِ بِأَخْذِهَا مِنْهُ وَبَدَلًا عَنْ نُصْرَتِهِ الْفَائِتَةِ بِكُفْرِهِ، وَإِذَا كَانَتْ خَلَفًا أَيْضًا عَنْ النُّصْرَةِ انْتَفَتْ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهَا بِالْإِسْلَامِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ

مَعْنَى لِإِيجَابِ بَدَلِ الْعِصْمَةِ وَالسُّكْنَى. (وَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى لَمْ يُؤْخَذْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَوْتِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا. وَقِيلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْخَرَاجَ وَجَبَ عِوَضًا، وَالْأَعْوَاضُ إذَا اجْتَمَعَتْ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا تُسْتَوْفَى، وَقَدْ أَمْكَنَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَعْدَ تَوَالِي السِّنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِصْمَةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْآدَمِيَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ثُبُوتِهَا ضَرُورَةً تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِ مَا كُلِّفَ بِهِ أَوْ لِظُهُورِ خِلَافِهِ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ ثُبُوتُهَا بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ، وَقَوْلُهُ بَدَلًا عَنْ السُّكْنَى. قُلْنَا إنَّ الذِّمِّيَّ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا تَكُونُ أُجْرَةً؛ وَلِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بَدَلُ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهَا، وَالْأَحْسَنُ تَرْكُ الْكَلَامِ فِي إبْطَالِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ الْعِصْمَةَ الْأَصْلِيَّةَ زَالَتْ بِالْكُفْرِ، وَهَذِهِ عِصْمَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ بِالْجِزْيَةِ، وَيَكْفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ أَنَّهَا عُقُوبَةُ جَزَاءٍ ثُمَّ تَثْبُتُ الْعِصْمَةُ مَعَهَا لِتُمْكِنَ إقَامَتُهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ لِاسْتِمْرَارِ السَّبَبِ وَهُوَ كُفْرُهُ الدَّاعِي إلَى حِرَابَتِهِ، وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ إلَّا بِعِصْمَتِهِ. (فَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ) أَيْ الْجِزْيَةُ أَنَّثَ فِعْلَ الْحَوْلَيْنِ لِتَأْوِيلِهِ بِالسَّنَتَيْنِ، وَلَا دَاعِيَ إلَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ جِزْيَةُ حَوْلَيْنِ، وَلَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَقْطَعُ: وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ، وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى) لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُؤْخَذُ مِنْهُ، فَإِنْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَا إنْ مَاتَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَوْتِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا. (وَقِيلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) فَإِذَا مَضَتْ سُنُونَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا مَضَى (وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ) فَيُؤْخَذُ مَا مَضَى (بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) وَهِيَ تَدَاخُلُ الْجِزْيَةِ (أَنَّ الْخَرَاجَ) أَيْ الْجِزْيَةَ؛ لِأَنَّهَا خَرَاجُ الرَّأْسِ (وَجَبَ عِوَضًا، وَالْأَعْوَاضُ إذَا اجْتَمَعَتْ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا) عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ (تُسْتَوْفَى، وَقَدْ أَمْكَنَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَعْدَ تَوَالِي السِّنِينَ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ كَافِرًا أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ وَالْإِذْلَالِ لَهُ

بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لَوْ بَعَثَ عَلَى يَدِ نَائِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِيَ قَائِمًا، وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ: أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ فَثَبَتَ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَالْعُقُوبَاتُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ؛ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يُسْتَوْفَى لِحِرَابٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ لَا لِحِرَابٍ مَاضٍ، وَكَذَا النُّصْرَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ وَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْهُ. ثُمَّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجِزْيَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى، حَمَلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْمُضِيِّ مَجَازًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجِبُ إذْلَالُهُ بَلْ يَجِبُ تَوْقِيرُهُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَوْنَهَا وَجَبَتْ عِوَضًا، وَكَوْنُ الْمُتَحَصِّلِ مِنْهَا أَعْوَاضًا خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَلْيَقُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَعْوَاضِ الْأَجْزِيَةُ الْوَاقِعَةُ عُقُوبَةً تَمَّ عَلَيْهِمَا وَجْهُ أَبِي حَنِيفَةِ الْقَائِلِ: وَالْعُقُوبَاتُ تَتَدَاخَلُ حَتَّى قُلْنَا بِتَدَاخُلِ كَفَّارَاتِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ مَعَ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ وَعِبَادَةٌ، غَيْرَ أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِيهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ فَكَيْفَ بِالْعُقُوبَةِ الْمَحْضَةِ وَالْجِزْيَةُ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلِهَذَا إلَخْ) اسْتِيضَاحٌ عَلَى أَنَّهَا عُقُوبَةٌ؛ يَعْنِي (لَوْ بَعَثَ بِهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بِنَفْسِهِ فَيُعْطِيَ قَائِمًا وَالْقَابِضُ جَالِسٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ) وَهُوَ مَا يَلِي صَدْرَهُ مِنْ ثِيَابِهِ (وَيَقُولُ: أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ) وَقَبُولُهَا مِنْ النَّائِبِ يُفَوِّتُ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ إذْلَالِهِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَوَجْهٌ آخَرُ (أَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) يَعْنِي عَنْ الْقَتْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالنُّصْرَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (لِأَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يُسْتَوْفَى لِحِرَابٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ لَا لِحِرَابٍ مَاضٍ، وَكَذَا النُّصْرَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ وَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْهُ) بِانْقِضَائِهِ فَانْقَطَعَتْ الْحَاجَةُ فِيهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ هُوَ الْمَالُ بَلْ اسْتِذْلَالُ الْكَافِرِ وَاسْتِصْغَارُهُ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَاءِ جِزْيَةٍ وَاحِدَةٍ (ثُمَّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ) : وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى، حَمَلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى مُضِيِّ السَّنَةِ مَجَازًا

[فصل لا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام]

وَقَالَ: الْوُجُوبُ بِآخِرِ السَّنَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُضِيِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاجْتِمَاعُ فَتَتَدَاخَلَ. وَعِنْدَ الْبَعْضِ هُوَ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْوُجُوبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِيءِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي آخِرِهِ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ. وَلَنَا أَنَّ مَا وَجَبَ بَدَلًا عَنْهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَتَعَذَّرَ إيجَابُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ فَأَوْجَبْنَاهُ فِي أَوَّلِهِ. (فَصْلٌ) (وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» وَالْمُرَادُ إحْدَاثُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ: الْوُجُوبُ بِآخِرِ السَّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُضِيِّ؛ لِيَتَحَقَّقَ الِاجْتِمَاعُ فِي الْحَوْلَيْنِ أَوْ فِي الْجِزْيَتَيْنِ (فَتَتَدَاخَلُ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ هُوَ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ) وَهُوَ أَنْ يُرَادَ دُخُولُ أَوَّلِ السَّنَةِ، فَإِنَّ مَجِيءَ الشَّهْرِ بِمَجِيءِ أَوَّلِهِ، وَمَجِيءَ السَّنَةِ بِمَجِيءِ أَوَّلِهَا، وَالْأَصَحُّ هُوَ هَذَا (فَالْوُجُوبُ عِنْدَنَا بِأَوَّلِ السَّنَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي آخِرِهِ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ. وَلَنَا أَنَّ مَا وَجَبَتْ) الْجِزْيَةُ (بَدَلًا عَنْهُ) وَهُوَ النُّصْرَةُ (وَالْقَتْلُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) مِنْ أَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يُسْتَوْفَى لِحِرَابٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَبَدَلًا عَنْ نُصْرَتِهِمْ. وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْمَالِ النَّامِي فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَوْلِ؛ لِيَتَحَقَّقَ الِاسْتِنْمَاءُ فَلَمْ تَجِبْ قَبْلَهُ؛ لِعَدَمِ اتِّصَافِهِ بِذَلِكَ قَبْلَهُ ثُمَّ أُقِيمَ الْحَوْلُ مَقَامَ النَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ مِنْهُ فَصَارَ الْمَالُ بِهِ نَامِيًا تَقْدِيرًا. [فَصْلٌ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمِّيِّ بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ وَمَا مَضَى بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ قَدَّمَ تِلْكَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) وَهُمَا مُتَعَبَّدَا الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، ثُمَّ غَلَبَتْ الْكَنِيسَةُ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ

(وَإِنْ انْهَدَمَتْ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا) لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا، وَلَمَّا أَقَرَّهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا؛ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي الْحَقِيقَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبِيعَةُ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى، وَفِي دِيَارِ مِصْرَ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْبِيعَةِ بَلْ الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَفْظُ الدَّيْرِ لِلنَّصَارَى خَاصَّةً. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ عُمُومَ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى؛ لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الشَّعَائِرُ، فَإِحْدَاثُهَا فِيهَا مُعَارَضَةٌ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْقُرَى. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي قُرَى دِيَارِنَا أَيْضًا لَا تَحْدُثُ فِي هَذَا الزَّمَانِ. ثُمَّ قَالَ الْقُدُورِيُّ: (وَإِنْ انْهَدَمَتْ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ: (لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا، وَلَمَّا أَقَرَّهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ ضِمْنًا غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ؛ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ) فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِإِقْرَارِ الْإِمَامِ إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ إذَا صَالَحَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَوْ بَعْدَهُمْ. قِيلَ أَمْصَارُ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا مَا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطٍ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ وَلَا مُجْتَمَعٍ لِصَلَاتِهِمْ وَلَا صَوْمَعَةٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَاِتِّخَاذِ الْخَنَازِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ. وَثَانِيهَا مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إحْدَاثُ شَيْءٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَجِبُ هَدْمُهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: يَجِبُ. وَعِنْدَنَا جَعْلُهُمْ ذِمَّةً أَمْرُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا كَنَائِسَهُمْ مَسَاكِنَ، وَيُمْنَعُ مِنْ صَلَاتِهِمْ فِيهَا وَلَكِنْ لَا تُهْدَمُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَتَحُوا كَثِيرًا مِنْ الْبِلَادِ عَنْوَةً، وَلَمْ يَهْدِمُوا كَنِيسَةً، وَلَا دَيْرًا، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ قَطُّ. وَثَالِثُهَا مَا فُتِحَ صُلْحًا، فَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ وَالْخَرَاجَ لَنَا جَازَ إحْدَاثُهُمْ، وَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لَنَا وَيُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ فَالْحُكْمُ فِي الْكَنَائِسِ عَلَى مَا يُوَقَّعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ، فَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى شَرْطِ تَمْكِينِ الْإِحْدَاثِ لَا يَمْنَعُهُمْ، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُصَالِحَهُمْ إلَّا عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ صُلْحُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ عَدَمِ إحْدَاثِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ وَلَا يُتَعَرَّضُ لِلْقَدِيمَةِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّاقُوسِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَاِتِّخَاذِ الْخِنْزِيرِ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: يُمْنَعُونَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ: أَيْ التَّجَاهُرِ بِهِ وَإِظْهَارِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ ضَرَبُوا النَّاقُوسَ فِي جَوْفِ كَنَائِسِهِمْ لَا يُمْنَعُونَ انْتَهَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ مِصْرٍ أَوْ حَدِيقَةٍ لَهُمْ أَظْهَرُوا فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْفِسْقِ مِثْلَ الزِّنَا وَالْفَوَاحِشَ الَّتِي يُحَرِّمُونَهَا فِي دِينِهِمْ يُمْنَعُونَ مِنْهُ، وَكَذَا عَنْ الْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ وَالْغِنَاءِ، وَمِنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْقَدِيمَةَ فِي السَّوَادِ لَا تُهْدَمُ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ فَاخْتَلَفَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ تُهْدَمُ الْقَدِيمَةُ، وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهَا لَا تُهْدَمُ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى هَذَا، فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا تَوَالَتْ عَلَيْهَا أَئِمَّةٌ وَأَزْمَانٌ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ يَأْمُرْ بِهَدْمِهَا إمَامٌ فَكَانَ مُتَوَارِثًا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَصَّرْنَا بَرِيَّةً فِيهَا دَيْرٌ

وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ، بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى، وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى؛ لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الشَّعَائِرُ فَلَا تُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا. وَقِيلَ فِي دِيَارِنَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهَا بَعْضَ الشَّعَائِرِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ. وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ كَنِيسَةٌ فَوَقَعَ فِي دَاخِلِ السُّوَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمَانِ قَبْلَ وَضْعِ السُّوَرِ، فَيُحْمَلُ مَا فِي جَوْفِ الْقَاهِرَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فَضَاءً فَأَدَارَ الْعُبَيْدِيُّونَ عَلَيْهَا السُّورَ ثُمَّ فِيهَا الْآنَ كَنَائِسُ، وَيَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إحْدَاثِهَا جِهَارًا فِي جَوْفِ الْمُدُنِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الضَّوَاحِي فَأُدِيرَ السُّوَرُ عَلَيْهَا فَأَحَاطَ بِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْكَنَائِسُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلُّهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُهْدَمَ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي أَمْصَارٍ قَدِيمَةٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْ التَّابِعِينَ حِينَ فَتَحُوا الْمَدِينَةَ عَلِمُوا بِهَا وَبَقُوهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ بَقُوهَا مَسَاكِنَ لَا مَعَابِدَ فَلَا تُهْدَمُ وَلَكِنْ يُمْنَعُونَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهَا لِلتَّقَرُّبِ، وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَقَرُّوهَا مَعَابِدَ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا بَلْ مِنْ الْإِظْهَارِ. وَانْظُرْ إلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ: إنَّهُمْ إذَا حَضَرَ لَهُمْ عِيدٌ يُخْرِجُونَ فِيهِ صُلْبَانَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوا فِي كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبُّوا، فَأَمَّا أَنْ يُخْرِجُوا ذَلِكَ مِنْ الْكَنَائِسِ حَتَّى يَظْهَرَ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجُوا خُفْيَةً مِنْ كَنَائِسِهِمْ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ الْإِحْدَاثِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» . قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُرَادُ إحْدَاثُهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبِيعَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ كَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصُّلْحِ. وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا بُنْيَانَ كَنِيسَةٍ» وَضَعَّفَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي تَوْبَةُ بْنُ النَّمِرِ الْحَضْرَمِيُّ قَاضِي مِصْرَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» قَالَ: وَرَوَى أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا كَنِيسَةَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا خِصَاءَ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِسَنَدِهِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُبْنَى مَا خَرِبَ مِنْهَا» وَأُعِلَّ بِسَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، وَإِذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُ الضَّعِيفِ يَصِيرُ حَسَنًا. ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخِصَاءِ نَزْعُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَقِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّخَلِّي عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ (وَالصَّوْمَعَةُ) وَهُوَ مَا يُبْنَى (لِلتَّخَلِّي) عَنْ النَّاسِ وَالِانْقِطَاعِ (فِيهَا) لَهُمْ مِثْلُهَا فَيُمْنَعُ أَيْضًا وَكَذَا يُمْنَعُ بَيْتُ نَارٍ. (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ) يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ (فِي قُرَى الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ) بِخِلَافِ قُرَى الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، وَلِذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّوَادِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ: إنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ غَالِبُ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُمْنَعُونَ، وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الَّتِي سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَصَارَ إطْلَاقُ مَنْعِ الْإِحْدَاثِ هُوَ الْمُخْتَارُ فَصَدَقَ تَعْمِيمُ الْقُدُورِيِّ مَنْعَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا) فَلَا يُحْدَثُ فِيهَا كَنِيسَةٌ وَلَا تُقَرُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ السُّكْنَى بِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي إقْرَارِهَا، إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ دَارَ سُكْنَى وَلَا يُبَاعُ بِهَا

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» . قَالَ (وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالتَّمَيُّزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَقَلَانِسِهِمْ فَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِالسِّلَاحِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُؤْخَذُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِإِظْهَارِ الْكُسْتِيجَاتِ وَالرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ الَّتِي هِيَ كَهَيْئَةِ الْأَكُفِّ) وَإِنَّمَا يُؤْخَذُونَ بِذَلِكَ إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُكْرَمُ، وَالذِّمِّيُّ يُهَانُ، وَلَا يُبْتَدَأُ بِالسَّلَامِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْرٌ وَلَا فِي قَرْيَةٍ مِنْهَا وَلَا فِي مَاءٍ مِنْ مِيَاه الْعَرَبِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ مَسْكَنًا وَوَطَنًا، بِخِلَافِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَيْسَتْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ يُمَكَّنُونَ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَذَلِكَ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» ) أَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، أَوْ قَالَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ دِينَانِ» وَرَوَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَزَادَ فِيهِ: " فَقَالَ عُمَرُ لِلْيَهُودِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَأْتِ بِهِ، وَإِلَّا فَإِنِّي مُجْلِيكُمْ، قَالَ: فَأَجَلَاهُمْ عُمَرُ ". وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ. قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ وَأَجْلَى يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعُهُ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ مِنْ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ، وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِانْجِزَارِ الْمِيَاهِ الَّتِي حَوَالَيْهَا عَنْهَا كَبَحْرِ الْبَصْرَةِ وَعُمَانَ وَعَدَنَ وَالْفُرَاتِ. وَقِيلَ؛ لِأَنَّ حَوَالَيْهَا بَحْرُ الْحَبَشِ وَبَحْرُ فَارِسٍ وَدِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسٍ وَبَحْرَ السُّودَانِ أَحَاطَا بِجَانِبِهَا الْجَنُوبِيِّ، وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ مَالِكٌ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ نَفْسُهَا، وَرُوِيَ أَنَّهَا الْحِجَازُ وَالْيَمَنُ وَالْيَمَامَةُ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: هِيَ أَرْضُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. (قَوْلُهُ: وَتُؤْخَذُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالتَّمَيُّزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ) نَفْسِهِمْ (وَفِي مَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَقَلَانِسِهِمْ) وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمَّا كَانُوا مُخَالِطِينَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ كَيْ لَا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ فِي التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَرُبَّمَا يَمُوتُ أَحَدُهُمْ فَجْأَةً فِي الطَّرِيقِ وَلَا يُعْرَفُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِخِلَافِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَأْمُرْهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ زِيٌّ عَالٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا وَجَبَ التَّمَيُّزُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَا فِيهِ صَغَارٌ لَا إعْزَازٌ؛ لِأَنَّ إذْلَالَهُمْ لَازِمٌ بِغَيْرِ أَذًى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ بِلَا سَبَبٍ يَكُونُ مِنْهُ، بَلْ الْمُرَادُ اتِّصَافُهُ بِهَيْئَةٍ وَضِيعَةٍ وَلِذَا أُمِرُوا (بِالْكَسْتِيجَاتِ) وَهُوَ خَيْطٌ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ مِنْ الصُّوفِ يَشُدُّهُ فَوْقَ

عَلَامَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَلَعَلَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ وَالْعَلَامَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ خَيْطًا غَلِيظًا مِنْ الصُّوفِ يَشُدُّهُ عَلَى وَسَطِهِ دُونَ الزُّنَّارِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ فَإِنَّهُ جَفَاءٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَيَجِب أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الطُّرُقَاتِ وَالْحَمَّامَاتِ، وَيُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُوَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ. قَالُوا: الْأَحَقُّ أَنْ لَا يُتْرَكُوا أَنْ يَرْكَبُوا إلَّا لِلضَّرُورَةِ. وَإِذَا رَكِبُوا لِلضَّرُورَةِ فَلِيَنْزِلُوا فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَزِمَتْ الضَّرُورَةُ اتَّخَذُوا سُرُوجًا ـــــــــــــــــــــــــــــQثِيَابِهِ دُونَ الزُّنَّارِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ (لِأَنَّ فِيهِ جَفَاءٌ بِالْمُسْلِمِينَ) أَيْ إغْلَاظًا عَلَيْهِمْ فَهُوَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهُمْ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ ضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ فَرُبَّمَا يَمْرُقُونَ بِجَهْلِهِمْ فَيَقُولُونَ الْكُفَّارُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَّا فَإِنَّهُمْ فِي خَفْضِ عَيْشٍ وَنِعْمَةٍ وَنَحْنُ فِي كَدٍّ وَتَعَبٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] تَنْبِيهًا عَلَى خِسَّةِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا مُنِعَ مِنْ شَدِّ زُنَّارٍ وَهُوَ حَاشِيَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ فَمَنْعُهُمْ مِنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ الَّتِي تُعَدُّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فَاخِرَةً سَوَاءٌ كَانَتْ حَرِيرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالصُّوفِ الْمُرَبَّعِ وَالْجُوخِ الرَّفِيعِ وَالْأَبْرَادِ الرَّقِيقَةِ أَوْلَى. وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ خِلَافِ هَذَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ، وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ اسْتِكْتَابِهِمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُعَظَّمًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ رُبَّمَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ خَاطِرُهُ مِنْهُ فَيَسْعَى بِهِ عِنْدَ مُسْتَكْتِبِهِ سِعَايَةً تُوجِبُ لَهُ مِنْهُ الضَّرَرَ، وَكَذَا يُؤْخَذُونَ بِالرُّكُوبِ عَلَى سُرُوجٍ فَوْقَ الْحُمُرِ كَهَيْئَةِ الْأَكُفِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ. بَلْ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ لَا يَرْكَبُوا أَصْلًا إلَّا إذَا خَرَجُوا إلَى أَرْضِ قَرْيَةٍ وَنَحْوِهِ أَوْ كَانَ مَرِيضًا: أَيْ إلَّا أَنْ تُلْزِمُ الضَّرُورَةُ فَيَرْكَبُ ثُمَّ يَنْزِلُ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرَّ بِهِمْ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ وَلَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ فَقَطْ. وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْعَلَامَةُ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَا ذُكِرَ، بَلْ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُهُ، وَفِي بِلَادِنَا جُعِلَتْ الْعَلَامَةُ فِي الْعِمَامَةِ فَأَلْزَمُوا النَّصَارَى الْعِمَامَةَ الزَّرْقَاءَ وَالْيَهُودَ الْعِمَامَةَ الصَّفْرَاءَ وَاخْتَصَّ الْمُسْلِمُونَ بِالْبَيْضَاءِ، وَكَذَا تُؤْخَذُ نِسَاؤُهُمْ بِالزِّيِّ فِي الطُّرُقِ فَيُجْعَلُ عَلَى مُلَاءَةِ الْيَهُودِيَّةِ خِرْقَةً صَفْرَاءَ وَعَلَى النَّصْرَانِيَّةِ زَرْقَاءَ، وَكَذَا فِي الْحَمَّامَاتِ، وَكَذَا تُمَيَّزُ دُورُهُمْ

بِالصِّفَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ. (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ) لِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ لَا أَدَاؤُهَا وَالِالْتِزَامُ بَاقٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ نَقْضًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ إيمَانَهُ فَكَذَا يَنْقُضُ أَمَانَهُ إذْ عَقْدُ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْهُ. وَلَنَا أَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ مِنْهُ، وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ دُورِ الْمُسْلِمِينَ كَيْ لَا يَقِفَ سَائِلٌ فَيَدْعُوَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ أَوْ يُعَامِلَهُمْ بِالتَّضَرُّعِ كَمَا يَتَضَرَّعُ لِلْمُسْلِمِينَ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ لِبَاسٍ يَخُصُّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ) وَتُجْعَلُ مَكَاعِبُهُمْ خَشِنَةً فَاسِدَةَ اللَّوْنِ، وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً كَطَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرِدْيَةً كَأَرْدِيَتِهِمْ، هَكَذَا أُمِرُوا وَاتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ) فَيَصِيرُ مُبَاحَ الدَّمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَنَا، وَقُيِّدَ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا نُقِضَ عَهْدُهُ. وَالشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ عَهْدَهُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَقَبُولِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَنْقُضُهُ بِزِنَاهُ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَنْ يُصِيبَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ أَنْ يَفْتِنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ أَوْ يَقْطَعَ الطَّرِيقَ أَوْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يُنْتَقَضُ بِإِكْرَاهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا أَوْ سَبِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ ذِكْرِهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ يَقْتُلُهُ بِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَوَافَقَهُ فِي هَذَا الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَلِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِيمَا إذَا ذَكَرَهُ تَعَالَى بِمَا لَا يَنْبَغِي أَوْ سَبَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يُنْتَقَضُ، وَالْآخَرُ يُنْتَقَضُ. وَجْهُ قَوْلِهِ هَذَا (أَنَّهُ بِذَلِكَ يُنْتَقَضُ إيمَانُهُ) لَوْ كَانَ مُسْلِمًا (فَيُنْتَقَضُ بِهِ أَمَانُهُ إذْ عَقْدُ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْ الْإِيمَانِ) فِي إفَادَةِ الْأَمَانِ فَمَا يَنْقُضُ الْأَصْلَ يَنْقُضُ الْخَلَفَ الْأَدْنَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: سَمِعْت رَاهِبًا سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: لَوْ سَمِعْته لَقَتَلْته، إنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعُهُودَ عَلَى هَذَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَنَا أَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ مِنْ الذِّمِّيِّ) كَمَا هُوَ رِدَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِ (وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ) لِعَقْدِ الذِّمَّةِ (لَا يَمْنَعُ عَقْدَ الذِّمَّةِ) فِي الِابْتِدَاءِ (فَالْكُفْرُ الطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ) فِي حَالِ الْبَقَاءِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَهْطًا مِنْ الْيَهُودِ دَخَلُوا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ، قَالَتْ: فَفَهِمْتُهَا وَقُلْت: عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْلًا: يَا عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، قَالَتْ: فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ قُلْت وَعَلَيْكُمْ» وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا سَبٌّ مِنْهُمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لَقَتَلَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِمْ حَرْبِيِّينَ. قَالُوا: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُظْهِرُوا سَبَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ سَبَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نِسْبَةَ مَا لَا يَنْبَغِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ إذَا أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ وَلَكِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ فَلَا. وَهَذَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ عَنْهُمْ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمْ صَاغِرِينَ أَذِلَّاءَ بِالنَّصِّ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ ذَلِكَ لَا عِنْدَ مُجَرَّدِ الْقَبُولِ وَإِظْهَارُ ذَلِكَ مِنْهُ يُنَافِي قَيْدَ قَبُولِ الْجِزْيَةِ دَافِعًا لِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي التَّمَرُّدِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاغِرًا ذَلِيلًا. وَأَمَّا الْيَهُودُ الْمَذْكُورُونَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَلَمْ يَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ بِمَعْنَى إعْطَائِهِمْ الْجِزْيَةَ، بَلْ كَانُوا أَصْحَابَ مُوَادَعَةٍ بِلَا مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ إلَى أَنْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوضَعْ جِزْيَةٌ قَطُّ عَلَى الْيَهُودِ الْمُجَاوِرِينَ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ. وَهَذَا الْبَحْثُ مِنَّا يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْلَى عَلَى

[فصل نصارى بني تغلب]

قَالَ (وَلَا يُنْقَضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَنَا) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُعَرَّى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ. (وَإِذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ) مَعْنَاهُ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ، وَكَذَا فِي حُكْمِ مَا حَمَلَهُ مِنْ مَالِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ يُسْتَرَقُّ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ. (فَصْلٌ) (وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ) لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الصَّدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُتَمَرِّدًا عَلَيْهِمْ حَلَّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (عَلَى مَوْضِعِ) قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ (فَيُحَارِبُونَنَا؛ لِأَنَّهُمْ) بِكُلٍّ مِنْ الْخُصْلَتَيْنِ (صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا) وَعَقْدُ الذِّمَّةِ مَا كَانَ إلَّا لِدَفْعِ شَرِّ حِرَابَتِهِمْ (فَيَعْرَى عَنْ الْفَائِدَةِ) فَلَا يَبْقَى. (وَإِذَا اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، مَعْنَاهُ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ) وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ، وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَّفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. (وَكَذَا فِي حُكْمِ مَا حَمَلَهُ مِنْ مَالِهِ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ النَّقْضِ، وَلَوْ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ يَكُونُ فَيْئًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُرْتَدِّ إذَا الْتَحَقَ بِمَالٍ؛ وَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَالْوَرَثَةُ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مَجَّانًا وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ حِينَ أَخَذَهُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ فَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ فَيْئًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ انْتِقَالُهُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَغْلِبُوا فِيهِ كَانْتِقَالِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَاخِمَةً لِدَارِ الْإِسْلَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ لَوْ أُسِرَ يُسْتَرَقُّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ (بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ) إذَا لَحِقَ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَأُسِرَ لَا يُسْتَرَقُّ بَلْ يُقْتَلُ إذَا لَمْ يُسْلِمْ، وَكَذَا يَجُوزُ وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ إذَا عَادَ بَعْدَ نَقْضِهِ وَقَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ الْتَزَمَ بِالذِّمَّةِ الْإِسْلَامَ بَلْ أَحْكَامَهُ فَجَازَ أَنْ يَعُودَ إلَى الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعُدْ وَلَمْ يَقْبَلْهَا حَتَّى أُخِذَ بَعْدَ الظُّهُورِ فَقَدْ اُسْتُرِقَّ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ جِزْيَةٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. . [فَصْلٌ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ] (فَصْلٌ) . أَفْرَدَ أَحْكَامَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ بِفَصْلٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ النَّصَارَى، وَتَغْلِبُ بْنُ وَائِلٍ مِنْ الْعَرَبِ

الْمُضَاعَفَةِ، وَالصَّدَقَةُ تَجِبُ عَلَيْهِنَّ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسْوَانِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِهِ الصُّلْحُ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ عَلَيْهَا وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِزْيَةِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ رَبِيعَةَ تَنَصَّرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ زَمَنُ عُمَرَ دَعَاهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا وَأَنِفُوا وَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الصَّدَقَةَ فَقَالَ: لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ صَدَقَةً فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ فَلَا تُعِنْ عَلَيْك عَدُوُّك بِهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي طَلَبِهِمْ وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ، فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الْفُقَهَاءُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ بِسَنَدِهِ إلَى دَاوُد بْنِ كَرْدُوسَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ بَنِي تَغْلِبَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَيُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ فِي الصَّدَقَةِ، وَعَلَى أَنْ يُسْقِطَ الْجِزْيَةَ مِنْ رُءُوسِهِمْ. فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً لَهُمْ شَاتَانِ، وَلَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَعَلَى هَذَا فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ هِيَ جِزْيَةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، فَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَاشِيَةٌ وَنُقُودٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْيَسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ، فَإِذَا صَالَحُوهُمْ عَلَى مَالٍ جُعِلَ وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمُسْتَحَقِّ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ جِزْيَةٌ سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ وَإِنْ كَانَ جِزْيَةً فِي الْمَعْنَى فَهُوَ وَاجِبٌ بِشَرَائِط الزَّكَاةِ وَأَسْبَابِهَا إذْ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْجِزْيَةِ مِنْ وَصْفِ الصَّغَارِ فَيُقْبَلُ مِنْ النَّائِبِ وَيُعْطَى جَالِسًا إنْ شَاءَ وَلَا يُؤْخَذُ بِتَلْبِيبِهِ (وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْجِزْيَةَ) وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ أَهْلِ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ بِالصُّلْحِ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِعَدَمِ وُجُودِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ عِنْدَنَا، بِخِلَافِ أَرْضِهِمْ فَيُؤْخَذُ خَرَاجُهَا؛ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ عِبَادَةً لِتَخُصَّ الْبَالِغِينَ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهَا (وَيُوضَعُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ الْخَرَاجُ) أَيْ الْجِزْيَةُ (وَخَرَاجُ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ مَوْلَى الْقُرَشِيِّ) وَقَالَ زُفَرُ: يُضَاعَفُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يَلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَخْفِيفٌ وَالْمَوْلَى لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ، وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ الْمَوْلَى بِالْهَاشِمِيِّ فِي حَقِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَنَفَقَةِ عَبِيدِهِمْ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرْنَا يُفِيدُ أَنَّهُ رُوعِيَ فِي هَذَا الْمَأْخُوذِ جِهَةُ الْجِزْيَةِ فِي الْمَصْرِفِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ رُوعِيَ جِهَةُ الزَّكَاةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْجِزْيَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ لَا يُغَيَّرُ، وَهَذِهِ الْجِزْيَةُ الَّتِي وَجَبَتْ بِالصُّلْحِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْجِزْيَةَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يَجِبُ بِالصُّلْحِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ كَيْفَمَا وَقَعَ، وَاَلَّذِي يُرَاعَى فِيهِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ وَكَمِّيَّتُهُ هُوَ الْجِزْيَةُ الَّتِي يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ وَضْعَهَا شَاءُوا أَوْ أَبَوْا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ وَيُوضَعُ عَلَى الْمَوْلَى التَّغْلِبِيِّ) أَيْ مُعْتِقِهِ (الْخَرَاجُ: أَيْ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ، وَقَالَ زُفَرُ: يُضَاعَفُ) عَلَيْهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَالتَّغْلِبِيِّ نَفْسِهِ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ) وَهَذَا الْحَدِيثُ اسْتَدْلَلْنَا بِهِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى حِرْمَانِ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ الزَّكَاةَ، فَكَذَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى التَّضْعِيفِ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ، وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. (وَلَنَا أَنَّ هَذَا) أَيْ وَضْعَ الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ (تَخْفِيفٌ) إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ بِرَغْبَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَاشْتِشْقَاقِهِمْ مَا سِوَاهُ (وَالْمَوْلَى لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ) أَيْ فِي التَّخْفِيفِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ، وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ مَوْلًى نَصْرَانِيٌّ وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِالْإِسْلَامِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّى التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِوَصْفِ التَّغْلِبِيَّةِ أَوْلَى (بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَاتِ) عَلَى الْهَاشِمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا بَلْ تَحْرِيمٌ (وَالْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ بِهِ) وَيُنْقَضُ

وَلَا يَلْزَمُ مَوْلَى الْغَنِيِّ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، لِأَنَّ الْغَنِيَّ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا الْغَنِيُّ مَانِعٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، أَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِهَذِهِ الصِّلَةِ أَصْلًا لِأَنَّهُ صِينَ لِشَرَفِهِ وَكَرَامَتِهِ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ فَأُلْحِقَ بِهِ مَوْلَاهُ. قَالَ: (وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَمِنْ أَمْوَالِ بَنِي تَغْلِبَ وَمَا أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْلَى الْغَنِيِّ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَى مُعْتِقِهِ وَلَمْ تَتَعَدَّ إلَيْهِ فَقَالَ (لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ) فِي الْجُمْلَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامِلًا عَلَيْهَا أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ مِنْهَا (وَإِنَّمَا الْغِنَى مَانِعٌ) مِنْ الْإِسْقَاطِ عَنْ الْمُعْطَى لَهُ شَرْعًا تَحَقَّقَ فِي حَقِّ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْمَوْلَى فَخُصَّ السَّيِّدُ (أَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِهَذِهِ الصِّلَةِ أَصْلًا؛ لِشَرَفِهِ وَكَرَامَتِهِ) لِاتِّسَاخِهَا، وَلِذَا لَا يُعْطَى مِنْهَا لَوْ كَانَ عَامِلًا (فَأُلْحِقَ بِهِ مَوْلَاهُ) ؛ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْسَاخُ بِنِسْبَةٍ فَإِنْ قُلْت: هَذَا تَقْدِيمٌ لِلْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أُجِيبُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فِي الْكَفَاءَةِ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَالْإِمَامَةِ فَكَانَ عَامًّا مَخْصُوصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَفَاءَةِ وَالْإِمَامَةِ فَيُخَصُّ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ فَلَا يَتَعَدَّى بِالنِّسْبَةِ لِلتَّضْعِيفِ إلَى الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ بِدَلِيلِ التَّخْفِيفِ بِالْإِسْلَامِ لَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْمَوْلَى فَيَخْتَصُّ كَوْنُ الْمَوْلَى مِنْهُمْ بِمَا فِيهِ دَفْعُ نَقِيصَةٍ لِمَا أَنَّ نَقِيصَةَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ تَنْتَسِبُ إلَى مَوْلَاهُ. وَوَجْهٌ آخَرُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْلَى مِنْهُمْ وَلَا مَلْزُومًا لِأَحْكَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ حَقِيقَةً، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِهِ فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ وَهُوَ أُجْرَتُهُ رُوِيَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ أَرْقَمَ بْنَ أَرْقَمٍ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَاسْتَتْبَعَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» فَإِذَا عُلِمَ عَدَمُ عُمُومِهِ فَلْيُخَصَّ بِسَبَبِهِ، وَهُوَ الزَّكَاةُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنْ قِيلَ لَمْ يُوَافِقْ زُفَرَ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَقِيلَ بَلْ قَوْلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّعْبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ) مِنْ الْخَرَاجِ وَمِنْ أَمْوَالِ بَنِي تَغْلِبَ، وَمَا أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ

وَالْجِزْيَةُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ، وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِمْ، وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ وَصَلَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ، فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ لِلْقِتَالِ (وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ صِلَةٍ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ عَطَاءً فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَأَهْلُ الْعَطَاءِ فِي زَمَانِنَا مِثْلُ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجِزْيَةُ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدِّ الثُّغُورِ، وَهِيَ مَوَاضِعُ يُخَافُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهَا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ (وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ) وَهِيَ مَا تُوضَعُ وَتُرْفَعُ فَوْقَ الْمَاءِ لِيُمَرَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْقَنْطَرَةِ يُحْكَمُ بِنَاؤُهَا وَلَا تُرْفَعُ (وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِمْ، وَتُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) فَإِنَّهُ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكْفُوهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ وَتَرَكُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلدَّفْعِ وَهَذَا (لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ) وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِذَا كَانَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عُمَّالُهُمْ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ فِي عَلَامَةِ السَّيِّدِ أَبِي شُجَاعٍ أَنَّهُ يُعْطَى أَيْضًا لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ وَبِهَذَا تَدْخُلُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ، بِخِلَافِ الْمَذْكُورِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّلَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لَيَعْمَلَ بَعْدَهُ لِلْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ صِلَةٍ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ، وَلِكَوْنِهِ صِلَةً سُمِّيَ عَطَاءً فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ) فَلَا يُورَثُ (وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ تَأَكُّدِ حَقِّهِ بِمَجِيءِ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْحَقُّ الضَّعِيفُ لَا يُجْرَى فِيهِ الْإِرْثُ كَسَهْمِ الْغَازِي فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُورَثُ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَكَّدَ سَهْمُهُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يُورَثُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ، وَتَقْيِيدُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنِصْفِ السَّنَةِ رُبَّمَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ آخِرَهَا يُعْطَى وَرَثَتُهُ، وَقَالُوا: لَا يَجِبُ أَيْضًا وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى عَنَاءَهُ: أَيْ تَعَبَهُ فِي عَمَلِهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطَى. وَعَلَّلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ وُجُوبِ إعْطَائِهِ بَعْدَمَا تَمَّتْ السَّنَةُ أَيْضًا بِمَا ذَكَرْنَا فِي نِصْفِهَا، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَكَّدْ الْحَقُّ بَعْدَمَا تَمَّتْ السَّنَةُ أَيْضًا مُعَوِّلًا عَلَى أَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا يَقْتَضِي قَصْرَ الْإِرْثِ عَلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ دَفْعِهِ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَأَكَّدَ بِإِتْمَامِ عَمَلِهِ فِي السَّنَةِ كَمَا قُلْنَا: إنَّهُ يُورَثُ سَهْمُ الْغَازِي بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِلْكٌ: وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنَّمَا خَصَّ نِصْفَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ آخِرِهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا إلَّا عَلَى قَدْرِ عَنَائِهِ يَقْتَضِي أَنْ يُعْطَى حِصَّتَهُ مِنْ الْعَامِ. ثُمَّ قِيلَ: رِزْقُ الْقَاضِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ يُعْطَى فِي آخِرِ السَّنَةِ، وَلَوْ أُخِذَ فِي أَوَّلِهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّهَا، قِيلَ

[باب أحكام المرتدين]

بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ قَالَ (وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ كُشِفَتْ عَنْهُ) لِأَنَّهُ عَسَاهُ اعْتَرَتْهُ شُبْهَةٌ فَتُزَاحُ، وَفِيهِ دَفْعُ شَرِّهِ بِأَحْسَنِ الْأَمْرَيْنِ، إلَّا أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ بَلَغَتْهُ. قَالَ (وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ) وَتَأْوِيلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَسْتَمْهِلُ فَيُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ، وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ تَعْجِيلِ الْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ لَا يَجِبُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ رَدُّ الْبَاقِيَ كَمَا لَوْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةً لِيَتَزَوَّجَهَا فَمَاتَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَعِنْدَهُمَا هُوَ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِالْمَوْتِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، ذَكَرَهُ فِي جَامِعَيْ قَاضِي خَانْ والتمرتاشي. وَالْعَطَاءُ: هُوَ مَا يَثْبُتُ فِي الدِّيوَانِ بِاسْمِ كُلٍّ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ كَالْجَامِكِيَّةِ فِي عُرْفِنَا إلَّا أَنَّهَا شَهْرِيَّةٌ، وَالْعَطَاءُ سَنَوِيٌّ. [بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ] (بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ الطَّارِئِ. وَالْمُرْتَدُّ: هُوَ الرَّاجِعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ) أَبَدَاهَا (كُشِفَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَسَاهُ اعْتَرَتْهُ) أَيْ عَرَضَتْ لَهُ (شُبْهَةٌ فَتُزَاحُ عَنْهُ، وَفِيهِ دَفْعُ شَرِّهِ بِأَحْسَنِ الْأَمْرَيْنِ) وَهُمَا الْقَتْلُ وَالْإِسْلَامُ وَأَحْسَنُهُمَا الْإِسْلَامُ. وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وُجُوبَ الْعَرْضِ قَالَ: (إلَّا أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (غَيْرُ وَاجِبٍ) بَلْ مُسْتَحَبٌّ (لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ) وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ، وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ (قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ) فِيهَا (وَإِلَّا قُتِلَ) وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا مِنْ الْقُدُورِيِّ يُوجِبُ وُجُوبَ الْإِنْظَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي مِثْلِهِ، فَذَكَرَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ) أَيْ مَكَانَهُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ إنْظَارَهُ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ

لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ التَّأَمُّلُ فَقَدَّرْنَاهَا بِالثَّلَاثَةِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الْإِمْهَالِ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَيُقْتَلُ لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ اسْتِمْهَالٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا. وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ الثَّلَاثَةُ (لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ) بِدَلِيلِ حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ «فِي الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ضُرِبَتْ لِلتَّأَمُّلِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ، وَقِصَّةُ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: 76] وَهِيَ الثَّالِثَةُ إلَى قَوْلِهِ {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76] وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ فَقَالَ نَعَمْ. رَجُلٌ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَتَلْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ فِي بَيْتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَطْعَمْتُمُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفًا لَعَلَّهُ يَتُوبُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ. أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، لَكِنْ ظَاهِرُ تَبَرِّي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (تَأْوِيلُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ الدَّالُّ عَلَى وُجُوبِ إمْهَالِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ (أَنْ يَسْتَمْهِلَ فَيُمْهَلَ) وَظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ الْوُجُوبُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا طَلَبَ التَّأْجِيلَ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْنَا إزَالَةُ تِلْكَ الشُّبْهَةِ، أَوْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّفَكُّرِ؛ لِيَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُهْلَةِ، وَإِذَا اسْتَمْهَلَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُمْهِلَهُ، وَمُدَّةُ النَّظَرِ جُعِلَتْ فِي الشَّرْعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْخِيَارِ، ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ الدَّالِّ عَلَى الْوُجُوبِ: تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَعَلَّهُ طَلَبَ التَّأْجِيلَ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا التَّأَمُّلُ فَقَدَّرْنَاهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِمَا ذَكَرْنَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنْ تَابَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا قُتِلَ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِنْظَارٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَهَذَا إنْ أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِنْظَارِ فَكَمَذْهَبِنَا، وَالِاسْتِدْلَالُ مُشْتَرَكٌ، وَمِنْ الْأَدِلَّةِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَهَذَا كَافِرٌ حَرْبِيٌّ، وَإِنْ كَانَ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ اسْتِحْبَابِ الْإِمْهَالِ فَنَقُولُ هَذِهِ الْأَوَامِرُ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَلَى مَا عُرِفَ، ثُمَّ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ) لَيْسَ بِجَيِّدٍ إذْ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الْإِمْهَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ يُخَالِفُ الْمَذْهَبَ وَيُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ إلَّا إذَا خِيفَ الْفَوَاتُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَوَامِرَ الْمَذْكُورَةَ مُطْلَقَةٌ بَلْ مُفِيدَةٌ لِلْعُمُومِ لِلْفَاءِ فِي قَوْلِهِ " فَاقْتُلُوهُ "؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْوَصْلَ وَالتَّعْقِيبَ. قُلْنَا: تِلْكَ الْفَاءُ الْعَاطِفَةُ وَهِيَ فَاءُ السَّبَبِ. فَإِنْ قِيلَ: فَتُفِيدُ الْوَصْلَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْلُولَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْعِلَّةِ. قُلْنَا: الْمَعْلُولُ وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ إيجَابُ قَتْلِهِ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ عِلَّتِهِ الْمُثِيرَةِ لَهُ وَهِيَ كُفْرُهُ، وَأَمَّا إيجَابُ الِامْتِثَالِ عَلَى الْفَوْرِ فَشَيْءٌ آخَرُ. (وَلَا فَرْقَ) فِي وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ (بَيْنَ كَوْنِ الْمُرْتَدِّ حُرًّا أَوْ عَبْدًا) وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ قَتْلُهُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْإِجْمَاعِ (وَإِطْلَاقُ الدَّلَائِلِ)

وَكَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ، وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي ذَكَرْنَاهَا (وَكَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ) قِيلَ هُوَ أَنْ يَقُولَ تُبْتُ وَرَجَعْتُ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ. قِيلَ لَكِنْ هَذَا بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَالْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. (وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الرَّجُلِ كَيْفَ يُسْلِمُ؟ فَقَالَ: يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيُقِرُّ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الدِّينِ الَّذِي انْتَحَلَهُ، وَإِنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: وَلَمْ أَدْخُلْ فِي هَذَا الدِّينِ قَطُّ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ فَهِيَ تَوْبَةٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: قَطُّ يُرِيدُ بِهِ مَعْنَى أَبَدًا؛ لِأَنَّ قَطُّ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى لَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إسْلَامُ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَتَبَرَّأَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ، وَالْيَهُودِيُّ كَذَلِكَ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَكَذَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ الشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ خُصُوصَ الرِّسَالَةِ إلَى الْعَرَبِ فَيُصَدِّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ بِهِ، هَذَا فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ. وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ، فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا. وَقَوْلُهُ هَذَا إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ الْحَاضِرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَتَلْنَاهُ. وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثَانِيًا قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ أَيْضًا وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا، إلَّا أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ: فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ فِي الْحَالِ وَلَا يُؤَجَّلُ، فَإِنْ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ ثُمَّ يَحْبِسُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ حَتَّى يَرَى عَلَيْهِ خُشُوعَ التَّوْبَةِ وَحَالَ الْمُخْلِصِ فَحِينَئِذٍ يُخَلِّي سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا دَامَ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مَرْوِيٌّ فِي النَّوَادِرِ قَالَ: إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا ثُمَّ يُحْبَسُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَرُجُوعُهُ انْتَهَى. وَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ كَرَّرَ رِدَّتَهُ كَالزِّنْدِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: 137] الْآيَةَ. . قُلْنَا: رَتَّبَ عَدَمَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى شَرْطِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [آل عمران: 90] وَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ: فِي الزِّنْدِيقِ لَنَا

قَالَ (فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ كُرِهَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) وَمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ هَاهُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ وَانْتِفَاءُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ، وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ. (وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْتَلُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ رِدَّةَ الرَّجُلِ مُبِيحَةٌ لِلْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ مُتَغَلَّظَةٌ فَتُنَاطُ بِهَا عُقُوبَةٌ مُتَغَلَّظَةٌ وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ تُشَارِكُهَا فِيهَا فَتُشَارِكُهَا فِي مُوجِبِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ تُقْبَلُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ إذَا صَدَقَ قَبِلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِلَا خِلَافٍ، وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا يُقْتَلُ غِيلَةً، فَسَّرَهُ بِأَنْ يُنْتَظَرَ فَإِذَا أَظْهَرَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ الِاسْتِخْفَافُ، وَقَتْلُ الْكَافِرِ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ جَائِزٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ) أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ (كُرِهَ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) وَالْقَاطِعِ (لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ) وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْمُرْتَدِّ هَدَرٌ (وَمَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ) فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَعِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْعَرْضِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ: أَيْ الْقَتْلَ أَوْ الْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أُدِّبَ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ أَبَدًا حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ) وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الضَّرْبَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَيُرْوَى) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا (تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ) وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ تُضْرَبُ كُلَّ يَوْمٍ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ، وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ. وَلِذَا قُلْنَا فِيمَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حُدُودٌ: إنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ الثَّانِي مَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْحَدِّ السَّابِقِ كَيْ لَا يَصِيرَ قَتْلًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ، ثُمَّ الْأَمَةُ تُدْفَعُ إلَى مَوْلَاهَا فَيُجْعَلُ حَبْسُهَا بِبَيْتِ السَّيِّدِ سَوَاءٌ طَلَبَ هُوَ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي الصَّحِيحِ، وَيَتَوَلَّى هُوَ جَبْرَهَا، قَالَ الْمُصَنِّفُ (جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ) يَعْنِي حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يَبْقَى لِيُمْكِنَ اسْتِخْدَامُهُ، وَلَا تُسْتَرَقُّ الْحُرَّةُ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ تُسْتَرَقُّ إذَا سُبِيَتْ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ: تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا. قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَهَبَهَا الْإِمَامُ لَهُ إذَا كَانَ مَصْرِفًا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالرِّدَّةِ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا الزَّوْجُ فَيَمْلِكُهَا وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالرِّدَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّى هُوَ حَبْسَهَا وَضَرْبَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَرْتَدُّ ضَرَرُ قَصْدِهَا عَلَيْهَا. قِيلَ: وَفِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا التَّتَرُ وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا وَأَبْقَوْا الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَقَعَ فِي خُوَارِزْمَ وَغَيْرِهَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ. وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَالصَّفَّارُ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا، وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ؛ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا، وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ (لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَهُوَ حَدِيثٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ (وَلِأَنَّ رِدَّةَ الرَّجُلِ مُبِيحَةٌ لِلْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جِنَايَةٌ مُتَغَلَّظَةٌ) هِيَ جِنَايَةُ الْكُفْرِ (وَجِنَايَةُ الْمَرْأَةِ تُشَارِكُهَا فِيهَا فَتُشَارِكُهَا فِي مُوجِبِهَا)

وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَأْخِيرُ الْأَجْزِيَةِ إلَى دَارِ الْآخِرَةِ إذْ تَعْجِيلُهَا يُخِلُّ بِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ، وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْهُ دَفْعًا لِشَرٍّ نَاجِزٍ وَهُوَ الْحِرَابُ، وَلَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبِنْيَةِ، بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَصَارَتْ الْمُرْتَدَّةُ كَالْأَصْلِيَّةِ قَالَ (وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) ؛ لِأَنَّهَا امْتَنَعَتْ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَتُجْبَرُ عَلَى إيفَائِهِ بِالْحَبْسِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْقَتْلُ وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا مُطْلَقٌ يَعُمُّ الْكَافِرَةَ أَصْلِيًّا وَعَارِضًا، وَثَبَتَ تَعْلِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ عَدَمِ حِرَابِهَا فَكَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ مَا رَوَاهُ بَعْدُ أَنَّ عُمُومَهُ مُخَصَّصٌ بِمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَعْنَى بَعْدَ هَذَا زِيَادَةُ بَيَانٍ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَجْزِيَةِ بِأَنْ تَتَأَخَّرَ إلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَهِيَ الدَّارُ الْآخِرَةُ فَإِنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ لِلْأَجْزِيَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَوْضُوعَةِ هَذِهِ الدَّارُ لَهَا، فَهَذِهِ دَارُ أَعْمَالٍ وَتِلْكَ دَارُ جَزَائِهَا، وَكُلُّ جَزَاءٍ شُرِعَ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَا هُوَ إلَّا لِمَصَالِحَ تَعُودُ إلَيْنَا فِي هَذِهِ الدَّارِ كَالْقِصَاصِ وَحْدِ الْقَذْفِ وَالشُّرْبِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ شُرِعَتْ لِحِفْظِ النُّفُوسِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْعُقُولِ وَالْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ، فَكَذَا يَجِبُ فِي الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ أَنْ يَكُونَ لِدَفْعِ شَرِّ حِرَابِهِ لَا جَزَاءٍ عَلَى فِعْلِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ جَزَاءَهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَخْتَصُّ بِمَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِرَابُ وَهُوَ الرَّجُلُ، وَلِهَذَا «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُقَاتِلُ عَلَى مَا صَحَّ مِنْ الْحَدِيثِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: لَوْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ ذَاتَ رَأْيٍ وَتَبَعٍ تُقْتَلُ لَا لِرِدَّتِهَا بَلْ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَإِنَّمَا حُبِسَتْ (لِأَنَّهَا امْتَنَعَتْ عَنْ أَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أَقَرَّتْ بِهِ فَتُحْبَسُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ) . وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَا تُقْتَلْ

وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا) أَمَّا الْجَبْرُ فَلِمَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ الْمَوْلَى؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَيُرْوَى تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْوَالِهِ بِرِدَّتِهِ زَوَالًا مُرَاعًى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ. وَفِي بَلَاغَاتِ مُحَمَّدٍ قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ حُبِسَتْ. وَأَمَّا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ مَرْوَانَ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَإِنْ رَجَعَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ» فَمُضَعَّفٌ بِمَعْمَرِ بْنِ بَكَّارَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ وَلَمْ يُسَمِّ الْمَرْأَةَ، وَزَادَ: «فَعَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَبَتْ أَنْ تُسْلِمَ فَقُتِلَتْ» وَهُوَ ضَعِيفٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُطَارِدٍ بْنِ أُذَيْنَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَرُوِيَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَائِشَةَ «ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ تُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ» وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالُوا فِيهِ: إنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ مَعَ أَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِأَحَادِيثَ أُخَرَ مِثْلِهَا، وَأَمْثَلُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُقْتَلْ الْمَرْأَةُ إذَا ارْتَدَّتْ» وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْسٍ الْجَزَرِيُّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَّابٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتَدَّتْ فَلَمْ يَقْتُلْهَا» وَضَعَّفَهُ بِحَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا هُرْمُزُ بْنُ مُعَلَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْفَزَارِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ، فَإِنْ تَابَ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا، فَإِنْ تَابَتْ فَاقْبَلْ مِنْهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَاسْتَتِبْهَا» وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَمَا أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يَعِيبُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثًا كَانَ يَرْوِيهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ فَزَالَ انْفِرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي ادَّعَاهُ الثَّوْرِيُّ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ أَمَرَ فِي أُمِّ وَلَدٍ تَنَصَّرَتْ أَنْ تُبَاعَ فِي أَرْضٍ ذَاتِ مُؤْنَةٍ عَلَيْهَا وَلَا تُبَاعُ فِي أَهْلِ دِينِهَا فَبِيعَتْ فِي دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِهَا " وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " الْمُرْتَدَّةُ تُسْتَتَابُ وَلَا تُقْتَلُ " وَضُعِّفَ بِخِلَاسٍ. (قَوْلُهُ: وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْلَاكِهِ زَوَالًا مُرَاعًى) أَيْ مَوْقُوفًا غَيْرَ بَاتٍّ فِي الْحَالِ

فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ عَلَى حَالِهَا، قَالُوا: هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ، فَإِلَى أَنْ يُقْتَلَ يَبْقَى مِلْكُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ. وَلَهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا حَتَّى يُقْتَلَ، وَلَا قَتْلَ إلَّا بِالْحِرَابِ، وَهَذَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ الْعَارِضُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَيَعْمَلُ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ أَمْوَالُهُ عَلَى حَالِهَا) الْأَوَّلِ (وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحَكَمَ) الْحَاكِمُ (بِلَحَاقِهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فَعَمِلَ السَّبَبُ) وَهُوَ كَوْنُهُ كَافِرًا حَرْبِيًّا (عَمَلَهُ) مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الرِّدَّةِ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَثْبُتُ مِلْكُهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ، وَجَعْلُهُ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِلْكٌ بَاتٌّ ثُمَّ يَرْتَفِعُ بِالْخِيَارِ شَرْعًا كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ حِينَ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنْ لَا مَعْنَى لِلزَّوَالِ الْمُرَاعَى وَالْمَوْقُوفِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَزُولَ أَوْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَزُولُ ثُمَّ يَعُودُ بِالْإِسْلَامِ وَهَذَا لَيْسَ وَاقِعًا، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مَا قَبْلَهُ كَالْمِلْكِ الرَّاجِعِ بِالرُّجُوعِ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) وَالْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَقَوْلُهُمَا قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ. وَجْهُهُ (أَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ) وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ التَّكْلِيفِ إلَّا بِمَالِهِ، وَأَثَرُ الرِّدَّةِ فِي إبَاحَةِ دَمِهِ لَا فِي زَوَالِ مِلْكِهِ، فَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ يَبْقَى مِلْكُهُ وَصَارَ (كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ) لَا يَزُولُ مِلْكُهُ مَا لَمْ يُقْتَلْ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا إلَى أَنْ يُقْتَلَ) وَالْمِلْكُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعِصْمَةِ، وَكَوْنُهُ حَرْبِيًّا (يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ) وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَزُولَ فِي الْحَالِ عَلَى الْبَتَاتِ (إلَّا أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ دَخَلَهُ وَعَرَفَ مَحَاسِنَهُ وَأَنِسَ بِهِ نَسْأَلُ اللَّهَ حِفْظَهُ عَلَيْنَا إلَى الْجَنَّةِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ فَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ. (فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ الْعَارِضُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ) وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ (وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ) عَمَلَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ مِنْهُ أَحَدُ مَا قُلْنَا عَمِلَ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، وَلَا

قَالَ (وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ انْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْئًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: كِلَاهُمَا لِوَرَثَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كِلَاهُمَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، ثُمَّ هُوَ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَيَكُونُ فَيْئًا. وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْفَى أَنَّ الْحِرَابَةَ لَا تُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمِلْكِ بَلْ زَوَالَ الْعِصْمَةِ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ يَمْلِكُ غَيْرَ أَنَّ مَمْلُوكَهُ لَا عِصْمَةَ لَهُ، فَإِذَا اُسْتُوْلِيَ عَلَيْهِ زَالَ مِلْكُهُ، فَكَوْنُ الْمُرْتَدِّ حَرْبِيًّا قُصَارَى مَا يَقْتَضِي زَوَالَ عِصْمَةِ مَالِهِ وَنَفْسِهِ تَبَعًا، وَهُوَ لَا يَنْفِي قِيَامَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَلَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالزَّوَالِ مُسْتَنِدًا، وَلِهَذَا زَادَ قَوْلَهُ: مَقْهُورًا تَحْتَ أَيْدِينَا فَيَكُونُ مَالُهُ مُسْتَوْلًى عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُرَادِ أَنَّ بِالرِّدَّةِ يَزُولُ مِلْكُهُ زَوَالًا بَاتًّا، فَإِنْ اسْتَمَرَّ حَتَّى مَاتَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِاللَّحَاقِ اسْتَمَرَّ بِالزَّوَالِ الثَّابِتِ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ، وَإِنْ عَادَ عَادَ الْمِلْكُ وَهُمَا هَرَبًا مِنْ الْحُكْمِ بِالزَّوَالِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ، فَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الرِّدَّةَ لَمَّا اقْتَضَتْ الزَّوَالَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ إنْ عَادَ وَمَالُهُ قَائِمٌ كَانَ أَحَقَّ بِهِ وَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِمَا فَيَقُولُ بِالرِّدَّةِ يَزُولُ، ثُمَّ بِالْعَوْدِ يَعُودُ شَرْعًا، هَذَا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: إنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ تَصَرُّفَهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَتَصِيرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ فَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي مَعْرِضِ التَّلَفِ فَهُوَ أَسْوَأُ مِنْ الْمَرِيضِ حَالًا، وَأَبُو يُوسُفَ يَمْنَعُهُ وَيَقُولُ: الْمُرْتَدُّ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَرِيضُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ انْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْئًا) لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: كِلَا الْكَسْبَيْنِ لِوَرَثَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: (كِلَاهُمَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ) إجْمَاعًا (فَبَقِيَ مَالَ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ) لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ (فَيَكُونُ فَيْئًا. وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) مِنْ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ إلَى آخِرِهِ (فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ) وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ عَلَى الشَّافِعِيِّ إلَّا إذَا بَيَّنَّا عِلِّيَّةَ الِاسْتِنَادِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَخْذَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ، وَهُوَ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِاسْتِنَادِهِ شَرْعًا إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ وَإِلَّا كَانَ تَوْرِيثَ الْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ إسْلَامٌ. أَوْ نَقُولُ: اسْتِحْقَاقُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ وَالْوَرَثَةُ سَاوَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَتَرَجَّحُوا بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ فَكَانُوا كَقَرَابَةٍ ذَاتِ جِهَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَرَابَةٍ ذَاتِ جِهَةٍ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ قَالَ تَعَالَى:

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ قَبْلَهَا وَمِنْ شَرْطِهِ وُجُودُهُ، ثُمَّ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلِاسْتِنَادِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ، وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) مَا قَالَاهُ فِي وَجْهِ التَّوْرِيثِ إلَّا (أَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ) وَهِيَ الْمَوْتُ فَيَسْتَنِدُ الْإِرْثُ إلَى مَا قَبْلَهُ. وَقَدْ قُلْت إنَّ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ زَالَ مِلْكُهُ، فَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ لَا يَقَعُ مَمْلُوكًا لَهُ لِيُمْكِنَ اسْتِنَادُ التَّوْرِيثِ فِيهِ إلَى مَا قُبَيْلَ مَوْتِهِ الْحُكْمِيِّ: أَعْنِي الرِّدَّةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُورَثُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي تَوْرِيثِ كَسْبِ الرِّدَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُكْمِ الْخِلَافِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ بِالرِّدَّةِ الْمُسْتَمِرَّةِ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْحُكْمِيُّ بِاللَّحَاقِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ، ثُمَّ إذَا تَحَقَّقَ الْمَوْتُ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ إرْثِهِمْ إيَّاهُ. وَالْفَرْضُ أَنَّ لَهُ مَالًا مَمْلُوكًا فَلَا بُدَّ مِنْ إرْثِهِمْ لَهُ وَإِرْثُهُمْ يَسْتَدْعِي اسْتِنَادَهُ إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ فَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ اعْتِبَارُ مَا اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ مَوْجُودًا قَبْلَهَا حُكْمًا لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ نَفْسُ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا حِسًّا وَقْتَئِذٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ حَالَةَ الرِّدَّةِ) بِأَنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا (وَبَقِيَ كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ) أَوْ لَحَاقِهِ (فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) رَوَاهَا عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، وَهَذَا لِاعْتِبَارِ الِاسْتِنَادِ فِي الْإِرْثِ، فَإِنَّ الْمُسْتَنِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْتَنِدُ فَيَجِبُ أَنْ يُصَادِفَ عِنْدَ ثُبُوتِهِ مَنْ هُوَ بِصِفَةِ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ وَكَذَا عِنْدَ اسْتِنَادِهِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ بَعْضُ قَرَابَتِهِ أَوْ وَلَدٌ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ لَا يَرِثُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. (وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا عِنْدَ الرِّدَّةِ) فَقَطْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ بَقَائِهِ بِالصِّفَةِ إلَى الْمَوْتِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ (فَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ مَنْ كَانَ وَارِثًا عِنْدَ الرِّدَّةِ بِعُرُوضِ مَوْتِ ذَلِكَ الْوَارِثِ أَوْ رِدَّتِهِ بَعْدَ رِدَّةِ أَبِيهِ (بَلْ) إذَا مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ (يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ) وَهُوَ وَارِثُ الْوَارِثِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَوَّلَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهَا لِاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ (وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ) وَاللَّحَاقِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذَا أَصَحُّ

لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْحَادِثِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْحَادِثِ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَارًّا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الرِّدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْحَادِثِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَبَقِيَ الثَّمَنُ كُلُّهُ عَلَى الْبَائِعِ، فَلَوْ كَانَ مَنْ بِحَيْثُ يَرِثُهُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَعَتَقَ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَلْحَقَ أَوْ أَسْلَمَ وَرِثَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، إلَّا أَنَّ الْكَرْخِيَّ حَكَى بَيْنَهُمَا خِلَافًا فِي اللَّحَاقِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ حَالُ الْوَارِثِ يَوْمَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمِ اللَّحَاقِ لَا الْحُكْمِ. وَجْهُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعَارِضَ يَعْنِي الرِّدَّةَ مُتَصَوَّرٌ زَوَالُهُ فَتَوَقَّفَ ثُبُوتُ حُكْمِهِ عَلَى الْقَضَاءِ. وَوَجْهُ مُحَمَّدٍ أَنَّ اللَّحَاقَ تَزُولُ بِهِ الْعِصْمَةُ وَالْأَمَانُ وَالذِّمَّةُ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ وَفَاءً فَتُؤَدَّى الْكِتَابَةُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ وَارِثِهِ يَوْمَ مَاتَ لَا حَالُ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ. وَجَوَابُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اللَّحَاقَ لَيْسَ حَقِيقَةَ الْمَوْتِ الْمَأْيُوسِ عَنْ ارْتِفَاعِهِ لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ بِهِ بِلَا قَضَاءٍ، بَلْ فِي حُكْمِهِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِنَا عَنْهُ وَأَحْكَامِنَا، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ أَحْكَامُ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَتَأَكَّدَ وَذَلِكَ بِالْحُكْمِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ) أَيْ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ (إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ) أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ (وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَارًّا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الرِّدَّةِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبَ الْمَوْتِ، وَهِيَ بِاخْتِيَارِهِ أَشْبَهَتْ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَهُوَ يُوجِبُ الْإِرْثَ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ فَارٌّ، وَلَوْ كَانَ وَقْتَ الرِّدَّةِ مَرِيضًا فَلَا إشْكَالَ فِي إرْثِهَا. وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُ الرِّدَّةِ تُشْبِهُ الطَّلَاقَ قُصَارَاهَا أَنْ يُجْعَلَ بِالرِّدَّةِ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَطَلَاقُ الصَّحِيحِ لَا يُوجِبُ حُكْمَ الْفِرَارِ، فَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ بِالرِّدَّةِ كَأَنَّهُ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ بِاخْتِيَارِهِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ ثُمَّ هُوَ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ مُخْتَارًا فِي الْإِصْرَارِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقَتْلِ حَتَّى قُتِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلِّقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ثُمَّ يَمُوتُ قَتْلًا أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِلَحَاقِهِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَرِثُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَارِثَةً عِنْدَ رِدَّتِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى رِوَايَةِ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّحَقُّقِ بِصِفَةِ الْوَارِثِ حَالَ الرِّدَّةِ فَقَطْ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ، وَمَا فِي الْكِتَابِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَبَقَائِهِ بِالصِّفَةِ إلَى الْمَوْتِ، أَوْ عَلَى رِوَايَةِ اعْتِبَارِهِ

وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِالرِّدَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ. قَالَ: (وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَحَلَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتَ مَوْتِهِ فَقَطْ. هَذَا وَاشْتِرَاطُ قِيَامِ الْعِدَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ فَلَا تَرِثُ غَيْرُ الْمَدْخُولَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ تَبِينُ غَيْرُ الْمَدْخُولَةِ لَا إلَى عِدَّةٍ فَتَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ الرِّدَّةُ مَوْتًا حَقِيقِيًّا حَتَّى أَنَّ الْمَدْخُولَةَ إنَّمَا تَعْتَدُّ فِيهَا بِالْحَيْضِ لَا الْأَشْهُرِ لَمْ يَنْتَهِضْ سَبَبًا لِلْإِرْثِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ لَحَاقِهِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى الرِّدَّةِ لَكِنْ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَبِهَذَا أَيْضًا لَا تَرِثُ الْمُنْقَضِيَةُ عِدَّتُهَا. (قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا) إذْ الْمَرْأَةُ لَا حِرَابَ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ كَافِرَةً أَصْلِيَّةً أَوْ صَارَتْ كَافِرَةً (فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ) وَهُوَ سُقُوطُ عِصْمَةِ نَفْسِهَا الْمُسْتَتْبِعَةِ لِسُقُوطِ عِصْمَةِ مَالِهَا فَيَبْقَى كُلٌّ مِنْ كَسْبَيْ إسْلَامِهَا وَرِدَّتِهَا عَلَى مِلْكِهَا فَيَرِثُهُمَا وَرَثَتُهَا (بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فَإِنَّ كَسْبَهُ فِي الرِّدَّةِ فَيْءٌ لِكَوْنِهِ مُحَارِبًا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ بِاللَّحَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِكَوْنِهِ مَالَ حَرْبِيٍّ مَقْهُورٍ تَحْتَ أَيْدِينَا فَلَا يُورَثُ (قَوْلُهُ: وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إذَا كَانَتْ ارْتَدَّتْ، وَهِيَ مَرِيضَةٌ) فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مَعَ ذَلِكَ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْفِرَارَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِسَبَبِ مَرَضِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّتْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَإِنَّهَا بِرِدَّتِهَا هَذِهِ لَمْ تُبْطِلْ لَهُ حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهَا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِيهِ جَعْلُ رِدَّتِهَا كَطَلَاقِهِ فَرِدَّتُهَا فِي مَرِضَةِ كَطَلَاقِهِ فِي مَرَضِهِ، وَرِدَّتُهَا فِي صِحَّتِهَا كَطَلَاقِهِ فِي صِحَّتِهِ، وَبِهِ لَا يَكُونُ فَارًّا إذَا عَرَضَ لَهُ مَوْتٌ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ فَإِنَّ بِرِدَّتِهِ فِي صِحَّتِهِ تَرِثُ إذَا عَرَضَ لَهُ مَوْتٌ، فَلَوْ جُعِلَتْ رِدَّتُهُ كَطَلَاقِهِ بَائِنًا كَانَ مُطَلِّقًا فِي صِحَّتِهِ، وَعُرُوضُ الْمَوْتِ لِلْمُطَلِّقِ فِي صِحَّتِهِ لَا يُوجِبُ لَهُ حُكْمَ الْفِرَارِ، فَلِذَا جَعَلْنَا رِدَّتَهُ كَمُبَاشَرَتِهِ لِسَبَبِ مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ بِإِصْرَارِهِ جُعِلَ مُطَلِّقًا فِي مَرَضِهِ فَإِذَا مَاتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْفِرَارِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَحَلَّتْ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ

الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَبْقَى مَالُهُ مَوْقُوفًا كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ غَيْبَةٍ فَأَشْبَهَ الْغَيْبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَنَا أَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ مَوْتُهُ ثَبَتَتْ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهَا كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ لَحَاقِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اللَّحَاقَ هُوَ السَّبَبُ وَالْقَضَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ) بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا مَا اكْتَسَبَهُ فِي أَيَّامِ رِدَّتِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا مَرَّ وَلَا يُفْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مُقِيمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا مَا أَوْصَى بِهِ فِي حَالِ إسْلَامِهِ فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا هُوَ قُرْبَةٌ وَغَيْرُ قُرْبَةٍ وَمِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْإِطْلَاقَ قَوْلُهُ. وَقَوْلُهُمَا: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَيْرِ الْقُرْبَةِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ لِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، وَابْتِدَاءُ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْقُرْبَةِ بَعْدَ الرِّدَّةِ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَتَوَقَّفُ فَكَذَا هُنَا. قِيلَ وَأَرَادَ بِالْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْقُرْبَةِ الْوَصِيَّةَ لِلنَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا تَبْطُلُ فِيمَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَحُمِلَ إطْلَاقُ مُحَمَّدٍ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ عَلَى وَصِيَّةٍ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا. وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا أَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّ الْمَيِّتِ، وَلَا حَقَّ لَهُ بَعْدَمَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَكَانَ رِدَّتُهُ كَرُجُوعِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَبْطُلُ مَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ ثَبَتَ لِلْمُدَبَّرِ، وَبِهَذَا عُرِفَ مَعْنَى تَقْيِيدِ الطَّحَاوِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: (يَبْقَى مَالُهُ مَوْقُوفًا) وَيَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَوْتُهُ ثَمَّةَ أَوْ يَعُودُ مُسْلِمًا فَيَأْخُذَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ اللَّحَاقَ نَوْعُ غَيْبَةٍ فَأَشْبَهَ الْغَيْبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ عِنْدَهُمْ وَاحِدَةٌ (وَلَنَا أَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ إلْزَامِ أَحْكَامِهِ عَنْهُمْ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى) بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَوِلَايَةَ إلْزَامِنَا ثَابِتَةٌ فِيهَا فَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ، وَإِذَا صَارَ اللَّحَاقُ كَالْمَوْتِ لَا أَنَّهُ حَقِيقَةُ الْمَوْتِ لَا يَسْتَقِرُّ حَتَّى يَقْضِيَ بِهِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصَّحِيحِ، لَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَكْفِي بَلْ يَسْبِقُ الْقَضَاءُ بِاللَّحَاقِ ثُمَّ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ، وَلِكَوْنِهَا كَالْمَوْتِ قُلْنَا: إذَا لَحِقَتْ الْحَرْبِيَّةُ فَلِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ مِنْ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقَّ الزَّوْجِ، وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مُنَافٍ لَهُ، وَلَوْ سُبِيَتْ أَوْ عَادَتْ مُسْلِمَةً لَمْ يَضُرَّ نِكَاحُ أُخْتِهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَعْدَ أَنْ سَقَطَتْ لَا تَعُودُ (ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الْوَارِثِ وَارِثًا عِنْدَ اللَّحَاقِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَالْقَضَاءُ إنَّمَا

لِتَقَرُّرِهِ بِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَقْتَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَوْتًا بِالْقَضَاءِ، وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. . (وَتُقْضَى الدُّيُونُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ، وَمَا لَزِمَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مِنْ الدُّيُونِ يُقْضَى مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ وَعَنْهُ عَلَى عَكْسِهِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالسَّبَبَيْنِ مُخْتَلِفٌ. وَحُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الدَّيْنُ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ الْمُكْتَسَبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ. وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ حَتَّى يَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهِ، وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمُوَرِّثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَزِمَ لِتَقَرُّرِهِ بِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ) أَيْ احْتِمَالِ عَوْدِهِ: أَيْ اللَّحَاقُ لَا يُوجِبُ أَحْكَامَ الْمَوْتِ إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا وَهُوَ أَمْرٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَبِالْقَضَاءِ بِهِ يَتَقَرَّرُ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا (وَقْتَ الْقَضَاءِ) حَتَّى لَوْ كَانَ مَنْ بِحَيْثُ يَرِثُ وَقْتَ الرِّدَّةِ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا وَوَقْتَ الْقَضَاءِ مُسْلِمًا مُعْتَقًا وَرِثَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا (لِأَنَّهُ) أَيْ اللَّحَاقَ إنَّمَا (يَصِيرُ مَوْتًا بِالْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ غَيْبَةً فَتَقَرُّرُهَا بِالْقَضَاءِ بِهِ، وَبِتَقَرُّرِهِ يَصِيرُ مَوْتًا وَالْإِرْثُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقَدَّمْنَا تَمَامَ وَجْهَيْ الْقَوْلَيْنِ (وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) فِي الْمُرْتَدِّ وَعَلَى الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ عِتْقِ مُدَبَّرِيهَا وَحُلُولِ دُيُونِهَا. (قَوْلُهُ: وَتُقْضَى دُيُونُهُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ، وَدُيُونُهُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ) وَعَلَى هَذَا فَإِنْ فَضَلَ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ عَنْ دُيُونِ الْإِسْلَامِ شَيْءٌ وَرِثَتْهُ الْوَرَثَةُ وَإِلَّا لَا يَرِثُونَ شَيْئًا، وَلَوْ فَضَلَ عَنْ دُيُونِ الرِّدَّةِ شَيْءٌ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُورَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ كَسْبُ الرِّدَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) قِيلَ رَوَاهَا زُفَرُ عَنْهُ، وَلَمْ يَنْسُبْ الْكَرْخِيُّ هَذَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ قَالَ: وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ: مَا لَحِقَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ إلَى آخِرِهِ (وَعَنْهُ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ) فَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنَانِ جَمِيعًا، فَإِنْ وَفَّى فَكَسْبُ الرِّدَّةِ فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرِثُ الْوَرَثَةُ شَيْئًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ شَيْءٌ عَنْ الدَّيْنَيْنِ (فَإِنْ لَمْ يَفِ كُمِّلَ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْهُ (وَعَنْهُ عَلَى عَكْسِهِ) وَهُوَ أَنْ يُقْضَى الدَّيْنَانِ جَمِيعًا مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ، فَإِنْ وَفَّى بِالدُّيُونِ وَرِثَتْ الْوَرَثَةُ كَسْبَ الْإِسْلَامِ كُلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ كُمِّلَ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَوَرِثَتْ الْوَرَثَةُ مَا فَضَلَ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ (وَجْهُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ التَّفْصِيلُ (أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالسَّبَبَيْنِ) وَهُوَ دَيْنُ الْإِسْلَامِ وَدَيْنُ الرِّدَّةِ (مُخْتَلِفٌ، وَحُصُولُ كُلٍّ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الدَّيْنُ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ؛ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ. وَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ (أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ حَتَّى يَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهِ، وَمِنْ شُرُوطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمُوَرِّثِ) وَهُوَ مِقْدَارُ

فَيُقَدَّمُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ، أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ؛ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْهُ، كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ، فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ (فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ) مُطْلَقًا (عَلَيْهِ أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ، إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْهُ) فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقْضَى مِنْهُ وَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ بَلْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ أَجَابَ فَقَالَ: لَا بُعْدَ فِي هَذَا (فَإِنَّ الذِّمِّيَّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) وَمَعَ ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ أَوَّلًا وَمَا فَضَلَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ (فَكَذَلِكَ هَاهُنَا) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَعَلَى هَذَا لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي الرَّهْنِ وَقَضَاءِ الدِّينِ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ. (وَجْهُ الثَّالِثِ) وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَمَا يَتَعَلَّقُ فِي مَالِ الْمَرِيضِ، وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ أَمْلَاكَهُ تَزُولُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ خَالِصَ حَقِّهِ كَوْنَهُ مِلْكًا لَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ خَالِصُ حَقَّهُ وَلَيْسَ مِلْكَهُ، وَإِذَا كَانَ خَالِصَ حَقِّهِ (كَانَ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْهُ أَوْلَى، إلَّا إذَا لَمْ يَفِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَعَلَى هَذَا نَقُولُ عَقْدُ الرَّهْنِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِذَا قَضَى دَيْنَهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ أَوْ رَهْنَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ فَعَلَ عَيْنَ مَا كَانَ يَحِقُّ فِعْلُهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ عَنْ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ الْكَسْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِيَ الْإِرْثُ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ مَا صَنَعَ فِي الْوَجْهَيْنِ. اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَقْسَامٍ: نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَتَمَامِ الْوِلَايَةِ. وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ قُضِيَ مِنْهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ الْكَسْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ عِنْدَهُمَا) حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِمَا الْإِرْثُ. (قَوْلُهُ: وَمَا بَاعَهُ) الْمُرْتَدُّ (أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ رَهَنَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَقْسَامٍ: نَافِذَةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ فِي الِاسْتِيلَادِ، وَلَا إلَى تَمَامِ الْوِلَايَةِ) فِي الطَّلَاقِ، فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ يَصِحُّ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ وَحَقُّ الْمُرْتَدِّ فِي مَالِهِ أَقْوَى مِنْ الْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ، وَلِذَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمَوْلَى وَلَدَ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ وَحَقُّ الْمُرْتَدِّ فِي مَالِهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَوْقُوفٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، حَتَّى إذَا أَسْلَمَ كَانَ لَهُ بِلَا سَبَبٍ جَدِيدٍ وَلَا مِلْكَ لِلْأَبِ وَالْمَوْلَى فِيهِمَا، وَالطَّلَاقُ يَقَعُ مِنْ الْعَبْدِ مَعَ قُصُورِ وِلَايَتِهِ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ بِالرِّدَّةِ تَحَقَّقَتْ الْفُرْقَةُ فَكَيْفَ يَقَعُ الطَّلَاقُ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ امْتِنَاعُ الطَّلَاقِ، وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ الْمُبَانَةَ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالرِّدَّةِ مِنْ قَبِيلِ الْفُرْقَةِ الَّتِي يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَعَ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تَلْزَمُهَا الْفُرْقَةُ كَمَا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَالْحَجْرُ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبْنَى عَلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ (وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ

وَمَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ. وَمُخْتَلَفٌ فِي تَوَقُّفِهِ وَهُوَ مَا عَدَدْنَاهُ. لَهُمَا أَنَّ الصِّحَّةَ تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ وَالنَّفَاذَ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا، وَكَذَا الْمِلْكُ لِقِيَامِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلِهَذَا لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ يَرِثُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا يَرِثُهُ فَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ. إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ، إذْ الشُّبْهَةُ تُزَاحُ فَلَا يُقْتَلُ وَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقِرٍّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ دِينٍ سَمَاوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، كَالشِّرْكِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مِلَّةَ لَهُ، وَهَذَا حَاصِلُ مَا فَسَّرَ بِهِ ظَهِيرُ الدِّينِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلَّةِ الَّتِي يَدِينُونَ بِمِلْكِ النِّكَاحِ التَّوَارُثُ وَالتَّنَاسُلُ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَتَحَقَّقُ فِي نِكَاحِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ حَيًّا وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ إرْثُهُ، وَأَمَّا الْإِرْثُ مِنْهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ (وَمَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْمُفَاوَضَةِ مَعَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ) بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ. (وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ) فَيَتَوَقَّفُ عَقْدُ الْمُفَاوَضَةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ تَصِيرُ عِنَانًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَبْطُلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ فِي الْعِنَانِ وَكَالَةً، وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ (وَمُخْتَلَفٌ فِي تَوَقُّفِهِ وَهُوَ مَا عَدَدْنَاهُ) مِنْ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَعِتْقِهِ وَرَهْنِهِ وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ وَقَبْضُ الدُّيُونِ وَالْإِجَارَةُ، وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ هِيَ مَوْقُوفَةٌ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بَطَلَتْ (لَهُمَا أَنَّ الصِّحَّةَ) لِلْمُعَامَلَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ) لَهَا (وَالنَّفَاذُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا) بِالْإِيمَانِ، وَكَذَا قَتْلُهُ فَرْعُ كَوْنِهِ مُكَلَّفًا (وَكَذَا مِلْكُهُ لِقِيَامِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ إلَى آخِرِهِ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ كَوْنَ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ بَاقِيًا أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَرِثَهُ، فَلَوْ كَانَ مِلْكُهُ زَائِلًا لَمْ يَرِثْهُ هَذَا الْوَلَدُ، وَلَوْ أَنَّ وَلَدَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مَاتَ بَعْدَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَحَاقِهِ لَا يَرِثُهُ. وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا وَأَهْلِيَّتُهُ نَفَذَتْ تَصَرُّفَاتُهُ عِنْدَهُمَا (إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ) مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ إذْ الشُّبْهَةُ تُزَاحُ فَلَا يُقْتَلُ) فَلَا يَكُونُ كَالْمَرِيضِ

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ لَا سِيَّمَا مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ عَلَيْهِ قَلَّمَا يَتْرُكُهُ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَتَوَقُّفُ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَيُؤْخَذُ وَيُقْهَرُ وَتَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ؛ لِتَوَقُّفِ حَالِهِ، فَكَذَا الْمُرْتَدُّ، وَاسْتِحْقَاقُهُ الْقَتْلَ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ فَأَوْجَبَ خَلَلًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الزَّانِي وَقَاتِلِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَحَلَ نِحْلَةً لَا سِيَّمَا) إذَا كَانَ بِهَا (مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ عَلَيْهِ قَلَّمَا يَتْرُكُهُ) فَكَانَ بِذَلِكَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ كَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ بِيَدِهِ دَفْعُ الْقَتْلِ عَنْهُ وَالْمَوْتُ عَلَى ذَلِكَ بِتَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ) أَيْ عَوْدِهِ لِمَا حَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ ثُمَّ يَعُودُ بِعَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ نَفْسُهُ وَمَالُهُ تَحْتَ أَيْدِينَا (وَتُوقَفُ التَّصَرُّفَاتُ بِنَاءً عَلَيْهِ) فَإِنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ تُوجِبُ أَمْلَاكًا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ، وَزَوَالُ أَمْلَاكٍ مِثْلُ الْبَيْعِ يُوجِبُ أَنْ يَمْلِكَ الْمَبِيعَ وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِلْكِهِ الثَّمَنُ وَالْإِجَارَةُ كَذَلِكَ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَيْسَ مَعَ الرِّدَّةِ مِلْكٌ فَامْتَنَعَ إفَادَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ أَحْكَامَهَا فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَفَادَتْهُ حِينَ وَقَعَتْ وَهَذَا مَعْنَى التَّوَقُّفِ (فَصَارَ) الْمُرْتَدُّ (كَالْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَيُؤْخَذُ) أَيْ يُؤْسَرُ (فَتَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ لِتَوَقُّفِ حَالِهِ) حَيْثُ كَانَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ بَيْنَ اسْتِرْقَاقِهِ وَقَتْلِهِ، فَإِنْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ لَمْ تَنْفُذْ مِنْهُ هَذِهِ أَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ مَالٌ (فَكَذَا الْمُرْتَدُّ) وَقَوْلُهُ (وَاسْتِحْقَاقُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُرْتَدُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ وَالرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا لِلْقَتْلِ عَيْنًا خُصُوصًا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ لَهُ حَالَةٌ غَيْرُ الْقَتْلِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ غَيْرَهَا مُحْتَمَلٌ فِي حَقِّهِ لِاحْتِمَالِ إسْلَامِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَزُولُ مِلْكُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مَالِهِ وَتَصَرُّفَاتُهُمَا نَافِذَةٌ. فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ (بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَتْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ (لِبُطْلَانِ الْعِصْمَةِ) بِانْتِفَاءِ سَبَبِهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ (فَأَوْجَبَ خَلَلًا فِي الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الزَّانِي وَالْقَاتِلِ عَمْدًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَتْلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ) مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَيَبْقَى مَالِكًا حَقِيقَةً

وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَرْبِيَّةً؛ وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ. (فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ، وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ، وَبِخِلَافِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ بِدَلِيلٍ مُصَحَّحٍ فَلَا يُنْقَضُ، وَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا لِمَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِبَقَاءِ عِصْمَةِ مَالِهِ لِقِيَامِ سَبَبِهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ غَيْرُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ قُتِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ تِلْكَ الْعِصْمَةِ (بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَرْبِيَّةً وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ) قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: مَا قَالَاهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَقْبَلُ الرِّقَّ، وَالْقَهْرُ يَكُونُ حَقِيقِيًّا لَا حُكْمِيًّا، وَالْمِلْكُ يَبْطُلُ بِالْقَهْرِ الْحُكْمِيِّ لَا الْحَقِيقِيِّ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ. وَحَاصِلُ مُرَادِهِ أَنَّ الْمُنَافِيَ لِلْمِلْكِ الِاسْتِرْقَاقُ لَيْسَ غَيْرُ لَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ نَقُولُ: إنَّمَا أَوْجَبَ الِاسْتِرْقَاقُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ لِلْقَهْرِ الْكَائِنِ بِسَبَبِ حِرَابَتِهِ. وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُرْتَدِّ فَيَثْبُتُ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُتَصَوَّرُ مَعَهُ مِلْكُ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ قَهْرِ الْمُرْتَدِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ) نَقْدًا أَوْ عَرَضًا (أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ) عَنْهُ بِالْمَوْتِ الْمَحْكُومِ بِهِ (وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا) فَقَدْ أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيَاةً جَدِيدَةً. وَلِذَا قُلْنَا فِي الْمُرْتَدَّةِ الْمُتَزَوِّجَةِ إذَا لَحِقَتْ وَعَادَتْ مُسْلِمَةً عَنْ قَرِيبٍ تَتَزَوَّجُ مِنْ سَاعَتِهَا؛ لِأَنَّهَا فَارِغَةٌ مِنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ كَأَنَّهَا حَيِيَتْ الْآنَ. قَالَ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] فَإِذَا حَيِيَ (احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَارِثِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْيَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَيِّتًا حَقِيقَةً وَأَعَادَهُ إلَى دَارِ الدُّنْيَا كَانَ لَهُ أَخْذُ مَا فِي يَدِ وَرَثَتِهِ (بِخِلَافِ مَا أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ لَا يَقْبَلُهُ كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَلَا عَوْدَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُهُ. (وَبِخِلَافِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ) لَا يَعُودُونَ فِي الرِّقِّ (لِأَنَّ الْقَضَاءَ) بِعِتْقِهِمْ (قَدْ صَحَّ بِدَلِيلٍ مُصَحَّحٍ) لَهُ وَهُوَ اللَّحَاقُ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ فَنَفَذَ، وَالْعِتْقُ بَعْدَ نَفَاذِهِ لَا يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ وَوَلَاؤُهُمْ لِمَوْلَاهُمْ: أَعْنِي الْمُرْتَدَّ الَّذِي عَادَ مُسْلِمًا، هَذَا إذَا جَاءَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ، فَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ (فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا) كَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ قَطُّ (لِمَا ذَكَرْنَا)

(وَإِذَا وَطِئَ الْمُرْتَدُّ جَارِيَةً نَصْرَانِيَّةً كَانَتْ لَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ ارْتَدَّ فَادَّعَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَهُوَ ابْنُهُ وَلَا يَرِثُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُسْلِمَةً وَرِثَهُ الِابْنُ إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَلِأَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَالْوَلَدُ تَبَعٌ لَهُ لِقُرْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ لِلْجَبْرِ عَلَيْهِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا خَيْرُهُمَا دِينًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ، وَمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لَا يُورَثُ فَتَكُونُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ عَلَى حَالِهِمْ أَرِقَّاءَ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ لَا تَحِلُّ بَلْ تَكُونُ إلَى أَجَلِهَا؛ لِعَدَمِ تَقَرُّرِ الْمَوْتِ. وَصَارَ كَالْعَبْدِ إذَا أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ عَادَ، إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالْفَسْخِ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ جُعِلَ الْإِبَاقُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَطِئَ الْمُرْتَدُّ جَارِيَةً نَصْرَانِيَّةً) أَوْ يَهُودِيَّةً (كَانَتْ لَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ) وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ (مُنْذُ ارْتَدَّ فَادَّعَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَهُوَ ابْنُهُ) وَثَبَتَ لِأُمِّهِ حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ (وَلَا يَرِثُهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُسْلِمَةً وَرِثَهُ الِابْنُ إنْ مَاتَ) الْمُرْتَدُّ (عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ. أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ مِنْ الْمُرْتَدِّ فَلِمَا قُلْنَا) إنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّ اسْتِيلَادُ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ جَارِيَةً مِنْ تِجَارَتِهِ ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ؛ فَلِأَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ) يَهُودِيَّةً أَوْ (نَصْرَانِيَّةً يُجْعَلُ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْمُرْتَدِّ لَا لِأُمِّهِ) لِقُرْبِ الْمُرْتَدِّ إلَى الْإِسْلَامِ لِلْجَبْرِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُؤْثِرُ الْقَتْلَ عَلَى الْعَوْدِ (فَصَارَ الْوَلَدُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ) وَلَا غَيْرَهُ. (وَأَمَّا إذَا كَانَتْ) الْأَمَةُ (مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا خَيْرُهُمَا دِينًا. وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ) وَلَا يُقَالُ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِلدَّارِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ نَصْرَانِيَّةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلدَّارِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِأَنْ يُسْبَى وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ يُلْتَقَطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّ هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْأَبَوَانِ الْمُسْلِمَانِ وَلَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ وُلِدَ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا، فَإِنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا مَعَ وُجُودِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَ وُلِدَ مُسْلِمًا فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لِلْوَلَدِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي زَمَنِ إسْلَامِهِمَا، وَتَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ إذَا مَاتَ أَوْ لَحِقَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ؛ وَذَلِكَ لِلتَّيَقُّنِ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ إسْلَامِ أَبِيهِ الْمُرْتَدِّ فَكَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا، وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْإِرْثَ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ يَضْعُفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَعْنِي وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ هُنَاكَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حَالَ الْإِسْلَامِ، وَمَعَ هَذَا يَرِثُ، فَعُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ كَانَ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الرِّدَّةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا. انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ تَخْصِيصًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» بِالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، إلَّا أَنَّهُ

(وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ فَيْءٌ، فَإِنْ لَحِقَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَخَذَ مَالًا وَأَلْحَقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَظُهِرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَوَجَدَتْهُ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ عَلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَالٌ لَمْ يَجْرِ فِيهِ الْإِرْثُ، وَالثَّانِيَ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا. (وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ عَبْدٌ فَقُضِيَ بِهِ لِابْنِهِ وَكَاتَبَهُ الِابْنُ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلِ التَّخْصِيصِ. وَيُمْكِنُ كَوْنُهُ دَلَالَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَى إرْثِ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِإِسْلَامِهِمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ يُحْكَمُ بِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الرِّدَّةِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَتَى جَاءَتْ بِهِ أَمَتُهُ النَّصْرَانِيَّةُ لِمُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ الْعُلُوقُ فِيهَا فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُلُوقُ فِيهَا، وَهَذَا يُمْكِنُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِلَحْظَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَعْلَقُ مُسْلِمًا وَيَرِثُهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَذْهَبِ كَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ؛ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ فَصَاعِدًا لَا يَرِثُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَهَرَ) الْمُسْلِمُونَ (عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ فَيْءٌ) بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِيمَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْبَاقِي مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مَحْفُوظٌ لَهُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَوْتُهُ فَيَصِيرُ فَيْئًا. وَلَا يُشْكِلُ كَوْنُ مَالِهِ فَيْئًا دُونَ نَفْسِهِ، فَإِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَذَلِكَ (وَإِنْ لَحِقَ ثُمَّ رَجَعَ وَأَخَذَ مَالًا وَأَلْحَقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَظُهِرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ) فَحُكْمُ الْوَرَثَةِ فِيهِ حُكْمُ مَالِكِ مَالٍ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ مَالِكُهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ (إنْ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ عَلَيْهِمْ) وَإِنْ وَجَدُوهُ بَعْدَهَا أَخَذُوهُ بِقِيمَتِهِ إنْ شَاءُوا وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. ثُمَّ جَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ أَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَوْدُهُ وَأَخْذُهُ الْمَالَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ أَوْ قَبْلَهُ، أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكَافِرُ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَأَمَّا إذَا عَادَ قَبْلَهُ كَانَ عَوْدُهُ وَأَخْذُهُ وَلَحَاقُهُ ثَانِيًا يُرَجِّحُ جَانِبَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَيُؤَكِّدُهُ فَيُقَرَّرُ مَوْتُهُ، وَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ لِصَيْرُورَتِهِ مِيرَاثًا إلَّا لِيَتَرَجَّحَ عَدَمُ عَوْدِهِ فَيَتَقَرَّرُ إقَامَتُهُ ثَمَّةَ فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ فَكَانَ رُجُوعُهُ وَأَخْذُهُ ثُمَّ عَوْدُهُ ثَانِيًا بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ جَعَلَهُ فَيْئًا؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ اللَّحَاقِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ. وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ عَبْدٌ فَقُضِيَ بِهِ لِابْنِهِ فَكَاتَبَهُ الِابْنُ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ

وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلٍ مُنَفِّذٍ، فَجَعَلْنَا الْوَارِثَ الَّذِي هُوَ خَلَفُهُ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ. (وَإِذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ قَتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالدِّيَةُ فِي مَالٍ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: الدِّيَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ؛ لِانْعِدَامِ النُّصْرَةِ فَتَكُونُ فِي مَالِهِ. وَعِنْدَهُمَا الْكَسْبَانِ جَمِيعًا مَالُهُ؛ لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ مَالُهُ الْمُكْتَسَبُ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ دُونَ الْمَكْسُوبِ فِي الرِّدَّةِ؛ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِيرَاثًا عَنْهُ، وَالثَّانِي فَيْئًا عِنْدَهُ. (وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثَةِ (وَالْوَلَاءُ وَالْمُكَاتَبَةُ) أَيْ بَدَلُ الْكِتَابَةِ (لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلٍ مُنَفِّذٍ) وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْعَبْدِ لَهُ، وَإِلَى نَقْلِ الْمِلْكِ إلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَجُعِلَ كَأَنَّ الِابْنَ وَكِيلٌ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ كَانَ كَأَنَّهُ سَلَّطَ ابْنَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ (وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْوَكَالَةِ) بِالْكِتَابَةِ (وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ) فَلِذَا كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي عَادَ مُسْلِمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَى الِابْنِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلِابْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ قَتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالدِّيَةُ فِي مَالٍ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: فِي مَالٍ اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ وَالْإِسْلَامِ) أَمَّا أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ؛ (فَلِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ) ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَهُمْ الْعَقْلَ بِاعْتِبَارِ نُصْرَتِهِمْ إيَّاهُ الَّتِي بِهَا يَقْوَى عَلَى الْجُرْأَةِ وَلَا نُصْرَةَ مِنْهُمْ لِلْمُرْتَدِّ، وَأَمَّا أَنَّهَا عِنْدَهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ الْكُلَّ فَيَكُونُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا إذَا غَصَبَ مَالًا فَأَفْسَدَهُ يَجِبُ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبُ الْإِسْلَامِ وَاكْتَسَبَ فِي الرِّدَّةِ تُهْدَرُ الْجِنَايَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا (وَقَوْلُهُ: وَمَالُهُ الْمُكْتَسَبُ) مَالُهُ مُبْتَدَأٌ، وَالْمُكْتَسَبُ خَبَرُهُ، وَالْأَوْلَى فِي مِثْلِهِ الْإِتْيَانُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ الصِّفَةِ، إلَّا أَنَّهُ تَرَكَهُ لِلِاهْتِدَاءِ إلَيْهِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى عَلَى الصِّفَةِ، وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ الْمُرْتَدِّينَ كَجِنَايَتِهِمْ فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا قَائِمٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ فِي الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَمَالِيكِ الْمُرْتَدِّينَ هَدَرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ أَوْ لَحِقَ

ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِلْوَرَثَةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِهْدَارَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ، أَمَّا الْمُعْتَبَرُ قَدْ يُهْدَرُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَحِقَ وَمَعْنَاهُ إذَا قُضِيَ بِلَحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ، وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: فِي جَمِيعِ ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا يَنْقَلِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا وَمَاتَ مِنْهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِلْوَرَثَةِ) فِيهِمَا (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ وُجُوبُ نِصْفِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا مَاتَ فَلِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ لَكِنَّ السِّرَايَةَ الَّتِي بِهَا صَارَ الْقَطْعُ قَتْلًا حَلَّتْ الْمَحَلَّ بَعْدَ زَوَالِ عِصْمَتِهِ فَأُهْدِرَتْ إذْ لَوْ لَمْ تُهْدَرْ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ لِلْعَمْدِ. وَأَيْضًا صَارَ اعْتِرَاضُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْيَدِ، وَإِذَا أُهْدِرَتْ السِّرَايَةُ وَجَبَ دِيَةُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ وَقَعَ زَمَنَ الْعِصْمَةِ، وَأَقَلُّ مَا فِيهِ دِيَةُ الْيَدِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ) الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ وَقَعَ فِي وَقْتٍ لَا قِيمَةَ لَهَا فِيهِ وَهُوَ وَقْتُ الرِّدَّةِ فَكَانَتْ هَدَرًا (وَالْهَدَرُ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ، أَمَّا الْمُعْتَبَرُ فَقَدْ يَلْحَقُهُ الْإِهْدَارُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ) . وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ وُجُوبُ نِصْفِ الدِّيَةِ إذَا لَحِقَ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَمَعْنَاهُ إذَا قُضِيَ بِلَحَاقِهِ فَإِنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا) بِالْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ (وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ، وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) عَلَى أَنَّهَا قَتْلٌ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ سِرَايَةً بَعْدَ انْقِطَاعِ حُكْمِ الْقَطْعِ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُوجِبِ الْقَطْعِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَطْعٌ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَفِي ذَلِكَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ فَوَجَبَ لِلْوَرَثَةِ (وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقْضَ بِلَحَاقِهِ) حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ (فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لَا نَصَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ مَا يَذْكُرُ مِنْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا دِيَةُ النَّفْسِ كَامِلَةً فِيمَا تَلِي هَذِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ: أَيْ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مُسْلِمًا إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ لَحَاقٍ (فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْقَاطِعِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) اسْتِحْسَانًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) يَعْنِي الصُّوَرَ الْأَرْبَعَةَ، وَهِيَ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بِلَا لِحَاقٍ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَسْلَمَ (نِصْفُ الدِّيَةِ) قِيَاسًا. وَوَجْهُهُ (أَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ) حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ (لَا يَنْقَلِبُ

بِالْإِسْلَامِ إلَى الضَّمَانِ، كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ فِيهِ فَيَجِبُ ضَمَانُ النَّفْسِ، كَمَا إذَا لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَحَالَةُ الْبَقَاءِ بِمَعْزِلٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَصَارَ كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِسْلَامِ إلَى الضَّمَانِ) مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ جَدِيدٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُ مُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ شَيْءٌ (وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ (وَتَمَّتْ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فِي الْحَالَيْنِ (فَيَجِبُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَمَا إذَا لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَخَلُّلَهَا كَائِنٌ فِي حَالِ الْبَقَاءِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَبِهِ تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ الْمُسْقِطَةُ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَيَفِي ضَمَانُهَا بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ الْبَقَاءِ لَا يَمْنَعُ كَمَالَ مُوجِبِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ إلَّا لَوْ كَانَتْ الْعِصْمَةُ مُعْتَبَرَةً حَالَةَ الْبَقَاءِ فِي إيجَابِهَا، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِبَقَائِهَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ ابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ؛ لِانْعِقَادِهِ سَبَبًا، وَفِي حَالِ الْمَوْتِ لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ وَهُوَ الضَّمَانُ (وَحَالَةُ الْبَقَاءِ بِمَعْزِلٍ) إذْ لَيْسَتْ حَالَ انْعِقَادِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَلَا حَالَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ (فَصَارَ كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ) لَا عِبْرَةَ بِهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حَالَ التَّعْلِيقِ وَحَالَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَهُوَ حَالُ وُجُودِ الشَّرْطِ، حَتَّى إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ، وَكَذَا لِلْعَبْدِ إنْ فَعَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَفَعَلَ عَتَقَ، وَكَذَا وُجُودُ النِّصَابِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ الْمُعْتَبَرِ وُجُودُهُ أَوَّلَ الْحَوْلِ؛ لِيَنْعَقِدَ السَّبَبُ وَفِي آخِرِهِ؛ لِيَثْبُتَ حُكْمُهُ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ هُوَ الَّذِي ارْتَدَّ، فَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ هُوَ الَّذِي ارْتَدَّ فَفِي الْمَبْسُوطِ. فَإِنْ قُتِلَ وَمَاتَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مِنْ الْقَطْعِ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّهُ حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ دِيَةُ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ إيجَابِهِ كَانَ مُسْلِمًا وَجِنَايَةُ الْمُسْلِمِ خَطَأً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَتَبَيَّنَ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ قَتْلًا فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ حَالَ الرِّدَّةِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّ

(وَاذَا ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا فَأُخِذَ بِمَالِهِ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ فَإِنَّهُ يُوَفِّي مَوْلَاهُ مُكَاتَبَتَهُ وَمَا بَقِيَ فَلِوَرَثَتِهِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا، فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ، وَالْكِتَابَةُ لَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ فَكَذَا أَكْسَابُهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ بِالْأَقْوَى وَهُوَ الرِّقُّ، فَكَذَا بِالْأَدْنَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ أَحَدٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا) فِي أَيَّامِ رِدَّتِهِ يَفِي بِكِتَابَتِهِ (فَأُخِذَ بِمَالِهِ أَيْ أُسِرَ) وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ فَإِنَّهُ يُوَفَّى مَوْلَاهُ مُكَاتَبَتَهُ، وَمَا بَقِيَ فَلِوَرَثَتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا (إذْ الْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَبِالرِّدَّةِ أَوْلَى) ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ قُضِيَتْ مِنْهُ مُكَاتَبَتُهُ. (وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فَيُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ كَسْبَ الرِّدَّةِ إذَا كَانَ حُرًّا وَمِلْكُهُ إيَّاهُ مُكَاتَبًا. وَوَجْهُهُ (أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا مَلَكَ أَكْسَابَهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ) وَلَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَسْتَمِرُّ مُوجِبُهَا مَعَ الرِّدَّةِ فَيَتَحَقَّقُ مِلْكُهُ فِي أَكْسَابِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ فَيُقْضَى مِنْهَا وَيُورَثُ الْبَاقِي. وَقَوْلُهُ: (أَلَا تَرَى إلَى آخِرِهِ) تَوْجِيهٌ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ الْمُرْتَدِّ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى تَوْجِيهِ عَدَمِ بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِبَقَاءِ الْعَقْدِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ أَحْكَامِهِ، فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى ثُبُوتِهِ، وَكَانَ يَكْفِيهِ فِيهِ كَوْنُ الْكِتَابَةِ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَبْطُلَ بِالْمَوْتِ الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الرِّدَّةُ، فَإِنْ مَنَعَ عَدَمَ بُطْلَانِهَا بِالْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ اكْتَفَى بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ، وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ وَجْهٌ آخَرُ. وَحَاصِلُهُ بِدَلَالَةِ حَالِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ

(وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُجْبَرُ وَلَدُ الْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبِ رِقِّهِ، مَعَ أَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى مِنْ الرِّدَّةِ فِي نَفْيِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَا يَصِحَّ اسْتِيلَادُهُ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَوَقَّفُ بِسَبَبِ رِدَّتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَنَعَ مُقْتَضَى الرِّدَّةِ كَمَا مَنَعَ مُقْتَضَى الرِّقِّ فَصَارَ الْمُكَاتَبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَكَوْنِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ كَوْنَ أَحَدِهِمَا لَا يُمْنَعُ مَعَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُمْنَعَ إذَا اجْتَمَعَا، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ الرِّقُّ وَالرِّدَّةُ فَجَازَ أَنْ يَنْتَفِيَ التَّصَرُّفُ. أُجِيبُ مَرَّةً بِأَنَّ جَوَازَ الْمَنْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَمَرَّةً بِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُطْلِقٌ لِلتَّصَرُّفِ وَكُلٌّ مِنْ الرِّقِّ وَالرِّدَّةِ مَانِعٌ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا تَرْجِيحُ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ عَلَى مُقْتَضَى أَحَدِهِمَا، وَانْضِمَامُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ انْضِمَامُ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى فِيمَا يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ لِمَا عُرِفَ، بَلْ التَّرْجِيحُ بِوَصْفٍ فِي الْعِلَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا ثُمَّ يُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَلَا يُقْتَلُ كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ (وَلَا يُجْبَرُ وَلَدُ الْوَلَدِ) أَمَّا جَبْرُ الْوَلَدِ؛ فَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الدِّينِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِمَا وَمُرْتَدًّا بِرِدَّتِهِمَا، فَلَمَّا كَانَ مُرْتَدًّا بِرِدَّتِهِمَا أُجْبِرَ كَمَا يُجْبَرَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ وَلَدُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ جَدَّهُ بَلْ أَبَاهُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ» الْحَدِيثَ: أَيْ يَسْتَتْبِعَانِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِأَبِيهِ فِي الرِّدَّةِ فَيُجْبَرُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَبِيهِ كَانَتْ تَبَعًا وَالتَّبَعُ لَا يُسْتَتْبَعُ، خُصُوصًا وَأَصْلُ التَّبَعِيَّةِ ثَابِتَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ حَقِيقَةً وَلِهَذَا يُجْبَرُ بِالْحَبْسِ لَا بِالْقَتْلِ، بِخِلَافِ أَبِيهِ

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْبَرُ تَبَعًا لِلْجَدِّ، وَأَصْلُهُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَام وَهِيَ رَابِعَةُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ كُلُّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. وَالثَّالِثَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ. وَالْأُخْرَى الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا لَمْ يَتْبَعْ الْجَدَّ فَيُسْتَرَقُّ، أَوْ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حِينَئِذٍ حُكْمُ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أُسِرُوا، وَأَمَّا الْجَدُّ فَيُقْتَلُ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ الْمُرْتَدُّ بِالْأَصَالَةِ أَوْ يُسْلِمُ. (وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِجَدِّهِ) فَيُجْعَلُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَأَصْلُهُ التَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ) يَعْنِي أَصْلَ الْجَبْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِلْجَدِّ هُوَ ثُبُوتُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِلْجَدِّ (وَهِيَ رَابِعَةُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ كُلُّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) رِوَايَةُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْجَدِّ، وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ يَكُونُ تَبَعًا إحْدَاهَا هَذِهِ (وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ) لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ جَدُّهُ مُوسِرًا وَلَا أَبَ لَهُ أَوْ لَهُ أَبٌ مُعْسِرٌ أَوْ عَبْدٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تَجِبُ عَلَيْهِ (وَالثَّالِثَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ) صُورَتُهَا: مُعْتَقَةٌ تَزَوَّجَتْ بِعَبْدٍ وَلَهُ أَبٌ عَبْدٌ فَوَلَدَتْ مِنْهُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، فَإِذَا عَتَقَ جَدُّهُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ حَافِدِهِ إلَى مَوَالِيهِ عَنْ مَوَالِي أُمِّهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَجُرُّهُ كَمَا لَوْ أُعْتِقَ أَبُوهُ. (وَالرَّابِعَةُ الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ) لَا يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ وَيَدْخُلُ الْجَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَدْخُلُ كَالْأَبِ، وَتَقْيِيدُ الْحَبَلِ بِدَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الْحَبَلِ فِي دَارِ الْإِسْلَام عَنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي جَبْرَ الْوَلَدِ بَلْ لِإِفَادَةِ حُكْمِ الْجَبْرِ فِيمَا إذَا حَبِلَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَوَلَدَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا أُجْبِرَ مَعَ أَنَّهُ عَلِقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلِلدَّارِ جِهَةُ اسْتِتْبَاعٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَلَأَنْ يُجْبَرَ إذَا عَلِقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْلَى. هَذَا إذْ وُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ بَعْدَ لُحُوقِهِمَا، أَمَّا إذَا ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِوَلَدٍ لَهُمَا صَغِيرٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدُ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ صَارَ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ، وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّ يَصِيرُ فَيْئًا بِالسَّبْيِ كَذَا ذُكِرَ، وَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَلْحَقَا بِهِ يَكُونُ مُرْتَدًّا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَيَبْقَى عَلَيْهِ إلَّا بِمُزِيلٍ. وَالْأَحْسَنُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُسْلِمًا بِاللَّحَاقِ بِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لِلصَّغِيرِ بِاعْتِبَارِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَالدَّارِ وَقَدْ انْعَدَمَ كُلُّ ذَلِكَ حِينَ ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِهِ فَكَانَ الْوَلَدُ فَيْئًا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا بَلَغَ كَمَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ ذَهَبَ بِهِ وَحْدَهُ وَالْأُمُّ مُسْلِمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأُمِّهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَتْبَعُهَا بَعْدَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ قُلْنَا: تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ الِاتِّبَاعَ فِي الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً لَا فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ ثَابِتًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ وَخَرَجَ إلَى دَارِنَا بَقِيَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا حَتَّى لَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ فَيْئًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِنَا وَلَهُ وَلَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَمَرَّتْ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ. وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مُسْلِمَةً وَالْوَلَدُ مَعَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ

قَالَ (وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ ارْتِدَادٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ، وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ لَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا كَافِرَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: إسْلَامُهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ وَارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ. لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِيهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا. وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامًا تَشُوبُهَا الْمَضَرَّةُ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ. وَلَنَا فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْلَمَ فِي صِبَاهُ، وَصَحَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إسْلَامَهُ، وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَتَأَكَّدُ الْإِسْلَامُ وَلَا يَنْقَطِعُ. (قَوْلُهُ: وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ ارْتِدَادٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ يَصِحُّ. فَلَوْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ مُسْلِمٌ بَعْدَ رِدَّتِهِ لَا يَرِثُ مِنْهُ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَيْسَ بِارْتِدَادٍ (وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ) بِاتِّفَاقِ الثَّلَاثَةِ (فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ) وَيَرِثُ أَقَارِبَهُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُشْرِكَةِ لَهُ، وَتَحِلُّ لَهُ الْمُؤْمِنَةُ، وَتَبْطُلُ مَالِيَّةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: إسْلَامُهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ وَرِدَّتُهُ لَيْسَتْ بِارْتِدَادٍ لَهُمَا) أَيْ لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ (أَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِيهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا) لِتَنَافٍ بَيْنَ صِفَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالتَّبَعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى سِمَةُ الْقُدْرَةِ وَالثَّانِيَةَ سِمَةُ الْعَجْزِ، ثُمَّ إسْلَامُهُ يَصِحُّ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا مُسْتَقِلًّا بِهِ (وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامًا تَشُوبُهَا الْمَضَرَّةُ) مِنْ حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الْمُشْرِكَةِ (فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ) كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (وَلَنَا فِيهِ) أَيْ إسْلَامِهِ (أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْلَمَ فِي صِبَاهُ، وَصَحَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إسْلَامَهُ، وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ) أَمَّا افْتِخَارُهُ فَمَا نُقِلَ مِنْ قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَبَقْتُكُمُو إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا ... غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانَ حُلْمِي

وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَنْ طَوْعٍ دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْحَقَائِقُ لَا تُرَدُّ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ وَنَجَاةٌ عَقْبَاوِيَّةٌ، وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ، ثُمَّ يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُبَالِي بِشَوْبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا مَا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ سِوَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ لَمْ تَصِحَّ، بَلْ الصَّحِيحُ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اسْتِقْرَاءُ الْحَالِ يُبْطِلُ رِوَايَةَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْبَعْثِ ثَمَانِ سِنِينَ فَقَدْ عَاشَ مَعَهُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَبَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَهَذِهِ مُقَارَبَةُ السِّتِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مِقْدَارِ عُمُرِهِ. ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُتِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. قَالَ: فَمَتَى قُلْنَا إنَّهُ كَانَ يَوْمَ إسْلَامِهِ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً صَارَ عُمُرُهُ ثَمَانِيًا وَسِتِّينَ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «دَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّايَةَ إلَى عَلِيٍّ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً» . وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، بَلْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. وَمَا ذَكَرَ الثَّعَالِبِيُّ وَغَيْرُهُ فِي اتِّفَاقِ الْأَعْمَارِ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً يَقْتَضِي أَنَّ عُمُرَهُ حِينَ أَسْلَمَ كَانَ عَشْرَ سِنِينَ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى ابْنِ صَيَّادٍ وَهُوَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ» ، وَقَدْ يُقَالُ تَصْحِيحُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إسْلَامَهُ إنْ أُرِيدَ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَمُسْلِمٌ، وَكَلَامُنَا فِي تَصْحِيحِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى لَا يَرِثَ أَقَارِبَهُ الْكُفَّارَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّحَهُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. نَعَمْ لَوْ نُقِلَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّحْت إسْلَامَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ، لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْوَجْهُ. قِيلَ: وَمِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِح أَنْ لَا يُسَمَّى مُسْلِمًا مَعَ اشْتِغَالِهِ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ وَالصَّلَاةِ. قِيلَ: وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ كَيْفَ يُصَحِّحُ اخْتِيَارَهُ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّهُ إنَّمَا يَخْتَارُ مَنْ يُطْلِقُ عَنَانَهُ إلَى أَهْوِيَتِهِ مِنْ اللَّعِبِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُصَحِّحُ اخْتِيَارَهُ الْمَقْطُوعَ بِخِيرَتِهِ. فَإِنْ قَالَ هُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، قُلْنَا: إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَمَا عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَنَّهُ يَقَعُ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ، لَكِنَّا إنَّمَا نَخْتَارُ أَنَّهُ يَصِحُّ لِتَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ، ثُمَّ إذَا بَلَغَ لَزِمَهُ فَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْحَبْسِ لَا بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ بَالِغًا. وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ مَعَهُ) وَالتَّصْدِيقُ الْبَاطِنِيُّ يُحْكَمُ بِهِ لِلْإِقْرَارِ الدَّالِّ عَلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَاطِنِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ قَدْ أَتَى بِهِ فَقَدْ دَخَلَتْ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ قَائِمَةً بِهِ فِي الْوُجُودِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَمْ تَدْخُلْ، وَلَمْ يَتَّصِفْ مَعَ الدُّخُولِ وَالِاتِّصَافِ، فَإِنْ قَالَ: الْإِيمَانُ الَّذِي أَنْفِيهِ مِنْهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، فَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ لَا أَنْفِيهِ

وَلَهُمْ فِي الرِّدَّةِ أَنَّهَا مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَعْلَى الْمَنَافِعِ عَلَى مَا مَرَّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِيهَا أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً، وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقِيقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ أَقُولُ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا. قُلْنَا: دَعْوَى عَدَمِ الِاعْتِبَارِ بَعْدَ وُجُودِ الْحَقِيقَةِ، إمَّا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الصِّحَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ أَهْلًا لِلنُّبُوَّةِ كَمَا فِي يَحْيَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ فَرْعُ الْإِيمَانِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَهْلِيَّتِهِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حَتَّى يَصِحَّانِ مِنْهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِمَا، وَإِمَّا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَنَلْتَزِمُهُ، وَالْكَلَامُ لَيْسَ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَإِمَّا لِحَاجِزٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَلَا يَلِيقُ أَنْ يَثْبُتَ شَرْعًا مَنْعٌ عَنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ عَقْلِيَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، نَعَمْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَجِبُ الْقَصْدُ إلَى تَصْدِيقٍ وَإِقْرَارٍ يَسْقُطُ بِهِ، وَلَا يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ بِهِ إسْقَاطَ الْفَرْضِ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُوَاظِبُ الصَّلَاةَ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بَلْ لَا يَكْفِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ مِنْهَا إلَّا مَا قَرَنَهُ بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ امْتِثَالًا، لَكِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ، أَمَّا عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَصْلُ الْوُجُوبِ بِهِ عَلَى الصَّبِيِّ بِالسَّبَبِ، وَهُوَ حُدُوثُ الْعَالَمِ وَعَقْلِيَّةُ دَلَالَتِهِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّبَبِ وَقَعَ الْفَرْضُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَلَا وُجُوبَ أَصْلًا؛ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَ وَصَارَ كَالْمُسَافِرِ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ. لَكِنْ ذَلِكَ لِلتَّرْقِيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبَبِهَا، فَإِذَا فَعَلَ تَمَّ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ فَرْضِ الْإِيمَانِ بَعْدَ بُلُوغِ مَنْ حُكِمَ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ أَوْ لِإِسْلَامِهِ وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَمْ يَفْعَلْهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَنْ آخِرِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَشُوبُهَا ضَرَرٌ. قُلْنَا مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ وَيَزُولُ بِهِ تَوَقُّعُ مَضَرَّةٍ أَبَدِيَّةٍ مِنْ رَدِّ إسْلَامِهِ؛ لِيَسْتَمِرَّ عَلَى الْكُفْرِ كُلُّ عَاقِلٍ يَعْنِيهِ وَلَا يُبَالِي مَعَهُ بِذَلِكَ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لَهُ بِالضَّرَرِ الْآخَرِ. وَأَمَّا التَّنَافِي الَّذِي ذُكِرَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ قُلْنَا بِاجْتِمَاعِ كَوْنِهِ تَبَعًا وَأَصْلًا مَعًا وَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ بَلْ هُوَ تَبَعٌ مَا لَمْ يَعْقِلْ وَيُقِرَّ مُخْتَارًا، فَإِذَا عَقَلَ وَأَقَرَّ مُخْتَارًا نَقُولُ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَبَقِيَ أَصْلًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَنَعَ الْمُضَادَّةَ وَأَجَازَ اجْتِمَاعَهُمَا كَالْمَرْأَةِ تُسَافِرُ مَعَ الزَّوْجِ تَكُونُ مُسَافِرَةً تَبَعًا لَهُ حَتَّى إذَا لَمْ تَنْوِ السَّفَرَ تَكُونُ مُسَافِرَةً، وَلَوْ نَوَتْهُ كَانَتْ مُسَافِرَةً مَقْصُودًا وَتَبَعًا، فَجَعَلَهُمَا أَمْرَيْنِ يَتَأَيَّدُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَهُمْ فِي الرِّدَّةِ) يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَزُفَرَ وَأَبَا يُوسُفَ (إنَّهَا مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَعْلَى الْمَنَافِعِ) وَدَفَعَ أَعْظَمَ الْمَضَارِّ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) مَا قُلْنَا مِنْ (أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً) بِوُجُودِ حَقِيقَتِهَا مِنْ الْإِنْكَارِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ (وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقِيقَةِ) فَإِنْ قِيلَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمِ رَدِّهَا فِي الْإِسْلَامِ

كَمَا قُلْنَا فِي الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لَهُ، وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَالْعُقُوبَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصِّبْيَانِ مَرْحَمَةً عَلَيْهِمْ. وَهَذَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُهُ فِي الرِّدَّةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ النَّفْعِ وَفِي الرِّدَّةِ مِنْ الضَّرَرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْهِبَةُ؟ . الْجَوَابُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الدَّاخِلَةَ مِنْهُ فِي الْوُجُودِ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِالْعِلْمِ أَوْ الْجَهْلِ فَهِيَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا كَالْإِيمَانِ وَالرِّدَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عَارِفًا إذَا عُلِمَ جَهْلُهُ بِالْكُفْرِ وَلَا جَاهِلًا إذَا عُلِمَ عِلْمُهُ بِالْإِيمَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَصَارَ كَمَا إذَا صَامَ بِنِيَّةٍ يُجْعَلُ صَائِمًا شَرْعًا، فَلَوْ أَكَلَ جُعِلَ مُفْطِرًا وَلَمْ يُجْعَلْ صَائِمًا، وَكَذَا إذَا صَلَّى ثُمَّ أَفْسَدَهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يُقْطَعُ فِيهَا بِذَلِكَ بَلْ هِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ عِلْمِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَجَهْلِهِ بِهَا فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِالْمَصْلَحَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ كَالْهِبَةِ فَإِنَّهُ جَازَ فِيهِ كَوْنُهُ عَلِمَ الْمَصْلَحَةَ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ عَلَيْهَا بِالضَّعْفِ، وَجَازَ كَوْنُهُ جَاهِلًا فِي ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ جَالِبَةً لِذَلِكَ فَمَنَعْنَاهَا، بِخِلَافِ الْقَبُولِ فَإِنَّا عَلِمْنَا عِلْمَهُ بِالْمَصْلَحَةِ فَلَا نَجْعَلُهُ جَاهِلًا بِهَا. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَائِقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِهَا لَا تُرَدُّ لَزِمَ ضَرَرُهَا بِالضَّرُورَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى جَعْلِهِ مُرْتَدًّا إذَا ارْتَدَّ أَبَوَاهُ وَلَحِقَا بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الصَّبِيَّ الْمُرْتَدَّ (يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ) الْمُتَيَقَّنِ وَدَفْعِ أَعْظَمِ الْمَضَارِّ (وَلَا يُقْتَلُ) وَهَذِهِ رَابِعَةُ أَرْبَعِ مَسَائِلَ لَا يُقْتَلُ فِيهَا الْمُرْتَدُّ: إحْدَاهَا الَّذِي كَانَ إسْلَامُهُ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا؛ فَفِي الْقِيَاسِ يُقْتَلُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ لَمَّا ثَبَتَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ صَارَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ عَنْهُ، وَإِنْ بَلَغَ مُرْتَدًّا. الثَّانِيَةُ إذَا أَسْلَمَ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ بَلَغَ مُرْتَدًّا فَفِي الْقِيَاسِ يُقْتَلُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُقْتَلُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ فِي الصِّغَرِ. وَالثَّالِثَةُ إذَا ارْتَدَّ فِي صِغَرِهِ. وَالرَّابِعَةُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِقَادِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، ذَكَرَ الْكُلَّ فِي الْمَبْسُوطِ. وَلَهَا خَامِسَةٌ وَهُوَ اللَّقِيطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، وَلَوْ بَلَغَ كَافِرًا أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغَ كَافِرًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِ عَدَمِ قَتْلِهِ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَتْلَ (عُقُوبَةٌ وَالْعُقُوبَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصِّبْيَانِ مَرْحَمَةٌ عَلَيْهِمْ) وَبَيَّنَ أَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ زَادَ كَوْنَهُ بِحَيْثُ يُنَاظِرُ وَيَفْهَمُ وَيُفْحَمُ. وَاعْتَرَضَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّارِحِينَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَرْحَمَةٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ مُخَلَّدًا فَلَيْسَ بِمَرْحُومٍ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ وَجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَحَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إلَى التَّبْصِرَةِ، فَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ. وَلَفْظُهُ فِي الْمَبْسُوطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فَإِذَا حُكِمَ بِصِحَّةِ رِدَّتِهِ بَانَتْ

وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ الصِّبْيَانِ لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ الْعَقِيدَةِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْتَزِمَ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ، وَلَكِنْ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ رِدَّتِهِ إهْدَارُ دَمِهِ دُونَ اسْتِحْقَاقِ قَتْلِهِ كَالْمَرْأَةِ إذَا ارْتَدَّتْ لَا تُقْتَلُ، وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. (وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ الصِّبْيَانِ لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ الْعَقِيدَةِ) وَكَذَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَجْنُونُ) لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إسْلَامُهُ (وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ) كَالْمَجْنُونِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ. وَقَالَ فِي قَوْلٍ آخَرَ: يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ كَطَلَاقِهِ. قُلْنَا: الرِّدَّةُ تُبْنَى عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ، وَنَعْلَمُ أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِمَا قَالَ وَوُقُوعُ طَلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَصْدِ، وَلِذَا لَزِمَ طَلَاقُ النَّاسِي. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِيهِ زِيَادَةُ أَحْكَامٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ فِي فَصْلِ: وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إلَى آخِرِهِ. [فُرُوعٌ] كُلُّ مَنْ أَبْغَضَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَلْبِهِ كَانَ مُرْتَدًّا، فَالسِّبَابُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، ثُمَّ يُقْتَلُ حَدًّا عِنْدَنَا فَلَا تَعْمَلُ تَوْبَتُهُ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ. قَالُوا: هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَالِكٍ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ فِيهَا تَوْبَةٌ فَلَا تَعْمَلُ الشَّهَادَةُ مَعَهُ، حَتَّى قَالُوا: يُقْتَلُ وَإِنْ سَبَّ سَكْرَانَ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بَاشَرَهُ مُخْتَارًا بِلَا إكْرَاهٍ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ. وَأَمَّا مِثْلُهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَتَعْمَلُ تَوْبَتُهُ فِي إسْقَاطِ قَتْلِهِ. وَمَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ ارْتَدَّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ لِلِاسْتِخْفَافِ فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ، وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يَكْفُرُ بِهَا تُعْرَفُ فِي الْفَتَاوَى، وَإِذَا تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ لَا نَأْمُرُهُ بِالرَّجْعَةِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْكُفْرِ، وَالرِّدَّةُ مُحْبِطَةٌ ثَوَابَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ. وَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إنْ عَادَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا ثَانِيًا، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثَانِيًا إنْ كَانَ حَجَّ. وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُرْتَدُّ أَوْ قُتِلَ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ فَبِمَوْتِهِ يَبْطُلُ، وَإِعْتَاقُ ابْنِهِ قَبْلَ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يُتَوَقَّفُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْوَارِثُ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَالْفَرْقُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَنْ عَدَمِ مِلْكِ الْوَارِثِ وَسَبَبِهِ قُلْنَا: إذَا مَاتَ الِابْنُ وَلَهُ مُعْتَقٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ وَلَهُ مُعْتَقٌ فَمَالُهُ لِمُعْتَقِهِ لَا لِمُعْتَقِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ. وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَلَا يُعْلَمُ مُخَالِفٌ إلَّا الْحَسَنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ إلَّا أَرْبَعَةٌ قِيَاسًا عَلَى الزِّنَا. وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ لَا لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ الْعُدُولِ بَلْ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ. وَقَتْلُ الْمُرْتَدِّ مُطْلَقًا إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ فِي الْعَبْدِ إلَى سَيِّدِهِ. وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ إنْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ لَحِقَ ثُمَّ عَادَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يُقَامُ مُطْلَقًا وَالْمَبْنِيُّ ظَاهِرٌ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ السَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ، وَأَمَّا مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فَهُوَ الْمُنَافِقُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي عَدَمِ قَبُولِنَا تَوْبَتَهُ كَالزِّنْدِيقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الزِّنْدِيقِ لِعَدَمِ الِاطْمِئْنَانِ إلَى مَا يُظْهِرُ مِنْ التَّوْبَةِ إذَا كَانَ يُخْفِي كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ دِينًا، وَالْمُنَافِقُ مِثْلُهُ فِي الْإِخْفَاءِ وَعَلَى هَذَا فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِحَالِهِ إمَّا بِأَنْ يَعْثُرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَوْ يُسِرَّهُ إلَى مَنْ أَمِنَ إلَيْهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الَّذِي يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ

[باب البغاة]

بَابُ الْبُغَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوْبَتُهُ هُوَ الْمُنَافِقُ، فَالزِّنْدِيقُ إنْ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِنًا كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّدَيُّنِ بِدِينٍ وَيُظْهِرُ تَدَيُّنَهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى أَنْ ظَفِرْنَا بِهِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَإِلَّا فَلَوْ فَرَضْنَاهُ مُظْهِرًا لِذَلِكَ حَتَّى تَابَ يَجِبُ أَنْ لَا يُقْتَلَ. وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ الْمُظْهِرِينَ لِكُفْرِهِمْ إذَا أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ، وَكَذَا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْكِرُ فِي الْبَاطِنِ بَعْضَ الضَّرُورِيَّاتِ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَيُظْهِرُ اعْتِرَافَ حُرْمَتِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِلسِّحْرِ حَقِيقَةٌ وَتَأْثِيرٌ فِي إيلَامِ الْأَجْسَامِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ. وَتَعْلِيمُ السِّحْرِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ كُفْرٌ. وَعَنْ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَكْفُرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا وَيُقْتَلُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَبِيبِ بْنِ كَعْبٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُمْ قَتَلُوهُ بِدُونِ الِاسْتِتَابَةِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا ابْنُ قَانِعٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْفَهَانِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ» انْتَهَى، يَعْنِي الْقَتْلَ. قَالَ: وَقِصَّةُ جُنْدُبٍ فِي قَتْلِهِ السَّاحِرَ بِالْكُوفَةِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ مَشْهُورَةٌ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ وَلَا يُكَفَّرُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ. وَأَمَّا الْكَاهِنُ فَقِيلَ هُوَ السَّاحِرُ، وَقِيلَ هُوَ الْعَرَّافُ وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ وَيَتَخَرَّصُ. وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَهُ مِنْ الْجِنِّ مَنْ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَفْعَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ كَفَرَ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ لَمْ يَكْفُرْ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ اعْتَقَدَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مِثْلَ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ، وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يَلْتَمِسُهُ كَفَرَ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّاحِرِ. فِي رِوَايَةٍ يُقْتَلُ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَكَاهِنٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: إنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي كُفْرِ السَّاحِرِ وَالْعَرَّافِ وَعَدَمِهِ. وَأَمَّا قَتْلُهُ فَيَجِبُ وَلَا يُسْتَتَابُ إذَا عُرِفَتْ مُزَاوَلَتُهُ لِعَمَلِ السِّحْرِ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لَا بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ مَا يُوجِبُ كُفْرَهُ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُوَادَعَةَ لَا يُجِيبُهُمْ إلَى ذَلِكَ. [بَابُ الْبُغَاةِ] (بَابُ الْبُغَاةِ) قَدَّمَ أَحْكَامَ قِتَالِ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ. وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ، وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ. وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ: الطَّلَبُ، بَغَيْتُ كَذَا: أَيْ طَلَبْتُهُ، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةَ ذَلِكَ {مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ. وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: الْخَارِجُ عَنْ طَاعَةِ إمَامِ الْحَقِّ. وَالْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: أَحَدُهَا الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ. وَالثَّانِي قَوْمٌ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، إنْ قَتَلُوا قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِنْ أَخَذُوا مَالَ الْمُسْلِمِينَ قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ عَلَى مَا عُرِفَ. وَالثَّالِثُ قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَحَمِيَّةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلِ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ يُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ يُسَمُّونَ بِالْخَوَارِجِ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيَسْبُونِ نِسَاءَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَحُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا دَفْعًا لِفَسَادِهِمْ لَا لِكُفْرِهِمْ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ لَهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ «أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ رَأَى رُءُوسًا مَنْصُوبَةً عَلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقَالَ: كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، وَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. قِيلَ يَا أَبَا أُمَامَةَ هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُونَ بَعْضَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَهُوَ مَنْ خَالَفَ بِبِدْعَتِهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ، نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ تَكْفِيرٌ كَثِيرٌ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا، وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرٍ الْحَضْرَمِيِّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَضْرَمِيِّ: دَخَلْت مَسْجِدَ الْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ كِنْدَةَ، فَإِذَا نَفَرٌ خَمْسَةٌ يَشْتِمُونَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ يَقُولُ: أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَقْتُلَنَّهُ، فَتَعَلَّقْت بِهِ وَتَفَرَّقَتْ أَصْحَابُهُ عَنْهُ، فَأَتَيْت بِهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْت: إنِّي سَمِعْت هَذَا يُعَاهِدُ اللَّهَ لَيَقْتُلَنَّكَ، فَقَالَ: اُدْنُ وَيْحَك مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا سَوَّارُ الْمُنْقِرِيُّ، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: خَلِّ عَنْهُ، فَقُلْت أُخَلِّي عَنْهُ وَقَدْ عَاهَدَ اللَّهَ لَيَقْتُلَنَّكَ؟ قَالَ: أَفَأَقْتُلُهُ وَلَمْ يَقْتُلْنِي؟ قُلْت: فَإِنَّهُ قَدْ شَتَمَك، قَالَ: فَاشْتُمْهُ إنْ شِئْت أَوْ دَعْهُ. فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْخَارِجِينَ مَنَعَةٌ لَا نَقْتُلُهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُفَّارًا لَا بِشَتْمِ عَلِيٍّ وَلَا بِقَتْلِهِ. قِيلَ إلَّا إذَا اسْتَحَلَّهُ، فَإِنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ قَتْلَ مُسْلِمٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ عَنْ تَأْوِيلٍ وَاجْتِهَادٍ يُؤَدِّيهِ إلَى الْحُكْمِ بِحِلِّهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحِلِّ بِلَا تَأْوِيلٍ، وَإِلَّا لَزِمَ تَكْفِيرُهُمْ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ يَسْتَحِلُّونَ الْقَتْلَ بِتَأْوِيلِهِمْ الْبَاطِلِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِهِمْ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ حَكَّمَتْ الْخَوَارِجُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، لَنْ نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَنْ نَمْنَعَكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا، وَلَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا، ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَكَّمَتْ الْخَوَارِجُ نِدَاؤُهُمْ بِقَوْلِهِمْ الْحُكْمُ لِلَّهِ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِذَلِكَ إذَا أَخَذَ عَلِيٌّ فِي الْخُطْبَةِ لِيُشَوِّشُوا خَاطِرَهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ نِسْبَتَهُ إلَى الْكُفْرِ لِرِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ فِي صِفِّينَ، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ: يَعْنِي تَكْفِيرَهُ. وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ الْخَوَارِجَ إذَا قَاتَلُوا الْكُفَّارَ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ يَسْتَحِقُّونَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ بِالتَّعْرِيضِ بِالشَّتْمِ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى الْكُفْرِ شَتْمٌ عَرَّضُوا بِهِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا. وَالرَّابِعُ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ الْعَدْلِ

(وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ كَذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ قَبْلَ قِتَالِهِمْ، وَلِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ. وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِهِ فَيُبْدَأُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَهُمْ الْبُغَاةُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ إمَامٍ) النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ وَالطُّرُقَاتُ آمِنَةٌ (دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ) الَّتِي أَوْجَبَتْ خُرُوجَهُمْ (لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ) قَبْلَ قِتَالِهِمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ لَا تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ ثَانِيًا وَتُسْتَحَبُّ. وَحَرُورَاءُ: اسْمُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ، وَفِيهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِمُعَاذَةَ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ . أَسْنَدَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى فِي خَصَائِصِ عَلِيٍّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: لَمَّا خَرَجَتْ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِي دَارٍ وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ. فَقُلْت لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ بِالصَّلَاةِ لَعَلِّي أُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، قَالَ: إنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْك. قُلْت كَلًّا. فَلَبِسْت ثِيَابِي وَمَضَيْت إلَيْهِمْ حَتَّى دَخَلْت عَلَيْهِمْ فِي دَارٍ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِيهَا. فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِك يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا جَاءَ بِك؟ قُلْت: أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِهْرِهِ، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُمْ أَعْرَفُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، جِئْت لِأُبَلِّغَكُمْ مَا يَقُولُونَ وَأُبَلِّغَهُمْ مَا تَقُولُونَ. فَانْتَحَى لِي نَفَرٌ مِنْهُمْ، قُلْت: هَاتُوا مَا نَقَمْتُمْ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنِ عَمِّهِ وَخَتَنِهِ وَأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ، قَالُوا: ثَلَاثٌ. قُلْت: مَا هِيَ؟ قَالُوا: إحْدَاهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} [يوسف: 40] قُلْت: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. قَالُوا: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَقَدْ حَلَّتْ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ، قُلْت هَذِهِ أُخْرَى. قَالُوا: وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَمِيرَ الْكَافِرِينَ، قُلْت: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ قَالُوا: حَسْبُنَا هَذَا، قُلْت لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إنْ قَرَأْت عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَرُدُّ قَوْلَكُمْ هَذَا تَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قُلْت أَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ أَنْ قَدْ صَيَّرَ اللَّهُ حُكْمَهُ إلَى الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ، قَالَ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] إلَى قَوْلِهِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ أَحْكُمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَحَقُّ أَمْ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ؟ قَالُوا اللَّهُمَّ بَلْ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، قُلْت: أَخْرَجْت مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قُلْت: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ فَتَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ أُمُّكُمْ؟

(وَلَا يَبْدَأُ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ، فَإِنْ بَدَءُوهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ مُسْلِمُونَ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ. وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامُ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ. فَإِنْ قُلْتُمْ لَيْسَتْ أُمَّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فَأَنْتُمْ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ، فَأَتَوْا مِنْهَا بِمَخْرَجٍ، أَخْرَجْت مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قُلْت: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا فَقَالَ: اُكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاك عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاك، وَلَكِنْ اُكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَبْتُمُونِي، يَا عَلِيُّ اُكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ وَقَدْ مَحَا نَفْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُهُ ذَلِكَ مَحْوًا مِنْ النُّبُوَّةِ، أَخْرَجْت مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَبَقِيَ سَائِرُهُمْ فَقُتِلُوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ قَتَلَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. وَرَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ اسْتَحْكَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ فَقَالَ: لَمَّا كَانَتْ حَرْبُ مُعَاوِيَةَ وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ فَنَزَلُوا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا حَرُورَاءَ مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَخَرَجْت مَعَهُ، حَتَّى إذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ خَطِيبًا فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا يَعْرِفُهُ بِهِ، هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] فَرُدُّوهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ وَقَالُوا وَاَللَّهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ، فَوَاضَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْكِتَابَ وَوَاضَعُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فِيهِمْ ابْنُ الْكَوَّاءِ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ الْكُوفَةَ عَلَى عَلِيٍّ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْدَأُ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ) وَهُوَ عَيْنُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا (وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ نَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا حَقِيقَةً) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ) أَيْ الْبُغَاةُ (مُسْلِمُونَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] (وَنَحْنُ أَدَرْنَا الْحُكْمَ وَهُوَ حِلُّ الْقِتَالِ عَلَى دَلِيلِ قِتَالِهِمْ وَ) ذَلِكَ (هُوَ الِاجْتِمَاعُ) عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ (وَالِامْتِنَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ) لِتَقْوَى شَوْكَتُهُمْ وَتَكْثُرَ جَمْعُهُمْ خُصُوصًا وَالْفِتْنَةُ يُسْرِعُ إلَيْهَا أَهْلُ الْفَسَادِ وَهُمْ الْأَكْثَرُ، وَالْكُفْرُ مَا أَبَاحَ الْقِتَالَ إلَّا لِلْحِرَابَةِ وَالْبُغَاةُ كَذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الدَّفْعَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا إنْ أَبْدَوْا مَا يَجُوزُ لَهُمْ الْقِتَالُ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبَهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلُ

وَإِذَا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ عَدَمِ الْإِمَامِ، أَمَّا إعَانَةُ الْإِمَامِ الْحَقِّ فَمِنْ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْغَنَاءِ وَالْقُدْرَةِ. (فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَأُتْبِعَ مُوَلِّيهِمْ) دَفْعًا لِشَرِّهِمْ كَيْ لَا يَلْحَقُوا بِهِمْ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَمْ يُجْهَزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يُتْبَعْ مُوَلِّيهِمْ) لِانْدِفَاعِ الشَّرِّ دُونَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ إذَا تَرَكُوهُ لَمْ يَبْقَ قَتْلُهُمْ دَفْعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْمِيلِ بَعْضِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ، وَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِكُلِّ مَا يُقَاتَلُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْمَنْجَنِيقِ وَإِرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ. وَخُوَاهَرْ زَادَهْ مَعْنَاهُ ابْنُ الْأُخْتِ، وَكَانَ ابْنَ أُخْتِ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي ثَابِتٍ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ وَاسْمُ خُوَاهَرْ زَادَهْ مُحَمَّدٌ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَاسْمُ أَبِيهِ حُسَيْنٌ النَّجَّارِيُّ وَهُوَ مُعَاصِرٌ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَمُوَافِقٌ لَهُ فِي اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ؛ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَهْلٍ، وَتُوُفِّيَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ الْآخَرُ وَهُوَ عَامُ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا مُعَاصِرٌ لَهُمَا وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ (فَإِذَا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مِنْ قَوْلِهِ: الْفِتْنَةُ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّ مِنْ الْفِتْنَةِ أَعْتَقَ اللَّهُ رَقَبَتَهُ مِنْ النَّارِ» وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: «كُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِك» رَوَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ (فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامٌ) وَمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَعَدُوا فِي الْفِتْنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُدْرَةٌ وَلَا غَنَاءٌ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ فِي تَرَدُّدٍ مِنْ حِلِّ الْقِتَالِ. كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَتَى عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَطْلُبُ عَطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَمَنَعَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ لَهُ: أَيْنَ كُنْت يَوْمَ صِفِّينَ؟ فَقَالَ: ابْغِنِي سَيْفًا أَعْرِفُ بِهِ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ، فَقَالَ لَهُ: مَا قَالَ اللَّهُ هَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَمَا رُوِيَ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى اقْتِتَالِهِمَا حَمِيَّةً وَعَصَبِيَّةً كَمَا يُتَّفَقُ بَيْنَ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ وَمَحَلَّتَيْنِ أَوْ لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالْمَمْلَكَةِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: صَحَّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: رَأَيْت كَأَنَّ قِبَابًا فِي رِيَاضٍ، فَقُلْت لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا لِذِي الْكُلَاعِ وَأَصْحَابِهِ، وَرَأَيْت قِبَابًا فِي رِيَاضٍ فَقُلْت لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ: لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَصْحَابِهِ، قُلْت: وَكَيْفَ وَقَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: إنَّهُمْ وَجَدُوا اللَّهَ وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ انْتَهَى. وَهَذَا؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ) أَيْ يُسْرَعُ فِي إمَاتَتِهِ (وَأُتْبِعَ مُوَلِّيهِمْ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرِ (دَفْعًا لِشَرِّهِمْ كَيْ لَا يَلْتَحِقَا) أَيْ الْجَرِيحُ وَالْمُوَلِّي (بِهِمْ) أَيْ بِالْفِئَةِ عَلَى مَعْنَى الْقَوْمِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَمْ يُجْهَزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يُتْبَعْ مُوَلِّيهِمْ لِانْدِفَاعِ الشَّرِّ بِدُونِ ذَلِكَ) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأَحْمَدُ أَيْضًا: (لَا يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ الْإِجْهَازُ وَالِاتِّبَاعُ (فِي الْحَالَيْنِ) حَالَتَيْ الْفِئَةِ وَعَدَمِهَا (لِأَنَّ الْقِتَالَ إذَا تَرَكُوهُ) بِالتَّوْلِيَةِ وَالْجِرَاحَةِ الْمُعْجِزَةِ عَنْهُ (لَمْ يَبْقَ قَتْلُهُمْ دَفْعًا) وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ إلَّا دَفْعًا لِشَرِّهِمْ، وَلِمَا رَوَى

وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَلِيلُهُ لَا حَقِيقَتُهُ. (وَلَا يُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ وَلَا يُقَسَّمُ لَهُمْ مَالٌ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ: وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَوْلُهُ فِي الْأَسِيرِ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ يَقْتُلُ الْإِمَامُ الْأَسِيرَ، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَالْإِسْلَامُ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحِهِمْ إنْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، وَالْكُرَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. لَهُ أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ. وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا قَسَّمَ السِّلَاحَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالْبَصْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ. وَأَسْنَدَ أَيْضًا وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ. (وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ) فِي جَوَازِ الْقَتْلِ (دَلِيلُ قِتَالِهِمْ لَا حَقِيقَتُهُ) وَلِأَنَّ قَتْلَ مَنْ ذَكَرْنَا إذَا كَانَ لَهُ فِئَةٌ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ دَفْعًا؛ لِأَنَّهُ يَتَحَيَّزُ إلَى الْفِئَةِ وَيَعُودُ شَرُّهُ كَمَا كَانَ، وَأَصْحَابُ الْجَمَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ أُخْرَى سِوَاهُمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ) إذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ (وَلَا يُقَسَّمُ لَهُمْ مَالٌ) بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ (لِقَوْلِ عَلِيٍّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا هَزَمَ طَلْحَةَ وَأَصْحَابَهُ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُقْبِلٌ وَلَا مُدْبِرٌ: يَعْنِي بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَلَا يُفْتَحُ بَابٌ وَلَا يُسْتَحَلُّ فَرْجٌ وَلَا مَالٌ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ، وَزَادَ: وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَأْخُذُ مَالَ الْمَقْتُولِ وَيَقُولُ: مَنْ اعْتَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ. وَفِي تَارِيخِ وَاسِطَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتْبَعُوا مُدْبِرًا وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلَا تَقْتُلُوا أَسِيرًا. وَإِيَّاكُمْ وَالنِّسَاءَ وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ بِالْجَرِيدَةِ أَوْ بِالْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا هُوَ وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ. هَذَا وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ كَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَلْ تَدْرِي يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهَا وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهَا وَلَا يُطْلَبُ هَارِبُهَا وَلَا يُقَسَّمُ فَيْؤُهَا» وَأَعَلَّهُ الْبَزَّارُ بِكَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ وَبِهِ تَعَقَّبَ الذَّهَبِيُّ عَلَى الْحَاكِمِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلْقَى مَا أَصَابَ مِنْ عَسْكَرِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فِي الرَّحْبَةِ، فَمَنْ عَرَفَ شَيْئًا أَخَذَهُ حَتَّى كَانَ آخِرَهُ قِدْرٌ حَدِيدٌ لِإِنْسَانٍ فَأَخَذَهُ (وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأَسِيرِ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْأَسِيرَ) وَإِنْ كَانَ عَبْدًا يُقَاتِلُ. (وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ) وَالْعَبْدُ الَّذِي لَا يُقَاتِلُ بَلْ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ يُحْبَسُ (لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ دَفْعِهِ الشَّرَّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَفِيهِ خِلَافُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَمَعْنَى هَذَا الْخِيَارِ أَنْ يُحَكِّمَ نَظَرَهُ فِيمَا هُوَ أَحْسَنُ الْأَمْرَيْنِ فِي كَسْرِ الشَّوْكَةِ مِنْ قَتْلِهِ وَحَبْسِهِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْحَالِ لَا بِهَوَى النَّفْسِ وَالتَّشَفِّي، وَإِذَا أُخِذَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَكَانَتْ تُقَاتِلُ حُبِسَتْ وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي حَالِ مُقَاتَلَتِهَا دَفْعًا، وَإِنَّمَا تُحْبَسُ لِلْمَعْصِيَةِ وَلِمَنْعِهَا مِنْ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحِهِمْ إنْ احْتَاجَ أَهْلُ الْعَدْلِ إلَيْهِ) وَكَذَا الْكُرَاعُ يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ) اسْتِعْمَالُهَا فِي الْقِتَالِ وَتُرَدُّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْهُمْ وَلَا تُرَدُّ قَبْلَهُ (لِأَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُ. وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا إلَخْ) يُرِيدُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي آخِرِ مُصَنَّفِهِ فِي بَابِ وَقْعَةِ الْجَمَلِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَسَّمَ يَوْمَ الْجَمَلِ

وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ، وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى وَالْمَعْنَى فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى. (وَيَحْبِسُ الْإِمَامُ أَمْوَالَهُمْ فَلَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ) أَمَّا عَدَمُ الْقِسْمَةِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا الْحَبْسُ فَلِدَفْعِ شَرِّهِمْ بِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَلِهَذَا يَحْبِسُهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، إلَّا أَنَّهُ يَبِيعُ الْكُرَاعَ؛ لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَنْظَرُ وَأَيْسَرُ، وَأَمَّا الرَّدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَلِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ وَلَا اسْتِغْنَامَ فِيهَا. . قَالَ: (وَمَا جَبَاهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَمْ يَأْخُذْهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْحِمَايَةِ وَلَمْ يَحْمِهِمْ (فَإِنْ كَانُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ أَجْزَأَ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ) لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ فَعَلَى أَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعِيدُوا ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: قَالُوا الْإِعَادَةُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مُقَاتِلَةٌ فَكَانُوا مَصَارِفَ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَفِي الْعُشْرِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الزَّكَاةِ. وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِيهِمْ فِيهِ؛ لِظُهُورِ وِلَايَتِهِ. (وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَهُمَا مِنْ عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِإِمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعَسْكَرِ مَا أَجَافَوْا عَلَيْهِ مِنْ كُرَاعٍ وَسِلَاحٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ) وَلَوْلَا أَنَّ فِيهِ إجْمَاعًا لَأَمْكَنَ التَّمَسُّكُ بِبَعْضِ الظَّوَاهِرِ فِي تَمَلُّكِهِ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: لَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ الْجَمَلِ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَطْلُبُوا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْعَسْكَرِ، وَمَا كَانَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ سِلَاحٍ فَهُوَ لَكُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ أُمُّ وَلَدٍ، وَأَيُّ امْرَأَةٍ قُتِلَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَحِلُّ لَنَا دِمَاؤُهُمْ وَلَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ؟ فَخَاصَمُوهُ، فَقَالَ: هَاتُوا نِسَاءَكُمْ وَأَقْرِعُوا عَلَى عَائِشَةَ فَهِيَ رَأْسُ الْأَمْرِ وَقَائِدُهُمْ، قَالَ: فَخَصَمَهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَرَفُوا وَقَالُوا: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ) أَيْ يَسْتَعِينُ بِكُرَاعِهِ وَسِلَاحِهِ عِنْدَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ (فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى. وَالْمَعْنَى) الْمُجَوَّزُ (فِيهِ أَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْأَعْلَى) وَهُوَ الضَّرَرُ الْمُتَوَقَّعُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ (بِالضَّرَرِ الْأَدْنَى) وَهُوَ إضْرَارُ بَعْضِهِمْ. (وَيَحْبِسُ الْإِمَامُ أَمْوَالَهُمْ) لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَإِضْعَافِهِمْ بِذَلِكَ (وَلَا يَرُدُّهَا إلَيْهِمْ وَلَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ) أَوْ عَلَى وَرَثَتِهِمْ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ، وَإِذَا حَبَسَهَا كَانَ بَيْعُ الْكُرَاعِ أَوْلَى (؛ لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَنْظَرُ) وَلَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَتَوَفَّرَ مُؤْنَتَهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ بِهَا حَاجَةٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا جَبَاهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا) إذَا ظَهَرَ عَلَى الْبُغَاةِ (لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ) إنَّمَا كَانَتْ (لَهُ لِحِمَايَتِهِ إيَّاهُمْ وَلَمْ يَحْمِهِمْ) وَمَا قِيلَ إنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَوْهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُمْ غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَأَخَذُوا جِبَايَاتِهَا. قَالُوا: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَتَاهُ سَاعِي الْحَرُورَاء دَفَعَ إلَيْهِ زَكَاتَهُ، وَكَذَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، ثُمَّ (إنْ كَانُوا صَرَفُوهُ إلَى حَقِّهِ) أَيْ إلَى مَصَارِفِهِ (أَجْزَأَ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ) وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ فَعَلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الْأَدَاءَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْمُصَنِّفُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (لَا إعَادَةَ عَلَى الْأَرْبَابِ فِي الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْبُغَاةَ (مُقَاتِلَةٌ) وَهُمْ مَصْرِفُ الْخَرَاجِ (وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. وَفِي الْعُشْرِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ فَكَذَلِكَ) وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أُفْتُوا بِالْإِعَادَةِ، وَكَذَا فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا لَوْ أَخَذُوهَا وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَالْمَدْفُوعُ مُصَادَرَةً إذَا نَوَى الدَّافِعُ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي إذَا

الْعَدْلِ حِينَ الْقَتْلِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. (وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ عَمْدًا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ) وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى أَهْلِهِ أَحْكَامُهُمْ وَأُزْعِجُوا قَبْلَ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ. (وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بَاغِيًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي وَقَالَ قَدْ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يَرِثْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ، وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَيَأْثَمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ: إنَّهُ يَجِبُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ، وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا. لَهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَيَجِبُ الضَّمَانُ اعْتِبَارًا بِمَا قَبْلَ الْمَنَعَةِ. وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَةٌ، وَلَا قِصَاصٌ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يُبَاحُ قَتْلُهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ مُبَاحَ الْقَتْلِ لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالْوِلَايَةِ وَهِيَ بِالْمَنَعَةِ وَلَا وِلَايَةَ لِإِمَامِنَا عَلَيْهِمْ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَصَارَ (كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْعِبَادَاتُ فِي أَوْقَاتِهَا فَهُوَ كَدَارِ الْعَدْلِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ) مِنْ أَمْصَارِ أَهْلِ الْعَدْلِ (فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ رَجُلًا مِنْهُمْ عَمْدًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّهُمْ غَلَبُوا وَلَمْ يَجْرِ فِيهَا حُكْمُهُمْ بَعْدُ حَتَّى أَزْعَجَهُمْ إمَامُ الْعَدْلِ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ: أَيْ أَخْرَجَهُمْ قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ فَوَجَبَ الْقَوَدُ، أَمَّا لَوْ جَرَتْ أَحْكَامُهُمْ حَتَّى صَارَتْ فِي حُكْمِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِمْ فَلَا قَوَدَ وَلَا قِصَاصَ، وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بَاغِيًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ) بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ فَلَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ بِهِ (وَإِنْ قَتَلَ الْبَاغِي) الْعَادِلَ (وَقَالَ: كُنْت عَلَى الْحَقِّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ وَرِثَهُ) ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يَرِثْهُ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرِثُ الْبَاغِي) الْعَادِلَ (فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِي (أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ) عِنْدَنَا (وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ) دَفْعًا لِشَرِّهِمْ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ (وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ) بَعْدَ قِيَامِ مَنَعَتِهِمْ وَشَوْكَتِهِمْ (لَا يَجِبُ الضَّمَانُ) عَلَيْهِ (عِنْدَنَا) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ، وَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ اُقْتُصَّ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَكَذَا يَضْمَنُونَ الْمَالَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَضْمَنُ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهَا نُفُوسٌ وَأَمْوَالٌ مَعْصُومَةٌ فَتُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ تَابَ الْمُرْتَدُّ وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا. وَلَنَا أَنَّهُ) إتْلَافٌ مِمَّنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَ الضَّمَانِ فِي حَالِ عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ مَنُوطٌ بِالْمَنَعَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ، فَلَوْ تَجَرَّدَتْ الْمَنَعَةُ عَنْ التَّأْوِيلِ كَقَوْمٍ غَلَبُوا عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ فَقَتَلُوا وَاسْتَهْلَكُوا الْأَمْوَالَ بِلَا تَأْوِيلٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ انْفَرَدَ التَّأْوِيلُ عَنْ الْمَنَعَةِ بِأَنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَقَتَلُوا وَأَخَذُوا عَنْ تَأْوِيلٍ ضَمِنُوا إذَا تَابُوا أَوْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ،

وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلِهِمْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِلْزَامِ أَوْ الِالْتِزَامِ، وَلَا الْتِزَامَ لِاعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ عَنْ تَأْوِيلٍ، وَلَا إلْزَامَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ لِوُجُودِ الْمَنَعَةِ، وَالْوِلَايَةُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْمَنَعَةِ وَعِنْدَ عَدَمِ التَّأْوِيلِ ثَبَتَ الِالْتِزَامُ اعْتِقَادًا، بِخِلَافِ الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنَعَةَ فِي حَقِّ الشَّارِعِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَتْلُ الْعَادِلِ الْبَاغِيَ قَتْلٌ بِحَقٍّ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَتْلِ الْبَاغِي الْعَادِلَ أَنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ هَاهُنَا إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَلَا يَكُونُ التَّأْوِيلُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ. وَلَهُمَا فِيهِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى دَفْعِ الْحِرْمَانِ أَيْضًا، إذْ الْقَرَابَةُ سَبَبُ الْإِرْثِ فَيُعْتَبَرُ الْفَاسِدُ فِيهِ، إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ بَقَاءَهُ عَلَى دِيَانَتِهِ، فَإِذَا قَالَ: كُنْت عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يُوجَدْ الدَّافِعُ فَوَجَبَ الضَّمَانُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ وَفِي عَسَاكِرِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَلَيْسَ بِبَيْعِهِ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ بَأْسٌ) ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي الْأَمْصَارِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ بَيْعُ نَفْسِ السِّلَاحِ لَا بَيْعُ مَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا وَشَهِدَتْ عَلَى قَوْمِهَا بِالشِّرْكِ وَلَحِقَتْ بِالْحَرُورِيَّةِ فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ إنَّهَا رَجَعَتْ إلَى أَهْلِهَا تَائِبَةً، قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ الْأُولَى ثَارَتْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا كَثِيرٌ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُقِيمُوا عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فِي فَرْجٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا قِصَاصًا فِي دَمٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا بِرَدِّ مَالٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ فَيُرَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُرَدَّ إلَى زَوْجِهَا وَأَنْ يُحَدَّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْ التَّأْوِيلِ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّافِعِ) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ وَصَارَ (كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلِهِمْ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ إلْحَاقُ الْفَاسِدِ مِنْ الِاجْتِهَادِ الَّذِي لَمْ يُسَوَّغْ حَتَّى ضُلِّلَ مُرْتَكِبُهُ بِالصَّحِيحِ بِشَرْطِ انْضِمَامِ الْمَنَعَةِ إلَيْهِ، وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ عِنْدَ انْضِمَامِ الْمَنَعَةِ تَنْقَطِعُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَيَلْزَمُ السُّقُوطُ كُلُّهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ الْإِلْزَامِ سُقُوطُهُ شَرْعًا، بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ سُقُوطُ الْخِطَابِ بِهِ مَا دَامَ الْعَجْزُ عَنْ إلْزَامِهِ ثَابِتًا، فَإِذَا ثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ تَعَلَّقَ خِطَابُ الْإِلْزَامِ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِجْمَاعُ الْمَنْقُولُ فِي صُورَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِمَا ذَكَرْنَا كَانَ ذَلِكَ أَصْلًا شَرْعِيًّا ضَرُورَةَ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ: إلْحَاقُ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ بِالصَّحِيحِ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ كَانَ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ، وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِلْحَاقُهُ بِهِ بِلَا دَلِيلٍ، وَهُمَا يَقُولَانِ الْمُتَحَقِّقُ مِنْ الصَّحَابَةِ جَعَلَ تِلْكَ الْمَنَعَةَ وَالِاعْتِقَادَ دَافِعًا مَا لَوْلَاهُ لَثَبَتَ لِثُبُوتِ أَسْبَابِ الثُّبُوتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا تِلْكَ الْمَنَعَةُ وَالِاعْتِقَادُ لَثَبَتَ الضَّمَانُ لِثُبُوتِ سَبَبِهِ مِنْ الْقَتْلِ عَمْدًا، وَإِتْلَافِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ فَيَتَنَاوَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ قَائِمَةٌ، وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ مَانِعٍ وُجِدَ عَنْ اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ مَعَ الْمَنَعَةِ فَمُنِعَ مُقْتَضَاهُ مِنْ الْمَنْعِ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ مِنْ إثْبَاتِ الْمِيرَاثِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ وَفِي عَسْكَرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَيْسَ بِبَيْعِهِ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي الْأَمْصَارِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ بَيْعُ نَفْسِ السِّلَاحِ) ؛ لِأَنَّهُ يُقَاتَلُ بِعَيْنِهِ (لَا مَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ)

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُ الْمَعَازِفِ وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْخَشَبِ، وَعَلَى هَذَا الْخَمْرُ مَعَ الْعِنَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْدُثُ فِيهِ، وَنَظِيرُهُ كَرَاهَةُ بَيْعِ الْمَعَازِفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تُقَامُ بِهَا عَيْنِهَا (وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْخَشَبِ) الْمُتَّخَذَةِ هِيَ مِنْهُ (وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْخَمْرِ) لَا يَصِحُّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْعِنَبِ. وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا ذَكَرْنَا. وَقِيلَ الْفَرْقُ الصَّحِيحُ أَنَّ الضَّرَرَ هُنَا يَرْجِعُ إلَى الْعَامَّةِ وَهُنَاكَ يَرْجِعُ إلَى الْخَاصَّةِ، ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. [فُرُوعٌ] إذَا طَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُوَادَعَةَ أُجِيبُوا إلَيْهَا إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْمُوَادَعَةِ لِحِفْظِ قُوَّتِهِمْ وَالِاسْتِزَادَةِ مِنْ التَّقْوَى عَلَيْهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُرْتَدِّينَ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا أَخَذُوا مَلَكُوا ثُمَّ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِذَا تَابَ أَهْلُ الْبَغْيِ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: أُفْتِيهِمْ بِأَنْ يَضْمَنُوا مَا أَتْلَفُوا مِنْ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَلَا أُلْزِمُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْحُكْمِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ الْإِسْلَامَ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ، إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً لِلْمَنَعَةِ فَيُفْتَوْا بِهِ. وَلَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، كَمَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ لَيْسَ نَقْضًا لِلْإِيمَانِ، فَاَلَّذِينَ انْضَمُّوا إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُلْتَزِمِينَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَإِذَا وَقَعَتْ الْمُوَادَعَةُ فَأَعْطَى كُلُّ فَرِيقٍ رَهْنًا عَلَى أَنَّ أَيَّهمَا غَدَرَ يَقْتُلُ الْآخَرُونَ الرَّهْنَ فَغَدَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَقَتَلُوا الرَّهْنَ لَا يَحِلُّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُ الرَّهْنِ، بَلْ يَحْبِسُونَهُمْ حَتَّى يَهْلِكَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ يَتُوبُوا؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا آمَنِينَ بِالْمُوَادَعَةِ أَوْ بِإِعْطَائِنَا الْأَمَانَ لَهُمْ حِينَ أَخَذْنَاهُمْ رَهْنًا، وَالْغَدْرُ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ لَكِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ مَخَافَةَ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى فِئَتِهِمْ، وَكَذَا إذَا كَانَ هَذَا الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ حُبِسَ رَهْنُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، فَإِنْ أَبَوْا جُعِلُوا ذِمَّةً وَوُضِعَتْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ حَصَلُوا فِي أَيْدِينَا آمَنِينَ. وَحُكِيَ أَنَّ الْمَنْصُورَ كَانَ اُبْتُلِيَ بِهِ مَعَ أَهْلِ الْمُوصِلِ، ثُمَّ إنَّهُمْ غَدَرُوا فَقَتَلُوا رَهْنَهُ، فَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ يَسْتَشِيرُهُمْ فَقَالُوا: يُقْتَلُونَ كَمَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَفِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ لَيْسَ لَك ذَلِكَ، فَإِنَّك شَرَطْتَ لَهُمْ مَا لَا يَحِلُّ وَشَرَطُوا لَك مَا لَا يَحِلُّ، كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَأَغْلَظَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ: مَا دَعَوْتُك لِشَيْءٍ إلَّا أَتَيْتنِي بِمَا أَكْرَهُ، ثُمَّ جَمَعَهُمْ مِنْ الْغَدِ وَقَالَ: قَدْ تَبَيَّنَ لِي أَنَّ الصَّوَابَ مَا قُلْت فَمَاذَا نَصْنَعُ بِهِمْ. قَالَ: سَلْ الْعُلَمَاءَ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُوضَعُ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ، قَالَ: لِمَ وَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ. قَالَ: لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالْمُقَامِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْكَافِرُ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، فَاسْتَحْسَنَ قَوْلَهُ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ. وَإِذَا أَمَّنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ جَازَ أَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَعْلَى شِقَاقًا مِنْ الْكَافِرِ، وَهُنَاكَ يَجُوزُ فَكَذَا هُنَا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى مُنَاظَرَتِهِ لِيَتُوبَ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْمَنْ كُلٌّ مِنْ الْآخَرِ، وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ: لَا بَأْسَ عَلَيْك وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ يُقَاتِلُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ. وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ فَوَلَّوْا فِيهِ قَاضِيًا مِنْ أَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ صَحَّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ وَالْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدْلِ، فَإِنْ كَتَبَ هَذَا الْقَاضِي كِتَابًا إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرِهِ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ

[كتاب اللقيط]

كِتَابُ اللَّقِيطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ، إنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُهُمْ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَجَازَهُ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَوْ لَا يَعْرِفُهُمْ لَا يَعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ يَسْكُنُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَلَا يَقْبَلُ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ كِتَابَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ، وَيُكْرَهُ أَخْذُ رُءُوسِهِمْ فَيُطَافُ بِهَا فِي الْآفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ. وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كَانَ فِيهِ طُمَأْنِينَةُ قُلُوبِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ. وَيُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ. بِخِلَافِ أَخِيهِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْبَاغِي حُرْمَتَانِ: حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَحُرْمَةُ الْقَرَابَةِ، وَفِي الْكَافِرِ حُرْمَةُ الْقَرَابَةِ فَقَطْ. وَإِذَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي صَفِّ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ دِيَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي صَفِّ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَهْدَرَ دَمَهُ حِينَ وَقَفَ فِي صَفِّهِمْ. وَلَوْ دَخَلَ بَابًا بِأَمَانٍ فَقَتَلَهُ عَادِلٌ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِنَا؛ وَهَذَا لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي دَمِهِ. وَإِذَا حَمَلَ الْعَادِلُ عَلَى الْبَاغِي فَقَالَ تُبْت وَأَلْقَى السِّلَاحَ كَفَّ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُفَّ عَنِّي حَتَّى أَنْظُرَ لَعَلِّي أَتُوبَ وَأَلْقَى السِّلَاحَ. وَمَا لَمْ يُلْقِ السِّلَاحَ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ، وَمَتَى أَلْقَاهُ كَفَّ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفُّ عَنْهُ بِإِلْقَائِهِ السِّلَاحَ. وَلَوْ غَلَبَ أَهْلُ الْبَغْي عَلَى بَلَدٍ فَقَاتَلَهُمْ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَأَرَادُوا أَنْ يَسْبُوا ذَرَارِيَّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ أَنْ يُقَاتِلُوا دُونَ ذَرَارِيِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُسْبَوْنَ فَوَجَبَ قِتَالُهُمْ. وَإِذَا وَادَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا يَحِلُّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ غَزْوُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَأَمَانُ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ فِي مَنَعَةٍ نَافِذٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ غَدَرَ بِهِمْ الْبُغَاةُ فَسُبُوا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ. وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَأَلْجَئُوهُمْ إلَى دَارِ الشِّرْكِ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا الْبُغَاةَ مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الشِّرْكِ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الشِّرْكِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَعِينَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِالْبُغَاةِ وَالذِّمِّيِّينَ عَلَى الْخَوَارِجِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الْعَدْلِ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِإِعْزَازِ الدِّينِ، وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِمْ بِالْكِلَابِ. وَإِذَا وَلَّى الْبُغَاةُ قَاضِيًا فِي مَكَانٍ غَلَبُوا عَلَيْهِ فَقَضَى مَا شَاءَ ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ فَرُفِعَتْ أَقْضِيَتُهُ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ نَفَّذَ مِنْهَا مَا هُوَ عَدْلٌ، وَكَذَا مَا قَضَاهُ بِرَأْيِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ قَاضِي الْعَدْلِ. وَلَوْ اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ بِأَهْلِ الْحَرْبِ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ سَبْينَا أَهْلَ الْحَرْبِ وَلَا تَكُونُ اسْتِعَانَةُ الْبُغَاةِ بِهِمْ أَمَانًا مِنْهُمْ لَهُمْ حَتَّى يَلْزَمَنَا تَأْمِينُهُمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مَنْ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ تَارِكًا لِلْحَرْبِ وَهَؤُلَاءِ مَا دَخَلُوا إلَّا لِيُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ. [كِتَابُ اللَّقِيطِ] ِ أَعْقَبَ اللَّقِيطَ وَاللُّقَطَةَ الْجِهَادَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَوْنِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ تَصِيرُ عُرْضَةً لِلْفَوَاتِ وَقَدَّمَ اللَّقِيطَ عَلَى

اللَّقِيطُ سُمِّيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ لِمَا أَنَّهُ يُلْقَطُ. وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ فَوَاجِبٌ. قَالَ (اللَّقِيطُ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ إنَّمَا هُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَكَذَا الدَّارُ دَارُ الْأَحْرَارِ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ (وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللُّقَطَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّفْسِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَالِ. وَاللَّقِيطُ لُغَةً: مَا يُلْقَطُ: أَيْ يُرْفَعُ مِنْ الْأَرْضِ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، سُمِّيَ بِهِ الْوَلَدُ الْمَطْرُوحُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ مِنْ تُهْمَةِ الزِّنَا بِهِ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى أَنْ يُلْتَقَطَ فِي الْعَادَةِ كَالْقَتِيلِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» (وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ نَفْسٍ مُسْلِمَةٍ) إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ ضَيَاعُهُ (فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ كَانَ وَاجِبًا) وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إلَّا إذَا خَافَ هَلَاكَهُ فَفَرْضُ عَيْنٍ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلِ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْخَوْفِ. نَعَمْ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ضَيَاعُهُ أَوْ هَلَاكُهُ فَكَمَا قَالُوا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا الْوُجُوبُ بِاصْطِلَاحِنَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ إلْزَامُ الْتِقَاطِهِ إذَا خِيفَ هَلَاكُهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالثَّابِتُ إلْزَامُهُ بِقَطْعِيِّ فَرْضٍ (قَوْلُهُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ عَبْدًا) أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى يُحَدَّ قَاذِفُهُ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا، وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ مَعَ احْتِمَالِ السُّقُوطِ، وَإِنَّمَا حُكْمُ الشَّرْعِ فِيهِ بِالْحُرِّيَّةِ (لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَإِنَّمَا عَرَضَ الرِّقُّ بِعُرُوضِ الْكُفْرِ لِبَعْضِهِمْ، فَمَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِالْعَارِضِ لَا يُحْكَمُ بِهِ (وَكَذَا الدَّارُ دَارُ الْأَحْرَارِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْغَالِبَ) وَالْغَالِبَ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الدُّنْيَا الْأَحْرَارُ. (قَوْلُهُ: وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. وَأَصْلُهُ مَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فَجِئْت بِهِ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ؟ فَقَالَ: وَجَدْتهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتهَا، فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، قَالَ كَذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ اذْهَبْ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَغَيْرُ الشَّافِعِيِّ يَرْوِيهِ عَنْ مَالِكٍ وَيَقُولُ فِيهِ: وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنْبَأَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَتَاهُ بِهِ فَاتَّهَمَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأُثْنِيَ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُوَ حُرٌّ وَوَلَاءُهُ لَك وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَتُهْمَةُ عُمَرَ دَلَّ عَلَيْهَا مَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا، وَهُوَ مَثَلٌ لِمَا يَكُونُ ظَاهِرُهُ خِلَافَ بَاطِنِهِ. وَأَوَّلُ مَنْ قَالَتْهُ الزَّبَّاءُ. وَمَا قِيلَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ أَوَّلًا لَيْسَ بِلَازِمٍ. نَعَمْ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِالْإِنْفَاقِ وَقَصَدَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا فَعَلَ أَبُو جَمِيلَةَ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَيْهِ، وَإِذَا جَاءَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ لَا يُصَدِّقُهُ فَيُخْرِجُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَفَقَتَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الِالْتِقَاطِ؛ لِأَنَّهُ عَسَاهُ ابْنُهُ وَلِذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْبَيِّنَةِ إلَى مَا يُرَجِّحُ صِدْقَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَالَ عَرِيفُهُ إنَّهُ رَجُلٌ

وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاجِزٌ عَنْ التَّكَسُّبِ، وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ فَأَشْبَهَ الْمُقْعَدَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ؛ وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيهِ. وَالْمُلْتَقِطُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْوِلَايَةِ. قَالَ (فَإِنْ الْتَقَطَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّ الْحِفْظِ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ (فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَالِحٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَيْسَتْ عَلَى أَوْضَاعِ الْبَيِّنَاتِ فَإِنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لِيَتَرَجَّحَ صِدْقُهُ فِي إخْبَارِهِ بِالِالْتِقَاطِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هَذِهِ لِكَشْفِ الْحَالِ وَالْبَيِّنَةُ لِكَشْفِ الْحَالِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى خَصْمٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إذَا أُتِيَ بِلَقِيطٍ فَرَضَ لَهُ مَا يُصْلِحُهُ رِزْقًا يَأْخُذُهُ وَلِيُّهُ كُلَّ شَهْرٍ وَيُوصِي بِهِ خَيْرًا، وَيَجْعَلُ رَضَاعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَفَقَتَهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَجَدَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَلْحَقَهُ عَلِيٌّ عَلَى مَالِهِ (وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ) أَغْنِيَاءَ لِتَجِبَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْمُقْعَدِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ؛ وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ (وَالْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ) أَيْ لِبَيْتِ الْمَالِ غُنْمُهُ: أَيْ مِيرَاثُهُ وَدَيْنُهُ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ كَانَتْ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ دِيَتُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَالْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ (وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) وَبَدَأَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِحَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: هُوَ حُرٌّ، وَلَأَنْ أَكُونَ وَلَّيْتُ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ الَّذِي وَلَّيْتَ مِنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَحَرَّضَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَهِيَ الْإِمَامَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُلْتَقِطُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ) عَلَى أَنْ يَلْحَقَهُ الدَّيْنُ؛ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا كَبُرَ وَاكْتَسَبَ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ) يَعْنِي بِهَذَا الْقَيْدِ بِأَنْ يَقُولَ: أَنْفِقْ عَلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ إلَى آخِرِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ إنَّمَا يُوجِبُ ظَاهِرًا تَرْغِيبَهُ فِي إتْمَامِ الِاحْتِسَابِ وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ. وَقِيلَ يُوجِبُ لَهُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي كَأَمْرِ اللَّقِيطِ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ كَبِيرًا (لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي) فَإِذَا أَنْفَقَ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُصَيِّرُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَبَلَغَ فَادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَذَا فَإِنْ صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ وَعَلَى الْمُلْتَقِطِ الْبَيِّنَةُ. (قَوْله فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ:) وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ

مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ نَسَبَهُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ. ثُمَّ قِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّهِ دُونَ إبْطَالِ يَدِ الْمُلْتَقِطِ. وَقِيلَ يُبْتَنَى عَلَيْهِ بُطْلَانُ يَدِهِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ قِيلَ يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأَصْلِ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ نَسَبَهُ) يَعْنِي سَابِقًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي أَوْ مُقَارِنًا. أَمَّا إذَا ادَّعَيَاهُ عَلَى التَّعَاقُبِ فَالسَّابِقُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَالْخَارِجِ أَوْلَى، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَالْمُلْتَقِطُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَكَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى وَهُوَ الذِّمِّيُّ. وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ، ثُمَّ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْخَارِجِ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقٍّ ثَابِتٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَهُوَ حَقُّ الْحِفْظِ الثَّابِتِ لِلْمُلْتَقِطِ وَحَقُّ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارُ الصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ) وَيَتَأَذَّى بِانْقِطَاعِهِ، إذْ يُعَيَّرُ بِهِ وَيَحْصُلُ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ رَاغِبًا فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُمْتَنٍّ بِهِ. وَيَدُ الْمُلْتَقِطِ مَا اُعْتُبِرَتْ إلَّا بِحُصُولِ مَصْلَحَتِهِ هَذِهِ لَا لِذَاتِهَا وَلَا لِاسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ، وَهَذَا مَعَ زِيَادَةِ مَا ذَكَرْنَا حَاصِلٌ بِهَذِهِ الدَّعْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَثْبُتُ بُطْلَانُ يَدِ الْمُلْتَقِطِ ضِمْنًا مُتَرَتِّبًا عَلَى وُجُوبِ إيصَالِ هَذَا النَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَصَارَ كَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ تَصِحُّ، ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِحَّ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَذْكُرُونَ غَيْرَ هَذَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عِنْدَ الْبَعْضِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي وَيَكُونُ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ مَنْفَعَتَيْ الْوَلَدِ وَالْمُلْتَقِطِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ فِي دَعْوَى ذِي الْيَدِ (فَقِيلَ يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا) أَيْ لَيْسَ فِيهِ قِيَاسٌ مُخَالِفٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا أَيْضًا فِيهِ إلَّا أَنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ فِيهِ غَيْرُهُ فِي دَعْوَى الْخَارِجِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ اسْتِلْزَامُهُ إبْطَالَ حَقٍّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَهُنَا هُوَ اسْتِلْزَامُهُ التَّنَاقُضَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّهُ لُقَطَةٌ كَانَ نَافِيًا نَسَبَهُ، فَلَمَّا ادَّعَاهُ تَنَاقَضَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَضُرُّ فِي دَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى ثُمَّ يَظْهَرُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْأَصْلِ الَّذِي أَحَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ. (وَلَوْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ) خَارِجَانِ مَعًا (وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ)

فَهُوَ أَوْلَى بِهِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِمُوَافَقَةِ الْعَلَامَةِ كَلَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فَهُوَ ابْنُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ. وَلَوْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي زَمَانٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى. (وَإِذَا وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَادَّعَى ذِمِّيٌّ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَطَابَقَ (فَهُوَ أَوْلَى بِهِ) مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ فَيُقَدَّمَ عَلَى ذِي الْعَلَامَةِ أَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَذُو الْعَلَامَةِ ذِمِّيٌّ فَيُقَدَّمُ الْمُسْلِمُ؛ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأَحَدُهُمَا ذِمِّيٌّ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ (وَلَوْ لَمْ يَصِفْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً كَانَ ابْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ) وَهُوَ الدَّعْوَى، وَكَذَا لَوْ أَقَامَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا سَابِقَةً عَلَى الْأُخْرَى كَانَ ابْنَهُ، وَلَوْ وَصَفَ الثَّانِي عَلَامَةً لِثُبُوتِهِ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ ذُو الْعَلَامَةِ لِلتَّرْجِيحِ بِهَا بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبَيْ الِاسْتِحْقَاقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَذَكَرَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً لَا يُفِيدُ شَيْئًا، وَكَذَا فِي دَعْوَى اللُّقَطَةِ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ بِالْوَصْفِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُنَاكَ لَيْسَ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى بَلْ الْبَيِّنَةُ، فَلَوْ قَضَى لَهُ لَكَانَ إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ ابْتِدَاءً بِالْعَلَامَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، إنَّمَا حَالُ الْعَلَامَةِ تَرْجِيحُ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَلَوْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ خَارِجَانِ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ لِظُهُورِ تَقَدُّمِ الْيَدِ، وَكُلَّمَا لَمْ يَتَرَجَّحْ دَعْوَى وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ يَكُونُ ابْنًا لَهُمَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُرْجَعُ إلَى الْقَافَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ. وَلَا يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَوَّزَ إلَى خَمْسَةٍ. وَلَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الزَّوْجُ. وَإِنْ ادَّعَتْهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ فَهُوَ ابْنُهُمَا، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ حَيَاةِ اللَّقِيطِ، فَلَوْ مَاتَ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى إنْسَانٌ نَسَبَهُ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اللَّقِيطَ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ وَبِالْمَوْتِ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَبَقِيَ كَلَامُهُ مُجَرَّدَ دَعْوَى الْمِيرَاثِ، وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا وُجِدَ) اللَّقِيطُ (فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ) فَهُوَ مُسْلِمٌ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمِصْرِ كَانَ مِصْرًا لِلْكُفَّارِ ثُمَّ أُزْعِجُوا وَظَهَرْنَا عَلَيْهِ أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ فِيهِ كُفَّارٌ كَثِيرُونَ أَوْ لَا (فَإِنْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ أَنَّهُ ابْنُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ

مِنْهُ وَكَانَ مُسْلِمًا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضْمَنُ النَّسَبَ وَهُوَ نَافِعٌ لِلصَّغِيرِ، وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ وَهُوَ يَضُرُّهُ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ. (وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ كَانَ ذِمِّيًّا) وَهَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ ذِمِّيًّا فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ، فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ اللَّقِيطِ اُعْتُبِرَ الْمَكَانُ لِسَبْقِهِ، وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ اُعْتُبِرَ الْوَاجِدُ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِقُوَّةِ الْيَدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ حَتَّى إذَا سُبِيَ مَعَ الصَّغِيرِ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ كَافِرًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ وَكَانَ مُسْلِمًا) اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ عَنْهُ نَفْيَ إسْلَامِهِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ) شَيْئَيْنِ (النَّسَبَ وَهُوَ نَفْعٌ لِلصَّغِيرِ وَنَفْيَ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ وَهُوَ ضَرَرٌ بِهِ) وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْكَافِرِ الْكُفْرُ لِجَوَازِ مُسْلِمٍ هُوَ ابْنُ كَافِرٍ بِأَنْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُ (فَصَحَّحْنَا دَعْوَتَهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ) مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ (دُونَ مَا يَضُرُّهُ) إلَّا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى نَسَبِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَافِرًا. وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرَّجُلِ يَلْتَقِطُ اللَّقِيطَ فَيَدَّعِيهِ نَصْرَانِيٌّ وَعَلَيْهِ زِيُّ أَهْلِ الشِّرْكِ فَهُوَ ابْنُهُ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي رَقَبَتِهِ صَلِيبٌ أَوْ عَلَيْهِ قَمِيصُ دِيبَاجٍ أَوْ وَسَطُ رَأْسِهِ مَجْزُوزٌ انْتَهَى. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قَمِيصُ الدِّيبَاجِ عَلَامَةً فِي هَذِهِ الدِّيَارِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا مَا يَفْعَلُونَهُ وَإِذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ ابْنُ ذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَيَجِبُ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ يَدِهِ إذَا قَارَبَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَدْيَانَ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَضَانَةِ إذَا كَانَتْ أُمَّهُ الْمُطَلَّقَةُ كَافِرَةً. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (كَانَ ذِمِّيًّا) هَكَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (هَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي هَذَا الْمَكَانِ) أَيْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ (أَوْ كَانَ) الْوَاجِدُ (ذِمِّيًّا) لَكِنْ وَجَدَهُ (فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ، فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ بِالْمَكَانِ) فِي الْفَصْلَيْنِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا فِي نَحْوِ الْكَنِيسَةِ أَوْ ذِمِّيًّا فِي غَيْرِهَا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْقُدُورِيُّ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ سَابِقٌ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ (وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى) اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ (فِي بَعْضِ النُّسَخِ اُعْتُبِرَ الْوَاجِدُ) فِي الْفَصْلَيْنِ (وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ) فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَقْوَى مِنْ الْمَكَانِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الصَّبِيَّ الْمَسْبِيَّ مَعَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ كَافِرًا حَتَّى لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ (وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ) أَيْ نُسَخِ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْمَبْسُوطِ (اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ) أَيْ مَا يَصِيرُ الْوَلَدُ بِهِ مُسْلِمًا (نَظَرًا لِلصَّغِيرِ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَهُ كَافِرٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُسْلِمٌ فِي كَنِيسَةٍ كَانَ مُسْلِمًا فَصَارَتْ الصُّوَرُ أَرْبَعًا: اتِّفَاقِيَّتَانِ، وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ فِي نَحْوِ كَنِيسَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ. واختلافيتان وَهُمَا مُسْلِمٌ فِي نَحْوِ كَنِيسَةٍ أَوْ كَافِرٌ فِي نَحْوِ قَرْيَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ. وَفِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ قِيلَ: يُعْتَبَرُ بِالسِّيمَا وَالزِّيِّ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273] {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن: 41] وَفِي الْمَبْسُوطِ: كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ الْكُفَّارُ: يَعْنِي

(وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ (فَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ (وَكَانَ حُرًّا) ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ (وَالْحُرُّ فِي دَعْوَتِهِ اللَّقِيطَ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمُ أَوْلَى مِنْ الذِّمِّيِّ) تَرْجِيحًا لِمَا هُوَ الْأَنْظَرُ فِي حَقِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْتَانَا بِمَوْتَاهُمْ الْفَصْلُ بِالزِّيِّ وَالْعَلَامَةِ، وَلَوْ فُتِحَتْ الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَوُجِدَ فِيهَا شَيْخٌ يُعَلِّمُ صِبْيَانًا حَوْلَهُ الْقُرْآنَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ لِمَا قَدَّمْنَا (إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً) لَا يُقَالُ: هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ عَلَى خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ خَصْمٌ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ فَلَا تَزُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ هُنَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا هُنَا كَيْ لَا يُنْقَضَ بِمَا إذَا ادَّعَى خَارِجٌ نَسَبَهُ فَإِنَّ يَدَهُ تَزُولُ بِلَا بَيِّنَةٍ عَلَى الْأَوْجَهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ يَدَهُ اُعْتُبِرَتْ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ، وَفِي دَعْوَى النَّسَبِ مَنْفَعَةٌ تَفُوقُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي أَوْجَبَتْ اعْتِبَارَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فَتُزَالُ لِحُصُولِ مَا يَفُوقُ الْمَقْصُودَ مِنْ اعْتِبَارِهَا، وَهُنَا لَيْسَ دَعْوَى الْعَبْدِيَّةِ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِمَّا يَضُرُّهُ لِتَبْدِيلِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا تُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ، وَكَانَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ) فَيَكُونُ الْأَبُ عَبْدًا وَالْوَلَدُ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَيُقْبَلُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي دَعْوَى الذِّمِّيِّ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ رِقُّهُ (فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ) إذَا لَمْ تُضَفْ وِلَادَتُهُ إلَى امْرَأَةٍ أَمَةٍ، فَإِنْ أَضَافَ إلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَبْدٌ، فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: فِي دَعْوَى الْعَبْدِ نَفْعٌ هُوَ النَّسَبُ وَضَرَرٌ هُوَ الرِّقُّ، وَأَحَدُهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ لَمَّا صَدَّقَهُ الشَّرْعُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ يُصَدِّقُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ تَبَعًا فَيُحْكَمُ بِرِقِّهِ تَبَعًا، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ كُفْرِهِ لِجَوَازِ إسْلَامِ زَوْجَتِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الذِّمِّيُّ إنَّهُ مِنْ زَوْجَتِي الذِّمِّيَّةِ لَا يُصَدَّقُ (قَوْلُهُ: وَالْحُرُّ فِي دَعْوَتِهِ اللَّقِيطَ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَيَاهُ وَهُمَا خَارِجَانِ

(وَإِنْ وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ) اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ. وَكَذَا إذَا كَانَ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَيْهَا لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يَصْرِفُهُ الْوَاجِدُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ. وَقِيلَ يَصْرِفُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لِلَّقِيطِ ظَاهِرًا (وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ) كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ. (وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُلْتَقِطِ) لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ. قَالَ (وَلَا تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ الْمُلْتَقِطِ) اعْتِبَارًا بِالْأُمِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِتَثْمِيرِ الْمَالِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ ذِمِّيًّا ادَّعَاهُ مَعَ مُسْلِمٍ خَارِجٍ رُجِّحَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى الذِّمِّيُّ أَنَّهُ ابْنُهُ وَالْمُسْلِمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَهُوَ ابْنُ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ يَفُوزُ بِالنَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ مَعَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي دَعْوَى رِقِّهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةَ رِقِّهِ فَيَكُونُ رَقِيقًا، كَمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا ادَّعَاهُ ابْنًا لَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ كَافِرًا. وَلَوْ وُجِدَ طِفْلٌ فِي يَدِ عَبْدٍ مَحْجُورٍ ذَكَرَ أَنَّهُ الْتَقَطَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى الِالْتِقَاطِ وَكَذَّبَهُ مَوْلَاهُ. وَقَالَ هُوَ عَبْدِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَمَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي يَدِ الْمَوْلَى، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ لِلْمَأْذُونِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ لِغَيْرِ السَّيِّدِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّيِّدُ فَيَكُونُ الْوَلَدُ الَّذِي فِي يَدِهِ حُرًّا إلَّا أَنْ يُقِيمَ سَيِّدُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ أَوْ دَابَّةٌ هُوَ مَشْدُودٌ عَلَيْهَا فَالْكُلُّ لَهُ) بِلَا خِلَافٍ (اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ) أَيْ فِي دَفْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ عَنْهُ ثُمَّ يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِي ذَلِكَ بِقِيَامِ يَدِهِ مَعَ حُرِّيَّتِهِ الْمَحْكُومِ بِهَا. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يُرِيدُ قَوْلَهُ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ (ثُمَّ يَصْرِفُهُ الْوَاجِدُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ) أَيْ لَا حَافِظَ لَهُ، وَمَالِكُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْحِفْظِ. (وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ) وَكَذَا لِغَيْرِ الْوَاجِدِ بِأَمْرِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ (وَقِيلَ لَهُ صَرْفُهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي) أَيْضًا (؛ لِأَنَّهُ لِلَّقِيطِ) كَمَا حَكَمَنَا بِهِ (وَلِلْوَاجِدِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ) وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَطْفٌ عَلَى وِلَايَةٍ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ: أَيْ لِلْوَاجِدِ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ، وَلَهُ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلَّقِيطِ مِنْهُ، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ تَزْوِيجُ اللَّقِيطِ) وَاللَّقِيطَةِ (لِانْعِدَامِ سَبَبِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ) وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. (وَلَا) تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ (بِبَيْعٍ) وَلَا شِرَاءِ شَيْءٍ لِيَسْتَحِقَّ الثَّمَنَ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ، وَمَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ ذَلِكَ (اعْتِبَارًا بِالْأُمِّ) فَإِنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُلْتَقِطُ كَالتَّزْوِيجِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ فَعَدَمُ مِلْكِهِ لِذَلِكَ أَوْلَى (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ تَصَرُّفِ كُلٍّ مِنْ الْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ إنَّمَا هُوَ لِتَثْمِيرِ الْمَالِ وَذَلِكَ) إنَّمَا (يَتَحَقَّقُ بِالرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ وَالْمَوْجُودُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا) ؛ لِأَنَّ فِي الْأُمِّ شَفَقَةً كَامِلَةً مَعَ قُصُورٍ فِي الرَّأْيِ، وَفِي الْمُلْتَقِطِ رَأْيٌ كَامِلٌ مَعَ قُصُورِ شَفَقَةٍ لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ، وَنَظِيرُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَا قَدَّمَهُ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ وَقَدْ زَوَّجَهَا

قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ لَهُ الْهِبَةَ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ عَاقِلًا وَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَوَصِيُّهَا. قَالَ (وَيُسَلِّمُهُ فِي صِنَاعَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَثْقِيفِهِ وَحِفْظِ حَالِهِ. قَالَ (وَيُؤَاجِرُهُ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذَا رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَمَّ. بِخِلَافِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ (لِلَّقِيطِ الْهِبَةَ) وَالصَّدَقَةَ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُحَقَّقٌ وَلِذَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ عَاقِلًا وَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَوَصِيُّهَا) . قَالَ (الْقُدُورِيُّ: وَيُسَلِّمُهُ فِي صِنَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّثْقِيفِ وَحِفْظِ حَالِهِ) عَنْ الشَّتَاتِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ الْفَسَادِ. ثُمَّ (قَالَ) الْقُدُورِيُّ (وَيُؤَاجِرُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّثْقِيفِ يَعْنِي التَّقْوِيمَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا (فَأَشْبَهَ الْعَمَّ، بِخِلَافِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ) بِالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِعَارَةِ بِلَا عِوَضٍ، فَبِالْعِوَضِ بِالْإِجَارَةِ أَوْلَى. [فُرُوعٌ] ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ عَبْدًا لَهُ بَعْدَمَا عَرَفَ الِالْتِقَاطَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْخَارِجِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا عِبْرَةَ بِهَا؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ. وَأَثَرُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ فِي كَوْنِهِ كَافِرًا وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ. وَلَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَتَنَازَعَا فِي كَوْنِهِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَكَانَ الْمُسْلِمُ أَوْلَى بِحِفْظِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُعَلِّمُهُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ. وَإِذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ فَأَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يَدَّعِيهِ. إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا لَا يُقْضَى بِهِ إلَّا عَلَى الْأَحْرَارِ كَالْحَدِّ الْكَامِلِ وَنَحْوِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَصَارَ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ وَلَا يَصِيرُ بِهِ عَبْدًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلِأَنَّهُ مُكَذَّبٌ شَرْعًا فِي ذَلِكَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَذَّبَهُ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِالرِّقِّ، وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطَةُ امْرَأَةً فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ بَعْدَمَا كَبُرَتْ إنْ كَانَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ صَحَّ وَكَانَتْ أَمَةً لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَلَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءً فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِرِقِّهَا انْتِفَاءُ النِّكَاحِ. وَلَوْ بَلَغَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ وَلِامْرَأَتِهِ عَلَيْهِ صَدَاقٌ وَصَدَاقُهَا لَازِمٌ عَلَيْهِ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي إقْرَارِهِ هَذَا، وَكَذَا إذَا اسْتَدَانَ دَيْنًا أَوْ بَايَعَ إنْسَانًا أَوْ كَفَلَ كَفَالَةً أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَسَلَّمَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَوْ أَنَّهُ وَالَى رَجُلًا بَعْدَمَا أَدْرَكَ الْمُلْتَقِطَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَأَكَّدَ وَلَاؤُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ بِأَنْ جَنَى جِنَايَةً وَعَقَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَنْتَقِلُ مِيرَاثُهُ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَمْ يَتَأَكَّدْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ وَصَارَ كَاَلَّذِي أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ إلَّا أَنْ يَجْنِيَ فَيَعْقِلَهُ بَيْتُ الْمَالِ.

[كتاب اللقطة]

كِتَابُ اللُّقَطَةِ قَالَ (اللُّقَطَةُ أَمَانَةٌ إذَا أَشْهَدَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِيَحْفَظَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ اللُّقَطَةِ هِيَ فُعَّلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَصْفُ مُبَالَغَةٍ لِلْفَاعِلِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ وَلُعَنَةٍ وَضُحَكَةٍ لِكَثِيرِ الْهَمْزِ وَغَيْرِهِ، وَبِسُكُونِهَا لِلْمَفْعُولِ كَضُحْكَةٍ وَهُزْأَةٍ لِلَّذِي يُضْحَكُ مِنْهُ وَيُهْزَأُ بِهِ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَالِ لُقَطَةٌ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ طِبَاعَ النُّفُوسِ فِي الْغَالِبِ تُبَادِرُ إلَى الْتِقَاطِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ، فَصَارَ الْمَالُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَاعٍ إلَى أَخْذِهِ بِمَعْنَى فِيهِ نَفْسُهُ كَأَنَّهُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ مَجَازًا، وَإِلَّا فَحَقِيقَتُهُ الْمُلْتَقِطُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ. وَمَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ أَيْضًا فَمَحْمُولٌ عَلَى هَذَا: يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ أَيْضًا. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي صِفَةِ رَفْعِهَا فَنُقِلَ عَنْ الْمُتَقَشِّفَةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ يَحِلُّ، وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ، أَمَّا الْحِلُّ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بَلْ أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُ. وَأَسْنَدَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصَابَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ» وَأَمَّا أَفْضَلِيَّةُ التَّرْكِ فَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي فَقَدَهَا فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ خُصُوصَ الْمَكَانِ، فَإِذَا تَرَكَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَجِدَهَا صَاحِبُهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ عَادَةً أَنْ يَمُرَّ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مَرَّةً أُخْرَى فِي عُمُرِهِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ سُقُوطَهَا فِي أَثْنَاءِ الطُّرُقَاتِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا أَوْ يَجْلِسُ فِي عَادَةِ أَمْرِهِ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ إلَيْهِ، وَقَيَّدَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ يَتْرُكُهَا، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَصِلَ يَدٌ خَائِنَةٌ إلَيْهَا، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَفِي الْخُلَاصَةِ يَفْتَرِضُ الرَّفْعَ، وَلَوْ رَفَعَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَضَعَهَا مَكَانَهَا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَسَنَذْكُرُهُ [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] (قَوْلُهُ وَاللُّقَطَةُ أَمَانَةٌ إذَا أَشْهَدَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِيَحْفَظَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا،

لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْوَاجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَصَارَ كَالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْآخِذُ أَخَذْته لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَضْمَنُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِاخْتِيَارِهِ الْحِسْبَةَ دُونَ الْمَعْصِيَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ أَفْضَلُ) وَظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ اشْتِرَاطُ عَدْلَيْنِ إلَى آخِرِهِ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) يَعْنِي إذَا كَانَ أَشْهَدَ أَوْ إذَا كَانَ أَمَانَةً بِأَنْ أَشْهَدَ (لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ) فَلَوْ هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا وَصَارَ تَصَادُقُهُمَا كَبَيِّنَتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا (وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ ضَمِنَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقَالَ أَخَذْتُهَا لِلرَّدِّ لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَضْمَنُ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ذَكَرَ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ (وَالْقَوْلُ لَهُ) مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا (لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ) إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ (اخْتِيَارُهُ الْحِسْبَةَ لَا الْمَعْصِيَةَ) وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِلْمَالِكِ فَإِذَا أَخَذَ إنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِلْمَالِكِ

وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ وَفِيهِ وَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يَبْرَأُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الظَّاهِرِ يُعَارِضُهُ مِثْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَرِّفُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ وَاحِدَةً كَانَتْ اللُّقَطَةُ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ لَهُ أَوْ لِنَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ (وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ، وَفِيهِ وَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يَبْرَأُ. وَمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الظَّاهِرِ يُعَارِضُهُ مِثْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ التَّصَرُّفِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ) فَإِنْ قَالَ كَوْنُ أَخْذِ الْمَالِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَأَمَّا بِإِذْنِهِ فَمَمْنُوعٌ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ هَذَا الْأَخْذَ سَبَبُ الضَّمَانِ لَمْ يَقَعْ الشَّكُّ فِي الْبَرَاءَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِ الضَّمَانِ حَتَّى يَنْفَعَ مَا ذَكَرْتُمْ. فَالْجَوَابُ أَنَّ إذْنَ الشَّرْعِ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ «مَنْ أَصَابَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ» وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ خَافَ أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَخَذَهَا مِنْهُ ظَالِمٌ فَتَرَكَهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَوْنِي مَنَعَنِي مِنْ الْإِشْهَادِ كَذَا (قَالَ: وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ ضَالَّةً فَدِلُّوهُ عَلَيَّ) أَوْ عِنْدِي ضَالَّةٌ أَوْ شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ إلَى آخِرِهِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَطْلُبُهَا فَقَالَ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللُّقَطَةِ (وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ) أَيْ اللُّقَطَةَ بِتَأْوِيلِ الْمُلْتَقِطِ (اسْمُ جِنْسٍ) وَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الْأَخْذِ وَيَقُولَ أَخَذْتهَا لِأَرُدَّهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَفَى فَجَعَلَ التَّعْرِيفَ إشْهَادًا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَكْفِيهِ مِنْ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ إلَى آخِرِهِ يُفِيدُ مِثْلَهُ، فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ التَّعْرِيفُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَصَابَ ضَالَّةً فَلْيُشْهِدْ» مَعْنَاهُ فَلْيُعَرِّفْهَا. وَيَكُونُ قَوْلُهُ ذَا عَدْلٍ لِيُفِيدَ عِنْدَ جَحْدِ الْمَالِكِ التَّعْرِيفَ: أَيْ الْإِشْهَادَ. فَإِنَّهُ إذَا اسْتَشْهَدَ ثُمَّ عَرَّفَ بِحَضْرَتِهِ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، وَإِلَّا فَالتَّعْرِيفُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ، وَعَلَى هَذَا فَخِلَافِيَّةُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا أَصْلًا حَتَّى ادَّعَى ضَيَاعَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ لِيَرُدَّهَا وَأَخَذَهَا كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُمَا إنَّ إذْنَ الشَّرْعِ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ أَيْ بِالتَّعْرِيفِ، فَإِذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا فَقَدْ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا فِي الْأَخْذِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ: أَيْ التَّعْرِيفُ وَقْتَ الْأَخْذِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ هَلَاكِهَا لِيُعَرِّفَ بِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَا لِنَفْسِهِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا لَا يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ رَدَّهَا فِي مَكَانِهَا أَوْ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ بِالرَّدِّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْهُ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِهَا، فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا ثُمَّ أَعَادَهَا ضَمِنَ، وَبَعْضُهُمْ ضَمِنَهُ ذَهَبَ بِهَا أَوْ لَا، وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمَا ذَكَرْنَا لَا يَنْفِي وَجْهَ التَّضْمِينِ بِكَوْنِهِ مُضَيِّعًا مَالَ غَيْرِهِ بِطَرْحِهِ بَعْدَمَا لَزِمَهُ حِفْظُهُ بِالْأَخْذِ

قَالَ (فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا، وَإِنْ كَانَتْ عَشْرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ أَيَّامًا مَعْنَاهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى. وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» . وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَوْلِ وَرَدَ فِي لُقَطَةٍ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْعَشَرَةُ وَمَا فَوْقَهَا فِي مَعْنَى الْأَلْفِ فِي تَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهِ فِي السَّرِقَةِ وَتَعَلُّقِ اسْتِحْلَالِ الْفَرْجِ بِهِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي حَقِّ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ، فَأَوْجَبْنَا التَّعْرِيفَ بِالْحَوْلِ احْتِيَاطًا، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْأَلْفِ بِوَجْهٍ مَا فَفَوَّضْنَا إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ) اللُّقَطَةُ (أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ عَرَّفَهَا أَيَّامًا) وَفَسَّرَهَا الْمُصَنِّفُ بِحَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ إلَى عَشْرَةٍ عَرَّفَهَا شَهْرًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ يُعَرِّفُهَا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ إنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا: يَعْنِي إلَى الْعَشَرَةِ يُعَرِّفُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا: يَعْنِي إلَى ثَلَاثَةٍ يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ دَانِقًا فَصَاعِدًا يُعَرِّفُهَا يَوْمًا، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الدَّانِقِ يَنْظُرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً ثُمَّ يَضَعُهُ فِي كَفِّ فَقِيرٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ يُعَرِّفُ الْقَلِيلَ بِقَدْرِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا أَخْذٌ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلَ هَذَا وَهُوَ جَيِّدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا قَدَّرَ بِذَلِكَ التَّقْدِيرَاتِ فِي الْقَلِيلِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّ الْمَالِكَ فِي تِلْكَ التَّقَادِيرِ لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَدِ فَكَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ غَلَبَةَ ظَنِّ تَرْكِهَا، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ تَقْدِيرُهُ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَيُذْكَرُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. وَفِيهِ أَلْفَاظٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ، فَمَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً» وَمَعْنَى لَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ: أَيْ لَا يَحِلُّ لِلْمُلْتَقِطِ تَمَلُّكُهَا، وَهَذَا لَا يَتَعَرَّضُ لِلِالْتِقَاطِ نَفْسِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ» (وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَوْلِ وَرَدَ فِي لُقَطَةٍ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمَ، وَالْعَشَرَةُ فَمَا فَوْقَهَا فِي مَعْنَى الْأَلْفِ شَرْعًا فِي تَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِسَرِقَتِهِ وَتَعَلُّقِ اسْتِحْلَالِ الْفَرْجِ بِهِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي حَقِّ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ فَأَوْجَبْنَا التَّعْرِيفَ بِالْحَوْلِ) إلْحَاقًا لَهَا بِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهَا احْتِيَاطًا (وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْأَلْفِ شَرْعًا بِوَجْهٍ مَا فَفَوَّضْنَا) التَّعْرِيفَ فِيهَا (إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ) وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ

وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ يُعَرِّفُهَا إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا لَا يَبْقَى عَرَّفَهُ حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ يَفْسُدَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا. وَفِي الْجَامِعِ: فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْوُصُولِ إلَى صَاحِبِهَا، وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَلَكِنَّهُ مُبْقًى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ أَخَذْتُ صُرَّةً مِائَةَ دِينَارٍ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتهَا فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْت بِهَا فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتهَا فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْته ثَالِثًا فَقَالَ: احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» وَهَذَا يَقْتَضِي قَصْرَ حَدِيثِ الْعَامِ عَلَى حَدِيثِ الْمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالتَّعْرِيفِ سَنَةً فِي غَيْرِ حَدِيثٍ مُطْلَقًا عَنْ صُورَةِ الْمِائَةِ دِينَارٍ كَمَا قَدَّمْنَا وَغَيْرُهُ مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّقَادِيرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ) وَلَا التَّقْدِيرُ بِالْعَامِ (وَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ يُعَرِّفُهُ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا) وَهَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَاخْتَارَهُ. وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ الثَّلَاثِ سِنِينَ فِي الْمِائَةِ دِينَارٍ، فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ لَيْسَ السَّنَةُ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ بَلْ مَا يَقَعُ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ أَنَّ صَاحِبَهُ يَتْرُكُهُ أَوْ لَا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ خَطَرِ الْمَالِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَالَ لَمَّا كَانَ ذَا خَطَرٍ كَبِيرٍ أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا لَا يَبْقَى عَرَّفَهُ حَتَّى يَخَافَ فَسَادَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ وَفِي الْجَامِعِ) يَعْنِي الْأَسْوَاقَ وَأَبْوَابَ الْمَسَاجِدِ فَيُنَادِي مَنْ ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ فَلْيَطْلُبْهُ عِنْدِي. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ بِتَعْرِيفِهَا سَنَةً يَقْتَضِي تَكْرَارَ التَّعْرِيفِ عُرْفًا وَعَادَةً وَإِنْ كَانَ ظَرْفِيَّةُ السَّنَةِ لِلتَّعْرِيفِ يَصْدُقُ بِوُقُوعِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ كُلَّمَا وَجَدَ مَظِنَّةً، وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِ الْوَلْوَالِجِيِّ مِمَّا يُفِيدُ الِاكْتِفَاءَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ هُوَ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْهُ، أَمَّا الْوَاجِبُ فَأَنْ يَذْكُرَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهُ كَالنَّوَاةِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا) لِلْوَاجِدِ (بِلَا تَعْرِيفٍ) . وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَأَى تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلَا أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتهَا» وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا، حَتَّى إذَا وَجَدَهَا فِي يَدِهِ لَهُ أَخْذُهَا لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا إلْقَاؤُهَا إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ (لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ) وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعَهَا

قَالَ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا) إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَهُوَ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَذَلِكَ بِإِيصَالِ عَيْنِهَا عِنْدَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا وَإِيصَالِ الْعِوَضِ وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَةِ التَّصَدُّقِ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا رَجَاءَ الظُّفْرِ بِصَاحِبِهَا قَالَ (فَإِنْ) (جَاءَ صَاحِبُهَا) يَعْنِي بَعْدَمَا تَصَدَّقَ بِهَا (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الصَّدَقَةَ) وَلَهُ ثَوَابُهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ وَإِنْ حَصَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحِلِّ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِثُبُوتِهِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا لِأَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ بِالْجَمْعِ، وَعَلَى هَذَا الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَقْيِيدِ هَذَا الْجَوَابِ: أَعْنِي جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا بِمَا إذَا كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فِي مَكَان فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمَّا جَمَعَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا أَلْقَاهَا وَأَعْرَضَ عَنْهَا بَلْ سَقَطَتْ مِنْهُ أَوْ وَضَعَهَا لِيَرْفَعَهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ جَزَّ صُوفَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَوْ وَجَدَهُ صَاحِبُ الشَّاةِ فِي يَدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَلَوْ دَبَغَ جِلْدَهَا كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهُ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالتُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى وَالْحَطَبُ فِي الْمَاءِ لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا) أَوْ أَكَلَهَا إنْ كَانَ فَقِيرًا، أَوْ اسْتَقْرَضَهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَيَتَمَلَّكُهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا أَبَدًا حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهَا، وَإِذَا خَشِيَ الْمَوْتَ يُوصِي بِهَا كَيْ لَا تَدْخُلَ فِي الْمَوَارِيثِ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ أَيْضًا يُعَرِّفُونَهَا، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُعَرِّفُوهَا حَتَّى هَلَكَتْ وَجَاءَ صَاحِبُهَا أَنْ يَضْمَنُوا لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى لُقَطَةٍ وَلَمْ يُشْهِدُوا: أَيْ لَمْ يُعَرِّفُوا، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِذَلِكَ أَنَّ قَصْدَهُمْ تَعْمِيَتُهَا عَنْ صَاحِبِهَا، وَيَجْرِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا (بَعْدَ التَّصَدُّقِ فَهُوَ) بِأَحَدِ خِيَارَاتٍ ثَلَاثٍ (إنْ شَاءَ أَمْضَى الصَّدَقَةَ وَلَهُ ثَوَابُهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ وَإِنْ حَصَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ لِلْإِنْسَانِ يَكُونُ بِفِعْلٍ مُخْتَارٍ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ قَبْلَ لُحُوقِ الْإِذْنِ وَالرِّضَا فَبِالْإِجَازَةِ وَالرِّضَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ لِرِضَاهُ بِذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحِلِّ وَقَدْ يَكُونُ مَجِيءُ الْمَالِكِ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِ الْفَقِيرِ لَهَا؟ أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ الْمِلْكُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، أَمَّا هُنَا فَالْمِلْكُ يَثْبُتُ قَبْلَ ذَلِكَ شَرْعًا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّصَدُّقِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ الْمَالِكِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَا يُفِيدُ مَقْصُودَهُ دُونَ مِلْكِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبْلَهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ وَحَالُ الْفَقِيرِ يَقْتَضِي سُرْعَةَ اسْتِهْلَاكِهَا ثَبَتَ عَدَمُ تَوَقُّفِ اعْتِبَارِهَا عَلَى قِيَامِ الْمَحِلِّ بَعْدَ ثُبُوتِ اعْتِبَارِهَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ شَرْعًا إجْمَاعًا

(وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَالَهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) إلَّا أَنَّهُ بِإِبَاحَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الضَّمَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا فِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمِسْكِينُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الِالْتِقَاطُ فِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إذَا وُجِدَ الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ فِي الصَّحْرَاءِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى يَنْتَقِلَ إلَيْهِ الثَّوَابُ (وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَالَهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) فَإِنْ قُلْت: لَكِنَّهُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَإِبَاحَةٌ مِنْهُ. قُلْنَا: الثَّابِتُ مِنْ الشَّارِعِ إذْنُهُ فِي التَّصَدُّقِ لَا إيجَابُهُ (هَذَا) الْقَدْرُ (لَا يُنَافِي) وُجُوبَ الضَّمَانِ (حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا فِي) إذْنِهِ (فِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ) وَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ مَعَ ثُبُوتِ الضَّمَانِ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يُثْبِتَ إذْنَهُ مُقَيَّدًا بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ يُثْبِتَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثُبُوتُ ضَمَانِ مَالِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمِسْكِينَ) إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ (هَلَكَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ) فَإِنْ قُلْت: إذَا قَبَضَهَا الْفَقِيرُ ثَبَتَ مِلْكُهُ فِيهَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يَسْتَرْجِعُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ كَمَا فِي الْهِبَةِ. وَالْمُرْتَدُّ: الرَّاجِعُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا بَعْدَ أَخْذِ الْوَرَثَةِ مَالَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِاللِّحَاقِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ كَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ إذْنِهِ (وَإِنْ كَانَ قَائِمًا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ) وَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إذَا تَصَدَّقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي، أَمَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ فَلَا يَرْجِعُ رَدُّوهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ كَانَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَهُ إذَا جَاءَ فَضْلًا عَنْ الْمُلْتَقِطِ الْمُتَصَدِّقِ بِأَمْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِي نَاظِرٌ لِلْغَيْبِ فِي أَمْوَالِهِمْ حِفْظًا لَهَا لَا إتْلَافًا فَلَا يَنْفُذُ مِنْ إتْلَافِهِ إلَّا مَا لَزِمَهُ شَرْعًا الْقِيَامُ وَالتَّصَدُّقُ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الِالْتِقَاطُ فِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ) وَأَحْمَدُ (إذَا وُجِدَ الْبَقَرُ وَالْبَعِيرُ فِي الصَّحْرَاءِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ،

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْفَرَسُ. لَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ مَخَافَةَ الضَّيَاعِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهَا مَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا يَقِلُّ الضَّيَاعُ وَلَكِنَّهُ يُتَوَهَّمُ فَيَقْضِي بِالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبُ إلَى التَّرْكِ. وَلَنَا أَنَّهَا لُقَطَةٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ كَمَا فِي الشَّاةِ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْ ذِمَّةِ الْمَالِكِ، وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِهِ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْفَرَسُ) لَهُمَا (أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ الْحُرْمَةُ وَإِبَاحَةُ الِالْتِقَاطِ مَخَافَةَ الضَّيَاعِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهَا مَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا بِهِ) كَالْقَرْنِ مَعَ الْقُوَّةِ فِي الْبَقَرِ وَالرَّفْسِ مَعَ الْكَدْمِ وَزِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ (يَقِلُّ) ظَنُّ (الضَّيَاعِ وَلَكِنَّهُ يُتَوَهَّمُ فَيَقْضِي بِالْكَرَاهَةِ فِي الْأَخْذِ وَالنَّدْبِ إلَى التَّرْكِ) هَذَا، وَلَكِنَّ كَلَامَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ وَحِلِّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. (وَلَنَا أَنَّهَا لُقَطَةٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ كَمَا فِي الشَّاةِ) لَكِنَّ هَذَا قِيَاسٌ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا، قُلْت: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ، وَفِي الصَّحِيحِ قَالَ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: مَالَك وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ فَذَرْهَا حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» وَرَوَى أَبُو دَاوُد «عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِطَرْدِ بَقَرَةٍ لَحِقَتْ بِبَقَرَةٍ حَتَّى تَوَارَتْ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ ضَالَّةَ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. أَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ إذْ ذَاكَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةُ لَا تَصِلُ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ، فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَأْمَنُ وُصُولَ يَدٍ خَائِنَةٍ إلَيْهَا بَعْدَهُ، فَفِي أَخْذِهَا إحْيَاؤُهَا وَحِفْظُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَهُوَ أَوْلَى. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ أَنْ يَجِبَ الِالْتِقَاطُ وَهَذَا أَحَقُّ، فَإِنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ وُصُولُهَا إلَى رَبِّهَا وَأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقُ الْوُصُولِ، فَإِذَا تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وَصَارَ طَرِيقُ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ عِنْدَهُ بِلَا شَكٍّ خِلَافُهُ وَهُوَ الِالْتِقَاطُ لِلْحِفْظِ وَالرَّدِّ. وَأَقْصَى مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي الْأَوْقَاتِ خَصَّ مِنْهَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ مِنْ الدَّيْنِ لَوْ لَمْ يَتَأَيَّدْ بِحَدِيثٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حَمَّادٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الضَّالَّةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ» ، فَتَأَيَّدَ بِهِ زِيَادَةٌ بَعْدَ تَمَامِ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْ ذِمَّةِ الْمَالِكِ) أَيْ عَنْ أَنْ يَشْغَلَهَا بِالدَّيْنِ بِلَا أَمْرِهِ. (وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِهِ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ) الْآنَ

(وَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ نَظَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ مَنْفَعَةٌ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا) لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ وَخَافَ أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا بَاعَهَا وَأَمَرَ بِحِفْظِ ثَمَنِهَا) إبْقَاءً لَهُ مَعْنًى عِنْدَ تَعَذُّرِ إبْقَائِهِ صُورَةً (وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهَا) لِأَنَّهُ نَصَبَ نَاظِرًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، قَالُوا: إنَّمَا يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا لِأَنَّ دَارَّةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةٌ فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةً مَدِيدَةً. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَفِي الْأَصْلِ شَرْطُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَلَا يَأْمُرُ فِيهِ بِالْإِنْفَاقِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِكَشْفِ الْحَالِ وَلَيْسَتْ الْبَيِّنَةُ تُقَامُ لِلْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا رَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ مَنْفَعَةٌ) وَثَمَّ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا (آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا بِلَا إلْزَامِ دَيْنٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ) أَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا (وَخَافَ أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا بَاعَهَا وَأَمَرَ بِحِفْظِ ثَمَنِهَا إبْقَاءً لَهُ مَعْنًى عِنْدَ تَعَذُّرِ إبْقَائِهِ صُورَةً) فَإِنَّ الثَّمَنَ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ إذْ يَصِلُ بِهِ إلَى مِثْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ (وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا أَذِنَ) لَهُ (فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَيْهِ) إذْ (فِيهِ نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) جَانِبِ الْمَالِكِ بِإِبْقَاءِ عَيْنِ مَالِهِ لَهُ وَجَانِبِ الْمُلْتَقِطِ بِالرُّجُوعِ (قَالَ الْمَشَايِخُ: إنَّمَا يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى قَدْرِ مَا يُرْجَى أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا) ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا لِأَنَّ دَارَّةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةٌ لِلْعَيْنِ مَعْنًى، بَلْ رُبَّمَا تَذْهَبُ الْعَيْنُ وَيَفْضُلُ الدَّيْنُ عَلَى مَالِكِهَا، وَلَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ مِنْ الْقَاضِي ذَلِكَ لَوْ أَمَرَ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِعَدَمِ النَّظَرِ، وَإِذَا بَاعَهَا أَعْطَى الْمُلْتَقِطَ مِنْ ثَمَنِهَا مَا أَنْفَقَ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ مَالُ صَاحِبِهَا وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهِ بِعِلْمِ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ جَاءَ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ وَأَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ. وَإِنْ جَاءَ وَهِيَ هَالِكَةٌ فَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْبَائِعُ، فَإِنْ ضَمِنَ الْبَائِعُ نَفَذَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ مَلَكَ اللُّقَطَةَ مِنْ حِينِ أَخَذَهَا وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ (وَفِي الْأَصْلِ) يَعْنِي الْمَبْسُوطَ (يَشْتَرِطُ الْبَيِّنَةَ) فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ رَفَعَهَا إلَى الْقَاضِي وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْتَقَطَهَا أَمَرَهُ أَنْ يُنْفِقَ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ غَصَبَهَا، وَلَا يَأْمُرُ بِالنَّفَقَةِ إلَّا فِي الْوَدِيعَةِ) وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ (لِكَشْفِ الْحَالِ) أَيْ لِيَنْكَشِفَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ الْتَقَطَهَا لَا لِلْقَضَاءِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمٍ لَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ:

وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي بِقَوْلِ الْقَاضِي لَهُ أَنْفِقْ عَلَيْهِ إنْ كُنْت صَادِقًا فِيمَا قُلْت حَتَّى تَرْجِعَ عَلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ صَادِقًا، وَلَا يَرْجِعُ إنْ كَانَ غَاصِبًا. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ بَعْدَ مَا حَضَرَ وَلَمْ تُبَعْ اللُّقَطَةُ إذَا شَرَطَ الْقَاضِي الرُّجُوعَ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ) يَعْنِي (الْمَالِكُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ حَتَّى يُحْضِرَ النَّفَقَةَ) لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ؛ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ رَادُّ الْآبِقِ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعَلِ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَ الرَّهْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامُ خَصْمٌ فِيهَا عَنْ صَاحِبِهَا (وَإِنْ قَالَ) الْمُلْتَقِطُ (لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ لَهُ أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا) وَفِي الذَّخِيرَةِ: يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ بَيْنَ يَدِي الثِّقَاتِ بِأَنْ يَقُولَ أَمَرْته بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ (وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ (إذَا شَرَطَ الْقَاضِي) ذَلِكَ (وَهَذَا رِوَايَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَقِيلَ يَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ أَمْرِهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي اللَّقِيطِ (وَإِذْ حَضَرَ الْمَالِكُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ حَتَّى يُحْضِرَ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْهُ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ. وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ رَادُّ الْآبِقِ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعَلِ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْمَبِيعِ (وَلَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ كَالرَّهْنِ) مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْحَبْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَهُ سَقَطَ لِأَنَّهُ كَالرَّهْنِ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْحَبْسِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَحَافِظُ الدِّينِ فِي الْكَافِي أَيْضًا، فَيُفْهَمُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَجَعَلَ الْقُدُورِيُّ هَذَا قَوْلَ زُفَرَ. قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَأَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَحَبَسَهَا بِالنَّفَقَةِ فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهَا دَيْنٌ غَيْرُ بَدَلٍ عَنْ عَيْنٍ وَلَا عَنْ عَمَلٍ مِنْهُ فِيهَا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا: أَيْ الْعَيْنَ عَقْدٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ. وَصَرَّحَ فِي الْيَنَابِيعِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ عَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَحَبَسَهَا لِيَأْخُذَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي التَّقْرِيبِ نَفْيُ الْحُكْمِ: أَعْنِي السُّقُوطَ لِعَدَمِ دَلِيلِ السُّقُوطِ، فَإِنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ وَلَيْسَتْ الْعَيْنُ الْمُلْتَقَطَةُ رَهْنًا لِيَسْقُطَ بِهَلَاكِهَا إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهَا عَقْدُ الرَّهْنِ. وَالْمُصَنِّفُ أَوْجَدَ الدَّلِيلَ وَهُوَ الْإِلْحَاقُ بِالرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَقِيقَتِهِ لَكِنَّ النَّقْلَ كَمَا رَأَيْت. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ

قَالَ (وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ التَّعْرِيفُ فِي لُقَطَةِ الْحَرَمِ إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَرَمِ «وَلَا يَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّهَا لُقَطَةٌ، وَفِي التَّصَدُّقِ بَعْدَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ إبْقَاءُ مِلْكِ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي سَائِرِهَا، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِالْتِقَاطُ إلَّا لِلتَّعْرِيفِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْحُرْمِ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِمَكَانِ أَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ ظَاهِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا أَصْلًا فَأَبْلَغُ (قَوْلُهُ وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ سَوَاءٌ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهَا لَا حُكْمَ لَهَا سِوَى ذَلِكَ مَنْ تَصَدَّقَ وَلَا تُمْلَكُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» الْحَدِيثَ. الْمُنْشِدُ: الْمُعَرِّفُ، وَالنَّاشِدُ: الطَّالِبُ. قَالَ الْمُثَقَّبُ: يَسِيخُ لِلنَّبْأَةِ أَسْمَاعَهُ ... إسَاخَةَ الْمُنْشِدِ لِلنَّاشِدِ وَيُرْوَى يَصِيخُ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، فَالْفِعْلُ مِنْ الْأَوَّلِ أَنْشَدَ الضَّالَّةَ يَنْشُدُهَا، وَأَنْشَدَهَا إنْشَادًا: إذَا أَعْرَفْتَهَا، وَمِنْ الثَّانِي نَشَدْتهَا أَنْشُدُهَا نَشْدًا وَنِشْدَانًا بِكَسْرِ النُّونِ: إذَا طَلَبْتهَا (وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ وَغَيْرِهِ وَسُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ (اعْرِفْ عِفَاصَهَا) أَيْ وِعَاءَهَا مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا (وَوِكَاءَهَا) أَيْ رِبَاطَهَا الَّذِي شُدَّتْ بِهِ وَعَرِّفْهَا سَنَةً وَتَقَدَّمَ، فَإِمَّا أَنْ يَقْضِيَ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَارَضَا فَيُحْمَلُ كُلٌّ عَلَى مَحْمَلٍ وَهُوَ أَوْلَى، لَكِنْ لَا تَعَارُضَ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ: لَا يَحِلُّ الِالْتِقَاطُ إلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُ وَلَا يَحِلُّ لِنَفْسِهِ. وَتَخْصِيصُ مَكَّةَ حِينَئِذٍ لِدَفْعِ وَهْمِ سُقُوطِ التَّعْرِيفِ بِهَا بِسَبَبِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا وُجِدَ بِهَا مِنْ لُقَطَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ وَقَدْ تَفَرَّقُوا فَلَا يُفِيدُ التَّعْرِيفُ فَيَسْقُطُ كَمَا يَسْقُطُ فِيمَا يَظْهَرُ إبَاحَتُهُ، فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ فِي وُجُوبِ

(وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ فَادَّعَى اللُّقَطَةَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ. فَإِنْ أَعْطَى عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ) . وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يُجْبَرُ، وَالْعَلَامَةُ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا. لَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ وَلَا يُنَازِعُهُ فِي الْمِلْكِ، فَيُشْتَرَطُ الْوَصْفُ لِوُجُودِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا تُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ. وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ كَالْمِلْكِ فَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ اعْتِبَارًا بِالْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الدَّفْعُ عِنْدَ إصَابَةِ الْعَلَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» وَهَذَا لِلْإِبَاحَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْرِيفِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ» . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي يَتْرُكُهَا حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهَا، وَلَا عَمَلَ عَلَى هَذَا فِي هَذَا الزَّمَانِ لِفُشُوِّ السَّرِقَةِ بِمَكَّةَ مِنْ حَوَالِي الْكَعْبَةِ فَضْلًا عَنْ الْمَتْرُوكِ، وَالْأَحْكَامُ إذَا عُلِمَ شَرْعِيَّتُهَا بِاعْتِبَارِ شَرْطٍ ثُمَّ عُلِمَ ثُبُوتُ ضِدِّهِ مُتَضَمِّنًا مَفْسَدَةً بِتَقْدِيرِ شَرْعِيَّتِهِ مَعَهُ عُلِمَ انْقِطَاعُهَا، بِخِلَافِ الْعِلْمِ بِشَرْعِيَّتِهَا لِسَبَبٍ إذَا عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِي الْبَقَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ كَالرَّمْلِ وَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ لِإِظْهَارِ الْجَلَادَةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ فَادَّعَى اللُّقَطَةَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ أَعْطَى عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَأَحْمَدَ (يُجْبَرُ) وَإِعْطَاءُ عَلَامَتِهَا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ وَزْنِهَا وَعَدَدِهَا وَوِكَائِهَا وَيُصِيبُ فِي ذَلِكَ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا، وَالْمُوجِبُ لِلدَّفْعِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «عَرِّفْهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعَدَدِهَا وَوِكَائِهَا وَوِعَائِهَا فَأَعْطِهِ إيَّاهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ وَفِيهِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَك» وَأَيْضًا (فَإِنَّ صَاحِبَ الْيَدِ) وَهُوَ الْمُلْتَقِطُ (إنَّمَا يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ لَا فِي الْمِلْكِ) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ فَكَانَتْ مُنَازَعَتُهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَيُشْتَرَطُ مَا هُوَ حُجَّةٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَفِي الْوَصْفِ الْمُطَابِقِ ذَلِكَ فَاكْتَفَى بِهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْبَيِّنَةُ لِعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ) مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا (وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ كَالْمِلْكِ) حَتَّى أَنَّ غَاصِبَ الْمُدَبَّرِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَلَمْ يُفَوِّتْ غَيْرَ الْيَدِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ غَيْرَ أَنَّا أَبَحْنَا لَهُ الدَّفْعَ عِنْدَ إصَابَةِ الْعَلَامَةِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَوْهُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّعْوَى،

وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إذَا كَانَ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ اسْتِيثَاقًا، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ التَّكْفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَهُ. وَإِذَا صُدِّقَ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ إذَا صَدَّقَهُ. وَقِيلَ يُجْبَرُ لِأَنَّ الْمَالِكَ هَاهُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْمُودِعُ مَالِكٌ ظَاهِرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُدَّعِي هُنَا صَاحِبُ اللُّقَطَةِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا بِالْعَلَامَةِ فَقَطْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا اسْتِيثَاقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ التَّكْفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا إذَا قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْوَرَثَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ الْوَارِثِ كَفِيلٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ هُنَا غَيْرُ ثَابِتٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ غَيْرَهُ فَيَجِيءُ وَيَتَوَارَى الْآخِذُ فَيُحْتَاطُ بِالْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ مَعْلُومٌ ثَابِتٌ، وَكَوْنُ غَيْرِهِ أَيْضًا لَهُ حَقٌّ أَمْرٌ مَوْهُومٌ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَقِّ الثَّابِتِ إلَى زَمَانِ تَحْصِيلِ الْكَفِيلِ بِحَقٍّ مَوْهُومٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَفْعَ الْمُلْتَقِطِ لَوْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَأْخُذُ كَفِيلًا وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَذُكِرَ فِي جَامِعِ قَاضِي خَان أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ. وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ نَفَى الْخِلَافَ فِي التَّكْفِيلِ فِي اللُّقَطَةِ. وَقَالَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فِيهِ: أَيْ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ عِنْدَ رَفْعِ اللُّقَطَةِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَأْخُذُ، هَذَا إذَا دَفَعَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَلَامَةِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ مَعَ الْعَلَامَةِ أَوْ لَا مَعَهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ دَفْعِهِ إلَيْهِ، لَكِنْ هَلْ يُجْبَرُ؟ قِيلَ يُجْبَرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً، وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ كَالْوَكِيلِ يَقْبِضُ الْوَدِيعَةَ إذَا صَدَّقَهُ الْمُودِعُ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ، وَدَفَعَ بِالْفَرْقِ (بِأَنَّ الْمَالِكَ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ) أَيْ الْمَالِكُ الْآخِذُ لِهَذِهِ اللُّقَطَةِ الَّتِي صَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ مُدَّعِيهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالْمُودِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ مَالِكٌ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ لِلْحَاضِرِ بِحَقِّ قَبْضِهَا وَإِقْرَارُهُ بِحَقِّ قَبْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَلْزَمُهُ إقْبَاضُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِذَا دَفَعَ بِالتَّصْدِيقِ أَوْ بِالْعَلَامَةِ وَجَاءَ آخَرُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُدَّعِي قَضَى لَهُ بِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْقَابِضُ أَوْ الْمُلْتَقِطُ، فَإِنْ ضَمِنَ الْقَابِضُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ فَفِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ بِتَصْدِيقِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَلَا يَتَصَدَّقُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى غَنِيٍّ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّصَدُّقُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ لَمْ يَأْتِ» يَعْنِي صَاحِبَهَا، «فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ» وَالصَّدَقَةُ لَا تَكُونُ عَلَى غَنِيٍّ فَأَشْبَهَ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ (وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَانْتَفِعْ بِهَا» وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ حَمْلًا لَهُ عَلَى رَفْعِهَا صِيَانَةً لَهَا وَالْغَنِيُّ يُشَارِكُهُ فِيهِ. وَلَنَا مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْفَقِيرِ لِمَا رَوَيْنَاهُ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْغَنِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ لِاحْتِمَالِ افْتِقَارِهِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، وَالْفَقِيرُ قَدْ يَتَوَانَى لِاحْتِمَالِ اسْتِغْنَائِهِ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مَالِكُهَا وَصَاحِبُ الْبَيِّنَةِ ظَلَمَهُ بِتَضْمِينِهِ فَلَا يَظْلِمُهُ هُوَ وَصَارَ كَالْمُودِعِ إذَا صَدَّقَ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَضَمِنَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ قَبَضَهُ بِأَمْرِهِ وَالْمُودِعُ ظَالِمٌ فِي تَضْمِينِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْمِلْكِ لَكِنَّهُ لَمَّا قَضَى بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَقَدْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِتَكْذِيبِ الْقَاضِي فَبَطَلَ إقْرَارُهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ بِلَا تَصْدِيقٍ، ثُمَّ ظَهَرَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَصَارَ كَإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ إذَا اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ بِبَيِّنَةٍ فَقَضَى لَهُ بِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ، وَمِثْلُ هَذَا يَجْرِي فِي إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ. وَاَلَّذِي فَرَّقَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ فِي زَعْمِ الْمُودِعِ أَنَّ الْوَكِيلَ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُودِعُ فِي قَبْضِهِ لَهُ بِأَمْرِهِ وَلَيْسَ بِضَامِنٍ، بَلْ الْمُودِعُ ظَلَمَهُ فِي تَضْمِينِهِ إيَّاهُ، وَمَنْ ظُلِمَ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ مُوهِنًا فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْقَابِضَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ ضَامِنٌ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى غَنِيٍّ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الصَّدَقَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ لَمْ يَأْتِ: يَعْنِي صَاحِبَهَا، فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ» وَالصَّدَقَةُ لَا تَكُونُ عَلَى غَنِيٍّ فَأَشْبَهَ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ) وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سُمَيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ، فَمَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلْيُؤَدِّهِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ فَلْيُخَيِّرْهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَبَيْنَ الَّذِي لَهُ» وَفِيهِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ. وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ إذَا كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِطَرِيقِ الْقَرْضِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً لَا فَرْضًا فَيَكُونُ فِيهِ لِلْمَالِكِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَانِبِ الْمَالِكِ بِحُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ وَجَانِبِ الْمُلْتَقِطِ كَمَا لَوْ كَانَ الْفَقِيرُ غَيْرَ الْمُلْتَقِطِ، وَلِهَذَا جَازَ دَفْعُهَا إلَى فَقِيرٍ غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ وَإِنْ كَانَ أَبَا الْمُلْتَقِطِ أَوْ ابْنَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ (وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ تَحْقِيقِ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِطَرِيقِ الْقَرْضِ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» ) قَالُوا (وَأُبَيُّ كَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ) بِدَلِيلِ مَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِك» . فَقَدْ جَعَلَ لَهُ مَالًا، قُلْنَا: هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ الْخِطَابَ لِأُبَيِّ، فَإِنَّهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

وَانْتِفَاعُ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِذْنِهِ (وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِهَذَا جَازَ الدَّفْعُ إلَى فَقِيرٍ غَيْرِهِ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْفَقِيرُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ غَنِيًّا) لِمَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي اللُّقَطَةِ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ، إلَى أَنْ قَالَ: فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِك» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَحْكِي قَوْلَهُ لِسَائِلٍ يَسْأَلُهُ، وَجَازَ كَوْنُ ذَلِكَ كَانَ فَقِيرًا. ثُمَّ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى فَقْرِ أُبَيٍّ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاءِ قَرَابَتِك، فَجَعَلَهَا» أَبُو طَلْحَةَ فِي أُبَيٍّ وَحَسَّانٍ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ أُبَيًّا كَانَ فَقِيرًا، لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ قَضَايَا الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال. وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ، إلَى أَنْ قَالَ وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ " فَهِيَ لَك " فَهُوَ أَيْضًا مِنْ قَضَايَا الْأَحْوَالِ الْمُتَطَرِّقِ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، إذْ يَجُوزُ كَوْنُ السَّائِلِ فَقِيرًا، لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْخِطَابَ لِأُبَيِّ لَا يَخْرُجُ عَنْ قَضَايَا الْأَحْوَالِ ذَاتِ الِاحْتِمَالِ، إذْ الْمَالُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ نِصَابًا، وَكَوْنُهُ خَالِيًا عَنْ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ نِصَابًا فَجَازَ كَوْنُهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وَكَوْنُهُ مَدْيُونًا. قَالُوا: لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ لَا تَحِلُّ لِلْمُلْتَقِطِ إلَّا بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ فَيَمْتَنِعُ إذَا كَانَ غَنِيًّا لَمَّا أَكَلَهَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ. وَقَدْ أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَكْلِهَا فِيمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ يَبْكِيَانِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمَا؟ قَالَتْ: الْجُوعُ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَجَدَ دِينَارًا بِالسُّوقِ، فَجَاءَ فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَخُذْ لَنَا دَقِيقًا، فَجَاءَ الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنْتَ خَتَنُ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَخُذْ دِينَارَك وَالدَّقِيقُ لَك، فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَتْ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ الْجَزَّارِ وَخُذْ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا، فَذَهَبَ فَرَهَنَ الدِّينَارَ بِدِرْهَمٍ بِلَحْمٍ، فَعَجَنَتْ وَخَبَزَتْ وَأَرْسَلَتْ إلَى أَبِيهَا فَجَاءَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ لَك فَإِنْ رَأَيْته حَلَالًا لَنَا أَكَلْنَاهُ، مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا فَبَيْنَمَا هُمْ مَكَانَهُمْ إذَا غُلَامٌ يَنْشُدُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ الدِّينَارَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ فَدُعِيَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَقَطَ مِنِّي فِي السُّوقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَلِيُّ اذْهَبْ إلَى الْجَزَّارِ فَقُلْ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَك: أَرْسِلْ إلَيَّ بِالدِّينَارِ وَدِرْهَمُك عَلَيَّ، فَأَرْسَلَ بِهِ فَدَفَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْغُلَامِ» . قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ تُكُلِّمَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهِ إنْفَاقَهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَوْلُ الْمُنْذِرِيِّ: وَلَعَلَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا فَمُرَاجَعَتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْخَلْقِ إعْلَانٌ بِهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاكْتِفَاءَ فِي التَّعْرِيفِ بِمَرَّةٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ اشْتَرَوْا وَخَبَزُوا وَأَحْضَرُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَكْلِ. نَعَمْ يَجِبُ الْحُكْمُ بِأَنَّ عَلِيًّا عَرَّفَهُ قَبْلَ

[كتاب الإباق]

كِتَابُ الْإِبَاقِ (الْآبِقُ أَخْذُهُ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَأْتِيَ بِهِ فَاطِمَةَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ، وَفِيهِ «أَنَّهُ أَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عَرِّفْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَعَرَّفَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: شَأْنُك بِهِ» . وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمُخْتَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِحَوْلٍ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إلَى أَنْ تَسْكُنَ نَفْسُهُ إلَى أَنَّ طَالِبَهُ قَطَعَ نَظَرَهُ عَنْهُ. وَفِي سَنَدِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ الْبَزَّارُ عَلَى الظَّنِّ: هُوَ عِنْدِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هُوَ مَتْرُوكٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَمِنْ جِهَةِ الِاضْطِرَابِ، لِأَنَّ مَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّهُمْ إنَّمَا أَعْلَمُوهُ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَوْا وَصَارَ مُهَيَّئًا لِلْأَكْلِ يُنَاقِضُ مَا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ أَعْلَمَهُ فَأَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَخْذِهِ. وَفِي الْأُولَى أَنَّهُ دَفَعَ عَيْنَهُ لِلْمُنْشِدِ. وَفِي الثَّانِيَةِ " أَنَّهُ جَعَلَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَقَالَ: إذَا جَاءَنَا أَدَّيْنَاهُ إلَيْك " وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ. ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا حُجِّيَّتَهُ كَانَ الثَّابِتُ بِهِ أَنَّ اسْتِقْرَاضَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَحِلُّ النِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ جَوَازُ افْتِرَاضِ الْمُلْتَقِطِ الْغَنِيِّ، فَلَوْ سَلَّمْنَا ضَعْفَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّدَقَةِ بِنَاءً عَلَى تَضْعِيفِ السَّمْتِيِّ كَفَانَا جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ هُوَ يُثْبِتُ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ الْغَنِيِّ فِيهَا حُكْمًا آخَرَ، وَنَحْنُ نُطَالِبُهُ فِي إثْبَاتِهِ بِالدَّلِيلِ وَلَمْ يَتِمَّ لَهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَيَبْقَى عَلَى الِانْتِفَاءِ. [كِتَابُ الْإِبَاقِ] كُلٌّ مِنْ الْإِبَاقِ وَاللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ تَحَقَّقَ فِيهِ عُرْضَةُ الزَّوَالِ وَالتَّلَفِ، إلَّا أَنَّ التَّعَرُّفَ لَهُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٌ فِي الْإِبَاقِ فَكَانَ الْأَنْسَبُ تَعْقِيبَ الْجِهَادِ بِهِ، بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ، وَكَذَا الْأَوْلَى فِيهِ، وَفِي اللُّقَطَةِ التَّرْجَمَةُ بِالْبَابِ لَا بِالْكِتَابِ. وَالْإِبَاقُ فِي اللُّغَةِ: الْهَرَبُ، أَبَقَ يَأْبِقُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ، وَالْهَرَبُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَصْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قِيلَ هُوَ الْهَرَبُ قَصْدًا. نَعَمْ لَوْ قِيلَ الِانْصِرَافُ وَنَحْوُهُ عَنْ الْمَالِكِ كَانَ قَيْدُ الْقَصْدِ مُفِيدًا وَالضَّالُّ لَيْسَ فِيهِ قَصْدُ التَّغَيُّبِ بَلْ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَوْلَاهُ لِجَهْلِهِ بِالطَّرِيقِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ الْآبِقُ أَخْذُهُ أَفْضَلُ) مِنْ تَرْكِهِ (فِي حَقِّ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ) أَيْ يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَوْلَاهُ، بِخِلَافِ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْ ذَلِكَ وَالضَّعْفَ وَلَا يُعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ

لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ، وَأَمَّا الضَّالُّ فَقَدْ قِيلَ كَذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ فَيَجِدُهُ الْمَالِكُ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ ثُمَّ آخِذُ الْآبِقِ يَأْتِي بِهِ إلَى السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، ثُمَّ إذَا رُفِعَ الْآبِقُ إلَيْهِ يَحْبِسُهُ، وَلَوْ رُفِعَ الضَّالُّ لَا يَحْبِسُهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْآبِقِ الْإِبَاقُ ثَانِيًا، بِخِلَافِ الضَّالِّ قَالَ (وَمَنْ رَدَّ الْآبِقَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ عَلَيْهِ جُعْلُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ رَدَّهُ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَبِحِسَابِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِمَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الضَّالَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتُلِفَ فِي أَخْذِ الضَّالِّ، قِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ النُّفُوسِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ (وَقِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ) مُنْتَظِرًا لِمَوْلَاهُ حَتَّى يَجِدَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي مَكَان غَيْرِ مُتَزَحْزِحٍ عَنْهُ لَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ نَجِدُ الضُّلَّالَ يَدُورُونَ مُتَحَيِّرِينَ، لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَحِلَّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَاجِدُ الضَّالِّ مَوْلَاهُ وَلَا مَكَانَهُ، أَمَّا إذَا عَلِمَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَفْضَلِيَّةِ أَخْذِهِ وَرَدِّهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ آخِذُ الْآبِقِ يَأْتِي بِهِ إلَى السُّلْطَانِ) أَوْ الْقَاضِي فَيَحْبِسُهُ مَنْعًا لَهُ عَنْ الْإِبَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ حِفْظَهُ عَنْ إبَاقِهِ مِنْ الْأَخْذِ إلَّا بِذَلِكَ عَادَةً، بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ. أَمَّا لَوْ فُرِضَ قُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى السُّلْطَانِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ خَيَّرَهُ الْحَلْوَانِيُّ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ يَحْفَظَهُ بِنَفْسِهِ، وَعَلَى هَذَا الضَّالُّ وَالضَّالَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا، وَإِذَا حَبَسَ الْإِمَامُ الْآبِقَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَاهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدُهُ يَسْتَحْلِفُهُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ بَاقٍ إلَى الْآنِ فِي مِلْكِك لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ، فَإِذَا حَلَفَ دَفَعَهُ إلَيْهِ. وَهَذَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَرَضَ بَعْدَ عِلْمِ الشُّهُودِ بِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ زَوَالِهِ بِسَبَبٍ لَا يَعْلَمُونَهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحْلِفُهُ مَعَ عَدَمِ خَصْمٍ يَدَّعِي لِصِيَانَةِ قَضَائِهِ عَنْ الْخَطَإِ وَنَظَرًا لِمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ مَوْهُوبٍ لَهُ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَنْ بَيِّنَةٍ فَفِي أَوْلَوِيَّةِ أَخْذِ الْكَفِيلِ وَتَرْكِهِ رِوَايَتَانِ، وَكَمَا يَدْفَعُهُ بِالْبَيِّنَةِ يَدْفَعُهُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَهُ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ هُنَا كَفِيلًا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَيَرُدُّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، بِخِلَافِ اللَّقِيطِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا كَبِرَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِفَقْرِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ، بِخِلَافِ مَالِكِ الْعَبْدِ، وَإِذَا لَمْ يَجِئْ لِلْعَبْدِ طَالِبٌ وَطَالَتْ مُدَّتُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ بَعْدَ أَخْذِ مَا أَنْفَقَ لِبَيْتِ الْمَالِ مِنْهُ، فَإِذَا جَاءَ مَالِكُهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَأْخُذُهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بَيْعُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ كَحُكْمِهِ، بِخِلَافِ الضَّالِّ إذَا طَالَتْ مُدَّتُهُ فَإِنَّهُ يُؤَاجِرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْشَى إبَاقَهُ فَلَا يَبِيعُهُ، أَمَّا الْآبِقُ فَيُخْشَى ذَلِكَ مِنْهُ فَلِذَلِكَ يَبِيعُهُ وَلَا يُؤَاجِرُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّرَ الطُّولَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الضَّالَّةِ الْمُلْتَقَطَةِ لِأَنَّ دَارَّةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةٌ، وَلَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ لِلْمَالِكِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ وَمَنْ رَدَّ الْآبِقَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ عَلَيْهِ جَعْلُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) فِضَّةً بِوَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ (وَإِنْ رَدَّهُ لِأَقَلَّ) مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ (فَبِحِسَابِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ) بِأَنْ يَقُولَ مَنْ رَدَّ عَلَيَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا كَمَا إذَا رَدَّ بَهِيمَةً ضَالَّةً أَوْ عَبْدًا ضَالًّا. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الرَّادَّ تَبَرَّعَ

وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْجُعْلِ، إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مَا دُونَهَا، فَأَوْجَبْنَا الْأَرْبَعِينَ فِي مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا بَيْنَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَنَافِعِهِ فِي رَدِّهِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُنَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ (وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَصْلِ الْجُعْلِ، إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْأَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مَا دُونَهَا) وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَهَرَ الْفَتْوَى بِهِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ لَا يَخْفَى فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. وَذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: " كُنْت قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا قَدِمَ بِإِبَاقٍ مِنْ الْفَيُّومِ، فَقَالَ الْقَوْمُ لَقَدْ أَصَابَ أَجْرًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَجُعْلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعِينَ ". وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدٍ نَفْسِهِ أَيْضًا، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي رَبَاحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: " أَصَبْت غِلْمَانًا إبَاقًا بَالِغِينَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ، قُلْت هَذَا الْأَجْرُ فَمَا الْغَنِيمَةُ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْ كُلِّ رَأْسٍ " وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ وَأَبِي هَاشِمٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي جُعْلِ الْآبِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ " أَعْطَيْت الْجُعْلَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ". وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ". وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا " وَأَخْرَجَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ يُوجَدُ فِي خَارِجِ الْحَرَمِ بِدِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . وَهَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ فِي الْمُتَبَادِرِ الْقُرْبِ لَا قَدْرِ مَسِيرَةِ سَفَرٍ عَنْهُ، وَعَنْ هَذَا رَوَى عَمَّارٌ " إنْ أَخَذَهُ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ عَشَرَةٌ، وَإِنْ أَخَذَهُ خَارِجَ الْمِصْرِ فَلَهُ أَرْبَعُونَ " لَعَلَّهُ اعْتَبَرَ الْحَرَمَ كَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ دُونَهَا) يُرِيدُ الْمَرْوِيَّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَقَدْ عَلِمْت الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّ الْجُعْلَ أَرْبَعُونَ، وَسَنَدُهُ أَحْسَنُ مِنْ الْأُخْرَى، وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ مُضَعَّفَةٌ بِالْحَرْثِ الْمَذْكُورِ فَكَانَتْ رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَقْوَى الْكُلِّ فَرَجَّحْنَاهَا، وَكَذَا قَوْلُ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِ: هُوَ أَمْثَلُ مَا فِي الْبَابِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ إذَا سَاوَى الْأَكْثَرَ فِي الْقُوَّةِ. وَقِيلَ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَقَاوِيلِ، وَهُنَا يُمْكِنُ إذْ تُحْمَلُ رِوَايَاتُ الْأَرْبَعِينَ عَلَى رَدِّهِ مِنْ مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَرِوَايَاتُ الْأَقَلِّ عَلَى مَا دُونَهَا، وَيُحْمَلُ قَوْلُ عَمَّارٍ خَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى مُدَّةِ السَّفَرِ (وَالتَّلْفِيقُ) الضَّمُّ لَفَقْت الثَّوْبَ أَلْفِقُهُ: إذَا ضَمَمْت

وَلِأَنَّ إيجَابَ الْجُعْلِ أَصْلُهُ حَامِلٌ عَلَى الرَّدِّ إذْ الْحِسْبَةُ نَادِرَةٌ فَتَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالتَّقْدِيرُ بِالسَّمْعِ وَلَا سَمْعَ فِي الضَّالِّ فَامْتَنَعَ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صِيَانَةِ الضَّالِّ دُونَهَا إلَى صِيَانَةِ الْآبِقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَارَى وَالْآبِقُ يَخْتَفِي، وَيُقَدَّرُ الرَّضْخُ فِي الرَّدِّ عَمَّا دُونَ السَّفَرِ بِاصْطِلَاحِهِمَا أَوْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ تُقَسَّمُ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إذْ هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ السَّفَرِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ يُقْضَى لَهُ بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِهَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQشِقَّهُ إلَى شِقِّهِ، وَلِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا فَكَانَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابَةِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهُوَ بَعْدَ كَوْنِهِ مُثْبَتًا لِلزِّيَادَةِ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ رَاجِحٌ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا (وَلِأَنَّ إيجَابَ أَصْلِ الْجُعْلِ حَامِلٌ عَلَى الرَّدِّ إذْ الْحِسْبَةُ) وَهُوَ رَدُّهُ احْتِسَابًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ نَادِرَةٌ فَشُرِعَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْعِبَادِ مِنْ صِيَانَةِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِمْ (وَتَقْدِيرُ الْجُعْلِ) إنَّمَا يُدْرَى (بِالسَّمْعِ وَلَا سَمْعَ فِي الضَّالِّ فَامْتَنَعَ) إلْحَاقُهُ بِهِ قِيَاسًا وَدَلَالَةً أَيْضًا لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صِيَانَةِ الضَّالِّ فِي رَدِّهِ دُونَهَا فِي رَدِّ الْآبِقِ لِمَا فِي رَدِّهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّحَفُّظِ فِي حِفْظِهِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي مُرَاعَاتِهِ كَيْ لَا يَأْبِقَ ثَانِيًا مِمَّا لَيْسَ فِي رَدِّ الضَّالِّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْآبِقُ لِرَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا فَالْجُعْلُ عَلَى قَدْرِ النَّصِيبِ، فَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى يُعْطِيَ تَمَامَ الْجُعْلِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِ الْغَائِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيمَا يُعْطِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى نَصِيبِهِ إلَّا بِهِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا رَدَّهُ بِلَا اسْتِعَانَةٍ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِآخَرَ: إنَّ عَبْدِي قَدْ أَبَقَ فَإِذَا وَجَدْته خُذْهُ فَوَجَدَهُ فَرَدَّهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ مَالِكَهُ اسْتَعَانَ بِهِ وَوَعَدَهُ الْإِعَانَةَ وَالْمُعِينُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ (وَمَا دُونَهُ فِيمَا دُونَهُ) أَيْ أَوْجَبْنَا مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا لَمَّا عَرَّفْنَا إيجَابَ الْجُعْلِ بِكُلِّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ مِقْدَارٌ وَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ، فَإِذَا حَمَلْنَا بَعْضَهُ عَلَى مَا دُونَ السَّفَرِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا بِالْإِيجَابِ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ، لِأَنَّهُ مَا ذُكِرَ ذَلِكَ إلَّا عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ وَيُقَدَّرُ الرَّضْخُ فِي الرَّدِّ عَمَّا دُونَ السَّفَرِ بِاصْطِلَاحِهِمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَالرَّادِّ أَوْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يُقَدِّرُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ، قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالِاعْتِبَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ (تُقْسَمُ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ) لِكُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ يَقْضِي لَهُ بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا (لَهُ أَرْبَعُونَ) وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا، وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ وَجْهُ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّ التَّقْدِيرَ بِهَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ) أَيْ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ وَوَجَبَ اتِّبَاعُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مُخَالَفَةِ مَنْ سِوَاهُمَا لِوُجُوبِ حَمْلِ قَوْلِ

لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الزِّيَادَةِ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ حَطَّ مِنْهُ. وَمُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى الرَّدِّ لِيَحْيَا مَالُ الْمَالِكِ فَيَنْقُصُ دِرْهَمٌ لِيَسْلَمَ لَهُ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ إذَا كَانَ الرَّدُّ فِي حَيَاةٍ الْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ مِلْكِهِ؛ وَلَوْ رَدَّ بَعْدَ مَمَاتِهِ لَا جُعْلَ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْقِنِّ، وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ أَبَا الْمَوْلَى أَوْ ابْنَهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا جُعْلَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَتَبَرَّعُونَ بِالرَّدِّ عَادَةً وَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ إطْلَاقُ الْكِتَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ نَقَصَ مِنْهَا عَلَى مَا نَقَصَ مِنْ السَّفَرِ فَلَا يُنْتَقَصُ عَنْهَا (وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ) مِنْ إيجَابِ الْجُعْلِ (حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى الرَّدِّ لِيَحْيَا مَالُ الْمَالِكِ فَيَنْقُصَ) مِنْهُ (دِرْهَمٌ لِيَسْلَمَ لَهُ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ) أَيْ فَائِدَةِ إيجَابِ الْجُعْلِ، وَتَعْيِينُ الدِّرْهَمِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ كُسُورٌ (وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ إذَا كَانَ الرَّدُّ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ مِلْكِهِ) وَبِهِ تَحْيَا مَالِيَّتُهُ لَهُ إمَّا بِاعْتِبَارِ الرَّقَبَةِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا لَا مَالِيَّةَ فِيهَا عِنْدَهُ لَكِنَّهُ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهَا (وَلَوْ رَدَّهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ لَا جُعْلَ لَهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِالْمَوْتِ) فَيَقَعُ رَدُّ حُرٍّ لَا مَمْلُوكٍ عَلَى مَالِكِهِ، وَهَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ حِينَئِذٍ بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِيُعْتَقَ وَلَا جُعْلَ فِي رَدِّ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَفِيدُ بِرَدِّهِ مِلْكًا بَلْ اسْتَفَادَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ كَرَدِّ غَرِيمٍ لَهُ وَبِرَدِّ غَرِيمٍ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، بِخِلَافِ الْقِنِّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ أَبَا الْمَوْلَى أَوْ ابْنَهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا جُعْلَ) لَهُ، وَقَيَّدَ فِي عِيَالِهِ إنْ رَجَعَ إلَى الرَّادِّ أَوْ إلَى الِابْنِ اقْتَضَى أَنْ يَتَقَيَّدَ نَفْيُ الْجُعْلِ إذَا كَانَ الرَّادُّ ابْنًا بِكَوْنِهِ فِي عِيَالِ الْمَالِكِ: أَيْ فِي نَفَقَتِهِ وَتَمْوِينِهِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَوْجِبُ جُعْلًا سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِ أَبِيهِ الْمَالِكِ أَوْ لَا، وَجُمْلَةُ الْحَالِ أَنَّ الرَّادَّ إنْ كَانَ وَلَدَ الْمَالِكِ أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَالْوَصِيُّ لَا يَسْتَحِقُّ جُعْلًا مُطْلَقًا، أَمَّا الْوَلَدُ فَلِأَنَّ الرَّادَّ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ وَبِاعْتِبَارِهِ يَجِبُ، وَكَالْأَجِيرِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ، وَالْأَبُ إذَا اسْتَأْجَرَ ابْنَهُ لِيَخْدُمَهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أُجْرَةً لِأَنَّ خِدْمَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الِابْنِ فَوَجَبَ مِنْ وَجْهٍ وَانْتَفَى مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا يُفِيدُ عَدَمَ الْوُجُوبِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ، فَإِذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَأَمَّا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ كَانَ زَوْجًا فَالْقِيَاسُ يَجِبُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَطْلُبَ الزَّوْجُ عَبْدَ امْرَأَتِهِ تَبَرُّعًا فِي الْعُرْفِ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَالثَّابِتُ عُرْفًا كَالثَّابِتِ نَصًّا، وَإِنْ

قَالَ (وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الَّذِي رَدَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لَكِنَّ هَذَا إذَا أَشْهَدَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي اللُّقَطَةِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْآبِقَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْجُعْلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ بِحَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ فِي يَدِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَقِيَهُ صَارَ قَابِضًا بِالْإِعْتَاقِ) كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، وَكَانَ إذَا بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ لِسَلَامَةِ الْبَدَلِ لَهُ، وَالرَّادُّ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ زَوْجَةً فَلَا يَجِبُ لِهَذَا، وَلِأَنَّ الرَّدَّ بِجِهَةِ الْخِدْمَةِ يَمْنَعُهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ بَدَلَ الْخِدْمَةِ عَلَى الزَّوْجِ كَالْوَلَدِ، وَلِذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِتَخْدُمَهُ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ؛ وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَإِنَّمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بِرَدِّ عَبْدِ الْيَتِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ، وَشَأْنُ الْوَصِيِّ أَنْ يَحْفَظَ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ مِنْ الْأَبِ وَبَاقِي الْأَقَارِبِ، فَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِ الْمَالِكِ لَا يَجِبُ لَهُمْ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ وَجَبَ لَهُمْ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَالْعُرْفَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَطْلُبُ الْآبِقَ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ فَكَانَ التَّبَرُّعُ مِنْهُمْ ثَابِتًا عُرْفًا وَهُوَ كَالثَّابِتِ نَصًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ حِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ نَصًّا وَلَا عُرْفًا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الَّذِي رَدَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّادِّ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ: لَا شَيْءَ لَهُ أَيْ لَا جُعْلَ لِلرَّادِّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ (وَكَذَا إذَا مَاتَ عِنْدَهُ) إلَّا أَنَّ نَفْيَ الْجُعْلِ يَصِحُّ بِلَا شَرْطٍ لِأَنَّ الْجُعْلَ كَالثَّمَنِ وَالرَّادُّ كَالْبَائِعِ لِلْمَالِكِ، لِأَنَّهُ بِإِبَاقِهِ كَالْهَالِكِ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ جَمِيعِ الِانْتِفَاعَاتِ بِهِ، وَبِالرَّدِّ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِلْكَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَالْبَائِعِ وَلِذَا كَانَ لَهُ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ، وَالْبَائِعُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ أَبَقَ وَهُوَ عَبْدٌ سَقَطَ الثَّمَنُ فَكَذَا يَسْقُطُ الْجُعْلُ، وَانْتِفَاءُ الضَّمَانِ يُشْتَرَطُ لَهُ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ أَمَانَةً عِنْدَهُ كَمَا فِي اللُّقَطَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ إذَا قَالَ أَخَذْته لِأَرُدَّهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ آبِقًا، فَلَوْ أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ظَهَرَ مِنْ الرَّدِّ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُهُ وَهُوَ إذْنُ الشَّارِعِ بِإِبَاقِهِ وَالْمَالِكُ مُنْكِرٌ، وَكَذَا لَا يَجِبُ الْجُعْلُ إذَا جَاءَ بِهِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودٌ أَنَّهُ أَبَقَ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى بِإِبَاقِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَقِيَهُ) أَيْ رَآهُ قَبْلَ قَبْضِهِ (يَصِيرُ بِالْإِعْتَاقِ قَابِضًا) فَيَجِبُ الْجُعْلُ (كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى) إذَا أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا وَيَجِبُ الثَّمَنُ (وَكَذَا إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ الرَّادِّ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا (لِسَلَامَةِ بَدَلِهِ) وَهُوَ الثَّمَنُ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: لِلرَّادِّ حُكْمُ الْبَيْعِ مِنْ الْمَالِكِ فَبَيْعُ الْمَالِكِ مِنْ

لَكِنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَجَازَ. قَالَ (وَيَنْبَغِي إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ) فَالْإِشْهَادُ حَتْمٌ فِيهِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، حَتَّى لَوْ رَدَّهُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا جُعْلَ لَهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ أَمَارَةٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْآخِذِ أَوْ اتَّهَبَهُ أَوْ وَرِثَهُ فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ رَدَّهُ لِنَفْسِهِ، إلَّا إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِيَرُدَّهُ فَيَكُونُ لَهُ الْجُعْلُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ (وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ رَهْنًا فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَحْيَا مَالِيَّتَهُ بِالرَّدِّ وَهِيَ حَقُّهُ، إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا وَالْجُعْلُ بِمُقَابِلَةِ إحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ، وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ حَقَّهُ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ فَصَارَ كَثَمَنِ الدَّوَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّادِّ قَبْلَ قَبْضِهِ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (لَكِنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ) لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ) الْمُطْلَقِ (عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَجَازَ) . وَأَوْرَدَ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْحُرُمَاتِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ رِضَا الْمَالِكِ كَانَ الثَّابِتُ الشُّبْهَةَ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حَقِيقَةً فَمَعَ عَدَمِ الرِّضَا الثَّابِتِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْإِشْهَادُ حَتْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي أَخْذِ الْآبِقِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْآخِذِ (عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَتَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ حَتْمٌ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ تَسَاهُلٌ وَإِلَّا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ، وَنَقْطَعُ بِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ بِقَصْدِ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ وَاتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ وَلِسُقُوطِ الضَّمَانِ إنْ مَاتَ عِنْدَهُ أَوْ أَبَقَ (لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ أَمَارَةٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ) الرَّادُّ (مِنْ الْآخِذِ أَوْ اتَّهَبَهُ) مِنْهُ (فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ رَدَّهُ لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الِاتِّهَابِ قَاصِدٌ لِتَمَلُّكِهِ ظَاهِرًا فَيَكُونُ غَاصِبًا فِي حَقِّ سَيِّدِهِ فَرَدَّهُ لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ رَدَّهُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ أَوْ وَرِثَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُهُ، فَإِذَا رَدَّهُ لَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ مِنْ الْآخِذِ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَيْته لِأَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ إلَّا بِشِرَائِهِ فَحِينَئِذٍ (يَكُونُ لَهُ الْجُعْلُ) وَلَا يَرْجِعُ عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ رَهْنًا فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ بِالرَّدِّ حَيِيَتْ مَالِيَّتُهُ وَمَالِيَّتُهُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْهَا وَالْجُعْلُ عَلَى مَنْ حَيِيَتْ لَهُ الْمَالِيَّةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْإِبَاقِ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كَمَا بِالْمَوْتِ، وَبِالْعَوْدِ عَادَ الدَّيْنُ وَتَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالرَّهْنِ اسْتِيفَاءً مِنْ مَالِيَّتِهِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ فَدَبَغَ جِلْدَهَا فَإِنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ بِهِ (وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَمَوْتِهِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْجُعْلِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ) قُسِمَ الْجُعْلُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، فَمَا أَصَابَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَمَا بَقِيَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ مَثَلًا الدَّيْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ يَكُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ثَلَاثُونَ وَعَلَى الرَّاهِنِ عَشَرَةٌ، وَصَارَ الْجُعْلُ

وَتَخْلِيصُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا فَعَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ قَضَاءَ الدَّيْنِ، وَإِنْ بِيعَ بُدِئَ بِالْجُعْلِ وَالْبَاقِي لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ فِيهِ كَالْمَوْقُوفِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَانِيًا فَعَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ لِعَوْدِهَا إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَوْهُوبًا فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِلْوَاهِبِ مَا حَصَلَتْ بِالرَّدِّ بَلْ بِتَرْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَعْدَ الرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ لِصَبِيٍّ فَالْجُعْلُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثَمَنِ دَوَاءِ الرَّهْنِ وَتَخْلِيصِهِ مِنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ انْقَسَمَ انْقِسَامًا عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا) أَيْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ الْآبِقُ مَدْيُونًا بِأَنْ كَانَ مَأْذُونًا فَلَحِقَهُ فِي التِّجَارَةِ دَيْنٌ أَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ وَاعْتَرَفَ بِهِ الْمَوْلَى فَالْجُعْلُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لَهُ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ سَبَبَ الدَّيْنِ كَالْمَوْقُوفِ، إنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى قَضَاءَ دَيْنِهِ كَانَ الْجُعْلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ لَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ بَيْعَهُ فِي الدَّيْنِ كَانَ الْجُعْلُ فِي الثَّمَنِ يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ وَالْبَاقِي لِلْغُرَمَاءِ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ (فَيَجِبُ) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ تَجُوزُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَأَنَّهُ جَعَلَ مِلْكَ ثَمَنِهِ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِهِ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْعَبْدُ (جَانِيًا) أَيْ جَنَى خَطَأً فَلَمْ يَدْفَعْهُ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَفْدِهِ حَتَّى أَبَقَ فَرَدَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ يَكُونُ الْجُعْلُ عَلَى مَنْ سَيَصِيرُ لَهُ إنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى فِدَاءَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِمْ لِعَوْدِهَا إلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا فَأَبَقَ ثُمَّ رُدَّ لَا جُعْلَ عَلَى أَحَدٍ، أَمَّا الْمَوْلَى فَلِأَنَّهُ إنْ قَتَلَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِالرَّدِّ مَنْفَعَةٌ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّمَا حَصَلَتْ بِالْعَفْوِ. وَأَمَّا وَلِيُّ الْقِصَاصِ فَإِنْ قَتَلَ فَالْحَاصِلُ لَهُ التَّشَفِّي لَا الْمَالِيَّةُ، وَإِنْ عَفَا فَظَاهِرٌ (وَإِنْ كَانَ مَوْهُوبًا) فَإِنْ أَبَقَ مِمَّنْ وَهَبَ لَهُ ثُمَّ رُدَّ (فَ) الْجُعْلُ (عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ) سَوَاءٌ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الرَّدِّ أَوْ لَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَرْجِعْ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْمَجِيءِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَتْ لَهُ الْمَالِيَّةُ لَكِنْ لَمْ تَحْصُلْ بِالرَّدِّ بَلْ بِتَرْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الْعَبْدِ بَعْدَ رَدِّهِ مِمَّا يَمْنَعُ رُجُوعَهُ مِنْ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَصَلَ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ الرَّدِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْكَ آخِرُ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَإِلَيْهَا يُضَافُ الْحُكْمُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْكُلِّ لَا يَكُونُ بِالرَّدِّ وَحْدَهُ فَلَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَلْ يُقَرِّرُهُ (وَإِنْ كَانَ) الْآبِقُ (لِصَبِيٍّ فَالْجُعْلُ فِي مَالِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ،

[كتاب المفقود]

وَإِنْ رَدَّهُ وَصِيُّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الرَّدَّ فِيهِ. كِتَابُ الْمَفْقُودِ (إذَا غَابَ الرَّجُلُ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَوْضِعٌ وَلَا يُعْلَمُ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ) لِأَنَّ الْقَاضِي نَصَّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَفِي نَصْبِ الْحَافِظِ لِمَالِهِ وَالْقَائِمِ عَلَيْهِ نَظَرٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ لِإِخْفَاءِ أَنَّهُ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ غَرِيمٌ مِنْ غُرَمَائِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ، وَيُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ رَدَّ وَصِيَّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّقْسِيمِ، وَكَذَا الْيَتِيمُ يَعُولُهُ رَجُلٌ فَرَدَّ آبِقًا لَهُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَبَرَّعَ لَهُ بِمُؤْنَتِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ لَا يَتَبَرَّعُ لَهُ بِمَا هُوَ دُونَهُ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهِ التَّبَرُّعُ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ: أَبَقَتْ أَمَةٌ وَلَهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ فَرَدَّهُمَا رَجُلٌ لَهُ جُعْلٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا قَارَبَ الْحُلُمَ فَلَهُ ثَمَانُونَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُرَاهِقْ لَمْ يُعْتَبَرْ آبِقًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ: لَوْ أَخَذَ آبِقًا فَغَصَبَهُ مِنْهُ آخَرُ وَجَاءَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ وَأَخَذَ جُعْلَهُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَخَذَهُ يَأْخُذُ الْجُعْلَ مِنْهُ ثَانِيًا وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ بِالْآبِقِ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَمَّا دَخَلَ الْبَلَدَ أَبَقَ مِنْ الْأَخْذِ فَوَجَدَهُ آخَرُ فَرَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ، إنْ جَاءَ بِهِ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ فَالْجُعْلُ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ لِأَقَلَّ فَجَاءَ بِهِ لَا جُعْلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا جُعْلَ لِلسُّلْطَانِ وَالشِّحْنَةِ أَوْ الْخَفِيرِ فِي رَدِّ الْآبِقِ وَالْمَالِ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ عَلَيْهِمْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لِأَخْذِهِمْ الْعَطَاءَ عَلَى ذَلِكَ وَنَصْبِهِمْ لَهُ. [كِتَابُ الْمَفْقُودِ] هُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُدْرَى حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ (قَوْلُهُ إذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَوْضِعٌ وَلَا يُعْلَمُ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَالِهِ (وَيَسْتَوْفِي حُقُوقَهُ لِأَنَّ الْقَاضِي نَصَّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ عَاجِزٌ عَنْهُ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ فِي أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرْنَا لِمَا ذَكَرْنَا (وَقَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ (يَسْتَوْفِي فِي حُقُوقِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ غَرِيمٌ وَيُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ)

لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِهِ، وَلَا يُخَاصِمُ فِي الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا رَآهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِهِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، ثُمَّ مَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ يَبِيعُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَنْظُرُ لَهُ بِحِفْظِ الْمَعْنَى (وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ فِي نَفَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي حِفْظِ مَالِهِ فَلَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُ حِفْظِ السُّورَةِ وَهُوَ مُمْكِنٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بِعَقْدِ الَّذِي نَصَّبَ الْقَاضِي (لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِ عَقْدِهِ، وَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ) وَلَا فِي حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ إذَا جَحَدَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ يَقْبِضُ الدَّيْنَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) يَعْنِي إذَا كَانَ وَكِيلُ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ (فَلَوْ قَضَى بِخُصُومَتِهِ كَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ) وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْغَائِبِ: وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْمَفْقُودِ دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ شَرِكَةً فِي عَقَارٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ رَدًّا بِعَيْبٍ أَوْ مُطَالَبَةً لِاسْتِحْقَاقِهِ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَلَا الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُسْمَعَانِ عَلَى خَصْمٍ وَالْوَكِيلُ لَيْسَ خَصْمًا، وَالْوَرَثَةُ إنَّمَا يَصِيرُونَ خُصَمَاءَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَوْتُهُ بَعْدُ فَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ. (وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا رَآهُ الْقَاضِي) أَيْ إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي الْحُكْمِ لِلْغَائِبِ وَعَلَيْهِ فَحَكَمَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ حَتَّى يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرُ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَإِنَّ نَفَاذَ قَضَائِهِ لَمَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرُ. أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهِدُ سَبَبُهُ وَهُوَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً لِلْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا، وَإِذَا قَضَى بِهَا نَفَذَ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا (ثُمَّ مَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ) كَالثِّمَارِ وَنَحْوِهَا (يَبِيعُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَنْظُرُ لِلْغَائِبِ بِحِفْظِ مَعْنَاهُ) وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ فَسَادَهُ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا (فِي نَفَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْقَاضِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي الْحِفْظِ وَفِي الْبَيْعِ تَرْكُ حِفْظِ الصُّورَةِ بِلَا مُلْجِئٍ فَلَا يَجُوزُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا عُرُوضٌ أَوْ عَقَارٌ أَوْ خَادِمٌ وَاحْتَاجَ وَلَدُهُ) أَوْ زَوْجَتُهُ إلَى النَّفَقَةِ لَا يُبَاعُ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَبِيعُ الْعُرُوضَ عَلَى الْوَارِثِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ فِيمَا

قَالَ (وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ) وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْأَوْلَادِ بَلْ يَعُمُّ جَمِيعَ قَرَابَةِ الْوِلَادِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً، وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ، فَمِنْ الْأَوَّلِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْكِبَارِ وَالزَّمِنِيُّ مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارِ، وَمِنْ الثَّانِي الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ. وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ مُرَادُهُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالْمَضْرُوبِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَتْ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْمُوصَى، وَبَيْعُ الْعُرُوضِ فِيهِ مَعْنَى حَقِّهِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ حِفْظُ الثَّمَنِ لِلْإِيصَالِ إلَى وَرَثَتِهِ أَيْسَرَ، وَهُنَا لَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَفْقُودِ إلَّا فِي الْحِفْظِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ مُحْتَاجٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ عُرُوضِهِ وَيُنْفِقُهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَمَالِي وَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَبَ وَإِنْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بَقِيَ أَثَرُهَا حَتَّى صَحَّ اسْتِيلَادُهُ جَارِيَةَ ابْنِهِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الْحَوَائِجِ، وَإِذَا ثَبَتَ بَقَاءُ أَثَرِ وِلَايَتِهِ كَانَ كَالْوَصِيِّ فِي حَقِّ الْوَارِثِ الْكَبِيرِ، وَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ (وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي الْحَاصِلَ فِي بَيْتِهِ وَالْوَاصِلُ مِنْ ثَمَنِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَمِنْ مَالِهِ مُودِعٌ عِنْدَ مُقِرٍّ وَدَيْنٌ عَلَى مُقِرٍّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَيْسَ هَذَا مَقْصُورًا عَلَى الْأَوْلَادِ) قُلْت: وَلَا هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِيهِمْ بَلْ يَعُمُّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ، يَعْنِي مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا (وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ) لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا حَاجَتَهُمْ بِيَدِهِمْ مِنْ مَالِهِ إذَا كَانَ جِنْسُ حَقِّهِمْ مِنْ النَّقْدِ وَالثِّيَابُ لِلُّبْسِ فَكَانَ إعْطَاءُ الْقَاضِي إنْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَهُ أَوْ تَمْكِينُهُمْ إنْ كَانَ عِنْدَهُمْ إعَانَةً لَا قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَأْذُونِينَ شَرْعًا أَنْ يَتَنَاوَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ (وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) فَمِنْ الْأَوَّلِ: أَعْنِي الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا قَضَاءٍ (الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ الْكِبَارُ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالزَّمِنِيُّ مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فِي حَالِ حُضُورِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْبَتِهِ، إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْعَقْدِ وَالِاحْتِبَاسِ وَاسْتِحْقَاقَ غَيْرِهَا بِالْحَاجَةِ وَهِيَ تَنْعَدِمُ بِالْغِنَى (وَمِنْ الثَّانِي) يَعْنِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ (الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ) وَنَحْوُهُمْ مِنْ قَرَابَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ. (وَقَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ (مِنْ مَالِهِ، يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ) عَيْنُ الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ (يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالتِّبْرُ) أَيْ غَيْرُ الْمَضْرُوبِ (وَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالْمَضْرُوبِ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالتِّبْرُ فِي يَدِ الْقَاضِي (فَإِنْ كَانَتْ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا) إنْ كَانَ الْمُودِعُ مُقِرًّا الْوَدِيعَةِ

وَالْمَدْيُونُ مُقِرِّينَ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرَ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ أَوْ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنْ دَفَعَ الْمُودِعُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَلَا يُبَرَّأُ الْمَدْيُونُ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا إلَى نَائِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنِّكَاحُ وَالنَّسَبُ الْمَدْيُونُ كَذَلِكَ مُقِرٌّ بِالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ. (وَهَذَا) يَعْنِي اشْتِرَاطَ إقْرَارِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ (إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ) عِنْدَ الْقَاضِي (فَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ) مَعْرُوفَيْنِ لَهُ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقْرَارِهِمَا بِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَحَدَهُمَا الْوَدِيعَةَ وَالدَّيْنَ أَوْ النِّكَاحَ وَالنَّسَبَ) جَعَلَ كُلَّ اثْنَيْنِ وَاحِدًا (يَشْتَرِطُ إقْرَارَ مَنْ فِي جِهَتِهِ الْمَالُ بِالْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فَيُقِرُّ فِي الْأَوَّلِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ هَذِهِ زَوْجَتُهُ وَهَذَا وَلَدُهُ، وَفِي الثَّانِي بِأَنَّ لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةً أَوْ عَلَيَّ دَيْنُهُ وَقَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ الَّذِي قَالَ بِهِ زُفَرُ لَا أَنَّ هَذَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ: لَا يُنْفِقُ مِنْ الْوَدِيعَةِ شَيْئًا عَلَيْهِمْ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُودِعِ بِذَلِكَ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَيْسَ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَلَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ بِلَا خَصْمٍ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الدَّيْنِ أَيْضًا. قُلْنَا: الْمُودِعُ مُقِرٌّ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْغَائِبِ، وَأَنَّ لِلْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ حَقَّ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ مُعْتَبَرٌ فَيَنْتَصِبُ هُوَ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى الْقَضَاءُ مِنْهُ إلَى الْمَفْقُودِ، وَمِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ لَيْسَ فِي الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ خَاصَّةً بَلْ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمَفْقُودِ، وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا فِي جَوَابِهِ: نَعَمْ الْقِيَاسُ مَا ذَكَرْت، لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ بِحَدِيثِ هِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ. قَالَ فِيهِ: «خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ بِالْمَعْرُوفِ» إذْ هُوَ يُفِيدُ مُطْلَقًا جَوَازَ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ لِمَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ قَرَابَةُ غَيْرِ الْوِلَادِ بِالْقِيَاسِ، وَثُبُوتُ نَفَقَةِ الْأَبِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهَا آكَدُ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِمُجَرَّدِ الْحَاجَةِ، بَلْ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَالْأَبُ يَسْتَحِقُّهَا بِمُجَرَّدِهَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ الْمُودِعُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَلَا يُبَرَّأُ الْمَدْيُونُ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا إلَى نَائِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ) فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ هَؤُلَاءِ بِالْقَبْضِ، وَلَيْسَ الْقَاضِي نَائِبًا فِي الْحِفْظِ فَقَطْ، بَلْ فِيهِ. وَفِي إيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ أَيْضًا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ إلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ إذَا عَلِمَ بِوُجُوبِهِ، بِخِلَافِ الْمُودِعِ فَإِنَّهُ الْمَأْمُورُ بِالْحِفْظِ فَقَطْ فَيَضْمَنُ إذَا أَعْطَاهُمْ بِلَا أَمْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُودِعُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ الْمُودِعِ بَرِئَ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِمْ لِلْحِفْظِ عَلَيْهِ لَا لِلْإِتْلَافِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَاضِي مِنْهَا كَفِيلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَهَابِهِ أَوْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَخْذُ الْكَفِيلِ إلَّا لِخَصْمٍ وَلَيْسَ هُنَا خَصْمٌ طَالِبٌ هَذَا

وَإِنْ كَانَ الْمُودِعُ وَالْمَدْيُونُ جَاحِدَيْنِ أَصْلًا أَوْ كَانَا جَاحِدَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ وَالنَّسَبَ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ مُسْتَحِقِّي النَّفَقَةِ خَصْمًا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه لِلْغَائِبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ، لِأَنَّهَا كَمَا تَجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ فِي مَالٍ آخَرَ لِلْمَفْقُودِ. قَالَ (وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا قَضَى فِي الَّذِي اسْتَهْوَاهُ الْجِنُّ بِالْمَدِينَةِ وَكَفَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ كَانَ الْمُودِعُ وَالْمَدْيُونُ جَاحِدَيْنِ أَصْلًا) أَيْ جَاحِدَيْنِ لِكُلٍّ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ وَالنَّسَبِ وَالزَّوْجِيَّةِ (أَوْ جَاحِدَيْنِ النَّسَبَ وَالزَّوْجِيَّةَ) مُعْتَرِفَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ وَلَيْسَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي (لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ مُسْتَحِقِّي النَّفَقَةِ) الزَّوْجَةِ أَوْ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ (خَصْمًا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُودِعَ وَالْمَدْيُونَ لَيْسَا خَصْمًا فِي ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْقَضَاءِ بِهَا، وَلَا مَا يَدَّعِيهِ لِلْغَائِبِ سَبَبًا مُتَعَيِّنًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ الَّذِي هُوَ النَّفَقَةُ (لِأَنَّهَا كَمَا تَجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ فِي مَالٍ آخَرَ لِلْمَفْقُودِ) وَسَتَعْرِفُ تَفْصِيلَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَدَبِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ، لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا قَضَى فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ بِالْمَدِينَةِ)

بِهِ إمَامًا، وَلِأَنَّهُ مَنَعَ حَقَّهَا بِالْغَيْبَةِ فَيُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ، وَبَعْدَ هَذَا الِاعْتِبَارِ أَخَذَ الْمِقْدَارَ مِنْهُمَا الْأَرْبَعَ مِنْ الْإِيلَاءِ وَالسِّنِينَ مِنْ الْعُنَّةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. وَلَنَا قَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» . وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا: هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّهُ مَنَعَ حَقَّهَا بِالْغَيْبَةِ) وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ (فَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ) فَإِنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا بَعْدَ مُدَّةٍ كَذَلِكَ، وَهَذَا مِنْهُ فِي الْإِيلَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بَلْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي بَعْدَهَا، وَبَعْدَ هَذَا الِاعْتِبَارِ أَخَذَ فِي الْمُدَّةِ الْأَرْبَعَ مِنْ الْإِيلَاءِ وَالسِّنِينَ مِنْ الْعُنَّةِ بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا (عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ) وَحَدِيثُ الَّذِي أَخَذَتْهُ الْجِنُّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ: أَنَّ رَجُلًا انْتَسَفَتْهُ الْجِنُّ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ عُمَرَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَمَرَ وَلِيَّهُ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا تَزَوَّجَتْ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَالصَّدَاقِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ الْفَقِيدِ الَّذِي فُقِدَ قَالَ: دَخَلْت الشِّعْبَ فَاسْتَهْوَتْنِي الْجِنُّ، فَمَكَثْت أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَتَتْ امْرَأَتِي عُمَرَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَفِيهِ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَمَّا جَاءَ: إنْ شِئْت رَدَدْنَا إلَيْكَ امْرَأَتَكَ وَإِنْ شِئْتَ زَوَّجْنَاكَ غَيْرَهَا، قَالَ: بَلْ زَوِّجْنِي غَيْرَهَا، ثُمَّ جَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجِنِّ وَهُوَ يُخْبِرُهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ: ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَحِلُّ. وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَا فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: تَذَاكَرَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ الْمَفْقُودَ فَقَالَا: تَتَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا ثُمَّ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ " حَتَّى يَأْتِيَهَا الْخَبَرُ " وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: إنَّهُ يَرْوِي عَنْ الْمُغِيرَةِ مَنَاكِيرَ أَبَاطِيلَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَسَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ. أَشْهَرُ فِي الْمَتْرُوكِينَ مِنْهُ. ثُمَّ عَارَضَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ قَوْلَ عُمَرَ، وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَزْرَمِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيَهَا مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ. أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ عَلِيًّا مِثْلُهُ. وَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ

خَرَجَ بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عُرِفَ ثُبُوتُهُ وَالْغَيْبَةُ لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَالْمَوْتُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُزَالُ النِّكَاحُ بِالشَّكِّ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فَاعْتُبِرَ فِي الشَّرْعِ مُؤَجَّلًا فَكَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ، وَلَا بِالْعُنَّةِ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ تَعْقُبُ الْأَوَدَةَ، وَالْعُنَّةُ قَلَّمَا تَنْحَلُّ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً. قَالَ (وَإِذَا تَمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ حَكَمْنَا بِمَوْتِهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ رِوَايَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَافَقَ عَلِيًّا عَلَى أَنَّهَا تَنْتَظِرُ أَبَدًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَجَابِرِ بْنِ يَزِيدَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ كُلُّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتُهُ. وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ إلَخْ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ. وَذَهَبَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ، وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لَا مُثْبِتًا بِالْأَصَالَةِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ ابْنَ مَسْعُودٍ مُرَجِّحٌ آخَرُ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي مُرَجِّحٍ آخَرَ فَقَالَ (وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عُرِفَ ثُبُوتُهُ وَالْغَيْبَةُ لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَالْمَوْتُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَزَالُ النِّكَاحُ بِالشَّكِّ) وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ رَجَعَ فِيهَا عُمَرُ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ، وَامْرَأَةُ أَبِي كَنَفٍ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَقَوْلُنَا فِي الثَّلَاثِ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَامْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عُرِفَتْ، وَأَمَّا امْرَأَةُ أَبِي كَنَفٍ فَكَانَ أَبُو كَنَفٍ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا حَتَّى غَابَ ثُمَّ قَدِمَ فَوَجَدَهَا قَدْ تَزَوَّجَتْ، فَأَتَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ لَهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لَك عَلَيْهَا سَبِيلٌ، فَقَدِمَ عَلَى أَهْلِهَا وَقَدْ وَضَعَتْ الْقُصَّةَ عَلَى رَأْسِهَا فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ لِي إلَيْهَا حَاجَةً فَخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَبَاتَ عِنْدَهَا ثُمَّ غَدَا إلَى الْأَمِيرِ بِكِتَابِ عُمَرَ فَعَرَفُوا أَنَّهُ جَاءَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ، وَهَذَا أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِي حَقِّهَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِهَا حَتَّى إذَا اعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي لَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ عَلَيْهَا سَبِيلٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ أَنَّ مُرَاجَعَتَهُ إيَّاهَا صَحِيحٌ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ لَا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَالْمَرْأَةُ الَّتِي يُنْعَى إلَيْهَا زَوْجُهَا فَتَعْتَدُّ وَتَتَزَوَّجُ، وَكَانَ مَذْهَبُهُ فِيهَا إذَا أَتَى زَوْجُهَا حَيًّا يُخَيِّرُهُ بَيْنَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْمَهْرِ، وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَهُوَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي وَلَهَا الْمَهْرُ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَتُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاعْتُبِرَ فِي الشَّرْعِ مُؤَجَّلًا) وَهَذَا عَلَى رَأْيِنَا بِأَنَّ الْوُقُوعَ بِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِالْإِيلَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي. قَالَ (وَلَا بِالْعُنَّةِ) لِأَنَّ فِي الْغَالِبِ تَعْقُبُهَا الرَّجْعَةُ (وَالْعُنَّةُ قَلَّمَا تَنْحَلُّ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً) فَكَانَ عَوْدُ الْمَفْقُودِ أَرْجَى مِنْ زَوَالِ الْعُنَّةِ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ مَا شَرَعَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا تَمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ حَكَمْنَا بِمَوْتِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ رِوَايَةُ

الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقَدَّرُ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ، وَفِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِمِائَةِ سَنَةٍ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِتِسْعِينَ، وَالْأَقْيَسُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ. وَالْأَرْفَقُ أَنْ يُقَدَّرَ بِتِسْعِينَ، وَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ اعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) كَأَنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقَدَّرُ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ، وَفِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِمِائَةِ سَنَةٍ، وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ بِتِسْعِينَ، وَالْأَقْيَسُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ (وَالْأَرْفَقُ أَنْ يُقَدَّرَ بِتِسْعِينَ) وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْأَعْمَارَ فِي زَمَانِنَا قَلَّمَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، بَلْ لَا يُسْمَعُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُقَدَّرُ بِهَا تَقْدِيرًا بِالْأَكْثَرِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ إنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الطَّبَائِعِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ بَاطِلٌ بِالنُّصُوصِ كَنُوحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَغَيْرِهِ، فَمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ تَوْجِيهًا لِمَذْهَبٍ مِنْ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ، وَكَيْفَ وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَالتَّوَارِيخُ بِالْأَعْمَارِ السَّالِفَةِ لِلْبَشَرِ بَلْ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ اعْتَمَدُوا فِي قَوْلٍ لَهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ يَعْتَرِفُونَ بِبُطْلَانِهِ وَيُوجِبُونَ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مِنْ النَّوَادِرِ أَنْ يَعِيشَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَلَا يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَوْتُ أَقْرَانِهِ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ وَآخَرُونَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَوْتُ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ، فَإِنَّ الْأَعْمَارَ قَدْ تَخْتَلِفُ طُولًا وَقِصَرًا بِحَسَبِ الْأَقْطَارِ بِحَسَبِ إجْرَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَادَةَ، وَلِذَا قَالُوا: إنَّ الصَّقَالِبَةَ أَطْوَلُ أَعْمَارًا مِنْ الرُّومِ، فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِأَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَرَجًا كَبِيرًا فِي تَعَرُّفِ مَوْتِهِمْ مِنْ الْبُلْدَانِ، بِخِلَافِهِ مِنْ بَلَدِهِ فَإِنَّمَا فِيهِ نَوْعُ حَرَجٍ مُحْتَمَلٌ. وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَذُكِرَ عَنْهُ وَجْهٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَاعَبَةِ مِنْهُ لَهُمْ. قِيلَ إنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: أَنَا أُبَيِّنُهُ لَكُمْ بِطَرِيقٍ مَحْسُوسٍ فَإِنَّ الْمَوْلُودَ إذَا كَانَ بَعْدَ عَشْرٍ يَدُورُ حَوْلَ أَبَوَيْهِ هَكَذَا وَعَقَدَ عَشْرًا، فَإِذَا كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ فَهُوَ بَيْنَ الصِّبَا وَالشَّبَابِ هَكَذَا، وَعَقَدَ عِشْرِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ ثَلَاثِينَ يَسْتَوِي هَكَذَا وَعَقَدَ ثَلَاثِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ

(وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ فِيهَا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ مَعْلُومَةً (وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ أَحَدًا مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ (وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِلْمَفْقُودِ وَمَاتَ الْمُوصِي) ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ لَا يُحْجَبُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يُنْتَقَصُ حَقُّهُ بِهِ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَثْقَالُ هَكَذَا وَعَقَدَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ خَمْسِينَ يَنْحَنِي مِنْ كَثْرَةِ الْأَثْقَالِ وَالْأَشْغَالِ هَكَذَا وَعَقَدَ خَمْسِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ سِتِّينَ يَنْقَبِضُ لِلشَّيْخُوخِيَّةِ هَكَذَا وَعَقَدَ سِتِّينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ سَبْعِينَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَا هَكَذَا وَعَقَدَ سَبْعِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ ثَمَانِينَ يَسْتَلْقِي هَكَذَا وَعَقَدَ ثَمَانِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ تِسْعِينَ تَنْضَمُّ أَعْضَاؤُهُ فِي بَطْنِهِ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ مِائَةٍ يَتَحَوَّلُ مِنْ الدُّنْيَا إلَى الْعُقْبَى كَمَا يَتَحَوَّلُ الْحِسَابُ مِنْ الْيُمْنَى إلَى الْيُسْرَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ عَلَى طُولِ الْعُمُرِ فِي الْمَفْقُودِ احْتِيَاطًا، وَالْغَالِبُ فِيمَنْ طَالَ عُمُرُهُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْمِائَةَ. فَقَوْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَسَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ مُوجِبًا لِخَطَئِهِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ عِنْدَهُ، وَكَوْنُهُ هُوَ خَرَجَ عَنْ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ مُخْطِئًا فِيمَا أَعْطَى مِنْ الْحُكْمِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ فِي فَرَائِضِهِ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهَا مِائَةُ سَنَةٍ لِأَنَّ الْحَيَاةَ بَعْدَهَا نَادِرٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ. وُورِيَ أَنَّهُ عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ قَوْلِهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ أَنَّهَا تِسْعُونَ سَنَةً لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي أَعْمَارِ أَهْلِ زَمَانِنَا هَذَا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَعْمَارِ الطِّوَالِ فِي أَهْلِ زَمَانِنَا أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ، نَعَمْ الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ اخْتَارُوا سِتِّينَ بَنَوْهُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْأَعْمَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَا جَاءَ إلَّا مِنْ اخْتِلَافِ الرَّأْيِ فِي أَنَّ الْغَالِبَ هَذَا فِي الطُّولِ أَوْ مُطْلَقًا، فَلِذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْأَلْيَقُ بِطَرِيقِ الْفِقْهِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْأَقْيَسُ إلَخْ، وَلَكِنْ نَقُولُ: إذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ اعْتِبَارًا لِحَالِهِ بِحَالِ نَظَائِره، وَهَذَا رُجُوعٌ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَرْفَقُ) أَيْ بِالنَّاسِ (أَنْ يُقَدَّرَ بِتِسْعِينَ) وَأَرْفَقُ مِنْهُ التَّقْدِيرُ بِسِتِّينَ. وَعِنْدِي الْأَحْسَنُ سَبْعُونَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» فَكَانَتْ الْمُنْتَهَى غَالِبًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، فَأَيُّ وَقْتٍ رَأَى الْمَصْلَحَةَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ وَاعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ وَقْتِ الْحُكْمِ لِلْوَفَاةِ كَأَنَّهُ مَاتَ فِيهِ مُعَايَنَةً، إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ يَرِثُ الْمَفْقُودَ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ (لَمْ يَرِثْ مِنْ الْمَفْقُودِ) بِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَفْقُودِ فَتَجْرِي مُنَاسَخَةٌ فَتَرِثُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمَفْقُودِ (لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ بَعْدُ) وَحِينَ مَاتَ هَذَا كَانَ الْمَفْقُودُ مَحْكُومًا بِحَيَاتِهِ كَمَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ مَعْلُومَةً (وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ أَحَدًا مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) يَعْنِي وَقْتَ مَوْتِ ذَلِكَ الْأَحَدِ (بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ) بَلْ فِي دَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ وَلِذَا جَعَلْنَاهُ حَيًّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُورَثُ مَالُهُ فِي حَالِ فَقْدِهِ مَيِّتًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ هُوَ غَيْرَهُ (وَكَذَلِكَ) لَوْ (أَوْصَى لَهُ وَمَاتَ الْمُوصِي) فِي حَالِ فَقْدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَقْضِي بِهَا وَلَا أُبْطِلُهَا حَتَّى يَظْهَرَ حَالُ الْمَفْقُودِ: يَعْنِي يُوقَفُ نَصِيبُ الْمَفْقُودِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِمَوْتِهِ، فَإِذَا قُضِيَ بِهِ جُعِلَ كَأَنَّهُ الْآنَ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ لِمَالِ غَيْرِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ حِينَ فُقِدَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا الْمَفْقُودُ مَيِّتٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ مَنْ بِحَيْثُ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ إنْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ لَا يُحْجَبُ بِالْمَفْقُودِ) حَجْبَ حِرْمَانٍ (وَلَكِنَّهُ يُنْتَقَصُ حَقُّهُ بِهِ يُعْطِي) ذَلِكَ الْوَارِثُ (أَقَلَّ نَصِيبِهِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي) حَتَّى يَظْهَرَ

وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَا يُعْطَى أَصْلًا. بَيَانُهُ: رَجُلٌ مَاتَ عَنْ ابْنَتَيْنِ وَابْنِ مَفْقُودٍ وَابْنِ ابْنٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَتَصَادَقُوا عَلَى فَقْدِ الِابْنِ وَطَلَبَتْ الِابْنَتَانِ الْمِيرَاثَ تُعْطَيَانِ النِّصْفَ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَيُوقَفُ النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا يُعْطَى وَلَدَ الِابْنِ لِأَنَّهُمْ يُحْجَبُونَ بِالْمَفْقُودِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا فَلَا يَسْتَحِقُّونَ الْمِيرَاثَ بِالشَّكِّ (وَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيَاةُ الْمَفْقُودِ أَوْ مَوْتُهُ أَوْ يُقْضَى بِمَوْتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَا يُعْطِي) لِذَلِكَ الْوَارِثِ شَيْئًا (بَيَانُهُ: رَجُلٌ مَاتَ عَنْ ابْنَتَيْنِ وَابْنٍ مَفْقُودٍ وَابْنِ ابْنٍ أَوْ ابْنَةِ ابْنٍ وَالْمَالُ) الْمَوْرُوثُ (فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَتَصَادَقُوا) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ وَالْوَرَثَةُ (عَلَى فَقْدِ الِابْنِ وَطَلَبَتْ الْبِنْتَانِ الْمِيرَاثَ تُعْطَيَانِ النِّصْفَ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ) لِأَنَّ أَخَاهُمَا الْمَفْقُودَ إنْ كَانَ حَيًّا فَلَهُمَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، فَالنِّصْفُ مُتَيَقَّنٌ فَتُعْطِيَانِهِ. (وَيُوقَفُ النِّصْفُ الْآخَرُ) فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ (وَلَا يُعْطَى وَلَدُ الِابْنِ شَيْئًا) لِأَنَّهُمْ يُحْجَبُونَ بِالْمَفْقُودِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بِالشَّكِّ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْأَجْنَبِيِّ (إلَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ) بِأَنْ كَانَ أَنْكَرَ أَنَّ لِلْمَيِّتِ عِنْدَهُ مَالًا حَتَّى أَقَامَتْ الْبِنْتَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَقَضَى بِهَا، لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤْخَذُ الْفَضْلُ الْبَاقِي مِنْهُ وَيُوضَعُ فِي يَدِ عَدْلٍ لِظُهُورِ خِيَانَتِهِ، وَلَوْ كَانُوا لَمْ يَتَصَادَقُوا عَلَى فَقْدِ الِابْنِ بَلْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ مَاتَ الْمَفْقُودُ قَبْلَ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ الثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ ثُلُثَيْهِ لِلْبِنْتَيْنِ فَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لَهُمَا وَلَا يَمْنَعُ إقْرَارَهُ قَوْلُ أَوْلَادِ الِابْنِ أَبُونَا أَوْ عَمُّنَا مَفْقُودٌ، لِأَنَّهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا وَيُوقَفُ الثُّلُثُ الْبَاقِي فِي يَدِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْبِنْتَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى الْفَقْدِ لَا يُحَوَّلُ الْمَالُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَا يُؤَخَّرُ شَيْءٌ لِلْمَفْقُودِ بَلْ يُقْضَى لِلْبِنْتَيْنِ بِالنِّصْفِ مِيرَاثًا وَيُوقَفُ النِّصْفُ فِي أَيْدِيهِمَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ ظَهَرَ الْمَفْقُودُ حَيًّا دُفِعَ إلَيْهِ. وَإِنْ ظَهَرَ مَيِّتًا أُعْطِيَ

وَنَظِيرُ هَذَا الْحَمْلُ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ ابْنِ وَاحِدٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ إنْ كَانَ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ يُعْطَى كُلٌّ نَصِيبَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْقُطُ بِالْحَمْلِ لَا يُعْطَى، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ بِهِ يُعْطِي الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ كَمَا فِي الْمَفْقُودِ وَقَدْ شَرَحْنَاهُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِنْتَانِ سُدُسَ كُلِّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَلَوْ قَالَتْ الْبِنْتَانِ مَاتَ أَخُونَا وَلَيْسَ بِمَفْقُودٍ وَقَالَ وَلَدُ الِابْنِ بَلْ مَفْقُودٌ وَالْمَالُ فِي أَيْدِيهِمَا أُعْطِيَتَا الثُّلُثَيْنِ وَوُقِفَ الثُّلُثُ، لِأَنَّهُمَا فِي هَذِهِ يَدَّعِيَانِ الثُّلُثَيْنِ وَالْمَالُ فِي أَيْدِيهِمَا، فَإِنْ ظَهَرَ حَيَاتُهُ أَخَذَ مِنْهُمَا السُّدُسَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ وَلَدِ الْمَفْقُودِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ مَفْقُودٌ يُعْطَى الْبِنْتَانِ النِّصْفَ، لِأَنَّهُمَا إنَّمَا ادَّعَيَاهُ بِالْإِقْرَارِ بِفَقْدِهِ وَيُوقَفُ النِّصْفُ الْآخَرُ فِي يَدِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ. وَلَوْ ادَّعَى وَلَدُ الْمَفْقُودِ أَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِمَا شَيْئًا حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِهِ قَبْلَ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِذَا قَامَتْ عَلَى مَوْتِهِ قَبْلَهُ يُعْطَى لَهُمْ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ لِلْبِنْتَيْنِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَلَى هَذَا مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ وَأَوْلَادِ ابْنٍ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَعْدَهُ يُعْطَى لَهُمْ النِّصْفُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَابْنٍ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ عَنْ وَلَدٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَنَظِيرُهُ) أَيْ فِي وَقْفِ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النَّصِيبِ (الْحَمْلُ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ ابْنٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ أَرْبَعِ بَنِينَ لِمَا قَالَ شَرِيكٌ: رَأَيْت بِالْكُوفَةِ لِأَبِي إسْمَاعِيلَ أَرْبَعَ بَنِينَ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَعَمًّا، عَنْ مُحَمَّدٍ مِيرَاثُ ثَلَاثَةِ بَنِينَ، وَفِي أُخْرَى نَصِيبُ ابْنَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَصِيبُ ابْنٍ وَاحِدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَلَوْ كَانَ مَعَ الْحَمْلِ وَارِثٌ آخَرُ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ) يُعْطَى كُلُّ نَصِيبِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَذَا إذَا تَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً حَامِلًا تُعْطَى الْمَرْأَةُ الثُّمُنَ (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْقُطُ بِالْحَمْلِ لَا يُعْطِي) شَيْئًا (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ وَيُعْطِي الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ) مِثَالُهُ تَرَكَ امْرَأَةً حَامِلًا: وَجَدَّةً تُعْطَى السُّدُسَ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ لَهَا، وَلَوْ تَرَكَ حَامِلًا وَأَخًا وَعَمًّا لَا يُعْطِي شَيْئًا لِأَنَّ الْأَخَ يَسْقُطُ بِالِابْنِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ ابْنًا فَكَانَ بَيْنَ أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يَسْقُطُ، فَكَانَ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَلَا يُعْطِي شَيْئًا. وَلَوْ تَرَكَ حَامِلًا وَأُمًّا أَوْ زَوْجَةً تَأْخُذُ

[كتاب الشركة]

كِتَابُ الشِّرْكَةِ (الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُمُّ السُّدُسَ وَالزَّوْجَةُ الثُّمُنَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَيِّتًا أَخَذَتْ الْأُمُّ الثُّلُثَ أَوْ حَيًّا أَخَذَتْ السُّدُسَ وَالزَّوْجَةُ الثُّمُنَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَيِّتًا أَخَذَتْ الرُّبُعَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [كِتَابُ الشِّرْكَةِ] هُوَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فِي الْمَعْرُوفِ. أَوْرَدَ الشِّرْكَةَ عَقِيبَ الْمَفْقُودِ لِتَنَاسُبِهِمَا بِوَجْهَيْنِ: كَوْنُ مَالِ أَحَدِهِمَا أَمَانَةً فِي يَدِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَاضِرِ. وَكَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ وَلَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمَفْقُودُ حَيٌّ، وَهَذِهِ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بَيْنَهُمَا. وَالْأُولَى عَامَّةٌ فِيهِمَا. وَفِي الْآبِقِ وَاللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ مَالٍ مَعَ اللَّقِيطِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمَفْقُودَ عَلَيْهَا وَأَوْلَاهُ الْإِبَاقَ لِشُمُولِ عَرَضِيَّةِ الْهَلَاكِ كُلًّا مِنْ نَفْسِ الْمَفْقُودِ وَالْآبِقِ. وَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ تَخَيَّلَ أَنَّ عَرَضِيَّةَ الْهَلَاكِ لِلْمَالِ فَقَالَ: لِأَنَّ الْمَالَ عَلَى عَرَضِيَّةِ التَّوَى. وَحَاصِلُ مَحَاسِنِ الشِّرْكَةِ تَرْجِعُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ. وَالشِّرْكَةُ لُغَةً: خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا، وَمَا قِيلَ إنَّهُ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ تَسَاهَلَ، فَإِنَّ الشِّرْكَةَ اسْمُ الْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ الشِّرْكُ مَصْدَرُ شَرِكْت الرَّجُلَ أُشْرِكُهُ شِرْكًا، فَظَهَرَ أَنَّهَا فِعْلُ الْإِنْسَانِ وَفِعْلُهُ الْخَلْطُ. وَأَمَّا الِاخْتِلَاطُ فَصَفْقَةٌ تَثْبُتُ لِلْمَالِ عَنْ فِعْلِهِمَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ مِنْ الْمَادَّةِ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّ اسْمَهُ الِاشْتِرَاكُ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِعْلُهُمَا أَيْضًا مَصْدَرُ اشْتِرَاكِ الرَّجُلَانِ افْتِعَالٌ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَيُعَدَّى إلَى الْمَالِ بِحَرْفِ " فِي " فَيُقَالُ اشْتَرَكَا فِي الْمَالِ: أَيْ حَقَّقَا الْخَلْطَ فِيهِ، فَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ فِيهِ: أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ اشْتِرَاكُهُمَا: أَيْ خَلْطُهُمَا. وَرُكْنُهَا فِي شَرِكَةِ الْعَيْنِ اخْتِلَاطُهُمَا، وَفِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ. هَذَا وَيُقَالُ الشَّرِكَةُ عَلَى الْعَقْدِ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْخَلْطِ، فَإِذَا قِيلَ شَرِكَةُ الْعَقْدِ بِالْإِضَافَةِ فَهِيَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ إلَى آخِرِهِ) قِيلَ شَرْعِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَهَذَا خَاصٌّ بِشَرِكَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ شَرِكَةُ الْعَقْدِ، وقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} [ص: 24] أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِكِينَ لَا يَنُصُّ عَلَى جَوَازِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّهُ حِكَايَةُ قَوْلِ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إخْبَارًا لِلْخَصْمَيْنِ عَنْ شَرِيعَتِهِ إذْ ذَاكَ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهُ فِي شَرِيعَتِنَا. وَأَمَّا السُّنَّةُ

قَالَ (الشِّرْكَةُ ضَرْبَانِ: شِرْكَةُ أَمْلَاكٍ، وَشِرْكَةُ عُقُودٍ. فَشِرْكَةُ الْأَمْلَاكِ: الْعَيْنُ يَرِثُهَا رَجُلَانِ أَوْ يَشْتَرِيَانِهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ) وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ تَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ كَمَا إذَا اتَّهَبَ رَجُلَانِ عَيْنًا أَوْ مَلَكَاهَا بِالِاسْتِيلَاءِ أَوْ اخْتَلَطَ مَالُهُمَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَا فِي أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ «عَنْ السَّائِبِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكُنْت خَيْرَ شَرِيكٍ لَا تُدَارِئُ وَلَا تُمَارِي» وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «عَنْ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَارَكَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِي التِّجَارَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ جَاءَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي كَانَ لَا يُدَارِئُ وَلَا يُمَارِي، يَا سَائِبُ قَدْ كُنْت تَعْمَلُ أَعْمَالًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُقْبَلُ مِنْك وَهِيَ الْيَوْمَ تُقْبَلُ مِنْك» وَكَانَ ذَا سَلَفٍ وَصَدَاقَةٍ، وَاسْمُ السَّائِبِ صَيْفِيُّ بْنُ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَقَوْلُ السُّهَيْلِيِّ فِيهِ إنَّهُ كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْ السَّائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَرَادَ الْحُجَّةَ فِي تَعْيِينِ الشَّرِيكِ مَنْ كَانَ، أَمَّا غَرَضُنَا وَهُوَ ثُبُوتُ مُشَارَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَثَابِتٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ: يُدَارِئُ مَهْمُوزٌ فِي الْحَدِيثِ: أَيْ يُدَافِعُ. ثُمَّ إيرَادُ الْمَشَايِخِ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّرِكَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ جُزْءُ الدَّلِيلِ: أَعْنِي أَنَّهُ بُعِثَ وَهُمْ يَتَشَارَكُونَ فَقَرَّرَهُمْ وَمُفِيدُ الْجُزْءِ الثَّانِي مَا فِي أَبِي دَاوُد وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَا خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» زَادَ رَزِينٌ " وَجَاءَ يَد الشَّيْطَانِ " وَضَعَّفَهُ الْقَطَّانُ بِجَهَالَةِ وَالِدِ أَبِي حَيَّانَ وَهُوَ سَعِيدٌ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ حَيَّانَ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ رَفَعَهَا عَنْهُمَا» وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الشِّرْكَةِ مَشْرُوعَةً أَظْهَرُ ثُبُوتًا مِمَّا بِهِ ثُبُوتُهَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ، إذْ التَّوَارُثُ وَالتَّعَامُلُ بِهَا مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلُمَّ جَرًّا مُتَّصِلٌ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إثْبَاتِ حَدِيثٍ بِعَيْنِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَزِدْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ادِّعَاءِ تَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا (قَوْلُهُ الشِّرْكَةُ ضَرْبَانِ: شِرْكَةُ أَمْلَاكٍ، وَشِرْكَةُ عُقُودٍ. فَشِرْكَةُ الْأَمْلَاكِ الْعَيْنُ يَرِثُهَا الرَّجُلَانِ أَوْ يَشْتَرِيَانِهَا) وَظَاهِرُ هَذَا الْحَمْلِ مِنْ الْقُدُورِيِّ الْقَصْرُ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَا ذُكِرَ بَلْ تَثْبُتُ فِيمَا إذَا اتَّهَبَا عَيْنًا أَوْ مَلَكَاهَا بِالِاسْتِيلَاءِ بِأَنْ اسْتَوْلَيَا عَلَى مَالِ حَرْبِيٍّ يُمْلَكُ مَالُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ أَوْ اخْتَلَطَ مَالُهُمَا مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَنْ انْفَتَقَ كِيسَاهُمَا الْمُتَجَاوِرَانِ فَاخْتَلَطَ مَا فِيهِمَا أَوْ اخْتَلَطَ بِخَلْطِهِمَا خَلْطًا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ يَتَعَسَّرُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ؛ وَلَوْ قَالَ: الْعَيْنُ يَمْلِكَانِهَا كَانَ شَامِلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ مِنْ شِرْكَةِ الْأَمْلَاكِ الشِّرْكَةُ فِي الدَّيْنِ فَقِيلَ مَجَازٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يُمْلَكُ، وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يُمْلَكُ شَرْعًا وَلِذَا جَازَ هِبَتُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْهِبَةَ مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مِلْكِهِ، وَلِذَا مَلَكَ مَا عَنْهُ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ حَتَّى إذَا دَفَعَ مَنْ عَلَيْهِ إلَى أَحَدِهِمَا شَيْئًا كَانَ لِلْآخَرِ

أَوْ بِخَلْطِهِمَا خَلْطًا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ رَأْسًا أَوْ إلَّا بِحَرَجٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى (وَالضَّرْبُ الثَّانِي: شِرْكَةُ الْعُقُودِ، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَكَذَا وَيَقُولُ الْآخَرُ قَبِلْت) ـــــــــــــــــــــــــــــQالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الَّذِي أَخَذْته حِصَّتِي وَمَا بَقِيَ عَلَى الْمَدْيُون حِصَّتُك، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَدْيُونِ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ قَضَاهُ وَأَخَّرَ الْآخَرُ. قَالُوا: وَالْحِيلَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْآخِذِ بِمَا أَخَذَ دُونَ شَرِيكِهِ أَنْ يَهَبَهُ مَنْ عَلَيْهِ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ وَيُبَرِّئُهُ هُوَ مِنْ حِصَّتِهِ، وَحُكْمُ هَذِهِ الشِّرْكَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ إلَّا بِأَمْرِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ الشِّرْكَةِ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهَا وَكَالَةً، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْ الشَّرِيكِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ (وَ) أَمًّا (مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ (إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الشِّرْكَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِأَنْ اشْتَرَيَا حِنْطَةً أَوْ وَرِثَاهَا كَانَتْ كُلُّ حَبَّةٍ مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُمَا فَبَيْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ شَائِعًا جَائِزٌ مِنْ الشَّرِيكِ وَالْأَجْنَبِيِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِالْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ، لِأَنَّ كُلَّ حَبَّةٍ مَمْلُوكَةٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا لِأَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فِيهَا شِرْكَةٌ، فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا مَخْلُوطًا بِنَصِيبٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الشَّرِيكِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ خَلْطَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ تَعَدِّيًا سَبَبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَخْلُوطِ مَالُهُ إلَى الْخَالِطِ، فَإِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ يَكُونُ سَبَبُ الزَّوَالِ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ زَائِلًا إلَى الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرَ زَائِلٍ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الشَّرِيكِ فَقَدْ يَمْنَعُ ثُبُوتُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ تَمَامَ السَّبَبِ فِيهِ هُوَ التَّعَدِّي، فَعِنْدَ عَدَمِهِ لَا يَثْبُتُ مِنْ وَجْهٍ وَإِلَّا لَكَانَتْ جَمِيعُ الْمُسَبَّبَاتِ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ قَبْلَ أَسْبَابِهَا، وَأَيْضًا فَالزَّوَالُ إلَى الْخَالِطِ عَيْنًا لَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا زَائِلًا إلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ عِنْدَ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، بَلْ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُهُ زَائِلًا إلَى الشَّرِيكِ الْخَالِطِ عَيْنًا فَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا زَائِلًا إلَى الشَّرِيكِ فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، بَلْ اعْتِبَارُ نَصِيبِ غَيْرِ الْخَالِطِ فَقَطْ إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ تَمَامَ السَّبَبِ التَّعَدِّي لِأَنَّ الْخَلْطَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ أَيُّ تَعَدٍّ هُوَ السَّبَبُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ فِي هَذَا الْمَالِ فَيُقَالُ التَّعَدِّي فِي خَلْطِهِ (قَوْلُهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي شِرْكَةُ الْعُقُودِ، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) ثُمَّ فَسَّرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَكَذَا وَيَقُولُ الْآخَرُ قَبِلْت) أَيْ فِي كَذَا مِنْ الْمَالِ وَفِي كَذَا مِنْ التِّجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ أَوْ الْبَقَّالِيَّةِ فِي الْعِنَانِ أَوْ فِي كُلِّ مَالِي وَمَالِك وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ وَفِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ، وَكُلٌّ كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ بِلَازِمٍ بَلْ الْمَعْنَى، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ أَلْفًا إلَى رَجُلٍ وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ وَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَنَا وَقَبِلَ الْآخَرُ أَوْ أَخَذَهَا وَفَعَلَ انْعَقَدَتْ الشِّرْكَةُ، وَيُنْدَبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا. وَذَكَرَ

وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَقْدَ الشِّرْكَةِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ لِيَكُونَ مَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ (ثُمَّ هِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: مُفَاوَضَةٌ، وَعِنَانٌ، وَشِرْكَةُ الصَّنَائِعِ، وَشِرْكَةُ الْوُجُوهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَيْفِيَّةَ كِتَابَتِهَا فَقَالَ: هَذَا مَا اشْتَرَكَ عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ اشْتَرَكَا عَلَى تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ قَدْرَ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَقُولُ: وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَيْدِيهِمَا يَشْتَرِيَانِ بِهِ وَيَبِيعَانِ جَمِيعًا وَشَتَّى، وَيَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ وَيَبِيعُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَهَذَا وَإِنْ مَلَكَهُ كُلٌّ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: لَا يَمْلِكُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْهُ يَكْتُبُ هَذَا، ثُمَّ يَقُولُ: فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا، وَمَا كَانَ مِنْ وَضِيعَةٍ أَوْ تَبَعَةٍ فَكَذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَضِيعَةِ بِخِلَافِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بَاطِلٌ، وَاشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مُتَفَاوِتًا عِنْدَنَا صَحِيحٌ فِيمَا سَيُذْكَرُ، فَإِنْ كَانَ شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِيهِ كَتَبَاهُ كَذَلِكَ وَيَقُولُ اشْتَرَكَا عَلَى ذَلِكَ فِي يَوْمِ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ التَّارِيخَ كَيْ لَا يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ حَقًّا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْآخَرُ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَقْدَ الشِّرْكَةِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ) وَعَقْدُ الشِّرْكَةِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ مَعْمُولًا لِمَعْقُودٍ، وَكُلُّ صُوَرِ عُقُودِ الشِّرْكَةِ يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَتَخْتَصُّ الْمُفَاوَضَةُ بِالْكَفَالَةِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ (لِيَكُونَ مَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ عَقْدِ الشِّرْكَةِ (الْمَطْلُوبُ مِنْهُ) وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي النِّصْفِ وَأَصِيلًا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لَا يَكُونُ الْمُسْتَفَادُ مُشْتَرَكًا لِاخْتِصَاصِ الْمُشْتَرَى بِالْمُشْتَرِي، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الِاشْتِرَاكِ فِي التَّكَدِّي وَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ (قَوْلُهُ ثُمَّ هِيَ) أَيْ شِرْكَةُ الْعُقُودِ عَلَى (أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: مُفَاوَضَةٌ، وَعِنَانٌ، وَشِرْكَةُ الصَّنَائِعِ، وَشِرْكَةُ الْوُجُوهِ) قِيلَ فِي وَجْهِ الْحَصْرِ إنَّ الْعَقْدَ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ مَالٌ أَوْ لَا، وَفِي الذِّكْرِ إمَّا أَنْ تُشْتَرَطَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِ وَرِبْحِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَنَفْعِهِ وَضَرَرِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ شَرَطَا ذَلِكَ فَهُوَ الْمُفَاوَضَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الْعِنَانُ. وَفِي عَدَمِ ذِكْرِ الْمَالِ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ فِي مَالِ الْغَيْرِ أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ الصَّنَائِعُ، وَالثَّانِي الْوُجُوهُ. وَقِيلَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَضِيَ أَنَّ شِرْكَةَ الصَّنَائِعِ وَالْوُجُوهِ لَا يَكُونَانِ مُفَاوَضَةً وَلَا عِنَانًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا يَأْتِي، فَوَجْهُ التَّقْسِيمِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ حَيْثُ قَالَا: الشِّرْكَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: شِرْكَةٌ بِالْأَمْوَالِ، وَشِرْكَةٌ

فَأَمَّا شِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ فَيَتَسَاوَيَانِ فِي مَالِهِمَا وَتَصَرُّفِهِمَا وَدَيْنِهِمَا) لِأَنَّهَا شِرْكَةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ يُفَوِّضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرَ الشِّرْكَةِ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، قَالَ قَائِلُهُمْ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى لَا سُرَاةَ لَهُمْ وَلَا سُرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا أَيْ مُتَسَاوِيِينَ. فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَعْمَالِ، وَشِرْكَةٌ بِالْوُجُوهِ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ، وَسَيَأْتِي الْبَيَانُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فَأَمَّا شِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ فَيَتَسَاوَيَانِ فِي مَالِهَا وَتَصَرُّفِهِمَا وَدَيْنِهِمَا) وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ الْآخَرِ فِي كُلِّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ عُهْدَةِ مَا يَشْتَرِيه كَمَا أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ (لِأَنَّهَا شِرْكَةٌ عَامَّةٌ) يُفَوِّضُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْعُمُومِ (فِي التِّجَارَاتِ) وَالتَّصَرُّفَاتِ لِأَنَّ الْفَوْضَةَ الشِّرْكَةُ وَالْمُفَاوَضَةَ الْمُسَاوَاةُ، فَلَزِمَ مُطْلَقُ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ فَعَمَّ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّهَا مَادَّةٌ أُخْرَى فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الِاشْتِقَاقُ، بَلْ هِيَ مِنْ التَّفْوِيضِ أَوْ الْفَوْضِ الَّذِي مِنْهُ فَاضَ الْمَاءُ: إذَا عَمَّ وَانْتَشَرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَعْنَاهَا الْمُسَاوَاةُ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَفْوَهِ الْأَوْدِيِّ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى لَا سُرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سُرَاةَ إذَا جِهَالُهُمْ سَادُوا وَبَعْدَهُ: إذَا تَوَلَّى سُرَاةُ النَّاسِ أَمْرَهُمْ ... نَمَا عَلَى ذَاكَ أَمْرُ الْقَوْمِ وَازْدَادُوا وَقِيلَ بَعْدَهُ: تُهْدَى الْأُمُورُ بِأَهْلِ الرَّأْيِ مَا صَلُحَتْ ... فَإِنْ تَوَلَّتْ فَبِالْجُهَّالِ يَنْقَادُوا وَمَعْنَى الْبَيْتِ: إذَا كَانَ النَّاسُ مُتَسَاوِينَ لَا كَبِيرَ لَهُمْ وَلَا سَيِّدَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ بَلْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلًّا يُنَفِّذُ مُرَادَهُ كَيْفَ كَانَ تَحَقَّقَتْ الْمُنَازَعَةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وَالسُّرَاةُ جَمْعُ سَرَى، وَهُوَ السَّيِّدُ، وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْمُفَصَّلِ اسْمَ جَمْعٍ لَهُ كَرَكْبٍ فِي رَاكِبٍ. وَالسَّرِيُّ فَعِيلٌ جُمِعَ عَلَى فَعِلَة بِالتَّحْرِيكِ، وَأَصْلُهُ سَرْوَة تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا فَصَارَ سُرَاةَ، وَأَصْلُ سَرَى سَرَيَو اجْتَمَعَتَا وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ، وَسَيَأْتِي وَجْهُ الْمُسَاوَاةِ (فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً) عِنْدَ عَقْدِ الشِّرْكَةِ (وَانْتِهَاءً) أَيْ فِي مُدَّةِ الْبَقَاءِ لِأَنَّ عَقْدَ الشِّرْكَةِ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَهُ إذَا شَاءَ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، فَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْمَالِ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَالَانِ سَوَاءً يَوْمَ الْعَقْدِ ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَسَدَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ عِنَانًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَادَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا تَغَيَّرَ سِعْرُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الشِّرْكَةِ فِيهِ. وَلَوْ اشْتَرَيَا بِجَمِيعِ مَالِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ فَضَلَ مَالُ الْآخَرِ فَفِي الْقِيَاسِ تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِالْمَالَيْنِ جَمِيعًا قَلَّ مَا يَتَّفِقُ فَيَلْزَمُ بِاشْتِرَاطِهِ حَرَجٌ، وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ قَائِمَةٌ مَعْنًى لِأَنَّ الْآخَرَ لَمَّا مَلَكَ نِصْفَ الْمُشْتَرِي صَارَ نِصْفُ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ وَنِصْفُ مَا لَمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ لِصَاحِبِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُمَا صِفَةً، فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ سُودٌ وَلِلْآخَرِ مِثْلُهَا بِيضٌ وَقِيمَتَاهُمَا

وَذَلِكَ فِي الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا يَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ، وَكَذَا فِي التَّصَرُّفِ، لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَا يَمْلِكُ الْآخَرُ لَفَاتَ التَّسَاوِي، وَكَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ لِمَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِانْفِرَادِهِ فَاسِدٌ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَسَاوِيَةٌ صَحَّتْ الْمُفَاوَضَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَادَتْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ وَقِيمَتُهُمَا أَلْفٌ صَحَّتْ، فَإِنْ زَادَتْ صَارَتْ عِنَانًا، وَكَذَا لَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ أَوْ اتَّهَبَهَا تَنْقَلِبُ عِنَانًا. ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَالِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ التَّسَاوِي مَا تَصِحُّ بِهِ الشِّرْكَةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ عَلَى قَوْلِهِمَا دُونَ الْعُرُوضِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا وَدِيعَةٌ نَقْدٌ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ صَحَّتْ إلَى أَنْ يَقْبِضَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَسَدَتْ وَصَارَتْ عِنَانًا، وَلِذَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَمْ يَمْلِكْهُ الْآخَرُ فَاتَ التَّسَاوِي، وَكَذَا فِي الدَّيْنِ لِمَا نُبَيِّنُ عَنْ قَرِيبٍ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ) وَهَذَا لَا يَلْزَمُ تَنَاقُضٌ بِهِ كَمَا قِيلَ: إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا فَكَيْفَ حَكَمَ بِفَسَادِهَا لِأَنَّ الْعَالِمَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ الْحُكْمِ بِالْفَسَادِ. وَالْمَعْنَى: لَا وُجُودَ لِلْمُفَاوَضَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فِي الشَّرْعِ، وَمَا لَا وُجُودَ لَهُ شَرْعًا لَا صِحَّةَ لَهُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَجُوزُ وَهِيَ أَنْ يُفَوِّضَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ التَّصَرُّفَ فِي غَيْبَتِهِ وَحُضُورِهِ وَتَكُونُ يَدُهُ كَيَدِهِ غَيْرَ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ، وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ الْقَوْلَ بِالْمُفَاوَضَةِ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا وَهُوَ وَجْهُ (الْقِيَاسِ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ بِ) شِرَاءٍ (مَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةِ بِمَجْهُولٍ، وَكُلٌّ بِانْفِرَادِهِ فَاسِدٌ) وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ، وَلَوْ كَفَّلَ لِمَنْ سَيَدِينُهُ بِمَا يَلْزَمُهُ لَا يَصِحُّ فَاجْتِمَاعُهَا يَزِيدُ فَسَادًا. فَإِنْ قِيلَ: الْوَكَالَةُ الْعَامَّةُ جَائِزَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ لِآخَر وَكَّلْتُك فِي مَالِي اصْنَعْ فِيهِ مَا شِئْت حَتَّى يُجَوِّزَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَ. قُلْنَا: الْعُمُومُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَكَالَةُ كُلٍّ فِي شِرَاءِ طَعَامِ أَهْلِ الْآخَرِ وَكِسْوَتِهِمْ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامًّا كَانَ تَوْكِيلًا بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا (مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» ) أَيْ أَنَّ عَقْدَ الْمُفَاوَضَةِ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا فَاوَضْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْمُفَاوَضَةَ»

وَكَذَا النَّاسُ يُعَامِلُونَهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَبِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَالْجَهَالَةُ مُتَحَمَّلَةٌ تَبَعًا كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظَةِ الْمُفَاوَضَةُ لِبُعْدِ شَرَائِطِهَا عَنْ عِلْمِ الْعَوَامّ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَّا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيه تَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَعْنَى. قَالَ (فَتَجُوزُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْكَبِيرَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ لِتَحَقُّقِ التَّسَاوِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُعْرَفْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْخَصْمِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي التِّجَارَاتِ عَنْ صَالِحِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ فِيهِنَّ الْبَرَكَةُ: بَيْعٌ إلَى أَجْلٍ، وَالْمُقَارَضَةُ، وَإِخْلَاطُ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لِلْبَيْتِ لَا لِلْبَيْعِ» . وَفِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ: الْمُفَاوَضَةُ بَدَلُ الْمُقَارَضَةِ، وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَضَبْطُهُ الْمُعَارَضَةُ بِالْعَيْنِ وَالضَّادِ وَفَسَّرَهَا بِبَيْعِ عَرَضٍ بِعَرَضٍ مِثْلِهِ (وَالْآخَرُ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ (أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَبِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ) لِأَنَّ التَّعَامُلَ كَالْإِجْمَاعِ وَلَوْ مَنَعَ ظُهُورَ التَّعَامُلِ بِهَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمُسَاوَاةِ فِي جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ كُلٌّ مِنْ النُّقُودِ بَلْ عَلَى شَرْطِ التَّفْوِيضِ الْعَامِّ كَمَا عَنْ مَالِكٍ أَمْكَنَ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْ الْقِيَاسِ فَقَالَ (الْجَهَالَةُ مُتَحَمَّلَةٌ) لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ (تَبَعًا) وَالتَّصَرُّفُ قَدْ يَصِحُّ تَبَعًا وَلَا يَصِحُّ مَقْصُودًا (كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ) فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ بِشِرَاءِ مَجْهُولِ الْجِنْسِ، وَكَذَا شِرْكَةُ الْعِنَانِ فَلَا يَتِمُّ الْإِلْزَامُ، وَانْتَظَمَ الْكَلَامُ الْكُلِّيُّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْجَهَالَةُ مُتَحَمِّلَةٌ تَبَعًا الْجَوَاب عَنْ إلْزَامِ الْكَفَالَةِ لِمَجْهُولٍ، وَفَصَّلَ الْجَوَابَ فِيهَا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَأَمَّا الْجَهَالَةُ فَعَيْنُهَا لَا تُبْطِلُ الْكَفَالَةَ وَلَكِنْ تُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ بِسَبَبِهَا، وَهُوَ مُنْعَدِمٌ هُنَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا عَنْ صَاحِبِهِ مَا لَزِمَهُ بِتِجَارَتِهِ، وَعِنْدَ اللُّزُومِ الْمَضْمُون لَهُ وَالْمَضْمُونُ بِهِ مَعْلُومٌ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ لِمَجْهُولٍ ابْتِدَاءً، لِأَنَّ عِنْدَ اللُّزُومِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَاكْتَفَى بِنَفْيِ الْإِلْزَامِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَصِحُّ تَبَعًا لَا قَصْدًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدِم صِحَّةِ الْكَفَالَةِ كَذَلِكَ قَصْدًا عَدَمُ صِحَّتِهَا ضِمْنًا، وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ صِحَّتِهَا شَرْعًا أَخْذًا مِنْ هَذَا الْجَوَابِ، هَكَذَا تَصَرُّفٌ نَافِعٌ لَا مَانِعَ فِيهِ فِي الشَّرْعِ فَوَجَبَ صِحَّتُهُ، وَالْمَانِعُ وَهُوَ الْوَكَالَةُ بِمَجْهُولٍ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ يَمْنَعُ إذَا ثَبَتَ قَصْدًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الشَّيْءِ إذَا ثَبَتَ قَصْدًا مَنْعُهُ إذَا ثَبَتَ ضِمْنًا. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ اشْتِرَاطُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَالِ؟ قُلْنَا: هَذَا أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشِّرْكَةَ فِي صُورَةٍ يَكُونُ الشَّرِيكَانِ مُتَسَاوِيَيْ الْمَالَيْنِ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ عَلَى الْعُمُومِ جَائِزَةٌ بِلَا مَانِعٍ كَمَا فِي صُورَةِ عَدَمِ تَسَاوِيهِمَا. فَقُلْنَا: إنْ عَقَدَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ سَمَّيْنَا الشِّرْكَةَ مُفَاوَضَةً وَإِلَّا سَمَّيْنَاهَا عِنَانًا، غَيْرَ أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ فِي ثُبُوتِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لِجَعْلِنَا إيَّاهُ عِلْمًا عَلَى تَمَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَمْرِ الشِّرْكَةِ، فَإِذَا ذَكَرَاهَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا إقَامَةً لِلَّفْظِ مَقَامَ الْمَعْنَى، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرَاهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ رِضَاهُمَا بِأَحْكَامِهَا إلَّا أَنْ يَذْكُرَا تَمَامَ مَعْنَاهَا، بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: وَهُمَا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ بَالِغَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ شَارَكْتُك فِي جَمِيعِ مَا أَمْلِكُ مِنْ نَقْدٍ وَقَدْرُ مَا تَمْلِكُ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ الْعَامِّ مِنْ كُلٍّ مِنَّا لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَاتِ وَالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَعَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَّا ضَامِنٌ عَلَى الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَمْرِ كُلِّ بَيْعٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَتَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ لِبُعْدِ شَرَائِطِهَا عَنْ فَهْمِ الْعَوَامّ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَّا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيه يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَعْنَى) وَاللَّفْظُ وَسِيلَةٌ إلَى إفْهَامِهِ، وَلَوْ عَقَدَا بِلَفْظِ

وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا تَجُوزُ أَيْضًا) لِمَا قُلْنَا (وَلَا تَجُوزُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ) لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ، لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَالْكَفَالَةَ، وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَالصَّبِيُّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. قَالَ (وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا كَالْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ. وَيَتَفَاوَتَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ خُمُورًا أَوْ خَنَازِيرَ صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ لَا يَصِحُّ (وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفَاوَضَةِ وَبَعْضُ شَرَائِطِهَا مُنْتَفٍ انْعَقَدَتْ عِنَانًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُنْتَفَى مِنْ شُرُوطِ الْعِنَانِ وَيَكُونُ تَعْبِيرًا بِالْمُفَاوَضَةِ عَنْ الْعِنَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا) إنَّ فِيهِ لِلْوَصْلِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) أَيْ لِتَحَقُّقِ التَّسَاوِي إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ لِتَعَذُّرِ الْمُسَاوَاةِ، لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَالْكَفَالَةَ، وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَالصَّبِيُّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ) أَصْلًا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ (وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ إلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ: وَلَا بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ) وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْكَافِرُ يَمْلِكُ زِيَادَةَ تَصَرُّفٍ لَا يَمْلِكُهُ الْآخَرُ كَالْعَقْدِ عَلَى الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ بَعْدَ تَسَاوِيهِمَا فِي أَصْلِ التَّصَرُّفِ مُبَاشَرَةً وَوَكَالَةً وَكَفَالَةً (وَصَارَ كَالْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ، وَيَتَفَاوَتَانِ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) أَيْ عَقْدُ الشِّرْكَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. (لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ أَوْ لَا يَحْتَرِزُ مِنْ الرِّبَا فَيَكُونُ سَبَبًا لِوُقُوعِ الْمُسْلِمِ فِي أَكْلِ الْحَرَامِ) وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى اسْتِعْمَالِ الْجَوَازِ فِي أَعَمَّ مِنْ الْإِبَاحَةِ بِمَعْنَى اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ مَا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ عَمَّا بَعُدَ إلَّا فَيَكُونُ قَدْ أَخْرَجَ الْكَرَاهَةَ الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا الْجَوَازُ عَنْهُ فَلَا يَثْبُتُ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ الْجَوَازِ فَإِنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ الْمَكْرُوهِ فَاسْتَدْرَكَ مِنْهُ الْكَرَاهَةَ: أَيْ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَبَعْضُ أَهْلِ الدَّرْسِ قَالُوا: يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ لِمَا رَأَوْهُ بِمَعْنَى لَكِنْ، هُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ مُخْرَجٌ مِنْ حُكْمِ الصَّدْرِ، فَالْحِمَارُ لَمْ يَجِئْ فِي قَوْلِك جَاءُوا إلَّا حِمَارًا فَيَقْتَضِي إخْرَاجَ الْكَرَاهَةِ عَنْ ثُبُوتِ الْجَوَازِ فَلَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ (وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ مَالِهِ خُمُورًا وَخَنَازِير يَصِحُّ، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا الْمُسْلِمُ لَا يَصِحُّ) لَكِنْ بَقِيَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَالْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ مَعَ التَّفَاوُتِ فِيمَا يَمْلِكَانِ لَمْ يَجِبْ عَنْهُ، وَكَذَا بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوْقُوذَةِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ مَالِيَّتَهَا دُونَ الْكِتَابِيِّ، وَكَذَا الْكِتَابِيُّ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ دُونَ الْمَجُوسِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ

وَلَا بَيْنَ الصَّبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْمُكَاتَبَيْنِ) لِانْعِدَامِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْعِنَانِ كَانَ عِنَانًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْعِنَانِ، إذْ هُوَ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَقَدْ يَكُون عَامًّا. قَالَ (وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ) أَمَّا الْوَكَالَةُ فَلِتَحَقُّقِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِي الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا الْكَفَالَةُ: فَلِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوَاجِبِ التِّجَارَاتِ وَهُوَ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ نَحْوَهُمَا جَمِيعًا. قَالَ (وَمَا يَشْتَرِيه كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ عَلَى الشِّرْكَةِ إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ) وَكَذَا كِسْوَتُهُ، وَكَذَا الْإِدَامُ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمَوْقُوذَةَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّهِمْ فَلَا فَضْلَ بَيْنَ الْمَجُوسِيِّ وَالْكِتَابِيِّ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ فِي التَّصَرُّفِ، وَأَمَّا مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ لِلذَّبْحِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَقَبَّلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ وَإِجَارَةُ الْمَجُوسِيِّ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ جَائِزَةٌ لِيَسْتَوْجِبَ بِهَا الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فَالْمُسَاوَاةُ ثَابِتَةٌ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ مَالًا مُتَقَوِّمًا قَائِمٌ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِالْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ وَالِاعْتِقَادِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ كَالْحَنَفِيِّ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُ مَعَ الْمُرْتَدِّ فَلَا تَجُوزُ الشِّرْكَةُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ. وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيَّيْنِ) يَعْنِي وَلَوْ أَذِنَ وَلِيُّهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ (قَوْلُهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا إلَخْ) وَذَلِكَ كَمَا لَوْ عَقَدَ بَالِغٌ وَصَبِيٌّ أَوْ حُرٌّ وَعَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ شَرَطَا عَدَمَ الْكَفَالَةِ تَصِيرُ عِنَانًا وَإِنْ عَمَّمَا التَّصَرُّفَ وَالْمَالَ وَتَسَاوَيَا فِيهِ، لِأَنَّ عَقْدَ شِرْكَةِ الْعِنَانِ قَدْ يَكُونُ عَامًّا كَمَا يَكُونُ خَاصًّا، بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ لَا تَكُونُ إلَّا عَامَّةً (قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ) أَيْ الْمُفَاوَضَةُ (عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ) وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ اللَّفْظِ فَيَثْبُتُ بِذِكْرِهِ: أَيْ وَكَالَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي نِصْفِ مَا يَشْتَرِيه وَكَفَالَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ (أَمَّا) انْعِقَادُهَا عَلَى (الْوَكَالَةِ فَلِتَحَقُّقِ غَرَضِ الشِّرْكَةِ) وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ قَوْلَهُ لِيَكُونَ مَا يُسْتَفَادُ بِهِ عَلَى الشِّرْكَةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاشْتِرَاطُ فِي الرِّبْحِ (وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَلِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ) الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ التِّجَارَةِ وَهُوَ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ نَحْوَهُمَا بِسَبَبِ مَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِهَا وَمَا يُشْبِهُ مَا هُوَ تِجَارَةٌ (وَمَا يَشْتَرِيه كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ عَلَى الشِّرْكَةِ إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ) فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ

قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، وَكَانَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا كَشِرَائِهِمَا، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ الْمُفَاوَضَةِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ الرَّاتِبَةَ مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا التَّصَرُّفُ مِنْ مَالِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الشِّرَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ضَرُورَةً. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الشِّرْكَةِ لِمَا بَيَّنَّا (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهمَا شَاءَ) الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْكَفَالَةِ، وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ مِمَّا أَدَّى لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا. قَالَ (وَمَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدُّيُونِ بَدَلًا عَمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَالْآخَرُ ضَامِنٌ لَهُ) تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ، فَمِمَّا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ وَالِاسْتِئْجَارُ، وَمِنْ الْقِسْمِ الْآخَرِ الْجِنَايَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَنْ النَّفَقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرُ كَفِيلًا عَنْهُ لَهُ حَتَّى كَانَ لِبَائِعِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَإِدَامِهِمْ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ وَيَرْجِعُ الْآخَرُ بِمَا أَدَّى عَلَى الشَّرِيكِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا جَارِيَةً لِلْوَطْءِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الشِّرْكَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِذَلِكَ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى الشِّرْكَةِ اسْتِحْسَانًا بِالضَّرُورَةِ (فَإِنَّ الْحَاجَةَ الرَّاتِبَةَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا) أَيْ الْمُسْتَمِرَّةَ مِنْ قَوْلِهِمْ رَتَبَ الشَّيْءُ إذَا دَامَ، وَمِنْهُ أَمْرٌ تُرْتَب: أَيْ دَائِمٌ بِفَتْحِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ وَضَمِّهَا. (وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ نَفَقَةِ عِيَالِهِ عَلَى صَاحِبِهِ) فَكَانَ مُسْتَثْنًى ضَرُورَةً (وَالْقِيَاسُ وُقُوعُهُ عَلَى الشِّرْكَةِ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ

قَالَ (وَلَوْ كُفِّلَ أَحَدُهُمَا بِمَالٍ عَنْ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ صَاحِبَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَلْزَمُهُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، وَلَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ يَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ وَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةُ بَقَاءً لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَقَاءِ تَتَضَمَّنُهُ الْمُفَاوَضَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسَاوَاةُ، ثُمَّ كَفَالَةُ كُلٍّ الْآخَرَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ، أَمَّا مَا يُشْبِهُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِدَيْنِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ شَرِيكُهُ، وَضَمَانُ التِّجَارَةِ كَثَمَنِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ وَقِيمَتُهُ فِي الْفَاسِدِ وَأُجْرَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ سَوَاءٌ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِحَاجَةِ التِّجَارَةِ، وَمَا يُشْبِهُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ ضَمَانُ غَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ وَدِيعَةٌ إذَا جَحَدَهَا أَوْ اسْتَهْلَكَهَا، كَذَا الْعَارِيَّةُ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُفِيدُ لَهُ تَمَلُّكَ الْأَصْلِ فَتَصِيرُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ، وَلَوْ لِحَقِّ أَحَدِهِمَا ضَمَانٌ لَا يُشْبِهُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ كَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَبَدَل الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَعَنْ هَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الشَّرِيكَ عَلَى الْعِلْمِ إذَا أَنْكَرَ الشَّرِيكُ الْجَانِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا بَيْعَ خَادِمٍ فَأَنْكَرَ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَتَاتِ وَشَرِيكُهُ عَلَى الْعِلْمِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي يَلْزَمُهُمَا، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِحْلَافِ. وَصُورَةُ الْخُلْعِ مَا لَوْ عَقَدَتْ امْرَأَةٌ شِرْكَةَ مُفَاوَضَةٍ مَعَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثُمَّ خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى مَالٍ لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهَا، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِبَدَلِ الْخُلْعِ أَوْ الْتَزَمَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كُفِّلَ أَحَدُهُمَا بِمَالٍ عَنْ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ صَاحِبَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْكَفِيلُ (مُتَبَرِّعٌ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا) أَيْضًا (لَوْ صَدَرَ) أَيْ عَقْدُ الْكَفَالَةِ (مِنْ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ صَحَّ مِنْ الثُّلُثِ وَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ) إذَا أَقْرَضَ أَحَدُهُمَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ لِإِنْسَانٍ لَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى صُدُورِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ أَقَرَّ بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْمَرَضِ لَزِمَتْهُ فِي كُلِّ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَا يُلَاقِي حَالَ بَقَائِهَا وَهِيَ فِي حَالِ الْبَقَاءِ مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ. وَكَوْنُ الْإِقْرَاضِ لَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ وَلَوْ أَخَذَ بِهِ سَفْتَجَةً هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ، وَنَسَبَهُ إلَى الْإِيضَاحِ، وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ نَقَلَهَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا هَكَذَا، قَالَ يَضْمَنُ: يَعْنِي الْمُقْرِضَ لِشَرِيكِهِ تَوَى الْمَالَ أَوْ لَمْ يَتْوِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ الْمُقْرِضُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ. قَالَ: وَهَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ضَمَانِ الْكَفَالَةِ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ ضَمَانُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ فَكَذَا الْمُقْرِضَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ وَالْكَفِيلَ فِي حُكْمِ الْمُقْرِضِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ عَقْدُ الْكَفَالَةِ (عَقْدُ تَبَرُّعٍ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٍ بَقَاءً) كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْكَفِيلُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ (يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِمَا يُؤَدِّيه عَنْهُ) إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ فَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ بَعْدَ مَا لَزِمَ عَلَيْهِ (فَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَقَاءِ تَتَضَمَّنُهُ الْمُفَاوَضَةُ،

وَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَمْ تَصِحَّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ وَتَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الْمَرِيضِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. وَأَمَّا الْإِقْرَاضُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَلَوْ سَلِمَ فَهُوَ إعَارَةٌ فَيَكُونُ لِمِثْلِهَا حُكْمُ عَيْنِهَا لَا حُكْمُ الْبَدَلِ حَتَّى لَا يَصِحَّ فِيهِ الْأَجَلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ مُعَاوَضَةً، وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ تَلْزَمْ صَاحِبَهُ فِي الصَّحِيحِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ. وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَا يَصِحُّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ) وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مِمَّنْ ذَكَرَاهُ: يَعْنِي الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالْمُكَاتَبَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ بِلَا ضَمِيرٍ وَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ الْكَاتِبِ مَا يُشْبِهُ الْهَاءَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي الِابْتِدَاءِ تَبَرُّعٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَامُهَا مُعَاوَضَةً لِأَنَّ التَّمَامَ بِنَاءٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَدْ يُقَالُ تَلَاقِي الذِّمَّةِ وَالذِّمَّةُ فِي الْمَأْذُونِ كَالْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى حَتَّى صَحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ فَلَمْ تُلَاقِ الْكَفَالَةُ حَقَّهُ، بِخِلَافِ الْحُرِّ الْبَالِغِ لِأَنَّهَا لَاقَتْ حَقَّهُ فَصَحَّتْ ثُمَّ تَمَّتْ مُعَاوَضَةً فَلَزِمَتْ الشَّرِيكَ لِأَنَّ لُزُومَهَا لَيْسَ فِي حَالِ الْبَقَاءِ، لِأَنَّا إنَّمَا نَقُولُ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ بَعْدَ مَا لَزِمَ الْكَفِيلَ. بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، إذْ لَا يَسْتَوْجِبُ الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَالِ. وَأَمَّا الْإِقْرَاضُ فَإِنَّهُ إعَارَةٌ مَحْضَةٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً لَا مُعَاوَضَةً، وَإِلَّا كَانَ بَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّسِيئَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ (فَيَكُونُ لِمِثْلِهَا) أَيْ لِمِثْلِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمَقْرُوضَةِ (حُكْمُ عَيْنِهَا لَا حُكْمُ الْبَدَلِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّأْجِيلُ) أَيْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ التَّأْجِيلِ فِي الْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْجَبْرُ فِيمَا فِيهِ تَبَرُّعٌ وَهُوَ بَاطِلٌ، عَلَى أَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ بِنَاءً عَلَى شِبْهِ الْمُعَاوَضَةِ بِلُزُومِ الْمِثْلِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ) الْكَفَالَةُ (بِغَيْرِ أَمْرِهِ) أَيْ أَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ (لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ فِي الصَّحِيحِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ) انْتِهَاءً أَيْضًا، إذْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ يُشِيرُ إلَى خِلَافِ الْمَشَايِخِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَحَمْلُ مُطْلَقِ جَوَابِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ، عَامَّةُ الْمَشَايِخِ جَرَوْا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا بِأَمْرِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَضَمَانُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ) وَكَذَا ضَمَانُ الْمُخَالَفَةِ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْإِقْرَارُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَلْزَمُ شَرِيكَهُ، وَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الْمُصَنِّفِ أَبَا حَنِيفَةَ هُنَا لِأَنَّ فِي ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ

قَالَ (وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ أَوْ وَهَبَ لَهُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ عِنَانًا) لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْآخَرَ لَا يُشَارِكُهُ فِيمَا أَصَابَهُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ، إلَّا أَنَّهَا تَنْقَلِبُ عِنَانًا لِلْإِمْكَانِ، فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ، وَلِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ (وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا فَهُوَ لَهُ وَلَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ) وَكَذَا الْعَقَارُ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ، وَفِي الْكَفَالَةِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا نَقَلَهُ آنِفًا. لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا أَنَّهُ ضَمَانٌ وَجَبَ بِسَبَبٍ غَيْرِ تِجَارَةٍ فَلَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْمُسْتَهْلَكِ وَالْمُسْتَهْلَكُ لَا تَحْتَمِلُهُ الشِّرْكَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَضَمَانِ التِّجَارَةِ، وَلِهَذَا صَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِهِ عَبْدًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا حُرًّا، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، ثُمَّ هُوَ بَدَلُ مَالٍ تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ بِأَصْلِ السَّبَبِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ، وَكَذَا مِلْكُ الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ بِالضَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مُلْتَزِمًا لَهُ ضَرَرِهِ وَنَفْعِهِ وَفِي الْكَافِي: الْإِعَارَةُ لِلرَّهْنِ نَظِيرُ الْكَفَالَةِ خِلَافًا وَتَعْلِيلًا. وَوَجْهُ كَوْنِهَا مُعَاوَضَةً عِنْدَهُ انْتِهَاءً أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ مَا سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِدَيْنٍ لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَلْزَمُهُ عِنْدَهُمَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ مَعَ هَؤُلَاءِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ فَقَبَضَهُ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ عِنَانًا) وَكَذَا إذَا وَهَبَ

فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ فَقَبَضَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ أَوْ زَادَتْ قِيمَةُ دَرَاهِمِ أَحَدِهِمَا الْبِيضِ عَلَى دَرَاهِمِ الْآخَرِ السُّودِ أَوْ دَنَانِيرِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، كُلُّ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ صَارَتْ عِنَانًا، وَلَوْ وَرِثَ مَالًا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ كَالْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ اخْتَصَّ بِهِ وَلَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ، وَكَذَا فِي بَاقِي الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشِّرْكَةِ، إذْ هِيَ أَيْ الْمُسَاوَاةُ شَرْطٌ لِبَقَاءِ صِحَّتِهَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَإِنَّمَا كَانَ مَا هُوَ شَرْطُ ابْتِدَائِهَا شَرْطًا لِبَقَائِهَا لِكَوْنِهِ: أَيْ عَقْدِ الشِّرْكَةِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ لَوْ أَرَادَ فَسْخَهَا فَسَخَهَا. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ كَيْفَ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لِبَقَائِهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فِيهَا بِالْفَسْخِ بَلْ يُجْبِرُ الْقَاضِي الْمُمْتَنِعَ عَلَى الْمُضِيِّ، وَمَعَ ذَلِكَ لِدَوَامِهَا حُكْمَ الِابْتِدَاءِ حَتَّى لَا تَبْقَى بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ كَوْنَ الْعَقْدِ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ يَتَحَقَّقُ مَعَ كَوْنِهِ لَازِمًا كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ لَا تَكُونَ لَازِمَةً كَمَا هُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ لِكَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ فَهُوَ كَالْعَارِيَّةِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ وَاللُّزُومُ أَصْلٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَانْفِسَاخُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ بَلْ بِاعْتِبَارِ فَوْتِ الْمُسْتَحَقِّ لِأَنَّ الدَّارَ تَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَوْ بَقِيَتْ لَزِمَ إرْثُ الْمَنْفَعَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَهِيَ لَا تُورَثُ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَلَا تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُورَثُ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَازِمَةً، وَلَا بَأْسَ أَنْ نَذْكُرَ فُرُوعًا مِنْ شِرْكَةِ الْعَيْنِ إذْ قَلَّ ذِكْرُهَا فِي الْكِتَابِ: أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَذَهَبَ فَاشْتَرَاهُ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ بِشِرَاءِ نِصْفِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ حُضُورِ الْمُوَكِّلِ، وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَوْمَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْخُرُوجَ مِنْ الشِّرْكَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا بِحُضُورِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ. وَلَوْ أَشْهَدَ الْمُوَكِّلُ عَلَى إخْرَاجِ الْوَكِيلِ عَمَّا وَكَّلَهُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ حَاضِرٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا تَصَرَّفَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَزْلِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْآخَرِ فَكَذَلِكَ فِي الشِّرْكَةِ؛ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ لَقِيَهُ آخَرُ فَقَالَ اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ بَيْنِي وَبَيْنَك فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمَأْمُورُ فَالْعَبْدُ بَيْنَ الْآمِرَيْنِ نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ نِصْفِهِ لَهُ. وَقِيلَ فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَ ذَلِكَ النِّصْفِ لِنَفْسِهِ، فَكَذَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ لِغَيْرِهِ مَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمَّا أَمَرَهُ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ نِصْفِهِ لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّصْفِ الْآخَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا تَصْحِيحُ هَذَا الْعَقْدِ وَقَدْ قَبِلَ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إلَّا بِذَلِكَ؛ وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَطَلَبَ إلَيْهِ آخَرُ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ فَأَشْرَكَهُ فِيهِ فَلَهُ نِصْفُهُ بِمِثْلِ نِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الشِّرْكَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] إلَّا أَنْ يَبِينُ خِلَافُهُ، وَلَوْ أَشْرَكَ اثْنَيْنِ فِيهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً كَانَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا فَأَشْرَكَا فِيهِ آخَرَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُهُ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ رُبُعُهُ لِأَنَّ كُلًّا صَارَ مُمَلَّكًا نِصْفَ نَصِيبِهِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ ثُلُثُهُ، لِأَنَّهُمَا حِينَ أَشْرَكَاهُ سَوَّيَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا وَكَانَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ مَعَهُمَا، وَلَوْ أَشْرَكَهُ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ فِي نَصِيبِهِ وَنُصِبْ الْآخَرِ فَأَجَازَ شَرِيكُهُ ذَلِكَ كَانَ لِلرَّجُلِ نِصْفُهُ وَلِلشَّرِيكَيْنِ نِصْفُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ أَشْرَكْتُك فِي هَذَا الْعَبْدِ فَأَجَازَ شَرِيكُهُ كَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا لَوْ أَشْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَلَمْ يُسَمِّ فِي كَمْ أَشْرَكَهُ ثُمَّ أَشْرَكَهُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِهِ كَانَ لَهُ النِّصْفُ. وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَشْرَكْتُك فِي نِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَانَ مُمَلَّكًا جَمِيعَ نَصِيبِهِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَشْرَكْتُك بِنِصْفِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ وَاحِدًا فَقَالَ لِرَجُلٍ أَشْرَكْتُك فِي نِصْفِهِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ كَقَوْلِهِ أَشْرَكْتُك بِنِصْفِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَشْرَكْتُك فِي نَصِيبِي فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُمَلَّكًا جَمِيعَ نَصِيبِهِ بِإِقَامَةِ حَرْفٍ فِي مَقَامِ حَرْفِ الْبَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَشْرَكْتُك بِنَصِيبِي كَانَ بَاطِلًا فَلِذَا كَانَ لَهُ نِصْفُ نَصِيبِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ثُبُوتَ الشِّرْكَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا كُلُّهُ يَنْبَنِي عَلَى صَيْرُورَةِ الْمُشْتَرِي بَائِعًا لِلَّذِي أَشْرَكَهُ وَهُوَ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْهُ، فَانْبَنَى عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَشْرَكَ فِيهِ رَجُلًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَا لَمْ يُقْبَضْ كَمَا لَوْ وَلَّاهُ إيَّاهُ، وَلَوْ أَشْرَكَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ حَتَّى هَلَكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ثَمَنٌ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الَّذِي أَشْرَكَهُ لِأَنَّ لَفْظَ أَشْرَكْتُك صَارَ إيجَابًا لِلْبَيْعِ، وَلَوْ قَالَ أَشْرَكْتُك فِيهِ عَلَى أَنْ تَنْقُدَ عَنِّي الثَّمَنَ فَفَعَلَ كَانَتْ شِرْكَةً فَاسِدَةً لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ فَاسِدٌ وَهُوَ أَنْ يَنْقُدَ عَنْهُ ثَمَنَ نِصْفِهِ الَّذِي هُوَ لَهُ. وَلَوْ نَقَدَ عَنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا نَقَدَ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ كَانَ فَاسِدًا وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ بِدُونِ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا؛ وَلَوْ قَبَضَ نِصْفَ الْمَبِيعِ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهِ آخَرَ مَلَكَ الْآخَرُ نِصْفَ الْعَبْدِ لَا نِصْفَ النِّصْفِ الَّذِي قَبَضَهُ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا انْصَرَفَ إشْرَاكُهُ إلَى الْكُلِّ، ثُمَّ يَصِحُّ فِي الْمَقْبُوضِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ لِأَنَّ تَصْحِيحَ التَّصَرُّفِ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُخَالِفُ اللَّفْظَ، وَقَضِيَّةُ اللَّفْظِ إشْرَاكُهُ فِي كُلِّهِ؛ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ أَيُّنَا اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ فَقَدْ أَشْرَكَ فِيهِ صَاحِبَهُ أَوْ فَصَاحِبُهُ فِيهِ شَرِيكٌ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُوَكِّلٌ لِصَاحِبِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ نِصْفَ الْعَبْدِ لَهُ، فَأَيُّهُمَا اشْتَرَاهُ كَانَ مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ وَنِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَهُوَ كَقَبْضِهِمَا لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ كَانَ مِنْ مَالِهِمَا، فَإِنْ اشْتَرَيَاهُ مَعًا أَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ قَبْلَ صَاحِبِهِ ثُمَّ اشْتَرَى صَاحِبُهُ النِّصْفَ الْآخَرَ كَانَ بَيْنَهُمَا لِتَمَامِ مَقْصُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ نَقَدَ أَحَدُهُمَا كُلَّ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ بَيْنَهُمَا صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ الْآخَرِ فِي نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ فِي بَيْعِهِ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَهُ كَانَ بَائِعًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. وَلَوْ

[فصل ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة]

(فَصْلٌ) (وَلَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاعَهُ إلَّا نِصْفَهُ كَانَ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَنِصْفُ الْعَبْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا الْبَيْعُ عَلَى نِصْفِ الْمَأْمُورِ خَاصَّةً، وَمَبْنَاهُ عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ الْعَبْدِ يَمْلِكُ بَيْعَ نِصْفِهِ وَالْوَكِيلُ بِبَيْعِ نِصْفِهِ يَمْلِكُ بَيْعَ نِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ. وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا إلَّا نِصْفَهُ بِأَلْفٍ كَانَ بَائِعًا لِلنِّصْفِ بِأَلْفٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ كَانَ بَائِعًا لِلنِّصْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ عِبَارَةٌ عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك نِصْفَهُ بِأَلْفٍ، فَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ فَحَاصِلُهُ ضَمَّ نَفْسَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا بَاعَهُ مِنْهُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ مُفِيدًا تَصِحُّ كَمَا فِي شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ الْمُضَارِبِ فَكَانَ كَالْمُشْتَرِي هُوَ مَالَ نَفْسِهِ مَعَ الْمُشْتَرِي فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فَيَسْقُطُ نِصْفُهُ عَنْهُ فَيَبْقَى نِصْفُ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي. (مَسْأَلَةٌ) اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهُ الْآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ بَاعَاهُ مُسَاوَمَةً بِثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَتَيْنِ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ بَاعَاهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ مِائَةٍ أَوْ بِالْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ كَانَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ يُقَابِلُ الْمِلْكَ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ فِي الْمَحِلِّ دُونَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْوَضْعِيَّةِ فَبِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْبُيُوعُ فِي الْمَغْصُوبِ لِعَدَمِ الثَّمَنِ وَيَسْتَقِيمُ بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُشْتَرِي بِعِوَضٍ لَا مِثْلَ لَهُ وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ كَانَ أَثْلَاثًا بَيْنَهُمَا، فَكَذَا الثَّانِي يُوَضِّحُهُ أَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ الْمِلْكَ فِي قِسْمَةِ الثَّمَنِ دُونَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا وَوَضِيعَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَقَدْ نَصَّا عَلَى بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فِي نَصِيبِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمُسَاوَمَةِ، الْكُلُّ مِنْ الْمَبْسُوطِ. [فَصْلٌ وَلَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ اشْتِرَاطَ الْمُسَاوَاةِ فِي رَأْسِ مَالِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ أَيِّ مَالٍ تَصِحُّ بِهِ، فَقَالَ: (لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ) أَيْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ (إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) يَعْنِي لَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ إذَا ذُكِرَ فِيهَا الْمَالُ إلَّا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ وَالْعِنَانَ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ فَيَصِحُّ قَوْلُنَا

أَيْضًا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ النُّقُودَ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهَا لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفَاوَضَةُ تَنْعَقِدُ فِي الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ بِلَا مَالٍ فَصَدَقَ بَعْضُ الْمُفَاوَضَةِ تَنْعَقِدُ بِلَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَفُلُوسٍ، وَهُوَ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ لَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ يُنَاقِضُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ، وَالتَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ يُخْرِجُ الدَّيْنَ وَالْعُرُوضَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ يَجُوزُ بِالْعُرُوضِ الْمُثْلَى، وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ، وَلَوْ وَقَعَ تَفَاضُلٌ فِي بَيْعِهَا يَرْجِعُ كُلٌّ بِقِيمَةِ عَرْضِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَكَمَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا بِالْعَرْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا عَرْضًا وَالْآخَرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ حُضُورَ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ الشَّرْطُ وُجُودُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ بِهَا وَبِعْ فَمَا رَبِحْت فَهُوَ بَيْنَنَا فَفَعَلَ صَحَّ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فَعَلَ لِيَلْزَمَ الْآخَرَ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَوْ ثَبَتَتْ وَضِيعَةٌ، وَقَيَّدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِإِخْرَاجِ الْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ فَلَا يَصْلُحَانِ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا فِيمَا سَنَذْكُرُهُ، وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ وَالْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي الْكَافِي فِيهَا خِلَافًا، بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ. وَخَصَّ الْكَرْخِيُّ الْجَوَازَ بِالْفُلُوسِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الظَّاهِرَ الْجَوَازَ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا فُلُوسًا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ، وَلَيْسَتْ ثَمَنًا فِي الْأَصْلِ وَهُمْ لَمْ يَتَعَامَلُوا أَنْ يَجْعَلُوهَا رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (قَالُوا) يَعْنِي الْمُتَأَخِّرِينَ: (هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ إذَا كَانَا بِعَيْنِهِمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَسَيَأْتِي الْوَجْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِأَعْيَانِهِمَا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ دَيْنًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ تَثْبُتُ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْجِنْسَ إذَا كَانَ مُتَّحِدًا فَقَدْ (عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ) فَكَانَتْ كَالنُّقُودِ (بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ) حَيْثُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالنُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ) فَإِنَّ الْمَالَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُضَارِبِ

فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا يَشْتَرِيهِ فِي ذِمَّتِهِ إذْ هِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحُ مَا يَضْمَنُ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ، وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ، وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ جَائِزٌ. وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَلِأَنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَسْتَحِقُّ رِبْحَهُ (فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. وَلَنَا أَنَّ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ) فِي الْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ (يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَرْضَهُ وَاتَّفَقَ تَفَاضُلُ الثَّمَنَيْنِ (فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى حِصَّةِ رَأْسِ مَالِهِ) الَّذِي هُوَ ثَمَنُ عَرْضِهِ (رِبْحُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ) وَلَمْ يَضْمَنْهُ (بِخِلَافِ النُّقُودِ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ثَمَّ وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي الشِّرَاءِ بِمَالِهِ، وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِرَأْسِ الْمَالِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ فَرِبْحُهُ رِبْحُ مَا ضَمِنَهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ خَلْطَ الْعَرْضَيْنِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا مَكِيلَيْنِ أَوْ مَوْزُونَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مُتَّحِدِي الْقِيمَةِ كَثِيَابِ الْكِرْبَاسِ مِنْ بَابَةَ وَاحِدَةٍ. قُلْنَا: الْخَلْطُ لَا يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي كُلِّ ثَوْبٍ وَحَبَّةٍ مَثَلًا، فَإِذَا بَاعَا جُمْلَةً فِي وَقْتِ طُلُوعِ السِّعْرِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَدَدَ مَا بِيعَ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مُتَسَاوِيَانِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُتَفَاوِتَانِ، فَيَلْزَمُ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِزِيَادَةِ رِبْحٍ لِزِيَادَةِ مِلْكِهِ، وَالتَّخَلُّصُ عَنْهُ لَيْسَ إلَّا بِضَبْطِ قَدْرِ مِلْكِهِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فَقَدْ أَدَّى إلَى تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى قَدْرِ حَقِّهِ وَرِبْحِ الْآخَرِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَلَا يُفِيدَانِ الْعِلْمَ بِالْقِيمَةِ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ اُعْتُبِرَ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَةَ الْعُرُوضِ، أَمَّا إذَا كَانَ هُوَ نَفْسُ الْعُرُوضِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَّحِدَةِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَقَدْ خَلَطَاهُ فِيهِ فَلَا تَنَازُعَ. نَعَمْ اللَّازِمُ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَتَعَذُّرُ مَا يَدْفَعُهُ (وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ، وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ، وَشِرَاؤُهُ شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِيهِ يَجُوزُ) ، وَعَلِمْت أَنَّ الْخَلْطَ لَا يَنْفِي ذَلِكَ (وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْفُلُوسَ إذَا كَانَتْ نَافِقَةً تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

قَالُوا: هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهَا عَلَى مَا عُرِفَ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا لِأَنَّ ثُمْنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتَصِيرُ سِلْعَةً. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صِحَّةُ الْمُضَارَبَةِ بِهَا. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ بِالتِّبْرِ) وَالنُّقْرَةُ فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِمَا، هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) وَمُرَادُهُ التِّبْرُ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا تَصِحُّ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ النُّقْرَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَا بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِيهِمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّهُمَا خُلِقَا ثَمَنَيْنِ فِي الْأَصْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ ثُمْنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً) فَإِنَّهَا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ لَا بِالْخِلْقَةِ، فَفِي كُلِّ سَاعَةٍ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْخِلْقَةِ. وَتَصِيرُ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ الْقَائِمِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُلَاحَظَةِ، أَمَّا فِي الْخَارِجِ فَهِيَ ثَمَنٌ مُسْتَمِرٌّ مَا اسْتَمَرَّ الِاصْطِلَاحُ عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ عَلَى الْفُلُوسِ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ بِعَيْنِهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ تِلْكَ الْفُلُوسُ حَتَّى لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِهَلَاكِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَقِرٌّ فِي بَيْعِ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ، (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ الْمُضَارَبَةِ بِهَا) وَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَبْسُوطِ الْإِسْبِيجَابِيِّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْكُلِّ الْآنَ عَلَى جَوَازِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَعَدَمِ التَّعْيِينِ وَعَلَى مَنْعِ بَيْعِ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِيمَا يَلِيهِ حَيْثُ قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا كَالتِّبْرِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمَصُوغِ (وَالنُّقْرَةِ) وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْهَا، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ، رِوَايَةُ الْجَامِعِ: لَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَمُرَادُهُ التِّبْرُ فَعَلَى هَذِهِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ النُّقْرَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَعَلَى هَذَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ فِيهِمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ

إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ خُلِقَتْ لِلتِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا تُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهِمَا ثَمَنًا فَنَزَلَ التَّعَامُلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ ثَمَنًا وَيَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ. ثُمَّ قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا قَبْلَ الْخَلْطِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحُ مَتَاعِهِ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ، وَإِنْ خَلَطَا ثُمَّ اشْتَرَكَا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ مِلْكٍ لَا شَرِكَةُ عَقْدٍ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ شَرِكَةُ الْعَقْدِ. وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ وَاشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بَعْدَ الْخَلْطِ كَمَا تَعَيَّنَ قَبْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُمَا خُلِقَا ثَمَنَيْنِ. ثُمَّ قَالَ (إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ) يَعْنِي دِرَايَةً؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ (لَكِنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ) فَخَرَجَ ضَرْبُهَا حُلِيًّا فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ أَلْبَتَّةَ، وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ (وَلَمْ يَجْرِ التَّعَامُلُ بِهِمَا) أَيْ ثُمَّ قَالَ (إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِهِمَا) أَيْ بِالتِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ أَصَحُّ، وَهُوَ كَوْنُهُمَا لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِمَا فَكَانَ الثَّابِتُ أَنَّهُمْ إذَا تَعَامَلُوا بِقِطَعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ صَلَحَتْ رَأْسَ مَالٍ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَوْلُهُ أَيْ الْقُدُورِيِّ (لَا تَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ الْمُتَقَارِبَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ) بَيْنَنَا (قَبْلَ الْخَلْطِ) ؛ لِأَنَّهَا عُرُوضٌ مَحْضَةٌ (لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَتَاعُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ) وَيَخْتَصُّ بِرِبْحِهِ، (وَكَذَا إنْ خَلَطَا ثُمَّ اشْتَرَكَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَتَاعُهُ يَخُصُّهُ رِبْحُهُ وَوَضِيعَتُهُ لِانْتِفَاءِ شَرِكَةِ الْعَقْدِ، وَالْوَضِيعَةُ خَسَارَةُ التَّاجِرِ، يُقَالُ مِنْهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وُضِعَ التَّاجِرُ وُكِسَ فِي سِلْعَتِهِ يُوضَعُ وَضِيعَةً: أَيْ خَسِرَ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ: وَضِعَ يَوْضَعُ كَوَجِلِ يَوْجَلُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِحُّ شَرِكَةُ عَقْدٍ) إذَا كَانَ الْمَخْلُوطُ جِنْسًا وَاحِدًا (وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُ (وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَكَانَ عَرَضًا مَحْضًا فَلَا يَصِحُّ رَأْسُ مَالِهَا، وَمَا لَا يَصِحُّ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْحَالُ بَيْنَ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ، كَمَا أَنَّ مَا يَصِحُّ مِنْ النُّقُودِ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ قَبْلَ الْخَلْطِ هُوَ كَوْنُهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْخَلْطِ بَلْ يَزْدَادُ تَقَرُّرًا؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوطَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَعَيِّنًا فَيَتَقَرَّرُ الْمَعْنَى الْمُفْسِدُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُصَحِّحًا لِلْعَقْدِ، (قَوْلُهُ وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا) أَيْ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ (عُرُوضٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ)

وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ بِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. وَمَبِيعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَالَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا بِحَالٍ وَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَخُلِطَا لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَتَتَمَكَّنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مِنْ حُكْمِ الْأَثْمَانِ فَعَمِلْنَا (بِالشَّبَهَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَالَيْنِ) وَهُمَا الْخَلْطُ وَعَدَمُهُ بِشَبَهِ الْعَرَضِ قَبْلَ الْخَلْطِ فَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهَا قَبْلَهُ، وَيُشْبِهُ الثَّمَنَ بَعْدَ الْخَلْطِ فَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهَا بَعْدَهُ. وَهَذَا لِأَنَّ بِالْخَلْطِ تَثْبُتُ شَرِكَةُ الْمِلْكِ فَيَتَأَكَّدُ بِهَا شَرِكَةُ الْعَقْدِ (بِخِلَافِ الْعُرُوضِ) الْمَحْضَةِ (فَإِنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا بِحَالٍ) وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَظْهَرُ وَجْهًا؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ قَبْلَ الْخَلْطِ لَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ الْعَرْضِ لَهُ شَبَهٌ بِهِ بَلْ هُوَ عَرْضٌ مَحْضٌ، وَازْدَادَ فِي الْعَرْضِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَوْنُ الشَّيْءِ مُتَأَصِّلًا فِي حَقِيقَةٍ وَلَهُ شَبَهٌ بِأُخْرَى لَا يُقَالُ لَهُ شَبَهَانِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ فِي الذِّمَّةِ عَرَضٌ عَامٌّ لِحَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَالْمُفْسِدُ وَهُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَا يَخْتَلُّ بِالْخَلْطِ وَإِلَّا لَزِمَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ كَانَ الْمَخْلُوطُ لَهُمَا جِنْسَيْنِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ، ثُمَّ عَقَدَا لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالِاتِّفَاقِ (وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ) بَيْنَ الْعَقْدِ بَعْدَ صِحَّةِ الْخَلْطِ فِي مُتَّفِقِي الْجِنْسِ حَيْثُ يَجُوزُ، وَالْمُخْتَلِفِينَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ. (أَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) حَتَّى يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ مِثْلَهُ فَيُمْكِنُ تَحْصِيلُ رَأْسِ الْمَالِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَقْتَ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ الْمِثْلِ (وَ) الْمَخْلُوطُ (مِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ) حَتَّى يَلْزَمُ مُتْلِفَهُ قِيمَتُهُ (فَتَتَمَكَّنَ الْجَهَالَةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِ حَقِّهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ (كَمَا فِي الْعُرُوضِ) ، (قَوْلُهُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ) قِيلَ أَرَادَ قَضَاءَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ بَيَّنَّهُ فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافُ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي إطْلَاقِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَالِطَ تَعَدِّيًا يَضْمَنُ نَصِيبَ الْمَخْلُوطِ مَالُهُ إذَا خَلَطَهُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَا يَتَمَيَّزُ كَشَيْرَجِ رَجُلٍ خَلَطَهُ بِزَيْتِ غَيْرِهِ، أَوْ يَتَمَيَّزُ بِعُسْرٍ كَحِنْطَةٍ خَلَطَهَا بِشَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ حَقُّ مَالِكِهَا بِهَذَا الْخَلْطِ، فَإِنَّ هَذَا الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ، بِخِلَافِ مَا تَيَسَّرَ مَعَهُ كَخَلْطِ السُّودِ بِالْبِيضِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ الْمَالِكُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ مِلْكِهِ، وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ يَجِبُ عَلَى الْخَالِطِ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْمَخْلُوطِ مَالُهُ كَغَيْرِ الْمُودِعِ وَغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا أَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِالْخَالِطِ فَقَالَ أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ أَنَا آخُذُ الْمَخْلُوطَ وَأُعْطِي صَاحِبِي مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ فَرَضِيَ صَاحِبُهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَإِذَا رَضِيَا بِذَلِكَ صَحَّ، وَإِنْ أَبَى يُبَاعُ الْمَخْلُوطُ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قِيمَةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ عَلَى مَا يُذْكَرُ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ بِقِيمَتِهَا مَخْلُوطَةً بِالشَّعِيرِ وَصَاحِبُ الشَّعِيرِ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تَنْقُصُ بِاخْتِلَاطِهَا بِالشَّعِيرِ، وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَضْرِبُ بِقِيمَتِهَا إلَّا بِالصِّفَةِ الَّتِي بِيعَتْ بِهَا، وَالشَّعِيرُ يَزْدَادُ قِيمَةً بِالِاخْتِلَاطِ لَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الْحِنْطَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَضْرِبَ بِهَا مَخْلُوطًا فَلِهَذَا يَضْرِبُ بِقِيمَةِ الشَّعِيرِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ. قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ الْمَخْلُوطِ بَلْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الشَّرِكَةِ فِي الْمَخْلُوطِ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْخَالِطِ، فَأَمَّا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ الْمَخْلُوطُ مِلْكٌ لِلْخَالِطِ وَحَقُّهُمَا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يُبَاعُ مَالُهُ فِي دَيْنِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى ذَلِكَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمَا وَإِنْ انْقَطَعَ عَنْ الْمَخْلُوطِ فَالْحَقُّ فِيهِ بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لِلْخَالِطِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، فَلِبَقَاءِ حَقِّهِمَا يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَسْتَوْفِيَا حَقَّهُمَا مِنْ الْمَخْلُوطِ، إمَّا صُلْحًا بِالتَّرَاضِي أَوْ بَيْعًا وَقِسْمَةَ الثَّمَنِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْخَلْطِ وَرَضِيَا بِهِ، وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ صَارَ عَيْنًا مُشْتَرَكَةً، فَإِذَا بَاعَهُ انْقَسَمَ عَلَى قَدْرِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمَخْلُوطُ غَيْرَ مِثْلِيٍّ كَالثِّيَابِ فَبَاعَاهَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ اقْتَسَمَاهُ عَلَى قِيمَةِ مَتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ بَاعَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَائِعٌ لِمِلْكِهِ، وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ مَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ مِنْ الْعَرْضِ، فَيُقَسَّمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ مِثْلَيْنِ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا إذَا بَاعَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ خَلَطَا مَخْلُوطًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْمَبِيعِ فَيُقَسَّمُ عَلَى قِيمَةِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمِلْكُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَانَ مَعْلُومًا بِالْقِيمَةِ وَقْتَ الْخَلْطِ فَتُعْتَبَرُ تِلْكَ الْقِيمَةُ، لَكِنْ مَخْلُوطًا إنْ لَمْ تَزِدْ بِالْخَلْطِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَزِيدُهُ الْخَلْطُ خَيْرًا فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يَقْتَسِمُونَ غَيْرَ مَخْلُوطٍ. مَثَلًا قِيمَةُ الشَّعِيرِ تَزْدَادُ إذَا خُلِطَ بِالْحِنْطَةِ، وَقِيمَةُ الْحِنْطَةِ تَنْقُصُ، فَصَاحِبُ الشَّعِيرِ يَضْرِبُ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ ظَهَرَتْ فِي مِلْكِهِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ بِهِ مَعَهُ، وَصَاحِبُ الْحِنْطَةِ يَضْرِبُ بِقِيمَتِهَا مَخْلُوطَةً بِالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَاصِلٌ بِعَمَلٍ هُوَ رَاضٍ بِهِ وَهُوَ الْخَلْطُ، وَقِيمَةُ مِلْكِهِ عِنْدَ ذَلِكَ نَاقِصَةٌ فَلَا يَضْرِبُ إلَّا بِذَلِكَ الْقَدْرِ. وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا فَقَالَ: قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ خَلَطَاهُ، وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَوْمَ يَقْتَسِمُونَ غَلَطٌ، بَلْ الصَّحِيحُ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّمَنِ بِهِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلِطَاهُ وَبَاعَا الْكُلَّ جُمْلَةً، فَإِنَّ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ تَكُونُ وَقْتَ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ وَيَوْمَ الْخَلْطِ وَالْقِسْمَةِ سَوَاءً. وَرَدَّهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ قِيمَةِ الشَّيْءِ بِالرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ مِثْلِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَيْسَ لِلْمَخْلُوطِ مِثْلٌ يُبَاعُ فِيهَا حَتَّى يُمْكِنَ اعْتِبَارُ قِيمَةِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْتَ الْبَيْعِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّقْوِيمِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَةِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا

قَالَ (وَإِذَا أَرَادَ الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ، ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ) قَالَ (وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ مِلْكٌ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ مَتَاعِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهَا وَقْتَ الْعِتْقِ فَيُصَارُ إلَى تَقْوِيمِهِ فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْقِيمَةِ فِيهَا وَهُوَ مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، فَكَذَا هُنَا يُصَارُ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ كُلٍّ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَهُوَ عِنْدَ الْخَلْطِ إلَّا أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَلْطَ يَزِيدُ فِي مَالِ أَحَدِهِمَا وَيُنْقِصُ فِي مَالِ الْآخَرِ فَقَدْ تَعَذَّرَ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ مِلْكِهِمَا وَقْتَ الْخَلْطِ لِتَيَقُّنِنَا بِزِيَادَةِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا وَنُقْصَانِ الْآخَرِ فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عِنْدَ الْخَلْطِ مِلْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيُجْعَلُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ الْخَلْطِ كَالْبَاقِي فِي الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْقِسْمَةِ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُخْلَطَا: لِأَنَّ تَقَوُّمَ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْتَ الْبَيْعِ هُنَاكَ مُمْكِنٌ، فَاعْتَبَرْنَا فِي قِسْمَةِ الثَّمَنِ قِيمَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْتَ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الشَّرِكَةَ فِي الْعُرُوضِ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ عَرَضِهِ بِنِصْفِ عَرَضِ الْآخَرِ فَتَصِيرُ شَرِكَةَ مِلْكٍ، ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا) فَقِيلَ هَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُضَافَةً

وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى حَالِ بَيْعِهِمَا الْعُرُوضَ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُضَافٌ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَوْكِيلٍ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ بِالدَّرَاهِمِ. وَالْحَقُّ أَنَّ جَوَازَ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ تَوَارَدَتْ كَلِمَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَيْهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ كَوْنِ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ عُرُوضًا كُلٌّ مِنْ أَمْرَيْنِ: لُزُومِ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَجَهَالَةِ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ فَيَكُونُ كَمَا رَبِحَهُ أَحَدُهُمَا مَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَلَا تَحْصُلُ جَهَالَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعَرُّفِ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ بِالْحَزْرِ فَتَقَعُ الْجَهَالَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْمَالِ شَرِيكَانِ فِيهِ، فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ كُلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الثَّمَنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذِهِ شَرِكَةُ مِلْكٍ مُشْكِلٌ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ قَصَدَ إلَى الْخِلَافِ حَقِيقَةً اخْتِيَارًا مِنْهُ لِعَدَمِ الْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ عَلَى طَرِيقِهِ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ أَوَّلَ الْكِتَابِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ، وَلَمْ يَضَعْ الْخِلَافَ وَضْعَهُ الْمَعْرُوفَ، وَلِذَا اخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ جَوَازِ الشَّرِكَةِ لِبَقَاءِ جَهَالَةِ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا، وَفَسَادُهَا بِالْعُرُوضِ

قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي نَوْعِ بُرٍّ أَوْ طَعَامٍ، أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَذْكُرَانِ الْكَفَالَةَ) ، وَانْعِقَادُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَعْرَاضِ يُقَالُ عَنَّ لَهُ: أَيْ عَرَضَ، وَهَذَا لَا يُنْبِئُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا يَثْبُتُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ (وَيَصِحُّ التَّفَاضُلُ فِي الْمَالِ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ قَضِيَّةِ اللَّفْظِ الْمُسَاوَاةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ لِذَاتِ الْعُرُوضِ بَلْ لِلَّازِمِ الْبَاطِلِ وَعَلِمْت أَنَّهُ مُنْتَفٍ (قَوْلُهُ وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَاتِ بُرٍّ أَوْ طَعَامٍ أَوْ يَشْتَرِكَا فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَذْكُرَانِ الْكَفَالَةَ) ؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْمُفَاوَضَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ ذَكَرَاهَا وَكَانَتْ بَاقِي شُرُوطِهَا مُتَوَفِّرَةً انْعَقَدَتْ مُفَاوَضَةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ فِي انْعِقَادِهَا بَعْدَ ذِكْرِ جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَفِّرَةً يَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عِنَانًا، ثُمَّ هَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ؟ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَبْطُلُ لِأَنَّ الْعِنَانَ مُعْتَبَرٌ فِيهَا عَدَمُ الْكَفَالَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْكَفَالَةِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِهَا فَتَصِحُّ عِنَانًا، ثُمَّ كَفَالَةُ كُلٍّ الْآخَرَ زِيَادَةٌ عَلَى نَفْسِ الشَّرِكَةِ: أَيْ كَمَا أَنَّهَا تَكُونُ عِنَانًا مَعَ الْعُمُومِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِ الْعُمُومِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ يُرَجَّحُ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ لِمَجْهُولٍ فَلَا تَصِحُّ إلَّا ضِمْنًا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّا تَتَضَمَّنُهَا الشَّرِكَةُ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُهَا إلَّا قَصْدًا فَلَا تَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَقَدَ الْمُفَاوَضَةَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ بِأَنْ ذَكَرَا كُلَّ مُقْتَضَيَاتِهَا فَإِنَّ مِنْهَا الْكَفَالَةَ وَتَصِحُّ، فَإِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْمُرَكَّبِ الْمُرَادِفِ لِلْمُفْرَدِ الدَّاخِلِ فِي مَفْهُومِهِ الْكَفَالَةُ، بِخِلَافِ الْعِنَانِ لَيْسَ الْمُفْرَدُ مُعْتَبَرًا فِي مَفْهُومِهِ الْكَفَالَةُ (قَوْلُهُ مِنْ عَنَّ لِي كَذَا) أَيْ عَرَضَ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ ... عَذَارَى دُوَارٍ فِي مُلَاءٍ مُذَيَّلٍ أَيْ اعْتَرَضَ لَنَا سِرْبٌ: أَيْ قَطِيعٌ يُرِيدُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ كَأَنَّ نِعَاجَهُ عَذَارَى: أَيْ أَبْكَارَ دُوَارٍ، وَهُوَ اسْمُ صَنَمٍ

(وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحَ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ، إذْ الضَّمَانُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ عِنْدَهُمَا فِي الرِّبْحِ لِلشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ، وَلِهَذَا يَشْتَرِطَانِ الْخَلْطَ، فَصَارَ رِبْحُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ نَمَاءِ الْأَعْيَانِ فَيُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلَمْ يَفْصِلْ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ؛ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَهْدَى وَأَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقْوَى فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْعَقْدُ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَمِنْ الْمُضَارَبَةِ أَيْضًا إلَى قَرْضٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ أَوْ إلَى بِضَاعَةٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا الْعَقْدُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ الْعَرَبُ تَنْصِبُهُ وَتَدُورُ حَوْلَهُ، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا. وَقَوْلُهُ فِي مُلَاءٍ تَشْبِيهٌ لِنِعَاجِ الْبَقَرِ فِي اسْتِرْخَاءِ لَحْمِهَا لِسِمَنِهَا بِالْعَذَارَى، وَالْمُلَاءُ الْمُذَيَّلُ: أَيْ الطَّوِيلَاتُ الذَّيْلُ، وَهَذَا الِاشْتِقَاقُ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَلْ عُرُوضُ عَرَضٍ تَعَلَّقَ بِقَدْرٍ مِنْ الِاخْتِلَاطِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَعُمُومُهُ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكِسَائِيُّ وَالْأَصْمَعِيُّ، فَإِنَّهُ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ مَالِهِ لِرَفِيقِهِ وَبَعْضِهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفَاوُتُهُمَا فِي الْمَالِ وَالرِّبْحِ كَمَا يَتَفَاوَتُ الْعِنَانُ فِي كَفِّ الْفَارِسِ طُولًا وَقِصَرًا فِي حَالَتَيْ الْإِرْخَاءِ وَضِدِّهِ، إلَّا أَنَّهُ اشْتِقَاقٌ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا فِيمَا سُمِعَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا فِي: اسْتَحْجَرَ الطِّينُ وَأَمْثَالِهِ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ) وَعَكْسُهُ بِأَنْ يَتَفَاضَلَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيَتَسَاوَيَانِ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ: لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ وَيَتَفَاضَلَا إلَخْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا، أَوْ شَرَطَاهُ عَلَى مَنْ شَرَطَ لَهُ زِيَادَةَ الرِّبْحِ، وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا لَا يَجُوزُ. وَجْهُ قَوْلِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ بِلَا ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَصَارَ كَالْوَضِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ اعْتِبَارٌ لِلرِّبْحِ بِالْخُسْرَانِ (وَلَنَا) مَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ مِنْ (قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» ) وَلَمْ يُعْرَفْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَنْسُبُهُ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقْوَى فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ، وَ) رَأَيْنَا (هَذَا الْعَقْدَ) أَيْ شَرِكَةَ الْعِنَانِ (يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ

فِي مَالِ الشَّرِيكِ، وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ اسْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ فَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْمُضَارَبَةِ. وَقُلْنَا: يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ حَتَّى لَا تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهَا. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ الْبَعْضِ) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَالِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ إذْ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَصِحُّ بِهِ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا وَمِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ، وَكَذَا مِنْ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ بِيضٌ وَمِنْ الْآخَرِ سُودٌ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا شَرْطٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مُخْتَلِفِي الْجِنْسِ، وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَمَا اشْتَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشَّرِكَةِ طُولِبَ بِثَمَنِهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ. قَالَ (ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَالِ) غَيْرِهِ وَهُوَ (الشَّرِيكُ) وَيَسْتَرْبِحُ بِهِ (وَيُشْبِهُ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ اسْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ فَعَمَلُنَا بِشَبَهِ الْمُضَارَبَةَ) فِي اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ لِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ الَّذِي شَرَطَ عَمَلَهُ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ رِبْحًا بِلَا ضَمَانٍ، وَيُشْبِهُ الْمُفَاوَضَةَ حَتَّى أَجَزْنَا شَرْطَ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، وَكَوْنُ الْمُضَارَبَةِ تَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا يُبْطِلُ اعْتِبَارَ شَبَهِهَا الْآخَرِ الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ أَجَزْنَا الزِّيَادَةَ فِي الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ شُرِطَ كُلُّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَيْضًا إلَى قَرْضٍ إنْ شُرِطَ لِلْعَامِلِ، كَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ مَالَهُ فَاسْتَحَقَّ جَمِيعَ رِبْحِهِ، وَإِلَى بِضَاعَةٍ إنْ شُرِطَ لِرَبِّ الْمَالِ، إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ شَبَهُهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ، وَيُقَالُ بَلْ الرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ فِي الشَّرْعِ تَارَةً بِالْعَمَلِ وَتَارَةً بِالْمَالِ، وَالْمَشْرُوطُ لَهُ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطٌ عَمَلُهُ، وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ الْآخَرِ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَحَذَقَ وَأَقْوَى إلَخْ (قَوْلُهُ إذْ اللَّفْظُ) أَيْ لَفْظُ الْعِنَانِ (لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ) وَلَا يُنْبِئُ عَنْهُ لِيُعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِهِ فَلِذَا جَازَ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلٌّ بِبَعْضِ مَالِهِ، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ، وَيَجُوزُ بِدَرَاهِمَ سُودٍ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا وَبِيضٍ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا وَالرِّبْحُ عَلَى

الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ (وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ أَوْ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ الْمَالُ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَبِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الثَّمَنَانِ فِيهِمَا بِالتَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا لِيُشْرِكَهُ فِي مَالِهِ، فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِشَرِكَتِهِ فَيَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا شُرِطَ فِيهَا تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاوَتَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ دَرَاهِمِهِمَا بِشَرْطِهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ كُلُّهُ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) وَكَذَا لَوْ هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ الْخَلْطِ وَقَبْلَ الشِّرَاءِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ وَحْدِهُ سَوَاءٌ هَلَكَ فِي يَدِ مَالِكِهِ أَوْ يَدِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْخَلْطِ حَيْثُ يَهْلِكُ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْخَلْطِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَأَمَّا بُطْلَانُ الشَّرِكَةِ (فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ هُوَ الْمَالُ) الْمُعَيَّنُ (لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الشَّرِكَةِ) وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ (وَبِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَالُ فِيهِمَا بِالتَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ) حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِمُوَكِّلِهِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الشِّرَاءِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ، أَمَّا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِكَوْنِ الثَّمَنِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ الْمُفْرَدَةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ. وَاحْتُرِزَ بِالْمُفْرَدَةِ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الشَّرِكَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ (وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَهْلِكْ مَالُهُ (لَمْ يَرْضَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا لِيُشْرِكَهُ) هُوَ أَيْضًا (فِي مَالِهِ) بِتَقْدِيرِ بَقَائِهِ، (فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ) ظَهَرَ وُقُوعُ مَا (لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا) بِهِ عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ (فَيَبْطُلُ

الْعَقْدُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، وَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ؛ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ هَلَكَ فِي يَدِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْخَلْطِ حَيْثُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فَيُجْعَلُ الْهَالِكُ مِنْ الْمَالَيْنِ. (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ الشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، حَتَّى إنَّ أَيَّهُمَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا يُنْتَقَضُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِهَا. قَالَ (وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّةٍ مِنْ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، هَذَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ. أَمَّا إذَا هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالٍ الْآخَرِ، إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، وَيَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ) وَهِيَ الِاشْتِرَاكُ فِيمَا يَحْصُلُ (قَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ) لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ لِيُبْطِلَ فَيَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِمَا اشْتَرَاهُ (فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ) أَيْ حُكْمُ (الشَّرِكَةِ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ الشَّرِكَةُ) . الْوَاقِعَةُ فِي هَذَا الْمُشْتَرَى بَعْدَ هَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ (شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) فَإِنَّهَا شَرِكَةُ مِلْكٍ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا إلَّا فِي نَصِيبِهِ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ شَرِكَةَ الْعَقْدُ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ الْمَالِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِمَالِ الْآخَرِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا حُكْمُ ذَلِكَ الشِّرَاءِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَلْزَمُ انْفِرَادُ الْمِلْكِ بِعَدَمِ مَا يُوجِبُ زِيَادَةً عَلَيْهِ. وَلِمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَلَاكَ مَالِ أَحَدِهِمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِمَالِ الْآخَرِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِهَا فَلَا يَكُونُ الْهَلَاكُ مُبْطِلًا شَرِكَةَ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَمَامِهَا كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ. (وَإِذَا وَقَعَ الْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ لَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) قَرِيبًا (هَذَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ، أَمَّا إذَا هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ) يَعْنِي الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ (بِالْمَالِ الْآخَرِ إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ) بِأَنْ قَالَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالِهِ هَذَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَنَا، كَذَا صَوَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ (فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَتَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ) وَبِهَذَا جَمَعَ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ التَّنَاقُضِ الْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: فَاشْتَرَى بِالْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ، وَفِي بَعْضِهَا: إنْ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ مَحْمَلَ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرِكَةِ وَكَالَةٌ مُصَرَّحٌ بِهَا، وَمَحْمَلَ

لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهَا كَانَ الْمُشْتَرَى لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الشَّرِكَةِ لَهُ حُكْمُ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الشَّرِكَةُ، فَإِذَا بَطَلَتْ يَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ. قَالَ (وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ، وَلَا يَقَعُ الْفَرْعُ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَأَنَّهُ بِالْخَلْطِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ هُوَ الْمَالُ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرِكَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ يَعْمَلُ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ عِمَالَةً عَلَى عَمَلِهِ، أَمَّا هُنَا بِخِلَافِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ لَهُمَا حَتَّى يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي إذَا صَرَّحَا بِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ مَالِكًا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ يَدِهِمَا بِأَنْ يَكُونَ فِي حَانُوتٍ أَوْ فِي يَدِ وَكِيلِهِمَا، (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ، وَلَا يَكُونُ الْفَرْعُ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا وَالْأَصْلُ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَإِنَّهُ) أَيْ الشَّرِكَةُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَعْنَى الِاشْتِرَاكِ (بِالْخَلْطِ) لِمَا سَلَف مِنْ أَنَّ مَعْنَاهَا الِاخْتِلَاطُ أَوْ الْخَلْطُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ شَرِكَةٌ بِلَا خَلْطٍ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كُلِّ عَقْدٍ شَرْعِيٍّ مَا هُوَ مُقْتَضَى اسْمِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الرِّبْحِ فَرْعَ الْمَالِ (أَصْلٌ كَبِيرٌ لَهُمَا) حَتَّى تَفَرَّعَ عَلَيْهِ (اعْتِبَارُ اتِّحَادِ الْجِنْسِ)

وَيُشْتَرَطُ الْخَلْطُ وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ. وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْأَعْمَالِ لِانْعِدَامِ الْمَالِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُسَمَّى شَرِكَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ شَرْطًا، وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَا يُسْتَفَادُ الرِّبْحُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ وَكِيلٌ. وَإِذَا تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي التَّصَرُّفِ بِدُونِ الْخَلْطِ تَحَقَّقَتْ فِي الْمُسْتَفَادِ بِهِ وَهُوَ الرِّبْحُ بِدُونِهِ، وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ وَلِلْآخَرِ دَنَانِيرُ، وَلَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا بِيضٌ وَلِلْآخَرِ سُودٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مَا لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، (وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ) لِاخْتِلَافِ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَلَا شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ وَالْأَعْمَالِ لِعَدَمِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ) حَاصِلُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِينَ أَنَّ الرِّبْحَ يُضَافُ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَهُوَ الْعِلَّةُ، وَإِلَى الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ التَّصَرُّفِ، وَالْحُكْمُ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالذَّاتِ إنَّمَا يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ لِمَا عُرِفَ أَنْ لَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ الْبَعِيدَةِ فِي الْحُكْمِ، وَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ مَجَازِهَا فِي حُكْمٍ يَنْبَنِي عَلَى الْإِضَافَةِ، وَإِنَّمَا وَجْهُ التَّقْرِيرِ الْمُرَادِ أَنَّ الرِّبْحَ الْمُسْتَحَقَّ شَرْعًا لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَالِ الْآخَرِ لَيْسَ مُضَافًا إلَّا إلَى الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي بِهِ حَلَّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ لَا إلَى نَفْسِ الْمَالِ وَلَا التَّصَرُّفِ فِيهِ، لِأَنَّ إضَافَةَ الرِّبْحِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ مَعْنَاهَا أَنَّهُ اُكْتُسِبَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُفِيدٍ لَنَا إذْ هُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا حَاجَتُنَا إلَى ثُبُوتِ حِلِّ الرِّبْحِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ حِلَّهُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَا التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ نَفْسَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا لَا يُوجِبُ حِلَّ الرِّبْحِ لِلْمُتَصَرِّفِ، كَمَا فِي الْمُبْضِعِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَحِلَّ إلَّا بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ مُتَحَقِّقًا فِيهِ مَعْنَى اسْمِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ الشَّرْعِيَّ يُسَمَّى شَرِكَةً، فَتَحَقُّقُ مَعْنَاهُ بِمَا يُفِيدُهُ شَرْعًا وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ وَالتَّصَرُّفِ مَعًا لَا أَنَّ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِيَكُونَ عِلَّةَ الْعِلَّةِ، بَلْ التَّصَرُّفُ عِلَّةٌ فِي وُجُودِ الرِّبْحِ وَالْعَقْدُ عِلَّةُ حِلِّهِ، وَالْكَلَامُ لَيْسَ إلَّا فِيهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَوَقَّفْ الِاسْمُ عَلَى خَلْطِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلَّ الْعَقْدِ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِهَا خَارِجٌ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ يَعْنِي عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهِمَا) مَا فِيهِ الرِّبْحُ حَتَّى جَازَ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ الرِّبْحُ مُسْتَفَادًا بِعَيْنِ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَلْزَمَ فِيهِ بِالْخَلْطِ بَلْ بِالتَّصَرُّفِ، وَإِذَا ظَهَرَ تَحَقُّقُ الشَّرِكَةِ بِلَا خَلْطٍ (تَحَقَّقَتْ فِي الْمُسْتَفَادِ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْخَلْطِ (وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ)

فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ، وَتَصِحُّ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا قَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا، وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ. قَالَ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ، وَالتَّحْصِيلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَهُ فَيَمْلِكَهُ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُودِعَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ مِنْهُ بُدًّا. قَالَ (وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً) ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَتَضَمَّنَهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ بِلَا خَلْطٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِوُجُودِ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فِي الْمَحَلِّ. قُلْنَا: إنَّمَا بَطَلَتْ لِمُعَارِضٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَلَاكَ الْمَحَلِّ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ مِنْهُ يُبْطِلُهُ كَالْبَيْعِ يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ الِاسْتِرْبَاحُ وَهُوَ بِالشِّرَاءِ أَوَّلًا، فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَانَ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ (لَمْ يُشْتَرَطْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَلَا التَّسَاوِي) فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا (فِي الرِّبْحِ وَتَصِحُّ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ) قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدٍ دَرَاهِمُ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا قَدْرَ الْمُسَمَّى فَيَكُونُ اشْتِرَاطُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَاشْتِرَاطُهُ لِأَحَدِهِمَا يُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ الشَّرِكَةِ إلَى قَرْضٍ أَوْ بِضَاعَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ (وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ) يَعْنِي إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً بَطَلَتْ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ) مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ (وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى عَمَلِ التِّجَارَةِ، وَالتَّحْصِيلُ) لِلرِّبْحِ (بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَهُ) وَأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا، فَإِذَا مَلَكَ مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مَلَكَ مَا هُوَ أَقَلُّ، وَظَهَرَ أَنَّ لَفْظَ التَّحْصِيلِ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ الظَّرْفُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُودِعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ بُدًّا مِنْهُ) فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالْمَضَايِقِ. وَقَوْلُهُ (وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ) ؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ فِي الشَّرِكَةِ تَلْزَمُ الشَّرِيكَ وَلَا تَلْزَمُ الْمُضَارِبَ، فَتَتَضَمَّنُ الشَّرِكَةُ الْمُضَارَبَةَ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ (أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ) فِي الرِّبْحِ (وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ)

كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِأَجْرٍ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ. قَالَ (وَيُوَكِّلُ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طُلِبَ مِنْهُ تَحْصِيلَ الْعَيْنِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَارَ (كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ) لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْضَ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ (بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّةِ الشَّرِيكِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ) فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ (لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ) ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْمُكَاتِبُ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ وَالْمَأْذُونُ يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ وَاقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ وَالْمُتَنَفِّلِ بِمِثْلِهِمَا، وَالنَّاسِخُ مِثْلُ الْمَنْسُوخِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مِلْكَهُمَا ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ بَلْ بِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الِاقْتِدَاءُ لَيْسَ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُسْتَتْبِعَةً لِصَلَاتِهِمَا بَلْ تِلْكَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا، وَحَقِيقَةُ النَّاسِخِ مُبَيِّنٌ لَا غَيْرُ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ وِزَانَ مَا نَحْنُ فِيهِ بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالنَّسِيئَةِ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ فِي يَدِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَيْسَ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ الرَّهْنُ: أَيْ رَهْنُ عَيْنٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ مِنْ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ وَالِارْتِهَانُ بِدَيْنٍ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُفَاوِضِ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ رَهَنَ فِي الْعِنَانِ مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُ الْمُرْتَهِنِ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ كَالِاسْتِيفَاءِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ قَبْضُهُ، وَلِلْمَدِينِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بَرِئَ مِنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّةِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا أَدَانَهُ الْآخَرُ أَوْ بَاعَهُ، وَالْخُصُومَةُ لِلَّذِي بَاعَ وَعَلَيْهِ، وَلَا أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنًا، فَإِنْ أَخَّرَهُ لَمْ يَمْضِ عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا لَا يَمْضِي إقْرَارُ أَحَدِهِمَا بِدَيْنٍ فِي تِجَارَتِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ أَقَرَّ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ الدَّيْنِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَكِيلًا كَانَ أَوْ مُبَاشِرًا، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُمَا وَلِيَاهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَزِمَهُ نِصْفُهُ. وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَلَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالًا مُضَارَبَةً اخْتَصَّ بِرِبْحِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ لَيْسَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْمُفَاوِضِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَيَمْضِي إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَيُشَارِكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَيَمْضِي عَلَى الْآخَرِ، بِخِلَافِ شَرِيكِ الْعِنَانِ. وَيَجُوزُ قَبْضُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مَا أَدَانَهُ الْآخَرُ أَوْ أَدَانَاهُ، أَوْ وَجَبَ لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَصْبٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيَرُدُّ بِعَيْبٍ مَا اشْتَرَاهُ الْآخَرُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ الْآخَرِ يُطَالَبُ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا أَوَّلَ الْبَابِ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ (وَ) لِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ (يُوَكِّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَاتِ، وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لَهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) صَرِيحًا (بِالشِّرَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طُلِبَ بِهِ) شِرَاءُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ،

قَالَ (وَيَدُهُ فِي الْمَالِ يَدُ أَمَانَةٍ) لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكُلُّ مَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَعْمَلَهُ إذَا نَهَاهُ شَرِيكُهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَلُهُ فَإِنْ عَمِلَهُ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اُخْرُجْ لِدِمْيَاطَ وَلَا تُجَاوِزْهَا فَجَاوَزَ فَهَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ حِصَّتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ بَيْعِ النَّسِيئَةِ بَعْدَ مَا كَانَ أَذِنَ لَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيَدُهُ) أَيْ يَدُ الشَّرِيكِ مُطْلَقًا (فِي الْمَالِ يَدُ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ) فَيَكُونُ أَمَانَةً، بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ إعْطَاءِ الْبَدَلِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ لِلتَّوَثُّقِ بِدَيْنِهِ فَيَضْمَنُ بِذَلِكَ الدَّيْنَ، وَإِذَا كَانَ مَقْبُوضًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا صَارَ كَالْوَدِيعَةِ فَكَانَ أَمَانَةً. وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَمَانَاتِ إذَا مَاتَ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ مَعَ التَّجْهِيلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: إحْدَاهَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ. وَالْأُخْرَى فِي السِّيَر إذَا أَوْدَعَ الْإِمَامُ بَعْضَ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْجُنْدِ فَمَاتَ. وَنَذْكُرُ الثَّالِثَةَ فِي الْوَقْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فُرُوعٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ] قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُقْرِضَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يَتَصَدَّقَ وَلَا يُعِيرُ دَابَّةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا؛ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ شَارَكَهُ مُفَاوَضَةً فَأَنْكَرَ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْجَاحِدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاحِدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْعَقْدَ وَاسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ أَوْ زَادُوا عَلَى هَذَا فَقَالُوا الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، أَوْ قَالُوا هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَضَى لِلْمُدَّعِي بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ، وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ مُقْتَضَاهُ انْقِسَامُ مَا فِي يَدِهِ فَيُقْضَى بِذَلِكَ. فَلَوْ ادَّعَى الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ لِي مِيرَاثًا مِمَّا فِي يَدِهِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، وَبَيِّنَةُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ قِبَلِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُفَسِّرَةً. وَلَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ عَيْنًا فِي يَدِهِ أَنَّهَا لَهُ خَاصَّةً وَهَبَ شَرِيكَهُ مِنْهُ حِصَّتَهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ادَّعَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ، وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ وَقَضَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى عَيْنًا مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً وَأَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ ذَا الْيَدِ هُنَا مُقِرٌّ بِالْمُفَاوَضَةِ مُدَّعٍ لِلْمِيرَاثِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي الْأَوَّلِ ذُو الْيَدِ جَاحِدٌ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِحُجَّةِ صَاحِبِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي صُورَةِ الْإِنْكَارِ لَمْ يَسْتَحْلِفْ خَصْمَهُ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْحَيِّ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ الْمُفَاوَضَةَ وَجَحَدَ الْحَيُّ ذَلِكَ فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِشَيْءٍ فِيمَا فِي يَدِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِعَقْدٍ عُلِمَ ارْتِفَاعُهُ لِانْتِقَاضِ الْمُفَاوَضَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيمَا شَهِدَا

قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ (كَالْخَيَّاطِينَ وَالصَّبَّاغِينَ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) (فَيَجُوزُ ذَلِكَ) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهَا وَهُوَ التَّثْمِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ تُبْتَنَى عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِمَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا فِي النِّصْفِ أَصِيلًا فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ فِي الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ فِيمَا مَضَى لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا إلَّا أَنْ يُقِيمُوا أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ شَهِدُوا بِالنِّصْفِ لِلْمَيِّتِ وَوَرَثَتُهُ خُلَفَاؤُهُ. وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ وَجَحَدُوا الشَّرِكَةَ فَأَقَامَ الْحَيُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ، وَأَقَامُوا أَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا مِيرَاثًا مِنْ مُفَاوَضَةٍ بَيْنَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ جَاحِدُونَ، فَإِنَّمَا يُقِيمُونَهَا عَلَى النَّفْيِ وَقَدْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الشَّرِكَةَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ فَيُقْضَى لَهُ بِنِصْفِهِ، وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ وَلَوْ قَالُوا: مَاتَ جَدُّنَا وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لِأَبِينَا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتُقْبَلُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُفَاوِضُ حَيًّا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِالْمُفَاوَضَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِذَا افْتَرَقَ الْمُتَفَاوِضَانِ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَأَنَّ قَاضِيَ بَلْدَةِ كَذَا قَضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَسَمَّوْا الْمَالَ، وَأَنَّهُ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَأَقَامَ الْآخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي بِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَاضٍ وَاحِدٍ، وَعُلِمَ تَارِيخُ الْقَضَاءَيْنِ أُخِذَ بِالْآخِرِ، وَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَنَقْضٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوْ كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ قَاضِيَيْنِ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا الْقَضَاءُ الَّذِي أَنْفَذَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَحِيحٌ ظَاهِرًا فَيُحَاسِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا عَلَيْهِ، وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ) وَشَرِكَةَ الْأَبْدَانِ وَشَرِكَةَ الْأَعْمَالِ (فَنَحْوَ الْخَيَّاطِينَ وَالصَّبَّاغِينَ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنْ يَتَقَبَّلَ كُلٌّ الْأَعْمَالَ) أَوْ نَحْوَ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ (وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهَا) أَيْ الْمَقْصُودَ مِنْهَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مَقْصُودَهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (وَهُوَ التَّثْمِيرُ) أَيْ الرِّبْحُ (لِأَنَّهُ لَا بُدَّ) فِي الرِّبْحِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ يُبْنَى عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْخِلَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ، (وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ) عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَهُوَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَالِ بَلْ جَازَ بِالْعَمَلِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، فَجَازَ بِالتَّوْكِيلِ بِأَنْ وَكَّلَ الْآخَرَ بِقَبُولِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ كَمَا يَقْبَلُهُ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ كُلٌّ أَصِيلًا فِي نِصْفِ الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ وَوَكِيلًا فِي نِصْفِهِ الْآخَرِ، فَتَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ عَنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ عَمِلَا اسْتَحَقَّ كُلٌّ فَائِدَةَ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ وَهُوَ كَسْبُهُ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْعَامِلُ مُعِينًا لِشَرِيكِهِ فِيمَا لَزِمَهُ بِتَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُ الْمُتَقَبَّلِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ بِنَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَحْوَ الْخَيَّاطِ يَتَقَبَّلُ ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُهُ وَيَدْفَعُهُ إلَى مَالِكِهِ فَتَطِيبُ لَهُ الْأُجْرَةُ. وَمِنْ صُوَرِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَجْلِسَ آخَرُ عَلَى دُكَّانِهِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتَ، وَاسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا؛ لِأَنَّ التَّقَبُّلَ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ)

اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَتَفَاوَتُ (وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالْمَالَ أَثْلَاثًا جَازَ) وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِتَأْدِيَتِهِ إلَيْهِ، وَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَا يَأْخُذُهُ لَا يَأْخُذُهُ رِبْحًا لِأَنَّ الرِّبْحَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ فَكَانَ بَدَلَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يُتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي جَوَازِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ (اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَالِكٍ) . وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ لِزُفَرَ أَنَّ مِنْ ثَمَرَاتِهِ عَدَمَ جَوَازِ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ، وَهُوَ يُنَافِي اشْتِرَاطَهُ لِصِحَّتِهَا اتِّحَادَ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ. أُجِيبُ بِأَنَّ عَنْ زُفَرَ فِي جَوَازِ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَفَرَّعَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ عَلَى شَرْطِ خَلْطِ الْمَالِ، وَذَكَرَ هُنَا شَرْطَهُ فِي تَجْوِيزِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ) مِنْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ (لَا يَتَفَاوَتُ) بَيْنَ كَوْنِ الْعَمَلِ فِي دُكَّانَيْنِ أَوْ دُكَّانٍ وَكَوْنِ الْأَعْمَالِ مِنْ أَجْنَاسٍ أَوْ جِنْسٍ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِ شَرْطٍ بِلَا دَلِيلٍ يُوجِبُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ) يَعْنِي التَّسَاوِيَ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحَ أَثْلَاثًا (جَازَ) بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مَشْرُوطًا عَلَيْهِ الْعَمَلُ (وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا إنَّمَا هُوَ بِقَبُولِ الْعَمَلِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا مَالَ عُقِدَتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ فَزِيَادَةُ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا (رِبْحٌ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَمْ تَجُزْ) كَمَا لَمْ تَجُزْ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ مَعَ شَرْطِ

بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ مُتَّفِقٌ وَالرِّبْحُ يَتَحَقَّقُ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّفِقِ، وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ. قَالَ (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ) حَتَّى إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُطَالَبُ بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ بِالْأَجْرِ (وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَفِي غَيْرِهَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفَاضُلِ فِي رِبْحِ مَا يُبَاعُ مِمَّا اشْتَرَى بِالْوُجُوهِ، وَأَمَّا كَوْنُ التَّفَاضُلِ يَجْرِي فِيهَا إذَا شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ لِلْآخَرِ رُبْعُهُ فَقَطْ، فَيَنْقَسِمُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ عَدَمُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ. قُلْنَا: الْمَأْخُوذُ مِنْ هَذِهِ الشَّرِكَةِ لَيْسَ رِبْحًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرِّبْحِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِ الرِّبْحِ وَمَا بِهِ الِاسْتِرْبَاحُ، وَهُوَ هُنَا مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ رِبْحٌ مَجَازًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلُ عَمَلِهِ وَالْعَمَلُ يَتَقَدَّرُ بِالتَّقْدِيرِ: أَيْ بِحَسَبِ التَّرَاضِي، فَمَا قُدِّرَ لِكُلٍّ هُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي أَنْ يُجْعَلَ بَدَلَ عَمَلِهِ فَلَا يَحْرُمُ خُصُوصًا إذَا كَانَ أَحْذَقَ فِي الْعَمَلِ وَأَهْدَى، وَعَلَى هَذَا اتَّجَهَ خِلَافُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيمَا لَوْ شُرِطَتْ الزِّيَادَةُ لِأَكْثَرِهِمَا عَمَلًا. وَصَحَّحُوا الْجَوَازَ لِأَنَّ الرِّبْحَ لِضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَمَلِ، وَلِذَا لَوْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ فَلَمْ يَعْمَلْ وَعَمِلَ الْآخَرُ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ يُعْلَمُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ مُتَّفِقٌ) فَإِنَّ الرِّبْحَ بَدَلُ مَا هُوَ مَالٌ فَيَتَحَقَّقُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. هَذَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ وَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ يُعْطِي ظَاهِرُهُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ بِشَرْطِ الزِّيَادَةِ. وَالْوَجْهُ أَنْ تَبْطُلَ الزِّيَادَةُ فَقَطْ وَيَسْتَحِقَّ مِثْلَ الْأَجْرِ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ الَّتِي شَبَّهَ بِهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَقَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ وَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ بِخِلَافِ الضَّمَانِ بَيْنَهُمَا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ضَمَانِهِمَا (قَوْلُهُ وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ) حَتَّى أَنَّ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّرِيكَ بِعَمَلِهِ، وَلِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَتَقَبَّلْ الْعَمَلَ أَنْ يُطَالِبَ رَبَّ الثَّوْبِ مَثَلًا بِالْأُجْرَةِ، وَيَبْرَأَ الدَّافِعُ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَمَلُهُ الَّذِي تَقَبَّلَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (هَذَا) وَهُوَ ضَمَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَمَلَ مَا تَقَبَّلَهُ الْآخَرُ، وَمُطَالَبَةُ كُلٍّ بِأُجْرَةِ الْآخَرِ وَبَرَاءَةُ الدَّافِعِ إلَيْهِ الْأُجْرَةَ (ظَاهِرٌ) فِيمَا إذَا عَقَدَا شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ مُفَاوَضَةً (وَفِي غَيْرِهَا) وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَا الشَّرِكَةَ أَوْ قَيَّدَاهَا بِالْعِنَانِ (اسْتِحْسَانٌ) فَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْأُمُورِ بَيْنَ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ فِيهَا (وَالْقِيَاسُ خِلَافُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً) وَإِذَا وَقَعَتْ مُطْلَقَةً انْصَرَفَتْ إلَى الْعِنَانِ فَلَمْ تَثْبُتْ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَعْنَاهُ، وَبِهَذَا عَلِمْت أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إطْلَاقِ الشَّرِكَةِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى جَعْلِهَا عِنَانًا فِي أَنَّ الْمُنْعَقِدَ عِنَانٌ

وَالْكَفَالَةُ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ (مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ) ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ، وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ. قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا فَتَصِحَّ الشَّرِكَةُ عَلَى هَذَا) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ فِي الْأَبْدَالِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ عِنَانًا لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ. قَالَ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ الْآخَرِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ) لِأَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَكَالَةٍ أَوْ بِوِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ فَتَتَعَيَّنُ الْوَكَالَةُ (فَإِنْ شَرَطَا أَنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَفَالَةُ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ) أَعْنِي شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ (مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ) فِي الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، لَا أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ تَوْكِيلَ تَقَبُّلِ الْعَمَلِ عَلَى صَاحِبِهِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالضَّرُورَةِ مَضْمُونًا عَلَى الْآخَرِ وَلِذَا اسْتَحَقَّ مِنْ الْأُجْرَةِ بَعْضَ مَا سُمِّيَ لِلْآخَرِ (بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى) هَذَا الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ عِنَانًا (مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ) عَنْ الْآخَرِ (وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ) وَإِنْ لَمْ يَتَقَبَّلْ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ مَا سِوَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ هُوَ فِيهَا عَلَى مُقْتَضَى الْعِنَانِ، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ أَمْرِ الصِّنَاعَةِ كَثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ صَبْغٍ أَوْ بِدَيْنٍ لِلْعُمْلَةِ عَنْ عَمَلِهِمْ أَوْ أُجْرَةِ بَيْتٍ أَوْ دُكَّانٍ لِمُدَّةٍ مَضَتْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْآخَرِ مُوجَبٌ الْمُفَاوَضَةَ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَيْهَا. ثَلَاثَةٌ لَمْ يَعْقِدُوا بَيْنَهُمْ شَرِكَةُ تَقَبُّلٍ تَقَبَّلُوا عَمَلًا ثُمَّ جَاءَ أَحَدُهُمْ فَعَمِلَهُ كُلَّهُ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَجْرِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ كَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ بِثُلُثِ الْأَجْرِ، فَإِذَا عَمِلَ الْكُلَّ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي الثُّلُثَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ثُلُثَ الْأَجْرِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ وَلَا مَالَ لَهُمَا لِيَشْتَرِيَا بِوَجْهِهِمَا) أَيْ بِوَجَاهَتِهِمَا وَجَاهِهِمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَاهَ مَقْلُوبُ الْوَجْهِ لِمَا عُرِفَ غَيْرَ أَنَّ الْوَاوَ انْقَلَبَتْ حِينَ وُضِعَتْ مَوْضِعَ الْعَيْنِ لِلْمُوجِبِ لِذَلِكَ، وَلِذَا كَانَ وَزْنُهُ عَفَلَ (وَأَنَّهَا تَكُونُ مُفَاوَضَةً) بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ ثَمَنِهِ وَيَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَيَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، أَوْ يَذْكُرَا مُقْتَضَيَاتِهَا كَمَا سَلَفَ (فَتَتَحَقَّقُ الْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ فِي الْأَبْدَالِ) أَيْ الْأَثْمَانِ وَالْمَبِيعَاتِ، وَإِنْ فَاتَ

وَالرِّبْحَ كَذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ) ، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْمَالِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ بِالضَّمَانِ فَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ، وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يُلْقِي الْعَمَلَ عَلَى التِّلْمِيذِ بِالنِّصْفِ بِالضَّمَانِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِمَا سِوَاهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَصَرَّفْ فِي مَالِكِ عَلَى أَنَّ لِي رِبْحَهُ لَمْ يَحُزْ لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي. وَاسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى وَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْوُجُوهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا، بِخِلَافِ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فَيُلْحَقُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا كَانَتْ عِنَانًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِتَبَادُرِهِ وَزِيَادَةِ تَعَارُفِهِ عَمَلًا. وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَقَدَّمَ فِي شَرِكَةِ الْأَعْمَالِ. وَنَقُولُ: صِحَّةُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ، وَتَوَصُّلُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرِ بِالشَّرِكَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا صَحِيحٌ، فَكَذَا الشَّرِكَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةَ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْبَاقِي غَيْرِ الْفَرْقِ بَيْنِ الْوُجُوهِ وَالْعِنَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لَا يَصِحُّ التَّفَاوُتُ فِي الرِّبْحِ وَيَصِحُّ فِي الْعِنَانِ مَعَ أَنَّ الرِّبْحَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ، فَفَرَّقَ بِأَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فِي مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا عَامِلٌ فِي مَالِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَصَحَّ إعْمَالُ شَبَهِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْعِنَانِ فِي إجَازَةِ تَفَاوُتِ الرِّبْحِ، بِخِلَافِ الْوُجُوهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَبَهَ الْمُضَارَبَةِ إنَّمَا جَوَّزَ زِيَادَةَ رِبْحِ أَحَدِهِمَا فِي الْعِنَانِ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَحَدُهُمَا عَامِلٌ فِي مَالِ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُجْعَلُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ لِشَبَهِهِ بِهِ، بَلْ نَقُولُ الرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ شَرْعًا بِأَحَدِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، مِنْهَا الْعَمَلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لِلِاسْتِحْقَاقِ شَرْعًا بِالْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ اعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فِي الْعِنَانِ لِشَبَهِهِ بِالْمُضَارَبَةِ يَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ فِي الْعِنَانِ، وَنَحْنُ إنَّمَا لَمْ نُجَوِّزْهَا لِأَدَائِهَا إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ عُرُوضًا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي مَالِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عِنْدَ بَيْعِ الْعُرُوضِ مُتَفَاوِتَةَ الثَّمَنِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ فَضْلِ الْعَمَلِ كَمَا فِي الصَّنَائِعِ؟ أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يَكُونُ الْعَمَلُ فِي مَالٍ مَعْلُومٍ كَمَا فِي الْعِنَانِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا.

[فصل في الشركة الفاسدة]

(فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ) (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ، وَمَا اصْطَادَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ احْتَطَبَهُ فَهُوَ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ) ، وَعَلَى هَذَا الِاشْتِرَاكُ فِي أَخْذِ كُلِّ شَيْءٍ مُبَاحٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الْوَكَالَةِ، وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمَالِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ] وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْفَاسِدَةِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ) وَكَذَا الِاحْتِشَاشُ وَالتَّكَدِّي وَسُؤَالُ النَّاسِ (وَمَا اصْطَادَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ احْتَطَبَهُ) أَوْ أَصَابَهُ مِنْ التَّكَدِّي (فَهُوَ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَعَلَى هَذَا الِاشْتِرَاكُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ) كَأَخْذِ الْحَطَبِ وَالثِّمَارِ مِنْ الْجِبَالِ كَالْجَوْزِ وَالتِّينِ وَالْفُسْتُقِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا فِي نَقْلِ الطِّينِ وَبَيْعِهِ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ الْحَصَى أَوْ الْمِلْحِ أَوْ الثَّلْجِ أَوْ الْكُحْلِ أَوْ الْمَعْدَنِ أَوْ الْكُنُوزِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يُلَبِّنَا مِنْ طِينٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ وَيَطْبُخَا آجُرًّا، وَلَوْ كَانَ الطِّينُ مَمْلُوكًا أَوْ سَهْلَةَ الزُّجَاجِ فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا وَيَطْبُخَا وَيَبِيعَا جَازَ وَهُوَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ كَالصَّبَّاغِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «اشْتَرَكْنَا أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ، وَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ فَأَشْرَكَ بَيْنَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . أُجِيبُ بِأَنَّ الْغَنِيمَةَ مَقْسُومَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى. فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِكَ هَؤُلَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِخُصُوصِهِمْ، وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ تَنْفِيلٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدَّرَ مَا يَخُصُّهُمْ، وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمَا بِالْأَخْذِ وَإِحْرَازِ الْمُبَاحِ، فَإِنْ أَخَذَاهُ مَعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ شَيْئًا فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا وَأَعَانَهُ الْآخَرُ فِي عَمَلِهِ بِأَنْ قَلَعَهُ أَحَدُهُمَا وَجَمَعَهُ الْآخَرُ، أَوْ قَلَعَهُ وَجَمَعَهُ وَحَمَلَهُ الْآخَرُ فَلِلْمُعِينِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ ثَمَنِ ذَلِكَ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ بِهِ) أَيْ بِأَخْذِ الْمُبَاحِ (غَيْرُ صَحِيحٍ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ (وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ) أَيْ يَمْلِكُ الْمُبَاحَ (بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصْلُحُ الْوَكِيلُ نَائِبًا) عَنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةٍ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً لِلْوَكِيلِ، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْوَكَالَةُ لَمْ تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ. وَاسْتَشْكَلَ بِالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ أَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَبَعْدَهُ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ قَادِرًا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَهُوَ شَغْلُ ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ لَوْلَا الْوَكَالَةُ فِيهَا تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ أَنْ يَشْغَلَ ذِمَّتَهُ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِمَا يُوجِبُ حَقًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِهِ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ فِي التَّوْكِيلِ بِخِلَافِهِ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ سَبَبَ مِلْكِ الْمُبَاحِ سَبْقَ الْيَدِ إلَيْهِ، فَإِذَا وَكَّلَهُ بِهِ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ سَبَقَ مِلْكُهُ لَهُ مِلْكَ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ قِيلَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِقَصْدِهِ لِنَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا قَصَدَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَلِمَ لَا يَكُونُ لِلْغَيْرِ؟ يُجَابُ بِأَنَّ إطْلَاقَ نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ» لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ قَصْدٍ وَقَصْدٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَذَاهُ جَمِيعًا) يَعْنِي ثُمَّ خَلَطَاهُ وَبَاعَاهُ قُسِّمَ الثَّمَنُ عَلَى كَيْلِ أَوْ وَزْنِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَزْنِيًّا وَلَا كَيْلِيًّا قُسِّمَ عَلَى قِيمَةِ مَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُ مَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صُدِّقَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الِاكْتِسَابِ، وَكَانَ الْمُكْتَسَبُ فِي أَيْدِيهِمَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ (وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ شَيْئًا فَهُوَ لِلْعَامِلِ) لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْهُ (وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا وَأَعَانَهُ الْآخَرُ بِأَنْ قَلَعَهُ أَحَدُهُمَا، وَجَمَعَهُ الْآخَرُ أَوْ قَلَعَهُ أَحَدُهُمَا وَجَمَعَهُ وَالْآخَرُ حَمَلَهُ فَلِلْمُعِينِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ) وَقَوْلُهُ (وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي كِتَابَ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ وَجْهَ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُسَمَّى

قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ يَسْتَقِي عَلَيْهَا الْمَاءَ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ، وَالْكَسْبُ كُلُّهُ لِلَّذِي اسْتَقَى، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الْبَغْلِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْبَغْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْهُولٌ إذْ لَمْ يَدْرِ أَيَّ نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ يُصِيبَانِ، وَهَلْ يُصِيبَانِ شَيْئًا أَوْ لَا، وَالرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَغْوٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ رِضَاهُ بِالنِّصْفِ لِلْجَهَالَةِ، وَصَارَ مُسْتَوْفِيًا مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا لَمْ يُصِيبَا شَيْئًا، وَفِيمَا إذَا أَصَابَا أَنَّهُ إنْ كَانَ أَجْرُ مِثْلِهِ أَكْثَرَ فَهُوَ قَدْ رَضِيَ بِمَا دُونَهُ مِنْ النِّصْفِ، وَكَوْنُهُ مَجْهُولًا فِي الْحَالِ فَهِيَ حَالَةٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ عَلَى عَرَضِ أَنْ يَصِيرَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْجَمْعِ وَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصِيبَا شَيْئًا فَإِنَّ الْمُسَمَّى لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لِجَهَالَتِهِ بِالتَّفَاحُشِ حَالًا وَمَآلًا فَحِينَئِذٍ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَقَوْلُهُ (لَا يُجَاوَزُ بِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ (نِصْفُ ثَمَنِ ذَلِكَ) بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ النَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ. [فَرْعٌ] لَهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَاهُ فَمَا أَصَابَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا وَأَرْسَلَاهُ جَمِيعًا كَانَ مَا أَصَابَهُ لِمَالِكِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ يَسْتَقِي عَلَيْهَا الْمَاءَ وَمَا تَحَصَّلَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ) اعْلَمْ أَنَّ الرَّاوِيَةَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْجَمَلُ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَاءُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ، وَيُقَالُ رَوَيْت لِلْقَوْمِ: إذَا سَقَيْت لَهُمْ، وَكَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ لِلْمَزَادَةِ وَهِيَ الْجُلُودُ الثَّلَاثَةُ الْمَصْنُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَاءِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا جَمَلٌ وَلِلْآخَرِ بَغْلٌ فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ كُلًّا يُؤَجِّرُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ فَمَا رُزِقَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ كُلًّا قَالَ لِصَاحِبِهِ بِعْ مَنَافِعَ دَابَّتِك لِيَكُونَ ثَمَنُهُ بَيْنَنَا وَمَنَافِعَ دَابَّتِي عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ بَيْنَنَا، وَلَوْ صَرَّحَا بِهَذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً ثُمَّ إنْ أَجَرَاهُمَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ قُسِّمَ الْأَجْرُ عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْجَمَلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمَّا فَسَدَتْ وَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ لِانْعِقَادِهَا عَلَى مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ كَانَ الْأَجْرُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا، كَذَلِكَ كَمَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْحُمُولَاتِ الْمَعْلُومَةَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَمْ يُؤَاجِرْ الْبَغْلَ وَالْجَمَلَ كَانَتْ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ زِيَادَةُ حَمْلِ الْجَمَلِ عَلَى حَمْلِ الْبَغْلِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ زِيَادَةُ عَمَلِ أَحَدِهِمَا كَصَبَّاغَيْنِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ الصَّبْغِ وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ يَعْمَلُ فِيهِ اشْتَرَكَا عَلَى تَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ لِيَعْمَلَا بِتِلْكَ الْآلَةِ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ. وَإِنْ أَجَّرَ الْبَعِيرَ أَوْ الْبَغْلَ بِعَيْنِهِ كَانَ كُلُّ الْأَجْرِ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ، فَلَوْ أَعَانَهُ الْآخَرُ عَلَى التَّحْمِيلِ وَالنَّقْلِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ نِصْفُ الْأَجْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ،

أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِانْعِقَادِهَا عَلَى إحْرَازِ الْمُبَاحِ وَهُوَ الْمَاءُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْمُبَاحَ إذَا صَارَ مِلْكًا لِلْمُحْرِزِ وَهُوَ الْمُسْتَقِي، وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْبَغْلُ أَوْ الرَّاوِيَةُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُهُ (وَكُلُّ شَرِكَةٍ فَاسِدَةٍ فَالرِّبْحُ فِيهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ، وَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ تَابِعٌ لِلْمَالِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَمَا أَنَّ الرِّيعَ تَابِعٌ لِلْبَذْرِ فِي الزِّرَاعَةِ، وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالتَّسْمِيَةِ، وَقَدْ فَسَدَتْ فَبَقِيَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِتَتَحَقَّقَ الشَّرِكَةُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ لِيُؤَاجِرَهَا وَمَا أَطْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِمَالِكِ الدَّابَّةِ، وَكَذَا فِي السَّفِينَةِ وَالْبَيْتِ لِمَا بَيَّنَّا، إذْ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ قَالَ بِعْ مَنَافِعَ دَابَّتِي لِيَكُونَ الْأَجْرُ بَيْنَنَا، ثُمَّ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ عَقَدَ الْعَقْدَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ بِأَمْرِهِ، وَلِلْعَاقِدِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَعْمَلَ مَجَّانًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَابَّةً لِيَبِيعَ عَلَيْهَا طَعَامًا لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ فَاسِدَةٌ وَالرِّبْحَ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ وَلِصَاحِبِ الدَّابَّةِ أَجْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ الدَّابَّةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا، وَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَهُوَ صَاحِبُ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ مَالِهِ. وَعَلَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لِهَذَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ مَزَادَةٌ فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَسْتَقِيَا الْمَاءَ فِيهَا عَلَى الْبَغْلِ فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَالْأَجْرُ كُلُّهُ لِلَّذِي اسْتَقَى، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْمَزَادَةِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الْبَغْلِ، وَأَجْرُ مِثْلِ الْبَغْلِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الْمَزَادَةِ. وَجَمْعُ الْمَزَادَةِ مَزَادٌ وَمَزَايِدٌ. (أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِانْعِقَادِهَا عَلَى إحْرَازِ الْمُبَاحِ وَهُوَ) نَقْلُ (الْمَاءِ) ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْمُبَاحَ قَدْ صَارَ مِلْكًا لِلْمُحْرِزِ، وَهُوَ الْمُسْتَقِي وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مِلْكِ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَرِكَةٍ فَاسِدَةٍ فَالرِّبْحُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إلَخْ) كَأَلْفٍ لِأَحَدِهِمَا مَعَ أَلْفَيْنِ لِلْآخَرِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ كَانَا شَرَطَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَطَلَ ذَلِكَ الشَّرْطُ، وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِثْلُ مَا لِلْآخَرِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ أَثْلَاثًا بَطَلَ شَرْطُ التَّفَاضُلِ وَانْقَسَمَ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا (لِأَنَّ الرِّبْحَ فِي) وُجُودِهِ (تَابِعٌ لِلْمَالِ) ، وَإِنَّمَا طَابَ عَلَى التَّفَاضُلِ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ، وَقَدْ بَطَلَتْ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فَيَبْقَى الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ الْمُوَلَّدِ لَهُ، وَنَظِيرُهُ الْبِزْرُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالرِّيعُ الزِّيَادَةُ (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) مُفَاوَضَةً كَانَتْ أَوْ عِنَانًا إذَا قَضَى بِلَحَاقِهِ عَلَى الْبَتَاتِ حَتَّى لَوْ عَادَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ انْقَطَعَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِلَحَاقِهِ فَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَطَعَتْ، وَلَوْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ انْقَطَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْبُطْلَانِ حَتَّى أَسْلَمَ عَادَتْ الْمُفَاوَضَةُ، وَإِنْ مَاتَ بَطَلَتْ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ هَلْ تَصِيرُ عِنَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟ لَا. وَعِنْدَهُمَا تَبْقَى عِنَانًا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ. وَإِنَّمَا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ: أَيْ مَشْرُوطٌ ابْتِدَاؤُهَا وَبَقَاؤُهَا بِهَا ضَرُورَةً فَإِنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ ابْتِدَاؤُهَا إلَّا بِوِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ، وَلَا تَبْقَى الْوِلَايَةُ إلَّا بِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ السُّؤَالُ الْقَائِلُ الْوَكَالَةُ تَثْبُتُ تَبَعًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّبَعِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ وَبُطْلَانُهَا بِالِالْتِحَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ، وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْبُطْلَانِ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ

مَا مَرَّ، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَكَذَا بِالِالْتِحَاقِ مُرْتَدًّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَمَا إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الشَّرِكَةَ وَمَالُ الشَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْتِ شَرِيكِهِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ حَتَّى لَا تَنْفُذَ تَصَرُّفَاتُ الْآخَرِ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَإِنَّ مِلْكَهُ يَتَحَوَّلُ شَرْعًا إلَى وَارِثِهِ عَلِمَ مَوْتَهُ أَوْ لَا فَلَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُهُ، وَقَدْ نَفَّذَهُ الشَّرْعُ حَيْثُ نَقَلَ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الشَّرِكَةَ وَمَالُهَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَتَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عُرُوضًا فَلَا رِوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَهِيَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا نَهَى الْمُضَارِبَ عَنْ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صَحَّ نَهْيُهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَصْرِفُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ إنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ الشَّرِكَةِ دَنَانِيرَ وَعَكْسُهُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا لَمْ يَصِحَّ فَجَعَلَ الطَّحَاوِيُّ الشَّرِكَةَ كَالْمُضَارَبَةِ فَقَالَ لَا تَنْفَسِخُ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا: تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ بِأَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَيَمْلِكُ كُلٌّ نَهْيَ صَاحِبِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ نَقْدًا كَانَ أَوْ عَرَضًا، بِخِلَافِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا صَارَ عَرَضًا ثَبَتَ حَقُّ الْمُضَارِبِ فِيهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ رِبْحَهُ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فَلَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ. [فُرُوعٌ] إنْكَارُ الشَّرِكَةِ فَسْخٌ. وَقَوْلُهُ لَا أَعْمَلُ فَسْخٌ، حَتَّى لَوْ عَمِلَ الْآخَرُ كَانَ ضَامِنًا لِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ: أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ لِنَفْسِي فَسَكَتَ فَاشْتَرَاهَا لَا تَكُونُ لَهُ. وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ فَسَكَتَ الْمُوَكِّلُ فَاشْتَرَاهَا تَكُونُ لَهُ. ثُمَّ فَرَّقَ فَقَالَ إنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ إذَا عَلِمَ الْمُوَكِّلُ رَضِيَ أَمْ سَخِطَ، بِخِلَافِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَ الشَّرِكَةِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ اهـ. وَهَذَا غَلَطٌ، وَقَدْ صَحَّحَ هُوَ انْفِرَادَ الشَّرِيكِ بِالْفَسْخِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ، فَإِنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ مُوجَبِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَفِي الرِّضَا احْتِمَالٌ: يَعْنِي إذَا كَانَ سَاكِتًا، وَالْمُرَادُ بِمُوجَبِهَا وُقُوعُ الْمُشْتَرَى عَلَى الِاخْتِصَاصِ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي ثَلَاثَةٍ اشْتَرَكُوا شَرِكَةً صَحِيحَةً عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ فَخَرَجَ وَاحِدٌ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ النَّوَاحِي لِشَرِكَتِهِمْ فَشَارَكَ الْحَاضِرَانِ آخَرَ عَلَى أَنَّ ثُلُثَ الرِّبْحِ لَهُ وَالثُّلُثَيْنِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْحَاضِرَيْنِ وَثُلُثُهُ لِلْغَائِبِ فَعَمِلَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ

[فصل لا يؤدي أحد الشريكين زكاة مال الآخر إلا بإذنه]

(فَصْلٌ) وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ، فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ. فَإِنْ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالثَّانِي ضَامِنٌ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهَذَا إذَا أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ، أَمَّا إذَا أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ. وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بَعْدَمَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ. لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ التَّمْلِيكَ لَا وُقُوعَهُ زَكَاةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجَّ الْآمِرُ لَمْ يَضْمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQسِنِينَ مَعَ الْحَاضِرَيْنِ ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ فَاقْتَسَمُوا وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ هَذَا الرَّابِعُ حَتَّى خَسِرَ الْمَالَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ، فَأَرَادَ الْغَائِبُ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَعَمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رِضًا بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْ السُّكُوتِ الثَّابِتِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ. [فَصْلٌ لَا يُؤَدِّي أَحَد الشَّرِيكَيْنِ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ أَحْكَامُ هَذَا الْفَصْلِ بَعِيدَةً عَنْ الشَّرِكَةِ إذْ لَيْسَتْ مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ وَالِاسْتِرْبَاحِ أَفْرَدَهَا بِفَصْلٍ وَأَخَّرَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَذِنَ كُلٌّ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ فَحَالَ فَأَدَّى) وَقَدْ أَدَّى الْآذِنُ الْمَالِكَ ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ مَا أَدَّاهُ (عَلِمَ بِالْأَدَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَدَائِهِ، هَكَذَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. وَنَقَلَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْمَالِكِ، وَنَصَّ فِي زِيَادَاتِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى رَجُلٍ لِيُكَفِّرَ عَنْهُ فَكَفَّرَ الْآمِرُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ كَفَّرَ الْمَأْمُورُ (وَعَلَى هَذَا الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ) وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ، فَإِنْ أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلٌّ نَصِيبَ الْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَزِيَادَاتِ الْعَتَّابِيِّ وَعَلَّلَ فِيمَا نَقَلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ زَكَاةَ كُلٍّ مِنْهُمَا تَقَعُ بِمَا أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ وَأَدَاؤُهُ بِنَفْسِهِ يُوجِبُ عَزْلَ الْوَكِيلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمٍ أَنَّ أَدَاءَهُ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ وَهُوَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ فِيهِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي خِلَافِيَّةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ أَدَّاهُ بِالْأَمْرِ وَلَا ضَمَانَ مَعَ الْأَمْرِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَدَاءِ مَا هُوَ زَكَاةٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ وُسْعِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ زَكَاةً يَتَعَلَّقُ بِأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ

الْمَأْمُورُ عَلِمَ أَوْ لَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَصَارَ مُخَالِفًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَمْرِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَصَلَ بِأَدَائِهِ وَعَرَّى أَدَاءَ الْمَأْمُورِ عَنْهُ فَصَارَ مَعْزُولًا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ. وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَزُولَ الْإِحْصَارُ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْأَدَاءُ وَاجِبٌ فَاعْتُبِرَ الْإِسْقَاطُ مَقْصُودًا فِيهِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوَكِّلِ كَنِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا الْأَدَاءُ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ لِيَقْضِيَ بِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ ثُمَّ أَدَّى الدَّافِعُ الدَّيْنَ لَا يَضْمَنُ إذَا دَفَعَ وَلَمْ يَعْلَمْ، وَصَارَ أَيْضًا كَدَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ الْمَأْمُورُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ. (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْمُؤَدَّى) بَعْدَ أَدَائِهِ (لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَصَارَ مُخَالِفًا، وَهَذَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ الضَّرَرَ) بِتَنْقِيصِ الْمَالِ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الدِّينِيِّ، وَقَدْ خَلَا أَدَاؤُهُ عَنْ ذَلِكَ (فَصَارَ بِأَدَائِهِ مَعْزُولًا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ) لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ بِالْمَوْتِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَأَمَّا مَا الْتَزَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقِيلَ يَمْنَعُ تَسْلِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَوَابَ فِيهِمَا، وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى الِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ (أَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْآمِرِ الْمُحْصَرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَزُولَ الْإِحْصَارُ) أَدْرَكَ الْحَجَّ أَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَيَفْعَلُ أَفْعَالَ فَائِتِ الْحَجِّ (وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْأَدَاءُ وَاجِبٌ فَاعْتُبِرَ الْإِسْقَاطُ مَقْصُودًا فِيهِ) ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ: فَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِدَفْعِ مَضْمُونٍ عَلَى الْآخِذِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ

قَالَ (وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَيَطَأَهَا فَفَعَلَ فَهِيَ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ (وَهَذَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لَهُ خَاصَّةً وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ. وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ إذْ هُمَا لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَهُ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّابِتَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ الْآخِذُ دَائِنَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ عَيْنَ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَلْ دَفْعُ مَالٍ مَضْمُونٍ عَلَى الْقَابِضِ ثُمَّ يَصِيرُ الضَّمَانُ بِالضَّمَانِ قِصَاصًا، وَقَدْ وَقَعَ وَلَمْ يَفُتْ لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْقَضَاءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إيقَاعُهُ زَكَاةً فَكَأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ دَفَعَهُ إلَى الْمَصْرِفِ وَقَدْ وُجِدَ، وَكَوْنُهُ عَزْلًا حُكْمِيًّا لَهُمَا أَنْ يَمْنَعَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ صَحَّ بِدَفْعِهِ مُقَيَّدًا بِوُقُوعِهِ زَكَاةً وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ كَانَ نَاوِيًا لَهَا، فَلَوْ بَادَرَ إلَى الْأَدَاءِ وَقَعَ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَلَمَّا أَخَّرَ حَتَّى أَدَّى الْآمِرُ كَانَ بِتَأْخِيرِهِ مُتَسَبِّبًا لِوُقُوعِهَا غَيْرَ زَكَاةٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِلْآخَرِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً وَيَطَأَهَا فَفَعَلَ) وَأَدَّى جَمِيعَ ثَمَنِهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (فَهِيَ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ) شَرِيكُهُ (بِنِصْفِ) مَا أَدَّى (لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَهُ خَاصَّةً كَطَعَامِ أَهْلِهِ (وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشِّرَاءِ عَلَى الشَّرِكَةِ) جَرْيًا عَلَى مُوجَبِ الْمُفَاوَضَةِ (إذْ لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَهُ فَكَانَ كَحَالِ عَدَمِ الْإِذْنِ) ثُمَّ (الْإِذْنُ) لَهُ بِالْوَطْءِ (يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ) إذْ (لَا يَحِلُّ إلَّا فِي مِلْكٍ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيْعِ) الصَّادِرِ مِنْ الْبَائِعِ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ (لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِمَا

فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْهَا لِلضَّرُورَةِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ خَاصَّةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا لِمَا بَيَّنَّا (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَالْمُفَاوَضَةُ تَضَمَّنَتْ الْكَفَالَةَ فَصَارَ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. كِتَابُ الْوَقْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَغْيِيرَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَا مِنْ الشَّرِيكِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الثَّمَنِ فَكَانَ هِبَةً وَإِنْ كَانَ شَائِعًا. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ حُكْمًا لِلْإِحْلَالِ لَكَانَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ أَحْلَلْت لَك وَطْءَ هَذِهِ الْأَمَةِ تَمْلِيكًا لَهَا مِنْهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَأُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَقْبَلُ لِتَمَلُّكِ الشَّرِيكِ لَهَا مِنْ الْجَارِيَةِ الَّتِي لَا يَمْلِكُ الْمُخَاطَبُ بِالْإِحْلَالِ شِقْصًا مِنْهَا، وَلِذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ يَمْلِكُهَا بِالِاسْتِيلَادِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ، فَأَمَّا مَنْ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ فَالرِّوَايَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ فِي تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ بِالْإِحْلَالِ. كِتَابُ الْوَقْفِ مُنَاسَبَتُهُ بِالشَّرِكَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُرَادُ لِاسْتِبْقَاءِ الْأَصْلِ مَعَ الِانْتِفَاعِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرِكَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَبْقًى فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ، وَفِي الْوَقْفِ مَخْرَجٌ عَنْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَمَحَاسِنُ الْوَقْفِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ الِانْتِفَاعُ الدَّارُّ الْبَاقِي عَلَى طَبَقَاتِ الْمَحْبُوبِينَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى لِمَا فِيهِ مِنْ إدَامَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ» الْحَدِيثَ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَبَيَانِ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَرُكْنِهِ وَحُكْمِهِ، أَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَالْحَبْسُ مَصْدَرُ وَقَفْت أَقِفُ حَبَسْت، قَالَ عَنْتَرَةُ: وَوَقَفْت فِيهَا نَاقَتِي فَكَأَنَّهَا ... فَدَنٌ لِأَقْضِيَ حَاجَةَ الْمُتَلَوِّمِ وَهُوَ أَحَدُ مَا جَاءَ عَلَى فَعَلْتُهُ فَفَعَلَ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وَيَجْتَمِعَانِ فِي قَوْلِك وَقَفْت زَيْدًا أَوْ الْحِمَارَ فَوَقَفَ، وَأَمَّا أَوْقَفْته بِالْهَمْزِ فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْمَازِنِيِّ قَالَ: يُقَالُ وَقَفْت دَارِي وَأَرْضِي وَلَا يُعْرَفُ أَوْقَفْت مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، ثُمَّ اُشْتُهِرَ الْمَصْدَرُ: أَعْنِي الْوَقْفَ فِي الْمَوْقُوفِ. فَقِيلَ هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ، فَلِذَا جُمِعَ عَلَى أَفْعَالٍ فَقِيلَ وَقْفٌ وَأَوْقَافٌ كَوَقْتِ وَأَوْقَاتٍ. وَأَمَّا شَرْعًا: فَحَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِمَنْفَعَتِهَا أَوْ صَرْفُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ وَعِنْدَهُمَا حَبْسُهَا لَا عَلَى مِلْكِ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ. وَقَدْ انْتَظَمَ هَذَا بَيَانَ حُكْمِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فَلَا حَاجَةَ لِإِفْرَادِهِ هُنَا أَيْضًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَوْ صَرْفُ مَنْفَعَتِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُحِبُّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا قَصْدِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فِي آخِرِهِ مِنْ الْقُرْبَةِ بِشَرْطِ التَّأْبِيدِ، وَهُوَ بِذَلِكَ كَالْفُقَرَاءِ وَمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ لَكِنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا تَصَدُّقٍ. وَسَبَبُهُ إرَادَةُ مَحْبُوبِ النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا بَيْنَ الْأَحْيَاءِ. وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّقَرُّبِ إلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ جَلَّ وَعَزَّ. وَأَمَّا شَرْطُهُ فَهُوَ الشَّرْطُ فِي سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا، وَأَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ، فَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَدَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَجَاءَ وَلَدُهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، فَلَوْ وَقَفَ الذِّمِّيُّ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ، وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ لِمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ خَصَّ فِي وَقْفِهِ مَسَاكِينَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ، وَيُفَرَّقُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس مِنْهُمْ إلَّا إنْ خَصَّ صِنْفًا مِنْهُمْ، فَلَوْ دَفَعَ الْقَيِّمُ إلَى غَيْرِهِمْ كَانَ ضَامِنًا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ ثُمَّ لِلْفُقَرَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الصَّدَقَةِ لَزِمَ شَرْطُهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ مَنْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ النَّصْرَانِيَّةِ خَرَجَ اُعْتُبِرَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْخَصَّافُ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَعَقَّبَهُ غَيْرَ مُتَأَخِّرٍ يُسَمَّى الطَّرَسُوسِيُّ شَنَّعَ بِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْإِسْلَامَ سَبَبًا لِلْحِرْمَانِ، وَهَذَا لِلْبُعْدِ مِنْ الْفِقْهِ فَإِنَّ شَرَائِطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ، وَالْوَاقِفُ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً، وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ صِنْفًا مِنْ الْفُقَرَاءِ دُونَ صِنْفٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ فِي كُلِّهِمْ قُرْبَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ قُرْبَةٌ حَتَّى جَازَ أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِمْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ عِنْدَنَا فَكَيْفَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْطُهُ فِي صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ؟ أَرَأَيْت لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمْ أَلَيْسَ يُحْرَمُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ دَفَعَ الْمُتَوَلِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ ضَامِنًا فَهَذَا مِثْلُهُ، وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحِرْمَانِ بَلْ الْحِرْمَانُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِ تَمَلُّكِهِ هَذَا الْمَالَ، وَالسَّبَبُ هُوَ إعْطَاءُ الْوَاقِفِ الْمَالِكِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ وَقْفِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَيْعَةٍ مَثَلًا فَإِذَا خَرِبَتْ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ ابْتِدَاءً، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ مِيرَاثًا عَنْهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ فِي وَقْفِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عِنْدَ هُمْ؛ فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: الْوَقْفُ كَالْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ ذِمِّيَّانِ عَدْلَانِ فِي مِلَّتِهِمْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهِ أَوْ يَعْتَمِرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْبَةً عِنْدَهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ إذَا وَقَفَ حَالَ رِدَّتِهِ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مَوْقُوفٌ إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ بَطَلَ وَقْفُهُ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَحَلَ دِينًا جَازَ مِنْهُ مَا نُجِيزُهُ لِأَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ. أَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُجِيزُ وَقْفَهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا وَقَفَ وَقْفًا صَحِيحًا فِي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ثُمَّ ارْتَدَّ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا سَوَاءٌ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَعَادَ الْوَقْفَ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَحَكَى الْخَصَّافُ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّينَ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي الذِّمِّيِّ يَتَزَنْدَقُ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا، قَالَ بَعْضُهُمْ: أُقِرُّهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ وَأُقِرُّ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنِّي إنْ أَخَذْته بِالرُّجُوعِ فَإِنَّمَا أَرُدُّهُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ وَلَا أَرَى ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أُقِرُّهُ عَلَى الزَّنْدَقَةِ. وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَإِنْ كَانُوا دَهْرِيَّةً يَقُولُونَ مَا يُهْلِكُنَا إلَّا الدَّهْرُ فَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الزَّنَادِقَةِ، وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ صَحَّ مِنْ وُقُوفِهِمْ مَا يَصِحُّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَجَمِيعُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ بَعْدَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، حُكْمُ وَقْفِهِمْ وَوَصَايَاهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَبُولِ شَهَادَاتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا حُكْمٌ بِإِسْلَامِهِمْ. وَأَمَّا الْخَطَابِيَّةُ فَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلُوا؛ لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّهُمْ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِالزُّورِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ. وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ صَدَقَ الْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ. وَمِنْ الشُّرُوطِ الْمِلْكُ وَقْتَ الْوَقْفِ، حَتَّى لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَوَقَفَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكِهَا وَدَفَعَ ثَمَنَهَا إلَيْهِ أَوْ صَالَحَ عَلَى مَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا تَكُونُ وَقْفًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهَا بَعْدَ أَنْ وَقَفَهَا، هَذَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْوَاقِفُ. أَمَّا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةَ غَيْرِهِ عَلَى جِهَاتٍ فَبَلَغَ فَأَجَازَهُ جَازَ بِشَرْطِ الْحُكْمِ وَالتَّسْلِيمِ أَوْ عَدَمِهِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِجَوَازِ وَقْفِ الْفُضُولِيِّ، وَسَتَأْتِيك فُرُوعٌ أُخَرُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ دَيْنٍ فَوَقَفَ أَرْضًا لَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حَجْرَهُ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَخْرُجَ مَالُهُ عَنْ مِلْكِهِ لِيَضُرَّ بِأَرْبَابِ الدُّيُونِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَذَا أَطْلَقَهَا الْخَصَّافُ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا وَقَفَهَا فِي الْحَجْرِ لِلسَّفَهِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَعِنْدَ الْكُلِّ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، هَذَا وَأَمَّا عَدَمُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، فَلَوْ أَجَّرَ أَرْضًا عَامَيْنِ فَوَقَفَهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا لَزِمَ الْوَقْفُ بِشَرْطِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَتْ الْأَرْضُ إلَى مَا جَعَلَهَا لَهُ مِنْ الْجِهَاتِ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَ أَرْضَهُ ثُمَّ وَقَفَهَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهَا لَزِمَ الْوَقْفُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَقَامَتْ سِنِينَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَافْتَكَّهَا تَعُودُ إلَى الْجِهَةِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الِافْتِكَاكِ وَتَرَكَ قَدْرَ مَا يَفْتَكُّ بِهِ افْتَكَّ وَلَزِمَ الْوَقْفُ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً بِيعَتْ وَبَطَلَ الْوَقْفُ، وَفِي الْإِجَارَةِ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَآجِرَيْنِ تَبْطُلُ وَتَصِيرُ وَقْفًا. وَأَمَّا شَرْطُهُ الْخَاصُّ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ، أَوْ أَنْ يَلْحَقَهُ حُكْمٌ بِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَشْتَرِطُ سِوَى كَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا لَهُ مِنْ كَوْنِهِ عَقَارًا أَوْ دَارًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُؤَبَّدًا مَقْسُومًا غَيْرَ مُشَاعٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمُسَلَّمًا إلَى مُتَوَلٍّ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَالْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ كَأَنْ يَقُولَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ بَعْدَ شُرُوطِهِ. وَلَا بَأْسَ أَنْ نَسُوقَ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفَاظِ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ، أَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِأَرْضِي هَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَا تَكُونُ وَقْفًا بَلْ نَذْرًا يُوجِبُ التَّصَدُّقَ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا، فَإِنْ فَعَلَ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ وَإِلَّا وُرِثَتْ عَنْهُ، كَمَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ فَمَاتَ بِلَا إيصَاءٍ تُورَثُ عَنْهُ، وَمَوْقُوفَةٌ فَقَطْ لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَإِذَا كَانَ مُفِيدًا لِخُصُوصِ الْمَصْرِفِ: أَعْنِي الْفُقَرَاءَ لَزِمَ كَوْنُهُ مُؤَبَّدًا؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْفُقَرَاءِ لَا تَنْقَطِعُ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَمَشَايِخُ بَلْخَ يُفْتُونَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَنَحْنُ نُفْتِي بِقَوْلِهِ أَيْضًا لِمَكَانِ الْعُرْفِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ رَدُّ هِلَالٍ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَبَطَلَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ إذَا كَانَ يَصْرِفُهُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ قَالَ مَوْقُوفَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ عِنْدَ هِلَالٍ أَيْضًا لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَحْبُوسَةٌ أَوْ حَبْسٌ، وَلَوْ كَانَ فِي حَبْسِ مِثْلِ هَذَا الْعُرْفِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ مَوْقُوفَةً، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلسَّبِيلِ إذَا تَعَارَفُوهُ وَقْفًا مُؤَبَّدًا عَلَى الْفُقَرَاءِ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا سُئِلَ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْوَقْفَ صَارَ وَقْفًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ، أَوْ قَالَ أَرَدْت مَعْنَى صَدَقَةٍ فَهُوَ نَذْرٌ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَانَتْ مِيرَاثًا ذَكَرَهُ فِي النَّوَازِلِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ جَعَلْتهَا لِلْفُقَرَاءِ إنْ تَعَارَفُوهُ وَقْفًا عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا سُئِلَ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَقْفَ فَهِيَ وَقْفٌ أَوْ الصَّدَقَةَ فَهُوَ نَذْرٌ، وَكَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى، فَإِثْبَاتُهُ بِهِ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ أَوْلَى. وَاعْتَرَضَهُ فِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَذَكَرَ فِي إحْدَاهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَكُونُ مِيرَاثًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهُ مِيرَاثًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ نَذْرًا؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ إذَا مَاتَ النَّاذِرُ وَلَمْ يُوَفِّ بِنَذْرِهِ يَكُونُ مِيرَاثًا إلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى تَمَامِ التَّفْصِيلِ فِي إحْدَاهُمَا، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَكُونُ نَذْرًا، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَا بِقِيمَتِهِ يَكُونُ مِيرَاثًا؛ وَلَوْ قَالَ صَدَقَةً مُوَقْوِقَةً فَهِلَالٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُمَا عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صَدَقَةً عُرِفَ مَصْرِفُهُ، وَانْتَفَى بِقَوْلِهِ مَوْقُوفَةً احْتِمَالُ كَوْنِهِ نَذْرًا، وَكَذَلِكَ حَبْسُ صَدَقَةٍ. وَكَذَلِكَ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ. قِيلَ وَمُحَرَّمَةٌ بِمَنْزِلَةِ وَقْفٍ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ حَبْسٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ مَوْقُوفَةٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَوْقُوفَةٍ فَكَانَ كَإِفْرَادِ لَفْظِ مَوْقُوفَةٍ. وَفِي النَّوَازِلِ: لَوْ قَالَ جَعَلْت نُزُلَ كَرْمِي وَقْفًا وَفِيهِ ثَمَرٌ أَوْ لَا يَصِيرُ الْكَرْمُ وَقْفًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْت غَلَّتَهُ وَقْفًا تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ كَأَنَّهُ قَالَ جَعَلْت كَرْمِي بِمَا فِيهِ وَقْفًا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَدْخُلَ الثِّمَارُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ؛ وَلَوْ زَادَ فَقَالَ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ مَعَ

[كتاب الوقف]

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ فَيَقُولَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ (يَزُولُ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَزُولُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ وَلِيًّا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْوَقْفُ لُغَةً. هُوَ الْحَبْسُ تَقُولُ وَقَفْت الدَّابَّةَ وَأَوْقَفْتهَا بِمَعْنًى. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ. ثُمَّ قِيلَ الْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ فَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ، فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا عِنْدَهُ، وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَعُودُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ مُؤَبَّدًا، وَهُوَ مَوْضِعُ اتِّفَاقِ مُجِيزِي الْوَقْفِ عَلَى أَنَّهَا الْعِبَارَةُ الْوَافِيَةُ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَسْرَارِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مُؤَبَّدًا كَانَ وَقْفًا عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ مَنْ يُجِيزُ الْوَقْفَ يُفِيدُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَلَا يَنْبَغِي فَإِنَّ التَّأْبِيدَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَوْ آخِرِهِ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ وَجَعْلُهُ لِلْفُقَرَاءِ يُفِيدُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ مَوْقُوفَةً لِلَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ صَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ [كِتَابُ الْوَقْفِ] (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) أَيْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، (أَوْ يُعَلِّقَهُ) أَيْ يُعَلِّقَ الْوَقْفَ (بِمَوْتِهِ فَيَقُولَ: إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ (يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ) الَّذِي قَدَّمْنَا صِحَّةَ الْوَقْفِ بِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ (لَا يَزُولُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ مُتَوَلِّيًا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ) بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى، وَإِذَا لَمْ يَزُلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ يَكُونُ مُوجَبُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ حَبْسَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقَ بِالْمَنْفَعَةِ، وَحَقِيقَتُهُ لَيْسَ إلَّا التَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَفْظُ حَبَسَ إلَى آخِرِهِ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَتَى شَاءَ وَمِلْكُهُ مُسْتَمِرٌّ فِيهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِمَنْفَعَتِهِ فَلَمْ يُحْدِثْ الْوَاقِفُ إلَّا مَشِيئَةَ التَّصَدُّقِ بِمَنْفَعَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَانَ ثَابِتًا لَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ بِلَا ذِكْرِ لَفْظِ الْوَقْفِ فَلَمْ يُفِدْ لَفْظُ الْوَقْفِ شَيْئًا، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ، وَهُوَ مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ. بِقَوْلِهِ (وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي الْمَبْسُوطَ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ كَانَ كَالْمَعْدُومِ، وَالْجَوَازُ وَالنَّفَاذُ وَالصِّحَّةُ فَرْعُ اعْتِبَارِ الْوُجُودِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجِيزُ لَيْسَ الْمُرَادُ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْوَقْفِ بَلْ لَا يُجِيزُ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا أَحْكَامُ ذِكْرِ الْوَقْفِ فَلَا خِلَافَ إذَنْ؛ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ: أَيْ لَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذُكِرَتْ لَهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهَا حَاكِمٌ. وَقَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى غَيْرِهِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ هُوَ، الْمُسْتَوْفِي لِمَنَافِعِهِ. [فَرْعٌ] يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يُوصِيَ بِغَلَّةِ هَذِهِ الدَّارِ لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا أَوْ لِفُلَانٍ وَبَعْدَهُ لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا، فَإِنَّ هَذِهِ الدَّارَ تَصِيرُ وَقْفًا بِالضَّرُورَةِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهَا كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ

مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعِبَادِ فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ. وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا وَالتَّرْجِيحُ بِالدَّلِيلِ. لَهُمَا «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَرْضٍ لَهُ تُدْعَى ثَمْغَ: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعِبَادِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى سِوَى قَوْلِنَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَلَى وَجْهٍ يُحْبَسُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ اللَّهِ فِي الْأَشْيَاءِ لَمْ يَزُلْ قَطُّ وَلَا يُزَالُ، فَالْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ لَا إلَى مَالِكٍ فَيَلْزَمُ وَلَا يَمْلِكُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ لِامْتِنَاعِ السَّائِبَةِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ لَكِنْ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ. وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَبِّسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ» اهـ ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فَإِنَّ خِلَافَ الْأَصْلِ وَالْقِيَاسِ ثَابِتٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ خُرُوجُهُ لَا إلَى مَالِكٍ وَثُبُوتُ مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ فِيهِ مَعَ مَنْعِهِ مِنْ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ؛ فَمِنْ الْأَوَّلِ الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ الثَّانِي أُمُّ الْوَلَدِ يَكُونُ الْمِلْكُ فِيهَا بَاقِيًا وَلَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُوَرَّثُ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَنَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ بِالدَّلِيلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِلْكَ الْوَاقِفِ كَانَ مُتَيَقَّنَ الثُّبُوتِ، وَالْمَعْلُومُ بِالْوَقْفِ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمُ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَلْيَثْبُتْ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَقَطْ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُزِيلُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ» مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِلَّا لَخَرَجَ إلَى مَالِكٍ آخَرَ. ثُمَّ رَأَيْنَا غَيْرَهُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ «إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا» أَيْ بِالثَّمَرَةِ أَوْ الْغَلَّةِ، وَظَاهِرُهُ حَبْسُهَا عَلَى مَا كَانَ فَلَمْ يَخْلُصْ دَلِيلٌ يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ، وَكَذَا الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفُ يُفِيدُ لُزُومَهُ لَا غَيْرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ثَبَتَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ " تَصَدَّقْ " وَقَوْلُهُ " حَبِّسْ " وَالْمَفْهُومَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا مَلِّكْهُ الْفَقِيرُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ. وَمَعْنَى حَبِّسْ احْبِسْهُ: أَيْ عَلَى مَا كَانَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا إلَّا مَعْنَى أَحَدِهِمَا، وَإِلَّا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجِيبًا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ. فَإِمَّا أَنْ يَحْمِلَ حَبِّسْ عَلَى مَعْنَى تَصَدَّقْ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى نَفْيِهِ إذْ لَا يَقُولُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِمِلْكِ الْفَقِيرِ لِلْعَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ تَصَدَّقْ عَلَى مَعْنَى حَبَسَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَيُحْبَسُ عَلَى الْمِلْكِ شَرْعًا، وَإِذَا حَبَسَ عَلَيْهِ شَرْعًا امْتَنَعَ بَيْعُهُ. وَصُورَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ الَّذِي بِهِ يَزُولُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ، ثُمَّ يُظْهِرَ الرُّجُوعَ فَيُخَاصِمَهُ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِلُزُومِهِ، قَالُوا: فَإِنْ خَافَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبِيعَهُ قَاضٍ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ يَكْتُبُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ: فَإِنْ أَبْطَلَهُ أَوْ غَيَّرَهُ قَاضٍ فَهَذِهِ الْأَرْضُ بِأَصْلِهَا وَجَمِيعُ مَا فِيهَا وَصِيَّةٌ مِنْ فُلَانٍ الْوَاقِفِ تُبَاعُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَتَبَ هَذَا لَا يُخَاصِمُ أَحَدٌ فِي إبْطَالِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، وَإِذَا أَبْطَلَهُ قَاضٍ يَصِيرُ وَصِيَّةً يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَدْ يَكُونُ فِي نَقْضِهِ وَبَيْعِهِ فَائِدَةٌ لِلْوَرَثَةِ، فَمَحْمَلُ مَا ذَكَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقَفَ فِي الْمَرَضِ، أَوْ كَانَ فِيهِ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا) أَيْ لَفْظُ الْوَقْفِ يَصْدُقُ مَعَ كُلٍّ مِنْ زَوَالِ

يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفُ مِنْهُ لِيَصِلَ ثَوَابُهُ إلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَدْ أَمْكَنَ دَفْعُ حَاجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، إذْ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ لَفْظِ وَقَفْت دَارِي أَوْ حَبَسْتهَا خُرُوجُهَا عَنْ الْمِلْكِ فَيَصْدُقُ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَالتَّرْجِيحُ: أَيْ تَرْجِيحُ الْخُرُوجِ وَعَدَمِهِ بِالدَّلِيلِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ قِبَلِهِمَا إنَّمَا تُفِيدُ اللُّزُومَ لَا الْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ، وَمِنْ قِبَلِهِ تُفِيدُ نَفْيَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا دَلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يُفِيدُ تَمَامَ الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ بِدَلِيلِهِمَا فَذَكَرَ حَدِيثَ ثَمْغَ وَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ أَنَّهُ بِلَا تَنْوِينٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهَا فِي كُتُبِ غَرَائِبِ الْحَدِيثِ الْمُصَحَّحَةِ عِنْدَ الثِّقَاتِ مُنَوَّنًا وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ كَمَا فِي دَعْدٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ: أَخْبَرَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ تُدْعَى ثَمْغَ، وَقَالَ: كَانَ نَخْلًا نَفِيسًا، قَالَ: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اسْتَفَدْت مَالًا هُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ تُنْفَقُ ثَمَرَتُهُ، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَلِلضَّعِيفِ وَالْمَسَاكِينِ وَلِابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُؤَكِّلَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ» ، وَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَصَبْت أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا، فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ» الْحَدِيثَ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ تُنْفَقُ ثَمَرَتُهُ» ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفَ لِحَاجَتِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ ثَوَابُهُ إلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّرْعُ إلَى إعْمَالِ مَا يَدْفَعُ هَذِهِ الْحَاجَةَ فِيمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَلَا طَرِيقَ إلَى تَحَقُّقِ دَفْعِ هَذِهِ الْحَاجَةِ وَإِثْبَاتِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ إلَّا لُزُومُهُ، وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ تَحَقَّقَتْ حَاجَةُ اسْتِمْرَارِ وُصُولِ ثَوَابِهِ، وَيُمْكِنُ بِإِسْقَاطِ مِلْكِهِ فَيَسْقُطُ ظَاهِرُ الْمَنْعِ إذْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِذَلِكَ سُقُوطُ الْمِلْكِ طَرِيقًا بَلْ يَتَحَقَّقُ بِالْحُكْمِ بِلُزُومِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ زَوَالُ الْمِلْكِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا رَجَّحْنَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيمَا مَضَى، ثُمَّ عَلَى تَقْرِيرِنَا يَحْصُلُ مَطْلُوبُهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّتْ الدَّلَالَةُ عَلَى لُزُومِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِمُوَافَقَتِنَا لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ لِاعْتِقَادِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - التَّلَازُمَ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ. وَقَوْلُهُ كَالْمَسْجِدِ نَظِيرُ مَا خَرَجَ عَنْ الْمِلْكِ بِالْإِجْمَاعِ لَا إلَى مَالِكٍ، وَكَذَا

بِإِسْقَاطِ الْمِلْكِ وَجَعْلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى. إذْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ فَيُجْعَلُ كَذَلِكَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى» وَعَنْ شُرَيْحٍ: جَاءَ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَيْعِ الْحَبِيسِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ زِرَاعَةً وَسُكْنَى وَغَيْرَ ذَلِكَ وَالْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَاقِفِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِصَرْفِ غَلَّاتِهِ إلَى مَصَارِفِهَا وَنَصْبِ الْقَوَّامِرِ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِمَنَافِعِهِ فَصَارَ شَبِيهَ الْعَارِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ دَائِمًا وَلَا تَصَدُّقَ عَنْهُ إلَّا بِالْبَقَاءِ عَلَى مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَالَ مِلْكُهُ، لَا إلَى مَالِكٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مَعَ بَقَائِهِ كَالسَّائِبَةِ. بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِعْتَاقُ، وَسَيُجِيبُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْعِتْقِ وَمُطْلَقِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ» أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ إلَى عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ وَأَنْزَلَ فِيهَا الْفَرَائِضَ نَهَى عَنْ الْحَبْسِ» . وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَخِيهِ وَضَعَّفُوهُمَا. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِلَاحٍ أَوْ كُرَاعٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْمَوْقُوفِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ ثُبُوتَ الْوَقْفِ وَلِهَذَا اسْتَثْنَى الْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ لَا يُقَالُ إلَّا سَمَاعًا وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ، وَالشَّعْبِيُّ أَدْرَكَ عَلِيًّا وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ ثَابِتَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَيْحٍ فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْبُيُوعِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَابْنُ زَائِدَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: «جَاءَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَيْعِ الْحَبِيسِ» . وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَشُرَيْحٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ رَفَعَ الْحَدِيثَ فَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ إلَخْ) ظَاهِرُ مُصَادَرَةٍ لِجَعْلِهِ الدَّعْوَى جُزْءَ الدَّلِيلِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَصِلَ الدَّلِيلَ بِالدَّعْوَى، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ زِرَاعَةً وَسُكْنَى لِغَيْرِ الْوَاقِفِ، وَتَعَلُّقُ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِالْعَيْنِ أَثَرُ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ فِيهَا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ أَوْ لَهُ، وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ، وَكَذَا الِاسْتِيضَاحُ بِنَصْبِ الْقَوَّامِ وَصَرْفِ غَلَّاتِهِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ يَكُونُ عَنْ مِلْكِهِ لِلْعَيْنِ إلَّا أَنْ يُوجِبَ مُوجِبٌ لَا مَرَدَّ لَهُ خُرُوجَهُ عَنْ

وَبِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ جُعِلَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهُنَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ فَلَمْ يَصِرْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، أَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ الْمَوْلَى، فَأَمَّا الْمُحَكِّمُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكِهِ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِوِلَايَةِ غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفَرْقِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ جُعِلَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ مُحَرَّرًا عَنْ أَنْ يَمْلِكَ الْعِبَادُ فِيهِ شَيْئًا غَيْرَ الْعِبَادَةِ فِيهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ أَصْلُهُ الْكَعْبَةُ، وَالْوَقْفُ غَيْرُ الْمَسْجِدِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْتَفِعُ الْعِبَادُ بِعَيْنِهِ زِرَاعَةً وَسُكْنَى وَغَيْرَهُمَا كَمَا يَنْتَفِعُ بِالْمَمْلُوكَاتِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ كَالْمَسْجِدِ فَيُلْحَقُ بِالْكَعْبَةِ كَمَا أُلْحِقَ الْمَسْجِدُ بِهَا. وَأَيْضًا قَضِيَّةُ كَوْنِ الْحَاصِلِ مِنْهُ صَدَقَةً دَائِمَةً عَنْ الْوَاقِفِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ بَاقِيًا إذْ لَا تَصَدُّقَ بِلَا مِلْكٍ فَاقْتَضَى قِيَامَ الْمِلْكَ فَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَإِتْلَافٌ لِلْمَمْلُوكِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَيْسَ الْوَقْفُ كَذَلِكَ. وَجَوَابُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَالِكًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ، وَإِنَّمَا عَرَضَ فِيهِ الْمَمْلُوكِيَّةُ وَبِالْإِعْتَاقِ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ، بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لِتُتَمَلَّكَ فَبِالْوَقْفِ لَا تَعُودُ إلَى أَصْلٍ هُوَ عَدَمُ الْمَمْلُوكِيَّةِ بَلْ إلَى الْحَضِّ عَلَى مِلْكِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ وَهَذَا حَقٌّ، وَيُؤَيِّدُ مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ، لَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُ عَدَمَ الْخُرُوجِ مَلْزُومًا لِعَدَمِ لُزُومِهِ صَدَقَةً أَوْ بِرًّا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مُنْفَكَّانِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ. وَالْحَقُّ تَرَجُّحُ قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ بِلُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَوْلًا كَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ» إلَى آخِرِهِ، وَتَكَرَّرَ هَذَا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْأُمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلُهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَدَقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ أُخْتِهَا وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَصْفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي أَرْوَى الدَّوْسِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ كُلُّهَا بِرِوَايَاتٍ، وَتَوَارَثَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ ذَلِكَ فَلَا تَعَارُضَ بِمِثْلِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى حَدِيثِ شُرَيْحٍ بَيَانُ نَسْخِ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْحَامِي وَنَحْوِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الْعَمَلِيُّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُتَوَارَثًا عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فَلِذَا تَرَجَّحَ خِلَافُهُ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. (قَوْلُهُ وَأَمَّا تَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُ) وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ

وَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَقْفُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ يَزُولُ عِنْدَهُمَا يَزُولُ بِالْقَوْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَصِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ جَوَازِ تَعْلِيقِ الْوَقْفِ، وَالْوَقْفُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ. وَلِذَا لَوْ قَالَ إذَا مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي إلَى آخِرِهِ فَمَاتَ لَمْ تَصِرْ وَقْفًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إذَا مِتُّ فَاجْعَلُوهَا وَقْفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ لَا تَعْلِيقُ الْوَقْفِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَقْفَ بِمَنْزِلَةِ تَمْلِيكِ الْهِبَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَالتَّمْلِيكَاتُ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَطَرِ. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بَاطِلًا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى مَا عَرَفْت بِأَنَّ صِحَّتَهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِهِ وَصِيَّةً. قَالُوا: لَوْ قَالَ دَارِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَصَالِحِ مَسْجِدِ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي صَحَّ، وَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا، أَمَّا لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقِفَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَقَدِمَ فَهُوَ نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ جَازَ فِي الْحُكْمِ وَنَذْرُهُ بَاقٍ. إنْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ سَقَطَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ، وَتَعْيِينُ الْمُعْطَى لَهُ النَّذْرَ لَغْوٌ فَصَارَ الثَّابِتُ النَّذْرَ بِالْوَقْفِ فَجَازَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَيْسَ كَنَفْسِهِ. فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ النَّذْرُ بِالْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ. قُلْت: بَلْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَّخِذَ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ مَسْجِدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَالِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيْتُ مَالٍ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت ثُمَّ قَالَ شِئْت كَانَ بَاطِلًا لِلتَّعْلِيقِ، أَمَّا لَوْ قَالَ شِئْت وَجَعَلْتهَا صَدَقَةً صَحَّ بِهَذَا الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِي مِلْكِي فَهِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ، فَظَهَرَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ، وَالتَّعْلِيقُ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ، الْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ: يَعْنِي فِي قَوْلِهِ أَوْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ الْقَاضِي. وَأَمَّا الْمُحَكِّمُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ الْوَقْفَ بَعْدَ حُكْمِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ كَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) حَتَّى يَلْزَمُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ فِي الْحُكْمِ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُحْكَمَ بِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ. وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ إلَّا أَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِخِلَافِهِ فِي الصِّحَّةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: مَرِيضٌ وَقَفَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ يُبَاعُ وَيُنْقَضُ الْوَقْفُ، كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارًا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيَنْقُضَ الْوَقْفَ انْتَهَى مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِ ذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ الْمَدْيُونُ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ، فَإِنَّ وَقْفَهُ لَازِمٌ لَا يَنْقُضُهُ أَرْبَابُ الدُّيُونِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْحَجْرِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِالْعَيْنِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ يَزُولُ عِنْدَهُمَا يَزُولُ بِالْقَوْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ) قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ

لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ مَقْصُودًا، وَقَدْ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالْعِتْقِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ لِزَوَالِهِ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلَّهِ فَيَصِيرَ حَقًّا لَهُ، وَحَقُّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ مُسَلَّمًا فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ لِلْعَبْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى (وَالتَّمْلِيكُ مِنْهُ وَهُوَ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ مَقْصُودًا وَقَدْ يَتَحَقَّقُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ) الْمُنَجَّزَةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّمْلِيكَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَتَحَقَّقُ لَا مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ الْمُسْتَمِرِّ، ثُمَّ لَا مُوجِبَ لِاعْتِبَارِهِ حَتَّى يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفِ تَوْجِيهِهِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُوجِبُهُ الدَّلِيلُ إمَّا خُرُوجُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْوَقْفِ لَا إلَى أَحَدٍ، وَتَوَجُّهُ الْخِطَابِ بِصَرْفِ غَلَّتِهِ إلَى مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَوْ تَوَجُّهُ الْخِطَابِ بِذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ، فَإِذَا فَعَلَ خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ تَكَلُّفِ اعْتِبَارٍ آخَرَ. نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحَظَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ تَسْلِيمًا إلَيْهِ تَعَالَى كَأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ نَائِبَهُ فِي قَبْضِ حَقِّهِ، وَذَلِكَ بِقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ لَا الْمُتَوَلِّي كَالزَّكَاةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يُلَاحَظَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ الْمَقْصُودُ لَيْسَ إلَّا فِعْلُ مَا وَجَبَ بِالْوَقْفِ، فَلِذَا كَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوْجَهَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ. وَفِي الْمُنْيَةِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ بَلْخَ. وَأَمَّا الْبُخَارِيُّونَ: فَأَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ يَقُولُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَقْوَى، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْآثَارِ: يَعْنِي مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ وَقْفَهُ فِي يَدِ حَفْصَةَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَرَدَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ فَعَلَهُ لِيُتِمَّ الْوَقْفَ بَلْ لِشَغْلِهِ وَخَوْفِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ، وَكَذَا جَمِيعُ مَنْ يَنْصِبُ الْمُتَوَلِّينَ لَا يَخْطِرُ لَهُ غَيْرُ تَفْرِيغِ نَفْسِهِ مِنْ أَمْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ تَمَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي صَارَتْ يَدُ الْوَاقِفِ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، فَجَوَابُهُ مَنْعُ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِخُرُوجِ مَا فِي يَدِهِ يُوجِبُ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ يَدِهِ كَعِتْقِ الْعَبْدِ الْكَائِنِ فِي يَدِ سَيِّدِهِ الْمُعْتِقِ لَهُ، وَالنَّاذِرِ بِالْعَيْنِ الْكَائِنَةِ فِي يَدِهِ هِيَ وَقِيمَتُهَا يُوجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجَ أَحَدِهِمَا مِنْ يَدِهِ، وَهَذِهِ أُمُورٌ شَرْعِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ. وَمِمَّا بُنِيَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ الْوِلَايَةَ فِي عَزْلِ الْقَوَّامِ وَالِاسْتِبْدَالَ بِهِمْ لِنَفْسِهِ وَلِأَوْلَادِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَسَلَّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ فَهَذَا جَائِزٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يُخِلُّ بِشَرَائِطِ الْوَقْفِ، وَلَوْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى قَيِّمٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وِلَايَةَ لَهُ وَالْوِلَايَةُ لِلْقَيِّمِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَلَهُ وَصِيٌّ فَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيِّهِ وَالْوِلَايَةُ لِلْقَيِّمِ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَاقِفُ أَنْ يَعْزِلَ الْقَيِّمَ وَيَرُدَّهُ لِنَفْسِهِ أَوْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ، وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ الْقَيِّمَ فِي حَيَاتِهِ وَيُوَلِّيَ غَيْرَهُ أَوْ يَرُدَّ النَّظَرَ إلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَ وِلَايَةُ الْقَيِّمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عِنْدَهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْقَيِّمِ فَلَا يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةٌ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِدُونِ التَّسْلِيمِ إلَى الْقَيِّمِ يَتِمُّ الْوَقْفُ، فَإِذَا سَلَّمَ إلَى قَيِّمٍ كَانَ وَكِيلَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيَنْعَزِلَ بِمَوْتِهِ إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ لِلْمَسْجِدِ

قَالَ (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَإِذَا اُسْتُحِقَّ مَكَانَ قَوْلِهِ إذَا صَحَّ (خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ يَنْفُذُ بَيْعُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ لَمَا انْتَقَلَ عَنْهُ بِشَرْطِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَوْلُهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. قَالَ (وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَصِيرُ لِلْمَسْجِدِ حَتَّى يُسَلِّمَهَا إلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) وَهَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ إلَّا فِي قَوْلٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُتَمَلَّكُ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ بِشَرْطِ الْمَالِكِ الَّذِي هُوَ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ لَكِنَّهُ يَنْتَقِلُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ فُلَانٍ عَلَى كَذَا. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَوْلُهُ أَيْ الْقُدُورِيِّ (خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ غَيْرُ اللُّزُومِ وَهُوَ لَمْ يَقُلْ إذَا لَزِمَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ لِيَكُونَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ بَلْ قَالَ: إذَا صَحَّ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ لَا تَسْتَلْزِمُ اللُّزُومَ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْكَامِ الْعُقُودِ فَقَدْ يَكُونُ عَقْدٌ حُكْمُهُ اللُّزُومَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمُهُ غَيْرَ اللُّزُومِ كَالْعَارِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَجَوَّزَ بِالصِّحَّةِ عَنْ اللُّزُومِ (قَوْلُهُ وَقْفُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى

لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَالْقَبْضُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ، وَهَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَيَجُوزُ مَعَ الشُّيُوعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِيهِمَا فِي غَايَةِ الْقُبْحِ بِأَنْ يُقْبَرَ فِيهِ الْمَوْتَى سَنَةً، وَيُزْرَعَ سَنَةً وَيُصَلَّى فِيهِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذَ إصْطَبْلًا فِي وَقْتٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْلَالِ وَقِسْمَةِ الْغَلَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ الْوَقْفِ، فَلَمَّا شَرَطَهُ مُحَمَّدٌ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَشَاعِ (لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ) وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فَوَجَبَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمُتَوَلِّي فَلَا يُشْتَرَطُ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي خُرُوجِهِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَهُمْ مَشَايِخُ بَلْخَ أَخَذَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ، وَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي تِلْكَ وَهُمْ مَشَايِخُ بُخَارَى أَخَذَ بِقَوْلِهِ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ. وَأَمَّا إلْحَاقُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ (الْمُنَفَّذَةِ) أَيْ الْمُنَجَّزَةِ فِي الْحَالِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مَشَاعًا، فَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ؛ فَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ فِي تَيْنِكَ لِمَا فِيهِمَا مِنْ التَّمْلِيكِ لِلْغَيْرِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ مِنْ الْغَيْرِ حَتَّى يُشْتَرَطَ قَبْضُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ بِلَا تَمْلِيكٍ فَلَا يَرِدُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَلَا مُوْجِبَ لِاشْتِرَاطِ الْقِسْمَةِ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَاعَ إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلَهَا، فَفِيمَا يَحْتَمِلُهَا أَجَازَ أَبُو يُوسُفَ وَقْفَهُ إلَّا الْمَسْجِدَ وَالْمَقْبَرَةَ وَالْخَانَ وَالسِّقَايَةَ، وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا اتَّفَقُوا عَلَى إجَازَةِ وَقْفِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ وَالْمَقْبَرَةَ، فَصَارَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ جَعْلِ الْمَشَاعِ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهَا. وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ وَعَدَمِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَشْرِطْهُ أَبُو يُوسُفَ أَجَازَ وَقْفَهُ، وَلَمَّا شَرَطَهُ مُحَمَّدٌ مَنَعَهُ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّائِعَ كَانَ مَقْبُوضًا لِمَالِكِهِ قَبْلَ أَنْ يَقِفَهُ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَلِذَا مَنَعَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ إمْكَانِ تَمَامِ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقْسِمَ أَوَّلًا ثُمَّ يَقِفَهُ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَ اعْتِبَارَ تَمَامِ الْقَبْضِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا، لِأَنَّهُ لَوْ قُسِمَ قَبْلَ الْوَقْفِ فَاتَ الِانْتِفَاعُ كَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَمَّامِ فَاكْتَفَى بِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا

وَلَوْ وَقَفَهُ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ بَطَلَ فِي الْبَاقِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مُقَارَنٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْبَعْضِ أَوْ رَجَعَ الْوَارِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ وَقَدْ وَهَبَهُ أَوْ أَوْقَفَهُ فِي مَرَضِهِ وَفِي الْمَالِ ضِيقٌ، لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِي ذَلِكَ طَارِئٌ. وَلَوْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُمَيَّزٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَلِهَذَا جَازَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ الْمَمْلُوكَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ وَقْفِ الْمَشَاعِ مُطْلَقًا مَسْجِدًا وَمَقْبَرَةً؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ خُلُوصَ الْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ جَوَازَ وَقْفِ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّهَايُؤِ، وَالتَّهَايُؤُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَحٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ مَسْجِدًا سَنَةً وَإِصْطَبْلًا لِلدَّوَابِّ سَنَةً وَمَقْبَرَةً عَامًا وَمَزْرَعَةً عَامًا أَوْ مِيضَأَةً عَامًا وَأَمَّا النَّبْشُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ الْمُهَايَأَةِ بَلْ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ ذَلِكَ، ثُمَّ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَطَلَبَ بَعْضُهُمْ الْقِسْمَةَ لَا يَقْسِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَتَهَايَئُونَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْسِمُ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْأَرْبَابِ وَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ، وَكَذَا التَّهَايُؤُ، وَعَلَيْهِ فُرِّعَ مَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى سُكْنَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ مَا تَنَاسَلُوا، فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَتْ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ هَذَا الْوَقْفَ جَائِزٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَإِذَا انْقَرَضُوا تُكْرَى وَتُوضَعُ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى أَنْ يُكْرِيَهَا، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِ حَاجَةِ سُكْنَاهُ، نَعَمْ لَهُ الْإِعَارَةُ لَا غَيْرُ، وَلَوْ كَثُرَ أَوْلَادُ هَذَا الْوَاقِفِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الدَّارُ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا سُكْنَاهَا تُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ وَلَوْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا إنْ كَانَ فِيهَا حُجَرٌ وَمَقَاصِيرُ كَانَ لِلذُّكْرَانِ أَنْ يُسَكِّنُوا نِسَاءَهُمْ مَعَهُمْ وَلِلْإِنَاثِ أَنْ تُسَكِّنَ أَزْوَاجَهُنَّ مَعَهُنَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَرٌ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تُقْسَمَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَقَعُ فِيهَا مُهَايَأَةٌ إنَّمَا سُكْنَاهُ لِمَنْ جَعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ ذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ لَوْ سَكَنَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ لَا يَسْتَوْجِبُ أُجْرَةَ حِصَّتِهِ عَلَى السَّاكِنِ، بَلْ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْكُنَ مَعَهُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ بِلَا زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ ذَلِكَ، وَإِلَّا تَرَكَ الْمُتَضَيِّقُ وَخَرَجَ أَوْ جَلَسُوا مَعًا كُلٌّ فِي بُقْعَةٍ إلَى جَنْبِ الْآخَرِ. وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فِي الشُّرُوحِ وَالْفَرْعِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت، وَكَيْفَ يُخَالِفُ، وَقَدْ نَقَلُوا إجْمَاعَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ؛ وَلَوْ اقْتَسَمَا: أَعْنِي الْوَاقِفَ لِلْمَشَاعِ وَشَرِيكَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَوَقَعَ نَصِيبُ الْوَاقِفِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ كَانَ هُوَ الْوَقْفُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَهُ ثَانِيًا (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَفَ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ) يَعْنِي شَائِعًا (بَطَلَ الْوَقْفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ الشُّيُوعَ كَانَ مُقَارِنًا لِلْوَقْفِ (كَمَا فِي الْهِبَةِ) إذَا وَهَبَ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَتْ لِهَذَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْكُلَّ (ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْبَعْضِ أَوْ رَجَعَ الْوَارِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ) الَّذِي وَقَفَ فِي مَرَضِهِ الْكُلَّ، وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارَ، وَإِذَا بَطَلَ الْوَقْفُ فِي الْبَاقِي رَجَعَ إلَى الْوَاقِفِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِلَى وَرَثَتِهِ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَاقِفِ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يَجْعَلُهُ وَقْفًا (وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ) فَلِهَذَا جَازَ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَقِفَ ذَلِكَ الْبَاقِيَ فَقَطْ (وَعَلَى هَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ الْمَمْلُوكَةُ) لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهُمَا جُزْءٌ شَائِعٌ بَطَلَتْ، وَلَوْ

قَالَ: وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ بِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا سَمَّى فِيهِ جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ. لَهُمَا أَنَّ مُوجَبَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ كَالْعِتْقِ، فَإِذَا كَانَتْ الْجِهَةُ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا لَا يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، فَلِهَذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُوَفَّرٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ التَّقَرُّبَ تَارَةً يَكُونُ فِي الصَّرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاُسْتُحِقَّ مُعَيَّنٌ لَا تَبْطُلُ. وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَقَفَاهَا عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَدَفَعَاهَا إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ تَمَامِ الصَّدَقَةِ شُيُوعٌ فِي الْمَحَلِّ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ، وَلَا شُيُوعَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْقَبْضِ مِنْ الْوَالِي فِي الْكُلِّ وُجِدَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَهَا شَائِعًا عَلَى حِدَةٍ وَجَعَلَ لَهَا وَالِيًا عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا صَدَقَتَانِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَصَدَّقَ بِنَصِيبِهِ بِعُقْدَةٍ عَلَى حِدَةٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ لِنَصِيبِهِ وَالِيًا عَلَى حِدَةٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ، حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِهَا مَشَاعًا عَلَى رَجُلٍ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَصَدَّقَ الْآخَرُ بِالنِّصْفِ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَاقَى جُزْءًا شَائِعًا؛ فَكَذَا قَبْضُ الْوَالِيَيْنِ هُنَا. وَلَوْ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ وَجَعَلَا الْوَالِيَ وَاحِدًا فَسَلَّمَاهَا إلَيْهِ جَمِيعًا جَازَ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِالْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ مُجْتَمِعٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا) كَالْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْحَرَمِ وَالْمَسَاجِدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَرِّبَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا سَمَّى جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ) هَذَا كَلَامُ الْقُدُورِيِّ. وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يُنَاسِبُ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ (إنَّ مُوجَبَ الْوَقْفِ) يَعْنِي بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَعْدَ الْحُكْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (زَوَالُ الْمِلْكِ بِلَا تَمْلِيكٍ وَزَوَالُهُ يَتَأَبَّدُ بِعِتْقٍ، وَإِذَا كَانَتْ الْجِهَةُ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا لَا يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، وَلِهَذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ) كَمَا لَوْ وَقَفَ عِشْرِينَ سَنَةً لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لَوْ قَالَ بِجَوَازِ انْقِطَاعِهِ

إلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَمَرَّةً بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ تَتَأَبَّدُ فَيَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ كَالْعِتْقِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ شَرْطٌ لِأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ بِالْغَلَّةِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَوْدِهِ إلَى الْوَاقِفِ بَعْدَ انْقِطَاعِ تِلْكَ الْجِهَةِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ إذَا انْقَطَعَتْ صَارَ لِلْفُقَرَاءِ. ثُمَّ نَقَلَ الْقُدُورِيُّ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثَابِتًا عَنْهُ مِنْ التَّأْبِيدِ حَيْثُ قَالَ (وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَشْتَرِطُ ذِكْرَ التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ مُنْبِئٌ عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ كَالْعِتْقِ) وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ) إنْ كَانَ وَقَفَ لِلسُّكْنَى (أَوْ بِالْغَلَّةِ) إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ السُّكْنَى، (وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُؤَبَّدًا وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُؤَبَّدٍ فَمُطْلَقُهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُؤَبَّدِ) بِعَيْنِهِ (فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ) عَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُولِيَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لِمَا نَقَلَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ؛ ثُمَّ يَذْكُرَ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى وَيَذْكُرَ دَلِيلَهُمَا الْأَوَّلَ. فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْجِهَةِ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ، وَقَدْ نَقَلَ مِنْ الْفُرُوعِ مَا يَدُلُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَمِنْهَا مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَجَعَلَ لَهُنَّ السُّكْنَى بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَأَيُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ مِنْهُنَّ أَوْ خَرَجَتْ مُنْتَقِلَةً إلَى غَيْرِهِ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي السُّكْنَى، وَنَصِيبُهَا مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ بَقِيَتْ مِنْهُنَّ، فَذَلِكَ جَائِزٌ اعْتِبَارًا لِلسُّكْنَى بِالْغَلَّةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَصِحُّ مِنْهُ لَهُنَّ فِي الْغَلَّةِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ كَانَ مِيرَاثًا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَتَوَسَّعُ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ فَلَا يَشْتَرِطُ التَّأْبِيدَ، وَاشْتِرَاطُ الْعَوْدِ إلَى الْوَرَثَةِ عِنْدَ زَوَالِ حَاجَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا يُفَوِّتُ مُوجَبَ الْعَقْدِ عِنْدَهُ، فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّأْبِيدُ شَرْطٌ وَاشْتِرَاطُ الْعَوْدِ إلَى الْوَرَثَةِ يُبْطِلُ هَذَا الشَّرْطَ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ وَصِيَّةً عِنْدَ مَوْتِهِ فَيَجُوزُ كَالْوَصِيَّةِ لِمَعْلُومٍ بِسُكْنَى دَارِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَلْزَمَ وَيَعُودَ إلَى الْوَرَثَةِ إذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا نُقِلَ لِلنَّاطِفِيِّ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ شُرُوطِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ جَازَ، وَإِذَا مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ رَجَعَ الْوَقْفُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ. قَالَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَإِذَا عُرِفَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُ عَوْدِهِ إلَى الْوَرَثَةِ فَقَدْ يَقُولُ فِي وَقْفِ عِشْرِينَ سَنَةً بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ أَصْلًا، وَمِنْهَا مَا ذُكِرَ فِي الْبَرَامِكَةِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا انْقَرَضَ

قَالَ (وَيَجُوزُ وَقْفُ الْعَقَارِ) لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَقَفُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ يُصْرَفُ الْوَقْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ. قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: فَحَصَلَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ خَرَجَتْ مُنْتَقِلَةً عَنْهُ فَلَا حَقَّ لَهَا فَصَحِيحٌ، فَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ أَوْ عَادَتْ بَعْدَمَا انْتَقَلَتْ لَا يَرْجِعُ لَهَا مَا كَانَ لَهَا فِي الْوَقْفِ، بَلْ قَدْ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ اسْتِحْقَاقَهَا بِأَحَدِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَلَا يَعُودُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولَ فَإِنْ عَادَتْ أَوْ فَارَقَتْ عَادَ مَا كَانَ لَهَا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ وَقْفُ الْعَقَارِ) وَهُوَ الْأَرْضُ مَبْنِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ تَبَعًا فَيَكُونُ وَقْفًا مَعَهَا. وَفِي دُخُولِ الشَّجَرِ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: تَدْخُلُ الْأَشْجَارُ وَالْبِنَاءُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ كَمَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَيَدْخُلُ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُوقَفُ إلَّا لِلِاسْتِغْلَالِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَاءِ وَالطَّرِيقِ فَيَدْخُلَانِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، وَلَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ الْقَائِمَةُ وَقْتَ الْوَقْفِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تُؤْكَلُ أَوْ لَا كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ؛ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتهَا بِحُقُوقِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا قَالَ هِلَالٌ: لَا تَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا، وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا فَقَدْ تَكَلَّمَ بِمَا يُوجِبُ التَّصَدُّقَ، وَلَا تَدْخُلُ الزُّرُوعُ كُلُّهَا إلَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَا يُقْطَعُ فِي سَنَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَجَرٍ يُقْطَعُ فِي سَنَةٍ فَهُوَ لِلْوَاقِفِ، وَمَا لَا يُقْطَعُ فِي سَنَةٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَقْفِ؛ فَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ أُصُولُ الْبَاذِنْجَانِ وَقَصَبُ السُّكَّرِ، وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْحَمَامِ الْقِدْرُ وَمُلْقَى سِرْقِينِهِ وَرَمَادِهِ، وَلَا يَدْخُلُ مَسِيلُ مَاءٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ طَرِيقٍ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ وَقَفُوهُ) قَدَّمْنَا ذِكْرَ جَمَاعَةٍ مِنْ الرِّجَالِ الصَّحَابَةِ وَنِسَائِهِمْ وَقَفُوا، وَأَسَانِيدُهَا مَذْكُورَةٌ فِي وَقْفِ الْخَصَّافِ. وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَقْفِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْضَهُ ثَمْغَ. وَأَخْرَجَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَفَ دَارًا لَهُ عَلَى الْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ. قَالَ: وَالْمَرْدُودَةُ هِيَ الْمُطَلَّقَةُ وَالْفَاقِدَةُ الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضًا وَجَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً» . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَنَا وَسَكَتَ هُوَ عَلَيْهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ سَبْعِ الْإِسْلَامِ أَسْلَمَ أَبِي سَابِعَ سَبْعَةٍ. وَكَانَتْ دَارُهُ عَلَى الصَّفَا وَهِيَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَفِيهَا دَعَا النَّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسُمِّيَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَتَصَدَّقَ بِهَا الْأَرْقَمُ عَلَى وَلَدِهِ. وَذَكَرَ أَنَّ نُسْخَةَ صَدَقَتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا قَضَى الْأَرْقَمُ، إلَى أَنْ قَالَ: لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ. وَفِي الْخِلَافِيَّاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ: وَتَصَدَّقَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَارِهِ بِمَكَّةَ عَلَى وَلَدِهِ فَهِيَ إلَى الْيَوْمِ، وَتَصَدَّقَ عُمَرُ بِرُبْعِهِ، وَتَصَدَّقَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَارِهِ بِالْمَدِينَةِ وَبِدَارِهِ بِمِصْرَ عَلَى وَلَدِهِ فَذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ، وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرُومَةَ فَهِيَ إلَى الْيَوْمِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِالْوَهْطِ مِنْ الطَّائِفِ وَدَارِهِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى وَلَدِهِ فَذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ. قَالَ: وَمَا لَا يَحْضُرُنِي كَثِيرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدَمِ إجَازَتِهِ الْوَقْفَ. [فَرْعٌ] إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَشْهُورَةً مَعْرُوفَةً صَحَّ وَقْفُهَا وَإِنْ لَمْ تُحَدَّدْ اسْتِغْنَاءً لِشُهْرَتِهَا عَنْ تَحْدِيدِهَا. [فَرْعٌ آخَرُ] وَقَفَ عَقَارًا عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ هَيَّأَ مَكَانًا لِبِنَائِهَا قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهَا اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالصَّحِيحُ

(وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عَلَى الْإِرْسَالِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأُكْرَتِهَا وَهُمْ عَبِيدُهُ جَازَ) وَكَذَا سَائِرُ آلَاتِ الْحِرَاسَةِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَقَدْ يَثْبُتُ مِنْ الْحُكْمِ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَالشُّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْبِنَاءِ فِي الْوَقْفِ، وَمُحَمَّدٌ مَعَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إفْرَادُ بَعْضِ الْمَنْقُولِ بِالْوَقْفِ عِنْدَهُ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْوَقْفُ فِيهِ تَبَعًا أَوْلَى. (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ حَبْسُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ) وَمَعْنَاهُ وَقْفُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِيهِ عَلَى مَا قَالُوا، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. الْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ فِيهِ: مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَوَازُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهَا إلَى الْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ تُبْنَى، فَإِذَا بُنِيَتْ رُدَّتْ إلَيْهَا الْغَلَّةُ أَخْذًا مِنْ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ وَلَا أَوْلَادَ لَهُ حَكَمُوا بِصِحَّتِهِ، وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِلْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يُولَدَ لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) كَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا عَلَى الْإِرْسَالِ) أَيْ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ثُمَّ قَالَ الْقُدُورِيُّ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأُكْرَتِهَا وَهُمْ عَبِيدُهُ جَازَ) وَالْأُكْرَةُ الْحَرَّاثُونَ (وَكَذَا آلَاتُ الْحِرَاثَةِ) إذَا كَانَتْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ يَجُوزُ (لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ) مِنْهَا (وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ الْحُكْمِ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَبَيْعِ الشُّرْبِ) وَالطَّرِيقُ لَا يَجُوزُ مَقْصُودًا وَيَجُوزُ تَبَعًا، وَهَذَا كَثِيرٌ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْعَدِّ. وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ فَتَعَطَّلَ عَنْ الْعَمَلِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ جَعَلَ نَفَقَتَهُمْ فِي مَالِ الْوَقْفِ وَصَرَّحَ بِهَا فَهِيَ فِي مَالِ الْوَقْفِ وَإِلَّا لَا نَفَقَةَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي مَالِ الْوَقْفِ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَبِيعَ مَنْ عَجَزَ، وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ آخَرَ يَعْمَلُ كَمَا لَوْ قُتِلَ فَأَخَذَ دِيَتَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا آخَرَ، وَلَوْ جَنَى أَحَدُهُمْ جِنَايَةً فَعَلَى الْقَيِّمِ أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ دَفْعَ هَذَا الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ دَفَعَهُ أَوْ فِدَاءَهُ فَدَاهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَإِذَا فَدَاهُ بِفِدْيَةٍ تَزِيدُ عَلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ مِنْ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ شَيْءٌ، فَإِنْ فَدَوْهُ كَانُوا مُتَطَوِّعِينَ (وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ) يَعْنِي فَلَا مَعْنَى لِإِفْرَادِ أَبِي يُوسُفَ (لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إفْرَادُ بَعْضِ الْمَنْقُولَاتِ بِالْوَقْفِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَتَجْوِيزُهُ تَبَعًا لِلْعَقَارِ أَوْلَى وَضَمِيرُ لِأَنَّهُ لِلشَّأْنِ، أَمَّا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةً فِيهَا بَقَرٌ وَعَبِيدٌ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ الْآلَاتِ وَالْبَقَرِ وَالْعَبِيدِ فِي الْوَقْفِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ حَبْسُ الْكُرَاعِ) وَهِيَ الْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ، (وَمَعْنَاهُ وَقْفُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ) أَيْضًا فِي ذَلِكَ (عَلَى مَا قَالُوا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) مِنْ شَرْطِ التَّأْبِيدِ وَالْمَنْقُولُ لَا يَتَأَبَّدُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ. مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَمَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ

أَدْرُعًا وَأَفْرَاسًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلْحَةُ حَبَسَ دُرُوعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَيُرْوَى أَكْرَاعُه. وَالْكُرَاعُ: الْخَيْلُ. وَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يُجَاهِدُونَ عَلَيْهَا، وَكَذَا السِّلَاحُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ كَالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاحِلِ وَالْمَصَاحِفِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُتْرَكُ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَّا أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا وَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْت أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» وَأَمَّا مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ طَلْحَةَ حَبَسَ دُرُوعَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فَلَمْ يُعْرَفْ، وَكَذَا لَمْ يُعْرَفْ جَمْعُهُ عَلَى أَكْرَاعٍ؛ لِأَنَّ فُعَالًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ بَلْ عَلَى أَفْعُلٍ كَعُقَابٍ وَأَعْقُبٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَهُ فِي الصِّحَاحِ صِيغَتَيْ جَمْعٍ، قَالَ: فَالْجَمْعُ أَكْرُعٌ ثُمَّ أَكَارِعٌ، إلَّا أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الْوَفَاةُ قَالَ: لَقَدْ طَلَبْت الْقَتْلَ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي إلَّا أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي، وَمَا مِنْ عَمَلٍ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ، ثُمَّ قَالَ: إذَا أَنَا مِتّ فَانْظُرُوا سِلَاحِي وَفَرَسِي فَاجْعَلُوهُ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا السَّنَدِ فِي تَارِيخِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَقَالَ فِيهِ: مَا مِنْ عَمَلٍ أَرْجَى عِنْدِي بَعْدَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ وَالسَّمَاءُ تَهُلْنِي نَنْظُرُ الصُّبْحَ حَتَّى نُغِيرَ عَلَى الْكُفَّارِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالْإِبِلُ تَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَغْزُونَ عَلَيْهَا، مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا مَعْقِلٍ جَعَلَ نَاضِحَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ أَفَأَرْكَبُهُ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْكَبِيهِ فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ» وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ يَجُوزُ. وَأَمَّا وَقْفُهُ مَقْصُودًا، إنْ كَانَ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا جَازَ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّا لَمْ يَجْرِ التَّعَامُلُ بِوَقْفِهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا كَالْجِنَازَةِ وَالْفَأْسِ وَالْقَدُومِ وَثِيَابِ الْجِنَازَةِ وَمِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَوَانِي وَالْقُدُورِ فِي غُسْلِ الْمَوْتَى وَالْمَصَاحِفِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى لِقَاضِي خَانْ. وَقَفَ بِنَاءً بِدُونِ أَرْضٍ قَالَ هِلَالٌ: لَا يَجُوزُ انْتَهَى. لَكِنْ فِي الْخَصَّافِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ مُتَقَرِّرَةً لِلِاحْتِكَارِ جَازَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ وَقَفَ بِنَاءَ دَارٍ لَهُ دُونَ الْأَرْضِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ، قِيلَ لَهُ فَمَا تَقُولُ فِي حَوَانِيتِ السُّوقِ إنْ وَقَفَ رَجُلٌ حَانُوتًا مِنْهَا؟ قَالَ: إنْ كَانَ الْأَرْضُ إجَارَةً فِي أَيْدِي الْقَوْمِ الَّذِينَ بَنَوْهَا لَا يُخْرِجُهُمْ السُّلْطَانُ عَنْهَا فَالْوَقْفُ جَائِزٌ لِأَنَّا رَأَيْنَاهَا فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْبِنَاءِ يَتَوَارَثُونَهَا وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ السُّلْطَانُ وَلَا يُزْعِجُهُمْ عَنْهَا، وَإِنَّمَا لَهُ غَلَّةٌ يَأْخُذُهَا وَتَدَاوَلَهَا الْخُلَفَاءُ وَمَضَى عَلَيْهِ الدُّهُورُ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَهَا وَيُؤَاجِرُونَهَا وَتَجُوزُ فِيهَا وَصَايَاهُمْ وَيَهْدِمُونَ بِنَاءَهَا وَيَبْنُونَ غَيْرَهُ، فَأَفَادَ أَنَّ مَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ جَازَ وَقْفُ الْبُنْيَانِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا. وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إذَا بَنَى قَنْطَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْبِنَاءَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ تُتَّخَذَ عَلَى جَنْبَتَيْ النَّهْرِ الْعَامِّ وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَصْلِ الدَّارِ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ فِي أَرْضٍ هِيَ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِوَاقِفِ الْبِنَاءِ جَازَ عِنْدَ الْبَعْضِ.

وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْقِيَاسُ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَقَدْ وُجِدَ التَّعَامُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ وَقَفَ كُتُبَهُ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمَصَاحِفِ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمْسَكُ لِلدِّينِ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَقِرَاءَةً، وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَقْفُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ يَجُوزُ وَقْفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْعَقَارَ وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ. وَلَنَا أَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ لَا يَتَأَبَّدُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ، وَلَا مُعَارِضَ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ وَلَا مِنْ حَيْثُ التَّعَامُلُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي أَرْضِ وَقْفٍ جَازَ وَقْفُهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَكُونُ الْأَرْضُ وَقْفًا عَلَيْهَا. ذَكَرَ الْكُلَّ فِي الْفَتَاوَى. وَإِطْلَاقُ الْإِجَارَةِ يُعَارِضُ قَوْلَ الْخَصَّافِ فِي أَرْضِ الْحُكُورِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ تَخْصِيصَهَا بِسَبَبِ أَنَّهَا صَارَتْ كَالْأَمْلَاكِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَسَمِعْته. وَفِي الْخُلَاصَةِ، إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إنْ كَانُوا يُحْصُونَ جَازَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُقْرَأُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا وَقْفُ الْكُتُبِ فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا يُجِيزُهُ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى يُجِيزُهُ وَوَقَفَ كُتُبَهُ، وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُجِيزُهُ وَبِهِ نَأْخُذُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عَلَى خِلَافِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ (وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْقِيَاسُ يَنْزِلُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَقَدْ وُجِدَ التَّعَامُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ يَجُوزُ وَقْفُهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَيْضًا. وَأَمَّا وَقْفُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْإِتْلَافِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَغَيْرُ جَائِزٍ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَمَا لَيْسَ بِحُلِيٍّ. وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَحَبَسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آلِ الْخَطَّابِ فَكَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ، وَأَنْكَرَ الْحَدِيثَ، ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي. وَحَاصِلُ وَجْهِ الْجَمَاعَةِ الْقِيَاسُ عَلَى الْكُرَاعِ، وَعَارَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ حُكْمَ

وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقَارَ يَتَأَبَّدُ، وَالْجِهَادُ سَنَامُ الدِّينِ، فَكَانَ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِمَا أَقْوَى فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْفِ الشَّرْعِيِّ التَّأْبِيدُ وَلَا يَتَأَبَّدُ غَيْرُ الْعَقَارِ، غَيْرَ أَنَّهُ تُرِكَ فِي الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ سَنَامُ الدِّينِ، فَكَانَ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِمَا أَقْوَى، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْوَقْفِ فِيهِمَا شَرْعِيَّتُهُ فِيمَا هُوَ دُونَهُمَا، وَلَا يُلْحَقُ دَلَالَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَشْيَاءَ مِنْ الْمَنْقُولِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لِمَا رَأَوْا مِنْ جَرَيَانِ التَّعَامُلِ فِيهَا. فَفِي الْخُلَاصَةِ: وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ، قِيلَ وَكَيْفَ؟ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ، وَمَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ يُبَاعُ وَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً. قَالَ: فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا وَقَفَ هَذَا الْكُرَّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ لِيَزْرَعُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ، ثُمَّ يُقْرَضُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَبَدًا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ دَنْبَاوَنْدَ، وَالْأَكْسِيَةُ وَأَسْتِرَةُ الْمَوْتَى إذَا وَقَفَ صَدَقَةً أَبَدًا جَازَ فَتُدْفَعُ الْأَكْسِيَةُ لِلْفُقَرَاءِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي أَوْقَاتِ لُبْسِهَا؛ وَلَوْ وَقَفَ ثَوْرًا لِإِنْزَاءِ بَقَرِهِمْ لَا يَصِحُّ. ثُمَّ إذَا عَرَفَ جَوَازَ وَقْفِ الْفَرَسِ وَالْجَمَلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى أَنْ يَمْسِكَهُ مَا دَامَ حَيًّا إنْ أَمْسَكَهُ لِلْجِهَادِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لِجَاعِلِ فَرَسِ السَّبِيلِ أَنْ يُجَاهِدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَصَحَّ جَعْلُهُ لِلسَّبِيلِ: يَعْنِي يَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ وَقْفُهُ، وَلَا يُؤَاجَرُ فَرَسُ السَّبِيلِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى نَفَقَتِهِ فَيُؤَاجَرُ بِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا احْتَاجَ إلَى نَفَقَةٍ يُؤَاجِرُ قِطْعَةً مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُبْحِ الَّذِي لِأَجْلِهِ اسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ الْمَسْجِدَ مِنْ وَقْفِ الْمَشَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَامًا وَإِصْطَبْلًا يُرْبَطُ فِيهِ الدَّوَابُّ عَامًا، وَلَوْ قِيلَ إنَّمَا يُؤَاجَرُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَنَقُولُ غَايَةُ مَا يَكُونُ لِلسُّكْنَى وَيَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الْمُجَامَعَةِ فِيهِ وَإِقَامَةَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ فِيهِ، وَلَوْ قِيلَ لَا يُؤَاجَرُ لِذَلِكَ فَكُلُّ عَمَلٍ يُؤَاجَرُ لَهُ فِيهِ تَغْيِيرُ أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ لَا تَتَغَيَّرُ أَحْكَامُهُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا. نَعَمْ إنْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَتَجِبُ عِمَارَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا: يَجُوزُ وَقْفُ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ، وَإِذَا زَوَّجَ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي جَارِيَةَ الْوَقْفِ يَجُوزُ، وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ اكْتِسَابًا لِلْوَقْفِ دُونَ الثَّانِي، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ الْوَقْفِ مِنْ عَبْدِ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ. وَمِنْ فُرُوعِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ وَقْفُ دَارٍ فِيهَا حَمَّامَاتٌ يَخْرُجْنَ وَيَرْجِعْنَ يَدْخُلُ فِي وَقْفِهِ الْحَمَّامَاتُ الْأَصْلِيَّةُ قَالَ الْفَقِيهُ: هُوَ كَوَقْفِ الضَّيْعَةِ مَعَ الثِّيرَانِ. وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ وَقَفَ شَجَرَةً بِأَصْلِهَا وَالشَّجَرَةُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِأَوْرَاقِهَا وَثَمَرِهَا قَالَ: الْوَقْفُ جَائِزٌ وَيُنْتَفَعُ بِثَمَرِهَا وَلَا يُقْطَعُ أَصْلُهَا إلَّا أَنْ تَفْسُدَ أَغْصَانُهَا، فَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِأَوْرَاقِهَا وَثَمَرِهَا فَإِنَّهَا تُقْطَعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا إلَى سَبِيلِهِ، فَإِنْ نَبَتَتْ ثَانِيًا وَإِلَّا غَرَسَ مَكَانَهَا. وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَنْ شَجَرَةِ وَقْفٍ يَبِسَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا فَقَالَ: مَا يَبِسَ مِنْهَا فَسَبِيلُهُ

قَالَ (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا تَمْلِيكُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشَاعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَطْلُبُ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ فَيَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُ) أَمَّا امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ فَلِمَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا جَوَازُ الْقِسْمَةِ فَلِأَنَّهَا تَمْيِيزٌ وَإِفْرَازٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، إلَّا أَنَّ فِي الْوَقْفِ جَعَلْنَا الْغَالِبَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ فَلَمْ تَكُنْ بَيْعًا وَتَمْلِيكًا؛ ثُمَّ إنْ وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ فَهُوَ الَّذِي يُقَاسِمُ شَرِيكَهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ إلَى وَصِيَّةٍ، وَإِنْ وَقَفَ نِصْفَ عَقَارٍ خَالِصٍ لَهُ فَاَلَّذِي يُقَاسِمُهُ الْقَاضِي أَوْ يَبِيعُ نَصِيبَهُ الْبَاقِي مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يُقَاسِمُهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبِيلُ غَلَّتِهَا، وَمَا بَقِيَ مَتْرُوكٌ عَلَى حَالِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ) أَيْ لَزِمَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ. ثُمَّ قَوْلُهُ (لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا تَمْلِيكُهُ) هُوَ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشَاعًا فَيَطْلُبَ شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُ، أَمَّا امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ فَلِمَا بَيَّنَّا) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ» وَمِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى آخِرِهِ، وَلِأَنَّهُ بِاللُّزُومِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَبِلَا مِلْكٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبَيْعِ (وَأَمَّا جَوَازُ الْقِسْمَةِ) أَيْ عِنْدَهُمَا، فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَشَاعِ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الرَّاجِحُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ (فَلِأَنَّهَا تَمْيِيزٌ) مَعْنًى (وَإِفْرَازُ غَايَةِ الْأَمْرِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، إلَّا أَنَّ فِي الْوَقْفِ جَعَلْنَا الْغَالِبَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ فَلَمْ تَكُنْ بَيْعًا وَتَمْلِيكًا، ثُمَّ إنْ وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ فَهُوَ الَّذِي يُقَاسِمُ شَرِيكَهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَوَقْفُ الْمَشَاعِ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ (وَ) لَوْ طَلَبَ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) فَالْقِسْمَةُ (إلَى وَصِيِّهِ، وَإِنْ وَقَفَ نِصْفَ عَقَارٍ خَالِصٍ لَهُ فَ) لِلْقِسْمَةِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ (يُقَاسِمَهُ الْقَاضِي) بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ، وَيَطْلُبَ مِنْهُ الْقِسْمَةَ فَيَأْمُرَ رَجُلًا أَنْ يُقَاسِمَهُ (الثَّانِي أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ الْبَاقِيَ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ يُقَاسِمَ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ مِنْهُ)

لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْلُ دَرَاهِمَ إنْ أَعْطَى الْوَاقِفَ لَا يَجُوزُ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْوَقْفِ، وَإِنْ أَعْطَى الْوَاقِفَ جَازَ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ شِرَاءً قَالَ (وَالْوَاجِبُ أَنْ يُبْتَدَأَ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ شَرَطَ ذَلِكَ الْوَاقِفُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا، وَلَا تَبْقَى دَائِمَةً إلَّا بِالْعِمَارَةِ فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ أَحَبَّ، وَهَذَا (لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْلُ دَرَاهِمَ) بِأَنْ كَانَ أَحَدُ النِّصْفَيْنِ أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ فَجَعَلَ بِإِزَاءِ الْجَوْدَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ لِلدَّرَاهِمِ هُوَ الْوَاقِفُ بِأَنْ كَانَ النِّصْفُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْوَقْفِ هُوَ الْأَحْسَنُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَائِعًا بَعْضَ الْوَقْفِ وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ شَرِيكَهُ بِأَنْ كَانَ النَّصِيبُ الْوَقْفُ أَحْسَنَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مُشْتَرٍ لَا بَائِعٌ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بَعْضَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَوَقَفَهُ. فَقَوْلُهُ (إنْ أُعْطَى الْوَاقِفُ لَا يَجُوزُ) يَصِحُّ عَلَى بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ وَرَفْعِ الْوَاقِفِ، وَيَصِحُّ عَلَى بِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ وَنَصْبِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا أَنَّهُ أَخَذَ الدَّرَاهِمَ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْبَيْعِ فِي غَيْرِ الْقِسْمَةِ فِيمَا إذَا كَانَ قَائِمًا عَامِرًا، أَمَّا إذَا تَهَدَّمَ وَلَا حَاصِلَ لَهُ يَعْمُرُ بِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا، وَإِلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ نَظَرٌ: يَعْنِي لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِرُجُوعِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ خُلُوصَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَافِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْفَائِدَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ انْتِفَاؤُهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رِيعٌ يُعَادُ بِهِ وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ فَيُعَمِّرُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ حَانُوتٌ احْتَرَقَ فِي السُّوقِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ أَلْبَتَّةَ، وَحَوْضُ مَحَلَّةٍ خَرِبَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُ عِمَارَتُهُ فَهُوَ لِلْوَاقِفِ وَلِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ كَانَ وَاقِفُهُ وَوَرَثَتُهُ لَا تُعْرَفُ فَهُوَ لُقَطَةٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. زَادَ فِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ: إذَا كَانَ كَاللُّقَطَةِ يَتَصَدَّقُونَ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ يَبِيعُهُ الْفَقِيرُ فَيَنْتَفِعُ بِثَمَنِهِ، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّمَا يَصِيرُ لِبَيْتِ الْمَالِ إذَا عُرِفَ الْوَاقِفُ وَعُرِفَ مَوْتُهُ وَانْقِرَاضُ عَقِبِهِ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا ضَعُفَتْ الْأَرْضُ عَنْ الِاسْتِغْلَالِ وَيَجِدُ الْقَيِّمُ بِثَمَنِهَا أُخْرَى هِيَ أَكْثَرُ رِيعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مَا هُوَ أَكْثَرُ رِيعًا. وَأَمَّا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فِيمَا إذَا خَافَ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ مِنْ وَارِثٍ أَوْ سُلْطَانٍ يَغْلِبُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي النَّوَازِلِ: يَبِيعُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا. قَالَ: وَكَذَا كُلُّ قَيِّمٍ خَافَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: فَالْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ مَا صَحَّ بِشَرَائِطِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى ذَكَرَ فِي شَجَرَةِ جَوْزٍ وَقْفٍ فِي دَارِ وَقْفٍ خَرِبَتْ الدَّارُ لَا تُبَاعُ الشَّجَرَةُ لِعِمَارَةِ الدَّارِ بَلْ تُكْرَى الدَّارُ، وَيُسْتَعَانُ بِنَفْسِ الْجَوْزِ عَلَى الْعِمَارَةِ، ثُمَّ إذَا جَازَ بَيْعُ الْأَشْجَارِ الْمَوْقُوفَةِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْقَطْعِ بَلْ بَعْدَهُ، هَكَذَا عَنْ الْفَضْلِيِّ فِي الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ، وَفِي غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ قَالَ: يَجُوزُ قَبْلَ الْقَلْعِ لِأَنَّهَا هِيَ الْغَلَّةُ، وَبِنَاءُ الْوَقْفِ وَالنَّبَاتِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْهَدْمِ وَالْقَلْعِ كَالْمُثْمِرَةِ كَذَا قَبْلُ. وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي إذَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ كَوْنُهُ قَبْلَ الْهَدْمِ دَفْعًا لِزِيَادَةِ مُؤْنَةِ الْهَدْمِ، إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْقِيمَةُ بِالْهَدْمِ. وَفِي زِيَادَاتِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَامِدٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَحَصِيرِهِ إذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ أَنْ يُبْتَدَأَ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ) لِأَنَّ الْغَرَضَ لِكُلِّ وَاقِفٍ وُصُولُ الثَّوَابِ مُؤَبَّدًا وَذَلِكَ (بِصَرْفِ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا) وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بِلَا عِمَارَةٍ، فَكَانَتْ الْعِمَارَةُ مَشْرُوطَةً اقْتِضَاءً، وَلِهَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ فِي شَيْءٍ مِنْ رَسْمِ الصُّكُوكِ فَاشْتَرَطَ أَنْ يَرْفَعَ الْوَالِي مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ عَامٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَدَاءِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْبَذْرِ وَأَرْزَاقِ الْوُلَاةِ عَلَيْهَا

وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَظْفَرُ بِهِمْ، وَأَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ هَذِهِ الْغَلَّةُ فَتَجِبُ فِيهَا. وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ فَهُوَ فِي مَالِهِ: أَيِّ مَالٍ شَاءَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ، وَإِنْ خَرِبَ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهَا بِصِفَتِهَا صَارَتْ غَلَّتُهَا مَصْرُوفَةً إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِ وَالْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْعِمَارَةِ ضَرُورَةُ إبْقَاءِ الْوَقْفِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الزِّيَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَمَلَةِ وَأُجُورِ الْحُرَّاسِ وَالْحَصَّادِينَ وَالدَّارِسِينَ؛ لِأَنَّ حُصُولَ مَنْفَعَتِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِدَفْعِ هَذِهِ الْمُؤَنِ مِنْ رَأْسِ الْغَلَّةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَقُّ بِلَا شَرْطٍ عِنْدَنَا لَكِنْ لَا يُؤْمَنُ جَهْلُ بَعْضِ الْقُضَاةِ فَيَذْهَبُ رَأْيُهُ إلَى قِسْمَةِ جَمِيعِ الْغَلَّةِ، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي صَكِّهِ يَقَعُ الْأَمْنُ بِالشَّرْطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ) أَيْ الِانْتِفَاعُ بِخَرَاجِ الشَّيْءِ كَغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِقِيَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ: أَيْ لِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَوْ تَلِفَ تَلِفَ مِنْ ضَمَانِ الْمُسْتَغِلِّ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَخْلَدِ بْنِ أَبِي خِفَافٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْمَمْلُوكَ فَيَسْتَغِلُّهُ، ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُضِيَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ وَتَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ طَيِّبَةً وَهُوَ الْخَرَاجُ، وَإِنَّمَا طَابَتْ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَبْدِ، وَلَوْ مَاتَ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ اهـ. وَلِهَذَا الْحَدِيثِ نَقَضَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَاءَهُ حِينَ قَضَى بِالْغَلَّةِ لِلْبَائِعِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَفِي مَعْنَاهُ: «الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ» . وَقَدْ جَرَى لَفْظُهُ مَجْرَى الْمَثَلِ وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَضَرَّةٍ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَصَارَ) أَيْ عِمَارَةُ الْوَقْفِ (كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهَا) تَكُونُ (عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا) (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يَظْفَرُ بِهِمْ) لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَلْزَمُوا لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلِعُسْرَتِهِمْ (وَأَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ هَذِهِ الْغَلَّةُ) الْكَائِنَةُ لِلْوَقْفِ (فَتَجِبُ) الْعِمَارَةُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) أَوْ رِجَالٍ (وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ فَهُوَ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ شَاءَ فِي حَيَاتِهِ) فَإِذَا مَاتَ فَمِنْ الْغَلَّةِ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ) عَيْنًا (لِأَنَّهُ) رَجُلٌ (مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ) ثُمَّ هُوَ يُعْطِي إنْ شَاءَ مِنْ الْغَلَّةِ وَإِنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْعِمَارَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهِ إنَّمَا هِيَ (بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ بِهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَ) عَلَيْهَا (فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ) فَلَا تُصْرَفُ فِي الْعِمَارَةِ (إلَّا بِرِضَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ) أَيْ لَا يُزَادُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا (وَعِنْدَ آخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ الزِّيَادَةُ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِأَنَّهُ صَرَفَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ إلَى غَيْرِ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِمْ، وَلَا تُؤَخَّرُ الْعِمَارَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا

قَالَ (فَإِنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ سُكْنَى) لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْحَاكِمُ وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا، وَإِذَا عَمَّرَهَا رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَاقِفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَيْهَا لَهَا إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ. وَأَمَّا النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مِنْ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَأَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِذَا قَطَعُوا لِلْعِمَارَةِ قَطَعَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبَنَّاءِ وَنَحْوَهُمَا فَيَأْخُذُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَأْخُذْ شَيْئًا. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى مَوَالِيهِ وَمَاتَ فَجَعَلَ الْقَاضِي الْوَقْفَ فِي يَدِ قَيِّمٍ، وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّاتِ مَثَلًا وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الْقَيِّمِ، وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّاحُونَةِ يَقْسِمُونَ غَلَّتَهَا لَا يَجِبُ لِلْقَيِّمِ فِيهَا ذَلِكَ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَ لَا يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأَجْرِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِلَا عَمَلٍ اهـ. فَهَذَا عِنْدَنَا فِيمَنْ لَمْ يَشْرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا؛ أَمَّا إذَا شَرَطَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ) أَوْ غَيْرِ وَلَدِهِ (فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ فَقِيرًا أَجَّرَهَا الْحَاكِمُ (وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا) ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَاقِفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى (لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا، وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ الْعِمَارَةُ (أَوْلَى) مِنْ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ عِمَارَتِهَا الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ إحْدَاهُمَا (وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ) إلْزَامِ الضَّرَرِ (بِإِتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ) فِيهِمَا إذَا عَقَدَ عَقْدَ (الْمُزَارَعَةِ) وَبَيَّنَا مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ فَامْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ عَنْ الْعَمَلِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ (ثُمَّ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ) يَعْنِي دَلَالَةَ الِامْتِنَاعِ عَلَى الرِّضَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مُتَرَدِّدٌ فِيهَا لِجَوَازِ كَوْنِ امْتِنَاعِهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعِمَارَةِ أَوْ لِرَجَائِهِ اصْطِلَاحَ الْقَاضِي كَمَا يَجُوزُ كَوْنُهُ لِرِضَاهُ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَجَّرَهَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ (لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى) وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ) وَفِي تَقْرِيرِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ بَلْ أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. فَإِنَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ السُّكْنَى أَنْ يُعِيرَ الدَّارَ، وَالْإِعَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِلَا عِوَضٍ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي وَقْفِ الْخَصَّافِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْعَيْنِ وَالْإِجَارَةُ تَتَوَقَّفُ

قَالَ (وَمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَآلَتِهِ) صَرَفَهُ الْحَاكِمُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى عِمَارَتِهِ فَيَصْرِفَهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِمَارَةِ لِيَبْقَى عَلَى التَّأْبِيدِ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُ الْوَاقِفِ. فَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ صَرَفَهَا فِيهَا، وَإِلَّا أَمْسَكَهَا حَتَّى لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوَانَ الْحَاجَةِ فَيَبْطُلُ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ عَيْنِهِ إلَى مَوْضِعِهِ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى الْمَرَمَّةِ صَرْفًا لِلْبَدَلِ إلَى مَصْرِفِ الْمُبْدَلِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَهُ) يَعْنِي النَّقْضَ (بَيْنَ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِيهِ: وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ، وَالْعَيْنُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَصْرِفُ إلَيْهِمْ غَيْرَ حَقِّهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ مَعْدُومَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِلْكُهَا لِيَمْلِكَهَا فَأُقِيمَتْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ لِيَرُدَّ عَلَيْهَا الْعَقْدَ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ إجَارَةُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ السُّكْنَى الْإِعَارَةُ لَكِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ الْمَنَافِعِ بِلَا بَدَلٍ فَلَمْ يَمْلِكَ تَمْلِيكَهَا بِبَدَلٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ، وَإِلَّا لَمَلَكَ أَكْثَرَ مِمَّا مَلَكَ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يُفِيدُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ السُّكْنَى وَغَيْرِهِ، حَتَّى أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الدَّارُ الْمُسْتَحِقَّ لِلْغَلَّةِ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْعَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَيْنِ مَقَامَ مَنَافِعِهَا لِيَرُدَّ عَلَيْهِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ بَلْ مَا مَلَكَهُ مِنْ الْمَنَافِعِ بِلَا بَدَلٍ. وَنَصَّ الْأُسْرُوشَنِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنْقُولِ أَنَّ إجَارَةَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي. وَنُقِلَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ لَا يَسْتَرِمُّ تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَهَذَا فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ. وَأَمَّا الْأَرَاضِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ فَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيَكُونَ الْخَرَاجُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ، هَذَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى بِالْعِمَارَةِ وَلَمْ يَجِدْ الْقَاضِي مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا لَمْ أَرَ حُكْمَ هَذِهِ فِي الْمَنْقُولِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْحَالُ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَصِيرَ نَقْضًا عَلَى الْأَرْضِ كَرَمَادٍ تَسْفُوهُ الرِّيَاحُ، وَخَطَرَ لِي أَنَّهُ يُخَيِّرُهُ الْقَاضِي بَيْنَ أَنْ يُعَمِّرَهَا فَيَسْتَوْفِيَ مَنْفَعَتَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ وَمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَآلَتِهِ) وَهُوَ بِالْجَرِّ كَالْخَشَبِ وَالْقَصَبِ وَقَدْ يُضَمُّ عَطْفًا عَلَى مَا صَرَفَهُ الْحَاكِمُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ بِالِانْهِدَامِ تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ إلَى عِمَارَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا مَعْنَى لِلشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّهَيُّؤُ لِلْعِمَارَةِ ثَابِتًا فِي الْحَالِ صَرَفَهُ إلَيْهَا، وَإِلَّا حَفِظَهُ حَتَّى يَتَهَيَّأَ ذَلِكَ وَتَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ، فَإِنَّ الْمُنْهَدِمَ قَدْ يَكُونُ قَلِيلًا جِدًّا لَا يُخِلُّ بِالِانْتِفَاعِ بِالْوَقْفِ وَلَا يَقْرَبُهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيُؤَخَّرُ حَتَّى تَحْسُنَ أَوْ تَجِبَ الْعِمَارَةُ؛ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ إعَارَتُهُ بِأَنْ خَرَجَ عَنْ الصَّلَاحِيَةِ لِذَلِكَ لِضَعْفِهِ وَنَحْوِهِ بَاعَهُ وَصَرَفَ ثَمَنَهُ فِي ذَلِكَ إقَامَةً لِلْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ، لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ فَقَطْ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَقْفُ الْوَاقِفِ، أَمَّا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا هَذَا الشَّرْطِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي صَيْرُورَتِهِ وَقْفًا خِلَافًا،

قَالَ (وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذَكَرَ فَصْلَيْنِ شَرْطَ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ وَجَعْلَ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ الرَّازِيّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ. وَقِيلَ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْفُقَرَاءِ، وَفِيمَا إذَا شَرَطَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْفُقَرَاءِ سَوَاءٌ؛ وَلَوْ وَقَفَ وَشَرَطَ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ مَا دَامُوا أَحْيَاءً، فَإِذَا مَاتُوا فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ كَاشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَبِيعَهُ مَتَى شَاءَ لِمَصْلَحَةٍ عَرَضَتْ (قَوْلُهُ وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) فَهَذَانِ فَصْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْقُدُورِيُّ (شَرَطَ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالزُّهْرِيِّ. وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ابْنُ سُرَيْجٍ (وَلَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ) الرَّأْيِيِّ وَهُوَ هِلَالُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى الرَّأْيِ: أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَرَأْيِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ الْبَصْرِيِّ، وَيُوسُفُ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ إنَّ هِلَالًا أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ. وَوَقَعَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا الرَّازِيّ. وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ تَحْرِيفٌ، بَلْ هُوَ الرَّأْيِيُّ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لَا مِنْ الرَّيِّ. وَالرَّازِيُّ نِسْبَةً إلَى الرَّيِّ، وَهَكَذَا صَحَّحَ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَالْخِلَافُ فِي شَرْطِ كُلِّ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ بَعْضِهَا وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ. ثُمَّ (قِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمُتَوَلِّي، فَلَمَّا شَرَطَهُ مُحَمَّدٌ مَنَعَ اشْتِرَاطَ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ فِيهِ، وَمَا شَرَطَ الْقَبْضَ إلَّا لِيَنْقَطِعَ حَقُّهُ، وَلَمَّا لَمْ يَشْرِطْهُ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَمْنَعْهُ (وَقِيلَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ) غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ وَهُوَ أَوْجَهُ، ثُمَّ وَصَلَ الْمُصَنِّفُ

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، فَاشْتِرَاطُهُ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَصَارَ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفِّذَةِ، وَشَرْطَ بَعْضِ بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ» وَالْمُرَادُ مِنْهَا صَدَقَتُهُ الْمَوْقُوفَةُ، وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِالشَّرْطِ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَإِذَا شَرَطَ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، فَقَدْ جَعَلَ مَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ لَا أَنَّهُ يَجْعَلُ مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا جَائِزٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذِهِ الْخِلَافِيَّةِ مَا إذَا شَرَطَ الْغَلَّةَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ مَا دَامُوا أَحْيَاءً، فَإِذَا مَاتُوا كَانَ لِلْفُقَرَاءِ بِنَاءً عَلَى جَعْلِ الْخِلَافِ الْمَعْلُومِ جَارِيًا فِيهَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ بَلْ صِحَّةُ شَرْطِ الْغَلَّةِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ، فَإِنَّ الْكُلَّ جَعَلُوا الصِّحَّةَ بِالِاتِّفَاقِ. وَفَرَّقَ فِي الْمَبْسُوطِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ شَرْطِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَلِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ حَيْثُ يَجُوزُ مَعَ أَنَّ شَرْطَهُ لَهُنَّ وَلِمُدَبَّرِيهِ كَشَرْطٍ لِنَفْسِهِ بِأَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ ثَبَتَتْ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَجَانِبِ، وَيَكُونُ ثُبُوتُهُ لَهُمْ حَالَةَ حَيَاتِهِ تَبَعًا لِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ إذَا قَالَ فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ وَفَاتِي يَلْزَمُ، أَمَّا لَوْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ بِمَوْتِهِ فَلَا تَبَعِيَّةَ، وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَشَرْطِهِ لِنَفْسِهِ (وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ) لِلْغَلَّةِ أَوْ لِلسُّكْنَى (فَاشْتِرَاطُ الْبَعْضِ أَوْ الْكُلِّ لِنَفْسِهِ يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَصَارَ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ) بِأَنْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ بِمَالٍ وَسَلَّمَ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ لِي لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، إذْ لَمْ يَكُنْ مُمَلَّكًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْقَدْرِ، فَكَذَا فِي الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ (وَكَشَرْطِ بَعْضِ بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ) بَيْتًا (وَلِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ» وَالْمُرَادُ صَدَقَتُهُ الْمَوْقُوفَةُ، وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِالشَّرْطِ) فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا لَمْ يَشْرِطْ لِنَفْسِهِ الْأَكْلَ مِنْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرَطَهُ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا أَنَّ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ «قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ حُجْرًا الْمَدْرِيَّ أَخْبَرَنِي قَالَ: إنَّ فِي صَدَقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ» . (وَلِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا شَرَطَ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ فَقَدْ جَعَلَ مَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلَّهِ لِنَفْسِهِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ)

كَمَا إذَا بَنَى خَانًا أَوْ سِقَايَةً أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، وَشَرَطَ أَنْ يَنْزِلَهُ أَوْ يَشْرَبَ مِنْهُ أَوْ يُدْفَنَ فِيهِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْقُرْبَةُ وَفِي الصَّرْفِ إلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةٌ» . وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْوَقْفُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَى مَا سَلَفَ لَنَا فِي اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَرِّرَ هَكَذَا الْمَوْقُوفُ إزَالَةَ الْمِلْكِ الْكَائِنِ بِالْعَيْنِ وَإِسْقَاطَهُ لَا إلَى مَالِكٍ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْطُهُ الْغَيْرُ الْمُنَافِي لِلْقُرْبَةِ وَالشَّرْعِ، وَشَرْطُ النَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ (كَمَا إذَا بَنَى خَانًا وَشَرَطَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ أَوْ سِقَايَةً وَشَرَطَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهَا أَوْ مَقْبَرَةً وَشَرَطَ أَنْ يُدْفَنَ فِيهَا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةٌ» ) رُوِيَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ يَبْلُغُ بِهَا الشُّهْرَةَ، فَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا مِنْ كَسْبِ الرَّجُلِ كَسْبٌ أَطْيَبُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ بُجَيْرٍ بِلَفْظِ: «مَا أَطْعَمْت نَفْسَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ» الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ كَسَبَ مَالًا حَلَالًا فَأَطْعَمَهُ نَفْسَهُ أَوْ كَسَاهَا فَمَنْ دُونَهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ لَهُ زَكَاةً» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «فَإِنَّهُ لَهُ زَكَاةٌ» وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا وَقَى بِهِ عِرْضَهُ صَدَقَةٌ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ فَقُلْت لِمُحَمَّدٍ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: مَا مَعْنَى وَقَى بِهِ عِرْضَهُ قَالَ: أَنْ يُعْطِيَ الشَّاعِرَ وَذَا اللِّسَانِ الْمُتَّقَى. وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَجُلٍ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك» الْحَدِيثَ، فَقَدْ تَرَجَّحَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَنَحْنُ أَيْضًا نُفْتِي بِقَوْلِهِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ، وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بَلْخَ، وَكَذَا ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ أَخَّرَ وَجْهَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ. وَمِنْ صُوَرِ الِاشْتِرَاطِ لِنَفْسِهِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ غَلَّتِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا حَدَثَ عَلَيَّ الْمَوْتُ وَعَلَيَّ دَيْنٌ يُبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ بِقَضَاءِ مَا عَلَيَّ فَمَا فَضَلَ فَعَلَى سَبِيلِهِ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ إذَا شَرَطَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَحَشَمِهِ وَعِيَالِهِ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فَجَاءَتْ غَلَّتُهُ فَبَاعَهَا وَقَبَضَ ثَمَنَهَا، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِأَهْلِ الْوَقْفِ؟ قَالَ: يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ فَقَدْ عُرِفَ أَنَّ شَرْطَ بَعْضِ الْغَلَّةِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ بَعْضًا مُعَيَّنًا كَالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إذَا حَدَثَ عَلَى فُلَانٍ الْمَوْتُ: يَعْنِي الْوَاقِفَ نَفْسَهُ أُخْرِجَ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ مَثَلًا سَهْمٌ يُجْعَلُ فِي الْحَجِّ عَنْهُ أَوْ فِي كَفَّارَاتِ أَيْمَانِهِ، وَفِي كَذَا وَكَذَا وَسَمَّى أَشْيَاءَ، أَوْ قَالَ أَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لِتُصْرَفَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وَيُصْرَفَ الْبَاقِي فِي كَذَا وَكَذَا عَلَى مَا سَبَّلَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهَا أَرْضًا أُخْرَى) تَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ (فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهِلَالٍ وَالْخَصَّافِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا وَأَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخْرَى مَكَانًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ اسْتِبْدَالِهِ مَرَّةً أَنْ يَسْتَبْدِلَ ثَانِيًا لِانْتِهَاءِ الشَّرْطِ بِمَرَّةٍ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ عِبَارَةً تُفِيدُ لَهُ ذَلِكَ دَائِمًا، وَكَذَا لَيْسَ لِلْقَيِّمِ الِاسْتِبْدَالُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ بِذَلِكَ، وَعَلَى وِزَانِ هَذَا لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الْمَعَالِيمِ إذَا شَاءَ وَيَزِيدَ وَيُخْرِجَ مَنْ شَاءَ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِقَيِّمِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ لَهُ، وَإِذَا أَدْخَلَ وَأَخْرَجَ مَرَّةً لَيْسَ لَهُ ثَانِيًا إلَّا بِشَرْطِهِ، وَلَوْ شَرَطَهُ لِلْقَيِّمِ وَلَمْ يَشْرِطْهُ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إفَادَتَهُ الْوِلَايَةَ لِغَيْرِهِ بِذَلِكَ فَرْعُ كَوْنِهِ يَمْلِكُهَا، وَلَوْ قَيَّدَ شَرْطَ الِاسْتِبْدَالِ لِلْقَيِّمِ بِحَيَاةِ الْوَاقِفِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: قَوْلُ هِلَالٍ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يُبْطِلُ الْوَقْفَ، لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ، فَإِنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ وَأَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى صَارَتْ بَحْرًا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَيَشْتَرِي بِهَا أَرْضًا أُخْرَى فَتَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا، وَكَذَا أَرْضُ الْوَقْفِ إذَا قَلَّ نُزُلُهَا بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ الزِّرَاعَةَ وَلَا تَفْضُلُ غَلَّتُهَا مِنْ مُؤْنَتِهَا وَيَكُونُ صَلَاحُ الْأَرْضِ فِي الِاسْتِبْدَالِ بِأَرْضٍ أُخْرَى، وَفِي نَحْوِ هَذَا عَنْ الْأَنْصَارِيِّ صِحَّةُ الشَّرْطِ لَكِنْ لَا يَبِيعُهَا إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَأْذَنَ فِي بَيْعِهَا إذَا رَآهُ أَنْظَرَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِذَا كَانَ حَاصِلُهُ إثْبَاتَ وَقْفٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فَاسِدًا هُوَ اشْتِرَاطُ عَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ التَّأْبِيدُ بَلْ هُوَ تَأْبِيدٌ مَعْنًى. وَلَا يُقَالُ: حُكْمُ الْوَقْفِ إذَا صَحَّ الْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: حُكْمُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَنْفُذُ فِيهِ شَرْطُهُ الَّذِي شَرَطَ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يُخَالِفْ أَمْرًا شَرْعِيًّا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِبْدَالِ لَا يُخَالِفُهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَكَوْنُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ مَسْأَلَةً ثُمَّ قَالَ: وَلِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يُجَوِّزُ اسْتِبْدَالَ الْوَقْفِ، وَكَذَا مَا نُقِلَ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ رُجُوعُهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُفْتِي بِهِ لَا يُوجِبُ اتِّبَاعَهُ مَعَ قِيَامِ وَجْهٍ غَيْرِهِ، وَلَوْ أُرِيدَ تَجْوِيزُ الِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِ شَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحْسَنَ لِلْوَقْفِ كَانَ حَسَنًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ إمَّا عَنْ شَرْطِهِ الِاسْتِبْدَالَ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَوْ لَا عَنْ شَرْطٍ، فَإِنْ كَانَ لِخُرُوجِ الْوَقْفِ عَنْ انْتِفَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهِ كَالصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِقَاضِي خَانْ، وَإِنْ كَانَ لَا لِذَلِكَ بَلْ اتَّفَقَ أَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُؤْخَذَ بِثَمَنِ الْوَقْفِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مَعَ كَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إبْقَاءُ الْوَقْفِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ دُونَ زِيَادَةٍ أُخْرَى، وَلِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِتَجْوِيزِهِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْأَوَّلِ الشَّرْطُ وَفِي الثَّانِي الضَّرُورَةُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي هَذَا إذْ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ فِيهِ بَلْ تَبْقِيَتُهُ كَمَا كَانَ، وَلَعَلَّ مَحْمَلَ مَا نُقِلَ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ مِنْ قَوْلِهِ اسْتِبْدَالُ الْوَقْفِ بَاطِلٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هَذَا الِاسْتِبْدَالُ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالشَّرْطِ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ الْمَعْرُوفُ لَا مُجَرَّدُ رِوَايَةٍ، وَالِاسْتِبْدَالُ الثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهِ كَمَا قُلْنَا. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: أَجْمَعُوا أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَالْوَقْفُ وَيَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ. أَمَّا بِلَا شَرْطٍ أَشَارَ فِي السِّيَرِ إلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الِاسْتِبْدَالِ لِنَفْسِهِ إذَا شَرَطَهُ لَهُ. وَفِي الْقَاضِي فِيمَا لَا شَرْطَ فِيهِ لَا فِي أَصْلِ الِاسْتِبْدَالِ، وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ نَقَلَ الْخِلَافَ. وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَحْمَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ

وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فِي الْوَقْفِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْوَقْفُ بَاطِلٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ إذَا اشْتَرَى الْبَدَلَ لِلْوَقْفِ صَارَ وَقْفًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ وَقْفِيَّتُهُ عَلَى أَنْ يَقِفَهُ بِلَفْظٍ يَخُصَّهُ، وَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُوصِيَ بِالِاسْتِبْدَالِ لِمَنْ يُوصَى إلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ بِالْوَقْفِ. وَمِنْ فُرُوعِ الِاسْتِبْدَالِ لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا وَأَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا عَبْدًا نَصَّ هِلَالٌ عَلَى فَسَادِ الْوَقْفِ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَى أَنْ أُبْطِلَهَا، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا وَأَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِذَا قَالَ عَلَى أَنْ أَسْتَبْدِلَ أَرْضًا أُخْرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْبَدَلَ دَارًا، وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ؛ وَلَوْ قَالَ بِأَرْضٍ مِنْ الْبَصْرَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي جَوْدَةِ الْأَرْضِ، وَيَنْبَغِي إنْ كَانَتْ أَحْسَنَ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ؛ وَلَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا اسْتَبْدَلَ مَا شَاءَ مِنْ الْعَقَارِ خَاصَّةً، وَلَوْ بَاعَ الْوَقْفَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ، أَمَّا لَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالثَّمَنِ عَرْضًا مِمَّا لَا يَكُونُ وَقْفًا فَهُوَ لَهُ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْهِبَةُ وَيَضْمَنُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ. أَمَّا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ وَهَبَهُ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا، وَلَوْ بَاعَهُ بِعَرَضٍ فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهِلَالٌ: لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ إلَّا بِالنَّصِّ أَوْ بِأَرْضٍ تَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا؛ وَإِذَا بَاعَ الْوَقْفَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا ثَانِيًا، وَإِنْ عَادَتْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَقْفًا فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى غَيْرَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَّمَ لِنَفْسِهِ الِاسْتِبْدَالَ، وَلَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ عَادَتْ وَقْفًا؛ وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِالْأُخْرَى مَا شَاءَ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُولَى فِي الْقِيَاسِ تَبْقَى الثَّانِيَةُ وَقْفًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَانَتْ وَقْفًا بَدَلًا عَنْ الْأُولَى وَبِالِاسْتِحْقَاقِ انْتَقَضَتْ تِلْكَ الْمُبَادَلَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا تَبْقَى الثَّانِيَةُ وَقْفًا، وَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ فَوَكَّلَ بِهِ جَازَ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الْوَكَالَةِ وَهُوَ حَيٌّ لَوْ تَمَكَّنَ خَلَلُهُ أَمْكَنَهُ الِاسْتِبْدَالُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ مَعَ آخَرَ عَلَى أَنْ يَسْتَبْدِلَا مَعًا فَتَفَرَّدَ بِذَلِكَ الرَّجُلُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ تَفَرَّدَ بِهِ الْوَاقِفُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي شَرَطَهُ لِذَلِكَ، وَمَا شَرَطَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ لَهُ، كَمَا لَوْ نَصَّبَ قَاضِيَا بَلَدَيْنِ كُلٌّ قَيِّمًا كَانَ لِكُلٍّ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَاضِيَيْنِ أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَ الَّذِي أَقَامَهُ الْقَاضِي الْآخَرُ قَالَ: إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَ) أَيْ الْوَاقِفُ (الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِأَنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى كَذَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (جَازَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْوَقْفُ بَاطِلٌ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَهِلَالٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا) يُرِيدُ الْأَصْلَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ: أَعْنِي شَرْطَ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمَّا

وَأَمَّا فَصْلُ الْوِلَايَةِ فَقَدْ نَصَّ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرَطَ تَمَامَ الْقَبْضِ لِيَنْقَطِعَ حَقُّ الْوَاقِفِ فَلَا شَكَّ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَفُوتُ مَعَهُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ تَمَامُ الْقَبْضِ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلَمَّا لَمْ يَشْرِطْ تَمَامَ قَبْضِ مُتَوَلٍّ انْبَنَى عَلَيْهِ جَوَازُ شَرْطِ الْخِيَارِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ كَالْإِعْتَاقِ فِي أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، فَكَذَا يَجِبُ هَذَا وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ فِي الْمَسْجِدِ يَبْطُلُ وَيَتِمُّ وَقْفُ الْمَسْجِدِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْوَقْفُ وَيَبْطُلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الزَّوَالِ، وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ يَقُولُ بِتَمَامِ الرِّضَا وَالْقَبْضِ يَتِمُّ الْوَقْفُ، وَمَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَتِمُّ الرِّضَا وَلَا الْقَبْضُ فَكَانَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْوَقْفِ، فَلَا يَتِمُّ مَعَهُ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ عِنْدَهُ بَلْ إقَامَةُ الصَّلَاةِ فِيهِ بِجَمَاعَةٍ، وَكَذَا فِي الْإِعْتَاقِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لَيْسَ شَرْطًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ تَمَّ لَهُ شَرْطُ التَّسْلِيمِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ تَمَّ لَهُ هَذَا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ، وَتَقْيِيدُ الْخِيَارِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا؛ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةً بِأَنْ وَقَفَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَا يَجُوزُ الِاتِّفَاقُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ بَيَّنَ لِلْخِيَارِ وَقْتًا جَازَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ فَالْوَقْفُ وَالشَّرْطُ بَاطِلَانِ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَلَوْ أَبْطَلَ الْخِيَارَ قَبْلَ الثَّلَاثِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَبَّدًا وَالْخِيَارُ يَمْنَعُ التَّأْبِيدَ، وَكَانَ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْخِيَارَ فِيهِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ بَلْ يُفْسِدُهُ إذَا شَرَطَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِامْتِنَاعِ لُزُومِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، فَلَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ جَازَ، ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَلَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَلِهَذَا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ جَازَ الْوَقْفُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَيْضًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ وَقَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مَوْقُوفٌ فَكَذَا الْوَقْفُ، وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَوَقَفَهَا، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَا يَكُونُ لِلْوَقْفِ بَلْ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهِ مَا شَاءَ. [فُرُوعٌ] اشْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَوَقَفَهَا ثُمَّ أَسْقَطَ الْخِيَارَ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَوَقَفَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَسْقَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لَا تَكُونُ وَقْفًا، وَلَوْ وَقَفَهَا الْبَائِعُ صَحَّ، وَلَوْ وَقَفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْأَرْضَ قَبْلَ قَبْضِهَا، ثُمَّ قَبَضَهَا لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَهَا الْمُوصَى لَهُ بِهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، وَكَذَا لَوْ وَقَفَهَا فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ قَبْضِهَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا فَصْلُ الْوِلَايَةِ فَقَدْ نَصَّ فِيهِ) أَيْ الْقُدُورِيُّ (عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) حَيْثُ قَالَ:

وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ وَقَالَ أَقْوَامٌ: إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ. قَالَ مَشَايِخُنَا: الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْقَيِّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، فَإِذَا سَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ فِيهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُتَوَلِّي إنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى هَذَا الْوَقْفِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ، كَمَنْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا يَكُونُ أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ وَنَصْبِ الْمُؤَذِّنِ فِيهِ، وَكَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ بِهِ إلَيْهِ جَازَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ) فَقَالَ (وَقَالَ أَقْوَامٌ: إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ. قَالَ مَشَايِخُنَا: الْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْقَيِّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ فَإِذَا سَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ فِيهِ) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَصْرِيحُ مُحَمَّدٍ بِهِ، وَلِذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّ مُقْتَضَى اشْتِرَاطِ مُحَمَّدٍ التَّسْلِيمَ إلَى الْقَيِّمِ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةٌ وَإِنْ شَرَطَهَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي هَذَا الشَّرْطَ. أُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَى الْمُتَوَلِّي فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَكُونُ لَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ ضَيْعَةً وَأَخْرَجَهَا إلَى الْقَيِّمِ لَا تَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطُ الْوَقْفِ فَلَا تَبْقَى لَهُ وِلَايَةٌ بَعْدَ هَذَا التَّسْلِيمِ، إلَّا إنْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ التَّسْلِيمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَانَ الْوِلَايَةُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا، وَمِثْلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مَذْكُورٌ فِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ، وَالْآخَرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ فَهِيَ لَهُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ يَسْقُطُ شَرْطُ التَّسْلِيمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ تُرَاعَى، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ التَّسْلِيمِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَذَا وَجَدْت فِي مَوْضِعٍ بِخَطِّ ثِقَةٍ، وَقَدَّمْنَا فَرْعًا آخَرَ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي جَعَلَهُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ (وَلَنَا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ اسْتِفَادَةَ الْوِلَايَةِ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ التَّسْلِيمِ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَيَصِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، فَيَجِبُ كَوْنُ الْوِلَايَةِ فِيهِ لِلْحَاكِمِ يُوَلِّي فِيهِ مَنْ شَاءَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ الْوِلَايَةَ فِي الْوَقْفِ، وَلَيْسَ فِيهِ فِسْقٌ يُعْرَفُ بِنَاءً عَلَى خُلُوصِ الْحَقِّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فَلَا بُدَّ لِكَوْنِ الْوِلَايَةِ لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ مِنْ دَلِيلٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَهَا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ يَتِمُّ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَقْفِ فَكَانَ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ) دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَيْهِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْوَاقِفَ عَدْلٌ مَأْمُونٌ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ زَالَ الْمِلْكُ فَهُوَ عَلَى وَجْهٍ تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ لِلْوَاقِفِ يَصْرِفُهُ إلَى الْجِهَاتِ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَهُوَ أَنْصَحُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَنْتَصِبُ وَلِيًّا. وَقَوْلُهُ (كَمَنْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا كَانَ أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ وَنَصْبِ الْمُؤَذِّنِ، وَكَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ

[فصل إذا بنى مسجدا لم يزل ملكه عنه]

لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ. وَلَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ وِلَايَتَهُ لِنَفْسِهِ وَكَانَ الْوَاقِفُ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى الْوَقْفِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْ يَدِهِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ نَظَرًا لِلصِّغَارِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِقَاضٍ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَيُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَبَطَلَ (فَصْلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ) أَمَّا عِمَارَتُهُ فَلَا خِلَافَ يُعْلَمُ فِيهِ، وَأَمَّا نَصْبُ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ فَقَالَ أَبُو نَصْرٍ فَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَيْسَ الْبَانِي أَحَقَّ مِنْهُمْ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافِ: الْبَانِي أَحَقُّ بِنَصْبِهِمَا مِنْ غَيْرِهِ كَالْعِمَارَةِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إمَامًا وَمُؤَذِّنًا وَالْقَوْمُ يُرِيدُونَ الْأَصْلَحَ فَلَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، كَذَا فِي النَّوَازِلِ (ثُمَّ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى الْوَقْفِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ نَظَرًا لِلصِّغَارِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَيْسَ لِسُلْطَانٍ وَلَا لِقَاضٍ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْهُ وَيُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ) لَا يُلْتَفَتُ إلَى شَرْطِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَبْطُلُ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ النَّاظِرُ مَا إذَا ظَهَرَ بِهِ فِسْقٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ جَعَلَ الْوَاقِفُ وِلَايَةَ الْوَقْفِ إلَى رَجُلَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ وَمَاتَ جَازَ تَصَرُّفُ الْحَيِّ فِي جَمِيعِ الْوَقْفِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا. وَفِيهَا لَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ وَقْفًا فَمَرَضَ مَرَضَ الْمَوْتِ فَجَعَلَ رَجُلًا وَصِيَّ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ شَيْئًا فَإِنَّ وِلَايَةَ الْوَقْفِ لَا تَكُونُ إلَى الْوَصِيِّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ وَصِيِّ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ خَاصَّةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ كَمَا قَالَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ وَصِيٌّ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. [فَصْلٌ إذَا بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ] (فَصْلٌ) لَمَّا اخْتَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَحْكَامٍ تُخَالِفُ أَحْكَامَ مُطْلَقِ الْوَقْفِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَسْجِدِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَلَا الْإِيصَاءُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ مَشَاعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَتِهِ وَأَخَّرَهُ. هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا، ثُمَّ وَقَفَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ جَازَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ اتَّخَذَهَا مَسْجِدًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا شِرَاءً فَاسِدًا وَبَنَاهَا بِنَاءَ الْمَسْجِدِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْبَائِعِ،

(وَإِذَا بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مِلْكِهِ) أَمَّا الْإِفْرَازُ فَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ، وَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فَقَامَ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ مَقَامَهُ ثُمَّ يُكْتَفَى بِصَلَاةِ الْوَاحِدِ فِيهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجِنْسِ مُتَعَذِّرٌ فَيُشْتَرَطُ أَدْنَاهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمِلْكِ الْعَبْدِ فَيَصِيرُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الْأَرْضُ إلَى الْبَائِعِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ. قَالَ: فَاشْتِرَاطُ الْبِنَاءِ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَسْجِدًا قَبْلَ الْبِنَاءِ عِنْدَ الْكُلِّ. وَذَكَرَ هِلَالٌ أَنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا فَصَارَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: فِي الْوَقْفِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ. وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّ فِي الْوَقْفِ حَقَّ الْعِبَادِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَخَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا هُوَ خَبِيثٌ لَا يُصْلَحُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ اشْتَرَى دَارًا لَهَا شَفِيعٌ فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْمَسْجِدَ (قَوْلُهُ وَإِذَا بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يُفْرِزَهُ بِطَرِيقِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُمَا: لَا يَزُولُ إلَّا بِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا. أَمَّا قَوْلُهُمَا فَلِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ فَمَشَى مُحَمَّدٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ، لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَهُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ إلَى مَنْ أَخْرَجَ إلَيْهِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ عَلَى مَا مَرَّ لَا كُلَّ عَبْدٍ، بَلْ الَّذِي تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يُقَامُ مَقَامَهُمْ فِي الْقَبْضِ، وَمَقَامَ الْوَاقِفِ فِي إقْبَالِ الْغَلَّةِ لَهُمْ لِكُلِّ وَقْفٍ فِي الْعَادَة، فَتَبَيَّنَ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِي الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ إذْ لَيْسَ لَهُ غَلَّةٌ يَسْتَحِقُّهَا النَّاسُ فَأُقِيمَ حُصُولُ الْمَقْصُودِ مَقَامَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ عَنْ الْمِلْكِ بِصَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْجِنْسِ مُتَعَذَّرٌ فَاكْتَفَى بِالْوَاحِدِ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتَلَفُوا لَوْ صَلَّى الْوَاقِفُ بِنَفْسِهِ وَحْدَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِأَجْلِ الْقَبْضِ لِلْعَامَّةِ وَقَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَكْفِي، فَكَذَا صَلَاتُهُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا الْمَقْصُودُ بِالْمَسْجِدِ لَا مُطْلَقَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَكَانَ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ عِنْدَهُمَا. وَلَوْ جَعَلَ لَهُ وَاحِدًا مُؤَذِّنًا وَإِمَامًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى وَحْدَهُ صَارَ مَسْجِدًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْجَمَاعَةِ، وَلِهَذَا قَالُوا يُكْرَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْمُؤَذِّن هَذِهِ أَنْ تُعَادَ الْجَمَاعَةُ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَقَوْلُنَا لَا يَتَعَيَّنُ الْمُتَوَلِّي يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ جَعَلَهُ لَهُ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ. وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي أَيْضًا يَحْصُلُ تَمَامُ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ تَعَالَى لِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا حُكْمٍ مِمَّا سَيَأْتِي بِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ جَعَلْت أَرْضِي صَدَقَةً مَوْقُوفَةً

بِسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ: وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى الطَّرِيقِ، وَعَزَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَإِنْ مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَلَوْ كَانَ السِّرْدَابُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ جَازَ كَمَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا وَعَلَى ظَهْرِهِ مَسْكَنٌ فَهُوَ مَسْجِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا يَتَأَبَّدُ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي السُّفْلِ دُونَ الْعُلُوِّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ، وَإِذَا كَانَ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ أَوْ مُسْتَغَلٌّ يَتَعَذَّرُ تَعْظِيمُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْوَهَا لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ، وَالصَّدَقَةُ لَيْسَ مَعْنَاهَا إلَّا التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فَلَا يَصِحُّ، بَلْ الْوَقْفُ يُنْبِئُ عَنْ الْإِبْقَاءِ فِي الْمِلْكِ لِتَحْصُلَ الْغَلَّةُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا فَيَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مُنْبِئًا عَنْ إبْقَاءِ الْمِلْكِ لِيَحْتَاجَ إلَى الْقَضَاءِ بِزَوَالِهِ، فَإِذَا أَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ فَصَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا، قَضَى الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ عَنْهُ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي جَعْلِهِ مَسْجِدًا إلَى قَوْلِهِ وَقَفْته وَنَحْوَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ وَقَفْته أَوْ حَبَسْته وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى قُرْبَةٍ فَكَانَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَالتَّخْلِيَةِ يُفِيدُ الْوَقْفَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَكَانَ كَالتَّعْبِيرِ بِهِ، فَكَانَ كَمَنْ قَدَّمَ طَعَامًا إلَى ضَيْفِهِ أَوْ نَثَرَ نِثَارًا كَانَ إذْنًا فِي أَكْلِهِ وَالْتِقَاطِهِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ فِيهِ بِمُجَرَّدِ التَّخْلِيَةِ وَالْإِذْنِ بِالِاسْتِغْلَالِ، وَلَوْ جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ فِي الْعُرْفِ اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ كَمَسْأَلَتِنَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُهُ مَسْجِدًا، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا حُكْمٍ وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ زَوَالِ الْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَذِنَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، وَيَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا حُكْمٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ كَالْإِعْتَاقِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ كُلًّا مِنْ مُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَالْإِذْنِ كَمَا قَالَا مُوجِبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَصَيْرُورَتِهِ مَسْجِدًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ وَمِنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ) وَهُوَ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِتَبْرِيدِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ (أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ) لَيْسَ لِلْمَسْجِدِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَيْسَ بِمَسْجِدٍ (وَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ) ، وَلَوْ عَزَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ (لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ) وَالْمَسْجِدُ خَالِصٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ فَكَانَ فَائِدَةُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ اخْتِصَاصَهُ بِهِ، وَهُوَ بِانْقِطَاعِ حَقِّ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ عَنْهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا ذَكَرَ. أَمَّا إذَا كَانَ السُّفْلُ مَسْجِدًا فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ حَقًّا فِي السُّفْلِ حَتَّى يَمْنَعَ صَاحِبَهُ أَنْ يَنْقُبَ فِيهِ كُوَّةً أَوْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِاتِّفَاقِهِمْ لَا يُحْدِثُ فِيهِ بِنَاءً وَلَا مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُلُوُّ مَسْجِدًا فَلِأَنَّ أَرْضَ الْعُلُوِّ مِلْكٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السِّرْدَابُ أَوْ الْعُلْوُ مَوْقُوفًا لِصَاحِبِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذْ لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ بَلْ هُوَ مِنْ تَتْمِيمِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَسِرْدَابِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ السُّفْلَ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ فِي الْوَجْهَيْنِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْمَنَازِلِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حِينَ دَخَلَ الرَّيَّ أَجَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ) يَعْنِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ الْمَنْعِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ مُحِيطًا بِجَوَانِبِهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ فَلَمْ يَصِرْ مَسْجِدًا، وَلِأَنَّهُ أَبْقَى الطَّرِيقَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ) اعْتَبَرَهُ مَسْجِدًا، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِهِ مَسْجِدًا وَلَا يَصِيرُ مَسْجِدًا إلَّا بِالطَّرِيقِ دَخَلَ فِيهِ الطَّرِيقُ وَصَارَ مُسْتَحَقًّا كَمَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. قَالَ (وَمَنْ اتَّخَذَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَلَا يَبِيعَهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ تَجَرَّدَ عَنْ حَقِّ الْعِبَادِ وَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا أَسْقَطَ الْعَبْدُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ فَانْقَطَعَ تَصَرُّفُهُ عَنْهُ كَمَا فِي الْإِعْتَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْجِدًا دُونَ الْعُلُوِّ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ، بِخِلَافِ الْعُلُوِّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلْحُكْمِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، فَإِنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ وَهُوَ مَعَ الْمُقْتَضَى، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَهُمَا مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقٍّ وَاحِدٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ وَهُوَ تَعْلِيلٌ بِحُكْمِ الشَّيْءِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِهِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلَيْنِ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْأَمَاكِنِ وَ) كَذَا (عَنْ مُحَمَّدٍ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ) وَهَذَا تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ بِالضَّرُورَةِ (وَكَذَلِكَ إنْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ) إذْنًا عَامًّا (لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُورَثَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ مُحِيطًا بِجَوَانِبِهِ) الْأَرْبَعِ (كَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ فَلَمْ يَصِرْ مَسْجِدًا، وَلِأَنَّهُ أَبْقَى الطَّرِيقَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى) وَعَنْ كُلٍّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا وَلَمْ يَصِرْ مَسْجِدًا إلَّا بِالطَّرِيقِ دَخَلَ فِيهِ الطَّرِيقُ وَصَارَ دَاخِلًا بِلَا ذِكْرٍ كَمَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بِلَا ذِكْرٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ اتَّخَذَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يُورَثَ عَنْهُ) يَعْنِي بَعْدَ صِحَّتِهِ بِشَرْطِهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ لَهُ سَاحَةٌ لَا بِنَاءَ فِيهَا أَمَرَ قَوْمًا أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا بِجَمَاعَةٍ، قَالُوا: إنْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ فِيهَا أَبَدًا أَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَبَدَ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ الْأَبَدَ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ، وَإِنْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ يُورَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّأْبِيدِ وَالتَّوْقِيتُ يُنَافِيه، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَصِيرَ لَيْسَ مَسْجِدًا فِيمَا إذَا أَطْلَقَ إلَّا إذَا اعْتَرَفَتْ الْوَرَثَةُ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْأَبَدَ، فَإِنَّ نِيَّتَهُ لَا تُعْلَمُ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِمَنْعِ إرْثِهِمْ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ. وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ وَقْفٌ عَلَيْهِ أَوْ حَانُوتٌ جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ وَيُدْخَلَ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ مِلْكَ رَجُلٍ أُخِذَ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا، فَلَوْ كَانَ طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ أُدْخِلَ بَعْضُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ. وَفِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا، أَوْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ اهـ. يَعْنِي إذَا احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ، وَلِأَهْلِ الْمَسْجِدِ

وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مِنْهُ فَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَانِي، أَوْ إلَى وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِنَوْعِ قُرْبَةٍ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ فَصَارَ كَحَصِيرِ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشِهِ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَجْعَلُوا الرَّحْبَةَ مَسْجِدًا، وَكَذَا عَلَى الْقَلْبِ وَيُحَوِّلُوا الْبَابَ أَوْ يُحْدِثُوا لَهُ بَابًا آخَرَ، وَلَوْ اخْتَلَفُوا يُنْظَرُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وِلَايَةً لَهُ ذَلِكَ، وَثُمَّ أَنْ يَهْدِمُوهُ وَيُجَدِّدُوهُ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَهُمْ أَنْ يَضَعُوا الْحَبَابَ وَيُعَلِّقُوا الْقَنَادِيلَ وَيَفْرِشُوا الْحُصْرَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ، وَأَمَّا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلَا يَفْعَلُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّي إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي، الْكُلُّ مِنْ الْخُلَاصَةِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى الْقَلْبِ يَقْتَضِي جَعْلَ الْمَسْجِدِ رَحْبَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَةِ النُّونِ مِنْ كِتَابِ التَّجْنِيسِ: قَيِّمُ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ حَوَانِيتَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي فِنَائِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْمَسْجِدَ سَكَنًا تَسْقُطُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا الْفِنَاءُ فَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ) أَيْ اسْتَغْنَى عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ أَهْلُ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ بِأَنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ فَخَرِبَتْ وَحُوِّلَتْ مَزَارِعَ يَبْقَى مَسْجِدًا عَلَى حَالِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ يُبَاعُ نَقْضُهُ وَيُصْرَفُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَكَذَا فِي الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ إذَا خَرِبَتْ يُبَاعُ نَقْضُهَا وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا إلَى وَقْفٍ آخَرَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى لَمَّا نُقِبَ بَيْتُ الْمَالِ الَّذِي بِالْكُوفَةِ اُنْقُلْ الْمَسْجِدَ الَّذِي بِالتَّمَارِينِ وَاجْعَلْ بَيْتَ الْمَالِ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ) إنْ كَانَ حَيًّا (وَإِلَى وَرَثَتِهِ) إنْ كَانَ مَيِّتًا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بَانِيه وَلَا وَرَثَتُهُ كَانَ لَهُمْ بَيْعُهُ وَالِاسْتِعَانَةُ بِثَمَنِهِ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ (عَيَّنَّهُ لِقُرْبَةٍ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ فَيَنْقَطِعُ هُوَ أَيْضًا وَصَارَ كَحَصِيرِ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشِهِ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ) وَقِنْدِيلُهُ إذَا خَرِبَ الْمَسْجِدُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ مُتَّخِذِهِ،

إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي الْحَصِيرِ وَالْحَشِيشِ إنَّهُ يُنْقَلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَمَا لَوْ كَفَّنَّ مَيِّتًا فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ عَادَ الْكَفَنُ إلَى مِلْكِ مَالِكِهِ، وَكَهَدْيِ الْإِحْصَارِ إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ فَأَدْرَكَ الْحَجَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ. وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِالْكَعْبَةِ. فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِ مَوْضِعِهَا عَنْ الْمَسْجِدِيَّةِ وَالْقُرْبَةِ، إلَّا أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقُرْبَةُ الَّتِي عُيِّنَتْ لَهُ هُوَ الطَّوَافُ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ. وَلَمْ يَنْقَطِعْ الْخَلْقُ عَنْ ذَلِكَ زَمَانَ الْفَتْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ لِكُفْرِهِمْ، عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ الدُّنْيَا رَأْسًا، فَقَدْ كَانَ لِمِثْلِ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ أَمْثَالٌ. فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ سُقُوطِ الْمِلْكِ فِيهِ لَا يَعُودُ كَالْمُعْتَقِ كَمَا لَا يَعُودُ إذَا زَالَ إلَى مَالِكٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا إلَّا بِسَبَبٍ، وَوَجَبَ تَجَدُّدُ الْمِلْكِ، فَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ لَمْ يَعُدْ. وَأَمَّا مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ هَدْيِ الْإِحْصَارِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَكَذَا الْكَفَنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ، إنَّمَا أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَدْ اسْتَغْنَى الْمُسْتَعِيرُ فَيَعُودُ إلَى الْمُعِيرِ، وَأَمَّا الْحَصِيرُ وَالْقِنْدِيلُ فَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ مُتَّخِذِهِ بَلْ يُحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ يَبِيعُهُ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ لِلْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّهُ مَا جَعَلَهُ مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ فِيهِ أَهْلُ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لَا غَيْرُ بَلْ يُصَلِّيَ فِيهِ الْعَامَّةُ مُطْلَقًا أَهْلُ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ أَحْمَدَ بِمَا كَتَبَهُ عُمَرُ لَا يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِاِتِّخَاذِ بَيْتِ الْمَالِ فِي الْمَسْجِدِ. وَاسْتِدْلَالُهُ بِالِانْتِفَاعِ بِالِاسْتِبْدَالِ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْفَرَسِ إذَا جَعَلَهُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُرْكَبَ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهُ يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَرَسٌ آخَرُ يُغْزَى عَلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَاكِمِ، وَلَوْ جَعَلَ جِنَازَةً وَمُلَاءَةً وَمُغْتَسَلًا وَقْفًا فِي مَحَلَّةٍ، وَمَاتَ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ لَا يُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ بَلْ يُحْمَلُ إلَى مَكَان آخَرَ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ فَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْحُصْرِ وَالْبَوَارِي أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْوَرَثَةِ. وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَوْضِ إذَا خَرِبَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ أَوْقَافُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْ الْمَسْجِدِ لِخَرَابِ الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ وَتَفَرُّقِ أَهْلِهَا مَا إذَا انْهَدَمَ الْوَقْفُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ مَا يُمْكِنُ بِهِ عِمَارَتُهُ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْوَقْفُ وَيَرْجِعُ النَّقْضُ إلَى بَانِيهِ أَوْ وَرَثَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا حَانُوتٌ فِي سُوقٍ احْتَرَقَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ يَخْرُجُ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ، وَكَذَا فِي حَوْضِ مَحَلَّةٍ خَرِبَ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعَمَّرُ بِهِ فَهُوَ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَكَذَا الرِّبَاطُ إذَا خَرِبَ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا، وَلَوْ بَنَى رَجُلٌ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ فَالْبِنَاءُ لِلْبَانِي، وَأَصْلُ الْوَقْفِ لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ نَظَرٌ فَلْيَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى غَيْرَ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: سُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إذَا تَعَطَّلَتْ وَتَعَذَّرَ اسْتِغْلَالُهَا هَلْ لِلْمُتَوَلِّي بَيْعُهَا، وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهَا أُخْرَى؟ قَالَ نَعَمْ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا صَارَ الْوَقْفُ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتِيَ عَلَى قَوْلِهِ بِرُجُوعِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَوَرَثَتِهِ بِمُجَرَّدِ تَعَطُّلِهِ وَخَرَابِهِ، بَلْ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَقْفٌ آخَرُ يُسْتَغَلُّ، وَلَوْ كَانَتْ غَلَّتُهُ دُونَ غَلَّةِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَ مِنْ تُرَابِ مُسْبِلَةٍ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَقَفَ عَلَى مِسَمَّيْنِ خَرِبَ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ أَصْلُهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ يُسْتَأْجَرُ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ يَبْقَى أَصْلُهُ وَقْفًا انْتَهَى. وَيَجِبُ حِفْظُ هَذَا فَإِنَّهُ قَدْ تَخْرَبُ الدَّارُ وَتَصِيرُ كَوْمًا وَهِيَ بِحَيْثُ لَوْ نُقِلَ نَقْضُهَا اسْتَأْجَرَ أَرْضَهَا مَنْ يَبْنِي أَوْ يَغْرِسُ وَلَوْ بِقَلِيلٍ فَيُغْفَلُ عَنْ ذَلِكَ وَتُبَاعُ

قَالَ (وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ حَقِّ الْعَبْدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَيَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ، وَيُدْفَنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَخَلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ) كَمَا هُوَ أَصْلُهُ، إذْ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْوَقْفُ لَازِمٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدُفِنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ، وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ، وَعَلَى هَذَا الْبِئْرُ الْمَوْقُوفَةُ وَالْحَوْضُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّهَا لِلْوَاقِفِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِنْهَا إلَيْهِ إلَّا النَّقْضُ. فَإِنْ قُلْت: عَلَى هَذَا تَكُونُ مَسْأَلَةُ الرِّبَاطِ الَّتِي ذَكَرْنَا مُقَيَّدَةً بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ بِحَيْثُ تُسْتَأْجَرُ. قُلْنَا: إلَّا لِأَنَّ الرِّبَاطَ مَوْقُوفٌ لِلسُّكْنَى وَامْتَنَعَتْ بِانْهِدَامِهِ، بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ وَقْفٌ يَكُونُ لِاسْتِغْلَالِ الْجَمَاعَةِ الْمُسَمَّيْنَ، وَلَوْ انْهَدَمَ بَعْضُ بِنَاءِ الدَّارِ، وَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُعَادُ بِهِ يُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ الْوَاقِفِ إلَى أَنْ يَحْتَاجَ الْبَاقِي إلَى الْعِمَارَةِ فَيُصْرَفُ فِيهِ، وَكَذَا إذَا يَبَسَ بَعْضُ أَشْجَارِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ يَبِيعُهَا وَلَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِ الْأَرْضِ لِذَلِكَ وَلَا يُعْطَى الْمُسْتَحَقُّونَ شَيْئًا مِنْ ثَمَنِ النَّقْضِ وَلَا مِنْ عَيْنِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيمَا سِوَى الْغَلَّةِ، بَلْ الْحَالُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ شَيْءٍ يُسْتَغَلُّ وَلَوْ قَلِيلًا أَوْ إجَارَةٌ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ وَلَوْ قَلِيلًا فَعَلَ وَحَفِظَهُ لِعِمَارَةِ مَا بَقِيَ. وَلَوْ خَرِبَ الْكُلُّ وَتَعَذَّرَ أَنْ يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مُسْتَغَلٌّ وَلَوْ قَلِيلًا حِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا، أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) وَلَوْ سَلَّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ (لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ عَنْهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ) فِي الْحَالِ (فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ، وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ وَيُدْفَنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ) لِيَكُونَ وَصِيَّةً فَيَلْزَمُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى مَا مَرَّ (كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ) بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَفْظٌ يُنْبِئُ عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي وَقَفْت وَتَصَدَّقْت، وَفِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ ذَلِكَ ثُبُوتُ تَعَلُّقِ حَقِّهِ انْتِفَاعًا بِعَيْنِ الْوَقْفِ كَمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِ (بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ) لَا يُشْتَرَطُ فِي زَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ حُكْمٌ وَلَا وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَخَلَصَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِلَا حُكْمٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ. وَقَوْلُهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا مَرَّ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) لَا يَزُولُ (حَتَّى يَسْتَقِيَ النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَيَسْكُنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَيُدْفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ) وَتَسْلِيمُ هَذِهِ (بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ سُكْنَاهُمْ الْخَانَ وَالرِّبَاطَ إلَى آخِرِهِ (وَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ) فِي التَّسْلِيمِ الْمُوجِبِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ (لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ) أَيْ تَسَلُّمِ الْكُلِّ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِمْ (وَعَلَى هَذَا الْبِئْرُ) إذَا احْتَفَرَهُ (وَالْحَوْضُ) يَزُولُ الْمِلْكُ إذَا اسْتَقَى مِنْهُمَا وَاحِدٌ أَوْ شَرِبَتْ دَابَّةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَدْخَلَ قِطْعَةَ أَرْضٍ لَهُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَعَلَهَا طَرِيقًا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُرُورُ وَاحِدٍ بِإِذْنِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْقَبْضَ فِي الْأَوْقَافِ وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ

وَلَوْ سُلِّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي صَحَّ التَّسْلِيمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَفِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ، وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْبِيرَ لِلْمُتَوَلِّي فِيهِ، وَقِيلَ يَكُونُ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْنُسُهُ وَيُغْلِقُ بَابَهُ، فَإِذَا سُلِّمَ إلَيْهِ صَحَّ التَّسْلِيمُ، وَالْمَقْبَرَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُتَوَلِّيَ لَهُ عُرْفًا. وَقِيلَ هِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّقَايَةِ وَالْخَانِ فَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ لَوْ نُصِّبَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْعَادَةِ، وَلَوْ جَعَلَ دَارًا لَهُ بِمَكَّةَ سُكْنَى لِحَاجِّ بَيْتِ اللَّهِ وَالْمُعْتَمِرِينَ، أَوْ جَعَلَ دَارِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ سُكْنَى لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ جَعَلَهَا فِي ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ سُكْنَى لِلْغُزَاةِ وَالْمُرَابِطِينَ. أَوْ جَعَلَ غَلَّةَ أَرْضِهِ لِلْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا رُجُوعَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ فِي الْغَلَّةِ تَحِلُّ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، وَفِيمَا سِوَاهُ مِنْ سُكْنَى الْخَانِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالسِّقَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَّخِذُهَا لِلْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُ بِمُرُورِ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا (وَلَوْ سُلِّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي صَحَّ التَّسْلِيمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ) أَعْنِي السِّقَايَةَ وَالْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَالْمَقْبَرَةَ وَالْبِئْرَ وَالْحَوْضَ (لِأَنَّهُ) أَعْنِي الْمُتَوَلِّيَ (نَائِبٌ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَفِعْلُهُ) أَيْ تَسْلِيمُهُ (كَفِعْلِهِمْ) أَيْ تَسَلُّمِهِمْ (وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا، وَقِيلَ يَكُونُ) وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ مَعَ وَجْهِهِ، وَوَجْهُ الْمُصَنِّفِ الصِّحَّةُ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَسْجِدَ (يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْنُسُهُ وَيُغْلِقُ بَابَهُ فَإِذَا سُلِّمَ إلَيْهِ صَحَّ التَّسْلِيمُ) . ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلٍّ لَهُ عُرْفًا وَاخْتُلِفَ فِي الْمَقْبَرَةِ. قِيلَ كَالْمَسْجِدِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ التَّسْلِيمُ إلَى مُتَوَلٍّ (لِأَنَّهُ لَا مُتَوَلِّيَ لَهُ) فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ إلَّا بِالدَّفْنِ فِيهَا (وَقِيلَ كَالسِّقَايَةِ فَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي) (قَوْلُهُ وَلَوْ جَعَلَ دَارًا لَهُ بِمَكَّةَ سُكْنَى لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِينَ، أَوْ حَمَلَ دَارِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ سُكْنَى لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ جَعَلَهَا فِي ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ سُكْنَى لِلْغُزَاةِ وَالْمُرَابِطِينَ، أَوْ جَعَلَ غَلَّةَ أَرْضِهِ لِلْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا رُجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي السِّقَايَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَفِي الدَّارِ الْمُسَبَّلَةِ عِنْدَهُمَا لِلْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِلَا شَرْطِ الدَّفْعِ إلَى الْمُتَوَلِّي كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ حَاكِمٌ. ثُمَّ رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ وَيَرْجِعُ فِيمَا سِوَاهُ، ثُمَّ إذَا رَجَعَ فِي الْمَقْبَرَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا يَنْبُشُهَا؛ لِأَنَّ النَّبْشَ حَرَامٌ، وَلَكِنْ يُسَوِّي الْأَرْضَ وَيَزْرَعُ، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ. وَالْفَتْوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلتَّعَامُلِ الْمُتَوَارَثِ، هَذَا وَتُفَارِقُ الْمَقْبَرَةُ غَيْرَهَا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَقْبَرَةِ أَشْجَارٌ وَقْتَ الْوَقْفِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْطَعُوهَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِهَا، كَمَا لَوْ جَعَلَ دَارِهِ مَقْبَرَةً لَا يَدْخُلُ مَوْضِعُ الْبِنَاءُ فِي الْوَقْفِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَقْبَرَةِ فَإِنَّ الْأَشْجَارَ وَالْبِنَاءَ إذَا كَانَ فِي عَقَارٍ وَقَفَهُ دَخَلَتْ فِي الْوَقْفِ تَبَعًا، وَلَوْ نَبَتَتْ فِيهَا بَعْدَ الْوَقْفِ إنْ عَلِمَ غَارِسُهَا كَانَتْ لِلْغَارِسِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرَّأْيُ فِيهَا لِلْقَاضِي إنْ رَأَى بَيْعَهَا وَصَرْفَ ثَمَنِهَا عَلَى عِمَارَةِ الْمَقْبَرَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَتَكُونُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهَا وَقْفٌ. وَلَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْوَقْفِ لَكِنَّ الْأَرْضَ مَوَاتٌ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ فَاِتَّخَذَهَا أَهْلُ الْقَرْيَةِ مَقْبَرَةً فَالْأَشْجَارُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ جَعْلِهَا مَقْبَرَةً. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَرَسَ شَجَرَةً فِي الْمَسْجِدِ فَهِيَ لِلْمَسْجِدِ، أَوْ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى رِبَاطٍ مَثَلًا فَهِيَ لِلْوَقْفِ إنْ قَالَ لِلْقَيِّمِ تَعَاهَدْهَا، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ فَهِيَ لَهُ يَرْفَعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ وَلَا يَكُونُ غَارِسًا لِلْوَقْفِ. وَلَوْ غَرَسَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ أَوْ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ الْعَامِّ أَوْ

وَالْفَارِقُ هُوَ الْعُرْفُ فِي الْفَصْلَيْنِ. فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ الْفُقَرَاءَ، وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فِي الشُّرْبِ وَالنُّزُولِ. وَالْغَنِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَرْفِ هَذَا الْغَلَّةِ لِغِنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَطِّ الْحَوْضِ الْقَدِيمِ فَهِيَ لِلْغَارِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ جَعْلِهَا لِلْعَامَّةِ، وَكَذَا عَلَى شَطِّ نَهْرِ الْقَرْيَةِ. وَلَوْ قَطَعَهَا فَنَبَتَ مِنْ عُرُوقِهِمَا أَشْجَارٌ فَهِيَ لِلْفَارِسِ وَلَوْ بَنَى رَجُلٌ فِي الْمَقْبَرَةِ بَيْتًا لِحِفْظِ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ، إنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ سَعَةٌ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، لَكِنْ إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ يُرْفَعُ الْبِنَاءُ لِيَقْبُرَ فِيهِ. وَمَنْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْرًا فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقْبُرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ سَعَةٌ، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُوحِشَهُ إنْ كَانَ فِيهَا سَعَةٌ، وَهُوَ كَمَنْ بَسَطَ سَجَّادَةً فِي الْمَسْجِدِ أَوْ نَزَلَ فِي الرِّبَاطِ فَجَاءَ آخَرُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوحِشَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ سَعَةٌ. وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْبَرَةِ الدَّائِرَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا حَشِيشٌ يُحَشُّ وَيُخْرَجُ إلَى الدَّوَابِّ وَلَا يُرْسَلُ الدَّوَابُّ فِيهَا، ثُمَّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُكْنَى الْخَانِ وَدَارِ الْغُزَاةِ وَالسِّقَايَةِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ يَسْتَوِي الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، بِخِلَافِ وَقْفِ الْغَلَّةِ عَلَى الْغُزَاةِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْفَارِقُ) فِيهِ (الْعُرْفُ فَإِنَّ) الْوَاقِفِينَ مِنْ (أَهْلِ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ الْفُقَرَاءَ وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فِي الشُّرْبِ وَالنُّزُولِ) ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِصْحَابِ مَا يَشْرَبُهُ فِي كُلِّ مَكَان، وَلَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ مِنْ السَّفَرِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ فِي الرِّبَاطِ أَنْ يَخُصَّ سُكْنَاهُ بِالْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ عَلَى أَنَّ بِنَاءَ الْأَرْبِطَةِ لِلْفُقَرَاءِ. وَهَذَانِ فَصْلَانِ فِي الْمُتَوَلِّي وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَوَلِّي) قَالُوا: لَا يُوَلَّى مَنْ طَلَبَ الْوِلَايَةَ عَلَى الْأَوْقَافِ كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ، وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعِمَارَةِ. مُسْتَغِلًّا، وَلَا يَكُونُ وَقْفًا فِي الصَّحِيحِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ. وَمَنْ سَكَنَ دَارَ الْوَقْفِ غَصْبًا أَوْ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي بِلَا أُجْرَةٍ كَانَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ غَيْرَ مُعَدٍّ لَهُ، حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمُتَوَلِّي دَارًا لِلْوَقْفِ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضٍ هَذَا الْأَمْرَ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ وَظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْوَقْفِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَخْدُمُ الْمَسْجِدَ بِكَنْسِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ زِيَادَةً يَتَغَابَنُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالْإِجَارَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ الدَّفْعُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَيَضْمَنُ لَوْ دَفَعَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَإِنْ عَلِمَ الْأَجِيرُ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى حَاجَةِ الْوَقْفِ. وَلَوْ أَدْخَلَ جِذْعًا مِنْ مَالِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَالْوَصِيِّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ دُهْنًا وَحَصِيرًا وَآجُرًّا وَحُصًّا لِفُرُشِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ وَسَّعَ فَقَالَ يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً، وَإِنْ وَقَفَ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَزِدْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ شَرْطٌ يَعْمَلُ مَا عَمِلَ مَنْ قَبْلَهُ، وَلَا يَسْتَدِينُ عَلَى الْوَقْفِ إلَّا إذَا اسْتَقْبَلَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَسْتَدِينُ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَيَرْجِعُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ. وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ: وَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ لِزِرَاعَةِ الْوَقْفِ وَبِزْرِهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى الْوَقْفِ فَصَحَّ بِأَمْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّي لَا يَمْلِكُهُ، وَالِاسْتِدَانَةُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَيَسْتَدِينُ وَيَرْجِعُ. أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ الْوَقْفِ فَاشْتَرَى وَنَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا اشْتَرَى وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ دَارَ الْوَقْفِ، فَإِنْ فَعَلَ وَسَكَنَهَا الْمُرْتَهِنُ ضَمِنَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَلَوْ أَنْفَقَ دَرَاهِمَ الْوَقْفِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ مِثْلَهَا فِي الْوَقْفِ جَازَ وَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَلَوْ خَلَطَ دَرَاهِمَ الْوَقْفِ بِمِثْلِهَا مِنْ مَالِهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ. وَلَوْ اجْتَمَعَ مَالُ الْوَقْفِ ثُمَّ نَابَتْ نَائِبَةٌ مِنْ الْكَفَرَةِ فَاحْتِيجَ إلَى مَالٍ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: مَا كَانَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لِلْمَسْجِدِ إلَيْهِ. وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ظُلَّةً لِدَفْعِ أَذَى الْمَطَرِ عَنْ الْبَابِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ إنْ كَانَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عِمَارَتِهِ أَوْ تَرْمِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ. وَإِذَا كَانَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ لَا يَشْتَرِي مِنْهُ الزَّيْتَ وَالْحَصِيرَ وَلَا يَصْرِفُ مِنْهُ لِلزِّينَةِ وَالشُّرُفَاتِ، وَيَضْمَنُ إنْ فَعَلَ، وَمَنْ وَقَفَ وَقْفًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مُتَوَلِّيًا حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ قَالُوا يَكُونُ وَصِيًّا وَقَيِّمًا، هَذَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَحَّ الْوَقْفُ فِي حَيَاتِهِ بِلَا تَسْلِيمٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَ لَهُ قَيِّمًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَوْصَى لَا يَكُونُ هَذَا الْوَصِيُّ قَيِّمًا فِي الْوَقْفِ. قَيِّمُ مَسْجِدٍ مَاتَ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَلَى جَعْلِ رَجُلٍ قَيِّمًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي، فَقَامَ وَأَنْفَقَ مِنْ غَلَّاتِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ فِي عِمَارَتِهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذِهِ التَّوْلِيَةِ وَالْأَصَحُّ لَا تَصِحُّ. بَلْ نَصْبُ الْقَيِّمِ إلَى الْقَاضِي لَكِنْ لَا يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي الْعِمَارَةِ مِنْ غَلَّاتِهِ إذَا كَانَ أَجَّرَ الْوَقْفَ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ فَأَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ وِلَايَتُهُ فَإِنَّهُ غَاصِبٌ، وَالْغَاصِبُ إذَا أَجَّرَ الْمَغْصُوبَ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ تَضْمِينُ غَاصِبِ الْأَوْقَافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وُقِفَ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يُنَصِّبُوا مُتَوَلِّيًا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ. لَكِنْ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يَرْفَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ لَهُمْ. وَقِيلَ بَلْ الْأَوْلَى فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ لَا يَفْعَلُوا وَيُنَصِّبُوا لَهُمْ. وَلَيْسَ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَقْفِ بَلْ وَظِيفَتُهُ الْحِفْظُ لَا غَيْرُ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِي مَعْنَى الْمُشْرِفِ، وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ كَالْوَصِيِّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ جَعَلَ لِذَلِكَ الْمُتَوَلِّي مَالًا مُسَمًّى لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ بَلْ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي إذَا تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ لِيُفْرَضَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ جَعَلَ ذَلِكَ لِكُلِّ مُتَوَلٍّ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِلَّذِي أَدْخَلَهُ مَا كَانَ الْوَاقِفُ جَعَلَهُ لِلَّذِي كَانَ أَدْخَلَهُ؛ لِأَنَّ لِلْوَاقِفِ فِي هَذَا مَا لَيْسَ لِلْحَاكِمِ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ الْمُتَوَلِّي مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ لَا يَضْمَنُ. فَالْأَمَانَاتُ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: هَذِهِ إحْدَاهَا. وَالثَّانِيَةُ إذَا أَوْدَعَ السُّلْطَانُ الْغَنِيمَةَ عِنْدَ بَعْضِ الْغَانِمِينَ، وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ. وَالثَّالِثَةُ الْقَاضِي إذَا أَخَذَ مَالَ الْيَتِيمِ وَأَوْدَعَ غَيْرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاضِي أَخَذَ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَلَوْ قَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ ضَاعَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي أَوْ أَنْفَقْته عَلَيْهِ، وَمَاتَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا، أَمَّا لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ ضَمِنَ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمُتَوَلِّي دَارَ الْوَقْفِ، وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيْنَ الثَّمَنُ فَإِنَّهُ يَكُونُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ، وَلِلنَّاسِ أَنْ يَأْخُذُوا الْمُتَوَلِّيَ بِتَسْوِيَةِ حَائِطِ الْوَقْفِ إذَا مَالَ إلَى أَمْلَاكِهِمْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ يُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَ بِالِاسْتِدَانَةِ لِإِصْلَاحِهَا، وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ قَرْيَةً فِي أَرْضِ الْوَقْفِ لِلْأُكْرَةِ وَحُفَّاظِهَا، وَلِيَجْمَعَ فِيهَا الْغَلَّةَ وَأَنْ يَبْنِيَ بُيُوتًا يَسْتَغِلُّهَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُتَّصِلَةً بِبُيُوتِ الْمِصْرِ لَيْسَتْ لِلزِّرَاعَةِ، فَإِنْ كَانَ زِرَاعَتُهَا أَصْلَحَ مِنْ الِاسْتِغْلَالِ لَا يَبْنِي. وَفِي النَّوَازِلِ فِي إقْرَاضِ مَا فَضَلَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ قَالَ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ كَانَ أَحْرَزَ لِلْغَلَّةِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا وَلَا يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ إجَارَةً طَوِيلَةً وَأَكْثَرُ مَا يَجُوزُ سِنِينَ، وَلَيْسَ لَهُ الْإِقَالَةُ إلَّا إنْ كَانَتْ أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ. وَلَوْ زَرَعَ الْوَاقِفُ أَوْ الْمُتَوَلِّي أَرْضُ الْوَقْفِ وَقَالَ زَرَعْتهَا لِنَفْسِي وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّونَ بَلْ لِلْوَقْفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَعَلَى الْوَاقِفِ وَالْمُتَوَلِّي فِي هَذَا نُقْصَانُ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَيَقُولُ الْقَاضِي لَهُ ازْرَعْهَا لِلْوَقْفِ، فَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِلْوَقْفِ مَالٌ أَزْرَعُهَا بِهِ يَأْمُرُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ لَا يُمْكِنُنِي يَقُولُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ اسْتَدِينُوا، فَإِنْ قَالُوا لَا يُمْكِنُنَا بَلْ نَزْرَعُ لِأَنْفُسِنَا لَا يُمَكِّنُهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي يَدِ الْوَاقِفِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْمُونٍ، ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ. وَيَنْعَزِلُ النَّاظِرُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ إذَا دَامَ سَنَةً نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ لَا إنْ دَامَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ عَقْلُهُ وَبَرَأَ مِنْ عِلَّتِهِ عَادَ إلَيْهِ النَّظَرُ. وَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقُومُ بِمَا كَانَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ، وَيَجْعَلَ لَهُ مِنْ جَعْلِهِ شَيْئًا، وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ أَوْ لَا يَسْتَبْدِلَ، وَلَوْ جُنَّ انْعَزَلَ وَكِيلُهُ وَيَرْجِعُ إلَى الْقَاضِي فِي النَّصْبِ. وَلَوْ أَخْرَجَ حَاكِمٌ قَيِّمًا فَمَاتَ أَوْ عُزِلَ فَتَقَدَّمَ الْمُخْرَجُ إلَى الْقَاضِي الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ بِلَا جُنْحَةٍ لَا يُدْخِلْهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ، وَلَكِنْ يُكَلِّفُهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَهْلٌ وَمَوْضِعٌ لِلنَّظَرِ فِي هَذَا الْوَقْفِ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَهُ. وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ لِفِسْقٍ وَخِيَانَةٍ فَبَعْدَ مُدَّةٍ أَنَابَ إلَى اللَّهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَارَ أَهْلًا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعِيدُهُ، وَلَيْسَ عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا مَا يَفْعَلُهُ أَمْثَالُهُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْمَصَالِحِ، وَيَصْرِفُ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ لِلْعَمَلَةِ بِأَيْدِيهِمْ، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ عَمِيَ أَوْ طَرِشَ أَوْ خَرِسَ أَوْ فَلَجَ، إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ؛ وَلِلنَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَنْ يُعْطِيَ قَوْمًا مُدَّةً وَلَهُ أَنْ يَقْطَعَهُمْ وَيُعْطِيَ غَيْرَهُمْ فَكَيْفَ لَا يَدْخُلُ كَثْرَةٌ بِحَيْثُ يُحَاصِصُونَهُمْ. وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي أَنْ لَا يُعْطِيَ غَيْرَ هَذَا الرَّجُلِ لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ وَيَحْرِمَهُ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْفِيذُ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَقَدْ اُسْتُبْعِدَتْ صِحَّةُ هَذَا الْحُكْمِ، وَكَيْفَ سَاغَ بِلَا شُرُوطٍ حَتَّى ظَفِرَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ بِقُوَيْلَةٍ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ. (الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) وُقِفَ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ الْمَسَاكِينِ فَرَدَّ زَيْدٌ فَهُوَ لِلْمَسَاكِينِ، وَكَذَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَرَدَّ أَحَدُهُمَا أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا فَنُصِيبُهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَكَذَا إذَا رَدَّا جَمِيعًا، وَمَنْ قَبِلَ بَعْدَ الرَّدِّ لَا يَعُودُ، وَمَنْ أَخَذَ سَنَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْدَ ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُهَا سَنَةً، وَأَقْبَلُ مَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَحِصَّتُهُ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ لِلْبَاقِي مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، ثُمَّ يُشَارِكُهُمْ فِيمَا بَعْدَهَا، وَلَوْ قَبِلَ سِنِينَ وَسَمَّاهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بَلْ بَعْدَهَا عَلَى وَلَدِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَرَدَّهُ الْمَوْجُودُونَ صَارَ لِلْفُقَرَاءِ، فَإِذَا جَاءَ مَنْ بَعْدَهُمْ رَجَعَ مِنْ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَرُدُّوهُ، وَلَوْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقَطْ فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا لِمَنْ قَبِلَ، وَيُجْعَلُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ كَالْمَيِّتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانُوا يَوْمَ مَاتَ أَرْبَعَةً فَرَدَّ وَاحِدٌ فَحِصَّتُهُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، وَهَذِهِ مِمَّا افْتَرَقَ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ، وَالْفَرْقُ ذَكَرَهُ هِلَالٌ وَغَيْرُهُ. وَعَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ فَرَدَّهُ فُلَانٌ لَمْ يُعْمَلْ رَدُّهُ فِي رَدِّ مَا لِوَلَدِهِ صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا. وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ لِلْمَسَاكِينِ فَلِوَلَدِ صُلْبِهِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى إلَّا أَنْ يَخُصَّ صِنْفًا مَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَالْكُلُّ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَقْتَ الْوَقْفِ بَلْ وَلَدُ ابْنٍ كَانَ لَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُشَارِكُهُ مَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ، فَإِنْ كَانَ ابْنَ بِنْتٍ لَا يَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَبِهِ أَخَذَ هِلَالٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَدْخُلُ وَصَحَّحَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ. ثُمَّ إذَا وُلِدَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ رَجَعَ مِنْ ابْنِ الِابْنِ إلَيْهِ، وَلَوْ ضُمَّ إلَى الْوَلَدِ وَلَدُ الْوَلَدِ فَقَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي ثُمَّ لِلْمَسَاكِينِ اشْتَرَكَ فِيهِ الصُّلْبِيُّونَ وَأَوْلَادُ بَنِيهِ وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ، كَذَا اخْتَارَهُ هِلَالٌ وَالْخَصَّافُ وَصَحَّحَهُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَأَنْكَرَ الْخَصَّافُ رِوَايَةَ حِرْمَانِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ مَنْ يَقُومُ بِرِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَلَدِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ وُجِدَ لَهُ وَلَدٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ لِصُلْبِهِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي كَانَ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ بَلْ وَلَدُ وَلَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَانَ لِوَلَدِ الذُّكُورِ دُونَ الْبَنَاتِ فَكَأَنَّهُمْ قَاسُوا عَلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ وَزَانُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَفَرَّقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذِهِ بِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ اسْمٌ لِمَنْ وَلَدُهُ وَلَدُهُ وَبِنْتُهُ وَلَدُهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَلَدِي فَإِنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ لَا يَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ وَلَدِهِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ لِصُلْبِهِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ فِي وَلَدِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا. قَالَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الْبِنْتِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الِاخْتِيَارِ، وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ صِدْقِ وَلَدِ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ، لَكِنْ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ التَّمَسُّكُ فِيهِ بِالْعُرْفِ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ وَلَدُ وَلَدِ فُلَانٍ كَذَا، وَكَذَا وَلَدُ ابْنِهِ وَكَلَامُ الْوَاقِفِينَ مُنْصَرِفٌ إلَى الْعُرْفِ فَإِنَّ تَخَاطُبَهُمْ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَى الْوَلَدِ كَمَا يُقَالُ وَلَدَتْ فُلَانَةُ فَإِنَّهُ يُقَالُ أَوَلَدْت ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؟ فَإِنَّ هَذَا الِاسْتِفْهَامَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ فَهْمِ الذَّكَرِ بِخُصُوصِهِ، وَإِذَا عُرِفَ الِاخْتِلَافُ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي أَوْلَادِ أَوْلَادِي فَيَجِبُ فِيمَا لَوْ قَالَ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي إدْخَالُ ابْنِ الْبِنْتِ عَلَى الْخِلَافِ لَا يَدْخُلُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنَ وَلَدِ الْوَلَدِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَدْخُلُ؛ ثُمَّ إذَا انْقَرَضَ وَلَدُ الْوَلَدِ لَا يُعْطِي لِمَنْ بَعْدَهُمْ بَلْ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ قَالَ وَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي صُرِفَتْ إلَى أَوْلَادِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا، وَلَا يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ مَا كَانَ مِنْ نَسْلِهِ وَاحِدٌ، وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يُرَتِّبَ الْوَاقِفُ. وَلَوْ قَالَ أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَدْخُلُ النَّسْلُ كُلُّهُ كَذِكْرِ الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ بِلَفْظِ وَلَدِي، وَلَوْ قَالَ وَلَدِي وَأَوْلَادُهُمْ وَلَهُ أَوْلَادُ أَوْلَادٍ مَاتَ آبَاؤُهُمْ قَبْلَ الْوَقْفِ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ بَعْدَ مَوْتِ أُولَئِكَ عَلَى أَوْلَادِي فَإِنَّمَا أَرَادَ الْمَوْجُودِينَ، وَضَمِيرُ أَوْلَادِهِمْ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ خَاصَّةً، بِخِلَافِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي لَا مُوجِبَ لِقَصْرِهِ عَلَى الْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ فَتُدَخِّلُ أَوْلَادَ الَّذِينَ مَاتُوا مِنْ قَبْلُ مَعَهُمْ، وَلَوْ قَالَ أَوْلَادِي وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَبَعْدَهُمْ لِلْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ أُعْطِيَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِلْبَاقِينَ مِنْ إخْوَتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَقُلْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بَلْ أَوْلَادِي ثُمَّ الْفُقَرَاءُ يُصْرَفُ الْكُلُّ لِلْوَاحِدِ إذَا مَاتَ مَنْ سِوَاهُ. وَلَوْ قَالَ عَلَى بَنِيَّ وَلَهُ ذَكَرَانِ صُرِفَ إلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، فَإِنَّمَا جُعِلَ مُسْتَحِقَّ كُلِّهِ اثْنَيْنِ. وَعَلَيْهِ فَرَّعَ ابْنُ الْفَضْلِ قَوْلَهُ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ وَلَدِي وَلَيْسَ فِي وَلَدِهِ مُحْتَاجٌ إلَّا وَاحِدٌ أَنَّ النِّصْفَ لَهُ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِلْفُقَرَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُشْكِلُ بِأَوْلَادِي فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِلْوَاحِدِ الْكُلُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفٌ فِي أَوْلَادِي يُخَالِفُ كُلَّ جَمْعٍ لِمَادَّةِ غَيْرِهِ كَبَنِيَّ وَالْمُحْتَاجِينَ وَنَحْوَهُ مِمَّا هُوَ جَمْعٌ غَيْرُ لَفْظِ أَوْلَادِي. وَنُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا لَوْ أَعْطَى الْقَيِّمَ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ لِوَاحِدٍ أَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يُحْصُونَ فَكَانَ الْمَقْصُودُ الْجِنْسَ. وَمَعَهُ مُحَمَّدٌ لِلْجَمْعِيَّةِ فَوَجَبَ إعْطَاءُ اثْنَيْنِ، وَتَدْخُلُ الْبَنَاتُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِ بَنِيَّ وَاخْتَارَهُ هِلَالٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اخْتِصَاصُ الذُّكُورِيَّةِ. قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الدُّخُولُ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَعَلَيْهِ بَنَوْا قَوْلَ الْمُسْتَأْمَنِ آمِنُونِي عَلَى بَنِيَّ تَدْخُلُ الْبَنَاتُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي بَنِي أَبٍ يُحْصَوْنَ، أَمَّا فِيمَا لَا يُحْصَوْنَ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ انْتَهَى يَعْنِي فَتَدْخُلُ الْمَرْأَةُ بِلَا تَرَدُّدٍ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بَنَاتٌ صُرِفَتْ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ، وَعَلَى بَنَاتِي لَا تَدْخُلُ الذُّكُورُ، ثُمَّ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْوَلَدِ كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ خُرُوجَ الْغَلَّةِ عَالِقًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَ وَلَدٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ حَدَثَ إلَى تَمَامِهَا فَصَاعِدًا لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْأَوَّلِ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ فَاسْتَحَقَّ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ لِوَرَثَتِهِ. وَهَذَا فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ، أَمَّا لَوْ جَاءَتْ أَمَتُهُ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى الْغَيْرِ: أَعْنِي بَاقِيَ الْمُسْتَحِقِّينَ، بِخِلَافِ وَلَدِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ حِينَ يُولَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ. وَلَوْ مَاتَ الْوَاقِفُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ وَقَفَ اسْتَحَقَّ مِنْ كُلِّ غَلَّةٍ خَرَجَتْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا عَقِيبَ الْوَقْفِ بِلَا تَخَلُّلِ مُدَّةٍ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ بَعْدَ زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ الرُّجُوعُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ حَمْلٍ حَدَثَ، وَخُرُوجُ الْغَلَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَنَاطُ وَقْتَ انْعِقَادِ الزَّرْعِ حَبًّا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ يَصِيرُ الزَّرْعُ مُتَقَوِّمًا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَهَذَا فِي الْحَبِّ خَاصَّةً. وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ يَوْمَ طَلَعَتْ الثَّمَرَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ أَمَانِهِ الْعَاهَةُ كَمَا فِي الْحَبِّ؛ لِأَنَّهُ بِالِانْعِقَادِ يَأْمَنُ الْعَاهَةَ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ انْعِقَادُهُ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ بِلَادِنَا مِنْ إجَارَةِ أَرْضِ الْوَقْفِ لِمَنْ يَزْرَعُهَا لِنَفْسِهِ بِأُجْرَةٍ تُسْتَحَقُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ كُلُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قِسْطٌ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ إدْرَاكِ الْقِسْطِ فَهُوَ كَإِدْرَاكِ الْغَلَّةِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ حَتَّى تَمَّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ اسْتَحَقَّ هَذَا الْقِسْطَ وَمَنْ لَا فَلَا، وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى أَصَاغِرِ وَلَدِي أَوْ الْعُمْيَانِ مِنْهَا أَوْ الْعُورِ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ الصِّغَرُ وَالْعَوَرُ وَالْعَمَى يَوْمَ الْوَقْفِ لَا يَوْمَ الْغَلَّةِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى سَاكِنِي الْبَصْرَةِ مَثَلًا وَبَغْدَادَ يُعْتَبَرُ سُكْنَى الْبَصْرَةِ يَوْمَ الْغَلَّةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ لَا يَزُولُ فَهُوَ كَالِاسْمِ الْعَلَمِ. وَكَذَلِكَ إذَا زَالَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ يَوْمَ الْوَقْفِ، بِخِلَافِ الْفَقْرِ وَسُكْنَى الْبَصْرَةِ يُحْتَمَلُ الْعَوْدُ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَلَوْ قَالَ مَنْ خَرَجَ يَسْقُطُ سَهْمُهُ فَخَرَجَ وَاحِدٌ ثُمَّ عَادَ لَا يَعُودُ سَهْمُهُ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَيَامَى عَلَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَتْ سَقَطَ سَهْمُهَا فَتَزَوَّجَتْ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ طَلُقَتْ لَا يَعُودُ إلَّا إنْ كَانَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْوَاقِفُ حَالَ حِصَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ يُقَسَّمُ عَلَى الْبَاقِينَ، فَقَدْ تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيُعْطَى الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ مِنْ الْأَوْلَادِ إلَّا أَنْ يُعِينَ الْمُحْتَاجِينَ مِنْ وَلَدِهِ فَيَلْزَمُ؛ فَمَنْ ادَّعَى الْحَاجَةَ مِنْهُمْ لَا يُعْطَى مَا لَمْ يُثَبِّتْهَا عِنْدَ الْقَاضِي. وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا فَقْرِهِ وَغِنَاهُ حُرِمَ تَقْدِيمًا لِبَيِّنَةِ غِنَاهُ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا. وَمَنْ وُلِدَ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ خُرُوجِ الْغَلَّةِ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَ هِلَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْحَاجَةِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَلِذَا لَمْ يَجْعَلْ نَفَقَةَ الْحَامِلِ فِي مَالِ مَنْ فِي بَطْنِهَا، وَاسْتَحَقَّ عِنْدَ الْخَصَّافِ لِأَنَّهُ كَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَلَا مَالَ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُحْتَاجٌ كَانَ لِلْمَسَاكِينِ؛ وَمَنْ افْتَقَرَ بَعْدَ الْغِنَى رَجَعَ إلَيْهِ الْكُلُّ. وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ اجْتَمَعَتْ عِدَّةُ سِنِينَ بِلَا قِسْمَةٍ حَتَّى اسْتَغْنَى قَوْمٌ وَافْتَقَرَ آخَرُونَ ثُمَّ قُسِّمَتْ يُعْطَى مَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ الْقِسْمَةِ، وَلَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ كَانَ فَقِيرًا وَقْتَ الْغَلَّةِ ثُمَّ اسْتَغْنَى فَأُعْطِيَهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْقِسْمَةِ لَا يُعْطَى مِنْ هَذِهِ الْقِسْمَةِ شَيْئًا بَلْ مِمَّا بَعْدَهَا، وَكَذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ خَصَّ عُمْيَانَ أَوْلَادِهِ وَنَحْوَهُ تَعَيَّنُوا، وَالْمُحْتَاجُ الَّذِي يُصْرَفُ إلَيْهِ مَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ يَسْتَغِلُّهَا، وَإِنْ لَمْ تَفِ غَلَّتُهَا بِكِفَايَتِهِ حَتَّى يَبِيعَهَا وَيُنْفِقَ ثَمَنَهُمَا، أَوْ يَفْضُلَ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ. بِخِلَافِ الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنُهَا وَعَبْدِ الْخِدْمَةِ وَلَيْسَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ الدَّارُ سُكْنَاهَا بَلْ الِاسْتِغْلَالُ، كَمَا لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى الِاسْتِغْلَالُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَوْلَادَهُ وَأَقَارِبَهُ صَحَّ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ الْفُقَرَاءَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا غَيْرُهُمْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إذَا ذَكَرَ مَصْرِفًا يَسْتَوِي فِيهِمْ تَنْصِيصٌ عَلَى الْحَاجَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ سَوَاءً كَانُوا يُحْصَوْنَ أَوْ لَا يُحْصَوْنَ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَتَى ذَكَرَ مَصْرِفًا يَسْتَوِي فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ، فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ لَهُمْ بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ بَاطِلٌ، إلَّا إنْ كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَاجَةِ اسْتِعْمَالًا بَيْنَ النَّاسِ لَا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ كَالْيَتَامَى فَالْوَقْفُ عَلَيْهِمْ صَحِيحٌ، وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ. فَانْبَنَى عَلَى هَذِهِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الصِّبْيَانِ أَوْ عَلَى مُضَرَ أَوْ رَبِيعَةَ أَوْ عَلَى تَمِيمٍ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِانْتِظَامِهِ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ مَعَ عَدَمِ الْإِحْصَاءِ، وَلَا مُمَيِّزَ فِي الِاسْتِعْمَالِ. وَنَصَّ الْخَصَّافُ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ وَالْعُورَانِ بَاطِلٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْتَظِمَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ، وَكَذَا عَلَى قُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الْفُقَهَاءِ. أَوْ قَالَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَوْ الشُّعَرَاءِ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه الضَّابِطُ الَّذِي ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ وَقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَالْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ كَالْيَتَامَى لِإِشْعَارِ الْأَسْمَاءِ بِالْحَاجَةِ اسْتِعْمَالًا؛ لِأَنَّ الْعَمَى وَالِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ يَقْطَعُ عَنْ الْكَسْبِ فَيَغْلِبُ فِيهِمْ الْفَقْرُ، وَقَدْ صُرِّحَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ بِاسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ وَهُوَ فَرْعُ الصِّحَّةِ، وَالْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْهِدَايَةِ تُفِيدُ ذَلِكَ، وَهِيَ مَا إذَا جَعَلَ غَلَّةَ أَرْضِهِ وَقْفًا عَلَى الْغُزَاةِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُصْرَفُ إلَى فُقَرَاءِ الْغُزَاةِ مَعَ أَنَّ اسْمَ الْغُزَاةِ يَنْتَظِمُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ غَيْرَ أَنَّهُ يَشْعُرُ بِالْحَاجَةِ، وَنَصَّ فِي وَقْفِ هِلَالٍ عَلَى جَوَازِهِ عَلَى الزَّمْنَى، وَيُدْفَعُ لِفُقَرَائِهِمْ. وَصَرَّحَ فِي وَقْفِ الْخَصَّافِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى أَرَامِلِ بَنِي فُلَانٍ، وَأَنَّهُ لِكُلِّ أَرْمَلَةٍ كَانَتْ يَوْمَ الْوَقْفِ أَوْ حَدَثَتْ سَوَاءٌ كُنَّ يُحْصَيْنَ أَوْ لَا، وَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُنَّ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً، فَمَنْ أُعْطِيَ مِنْهُنَّ أَجْزَأَ. وَالْأَرْمَلَةُ الْمُسْتَحِقَّةُ: كُلُّ بَالِغَةٍ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ. وَخَالَفُوا فِي الْأَيَامَى، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى أَيَامَى بَنِي فُلَانٍ وَبَعْدَهُنَّ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ أَيَامَى قَرَابَتِي إنْ كُنَّ يُحْصَيْنَ، فَالْوَقْفُ جَائِزٌ وَغَلَّتُهُ لِلْغَنِيَّةِ وَالْفَقِيرَةِ، وَإِنْ كُنَّ لَا يُحْصَيْنَ لَمْ يَجُزْ الْوَقْفُ فَيَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ وَالْأَيِّمُ الْمُسْتَحِقَّةُ: كُلُّ أُنْثَى جُومِعَتْ وَلَوْ بِفُجُورٍ وَلَا زَوْجَ لَهَا بَالِغَةً أَوْ لَا. وَلَوْ قَالَ عَلَى كُلِّ ثَيِّبٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَرَابَتِي فَإِنْ كُنَّ يُحْصَيْنَ جَازَ لَهُنَّ وَلِكُلِّ مَنْ يَحْدُثُ مِنْهُنَّ، وَإِنْ كُنَّ لَا يُحْصَيْنَ؛ فِي وَقْتِ قِسْمَةٍ مِنْ الْقَسْمِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ. وَالثَّيِّبُ: كُلُّ مَنْ جُومِعَتْ وَلَوْ بِفُجُورٍ وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ، وَلِأَبْكَارِ قَرَابَتِي أَوْ بَنِي فُلَانٍ. فَإِنْ كُنَّ يُحْصَيْنَ فَهُوَ لَهُنَّ وَلِمَنْ يَحْدُثُ أَبَدًا، وَإِنْ كُنَّ لَا يُحْصَيْنَ فَالْوَقْفُ عَلَيْهِنَّ بَاطِلٌ وَهُوَ لِلْمَسَاكِينِ. وَالْبِكْرُ: مَنْ لَمْ تُجَامَعْ وَإِنْ كَانَتْ الْعُذْرَةُ زَائِلَةً. وَفِي كُلِّ مَا لَا يُحْصَى مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَهُ الْوَقْفُ لَوْ قَيَّدَ فَقَالَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُنَّ جَازَ، وَمَنْ أَعْطَى أَجْزَأَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَقَارِبِ. وَقَفَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ الْمَسَاكِينِ دَخَلَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ مِمَّنْ يُنَاسِبُهُ إلَى الْأَبِ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَسْلَمَ ذَلِكَ الْأَبُ أَوْ لَا مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَقْفِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَجِيءِ الْغَلَّةِ، وَلَوْ كَانُوا مَرْقُوقِينَ لِقَوْمٍ أَوْ كُفَّارٍ أَوْ ذِمِّيِّينَ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَيَدْخُلُ

[كتاب البيوع]

كِتَابُ الْبُيُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو الْوَاقِفِ وَأَجْدَادُهُ وَوَلَدُهُ لِصُلْبِهِ وَأَوْلَادُ الذُّكُورِ مِنْهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَا تَدْخُلُ أَبْنَاءُ الْبَنَاتِ مِنْ وَلَدِهِ إلَّا إذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ مِمَّنْ يُنَاسِبُهُ إلَى ذَلِكَ الْجَدِّ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَلَا يَدْخُلُ الْوَاقِفُ وَلَا أَوْلَادُ عَمَّاتِهِ وَلَا أَوْلَادُ أَخَوَاتِهِ إذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ. وَقَوْلُهُ عَلَى آلِي وَجِنْسِي كَأَهْلِ بَيْتِي وَلَا يَخُصُّ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ إلَّا إنْ خَصَّهُمْ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ وَعَلَى مَنْ افْتَقَرَ مِنْهُمْ سَوَاءً، حَيْثُ يَكُونُ لِمَنْ يَكُونُ فَقِيرًا وَقْتَ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الْوَقْفِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَافْتَقَرَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ فَهُوَ لِمَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، أَوْ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ، لَكِنْ لَا يَدْخُلُ أَبُو الْوَاقِفِ وَلَا أَوْلَادُهُ لِصُلْبِهِ. وَفِي دُخُولِ الْجَدِّ رِوَايَتَانِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يَدْخُلُ، وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْأَجْدَادُ الْأَعْلَوْنَ وَالْجَدَّاتُ وَرَحِمِي وَأَرْحَامِي وَكُلِّ ذِي نَسَبٍ مِنِّي كَالْقَرَابَةِ. وَعَلَى عِيَالِي يَدْخُلُ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَالْجَدَّاتِ، وَمَنْ كَانَ يَعُولُهُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ وَغَيْرِ ذَوِي الرَّحِمِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَلَوْ قَالَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِي فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى قَرَابَتِي فَهُوَ صَحِيحٌ وَتُصْرَفُ بَعْدَهُمْ لِمَنْ يُنَاسِبُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَلَوْ عَكَسَ فَقَالَ عَلَى قَرَابَتِي فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ يَصِحَّ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ عَلَى إخْوَتِي فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى إخْوَتِي لِأَبِي، وَلَهُ إخْوَةٌ مُتَفَرِّقُونَ إذْ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْكُلِّ لَا يَبْقَى لَهُ أَخٌ فَيَكُونُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ لِلْمَسَاكِينِ وَعَلَى جِيرَانِهِ يَجُوزُ، ثُمَّ هُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُلَاصِقُونَ فَهُوَ لِجَمِيعِ مَنْ فِي كُلِّ دَارٍ لَاصَقَتْهُ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَلَوْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ وَالْعَبِيدُ بِالسَّوِيَّةِ قَرُبَتْ الْأَبْوَابُ أَوْ بَعُدَتْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمْ الَّذِينَ تَجْمَعُهُمْ مَحَلَّةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ جَمَعَتْهُمْ مَحَلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَتَفَرَّقُوا فِي مَسْجِدَيْنِ فَهِيَ مَحَلَّةٌ وَاحِدَةٌ إنْ كَانَ الْمَسْجِدَانِ صَغِيرَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ، فَإِنْ تَبَاعَدَا وَكَانَ مَسْجِدًا عَظِيمًا جَامِعًا فَكُلُّ أَهْلِ مَسْجِدٍ جِيرَانٌ دُونَ الْآخَرِينَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُمْ الْمُلَازِقُونَ السُّكَّانَ سَوَاءٌ كَانُوا مَالِكِينَ لِلدَّارِ أَوْ لَا، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَدْخُلُ الْأَرِقَّاءُ وَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ الْجِوَارِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْجَارِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الْوَقْفِ. [كِتَابُ الْبُيُوعِ] ِ عُرِفَ أَنَّ مَشْرُوعَاتِ الشَّارِعِ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصَةً، وَحُقُوقِ الْعِبَادِ خَالِصَةً، وَمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ وَحَقُّهُ تَعَالَى غَالِبٌ. وَمَا اجْتَمَعَا فِيهِ وَحَقُّ الْعِبَادِ غَالِبٌ. فَحُقُوقُهُ تَعَالَى عِبَادَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ وَكَفَّارَاتٌ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَابْتَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَالِصَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ أَنْوَاعِهَا، ثُمَّ شَرَعَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ، ثُمَّ فِي تَرْتِيبِ خُصُوصِ بَعْضِ الْأَبْوَابِ عَلَى بَعْضِ مُنَاسَبَاتٍ خَاصَّةٍ ذُكِرَتْ فِي مَوَاضِعِهَا، وَوَقَعَ فِي آخِرِهَا تَرْتِيبُ أَوَّلِ أَقْسَامِ حُقُوقِ الْعِبَادِ: أَعْنِي الْبَيْعَ عَلَى الْوَقْفِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا صَحَّ خَرَجَ الْمَمْلُوكُ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ لَا إلَى مَالِكٍ. وَفِي الْبَيْعِ إلَى مَالِكٍ فَنَزَلَ الْوَقْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبَسِيطِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، وَالْبَسِيطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فِي الْوُجُودِ فَقَدَّمَهُ فِي التَّعْلِيمِ، هَكَذَا ذَكَرَ. وَلَا يَخْفَى شُرُوعُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مِنْ زَمَانٍ، فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ وَالْمَفْقُودِ وَالشَّرِكَةِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ. ثُمَّ الْبَيْعُ مَصْدَرٌ؛ فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ فَيُجْمَعُ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا يُجْمَعُ الْمَبِيعُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْأَصْلُ فَجَمْعُهُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ سَلَمًا وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ، وَقَلَبَهُ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ، وَصَرْفًا وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ، وَمُقَابَضَةً وَهُوَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ وَبِخِيَارٍ وَمُنْجَزٍ أَوْ مُؤَجَّلِ الثَّمَنِ، وَمُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَوَضِيعَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَضْدَادِ، يُقَالُ بَاعَهُ: إذَا أَخَّرَ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِهِ إلَيْهِ، وَبَاعَهُ: أَيْ اشْتَرَاهُ، وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ، بَاعَ زَيْدٌ الثَّوْبَ وَبَاعَهُ مِنْهُ. وَأَمَّا مَفْهُومُهُ لُغَةً وَشَرْعًا فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: الْبَيْعُ لُغَةً: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَكَذَا فِي الشَّرْعِ، لَكِنْ زِيدَ فِيهِ قَيْدُ التَّرَاضِي اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لُغَةً أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مَنْ بَاعَهُ وَبَاعَ زَيْدٌ عَبْدَهُ إلَّا أَنَّهُ اُسْتُبْدِلَ بِهِ بِالتَّرَاضِي، وَأَنَّ الْأَخْذَ غَصْبًا وَإِعْطَاءَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ لَا يَقُولُ فِيهِ أَهْلُ اللُّغَةِ بَاعَهُ. وَشَرْعِيَّةُ الْبَيْعِ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَالسُّنَّةُ وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ بَيْعَكُمْ هَذَا يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْكَذِبُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» وَبَعَثَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ. وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ. وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهِ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَعْلُومِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ جَمِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ اسْتَقَلَّ بِابْتِدَاءِ بَعْضِ حَاجَاتِهِ مِنْ حَرْثِ الْأَرْضِ ثُمَّ بَذْرِ الْقَمْحِ وَخِدْمَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَحَصْدِهِ وَدِرَاسَتِهِ ثُمَّ تَذْرِيَتِهِ ثُمَّ تَنْظِيفِهِ وَطَحْنِهِ بِيَدِهِ وَعَجْنِهِ وَخَبْزِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَفِي الْكَتَّانِ وَالصُّوفِ لِلِبْسِهِ وَبِنَاءِ مَا يُظِلُّهُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَدْفَعَهُ الْحَاجَةُ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَ

قَالَ (الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْئًا وَيَبْتَدِئَ مُزَاوَلَةَ شَيْءٍ، فَلَوْ لَمْ يُشَرَّعْ الْبَيْعُ سَبَبًا لِلتَّمْلِيكِ فِي الْبَدَلَيْنِ لَاحْتَاجَ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى التَّغَالُبِ وَالْمُقَاهَرَةِ أَوْ السُّؤَالِ وَالشِّحَاذَةِ أَوْ يَصْبِرَ حَتَّى يَمُوتَ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْفَسَادِ. وَفِي الثَّانِي مِنْ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَيُزْرِي بِصَاحِبِهِ. فَكَانَ فِي شَرْعِيَّتِهِ بَقَاءُ الْمُكَلَّفِينَ الْمُحْتَاجِينَ وَدَفْعُ حَاجَتِهِمْ عَلَى النِّظَامِ الْحَسَنِ. وَشَرْطُهُ فِي الْمُبَاشِرِ: التَّمْيِيزُ وَالْوِلَايَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْكَائِنَةُ عَنْ مِلْكٍ أَوْ وَكَالَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَيَصِحُّ بَيْعُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ اللَّذَيْنِ يَعْقِلَانِ الْبَيْعَ وَأَثَرَهُ. وَفِي الْمَبِيعِ كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا شَرْعًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَيَدْخُلُ السَّلَمُ وَقَدْ قَالُوا شُرُوطُهُ: مِنْهَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ وَالْوِلَايَةُ وَكَوْنُ الْمَبِيعِ مُتَقَوِّمًا. وَمِنْهَا شَرْطُ النَّفَاذِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْوِلَايَةُ، حَتَّى إذَا بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ تَوَقَّفَ النَّفَاذُ عَلَى الْإِجَازَةِ مِمَّنْ لَهُ الْوِلَايَةُ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَالْفِعْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْبَدَلَيْنِ مِنْ الْمُتَخَاطِبَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا بِتَبَادُلِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَهَذَا مَفْهُومُ الِاسْمِ شَرْعًا. وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لَفْظُ الْفِعْلِ قَوْلًا، وَقَدْ يَكُونُ فِعْلًا غَيْرَ قَوْلٍ كَمَا فِي التَّعَاطِي كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ يَكُونُ الرِّضَا ثَابِتًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ فَإِنَّ لَفْظَ بِعْت مَثَلًا لَيْسَ عِلَّةً لِثُبُوتِ الرِّضَا بَلْ أَمَارَةٌ عَلَيْهِ. فَقَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَ انْتِفَائِهِ كَالْغَيْمِ الرَّطْبِ لِلْمَطَرِ، فَكَذَا يَتَحَقَّقُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَلَا رِضَا كَمَا فِي الْمُكْرَهِ، وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّرَاضِي لَيْسَ جُزْءَ مَفْهُومِ الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ بَلْ شَرْطُ ثُبُوتِ حُكْمِهِ شَرْعًا. (قَوْلُهُ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) يَعْنِي إذَا سَمِعَ كُلٌّ كَلَامَ الْآخَرِ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَيْسَ بِهِ وَقَدْ سَمِعَهُ مَنْ فِي الْمَجْلِسِ لَا يُصَدَّقُ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْبَيْعِ هُنَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ الْخَاصُّ الْمَعْلُومُ حُكْمُهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ يَنْعَقِدُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَجَعَلَهُمَا غَيْرَهُ يَثْبُتُ هُوَ بِهِمَا مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ إلَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُمَا رُكْنَاهُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ الْفِعْلُ الدَّالُّ إلَى آخِرِهِ. هَذَا وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْعِ هُنَا لَيْسَ إلَّا نَفْسَ حُكْمِهِ لَا مَعْنَى لَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَمَا قِيلَ الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى شَرْعِيٍّ يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ الْعَاقِدُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ لَيْسَ غَيْرُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ قُدْرَةُ التَّصَرُّفِ. فَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الشَّرْعِ لَيْسَ إلَّا ثُبُوتُ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ مِنْ تَبَادُلِ الْمِلْكَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْفِعْلَيْنِ: أَعْنِي الشَّطْرَيْنِ بِوَضْعِهِمَا سَبَبًا لَهُ شَرْعًا، وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ ثَالِثٌ، فَالْمِلْكُ هُوَ قُدْرَةٌ يُثْبِتُهَا الشَّارِعُ ابْتِدَاءً عَلَى التَّصَرُّفِ فَخَرَجَ نَحْوُ الْوَكِيلِ. فَإِذَا امْتَنَعَ أَنْ يُرَادَ الْفِعْلُ الْخَاصُّ لَزِمَ الْآخَرُ. وَالْإِيجَابُ لُغَةً الْإِثْبَاتُ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَالْمُرَادُ هُنَا إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْخَاصِّ الدَّالِ عَلَى الرِّضَا الْوَاقِعِ أَوَّلًا سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ الْبَائِعِ كَبِعْتُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي كَأَنْ يَبْتَدِئَ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ اشْتَرَيْت هَذَا بِأَلْفٍ وَالْقَبُولُ الْفِعْلُ الثَّانِي، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا إيجَابٌ، أَيْ إثْبَاتٌ، فَسُمِّيَ الْإِثْبَاتُ الثَّانِي بِالْقَبُولِ تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ الْإِثْبَاتِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ قَبُولًا وَرِضًا بِفِعْلِ الْأَوَّلِ، وَحَيْثُ لَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ اللَّفْظَيْنِ بِالْبَيْعِ بَلْ حُكْمُهُمَا وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ وَجَبَ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ يَثْبُتُ: أَيْ الْحُكْمُ فَإِنَّ الِانْعِقَادَ إنَّمَا هُوَ لِلَّفْظَيْنِ لَا لِلْمِلْكِ

إذَا كَانَا بِلَفْظَيْ الْمَاضِي) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا بِعْت وَالْآخَرُ اشْتَرَيْت؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ، وَالْإِنْشَاءُ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ وَالْمَوْضُوعُ لِلْإِخْبَارِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ. وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْآخَرُ لَفْظُ الْمَاضِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ انْضِمَامُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ، وَقَوْلُنَا فِي الْقَبُولِ إنَّهُ الْفِعْلُ الثَّانِي يُفِيدُ كَوْنَهُ أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مِنْ الْفُرُوعِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ هَذَا الطَّعَامِ بِدِرْهَمٍ فَأَكَلَهُ تَمَّ الْبَيْعُ وَأَكْلُهُ حَلَالٌ وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ بَعْدَ قَوْلِ الْبَائِعِ ارْكَبْهَا بِمِائَةٍ وَالْبَسْهُ بِكَذَا رِضًا بِالْبَيْعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا، بِخِلَافِ بَيْعِ التَّعَاطِي فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قَبْضٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ وَسَيَأْتِي، فَفِي جَعْلِ مَسْأَلَةِ الْقَبْضِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ نَظَرٌ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا بِكَذَا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى هَؤُلَاءِ فَفَعَلَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ، وَكَذَا اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَاقْطَعْهُ لِي قَمِيصًا فَقَطَّعَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ. وَقَوْلُهُ (إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا بِعْت وَالْآخَرُ اشْتَرَيْت) قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ) أَيْ إثْبَاتُ تَصَرُّفٍ يُفِيدُ حُكْمًا يَثْبُتُ جَبْرًا (وَالْإِنْشَاءُ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا (يُعْرَفُ) إلَّا (بِالشَّرْعِ) لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مَعْنًى يَكُونُ اللَّفْظُ عِلَّةً لَهُ، وَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا لَهُ قُدْرَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ الْكَائِنِ أَوْ مَا سَيَكُونُ وَطَلَبُهُ، فَقَوْلُهُمْ مِنْ الْإِنْشَاءِ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي وَالْقَسَمُ وَالِاسْتِفْهَامُ اصْطِلَاحٌ فِي تَسْمِيَةِ مَا لَا خَارِجَ لِمَعْنَاهُ يُطَابِقُهُ أَوْ لَا يُطَابِقُهُ إنْشَاءٌ، وَهُوَ يَعُمُّ مَا ذُكِرَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يُبَايِنُهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ لَعَلَّ زَيْدًا يَأْتِي وَلَيْتَ لِي مَالًا لَيْسَ عِلَّةً لِتَرَجِّي ذَلِكَ أَوْ تَمَنِّيهِ بَلْ دَالٌّ عَلَى التَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي الْقَائِمَيْنِ بِالْمُتَكَلِّمِ كَأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ قِيَامِهِمَا بِهِ، غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الِاصْطِلَاحِ لَا يُسَمُّونَهُ إخْبَارًا لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ بِعْت وَطَالِقٌ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ تَثْبُتُ بِهِ شَرْعًا مَعَانٍ لَا قُدْرَةَ لِلْمُتَكَلِّمِ عَلَى إثْبَاتِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا مِمَّنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سَوَاءٌ سُمِّيَ غَيْرُهُ إنْشَاءً اصْطِلَاحًا أَوْ لَا، وَإِذَا كَانَ الْإِنْشَاءُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يُوضَعْ لَهُ فِي اللُّغَةِ لَفْظٌ يَخُصُّهُ. وَالشَّرْعُ اسْتَعْمَلَ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ اللُّغَةِ لَفْظَ الْخَبَرِ: أَيْ وَضَعَهُ عِلَّةً لِإِثْبَاتِهِ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ فَيَنْعَقِدُ: أَيْ يَثْبُتُ بِهِ. وَأَمَّا تَعْلِيلُهُ بِأَنَّ لَفْظَ الْمَاضِي أَدَلُّ عَلَى الْوُجُودِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الْوُجُودِ سَابِقًا فَاخْتِيرَ لَهُ فَرُبَّمَا يُعْطَى قَصْرَ الْعِلِّيَّةِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ تَعْلِيلُ أَوْلَوِيَّةِ لَفْظِ الْمَاضِي بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ كَمَا سَتَسْمَعُ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ،

بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هُنَاكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ النِّكَاحِ) فَإِنَّهُ إذَا قَالَ زَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُك يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، أَمَّا الْبَيْعُ فَإِذَا قَالَ بِعْنِيهِ بِأَلْفٍ فَقَالَ بِعْتُك لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَقُولَ الْأَوَّلُ اشْتَرَيْت وَنَحْوَهُ، وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا قَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ. قَالَ (وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هُنَاكَ) يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ: يَعْنِي زَوِّجْنِي، فَإِذَا قَالَ زَوَّجْتُك كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْمُوَكِّلِ مُزَوِّجًا لَهُ وَوَلِيًّا لِمَنْ زَوَّجَهَا وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَقَدَّمْنَا مَنْ قَالَ إنَّ لَفْظَةَ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ جُعِلَتْ إيجَابًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُصَرَّحُ بِالْخِطْبَةِ فِيهِ، وَطَلَبُهُ إلَّا بَعْدَ مُرَاجَعَاتٍ وَتَأَمُّلٍ وَاسْتِخَارَةٍ غَالِبًا فَلَا يَكُونُ لَفْظُ طَلَبِهِ: أَعْنِي زَوِّجْنِي مُسَاوَمَةً بَلْ تَحْقِيقًا فَاعْتُبِرَ إيجَابًا. بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ مَسْبُوقًا بِمِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ مُسَاوَمَةً فَلَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ جَوَابِ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ فَرْقُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهِ تَوْكِيلًا. وَأَمَّا الْفَرْقُ بِأَنَّ رَدَّ النِّكَاحِ بَعْدَ إيجَابِهِ يُلْحِقُ الشَّيْنَ بِالْأَوْلِيَاءِ، بِخِلَافِ رَدِّ الْبَيْعِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ الْأَمْرِ فِيهِ إيجَابًا. ثُمَّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَزِمَ امْتِنَاعُ رُجُوعِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ زَوِّجْنِي بِنْتَك قَبْلَ قَوْلِهِ زَوَّجْتُك؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا شَيْنٌ وَانْكِسَارٌ يَلْحَقُهُمْ. وَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ مَوَاضِعَ: مِنْهَا الْبَيْعُ، وَالْإِقَالَةُ لَا يُكْتَفَى بِالْأَمْرِ فِيهِمَا عَنْ الْإِيجَابِ. وَمِنْهَا النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ يَقَعُ فِيهِمَا إيجَابًا. الْخَامِسَةُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ اشْتَرِ نَفْسَك مِنِّي بِأَلْفٍ فَقَالَ فَعَلْت عَتَقَ. السَّادِسَةُ فِي الْهِبَةِ قَالَ هَبْ لِي هَذَا فَقَالَ وَهَبْته مِنْك تَمَّتْ الْهِبَةُ. السَّابِعَةُ قَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَبْرِئْنِي عَمَّا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَقَالَ أَبْرَأْتُك تَمَّتْ الْبَرَاءَةُ. الثَّامِنَةُ الْكَفَالَةُ قَالَ اُكْفُلْ بِنَفْسِ فُلَانٍ لِفُلَانٍ قَالَ كَفَلْت تَمَّتْ الْكَفَالَةُ، فَإِذَا كَانَ غَائِبًا فَقَدَّمَ وَأَجَازَ كَفَالَتَهُ جَازَ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ بِالْمُسْتَقْبَلِ هُوَ إذَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى نِيَّةِ الْحَالِ، أَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى نِيَّةِ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الِاسْتِقْبَالِ تَحْتَمِلُ الْحَالَ فَيَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ فِي صِفَةِ الِاسْتِقْبَالِ مُطْلَقًا. وَفِي الْكَافِي قَصَرَ الْكَلَامَ عَلَى الْمُضَارِعِ فَقَالَ: الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ فِي الْأَصْلِ

وَقَوْلُهُ رَضِيت بِكَذَا أَوْ أَعْطَيْتُك بِكَذَا أَوْ خُذْهُ بِكَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ بِعْت وَاشْتَرَيْت؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، وَالْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضُوعٌ لِلْحَالِ وَوُقُوعُهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ نَوْعُ تَجَوُّزٍ اهـ. وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ إذَا ادَّعَاهُ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ الْأَمْرُ، فَلَوْ ادَّعَى فِي قَوْلِهِ يَعْنِي أَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى اشْتَرَيْته بِكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْقَاضِي؛ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُ مِنْك هَذَا بِكَذَا أَوْ أُعْطِيكَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْته أَوْ آخُذُهُ وَنَوَيَا الْإِيجَابَ لِلْحَالِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ بِنِيَّةِ الْحَالِ هُوَ الْمُضَارِعُ وَتَسْمِيَتُهُ مُسْتَقْبَلًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِلَّا فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْحَالِ، وَأَمَّا الْأَمْرُ فَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ التَّمْثِيلُ بِهِ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَقْبَلُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِخْبَارِ كَمَالُ انْقِطَاعٍ فَلَا يَتَجَوَّزُ بِهِ فِيهِ، فَلَا يُقَالُ بِعْنِيهِ وَالْمُرَادُ اشْتَرَيْته فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ إلَّا فِي قَوْلِهِ خُذْهُ بِكَذَا فَيَنْعَقِدُ لِثُبُوتِهِ الْإِيجَابَ اقْتِضَاءً، وَمِثْلُ الْأَمْرِ الْمُضَارِعُ الْمَقْرُونُ بِالسِّينِ نَحْوَ سَأَبِيعُك فَلَا يَصِحُّ بَيْعًا وَلَا يَتَجَوَّزُ بِهِ فِي مَعْنَى بِعْتُك فِي الْحَالِ. فَإِنَّ ذِكْرَ السِّينِ يُنَاقِضُ إرَادَةَ الْحَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْوَاحِدِ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ مَخْصُوصٌ مِنْهُ الْأَبُ يَشْتَرِي مَالَ ابْنِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ يَبِيعُ مَالَهُ مِنْهُ، وَالْوَصِيُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا اشْتَرَى لِلْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ مِنْهُ بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوفِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَقَيَّدَهُ فِي نَظْمِ الزندويستي بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ رَضِيت) هَذَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ بِعْتُكَهُ، وَقَالَ اشْتَرَيْته بِدِرْهَمٍ فَقَالَ رَضِيت أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَقَالَ فَعَلْت أَوْ أَجَزْت أَوْ أُخِذَتْ كُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي يَتِمُّ بِهَا الْبَيْعُ لِإِفَادَتِهَا إثْبَاتَ الْمَعْنَى وَالرِّضَا بِهِ، وَكَذَا لَفْظَةُ خُذْهُ بِكَذَا يَنْعَقِدُ بِهِ إذَا قَبِلَ بِأَنْ قَالَ أَخَذْته وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا لَكِنَّ خُصُوصَ مَادَّتِهِ: أَعْنِي الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْبَيْعِ فَكَانَ كَالْمَاضِي، إلَّا أَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْمَاضِي سَبَقَ الْبَيْعَ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَاسْتِدْعَاءَ خُذْهُ سَبَقَهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ، وَيَثْبُتُ اشْتَرَيْت اقْتِضَاءً، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ بِلَا فَاءٍ لَا يُعْتَقُ. وَإِنَّمَا صَحَّ بِهَذِهِ وَنَحْوِهَا (لِأَنَّهَا تُؤَدِّي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ) أَلَا يَرَى إلَى مَا قَالُوا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك أَوْ وَهَبْت لَك هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ بِثَوْبِك هَذَا فَرَضِيَ فَهُوَ بَيْعٌ بِالْإِجْمَاعِ. قَالُوا: إنَّمَا قَالَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ احْتِرَازٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيهِمَا يُقَامُ مَقَامَ الْمَعْنَى، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ إقَامَةَ اللَّفْظِ مَقَامَ الْمَعْنَى أَثَرٌ فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ بِلَا نِيَّةٍ لَيْسَ غَيْرُ، فَإِذَا فَارَقَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ ذَلِكَ اقْتَضَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ حُكْمُهُ إلَّا إذَا أَرَادَهُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِعْت وَأَبِيعُ فِي تَوَقُّفِ الِانْعِقَادِ بِهِ عَلَى النِّيَّةِ وَلِذَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ بِعْت هَزْلًا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، ثُمَّ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْمَاضِي وَغَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمَاضِي وَغَيْرِهِ بِلَا نِيَّةٍ وَمِنْ الصُّوَرِ

وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ هُوَ الصَّحِيحُ لِتَحَقُّقِ الْمُرَاضَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظَةُ نَعَمْ تَقَعُ إيجَابًا فِي قَوْلِ الْمُسْتَفْهِمِ أَتَبِيعُنِي عَبْدَك بِأَلْفٍ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَخَذْته فَهُوَ بَيْعٌ لَازِمٌ، وَكَذَا أَبِيعُك. وَمِنْهَا اشْتَرَيْته مِنْك بِأَلْفٍ فَقَالَ نَعَمْ أَوْ هَاتِ الثَّمَنَ انْعَقَدَ، وَكَذَا إذَا قَالَ هَذَا عَلَيْك بِأَلْفٍ فَقَالَ فَعَلْت؛ وَلَوْ قَالَ هُوَ لَك بِأَلْفٍ إنْ وَافَقَك أَوْ إنْ أَعْجَبَك، أَوْ إنْ أَرَدْت فَقَالَ وَافَقَنِي أَوْ أَعْجَبَنِي أَوْ أَرَدْت انْعَقَدَ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا بَعْدَ وُجُودِ مُقَدِّمَاتِ الْبَيْعِ فَقَالَ اشْتَرَيْت، وَلَمْ يَقُلْ مِنْك صَحَّ، وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ، وَكَذَا إذَا قَالَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ إنْ أَدَّيْت ثَمَنَهُ فَقَدْ بِعْته مِنْك فَأَدَّى فِي الْمَجْلِسِ جَازَ اسْتِحْسَانًا. [فُرُوعٌ: فِي اخْتِلَافِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ] قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ اشْتَرَيْته بِأَلْفَيْنِ جَازَ، فَإِنْ قَبِلَ الْبَائِعُ الزِّيَادَةَ ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ وَالْأَصَحُّ بِأَلْفٍ إذْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إدْخَالِ الزِّيَادَةِ فِي مِلْكِهِ بِلَا رِضَاهُ؛ وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْته بِأَلْفَيْنِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ جَازَ كَأَنَّهُ قَبِلَ بِأَلْفَيْنِ وَحَطَّ عَنْهُ أَلْفًا، وَلَوْ سَاوَمَهُ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ بِعِشْرِينَ فَقَبَضَهُ مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ لَزِمَ بِعَشَرَةٍ، فَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَذَهَبَ بِهِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ فَبِعِشْرِينَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يَلْزَمُ بِآخِرِهِمْ كَلَامًا مُطْلَقًا. وَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ بِعْتُكَهُ بِأَلْفَيْنِ فَقَالَ قَبِلْت الْأَوَّلَ بِأَلْفٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ، وَلَيْسَ هَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَإِنْ قَالَ قَبِلْت الْبَيْعَيْنِ جَمِيعًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ قَبِلْت الْآخَرَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ: يَعْنِي يَكُونُ الْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ وَالْأَلْفُ زِيَادَةٌ إنْ شَاءَ قَبِلَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَكَذَا بِأَلْفٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الثَّانِي، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ وَالْأَوَّلُ فِي الزِّيَادَاتِ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَإِذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ) أَيْ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَعْنَى يَنْعَقِدُ (بِالتَّعَاطِي فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ) قِيلَ النَّفِيسُ نِصَابُ السَّرِقَةِ فَصَاعِدًا وَالْخَسِيسُ مَا دُونَهُ (وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي فِي الْخَسِيسِ فَقَطْ، وَأَرَادَ بِالْخَسِيسِ الْأَشْيَاءَ الْمُحْتَقَرَةَ كَالْبَقْلِ وَالرَّغِيفِ وَالْبِيضِ وَالْجَوْزِ اسْتِحْسَانًا لِلْعَادَةِ. قَالَ أَبُو مُعَاذٍ: رَأَيْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ جَاءَ إلَى صَاحِبِ الرُّمَّانِ فَوَضَعَ عِنْدَهُ فَلْسًا، وَأَخَذَ رُمَّانَةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَمَضَى. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى التَّرَاضِي يَشْمَلُ الْكُلَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْصِيلِ. وَفِي الْإِيضَاحِ: هُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي مَوَاضِعَ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَاشْتَرَاهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ فُلَانٌ فَقَالَ أَنَا أَمَرْته، قَالَ يَأْخُذُهُ فُلَانٌ، فَإِنْ قَالَ لَمْ آمُرْهُ، وَقَدْ كَانَ اشْتَرَاهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ، فَإِنْ سَلَّمَهُ وَأَخَذَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ كَانَ بَيْعًا لِلَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَكَأَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ: أَيْ لِلْآخِذِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ التَّعَاطِي فِي النَّفِيسِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ لِلَّذِي لَهُ الْمَالُ أَعْطَيْتُك بِمَالِك دَنَانِيرَ فَسَاوَمَهُ بِالدَّنَانِيرِ، وَلَمْ يَقَعْ بَيْعٌ ثُمَّ فَارَقَهُ فَجَاءَهُ بِهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ يُرِيدُ الَّذِي كَانَ سَاوَمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَارَقَهُ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ بَيْعًا جَازَ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَكَذَا لَوْ سَاوَمَ رَجُلًا بِشَيْءٍ وَلَيْسَ مَعَهُ وِعَاءٌ، ثُمَّ فَارَقَهُ وَجَاءَ بِالْوِعَاءِ فَأَعْطَاهُ الثَّمَنَ وَكَالَ لَهُ جَازَ. وَمِنْ صُوَرِهِ إذَا جَاءَ الْمُودَعُ بِأَمَةٍ غَيْرَ الْمُودَعَةِ

قَالَ (وَإِذَا) (أَوْجَبَ) أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، وَهَذَا خِيَارُ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ لِحُكْمٍ بِدُونِ قَبُولِ الْآخَرِ فَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَاعْتُبِرَتْ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ: هَذِهِ أَمَتُك وَالْمُودَعُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ إيَّاهَا، وَحَلَفَ فَأَخَذَهَا حَلَّ الْوَطْءُ لِلْمُودِعِ وَلِلْأَمَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ لَيْسَتْ هَذِهِ بِطَانَتِي فَحَلَفَ الْخَيَّاطُ أَنَّهَا هِيَ وَسِعَهُ أَخْذُهَا، وَمِنْهَا قَوْلُ الدَّلَّالِ لِلْبَزَّازِ هَذَا الثَّوْبُ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ ضَعْهُ. وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ: لَوْ قَالَ بِكَمْ تَبِيعُ قَفِيزَ حِنْطَةٍ فَقَالَ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ اعْزِلْهُ فَعَزَلَهُ فَهُوَ بَيْعٌ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْقَصَّابِ مِثْلَهُ فَوَزَنَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَهُوَ بَيْعٌ. حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْقَصَّابُ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ وَأَخْذِ اللَّحْمِ، أَوْ امْتَنَعَ الْقَصَّابُ مِنْ دَفْعِ اللَّحْمِ أَجْبَرَهُمَا الْقَاضِي. وَكَذَا إذَا قَالَ زِنْ لِي مَا عِنْدَك مِنْ اللَّحْمِ عَلَى حِسَابِ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ فَوَزَنَ. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ زِنْ لِي ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ فَوَزَنَهَا لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْجَنْبِ وَمِنْ هَذَا الْفَخِذِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمَنْ جَاءَ بِوَقْرِ بِطِّيخٍ فِيهِ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ بِكَمْ عَشَرَةٍ مِنْ هَذِهِ فَقَالَ بِدِرْهَمٍ فَعَزَلَ عَشَرَةً، وَاخْتَارَهَا فَذَهَبَ بِهَا وَالْبَائِعُ يَنْظُرُ، أَوْ عَزَلَ الْبَائِعُ عَشَرَةً فَقَبِلَهَا الْمُشْتَرِي تَمَّ الْبَيْعُ. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ شَرْطٌ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي أَوْ أَحَدُهُمَا كَافٍ، وَالصَّحِيحُ الثَّانِي. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي يَثْبُتُ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَهَذَا يَنْتَظِمُ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ. وَنَصُّهُ فِي الْجَامِعِ عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَكْفِي لَا يَنْفِي الْآخَرَ. وَمِنْهَا لَوْ رَدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالْبَائِعُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ فَأَخَذَهَا وَرَضِيَ فَهُوَ بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي (قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ، وَهَذَا خِيَارُ الْقَبُولِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) وَلِلْمُوجِبِ أَيُّهُمَا كَانَ بَائِعًا وَمُشْتَرِيًا أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ عَنْ

وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ يُبْطِلُهُ الْآخَرُ بِلَا مُعَارِضٍ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ بَعْدَ الْإِيجَابِ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَالْمُوجِبُ هُوَ الَّذِي أَثْبَتَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةَ فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا كَعَزْلِ الْوَكِيلِ؛ وَلَوْ سَلَّمَ فَلَا يُعَارِضُ حَقُّ التَّمَلُّكِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ لَزِمَ تَعْطِيلُ حَقِّ الْمِلْكِ بِحَقِّ التَّمَلُّكِ، وَدَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ تَنْفِيهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لِلْأَبِ حَقَّ التَّمَلُّكِ لِمَالِ وَلَدِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَقَبْلَ تَمَلُّكِهِ بِالْفِعْلِ كَانَ لِلْوَلَدِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلَوْ صَادَفَ رَدُّ الْبَائِعِ قَبُولَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ. وَأَوْرَدَ فِي الْكَافِي الزَّكَاةَ الْمُعَجَّلَةَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِهَا لِثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ لِلْفَقِيرِ. وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُوجِبَ لِلدَّفْعِ قَائِمٌ وَهُوَ النِّصَابُ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ وَصْفُهُ وَهُوَ النَّمَاءُ فَبَعْدَ أَخْذِ السَّبَبِ حُكْمَهُ تَمَّ الْأَمْرُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ الْأَصْلُ بَلْ شَطْرُهُ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَوْجُودًا. وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَا يَنْعَقِدُ، وَاخْتِلَافُهُ بِاعْتِرَاضِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ وَنَحْوِهِ. أَمَّا لَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَذْهَبْ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى جَمْعٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَبُولُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قَامَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ: يَعْنِي الْإِيجَابَ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ. فَإِنْ قِيلَ: الصَّرِيحُ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ قَبِلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الْإِعْرَاضُ. قُلْنَا: الصَّرِيحُ إذَا كَانَ أَقْوَى وَيُعْمَلُ إذَا بَقِيَ الْإِيجَابُ بَعْدَ قِيَامِهِ، وَهُنَا لَمْ يَبْقَ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَبْقَى اللَّفْظُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، وَلَا يَجْتَمِعُ قَوْلُهُ قَبِلْت بِهِ إلَّا أَنَّ لِلْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَبِالْقِيَامِ لَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ: إذَا قَامَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَذْهَبْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ قَبِلَ الْمُشْتَرِي صَحَّ، وَإِلَيْهِ أُشِيرُ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ، وَهَذَا شَرْحٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَأَيُّهُمَا قَامَ إلَى آخِرِهِ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ مَا إذَا تَبَايَعَا، وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ لَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَأَجَابَ الْآخَرُ لَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ أَجَابَ عَلَى فَوْرِ كَلَامِهِ مُتَّصِلًا جَازَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ النَّوَازِلِ: إذَا أَجَابَ بَعْدَمَا مَشَى خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ جَازَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَمْشِيَانِ مَشْيًا مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ الْإِيجَابُ إلَّا فِي مَكَان آخَرَ بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ فَفَرَغَ مِنْهَا وَأَجَابَ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ فَضَمَّ إلَى رَكْعَةِ الْإِيجَابِ أُخْرَى ثُمَّ قَبِلَ جَازَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْمَلَهَا أَرْبَعًا. وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ كُوزٌ فَشَرِبَ ثُمَّ أَجَابَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ لُقْمَةً لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ إلَّا إذَا اشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ، وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَوْ مُضْطَجِعَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهِيَ فُرْقَةٌ. وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ، فَلَوْ عَقَدَا وَهِيَ تَجْرِي فَأَجَابَ الْآخَرُ لَا يَنْقَطِعُ الْمَجْلِسُ بِجَرَيَانِهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا. وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْمَاشِيَيْنِ أَيْضًا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِذَاتَيْهِمَا، أَمَّا الْمَسِيرُ بِلَا افْتِرَاقٍ فَلَا، وَهَكَذَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ بِعْتُك بِأَلْفٍ فَقَبِلَا فَهِيَ لِلثَّانِي لَا لِلْأَوَّلِ. وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَلَمْ يَقْبَلْ حَتَّى قَامَ الْبَائِعُ فِي حَاجَةٍ بَطَلَ (قَوْلُهُ وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ

وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَلَا أَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي بِبَعْضِ الثَّمَنِ لِعَدَمِ رِضَا الْآخَرِ بِتَفَرُّقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ) فَصُورَةُ الْكِتَابِ أَنْ يَكْتُبَ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بِعْت عَبْدِي مِنْك بِكَذَا. فَلَمَّا بَلَغَهُ الْكِتَابُ وَفَهِمَ مَا فِيهِ قَالَ قَبِلْت فِي الْمَجْلِسِ انْعَقَدَ، وَالرِّسَالَةُ أَنْ يَقُولَ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ وَقُلْ لَهُ إنَّ فُلَانًا بَاعَ عَبْدَهُ فُلَانًا مِنْك بِكَذَا فَجَاءَ فَأَخْبَرَهُ فَأَجَابَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ بِالْقَبُولِ. وَكَذَا إذَا قَالَ بِعْت عَبْدِي فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا فَاذْهَبْ يَا فُلَانُ فَأَخْبِرْهُ فَذَهَبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَبِلَ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّسُولَ نَاقِلٌ، فَلَمَّا قَبِلَ اتَّصَلَ لَفْظُهُ بِلَفْظِ الْمُوجِبِ حُكْمًا، فَلَوْ بَلَّغَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَبِلَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَسُولًا بَلْ فُضُولِيًّا، وَلَوْ كَانَ قَالَ بَلِّغْهُ يَا فُلَانُ فَبَلَّغَهُ غَيْرُهُ فَقَبِلَ جَازَ. وَلَوْ كَانَ الْمَكْتُوبُ بِعْنِيهِ بِكَذَا فَكَتَبَ بِعْتُكَهُ لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَقُلْ الْأَوَّلُ قَبِلْت. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ يَعْنِي بِكَذَا فَقَالَ بِعْته يَتِمُّ الْبَيْعُ، فَلَيْسَ مُرَادُ مُحَمَّدٍ هُنَا مِنْ هَذَا سِوَى الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فِي شَرْطِ الشُّهُودِ لَا بَيَانَ اللَّفْظِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ. وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ فَبِعْنِي مِنْ الْحَاضِرِ يَكُونُ اسْتِيَامًا عَادَةً، وَأَمَّا مِنْ الْغَائِبِ بِالْكِتَابَةِ فَيُرَادُ بِهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الْعَقْدِ، هَذَا وَيَصِحُّ رُجُوعُ الْكَاتِبِ وَالْمُرْسِلِ عَنْ الْإِيجَابِ الَّذِي كَتَبَهُ وَأَرْسَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْآخَرِ وَقَبُولِهِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، حَتَّى لَوْ قَبِلَ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ ثُمَّ عَزَلَ الْوَكِيلَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْعَزْلِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَبَيْعُهُ نَافِذٌ، وَعَلَى هَذَا الْجَوَابُ فِي الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالْكِتَابَةِ، فَأَمَّا الْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَا غَائِبَيْنِ عَلَى الْقَبُولِ فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ خَالَعْتُ زَوْجِي وَهُوَ غَائِبٌ، أَوْ يَقُولَ الْعَبْدُ قَبِلْت عِتْقَ سَيِّدِي الْغَائِبِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي النِّكَاحِ مَرَّ الْخِلَافُ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَوَقَّفُ وَعِنْدَهُمَا لَا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآخَرُ بِذَلِكَ بَعْدَ قَبُولِهِ فِي الْبَعْضِ، وَيَكُونُ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ بِالْإِجْزَاءِ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِالْقِيمَةِ كَثَوْبَيْنِ وَعَبْدَيْنِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَبِلَ الْآخَرُ. وَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى عِبَارَةِ الْكِتَابِ هُنَا فَإِنَّهَا مِمَّا وَقَعَ فِيهَا تَجَاذُبٌ فَنَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ أَنَّ ضَمِيرَ لَهُ فِي وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ رَاجِعٌ إلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ أَوْ لِلْآخَرِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَمَعْنَاهُ فِي الْبَائِعِ: أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْأَثْوَابَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ مِنْ أَثْوَابٍ أَوْ الثَّوْبِ لِعَدَمِ رِضَا الْآخَرِ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ غَرَضُهُ بِالْجُمْلَةِ بِسَبَبِ حَاجَتِهِ إلَى الْكُلِّ وَيَعْسُرُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ بَاقِي الْأَثْوَابِ لِعِزَّتِهَا وَبَعْضُهَا لَا يَقُومُ بِحَاجَتِهِ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْبَيْعَ فِي الْبَعْضِ انْصَرَفَ مَالُهُ وَلَمْ تَنْدَفِعْ حَاجَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ. وَأَمَّا فِي الْمُشْتَرِي فَمَعْنَاهُ: إذَا أَوْجَبَ الْبَائِعُ

الصَّفْقَةِ، إلَّا إذَا بَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ صَفَقَاتُ مَعْنًى. قَالَ (وَأَيُّهُمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ) وَالرُّجُوعِ، وَلَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَبِيعَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ فِي بَعْضِهِ إذْ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَضُمَّ الْبَائِعُونَ الْجَيِّدَ إلَى الرَّدِيءِ لَيُرَوِّجُونَهُ. فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْبَيْعَ بَقِيَ الرَّدِيءُ وَذَهَبَ مَا يُرَوِّجُهُ بِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَبُولَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ يَكُونُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَلَا أَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي بِبَعْضِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ الْعِبَارَةِ الْأُولَى بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلَزِمَ كَوْنُ الضَّمِيرِ لِلْبَائِعِ وَلَفْظُ الْمُشْتَرِي بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ، أَيْ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ، وَلَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقْبَلُ الْمُشْتَرَى فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوجِبُ هُنَا الْبَائِعَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْقَبُولِ فِي الْبَعْضِ لِلُزُومِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْرَفَ بِمَاذَا يَثْبُتُ اتِّحَادُهَا وَتَفْرِيقُهَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَكُونُ تَارَةً مِنْ تَعَدُّدِ الْقَابِلِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ. فَمَا مِنْ تَعَدُّدِ الْقَابِلِ امْتِنَاعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ

وَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَلَنَا أَنَّ فِي الْفَسْخِ إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ. وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلْزَامِ الشَّرِكَةِ. مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِمُشْتَرِيَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَيْت دُونَ الْآخَرِ تَعَدَّدَتْ؛ فَلَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ فِي الصَّفِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَاطَبَهُمَا بِالْكُلِّ فَكَانَ مُخَاطِبًا كُلًّا بِالنِّصْفِ، فَلَوْ لَزِمَ صَارَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَيْبُ الشَّرِكَةِ بِلَا رِضَاهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكَيْ عَيْنٍ اشْتَرَيْت مِنْكُمَا هَذِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ بَيْعَهُ إنَّمَا يَتِمُّ فِي نَصِيبِهِ فَتَعَدَّدَتْ، فَلَوْ تَمَّ تَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي الْمُوجِبُ بِالشَّرِكَةِ أَيْضًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُوجِبُ اثْنَيْنِ خَاطَبَا وَاحِدًا فَقَالَا بِعْنَاك أَوْ اشْتَرَيْنَا مِنْك هَذَا بِكَذَا فَأَجَابَ هُوَ فِي بَعْضِهِ لَا يَلْزَمُ، لَكِنْ لَا لِتَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ بَلْ لِإِجَابَتِهِ فِي الْبَعْضِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوجِبَ فِيهَا لَوْ كَانَ وَاحِدًا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ كَانَ مِنْ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ أَيْضًا، فَعُرِفَ أَنَّ هَذَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَا مِنْ تَعَدُّدِ الْعَاقِدِ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَبِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يُوجِبَ الْبَائِعُ فِي مِثْلِيَّيْنِ أَوْ وَاحِدٍ قِيَمِيٍّ أَوْ مِثْلِيٍّ فَقَبِلَ فِي الْبَعْضِ أَوْ يُوجِبُ الْمُشْتَرِي فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت مِنْك بِكَذَا فَقَبِلَ الْبَائِعُ فِي الْبَعْضِ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا قَبِلَ فِي بَعْضِهِمَا فَرَّقَهَا فَلَا يَصِحُّ، فَلَوْ كَانَ بَيْنَ ثَمَنِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَا تَكْرَارِ لَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ بِتَكْرَارِهِ، فَفِيمَا إذَا كَرَّرَهُ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ صَفْقَتَانِ، فَإِذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا يَصِحُّ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ وَبِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ أَوْ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ اشْتَرَيْت هَذَا بِأَلْفٍ وَاشْتَرَيْت هَذَا بِأَلْفٍ كَذَا فِي مَوْضِعٍ، وَفِي مَوْضِعٍ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ وَهَذَا بِأَلْفَيْنِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يُكَرِّرْهُ مِثْلُ بِعْتُك هَذَيْنِ هَذَا بِمِائَةٍ وَهَذَا بِمِائَةٍ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ صِفَتَانِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْبَيْعِ؛ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُكَرِّرْهُ، وَقَدْ اتَّحَدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالْعَاقِدُ، وَلَمْ يَتَعَدَّدْ الثَّمَنُ فَالصَّفْقَةُ وَاحِدَةٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ فِي أَحَدِهِمَا. وَقِيلَ الْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالثَّانِي قِيَاسٌ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ تَفْرِيقِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَائِدَتَهُ لَيْسَ إلَّا قَصْدَهُ بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ لَا يَبِيعَهُمَا مِنْهُ إلَّا جُمْلَةً لَمْ تَكُنْ فَائِدَةً لِتَعَيُّنِ ثَمَنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ وَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (لَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ) أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا أَنَّ

وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ لَا بَعْدَهَا أَوْ يَحْتَمِلَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ، وَلَنَا السَّمْعُ وَالْقِيَاسُ أَمَّا السَّمْعُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَهَذَا عَقْدٌ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وقَوْله تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَبَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ تَصْدُقُ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ غَيْرِ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّخْيِيرِ، فَقَدْ أَبَاحَ تَعَالَى أَكْلَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّخْيِيرِ وقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] أَمْرٌ بِالتَّوَثُّقِ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى لَا يَقَعَ التَّجَاحُدُ لِلْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ يَصْدُقُ قَبْلَ الْخِيَارِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَوْ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَعَدَمُ اللُّزُومِ قَبْلَهُ كَانَ إبْطَالًا لِهَذِهِ النُّصُوصِ، وَلَا مُخَلِّصَ لَهُ مِنْ هَذَا إلَّا أَنْ يُمْنَعَ تَمَامُ الْعَقْدِ قَبْلَ الْخِيَارِ وَيَقُولُ الْعَقْدُ الْمُلْزِمُ يُعْرَفُ شَرْعًا، وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ فِي كَوْنِهِ مُلْزِمًا اخْتِيَارَ الرِّضَا بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَكَذَا لَا تَتِمُّ التِّجَارَةُ عَنْ التَّرَاضِي إلَّا بِهِ شَرْعًا، وَإِنَّمَا أَبَاحَ الْأَكْلَ بَعْدَ الِاخْتِيَارِ لِاعْتِبَارِهِ فِي التِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ لَهُ: «إذَا ابْتَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِي الْخِيَارُ» فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ اشْتِرَاطَ خِيَارٍ آخَرَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَا أَصْلَ الْخِيَارِ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَسْلِيمِ إمْكَانِ اعْتِبَارِ الْخِيَارِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ وَادِّعَاءِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْمُتَشَاغِلَانِ بِأَمْرِ الْبَيْعِ لَا مَنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَانْقَضَى؛ لِأَنَّهُ مَجَازُهُ، وَالْمُتَشَاغَلَانِ: يَعْنِي الْمُسَاوِمَيْنِ يَصْدُقُ عِنْدَ إيجَابِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ قَبُولِ الْآخِرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ، وَهَذَا هُوَ خِيَارُ الْقَبُولِ، وَهَذَا حَمْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. لَا يُقَالُ: هَذَا أَيْضًا مَجَازٌ؛ لِأَنَّ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ الثَّابِتُ بَائِعٌ وَاحِدٌ لَا مُتَبَايِعَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَصْدُقُ الْحَقِيقَةُ فِيهَا بِجُزْءٍ مِنْ مَعْنَى اللَّفْظِ كَالْمُخْبِرِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ إلَّا حَالَ التَّكَلُّمِ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ لَا يَقُومُ بِهِ دَفْعَةً لِتَصْدُقَ حَقِيقَتُهُ حَالَ قِيَامِ الْمَعْنَى بَلْ عَلَى التَّعَاقُبِ فِي أَجْزَائِهِ، فَبِالضَّرُورَةِ يَصْدُقُ مُخْبِرًا حَالَ النُّطْقِ بِبَعْضِ حُرُوفِ الْخَبَرِ، وَإِلَّا لَا يَتَحَقَّقُ لَهُ حَقِيقَةً، وَلِأَنَّا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ زَيْدٌ وَعَمْرٌو هُنَاكَ يَتَبَايَعَانِ عَلَى وَجْهِ التَّبَادُرِ أَنَّهُمَا مُتَشَاغِلَانِ بِأَمْرِ الْبَيْعِ مُتَرَاوِضَانِ فِيهِ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ مُتَعَيِّنٌ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ دَلِيلَ إثْبَاتِ خِيَارِ الْقَبُولِ لِنَفْيِ تَوَهُّمِ أَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ وَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ يَلْزَمُ الْآخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ أَصْلًا لِلِاتِّفَاقِ وَالتَّرَاضِي السَّابِقِ فِي إلْزَامِهِ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا بَعْدُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (أَوْ) هُوَ (يَحْتَمِلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ) جَمْعًا بَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْآيَاتِ حَيْثُ كَانَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ فِيهَا تَمَامُ الْبَيْعِ وَالْعَقْدِ وَالتِّجَارَةُ عَنْ تَرَاضٍ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَعَدَمِ تَوَقُّفِ الْأَسْمَاءِ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ. لَا يُقَالُ: إنَّ مَا فِي خِيَارِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَهُوَ الثَّانِي الْقَابِلُ لَا خِيَارَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْمُوجِبُ أَيْضًا لَهُ خِيَارُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ وَأَنْ لَا يَرْجِعَ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّفَرُّقُ الَّذِي هُوَ غَايَةُ قَبُولِ الْخِيَارِ تَفَرُّقُ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْآخَرُ بَعْدَ الْإِيجَابِ لَا أَشْتَرِي أَوْ يَرْجِعُ الْمُوجِبُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَإِسْنَادُ التَّفَرُّقِ إلَى النَّاسِ مُرَادًا بِهِ تَفَرُّقَ أَقْوَالِهِمْ كَثِيرًا فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

وَالتَّفَرُّقُ فِيهِ تَفَرُّقُ الْأَقْوَالِ. قَالَ (وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ بِالْإِشَارَةِ كِفَايَةٌ فِي التَّعْرِيفِ وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» وَحِينَئِذٍ؛ فَيُرَادُ بِأَحَدِهِمَا فِي قَوْلِهِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ الْمُوجِبُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ إيجَابِهِ لِلْآخِرِ اخْتَرْ أَتَقْبَلُ أَوْ لَا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ اخْتَرْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بَلْ حَتَّى يَخْتَارَ الْبَيْعَ بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَرْ فَكَذَا فِي خِيَارِ الْقَبُولِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةِ كُلٌّ مِنْهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتِمُّ بِلَا خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا فَكَذَا الْبَيْعُ. وَأَمَّا مَا يُقَالُ تَعَلَّقَ حَقُّ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ بِبَدَلِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ فَيُرَدُّ مَنْعُهُ بِأَنْ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ نَفَاهُ إلَى غَايَةِ الْخِيَارِ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْكَلَامُ فِيهِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الْمُتَبَايِعَيْنِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ حَدِيثُ التَّفَرُّقِ رَوَاهُ مَالِكٌ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ لَعَمِلَ بِهِ فَغَايَةٌ فِي الضَّعْفِ، إذْ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى مُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ بَلْ مَالِكٌ عِنْدَهُ مَحْجُوجٌ بِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ مَبِيعَاتٍ كَالْحُبُوبِ وَالثِّيَابِ أَوْ أَثْمَانًا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ) فَإِذَا قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ هَذِهِ الْكَوْرَجَةَ مِنْ الْأَرْزِ وَالشَّاشَاتِ وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْعَدَدِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِك وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ لَهُ فَقَبِلَ جَازَ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ جَهَالَةُ الْوَصْفِ: يَعْنِي الْقَدْرَ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، إذْ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ لِتَعَجُّلِهِ كَجَهَالَةِ الْقِيمَةِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى: قَالَ لِغَيْرِهِ: لَك

(وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ) لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالتَّسَلُّمَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي يَدَيَّ أَرْضٌ خَرِبَةٌ لَا تُسَاوِي شَيْئًا فَبِعْهَا مِنِّي بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ فَبَاعَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ جَازَ الْبَيْعُ. بِخِلَافِ السَّلَمِ لَا يُشَارُ لِلْعِوَضِ فِيهِ لِلْأَجَلِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَلَا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا يَجِيءُ. ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِغَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَبِالرِّبَوِيَّةِ إذَا قُوبِلَتْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا، أَمَّا الرِّبَوِيَّةُ إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَاحْتِمَالُ الرِّبَا مَانِعٌ كَحَقِيقَةِ الرِّبَا شَرْعًا، وَالتَّقْيِيدُ بِمِقْدَارِهَا فِي قَوْلِهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا احْتِرَازٌ عَنْ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَاهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرَيْته بِهَذِهِ فَوَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الدَّرَاهِمِ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ، وَلَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَسَدَ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ أَتْلَفَهَا، وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا بِهَذِهِ الصُّرَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَوَجَدَ الْبَائِعُ مَا فِيهَا خِلَافَ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الدَّرَاهِمِ فِي الْبَيْعِ يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ وَجَدَهَا نَقْدَ الْبَلَدِ جَازَ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت بِمَا فِي هَذِهِ الْخَابِيَةِ ثُمَّ رَأَى الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَتْ نَقْدَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الصُّرَّةَ يُعْرَفُ مِقْدَارُ مَا فِيهَا مِنْ خَارِجِهَا، وَفِي الْخَابِيَةِ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْخَارِجِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَيُسَمَّى هَذَا الْخِيَارُ خِيَارَ الْكَمِّيَّةِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي النُّقُودِ (قَوْلُهُ وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ) أَيْ عَنْ قَيْدِ الْإِشَارَةِ (لَا تَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ) كَخَمْسَةِ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا فَإِنَّهُ لَيْسَ عِوَضًا مُشَارًا إلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ الْحَجَرُ وَلَا يُعْلَمُ قَدْرَ جُرْمِ مَا يُوزَن بِهِ مِنْ الذَّهَبِ، فَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا فَوَزَنَ بِهِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ. وَمِمَّا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهِ الْبَيْعُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِمَا حَلَّ بِهِ، أَوْ بِمَا تُرِيدُ أَوْ تُحِبُّ أَوْ بِرَأْسِ مَالِهِ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ أَوْ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى فُلَانٌ لَا يَجُوزُ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ فِي الْمَجْلِسِ فَرَضِيَهُ عَادَ جَائِزًا، وَكَذَا لَا تَجُوزُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا. وَكَذَا لَا يَجُوزُ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ النَّاسُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا لَا يَتَفَاوَتُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ (وَالصِّفَةُ) كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ بُخَارِيَّةٍ أَوْ سَمَرْقَنْدِيَّةٍ. وَكَذَا حِنْطَةٌ بُحَيْرِيَّةٌ أَوْ صَعِيدِيَّةٌ، وَهَذَا لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَجْهُولَةً تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِي وَصْفِهَا. فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الْأَدْوَنَ، وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الْأَرْفَعَ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ دَفْعُ، الْحَاجَةِ بِلَا مُنَازَعَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَعْوَاضَ فِي الْبَيْعِ إمَّا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَهِيَ ثَمَنٌ سَوَاءٌ قُوبِلَتْ بِغَيْرِهَا أَوْ بِجِنْسِهَا وَتَكُونُ صَرْفًا. وَإِمَّا أَعْيَانًا لَيْسَتْ مَكِيلَةً وَلَا مَوْزُونَةً فَهِيَ مَبِيعَةٌ أَبَدًا، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ إلَّا عَيْنًا إلَّا فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ كَالثِّيَابِ، وَكَمَا تَثْبُتُ الثِّيَابُ مَبِيعًا فِي الذِّمَّةِ بِطَرِيقِ السَّلَمِ تَثْبُت دَيْنًا مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ

وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ، وَكُلُّ جَهَالَةٍ هَذِهِ صِفَتُهَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ قَالَ (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّهَا ثَمَنٌ، وَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ لَا لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بَلْ لِتَصِيرَ مُلْحَقَةً بِالسَّلَمِ فِي كَوْنِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، فَلِذَا قُلْنَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ جَازَ. وَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يَشْتَرِطَ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ الدَّرَاهِمَ فِي الثَّوْبِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ أَحْكَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى شَرَطَ فِيهِ الْأَجَلَ وَامْتَنَعَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِإِلْحَاقِهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ كَالْبَيْضِ، فَإِنْ قُوبِلَتْ بِالنُّقُودِ فَهِيَ مَبِيعَاتٌ أَوْ بِأَمْثَالِهَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ، فَمَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ ثَمَنٌ، وَمَا كَانَ مُعَيَّنًا فَمَبِيعٌ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعَيَّنًا. فَمَا صَحِبَهُ حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَفْظُ عَلَى كَانَ ثَمَنًا وَالْآخَرُ مَبِيعًا. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَهَادَاتِ الْجَامِعِ: الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَهُوَ ثَمَنٌ دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَلِذَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك كَذَا حِنْطَةً بِهَذَا الْعَبْدِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِطَرِيقِ السَّلَمِ فَيَجِبُ أَنْ يَضْرِبَ الْأَجَلَ لِلْحِنْطَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّقْدِيرَ الْمَشْرُوطَ قَدْ يَكُونُ عُرْفًا كَمَا يَكُونُ نَصًّا فِي الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْبِطِّيخَةَ بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يَقُلْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ يَبْتَاعُ النَّاسُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِي الدَّارِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَفِي الثَّوْبِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْبِطِّيخَةِ بِعَشَرَةِ أَفْلُسٍ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَبْتَاعُ النَّاسُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَبْتَاعُ النَّاسُ بِذَلِكَ النَّقْدِ انْتَهَى. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِالْعَدَدِ فَتَعَيَّنَ الْمَعْدُودُ مِنْ كَوْنِهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسًا يَثْبُتُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ الْمَبِيعَ، وَوَقَعَ شَكٌّ يُنَاسِبُ الْمَبِيعَ وَجَبَ أَنْ لَا يَتِمَّ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى

{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» . وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ، فَهَذَا يُطَالِبُهُ بِهِ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا يُسَلِّمُهُ فِي بِعِيدِهَا. قَالَ (وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ كَانَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، وَفِيهِ التَّحَرِّي لِلْجَوَازِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَمَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بَيْعٌ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ» ، وَفِي لَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ: «طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ» . وَقَدْ سُمِّيَ هَذَا الْيَهُودِيُّ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَخْرَجَهُ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَهَنَ دِرْعًا عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ظُفْرٍ فِي شَعِيرٍ» ، (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَذَاكَ فِي بِعِيدِهَا) وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الْأَجَلِ وَهُوَ السَّلَمُ أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ حَيْثُ قَالَ «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، وَعَلَى كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَأَمَّا الْبُطْلَانُ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ حَالًّا وَبِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ فَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَمِنْ جَهَالَةِ الْأَجَلِ مَا إذَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلَوْ قَالَ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ، وَيَبْطُلُ شَرْطُ الْإِيفَاءِ فِي بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ لَا يَصِحُّ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ صَحَّ، وَمِنْهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَّلَهُ بِتَضَمُّنِهِ أَجَلًا مَجْهُولًا حَتَّى لَوْ سُمِّيَ الْوَقْفُ الَّذِي يُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ الْمَبِيعُ جَازَ الْبَيْعُ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ) أَيْ أَطْلَقَهُ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ بِأَنْ قَالَ عَشَرَةُ دَرَاهِمِ مِثْلًا (انْصَرَفَ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَيَنْصَرِفُ) الْمُطْلَقُ (إلَيْهِ) فَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ اسْمِ الدَّرَاهِمِ

(فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَحَدُهُمَا) وَهَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ إلَّا أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِالْبَيَانِ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ وَأَرْوَجَ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْمَالِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ سَوَاءً فِيهَا كَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ وَالنُّصْرُتِيِّ الْيَوْمَ بِسَمَرْقَنْدَ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْعَدَالِيِّ بِفَرْغَانَةَ جَازَ الْبَيْعُ إذَا أُطْلِقَ اسْمُ الدِّرْهَمِ، كَذَا قَالُوا، وَيَنْصَرِفُ إلَى مَا قَدَّرَ بِهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعُرْفِ يَخْتَصُّ بِهَا مَعَ وُجُودِ دَرَاهِمَ غَيْرِهَا فَهُوَ تَخْصِيصُ الدَّرَاهِمِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ، وَهُوَ مِنْ إفْرَادِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا فِي الْغَالِبِ كَانَ مَنْ تَرَكَهَا بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَعَدَمِ إهْدَارِ كَلَامِ الْعَاقِلِ (فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةَ) الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ الْأَشْرَفِيِّ وَالنَّاصِرِيِّ بِمِصْرَ لَكِنَّهَا فِي الرَّوَاجِ سَوَاءٌ (فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّرْفِ إلَى أَحَدِهَا بِعَيْنِهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحَكُّمِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الرَّوَاجِ،

قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ مُكَايَلَةً وَمُجَازَفَةً) وَهَذَا إذَا بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصَّرْفُ إلَى أَحَدِهَا وَالْحَالَةُ أَنَّهَا مُتَفَاوِتَةُ الْمَالِيَّةِ جَاءَتْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُرِيدُ دَفْعَ الْأَنْقَصِ مَالِيَّةً، وَالْبَائِعُ يُرِيدُ دَفْعَ الْأَعْلَى فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، إلَّا أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَرْضَى الْآخَرُ لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدْيُونِهِ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِبَعْضِ الْعَشَرَةِ الَّتِي لِي عَلَيْك وَبِعْنِي هَذَا الْآخَرَ بِبَاقِي الْعَشَرَةِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ صَحِيحًا لِعَدَمِ إفْضَاءِ جَهَالَةِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَى الْمُنَازَعَةِ بِضَمِّ الْمَبِيعِ الثَّانِي إلَيْهِ إذْ بِهِ يَصِيرُ ثَمَنُهُمَا عَشَرَةً، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قَبُولِ الدَّائِنِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَدْيُونِ نَعَمْ وَنَحْوُهُ. وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ مَعًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَيُصْرَفُ إلَى الْأَرْوَجِ لِلْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيُؤَدِّي مِنْ أَيُّهَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِأَحَدِهَا فَلَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ أَحَدَهَا بِعَيْنِهِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الصِّنْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قَبْضِ مَا أَعْطَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّعَنُّتُ. وَبِهَذَا قُلْنَا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تَتَعَيَّنُ، حَتَّى لَوْ أَرَاهُ دِرْهَمًا اشْتَرَى بِهِ فَبَاعَهُ ثُمَّ حَبَسَهُ وَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا آخَرَ جَازَ: يَعْنِي إذَا كَانَا مُتَّحِدَيْ الْمَالِيَّةِ وَالثُّنَائِيُّ وَالثُّلَاثِيُّ اسْمَا دَرَاهِمَ كَانَتْ بِبِلَادِهِمْ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ، وَكَذَا الرُّكْنِيُّ وَالْخَلِيفَتِيُّ فِي الذَّهَبِ كَانَ الْخَلِيفَتِيُّ أَفْضَلَ مَالِيَّةً عِنْدَهُمْ وَالْعِدَالِيُّ اسْمٌ لِدَرَاهِمَ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ) وَهِيَ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا خَاصَّةً فِي الْعُرْفِ الْمَاضِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْفِطْرَةِ: «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» . فَقَوْلُهُ (وَالْحُبُوبُ) عَطَفَ الْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ يُقَدَّرُ وَكَذَا بَاقِي: أَيْ وَبَاقِي الْحُبُوبِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ (مُكَايَلَةً) أَيْ بِشَرْطِ عَدَدٍ مِنْ الْكَيْلِ. وَإِلَّا فَفِي اللُّغَةِ الْمُكَايَلَةُ أَنْ تَكِيلَ لَهُ وَيَكِيلَ لَك (وَمُجَازَفَةً) أَيْ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ بَلْ بِإِرَاءَةِ الصُّبْرَةِ وَالْجَزْفُ فِي الْأَصْلِ: الْأَخْذُ بِكَثْرَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ جَزَفَ لَهُ فِي الْكَيْلِ إذَا أَكْثَرَ، وَمَرْجِعُهُ إلَى الْمُسَاهَلَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) يَعْنِي الْبَيْعَ مُجَازَفَةً مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا، فَأَمَّا الْأَمْوَالُ الرِّبَوِيَّةُ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا فَلَا يَجُوزُ مُجَازَفَةً لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَهُوَ مَانِعٌ كَحَقِيقَةِ الرِّبَا. وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ مِنْهَا، وَأَمَّا مَا لَا يَدْخُلُ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ فَيَجُوزُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ فَقَالَ: مَا حُرِّمَ فِي الْكَثِيرِ حُرِّمَ فِي الْقَلِيلِ. وَالْقَيْدُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا بَاعَ غَيْرَ الْحُبُوبِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ بِجِنْسِهَا كِفَّةً بِكِفَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمُجَازَفَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ. وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ كِفَّةَ مِيزَانٍ بِكِفَّةِ مِيزَانٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالُ الرِّبَا وَهُوَ بِاحْتِمَالِ التَّفَاضُلِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا إذَا

وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَشَابَهَ جَهَالَةَ الْقِيمَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ وَبِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِمَا أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فِيهِ التَّسْلِيمَ فَيُنْدَرُ هَلَاكُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ وَالْهَلَاكَ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَعَ صُبْرَةَ فِضَّةٍ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ، وَوَضَعَ مُقَابِلَتَهَا فِضَّةً حَتَّى وَزَنَتْهَا فَيَجُوزُ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ مَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَتْ يَدًا بِيَدٍ» (وَلِأَنَّ) هَذِهِ (الْجَهَالَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ) لِتَعَجُّلِ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يُمْنَعُ (فَشَابَهَ جَهَالَةَ الْقِيمَةِ) لِلْمَبِيعِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ إنْسَانٍ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِدِرْهَمٍ، وَالْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ قِيمَةَ مَا بَاعَ لَزِمَ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ وَبِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) قَدْ قَيَّدَ الْإِنَاءَ بِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانَ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ يَحْتَمِلُ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجَوَالِقِ فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا بَيْعُ مِلْءِ قِرْبَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ رِوَايَةً مِنْ النِّيلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُ الْقِرْبَةِ لَكِنْ أُطْلِقَ فِي الْمُجَرَّدِ جَوَازُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِرَبِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي الْبَلَدِ مَعَ غَالِبِ السَّقَّائِينَ، فَلَوْ مَلَأَ لَهُ بِأَصْغَرِ مِنْهَا لَا يُقْبَلُ، وَكَذَا رِوَايَةٌ مِنْهُ يُوفِيهِ فِي مَنْزِلِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَلَأَهَا ثُمَّ تَرَاضَيَا جَازَ كَمَا قَالُوا لَوْ بَاعَ الْحَطَبَ وَنَحْوَهُ أَحْمَالًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ ثُمَّ بَاعَهُ الْحِمْلَ جَازَ لِتَعَيُّنِ قَدْرِ الْمَبِيعِ فِي الثَّانِي. وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى كَذَا كَذَا قِرْبَةً مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَتْ الْقِرْبَةُ مُعَيَّنَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا يَجُوزُ فِي الْقِرَبِ مُطْلَقًا. وَفِي الْمُحِيطِ: بَيْعُ الْمَاءِ فِي الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا جَعَلَهُ فِي وِعَاءٍ. وَوَجَّهَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ بِأَنَّ فِي الْمُعَيَّنِ مُجَازَفَةً يَجُوزُ فَبِمِكْيَالٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي الْمُجَازَفَةِ الْإِشَارَةُ إلَى عَيْنِ الْمَبِيعِ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَابِتَةٌ تُفِيدُ الْإِحَاطَةَ بِمِقْدَارِ جَرْمِهِ وَأَقْطَارِهِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّمْيِيزِ لَا يَحْصُلُ لَهَا فِي كَيْلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ قَبْلَ أَنْ يُصَبَّ فَالْأَوْلَوِيَّةُ مُنْتَفِيَةٌ بِلَا شَكٍّ. وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ إذَا كَانَ بِهِ أَوْ وَزَنَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي الشِّرَاءِ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا نَصَّ فِي جَمْعِ النَّوَازِلِ عَلَى أَنَّ فِيهِ الْخِيَارَ إذَا عَلِمَ بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ. وَفِي جَمِيعِ التَّفَارِيقِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازُ الشِّرَاءِ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ، وَفِيهِ الْخِيَارُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مَحْمَلَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا كَمَا لَا يَجُوزُ فِي السَّلَمِ، فَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَيْ يَلْزَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ (وَأَظْهَرُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لَكِنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ الْمَانِعَةُ، وَذَلِكَ لَأَنْ يَتَعَجَّلَ فَيَنْدُرَ هَلَاكُهُ، بِخِلَافِ السَّلَمِ لَا يَتَعَجَّلُ فَقَدْ يَهْلِكُ ذَلِكَ الْكَيْلُ وَالْحَجَرُ فَيَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَنْفِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ، وَأَقْرَبُ الْأُمُورِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ: وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى عُرِفَ الْمِقْدَارُ صَحَّ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا إذَا رَآهُ، وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ رَأَى الصُّبْرَةَ قَبْلَ الْكَيْلِ وَوَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا، لَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَتَمُّ، وَصَارَ كَمَا إذَا رَأَى الدُّهْنَ فِي قَارُورَةِ زُجَاجٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَعْدَ صَبِّهِ. وَهَذَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا يُوزَنُ بِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ النُّقْصَانَ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِوَزْنِ هَذِهِ الْبِطِّيخَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ بِالْجَفَافِ، وَعَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ السَّلَمِ، وَلَا جَفَافَ يُوجِبُ نَقْصًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَمَا قَدْ يَعْرِضُ مِنْ تَأَخُّرِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَمْنُوعٌ، بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِي وَزْنِ ذَلِكَ الْحَجَرِ لِخَشْيَةِ الْهَلَاكِ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ، وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ الْمَانِعَةُ مِنْهُ، وَالْفَرْضُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّلَمِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَأَخُّرَ التَّسْلِيمِ فِيهِ إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ إنْ نَدَرَ فَالِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَالتُّهْمَةُ فِيهِ لَيْسَ بِنَادِرٍ، وَكُلُّ الْعِبَارَاتِ تُفِيدُ صِحَّةَ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ بِالتَّعْجِيلِ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى بِهَذَا الْإِنَاءِ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ إنَّ فِي الْمُعَيَّنِ الْبَيْعُ مُجَازَفَةً يَجُوزُ فَبِمِكْيَالٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَقِيبَ الْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَتَقَدَّمَ النَّظَرُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. وَهَذَا وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ أَرْبَعَةٍ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي أَيَّهُمْ شَاءَ أَوْ بَاعَ بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي الْمُورَدِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لَا الْجَهَالَةُ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي عَبْدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ، لَكِنْ جَازَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِيَاسَ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقِرْبَةِ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ، وَأَنَّهُ كَبَيْعِ الطَّيْرِ قَبْلَ أَنْ يَصْطَادَهُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ، وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ حِنْطَةٌ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَلَمًا، وَأَمَّا الِاسْتِحْسَانُ الثَّابِتُ بِالتَّعَامُلِ فَمُقْتَضَاهُ الْجَوَازُ بَعْدَ أَنْ يُسَمِّيَ نَوْعَ الْقِرْبَةِ فِي دِيَارِنَا بِمِصْرَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً مِثْلَ قِرْبَةٍ كَتَافِيَّةٍ أَوْ سِقَاوِيَّةٍ أَوْ رَوَاسِيَّةٍ كَبِيرَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ التَّفَاوُتُ يَسِيرٌ أَهْدَرَ فِي الْمَاءِ. وَنَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا بَاعَ حِنْطَةً مَجْمُوعَةً فِي بَيْتٍ أَوْ مَطْمُورَةٍ فِي الْأَرْضِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهَا وَلَا مُنْتَهَى حَفْرِ الْحَفِيرَةِ أَنَّ لَهُ الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعٍ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مُنْتَهَى الْمَطْمُورَةِ وَلَا يَعْلَمُ مَبْلَغَ الْحِنْطَةِ جَازَ وَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ تَحْتَهَا دُكَّانٌ: أَيْ صِفَةٌ وَنَحْوُهَا، كَذَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي

(قَالَ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا وَقَالَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ) لَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَى الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيُصْرَفُ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِلَّا أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ، وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُلُّ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بَاعَهُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الطَّشْتَ جَازَ، وَلَوْ بَاعَهُ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ لَا يَجُوزُ. وَفِي الْفَتَاوَى: بِعْت مِنْك مَا لِي فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ مَا فِيهَا فَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ؛ وَلَوْ قَالَ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ يَسِيرَةٌ، وَإِذَا جَازَ فِي الْبَيْتِ جَازَ فِي الصُّنْدُوقِ وَالْجَوَالِقِ، وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك نَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَشَرْطُ الْجَوَازِ عِلْمُ الْمُشْتَرِي بِنَصِيبِهِ دُونَ عِلْمِ الْبَائِعِ وَتَصْدِيقُ الْبَائِعِ فِيمَا يَقُولُ، وَلَوْ اشْتَرَى مَوْزُونًا بِإِنَاءٍ عَلَى أَنْ يُفْرِغَهُ وَيَزِنَ الْإِنَاءَ فَيَحُطُّ قَدْرَ وَزْنِهِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ، وَكَمَا تُمْنَعُ الْجَهَالَةُ السَّابِقَةُ كَذَلِكَ تُمْنَعُ اللَّاحِقَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَلِذَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمْدَ الْكَائِنَ فِي الْمُجَمَّدَةِ، قِيلَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَلِّمَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَبِيعُ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا سَلَّمَ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ سَلَّمَ بَعْدَهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا تَذُوبُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَهُوَ وَجْهُ مَنْ مَنَعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، غَيْرَ أَنَّ النَّقْصَ قَلِيلٌ قَبْلَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فَلِهَذَا أُهْدِرَ وَجَازَ، وَقِيلَ إنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَغَلَاءِ الْجَمْدِ وَرُخْصِهِ فَيَنْظُرُ إلَى مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ كَثِيرًا بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَجُوزُ إذَا سَلَّمَهُ قَبْلُ، وَسَيَأْتِي مِنْ هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) يَعْنِي أَنَّ مُوجِبَ هَذَا اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةُ إيجَابُ الْبَيْعِ فِي وَاحِدٍ عِنْدَهُ، وَيَتَوَقَّفُ فِي الْبَاقِي إلَى تَسْمِيَةِ الْكُلِّ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ كَيْلِهِ فِيهِ فَيَثْبُتُ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ رَضِيَ هَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ أَيْضًا، رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا، وَرَوَى مُحَمَّدٌ خِلَافَهُ حَتَّى لَوْ فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بَعْدَ الْكَيْلِ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِأَخْذِ الْكُلِّ لَا يَعْمَلُ فَسْخُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ إذَا جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فَلِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ بِسَبَبِ عَدَمِ تَسْمِيَتِهِ جُمْلَةَ الْقُفْزَانِ (وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ صَرْفُ الْبَيْعِ إلَى الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ) وَلَا جَهَالَةَ فِي الْقَفِيزِ فَلَزِمَ فِيهِ، وَإِذَا زَالَتْ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ الْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا إذَا ارْتَفَعَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ بِالرُّؤْيَةِ إذْ الْمُؤْثِرُ

وَلَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ، وَكَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ. ثُمَّ إذَا جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصْلِ ارْتِفَاعُ الْجَهَالَةِ بَعْدَ لَفْظِ الْعَقْدِ وَكَوْنُهُ بِالرُّؤْيَةِ مُلْغًى، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لِتَقَرُّرِ الْمُفْسِدِ وَمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ عِنْدَهُ يَصِحُّ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمَجْلِسِ كَالثَّابِتِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ، وَلَا يَلْزَمُ إسْقَاطُ خِيَارِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، وَكَذَا زَوَالُ جَهَالَةِ الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ بَعْدَهُ حَيْثُ يَجُوزُ الْعَقْدُ بِزَوَالِ الْمُفْسِدِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِيهِمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَقَيَّدُ رَفْعُ الْمُفْسِدِ بِالْمَجْلِسِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَثَرَ الْفَسَادِ فِيهِمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْحَالِ بَلْ يَظْهَرُ عِنْدَ دُخُولِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَامْتِدَادِ الْأَجَلِ. وَأَمَّا مَا أُورِدَ مِنْ أَنَّ الْجَهَالَةَ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لَكِنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بَيْنَ كَوْنِ الْقُفْزَانِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ هُنَا جَهَالَةُ الثَّمَنِ كَمِّيَّةً خَاصَّةً وَقَدْرًا لِعَدَمِ الْإِشَارَةِ وَلَا مُعَرَّفَ شَرْعًا لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِمَنْعِ كَوْنِهَا غَيْرَ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يَطْلُبُ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِهِ الثَّمَنَ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فَيَتَنَازَعَانِ فَتَهَافُتٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُطَالِبَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكِيلَهُ لِيَعْرِفَ الْقَدْرَ الَّذِي يُطَالِبُ بِهِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَالِبَهُ إلَّا بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ مُشَارٍ إلَيْهَا أَوْ مَضْبُوطَةِ الْوَزْنِ، وَحِينَئِذٍ يَعْلَمُهَا الْمُشْتَرِي فَيَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَوْ امْتَنَعَ بَعْدَ هَذَا التَّقْدِيرِ كَانَ مَطْلًا لِلْمُنَازَعَةِ الْمُفْسِدَةِ (وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا) بِأَنْ يَكِيلَا فِي الْمَجْلِسِ، وَالْجَهَالَةُ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ عَلَى أَنَّ

وَكَذَا إذَا كِيلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ الْآنَ فَلَهُ الْخِيَارُ، كَمَا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَقَدْ أُورِدَ عَلَيْهِ نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ لَوْ صَحَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْجَهَالَةَ الَّتِي بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ الصِّحَّةِ لَزِمَ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ عِنْدَهُمَا، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ، عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فِي تَعْيِينِهِ، وَأَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ، لَكِنَّ الْبَيْعَ فِي الْكُلِّ بَاطِلٌ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْبَيْعَ بِالرَّقْمِ تَمَكَّنَتْ الْجَهَالَةُ بِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ بِسَبَبِ الرَّقْمِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ لِلْخَطَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ كَذَا وَكَذَا، وَجَوَازُهُ إذَا عُلِمَ فِي الْمَجْلِسِ بِعَقْدٍ آخَرَ هُوَ التَّعَاطِي كَمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَعْلَمُ بِكَيْلِ الْبَيْعِ يَعْلَمُ بِكَيْلِ الْمُشْتَرِي، وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ الْبَيْعُ بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ، وَمِثْلُهُ فِي أَحَدِ الْعَبِيدِ الْأَرْبَعَةِ فِي جَانِبِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَكَانَ بَيْعًا بِلَا مَبِيعٍ، وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ فِي عَبْدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِدَلَالَةِ نَصِّ شَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مُذَارَعَةً كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ جُمْلَةَ الذِّرَاعَانِ، وَكَانَ كُلُّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٍ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا، وَعِنْدَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ) لِمَا بَيَّنَّا غَيْرَ أَنَّ بَيْعَ شَاةٍ مِنْ قَطِيعِ غَنَمٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ أَجْوِبَةِ هَذِهِ النُّقُوضِ تَصْلُحُ أَدِلَّةً لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ تَسْلِيمَ أَنَّ الْجَهَالَةَ وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا بَعْدَ كَوْنِهَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ فِي الثَّمَنِ كَالْبَيْعِ بِالرَّقْمِ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ، أَوْ فِي الْمَبِيعِ كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ، وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ عَلَى وَجْهٍ يُشْبِهُ الْقِمَارَ وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ مَعَ إمْكَانِ إزَالَتِهَا ثَابِتٌ فِي حَمْلِ النِّزَاعِ إذْ جَازَ أَنْ يَظْهَرَ كَوْنُهُ مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ إلَّا بِكَيْلِ أَحَدِهِمَا، وَكَوْنُ ذَلِكَ بِكَيْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي الرَّقْمِ يَظْهَرُ بِالْبَائِعِ فَقَطْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي دَفْعِ مَنْعِ الْحَظْرِ وَالتَّمَكُّنِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ وَإِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي عَبْدٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْجَهَالَةُ فِي مَضْبُوطٍ لِانْحِصَارِهَا فِي احْتِمَالَاتٍ أَرْبَعَةٍ لَا تَتَعَدَّاهَا، فَلَأَنْ تَفْسُدَ فِي صُبْرَةٍ لَا تَقِفُ الِاحْتِمَالَاتُ فِي خُصُوصِ الثَّمَنِ عَلَى كَوْنِهِ أَرْبَعَ إمْكَانَاتٍ أَوْ عَشَرَةً أَوْلَى، بَلْ وَيُسَجَّلُ عَلَيْهِمَا بِبُطْلَانِ قِيَاسِهِمَا عَلَى بَيْعِ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ إذْ ظَهَرَ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ وَلِذَا امْتَنَعَ فِي أَرْبَعَةِ أَعْبُدٍ، وَحِينَئِذٍ تَرَجَّحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَظَهَرَ أَنَّ كَوْنَ الْعَاقِدَيْنِ بِيَدِهِمَا إزَالَةُ جَهَالَةِ صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْمَبِيعُ لَا يُوجِبُ صِحَّةَ الْبَيْعِ قَبْلَ إزَالَتِهَا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ إمْكَانِ إزَالَتِهَا فِيهَا، وَغَايَتُهُ إذَا أُزِيلَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَهُمَا عَلَى رِضَاهُمَا ثَبَتَ بِعَقْدِ التَّرَاضِي وَالْمُعَاطَاةِ لَا بِعَيْنِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الرَّقْمِ، بَلْ وَلِهَذِهِ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ أَمْثَالٌ يَطُولُ عَدُّهَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهَا لِجَهَالَةٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ إزَالَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَهَا، وَتَأْخِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ دَلِيلَهُمَا ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِهِ قَوْلَهُمَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَأَمَّا مَا يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ مِمَّا. ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَتَى أُضِيفَ كَلِمَةُ كُلٍّ إلَى مَا لَا تُعْلَمُ نِهَايَتُهُ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَدْنَاهُ لِصِيَانَتِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ دِرْهَمٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا إجَارَةُ كُلِّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ تَلْزَمُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَلَا حَاجَةَ لَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ صِحَّةَ هَذَا الْأَصْلِ كَانَ إثْبَاتُهُ بِعَيْنِ مَا ذُكِرَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثُبُوتِ الْجَهَالَةِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّيَقُّنِ فِي الْوَاحِدِ فَهُوَ نَفْسُهُ أَصْلُ هَذَا الْأَصْلِ. [فَرْعٌ] اشْتَرَى طَعَامًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ خَارِجَ الْمِصْرِ وَشَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلٍ مِنْ الْمِصْرِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِذَا اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الْحَمْلِ فَسَدَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ وَشَرَطَ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَفِي الْقِيَاسِ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ جَوَازَهُ بِالْعُرْفِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَشْتَرِي الْحَطَبَ وَالشَّعِيرَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَكْتَرِي دَابَّةً أُخْرَى يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا بَلْ الْبَائِعُ هُوَ يَحْمِلُهُ بِخِلَافِهِ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ لَفْظِ الْحَمْلِ وَالْإِيفَاءِ فِي الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْفَرْقَ فَإِنَّ الْإِيفَاءَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَشَرْطُهُ مُلَائِمٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ الصُّورَةَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ ذَكَرَ نَظِيرَهَا فِي الْقِيَمِيَّاتِ، فَإِذَا أَضَافَ الْبَيْعَ

وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيهِ، وَتَقْضِي إلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ قَالَ (وَمَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ، فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِالْمَوْجُودِ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَالْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَيَوَانَاتِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَطِيعَ كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمِ وَلَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْغَنَمِ وَلَا الذِّرَاعَيْنِ وَلَا جُمْلَةَ الثَّمَنِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَمَّا إذَا سَمَّى أَحَدَهُمَا فَيَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ لِلْعِلْمِ بِتَمَامِ الثَّمَنِ مُطَابَقَةً أَوْ الْتِزَامًا فِيمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ عَدَدِ الْقَطِيعِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَعِنْدَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ جَهَالَةِ كُلِّ الثَّمَنِ وَإِلْغَاءِ كَوْنِ ارْتِفَاعِهَا بِيَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ الْآحَادَ هُنَا مُتَفَاوِتَةٌ فَلَمْ يَنْقَسِمْ الثَّمَنُ عَلَى الْجُمْلَةِ بِالْإِجْزَاءِ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ فَفَسَدَ فِي الْكُلِّ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَاةً أَوْ عَشَرَةً مِنْ مِائَةٍ أَوْ بِطِّيخَةً أَوْ عَشْرًا مِنْ وَقْرِ بِطِّيخٍ كَانَ بَاطِلًا. وَأَمَّا الْجَوَازُ فِيمَا إذَا عَزَلَهَا وَذَهَبَ وَالْبَائِعُ سَاكِتٌ فَبِالتَّعَاطِي عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَالَ الْعَتَّابِيُّ: إنَّ ذَلِكَ فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، أَمَّا فِي الْكِرْبَاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُ فِي ذِرَاعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّعَامِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٍ كَحِمْلِ بِطِّيخٍ كُلُّ بِطِّيخَةٍ بِفَلْسٍ وَالرُّمَّانُ وَالسَّفَرْجَلُ وَالْخَشَبُ وَالْأَوَانِي وَالرَّقِيقُ وَالْإِبِلُ. وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ بَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي الدَّارِ، وَهَذَا غَيْرُ الْأَلْيَقِ بِأَصْلِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْخِلَافِيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى الْعِنَبَ كُلُّ وَقْرٍ بِكَذَا، وَالْوَقْرُ عِنْدَهُ مَعْرُوفٌ، إذَا كَانَ الْعِنَبُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ فِي وَقْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ الْعِنَبُ أَجْنَاسًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَطِيعِ الْغَنَمِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا فِي كُلِّ الْعِنَبِ كُلُّ وَقْرٍ بِمَا قَالَ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْجِنْسُ مُخْتَلِفًا فَكَذَا أَوْرَدَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ جَعَلَ الْجَوَابَ بِالْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِنَبُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلَفًا فِيهِ. ثُمَّ قَالَ الْفَقِيهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ انْتَهَى، وَتَفْرِيعُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَوْجَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ) مَثَلًا (بِمِائَةٍ) تَعَلَّقَ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ الْمُسَمَّى بِعَيْنِهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ نَاقِصَةً (كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ بِالْأَجْزَاءِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ الْمِثْلِيِّ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، (فَإِنْ شَاءَ فَسْخَ الْبَيْعَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ) الْوَاحِدَةِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْخُلَاصَةُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ (وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ) لَيْسَ

أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَالْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ فَلِهَذَا يَأْخُذُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ فَلِهَذَا يَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ لِتَغَيُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَخْتَلُّ الرِّضَا. قَالَ (وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ الذِّرَاعِ الَّذِي سَمَّاهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ جِهَةُ الْوَصْفِيَّةِ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ أَوْ مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةٍ فَوَجَدَ الْمَبِيعَ أَقَلَّ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ الْمِائَةِ كَانَ الْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي (وَلَوْ) كَانَ (قَالَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ) مَثَلًا (بِمِائَةٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) وَجَدَهَا أَكْثَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُلَّ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، أَصْلُ هَذَا أَنَّ الذِّرَاعَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَصْفٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طُولٍ فِيهِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ لَمْ يُفْرَدْ بِثَمَنٍ كَانَ تَابِعًا مَحْضًا فَلَا يُقَابَلُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ بِمِائَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَابِعًا مَحْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالتَّوَابِعُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ حَتَّى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَنْقُصُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ اعْوَرَّتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي جَازَ لَهُ أَنْ يُرَابَحَ عَلَى ثَمَنِهَا بِلَا بَيَانٍ فَعَلَيْهِ تَمَامُ الثَّمَنِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ

وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا بَاعَهُ مَعِيبًا، فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ (وَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لَكِنَّهُ صَارَ أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذَكَرِ الثَّمَنِ فَيَنْزِلُ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ، وَلَهُ الزَّائِدُ فِي الصُّورَةِ الزَّائِدَةِ (كَمَا إذَا بَاعَهُ) عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا، هَذَا إذَا لَمْ يُفْرِدْ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ أَفْرَدَ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ بِمِائَةٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَارَ أَصْلًا وَارْتَفَعَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ فَنَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ وَلَوْ بَاعَهُ هَذِهِ الرِّزْمَةَ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَثْوَابَ الْمَوْجُودَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ، فَكَذَا إذَا وَجَدَ الذِّرَاعَيْنِ نَاقِصَةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ وَجَدَهَا زَائِدَةً لَمْ تُسْلَمْ لَهُ الزِّيَادَةُ لِصَيْرُورَتِهِ أَصْلًا كَمَا لَوْ لَمْ يُسْلَمْ لَهُ الثَّوْبُ الْمُفْرَدُ فِيمَا إذَا زَادَتْ عَدَدُ الثِّيَابِ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَإِنَّ

بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا لِكُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ (وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الذَّرْعِ تَلْزَمُهُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ فَكَانَ نَفْعًا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَيَتَخَيَّرُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ أَصْلًا، وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْأَقَلِّ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِالْمَشْرُوطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَدَ الثِّيَابِ إذَا زَادَتْ فَسَدَ الْبَيْعُ لِلُزُومِ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ تَجْرِي فِي تَعْيِينِ الثَّوْبِ الَّذِي يُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. أَمَّا هُنَا فَالذِّرَاعُ لَيْسَ أَصْلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِيُفْسِدَ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الزَّائِدَ بِحِصَّتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ لَكِنَّهُ بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَهُوَ زِيَادَةُ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الطُّولَ وَصْفًا تَارَةً وَأَصْلًا أُخْرَى، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا الْقَدْرَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ إلَّا أَصْلًا دَائِمًا مَعَ أَنَّ الطُّولَ وَالْعَرْضَ يَرْجِعُ إلَى الْقَدْرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْقَدْرَ وَصْفًا اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ فَقِيلَ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِنُقْصَانِ الْقَدْرِ، فَإِنَّ الصُّبْرَةَ الْكَائِنَةَ مِائَةُ قَفِيزٍ لَوْ صَارَتْ إلَى قَفِيزَيْنِ فِي الْقِلَّةِ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْقَفِيزِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي عَادَتُهُ عَشَرَةٌ وَهُوَ قَدْرُ مَا يُفَصِّلُ قَبَاءً أَوْ فَرَجِيَّةً كَانَ بِثَمَنٍ إذَا قُسِّمَ عَلَى أَجْزَائِهِ يُصِيبُ كُلَّ ذِرَاعٍ مِنْهُ مِقْدَارٌ، وَلَوْ أُفْرِدَ الذِّرَاعُ وَبِيعَ بِمُفْرَدِهِ لَمْ يُسَاوِ فِي الْأَسْوَاقِ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ بَلْ أَقَلَّ مِنْهُ بِكَثِيرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْغَرَضَ الَّذِي يُصْنَعُ بِالثَّوْبِ الْكَامِلِ فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَشْرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اشْتَرَى عَشْرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لَهُمَا أَنَّ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ عُشْرُ الدَّارِ فَأَشْبَهَ عَشْرَةَ أَسْهُمٍ. وَلَهُ أَنَّ الذِّرَاعَ اسْمٌ لِمَا يَذْرَعُ بِهِ، وَاسْتُعِيرَ لِمَا يَحِلُّهُ الذِّرَاعُ وَهُوَ الْمُعَيَّنُ دُونَ الْمَشَاعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، بِخِلَافِ السَّهْمِ. وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ مِنْ جُمْلَةِ الذِّرَاعَانِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْخَصَّافُ لِبَقَاءِ الْجَهَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُعْتَبَرْ كَثَوْبٍ كَامِلٍ مُفْرَدٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا: هُوَ جَائِزٌ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ) مِنْهَا (جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى مِنْ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٌ أَوْ شَائِعٌ فَعِنْدَهُمَا شَائِعٌ كَأَنَّهُ بَاعَ عُشْرَ مِائَةٍ وَبَيْعُ الشَّائِعِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي بَيْعِ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، وَعِنْدَهُ مُؤَدَّاةُ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ، وَالْجَوَانِبُ مُخْتَلِفَةُ الْجَوْدَةِ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي تَعْيِينِ مَكَانِ الْعَشَرَةِ فَفَسَدَ الْبَيْعُ، فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُؤَدَّى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ شَائِعٌ لَمْ يَخْتَلِفُوا، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَمْ يَخْتَلِفُوا، فَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي نِكَاحِ الصَّابِئَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ أَوْ لَهُمْ كِتَابٌ، فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى الثَّانِي اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ، أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، فَالشَّأْنُ فِي تَرْجِيحِ الْمَبْنِيِّ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ (الذِّرَاعُ اسْمٌ لِمَا يُذْرَعُ بِهِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْمَبِيعِ عَشْرًا مِنْ الْخَشَبَاتِ الَّتِي يَذْرَعُ بِهَا فَكَانَ مُسْتَعَارًا لِمَا يَحِلُّهَا، وَمَا يَحِلُّهُ مُعَيَّنٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا مُقَدَّرًا بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ (بِخِلَافِ) عَشَرَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ اسْمٌ لِلْجُزْءِ الشَّائِعِ فَكَانَ الْمَبِيعُ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ شَائِعَةٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ.

وَلَوْ اشْتَرَى عِدْلًا عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَثْوَابٍ فَإِذَا هُوَ تِسْعَةٌ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ (وَلَوْ بَيَّنَ لِكُلِّ ثَوْبٍ ثَمَنًا جَازَ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ بِقَدْرِهِ وَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الزِّيَادَةِ) لِجَهَالَةِ الْعَشَرَةِ الْمَبِيعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ يُقَالُ إنَّ تَعْيِينَ جُمْلَةِ ذُرْعَانِ الدَّارِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بَيْعَ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ نِسْبَةُ الْعَشَرَةِ مِنْ الْكُلِّ أَنَّهَا بِالْعُشْرِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ أَذْرُعٍ لَا يَتَفَاوَتُ مِقْدَارُهَا بِتَعْيِينِ الْكُلِّ وَعَدَمِهِ. وَقَدْ يُقَالُ فَائِدَتُهُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يُرْفَعَ بِهِ الْفَسَادُ، فَإِنَّ بَيْعَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا عَلَى قَوْلِهِمَا عَلَى تَخْرِيجِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَعَلَى قَوْلِ آخَرِينَ يَجُوزُ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا فَيُذْرَعُ الْكُلُّ فَيُعْرَفُ نِسْبَةُ الْعَشَرَةِ، وَصُحِّحَ هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمَا مِنْ بَيْعِ صُبْرَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ يَرَى الرَّأْيَ الْأَوَّلَ. وَلَمَّا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ ظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَ الْخَصَّافُ مِنْ أَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ جُمْلَةُ الذُّرْعَانِ؛ وَأَمَّا إذَا عُرِفَ جُمْلَتُهَا فَالْبَيْعُ عِنْدَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ وَاقِعٍ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ فَإِنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا قُلْنَا، وَبِمَعْرِفَةِ قَدْرِ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ لَا تَنْتَفِي الْجَهَالَةُ عَنْ الْبَعْضِ الَّذِي بِيعَ مِنْهُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا بَاعَ ذِرَاعًا أَوْ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَتَهَا فَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ عَلَى قَوْلِهِمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جُزْءٌ شَائِعٌ مَعْلُومُ النِّسْبَةِ مِنْ الْكُلِّ، وَذَلِكَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ جُمْلَتِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ بِأَيْدِيهِمَا إزَالَتُهَا بِأَنْ تُقَاسَ كُلُّهَا فَيُعْرَفُ نِسْبَةُ الذِّرَاعِ أَوْ الْعَشَرَةِ مِنْهَا فَيُعْلَمُ قَدْرُ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عِدْلًا) صُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُك مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَثْوَابٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا، وَلَمْ يُفَصِّلْ لِكُلِّ ثَوْبٍ ثَمَنًا بَلْ قَالَ الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ (فَإِذَا هُوَ تِسْعَةٌ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ) فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالذِّرَاعِ الَّذِي صَارَ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ (وَالثَّمَنُ) فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ أَجْزَاؤُهُ عَلَى حَسَبِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ الْقِيَمِيِّ وَالثِّيَابِ مِنْهُ فَلَمْ يُعْلَمْ لِلثَّوْبِ الذَّاهِبِ حِصَّةً مَعْلُومَةً مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لِيُنْقِصَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْهُ فَكَانَ النَّاقِصُ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرًا مَجْهُولًا فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا (وَلَوْ) كَانَ (فَصَّلَ لِكُلِّ ثَوْبٍ ثَمَنًا) بِأَنْ قَالَ كُلُّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ (جَازَ) الْبَيْعُ (فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ بِقَدْرِهِ) أَيْ بِمَا سِوَى قَدْرِ النَّاقِصِ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ لَكِنْ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَجُزْ فِي الزِّيَادَةِ) ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ لَا تَرْتَفِعُ فِيهِ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ

وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ أَيْضًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا، وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْمَرْوِيِّ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلَا قَبُولَ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْدُومِ فَافْتَرَقَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ) الْبَيْعُ (فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ أَيْضًا) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ فِي الثِّيَابِ الْمَوْجُودَةِ قَوْلُهُمَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ فَسَدَ فِي الْبَعْضِ بِمُفْسِدٍ مُقَارَنٍ وَهُوَ الْعَدَمُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى فَسَدَ فِي الْبَعْضِ بِفَسَادٍ مُقَارَنٍ يَفْسُدُ فِي الْبَاقِي، وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَسْأَلَةً فِي الْجَامِعِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَهِيَ رَجُلٌ (اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ) كُلُّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ (فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ) بِسُكُونِ الرَّاءِ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ، أَمَّا النِّسْبَةُ إلَى مَرْوَ الْمَعْرُوفَةِ بِخُرَاسَانَ فَقَدْ الْتَزَمُوا فِيهَا زِيَادَةَ الزَّايِ فَيُقَالُ مَرْوَزِيُّ وَكَأَنَّهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، قَالَ: فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْهَرَوِيِّ، وَالْفَائِتُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصِّفَةُ لَا أَصْلُ الثَّوْبِ وَقَدْ فَسَدَ فِي الْكُلِّ بِفَوَاتِهِ فَفَسَادٌ فِي الْكُلِّ وَالْفَائِتِ أَحَدُهَا أَوْلَى، وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ، وَكَذَا نَسَبَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا: يَعْنِي عَدَمَ الْفَسَادِ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُفْسِدَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا يَفْسُدُ فِيهِ الْعَقْدُ شَرْطًا فِي قَبُولِهِ فِي الْآخَرِ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ هَذَا فَإِنَّهُ مَا شَرَطَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ وَلَا قَصَدَ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَعْدُومِ بَلْ عَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ فَغَلَطَ فِي الْعَدَدِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّوْبَيْنِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْآخَرِ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ. وَأَقُولُ: قَوْلُهُ مَا شَرَطَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ إنْ كَانَ صَرِيحًا مَعْلُومًا وَلَا يَضُرُّ، فَإِنَّ فِي الثَّوْبَيْنِ أَيْضًا مَا شَرَطَ قَبُولَهُ فِي الْمَرْوِيِّ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مُتَعَدِّدِ صَفْقَةٍ كَانَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي كُلٍّ شَرْطًا فِي قَبُولِهِ فِي الْآخَرِ كَمَا فِي الثَّوْبَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْعَشَرَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ، فَكَانَ قَبُولُهُ فِي الْعَاشِرِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِيمَا سِوَاهُ وَلَا وُجُودَ لِلْعَاشِرِ، فَكَانَ قَبُولُهُ فِي الْمَعْدُومِ شَرْطًا إلَى آخِرِهِ. وَحَاصِلُ قَوْلِهِ وَمَا قَصَدَهُ إلَى آخِرِهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْجُودَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ بِوَصْفٍ إذَا دَخَلَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَانَ قَبُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطًا لِلْقَبُولِ فِي الْآخَرِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ، فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ

(وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا هُوَ عَشْرَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِعَشْرَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَأْخُذُهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِأَحَدَ عَشَرَ إنْ شَاءَ، وَفِي الثَّانِي يَأْخُذُ بِعَشْرَةٍ إنْ شَاءَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَأْخُذُ فِي الْأَوَّلِ بِعَشْرَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ، وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ وَيُخَيَّرُ) ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ شَرْطًا فَاسِدًا فِي الْقَبُولِ فِي الْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا إذْ كَانَ مَعْدُومًا بِذَاتِهِ وَوَصْفِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ حِينَئِذٍ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ قَبُولُهُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ فَيَجْعَلُ ذَلِكَ غَلَطًا، فَلَمَّا لَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ فِي الْآخَرَ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَحَطَّ الْفَرْقِ فِي اعْتِبَارِ الْغَلَطِ وَعَدَمِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ الْغَلَطِ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ فِي تِسْعَةٍ؛ وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا بِعَشَرَةٍ غَلَطًا، فَالْمُشْتَرِي لَمَّا قَبِلَ فِي عَشَرَةٍ مَا كَانَ غَالِطًا فَمَا تَلَاقَى الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، كَمَا لَوْ عَزَلَ تِسْعَةَ أَثْوَابٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ التِّسْعَةَ فَقَالَ قَبِلْت فِي الْعَشَرَةِ لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ فِي التِّسْعَةِ وَلَا الْعَشَرَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى غَلَطِهِ أَنَّهُ قَصَدَ الْإِيجَابَ فِي عَشَرَةٍ وَلَيْسَ فِي الْوَاقِعِ إلَّا تِسْعَةٌ لَمْ يُفْسِدْ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعْدُومٌ وَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيهِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي التِّسْعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ جَادٌّ فِي اعْتِقَادِ قِيَامِ الْعَشَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاطِلًا كَمَا ذَكَرَ فِيمَنْ بَاعَ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ حِنْطَةٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. وَفِي الْمُحِيطِ: رَوَى قَاضِي الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ أَبِيعُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنَّهَا أَقَلَّ مِنْ كُرٍّ فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ جَازَ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ وَجَدَهَا كُرًّا أَوْ أَكْثَرَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ كُرٍّ فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَهَا كُرًّا أَوْ دُونَهُ فَفَاسِدٌ، وَلَوْ قَالَ كُرًّا أَوْ كُرَّيْنِ جَازَ كَيْفَ مَا كَانَ غَيْرَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْأَقَلِّ، كَمَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ، وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى عِنَبًا فِي كَرْمٍ مُعَيَّنٍ عَلَى أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا مَنًّا، وَكَذَا فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ انْتَهَى. وَوَجْهُ الْفَسَادِ فِي الْأَكْثَرِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ الزَّائِدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَقَلِّ مِنْ الْكُرِّ وَالْأَكْثَرِ مِنْهُ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ لِيُعْرَفَ الزَّائِدُ عَلَيْهِ فَيُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كُرًّا أَوْ كُرَّيْنِ، وَلَا وَجْهَ لِلرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ بَاعَ صُبْرَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا تَبْلُغَ الْمِقْدَارَ الْفُلَانِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمِ فَإِذَا هُوَ عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَخَذَهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْأَوَّلِ يَأْخُذُ بِأَحَدَ عَشَرَ إنْ شَاءَ، وَفِي الثَّانِي بِعَشَرَةٍ إنْ شَاءَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ، وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ وَيُخَيَّرُ) وَجْهُ قَوْلِهِ (إنَّ مِنْ ضَرُورَةِ

مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدِّرْهَمِ مُقَابَلَةُ نِصْفِهِ بِنِصْفِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِبَدَلٍ نَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ وَقَدْ انْتَقَضَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ، فَعِنْدَ عَدَمِهِ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ. وَقِيلَ فِي الْكِرْبَاسِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْزُونِ حَيْثُ لَا يَضُرُّهُ الْفَصْلُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدِّرْهَمِ مُقَابَلَةُ نِصْفِهِ بِنِصْفِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُقَابَلَةِ) ، وَحُكْمُهَا أَنْ يَجِبَ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ جُزْءٍ إضَافِيٍّ مِنْ الذِّرَاعِ مِثْلُهُ مِنْ الدِّرْهَمِ فَنِصْفُ الذِّرَاعِ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ وَرُبْعُهُ بِرُبْعِهِ وَثُمُنُهُ بِثُمُنِهِ وَهَكَذَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيُجَزَّأُ الدِّرْهَمُ عَلَيْهِ: أَيْ يُقَابِلُ كُلُّ جُزْءٍ لَهُ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ بِجُزْءٍ كَذَلِكَ مِنْ الْآخَرِ، وَضَمِيرُ يُجَزَّأُ يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَى كُلٍّ مِنْ الذِّرَاعِ وَالدِّرْهَمِ، إلَّا أَنَّ الدِّرْهَمَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ النِّصْفِ بِمُقَابَلَةِ ضَرَرٍ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالْتِزَامِهِ، وَفِي النُّقْصَانِ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَهُوَ وَصْفُ الْعَشَرَةِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ نَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ مُفْرَدٍ) بِيعَ عَلَى أَنَّهُ ذِرَاعٌ لِمَا عُرِفَ أَنَّ إفْرَادَهُ الذِّرَاعَ بِالثَّمَنِ يُخْرِجُهُ عَنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الْأَصْلِيَّةِ، (وَقَدْ انْتَقَصَ) عَنْ الذِّرَاعِ فَلَا يُنْتَقَصُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعًا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ، وَفِي النُّقْصَانِ فَوَاتَ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ) وَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَقُولَ: حُكْمُ الْأَصْلِ أَوْ الثَّوْبِ الْمُنْفَصِلِ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ أَيْضًا وَصْفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَخْذُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ ذِرَاعًا، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يُوجَدْ مَا أَخَذَ حُكْمَ الْأَصْلِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ مِنْ كَوْنِهِ وَصْفًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَا وَجْهَ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ فِي فَصْلِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ ضَرَرٌ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ بَلْ نَفْعٌ خَالِصٌ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مَعِيبًا فَوَجَدَهُ سَلِيمًا، وَيَتَخَيَّرُ فِي النُّقْصَانِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ، ثُمَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ، وَذَكَرَ

[فصل من باع دارا دخل بناؤها في البيع]

(فَصْلٌ) (وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ بِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ، لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ فِي الْعُرْفِ) وَلِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهُ. . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاصِلَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَهُ. وَفِي قَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ ذِرَاعًا إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ أَجْزَاءُ الدِّرْهَمِ عَلَى أَجْزَاءِ الذِّرَاعِ فَقَالَ هَذَا إذَا كَانَ تَمَامُ الذِّرَاعِ مَوْجُودًا وَالْمَوْجُودُ هُنَا بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ لَيْسَ كُلَّهُ فَكَانَ لِلْبَعْضِ مِنْهُ حُكْمُ الْوَصْفِ لِانْعِدَامِ الْمُقَابَلَةِ [فَصْلٌ مَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ بِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ] (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ ذَكَرَ مَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ مِمَّا لَمْ يُسَمَّ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ، وَاسْتَتْبَعَ مَا يَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا إلَخْ) فِي الْمُحِيطِ: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ تَبَعٌ لَهَا فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا كَالسَّالِمِ الْمُتَّصِلِ وَالسِّوَارِ وَالدَّرَجِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْحَجَرِ الْأَسْفَلِ مِنْ الرَّحَى، وَيَدْخُلُ الْحَجَرُ الْأَعْلَى عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا، وَالْمُرَادُ بِحَجَرِ الرَّحَى الْمَبْنِيَّةِ فِي الدَّارِ، وَهَذَا مُتَعَارَفٌ فِي دِيَارِهِمْ، أَمَّا فِي دِيَارِ مِصْرَ لَا تَدْخُلُ رَحَا الْيَدِ؛ لِأَنَّهَا بِحَجَرَيْهَا تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ وَلَا تُبْنَى فَهِيَ كَالْبَابِ الْمَوْضُوعِ، وَالْبَابُ الْمَوْضُوعُ لَا يَدْخُلُ بِالِاتِّفَاقِ فِي بَيْعِ الدَّارِ. نَعَمْ لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ هَذَا مِلْكِي وَضَعْته فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى دُخُولِ الْبِنَاءِ (بِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ) وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِمَسْأَلَةِ الْحَلِفِ لَا يَدْخُلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَ بِنَاؤُهَا يَحْنَثُ، فَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَذَا لَوْ أُبْطِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ لَا يَضُرُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ لِثُبُوتِ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى. ثُمَّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهَا وَهُوَ لَغْوٌ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَكَأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْمَكَانِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الَّتِي تُسَمَّى الْآنَ دَارًا فَلَا يَتَقَيَّدُ الدُّخُولُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهَا دَارًا وَقْتَ الدُّخُولِ، وَتَدْخُلُ الْبِئْرُ الْكَائِنَةُ فِي الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا بَكَرَةٌ تَدْخُلُ، وَلَا يَدْخُلُ الدَّلْوُ وَالْحَبْلُ الْمُعَلَّقَانِ عَلَيْهَا إلَّا إنْ كَانَ قَالَ بِمَرَافِقِهَا، وَيَدْخُلُ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِي الدَّارِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ الدَّارِ وَمِفْتَحُهُ فِيهَا يَدْخُلُ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ أَوْ مِثْلَهَا لَا يَدْخُلُ، وَقِيلَ إنْ صَغُرَ دَخَلَ وَإِلَّا لَا. وَقِيلَ يُحَكَّمُ الثَّمَنُ. وَفِي الْمُنْتَقَى: اشْتَرَى حَائِطًا يَدْخُلُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَكَذَا فِي التُّحْفَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَهُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ، وَأَمَّا أَسَاسُهُ قَبْلَ الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْحَائِطِ حَقِيقَةً، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْحَمَّامِ الْقُدُورُ دُونَ قِصَاعِهِ، وَأَمَّا قِدْرُ الْقَصَّارِينَ وَالصَّبَّاغِينَ وَأَجَاجِينُ الْغَسَّالِينَ وَخَوَابِي الزَّيَّاتِينَ وَحُبَّابُهُمْ وَدِنَانُهُمْ وَجِذْعُ الْقَصَّارِ الَّذِي يَدُقُّ عَلَيْهِ الْمُثَبَّتُ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَدْخُلُ، وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ كَمَا إذَا قَالَ بِمَرَافِقِهَا، وَأَمَّا الطَّرِيقُ وَنَحْوُهُ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحُقُوقِ. [فُرُوعٌ] بَاعَ فَرَسًا دَخَلَ الْعَذَارَ تَحْتَ الْبَيْعِ وَالزِّمَامُ فِي بَيْعِ الْبَعِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ مَا إذَا بَاعَ فَرَسًا وَعَلَيْهِ سَرْجٌ، قِيلَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ أَوْ يُحَكَّمُ الثَّمَنُ؛ وَلَوْ بَاعَ حِمَارًا قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: لَا يَدْخُلُ الْإِكَافُ بِلَا شَرْطٍ وَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مُوكَفًا أَوْ غَيْرَ مُوكَفٍ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَالْإِكَافُ فِيهِ كَالسَّرْجِ فِي الْفَرَسِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَدْخُلُ الْإِكَافُ وَالْبَرْذعَةُ تَحْتَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوكَفٍ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَإِذَا دَخَلَا بِلَا ذِكْرٍ كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مَا قُلْنَا فِي ثَوْبِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ، وَلَا يَدْخُلُ الْمِقْوَدُ فِي بَيْعِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَادُ دُونَهُ، بِخِلَافِ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ وَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا. بَاعَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً كَانَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ الْكِسْوَةِ قَدْرَ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ، فَإِنْ بِيعَتْ فِي ثِيَابِ مِثْلِهَا دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُمْسِكَ تِلْكَ الثِّيَابَ وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا مِنْ ثِيَابِ مِثْلِهَا يُسْتَحَقُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَكُونُ لِلثِّيَابِ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ اُسْتُحِقَّ الثَّوْبُ أَوْ وُجِدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ الثَّوْبَ؛ وَلَوْ هَلَكَ الثِّيَابُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ تَعَيَّبَتْ ثُمَّ رَدَّ الْجَارِيَةَ بِعَيْبٍ رَدَّهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الثَّوْبَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي مِنْ رَجُلٍ لَهُ أَرْضٌ وَفِيهَا نَخْلٌ لِغَيْرِهِ فَبَاعَهُمَا رَبُّ الْأَرْضِ بِإِذْنِ الْآخَرِ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ، فَلَوْ هَلَكَ النَّخْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّرْكِ وَأَخْذِ الْأَرْضِ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ دَخَلَ تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، ثُمَّ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِانْتِقَاضِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ النَّخْلِ، وَالثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ، وَهُوَ لَهُ دُونَ التَّبَعِ. وَلَوْ بَاعَ أَتَانًا لَهَا جَحْشٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا عُجُولٌ اُخْتُلِفَ، قِيلَ يَدْخُلَانِ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلَانِ، وَقِيلَ يَدْخُلُ الْعُجُولُ دُونَ الْجَحْشِ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ إنْ لَمْ يَذْكُرْ

(وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا دَخَلَ مَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْقَرَارِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ (وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْفَصْلِ فَشَابَهَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهَا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالَ فِي الْبَيْعِ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ بَاعَهُ مَعَ مَالِهِ بِكَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَالَ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى الْمَالَ، وَهُوَ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ أَوْ بَعْضُهُ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا جَازَ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَثْمَانِ، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا وَكَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَالثَّمَنُ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْعَبْدِ بِلَا ثَمَنٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَمَالُ الْعَبْدِ دَنَانِيرُ أَوْ بِالْقَلْبِ جَازَ إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ؛ وَكَذَا لَوْ قَبَضَ مَالَ الْعَبْدِ، وَنَقَدَ حِصَّتَهُ فَقَطْ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي مَالِ الْعَبْدِ. اشْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ فِي بَعْضِ جُذُوعِهَا مَالًا، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ هُوَ لِي كَانَ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَصَلَتْ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ لِي كَانَ كَاللُّقَطَةِ. وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ لِآخَرَ بِعْت مِنْك عُلُوَّ هَذَا بِكَذَا فَقَبِلَ جَازَ وَيَكُونُ سَطْحُ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْقَرَارِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا دَخَلَ مَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ) وَلَمْ يُفَصِّلْ مُحَمَّدٌ بَيْنَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ وَغَيْرِ الْمُثْمِرَةِ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، فَكَانَ الْحَقُّ دُخُولَ الْكُلِّ، خِلَافًا لِمَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ غَيْرَ الْمُثْمِرَةِ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغْرَسُ لِلْقَرَارِ بَلْ لِلْقَلْعِ إذَا كَبُرَ خَشَبُهَا فَصَارَتْ كَالزَّرْعِ وَلِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تَدْخُلُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا، وَفِيهَا أَشْجَارٌ صِغَارٌ تُحَوَّلُ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ وَتُبَاعُ، إنْ كَانَتْ تُقْلَعُ مِنْ أَصْلِهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ تُقْطَعُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا بِشَرْطٍ. نَعَمْ الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ لَا تَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الْقَلْعِ فَهِيَ كَحَطَبٍ مَوْضُوعٍ فِيهَا، وَلَا يَدْخُلُ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ وَالصُّلْحِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَيَدْخُلَانِ فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْوَقْفِ وَالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ بِدُونِهِمَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُعْقَدُ لَمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الِانْتِفَاعُ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَلَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ الَّذِي عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَمَا كَانَ مِنْ الْأَوْرَاقِ وَأَوْرَاقِ الْفِرْصَادِ وَالتُّوتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الشَّجَرِ ثِمَارٌ فَشَرَطَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ فَأَكَلَ الْبَائِعُ سَقَطَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الصَّحِيحِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى شَاةً بِعَشْرَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي خَمْسَةً فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَلْزَمُهُ الشَّاةُ بِخَمْسَةٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَالْفَرْقُ غَيْرُ خَافٍ؛ وَكَمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَشْيَاءُ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا كَذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْهُ أَشْيَاءُ بِلَا تَسْمِيَةٍ، كَمَا إذَا بَاعَ قَرْيَةً يُخْرِجُ مِنْهَا الطَّرِيقَ وَالْمَسَاجِدَ وَالْفَارِقَيْنِ وَسُورَ الْقَرْيَةِ؛ لِأَنَّ السُّورَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ. وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْخُلَاصَةِ: بَاعَ قَرْيَةً وَفِيهَا مَسْجِدٌ وَاسْتَثْنَاهُ هَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْحُدُودِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَاسْتَثْنَى الْحِيَاضَ، وَفِي الْمَقْبَرَةِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ إلَّا أَنْ تَكُونَ رَبْوَةً (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْفَصْلِ) أَيْ لِفَصْلِ الْآدَمِيِّ إيَّاهَا لِانْتِفَاعِهِ بِهَا (فَشَابَهَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهِ) أَيْ فِي الْمَبِيعِ، فَانْدَفَعَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعِ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ وَنَحْوِ الْبَقَرَةِ

(وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ وَإِنْ كَانَ خِلْقَةً فَهُوَ لِلْقَطْعِ لَا لِلْبَقَاءِ فَصَارَ كَالزَّرْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَامِلِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ حَمْلُهَا فِي الْبَيْعِ مَعَ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ لِلْفَصْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ فَصْلُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَبَادِرٌ فَتَرَكَ التَّقْيِيدَ بِهِ، وَأَيْضًا الْأُمُّ وَمَا فِي بَطْنِهَا مُجَانِسٌ مُتَّصِلٌ فَيَدْخُلُ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ لَيْسَ مُجَانِسًا لِلْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْجُزْئِيَّةِ لِيَدْخُلَ بِذِكْرِ الْأَصْلِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ اتِّصَالُهُ لِلْقَرَارِ كَمَا فِي الشَّجَرِ كَانَ مُتَّصِلًا لِلْحَالِ، وَفِي ثَانِي الْحَالِ فَيَدْخُلُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِشِدَّةِ الِاتِّصَالِ لَا الْجِنْسِيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ اتِّصَالًا لِلْفَصْلِ فِي ثَانِي الْحَالِ كَالزَّرْعِ يُجْعَلُ مُنْفَصِلًا فَلَا يَدْخُلُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ، وَالِانْفِصَالُ مَعْدُومٌ فِيهِ فَيَتَرَجَّحُ الْمَوْجُودُ عَلَى الْمَعْدُومِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلدُّخُولِ إمَّا شُمُولُ حَقِيقَةِ الْمُسَمَّى فِي الْبَيْعِ لَهُ أَوْ تَبَعِيَّتُهُ لَهُ. وَالتَّبَعِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرَّ الِاتِّصَالِ بِهِ لَا مُجَرَّدَ اتِّصَالِهِ الْحَالِيِّ مَعَ أَنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ الْفَصْلِ وَانْتِفَاءِ الْمُجَانَسَةِ ظَاهِرٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الدُّخُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) لِنَفْسِهِ: أَيْ يَشْتَرِي الشَّجَرَةَ مَعَ الثَّمَرَةِ الَّتِي فَوْقَهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَبَّرَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ فِي كَوْنِهَا لِلْبَائِعِ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَيَدْخُلُ فِي الثَّمَرَةِ الْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ وَالْخِلَافُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْمَشْمُومَاتِ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ يُشْتَرَطُ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ التَّأْبِيرُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُبِّرَتْ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي. وَالتَّأْبِيرُ: وَالتَّلْقِيحُ، وَهُوَ أَنْ يُشَقَّ عَنَاقِيدُ الْكُمِّ وَيَذُرَّ فِيهَا مِنْ طَلْعِ الْفَحْلِ فَإِنَّهُ يُصْلِحُ ثَمَرَ إنَاثِ النَّخْلِ، لِمَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَحَاصِلُهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، فَمَنْ قَالَ بِهِ يَلْزَمُهُ وَأَهْلُ الْمَذْهَبِ يَنْفُونَ حُجِّيَّتَهُ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شُفْعَةِ الْأَصْلِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَمَا قِيلَ إنَّ مَرْوِيَّهُمْ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَّاهُ، إنَّمَا يَلْزَمُهُمْ لَوْ كَانَ لَقَبًا لِيَكُونَ مَفْهُومَ لَقَبٍ لَكِنَّهُ صِفَةٌ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُمْ يَحْمِلُونَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَعَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْوَجْهِ الْقِيَاسُ عَلَى الزَّرْعِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ مُتَّصِلٌ لِلْقَطْعِ لَا الْبَقَاءِ فَصَارَ كَالزَّرْعِ، وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ، وَهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَفْهُومِ إذَا تَعَارَضَا، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْإِبَارُ عَلَى الْإِثْمَارِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَخِّرُونَهُ عَنْهُ فَكَانَ الْإِبَارُ عَلَامَةَ الْإِثْمَارِ فَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ نَخْلًا مُؤَبَّرًا: يَعْنِي مُثْمِرًا، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ أَنَّ الثَّمَرَةَ مُطْلَقًا لِلْمُشْتَرِي بَعِيدٌ إذْ يُضَادُّ الْأَحَادِيثَ الْمَشْهُورَةَ

(وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ اقْطَعْهَا وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ) وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُهُ وَتَسْلِيمُهُ، كَمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَتَاعٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُتْرَكُ حَتَّى يَظْهَرَ صَلَاحُ الثَّمَرِ وَيُسْتَحْصَدُ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ التَّسْلِيمُ الْمُعْتَادُ، وَالْمُعْتَادُ أَنْ لَا يُقْطَعَ كَذَلِكَ وَصَارَ كَمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ. وَقُلْنَا: هُنَاكَ التَّسْلِيمُ وَاجِبٌ أَيْضًا حَتَّى يُتْرَكَ بِأَجْرٍ، وَتَسْلِيمُ الْعِوَضِ كَتَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا) كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ (يُقَالُ لَهُ اقْطَعْهَا وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ) ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ (يُقَالُ لَهُ اقْلَعْهُ) وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ (لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُهُ وَتَسْلِيمُهُ، كَمَا إذَا كَانَ فِيهِ مَتَاعٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُتْرَكُ حَتَّى يَظْهَرَ صَلَاحُ الثَّمَرِ وَيُسْتَحْصَدُ الزَّرْعُ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّسْلِيمُ الْمُعْتَادُ) وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي الدَّارِ تَسْلِيمُهَا فِي الْحَالِ إذَا بِيعَتْ لَيْلًا أَوْ كَانَ لَهُ فِيهَا مَتَاعٌ بَلْ يَنْتَظِرُ طُلُوعَ النَّهَارِ وَوُجُودَ الْحَمَّالِينَ (وَفِي الْعَادَةِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بَعْدَمَا قُلْنَا وَصَارَ كَمَا إذَا انْقَطَعَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ) فَإِنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ رَضِيَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُبَالِي بِتَضَرُّرِ الْمُشْتَرِي بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْعَادَةُ مَا ذَكَرْنَا كَانَ مُلْتَزِمًا لِلضَّرَرِ الْمَذْكُورِ، وَيُقَالُ اسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ يَسْتَحْصِدُ بِكَسْرِ الصَّادِ: جَاءَ وَقْتُ حَصَادِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ (بِأَنَّ هُنَاكَ) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ (أَيْضًا يَجِبُ التَّسْلِيمُ) وَلِذَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي التَّبْقِيَةِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعِوَضِ تَسْلِيمُ الْمُعَوَّضِ، وَلَا بُدَّ فِي تَمَامِهِ مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُعْتَادِ فِي الْإِجَارَةِ التَّبْقِيَةُ بِالْأُجْرَةِ وَعَدَمُ تَسْلِيمِ عَيْنِ الْأَرْضِ فِي الْحَالِ وَإِلَّا لَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُؤَجِّرُ بِالتَّبْقِيَةِ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ فِي الْحَالِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُعْتَادَ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ، ثُمَّ يَقُولُ هُوَ فِي الْبَيْعِ بِتَرْكِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَا مَجَّانًا، وَفِي الْإِجَارَةِ بِتَرْكِهِ بِأَجْرٍ وَلَا مَخْلَصَ مِنْ هَذَا إلَّا أَنْ يَتِمَّ مَنْعُ أَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي الْبَيْعِ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِأَنَّ إقْدَامَ الْبَائِعِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُبْتَاعَ يُطَالِبُهُ بِتَفْرِيغِ مِلْكِهِ وَتَسْلِيمِهِ فَارِغًا دَلَالَةُ الرِّضَا بِقَطْعِهِ فَلَمْ تَجِبْ رِعَايَةُ جَانِبِهِ بِتَبْقِيَةِ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِقَطْعِ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ فَوَجَبَ رِعَايَةُ جَانِبِهِ بِتَبْقِيَتِهِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ بِالْأُجْرَةِ، اُتُّجِهَ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ رِضًا بِالْقَطْعِ فِي الْحَالِ لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ إلَى الصَّلَاحِ مُعْتَادًا، أَمَّا إذَا كَانَ مُعْتَادًا فَلَا، وَقَدْ مَنَعَتْ الْعَادَةُ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الثَّمَرُ بِحَالٍ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحِ وَيَكُونُ فِي الْحَالَيْنِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ يَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. . وَأَمَّا إذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ وَقَدْ بَذَرَ فِيهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ لَمْ يَدْخُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا كَالْمَتَاعِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَمِرَّةُ بِذَلِكَ بَلْ هِيَ مُشْتَرَكَةٌ، فَقَدْ يَتْرُكُونَ وَقَدْ يَبِيعُونَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ هَلْ تَدْخُلُ أَرْضُ الشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ بِبَيْعِهَا إنْ اشْتَرَاهَا لِلْقَطْعِ؟ لَا تَدْخُلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بَيْعًا مُطْلَقًا لَا تَدْخُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ وَالشَّجَرَ تَبَعٌ، فَلَا يَنْقَلِبُ الْأَصْلُ تَبَعًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ: يَدْخُلُ مَا تَحْتَهَا بِقَدْرِ غِلَظِ سَاقِهَا. وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الشَّجَرَ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُسْتَقِرِّ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِلَّا فَهُوَ جِذْعٌ وَحَطَبٌ فَيَدْخُلُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يَتِمُّ بِهِ حَقِيقَةُ اسْمِهَا فَهُوَ دُخُولٌ بِالضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَقِيلَ قَدْرُ سَاقِهَا، وَقِيلَ بِقَدْرِ ظِلِّهَا عِنْدَ الزَّوَالِ، وَقِيلَ بِقَدْرِ عُرُوقِهَا الْعِظَامِ، وَلَوْ شَرَطَ قَدْرًا فَعَلَى مَا شَرَطَ. وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ) بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الْبَعْضِ إنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ يَدْخُلُ، وَالصَّحِيحُ لَا يَدْخُلُ فِي الْحَالَتَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَعَلَّلَهُ أَنَّ بَيْعَهُ يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ لِلْقَرَارِ، وَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَيْسَ لِلْقَرَارِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا وَلَكِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْقَرَارِ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ وَقَدْ بَذَرَ فِيهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَنْبُتْ لَمْ يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا كَالْمَتَاعِ) هَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا أَطْلَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْفَنْ، أَمَّا إذَا عَفِنَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَفَنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَصَارَ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ. وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا هُوَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: وَلَوْ عَفِنَ الْبَذْرُ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ، وَلَوْ سَقَاهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى نَبَتَ وَلَمْ يَكُنْ عَفِنَ وَقْتَ الْبَيْعِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُتَطَوِّعٌ؛ وَلَوْ بَاعَهَا بَعْدَمَا نَبَتَ وَلَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ فَقَدْ قِيلَ لَا يَدْخُلُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ يَدْخُلُ، وَلَمْ يُرَجِّحْ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا شَيْئًا وَرَجَّحَ فِي التَّجْنِيسِ قَالَ فِيهِ: قَالَ الْفَقِيهُ: لَا يَدْخُلُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَدْخُلُ، نَصَّ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَفِي شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ هُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، قَالَ شَيْخُ الْإِمَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: هَذَا إذَا صَارَ الزَّرْعُ مُتَقَوِّمًا: أَيْ لَا يَدْخُلُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا يَدْخُلُ الزَّرْعُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا تُعْرَفُ قِيمَتُهُ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَبْذُورَةً أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا غَيْرَ مَبْذُورَةٍ عُلِمَ أَنَّهُ صَارَ مُتَقَوِّمًا انْتَهَى. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ حِكَايَةَ اتِّفَاقِ

وَلَوْ نَبَتَ وَلَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ فَقَدْ قِيلَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُ فِيهِ، وَكَأَنَّ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ، وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْهُمَا. وَلَوْ قَالَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ وَمِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ قَالَ مِنْ مَرَافِقِهَا لَمْ يَدْخُلَا فِيهِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا دَخَلَا فِيهِ. وَأَمَّا الثَّمَرُ الْمَجْذُوذُ وَالزَّرْعُ الْمَحْصُودُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ. . قَالَ (وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشَايِخِ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ مُطْلَقًا لَيْسَتْ وَاقِعَةً بَلْ قَوْلَانِ: عَدَمُ الدُّخُولِ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْفَنَ فَيَدْخُلَ أَوْ لَا فَلَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِلَا ذَلِكَ الزَّرْعِ وَبِهِ، فَإِنْ زَادَ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهُ، وَأَمَّا تَقْوِيمُهَا مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَإِنَّمَا الْمُنَاسِبُ مَنْ يَقُولُ إذَا عَفِنَ الْبَذْرُ يَدْخُلُ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، وَيُعَلِّلُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَأَنَّ هَذَا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ: يَعْنِي الِاخْتِلَافَ فِي دُخُولِ الزَّرْعِ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَعَدَمُهُ (بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ) مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ: يَدْخُلُ، وَمَنْ قَالَ يَجُوزُ قَالَ لَا يَدْخُلُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاخْتِلَافَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى سُقُوطِ تَقَوُّمِهِ وَعَدَمِهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَبِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ كِلَاهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى سُقُوطِ تَقَوُّمِهِ، وَالْأَوْجُهُ جَوَازُ بَيْعِهِ عَلَى رَجَاءِ تَرْكِهِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ كَمَا وُلِدَ عَلَى رَجَاءِ حَيَاتِهِ فَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ وَشَجَرٌ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ أَوْ بَاعَ شَجَرًا فَقَطْ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ وَقَالَ: بِعْتهَا أَوْ اشْتَرَيْتهَا بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهَا أَوْ مِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا لَمْ يَدْخُلَا أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ، وَلَوْ كَانَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهَا أَوْ مِنْهَا أَوْ عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ قَلِيلٍ فِيهَا أَوْ مِنْهَا دَخَلَا، هَذَا فِي الْمُتَّصِلِ بِالْأَرْضِ وَالشَّجَرِ؛ أَمَّا الثَّمَرُ الْمَجْذُوذُ وَالزَّرْعُ الْمَحْصُودُ فِيهَا فَلَا يَدْخُلُ، وَلَوْ قَالَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَالْمَجْدُودُ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَمُعْجَمَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: أَيْ الْمَقْطُوعُ غَيْرَ أَنَّ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُنَا أَوْلَى لِيُنَاسِبَ الْمَحْصُودَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً

لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا أَوْ قَدْ بَدَا جَازَ الْبَيْعُ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، إمَّا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الثَّانِي، وَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَعَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ) تَفْرِيغًا لَمِلْكِ الْبَائِعِ، وَهَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا) لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ، وَلَا فِي عَدَمِ جَوَازِهِ بَعْدَ الظُّهُورِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ التَّرْكِ، وَلَا فِي جَوَازِهِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَا فِي الْجَوَازِ بَعْد بُدُوِّ الصَّلَاحِ، لَكِنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ عِنْدَنَا أَنْ تَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَالْفَسَادَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ ظُهُورُ النُّضْجِ وَبُدُوُّ الْحَلَاوَةِ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَعْنَاهُ لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ؛ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَا يَجُوزُ؛ وَعِنْدَنَا إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْأَكْلِ وَلَا فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ، قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ لِعَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ. وَقَدْ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ إلَى جَوَازِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ بَاعَ الثِّمَارَ فِي أَوَّلِ مَا تَطْلُعُ وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَمْ يُوجِبْ فِيهِ الْعُشْرَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَصِحَّةُ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِنَاءً عَلَى التَّعْوِيلِ عَلَى إذْنِ الْبَائِعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ وَإِلَّا فَلَا انْتِفَاعَ بِهِ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ أَنْ يَبِيعَ الْكُمَّثْرَى أَوَّلَ مَا تَخْرُجُ مَعَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ فَيَحُوزُ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَوْرَاقِ كَأَنَّهُ وَرَقٌ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا، وَيَجِبُ قَطْعُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَنَاهَى عِظَمُهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَنَاهَى عِظَمُهُ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ لِعُمُومِ الْبَلْوَى. وَفِي الْمُنْتَقَى: ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَجْهَ قَوْلِهِمَا فِي الصُّورَتَيْنِ

إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ (وَإِنْ شَرَطَ تَرْكَهَا عَلَى النَّخِيلِ فَسَدَ الْبَيْعُ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ هُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ إعَارَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فِي بَيْعٍ، وَكَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا إذَا تَنَاهَى عِظَمُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا قُلْنَا، وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْعَادَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ الْجُزْءُ الْمَعْدُومُ وَهُوَ الَّذِي يَزِيدُ لِمَعْنًى فِي الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ. وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ، وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا تَنَاهَى عِظَمُهَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ هُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ بِلَا أُجْرَةٍ فَشَرْطُ إعَارَةٍ فِي الْبَيْعِ أَوْ بِأُجْرَةٍ فَشَرْطُ إجَارَةٍ فِيهِ، وَمِثْلُ هَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمُتَنَاهِي الِاسْتِحْسَانُ بِالتَّعَامُلِ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَارَفُوا التَّعَامُلَ، كَذَلِكَ فِيمَا تَنَاهَى عِظَمُهُ فَهُوَ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَهَذَا دَعْوَى الشَّافِعِيِّ فِيمَا تَنَاهَى عِظَمُهُ وَمَا لَمْ يَتَنَاهَ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَرْكُهُمْ إيَّاهُ إلَى الْجُذَاذِ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِمَنْعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجُزْءِ الْمَعْدُومِ، وَهُوَ الْأَجْزَاءُ الَّتِي تَزِيدُ بِمَعْنًى مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ إلَى أَنْ يَتَنَاهَى الْعِظَمُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَجْهَ لَا يَتِمُّ فِي الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ إلَّا بِادِّعَاءِ عَدَمِ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهُ، إذْ الْقِيَاسُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِلشَّرْطِ الَّذِي لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فِي الْمُتَنَاهِي وَغَيْرِهِ خَرَجَ مِنْهُ الْمُتَنَاهِي لِلتَّعَامُلِ، فَكَوْنُ مَا لَمْ يَتَنَاهَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إنَّمَا يَكُونُ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ فِيهِ وَالْجُزْءُ الْمَعْدُومُ طُرِدَ، وَلَوْ بَاعَ مَا لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهُ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ ثُمَّ تَرَكَهُ، فَإِمَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ إذْنًا مُجَرَّدًا، أَوْ بِإِذْنٍ فِي ضِمْنِ الْإِجَارَةِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ الْأَشْجَارَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ، أَوْ بِلَا إذْنٍ فَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَالْأَكْلُ، أَمَّا فِي الْإِذْنِ الْمُجَرَّدِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ؛ فَلِأَنَّهَا إجَارَةٌ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ فِي إجَارَةِ الْأَشْجَارِ وَالْحَاجَةِ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ لَيْسَتْ بِمُتَعَيِّنَةٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَخْلَصٌ إلَّا بِالِاسْتِئْجَارِ، وَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ الثِّمَارَ مَعَ أُصُولِهَا فَيَتْرُكَهَا عَلَيْهَا. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ الْعُسْرِ فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي شِرَاءَ مَا لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ أَوْ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِهِ، وَقَدْ لَا يُوَافِقُهُ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِ الْأَشْجَارِ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَأَصْلُ الْإِجَارَةِ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فِيهَا الْبُطْلَانُ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَهَا لِلْحَاجَةِ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ، وَلَا تَعَامُلَ فِي إجَارَةِ الْأَشْجَارِ الْمُجَرَّدَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَشْجَارًا لِيُجَفِّفَ عَلَيْهَا ثِيَابَهُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ. وَإِذَا بَطَلَتْ بَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا فَيَطِيبُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ هُنَا فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ إجَارَتُهَا، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ فَأَوْرَثَ خُبْثًا أَمَّا هُنَا الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَالْبَاطِلُ لَا وُجُودَ لَهُ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا الْإِذْنُ فَطَابَ، أَمَّا الْفَاسِدُ فَلَهُ وُجُودٌ فَكَانَ الْإِذْنُ ثَابِتًا فِي ضِمْنِهِ بِاعْتِبَارِهِ فَمُنِعَ، وَهُنَا صَارَ الْإِذْنُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عُذْرِهِ بِالْجَهْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ جَاهِلًا

لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ لَا تَحَقُّقُ زِيَادَةٍ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا وَتَرَكَهَا عَلَى النَّخِيلِ وَقَدْ اسْتَأْجَرَ النَّخِيلَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَالْحَاجَةِ فَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ وَتَرَكَهُ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ فَأَوْرَثَتْ خُبْثًا؛. . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ. وَفِي الثَّالِثَةِ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ، أَمَّا إذَا بَاعَ مَا تَنَاهَى عِظَمُهُ فَتَرَكَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزْدَدْ فِي ذَاتِهَا شَيْءٌ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (؛ لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ لَا تَحَقُّقُ زِيَادَةٍ) أَيْ تَغَيُّرٌ مِنْ وَصْفٍ إلَى آخَرَ بِوَاسِطَةِ إنْضَاجِ الشَّمْسِ عَلَيْهِ، نَعَمْ عَلَيْهِ إثْمُ غَصْبِ الْمَنْفَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ لَا بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ بِإِثْبَاتِ خُبْثٍ فِيهَا. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ فِي الْخِلَافِيَّةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَعَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا تَزْهُو؟ قَالَ: تَحْمَارُّ أَوْ تَصْفَارُّ» خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا. وَكَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا قَالَ: حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهَا» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد

وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا فَأَثْمَرَتْ ثَمَرًا آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمٌ فَالْقِوَامُ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْحَدِيثُ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَلَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» فَجَعَلَهُ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ دُخُولَهُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْمُبْتَاعِ بِكَوْنِهِ بَدَا صَلَاحُهُ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ «ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَةَ حَائِطٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَالَجَهُ وَقَامَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ، فَسَأَلَ رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ أَوْ يُقِيلَهُ، فَحَلَفَ لَا يَفْعَلُ فَذَهَبْت بِالْمُشْتَرِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: يَأْبَى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هُوَ لَهُ» وَلَوْلَا صِحَّةُ الْبَيْعِ لَمْ تَتَرَتَّبْ الْإِقَالَةُ عَلَيْهِ. أَمَّا النَّهْيُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ قَدْ تَرَكُوا ظَاهِرَهُ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا الْبَيْعَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ صَرِيحَةٌ لِمَنْطُوقِهِ، فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ تَعْلِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِهَا مُدْرَكَةً، قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَمُزْهِيَةً قَبْلَ الزَّهْوِ. وَقَدْ فَسَّرَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَهْوَهَا بِأَنْ تَحْمَرَّ أَوْ تَصْفَرَّ، وَفَسَّرَهَا ابْنُ عُمَرَ بِأَنْ تَأْمَنَ الْعَاهَةَ، فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهَا مُحْمَرَّةً قَبْلَ الِاحْمِرَارِ وَمُصْفَرَّةً قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَوْ آمِنَةً مِنْ الْعَاهَةِ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَنَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ النَّاسَ يَبِيعُونَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ، فَنَهَى عَنْ هَذَا الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَهُوَ لَا يَكُونُ عِنَبًا قَبْلَ السَّوَادِ يُفِيدُهُ فَإِنَّهُ قَبْلَهُ حِصْرِمٌ، فَكَانَ مَعْنَاهُ عَلَى الْقَطْعِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ عِنَبًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ عِنَبًا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِشَرْطِ التَّرْكِ إلَى أَنْ يَبْدُوَ الصَّلَاحُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «أَرَأَيْت لَوْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» فَالْمَعْنَى إذَا بِعْتُمُوهُ عِنَبًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ عِنَبًا بِشَرْطِ التَّرْكِ إلَى أَنْ يَصِيرَ عِنَبًا فَمَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَلَمْ يَصِرْ عِنَبًا بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ يَعْنِي الْبَائِعُ مَالَ أَخِيهِ الْمُشْتَرِي، وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مُتَنَاوِلًا لِلنَّهْيِ، وَإِذَا صَارَ مَحَلُّ النَّهْيِ بَيْعَهَا بِشَرْطِ تَرْكِهَا إلَى أَنْ تَصْلُحَ فَقَدْ قَضَيْنَا عُهْدَةَ هَذَا النَّهْيِ، فَإِنَّا قَدْ أَفْسَدْنَا هَذَا الْبَيْعَ وَبَقِيَ بَيْعُهَا مُطْلَقًا غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لِلنَّهْيِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَلِهَذَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِدْلَالَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْخِلَافِيَّةِ بِالْحَدِيثِ، وَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَنَا فِيهَا: أَعْنِي حَدِيثَ التَّأْبِيرِ سَالِمٌ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ مَبِيعٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الثَّانِي إلَى آخِرِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ لَيْسَ حَدِيثُ التَّأْبِيرِ عَامًّا عَارَضَهُ خَاصٌّ وَهُوَ حَدِيثُ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَأَنَّ التَّرْجِيحَ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْخَاصِّ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ وَحَدِيثُنَا مُبِيحٌ بَلْ لَا يَتَنَاوَلُ أَحَدُهُمَا مَا يَتَنَاوَلُ الْآخَرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا إمَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لِلنَّهْيِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِمَّا مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ لُزُومُ الْقَطْعِ كَانَ بِمِثْلِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلُّ النَّهْيِ إلَّا بَيْعُهَا بِشَرْطِ التَّرْكِ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ. (وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا فَأَثْمَرَتْ ثَمَرًا آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ) فَأَشْبَهَ هَلَاكَهُ

وَلَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِلِاخْتِلَاطِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَكَذَا فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ، وَالْمَخْلَصُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ لِتَحْصُلَ الزِّيَادَةُ عَلَى مِلْكِهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَةً وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا، أَرْطَالًا مَعْلُومَةً) خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجْهُولٌ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ التَّسْلِيمِ (وَلَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِلِاخْتِلَاطِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِهِ) مَعَ يَمِينِهِ (لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَكَذَا فِي) بَيْعِ (الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ) إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ خُرُوجُ بَعْضِهَا اشْتَرَكَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِجَوَازِهِ فِي الْكُلِّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ وَكَانَ يَقُولُ: الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَصْلٌ وَمَا يَحْدُثُ تَبَعٌ نَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَنْهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ عَنْهُ بِكَوْنِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَكُونُ أَكْثَرَ بَلْ قَالَ عَنْهُ: اجْعَلْ الْمَوْجُودَ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا وَقَالَ: اُسْتُحْسِنَ فِيهِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ تَعَامَلُوا بَيْعَ ثِمَارِ الْكَرْمِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِي نَزْعِ النَّاسِ مِنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ، وَقَدْ رَأَيْت رِوَايَةً فِي نَحْوِ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ بَيْعُ الْوَرْدِ عَلَى الْأَشْجَارِ فَإِنَّ الْوَرْدَ مُتَلَاحِقٌ، ثُمَّ جَوَّزَ الْبَيْعَ فِي الْكُلِّ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَخْلَصُ) مِنْ هَذِهِ اللَّوَازِمِ الصَّعْبَةِ (أَنْ يَشْتَرِيَ) أُصُولَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّطَبَةِ لِيَكُونَ مَا يَحْدُثُ (عَلَى مِلْكِهِ) وَفِي الزَّرْعِ وَالْحَشِيشِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَعْلَمُ غَايَةَ الْإِدْرَاكِ وَانْقِضَاءَ الْغَرَضِ فِيهَا بِبَاقِي الثَّمَنِ. وَفِي الْأَشْجَارِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ وَيُحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا يُوجَدُ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَرْجِعَ يَفْعَلُ كَمَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْإِذْنِ فِي تَرْكِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَهُوَ أَنْ يَأْذَنَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ مَتَى رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ كَانَ مَأْذُونًا فِي التَّرْكِ بِإِذْنٍ جَدِيدٍ فَيُحِلُّهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَةً وَيَسْتَثْنِي مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً خِلَافًا لِمَالِكٍ) أَجَازَهُ قِيَاسًا عَلَى اسْتِثْنَاءِ شَجَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ. قُلْنَا: قِيَاسٌ مَعَ

بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ وَاسْتَثْنَى نَخْلًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالُوا هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ؛ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ، بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْحِمْلِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَارِقِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُشَارٍ إلَيْهِ، وَلَا مَعْلُومُ الْكَيْلِ الْمَخْصُوصِ فَكَانَ مَجْهُولًا، بِخِلَافِ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ الشَّجَرَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ مُفْرَزٌ بِالْإِشَارَةِ (قَالُوا: هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) . وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْلِيلِ لَا يَرِدُ مَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمُسْتَثْنَى فَظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْرَقٌ فَيَبْقَى الْكُلُّ مَبِيعًا؛ لِأَنَّ وُرُودَ هَذَا عَلَى التَّعْلِيلِ يَجُوزُ أَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْءٌ وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ يُوجِبُ الْفَسَادَ وَإِنْ ظَهَرَ ارْتِفَاعُهَا بِالْآخِرَةِ وَاتُّفِقَ أَنَّهُ بَقِيَ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْقَائِمَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْحَالِ هِيَ الْمُفْسِدَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ) مِنْ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ أَوْ الشَّاةِ (وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ) كَمَا إذَا بَاعَ هَذِهِ الشَّاةَ إلَّا أَلْيَتَهَا وَهَذَا الْعَبْدَ إلَّا يَدَهُ فَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا مُتَمَيِّزًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا عَلَى الشُّيُوعِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَالْبَاقِلَاءِ فِي قِشْرِهِ) وَكَذَا الْأُرْزُ وَالسِّمْسِمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَاءِ الْأَخْضَرِ، وَكَذَا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ فِي قِشْرِهِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ. وَلَهُ فِي بَيْعِ السُّنْبُلَةِ قَوْلَانِ، وَعِنْدَنَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ. لَهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ تُرَابَ الصَّاغَةِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إفْرَادُهُ بِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَصِيرُ الْبَاقِي مَبِيعًا إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ أَفْسَدَ الْبَيْعَ بِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ لَازِمٌ فِي اسْتِثْنَاءِ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِمَّا عَلَى الْأَشْجَارِ وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إلَى الْمُنَازَعَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ مُبْطِلَةٌ فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنَّ مَا لَمْ يُفْضِ إلَيْهَا يَصِحُّ مَعَهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الصِّحَّةِ مِنْ كَوْنِ الْبَيْعِ عَلَى حُدُودِ الشَّرْعِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَدْ يَتَرَاضَيَانِ عَلَى شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَعَلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَقُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مُصَحَّحًا. وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِ الْمَنْعِ لَعَلَّ الْمَبِيعَ لَا يَبْلُغُ إلَّا تِلْكَ الْأَرْطَالَ فَبَعِيدٌ إذْ الْمُشَاهَدَةُ تُفِيدُ كَوْنَ تِلْكَ الْأَرْطَالِ لَا تَسْتَغْرِقُ الْكُلَّ، وَإِلَّا فَلَا يَرْضَى الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَالْبَاقِلَاءِ فِي قِشْرِهِ، وَكَذَا الْأُرْزُ وَالسِّمْسِمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَاءِ الْأَخْضَرِ، وَكَذَا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ فِي قِشْره الْأَوَّلِ عِنْدَهُ. وَلَهُ) فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ (فِي السُّنْبُلِ قَوْلَانِ) ، وَأَجَازَ بَيْعَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ فِي سُنْبُلِهَا (وَعِنْدَنَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَلَهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَبِيعُ (مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ عَلَيْهِ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ بِجَامِعِ اسْتِتَارِهِ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، وَالْمِعْوَلُ فِي الِاسْتِدْلَالِ.

وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُزْهِيَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» ؛ وَلِأَنَّهُ حَبٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي سُنْبُلِهِ كَالشَّعِيرِ وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا، بِخِلَافِ تُرَابِ الصَّاغَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ بَاعَهُ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا فِي السَّنَابِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَفِي هَذَا غَرَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ الْحِنْطَةِ الْكَائِنَةِ فِي السَّنَابِلِ، وَالْمَبِيعُ مَا أُرِيدَ بِهِ إلَّا الْحَبُّ لَا السَّنَابِلُ فَرَجَعَ إلَى جَهَالَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ، وَأَلْزَمَ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ اللَّوْزِ وَنَحْوِهِ فِي قِشْرِهِ الثَّانِي لَكِنَّهُ تَرَكَهُ لِلتَّعَامُلِ الْمُتَوَارَثِ (وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ. وَيُقَالُ زَهَا النَّخْلُ وَالثَّمَرُ يَزْهُو وَأَزْهَى يُزْهِي لُغَةً، فَفِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ الزَّهْوِ لُغَتَانِ. وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الرُّبَاعِيَّةَ يُزْهِي كَمَا نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُ عَنْ الْغَيْرِ إنْكَارَ يَزْهُو الثُّلَاثِيَّةِ. لَا يُقَالُ: أَنْتُمْ لَمْ تَعْمَلُوا بِصَدْرِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّا عَامِلُونَ وَأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى انْحِطَاطِ النَّهْيِ عَلَى بَيْعِهَا بِشَرْطِ التَّرْكِ إلَى الزَّهْوِ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَعْلُومٌ (فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالشَّعِيرِ فِي سُنْبُلِهِ) بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِمِثْلِهِ فِي سُنْبُلِ الْحِنْطَةِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، أَمَّا أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا أَنَّهُ مَعْلُومٌ؛ فَلِأَنَّهُ مُشَارٌ إلَيْهِ وَبِالْإِشَارَةِ كِفَايَةٌ فِي التَّعْرِيفِ، إذْ الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَةِ عَيْنِهَا لَا يُخِلُّ بِدَرْكِ قَدْرِهِ فِي الْجَهَالَةِ، وَلَيْسَ مَعْرِفَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ شَرْطًا وَإِلَّا امْتَنَعَ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمُشَاهَدَةِ. وَأَوْرَدَ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ حَبَّ قُطْنٍ فِي قُطْنٍ بِعَيْنِهِ أَوْ نَوَى تَمْرٍ فِي تَمْرٍ بِعَيْنِهِ أَيْ بَاعَ مَا فِي هَذَا الْقُطْنِ مِنْ الْحَبِّ وَمَا فِي هَذَا التَّمْرِ مِنْ النَّوَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا فِي غِلَافِهِ. أَشَارَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ النَّوَى هُنَاكَ مُعْتَبَرٌ عَدَمًا هَالِكًا فِي الْعُرْفِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذَا تَمْرٌ وَقُطْنٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا نَوًى فِي تَمْرِهِ وَلَا حَبٌّ فِي قُطْنِهِ وَيُقَالُ هَذِهِ حِنْطَةٌ فِي سُنْبُلِهَا وَهَذَا لَوْزٌ وَفُسْتُقٌ وَلَا يُقَالُ هَذِهِ قُشُورٌ فِيهَا لَوْزٌ وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ وَهُمْ (بِخِلَافِ تُرَابِ الصَّاغَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا) حَتَّى لَوْ بَاعَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ، وَبِمَا ذَكَرْنَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ امْتِنَاعِ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ فِي الشَّاةِ وَالْأَلْيَةِ وَالْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ فِيهَا وَالدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ وَالْعَصِيرِ فِي الْعِنَبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُنْعَدِمٌ فِي الْعُرْفِ. لَا يُقَالُ: هَذَا عَصِيرٌ وَزَيْتٌ فِي مَحَلِّهِ،

(وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَفَاتِيحُ إغْلَاقِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِغْلَاقُ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِيهَا لِلْبَقَاءِ وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْغَلْقِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَعْضٍ مِنْهُ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِدُونِهِ. . قَالَ (وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَنَاقِدِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) أَمَّا الْكَيْلُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلتَّسْلِيمِ وَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ وَمَعْنَى هَذَا إذَا بِيعَ مُكَايَلَةً، وَكَذَا أُجْرَةُ الْوَزَّانِ وَالزَّرَّاعِ وَالْعَدَّادِ، وَأَمَّا النَّقْدُ فَالْمَذْكُورُ رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْوَزْنِ وَالْبَائِعُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِيُمَيِّزَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ لِيَرُدَّهُ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ الْمُقَدَّرِ، وَالْجُودَةُ تُعْرَفُ بِالنَّقْدِ كَمَا يُعْرَفُ الْقَدْرُ بِالْوَزْنِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَأُجْرَةُ وَزَّانِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَبِالْوَزْنِ يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا الْبَاقِي. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الِاسْتِخْرَاجِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَفَاتِيحُ إغْلَاقِهَا) الْمُرَادُ بِالْغَلْقِ مَا نُسَمِّيهِ ضَبَّةً، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً؛ لِأَنَّهَا تُرَكَّبُ لِلْبَقَاءِ إلَّا إذَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي الدَّارِ وَلِهَذَا لَا تَدْخُلُ الْأَقْفَالُ فِي بَيْعِ الْحَوَانِيتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَكَّبُ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْأَلْوَاحَ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً؛ لِأَنَّهَا فِي الْعُرْفِ كَالْأَبْوَابِ الْمُرَكَّبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَلْوَاحِ مَا تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِمِصْرَ دَرَارِيبِ الدُّكَّانِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا عَدَمَ الدُّخُولِ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِهِ) أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّ شِرَاءَ الدَّارِ مَقْصُورٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِذَاتِهَا، بَلْ قَدْ يَكُونُ لِغَرَضِ مُجَرَّدِ الْمِلْكِ لِيَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِوَاسِطَتِهَا أَوْ يَتَّجِرَ بِهَا، وَلِذَا لَمَّا كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مَقْصُورًا عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ أَدْخَلْنَا الطَّرِيقَ. [فَرْعٌ] يُنَاسِبُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ الْبَيْعُ بِلَا تَنْصِيصٍ مِنْ الْمَالِكِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنًى آخَرَ اشْتَرَى مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى غَابَ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ آخَرَ وَيَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ رَضِيَ بِهَذَا فَفَسَخَ دَلَالَةً فَيَحِلُّ لِلْبَائِعِ بَيْعُهُ وَحَلَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَإِنَّمَا كَتَبْتهَا؛ لِأَنَّهَا كَثِيرًا مَا تَقَعُ فِي الْأَسْوَاقِ. (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَوَزَّانِ الْمَبِيعِ وَذُرَّاعِهِ وَعَادِّهِ) وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ أَوْ الذَّرَعِ أَوْ الْعَدِّ (عَلَى الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ إيفَاءَ الْمَبِيعِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِكَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَنَحْوِهِ؛ وَلِأَنَّ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ يُمَيِّزُ مِلْكَهُ عَنْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى هَذِهِ إذَا بَاعَ مُكَايَلَةً

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ الثَّمَنَ أَوَّلًا) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقَدَّمُ دَفْعُ الثَّمَنِ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ لِمَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مُوَازَنَةً أَوْ نَحْوَهُ إذْ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُجَازَفَةِ، وَأُجْرَةُ وَزَّانِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَتَمْيِيزِهِ عَنْهُ فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أُجْرَةُ نَاقِدِ الثَّمَنِ فَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ وَالْمَشَايِخُ، فَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّقْدَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَمْيِيزِ حَقِّهِ، وَهُوَ الْجِيَادُ عَنْ غَيْرِ حَقِّهِ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ وَتَعَرُّفُهُ بِالنَّقْدِ كَمَا يُعْرَفُ الْمِقْدَارُ بِالْوَزْنِ فَكَانَ هُوَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أُجْرَةُ النَّقْدِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَمَا فِي الثَّمَنِ أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا قَبَضَ الدَّيْنَ ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَ النَّقْدِ فَالْأُجْرَةُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ إنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ جَاءَ يَرُدُّهُ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ، قَالَ: وَاخْتَارَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَفِي الْبَابِ الْعَيْنِ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُكَايَلَةً فَالْكَيْلُ عَلَى الْبَائِعِ وَصَبُّهَا فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي الْمُنْتَقَى: إخْرَاجُ الطَّعَامِ مِنْ السُّفُنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا فَعَلَى الْبَائِعِ تَخْلِيصُهَا بِالدَّرْسِ وَالتَّذْرِيَةِ وَدَفْعُهَا إلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَطْعُ الْعِنَبِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ بَاعَهُ جُزَافًا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا قَطْعُ الثَّمَرِ: يَعْنِي إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، الْكُلُّ مِنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ الثَّمَنَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقَدَّمُ دَفْعُ الثَّمَنِ لِتَعَيُّنِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَوْ عَيَّنَ دَرَاهِمَ اشْتَرَى بِهَا (لَمَا) عُرِفَ (أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) فِي الْبَيْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ قَبْضِهَا لِيَتَسَاوَيَا، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي دَفْعُ الثَّمَنِ وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ وَلَوْ أَخَذَ بِالثَّمَنِ كَفِيلًا أَوْ رَهَنَ الْمُشْتَرِي بِهِ رَهْنًا، أَمَّا لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَقَبْلَ سَقْطِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَكَذَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا أَحَالَ الْبَائِعُ بِهِ رَجُلًا سَقَطَ، وَإِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِهِ لَا يَسْقُطُ، وَمَا لَمْ يُسَلَّمْ الْمَبِيعُ هُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فِي جَمِيعِ زَمَانِ حَبْسِهِ، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ بَطَلَ الْبَيْعُ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَعَادَهُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ إنْ كَانَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لَزِمَهُ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ قِيلَ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعَيُّنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا فِي الدَّفْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمَانُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَإِنْ هَلَكَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَعَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَيَضْمَنُ لَهُ الْجَانِي فِي الْمِثْلِيِّ وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ؛ فَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ وَفِيهِ فَضْلٌ لَا يَطِيبُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ طَابَ، وَإِنْ شَاءَ اخْتَارَ الْبَيْعَ وَأَتْبَعَ الْجَانِيَ فِي الضَّمَانِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ فِي الضَّمَانِ فَضْلٌ فَعَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ قِيلَ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي تَعَيُّنِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا) قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِيجَابُ تَقْدِيمِ دَفْعِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عَلَى الْآخَرِ تَحَكُّمٌ فَيَدْفَعَانِ مَعًا وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمُ الْمُوجِبُ لِلْبَرَاءَةِ. فِي التَّجْرِيدِ: تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَكَذَا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ. وَفِي الْأَجْنَاسِ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ التَّسْلِيمِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: أَنْ يَقُولَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَبِيعِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى صِفَةٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفِعْلُ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُفْرِزًا غَيْرَ مَشْغُولٍ بِحَقِّ غَيْرِهِ. وَعَنْ الْوَبَرِيِّ: الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ الْمَتَاعِ وَالْبَيْتِ صَحَّ وَصَارَ الْمَتَاعُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: الْقَبْضُ أَنْ يَقُولَ: خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فَاقْبِضْهُ، وَيَقُولَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبَضْته، فَإِنْ أَخَذَهُ بِرَأْسِهِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ فَقَادَهُ فَهُوَ قَبْضٌ دَابَّةً كَانَ أَوْ بَعِيرًا، وَإِنْ كَانَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي تَعَالَ مَعِي أَوْ امْشِ فَخَطَا مَعَهُ فَهُوَ قَبْضٌ. وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ. وَفِي الثَّوْبِ إنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ: خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهُ فَاقْبِضْهُ فَقَالَ قَبَضْته فَهُوَ قَبْضٌ، وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي بَيْتٍ وَدَفَعَ الْبَائِعُ الْمِفْتَاحَ إلَيْهِ وَقَالَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهَا فَهُوَ قَبْضٌ، وَإِنْ دَفَعَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ قَبْضًا، وَلَوْ بَاعَ دَارًا غَائِبَةً فَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك وَقَالَ قَبَضْتهَا لَمْ يَكُنْ قَبْضًا، وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً كَانَ قَبْضًا، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إغْلَاقِهَا، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إغْلَاقِهَا فَهِيَ بَعِيدَةٌ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بِالتَّخْلِيَةِ يَقَعُ الْقَبْضُ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ يَبْعُدُ عَنْهُمَا. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ إذَا بَاعَ ضَيْعَةً وَخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْهَا يَصِيرُ قَابِضًا أَوْ يَبْعُدُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا. قَالَ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ، فَإِنَّهُمْ يَشْتَرُونَ الضَّيْعَةَ بِالسَّوَادِ وَيُقِرُّونَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِهِ الْقَبْضُ وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ: يَصِحُّ الْقَبْضُ وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ غَائِبًا عَنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ: دَفْعُ الْمِفْتَاحِ فِي بَيْعِ الدَّارِ تَسْلِيمٌ إذَا تَهَيَّأَ لَهُ فَتْحُهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى بَقَرًا فِي السَّرْحِ فَقَالَ: الْبَائِعُ اذْهَبْ وَاقْبِضْ إنْ كَانَ يَرَى بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ يَكُونُ قَبْضًا. وَلَوْ بَاعَ خَلًّا وَنَحْوَهُ فِي دَنٍّ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي دَارِ نَفْسِهِ وَخَتَمَ الْمُشْتَرِي عَلَى الدَّنِّ فَهُوَ قَبْضٌ. وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَمَرَهُ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَخَذَهُ إنْسَانٌ، وَإِنْ كَانَ حِينَ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ صَحَّ التَّسْلِيمُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِقِيَامٍ لَا يَصِحُّ. وَلَوْ اشْتَرَى طَيْرًا فِي بَيْتٍ وَالْبَابُ مُغْلَقٌ فَأَمَرَهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ

[باب خيار الشرط]

(بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ) قَالَ: (خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يَقْبِضْ حَتَّى هَبَّتْ رِيحٌ فَفَتَحَتْ الْبَابَ فَطَارَ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ، وَإِنْ فَتَحَهُ الْمُشْتَرِي فَطَارَ صَحَّ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ بِأَنْ يُحْتَاطَ فِي الْفَتْحِ. وَلَوْ اشْتَرَى فَرَسًا فِي حَظِيرَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ سَلَّمْتهَا إلَيْك فَفَتَحَ الْمُشْتَرِي الْبَابَ فَذَهَبَ الْفَرَسُ إنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُهَا مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ كَانَ قَبْضًا، وَهُوَ تَأْوِيلُ مَسْأَلَةِ الطَّيْرِ، وَفِي مَكَان آخَرَ مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ وَلَا حَبْلٍ وَلَوْ اشْتَرَى دَابَّةً وَالْبَائِعُ رَاكِبُهَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: احْمِلْنِي مَعَك فَحَمَلَهُ فَعَطِبَتْ هَلَكَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا سَرْجٌ وَرَكِبَ الْمُشْتَرِي فِي السَّرْجِ يَكُونُ قَابِضًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَا رَاكِبَيْنِ فَبَاعَ الْمَالِكُ مِنْهُمَا الْآخَرَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا كَمَا إذَا بَاعَ الدَّارَ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِيهَا مَعًا. [بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ] قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْبَيْعَ عِلَّةٌ لِحِكْمَةِ لُزُومِ تَعَاكُسِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْبَدَلَيْنِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ حُكْمُ الْعِلَّةِ عَنْهَا فَقَدَّمَ مَا هُوَ الْأَصْلُ. ثُمَّ شَرَعَ يَذْكُرُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعِلَّةِ الَّتِي تَخَلَّفَ عَنْهَا مُقْتَضَاهَا، وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَظَهَرَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مَانِعٌ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَيُقَالُ لِلْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا، وَلِلْمُسْتَلْزِمِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلَاحِهِمْ فِي الْأُصُولِ. وَالْمَوَانِعُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْمَبِيعِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْمَبِيعُ فِي الْحُرِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي مَحَلِّهَا، وَمَحَلُّ الْبَيْعِ الْمَالُ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا وُجُودَ لِلْبَيْعِ أَصْلًا فِيهِ كَانْقِطَاعِ الْوَتَرِ يَمْنَعُ أَصْلَ الرَّمْيِ بَعْدَ الْقَصْدِ إلَيْهِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمُضَافُ إلَى مَالِ الْغَيْرِ كَإِصَابَةِ السَّهْمِ بَعْدَ الرَّمْيِ حَائِطًا فَرَدَّهُ عَنْ سَنَنِهِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى مِثَالِ اسْتِتَارِ الْمُرْمَى إلَيْهِ بِتِرْسٍ يَمْنَعُ مِنْ إصَابَةِ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَإِضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى الشَّرْطِ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِضَافَةِ، وَهِيَ إضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى سَبَبِهِ إذْ سَبَبُهُ الشَّرْطُ، وَحِينَ وَرَدَ شَرْعِيَّتُهُ جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِهِ تَقْلِيلًا لِعَمَلِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ إثْبَاتُ الْحَظْرِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَبِذَلِكَ يُشْبِهُ الْقِمَارَ فَقَلَّلْنَا شَبَهَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقِمَارُ مَا حَرُمَ لِمَعْنَى الْحَظْرِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ تَعْلِيقِ الْمِلْكِ بِمَا لَمْ يَضَعْهُ الشَّرْعُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَضَعْ ظُهُورَ الْعَدَدِ الْفُلَانِيِّ فِي وَرَقَةٍ مَثَلًا سَبَبًا لِلْمِلْكِ، وَالْحَظْرُ طَرْدٌ فِي ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ. نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ اعْتَبَرْنَاهُ فِي الْحُكْمِ تَقْلِيلًا، بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَأَمَّا كَوْنُهُ فِيهِ غَرَرٌ وَقَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَذَلِكَ الْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ، وَهَذَا فِي أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يَثْبُتُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي

وَلَهُمَا الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِي الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) يُرْوَى بِنَصْبِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى الظَّرْفِ: أَيْ فِي ثَلَاثَةٍ وَبِرَفْعِهَا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. ثُمَّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لَهُمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ أَصْلًا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ) الْحَدِيثَ. رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكَانَ قَدْ أَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ، وَكَانَ قَدْ ثَقُلَ لِسَانُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ» وَكَانَ يَشْتَرِي الشَّيْءَ فَيَجِيءُ بِهِ إلَى أَهْلِهِ فَيَقُولُونَ لَهُ هَذَا غَالٍ فَيَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَيَّرَنِي فِي بَيْعِي وَسَكَتَ عَلَيْهِ. وَحَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمُنْقِذٌ بِالْمُعْجَمَةِ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَصْلُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنَّهُ فَاسِدٌ، وَلَكِنْ لَمَّا شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَيْعِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ جَعَلَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثَةٍ فِيمَا ابْتَاعَ انْتَهَيْنَا إلَى مَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يُزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ لَهُ: إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ» قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كَانَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ أُصِيبَ فِي رَأْسِهِ وَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كَانَ جَدِّي مُنْقِذَ بْنَ عَمْرٍو

(وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَا (يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ) ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّرَوِّي لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَصَارَ كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ آمَةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَكَانَ لَا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ التِّجَارَةَ وَكَانَ لَا يُزَالُ يُغْبَنُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو، لَا حِبَّانُ ابْنُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَغَلَطُ مَنْ عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد، وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كَانَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو فَذَكَرَهُ قَالَ: وَعَاشَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَالْحَدِيثُ وَإِنْ دَار عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ فَالْأَكْثَرُ عَلَى تَوْثِيقِهِ، وَرَجَعَ مَالِكٌ عَمَّا قَالَ فِيهِ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأَنِفِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو قُلْ لَا خِلَابَةَ، وَإِذَا بِعْت بَيْعًا فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الْوَاقِعَةِ لِحِبَّانَ أَرْجَحَ؛ لِأَنَّ هَذَا مُنْقَطِعٌ وَذَلِكَ مَوْصُولٌ، هَذَا وَشَرْطُ الْخِيَارِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» وَالْخِلَابَةُ الْخَدِيعَةُ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَقْصُودِ؛ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ شَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ لَا يَمَسُّ الْمَطْلُوبَ. [فَرْعٌ] يَجُوزُ إلْحَاقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالْبَيْعِ، لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ بِأَيَّامٍ جَعَلْتُك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ، حَتَّى لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْبَيْعِ الْبَاتِّ شَهْرًا وَرَضِيَا بِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا فَاسِدًا بَطَلَ الشَّرْطُ، وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي قَوْلِهِمَا وَيَفْسُدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَغِلَّهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ جَازَ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ. وَلَوْ قَالَ فِي بَيْعِ بُسْتَانٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرَتِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يُسْقِطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ. وَلَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ بِالْخِيَارِ كَانَ لَهُ خِيَارُ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ إلَى الظُّهْرِ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَمِرُّ لَهُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ) وَكَمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إذَا أَطْلَقَ (وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَجَازَ الْبَيْعَ إلَى شَهْرَيْنِ) وَهَذَا دَلِيلُ جُزْءِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يُفِيدُ جَوَازَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِمُدَّةٍ خَاصَّةٍ لَا غَيْرُ (لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّرَوِّي لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَصَارَ كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ) شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّأْخِيرِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، ثُمَّ جَازَ أَيُّ مِقْدَارٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ أَحْمَدُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ، فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَانْتَفَتْ الزِّيَادَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ كَالْفَاكِهَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْخِيَارُ فِي أَكْثَرِ مِنْ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ ضَيْعَةً لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْحَاجَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَتَعَيَّنْ اشْتِرَاطُ الْأَكْثَرِ طَرِيقًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِإِمْكَانِ أَنْ يَذْهَبَ فَيَرَاهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ لَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ثَابِتٌ لَهُ وَلَوْ تَأَخَّرَتْ رُؤْيَتُهُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي أَمْرِهَا هَلْ تُسَاوِي الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ أَوْ لَا أَوْ هِيَ مُنْتَفَعٌ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَرَهَا؟ فَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالسُّؤَالِ وَالْمُرَاجَعَةِ لِلنَّاسِ الْعَارِفِينَ وَذَلِكَ يَحْصُلُ فِي مُدَّةِ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ بِفَسَادٍ فَحُكْمُهُ مَسْطُورٌ. فِي فَتَاوَى الْقَاضِي: اشْتَرَى شَيْئًا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْقِيَاسِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى شَيْءٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَفْسَخَ الْبَيْعَ وَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْمَبِيعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْك مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى تُجِيزَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسُدَ الْمَبِيعُ عِنْدَك دَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى فِي يَدِ رَجُلٍ بِشِرَاءِ شَيْءٍ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالسَّمَكَةِ الطَّرِيَّةِ وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَيُخَافُ فَسَادُهَا فِي مُدَّةِ التَّزْكِيَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ السَّمَكَةَ ثُمَّ الْقَاضِي يَبِيعُهَا مِنْ آخَرَ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهَا وَيَضَعُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ، فَإِنْ عُدِّلَتْ الْبَيِّنَةُ يُقْضَى لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الثَّانِي وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لِلْبَائِعِ؛ وَلَوْ ضَاعَ الثَّمَنَانِ عِنْدَ الْعَدْلِ يَضِيعُ الثَّمَنُ الثَّانِي مِنْ مَالِ مُدَّعِي الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي كَبَيْعِهِ، وَلَوْ لَمْ تَعْدِلْ الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّمَكَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَثْبُتْ وَبَقِيَ آخِذًا مَالَ الْغَيْرِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ) ثَبَتَ نَصًّا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلتَّرَوِّي فِيمَا يَدْفَعُ الْغَبْنَ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّظَرَ لِاسْتِكْشَافِ كَوْنِهِ فِي هَذَا الْمَبِيعِ مَغْبُونًا أَوْ غَيْرَ مَغْبُونٍ مِمَّا يَتِمُّ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلْ فِي أَقَلَّ مِنْهَا؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِهِ مَغْبُونًا فِي هَذِهِ الصَّفْقَةِ أَوْ لَا لَيْسَ مِنْ الْعُلُومِ الْبَالِغَةِ فِي الْخَفَاءِ وَالْإِشْكَالِ لِيَحْتَاجَ فِي حُصُولِهِ إلَى مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَيْهَا، فَكَانَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ لَيْسَ فِي مَحِلِّ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِحُصُولِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِالثَّلَاثِ دَلَالَةً كَمَا لَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ. وَلَوْ فُرِضَ مِنْ الْغَبَاوَةِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَفِيدُ كَوْنَهُ مَغْبُونًا لَمْ يُعْذَرْ، وَلَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ زَائِلُ الْعَقْلِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ إنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَرَبَ الثَّلَاثَ لِمَنْ كَانَتْ غَايَةً فِي ضَعْفِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَمْرِ حِبَّانَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا ضَعِيفًا وَكَانَ بِدِمَاغِهِ مَأْمُومَةٌ أَفْسَدَتْ، أَوْ أَنَّهُ مُنْقِذٌ وَكَانَ قَدْ أَصَابَتْهُ آمَةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ وَنَازَعَتْ عَقْلَهُ وَبَلَغَ مِنْ السِّنِّ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً كَمَا فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ الْأَوْسَطِ، فَأَيُّ حَالَةٍ تَزِيدُ عَلَى هَذِهِ مِنْ الضَّعْفِ إلَّا عَدَمُ الْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ الزَّائِدِ مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي السَّمْعِ مَا يَنْفِيهِ صَرِيحًا، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْحُجَّةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحُجَّةِ، وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْعَ وَقَالَ: الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» إلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِأَبَانَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَكَذَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(إلَّا أَنَّهُ إذَا أَجَازَ فِي الثَّلَاثِ) جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِزُفَرِ، هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَلَهُ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَعُودُ جَائِزًا كَمَا إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَأَعْلَمَهُ فِي الْمَجْلِسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» وَفِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مَيْسَرَةَ مَتْرُوكٌ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَلَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْآثَارِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْأَجَلِ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَضُرُّنَا، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا شَرَعَ الْأَجَلَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ شَرَعَهُ مُطْلَقًا فَعَمِلْنَا بِإِطْلَاقِهِ، وَهُنَا لَمَّا شَرَعَ الْخِيَارَ شَرَعَهُ مُقَيَّدًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ بِثَلَاثِ لَيَالٍ فَعَمِلْنَا بِتَقْيِيدِهِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ الْأَجَلَ أَيْضًا مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ كُنَّا نَقُولُ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَلِوُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ نُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخِيَارِ مَا وَرَدَ إلَّا لِلْمُشْتَرِي. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ بَلْ لِلْأَعَمِّ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ " إذَا بَايَعْت " وَهُوَ يَصْدُقُ بِكَوْنِهِ بَائِعًا وَمُشْتَرِيًا (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا: أَيْ لَا يَجُوزُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ إلَّا فِي وَقْتِ إجَازَتِهِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافًا لِزُفَرَ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (هُوَ) أَيْ زُفَرُ (يَقُولُ إنَّهُ) أَيْ الْعَقْدُ (انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا) كَمَا إذَا بَاعَ الدِّرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْقَطَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ لَا يَقَعُ صَحِيحًا، أَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ خَمْرًا ثُمَّ أَسْقَطَ الْخَمْرَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى حَسَبِ الثُّبُوتِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ ثَبَتَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ) وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْيَوْمِ الرَّابِعِ (قَبْلَ تَقَرُّرِهِ) أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَتَحَقُّقِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَيَعُودُ جَائِزًا (كَمَا إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَعَلِمَهُ بِالْمَجْلِسِ فَرَضِيَ بِهِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لَيْسَ هُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ، بَلْ وَصْلُهُ بِالرَّابِعِ وَهُوَ بِعَرْضِ الْفَصْلِ قَبْلَ مَجِيئِهِ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ فَقَدْ تَحَقَّقَ زَوَالُ الْمَعْنَى الْمُفْسِدِ قَبْلَ مَجِيئِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ، فَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ حُكْمُهُ الْفَسَادُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إذْ الظَّاهِرُ دَوَامُهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ تَبَيَّنَ الْأَمْرُ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَقَالَ مَشَايِخُ خُرَاسَانَ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: هُوَ مَوْقُوفٌ، وَبِالْإِسْقَاطِ قَبْلَ الرَّابِعِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَإِذَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَسَدَ الْعَقْدُ الْآنَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ

وَلِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِذَا أَجَازَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَّصِلْ الْمُفْسِدُ بِالْعَقْدِ، وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ بِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ثُمَّ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِحَذْفِ الشَّرْطِ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. (وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي وَأَثْبَتَ لِلْبَائِعِ حَقَّ الْفَسْخِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقُّ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى بِحَسَبِ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ إلَّا عَدَمَ الْفَسَادِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الرَّابِعُ فَيَثْبُتُ الْفَسَادُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَحَقِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ لَا فَسَادَ قَبْلَ الرَّابِعِ بَلْ مَوْقُوفٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ أَنَّ الْفَسَادَ ثَابِتٌ عَلَى وَجْهٍ شَرْعًا بِإِسْقَاطِهِ خِيَارَ الرَّابِعِ قَبْلَ مَجِيئُهُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ثُمَّ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِحَذْفِ الشَّرْطِ. وَقَوْلُهُ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي قَوْلَهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهُوَ كَالْقَلْبِ، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ هُوَ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى الْأَصْلِ لَا أَنَّ أَصْلَ الْقَاعِدَةِ يَنْبَنِي عَلَى التَّعْلِيلِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا لِزُفَرَ أَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْبَدَلُ فَلَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُ وَهُنَا فِي شَرْطِهِ، وَكَمَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا إذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ كَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَحْدَثَ بِهِ مَا يُوجِبُ لُزُومَ الْبَيْعِ يَنْقَلِبُ جَائِزًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا جَازَ) وَالْمُنْتَفِعُ بِهَذَا الشَّرْطِ هُنَا هُوَ الْبَائِعُ،

وَإِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إذْ الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى الِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي الْفَسْخِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ. وَقَدْ مَرَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ، وَنَفَى الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ وَكَذَا مُحَمَّدٌ فِي تَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ. وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَقَالَ إنْ رَدَّهُ الْبَائِعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ. يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَيَصِيرُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ حَتَّى إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ. وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ. وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ نَفَذَ (وَإِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) فَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ فِيهَا فَسَدَ الْبَيْعُ وَلَا يَنْفَسِخُ نَصَّ عَلَيْهِ ظَهِيرُ الدِّينِ وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ فِي يَدِهِ عَتَقَ لَا إنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ) عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ (فَإِنْ دَفَعَ الثَّمَنَ فِي الثَّلَاثَةِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الثَّمَنِ (أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً لَا قِيَاسًا وَالدَّلَالَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا سِوَى التَّسَاوِي) وَفَهْمُ الْمُلْحَقِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ الْأَصْلِ مَعَ فَهْمِ الْأَصْلِ مَعَ فَهْمِ اللُّغَةِ، وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ صِحَّةَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِلتَّرَوِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَبَادَرَ إلَيْهِ أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِلتَّرَوِّي لِدَفْعِ ضَرَرِ الْغَبْنِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيَتَبَادَرُ إلَيْهِ جَوَازُهُ لِدَفْعِ الْغَبْنِ فِي الثَّمَنِ لِلْمُمَاطَلَةِ. وَكَوْنُ هَذَا يَنْفَسِخُ بِتَمَامِ الْمُدَّةِ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ وَذَاكَ يَنْبَرِمُ بِتَمَامِهَا بِلَا رَدٍّ لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الدَّلَالَةِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْجَامِعِ الَّذِي يَفْهَمُهُ مَنْ فَهِمَ اللُّغَةَ. إلَّا أَنَّك سَمِعْت أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِتَمَامِهَا بَلْ يَرْجِعُ فَاسِدًا (وَقَدْ مَرَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ حَيْثُ جَعَلَهُ جَائِزًا بِلَا تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ،

وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ آخَرُ وَإِلَيْهِ مَال زُفَرُ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ شُرِطَ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالشَّرْطِ، وَاشْتِرَاطُ الصَّحِيحِ مِنْهَا فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، فَاشْتِرَاطُ الْفَاسِدِ أَوْلَى وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَا يَتِمُّ مَعَ الْخِيَارِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ فَأَخَذَ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ: يَعْنِي أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي جَوَازِ شَرْطِ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأَخَذَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْقِيَاسِ: أَيْ فِي نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثَةِ. وَأَمَّا فِي الثَّلَاثَةِ فَبِحَدِيثِ ابْنِ الْبَرْصَاءِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ لَهُ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ. هَذَا مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْهُ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يُرَجِّحُوا عَنْهُ شَيْئًا وَحَكَمُوا عَلَى قَوْلِهِ بِالِاضْطِرَابِ (وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ آخَرُ) يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْبَيْعُ أَصْلًا (وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ شُرِطَتْ فِيهِ إقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ دَفْعِ الثَّمَنِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَالْإِقَالَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى جُعِلَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، وَهُوَ لَوْ شَرَطَ الْإِقَالَةَ الصَّحِيحَةَ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَعْلَقْ بِالشَّرْطِ قَالَ بِعْتُك عَلَى أَنْ أُقِيلُك وَتَقْبَلُهَا أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك عَلَى أَنْ تُقِيلَنِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ (فَاشْتِرَاطُ الْفَاسِدَةِ أَوْلَى) وَبِهَذَا الْقِيَاسِ قَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، فَكُلُّهُمْ مَنَعُوا صِحَّةَ الْبَيْعِ. وَالْوَجْهُ عَلَيْهِمْ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِالدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ. (قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ) الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ (بِالْمُرَاضَاةِ) لِمَا عُرِفَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] (وَلَا يَتِمُّ) الرِّضَا (مَعَ الْخِيَارِ) ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ الرِّضَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ فَلَمْ يَتِمَّ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الرِّضَا فَلَا يُوجِبُ حُكْمَهُ فِي حَقِّهِ فَلَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ؛ فَلِهَذَا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فَنَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ لِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهِ بِلَا اخْتِلَالٍ، وَبِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ يُعْرَفُ أَنَّ

وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ (وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ. قَالَ (وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي جَانِبِ الْآخَرِ لَازِمٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْبَدَلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ خُرُوجَ الثَّمَنِ عَنْ مِلْكِهِ لِاتِّحَادِ نِسْبَتِهِ إلَى كُلِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ (فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا) فِي حَقِّ الْمَبِيعِ، وَلَا يُمْكِنُ نَفَاذُهُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ (لَا نَفَاذَ بِلَا مَحَلٍّ فَبَقِيَ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (مَقْبُوضًا) لَا عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ الْمَحْضَةِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِعَارَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ الْعَقْدِ فَأَقَلُّ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمَقْبُوضِ (عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَفِي) الْمَقْبُوضِ عَلَى (سَوْمِ الشِّرَاءِ الْقِيمَةُ) إذَا هَلَكَ وَهُوَ قِيَمِيٌّ وَالْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ إذَا كَانَ الْقَبْضُ بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمَّ ثَمَنٌ فَلَا ضَمَانَ فِي الصَّحِيحِ. وَعَلَيْهِ فَرْعُ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ: فِي رَجُلٍ أَخَذَ ثَوْبًا فَقَالَ اذْهَبْ بِهِ فَإِنْ رَضِيته اشْتَرَيْته فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَالَ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشْرَةٍ كَانَ ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ، وَبِثُبُوتِ الضَّمَانِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْبَيْعِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ؛ وَعِنْدَهُمْ وَجْهٌ فِي ضَمَانِهِ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ ثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ حَقِّ الْفَسْخِ انْتِفَاءُ حَقِّ الْمِلْكِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ. قُلْنَا: قَوْلُك تَمَّ الْبَيْعُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إنْ أَرَدْت فِي حَقِّ حُكْمِهِ مَنَعْنَاهُ أَوْ تَمَّتْ صُورَتُهُ فَمُسَلَّمٌ، وَلَا يُفِيدُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ حَتَّى يُوجَدَ شَرْطُ عَمَلِهِ وَهُوَ تَمَامُ الرِّضَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْهَلَاكَ بِكَوْنِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَهَا، وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَضْمَنُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَمَا انْبَرَمَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ فَسْخِ الْبَائِعِ فِي الْمُدَّةِ (وَلَوْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (فِي يَدِ الْبَائِعِ) وَالْحَالُ أَنَّ الْخِيَارَ لَهُ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ يَنْفَسِخُ (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ) عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ فِيهِ: إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّحِيحِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَذَلِكَ أَعْنِي الِانْفِسَاخَ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، بَلْ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ الْأَصَالَةُ وَالْفَاسِدُ يَأْخُذُ حُكْمَهُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ) وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْبَيْعَ) إلَى آخِرِهِ تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ وَهُوَ قَوْلُنَا فَيَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي جَانِبِهِ لَازِمٌ بَاتٌّ فَقَدْ تَمَّ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ وَانْتَفَى مَا يَمْنَعُهُ مِنْ عَمَلِهِ إذَا كَانَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُهُ فَيَخْرُجُ (وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْبَدَلِ) الَّذِي هُوَ

عَنْ مِلْكِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ دُونَ الْآخَرِ. قَالَ: إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ رُبَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِأَنْ كَانَ قَرِيبَهُ فَيَفُوتُ النَّظَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جِهَةِ (مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُوجِبُ عَدَمَ الرِّضَا بِخُرُوجِ مِلْكِهِ عَنْهُ فَلَا يُؤَثِّرُ السَّبَبُ خُرُوجَهُ لِعَدَمِ شَرْطِ عَمَلِهِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهُ) بِمَعْنَى لَكِنَّ، وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ لِأَمْرٍ مُتَبَادِرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُقَدَّرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ) الْمُشْتَرِي، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ (لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى) مِلْكِ (مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ) فِي بَابِ التِّجَارَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ كَالسَّائِبَةِ فَلَا يَرِدُ شِرَاءُ مُتَوَلِّي أَمْرِ الْكَعْبَةِ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لِسَدَانَةِ الْكَعْبَةِ، وَالضَّيْعَةُ الْمَوْقُوفَةُ بِعَبِيدِهَا إذَا ضَعُفَ أَحَدُهُمْ فَاشْتَرَى بِبَدَلِهِ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَلْ مِنْ بَابِ الْأَوْقَافِ وَحُكْمُ الْأَوْقَافِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَا تَرِدُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَلَا الْغُرَمَاءِ لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ اجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ) وَالثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ (فِي مِلْكِ) أَحَدِ الْمُتَعَاوِضَيْنِ (حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ) وَأَنَّى يَكُونُ (وَالْمُعَاوَضَةُ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ) بَيْنَ الْمُتَعَاوِضَيْنِ فِي تَبَادُلِ مِلْكَيْهِمَا، بِخِلَافِ ضَمَانِ غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ إذَا أَبَقَ مِنْ عِنْدِهِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ بَدَلُ الْيَدِ أَوْ الْمِلْكِ حَيْثُ لَا يَخْرُجُ الْمُدَبَّرُ بِهِ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ فَيَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَهَذَا أَلْزَمُ فِي الشَّرْعِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلسَّدَانَةِ وَالْوَقْفِ كَائِنٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ يَخْرُجُ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ (وَلِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي شُرِعَ نَظَرًا لَهُ لِيَتَرَوَّى فَيَقِفُ عَلَى الْمُصْلِحَةِ) فِي رَأْيِهِ (وَلَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ لَهُ) بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ مَعَ خِيَارِهِ أَلْحَقْنَاهُ نَقِيضَ مَقْصُودِهِ (إذْ رُبَّمَا) كَانَ الْمَبِيعُ مَنْ (يَعْتِقُ عَلَيْهِ) فَيَعْتِقُ (مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ) فَيَعُودُ شَرْعُ الْخِيَارِ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ إذَا كَانَ مُفَوِّتًا لِلنَّظَرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ أُورِدَ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ

قَالَ (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِالثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَالْهَلَاكُ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ فَيَهْلِكُ، وَالْعَقْدُ قَدْ انْبَرَمَ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ حُكْمًا بِخِيَارِ الْبَائِعِ فَيَهْلِكُ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْمِلْكِ وَلِذَا لَا تَثْبُتُ بِحَقِّ السُّكْنَى لَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا إذَا بِيعَتْ بِجِوَارِهَا بِالِاتِّفَاقِ وَالْإِجْمَاعِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِهَا تَصَرُّفًا لَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ يَسْتَحِقُّهَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجِوَارِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى. وَحَاصِلُ هَذَا مَعَ قَصْرِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ عَلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا تَكَلُّفٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مُعَلَّلَةً بِانْبِرَامِ الْبَيْعِ فِي ضِمْنِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَيَثْبُتُ مُقْتَضًى تَصْحِيحًا، وَمَا فِي الْأَجْنَاسِ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إذَا رَآهَا وَيَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ (فَإِنْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) وَلَوْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (هَلَكَ بِالثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ) لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ يُرْجَى زَوَالُهُ فِي الْمُدَّةِ بِأَنْ مَرِضَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ عَلَى خِيَارِهِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَرِيضًا بَلْ حَتَّى يَبْرَأَ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَبْرَأْ لَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِي كُلِّ عَيْبٍ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ إلَّا فِي خَصْلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ النُّقْصَانَ إذَا حَصَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْبَائِعِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ، بَلْ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ الْبَائِعِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ هَلَكَ بِالثَّمَنِ: يَعْنِي الْفَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالْقِيمَةِ، وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ هُوَ أَنَّ الْهَلَاكَ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ وَدُخُولُ الْعَيْبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ حَالَ قِيَامِهِ كَائِنًا مَا كَانَ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْهَلَاكُ لَمْ تُوجَدْ حَالَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِلرَّدِّ فَيَهْلِكُ وَقَدْ انْبَرَمَ الْعَقْدُ، وَانْبِرَامُ الْعَقْدِ يُوجِبُ الثَّمَنَ لَا الْقِيمَةَ (بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ حُكْمًا لِخِيَارِ الْبَائِعِ (فَيَهْلِكُ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ) فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ بَلْ الْقِيمَةَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ

عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِمَا لَهُ مِنْ الْخِيَارِ (وَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِحُكْمِ النِّكَاحِ (إلَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُنْقِصُهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: يَفْسُدُ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا (وَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَرُدَّهَا) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا؛ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخَوَاتٌ كُلُّهَا تَبْتَنِي عَلَى وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ: مِنْهَا عِتْقُ الْمُشْتَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَمِنْهَا: عِتْقُهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِمَا لَهُ مِنْ الْخِيَارِ) وَالْمَبِيعُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، فَلَوْ رَدَّ الْبَيْعَ اسْتَمَرَّتْ زَوْجَةً عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا إذَا فَسَخَهُ رَجَعَتْ إلَى مَوْلَاهَا بِلَا نِكَاحٍ عَلَيْهَا (وَإِنْ وَطِئَهَا) بَعْدَ الشِّرَاءِ (لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَلْزَمُ هُنَا أَنْ يَكُونَ إجَازَةً؛ لِأَنَّ لَهُ فِي النِّكَاحِ مِلْكًا قَائِمًا يُحِلُّ لَهُ الْوَطْءَ فَلَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ وَطْئِهِ إجَازَةً (إلَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُنْقِصُ الْبِكْرَ) فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ لِلْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ، وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ وَهِيَ ثَيِّبٌ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ عِنْدَهُ أَيْضًا لِلنَّقْصِ الَّذِي دَخَلَهَا لَا لِذَاتِ الْوَطْءِ، فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا الَّذِي بَاعَهَا فَقَدْ رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ بِزَوَالِ الْبَكَارَةِ وَحِينَ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ فَقَدْ رَضِيَ بِالرَّدِّ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِرَدِّهَا نَاقِصَةً. أُجِيبَ بِمَنْعِ بَقَاءِ الرِّضَا بِذَلِكَ بَعْدَ الْبَيْعِ بَلْ لَمَّا بَاعَهَا نُسِخَ ذَلِكَ الرِّضَا إلَى الرِّضَا بِمَا هِيَ أَحْكَامُ هَذَا الْبَيْعِ وَأَحْكَامُ هَذَا الْبَيْعِ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَقَالَا: يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا لَا يَرُدُّهَا) وَلَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بَعْدَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ لَيْسَ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ وَرِضًا بِالْبَيْعِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ (وَلَهَا أَخَوَاتٌ) ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ (مِنْهَا عِتْقُ) الْعَبْدِ (الْمُشْتَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي) بِشَرْطِ الْخِيَارِ (وَفِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ قَرِيبَهُ) قَرَابَةً مُحَرِّمَةً عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ (وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ) فَاشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِسَبَبِ الْخِيَارِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَعِنْدَهُمَا وُجِدَ فَعَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ. أَمَّا لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهَذَا شِرَاءٌ فَيَكُونُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِذَا لَا يُعْتَقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى الْحَالِفُ بِشِرَائِهِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ. وَمِنْهَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَحَاضَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ وَجَدَ بَعْضَ الْحَيْضَةِ فِيهَا ثُمَّ اخْتَارَ الْبَيْعَ عِنْدَهُ لَا يَجْتَزِئُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْمِلْكِ وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ الْمِلْكِ بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى لِحِلِّ الْوَطْءِ. وَعِنْدَهُمَا يَجْتَزِئُ بِهَا لِوُجُودِهَا بَعْدَ الْمِلْكِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِكَوْنِ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ الْمِلْكُ، وَالْمِلْكُ الْمُؤَكَّدُ يَكُونُ بِالْقَبْضِ، وَلَوْ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَرَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَمِنْهَا أَنَّ حَيْضَ الْمُشْتَرَاةِ فِي الْمُدَّةِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُجْتَزَأُ؛ وَلَوْ رُدَّتْ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا رُدَّتْ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَمِنْهَا إذَا وَلَدَتْ الْمُشْتَرَاةُ فِي الْمُدَّةِ بِالنِّكَاحِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا،. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَحْتَاجُ الْبَائِعُ إلَى اسْتِبْرَائِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِيَاسِ يَجِبُ وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِبْرَاؤُهَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِاسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ بَعْدَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمِلْكَ الْمُؤَكَّدَ بِالْقَبْضِ فَيَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشُّغْلِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ بَاتًّا ثُمَّ فُسِخَ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَفَسَخَ فِي الْمُدَّةِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ أَجَازَهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِبْرَاؤُهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ الْإِجَازَةِ بِالْإِجْمَاعِ. وَمِنْهَا إذَا وَلَدَتْ مَنْكُوحَتُهُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي الْمُدَّةِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَهُمَا، وَقَدْ قَيَّدَ الشَّارِحُونَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ بِالْوِلَادَةِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِالْإِجْمَاعِ. وَصَوَّرَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ الْخِلَافِيَّةَ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَالَ: اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَخِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ إلَّا إذَا اخْتَارَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَعِنْدَهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالشِّرَاءِ، وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، وَتَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَحْسَنَ وَهُوَ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَالشِّرَاءِ وَمَا قَبْلَ

وَمِنْهَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي الْمُدَّةِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ امْتِنَاعٌ عَنْ التَّمَلُّكِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يَلِيهِ، وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَبْضِ بَعْدَ الشِّرَاءِ (وَمِنْهَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي) بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ (الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي الْمُدَّةِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ) عِنْدَهُ (لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ ارْتَفَعَ الْقَبْضُ بِالْإِيدَاعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُودَعًا لَمِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ الْإِيدَاعُ صَحِيحًا، وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ (وَعِنْدَهُمَا) يَهْلَكُ (مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ مِلْكِهِ) وَقَدْ يُقَالُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَصْلُحُ مُودَعًا لَمِلْكِ نَفْسِهِ صَحِيحٌ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ الْمَبِيعَ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِاتِّفَاقٍ فَلَا يَكُونُ مُودَعًا لِمِلْكِ نَفْسِهِ فَتَصِحُّ وَدِيعَةُ الْمُشْتَرِي لِتَحَقُّقِ إيدَاعِ غَيْرِ الْمَالِكِ كَالْمُضَارِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يُرَادُ مِلْكُهُ بِحَسَبِ الْمَآلِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَئُولَ إلَى مِلْكِهِ بِأَنْ يَخْتَارَ مُشْتَرِي الْبَيْعَ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَوْدَعَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ الْبَائِعَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ نَفَاذِ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَهُ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٌ فَأَوْدَعَهُ الْبَائِعُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْخِيَارَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فَصَحَّ الْإِيدَاعُ مِنْهُ (وَمِنْهَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي) بِالْخِيَارِ (عَبْدًا مَأْذُونًا فَأَبْرَأهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ) يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكُ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَصِحُّ لِوُجُوبِ سَبَبِ مِلْكِهِ لِلثَّمَنِ وَهُوَ الْبَيْعُ. وَإِذَا صَحَّ إبْرَاؤُهُ إلَّا لِاتِّفَاقٍ (بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ) فِي السِّلْعَةِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ فَيَأْخُذُهَا بِلَا ثَمَنٍ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ فَيَرُدُّ السِّلْعَةَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْمَبِيعَ فَكَانَ رَدُّهُ امْتِنَاعًا عَنْ تَمَلُّكِ شَيْءٍ بِلَا عِوَضٍ (وَالْمَأْذُونُ يَلِيهِ) أَيْ يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ قَبُولِ الْهِبَةِ (وَعِنْدَهُمَا) لَمَّا بَرِئَ مِنْ الثَّمَنِ وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لَوْ رَدَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا

وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَلَا يَتَمَلَّكُهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ بَعْدَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ. قَالَ (وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْمُدَّةِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ، فَإِنْ أَجَازَهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهَا جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُمَلَّكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعَاتِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ انْبَرَمَ الْبَيْعُ بِلَا شَيْءٍ. وَاسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَعْتَمِدُ شَغْلَ الذِّمَّةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ زَوَالُ مِلْكِ الْمَشْغُولِ ذِمَّتُهُ عَنْ مِقْدَارِهِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَدْيُونَ مَشْغُولُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّمَا اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ لِصِحَّةِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لَيْسَ دَاخِلًا عَلَى السَّبَبِ بَلْ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِوُجُودِ الْبَيْعِ لَا بُدَّ أَنْ تُشْغَلَ الذِّمَّةُ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ يُقَارِنُ وُجُوبَ أَدَائِهِ بَلْ الثَّابِتُ أَصْلُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ طَلَبٌ أَصْلًا عَلَى مَا عُرِفَ (وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ) الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (بَطَلَ خِيَارُهُ) عِنْدَهُمَا (لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَعِنْدَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَلَا يُمْكِنُهُ تَمَلُّكُهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَأَسْلَمَ فَبُطْلَانُ الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ، هَذَا آخِرُ مَا فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْ الْفُرُوعِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فِي دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ مَا لَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَصِيرًا بِالْخِيَارِ فَتَخَمَّرَ فِي الْمُدَّةِ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَلُّكِهِ بِإِسْقَاطِ خِيَارِهِ وَتَمَّ عِنْدَهُمَا لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ بِفَسْخِهِ. وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَهُوَ سَاكِنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَاسْتَدَامَ سَاكِنُهَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ: لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا وَإِنَّمَا الِاخْتِيَارُ ابْتِدَاءُ السُّكْنَى. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: اسْتِدَامَةُ السُّكْنَى اخْتِيَارٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَيْنَ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ الْإِعَارَةِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا وَمِنْهَا حَلَالٌ اشْتَرَى ظَبْيًا بِالْخِيَارِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَالظَّبْيُ فِي يَدِهِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ وَيُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ. وَقَالَا: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يُنْتَقَضُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ. وَمِنْهَا أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَالزَّوَائِدُ تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَعِنْدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ) سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ أَجْنَبِيًّا (لَهُ أَنْ يُجِيزَ) فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ، فَإِنْ أَجَازَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهِ) يُرِيدُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ (جَازَ) فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَنَفَاذُ الْبَيْعِ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَبِمَوْتِهِ وَبِإِغْمَائِهِ وَجُنُونِهِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنْ أَفَاقَ فِيهَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى خِيَارٍ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ لَمْ يُبْطِلْ سُكْرُهُ مِنْ الْبَنْجِ، وَلَوْ ارْتَدَّ فَعَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخِيَارِهِ إجْمَاعًا، فَلَوْ تَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا. وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ أَنْ يُجِيزَ الْبَائِعُ كَأَنْ يَقُولَ: أَجَزْت الْبَيْعَ وَرَضِيته وَأَسْقَطْت خِيَارِي وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَنَفَاذُهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِلْبَائِعِ، وَبِالْفِعْلِ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِأَنْ يُعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يُدَبِّرَ أَوْ يَبِيعَ الْمَبِيعَ أَوْ يَهَبَهُ وَيُسَلِّمَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ فِي الْمُدَّةِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فِيهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُبَاشِرَ فِي الْمَبِيعِ فِعْلًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِامْتِحَانِ، وَلَا يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِحَالٍ، فَإِنْ كَانَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِامْتِحَانِ وَيَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ، فَالْوَطْءُ إجَازَةٌ، وَكَذَا التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ وَالْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ، وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ لَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّ الطَّبِيبَ وَالْقَابِلَةَ يَحِلُّ لَهُمَا النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ. نَعَمْ التَّقْبِيلُ لَا إلَّا أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَسٌّ، وَلَوْ أَنْكَرَ الشَّهْوَةَ فِي هَذِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سُقُوطَ خِيَارِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَتْ الْجَارِيَةُ ذَلِكَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فِعْلُهَا أَلْبَتَّةَ إجَازَةً لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِيَخْتَارَ هُوَ لَا لِيُخْتَارَ عَلَيْهِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْوَطْءِ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُلْحَقَةٌ بِالْوَطْءِ فِي إيجَابِ الْحُرْمَةِ كَالْمُضَافِ إلَى الرَّجُلِ. وَأَمَّا الْمُبَاضَعَةُ مُكْرَهًا كَانَ أَوْ مُطَاوِعًا اخْتِيَارٌ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ فَلِأَنَّ الْوَطْءَ تَنْقِيصٌ، حَتَّى لَوْ وُجِدْت مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ إذَا ابْتَدَأَتْهَا وَالْمُشْتَرِي كَارِهٌ ثُمَّ تَرَكَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَهُوَ اخْتِيَارٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ سُقُوطُ الْخِيَارِ فِي غَيْرِ الْمُبَاضَعَةِ إذَا أَقَرَّ بِشَهْوَتِهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا يَلْزَمُ إسْقَاطُ خِيَارِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إقْرَارِهِ بِمَا يُسْقِطُ خِيَارَهُ، وَلَوْ دَعَا الْجَارِيَةَ إلَى فِرَاشِهِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَالِاسْتِخْدَامُ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِهِ، وَالِاسْتِخْدَامُ ثَانِيًا إجَازَةٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي نَوْعٍ آخَرَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فَقَالَ: الِاسْتِخْدَامُ مِرَارًا لَا يَكُونُ إجَازَةً. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ تُبْطِلُ الْخِيَارَ، وَأَكْلُهُ الْمَبِيعَ وَشُرْبُهُ وَلُبْسُهُ يُسْقِطُ الْخِيَارَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إذَا لَبِسَهُ مَرَّةً وَاسْتَخْدَمَ الْخَادِمَ مَرَّةً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَبْطُلُ بِمَرَّتَيْنِ، وَرُكُوبُهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَرُدَّهَا وَيَعْلِفَهَا إجَازَةٌ. وَقِيلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِدُونِ الرُّكُوبِ لَا يَكُونُ إجَازَةً. وَأَطْلَقَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهُ فَقَالَ: وَرُكُوبُهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهُ اسْتِحْسَانًا فَجَعَلَهُ الِاسْتِحْسَانَ. وَلَوْ قَطَعَ حَوَافِرَ الدَّابَّةِ أَوْ أَخَذَ بَعْضَ عُرْفِهَا لَا يَبْطُلُ. وَلَوْ نَسَخَ مِنْ الْكِتَابِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَا يَسْقُطُ. وَلَوْ دَرَسَ فِيهِ يَسْقُطُ، وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ، وَطَلَبُ الشُّفْعَةِ بِالدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ رِضًا بِهَا، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ. وَلَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي بَطَلَ خِيَارُهُ سَوَاءٌ حَدَثَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إلْزَامِ الْبَيْعِ، وَمَتَى قُلْنَا إنَّهُ يَلْزَمُ بِجِنَايَتِهِ أَثْبَتْنَا لَهُ قُدْرَةَ إلْزَامِهِ فَتَفُوتُ فَائِدَةُ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّ لُزُومَهُ لَا مِنْ قِبَلِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ مَا يَنْقُصُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي تَلِفَ فِي ضَمَانِهِ وَتَعَذَّرَتْ عَلَى الْبَائِعِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَمَتَى رَدَّ الْبَاقِيَ كَانَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ فِي حَقِّ الرَّدِّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ؛ وَإِذَا.

وَإِنْ فَسَخَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالشَّرْطُ هُوَ الْعِلْمُ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِالْحَضْرَةِ عَنْهُ. لَهُ أَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ كَالْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَقْدُ بِالرَّفْعِ، وَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَضَرَّةِ؛ لِأَنَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعُرِفَ هَذَا عُرِفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَرْشِ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ سَقَطَتْ أَطْرَافُهُ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ انْتَقَصَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَيُسْقِطُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَلَوْ نَفَيْنَا الْخِيَارَ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ بَزَغَ الدَّابَّةَ فَهُوَ رِضًا، وَلَوْ حَلَبَ لَبَنَهَا فَهُوَ رِضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَكُونُ رِضًا حَتَّى يَشْرَبَهُ أَوْ يَسْتَهْلِكَهُ، وَلَوْ سَقَى حَرْثًا فِي الْأَرْضِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ أَوْ حَصَدَ الزَّرْعَ أَوْ فَصَلَ مِنْهُ شَيْئًا فِيمَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ فَهُوَ رِضًا. وَلَوْ سَقَى دَوَابَّهُ مِنْ النَّهْرِ أَوْ شَرِبَ هُوَ فَلَيْسَ بِرِضًا، وَلَوْ طَحَنَ فِي الرَّحَى فَهُوَ رِضًا، وَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَذَلِكَ فِي رَحَى الْمَاءِ وَلَيْسَتْ فِي دِيَارِنَا. وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا فِيهَا سَاكِنٌ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأُجْرَةَ مِنْ السَّاكِنِ فَهُوَ إجَازَةٌ. وَلَوْ غَسَلَ الْعَبْدَ أَوْ الْجَارِيَةَ أَوْ مَشَّطَهَا بِالْمُشْطِ وَالدُّهْنِ وَأَلْبَسَهَا فَلَيْسَ بِرِضًا (قَوْلُهُ وَإِنْ فَسَخَ) أَيْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْمُدَّةِ (بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْآخَرِ) أَيْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ (لَمْ يَجُزْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (وَإِنَّمَا كَنَّى بِالْحَضْرَةِ عَنْ الْعِلْمِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْفَسْخُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ تَمَّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْفَسْخِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَكَذَا الْخِلَافُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْفَسْخُ بِالْقَوْلِ فِي الْمُدَّةِ بِأَنْ يَقُولَ فَسَخْت أَوْ رَدَدْت الْبَيْعَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى رَدِّ الْبَيْعِ، وَهَذَا الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ هُوَ الَّذِي الْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْآخَرِ. وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْفِعْلِ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ اتِّفَاقًا، وَكَانَ مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِمَنْعِ الْفَسْخِ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ بِالْقَوْلِ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِيمَا هُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَوْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ اخْتِيَارٌ يَثْبُتُ بِهِ الِانْفِسَاخُ، بِخِلَافِ الْمَوْتِ وَفِعْلِ الْأَمَةِ وَدُخُولِ الْعَيْبِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَالْهَلَاكِ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ كَالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْوَطْءِ، وَجَمِيعُ مَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ إجَازَةٌ إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَفْعَالِ فَهُوَ فَسْخٌ إذَا صَدَرَ مِنْ الْبَائِعِ (لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُ) أَيْ الْفَاسِخُ مِنْهُمَا (مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ) يَعْنِي الَّذِي لَا خِيَارَ لَهُ (فَلَا يَتَوَقَّفُ) فَسْخُهُ (عَلَى عِلْمِهِ) كَبَيْعِ الْوَكِيلِ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ (وَلَهُمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ) وَهُوَ الَّذِي لَا خِيَارَ لَهُ (بِالرَّفْعِ وَلَا يَعْرَى عَنْ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْغَيْرُ الَّذِي لَا خِيَارَ لَهُ

عَسَاهُ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الْبَيْعِ السَّابِقِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ فَتَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ بِالْهَلَاكِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، أَوْ لَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا نَوْعُ ضَرَرٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَصَارَ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَسَاهُ يَعْتَمِدُ عَلَى تَمَامِ الْبَيْعِ السَّابِقِ) إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْفَسْخُ (فَيَتَصَرَّفُ) الْمُشْتَرِي (فِيهِ) فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ فَسْخٌ (فَتَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ بِالْهَلَاكِ) وَقَدْ تَكُونُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ (وَلَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا) اعْتِمَادًا عَلَى نَفَاذِ الْبَيْعِ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْمُدَّةِ اعْتِمَادًا عَلَى تَمَامِهِ (فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا نَوْعُ ضَرَرٍ) يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الِانْفِرَادِ بِالْفَسْخِ فَيَتَوَقَّفُ عِلْمُهُ وَصَارَ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا حَالَ عَدَمِ عِلْمِهِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَزْلِ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ، وَبِبُطْلَانِ قَوْلِهِ وَتَصَرُّفِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ، وَرُبَّمَا يَعْتَمِدُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ النَّفَاذَ فَيَتَشَعَّبُ الْفَسَادُ. وَالْحَاصِلُ قِيَاسَانِ تَعَارَضَا قِيَاسُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ وَقِيَاسُهُمَا عَلَى عَزْلِ الْوَكِيلِ، ثُمَّ فِي قِيَاسِهِمَا أُمُورٌ طَرْدِيَّةٌ لَا مَعْنَى لَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِالرَّفْعِ، فَإِنَّ هَذَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ الصِّحَّةِ بِلَا عِلْمٍ، إنَّمَا أَثَرُهُ فِي نَفْيِ الصِّحَّةِ بِلَا إذْنٍ، فَإِنَّ كَوْنَهُ حَقَّ الْغَيْرِ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ بِلَا إذْنٍ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلْمِ طَرْدٌ، وَالْإِذْنُ قَدْ وُجِدَ فِي ضِمْنِ شَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ لَهُ بِالْفَسْخِ مُطْلَقًا إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَظِنَّةَ أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ، أَمَّا إذَا كَانَ الْفَسْخُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ طَرِيقَ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فَلَا. قُلْنَا فَاسْتَقَامَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَيْسَ إلَّا كَوْنُ فَسْخِهِ مَظِنَّةَ ذَلِكَ الضَّرَرِ، وَصَحَّ قَوْلُنَا إنَّ مَا سِوَاهُ لَا أَثَرَ لَهُ مِنْ كَوْنِهِ تَصَرَّفَ فِي حَقِّهِ بِلَا عِلْمِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَقْتَصِرُ النَّظَرُ عَلَى إثْبَاتِ الضَّرَرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَلْحَقُ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لُزُومُ الْقِيمَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى زِيَادَةِ الْقِيمَةِ عَلَى الثَّمَنِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا أَكْثَرِيٍّ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُمَا فِي مَحَلِّ التَّعَارُضِ، بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ بِمَا هُوَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ خُصُوصًا بِيَاعَاتُ الْأَسْوَاقِ فَبَطَلَ ذَلِكَ الشِّقُّ وَأَمَّا ضَرَرُ الْبَائِعِ بِاعْتِمَادِهِ فَلَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا، فَإِنَّمَا لَحِقَهُ مِنْ تَقْصِيرِهِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَكْشِفْ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْمُدَّةِ هَلْ فَسَخْت أَوْ لَا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْفِقْهِ أَعْنِي إلْزَامَ مَا هُوَ ضَرَرٌ لِتَقْصِيرِ مَنْ لَزِمَهُ فِي احْتِيَاطِهِ لِنَفْسِهِ مَعَ الْمُكْنَةِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ لَازِمٌ بِإِلْزَامِ ثَمَنِ مَا يَشْتَرِيهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ وَكِيلًا لِلشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وُجِدَ نَفَاذًا لَا يَتَوَقَّفُ فَيَتَضَرَّرُ بِإِلْزَامِ ثَمَنِ مَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمِقْدَارِهِ وَبِإِهْدَارِ أَقْوَالِهِ: أَعْنِي عُقُودَهُ إذَا كَانَ

الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِ، وَلَا نَقُولُ إنَّهُ مُسَلَّطٌ، وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَصَاحِبُهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي غَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكِيلًا بِالْبَيْعِ. وَهَذَا أَضَرُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ اقْتِرَاضِ الْمَالِ لِدَفْعِ الدَّيْنِ لِمَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ تَحْقِيرِ شَأْنِهِ وَوَضْعِ قَدْرِهِ، فَالْوَجْهُ لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ أَقْوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ (وَلَا نَقُولُ إنَّهُ مُسَلَّطٌ) مِنْ جِهَتِهِ (وَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيطَهُ) مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مَنْ سَلَّطَهُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا مَنَعَ تَضَمُّنَ شَرْطِ الْخِيَارِ الْإِذْنُ بِلَا عِلْمِهِ لِلضَّرَرِ، فَكَانَ الْإِذْنُ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ مَحَلِّ الضَّرَرِ وَهُوَ حَالُ الْعِلْمِ. فَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَائِهِ فِي صُورَةِ التَّعَارُضِ وَعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي أُخْرَى لِتَقْصِيرِهِ مَنْ يَلْزَمُهُ، وَبِهَذَا أَجَابُوا عَنْ الْمُعَارَضَةِ الْقَائِلَةِ لَوْ لَمْ يَنْفَرِدْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِالْفَتْحِ يَتَضَرَّرُ هُوَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَفِيَ صَاحِبُهُ فِي الْمُدَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ، فَقَالُوا: هَذَا الضَّرَرُ إنَّمَا لَزِمَهُ مِنْ جَانِبِهِ بِتَقْصِيرِهِ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الضَّرَرَ بِالِاخْتِفَاءِ عَلَى صَاحِبِ الْخِيَارِ لِعَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِهِ لَا بِالِاخْتِفَاءِ فَفِي سِعَةِ فَضْلِ اللَّهِ التَّجَاوُزُ عَنْهُ. وَقِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَفِي؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ حَيْثُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِصَاحِبِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِلْزَامَ بِهَذَا الْفَرْعِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: جَاءَ إلَى بَابِ الْبَائِعِ لِيَرُدَّهُ فَاخْتَفَى فِيهِ فَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي خَصْمًا لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يُنَصَّبُ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ وَكِيلًا مَعَ احْتِمَالِ غِيبَتِهِ فَلَا يُنْظَرُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُنَصِّبْ الْقَاضِي وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي الْإِعْذَارَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ: وَفِي رِوَايَةٍ يُجِيبُهُ فَيَبْعَثُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى بَابِ الْبَائِعِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ: إنَّ خَصْمَك فُلَانًا يُرِيدُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَيْك، فَإِنْ حَضَرْت وَإِلَّا نَقَضْت الْبَيْعَ وَلَا يَنْقُضُ الْقَاضِي بِلَا إعْذَارٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يُجِيبُهُ إلَى الْإِعْذَارِ أَيْضًا، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ يَعْنِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَيْفَ يَصْنَعُ الْمُشْتَرِي؟ قَالَ: يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَوْثِقَ فَيَأْخُذَ مِنْهُ وَكِيلًا ثِقَةً إذَا خَافَ الْغَيْبَةَ حَتَّى إذَا غَابَ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ: وَطَرِيقُ نَقْضِ الْقَاضِي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْخَصْمُ: إنِّي أَعْذَرْت إلَيْهِ وَأَشْهَدْت فَتَوَارَى فَيَقُولُ الْقَاضِي اشْهَدُوا أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ أَعْذَرَ إلَى صَاحِبِهِ فِي الْمُدَّةِ كُلَّ يَوْمٍ وَاخْتَفَى، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ فَقَدْ أَبْطَلْت عَلَيْهِ الْخِيَارَ، فَإِنْ ظَهَرَ وَأَنْكَرَ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ بِالْخِيَارِ وَالْإِعْذَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ وَلَا تُسْمَعُ حَالَ غَيْبَتِهِ لِلْحُكْمِ بِهَا عَلَيْهِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمَسَائِلُ الْمُورَدَةُ نَقْضًا مُسَلَّمَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى

مَا يَمْلِكُهُ الْمُسَلَّطُ، وَلَوْ كَانَ فَسَخَ فِي حَالِ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَبَلَغَهُ فِي الْمُدَّةِ تَمَّ الْفَسْخُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَمَّ الْعَقْدُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفْقِ مَا تَرَجَّحَ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، لَكِنَّا نُورِدُهَا بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ تَمَامِ الدَّلِيلِ: فَمِنْهَا أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ يَتِمُّ اخْتِيَارُهَا لِنَفْسِهَا بِلَا عِلْمِ زَوْجِهَا وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ لُزُومَ حُكْمِ الطَّلَاقِ عَلَى الزَّوْجِ بِإِيجَابِهِ نَفْسِهِ وَهُوَ تَخْيِيرُهُ وَهُوَ بَعْدَ الرِّضَا وَالْعِلْمِ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ إثْبَاتَ خِيَارِ الْفَسْخِ بِمَنْزِلَةِ إثْبَاتِ خِيَارِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِإِيجَابِهِ فَيَجُوزُ حَالَ غَيْبَتِهِ فَكَذَا الْفَسْخُ بِإِيجَابِهِ فَيَجُوزُ حَالَ غَيْبَتِهِ. وَمِنْهَا الرَّجْعَةُ يَنْفَرِدُ بِهَا الزَّوْجُ وَيَلْزَمُ حُكْمُهَا الْمَرْأَةَ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ فُسِخَ إذَا أَثْبَتَ الرَّجْعَةَ قَبْلَهَا أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُلْزِمُهَا حُكْمًا جَدِيدًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْبَيْنُونَةَ عِنْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الرَّجْعَةِ فَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَكْشِفَ شَرْطَ تَصَرُّفِهَا هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ أَوْ لَا. وَمِنْهَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ حُكْمَهَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ بِلَا عِلْمِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا إسْقَاطَاتٌ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ مَنْ أُسْقِطَ عَنْهُ فَلَا يَتَوَقَّف عَلَى عِلْمِهِ. وَمِنْهَا خِيَارُ الْمُعْتَقَةِ يَصِحُّ اخْتِيَارُهَا الْفُرْقَةَ بِلَا عِلْمِ زَوْجِهَا. أُجِيبَ لَا رِوَايَةَ فِيهَا. وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالتَّخْيِيرُ أَثْبَتَهُ لَهَا الشَّرْعُ مُطْلَقًا وَلَا الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ، فَإِنَّ كَوْنَ الشَّرْعِ أَثْبَتَ حُكْمَ التَّصَرُّفِ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّرْعَ لَا يُوقِفُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ فِي حَقِّهِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا الضَّرَرُ الَّذِي يَلْزَمُهُ أَوَّلًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى جَوَابِهِ؟ قُلْنَا: امْتِنَاعُهُ عَنْ تَزَوُّجِ أَمَةٍ بِنَاءً عَلَى قِيَامِ نِكَاحِ الَّتِي أُعْتِقَتْ. وَمِنْهَا خِيَارُ الْمَالِكِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ بِدُونِ عِلْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَقْدَهُمَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ، فَإِذَا رُدَّ فَقَدْ بَقِيَ عَدَمُ شَرْطِ الثُّبُوتِ فَانْعَدَمَ أَصْلًا فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الِانْعِقَادُ حُكْمًا. وَمِنْهَا الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ نَفَاذُ الطَّلَاقِ عَلَى عِلْمِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِدَّةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ الطَّلَاقُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِإِزَالَةِ مِلْكٍ أَقْدَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِي ضِمْنِ الطَّلَاقِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمُتَضَمِّنِ لَا لِلْمُتَضَمَّنِ، وَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَ جَوَازُ الْفَسْخِ لَهُ بِتَسَلُّطِ صَاحِبِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ عُرِفَ مَا فِيهِ. [فُرُوعٌ] اشْتَرَيَا غُلَامًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا رَدَّ لِلْآخَرِ عِنْدَهُ. وَقَالَا عِنْدَهُ. وَقَالَا لَهُ رَدُّ نَصِيبِهِ. وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدَيْنِ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِحُضُورِ الْمُشْتَرِي أَجَزْته ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي: فَسَخْته بِحُضُورِهِ انْفَسَخَ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي سَقَطَ الثَّمَنُ، وَلَوْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ ثُمَّ الْبَائِعُ بِالْإِجَازَةِ ثُمَّ هَلَكَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ، وَلَوْ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ ثُمَّ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرَّدِّ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفَسْخِ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبِي. وَفِي الْفَتَاوَى: بَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ نَقَضَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ تَبْقَى الْأَرْضُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُهَا لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ أَذِنَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فِي زِرَاعَتِهَا تَصِيرُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مَتَى شَاءَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَرَعَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَارَ كَأَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَلَقِيَ الْبَائِعَ فَقَالَ لَهُ نَقَضْت الْبَيْعَ وَرَدَدْت الْعَبْدَ عَلَيْك فَلَمْ يَقْبَلْ الْبَائِعُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْعَبْدُ مَرِيضٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ، وَإِنْ صَحَّ فِيهَا فَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى مَضَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِذَلِكَ الرَّدِّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ. وَمَنْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَصَالَحَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ الْخِيَارَ وَيُمْضِيَ

قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ. وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ، وَالْإِرْثُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعَ جَازَ وَطَابَ لَهُ إذْ حَاصِلُهُ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ الْخِيَارَ وَيَحُطَّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا أَوْ يُعْطِيَهُ هَذَا الْعَرَضَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْمَبِيعِ أَوْ حَطٌّ مِنْ الثَّمَنِ؛ وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَبَاعَهُ مُطْلَقًا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَمَرَهُ مُطْلَقًا فَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْآمِرِ أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ صَحَّ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ تَوْكِيلًا صَحِيحًا فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ إلَّا أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْآمِرِ يَنْفُذْ عَلَى الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْعَاقِدِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ) بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا (وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ) وَإِذَا بَطَلَ خِيَارُهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دَخَلَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ وَرَثَتِهِ وَلِلْبَائِعِ الثَّمَنُ فِي التَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ. وَقُيِّدَ بِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَاقِدُ الَّذِي لَا خِيَارَ لَهُ فَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ أَمْضَى مَضَى وَإِنْ فَسَخَ انْفَسَخَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُورَثُ عَنْهُ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ عَلَى مَا هُوَ فِي كُتُبِهِمْ الْمَشْهُورَةِ (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْخِيَارُ (حَقٌّ) لِلْإِنْسَانِ (لَازِمٌ) حَتَّى إنَّ صَاحِبَهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ (فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ) فَإِنَّهُمَا يُورَثَانِ بِالِاتِّفَاقِ (وَلَنَا أَنَّ الْخِيَار لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَخْصِيٌّ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ (وَالْإِرْثُ فِيمَا) يُمْكِنُ (فِيهِ الِانْتِقَالُ) وَهُوَ الْأَعْيَانُ، وَلَفْظُ مَشِيئَةٍ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ، وَمَا فِي الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْخَبَرِ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ الْخِيَارَ لَيْسَ شَيْئًا إلَّا مَشِيئَةً مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ الْمَعْمُولُ غَيْرَ مَا فَرَغَ الْعَامِلُ لَهُ وَيُجْعَلَ مَا بَعْدَ إلَّا بَدَلَهُ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُفَرَّغَ لَهُ هُوَ الْمَعْمُولُ، فَفِي مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ زَيْدٌ فَاعِلٌ، بِخِلَافِ مَا قَاسُوا

بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعِ سَلِيمًا فَكَذَا الْوَارِثُ، فَأَمَّا نَفْسُ الْخِيَارِ لَا يُوَرَّثُ، وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا أَنْ يُوَرَّثَ الْخِيَارُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ مِنْ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ فِيهِ لِلْعَيْنِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْجُزْءُ الْمُسْتَحَقُّ، فَإِذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ تَمَامُ الْأَجْزَاءِ وَبَعْضُهَا مُحْتَبَسٌ عِنْدَ إنْسَانٍ كَأَنْ يَخْتَارَ أَنْ يَتْرُكَ حَقَّهُ أَوْ يَطْلُبَهُ وَهَذَا مَعْنَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْعَيْبِ غَيْرَ أَنَّ طَلَبَهُ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا إلَّا بِرَدِّ الْكُلِّ. وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ فَجَعَلَهُ أَصْلًا آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ خِيَارَ التَّعْيِينِ فَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ إلْزَامًا لَنَا. وَجَوَابُهُ كَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْرُوثَ هُوَ أَحَدُ الْعَيْنَيْنِ الْمُخَيَّرِ فِي تَعْيِينِهِ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ ذَلِكَ وَلَازِمُهُ اخْتِلَاطُ الْمِلْكَيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَ مَالًا مُشْتَرَكًا فَيَثْبُتُ حُكْمُ ذَلِكَ، وَهُوَ وُجُوبُ التَّعْيِينِ وَالْإِفْرَازِ، وَهُوَ مَعْنَى الْخِيَارِ، فَجَاءَ الْخِيَارُ لَازِمًا لِلْعَيْنِ الْمَوْرُوثَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلَالِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيمَا فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ مَلْزُومًا لِلْخِيَارِ لِيَنْتَقِلَ إلَى الْوَارِثِ بِمَا فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُورَثُ، وَوَجْهُهُ قَوِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَيُقَالُ: عَلَى أَصْلِ الدَّلِيلِ قَوْلُكُمْ لَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُ الْوَصْفِ إنْ أَرَدْت حَقِيقَةً فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ مُرَادَنَا بِالِانْتِقَالِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْوَارِثِ شَرْعًا مِلْكٌ خَلْفَ مِلْكِ الْمَيِّتِ أَوْ اسْتِحْقَاقَهُ لَا عَيْنُ ذَلِكَ الْمِلْكِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ الْمُقَيَّدُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَالْوَجْهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَيْسَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ثُبُوتُ ذَلِكَ شَرْعًا فِي أَمْلَاكِ الْأَعْيَانِ مَعْلُومٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ عَنْ الشَّرْعِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ، وَنَفْيُ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ يَكْفِي لِنَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» قُلْنَا: الثَّابِتُ قَوْلُهُ مَالًا فِي الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْأُخْرَى فَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَنَا وَمَا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَتِمَّ بِهِ الدَّلِيلُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَنْتَقِلُ فِي ضِمْنِ انْتِقَالِ الْعَيْنِ فَيُعَدُّ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْإِرْثِ انْتِقَالًا لِنَفْسِ ذَاتِ الْعَيْنِ وَالْمِلْكُ يَتْبَعُهَا بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ انْتِقَالِهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَكَانِ فَآلَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ انْتِقَالُ مِلْكِهَا لَيْسَ غَيْرُ، ثُمَّ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ انْتَقَلَ مِلْكُهَا بِمَا يَنْفِي كُلَّ ذَلِكَ الْكَلَامِ وَالْمُحَاوَرَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. هَذَا وَيَلْزَمُهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ أَنْ يُورَثَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ عِنْدَهُمْ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ عَدَمُهُ. ثُمَّ نَقُولُ: مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَدَمُ انْتِقَالِ الْخِيَارِ إلَى الْوَرَثَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُورَثَ فَإِنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي الْعَيْنِ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ عَيْنٌ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِيهَا خِيَارٌ أَنْ يَفْسَخَ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ بِعَيْنِهِ، وَفِي خِيَارِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ الْخِيَارَ وَأَيُّهُمَا نَقَضَ انْتَقَضَ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ مَوَاجِبِ الْعَقْدِ وَأَحْكَامِهِ، فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِهِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعِ يَنْتَقِلُ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لَهُمْ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ) يَعْنِي لِغَيْرِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ عَاقِدًا وَإِلَّا فَغَيْرُهُ يَصْدُقُ عَلَى الْبَائِعِ (فَأَيُّهُمَا أَجَازَ) مِنْ الشَّارِطِ الْعَاقِدِ أَوْ الْمَشْرُوطِ لَهُ الَّذِي هُوَ غَيْرُهُ (جَازَ، وَأَيُّهُمَا نَقَضَ) الْبَيْعَ (انْتَقَضَ) فَلَفْظُ مَنْ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ وَهِيَ " أَيُّهُمَا أَجَازَ " خَبَرُهُ، وَإِذَا تَضَمَّنَ الْمُبْتَدَأُ مَعْنَى الشَّرْطِ جَازَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي خَبَرِهِ نَحْوُ: الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ (وَأَصْلُ هَذَا) أَيْ جَوَازُ اشْتِرَاطِهِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ (أَنَّ جَوَازَهُ اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ فِي ثُبُوتِهِ لِلْعَاقِدِ مَعَ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَجْهَيْنِ: وَفِي وَجْهٍ يَثْبُتُ لَهُمَا، وَفِي وَجْهٍ يَثْبُتُ لِلْغَيْرِ وَحْدَهُ. وَعَلَى قَوْلِهِ الْمُوَافِقِ لِقَوْلِ زُفَرَ فِيهِ وَجْهَانِ وَفِي وَجْهٍ يُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَفِي وَجْهٍ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَجْهُ (قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْخِيَارَ مِنْ مُوَاجِبِ الْعَقْدِ وَأَحْكَامِهِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي) وَاشْتِرَاطُ مِلْكِ الْمَبِيعِ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي، وَاشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَانْبِرَامِهِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَالْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، وَقِيَاسًا عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَمَسُّ إلَى اشْتِرَاطِهِ لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِاسْتِخْلَاصِ الرَّأْيِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ قُصُورَ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ غَيْرَ وَاثِقٍ بِهَا فِي ذَلِكَ بَلْ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْلَمُ حَزْمَهُ وَجَوْدَةَ رَأْيِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْقِيَمِ وَأَحْوَالِ الْبِيَاعَاتِ، فَيَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لَهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ، وَأَجْنَبِيَّتُهُ عَنْ الْعَقْدِ إنَّمَا تَمْنَعُ إنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ مَانِعِيَّتِهِ لَوْ أَجَزْنَاهُ أَصْلًا مُسْتَقِلًّا، لَكِنَّا

وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْعَاقِدِ فَيُقَدَّرُ الْخِيَارُ لَهُ اقْتِضَاءً ثُمَّ يُجْعَلُ هُوَ نَائِبًا عَنْهُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ، فَأَيُّهُمَا أَجَازَ جَازَ، وَأَيُّهُمَا نَقَضَ انْتَقَضَ (وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْآخَرُ يُعْتَبَرُ السَّابِقُ) لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَلَوْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ فِي رِوَايَةٍ وَتَصَرُّفُ الْفَاسِخِ فِي أُخْرَى. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِدِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ نَعْتَبِرْهُ إلَّا تَبَعًا لِثُبُوتِ الِاشْتِرَاطِ لِلْعَاقِدِ فَيَثْبُتُ اشْتِرَاطُهُ لِنَفْسِهِ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا. وَاسْتُشْكِلَ بِاسْتِلْزَامِهِ ثُبُوتَ مَا هُوَ الْأَصْلُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، وَالثَّابِتُ بِهِ إنَّمَا هُوَ يَكُونُ تَبَعًا. قُلْنَا: الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّبَعِيَّةُ، وَالْأَصَالَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُجُودِ، فَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ إنَّمَا هُوَ الْعِتْقُ، فَكَانَ التَّمَلُّكُ مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ تَبَعًا لِقَصْدِهِ لِيَصِحَّ الْعِتْقُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُجُودِ فَكَذَا هُنَا الْمَقْصُودُ أَوَّلًا بِالذَّاتِ لَيْسَ إلَّا الِاشْتِرَاطُ لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْعَاقِدِ بِالْفَرْضِ، فَكَانَ ثُبُوتُهُ لِلْعَاقِدِ تَبَعًا لِلْمَقْصُودِ لِيَصِحَّ الْمَقْصُودُ بِهِ، فَكَانَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَاقِعًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الِاقْتِضَاءِ. هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا حَاجَةَ فِي جَوَابِهِ إلَى تَكَلُّفٍ زَائِدٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَجُرْ اشْتِرَاطُ الثَّمَنِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَتَثْبُتُ كَفَالَتُهُ اقْتِضَاءً كَمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ وَيَثْبُتُ لِلْعَاقِدِ اقْتِضَاءً؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ عَلَى الْعَاقِدِ، وَالْكَفَالَةُ لَيْسَ فِيهَا نَقْلُ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ، فَلَوْ ثَبَتَتْ الْكَفَالَةُ اقْتِضَاءً لِاشْتِرَاطِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَبْطَلْت الْمُقْتَضَى وَهُوَ اشْتِرَاطُهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي بِهِ ثُبُوتَهُ عَلَى الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ عَلَى الْعَاقِدِ. نَعَمْ لَوْ كَفَّلَهُ كَفَالَةً صَرِيحَةً بِالثَّمَنِ الدَّيْنُ صَحَّ (وَعِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ صَيْرُورَةِ الْخِيَارِ لَهُمَا (وَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ، فَأَيُّهُمَا أَجَازَ جَازَ وَأَيُّهُمَا نَقَضَ) الْبَيْعَ (انْتَقَضَ، وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْآخَرُ يُعْتَبَرُ السَّابِقُ لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَلَوْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ فِي رِوَايَةِ) كِتَابِ الْبُيُوعِ نَقَضَ أَوْ أَجَازَ (وَالتَّصَرُّفُ) وَاَلَّذِي هُوَ (الْفَسْخُ فِي أُخْرَى) هِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْمَأْذُونِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَاقِدِ أَوْ وَكِيلِهِ الْأَجْنَبِيِّ (وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِدِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ)

وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْفَسْخَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَلَمَّا مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ. وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَاسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ مِمَّا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلٍ وَالْمُوَكَّلُ مِنْ غَيْرِهِ مَعًا؛ فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُوَكَّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّصَرُّفُ الصَّادِرُ عَنْ أَصَالَةٍ أَقْوَى مِنْ التَّصَرُّفِ الصَّادِرِ عَنْ نِيَابَةٍ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلًا آخَرَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَاهَا مَعًا فَالْوَاقِعُ طَلَاقُ أَحَدِهِمَا لَا طَلَاقُ الْمُوَكِّلِ عَيْنًا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَجَّحُ الْأَصِيلَ تَعَيَّنَ طَلَاقُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الطَّلَاقِ سَفِيرٌ كَالْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ فَكَانَتْ عِبَارَتُهُ عِبَارَتَهُ فَالصَّادِرُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا عَيْنُ الصَّادِرِ مِنْ الْآخَرِ (وَجْهُ الثَّانِي أَنْ) لَا تَرْجِيحَ بِكَوْنِهِ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بَعْدَمَا اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ عَلَى الْفِعْلِ كَانَ مِثْلَهُ فَاسْتَوَيَا ثُمَّ يَتَرَجَّحُ بِنَفْسِ التَّصَرُّفِ، وَ (الْفَسْخُ أَقْوَى) ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ الْمَجَازَ فَيُبْطِلُهُ وَالْإِجَازَةُ لَا تَلْحَقُ الْمَفْسُوخَ فَتُبْرِمُهُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَأْذُونِ ثُمَّ قَالُوا (الْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَاسْتُخْرِجَ) هَذَا التَّرْجِيحُ مِنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَا فِيهَا هِيَ مَا إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَ الْمُوَكِّلُ مِنْ رَجُلٍ وَالْوَكِيلُ مِنْ آخَرَ؛ فَمُحَمَّدٌ جَعَلَ الْبَيْعَ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ الْمُوَكِّلُ تَرْجِيحًا لِتَصَرُّفِهِ لِلْأَصَالَةِ (وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُهُمَا) عَلَى السَّوَاءِ فَيَجْعَلُ الْعَبْدَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَيُخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ وَعَيْبِ الشَّرِكَةِ. وَقِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ فِي النِّصْفِ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَإِنْ بَاعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ جَازَ الْبَيْعُ) وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَلَا يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ وَفَسَادُهُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ، إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَبَقِيَ الدَّاخِلُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَيُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَنْفَسِخُ فِي النِّصْفِ: أَيْ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ لَكِنْ يَتَخَيَّرُ صَاحِبُهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَخْ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ) فِي ثَلَاثَةٍ الْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَفِي وَاحِدَةٍ صَحِيحٌ (أَحَدُهَا أَنْ لَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَلَا يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ) وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ (وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) الْمَذْكُورُ (فِي الْكِتَابِ) وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْبِدَايَةَ؛ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ شَرْحُهَا (وَفَسَادُهَا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ) جَمِيعًا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِيهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَكَانَ كَأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ، ثُمَّ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ. وَثَانِيهَا، وَهُوَ الْوَجْهُ الْجَائِزُ أَنْ يُعَيِّنَ كُلًّا بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي هَذَا لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ مِنْ جَهَالَةِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ انْتَفَى مُفْسِدُ الْجَهَالَةِ فَقَدْ يَتَحَقَّقُ مُفْسِدٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ، وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحُكْمِ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ فِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الْخِيَارُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ أَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ

وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مُكْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ. وَالثَّالِثُ أَنْ يُفَصِّلَ وَلَا يُعَيِّنَ. وَالرَّابِعُ أَنْ يُعَيِّنَ وَلَا يُفَصِّلَ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ: إمَّا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْإِشَارَةِ إلَى السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ (وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ لَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ) أَيْ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ (مَحَلًّا لِلْبَيْعِ) فَهُوَ (كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ) وَبَاعَهُمَا بِأَلْفٍ حَيْثُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ كَانَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْمُدَبَّرِ شَرْطًا فِيهِ وَذَلِكَ لِدُخُولِ الْمُدَبَّرِ فِي الْبَيْعِ لِمَحَلِّيَّتِهِ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ جَازَ فَكَانَ الْقَبُولُ شَرْطًا صَحِيحًا، بِخِلَافِ مَا شُبِّهَ بِهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِحَالٍ فَكَانَ اشْتِرَاطُ قَبُولِهِ اشْتِرَاطَ شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ فِي الْبَيْعِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَثَالِثُهَا يُفَصِّلُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُك كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا فَفَسَادُهُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ بِسَبَبِ جَهَالَةِ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ وَرَابِعُهَا أَنْ يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَلَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي هَذَا وَالْفَسَادُ فِيهِ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بِتَعَيُّنِ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ إلَّا أَنَّ ثَمَنَهُ مَجْهُولٌ لِمَا قُلْنَا إنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ فِيهِ الثَّمَنُ وَبَيْنَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدَيْنِ فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ جَارِيَتَيْنِ فَإِذَا إحْدَاهُمَا أُمُّ وَلَدٍ حَيْثُ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ مَعَ أَنَّ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَجْهُولُ الْكَمْيَّةِ حَالَ الْعَقْدِ وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ بِالْحِصَّةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْفَرْقِ وَقَالَ: قِيَاسُ مَا ذُكِرَ هُنَا أَنْ لَا يَجُوزَ الْعَقْدُ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ فِي الْقِنِّ وَيَصِيرُ مَا ذُكِرَ هُنَا رِوَايَةً فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَغَلَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ هُنَا مُقْتَرِنٌ بِالْعَقْدِ لَفْظًا وَمَعْنًى،

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ بِعَشْرَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَثْوَابٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ شَرْعَ الْخِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ لِيَخْتَارَ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ، وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَثَّرَ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ فِي الْمَشْرُوطِ فِيهِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ ابْتِدَاءً فَيَنْعَقِدُ فِي الْآخَرِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ فَإِنَّ الْمَانِعَ مُقْتَرِنٌ فِيهَا مَعْنًى لَا لَفْظًا فَيَدْخُلُ الْمُدَبَّرُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَحَلِّيَّتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حُكْمُ قَاضٍ يُسْقِطُهُ، وَعَلَى مَا ذُكِرَ هُنَا يَتَفَرَّعُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهِمَا وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ؛ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقَضْت الْبَيْعَ فِي هَذَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ لَغْوًا كَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَخِيَارُهُ فِيهِمَا بَاقٍ، كَمَا كَانَ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَاحِدًا أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَنَقَضَ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً غَيْرَ مُعَيِّنٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ، وَهَذَا خِيَارُ التَّعْيِينِ: يَعْنِي أَيَّ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ شَاءَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيمَا يُعَيِّنُهُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ لِلْمَبِيعِ. أَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُك عَبْدًا مِنْ هَذَيْنِ بِمِائَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ فِي أَيِّهِمَا شِئْت لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَقَوْلِهِ بِعْتُك عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدٌ أَرْبَعَةً لَا يَجُوزُ (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ) فِي أَحَدِ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ كَمَا يَفْسُدُ فِي الْأَرْبَعَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ (قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ شَرْعَ الْخِيَارِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ الْغَبْنِ لِيَخْتَارَ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ، وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ) قَدْ (يَحْتَاجُ إلَى رَأْيِ غَيْرِهِ) فِي اخْتِيَارِ الْمَبِيعَاتِ وَهُوَ لَيْسَ بِحَاضِرٍ وَلَيْسَ يَحْضُرُ لِعُلُوِّهِ أَوْ لِتَحَجُّبِهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَهْلَهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا تَلِجُ

وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ لِوُجُودِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ فِيهَا، وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الثَّلَاثِ لِتَعْيِينِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِ، إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ وَالرُّخْصَةُ ثُبُوتُهَا بِالْحَاجَةِ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ غَيْرَ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا تَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا. ثُمَّ قِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ) ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ وِفَاقًا لَا شَرْطًا؛ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّتُهَا كَانَتْ عِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَسْوَاقَ وَتُمَارِسُ الرِّجَالَ لِشِرَاءِ حَاجَتِهَا فَيَحْتَاجُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعَدَدَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ لِيَخْتَارَ الْأَوْفَقَ (وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ حَمْلِهِ إلَيْهِ إلَّا مَبِيعًا فَكَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ) فَيَجُوزُ (غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ لِتَحَقُّقِ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فِيهَا) فَيَنْدَفِع بِحَمْلِ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَلَا تُشْرَعُ الرُّخْصَةُ فِي الزَّائِدِ؛ لِأَنَّ شَرْعَ الرُّخْصَةِ لِلْحَاجَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) جَوَابٌ عَنْ تَعْلِيلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ بِهَا، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ جَوَازَ هَذَا الْبَيْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى اخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ لِمَنْ يَقَعُ الشِّرَاءِ لَهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ بَلْ يَخْتَصُّ خِيَارُ التَّعْيِينِ بِالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اخْتِيَارِ الْأَوْفَقِ وَالْأَرْفَقِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهُوَ أَدْرَى بِمَا لَاءَمَهُ مِنْهُ فَيُرَدُّ جَانِبُ الْبَائِعِ إلَى الْقِيَاسِ؛ فَلِهَذَا نَصَّ فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ يَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَيَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الْبَائِعِ قِيَاسًا عَلَى الشَّرْطِ، وَأَنْتَ عَرَفْت الْفَرْقَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ أَعْنِي الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصُّورَةِ. قِيلَ نَعَمْ كَمَا (هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) تَصْوِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ إلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: فِي جَامِعِهِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ) وَغَيْرِهِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الصُّورَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا قَيْدًا، وَصَحَّحَهُ

ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ، وَالْأَوَّلُ تَجَوُّزٌ وَاسْتِعَارَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَخْرُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُجَاعٍ. وَجْهُ الِاشْتِرَاطِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ لِجَهَالَةِ وَقْتِ الْمَبِيعِ وَقْتَ لُزُومِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِحْسَانًا بِمَوْضِعِ السُّنَّةِ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الْإِلْحَاقِ بِالدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الصُّورَةِ الْمُلْحَقَةِ الصُّورَةُ الثَّابِتَةُ بِالْعِبَارَةِ، وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ بِخِيَارِ النَّقْدِ إلَّا فِي بَيْعِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ مِمَّا أُثْبِتَ بِدَلَالَةِ نَصِّ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَا يُعْلَمُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمَا إنْ تَرَاضَيَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ ثَبَتَ حُكْمُهُ، وَهُوَ جَوَازُ أَنْ يَرُدَّ كُلًّا مِنْ الثَّوْبَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بَعْدَ تَعْيِينِ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ التَّعْيِينِ فِي هَذَا الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ أَنَّهُ عَيْنُ الْمَبِيعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لَا أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا كَانَ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَلَوْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ رَدِّ شَيْءٍ وَتَعْيِينِهِ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَانْبَرَمَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الثَّلَاثَةِ تَمَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْوَارِثِ التَّعْيِينُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ وَالتَّعْيِينُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ لِيُمَيِّزَ مِلْكَهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ وَلِهَذَا لَا يُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكِ الْمُخْتَلِطِ مَالُهُ بِمَالِ غَيْرِهِ، فَمَا لَمْ يَطْلُبْ شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَلَا يَفُوتُ وَقْتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ مَعَهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ، وَعِنْدَهُمَا أَيُّ مُدَّةٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهَا بَعْدَ كَوْنِهَا مَعْلُومَةً، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى انْبَرَمَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَزِمَ التَّعْيِينُ أَنْ يَتَقَيَّدَ التَّعْيِينُ بِثَلَاثَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ مُؤَقَّتٌ بِالثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِهَا عِنْدَهُمَا وَخِيَارُ التَّمْيِيزِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَصَرَ الْمُدَّةَ

وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعَيُّبِ، وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا مَعًا يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الثَّلَاثِ فِي خِيَارِ النَّقْدِ أَخْذًا بِالْقِيَاسِ وَلَمْ يُقْصِرْ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ عَلَيْهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي خِيَارِ النَّقْدِ تَعَلُّقًا صَرِيحًا بِأَدَاةِ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَارِدًا فِيهِ بِخِلَافِ خِيَارِ التَّعْيِينِ لَيْسَ فِي صَرِيحِ التَّعْلِيقِ فَكَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ أَخْذَهُ فِي خِيَارِ النَّقْدِ فِي الثَّلَاثَةِ بِأَثَرٍ لِابْنِ عُمَرَ فِيهِ، وَنَفْيُ الزَّائِدِ بِالْقِيَاسِ، وَأَثَرُ ابْنِ عُمَرَ نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلَى ابْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ: بِعْت مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا، فَأَجَازَ ابْنُ عُمَرَ هَذَا الْبَيْعَ. وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَابِقُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ النَّقْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ، وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعَيُّبِ) عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعْيِيبِ فَيُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُمَا لِامْتِنَاعِ رَدِّهِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ عِنْدَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْهَلَاكَ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ، فَلَوْ هَلَكَ الْآخَرُ بَعْدَهُ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ، أَمَّا لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ تَعَيَّبَ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ (وَلَوْ هَلَكَا مَعًا) بَعْدَ الْقَبْضِ (لَزِمَهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ) فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِكَوْنِهِ الْمَبِيعَ مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يُدْرَ السَّابِقُ مِنْهُمَا. وَأَثَرُ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ ثَمَنُهُمَا مُتَفَاوِتَ الْكَمْيَّةِ، فَإِنْ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ فَلَا، وَكَذَا إذَا هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَاخْتَلَفَا فِي الْهَالِكِ أَوَّلًا فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَكْثَرُهُمَا ثَمَنًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي الْأَقَلُّ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا يَتَحَالَفَانِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ، وَإِنْ حَلَفَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا هَلَكَا مَعًا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَيُّهُمَا بُيِّنَ قُبِلَ، فَإِنْ أَقَامَاهَا قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْبَائِعِ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ، وَلَوْ تَعَيَّبَا مَعًا بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ رَدُّهُمَا وَخِيَارُ التَّعْيِينِ عَلَى حَالِهِ فَيُمْسِكُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِهِ وَيَرُدُّ الْآخَرَ، وَلَا يَغْرَمُ مِنْ قِيمَةِ عَيْبِ الْمَرْدُودِ شَيْئًا اسْتِحْسَانًا

وَلَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُ أَنْ يَرَهُمَا جَمِيعًا. وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلِاخْتِلَاطِ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ. وَأَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْمَعِيبَ مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الْهَالِكِ لَيْسَ مَحَلًّا لِابْتِدَائِهِ فَلَيْسَ مَحَلًّا لِتَعْيِينِهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَقَبَضَهُمَا فَأَحَدُهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ، وَلَوْ مَاتَا جَمِيعًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ ثَمَنِ كُلٍّ. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ يَتَعَيَّنُ الْمَعِيبُ لِلْبَيْعِ دُونَ الْأَمَانَةِ وَأَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ مَبِيعٌ كَمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ أَمَانَةٌ وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ لِلْعَيْبِ الْمُعَلَّلِ بِهِ فَرْعُ اعْتِبَارٍ أَنَّهُ هُوَ الْمَبِيعُ وَفِيهِ التَّحَكُّمُ. إذْ اعْتِبَارُ أَنَّهُ الْمَبِيعُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِهِ الْأَمَانَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَهُ الْمَبِيعَ عَمَلٌ بِالدَّلِيلِ الْحَادِثِ وَهُوَ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي مُخْتَلِفَاتِهِ. وَأَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ فَبِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَضْمَنُ الْآخَرُ إذَا هَلَكَ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ؟ الْجَوَابُ بِمَنْعِ أَنَّهُ كَتِلْكَ بَلْ الْمَقْبُوضُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حَقِيقَةِ الشِّرَاءِ لِأَحَدِهِمَا، وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لَا يُنْجَزُ فِيهِ عَقْدٌ بَلْ تَعَيُّنُ الثَّمَنِ فَقَطْ وَهُنَا تُنْجَزُ تَمَامُ الْعَقْدِ فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ قَبْضَ الْعَيْنَيْنِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ مَبِيعًا وَأَحَدَهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ أَمَانَةً، فَإِذَا فُرِضَ وُجُودِ مَا يُعَيِّنُ الْمَبِيعَ مِنْهُمَا مِنْ الْأَسْبَاب تُعِيِّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لِأَيِّ شَيْءٍ انْعَكَسَ حُكْمُ طَلَاقِ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ وَعِتْقُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ هُنَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْبَاقِي لَا الْهَالِكُ وَهُنَا يَتَعَيَّنُ الْهَالِكُ لِلْبَيْعِ؟ أَجَابَ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ تَعَيَّنَ الْبَاقِي بِالضَّرُورَةِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَإِذَا هَلَكَ الْعَبْدُ هُنَا عَلَى مِلْكِهِ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَمَانَةِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ حَقِيقَةَ السُّؤَالِ أَنَّهُ لِأَيِّ شَيْءٍ جُعِلَ الْهَالِكُ هُنَا هُوَ الْمَحَلُّ لِلتَّصَرُّفِ دُونَ الْبَاقِي، وَهُنَاكَ جُعِلَ الْمَحَلُّ لِلتَّصَرُّفِ الْبَاقِي دُونَ الْهَالِكِ مَعَ التَّصَرُّفِ فِي الْكُلِّ فِي الْأَحَدِ الدَّائِرِ بَيْنَ الْمُعَيَّنَاتِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ هُنَا لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلرَّدِّ بِالْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ الْمُخْتَلِفَاتِ فَتَعَيَّنَ الْعَقْدُ فِيهِ بِتَعَيُّنِ الْبَاقِي لِلضَّرُورَةِ، وَحِينَ أَشْرَفَتْ الزَّوْجَةُ وَالْعَبْدُ عَلَى الْهَلَاكِ لَمْ يَخْرُجَا عَنْ كَوْنِهِمَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، هُوَ التَّصَرُّفُ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُمَا ضَرُورَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا) ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ وَذَلِكَ بِالِاسْتِدَامَةِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهَلَكَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ رَدُّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا حَتَّى مَلَكَ إتْمَامَ الْعَقْدِ فِيهِمَا، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ أَحَدِهِمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَهُنَا الْعَقْدُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا حَتَّى لَا يَمْلِكَ إتْمَامَ الْعَقْدِ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَهُمَا (فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا) بِالْبَيْعِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا بِالْخِيَارِ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ بِهَا فِيمَا يُبَاعُ بِجَنْبِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِجَازَةَ وَالرِّضَا وَالشُّفْعَةُ بِهَا رِضًا بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِلْمِلْكِ فِيمَا يُشْفَعُ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنُ (مَا ثَبَتَتْ) الشُّفْعَةُ (إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ وَذَلِكَ) أَيْ ضَرَرُ الْجِوَارِ يَحْصُلُ (بِاسْتِدَامَةِ) الْمِلْكِ فَحَيْثُ شَفَعَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَقِيمٌ لِلْمِلْكِ (فَيَتَضَمَّنُ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمَلِكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً) ؛ لِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ

قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ، لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبِ الشَّرِكَةِ، فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا رَدَّهُ مَعِيبًا بِهِ وَفِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَشْفَعُ بِهَا، وَقَدْ قَالَ يَشْفَعُ بِهَا فَاحْتَاجَ إلَى جَعْلِهِ فِعْلًا يُفِيدُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَيَنْبَرِمُ الْبَيْعُ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْخِيَارِ فَيَكُونُ سَابِقًا عَلَى شِرَاءِ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ مَلَكَهَا فَتَتَّجِهُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِهَا. وَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا أَيْضًا يَحْتَاجَانِ إلَى زِيَادَةٍ ضِمْنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَهُمَا فَلَهُ رَفْعُهُ فَهُوَ مُزَلْزَلٌ وَالشُّفْعَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُسْتَمِرِّ، فَحِينَ شَفَعَ دَلَّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءَ الْمِلْكِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ فَلَا يُفْسَخُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَدَمُ هَذَا التَّقْرِيرِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَذَلِكَ يَكْفِيهِ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهَا كَالْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الشُّفْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا رَقَبَةَ الدَّارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَاكَ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْوَكِيلِ عَنْ السَّيِّدِ فِي الْحَالِ كَانَ حَسَنًا وَرَجَعَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ، وَهَذَا وَلَوْ كَانَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ إلَى جَانِبِهَا، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ حَتَّى إذَا رَآهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَمَا شَفَعَ بِهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ صَرِيحًا لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ فَقَبْلَهَا هُوَ عَدَمٌ، فَحَقِيقَةُ قَوْلِنَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ إذَا رَآهَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَكَذَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا) مَثَلًا (عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ) بَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ (فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ) بِأَنْ اشْتَرَى الرَّجُلَانِ شَيْئًا فَاطَّلَعَا عَلَى عَيْبٍ فَرَضِيَ بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ رَدُّهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَيَا وَلَمْ يَرَيَا فَعِنْدَ الرُّؤْيَةِ رَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ (وَلَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ) حَقَّهُ (وَلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا رَدَّهُ مَعِيبًا بِهِ وَفِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ)

وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ. . قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَكَانَ بِخِلَافِهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْبَائِعَ كَانَ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ مَتَى شَاءَ كَيْفَ شَاءَ فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ، وَالْخِيَارُ مَا شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ أَحَدِهِمَا بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْآخَرِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الضَّرَرُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ. قُلْنَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا شَرَطَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَقَدْ رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ. أُجِيبَ أَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِهِ فِي مِلْكِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ رَضِيَ بِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ فَسْخٍ وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَ إبْرَامٍ فَشَرْطُهُ رِضًا بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. أَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةٍ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَرَطَهُ لَهُمَا أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِرِضَاهُ بِفَسْخِهِمَا، فَإِذَا جَازَ هَذَا كَانَ هُوَ الظَّاهِرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَاقِلِ إذَا احْتَمَلَ كُلًّا مِنْ أَمْرَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا ضَرَرٌ دُونَ الْآخَرِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْمُحْتَمَلَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَلْ اللَّازِمَ عَدَمُ قَصْدِ الْعَاقِلِ إلَى مَا يَضُرُّهُ بِلَا فَائِدَةٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ) أَيْ حِرْفَتُهُ ذَلِكَ (فَكَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) وَلَوْ مَاتَ هَذَا الْمُشْتَرِي انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى وَرَثَتِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الْعَيْنِ، وَهَذَا الشَّرْطُ حَاصِلُهُ شَرْطُ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ وَكَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ، فَكَانَ شَرْطُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَرٌ صَحِيحًا، وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْأَوْصَافِ أَنَّ مَا كَانَ وَصْفًا لَا غَرَرَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَا فِيهِ غَرَرٌ

فَيُسْتَحَقُّ فِي الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ دُونَهُ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ النَّوْعِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ، فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَصَارَ كَفَوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُهُ بِمَعْنَى الْبَرَاءَةِ مِنْ وُجُودِهِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ، فَعَلَى هَذَا يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ بَاعَ نَاقَةً أَوْ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلِبُ كَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مَجْهُولَةً لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا، حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ جَازَ، كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْفَرَسِ أَنَّهُ هِمْلَاجٌ وَفِي الْكَلْبِ أَنَّهُ صَائِدٌ حَيْثُ يَصِحُّ، وَمِنْهُ شَرْطُ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَشَرْطُ كَوْنِ الثَّمَنِ مَكْفُولًا بِهِ. أَمَّا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. قِيلَ لَا يَجُوزُ كَالنَّاقَةِ وَالشَّاةِ، وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِي الْجَوَارِي عَيْبٌ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِلْبَرَاءَةِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ، وَقِيلَ إنْ اشْتَرَاهَا لِيَتَّخِذَهَا ظِئْرًا فَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ يَعْنِي ذَكَرَ غَرَضَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مَجْهُولَةً فِي وُجُودِهَا غَرَرٌ فَكَانَتْ كَالنَّاقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ جَازَ حَمْلًا لِقَصْدِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبِ الْحَبَلِ وَمِنْهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا صَحَّ، وَكَانَ لَهُ. هَذَا وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَرْطِ الْحَمْلِ فِي الْبَقَرِ وَالْجَارِيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي اشْتِرَاطِ أَنَّهَا حَلُوبَةٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ هُنَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ اللَّبَنُ، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَسْأَلَتِنَا: فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَوَجَدَهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا عَلَى أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَاتِبِ وَالْخَبَّازِ: أَعْنِي الِاسْمَ الَّذِي يُشْعِرُ بِالْحِرْفَةِ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِأَنْ يَكْتُبَ شَيْئًا يَسِيرًا نَاقِصًا فِي الْوَضْعِ أَوْ يَخْبِزُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْهَلَاكَ بِأَكْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ كَمَا ذَكَرَ وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ لَا بِالْعَقْدِ، وَتَعَذُّرُ الرَّدِّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَا هَذَا، وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ

وَصْفِ السَّلَامَةِ، وَإِذَا أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَصْفَ السَّلَامَةِ كَمَا فِي الْعَيْبِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَجِدْهُ كَاتِبًا وَقَالَ الْبَائِعُ سَلَّمْته إلَيْك كَاتِبًا وَلَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَنْسَى فِي مِثْلِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَدَمَ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ أَصْلٌ وَالْوُجُودُ فِي الصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّةِ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ، وَإِنْ لَمْ تَتَأَيَّدْ تُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي إلْزَامِ الْخَصْمِ. إذَا عُرِفَ هَذَا، فَإِذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَيْسَ بِهَذَا الْوَصْفِ وَقَالَ الْبَائِعُ: هُوَ بِهَذَا الْوَصْفِ لِلْحَالِ يُؤْمَرُ بِالْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ، فَإِنْ فَعَلَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَلَا يُرَدُّ وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: سَلَّمْته بِهَا وَنَسِيَ عِنْدَك وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبْضِهِ وَدَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى تُعْرَفَ هَذِهِ الصِّفَةُ. وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِكْرٌ لِلْحَالِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي ثَيِّبٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ هُنَا بِمُؤَيِّدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقٌّ قَوِيٌّ وَشَهَادَتُهُنَّ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ، لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ لِتَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ، إذْ لَا بُدَّ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ، وَالْخُصُومَةُ حَقٌّ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا فَجَازَ أَنْ تَثْبُتَ بِشَهَادَتِهِنَّ، فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتهَا وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا تُرَدُّ بِشَهَادَتِهِنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِلَا يَمِينٍ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَثِقُ بِهِنَّ لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ فَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى أَنْ يَحْضُرَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يُوثَقُ بِهِنَّ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتهَا وَسَلَّمْتهَا إلَيْك وَهِيَ بِكْرٌ وَزَالَتْ بَكَارَتُهَا فِي يَدِك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هِيَ الْبَكَارَةُ، وَلَا يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُضَرٌّ بِزَوَالِ الْبَكَارَةِ، وَإِنَّمَا يَقُولُ زَالَتْ فِي يَدِك. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي الْبَيْعِ مَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فَوَجَدَهُ بِخِلَافِهِ فَتَارَةً يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَتَارَةً يَسْتَمِرُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَتَارَةً يَسْتَمِرُّ صَحِيحًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا شَرَطَهُ وَضَابِطُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَفِيهِ الْخِيَارُ، وَالثِّيَابُ أَجْنَاسٌ: أَعْنِي الْهَرَوِيَّ وَالْإِسْكَنْدَرِيّ وَالْمَرْوِيَّ وَالْكَتَّانَ وَالْقُطْنَ. وَالذَّكَرُ مَعَ الْأُنْثَى فِي بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ، وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَالضَّابِطُ فُحْشُ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ وَعَدَمُهُ، فَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ إسْكَنْدَرِيٌّ فَوَجَدَهُ بَلَدِيًّا، أَوْ هِنْدِيٌّ فَوَجَدَهُ مَرْوِيًّا، أَوْ كَتَّانٌ فَوَجَدَهُ قُطْنًا، أَوْ أَبْيَضُ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ فَإِذَا هُوَ بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ دَارًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجُرٌّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا بِنَاءَ وَلَا نَخْلَ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ نَخْلٌ، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَشْجَارِهَا مُثْمِرَةٌ فَوَجَدَ وَاحِدَةً غَيْرَ مُثْمِرَةٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ، أَوْ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مُوَلِّدَةُ الْكُوفَةِ فَإِذَا هِيَ مُوَلِّدَةُ بَغْدَادَ، أَوْ غُلَامٌ عَلَى أَنَّهُ تَاجِرٌ

[باب خيار الرؤية]

(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ) بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ كَاتِبٌ فَإِذَا هُوَ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ فَحْلٌ فَإِذَا هُوَ خَصِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ أَنَّهَا بَغْلَةٌ فَإِذَا هُوَ بَغْلٌ أَوْ نَاقَةٌ فَكَانَ جَمَلًا أَوْ لَحْمُ مَاعِزٍ فَكَانَ لَحْمَ ضَأْنِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَوَجَدَهُ بَغْلَةً أَوْ حِمَارٌ أَوْ بَعِيرٌ فَإِذَا هُوَ أَتَانٌ أَوْ نَاقَةٌ أَوْ جَارِيَةٌ عَلَى أَنَّهَا رَتْقَاءُ أَوْ حُبْلَى أَوْ ثَيِّبٌ فَإِذَا هِيَ بِخِلَافِهِ جَازَ وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ أَفْضَلُ مِنْ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَيَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ أَمَّا أَهْلُ الْمُدُنِ وَالْمُكَارِيَةُ فَالْبَعِيرُ أَفْضَلُ وَلَوْ بَاعَ دَارًا بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْخَشَبِ وَالْأَبْوَابِ وَالنَّخِيلِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي [بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ] قَدَّمَهُ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَاللُّزُومُ بَعْدَ التَّمَامِ، وَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) سَوَاءً رَآهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وُصِفَتْ لَهُ أَوْ عَلَى خِلَافِهَا، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ جِرَابًا فِيهِ أَثْوَابٌ هَرَوِيَّةٌ أَوْ زَيْتًا فِي زِقٍّ، أَوْ حِنْطَةً فِي غِرَارَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى شَيْئًا، وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك دُرَّةً فِي كُمِّي صِفَتُهَا كَذَا أَوْ ثَوْبًا فِي كُمِّي صِفَتُهُ كَذَا أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مُنْتَقِبَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. لَكِنَّ إطْلَاقَ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ سَمَّى جِنْسَ الْمَبِيعِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورٌ أَوْ لَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مَا فِي كُمِّي، بَلْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا: إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ. وَطَائِفَةٌ قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ كَصَاحِبِ الْأَسْرَارِ وَالذَّخِيرَةِ لِبُعْدِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَا لَمْ يُعْلَمْ جِنْسُهُ أَصْلًا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» ؛ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَنْ يَقُولَ بِعْتُك شَيْئًا بِعَشَرَةٍ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ أَصْلًا) هُوَ فِيمَا لَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ قَوْلًا وَاحِدًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا فِيمَا سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ عَلَى مَا نُقِلَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَالْحِلْيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ. وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَطَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِ قَوْلِهِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ: يَعْنِي وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِلْجَهَالَةِ. قُلْنَا: أَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي الْمِلْكِ اتِّفَاقًا لَا مَا لَيْسَ فِي حَضْرَتِك، وَنَحْنُ شَرَطْنَا فِي هَذَا الْبَيْعِ كَوْنَ الْمَبِيعِ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ فَقَضَيْنَا عُهْدَتَهُ، وَأَمَّا بَيْعُ الْغَرَرِ فَلَفْظُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَذَلِكَ لَيْسَ إلَّا بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ فَيُبْنَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَغْرُورًا بِذَلِكَ فَيَظْهَرُ لَهُ خِلَافُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَكَيْف كَانَ فَلَا شَكَّ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ فِيهِ، وَنَقْطَعُ بِأَنْ لَا ضَرَرَ فِيمَا أَجَزْنَا مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ. فَأَمَّا إذَا أَوْجَبْنَا لَهُ الْخِيَارَ إذَا رَآهُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ أَصْلًا بَلْ فِيهِ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ وَهُوَ إدْرَاكُ حَاجَةِ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ وَهُوَ غَائِبٌ وَأَوْقَفْت جَوَازَ الْبَيْعِ عَلَى حُضُورِهِ وَرُؤْيَتِهِ رُبَّمَا تَفُوتُ بِأَنْ يَذْهَبَ فَيُسَاوِمُهُ فِيهِ آخَرُ رَآهُ فَيَشْتَرِيه مِنْهُ فَكَانَ فِي شَرْعِ هَذَا الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ غَيْرَ لُحُوقِ شَيْءٍ مِنْ الضَّرَرِ فَأَنَّى يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَالْأَحْكَامُ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا لِمَصَالِح الْعِبَادِ قَطْعًا فَكَانَ مَشْرُوعًا قَطْعًا، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى الْبَيْعِ الْبَاتِّ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ ضَرَرَ الْمُشْتَرِي، وَالنَّهْيُ قَطْعًا لَيْسَ إلَّا لِذَلِكَ، فَظَهَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ لَمْ يَنْفِ مَا أَجَزْنَاهُ فَكَانَ نَفْيُهُ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ، وَكَفَانَا فِي إثْبَاتِهِ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لَا ضَرَرَ فِي بَيْعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ جَائِزًا، وَيَبْقَى الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ زِيَادَةً فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا. حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ. (وَكَذَا إذَا قَالَ رَضِيت ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا، وَحَقُّ الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِحُكْمِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَا بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ» وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَضْعِيفُ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِجَهَالَةِ عَدَالَتِهِ لَا يَنْفِي عِلْمَ غَيْرِ الْمُضَعِّفِينَ بِهَا. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبَّقِ وَابْنُ سِيرِينَ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا، وَعَمِلَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ مِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ تَضْعِيفُ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، فَدَلَّ قَبُولُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ثُبُوتِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ عَمَلَ مَنْ ضَعَّفَ ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ تَصْحِيحٌ لَهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَالْمُخْتَارُ لَا، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَمَلَهُ عَنْ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ أَيْضًا مَرْفُوعًا، رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ فِي طَرِيقِهِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ عُمَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيَّ نُسِبَ إلَى وَضْعِ الْحَدِيثِ. هَذَا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ، عَبَّرَ بِالرُّؤْيَةِ عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ فَصَارَتْ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَهَذَا لِوُجُودِ مَسَائِلَ اتِّفَاقِيَّةٍ لَا يُكْتَفَى بِالرُّؤْيَةِ فِيهَا. مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَمِسْكٍ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ عِنْدَ شَمِّهِ فَلَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ شَمِّهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ، وَكَذَا لَوْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ غَيْرُ مُعَرَّفَةٍ لِلْمَقْصُودِ الْآنَ، وَكَذَا اشْتِرَاءُ الْأَعْمَى يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الْوَصْفِ لَهُ فَأُقِيمَ فِيهِ الْوَصْفُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ) يَعْنِي فِيمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُشَارًا إلَيْهِ لَا يُعْلَمُ عَدَدُ ذُرْعَانِهِ يُرِيدُ تَشْبِيهَهُ بِذَلِكَ فِي مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْجَوَازِ لَا بِقَيْدِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ، أَعْنِي الثَّوْبَ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى لُزُومِ ذِكْرِ الْجِنْسِ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَيَبْقَى الْفَائِتُ مُجَرَّدَ عِلْمِ الْوَصْفِ، وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ رَضِيت) إلَى آخِرِهِ، أَيْ وَكَذَا لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ: يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت كَائِنًا مَا كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ مُعَلَّقٌ فِي النَّصِّ بِالرُّؤْيَةِ حَيْثُ قَالَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الثُّبُوتِ. وَقَوْلُهُ وَحَقُّ الْفَسْخِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ وَهُوَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. فَإِنَّهُ إذَا أَجَازَ قَبْلَهَا لَا يَلْزَمُ،

وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رَدَدْت. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا فَسَخَ قَبْلَهَا لَزِمَ مَعَ اسْتِوَاءِ نِسْبَةِ التَّصَرُّفَيْنِ فِي تَعْلِيقِهِمَا بِالشَّرْطِ فِي الْحَدِيثِ وَلَا وُجُودَ لِلْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ هُوَ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّرْطِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ؛ فَالْحَدِيثُ لَمَّا عَلَّقَ الْخِيَارَ بِالرُّؤْيَةِ ثَبَتَ بِهِ تَعْلِيقُ كُلٍّ مِنْ الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَأَنْ يَفْسَخَ، ثُمَّ لَمْ تَثْبُتْ الْإِجَازَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبَقِيَ عَلَى الْعَدَمِ حَتَّى يَثْبُتَ سَبَبُهُ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ سَبَبُهُ وَهُوَ الْعَيْبُ قَائِمٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، فَإِذَا قَالَ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ سَقَطَ خِيَارُهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْفَسْخُ فَثَبَتَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِالضَّرُورَةِ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَإِلَّا فَهُوَ لَازِمٌ وَقَدْ فَرَضَ غَيْرَ لَازِمٍ، هَذَا خُلْفٌ. وَقَدْ سَلَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسْلَكَ الطَّحَاوِيِّ فِي عَدَمِ نَقْلِ خِلَافٍ فِي جَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، وَنَقَلَ فِي التُّحْفَةِ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ وَأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ) فَلَوْ تَمَّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ، ثُمَّ لِمَنْ يَمْنَعُ الْفَسْخَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَمْنَعَ وُجُودَ سَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ الرُّؤْيَةِ، وَقَوْلُكُمْ عَدَمُ اللُّزُومِ سَبَبٌ آخَرُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. قُلْنَا: نَمْنَعُ تَحَقُّقَ عَدَمِ اللُّزُومِ بَلْ نَقُولُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ الْبَيْعُ بَاتٌّ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ، فَإِنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ إثْبَاتَ قُدْرَةِ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ الَّتِي هِيَ الْخِيَارُ بِالرُّؤْيَةِ فَقَبْلَهُ يَثْبُتُ حُكْمُ السَّبَبِ وَهُوَ اللُّزُومُ إلَى غَايَةِ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ عِنْدَهَا فَتَثْبُتُ قُدْرَةُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ مَعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَيْسَ غَيْرَ شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالْإِجَازَةِ. وَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى مَالٍ عَلَى عَيْنٍ وَالْقِسْمَةِ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الدُّيُونِ فَلَا يَكُونُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَان الْخَالِصَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ الْخِيَارَ. وَلَوْ تَبَايَعَا مُقَايَضَةً ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَحَلُّهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِالْفَسْخِ لَا مَا لَا يَنْفَسِخُ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ الِانْفِسَاخَ بَقِيَ الْعَقْدُ قَائِمًا، وَقِيَامُهُ يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ لَا بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْقِيمَةِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَبَدًا، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَسْقُطْ

قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: أَوَّلًا لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا وَثُبُوتًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ. وَرُوِيَ " أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِيَارُ الرُّؤْيَةِ مِنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ رَدَدْت يَنْفَسِخُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ عِلْمِ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ خِلَافُهُمْ فِي الْفَسْخِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) بِأَنْ وَرِثَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا (فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ أَوَّلًا: لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ (وَخِيَارُ الشَّرْطِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا. وَلَوْ اخْتَصَرَ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ كَانَ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الْعَيْبِ مَعْقُولٌ لِاحْتِبَاسِ مَا هُوَ بَعْضُ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ تَرْكِ حَقِّهِ أَوْ أَخْذِهِ بِأَخْذِ الثَّمَنِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَفِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لِتَحْصِيلِ شَرْطِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْعِلْمُ التَّامُّ بِالْمَبِيعِ غَيْرَ أَنَّهُ جَوَّزَ مُتَأَخِّرًا لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. ثُمَّ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ (وَهَذَا؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا) يَعْنِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ (وَثُبُوتًا) فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي (وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ) أَيْ تَمَامُ الرِّضَا (إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ) يَخَالُ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُجَامِعُ عَدَمَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ عَلَى الْبَتَاتِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ بِالْعَدَمِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَا بِأَحْكَامِ الْعَقْدِ فَكَذَا هُنَا. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ: أَعْنِي خِيَارَ الشَّرْطِ مُتَوَقِّفٌ شَرْعًا عَلَى تَرَاضِيهمَا، فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِتَرَاضِيهِمَا لَا إذَا سَكَتَا عَنْهُ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ فَكَذَا هُنَا، وَلَيْسَ الْوَاقِعُ هَذَا لِظُهُورِ اخْتِلَافِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفَا فَالْأَصْلُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، فَلِذَا حَقَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ. وَذَكَرَ لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: (أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نَفْيٌ لِلْحُكْمِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إذْ حَاصِلُهُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ

عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بَاعَ أَرْضًا لَهُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ. وَقِيلَ لِعُثْمَانَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ. فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ". فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ثُمَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بَلْ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ، وَمَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ " أَنَّ طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَالًا، فَقِيلَ لِعُثْمَانَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ عُثْمَانُ: لِي الْخِيَارُ، لِأَنِّي بِعْت مَا أَرَهُ، وَقَالَ طَلْحَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ، فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَضَى أَنَّ الْخِيَارَ لِطِلْحَةٍ وَلَا خِيَارَ لِعُثْمَانَ ". وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَكُونُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ قَضِيَّةً يَجْرِي فِيهَا التَّخَالُفُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَبِيرَيْنِ ثُمَّ إنَّهُمَا حَكَّمَا فِيهَا غَيْرَهُمَا فَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ شُهْرَتُهَا وَانْتِشَارُ خَبَرِهَا فَحِينَ حَكَمَ جُبَيْرٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ خِلَافُهُ كَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا ظَاهِرًا (قَوْلُهُ ثُمَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ) بِوَقْتٍ خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْفَسْخِ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَمْ يَفْسَخْ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتُ (بَلْ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ، وَ) يُبْطِلُهُ (مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ تَعَيُّبٍ) يَعْنِي بَعْدَ الرُّؤْيَةِ (أَوْ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ) بِقَيْدِ تَفْصِيلٍ نَذْكُرُهُ فِي التَّصَرُّفِ لَا مُطْلَقًا فَلِذَا وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ إنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ) لِلْمُتَصَرِّفِ (كَالْإِعْتَاقِ) لِلْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ

وَالتَّدْبِيرِ أَوْ تَصَرُّفًا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ تَعَذُّرُ الْفَسْخِ فَبَطَلَ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَالْمُسَاوَمَةُ وَالْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَرَهُ (وَتَدْبِيرِهِ أَوْ تَصَرُّفًا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ) كَالْبَيْعِ وَلَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِخُلُوصِ الْحَقِّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ (كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ) إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْمُطْلَقَ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بِهِ لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ وَكَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ (وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ) سَوَاءً وُجِدَتْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ أَوْ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ مَانِعَةٌ مِنْ الْفَسْخِ. (وَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ شَرْعًا بَطَلَ الْخِيَارُ) وَوَجَبَ تَقْدِيرُ قَيْدٍ فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يُوجِبْ مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ عَدَمَهُ إذَا رَآهُ، وَحَاصِلُهُ تَقْدِيرٌ مُخَصَّصٌ بِالْعَقْلِ (وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) لِلْبَائِعِ (وَالْمُسَاوَمَةِ، وَهِبَتِهِ بِلَا تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ) لِأَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَ الْخِيَارَ كَانَ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى

(قَالَ: وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ، أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّضَا، وَصَرِيحُ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ فَبِدَلَالَتِهِ أَوْلَى، وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَمَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ يُبْطِلُهُ مُقَيَّدًا بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَبِالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنَّهُمَا إذَا وُجِدَا مِنْ الْمُشْتَرِي الَّذِي لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِهِمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ يَرُدَّ الدَّارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الرِّضَا لَا تَعْمَلُ فِي إسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي تَعَلَّقَ فِيهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَوْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِرَدٍّ بِقَضَاءٍ أَوْ بِفَكِّ الرَّهْنِ أَوْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ رَآهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ بِظَاهِرِ النَّصِّ تَقَدَّمَ وُجُوبُ تَخْصِيصِهِ فَكَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ الْكَائِنَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ مِنْ مُحَالِ التَّخْصِيصِ. وَمِمَّا يُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا رَآهُ لِدَلَالَةِ الْقَبْضِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الرِّضَا بِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ إلَخْ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ أَجْزَاءِ (الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ) فِي انْتِفَاءِ ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ (لِتَعَذُّرِهِ) عَادَةً وَشَرْعًا، وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ اللَّذَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا، وَلَزِمَ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ حَبَّةٍ مِنْهَا، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، فَإِذَا رَآهُ جَعَلَ غَيْرَ الْمَرْئِيِّ تَبَعًا لِلْمَرْئِيِّ، فَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ فِي الْأَصْلِ سَقَطَ فِي التَّبَعِ. إذَا عُرِفَ هَذَا انْبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَرَأَى الْبَاقِيَ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأْي بَطْنَهُمَا أَوْ ظَهْرَهُمَا وَسَائِرَ أَعْضَائِهِمَا إلَّا الْوَجْهَ فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا رَأَى وَجْهَهُمَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِي الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ تَبَعٌ لِلْوَجْهِ وَلِذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ إذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْوَجْهِ مَعَ تَسَاوِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَفِي الدَّوَابِّ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَلِ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ فَيَسْقُطُ بِرُؤْيَتِهِمَا وَلَا

وَلَوْ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ أَشْيَاءُ، فَإِنْ كَانَ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهَا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ. وَإِنْ كَانَ تَتَفَاوَت آحَادُهَا كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْجَوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ وَصْفَ الْبَقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مِمَّا يَعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعَلَمِ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْآدَمِيِّ، وَهُوَ وَالْكَفَلُ فِي الدَّوَابِّ فَيُعْتَبَرُ رُؤْيَةِ الْمَقْصُودِ وَلَا يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ غَيْرِهِ. وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمَا مِنْهَا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ مَا لَمْ يَرَ قَوَائِمَهَا. وَنَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ عَنْ الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الدَّابَّةِ إذَا رَأَى عُنُقَهَا أَوْ سَاقَهَا أَوْ فَخِذَهَا أَوْ جَنْبَهَا أَوْ صَدْرَهَا لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. وَإِنْ رَأَى حَوَافِرَهَا أَوْ نَاصِيَتَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَكْفِي الْوَجْهُ اعْتِبَارًا بِالْعَبْدِ. وَفِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يُعْتَبَرُ فِي الدَّوَابِّ عُرْفُ التُّجَّارِ (فَإِنْ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ أَشْيَاءُ، فَإِنْ كَانَتْ الْآحَادُ لَا تَتَفَاوَتُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَعَلَامَتُهُ) أَيْ عَلَامَةُ مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ (أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا) فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ (إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى حِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ) يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ. وَفِي الْكَافِي: إذَا كَانَ أَرْدَأَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا لَا بِغَيْرِهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى سَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خِيَارُ عَيْبٍ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الْبَاقِي يُوَصِّلُهُ إلَى حَدِّ الْعَيْبِ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ لَا يُوَصِّلُهُ إلَى اسْمِ الْمَعِيبِ بَلْ الدُّونِ. وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَاهُ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ (وَإِنْ كَانَ آحَادُهُ مُتَفَاوِتَةً كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ لَكِنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا) : أَعْنِي رُؤْيَةَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ (وَالْجَوْزُ وَالْبِيضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجَرَّدِ هُوَ الْأَصَحُّ. ثُمَّ السُّقُوطُ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ فِي الْمَكِيلِ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اخْتَلَفُوا، فَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وِعَاءٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حَالَ الْبَاقِيَ، هَذَا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا فِي الْوِعَاءِ الْآخَرِ مِثْلُهُ أَوْ أَجْوَدُ، أَمَّا إذَا كَانَ أَرْدَأَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ فَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِهَا فِي سُقُوطِ خِيَارِهِ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ قَالَ رَضِيت وَأَسْقَطْت خِيَارِي، وَفِي شِرَاءِ الرَّحَى

وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّحْمُ يُعْرَفُ بِهِ. وَفِي شَاةِ الْقُنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ. وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ. (قَالَ وَإِنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا) وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى خَارِجَ الدَّارِ أَوْ رَأَى أَشْجَارَ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى وِفَاقِ عَادَتِهِمْ فِي الْأَبْنِيَةِ، فَإِنَّ دُورَهُمْ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً يَوْمَئِذٍ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَاخِلِ الدَّارِ لِلتَّفَاوُتِ، وَالنَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِآلَاتِهِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْكُلِّ، وَكَذَا السَّرْجُ بِأَدَاتِهِ وَلَبَدِهِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْكُلِّ (وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ) بِالْيَدِ فَلَا يُكْتَفَى بِالرُّؤْيَةِ مَا لَمْ يَجِسَّهَا (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّحْمُ، وَفِي شَاةِ الْقُنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ، وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ) فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِدُونِ ذَلِكَ. وَكَذَا إذَا رَأَى وَجْهَ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا؛ لِأَنَّ الْبَادِيَ يَعْرِفُ مَا فِي الطَّيِّ، فَلَوْ شَرَطَ فَتْحَهُ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَكَسُّرِ ثَوْبِهِ وَنُقْصَانِ بَهْجَتِهِ وَبِذَلِكَ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كِلَا الْوَجْهَيْنِ، أَوْ يَكُونَ فِي طَيِّهِ مَا يُقْصَدُ بِالرُّؤْيَةِ كَالْعَلَمِ. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ بَاطِنَ الثَّوْبِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ اخْتِلَافُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ فِي الثِّيَابِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَفِي الْبِسَاطِ: لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ جَمِيعِهِ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى ظُهُورِ الْمَكَاعِبِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى وَجْهِهَا دُونَ الصِّرْمِ يَبْطُلُ. قِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى الصِّرْمِ فِي زَمَانِنَا لِتَفَاوُتِهِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا. وَفِي الْجُبَّةِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ بَاطِنِهَا وَيَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْبِطَانَةُ مَقْصُودَةً بِأَنْ كَانَ فِيهَا فَرْوٌ، وَأَمَّا الْوِسَادَةُ الْمَحْشُوَّةُ إذَا رَأَى ظَاهِرَهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَحْشُوَّةً مِمَّا يُحْشَى بِهَا مِثْلُهَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُحْشَى بِهِ مِثْلُهَا فَلَهُ الْخِيَارُ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا، وَكَذَا إذَا رَأَى خَارِجَ الدَّارِ وَرَأَى أَشْجَارَ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ) ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا مُتَعَذِّرٌ، إذْ لَا يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَى مَا تَحْتَ السُّرَرِ وَإِلَى مَا بَيْنَ الْحِيطَانِ مِنْ الْجُذُوعِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا (وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْبُيُوتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى وَفْقِ عَادَتِهِمْ فِي الْأَبْنِيَةِ) فِي الْكُوفَةِ (فَإِنَّ دُورَهُمْ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً) وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا (فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ دَاخِلَ الدَّارِ) كَمَا قَالَ زُفَرُ (لِتَفَاوُتِ الدُّورِ) بِكَثْرَةِ

قَالَ (وَنَظَرُ الْوَكِيلِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَلَا يَكُونُ نَظَرُ الرَّسُولِ كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا فَلَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى صَحْنِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ مَقْصُودٌ، وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْعُلُوِّ إلَّا فِي بَلَدٍ يَكُونُ الْعُلُوُّ مَقْصُودًا كَمَا فِي سَمَرْقَنْدَ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَطْبَخِ وَالْمَزْبَلَةِ عَلَى خِلَافِ بِلَادِنَا بِدِيَارِ مِصْرَ. وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْأَشْجَارِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ رُءُوسِ الْأَشْجَارِ أَوْ رُؤْيَةِ خَارِجِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَالَ: الْمَقْصُودُ مِنْ الْبُسْتَانِ بَاطِنُهُ فَلَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ. وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانَ: لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْخَارِجِ وَرُءُوسِ الْأَشْجَارِ انْتَهَى. وَفِي الْكَرْمِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ عِنَبِ الْكَرْمِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا، وَفِي الرُّمَّانِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْحُلْوِ الْحَامِضِ. وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنًا فِي زُجَاجَةٍ فَرُؤْيَتُهُ مِنْ خَارِجِ الزُّجَاجَةِ لَا تَكْفِي حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: يَكْفِي؛ لِأَنَّ الزُّجَاجَ لَا يُخْفِي صُورَةَ الدُّهْنِ، وَرَوَى هِشَامُ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ ظَهَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى الْمَبِيعَ قَالُوا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَأَى عَيْنَهُ بَلْ مِثَالَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي الْمَاءِ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُرَى فِي الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ بَلْ يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا هُوَ، فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ لَا تُعَرِّفُ الْمَبِيعَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ شَيْئًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَعْدَ الْقَلْعِ كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالسَّلْجَمِ إنْ بَاعَهُ بَعْدَمَا نَبَتَ نَبَاتًا يُفْهَمُ بِهِ وُجُودُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ جَازَ الْبَيْعُ، فَإِنْ قَلَعَ الْبَعْضَ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ حَتَّى إذَا رَضِيَ بِهِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ إنْ قَلَعَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، فَلَوْ رَضِيَ بِهِ لَزِمَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِمَا عُرِفَ أَنَّ رُؤْيَةَ بَعْضِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ، وَإِنْ قَلَعَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ ثَمَنٌ بَطَلَ خِيَارُهُ فِي الْكُلِّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ رَضِيَ بِالْمَقْلُوعِ أَوْ لَمْ يَرْضَ وُجِدَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ بِالْقَلْعِ صَارَ الْمَقْلُوعُ مَعِيبًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا يَنْمُو وَبَعْدَهُ صَارَ مَوَاتًا. وَالتَّعَيُّبُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَا ثَمَنَ لَهُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ. وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُبَاعُ عَدَدًا إنْ قَلَعَهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي، حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِهِ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ، فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ لَا تَكُونُ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ، وَإِنْ قَلَعَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ بَطَلَ خِيَارُهُ. وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَهُمَا فَمَا ذَكَرْنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: رُؤْيَةُ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ، وَجَعَلَاهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ؛ لِأَنَّ بِبَعْضِهَا يُسْتَدَلُّ فِي الْعَادَةِ عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْقَلْعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَخَاف إنْ قَلَعْته لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا أَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَوْ قَلَعْته فَقَدْ لَا تَرْضَى بِتَطَوُّعِ إنْسَانٍ بِالْقَلْعِ فَإِنْ تَشَاحَّا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَنَظَرُ الْوَكِيلِ) إلَى الْمَبِيعِ مَكْشُوفًا: يَعْنِي الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ كَمَا فَسَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْمُوَكِّلُ وَكَّلْتُك بِقَبْضِهِ أَوْ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِهِ (كَنَظَرِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَرُدُّهُ) الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَرُؤْيَتِهِ (إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَلَا يَكُونُ نَظَرُ الرَّسُولِ كَنَظَرِ الْمُرْسِلِ) وَالرَّسُولُ هُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْمُشْتَرِي قُلْ لِفُلَانٍ يَدْفَعُ إلَيْك الْمَبِيعَ أَوْ أَنْتَ رَسُولِي إلَيْهِ فِي قَبْضِهِ

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) قَالَ مَعْنَاهُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ، لَهُمَا لِأَنَّهُ تَوَكَّلَ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالْأَسْقَاطِ قَصْدًا. وَلَهُ أَنَّ الْقَبْضَ نَوْعَانِ: تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ. وَنَاقِصٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَلَا تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْمُوَكِّلُ مَلَكَهُ بِنَوْعَيْهِ، فَكَذَا الْوَكِيلُ. وَمَتَى قَبَضَ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ يَرَاهُ سَقَطَ الْخِيَارُ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ أَرْسَلْتُك لِقَبْضِهِ أَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ اذْهَبْ فَاقْبِضْهُ يَكُونُ رَسُولًا لَا وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَا صَدَقَاتِ أَمَرْتُك، وَقَدْ قِيلَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ الْمَبِيعَ فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا إذَا قَالَ أَمَرْتُك بِمَادَّةِ أَلِفٍ مِيمٍ رَاءٍ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَقَالَا: هُمَا) يَعْنِي الرَّسُولَ وَالْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ (سَوَاءٌ) فَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ مَا قَبَضَهُ وَكِيلُهُ كَمَا يَرُدُّ مَا قَبَضَهُ رَسُولُهُ (فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّهُ تَوَكَّلَ) أَيْ قَبِلَ الْوَكَالَةَ (بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ) وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ فِعْلِهِ (وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ) بِأَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَرَ عَيْبَهُ ثُمَّ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الشَّرْطِ (و) صَارَ أَيْضًا (كَالْإِسْقَاطِ قَصْدًا) بِأَنْ قَبَضَهُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ قَصْدًا لَا يَسْقُطُ (وَلَهُ أَنَّ الْقَبْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ) قَبْضٌ (تَامٌّ) وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْضًا تَامًّا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَبْطُلُ بِهَذَا الْقَبْضِ وَبَقَاءَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ، فَلَمَّا بَطَلَ بِهَذَا الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ هَذَا الْقَبْضُ تَامًّا (وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقَبْضُ مَعَ الرُّؤْيَةِ مُتَضَمِّنًا لِسُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ وَلَا يَتِمُّ دُونَهُ (ثُمَّ الْمُوَكِّلُ مَلَكَ الْقَبْضَ بِنَوْعَيْهِ، فَكَذَا وَكِيلُهُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ) بِخِلَافِ

وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ بِالنَّاقِصِ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَيَتِمُّ الْقَبْضُ مَعَ بَقَائِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَصْدًا بِأَنْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِهِ (مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ) بِالْقَبْضِ (النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ) الْوَكِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ (إسْقَاطَهُ) لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِ، وَنُقِضَ بِمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيهِمَا. إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِرُؤْيَتِهِ الْخِيَارُ، وَالْمُوَكِّلُ لَوْ رَأَى وَلَمْ يَقْبِضْ يَسْقُطُ خِيَارَهُ. وَالثَّانِيَةُ: لَوْ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَأَبْطَلَ الْخِيَارَ بَطَلَ، وَالْوَكِيلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِتَمَامِ قَبْضِهِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ بِالْوَكَالَةِ، وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي مُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَنَقُولُ: بَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُوَ سُقُوطُ خِيَارِهِ إذَا رَآهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مُضِيِّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَلَيْسَ هُوَ بِالصَّحِيحِ، وَبِعَيْنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ضِمْنًا لِلْقَبْضِ الصَّحِيحِ، بَلْ ثَبَتَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ) يَثْبُتُ مَعَ (تَمَامِ الصَّفْقَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِتَتْمِيمِ الْقَبْضِ بَلْ لِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ ضِمْنِ الْقَبْضِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ، وَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إلَّا مِنْ عَيْبٍ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: يُحْتَمَلُ

وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْخِيَارِ يَكُونُ بَعْدَهُ، فَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ وَكِيلُهُ، وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ (ثُمَّ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ، وَيَشُمُّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ، وَيَذُوقُهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ) كَمَا فِي الْبَصِيرِ (وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا مِنْ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ الْوَكِيلُ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَهُ يَجِبُ أَنْ يُبْطِلَ خِيَارَ الْعَيْبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَلَمْ يُسَلِّمْ مَسْأَلَةَ خِيَارِ الْعَيْبِ. وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ إبْطَالَ خِيَارِ الْعَيْبِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَقَوْلُهُ (وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) يَعْنِي وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَا نَصَّ فِيهِ، فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ فَيَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ التَّامَّ لَا يَحْصُلُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُجِيزُ الْفَسْخَ فَلَا يَتِمُّ الْقَبْضُ مَعَ ذَلِكَ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِعَيْنِهِ (وَلَئِنْ سَلَّمَ) أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْقَبْضِ التَّامِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ) فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ التَّامَّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ (بِخِلَافِ الرَّسُولِ) بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا) مِنْ الْقَبْضِ لَا التَّامِّ وَلَا النَّاقِصِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَبْضِ بَلْ بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَلِذَا لَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ أَيْضًا، وَصُوَرُ الْإِرْسَالِ فِي الْبَيْعِ تَقَدَّمَتْ أَوَائِلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَصُورَتُهَا بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ قُلْ لِفُلَانٍ إنِّي اشْتَرَيْت مِنْك كَذَا وَكَذَا بِمُعَيَّنِ كَذَا وَكَذَا (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ) بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ، وَالشِّرَاءُ يُمَدُّ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ، وَيَقْصُرُ لِأَهْلِ نَجْدٍ (وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ) فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» (وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) فِي أَوَّلِ الْبَابِ؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا مُعَامَلَةَ الْعُمْيَانِ بَيْعًا وَشِرَاءً، وَالتَّعَارُفُ بِلَا نَكِيرٍ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (ثُمَّ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ) كَالشَّاةِ (وَيَشُمُّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ) كَالطِّيبِ (وَبِذَوْقِهِ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ) كَالْعَسَلِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي الْبَصِيرِ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَصِيرَ إذَا لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ وَلَكِنْ شَمَّهُ فَقَطْ وَهُوَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ فَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ رَأَى فَلَا خِيَارَ لَهُ (وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ)

لِأَنَّ الْوَصْفَ يُقَامُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ وَقَالَ: قَدْ رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ، لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ يُقَامُ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى مَقَامَ الْحَلْقِ فِي حَقِّ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ فِي الْحَجِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَهُوَ يَرَاهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ هُوَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ يَذْكُرُ لَهُ صِفَتَهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إيقَافَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْوَصْفِ وَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَصْفِ (لِأَنَّ الْوَصْفَ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ) وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ: وُقُوفُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ عِلْمًا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَأَى الْعَقَارَ، وَقَالَ: رَضِيَتْ سَقَطَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ يُقَامُ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ لِلْأَخْرَسِ، وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ) فِي الْإِحْلَالِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْوَصْفِ فَإِنَّ الْقَائِمَ مَقَامَ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا اعْتِبَارُهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي السَّلَمِ، وَوُجُوبُ إجْرَاءِ الْمُوسَى مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَكَذَا التَّحْرِيكُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْأُمِّيِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْوَصْفَ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّمَّ وَلَا الذَّوْقَ وَالْجَسَّ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ: يَمَسُّ الْحِيطَانَ وَالْأَشْجَارَ، فَإِذَا قَالَ: رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى إذَا كَانَ ذَكِيًّا يَقِفُ عَلَى مَقْصُودِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ رِوَايَةُ بِشْرٍ وَابْنِ سِمَاعَةَ فِي الدَّارِ. وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْوَصْفَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَالْجَسِّ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْكَامِلَ فِي حَقِّهِ يَثْبُتُ بِهَذَا إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ جَسُّهُ كَالثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَصْفُ لَا غَيْرَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَبِي اللَّيْثِ (وَقَالَ الْحَسَنُ: يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَهُوَ يَرَاهُ) فَيَسْقُطُ بِذَلِكَ خِيَارُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ جَعَلَ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ رُؤْيَةَ الْمُوَكِّلِ) وَلَوْ وَصَفَ

قَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا) لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةَ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ، ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدُّهُمَا كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَعْمَى ثُمَّ أَبْصَرَ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ سَقَطَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى الْوَصْفِ (قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَيْسَتْ رُؤْيَةً لِلْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَيَبْقَى الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ) فَلَهُ رَدُّهُ بِحُكْمِ الْخِيَارِ (ثُمَّ لَا) يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ وَحْدَهُ (فَيَرُدُّهُمَا) إنْ شَاءَ (كَيْ لَا يَكُونُ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ) عَلَى الْبَائِعِ (قَبْلَ التَّمَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ (بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا

وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ عِنْدَنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ، وَبِفَوَاتِهِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَالرِّضَا، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَهُنَا وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ يَرُدُّ الْآخَرَ إذَا رَدَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ. أُجِيبَ أَنَّ رَدَّ أَحَدِهِمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَهُمَا، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ: لَوْ رَدَّ كَانَ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ فِيمَا كَانَ مِلْكُ الْبَائِعِ ظَاهِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْبَاقِي عَيْبُ الشَّرِكَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ أَيْضًا كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْعَيْبِ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ كَانَ قَبَضَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِهَا قَبْلَ التَّمَامِ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِيهِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَلَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ. هَذَا وَالْمَعْنَى فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَجَوَازِهَا بَعْدَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي تَفْرِيقِهَا ثُبُوتَ ضَرَرَيْنِ دَائِمًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَبْلَ التَّمَامِ يَكُونُ ضَرَرُ الْبَائِعِ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ ضَرَرُ مَالٍ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَرُوجُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْآخَرِ لِجَوْدَةِ أَحَدِهِمَا وَرَدَاءَةِ الْآخَرِ، وَهُوَ فَوْقَ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ضَرَرَهُ لَيْسَ إلَّا بِبُطْلَانِ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ إذَا أَلْزَمْنَاهُ رَدَّهُمَا، وَبَعْدَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى رَدَّ الْكُلَّ يَبْطُلُ حَقُّهُ عَنْ الْيَدِ وَضَرَرُ الْبَائِعِ مَوْهُومٌ إذْ قَدْ يَبِيعُ الْمَرْدُودَ بِثَمَنٍ جَيِّدٍ فَعَمِلْنَا بِدَفْعِ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ) عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ (فِي خِيَارِ الشَّرْطِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يُوَرَّثَانِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ يُوَرَّثَانِ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ) عَلَيْهَا (فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ) فَلَمْ

إلَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُهُ مَرْئِيَّهُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ (وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ) لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعْلِمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَنَاوَلْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» ؛ لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الرُّؤْيَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَهُ (إلَّا إذَا كَانَ) الْمُشْتَرِي (لَا يَعْلَمُهُ مَرْئِيَّهُ) أَيْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَبِيعَ كَمَا قَدْ رَآهُ فِيمَا مَضَى كَأَنْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً مُنْتَقِبَةً لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الَّتِي كَانَ رَآهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ إيَّاهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ (لِعَدَمِ) مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ (بِالرِّضَا) أَوْ رَأَى ثَوْبًا فَلُفَّ فِي ثَوْبٍ وَبِيعَ فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَلِكَ (وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا) عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ رَآهُ عَلَيْهَا (فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعْلِمَةً بِأَوْصَافِهِ) فَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ وَعَدَمُهَا سَوَاءً (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ) فَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: تَغَيَّرَ (فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ) دَعْوَى (التَّغَيُّرِ) بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِ لُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ رُؤْيَةُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْبَيْعِ دَعْوَى أَمْرٍ (حَادِثٍ) بَعْدَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ) فَقَالَ الْبَائِعُ: رَأَيْته وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَرَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا هُوَ الْعِلْمُ بِصِفَتِهِ (وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ هَذَا الَّذِي بِعْتُكَهُ. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ هُوَ هُوَ، الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْعٍ بَاتٍّ أَوْ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْغَالِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ كَوْنُ الْمُشْتَرِينَ رَأَوْا الْمَبِيعَ فَدَعْوَى الْبَائِعِ رُؤْيَةَ الْمُشْتَرِي تَمَسُّكٌ بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ لَا لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إلَّا إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرُ الْوَجْهِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الرُّؤْيَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمَبِيعِ مَعَ يَمِينِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الْخِيَارَيْنِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الْآخَرِ بَلْ عَلَى عِلْمِهِ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِذَا انْفَسَخَ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا كَالْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ، بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ لَا يَنْفَرِدُ الْمُشْتَرِي بِفَسْخِهِ وَلَكِنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ فِي الَّذِي أَحْضَرَهُ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ.

إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ وَلَمْ يَرَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتِمُّ قَبْلَهُ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ: أَيْ إلَّا فِي صُورَةِ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ (عَلَى مَا قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي) إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى الشَّيْءُ فِي دَارِ التَّغَيُّرِ وَهِيَ الدُّنْيَا زَمَانًا طَوِيلًا لَمْ يَطْرُقْهُ تَغَيُّرٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَرَأَيْت لَوْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً وَقَالَ تَغَيَّرَتْ: أَنْ لَا يُصَدَّقَ، بَلْ يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ فَنَقُولُ: إنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. مِثَالُهُ: لَوْ رَأَى دَابَّةً أَوْ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَاهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَقَالَ تَغَيَّرَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي مِثْلِهِ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ لَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ فَبَاعَ ثَوْبًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ) ثُمَّ رَأَى الْبَاقِيَ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعِدْلَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ: أَعْنِي فَبَاعَ بَعْضَهَا أَوْ وَهَبَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ بَلْ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ، وَهَذَا (لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ) فَلَوْ رَدَّ الْبَاقِيَ فَقَطْ كَانَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ، لِمَا مَرَّ مِنْ. (أَنَّ) قِيَامَ (خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَهَا) وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَفِيهِ) أَيْ فِي الْمَقْبُوضِ (وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُقَيَّدَةً بِهِ لَمْ تَصِحَّ صُورَتُهَا إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَهِبَتُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَتْ الْخِيَارَاتُ كُلُّهَا سَوَاءً وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَحَدَهُمَا بَلْ يَرُدُّهُمَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ إنْ شَاءَ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بَلْ يَرُدُّهُمَا إنْ شَاءَ. لَا يُقَالُ: فِي عَدَمِ رَدِّ الْبَاقِي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ الْخِيَارِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَعَ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ تَفْرِيقَهَا جَائِزٌ بَعْدَ تَمَامِهَا وَحَدِيثُ الْخِيَارِ أَقْوَى. قُلْنَا: لَمْ نَقُلْ بِعَدَمِ رَدِّهِ مُطْلَقًا، بَلْ قُلْنَا: إذَا رَدَّهُ يَرُدُّ مَعَهُ الْآخَرَ، فَزِدْنَا شَرْطًا فِي الرَّدِّ

[باب خيار العيب]

فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ. (بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمَلًا بِحَدِيثِ الصَّفْقَةِ لِنَكُونَ عَامِلِينَ بِالْحَدِيثَيْنِ مَعًا جَمْعًا بَيْنَهُمَا. وَالْعِدْلُ: الْمِثْلُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْغِرَارَةُ الَّتِي هِيَ عِدْلُ غِرَارَةٍ أُخْرَى عَلَى الْجَمَلِ أَوْ نَحْوِهِ: أَيْ يُعَادِلُهَا وَفِيهَا أَثْوَابٌ. وَالزُّطُّ فِي الْمَغْرِبِ: جِيلٌ مِنْ الْهِنْدِ تُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثِّيَابُ الزُّطِّيَّةُ، وَقِيلَ جِيلٌ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ. وَذَكَرَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَبَاعَ مِنْهُ عَلَى لَفْظِ الْعِدْلِ ثُمَّ أَنَّثَهُ فِي قَوْلِهِ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى مَعْنَاهُ، فَكَانَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] هَذَا (وَلَوْ عَادَ) الثَّوْبُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ الْعِدْلِ أَوْ وَهَبَهُ (إلَى الْمُشْتَرِي بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ) مَحْضٌ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (فَهُوَ) أَيْ الْمُشْتَرِي لِلْعِدْلِ (عَلَى خِيَارِهِ) أَيْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ حِينَئِذٍ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ (كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) . وَهُوَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْهُ (أَنَّهُ) أَيْ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ (لَا يَعُودُ) ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (كَخِيَارِ الشَّرْطِ) إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانَ (وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ) وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ مُخْتَلِفٌ، فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ، وَلَحَظَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُسْقَطًا، وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ] تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِ الْخِيَارَاتِ وَالْإِضَافَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالْعَيْبُ وَالْعَيْبَةُ وَالُعَابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ عَابَ الْمَتَاعُ: أَيْ صَارَ ذَا عَيْبٍ، وَعَابَهُ زَيْدٌ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى فَهُوَ مَعِيبٌ وَمَعْيُوبٌ أَيْضًا عَلَى

(وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ) فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ، فَعِنْدَ فَوْتِهِ يَتَخَيَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِ، وَالْعَيْبُ: مَا تَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا (قَوْلُهُ وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ) وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ) ذَلِكَ الْمَبِيعَ (بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) هَذَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، فَإِنْ تَمَكَّنَ فَلَا كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَلَا يُنْتَقَصُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْخِيَارُ (لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ) وَهُوَ مَا لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ عَيْبٌ (يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَتَخَيَّرُ) بَيَانُ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْنَى. أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: «كَتَبَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَبْدًا لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةً وَلَا غَائِلَةَ» ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ. وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ فِي الْمُعْجَمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ وَهْبٍ أَبُو وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ بْنُ هَوْذَةَ: «أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: قُلْت بَلَى، فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ» فَفِي هَذَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْعَدَّاءُ. وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَصُحِّحَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ الْعَدَّاءَ وَتَعْلِيقُ الْبُخَارِيِّ إنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا إذَا لَمْ يَكُنْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ كَيُذْكَرُ بَلْ بِنَحْوِ قَوْلِهِ، وَقَالَ مُعَاذٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ. فَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ مَا كَانَ سَلِيمًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالرَّدِّ فِيهِ عَلَى مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَغَلَّ غُلَامِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَفَسَّرَ الْخَطَّابِيُّ الدَّاءَ بِمَا يَكُونُ بِالرَّقِيقِ مِنْ الْأَدْوَاءِ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَنَحْوِهَا، وَالْخِبْثَةَ مَا كَانَ خَبِيثَ الْأَصْلِ مِثْلُ أَنْ يَسْبِيَ مَنْ لَهُ عَهْدٌ يُقَالُ هَذَا سَبْيُ خِبْثَةٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَحْرُمُ سَبْيُهُ، وَهَذَا سَبْيٌ طَيِّبَةٌ بِوَزْنِ خَيِّرَةٍ ضِدُّهُ. وَمَعْنَى الْغَائِلَةِ مَا يَغْتَالُ حَقَّك مِنْ حِيلَةٍ وَمَا يُدَلِّسُ عَلَيْك

كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي مُمْكِنٌ بِالرَّدِّ بِدُونِ تَضَرُّرِهِ، وَالْمُرَادُ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا بِهِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ، وَتَفْسِيرُهُ لِلدَّاءِ يُوَافِقُ تَفْسِيرَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَفَسَّرَهُ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ بِالْمَرَضِ فِي الْجَوْفِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ، وَفَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ الْغَائِلَةَ بِمَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَهُوَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ الْغَائِلَةُ: الْخَصْلَةُ الَّتِي تَغُولُ الْمَالَ: أَيْ تُهْلِكُهُ مِنْ إبَاقٍ وَغَيْرِهِ، وَالْخِبْثَةُ: هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَقِيلَ هُوَ الْجُنُونُ، وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَلِأَنَّ السَّلَامَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَخْلُوقِ انْصَرَفَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ إلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى مَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ عَلَى التَّمَامِ بِهِ يَكُونُ، وَالنَّاقِصُ مَعْدُومٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِذِكْرِهِ وَتَعْيِينِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ إلَى السَّالِمِ هُوَ الْغَالِبُ صَارَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَتَخَيَّرُ عِنْدَ فَقْدِهِ (كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِإِلْزَامِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ) (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ) أَيْ نُقْصَانَ الْعَيْبِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِأَحْمَدَ، لِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَحَقَّقُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لَهُ، وَالْبَائِعُ يَلْتَزِمُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ بَاعَهُ بِالْمُسَمَّى لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا، وَهَذَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَيْبِ فَأُنْزِلَ عَالِمًا بِهِ لِطُولِ مُمَارَسَتِهِ لَهُ فِي مُدَّةِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ، وَلِذَا بِعَيْنِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا لَا خِيَارَ لَهُ. وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَا رَضِيَ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ مَعِيبٌ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ حِينَ وَجَدَهُ سَلِيمًا لِأَنَّهُ أُنْزِلَ عَالِمًا بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فِيهِ فَحَيْثُ بَاعَهُ بِالْمُسَمَّى كَانَ رَاضِيًا بِالثَّمَنِ عَلَى اعْتِبَارِهِ سَلِيمًا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، كَمَا جُعِلَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَأُنْزِلَ غَيْرَ رَاضٍ فِيهِ مَعِيبًا إلَّا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بَلْ يَتَخَيَّرُ فِي أَخْذِهِ أَوْ رَدِّهِ، فَإِنَّ بِذَلِكَ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي دَفْعِ ضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَوْجَهُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ قَوْلِهِ (وَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي مُقَابَلَةِ فَوَاتِهِ شَيْئًا؛ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عُيِّنَ فَإِنَّمَا يُقَابِلُهُ مِثْلُهُ، وَالْوَصْفُ دُونَهُ فَإِنَّهُ عَرَضٌ لَا يُحْرَزُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يُقَابَلُ بِهِ إلَّا تَبَعًا لِمَعْرُوضِهِ غَيْرَ مُنْفَرِدٍ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً، كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْبَائِعُ الدَّابَّةَ فَتَعَيَّنَتْ فَإِنَّ الْوَصْفَ حِينَئِذٍ يُفْرَدُ بِالضَّمَانِ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِحَقِّ الْبَائِعِ

قَالَ (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) ؛ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ، وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ. (وَالْإِبَاقُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةُ فِي الصَّغِيرِ عَيْبٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ، فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَمَعْنَاهُ: إذَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي صِغَرِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ، وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَنْ تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ آخَرَ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعُ بِأَنْ جَنَى جِنَايَةً. وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى بَقَرَةً فَحَلَبَهَا وَشَرِبَ لَبَنَهَا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَتْلَفَهَا جُزْءٌ مَبِيعٌ لَا أَنَّهَا تَبَعٌ مَحْضٌ. [فَرْعٌ] لَوْ صَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَنْ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ) الَّذِي اُشْتُرِيَ بِهِ (فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) وَهَذَا ضَابِطُ الْعَيْبِ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِتَضَرُّرِ الْمُشْتَرِي وَمَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَالْمَرْجِعُ فِي كَوْنِهِ عَيْبًا أَوْ لَا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَهُمْ التُّجَّارُ أَوْ أَرْبَابُ الصَّنَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمَصْنُوعَاتِ. وَبِهَذَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ يُنْقِصُ الْعَيْنَ أَوْ لَا يُنْقِصُهَا وَلَا يُنْقِصُ مَنَافِعَهَا بَلْ مُجَرَّدُ النَّظَرِ إلَيْهَا كَالظُّفْرِ الْأَسْوَدِ الصَّحِيحِ الْقَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ. وَكَمَا فِي جَارِيَةٍ تُرْكِيَّةٍ لَا تَعْرِفُ لِسَانَ التَّرْكِ. (قَوْلُهُ وَالْإِبَاقُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةُ عَيْبٌ فِي الصَّغِيرِ) وَقَوْلُهُ (مَا لَمْ يَبْلُغْ) بِمَعْنَى مُدَّةِ عَدَمِ بُلُوغِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْبَدَلِ مِنْ الصَّغِيرِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا فِي الصَّغِيرِ فَظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ وُجِدَتْ أَيْضًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ. ثُمَّ قَالَ الْقُدُورِيُّ (فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَقَدْ أَعْطَى الْمُصَنِّفُ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ حَيْثُ قَالَ (وَمَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِذَا بَلَغَ إلَى آخِرِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ وَوُجِدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ يَرُدَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَبَيَّنَهُ (بِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ

الْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ فِي الصِّغَرِ لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ، وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي بَاطِنِهِ، وَالْإِبَاقُ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةُ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ، وَهُمَا بَعْدَ الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّغِيرِ مَنْ يَعْقِلُ، فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ عَيْبًا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ) لِلصَّغِيرِ (لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ، وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ، وَالْإِبَاقُ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةُ) فِي الصَّغِيرِ (لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ، وَهُمَا بَعْدَ الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ) فَإِذَا اخْتَلَفَ سَبَبُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَهُ كَانَ الْمَوْجُودُ مِنْهَا بَعْدَهُ غَيْرَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا قَبْلَهُ. وَإِذَا كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يُرَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ ظَهَرَتْ عِنْدَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهَا، وَإِذَا عَرَفَ الْحُكْمَ وَجَبَ أَنْ يُقَرِّرَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِعَيْبٍ إذَا وُجِدَ بَعْدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا وُجِدَ بَعْدَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَاكْتَفَى بِلَفْظِ الْمُعَاوَدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَدَةَ لَا تَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عَادَ زَيْدٌ فِيمَا إذَا ابْتَدَأَ غَيْرَهُ، فَعَرْضُ تَحَقُّقِ الْمُعَاوَدَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُوجِبُ وُجُودَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا مُعَاوَدَةَ. وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ: أَيْ لَا يُرَدُّ بِهِ، وَقَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّغِيرِ إلَى آخِرِهِ تَقْيِيدٌ لِلصَّغِيرِ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يُرَدُّ بِأَنْ يَكُونَ صَغِيرًا يَعْقِلُ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ إذَا فُقِدَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ، وَكَذَا لَا يَكُونُ بَوْلُهُ وَسَرِقَتُهُ عَيْبًا. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: السَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَفْعَلُ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيْبٌ مَا دَامَ صَغِيرًا. وَكَذَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ، وَإِذَا قَدَّرَ بِهَا حَذْوَ مَا قَدَّرَ بِهِ فِي الْحَضَانَةِ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ لَا يُرَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ بِذَلِكَ، لَكِنْ وُضِعَ التَّصْرِيحُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِتَقْدِيرِهِ بِدُونِ خَمْسِ سِنِينَ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ، هِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا صَغِيرًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ ثُمَّ كَبُرَ الْعَبْدُ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ بِالْبُلُوغِ. لَا رِوَايَةَ فِيهَا. قَالَ: وَكَانَ وَالِدِي يَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَدَّ اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَتَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَلَوْ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا الزَّوْجُ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَالثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ مَرِيضًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، فَإِذَا رَجَعَ ثُمَّ بَرِئَ بِالْمُدَاوَاةِ لَا يُسْتَرَدُّ وَإِلَّا

قَالَ (وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا) وَمَعْنَاهُ: إذَا جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ، إذْ السَّبَبُ فِي الْحَالَيْنِ مُتَّحِدٌ وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ لِلرَّدِّ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQاُسْتُرِدَّ، وَالْبُلُوغُ هُنَا لَا بِالْمُدَوَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَدَّ انْتَهَى. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ وَاسْتَرَدَّ بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالُوا: إذَا كَانَ الْبَائِعُ أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ. وَفِيهَا أَيْضًا اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَحُمَّ عِنْدَهُ وَكَانَ يُحَمُّ عِنْدَ الْبَائِعِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: الْمَسْأَلَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ حُمَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُحَمُّ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَفِي غَيْرِهِ فَلَا، فَقِيلَ لَهُ: فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَنَزَّتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ كَانَتْ تَنِزُّ عِنْدَ الْبَائِعِ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّزِّ وَاحِدٌ وَهُوَ تَسَفُّلُ الْأَرْضِ وَقُرْبُ الْمَاءِ، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مَاءٌ غَالِبٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَفَعَ شَيْئًا مِنْ تُرَابِهَا فَيَكُونُ النَّزُّ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ يَشْتَبِهُ فَلَا يَدْرِي أَنَّهُ عَيْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: يُشْكِلُ بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ: اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَانْجَلَى الْبَيَاضُ عِنْدَهُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَجُعِلَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى انْجَلَى ثُمَّ عَادَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ، وَجُعِلَ الثَّانِي عَيْنُ الْأَوَّلِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ إذَا كَانَ الثَّانِي عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَيْنَهُ إذَا عَادَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ: لَا يَرُدُّ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ كُنْت أُشَاوِرُ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَهُوَ يُشَاوِرُ مَعِي فِيمَا كَانَ مُشْكِلًا إذَا اجْتَمَعْنَا فَشَاوَرْتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا اسْتَفَدْت مِنْهُ فَرْقًا. (قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ عَيْبٌ أَبَدًا) هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَلَوْ جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لِلْجُنُونِ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مُتَّحِدٌ (وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ) أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ، فَهَذَا مَعْنَى لَفْظِ أَبَدًا الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ (وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ) لِلْجُنُونِ (فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، فَأَثْبَتُوا حَقَّ الرَّدِّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْجُنُونِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يُجَنَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهَذَا غَلَطٌ (لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ) أَيْ إزَالَةِ سَبَبِهِ (وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ) وَقَدْ حَقَّقْنَا كَثِيرًا مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جُنُّوا ثُمَّ عُوفُوا بِالْمُدَاوَاةِ، فَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهُ جَازَ كَوْنُ الْبَيْعِ صَدَرَ بَعْدَ إزَالَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الدَّاءَ وَزَوَالِ الْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّ بِلَا تَحَقُّقِ قِيَامِ الْعَيْبِ (فَلَا بُدَّ مِنْ مُعَاوَدَةِ الْجُنُونِ بِالرَّدِّ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا جُنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا بِأَسْطُرٍ، وَإِنْ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِإِبَاقٍ أَوْ جُنُونٍ وَلَا يَعْلَمُ الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ الْبَائِعَ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَدْ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ جُنَّ، وَصُرِّحَ بِاشْتِرَاطِ الْمُعَاوَدَةِ فِي الْجُنُونِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ:

(قَالَ: وَالْبَخَرُ وَالدَّفْرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَكُونُ الِاسْتِفْرَاشَ وَطَلَبَ الْوَلَدِ وَهُمَا يُخِلَّانِ بِهِ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِخْدَامُ وَلَا يُخِلَّانِ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ؛ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ (وَالزِّنَا وَوَلَدُ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْغُلَامِ) ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي الْجَارِيَةِ وَهُوَ الِاسْتِفْرَاشُ وَطَلَبُ الْوَلَدِ، وَلَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فِي الْغُلَامِ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تُرَدُّ. وَفِي الْمُحِيطِ: تَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الْجُنُونِ، قِيلَ هُوَ عَيْبٌ وَإِنْ كَانَ سَاعَةً. وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ عَيْبٌ، وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَقِيلَ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ وَمَا لَيْسَ بِمُطْبِقٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ. وَالسَّرِقَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ عَيْبٌ. وَقِيلَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ نَحْوُ فَلْسٍ أَوْ فَلْسَيْنِ وَنَحْوُهُ لَيْسَ عَيْبًا، وَالْعَيْبُ فِي السَّرِقَةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولَاتِ، فَإِنَّ سَرِقَتَهَا لِأَجْلِ الْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى لَيْسَتْ عَيْبًا وَمِنْ غَيْرِهِ عَيْبٌ، وَسَرِقَتُهَا لِلْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ عَيْبٌ، وَنَقْبُ الْبَيْتِ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يُسْرَقْ مِنْهُ، وَإِبَاقُ مَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ مِنْ الْبَلَدِ؟ فَقِيلَ شَرْطٌ، فَلَوْ أَبَقَ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى مِصْرَ إبَاقٌ وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ. وَلَوْ أَبَقَ مِنْ غَاصِبِهِ إلَى الْمَوْلَى فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَلَوْ أَبَقَ مِنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمَوْلَى وَلَا إلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ مَنْزِلَ مَوْلَاهُ وَيَقْوَى عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ لَا يَقْدِرُ فَلَا. (قَوْلُهُ وَالدَّفْرُ إلَخْ) هَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءِ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَلَيْسَتْ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ: الْبَخَرُ، وَالدَّفْرُ، وَالزِّنَا، وَوَلَدُ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ يُرَادُ مِنْهَا الِاسْتِفْرَاشُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي تَمْنَعُ مِنْهُ فَكَانَتْ عَيْبًا، بِخِلَافِ الْغُلَامِ فَإِنَّهُ لِلِاسْتِخْدَامِ خَارِجَ الْبَيْتِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مَانِعَةً مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ عَيْبًا، إلَّا إذَا كَانَ الْبَخَرُ وَالدَّفْرُ مِنْ دَاءٍ فَيَكُونُ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا لَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي عَامَّةِ النَّاسِ فَيَكُونُ عَيْبًا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: الدَّفْرُ لَيْسَ عَيْبًا فِي الْجَارِيَةِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَفْحُشَ فَيَكُونَ عَيْبًا فِيهَا دُونَهُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ أَمْرَدَ يَكُونُ الْبَخَرُ عَيْبًا بِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ أَمْرَدَ وَغَيْرَهُ. وَالدَّفْرُ: نَتْنُ رِيحِ الْإِبْطِ، يُقَالُ رَجُلٌ أَدْفَرُ وَامْرَأَةٌ دَفْرَاءُ، وَمِنْهُ لِلسَّبِّ يُقَالُ يَا دَفَارُ مَعْدُولٌ عَنْ دَافِرَةٍ، وَيُقَالُ شَمَمْت دَفْرَ الشَّيْءِ وَدَفَرَهُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا كُلُّ ذَلِكَ وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ وَأَمَّا بِإِعْجَامِ الدَّالِ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرَ وَهُوَ حِدَّةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتْنٍ، وَرُبَّمَا خُصَّ بِهِ الطِّيبُ فَقِيلَ مِسْكٌ أَذْفَرْ ذَكَرَهُ فِي الْجَمْهَرَةِ، وَفِيهَا وَصَفَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ شَيْخًا فَقَالَتْ: ذَهَبَ ذَفَرُهُ وَأَقْبَلَ بَجَرُهُ. قِيلَ الرِّوَايَةُ هُنَا وَالسَّمَاعُ بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبُجْرُ بِالْجِيمِ عَيْبٌ، وَهُوَ انْتِفَاخٌ تَحْتَ السُّرَّةِ وَمِنْهُ سُمِّيَ بَعْضُ النَّاسِ أَبْجَرَ، وَفِي الصَّحَابَةِ غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ،

إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا عَادَةً لَهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ. قَالَ (وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ. وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ، وَفَوَاتُ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ قَلْبُهُ وَسُمِّيَ بِهِ فَرَسٌ لِعَنْتَرَةَ، وَكَذَا الْآدَرُ وَهُوَ عِظَمُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالْأُذُنُ عَيْبٌ، وَهُوَ مَنْ يَسِيلُ الْمَاءُ مِنْ مَنْخِرَيْهِ، وَالْبَخَرُ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ هُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ لِقَلَحٍ فِي الْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِهَا. وَوَجْهُ كَوْنِ الْجَارِيَةِ وَلَدَ زِنًا عَيْبًا بِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ طَلَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ وَلَدَ زِنًا عُيِّرَ الْوَلَدُ بِأُمِّهِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا لَهُ عَادَةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ دُونَ الْغُلَامِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ (لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ) إذْ كُلَّمَا وُجِّهَ لِحَاجَةٍ اتَّبَعَ هَوَاهُ. وَقَالَ: قَاضِي خَانْ: لَوْ كَانَ الزِّنَا مِنْهُ مِرَارًا كَانَ عَيْبًا؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ عَنْ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَيَزْدَادُ بِالْحُدُودِ ضَعْفًا فِي نَفْسِهِ انْتَهَى. بَلْ وَفِي عِرْضِهِ وَرُبَّمَا تَأَذَّى بِهِ عِرْضُ سَيِّدِهِ. وَمِنْ الْعُيُوبِ عَدَمُ الْخِتَانِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ الْمَوْلُودَيْنِ الْبَالِغَيْنِ، بِخِلَافِهِمَا فِي الصَّغِيرَيْنِ، وَفِي الْجَلِيبِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ عَيْبًا مُطْلَقًا. وَفِي الْفَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَهَذَا عِنْدَهُمْ: يَعْنِي عَدَمَ الْخِتَانِ فِي الْجَارِيَةِ الْمُوَلَّدَةِ، أَمَّا عِنْدَنَا عَدَمُ الْخَفْضِ فِي الْجَوَارِي لَا يَكُونُ عَيْبًا. (قَوْلُهُ وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ (لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْكَافِرِ) لِلْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ، وَفِي إلْزَامِهِ بِهِ غَايَةُ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا يَأْمَنُهُ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْأُمُورِ

(قَالَ: فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَالِغَةً لَا تَحِيضُ أَوْ مُسْتَحَاضَةً فَهُوَ عَيْبٌ) ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِارْتِفَاعِ أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ فَتُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّينِيَّةِ كَاِتِّخَاذِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَحَمْلِ الْمُصْحَفِ إلَيْهِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إعْتَاقِهِ عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلِ خَطَإٍ فَتَقِلُّ رَغْبَتُهُ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَلِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَيْبِ، وَالنِّكَاحُ وَالدَّيْنُ عَيْبٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دَيْنًا يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا خِيَارَ لَهُ يَرُدُّهُ بِهِ كَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ بِأَنْ جَنَى فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَفْدِهِ حَتَّى بَاعَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: وَبَعْدَ الْعِتْقِ قَدْ يَضُرُّهُ فِي نُقْصَانِ وَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَالِغَةً لَا تَحِيضُ أَوْ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَهُوَ عَيْبَ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ) فِي أَوَانِهِ (وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ) فَكَانَ الِانْقِطَاعُ وَالِاسْتِمْرَارُ دَلِيلًا عَلَى الدَّاءِ وَالدَّاءُ عَيْبٌ، وَقَدْ يَتَوَلَّدُ الْمَرَضُ مِنْ الِانْقِطَاعِ فِي أَوَانِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِسِنِّ الْإِيَاسِ فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ لَيْسَ عَيْبًا حِينَئِذٍ فَحَقِيقَتُهُ التَّعَيُّبُ فِيهِمَا بِالدَّاءِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ بِعَيْبِ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَدَّعِي الِانْقِطَاعَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَدَّعِيَ بِأَحَدِ السَّبَبَيْنِ مِنْ الْحَبَلِ أَوْ الدَّاءِ حَتَّى تُسْمَعَ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ بِدُونِهِمَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا، وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ، وَفِي الدَّاءِ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ، وَلَا يَثْبُتُ الْعَيْبُ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ حَتَّى تُسْمَعَ الْخُصُومَةُ مَعَ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا فِي الْحَبَلِ. وَفِي الْكَافِي: نَصَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِي الْمَرَضِ الْبَاطِنِ بِقَوْلِ طَبِيبٍ عَدْلٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةُ، وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا لِلرَّدِّ. وَفِي التُّحْفَةِ: إذَا كَانَ الْعَيْبُ بَاطِنًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ كَالْأَطِبَّاءِ وَالنَّخَّاسِينَ، فَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مُسْلِمَانِ أَوْ قَالَهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ قُبِلَ، وَيَثْبُتُ الْعَيْبُ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْخُصُومَةِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَاحِدٌ ثَبَتَ الْعَيْبُ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ وَالدَّعْوَى، ثُمَّ يَقُولُ الْقَاضِي: هَلْ حَدَثَ عِنْدَك هَذَا الْعَيْبُ؟ (أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ) أَنْ يَكُونَ سِنُّهَا (سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ) أَيْ الِارْتِفَاعُ وَالِاسْتِمْرَارُ (بِقَوْلِ الْأَمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ (فَإِذَا انْضَمَّ إلَيَّ قَوْلِهَا نُكُولُ الْبَائِعِ) إذَا اُسْتُحْلِفَ (قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّحِيحِ رُدَّتْ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُرَدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَوْلِهَا مَعَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ. وَعَمَّا عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُفْسَخُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ نُكُولُ الْبَائِعِ، ثُمَّ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ فِي صِفَةِ الْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَنْ مُدَّةِ الِانْقِطَاعِ، فَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً قَصِيرَةً لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً مَدِيدَةً سُمِعَتْ. وَالْمَدِيدَةُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بِسَنَتَيْنِ، وَمَا دُونَ الْمَدِيدَةِ قَصِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا أَخَذَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَإِلَّا أَخَذَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ سَنَتَانِ، وَإِذَا سَمِعَ الدَّعْوَى يَسْأَلُ الْبَائِعَ أَهِيَ كَمَا ذَكَرَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَالَ: هِيَ كَذَلِكَ لِلْحَالِ وَمَا كَانَتْ كَذَلِكَ عِنْدِي تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى قِيَامِهَا لِلْحَالِ، وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدَ لِلْمُشْتَرِي شُهُودٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَتُقْبَلُ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى الِانْقِطَاعِ الَّذِي يُعَدُّ عَيْبًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ هَلْ يُسْتَحْلَفُ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ، وَهَذَا يَنْبُو عَنْ تَقْرِيرِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا يُوَافِقُ تَقْرِيرَ الْهِدَايَةِ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ، هَذَا مَا ذَكَرَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: اشْتَرَى جَارِيَةً فَقَبَضَهَا فَلَمْ تَحِضْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ عَيْبٌ، وَأَدْنَاهُ شَهْرٌ وَاحِدٌ إذَا ارْتَفَعَ هَذَا الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ انْتَهَى. وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يَشْتَرِطُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَا أَكْثَرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَمَا تَقَدَّمَ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِبْرَاءِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ سَنَتَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالرِّوَايَةُ هُنَاكَ لَيْسَتْ وَارِدَةً هُنَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَإِنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا إلَى الْحَيْضَةِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فَيَكُونُ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ هُنَاكَ بِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَإِذَا مَضَتَا ظَهَرَ انْتِفَاؤُهُ فَجَازَ وَطْؤُهَا وَهُوَ أَقْيَسُ. وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ؛ لِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ وَلِأَنَّ فِيهَا يَظْهَرُ الْحَبَلُ غَالِبًا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا، وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عِدَّةَ الَّتِي لَا تَحِيضُ، وَالْحُكْمُ هُنَا لَيْسَ إلَّا كَوْنَ الِامْتِدَادِ عَيْبًا فَلَا يَتَّجِهُ إنَاطَتُهُ بِسَنَتَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمُدَدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى الدَّاءِ وَطَرِيقًا إلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا ذُكِرَ. وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي دَعْوَى الِانْقِطَاعِ لِلرَّدِّ بِهِ إلَى تَعْيِينِ أَنَّهُ عَنْ حَبَلٍ أَوْ دَاءٍ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى الدَّاءِ لَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ دَاءٍ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فَقِيهُ النَّفْسِ قَاضِي خَانْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَعْيِينِ كَوْنِ الِانْقِطَاعِ عَنْ أَحَدِهِمَا، بَلْ إذَا ادَّعَى الِانْقِطَاعَ فِي أَوَانِهِ فَقَدْ ادَّعَى الْعَيْبَ، وَيَكْفِي شَهْرٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ الِانْقِطَاعُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ مُسَبَّبًا عَنْ دَاءٍ فَهُوَ عَيْبٌ وَطَرِيقًا إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فَيَكْفِي فِي الْخُصُومَةِ ادِّعَاءُ ارْتِفَاعِهِ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَلَّمَا يَظْهَرُ لِلطَّبِيبِ دَاءٌ بِمُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ صَحِيحَةً لَا يَظْهَرُ بِهَا دَاءٌ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ بِقَوْلِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهَا، فَلَوْ كَانَ اعْتِقَادُهُ لُزُومَ دَعْوَى الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فِي دَعْوَى عَيْبِ الِانْقِطَاعِ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَثْبُتَ بِقَوْلِهَا حِينَئِذٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتُوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ، بَلْ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ النِّسَاءِ، فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ لُزُومِ دَعْوَى الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فِي دَعْوَى انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، ثُمَّ إنَّهُ يُحْتَاجُ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ النِّسَاءِ لَيْسَ تَقْرِيرَ مَا فِي الْكِتَابِ، بَلْ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ آخَرُونَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خَطَؤُهُمْ. وَكَذَا مَا ذَكَرَ غَيْرُهُ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ وِزَانَ الْمُشْتَرَاةِ بِكْرًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لَيْسَتْ بِكْرًا وَقَالَ الْبَائِعُ بِكْرٌ فِي الْحَالِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتَيْنِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ حَلَفَ أَنَّهَا بِكْرٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ هُنَا يُوجِبُ حَقَّ الْخُصُومَةِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيَقْضِي بِالنُّكُولِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَالْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْبَكَارَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ النِّسَاءِ، وَكَيْفَ وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِ الِانْقِطَاعِ إلَّا قَوْلُهَا، بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ لَهَا طَرِيقٌ تُسْتَعْلَمُ بِهِ فَلَا يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِهَا. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ إنْ كَانَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُرَدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَوْلِهَا مَعَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَمَا ذَكَرْنَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ، فَإِنَّ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ وَالرَّتْقِ وَالْقَرَنِ وَقِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ، وَقَوْلُ النِّسَاءِ هُنَا إنَّهَا مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الِانْقِطَاعِ الْكَائِنِ عَيْبًا لَا تُقْبَلُ إذْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، وَتَرْتِيبُ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَالْعَتَّابِيِّ وَهُوَ مَا صَحَّحْنَاهُ أَنْ يَدَّعِيَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ وَوُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِهِمَا رُدَّتْ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِالِانْقِطَاعِ فِي الْحَالِ اُسْتُخْبِرَتْ الْجَارِيَةُ، فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ اتَّجَهَتْ الْخُصُومَةُ فَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ فَاسْتُخْبِرَتْ فَأَنْكَرَتْ الِانْقِطَاعَ، وَالْغَرَضُ أَنْ لَا تُقْبَلَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِيهِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمَا، وَيَجِبُ كَوْنُ الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ اتَّجَهَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ حَلَفَ تَعَذَّرَتْ، وَلَعَمْرِي قَلَّمَا يَحْلِفُ كَذَلِكَ إلَّا وَهُوَ بَارٌّ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَحِضْ، وَكَأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النِّهَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي صُورَةِ الْخُصُومَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي الِانْقِطَاعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ أَيْضًا، وَهَذَا تَعْدَادٌ لِلْعُيُوبِ عِدَّةُ الْجَارِيَةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ عَيْبٌ لَا عَنْ بَائِنٍ وَالنِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا، وَكَثْرَةُ الْخَيَلَانِ وَحُمْرَةُ الشَّعْرِ إذَا فَحُشَتْ بِحَيْثُ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ. وَكَذَا الشَّمَطُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ دَلِيلُ الدَّاءِ وَفِي أَوَانِهِ دَلِيلُ الْكِبَرِ، وَالْعَشَا أَنْ لَا يُبْصِرَ لَيْلًا، وَالسِّنُّ السَّاقِطَةُ ضِرْسًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَادُهُ وَسَوَادُ الظُّفْرِ، وَالْعُسْرُ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ بِيَسَارِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ أَعْسَرُ يَسْرٌ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا مَعًا فَإِنَّهُ زِيَادَةُ حُسْنٍ، وَالْقَشْمُ وَهُوَ يُبُوسَةُ الْجِلْدِ وَتَشَنُّجٌ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْغَرَبُ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الْأَمَاقِي وَرُبَّمَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ كَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ، وَالْحَوَلُ وَالْحَوَصُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَالشَّتَرُ وَهُوَ انْقِلَابُ الْجَفْنِ وَبِهِ سُمِّيَ الْأَشْتَرُ، وَالظَّفَرُ هُوَ بَيَاضٌ يَبْدُو فِي إنْسَانِ الْعَيْنِ وَجَرَبِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَالشَّعْرُ وَالْقَبَل فِي الْعَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يَصِفُ خَيْلًا: تَرَاهُنَّ يَوْمَ الرَّوْعِ كَالْحِدَإِ الْقَبَلِ وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ وَالسَّبَلُ، وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ إذَا كَانَ عَنْ دَاءٍ، فَأَمَّا الْقَدْرُ

(قَالَ: وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِيَ عَيْبٌ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ) ؛ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا، وَيَعُودُ مَعِيبًا فَامْتَنَعَ، وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَادُ مِنْهُ فَلَا، وَالْعَزْلُ وَهُوَ أَنْ يَعْزِلَ ذَنَبَهُ إلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالْمَشَشُ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الدَّابَّةِ لَهُ صَلَابَةٌ، وَالْفَدَعُ وَهُوَ اعْوِجَاجٌ فِي مَفَاصِلِ الرِّجْلِ، وَالْفَحَجُ وَهُوَ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَالصَّكَكُ وَهُوَ صَكُّ إحْدَى رُكْبَتَيْهِ بِالْأُخْرَى، وَالرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَالْعَفَلُ وَهُوَ امْتِلَاءُ لَحْمِ الْفَرْجِ، وَالسِّلْعَةُ وَالْقُرُوحُ وَآثَارُهَا، وَالدَّخَسُ وَهُوَ وَرَمٌ يَكُونُ بِأَطْرَافِ حَافِرِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ، وَالْحَنَفُ وَهُوَ مَيْلُ كُلٍّ مِنْ إبْهَامَيْ الرِّجْلِ إلَى أُخْرَى، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْأَحْنَفُ الَّذِي يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، وَتَنَاسُلُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالصَّدَفُ، وَهُوَ الْتِوَاءٌ فِي أَصْلِ الْعُنُقِ. وَقِيلَ مَيْلٌ فِي الْبَدَنِ، وَالشَّدَقُ سِعَةٌ مُفْرِطَةٌ فِي الْفَمِ، وَالتَّخَنُّثُ قِيلَ إذَا فَحُشَ أَوْ كَانَ يَأْتِي بِأَفْعَالٍ رَدِيئَةٍ، وَالْحُمْقُ، وَكَوْنُهَا مُغَنِّيَةً، وَشُرْبُ الْغُلَامِ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَقِلَّةُ الْأَكْلِ فِي الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا وَكَثْرَتُهُ فِي الْإِنْسَانِ وَقِيلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ لَا الْغُلَامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذَا أَفْرَطَ، وَعَدَمُ الْمَسِيلِ فِي الدَّارِ وَالشُّرْبِ لِلْأَرْضِ، وَكَذَا ارْتِفَاعُهَا بِحَيْثُ لَا تُسْقَى إلَّا بِالسِّكْرِ، وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ مُحْتَرِقَةَ الْوَجْهِ لَا يَدْرِي حُسْنَهَا مِنْ قُبْحِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَمِيمَةً أَوْ سَوْدَاءَ، وَالْعِثَارُ فِي الدَّوَابِّ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَكَذَا أَكْلُ الْعِذَارِ وَالْجُمُوحُ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ اللِّجَامِ، وَكَذَا الْحَرَنُ عِنْدَ الْعَطْفِ وَالسَّيْرِ وَسَيَلَانُ اللُّعَابِ عَلَى وَجْهٍ يَبِلُّ الْمِخْلَاةَ إذَا عَلَّقَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَكَثْرَةُ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ تُرَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعْتَادًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَيِّزَ التُّرَابَ وَيَرْجِعَ بِحِصَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى خُفًّا أَوْ مُكَعَّبًا لِلُبْسٍ فَلَمْ يَدْخُلْ رِجْلُهُ فِيهِ فَهُوَ عَيْبٌ، وَلَوْ بَاعَ سَوِيقًا مَلْتُوتًا عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا مِنْ السَّمْنِ أَوْ قَمِيصًا عَلَى أَنَّ فِيهِ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَيْهِ وَظَهَرَ خِلَافُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ؛ (لِأَنَّ الرَّدَّ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا) فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِهِ مَعِيبًا تَضَرَّرَ (وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ) الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ) وَمَا كَانَ عَدَمُ إلْزَامِهِ الْمَبِيعَ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ أَخْذُهُ إيَّاهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ كَانَ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْقَطْعِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ (فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَبِيعُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمْلِيكُهَا وَمَنْعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى إهْدَارِهِ، كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ جَانِبُ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ عَلَيْهِ فَكَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ، أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الصَّادِرَةَ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ عِصْمَةَ مَالِهِ، كَالْغَاصِبِ إذَا عَمِلَ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ الْخِيَاطَةَ أَوْ الصَّبْغَ بِالْحُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يُظَلَّمُ، وَالضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي يَنْدَفِعُ بِإِثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ بِانْفِرَادِهَا، أُجِيبَ بِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ أُصُولًا ضَرُورَةَ جَبْرِ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا يُهْدَرُ كَمَا صُيِّرَتْ أُصُولًا بِالْقَصْدِ مِنْ إتْلَافِهِمَا، وَكُلُّ مَا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ بِلَا عَيْبٍ ثُمَّ يُقَوَّمُ مَعَ الْعَيْبِ وَيُنْظَرُ إلَى التَّفَاوُتِ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارَ عُشْرِ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ، ثُمَّ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، أَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ كَذَلِكَ كَأَنْ قَتَلَ الْمَبِيعَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي خَطَأً لَمَّا وَصَلَ الْبَدَلُ إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ الْقَاتِلِ بِالْبَدَلِ، فَكَانَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ. [فَرْعٌ] لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ مَا دَامَ حَيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الرَّدَّ مَوْهُومٌ فَلَا يُصَارُ خَلَفُهُ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا عِنْدَ الْإِيَاسِ مِنْ الْأَصْلِ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ وَالرَّدُّ مَوْهُومٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ) يَعْنِي وَلَمْ يَخِطْهُ (ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ، فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مَقْطُوعًا (كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ) أَيْ امْتِنَاعُ رَدِّهِ

لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِرِضَا الْبَائِعِ فَيَصِيرُ هُوَ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (فَإِنْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ فَامْتَنَعَ أَصْلًا (وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّهِ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا رَأَى الْعَيْبَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ أَصْلًا قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ. وَعَنْ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ) أَيْ بِرَدِّهِ مَعِيبًا فَزَالَ الْمَانِعُ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ بَعْدَ الْقَطْعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ (لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَمْتَنِعْ) بِالْقَطْعِ (بِرِضَا الْبَائِعِ) فَحِينَ بَاعَهُ مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِ رَدِّهِ مَقْطُوعًا (صَارَ حَابِسًا الْمَبِيعَ) بِالْبَيْعِ (فَإِنْ) كَانَ الْمُشْتَرِي (قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ كَانَ) الْمَبِيعُ (سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ) الْمُتَّصِلَةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ (لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ) أَعْنِي الثَّوْبَ بِدُونِهَا كَالصَّبْغِ مَثَلًا وَالْخِيَاطَةِ وَالسَّمْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَلَا إلَى الْفَسْخِ مَعَهَا (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَبِيعَةً) وَالْفَسْخُ لَا يُرَدُّ عَلَى غَيْرِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ مَا كَانَ مِنْ الْبَيْعِ فَيَبْقَى مَا كَانَ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ عَلَى مَا كَانَ، فَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الزِّيَادَةِ لَزِمَ الرِّبَا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ فَضْلًا مُسْتَحَقًّا فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِلَا مُقَابِلٍ وَهُوَ مَعْنَى الرِّبَا أَوْ شُبْهَتُهُ وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا حُكْمُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ (فَامْتَنَعَ أَصْلًا، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ) وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَرْكِ الزِّيَادَةِ (لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ) لَمْ يَتَمَحَّضْ لِحَقِّهِ بَلْ لِحَقِّهِ وَحَقِّ الشَّرْعِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لُزُومِ الرِّبَا، وَرِضَاهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ لَا يَتَعَدَّى إلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِالْإِسْقَاطِ. وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْفَسْخِ (فَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ) لَمَّا امْتَنَعَ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي بِبَيْعِهِ حَابِسًا لَهُ عَنْ الْبَائِعِ (وَعَنْ هَذَا) الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الرَّدَّ إذَا كَانَ مُمْكِنًا فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ

(قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ، وَفِي الثَّانِيَ بَعْدَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ) . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَابِسٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ إمْكَانِهِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَابِسٍ، (قُلْنَا: إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ) ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّسَلُّمِ فَصَارَ بِهِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ، وَالْخِيَاطَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ. (وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا) وَالْبَاقِي بِحَالِهِ (رَجَعَ) بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْخِيَاطَةِ فَكَانَتْ الْخِيَاطَةُ عَلَى مِلْكِهِ وَكَانَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ الْخِيَاطَةُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ لَا فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ انْتَهَى. وَهَذَا أَصْلٌ آخَرُ فِي الزِّيَادَةِ اللَّاحِقَةِ بِالْمَبِيعِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَرْبَانِ فَالْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْمَبِيعِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَاللَّتِّ بِالسَّمْنِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ، وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِالِاتِّفَاقِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ لِلرِّبَا، وَمِنْ الْمُتَّصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مَا لَوْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ لَحْمًا فَشَوَاهُ أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ فَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَابِسٍ لِلْمَبِيعِ بَلْ امْتَنَعَ قَبْلَ الْبَيْعِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَفِي كَوْنِ الطَّحْنِ وَالشَّيْءِ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ تَأَمُّلٌ. وَالْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَمَحَّضَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ بِتَوَلُّدِهَا مِنْهُ مَعَ عَدَمِ انْفِصَالِهَا، فَكَأَنَّ الْفَسْخَ لَمْ يَرِدْ عَلَى زِيَادَةٍ أَصْلًا، وَالْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْهُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا، وَلَا يُمْكِنُ التَّبَعِيَّةُ لِلِانْفِصَالِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ شَاءَ رَدَّهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ خَاصَّةً لَكِنْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَةً وَالثَّمَنُ أَلْفٌ سَقَطَ عُشْرُ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ وَأَخَذَ تِسْعَمِائَةٍ، وَغَيْرُ مُتَوَلَّدَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ بِحَالٍ بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَيُسَلَّمُ لَهُ الْكَسْبُ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَفِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ الَّذِي

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ مَاتَ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) أَمَّا الْمَوْتُ؛ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا يَفْعَلُهُ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ مُوَقَّتًا إلَى الْإِعْتَاقِ فَكَانَ إنْهَاءً فَصَارَتْ كَالْمَوْتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ قَوْلُ الْبَائِعِ إنَّهُ اسْتَغَلَّ غُلَامِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ حُكْمَ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلَّدَةِ فِي حُكْمِ الْكَسْبِ لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ عَلَى الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَ الْكَسْبِ الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَهِيَ غَيْرُ الْأَعْيَانِ، وَلِذَا كَانَتْ مَنَافِعُ الْحُرِّ مَالًا مَعَ أَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْعَبْدُ الْمَكْسُوبُ لِلْمُكَاتَبِ لَيْسَ مُكَاتَبًا وَالْوَلَدُ تَوَلَّدَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهُ مَجَّانًا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، وَلَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْأَرْشِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَحْمَرَ لِتَكُونَ زِيَادَةً بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نَقْصٌ كَمَا سَتَعْلَمُ فَهُوَ كَالْقَطْعِ، وَانْتِقَاصُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ) الْمُشْتَرِي (أَوْ مَاتَ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ أَمَّا الْمَوْتُ؛ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ) وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، فَكَأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ، إذْ امْتِنَاعُ الرَّدِّ إنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا إذَا كَانَ عَنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَمَّا إذَا ثَبَتَ حُكْمًا لِشَيْءٍ فَلَا، وَهُنَا ثَبَتَ حُكْمًا لِلْمَوْتِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الْمَبِيعِ حَقًّا لِلشَّرْعِ لِلُزُومِ شُبْهَةِ الرِّبَا، قِيلَ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ فَيَقُولَ لَا يَفْعَلُهُ الَّذِي لَا يُوجِبُ زِيَادَةً (وَأَمَّا الْعِتْقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ) . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ) عَنْ سَبَبِهِ (مُوقِنًا إلَى الْإِعْتَاقِ) فَيَثْبُتُ (أَنَّهُ إنْهَاءٌ فَصَارَ كَالْمَوْتِ، وَهَذَا) وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالْمَوْتِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ إنْهَاءٌ (لِأَنَّ الشَّيْءَ بِانْتِهَائِهِ

يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ. وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ النَّقْلُ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ. . (فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَقَرَّرُ) إلَى آخِرِ مَا قَرَرْنَاهُ، وَقَوْلُهُ (وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ لَمْ يُزِيلَا الْمِلْكَ كَمَا يُزِيلُهُ الْإِعْتَاقُ (لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ) مَعَهُمَا (النَّقْلُ) مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَبِذَلِكَ يَتَعَذَّرُ الرَّدُّ. وَقَوْلُهُ (مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ، وَقَوْلُهُ (بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ) أَيْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَالْقَتْلِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ (لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتِقُ عَلَى مَالٍ (يَرْجِعُ) بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (لِأَنَّ الْعِتْقَ) سَوَاءٌ كَانَ بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ هُوَ (إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ) أَعْنِي الرِّقَّ، وَبِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا كَانَ إنْهَاءً كَانَ كَالْمَوْتِ وَكَوْنُهُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ طَرْدٌ، وَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ حَابِسًا لَهُ بِحَبْسِ بَدَلِهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ) أَيْ لَمْ يَمُتْ عِنْدَهُ حَتْفَ أَنْفِهِ (أَوْ كَانَ) الْمَبِيعُ (طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

أَمَّا الْقَتْلُ فَالْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ) ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَاوِيٌّ فَصَارَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَكُونُ إنْهَاءً. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةً كَإِعْتَاقِ الْمُعْسِرِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا، وَأَمَّا الْأَكْلُ فَعَلَى الْخِلَافِ، فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ لَهُمَا أَنَّهُ صَنَعَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ. وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْقَتْلَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، فَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَبَيْعِ الْبَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا الْقَتْلُ فَالْمَذْكُورُ) مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِيهِ (ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) عَنْ أَصْحَابِنَا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ) وَذَكَرَ صَاحِبُ الْيَنَابِيعِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَاوِيٌّ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ (فَكَانَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ) وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْآخِرَةِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفَرَّجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ (وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ) عَنْ الْمَوْلَى (بِسَبَبِ الْمِلْكِ) وَكَذَا لَوْ بَاشَرَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَانَ مَضْمُونًا، وَلَمَّا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْمَوْلَى (صَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِالْعَبْدِ عِوَضًا) هُوَ سَلَامَةُ نَفْسِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَسَلَامَةُ الدِّيَةِ لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ خَطَأً فَكَانَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ، وَعِتْقُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إنْ نَفَذَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ إذَا كَانَ مُعْسِرًا، بَلْ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى تَقْدِيرٍ فَلَمْ يُوجِبْهُ بِذَاتِهِ فَلَمْ يُسْتَفَدْ: أَيْ لَمْ يَلْزَمْ اسْتِفَادَتُهُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْ مِلْكِهِ شَيْئًا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. (وَأَمَّا الْأَكْلُ فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِهِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ (وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ عِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ (لَهُمَا أَنَّهُ صَنَعَ بِالْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ) مِنْ الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ حَتَّى انْتَهَى الْمِلْكُ بِهِ (فَكَانَ كَالْإِعْتَاقِ) بِخِلَافِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَنَحْوِهِ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ لَيْسَ مُعْتَادًا غَرَضًا مِنْ الشِّرَاءِ مَقْصُودًا بِهِ (وَلَهُ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ) لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ: أَيْ انْتَفَى الضَّمَانُ لِمِلْكِهِ فَكَانَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا (كَالْقَتْلِ) فَلَا يَرْجِعُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا) بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إثْبَاتِ الرُّجُوعِ (أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ) وَجَعْلُ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا مَعَ تَأْخِيرِهِ جَوَابَهُ عَنْ دَلِيلِهِمَا يُفِيدُ مُخَالَفَتَهُ فِي كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْقَطْعَ وَالْخِيَاطَةَ فَإِنَّهُمَا مُوجِبَانِ لِلضَّمَانِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيهِمَا، أُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ فِيهِمَا لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِفِعْلِهِ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّهُ امْتَنَعَ لِفِعْلِهِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَهَذَا يَتِمُّ فِي الْخِيَاطَةِ لِلزِّيَادَةِ، أَمَّا فِي مُجَرَّدِ الْقَطْعِ فَلَا يَتِمُّ وَلِذَا لَوْ قِبَلَهُ الْبَائِعُ مَقْطُوعًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ مَخِيطًا وَمَصْبُوغًا بِغَيْرِ السَّوَادِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ) يَعْنِي لَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا أَكَلَ (لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ) حَتَّى كَانَ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ يَسْقُطُ الْخِيَارُ (فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ

وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ. . (قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَوْزًا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ رَجَعَ الثَّمَنُ كُلُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَعَنْهُمَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ فَلَا يَرُدُّ الْبَاقِي، وَرِوَايَةُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى الرَّدِّ كَمَا أَخَذَهُ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا أَكَلَ، هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ نَقْلُ الْقُدُورِيِّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَنَّ الثَّانِيَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُفْتِي بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرُدُّ مَا بَقِيَ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ فِي الْكُلِّ دُونَ الْبَعْضِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ، وَفِيمَا لَوْ بَاعَ الْبَعْضَ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَبِيعُ الْبَعْضَ كَبَيْعِ الْكُلِّ، وَفِي رِوَايَةٍ يَرُدُّ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا بَاعَ، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ جَمْعِ الْبُخَارِيِّ أَكْلُ بَعْضِهِ يُرْجَعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ، وَبِهِ يُفْتِي. وَلَوْ أَطْعَمَهُ ابْنَهُ الْكَبِيرَ أَوْ الصَّغِيرَ أَوْ امْرَأَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ ضَيْفَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ أَطْعَمَهُ عَبْدَهُ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ، وَلَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَ بَعْضَهُ وَظَهَرَ أَنَّهُ مُرٌّ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَوْ كَانَ سَمْنًا ذَائِبًا فَأَكَلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ وَبِهِ يُفْتِي، وَفِي الْكِفَايَةِ: كُلُّ تَصَرُّفٍ يُسْقِطُ خِيَارَ الْعَيْبِ إذَا وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ؛ لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا أَوْ جَوْزًا) أَوْ قَرْعًا أَوْ فَاكِهَةً (فَكَسَرَهُ) غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ، (فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ) كَالْقَرْعِ الْمُرِّ وَالْبِيضِ الْمَذِرِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَسَرَهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ) بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ فِيهِ الْحَطَبُ وَهُوَ مِمَّا يُشْتَرَى لِلْوَقُودِ (عَلَى مَا قِيلَ) مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ

لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ (وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ فَسَادِهِ لَمْ يَرُدَّهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ (وَ) لَكِنَّهُ (يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ بِتَسْلِيطِهِ. قُلْنَا: التَّسْلِيطُ عَلَى الْكَسْرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ فَاسِدٍ. وَالْقَلِيلُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ الْجَوْزُ عَادَةً كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْمِائَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاسِدُ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْجِعُ بِحِصَّةِ اللُّبِّ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي قِشْرِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ صَادَفَ مَحَلَّهُ (لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ) قَبْلَ الْكَسْرِ لَيْسَ إلَّا (بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ) وَإِذَا كَانَ اللُّبُّ لَا يَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْبَيْعِ مَوْجُودًا فَيَظْهَرُ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ (وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ فَسَادِهِ) بِأَنْ يَأْكُلَهُ الْفُقَرَاءُ أَوْ يَصْلُحُ لِلْعَلَفِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ فَيَرْجِعُ) بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَلِذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا إذَا ذَاقَهُ فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ فَتَرَكَهُ، فَإِنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَمَا ذَاقَهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بَيْضَ نَعَامَةٍ فَوَجَدَهَا مَذِرَةً ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ بَيْضِ النَّعَامَةِ قَبْلَ الْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ وَمَا فِيهِ جَمِيعًا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرُدُّهُ) يَعْنِي إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ أَطْلَقَهُ، وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الْكَسْرُ مِقْدَارًا لَا يُعْلَمُ الْعَيْبُ إلَّا بِهِ فَلَهُ الرَّدُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلَيْهِ انْتَهَى، وَلَيْسَ هَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَنَا وَلَا فِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا الْكَسْرَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَكَأَنَّهُ كَسَرَهُ بِنَفْسِهِ (قُلْنَا: التَّسْلِيطُ عَلَى الْكَسْرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ) الْمَبِيعُ (ثَوْبًا فَقَطَعَهُ) الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ مَعَ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَطْعِهِ بِالْبَيْعِ فَعُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ أَنَّ تَسْلِيطَهُ هَذَا هَدَرٌ، وَأَنَّ التَّسْلِيطَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَا لَوْ سَلَّطَهُ أَنْ يَكْسِرَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ: أَيْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِكَسْرِهِ فَذَاكَ هُوَ التَّسْلِيطُ الْمَانِعُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْكَاسِرِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَتَسْلِيطٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَكْسِرَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا فِي نَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ (وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا) مِنْ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ (لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ فَاسِدٍ) فَكَانَ كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ) فِي صَفْقَةٍ

(قَالَ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٍ، وَلَا نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنْ فِيهِ ضَرُورَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْقَلِيلِ إنَّهُ كَالْوَاحِدِ وَالْمَثْنَى، وَفِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْكَثِيرِ مَا وَرَاءَ الثَّلَاثَةِ لَا مَا زَادَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَجَعَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ فِي الْمِائَةِ مِنْ الْجَوْزِ مَعْفُوًّا قَالَ: لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ قَدْ يُوجَدُ فِي الْجَوْزِ فَصَارَ كَالْمُشَاهَدِ: يَعْنِي عِنْدَ الْبَيْعِ. وَلَوْ اشْتَرَى عَشْرَ جَوْزَاتٍ فَوَجَدَ خَمْسَةً خَاوِيَةً اخْتَلَفُوا فِيهِ: قَبْلَ الْعَقْدِ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي فِيهَا لُبٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يُفَصَّلْ، وَقِيلَ الْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِي الْبَيْعِ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي فِيهَا لُبٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَعْنَى الثَّمَنِ الْمُفَصَّلِ عِنْدَهُمَا، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْأَجْزَاءِ لَا عَلَى الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي) ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي (بِ) سَبَبِ (إقْرَارِهِ) بِالْعَيْبِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَوُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ (أَوْ بِبَيِّنَةٍ) عَلَى ذَلِكَ لِإِنْكَارِهِ الْعَيْبَ أَوْ بِسَبَبِ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْعَيْبِ (فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) الْأَوَّلِ: يَعْنِي لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَوَّلَ وَيَفْعَلَ مَا يَجِبُ مَعَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ فَقَالَ: لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يُخَاصِمَ مَعَ بَائِعِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ بِكَوْنِ الْجَارِيَةِ سَلِيمَةً فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ، هَذَا وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهَذَا الطَّرِيقِ (فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ) يَعْنِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَجَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ) وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا يُخَالُ مَانِعًا مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولَ فَرْعُ إنْكَارِهِ الْعَيْبَ فَبِخُصُومَتِهِ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فِيهِ يَكُونُ مُنَاقِضًا فَلَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ. وَلِذَا قَالَ زُفَرُ: إنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ لِلتَّنَاقُضِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا

غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَاكَ وَاحِدٌ وَالْمَوْجُودُ هَاهُنَا بَيْعَانِ، فَيُفْسَخُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَا يَنْفَسِخُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِقْرَارِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ فَيُنْكِرُ الْإِقْرَارَ فَيُشْهِدُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ كَذِبِ الشُّهُودِ وَوَهْمِهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الرَّدِّ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ، أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ) فَانْعَدَمَ إنْكَارُهُ الْعَيْبَ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ إنْكَارَهُ ظَاهِرٌ فِي الصِّدْقِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَفْعَلُهُ فَصَارَ ظَاهِرًا يُعَارِضُ ظَاهِرَ الدِّيَانَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِدْقِهِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِي صِدْقِهِ فَقَدْ ثَبَتَ كَوْنُ هَذَا الظَّاهِرِ غَيْرَ وَاقِعٍ لِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا عَيْبَ بِهِ بَعْدَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ، وَقَدْ يُقَالُ: تَكْذِيبُ الشَّرْعِ إيَّاهُ بِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ لَا يَرْفَعُ مُنَاقَضَتَهُ، وَكَوْنَهُ مُؤَاخَذًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِزَعْمِهِ وَهِيَ الدَّافِعَةُ لِخُصُومَتِهِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فَيَرُدَّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ مَا بَاعَهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمَأْمُورِ بِالْعَيْبِ، كَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى خُصُومَةٍ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبَيْعِ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ قَائِمًا بَعْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَيُحْتَاجُ إلَى الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ، وَهُنَا الْبَيْعُ وَاحِدًا فَإِذَا ارْتَفَعَ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْر تَكَلُّفِ زِيَادَةٍ. وَقَيَّدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، فَقَالَ: لَهُ الرَّدُّ بِالْبَيِّنَةِ وَبِإِبَاءِ الْيَمِينِ وَبِالْإِقْرَارِ هُوَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، أَمَّا فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرُدُّهُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِإِبَاءِ الْيَمِينِ وَلَا يَرُدُّهُ الْمَأْمُورُ مَعَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَأْمُورِ لَا يُسْمَعُ عَلَى الْآمِرِ، وَمَعْنَى اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْقَاضِي أَنَّ هَذَا عَيْبٌ قَدِيمٌ أَوْ لَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ تَارِيخُ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ الْمُشْتَرِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحُجَجِ أَنَّ تَارِيخَ الْبَيْعِ مُنْذُ شَهْرٍ فَيَعْلَمُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا عَايَنَ الْقَاضِي تَارِيخَ الْبَيْعِ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ بِلَا زِيَادَةِ خُصُومَةٍ. وَقَدْ اعْتَرَضَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِنُكُولِ الْوَكِيلِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، فَإِنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ عِنْدَهُ إقْرَارٌ عِنْدَهُمَا، وَبَذْلُ الْإِنْسَانِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ، أَجَبْت بِأَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً بَلْ جَارٍ مَجْرَاهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بِمَالٍ عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ مَعَ أَنَّ بَذْلَهُ الْمَالَ لَا يَجُوزُ

(وَإِنْ قَبِلَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا فِي نَحْوِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِي كُلِّ حُكْمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَحْلِفَ وَيُسْقِطَ الْمَالَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَالشَّيْءُ إذَا أُجْرِيَ مَجْرَى الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُجْرًى مَجْرَاهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَهَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ صَرِيحِ الْإِقْرَارِ؟ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَا قَالَ فِي الدَّعْوَى مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ وَقَضَى الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي قَالَ: يَسْمَعُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ وَتُرَدُّ الدَّارُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ: لَا تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالنُّكُولُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: لَيْسَ بِصَرِيحِ الْإِقْرَارِ فَيُقْبَلُ، وَفِي الْإِيضَاحِ إنْ رَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً سَوَاءٌ كَانَ فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ عَقْدٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا انْتَهَى. يَعْنِي الْفَسْخَ الَّذِي بِلَا قَضَاءٍ، وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَبِلَ) يَعْنِي الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ (بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي) بَلْ بِرِضَاهُ (لَا يَرُدُّهُ) عَلَى بَائِعِهِ، هَذَا هُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ تَرْدِيدِ الْمَسْأَلَةِ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَإِنْ قَبِلَهُ بِالتَّرَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا خُصُومَةَ فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ شُفْعَةٌ فَأَسْقَطَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ فِيمَا بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ بِالتَّرَاضِي تَجَدَّدَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثَانِيًا مَا بَاعَ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرُدُّهُ إذَا قَبِلَهُ بِلَا قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَتَفَاوَتْ الرَّدُّ بِالْقَضَاءِ وَالرِّضَا، وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ وَبِالرِّضَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا بَاشَرَ سَبَبَ الْفَسْخِ، وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رَاضِيًا بِحُكْمِ السَّبَبِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَأَبَى الْقَبُولَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ لِعَدَمِ الرِّضَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهُ فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا الْمَبِيعُ لَوْ كَانَ عَقَارًا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ. وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِالْبَيِّنَةِ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ بَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا بَاعَ أَمَتَهُ الْحُبْلَى وَسَلَّمَهَا فَرُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ أَبُو الْبَائِعِ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ صَحَّتْ كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْهَا الِابْنُ فَادَّعَاهُ الْأَبُ، وَالثَّالِثَةُ مَا لَوْ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَلَوْ كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ بَطَلَتْ، أُجِيبَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ يَعُودُ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى؛ أَلَّا تَرَى أَنَّ مَنْ وَهَبَ مَالَ الزَّكَاةِ إلَى رَجُلٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ زَكَاةٌ

(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الَّذِي بَاعَهُ) وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَفِيمَا لَا يَحْدُثُ سَوَاءٌ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ: إنْ كَانَ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَلَا يُجْعَلُ الْمَوْهُوبُ عَائِدًا إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي حَقِّ زَكَاةِ مَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ دَارًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ، وَلَوْ عَادَ الْمَوْهُوبُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الدَّارَ لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ خُرِّجَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَيْهِ. أَمَّا الشُّفْعَةُ؛ فَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الرَّدِّ وَحُكْمُ الرَّدِّ يَظْهَرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ بِاعْتِبَارِ وِلَايَةٍ كَانَتْ لَهُ زَمَانَ الْعُلُوقِ وَهُوَ مَعْنًى سَابِقٌ عَلَى الرَّدِّ وَقَدْ بَطَلَ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِيهَا بَلْ يَبْقَى مَا كَانَ مِنْ عَدَمِ وِلَايَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِي إبْطَالِهَا؛ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا لَا تَسْتَدْعِي عِنْدَنَا دَيْنًا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: قَوْلُ الْقَائِلِ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَسْخٌ وَجَعْلُ الْعَقْدِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ الْفَسْخُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ. فَإِذَا انْعَدَمَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ فِي الْأَصْلِ عَادَ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ مَا يُنَافِيهِ لَكِنْ يُقَالُ: الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ، أَمَّا مِنْهَا فَلَا، وَذَلِكَ لِمَسْأَلَةٍ نَقَلَهَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْمُنْتَقَى: أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دِينَارًا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَ الدِّينَارَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ بِالدِّينَارِ عَيْبًا وَرَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَذَلِكَ لِمَعْنًى، وَهُوَ أَنَّ الْمَبِيعَيْنِ حِينَئِذٍ يَكُونَانِ مَعْدُومَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بَلْ الْمَبِيعُ السَّلِيمُ فَيَكُونُ الْمَعِيبُ مِلْكَ الْبَائِعِ، فَإِذَا رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي يَرُدُّهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعَيْنِ فِي غَيْرِ النُّقُودِ كَمَسْأَلَةِ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُمَا مَوْجُودَانِ فِي ذَلِكَ إذَا قَبِلَهُ بِدُونِ الْقَضَاءِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ. وَإِذَنْ مَا فِيهَا مِنْ الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى هَذَا الْقَيْدِ، وَقَوْلُهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) إلَى آخِرِهِ إنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُخَالِفُ الْقُدُورِيَّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ بِكَوْنِ الْعَيْبِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، وَقَيَّدَهَا فِي الْجَامِعِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فَقَالَ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدِ وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاعِبَةِ، فَامْتِنَاعُهُ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْمَرَضِ وَالسُّعَالِ وَالْقُرُوحِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْلَى، قَالَ الْمُصَنِّفِ. (وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ) أَيْ بُيُوعِ الْأَصْلِ (إنْ كَانَ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرْجِعُ) يَعْنِي عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ إذَا رَدَّهُ بِالتَّرَاضِي (لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ) وَقَدْ فَعَلَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ مَا لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيِّنٌ فِي هَذَا فَكَانَ فِعْلُهُمَا كَفِعْلِ الْقَاضِي، وَالْمُرَادُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مُطْلَقًا أَوْ فِي مُدَّةِ كَوْنِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إلَى رَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، قِيلَ، وَوَجْهُ عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ

(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَا رَدٌّ ثَبَتَ بِالتَّرَاضِي فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا فَعَلَا عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ فِي هَذَا هُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالسَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الرَّدِّ لِلْعَجْزِ فَإِذَا نَقَلَاهُ إلَى الرَّدِّ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّدَّ إذَا امْتَنَعَ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْحَقُّ مُتَعَيِّنٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ إلَى غَيْرِهِ فَافْتَرَقَا، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بَعْدَ قَبْضِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ بَيْعًا فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَإِنَّهُ إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِحُكْمِ الْخِيَارِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا، وَعَلِمْت أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: الْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبْضِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَكَانَ هَذَا تَصَرُّفُ دَفْعٍ وَامْتِنَاعٍ مِنْ الْقَبْضِ، وَوِلَايَةُ الدَّفْعِ عَامَّةٌ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ؛ وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُوجِبُ الْعَقْدِ وَقَدْ تَنَاهَى إلَّا أَنَّ حَقَّهُ فِي صِفَةِ السَّلَامَةِ قَائِمٌ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ فَجَاءَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ مَا ثَبَتَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ بَلْ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ اسْتِدْرَاكُ حَقِّهِ فِي صِفَةِ السَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ، وَلَوْ كَانَ بِالتَّرَاضِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّهِمَا خَاصَّةً، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْفَسْخِ ثَبَتَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمَا يَسْلُبَانِ اللُّزُومَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا لَهُ، وَوِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً) عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ وَمُقْتَضَى هَذَا التَّرْكِيبِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَهُوَ فَاسِدٌ، فَقَدَّرَ ظَهِيرُ الدِّينِ لِلثَّانِي خَبَرًا هَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ فَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ الْجَبْرِ انْتَهَى. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ آخَرَ مَعَ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ مَعْنَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ بَلْ مَعْنَاهُ يَطْلُبُ مِنْهُ الْحَلِفَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِ الْحَلِفِ مِنْهُ الْجَبْرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ، بَلْ إذَا حَلَفَ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَنْكُلَ فَيَسْتَمِرُّ عَدَمُ الْجَبْرِ فَعَدَمُ الْجَبْرِ يَثْبُتُ مَعَ إحْدَى صُورَتَيْ التَّحْلِيفِ كَمَا يَثْبُتُ مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَقِيلَ يُقَدَّرُ فِعْلٌ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْغَايَتَانِ: أَعْنِي الْحَلِفَ وَإِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ هَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَظْهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ

لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ حَيْثُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ، وَدَفْعُ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِالدَّفْعِ فَلَعَلَّهُ يَظْهَرُ الْعَيْبُ فَيُنْتَقَضُ الْقَضَاءُ فَلَا يَقْضِي بِهِ صَوْنًا لِقَضَائِهِ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي شُهُودِي بِالشَّامِ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ، وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ، أَمَّا إذَا نَكَلَ أُلْزِمَ الْعَيْبَ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ أَوْ بِعَدَمِهِ بِأَنْ يُحَلَّفَ فَيَحْلِفَ أَوْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ لَا يُجْبَرُ بِيُنْتَظَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ إذَا طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِهِ فَادَّعَى هُوَ عَيْبًا. (لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ الثَّمَنِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ فَإِنَّهُ بِهِ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي السَّلِيمِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَمَا قَبَضَهُ لَيْسَ مُوجِبًا دَفْعَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ (وَ) وُجُوبُ (دَفْعِ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ) حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي (الْمَبِيعِ) وَلَمْ يَتَعَيَّنْ؛ لِأَنَّهُ السَّلِيمُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْجَبْرِ قَائِمٌ وَالْمَانِعَ وَهُوَ قِيَامُ الْعَيْبِ مَوْهُومٌ فَلَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقَّقَ، فَالْجَوَابُ مَنْعُ قِيَامِ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّهُ الْبَيْعُ لِلسَّلِيمِ أَوْ هُوَ مَعَ قَبْضِهِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. وَأَيْضًا فَقَدْ يَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ فَيُؤَدِّي إلَى نَقْضِ الْقَضَاءِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَصِيَانَةِ الْقَضَاءِ عَنْ النَّقْضِ يَنْبَغِي مَا أَمْكَنَ (فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ) مَثَلًا فَأَمْهِلْنِي حَتَّى أُحْضِرَهُمْ أَوْ آتِيَك بِكِتَابٍ حُكْمِيٍّ مِنْ قَاضِي الشَّامِ لَا يُسْمَعُ ذَلِكَ بَلْ (يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ) وَيُقْضَى (بِدَفْعِ الثَّمَنِ إنْ حَلَفَ) وَإِنْ نَكَلَ رَدَّ الْمَبِيعَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا (لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ بِالْبَائِعِ كَبِيرُ إضْرَارٍ) ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى غَايَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ يَجْرِي مَجْرَى الْإِبْطَالِ خُصُوصًا بَعْدَ قَبْضِ مَالِ الْبَائِعِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَبِيرُ إضْرَارٍ بِالْمُشْتَرِي (لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ) إذْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ حَلِفِهِ

(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى إبَاقًا لَمْ يُحَلَّفْ الْبَائِعُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ) وَالْمُرَادُ التَّحْلِيفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلَهُ وَلَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْعَيْبِ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: شُهُودِي حُضُورٌ فَإِنَّ الْإِمْهَالَ هُنَا إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي، وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ عَلَى الْبَائِعِ فَيُمْهَلُ، وَلَوْ قَالَ أُحْضِرُ بَيِّنَتِي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُجِّلَهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَنْفُذُ فِيهِ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَلَمْ يَتَنَاكَرَا الْعَقْدَ بَلْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى هُنَا دَعْوَى مَالٍ عَلَى تَقْدِيرٍ، فَالْقَضَاءُ هُنَا بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَى غَايَةِ حُضُورِ الشُّهُودِ بِالْمُسْقِطِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي مِثْلِهِ: أَعْنِي مَا إذَا قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ أَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي فَحَلَفَ خَصْمُهُ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ، فِي أَدَبِ الْقَاضِي تُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ، وَلَا يُحْفَظُ فِي هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ، وَفِي جَمْعِ النَّسَفِيِّ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَتَانِ: نَعَمْ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يُخَالِفُ مَا فِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ إذَا قَالَ بَيِّنَتِي غَائِبَةٌ لَمْ يُحَلَّفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَلَّفُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ فَأَحْلَفَهُ ثُمَّ أَتَى بِهَا لَا يُحَلَّفُ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُهُ (أَمَّا إذَا نَكَلَ أُلْزِمَ الْعَيْبَ؛ لِأَنَّهُ) يَعْنِي النُّكُولَ (حُجَّةٌ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْعَيْبِ؛ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ حُجَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ إذْ لَيْسَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى) الْمُشْتَرِي (إبَاقًا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَائِعِ فَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاقِ عِنْدَهُ (لَا يَحْلِفُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْعَيْبُ فَتَصِحُّ الْخُصُومَةُ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْبَائِعِ لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ وَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ (إلَّا بَعْدَ)

وَمَعْرِفَتِهِ بِالْحُجَّةِ (فَإِذَا أَقَامَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَمَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ) كَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتِ قِيَامِ الْمُدَّعَى مُسَبَّبًا لِلرَّدِّ (وَمَعْرِفَتِهِ) أَيْ مَعْرِفَةُ قِيَامِ الْعَيْبِ (بِالْحُجَّةِ) عِنْدَ إنْكَارِهِ، وَهَذَا فِي دَعْوَى نَحْوِ الْإِبَاقِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ فِيهِ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا. أَمَّا فِي عَيْبٍ لَا يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ فِيهِ عَلَى عَوْدِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَكَذَا الْجُنُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ فَلَا، وَعُرِفَ أَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ إبَاقًا فَيُنْكِرُ قِيَامَهُ فِي الْحَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ وُجُودِهِ عِنْدَهُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ، عَلَى أَنَّ الْإِبَاقَ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَقَامَهَا رَدَّهُ وَإِلَّا حَلَفَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (كَذَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْجَامِعِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ هَكَذَا: فَإِذَا أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ وَمَا أَبَقَ قَطُّ، قَالُوا (وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي بِهِ أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ) عِنْدَك قَطُّ، كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ حَسَنَةٌ، بَقِيَتْ عِبَارَتَانِ مُحْتَمِلَتَانِ، وَهُمَا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ، أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ، قَالُوا: لَا يَحْلِفُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ، فَإِذَا فُرِضَ حُدُوثُ الْعَيْبِ كَذَلِكَ فَحَلَفَ لَقَدْ بِعْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ، وَأَمَّا بِعْتُهُ وَسَلَّمْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَادِقَةٌ هُنَا إذَا كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَقَدْ يَكُونُ حُدُوثُ الْعَيْبِ كَذَلِكَ فَيَتَأَوَّلُهُ الْبَائِعُ فِي يَمِينِهِ: أَيْ يَقْصِدُ تَعَلُّقَ عَدَمِ الْعَيْبِ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا وَهُمَا الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى ظَنِّ أَنْ صِدْقَهُ لُغَةً عَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ إلَيْهِ يُوجِبُ بِرَّهُ شَرْعًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ تَأَوُّلَهُ كَذَلِكَ لَا يُخَلِّصُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْيَمِينِ بَلْ هِيَ يَمِينٌ غَمُوسٌ، وَالْأَخْصَرُ مَعَ

أَمَّا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَلَا بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ، وَالْأَوَّلُ ذُهُولٌ عَنْهُ وَالثَّانِي يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ دُونَ الْبَيْعِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ يُحَلَّفُ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمَا: إنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا يَتَرَتَّبُ التَّحْلِيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَفَاءِ بِالْمَقْصُودِ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدِي قَطُّ. (وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُحَلَّفُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) هَلْ يُحَلَّفُ أَوْ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ الْخُصُومَةِ؟ فَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّ الْخِلَافَ مَذْكُورٌ فِي النَّوَادِرِ عِنْدَهُ لَا يُحَلَّفُ، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ: لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَخْصِيصُ قَوْلِهِمَا بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ قَوْلِهِمَا، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ حَلِفِهِ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ عِنْدَهُ، فَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ لَكِنَّ الْحَلِفَ عَلَى فِعْلِ

وَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ. وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ثَانِيًا لِلرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ مُدَّعِيًا الْعِلْمَ بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّعِيًا فَلَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُودَعِ لَهَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ. وَقِيلَ لَيْسَ حَاصِلُهُ فِعْلُ الْغَيْرِ بَلْ فِعْلُ نَفْسِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ سَلِيمًا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ فَإِنَّ مَعْنَى تَسْلِيمِهِ سَلِيمًا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فِي حَالِ التَّسْلِيمِ بَلْ بِمَعْنَى سَلَامَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ السَّرِقَةَ عِنْدِي فَيَرْجِعُ إلَى الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ. وَأُورِدَ عَلَى الْأَوَّلِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَا لَوْ بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مِنْ آخَرَ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ الْآخَرُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي نَصِيبِهِ بِالْجَزْمِ، وَفِي نَصِيبِ مُوَرِّثِهِ بِالْعِلْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي الْعِلْمَ بِانْتِفَاءِ الْعَيْبِ، الثَّانِيَةُ إذَا بَاعَ الْمُتَفَاوِضَانِ عَبْدًا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَحْلِفُ الْحَاضِرُ عَلَى الْجَزْمِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَعَلَى الْعِلْمِ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ مَعَ ادِّعَائِهِ عِلْمًا بِذَلِكَ كَمَا قُلْنَا انْتَهَى. وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يُشْكِلَ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى الْعِلْمِ، وَفِي نِصْفِهِ الْآخَرِ عَلَى الْبَتَاتِ وَهُوَ وَاحِدٌ: أَعْنِي الْعَيْبَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ هُوَ الْمُشْكِلُ، فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْمَسْأَلَتَانِ مُشْكِلَتَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ عِلْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفَيْنِ أَوْ جَهْلُهُ كَانَ أَيْضًا كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُدَّةً فَيَحْلِفُ هَذَا الْوَارِثُ عَلَى الْبَتَاتِ فِي مُدَّتِهِ مَا أَبَقَ عِنْدِي، وَعَلَى الْعِلْمِ فِي مُدَّةِ شَرِيكِهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ شَرِيكِي، فَلْيَكُنْ مَحْمَلُهُمَا ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَةُ الْعَبْدِ إلَّا عِنْدَ هَذَا الشَّرِيكِ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ وَيَكْتَفِي بِذَلِكَ، إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرَ مَعْلُومٍ فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرُوا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَتُهُ إلَّا عِنْدَ الَّذِي مَاتَ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى وَصْفَ السَّلَامَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا تَطَارَحْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ أَبَقَ عِنْدَ آخَرَ قَبْلَ هَذَا الْبَائِعِ، وَلَا عِلْمَ لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، وَأَثْبَتَهُ يَرُدُّهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ، وَالْعَقْدُ أَوْجَبَ عَلَى هَذَا الْبَائِعِ السَّلِيمَ، وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِهِ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْعِلْمِ، وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُرَدُّ بِتَكَرُّرِهِ، وَجْهُ قَوْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْخِلَافِ وَهُوَ (مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ) وَإِذَا نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (يَحْلِفُ ثَانِيًا لَزَادَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ أُنْزِلَ مُقِرًّا بِوُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ فِيهِ فَيَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ الْحَلِفُ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ قِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا يَلْزَمُ تَرَتُّبُهَا عَلَيْهَا بَلْ تَكُونُ بِلَا دَعْوَى أَصْلًا فِي الْحُدُودِ، وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ أَوْ وَارِثٌ وَلَا دَعْوَى أَصْلًا فَفِي دَعْوَى غَيْرِ صَحِيحَةٍ أَوْلَى، وَفِي الْكَافِي: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ؛ لِأَنَّ.

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْلِيفَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِثْبَاتِهَا، وَهُنَا لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ يَحْدُثُ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ أُخْرَى، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ هُوَ مِنْ الْخُصُومَةِ فَبِهَا تَنْتَهِي خُصُومَةٌ لَا تَنْدَفِعُ، وَكَثِيرًا مَا يَتَرَتَّبُ خُصُومَاتٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ يَكُونُ مُنْتَهَى بَعْضِهَا مَبْدَأَ أُخْرَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الْحَلِفُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَنَقُولُ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالصَّحِيحَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الْجَوَابَ فَهَذِهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَهُ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَطْلُبُ جَوَابَهُ عَنْهُ: أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ رُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ إلَى آخِرِهِ أَوْ اعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَكُلُّ ذَلِكَ فَرْعُ إلْزَامِهِ بِالْجَوَابِ بِأَحَدِ هَذِهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِهِ عِنْدَهُ حَتَّى تَثْبُتَ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى وَهُوَ وُجُودُهُ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُفِيدُ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ إنْ لَمْ يُثْبِتْ عَوْدَهُ عِنْدَهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَتُهُ إلَّا بَعْدَهُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَكْفِي لِلرَّدِّ وُجُودُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَطْ كَوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَكَوْنِهَا وَلَدَ زِنًا حَلَفَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الدَّيْنِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي جَوَابًا بِمَا يَلِيقُ بِالْحَالِ وَإِنَّ تَكْلِيفَ الْفَرْقِ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى أَنَّ الْخُصُومَةَ هُنَاكَ تَتَّجِهُ قَبْلَ إثْبَاتِ الدَّيْنِ، وَهُنَا لَا تَتَّجِهُ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ الْعَيْبِ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هَذِهِ خُصُومَةٌ الْغَرَضُ مِنْهَا رَدُّ الْمَبِيعِ وَتِلْكَ خُصُومَةٌ الْغَرَضُ مِنْهَا رَدُّ الدَّيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي الْجَوَابَ، فَكَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ هُنَا بِإِنْكَارِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا رَأْسًا كَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ بِإِنْكَارِ الدَّيْنِ رَأْسًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ، ثُمَّ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ دُخُولَ الْعَيْبِ فِي الْوُجُودِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ كَذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ دُخُولَ الدَّيْنِ فِي الْوُجُودِ كَذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ طَالَبَهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْعَيْبِ يُطَالِبُهُ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَرَدِّهِ، فَإِذَا تَأَمَّلْت لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْوَجْهُ مَا قَالَا مِنْ إلْزَامِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ وَنَفْيِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ الْمَالُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، وَكَوْنُهُ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ إلَّا بَعْدَ يَمِينٍ أُخْرَى عَلَى وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحَلِفِ عَلَى أَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إثْبَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ) يَعْنِي نَفْسَهُ. (إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ) الْعَبْدِ (الْكَبِيرِ يَحْلِفُ) الْبَائِعُ (مَا أَبَقَ) عِنْدِي (مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ) ؛ لِأَنَّهُ عَسَاهُ أَبَقَ عِنْدَهُ فِي الصِّغَرِ فَقَطْ ثُمَّ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْحَلِفَ مَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ أَضْرَرْنَا بِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ أَصْلًا أَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُدَّعَى وَيُخْتَلَفُ فِيهِ الْحَالُ فِيمَا قَبْلَ الْبُلُوغَ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ كَالْجُنُونِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا كَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِ الْخُصُومَةِ فِي عَيْبِ الْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ كُلُّ عَيْبٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارِ كَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ وَالزِّنَا، وَبَقِيَ أَصْنَافٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ هِيَ مَعَ.

(قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَقَابَضَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتنِيهَا وَحْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْقَابِضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذَكَرْنَا تَتِمَّةُ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا ظَاهِرًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَصْلًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى وَقْتِ الْخُصُومَةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالْعَمَى وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاعِبَةِ: أَيْ الزَّائِدَةِ. فَالْقَاضِي فِيهِمَا يَقْضِي بِالرَّدِّ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ رِضَاهُ بِهِ أَوْ الْعِلْمَ بِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ، فَإِذَا ادَّعَاهُ سَأَلَ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ يُسْتَحْلَفُ مَا عَلِمَ بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ مَا رَضِيَ وَنَحْوُهُ، فَإِنْ حَلَفَ رَدَّهُ، وَإِنْ نَكَلَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، الثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ عَيْبًا بَاطِنًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ كَوَجَعِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ عِنْدَهُمَا رَدَّهُ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَهُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ فَنَكَلَ إلَّا إنْ ادَّعَى الرِّضَا فَيَعْمَلُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَنْكَرَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُرِيهِ طَبِيبَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ، فَإِذَا قَالَ بِهِ ذَلِكَ يُخَاصِمُهُ فِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَدَعْوَى الرَّتَقِ وَالْقَرَنِ وَالْعَفَلِ وَالثِّيَابَةِ وَقَدْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ، فَعَلَى هَذَا إلَّا أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَهُ فِي الْحَالِ أُرِيَتْ النِّسَاءَ وَالْمَرْأَةُ الْعَدْلُ كَافِيَةٌ، فَإِذَا قَالَتْ: ثَيِّبًا أَوْ قَرْنَاءَ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهَا عِنْدَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُهُ عِنْدَ تَحْلِيفِهِ غَيْرَ أَنَّ الْقَرَنَ وَنَحْوَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ تُرَدُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَرْأَتَيْنِ هِيَ قَرْنَاءُ بِلَا خُصُومَةٍ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِلتَّيَقُّنِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ رِضَاهُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ: الْعَيْبُ إذَا كَانَ مُشَاهَدًا، وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْدُثُ وَاخْتُلِفَ فِي حُدُوثِهِ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْخِيَارَ، وَهَذَا يُعْرَفُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا خُنْثَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَا النِّسَاءُ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ أَتَبِيعَهُ قَالَ نَعَمْ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَ رُدَّهُ عَلَيَّ فَعَرَضَهُ فَلَمْ يُشْتَرَ سَقَطَ الرَّدُّ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ زُيُوفًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَنْفِقْهُ، فَإِنْ لَمْ يَرُجْ رُدَّهُ عَلَيَّ فَأَنْفَقَ فَلَمْ يَرُجْ رَدَّهُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا فَقَالَ هُوَ قَصِيرٌ فَقَالَ الْبَائِعُ أَرِهِ الْخَيَّاطَ. فَإِنْ قَطَعَهُ وَإِلَّا رُدَّهُ فَفَعَلَ فَإِذَا هُوَ قَصِيرٌ فَلَهُ الرَّدُّ، اشْتَرَى لِمَيِّتٍ كَفَنًا ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ حَتَّى يَحْدُثَ بِهِ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ، وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا فَخَاصَمَ بَائِعَهُ فِيهِ ثُمَّ تَرَكَ الْخُصُومَةَ أَيَّامًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهُ بَائِعُهُ: لِمَ سَكَتَّ عَنْ الْخُصُومَةِ مُدَّةً؟ فَقَالَ: لِأَنْظُرَ أَنَّهُ يَزُولُ أَوْ لَا فَلَهُ رَدُّهُ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى،. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً) أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ (وَتَقَابَضَا) فَقَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَالْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ (فَوَجَدَ بِهَا) الْمُشْتَرِي (عَيْبًا) فَجَاءَ لِيَرُدَّهُ فَاعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِمَا وَجَبَ الرَّدُّ إلَّا أَنَّهُ (قَالَ بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا) وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى رَدِّ حِصَّةِ هَذِهِ فَقَطْ لَا كُلِّ الثَّمَنِ (وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتنِيهَا وَحْدَهَا) فَارْدُدْ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ، وَالْقَوْلُ) فِيهِ (قَوْلُ الْقَابِضِ) أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زِيَادَةً يَدَّعِيهَا عَلَيْهِ الْبَائِعُ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ فِي الْمَرْدُودِ بِالرَّدِّ، وَذَلِكَ سَقْطٌ لِلثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ بَعْضَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ سَبَبُ السُّقُوطِ

كَمَا فِي الْغَصْبِ (وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ) لِمَا بَيَّنَّا. . قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَدْعُهُمَا) ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا فَيَكُونُ تَفْرِيقُهَا قَبْلَ التَّمَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَالتَّفْرِيقُ فِيهِ كَالتَّفْرِيقِ فِي الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَصَارَ (كَالْغَصْبِ) إذَا ادَّعَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنَّهُ غَصَبَهُ هَذَا مَعَ آخَرَ أَوْ حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَأَنْكَرَ الْغَاصِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ) بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ جَارِيَتَانِ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ: قَبَضْتَهُمَا وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ حِصَّةَ هَذِهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَقْبِضْ مِنْ الْمَبِيعِ سِوَى هَذِهِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي (لِمَا) بَيَّنَّا (مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ) ،. قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ (أَوْ ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ) الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ (عَيْبًا فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ) إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتِمُّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يُوجَدْ (فَيَكُونُ رَدُّ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ) تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ رَدِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْرِيقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَتَفْرِيقِهَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَهُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: قَبِلْتُ فِي هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ (لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ كَمَا يُثْبِتُ الْعَقْدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْنِي الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِمَا أَثْبَتَهُ الْعَقْدُ، حَتَّى أَنَّ الشُّهُودَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِتَمْكِينِهَا ابْنَ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ، فَالشُّهُودُ بِشَهَادَتِهِمْ أَكَّدُوا لُزُومَهُ وَحَقَّقُوهُ وَمَا قُبِلَ فِي تَمَامِهِ، وَحُكْمُ الْمُشَبَّهِ حُكْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لِلنَّارِ وَعَلَى النَّجَاسَةِ حَرَامٌ، وَلَوْ صَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ كَانَ مَكْرُوهًا لَيْسَ تَمْثِيلًا صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّابِتَ الْكَرَاهَةُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ لَوْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ.

وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ عَيْبًا اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَصَارَ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ لَمَّا تَعَلَّقَ زَوَالُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَزُولُ دُونَ قَبْضِ جَمِيعِهِ (وَلَوْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ) بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ: فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِضَمِّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَخِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ لَا تَتِمُّ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ (فَإِنْ وُجِدَ الْعَيْبُ فِي الْمَقْبُوضِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً) ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَامَّةٌ فِي الْمَقْبُوضِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ) فَمَا لَمْ يَقْبِضْ الْكُلَّ لَا تَتِمُّ فَيَكُونُ تَفْرِيقًا قَبْلَ التَّمَامِ (وَصَارَ تَمَامُ الصَّفْقَةِ كَحَبْسِ الْبَيْعِ لَمَّا تَعَلَّقَ زَوَالُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَزُولُ) الْحَبْسُ (دُونَ قَبْضِ جَمِيعِهِ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ دِرْهَمٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَنَا أُمْسِكُ الْمَعِيبَ وَآخُذُ النُّقْصَانَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (فَ) أَمَّا (لَوْ) كَانَ (قَبَضَهُمَا) أَعْنِي الْعَبْدَيْنِ (ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا) فَإِنَّ لَهُ أَنْ (يَرُدَّهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِزُفَرَ، هُوَ يَقُولُ: فِيهِ) أَيْ فِي رَدِّهِ وَحْدَهُ (تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ ضَمُّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ) لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ، وَفِي إلْزَامِهِ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ إلْزَامُ هَذَا الضَّرَرِ فَاسْتَوَى مَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا وَمَا بَعْدَهُ فِي تَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْ رَدِّهِ وَحْدَهُ (وَأَشْبَهَ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ) فِي أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ إذَا كَانَ فِيهَا أَحَدُ الْخِيَارَيْنِ هَكَذَا ذُكِرَ خِلَافُ زُفَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا؛ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَدَّهُمَا، وَقَالَ زُفَرُ: يَرُدُّ الْمَعِيبَ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ فِيهِمَا وَالْعَيْبُ وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ وَالْمَنْظُومَةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْ زُفَرَ (وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ يَتِمُّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ) وَالتَّفْرِيقُ بَعْدَ التَّمَامِ جَائِزٌ شَرْعًا.

وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ. . (قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ) وَمُرَادُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُسَمَّى بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُرُّ وَنَحْوُهُ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْعَيْبَ دُونَ الْآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدَلِيلِ أَنَّهُ (لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا) بَعْدَ الْقَبْضِ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ) بَلْ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ الَّذِي لَزِمَ الْبَائِعَ جَاءَ مِنْ تَدْلِيسِهِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ عَالِمٌ بِحَالِ الْمَبِيعِ وَصَارَ كَمَا لَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِي الِانْتِفَاعِ كَالْعَبْدَيْنِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ كَنَعْلَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ مِصْرَاعَيْ بَابٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُمَا أَوْ يُمْسِكُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْمَنْفَعَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَعْنَى، وَفِي الْإِيضَاحِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْ ثَوْرٍ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقَدْ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ دُونَهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً،. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ) كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ (أَوْ يُوزَنُ) كَالسَّمْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ، وَمُرَادُهُ) إذَا كَانَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْعَيْبِ (بَعْدَ الْقَبْضِ) أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِمَا كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ الْكُلَّ أَوْ يَحْبِسُ الْكُلَّ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ الْقَبْضِ يَرُدُّ الْكُلَّ (لِأَنَّ الْمَكِيلَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) كَالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ (فَهُوَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ) فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ وَالتَّقَوُّمَ لَا يَتَحَقَّقُ بِآحَادِ حَبَّاتِ الْقَمْحِ مُنْفَرِدَةً بَلْ مُجْتَمِعَةً فَكَانَتْ الْآحَادُ الْمُتَعَدِّدَةُ مِنْهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ ثَوْبٌ أَوْ بِسَاطٌ وَنَحْوُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسَمَّى) الْمُتَعَدِّدُ مِنْهُ الْمُجْتَمِعُ (بِاسْمٍ وَاحِدٍ كَالْكُرِّ) وَالْوَسْقِ وَالصُّبْرَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ الْبَعْضِ خَاصَّةً كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ بَعْضِ الثَّوْبِ، بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ فَإِنَّهُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ حَقِيقَةً وَتَقَوُّمًا وَانْتِفَاعًا لَا يُوجِبُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ عَيْبًا حَادِثًا فِيهِ (قِيلَ هَذَا) يَعْنِي كَوْنَهُ يَرُدُّ الْكُلَّ (إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ) أَمَّا (لَوْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ) كَمَا إذَا اشْتَرَى عِدْلَيْ حِنْطَةٍ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ الْعِدْلَ خَاصَّةً.

(وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ: لِأَنَّ تَمْيِيزَ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِهِ يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ فِي الْمَعِيبِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُخْتَلِطًا بِالْجَيِّدِ يَكُونُ أَخَفَّ عَيْبًا مِمَّا إذَا انْفَرَدَ، فَلَوْ رُدَّ كَانَ مَعَ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا التَّأْوِيلُ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً. وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى أَعْدَالًا مِنْ تَمْرٍ فَوَجَدَ بِعِدْلٍ مِنْهَا عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ التَّمْرُ كُلُّهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ رِوَايَةَ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ: لَوْ اشْتَرَى زِقَّيْنِ مِنْ سَمْنٍ أَوْ سَلَّتَيْنِ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ حِمْلَيْنِ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الشَّعِيرِ وَقَبَضَ الْجَمِيعَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا وَالْآخَرُ سَوَاءً، فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ كُلَّهُ، فَقَدْ رَأَيْت كَيْفَ جَعَلَ التَّمْرَ أَجْنَاسًا مَعَ أَنَّ الْكُلَّ جِنْسُ التَّمْرِ، فَعَلَى هَذَا يَتَقَيَّدُ الْإِطْلَاقُ أَيْضًا فِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ صَعِيدِيَّةً وَبَحْرِيَّةً، وَهُمَا جِنْسَانِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الثَّمَنِ وَالْعَجِينِ، وَيَتَقَيَّدُ إطْلَاقُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِي الْأَعْدَالِ يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَاقِي الْأَعْدَالِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِمَّا هُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مُطْلَقِ جِنْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَعْدَالِ بَرْنِيًّا وَبَعْضُهَا لِبَانَةً فَيَرُدُّ ذَلِكَ خَاصَّةً، أَمَّا إذَا كَانَ الْأَعْدَالُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّهَا بَرْنِيًّا أَوْ صَيْحَانِيًّا أَوْ لِبَانَةً أَوْ عِرَاقِيَّةً فَيَرُدُّ الْكُلَّ وَالصُّبْرَةُ كَالْعِدْلِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِجَرَيَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهِ مَنْعِ رَدِّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي رَدِّ مَا بَقِيَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَرُدَّهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ رَدُّهُ دَفْعًا لِضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ) لَا فِي الْقِيمَةِ وَلَا فِي الْمَنْفَعَةِ، أَمَّا فِي الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْمُدَّ مِنْ الْقَمْحِ يُبَاعُ عَلَى وِزَانِ مَا يُبَاعُ بِهِ الْإِرْدَبُّ وَالْغِرَارَةُ، وَأَمَّا فِي الْمَنْفَعَةِ فَظَاهِرٌ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُفْصَلُ يَصِيرُ مَعِيبًا بِتَبْعِيضِهِ فَإِنَّ الْفَضْلَةَ مِنْ الثَّوْبِ كَالذِّرَاعِ إذَا نُودِيَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مُتَّصِلًا بِبَاقِي الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُفْصَلُ كَالْعَبْدِ يَصِيرُ مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ لَا يَتَعَيَّبُ بِالشَّرِكَةِ فَإِنَّهُمَا إنْ شَاءَا اقْتَسَمَاهُ فِي الْحَالِ وَانْتَفَعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ كَمَا يَجِبُ وَمُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ خَفِيفَةٌ وَقَدْ تَكُونُ بِكَيْلِ عَبْدِهِمَا وَغُلَامِهِمَا (وَقَوْلُهُ وَالِاسْتِحْقَاقُ

لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ لَا بِرِضَا الْمَالِكِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَهُ الْخِيَارُ) ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِيهِ عَيْبٌ وَقَدْ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ حَيْثُ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. . (قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ بِهَا قُرْحًا فَدَاوَاهُ أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فِي حَاجَةٍ فَهُوَ رِضًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِهِ الِاسْتِبْقَاءَ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ هُنَاكَ لِلِاخْتِبَارِ وَأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَكُونُ الرُّكُوبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ قَبْلَ التَّمَامِ لَا بَعْدَهُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ تَمَامُ هَذِهِ الصَّفْقَةِ حَيْثُ تَحَقَّقَ الْقَبْضُ وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِحْقَاقُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ (لَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ) وَقَدْ تَحَقَّقَ (لَا بِرِضَا الْمَالِكِ) يَعْنِي الْمُسْتَحِقَّ، وَلِذَا قُلْنَا: إذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ لِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ افْتِرَاقِ الْعَاقِدَيْنِ يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فَعُلِمَ أَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ يَسْتَدْعِي تَمَامَ رِضَا الْعَاقِدِ لَا الْمَالِكِ، وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ خِيَارَ الرَّدِّ (إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ) عَلَيْهِ (قَبْلَ التَّمَامِ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بَعْدَ الرِّضَا بِالْقَبْضِ (وَلَوْ كَانَ) الْمُسْتَحَقُّ (ثَوْبًا) وَنَحْوَهُ كَعَبْدٍ وَكِتَابٍ (فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِي الثَّوْبِ عَيْبٌ) وَالشَّرِكَةُ فِي الْعَبْدِ عَيْبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْكُلِّ أَوْ بَقَائِهِ شَرِيكًا، لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ خِيَارُ رَدِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ كَانَ) إلَى آخِرِهِ: أَيْ هَذَا الْعَيْبُ: أَعْنِي عَيْبَ الشَّرِكَةِ كَانَ ثَابِتًا (وَقْتَ الْبَيْعِ) وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ ظُهُورُهُ، وَالظُّهُورُ فَرْعُ سَابِقَةِ الثُّبُوتِ فَلَمْ يَحْدُثْ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ ظَهَرَ عِنْدَهُ فَلَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ، بِخِلَافِ تَمْيِيزِ الْجَيِّدِ مِنْ الرَّدِيءِ فِي الْمَكِيلِ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ صُبْرَةً فَإِنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا رَدُّ الْكُلِّ،. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ بِهَا قُرْحًا) وَنَحْوَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عَرَضٍ فَدَاوَاهَا (أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (حَاجَتِهِ فَهُوَ رِضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِ الِاسْتِبْقَاءِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ) إذَا رَكِبَ فِيهِ مَرَّةً لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ مَرَّةً لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ (لِأَنَّ ذَلِكَ) الْخِيَارَ (لِلِاخْتِبَارِ وَهُوَ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَكُونُ رُكُوبُهُ) لِحَاجَتِهِ مَرَّةً أَوْ الِاسْتِخْدَامِ مَرَّةً (مُسْقِطًا) .

مُسْقِطًا (وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَلَيْسَ بِرِضًا) أَمَّا الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ؛ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ وَالْجَوَابُ فِي السَّقْيِ وَاشْتِرَاءِ الْعَلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ، إمَّا لِصُعُوبَتِهَا أَوْ لِعَجْزِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ لِانْعِدَامِ مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ رِضًا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ فَصَارَ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ مِنْ الْمُشْتَرِي يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْأَرْشَ، فَمِنْ ذَلِكَ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةُ وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ لِحَاجَتِهِ وَالْمُدَاوَاةُ وَالدَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَلَوْ مَرَّةً بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِاخْتِيَارِ الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَ الْخِيَارُ فَلَمْ تَكُنْ الْأُولَى دَلِيلَ الرِّضَا، أَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَشَرْعِيَّتُهُ لِلرَّدِّ لِيَصِلَ الْمُشْتَرِي إلَى رَأْسِ مَالِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ وُصُولِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ إلَيْهِ، فَبِالْمَرَّةِ الْأُولَى فِيهِ لَا يَصْرِفُهَا عَنْ كَوْنِهَا دَلِيلَ الرِّضَا صَارِفٌ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِالْخُصُومَةِ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ فَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الرَّدِّ مِنْهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ وَالتَّقْيِيدُ بِحَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ. (لَوْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا أَوْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَلَفًا فَلَيْسَ بِرِضًا) وَلَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ (أَمَّا الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ فَإِنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ) فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا احْتَاجَ إلَى سَوْقِهَا فَرُبَّمَا لَا تَنْقَادُ أَوْ تُتْلِفُ مَالًا فِي الطَّرِيقِ لِلنَّاسِ وَلَا يَحْفَظُهَا عَنْ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ (وَالْجَوَابُ فِي السَّقْيِ وَشِرَاءِ الْعَلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى حَاجَتِهِ) إلَى ذَلِكَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ صَعْبَةً، فَفِي قَوْدِهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَلَفَهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ كَوْنِهِ قَدْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ (أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ) فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا، وَتَقْيِيدُهُ بِعِدْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عِدْلَيْنِ فَرَكِبَهَا يَكُونُ الرُّكُوبُ رِضًا، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي رُكُوبِهَا لِلسَّقْيِ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ مَعَهَا تَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ امْتِنَاعَ الرَّدِّ إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلَيْنِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ: رَكِبْتَهَا لِحَاجَةِ نَفْسِكَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ رَكِبْتهَا لِلسَّقْيِ بِلَا حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَادُ وَهِيَ ذَلُولٌ يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلرُّكُوبِ بِلَا إبْطَالِ حَقِّ الرَّدِّ خَوْفُ الْمُشْتَرِي مِنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا لَا حَقِيقَةَ الْجُمُوحِ وَالصُّعُوبَةِ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَخَيُّلِ أَسْبَابِ الْخَوْفِ، فَرُبَّ رَجُلٌ لَا يَخْطُرُ بِخَاطِرِهِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ وَآخَرُ بِخِلَافِهِ، نَعَمْ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا عَلَفًا لِغَيْرِهَا كَانَ رِضًا رَكِبَهَا أَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا. [فَرْعٌ] وَجَدَ بِالدَّابَّةِ عَيْبًا فِي السَّفَرِ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى حِمْلِهِ عَلَيْهَا وَيَرُدُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ،.

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ) عِنْدَ الْبَائِعِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِمَّا وَقَعَ فِي الْمُطَارَحَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْرِقَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَمْ يَعْلَمْ) الْمُشْتَرِي (بِهِ) أَيْ بِفِعْلِهِ السَّرِقَةَ لَا وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَسَتَأْتِي فَائِدَةُ هَذَا الْقَيْدِ (فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) عَلَى بَائِعِهِ (وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ) كُلَّهُ مِنْهُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَفَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ مُسْتَحَقًّا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْيَدُ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَلَمَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهِ وَإِمْسَاكِهِ كَانَ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ كُلَّهُ مُنْصَرِفًا إلَى اخْتِيَارِهِ رَدَّ الْعَبْدِ الْمَقْطُوعِ وَقَوْلِ مَنْ قَالَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ مُنْصَرِفًا إلَى اخْتِيَارِهِ إمْسَاكَهُ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ للإسبيجابي: لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى آخِرِ الصُّورَةِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالْعَبْدِ الْأَقْطَعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لَا يَرُدُّهُ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ يُقَوِّمَ عَبْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَعَبْدًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَيَرْجِعُ بِإِزَاءِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّهُ فَيَرُدَّهُ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْفَى مَا فِي نَقْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ كَالْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ، وَمَا فِي نَقْلِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِيمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَرِقَةٍ عِنْدَ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَصْفِ الثَّمَنِ مِنْ الْإِيقَاعِ فِي الْإِلْبَاسِ، وَأَقْرَبُ مَا يُظَنُّ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْهُ لَوْلَا مَا ظَهَرَ مِنْ الْجَوَابِ الْمُفَصَّلِ ابْتِدَاءً كَمَا ذَكَرْنَا. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَخَفُّ فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ أَنَّ لَهُ شَيْئًا آخَرَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا إلَّا إذَا كَانَ مَالُهُ مِنْ الْآخَرِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ، لَكِنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ إذَا أَمْسَكَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ النِّصْفَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا بَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَيُمْسِكُهُ (وَقَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ)

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا. لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَنَفَذَ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيِّبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا إلَى غَيْرِ حَامِلٍ. وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قَتْلٍ عَمْدًا أَوْ رِدَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ: يَعْنِي قُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ حَتْمًا، وَعِنْدَهُمَا يُقَوَّمُ حَلَالُ الدَّمِ وَحَرَامُهُ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ) أَيْ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ: أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْعَبْدِ (بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ) وَلَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ رَجَعَ بِالْكُلِّ أَوْ نِصْفُهُ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ فَكَذَا هُنَا (وَعِنْدَهُمَا) ذَلِكَ (بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ) . وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ لِيُنْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ (لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ) وَثُبُوتُ سَبَبِ ذَلِكَ لَا يُنَافِي مَالِيَّةَ الْعَبْدِ وَلِذَا صَحَّ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ، وَلَوْ مَاتَ كَانَ الثَّمَنُ مُقَرَّرًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ يَأْبَى شِرَاءَ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ صَحَّ شِرَاؤُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ عَبْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَالِيَّةِ. فَعُرِفَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعُقُوبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِآدَمِيَّتِهِ لَا بِمَالِيَّتِهِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ بِالْقَتْلِ وَهُوَ فِعْلٌ أَنْشَأَهُ الْمُسْتَوْفِي بِاخْتِيَارِهِ فِي النَّفْسِ بَعْدَمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَبِهِ لَا يُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الْمَبِيعِ وَيُنْتَقَضُ بِأَخْذِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ فَكَانَ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ عَيْبًا حَادِثًا فِي يَدِهِ فَمَنَعَ الرَّدَّ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى حَامِلًا) لَا يَعْلَمُ بِحَمْلِهَا وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ (فَمَاتَتْ) عِنْدَهُ (بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَغَيْرَ حَامِلٍ) وَلَفْظَةُ إلَى فِي قَوْلِهِ إلَى غَيْرِ حَامِلٍ لَيْسَ لَهَا مَوْقِعٌ (وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ) وُجِدَ (فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى سَبَبِ) الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَهُوَ سَرِقَتُهُ الْكَائِنَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَقَتْلُهُ فَصَارَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَيْهِ وَقَطْعُهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ قُطِعَ أَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْبَائِعِ الَّذِي عِنْدَهُ السَّبَبُ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا رَدَّهُ الْغَاصِبُ عَلَى مَالِكِهِ بَعْدَمَا جَنَى عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقُتِلَ عِنْدَ الْمَالِكِ بِهَا أَوْ قُطِعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِتَمَامِ قِيمَتِهِ أَوْ نِصْفِهَا، كَمَا لَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِجَامِعِ اسْتِنَادِ الْوُجُودِ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ الْكَائِنِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَصَارَ سَبَبُ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ كَأَنَّهُ الْمَالِيَّةُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ إلَّا بِحَقِيقَتِهِ فِعْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَقَبْلَهُ لَا يَتِمُّ فِي حَقِّ ذَلِكَ فَتَبْقَى الْمَالِيَّةُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ، فَأَمَّا إذَا قُتِلَ فَقَدْ تَمَّ حِينَئِذٍ الِاسْتِحْقَاقُ.

وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَمْنُوعَةٌ. . وَلَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا عِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَطَلَتْ الْمَالِيَّةُ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي نَقْضِ الْقَبْضِ فَيَرْجِعُ كَمَا ذَكَرْنَا (وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ) مَوْتِ الْحَامِلِ (مَمْنُوعَةٌ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ يَرْجِعُ عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْخِلَافُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأَصْلِ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ رُدَّتْ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَمَاتَتْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا عِنْدَهُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ: الْمَوْجُودُ فِي يَدِ الْبَائِعِ الْعُلُوقُ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ لَا الْهَلَاكَ وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا بَلْ الْغَالِبُ السَّلَامَةُ فَلَيْسَ هُنَا وُجُوبٌ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ الزَّانِي مِنْ الْجَلْدِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَهُنَا الْحَبَلُ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ كَانَ الْهَلَاكُ بِهِ مُسْتَحَقًّا عِنْدَ الْبَائِعِ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَا يُنْتَقَضُ، وَنُوقِضَ بِمَسَائِلَ: الْأُولَى إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَحْمُومَةً فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَهُ بِالْحُمَّى لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ بَلْ بِالنُّقْصَانِ مَعَ أَنَّ مَوْتَهَا بِسَبَبِ الْحُمَّى الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَثَانِيهَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرَهُ يَدَ الْعَبْدِ ثُمَّ بَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَا بِالثَّمَنِ. وَثَالِثُهَا مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ بَاعَهَا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَرَابِعُهَا لَوْ زَنَى الْعَبْدُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَجُلِدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ. وَخَامِسُهَا لَوْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَسَرَى الْقَطْعُ فَمَاتَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَا بِكُلِّهِ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَمُوتُ بِمُجَرَّدِ الْحُمَّى بَلْ بِزِيَادَةِ الْأَلَمِ وَذَلِكَ بِسَبَبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ؛ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا وَرَدَ عَلَى قَطْعِ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ قَطَعَ سِرَايَةَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَقُّ الْبَائِعِ فَتَنْقَطِعُ بِبَيْعِ مَنْ لَهُ السِّرَايَةُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ السِّرَايَةُ لِغَيْرِ مَنْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْهُ فَيَمْتَنِعُ انْقِطَاعُ السِّرَايَةِ بِالْبَيْعِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّ الْبَكَارَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَكَارَةِ فَعَدَمُهَا مِنْ بَابِ عَدَمِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ لَا مِنْ بَابِ وُجُودِ الْعَيْبِ، وَعَنْ الرَّابِعَةِ بِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الضَّرْبُ الْمُؤْلِمُ وَاسْتِيفَاءُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فِي الْمَحَلِّ، وَمَوْتُهُ بِذَلِكَ الضَّرْبِ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ عَرَضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ خَرَقُ الْجَلَّادِ أَوْ ضَعْفِ الْمَجْلُودِ فَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مُسْتَوْفَاةً حَدًّا مُسْتَحَقًّا، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهَا مِنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا) أَيْ بِالسَّرِقَتَيْنِ جَمِيعًا (فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ) أَيْ نُقْصَانِ عَيْبِ السَّرِقَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ.

وَعِنْدَهُ لَا يَرُدُّهُ بِدُونِ رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ فَبِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالْجِنَايَتَيْنِ وَفِي إحْدَاهُمَا رُجُوعٌ فَيَتَنَصَّفُ؛ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي ثُمَّ قُطِعَ فِي يَدِ الْأَخِيرِ رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِلَا رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ) وَهُوَ السَّرِقَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَالْقَطْعُ بِهِمَا كَقَوْلِهِمَا، وَلَكِنْ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ رَدَّهُ وَرَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ أَمْسَكَهُ وَرَجَعَ بِرُبْعِ الثَّمَنِ (لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ) فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالسَّرِقَتَيْنِ الْكَائِنَتَيْنِ عِنْدَهُمَا فَيَتَوَزَّعُ نِصْفُ الثَّمَنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَسْقُطُ مَا أَصَابَ الْمُشْتَرِيَ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي إنْ رَدَّهُ بِأَنْ رَضِيَهُ الْبَائِعُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ، وَبِرُبْعِهِ إنْ أَمْسَكَهُ بِأَنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ النِّصْفِ لَزِمَ الْمُشْتَرِي فَيَسْقُطُ عَنْ الْبَائِعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا قَبِلَهُ أَقْطَعَ مَعِيبًا لَا مَعَ أَنْ يَتَحَمَّلَ مَا لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ النُّقْصَانِ بِالسَّبَبِ الْكَائِنِ عِنْدَهُ بَلْ يَتَوَزَّعُ النُّقْصَانُ عَلَيْهِمَا، كَمَا فِي الْغَاصِبِ لِلْعَبْدِ إذَا سَرَقَ عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ فَسَرَقَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَقُطِعَ بِالسَّرِقَتَيْنِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي) بَعْدَ أَنْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بَعْدَهُ (ثُمَّ قُطِعَ عِنْدَ الْأَخِيرِ) بِتِلْكَ السَّرِقَةِ (رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) بِالثَّمَنِ (كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا اخْتَارَ الرَّدَّ؛ لِأَنَّك عَلِمْت أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ أَوْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَيَرْجِعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ (وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ) الَّذِي قُطِعَ فِي يَدِهِ (عَلَى بَائِعِهِ) بِالنُّقْصَانِ (وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ) أَمَّا رُجُوعُ الْأَخِيرِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبِعْهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَعَلِمْت أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لِلْمَعِيبِ حَبْسٌ

وَقَوْلُهُ (فِي الْكِتَابِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي) يُفِيدُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ، وَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. . (قَالَ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْعُيُوبَ بِعَدَدِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَبِيعِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ) أَيْ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ (يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ (وَالْعِلْمُ بِالْعَيْبِ) عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْقَبْضِ (مُسْقِطٌ لِلرَّدِّ وَالْأَرْشِ) وَأَمَّا عِنْدَهُ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا فَلَا يَرْجِعُ إذَا عَلِمَ بِاسْتِحْقَاقِ يَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ عَلِمَ بِسَرِقَتِهِ أَوْ إبَاحَةِ دَمِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وَجْهٍ وَالْعَيْبِ مِنْ وَجْهٍ، فَلِشَبَهِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قُلْنَا يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَلِشَبَهِهِ بِالْعَيْبِ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِنُقْصَانِ الثَّمَنِ، وَكَوْنُهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْبًا،. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا إلَخْ) لَيْسَ الْعَبْدُ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ الْبَيْعَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَلَنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِسْقَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحِيحٌ فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، وَيَبْرَأُ الْبَائِعُ بِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْبَيْعِ مَعْلُومٍ لَهُ أَوْ غَيْرِ مَعْلُومٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْحَادِثِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ فِي الْبَرَاءَةِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ كَقَوْلِنَا، وَقَوْلٌ إنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ أَصْلًا، وَثَالِثُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَيُرْوَى عَنْ مَالِكٍ يَبْرَأُ الْبَائِعُ فِي الْحَيَوَانِ عَمَّا لَا يَعْلَمُهُ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَاعَ عَبْدًا مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَوَجَدَ زَيْدٌ بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ ابْنُ عُمَرَ فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: أَتَحْلِفُ أَنَّك لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ؟ فَقَالَ لَا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ "، وَالْفَرْقُ أَنَّ كِتْمَانَ الْمَعْلُومِ تَلْبِيسٌ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ مَا، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا مُطْلَقًا هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِهِ، قَالَ: وَهَذَا (بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ) فَنَصَبَ الْخِلَافَ فِي الْمَبْنِيِّ فَقَالَ: (هُوَ يَقُولُ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مَدْيُونَهُ فَرَدَّهُ الْمَدْيُونُ لَمْ يَبْرَأْ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ (وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ) ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَهَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هُوَ؛ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَشَرْطِ عَدَمِ الْمَلِكِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ حَقٍّ يَتِمُّ بِلَا قَبُولٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ طَلَّقَ نِسْوَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ وَلَمْ يَدْرِ كَمْ هُمْ وَلَا أَعْيَانَهُمْ، كَأَنْ وَرِثَ عَبِيدًا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ صَغِيرًا فَبَلَغَ وَهِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْأَعْيَانِ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ كَأَنْ يَقُولَ:.

لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ فَلَا تَكُونُ مُفْسِدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْقَطْتُ عَنْك دَيْنِي عَلَيْكَ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يُبْطِلُهُ جَهَالَةُ السَّاقِطِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ (لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ) فَأَظْهَرْنَا أَثَرَهُ فِي صِحَّةِ رَدِّهِ وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ فَانْتَفَى الْمَانِعُ وَوُجِدَ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ تَصَرُّفُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ، بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ جَهَالَةَ الْمُمَلَّكِ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَلَا تَتَرَتَّبُ فَائِدَةُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ، أَمَّا الْإِسْقَاطُ فَإِنَّ السَّاقِطَ يَتَلَاشَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِتَمْلِيكِ الْمَجْهُولِ لَيْسَ الْجَهَالَةُ بَلْ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِذَا جَازَ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لِلْمُنَازَعَةِ فِي تَعْيِينِ مَا يُسَلِّمُهُ لِلتَّفَاوُتِ. وَأَمَّا عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ أَبْرَأْتُ أَحَدَكُمَا فَلِجَهَالَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَصَحَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُ بِالتَّعْيِينِ، عَلَى أَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجَازَهُ وَأَلْزَمَهُ بِالتَّعْيِينِ كَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَكَذَا الْعَتَاقُ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلِذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِهِ لَمْ يَبْطُلْ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا «حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي خُزَيْمَةَ» وَذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَوَّلًا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ قَتْلَى بَعْدَمَا اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَدَفَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَلِيٍّ مَالًا فَوَدَاهُمْ حَتَّى مَيْلَغَةِ الْكَلْبِ، وَبَقِيَ فِي يَدِهِ مَالٌ فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ وَلَا يَعْلَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسُرَّ بِهِ» وَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ، وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَهِمَا وَتَوَاخَيَا الْحَقَّ وَلْيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» وَفِيهِ إجْمَاعٌ عَمَلِيٌّ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فِي كَافَّةِ الْأَعْصَارِ اسْتَحَلَّ مِنْ مُعَامِلِيهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ مَا ذَكَرْنَا، وَالْغُرُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إيهَامُ خِلَافِ الثَّابِتِ، وَمِنْهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَلَيْسَتْ حُرَّةً وَحِينَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَقَدْ نَبَّهَهُ عَلَى إبْهَامِ الْعُيُوبِ وَبَقَائِهِ فِي يَدِهِ بِهَا فَلَمْ يَغُرَّهُ، وَقَوْلُهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهُوَ السَّلَامَةُ، قُلْنَا يُوَافِقُ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَكَوْنُ السَّلَامَةِ مُقْتَضَاهُ إنْ أَرَدْت الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ سَلَّمْنَاهُ، أَوْ الْمُقَيَّدَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ إنْ كَانَتْ مَنَعْنَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ.

وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَرَضَ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِحَّ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُسَمَّاةِ إنْ ظَهَرَتْ وَجَوَازُهُ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ) يَعْنِيَ الْبَرَاءَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهَا وَهِيَ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ) فَتَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ) الْمُلَاحَظَ هُوَ الْمَعْنَى وَالْغَرَضُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ (الْغَرَضَ) مِنْ هَذَا الشَّرْطِ (إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ عَنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ) لِيَلْزَمَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِحَالٍ (وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ) يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ، وَالْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَذَلِكَ، فَاقْتَضَى الْغَرَضُ الْمَعْلُومُ دُخُولَهُ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لَمْ يَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْ أَبِي يُوسُفَ إدْخَالُ الْحَادِثِ بِلَا تَنْصِيصٍ وَهُوَ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ، أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ بِأَنَّ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا نَصَّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ ذَلِكَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ، وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَادِثَ يَدْخُلُ تَبَعًا لِتَقْرِيرِ غَرَضِهِمَا، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا وَيَثْبُتُ تَبَعًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ أَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ حَادِثٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ ظَاهِرٌ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، وَثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ حَدَثَ بَاطِنٌ، فَإِذَا ادَّعَى بَاطِنًا لِيُزِيلَ بِهِ ظَاهِرًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْقِطُ لِحَقِّهِ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مَا أَسْقَطَ قَوْلُهُ. [فُرُوعٌ] جَمَعَهَا فِي الدِّرَايَةِ: شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ أَوْ خَصَّ ضَرْبًا مِنْ الْعُيُوبِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَصِحُّ تَخْصِيصُهُ، وَلَوْ شَرَطَهُمَا مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ كَشَجَّةٍ فَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ أَوْ مَوْتٌ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ كَشَجَّةٍ أُخْرَى فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ نَفْعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ لِلْبَائِعِ فَجَعَلَ الْخِيَارَ فِي تَعْيِينِ الْعَيْبِ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ لِلْمُشْتَرِي فَيُرَدُّ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الشَّجَّةَ الْمُتَبَرَّأَ مِنْهَا عِنْدَ الْبَيْعِ بَلْ أَبْرَأَهُ مِنْ شَجَّةٍ بِهِ أَوْ عَيْبٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَهِيَ السَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَالْفُجُورُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أُبْرِئَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا فِي الْبَاطِنِ فِي الْعَادَةِ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ ذَلِكَ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قَطْعُ الْأُصْبُعِ عَيْبٌ.

[باب البيع الفاسد]

(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأُصْبُعَيْنِ عَيْبَانِ وَالْأَصَابِعُ مَعَ الْكَفِّ عَيْبٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَبِلَ فِي الثَّوْبِ بِعُيُوبِهِ يَبْرَأُ مِنْ الْخُرُوقِ وَتَدْخُلُ الرُّقَعُ وَالرَّفْوُ، وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ سِنٍّ سَوْدَاءَ تَدْخُلُ الْحَمْرَاءُ وَالْخَضْرَاءُ، وَمِنْ كُلِّ قُرْحٍ تَدْخُلُ الْقُرُوحُ الدَّامِيَةُ، وَفِي الْمُحِيطِ: أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا هُوَ أَعْوَرُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ عَدِمَهَا لَا عَيْبٌ بِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٌ إلَّا إبَاقَهُ بَرِئَ مِنْ إبَاقِهِ، وَلَوْ قَالَ الْإِبَاقُ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْإِبَاقِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِي قِبَلَك دَخَلَ الْعَيْبُ هُوَ الْمُخْتَارُ دُونَ الدَّرَكِ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِانْتِفَاءِ الْعُيُوبِ، حَتَّى لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ، وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لَيْسَ بِآبِقٍ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ أَوْ يَحُطَّ دِينَارًا جَازَ. وَلَوْ دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي لِيَرُدَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبًا وَزَوَالُ الْعَيْبِ يُبْطِلُ الصُّلْحَ فَيَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ مَا بَذَلَ أَوْ حَطَّ إذَا زَالَ، وَلَوْ زَالَ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرُدُّهُ، وَلَوْ صَالَحَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا؛ وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك الْعُيُوبَ لَمْ يَجُزْ، وَحَذْفُ الْحُرُوفِ أَوْ نَقْصُهَا أَوْ النُّقَطُ أَوْ الْإِعْرَابُ فِي الْمُصْحَفِ عَيْبٌ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحُطَّ كُلَّ عَشَرَةٍ وَيَأْخُذُ الْأَجْنَبِيُّ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ وَرَضِيَ الْأَجْنَبِيُّ بِذَلِكَ جَازَ وَجَازَ حَطُّ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ؛ وَلَوْ قَصَّرَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ فَإِذَا هُوَ مُتَخَرِّقٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْرِيَ تَخَرَّقَ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُشْتَرِي وَيَرُدَّ عَلَيْهِ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَالْبَائِعُ دِرْهَمًا جَازَ، وَكَذَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْبَائِعُ وَيَدْفَعَ لَهُ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَيَتْرُكَ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا قِيلَ هَذَا غَلَطٌ، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَضْمَنَ الْقَصَّارُ أَوَّلًا لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: أَدْخَلَ الْمُشْتَرِي الْقَدُومَ فِي النَّارِ أَوْ حَدَّ الْمِنْشَارَ أَوْ حَلَبَ الشَّاةَ أَوْ الْبَقَرَةَ لَمْ يُرَدَّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُصَرَّاةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَفِي الْمُصَرَّاةِ يَرُدُّ بِقِلَّةِ اللَّبَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَزُفَرَ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَالْمُصَرَّاةُ شَاةٌ وَنَحْوُهَا سُدَّ ضَرْعُهَا لِيَجْتَمِعَ لَبَنُهَا لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا كَثِيرَةُ اللَّبَنِ فَإِذَا حَلَبَهَا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عِنْدَنَا، وَهَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؟ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لَا، وَفِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَرْجِعُ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بَعْدَ حُدُوثِ زِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ، وَقِيلَ لَوْ اُخْتِيرَتْ هَذِهِ لِلْفَتْوَى كَانَ حَسَنًا لِغُرُورِ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ، وَلَوْ اغْتَرَّ بِقَوْلِ الْبَائِعِ هِيَ حَلُوبٌ فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يَرْجِعُ فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ وَقَفَ الْأَرْضَ أَوْ جَعَلَهَا مَسْجِدًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ امْتَنَعَ الرَّدُّ، وَالرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ، وَلَوْ اشْتَرَى ضَيْعَةً مَعَ غَلَّاتِهَا فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً رَدَّهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَمَعَ غَلَّاتِهَا فَهُوَ رِضًا، وَإِنْ تَرَكَهَا يَزْدَادُ الْعَيْبُ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ، [بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] (بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) الْبَيْعُ جَائِزٌ وَغَيْرُ جَائِزٍ، وَالْجَائِزُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: بَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السَّلَمُ، وَبَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ الْمُقَايَضَةُ، وَبَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ. وَغَيْرُ الْجَائِزِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ وَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ الْخَمْرُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمَعْلُومُ كَالسَّمْنِ فِي اللَّبَنِ، وَغَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ كَالْآبِقِ وَمَوْقُوفٌ. حَصَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ: بَيْعُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورَيْنِ: أَيْ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ، وَبَيْعُ غَيْرِ الرَّشِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَا فِي مُزَارَعَةِ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُزَارِعِ، فَلَوْ تَفَاسَخَا الْإِجَارَةَ أَوْ رَدَّ الرَّهْنَ لِوَفَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَزِمَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَا بَيْعُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي وَقَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَفَاسَخَا لَا يَنْفُذُ، وَفِي الْعَقَارِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ. وَبَيْعُ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْبَيْعُ بِرَقَمِهِ وَبِمَا بَاعَ فُلَانٌ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ، وَبَيْعٌ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَبِمِثْلِ مَا يَبِيعُ النَّاسُ وَبِمِثْلِ مَا أَخَذَ بِهِ فُلَانٌ، وَبَيْعُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إنْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ أَوْ جَحَدَ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَيِّنَةٌ ثُمَّ الْبَيْعُ وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ. وَلْنُتَمِّمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَغْصُوبِ: ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الرَّهْنُ وَالْمُسْتَأْجَرُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُؤَجِّرِ بِفَسْخٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يَتِمُّ الْبَيْعُ، وَكَذَا إذَا أَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزَا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْحَاكِمِ فَسْخَ الْعَقْدِ فَسَخَهُ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ عَلِمَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ فَقِيلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ بَلْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى فَسْخُ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الْمُرْتَهِنِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَالْمُؤَجِّرِ حَتَّى الْفَسْخِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْمَالِكِ فِي الدَّعْوَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَالْإِجَارَةَ سَوَاءٌ: أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ أَوْ لَا، فَإِنْ أَجَازَ فَلَا أَجْرَ لِعَمَلِهِ. وَفِي النَّوَازِلِ: فَلَوْ أَجَازَ الْمُزَارِعُ فَكِلَا النَّصِيبَيْنِ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَا فِي الْكَرْمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ فَارِغَةً فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَمْ تَظْهَرْ الثِّمَارُ فِي الْكَرْمِ جَازَ الْبَيْعُ، وَبِهِ أَخَذَ الْمَرْغِينَانِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى. ثُمَّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَنْ الْفَاسِدِ أَنَّهُ الْمُوصِلُ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ سَلَامَةُ الدِّينِ الَّتِي لَهَا شُرِعَتْ الْعُقُودُ وَلِيَنْدَفِعَ التَّغَالُبُ وَالْوُصُولُ إلَى دَفْعِ الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالصِّحَّةِ. وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَعَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلدِّينِ، ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ أَفَادَ الْمِلْكَ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ تَمَامَهُ إذْ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَفْظُ الْفَاسِدِ فِي قَوْلِهِ بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَفِي قَوْلِهِ إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ مِنْ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ، فَالشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَصْفِهِ بَلْ بِأَصْلِهِ، وَالْبَاطِلَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةً عَلَى الْبَاطِلِ، لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِهِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُهُ أَصْلًا فَقَابَلُوهُ بِهِ وَأَعْطَوْهُ حُكْمًا يُبَايِنُ حُكْمَهُ وَهُوَ دَلِيلُ تَبَايُنِهِمَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ لَازِمٌ لَهُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ. وَفِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ، فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ بِأَصْلِهِ وَغَيْرَ الْمَشْرُوعِ بِأَصْلِهِ مُتَبَايِنَانِ فَكَيْفَ يَتَصَادَقَانِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَاسِدِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ الْمَشْرُوعِ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فِي الْعُرْفِ، لَكِنْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلِذَا يُوَجِّهُ بَعْضُهُمْ الْأَعَمِّيَّةَ بِأَنَّهُ يُقَالُ لِلَّحْمِ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلدُّودِ وَالسُّوسِ بَطَلَ اللَّحْمُ، وَإِذَا أَنْتَنَ وَهُوَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فَسَدَ اللَّحْمُ فَاعْتُبِرَ مَعْنَى اللُّغَةِ، وَلِذَا أَدْخَلَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا

(وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِشُمُولِهَا الْمَكْرُوهَ؛ لِأَنَّهُ فَائِتٌ وَصْفَ الْكَمَالِ بِسَبَبِ وَصْفٍ مُجَاوِرٍ ثُمَّ الْفَاسِدُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَعُمُّ الْبَاطِلَ يَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ؛ فَخَرَجَ نَحْوُ جَهَالَةِ كَمِيَّةِ قُفْزَانِ الصُّبْرَةِ وَعَدَدِ الدَّرَاهِمِ فِيمَا إذَا بِيعَ صُبْرَةُ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ وَبِعَدَمِ مِلْكِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ، وَالْفَسَادُ بِمَعْنَى الْبُطْلَانِ إلَّا فِي السَّلَمِ أَوْ مَعَ الْمِلْكِ لَكِنْ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَمِنْهَا الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ أَوْ التَّسَلُّمِ إلَّا بِضَرَرٍ كَجِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ. وَمِنْهَا الْغَرَرُ كَضَرْبَةِ الْقَانِصِ وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ، بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَتَدْخُلُ فِيهِ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ كَبَيْعِهِ كَذَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا، وَالِاتِّبَاعُ مَقْصُودٌ كَحَبَلِ الْحَبَلَةِ تَدْخُلُ فِي عَدَمِ الْمِلْكِ، وَبَيْعُ الْأَوْصَافِ كَأَلْيَةِ شَاةٍ حَيَّةٍ يَرْجِعُ إلَى مَا فِي تَسْلِيمِهِ ضَرَرٌ إذْ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا إلَّا بِذَبْحِهَا إذْ فِي قَطْعِهَا حَيَّةً عَجْزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَيِّتَةً يَبْطُلُ بَيْعُهَا، وَكَوْنُ الْبَيْعِ مِنْ الْبَائِعِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ بِهِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَعَدَمُ التَّعْيِينِ فِي بَيْعٍ كَبَيْعِ هَذَا بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ مُسْتَدْرَكٌ لِدُخُولِهِ فِي جَهَالَةِ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ) أَحَدُهُمَا (غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ لَفْظَ فَاسِدٍ يُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ تَغْلِيبًا كَمَا قِيلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ خَاصٌّ بِالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذِهِ فُصُولُ جَمْعِهَا، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ: الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ، وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ الْبَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ الْمُعَوَّضُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا لَا يَصِحُّ، فَإِنْ كَانَ مَالًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَالْخَمْرِ، وَكَذَا الثَّمَنُ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا مَيْتَةً فَهُوَ بَاطِلٌ، فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هَذِهِ فُصُولُ جَمْعِهَا) أَيْ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفَسَادُ (وَالْوَاقِعُ أَنَّ فِيهَا تَفْصِيلًا) يَعْنِي لَيْسَ كُلُّهَا فَاسِدًا، فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي عُرْفِ فُقَهَائِنَا التَّبَايُنُ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ، فَإِنَّ الْأَعَمَّ لَا يُنْفَى عَنْ الْأَخَصِّ قَالَ (فَنَقُولُ: الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ) لَا فَاسِدٌ بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ (وَكَذَا بِالْحُرِّ) بِأَنْ يَجْعَلَ الْمَيْتَةَ وَالْحُرَّ ثَمَنًا لِثَوْبٍ مَثَلًا، وَذَلِكَ (لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ) يَعْنِي مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَلِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْحُرِّ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ مَالًا عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ (وَ) أَمَّا (الْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) فَ (فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (مَالٌ عِنْدَ الْبَعْضِ) وَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ مَالٌ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لِحِلِّهَا عِنْدَهُمْ، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ انْتِفَاءَ الْمَالِيَّةِ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فِي شَرْعِنَا وَهُوَ كَذَلِكَ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى تَسْمِيَةِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ هُوَ مَالٌ فِي بَعْضِ الْأَدْيَانِ فَاسِدٌ، وَبِمَا لَيْسَ مَالًا فِي دِينٍ سَمَاوِيٍّ بَاطِلٌ وَهَذَا سَهْلٌ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي جَعْلِ حُكْمِهِ الْمِلْكَ قُلْنَا فِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ (أَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) يَعْنِي إذَا جُعِلَا مَبِيعًا (فَإِنْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ بِعَيْنٍ) بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ (فَفَاسِدٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ) فِي الْجُمْلَةِ فِي شَرْعٍ ثُمَّ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا فِي شَرْعٍ نَسَخَ الْأَوَّلَ، وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهُ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَصَرُّفِ الْعُقَلَاءِ، بِخِلَافِ جَعْلِهِ ثَمَنًا، وَإِذَا بَطَلَ كَوْنُ الْخَمْرِ مَبِيعًا فَلَأَنْ يَبْطُلَ إذَا جَعَلَ الْمَيْتَةَ وَالْحُرَّ مَبِيعًا أَوْلَى، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَبْطُلَ فِي الْمُقَايَضَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبِيعٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَيْضًا كَمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبِيعٌ ثَبَتَ صِحَّةُ اعْتِبَارِ الثَّمَنِيَّةِ وَالْمَبِيعِيَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَاعْتُبِرَ الْخَمْرُ ثَمَنًا وَالثَّوْبُ مَبِيعًا وَالْعَكْسُ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَكِنْ تَرَجَّحَ هَذَا الِاعْتِبَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلْقُرْبِ مِنْ تَصَرُّفِ الْعُقَلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ بِاعْتِبَارِ الْإِعْزَازِ لِلثَّوْبِ مَثَلًا فَيَبْقَى ذِكْرُ الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا لِإِعْزَازِ الثَّوْبِ لَا الثَّوْبِ لِلْخَمْرِ فَوَجَبَ قِيمَةُ الثَّوْبِ لَا الْخَمْرُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَدْخُلَ الْبَاءُ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ الْخَمْرِ فِي جَعْلِ الثَّوْبِ الْمَبِيعَ. وَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ النَّصُّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» وَمَعْنَى أَعْطَى بِي: أَعْطَى ذِمَّةً مِنْ الذِّمَّاتِ، ذَكَرَهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ إلَى أَنْ قَالَ: وَبَائِعَهَا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا ثَمَنَهَا» وَحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَظَاهِرٌ. ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَا وَعَلَيْهَا الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا، أَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ شَرْعًا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِجَوَازِهَا إذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ عِنْدَهُمْ كَالْخَمْرِ. كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ مُطْلِقًا عَنْ الْخِلَافِ. وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ: يَجُوزُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَحْكَامَهُمْ كَأَحْكَامِنَا شَرْعًا إلَّا مَا اسْتَثْنَى بَعْدَ الْأَمَانِ، وَاَلَّذِي اسْتَثْنَى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فَيَبْقَى مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى

وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ؛. وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا كَمَا فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِ. وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَيْعَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ تَجُوزُ إلَّا الْخَمْرَ، وَمَنَعَا جَوَازَ كُلِّ مَا حُرِّمَ شُرْبُهُ. وَثُبُوتُ الضَّمَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَرْعُ الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَنَحْوِهَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً عِنْدَنَا فَهِيَ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَجِبُ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فَكَانَتْ كَالْخَمْرِ ثُمَّ (الْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ) (وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ (يَكُونُ أَمَانُهُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) هُوَ أَبُو نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الطَّوَاوِيسِيُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ) وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ (وَعِنْدَ الْبَعْضِ) كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِ (يَكُونُ مَضْمُونًا) بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا كَ) الْخِلَافُ الْكَائِنُ بَيْنَهُمْ فِي (أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ) إذَا بِيعَا فَمَاتَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَضْمَنُهُمَا عِنْدَهُمَا، وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ هُوَ الْمَأْخُوذُ لِيَشْتَرِيَ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ بِلَا إبْرَامِ بَيْعٍ كَأَنْ يَقُولَ: اذْهَبْ بِهَذَا فَإِنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ، فَإِذَا هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، فَإِذَا ضَمِنَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ صُورَةُ الْعِلَّةِ فَلَأَنْ يَضْمَنَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ ذَلِكَ أَوْلَى، وَلِمَنْ يَنْصُرُ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنْ قُلْت إنَّهُ عِنْدَ صِحَّةِ كَوْنِ الْمُسَمَّى ثَمَنًا كَالدَّرَاهِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ سَلَّمْنَاهُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي تَسْمِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْخَمْرِ وَإِنْ قُلْت عِنْدَ التَّسْمِيَةِ مُطْلَقًا مَنَعَاهُ فَيَجِبُ تَفْصِيلُهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبُطْلَانُ لِعَدَمِ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ أَصْلًا لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ بِثَمَنٍ صَحِيحٍ دَرَاهِمُ مَثَلًا فَقَبْضُهُ يَصِيرُ مَضْمُونًا (وَالْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ) إذَا كَانَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَيَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ الْقِيمَةِ، وَكَذَا إذَا

وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا. وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ قُوبِلَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ قُوبِلَ بِعَيْنٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَكَذَا الْخِنْزِيرُ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَتَرْكِ إعْزَازِهِ، وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَرَاهُمَا بِالدَّرَاهِمِ فَالدَّرَاهِمُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ؛ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِمَا أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخَمْرُ فَسَقَطَ التَّقَوُّمُ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلثَّوْبِ إنَّمَا يَقْصِدُ تَمَلُّكَ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ. وَفِيهِ إعْزَازٌ لِلثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ فَبَقِيَ ذِكْرُ الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي تَمَلُّكِ الثَّوْبِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِ الْخَمْرِ حَتَّى فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ شِرَاءُ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ لِكَوْنِهِ مُقَايَضَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ هَلْ يَمْلِكُهُ؟ سَيَأْتِي تَمَامُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَمْلُوكَ التَّصَرُّفُ أَوْ الْعَيْنُ. وَوَجْهُ لُزُومِ الْقِيمَةِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِشْكَالِ. وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) وَكَذَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَاسِدَ هُوَ

قَالَ (وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ) وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ انْعَقَدَ فِي الْمُدَبَّرِ فِي الْحَالِ لِبُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُمْ الْبَاطِلُ، وَسَيُبَيِّنُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: أَيْ يُبَيِّنُ الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحُرِّيَّةِ بِالْعِتْقِ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ) بِجِهَةٍ لَازِمَةٍ عَلَى الْمَوْلَى بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمِّ الْوَلَدِ «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَأَقَلُّ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ وَبِتَصْحِيحِ التَّدْبِيرِ شَرْعًا، وَتَصْحِيحُهُ يُوجِبُ انْعِقَادَ التَّدْبِيرِ سَبَبًا لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْإِعْتَاقِ عَنْ السَّيِّدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عِتْقِهِ بَعْدَهُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ سَبَبًا فِي الْحَالِ

وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ لَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، وَالْمُرَادُ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ دُونَ الْمُقَيَّدِ، وَفِي الْمُطْلَقِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَتَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى) حَتَّى لَا يَمْلِكُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ (فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ) لِلْمُشْتَرِي (بِالْبَيْعِ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ) الْبَيْعُ وَمَا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ مِنْ الْبَيْعِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ الثُّلُثِ وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ» وَحَدِيثَ «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» تَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ، وَإِذَا كَانَ أَقَلُّ مَا يُوجِبُهُ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَازِمٍ فَالْمَجَازُ مُرَادٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ) وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فِي ضِمْنِهِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ كَانَ لَحِقَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ (وَالْمُرَادُ) بِالْمُدَبَّرِ (الْمُدَبَّرُ الْمُطَلِّقُ) وَتَقَدَّمَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ بَيْعِهِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فَجَوَازُ بَيْعِهِ اتِّفَاقٌ. وَاسْتُشْكِلَ حُكْمُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَأَخَوَيْهِ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ كَوْنَهُمْ كَالْحُرِّ، وَلَوْ كَانُوا كَالْحُرِّ لَبَطَلَ بَيْعُ الْقَنِّ إذَا جُمِعَ مَعَ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ كَمَا إذَا ضُمَّ إلَى حُرٍّ وَهُوَ مُنْتَفٍ، بَلْ يَصِحُّ بَيْعُ الْقِنِّ وَيَلْزَمُ مُشْتَرِيَهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ بَاطِلٌ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِالْقَبْضِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْحُرُّ فَكَانُوا مِثْلَهُ. فَلَوْ قَالَ فَاسِدٌ ظُنَّ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ. وَأَمَّا تَمَلُّكُ الْقِنِّ الْمَضْمُومِ إلَيْهِمْ فَلِدُخُولِهِمْ فِي الْبَيْعِ لِصَلَاحِيَّتِهِمْ لِذَلِكَ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلِذَا لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ، وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا الْجَوَابُ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَلَكِنَّهُ خَصَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ. وَالْحَقُّ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى الْحُكْمِ بِتَخْصِيصٍ فَهُوَ بَاطِلٌ وَحُكْمُهُ

قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُدَبَّرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَهُمَا أَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُدَبَّرُ وَأُمَّ الْوَلَدِ يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُضَمُّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْقَبْضُ وَهَذَا الضَّمَانُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُهُ، وَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ إفْرَادُ نَوْعٍ شَرْعِيٍّ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِخُصُوصِيَّةٍ. فَإِنْ قِيلَ: التَّخْصِيصُ لَازِمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَهُوَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ حَتَّى مِلْكِ الْقِنِّ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ. وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلْبَاطِلِ فَلْيَكُنْ فَاسِدًا مَخْصُوصًا مِنْ حُكْمِ الْفَاسِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِالْبَاطِلِ. قُلْنَا نَحْنُ لَمْ نُعْطِ حُكْمَ الْبَاطِلِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ بِوَجْهٍ لِيَلْزَمَ تَخْصِيصُهُ وَيَتَّحِدَ اللَّازِمُ عَلَى تَقْدِيرِ تَأْوِيلِ الْفَاسِدِ بِالْبَاطِلِ وَعَدَمِهِ، إنَّمَا قُلْنَا حُكْمُهُ أَنْ لَا يُمْلَكَ بِالْقَبْضِ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّ بَعْضَ مَا هُوَ مَبِيعٌ بَاطِلٌ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كَالْمُدَبَّرِ وَبَعْضُهُ لَا يَدْخُلُ كَالْحُرِّ، وَأَصْلُ السُّؤَالِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْكُبْرَى لَوْ كَانَ كَالْحُرِّ لَمْ يَمْلِكْ الْقِنُّ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ مِثْلَهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ. فَصَارَ حَاصِلُ الصُّورَةِ: لَوْ كَانَ بَاطِلًا كَانَ كَالْحُرِّ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ لَمْ يَمْلِكْ الْقِنُّ الْمَضْمُومُ وَحِينَئِذٍ فَعَدَمُ الِاسْتِلْزَامِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُدَبَّرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا لِلْبَائِعِ وَقَوْلُهُمَا) هَذَا (رِوَايَةٌ عَنْهُ) وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِي الْمُدَبَّرِ، أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَبِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي وَلَا الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا إذْ لَا تَقَوُّمَ لِأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا تُضْمَنُ بِمَا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ إذَا غَصَبَ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا نَقَلَهَا إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ كَثِيرَةِ الْحَيَّاتِ فَمَاتَتْ بِنَهْشِ حَيَّةٍ أَوْ افْتِرَاسِ سَبُعٍ فِيهَا الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ كَمَا هُوَ فِي غَصْبِ الصَّبِيِّ بِشَرْطِهِ، أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَيَضْمَنُ فِي الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ عَلَى رِوَايَتِهِمَا هَذِهِ (لَهُمَا) فِي ضَمَانِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ (أَنَّهُمَا مَقْبُوضَانِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونَانِ مَضْمُونِينَ عَلَيْهِ) بِالْقَبْضِ (كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ) الْمَقْبُوضَةِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُهُمَا مَقْبُوضِينَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُضَمُّ إلَيْهِمَا مِمَّا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَتَمْلِيكُهُ، وَإِذَا قَبَضَ بَعْدَ لَفْظِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاعَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فَهُوَ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ (بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا فَلَا يَضْمَنُ بِقَبْضِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَعْنِي الَّتِي تُبْطِلُ بَيْعَهُ، وَإِنْ دَخَلَ تَحْتَ الْبَيْعِ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ الْقِنُّ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْقَبْضُ (وَهَذَا الضَّمَانُ بِالْقَبْضِ) وَقَدْ يَجْعَلُ الْمُشَارَ الْيَدَ بِقَوْلِهِ وَهَذَا كَوْنُهُمَا مَضْمُونَيْنِ بِالْقَبْضِ وَمَا صِرْنَا إلَيْهِ أَحْسَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ تَعْلِيلٌ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ، وَكَوْنُهُمَا مَضْمُونِينَ بِالْقَبْضِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِهِمَا مَقْبُوضِينَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيُنَاسِبُ كَوْنَ التَّعْلِيلِ لِمَا لَمْ يُعَلَّلْ إذَا صَلَحَ لَهُ وَهُوَ صَالِحٌ، بَلْ انْصِبَابُهُ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ دَعْوَى أَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ بِبَيَانِ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ مَقْبُوضًا فَبِفَرْضِ وُقُوعِهِ حِسًّا، وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْمَقْبُوضِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ الْمَقْبُوضُ لِيَشْتَرِيَ بَعْدَ الْقَبْضِ إنْ وَافَقَهُ، فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ لَا يَضْمَنَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْبِضَا لِيَشْتَرِيَا بَعْدَ الْقَبْضِ إنْ وَافَقَا بَلْ قَبَضَا بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ وَإِتْمَامِ الْبَيْعِ بِزَعْمِهِمَا، فَالْمَذْكُورُ تَفْسِيرُ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَلَا يَكُونَانِ مَقْبُوضِينَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَلَا يَضْمَنَانِ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْمَقْبُوضَ أَعَمُّ

وَلَهُ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَةٍ فِي مَحِلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ، وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِيمَا ضَمَّهُ إلَيْهِ، كَذَا هَذَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ أَنْ يُصْطَادَ) لِأَنَّهُ بَاعَ مَالًا يَمْلِكُهُ (وَلَا فِي حَظِيرَةٍ إذَا كَانَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِصَيْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَمَعْنَاهُ إذَا أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِيهَا لَوْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ، إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهَا الْمَدْخَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْمَقْبُوضِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ، فَالْمَقْبُوضُ بِجِهَةِ الْبَيْعِ يَصْدُقُ عَلَى الْمَقْبُوضِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ وَعَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَذَلِكَ التَّفْسِيرُ يَخُصُّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مَقْبُوضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَإِلَّا صَارَ الْأَصْلُ عَيْنَ الْفَرْعِ، فَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ هُوَ الْفَرْعُ الْمُلْحَقُ (وَلَهُ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَةِ الْبَيْعِ فِيمَا يَقْبَلُ حَقِيقَتَهُ) أَيْ حَقِيقَةَ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ مُقَابَلٌ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ جِهَةِ الْبَيْعِ، وَلَا مِلْكَ مُتَصَوَّرٌ هُنَا مَعَ اعْتِبَارِ جِهَتِهِ فَبَقِيَ مُجَرَّدَ قَبْضٍ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا كَانَ عُدْوَانًا مَحْضًا، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ فِي الْمُدَبَّرِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَكَانَ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَهُنَا الْإِذْنُ مَوْجُودٌ وَدُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ لَيْسَ إلَّا لِيَثْبُتَ حُكْمُهُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فَقَطْ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ الصَّلَاحِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ثُبُوتِهَا مِنْ قَرِيبٍ (فَصَارَ كَمَالُ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ) وَيَدْخُلُ إذَا ضَمَّ الْبَائِعُ إلَيْهِ مَالَ نَفْسِهِ وَبَاعَهُمَا لَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً حَيْثُ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْمَضْمُومِ بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا فِي شَيْءٍ، وَإِذَا قَسَمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتَيْ الْمَضْمُومِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ فَاعْلَمْ أَنَّ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً، وَقِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا، وَقِيلَ نِصْفُهَا وَبِهِ يُفْتَى، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْعَتَاقِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ) بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْبَحْرِ أَوْ النَّهْرِ لَا يَجُوزُ؛ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَظِيرَةٌ فَدَخَلَهَا السَّمَكُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ فَمَا دَخَلَهَا مِلْكُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حِيلَةِ اصْطِيَادٍ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ

قَالَ (وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُ السَّمَكَةِ فِي جُبٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ لَا يَمْلِكُ مَا يَدْخُلُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَسُدَّ الْحَظِيرَةَ إذَا دَخَلَ فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ يَعُدَّهَا لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْحَظِيرَةِ مَلَكَهُ، فَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، أَوْ بِحِيلَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلَيْسَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: رَخَّصَ فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْآجَامِ أَقْوَامٌ، فَكَانَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ مَنْ كَرِهَهُ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " لَا تَبَايَعُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ ". وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَجَمَةَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهَا السَّمَكُ بِالْيَدِ وَالْغَرَرُ الْخَطَرُ، وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ عَلَى خَطَرٍ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَعَدَمُهُ فَلِذَا جُعِلَ مِنْ بَيْعِ الْخَطَرِ. [فُرُوعٌ] مِنْ مَسَائِلِ التَّهْيِئَةِ حَفَرَ حَفِيرَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ، فَإِنْ كَانَ اتَّخَذَهَا لِلصَّيْدِ مَلَكَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لَهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. نَصَبَ الشَّبَكَةَ لِلصَّيْدِ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ، فَلَوْ كَانَ نَصَبَهَا لِيُجَفِّفَهَا مِنْ بَلَلٍ فَتَعَلَّقَ بِهَا لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ لِمَنْ يَأْخُذُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ فَيَحُوزَهُ، وَمِثْلُهُ إذَا هَيَّأَ حِجْرَهُ لِوُقُوعِ النِّثَارِ فِيهِ مَلَكَ مَا يَقَعُ فِيهِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَيَّأَهُ لِذَلِكَ فَلِوَاحِدٍ أَنْ يَسْبِقَ فَيَأْخُذَهُ مَا لَمْ يَكْفِ حَجْرُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا مَنْ هَيَّأَ مَكَانًا لَلسِّرْقِينِ فَلَهُ مَا طَرَحَ فِيهِ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ خِلَافُ هَذَا قَالَ: أَهْلُ سِكَّةٍ يَرْمُونَ فِي سَاحَةِ رَجُلٍ الرَّمَادَ وَالتُّرَابَ وَالسِّرْقِينَ هُوَ لِمَنْ يَسْبِقُ سَوَاءٌ هَيَّأَ الْمَكَانَ لَهُ أَوْ لَا، أَمَّا النَّحْلُ إذَا عَسَلَ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ فَهُوَ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَيْدًا بَلْ قَائِمٌ بِأَصْلِهِ بِأَرْضِهِ كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَالْبَيْضُ كَالصَّيْدِ، وَكَذَا الْفَرْخُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِعْدَادِ الْمَكَانِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَخْذِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَبَعْدَ أَخْذِهِ وَإِرْسَالِهِ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ) عَقِيبَ الْعَقْدِ، ثُمَّ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخٍ، وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ يَعُودُ، وَكَذَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا جُعِلَ الطَّيْرُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَجْعُولَةَ ثَمَنًا مَبِيعٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: لَوْ بَاعَ طَيْرًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ كَالْحَمَامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ بَاعَ طَيْرًا لَهُ يَطِيرُ، إنْ كَانَ دَاجِنًا يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي: وَالْحَمَامُ إذَا عُلِمَ عَدَدُهَا وَأَمْكَنَ

قَالَ (وَلَا بَيْعُ الْحَمْلِ وَلَا النِّتَاجِ) «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا. (وَلَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ لِلْغَرَرِ) فَعَسَاهُ انْتِفَاخٌ، وَلِأَنَّهُ يُنَازَعُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ، وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ. قَالَ (وَلَا الصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ وَلَا الْحَمْلُ) بِسُكُونِ الْمِيمِ مَا فِي الْبَطْنِ مِنْ الْجَنِينِ (وَلَا النِّتَاجُ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» وَكَانَ بَيْعًا يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ ثُمَّ يُنْتِجَ فِي بَطْنِهَا. وَفِي الْمُوَطَّإِ: أَنْبَأْنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: " لَا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ " وَإِنَّمَا بَطَلَ هَذَا الْبَيْعُ لِلْغَرَرِ، فَعَسَى أَنْ لَا تَلِدَ تِلْكَ النَّاقَةُ أَوْ تَمُوتَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْأَرْحَامِ جَمْعُ مَلْقُوحٍ، وَالْمَضَامِينُ مَا فِي الْأَصْلَابِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ جَمْعُ مَضْمُونٍ لَقِحَتْ النَّاقَةُ وَوَلَدُهَا مَلْقُوحٌ بِهِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوهُ بِلَا بَاءٍ، يُقَالُ ضَمِنَ الشَّيْءَ أَيْ تَضَمَّنَهُ . قَوْلُهُ: (وَلَا اللَّبَنُ) يَجُوزُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَتَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَالرَّفْعِ عَلَى إقَامَتِهِ مَقَامَ الْمُضَافِ (لِلْغَرَرِ فَلَعَلَّهُ انْتِفَاخٌ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ أَيَّامًا مَعْلُومَةً إذَا عَرَفَ قَدْرَ حِلَابِهَا وَيَكُونُ تَسْلِيمُهُ بِالتَّخْلِيَةِ كَبَيْعِ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (لِأَنَّهُ يُتَنَازَعُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ) فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ نِزَاعٌ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَمَا وُضِعَتْ الْأَسْبَابُ إلَّا لِقَطْعِهِ فَبَطَلَ قَوْلُ مَالِكٍ لِذَلِكَ، وَلِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ لَبَنٌ قَبْلَ الْحَلْبِ فَيَخْتَلِطَ مَالُ الْبَائِعِ بِمَالِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ يُعْجِزُ عَنْ التَّخْلِيصِ (قَوْلُهُ وَلَا الصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الشَّاةِ فَكَانَ كَالْوَصْفِ مِنْ الذَّاتِ وَهُوَ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ (وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ مِنْ أَسْفَلَ) سَاعَةً فَسَاعَةً (فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ) بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ (بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ) أَيْ قَوَائِمِ الْخِلَافِ (لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا) وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ تُوضَعَ فِي مَكَان مِنْ الْقَائِمَةِ عَلَامَةٌ

وَبِخِلَافِ الْقَصِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَلْعُهُ، وَالْقَطْعُ فِي الصُّوفِ مُتَعَيِّنٌ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَعَنْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ، وَعَنْ سَمْنٍ فِي لَبَنٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الصُّوفِ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَهُ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَصِيرُ أَسْفَلَ وَيَرْتَفِعُ عَنْهَا رَأْسُ الْقَائِمَةِ وَيَرْتَفِعُ غَيْرُهَا مِمَّا يَزِيدُ مِنْ أَسْفَلَ، فَالزَّائِدُ يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ بَيْعَ قَوَائِمِ الْخِلَافِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَعْلَاهُ فَمَوْضِعُ الْقَطْعِ مَجْهُولٌ فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى شَجَرَةً عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الشَّجَرِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ هِيَ خِلَافِيَّةٌ، مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهَا إذْ لَا بُدَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ حَفْرِ الْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهَا لِلتَّعَامُلِ (بِخِلَافِ الْقَصِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْلَعُ فَلَا تَنَازُعَ فَجَازَ بَيْعُهُ قَائِمًا فِي الْأَرْضِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى إلَى آخِرِهِ) وَذَلِكَ أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةٌ حَتَّى تُطْعَمَ، وَلَا يُبَاعُ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ وَلَا لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ» . وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ فَرُّوخَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَرْسَلَهُ وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ فَرُّوخَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَهَذَا السَّنَدُ حُجَّةٌ. وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عُمَرُ بْنُ فَرُّوخَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَا يَضُرُّهُ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ كَالْمَرْفُوعِ، لَكِنَّ الْحَقَّ خِلَافُ مَا قَالَ فِي تَضْعِيفِ ابْنِ فَرُّوخَ. فَقَدْ نَقَلَ الذَّهَبِيُّ تَوْثِيقَ عُمَرَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ كَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي حَاتِمٍ وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَاعَ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. وَرَوَى مَرَّةً مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد، وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ وَالصُّوفِ عَلَى ظُهُورِهَا فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا بِيعَ فِي غِلَافِهِ لَا يَجُوزُ كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَاللَّحْمِ فِي الشَّاةِ الْحَيَّةِ أَوْ شَحْمِهَا وَأَلْيَتِهَا أَوْ أَكَارِعِهَا أَوْ جُلُودِهَا أَوْ دَقِيقٍ فِي هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ سَمْنٍ فِي هَذَا اللَّبَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِي غُلُفِهَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا وَتَسْلِيمُهَا إلَّا بِإِفْسَادِ الْخِلْقَةِ، وَالْحُبُوبُ

قَالَ (وَجِذْعٍ فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ ذَكَرَا الْقَطْعَ أَوْ لَمْ يَذْكُرَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ نُقْرَةٍ فِضَّةً لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي يَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ أَوْ الْبَذْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا. وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قِشْرِهَا مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ بِمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي تُرَابِهِمَا بِخِلَافِ جِنْسِهِمَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَجِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ) بِالْجَرِّ: أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ (وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ) أَيْ ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْعِمَامَةِ وَالْقَمِيصِ أَمَّا مَا لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْكِرْبَاسِ فَيَجُوزُ. وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ فِي آجُرٍّ مِنْ حَائِطٍ أَوْ ذِرَاعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ دِيبَاجٍ لَا يَجُوزُ مَمْنُوعٌ فِي الْكِرْبَاسِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى كِرْبَاسٍ يَتَعَيَّبُ بِهِ. أَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّبُ بِهِ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ حِلْيَةٍ مِنْ سَيْفٍ أَوْ نِصْفِ زَرْعٍ لَمْ يُدْرَكْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِقَطْعِ جَمِيعِهِ، وَكَذَا بَيْعُ فَصِّ خَاتَمٍ مُرَكَّبٍ فِيهِ وَمِثْلُهُ نَصِيبُهُ مِنْ ثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ وَذِرَاعٌ مِنْ خَشَبَةٍ لِلُزُومِ الضَّرَرِ فِي التَّسْلِيمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَرَرٌ لَزِمَ الْبَائِعَ بِالْتِزَامِهِ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَقْدَ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إنْ رَضِيَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ أَوْ يَقْلَعَهُ فَيُسَلِّمَهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَيَنْقَلِبَ صَحِيحًا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ لَا يُمْكِنُهُ مَعَ الْمُلْزَمِ وَهُوَ الْتِزَامُ الْعَقْدِ بِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَأَمَّا إيرَادُ الْمُحَابَاةِ فَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِهْلَاكُ مَالٍ. نَعَمْ يُرَدُّ بَيْعُ الْحِبَابِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ إلَّا بِقَلْعِ الْأَبْوَابِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ وَالْبَعْضُ قَدْ مَنَعَهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُتَعَيِّبَ الْجُدْرَانُ دُونَ الْحِبَابِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الْمَنْعِ تَعَيُّبُ الْبَيْعِ، وَالْكَلَامُ السَّابِقُ يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَيُّبُ غَيْرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمْعِ حَاكِمٍ يَمْنَعُ هَذَا وَمَا يَلْحَقُ بِهِ هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالسَّمْنِ فِي اللَّبَنِ. أَفَادَ أَنَّ الْمَنْعَ إذَا كَانَ لَا يُسَلَّمَ الْمَبِيعُ إلَّا بِعَيْبٍ فِيهِ ضَرَرٌ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ اللَّبَنَ يَدْخُلُهُ ضَرَرٌ بِتَسْلِيمِ السَّمْنِ. وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ كَيْفَ شَاءَ وَأَلْيَتِهَا وَرِجْلِهَا، وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِمَا يَلْزَمُ فِي التَّسْلِيمِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ فَخَرَجَ بَيْعُ الْحِبَابِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي تَسْلِيمِهَا إلَى هَدْمِ أَكْتَافِ الْأَبْوَابِ عَلَى مَنْ يُصَحِّحُ بَيْعَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا) يَعْنِي الْجِذْعَ وَالذِّرَاعَ (لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ لُزُومِ الضَّرَرِ (وَلِلْجَهَالَةِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا يَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ وَيَخْتَلِفُ بِخِلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ قِطْعَةِ نُقْرَةٍ (وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ وَقَطَعَ الذِّرَاعَ يَعُودُ الْعَقْدُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ) قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ. وَلَوْ فَعَلَ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ أَوْ الْبَذْرَ فِي الْبِطِّيخِ) وَكَسَّرَهَا وَسَلَّمَ الْبَذْرَ وَالنَّوَى قَبْلَ الْفَسْخِ (لَا يَعُودُ صَحِيحًا) ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِلْغَرَرِ (إذْ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالَانِ) فَكَانَ كَبَيْعٍ

أَمَّا الْجِذْعُ فَعَيْنٌ مَوْجُودٌ. قَالَ (وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَا مَبِيعٍ فَوَقَعَ بَاطِلًا، بِخِلَافِ الْجِذْعِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ مَحْسُوسَةٌ قَائِمَةٌ، وَإِنَّمَا يَفْسُدُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَقَعَ التَّسْلِيمُ فِي بَيْعٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ، فَإِذَا زَالَ الْمُفْسِدُ قَبْلَ زَوَالِ الْبَيْعِ صَارَ بِالضَّرُورَةِ بَيْعًا بِلَا فَسَادٍ وَهُوَ مَعْنَى الصَّحِيحِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: انْقَلَبَ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَقَعَ بَاطِلًا وَهُوَ مَعْنَى الْمَعْدُومِ شَرْعًا فَلَيْسَ هُنَاكَ بَيْعٌ قَائِمٌ لِيَزُولَ الْمُبْطِلُ فَيَبْقَى بَيْعًا بِلَا بُطْلَانٍ، بَلْ إذَا زَالَ الْمُبْطِلُ بَقِيَ مِلْكُ الْمَبِيعِ بِلَا مَانِعٍ مِنْ إيرَادِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عَلَيْهِ، وَعَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ إيرَادِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَإِيجَادُهُ لَيْسَ هُوَ وُجُودُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ جَائِزًا مَعَ أَنَّهُ تَحَمَّلَ الضَّرَرَ بِالذَّبْحِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِعِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ لُزُومِ الضَّرَرِ فِي التَّسْلِيمِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُتَّصِلًا مُتَضَمِّنًا لَهُ خِلْقَةً وَالنَّصُّ يَمْنَعُهُ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالسَّمْنِ فِي اللَّبَنِ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِيمَا فِيهِ الْكَلَامُ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَزَالَ الْمَانِعَ بِالذَّبْحِ وَالْفَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ: يَتَنَاوَلُهُ بَعْدَ الْفَصْلِ النَّهْيُ عَنْهُ قَبْلَ الْفَصْلِ وَحِينَ وَقَعَ وَقَعَ مَنْهِيًّا. قُلْنَا: وَكَذَا الْجِذْعُ فِي السَّقْفِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ) بِالرَّفْعِ وَالْجَرِّ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَهُ (وَهُوَ) الصَّائِدُ يَقُولُ بِعْتُك (مَا يَخْرُجُ مِنْ) إلْقَاءِ هَذِهِ (الشَّبَكَةِ مَرَّةً) بِكَذَا. وَقِيلَ بَالِغِينَ وَالْيَاءِ الْغَايِصُ. قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ: نَهَى عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ وَهُوَ الْغَوَّاصُ يَقُولُ أَغُوصُ غَوْصَةً فَمَا أُخْرِجُهُ

قَالَ (وَبَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا؛ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا تَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا إذَا كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» . قُلْنَا: الْعَرِيَّةُ: الْعَطِيَّةُ لُغَةً، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُعْرَى لَهُ مَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ اللَّآلِئِ فَهُوَ لَك بِكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ غَرَرًا وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ (قَوْلُهُ وَبَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ» ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» . وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: " وَزَعَمَ جَابِرٌ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا. وَالْمُحَاقَلَةَ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْحَبِّ كَيْلًا ". وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» . وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (بِمِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا) الْخَرْصُ الْحَزْرُ (وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) لَا يَجُوزُ، وَمَعْنَى النَّهْيِ أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مَعَ الْجَهْلِ بِتَسَاوِيهِمَا (كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجُوزُ) الْمُزَابَنَةُ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «رَخَّصَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

النَّخِيلِ مِنْ الْمُعْرِي بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ، وَهُوَ بَيْعٌ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَكُونُ بُرًّا مُبْتَدَأً. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَزَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا» . وَفِي لَفْظٍ «رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُؤْخَذَ بِمِثْلِ خَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا رُطَبًا» وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبِحْهَا إلَّا لِلضَّرُورَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: جَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَتَوَاتَرَتْ فِي الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فَقِبَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي صِحَّةِ مَجِيئَهَا وَلَكِنَّهُمْ تَنَازَعُوا فِي تَأْوِيلِهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: الْعَرَايَا أَنْ يَكُونَ لَهُ النَّخْلَةُ أَوْ النَّخْلَتَانِ فِي وَسَطِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ لِرَجُلٍ آخَرَ. قَالُوا: وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا كَانَ وَقْتُ الثِّمَارِ خَرَجُوا بِأَهْلَيْهِمْ إلَى حَوَائِطِهِمْ فَيَجِيءُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخْلَتَيْنِ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ فَرَخَّصَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَهُ خَرْصَ مَالِهِ مِنْ ذَلِكَ تَمْرًا لِيَنْصَرِفَ هُوَ وَأَهْلُهُ عَنْهُ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: فِيمَا سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ نَخْلَةً مِنْ نَخْلِهِ فَلَا يُسَلِّمْ ذَلِكَ إلَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ذَلِكَ وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ بِخَرْصِهِ تَمْرًا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهُ وَأَوْلَى مِمَّا قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ إنَّمَا هِيَ الْعَطِيَّةُ: أَلَا تَرَى إلَى الَّذِي مَدَحَ الْأَنْصَارَ كَيْفَ مَدَحَهُمْ إذْ يَقُولُ: فَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةٍ ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْحَوَائِجِ أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْرُونَ فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحَ: أَيْ يَهَبُونَ وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ مَا كَانُوا مَمْدُوحِينَ بِهَا إذْ كَانُوا يُعْطُونَ كَمَا يُعْطُونَ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ مُحَقِّقُو مَذْهَبِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعَرِيَّةَ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَدَاوِلَةٌ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمْ تَكُونُ الْعَرِيَّةُ مَعْنَاهَا النَّخْلَةُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ، وَتَخْصِيصُ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعْرُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ وَمَعْنَى الرُّخْصَةِ هُوَ رُخْصَةُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ الَّذِي هُوَ ثُلُثُ النِّفَاقِ إعْطَاءُ هَذَا التَّمْرِ خَرْصًا وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْعُودِ دَفْعًا لِلضُّرِّ عَنْهُ. وَكَوْنُ إخْلَافِ الْوَعْدِ ثُلُثَ النِّفَاقِ نُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ زَوِّجُوا بِنْتِي مِنْ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ كَانَ سَبَقَ إلَيْهِ مِنِّي شِبْهُ الْوَعْدِ فَلَا أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ وَجَعَلَهُ ثُلُثًا لِحَدِيثٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَامَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إنْ حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِنْ وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِنْ اُؤْتُمِنَ خَانَ» وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ تَأْوِيلِ الْعَرِيَّةِ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رَوَى مَحْمُودُ بْنُ لَبِيَدٍ قَالَ: «قُلْت لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرِيَّةَ بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فَيَأْكُلُونَهُ رُطَبًا» وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَدْ وَهَمَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَلْ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ مُخَرِّجُ الْحَدِيثِ: وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سَنًا بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَالِغِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ الْعَرَايَا مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْمُلَامَسَةِ)

وَهَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَرَاوَضَ الرَّجُلَانِ عَلَى سِلْعَةٍ: أَيْ يَتَسَاوَمَانِ، فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ؛ فَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالثَّانِي الْمُنَابَذَةُ، وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ، «وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا بِالْخَطَرِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِفُرُوعِهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا) الْمُرَادُ الْكَلَأُ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى قَوْلِهِ (وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» زَادَ مُسْلِمٌ: أَمَّا الْمُلَامَسَةُ فَأَنْ يَلْمِسَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ فَيَلْزَمُ اللَّامِسَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لَهُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَهَذَا بِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا فِي ظُلْمَةٍ أَوْ يَكُونَ مَطْوِيًّا مَرْئِيًّا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمَسَهُ فَقَدْ بَاعَهُ وَفَسَادُهُ لِتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ وَجَبَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ عَلَى جَعْلِ النَّبْذِ بَيْعًا، وَهَذِهِ كَانَتْ بُيُوعًا يَتَعَارَفُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَذَا إلْقَاءُ الْحَجَرِ أَنْ يُلْقِيَ حَصَاةً وَثَمَّةَ أَثْوَابٌ فَأَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَانَ الْمَبِيعُ بِلَا تَأَمُّلٍ وَرَوِيَّةٍ وَلَا خِيَارَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ تَرَاوُضُهُمَا عَلَى الثَّمَنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ مُعَيَّنًا فَإِذَا تَرَاوَضَا فَأَلْقَاهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَعْنَى النَّهْيِ مَا فِي كُلٍّ مِنْ الْجَهَالَةِ وَتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى إذَا وَقَعَ حَجَرِي عَلَى ثَوْبٍ فَقَدْ بِعْته مِنْك أَوْ بِعْتنِيهِ بِكَذَا أَوْ إذَا لَمَسْته أَوْ نَبَذْته. وَالتَّسَاوُمُ تَفَاعُلٌ مِنْ السَّوْمِ سَامَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ وَذَكَرَ ثَمَنَهَا وَسَامَهَا الْمُشْتَرِي بِمَعْنَى اسْتَامَهَا سَوْمًا، وَمِنْهُ «لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» أَيْ لَا يَطْلُبْ الْبَيْعَ وَيُرَاوِضْ فِيهِ حَالَ مُرَاوَضَة أَخِيهِ فِيهِ لَا أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَشْتَرِي كَمَا قِيلَ، بَلْ نَهْيُهُ عَنْ السَّوْمِ يَثْبُتُ الْتِزَامًا لِأَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ التَّكَلُّمِ فِي الشِّرَاءِ فَكَيْفَ بِحَقِيقَةِ الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا بِفُرُوعِهَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي) ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالْكَلَإِ دَفْعًا لِوَهْمِ أَنْ يُرَادَ مَكَانُ الرَّعْيِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ (وَلَا إجَارَتُهَا، أَمَّا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ) اشْتِرَاكَ إبَاحَةٍ لَا مِلْكٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ لِلْمُشْتَرِي فَائِدَةٌ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمِلْكِ يَحْصُلُ بِلَا بَيْعٍ إذْ يَتَمَلَّكُهُ بِدُونِهِ (لِلْحَدِيثِ) الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي الْبُيُوعِ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي خِرَاشِ بْنِ حِبَّانَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا فَكُنْت أَسْمَعُهُ يَقُولُ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالنَّارِ، وَالْكَلَإِ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَرِيزٍ ثِقَةٌ وَجَهَالَةُ الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ، وَمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي النَّارِ الِاصْطِلَاءُ بِهَا وَتَجْفِيفُ الثِّيَابِ: يَعْنِي إذَا أَوْقَدَ رَجُلٌ نَارًا فَلِكُلٍّ أَنْ يَصْطَلِيَ بِهَا، أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمْرَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ. كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ. وَمَعْنَاهُ فِي الْمَاءِ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءُ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ. وَفِي الْكَلَإِ أَنَّ لَهُ احْتِشَاشَهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ، فَإِذَا مَنَعَ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ لِي فِي أَرْضِكَ حَقًّا، فَإِمَّا أَنْ تُوصِلَنِي إلَيْهِ أَوْ تَحُشَّهُ أَوْ تَسْتَقِيَ وَتَدْفَعَهُ لِي وَصَارَ كَثَوْبِ رَجُلٍ وَقَعَ فِي دَارِ رَجُلٍ إمَّا أَنْ يَأْذَنَ لِلْمَالِكِ فِي دُخُولِهِ لِيَأْخُذَهُ وَإِمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ إلَيْهِ. أَمَّا إذَا أَحْرَزَ الْمَاءَ بِالِاسْتِقَاءِ فِي آنِيَةٍ وَالْكَلَأَ بِقَطْعِهِ جَازَ حِينَئِذٍ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ مَلَكَهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا لَوْ كَانَ سَقَى الْأَرْضَ وَأَعَدَّهَا لِلْإِنْبَاتِ فَنَبَتَتْ فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالنَّوَازِلِ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَهُوَ مُخْتَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ نَبَتَ الْكَلَأُ بِإِنْبَاتِهِ جَازَ بَيْعُهُ، وَكَذَا لَوْ حَدَّقَ حَوْلَ أَرْضِهِ وَهَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ حَتَّى نَبَتَ الْقَصَبُ صَارَ مِلْكًا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كَمْأَةٍ فِي أَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْلَعَهَا وَلَا مَاءٍ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَإِ فِي أَرْضِهِ وَإِنْ سَاقَ الْمَاءَ إلَى أَرْضِهِ وَلَحِقَتْهُ مُؤْنَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ ثَابِتَةٌ، وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ بِالْحِيَازَةِ وَسَوْقُ الْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ لَيْسَ بِحِيَازَةٍ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَمْلِكُ بِنَاءَهَا وَيَكُونُ بِتَكَلُّفِ الْحَفْرِ وَالطَّيِّ لِتَحْصِيلِ الْمَاءِ يَمْلِكُ الْمَاءَ كَمَا يَمْلِكُ الْكَلَأَ بِتَكَلُّفِهِ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ فَلَهُ مَنْعُ الْمُسْتَقِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ. ثُمَّ الْكَلَأُ ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ سَاقٌ وَمَا لَهُ سَاقٌ لَيْسَ كَلَأً، وَكَانَ الْفَضْلِيُّ يَقُولُ: هُوَ أَيْضًا كَلَأٌ. وَفِي الْمُغْرِبِ: هُوَ كُلُّ

وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَمْلُوكٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَجُوزُ فَهَذَا أَوْلَى. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَلَهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالزَّنَابِيرِ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ كُوَّارَةً فِيهَا عَسَلٌ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّحْلِ يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا رَعَتْهُ الدَّوَابُّ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَهُوَ وَاحِدُ الْأَكْلَاءِ (وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا) لَوْ صَحَّتْ مَلَكَ بِهَا الْأَعْيَانَ، وَحُكْمُهَا لَيْسَ إلَّا مِلْكُ الْمَنَافِعِ. نَعَمْ إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ آلَةً لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ كَالصَّبْغِ وَاللَّبَنِ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَيَمْلِكُ بَعْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ تَبَعًا، أَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا (وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَجُوزُ) مَعَ أَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ (فَهَذَا أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ، وَهَلْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ؟ ذَكَرَ فِي الشُّرْبِ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ حَتَّى يَمْلِكَ الْآجِرُ الْأُجْرَةَ بِالْقَبْضِ وَيُنَفِّذَ عِتْقَهُ فِيهِ، وَقِيلَ فِي لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ إنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّ عَيْنَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ. وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِيَضْرِبَ فِيهَا فُسْطَاطَهُ أَوْ لِيَجْعَلَهُ حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ ثُمَّ يَسْتَبِيحَ الْمَرْعَى فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ (لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا) مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ إذَا كَانَ مُحْرَزًا (فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِمَا وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِمَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَزَغِ وَالْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَيَّةِ، وَهَذَا وَهُوَ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْهَوَامِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ (وَ) إنَّمَا (الِانْتِفَاعُ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ) بِخِلَافِ الْجَحْشِ فَإِنَّهُ

تَبَعًا لَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا لَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ. وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي دُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُنْتَفَعُ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ قَبْلَ حُدُوثِ مَا يَتَوَلَّدُهُ مِنْهُ، فَقَبْلَ حُدُوثِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ هَامَةً مِنْ الْهَوَامِّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا بِكَمْ يَرُدُّهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّحْلَ لَا قِيمَةَ لَهَا، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ تَبَعًا لِكُوَّارَةٍ فِيهَا عَسَلٌ وَهُوَ فِيهَا جَازَ ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: إنَّهُ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيَقُولُ: إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَأَتْبَاعِهِ، وَالنَّحْلُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْعَسَلِ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي جَامِعِهِ هَذَا التَّعْلِيلَ بِعَيْنِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَالتَّبَعِيَّةُ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْحُقُوقِ كَالْمَفَاتِيحِ فَالْعَسَلُ تَابِعٌ لِلنَّحْلِ فِي الْوُجُودِ وَالنَّحْلُ تَابِعٌ لَهُ فِي الْمَقْصُودِ بِالْبَيْعِ وَالْكُوَّارَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سُوِّيَ مِنْ طِينٍ. وَفِي التَّهْذِيبِ: كُوَارَةُ النَّحْلِ مُخَفَّفَةٌ، وَفِي الْمُغْرِبِ بِالْكَسْرِ مِنْ غَيْرِ تَشْدِيدٍ، وَقَيَّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَفِي الْغَرِيبَيْنِ بِالضَّمِّ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا لَهُ) وَأَجَازَ بَيْعَ بَذْرِ الْقَزِّ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الدُّودُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ) وَأَجَارَ السَّلَمَ فِيهِ كَيْلًا إذَا كَانَ وَقْتُهُ وَجَعَلَ مُنْتَهَى الْأَجَلِ فِي وَقْتِهِ. وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَهُوَ أَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَقَبْلَهُ يَكُونُ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ وَالْكَلَامُ فِي بَيْعِهِ حِينَئِذٍ، وَالْوَجْهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِلْعَادَةِ الضَّرُورِيَّةِ، وَقَدْ ضَمَّنَ مُحَمَّدٌ مُتْلِفَ كُلٍّ مِنْ النَّحْلِ وَدُودِ الْقَزِّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي بَيْعِهِمَا قَالَ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَاسَبَ أَصْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ النَّحْلِ فِي الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِهِ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَجِبُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ فِي النَّحْلِ، وَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النَّحْلِ عَنْ الْكَرْخِيِّ بِجَوَازِهِ إذَا بِيعَ تَبَعًا لِلْكُوَّارَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ حِينَئِذٍ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي دُودِ

الْقَزِّ وَالْحَمَامِ إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ (إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ رَجُلٍ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ) لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ آبِقٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي انْتَفَى الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَهُوَ الْمَانِعُ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَكَانَ أَشْهَدَ عِنْدَهُ أَخَذَهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ لَمْ يُشْهِدْ يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا لِأَنَّهُ قَبْضُ غَصْبٍ، لَوْ قَالَ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَزِّ بَلْ يَقُولَانِ مَعًا إنْ كَانَ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ. وَإِنْ كَانَ تَبَعًا لِلْقَزِّ فَيَقُولَانِ بِالْجَوَازِ فِيهِمَا فَلَا مَعْنَى لِإِفْرَادِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ، وَقِرَانِ أَبِي يُوسُفَ مَعَهُ فِي تِلْكَ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْهَوَامِّ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالْعَظَايَةِ وَالْقَنَافِذِ وَالْجُعْلِ وَالضَّبِّ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْبَحْرِ إلَّا السَّمَكَ كَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَفَرَسِ الْبَحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانَ الدُّودُ وَوَرَقُ التُّوتِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَزُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ: امْرَأَةٌ أَعْطَتْ امْرَأَةً بَذْرَ الْقَزِّ وَهُوَ بَذْرُ الْفَيْلَقِ بِالنِّصْفِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْفَيْلَقِ لِصَاحِبَةِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ بَذْرِهَا وَلَهَا عَلَى صَاحِبَةِ الْبَذْرِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ وَأَجْرُ مِثْلِهَا، وَمِثْلُهُ إذَا دَفَعَ بَقَرَةً إلَى آخَرَ يَعْلِفُهَا لِيَكُونَ الْحَادِثُ بَيْنَهَا بِالنِّصْفِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَلَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرَةِ ثَمَنُ الْعَلَفِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الدَّجَاجَ لِيَكُونَ الْبَيْضُ بِالنِّصْفِ (قَوْلُهُ وَالْحَمَامُ إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا) أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي بُرُوجِهَا وَمَخَارِجُهَا مَسْدُودَةٌ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي حَالِ طَيَرَانِهَا وَمَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ أَنَّهَا تَجِيءُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ عَادَةً كَالْوَاقِعِ فَكَانَ مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَتَجْوِيزُ كَوْنِهِ لَا يَعُودُ أَوْ عُرُوضِ عَدَمِ عَوْدِهِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كَتَجْوِيزِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ إذَا عَرَضَ الْهَلَاكُ انْفَسَخَ كَذَا هُنَا إذَا فُرِضَ وُقُوعُ عَدَمِ الْمُعْتَادِ مِنْ عَوْدِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ وَصَارَ كَالظَّبْيِ الْمُرْسَلِ فِي بَرٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَعُودَ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ) الْآبِقُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَيَجُوزُ عِتْقُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ اُشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِحَيَاتِهِ وَتَجُوزُ هِبَتُهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لَيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْيَدِ يَصْلُحُ لِقَبْضِ الْهِبَةِ وَلَا يَصْلُحُ لِقَبْضِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِإِزَاءِ مَالٍ مَقْبُوضٍ مِنْ مَالِ الِابْنِ، وَهَذَا قَبْضٌ لَيْسَ بِإِزَائِهِ مَالٌ يَخْرُجُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ فَكُفَّتْ تِلْكَ الْيَدُ لَهُ نَظَرًا

عِنْدَ فُلَانٍ فَبِعْهُ مِنِّي فَبَاعَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ آبِقٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَتِمُّ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يُفْسَخْ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمَانِعَ قَدْ ارْتَفَعَ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، كَمَا إذَا أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَهَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ عَادَ عَلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا أَجَزْنَا بَيْعَهُ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِثُبُوتِ التَّسْلِيمِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ثُبُوتُ التَّسَلُّمِ، فَإِذَا كَانَ ثَابِتًا حَصَلَ الْمَقْصُودُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِرَجُلٍ مَعَهُ وَقَالَ عَبْدُك الْآبِقُ عِنْدَ هَذَا فَبِعْنِيهِ وَأَنَا أَقْبِضُهُ مِنْهُ وَاعْتَرَفَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ هَلْ يَصِيرُ قَابِضًا فِي الْحَالِ، حَتَّى لَوْ رَجَعَ فَوَجَدَهُ هَلَكَ بَعْدَ وَقْتِ الْبَيْعِ يَتِمُّ الْقَبْضُ وَالْبَيْعُ إنْ كَانَ حِينَ قَبَضَهُ أَشْهَدَ أَنَّهُ قَبَضَ هَذَا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ هَذَا قَبْضُ أَمَانَةٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى سَيِّدِهِ لَا يَضْمَنُهُ، وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ، فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ. وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ يَصِيرُ قَابِضًا؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ إذَا لَمْ يُشْهِدْ قَبْضُ غَصْبٍ وَهُوَ قَبْضُ ضَمَانٍ كَقَبْضِ الْبَيْعِ، وَلَوْ عَادَ مِنْ إبَاقِهِ وَقَدْ بَاعَهُ مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ هَلْ يَعُودُ الْبَيْعُ جَائِزًا إذَا سَلَّمَهُ؟ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، كَمَا إذَا بَاعَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَاعَ طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَهُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَالثَّلْجِيِّ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَجِبُ كَوْنُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ فِي الْآبِقِ، وَلِذَا صَحَّ عِتْقُهُ فَكَانَ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ إذَا افْتَكَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَفَسَخَ الْقَاضِي لِلْبَيْعِ، وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ حَتَّى إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبُولِهِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ أَوْ تَخَاصَمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ فَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالْمَشَايِخِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ، فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ، وَارْتِفَاعُ الْمُبْطِلِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ بَلْ مَعْدُومًا، فَوَجْهُ الْبُطْلَانِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. وَوَجْهُ الْفَسَادِ قِيَامُ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ. وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ مُفْسِدٌ لَا مُبْطِلٌ وَهَذَا مِمَّا يُخَرَّجُ فِيهِ الْخِلَافُ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ أَخَذَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ وَسَلَّمَهُ؛ فَطَائِفَةٌ مَعَ الْكَرْخِيِّ يَعُودُ جَائِزًا وَالْبَلْخِيُّونَ لَا يَعُودُ جَائِزًا، فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ قَائِلٌ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَقَوْلُ مَنْ

يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَلَا بَيْعُ لَبَنِ امْرَأَةٍ فِي قَدَحٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ، وَلَنَا أَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْمَحَلِّيَّةُ كَوْنُهُ مَالًا مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، إنْ عَنِيَ مَحَلِّيَّةَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا، بَلْ مَحِلُّ الْبَيْعِ الْمَالُ الْمَمْلُوكُ لِلْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَنَافِذٌ أَوْ لِغَيْرِهِ فَمَوْقُوفٌ، وَالنَّافِذُ إمَّا صَحِيحٌ إنْ كَانَ مَبِيعُهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ لَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْآبِقِ فَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو الْأَشْهَبِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَمَّا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ جَهْضَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَرْفَعُهُ إلَى أَنْ قَالَ: «وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقَسَّمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ» وَشَهْرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ، وَقِيلَ فِيهِ انْقِطَاعٌ أَيْضًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُضَعِّفَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ لَبَنِ امْرَأَةٍ فِي قَدَحٍ) هَذَا الْقَيْدُ لِبَيَانِ مَنْعِ بَيْعِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي قَدَحٍ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ، أَمَّا عَيْنُ الْقَدَحِيَّةِ فَلَيْسَ قَيْدًا بَلْ سَائِرُ الْأَوَانَيْ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ وَهُوَ انْفِصَالُهُ عَنْ مَقَرِّهِ كَيْ لَا يُظَنَّ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِهِ مَا دَامَ فِي الضَّرْعِ كَغَيْرِهِ بَلْ عَلَى سَائِرِ أَحْوَالِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّهُ مَشْرُوبٌ مُطْلَقًا بَلْ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى إذَا اسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ يَحْرُمُ حَتَّى مَنَعَ بَعْضُهُمْ صَبَّهُ فِي الْعَيْنِ الرَّمْدَاءِ وَبَعْضُهُمْ أَجَازَهُ إذَا عُرِفَ أَنَّهُ دَوَاءٌ عِنْدَ الْبُرْءِ (وَ) نَقُولُ (هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْآدَمِيِّ مُكَرَّمٌ

مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا. قُلْنَا: الرِّقُّ قَدْ حَلَّ نَفْسَهَا، فَأَمَّا اللَّبَنُ فَلَا رِقَّ فِيهِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَحِلٍّ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَلَبَنِ الْأَمَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي لَبَنِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى كُلِّهَا فَيَجُوزُ عَلَى جُزْئِهَا. قُلْنَا) الْجَوَازُ يَتْبَعُ الْمَالِيَّةَ وَلَا مَالِيَّةَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا كَانَ مَحِلًّا لِلرِّقِّ (وَهُوَ لِلْحَيِّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ) ؛ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ حَاصِلُهَا قُدْرَةٌ تَثْبُتُ لَهُ شَرْعًا عَلَى تَصَرُّفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ تَرِدُ عَلَى الرِّقِّ فَتَرْفَعُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ مَحَلِّهِمَا وَلَيْسَ اللَّبَنُ مَحَلَّ تِلْكَ الْقُدْرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: أَجْزَاءُ الْآدَمِيِّ مَضْمُونَةٌ فَيَجِبُ كَوْنُ اللَّبَنِ كَذَلِكَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ. أُجِيبُ بِمَنْعِ ضَمَانِ إجْزَائِهِ مُطْلَقًا بَلْ الْمَضْمُونُ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْأَصْلِ، حَتَّى لَوْ نَبَتَ السِّنُّ الَّتِي قُلِعَتْ لَا ضَمَانَ إلَّا مَا يَسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِضْ شَيْئًا تَغْلِيظًا لِأَمْرِ الْبُضْعِ فَجَعَلَ مَا يُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ النَّفْسِ، بِخِلَافِ مَنْ جَزَّ صُوفَ شَاةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ نَبَتَ غَيْرُهُ، وَبِإِتْلَافِ اللَّبَنِ لَا يُنْتَقَصُ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِشُرْبِهِ، فَفِي إشَاعَتِهِ بِبَيْعِهِ فَتْحٌ لَبَابِ فَسَادِ الْأَنْكِحَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى ضَبْطِ الْمُشْتَرِينَ وَالْبَائِعِينَ فَيَشِيعُ فَسَادُ الْأَنْكِحَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَنْدَفِعُ إذَا كَانَتْ حُرْمَةُ شُرْبِهِ شَائِعَةً بِالدَّارِ فَيَعْلَمَ أَنَّ شِرَاءَهُ لَيْسَ إلَّا لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى كَشِرَاءِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ بَعْدَ اشْتِهَارِ حُرْمَةِ وَطْئِهَا شَرْعًا لَكِنَّهُمْ يُجِيزُونَ شُرْبَهُ لِلْكَبِيرِ. هَذَا وَقَدْ أَسْنَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَى مُحَمَّدٍ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ قَالَ: سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنَ حَمٍّ قَالَ: قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ سَيْهُوبٍ يَقُولُ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: جَوَازُ إجَارَةِ الظِّئْرِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ لَبَنِهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْإِجَارَةُ ثَبَتَ أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمَنَافِعِ وَلَيْسَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالًا لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً عَلَى أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ، فَلَمَّا جَازَ إجَارَةُ الظِّئْرِ ثَبَتَ أَنَّ لَبَنَهَا لَيْسَ مَالًا. هَذَا وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّمَا عَلَّلَ لِلْمَنْعِ بِأَنَّ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ) لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرْزِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِ، وَيُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُفْسِدُهُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحَالَةُ الْوُقُوعِ تُغَايِرُهَا. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شُعُورِ الْإِنْسَانِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ لَا مُبْتَذَلٌ فَلَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَلَا يُبْتَذَلُ بِالْبَيْعِ وَسَيَأْتِي بَاقِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ) . أُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْبَيْعَ هُنَا فِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ إهَانَةً مَانِعَةً مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ لِلُزُومِ الْإِكْرَامِ وَالْبَيْعُ يَنْفِيهِ، وَجَعَلَهُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إعْزَازًا فَبَطَلَ لِلُزُومِ الْإِهَانَةِ شَرْعًا وَالْبَيْعُ إعْزَازٌ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ، الْجَوَابُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحِلٍّ إهَانَةً وَبِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ إكْرَامٌ. مَثَلًا: لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بَعْضَ سَائِسِي الدَّوَابِّ أَنْ يُلَازِمَ الْوُقُوفَ بِالْحَضْرَةِ مَعَ الْوَاقِفِينَ كَانَ غَايَةَ الْإِكْرَامِ لَهُ، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي بِذَلِكَ كَانَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ لَهُ، فَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فِي غَايَةِ الْإِهَانَةِ شَرْعًا، فَلَوْ جُعِلَ مَبِيعًا مُقَابَلًا بِبَدَلٍ مَعْزُوزٍ كَالدَّرَاهِمِ أَوْ الثِّيَابِ كَانَ غَايَةَ إكْرَامِهِ وَالْآدَمِيُّ مُكَرَّمٌ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَإِبْدَالُهُ بِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْجَمَادَاتِ إذْلَالٌ لَهُ. هَذَا وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِالنَّجَاسَةِ لِمَنْعِ الْبَيْعِ يَرِدُ عَلَيْهِ بَيْعُ السِّرْقِينِ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِالِانْتِفَاعِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ وُجُودِهِ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا تَنَافِي (ثُمَّ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلضَّرُورَةِ) فَإِنَّ الْخَرَّازِينَ لَا يَتَأَتَّى لَهُمْ ذَلِكَ الْعَمَلُ بِدُونِهِ (وَ) هُوَ (يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِهِ) فَلَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ فِي مَحِلِّ الضَّرُورَةِ حَتَّى يَجُوزَ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا بِالشِّرَاءِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِشُمُولِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا إنَّ الضَّرُورَةَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي الْخَرْزِ بِهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَامَ بِغَيْرِهِ. وَقَدْ كَانَ ابْن سِيرِينَ لَا يَلْبَسُ خُفًّا خُرِزَ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ كَرَاهَةَ الِانْتِفَاعِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ يَتَأَتَّى بِدُونِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ فَرْدٌ تَحَمَّلَ مَشَقَّةً فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْعُمُومَ حَرَجًا مِثْلُهُ ثُمَّ (قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَفْسَدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَنْجُسُ بِهِ؛ لِأَنَّ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ) وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّاهَا وَهِيَ فِي الْخَرْزِ فَتَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَقَطْ كَذَلِكَ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَرَّازِينَ مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدَّرَاهِمِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فِي حَقِّهِمْ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا وَهُوَ الْوَجْهُ، فَإِنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَدْعُهُمْ إلَى أَنْ يَعْلَقَ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَيَتَجَمَّعَ عَلَى ثِيَابِهِمْ هَذَا الْمِقْدَارُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْإِنْسَانِ) مَعَ قَوْلِنَا بِطَهَارَتِهِ (وَالِانْتِفَاعِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ غَيْرُ مُبْتَذَلٍ فَلَا يَجُوزُ

أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا وَمُبْتَذَلًا وَقَدْ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» الْحَدِيثُ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ. قَالَ (وَلَا بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا وَمُبْتَذَلًا) وَفِي بَيْعِهِ إهَانَةٌ، وَكَذَا فِي امْتِهَانِهِ بِالِانْتِفَاعِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» ، فَالْوَاصِلَةُ هِيَ الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرِ النِّسَاءِ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ الْمَعْمُولُ بِهَا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا، وَهَذَا اللَّعْنُ لِلِانْتِفَاعِ بِمَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ رَخَّصَ فِي اتِّخَاذِ الْقَرَامِيلِ وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ لِيَزِيدَ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ لِلتَّكْثِيرِ، فَظَهَرَ أَنَّ اللَّعْنَ لَيْسَ لِلتَّكْثِيرِ مَعَ عَدَمِ الْكَثْرَةِ وَإِلَّا لَمَنَعَ الْقَرَامِيلَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الزِّينَةَ حَلَالٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] فَلَوْلَا لُزُومُ الْإِهَانَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ لَحَلَّ وَصْلُهَا بِشُعُورِ النِّسَاءِ أَيْضًا. وَفِي الْحَدِيثِ «لَعَنَ اللَّهُ النَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ» أَيْضًا وَالنَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ لِتُرِقَّهُ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ)

لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ) لِأَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ بِالدِّبَاغِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَقَرْنِهَا وَشَعْرِهَا وَوَبَرِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ كُلِّهِ) ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لَا يَحِلُّهَا الْمَوْتُ؛ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ حَتَّى يُبَاعُ عَظْمُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلُوُّ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ لَمْ يَجُزْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ تَقْرِيرُهُ وَتَخْرِيجُهُ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا، فَإِنْ قِيلَ: نَجَاسَتُهَا لَيْسَتْ إلَّا لِمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ فَهِيَ مُتَنَجِّسَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا كَالثَّوْبِ النَّجِسِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُنَجَّسَ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَمَا لَمْ يُزَايِلْهُ فَهِيَ كَعَيْنِ الْجِلْدِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجِلْدُ نَجِسَ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدُّهْنِ النَّجِسِ فَإِنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ عَارِضَةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ الثَّوْبِ بِمَا فِيهِ. وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِيُحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مَا عَلَّلَ الْمَنْعَ إلَّا بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ عَلَّلَ بِالنَّجَاسَةِ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهَا بُطْلَانُ بَيْعٍ أَصْلًا، فَإِنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ دَائِرٌ مَعَ حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ وَهِيَ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ، فَإِنَّ بَيْعَ السِّرْقِينِ جَائِزٌ وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِهَا بَعْدَ الدِّبَاغَةِ فَلِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهَا حِينَئِذٍ شَرْعًا، وَالْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا زِيَادَةٌ تَثْبُتُ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا) وَرِيشِهَا وَمِنْقَارِهَا وَظِلْفِهَا وَحَافِرِهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ طَاهِرَةٌ لَا تَحِلُّهَا الْحَيَاةُ فَلَا يَحِلُّهَا الْمَوْتُ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ كَسَائِرِ السِّبَاعِ نَجِسُ السُّؤْرِ وَاللَّحْمِ لَا الْعَيْنِ فَيَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْحَمْلِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالرُّكُوبِ فَكَانَ كَالْكَلْبِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. قِيلَ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى لِفَاطِمَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ وَظَهَرَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ» ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ نَحْوِ الْفِيلِ وَغَيْرِهِ: أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا وَيَدْهُنُونَ فِيهَا لَا يَرَوْنَ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَإِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْعَ بَيْعِ الْقِرْدِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلُوُّ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا حَقُّ التَّعَلِّي

لِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَالْمَالُ هُوَ الْمَحِلُّ لِلْبَيْعِ، بِخِلَافِ الشِّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَقُّ التَّعَلِّي لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَيْنٌ يُمْكِنُ إحْرَازُهَا) وَإِمْسَاكُهَا وَلَا هُوَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ بَلْ هُوَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ وَلَيْسَ الْهَوَاءُ مَا لَا يُبَاعُ وَالْمَبِيعُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمَا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالْمَالُ هُوَ الْمَحِلُّ لِلْبَيْعِ) تَسَاهُلٌ أَوْ تَنْزِيلٌ لِلْمُتَعَلِّقِ بِالْمَالِ مَنْزِلَةَ الْمَالِ (بِخِلَافِ الشُّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ) فِيمَا إذَا كَانَ الشُّرْبُ شُرْبَ تِلْكَ الْأَرْضِ، أَمَّا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَعَ شُرْبِ غَيْرِهَا فَفِي صِحَّتِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُفْرَدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَزْدَادَ نَوْبَتُهُ، وَجَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَلْخٍ تَعَامَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا جَوَّزَ السَّلَمَ لِلضَّرُورَةِ وَالِاسْتِصْنَاعَ لِلتَّعَامُلِ (وَلِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ) فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ أَرْضٍ بِشِرْبِهَا بِأَلْفٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِذَلِكَ وَسَكَتَ الْآخَرُ عَنْ الشِّرْبِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ ثَمَنِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الَّذِي زَادَ الشِّرْبَ نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ يُقَابِلُ الشِّرْبَ فَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ. وَقَبْلُ لَوْ بَاعَ أَرْضًا بِشِرْبِهَا فَاسْتَحَقَّ شِرْبَهَا يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ نَصِيبَ الشِّرْبِ، وَأَمَّا ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ رِوَايَةُ الْبَزْدَوِيِّ، وَعَلَى رِوَايَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَا يَضْمَنُ، وَقِيلَ يَضْمَنُ إذَا جَمَعَ الْمَاءَ ثُمَّ أَتْلَفَهُ، وَلَا يَضْمَنُ قَبْلَ الْجَمْعِ، وَحِينَئِذٍ فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُخَالِفَ. وَعَنْ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَصَرَ ضَمَانَهُ بِالْإِتْلَافِ عَلَى مَا إذَا كَانَ شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَالَ: لَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ إلَّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِهَا فَإِمَّا بِالسَّقْيِ أَوْ يَمْنَعُ حَقَّ الشُّرْبِ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَاءَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَدِيثِ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْعَ حَقِّ الْغَيْرِ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ السَّبَبُ مَنْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ عَيْنُ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَأُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا يَنْبَغِي أَنْ

قَالَ (وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ) وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، وَبَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَالتَّسْيِيلِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا، وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى قَدْرُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزَ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ بِعَرَضِيَّةِ وُجُودِهِ كَالسَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ تَمَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ مَجْمُوعُ الْمِقْدَارِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهَذَا وَجْهُ مَنْعِ مَشَايِخِ بُخَارَى بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا، قَالُوا: وَتَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ لَيْسَ هُوَ التَّعَامُلُ الَّذِي يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ بَلْ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ الْبِلَادِ لِيَصِيرَ إجْمَاعًا كَالِاسْتِصْنَاعِ وَالسَّلَمِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالضَّرُورَةُ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ مُفْرَدًا عَلَى الْعُمُومِ مُنْتَفِيَةٌ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ فَحَاجَةُ بَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ. [فَرْعٌ] بَاعَ الْعُلُوَّ قَبْلَ سُقُوطِهِ جَازَ، فَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (الْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ (بَيْعَ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، وَ) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ (بَيْعَ حَقِّ الْمُرُورِ) الَّذِي هُوَ التَّطَرُّقُ (وَالتَّسْيِيلُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ: أَيْ مَعَ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ (فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا) فَإِنْ بَيَّنَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ جَازَ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسْأَلَةِ هَاهُنَا فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مِقْدَارَ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى وَطُولَهُ إلَى السِّكَّةِ النَّافِذَةِ (أَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ) وَمِنْ هُنَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، أَمَّا لَوْ بَيَّنَ حَدَّ مَا يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ بَاعَ أَرْضَ الْمَسِيلِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ. (وَإِنْ كَانَ) الْمُرَادُ (الثَّانِيَ) وَهُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ الْمُرُورِ وَالتَّسْيِيلِ (فَفِي بَيْعِ جَوَازِ الْمُرُورِ) مُجَرَّدًا (رِوَايَتَانِ) عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ لِجَهَالَتِهِ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ يَجُوزُ، فَإِنَّهُ قَالَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِيهَا طَرِيقٌ لِرَجُلٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمَا مِنْ الْقِسْمَةِ وَيَتْرُكُ لِلطَّرِيقِ مِقْدَارَ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ، فَإِذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَالطَّرِيقُ بِرِضَاهُمْ يَضْرِبُ صَاحِبُ الْأَصْلِ بِثُلُثَيْ ثَمَنِ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ بِثُلُثِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ اثْنَانِ وَصَاحِبَ الْمَمَرِّ وَاحِدٌ وَقِسْمَةُ الطَّرِيقِ تَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُسَاوِي صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي الِانْتِفَاعِ انْتَهَى. فَقَدْ جَعَلَ لِصَاحِبِ حَقِّ الْمُرُورِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ حَقِّ التَّسْيِيلِ لَا يَجُوزُ

وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحِلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ، أَمَّا الْمَسِيلُ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَعَلَى الْأَرْضِ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحِلِّهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ التَّعَلِّي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى وَهُوَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ، أَمَّا حَقُّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ) فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا) أَيْ وَجْهُ الْفَرْقِ (وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ التَّسْيِيلِ) عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُجِيزَةِ لِبَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ (أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحِلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ. أَمَّا التَّسْيِيلُ) فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ (فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي) لَا يَجُوزُ اتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ وَمُرُوجُهُ فَسَادُهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِمَا هُوَ مَالٌ بَلْ بِالْهَوَاءِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا بَاعَ حَقَّ التَّعَلِّي بَعْدَ سُقُوطِ الْعُلُوِّ فَإِنَّمَا يَكُونُ نَظِيرَ مَا إذَا بَاعَ حَقَّ التَّسْيِيلِ عَلَى السَّطْحِ وَلَا سَطْحَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنْ يُسِيلَ الْمَاءَ عَنْ أَرْضِهِ كَيْ لَا يُفْسِدَهَا فَيُمِرَّهُ عَلَى أَرْضٍ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحِلِّهِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمَاءُ بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ حَيْثُ يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْمَنْعَ فِي حَقِّ التَّعَلِّي بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ كَذَلِكَ. وَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَيْعُ الْحَقِّ لَا بَيْعُ الْعَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ وَهِيَ مَالٌ هُوَ عَيْنٌ فَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ، أَمَّا حَقُّ التَّعَلِّي فَحَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْهَوَاءِ وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ، وَأَمَّا فَرْقُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِالْبِنَاءِ وَهُوَ عَيْنٌ لَا تَبْقَى فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ بِذَاكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَمَا يَرِدُ عَلَى مَا يَبْقَى مِنْ الْأَعْيَانِ كَذَلِكَ يَرِدُ عَلَى مَا لَا يَبْقَى وَإِنْ أَشْبَهَ الْمَنَافِعَ، وَلِذَا صَحَّحَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ لَا يَجُوزُ كَالتَّسْيِيلِ وَحَقِّ الْمُرُورِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى إلَى آخِرِهِ) إذَا اشْتَرَى هَذِهِ الْجَارِيَةَ

وَالْفَرْقُ يَنْبَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فَفِي مُخْتَلِفِي الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى وَيَبْطُلُ لِانْعِدَامِهِ، وَفِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَيَنْعَقِدُ لِوُجُودِهِ وَيَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِلتَّقَارُبِ فِيهَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا دُونَ الْأَصْلِ كَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ جِنْسَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَظَهَرَتْ غُلَامًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ. وَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا تَبْتَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَهْرِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ تَسْمِيَةٌ وَإِشَارَةٌ إلَى شَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حَيْثُ أَشَارَ إلَى ذَاتٍ وَسَمَّاهَا جَارِيَةً فَإِنَّ الْمُسَمَّى مَعَ الْمُشَارِ إلَيْهِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تُعَرِّفُ الذَّاتَ الْحَاضِرَةَ وَالتَّسْمِيَةَ تُعَرِّفُ الْحَقِيقَةَ الْمُنْدَرِجَةَ فِيهَا تِلْكَ الذَّاتُ وَغَيْرُهَا مِنْ ذَوَاتٍ لَا تُحْصَى مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْعَقْلِ بِأَشْبَاهِهَا لِتِلْكَ الذَّاتِ وَغَيْرِهَا وَنَحْنُ فِي مَقَامِ التَّعْرِيفِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا تَعْرِيفُهُ أَبْلَغُ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ الْمُسَمَّى، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ عَبَّرَ هُنَا بِقَوْلِهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ بَلْ هُوَ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا بِالصِّفَةِ فَاحِشٌ كَانَ أَيْضًا كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا. وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا اُعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِوُرُودِهِ عَلَى مَبِيعٍ قَائِمٍ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالْفَرْقُ يَبْتَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ لِمُحَمَّدٍ) لَا يُرِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَلْ هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي خِلَافِيَّتِهِ فِي الْمَهْرِ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فِي الْجِنْسَيْنِ كُلُّ ذَكَرٍ مَعَ أُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ وَإِنْ كَانَا مُتَّحِدِي الْجِنْسِ الْمَنْطِقِيِّ وَهُوَ الذَّاتِيُّ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِمُمَيِّزٍ دَاخِلٍ فَقَدْ أُلْحِقَا بِمُخْتَلِفِيهِمَا، بِخِلَافِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ سَائِرِ الْبَهَائِمِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ. وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ غَيْرِهِمَا، فَحَكَمَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ. وَأُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِفُحْشِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ مِنْهُمَا، فَأُلْحِقَا بِالْجِنْسَيْنِ، فَالْغُلَامُ يُرَادُ لِخِدْمَةِ الْخَارِجِ كَالزِّرَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْحِرَاثَةِ، وَالْأُنْثَى لِخِدْمَةِ الدَّاخِلِ كَالْعَجْنِ وَالطَّبْخِ وَالِاسْتِفْرَاشِ، بِخِلَافِ الْغُلَامِ فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بَلْ لَيْسَ الْجِنْسُ فِي الْفِقْهِ إلَّا الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ مِنْهَا فَاحِشًا، فَالْجِنْسَانِ مَا يَتَفَاوَتُ مِنْهُمَا فَاحِشًا بِلَا نَظَرٍ إلَى الذَّاتِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا دُونَ الْأَصْلِ) يَعْنِي الْمُعْتَبَرَ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ تَفَاوُتُ الْأَغْرَاضِ تَفَاوُتًا بَعِيدًا فَيَكُونُ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَوْ قَرِيبًا فَيَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ دُونَ اخْتِلَافِ الْأَصْلِ: يَعْنِي الذَّاتِيَّ، لِذَا قَالُوا (الْخَلُّ مَعَ الدِّبْسِ جِنْسَانِ) مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا

وَالْوَذَارِيُّ والزندنيجي عَلَى مَا قَالُوا جِنْسَانِ مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا. . قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِفُحْشِ تَفَاوُتِ الْغَرَضِ مِنْهُمَا (وَالْوَذَارِيُّ والزندنيجي) كَذَلِكَ، وَالْوَذَارِيُّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَإِعْجَامِ الذَّالِ ثُمَّ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ نِسْبَةً إلَى وَذَارٍ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، والزندنيجي بِزَايٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ أُخْرَى ثُمَّ يَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ نِسْبَةً إلَى زَنْدَنَةَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالنُّونِ الْأَخِيرَةِ وَالْجِيمُ زِيدَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا) هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمَشَايِخِ. وَمَا ذُكِرَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي بَابِ الْمَهْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْخَلَّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسًا وَاحِدًا، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَعْتَبِرَ الْخَلَّ مَعَ الدِّبْسِ كَذَلِكَ. وَمِنْ الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا مَا إذَا بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلَوْ بَاعَهُ لَيْلًا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَظَهَرَ أَصْفَرَ صَحَّ وَيُخَيَّرُ. كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ كَانَتْ صِنَاعَةُ الْكِتَابَةِ أَشْرَفَ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْخَبْزِ كَانَ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَا يُفَرِّقُ مِنْ الْمَشَايِخِ بَيْنَ كَوْنِ الصِّفَةِ ظَهَرَتْ خَيْرًا مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي عُيِّنَتْ أَوْ لَا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ، كَمَا أَطْلَقَ فِي الْمُحِيطِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَظَهِيرُ الدِّينِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ الْمَوْجُودُ أَنْقَصَ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ لِفَوَاتِ غَرَضِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ غَرَضَهُ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ الَّتِي عَيَّنَهَا لَا بِمَا لَيْسَ غَرَضًا لَهُ الْآنَ، وَكَانَ مُسْتَنَدُ الْمُفَصِّلِينَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا عَيَّنَ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَرَضَ وَهُوَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَأُمُورِهَا أَوْ التِّجَارَةِ وَأُمُورِهَا، بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْخَبْزِ أَوْ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ حَاجَتَهُ الَّتِي لِأَجْلِهَا اشْتَرَى هِيَ هَذَا الْوَصْفُ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ

حَالَّةً أَوْ نَسِيئَةً فَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ الثَّانِي) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ فِيهَا بِالْقَبْضِ فَصَارَ الْبَيْعُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءً وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِالْعَرْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالَّةً أَوْ نَسِيئَةً فَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ) بِمِثْلٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ، وَإِنْ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ؛ وَلَوْ اشْتَرَى وَلَدَهُ أَوْ وَالِدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ آخَرُ وَهُوَ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ وَلِذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. وَلَوْ اشْتَرَى وَكِيلُ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ عِنْدَهُ يَقَعُ لِنَفْسِهِ فَلِذَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوَكِّلَ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ خَمْرٍ وَبَيْعِهَا عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُوَكِّلِ حُكْمًا فَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فَمَاتَ فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ. وَعِنْدَهُمَا عَقْدُ الْوَكِيلِ كَعَقْدِهِ. وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَارِثُهُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ بِلَا شُبْهَةٍ، وَبِهِ تَخْتَلِفُ الْمُسَبِّبَاتُ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: نَقَدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِعَرْضِ قِيمَتِهِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ) كَيْفَمَا كَانَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ بِعَرْضِ قِيمَتِهِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ بِجَامِعِ قِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَتَقْيِيدُهُ بِالْعَرَضِ دُونَ أَنْ يَقُولَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ

وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ بَاعَتْ بِسِتِّمِائَةٍ بَعْدَمَا اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ: بِئْسَمَا شَرَيْت وَاشْتَرَيْت، أَبْلَغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ؛ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَقِيَ لَهُ فَضْلُ خَمْسِمِائَةِ وَذَلِكَ بِلَا عِوَضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَهَبٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْعَرَضِ بِجَامِعِ أَنَّهُ خِلَافُ جِنْسِهِ فَإِنَّ الذَّهَبَ جِنْسٌ آخَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّرَاهِمِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمَا ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ وَجَبَ ضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ احْتِيَاطًا وَأَلْزَمُ أَنَّ اعْتِبَارَهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا يُوجِبُ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُقْتَضَى الْوَجْهِ ذَلِكَ وَلَكِنْ فِي التَّفَاضُلِ عِنْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِ الْآخَرِ إجْمَاعٌ (وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ) إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ عَائِشَةَ يُفِيدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي بَاعَتْ زَيْدًا بَعْدَ أَنْ اشْتَرَتْ مِنْهُ وَحَصَلَ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّ شَرَيْت مَعْنَاهُ بِعْت قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ. وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَإِنَّهُ رَوَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَةِ أَبِي سَفَرٍ " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ بَاعَنِي جَارِيَةً بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنِّي بِسِتِّمِائَةٍ، فَقَالَتْ: أَبْلِغِيهِ عَنِّي أَنَّ اللَّهَ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ ". فَفِي هَذَا أَنَّ الَّذِي بَاعَ زَيْدٌ ثُمَّ اسْتَرَدَّ وَحَصَلَ الرِّبْحُ لَهُ، وَلَكِنَّ رِوَايَةَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ عَكْسُهُ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ هِيَ وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدٍ لِعَائِشَةَ: إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَاشْتَرَيْته بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ: أَبْلِغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ تَتُوبَ، بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَ مَا شَرَيْت. وَهَذَا فِيهِ أَنَّ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الرِّبْحُ هِيَ الْمَرْأَةُ. قَالَ

بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْعَرْضِ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعَالِيَةِ هِيَ مَجْهُولَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَوْلَا أَنَّ عِنْدَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عِلْمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَسْتَجِزْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِالِاجْتِهَادِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ. وَالْمُرَادُ بِالْعَالِيَةِ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهَا دَخَلَتْ مَعَ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى عَائِشَةَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالُوا: إنَّ الْعَالِيَةَ امْرَأَةٌ مَجْهُولَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِنَقْلِ خَبَرِهَا. قُلْنَا هِيَ امْرَأَةٌ جَلِيلَةُ الْقَدْرِ ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فَقَالَ: الْعَالِيَةُ بِنْتُ أَنْفَعَ بْنِ شَرَاحِيلَ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعَتْ مِنْ عَائِشَةَ. وَقَوْلُهَا بِئْسَ مَا شَرَيْت: أَيْ بِعْت قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ، وَإِنَّمَا ذَمَّتْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَذَمَّتْ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْفَسَادِ. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ امْرَأَةٍ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ فَبِعْتهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرَقْمَ بِثَمَانِمِائَةٍ إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ ابْتَعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ فَنَقَدْته السِّتَّمِائَةِ وَكَتَبَ لِي عَلَيْهِ ثَمَانَمِائَةٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إلَى قَوْلِهَا إلَّا أَنْ تَتُوبَ، وَزَادَ: فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لِعَائِشَةَ: أَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي وَرَدَدْت عَلَيْهِ الْفَضْلَ؟ فَقَالَتْ {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] . لَا يُقَالُ: إنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ وَرَدَّهَا لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ وَهُوَ الْبَيْعُ إلَى الْعَطَاءِ، فَإِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَرَى جَوَازَ الْأَجَلِ إلَى الْعَطَاءِ. ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ. وَاَلَّذِي عُقِلَ مِنْ مَعْنَى النَّهْيِ أَنَّهُ اسْتَرْبَحَ مَا لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ بِعَيْنِهِ وَبَقِيَ لَهُ بَعْضُ الثَّمَنِ فَهُوَ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ بَاعَهُ، وَهَذَا لَا يُوجَدْ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ فَبَطَلَ إلْحَاقُ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَعْيَانِ حُكْمًا، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ بِأَقَلَّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي خَرَجَ فَلَا يَتَحَقَّقُ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ، بَلْ يَجْعَلُ النُّقْصَانَ بِمُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي احْتَبَسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْعَيْبِ أَوْ دُونَهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ النُّقْصَانُ نُقْصَانَ سِعْرٍ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعُقُودِ؛ لِأَنَّهُ فُتُورٌ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْ فَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَلِذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرَ الثَّمَنِ جَازَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَتَحَقَّقُ عَيْنُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالتَّقْوِيمِ وَالْبَيْعَ لَا يَعْقُبُ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِظُهُورِهِ بِلَا تَقْوِيمٍ، وَقَدْ أُورِدُ عَلَيْهِ تَجْوِيزُ كَوْنِ إنْكَارِ عَائِشَةَ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ الثَّانِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ إذْ الْقَبْضُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ. قُلْنَا: لَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّهَا ذَمَّتْهُ لِأَجَلِ الرِّبَا بِقَرِينَةِ تِلَاوَةِ آيَةِ الرِّبَا، وَلَيْسَ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ رِبًا. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ تِلَاوَةَ الْآيَةِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ جَوَابًا لِقَوْلِ الْمَرْأَةِ: أَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي وَرَدَدْت عَلَيْهِ الْفَضْلَ، كَانَ هَذَا مَعَ التَّوْبَةِ، فَتَلَتْ آيَةً ظَاهِرَةً فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ وَإِنْ كَانَ سَوْقُهَا فِي الْقُرْآنِ فِي الرِّبَا. وَأُورِدَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَدِ الْكَائِنِ مَعَ أُمِّهِ مُفْرَدًا لَمْ يُوجِبْ الْفَسَادَ فَلِمَ أَوْجَبَهُ هَذَا النَّهْيُ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْبَيْعِ أَوْجَبَهُ، وَإِنْ كَانَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَا، وَالنَّهْيُ فِيمَا ذُكِرَ لِلتَّفْرِيقِ لَا لِنَفْسِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ أَثِمَ فَيُكْرَهُ فِي نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، وَهُنَا

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَبْطُلُ فِي الْأُخْرَى) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَاحِبَتِهَا وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهَا لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْبَيْعِ وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا حُكْمُ حَقِيقَتِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا مِنْ الْبَائِعِ) بِخَمْسِمِائَةٍ (قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَبْطُلُ فِي الْأُخْرَى) وَهَذَا فَرْعُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. وَهِيَ أَنَّ شِرَاءَ مَا بَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ (وَ) وَجْهُهُ (أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى) وَاَلَّتِي بَاعَهَا (بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ) وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا. وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَاحِبَتِهَا وَهِيَ الَّتِي ضُمَّتْ إلَيْهَا. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ فِي الَّتِي بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَوْ كَانَ

أَوْ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQإصَابَةُ حِصَّتِهَا إيَّاهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ الْمُسْتَلْزَمِ لِشِرَائِهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَوْ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، لِأَنَّ عِنْدَ تَقْسِيمِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا يُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيهِ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، لَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّهُ أَيْضًا فَاسِدٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا الْمَعْنَى آخَرُ وَهُوَ تَكَثُّرُ جِهَاتِ الْجَوَازِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، بِخِلَافِ الْأَكْرَارِ وَأَمْثَالِهَا حَيْثُ يَتَحَرَّى الْجَوَازَ فِيهَا لِتَعْيِينِ جِهَةِ الْجَوَازِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ، وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ مُوجَبٍ لَهُ مُوجِبَانِ تَثْبُتُ لَهُ دُفْعَةً فَيَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْعِلَلِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَشِيعُ الْفَسَادُ فِي الْجَارِيَتَيْنِ؛ وَمَا أَبْشَعَ قَوْلِ قَائِلٍ إذَا كَثُرَتْ جِهَاتُ الْحِلِّ بِلَا مُعَارِضٍ يَحْرُمُ. وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُوجِبَاتِ مُتَحَقِّقَةٌ وَهُنَا الْمُجَوِّزُ مَوْقُوفٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ، فَإِذَا اُعْتُبِرَ وَاحِدٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ لَا يَزِيدُ النَّظَرَ إلَّا وَكَادَةً، فَإِنَّ الْآخَرَ قَبْلَ الِاعْتِبَارِ لَا وُجُودَ لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ الْمُجَوِّزُ الَّذِي وُجِدَ وَتَحَقَّقَ بِتَحَقُّقِ الِاعْتِبَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَحِينَ فَهِمَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ عَدَلَ إلَى وَجْهٍ ذَكَرَ أَنَّهُ الْوَجْهُ، وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَاجْتَمَعَ فِيهَا مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ فَيَفْسُدُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَذْهَبِ فِي شَيْءٍ، بَلْ إذَا اجْتَمَعَا فِيهِ اُعْتُبِرَ وَجْهُ الصِّحَّةِ تَصْحِيحًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَيْعِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزِ شَعِيرٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ حَيْثُ يَصِحُّ وَيُتَحَرَّى لِلْجَوَازِ اعْتِبَارًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْمُسْلِمِ. وَلَا إشْكَالَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا بَلْ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا فَسَدَ بَعْضُهُ فَسَدَ كُلُّهُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا، فَدَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّ الْفَسَادَ فِيمَا بِيعَتْ أَوَّلًا ضَعِيفٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلَمْ يَسْرِ لِلْأُخْرَى كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ لَا يَفْسُدُ فِي الْآخَرِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ. وَاسْتَشْكَلَ بِمَا لَوْ أَسْلَمَ قُوهِيًّا فِي قُوهِيٍّ وَمَرْوِيٍّ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي الْمَرْوِيِّ؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ عِنْدَهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ مَعَ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْجِنْسِيَّةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَإِنَّ إسْلَامَ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا مُخَلِّصَ مِنْهُ إلَّا بِتَغْيِيرِ تَعْلِيلِ تَعَدِّي الْفَسَادِ بِقُوَّةِ الْفَسَادِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ إلَى تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ يَجْعَلَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ شَرْطُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْمَرْوِيِّ، فَيَفْسُدُ فِي الْمَرْوِيِّ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا فِي ظَرْفٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ فَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رَطْلًا فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ بِوَزْنِ الظَّرْفِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ. قَالَ (وَمَنْ) (اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ فَرَدَّ الظَّرْفَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ) فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْهَرَوِيِّ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَكَذَا اعْتَرَفَ بِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ أَنْ عَلَّلَ هُوَ بِهِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. ثَانِيهَا أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأُولَى لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَسَلَامَةِ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا ضَمَانَ يُقَابِلُهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَضْمُونَةِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَا تِلْكَ الشُّبْهَةَ فِي الَّتِي ضُمَّتْ إلَى الْمُشْتَرَاةِ أَوَّلًا كَانَ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَقْرِيرِ قَاضِي خَانْ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ الْأَلْفَ وَهُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا فَيَرُدَّهُ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَبِالْبَيْعِ الثَّانِي يَقَعُ الْأَمْنُ عَنْهُ فَيَكُونُ الْبَائِعُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي مُشْتَرِيًا أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ طَارِئٌ غَيْرُ مُقَارِنٍ. وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي الْعَقْدِ مَا يُوجِبُ فَسَادَهُ فَإِنَّهُ قَابَلَ الثَّمَنَ بِالْجَارِيَتَيْنِ وَهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَيَصِيرُ الْبَعْضُ بِإِزَاءِ مَا لَمْ يَبِعْ فَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِيمَا بَاعَهُ. وَهَذَا فَسَادٌ طَرَأَ الْآنَ؛ لِأَنَّ الِانْقِسَامَ بَعْدَ وُجُوبِ الثَّمَنِ أَيْ بَعْدَ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى وَالْآخَرِ بِسَبَبِ الْمُقَاصَّةِ، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ تَقَعُ بَيْنَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَنِ الثَّانِي فَيَبْقَى مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ لَمَّا بَاعَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ فَتَقَاصَّا الْخَمْسَمِائَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ مِثْلِهَا فَيَبْقَى لِلْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَضْلُ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى مَعَ الْجَارِيَةِ، وَالْمُقَاصَّةُ تَقَعُ عَقِبَ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فَيَفْسُدُ عِنْدَهَا فَهُوَ طَارِئٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي الْأُخْرَى؛ كَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ ثُمَّ أَلْحَقَا فِي ثَمَنِ أَحَدِهِمَا أَجَلًا هُوَ وَقْتُ الْحَصَادِ فَسَدَ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأُورِدُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ مَا بَاعَهُ أَوَّلًا شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْآخَرِ. قُلْنَا: قَبُولُ الْعَقْدِ فِيهِ لَيْسَ شَرْطًا فَاسِدًا: أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَنُهُ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ خِلَافَ جِنْسِهِ كَانَ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ لِأَجْلِ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ لَا عَلَى ضَمَانِهِ، وَهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَقْدِ الثَّانِي. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ جَازَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي نِصْفِهِ. وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ، إنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ نَقَصَتْهَا جَازَ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ، وَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ رِبْحٌ لَا عَلَى ضَمَانِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا فِي ظَرْفٍ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ هَذَا الزَّيْتَ وَهُوَ أَلْفُ رَطْلٍ عَلَى أَنَّهُ يَزِنُهُ بِظُرُوفِهِ فَيَطْرَحُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا قَالَ هَذَا فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ قَالَ عَلَى أَنْ تَطْرَحَ عَنِّي وَزْنَ الظَّرْفِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَرَطَ أَنْ يَتَعَرَّفَ قَدْرَ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ

لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي السَّمْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ. قَالَ: (وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ شِرَائِهَا فَفَعَلَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَجُوزُ: عَلَى الْمُسْلِمِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخِنْزِيرُ، وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِيَخُصَّ بِالثَّمَنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَزِنَهُ فَتَطْرَحَ عَنْهُ لِكُلِّ ظَرْفٍ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسِينَ فَإِنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ زِنَةَ الظَّرْفِ قَدْ تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَرْكِ الْمَبِيعِ وَهُوَ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي، وَقَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهَا فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ إعْطَاءِ الثَّمَنِ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَبِيعٍ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ، وَالْمَسْأَلَةُ بَعْدَهَا فَرْعٌ عَلَيْهَا. وَهُوَ مَا فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ السَّمْنَ الَّذِي فِي هَذَا الزِّقِّ كُلَّ رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَوَزَنَهُ لَهُ بِزِقِّهِ فَبَلَغَ مِائَةً وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَقَالَ وَجَدْت السَّمْنَ تِسْعِينَ رَطْلًا وَالزِّقَّ هَذَا وَزْنُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ (لِأَنَّ هَذَا) الِاخْتِلَافَ (إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا رَاجِعًا إلَى تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ) كَالْغَاصِبِ (أَوْ أَمِينًا) كَالْمُودِعِ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِقًّا آخَرَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ فَمَرْجِعُهُ خِلَافٌ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ) وَاسْتُشْكِلَ بِمَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ وَجَاءَ بِالْآخَرِ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَيِّتِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ التَّحَالُفِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَهُنَا جَعَلَ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ اخْتِلَافًا فِي الثَّمَنِ. أُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا مَعَ هَذِهِ طَرْدٌ، فَإِنَّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَهُنَاكَ إنَّمَا كَانَ لِلْبَائِعِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيهَا عِنْدَ وُرُودِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ قَصْدًا، وَهُنَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ تَبَعٌ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ أَهُوَ هَذَا أَوْ لَا فَلَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شِرَائِهِمَا فَفَعَلَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) حَتَّى يَدْخُلَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ الْمُوَكِّلِ فَيَجِبُ أَنْ يُخَلِّلَ الْخَمْرَ أَوْ يُرِيقَهَا وَيُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ هَذَا فِي الشِّرَاءِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ بِأَنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَيُسْلِمَ عَلَيْهِمَا وَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُزِيلَهَا وَلَهُ وَارِثٌ مُسْلِمٌ فَيَرِثُهُمَا فَيُوَكَّلُ كَافِرًا بِبَيْعِهِمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِمَا لِتَمَكُّنِ الْخَبَثِ فِيهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الَّذِي حَرَّمَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ. وَحَاصِلُ الْوَجْهِ مِنْ جَانِبِهِمْ إثْبَاتُ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ هَذَا التَّوْكِيلِ، وَمِنْ جَانِبِهِ عَدَمُ الْمَانِعِ بِالْقَدْحِ فِي مَانِعِيَّةِ مَا جَعَلُوهُ مَانِعًا فَيَبْقَى الْجَوَازُ عَلَى الْأَصْلِ

لَهُمَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْوَكِيلُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا وَرِثَهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ خَمْرًا يُخَلِّلُهَا وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَوْلِيَةَ غَيْرِهِ فِيهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: (الْمُوَكِّلُ لَا يَلِيهِ فَغَيْرَهُ لَا يُوَلِّيهِ) بِنَصْبِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِيُوَلِّيَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيَّةِ لَا يَمْلِكُ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ بِتَزْوِيجِهِ إيَّاهَا (وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ) مِنْ الْمِلْكِ (يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكَّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَ) الشِّرَاءَ أَوْ الْبَيْعَ (بِنَفْسِهِ) فَلَا يَجُوزُ. (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ) فِي الْبَيْعِ (يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ) لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ وَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ حَتَّى يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِبَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا شَرْعًا فَلَا مَانِعَ شَرْعًا مِنْ تَوَكُّلِهِ، وَالْمُسْلِمُ الْمُوَكِّلُ أَهْلٌ لَأَنْ يَثْبُتَ لَهُ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ صُورَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ الْجَبْرِيِّ لَهُ فِيهِمَا فَانْتَفَى الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ وَالْمُلَازَمَةُ الشَّرْعِيَّةُ امْتِنَاعُ التَّوْكِيلِ لِامْتِنَاعِ مُبَاشَرَتِهِ مَمْنُوعَةٌ بِمَسَائِلَ: مِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ خَلْفَهُ ذِمِّيٌّ وَرَجَعَ أَمْرُهُ إلَى الْقَاضِي وَيَمْلِكُ تَوْكِيلَهُ بِهِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ خَمْرِهِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ، وَالْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِمَا يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ، وَيَحُوزُ مِنْ وَصِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَكَذَا لَا تَبِيعُ الْأُمُّ عَرَضَ الْوَلَدِ وَوَصِيُّهَا بِبَيْعِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مِيرَاثِهَا. فَإِنْ قِيلَ: إنْ قُلْت إنَّ تَمَلُّكَ الْمُسْلِمِ لَهَا يَثْبُتُ جَبْرًا عَنْ سَبَبٍ جَبْرِيٍّ كَالْمَوْتِ سَلَّمْنَاهُ أَوْ عَنْ سَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ مَنَعْنَاهُ. وَهُنَا كَذَلِكَ إذْ التَّوْكِيلُ اخْتِيَارِيٌّ وَالْمِلْكُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ إذْ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الشَّرْعِ. قُلْنَا: نَخْتَارُ الثَّانِيَ وَنَمْنَعُ أَنَّ التَّوْكِيلَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ بَلْ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ لِلْوَكِيلِ لَا الْمُوَكِّلِ وَلَيْسَتْ الْوَكَالَةُ سَبَبًا لَهُ بَلْ شَرْطٌ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ اخْتِيَارُ الْوَكِيلِ وَاخْتِيَارُهُ لَيْسَ لَازِمًا لِلْوَكَالَةِ وَلَا مُسَبَّبًا عَنْهَا إذْ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ وَفِي الشِّرَاءِ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ وَيُرِيقَ الْخَمْرَ أَوْ يُخَلِّلَهَا بَقِيَ تَصَرُّفًا غَيْرَ مُعَقَّبٍ لِفَائِدَتِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ تُكْرَهُ أَشَدَّ مَا يَكُون مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ لَيْسَ إلَّا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ) قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: قَدِمْت مَكَّةَ فَوَجَدْت بِهَا أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا وَشَرَطَ شَرْطًا فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْته فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ، فَقُلْت: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَأَتَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرْته فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا. حَدَّثَنِي هَمَّامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأُعْتِقَهَا» الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا. حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كَدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «بِعْت مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةً وَشَرَطَ لِي حُمْلَانَهَا إلَى الْمَدِينَةِ» الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ. وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ. وَمِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ مُسْتَدَلٌّ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا فَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا التَّخْصِيصَ فَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ، وَاسْتَثْنَى مَنْ مَنَعَ الْبَيْعَ مَعَ الشَّرْطِ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَدَّ فِي حَدِيثِهَا إلَّا الْوَلَاءَ. وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَحَدِيثُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي، فَقُلْت: إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أُعِيدَهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُك لِي فَعَلْت، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ» الْحَدِيثُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إذَا رَضِيَ بِالْبَيْعِ، وَفِيهِ إبْطَالُ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ

ثُمَّ جُمْلَةُ الْمَذْهَبِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ شَرْطٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يُفْسِدُهُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَارِيَّةً عَنْ الْعِوَضِ فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ مَقْصُودِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ عَلَى الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدِ لَا يُفْسِدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْعَهُ. وَقَالَ: إنَّمَا اشْتَرَطَتْ عَائِشَةُ الْوَلَاءَ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ: إنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْك كِتَابَتَك، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَرَدَّ اشْتِرَاطَهُمْ الْوَلَاءَ لِأَنْفُسِهِمْ وَالْعِتْقَ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ أَمْرًا لَا يَحِلُّ شَرْعًا مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَقَعَ عِتْقُك إذَا أَعْتَقْته يَبْطُلُ هُوَ دُونَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لَا يُمْكِنُ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ طَاقَةِ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْكَنَ وَيَكُونُ أَصْلُ هَذَا حَدِيثُ بَرِيرَةَ. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّمَا لَمْ يَخُصُّوهُ بِهِ لِأَنَّ الْعَامَّ عِنْدَهُمْ يُعَارِضُ الْخَاصَّ وَيُطْلَبُ مَعَهُ أَسْبَابُ التَّرْجِيحِ، وَالْمُرَجِّحُ هُنَا لِلْعَامِّ وَهُوَ نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَهُوَ كَوْنُهُ مَانِعًا. وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ مُبِيحٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ أَنَّ مَا فِيهِ الْإِبَاحَةُ مَنْسُوخٌ بِمَا فِيهِ النَّهْيُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ شُبْرُمَةَ فَالشَّرْطُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ حُمْلَانِهِ لَمْ يَقَعْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَنَحْنُ كَذَلِكَ نَقُولُ مَعَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْعَامِّ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِإِفْسَادِ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُرْسَلِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ؟ قُلْت: ذَلِكَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِجَدِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحٌ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى هَذَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ بَلَاغًا. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ حَكِيمٍ قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ فِي الْبَيْعِ: عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ، وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَرِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» وَمَعْنَى السَّلَفِ فِي الْبَيْعِ: الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ الْبَيْعِ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ مَنْفَعَةً لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ جُمْلَةُ الْأَمْرِ فِيهِ) أَيْ فِي الشَّرْطِ (أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ) كَشَرْطِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِمُوجِبِ الْعَقْدِ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ، لَكِنْ

وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ تَصْحِيحُهُ شَرْعًا بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ كَشَرْطِ الْأَجَلِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي السَّلَمِ وَشَرْطٍ فِي الْخِيَارِ فَكَذَلِكَ هُوَ صَحِيحٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِهِ شَرْعًا رُخْصَةً أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَيْسَ مِمَّا ثَبَتَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مُتَعَارَفٌ كَشِرَاءِ نَعْلٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ أَوْ يُشْرِكَهَا فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُ التَّوَثُّقَ بِالثَّمَنِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ كَفِيلٍ بِالثَّمَنِ حَاضِرٍ، وَقَبْلَ الْكَفَالَةِ، أَوْ بِأَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ رَهْنًا مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِزُفَرَ، فَإِنَّ حَاصِلَهُ التَّوَثُّقُ لِلثَّمَنِ فَيَكُونُ كَاشْتِرَاطِ الْجَوْدَةِ فِيهِ فَهُوَ مُقَرِّرٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فَحَضَرَ وَقَبِلَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ، فَلَوْ بَعْدَهُ أَوْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُسَمًّى وَلَا مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ يُضَافُ إلَى الْبَيْعِ فَيَصِيرُ الْكَفِيلُ كَالْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ الْعَقْدَ. بِخِلَافِ الرَّهْنِ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ، لَكِنْ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لِلْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ وَإِنْ انْعَقَدَ عَقْدُ الرَّهْنِ بِذَلِكَ الْكَلَامِ، فَإِنَّ سَلَّمَ مَضَى الْعَقْدُ عَلَى مَا عَقَدَا، وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَا يُجْبَرُ عِنْدَنَا بَلْ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الرَّهْنَ وَلَا الثَّمَنَ خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي الْفَسْخِ، وَشَرْطُ الْحَوَالَةِ كَالْكَفَالَةِ؛ وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ وَلَيْسَ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَأَمَّا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، كَأَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا الْبَائِعُ أَوْ يَتْرُكَهَا فِي دَارِهِ شَهْرًا أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَكَذَا شَرْطُ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِبُهُ أَنْ لَا تَتَدَاوَلَهُ الْأَيْدِي، وَكَذَا عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْ مَكَّةَ مَثَلًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ جَازَ وَعَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ: أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْبَيْعَ مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ لِلْمَبِيعِ مَنْفَعَةً وَلَهَا مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَهُوَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ لَهُ طَالِبًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ. وَمِنْهُ إذَا بَاعَ سَاحَةً عَلَى أَنْ يَبْنِيَ بِهَا مَسْجِدًا أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا أَوْ حَيَوَانًا غَيْرَ آدَمِيٍّ فَقَدْ خَرَجَ الْجَوَازُ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْمُزَارَعَةِ مِنْ أَنَّ أَحَدَ الْمُزَارِعِينَ إذَا شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ أَوْ يَهَبَهُ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْعَامِلِينَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَكَذَا ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ

لِأَنَّهُ انْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، وَلَا إلَى الْمُنَازَعَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخْيِيرُ لَا الْإِلْزَامُ حَتْمًا، وَالشَّرْطُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي الْعِتْقِ وَيَقِيسُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَفْسِيرُ الْمَبِيعِ نَسَمَةً أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQانْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ) وَالْمُنَازَعَةُ (فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا) وَمَا أَبْطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ الْبَيْعَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ عَارِيَّةٍ عَنْ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ مَعْنَى الرِّبَا. وَمِنْ مِثْلِ الْبَاطِلِ بَيْعُ الْعَبْدِ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يُدَبِّرَهُ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي شَرْطِ الْعِتْقِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَيُصَحِّحُهُ. ثُمَّ إنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَذَاكَ وَإِلَّا خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ يُجْبَرُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَقِيسُهُ) الشَّافِعِيُّ (عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً) ثُمَّ فَسَّرَهُ (بِأَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ ذَلِكَ) وَعَلَى تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ هَذَا تَتَحَقَّقُ صُورَةُ الْقِيَاسِ. وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِأَنْ يُبَاعَ بِشَرْطِ عِتْقِهِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَفْسُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ يُفْهَمُ مِنْ قُوَّتِهِ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِمَا ذَكَرَ مُخَالِفٌ لِتَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ فَنَفَاهُ، وَحِينَئِذٍ يَقْوَى الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا قِيَاسَ. قَالَ: (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ

فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّ الْبَيْعُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَبْقَى فَاسِدًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، فَإِذَا تَلِفَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُلَاءَمَةُ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْجَوَازِ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَيْفَمَا وُجِدَ وَهُوَ مَذْهَبُهُ وَلِهَذَا خَصَّهُ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ. وَجَوَابُهُ أَنْ لَيْسَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ أَصْلًا أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بَلْ كَانَ عَلَى وَعْدِ الْعِتْقِ مِنْهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ مَنْعِ بَيْعٍ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ وَلَا يَصْلُحُ الْبَيْعُ مِمَّنْ يُظَنُّ عِتْقُهُ أَصْلًا لِقِيَاسِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ عِتْقِهِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَنَسَمَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى مُعَرَّضًا لِلْعِتْقِ، وَعَبَّرَ بِالنَّسَمَةِ عَنْهُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهَا فِيمَا إذَا أُعْتِقَتْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكَّ الرَّقَبَةَ وَأَعْتَقَ النَّسَمَةَ» فَصُيِّرَتْ كَالِاسْمِ لَمَّا عَرَضَ لِلْعِتْقِ فَعُومِلَتْ مُعَامَلَةَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَعْنَى الْفِعْلِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي إلَخْ) . هَذَا فَرْعٌ عَلَى قَوْلِنَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ عَتَقَ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَجَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا حَتَّى يَجِبَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعُودُ صَحِيحًا فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ. وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ (فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا لَوْ تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ) مِنْ مَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَقِيَاسًا عَلَى تَدْبِيرِهِ وَاسْتِيلَادِهَا فَإِنَّ هُنَاكَ الضَّمَانَ بِالْقِيمَةِ اتِّفَاقًا فَهُوَ أَوْفَى بِالشَّرْطِ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ) وَإِنْ كَانَ (لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخْيِيرُ إلَى آخِرِهِ (وَلَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ) وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ (يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْعِتْقَ (مِنْهُ لِلْمِلْكِ) الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْبَيْعِ (وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ) وُجُودُهُ. وَالْفَاسِدُ لَا تَقَرُّرَ لَهُ فَكَانَ صَحِيحًا (وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ) إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ هَذَا الشَّرْطُ مُلَائِمًا فَيَبْقَى عَلَى مُجَرَّدِ جِهَتِهِ الْمُفْسِدَةِ، وَلِذَا لَوْ مَاتَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ لَا يَصِيرُ

قَالَ (وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ، وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ. «وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطُ الْعِتْقِ مُلَائِمًا وَهُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ وَتَصْحِيحِهِ، وَكَوْنُ شَيْءٍ آخَرَ كَالْمَوْتِ وَنَحْوِهِ مُلَائِمًا لَا يَصِيرُ بِهِ هَذَا الشَّرْطُ الَّذِي وَقَعَ مُفْسِدًا مُلَائِمًا. وَأَمَّا شَرْطُ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِيرُ الْعَقْدُ صَحِيحًا إذَا دَبَّرَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَوْلَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ شَرْطُ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ مُلَائِمًا؛ لِأَنَّهُ بِتَيَقُّنِ امْتِنَاعِ وُرُودِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ لِجَوَازِ أَنْ يَحْكُمُ قَاضٍ بِصِحَّةِ بَيْعِهِمَا فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ. وَأُورِدَ لَمَّا كَانَ فِعْلُ هَذَا الشَّرْطِ مُصَحِّحًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي الِابْتِدَاءِ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُلَائِمُهُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ فَعَلِمْنَا فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ بِمُقْتَضَى ذَاتِهِ، وَعِنْدَ تَحَقُّقِ حُكْمِهِ بِفِعْلِهِ بِمُقْتَضَى حُكْمِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ لَا يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ. قُلْنَا: الْمُلَائِمُ لَهُ إطْلَاقُ الْوَطْءِ لَا إلْزَامُهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ فِيهِمَا الْأَوَّلُ لِمَا لِأَبِي يُوسُفَ، وَالثَّانِي إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ وَلَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ لِأَحَدٍ فَهُوَ شَرْطٌ لَا طَالِبَ لَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْمُشْتَرِي قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَهُوَ فَاسِدٌ (لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) وَقَدْ وَرَدَ فِي عَيْنِ بَعْضِهَا نَهْيٌ خَاصٌّ وَهُوَ (نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ) أَيْ قَرْضٍ. ثُمَّ خَصَّ شَرْطَيْ الِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى بِوَجْهٍ مَعْنَوِيٍّ فَقَالَ: (وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ) بِأَنْ يَعْتَبِرَ الْمُسَمَّى ثَمَنًا وَبِإِزَاءِ الْمَبِيعِ وَبِإِزَاءِ أُجْرَةِ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى (يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ، وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ. وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ» ) فَيَتَنَاوَلُ كُلًّا مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ» أَمَّا ثُبُوتُهُ فَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ وَأَعَلَّ بَعْضَ طُرُقِهِ وَرَجَّحَ وَقْفَهُ، وَبِالْوَقْفِ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَمِعْت، وَفَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ بِأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِيعُك هَذَا نَقْدًا بِكَذَا وَنَسِيئَةً بِكَذَا وَيَفْتَرِقَانِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَرِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ لِلْحَدِيثِ مَوْقُوفًا «الصَّفْقَةُ فِي الصَّفْقَتَيْنِ رِبًا» تُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ الْمُصَنِّفِ مَعَ أَنَّهُ أَقْرَبُ تَبَادُرًا مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ فَائِدَةً، فَإِنَّ كَوْنَ الثَّمَنِ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقْدِ أَلْفًا وَعَلَى تَقْدِيرِ النَّسِيئَةِ أَلْفَيْنِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الرِّبَا، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ نَحْوِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْحَدِيثِ ظَنُّ أَنَّهُ مَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذَا أَخُصُّ مِنْهُ. فَإِنَّهُ فِي خُصُوصٍ مِنْ الصَّفَقَاتِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَفَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك دَارِي هَذِهِ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلَامَك بِكَذَا، فَإِذَا وَجَبَ لِي غُلَامُك وَجَبَتْ لَك دَارِي. وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ بَلَاغًا. وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ: لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَنِي فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ فَإِمَّا بِطَرِيقِ الضَّمَانِ عَنْ الْمُشْتَرِي أَوْ بِطَرِيقِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ. لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُهَا الْكَفِيلُ، وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا شَرَطَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ: بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَلِيَّ وَالْعَبْدُ لِفُلَانٍ، حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَاسْتَبْعَدَهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ. . [فُرُوعٌ] بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا؛ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْإِطْلَاقُ وَهَذَا تَعْيِينُ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْسُدُ فِي الثَّانِي لِمَا قُلْنَا، وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ فِيهِمَا. وَلَوْ كَانَ فِي الشَّرْطِ ضَرَرٌ كَأَنْ شَرَطَ أَنْ يُقْرِضَ أَجْنَبِيًّا لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا مَضَرَّةٌ كَأَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِشَرْطِ أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَلْبَسَهُ جَازَ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ الْعُقُودَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ تَمَامُهَا بِالْقَبُولِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ: قِسْمٌ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَجَهَالَةِ الْبَدَلِ وَهِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ. وَقِسْمٌ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا جَهَالَةِ الْبَدَلِ وَهُوَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ. وَقِسْمٌ لَهُ شَبَهٌ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ يُبْطِلُهَا جَهَالَةُ الْبَدَلِ وَلَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الَّتِي تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ: الْبَيْعُ، وَالْقِسْمَةُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْإِجَازَةُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ، وَعَزْلُ الْوَكِيلِ فِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَتَعْلِيقُ إيجَابِ الِاعْتِكَافِ بِالشُّرُوطِ، وَالْمُزَارَعَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ، وَالْإِقْرَارُ، وَالْوَقْفُ فِي رِوَايَةٍ. وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ: الطَّلَاقُ، وَالْخُلْعُ، وَلَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَالْعِتْقُ بِمَالٍ وَبِلَا مَالٍ، وَالرَّهْنُ، وَالْقَرْضُ، وَالْهِبَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْوِصَايَةُ، وَالشَّرِكَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ، وَالتَّحْكِيمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَالْكَفَالَةُ، وَالْحَوَالَةُ، وَالْوَكَالَةُ، وَالْإِقَالَةُ، وَالنَّسَبُ، وَالْكِتَابَةُ، وَإِذْنُ الْعَبْدِ، وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالْجِرَاحَةُ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، وَجِنَايَةُ الْغَصْبِ، الْوَدِيعَةُ، وَالْعَارِيَّةُ إذَا ضَمِنَهَا رَجُلٌ وَشَرَطَ فِيهَا حَوَالَةً أَوْ كَفَالَةً، وَعَقْدُ الذِّمَّةِ، وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَعَزْلُ الْقَاضِي. وَالنِّكَاحُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْمَبِيعِ الْعَيْنِ بَاطِلٌ فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شُرِعَ تَرْفِيهًا فَيَلِيقُ بِالدُّيُونِ دُونَ الْأَعْيَانِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَالْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ خِلْقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَكَذَا الْحَجْرُ عَلَى الْمَأْذُونِ لَا يَبْطُلُ الْحَجْرُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْكَفَالَةُ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ تَصِحُّ هِيَ وَالشَّرْطُ، وَبِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ يَبْطُلُ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ أَوْ التَّقْيِيدَاتِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ؛ فَمِنْ الْأَوَّلِ الْإِقْرَارُ وَالْإِبْرَاءُ، وَمِنْ الثَّانِي عَزْلُ الْوَكِيلِ وَالْحَجْرُ عَلَى الْعَبْدِ وَالرَّجْعَةُ وَالتَّحْكِيمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ فَلَا يَتَعَلَّقُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْوِلَايَةِ كَالْقَضَاءِ وَالْإِذْنِ وَالْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ، وَإِنْ جَعَلَ الْوَكَالَةَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ بَلْ هِيَ بِالْوِلَايَاتِ أَشْبَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ) إيَّاهَا (إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْمَبِيعِ الْعَيْنِ بَاطِلٌ فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شُرِعَ تَرْفِيهًا فَيَلِيقُ بِالدُّيُونِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً فِي الْبَيْعِ فَيَحْصُلُ بِالْأَجَلِ التَّرْفِيهُ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مُعَيَّنٌ حَاضِرٌ لَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِهِ إذْ فَائِدَتُهُ الِاسْتِحْصَالُ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ فَيَكُونُ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ، وَالْأَصْلُ) الْمُمَهِّدُ لِتَعْرِيفِ مَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ هُوَ (أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ) ابْتِدَاءً (لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ) وَمَا يَصِحُّ يَصِحُّ وَمِمَّا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ. هَذَا وَهُوَ كَوْنُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ إفْرَادِهِ بِالْعَقْدِ (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ خِلْقَةً) كَرِجْلِ الشَّاةِ وَأَلْيَتِهَا حَتَّى أَنَّهُ يُقْرَضُ بِالْمِقْرَاضِ وَأَطْرَافُ الْحَيَوَانِ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ إجْمَاعًا. وَمِنْ فُرُوعِهِ: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا قَفِيزًا مِنْهَا بِكَذَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ قَفِيزٍ مِنْهَا بِالْبَيْعِ يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ إلَّا شَاةً بِأَلْفٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِجَوَازِ شِرَاءِ شَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الشَّاةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِجَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْعَقْدِ، وَكَذَا الْحَالُ

وَبَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهُمَا فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجِبِ فَلَا يَصِحُّ فَيَصِيرُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا تُبْطِلُ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ، غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْهَا، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ، بَلْ يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تُبْطِلُ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِهِ، لَكِنْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٍ. وَمِنْهُ مَا إذَا بَاعَ حَيَوَانًا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهِ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ» . وَأَمَّا أَنَّ مَا لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ فَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يُخْرِجُ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ عَنْ حُكْمِهِ وَمَا يَدْخُلُ تَبَعًا لَيْسَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ كَالْمَفَاتِيحِ لَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الدَّارِ فَلَا تُسْتَثْنَى. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (بَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهُمَا) أَيْ الْأَصْلَ وَالتَّبَعَ (فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجَبِ) فَلَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ إلَّا إخْرَاجًا مِنْ حُكْمِ الصَّدْرِ وَحُكْمُهُ هُوَ مُوجِبُهُ فَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِصْلَاحُهُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّنَاوُلِ فِيهَا الْحُكْمَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجَبِ: أَيْ طَرِيقُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَهِيعُهُ لَا حَقِيقَةُ مُوجِبِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بَقِيَ (شَرْطًا فَاسِدًا) وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ (وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهَا عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ فَيُجْعَلُ بُطْلَانُهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَثَرَ الْمُشَابَهَةِ، وَتُعَلَّلُ الْمُشَابَهَةُ بِأَنَّهَا عُقُودُ مُعَاوَضَاتٍ، إلَّا أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ شَرْطٌ فَاسِد تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَقْدُ مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى قِيمَتِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ لِتَمَكُّنِ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ فَسَادُ الْكِتَابَةِ بِالشَّرْطِ بِذَلِكَ لِشَبَهِهِ الْإِعْتَاقِ وَالنِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَبَّ الْبَدَلَيْنِ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَكَوْنُهُ مُعَاوَضَةً إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيِّدِ فِي الِانْتِهَاءِ وَكَانَ لَهُ شَبَهَانِ: شَبَهٌ بِالْبَيْعِ، وَشَبَهٌ بِمَا لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ. فَيَفْسُدَا بِالْمُفْسِدِ الْقَوِيِّ وَهُوَ مَا يَتَحَقَّقُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ شَبَهِهِ لِلْبَيْعِ، وَلَمْ يَفْسُدْ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ، وَهُمَا لَا يَفْسُدَانِ مُطْلَقًا بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ لِصُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. (و) أَمَّا (الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) فَلَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ (فَلَا تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ) فَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ إلَّا

حَتَّى يَكُونَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثَ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَمْلَهَا، أَوْ تَزَوَّجْت عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ أَوْ اخْلَعْنِي عَلَيْهَا إلَّا حَمْلَهَا، أَوْ اجْعَلْهَا بَدَلَ الصُّلْحِ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَيَدْخُلُ الْحَمْلُ وَالْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ، لَكِنْ عُرِفَ بِالنَّصِّ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْعُمْرَى بِشَرْطِ عَوْدِ الْمُعَمَّرِ فَتَصِيرُ الْعُمْرَى لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا لِوَرَثَةِ الْمُعَمِّرِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلَا تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ بَلْ تَصِحُّ بِالِاسْتِثْنَاءِ (حَتَّى يَكُونَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِي الْحَمْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا) بِأَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا خِدْمَتَهَا أَوْ إلَّا غَلَّتَهَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِي الْخِدْمَةِ) وَالْغَلَّةِ بِانْفِرَادِهَا حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ غَلَّتِهَا لِفُلَانٍ فَمَاتَ فُلَانٌ بَعْدَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَا تَرِثُ وَرَثَتُهُ خِدْمَتَهَا وَلَا غَلَّتَهَا بَلْ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلِ جَارِيَتِهِ لِآخَرَ حَيْثُ يَصِحُّ وَيَكُونُ حَمْلُهَا لَهُ. وَأُورِدَ عَلَى الْأَصْلِ أَنَّ الْخِدْمَةَ يَصِحُّ إفْرَادُهَا بِالْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهَا. أُجِيبَ بِمَنْعِ لُزُومِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَلْزَمْ كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا لَا يَصِحُّ أُجْرَةً، وَبِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ عَقْدًا حَتَّى صَحَّ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْعَقْدُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ فَلَا يُرَدُّ نَقْضًا. [فُرُوعٌ] بَاعَ صُبْرَةً بِمِائَةٍ إلَّا عُشْرَهَا فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ عُشْرَهَا لِي فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِيهِمَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذِهِ الْمِائَةَ شَاةٍ بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لِي أَوْ وَلِي هَذِهِ فَسَدَ؛ وَلَوْ قَالَ إلَّا هَذِهِ كَانَ مَا بَقِيَ بِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ وَلِي نِصْفُهَا كَانَ النِّصْفُ بِخَمْسِينَ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ جَازَ فِي كُلِّهِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَاعَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالنِّصْفُ الْمُسْتَثْنَى عَيَّنَ بَيْعَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ. وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ فَسَدَ لِإِدْخَالِ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ. وَلَوْ قَالَ بِعْتُك الدَّارَ الْخَارِجَةَ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ لِي طَرِيقًا إلَى

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ عَلَى مَا مَرَّ (وَمَنْ اشْتَرَى نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ قَالَ أَوْ يُشَرِّكَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا ذَكَرَهُ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ فَصَارَ كَصَبْغِ الثَّوْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَارِي هَذِهِ الدَّاخِلَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ وَلَوْ قَالَ إلَّا طَرِيقًا إلَى دَارِي الدَّاخِلَةِ جَازَ وَطَرِيقُهُ عَرْضُ بَابِ الدَّارِ الْخَارِجَةِ؛ وَلَوْ بَاعَ بَيْتًا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِلْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ وَعَلَى أَنَّ بَابَهُ فِي الدِّهْلِيزِ يَجُوزُ؛ وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا فَظَهَرَ أَنْ لَا لَهُ يُرَدُّ؛ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ إلَّا ثَوْبًا أَوْ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ هَذِهِ الشِّيَاهُ إلَّا وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا جَازَ؛ وَلَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا بِنَاءَ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا بِنَاءٌ الْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِ الْبِنَاءِ؛ وَلَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا مِنْ آجُرٍّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ فَهُوَ فَاسِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسَانِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَظَهَرَ بَلْخِيًّا؛ وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ فِيهَا بِنَاءً فَإِذَا لَا بِنَاءَ فِيهَا، وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا بِشَجَرِهَا وَلَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِعُلُوِّهَا وَسُفْلِهَا فَظَهَرَ أَنْ لَا عُلُوَّ لَهَا، وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى بِأَجْذَاعِهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ عَلَى مَا مَرَّ) مِنْ امْتِنَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ إلَّا أَنَّ هُنَا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُ الْخِيَاطَةِ يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ شَرْطُ إجَازَةٍ فِي بَيْعٍ، وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ كَذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُقَابَلَةِ يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ) الْمُرَادُ اشْتَرَى أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ الْبَائِعُ نَعْلًا لَهُ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ النَّعْلِ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَتُهُ أَيْ نَعْلَ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا: أَيْ أَنْ يَجْعَلَ مَعَهَا مِثَالًا آخَرَ لِيُتِمَّ نَعْلًا لِلرِّجْلَيْنِ، وَمِنْهُ حَذَوْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ: أَيْ قَدَّرْته بِمِثَالِ قِطْعَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ يُشْرِكَهُ فَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ نَعْلًا، وَلَا مَعْنًى لَأَنْ يَشْتَرِيَ أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ شِرَاكًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَةُ النَّعْلِ (فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. قَالَ) الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَا ذَكَرَهُ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ) مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ) الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ (لِلتَّعَامُلِ) كَذَلِكَ، وَمِثْلُهُ فِي دِيَارِنَا شِرَاءُ الْقَبْقَابِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أَيْ عَلَى أَنْ يُسَمِّرَ لَهُ سَيْرًا (وَصَارَ كَصَبْغِ الثَّوْبِ) مُقْتَضَى الْقِيَاسِ

وَلِلتَّعَامُلِ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ. قَالَ (وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ) وَهِيَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْبَيْعِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَعَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ عَيْنُ الصَّبْغِ وَلَكِنْ جُوِّزَ لِلتَّعَامُلِ. وَمِثْلُهُ إجَارَةُ الظِّئْرِ مَعَ لُزُومِ اسْتِهْلَاكِ اللَّبَنِ جَازَ لِلتَّعَامُلِ، لَكِنْ فِي الْفَوَائِدِ الْمُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ فِعْلُ الصَّبْغِ وَالْحَضَانَةُ فِي اسْتِئْجَارِ الصَّبَّاغِ وَالظِّئْرِ وَاللَّبَنُ آلَةُ فِعْلِهِمَا (وَلِلتَّعَامُلِ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ) مَعَ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ شِرَاءُ الصُّوفِ الْمَنْسُوجِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ الْبَائِعُ قَلَنْسُوَةً بِشَرْطِ أَنْ يُبَطِّنَ لَهَا الْبَائِعُ بِطَانَةً مِنْ عِنْدِهِ، وَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنَّ بِهِ كَذَا، وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ الْمَشْرُوطُ مَعْدُومًا فَيُشْتَرَطُ أَنْ يُفْعَلَ مِنْ هَذَا. ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ يَفْسُدُ الْبَيْعُ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ. وَأَصَحُّهُمَا يَصِحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: الْقَوْلَانِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ، أَمَّا فِي الْجَوَارِي يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُنَا. ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُرِيدُهَا لِلظَّئُورَةِ فَيَفْسُدُ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَلِمَ ذَلِكَ بَلْ شَرَطَهُ، وَكَوْنُهُ اشْتَرَى خِلَافَ مَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادًا بَعْدَ الرِّضَا بِهِ. وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ شَرْطُ الْحَبَلِ مِنْ الْبَائِعِ لَا يُفْسِدُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَذْكُرُهُ عَلَى بَيَانِ الْعَيْبِ عَادَةً. وَلَوْ وُجِدَ مِنْ الْمُشْتَرِي يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ. وَلَوْ اشْتَرَى سِمْسِمًا أَوْ زَيْتُونًا أَوْ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا هُنَا أَوْ يُخْرِجُ كَذَا دَقِيقًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَلَوْ شَرَطَ فِي الشَّاةِ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَالْكَرْخِيُّ يُفْسِدُ، وَالطَّحَاوِيُّ لَا يُفْسِدُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ. وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ فِي أَنَّ مَعْنَى الْحَلُوبِ مَا يَكُونُ لَبَنُهَا هَذَا الْمِقْدَارَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا إلَى غَايَةِ كَذَا، وَلَوْ كَانَ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ كَالْبَيْعِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَ فُلَانًا كَذَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ شَيْءٍ يُشْتَرَطُ عَلَى الْبَائِعِ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ إذَا شُرِطَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ لَا يَفْسُدُ بِهِ إذَا شُرِطَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي كَالْبَيْعِ بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَحُطَّ فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةً جَازَ الْبَيْعُ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِمِائَةٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ دِينَارًا مِنْ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَفِي الْمُنْتَقَى خِلَافُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي. قَالَ: لَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ دِينَارًا مِنْ الثَّمَنِ جَازَ وَهُوَ حَسَنٌ، لِأَنَّ حَاصِلَ هَذَا حَطِيطَةٌ مُشْتَرَطَةٌ وَمَآلُهَا إلَى الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْأَنْقَصِ. وَلَوْ بَاعَ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ أَوْ السُّفْلَ عَلَى أَنَّ لَهُ قَرَارَ الْعُلُوِّ جَازَ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ شَرِيكُ الْمُشْتَرِي فِي نِصْفِ هَذَا فَسَدَ. وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْهِمَا جَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ هَذَا الثَّوْبَ وَقَالَ أَنَا شَرِيكُك فِي نِصْفِهِ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَجُوزَ الْأَوَّلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَاصِلِ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنِصْفِ الْآخَرِ شَائِعًا صَفْقَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ بَاعَ هَذَا بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِسِتِّمِائَةِ فَقَدْ بَاعَ نِصْفَهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ (قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ) وَهُوَ يَوْمٌ فِي طَرْفِ الرَّبِيعِ وَأَصْلُهُ نَوْرُوزُ عَرَبٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: كُلُّ يَوْمٍ لَنَا نَوْرُوزٌ حِينَ كَانَ الْكُفَّارُ يَبْتَهِجُونَ بِهِ. وَالْمِهْرَجَانُ يَوْمٌ فِي طَرْفِ الْخَرِيفِ مُعَرَّبُ مهركان، وَقِيلَ هُمَا عِيدَانِ لِلْمَجُوسِ (وَصَوْمُ النَّصَارَى وَفِطْرُ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ) وَعُرِفَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَجَّلِ هُنَا هُوَ الثَّمَنُ لَا الْمَبِيعُ؛ لِأَنَّ

إلَّا إذَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا، أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ مَعْلُومَةٌ بِالْأَيَّامِ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ) ، وَكَذَلِكَ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَالْجِزَازِ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُجَرَّدَ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ مُفْسِدٌ، وَلَوْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُنَاسِبُ تَعْلِيلَ فَسَادِ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ. وَبِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَعْرِفْ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْفَسَادَ) بِالتَّأْجِيلِ إلَى هَذِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ خُصُوصِ أَوْقَاتِهَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ. فَلَوْ كَانَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ صَحَّ. قِيلَ: وَتَخْصِيصُهُ الْيَهُودَ بِالْفِطْرِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ابْتِدَاءَ صَوْمِهِمْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْسِدَ الْجَهَالَةُ، فَإِذَا انْتَفَتْ بِالْعِلْمِ بِخُصُوصِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ. وَلِذَا قَالَ (أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ بِالْأَيَّامِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ) وَهِيَ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا. وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ يَصِحُّ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا هُوَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنُ، أَمَّا لَوْ كَانَ ثَمَنًا عَيْنًا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالْأَجَلِ فِيهِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُفْسِدًا لِتَأْجِيلِ الْبَيْعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ. وَقَوْلِهِ (لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ) الْمُمَاكَسَةُ: اسْتِنْقَاصُ الثَّمَنِ، وَالْمَكْسُ وَالْمِكَاسُ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْبَيْعِ عَادَةً وَهُوَ يُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ، فَكَانَتْ الْمُنَازَعَةُ ثَابِتَةً فِي الْبَيْعِ لِوُجُودِ مُوجِبِهَا فِي الْجُمْلَةِ. وَعِنْدَ جَهَالَةِ وَقْتِ الْقَبْضِ يُحَصِّلُ أُخْرَى عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالدِّينِ وَالنَّفْسِ فَلَا يُشْرَعُ الْعَقْدُ مَعَ ذَلِكَ. وَحَقِيقَةُ هَذَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِنَا لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعُ هَذِهِ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ. بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْحَصَادِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا (وَ) مِثْلُهُ (الْقِطَافُ) وَهُوَ لِلْعِنَبِ (وَالدِّيَاسُ) وَهُوَ دَوْسُ الْحَبِّ بِالْقَدَمِ لِيَنْقَشِرَ، وَأَصْلُهُ الدِّوَاسُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّوْسِ قُلِبَتْ يَاءً لِلْكَسْرِ قَبْلَهَا (وَالْجِزَازُ) أَيْ جَزَّ صُوفِ الْغَنَمِ (لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ) وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِزَازُ النَّخْلِ (وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُسْتَدْرَكَةٌ) أَيْ قَرِيبٌ تَدَارُكُهَا وَإِزَالَةُ جَهَالَتِهَا وَتَحْلِيلُ الدَّلِيلِ هَكَذَا هَذِهِ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ. وَكُلُّ جَهَالَةٍ يَسِيرَةٍ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فَهَذِهِ مُتَحَمَّلَةٌ فِيهَا. وَعَلَى هَذَا فَالسُّؤَالُ الْمُورَدُ مِنْ قِبَلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ كَوْنُ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ مُتَحَمَّلَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّأْجِيلُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمَجْهُولَةِ مُتَحَمَّلًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ حَيْثُ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ وَصْفِهِ ثُمَّ لَا يَصِحُّ فِي اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْآجَالِ سُؤَالُ أَجْنَبِيٍّ عَنْ هَذَا الْمَحِلِّ. ثُمَّ أَجَابَ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ هَذِهِ الْآجَالِ فِي الصَّدَاقِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْبَعْضِ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الصَّدَاقِ إلَيْهَا. وَإِنَّمَا يَرِدُ هَذَا إذَا قِيلَ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الصَّدَاقِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فَيُورَدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِعَدَمِ تَحَمُّلِهِ جَهَالَةَ هَذِهِ الْآجَالِ وَيُجَابُ بِمَا ذُكِرَ. وَقَوْلُهُ (لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ)

وَلِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ تُكْفَلُ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ، فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حَيْثُ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلٌ فِي الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُتَحَمَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ، وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. (وَلَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهَا جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ، فَإِنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ أَجَازَهُ كَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَجَازَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ. وَابْنُ عَبَّاسٍ مَنَعَهُ وَبِهِ أَخَذْنَا. وَلَوْ كَانَتْ جَهَالَةً قَوِيَّةً لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مَعَهَا، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْعَطَاءَ كَانَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ فَجَازَ كَوْنُهُ أَجَلًا إذْ ذَاكَ لِصِدْقِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فِي مِيعَادِهِمْ فِي صَرْفِهِ، وَأَمَّا الْآنَ فَيَتَأَخَّرُ عَنْ مَوَاعِيدِهِمْ كَثِيرًا فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَيْهِ الْآنَ. فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ قَلِيلًا بِنَحْوِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَأَهْدَرَتْهُ عَائِشَةُ وَاعْتَبَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. ثُمَّ قِيلَ: الْيَسِيرَةُ مَا يَكُونُ الْمُوجِبُ لِلْجَهَالَةِ التَّرَدُّدَ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَالْفَاحِشَةُ هِيَ مَا يَكُونُ التَّرَدُّدُ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ كَهُبُوبِ الرِّيحِ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ) أَيْ؛ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ مَعْلُومٌ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْكَفَالَةِ إذْ يَسْتَلْزِمُ دَيْنًا: يَعْنِي الْأَصْلَ وَهُوَ الدَّيْنُ مَعْلُومٌ وَالْجَهَالَةُ فِي وَصْفِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُؤَجَّلًا إلَى كَذَا الَّذِي قَدْ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ. وَقَوْلُهُ (أَلَا يَرَى إلَى آخِرِهِ) ابْتِدَاءٌ لَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ كَوْنَ الْجَهَالَةِ يَسِيرَةً بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مِثْلِهَا. وَبِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَكْفُولَ بِهِ مَعْلُومُ الْأَصْلِ فَلَمْ تَبْقَ جَهَالَةٌ إلَّا فِي الْوَصْفِ، وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ يَسِيرَةٌ ثُمَّ ارْتَفَعَ إلَى أَوْلَوِيَّةِ صِحَّةِ هَذِهِ الْآجَالِ فِي الْكَفَالَةِ بِأَنَّ بَعْضَ الْكَفَالَةِ تَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْأَصْلِ كَالْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ وَالذَّوْبُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْوُجُودِ فَلَأَنْ يَتَحَمَّلَ جَهَالَةَ الْوَصْفِ فِيهِ أَوْلَى (بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ) فَاتَّجَهَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَحَمُّلِ أَصْلِ الْجَهَالَةِ عَدَمُ تَحَمُّلِ وَصْفِهِ، وَهُوَ أَخَفُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَقْوَى، أُجِيبُ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُهُ فِي الْحُكْمِ، وَعِلَّةُ عَدَمِ تَحَمُّلِهَا فِي الْأَصْلِ الْإِفْضَاءُ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي جَهَالَةِ الْوَصْفِ، ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَدَمُ تَحَمُّلِ الْبَيْعِ جَهَالَةَ هَذِهِ الْآجَالِ هُوَ إذَا ذُكِرَتْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. أَمَّا إذَا عَقَدَهُ بِلَا أَجَلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ ذِكْرِ الْأَجَلِ حَتَّى انْعَقَدَ صَحِيحًا (ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ. فَالتَّأْجِيلُ بَعْدَ الصِّحَّةِ كَالْكَفَالَةِ تَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَأْجِيلُ دَيْنٍ مِنْ الدُّيُونِ، بِخِلَافِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَقَبُولُ هَذِهِ الْآجَالِ شَرْطٌ فَاسِدٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ

الْآجَالِ ثُمَّ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ أَيْضًا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَصَارَ كَإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ) وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِلْمُنَازَعَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْقَطَا الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآجَالِ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى إسْقَاطِ الْأَجَلِ) قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ بِأَنْ أَسْقَطَاهُ (قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الدِّيَاسِ وَالْحَصَادِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ أَيْضًا) كَمَا جَازَ إذَا عُقِدَ بِلَا أَجَلٍ ثُمَّ أَلْحَقَ هَذِهِ الْآجَالَ (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ) وَتَقْيِيدُهُ بِهَذِهِ الْآجَالِ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ التَّأْجِيلِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَجَلَّ بِهَا ثُمَّ أَسْقَطَهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا. وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ (فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ) وَكَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بَعْدَ عَقْدِهِ بِلَا شُهُودٍ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ إذَا سَقَطَا الدِّرْهَمُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا (وَلَنَا) أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ مَانِعٌ مِنْ لُزُومِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ فِي اعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ الْأَجَلُ، وَصُلْبُ الْعَقْدِ الْبَدَلَانِ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ قَبْلَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي سَبَبَ الْفَسَادِ وَهُوَ الْمُنَازَعَةُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ ظَهَرَ عَمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ مَعْنَى انْقِلَابِهِ صَحِيحًا، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِشْهَادِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِنَّ عَدَمَ الْإِشْهَادِ عَدَمُ الشَّرْطِ وَبَعْدَ وُقُوعِ الْمَشْرُوعِ فَاسِدًا لِعَدَمِ الْمَشْرُوطِ لَا يَعُودُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ صَحِيحًا، مَثَلًا: إذَا صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ لَا تَصِيرُ تِلْكَ الصَّلَاةُ صَحِيحَةً، وَإِنَّمَا نَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَبْلَ عَدَمِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَذَلِكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ فَلَيْسَ هُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ بَلْ عَقْدٌ آخَرُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ نَسْخِ الْمُتْعَةِ وَعَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ لَا يَنْقَلِبُ عَقْدًا آخَرَ فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ الدِّرْهَمِ (لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) وَاَلَّذِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى الْجَوَابِ مَا إذَا سَقَطَ الرَّطْلُ الْخَمْرُ فِيمَا إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ وَرَطْلِ خَمْرٍ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ

وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ مُتْعَةٌ وَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ تَرَاضَيَا خَرَجَ وِفَاقًا؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ يَسْتَبِدُّ بِإِسْقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ. قَالَ (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَل الْبَيْعُ فِيهِمَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالشَّاةِ الذَّكِيَّةِ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَسَدَ فِيهِمَا، وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيْتَةِ، وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ، إذْ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْقِلَابِهِ صَحِيحًا فِي آخِرِ الصَّرْفِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ. هُوَ تَبَعٌ لِلْأَلْفِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ. بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْخَمْرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْخَمْرِ هُوَ الثَّمَنُ وَيَفْسُدُ إذْ لَا مُسْتَتْبِعَ هُنَاكَ، هَذَا وَإِلْحَاقُ زُفَرَ بِالنِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ فَإِنَّهُ يُجِيزُ النِّكَاحَ الْمُوَقَّتَ. ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ تَرَاضَيَا) أَيْ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا) سَوَاءٌ فَصَلَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ لَمْ يَفْصِلْ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ فِي الْعَبْدِ) بِمَا سَمَّى لَهُ وَكَذَا فِي الذَّكِيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يُسَمِّ بَطَلَ بِالْإِجْمَاعِ. وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مَالِكٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ دَنَّيْنِ خَلًّا فَإِذَا أَحَدُهُمَا خَمْرٌ (وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ) وَلَمْ يَفْصِلْ الثَّمَنَ (صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ) . وَقَالَ زُفَرُ فَسَدَ فِيهِمَا، وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيْتَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمَّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ (لِزُفَرَ الِاعْتِبَارُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرٍّ وَلَمْ يَفْصِلْ ثَمَنَ كُلٍّ بِجَامِعِ أَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ مَا يَصِحُّ مَجْمُوعًا صَفْقَةً وَهُوَ يُوجِبُ انْتِفَاءَ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَجْمُوعِ إذْ يَصْدُقُ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلٌّ

وَلَهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْقِنِّ، كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ الْقَبُولُ فِي الْحُرِّ شَرْطًا لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ مَوْقُوفٌ وَقَدْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ فِي عَبْدِ الْغَيْرِ بِإِجَازَتِهِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُدَبَّرِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ بِمَالٍ (وَلَهُمَا) فِي الْأَوَّلِ (أَنَّ الْفَسَاد لَا يَتَعَدَّى) مَحِلَّ الْمُفْسِدِ، وَبَعْدَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ يَقْتَصِرُ الْمُفْسِدُ وَهُوَ عَدَمُ الْمَحَلِّيَّةِ عَلَى الْحُرِّ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِلَا مُوجِبٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ انْفَصَلَ عَنْ الْآخَرِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَبْدًا وَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ حِينَئِذٍ فِي الْقِنِّ لِجَهَالَةِ ثَمَنِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ) أَعْنِي الْجَمْعَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْجَمْعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْعَبْدِ (أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا وَالْبَيْعَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَابِلِ أَنْ يَقْبَلَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ جَعْلِ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي كُلٍّ شَرْطًا فِي بَيْعِهِ الْآخَرَ فَقَدْ شَرَطَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ قَبُولَهُ فِي الْحُرِّ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ بَيْعُ الْعَبْدِ (بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. أَمَّا بَيْعُ هَؤُلَاءِ فَمَوْقُوفٌ) عَلَى الْقَضَاءِ فِي الْمُدَبَّرِ وَرِضَا الْمُكَاتَبِ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِجَازَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ (فَقَدْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ) عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ

أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ فَكَانَ هَذَا إشَارَةً إلَى الْبَقَاءِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا فَدَخَلَتْ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ) أَيْ مَالِكَ الْعَبْدِ الْمَضْمُومَ إلَى عَبْدِ الْبَائِعِ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ (بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ) بَعْدَ وُجُودِهِ فِيمَا يَقْبَلُهُ، وَهَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ التَّابِعِينَ اللَّاحِقَ هَلْ يَرْفَعُ خِلَافَ الصَّحَابَةِ السَّابِقَ عِنْدَهُمَا لَا يَقْوَى لِرَفْعِ خِلَافِ الصَّحَابَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ، فَلِذَا صَحَّ الْقَضَاءُ بِبَيْعِهَا عِنْدَهُمَا نَظَرًا إلَى الْخِلَافِ. وَعِنْدَهُ لَا نَظَرًا إلَى الْإِجْمَاعِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ عُبَيْدَةَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَالَ بَدَا لِي رَأْيٌ أَنَّهُنَّ يُبَعْنَ فَقَالَ رَأْيُك فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا أَوْ كُلَّهُمْ إلَّا عَلِيًّا. وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ إذَا بَاعَهُمَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّرْفِ، فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يَتَّضِحُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا وَبَيْنَ الذَّبِيحَةِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِضَعْفِ الْفَسَادِ فِي مَتْرُوكِهَا لِلِاجْتِهَادِ. أُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ بِهِ، وَالِاجْتِهَادُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ نَفْسُ الِاجْتِهَادِ خَطَأٌ لِمُصَادَمَتِهِ ظَاهِرَ النَّصِّ. هَذَا، وَقَدْ يُجْعَلُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادِهَا، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّ تَعَدُّدَهَا عِنْدَهُمَا بِتَعَدُّدِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ. وَعِنْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ التَّعَدُّدُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَكْرَارِ لَفْظِ الْبَيْعِ. وَمَا فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا فَصَّلَ الثَّمَنَ وَسَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ وَاتَّحَدَ الْبَاقِي كَانَتْ الصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةً هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَوْرَدَ مِنْ قَبْلَهُمَا أَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَصِحُّ شَرْطٌ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا. أُجِيبَ بِمَنْعِ اشْتِرَاطِ النَّفْعِ فِي إفْسَادِ الشَّرْطِ أَوَّلًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ فَفِيهِ نَفْعٌ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِهِ قَبُولَ بَدَلِهِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَكُونُ بَدَلُهُ خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ فَيَكُونُ رِبًا. وَقَوْلُهُ (وَكَانَ هَذَا) يَعْنِي رَدَّ الْبَيْعِ (إشَارَةٌ إلَى الْبَقَاءِ) يَعْنِي دُخُولَهُمْ تَحْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْبَيْعِ بِدُونِ انْعِقَادِهِ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا خَرَجُوا بَعْدَ دُخُولِهِمْ لَا يَكُونُ فِيهِ بَيْعٌ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً بَلْ بَقَاءً كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ وَحْدَهُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الْآخَرِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِذَا كَانَ الْمُدَبَّرُ وَمَا مَعَهُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ جَمْعُهُ مَعَ الْقِنِّ يَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطَ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ.

[فصل في أحكام البيع الفاسد]

(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ) (وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ] فِي الْكَافِي جَمَعَ بَيْنَ وَقْفٍ وَمِلْكٍ وَأَطْلَقَ صَحَّ فِي الْمِلْكِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يَفْسُدُ فِيهِمَا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: جَازَ فِي الْمِلْكِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ. وَلَوْ بَاعَ كَرْمًا فِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ، إنْ كَانَ عَامِرًا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَإِلَّا لَا، وَكَذَا فِي الْمَقْبَرَةِ. وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فِيهِ طَرِيقٌ لِلْعَامَّةِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالطَّرِيقُ عَيْبٌ. وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا بِطَرِيقِهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الطَّرِيقَ، إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بِحِصَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا إنْ كَانَ الطَّرِيقُ مُخْتَلِطًا بِهَا، وَإِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا لَزِمَهُ الدَّارُ بِحِصَّتِهَا. وَمَعْنَى اخْتِلَاطِهِ كَوْنُهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ الْحُدُودَ. وَفِي الْمُنْتَقَى: إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ مَحْدُودًا فَسَدَ الْبَيْعُ، وَالْمَسْجِدُ الْخَاصُّ كَالطَّرِيقِ الْمَعْلُومِ، وَلَوْ كَانَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَوْ كَانَ مَسْجِدَ جَامِعٍ فَسَدَ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْدُومًا أَوْ أَرْضًا سَاحَةً لَا بِنَاءَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مَسْجِدَ جَامِعٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُتَفَرِّعٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْجِدِ، إلَّا إنْ كَانَ مَنْ رِيعُهُ مَعْلُومٌ يُعَادُ بِهِ، وَلَوْ بَاعَ قَرْيَةً وَفِيهَا مَسْجِدٌ وَاسْتَثْنَى الْمَسْجِدَ جَازَ الْبَيْعُ. [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ) قَالَ (وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ) صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا سَيَأْتِي (وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الصَّحِيحِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَكَيْفَ بِالْفَاسِدِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْقِيمَةِ عَيْنًا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ، أَمَّا مَعَ قِيَامِهِ فِي يَدِهِ فَالْوَاجِبُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَنَالُ بِهِ نِعْمَةَ الْمِلْكِ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ، وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْضُ الْقَبْضِ، وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ. وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ. مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ. وَرُكْنُهُ: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَفِيهِ الْكَلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَدُّهُ بِعَيْنِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ (مَحْظُورٌ فَلَا يَنَالَ بِهِ نِعْمَةَ الْمِلْكِ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ؛ لِلتَّضَادِّ) بَيْنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالنَّهْيِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ (وَلِهَذَا) أَيْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ (لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَثَبَتَ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ (وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ) فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِانْتِفَاءِ مَشْرُوعِيَّةِ السَّبَبِ (وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْعَقْدِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَلَا فِي الْمَحَلِّيَّةِ وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِيهِ الْكَلَامُ) أَيْ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدُ عِوَضَانِ هُمَا مَالَانِ. قَوْلُهُ (نِعْمَةَ) الْمِلْكِ لَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، بَلْ مَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا لِحُكْمٍ إذَا نَهَى عَنْهُ عَلَى وَضْعٍ خَاصٍّ فَفُعِلَ مَعَ ذَلِكَ الْوَضْعَ رَأَيْنَا مِنْ الشَّرْعِ أَنَّهُ أَثْبَتَ حُكْمَهُ وَأَتَمَّهُ. أَصْلُهُ الطَّلَاقُ وَضَعَهُ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ وَنَهَى عَنْهُ بِوَضْعٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا ثُمَّ رَأَيْنَاهُ أَثْبَتَ حُكْمَ طَلَاقِ الْحَائِضِ فَأَزَالَ بِهِ الْعِصْمَةَ حَتَّى أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَأَثِمَ الْمُطَلِّقُ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ نَهَى عَنْ مُبَاشَرَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْفُلَانِيِّ إذَا بُوشِرَ مَعَهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَيَعْصِي بِهِ. وَقَوْلُهُ النَّهْيُ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ: يَعْنِي يُفِيدُ انْتِفَاءَهَا مَعَ الْوَصْفِ، فَنَقُولُ: مَا تُرِيدُ بِانْتِفَاءِ مَشْرُوعِيَّةِ السَّبَبِ كَوْنُهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ أَوْ كَوْنُهُ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ؟ إنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ وَمَتَّعْنَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ كَمَا أَرَيْنَاك مِنْ الشَّرْعِ، وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ فَهُوَ مَحِلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُصَادَرَةٌ حَيْثُ جَعَلْت مَحِلَّ النِّزَاعِ جُزْءَ الدَّلِيلِ. لَا يُقَالُ فَلَا فَائِدَةَ لِلنَّهْيِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّأْثِيمُ وَهُوَ مَوْضِعُ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ رُكْنَ الْعَقْدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ عَقَدَ عَلَى الْخَمْرِ أَوْ الْمَيْتَةِ لِعَدَمِ الرُّكْنِ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ أَصْلًا فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَوَضَعْنَا الِاصْطِلَاحَ عَلَى الْفَاسِدِ

وَالنَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ، وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبَاطِلِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا تَمْيِيزًا فَسَمَّيْنَا مَا لَا يُفِيدُ بَاطِلًا وَمَا يُفِيدُهُ فَاسِدًا أَخْذًا مِنْ مُنَاسَبَةٍ لُغَوِيَّةٍ تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ هَذَا التَّقْرِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكِفَايَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ (النَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ) يُرِيدُونَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ يُقَرِّرُ مَشْرُوعِيَّتَهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ فَائِدَةٌ فَلَيْسَ بِذَاكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ النَّهْيِ عَنْهُ بِمَعْنَى إمْكَانِ فِعْلِهِ مَعَ الْوَصْفِ الْمُثِيرِ لِلنَّهْيِ لَا يُفِيدُ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ هَذَا الْمُتَصَوَّرَ يَقَعُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ. وَإِنْ أَرَادُوا تَصَوُّرَهُ شَرْعِيًّا: أَيْ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ قَالُوا نُرِيدُ تَصَوُّرَهُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا مَعَ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مُثِيرُ النَّهْيِ. قُلْنَا سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ الثَّابِتَ فِي صُورَةِ النَّهْيِ هُوَ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ فَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مَعَهُ. وَالْمَشْرُوعُ وَهُوَ أَصْلُهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ غَيْرِ الثَّابِتِ هُنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَصْلًا إذْ نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ: أَعْنِي مَا لَمْ يُقْرَنْ بِالْوَصْفِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ (فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ) يُقَالُ عَلَيْهِ مَا تُرِيدُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ أَوْ مَا فِيهِ؟ إنْ قُلْت: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سَلَّمْنَاهُ وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ لَكِنَّ الثَّابِتَ الْبَيْعُ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَا فِيهِ الْوَصْفُ الْمُثِيرُ لِلنَّهْيِ فَلَا يُنَالُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ مَعَ النَّهْيِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ) فَالْمُرَادُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِ النَّهْيِ لَعَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا إذَا كَانَ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الرُّكْنِ وَإِلَّا فَالنَّهْيُ لِلْمُجَاوِرِ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ لَا الْحَظْرَ. وَالنَّهْيُ لِلْوَصْفِ اللَّازِمِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ يُفِيدُ الْحَظْرَ، هَذَا إلَّا أَنِّي أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ مَعَ ذَلِكَ: إنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَا بِمَالٍ فِي شَرِيعَتِنَا. فَإِنَّ الشَّارِعَ أَهَانَهُمَا بِكُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَعَنَ حَامِلَهَا وَمُعْتَصِرَهَا مَعَ أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ

وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ إذْ هُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ضَعُفَ لِمَكَانِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَبِيحِ فَيُشْتَرَطُ اعْتِضَادُهُ بِالْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالَ الِاعْتِصَارِ، بَلْ الْمَوْجُودُ حِينَئِذٍ نِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَمْرًا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَهِيَ مَالٌ فِي شَرْعِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَحَيْثُ أَمَرَنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَقَدْ أَمَرَنَا بِاعْتِبَارِ بَيْعِهِمْ إيَّاهَا وَبَيْعِهِمْ بِهَا، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْعِهِمْ فَصَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى آخِرِهِ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هَذَا الْبَيْعُ يُفِيدُهُ حُكْمُهُ فَمَا وَجْهُ تَرَاخِيهِ عَنْهُ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ؟ فَأَجَابَ: وَحَاصِلُ الْوَجْهِ فِيهِ أَنَّا قَدْ أَرَيْنَاك أَنَّهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَأَنَّ مَا هُوَ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ طَلَبَ الشَّرْعُ رَفْعَهُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَإِنْ تَرَتَّبَ حُكْمُهُ كَمَا أَمَرَ بِمُرَاجَعَةِ الْحَائِضِ فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَحَيْثُ أَمَرَنَا بِإِعْدَامِهِ بَعْدَ فِعْلِهِ صَارَ فِيهِ ضَعْفٌ، وَرَأَيْنَا حُكْمَ السَّبَبِ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَأَخَّرْنَاهُ إلَى الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ بِهِ يَتَأَكَّدُ الْعَقْدُ فَيُوجِبُ حِينَئِذٍ حُكْمَهُ كَالْهِبَةِ لَمَّا ضَعُفَ السَّبَبُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا بِالْقَبْضِ. وَقَوْلُهُ (كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ) أَيْ إلَى زِيَادَةِ تَقْرِيرِهِ، فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَيْهِ تَزِيدُهُ وُجُودًا مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ فَلَا يَفْعَلْ ذَلِكَ.

الْهِبَةِ، وَالْمَيْتَةِ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ وَشَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ وَهِيَ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَا مُثَمَّنًا. ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ دَلَالَةً كَمَا إذَا قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ بِحُكْمِ التَّسْلِيطِ السَّابِقِ، وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ) يُرِيدُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ مَبِيعًا؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِهَا الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ إعْزَازًا لَهَا. وَقَوْلُهُ (وَشَيْءٌ آخَرُ) أَيْ وَجْهٌ آخَرُ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ مَبِيعَةً، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ حِينَئِذٍ تَسْلِيمُ قِيمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَسْلِيمِهَا وَتَسَلُّمِهَا، وَالْقِيمَةَ لَا تَكُونُ إلَّا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَتَصِيرُ الْقِيمَةُ مَبِيعَةً لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَبِيعٍ. وَهُوَ خِلَافُ وَضْعِ الشَّرْعِ فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ مِنْ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِلسِّلَعِ مِنْ النُّقُودِ ثَمَنٌ: لَا يُقَالُ: لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إذَا قُوبِلَتْ بِمِثْلِهَا صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا، وَالْخَمْرُ قَدْ قُوبِلَتْ بِالدَّرَاهِمِ فَإِذَا نَزَلَتْ الْقِيمَةُ مَكَانَهَا صَارَتْ دَرَاهِمَ مُقَابَلَةً بِدَرَاهِمَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الثَّابِتُ هُنَا كَوْنُ كُلٍّ مَبِيعًا وَثَمَنًا، وَهُنَا يَلْزَمُ مَبِيعًا لَيْسَ غَيْرَ. وَقَدْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْفَاسِدِ الْقِيمَةَ لَا الثَّمَنَ وَالْمَدْفُوعُ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ قِيمَتَهَا آلَ إلَى الصَّرْفِ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ مَبِيعًا وَثَمَنًا كَالْقِيمَةِ الَّتِي يَدْفَعُهَا الْمُشْتَرِي (ثُمَّ شَرَطَ) فِي الْمِلْكِ (أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ) مِنْ الْمَذْهَبِ (إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْإِذْنِ دَلَالَةً كَمَا إذَا) اجْتَرَّهُ فَ (قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ (اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ بِحُكْمِ التَّسْلِيطِ السَّابِقِ) أَمَّا إذَا كَانَ أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا، وَلَوْ كَانَ الْقَبْضُ مَعَ غَيْبَةِ الْبَائِعِ، وَلَوْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَعْفِهِ عَنْ إفَادَةِ حُكْمِهِ بِنَفْسِهِ وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلصَّحِيحِ وَتُسَمَّى الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ضَعْفَهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ ثُبُوتِ حُكْمِهِ بِمُجَرَّدِهِ لَا مَنْعِ قَبْضِهِ مُطْلَقًا، وَصَارَ كَالْهِبَةِ

فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ فَيَخْرُجُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ وَالرِّيحِ وَالْبَيْعِ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ، فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَأَمَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَلْزَمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ضَعْفِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّ الْقَبْضَ فِيهَا (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا) وَأَثَرُ الضَّعْفِ يَكْفِي فِيهِ كَوْنُ التَّسْلِيطِ الَّذِي يَثْبُتُ مُقَيَّدًا بِالْمَجْلِسِ، حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ قَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا كَانَ أَدَّى الثَّمَنَ بِمَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقٍ سَيَأْتِي. وَأَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ مِنْ اشْتِرَاطِ إذْنِ الْبَائِعِ فِي صِحَّةِ الْقَبْضِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ أَوْ كَانَ الثَّمَنُ خَمْرًا مَثَلًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ بِالْقَبْضِ، فَأَمَّا إذَا مَلَكَ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِذْنِ وَيَكُونُ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهُ إذْنًا مِنْهُ بِالْقَبْضِ. وَفِي الْمُجْتَبَى فِي التَّخْلِيَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَبْضٍ، وَفِي الْخُلَاصَةِ التَّخْلِيَةُ كَالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ: بَاعَ عَبْدًا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا وَاشْتَرَى عَبْدَهُ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَعْمِلَهُ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ: لَوْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مَلَكَهَا. وَقَوْلُهُ (فَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَدَمُ (الْبَيْعِ) وَبُطْلَانُهُ (بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ وَالْبَيْعِ بِالرِّيحِ وَالْبَيْعِ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ) كُلُّهَا بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْمَالِ فِي الْعِوَضِ، وَقَيَّدَ بِنَفْيِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَذْكُرَاهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ انْعَقَدَ فَاسِدًا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ مُوجِبًا لِلْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا سَكَتَ عَنْ عِوَضِهِ كَانَ عِوَضُهُ قِيمَتَهُ وَكَأَنَّهُ بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ. وَقَوْلُهُ (لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) يَعْنِي يَوْمَ الْقَبْضِ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَتَغَيَّرُ كَالْغَصْبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَهَذَا (فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَأَمَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَلْزَمُهُ الْمِثْلُ)

الْمِثْلُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهُ الْغَصْبَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ صُورَةً وَمَعْنًى أَعْدَلُ مِنْ الْمِثْلِ مَعْنًى. قَالَ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ) رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَهَذَا قَبْلَ الْقَبْضِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفِدْ حُكْمَهُ فَيَكُونُ الْفَسْخُ امْتِنَاعًا مِنْهُ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِقُوَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَلِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ ذَلِكَ دُونَ مَنْ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهَا الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ (لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ) أَيْ بِالْقِيمَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ. هَذَا وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الضَّامِنُ، فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْقَدْرِ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ) أَيْ لِلْمَعْصِيَةِ فَرَفْعُهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ مَكْرُوهٌ وَالْجَرْيَ عَلَى مُوجَبِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ تَمْلِيكٌ أَوْ انْتِفَاعٌ بِوَطْءٍ أَوْ لَبْسٌ أَوْ أَكْلٌ كَذَلِكَ: أَيْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْمَعْصِيَةِ وَهِيَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِهِ شَرْعًا قَطْعِيٌّ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَعُرِفَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِرَفْعِ الْمَعْصِيَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَالَ: وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَسْخُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ أَرَادَ مُجَرَّدَ بَيَانِ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْفَسْخِ فَوَقَعَ تَعْلِيلُهُ أَخَصَّ مِنْ دَعْوَاهُ. وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَا يَرْجِعُ إلَى الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَوْبٍ بِخَمْرٍ فَيَمْلِكُ كُلٌّ فَسْخَهُ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَقَّ الشَّرْعِ فَفِيهِ إلْزَامُ مُوجِبِ الْفَسْخِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِعِلْمِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ أَيْضًا وَلَمْ يَحْكِ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْخِلَافَ (وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ بِشَرْطٍ زَائِدٍ) كَالْبَيْعِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ وَنَحْوِهِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ يَمْلِكُ فَسْخَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَسْتَقِلُّ (مَنْ لَهُ) مَنْفَعَةُ (الشَّرْطِ) وَالْأَجَلِ بِالْفَسْخِ كَالْبَائِعِ فِي صُورَةِ الْإِقْرَاضِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْأَجَلِ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ (دُونَ مَنْ عَلَيْهِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّرْطِ إذَا كَانَتْ عَائِدَةً عَلَيْهِ صَحَّ فَسْخُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يُسْقِطَ الْأَجَلَ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، فَإِذَا فَسَخَهُ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَعِنْدَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَانْتَفَى اللُّزُومُ عَنْ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ تَمَكَّنَ كُلٌّ مِنْ فَسْخِهِ. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْكَافِي فَعَلَى هَذَا الْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ، أَمَّا إذَا زَادَ الْمُشْتَرَى فِي يَد الْمُشْتَرِي زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ أَوْ لَا أَوْ مُنْفَصِلَةً كَذَلِكَ أَوْ انْتَقَصَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ

إلَّا أَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُرَاضَاةُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الشَّرْطُ. قَالَ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالثَّانِي وَنُقِضَ الْأَوَّلُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَيْرِ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَسَنَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ) إلَى آخِرِهِ جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لِقُوَّةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ وِلَايَةُ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُرَاضَاةُ فِي حَقِّهِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا بَيْعًا صَحِيحًا (نَفَذَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ) الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فِي (الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ) بِالْعَقْدِ (الثَّانِي وَنَقْضِ الْأَوَّلِ) مَا كَانَ إلَّا (لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ) عِنْدَ مُعَارَضَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (يُقَدَّمُ) بِإِذْنِ اللَّهِ لِغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسِعَةِ عَفْوِهِ وَجُودِهِ وَفَقْرِ الْعَبْدِ وَضِيقِهِ، وَلَا يَنْقُضُ بِالصَّيْدِ إذَا أَحْرَمَ مَالِكُهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ حَيْثُ يُقَدَّمُ حَقُّ الشَّرْعِ عَلَى الْعَبْدِ. ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ لَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، فَيُطْلِقُهُ بِحَيْثُ لَا يَضِيعُ عَلَيْهِ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَلَا يُنْقَضُ بِاسْتِرْدَادِ وَارِثِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُتَعَلِّقَ لِلْوَارِثِ هُوَ نَفْسُ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْبَائِعِ فِي الرَّدِّ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَذَلِكَ، أَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِالْمَبِيعِ فَكَالْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا مُتَجَدِّدًا بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ لَا بِتَصَرُّفٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ قِيلَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَيْضًا إنَّمَا يُنْقَلُ إلَيْهِ الْمَبِيعُ مَشْغُولًا بِذَلِكَ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ فَلَا يَصِلُ مَا بَاعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي إلَّا مَشْغُولًا بِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ

وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَالثَّانِيَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْعَبْدِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَمَا حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الشَّفِيعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَ) أَيْضًا (الْأَوَّلُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ) ؛ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعَ الثَّانِيَ (حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) أَيْ الْبَائِعِ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ مَعَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَإِلَّا كَانَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ، قِيلَ عَلَيْهِ فَعَدَمُ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ فِي بَيْعِ نَفْسِهِ حِينَئِذٍ أَوْلَى. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَبْلَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي وَتَصَرُّفِهِ لَمْ يَكُنْ بِاسْتِرْدَادِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَائِنَ مِنْ جِهَتِهِ تَسْلِيطٌ عَلَى الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ بِأَنْ يَفْعَلَ الْمُسَلَّطُ، وَهَذَا التَّسْلِيطُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ لَهُ رَحْمَةً عَلَيْهِ أَنْ يُتَدَارَكَ بِالتَّوْبَةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِفِعْلِ الْمُسَلَّطِ، فَإِذَا لَمْ يُتَدَارَكْ حَتَّى فَعَلَ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ عَبْدٍ فَقَدْ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ الْمُكْنَةَ بِتَقْصِيرِهِ، وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ إلَّا لِتَدَارُكِ رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ، وَمَتَى أَخَّرَ حَتَّى تَعَلَّقَ حَقُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُوصَى لَهُ فَقَدْ فَوَّتَهُ. أَمَّا الْوَارِثُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِخَلَاصِ مَيِّتِهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَا أَمْكَنَ فَشُرِعَ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ لِذَلِكَ. وَهَذَا (بِخِلَافِ صَرْفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ) بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الشَّفِيعِ، وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ، وَبِالْإِعْتَاقِ قَدْ هَلَكَ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ، وَبِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ انْقَطَعَ الِاسْتِرْدَادُ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ. إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَكِّ الرَّهْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقُّ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ وَحَقَّ الْبَائِعِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُعَارِضُهُ، وَيَتَرَجَّحُ الشَّفِيعُ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّفِيعِ تَسْلِيطٌ عَلَى الشِّرَاءِ كَمَا فِي الْبَائِعِ. وَأُورِدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ مِنْ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ثَانٍ فَيَكُونُ نَاسِخًا. أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْسَخُ إذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْقُوَّةِ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَتَتَرَجَّحُ الشُّفْعَةُ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ) الْمُرَادُ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا بِخَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ) وَسَلَّمَهُ (فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ) فِيهِ (وَ) إنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ (بِالْإِعْتَاقِ قَدْ هَلَكَ) فَوَقَعَ الْإِيَاسُ عَنْ الِاسْتِرْدَادِ (فَتَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ، وَبِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ انْقَطَعَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ عَلَى مَا مَرَّ) فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا مِنْ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ: أَعْنِي الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ وَالِاسْتِرْدَادُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقِّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ فَقَدْ فَوَّتَ الْمُكْنَةَ بِتَأْخِيرِ التَّوْبَةِ. (وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ) بَعْدَ قَبْضِهِ (نَظِيرُ الْبَيْعِ) يَعْنِي إذَا كَاتَبَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ رَهَنَهُ فَهُوَ نَظِيرُ الْبَيْعِ (لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ) لِحَقِّ الْعَبْدِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ (إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَكِّ الرَّهْنِ) وَلَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِمَا بِذَلِكَ، بَلْ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ إذَا انْتَقَضَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَلَوْ

وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ عُذْرٌ؛ وَلِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعُ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، ثُمَّ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ إنَّمَا يَعُودُ إذَا لَمْ يَقْضِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قَضَى بِهَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لِتَحَوُّلِ حَقِّهِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ فَقَضَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَيْسَ لِمَالِكِهِ أَخْذُهُ؛ لِمَا قُلْنَا. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) فَإِنَّهُ إذَا أَجَّرَ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ (لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَرَفْعُ الْفَسَادِ عُذْرٌ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَكُونُ) الِاسْتِرْدَادُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَنَافِعِ الَّتِي لَمْ تَحْدُثْ (امْتِنَاعًا) عَنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَالنِّكَاحُ كَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ، فَإِذَا زَوَّجَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ شِرَاءً فَاسِدًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الرَّقَبَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُفَوِّتُهُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّ مَعَ الِاسْتِرْدَادِ النِّكَاحَ قَائِمٌ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْبَائِعُ، نَعَمْ تَصِيرُ بِحَيْثُ لَهُ مَنْعُهَا وَعَدَمُ ثُبُوتِهَا مَعَهُ بَيْتًا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَفِرَ بِهَا لَهُ وَطْؤُهَا. وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ أَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَأَخَذَ مُوجَبَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ وَيَرُدُّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ بَطَّنَهُ وَحَشَاهُ انْقَطَعَ الِاسْتِرْدَادُ كَمَا فِي الْغَصْبِ؛ وَلَوْ صَبَغَهُ فَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَإِعْطَاءِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَتَرْكِهِ وَتَضْمِينِ قِيمَتِهِ كَالْغَصْبِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَوْ فَعَلَهُ الْغَاصِبُ انْقَطَعَ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي انْقَطَعَ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الصَّبْغَ بِالصُّفْرَةِ يَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَالْغَصْبِ وَلَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِرْدَادُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي فَيَسْتَرِدُّ الْبَائِعُ مِنْ الْوَارِثِ وَلَا بِمَوْتِ الْبَائِعِ فَيَسْتَرِدُّ وَارِثُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَزِيَادَةُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لَا تَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ، إلَّا إذَا كَانَتْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَالْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ، وَنُقْصَانُهُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يَمْنَعُ فَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ مَعَ أَرْشِ النُّقْصَانِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَيْهِ وَيُضَمِّنَهُ تَمَامَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْ الْجَانِي، وَفِي قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي. وَلَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ مِنْهُ وَلَا الِاسْتِرْدَادُ مِنْ الْبَائِعِ، فَلَوْ رَدَّ أَوْ اسْتَرَدَّ لَزِمَهُ الْعُقْرُ لِلْبَائِعِ، أَمَّا إنْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ) قِيلَ يَعْنِي الْقِيمَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَوْ الثَّمَنَ الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ حَتَّى يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ (لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ) وَعَلَى هَذَا الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ وَالْقَرْضُ

(وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالرَّاهِنِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَخَذَ مِثْلَهَا لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاسِدُ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ الْجَائِزِ إذَا تَفَاسَخَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَحْبِسَ مَا اسْتَأْجَرَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ الَّتِي دَفَعَهَا لِلْمُؤَجِّرِ. وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ حَتَّى يَقْبِضَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ (وَلَوْ مَاتَ الْبَائِعُ) بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ الْمُؤَجِّرُ إجَارَةً فَاسِدَةً أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمَقْبُوضُ كَذَلِكَ، فَاَلَّذِي فِي يَدِهِ الْمَبِيعُ أَوْ الرَّهْنُ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ (لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ) إلَّا أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْمُشْتَرِي بِقَدْرِ مَا أَعْطَى فَمَا فَضَلَ فَلِلْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمُحِيلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُحْتَالُ الدَّيْنَ أَوْ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْمُحْتَالُ بِدَيْنِ الْحَوَالَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ مَعَ أَنَّ دَيْنَ الْمُحِيلِ صَارَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْمُحْتَالِ كَمَا فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ إنَّمَا يُوجِبُهُ ثُبُوتُ الْحَقِّ مَعَ الْيَدِ لَا مُجَرَّدُ الْحَقِّ وَلَا يَدَ لِلْمُحْتَالِ (ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ) الَّتِي دَفَعَهَا (قَائِمَةً يَأْخُذُهَا) الْمُشْتَرِي (بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) خِلَافًا لِمَا ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَرِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ تَتَعَيَّنُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لَكِنْ سَيَأْتِي مَا يُقَوِّيَ رِوَايَةَ أَبِي حَفْصٍ (؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ) وَالثَّمَنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ (وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَهُ أَخْذُ مِثْلِهَا) وَكَذَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُبَاعُ الْمَبِيعُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَمَّا دَفَعَهُ يُصْرَفُ إلَى الْغُرَمَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ مِثْلُ حَقِّهِ الْمُسْتَهْلَكِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي) أَوْ غَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) وَانْقَطَعَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي اسْتِرْدَادِهَا بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ

(وَقَالَا: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ) وَالْغَرْسُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ، ثُمَّ أَضْعَفُ الْحَقَّيْنِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى، وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِبَةِ الْمُشْتَرِي وَبَيْعِهِ فَكَذَا بِبِنَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُنْقَضُ الْبِنَاءُ) وَيُقْلَعُ الْغَرْسُ (وَتُسْتَرَدُّ الدَّارُ. لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ) فِي الدَّار الَّتِي يَسْتَحِقُّ فِيهَا الشُّفْعَةَ (أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ) بَيْعًا فَاسِدًا فِي الِاسْتِرْدَادِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ (يَحْتَاجُ) فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فِي الدَّارِ (إلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ) بَعْدَ الْعِلْمِ وَلَا يُورَثُ. وَحَقُّ هَذَا الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ وَيَثْبُتُ لِوَرَثَتِهِ (وَ) الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ (حَقَّ الشُّفْعَةِ الْأَضْعَفَ لَا يُبْطِلُ الْبِنَاءَ) وَالْغَرْسَ (فَأَقْوَاهُمَا) وَهُوَ حَقُّ الْبَائِعِ (أَوْلَى) أَنْ لَا يَبْطُلَ بِهِمَا فَيَثْبُتُ بِدَلَالَةِ ثُبُوتِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ) بِهِ (حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ) وَالْهِبَةِ (بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ فَإِنَّهُ) وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ (لَمْ يُوجَدْ) مَا يُبْطِلُهُ وَهُوَ تَسْلِيطُهُ عَلَى الْفِعْلِ: أَعْنِي الْبِنَاءَ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ النَّقْضُ وَالْقَلْعُ (وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) أَيْضًا

وَشَكَّ يَعْقُوبُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ يَأْخُذُهَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَنْكَرَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ لِمُحَمَّدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ؛ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَشَكَّ يَعْقُوبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) بِذَلِكَ، قَالُوا إنَّهُ شَكَّ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ لَا فِي مَذْهَبِهِ: يَعْنِي أَنَّ مَذْهَبَهُ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْبِنَاءَ وَلَكِنْ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي (فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى) هَذَا (الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ) فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا بَنَى فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا لَا شُفْعَةَ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، فَلَوْلَا قَوْلُهُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ بِالْبِنَاءِ لَمْ يُوجِبْ الشُّفْعَةَ فِيهَا، غَيْرَ أَنَّ حِكَايَةَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا وَإِنَّمَا رَوَيْت لَك أَنَّهُ يَنْقُضُ الْبِنَاءَ فَقَالَ بَلْ رَوَيْت لِي أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا صَرِيحٌ فِي الْإِنْكَارِ لَا فِي الشَّكِّ، وَصَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَنْقُلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُمَا وَعَدَمَ الْخِلَافِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَإِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ) مَعْنَاهُ أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَوُجُودُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِهِ وَعَدَمُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِهِ، وَعَلَى هَذَا فَثُبُوتُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ بِالْجَرِّ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشَّارِحِينَ قَالُوا: وَثُبُوتُهُ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَعَلَى الِاخْتِلَافِ خَبَرُهُ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَبْنِيٍّ وَالْمَعْنَى: ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى الْخِلَافِ، فَعِنْدَهُ يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَهُوَ قَائِلٌ بِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَيَثْبُتُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْأَوْجَهَ ثُبُوتُهُ بِثُبُوتِ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَالْمَعْنَى حَقُّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهَا فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَثُبُوتُ انْقِطَاعِهِ بِهِ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ فَلَهُ الْقَلْعُ وَالْهَدْمُ، وَعِنْدَهُ يَنْقَطِعُ فَلَا يُسْتَرَدُّ. وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّ طَلَبَ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لَا وَقْتَ الشِّرَاءِ. وَأُورِدُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا وَجَبَ نَقْضُهُمَا لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَفِيهِ تَقْرِيرٌ لِلْفَسَادِ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ نَقْضُهُمَا لِحَقِّ الْبَائِعِ وَهُوَ أَقْوَى وَفِيهِ إعْدَامُ الْفَسَادِ. أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ، فَإِنَّ الْبَائِعَ جَانٍ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ الشَّفِيعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّقْضِ لِأَجْلِ مَنْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ النَّقْضُ لِمَنْ جَنَى. فَإِنْ قِيلَ: إذَا نُقِضَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِأَجْلِ الشَّفِيعِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، كَمَا إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ عَنْ الْعَبْدِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إنَّمَا يَزُولُ بَعْدَ مِلْكِ الشَّفِيعِ فَيَثْبُتُ حَقُّ نَقْضِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ حُكْمًا لِمِلْكِهِ. هَذَا وَقَوْلُهُمَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْبِنَاءَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ يَمْنَعُ الِاتِّفَاقَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى إيجَابِ الْقَلْعِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَقَدْ لَا، فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِر يَعْلَمُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ الْقَلْعَ فَفِعْلُهُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْبَقَاءَ، قُلْنَا: الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا أَيْضًا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ عِنْدَنَا، وَقَوْلُكُمْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مَحِلُّ النِّزَاعِ فَأَقَلُّ الْأَمْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْخِلَافَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ النَّقْضَ فَفِعْلُهُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِهِ عَدَمَ الْبَقَاءِ إلَّا مُدَّةً مَا. وَأَمَّا تَعْلِيلُ بَعْضِهِمْ لَهُ بِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ عَبْدًا آخَرَ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ قَبْلَ الْهِبَةِ فِيهِ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَفْسُ الْعَاقِدِ الْجَانِي بِعَقْدِهِ هُوَ الَّذِي بَنَى فَلَا يَسْتَحِقُّ بِجِنَايَتِهِ. وَفِعْلُهُ الْمُقَرِّرُ لِمَعْصِيَتِهِ أَنْ يَقْطَعَ حَقَّ الْقَاصِدِ لِلتَّوْبَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ بِهِ حَقُّ مَنْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَذِنَ فِي تَقْدِيمِ حَقِّهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا فَبَاعَهَا) الْمُشْتَرِي (وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ لِبَائِعِهِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ) الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا عَمِلَ فَرَبِحَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَالَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَنَوْعٌ يَتَعَيَّنُ وَهُوَ مَا سِوَاهُمَا. وَالْخُبْثُ نَوْعَانِ: خُبْثٌ فِي الْبَدَلِ لِعَدَمِ

لَا يَتَعَيَّنَانِ عَلَى الْعُقُودِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ، وَهَذَا فِي الْخُبْثِ الَّذِي سَبَبُهُ فَسَادُ الْمِلْكِ، أَمَّا الْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ، وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكِ فِي الْمُبْدَلِ، وَخُبْثٌ لِفَسَادِ الْمِلْكِ. فَالْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ يَعْمَلُ فِي النَّوْعَيْنِ حَتَّى أَنَّ الْغَاصِبَ أَوْ الْمُودَعَ إذَا تَصَرَّفَا فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَهُمَا عَرَضٌ أَوْ نَقْدٌ وَأَدَّيَا ضَمَانَهُمَا وَفَضَلَ رِبْحٌ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الْغَيْرِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ فَيَثْبُتُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْخُبْثِ، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ بَدَلَ مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ بِمِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ، لَكِنَّهُ إنَّمَا تَوَسَّلَ إلَى الرِّبْحِ بِالْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَتَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبْحِ بِمَالِ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَنَّ نَقْدَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ إنْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ كَالْحَقِيقَةِ فِي أَبْوَابِ الرِّبَا، وَالْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ دُونَ الْخُبْثِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخُبْثِ فِيمَا يُوجِبُ فِيهِ عَدَمُ الْمِلْكِ حَقِيقَةَ الْخُبْثِ، وَهُوَ مَا يَتَعَيَّنُ كَالْجَارِيَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَيَتَعَدَّى إلَى بَدَلِهَا. وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فِيمَا يُوجِبُ فِيهِ عَدَمُ الْمِلْكِ الشُّبْهَةَ وَهُوَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ وَهُوَ نَهْيُهُ عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ فَلَا يَتَعَدَّى، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ مَا دُونَهَا كَشُبْهَةِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهَلُمَّ فَيَنْسَدُّ بَابُ التِّجَارَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ، فَلِذَا قَالَ: يَتَصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِالرِّبْحِ فِيهَا وَيَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ: إنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ تَتَعَيَّنُ فَحُكْمُ الرِّبْحِ فِي النَّوْعَيْنِ كَالْغَصْبِ لَا يَطِيبُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ رِوَايَةَ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ هُوَ الْأَصَحُّ، فَحِينَئِذٍ الْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا بِمَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي طَيِّبِ الرِّبْحِ صَرِيحُ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ، فَإِنَّ فِيهِ مُحَمَّدًا عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا بِأَلْفٍ وَتَقَابَضَا وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ قَالَ: يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْجَارِيَةَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا كَمَا قَالَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ) أَيْ عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ، بِخِلَافِ مَا سِوَاهَا مِنْ الشَّرِكَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمَا اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ وَالشَّرِكَةِ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْبِيَاعَاتِ أَوْ الْمُعَاوَضَاتِ مَذْكُورًا لِلْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ،

قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَضَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ) ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ شَرْطُ الطِّيبِ الضَّمَانُ وَقَدْ وُجِدَ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَطِيبُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهَلَكَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا وَيُعْطِيَ مِثْلَهَا عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إلَخْ) . قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا دَيْنُهُ (يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هُنَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ) أَيْ بِالْإِقْرَارِ عِنْدَ دَعْوَاهُ الْمَالَ (ثُمَّ اسْتَحَقَّ بِالتَّصَادُقِ) فَكَانَ الْمَقْبُوضُ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الدَّيْنُ (وَبَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ) أَيْ مِلْكًا فَاسِدًا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، أَمَّا عَيْنًا فَبِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ أَوْ ثَوْبٍ ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَاسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ يَصِحُّ عِتْقُ الْعَبْدِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ، إذْ لَا عِتْقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالْعَبْدُ بَدَلُ الْجَارِيَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ. وَإِذَا مَلَكَهُ فَاسِدًا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ خُبْثًا فَطَابَ لَهُ الرِّبْحُ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِقَاضِي خَانْ: بَدَلُ الْمُسْتَحَقُّ مَمْلُوكٌ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَبَاعَهُ الْمَدْيُونُ عَبْدًا لِغَيْرِهِ بِذَلِكَ الدَّيْنِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِهَذَا الْبَيْعِ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَلَمْ يَحْنَثْ، وَبَيَانُ فَسَادِ الْمِلْكِ فِي بَدَلِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الْمُبْدَلَ يَجِبُ رَدُّهُ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ؛ وَلَوْ حَصَلَ الرِّبْحُ فِي دَرَاهِمَ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ تَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخُبْثِ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْ دَرَاهِمَ فِيهَا شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ شُبْهَةِ الْخُبْثِ فَلَا تُعْتَبَرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ بَدَلًا عَمَّا يَزْعُمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي أَصْلِ دَعْوَاهُ الدَّيْنَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ فَدَفَعَ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل فيما يكره من البيوع]

(فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ) قَالَ (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ) وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ وَقَالَ «لَا تَنَاجَشُوا» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْبُيُوع] (فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ) لَمَّا كَانَ دُونَ الْفَاسِدِ أَخَّرَهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ دُونَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بَلْ فِي عَدَمِ فَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَهَذِهِ الْكَرَاهَاتُ كُلُّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْإِثْمِ. وَمُقْتَضَى النَّظَرِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أُصُولِنَا الشِّرَاءُ عَلَى سَوْمِ الْآخَرِ بِشَرْطِهِ، وَالْحَاضِرُ لِلْبَادِي فِي الْقَحْطِ وَالْإِضْرَارِ فَاسِدًا، وَتَلَقِّي الْجَلَبِ إذَا لَبِسَ بَاطِلًا أَوْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّهْيَ مُطْلَقُهُ لِلتَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ سَبَبًا لِلنَّهْيِ تُؤَكِّدُ الْمَنْعَ لَا تَصْرِفُهُ عَنْهُ، فَإِنَّ فِي اعْتِرَاضِ الرَّجُلِ عَلَى سَوْمِ الْآخَرِ بَعْدَ الرُّكُونِ وَطِيبِ نَفْسِ الْبَائِعِ بِالْمُسَمَّى إثَارَةً لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، وَشِرَاءُ مَا جِيءَ بِهِ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ لِيُغَالِيَ عَلَى النَّاسِ ضَرَرٌ عَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَحْرُمُ، وَكَذَا الْبَيْعُ مِنْ الْقَادِمِينَ مَعَ حَاجَةِ الْمُقِيمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ سِعْرَ الْبَلَدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ، أَوْ مُنْعَقِدًا وَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَكَوْنُ الْوَصْفِ مُجَاوِرًا أَوْ لَازِمًا لَا يَنْفِي مَا ذَكَرْنَا إذْ الِاصْطِلَاحَاتُ لَا تَنْفِي الْمَعَانِيَ الْحَقِيقَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلْبُطْلَانِ أَوْ الْفَسَادِ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفَسَادِ لَيْسَ إلَّا كَوْنَ الْعَقْدِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ لِلْمَعْصِيَةِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَيَمْلِكُ الْبَدَلَ مِنْهُ بِالْقَبْضِ، وَتَأَخُّرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ لَيْسَ إلَّا لِوُجُوبِ رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ بِرَفْعِهِ، وَيَجِبُ فِي هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ ذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَنْعُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الظَّنِّيَّةِ سَمَّوْهُ مَكْرُوهًا عَلَى اصْطِلَاحِنَا، وَلَمَّا كَانَ الرُّكْنُ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي ثَابِتًا جَعَلْته فَاسِدًا (قَوْلُهُ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ» ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ) بَعْدَمَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا فَإِنَّهُ تَغْرِيرٌ لِلْمُسْلِمِ ظُلْمًا، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا فَزَادَ الْقِيمَةَ لَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ نَفْعُ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ إذْ كَانَ شِرَاءُ الْغَيْرِ بِالْقِيمَةِ. (قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنَاجَشُوا» ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ

قَالَ (وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَسْتَمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغٍ ثَمَنًا فِي الْمُسَاوَمَةِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا. قَالَ (وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ) وَهَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إلَّا إذَا لَبَّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ فَحَيْثُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالضَّرَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» وَالنَّجَشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِسُكُونِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ وَعَنْ السَّوْمِ) أَيْ وَنَهَى عَنْ السَّوْمِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي لَفْظِ «لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ إلَى أَنْ قَالَ «وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» وَعَرَفْت مُثِيرَهُ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيحَاشِ وَالْإِضْرَارِ، وَشَرْطَهُ وَهُوَ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِثَمَنٍ وَيَقَعَ الرُّكُونُ بِهِ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَدْفَعُ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ أَوْ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ رَجُلٌ وَجِيهٌ فَيَبِيعُهُ مِنْهُ لِوَجَاهَتِهِ. وَأَمَّا صُورَةُ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ بِأَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ثَمَنِ سِلْعَةٍ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَقُولُ أَنَا أَبِيعُك مِثْلَ هَذِهِ السِّلْعَةِ بِأَنْقَصَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ فَيَضُرُّ بِصَاحِبِ السِّلْعَةِ فَظَهَرَ تَصْوِيرُ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَالْوَارِدُ فِيهِمَا حَدِيثَانِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ لَفْظِ الْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» جَامِعًا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَجَازًا، إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرِدْ حَدِيثُ الِاسْتِيَامِ، وَكَذَا مَحِلُّهُ فِي الْخِطْبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يُزِيدُوا وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» . قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. وَلِلتَّلَقِّي صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ الْمُشْتَرُونَ لِلطَّعَامِ مِنْهُمْ فِي سَنَةِ حَاجَةٍ لِيَبِيعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِزِيَادَةٍ، وَثَانِيَتُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِالسِّعْرِ، وَلَا خِلَافَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّهُ إذَا خَرَجَ إلَيْهِمْ لِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْصَى، أَمَّا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ اتَّفَقَ أَنْ خَرَجَ فَرَآهُمْ فَاشْتَرَى فَفِي مَعْصِيَتِهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ يَعْصِي، وَالْوَجْهُ لَا يَعْصِي إذَا لَمْ يَلْبَسْ. وَعِنْدَنَا مَحْمَلُ النَّهْيِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ لَبِسَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَضُرَّ وَلَمْ يَلْبَسْ فَلَا بَأْسَ

قَالَ (وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبِعْ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي» وَهَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ. قَالَ: (وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ثُمَّ فِيهِ إخْلَالٌ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَالَ (وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي مَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ، وَمَحْمَلُ النَّهْيِ (إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي عَوَزٍ) أَيْ حَاجَةٍ (أَوْ قَحْطٍ وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي) لِلْإِضْرَارِ بِهِمْ وَهُمْ جِيرَانُهُ (أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ) وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ أَنْ يَمْنَعَ السِّمْسَارَ الْحَاضِرُ الْقَرَوِيَّ مِنْ الْبَيْعِ وَيَقُولَ لَهُ لَا تَبِعْ أَنْتَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْك فَيَتَوَكَّلُ لَهُ وَيَبِيعُ وَيُغَالِي. وَلَوْ تَرَكَهُ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ لَرَخَّصَ عَلَى النَّاسِ. وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ زَادَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَفِي الْمُجْتَبَى: هَذَا التَّفْسِيرُ أَصَحُّ، ذَكَرَهُ فِي زَادِ الْفُقَهَاءِ لِمُوَافَقَتِهِ الْحَدِيثَ، وَعَلَى هَذَا فَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا لَيْسَ هُوَ تَفْسِيرُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَهُوَ صُورَةُ النَّهْيِ بَلْ تَفْسِيرٌ لِضِدِّهَا وَهِيَ الْجَائِزَةُ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّمْسَارِ وَتَعَرُّضِهِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ عِلِّيَّةِ نَهْيِ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي قَالَ: الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا فَنَهَى عَنْهُ لِلسِّمْسَارِ (قَوْلُهُ وَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ. قَالَ تَعَالَى) إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] كَأَنَّهُ يَجْعَلُ الْوَقْتَ مِنْ حِينِ الْأَذَانِ مَشْغُولًا بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَعْظِيمًا لَهَا كَمَا قَالُوا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ (وَفِيهِ) زِيَادَةُ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى (الْإِخْلَالِ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ) وَهُوَ مَا يَكُونُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ (كُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) أَيْ كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا يُكْرَهُ: أَيْ لَا يَحِلُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا حَتَّى يَجِبَ الثَّمَنُ) وَيَثْبُتَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لَكِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدَّمْنَا قَوْلَ مَالِكٍ بِالْبُطْلَانِ فِيهِ وَفِي النَّجْشِ. وَكَذَا بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَعَلَّلَ الصِّحَّةَ (بِأَنَّ الْفَسَادَ) فِيهِ (فِي مَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ) وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْدِ لَيْسَ فِي صُلْبِهِ قَالَ: إلَّا أَنْ يَئُولَ الْخَارِجُ بِالْمُجَاوِرِ، وَأَنْتَ عَلِمَتْ مَا

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ؛ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى نَوْعٍ مِنْهُ» . قَالَ (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَنَا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) وَهُوَ صِفَةُ الْبَيْعِ الَّذِي فِي أَسْوَاقِ مِصْرَ الْمُسَمَّى بِالْبَيْعِ فِي الدَّلَالَةِ (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ فَقَالَ لَهُ: أَمَّا فِي بَيْتِك شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا، فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ فَأْسًا فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ» . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا فِيمَنْ يَزِيدُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلَتْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ ثِقَةٌ (قَوْلُهُ نَوْعٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ: أَيْ الَّذِي لَا يَحِلُّ عَلَى مَا عَرَفْت أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَإِنَّمَا فَصَّلَهُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ لِمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّهَا مَسَائِلُ يَجْمَعُهَا مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ التَّفْرِيقُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ) بِأَيِّ سَبَبِ فَرْضٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ شِرَاءً أَوْ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا (صَغِيرَيْنِ) أَوْ (أَحَدُهُمَا وَبَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمَةٌ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا) سَوَاءٌ كَانَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَذَكَرَهُ بِصُورَةِ النَّفْيِ مُبَالَغَةً فِي الْمَنْعِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَى جَوَازِ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْمَوْتُ إلَى انْقِضَاءِ زَمَانِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْهُومٌ (وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ؛

«وَوَهَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ؟ فَقَالَ: بِعْت أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: أَدْرِكْ أَدْرِكْ، وَيُرْوَى: اُرْدُدْ اُرْدُدْ» ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَنُظِرَ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ حُيَيِّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُ فِي الصَّحِيحِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ، وَلِلِاخْتِلَافِ فِيهِ لَمْ يُصَحِّحْهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِقِصَّةٍ. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:؟ «مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا» وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَفِيهِ طَلِيقُ بْنُ مُحَمَّدٍ، تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَتَارَةً عَنْهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، وَتَارَةً عَنْ طَلِيقٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ طَلِيقًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ يُرِيدُ خُصُوصَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَشُهْرَةٌ وَأَلْفَاظٌ تُوجِبُ صِحَّةَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ فِيهِ، وَهُوَ مَنْعُ التَّفْرِيقِ إلَّا أَنَّ فِي سَوْقِهَا طُولًا عَلَيْنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُك؟ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: رُدَّهُ رُدَّهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَتَعَقَّبَهُ أَبُو دَاوُد بِأَنَّ مَيْمُونًا لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا وَهُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمُرْسَلَ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْيٌ فَأَمَرَنِي بِبَيْعِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتهمَا وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا فَارْتَجِعْهُمَا وَبِعْهُمَا جَمِيعًا فَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا» وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَنَفَى ابْنُ الْقَطَّانِ الْعَيْبَ عَنْهُ وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى مَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَلَا يَضُرُّ عَلَى أَصْلِنَا عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ) أَيْ يُصْلِحُ شَأْنَهُ (فَكَانَ فِي التَّفْرِيقِ قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْآثَارِ:

ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنْبَأَنَا مَالِكُ بْنُ أَبِي الْخَيْرِ الزِّيَادِيُّ عَنْ أَبِي قُنْبُلٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُبَجِّلْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا» وَعَلَى نَحْوِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَهُوَ مَعْنًى مَشْهُورٌ لَا شَكَّ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلُهُ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ) كَمَحْرَمِ الرَّضَاعِ وَامْرَأَةِ الْأَبِ (وَلَا قَرِيبُ غَيْرُ مَحْرَمٍ) كَابْنِ الْعَمِّ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ) وَمَوْرِدُهُ كَانَ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ كَمَا فِي الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا وَالْأَخَوَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْخَالِ وَابْنِ أُخْتِهِ وَالْخَالَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ مَا وَرَدَ إلَّا فِي الْوَالِدَةِ وَالْأَخَوَيْنِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ تُثْبِتُ مَعْنًى دَلَالِيًّا وَهُوَ الْمَفْهُومُ الْمُوَافِقُ فِي عُرْفِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ خُصُوصَ الْوَالِدَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّ الْوَالِدَ أَيْضًا مِثْلُهَا فَفُهِمَ مِنْهُ قَرَابَةُ الْوِلَادِ ثُمَّ جَاءَ نَصُّ الْأَخَوَيْنِ، فَعُلِمَ أَنْ لَا قَصْرَ عَلَى الْوِلَادِ بَلْ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ فَثَبَتَ فِي الْخَالِ وَالْخَالَةِ بِالدَّلَالَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي الدَّلَالَةِ وَالْمَفْهُومِ بَقِيَ إيرَادُ نَقْضِ الْعِلَّةِ بِثَمَانِيَةِ مَسَائِلَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةَ، مِنْهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ: مَا إذَا كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحِقٍّ كَدُفَعِ أَحَدِهِمَا بِجِنَايَةٍ، أَوْ اسْتِيلَاءِ دَيْنٍ لَزِمَ الصَّغِيرَ كَاسْتِهْلَاكِهِ مَالَ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّهُ فِي دَفْعِهِ غَيْرُ مَجْبُورٍ إذْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ الْفِدَاءَ وَالدَّيْنَ وَيَسْتَبْقِيَهُ وَرَدَّهُ وَحْدَهُ بِعَيْبٍ بِحِصَّتِهِ فَيَرُدُّهُ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهُمَا جَمِيعًا أَوْ يُمْسِكُهُمَا كَمَا فِي مِصْرَاعِي الْبَابِ إذَا وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا. وَالرَّابِعَةُ أَنْ يُدَبِّرَ أَحَدَهُمَا أَوْ يَسْتَوْلِدَ الْأَمَةَ وَحِينَئِذٍ جَازَ بَيْعُهُ الْآخَرُ وَالْخَامِسَةُ أَنْ يَكُونَ لِحَرْبِيٍّ

لِمَا ذَكَرْنَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقِّ مُسْتَحِقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَأْمَنٍ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا، فَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مَعَ أَنَّ الْمَنْعَ كَمَا هُوَ لِلْبَائِعِ كَذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، وَالسَّادِسَةُ لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فِي مِلْكِهِ أَحَدُهُمْ صَغِيرٌ حَلَّ بَيْعُ أَحَدِ الْكَبِيرَيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَالسَّابِعَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدَهُمَا بِمَالٍ وَبِلَا مَالٍ وَيُكَاتِبَهُ مَعَ أَنَّهُ حُصُولُ الْفُرْقَةِ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ. وَالثَّامِنَةُ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مُرَاهِقًا

لَا بَأْسَ بِهِ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ. قَالَ (فَإِنْ فَرَّقَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ الْعَقْدُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ وَالرَّدِّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرَضِيَ بِالْبَيْعِ وَاخْتَارَهُ وَرَضِيَتْهُ أُمُّهُ جَازَ بَيْعُهُ، فَالْجَوَابُ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ) فِي مَنْعِ التَّفْرِيقِ (دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ) وَهُوَ الصَّغِيرُ (لَا) إلْحَاقُ (الضَّرَرِ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِكِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ مَنَعْنَا التَّفْرِيقَ كَانَ إلْزَامًا لِلضَّرَرِ بِالْمَالِكِ، وَالْعِلَّةُ هِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِيَّةِ غَيْرِ الْمُسْتَلْزِمِ ضَرَرًا بِالْمَالِكِ، فَعِنْدَ اسْتِلْزَامِهِ تَكُونُ عِلَّةُ الْمَنْعِ مُنْتَفِيَةً عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ أَوْ مُخَصَّصَةً بِاسْتِلْزَامِ ضَرَرِهِ عِنْدَ مَنْ يُخَصِّصُهَا، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الرَّابِعِ إذْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ رَأْسًا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُمَا وَالِانْتِفَاعُ بِبَدَلِهِمَا. وَعَنْ الْخَامِسِ بِأَنَّ مَفْسَدَةَ التَّفْرِيقِ عَارَضَهَا هُنَا بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ يَذْهَبُ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَمَفْسَدَةُ كَوْنِهِ هُنَاكَ يَشِبُّ وَيَكْتَهِلُ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ التَّفْرِيقِ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَالدِّينُ ظَاهِرٌ وَالدُّنْيَا تَعْرِيضُهُ عَلَى الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، وَالسَّبْيُ هَلَاكٌ. وَيَجِيءُ مَا ذَكَرْنَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِهِ. وَعَنْ السَّادِسِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا هُوَ مَظِنَّةُ الضَّيَاعِ وَالِاسْتِيحَاشِ، وَقَدْ بَقِيَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الثَّالِثِ. عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَمْتَنِعُ بَيْعُ الثَّالِثِ فِي الْكِفَايَةِ قَدْ اجْتَمَعَ فِي الصَّغِيرِ عَدَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدٍ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ كَالْعَمِّ وَالْخَالِ، أَوْ اتَّحَدَتْ كَخَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْحِشُ بِفِرَاقِ الْكُلِّ، وَعَنْ السَّابِعِ بِأَنَّ الْعِتْقَ وَالْكِتَابَةَ عَيْنُ الْجَمْعِ لَا التَّفْرِيقِ فَإِنَّ الْمُعْتَقَ وَالْمُكَاتَبَ يَزُولُ الْحَجَرُ عَنْهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْكَوْنِ مَعَ أَخِيهِ حَيْثُمَا كَانَ وَأَيْنَمَا صَارَ، وَعَنْ الثَّامِنِ بِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا لَمَّا اخْتَارَا ذَلِكَ فَقَدْ تَحَقَّقْنَا خُلُوَّ الْوَصْفِ الظَّاهِرِ الْمُنْضَبِطِ عَنْ الْحِكْمَةِ فَلَا يُشْرَعُ مَعَهُ الْحُكْمُ فَآلَ الْكُلُّ إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ. وَمِنْ صُوَرِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ إذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَبْدٌ لَهُ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ وَوَلَدُهُ صَغِيرٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَابْنِهِ وَإِنْ كَانَ تَفْرِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَهَذَا تَفْرِيقٌ بِحَقٍّ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَرَّقَ كُرِهَ ذَلِكَ وَجَازَ الْعَقْدُ) إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا، أَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ فِي مِلَّتِهِمْ حَلَالًا لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ إلَّا إنْ كَانَ بَيْعُهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي مِلَّتِهِمْ لَا يَجُوزُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرِكْهُمَا وَارْتَجِعْهُمَا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ وَالِارْتِجَاعِ

وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ فَشَابَهُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَامِ (وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَالْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ) وَالنَّهْيَ لِلْمُجَاوَرَةِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ بِخِلَافِهِ لِوَصْفٍ لَازِمٍ (فَشَابَهُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَامِ) عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُ الْأَمْرِ بِالْإِدْرَاكِ وَالِارْتِجَاعِ عَلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ مَعَ ظُهُورِ أَنْ يُقِيلَهُ رَغْبَةً فِي ثَوَابِ الْإِقَالَةِ أَوْ أَنْ يَبِيعَ الْأَخُ لِآخَرَ مِنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُدَّةَ مَنْعِ التَّفْرِيقِ إنَّمَا تَمْتَدُّ إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْحَيْضِ. وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا فِي الْمَبْسُوطِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ بَيْنَ السَّبْيِ وَالتَّفْرِيقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ» وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، فَقِيلَ إلَى مَتَى؟ فَقَالَ: إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ» رَفَعَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَفِي أَظْهَرْ قَوْلَيْهِ إلَى زَمَانِ التَّمْيِيزِ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ بِالتَّقْرِيبِ، وَإِلَى زَمَانِ سُقُوطِ الْأَسْنَانِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَخَطَّأَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَسَبَبُهُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: كَذَّابٌ، وَقِيلَ رَمَاهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ بِالْكَذِبِ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ حُكْمٌ ثَابِتٌ شَرْعًا، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا رَاهَقَا وَرَضِيَا بِالتَّفْرِيقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمَا، وَرُبَّمَا يَرَيَانِ الْمُصْلِحَةَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ) لِيَثْبُتَ فِيهِ الْمَنْعُ إلْحَاقًا بِالدَّلَالَةِ إذْ كَانَ أَصْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ» ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ. قَالَ الْبَزَّارُ بَعْدَ أَنْ غَلَّطَهُ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ ذَكَرَهَا، لَكِنْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَدَلَّهُمْ بْنِ دَهْثَمٍ انْتَهَى وَبَشِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَهْدَى الْمُقَوْقِسُ الْقِبْطِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَتَيْنِ وَبَغْلَةً كَانَ يَرْكَبُهَا، فَأَمَّا إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ فَتَسَرَّاهَا فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ مَارِيَةُ أُمُّ إبْرَاهِيمَ. وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ» وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ آخَرَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مُرْسَلًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقِسِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كِسْوَةً وَبَغْلَةً مَسْرُوجَةً وَجَارِيَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أُمُّ إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِجُهَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ وَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جُهَيْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ» وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ. وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى حَاطِبٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَكَانَتَا أَمَتَيْنِ أُخْتَيْنِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَجِئْتُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَنِي فِي مَنْزِلِهِ فَأَقَمْت عِنْدَهُ ثُمَّ بَعَثَ إلَيَّ وَجَمَعَ بَطَارِقَتَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ بِهَا مَعَك إلَى مُحَمَّدٍ، فَأَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ جِوَارٍ مِنْهُنَّ أُمُّ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِأَبِي جُهَيْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ، وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ» فَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَطُرُقِهِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّ الْجَارِيَتَيْنِ كَانَتَا أُخْتَيْنِ وَهُوَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ. لَا جَرَمَ ذَكَرَ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ الْكَلَاعِيُّ فِي كِتَابِ الِاكْتِفَاءِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادٍ لَهُ: أَنَّ الْمُقَوْقِسَ أَرْسَلَ إلَى حَاطِبٍ لَيْلَةً إلَى أَنْ قَالَ: فَارْجِعْ إلَى صَاحِبِكَ فَقَدْ أَمَرْت لَهُ بِهَدَايَا وَجَارِيَتَيْنِ أُخْتَيْنِ فَارِهَتَيْنِ وَبَغْلَةٍ مِنْ مَرَاكِبِي وَأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبًا وَعِشْرِينَ ثَوْبًا مِنْ لِينٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَرْت لَك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَخَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَارْحَلْ مِنْ عِنْدِي وَلَا تَسْمَعْ مِنْك الْقِبْطُ حَرْفًا وَاحِدًا فَهَذَا مَعَ تَوْثِيقِ الْوَاقِدِيِّ دَلِيلٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَقَدْ أَسَلَفنَا تَوْثِيقَهُ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ، وَنَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي خَاتِمَةِ مَنَاقِبِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا بَوَّبَ أَبُو دَاوُد لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَذْكُورَاتِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَغَزَوْنَا فَنَارَةً، إلَى أَنْ قَالَ: فَجِئْت بِهِمْ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَفِيهِمَا امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ، فَنَفَلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا سَلَمَةَ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ، فَقُلْت هِيَ لَك، فَفَدَى بِهَا أُسَارَى مَكَّةَ» انْتَهَى مُخْتَصَرًا فَهَذَا التَّفْرِيقُ وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ لَكِنْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَهُ وَاسْتَوْهَبَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَى أُمِّهَا بَلْ أَبْعَدَ دَارَهَا حِينَ فَدَى بِهَا، فَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْكَبِيرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] إذَا كَانَ مَعَ الصَّغِيرِ أَبَوَاهُ لَا يَبِعْ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُمٌّ وَأَخٌ أَوْ أُمٌّ وَعَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ أَخٌ جَازَ بَيْعُ مَنْ سِوَى الْأُمِّ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ لَا يُبَاعُونَ إلَّا مَعًا اعْتِبَارًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأُمِّ تُغْنِي عَمَّنْ سِوَاهَا وَلِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ غَيْرِهَا، فَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَالْجَدَّةُ كَالْأُمِّ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ جَدَّةٌ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ جَازَ بَيْعُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ لَمْ يُبَاعُوا إلَّا مَعًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ مَعَ اتِّحَادِ الدَّرَجَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَخَوَانِ أَوْ إخْوَةٌ كِبَارٌ، فِي رِوَايَةِ الْأَمَالِي لَا يُبَاعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ مَنْ سِوَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ الشَّفَقَةَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَبْعَدُ مَعَ الْأَقْرَبِ. وَعِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْجِهَةِ أَحَدُهُمَا يُغْنِي، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ سِتَّةَ إخْوَةٍ ثَلَاثَةٌ كِبَارٌ وَثَلَاثَةٌ صِغَارٌ فَبَاعَ مَعَ كُلِّ صَغِيرٍ كَبِيرًا جَازَ اسْتِحْسَانًا، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ بَاعَ غَيْرَ الشَّقِيقَةِ؛ وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ فَصَارَا أَبَوَيْنِ لَهُ ثُمَّ مَلَكُوا جُمْلَةُ الْقِيَاسِ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِاتِّحَادِ جِهَتِهِمَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ فَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ الَّذِي يَبِيعُ فَيَمْتَنِعُ احْتِيَاطًا فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَدَدٌ أَحَدُهُمْ أَبْعَدُ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ لَا يُفَرِّقُ، وَلَكِنْ يُبَاعُ الْكُلُّ أَوْ يُمْسِكُ الْكُلَّ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْأَخَوَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ

[باب الإقالة]

(بَابُ الْإِقَالَةِ) (الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ دَفْعًا لِحَاجَتِهِمَا (فَإِنْ شَرَطَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخَالَيْنِ جَازَ أَنْ يُمْسِكَ مَعَ الصَّغِيرِ أَحَدَهُمَا وَيَبِيعَ مَا سِوَاهُ؛ وَمِثْلُ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ أَخٌ لِأَبٍ وَأَخٌ لِأُمٍّ؛ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْإِقَالَةِ] (بَابُ الْإِقَالَةِ) مُنَاسَبَتُهُ الْخَاصَّةُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُورِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِقَالَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِوُجُوبِ التَّفَاسُخِ فِي الْعُقُودِ الْمَكْرُوهَةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ حَقٌّ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَأَيْضًا الْإِقَالَةُ بَيَانُ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعَقْدُ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ ثُبُوتِهِ وَأَبْوَابُ الْبِيَاعَاتِ السَّابِقَةِ كُلُّهَا مَعَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ بَيَانُ كَيْفَ يَثْبُتُ فَأَعْقَبَ الرَّفْعَ مُعْظَمُ أَبْوَابِ الْإِثْبَاتِ. ثُمَّ قِيلَ: الْإِقَالَةُ مِنْ الْقَوْلِ، وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ، فَأَقَالَ بِمَعْنَى أَزَالَ الْقَوْلَ: أَيْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْبَيْعُ كَأَشْكَاهُ أَزَالَ شِكَايَتَهُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا قُلْتُهُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ لَا وَاوٌ فَلَيْسَ مِنْ الْقَوْلِ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِقَالَةِ فِي الصِّحَاحِ مِنْ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ، وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ اللُّغَةِ: قَالَ الْبَيْعُ قَيْلًا وَإِقَالَةً فَسَخَهُ (قَوْلُهُ الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» زَادَ ابْنُ مَاجَهْ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَمَّا لَفْظُ نَادِمًا فَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ دَفْعًا لِحَاجَتِهِمَا) الَّتِي لَهَا شُرِعَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ وَالْمَعْنَى إنَّمَا يُفِيدُ مُجَرَّدَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ، وَأَمَّا

وَيَرُدُّ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) . وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ فَسْخًا فَتَبْطُلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ بَيْعًا فَيُجْعَلُ فَسْخًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَتَبْطُلُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ فَسْخٌ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ فَسْخًا فَيُجْعَلُ بَيْعًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَتَبْطُلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلُزُومُ كَوْنِهِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ فَلِوَجْهٍ يُفِيدُهُ الْمَعْنَى الَّذِي مَهَّدَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصْلُ) أَيْ الْأَصْلُ فِي لُزُومِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَبْطُلَ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ (أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) وَحَقِيقَةُ الْفَسْخِ لَيْسَ إلَّا رَفْعُ الْأَوَّلِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَثْبُتُ الْحَالُ الْأَوَّلُ، وَثُبُوتُ الْحَالِ الْأَوَّلِ هُوَ بِرُجُوعِ عَيْنِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَى مَالِكِهِ كَأَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ غَيْرُهُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَعْيِينَ الْأَوَّلِ وَنَفْيَ غَيْرِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَخِلَافُ الْجِنْسِ وَالْأَجَلِ، نَعَمْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِهِمَا جُعِلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا بَيْعًا فَيُعْطَى بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا حُكْمَ الْبَيْعِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ فَسْخًا) كَأَنْ وُلِدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَكَمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَرْضًا بِالدَّرَاهِمِ فَهَلَكَ (تَبْطُلُ، هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا) بِأَنْ وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَبِيعٍ مَنْقُولٍ فَتُجْعَلُ فَسْخًا. فَإِنْ تَعَذَّرَ كَوْنُهَا بَيْعًا وَفَسْخًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَرْضَا بِالدَّرَاهِمِ فَتَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَرْضِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قُلِبَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَهِيَ فَسْخٌ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ فَبَيْعٌ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ فَتَبْطُلُ؛ وَالْعَجَبُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ، كَمَا لَوْ قَالَ أَقِلْنِي فَقَالَ أَقَلْتُك مَعَ أَنَّهَا بَيْعٌ عِنْدَهُ وَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ عَلَى مَا سَلَفَ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّهَا فَسْخٌ وَيَقُولُ: لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْمُضِيِّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأُعْطِي بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ لَمْ يُعْطِ حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ لَا تَجْرِي فِي الْإِقَالَةِ، فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، هَكَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ، وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَتَعَيَّنُ مَادَّةُ قَافٍ لَامٍ بَلْ لَوْ قَالَ تَرَكْت الْبَيْعَ وَقَالَ الْآخَرُ رَضِيت أَوْ اخْتَرْت تَمَّتْ، وَيَجُوزُ قَبُولُ الْإِقَالَةِ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ، كَمَا إذَا قَطَعَهُ قَمِيصًا فِي فَوْرِ قَوْلِ

لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ. وَمِنْهُ يُقَالُ: أَقِلْنِي عَثَرَاتِي فَتُوَفِّرُ عَلَيْهِ قَضِيَّتَهُ. وَإِذَا تَعَذَّرَ يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ: وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي. وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ السِّلْعَةِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَتَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الرَّفْعِ وَالْفَسْخِ كَمَا قُلْنَا، وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي مُقْتَضَيَاتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي أَقَلْتُك وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْت، وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ (أَنَّ اللَّفْظَ) أَيْ لَفْظَ الْإِقَالَةِ وُضِعَ (لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ) بِدَلِيلِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ (يُقَالُ: أَقِلْنِي عَثْرَتِي) بِمَعْنَى أَسْقِطْ أَثَرَهَا بِاعْتِبَارِهَا عَدَمًا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ إذْ حَقِيقَتُهُ رَفْعُ الْوَاقِعِ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا غَيْرُ مُمْكِنٍ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ (فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ قَضِيَّتَهُ، وَإِذَا تَعَذَّرَ) الْفَسْخُ (يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي، وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ) وَخُصُوصُ اللَّفْظِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا فِي التَّوْلِيَةِ وَأَخْذِ الدَّار بِالشُّفْعَةِ (وَلِهَذَا تَبْطُلُ) الْإِقَالَةُ (بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ) بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ، وَوَجَبَ لِلَّذِي كَانَ بَائِعًا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. (وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ) فَإِذَا تَرَتَّبَتْ عَلَى شَيْءٍ كَانَ بَيْعًا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَيْعًا كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِي مَنْقُولٍ قَبْلَ قَبْضِهِ صِرْنَا إلَى مَجَازِهِ بِجَعْلِهِ فَسْخًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ، وَكَوْنُهُ لَا يُبْتَدَأُ عَقْدُ الْبَيْعِ بِإِنْشَائِهِ بِهِ مَمْنُوعٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعُ ابْتِدَاءً بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ، وَانْتِفَاؤُهُ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْبَيْعِ، وَهَذَا بَيْعٌ هُوَ فَرْعُ بَيْعٍ سَابِقٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ سَبْقِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الرَّفْعِ) عَلَى مَا قُلْنَا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي مُقْتَضَيَاتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ) وَكَوْنُهُ يَثْبُتُ بِهِ لَوَازِمُ الْبَيْعِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْهَلَاكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ثَالِثٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِنْ حَقِيقَتِهِ، إذْ اللَّوَازِمُ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً تَتَرَتَّب عَلَى حَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا تَكُونُ الْإِقَالَةُ بَيْعًا لِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَتَكُونُ بَيْعًا لِثُبُوتِ حَقِيقَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ

وَلَا يُحْتَمَلُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا مُقْتَضَى الصِّيغَةِ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: إذَا شَرَطَ الْأَكْثَرَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّرَاضِي لَا لِثُبُوتِ اللَّوَازِمِ الْخَارِجِيَّةِ، قُلْنَا: إنَّمَا نُرِيدُ بِالْبَيْعِ مَا كَانَ مُفِيدًا لِهَذِهِ الْمُبَادَلَةِ ابْتِدَاءً لَا تَرَاجُعًا بِطَرِيقِ الرَّفْعِ حُكْمًا عَلَى الشَّرْعِ بِذَلِكَ: أَيْ بِأَنَّهُ وُضِعَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِلَّا رَجَعَ إلَى مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ، عَلَى أَنَّ مُسَمَّى لَفْظِ الْبَيْعِ هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا شَرْعًا أَوْ بِقَيْدِ أَنْ لَا يَكُونَ تَرَاجُعًا، وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِي الْأَلْفَاظِ، بَقِيَ أَمْرٌ آخَرُ هُوَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي الْبَيْعِ مَجَازًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَحْتَمِلُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّفْعَ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ (ضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ الْعَقْدِ أَوْ نَقِيضُهُ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ. وَهَذَا طَرِيقُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي الضِّدِّ إنَّمَا يَكُونُ لِتَهَكُّمٍ أَوْ تَمْلِيحٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْفِقْهِ أَوْ يَكُونُ لِمُشَاكَلَتِهِ لِلَفْظٍ وَقَعَ فِي صُحْبَتِهِ كَ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ، وَلَيْسَ هُنَا ذَلِكَ (فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ) لَيْسَ بِاعْتِبَارِ جَعْلِنَا إيَّاهُ مَجَازًا عَنْهُ، وَلَكِنْ (لِأَمْرٍ ضَرُورِيٍّ) وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ (بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ) بِبَدَلٍ ظَهَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِيَصْرِفَا مُوجَبَ الْبَيْعِ عَنْهُ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِمَا وَيَظْهَرُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَلِئَلَّا يَفُوتَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَالشُّفْعَةِ شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ أَوْ الْخِلْطَةِ، فَإِذَا فُرِضَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي عَوْدِهَا إلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الشُّفْعَةِ تَخَلَّفَ مَقْصُودُهُ (قَوْلُهُ إذَا ثَبَتَ هَذَا) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ فِي هَذَا الْأَصْلِ (فَنَقُولُ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ) إذَا شَرَطَا (فِي الْإِقَالَةِ) الْأَكْثَرَ (كَأَنْ تَقَايَلَا عَلَى مِائَةٍ) وَالْبَيْعُ بِخَمْسِينَ (فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الزِّيَادَةِ

لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ، إذْ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الْعَقْدِ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا أَوْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الرَّفْعِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ لِمَا بَيَّنَّاهُ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَحِينَئِذٍ جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ، وَعِنْدَهُمَا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعْلُهُ بَيْعًا مُمْكِنٌ فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ، وَكَذَا فِي شَرْطِ الْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا سُكُوتٌ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ وَأَقَالَ يَكُونُ فَسْخًا فَهَذَا أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ، وَإِذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْأَقَلِّ لِمَا بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) وَإِنَّمَا بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ مَا كَانَ لَا رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ. (لِأَنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ) وَلَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ الْعَقْدَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ عَلَى مِائَةٍ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ رَفْعَهُ عَلَى مِائَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْمُشْتَرِي وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْوُجُودِ الْعَقْدُ بِمِائَةٍ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ فَلَا رَفْعَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَهُ وُجُودٌ، وَإِيَّاهُ عَنَيَا بِالْإِقَالَةِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا زَادَاهُ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَثْبُتُ الرَّفْعُ بِرَفْعِهِمَا وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ الَّذِي زَادَاهُ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِيهِ وَيَتَحَقَّقُ بِهِ الرِّبَا) وَيَصِيرُ بَيْعًا فَاسِدًا فَلَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُهَا فِي الرَّفْعِ (وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ) عِنْدَهُ يَصِحُّ بِقَدْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ هُوَ وَيَثْبُتُ قَدْرُ الْأَوَّلِ (إلَّا أَنْ) يَكُونَ (حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ) فَيَصِحُّ بِالنُّقْصَانِ جَعْلًا لَلْحَطّ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ (وَعِنْدَهُمَا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ عَلَى الزِّيَادَةِ فَجُعِلَ بَيْعًا، وَكَذَا فِي شَرْطِ الْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ) بِاعْتِبَارِهِ مُرِيدًا لِلْأَوَّلِ لَكِنَّهُ سَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ (وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ) بِأَنْ قَالَ أَقَلْتُك (يَكُونُ فَسْخًا) عَلَيْهِ، فَإِذَا سَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ (أَوْلَى) ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ، وَلَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْأَقَلِّ (لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ جَعْلِ الْحَطِّ بِإِزَاءِ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَيْبِ

وَلَوْ أَقَالَ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجْعَلُ التَّسْمِيَةَ لَغْوًا عِنْدَهُمَا بَيْعٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَلَدًا ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ، وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ بَيْعًا وَالْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ، وَغَيْرِهِ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ، وَفِي الْعَقَارِ يَكُونُ بَيْعًا عِنْدَهُ لِإِمْكَانِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَرْعٌ] بَاعَ صَابُونًا رَطْبًا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَمَا جَفَّ فَنَقَصَ وَزْنُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْبَيْعِ بَاقٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَالَ بِغَيْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَأَقَالَ عَلَى دَنَانِيرَ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قَدْرَهَا (فَهُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُجْعَلُ التَّسْمِيَةُ لَغْوًا، وَعِنْدَهُمَا بَيْعٌ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ فَسْخًا جُعِلَ بَيْعًا (قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَلَدًا) يَعْنِي بَعْدَ الْقَبْضِ (ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ) زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَتَعَذَّرُ مَعَهَا الْفَسْخُ حَقًّا لِلشَّرْعِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةً كَانَتْ كَالسِّمَنِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ إذَا كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالرَّفْعَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ مُتَّصِلَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ مَعَهَا، وَالْإِقَالَةُ لَا تَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا فَسْخًا (وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ بَيْعًا) وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْخِلَافِ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا فِي مَنْقُولٍ فَقَبِلَ أَنْ يَسْتَرِدَّ

(قَالَ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَيْعِ دُونَ الثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا جَازَ الْبَيْعُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ لَا الْفَسْخُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ. وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَثَمَرَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي مَوَاضِعَ أَيْضًا: مِنْهَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ عَقَارًا لَهُ شَفِيعٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِع لِلشَّفِيعِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ فِي الْإِقَالَةِ اتِّفَاقًا، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ صَرْفًا كَانَ التَّقَابُضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِقَالَةِ لِإِقَالَةِ مُسْتَحِقِّ الشَّرْعِ فَكَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّرْعِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ جَازَ وَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَمِنْهَا أَنَّ السِّلْعَةَ لَوْ كَانَتْ هِبَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ. (قَوْلُهُ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَالٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُتَعَيِّنٌ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ دَيْنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فِيمَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ إلَى نَقْدٍ، وَإِمَّا مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فِيمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ بِمِثْلِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالدَّيْنُ مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً، وَلِذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ تَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِلْمَالِيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهِبَةُ الْعَيْنِ لَا تَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ بِحَالٍ، وَلَا تَتَأَدَّى زَكَاةُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ، أَنْقَصُ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا يَتَأَدَّى الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ، وَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عِظَامٌ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَبِيعِ هَذِهِ الْمَزِيَّةُ وَجَبَ إظْهَارُهَا، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ سَوَاءٌ، فَأَظْهَرْنَاهَا فِي الْبَقَاءِ فَجَعَلْنَا بَقَاءَ الْبَيْعِ حُكْمًا مُضَافًا إلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا هَلَكَ ارْتَفَعَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الدَّرَاهِمُ بَاقِيَةً فَامْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ، إذْ رَفْعُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ. وَإِنَّمَا جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِيمَا إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرْضًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ هَلَكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّلَمَ فِي هَذَا كَبَيْعِ الْمُقَايَضَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ شَرْعًا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَبَرَ الْعَيْنَ ثَمَنًا وَالدَّيْنَ عَيْنًا مَبِيعًا، وَلِذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْهَالِكِ أَوْ مِثْلَهُ فِي الْإِقَالَةِ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْمُقَايَضَةِ كَمَا سَنَذْكُرُ، أَمَّا لَوْ تَقَايَلَا وَالْبَدَلَانِ قَائِمَانِ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَيًّا كَانَ

(فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي) ؛ لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ، وَإِنْ تَقَايَضَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْهَالِكِ أَوْ مِثْلُهُ (وَلَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ) . (قَوْلُهُ وَلَوْ تَقَايَضَا) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ: أَيْ تَبَايَعَا بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ فَهَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ (جَازَتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبِيعٌ) مِنْ وَجْهٍ (فَكَانَ الْبَيْعُ بَاقِيًا) بِبَقَاءِ الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِنْهُمَا فَأَمْكَنَ الرَّفْعُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَمَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ إنَّ مُشْتَرِيَ الْعَبْدِ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ وَعَلَيْهِ لِبَائِعِ الْعَبْدِ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَبِعْ وَلَكِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ، وَلَوْ هَلَكَ الْبَدَلَانِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ ارْتَفَعَ الْبَيْعُ فَامْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ، أَمَّا لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ ثُمَّ هَلَكَ الْآخَرُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَايَضَةِ وَالصَّرْفِ فَإِنَّ هَلَاكَ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْإِقَالَةِ، وَفِي الْمُقَايَضَةِ مَانِعٌ أَنَّهُ فِي الصَّرْفِ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بَلْ رَدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْإِقَالَةُ بِعَيْنِهِمَا فَلَا تَبْطُلْ بِهَلَاكِهِمَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ تَقَايَلَا السَّلَمَ وَرَأْسَ الْمَالِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهِ. وَلَوْ تَقَايَلَاهُ بَعْدَمَا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ صَحَّتْ وَعَلَى رَبِّ السَّلَمِ رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ عَقْدًا عَلَى دَيْنٍ كَعَيْنٍ وَرَدَّ عَلَيْهَا الْعَقْدَ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ [فُرُوعٌ] مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ، وَلِذَا إذَا هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ أَوْ الْمُنْفَصِلَةُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَجْنَبِيٌّ تَتَوَقَّفُ الْإِقَالَةُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالسَّلَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالْإِبْرَاءِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ،. وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَا تَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ،. وَفَسْخُ الْمُوَكِّلِ مَعَ الْمُشْتَرِي جَائِزٌ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ: إقَالَةُ الْوَارِثِ جَائِزَةٌ، وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ جَوَازَ إقَالَةِ الْوَصِيِّ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَبِعْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، فَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ، وَكَذَا الْمُتَوَلِّي أَيْضًا لَوْ اشْتَرَى بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ لَيْسَ لَهُ الْإِقَالَةُ. وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ عِوَضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَقَدْ رَخُصَتْ الدَّرَاهِمُ رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لَا بِمَا دَفَعَ وَكَذَا لَوْ رَدَّ بِالْعَيْبِ، وَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ لَوْ فُسِخَتْ وَلَوْ عَقَدَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ كَسَدَتْ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنَّهُ يَرُدُّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ الْكَاسِدَةَ، وَلَوْ عَقَدَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ جَدَّدَا بِحَالٍ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ عَقَدَا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ جَدَّدَا بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ، أَمَّا لَوْ جَدَّدَا بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ وَأَقَلَّ فَلَا وَهُوَ حَطٌّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ زِيَادَةٌ فِيهِ، وَقَالُوا لَوْ بَاعَ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَحَطَّ عَنْهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ عَقَدَا بِعَشَرَةٍ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، إذْ الْحَطُّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إلَّا فِي الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ لَوْ كَانَ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيه بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ بِعْهُ لِنَفْسِك فَإِنْ بَاعَهُ جَازَ وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ لِي أَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ بِعْهُ أَوْ زَادَ قَوْلُهُ مِمَّنْ شِئْت لَا يَصِحُّ فِي الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ. وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَلَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ: يَعْنِي إذَا قَبِلَ

[باب المرابحة والتولية]

(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ) قَالَ (الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَعْتِقْهُ فَأَعْتَقَهُ جَازَ الْعِتْقُ عَنْ الْبَائِعِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعِتْقُ بَاطِلٌ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: جُحُودُ مَا عَدَا النِّكَاحِ فَسْخٌ، وَعَلَيْهِ مَا فَرَّعَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ وَغَيْرِهَا، بَاعَ أَمَةً فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا إلَّا إنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ فَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ جُحُودَ الْمُشْتَرِي فَسْخٌ فِي حَقِّهِ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ فَقَدْ تَمَّ الْفَسْخُ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا، فَإِنْ تَرَكَ الْمُشْتَرِي الْخُصُومَةَ وَسَمِعَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ جَارِيَةً أُخْرَى فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَقَالَ هِيَ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا وَقَبَضْتهَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ قَبْضَ غَيْرِهَا، فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِهَا حَلَّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا رَدَّ أُخْرَى فَقَدْ رَضِيَ بِتَمَلُّكِ الْبَائِعِ الثَّانِيَةَ بِالْأَوْلَى، فَإِذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَاطِي، وَكَذَا الْقَصَّارُ وَالْإِسْكَافُ،. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ وَالسَّمَكِ وَالْفَاكِهَةِ وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي إلَى بَيْتِهِ لِيَجِيءَ بِالثَّمَنِ فَطَالَ مُكْثُهُ وَخَافَ الْبَائِعُ فَسَادَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِيَ كَذَلِكَ ظَاهِرًا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ فَالنُّقْصَانُ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْته مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَقَلْنَا بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إنْكَارِ الْإِقَالَةِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الْإِقَالَةَ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ. [بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ] (بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ) (قَوْلُهُ: الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ

وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ بَاعَ دَنَانِيرَ اشْتَرَاهَا بِدَرَاهِمَ مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِأَنَّهُ بَيْعُ مُرَابَحَةٍ، وَكَوْنُهُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ آخَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى السُّؤَالِ الْمُرَابَحَةُ جَائِزَةٌ بِلَا اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ، وَهَذَا مِنْ مِمَّا صَدَقَاتِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ لَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ

وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِمَّا هُوَ بِبَيْعٍ مُتَعَيِّنٍ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ كَوْنَ مُقَابِلِهِ ثَمَنًا مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالضَّرُورَةِ مَبِيعٌ مُطْلَقًا ثُمَّ إنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَدَلَيْ الصَّرْفِ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَمْ تَكُنْ عَيْنُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ مُتَعَيِّنَةً لِتَلْزَمَ مَبِيعًا، وَاَلَّذِي يَلْزَمُ وُرُودُهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي صَحَّحْنَا بِهِ الْإِيرَادَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ النَّقْلُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ فِيهِ أَجَلٌ فَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْئَيْنِ فَلَمْ يَصْدُقْ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الطَّرْدِ، وَكَوْنُ الْمُرَابَحَةِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ هُوَ مَعْنَى عَدَمِ وُجُودِهَا شَرْعًا فَيُرَدُّ السُّؤَالُ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى مَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَقُضِيَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ عَابَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا فَهَذَا بَيْعُ مُرَابَحَةٍ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِمَا قَامَ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَقَوَّمَهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ أَنَّهُ يَجُوز، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ: قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا فَأُرَابِحُكَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ رَقْمِهِ، وَمَعْنَى الرَّقْمِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى مِقْدَارًا سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ الثَّمَنِ أَوْ أَزْيَدَ ثُمَّ يُرَابِحَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ إذَا قَالَ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا، فَإِنْ غَبَنَ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ فَمِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ، وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْغَصْبَ مُلْحَقٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِهِ لَمَّا كَانَ إقْرَارُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ جَائِزًا فَالْقِيمَةُ بِالْقَضَاءِ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ. وَصَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ أَنَّهُ يَقُولُ قَامَ عَلِيَّ كَذَا، وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ يَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَالثَّالِثَةُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ، وَهُوَ إذَا قَالَ قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَدْفَعْ مَا عَلَى عَكْسِ الْحَدِّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَلَا ثَمَنَ سَابِقٌ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِمَّا يُرَدُّ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَبْدًا مَثَلًا فَبَاعَ الْمَبِيعَ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَبْدِ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُرَابَحَةً، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا بِمِثْلِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ فِي حُكْمِ عَبْدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَعْيَانِ. (قَوْلُهُ وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ) اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا بِالْمَعْنَى وَعَلَى التَّوْلِيَةِ بِالنَّصِّ فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ، وَفِي التَّوْلِيَةِ أَحَادِيثُ لَا شُبْهَةَ فِيهَا: مِنْهَا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ سَوَاءٌ» لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا مُسْتَفَاضًا بِالْمَدِينَةِ قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ، إلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يُقِيلَهُ» وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ. وَفِيهِ «إنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِالثَّمَنِ» أَخْرَجَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ أَخَذْتهَا بِالثَّمَنِ» وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ: «وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اشْتَرَاهَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرٍ فَأَخَذَ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْقَصْوَاءُ» ، فَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ يَصِحُّ بِالْمَعْنَى، وَتَفْصِيلُهُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قَالَ فِيهَا «فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ أَفْضَلَهُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْكَبْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا أَرْكَبْ بَعِيرًا لَيْسَ لِي، قَالَ: فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا وَلَكِنْ بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتهَا بِذَلِكَ، قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا» . ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ

لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ فِعْلَ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا، وَلِهَذَا كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَتِهَا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلِّنِي أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا» . قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لَوْ مَلَكَهُ مَلَكَهُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ (وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْبَدَلَ وَقَدْ بَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ مَوْصُوفٍ جَازَ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ (وَإِنْ بَاعَهُ بِرِبْحٍ ده يازده لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمِ، أَنَّهُ سُئِلَ لِمَ لَمْ يَقْبَلْهَا إلَّا بِالثَّمَنِ «وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ ذَلِكَ، وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ حِينَ بَنَى بِعَائِشَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَا تَبْنِي بِأَهْلِك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْلَا الصَّدَاقُ، فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا» ، وَالنَّشُّ هُنَا عِشْرُونَ دِرْهَمًا؟ «قَالَ: إنَّمَا فَعَلَ لِتَكُونَ الْهِجْرَةُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ رَغْبَةً مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اسْتِكْمَالِ فَضْلِ الْهِجْرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَتَمِّ أَحْوَالِهَا» ، وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ. وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ قَوْلُهُ (لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ) وَلَمَّا لَمْ يَكْفِ ثُبُوتُ الشَّرَائِطِ فِي الشَّرْعِيَّةِ أَفَادَ عِلَّتَهَا بِقَوْلِهِ (وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ) عَلَى (فِعْلِ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ بِنَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ لِجَوَازِهِمَا بَعْدَ الدَّلِيلِ الْمُثْبَتِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَا يُخِلَّ بِمَا عُلِمَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ، بَلْ دَلِيلُ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِشُرُوطِهِ الْمَعْلُومَةِ هُوَ دَلِيلُ جَوَازِهِمَا، إذْ لَا زِيَادَةَ فِيهِمَا إلَّا اقْتِرَانُهُمَا بِإِخْبَارٍ خَاصٍّ، إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِثَمَنِ كَذَا مُخْبِرًا بِأَنَّ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ لَا أَرْضَى بِدُونِهَا. وَمِنْ مَعْرِفَةِ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ يَعْلَمُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ) يَعْنِي الثَّمَنَ (مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَقَارِبِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِمَا (لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ) بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَبْدٍ مُقَايَضَةً مَثَلًا لَوْ رَابَحَهُ أَوْ وَلَّاهُ إيَّاهُ كَانَ بَيْعًا بِقِيمَةِ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا أَوْ بِقِيمَةِ عَبْدٍ ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. أَمَّا لَوْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَصَلَ إلَى مَنْ يَبِيعُهُ مِنْهُ فَرَابَحَهُ عَلَيْهِ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ كَأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي بِيَدِك وَرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ كُرِّ شَعِيرٍ أَوْ رِبْحِ هَذَا الثَّوْبِ (جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ) مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ (مَا لَوْ بَاعَهُ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ (بِرِبْحِ ده يازده) فَإِنَّهُ (لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ)

(وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالطَّرَّازِ وَالصَّبْغِ وَالْفَتْلِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ يَلْحَقُ بِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَيْته بِكَذَا) كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَسَوْقُ الْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَكِرَاءِ بَيْتِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى، وَبِخِلَافِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ حَذَاقَتُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ مَعْنَى ده يازده كُلُّ عَشَرَةٍ أَحَدَ عَشَرَ، وَهَذَا فَرْعُ مَعْرِفَةِ عَدَدِ الْعَشْرَاتِ وَهُوَ بِتَقْوِيمِ الْعَبْدِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ ده يازده وَمَعْنَاهُ الْعَشَرَةُ أَحَدَ عَشْرَ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رَبِحَهَا وَاحِدٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ مَفْهُوم ذَلِكَ، وَلَكِنَّ لُزُومَ ذَلِكَ رَفْعًا لِلْجَهَالَةِ وَلَا يَثْبُتُ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَابَحَةُ عَلَى الْعَبْدِ بده يازده تَقْتَضِي أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِهِ أَوْ بِمِثْلِ بَعْضِهِ وَهُوَ كُلُّ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَبْدِ رِبْحُهَا جُزْءٌ آخَرُ مِنْهُ، وَحِينَ عَرَفَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَ حِينَئِذٍ مَا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ. [وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ] اشْتَرَى عَبْدًا بِعَشَرَةٍ خِلَافِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ فَالْعَشَرَةُ مِثْلُ مَا نَقَدَ وَالرِّبْحُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ إذَا أَطْلَقَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، وَالرِّبْحَ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ نَسَبَ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ بِعْتُك بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ: اشْتَرَى بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَقَالَ بِبَلْخٍ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ بَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالرِّبْحُ وَرَأْسُ الْمَالِ عَلَى نَقْدِ بَلْخٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ نَقْدُ نَيْسَابُورَ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ. وَإِذَا كَانَ نَقْدُ نَيْسَابُورَ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ دُونَ نَقْدِ بَلْخٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَرَأْسُ الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى نَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ وَاشْتَرَاهُ بِبَلْخٍ بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَوْزَنُ وَأَجْوَدُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ مَا دَفَعَ عِوَضًا عَنْهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ فَدَفَعَ عَنْهَا دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَشَرَةُ لَا الدِّينَارُ وَالثَّوْبُ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا بِعَقْدٍ آخَرَ. وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبْغِ) أَسْوَدَ كَانَ الصَّبْغُ أَوْ غَيْرَهُ (وَالطِّرَازَ وَالْفَتْلَ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) بَرًّا أَوْ بَحْرًا (لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي الْقِيمَةِ يَلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِرَأْسِ الْمَالِ. (وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ) مِنْ الطِّرَازِ وَالْفَتْلِ (يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ) مِنْ مَكَان إلَى مَكَان (يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ لَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَالْمَعْنَى الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عَادَةُ التُّجَّارِ حَتَّى يَعُمَّ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا (وَ) إذَا ضَمَّ مَا ذُكِرَ (يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ، وَسَوْقُ الْغَنَمِ) وَالْبَقَرِ (كَالْحَمْلِ) يَضُمُّهُ (بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَالْبَيْتِ لِلْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ) وَلَا الْقِيمَةِ فَلَا يُضَمُّ، وَكَذَا سَائِقُ الرَّقِيقِ وَحَافِظُهُمْ وَحَافِظُ الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ، بِخِلَافِ سَائِقِ الْغَنَمِ (وَ) كَذَا (أُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ) صِنَاعَةً أَوْ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا أَوْ شِعْرًا (لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَعَلِّمِ (وَهُوَ حَذَاقَتُهُ) فَلَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمُعَلَّمِ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِالتَّعَلُّمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّعْلِيمِ عَادَةً، وَكَوْنُهُ بِمُسَاعِدَةِ الْقَابِلِيَّةِ فِي الْمُتَعَلِّمِ هُوَ كَقَابِلِيَّةِ الثَّوْبِ لِلصَّبْغِ فَلَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى التَّعْلِيمِ كَمَا لَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى الصَّبْغِ فَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَالتَّعْلِيمُ عِلَّةٌ عَادِيَّةٌ فَكَيْفَ لَا يُضَمُّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَضَافَ نَفْيَ ضَمِّ الْمُنْفِقِ فِي التَّعْلِيمِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ، قَالَ: وَكَذَا فِي تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَالْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: حَتَّى لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَكَذَا لَا يَلْحَقُ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالرَّائِضِ وَالْبَيْطَارِ وَجُعْلِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يَلْحَق بِالسَّائِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي النَّادِرِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ، وَتُضَمُّ أُجْرَةُ السِّمْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ: لَا تُضَمُّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعُرْفُ فِيهِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ، وَقِيلَ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ تُضَمُّ، كُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ التُّجَّارِ، وَلَا يُضَمُّ ثَمَنُ الْجِلَالِ وَنَحْوِهَا فِي الدَّوَابِّ، وَتُضَمُّ الثِّيَابُ فِي الرَّقِيقِ وَطَعَامِهِمْ إلَّا مَا كَانَ سَرَفًا وَزِيَادَةً، وَيُضَمُّ عَلَفُ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا كَأَلْبَانِهَا وَصُوفِهَا وَسَمْنِهَا فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَا نَالَ وَيُضَمُّ مَا زَادَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ مَعَ ضَمِّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ، وَكَذَا دَجَاجَةٌ أَصَابَ مِنْ بَيْضِهَا يُحْتَسَبُ بِمَا نَالَهُ وَبِمَا أَنْفَقَ وَيُضَمُّ الْبَاقِي وَتُضَمُّ أُجْرَةُ التَّجْصِيصِ وَالتَّطْيِينِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ وَالْقَنَاةِ فِي الْأَرْضِ مَا بَقِيَتْ هَذِهِ، فَإِنْ زَالَتْ لَا تُضَمُّ، وَكَذَا سَقْيُ الزَّرْعِ وَالْكَرْمِ وَكَسْحِهِ. وَلَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ بِنَفْسِهِ أَوْ طَيَّنَ أَوْ عَمِلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يُضَمُّ شَيْئًا مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ

(فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحُطُّ فِيهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُخَيَّرُ فِيهِمَا) لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ بِالْحَطِّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُحَطُّ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْرُ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَتَعَيَّنَ الْحَطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذِهِ الْأَعْمَالِ أَوْ بِإِعَارَةٍ. (قَوْلُهُ فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ) إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَقَدْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى الْخِيَانَةِ مُنَاقِضٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا نُكُولٍ، وَالْحَقُّ سَمَاعُهَا كَدَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الْحَطِّ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا فِي التَّوْلِيَةِ يُحَطُّ قَدْرُهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَطُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُخَيَّرُ فِيهِمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لِمُحَمَّدٍ: إنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِمَا لَيْسَ إلَّا لِلتَّسْمِيَةِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ بِهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا وَبِهِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَلَا خِيَارَ بِأَنَّهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فِيهِمَا لَا يَتَعَلَّقُ الِانْعِقَادُ بِهِ. إنَّمَا هُوَ (تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ) كَوَصْفِ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ (فَبِفَوَاتِهِ) بِظُهُورِ أَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ ذَاكَ (يَتَخَيَّرُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ) أَيْ فِي عَقْدِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ (كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً) وَذَلِكَ بِالْبِنَاءِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ وَمُرَابَحَةٌ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ بِالْحَطِّ غَيْرَ أَنَّهُ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ مِقْدَارَ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ يَحُطُّهُ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ) عَلَى نِسْبَتِهِ، حَتَّى لَوْ رَابَحَ فِي ثَوْبٍ عَلَى عَشَرَةٍ بِخَمْسَةٍ فَظَهَرَ أَنَّ الثَّوْبَ بِثَمَانِيَةٍ يَحُطُّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الثَّمَنِ، دِرْهَمَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمِنْ الرِّبْحِ خُمُسَهُ وَهُوَ دِرْهَمٌ. (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي التَّوْلِيَةِ وَهُوَ (أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِيهَا لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) وَالْعَقْدُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِاعْتِبَارِهَا فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ إلَى بَيْعٍ آخَرَ بِثَمَنٍ آخَرَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْبَيْعُ الْآخَرُ

وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ، فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْفَائِتِ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ) . صُورَتُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ، لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَ) أَمَّا (فِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يَحُطَّ) لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مُرَابَحَةً لِتَغَيُّرِ التَّصَرُّفِ (وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ) فَإِنَّهُ يَظْهَرُ أَنَّ الرِّبْحَ أَكْثَرُ مِمَّا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي (فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ) بِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ لِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ (فَلَوْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ) أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ) وَفِيهِمَا يَلْزَمُهُ تَمَامُ الثَّمَنِ قَبْلَ الْفَسْخِ فَكَذَا هُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ جُزْءٌ فَائِتٌ يُطَالَبُ بِهِ (فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ) . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ انْتَقَصَ يُحَطُّ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ بَعْدَ التَّحَالُفِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) مِنْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا بَاعَهُ (فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ) الرِّبْحُ (اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً) إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ؟ (هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (صُورَتُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ) مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُ عَنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا مِنْهُ الْخَمْسَةَ الَّتِي رَبِحَهَا (فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً) عَلَى خَمْسَةٍ (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ؛ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ) مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ (بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا) إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فَيَقُولُ هَذَا كُنْت بِعْته فَرَبِحْت فِيهِ عَشَرَةً ثُمَّ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ وَأَنَا أَبِيعُهُ بِرِبْحِ كَذَا عَلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ. (وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى) الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَهُوَ (عَشَرَةٌ فِي الْفَصْلَيْنِ) مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ (لَهُمَا أَنْ الْعَقْدَ الثَّانِيَ) وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ كَانَ بَاعَهُ مِنْهُ فَهُوَ (عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ

الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبِ الشُّبْهَةِ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى خَمْسَةً وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَيُطْرَحُ عَنْهُ خَمْسَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ) وَلِذَا لَوْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ خِيَارٌ لَا يَكُونُ فِي الثَّانِي، وَعَلَى الْعَكْسِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ مُرَابَحَةً أَوْ وَضِيعَةً، وَلِذَا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ أَصْلًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ الثَّانِيَ يَتَجَدَّدُ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ. وَصَارَ (كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ) بِأَنْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِعِشْرِينَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ الثَّانِي (مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ) مِنْ ذَلِكَ الرِّبْحِ (بِأَنْ يَظْهَرَ) الْمُشْتَرِي (عَلَى عَيْبٍ) فَيَرُدَّهُ فَيَزُولُ الرِّبْحُ عَنْهُ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ تَأَكَّدَ: أَيْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ لِذَلِكَ الرِّبْحِ وَلِلتَّأْكِيدِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حُكْمُ الْإِيجَابِ كَمَا فِي شُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِتَأْكِيدِهِمْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ بِارْتِدَادٍ، وَعَلَى اعْتِبَارِ التَّأْكِيدِ يَصِيرُ الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُشْتَرِيًا بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَوْبًا وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَكُونُ الْخَمْسَةُ بِإِزَاءِ الْخَمْسَةِ وَيَبْقَى الثَّوْبُ بِخَمْسَةٍ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ وَاجِبٌ (لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الصُّلْحِ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الشِّرَاءُ بِعَشَرَةٍ فِيمَا لَوْ بَاعَ بِعِشْرِينَ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَصِيرُ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي كَأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِعَشْرَةٍ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهُوَ حُصُولُ الثَّوْبِ بِلَا عِوَضٍ، أُجِيبُ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ إنَّمَا حَصَلَ بِهِ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ احْتِرَازًا عَنْ الْخِيَانَةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِ، وَشَرْعِيَّةُ الْمُرَابَحَةِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِبَادِ لَا الشَّرْعِ، وَلِذَا إذَا

بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ بِجَوَازِهِ مَعَ الْمُنَافِي فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْأَوَّلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِهِ وَقَدْ عَلِمَ يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَمْ يَجُزْ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا فِي الرِّبَا لَوْ رَضِيَا بِهِ، وَأُورِدَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ وُهِبَ لَهُ ثَوْبٌ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِعَشَرَةٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْبَيْعُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ يَتَأَكَّدُ بِهِ انْقِطَاعُ حَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوَكَالَةُ إلَّا فِي عَقْدٍ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَأَيْضًا لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى يَزْدَادُ فِي الثَّمَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ مُرَابَحَةً بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَزْدَادُ فِي الثَّمَنِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِوَصِيفٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَرَضٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ طَرْحُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَلَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ اشْتَرَى أَشْيَاءَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهَا مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَتَعْيِينُهَا لَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةِ الْغَلَطِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ (وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ) لِتَأْكِيدِ الرِّبْحِ بِالْبَيْعِ مِنْ الثَّالِثِ وَوَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْبُطْلَانِ بِهِ فَلَمْ يَسْتَفِدْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الرِّبْحِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمَوْلَى (يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ) بِعَشَرَةٍ (فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ) بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَجِبُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ (لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ) أَعْنِي الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِإِفَادَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ وَيُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى مِنْ كَسْبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ سَالِمًا (فَلَهُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ) ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْعَبْدِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَكَذَا فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْحَقُّ حَقِيقَةً إذَا عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ لِلْفَائِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا صَحَّحْنَاهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ (مَعَ الْمُنَافِي) وَهُوَ كَوْنُهُ عَبْدَهُ الْمُسْتَلْزِمُ لِكَوْنِ الْمَالِ لَهُ لَوْلَا الدَّيْنُ (فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَار لل) عَقْدِ (الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْكَائِنُ بِعَشَرَةٍ (فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لِأَجْلِ الْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ وَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى (وَكَانَ بِبَيْعِهِ) أَجَلُ (الْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ (فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ مُكَاتَبَ السَّيِّدِ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَمًا لِلْمُرَابَحَةِ لَا لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا مِنْ وَجْهٍ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعُ أَمَانَةٍ تَنْفِي عَنْهُ كُلَّ تُهْمَةٍ وَخِيَانَةٍ، وَالْمُسَامَحَةَ جَارِيَةٌ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَيُتَّهَمُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ اشْتَرَى هَؤُلَاءِ مِنْهُ لَا يَبِيعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَامَ عَلَى الْبَائِعِ، إلَّا أَنَّهُمَا خَالَفَا فِي هَذِهِ فَقَالَا: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَالْحُقُوقِ فَكَانَا كَالْأَخَوَيْنِ،

قَالَ (وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَقْصُودٌ وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَأَنَّهُ لِلْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ. وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ لِلْآخَرِ وَتَجْرِي الْمُسَامَحَةُ بَيْنَهُمْ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ كَوْنُهُ مَدْيُونًا بِمَا يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْجَامِعِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: وَالْمَشَايِخُ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ كَقَاضِي خَانَ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُحِيطِ كَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ فَقَالَ: عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ أَصْلًا كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: إذَا اشْتَرَى مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذِكْرَهُ وَعَدَمَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ، بَلْ إذَا كَانَ لَا يُرَابِحُ إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ مَعَ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ كَسْبِهِ فَلَأَنْ لَا يَرْبَحَ إلَّا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ الثَّانِي أَصْلًا إنَّمَا يَبِيعُ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ. وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ لِثُبُوتِ صِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَعَدَمِهِ، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِهِ سِلْعَةً، إنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى وَلَا يُبَيِّنُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُ يَبِيعُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي وَنَصِيبَ نَفْسِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ نَحْوُ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ اُشْتُرِيَتْ بِأَلْفٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَاشْتَرَاهَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَنِ سِتُّمِائَةٍ وَنَصِيبَ نَفْسِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ، لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ) وَهُوَ وَجْهُ الْمَنْعِ لِزُفَرَ لَكِنَّا أَجَزْنَاهُ (لِمَا فِيهِ مِنْ) فَائِدَةِ (اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ) بَعْدَمَا كَانَتْ مُنْتَفِيَةً لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ عَنْهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُضَارِبِ (وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُضَارِبَ (وَكِيلٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ (فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ) وَذَلِكَ يَمْنَعُ

فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ عِنْدَهُ شَيْئًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصِحَّةَ بَيْعِهِ مِنْهُ، كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ مَا وَكَّلَهُ بِشِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ جَائِزٌ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ مَالُ الْمُضَارِبِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى لَا يَجُوزُ حَجْرُ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ (فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي نِصْفِ الرِّبْحِ) الَّذِي هُوَ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَيَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَعَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَا سِلْعَةً فَاقْتَسَمَاهَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ، إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ اسْتِيفَاءً مَحْضًا كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُبَادَلَةً كَالْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً لِابْتِنَائِهِ عَلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمُرَابَحَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِصُنْعِهَا بِنَفْسِهَا (يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ) أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَلَيْسَ بِهَا هَذَا الْعَوَرُ (وَ) كَذَا لَوْ (وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ) وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ، وَهَذَا (لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا) جُزْءٌ مِنْ (الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ (وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ (لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا اعْوَرَّتْ الْجَارِيَةُ

أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا. (وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَوْ تَكَسَّرَ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا يَبِيعُ) مُرَابَحَةً (مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَزُفَرَ، وَالِاحْتِبَاسُ بِفِعْلِهِ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ) بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالتَّقْيِيدُ بِفَقْءِ الْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ فَقَأَتْ عَيْنَهَا بِنَفْسِهَا فَإِنَّهُ كَمَا بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ هَدَرٌ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي حَابِسًا شَيْئًا، وَأَخْذُ الْأَرْشِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ إذَا أَعْوَرَهَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَالْفَرْقُ لَنَا (أَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ) فَخَرَجَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ بِالْقَصْدِيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ (فَيُقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ؛ لِأَنَّ الْعَذِرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهُمَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا) . (وَ) مِنْ هَذَا (لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ) أَوْ طَعَامًا فَتَغَيَّرَ (يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) وَقَرْضٌ بِالْقَافِ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ بِالْفَاءِ (وَلَوْ تَكَسَّرَ) الثَّوْبُ (بِطَيِّهِ وَنَشْرِهِ) لَزِمَهُ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَاخْتِيَارُهُ هَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ إيهَامٌ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهَا نَاقِصَةً، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهَا صَحِيحَةً لَمْ يَأْخُذْهَا مَعِيبَةً إلَّا بِحَطِيطَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ الْمُرَابَحَةِ اعْتِمَادُ الْغَبِيِّ أَنَّ الثَّمَنَ قِيمَتُهَا حَيْثُ اشْتَرَى مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِهِ فَيَطِيبُ قَلْبُهُ بِشِرَائِهَا بِهِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قِيمَتُهَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَرُومُ شِرَاءَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا كَيْ لَا يُغْبَنَ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَرْضَ فَكَانَ سُكُوتُهُ تَقْرِيرًا لَهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ شَيْئًا يَسِيرًا. فَإِنْ نَقَصَهُ قَدْرًا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً، يَعْنِي بِلَا بَيَانٍ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ) ؛ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهِمَا، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ يُوجِبُ السَّلَامَةَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَالِ غَلَائِهِ، وَكَذَا لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ لِطُولِ مُكْثِهِ أَوْ تَوَسَّخَ إلْزَامٌ قَوِيٌّ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى قَوْلِهِ الْفَائِتِ وَصْفٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُشْتَرَى بِأَجَلٍ فَإِنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ، أُجِيبُ أَنَّ الْأَجَلَ يُعْطَى لِأَجْلِهِ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَادَةً فَيَكُونُ كَالْجُزْءِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، وَعَلَى قَوْلِهِ مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رَدِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقْتَ الشِّرَاءِ وَذَلِكَ لِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرِي بِالْوَطْءِ حَابِسًا جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ عَدَمَ الرَّدِّ فِي هَذَا لَيْسَ لِمَا ذَكَرْت بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا فَإِمَّا مَعَ الْعُقْرِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَطْءِ مَجَّانًا أَوْ مِنْ غَيْرِ عُقْرٍ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَوْدِ الْجَارِيَةِ مَعَ زِيَادَةٍ وَالزِّيَادَةُ تَمْنَعُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الْوَطْءَ بِلَا عِوَضٍ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ إذَا رَجَعَ بَعْدَ وَطْءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَيْثُ يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا تُسَلَّمُ كُلُّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا عِوَضٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الْوَطْءُ بِلَا عِوَضٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ وَيُسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ زِيَادَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ شَيْءٌ وَجَبَ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَكَذَا الْوَطْءُ، [فُرُوعٌ] لَوْ أَصَابَ مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ أَوْ الدَّابَّةِ شَيْئًا رَابَحَ بِلَا بَيَانٍ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ إنَّمَا هُوَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصَابَ مِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ وَصُوفِهَا، فَإِنَّهُ إذَا رَبِحَ يَسْقُطُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَدْرُ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ فِي طَعَامِ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ فِي غَيْرِ السَّرَفِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ الْغَنَمُ أَوْ أَثْمَرَ النَّخِيلُ يَبِيعُ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِغَيْرِ فِعْلٍ ثُمَّ الزِّيَادَةُ تَجْبُرُهُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ لَمْ يَبِعْ الْأَصْلَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ مَا أَصَابَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمُتَوَلِّدُ كَجُزْءِ الْمَبِيعِ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْأَلْبَانَ وَالسَّمْنَ فَإِنَّهُ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهُ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ وَضِيعَةً قَالَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثًا وَلَوْ بَاعَهُ مُسَاوَمَةً يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ وَبَيْعُهُمَا فِي الْعَبْدِ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْعُقُودِ فَإِنَّ الثَّمَنَ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ وَلَّاهُ حَطَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يُحَطُّ عَنْ الثَّانِي بِهَذَا السَّبَبِ شَيْءٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا، بَلْ هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْعَقْدَ عَقْدٌ بِمَا بَقِيَ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْمُوَكِّلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَطَّ الْكُلَّ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى كُلِّ الثَّمَنِ وَيُوَلِّيَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا) أَوْ غَيْرَهُ (بِأَلْفٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ) وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ نَسِيئَةً بِالْأَلْفِ (فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي) بِذَلِكَ (فَ) لَهُ الْخِيَارُ (إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ) بِالْأَلْفِ وَالْمِائَةُ حَالَّةٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ (لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ) ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ، (وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَكَانَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ) بِالْأَلْفِ (وَبَاعَ أَحَدَهُمَا) بِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ، وَهَذَا خِيَانَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ مَبِيعًا حَقِيقَةً، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ يُشْبِهُ الْمَبِيعَ يَكُونُ

فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ كَمَا فِي الْعَيْبِ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ: (فَإِنْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَدَّهُ إنْ) شَاءَ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَعَلِمَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ، وَسَيَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا شُبْهَةَ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَةُ الْخِيَانَةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ. (فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ) عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَطَّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُ فِي هَذَا يُزَادُ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، هَذَا إذَا عَلِمَ الْخِيَانَةَ قَبْلَ هَلَاك الْمَبِيعِ (فَلَوْ عَلِمَ) بَعْدَمَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ حَالَّةٍ) ؛ لِأَنَّ (الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ) حَقِيقَةً وَاَلَّذِي كَانَ ثَابِتًا لَهُ مُجَرَّدَ رَأْيٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَهَكَذَا (لَوْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ إلَى أَجَلٍ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْهَلَاكِ: يَعْنِي يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ وَقَبُولُهُ بِالْأَلْفِ الْحَالَّةِ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ مَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَقِيقَةً (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) بَعْدَ الْهَلَاكِ (يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَهُوَ نَظِيرُ) قَوْلِهِ فِي (مَا إذَا اسْتَوْفَى) صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ دَائِنِهِ (مَكَانَ) الدَّيْنِ (الْجِيَادِ زُيُوفًا) وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِزِيَافَتِهَا حَتَّى أَنْفَقَهَا فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَهَا مِنْ الزُّيُوفِ وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ (وَسَيَأْتِيكَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ (وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِمُؤَجَّلٍ

فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُنَجَّمٌ مُعْتَادٌ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ. قَالَ (وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ (فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ، يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ، فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يُقْبَلُ الْإِصْلَاحُ، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا) عَلَى الْبَائِعِ، قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُعْتَادُ التَّنْجِيمِ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ) مَا كَانَ إلَّا (حَالًّا) فِي الْعَقْدِ، أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِلَا شَرْطِ أَجَلٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُ إلَى شَهْرٍ مَطْلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِالْأَلْفِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ: يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ) مَا قَامَ بِهِ عَلَيْهِ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ) وَإِنْ كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ (لَمْ يَتَقَرَّرْ) إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِمُضِيِّ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِرَقْمِهِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الرَّقْمِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لَهُ عَرْضِيَّةُ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْفَسَادِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ يُعْتَبَرُ الْوَاقِعُ فِي أَطْرَافِهِ كَالْوَاقِعِ مَعًا كَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ: أَيْ بَيَانِ قَدْرِ الثَّمَنِ (كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَتَّصِلُ بِالْإِيجَابِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْمَجْلِسِ، كَذَا هَذَا يَكُونُ سُكُوتُهُ عَنْ تَعْيِينِ الثَّمَنِ فِي تَحَقُّقِ الْفَسَادِ مَوْقُوفًا إلَى آخِرِهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ فِيهِ اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ الَّذِي سَكَتَ فِيهِ عَنْهُ، وَإِنْ انْقَضَى قَبْلَهُ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ فَلَا يَنْقَلِبُ بَعْدَهُ صَحِيحًا (وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ) بَعْدَ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ (لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ) فَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ (كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) لَمْ يَتِمَّ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا يَتَخَيَّرُ. [فُرُوعٌ] اشْتَرَى ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى ذِرَاعٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى ذُرْعَانِهِ، وَلَوْ رَابَحَ عَلَى مَالِهِ نِسْبَةً مَعْلُومَةً مِنْهُ كَنِصْفِهِ ثُلُثُهُ ثَمَنُهُ جَازَ،. وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ بِمِائَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ أَيَّ النِّصْفَيْنِ شَاءَ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَ كُلَّهُ مُرَابَحَةً عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَلَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ كُلِّهِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ إلَّا عَلَى مَا بَقِيَ

[فصل اشترى شيئا مما ينقل ويحول]

(فَصْلٌ) وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ بَاعَهُ الثَّمَنَ عَرْضًا أَوْ أَعْطَى بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ جِيَادٍ وَنَقَدَهُ زُيُوفًا فَتَجَوَّزَ بِهَا الْبَائِعُ فَلَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى عَشَرَةٍ جِيَادٍ، وَلَوْ وَهَبَ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ، وَكَذَا إنْ بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادِ بَيْعٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ اشْتَرَى بِهِ،. وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ مَا عَادَ إلَى الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَضِيَ بِهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ خِيَارٌ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مُرَابَحَةً فَاطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فَرَضِيَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّابِتَ لَهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ. وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَهُوَ لَا يَشْتَرِي بِذَلِكَ الْقَدْرِ بِالْغَبْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مَا يُبَاعُ بِمِثْلِهِ جَازَ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَخَذَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّلْحِ وَالشِّرَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ، لَكِنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ ثَمَنُهُ وَجَبَ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْمُرَابَحَةِ مَا كَانَ إلَّا لِتُهْمَةِ الْحَطِيطَةِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ انْتِفَاءَهَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ اشْتَرَيَا رِزْمَةَ ثِيَابٍ فَاقْتَسَمَاهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ مَا خَصَّهُ مُرَابَحَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا جِنْسًا وَاحِدًا فَاقْتَسَمَاهُ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَى الرِّزْمَةَ وَاحِدٌ فَقَوَّمَهَا ثَوْبًا ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا مِنْهَا مُرَابَحَةً عَلَى مَا قُوِّمَ إلَّا مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ: قِيمَةُ هَذَا أَلْفٌ أَوْ قُوِّمَ هَذَا بِكَذَا أَوْ أَنَا أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى هَذِهِ الْقِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي الرَّقْمِ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهِ، أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبَيْنِ وَوَصَفَهُمَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ نِصْفَ مَا اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْف ثَمَنِهِ إنْ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَطَعَامٍ أَكَلَ نِصْفَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِانْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بِالْإِجْزَاءِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَهُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ: أَعْنِي الذُّرْعَانَ، وَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ بِاعْتِبَارِهَا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرَابِحَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كُلُّ ثَوْبٍ بِكَذَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُرَابِحُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ ده يازده فَطَرِيقُهُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِرْهَمٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةً فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مِائَةً وَعَشَرَةً فَتَسْقُطُ عَشَرَةٌ فَيَصِيرُ جُمْلَةُ الثَّمَنِ تِسْعَةً وَجُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، [فَصْلٌ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ يَتَصَرَّفُ

لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ لِتَكُونَ اتِّفَاقِيَّةً، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُجِيزُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ الطَّعَامَ بِالنَّهْيِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي لَفْظٍ " حَتَّى يَقْبِضَهُ " قُلْنَا: قَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَ الطَّعَامِ أَخْرَجَهُ عَنْهُ أَئِمَّةُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَعَضَّدَ قَوْلَهُ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ إلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ابْتَعْت زَيْتًا فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْته لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي فِيهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي، فَالْتَفَتَ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْته حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِك، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ» ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: سَنَدُهُ جَيِّدٌ. وَقَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ هَذِهِ الْبُيُوعَ وَأَبِيعُهَا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ؟ قَالَ: لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا ابْنُ عِصْمَةَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخَرِّجِينَ مِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ ابْنَ عِصْمَةَ بَيْنَ ابْنِ مَاهَكَ وَحَكِيمٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا، وَابْنُ عِصْمَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ مَجْهُولٌ، وَصَحَّحَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ نَفْسِهِ عَنْ حَكِيمٍ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصَبْغَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ الْجُشَمِيَّ حِجَازِيٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَكِلَاهُمَا مُخْطِئٌ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ هَذَا بِالنُّصَيْبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ كَذَلِكَ، وَالْحَاجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى دَلِيلِ التَّخْصِيصِ بِغَيْرِ الْعَقَارِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُذْكَرُ هُنَاكَ

وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ عَلَّلَ الْحَدِيثَ (لِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ) الْأَوَّلِ (عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَالْغَرَرُ: مَا طُوِيَ عَنْك عِلْمُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّا رَأَيْنَا التَّصَرُّفَ فِي إبْدَالِ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ جَائِزًا فَلَا يَضُرُّهَا غَرَرُ الِانْفِسَاخِ كَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَهْرِ لَهَا، وَبَدَلُ الْخُلْعِ لِلزَّوْجِ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إذْ كَانَتْ لَا تَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ فَظَهَرَ أَنَّ السَّبَبَ مَا قُلْنَا، هَذَا وَقَدْ أَلْحَقُوا بِالْبَيْعِ غَيْرَهُ فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا التَّصَدُّقُ بِهِ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَكَذَا إقْرَاضُهُ وَرَهْنُهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا أَجَازَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي الْأُجْرَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا إذَا كَانَتْ عَيْنًا أَوْلَى، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ الْعِوَضِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ إذَا كَانَتْ عَيْنًا فِي الْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الدَّيْنِ إذَا كَانَ عَيْنًا، لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَأَنْ يُشْرِكَ فِيهِ غَيْرَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَمَا لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ، كَالْمَهْرِ إذَا كَانَ عَيْنًا وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كُلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَيْنًا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَرِثَ عَنْهُ، فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالرَّهْنِ وَالْقَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ تَمَامَ هَذَا الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمَانِعَ زَائِلٌ عِنْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ وَقَاسَهُ بِهِبَةِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ إذْ لَا مَانِعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتَيْ جَازَ، وَيَكُونُ الْفَقِيرُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ قَابِضًا لِنَفْسِهِ

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ) رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَلَا غَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِي الْعَقَارِ نَادِرٌ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ، وَالْغَرَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، وَالْحَدِيثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْبَيْعُ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْهِبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشُّيُوعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ، وَأَيْضًا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ وَغَرَرُ الِانْفِسَاخِ يَمْنَعُ تَمَامَهُ فَكَانَ قَاصِرًا فِي حَقِّ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ، وَأَمَّا أَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَتِي فَإِنَّهُ طَلَبُ التَّمْلِيكِ لَا تَصَرُّفٌ مَبْنِيَّ عَلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اُعْتُبِرَ الْغَرَرُ امْتَنَعَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَتَحَقَّقُ بِهِ قَبْلَهُ، وَيَزِيدُ بِاعْتِبَارِ الْهَلَاكِ أَيْضًا فَكَانَ أَكْثَرَ مَظَانًّا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بَعْدَهُ يَسُدُّ بَابَ الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ وَهَبَهُ يَجُوزُ عَلَى اعْتِبَارِهِ مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُجَاوِرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجِبَ الْفَسَادَ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، أُجِيبُ بِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الْمَبِيعِ لَا مُجَاوِرَ لَهُ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ أَوْ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ الْهَلَاكِ، وَأُورِدَ عَلَى التَّأْثِيرِ أَنَّ بُعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: أَيُّ امْتِنَاعٍ فِيهِ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَمْ يَصِحَّ فَيُتَرَادَّانِ، وَمِثْلُهُ وَاقِعٌ فِي الشُّفْعَةِ وَالْبَيْعِ بَعْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ (رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ) يَعْنِي عُمُومَهُ، وَهُوَ مَا فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ» بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَنْقُولِ: أَعْنِي قَوْلَهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَعِ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ» وَلِلنَّهْيِ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَوْ بَاعَ الْعَقَارَ بِرِبْحٍ يَلْزَمُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَصَارَ بَيْعُ الْعَقَارِ كَإِجَارَتِهِ وَإِجَارَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَجُوزُ فَكَذَا بَيْعُهُ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْحَادِثِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمِلْكُ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِتَأَكُّدِ السَّبَبِ، وَفِي هَذَا الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ سَوَاءٌ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ) وَالْمَانِعَ الْمُثِيرَ لِلنَّهْيِ وَهُوَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ مُنْتَفٍ. (فَإِنَّ هَلَاكَ الْعَقَارِ نَادِرٌ) وَالنَّادِرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ إلَّا إذَا صَارَ بَحْرًا وَنَحْوُهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ بَحْرًا أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الرِّمَالُ، فَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَفِي الِاخْتِيَارِ: حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عُلُوًّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ

مَعْلُولٌ بِهِ عَمَلًا بِدَلَائِل الْجَوَازِ وَالْإِجَارَةِ، قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؛ وَلَوْ سَلَّمَ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ وَهَلَاكُهَا غَيْرُ نَادِرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ (مَعْلُولٌ بِهِ) أَيْ بِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ بِالْغَرَرِ نَافِذٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالتَّزَوُّجُ عَلَيْهِ، وَبِهِ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ إنَّ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِتَأَكُّدِ السَّبَبِ، وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي اسْتِدْعَاءِ مِلْكٍ تَامٍّ فَوْقَ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْعِتْقُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: التَّزَوُّجُ لَا يَبْطُلُ بِالْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَهْرُ الْمُعَيَّنُ لَزِمَ الزَّوْجَ قِيمَتُهُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ، وَأُورِدَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ تَخْصِيصُ عُمُومِهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ، وَالْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، الْجَوَابُ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ أَشْيَاءَ: مِنْهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَكَذَا الْمَهْرُ يَجُوزُ لَهَا بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ، وَكَذَا الزَّوْجُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، وَكَذَا رَبُّ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ إذَا مَلَكَهُ غَيْرُهُ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ جَازَ، وَكَذَا أَخْذُ الشَّفِيعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَمَلُّكَهُ حِينَئِذٍ شِرَاءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ أَوْ اتَّزَنَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا أَنْ يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ) «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّصَرُّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ كَانَ الْعَقَارُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الْأَخْذِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا يَخْرُجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا الْإِلْحَاقُ بِالْإِجَارَةِ فَفِي مَنْعِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْعٌ فَإِنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْقُولِ وَالْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فَيَمْتَنِعُ جَوَازُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ. وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: وَإِذَا عُرِفَ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ وَفِي الْمَبِيعِ لَا يَجُوزُ كَانَ تَتْمِيمُهُ بِأَنْ يَذْكُرَ هُنَا مَا يُمَيِّزُ الْمَبِيعَ عَنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّفَ فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانٌ أَبَدًا وَذَوَاتُ الْقِيَمِ مَبِيعَةٌ أَبَدًا وَالْمِثْلِيَّاتُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ إذَا قُوبِلَتْ بِالنَّقْدِ مَبِيعَةٌ أَوْ بِالْأَعْيَانِ وَهِيَ مُعَيَّنَةُ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَمَبِيعَةٌ، كَمَنْ قَالَ اشْتَرَيْت كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذَا الْعَبْدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرَائِطِ السَّلَمِ، وَقِيلَ الْمِثْلِيَّاتُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً وَقُوبِلَتْ بِغَيْرِهَا ثَمَنٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا الْبَاءُ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْأَثْمَانُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ اسْتِبْدَالًا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَرْضِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ، وَالْمَبِيعَاتُ تَقَدَّمَ حَالُهَا عِنْدَ ذِكْرِنَا الْإِلْحَاقَ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَهُ ثُمَّ أَقَالَ فَبَيْعُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ، وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَجُوزُ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْفَسَخَ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ فَبَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَمَا هُوَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ يَجُوزُ مِنْ الْمُشْتَرِي كَالْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً) أَيْ اشْتَرَاهُ عَلَى كَذَا كَيْلًا أَوْ رَطْلًا (فَاكْتَالَهُ أَوْ اتَّزَنَهُ) لِنَفْسِهِ (ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً) فِي الْمَوْزُونِ (لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» ) رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ هَكَذَا لَكِنْ بِلَفْظِ الصَّاعَانِ مُعَرَّفًا أَسْنَدَهُ عَنْهُ ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأُعِلَّ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَبِلَفْظِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِيهِ:

فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الزِّيَادَةُ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ طَرِيقَانِ أُخْرَيَانِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفَانِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ كَانَا يَبْتَاعَانِ التَّمْرَ وَيَجْعَلَانِهِ فِي غَرَائِرَ ثُمَّ يَبِيعَانِهِ بِذَلِكَ الْكَيْلِ، فَنَهَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَاهُ حَتَّى يَكِيلَا لِمَنْ ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا» فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِكَثْرَةِ تَعَدُّدِ طُرُقِهِ وَقَبُولِ الْأَئِمَّةِ إيَّاهُ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَحِينَ عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ بِجَعْلِهِ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ إذْ بِالْكَيْلِ يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ عَنْ حَقِّ الْبَائِعِ إذْ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ أَوْ أَزْيَدَ فَيَضِيعُ مَالُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ مَالُ الْبَائِعِ عِنْدَهُ فَأَلْحَقُوا بِمَنْعِ الْبَيْعِ مَنْعَ الْأَكْلِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُبْنَى عَلَى الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَأَلْحَقُوا بِالْمَكِيلِ الْمَوْزُونَ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ إذَا اُشْتُرِيَ مُعَادَّةً، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ قَبْلَ الْعَدِّ ثَانِيًا لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ، وَهُوَ وُجُوبُ تَعَرُّفِ الْمِقْدَارِ وَزَوَالُ احْتِمَالِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لِلْبَائِعِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ الثَّانِي قَبْلَ الْعَدِّ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يُلْحِقُوهَا؛ فَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ نَقَصَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، فَإِذَا بَاعَهُ بِلَا ذَرْعٍ كَانَ مُسْقِطًا خِيَارَهُ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقْصِ وَلَهُ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ مَبِيعًا، فَلَوْ كَانَ ثَمَنًا بِأَنْ اشْتَرَى بِهَذَا الْبُرِّ عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ فَقَبَضَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ، فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِ قَبْضِهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ مِنْهُ بَيْعُ الطَّعَامِ إلَّا مُكَايَلَةً فَيَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِهِ مُجَازَفَةً، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ ظَاهِرَهُ مَتْرُوكٌ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ مُكَايَلَةً. أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً بِيعَ صُبْرَةً فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَاطُ الْمِلْكَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُصَنَّفِ فِيهِ (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ) قِيلَ: مَعْنَاهُ: الزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ يَظُنُّهُ بِأَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَشَرَةٌ فَظَهَرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَكَلَّفَ

مُذَارَعَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ، بِخِلَافِ الْقَدْرِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَا بِكَيْلِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ صَاعَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ وَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَعْدُودَ عَدًّا فَهُوَ كَالْمَذْرُوعِ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا، وَكَالْمَوْزُونِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُهُ، وَكَذَا مَا يُفِيدُ ظَاهِرُهُ مِنْ الْتِزَامِ جَرَيَانِ الصَّاعَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مُكَايَلَةً وَبَاعَهُ كَذَلِكَ، أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً إلَى كَيْلٍ وَاحِدٍ لِلْمُشْتَرِي. وَقَوْلُ الرَّاوِي حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ مَعْنَاهُ صَاعُ الْبَائِعِ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً، أَمَّا لَوْ كَانَ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ أَوْ الزِّرَاعَةِ أَوْ اشْتَرَى مُجَازَفَةً أَوْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ ثُمَّ بَاعَهَا فَالْحَاجَةُ إلَى صَاعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ صَاعُ هَذَا الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ لَكِنَّهُ شِرَاءٌ صُورَةً عَارِيَّةٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ مَا يَرُدُّهُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ قَبْضُ بَدَلِهِ فِي مَالِ الصَّرْفِ فَكَانَ تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ حُكْمًا؛ وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُكَايَلَةً ثُمَّ بَاعَهَا مُجَازَفَةً قَبْلَ الْكَيْلِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَاطِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ بَائِعِهِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ، وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْمَبِيعِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا، وَنَصَّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ بِلَا كَيْلٍ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَكَلَ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّهُ آثِمٌ لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْكَيْلِ، فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ أَصْلًا فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا فَمَلَكَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إذَا أَكَلَهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَكَلَ حَرَامًا (قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ) مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي (وَإِنْ كَانَ) كَالَهُ لِنَفْسِهِ (بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي) عَنْ شِرَائِهِ هُوَ (لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ) بِالنَّصِّ (وَلَا بِكَيْلِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ) الثَّانِي (بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي) وَغَيْبَةِ وَكِيلِهِ فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْغَائِبِ لَا يَتَحَقَّقُ وَهَذَا الْكَيْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ لِتَسْلِيمِ الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ (وَإِنْ كَالَهُ) أَوْ وَزَنَهُ (بَعْدَ الْعَقْدِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي) مَرَّةً فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، قَالَ عَامَّتُهُمْ: كَفَاهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ

لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَشْرُوطِ. قَالَ (وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ) لِقِيَامِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَيْسَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا قَبَضَهُ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مَرَّتَيْنِ احْتِجَاجًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ صَيْرُورَةُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا وَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ الْكَيْلِ وَاتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، وَمَحْمَلُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إذَا وُجِدَ عَقْدَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا لِأَجْلِ رَبِّ السَّلَمِ وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ اقْتِضَاءً عَنْ سَلَمِهِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ يُشْتَرَطُ صَاعَانِ: صَاعٌ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَصَاعٌ لِرَبِّ السَّلَمِ فَيَكِيلُهُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ثُمَّ يَكِيلُهُ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ كَيْلِهِ بِغَيْبَتِهِ لِانْتِفَاءِ التَّسْلِيمِ مِنْ الْغَائِبِ فَيَثْبُتُ احْتِمَالُ الِاخْتِلَاطِ فَلَا يَجُوزُ، وَيُصَرِّحُ بِنَفْيِهِ مَا فِي الْجَامِعِ فِي بَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ إذَا كَالَ الْبَائِعُ قَفِيزًا مِنْهَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ أَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ فِي قَفِيزٍ مِمَّا بَقِيَ وَلَا يَقَعُ بِهِ الْإِفْرَازُ، وَمِنْ هُنَا يَنْشَأُ فَرْعٌ وَهُوَ مَا لَوْ كِيلَ الطَّعَامُ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ بَعْدَ شِرَائِهِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ سَوَاءٌ اكْتَالَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكْتَلْ بَعْدَ شِرَائِهِ هُوَ لَمْ يَكُنْ قَابِضًا فَبَيْعُهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَلَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ) بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَنَا سِوَى بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ، وَكَانَ الْقِيَاسُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّهُ

غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِالتَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ، بَلْ عَلَى اعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصِّلَةِ، لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ مِلْكَهُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْحَطُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ صَارَ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فَصَارَ بِرًّا مُبْتَدَأً، وَلَنَا أَنَّهُمَا بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ يُغَيِّرَانِ الْعَقْدَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنِعَ بِالنَّصِّ لِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ، وَلَيْسَ فِي الثَّمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَسَائِرُ الدُّيُونِ كَالثَّمَنِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ كَالْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَغَيْرِهَا. وَاسْتِثْنَاءُ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ حُكْمَ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي الصَّرْفِ وَأَيَّدَهُ السَّمْعُ وَهُوَ مَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ حُجْرَتَهُ فَأَخَذْت بِثَوْبِهِ فَسَأَلْته فَقَالَ: إذَا أَخَذْت وَاحِدًا مِنْهَا بِالْآخَرِ فَلَا يُفَارِقْكَ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ بَيْعٌ، فَإِنَّ هَذَا بَيْعُ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالنَّقْدِ الْمُخَالِفِ لَهُ» ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ لَا يَضُرُّهُ وَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ، قَالَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَحَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَحَدَّثَنِي فُلَانٌ أَرَاهُ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَرَفَعَهُ سِمَاكٌ وَأَنَا أَهَابُهُ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ ابْنِ عُمَرَ وَشِدَّةِ اتِّبَاعِهِ لِلْأَثَرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْتَضِي أَحَدَ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ مُسْتَمِرًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَرَّفَهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَبَيْنَهُمَا بَيْعٌ مَعْنَاهُ دَيْنٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فَمَنَعَ النَّسِيئَةَ فِيهِ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَالصَّرْفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرَّثَ فِي الْمِلْكِ وَكَانَ لِلْمَيِّتِ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ، فَكَذَا لِلْوَارِثِ وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ، وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ) وَسَنَذْكُرُ شَرْطَ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) مِنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةِ حَتَّى كَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ الزِّيَادَةَ وَلَا مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ إعْطَائِهَا، وَلَوْ سَلَّمَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ رَجَعَ بِهَا مَعَ أَصْلِ الثَّمَنِ، وَفِي صُورَةِ الْحَطِّ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا سَلَّمَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ (وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحَّانِ) أَيْ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ (عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ) بِأَصْلِ الْعَقْدِ (بَلْ الزِّيَادَةُ بِرٌّ مُبْتَدَأٌ

وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ رَابِحًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ عَدْلًا، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الرَّفْعِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّغَيُّرِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَسْقَطَا الْخِيَارَ أَوْ شَرَطَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا صَحَّ يَلْتَحِق بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِأَصْلِهِ لَا تَغْيِيرٌ لِوَصْفِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي) وَالْحَطُّ إبْرَاءٌ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ مَتَى رَدَّهُ يَرْتَدُّ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَبِيعَ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ الْتَحَقَ الْعَقْدَ صَارَ مِلْكَهُ وَهُوَ مَا زَادَهُ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمَبِيعُ. وَكَذَا الثَّمَنُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ جَازَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ كَانَ الْمَزِيدُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ: أَعْنِي الثَّمَنَ، قُلْنَا: إنَّمَا يَكُونُ مَا ذَكَرْتُمْ لَوْ الْتَحَقَا بِالْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ تَغْيِيرِهِ، لَكِنَّا إنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمَا بِالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ غَيَّرَا الْعَقْدَ عَنْ وَجْهِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ إلَى كَوْنِهِ

لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ، وَيَظْهَرُ حُكْمُ الِالْتِحَاقِ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ حَتَّى يَجُوزَ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَيُبَاشِرَ عَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ وَفِي الشُّفْعَةِ حَتَّى يَأْخُذَ بِمَا بَقِيَ فِي الْحَطِّ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَرَأَيْنَا الشَّرْعَ أَثْبَتَ لَهُمَا وِلَايَةَ تَحْوِيلِ الْعَقْدِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ وَمِنْ وُجُودِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فِي الْوُجُودِ إلَى إعْدَامِهِ بِلَا سَبَبٍ سِوَى اخْتِيَارِهِمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَحْوِيلُهُ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ إلَى اللُّزُومِ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَعَكْسُهُ بِإِلْحَاقِ الْخِيَارِ، وَكَذَا مِنْ كَوْنِهِ حَالًّا إلَى مُؤَجَّلٍ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ كَمَا سَنَذْكُرُ فِي تَأْجِيلِ الثَّمَنِ الْحَالِّ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالْإِقَالَةِ وَهِيَ تُعِيدُهُ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ فَأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لَهُمَا تَغْيِيرُهُ مِنْ وَصْفِ كَوْنِهِ رَابِحًا إلَى خَاسِرًا أَوْ خَاسِرًا إلَى رَابِحٍ، وَإِلَى كَوْنِهِ عَدْلًا، وَثَبَتَ صِحَّةُ الْحَطِّ شَرْعًا فِي الْمَهْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا إذَا تَرَاضَيَا بَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَهْرِ عَلَى حَطِّ بَعْضِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ جَازَ، وَإِذَا ثَبَتَ تَصْحِيحُ ذَلِكَ لَزِمَ الِالْتِحَاقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ضَرُورَةً إذْ تَغْيِيرُهُ يُوجِبُ كَوْنَهُ عَقْدًا بِهَذَا الْقَدْرِ فَبِالضَّرُورَةِ يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِهِ إذْ وَصْفُ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَطَّ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِأَصْلِهِ إذْ يَصِيرُ الْبَدَلُ الْآخَرُ هِبَةً فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ إلَى عَقْدِ التَّبَرُّعِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ الِالْتِحَاقُ انْتَفَى قَوْلُهُمْ: الزِّيَادَةُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَا (وَيَظْهَرُ حُكْمُ الِالْتِحَاقِ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ فَتَجُوزُ) الْمُرَابَحَةُ (عَلَى الْكُلِّ) مِنْ الْأَصْلِ وَالزَّائِدِ، وَيَجِبُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ وَمَا زَادَهُ الْبَائِعُ مَبِيعًا لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَكَذَا التَّوْلِيَةُ (وَيُبَاشِرُ) الْعَقْدَ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ (عَلَى الْبَاقِي) بَعْدَ الْحَطِّ (وَ) كَذَا (فِي الشُّفْعَةِ حَتَّى يَأْخُذَهَا) الشَّفِيعُ (بِالْبَاقِي) فَقَطْ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ الْتَحَقَا لَزِمَ أَنْ يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ الْأَصْلِ وَالزَّائِدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِدُونِ الزِّيَادَةِ، أَوْ يُقَالُ فَلِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّفِيعِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا) فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ (بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ

مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ الثَّابِتِ فَلَا يَمْلِكَانِهِ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يُسْتَنَدُ، بِخِلَافِ الْحَطِّ لِأَنَّهُ بِحَالٍ يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبَدَلِ عَمَّا يُقَابِلُهُ فَيُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتِنَادًا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ الثَّابِتِ) قَبْلَهَا، فَإِنَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِأَخْذِهَا بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي الْأَوَّلُ وَعُقِدَ بِهِ، وَالزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ تَصَرُّفٌ حَادِثٌ مِنْهُمَا يُبْطِلُ حَقَّهُ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا ذَلِكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ شَرَعَ يَذْكُرُ شَرْطَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ. فَقَالَ: (ثُمَّ الزِّيَادَةُ) إلَى آخِرِهِ: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَهَا قِيَامُ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ فَلَوْ هَلَكَ حَقِيقَةً بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الدَّابَّةُ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ أَوْ آجَرَ أَوْ رَهَنَ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ أَوْ طَحَنَ الْحِنْطَةَ، أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَسْلَمَ مُشْتَرِي الْخَمْرِ ذِمِّيًّا لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْعَقْدِ، إذْ الْعَقْدُ لَمْ يَرِدْ عَلَى الْمَطْحُونِ وَالْمَنْسُوجِ وَلِهَذَا يَصِيرُ الْغَاصِبُ أَحَقَّ بِهَا إذَا فَعَلَ فِي الْمَغْصُوبِ ذَلِكَ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ شَرْطُهَا بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ، فَلَوْ زَادَ بَعْدَ مَوْتِهَا لَا تَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَبِيعَةَ ثُمَّ زَادَ حَيْثُ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ، وَكَذَا إذَا آجَرَ أَوْ رَهَنَ أَوْ خَاطَ الثَّوْبَ أَوْ اتَّخَذَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ قَطَعَ يَدَ الْمَبِيعِ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهُ حَيْثُ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فِي كُلِّ هَذِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ صُوَرِ الْهَلَاكِ (لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) وَالِالْتِحَاقُ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مُسْتَنِدًا فَالْمُسْتَنَدُ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا فِي الْحَالِّ ثُمَّ يَسْتَنِدَ، وَثُبُوتُهُ مُتَعَذِّرٌ لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ فَتَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ فَلَا يَثْبُتُ كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ لَا يَنْبَرِمُ بِالْإِجَازَةِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا وَقْتَهَا (قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ كَمَا يَصِحُّ الْحَطُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا عِوَضًا، وَهَذَا الِالْتِزَامُ صَحِيحٌ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ كَمَا لَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ صَالَحَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَالٍ وَضَمِنَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ هَذَا فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ فَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى وَتَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ (بِخِلَافِ الْحَطِّ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ حَطُّ (الْبَدَلِ) أَيْ الثَّمَنِ (عَمَّا يُقَابِلُهُ) وَحَاصِلُهُ إخْرَاجُ الْقَدْرِ الْمَحْطُوطِ عَنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا، فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الثَّمَنِ دُونَ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنُ بَاقٍ فَيَثْبُتُ الْحَطُّ مُلْتَحِقًا بِأَصْلِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْحَطُّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْهَلَاكِ؟ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَبِهِ يَكُونُ الثَّمَنُ مَا سِوَى مَا رَجَعَ بِهِ، فَإِسْقَاطُ عِوَضِ الْمَعْدُومِ يَصِحُّ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ حَالٍّ لَا يَصِيرُ مُؤَجَّلًا بِالتَّأْجِيلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَالًّا لَيْسَ إلَّا وَعْدًا بِالتَّأْخِيرِ، قُلْنَا (الثَّمَنُ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ) وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ الدَّعْوَى وَهُوَ لُزُومُ الْأَجَلِ بِالتَّأْجِيلِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إنَّمَا

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُؤَقَّتًا، وَلَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا (إلَّا الْقَرْضَ) فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى يَصِحَّ بِلَفْظَةِ الْإِعَارَةِ، وَلَا يَمْلِكُهُ مِنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ، إذْ لَا جَبْرَ فِي التَّبَرُّعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّأْخِيرُ شَرْعًا إذَا أَخَّرَ، وَقَوْلُهُ (أَلَا تَرَى) إلَى آخِرِهِ يُسْتَدَلُّ بِهِ مُسْتَقِلًّا فِي الْمَطْلُوبِ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتُ عِنْدَ إسْقَاطِهِ السُّقُوطَ وَالتَّأْجِيلَ الْتِزَامُ الْإِسْقَاطِ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَيَثْبُتُ شَرْعًا السُّقُوطُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا ثَبَتَ شَرْعًا سُقُوطُهُ مُطْلَقًا بِإِسْقَاطِهِ مُطْلَقًا (وَلَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ) وَمَجِيءِ الْمَطَرِ (لَا يَجُوزُ) وَلَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ بِهِ ابْتِدَاءً (وَإِنْ كَانَتْ) يَسِيرَةً (كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ يَجُوزُ) وَيَلْزَمُ كَمَا إذَا كَفَلَ إلَيْهَا (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي آخِرِ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ لِيَفْسُدَ بِهِ بَلْ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ (وَكُلُّ دَيْنٍ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا لَمَا ذَكَرْنَا، إلَّا الْقَرْضَ فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ) وَلَوْ شَرَطَ الْأَجَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْقَرْضِ صَحَّ الْقَرْضُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ صَارَ فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُقْرِضُ فَأَجَّلَ وَرَثَتُهُ صَرَّحَ قَاضِي خَانَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَجَّلَ الْمُقْرِضُ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لَا يُعَارِضُهُ وَلَا يُفِيدُ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَجِّلَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِ الْقَرْضِ أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَيْسَ مِنْ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ تَأْجِيلُ بَدَلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ إذْ بِاسْتِهْلَاكِهَا لَا تَصِيرُ قَرْضًا، وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ فَيُؤَجِّلَ الْمُقْرِضُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَيَلْزَم حِينَئِذٍ. وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ (لِأَنَّهُ صِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِعَارَةٌ حَتَّى يَصِحَّ) الْقَرْضُ (بِلَفْظِ أَعَرْتُك) هَذِهِ الْأَلْفَ بَدَلَ أَقْرَضْتُك وَنَحْوِهِ (وَ) لِهَذَا (لَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ الصِّلَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ) وَالْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ (وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا يَلْزَمُ رَدُّ مِثْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْذُ مِثْلِهِ (فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلَ، كَمَا) لَا يَلْزَمُ تَأْجِيلُ (الْإِعَارَةِ) فَإِنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ الْمَتَاعَ إلَى شَهْرٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ

وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ مِنْ ثُلُثِهِ أَنْ يُقْرِضُوهُ وَلَا يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى فَيَلْزَمُ حَقًّا لِلْمُوصِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَالِ إذْ لَا تَأْجِيلَ فِي التَّبَرُّعِ (وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ) أَيْضًا (لِأَنَّهُ يَصِيرُ) بِهَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ (بَيْعَ دَرَاهِمَ بِمِثْلِهَا نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا) ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ كَانَ التَّبَرُّعُ مُلْزِمًا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا كَالْكَفِّ عَنْ الْمُطَالَبَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ يُنَافِي مَوْضُوعَ التَّبَرُّعَاتِ، قَالَ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] نَفَى السَّبِيلَ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ نُصُوصِيَّةِ الِاسْتِغْرَاقِ، فَلَوْ لَزِمَ تَحَقُّقُ سَبِيلٍ عَلَيْهِ ثُمَّ لِلْمِثْلِ الْمَرْدُودِ حُكْمُ الْعَيْنِ كَأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ، وَلَوْلَا هَذَا الِاعْتِبَارُ كَانَ تَمْلِيكَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بِلَا قَبْضٍ فِي الْمَجْلِسِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا شَرْعًا كَالْعَيْنِ، وَإِذَا جُعِلَتْ كَالْعَيْنِ فَالتَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفًا لِفُلَانٍ إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ) ذَلِكَ (مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ) فَيَلْزَمُ كَمَا تَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ سَنَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَابَ الْوَصِيَّةِ أَوْسَعُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَعْدُومَةً فِي الْحَالِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَنَظَرًا لَهُ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةً، وَلِلرَّحْمَةِ عَلَيْهِ أَجَازَهَا الشَّرْعُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ مِلْكِيَّتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ،

[باب الربا]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ الرِّبَا) قَالَ الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الرِّبَا] (بَابُ الرِّبَا) هُوَ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيَّةِ قَطْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] بِسَبَبِ زِيَادَةٍ فِيهِ فَمُنَاسَبَتُهُ بِالْمُرَابَحَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ حَلَالٌ وَهَذِهِ مَنْهِيَّةٌ، وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ، وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحُهَا خَطَأٌ (قَوْلُهُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِيعَ بِجِنْسِهِ) وَفِي عِدَّةٍ مِنْ النُّسَخِ: الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ إلَى آخِرِهِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا زِيَادَةُ " مُتَفَاضِلًا ". الرِّبَا يُقَالُ لِنَفْسِ الزَّائِدِ، وَمِنْهُ ظَاهِرُ

فَالْعِلَّةُ عِنْدَنَا الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ وَالْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيُقَالُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا» وَعَدَّ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ: الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ. وَيُرْوَى بِرِوَايَتَيْنِ بِالرَّفْعِ مِثْلٌ وَبِالنَّصْبِ مِثْلًا. وَمَعْنَى الْأَوَّلِ بَيْعُ التَّمْرِ، وَمَعْنَى الثَّانِي بِيعُوا التَّمْرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] أَيْ الزَّائِدَ فِي الْقَرْضِ وَالسَّلَفِ عَلَى الْمَدْفُوعِ وَالزَّائِدُ فِي بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ بَيْعِ بَعْضِهَا بِجِنْسِهِ، وَسَنَذْكُرُ تَفْصِيلَهَا. وَيُقَالُ لِنَفْسِ الزِّيَادَةِ: أَعْنِي بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، وَمِنْهُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] أَيْ حَرَّمَ أَنْ يُزَادَ فِي الْقَرْضِ وَالسَّلَفِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَدْفُوعِ وَأَنْ يُزَادَ فِي بَيْعِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ بِجِنْسِهَا قَدْرًا لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِعْلٌ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ لَفْظِ مُحَرَّمٍ لَا يُرَادُ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى إسْقَاطِ لَفْظِ مُتَفَاضِلًا، أَوْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بِتَقْدِيرِ إثْبَاتِهَا فَكَانَ الْمُرَادُ حُكْمَ الرِّبَا وَهُوَ الْحُرْمَةُ، أَمَّا عَلَى اسْتِعْمَالِ الرِّبَا فِي حُرْمَتِهِ فَيَكُونُ لَفْظُ الرِّبَا مَجَازًا، أَوْ عَلَى حَذْفِهِ وَإِرَادَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ، وَالرِّبَا مُرَادٌ بِهِ الزِّيَادَةُ مُبْتَدَأٌ، وَالْمَجْرُورُ خَبَرُهُ: أَيْ حُرْمَةُ الزِّيَادَةِ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ. ثُمَّ قَوْلُهُ (فَالْعِلَّةُ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ) مُرَتَّبًا بِالْفَاءِ لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ يُوجِبُ كَوْنَ مَبْدَإِ الِاشْتِقَاقِ عِلَّتَهُ، وَلَمَّا رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَعَ الْجِنْسِ تَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ (وَ) قَدْ (يُقَالُ) بَدَلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ (الْقَدْرُ وَهُوَ أَشْمَلُ) وَأَخْصَرُ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذَا يَشْمَلُ الْعَدَّ وَالذَّرْعَ وَلَيْسَا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا: أَيْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ كَوْنُهُ مَكِيلًا مَعَ اتِّحَادِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْجِنْسِ فَهِيَ عِلَّةٌ مُرَكَّبَةٌ (وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ)

وَالْحُكْمُ مَعْلُومٌ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الطَّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ، وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ، وَالْمُسَاوَاةُ مُخَلِّصٌ. وَالْأَصْلُ هُوَ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطَيْنِ التَّقَابُضِ وَالْمُمَاثَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْرَجَ السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مِثْلَهُ سَوَاءً " وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ «يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى» ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ «فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ» وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِيعُوا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ " مِثْلٌ " بِالرَّفْعِ فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» وَهَكَذَا قَالَ إلَى آخِرِ السِّتَّةِ، وَكَذَا مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ هَكَذَا» إلَى آخِرِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَذَكَرَ التَّمْرَ بَعْدَ الْمِلْحِ آخِرًا. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا» إلَى أَنْ قَالَ: «وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا» انْتَهَى. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَوَازَ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى زِيَادَةِ الْفِضَّةِ وَالشَّعِيرِ، بَلْ لَوْ كَانَ الزَّائِدُ الذَّهَبَ وَالْبُرَّ جَازَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ مِنْ تَفْضِيلِ الذَّهَبِ عَلَى الْفِضَّةِ وَالْبُرِّ عَلَى الشَّعِيرِ (قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ) يَعْنِي حُرْمَةَ الرِّبَا أَوْ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ (مَعْلُولٌ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْقِيَاسِ عِنْدَ شَرْطِهِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَكَذَا عُثْمَانُ الْبَتِّيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ حُكْمَ الرِّبَا مُقْتَصِرٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا. أَمَّا الظَّاهِرِيَّةُ فَلِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْقِيَاسَ، وَأَمَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَلِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ فِي كُلِّ أَصْلٍ أَنَّهُ مَعْلُولٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ هُنَا وَلِأَنَّهُ يُبْطِلُ الْعَدَدَ وَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي قَوْلِهِ «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ» قُلْنَا: تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ كَالطَّعَامِ فِي قَوْلِهِ «لَا تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ» كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ، وَسَنُقِيمُ عَلَيْهِ الدَّلِيلَ. وَأَمَّا إبْطَالُ الْعَدَدِ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَالْإِبْطَالُ الْمَمْنُوعُ هُوَ الْإِبْطَالُ بِالنَّقْصِ، أَمَّا بِالزِّيَادَةِ بِالْعِلَّةِ فَلَا، وَتَخْصِيصُ هَذِهِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلَاتِ الْكَائِنَةِ يَوْمئِذٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ فِيهَا، وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ قَصْرُ حُكْمِ الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَيْضًا مَأْثُورٌ عَنْ قَتَادَةَ وَطَاوُسٍ، قِيلَ فَانْحَزَمَ قَوْلُهُ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي الْقَدْرَ وَالْجِنْسَ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ، وَبِأَحَدِهِمَا مُفْرَدًا يَحْرُمُ النَّسَاءُ وَيَحِلُّ التَّفَاضُلُ كَمَا سَيَأْتِي (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطُّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ وَالْمُسَاوَاةُ مُخَلِّصٌ) مِنْ الْحُرْمَةِ (وَهِيَ) أَعْنِي الْحُرْمَةَ (الْأَصْلُ) وَعِنْدَ مَالِكٍ الْعِلَّةُ

وَكُلُّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ، فَيُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ تُنَاسِبُ إظْهَارَ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ وَهُوَ الطَّعْمُ لِبَقَاءِ الْإِنْسَانِ بِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْمَصَالِحِ بِهَا، وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا وَالْحُكْمُ قَدْ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْبَيْعِ، إذْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ التَّقَابُلِ وَذَلِكَ بِالتَّمَاثُلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ، فَكُلُّ مَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ فَهُوَ رِبًا وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ الْبُرَّ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ لِيُفِيدَ بِكُلِّ مَعْنًى ظَاهِرًا فِيهِ، فَنَبَّهَ بِالْبُرِّ عَلَى مُقْتَاتٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَتَقُومُ الْأَبْدَانُ بِهِ، وَالشَّعِيرُ يُشَارِكُهُ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَفًا وَقُوتًا لِبَعْضِ النَّاسِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ فَيَلْحَقُ بِهِ الذُّرَةُ وَنَحْوُهَا، وَنَبَّهَ بِالتَّمْرِ عَلَى كُلِّ حَلَاوَةٍ تُدَّخَرُ غَالِبًا كَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالزَّبِيبِ، وَبِالْمِلْحِ عَلَى أَنَّ مَا أَصْلَحَ الْمُقْتَاتَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ فَهُوَ فِي حُكْمِهَا فَيُلْحَقُ الْأَبَازِيرُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مُعَلَّلَانِ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ عِنْدَهُمْ وَهِيَ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ وَأُصُولَ الْأَثْمَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: الْعِلَّةُ الطُّعْمُ مَعَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَفِي الْجَدِيدِ: هِيَ الطُّعْمُ فَقَطْ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا عَيْنَهُمَا وَالتَّعَدِّي إلَى الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَجْهٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا رِبًا فِيهَا لِانْتِفَاءِ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطُ عَمَلِ الْعِلَّةِ وَعَنْ هَذَا لَمْ يُجْعَلْ الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ نَسَاءً. وَعَلَى الْجَدِيدِ يَحْرُمُ الرِّبَا فِي الْمَاءِ، وَجْهُ قَوْلِهِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالطَّعَامُ مُشْتَقٌّ مِنْ الطُّعْمِ فَكَانَ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً، وَرُوِيَ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ» إلَى آخِرِهِ. فَأَفَادَ أَنَّ الْحُرْمَةَ أَصْلٌ وَالْمُسَاوَاةَ مُخَلِّصٌ مِنْهَا، إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ " لَا تَبِيعُوا " لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُطْلَقًا، فَمَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُسَاوَاةُ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فَامْتَنَعَ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْقَدْرِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذَا النَّصِّ، إذَا يَجُوزُ الْحَفْنَةُ بِالْحَفْنَتَيْنِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ يُفِيدُ أَنَّهَا عِلَّةٌ مَنْصُوصَةٌ، وَلَوْ أَخَذْنَا فِي اسْتِنْبَاطِ عِلَّتِهِ أَدَّانَا إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَيْضًا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطَيْ التَّقَابُضِ وَالتَّمَاثُلِ وَهَذَا الِاشْتِرَاطُ (يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ) فَوَجَبَ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ تُوجِبُ الْعِزَّةَ وَالْخَطَرَ، وَفِي الطُّعْمِ ذَلِكَ لِتَعَلُّقِ بَقَاءِ النُّفُوسِ بِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ الَّتِي بِهَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ الْعُرُوضِ الَّتِي بِهَا حُصُولُ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ بَقَاءِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُصُولِ الشَّهَوَاتِ (وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ) وَالْقَدْرِ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إظْهَارِ الْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ (فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا، وَالْحُكْمُ قَدْ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ) كَالرَّجْمِ مَعَ الْإِحْصَانِ (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ النَّصُّ الْمَشْهُورُ (أَوْجَبَ التَّمَاثُلَ شَرْطًا لِلْبَيْعِ) وَإِيجَابُ الْمُمَاثَلَةِ (هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِ الْحَدِيثِ) إذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارِ لَفْظِ بِيعُوا حَيْثُ انْتَصَبَ مِثْلًا: أَيْ بِيعُوا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِثْلًا بِمِثْلٍ،

أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى، أَوْ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ بِاتِّصَالِ التَّسْلِيمِ بِهِ، ثُمَّ يَلْزَمُ عِنْدَ فَوْتِهِ حُرْمَةُ الرِّبَا وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَالْمِعْيَارُ يَسْوَى الذَّاتَ، وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ هِيَ الْأَصْلُ. وَقَوْلُهُ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ» الْحَدِيثَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ النَّهْيُ إلَى مَا بَعْدَ إلَّا نَحْوَ مَا جَاءَ زَيْدٌ إلَّا رَاكِبًا، وَحَاصِلُهُ الْأَمْرُ بِالتَّسْوِيَةِ عِنْدَ بَيْعِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي إيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْبَيْعِ الْمُنْبِئِ عَنْ التَّقَابُلِ إذْ كَانَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ فَاسْتَدْعَى شَيْئَيْنِ كَمَا أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تَسْتَدْعِي شَيْئَيْنِ وَكَذَا تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ بِالتَّمَاثُلِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فِي كَوْنِهِ مُسْتَدْعِيَ الْعَقْدِ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْقَدْرِ لِيَتِمَّ مَعْنَى الْبَيْعِ (أَوْ) أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ (صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى) فَإِنَّهُ إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ قَابَلَ كُلُّ جُزْءٍ كُلَّ جُزْءٍ، فَإِذَا كَانَ فَضْلٌ فِي أَحَدِهِمَا صَارَ ذَلِكَ الْفَضْلُ تَاوِيًا عَلَى مَالِكِهِ، فَلِقَصْدِ صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُوبِلَ الْمَالُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ جُزْءٌ لَمْ يُقَابَلْ بِجُزْءٍ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّوَى إلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ مَعَ تَحَقُّقِ الْفَضْلِ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ، ثُمَّ مِنْ تَتْمِيمِ التَّمَاثُلِ الْمُسَاوَاةُ فِي التَّقَابُضِ فَإِنَّ لِلْحَالِ مَزِيَّةً عَلَى الْمُؤَخَّرِ فَإِيجَابُ التَّقَابُضِ أَيْضًا لِذَلِكَ وَبِهِ ظَهَرَ قَصْدُ الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّيَانَةِ عَنْ التَّفَاوُتِ حِفْظًا عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ) تَمَامُهَا (بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَالْمِعْيَارُ يَسْوَى الذَّاتَ) أَيْ الصُّورَةَ (وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى

فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْخَالِي عَنْ عِوَضِ شَرْطٍ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا، أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ، أَوْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَالطَّعْمُ وَالثَّمَنِيَّةُ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِهَا الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا دُونَ التَّضْيِيقِ فِيهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا ذَكَرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَظْهَرَ بِذَلِكَ الْفَضْلُ فَيَتَحَقَّقَ الرِّبَا، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْخَالِي عَنْ عِوَضِ شَرْطٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ، وَعَلِمْت أَنَّ الْخُلُوَّ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَلَزِمَ مَا قُلْنَا مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مَعَ الْجِنْسِ (وَلَمْ يُعْتَبَرْ) فِي إثْبَاتِ الْمُمَاثَلَةِ عَدَمُ تَفَاوُتِ (الْوَصْفِ) إمَّا (لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا) وَفِيهِ نَظَرٌ (أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ) وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو عِوَضَانِ مِنْ جِنْسٍ عَنْ تَفَاوُتٍ مَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» إنْ صَحَّ يُفِيدُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفَادٌ مِنْ حَدِيثِ بَيْعِ التَّمْرِ بِالْجَنِيبِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَعِلَّةُ إهْدَارِهِ مَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَ تَأَمُّلِ هَذَا الْكَلَامِ يَتَبَادَرُ أَنَّ الْمُتَنَاظِرَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَكَذَا مَالِكٌ عَيَّنُوا الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ عَلَى شَرْعِ الْحُكْمِ، وَهَؤُلَاءِ عَيَّنُوا الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ، فَإِنَّ الْكَيْلَ يُعَرِّفُ الْمُمَاثَلَةَ فَيُعْرَفُ الْجَوَازُ وَعَدَمَهَا فَيُعْرَفُ الْحُرْمَةُ. فَالْوَجْهُ أَنْ يَتَّحِدَ الْمَحَلُّ وَذَلِكَ بِجَعْلِهَا الطُّعْمَ وَالِاقْتِيَاتَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوا عِنْدَهُمْ. وَعِنْدَنَا هِيَ قَصْدُ صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَحِفْظِهَا عَلَيْهِمْ، وَظُهُورُ هَذَا الْقَصْدِ مِنْ إيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمِقْدَارِ وَالتَّقَابُضِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى لُبٍّ فَضْلًا عَنْ فَقِيهٍ. وَأَمَّا الطُّعْمُ فَرُبَّمَا يَكُونُ التَّعْلِيلُ بِهِ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ لِأَنَّ الطُّعْمَ مِمَّا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ اشْتِدَادًا تَامًّا (وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ دُونَ التَّضْيِيقِ) فَإِنَّ السُّنَّةَ الْإِلَهِيَّةَ جَرَتْ فِي حَقِّ جِنْسِ الْإِنْسَانِ أَنَّ مَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَكْثَرَ كَانَ إطْلَاقُ الشَّرْعِ فِيهِ أَوْسَعَ كَالْمَاءِ وَالْكَلَإِ لِلدَّوَابِّ، فَإِنْ قَالَ: دَلَّ التَّرْتِيبُ عَلَى الْمُشْتَقِّ عَلَيْهِ، قُلْنَا: ذَلِكَ بِشَرْطِ كَوْنِهِ صَالِحًا مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ

إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ إذًا: بَيْعُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ لِوُجُوبِ شَرْطِ الْجَوَازِ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى مَكَانَ قَوْلِهِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ، وَفِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ (وَإِنْ تَفَاضَلَا لَمْ يَجُزْ) لِتَحَقُّقِ الرِّبَا وَلَا يَجُوزُ (بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) لِإِهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْوَصْفِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بِالْمِعْيَارِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَضْلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الطَّعَامَ مُشْتَقٌّ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِبَعْضِ الْأَعْيَانِ الْخَاصَّةِ وَهُوَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ لَا يَعْرِفُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْخِطَابِ غَيْرَهُ بَلْ التَّمْرُ وَهُوَ غَالِبُ مَأْكُولِهِمْ لَا يُسَمُّونَهُ طَعَامًا وَلَا يَفْهَمُونَهُ مِنْ لَفْظِ الطَّعَامِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا فِيمَا قَدَّمْنَا أَجَازَ التَّصَرُّفَ فِي كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ سِوَى الطَّعَامِ، قَالَ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يُرِدْ كُلَّ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ مِنْ الْبَقْلِ وَالْمَاءِ وَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَوْلَا دَلِيلٌ آخَرُ عَمَّهُ. وَإِلْحَاقُهُ بِالْبُضْعِ فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّ الْبُضْعَ مَصُونٌ شَرْعًا وَعُرْفًا وَعَادَةً عَنْ الِابْتِذَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَكَانَ الِاشْتِرَاطُ مِنْ تَحْقِيقِ غَرَضِ الصِّيَانَةِ، بِخِلَافِ بَاقِي الْأَمْوَالِ فَإِنَّ أَصْلَهَا الْإِبَاحَةُ، وَيُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُبَاحًا حَتَّى الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَإِنَّمَا لَزِمَ فِيهَا الْعَقْدُ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ إنْسَانٍ بِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ التَّغَالُبِ فَوَضْعُهَا عَلَى ضِدِّ وَضْعِ الْبُضْعِ مِنْ الِابْتِذَالِ وَالِامْتِهَانِ دَفْعًا لِلْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَإِلْحَاقُهَا بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، إلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا حَصَرُوا الْمُعَرَّفَ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ أَجَازُوا بَيْعَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ مُجَازَفَةً، فَأَجَازُوا بَيْعَ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ مِنْ الْبُرِّ بِحَفْنَتَيْنِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمِعْيَارِ الْمُعَرِّفِ لِلْمُسَاوَاةِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَضْلُ، وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ لَا بِالْمِثْلِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجَوْزِ مِنْ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ. أَمَّا فِيهِ فَكَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْجَوْزَةَ مِثْلُ الْجَوْزَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَكَذَا التَّمْرَةُ بِالتَّمْرَةِ لَا فِي حُكْمِ الرِّبَا، لِأَنَّ الْجَوْزَةَ لَيْسَتْ مِثْلًا لِلْجَوْزَةِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْمُمَاثَلَةِ وَلِوُجُودِ التَّفَاوُتِ، إلَّا أَنَّ النَّاسَ أَهْدَرُوا التَّفَاوُتَ فَقُبِلَ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ فَأَمَّا فِي حَقِّ الشَّرْعِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ فَلَا. وَمِنْ فُرُوعِ ضَمَانِ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِالْقِيمَةِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ حَفْنَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، فَإِنْ أَبَى إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهَا أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَسَادِ الَّذِي حَصَلَ لَهَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا كَانَتْ الطَّعْمُ حَرُمَ الْحَفْنَةُ وَالتُّفَّاحَةُ بِثِنْتَيْنِ وَقَالُوا مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ، فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرُ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ بِهَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ نِصْفَ صَاعٍ، فَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ نِصْفِ صَاعٍ فَصَاعِدًا بِحَفْنَةٍ. وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قِيلَ: لَا رِوَايَةَ فِي الْحَفْنَةِ بِقَفِيزٍ وَاللُّبِّ بِالْجَوْزِ، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الرِّبَا، وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ، أَمَّا إنْ كَانَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرُ مِنْهَا كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبْعِ الْقَدَحِ وَثُمُنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ، وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ بَعْضَ

وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِلَّةُ هِيَ الطَّعْمُ وَلَا مُخَلِّصَ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ فَيَحْرُمُ، وَمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ، وَلَوْ تَبَايَعَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَيْرَ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْجِصِّ وَالْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ. وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ. قَالَ (وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ. وَإِذَا وُجِدَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ، بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ، وَلَقَدْ أُعْجَبُ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ فِي الْكَثِيرِ فَالْقَلِيلُ مِنْهُ حَرَامٌ (وَ) يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ تَبَايَعَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَيْرَ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْجِصِّ وَالْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ (وَالْجِنْسِ) مَعَ التَّفَاضُلِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ لِلصِّيَانَةِ (وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ) هَذَا وَلَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالصِّيَانَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ وَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ، وَجَوَازُهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَ حَالًّا. فَإِنْ قِيلَ: الصِّيَانَةُ حِكْمَةٌ فَتُنَاطُ بِالْمُعَرِّفِ لَهَا وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ. قُلْنَا: إنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عِنْدَ خَفَاءِ الْحِكْمَةِ وَعَدَمِ انْضِبَاطِهَا، وَصَوْنُ الْمَالِ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ، فَإِنَّ الْمُمَاثَلَةَ وَعَدَمَهَا مَحْسُوسٌ وَبِذَلِكَ تُعْلَمُ الصِّيَانَةُ وَعَدَمُهَا، غَيْرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ ضَبْطُ هَذِهِ الْحِكْمَةِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ تَفَادِيًا عَنْ نَقْضِهِ بِالْعَبْدِ بِعَبْدَيْنِ وَثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بِهَرَوِيَّيْنِ. وَفِي الْأَسْرَارِ: مَا دُونَ الْحَبَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا قِيمَةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ) وَهُوَ الْقَدْرُ (حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِمَرْوِيَّيْنِ إلَى أَجَلٍ وَالْجَوْزِ بِالْبِيضِ إلَى أَجَلٍ (لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ) وَعَدَمُ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ، لَكِنْ إذَا اتَّحَدَتْ الْعِلَّةُ لَزِمَ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا تُؤَثِّرُ الْعَدَمَ بَلْ لَا يَثْبُتُ الْوُجُودُ لِعَدَمِ عِلَّةِ الْوُجُودِ فَيَبْقَى عَدَمُ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ، وَإِذَا عُدِمَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ (وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ) مُطْلَقًا (الْإِبَاحَةُ) إلَّا مَا أَخْرَجَهُ دَلِيلٌ مِنْ أَصْنَافِهِ كَانَ الثَّابِتُ الْحِلَّ (وَإِذَا وُجِدَا) أَيْ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ

حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ. وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ مِثْلَ أَنْ يُسَلِّمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ، فَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ وَحُرْمَةُ النَّسَاءِ بِأَحَدِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ لِأَنَّ بِالنَّقْدِيَّةِ وَعَدَمِهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا شُبْهَةُ الْفَضْلِ، وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ غَيْرُ مَانِعٍ فِيهِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ فَالشُّبْهَةُ أَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْقَدْرُ (حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) كَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ التَّسَاوِي وَالتَّقَابُضِ (لِوُجُودِ الْعِلَّةِ) الْمُعَرِّفَةِ لِلْحُكْمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ مِثْلُ أَنْ يُسَلِّمَ) ثَوْبًا (هَرَوِيًّا فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ) فِي صُورَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ مَعَ عَدَمِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ، وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ بِعَبْدَيْنِ أَوْ الْهَرَوِيَّ بِهَرَوِيَّيْنِ حَاضِرًا جَازَ (أَوْ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ) فِي صُورَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَضْمُومِ وَهُوَ الْمُسَوَّى، وَكَذَا حَدِيدٌ فِي رَصَاصٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجُوزَ فُلُوسٌ فِي خُبْزٍ وَنَحْوِهِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهَا وَزْنِيَّةٌ (فَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ) جَمِيعًا (وَحُرْمَةُ النَّسَاءِ بِأَحَدِهِمَا) وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ لَيْسَ غَيْرُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ نَسَاءً) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَّزَ جَيْشًا فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ " وَهَذَا يَكُونُ سَلَمًا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا بِأَرْبَعَةٍ إلَى أَجَلٍ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا يُقَالُ لَهُ عُصْفُورٌ بِعَشْرَيْنِ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ ". وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّأْجِيلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ يُظْهِرُ التَّفَاوُتَ فِيهِ حُكْمًا، وَالتَّفَاوُتُ حَقِيقَةً أَكْثَرُ تَأْثِيرًا مِنْهُ حُكْمًا، فَإِذَا كَانَ التَّفَاوُتُ حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ بِأَنْ بَاعَ الْوَاحِدَ بِالِاثْنَيْنِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْجَوَازِ بِالِاتِّفَاقِ

وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ وَالنَّقْدِيَّةُ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ فَتَتَحَقَّقَ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهِيَ مَانِعَةٌ كَالْحَقِيقَةِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ النُّقُودَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ، وَإِنْ جَمَعَهُمَا الْوَزْنُ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى جَازَ هَذَا الْبَيْعُ إذَا كَانَ حَالًّا اتِّفَاقًا فَالتَّفَاوُتُ حُكْمًا أَوْلَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ بِالنَّقْدِيَّةِ إلَى آخِرِهِ (وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ وَ) عُرِفَ أَنَّ (النَّقْدِيَّةَ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ) حَتَّى تُعُورِفَ الْبَيْعُ بِالْحَالِ بِأَنْقَصَ مِنْهُ بِالْمُؤَجَّلِ (فَتَتَحَقَّقُ) بِوُجُودِهِ (شُبْهَةُ) عِلَّةِ (الرِّبَا) فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبَا (وَشُبْهَةُ الرِّبَا مَانِعَةٌ كَحَقِيقَةِ الرِّبَا) بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ مُجَازَفَةً وَإِنْ ظَنَّ التَّسَاوِيَ وَتَمَاثَلَتْ الصُّبْرَتَانِ فِي الرُّؤْيَةِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا شُبْهَةُ ثُبُوتِ الْفَضْلِ، بَلْ قَالُوا: لَوْ تَبَايَعَا مُجَازَفَةً ثُمَّ كِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَظَهَرَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا أَيْضًا خِلَافًا لِزُفَرَ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ شَرْطُ الْجَوَازِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ، وَكَذَا الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ نَسِيئَةً يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مِمَّا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» فَأَلْزَمَ التَّقَابُضَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَهُوَ تَحْرِيمُ النَّسِيئَةِ، وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرَهُمَا يَدًا بِيَدٍ. وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا» ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» فَقَامَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ وُجُودَ أَحَدِ جُزْأَيْ عِلَّةِ الرِّبَا عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ النَّسَاءِ ثُمَّ عَلَّلْنَا

فِي صِفَةِ الْوَزْن، فَإِنَّ الزَّعْفَرَانَ يُوزَنُ بِالْأَمْنَاءِ وَهُوَ مُثَمَّنٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَالنُّقُودُ تُوزَنُ بِالسَّنَجَاتِ وَهُوَ ثَمَنٌ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. وَلَوْ بَاعَ بِالنُّقُودِ مُوَازَنَةً وَقَبَضَهَا صَحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْوَزْنِ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْزِلُ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الرِّبَا: أَعْنِي الْفَضْلَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ لِلشُّبْهَةِ حُكْمَ الْحَقِيقَةِ أَنْ يَحْرُمَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ التَّفَاضُلُ أَيْضًا، لِأَنَّ لِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ حُكْمَ الْعِلَّةِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ حُكْمِ الْعِلَّةِ وَحُكْمُ الْعِلَّةِ هُوَ حُرْمَةُ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فَيَثْبُتَ فِيهِمَا، ثُمَّ يُقَدَّمُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى حَدِيثِ الْبَعِيرِ بِبَعِيرَيْنِ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَذَلِكَ مُبِيحٌ، أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا. وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنْ لَا يَجُوزَ إسْلَامُ النُّقُودِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الزَّعْفَرَانِ وَفِي سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ. أَجَابَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْوَزْنَ فِي النُّقُودِ وَفِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّهُ فِي النُّقُودِ بِالْمَثَاقِيلِ وَالدَّرَاهِمِ الصَّنَجَاتِ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ بِالْأَمْنَاءِ وَالْقَبَّانِ، وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي الصُّورَةِ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ آخَرُ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَالزَّعْفَرَانَ وَغَيْرَهُ يَتَعَيَّنُ، وَآخَرُ حُكْمِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ النُّقُودَ مُوَازَنَةً وَقَبَضَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الْوَزْنِ، وَتَفْسِيرُهُ لَوْ اشْتَرَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُوَازَنَةً فَوَزَنَهَا الْبَائِعُ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَهَا فَقَبَضَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ وَزْنِهَا ثَانِيًا، وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ إعَادَةُ الْوَزْنِ فِي مِثْلِهِ (فَإِذَا اخْتَلَفَا) أَيْ النَّقْدُ وَالزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْوَزْنِ (صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْزِلُ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ) وَقَوْلُهُ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا نَشْرٌ

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ مَكِيلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرَتَّبٌ بَعْدَ اللَّفِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْيِينَ بِالتَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَزْنِ، وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ بِاعْتِبَارِهِ اخْتِلَافًا فِي مَعْنَى الْوَزْنِ، وَكَذَا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الزَّعْفَرَانَ وَالْمِسْكَ وَالزَّبَادَ يُوزَنُ بِالصَّنَجَاتِ أَيْضًا، وَكَذَا الْأَخِيرُ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّقْدِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ لَا يَجُوزُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ بَعْدَمَا اتَّزَنَهُ مِنْ بَائِعِهِ وَقَبَضَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْوَزْنَ مَمْنُوعٌ، بَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُوَازَنَةً مِنْ آخَرَ ثُمَّ يَلْزَمَ بَعْدَ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ يَزِنَهُ الْآخَرُ لِيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ لِيَصِحَّ تَصَرُّفُ الْآخَرِ فِيهِ، وَكَذَا نَقُولُ فِي الدَّرَاهِمِ إذَا قَبَضَهَا، وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إذَا بِالدَّرَاهِمِ حَتَّى كَانَتْ ثَمَنًا أَوْ بَاعَهَا لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، بِخِلَافِ الزَّعْفَرَانِ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَذَلِكَ ثَمَنٌ وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ هَذَا الِاخْتِلَافِ الْحُكْمِيِّ وَحْدَهُ لَا يُوجِبُ اعْتِبَارَهُ غَيْرَ مُشَارِكٍ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَزْنِ. وَإِذَا ضَعُفَ هَذَا فَالْوَجْهُ فِي هَذَا أَنْ يُضَافَ تَحْرِيمُ الْجِنْسِ بِانْفِرَادِهِ إلَى السَّمْعِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَيُلْحَقَ بِهِ تَأْثِيرُ الْكَيْلِ الْوَزْنَ بِانْفِرَادِهِ ثُمَّ يُسْتَثْنَى إسْلَامُ النُّقُودِ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يُفْسِدَ أَكْثَرَ أَبْوَابِ السَّلَمِ وَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ خِلَافَ النَّقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسَلَّمَ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا كَإِسْلَامِ حَدِيدٍ فِي قُطْنٍ أَوْ زَيْتٍ فِي جُبْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَزْنِيًّا بِالصَّنْعَةِ إلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ فَلَوْ أَسْلَمَ سَيْفًا فِيمَا يُوزَنُ جَازَ إلَّا فِي الْحَدِيدِ لِأَنَّ السَّيْفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا وَمَنَعَهُ فِي الْحَدِيدِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ إنَاءٍ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ نُحَاسًا كَانَ أَوْ حَدِيدًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَثْقَلَ مِنْ الْآخَرِ، بِخِلَافِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّ صُورَةَ الْوَزْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِيهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْوَزْنِ بِالْعَادَةِ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ حِينَئِذٍ إسْلَامُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِاخْتِلَافِ طَرِيقَةِ الْوَزْنِ. أُجِيبُ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِامْتِنَاعِ كَوْنِ النَّقْدِ مُسَلَّمًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُمَا مُتَعَيِّنَانِ لِلثَّمَنِيَّةِ، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعًا؟ قِيلَ: إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُسَلَّمِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، هَذَا وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْمِ الْخَاصِّ وَاخْتِلَافُ الْمَقْصُودِ؛ فَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: جِنْسٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا. قُلْنَا: بَلْ جِنْسَانِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ اسْمًا وَمَعْنًى، وَإِفْرَادُ كُلٍّ عَنْ الْآخَرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسَانِ، وَإِلَّا قَالَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ، وَكَوْنُ اسْمِ الْأَعَمِّ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَخَصِّ لَا يُوجِبُ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ يَكُونُ مُتَمَاثِلًا كَالْحَيَوَانِ يُطْلَقُ عَلَى أُمُورٍ مُتَبَايِنَةٍ بِلَا شَكٍّ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا بِالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ، وَالثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ وَالْمَرْوِيُّ وَهُوَ بِسُكُونِ الرَّاءِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ وَقِوَامِ الثَّوْبِ بِهَا، وَكَذَا الْمَرْوِيُّ الْمَنْسُوجُ بِبَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ وَاللَّدُّ الْأَرْمَنِيُّ وَالطَّالَقَانِيُّ جِنْسَانِ، وَالتَّمْرُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ وَالشَّبَهُ أَجْنَاسٌ، وَكَذَا غَزْلُ الصُّوفِ وَالشَّعْرُ وَلَحْمُ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْأَلْيَةُ وَاللَّحْمُ وَشَحْمُ الْبَطْنِ أَجْنَاسٌ، وَدُهْنُ الْبَنَفْسَجِ وَالْخَيْرِيُّ جِنْسَانِ، وَالْأَدْهَانُ الْمُخْتَلِفَةُ أُصُولُهَا أَجْنَاسٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْلِ زَيْتٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ بِرَطْلٍ مَطْبُوخٍ مُطَيَّبٍ لِأَنَّ الطِّيبَ زِيَادَةٌ (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ مَكِيلٌ

أَبَدًا، وَإِنَّ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَكُلُّ مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْوَزْنَ فِيهِ مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (وَمَا لَمْ يَنُصُّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ) لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَكَانِ الْعَادَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمَنْظُورُ إلَيْهَا وَقَدْ تَبَدَّلَتْ، فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ وَزْنًا وَإِنْ تَمَاثَلَا فِي الْوَزْنِ إلَّا إنْ عُلِمَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي الْكَيْلِ أَيْضًا (وَكُلُّ مَا نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ كَتَعَارُفِ أَهْلِ زَمَانِنَا فِي إخْرَاجِ الشُّمُوعِ وَالسُّرُجِ إلَى الْمَقَابِرِ لَيَالِيَ الْعِيدِ، وَالنَّصُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ، وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْعُرْفِ عَلَى الَّذِينَ تَعَارَفُوهُ وَالْتَزَمُوهُ فَقَطْ، وَالنَّصُّ حُجَّةٌ عَلَى الْكُلِّ فَهُوَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَفِي الْمُجْتَبَى: ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَا يَعْتَادُهُ أَهْلُ خُوَارِزْمَ مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الرَّبِيعِيَّةِ بِالْخَرِيفِيَّةِ مَوْزُونًا مُتَسَاوِيًا لَا يَجُوزُ (وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ) فِي الْأَسْوَاقِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْعَادَةُ (دَلَالَةٌ) عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا» الْحَدِيثَ، وَمِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَشُرْبُ مَاءِ السِّقَاءِ لِأَنَّ الْعُرْفَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَزَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَا كَانَ مُسْتَخْرَجًا مِنْ أَصْلٍ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَالدَّقِيقِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ) الْكَيْلِ فِي الشَّيْءِ أَوْ الْوَزْنِ فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَاكَ الْوَقْتِ إلَّا لِأَنَّ الْعَادَةَ إذْ ذَاكَ بِذَلِكَ (وَقَدْ تَبَدَّلَتْ) فَتَبَدَّلَ الْحُكْمُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ عَلَى مَا تَعَارَفُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ مِنْهُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، كَذَا وَجْهٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ أَبَا يُوسُفَ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ كَنَصِّهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: يُصَارُ إلَى الْعُرْفِ الطَّارِئِ بَعْدَ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَغَيُّرَ الْعَادَةِ يَسْتَلْزِمُ تَغَيُّرَ النَّصِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيًّا لَنَصَّ عَلَيْهِ عَلَى وِزَانِ مَا ذَكَرْنَا فِي سُنِّيَّةِ التَّرَاوِيحِ، مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ بَلْ فَعَلَهُ مَرَّةً ثُمَّ تَرَكَ، لَكِنْ لَمَّا بَيَّنَ عُذْرَ خَشْيَةِ الِافْتِرَاضِ عَلَى مَعْنًى لَوْلَاهُ لَوَاظَبَ حُكِمَ بِالسُّنِّيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ، لِأَنَّا أَمِنَّا مِنْ بَعْدِهِ النَّسْخَ فَحَكَمْنَا بِالسُّنِّيَّةِ، فَكَذَا هَذَا لَوْ تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْعَادَةُ الَّتِي كَانَ النَّصُّ بِاعْتِبَارِهَا إلَى عَادَةٍ أُخْرَى تَغَيَّرَ النَّصُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا

مُتَسَاوِيًا وَزْنًا، أَوْ الذَّهَبَ بِجِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ، كَمَا إذَا بَاعَ مُجَازَفَةً إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا وَزْنًا لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فِي مَعْلُومٍ. قَالَ (وَكُلُّ مَا يُنْسَبُ إلَى الرَّطْلِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ) مَعْنَاهُ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ لِأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ حَتَّى يُحْتَسَبَ مَا يُبَاعُ بِهَا وَزْنًا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَكَايِيلِ، وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا فَلَوْ بِيعَ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ بِمِكْيَالٍ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِي الْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَازَفَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَسَاوِيًا وَزْنًا وَالذَّهَبَ بِجِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِي أَحَدِهِمَا) وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ إلَى آخِرِهِ) اسْتِثْنَاءٌ عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ مَكِيلٌ أَبَدًا: أَيْ يَلْزَمُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْكَيْلِ أَبَدًا فَهُوَ بِعُمُومِهِ يَمْنَعُ السَّلَمَ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا وَزْنًا فَاسْتَثْنَاهُ وَقَالَ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ فِيهِ كَوْنُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعْلُومًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا فِيهِ نِزَاعٌ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْوَزْنِ، بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا فَإِنَّ الْمُصَحَّحَ هُنَاكَ التَّمَاثُلُ بِالْمُسَوَّى الشَّرْعِيِّ الْمُعَيَّنِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُسَوَّى اُلْتُحِقَ بِالْجُزَافِ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مَكِيلٌ بِالنَّصِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَقَدْ عَرَفْت الْفَرْقَ. وَقَوْلُهُ فِي الْكَافِي: الْفَتْوَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَادُوا أَنْ يُسَلِّمُوا فِيهَا كَيْلًا فَأَسْلَمَ وَزْنًا لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ، بَلْ إذَا اتَّفَقَا عَلَى مُعَرَّفٍ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ رُوِيَ عَنْهُمَا جَوَازُ السَّلَمِ وَزْنًا فِي الْمَكِيلَاتِ وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَوْزُونَاتِ كَيْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ، وَكَذَا أَطْلَقَهُ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا، هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فَرْقٌ بَيْنَ الْكَيْلِيِّ نَصًّا وَالْوَزْنِيِّ عَادَةً وَقَلَبَهُ، فَأَمَّا الْوَزْنُ نَصًّا وَعَادَةً كَمَا فِي إنَاءَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حَدِيدٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَزْنًا مِنْ الْآخَرِ؛ فَفِي الْإِنَاءَيْنِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنْ لَا يُبَاعَا وَزْنًا لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَقَارِبٌ، وَفِي أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ. فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهِمَا رِبَا الْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا فِي الْعَادَةِ فَإِنَّ الْوَزْنَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ لِلصَّنْعَةِ بِالْعَادَةِ، وَأَمَّا فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ فَالْوَزْنُ فِيهِ ثَابِتٌ بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجَ بِالصَّنْعَةِ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالْعُرْفِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ) هَذَا فِي التَّحْقِيقِ تَفْسِيرٌ لِبَعْضِ أَلْفَاظٍ رُبَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهَا الْمَبِيعُ بِلَفْظٍ

قَالَ (وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَبْضُ عِوَضَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَدَّرُ وَلَمْ يَشْتَهِرْ فِيهَا أَنَّهَا اسْمٌ يَرْجِعُ إلَى الْوَزْنِ كَمَا اُشْتُهِرَ فِي الْمَنِّ وَالْقِنْطَارِ أَوْ إلَى الْكَيْلِ كَمَا فِي الصَّاعِ وَالْمُدِّ فَلَا يَدْرِي أَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ مِنْ قَبِيلِ الْوَزْنِ فَيَجْرِيَ حُكْمُ الْوَزْنِ عَلَى الْمَبِيعِ أَوْ الْمَكِيلِ فَيَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكَيْلِيِّ وَذَلِكَ كَاسْمِ الرَّطْلِ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْأُوقِيَّةِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهَا مِنْ الْمَبِيعَاتِ وَزْنِيٌّ فَيَجْرِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَلَوْ بِيعَ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ وَالْأُوقِيَّةِ كَيْلًا بِكَيْلٍ مُتَسَاوِيَيْنِ يُعْرَفُ قَدْرُهُمَا كَيْلًا وَلَا يُعْرَفُ وَزْنُ مَا يُحِلُّهُمَا لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ فَيَكُونَ بَيْعَ الْجُزَافِ. وَلَوْ تَبَايَعَا كَيْلًا مُتَفَاضِلًا وَهُمَا مُتَسَاوِيَا الْوَزْنِ صَحَّ، وَلَيْسَ قَوْلُنَا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَسَاوِيهِمَا وَزْنًا لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ تَسَاوِيهِمَا وَزْنًا يَجُوزُ، فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ أَمْوَالَ الرِّبَا لَوْ بِيعَتْ مُجَازَفَةً ثُمَّ ظَهَرَ تَسَاوِيهِمَا لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا، بَلْ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ تَسَاوِيهِمَا فِيمَا يَجِبُ نِسْبَتُهُمَا إلَيْهِ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ كَانَ جَائِزًا. ثُمَّ الرَّطْلُ وَالْأُوقِيَّةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا عُرْفُ الْأَمْصَارِ، وَيَخْتَلِفُ فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ أَمْرُ الْمَبِيعَاتِ، فَالرَّطْلُ الْآنَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَزْنُ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا بِوَزْنِ كُلِّ عَشْرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَفِي مِصْرَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَفِي الشَّامِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ، وَفِي حَلَبٍ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ الرَّطْلَ بِأَنَّهُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ تَفْسِيرٌ لِلرَّطْلِ الْعِرَاقِيِّ الَّذِي قَدَّرَ بِهِ الْفُقَهَاءُ كَيْلَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ، ثُمَّ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة الرَّطْلُ الْمَذْكُورُ لِغَيْرِ الْكَتَّانِ، وَرَطْلُ الْكَتَّانِ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ، وَكُلُّ رَطْلٍ فِي عُرْفِ دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَأَقْطَارِهِ اثْنَا عَشَرَ أُوقِيَّةً، وَرُبَّمَا كَانَ فِي غَيْرِهَا عِشْرِينَ أُوقِيَّةً، وَحِينَئِذٍ لَا يُشْكِلُ اخْتِلَافُ كَمِّيَّةِ الْأُوقِيَّةِ بِاخْتِلَافِ الرَّطْلِ. وَفِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ الْأُوقِيَّةُ مَثَلًا اثْنَا عَشَرَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي نَحْوِ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ عَشَرَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مَعَ أَسْمَاءٍ أُخَرَ تَوْقِيفِيَّةٍ مِنْ جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ تُعْرَفُ بِالِاسْتِكْشَافِ وَالسُّؤَالِ عَنْهَا فَيُعْرَفُ الْحَالُ. وَقَوْلُهُ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ إلَى آخِرِهِ عُرِفَ تَقْرِيرُهُ (قَوْلُهُ وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ) ذَهَبًا وَفِضَّةً بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِجِنْسِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّسَاوِي وَالتَّقَابُضِ قَبْلَ افْتِرَاقِ الْأَبَدَانِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ حَتَّى لَوْ عَقَدَا عَقْدَ الصَّرْفِ وَمَشَيَا فَرْسَخًا ثُمَّ تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا صَحَّ وَأَنْ لَا يَكُونَ بِهِ خِيَارٌ، وَكَذَا السَّلَمُ وَلَا أَجَلَ كَذَا ذُكِرَ، وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّقَابُضِ يُفِيدُهُ. وَلَوْ أُسْقِطَ الْخِيَارُ وَالْأَجَلُ فِي الْمَجْلِسِ عَادَ صَحِيحًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ اُشْتُرِطَ مَا سِوَى التَّسَاوِي. وَاسْتَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ» مَعْنَاهُ يَدًا بِيَدٍ، وَسَنُبَيِّنُ الْفِقْهَ فِي الصَّرْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَمَا سِوَاهُ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ) . لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «يَدًا بِيَدٍ» وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ فَيَتَعَاقَبُ الْقَبْضُ وَلِلنَّقْدِ مَزِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا» إلَى آخِرِهِ، وَهَاءَ مَمْدُودٌ مِنْ هَاءٍ وَأَلِفٍ وَهَمْزَةٍ بِوَزْنِ هَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَمَعْنَاهُ خُذْ وَهَاتِ: يَعْنِي هُوَ رِبًا إلَّا فِيمَا يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ خُذْ، وَمِنْهُ {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ يَعْنِي يَدًا بِيَدٍ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ قَالَ (وَمَا سِوَاهُ) أَيْ مَا سِوَى عَقْدِ الصَّرْفِ (مِمَّا فِيهِ الرِّبَا) مِنْ بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِجِنْسِهَا، أَوْ بِخِلَافِ الْجِنْسِ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ، فَلَوْ افْتَرَقَا بَعْدَ تَعْيِينِ الْبَدَلَيْنِ عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ جَازَ عِنْدَنَا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ) أَيْ كُلُّ مَطْعُومٍ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ فَاكِهَةٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدًا بِيَدٍ» وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ التَّعَاقُبُ فِي الْقَبْضِ وَلِلنَّقْدِ

فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبَا. وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالثَّوْبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَيَتَرَتَّبُ ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ بِهِ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَكَذَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتًا فِي الْمَالِ عُرْفًا، بِخِلَافِ النَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَزِيَّةٌ فَيَكُونُ كَالْمُؤَجَّلِ إذْ يَحْصُلُ التَّفَاوُتُ فِي الْبَدَلَيْنِ. (وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي) صِحَّةِ بَيْعِهِ (وَالْقَبْضُ كَالثَّوْبِ) بِالثَّوْبِ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّعْيِينِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ الْقَبْضُ، بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَحْصُلُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ مَمْلُوكَةً بِالْعَقْدِ إلَّا بِالْقَبْضِ. قَالَ: وَمَعْنَى (قَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ) وَكَذَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ " يَدًا بِيَدٍ " وَلَهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ مُسْلِمٍ " عَيْنًا بِعَيْنٍ " وَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَوْلُهُ يَقَعُ التَّعَاقُبُ فَيَحْصُلَ التَّفَاوُتُ مَمْنُوعٌ، بَلْ هَذَا الْقَدْرُ مُهْدَرٌ لَا يُعَدُّ زِيَادَةً مَا لَمْ يُذْكَرْ الْأَجَلُ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِ " يَدًا بِيَدٍ " عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي الصَّرْفِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ التَّعْيِينُ لَا التَّقَابُضُ فَيَكُونُ تَعْمِيمًا لِلْمُشْتَرَكِ أَوْ لِلْحَقِيقَةِ فِي الْمَجَازِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ فَسَّرَ هَاءَ وَهَاءَ بِ " يَدًا بِيَدٍ "، وَفَسَّرَ يَدًا بِيَدٍ بِالتَّعْيِينِ لِرِوَايَةِ عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَى التَّقَابُضِ فِي الصَّرْفِ لَا يَنْفِيهِ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّعْيِينِ أَيْضًا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّعْيِينُ هُنَاكَ بِالتَّقَابُضِ يَكُونُ لَا بِغَيْرِهِ، لَمَّا قُلْنَا إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَيْهِ اسْتِدْلَالًا عَلَيْهِ، لِكَيْ يَنْبَغِيَ أَنْ يُقَالَ حَمْلُ يَدًا بِيَدٍ عَلَى مَعْنَى عَيْنًا بِعَيْنٍ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ قَلْبِهِ. وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ رِوَايَةَ عَيْنًا بِعَيْنٍ تَفْسِيرٌ لِلْمُحْتَمِلِ، لِأَنَّ يَدًا بِيَدٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَهِيَ تَفْسِيرٍ لَهُ. وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْقَبْضَ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْقَبْضِ ضَرُورَةً فَلَزِمَ

قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ) لِانْعِدَامِ الْمِعْيَارِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا. وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِوُجُودِ الطَّعْمِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا، وَإِذَا بَقِيَتْ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا وَكَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ عَيْنًا بِعَيْنٍ تَفْسِيرًا لِيَدًا بِيَدٍ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَنْعِ الِاحْتِمَالِ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّقَابُضِ. وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَيْنًا بِعَيْنٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَخَصُّ مِنْ التَّعْيِينِ، وَكُلُّ قَبْضٍ يَتَضَمَّنُ تَعْيِينًا وَلَيْسَ كُلُّ تَعْيِينٍ قَبْضًا، وَبَابُ الرِّبَا بَابُ احْتِيَاطٍ فَيَجِبَ أَنْ تُحْمَلَ الْعَيْنِيَّةُ عَلَى الْقَبْضِ، وَيُؤَيِّدُهُ فَهْمُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ اصْطَرَفَ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَخَذَ طَلْحَةُ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَيْفَ وَمَعْنَى هَاءَ خُذْ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَمِنْهُ {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] وَقَالَ قَائِلٌ: تَمْزُجُ لِي مِنْ بُغْضِهَا السِّقَاءَ ثُمَّ تَقُولُ مِنْ بَعِيدٍ هَاءَ. وَأَمَّا مَا نُقِلَ مِنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الصَّرْفِ فِي اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فَدُفِعَ بِأَنَّ الِاسْمَ يُنْبِئُ هُنَاكَ عَنْ صَرْفِ كُلٍّ إلَى الْآخَرِ مَا فِي يَدِهِ، وَالْمَعَانِي الْفِقْهِيَّةُ تُعْطَفُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ فِي الْفَرْعِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ يَسْتَقِلُّ بِمَطْلُوبِهِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ) إلَى آخِرِهِ وَمَبْنَى ذَلِكَ سَبَقَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ يَدًا بِيَدٍ، أَوْ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. صُورَتُهَا فِيهِ: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَيْعِ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَجَوْزَةٍ بِجَوْزَتَيْنِ وَفَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ وَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ يَدًا بِيَدٍ جَازَ

وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَعُودُ وَزْنِيًّا لِبَقَاءِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الْعَدِّ إذْ فِي نَقْضِهِ فِي حَقِّ الْعَدِّ فَسَادُ الْعَقْدِ فَصَارَ كَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كِلَاهُمَا وَلَا أَحَدُهُمَا دَيْنًا. وَصُوَرُهُ أَرْبَعٌ: أَنْ يَبِيعَ فَلْسًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ قَطْعًا لِاصْطِلَاحٍ النَّاسِ عَلَى سُقُوطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ مِنْهَا فَيَكُونَ أَحَدُهُمَا فَضْلًا خَالِيًا مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَهُوَ الرِّبَا. وَأَنْ يَبِيعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ عَيْنِهِمَا لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا أَمْسَكَ الْبَائِعُ الْفَلْسَ الْمُعَيَّنَ وَطَالَبَهُ بِفَلْسٍ آخَرَ. أَوْ سَلَّمَ الْفَلْسَ الْمُعَيَّنَ وَقَبَضَهُ بِعَيْنِهِ مِنْهُ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ لِاسْتِحْقَاقِهِ فَلْسَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ وَيَبْقَى الْفَلْسُ الْآخَرُ خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ فَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا بِفَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْفَلْسَيْنِ وَدَفَعَ إلَيْهِ أَحَدَهُمَا مَكَانَ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ فَيَبْقَى الْآخَرُ فَضْلًا بِلَا عِوَضٍ اسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ إنْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. وَالرَّابِعُ أَنْ يَبِيعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِعَيْنِهِمَا فَيَجُوزَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْفَلْسَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَا دَامَ رَائِجًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ ثَبَتَتْ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَإِذَا بَقِيَتْ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَا بِغَيْرِ عَيْنِهِمَا وَكَبَيْعِ

بِخِلَافِ النُّقُودِ لِأَنَّهَا لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا لِأَنَّهُ كَالِئٌ بِالْكَالِئِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ. وَلَهُمَا أَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا فِي حَقِّهِمَا ثَبَتَتْ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا، وَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ تَعَيَّنَتْ بِالتَّعْيِينِ لِصَيْرُورَتِهَا عُرُوضًا. اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْفُلُوسَ إذَا كَسَدَتْ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ لَا تَكُونُ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَصِيرَ عُرُوضًا بِاصْطِلَاحِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعَ اتِّفَاقِ مَنْ سِوَاهُمَا عَلَى ثَمَنِيَّتِهَا. أُجِيبُ بِأَنَّ الْفُلُوسَ فِي الْأَصْلِ عُرُوضٌ، فَاصْطِلَاحُهُمَا عَلَى الثَّمَنِيَّةِ بَعْدَ الْكَسَادِ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَصِيرَ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِهِمَا لِوُقُوعِ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَخِلَافِ النَّاسِ. وَأَمَّا إذَا اصْطَلَحَا عَلَى كَوْنِهَا عُرُوضًا فَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَنْ سِوَاهُمَا عَلَى الثَّمَنِيَّةِ. وَقَوْلُهُ وَلَا يَعُودُ وَزْنِيًّا وَإِنْ صَارَ عُرُوضًا، جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بَيْعُ قِطْعَةِ نُحَاسٍ بِقِطْعَتَيْنِ بِغَيْرِ وَزْنٍ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ كَانَ عَلَى أَمْرَيْنِ: الثَّمَنِيَّةِ وَالْعَدَدِيَّةِ، وَاصْطِلَاحُهُمَا عَلَى إهْدَارِ ثَمَنِيَّتِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ الْعَدَدِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ عَدَمِ الثَّمَنِيَّةِ وَعَدَمِ الْعَدَدِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الثَّمَنِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْعَدَدِيَّةِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْعَدَدِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الثَّمَنِيَّةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ، بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِأَنَّ النُّقُودَ لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ عَيْنِهِمَا لِأَنَّهُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ كَوْنُ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَسْتَلْزِمُ النَّسِيئَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ بِالنُّقُودِ بَيْعٌ بِمَا لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ حَالًّا فَكَوْنُهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَيْسَ مَعْنَاهُ نَسِيئَةً، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ النَّسِيئَةُ بِالنَّسِيئَةِ. وَفِي الْفَائِقِ: كَلَأُ الدَّيْنُ بِالرَّفْعِ كَلَأً فَهُوَ كَالِئٌ إذَا تَأَخَّرَ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَعَيْنُهُ كَالْكَالِئِ الضِّمَارِ يَهْجُو رَجُلًا يُرِيدُ بِعَيْنِهِ عَطِيَّتَهُ الْحَاضِرَةَ كَالْمُتَأَخِّرِ الَّذِي لَا يُرْجَى، وَمِنْهُ كَلَأَ اللَّهُ بِك أَكْلَأَ الْعُمُرَ: أَيْ أَكْثَرَهُ تَأْخِيرًا، وَتَكَلَّأْتُ كَلَأً: أَيْ اسْتَنْسَأْتُ نَسِيئَةً. وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاعَ كَالِئٌ بِكَالِئٍ» وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِمُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ فَقِيلَ لَهُ إنَّ شُعْبَةَ يَرْوِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَوْ رَأَى شُعْبَةُ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَضُعِّفَ بِالْأَسْلَمِيِّ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُتْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَغَلَّطَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الزُّبَيْدِيُّ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَعَنْ كَالِئٍ بِكَالِئٍ. وَالْحَدِيثُ لَا يَنْزِلُ عَنْ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ) لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ وَالْمِعْيَارُ فِيهِمَا الْكَيْلُ، لَكِنَّ الْكَيْلَ غَيْرُ مُسَوٍّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحِنْطَةِ لِاكْتِنَازِهِمَا فِيهِ وَتَخَلْخُلِ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ كَيْلًا بِكَيْلٍ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُسْنِ بِلَا شَكٍّ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ) أَيْ دَقِيقِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (وَلَا بِالسَّوِيقِ) أَيْ سَوِيقِ الْحِنْطَةِ. أَمَّا سَوِيقُ الشَّعِيرِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يَسْتَلْزِمُ شُبْهَةُ التَّفَاضُلِ، وَحَقِيقَتُهُ جَائِزَةٌ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَضْلًا عَنْ شُبْهَتِهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا وَإِنْ انْتَفَتْ اسْمًا وَصُورَةً وَمَعْنًى مَوْجُودَةٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحِنْطَةِ مِنْ نَحْوِ الْهَرِيسَةِ وَالْمَقْلُوَّةِ وَإِخْرَاجِ النَّشَا مُنْتَفٍ فِي الدَّقِيقِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَجْزَاؤُهَا لِأَنَّ مِنْ أَجْزَائِهَا النُّخَالَةَ أَيْضًا فَالْحِنْطَةُ كُسِرَتْ عَلَى أَجْزَاءٍ صِغَارٍ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي الْمُجَانَسَةَ، وَالْمِعْيَارُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ الْكَيْلُ، وَالْكَيْلُ لَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ بِعَارِضِ ذَلِكَ التَّكْسِيرِ صَارَتْ أَجْزَاؤُهَا مُكْتَنِزَةً (فِيهِ) أَيْ فِي الْكَيْلِ: أَيْ مُنْضَمَّةً انْضِمَامًا شَدِيدًا، وَالْقَمْحُ فِي الْكَيْلِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا كَيْلًا بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ، فَصَارَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَيْلًا كَبَيْعِ الْجُزَافِ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَحُرْمَةُ الرِّبَا إنَّمَا كَانَتْ مُنْتَهِيَةً بِالْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ إلَّا فِيمَا لَا اعْتِبَارَ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَتَّفِقَ كَبْسٌ فِي كَيْلِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَمْ يَتَّفِقْ قَدْرُهُ سَوَاءً فِي الْأُخْرَى، فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعِلْمُ بِهَا صَارَتْ مُنْتَفِيَةً بِالضَّرُورَةِ (فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ كَيْلًا بِكَيْلٍ) مُسَاوٍ، وَقَوْلُنَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ عَنْهُ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، لِأَنَّ الدَّقِيقَ نَفْسُ الْحِنْطَةِ فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهَا فَأَشْبَهَ بَيْعَ حِنْطَةٍ صَغِيرَةٍ جِدًّا بِكَبِيرَةٍ جِدًّا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عُرُوضِ الْجَهْلِ بِالْمُسَاوَاةِ بِعُرُوضِ الطَّحْنِ يَدْفَعُهُ. وَبَيْعُ النُّخَالَةِ بِالدَّقِيقِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَهُ لِأَنَّ النُّخَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا لِأَنَّهَا لَا تُطْعَمُ. وَقَوْلُنَا الْمِعْيَارُ فِي الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ الْكَيْلُ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا فِيمَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، أَمَّا بِالدَّرَاهِمِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ وَزْنًا بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا الدَّقِيقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَكَذَا اسْتِقْرَاضُهُ كَيْلًا وَالسَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَدِلُ فِي الْكَيْلِ لِأَنَّهُ يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَهُ لَا يُعْلَمُ بَلْ يُعْلَمُ، وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّفَاوُتِ بِالْكَبْسِ يُتَوَهَّمُ مِثْلُهُ فِي كَيْلِ الْقَمْحِ وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ: إنَّمَا يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا إذَا كَانَا

(وَبَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَفَاضِلًا، وَلَا مُتَسَاوِيًا) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْمَقْلِيَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ، فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكْبُوسَيْنِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَفْظُ مُتَسَاوِيًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَنُصِبَ كَيْلًا عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ تَمْيِيزُ نِسْبَةٍ مِثْلَ تَصَبَّبَ عَرَقًا وَالْأَصْلُ مُتَسَاوِيًا كَيْلُهُ. وَفِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ وَزْنًا رِوَايَتَانِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ رِوَايَةِ الْمَنْعِ فَقَالَ فِي جِنْسٍ آخَرَ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَكَذَا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ وَزْنًا لَا يَجُوزُ وَفِيهَا أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الدَّقِيقَيْنِ أَخْشَنَ أَوْ أَدَقَّ، وَكَذَا بَيْعُ النُّخَالَةِ بِالنُّخَالَةِ. وَفِي شَرْحِ أَبِي نَصْرٍ: يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا كَانَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ النُّعُومَةِ. وَاَلَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ أَحْسَنُ لِإِهْدَارِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ زِيَادَةِ النُّعُومَةِ، وَبَيْعُ الدَّقِيقِ الْمَنْخُولِ بِغَيْرِ الْمَنْخُولِ لَا يَجُوزُ إلَّا. مُمَاثِلًا، وَبَيْعُ النُّخَالَةِ بِالدَّقِيقِ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنْ كَانَتْ النُّخَالَةُ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِنْ النُّخَالَةِ الَّتِي فِي الدَّقِيقِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَبَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِ نَوْعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ بِسَوِيقِ ذَلِكَ النَّوْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا، أَمَّا دَقِيقُ الْحِنْطَةِ بِسَوِيقِ الشَّعِيرِ وَعَكْسُهُ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ (وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا (لِأَنَّهُمَا) أَيْ دَقِيقَ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقَهَا مَثَلًا (جِنْسَانِ) وَإِنْ رَجَعَا إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ (لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ) اخْتِلَافًا كَثِيرًا بَعْدَ الْقَلْيِ وَالطَّحْنِ فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ مِنْ الدَّقِيقِ مِثْلُ أَنْ يُصْنَعَ

قُلْنَا: مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّغَذِّي يَشْمَلُهُمَا فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ الْبَعْضِ كَالْمَقْلِيَّةِ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَالْعِلْكَةِ بِالْمُسَوِّسَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا بَاعَهُ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQخُبْزًا أَوْ عَصِيدًا أَوْ طَرِيَّةً وَهُوَ شَبَهُ الرَّشْتَةِ لَا يَتَأَتَّى مِنْ السَّوِيقِ، كَمَا أَنَّ مَا يُقْصَدُ بِالسَّوِيقِ وَهُوَ أَنْ يُذَابَ مَعَ عَسَلٍ وَيُشْرَبَ أَوْ يُلَتَّ بِسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَيُؤْكَلَ لَا يَتَأَتَّى مِنْ الدَّقِيقِ، وَإِذَا كَانَا جِنْسَيْنِ جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْحِنْطَةِ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَذَلِكَ لَيْسَ إلَّا لِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي مَعَ مُسَاوَاةِ الْكَيْلِ لِاكْتِنَازِ أَحَدِهِمَا فِيهِ دُونَ الْآخَرِ، وَالدَّقِيقُ أَجْزَاءُ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَالسَّوِيقُ أَجْزَاءُ الْمَقْلِيَّةِ، وَلَمْ يَزِدْ الدَّقِيقُ عَلَى الْحِنْطَةِ إلَّا بِتَكْسِيرِهِ بِالطَّحْنِ، وَكَذَا الْآخَرُ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ بَعْدَ اتِّحَادِهِ. وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ غَيْرُ الْمَقْلِيَّةِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالدَّقِيقِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِاسْتِلْزَامِهِ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا الْفَضْلِ لَا يَثْبُتُ إلَّا مَعَ الْمُجَانَسَةِ فَكَانَتْ الْمُجَانَسَةُ ثَابِتَةً بَيْنَ السَّوِيقِ وَالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقُ أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ فَتَثْبُتَ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ ثُمَّ يَمْتَنِعُ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ فَيَمْتَنِعُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُمْ اخْتَلَفَتْ الْمَقَاصِدُ وَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ (قُلْنَا أَعْظَمُ الْمَقَاصِدِ) هِيَ مُتَّحِدَةٌ فِيهِ (وَهُوَ التَّغَذِّي فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ بَعْضِهَا) الَّذِي هُوَ دُونَ الْمَقْصِدِ الْأَعْظَمِ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ حَتَّى امْتَنَعَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ بِسَبَبِ اتِّحَادِهِمَا فِي ذَلِكَ الْمَقْصُودِ الْأَعْظَمِ مَعَ فَوَاتِ مَا دُونَهُ مِنْ الْمَقَاصِدِ، فَإِنَّ الْمَقْلِيَّةَ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَلَا لِلْهَرِيسَةِ وَلَا تُطْحَنُ فَيُتَّخَذَ مِنْهَا خُبْزٌ (وَ) كَذَا (الْعِلْكَةُ) أَيْ الْجَيِّدَةُ السَّالِمَةُ مِنْ السُّوسِ (مَعَ الْمُسَوِّسَةِ) وَمَعَ ذَلِكَ جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا غَيْرَ أَنَّ الْمُسَوَّسَةَ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْعِلْكَةِ كَيْلًا مُتَسَاوِيًا، وَالْمَقْلِيَّةُ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْكَيْلَ لَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا. فَأَمَّا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ فَاخْتَلَفُوا. قِيلَ يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا وَزْنًا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَة. وَقِيلَ لَا وَعَلَيْهِ عَوَّلَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّارَ قَدْ تَأْخُذُ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمُسَوِّسَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ كَأَنَّهَا هِيَ سَوَّسَتْ: أَيْ أَدْخَلَتْ السُّوسَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَنْهُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) سَوَاءً كَانَ اللَّحْمُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ

إلَّا إذَا كَانَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمُقَابَلَةِ مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ السَّقْطِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ السَّقْطِ أَوْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ اللَّحْمِ فَصَارَ كَالْخَلِّ بِالسِّمْسِمِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيَوَانِ أَوْ لَا مُسَاوِيًا لِمَا فِي الْحَيَوَانِ أَوْ لَا بِشَرْطِ التَّعْيِينِ، أَمَّا بِالنَّسِيئَةِ فَلَا لِامْتِنَاعِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَاللَّحْمِ. وَفَصَّلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: إنْ بَاعَهُ بِلَحْمٍ غَيْرِ جِنْسِهِ كَلَحْمِ الْبَقَرَةِ بِالشَّاةِ الْحَيَّةِ. وَلَحْمِ الْجَزُورِ بِالْبَقَرَةِ الْحَيَّةِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَلَحْمِ شَاةٍ بِشَاةٍ حَيَّةٍ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الشَّاةِ لِيَكُونَ لَحْمُ الشَّاةِ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ مِنْ اللَّحْمِ، وَبَاقِي اللَّحْمِ (بِمُقَابَلَةِ السَّقْطِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا) إمَّا لِزِيَادَةِ السَّقْطِ إنْ كَانَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ مِثْلَ مَا فِي الْحَيَوَانِ مِنْ اللَّحْمِ، أَوْ لِزِيَادَةِ اللَّحْمِ إنْ كَانَ اللَّحْمُ أَقَلَّ مِمَّا فِي الشَّاةِ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحِلِّ بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ دُهْنُ السِّمْسِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّقْطِ مَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ كَالْكَرِشِ وَالْمِعْلَاقِ وَالْجِلْدِ وَالْأَكَارِعِ؛ وَلَوْ كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً مَسْلُوخَةً جَازَ إذَا تَسَاوَيَا وَزْنًا بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْلُوخَةِ الْمَفْصُولَةُ مِنْ السَّقْطِ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَقْطِهَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الِاعْتِبَارِ. وَلَوْ بَاعَ شَاةً مَذْبُوحَةً بِشَاةٍ حَيَّةٍ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِاللَّحْمِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَحْمٌ بِلَحْمٍ وَزِيَادَةُ اللَّحْمِ فِي إحْدَاهُمَا مَعَ سَقْطِهَا بِإِزَاءِ السَّقْطِ، وَعَلَى هَذَا شَاتَانِ مَذْبُوحَتَانِ غَيْرُ مَسْلُوخَتَيْنِ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ يَجُوزُ، لِأَنَّ اللَّحْمَ بِمِثْلِهِ وَزِيَادَةُ لَحْمِ الشَّاةِ بِإِزَاءِ الْجِلْدِ وَنَحْوِهِ، فَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ الْمَسْلُوخَةِ وَغَيْرِهَا بِاعْتِبَارِ الْجِلْدِ وَعَدَمِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ أَصْلًا لَا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَلَا بِغَيْرِهِ، خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَلَوْ بَاعَهُ بِلَحْمٍ غَيْرِ جِنْسِهِ كَلَحْمِ الْبَقَرَةِ بِشَاةٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ وَالْأَصَحُّ لَا يَصِحُّ لِعُمُومِ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْإِطْلَاقِ (أَنَّهُ بَاعَ مَوْزُونًا بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ) فَغَايَتُهُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ كَالْعَصِيرِ مَعَ الْعِنَبِ وَاللَّبَنِ مَعَ السَّمْنِ،

لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوزَنُ عَادَةً وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ثِقَلِهِ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ نَفْسَهُ مَرَّةً بِصَلَابَتِهِ وَيَثْقُلُ أُخْرَى، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْحَالِ يُعَرِّفُ قَدْرَ الدُّهْنِ إذَا مِيزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّجِيرِ، وَيُوزَنُ الثَّجِيرُ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَا: لَا يَجُوزُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُ أَوَ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ؟ فَقِيلَ نَعَمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا إذًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنَّ اتِّحَادَهُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمُقَدَّرِ بِهِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ بِهِ النَّسَاءُ فَقُلْنَا بِشَرْطِ التَّعْيِينِ وَلَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ بِمَوْزُونٍ (لِأَنَّهُ لَا يُوزَنُ عَادَةً) فَلَيْسَ فِيهِ أَحَدُ الْمُقَدَّرَيْنِ الشَّرْعِيَّيْنِ الْوَزْنُ أَوْ الْكَيْلُ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ ثِقَلِهِ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ يُثَقِّلُ نَفْسَهُ وَيُخَفِّفُهَا فَلَا يُدْرَى حَالُهُ، بِخِلَافِ الدُّهْنِ وَالسِّمْسِمِ (لِأَنَّ الْوَزْنَ يُعَرِّفُ قَدْرَ الدُّهْنِ إذَا مِيزَ مِنْ الثَّجِيرِ) ثُمَّ يُوزَنُ الثَّجِيرُ هَذَا عَلَى التَّنَزُّلِ وَإِلَّا فَهُمَا عَلَى مَا قَالَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ يَعْتَبِرَانِ لَحْمَ الشَّاةِ مَعَ الشَّاةِ الْحَيَّةِ جِنْسَيْنِ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] أَيْ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْحَيَّ مَعَ الْجَمَادِ جِنْسَانِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ النَّسَاءُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ سَلَمٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّمْعَ ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَمِنْهُ ضَعِيفٌ وَقَوِيٌّ، فَمِنْ الْقَوِيِّ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» . وَفِي لَفْظٍ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيِّ بِالْمَيِّتِ» . وَمُرْسَلُ سَعِيدٍ مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ السُّلَمِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ نَحْوَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَمَنْ أَثْبَتَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ عَدَّهُ مَوْصُولًا وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ مُطْلَقًا. وَأَسْنَدَ الشَّافِعِيُّ إلَى رَجُلٍ مَجْهُولٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ» ، وَأَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ "، وَبِسَنَدِهِ إلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ وَهَؤُلَاءِ تَابِعُونَ، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَعَلَّهُ بِالْمَعْنَى، فَإِنَّ مَشَايِخَنَا ذَكَرُوهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ جَزُورًا نُحِرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ بِعِنَاقِهِ فَقَالَ: أَعْطُونِي بِهَذَا الْعِنَاقِ لَحْمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَصِحُّ هَذَا» وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ نُحِرَ لِيُتَصَدَّقَ بِهِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)

وَلَهُ أَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُهْدَى إلَيْهِ رُطَبٌ أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» سَمَّاهُ تَمْرًا. وَبَيْعُ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ جَائِزٌ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْبَيْعُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ، فَقَدْ تَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقَوْلِ بِالْجَوَازِ. وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا كَيْلًا مُتَمَاثِلًا، لِلْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ الْبَيْضَاءُ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ؟ قَالَ نَعَمْ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ» فَهَذَا حُكْمٌ مُنَبَّهٌ فِيهِ عَلَى عِلَّتِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ يَنْقُصُ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَنْ الْمُسَاوَاةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حِينَ أُهْدَى لَهُ رُطَبٌ أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» فَسَمَّاهُ) أَيْ سَمَّى الرُّطَبَ (تَمْرًا) وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الْمُهْدَى رُطَبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ تَمْرًا. أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا» وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ. وَلَفْظٌ آخَرُ «إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» وَالْجَمْعُ أَصْنَافٌ مَجْمُوعَةٌ مِنْ التَّمْرِ. وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ الْخِلَافِيِّينَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَنَّهُ يَحْنَثُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَمْرًا) هَذَا اللَّفْظُ يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دَخَلَ بَغْدَادَ وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ التَّمْرِ فَقَالَ: الرُّطَبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ

إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ وَمَدَارُ مَا رَوَيَاهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ دَائِرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَزَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ. وَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقْلَةِ) وَغَلَّطَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ الْمُصَنِّفَ فِي قَوْلِهِ زَيْدَ بْنَ عَيَّاشٍ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ. وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخَ عَلَاءَ الدِّينِ مُغَلْطَاي. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ الْمَخْرَجُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو عَيَّاشٍ الدَّوْرَقِيُّ، وَيُقَالُ الْمَخْزُومِيُّ، وَيُقَالُ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ الْمَدَنِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَغَيْرُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ هُوَ مَجْهُولٌ، وَقَدْ رَدَّ تَرْدِيدَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ تَمْرًا أَوْ لَا بِأَنَّ هُنَا قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ الْجِنْسِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِعَدَمِ تَسْوِيَةِ الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا، فَكَذَا الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ لَا يُسَوِّيهِمَا الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا يَسْوَى فِي حَالِ اعْتِدَالِ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَجِفَّ الْآخَرُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُهُ وَيَعْتَبِرُ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ، وَعُرُوضِ النَّقْصِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ مُوجِبُهُ أَمْرًا خِلْقِيًّا وَهُوَ زِيَادَةُ الرُّطُوبَةِ، بِخِلَافِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا فَإِنَّا فِي الْحَالِ نَحْكُمُ بِعَدَمِ التَّسَاوِي لِاكْتِنَازِ أَحَدِهِمَا فِي الْكَيْلِ، بِخِلَافِ الْآخَرِ لِتَخَلْخُلِ كَثِيرٍ وَرَدَّ طَعْنَهُ فِي أَبِي عَيَّاشٍ أَيْضًا بِأَنَّهُ ثِقَةٌ كَمَا نَقَلْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ، وَأَيْضًا رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: كَيْفَ يَكُونُ مَجْهُولًا وَقَدْ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ ثِقَتَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَهُمَا مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ، وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعَ شِدَّةِ تَحَرِّيهِ فِي الرِّجَالِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ، فَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ فَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ النَّقْلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ السَّنَدِ فَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْهُ نَسِيئَةً، فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا زِيَادَةُ " نَسِيئَةً "، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ نَسِيئَةً» وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: اجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِمْ لِلْحَدِيثِ يُرِيدُ بِالْأَرْبَعَةِ مَالِكًا وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ وَالضَّحَّاكَ بْنَ عُثْمَانَ وَآخَرَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ بَعْدَ صِحَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ يَجِبُ قَبُولُهَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ لَمْ يُورِدْهَا إلَّا فِي زِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُمْ لَا يَغْفُلُ عَنْ مِثْلِهَا فَإِنَّهَا مَرْدُودَةٌ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ زِيَادَةٌ لِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ اجْتَمَعُوا فِيهِ فَسَمِعَ هَذَا مَا لَمْ يَسْمَعْ الْمُشَارِكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِالسَّمَاعِ، فَمَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْحَالَ كَذَلِكَ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي مَجَالِسَ ذَكَرَ فِي بَعْضِهَا مَا تَرَكَهُ فِي آخَرَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ " عَرِيًّا عَنْ الْفَائِدَةِ إذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ نَسِيئَةً. وَمَا ذَكَرُوا أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةٌ لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجَفَافِ

قَالَ (وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) يَعْنِي عَلَى الْخِلَافِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ، وَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَكَذَا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ أَوْ الْمَبْلُولَةِ بِمِثْلِهَا أَوْ بِالْيَابِسَةِ، أَوْ التَّمْرُ أَوْ الزَّبِيبُ الْمُنْقَعُ بِالْمُنْقَعِ مِنْهُمَا مُتَمَاثِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الْمَالُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُهُ فِي الْحَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَنْعُهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِشْفَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ كَانَ وَلِيَّ يَتِيمٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ: يَعْنِي عَلَى الْخِلَافِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ مَعَ التَّسَاوِي كَيْلًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ) لَهُمَا يَعْنِي فِي مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ» بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّبِيبَ إمَّا مِنْ جِنْسِ الْعِنَبِ فَيَجُوزَ مُتَسَاوِيًا أَوْ لَا فَيَجُوزَ مُطْلَقًا. وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ جَوَازَ بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الِاعْتِبَارِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْقَلْيَ كَائِنٌ بِصُنْعِ الْعِبَادِ فَتُعْدَمُ اللَّطَافَةُ الَّتِي كَانَتْ الْحِنْطَةُ بِهَا مِثْلِيَّةً، بِخِلَافِ التَّفَاوُتِ الْحَاصِلِ بِأَصْلِ الْحَلْقَةِ كَالرُّطَبِ مَعَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ مَعَ الزَّبِيبِ لَا يُعْتَبَرُ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، فَصَارَ فِي بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ: لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَلَى الْخِلَافِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْكِتَابِ، يَجُوزُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الِاعْتِبَارِ لِأَنَّ الزَّبِيبَ مَوْجُودٌ فِي الْعِنَبِ فَصَارَ كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ الْمَنْعِ بَيْنَ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَجَوَازِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَرَدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ التَّمْرِ عَلَى الرُّطَبِ وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُ هَذَا فِي الزَّبِيبِ فَافْتَرَقَا (وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَيَجُوزُ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا) وَكَذَا الْعِنَبُ بِالْعِنَبِ يَجُوزُ (عِنْدَنَا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيُّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ لَهَا حَالُ جَفَافٍ كَالتِّينِ وَالْمِشْمِشِ وَالْجَوْزِ وَالْكُمَّثْرَى وَالرُّمَّانِ وَالْإِجَّاصِ لَا يُجِيزُ بَيْعَ رُطَبِهِ بِرُطَبِهِ، كَمَا لَا يُجِيزُ بَيْعَ رُطَبِهِ بِيَابِسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ النُّقْصَانِ إذْ قَدْ يَكُونُ نُقْصَانُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْبَاقِلَاءِ الْأَخْضَرِ بِمِثْلِهِ، لِأَنَّ بَيْنَ الْبَاقِلَائِتَيْن فَضَاءً يَتَفَاوَتُ فَيَمْنَعَ تَعْدِيلَ الْكَيْلِ فَكَانَ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ، وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْمَبْلُولَةِ وَالرَّطْبَةِ بِالرَّطْبَةِ أَوْ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ يَجُوزُ، وَكَذَا بَيْعُ التَّمْرِ الْمُنْقَعِ وَالزَّبِيبِ الْمُنْقَعِ بِالْمُنْقَعِ وَالْيَابِسِ مِنْهُمَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ إلَى هُنَا. وَالْمُنْقَعُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أُنْقِعَ الزَّبِيبُ فِي الْخَابِيَةِ فَهُوَ مُنْقَعٌ. وَأَصْلُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الْمَآلُ عِنْدَ الْجَفَافِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الْمَبْلُولَةِ وَالرَّطْبَةِ مَعَ مِثْلِهَا أَوْ الْيَابِسَةِ. أَمَّا مَعَ الْيَابِسَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَبْلُولَةُ مَعَ الْمَبْلُولَةِ فَالتَّفَاوُتُ يَقَعُ فِي قَدْرِ الْبَلَلِ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الرِّوَايَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ

وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِمَا رَوَيْنَاهُ لَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ وَبَيْنَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِيمَا يَظْهَرُ مَعَ بَقَاءِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَفِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَعَ بَقَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونَ تَفَاوُتًا فِي عَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ إذَا انْتَفَخَتْ، أَمَّا إذَا بُلَّتْ مِنْ سَاعَتِهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْيَابِسَةِ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا. وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرَانِ الْمُسَاوَاةَ بِتَأْوِيلِ التَّسَاوِي فِي الْحَالِ (عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) أَيْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَغَيْرِهِ (إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ تَرَكَ هَذَا الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِمَا رَوَيْنَاهُ) مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَالْحِنْطَةُ الرَّطْبَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الرُّطَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالرُّطُوبَةُ فِي الرُّطَبِ مَقْصُودَةٌ وَفِي الْحِنْطَةِ عَيْبٌ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ نَقَضَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَنْعِ، وَمَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا بِالْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ فَإِنَّ الرُّطُوبَةَ الْحَاصِلَة فِيهَا بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَبِهَا يَحْصُلُ التَّفَاوُتُ مَعَ أَنَّهُ جَازَ الْعَقْدُ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْحِنْطَةَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ رَطْبَةٌ وَهِيَ مَالُ الرِّبَا إذْ ذَاكَ وَالْبَلُّ بِالْمَاءِ يُعِيدُهَا إلَى مَا هُوَ أَصْلُ الْخِلْقَةِ فِيهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِخِلَافِ الْقَلْيِ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ) مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ إلَى هُنَا حَيْثُ مَنَعَهُ (وَبَيْنَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ) حَيْثُ أَجَازَهُ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ فَإِنَّهُ يُجِيزُهُ، وَحَاصِلُهُ (أَنَّ التَّفَاوُتَ) إنْ ظَهَرَ مَعَ بَقَاءِ الِاسْمِ عَلَى الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ زَوَالِ الِاسْمِ عَنْهُمَا لَا يَفْسُدُ، فَفِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَعْدَ خُرُوجِ الْبَدَلَيْنِ عَنْ الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَإِنَّ الِاسْمَ حِينَئِذٍ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فَلَا يَكُونُ تَفَاوُتًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَا يَتَغَيَّرُ فَيَظْهَرَ فِي نَفْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعَ

التَّفَاوُتُ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الِاسْمِ فَلَمْ يَكُنْ تَفَاوُتًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ، بِخِلَافِ الْكُفُرَّى حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ التَّمْرِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ، فَإِنَّ هَذَا الِاسْمَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا تَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ، وَالْكُفَرَّى عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ، حَتَّى لَوْ بَاعَ التَّمْرَ بِهِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمُ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ فَيَكُونَ الدُّهْنُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرِ) لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَعْرَى عَنْ الرِّبَا إذْ مَا فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ مَوْزُونٌ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا فِيهِ لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ) مُتَسَاوِيًا يَجُوزُ (وَمُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ بِخِلَافِ الْكُفُرَّى) وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَقْصُورًا كُمُّ النَّخْلِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَنْشَقُّ (حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ التَّمْرِ) أَيْ كَيْلًا مِنْ التَّمْرِ بِكَيْلَيْنِ مِنْ الْكُفُرَّى وَقَلْبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ (لِأَنَّ) الْكُفُرَّى لَمْ يَنْعَقِدْ بَعْدُ فِي صُورَةِ التَّمْرِ (وَهَذَا الِاسْمُ) أَعْنِي التَّمْرَ لَهُ (مِنْ أَوَّلِ مَا تَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ) وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَوَرَّدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ فَكَانَ غَيْرَهُ. فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ بَلْ يَحْنَثُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ الْمَسْأَلَةُ مَسْطُورَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَكَذَا ادَّعَى أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا وَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى هَذَا، إذْ يَكْفِيهِ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكَلَامُنَا فِيهِ لُغَةٌ. وَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَبُونَ بِتَصْحِيحِ أَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يَلْزَمُ الْخَارِجَ مِنْ حِينِ يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يَطِيبَ ثُمَّ يَجِفَّ مِنْ اللُّغَةِ وَلَا يُنْكَرُ صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَجَازِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (وَالْكُفَرَّى عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ إلَى آخِرِهِ) جَوَابُ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْكُفُرَّى تَمْرًا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إسْلَامُ التَّمْرِ فِيهِ وَشِرَاءُ التَّمْرِ بِهِ نَسِيئَةً فَقَالَ: الْكُفُرَّى عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ تَفَاوُتًا غَيْرَ مُهْدِرٍ فَلَا يَجُوزُ إسْلَامُهُ فِيهِ، وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ نَسِيئَةً لِلْجَهَالَةِ فَتَقَعَ الْمُنَازَعَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ مَعْلُومًا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ) فَلَوْ جَهِلَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ مُسَاوٍ لَا يَجُوزُ، فَالِاحْتِمَالَات أَرْبَعٌ، وَالْجَوَازُ فِي أَحَدِهَا بِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ بِمِثْلِهِ مِنْ الدُّهْنِ الْمُفْرَدِ (وَالزَّائِدُ) مِنْهُ (بِ) مُقَابَلَةِ (الثَّجِيرِ) وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ إذَا كَانَ الثِّقَلُ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ، أَمَّا إذَا

أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، فَالثَّجِيرُ وَبَعْضُ الدُّهْنِ أَوْ الثَّجِيرُ وَحْدَهُ فَضْلٌ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا فِيهِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَالشُّبْهَةُ فِيهِ كَالْحَقِيقَةِ، وَالْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ، وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَا قِيمَةَ لَهُ كَمَا فِي الزُّبْدِ بَعْدَ إخْرَاجِ السَّمْنِ مِنْهُ فَيَجُوزُ مَعَ مُسَاوَاةِ الْخَارِجِ لِلسَّمْنِ الْمُفْرَدِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ فَلَا يَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالشَّكِّ. وَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ. وَقُلْنَا: الْفَسَادُ غَالِبٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرَيْ النُّقْصَانِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَالصِّحَّةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَكْثَرِيَّةِ فَكَانَ هُوَ الظَّاهِرُ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ أَصْلًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ وَقْتَ الْعَقْدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ فَتَمْنَعُ النَّسِيئَةَ كَمَا فِي الْمُجَانَسَةِ الْعَيْنِيَّةِ، وَذَلِكَ كَالزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ وَالشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ، وَتَنْتَفِي بِاعْتِبَارِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ فَيَخْتَلِفُ الْجِنْسُ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ مَعَ دُهْنِ الْوَرْدِ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّيْتُ أَوْ الشَّيْرَجُ فَصَارَا جِنْسَيْنِ بِاخْتِلَافِ مَا أُضِيفَا إلَيْهِ مِنْ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَالْفَرْضِ وَلَمْ يُبَلْ بِاتِّحَادِ الْأَصْلِ وَعَلَى هَذَا دُهْنُ الزَّهْرِ فِي دِيَارِنَا وَدُهْنُ الْبَانِ؛ أَصْلُهُمَا اللَّوْزُ يُطَبَّقُ بِالزَّهْرِ وَبِالْخِلَافِ مُدَّةً ثُمَّ يُعْصَرُ اللَّوْزُ فَيَخْرُجَ مِنْهُ دُهْنٌ مُخْتَلِفُ الرَّائِحَةِ فَيَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِ الدُّهْنَيْنِ بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ ضُمَّ إلَى الْأَصْلِ مَا طَيَّبَهُ دُونَ الْآخَرِ جَازَ مُتَفَاضِلًا حَتَّى أَجَازُوا بَيْعَ قَفِيزِ سِمْسِمٍ مُطَيَّبٍ بِقَفِيزَيْنِ غَيْرَ مُطَيَّبٍ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْلِ لَوْزٍ مُطَبَّقٍ بِرَطْلَيْ لَوْزٍ غَيْرِ مُطَبَّقٍ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْلِ دُهْنِ لَوْزٍ مُطَبَّقٍ بِزَهْرِ النَّارِنْجِ بِرَطْلَيْ دُهْنِ اللَّوْزِ الْخَالِصِ، وَكَذَا رَطْلُ زَيْتٍ مُطَيَّبٍ بِرَطْلَيْ زَيْتٍ لَمْ يُطَيَّبْ فَجَعَلُوا الرَّائِحَةَ الَّتِي فِيهَا بِإِزَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرَّطْلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُ الدُّهْنَ الْمُطَيَّبَ وَغَيْرَهُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِدُهْنِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِأَنَّ الدُّهْنَ وَزْنِيٌّ وَالسِّمْسِمَ كَيْلِيٌّ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ السِّمْسِمِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الدُّهْنِ كَانَ بَيْعُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ. فَإِنْ قِيلَ: فَيَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ مُتَفَاضِلًا صَرْفًا لِكُلٍّ مِنْ دُهْنِهِ وَثَجِيرِهِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الصَّرْفَ يَكُونُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ صُورَةً كَمَسْأَلَةِ الْإِكْرَارِ وَلَا صُورَةَ هُنَا مُنْفَصِلَةٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ) يَعْنِي إنْ كَانَ الدُّهْنُ الْمُفْرَدُ وَالسَّمْنُ وَالدُّبْسُ أَكْثَرَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّبَنِ وَالتَّمْرِ جَازَ، وَقَدْ عَلِمْت تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الثُّفْلُ لَهُ قِيمَةٌ وَأَظُنُّ أَنْ لَا قِيمَةَ لِثُفْلِ الْجَوْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِيعَ بِقِشْرِهِ فَيُوقَدَ، وَكَذَا الْعِنَبُ لَا قِيمَةَ لِثُفْلِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ زِيَادَةُ الْعَصِيرِ عَلَى مَا يَخْرُجُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ) فَبَعْضُهُمْ لَا يُجَوِّزُ مُتَسَاوِيًا لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ بِالْغَزْلِ فَهُوَ كَالْحِنْطَةِ

قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) وَمُرَادُهُ لَحْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ فَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا الْمَعْزُ مَعَ الضَّأْنِ وَكَذَا مَعَ الْعِرَابِ الْبَخَاتِيِّ. قَالَ (وَكَذَلِكَ أَلْبَانُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ. وَلَنَا أَنَّ الْأُصُولَ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا يَكْمُلَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ الدَّقِيقِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا لِأَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَكِلَاهُمَا مَوْزُونٌ، وَإِنْ خَرَجَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْوَزْنِ جَازَ مُتَفَاضِلًا. وَبَيْعُ الْغَزْلِ بِالثَّوْبِ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِجْمَاعِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ بَيْعَ الْقُطْنِ بِالثَّوْبِ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَهَكَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَحْلُوجِ بِالْقُطْنِ وَالْغَزْلِ بِالْقُطْنِ إذَا كَانَ يُعْلَمُ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ وَهَذَا فِي الْمَحْلُوجِ مَعَ الْقُطْنِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْفَاضِلَ بِإِزَاءِ حَبِّ الْقُطْنِ وَهُوَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَقَدْ يُعْلَفُ لِبَعْضِ الدَّوَابِّ. وَأَمَّا فِي الْغَزْلِ فَكَأَنَّهُ لِيَكُونَ الْفَاضِلُ مِنْ الْقُطْنِ الْمُفْرَدِ بِإِزَاءِ صَنْعَةِ الْغَزْلِ، فَنَقْلُ الْإِجْمَاعِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْأَقْوَالِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا دُونَ الرِّوَايَاتِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ اللُّحُومِ) جَمْعُ لَحْمٍ (الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَمُرَادُهُ لَحْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ أُصُولِهَا وَلَمْ يَحْدُثُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهَا زِيَادَةٌ تُصَيِّرُهُ جِنْسَيْنِ (فَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ) فَ (جِنْسٌ وَاحِدٌ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الْجَامُوسِ مُتَفَاضِلًا (وَكَذَا الْمَعْزُ مَعَ الضَّأْنِ وَالْعِرَابُ مَعَ الْبَخَاتِي) لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مَعَ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ لَحْمِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الطُّيُورِ كَالسَّمَّانِ مَثَلًا وَالْعَصَافِيرِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالَ الرِّبَا إذْ لَا يُوزَنُ لَحْمُ الطَّيْرِ وَلَا يُكَالُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ لُحُومِ الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْإِوَزُّ لِأَنَّهُ يُوزَنُ فِي عَادَةِ دِيَارِ مِصْرَ بِعَظْمِهِ. وَقَوْلُهُ وَمُرَادُهُ إلَى آخِرِهِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ اللُّحُومَ كُلَّهَا ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ: الطُّيُورُ جِنْسٌ، وَالدَّوَابُّ أَهْلِيُّهَا وَوَحْشِيُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالْبَحْرِيَّاتُ (وَكَذَا أَلْبَانُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ اللُّحُومَ وَالْأَلْبَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ) مِنْ الْكُلِّ وَهُوَ التَّغَذِّي، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ الْمُخْتَارِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِنَا، ثُمَّ دُفِعَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ أُصُولَهَا (مُخْتَلِفَةُ) الْأَجْنَاسِ

فَكَذَا أَجْزَاؤُهَا إذَا لَمْ تَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ. قَالَ (وَكَذَا خَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ) لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْلَيْهِمَا، فَكَذَا بَيْنَ مَاءَيْهِمَا وَلِهَذَا كَانَ عَصِيرَاهُمَا جِنْسَيْنِ. وَشَعْرُ الْمَعْزِ وَصُوفُ الْغَنَمِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَا أَجْزَاؤُهَا إذَا لَمْ تَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ) فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُعَدُّ أَجْنَاسًا، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا (وَكَذَا خَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ) مُتَفَاضِلًا وَكَذَا عَصِيرُهُمَا (لِاخْتِلَافِ أَصْلَيْهِمَا) جِنْسًا، وَتَخْصِيصُ الدَّقَلِ وَهُوَ رَدِيءُ التَّمْرِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، لِأَنَّ الدَّقَلَ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْعَادَةِ يُتَّخَذُ خَلًّا (وَ) أَمَّا (شَعْرُ الْمَعْزِ وَصُوفُ الْغَنَمِ) فَ (جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ) بِخِلَافِ لَحْمِهِمَا وَلَبَنِهِمَا جُعِلَ جِنْسًا وَاحِدًا كَمَا ذَكَرْنَا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ مَعَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّ مَا يُقْصَدُ بِالشَّعْرِ مِنْ الْآلَاتِ غَيْرُ مَا يُقْصَدُ بِالصُّوفِ فَصَارَ مَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأُمُورِ الْمُتَفَرِّعَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: اخْتِلَافُ الْأُصُولِ، وَاخْتِلَافُ الْمَقَاصِدِ، وَزِيَادَةُ الصَّنْعَةِ. فَإِنْ قِيلَ: بِالنَّظَرِ إلَى اتِّحَادِ الْأَصْلِ فِي الصُّوفِ وَالشَّعْرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا مُتَفَاضِلًا وَزْنًا، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَقَاصِدِ اُخْتُلِفَ فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ مُتَفَاضِلًا تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَارُضِ دَلِيلِهِمَا وَتَسَاوِيهِمَا فَيُرَجَّحُ الْمُحَرَّمُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقَاوِمُ الصُّورَةُ الْمَعْنَى، وَأَلْزَمَ عَلَى تَغْلِيبِ جَانِبِ الْمَعْنَى كَوْنَ أَلْبَانِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جِنْسًا وَاحِدًا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ. وَأُجِيبُ بِمَنْعِ اتِّحَادِهِ فَإِنَّ لَبَنَ الْبَقَرِ يُقْصَدُ لِلسَّمْنِ وَلَبَنَ الْإِبِلِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ، وَكَذَا أَغْرَاضُ الْآكِلِ تَتَفَاوَتُ، فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَطِيبُ لَهُ الْبَقَرُ وَيَتَضَرَّرُ بِهِ دُونَ الضَّأْنِ وَكَذَا فِي الْإِبِلِ. وَمِنْ الِاخْتِلَافِ بِالصَّنْعَةِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ جَوَازِ بَيْعِ إنَاءَيْ صُفْرٍ أَوْ حَدِيدٍ أَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَا قَمْقَمَةٌ بِقُمْقُمَتَيْنِ وَإِبْرَةٌ بِإِبْرَتَيْنِ وَسَيْفٌ بِسَيْفَيْنِ وَدَوَاةٌ بِدَوَاتَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَيَمْتَنِعُ

قَالَ (وَكَذَا شَحْمُ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي وَالْمَنَافِعِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) لِأَنَّ الْخُبْزَ صَارَ عَدَدِيًّا أَوْ مَوْزُونًا فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْحِنْطَةُ مَكِيلَةٌ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفَاضُلُ وَإِنْ اصْطَلَحُوا بَعْدَ الصِّيَاغَةِ عَلَى تَرْكِ الْوَزْنِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَدِّ وَالصُّورَةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ شَحْمِ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) وَاللَّحْمِ بِالْأَلْيَةِ مُتَفَاضِلًا (لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي وَالْمَنَافِعِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا) وَأَمَّا شَحْمُ الْجَنْبِ وَنَحْوِهِ فَتَابِعُ اللَّحْمِ وَهُوَ مَعَ شَحْمِ الْبَطْنِ وَالْأَلْيَةِ جِنْسَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ نَسِيئَةً لِأَنَّ الْوَزْنَ يَجْمَعُهُمَا، وَأَمَّا الرُّءُوسُ وَالْأَكَارِعُ وَالْجُلُودُ فَيَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَمَا كَانَ لَا نَسِيئَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُضْبَطْ بِالْوَصْفِ حَتَّى إنَّ السَّلَمَ فِيهِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) يَدًا بِيَدٍ قِيلَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (لِأَنَّ الْخُبْزَ صَارَ) إمَّا (عَدَدِيًّا) فِي عُرْفٍ (أَوْ مَوْزُونًا) فِي عُرْفٍ آخَرَ (فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْحِنْطَةُ مَكِيلَةٌ) فَبِفَرْضِ كَوْنِ الْجِنْسِيَّةِ جَمَعَتْهُمَا اخْتَلَفَ الْقَدْرُ فَجَازَ التَّفَاضُلُ، وَالدَّقِيقُ إمَّا كَيْلِيٌّ فَكَذَلِكَ أَوْ وَزْنِيٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ عُرْفُ بِلَادِنَا، وَمَنْ جَعَلَهُ وَزْنِيًّا لَمْ يُثْبِتْ الْجِنْسِيَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُبْزِ فَيَجُوزَ التَّفَاضُلُ أَيْضًا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لِنَفْيِ الْجَوَازِ بِطَرِيقِ التَّأْكِيدِ لِلنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ

وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ نَسِيئَةً جَازَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ نَسِيئَةً يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِهِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخُبْزِ وَالْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ بِهِمَا لِلتَّعَامُلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَحْمَدُ لِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ، إذْ فِي الْخُبْزِ أَجْزَاءُ الدَّقِيقِ، أَوْ أَنَّ الدَّقِيقَ بِعَرَضٍ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا فَيُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ وَلَا يُدْرَى ذَلِكَ. (وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْجَوَازُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا كَيْفَمَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ (وَهَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ) فَأَمَّا بَيْعُهُمَا نَسِيئَةً (فَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ نَسِيئَةً) أَوْ الدَّقِيقُ بِأَنْ أَسْلَمَ الْخُبْزَ فِيهِمَا فَدَفَعَهُ نَقْدًا (جَازَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ) نَسِيئَةً بِأَنْ أُسْلِمَ حِنْطَةٌ أَوْ دَقِيقًا فِي خُبْزٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدٍّ لَهُ فَإِنَّهُ يَتَفَاوَتُ فِي الصَّنْعَةِ عَجْنًا وَخَبْزًا، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ عِنْدَهُ وَيَكُونُ مِنْهُ الثَّقِيلُ وَالْخَفِيفُ (وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ وَزْنِيٌّ) أَوْ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْوَزْنِ إنْ كَانَ الْعُرْفُ فِيهِ الْعَدَدَ وَالنُّضْجَ وَحِسَّ الْعَجْنِ وَصِفَاتٍ مَضْبُوطٍ نَوْعُهُمَا وَخُصُوصُ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْعَجْنِ وَالنَّارِ مُهْدَرٌ. وَاخْتَارَهُ الْمَشَايِخُ لِلْفَتْوَى إذَا أَتَى بِشَرَائِطِهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ وَقْتَ الْقَبْضِ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي سُمِّيَ حَتَّى لَا يَصِيرَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا قُبِضَ مُتَجَوِّزًا مَا هُوَ دُونَ مَا سُمِّيَ صَنْعَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ لِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَقَعَ الْأَخْذُ مِنْ النَّوْعِ الْمُسَمَّى خُصُوصًا فِيمَنْ يَقْبِضُ الْمُسَلَّمَ فِيهِ فِي أَيَّامٍ مُتَعَدِّدَةٍ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا كَذَا رَغِيفًا فَقَلَّ أَنْ لَا يَصِيرَ مُسْتَبْدَلًا (وَلَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخُبْزِ وَالْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ) بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جَدِيدًا أَوْ عَتِيقًا (وَالتَّقْدِيمُ) فِي التَّنُّورِ (وَالتَّأْخِيرُ) عَنْهُ وَيَتَفَاوَتُ جَوْدَةُ خُبْزِهِ بِذَلِكَ، وَإِذَا مَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ السَّلَمَ فِيهِ وَبَابُ السَّلَمِ أَوْسَعُ حَتَّى جَازَ فِي الثِّيَابِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا فَهُوَ لِاسْتِقْرَاضِهِ أَمْنَعُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ بِهِمَا) أَيْ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا (لِلتَّعَامُلِ) بَيْنَ الْجِيرَانِ بِذَلِكَ، وَالْحَاجَةُ قَدْ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ بَيْنَ الْجِيرَانِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ) وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: قَدْ أَهْدَرَ الْجِيرَانُ تَفَاوُتَهُ وَبَيْنَهُمْ يَكُونُ اقْتِرَاضُهُ غَالِبًا، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ، وَجَعَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَأَنَا أَرَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ

قَالَ (وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا، وَهَذَا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ مِلْكَ الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَتَحَقَّقَ الرِّبَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ. قَالَ (وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. لَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ (لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْبَيْعِ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ) أَيْ الْبَيْعُ بِطَرِيقِ الرِّبَا (أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَلِعَدَمِ مِلْكِهِ لِمَا فِي يَدِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا (وَعِنْدَهُمَا) إنْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَمَّا فِي يَدِهِ لَكِنْ (تَعَلَّقَ بِمَا) فِي يَدِهِ (حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَصَارَ) الْمَوْلَى (كَالْأَجْنَبِيِّ) عَنْهُ (فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا) بَيْنَهُمَا (كَمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا، وَلَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ كَسْبَهُ مَشْغُولٌ بِحَقِّ غُرَمَائِهِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ دَيْنِهِ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ لَا بِجِهَةِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْحُرِّ يَدًا وَتَصَرُّفًا فِي كَسْبِهِ فَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا؛ فَلَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ دَخَلَ إلَيْهِمْ مُسْتَأْمَنًا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ حَلَّ، وَكَذَا إذَا بَاعَ مِنْهُمْ مَيْتَةً أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ قَامَرَهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ يَحِلُّ، كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمَنْ ذَكَرْنَا، (لَهُمْ) إطْلَاقُ النُّصُوصِ فَإِنَّهَا لَمْ تُقَيِّدْ الْمَنْعَ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا، فَإِنَّ الرِّبَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَهُ فَكَذَا الدَّاخِلُ مِنَّا إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ، وَنَقَلَ مَا رَوَى مَكْحُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ

وَلِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ فِي دَارِهِمْ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ أَخَذَ مَالًا مُبَاحًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَدْرٌ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمِنِ مِنْهُمْ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِعَقْدِ الْأَمَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشْيَخَةِ حَدَّثَنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا رِبَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ» أَظُنُّهُ قَالَ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، أَسْنَدَهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَكْحُولٌ ثِقَةٌ، وَالْمُرْسَلُ مِنْ مِثْلِهِ مَقْبُولٌ، «وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {الم} [الروم: 1] {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] الْآيَةَ قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: تَرَوْنَ أَنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ لَك أَنْ تُخَاطِرَنَا، فَخَاطَرَهُمْ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ إلَيْهِمْ فَزِدْ فِي الْخَطَرِ فَفَعَلَ، وَغَلَبَتْ الرُّومُ فَارِسًا فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ خَطَرَهُ، فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَهُوَ الْقِمَارُ بِعَيْنِهِ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَمُشْرِكِي مَكَّةَ كَانَتْ مَكَّةُ دَارَ شِرْكٍ (وَلِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ) وَإِطْلَاقُ النُّصُوصِ فِي مَالٍ مَحْظُورٍ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ بِطَرِيقِ الْغَدْرِ (فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ غَدْرًا فَبِأَيِّ طَرِيقٍ يَأْخُذُهُ حَلَّ) بَعْدَ كَوْنِهِ بِرِضًا (بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ) عِنْدَنَا (لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِالْأَمَانِ) فَإِذَا أَخَذَهُ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعَةِ يَكُونُ غَدْرًا، وَبِخِلَافِ الزِّنَا إنْ قِيسَ عَلَيْهِ الرِّبَا لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْخَاصِّ، أَمَّا الْمَالُ فَيُبَاحُ بِطِيبِ النَّفْسِ بِهِ وَإِبَاحَتِهِ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ لِمُعَارَضَةِ إطْلَاقِ النُّصُوصِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ حُجِّيَّةِ حَدِيثِ مَكْحُولٍ. وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ سُلِّمَ حُجِّيَّتُهُ فَالزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ، وَإِثْبَاتُ قَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ نَحْوِ {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] وَنَحْوِهِ هُوَ الزِّيَادَةُ فَلَا يَجُوزُ. وَيُدْفَعُ بِالْقَطْعِ بِأَنَّ الْمُطْلَقَاتِ مُرَادٌ بِمَحَلِّهَا الْمَالُ الْمَحْظُورُ بِحَقٍّ لِمَالِكِهِ، وَمَالُ الْحَرْبِيِّ لَيْسَ مَحْظُورًا إلَّا لِتَوَقِّي الْغَدْرِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِي التَّحْقِيقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ خَبَرُ مَكْحُولٍ أَجَازَهُ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ، أَعْنِي كَوْنَ مَالِهِ مُبَاحًا إلَّا لِعَارِضِ لُزُومِ الْغَدْرِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي حِلَّ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَنَالُهَا الْمُسْلِمُ، وَالرِّبَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ إذْ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الدِّرْهَمَانِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِ وَمِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ، وَجَوَابُ الْمَسْأَلَةِ بِالْحِلِّ عَامٌّ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَا الْقِمَارُ قَدْ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ مَالُ الْخَطَرِ لِلْكَافِرِ بِأَنْ يَكُونَ الْغَلَبُ لَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ تُفِيدُ نَيْلَ الْمُسْلِمِ الزِّيَادَةَ، وَقَدْ الْتَزَمَ الْأَصْحَابُ فِي الدَّرْسِ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ حِلِّ الرِّبَا وَالْقِمَارِ مَا إذَا حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمُسْلِمِ نَظَرًا إلَى الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْجَوَابِ خِلَافَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[باب الحقوق]

(بَابُ الْحُقُوقِ) (وَمَنْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ فَلَيْسَ لَهُ الْأَعْلَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ. وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فَوْقَهُ بَيْتٌ بِكُلِّ حَقٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَعْلَى، وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِحُدُودِهَا فَلَهُ الْعُلُوُّ وَالْكَنِيفُ) جَمَعَ بَيْنَ الْمَنْزِلِ وَالْبَيْتِ وَالدَّارِ، فَاسْمُ الدَّارِ يَنْتَظِمُ الْعُلُوَّ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَالْعُلُوُّ مِنْ تَوَابِعِ الْأَصْلِ وَأَجْزَائِهِ فَيَدْخُلَ فِيهِ. وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ، وَالْعُلُوُّ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَالْمَنْزِلُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ إذْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَنْزِلُ الدَّوَابِّ، فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ التَّوَابِعِ، وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِدُونِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْحُقُوقِ] (بَابُ الْحُقُوقِ) مَحِلُّ هَذَا الْبَابِ عَقِيبَ كِتَابِ الْبُيُوعِ قَبْلَ الْخِيَارِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَوْقَهُ مَنْزِلٌ) حَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ الْأَسْمَاءَ ثَلَاثَةٌ: الْبَيْتُ، وَالْمَنْزِلُ، وَالدَّارُ. فَالْبَيْتُ أَصْغَرُهَا وَهُوَ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ جُعِلَ لِيُبَاتَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى هَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ لَهُ دِهْلِيزًا. وَالْجَوَابُ فِيهِ أَنَّ عُلُوَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ: يَعْنِي إذَا بَاعَ الْبَيْتَ لَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ.

وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَسْكَنٍ يُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ خَانَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ عُلُوٍّ، وَكَمَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي اسْمِ الدَّارِ يَدْخُلُ الْكَنِيفُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَلَا تَدْخُلُ الظُّلَّةُ إلَّا بِذِكْرِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ قَالَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ الْعُلُوِّ صَرِيحًا لِأَنَّ الْعُلُوَّ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ مُسَقَّفٌ يُبَاتُ فِيهِ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ بَلْ مَا هُوَ أَدْنَى مِنْهُ. وَأَوْرَدَ: الْمُسْتَعِيرُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ وَالْمُكَاتِبِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ، بَلْ لَمَّا مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ بَدَلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ مَا مَلَكَ كَذَلِكَ، وَالْمُكَاتِبُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لَمَّا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ عَبْدَهُ مِنْ أَكْسَابِهِ. وَالْمَنْزِلُ فَوْقَ الْبَيْتِ دُونَ الدَّارِ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَكَانٍ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَنْزِلُ فِيهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَهُ مَطْبَخٌ وَمَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِالْعِيَالِ مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ صَحْنٌ غَيْرُ مُسَقَّفٍ وَلَا إصْطَبْلُ الدَّوَابِّ فَلِكَوْنِ الْبَيْتِ دُونَهُ صَلَحَ أَنْ يَسْتَتْبِعَهُ فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ التَّوَابِعِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهِ أَوْ مِنْهُ، أَوْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ، وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ بِلَا ذِكْرِ زِيَادَةٍ. وَالدَّارُ اسْمٌ لِسَاحَةٍ أُدِيرَ عَلَيْهَا الْحُدُودُ وَتَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَإِصْطَبْلٍ وَصَحْنٍ غَيْرِ مُسَقَّفٍ وَعُلُوٍّ فَيُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّحْنِ لِلِاسْتِرْوَاحِ وَمَنَافِعِ الْأَبْنِيَةِ لِلْإِسْكَانِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَبْنِيَةِ بِالتُّرَابِ وَالْمَاءِ أَوْ بِالْخِيَامِ وَالْقِبَابِ، وَالْعُلُوُّ مِنْ تَوَابِعِ الْأَصْلِ وَأَجْزَائِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ بِلَا ذِكْرِ زِيَادَةٍ عَلَى شِرَاءِ الدَّارِ ، وَكَذَا يَدْخُلُ الْكَنِيفُ الشَّارِعُ. وَالْكَنِيفُ هُوَ الْمُسْتَرَاحُ، أَمَّا الظُّلَّةُ وَهُوَ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الدَّارِ وَالْآخَرُ عَلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أُسْطُوَانَاتٍ فِي السِّكَّةِ وَمِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مَا لَمْ يَقُلْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ بِكُلِّ

لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مِفْتَحُهُ فِي الدَّارِ يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَشَابَهَ الْكَنِيفَ. قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ أَوْ مَنْزِلًا أَوْ مَسْكَنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، (وَكَذَا الشُّرْبُ وَالْمَسِيلُ) لِأَنَّهُ خَارِجُ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَيَدْخُلَ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ، إذْ الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَشْتَرِي الطَّرِيقَ عَادَةً وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ فَيَدْخُلَ تَحْصِيلًا لِلْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ، أَمَّا الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَادَةً يَشْتَرِيهِ، وَقَدْ يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَحَصَلَتْ الْفَائِدَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقٍّ هُوَ لَهَا أَوْ مَرَافِقهَا أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَهُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الظُّلَّةُ بِتَأْوِيلِ السَّابَاطِ (مَبْنِيٌّ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مِفْتَحُهُ فِي الدَّارِ يَدْخُلُ) بِلَا ذِكْرِ زِيَادَةٍ، وَلِأَنَّ مِفْتَحَهَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ كَانَتْ تَبَعًا لِلدَّارِ كَالْكَنِيفِ الشَّارِعِ قَالُوا هَذَا فِي عُرْفِهِمْ: أَيْ عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ (أَمَّا فِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ) مَا ذُكِرَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ بَيْتًا فَوْقَهُ عُلُوٌّ أَوْ مَنْزِلًا كَذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ مَسْكَنٍ يُسَمَّى خَانَهُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ وَلَهُ عُلُوٌّ سَوَاءً كَانَ صَغِيرًا كَالْبَيْتِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا دَارَ السُّلْطَانِ تُسَمَّى سُرَايَ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ أَوْ مَنْزِلًا) فِيهَا (أَوْ مَسْكَنًا) فِيهَا (لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ) فِي هَذِهِ الدَّارِ إلَى ذَلِكَ الْمُشْتَرَى (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَكَذَا الشُّرْبُ وَالْمَسِيلُ لِأَنَّهُ خَارِجُ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَيَدْخُلَ بِذِكْرِهَا) وَفِي الْمُحِيطِ: الْمُرَادُ الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، فَأَمَّا طَرِيقُهَا إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَإِلَى طَرِيقٍ عَامٍّ فَيَدْخُلُ، وَكَذَا مَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقِّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ خَاصَّةً. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا كَانَ طَرِيقُ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ أَوْ مَسِيلُ مَائِهَا فِي دَارٍ أُخْرَى لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، إلَّا أَنَّ تَعْلِيلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي هَذِهِ الدَّارُ يَدْخُلُ وَهُوَ غَيْرُ مَا فِي الْكِتَابِ. فَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَدْخُلُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَشْتَرِ جَمِيعَ هَذِهِ الدَّارِ إنَّمَا اشْتَرَى شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا فَلَا يَدْخُلُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَمِلْكُ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا بِذِكْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ فِي دَارٍ أُخْرَى فَالْمُشْتَرِي لَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ جُذُوعُ دَارٍ أُخْرَى عَلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ يُؤْمَرُ بِرَفْعِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ لِدَارٍ أُخْرَى أَوْ سَيْلُ مَاءٍ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ لِلْبَائِعِ فَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ. وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ: يَعْنِي فِي الْإِجَارَةِ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالشُّرْبُ وَالْمَسِيلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ وَلَا انْتِفَاعَ بِغَيْرِ دُخُولِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَالْبَيْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا عَيْنًا، بَلْ إمَّا كَذَلِكَ أَوْ لِيَتَّجِرَ فِيهَا أَوْ يَأْخُذَ نَقْضَهَا فَلَمْ تَتَعَيَّنْ فَائِدَةٌ لِلْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ كَمَا وُلِدَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الْأَرْضُ السَّبِخَةُ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ ذَلِكَ. وَفِي الْكَافِي: وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عُلُوًّا وَاسْتَثْنَى الطَّرِيقَ

[باب الاستحقاق]

(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى عُلُوًّا وَاسْتَثْنَى الطَّرِيقَ يَصِحُّ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعُلُوُّ ثُمَّ أُجِيزَ الْبَيْعُ صَحَّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْبُيُوعِ الْمَاضِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ سَاحَةِ الْعُلُوِّ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِمُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، وَالْمَبِيعُ الْبِنَاءُ لَا السَّاحَةُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَوَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يُشْكِلُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَفِيهَا صِفَةٌ فِيهَا بَيْتٌ وَبَابُهُ فِي الصِّفَةِ وَمَسِيلُ مَاءِ ظَهَرَ الْبَيْتِ عَلَى ظَهْرِ الصِّفَةِ فَاقْتَسَمَا فَأَصَابَ الصِّفَةَ أَحَدُهُمَا وَقِطْعَةً مِنْ السَّاحَةِ لَمْ يَذْكُرُوا طَرِيقًا وَلَا مَسِيلًا وَصَاحِبُ الْبَيْتِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ السَّاحَةِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَسِيلَ مَاءَهُ فِي ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ، فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْتُمْ فِي الْإِجَارَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْحُقُوقُ تَحَرِّيًا لِجَوَازِ الْقِسْمَةِ كَمَا أَدْخَلْتُمُوهَا تَحَرِّيًا لِجَوَازِ الْإِجَارَةِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَوْضِعَ الشُّرْبِ لَيْسَ مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ الْإِجَارَةُ، وَإِنَّمَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ، وَالْآجِرُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ فَفِي إدْخَالِ الشُّرْبِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمَا هَذَا بِالْأُجْرَةِ وَهَذَا بِالِانْتِفَاعِ، أَمَّا هُنَا فَمَوْضِعُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُمَا كَانَا دَاخِلَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ، فَمُوجِبُ الْقِسْمَةِ اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ نَصِيبُهُ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا لِأَحَدِهِمَا حَقًّا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَضَرَّرَ بِهِ الْآخَرُ، وَلَا يَجُوزُ الْإِضْرَارُ دُونَ رِضَاهُ، وَإِنَّمَا دَلِيلُ الرِّضَا اشْتِرَاطُ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ الْحُقُوقُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ إحْدَاثُ طَرِيقٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَتَسْيِيلُ مَائِهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ، وَفِي الْقِسْمَةِ إذَا ذُكِرَ الْحُقُوقُ وَأَمْكَنَهُ الطَّرِيقُ وَالتَّسْيِيلُ فِيمَا أَصَابَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَتَطَرَّقُ وَيَسِيلُ فِيمَا أَصَابَهُ فَطُولِبَ بِالْفَرْقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ إيجَادُ الْمِلْكِ مِنْ الْعَدَمِ لِقَصْدِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ ذَلِكَ فَمَا شَرَطَهُ يَتِمُّ مُطْلَقًا. وَالْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ تَمْيِيزُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ بِحَيْثُ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، إذْ لَوْ لَمْ يُرْدِ ذَلِكَ الْخُصُوصَ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ فَلَا يَدْخُلَانِ إلَّا بِرِضًا صَرِيحٍ وَلَا يَكْفِي فِيهِ ذِكْرُ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ. [بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ]

(وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَإِنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيَّنَةٌ فَيَظْهَرُ بِهَا مِلْكُهُ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَيَكُونُ لَهُ، أَمَّا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ يُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ ضَرُورَةُ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِإِثْبَاتِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ. ثُمَّ قِيلَ: يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْقَضَاءِ بِالْأُمِّ تَبَعًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ وَإِلَيْهِ تُشِيرُ الْمَسَائِلُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالزَّوَائِدِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَدْخُلُ الزَّوَائِدُ فِي الْحُكْمِ، فَكَذَا الْوَلَدُ إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقُّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ تَمَامِ أَبْوَابِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ ظُهُورُ عَدَمِ الصِّحَّةِ بَعْدَ التَّمَامِ ظَاهِرًا، وَلَكِنْ لَمَّا نَاسَبَ الْحُقُوقَ لَفْظًا وَمَعْنًى ذُكِرَ عَقِيبَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ) فَإِنْ كَانَ (بِبَيِّنَةٍ) اسْتَحَقَّ وَلَدَهَا مَعَهَا وَأَرْشَهَا إنْ كَانَ (وَإِنْ) كَانَ (بِ) مُجَرَّدِ (إقْرَارِ) الْمُشْتَرِي (لَهُ بِهَا) لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَدَ بِذَلِكَ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ) أَيْ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ غَيْرُ مُقْتَصِرَةٍ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ (فَإِنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيَّنَةٌ) لَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ بِهِ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكٍ فِي الْحَالِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ وَلَا الْقَاضِي، وَإِنَّمَا تُظْهِرُ الْبَيِّنَةُ مَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ قَبْلِيَّةً لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ مُعَيَّنٍ، وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ وَاشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ آخَرُ وَهَكَذَا ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ بِقَضَاءٍ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْكُلِّ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمْ أَنَّهُ مِلْكُهُ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارُوا مَقْضِيًّا عَلَيْهِمْ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ، كَمَا لَوْ ادَّعَتْ فِي يَدِ الْأَخِيرِ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ حَيْثُ يَرْجِعُونَ فَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ إظْهَارُ الْبَيِّنَةِ الْمِلْكَ فَيَكُونُ لَهُ (أَمَّا الْإِقْرَارُ فَحُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) عَلَى الْمُقِرِّ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ خَبَرِهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِثْبَاتِهِ فِي الْحَالِ، وَالْوَلَدُ فِي الْحَالِ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا، وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا هُوَ بِهَا فَقَطْ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَا يَكُونُ لَهُ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقَرِّ لَهُ إذَا لَمْ يَدَّعِهِ، فَلَوْ ادَّعَاهُ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْوَلَدَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْأُمِّ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْقَضَاءِ فَيَصِيرُ هُوَ أَيْضًا مَقْضِيًّا بِهِ،؟ قِيلَ نَعَمْ تَبَعًا كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِهِ تَبَعًا (وَقِيلَ) لَا، بَلْ (يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ أَيْضًا) لِأَنَّهُ أَصْلُ يَوْمِ الْقَضَاءِ لِانْفِصَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِلَيْهِ تُشِيرُ الْمَسَائِلُ)

فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ بِالْأُمِّ تَبَعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأَصْلِ وَلَمْ يَعْلَمْ الزَّوَائِدَ لَا تَدْخُلُ الزَّوَائِدُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الزَّوَائِدُ فِي يَدِ غَائِبٍ لَمْ تَدْخُلْ، فَحَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ أَمْرٌ جَائِزٌ عُرِفَ أَنَّهُ يَشْتَرِي الْقَضَاءَ بِالْوَلَدِ بِخُصُوصِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ، وَلَكِنْ يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَتَبِعَهُ الْجَمَاعَةُ، فَاعْتَرَضَهُ شَارِحٌ بِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ بَيْعَ فُضُولِيٍّ: يَعْنِي بَائِعَ الْمُشْتَرِي الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَفِيهِ إذَا وُجِدَ عَدَمُ الرِّضَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَإِثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا: يَعْنِي الْمَوْقُوفَ الْمَفْسُوخَ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ. وَاسْتَوْضَحَ بِمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَ إلَى الْمُشْتَرِي يَوْمًا لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ وَإِنْ جُعِلَ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لَكِنْ بِمُقْتَضَى الشِّرَاءِ وَقَدْ انْفَسَخَ الشِّرَاءُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَنْفَسِخُ الْإِقْرَارُ. ثُمَّ قَالَ: لَا جَرَمَ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ أَقَرَّ نَصًّا أَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ يَوْمًا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمِلْكِ لَهُ لَمْ يَبْطُلْ. وَنَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ قِسْمَةِ خُوَاهَرْ زَادَهُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُوَ الْمُتَصَوَّرُ. وَقَوْلُهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا إنْ أَرَادَ دَلِيلَ عَدَمِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَلَيْسَ بِلَازِمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا بِأَنْ يَذْهَبَ مِنْ يَدِهِ مَجَّانًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِحْقَاقَ وَيُثْبِتْهُ اسْتَمَرَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ عَيْنُهُ وَلَا بَدَلُهُ فَإِثْبَاتُهُ لِيَحْصُلَ أَحَدُهُمَا إمَّا الْعَيْنُ أَوْ الْبَدَلُ بِأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَيَصِلَ الثَّمَنُ إلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ إثْبَاتَ الِاسْتِحْقَاقِ لَيْسَ مَلْزُومًا لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ، بَلْ الْمُحَقَّقُ أَنَّهُ مَلْزُومٌ لِعَدَمِ الرِّضَا بِذَهَابِهِ وَذَهَابِ بَدَلِ عَيْنِهِ. وَأَمَّا مَا اسْتَوْضَحَ بِهِ مِنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فَلَيْسَ مُفِيدًا لَهُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَهُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعَبْدِ بِعَيْنِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ عَدَمُ الرِّضَا بِالْمَبِيعِ وَإِلَّا لَمْ يَأْخُذْ وَأَجَازَهُ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ مُجَرَّدِ إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْقَضَاءِ بِهِ حَتَّى ظَهَرَ مِلْكُهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْفَتَّاحُ الْجَوَادُ لَا إلَهَ غَيْرُهُ وَلَا مَرْجُوَّ إلَّا خَيْرُهُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: مِمَّا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ يُوجِبُ تَوَقُّفَ اسْتِحْقَاقِ الْعَقْدِ السَّابِقِ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَلَا يُوجِبُ نَقْضَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي أَنَّ الْبَيْعَ مَتَى يَنْفَسِخُ أَقْوَالُ: قِيلَ إذَا قَبَضَ الْمُسْتَحِقُّ، وَقِيلَ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَرْجِعْ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَإِذَا هُوَ حُرٌّ وَقَدْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ لَهُ) ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ وَرَجَعَ هُوَ عَلَى الْبَائِعِ. وَإِنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا مُقِرًّا بِالْعُبُودِيَّةِ فَوَجَدَهُ حُرًّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبِيَاعَاتِ مَا لَمْ يَرْجِعْ كُلٌّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْقَضَاءِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ: رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِصُ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْعَيْنَ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى. وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِيهَا أَيْضًا: إذَا اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي نَقْضَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَا الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ احْتِمَالَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ثَابِتٌ إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي فَيَلْزَمُ الْعَجْزُ فَيَنْفَسِخُ انْتَهَى. يَعْنِي يَلْزَمُ الْعَجْزُ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ، أَوْ الْمُرَادُ أَنْ يَفْسَخَ الْمُسْتَحِقُّ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ، نَعَمْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ اتِّفَاقُ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ قُضِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَأَخَذَ الْمَبِيعَ وَاسْتَمَرَّ غَيْرَ مُجِيزٍ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ فَإِنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ عَنْ الْإِجَازَةِ قَدْرَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْإِجَازَةِ، وَلَمْ يُجِزْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا) أَيْ اشْتَرَى إنْسَانًا (قَالَ لَهُ اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ) أَيْ فَظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً) أَيْ يُدْرَى مَكَانُهُ (لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ بَائِعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَابِضِ وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ) بِمَا دَفَعَ إلَى الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ (وَرَجَعَ) الْعَبْدُ (عَلَى بَائِعِهِ) بِمَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي أَدَائِهِ، بِخِلَافِ مَنْ أَدَّى عَنْ آخَرَ دَيْنًا أَوْ حَقًّا عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَيْسَ مُضْطَرًّا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْقَيْدَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَائِهِ أَوْ قَالَ اشْتَرِنِي وَلَمْ يَقُلْ فَإِنِّي عَبْدٌ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (وَلَوْ ارْتَهَنَ عَبْدًا مُقِرًّا بِالرِّقِّ فَظَهَرَ حُرًّا) وَقَدْ كَانَ قَالَ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدُ الرَّاهِنِ (لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (عَلَى كُلِّ حَالٍ)

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِمَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِالْكَفَالَةِ وَالْمَوْجُودُ لَيْسَ إلَّا الْإِخْبَارُ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَمَرَهُ وَإِقْرَارِهِ أَنِّي عَبْدٌ، إذْ الْقَوْلُ لَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ فَيُجْعَلُ الْعَبْدُ بِالْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ وَالضَّرَرِ، وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ، وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْآمِرُ بِهِ ضَامِنًا لِلسَّلَامَةِ كَمَا هُوَ مُوجِبُهُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ وَثِيقَةٌ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حَتَّى يَجُوزَ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فَلَا يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا يُعْرَفُ مَكَانُهُ أَوْ لَا يُعْرَفُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (عَنْهُمْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ (لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَاوَضَةِ) وَهِيَ الْمُبَايَعَةُ هُنَا (أَوْ بِالْكَفَالَةِ) وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثَابِتًا (بَلْ) الثَّابِتُ (لَيْسَ إلَّا) مُجَرَّدُ (الْإِخْبَارِ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ) لِشَخْصٍ (ذَلِكَ) وَكَقَوْلِ الْعَبْدِ (ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ ثَانِيًا. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَمْرِهِ وَإِقْرَارِهِ) فَكَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ، وَالتَّغْرِيرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ تُجْعَلُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَكَانَ بِتَغْرِيرِهِ (ضَامِنًا) لِدَرْكِ (الثَّمَنِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ) ، وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ (كَالْمَوْلَى إذَا قَالَ) لِأَهْلِ السُّوقِ (بَايِعُوا عَبْدِي فَإِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُ) فَفَعَلُوا (ثُمَّ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ) فَإِنَّهُمْ (يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) وَيُجْعَلُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ ضَامِنًا لِدَرْكِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ بَلْ عَقْدَ وَثِيقَةٍ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حَتَّى جَازَ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) فَلَوْ هَلَكَ يَقَعُ اسْتِيفَاءً لِلدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً كَانَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ لَا يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ تَغْرِيرًا فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ

وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْغُرُورُ. وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا قَوْلُ الْمَوْلَى بَايِعُوا عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ضَرْبُ إشْكَالٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ، وَالتَّنَاقُضُ يُفْسِدُ الدَّعْوَى. وَقِيلَ إذَا كَانَ الْوَضْعُ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَالدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْأُمِّ. وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ لَكِنَّ التَّنَاقُضَ غَيْرُ مَانِعٍ لِخَفَاءِ الْعَلُوقِ وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ فِي الْإِعْتَاقِ فَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ لِاسْتِبْدَادِ الْمَوْلَى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْنِ هَذَا الطَّرِيقِ فَقَالَ اُسْلُكْهُ فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَنُهِبَ مَالُهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُومٍ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ عَذَابًا لَا يُطَاقُ (وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ) فَالرَّجُلُ هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ضَرْبُ إشْكَالٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الدَّعْوَى) أَيْ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ (شَرْطٌ) فِي الْقَضَاءِ بِبَيِّنَتِهَا وَالدَّعْوَى لَا تَصِحُّ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ لِلتَّنَاقُضِ، فَإِنَّ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ تُنَاقِضُ تَصْرِيحَهُ بِرِقِّهِ. فَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ (فَالدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ) كَقَوْلِهِمَا فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ مُطْلَقًا (لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ فَرْجِ أُمِّهِ) عَلَى السَّيِّدِ وَتَحْرِيمَ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِهَا، وَحُرْمَةُ الْفَرْجِ حَقُّهُ تَعَالَى وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ شَرْطًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ حَتَّى أَنَّ الشُّهُودَ يَحْتَاجُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَى تَعْيِينِ الْأُمِّ، وَالْحُرُمَاتُ لَا تَحْتَاجُ فِي الْقَضَاءِ بِهَا إلَى الدَّعْوَى، وَإِذَا لَمْ تَحْتَجْ إلَى الدَّعْوَى لَا يَضُرُّ التَّنَاقُضُ فِيهَا (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ الدَّعْوَى (شَرْطٌ) مُطْلَقًا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَدَعْوَى الْإِعْتَاقِ فِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَالْعِتْقِ الْعَارِضِ (لَكِنَّ التَّنَاقُضَ) فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى بِهَا، أَمَّا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ (فَلِخَفَاءِ) حَالِ (الْعَلُوقِ) فَإِنَّهُ يُسْبَى مَعَ أُمِّهِ أَوْ بِدُونِهَا وَلَا يُعْلَمُ بِحُرِّيَّتِهَا وَرِقِّهَا حَالَ الْعَلُوقِ بِهِ فَيُقِرُّ بِالرِّقِّ ثُمَّ تَظْهَرُ لَهُ حُرِّيَّةُ أُمِّهِ فَيَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ، وَفِي الْإِعْتَاقِ الْعَارِضِ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِهِ، وَلَا يَعْلَمُ الْعَبْدُ فَيُقِرُّ بِالرِّقِّ

فَصَارَ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَالْمُكَاتَبِ يُقِيمُهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ) مَعْنَاهُ حَقًّا مَجْهُولًا (فَصَالَحَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ إلَّا ذِرَاعًا مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ دَعْوَايَ فِي هَذَا الْبَاقِي. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَاهَا كُلَّهَا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّ التَّوْفِيقَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ عِنْدَ فَوَاتِ سَلَامَةِ الْمُبْدَلِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا يَسْقُطُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ يَعْلَمُهُ فَيَدَّعِيهِ، وَالتَّنَاقُضُ فِي دَعْوَى مَا فِيهِ خَفَاءٌ يُعْذَرُ فِيهِ (وَصَارَ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى تَطْلِيقِ) الزَّوْجِ إيَّاهَا (ثَلَاثًا قَبْلَ اخْتِلَاعِهَا) تُقْبَلُ (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ يُقِيمُهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) تُقْبَلُ مَعَ أَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى سُؤَالِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إقْرَارٌ بِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَالرِّقِّ وَلَمْ يَضُرَّهُمَا التَّنَاقُضُ لِلْخَفَاءِ فَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ وَالْمُكَاتَبُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ. وَذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ. وَهِيَ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا وَخَاطَهُ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ فَقَالَ هَذَا الْقَمِيصُ لِي وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَالْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ انْقَطَعَ بِالْقَطْعِ وَالْخِيَاطَةِ كَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَنْتَقِلُ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الثَّوْبُ إلَى الضَّامِنِ، فَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ الْكَائِنِ مِنْ الْأَصْلِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا صَارَ إلَى حَالٍ لَوْ كَانَ غَصْبًا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنُ الْكَذِبِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ شَهْرٍ يُقْضَى بِهَا لَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَعُرِفَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِاسْمِ الْقَمِيصِ، وَلَوْ كَانَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ. وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ إذَا اشْتَرَى حِنْطَةً وَطَحَنَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الدَّقِيقُ؛ وَلَوْ قَالَ كَانَتْ قَبْلَ الطَّحْنِ لِي يَرْجِعُ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى لَحْمًا فَشَوَاهُ. وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا وَسَلَخَهَا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ الرَّأْسَ وَالْأَطْرَافَ وَاللَّحْمَ وَالْجِلْدَ لَهُ فَقُضِيَ بِهَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ هَذَا اسْتِحْقَاقُ عَيْنِ الشَّاةِ (قَوْلُهُ حَقًّا فِي دَارٍ) أَيْ مَجْهُولًا فَصَالَحَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّتْ (الدَّارُ إلَّا ذِرَاعًا لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى الَّذِي صَالَحَهُ (بِشَيْءٍ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يَقُول مُرَادِي مِنْ الْحَقِّ الَّذِي ادَّعَيْته أَوْ الْحَقِّ الَّذِي أَدَّعِيهِ هَذَا الْبَاقِي (وَلَوْ) كَانَ (ادَّعَاهَا كُلَّهَا فَصَالَحَهُ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِسَابِهِ، لِأَنَّ التَّوْفِيقَ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ عِنْدَ فَوَاتِ سَلَامَتِهِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى) أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا (أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ) لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ عِنْدَنَا (لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا يَسْقُطُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) ، وَالْآخَرُ أَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ لِأَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلِذَا لَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً لَا تُقْبَلُ، أَمَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ] اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ قَالَ هُوَ مِلْكُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ أَوْ ادَّعَاهُ فُلَانٌ وَصَدَّقَهُ هُوَ أَوْ أَنْكَرَ فَحَلَفَ فَنَكَلَ لَيْسَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَحَلَفَ فَنَكَلَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ لِأَنَّ النُّكُولَ مِنْ الْمُضْطَرِّ كَالْبَيِّنَةِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ إذْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ وَلَا سَلَامَتَهُ. وَلَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ لَا يُقْبَلُ لِتَنَاقُضِهِ، فَإِنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِذَا ادَّعَاهُ لِغَيْرِهِ تَنَاقَضَ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ يُقْبَلُ لِعَدَمِ تَنَاقُضِهِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ وَهِيَ تَدَّعِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا مِلْكُ فُلَانٍ وَهُوَ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ شِرَائِهَا حَيْثُ يُقْبَلُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى. بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّ مَا بَاعَهُ وَقْفٌ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ يُقْبَلُ، وَلَوْ بَرْهَنَتْ أَمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ أَنَّهَا مُعْتَقَةُ فُلَانٍ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ الْكُلُّ إلَّا مَنْ كَانَ قِبَلَ فُلَانٍ. اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ لَهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدَ لِلْبَائِعِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا فَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا حُضُورُهُمَا. وَلَوْ قُضِيَ لَهُ بِهَا بِحَضْرَتِهِمَا ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ هُوَ بَاعَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي قُبِلَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يُقَرِّرُ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ وَلَا يَنْقُضُهُ. وَلَوْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْهُ يَأْخُذُهَا وَتَبْقَى لَهُ وَلَا يَعُودُ الْبَيْعُ الْمُنْتَقَضُ؛ وَلَوْ قُضِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ بَعْدَ إثْبَاتِهِ بِالْمُسْتَحَقِّ ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ الْفَسْخِ تَبْقَى الْأَمَةُ لِلْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهَا الْمُشْتَرِيَ لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا عِنْدَهُ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ فَبَرْهَنَ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى بَيْعِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ بَائِعِ بَائِعِهِ قُبِلَ لِأَنَّهُ خَصْمٌ؛ وَلَوْ بَرْهَنَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ يُقْبَلُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ رَدَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَمَعَ ذَلِكَ أَقَامَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيِّنَةَ وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُثْبِتَ بِهَا لِيُمْكِنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ. هَكَذَا ذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ فِي بَابِ دَعْوَى الدَّيْنِ بِسَبَبٍ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ فَتَاوَاهُ. وَذَكَرَ فِي بَابِ مَا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ فَتَاوَاهُ الْمُدَّعِي لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُنْكِرِ لَا الْمُقِرِّ. وَذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى: ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ؟ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، بَعْضُهُمْ قَالُوا بِالْإِقْرَارِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حِينَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا وَاسْتَحَقَّ الْمُدَّعِي الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يُبْطِلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ بِإِقْرَارِهِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَهُوَ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ دَعْوَى الدَّيْنِ إلَّا أَنْ تُخَصَّ تِلْكَ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ وَقَصْدِ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِإِحْدَى الْحُجَّتَيْنِ بِعَيْنِهَا فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ يَنْبَغِي عَلَى مَا جَعَلَهُ الْأَظْهَرَ أَنْ يَقْضِيَ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ سَبَقَتْهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَمَكَّنُ مِنْ اعْتِبَارِهِ قَضَاءً بِالْبَيِّنَةِ فَعِنْدَ تَحَقُّقِ حَاجَةِ الْخَصْمِ إلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ قَضَاءً بِهَا لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ، وَلَوْ قَضَى بِالِاسْتِحْقَاقِ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ فَرَدَّهُ إلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ الْبَائِعِ لِثُبُوتِ التَّقَابُلِ وَلَوْ لَمْ يَتَرَادَّا وَلَكِنَّ

[فصل في بيع الفضولي]

(فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ) قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا، وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِيَ قَضَى لِلْمُسْتَحِقِّ وَفَسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْقَضَاءِ يَظْهَرُ فَسَادُ الْفَسْخِ. وَلَوْ أَحَبَّ الْبَائِعُ أَنْ يَأْمَنَ غَائِلَةَ الرَّدِّ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَأَبْرَأهُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ قَائِلًا لَا أَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَظَهَرَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَلَا يَعْمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. قَالُوا: وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ بَائِعِي قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنِّي اشْتَرَاهُ مِنِّي، فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ فَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ] مُنَاسَبَةُ هَذَا الْفَصْلِ مَعَ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ تَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْفُضُولِيِّ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ بَائِعَك بَاعَ مِلْكِي بِغَيْرِ أَمْرِي لِغَصْبِهِ أَوْ فُضُولِهِ. وَأَحْسَنُ الْمَخَارِجِ الْمُلْتَمَسَةِ فِيهِ فُضُولُهُ، وَالْفُضُولُ جَمْعُ فَضْلٍ غَلَبَ فِي الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَمَا لَا وِلَايَةَ فِيهِ، فَقَوْلُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ لِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْتَ فُضُولِيٌّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا، وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ) وَصَارَ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَطَلَاقِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي عَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» . قُلْنَا: الْمُرَادُ الْبَيْعُ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْمُطَالَبَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ النَّافِذُ، أَوْ الْمُرَادُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيُسَلِّمَهُ بِحُكْمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْحَادِثَ يَثْبُتُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ، وَحُكْمُ ذَلِكَ السَّبَبِ لَيْسَ هَذَا، بَلْ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِجَازَةِ مِنْ حِينِ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ النَّهْيِ يُفِيدُ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ حَكِيمٍ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَأْتِينِي فَيَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمُهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» . وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْقَزَّازِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ سَمِعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ. وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَيْمُونٌ الْخَيَّاطُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ: حَدَّثَنَا الْحَيُّ «عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ، فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا رَبِحَ فِيهِ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ دِينَارًا إلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لِيَشْتَرِيَ بِهِ أُضْحِيَّةً، فَاشْتَرَى شَاةً ثُمَّ بَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَى شَاةً بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَتِك؛ فَأَمَّا الشَّاةُ فَضَحِّ بِهَا، وَأَمَّا الدِّينَارُ فَتَصَدَّقْ بِهِ» وَقَوْلُك لَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ، إنْ أَرَدْت لَا انْعِقَادَ عَلَى وَجْهِ النَّفَاذِ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَضُرُّ، وَإِنْ أَرَدْت لَا انْعِقَادَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّفِ إلَى أَنْ يَرَى الْمَالِكُ مَصْلَحَةً فِي الْإِجَازَةِ فَيُجِيزَ فِعْلَهُ أَوْ عَدَمَهَا فَيُبْطِلَهُ مَمْنُوعٌ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الدَّلِيلُ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ وَهُوَ تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدِ وَالْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا مَانِعٍ شَرْعِيٍّ فَيَدْخُلُ ثُبُوتُهُ فِي الْعُمُومَاتِ. أَمَّا تَحَقُّقُ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّ الْمَالِكَ يَكْفِي مُؤْنَةَ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَوُفُورَ الثَّمَنِ وَقَرَارَهُ وَنَفَاقَ سِلْعَتِهِ وَرَاحَتَهُ مِنْهَا وَوُصُولَهُ إلَى الْبَدَلِ الْمَطْلُوبِ لَهُ الْمَحْبُوبِ وَالْمُشْتَرِي وُصُولُهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ وَدَفْعُهَا بِالْمَبِيعِ وَارْتِفَاعِ أَلَمِ فَقْدِهَا إذَا كَانَ مُهِمًّا لَهُ وَالْعَاقِدُ يَصُونُ كَلَامَهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَالْإِهْدَارِ بَلْ وَحُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ إذَا نَوَى الْخَيْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى حُصُولِ الرِّفْقِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ خَيْرًا لِكُلٍّ مِنْ جَمَاعَةِ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَانَ الْإِذْنُ فِي هَذَا الْعَقْدِ ثَابِتًا دَلَالَةً، إذْ كُلُّ عَاقِلٍ يَأْذَنُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ لَهُ بِلَا ضَرَرٍ يَشِينُهُ أَصْلًا وَبِالْعُمُومَاتِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَصَارَ كَالْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَدْيُونِ،

وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ وَقَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْمَالِكِ مَعَ تَخْيِيرِهِ، بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ حَيْثُ يَكْفِي مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارُ الثَّمَنِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْعَاقِدِ لِصَوْنِ كَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَ لِلْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ، كَيْفَ وَإِنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَأْذَنُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَغْرِقِ وَبِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْإِجْمَاعِ، فَهَذَا أَصْلٌ لِقِيَاسٍ صَحِيحٍ. لَا يُقَال: فَإِذَا ثَبَتَ الْإِذْنُ دَلَالَةً يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ الْعَقْدُ. لِأَنَّا نَقُولُ: الثَّابِتُ دَلَالَةً مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَذَلِكَ هُوَ الِانْعِقَادُ مَوْقُوفًا عَلَى رَأْيِ الْمَالِكِ فَثَبَتَ بِهَذَا الْقَدْرِ. فَأَمَّا نَفَاذُهُ بِلَا رَأْيِهِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِهِ، إذْ قَدْ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُ فَيَثْبُتُ، بِخِلَافِ بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، فَإِنَّ الطَّيْرَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا قَبْلَهُ وَمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَبَيْعُ الْآبِقِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَهُوَ عِنْدَنَا مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَعَدَمُ تَوَقُّفِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَلَوْ بِمَالٍ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ كَالْمَجْنُونِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا إذْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَطَلَاقُ الْمَرْأَةِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ شُرِعَ لِلتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاوُنِ وَانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ فَلِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَا عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ أَوْ إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ لِعَدَمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الْمِلْكُ. قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَرْتِيبِهِ فِي الْحَالِ عَدَمُهُ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَرْجُوٌّ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُهُ، وَكَوْنُ مُتَعَلِّقِ الْعَقْدِ مَرْجُوًّا كَافٍ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ. وَعَنْ هَذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ، وَإِلَّا فَلَا وُقُوعَ فِي الْحَالِ وَلَا يُقْطَعُ بِوُقُوعِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى، لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ يُرْجَى صَحَّ وَانْعَقَدَ سَبَبًا فِي الْحَالِ مُضَافًا أَوْ عِنْدَ الشَّرْطِ كَقَوْلِنَا هَذَا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ كَحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ، وَالْإِضَافَةِ فِي مِثْلِهِ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ تَصَرُّفٌ هُوَ تَمْلِيكٌ وَحَرَكَةٌ هِيَ إعْرَابٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ هُنَا لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ تَتَوَقَّفُ عِنْدَنَا إذَا صَدَرَتْ، وَلِلتَّصَرُّفِ مُجِيزٌ: أَيْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَ تَمْلِيكًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ أَوْ إسْقَاطًا، حَتَّى لَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَأَجَازَ طَلُقَتْ وَانْعَقَدَ، وَكَذَا سَائِرُ الْإِسْقَاطَاتِ لِلدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْفُضُولِيِّ بِالشِّرَاءِ فَفِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَطَرِيقُهُ الْخِلَافُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْ هَذَا لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمَالِكُ بِعْت فَقَالَ الْفُضُولِيُّ قَبِلْت لِأَجْلِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ، أَمَّا إذَا قَالَ الْفُضُولِيُّ اشْتَرَيْت هَذَا لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ بِعْت أَوْ قَالَ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت نَفَذَ عَلَى الْفُضُولِيِّ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إجَازَة فُلَانٍ لِأَنَّهُ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ ظَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إيقَافِهِ إلَى رِضَا الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ

قَالَ (وَلَهُ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَمِلُ لِأَجْلِ شَفَاعَتِهِ أَوْ رِضَاهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا (قَوْلُهُ وَلَهُ الْإِجَازَةُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا) وَهُوَ الْمَبِيعُ (وَ) كَذَا (الْمُتَعَاقِدَانِ) وَهُمَا الْفُضُولِيُّ وَاَلَّذِي خَاطَبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ أَرْبَعَةٍ: الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمَالِكِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَا تَصِحُّ إجَازَةُ الْوُرَّاثِ كَمَا سَنَذْكُرُ، هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا: أَيْ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ وَهَذَا (لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْعَقْدِ) الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ هَذَا التَّصَرُّفِ وَقِيَامُهُ (بِقِيَامِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَالِكَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْهُ وَهُوَ فَرْعُ وُجُودِهِ. وَفِي الْإِيضَاحِ. عَقْدُ الْفُضُولِيِّ فِي حَقِّ وَصْفِ الْجَوَازِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَأَخَذَتْ الْإِجَازَةُ حُكْمَ الْإِنْشَاءِ، وَلَا بُدَّ فِي الْإِنْشَاءِ مِنْ قِيَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَبِالتَّفْصِيلِ شَرْطُ بَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَالْمُشْتَرِي لِيَلْزَمهُ الثَّمَنُ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ حَالَ أَهْلِيَّتِهِ وَالْبَائِعُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ وَلَا تَلْزَمُ

وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ كَانَ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَلِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ دَفْعًا لِلْحُقُوقِ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ، هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَرْضًا مُعَيَّنًا إنَّمَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْعَرْضُ بَاقِيًا أَيْضًا. ثُمَّ الْإِجَازَةُ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ حَتَّى يَكُونَ الْعَرْضُ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لِلْفُضُولِيِّ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا حَيًّا وَالْمَالِكُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَكُونُ مِنْهُ لَا مِنْ وَارِثِهِ. (وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ صَارَ) الْمَبِيعُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي (وَالثَّمَنَ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ، فَلَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُهُ (كَالْوَكِيلِ فَإِنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِهَا صَارَ تَصَرُّفُهُ نَافِذًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَبْطُلُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَهَذَا بِسَبَبِ أَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمَوْقُوفِ وَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ يَبْطُلُ الْمَوْقُوفُ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ وَطِئَهَا مَوْلَاهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَوَقَّفَ النِّكَاحُ إلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ مِلْكٌ بَاتٌّ لِلْوَارِثِ فِي الْبُضْعِ لِيَبْطُلَ، وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْوَارِثِ بِكَوْنِهِ مِنْ الْوِلَادِ، بِخِلَافِ نَحْوِ ابْنِ الْعَمِّ (وَلِلْفُضُولِيِّ) أَيْ فِي الْبَيْعِ (أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ) حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ لَا يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ (لِيَدْفَعَ الْحُقُوقَ عَنْ نَفْسِهِ) فَإِنَّهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ فَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالتَّسْلِيمِ وَيُخَاصَمُ فِي الْعَيْبِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ (لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ) أَيْ كَنَاقِلِ عِبَارَةٍ، فَبِالْإِجَازَةِ تَنْتَقِلُ الْعِبَارَةُ إلَى الْمَالِكِ فَتَصِيرُ الْحُقُوقُ مَنُوطَةً بِهِ لَا بِالْفُضُولِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالْإِجَازَةِ ضَرَرُ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ. وَقَدْ ثَبَتَ لِلْمَالِكِ وَالْوَلِيِّ حَقٌّ أَنْ يُجِيزَ، وَكَذَا بِالْفِعْلِ كَأَنْ زَوَّجَ امْرَأَةً بِرِضَاهَا مِنْ غَائِبٍ فَقَبْلَ أَنْ يُجِيزَ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا تَوَقَّفَ الْعَقْدُ الثَّانِي أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بَعْدَ عَقْدِهِ فُضُولًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أُخْتَهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَبْطُلُ لِطُرُوءِ الْبَاتِّ عَلَى الْمَوْقُوفِ (هَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا (إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا) بِأَنْ بَاعَ الْفُضُولِيُّ مِلْكَ غَيْرِهِ بِعَرْضٍ مُعَيَّنٍ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ اُشْتُرِطَ قِيَامُ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَخَامِسٍ وَهُوَ ذَلِكَ الثَّمَنُ الْعَرْضُ. وَإِذَا أَجَازَ مَالِكُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ عَرْضٌ فَالْفُضُولِيُّ يَكُونُ بِبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ مُشْتَرِيًا بِالْعَرْضِ مِنْ وَجْهٍ، وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فَيَنْفُذُ عَلَى الْفُضُولِيِّ فَيَصِيرُ مَالِكًا لِلْعَرْضِ، وَاَلَّذِي تُفِيدُهُ الْإِجَازَةُ أَنَّهُ أَجَازَ لِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَرْضِ مِنْ مَالِهِ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ هَذَا الْعَرْضَ لِنَفْسِك وَانْقُدْ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِي هَذَا قَرْضًا عَلَيْك، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا كَثَوْبٍ أَوْ جَارِيَةٍ فَقِيمَتُهُ، فَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْجَارِيَةِ أَوْ الثَّوْبِ، وَالْقَرْضُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَمِيَّاتِ لَكِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ

(وَلَوْ هَلَكَ الْمَالِكُ) لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَرِّثِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا يَعْلَمُ حَالَ الْمَبِيعِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصْدًا، وَهُنَا إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا مُقْتَضًى لِصِحَّةِ الشِّرَاءِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ صِحَّةِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الشِّرَاءُ لَا غَيْرُ، كَالْكَفِيلِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَصِيرُ مُقْرِضًا حَتَّى يَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ ثَوْبًا لِأَنَّ الثَّوْبَ مِثْلِيٌّ فِي بَابِ السَّلَمِ، فَكَذَا فِيمَا جُعِلَ تَبَعًا لَهُ. فَكَذَا هُنَا إذْ لَا صِحَّةَ لِشِرَاءِ الْعَبْدِ إلَّا بِقَرْضِ الْجَارِيَةِ، وَالشِّرَاءُ مَشْرُوعٌ فَمَا فِي ضِمْنِهِ يَكُونُ مَشْرُوعًا، هَذَا وَإِنَّمَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَى آخَرَ وَوَجَدَ الشِّرَاءُ النَّفَاذَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْبِقْ بِتَوْكِيلٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ، فَأَمَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالشِّرَاءُ يَتَوَقَّفُ وَفِي الْوَكَالَةِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَجَازَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ أَوْ لَمْ يُجِزْ، أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى آخَرَ بِأَنْ قَالَ لِلْبَائِعِ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا فَقَالَ بِعْت وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي هَذَا الْبَيْعَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ هَلَكَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى إجَازَةِ الْغَائِبِ الْكَبِيرِ جَازَتْ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ ثُمَّ الْإِعَادَةِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ الْقِسْمَةُ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ فَلَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ مُقَدَّمٌ. وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَهُ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهُمَا شَاءَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ، وَأَيَّهُمَا اخْتَارَ بَرِئَ الْآخَرُ مِنْ الضَّمَانِ لِتَضَمُّنِ التَّضْمِينِ تَمْلِيكًا، فَإِذَا مَلَكَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يُتَصَوَّرُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِيَ بَطَلَ الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْفُضُولِيِّ لَا بِمَا ضَمِنَ. وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْبَائِعِ نُظِرَ إنْ كَانَ قَبَضَ الْبَائِعُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ يَنْفُذُ بَيْعُهُ لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِ وَهُوَ غَصْبُهُ تَقَدَّمَ عَقْدُهُ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ أَمَانَةً، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِ تَأَخَّرَ عَنْ عَقْدِهِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِتَضْمِينِ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَلَّمَهُ أَوَّلًا حَتَّى صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ، هَذَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنِ دَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ بِعَيْنٍ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي مِثْلَ الْعَرْضِ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. (وَلَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا يَعْلَمُ حَالَ الْمَبِيعِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ) ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ

قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ) اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَالْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَلَوْ ثَبَتَ فِي الْآخِرَةِ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالْمُصَحِّحُ لِلْإِعْتَاقِ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتِقَ الْغَاصِبُ ثُمَّ يُؤَدِّيَ الضَّمَانَ، وَلَا أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يُجِيزُ الْبَائِعُ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَجَازَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْبَيْعَ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ) كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، لَكِنَّهُمْ أَثْبَتُوا خِلَافَهُ مَعَ زُفَرَ فِي بُطْلَانِ الْعِتْقِ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي جَرَتْ الْمُحَاوَرَةُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا رَوَيْت أَنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ؛ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ رَوَيْت لِي أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ. وَإِثْبَاتُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ بِهَذَا لَا يَجُوزُ لِتَكْذِيبِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ صَرِيحًا. وَأَقَلُّ مَا هُنَا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: هَذِهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ، وَسَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالُوا: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا عِتْقَ بِلَا مِلْكٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» (وَالْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ) وَقْتَ الْعِتْقِ (وَلَوْ ثَبَتَ فِي الْآخِرَةِ) أَيْ عِنْدَ الْإِجَازَةِ (ثَبَتَ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ) وَقْتَ الْعِتْقِ (مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالْمُصَحِّحُ لِلْإِعْتَاقِ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ سَلَف تَخْرِيجُهُ. (وَلِهَذَا) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمِلْكُ الْكَامِلُ (لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَهُ الْغَاصِبُ ثُمَّ يُؤَدِّيَ الضَّمَانُ وَلَا الْمُشْتَرِي) يَشْرِطُ (الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يُجِيزُ لِلْبَائِعِ) الْبَيْعُ

وَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ أَسْرَعُ نَفَاذًا حَتَّى نَفَذَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ فَتَوَقَّفَ الْإِعْتَاقُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ فَصَارَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ وَكَإِعْتَاقِ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ وَهِيَ مُسْتَغْرِقَةٌ بِالدُّيُونِ يَصِحُّ، وَيَنْفُذُ إذَا قَضَى الدُّيُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا) مِنْ الْعِتْقِ (حَتَّى نَفَذَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ) بَعْدَ أَنْ بَاعَ (وَكَذَا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ) وَلَا الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ حَتَّى إذَا أُجِيزَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِي الْحَاجَةِ إلَى الْمِلْكِ عَلَى السَّوَاءِ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ فُضُولِيٌّ أَمْرَ امْرَأَةِ رَجُلٍ بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ أَجَازَ الزَّوْجُ لَا تَطْلُقُ بَلْ يَثْبُتُ التَّفْوِيضُ، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا الْآنَ طَلُقَتْ حِينَئِذٍ وَإِلَّا لَا. (وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ) أَوَّلَ الْبَابِ (فَيَثْبُتُ الْإِعْتَاقُ مَوْقُوفًا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ) وَمُطْلَقٌ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَخَرَجَ جَوَابُ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ إذْ الْخِيَارُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لَا بَاتًّا وَلَا مَوْقُوفًا، وَقَدْ يُقْرَأُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْفَتْحُ أَصَحُّ، وَبِمَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْغَصْبِ؛ فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ، عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ لَيْسَ سَبَبًا مَوْضُوعًا لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَهُوَ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ يُعْتَبَرَ سَبَبًا لَا أَنَّهُ وُضِعَ سَبَبًا فَيُقْتَصَرُ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا أُجِيزَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِبُطْلَانِ عَقْدِهِ بِالْإِجَازَةِ، فَإِنَّ بِهَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بَاتًّا، وَالْمِلْكُ الْبَاتُّ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَبْطَلَهُ. وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِلْغَاصِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْبَاتِّ مَعَ الْمَوْقُوفِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهٍ يَطْرَأُ فِيهِ الْبَاتُّ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ فِيهِ مِلْكٌ بَاتٌّ وَعَرَضَ مَعَهُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ (وَصَارَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ) فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فَكِّ الرَّهْنِ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ إعْتَاقٌ فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ (وَكَإِعْتَاقِ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ ثُمَّ يَنْفُذُ إذَا قَضَى الدَّيْنَ.

بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْغَاصِبِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ، وَقِرَانُ الشَّرْطِ بِهِ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصْلًا، وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا بَاعَ لِأَنَّ بِالْإِجَازَةِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكٌ بَاتٌّ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَهُ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كَذَا ذَكَرَهُ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْأَصَحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا) عِتْقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ (إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ) فَنَقُولُ (يَنْفُذُ) كَذَا ذَكَرَهُ هِلَالُ الرَّأْيِ ابْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ فِي وَقْفِهِ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ. ذَكَرَ فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَاعَهَا فَوَقَفَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَدَّى الْغَاصِبُ ضَمَانَهَا حَتَّى مَلَكَ قَالَ يَنْفُذُ وَقْفُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَالْعِتْقُ أَوْلَى، وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ وَفِي التَّفْوِيضِ الْمَوْقُوفِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ جُعِلَ شَرْعًا سَبَبًا لِحُكْمٍ إذَا وُجِدَ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَمْ يَسْتَعْقِبْ حُكْمَهُ وَتَوَقَّفْ إنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ جُعِلَ مُعَلَّقًا وَإِلَّا احْتَجْنَا إلَى أَنْ نَجْعَلَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ مُتَأَخِّرًا حُكْمُهُ إنْ أَمْكَنَ فَالْبَيْعُ لَيْسَ مِمَّا يُعَلَّقُ فَيُجْعَلُ سَبَبًا فِي الْحَالِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِوُجُودِ الْإِجَازَةِ ظَهَرَ أَثَرُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ وَلِذَا مَلَكَ الزَّوَائِدَ. وَأَمَّا التَّفْوِيضُ فَيَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فَجَعَلْنَا الْمَوْجُودَ مِنْ الْفُضُولِيِّ مُعَلَّقًا بِالْإِجَازَةِ فَعِنْدَهَا يَثْبُتُ التَّفْوِيضُ لِلْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ. وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَتَعَلَّقُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَالِ التَّوَقُّفِ سَبَبًا لِمِلْكِ الطَّلَاقِ بَلْ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ الْمُسْتَعْقَبِ لَهُ إذَا ثَبَتَ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَجْلِ صِحَّةِ الطَّلَاقِ مَقْصُودًا

قَالَ (فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فَالْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ يَكُونُ الْأَرْشُ لِلْمَوْلَى، فَكَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أُجِيزَ الْبَيْعُ فَالْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِضِدِّ ذَلِكَ مِنْ انْتِظَامِ الصَّالِحِ بَيْنَهُمَا لَا لِوُقُوعِ الشَّتَاتِ بِالْفُرْقَةِ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمَقْصُودِ أَوَّلًا وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ لَيْسَ إلَّا لِصِحَّةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ مَقْصُودًا لِصِحَّةِ الْعَتَاقِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا عِتْقَ " الْحَدِيثُ النَّافِذُ فِي الْحَالِ، وَغَايَةُ مَا يُفِيدُ لُزُومَ الْمِلْكِ لِلْعِتْقِ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا فَإِنَّا لَمْ نُوقِعْهُ قَبْلَ الْمِلْكِ. فَحَاصِلُ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي يَرْجِعُ إلَى أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمِلْكُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ لَا فِي مِلْكٍ فَيَبْطُلُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُهُ مَوْقُوفًا لِأَنَّ الْأَصْلَ اتِّصَالُ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ وَالتَّأْخِيرِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ وَالضَّرَرِ فِي نَفَاذِ الْمِلْكِ لَا فِي تَوَقُّفِهِ، وَبَعْدُ فَالْمُقَدِّمَةُ الْقَائِلَةُ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْتَاقِ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لَمْ يُصَرَّحْ فِيهَا بِدَفْعٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَخْرَجَ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مَنْعٌ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مِلْكٍ كَامِلٍ وَقْتَ ثُبُوتِهِ بَلْ وَقْتُ نَفَاذِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَاصِبِهِ. وَحَاصِلُ وُجُوهِ هَذِهِ

عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ يُجِيزَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُعْتِقَهُ وَلَكِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَنَحْوَهُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَرْشِ فَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُ هَذَيْنِ وَلَكِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي هَذَا الْفَرْعَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ، فَهِيَ أَرْبَعَةُ فُرُوعٍ تَتَفَرَّعُ عَلَى إجَازَةِ بَيْعِ الْغَاصِبِ: أَوَّلُهَا مَا إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْغَاصِبِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَهِيَ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا. وَالثَّانِي مَا إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْغَاصِبِ بَعْدَ أَنْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةً فَأَخَذَ أَرْشَهَا فَإِنَّ الْأَرْشَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لِأَنَّ قَطْعَ يَدِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَازَةِ إذَا لَمْ يَفُتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِقَطْعِهَا. بِخِلَافِ مَوْتِهِ فَإِذَا لَحِقَتْهُ الْإِجَازَةُ ظَهَرَ أَنَّهُ قُطِعَ فِي مِلْكِهِ فَيَسْتَحِقُّ أَرْشَ يَدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِعَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ فَمَلَكَ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ الزَّوَائِدُ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَمْ يُوضَعْ سَبَبًا لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ مُسْتَنِدًا لِوَقْتِ الْغَصْبِ

(وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ. قَالَ: فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ الْأَوَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ فِي الْمُتَّصِلِ لَا الْمُنْفَصِلِ ثُمَّ (يَتَصَدَّقُ) هَذَا الْمُشْتَرِي (بِمَا زَادَ) مِنْ أَرْشِ الْيَدِ (عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ أَيْ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ (لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ) لَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيَّ نِصْفَهُ وَاَلَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ هُوَ مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ، فَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ يَكُونُ رَبِحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَهَذَا لِأَنَّ أَرْشَ يَدِ الْعَبْدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَالْحُرُّ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ فَلَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ (فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَرْشِ يَثْبُتُ يَوْمَ الْقَطْعِ مُسْتَنِدًا إلَى يَوْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ لَوْ وَجَبَ التَّصَدُّقُ لِشُبْهَةِ عَدَمِ الْمِلْكِ فِي الزَّوَائِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ، لِأَنَّ فِي الْكُلِّ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ لِعَيْنِ الْمَذْكُورِ فِي بَيَانِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْمِلْكِ فِي الزَّوَائِدِ. وَلَوْ قِيلَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ إنَّمَا تُؤْثِرُ الْمَنْعَ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا بِانْفِرَادِهِ دُفِعَ بِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَضْمَنْ يَسْتَقِلُّ بِالْمَنْعِ اتِّفَاقًا فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْمِلْكِ إذْ لَا تُفِيدُ شَيْئًا. وَوَزَّعَ فِي الْكَافِي الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مَقْبُوضًا وَأَخَذَ الْأَرْشَ يَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّ الْعَبْدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ كَانَ أَخَذَ الْأَرْشَ بَعْد الْقَبْضِ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ أَيْ الْمِلْكُ حَقِيقَةً وَقْتَ الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَكَانَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ أَعْتَقَ الْعَبْدَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى بَيْعَ الْغَاصِبِ كَانَ الْأَرْشُ لِلْعَبْدِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذِهِ أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هُوَ (حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ) يَعْنِي كَوْنُ الْأَرْشِ لِلْمُشْتَرِي حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِ إعْتَاقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ فِي مِلْكٍ مَوْقُوفٍ، وَهَذَا اسْتِحْقَاقُ أَرْشٍ مَمْلُوكٍ بِمِلْكٍ مَوْقُوفٍ (وَالْعُذْرُ لَهُ) أَيْ جَوَابُهُ بِالْفَرْقِ (بِأَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْشِ كَالْمُكَاتَبِ) إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ عَجَزَ فَ (رُدَّ فِي الرِّقِّ فَإِ) نَّ (الْأَرْشَ لِلْمَوْلَى) مَعَ أَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ حَالَ الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَكَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَجَازَ) الْبَائِعُ (الْبَيْعَ) يَكُونُ (الْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا مَرَّ) حَيْثُ لَا يَكْفِي فِيهِ إلَّا الْمِلْكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَالثَّالِثُ مِنْ الْفُرُوعِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ الْأَوَّلَ) أَيْ بَيْعَ الْغَاصِبِ

لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْغَرَرُ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ شُرُوطِهَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْقَتْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ) أَيْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مِنْ الْآخَرِ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكًا بَاتًّا إلَى آخِرِهِ (وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ) أَيْ بَيْعِ الْغَاصِبِ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِعْتَاقَ (لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ غَرَرُ) الِانْفِسَاخِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ لَا يَجُوزُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الْبَيْعُ كَمَا يَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ. وَاسْتُشْكِلَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ شَامِلٌ لِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ مُطْلَقًا غَاصِبًا أَوْ غَيْرَ غَاصِبٍ، إذْ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَتَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ هُنَاكَ مُعَارِضًا لِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ مُرَجِّحًا عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحَقُّقِ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ مِنْ غَيْرِ شَائِبَةِ ضَرَرٍ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ ثَابِتًا فِي الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ حَتَّى يَطْلُبَ مُشْتَرِيًا آخَرَ فَتَجَرُّدُ الْبَيْعِ الثَّانِي عُرْضَةٌ لِلِانْفِسَاخِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الْمُعَارِضِ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مُجَرَّدُ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ بِلَا اعْتِبَارِ النَّفْعِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعٌ أَصْلًا، لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ خُصُوصًا فِي الْمَنْقُولَاتِ لِجَوَازِ هَلَاكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفَسِخُ فَالْمُعْتَبَرُ مَانِعًا غَرَرُ الِانْفِسَاخِ الَّذِي لَمْ يُشْبِهْ نَفْعًا. وَفَرَّقَ الْعَتَّابِيُّ بِغَيْرِ هَذَا بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْهُ لِلْمِلْكِ فَهُوَ مُقَرَّرٌ لِلْمِلْكِ حُكْمًا، وَالْمُقَرَّرُ لِلشَّيْءِ مِنْ حُقُوقِهِ فَجَازَ أَنْ يَتَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ وَالْبَيْعُ إزَالَةٌ لَهُ بِلَا إنْهَاءٍ فَكَانَ ضِدًّا مَحْضًا لِحُكْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِهِ وَلَا يَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ بَاعَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ وَالرَّابِعُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي وَ) لَكِنْ (مَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ؟ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ

إذْ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ حَتَّى يُعَدَّ بَاقِيًا بِبَقَاءِ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَتْلِ مِلْكًا يُقَابَلُ بِالْبَدَلِ فَتَحَقَّقَ الْفَوَاتُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَابِتٌ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الْبَدَلِ لَهُ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِقِيَامِ خَلَفِهِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ رَدَّ الْمَبِيعِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ) لِلتَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطِهَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ) وَهَذَا فِي الْمَوْتِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلَمَّا لَمْ يَعْتَبِرْ إيجَابَ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا بِبَقَاءِ بَدَلِهِ فَتَصِحُّ الْإِجَازَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إذَا قُتِلَ فِيهِ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ كَمَا يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، بَلْ يَجْعَلُ قِيَامَ بَدَلِهِ كَقِيَامِهِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَخْتَارَ الْبَيْعَ فَيَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَرْجِعَ بِبَدَلِ الْعَبْدِ عَلَى قَاتِلِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَهُ فَيَصِيرَ إلَى الْبَائِعِ فَدَارَ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَالَ الْقَتْلِ مِلْكًا يُقَابَلُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مَوْقُوفٌ، وَالْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ لَا يُقَابَلُ بِالْبَدَلِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) قَوْلُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَيْسَ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ صُورَتُهَا: بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ مِنْ رَجُلٍ فَأَقَامَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ مَالِكُهُ بِبَيْعِهِ أَوْ أَقَامَ عَلَى قَوْلِ رَبِّ الْعَبْدِ ذَلِكَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ رَدَّ الْعَبَدِ فَإِنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ عَلَى الدَّعْوَى، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الشِّرَاءِ دَلِيلُ دَعْوَاهُ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَدَعْوَاهُ إقْرَارُهُ بِعَدَمِ الْأَمْرِ يُنَاقِضُهُ، إذْ هُوَ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ يُبْنَى عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى فَحَيْثُ لَمْ تَصِحَّ لَمْ تُقْبَلْ؛ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بَلْ ادَّعَى الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِبَيْعِهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي أَمَرَك أَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَدَمَ الْأَمْرِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الْأَمْرَ لِأَنَّ الْآخَرَ مُنَاقِضٌ، إذْ إقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ دَلِيلُ اعْتِرَافِهِ بِالصِّحَّةِ وَقَدْ نَاقَضَ بِدَعْوَاهُ عَدَمَ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ الْآخَرِ، وَلِذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ لَا الْبَاطِلَةِ. ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَيْثُ يَحْكُمُ بِالْبُطْلَانِ، وَالرَّدِّ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِالشَّيْءِ بَعْدَ إنْكَارِهِ إيَّاهُ، إلَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ: يَعْنِي إنَّمَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً، فَإِذَا وَافَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِمَا فَلِذَا شَرَطَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَكُونَ نَقْضًا بِاتِّفَاقِهِمَا لَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْبَائِعِ، وَالْمُرَادُ بِفَسْخِ الْقَاضِي أَنَّهُ يُمْضِي إقْرَارَهُمَا لَا أَنَّ الْفَسْخَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَفُرُوعِهَا أَنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ وَصَدَّقَهُمَا نَفَذَ الْفَسْخُ فِي حَقِّهِ

بَطَلَ الْبَيْعُ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا، فَلِهَذَا شَرَطَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا صَدَّقَ مُدَّعِيَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ تُقْبَلُ. وَفَرَّقُوا أَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَقَرَّرَ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا وَقَالَ كُنْت أَمَرْته كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْدَامَهُمَا إقْرَارٌ مِنْهُمَا بِالْأَمْرِ فَلَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُمَا فِي حَقِّهِ، وَيَغْرَمُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لَهُ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ لِلْبَائِعِ لَا لَهُ، وَيَبْطُلُ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ لِلْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ إبْرَاءَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْآمِرِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْلِكُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ) إلَى آخِرِهِ. صُورَةُ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ: اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ ادَّعَاهَا مُسْتَحِقٌّ كَانَ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِأَنَّهُ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي أَمَرَ بِتَسْلِيمِهَا وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ جَحَدَ دَعْوَاهُ فَحَلَفَ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَإِقْرَارِهِ. فَرْقٌ بَيْن هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلَهُ بِإِقْرَارِهِ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ يَلْزَمُهُ كَرَدِّهِ بِالْبَيِّنَةِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخْتَارٌ فِي النُّكُولِ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ وُجُودِ مَا يُطَلِّقُ لَهُ الْحَلِفَ وَهُوَ الْبَيْعُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمِلْكِ، لَوْ كَانَ مُضْطَرًّا فَالِاضْطِرَارُ إنَّمَا لَحِقَهُ بِعَمَلٍ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ نُكُولِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ. أَمَّا الْوَكِيلُ فَمُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُطْلِقُ لَهُ الْحَلِفَ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَالِكِ يَخْفَى عَلَيْهِ عَيْبُ مِلْكِ الْمَالِكِ. وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَلْتَفِتُ

فِي يَدِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَشَرْطُ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ أَنْ لَا يَكُونُ الْعَيْنُ سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ، لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَبِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَبِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ نَاقَضَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ. رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ الْعَبْدَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ مَعَ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ. وَالثَّانِيَةُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا وُهِبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْوَاهِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْجَارِيَةِ وَالْعُقْرِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ وَفَرَّقَ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَاهِبِ فَالْفَرْقُ أَنَّ تَنَاقُضَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا قُبِلَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا قَدْ يَخْفَى عَلَى الْمُتَنَاقِضِ الْمُدَّعِي بِهَا بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ وَالْفَاعِلِ بِنَفْسِهِ لِلتَّدْبِيرِ مَثَلًا، وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فِعْلُ نَفْسِهِ مِنْ اسْتِيلَادِهِ وَوَطْئِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ تَنَاقُضُهُ وَلَا يُحْكَمَ بِبَيِّنَتِهِ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ فَبِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ الْغَائِبِ قُبِلَ الْبَيْعُ مِنْهُ فَقَدْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ مِلْكُ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إقْرَارٌ مِنْ الْبَائِعِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي. ثُمَّ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْقَاقِ لَوْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ قُبِلَتْ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِإِقْرَارِهِ، وَهُوَ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ وَيَثْبُتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَهُوَ إقْرَارُ الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ مُنَاقِضًا فَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَهُوَ يُثْبِتُ بِهَذَا تَصْدِيقَ الْخَصْمِ. وَيَجُوزُ أَنْ تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِ الْخَصْمِ وَلَا تُقْبَلُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ، كَمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ مَا لَمْ يَدَّعِ الْوُصُولَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ. وَلَوْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْوُصُولَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ. وَفَرْقٌ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ، كَمَا لَا تُقْبَلُ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَسَلَامَةُ الْمَبِيعِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ مُدَّعِيًا حَقَّ الرُّجُوعِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ: وَضَعَ فِيمَا إذَا أَخَذَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَمَعَ هَذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَخَذَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِهِ، وَهَذَا هُوَ فَرْقُ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّ وَضْعَ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ أَيْضًا فِي أَنَّ الْجَارِيَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَمَا أَسْمَعْتُك، فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ، أَمَّا إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ فَتُقْبَلُ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ إقْرَارَ الْبَائِعِ بِعَدَمِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَا يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْبَيْعِ. قَالَ: وَمَسْأَلَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَادَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا فَتَقَعُ الْغُنْيَةُ عَنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ انْتَهَى. وَقِيلَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ تُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ وَالزِّيَادَاتِ عَلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّنَاقُضُ فَقُبِلَتْ. وَمِمَّا يُنَاسِبُ الْمَسْأَلَةَ: بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ ثُمَّ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ مَوْلَاهُ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ وَرِثَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ. وَمِنْ فُرُوعِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْقَاضِي سَلْ الْبَائِعَ أَنَّ الْأَمَةَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْ لَيْسَتْ لَهُ؟ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ مَظْلُومٌ وَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ بِإِقْرَارِهِ، فَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَلْزَمَهُ الثَّمَنَ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي تَحْلِيفَهُ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّمَا يُحَلِّفُهُ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنَى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ، فَإِذَا جَحَدَ يَسْتَحْلِفُ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، فَإِنَّهُ قِيلَ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مُنَاقِضٌ لِأَنَّ شِرَاءَهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ إنْكَارُ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَكَمَا لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ. دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمَأْذُونِ: اشْتَرَى عَبْدٌ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ أَنَا مَحْجُورٌ وَقَالَ الْبَائِعُ مَأْذُونٌ فَأَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى لَا تُقْبَلُ وَلَا يَسْتَحْلِفُ خَصْمَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ يَلْزَمُهُ. وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْبَائِعِ أَنَّك مَا بِعْته مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ يَلْزَمُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُنَاقِضٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يُنْكِرُ الْعَقْدَ أَصْلًا وَلَا الثَّمَنَ، فَإِنَّ بَيْعَ مَالِ الْغَيْرِ مُنْعَقِدٌ وَبَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ وَصْفَ الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَكَانَ مُتَنَاقِضًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَجَعَلْنَاهُ مُنَاقِضًا فِي حَقِّ الْبَيِّنَةِ وَلَمْ نَجْعَلْهُ مُنَاقِضًا فِي حَقِّ الْيَمِينِ لِيَكُونَ عَمَلًا بِهِمَا، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ، فَلَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ مُنَاقِضًا فِي حَقِّهَا يَلْزَمُنَا أَنْ لَا نَجْعَلَهُ مُنَاقِضًا فِي حَقِّ الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُنْكِرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ أَصْلًا، لِأَنَّ شِرَاءَ الْمَحْجُورِ لَا يُوجِبُ مِلْكَ الثَّمَنِ فَكَانَ مُنَاقِضًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُوَافَقَةِ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْفَرْقِ قَالَ: وَلَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْجَارِيَةُ وَلَكِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ، فَإِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَوْ اُسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ وَقَضَى الْقَاضِي بِحُرِّيَّتِهَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ. أَمَّا حُرِّيَّةُ الْجَارِيَةِ فَلِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَصَحَّ إقْرَارُهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ نُكُولَهُ وَإِقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَوْلُهُ فَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لَا يَجْرِي فِي دَعْوَى الرِّقِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَجْرِي إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى الْأَمَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَأَبَى الْمُشْتَرِي الْيَمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ الْأَمَةُ وَسُلِبَتْ فَانْقَادَتْ لِذَلِكَ فَانْقِيَادُهَا كَإِقْرَارِهَا بِالرِّقِّ فَدَعْوَاهَا الْحُرِّيَّةَ كَدَعْوَى الْعِتْقِ الْعَارِضِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهَا حُرَّةٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ. فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَاقِضٍ فِي فَصْلِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ فِيهَا يَظْهَرُ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَنْفِي انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَمِلْكَ الْيَمِينِ لِلْبَائِعِ، فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ مُظْهِرَةً أَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ. أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَلَا مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، فَلَوْ قَبِلْنَا بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَظْهَرُ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِلْبَائِعِ، وَمَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ وَيَصِيرُ مُكَذِّبًا شُهُودَهُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي الْفَصْلَيْنِ، إلَّا

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا لِرَجُلٍ وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَضْمَنُ الْبَائِعُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ أَقَامَ الْعَبْدَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ قُبِلَتْ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَنْ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَ مَا هُوَ وَقْفٌ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَصَارَ كَالْبَيْعِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا حُرَّةٌ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى حُرْمَةِ الْفَرْجِ فَتُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، حَتَّى لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَمَةِ عَبْدٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ الدَّعْوَى. وَلَوْ ادَّعَى الْمُسْتَحِقُّ أَنَّهَا أَمَتُهُ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَوْ أَبَى الْيَمِينَ وَقَضَى عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ بِذَلِكَ، إنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ فَكَانَ مُدَّعِيًا لِلدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ مُنَاقِضًا، فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بَيْنَهُمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْعَقْدِ كَانَتْ مَمْلُوكَةً مَحَلًّا لِلْعَقْدِ، وَالْإِعْتَاقُ الْمُتَأَخِّرُ لَا يُبْطِلُ الشِّرَاءَ السَّابِقَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا لِرَجُلٍ) أَيْ عَرْصَةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وَفِي جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ بِالْغَصْبِ بَعْدَمَا أَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ فَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي (لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَنْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ مِنْهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يَضْمَنُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ) هَلْ يَتَحَقَّقُ أَوْ لَا؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فَلَا يَضْمَنُ، وَعَنْهُ مُحَمَّدِ نَعَمْ فَيَضْمَنُ. [فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ] بَاعَ الْأَمَةَ فُضُولِيٌّ مِنْ رَجُلٍ وَزَوَّجَهَا مِنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ فَأُجِيزَا مَعًا ثَبَتَ الْأَقْوَى فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَا زَوْجَةً؛ وَلَوْ زَوَّجَاهَا مِنْ رَجُلٍ فَأُجِيزَا بَطَلَا، وَلَوْ بَاعَاهَا مِنْ رَجُلٍ فَأُجِيزَا تُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا وَيُخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيْنَ أَخْذِ النِّصْفِ أَوْ التَّرْكِ. وَلَوْ بَاعَهُ فُضُولِيٌّ وَآجَرَهُ آخَرُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ زَوَّجَهُ فَأُجِيزَا مَعًا ثَبَتَ الْأَقْوَى فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى، وَكَذَا تَثْبُتُ الْهِبَةُ إذَا وَهَبَهُ فُضُولِيٌّ وَآجَرَهُ آخَرُ وَكُلٌّ مِنْ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَالْإِجَارَةُ أَحَقُّ مِنْ الرَّهْنِ لِإِفَادَتِهَا مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَالْبَيْعُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ، فَفِيمَا لَا يَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ كَهِبَةِ فُضُولِيٍّ عَبْدًا وَبَيْعِ آخَرَ إيَّاهُ يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ تُسَاوِي الْبَيْعَ فِي إفَادَةِ الْمِلْكِ، وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ صَحِيحَةٌ فَيَأْخُذُ كُلٌّ النِّصْفِ. وَلَوْ تَبَايَعَ غَاصِبًا عِرْضَيْ رَجُلٍ وَاحِدِ لَهُ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْبَيْعِ ثُبُوتُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُمَا حَاصِلَانِ لِلْمَالِكِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِدُونِ هَذَا الْعَقْدِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فَلَمْ تَلْحَقْهُ الْإِجَازَةُ. وَلَوْ غَصْبًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَتَبَايَعَا وَأَجَازَ الْمَالِكُ جَازَ. وَلَوْ غَصَبَا النَّقْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ وَعَقْدَ الصَّرْفِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ أَجَازَ جَازَ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبِينَ

[باب السلم]

(بَابُ السَّلَمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ مَا غَصَبَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ، فَلَوْ وَصَلَ إلَى الْمَالِكِ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ أَوْ تَمَامِ الْمُدَّةِ تَمَّ الْبَيْعُ، وَلَوْ لَمْ يُجِيزَا فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْبَيْعِ بِهِمَا، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ، وَقِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا لِلرَّاهِنِ وَالْمُؤَجِّرِ. وَفِي الْمُرْتَهِنِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: بَيْعُ الْمَغْصُوبِ مَوْقُوفٌ إنْ أَقَرَّ بِهِ الْغَاصِبُ أَوْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، فَلَوْ أَجَازَ تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِشْرٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ شِرَاءَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبٍ جَاحِدٍ يَجُوزُ وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِي الدَّعْوَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا وَبَاعَهُ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْغَاصِبَ صَالَحَ الْمَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ عَلَى شَيْءٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ صَالَحَهُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَانَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَنْفُذُ بَيْعُ الْغَاصِبِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ كَانَ كَالْبَيْعِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَبْطُلُ بَيْعُ الْغَاصِبِ. وَمِنْ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ بَيْعُ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ، وَكَذَا شِرَاؤُهُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَالِدِهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ الْقَاضِي، وَكَذَا الَّذِي بَلَغَ سَفِيهًا، وَالْمَعْتُوهُ، وَكَذَا بَيْعُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ فَاسِدٌ، فَلَوْ قَبَضَ الْمَوْلَى الثَّمَنَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهُ صَحَّتْ إجَازَتُهُمْ وَيَهْلَكُ الثَّمَنُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ وَنَقَضَهُ بَعْضُهُمْ بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَالْمُشْتَرِي لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَمِنْهُ بَيْعُ الْمَرِيضِ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ صِحَّةِ الْمَرِيضِ، فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ نَفَذَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ بَطَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ السَّلَمِ] (بَابُ السَّلَمِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْقَسِمُ إلَى بَيْعٍ مُطْلَقٍ وَمُقَايَضَةٍ وَصَرْفٍ وَسَلَمٍ، لِأَنَّهُ إمَّا بَيْعُ عَيْنٍ بِثَمَنٍ وَهُوَ الْمُطْلَقُ، أَوْ قَلْبُهُ وَهُوَ السَّلَمُ، أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ فَالصَّرْفُ، أَوْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ فَالْمُقَايَضَةُ. وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَايَضَةِ قَبْضٌ فَقُدِّمَا وَشُرِطَ فِي الْآخَرِينَ، فَفِي الصَّرْفِ قَبْضُهُمَا وَفِي السَّلَمِ قَبْضُ أَحَدِهِمَا، فَقُدِّمَ انْتِقَالًا بِتَدْرِيجٍ. وَخُصَّ بِاسْمِ السَّلَمِ

السَّلَمُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ آيَةُ الْمُدَايَنَةِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ وَأَنْزَلَ فِيهَا أَطْوَلَ آيَةٍ فِي كِتَابِهِ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] الْآيَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَحَقُّقِ إيجَابِ التَّسْلِيمِ شَرْعًا فِيمَا صُدِّقَ عَلَيْهِ: أَعْنِي تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ، وَكَانَ عَلَى هَذَا تَسْمِيَةُ الصَّرْفِ بِالسَّلَمِ أَلْيَقَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ وُجُودُ السَّلَمِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الظَّاهِرُ الْعَامُّ فِي النَّاسِ سَبَقَ الِاسْمُ لَهُ، وَيُعْرَفُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ. وَمَا قِيلَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ غَيْرُ صَحِيحٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَعُرِفَ أَيْضًا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى عَقْدِهِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِعْتُك كَذَا حِنْطَةً بِكَذَا إلَى كَذَا، وَيَذْكُرُ بَاقِي الشُّرُوطِ أَوْ يَقُولُ الْمُسْلَمُ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ إلَى آخِرِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَصِحَّةُ الْمَذْهَبِ عَنْهُ عُسْرُ الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعْنَى، وَمَعْنَى أَسْلَمْتُ إلَيْكَ إلَى كَذَا وَبِعْتُكَ إلَى كَذَا فِي الْبَيْعِ مَعَ بَاقِي الشُّرُوطِ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ لَا بِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ. وَعُرِفَ أَنَّ رُكْنَهُ رُكْنُ الْبَيْعِ. وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهِ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ شَرَائِطَهُ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي الثَّمَنِ، وَلِرَبِّ السَّلَمِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ الدَّيْنُ الْكَائِنُ فِي الذِّمَّةِ، أَمَّا فِي الْعَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَبْضِهِ عَلَى انْعِقَادِ مُبَادَلَةٍ أُخْرَى عَلَى مَا سَيُعْرَفُ وَالْمُؤَجَّلُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَمَعْنَاهُ لُغَةً: السَّلَفُ، فَاعْتُبِرَ فِي الشَّرْعِ كَأَنَّ الثَّمَنَ يُسَلِّفُهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لِيَقْضِيَهُ إيَّاهُ، وَجَعَلَ إعْطَاءَ الْعِوَضِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِيهِ قَضَاءً كَأَنَّهُ هُوَ، إذْ لَا يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجَعَلَ الْهَمْزَةَ فِي أَسْلَمْتُ إلَيْكَ لِلسَّلْبِ بِمَعْنَى أَزَلْتُ سَلَامَةَ رَأْسِ الْمَالِ حَيْثُ سَلَّمْتُهُ إلَى مُفْلِسٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ بَعِيدٌ، وَلَا وَجْهَ لَهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمَدْفُوعِ هَالِكًا، وَصِحَّةُ هَذَا الِاعْتِبَارِ تَتَوَقَّفُ عَلَى غَلَبَةِ تَوَائِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْوَاقِعُ أَنَّ السَّلَمَ كَذَلِكَ بَلْ الْغَالِبُ الِاسْتِيفَاءُ (قَوْلُهُ وَهُوَ) يَعْنِي السَّلَمَ (عَقْدٌ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ آيَةُ الْمُدَايَنَةِ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِسَنَدِهِ. وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ وَأَذِنَ فِيهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ

وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَالْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ يَأْبَاهُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَاهُ. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ إذْ الْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ. قَالَ (وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] الْآيَةُ، وَعَنْهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَزَّاهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمُصَنِّفِينَ إلَى الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ فِي صَحِيحِهِ لِأَبِي حِسَانَ الْأَعْرَجِ وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ ذَكَرَ لَفْظَ الْحَدِيثِ: أُحِلَّ السَّلَفُ الْمَضْمُونُ، فَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: الْمُرَادُ بِالْمَضْمُونِ الْمُؤَجَّلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: السَّلَفُ الْمُؤَجَّلُ، وَعَلَى هَذَا فَهِيَ صِفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لَا مُؤَسِّسَةٌ، وَيَكُونُ مَا رَوَى الْمُخْرِجُونَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ مِنْ قَوْلِهِ الْمَضْمُونُ إلَى أَجَلٍ جَمْعًا بَيْنَ مُقَرَّرَيْنِ. وَقَوْلُهُ مُسَمًّى أَيْ مُعَيَّنٌ (وَ) كَذَا (بِالسُّنَّةِ) إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ غَرَابَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُثِرَ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ. قِيلَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ» ، إلَى أَنْ قَالَ: «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَقَدَّمَ. وَالرُّخْصَةُ فِي السَّلَمِ رَوَاهُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ. فَقَالَ: مَنْ أَسَلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسَلِّفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «إنَّا كُنَّا لَنُسَلِّفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بِكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» . وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، إذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرْبَاحِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَهُوَ بِالسَّلَمِ أَسْهَلُ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ نَازِلًا عَنْ الْقِيمَةِ فَيُرْبِحُهُ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْحَالِ إلَى السَّلَمِ وَقُدْرَةٌ فِي الْمَآلِ عَلَى الْمَبِيعِ بِسُهُولَةٍ فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ الْحَالِيَّةِ إلَى قُدْرَتِهِ الْمَالِيَّةِ فَلِهَذِهِ الْمَصَالِحُ شُرِعَ. وَمَنَعَ بَعْضُ مَنْ نَقَدَ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُمْ السَّلَمُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، قَالَ: بَلْ هُوَ عَلَى وَفْقِهِ فَإِنَّهُ كَالِابْتِيَاعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ وَبَيْنَ الْآخِرِ، بَلْ هُوَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَمَصْلَحَةِ النَّاسِ. قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَتَلَا الْآيَةَ

وَالْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا ثُمَّ قِيلَ يَكُونُ بَاطِلًا، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدِينَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ التَّصْحِيحَ إنَّمَا يَجِبُ فِي مَحِلٍّ أَوْجَبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ انْدَفَعَ فِيهِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ قِيَاسَ السَّلَمِ عَلَى الِابْتِيَاعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى بَيْعِ الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ عَادَةً مَعَ الْحُلُولِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَأَطَالَ كَلَامًا وَحَاصِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْقَوْمَ قَاسُوا السَّلَمَ عَلَى بَيْعِ الْمَعْدُومِ فَيَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ قِيَاسَهُ عَلَى الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ أَوْلَى بِهِ، وَلَيْسَ كَلَامُهُمْ هَذَا بَلْ إنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْأَصْلِيِّ فِيهِ، وَكَوْنُهُ مَعْدُومًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ عَادَةً لَيْسَ هُوَ مُعْتَبَرًا فِي مَفْهُومِ السَّلَمِ عِنْدَهُمْ بَلْ هُوَ زِيَادَةٌ مِنْ عِنْدِهِ. وَقَوْلُهُ أَيُّ فَرْقٍ إلَى آخِرِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَكَلَامُهُ يُفِيدُ الِاعْتِرَافَ بِكَوْنِ بَيْعِ الْمَعْدُومِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. ثُمَّ الْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَالْمَحِلِّ لِوُرُودِهِ فَانْعِدَامُهُ يُوجِبُ انْعِدَامَ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ الْبَيْعُ شَرْعًا مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الذِّمَّةِ وَصْفٌ يُطَابِقُهُ الثَّمَنُ لَا عَيْنُ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ رَآهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَكَوْنُهُ فِيهِ مَصْلَحَةِ النَّاسِ لَا يَنْفِي أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بَلْ لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ شُرِعَ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ) أَيْ الَّتِي يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا (غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) أَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَسْلَمَ غَيْرَهَا مِنْ الْعُرُوضِ كَكُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ ثَوْبٍ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَلَا يَصِحُّ سَلَمًا بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا وَالنُّقُودُ أَثْمَانٌ فَلَا تَكُونُ مُسَلَّمًا فِيهَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فَهَلْ يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْكُرِّ وَالثَّوْبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ يَبْطُلُ رَأْسًا؟ حَكَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ خِلَافًا (قِيلَ يَبْطُلُ) وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ (وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) وَلَا يَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَوْلَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ أَصَحُّ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي أَوْجَبَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْبَيْعَ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ وَهُمَا لَمْ يُوجِبَاهُ إلَّا فِي الدَّرَاهِم، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ الثَّوْبِ وَلَمْ يُوجِبَاهُ فِيهِ فَكَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ عِنْدِي أُدْخِلَ فِي الْفِقْهِ لِأَنَّ حَاصِلَ الْمَعْنَى الصَّادِرِ بَيْنَهُمَا إعْطَاءُ صَاحِبِ الثَّوْبِ بِرِضَاهُ ثَوْبَهُ إلَى الْآخِرِ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ، وَهَذَا مِنْ إفْرَادِ الْبَيْعِ بِلَا تَأْوِيلِ إذْ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي، وَكَوْنُهُ أَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى الثَّوْبِ لَا يَقْدَحُ فِي أَنَّ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا هُوَ هَذَا الْمَعْنَى وَفِيهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِمَا، وَإِدْخَال الْبَاءِ عَلَى الثَّوْبِ كَإِدْخَالِهَا عَلَى الثَّوْبِ الْمُقَابَلِ بِالْخَمْرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى خَمْرًا بِثَوْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْخَمْرُ وَهُوَ مُبْطِلٌ اعْتِبَارًا لِتَحْصِيلِ غَرَضِهِمَا مَا أَمْكَنَ

قَالَ (وَكَذَا فِي الْمَذْرُوعَاتِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذَّرْعِ وَالصِّفَةِ وَالصَّنْعَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ صِحَّةِ السَّلَمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْمَذْرُوعَاتِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذَكَرِ الذَّرْعِ وَالصِّفَةِ وَالصَّنْعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِلضَّبْطِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ. وَعُرِفَ مِنْ تَعْلِيلِهِ هَذَا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ السَّلَمِ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَضْبُوطًا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ مِنْ غَيْرِ إفْضَاءٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلِهَذَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْبَسْطِ وَالْحُصْرِ وَالْبَوَارِي إذَا بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ. وَفِي الْإِيضَاحِ: يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْوَزْنِ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ لِبَقَاءِ التَّفَاوُتِ بَعْدَ ذِكْرِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ، وَالْحَرِيرُ كُلَّمَا خُفَّ زَادَتْ انْتَهَى. وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ. وَفِي عُرْفِنَا ثِيَابُ الْحَرِيرِ أَيْضًا وَهِيَ الْمُسَمَّاةِ بِالْكَمْخَاءِ كُلَّمَا ثَقُلَ ازْدَادَتْ الْقِيمَةُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ تَزِيدُ بِالثِّقَلِ أَوْ بِالْخِفَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّصِّ الْمُفِيدِ لِشَرْعِيَّتِهِ إلَّا الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا. لَا يُقَالُ: السَّلَمُ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ جَازَ أَنْ يُعَلَّلَ وَيُلْحَقَ بِالْمَخْرَجِ غَيْرُهُ بِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمُ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ الْقِيَاسَ لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْعِيَّةَ السَّلَمِ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِ بَلْ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ فَالْعَامُّ وَهُوَ لَفْظُ مَا لَيْسَ عِنْدَك الْوَاقِعُ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ وَهُوَ لَا تَبِعْ مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذِكْرِ الْأَجَلِ فِيمَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَعَدَمِهِ، وَشَرْعِيَّةُ السَّلَمِ تَقْيِيدٌ لَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ فِي الْمَبِيعِ، أَمَّا إذَا ذَكَرَ الْأَجَلَ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ لَا بَعْضُهُ لِيَكُونَ تَخْصِيصًا بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، بَلْ كُلُّ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ بِلَا ذِكْرِ أَجَلٍ عَلَى عُمُومِهِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ وَكُلِّهِ مَعَ ذِكْرِهِ مَخْرَجٌ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَكِنْ بِشَرْطِ ضَبْطِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، كَمَا أَنَّ مَا عِنْدَهُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَنْ غَيْرِ سَلَمٍ مَعَ جَهَالَتِهِ وَعَدَمِ ضَبْطِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّهُ مَعَ شَرْطِهِ مِنْ الضَّبْطِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَجَلٍ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ أَجَلٍ، وَكَوْنُ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ لَيْسَ تَعْيِينًا لَهُمَا وَلَا أَمْرًا بِخُصُوصِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَمِ، بَلْ حَاصِلُهُ أَمْرٌ بِتَعْيِينِ الْأَجَلِ وَالْكَيْلِ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَمِ فِي الْمَكِيلِ بَيَانًا لِشَرْطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ عَدَمُ الْجَهَالَةِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَقَالَ: مِنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ يَعْنِي مِنْ هَذِهِ الثِّمَارِ فَلِيَكُنْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» ، ثُمَّ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَ الْوَزْنَ لِيُفِيدَ عَدَمَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْكَيْلِ، فَإِنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ

وَكَذَا فِي الْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ، لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبِ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ، بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِرْبَاحِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُقِلِّ الرَّاجِي فَأُنِيطَ بِمَظِنَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَخْذِ الْعَاجِلِ بِالْآجِلِ وَإِعْطَائِهِ وَشَرْطُ الضَّبْطِ لِدَفْعِ الْمُنَازَعَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِذَا أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهِ لَا تَخْتَلِفُ وَهُوَ الْحَاجَةُ الْمَاسَةُ إلَى أَخْذِ الْعَاجِلِ بِالْآجِلِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ مِنْ الْقَزَّازِينَ فِي الْمَذْرُوعِ كَمَا فِي أَصْحَابِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، يَفْهَمُ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ سَبَبَ الْمَشْرُوعِيَّةِ الْمَنْقُولِ فِي أَثْنَاءِ الْأَحَادِيثِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلِذَا كَانَ ثُبُوتُ السَّلَمِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ بِالدَّلَالَةِ: أَعْنِي دَلَالَاتِ النُّصُوصِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلسَّبَبِ لِمَنْ سَمِعَهَا. فَإِنْ قِيلَ: فِي الْمَذْرُوعَاتِ مَانِعٌ وَهُوَ أَنَّ الضَّبْطَ بِالذَّرْعِ دُونَهُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِمَا. فَالْجَوَابُ حِينَئِذٍ. إنْ قُلْتَ: الذَّرْعُ لَا يُضْبَطُ الْقَدْرُ كَمَا يُضْبَطُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ بَلْ الذَّرَاعُ الْمُعَيَّنُ يَضْبِطُ كَمْيَّةَ الْمَبِيعِ بِلَا شُبْهَةٍ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَيْسَ فِي الصَّنْعَةِ، وَنَحْنُ مَا قُلْنَا إنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِ عَدَدِ الذُّرْعَانِ مُصَحِّحٌ لَلسَّلَمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ حَتَّى يَنْضَبِطُ، كَمَا أَنَّ الْمَكِيلَ أَيْضًا لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ مُجَرَّدُ ذِكْرِ عَدَدِ الْكَيْلِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْأَوْصَافَ مَعَهُ، فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّقْرِيرَ فَإِنَّ فِي غَيْرِهِ خَبْطًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ) أَيْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا (لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبُ مَضْبُوطٌ بِالْعَدَدِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمُ فَيَجُوز السَّلَمُ فِيهِ) عَدَدًا (وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ) بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ حِينَئِذٍ يَسِيرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلِذَا لَا تُبَاعُ بَيْضَةُ دَجَاجَةٍ بِفَلْسٍ وَأُخْرَى بِفَلْسَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ فِي الْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْمُصَنِّفُ: أَعْنِي أَنَّ مَا تَفَاوَتَتْ مَالِيَّتُهُ مُتَفَاوِتٌ كَالْبِطِّيخِ وَالْقَرْعِ وَالرُّمَّانِ وَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَالسَّفَرْجَلِ، فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَالِيَّةِ إلَّا إذَا ذَكَرَ ضَابِطًا غَيْرَ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ كَطُولٍ وَغِلَظٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَمِنْ الْمَعْدُودَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ الْجُوَالِقَاتِ وَالْفِرَاءِ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا بِذِكْرِ مُمَيَّزَاتٍ. وَأَجَازُوهُ فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْكَاغَدِ عَدَدًا لِإِهْدَارِ التَّفَاوُتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى كَاغَدٍ بِقَالِبٍ خَاصٍّ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ، وَكَوْنُ الْبَاذِنْجَانَ مُهْدَرَ التَّفَاوُتِ لَعَلَّهُ فِي بَاذِنْجَانِ دِيَارِهِمْ وَفِي دِيَارِنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ بِيضِ النَّعَامِ وَجَوْزُ الْهِنْدِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْءٌ مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ فِي بِيضِ الدَّجَاجِ وَالْجَوْزِ الشَّامِيّ وَالْفِرِنْجِ لِعَدَمِ إهْدَارِ التَّفَاوُتِ مِنْ جِنْسَيْنِ لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ. وَيُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَدِ بَيَانُ الصِّفَةِ أَيْضًا، فَلَوْ أَسْلَمَ فِي بِيضِ النَّعَامِ أَوْ جَوْزِ الْهِنْدِ جَازَ كَمَا جَازَ فِي الْآخَرِينَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَنَعَهُ فِي بِيضِ النَّعَامِ ادِّعَاءٌ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْغَرَضِ فِي عُرْفِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ فِي عُرْفِ مَنْ يَبِيعُ بِيضَ النَّعَامِ الْأَكْلُ لَيْسَ غَيْرُ كَعُرْفِ أَهْلِ الْبَوَادِي يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفِ حُصُولُ الْقِشْرِ لِيَتَّخِذَ فِي سَلَاسِلَ الْقَنَادِيلِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْصَارِ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ إلَّا مَعَ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ وَاللَّوْنِ مَعَ نَقَاءِ الْبَيَاضِ أَوْ إهْدَارِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ

وَالرُّمَّانُ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَبِتَفَاوُتِ الْآحَادِ فِي الْمَالِيَّةِ يُعْرَفُ الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بِيضِ النَّعَامَةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ كَمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا يَجُوزُ كَيْلًا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ كَيْلًا لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ وَلَيْسَ بِمَكِيلٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا لِلتَّفَاوُتِ. وَلَنَا أَنَّ الْمِقْدَارَ مَرَّةُ يُعْرَفُ بِالْعَدَدِ وَتَارَةٌ بِالْكَيْلِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَعْدُودًا بِالِاصْطِلَاحِ فَيَصِيرُ مَكِيلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا وَكَذَا فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا. وَقِيلَ هَذَا عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ. وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا بِاصْطِلَاحِهِمَا فَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَلَا تَعُودُ وَزْنِيًّا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَمَا يَجُوزُ عَدَدًا فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ يَجُوزُ كَيْلًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكِيلٍ بَلْ مَعْدُودٍ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا لِلتَّفَاوُتِ) بَيْنَ آحَادِهِ. قُلْنَا: أَمَّا التَّفَاوُتُ فَقَدْ أَهْدَرَ فَلَا تَفَاوَتَ إذْ لَا تَفَاوَتَ فِي مَالِيَّتِهِ؛ وَأَمَّا كَوْنُهُ مَعْدُودًا فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ كَيْلُهُ مَعَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمِقْدَارِ لَيْسَ إلَّا لِلضَّبْطِ وَالضَّبْطُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْعَدَدِ بَلْ يَتَعَرَّفُ بِطَرِيقٍ آخَرَ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَيْلُ غَيْرُ مَعْدُومٍ فِيهِ لِمَا يَبْقَى بَيْنَ كُلِّ جَوْزَتَيْنِ وَبَيْضَتَيْنِ مِنْ التَّخَلْخُلِ: قُلْنَا: قَدْ عِلْمنَا بِهِ وَرَضِيَ رَبُّ السَّلَمِ فَإِنَّمَا وَقَعَ السَّلَمُ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْكَيْلَ مَعَ تَخَلْخُلِهِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا وَالْمَعْدُودُ لَيْسَ مِنْهَا، وَكِيلُهُ إنَّمَا كَانَ بِاصْطِلَاحِهِمَا فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَكِيلًا مُطْلَقًا لِيَكُونَ رِبَوِيًّا. وَإِذَا أَجَزْنَاهُ كَيْلًا فَوَزْنًا أَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا) أَيْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا، هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، فَكَانَ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. وَقِيلَ بَلْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ مَنْعِهِ بِبَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ فِي بَابِ الرِّبَا لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ، وَهَذَا مَا أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِذَا كَانَتْ أَثْمَانًا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَى عَنْهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخُوَارِزْمِيَّ أَنَّ السَّلَمَ فِي الْفُلُوسِ لَا يَجُوزُ عَلَى وَفْقِ هَذَا التَّخْرِيجِ، لَكِنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ الْجَوَازُ. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ السَّلَمِ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُثَمَّنًا، فَإِذَا أَقْدَمَا عَلَى السَّلَمِ فَقَدْ تَضَمَّنَ إبْطَالُهُمَا اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى الثَّمَنِيَّةَ، وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَعَامَلُ فِيهَا بِهِ وَهُوَ الْعَدُّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وُرُودُهُ عَلَى الثَّمَنِ فَلَا مُوجِبَ لِخُرُوجِهَا فِيهِ عَنْ الثَّمَنِيَّةَ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فَامْتَنَعَ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ جَوَابُ الْمُصَنِّفُ الْمَذْكُورِ عَلَى تَقْدِيرِ تَخْرِيجِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. وَقَوْلُنَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي إلَى آخِرِهِ هُوَ تَقْرِيرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَعُودُ وَزْنِيًّا: يَعْنِي إذَا بَطَلَتْ ثَمَنِيَّتُهَا لَا يَلْزَمُ خُرُوجُهَا عَنْ الْعَدَدِيَّةِ إلَى الْوَزْنِيَّةِ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ الثَّمَنِيَّةِ عَدَمُ الْعَدَدِيَّةِ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ بَلْ يَبْقَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تُعُورِفَ التَّعَامُلُ بِهِ فِيهَا وَهُوَ الْعَدَدُ إلَّا أَنْ يُهْدِرَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْفُلُوسَ أَثْمَانٌ فِي زَمَانِنَا وَلَا تُقْبَلُ إلَّا وَزْنًا فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا إلَّا وَزْنًا فِي دِيَارِنَا فِي زَمَانِنَا وَقَدْ

(وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوز لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالسِّنِّ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ، وَالتَّفَاوُتُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ الثِّيَابَ. وَلَنَا أَنَّهُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَ يَبْقَى فِيهِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فِي الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَعْصَارِ عَدَدِيَّةٌ فِي دِيَارِنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ) دَابَّةَ كَانَ أَوْ رَقِيقًا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ (يَجُوزُ) لِلْمَعْنَى وَالنَّصِّ. أَمَّا الْمَعْنَى (فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا) أَيْ مُنْضَبِطًا (بِبَيَانِ الْجِنْسِ) كَفَرَسٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ عَبْدٍ (وَالسِّنُّ) كَابْنِ مَخَاضٍ أَوْ عَشَّارٍ (وَالنَّوْعُ) كَعَرَبِيٍّ وَبَخْتِيٍّ وَحَبَشِيٍّ (وَالصِّفَةُ) كَأَحْمَرَ وَأَسْمَرَ وَطَوِيلٍ أَوْ رَبَعَةٍ (وَالتَّفَاوُتُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرٌ) وَهُوَ مُغْتَفَرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ سَلَمٌ أَصْلًا، فَإِنَّ الْغَائِبَ لَوْ بَلَغَ فِي تَعْرِيفِهِ النِّهَايَةَ لَا بُدَّ مِنْ تَفَاوُتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ، فَإِنَّ بَيْنَ جَيِّدٍ وَجَيِّدٍ مِنْ الْحِنْطَةِ تَفَاوُتًا لَا يَخْفَى وَإِنْ صَدَقَ اسْمُ الْجُودَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَذَا بَيْنَ ثَوْبِ دِيبَاجٍ أَحْمَرَ وَثَوْبُ دِيبَاجٍ أَحْمَرَ فَعُلِمَ أَنَّ التَّفَاوُتَ الْيَسِيرَ مُغْتَفَرٌ شَرْعًا فَصَارَ الْحَيَوَانُ كَالثِّيَابِ وَالْمَكِيلِ، وَأَمَّا النَّصُّ فَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصَ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِهِ

بِخِلَافِ الثِّيَابِ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ فَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ الثَّوْبَانِ إذَا نُسِجَا عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ لِلرَّجُلِ بِكْرَهُ، فَرَجَعَ إلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ: أَعْطِهِ إيَّاهُ، إنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ يُوفِيهَا صَاحِبُهَا بِالرَّبْذَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ، وَاسْتَوْصَفَ بَنُو إسْرَائِيلَ الْبَقَرَةَ فَوَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فَعَلِمُوهَا بِالْوَصْفِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَّا لَا يَصِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهَا تَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَا تَصِفُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ بَيْن يَدَيْ زَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا» فَقَدْ جَعَلَ الْمَوْصُوفَ كَالْمَرْئِيِّ. وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّرْعُ الْغُرَّةَ وَمِائَةً مِنْ الْإِبِلِ دِيَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَأَثْبَتَ مَهْرًا فِي الذِّمَّةِ، وَصِحَّةُ الدَّعْوَى بِالْحَيَوَانِ الْمَوْصُوفِ وَالشَّهَادَةِ بِهِ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ كَوْنُ الْمُدَعِّي وَالْمَشْهُودُ بِهِ مَعْلُومًا. قُلْنَا: أَمَّا الْمَعْنَى فَيَمْنَعُ أَنَّ بَعْدَ الْوَصْفِ فِي الْحَيَوَانِ يَصِيرُ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا بَلْ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَصِيرُ مَعَهُ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ وَالْمُتَسَاوِيَيْنِ سِنًّا وَلَوْنًا وَجِنْسًا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي حُسْنِ الشِّيمَةِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَدَبِ وَفَهْمِ الْمَقَاصِدِ مَا يُصَيِّرُهُ بِأَضْعَافِ قِيمَةِ الْآخَرِ، وَكَذَا بَيْنَ الْفَرَسَيْنِ وَالْجَمَلَيْنِ (بِخِلَافِ الثِّيَابِ) فَإِنَّهَا مَصْنُوعَةُ الْعَبْدِ بِآلَةٍ خَاصَّةٍ، فَإِذَا اتَّحَدَتْ لَمْ تَتَفَاوَتْ إلَّا يَسِيرًا، وَكَذَا بَيْنَ الْجَيِّدِينَ مِنْ الْحِنْطَةِ مِثْلًا بِاتِّفَاقِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَوَانَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَلَّمَا يَتَفَاوَتُ الثَّوَبَانُ إذَا نُسِجَا عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ) يُرِيدُ أَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ قَلِيلًا لَا عَدَمَ التَّفَاوُتِ أَصْلًا كَمَا هُوَ اسْتِعْمَالُ قَلَّمَا فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ: أَعْنِي قَلَّ إذَا كَفَّ بِمَا اسْتَعْمَلَ لِلنَّفْيِ: كَقَوْلِهِ وَقَلَّمَا وِصَالٌ عَلَى طُولِ الصُّدُودِ يَدُومُ وَحِينَ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ قِلَّةَ التَّفَاوُتِ وَجَبَ أَنْ تَجْعَلَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَعْنَى قَلَّ التَّفَاوُتُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ إذَا اتَّحَدَ الصَّانِعُ وَالْآلَةُ اتَّحَدَا الْمَصْنُوعُ مِنْ التَّسَاهُلِ. وَأَمَّا النَّصُّ الْمَذْكُورُ فَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ، فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ هَكَذَا، وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ فَأَسْقَطَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَقَدَّمَ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ. ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَاهُ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي حَبِيبٍ: عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ. وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، فَأَسْقَطَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَقَدَّمَ أَبَا سُفْيَانَ كَمَا فَعَلَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ مُسْلِمِ بْنِ كَثِيرٍ، وَمَعَ هَذَا الِاضْطِرَابِ فَعَمْرُو بْنُ حُرَيْشٍ مَجْهُولُ الْحَالِ وَمُسْلِمُ بْنُ جُبَيْرٍ لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا وَلَا أَعْلَمْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، وَأَبُو سُفْيَانَ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُهُ. فَلَا حُجَّةَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» . وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ قَالَ الْبَزَّارُ: لَيْسَ فِي الْبَابِ أَجَلٌ إسْنَادًا مِنْ هَذَا. وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ إنَّهُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ بِسَبَبِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ كَذَلِكَ كَأَنَّهُ هُوَ مَبْنَى قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً غَيْرُ ثَابِتٍ، لَكِنْ هَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ بَعْدَ تَصْرِيحِ الثِّقَاتِ بِابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ مُسْنَدًا، وَغَايَةُ مَا فِيهِ تَعَارُضُ الْوَصْلِ

وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَجْنَاسِهِ حَتَّى الْعَصَافِيرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِرْسَالِ مِنْ الثِّقَاتِ وَالْحُكْمُ فِيهِ لِلْوَصْلِ كَمَا عُرِفَ، وَقَدْ تَأَيَّدَ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ بِأَحَادِيثَ مِنْ طُرُقٍ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سُمْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ: أَكْثَرُ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سُمْرَةَ مُعَارَضٌ بِتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لَهُ، فَإِنَّهُ فَرَّعَ الْقَوْلَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ مَعَ أَنَّ الْإِرْسَالَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ السَّلَفِ لَا يَقْدَحُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ شَاهِدًا مُقَوِّيًا فَلَا يَضُرُّهُ الْإِرْسَالُ. وَأَيْضًا اُعْتُضِدَ بِالْوُصُولِ السَّابِقِ أَوْ الْمُرْسَلِ الَّذِي يَرْوِيهِ مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ الْآخَرِ، وَحَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَيَوَانُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ لَا يَصْلُحُ نَسَاءٌ، وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَأَنَّهُ لِلْخِلَافِ فِي الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَحَدِيثٌ آخَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ سَوَاءٌ، وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ مُرْسَلٌ وَجَوَابُهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَتَضْعِيفُ ابْنِ مَعِينٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ لَا يَضُرُّ لِذَلِكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي خَبَّابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَبِيعُ الْفَرَسَ بِالْأَفْرَاسِ وَالنَّجِيبَةَ بِالْإِبِلِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَحَمَلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى كَوْنِ النَّهْيِ فِيمَا إذَا كَانَ النَّسَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى يَكُونَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ تَقْيِيدًا لِلْأَعَمِّ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِلَا مُوجِبٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» هُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَوْنِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الذِّمَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ ابْن عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ» وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَتَضْعِيفُ ابْنِ مَعِينٍ بْن جَوْنِي فِيهِ نَظَرٌ بَعْد تَعَدُّدِ مَا ذَكَرَ مِنْ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ وَالْحِسَانِ مِمَّا هُوَ بِمَعْنَاهُ يَرْفَعُهُ إلَى الْحُجِّيَّةِ بِمَعْنَاهُ لِمَا عُرِفَ فِي فَنِّ الْحَدِيثِ، وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُرَجَّحَ عَلَى حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ إنْ صَحَّ لِأَنَّهُ أَقْوَى سَنَدًا: أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ حِبَّانَ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ يُرَجَّحُ عَلَى الْمُبِيحِ. وَفِي الْبَابِ أَثَرُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ

قَالَ (وَلَا فِي أَطْرَافِهِ كَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ) لِلتَّفَاوُتِ فِيهَا إذْ هُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَا مُقَدَّرٌ لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: دَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خُوَيْلِدَةَ الْبِكْرِيِّ مَالًا مُضَارَبَةَ، فَأَسْلَمَ زَيْدٌ إلَى عِتْرِيسِ بْنِ عُرْقُوبِ الشَّيْبَانِيِّ فِي قَلَائِصَ، فَلَمَّا حَلَّتْ أَخَذَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضُ، فَأُعْسِرَ عِتْرِيسُ وَبَلَغَهُ أَنَّ الْمَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ يَسْتَرْفِقُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَعَلَ زَيْدٌ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اُرْدُدْ مَا أَخَذْتَ وَخُذْ رَأْسَ مَالِكَ وَلَا تُسَلِّمْنَ مَا لَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: فِيهِ انْقِطَاعٌ يُرِيدُ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُرْوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةِ عَلْقَمَةَ أَوْ الْأَسْوَدِ، إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ قَادِحٍ عِنْدَنَا خُصُوصًا مِنْ إرْسَالِ إبْرَاهِيمَ، فَقَدْ تَعَارَضَتْ الْأَحَادِيثُ وَالطُّرُقُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُمْرَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَطْلُوبِ، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ مَعْرِفَةِ الْبَقَرَةِ بِالْوَصْفِ فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ لَهُمْ أَوْصَافًا ظَاهِرَةً لِيُطَبِّقُوهَا عَلَى مَعِينٍ مَوْجُودٍ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا مِمَّا تَحْصُلُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ وَكَلَامُنَا فِي أَنَّهُ يَنْتَفِي مَعَهُ التَّفَاوُتُ الْفَاحِشُ مُطْلَقًا مَعْنَاهُ. وَأَمَّا مَنْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصْفُ الرَّجُلِ الْحَدِيثِ فَلِلُحُوقِ الْفِتْنَةِ عَلَى السَّامِعِ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ التَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالشَّخْصِ. وَأَمَّا ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ فِي الْمَهْرِ وَالدِّيَةِ وَنَحْوِهِمَا فَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ فِيهِ لَيْسَ مُقَابَلًا بِمَالٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَجْرِي فِيهِ الْمُسَاهَلَةُ، بِخِلَافِ مَا قُوبِلَ بِمَالٍ فَإِنَّهُ تَجْرِي فِيهِ الْمُشَاحَحَةُ فَجْرَيْنَا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ وَقُلْنَا: مَا وَقَعَ مِنْ الْحَيَوَانِ بَدَلَ مَالٍ كَالْمَبِيعِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ لَمَا يَجْرِي فِيهِ الْمُشَاحَحَةُ عَادَةً، بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالْمَهْرِ وَمَا مَعَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِوَضًا عَنْ مَالٍ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْآخَرِ فَيَجُوزُ فَعَمَلنَا بِالْآثَارِ فِيهِمَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَوْنُ التَّفَاوُتِ بَعْدَ الْأَوْصَافِ يَبْقَى فَاحِشًا لَا يَضُرُّ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ سِوَى مَا تَضَمَّنَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَوْصَافِ الظَّاهِرَةِ، فَإِذَا انْطَبَقَ الْمَذْكُورُ مِنْهَا عَلَى مَا يُؤَدِّيهِ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ سَوَاءٌ كَانَ التَّفَاوُتُ قَلِيلًا بِحَسَبِ الْبَاطِنِ أَوْ كَثِيرًا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْمَوْصُوفُ فَقَطْ. نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ مِنْ الْأَوْصَافِ الذَّكَاءَ وَجُودَةَ الْفَهْمِ وَالْأَخْلَاقَ الْحَسَنَةَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ زَمَانِ الِاخْتِبَارِ، وَبَعْدَهُ تَجْرِي الْمُنَازَعَةُ فِي أَنَّ أَخْلَاقَهُ مَا هِيَ وَفِي تَحْرِيرِهَا. فَالْمُفْزِعُ فِي إبْطَالِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ لَيْسَ إلَّا السُّنَّةُ، وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَمَّا سَأَلَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: قُلْتَ لَهُ: إنَّمَا لَا يَجُوزُ فِي الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ بِالْوَصْفِ، قَالَ: لَا، لِأَنَّا نُجَوِّزُ السَّلَمَ فِي الدَّيَابِيجِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْعَصَافِيرِ، وَلَعَلَّ ضَبْطُ الْعَصَافِيرِ بِالْوَصْفِ أَهْوَنُ مِنْ ضَبْطِ الدَّيَابِيجِ وَلَكِنَّهُ بِالسَّنَةِ. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: وَالْعَصَافِيرُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقْتَنَى وَلَا يُحْبَسُ لِلتَّوَالُدِ وَلَا يَتَيَسَّرُ أَخْذُهُ وَلَا رُجْحَانُ أَخْذِهِ يُقَامُ مَقَامَ الْمَوْجُودِ، بِخِلَافِ السَّمَكِ الطَّرِيِّ لِرُجْحَانِ إمْكَانِ أَخْذِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازُ السَّلَمِ فِيمَا يُقْتَنَى مِنْهَا كَالْحَمَامِ وَالْقُمْرِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْعَصَافِيرِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَفِي لُحُومِهَا، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الدَّلِيلِ، لِأَنَّا إنْ عَلَّلْنَاهُ بِعَدَمِ الضَّبْطِ فَالْعِبْرَةُ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا عُمُومَهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ قِيلَ. فَالسَّمَكُ الطَّرِيُّ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ الْحَيَوَانِ فَجَازَ فِي الْعَصَافِيرِ قِيَاسًا عَلَى الثِّيَابِ بِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ. قُلْنَا: إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ شَرَطَ حَيَاةَ السَّمَكِ الطَّرِيِّ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ كَيْفَمَا كَانَ حَتَّى لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ كَانَ لَنَا أَنْ نَمْنَعَ صِحَّةَ السَّلَمِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي أَطْرَافِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ (كَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ) وَهُوَ جَمْعُ كَرَاعٍ وَهُوَ

قَالَ (وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا وَلَا فِي الْحَطَبِ حُزَمًا وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا) لِلتَّفَاوُتِ فِيهَا، إلَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ لَهُ طُولَ مَا يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ شِبْرٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا دُونَ الرُّكْبَةِ فِي الدَّوَابِّ. قِيلَ الْمَانِعُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَهَذِهِ أَبْعَاضُهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَيَوَانُ إنْ كَانَ النَّهْيُ تَعَبُّدًا، وَلَا الْمَعْنَى إنْ كَانَ مَعْلُولًا بِالتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزُ فِي الْجُلُودِ لَكِنَّهُ جَائِزٌ بِذِكْرِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالنَّوْعِ وَالْجُودَةِ، وَلِذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجُلُودِ وَزْنًا. وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي مَنْعِهِ أَنَّهَا عَدَدِيَّةٌ مُتَفَاوِتَةٌ وَلَا مُقَدَّرٌ لَهَا فَامْتَنَعَ السَّلَمُ عَدَدًا وَغَيْرُ عَدَدٍ لِانْتِفَاءِ الْمَقْدُورِ. وَعِنْدِي لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَزْنًا بَعْدَ ذِكْرِ النَّوْعِ، وَبَاقِي الشُّرُوطِ، فَإِنَّ الْأَكَارِعَ وَالرُّءُوسَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ لَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَقَوْلُ مَالِكٍ بِجَوَازِهِ عَدَدًا بَعْدَ ذِكْرِ النَّوْعِ لِخِفَّةِ التَّفَاوُتِ جَيِّدٌ لَكِنْ يُرَادُ أَنَّهَا رُءُوسُ عَجَاجِيلٍ أَوْ أَبْقَارٍ كِبَارٍ وَنَحْوِهِ فِي الْغَنَمِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرٌ (لَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا) وَكَذَا الْأَخْشَابُ وَالْجُوَالِقَاتُ وَالْفِرَاءُ وَالثِّيَابُ الْمَخِيطَةُ وَالْخِفَافُ وَالْقَلَانِسُ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الْعَدَدَ لِقَصْدِ التَّعَدُّدِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ ضَبْطًا لِكَمِّيَّتِهِ ثُمَّ يَذْكُرُ مَا يَقَعُ بِهِ الضَّبْطَ كَأَنْ يَذْكُرَ فِي الْجُلُودِ مِقْدَارًا مِنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ بَعْدَ النَّوْعِ كَجُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَكَذَا فِي الْأَدِيمِ بِأَنْ يَقُولَ طَائِفِيٍّ أَوْ بَرْغَالِيٍّ، وَفِي الْخَشَبِ طُولُهُ وَغِلَظُهُ وَنَوْعُهُ كَسَنْطٍ أَوْ حَوْرٍ وَنَحْوِهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَجُوزُ فِي الْكَاغَدِ عَدَدًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدِ تَسْمِيَةِ طُولِهِ وَعِرْضِهِ وَثُخْنِهِ وَرِقَّتِهِ وَنَوْعِهِ، إلَّا أَنْ يُغْنِيَ ذِكْرُ نِسْبَتِهِ عَنْ قَدْرِهِ كَوَرَقٍ حَمَوِيّ، وَفِي الْجَوَالِيقِ طُولُهُ وَوُسْعُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مُمَيِّزًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ قَاطِعًا لِلِاشْتِرَاكِ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (فِي الْحَطَبِ حُزَمًا وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا لِلتَّفَاوُتِ إلَّا إذَا عَرَفَ ذَلِكَ) بِأَنْ يُبَيِّنَ طُولَ مَا يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ شِبْرٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا أَصْلًا بَلْ لَا يَجُوزُ بِهَذَا الْعَقْدِ، وَلَوْ قَدَّرَ بِالْوَزْنِ فِي الْكُلِّ جَازَ. وَفِي دِيَارِنَا تَعَارَفُوا فِي نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ الْوَزْنَ فَيَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَزْنًا وَهُوَ أَضْبَطُ وَأَطْيَبُ، وَكَوْنُ الْعُرْفِ فِي شَيْءٍ مِنْ بَعْضِ الْمُقَدَّرَاتِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَتَعَامَلَ فِيهِ بِمِقْدَارٍ آخَرَ يَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ كَمَا قُلْنَا فِي الْبَيْضِ كَيْلًا، وَعَنْهُ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قُوبِلَ نَحْوَ الْحِنْطَةِ بِجِنْسِهَا وَزْنًا وَهُوَ كَيْلِيٌّ لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الرِّبَا، أَمَّا السَّلَمُ فَلَيْسَ يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ لَا يَكُونُ حِنْطَةٌ وَقَدْ رَضِيَا بِضَبْطِهِ وَزْنًا كَيْ لَا يَصِيرَ تَفَاوُتُ الْحِنْطَتَيْنِ الْمُتَّحِدَتِي الْوَزْنِ كَيْلًا، وَبِهَذَا تَضْعُفُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا. وَذَكَر قَاضِي خَانْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْقَتِّ وَزْنًا وَالرَّطْبَةِ الْقَضْبَ، والْجُرَزِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ جُرْزَةٌ: وَهِيَ الْحُزْمَةُ مِنْ الرَّطْبَةِ كَحُزْمَةِ الرِّيحَانِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْجِزَز بِكَسْرِ الْجِيمِ وِزَاءَيْنِ أَوَّلُهُمَا مَفْتُوحَةٌ فَجَمْعُ جِزَّةٌ وَهِيَ الصُّوفُ الْمَجْزُوزُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ

مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَحِلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَلِّفُوا فِي الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ الْحُلُولِ (حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ) وَهُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْمَحِلُّ (لَا يَجُوزُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ (إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ جَازَ) وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوُجُودِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَهُوَ بِالْوُجُودِ وَقْتُ الْمَحِلِّ فَاشْتِرَاطُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ بِلَا مُوجِبٍ، بَلْ دَلِيلُ نَفْيِهِ عَدَمُ دَلِيلِ وُجُودِهِ لِأَنَّ نَفْيَ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ يَكْفِي لِنَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. وَلَهُمْ أَيْضًا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ» فَأَفَاضَ فِي بَيَان الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فَلَوْ كَانَ عَدَمُ الِانْقِطَاعِ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ، وَحِينَ لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَثْبُتْ بَلْ لَزِمَ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا بِسُكُوتِهِ عَنْهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي بَيَانِ مَا هُوَ شَرْطٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مِثْلِهِ. قُلْنَا: بَلْ فِيهِ مُدْرَكُ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ «عَنْ رَجُلٍ نَجْرَانِيٍّ. قُلْتُ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أُسْلِمُ فِي نَخْلٍ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ؟ قَالَ لَا، قُلْت لِمَ؟ قَالَ لِأَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ فِي حَدِيقَةِ نَخْلٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ النَّخْلُ فَلَمْ تُطْلِعْ النَّخْلُ شَيْئًا ذَلِكَ الْعَامُ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أُؤَخِّرَكَ حَتَّى تَطْلُعَ، فَقَالَ الْبَائِعُ: إنَّمَا النَّخْلُ هَذِهِ السَّنَةُ، فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لِلْبَائِعِ: أَخَذَ مِنْ نَخْلِك

(وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَحِلِّ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ فَسَخَ السَّلَمَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ) لِأَنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ وَالْعَجْزُ الطَّارِئُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَإِبَاقِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْئًا؟ قَالَ لَا، قَالَ: بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَهُ، اُرْدُدْ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ وَلَا تُسْلِمُوا فِي نَخْلٍ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَوَّلًا يَصْدُقُ عَلَى السَّلَمِ إذَا وَقَعَ قَبْلَ الصَّلَاحِ أَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَفِيهِ مَجْهُولٌ كَمَا رَأَيْتَ، وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» فَيَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِلنَّهْيِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ» وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ» فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ هَذَيْنِ الصَّحَابِيَّيْنِ الْكَبِيرِينَ فِي الْعِلْمِ وَالتَّتَبُّعِ أَنَّهُمَا فَهِمَا مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ بَيْعَ السَّلَمِ، فَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ الْمَحِلِّ فَلَزِمَ اشْتِرَاطُ وُجُودِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا لُزُومُ وُجُودِهِ بَيْنَهُمَا فَإِمَّا لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ لِأَنَّ الثَّابِتَ قَائِلَانِ: قَائِلٌ بِاشْتِرَاطِهِ عِنْد الْمَحِلِّ فَقَطْ، وَقَائِلٌ عِنْدَهُمَا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا، فَالْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِهِ عِنْدَهُمَا لَا غَيْرُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، وَنَقُولُ ذَلِكَ بِتَعْلِيلِ النَّصِّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ فَلَا يَضْطَرُّ إلَيْهِ عِنْدَهُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ وَبِالِاسْتِمْرَارِ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحْصِيلِ، فَإِنْ أَخْذَ السَّلَمِ مَظِنَّةُ الْعَدَمِ وَبِالْأَخْذِ بِذَلِكَ مَظِنَّةُ التَّحْصِيلِ شَيْئًا فَشَيْئًا فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَبِاعْتِبَارِ الظِّنَّةِ تُنَاطُ الْأَحْكَامُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَوْنِ بَعْضِ مَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ قَدْ يُحَصِّلُهُ دَفْعَةً عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَالذَّرَاعِ وَأَهْلُ النَّخْلِ، فَإِنَّ مَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يُحْصَى وَأَكْثَرُهُمْ يُحَصِّلُ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِدَفَعَاتٍ، أَرَأَيْتَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فِي الْجُلُودِ أَيَذْبَحُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَلْفَ رَأْسٍ لِيُعْطِيَ جُلُودَهَا لِرَبِّ السَّلَمِ، وَكَذَا الْأَسْمَاكُ الْمَالِحَةُ وَالثِّيَابُ وَالْأَخْشَابُ وَالْأَحْطَابُ وَالْأَعْسَالُ. وَالْمُشَاهَدُ فِي بَعْضٍ مَنْ لَهُ نَخْلٌ أَوْ زَيْتُونٌ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَحَصَّلُ لَهُ لِيُعْطِيَ مَا يَخْرُجُ لَهُ وَيَشْتَرِي الْبَاقِيَ، وَكَثِيرٌ يَأْخُذُونَ لِيَسْتَرِيحُوا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيُنْفِقُوا مِنْ فَضْلِ الْكَسْبِ عَلَى عِيَالِهِمْ وَيُحَصِّلُوا الْمُسْلَمَ فِيهِ قَلِيلًا قَلِيلًا، لِأَنَّ وَضْعَ الْمُسْلِمِ شَرْعًا لِاعْتِبَارِ ظَنِّ مَا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ هُوَ السَّبَبُ فِي اشْتِرَاطِ الشَّرْعِ وُجُودَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ الِانْقِطَاعُ الَّذِي يُفْسِدُ الْعَقْدَانِ لَا يُوجَدُ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ الثَّلْجِيُّ وَتَوَارَدُوا عَلَيْهِ. وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي اللَّيْثِ: لَوْ انْقَطَعَ فِي إقْلِيمٍ دُونَ إقْلِيمِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْإِقْلِيمِ الَّذِي لَا يُوجَدُ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَصَّلُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَيَعْجَزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِي الرُّطَبِ بِبُخَارَى لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بِسِجِسْتَانَ (وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَحِلِّ) أَيْ حُلُولُ الْأَجَلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ (لَكِنْ رَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ) وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْكَرْخِيِّ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ لَا يَبْقَى عِنْدَ فَوَاتِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَكَذَا هُنَا. وَلَنَا (أَنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ) ثُمَّ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بِعَارِضٍ (عَنْ شَرَكِ الزَّوَالِ) فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي (كَمَا لَوْ أَبِقَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ

قَالَ (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا) لِلتَّفَاوُتِ. قَالَ (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي زَمَانِ الشِّتَاءِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي تُقَطَّعُ اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ هُنَا دَيْنٌ وَمَحِلُّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِبَقَاءِ مَحِلِّهِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ إذَا كَانَ وُجُودُهُ مَرْجُوًّا، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ بِهَلَاكِهِ يَفُوتُ مَحِلُّ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْفُلُوسُ إذَا كَسَدَتْ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ لَكِنْ الثَّمَنُ الْكَائِنُ فِيهَا فُلُوسٌ هِيَ أَثْمَانٌ وَلَا وُجُودَ لَهَا بَعْدَ الْكَسَادِ فَيَفُوتُ الْمَحِلُّ، ثُمَّ هُوَ لَيْسَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بَلْ الظَّاهِرُ اسْتِمْرَارُهُ فِي الْوُجُودِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ أَوَانًا مَعْلُومًا، وَكَذَا لِغَيْرِهَا أَوَانٌ يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِيهِ مِنْ السَّنَةِ بِرُخَصٍ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا) بِأَنْ يَقُولَ بُورِيٌّ أَوْ رَايٌ، وَفِي أَسْمَاكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة الشَّفْشُ وَالدُّونِيسُ وَغَيْرُهَا (لِأَنَّهُ) حِينَئِذٍ (مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الصِّفَةِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ) فِي التُّحْفَةِ: وَأَمَّا الصِّغَارُ فَيَجُوزُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا سَوَاءٌ فِيهِ الطَّرِيُّ وَالْمَالِحُ. وَفِي الْمُغْرِبِ: سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَهُوَ الْمُقَدِّدُ الَّذِي فِيهِ الْمِلْحُ، وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: لَكِنْ قَالَ الشَّاعِرُ: بَصَرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيًّا ... أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَكَفَى بِذَلِكَ حُجَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ، وَظَاهِرُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَدِيءٍ وَلَمْ يَجِدْ سِوَى هَذَا الْبَيْتِ وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَ الْمَغْرِبِ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ، وَلَيْسَ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ فَائِدَةٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ مِلْحٌ وَمَلِيحٌ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الرَّاجِزِ أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا ذَاكَ مُوَلَّدٌ لَا يُؤْخَذُ بِلُغَتِهِ. وَأَمَّا الطَّرِيُّ فَيَجُوزُ حِينَ وُجُودِهِ وَزْنًا أَيْضًا، فَإِذَا كَانَ يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ كَمَا قِيلَ إنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي الشِّتَاءِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي الشِّتَاءِ. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الصَّيْفِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى الْأَجَلِ لَا يَبْلُغُ الشِّتَاءَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ

قَالَ (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: إذَا وَصَفَ مِنْ اللَّحْمِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ) لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ. وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَيَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ، بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ. وَلَهُ أَنَّهُ مَجْهُولٌ لِلتَّفَاوُتِ فِي قِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتِهِ أَوْ فِي سِمَنِهِ وَهُزَالِهِ عَلَى اخْتِلَافِ فُصُولِ السَّنَةِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَفِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ مَعَ شُرُوطِهِ فِي حِينِهِ كَيْ لَا يَنْقَطِعُ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْحُلُولِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ جَازَ مُطْلَقًا وَزْنًا لَا عَدَدًا لَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكِبَارِ الَّتِي تُقَطَّعُ كَمَا يُقَطَّعُ اللَّحْمُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي لَحْمِهَا اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَنْعُ السَّلَمِ فِي الْكِبَارِ وَزْنًا مَعَ إجَازَتِهِ فِي اللَّحْمِ فَإِنَّ هُنَاكَ يُمْكِنُ إعْلَامُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ الْجَنْبِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ الْفَخِذِ وَلَا يَتَأَتَّى فِي السَّمَكِ ذَلِكَ. وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ فِي حِينِهِ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ حِينٍ مَدْفُوعِ، فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ عَدَمُ الْوُجُودِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَفِي بَعْضِ السَّنَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمُ الِاصْطِيَادِ لِيَرُدَّ مَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَأْكِيدٌ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ كَقَوْلِهِ لَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ يَقُولُهُ فِيمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ تَحَرُّزًا عَنْ الْقَطْعِ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّأْيِ بَعِيدٌ. فَكُلُّ الْأَحْكَامِ الْقِيَاسِيَّةِ الْمَظْنُونَةِ مُعَبَّرٌ عَنْهَا فِي الْفِقْهِ بِلَا يَجُوزُ كَذَا أَوْ يَجُوزُ كَذَا. وَكُلُّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا مَظْنُونَاتٌ لَا مَقْطُوعَاتٌ، وَأَيْضًا الْمُجْتَهِدُ قَاطِعٌ بِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ (وَقَالَا: إذَا وَصَفَ مِنْ اللَّحْمِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ) كَكَوْنِهِ ذَكَرًا وَخَصِيًّا وَسَمِينًا بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ جِنْسَهُ مِنْ نَحْوِ الضَّأْنِ وَسِنَّهُ ثَنِيٌّ وَمِنْ الْفَخِذِ الْكَتِفِ أَوْ الْجَنْبِ مِائَةُ رِطْلٍ. وَفِي الْحَقَائِقِ وَالْعُيُونِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهَذَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ. وَقَدْ قِيلَ لَا خِلَافَ، فَمَنَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَا السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ وَقَوْلُهُمَا إذَا بَيَّنَّا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَوْزُونٌ فِي عَادَةِ النَّاسِ مَضْبُوطٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَصْفِ. وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى كَوْنِهِ مَوْزُونًا وَكَذَا كَوْنُهُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ جَائِزُ الِاسْتِقْرَاضِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ فِيهِ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ قَاطِعٌ فِيهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْعَظْمِ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّى مَوْضِعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِيهِ عَظْمٌ كَانَ تَرَاضِيًا عَلَى قَطْعِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْعَظْمِ، وَلِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ وَلِذَا جَازَ السَّلَمُ فِي الْأَلِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ عَظْمٍ وَالسَّلَمِ فِيهَا وَفِي الشَّحْمِ بِالْإِجْمَاعِ (بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ) لِأَنَّ عُضْوَ الطَّيْرِ صَغِيرٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مَنْعِهِ مُطْلَقًا.

الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ. وَكَذَا الِاسْتِقْرَاضُ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ فَالْمِثْلُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ يُعَايَنُ فَيُعْرَفُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ بِهِ فِي وَقْتِهِ، أَمَّا الْوَصْفُ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يُصْطَادُ مِنْ الطُّيُورِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَلَا فِي لَحْمِهِ. وَمَا صِيدَ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْعَظْمِ لَا يَعْتَبِرُهُ النَّاسُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ. فَإِنَّ الْعِلَّةَ حِينَئِذٍ ثَابِتَةٌ. ثُمَّ يَجِبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي مِائَةِ رِطْلٍ مِنْ لَحْمِ الدَّجَاجِ مَثَلًا أَنْ يُعَيِّنَ الْمَوْضِعَ بَعْدَ كَوْنِهِ بِعَظْمٍ. فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُحِبُّ الصَّدْرَ مِنْهَا فَيَقُولُ أَوْرَاكًا أَوْ غَيْرِ الصَّدْرِ أَوْ يَنُصُّ عَلَى صَدْرِهَا وَأَوْرَاكِهَا، فَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ مِنْ لَحْمِ الدَّجَاجِ السَّمِينِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرْنَا لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ النَّاسِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقَعُ سَلَمًا فِي الْمَجْهُولِ لِتَفَاوُتِ اللَّحْمِ بِقِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتُهُ، بِخِلَافِ لَحْمِ السَّمَكِ فَإِنَّ مَضْمُونَهُ مِنْ الْعَظْمِ قَلِيلٌ مَعْلُومٌ إهْدَارُهُ بَيْنَ النَّاسِ. وَلِذَا هُوَ فَرْقٌ بَيْنَ لَحْمِ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُمَا إذَا سَمَّى مَوْضِعًا كَانَ تَرَاضِيًا عَلَى قَطْعِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْعَظْمِ. قُلْتُ: لِلْمُشَاهَدِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ حَالًا بِعَظْمِهِ جَرَيَانُ الْمُعَاكَسَةِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْعَظْمِ، حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِي يَسْتَكْثِرُهُ فَيَأْمُرُهُ بِنَزْعِ بَعْضِهِ وَالْجَزَّارُ يَدُسُّهُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْمُسْتَأْخَرِ التَّسْلِيمُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْفُصُولِ سِمَنًا وَهُزَالًا، فَلَوْ سَمَّى السَّمِينَ قَدْ يَكُونُ انْتِهَاءُ الْأَجَلِ فِي فَصْلِ الْهُزَالِ. وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الْمُنْقَطِعِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ يَثْبُتُ مَعَ إحْدَاهُمَا كَمَا يَثْبُتُ مَعَهُمَا. وَقَوْلُهُمَا يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ بِمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِيمَنْ غَصَبَ لَحْمًا فَشَوَاهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ لَا يَسْقُطُ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ. قِيلَ وَلَا تُوجَدُ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ إلَّا هُنَا مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّهُ رَأَى وَسَطَ غَصْبِ الْمُنْتَقَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا اسْتَهْلَكَ لَحْمًا قَالَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَحَلَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ (أَنَّ الْقَبْضَ) أَيْ قَبْضَ اللَّحْمِ الْقَرْضُ (يُعَايِنُ فَيَعْرِفُ مِثْلَهُ بِهِ) أَيْ بِالْمَقْبُوضِ. أَمَّا السَّلَمُ فَلَيْسَ فِيهِ مَقْبُوضٌ مُعَيَّنٌ بَلْ مُجَرَّدُ وَصْفٍ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الِاسْتِقْرَاضُ وَزْنًا أَيْضًا مَمْنُوعٌ بَلْ ذَاكَ مَذْهَبُهُمَا، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ أَيْ تَسْلِيمِ أَنَّ ضَمَانَ اللَّحْمِ بِالْمِثْلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ إلَّا أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ جَرَيَانَ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالسَّلَمِ بِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ فِي الضَّمَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَتَمَامُ الْمُعَادَلَةِ بِالْمِثْلِ لِأَنَّهُ مَثَلٌ صُورَةً وَمَعْنًى.

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ حَالًّا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فِيمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَجَلِ لِيَقْدِرَ عَلَى التَّحْصِيلِ فِيهِ فَيُسَلِّمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا الْقِيمَةُ فَمِثْلٌ مَعْنًى فَقَطْ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْمِثْلُ أَقْرَبُ إلَى الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ، وَكَذَا بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ اسْتِقْرَاضِهِ. فَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّلَمِ وَالْقَرْضِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْقَرْضِ مُعَايَنٌ مَحْسُوسٌ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارَ الْمَقْبُوضِ ثَانِيًا بِالْأَوَّلِ. أَمَّا السَّلَمُ فَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ وَبِالْوَصْفِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا تُعْرَفُ مُطَابَقَتُهُ لِلْمَوْجُودِ عِنْدَ الْقَبْضِ كَمَعْرِفَةِ مُطَابَقَتِهِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَقْبُوضِ الْمُوجِبِ لِلْمِثْلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَمَّا الْوَصْفُ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ: أَيْ لَا يَكْتَفِي بِالْوَصْفِ فِي مَعْرِفَةِ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَالْمَقْبُوضِ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ أَوَّلًا وَالْمَقْبُوضِ ثَانِيًا. وَلَمَّا أَهْدَرَ الشَّارِعُ فِي بَابِ الرِّبَا كَوْنُ الْجُودَةِ فَارِقًا ثَبَتَ الرِّبَا بَيْنَ لَحْمَيْ نَوْعٍ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ اخْتَلَفَ مَوْضِعُهُمَا كَلَحْمِ فَخِذٌ مَعَ لَحْمِ ضِلْعٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا) وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ) بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: أَسْلَمْتُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ (لِإِطْلَاقِ النَّصِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ) وَالظَّاهِرِ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ حَدِيثٍ. وَهَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا الْوَجْهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ، وَرُبَّمَا اسْتَدَلُّوا عَلَى نَفْيِهِ بِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ الْأَجَلُ لَكَانَ لِتَحْصِيلِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْعَاقِدِ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْفَرْضُ وُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَيْهِ،

وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ لَمْ يُوجَدْ الْمُرَخِّصُ فَبَقِيَ عَلَى النَّافِي. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْأَجَلُ أَدْنَاهُ شَهْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا حَقِيقَةً فَقَدْ ثَبَتَتْ قُدْرَتُهُ بِمَا دَخَلَ فِي يَدِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلِهَذَا أَوْجَبْنَا تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْرُجُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ يَدِ مَوْلَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مُلْكِهِ شَيْءٌ فَلَا يَصِيرُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمٍ بَدَلَ الْكِتَابَةِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالكُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالتَّأْجِيلِ فِي السَّلَمِ فَيَمْنَعُ الْحَالَّ، بَلْ مَعْنَاهُ: مَنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ فَلْيُسْلِمْ فِي مَكِيلٍ مَعْلُومٍ أَوْ فِي مَوْزُونٍ فَلْيُسْلِمْ فِي مَوْزُونٍ مَعْلُومٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلِيَكُنْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ أَيْضًا أَمْرًا بِأَنْ يَكُونَ السَّلَمُ فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ لِأَنَّ النَّسَقَ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ. وَنَحْنُ نَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ قَاطِبَةً فِي إخْرَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْعَامِّ لِلتَّرْخِيصِ لِلْمَفَالِيسِ الْمُحْتَاجِينَ إلَى نَفَقَةٍ عَاجِلَةٍ قَادِرِينَ عَلَى الْبَدَلِ بِقُدْرَةٍ آجِلَةٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَحِلُّ الرُّخْصَةِ إلَّا مَعَ ذِكْرِ الْأَجَلِ فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ، وَكَوْنُهُ قَادِرًا حَالَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ فِي حَقِّهِ. وَلَمَّا كَانَ جَوَازُهُ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ بَاطِنَةٌ أُنِيطَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَمَا هُوَ الْمُسْتَمِرُّ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ كَالسَّفَرِ لِلْمَشَقَّةِ وَنَحْوَهُ وَهُوَ ذَكَرَ الْأَجَلَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى كَوْنِ الْمَبِيعِ مَعْدُومًا مِنْ عِنْدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ مَوْجُودًا قَادِرًا هُوَ عَلَيْهِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ (وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ لَمْ يُوجَدْ الْمُرَخَّصُ) مَعْنَاهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُمْ: الْغَرَرُ فِي السَّلَمِ الْحَالِ أَقَلُّ مِنْهُ فِي الْمُؤَجَّلِ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا لَا يُفِيدُ شَيْئًا: أَعْنِي بَعْدَمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمَالِ الْعَاجِزِ عَنْ الْعِوَضِ فِي الْحَالِ، فَإِنَّ الْغَرَرَ قَدْ يُحْمَلُ فِيهِ لِتِلْكَ الْحَاجَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي السَّلَمِ الْحَالِّ (قَوْلُهُ وَالْأَجَلُ أَدْنَاهُ شَهْرٌ إلَى آخِرِهِ) فِي التُّحْفَةِ: لَا رِوَايَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي الْمَبْسُوطِ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُمْ. وَالْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالشَّهْرِ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْآجِلِ وَأَقْصَى الْعَاجِلِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ مُحَقَّقٌ فِيهِ، وَكَذَا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ، كُلُّ هَذَا تَنْفَتِحُ فِيهِ الْمُنَازَعَاتُ، بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الزَّمَانِ. وَفِي الْإِيضَاحِ: فَإِنْ قَدَّرَا نِصْفَ يَوْمٍ جَازَ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَدَّرُوا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اسْتِدْلَالًا بِمُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ ثَمَّةَ بِالثَّلَاثِ بَيَانُ أَقْصَى الْمُدَّةِ، فَأَمَّا أَدْنَاهُ فَغَيْرُ مُقَدَّرٌ انْتَهَى. وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثِ يُرْوَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أُسْتَاذُ الطَّحَاوِيِّ. وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَلِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دِينَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ فَكَانَ مَا دُونَ الشَّهْرِ

وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا بِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ فِيهِ التَّسْلِيمُ فَرُبَّمَا يَضِيعُ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ إلَّا فِي قُرْبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا) أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَرِيهِ آفَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حُكْمِ الْعَاجِلِ، فَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ آجِلٌ، قَالُوا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَبِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) أَمَّا إذَا عُرِفَ فَيَجُوزُ لِضَبْطِ الْمِقْدَارِ لَوْ تَلَفَ ذَلِكَ الْمِكْيَالُ وَالذِّرَاعُ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ احْتِمَالِ هَلَاكِ مَا قُدِّرَ بِهِ فَيَتَعَذَّرُ الْإِيفَاءُ. قَالَ (وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ وَبِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: بِخِلَافِ السَّلَمِ إلَى آخِرِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَيْسَ بِمُكَايَلَةٍ وَلَا مُجَازَفَةٍ، وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ وَيَتَقَدَّرُ التَّسْلِيمُ فَهَذَا بَيْعٌ مُجَازَفَةً، ثُمَّ لَا بُدَّ (أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ) وَالْحَدِيدِ وَالْخَزَفِ (فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ) وَالْغِرَارَةِ (لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ) عِنْدَ التَّسْلِيمِ (إلَّا فِي قُرْبِ الْمَاءِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ) فَإِنَّهُ أَجَازَهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ سِقَاءِ كَذَا كَذَا قِرْبَةً مِنْ مَاءِ النِّيلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مَثَلًا بِهَذِهِ الْقِرْبَةِ وَعَيَّنَهَا جَازَ الْبَيْعُ، وَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا عَيَّنَ هَذِهِ الْقِرْبَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَكِنْ بِمِقْدَارِهَا. وَالزِّنْبِيلُ بِالْفَتْحِ بِلَا تَشْدِيدٍ وَبِالْكَسْرِ مُشَدَّدُ الْبَاءِ وَيُقَالُ زِنْبِيلٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا) كَحِنْطَةِ بَلْدَةِ الْفَهْمِيِّينَ وَالْمَحَلَّةِ بِبِلَادِ مِصْرَ (أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا) أَوْ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ (لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَرِيهِ آفَةٌ فَتَنْتَفِي قُدْرَةُ التَّسْلِيمِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ «أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ إلَى قَرْيَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا كالخشمراني بِبُخَارَى وَالْبَسَاخِيِّ بِفَرْغَانَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «أَرَأَيْتَ لَوْ ذَهَبَ ثَمَرَةُ هَذَا الْبُسْتَانِ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» ) فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْبَيْعِ ثَمَنًا إنْ لَمْ يُخْرِجْ هَذَا الْبُسْتَانُ شَيْئًا فَكَانَ فِي بَيْعِ ثَمَرِ هَذَا الْبُسْتَانِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ فَلَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ شَامِيَّةٍ فَإِنَّ احْتِمَالَ أَنْ لَا يَنْبُتَ فِي الْإِقْلِيمِ بِرُمَّتِهِ شَيْءٌ ضَعِيفٌ فَلَا يَبْلُغُ الْغَرَرَ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ فَيَجُوزُ، فَهَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ وُرُودُهُ فِي السَّلَمِ أَوْ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا. وَالْوَاقِعُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَرَدَّ فِي السَّلَمِ وَفِي الْبَيْعِ، أَمَّا فِي السَّلَمِ فَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ فِي الَّذِي أَسْلَمَ فِي تِلْكَ الْحَدِيقَةِ النَّخْلَ فَلَمْ يَطْلُعْ شَيْءٌ فَأَرَادَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَهُ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ وَقَالَ إنَّمَا النَّخْلُ هَذِهِ السَّنَةُ، حَيْثُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَذَ مِنْ نَخْلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ لَا، قَالَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَهُ؟ اُرْدُدْ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ» الْحَدِيثُ. وَأَمَّا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنَّ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟» فَيَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ السَّلَمِ وَالْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَيُوجِبُ رَدَّ الثَّمَنِ فَهُوَ دَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللَّهُ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ هَذَا؟» (فَلَوْ كَانَتْ نِسْبَةُ الثَّمَرَةِ إلَى قَرْيَةٍ) مُعَيَّنَةٍ (لِبَيَانِ الصِّفَةِ) لَا لِتَعْيِينِ الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِهَا بِعَيْنِهِ (كالخشمراني وَالْبَسَاخِيِّ) بِبُخَارَى وَهِيَ قَرْيَةٌ حِنْطَتُهَا جَيِّدَةٌ (بِفَرْغَانَةَ لَا بَأْسَ بِهِ) وَلِأَنَّهُ لَا يُرَادُ خُصُوصُ النَّابِتِ هُنَاكَ، بَلْ الْإِقْلِيمُ، وَلَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ الْحِنْطَةِ هُنَاكَ لِأَنَّهُ إقْلِيمٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ مِنْ حِنْطَةِ هَرَاةَ يُرِيدُ هَرَاةَ خُرَاسَانَ وَلَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِ إقْلِيمٍ بِكَمَالِهِ، فَالسَّلَمُ فِيهِ وَفِي طَعَامِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ سَوَاءٌ، وَكَذَا فِي دِيَارِ مِصْرَ فِي قَمْحِ الصَّعِيدِ. وَاَلَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي الْمُجْتَبِي وَفِي غَيْرِهِ: لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ بُخَارَى أَوْ حِنْطَةِ سَمَرْقَنْدَ أَوْ إسْبِيجَابَ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ انْقِطَاعِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ هَرَاةَ لَا يَجُوزُ، وَفِي ثَوْبِ هَرَاةَ وَذَكَرَ شُرُوطَ السَّلَمِ يَجُوزُ لِأَنَّ حِنْطَتَهَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا إذْ الْإِضَافَةُ لِتَخْصِيصِ الْبُقْعَةِ فَيَحْصُلُ السَّلَمُ فِي مَوْهُومِ الِانْقِطَاعِ، بِخِلَافِ إضَافَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ لَا لِتَخْصِيصِ الْمَكَانِ، وَلِذَا لَوْ أَتَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بِثَوْبٍ نُسِجَ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ هَرَاةَ مِنْ جِنْسِ الْهَرَوِيِّ: يَعْنِي مِنْ صِفَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ يُجْبَرُ رَبُّ السَّلَمِ عَلَى قَبُولِهِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَانِعَ وَالْمُقْتَضِي الْعُرْفُ، فَإِنْ تُعُورِفَ كَوْنُ النِّسْبَةِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ فَقَطْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا يُبَيِّنُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: لَوْ كَانَ ذَكَرَ النِّسْبَةَ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكَانِ كالخشمراني فَإِنَّهُ يُذْكَرُ لِبَيَانِ الْجُودَةِ لَا يَفْسُدُ

قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا بِسَبْعِ شَرَائِطَ: جِنْسٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِنَا حِنْطَةٌ أَوْ شَعِيرٌ (وَنَوْعٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِنَا سَقِيَّةٌ أَوْ بَخْسِيَّةٌ (وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ) كَقَوْلِنَا جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ (وَمِقْدَارٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِنَا كَذَا كَيْلًا بِمِكْيَالٍ مَعْرُوفٍ وَكَذَا وَزْنًا (وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَيْنَا وَالْفِقْهُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا (وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّلَمُ، وَإِنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ حِنْطَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِثْلَ الثَّوْبِ جَازَ السَّلَمُ وَإِلَّا لَا، أَمَّا السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ الصَّعِيدِيَّةِ وَالْعِرَاقِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ فَلَا شَكٌّ فِي جَوَازِهِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ قَبْلَ حُدُوثِهَا فَالسَّلَمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ فِي الْحَالِ، وَكَوْنُهَا مَوْجُودَةٌ فِي وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْمَحِلِّ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّلَمِ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا بِسَبْعِ شَرَائِطَ) تُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهِيَ الْخَمْسُ الْأُولَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلسَّلَمِ شُرُوطًا غَيْرِهَا وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ ذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ بَلْ وُجُودُهَا. وَشَرَائِطُ جَمْعُ شَرِيطَةٌ، فَقَوْلُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ سَبْعٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ سَبْعَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمَعْدُودِ شَرْطًا وَسَبْعٌ عَلَى تَقْدِيرِهَا شَرِيطَةٌ وَكُلٌّ وَارِدٌ عَلَى اعْتِبَارٍ خَاصٍّ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ النُّسَخِ لَيْسَ إلَّا الْمَشْهُورُ سَبْعُ شَرَائِطِ (جِنْسٌ مَعْلُومٌ كَحِنْطَةٍ شَعِيرٍ وَنَوْعٌ مَعْلُومٌ كَسَقِيَّةٍ) وَهِيَ مَا يُسْقَى سَيْحًا (أَوْ بَخْسِيَّةٍ) وَهِيَ مَا يُسْقَى بِالْمَطَرِ وَنَسَبَتْ إلَى الْبَخْسِ لِأَنَّهَا مَبْخُوسَةُ الْحَظِّ مِنْ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيْحِ غَالِبًا (وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ كَجَيِّدٍ رَدِيءٍ) وَسَطٌ مُشْعِرٌ سَالِمٌ مِنْ الشَّعِيرِ (وَمِقْدَارٌ مَعْلُومٌ كَذَا كَيْلًا بِمِكْيَالٍ مَعْلُومٍ) فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ بِالتَّفْصِيلِ، فَإِنَّ مَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مُسَلَّمًا فِيهِ يَجُوزُ كَوْنُهُ رَأْسَ السَّلَمِ وَلَا يَنْعَكِسُ، فَإِنَّ النُّقُودَ تَكُونُ رَأْسَ مَالٍ وَلَا سَلَمَ فِيهِ (وَ) الْخَامِسُ (أَجَلٌ مَعْلُومٌ) وَالْأَصْلُ فِيهِ: أَيْ فِي اشْتِرَاط هَذِهِ الْخَمْسَةِ مَا رَوَيْنَا: يَعْنِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ» الْحَدِيثُ، نَصَّ عَلَى شَرْطَيِّ الْقَدْرِ الْمَعْلُومِ وَالْأَجَلِ الْمَعْلُومِ، وَثَبَتَ بَاقِي الْخَمْسَةِ بِالدَّلَالَةِ لِظُهُورِ إرَادَةِ الضَّبْطِ الْمُنَافِي لِلْمُنَازَعَةِ. وَقَوْلُهُ (وَالْفِقْهُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَ) السَّادِسُ (ذِكْرُ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ) يَعْنِي تَنْقَسِمُ أَجْزَاءَ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ أَوْ الْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ فِي قَدْرِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ ثَوْبًا لِأَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ، وَإِعْلَامُ الْوَصْفِ بَعْدَ الْإِشَارَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ تُسَلَّمُ لَهُ الزِّيَادَةُ، وَلَوْ وَجَدَهُ تِسْعَةٌ لَا يَحُطُّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ، وَالْمُسْلَمُ

(وَتَسْمِيَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُوفِيهِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) وَقَالَا: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَا إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَيُسَلِّمُهُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ. وَلَهُمَا فِي الْأُولَى أَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ وَالْأُجْرَةَ وَصَارَ كَالثَّوْبِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رُبَّمَا يُوجَدُ بَعْضُهَا زُيُوفًا لَا يَسْتَبْدِلُ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ لَا يَدْرِي فِي كَمْ بَقِيَ أَوْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَالْمُتَحَقِّقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى عَدَدِ الذُّرْعَانِ لِيُشْتَرَطَ إعْلَامُهُ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءُ فَجَهَالَةُ قَدْرِ الذُّرْعَانِ لَا تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَهُنَا الْمُسْلَمُ فِيهِ بِمُقَابِلَةِ الْمُقَدَّرَاتِ فَيُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدَ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ اتِّفَاقًا فَصَارَتْ أَحَدَ عَشَرَ شَرْطًا. وَالثَّانِي عَشَرَ تَسْمِيَةُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَهُوَ يَخُصُّ الْمُسْلَمَ فِيهِ. وَالثَّالِثُ عَشْرَ أَنَّ أَنْ لَا يَشْمَلَ الْبَدَلَيْنِ إحْدَى عِلَّتِي الرِّبَا لِأَنَّ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ. وَالرَّابِعُ عَشَرَ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَتَقَدَّمَ، فِي التِّبْرِ رِوَايَتَانِ. وَالْخَامِسُ عَشَرَ انْعِقَادُ الثَّمَنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا ذُكِرَ بِسَبَبِ اشْتِرَاطِهِ لِأَجْلِ إعْلَامِ قَدْرِهِ (وَ) السَّابِعُ (تَسْمِيَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُوفِيهِ فِيهِ إذَا كَانَ لِلْمُسَلَّمِ فِيهِ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) أَيْ إذَا كَانَ نَقْلُهُ يَحْتَاجُ إلَى أُجْرَةٍ وَنَحْوِهِ لِثِقَلِهِ (وَقَالَا: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ رَأْسَ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا) يَقْبِضُهُ دُفْعَةً (وَلَا إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَيُسَلِّمُهُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ) خِلَافِيَّتَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا (لَهُمَا فِي الْأُولَى) وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ بِلَا مُنَازَعَةً (يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ) إلَى الْعَيْنِ الثَّمَنُ الْمُعَجَّلُ فَأُغْنِي عَنْ إعْلَامِ قَدْرِهِ وَصَارَ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمُعَجَّلِ، وَالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ إذَا دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْمِقْدَارِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَكَرَأْسِ الْمَالِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَلَيْهِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِيهِ إعْلَامُ كَمْيَّةِ ذُرْعَانِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَهُ. مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ بِهِ، وَقَوْلُ الْفَقِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ عِوَضٌ تَنَاوَلَهُ عَقْدُ السَّلَمِ، وَلِأَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَانِعٌ اتِّفَاقًا وَجَهَالَةُ رَأْسِ الْمَالِ مُؤَدٍّ إلَيْهِ،

لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا يُؤَدِّي إلَى الْمُمْتَنِعِ شَرْعًا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا. بَيَانُ تَأْدِيَتِهِ إلَيْهِ أَنَّهُ رُبَّمَا يُنْفِقُ رَأْسَ الْمَالِ كَمَا يُنْفِقُهُ الْمُحْتَاجُونَ فَرُبَّمَا يَظْهَرُ فِيهِ زُيُوفٌ فَيَخْتَارُ الِاسْتِبْدَالَ بِهِ وَرَدَّهُ. وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرُ رَأْسِ الْمَالِ زُيُوفًا فَإِنَّهُ إذَا رَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ بِهَا فِي الْمَجْلِسِ يَفْسُدُ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الِاسْتِبْدَالَ فِي أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ خِلَافًا لَهُمَا. وَقَدْ لَا يُتَّفَقُ الِاسْتِبْدَالُ بِهَا فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْرُ الْمَكِيلِ مَعْلُومًا لَمْ يَدْرِ فِي كَمْ انْتَقَضَ وَفِي كَمْ بَقِيَ فَيَصِيرُ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ يَلْزَمُ هَذَا أَيْضًا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا فَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْمَعْلُومِ (لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي) وَهُوَ كَوْنُ الْمَبِيعِ مَعْدُومًا فَإِنَّ مَا يُشْرَعُ لِذَلِكَ يَكُونُ ضَعِيفًا فِي الشَّرْعِيَّةِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ تَوَهُّمُ الْغَرَرَ الْمَذْكُورِ. وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ ثَمَرَةَ هَذَا الْحَائِطِ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةً فَإِذَا هُوَ خَمْسَةُ عَشَرَ كَانَ كُلُّهُ لَهُ وَالْمَبِيعُ لَا يُقَابِلُ الْأَوْصَافَ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ ظَهَرَ الثَّوْبُ أَوْ الْحَيَوَانُ الْمَجْعُولُ رَأْسَ مَالٍ مُخَرَّقًا وَسَمَّى عَدَدًا مِنْ الذَّرِعَانِ فِيهِ فَوَجَدَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْقَصَ أَوْ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ تَالِفًا لَا يَنْتَقِصُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ شَيْءٌ. بَلْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِكُلِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ هَذَا اعْتِبَارٌ لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ أَوْ أَنْزَلَ مِنْهَا فَإِنَّ فِي وُجُودِ الزَّيْفِ احْتِمَالًا. ثُمَّ اخْتِيَارُ الرَّدِّ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَدَمُ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فِيهِ أَيْضًا ذَلِكَ، وَالْمُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ لَا النَّازِلُ كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الشُّبْهَةُ لَا غَيْرُ وَهُوَ احْتِمَالُ أَنْ لَا تَخْرُجَ الثَّمَرَةُ. أُجِيبَ تَارَةٌ بِأَنَّهَا شُبْهَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ الْكُلَّ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِ الزَّيْفِ، وَتَارَةٌ بِأَنَّ السُّؤَالَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ كَالنَّقْدِ مَعَ النَّسِيئَةِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْمَوْهُومُ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ طَرِيقَ الْمَنْعِ مَا انْحَصَرَ فِي وُجُودِ الزَّيْفِ بَلْ ظُهُورُ اسْتِحْقَاقِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ طَرِيقٌ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْمَوْهُومِ فِي هَذَا الْعَقْدِ إجْمَاعُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ

وَمِنْ فُرُوعِهِ إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ أَحَدِهِمَا. وَلَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ مَكَانَ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مَكَانٌ آخَرَ فِيهِ فَيَصِيرُ نَظِيرُ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ فَصَارَ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَيْنِهِ لَا يَعْرِفُ مِقْدَارَهُ لِاحْتِمَالِ هَلَاكِ هَذَا الْكَيْلِ قَبْلَ الْحُلُولِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْ فُرُوعِهِ) أَيْ مِنْ فُرُوعِ الْخِلَافِ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ (إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ) كَكُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرِ عَشَرَةً مَثَلًا (وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا) مِنْ الْعَشَرَةِ (أَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ) كَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ كَبُرٍّ أَوْ أَسْلَمَ تَمْرًا وَحِنْطَةً مُعَيَّنِينَ فِي كَذَا مَنًّا مِنْ الزَّعْفَرَانِ (وَلَمْ يُبَيِّن مِقْدَارُ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي عَرَفَ مِقْدَارَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِي حِصَّةِ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فَيَبْطُلُ فِي الْآخَرِ أَيْضًا لِاتِّحَادِ الصِّفَةِ أَوْ (لِجَهَالَةِ حِصَّةِ الْآخَرِ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَجْهُولًا. وَلَهُمَا فِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ اشْتِرَاطُ مَكَانِ التَّسْلِيمِ فِيمَا لَهُ مُؤْنَةٌ (أَنَّ مَكَانَ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ) لِلْإِيفَاءِ (لِوُجُودِ الْعَقْدِ) فِيهِ (الْمُوجِبُ لِلتَّسْلِيمِ) مَا لَمْ يَصْرِفَاهُ بِاشْتِرَاطِ مَكَانِ غَيْرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مُقْتَضَى عَقْدٍ مُطْلَقٍ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لَمَا صَحَّ اشْتِرَاطُ غَيْرِهِ، فَإِنَّ تَغْيِيرَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مَرْدُودٌ أَوْ هُوَ مُفْسِدٌ عَلَى مَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَارَ كَانْصِرَافِهِ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ مَا لَمْ يُسَمِّيَا نَقْدًا غَيْرَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَيَلْحَقُ بِالثَّمَنِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيَهُمَا مَعًا. فَلَمَّا اقْتَضَى وُجُوبَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَجَبَ فِي الْآخَرِ كَذَلِكَ وَصَارَ الْمَكَانُ كَالزَّمَانِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلْوُجُوبِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ أَوْ لِلْأَدَاءِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ التَّسْلِيمَ يَحْتَاجُ إلَى مَكَان وَهَذَا الْمَكَانُ لَا يُزَاحِمُ فِيهِ غَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ كَأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَإِلْحَاقًا أَيْضًا بِالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ حَيْثُ يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ وَالْقَرْضِ وَالِاسْتِهْلَاكِ. وَيَرِدُ أَنَّ كَوْنَ تَعْيِينِ غَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ غَيْرِ مُفْسِدٍ يُنْقَضُ بِمَا إذَا اشْتَرَى كُرًّا وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ حَمْلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَيُفْسِدُ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِمُجَرَّدِ شِرَائِهَا، فَإِذَا شَرَطَ حَمْلًا فَقَدْ شَرَطَ عَمَلًا فِي مِلْكِهِ مَعَ الشِّرَاءِ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّمَنُ فِي مُقَابِلَةِ ذَلِكَ كُلَّهُ فَصَارَ بَائِعًا آجِرًا وَمُشْتَرِيًا مُسْتَأْجِرًا مَعًا فَهُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ فَيَفْسُدُ. أَمَّا عَقْدُ السَّلَمِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي بِهِ الْعَيْنَ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا عَيْنٌ، فَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِالْقَبْضِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ عَمَلٌ مِنْ الْبَائِعِ فِي مِلْكِهِ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ بَائِعًا وَآجِرًا. وَأُورِدَ أَيْضًا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ بَاعَ طَعَامًا وَالطَّعَامُ فِي السَّوَادِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ مَكَانَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ، بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْجَهَالَةُ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ، وَصَارَ كَجَهَالَةِ الصِّفَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَهُ الْخِيَارُ. وَلَوْ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْبَيْعِ مَكَانًا لِلتَّسْلِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ، ثُمَّ قِيلَ: إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا كَانَتْ خَوَابِيَ الْحِنْطَةِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرَ وَسَوَادٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُهُ بِالتَّسْلِيمِ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ وَالْبَائِعُ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ فِي الْأَبْعَدِ، وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ أَنَّ مَكَانَ الْبَيْعِ لَا يَتَعَيَّنُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا وَالْمَبِيعُ فِي السَّلَمِ حَاضِرٌ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ فَالْمَبِيعُ حَاضِرٌ بِحُضُورِهِ وَفِي بَيْعِ الْعَيْنِ إذَا كَانَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّسْلِيمَ) فِي السَّلَمِ (غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ) مَكَانَ الْعَقْدِ (بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ) فَإِنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِمَا وَاجِبٌ فِي الْحَالِ فَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا انْدَفَعَ قِيَاسُهُ عَلَى رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ وَتَضَمُّنُ مَنْعِ مَا قَالَا مِنْ أَنَّ وُجُودَ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ يُوجِبُ تَعْيِينَ مَكَانِهِ، بَلْ الْعَقْدُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فَقَطْ إلَّا إنْ اقْتَضَى أَمْرًا آخَرَ تَعْيِينَ مَكَانِهِ (فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ) دَفْعًا لِلْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ يُطَالِبُهُ بِالتَّسْلِيمِ فِي مَكَان يَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ وَتَرْتَفِعُ قِيمَتُهُ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَلَى عَكْسِهِ. وَبِخِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ لِلْحَالِ فَافْتَرَقَا، وَإِلْحَاقُهُ بِالْأَمْرِ فِي تَعَيُّنِ أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ بِلَا جَامِعٍ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ التَّسْلِيمُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِلْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ مِمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ إذْ لَا مُلَازَمَةٌ تَظْهَرُ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَعَيُّنِهِ مَعَ تَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ حَتَّى إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَجَبَ تَسْلِيمُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَنْعِ تَعْيِينِ الْعَقْدِ الْمَكَانِ وَإِلْحَاقِهِمَا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَالْقَرْضِ ظَهَرَ الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ السَّلَمِ وَبِالثَّمَنِ فِي الْعَيْنِ مَحِلِّ النِّزَاعِ، لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَيْضًا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، وَأَنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُهُ أَيْضًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ يُمْنَعُ فِيهِ حُكْمُ الْأَصْلِ، فَإِنَّا لَا نُعَيِّنُ مَكَانَ

وَعَنْ هَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُ يُوجِبُ التَّخَالُفَ كَمَا فِي الصِّفَةِ. وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّ تَعَيُّنِ الْمَكَانِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ، وَصُورَتُهَا إذَا اقْتَسَمَا دَارًا وَجَعَلَا مَعَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ. وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الدَّارِ وَمَكَانُ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ لِلْإِيفَاءِ. قَالَ (وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ لِتَسْلِيمِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَلْ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِنَفْيِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، فَلَوْ عَقَدَا السَّلَمَ وَمَشَيَا فَرْسَخًا ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ جَازَ. وَقَوْلُهُمْ الْمُوجِبُ لِلتَّسْلِيمِ وُجِدَ فِيهِ. قُلْنَا: نَعَمْ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الْمُوجِبُ فِي مَكَان أَنْ يُوجِبَ مُقْتَضَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَإِنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ عَقْلِيَّةٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ فِي مَكَان وَأَثَرُهُ الْإِيجَابُ مُطْلَقًا فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ إلَّا سَمْعًا (قَوْلُهُ وَعَنْ هَذَا) أَيْ وَعَنْ كَوْنِ الْمَكَانِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْقِيمَةِ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ: إنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْقِيمَةِ، فَهُوَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جُودَتِهِ وَرَدَاءَتِهِ. وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ: أَيْ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفُ عِنْدَهُ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ لَيْسَ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ لَمَّا ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْعَقْدِ فِيهِ كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا قَالَ (وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الثَّمَنُ) فِي الْبَيْعِ النَّاجِزِ إذَا كَانَ لَهُ مُؤْنَةُ حَمْلٍ وَهُوَ مُؤَجَّلٌ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ (وَالْأُجْرَةُ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مَثَلًا بِمَا لَهُ حَمْلُ وَمُؤْنَةٍ وَهُوَ مُؤَجَّلٌ عِنْدَهُ يَشْتَرِطُ بَيَانُ مَكَانِ تَسْلِيمِهَا وَعِنْدَهُمَا لَا (وَالْقِسْمَةُ) فِيمَا (إذَا اقْتَسَمَا دَارًا وَجَعَلَا مَعَ نُصِبْ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لَهُ حَمْلُ وَمُؤْنَةٍ. وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ) بِالْإِجْمَاعِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ) عِنْدَهُ (إذَا كَانَ مَوْجَلًا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الدَّارِ) فِي الْقِسْمَةِ (وَمَكَانُ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ) فِي الْإِجَارَةِ (لِلْإِيفَاءِ) (قَوْلُهُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ)

لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ (وَيُوفِيهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعِ. وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ يُوفِيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا سَوَاءٌ، وَلَا وُجُوبَ فِي الْحَالِّ. وَلَوْ عَيَّنَا مَكَانًا، قِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمِصْرَ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يُكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالزَّعْفَرَانِ وَصِغَارِ اللُّؤْلُؤِ: يَعْنِي الْقَلِيلَ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُسَلَّمُ فِي أَمْنَانٍ مِنْ الزَّعْفَرَانِ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ أَحْمَالًا، وَكَذَا الْمِسْكُ وَصِغَارُ اللُّؤْلُؤِ لَا يَشْتَرِطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَيُوفِيهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَسْلَمَهُ فِيهِ) وَكُلَّمَا قُلْنَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَأَتَّى التَّسْلِيمُ فِيهِ وَمَا لَا بِأَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ دِرْهَمًا فِي مَرْكَبٍ فِي الْبَحْرِ أَوْ جَبَلٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا مِنْهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعُ) يَعْنِي مِنْ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ مِنْ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ (يُوفِيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَالْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا (لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلُّهَا سَوَاءٌ) إذْ الْمَالِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ، بَلْ بِعِزَّةِ الْوُجُودِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَقِلَّتِهَا، بِخِلَافِ مَالَهُ مُؤْنَةٌ فَإِنَّ الْحِنْطَةَ وَالْحَطَبَ يُوجَدُ فِي الْمِصْرِ وَالسَّوَادِ ثُمَّ يُشْتَرَى فِي الْمِصْرِ بِأَكْثَرِ مِمَّا يُشْتَرَى فِي السَّوَادِ (وَلَوْ عَيَّنَا مَكَانًا، قِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ) وَالشَّرْطُ الَّذِي لَا يُفِيدُ لَا يَجُوزُ. (وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ (ثُمَّ لَوْ عَيَّنَا الْمِصْرَ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يُكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمِصْرِ الْوَاحِدِ عَادَةً. قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِصْرُ عَظِيمًا، فَلَوْ كَانَ بَيْنَ جَوَانِبِهِ نَحْوَ فَرْسَخٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَكَان يَحْمِلُهُ إلَى مَنْزِلِهِ لَا خَيْرَ فِيهِ. وَلَوْ شَرَطَ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ ابْتِدَاءً قِيلَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا. وَرَوَى الْبَلْخِيّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ. وَقِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ قِيَاسًا إذَا شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ. أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي مَنْزِلِهِ فَيَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. وَفِي بَيْعِ الْعَيْنِ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمِصْرِ أَنْ يُوفِيَهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَالْعَقْدُ فِي مِصْرَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ جَوَانِبِ الْمِصْرِ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ وَشَرْطَ أَحَدُهُمَا التَّوْفِيَةَ إلَى مَنْزِلِهِ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ كَيْفَمَا كَانَ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَكَانِ كَذَا فَسَلَّمَهُ فِي غَيْرِهِ وَدَفَعَ الْكِرَاءَ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ صَارَ قَابِضًا، وَلَا يَجُوزُ

قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ فِيهِ) أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا» ، فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، إذْ الْإِسْلَامُ وَالْإِسْلَافُ يُنْبِئَانِ عَنْ التَّعْجِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِاسْمِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ لِيَتَقَلَّبَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْذُ الْكِرَاءِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ إلَيْهِ لِيُسَلِّمَهُ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ) بَدَنًا تَحْقِيقُهُ أَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ (أَمَّا إذَا كَانَ) رَأْسُ الْمَالِ (مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ) لَوْ لَمْ يَقْبِضْ (افْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ إلَّا عَلَى دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَيَقَعُ بِدَفْعِ الْعَيْنِ الْمُقَاصَّةِ عَنْهُ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» أَيْ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجِيزُ التَّأْخِيرَ وَيَقُولُ: إذَا لَمْ يَشْرُطْ التَّأْجِيلَ لَا يُخَرِّجَهُ إلَى الدَّيْنِ عُرْفًا، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (وَإِنْ كَانَ عَيْنًا) فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَشْتَرِطُ تَعْجِيلُهُ لِأَنَّ عَدَمَ تَسْلِيمِهِ لَا يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ بَلْ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُشْتَرَطُ إعْمَالًا لِمُقْتَضَى الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِسْلَافَ فِي كَذَا يُنْبِئُ عَنْ تَعْجِيلِ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْآخِرِ لِأَنَّ وَضَعَهَا فِي الْأَصْلِ لِأَخْذِ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَالشَّرْعُ قَرَّرَهُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهَا لَوْ فَرَضْنَا فَرْضًا أَنَّهَا صَارَتْ إعْلَامًا فَأَصْلُ الْوَضْعِ كَافٍ بِاعْتِبَارِ مَا اعْتَبَرَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَزِمَ التَّعْجِيلُ (وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ لِيَتَقَلَّبَ فِيهِ الْمُسْلَمُ) إلَيْهِ إذْ الْفَرْضُ إفْلَاسُهُ وَحَاجَتُهُ إلَى الْعَقْدِ لِإِفْلَاسِهِ فَيَتَقَلَّبُ فِيهِ لِيَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْأَجَلِ (وَ) لِهَذَا: أَيْ لِاشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ (قُلْنَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ

الشَّرْطِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْض لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْطِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ) الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ وَإِنْ خَرَجَ الْبَدَلُ عَنْ مِلْكِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْآخَرِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا هُوَ مِلْكٌ مُتَزَلْزِلٌ فَإِنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَفْسَخَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلَا يُتِمَّ الْقَبْضُ لِأَنَّ تَمَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَمَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَقْبُوضِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَمْنَعْ اسْتِحْقَاقُهُ مِنْ تَمَامِ قَبْضِهِ لِجَوَازِ إجَازَةِ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ قَبْضَهُ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ يَمْنَعُ الْمِلْكَ لِأَنَّ مَنْعَهُ الْمِلْكَ لَيْسَ بِقَضِيَّةِ السَّبَبِ، بَلْ السَّبَبُ وُجِدَ مُطْلَقًا لَا مَانِعَ فِيهِ سِوَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَجَازَ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْغَيْرُ، فَإِذَا أَجَازَ اُلْتُحِقَتْ الْإِجَارَةُ بِحَالَةِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ قَضِيَّةُ السَّبَبِ نَفْسِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِشَرْطِ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَكَانَ تَأْثِيرُهُ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ عَدَمِ الْقَبْضِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْإِبْطَالِ مِنْ عَدَمِ الْقَبْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ فَلَا حُكْمَ أَصْلًا وَهُوَ الْمِلْكُ فَلَا قَبْضَ، وَلِذَا قُلْنَا إنَّ إعْتَاقَ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ وَإِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ يَتَوَقَّفُ. (وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ) أَيْ فِي السَّلَمِ (خِيَارُ رُؤْيَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ) إذْ فَائِدَةُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ رَدُّ الْمَبِيعِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذَا رُدَّ الْمَقْبُوضُ عَادَ دَيْنًا كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَيْنَ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ قَدْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ بَلْ يَعُودُ حَقُّهُ فِي مِثْلِهِ، وَلِأَنَّ إعْلَامَ الدَّيْنِ لَيْسَ إلَّا بِذِكْرِ الصِّفَةِ فَقَامَ ذِكْرُ الصِّفَةِ مَقَامَ الْعَيْنِ فَلَا يَتَصَوَّرُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَلَا يُشْكَلُ بِالِاسْتِصْنَاعِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الصَّانِعِ وَيَجْرِي فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ: يَعْنِي إذَا رَدَّ مَا يَأْتِي بِهِ يَنْفَسِخُ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِيهِ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الصَّانِعِ بَلْ الْعَيْنُ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَصَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ عَيْنًا مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ) فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ (لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ) لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ

وَلَوْ أُسْقِطَ خِيَارُ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ خِلَافًا لَزُفَرَ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ (وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ إعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ وَتَعْجِيلُهُ وَإِعْلَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَتَأْجِيلُهُ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتِي دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ مِائَةٌ مِنْهَا دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَمِائَةٌ نَقْدٌ فَالسَّلَمُ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادَ لِأَنَّ الْفَسَادَ طَارِئٌ، إذْ السَّلَمُ وَقَعَ صَحِيحًا، وَلِهَذَا لَوْ نَقَدَ رَأْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَمَامُهُمَا بِتَمَامِ الرِّضَا وَهُوَ تَمَامُ وَقْتِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُسْقِطَ خِيَارُ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ قَائِمٌ جَازَ) السَّلَمُ (خِلَافًا لَزُفَرَ) وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقِيَامِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَسْقَطَاهُ بَعْدَ إنْفَاقِهِ أَوْ اسْتِهْلَاكِهِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ بِالْإِهْلَاكِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَم إلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ كَانَ بِرَأْسِ مَالٍ هُوَ دَيْنٌ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهُ الْآنَ فِي مَعْنَى الِابْتِدَاءِ، إذْ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَقْدِ وُجُودٌ شَرْعًا، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ كَقَوْلِ زُفَرَ (وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ) فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ يَنْقَلِبُ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا إلَى آخِرِهِ) فَإِعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَتَعْجِيلِهِ تَتِمُّ خَمْسَةٌ، وَمِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ النَّقْدِ الْفُلَانِيِّ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَالِيَّةِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الرَّوَاجِ كَقَوْلِنَا عَدْلِيَّةً أَوْ غِطْرِيفِيَّةً، فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ وَتَسَاوَتْ رَوَاجًا يُعْطِيهِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ، وَلَوْ تَفَاوَتَتْ رَوَاجًا انْصَرَفَ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَيَنْبَغِي فِي دِيَارِنَا إذَا سَمَّى مُؤَيِّدَيْهِ يُعْطِيهِ الْأَشْرَفِيَّةَ وَالْجَقْمَقِيَةَ لِتَعَارُفِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ مُؤَيِّدِيهِ، وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ وَإِعْلَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى مِثْلِهَا خَلَا التَّعْجِيلَ وَتَأْجِيلُهُ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ يَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ، وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عَدَمَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ بِالْفِعْلِ فِي الْحَالِ لَيْسَ هُوَ شَرْطًا عِنْدَنَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ عَجْزُهُ عِنْدَ الْحُلُولِ وَإِفْلَاسُهُ لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ وَقَدْ بَقِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَجُوزُ فِي النُّقُودِ وَأَنْ لَا يَكُونَ حَيَوَانًا، وَانْتِقَادُ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ نَقْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَنْ لَا يَشْمَلَ الْبَدَلَيْنِ إحْدَى عِلَّتِي الرِّبَا وَعَدَمُ الْخِيَارِ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ لَمْ يَتِمَّ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ مِائَتَيْنِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ (مِنْهَا مِائَةٌ دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَنَقَدَهُ مِائَةٌ أَنَّ السَّلَمَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لِفَوَاتِ قَبْضُهُ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ) فِي الْكُلِّ خِلَافًا لَزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ فَسَادٌ قَوِيٌّ لِتَمَكُّنِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. وَأَيْضًا فَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي صِحَّةِ الدَّيْنِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي صِحَّةِ النَّقْدِ

الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ إلَّا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَيَنْعَقِدُ صَحِيحًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ. وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ طَارِئٌ. فَلَا يَشِيعُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْمُفْسِدِ، أَمَّا إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مِائَتَيْنِ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ مِائَتَيْنِ فِي كَذَا ثُمَّ جَعَلَ إحْدَاهُمَا الدَّيْنَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنْ أَضَافَ إلَى الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا بِأَنْ قَالَ أَسْلَمْتُ مِائَةَ الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْمِائَةُ فِي كَذَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِمَا عَدَمُ الْفَسَادِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ قَيَّدَ بِهِ بِدَلِيلِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ إلَّا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ عَدَمَ الدَّيْنِ فَيَفْسُدُ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُمَا حِينَئِذٍ هَازِلَانِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ عَقَدَا بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ عَلَى ثَالِثٍ فَإِنَّهُ يَشِيعُ الْفَسَادُ، وَلِذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الْمِائَةِ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمِائَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَتْ مَالًا فِي حَقِّهِمَا، وَحِينَ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالدَّيْنِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَسَادُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ ذَلِكَ، بَلْ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضِ تِلْكَ الْمِائَةِ، وَلِهَذَا لَوْ نَقَضَ الْمِائَةَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ السَّلَمُ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْ قَوْلُهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْفَاسِدِ شَرْطًا إلَى آخِرِهِ إذْ لَمْ يَلْزَمْ الْفَسَادُ بِالْإِضَافَةِ لَفْظًا إلَى الدَّيْنِ وَكَانَ الْفَسَادُ طَارِئًا بِلَا شُبْهَةَ. وَقَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ: إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَوْعَيْنِ نَقَدَ هَذَا وَدَيْنُ ذَاكَ فَالْكُلُّ فَسَدَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ ذَا وَقِسْطَ ذَا وَالْبُرُّ فِي الشَّعِيرِ وَالزَّيْتُ كَذَا فَاسْتُشْكِلَتْ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَقِيلَ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالنَّوْعَيْنِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ كَمَا ذَكَر فِي الْهِدَايَةِ. وَاسْتَشْكَلَهُ صَاحِبُ الْحَوَاشِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْئَيْنِ وَفَسَدَ فِي أَحَدِهِمَا يُفْسِدُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَبُولُ الْفَاسِدِ شَرْطًا إلَى آخِرِهِ، قَالَ: إلَّا أَنَّ هَذَا فِي الْفَسَادِ الْمُقَارَنِ الَّذِي تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَا فِي الطَّارِئِ، وَهَذَا طَارِئٌ لِأَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ، أَمَّا الْعَقْدُ فِي نَفْسِهِ فَصَحِيحٌ. وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ فِي الْمُصَفَّى بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَفْسُدَ فِي النَّقْدِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَوْعَيْنِ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَعْرِفَةَ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى اشْتِرَاطِهِ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ، فَإِذَا قُوبِلَ بِشَيْئَيْنِ كَانَ الِانْقِسَامُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى. وَهُوَ جَيِّدٌ مَا فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الْمَنْظُومَةِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا دَيْنًا فَإِنَّهُ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ (فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَكَ أَوْ رَأْسَ مَالِكَ» أَيْ عِنْدَ الْفَسْخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ كَانَ عَيْنَيْنِ فَسَدَ فِيهَا لِذَلِكَ أَيْضًا (وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ: أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ فَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ شَرْعًا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (فَإِنَّهُ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلِيلِ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَلَا الِاسْتِبْدَالُ بِهِ، أَمَّا لَوْ دَفَعَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مَا هُوَ أَرْدَأَ مِنْ الْمَشْرُوطِ فَقَبِلَهُ رَبُّ السَّلَمِ أَوْ أَجْوَدَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِبْدَالِ فَإِنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ فَهُوَ كَتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطُهُ فِي حَقِّ بَابِ السَّلَمِ وَمِنْ جِنْسِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَا يَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَ) لَا (التَّوْلِيَةُ) مَعَ دُخُولِهِمَا فِي عُمُومِ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لِقُرْبِ وُقُوعِهِمَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُرَابَحَةِ وَالْوَضِيعَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ، وَفِي الْوَضِيعَةِ إضْرَارٌ بِرَبِّ السَّلَمِ فَيُبْعِدُ وُجُودُهُمَا، بِخِلَافِ أَخْذِهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ، وَالشَّرِكَةُ هِيَ مَعْنَى أَخْذُ بَعْضِهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، وَقِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْبَعْضِ إنَّ التَّوْلِيَةَ تَجُوزُ عِنْدَهُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَالسَّلَمِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِرَبِّ السَّلَمِ (أَنْ يَشْتَرِي مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكَ» ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مَعْنَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا هُوَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ: لَا أَعْرِفَهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ الْجَوْهَرِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيِّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ: اللَّفْظُ لِلدِّرْهَمِيِّ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ: فَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا أَسْلَمَ فِيهِ أَوْ رَأْسَ مَالِهِ، وَهَذَا هُوَ حَدِيثُ الْمُصَنِّفِ وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ يُحَسِّنُ

وَلِأَنَّهُ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ فَلَا يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَبِيعًا لِسُقُوطِهِ فَجَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ مَبِيعًا لِأَنَّهُ دَيْنٌ مِثْلُهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثَهُ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " إذَا أَسْلَفْت فِي شَيْءٍ فَلَا تَأْخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِكَ أَوْ الَّذِي أَسْلَفْتَ فِيهِ ". وَأَسْنَدَ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ نَحْوَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك: يَعْنِي حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِكَ: أَيْ عِنْدَ الْفَسْخِ. فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُهُ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ (بِ) سَبَبِ (أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ) غَيْرِ الْمُتَعَاقِدِينَ وَالشَّرْعُ ثَالِثٌ، وَعَرَفَ أَنَّ صِحَّتهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ إلَى الْقَبْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ إقَالَةِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا لِأَنَّ بِالْإِقَالَةِ يَسْقُطُ الْمَبِيعُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا عَيْنٌ فَيَتَلَاشَى فَلَا يَعُودُ لَكِنَّهَا قَدْ صَحَّتْ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ رَأْسَ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ ضَرُورَةً لِأَنَّهُ دَيْنٌ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَجَعْلُ الدَّيْنَ مَبِيعًا لَيْسَ مُحَالًا. وَأُورِدَ عَلَيْهِ: لَوْ كَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا لَكَانَتْ بَيْعُ سَلَمٍ لِأَنَّهَا إقَالَةُ بَيْعِ سَلَمٍ فَكَانَ يَلْزَمُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِقَالَةِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَلْزَمْ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ (بِأَنَّهُ) يَعْنِي عَقْدَ الْإِقَالَةِ (لَيْسَ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ لُزُومَ قَبْضِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِئَلَّا يَفْتَرِقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مِمَّا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ وَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْإِقَالَةِ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ جَوَابِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا بِتَكَلُّفٍ يَسِيرٍ. وَحَاصِلُ جَوَابِ صَاحِبِ الْإِيضَاحِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ جُعِلَ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْقَبْضُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ فَلَيْسَ شَرْطًا لَهُ

وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ، وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ) أَيْ فِي مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ بِرَأْسِ مَال السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ. فَعِنْدَهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا شَاءَ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ بِالْإِقَالَةِ بَطَلَ السَّلَمُ وَصَارَ رَأْسَ الْمَالِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَسْتَبْدِلُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. قَالَ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْأَثَرِ وَالْمَعْنَى فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ بِالْأَثَرِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ) وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا أَوْ أَرْبَعُونَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكُ، وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفُ (فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ قَضَاءٌ) عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَاقْتَضَاهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ بِأَنْ اكْتَالَهُ مَرَّةً وَحَازَهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا حَقَّهُ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيُطَالِبُهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ (وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ (ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ (ثُمَّ اكْتَالَهُ) مَرَّةً أُخْرَى (لِنَفْسِهِ) صَارَ مُقْتَضِيًا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ وَهَذَا (لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ صَفْقَتَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ صَاعَانِ) صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي (وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْمُرَابَحَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ. وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَا سُمِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْكُرُّ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ مُعَيِّنًا لِلْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَهَذَانِ عَقْدَانِ وَمُشْتَرِيَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيرِ مُقْتَضَى كُلِّ عَقْدٍ عَلَيْهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّانِيَ لَوْ كَالَهُ فَزَادَ لَمْ تَطِبْ لَهُ الزِّيَادَةُ وَوَجَبَ رَدُّهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَالَهُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَقَبَضَهُ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَهُ إقَامَةً لِحَقِّ الْعَقْدِ الثَّانِي وَالصَّفْقَتَانِ شِرَاءُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ الْكُرَّ وَالصَّفْقَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يَصِيرُ بَائِعًا مِنْ رَبِّ السَّلَمِ مَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ عَيْنُ حَقِّهِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ، وَهَذَا عَيْنُ قَاصَصَهُ بِهِ، وَقَدْ أَخَذُوا فِي صِحَّةِ الْأَمْرِ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ. وَعِنْدِي لَيْسَ هَذَا بِشَرْطٍ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ اقْبِضْ الْكُرَّ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ عَنْ حَقِّكَ فَذَهَبَ فَاكْتَالَهُ ثُمَّ أَعَادَ كَيْلَهُ صَارَ قَابِضًا، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ بَلْ الثَّانِي، فَلَمَّا قَالَ لَهُ اقْبِضْهُ عَنْ حَقِّكَ وَالْمُخَاطَبُ يَعْلَمُ طَرِيقَ صَيْرُورَتِهِ قَابِضًا لِنَفْسِهِ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّةً لِلْقَبْضِ عَنْ الْآمِرِ وَثَانِيًا لِيَصِيرَ هُوَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَافْعَلْ مَا تَصِيرُ بِهِ قَابِضًا. وَلَفْظُ الْجَامِعِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ عَلَى قَوْلِ

وَالسَّلَمُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا لَكِنْ قَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَاحِقٌ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً. وَإِنْ جَعَلَ عَيْنَهُ فِي حَقٍّ حُكْمٌ خَاصٌّ وَهُوَ حُرْمَةُ الِاسْتِبْدَالِ فَيَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَمًا وَكَانَ قَرْضًا فَأَمَرَهُ بِقَبْضِ الْكُرِّ جَازَ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ فَكَانَ الْمَرْدُودُ عَيْنَ الْمَأْخُوذِ مُطْلَقًا حُكْمًا فَلَا تَجْتَمِعُ الصَّفْقَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاكْتَالَهُ ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ. وَقَوْلُهُ (وَالسَّلَمُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا إلَى آخِرِهِ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ بَيْعُ رَبِّ السَّلَمِ مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَانَ سَابِقًا عَلَى شِرَاءِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَائِعًا بَعْد الشِّرَاءِ مَا اشْتَرَاهُ فَلَمْ تَجْتَمِعْ الصَّفْقَتَانِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ السَّلَمُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى شِرَاءِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ (لَكِنْ قَبْضُ) رَبِّ السَّلَمِ (الْمُسْلَمِ فِيهِ لَاحِقٌ) لِشِرَائِهِ مِنْ بَائِعِهِ (وَأَنَّهُ) أَيْ قَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ (بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً) وَاعْتِبَارُهُ عَيْنُهُ فِي حَقِّ حُكْمٍ خَاصٍّ وَهُوَ صِحَّةُ قَبْضِهِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَيْ لَا يَلْزَمُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَهُ إيَّاهُ مُطْلَقًا فَأَخْذُ الْعَيْنِ عَنْهُ فِي حُكْمِ عَقْدٍ جَدِيدٍ فَيَتَحَقَّقُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْ بَائِعِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ مَا قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: لَوْ أَسْلَمَ مِائَةٌ فِي كُرٍّ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ كُرُّ حِنْطَةٍ بِمِائَتِي دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَقَبَضَهُ فَلَمَّا حَلَّ السَّلَمُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْكُرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. يُرِيدُ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ اشْتَرَى مَا بَاعَهُ وَهُوَ الْكَرُّ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِأَقَلِّ مِمَّا بَاعَهُ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا جُعِلَا عِنْدَ الْقَبْضِ كَأَنَّهُمَا جَدَّدَا عَقْدًا. وَمِثْلَ هَذَا فِيمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ مُعَيَّنٍ وَاشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مَوْزُونًا كَذَلِكَ إلَى آخِرِهِ لَا يَجُوزُ قَبْضُ رَبِّ السَّلَمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ حِنْطَةٌ مُجَازَفَةً أَوْ مَلَكهَا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَأَوْفَاهُ رَبُّ السَّلَمِ فَكَالَهُ مَرَّةً، وَتَجُوزُ بِهِ يُكْتَفَى بِكَيْلٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَهُوَ السَّلَمُ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمَعْدُودَ عَدًّا وَالسَّلَمُ فِي مَعْدُودٍ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْعَدِّ فِي بَيْعِ الْمَعْدُودِ بَعْدَ شِرَائِهِ عَدًّا هَذَا (فَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَلَمًا) وَلَكِنْ أَقْرَضَهُ (فَأَمَرَهُ بِقَبْضِ الْكُرِّ) وَلَمْ يَقُلْ اقْبِضْهُ لِي ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَقَبَضَهُ بِأَنْ اكْتَالَهُ مَرَّةً (جَازَ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَكَانَ الْمَرْدُودُ عَيْنُ الْمَأْخُوذِ مُطْلَقًا فَلَمْ تَجْتَمِعْ صَفْقَتَانِ) فَلَمْ يَجِبْ الْكَيْلَانِ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ فِي الْقَرْضِ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَزِمَ تَمَلُّكِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً أَوْ تَفَرُّقٌ بِلَا قَبْضٍ فِيهِ وَهُوَ رِبًا، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِي الْقَرْضِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ سَلَمًا فَلَمَّا حَلَّ اقْتَرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ فَفَعَلَ جَازَ لَمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا لِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ عَقْدُ مُسَاهَلَةٍ لَا يُوجِبُ الْكَيْلَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا

قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَكِيلَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ فَفَعَلَ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكَيْلِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَ الْآمِرِ، [لِأَنَّ] حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ دُونَ الْعَيْنِ فَصَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِلْغَرَائِرِ مِنْهُ وَقَدْ جَعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ فِيهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ دَيْنٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ كِيسًا لِيَزِنهَا الْمَدْيُونُ فِيهِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا. وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُشْتَرَاةٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا صَارَ قَابِضًا لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ صَحَّ حَيْثُ صَادَفَ مِلْكَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَيْنَ بِالْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالطَّحْنِ كَانَ الطَّحِينُ فِي السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ لِلْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْأَمْرِ، وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِي الْبَحْرِ فِي السَّلَمِ يَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْكَيْلِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ أَنْ يَكِيلَهُ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ) وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْإِضْمَارِ فِيهِمَا لَكِنَّهُ أَظْهَرَهُ لِدَفْعِ الِالْتِبَاسِ (فَفَعَلَ وَهُوَ) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ (غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءٌ) حَتَّى لَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْبَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَالَ فِيهَا وَرَبُّ السَّلَمِ حَاضِرٌ يَصِيرُ قَابِضًا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْغَرَائِرُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ (لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكَيْلِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَ الْآمِرِ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا الْعَيْنِ فَصَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرُ الْغَرَائِرَ مِنْهُ جَاعِلًا مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ فَدَفَعَ) الدَّائِنُ إلَيْهِ كِيسًا (لِيَزِنَهَا الْمَدْيُونُ فِيهِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ طَعَامٌ بِلَا تَرَدُّدٍ، فَإِنْ كَانَ قِيلَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ أَمْرَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ أَمَرَهُ بِخَلْطِ طَعَامِ السَّلَمِ بِطَعَامِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مُعْتَبَرٌ فَيَصِير بِهِ قَابِضًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِيمَنْ دَفَعَ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَى صَائِغٍ وَقَالَ زِدْ مِنْ عِنْدِك نِصْفَ دِرْهَمٍ وَصُغْ لِي بِهِمَا خَاتَمًا فَفَعَلَ جَازَ وَصَارَ بِالْخَلْطِ قَابِضًا (وَلَوْ كَانَتْ مُشْتَرَاةٌ) غَيْرُ مُسَلَّمٌ فِيهَا (وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي غَرَائِرَهُ لِلْبَائِعِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهَا فِيهَا فَفَعَلَ بِغَيْبَتِهِ (وَصَارَ قَابِضًا لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ صَحَّ) هُنَا (لِأَنَّهُ مَلَكَ عَيْنَ الْحِنْطَةِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ فَصَادَفَ أَمْرُهُ مِلْكَهُ) وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِطَحْنِ الْحِنْطَةِ الْمُسْلَمِ فِيهَا فَطَحَنَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كَانَ الدَّقِيقُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، فَلَوْ أَخَذَ رَبُّ السَّلَمِ الدَّقِيقَ كَانَ حَرَامًا لِأَنَّهُ اسْتِبْدَالٌ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُشْتَرَاةٌ فَأَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنْ يَطْحَنَهَا فَطَحَنَهَا كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي، فَلَوْ هَلَكَ الدَّقِيقُ فِي الْأَوَّلِ هَلَكَ مِنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَعُودُ دَيْنُ رَبِّ السَّلَمِ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَلَوْ هَلَكَ فِي الثَّانِي هَلَكَ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ (إذَا أَمَرَ) رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (أَنْ يَصُبَّهُ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِهِ كَانَ قَابِضًا فَيَهْلَكُ (مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي

وَيَتَقَرَّرُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَلِهَذَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشِّرَاءِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْكَيْلِ وَالْقَبْضِ بِالْوُقُوعِ فِي غَرَائِرِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَمَرَهُ فِي الشِّرَاءِ أَنْ يَكِيلَهُ فِي غَرَائِرِ الْبَائِعِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ غَرَائِرَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا فَلَا تَصِيرُ الْغَرَائِرُ فِي يَدِهِ، فَكَذَا مَا يَقَعُ فِيهَا، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَعْزِلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بِنَوَاحِيهِ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَصِرْ الْمُشْتَرِي قَابِضًا. وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَالْغَرَائِرُ لِلْمُشْتَرِي، إنْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ صَارَ قَابِضًا، أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَبِمِثْلِهِ يَصِيرُ قَابِضًا، كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعهَا فِي أَرْضِهِ، وَكَمَنْ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ عِنْدِهِ نِصْفَ دِينَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا قُلْنَا وَلِهَذَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْكَيْلِ) الْوَاحِدِ (فِي الشِّرَاءِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْكَيْلِ وَالْوُقُوعِ فِي غَرَائِرِ الْمُشْتَرِي) وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا يُكْتَفَى إلَّا بِكَيْلَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ قَبْلَ بَابِ الرِّبَا، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَيْعِ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنْ يَكِيلَهُ فِي غَرَائِرِ الْبَائِعِ فَفَعَلَ بِغَيْبَتِهِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا (لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ غَرَائِرَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا) فَلَمْ تَتِمَّ الْإِعَارَةُ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لَمْ تَتِمَّ إلَّا بِالْقَبْضِ (فَلَمْ تَصِرْ الْغَرَائِرُ فِي يَدِهِ فَكَذَا مَا يَقَعُ فِيهِ) عَلَى تَأْوِيلِ الظَّرْفِ وَنَحْوِهِ (وَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي) الْبَائِعُ (أَنْ يَكِيلَهُ وَيَعْزِلَهُ فِي مَكَان مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ) فَفَعَلَ بِغَيْبَتِهِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا (وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ) بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرًّا مُعَيَّنًا بَعْدَ حُلُولِ السَّلَمِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَ فِي غَرَائِرِ الْمُشْتَرِي كِلَيْهِمَا فَفَعَلَ بِغَيْبَتِهِ، إنْ بَدَأَ بِالْكُرِّ الْعَيْنِ ثُمَّ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُمَا (أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَاقَى مِلْكَهُ (وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَبِمِثْلِهِ يَصِيرُ قَابِضًا كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً) وَلَمْ يَقْبِضْهَا (ثُمَّ أَمَرَ) الْمُقْرِضَ (أَنْ يَزْرَعهَا فِي أَرْضِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَكَمَنْ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ نِصْفَ دِينَارٍ) فَفَعَلَ بِغَيْبَتِهِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ وَتَقَرَّرَ بَدَلُهَا عَلَيْهِ لِاتِّصَالِ مِلْكِهِ فِيهِمَا

وَإِنَّ بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا، أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمُلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ، وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبُدَاءَةَ بِالْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ جَارِيَةً فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَبَضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا، وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ) فَكَالَهُ فِي الْغَرَائِرِ (لَمْ يَصِرْ قَابِضًا، أَمَّا فِي الدَّيْنِ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ) لِمَا قُلْنَا (وَأَمَّا) فِي (الْعَيْنِ فَلِأَنَّهُ يَخْلِطُ مَالَ الْمُشْتَرِي) بِجِنْسِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (يَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ) بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. لَا يُقَال: هَذَا الْخَلْطُ لَيْسَ بِتَعَدٍّ لِيَكُونَ بِهِ مُسْتَهْلِكًا لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْعِ إذْنِهِ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِجَوَازِ كَوْنِ مُرَادِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعَيْنِ (وَعِنْدَهُمَا) لَمَّا لَمْ يَكُنْ اسْتِهْلَاكًا يَصِيرُ الْمُشْتَرِي (بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ) لِعَيْبِ الشَّرِكَةِ (وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ) وَأَوْرَدَ أَنَّ صَبْغَ الصَّبَّاغِ يَتَّصِلُ بِالثَّوْبِ وَلَا يَصِيرُ مَالِكُهُ قَابِضًا بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ثُمَّةَ الْفِعْلُ لَا الْعَيْنُ، وَالْفِعْلُ لَا يُجَاوِزُ الْفَاعِلُ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ جَارِيَةً فِي كُرِّ حِنْطَةٍ) حَاصِلُ هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ وَالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ وَبَيْعُ الْمُقَايَضَةِ، فَفِي السَّلَمِ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ قَبْلَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ تَعْتَمِدُ قِيَامَ الْعَقْدِ وَهُوَ بِقِيَامِ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ، فَفِي السَّلَمِ الْمَبِيعُ قَصْدًا هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، فَهَلَاكُ الْجَارِيَةِ وَعَدَمُهُ لَا يَعْدَمُ الدَّيْنَ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَإِذَا جَازَتْ انْفَسَخَ فِي الْجَارِيَةِ تَبَعًا فَوَجَبَ رَدُّهَا وَقَدْ عَجَزَ فَيَرُدُّ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ كَانَ فِيهِ فَصَارَ كَالْغَصْبِ، وَفِيمَا لَوْ كَانَ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَبْطُلُ لَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَا تَبْقَى عَلَى الصِّحَّةِ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَهَا، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُقَايَضَةً بِأَنْ

هَلَاكِ الْجَارِيَةِ جَازَ) لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ تَعْتَمِدُ بَقَاءَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي السَّلَمِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ حَالَ بَقَائِهِ، وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءٌ فَأَوْلَى أَنْ يَبْقَى انْتِهَاءٌ، لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ انْفَسَخَ فِي الْجَارِيَةِ تَبَعًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَقَدْ عَجَزَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا (وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ الْجَارِيَةُ فَلَا يَبْقَى الْعَقْدُ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى انْتِهَاءً لِانْعِدَامِ مَحِلِّهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ حَيْثُ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ وَتَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فِيهِ. قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ شَرَطْتُ رَدِيئًا وَقَالَ رَبُّ السَّلَم لَمْ تَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ) لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ الصِّحَّةَ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفَعَ الْجَارِيَةَ فِي ثَوْبٍ تَبْقَى الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهَا إذَا كَانَ الْعَرْضُ الْآخَرُ بَاقِيًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبِيعٌ مِنْ وَجْهِ (قَوْلِهِ وَمَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ إلَى آخِرِهِ) الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ، فَإِنْ خَرَجَ كَلَامُ أَحَدِهِمَا مَخْرَجَ التَّعَنُّتِ وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَنْفَعُهُ كَانَ بَاطِلًا اتِّفَاقًا وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ، وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخُصُومَةِ وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَضُرُّهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ أَيْضًا إذَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَقَالَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرُ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ. إذَا عُرِفَ هَذَا جِئْنَا إلَى الْمَسَائِلِ (أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ فِي كُرٍّ فَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ شَرَطْتُ لَكَ رَدِيئًا) وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ لَمْ تَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ) لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِ الصِّحَّةِ مُنْكِرُ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (لِأَنَّهُ) عَلَى كُلِّ حَالٍ (يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ) وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا وَالْمُسْلَمُ فِيهِ نَسِيئَةً لِأَنَّ الْعُقَلَاءَ قَاطِبَةً عَلَى إعْطَاءِ هَذَا الْعَاجِلِ بِذَاكَ الْآجِلِ،

وَفِي عَكْسِهِ قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُنْكِرًا. وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ بَلْ كَانَ لَهُ أَجَلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ حَقًّا لَهُ وَهُوَ الْأَجَلُ، وَالْفَسَادُ لِعَدَمِ الْأَجَلِ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ لِمَكَانِ الِاجْتِهَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْلَا أَنَّهُ يَرْبُو عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آجِلًا لَمْ تُطَبَّقْ آرَاؤُهُمْ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ الْمُتَعَنِّتِ مَرْدُودٌ فَيَبْقَى قَوْلُ الْآخَرِ بِلَا مُعَارِضٍ. وَأَمَّا التَّوْجِيهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ إلَى آخِرِهِ فَيَخُصُّ أَبُو حَنِيفَةَ تَمْشِيَتَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحِلِّ، وَالْمُرَادُ هُنَا تَوْجِيهُ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ لِلْآخَرِ وَهُمَا لَا يَقُولَانِ إنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ دَائِمًا لِيُعَلِّلَا هُنَا بِظُهُورِهَا فِي مُبَاشَرَةِ الْعَاقِدِ (وَفِي عَكْسِهِ) بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ السَّلَمِ شَرْطُ الرَّدِيءِ وَأَنْكَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الشَّرْطَ أَصْلًا لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ (وَقَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ يَجِبُ (أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَهُ مُنْكِرًا) وَكَلَامُهُ خُصُومَةٌ (وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ) وَسَيُقَرِّرُ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ (وَلَوْ قَالَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجَلٌ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ فِيهِ أَجَلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ أَيْ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا فِي مِقْدَارِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ هُنَا تَعَنُّتٌ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا هُوَ حَقُّهُ (وَهُوَ الْأَجَلُ) لِأَنَّ الْأَجَلَ لِتَرْفِيهِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَمَّا كَانَ فِي الْعَادَةِ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَانَ إنْكَارُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ الصِّحَّةَ خُصُومَةٌ فَلَا يَكُونُ مُتَعَنِّتًا، وَهَذَا الْإِيرَادُ هُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ. فَأَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْفَسَادُ لِعَدَمِ الْأَجَلِ لَيْسَ مُتَيَقِّنًا) حَتَّى

فَلَا يُعْتَبَرُ النَّفْعُ فِي رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ عَدَمِ الْوَصْفِ، وَفِي عَكْسِهِ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا لَهُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ كَرَبِّ الْمَالِ إذَا قَالَ لِلْمُضَارِبِ شَرَطْتُ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَا بَلْ شَرَطْتَ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَكَانَا مُتَّفِقِينَ عَلَى الصِّحَّةِ ظَاهِرًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلَا يُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ فَيَبْقَى مُجَرَّدُ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ، أَمَّا السَّلَمُ فَلَازِمٌ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ كَلَامُهُ تَعَنُّتًا فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ إنْكَارُهُ إنْكَارُ الصِّحَّةِ دَافِعًا لِزِيَادَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّ السَّلَمَ الْحَالَّ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ (فَلَا يُعْتَبَرُ النَّفْعُ فِي رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَطْعًا (بِخِلَافِ عَدَمِ الْوَصْفِ) كَالرَّدَاءَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مَلْزُومٌ قَطْعًا لِلْفَسَادِ (وَفِي عَكْسِهِ) وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْأَجَلَ وَرَبُّ السَّلَمِ يُنْكِرُهُ (الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ) وَهُوَ زِيَادَةُ الرِّبْحِ الْكَائِنِ فِي قِيمَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى مَا دَخَلَ فِي يَدِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَصَارَ (كَرَبِّ الْمَالِ إذَا قَالَ لِلْمُضَارِبِ شَرَطْتُ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ بَلْ شَرَطْتَ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ) زِيَادَةَ (الرِّبْحِ) وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ إنْكَارُ الصِّحَّةِ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَزِيَادَةُ عَشَرَةً وَهِيَ غَلَطٌ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّ إنْكَارَهُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَا عَلَى هَذَا (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَكَانَا مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الصِّحَّةِ ظَاهِرًا) إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَلِّم الِامْتِنَاعُ عَنْ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُفِيدُ لِتَمَامِ الْفَرْضِ الْمَقْصُودِ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجِبُ نَقْضُهُ وَرَفْعُهُ شَرْعًا، وَلِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ تَبَعٌ لَهُ، فَالِاتِّفَاقُ عَلَى صُدُورِ هَذَا الْعَقْدِ اتِّفَاقٌ عَلَى صُدُورِ شَرَائِطِهِ. فَإِنْكَارُ الْأَجَلِ إنْكَارٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ظَاهِرًا فَلَا يُقْبَلُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي التَّزْوِيجِ بِشُهُودٍ أَوْ بِلَا شُهُودٍ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِيهِ بِشُهُودٍ (بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّهُ أَيْ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ (لَيْسَ بِلَازِمٍ) وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ عَزْلِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ لَهُ فَسْخُهُ، وَإِذَا كَانَ غَيْرُ لَازِمٍ ارْتَفَعَ بِاخْتِلَافِهِمَا، وَإِذَا ارْتَفَعَ بَقِيَ دَعْوَى الْمُضَارِبِ فِي اسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهُ (أَمَّا السَّلَمُ فَ) عَقْدٌ (لَازِمٌ) فَلَا يَرْتَفِعُ بِالِاخْتِلَافِ فَكَانَ مُدَّعِي الْفَسَادَ مُتَنَاقِضًا ظَاهِرًا كَمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَحَّ كَانَ شَرِكَةً، وَإِذَا فَسَدَ صَارَ إجَارَةً فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ مُدَّعِيَ الْفَسَادِ يَدَّعِي

وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَعِّي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُنْكِرِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِجَارَةَ، وَمُدَّعِي الصِّحَّةِ يَدَّعِي الشَّرِكَةَ فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي نَوْعِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ الْحَالِّ وَهُوَ مَا يَدَّعِيهِ مُنْكِرٌ الْأَجَلِ سَلَمٌ فَاسِدٌ لَا عَقْدٌ آخَرُ فَلِهَذَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يُسَلَّمُ فِي شَيْءٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَا فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ قَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتَ نِصْفَ الرِّبْحِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةً فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُضَارِبِ، وَلَمْ يَقُلْ اخْتَلَفَا فِي نَوْعِ الْعَقْدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُضَارِبَ ادَّعَى الشَّرِكَةَ وَالصِّحَّةَ وَرَبُّ الْمَالِ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ شَرَطْتُ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ ثُمَّ قَوْلُهُ وَزِيَادَةَ عَشَرَةً عَطْفًا عَلَيْهِ يَدَّعِي الْفَسَادَ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ فِيهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا عَشَرَةً بِالِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ إذْ صَدْرُ الْكَلَامِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ، قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي الْأُصُولِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ فَقَالَ أَجَزْتُ نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ يَفْسُدَانِ، لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ بِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِي آخِرِهِ وَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ، وَأُورِدَ أَيْضًا بِمَا إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُكِ وَأَنَا صَغِيرٌ وَقَالَتْ بَلْ بَعْدَ بُلُوغِكَ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ: أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بَلْ أَنْكَرَهُ حَيْثُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ إنْكَارَ الْأَجَلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا فِي أَصْلِ الْأَجَلِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ. وَالثَّانِي فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْأَقَلَّ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَعِّي الْأَكْثَرَ قَضَى بِهَا، وَإِنْ قَامَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُثْبِتِ الزِّيَادَةِ. وَالثَّالِثُ فِي مُضِيِّ الْأَجَلِ إذَا قَالَ رَبُّ السَّلَمِ مَضَى الْأَجَلُ الْمُسَمَّى وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً قَضَى لَهُ، فَإِنْ أَقَامَاهَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأَجَلِ، هَذَا وَالِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ: يَعْنِي أَنَّهُ مَا هُوَ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ

قَالَ (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ إذَا بَيَّنَ طُولًا وَعَرْضًا وَرُقَعَهُ) لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مَعْلُومٍ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ ثَوْبُ حَرِيرٍ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْوَصْفَ جَارٍ مَجْرَى الْأَصْلِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا شَرَطَ فِي السَّلَمِ الثَّوْبَ الْجَيِّدَ فَجَاءَ بِثَوْبٍ وَادَّعَى أَنَّهُ جَيِّدٌ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَالْقَاضِي يَرَى اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ وَهَذَا أَحْوَطُ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي، فَإِنْ قَالَا جَيِّدٌ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ يَتَحَالَفَانِ اسْتِحْسَانًا وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ بِيَمِينِ الطَّالِبِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا، وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قَضَى بِبَيِّنَةِ رَبِّ السَّلَمِ بِسَلَمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إمَّا عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. اتَّفَقَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ أَوْ اخْتَلَفَ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا وَاخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا غَيْرَ فَقَالَ الطَّالِبُ هَذَا الثَّوْبُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ فِي نِصْفِ كُرٍّ أَوْ فِي شَعِيرٍ أَوْ فِي الْحِنْطَةِ الرَّدِيئَةِ وَأَقَامَا قَضَى بِبَيِّنَةِ رَبِّ السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الثَّوْبُ وَقَالَ الْآخَرُ هَذَا الْعَبْدُ وَاتَّفَقَا عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنَّهُ الْحِنْطَةُ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الثَّوْبُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ فِي كُرِّ شَعِيرٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قَضَى بِالسَّلَمَيْنِ، فَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: كُلٌّ يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ. وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ السَّلَمِ وَيَقْضِي بِسَلَمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ عَلَى الْقَلْبِ فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي كُرَّيْ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ خَمْسَةُ عَشَرَ فِي كُرٍّ وَأَقَامَا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فَيَجِبُ خَمْسَةُ عَشَرَ فِي كُرَّيْنِ وَلَا يَقْضِي بِسَلَمَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِسَلَمَيْنِ عَقْدٌ بِخَمْسَةِ عَشَرَ فِي كُرٍّ وَعَقْدٌ بِعَشَرَةٍ فِي كُرَّيْنِ. وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِسَلَمَيْنِ كَمَا فِي الثَّوْبَيْنِ. وَفِيهَا: أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ وَشَرَطَ الْوَسَطَ فَجَاءَ بِجَيِّدٍ وَقَالَ خُذْ هَذَا وَزِدْنِي دَرَاهِمَ فَعَلَى وُجُوهٍ: إمَّا إنْ كَانَ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ ذَرْعِيًّا، فَفِي الْكَيْلِيِّ فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ فَجَاءَ بِأَحَدِ عَشَرَ وَقَالَ زِدْنِي دِرْهَمًا جَازَ لِأَنَّهُ بَاعَ قَفِيزًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَلَوْ جَاءَ بِتِسْعَةٍ وَقَالَ خُذْ وَأَرُدُّ عَلَيْكَ دِرْهَمًا فَقِبَل جَازَ أَيْضًا فَإِنَّهُ إقَالَةٌ فِي الْبَعْضِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْكُلِّ وَلَوْ جَاءَ بِحِنْطَةٍ أَجْوَدُ أَوْ أَرْدَأُ فَأَعْطَى دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي الْأَرْدَإِ وَالْأَجْوَدِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ. وَفِي الثَّوْبِ إنْ جَاءَ بِأَزْيَدَ بِذِرَاعٍ وَقَالَ زِدْنِي دِرْهَمًا جَازَ وَهُوَ بَيْعُ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ مُفْرَدًا، وَكَذَا إذَا أَتَى بِالزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ جَاءَ بِأَنْقَصَ فَرَدَّ مَعَهُ دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ فِيمَا لَا يُعْلَمُ حِصَّتُهُ لِأَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ وَحِصَّتُهُ مَجْهُولَةٌ، هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لِكُلِّ ذِرَاعٍ حِصَّةً، فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا لَوْ جَاءَ بِأَنْقَصَ وَصْفًا لَا يَجُوزُ وَلَوْ بِأَزْيَدَ وَصْفًا جَازَ الْكُلُّ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ إذَا بَيَّنَ طُولًا وَعَرْضًا وَرُقْعَةً لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مَعْلُومٍ) وَالرُّقْعَةُ يُرَادُ بِهَا قَدْرُ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَلْ فِي اشْتِرَاطِ وَزْنِهِ إذَا كَانَ حَرِيرًا

(وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا فِي الْخَرَزِ) لِأَنَّ آحَادَهَا مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّتِي تُبَاعُ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْوَزْنِ (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبِنِ وَالْآجُرِّ إذَا سَمَّى مَلْبَنًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَقَارِبٌ لَا سِيَّمَا إذَا سُمِّيَ الْمَلْبَنُ. قَالَ (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَمَا لَا يُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ، وَبِدُونِ الْوَصْفِ يَبْقَى مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ عِنْدَ بَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَشْتَرِطُونَهُ وَالْوَجْهُ بِهَا ظَاهِرٌ، وَكَذَا يَجُوزُ فِي الْبُسُطِ وَالْأَكْسِيَةِ وَالْمُسُوحِ وَالْجُوَالِقِ وَالْبَوَارِي إذَا بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالصَّنْعَةَ، وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ مِنْ الثِّيَابِ عُرْفًا كَالْوَذَارِيِّ يُشْتَرَطُ بَيَانُ وَزْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ نَاجِزًا. فِي الْمُنْتَقَى: إذَا بَاعَ ثَوْبَيْ حَرِيرًا يَدًا بِيَدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي السَّلَمِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ يُكْتَفَى بِتَعْرِيفِهَا فِي الْبَيْعِ، غَايَةُ الْأَمْرِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ ثِقَلِهِ وَهُوَ كَعَدَمِ مَعْرِفَةِ عَدَدِ قُفْزَانِ الصُّبْرَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ، وَفِي الطُّولِ يَذْكُرُ عَدَدَ الذُّرْعَانِ يَجِبُ أَنْ يُتَوَسَّطَ عِنْدَ الذَّرْعِ بَيْنَ إرْخَاءِ الثَّوْبِ وَمَدِّهِ إنْ كَانَ الذِّرَاعُ مُخْتَلِفُ الطُّولِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَإِذَا دَخَلَ ثِيَابَ الْحَرِيرِ الْوَزْنُ لَزِمَ أَنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا جُزَافًا فَلِذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ بَيْعَ ثَوْبِ خَزٍّ بِثَوْبِ خَزٍّ يَدًا بِيَدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا وَزْنًا كَأَوَانِي الصُّفْرِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ) بِلَا خِلَافٍ إلَّا لِمَالِكٍ (وَلَا فِي الْخَرَزِ لِأَنَّ آحَادُهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا) فِي الْمَالِيَّةِ فَإِنَّ الْجَوْهَرَتَيْنِ قَدْ يَتَّحِدَانِ وَزْنًا وَيَخْتَلِفَانِ قِيمَةً بِاعْتِبَارِ حُسْنِ الْهَيْئَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا فِي الصِّغَارِ الَّتِي تُدَقُّ لِلْكُحْلِ وَالتَّدَاوِي فَيَجُوزُ وَزْنًا. (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبِنِ وَالْآجُرِّ إذَا سَمَّى مَلْبَنًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ إذَا سَمَّى الْمَلْبَنَ. وَقَوْلُهُ (لَا سِيَّمَا إذَا سَمَّى إلَى آخِرِهِ) يُعْطِي أَنَّهُ مُتَقَارِبُ فَلَا تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَلْبَنِ بَلْ إذَا سُمِّيَ يَكُونُ أَحْسَنُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مِائَةِ آجُرَّةٍ مِنْ أَتُّونٍ، وَفِي عُرْفِ بِلَادِنَا يُسَمُّونَهُ قَمِينًا أَوْ قُمَيْرًا وَهُوَ الَّذِي يُبْنَى لِيُشْوَى فِيهِ الْآجُرُّ وَالْحِجَارَةُ تُعْمَلُ جِيرًا لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ فِي النُّضْجِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَأَلْحَقْنَاهُ فِي السَّلَمِ بِالْمُتَفَاوِتِ الْمُتَقَارِبِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا أُمّكُنَّ ضَبْطُ صِفَتِهِ إلَى آخِرِهِ) لَا خِلَاف فِيهِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْإِبْرَيْسَمِ وَالنُّحَاسِ وَالتِّبْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَسْمَةِ وَالرَّيَاحِينِ الْيَابِسَةِ وَالْجُذُوعِ إذَا بَيَّنَ طُولًا وَعَرْضًا وَغِلَظًا وَالْقَصَبُ وَصُوفُ الْأَخْشَابِ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي التِّبْنِ كَيْلًا بِالْغَرَائِرِ،

(وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي طَسْتٍ أَوْ قُمْقُمَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ (وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَجْهُولٌ. قَالَ (وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجَلٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا) لِلْإِجْمَاعِ الثَّابِتِ بِالتَّعَامُلِ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعًا لَا عِدَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ هُوَ مَوْزُونٌ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ، وَفِي عُرْفِنَا كَيْلُهُ فِي شِبَاكِ اللِّيفِ يُسَمُّونَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ شَنِيفًا (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي طَسْتٍ أَوْ قُمْقُمَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كَالْكُوزِ وَالْآنِيَةِ مِنْ النُّحَاسِ وَالزُّجَاجِ وَالْحَدِيدِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالطَّوَاجِنِ إذَا ضُبِطَ وَاسْتَقْصَى فِي صِفَتِهِ مِنْ الْغَلَطِ وَالسَّعَةِ وَالضَّيِّقِ بِحَيْثُ يَنْحَصِرُ فَلَا يَتَفَاوَتُ إلَّا يَسِيرًا (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجَلٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا) الِاسْتِصْنَاعُ طَلَبُ الصَّنْعَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعِ خُفٍّ أَوْ مُكَعَّبٍ أَوْ أَوَانِي الصُّفْرِ اصْنَعْ لِي خُفًّا طُولُهُ كَذَا وَسِعَتُهُ كَذَا أَوْ دُسَتًا: أَيْ بُرْمَةً تَسَعُ كَذَا وَزْنُهَا كَذَا عَلَى هَيْئَةِ كَذَا بِكَذَا وَيُعْطِي الثَّمَن الْمُسَمَّى أَوْ لَا يُعْطِي شَيْئًا فَيَعْقِدُ الْآخَرُ مَعَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا تَبَعًا لِلْعَيْنِ. وَالْقِيَاس أَنْ لَا يَجُوز وَهُوَ قَوْلُ زَفَرَ وَالشَّافِعِيّ، إذْ لَا يُمْكِنُ إجَارَةً لِأَنَّهُ اسْتِئْجَار عَلَى الْعَمَل فِي مِلْكِ الْأَجِيرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوز

وَالْمَعْدُومُ قَدْ يُعْتَبَرُ مَوْجُودًا حُكْمًا، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ دُونَ الْعَمَلِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا لَا مِنْ صَنْعَتِهِ أَوْ مِنْ صَنْعَتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ جَازَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَوْ قَالَ احْمِلْ طَعَامَكَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ إلَى مَكَانِ كَذَا بِكَذَا، أَوْ اُصْبُغْ ثَوْبَك أَحْمَرَ بِكَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا بَيْعًا لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْعَاقِدِ لَمْ يَجُزْ، فَإِذَا كَانَ مَعْدُومًا فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَلَكِنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ الرَّاجِعِ إلَى الْإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَوْمِ بِلَا نَكِيرٍ، وَالتَّعَامُلُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَصْلٌ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» «وَقَدْ اسْتَصْنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا. وَاحْتَجَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ» مَعَ أَنَّ مِقْدَارَ عَمَلِ الْحِجَامَةِ وَعَدَدَ كُرَّاتِ وَضْعِ الْمَحَاجِمِ وَمَصَّهَا غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ أَحَدٍ. وَمِثْلِهِ شُرْبُ الْمَاء مِنْ السِّقَاءِ، وَسَمِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُودِ الْحَمَّامِ فَأَبَاحَهُ بِمِئْزَرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ شَرْطًا. وَتَعَامَلَ النَّاسُ بِدُخُولِهِ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْآنَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَذْكُرَ عَدَدَ مَا يَصُبُّهُ مِنْ مِلْءِ الطَّاسَةِ وَنَحْوِهَا فَقَصَرْنَاهُ عَلَى مَا فِيهِ تَعَامُلٌ، وَفِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ رَجَعْنَا فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ كَأَنْ يَسْتَصْنِعَ حَائِكًا أَوْ خَيَّاطًا لَيَنْسِجَ لَهُ أَوْ يَخِيطَ قَمِيصًا بِغَزْلِ نَفْسِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ مُوَاعَدَةٌ أَوْ مُعَاقَدَةٌ، فَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَالصَّفَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَصَاحِبُ الْمَنْثُورِ مُوَاعَدَةٌ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْفَرَاغِ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَلِهَذَا كَانَ لِلصَّانِعِ أَنْ لَا يَعْمَلَ وَلَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ، وَلِلْمُسْتَصْنِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مَا يَأْتِي بِهِ وَيَرْجِعَ عَنْهُ، وَلَا تَلْزَمُ الْمُعَامَلَةُ وَكَذَا الْمُزَارِعَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِفَسَادِهِمَا مَعَ التَّعَامُلِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيهِمَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا كَانَ عَلَى الِاتِّفَاقِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ بَيْعًا لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَهُمَا لَا يَجْرِيَانِ فِي الْمُوَاعَدَةِ، وَلِأَنَّهُ جَوَّزَهُ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ دُونَ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ مُوَاعَدَةً جَازَ فِي الْكُلِّ، وَسَمَّاهُ شِرَاءً فَقَالَ: إذَا رَآهُ الْمُسْتَصْنَعُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ، وَلِأَنَّ الصَّانِعَ يَمْلِكُ الدَّرَاهِمَ بِقَبْضِهَا وَلَوْ كَانَتْ مَوَاعِيدُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَإِثْبَاتُ أَبِي الْيُسْرِ الْخِيَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ بَيْعٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لَوْ لَمْ يَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ وَحِينَ لَزِمَ جَوَازُهُ عِلْمنَا أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ فِيهَا الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا وَفِي الشَّرْعِ كَثِيرٌ كَذَلِكَ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَتَسْمِيَةِ الذَّابِحِ إذَا نَسِيَهَا وَالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَيْن دُونَ الْعَمَلِ) نَفْيٌ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ يُنَبِّئُ عَنْهُ كَمَا قُلْنَا، وَالْأَدِيمُ وَالصَّرْمُ بِمَنْزِلَةِ

وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ جَازَ، وَهَذَا كُلُّهُ هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (وَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ قَطْعُ الصَّرْمِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا. أَمَّا الصَّانِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمُسْتَصْنِعُ فَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ إضْرَارًا بِالصَّانِعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَشْتَرِيهِ غَيْرُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لِلنَّاسِ كَالثِّيَابِ لِعَدَمِ الْمُجَوَّزِ وَفِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَمْكَنَ إعْلَامُهُ بِالْوَصْفِ لِيُمْكِنَ التَّسْلِيمُ، وَإِنَّمَا قَالَ بِغَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ الْأَجَلَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ يَصِيرُ سَلَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ ضَرَبَهُ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ يَصِيرُ سَلَمًا بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِصْنَاعِ فَيُحَافَظُ عَلَى قَضِيَّتِهِ وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى التَّعْجِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّبْغِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ، وَلِذَا لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا لَا مِنْ صَنْعَتِهِ أَوْ مِنْ صَنَعْته قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ جَازَ، وَإِنَّمَا نُبْطِلُهُ بِمَوْتِ الصَّانِعِ لِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ إجَارَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً، لَكِنْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا عِنْدَ التَّسْلِيمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا مَاتَ الصَّانِعُ يَبْطُلُ وَلَا يُسْتَوْفَى الْمَصْنُوعُ مِنْ تَرِكَتِهِ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ انْعَقَدَ إجَارَةً أُجْبِرَ الصَّانِعُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْمُسَمَّى.

بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لِأَنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ، وَجَوَازُ السَّلَمِ بِإِجْمَاعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ الصَّانِعُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنٍ لَهُ مِنْ قَطْعِ الْأَدِيمِ وَنَحْوِهِ، وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ فَفُسِخَ بِهَذَا الْعُذْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُزَارِعَ لَهُ أَنْ لَا يَعْمَلَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا رَبُّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ إلَّا بِذَلِكَ وَالْمُسْتَصْنِعُ وَلَوْ شَرْطَ تَعْجِيلَهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ فِي الْآخِرَةِ كَشِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الِاسْتِصْنَاعِ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ فِي الْجَوَازِ لَا اللُّزُومِ، وَلِذَا قُلْنَا لِلصَّانِعِ أَنْ يَبِيعَ الْمَصْنُوعَ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرَ لَازِمٍ وَأَمَّا بَعْدَ مَا رَآهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ، بَلْ إذَا قِبَلَهُ الْمُسْتَصْنِعُ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ لِأَنَّهُ بِالْآخِرَةِ بَائِعٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مسائل منثورة]

(مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالسِّبَاعِ، الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ، لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ] الْمَسَائِلُ الَّتِي تَشِذُّ عَنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِيهَا إذَا اُسْتُدْرِكَتْ سُمِّيَتْ مَسَائِلَ مَنْثُورَةً: أَيْ مُتَفَرِّقَةً عَنْ أَبْوَابِهَا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالسِّبَاعِ، الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) هَكَذَا أُطْلِقَ فِي الْأَصْلِ، فَمَشَى بَعْضُهُمْ عَلَى إطْلَاقِهِ كَالْقُدُورِيِّ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: نَصَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَتَضْمِينِ مَنْ قَتَلَهُ قِيمَتَهُ. وَرَوَى الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَصُّهُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْعَقُورِ، وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ إذَا كَانَ بِحَالٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ. وَنُقِلَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَرْوِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ: وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْأَسَدِ إذَا كَانَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَيَصْطَادُ بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَالِاصْطِيَادَ بِهِ لَا يَجُوزُ، قَالَ: وَالْفَهْدُ وَالْبَازِي يَقْبَلَانِ التَّعْلِيمَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ النَّمِرِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ لِشَرِّهِ لَا يَقْبَلُ تَعْلِيمًا. وَفِي بَيْعِ الْقِرْدِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: رِوَايَةُ الْحَسَنِ الْجَوَازُ، وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ بِالْمَنْعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْرَهُ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ إنَّمَا هُوَ لِلَّهْوِ وَهَذِهِ جِهَةٌ مُحَرَّمَةٌ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَهَذَا هُوَ وَجْهُ رِوَايَةِ إطْلَاقِ بَيْعِ الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ عَظْمِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرَّةِ لِأَنَّهَا تَصْطَادُ الْفَأْرَ وَالْهَوَامَّ الْمُؤْذِيَةَ فَهِيَ مُنْتَفَعٌ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ كَالْخَنَافِسِ وَالْعَقَارِبِ وَالْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ وَالْوَزَغِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ، وَلَا هَوَامِّ الْبَحْرِ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ. وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَّاتِ إذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَدْوِيَةِ وَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ فَلَا يَجُوزُ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ النَّجِسِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ فَهُوَ كَالسِّرْقِينِ، وَأَمَّا الْعَذِرَةُ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا إذَا خُلِطَتْ بِالتُّرَابِ فَلَا بِجَوَازِ بَيْعِهَا إلَّا تَبَعًا لِلتُّرَابِ الْمَخْلُوطِ، بِخِلَافِ الدَّمِ يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِلصَّيْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَمَّا اقْتِنَاؤُهُ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ» وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَالنَّجَاسَةُ تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحَلِّ وَجَوَازُ الْبَيْعِ يُشْعِرُ بِإِعْزَازِهِ فَكَانَ مُنْتَفِيًا. وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلصَّيْدِ وَحِرَاسَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْبُيُوتِ وَالزَّرْعِ فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهُ فِي دَارِهِ إلَّا إنْ خَافَ لُصُوصًا أَوْ أَعْدَاءً لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» وَجْهُ قَوْلِهِ مَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ وَكَسْبَ الْحَجَّامِ مِنْ السُّحْتِ» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدَيْنِ فِيهِمَا ضَعْفٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَجَرَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» (وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَالنَّجَاسَةُ تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحَلِّ وَالْبَيْعُ بِرِفْعَتِهِ) فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَعَارَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا (أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» ) وَهُوَ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. نَعَمْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ لَيْسَ فِيهَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ، لَكِنْ رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ فِي سَنَدِهِ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «أَرْخَصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» وَهَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ، فَإِنَّ الْهَيْثَمَ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مِنْ أَثْبَاتِ التَّابِعِينَ، فَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى رَأْيِهِمْ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَالْمُخَصِّصُ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِالْعَامِّ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ عِنْدَهُمْ، حَتَّى أَجَازُوا تَخْصِيصَ الْعَامِّ الْقَاطِعِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ابْتِدَاءً فَبَطَلَ مُدَّعَاهُمْ مِنْ عُمُومِ مَنْعِ الْبَيْعِ، ثُمَّ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ مِمَّا يُعَلَّلُ وَيُخْرَجُ مِنْ الْعَامِّ مَرَّةً أُخْرَى، وَتَعْلِيلُ إخْرَاجِ كَلْبِ الصَّيْدِ سَاطِعٌ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ، وَخُصُوصُ الِاصْطِيَادِ مُلْغًى إذْ لَا يَظْهَرُ مُوجِبٌ

وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَانَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، بِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَلْعًا لَهُمْ عَنْ الِاقْتِنَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِذَلِكَ فَصَارَ الْكَلْبُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ خَارِجًا سَوَاءٌ اُنْتُفِعَ بِهِ فِي صَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ وَخَرَجَ الْعَقُورُ. وَمَنْ مَشَى مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ يَقُولُ: كُلُّ كَلْبٍ تَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِرَاسَةُ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْكُلِّ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ نَسْخٌ لِمُوجِبِ الْعَامِّ بِالتَّعْلِيلِ وَلَا نَسْخَ بِقِيَاسٍ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُعَلَّلَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ بِنَفْعٍ لَا تَرْبُو عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ، وَيَدَّعِي فِي الْعَقُورِ أَنَّ مَفْسَدَتَهُ تَرْبُو عَلَى مَنْفَعَةِ حِرَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ خَاصَّةٌ يَقْتَرِنُ بِهَا ضَرَرٌ عَامٌّ لِلنَّاسِ فَيَخْرُجُ مَا سِوَاهُ. وَقَصُرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَظَرَهُ عَلَى الْحَدِيثِ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى الْمَذْهَبِ بَلْ ذَكَرَهُ لِنَفْيِ مَذْهَبِ الْخَصْمِ: أَعْنِي شُمُولَ الْمَنْعِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَى دَلِيلِ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ إلَّا الْوَجْهَ الثَّانِيَ، وَعَلَى تَقْرِيرِنَا يَتِمُّ الْأَوَّلُ أَيْضًا. وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ عَلَى عُمُومِ بَيْعِ الْكَلْبِ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» وَلَمْ يُخَصِّصْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوَّلًا لَا يُعْرَفُ إلَّا مَوْقُوفًا حَدَّثَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ عَنْ يُونُسَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو " أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبِ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَضَى فِي كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ ". وَثَانِيًا هُوَ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا تُوجِبُ الْعُمُومَ فِي أَنْوَاعِ الْكِلَابِ فَجَعْلُهَا دَلِيلًا عَلَى الْعُمُومِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ. ثَانِيهمَا هُوَ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَانَ مَالًا) يَعْنِي مَالًا مَمْلُوكًا مُتَقَوِّمًا. أَمَّا كَوْنُهُ مَالًا فَلِأَنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ خُلِقَ لِمَنْفَعَتِهِ الْمُطْلَقَةِ شَرْعًا، وَهَذَا كَذَلِكَ فَكَانَ مَالًا، وَأَمَّا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ مُتَقَوِّمٌ فَلِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ مَأْذُونٌ شَرْعًا

وَلَا نُسَلِّمُ نَجَاسَةَ الْعَيْنِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَحْرُمُ التَّنَاوُلُ دُونَ الْبَيْعِ. وَقَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا " وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَالتَّقَوُّمُ بِالتَّمَوُّلِ، وَكِلَاهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا إذْ قَدْ أَذِنَ الشَّرْعُ فِي اقْتِنَاءِ كَلْبِ الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ بَيْعُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى النَّصِّ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُسَلَّمَ أَنَّهُ مَالٌ مُحَرَّزٌ مُتَقَوِّمٌ لَكِنْ ثَبَتَ مَنْعُ الشَّرْعِ مِنْ بَيْعِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ. فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِادِّعَاءِ نَسْخِ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ كَانَ أَمْرًا مُحَقَّقًا فِي الْأَوَّلِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ عُلِمَ نَسْخُ ذَلِكَ بِرِوَايَةِ تَرْكِ قَتْلِهَا عَلَى مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: مَالِي وَلِلْكِلَابِ؟ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَفِي كَلْبٍ آخَرَ نَسِيَهُ سَعِيدٌ» . وَلِهَذَا الْمَعْنَى طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَجَبَ حَمْلُ مَا رُوِيَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي سُؤْرِهَا وَالنَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهَا وَبَيْعِهَا ثُمَّ التَّرْخِيصُ فِي بَيْعِ النَّوْعِ الَّذِي أَذِنَ فِي اقْتِنَائِهِ، الْأَوَّلُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِيَةِ، فَكَانَ مَنْعُ الْبَيْعِ عَلَى الْعُمُومِ مَنْسُوخًا بِإِطْلَاقِ بَيْعِ الْبَعْضِ بِالضَّرُورَةِ. وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: نَجِسُ الْعَيْنِ بِالْمَنْعِ بِدَلِيلِ إطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. قَالَ (وَلَوْ سَلَّمَ فَنَجَاسَةُ عَيْنِهِ تُوجِبُ حُرْمَةَ أَكْلِهِ لَا مَنْعَ بَيْعِهِ) بَلْ مَنْعُ الْبَيْعِ بِمَنْعِ الِانْتِفَاعِ شَرْعًا، وَلِهَذَا أَجَزْنَا بَيْعَ السِّرْقِينِ وَالْبَعْرِ مَعَ نَجَاسَةِ عَيْنِهِمَا لِإِطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا عِنْدَنَا، بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ لَمْ يُطْلَقْ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَمُنِعَ بَيْعُهَا، فَإِنْ ثَبَتَ شَرْعًا إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ مَخْلُوطَةً بِالتُّرَابِ وَلَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ كَالِاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ كَمَا قِيلَ جَازَ بَيْعُ ذَلِكَ التُّرَابِ الَّتِي هِيَ فِي ضِمْنِهِ، وَبِهِ قَالَ مَشَايِخُنَا. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْخَمْرِ لِنَصٍّ خَاصٍّ فِي مَنْعِ بَيْعِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إنَّ رَجُلًا أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ شُرْبَهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَسَارَّ إنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ سَارَرْته؟ قَالَ: أَمَرْته بِبَيْعِهَا، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا، قَالَ فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ يَقُولُ وَهُوَ بِمَكَّةَ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ قَالَ: لَا هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهُ فَبَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» وَهَذَا يَتِمُّ بِهِ

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. . قَالَ (وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْبِيَاعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مُحْتَاجُونَ كَالْمُسْلِمِينَ. قَالَ (إلَّا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ خَاصَّةً) فَإِنَّ عَقْدَهُمْ عَلَى الْخَمْرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ، وَعَقْدُهُمْ عَلَى الْخِنْزِيرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الشَّاةِ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ. دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْحُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَيَقُومُ إشْكَالًا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ السِّرْقِينِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ فِي نَحْوِ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ، فَإِنَّا بَيَّنَّا فِي الْأُصُولِ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْأَعْيَانِ تُقَدَّرُ إضَافَتُهُ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْنِ كَالشُّرْبِ مِنْ الْخَمْرِ وَالْأَكْلِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَاللُّبْسِ مِنْ الْحَرِيرِ، فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا» يَعْنِي إذَا حَرَّمَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّيْءِ " حَرَّمَ بَيْعَهُ وَأَكْلَ ثَمَنِهِ " كَالْمَقْصُودِ مِنْ الْخَمْرِ وَالْمَقْصُودِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي السِّرْقِينِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَحْرِيمُ الْبَيْعِ، فَإِنْ قَالَ النَّجَاسَةُ سَبَبٌ، قُلْنَا: مَمْنُوعٌ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ. أَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ تَحْرِيمَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّيْءِ مُوجِبٌ لِتَحْرِيمِ بَيْعِهِ . (قَوْلُهُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْبِيَاعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ) يَجُوزُ لَهُمْ مِنْهَا مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمُوجِبِ الْبِيَاعَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ مُحْتَاجُونَ إلَى مُبَاشَرَتِهَا، وَقَدْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا بِالْإِقَامَةِ فِي دَارِنَا وَإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُمْ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا سَلَمَ فِي حَيَوَانٍ وَلَا نَسِيئَةَ فِي صَرْفٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ هُمْ فِي الْبُيُوعِ كَالْمُسْلِمِينَ (إلَّا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) فَإِنَّا نُجِيزُ بَيْعَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِخُصُوصٍ فِيهِ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: سَمِعْت سُوَيْد بْنَ غَفَلَةَ يَقُولُ: حَضَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ عُمَّالُهُ فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ فِي الْجِزْيَةِ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْخَمْرَ، فَقَالَ بِلَالٌ: أَجَلْ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ وَلَّوْا أَرْبَابَهَا بَيْعَهَا ثُمَّ خُذُوا الثَّمَنَ مِنْهُمْ، وَلَا نُجِيزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» لَمْ يُعْرَفْ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ فَقَالَ

فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ الْأَلْفَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْخَمْسَمِائَةِ مِنْ الضَّامِنِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّمِينِ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَتَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ عَدْلًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ رَابِحًا، ثُمَّ قَدْ لَا يَسْتَفِيدُ الْمُشْتَرِي بِهَا شَيْئًا بِأَنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ وَهُوَ يُسَاوِي الْمَبِيعَ بِدُونِهَا فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ لَكِنْ مِنْ شَرْطِهَا الْمُقَابَلَةُ تَسْمِيَةً وَصُورَةً، فَإِذَا قَالَ مِنْ الثَّمَنِ وُجِدَ شَرْطُهَا فَيَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ لَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَصِحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعْت فَهُوَ جَائِزٌ) وَهُوَ جَوَابٌ لِلْكُلِّ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلُ الضَّامِنِ ذَلِكَ بَعْدَ مُفَاوَضَةٍ بَيْنَ فُلَانٍ وَسَيِّدِ الْعَبْدِ بِأَلْفٍ وَإِبَاءً أَوْ ابْتِدَاءً. قَالَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: وَيَكُونُ الْبَيْعُ بَعْدَهُ دَلَالَةً عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ امْتِثَالٌ بِذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَقَالَتْ طَلَّقْت، يُجْعَلُ قَبُولًا اسْتِحْسَانًا، فَكَذَا هَذَا. وَفِي بَعْضِهَا مَا يُفِيدُ أَنَّهُ إيجَابٌ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إبَاءً وَلَا مُسَاوَمَةً وَحَصَلَ إيجَابُ الْعَقْدِ عَقِيبَ ضَمَانِ الرَّجُلِ كَانَ كَذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْ عَبْدَك أَمْرٌ وَلَفْظَةُ الْأَمْرِ لَا تَكُونُ فِي الْبَيْعِ إيجَابًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْنِي هَذَا بِكَذَا فَقَالَ بِعْت لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَقْبَلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ طَلِّقِي نَفْسَك فِي التَّفْوِيضِ فِي الْخُلْعِ فَلَا بُدَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقُولُ بَعْدَ بِعْت مِنْ الْبَائِعِ اشْتَرَيْت أَوْ مَعْنَاهُ عَلَى مَا سَلَفَ هُنَاكَ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ فَبَاعَ جَازَ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ فَقَطْ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: مِنْ الثَّمَنِ فَقَدْ أَضَافَ الْتِزَامَهُ زِيَادَةَ خَمْسِمِائَةٍ فِي الثَّمَنِ إلَى بَيْعِهِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالضَّمَانُ جَائِزُ الْإِضَافَةِ فَقَدْ وُجِدَ الْمُقْتَضِي لِلُّزُومِ بِلَا مَانِعٍ. وَإِذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَلْتَزِمْ الْخَمْسَمِائَةِ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ الْتَزَمَ مَالًا يُعْطِيهِ إيَّاهُ إنْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ، وَهَذِهِ رِشْوَةٌ إذْ لَمْ تُقَابَلْ بِالْمَبِيعِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ فَيَنْعَقِدُ بِأَلْفٍ فَقَطْ، ثُمَّ فِي الْأَوَّلِ إنْ كَانَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَأْخُذَ الْخَمْسَمِائَةِ مِنْ الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْمُشْتَرِي صَارَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُرَابِحَ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ أَخَذَهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَلَوْ رَدَّ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ) لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَيْبٍ أَوْ تَقَايَلَا فَالْبَائِعُ يَرُدُّ الْأَلْفَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْخَمْسَمِائَةِ عَلَى الضَّامِنِ، وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ وَيُرَابِحُ عَلَى أَلْفٍ وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ. وَلَوْ تَقَايَلَا أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ أَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْخَمْسَمِائَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا يَجُوزُ فَكَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ عَلَيْهِ. أَجَابَ الْكَرْخِيُّ بِمَنْعِ كَوْنِ الشِّرَاءِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا يَجُوزُ إذْ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَتَعَقَّبَهُ الرَّازِيّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ كَوْنَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ إذَا كَانَ أَصْلُ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «فِي الَّذِي امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِلدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَالْتَزَمَهُ أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَلَّى عَلَيْهِ» فَقَدْ الْتَزَمَ دَيْنًا لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَحْصُلُ لِلْمُلْتَزِمِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَحْصُلْ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي مُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ لَزِمَ جَوَازُ اشْتِرَاطِ كُلِّ الثَّمَنِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. فَالْجَوَابُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَهَا شِبْهٌ بِبَدَلِ الْخُلْعِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ يُسَلَّمُ لِلْمُلْتَزِمِ وَبَدَلُ الْخُلْعِ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا التَّعْلِيلُ قَاصِرٌ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ كَمَا لَا تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، وَوُجُودُهَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَكْثَرُ أَحْوَالِ الْعَقْدِ، فَإِنَّ أَحْوَالَهُ ثَلَاثَةٌ: كَوْنُهُ خَاسِرًا، وَرَابِحًا، وَعَدْلًا. وَكَوْنُهَا لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فِي وَجْهٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ رَابِحًا فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ بَلْ الْوَاجِبُ اعْتِبَارُ الْحَالِ الْأَغْلَبِيَّةِ فِي الْمُشَابَهَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَ يُبْنَى عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَالْأَوْلَى مَا قِيلَ: إنَّ الزِّيَادَةَ ثَبَتَتْ تَبَعًا فَجَازَ أَنْ تَثْبُتَ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ أَصْلِ الثَّمَنِ الثَّابِتِ مَقْصُودًا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ ثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ ثَمَنًا وَالْأَجْنَبِيُّ ضَامِنٌ لَهَا لَزِمَ جَوَازُ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِهَا كَالْكَفِيلِ. قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْأَصِيلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ وَأَنَا كَفِيلٌ بِهَا فَأَنْكَرَ فُلَانٌ طُولِبَ الْكَفِيلُ بِهَا دُونَ فُلَانٍ فَجَازَ هُنَا كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْتَزِمْهَا إنَّمَا الْتَزَمَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَجْنَبِيُّ وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِلَا سَبَبٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ) وَوَطْءُ الزَّوْجِ قَبْضٌ مِنْ الْمُشْتَرِي خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِوُجُودِ سَبَبِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ عَلَى

وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ. (وَهَذَا قَبْضٌ) لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ (إنْ لَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ بِقَبْضٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّعْيِيبِ الْحَقِيقِيِّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي الْحَقِيقِيِّ اسْتِيلَاءً عَلَى الْمَحَلِّ وَبِهِ يَصِيرُ قَابِضًا وَلَا كَذَلِكَ الْحُكْمِيُّ فَافْتَرَقَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمَةِ (وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَهَا لَا عَلَى الْكَمَالِ كَمَا فِي مِلْكِ نِصْفِهَا لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ إنْكَاحُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالْغَرَرِ دُونَ النِّكَاحِ، وَفِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ احْتِمَالُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ: أَعْنِي الْمَرْأَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ لَا يَصِحُّ وَتَزْوِيجَ الْآبِقَةِ يَجُوزُ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ تَعْلِيلُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْوَارِدُ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَارِدًا فِي النِّكَاحِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِيَثْبُتَ بِدَلَالَتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ قَابِضًا فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ، وَلَوْ لَمْ يَطَأْهَا الزَّوْجُ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا اسْتِحْسَانًا، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ قَبْلَ الْوَطْءِ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ التَّزْوِيجِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَعْيِيبٌ مِنْهُ لِلْمَبِيعِ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ خِيَارُ الرَّدِّ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ، وَالْمُشْتَرِي إذَا عَيَّبَ الْمَبِيعَ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا فِعْلٌ حِسِّيٌّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالتَّزْوِيجُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ بِمَعْنَى تَقْلِيلِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا فَكَانَ كَنُقْصَانِ السِّعْرِ لَهُ وَكَالْإِقْرَارِ مِنْهُ عَلَيْهَا بِدَيْنٍ. وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْعَبْدِ الْمَبِيعِ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ قَابِضًا فَكَذَا مُجَرَّدُ التَّزْوِيجِ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ كَأَنْ فَقَأَ عَيْنَهَا مَثَلًا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ. وَاسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا الْإِعْتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِمَا قَابِضًا وَلَيْسَ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَى الْمَحَلِّ بِفِعْلٍ حِسِّيٍّ. وَالْجَوَابُ إنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ قَبْضًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يَكُونُ قَبْضًا هُوَ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ الَّذِي يَحْصُلُ الِاسْتِيلَاءُ، وَالْقَبْضُ الْحَاصِلُ بِالْعِتْقِ ضَرُورِيٌّ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَمِنْ ضَرُورَةِ إنْهَاءِ الْمِلْكِ كَوْنُهُ قَابِضًا وَالتَّدْبِيرُ مِنْ وَادِيهِ لِأَنَّهُ بِهِ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُدَبَّرِ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ. هَذَا وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، وَقَيَّدَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْتِ، حَتَّى لَوْ مَاتَتْ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهَا إيَّاهُ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ مَعْرُوفَةً لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِ الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ الْبَائِعِ إلَى حَقِّهِ بِدُونِ الْبَيْعِ، وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُشْتَرِي (وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ بِيعَ الْعَبْدُ وَأَوْفَى الثَّمَنَ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ فَيَظْهَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَارِيَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ) قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ (فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ) وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ (فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ) الْمُشْتَرِي غَيْبَةً (مَعْرُوفَةً لَمْ يَبِعْهُ) الْقَاضِي (فِي دَيْنِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ الْبَائِعِ إلَى حَقِّهِ بِدُونِ الْبَيْعِ) فَيَكُونُ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ بِيعَ الْعَبْدُ وَأَوْفَى الثَّمَنَ) بِنَصْبِ الثَّمَنِ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِبِيعَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَعْرُوفَةَ أَنْ يُعْلَمَ أَيْنَ هُوَ. وَقَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ بَيْعِ الْقَاضِي (لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ) يَعْنِي بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ (فَيَظْهَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ) وَهُوَ كَوْنُهُ (مَشْغُولًا بِحَقِّهِ) يُبَيِّنُ أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْقَاضِي لَيْسَ

وَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي يَبِيعُهُ الْقَاضِي فِيهِ كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ وَالْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ مُفْلِسًا وَالْمَبِيعُ لَمْ يُقْبَضْ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَبْقَ مُتَعَلِّقًا بِهِ، ثُمَّ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُمْسَكُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ حَقِّهِ وَإِنْ نَقَصَ يَتْبَعُ هُوَ أَيْضًا. قَالَ (فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَيَقْبِضَهُ، وَإِذَا حَضَرَ الْآخَرُ لَمْ يَأْخُذْ نَصِيبَهُ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا دَفَعَ الْحَاضِرُ الثَّمَنَ كُلَّهُ لَمْ يَقْبِضْ إلَّا نَصِيبَهُ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِمَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَلَا يَقْبِضُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ فَمَا هِيَ إلَّا لِكَشْفِ الْحَالِ لِيُجِيبَهُ الْقَاضِي إلَى الْبَيْعِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ لَا لِيَثْبُت عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُقِمْهَا لَمْ يُجِبْهُ إلَى ذَلِكَ (وَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ) وَالْفَرْضُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَالِيَّةِ هَذَا الْعَبْدِ لِأَنَّهُ كَالرَّهْنِ فِي يَدِهِ إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا كَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيُعِينُهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِهِ (بِخِلَافِ مَا بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ) أَيْ الْبَائِعِ (لَمْ يَبْقَ مُعَلَّقًا بِهِ) بَلْ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَالْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ وَلَا يَثْبُتُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْبَيْعِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا طَرِيقُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَتَقْرِيرُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا عَلَى إثْبَاتِ حَقٍّ عَلَى الْغَائِبِ وَلَيْسَ ثَمَّ خَصْمٌ لَا قَصْدِيٌّ وَلَا حُكْمِيٌّ، فَهُوَ كَمَنْ أَقَامَهَا عَلَى غَائِبٍ لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تُقْبَلُ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ وَعَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَرُبَّمَا تَرْبُو النَّفَقَةُ عَنْ الثَّمَنِ وَالْقَاضِي نَاظِرٌ لِإِحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا لِدَفْعِ الْبَلِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا لِيُثْبِتَ حَقًّا عَلَى الْغَائِبِ لِيَنْزِعَ شَيْئًا مِنْ يَدِهِ لَا يَقْبَلُهَا، وَالْإِجْمَاعُ فِي مِثْلِهِ لِدَفْعِ الْبَلِيَّةِ عَنْ الْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهِ إزَالَةُ يَدِ الْغَائِبِ عَمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ بَيْعَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَقْبِضُهُ ثُمَّ يَبِيعُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَثْبُتُ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ النَّظَرُ لِلْبَائِعِ بِإِحْيَاءِ حَقِّهِ وَالْبَيْعُ ضِمْنٌ لَهُ. هَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا فَغَابَ، فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ إعْطَاءِ الثَّمَنِ فَالْحَاضِرُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ نَصِيبِهِ إلَّا بِنَقْدِ جَمِيعِ الثَّمَنِ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَوْ نَقَدَهُ اخْتَلَفُوا فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ حِصَّةِ الْغَائِبِ؟ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُجْبَرُ. وَالثَّانِي لَوْ أَنَّهُ قَبِلَ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِ الْغَائِبِ لِلْحَاضِرِ؟ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا، بَلْ لَا يَقْبِضُ إلَّا نَصِيبَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُهَايَأَةِ، وَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ. وَالثَّانِي لَوْ قَبَضَ الْحَاضِرُ الْعَبْدَ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْغَائِبِ بِمَا نَقَدَهُ؟

وَلَهُمَا أَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ، وَالْمُضْطَرُّ يَرْجِعُ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَجِبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَجِبُ مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلُ وَمِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمُ وَزْنُ سَبْعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ، وَلِلْحَاضِرِ حَبْسُ نَصِيبِ الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا نَقَدَهُ عَنْهُ. وَجْهُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاضِرَ قَضَى دَيْنَ الْغَائِبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا (وَلَهُمَا أَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ) أَيْ فِي دَفْعِ حِصَّةِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِهِ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّادِرَ إلَيْهِمَا مِنْ الْبَائِعِ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمُضْطَرُّ يَرْجِعُ وَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَفْلَسَ الرَّاهِنُ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَابَ، فَإِنَّ الْمُعِيرَ إذَا افْتَكَّهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ، وَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ إذَا سَقَطَ بِسُقُوطِ السُّفْلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ إذَا لَمْ يَبْنِهِ مَالِكُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى بِنَاءِ عُلُوِّهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ دُخُولِهِ مَا لَمْ يُعْطِهِ مَا صَرَفَهُ، غَيْرَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ السُّفْلِ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ كَوْنِ صَاحِبِهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يَكُونُ مُضْطَرًّا فِي إيفَاءِ الْكُلِّ، إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْقَاضِي فِي أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ لِيَقْبِضَ نَصِيبَهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السُّفْلِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ لَوْ خَاصَمَهُ فِي أَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِبِنَائِهِ فَكَانَ مُضْطَرًّا حَالَ حُضُورِهِ كَغَيْبَتِهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْحَاضِرِ. وَمِثْلُ صُورَةِ حُضُورِهِمَا فِي عَدَمِ الِاضْطِرَارِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلَانِ دَارًا فَغَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ نَقْدِ الْأُجْرَةِ فَنَقَدَ الْحَاضِرُ جَمِيعَهَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي نَقْدِ حِصَّةِ الْغَائِبِ، إذْ لَيْسَ لِلْآجِرِ حَبْسُ الدَّارِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَإِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْحَبْسِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلْحَاضِرِ فَلَهُ حَبْسُهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ، وَلَوْ بَقِيَ دِرْهَمٌ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ إلَى أَنْ يُعْطِيَهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَخْ)

لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَلْفَ إلَيْهِمَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٍ فَقَضَاهُ زُيُوفًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَنْفَقَهَا أَوْ هَلَكَتْ فَهُوَ قَضَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْت هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ إلَخْ. وَلَفْظُ الْجَامِعِ: فِي رَجُلٍ يَقُولُ لِرَجُلٍ: أَبِيعُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ جَيِّدٍ وَفِضَّةٍ قَالَ هُمَا نِصْفَانِ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ، وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ الصِّفَةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِأَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الصِّفَةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ. وَعُرِفَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْعِدَّةَ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحَالَ. وَقِيلَ بَلْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مُسَاوَمَةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَثْبُتُ الِانْقِسَامُ. وَفِيهِ أَنَّ إضَافَةَ الْمِثْقَالِ إلَى الذَّهَبِ ثُمَّ عَطْفَ الْفِضَّةِ عَلَيْهِ مُرْسَلًا يُوجِبُ كَوْنَ الْفِضَّةِ أَيْضًا مُضَافًا إلَيْهَا الْمِثْقَالُ، وَيَنْفِي وَهْمَ أَنْ يَفْسُدَ لِجَهَالَةِ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْمِثْقَالَ غَالِبٌ فِي الذَّهَبِ فَتَصِيرُ الْفِضَّةُ مُرْسَلَةً عَنْ قَيْدِ الْوَزْنِ بَلْ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا صِفَةُ الْجَوْدَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ، فَالْمِثْقَالُ الْمُتَقَدِّمُ فَسَّرَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ غَدًا وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَقَعَا جَمِيعًا غَدًا فَإِنَّهُمَا مُضَافَانِ. ذَكَرَهُ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ أَلْفٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ بِالْمَثَاقِيلِ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِي الدَّرَاهِمِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَلْفٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجَبَ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ مِنْ الذَّهَبِ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ مِنْ الْفِضَّةِ، لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي وَزْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَا يَصْرِفُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْمُتَعَارَفِ فِيهِ فَيُصْرَفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَجِبُ كَوْنُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُتَعَارَفُ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ فِي اسْمِ الدَّرَاهِمِ مَا بِوَزْنِ سَبْعَةٍ وَالْمُتَعَارَفُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الْآنَ كَالشَّامِ وَالْحِجَازِ لَيْسَ ذَلِكَ بَلْ وَزْنُ رُبْعٍ وَقِيرَاطٍ مِنْ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ. وَأَمَّا فِي عُرْفِ مِصْرَ لَفْظُ الدِّرْهَمِ يَنْصَرِفُ الْآنَ إلَى زِنَةِ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ مِنْ الْفُلُوسِ، إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِالْفِضَّةِ فَيَنْصَرِفَ إلَى دِرْهَمٍ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ فَإِنَّ مَا دُونَهُ ثَقُلَ أَوْ خَفَّ يُسَمُّونَهُ نِصْفَ فِضَّةٍ وَكَذَا هَذَا الِانْقِسَامُ فِي كُلِّ مَا يَقْرُبُهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا قَرْضًا أَوْ سَلَمًا أَوْ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً أَوْ مَهْرًا أَوْ وَصِيَّةً أَوْ كَفَالَةً أَوْ جُعْلًا فِي خُلْعٍ، وَمِنْهُ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ كَانَ عَلَيْهِ الثُّلُثُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٍ فَقَضَاهُ عَشَرَةً زُيُوفًا وَهُوَ) أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ (لَا يَعْلَمُ) أَنَّهَا زُيُوفٌ (فَهُوَ قَضَاءٌ) حَتَّى لَوْ أَنْفَقَهَا الدَّائِنُ أَوْ هَلَكَتْ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ:

يَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ بِدَرَاهِمِهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْوَصْفِ مَرْعِيٌّ كَهُوَ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يُمْكِنُ رِعَايَتُهُ بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا قُلْنَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ. حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِيمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ جَازَ فَيَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَلَا يَبْقَى حَقُّهُ إلَّا فِي الْجَوْدَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِإِيجَابِ ضَمَانِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعَ بِالْجِيَادِ) وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُمَا قِيَاسٌ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ. لَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ مَرْعِيٌّ كَحَقِّهِ فِي الْمِقْدَارِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ضَمَانُ الْوَصْفِ بِانْفِرَادِهِ (لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا قُلْنَا) مِنْ ضَمَانِ الْأَصْلِ لِيَصِلَ إلَى الْوَصْفِ (وَلَهُمَا أَنَّهُ) أَيْ الزُّيُوفَ (مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِيمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ) بِهِ كَالصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (جَازَ) وَمَا جَازَ إلَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ اسْتِبْدَالًا بَلْ نَفْسُ الْحَقِّ (فَيَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى حَقُّهُ فِي الْجَوْدَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِإِيجَابِ ضَمَانِهَا) بَعْدَ هَلَاكِ الدَّرَاهِمِ (لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا (وَلَا بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لَهُ عَلَيْهِ) يَعْنِي هُوَ إيجَابٌ لِلْقَابِضِ عَلَى نَفْسِهِ (وَلَا نَظِيرَ لَهُ) فِي الشَّرْعِ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَنْفَصِلُ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بَلْ تَدَارُكُهَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ إيجَابِ الْمِثْلِ مُمْكِنٌ وَهَذَا كَمَا لَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً فَهَلَكَتْ أَلَيْسَ يَرُدُّ مِثْلَهَا، فَإِنْ قَالَ: السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْجِيَادِ حَتَّى يَصِيرَ مُقْتَضِيًا حَقَّهُ بِهَا. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مُقْتَضِيًا حَقَّهُ بِالزَّيْفِ إلَّا إنْ عَلِمَ فَرَضِيَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ تَارِكٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَهُوَ صِفَةُ الْجَوْدَةِ قَوْلُهُمْ فِيهِ مَانِعٌ وَهُوَ كَوْنُهُ يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ جِنْسَ حَقِّهِ، فَإِذَا ضَمِنَ مِثْلَهُ كَانَ الْوُجُوبُ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ إذْ الْمَدْيُونُ لَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا. قُلْنَا: يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا أَفَادَ كَالْمَوْلَى إذَا أَتْلَفَ بَعْضَ أَكْسَابِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَقَدْ أَفَادَ هُنَا تَدَارُكَ حَقِّهِ فَصَارَ كَشِرَاءِ الْإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ إلَّا إذَا أَفَادَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ أَوْ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ. وَيُجَابُ بِمَنْعِ الِاتِّحَادِ فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ، بَلْ الضَّمَانُ فِي الْمَأْذُونِ لِلْغُرَمَاءِ وَهُنَا الْمَقْبُوضُ كُلُّهُ مِلْكٌ، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَمَنْ عَلَيْهِ وَاحِدٌ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ. وَفِي النَّوَازِلِ: اشْتَرَى بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالْجِيَادِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِمَا اشْتَرَى. وَلَوْ بَاعَهَا مُرَابَحَةً فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ الْجِيَادُ. وَفِي الْأَجْنَاسِ: اشْتَرَى بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِالْجِيَادِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

قَالَ (وَإِذَا) (أَفْرَخَ طَيْرٌ فِي أَرْضٍ رَجُلٍ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ) وَكَذَا إذَا بَاضَ فِيهَا (وَكَذَا إذَا تَكَنَّسَ فِيهَا ظَبْيٌ) لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ وَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ وَالصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَكَذَا الْبَيْضُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِكَسْرِهِ أَوْ شَيِّهِ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ لَمْ يُعِدَّ أَرْضَهُ فَصَارَ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ لِلْجَفَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ أَفْرَخَ طَيْرٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَكَذَا إذَا بَاضَ فِيهَا وَكَذَا إذَا تَكَنَّسَ فِيهَا ظَبْيٌ) أَيْ دَخَلَ كِنَاسَهُ وَالْكِنَاسُ بَيْتُ الظَّبْيِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تُكْسَرُ: أَيْ وَقَعَ فِيهَا فَتُكْسَرُ، وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَرَهُ رَجُلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَا لِلْآخِذِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّيْرِ وَالْبَيْضِ وَالْفَرْخِ وَقَدْ أُصْلِحَ فِي نُسْخَةٍ لِأَنَّهَا (مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ) أَيْ يَدُ الْآخِذِ إلَيْهِ (وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ وَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِلَا حِيلَةٍ وَالصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ وَالْبَيْضُ أَصْلُ الصَّيْدِ) فَيُلْحَقُ بِهِ (وَلِهَذَا يَجِبُ عَنْهُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِكَسْرِهِ أَوْ شَيِّهِ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} [المائدة: 94] فِي قَوْله تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] كَذَا ذُكِرَ. وَقَوْلُهُ (وَصَاحِبُ الْأَرْضِ لَمْ يُعِدَّ أَرْضَهُ لِذَلِكَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ هِيَ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ: أَيْ إنَّمَا يَكُونُ لِلْآخِذِ إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ بِأَنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا لِيَسْقُطَ فِيهَا أَوْ أَعَدَّ مَكَانًا لِلْفِرَاخِ لِيَأْخُذَهَا، فَإِنْ كَانَ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ لَا يَمْلِكُهَا الْآخِذُ بَلْ رَبُّ الْأَرْضِ يَصِيرُ بِذَلِكَ قَابِضًا حُكْمًا، كَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً لِيُجَفِّفَهَا فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ لَا لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعِدَّهَا الْآنَ لِلْأَخْذِ، وَكَمَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ فَأَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ عَلَيْهِ أَوْ سَدَّ الْكُوَّةَ كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ، وَكَذَا إذْ وَقَعَ فِي ثِيَابِهِ النِّثَارُ مِنْ السُّكَّرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ مَا لَمْ يَكُفَّ ثَوْبَهُ عَلَى السَّاقِطِ فِيهِ، وَمَا هَذِهِ مَصْدَرِيَّةٌ نَائِبَةٌ عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ: أَيْ لِلْآخِذِ فِي زَمَانِ عَدَمِ كَفِّهِ الثَّوْبَ. وَقَوْلُهُ أَوْ كَانَ مُسْتَعِدًّا لَهُ: أَيْ لِلنِّثَارِ بِأَنْ بَسَطَ ثَوْبَهُ لِذَلِكَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ، فَإِذَا كَفَّهُ أَوْ كَانَ مُسْتَعِدًّا فَهُوَ لَهُ، أَمَّا إذَا عَسَّلَ النَّحْلُ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ عُدَّ مِنْ أَنْزَالِهِ: أَيْ مِنْ زِيَادَاتِ الْأَرْضِ: أَيْ مَا يَنْبُتُ فِيهَا فَيَمْلِكُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَالشَّجَرِ النَّابِتِ فِيهَا وَكَالتُّرَابِ وَالطِّينِ الْمُجْتَمِعِ فِيهَا بِجَرَيَانِ الْمَاء عَلَيْهَا. وَالْأَنْزَالُ جَمْعُ نُزُلٍ وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَذُكِرَ ضَمِيرٌ؛ لِأَنَّهُ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الْأَرْضِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَكَانِ، وَمِثْلُهُ وَقَعَ فِي شِعْرِ الْعَرَبِ قَالَ:

[كتاب الصرف]

وَكَذَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ أَوْ وَقَعَ مَا نُثِرَ مِنْ السُّكَّرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي ثِيَابِهِ مَا لَمْ يَكُفَّهُ أَوْ كَانَ مُسْتَعِدًّا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَّلَ النَّحْلُ فِي أَرْضِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْزَالِهِ فَيَمْلِكُهُ تَبَعًا لِأَرْضِهِ كَالشَّجَرِ النَّابِتِ فِيهَا وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ فِي أَرْضِهِ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الصَّرْفِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... وَلَا أَرْضٌ أَبْقَلَ إبْقَالَهَا وَمِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: لَوْ اتَّخَذَ فِي أَرْضِهِ حَظِيرَةً لِلسَّمَكِ فَدَخَلَ الْمَاءُ وَالسَّمَكُ مَلَكَهُ؛ وَلَوْ اُتُّخِذَتْ لِغَيْرِهِ، فَمَنْ أَخَذَ السَّمَكَ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَا فِي حَفْرِ الْخَفِيرَةِ إذَا حَفَرَهَا لِلصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْآخِذِ، وَكَذَا صُوفٌ وُضِعَ عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ فَابْتَلَّ بِالْمَطَرِ فَعَصَرَهُ رَجُلٌ، فَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِلْمَاءِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ وَإِلَّا فَالْمَاءُ لِلْآخِذِ، وَلَوْ بَاضَ صَيْدٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ تَكَسَّرَ فِيهَا فَجَاءَ رَجُلٌ لِيَأْخُذَهُ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى أَخْذِهِ قَرِيبًا مِنْهُ بِأَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ كَانَ الصَّيْدُ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ لَا يَمْلِكُ. [كِتَابُ الصَّرْفِ] لَمَّا كَانَ قُيُودُهُ أَكْثَرَ كَانَ وُجُودُهُ أَقَلَّ فَقَدَّمَ مَا هُوَ أَكْثَرُ وُجُودًا. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ عَقْدًا عَلَى الْأَثْمَانِ وَالثَّمَنُ فِي الْجُمْلَةِ تَبَعٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ أُخِّرَ عَنْ الْبُيُوعِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ: أَعْنِي الْمَبِيعَاتِ، وَمَفْهُومُهُ لُغَةً وَشَرْعًا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَشَرْطُهُ التَّقَابُضُ لِلْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ أَجَلٌ وَلَا خِيَارُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ أَوْ تَمَامَهُ عَلَى الرَّأْيَيْنِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِالْقَبْضِ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ الْقَبْضُ لِلَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَالْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ، فَلَوْ افْتَرَقَا وَفِي الصَّرْفِ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ جَازَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي النَّقْدِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ عَلَى مِثْلِهَا لَا عَيْنِهَا، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لِصَاحِبِ الدِّينَارِ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُ، وَكَذَا لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ الْأَوَانِي وَالْحُلِيِّ. وَلَوْ أَسْقَطَا فِي الْمَجْلِسِ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ عَادَ الصَّرْفُ صَحِيحًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَأُورِدبَ عَلَيْهِ كَيْفَ جَازَ أَنْ يُقَالَ التَّقَابُضُ شَرْطُ الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدِ فَإِنَّمَا هُوَ حُكْمُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَيْسَ

قَالَ (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) سُمِّيَ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ فِي بَدَلَيْهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ. وَالصَّرْفُ هُوَ النَّقْلُ وَالرَّدُّ لُغَةً، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا الزِّيَادَةَ إذْ لَا يُنْتَقَعُ بِعَيْنِهِ، وَالصَّرْفُ هُوَ الزِّيَادَةُ لُغَةً كَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَالْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ الْقَائِلِينَ: إنَّهُ الْجَوَازُ. وَأَجَابُوا بِأَنَّ تَأَخُّرَهُ ضَرُورَةُ نَفْيِ إيجَابِ قَبْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ مُقَارِنًا أَوْ مُتَقَدِّمًا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا صُورَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّكَلُّفِ بِارْتِكَابِ الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَأَمَّا مَفْهُومُهُ شَرْعًا فَبَيْعُ مَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ لِيَدْخُلَ بَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ أَوْ بِالنَّقْدِ، فَإِنَّ الْمَصُوغَ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ مِنْ الصَّنْعَةِ بِهِ لَمْ يَبْقَ ثَمَنًا صَرِيحًا وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ وَمَعَ بَيْعِهِ صَرْفٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ اصْطِلَاحًا بِهِ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ اللُّغَوِيَّ هُوَ النَّقْلُ، وَمِنْهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ: " فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ " وَنَقْلُ كُلٍّ مِنْ الْبَدَلَيْنِ عَنْ مَالِكِهِ إلَى الْآخَرِ بِالْفِعْلِ شَرْطُ جَوَازِهِ فَكَانَ فِي الْمُسَمَّى مَعْنَى اللُّغَةِ فَسُمِّيَ بِاسْمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَشْرُوطِ فِيهِ (أَوْ هُوَ) أَيْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الزِّيَادَةُ دُونَ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ الْبَدَلِ الْآخَرِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ وَالْخِمَارِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ قَصْدَ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ التِّجَارَةُ وَالرِّبْحُ فِيهِ بِالنَّقْلِ وَإِلَّا خَلَا الْعَقْدُ عَنْ الْفَائِدَةِ، وَالزِّيَادَةُ تُسَمَّى صَرْفًا وَبِهِ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرْفِ النَّافِلَةُ الَّتِي هِيَ الزِّيَادَةُ، وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ فِي مُنَاسَبَةِ تَسْمِيَةِ الْفَرْضِ عَدْلًا فَقِيلَ عَلَيْهِ قَدْ فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِغَيْرِ هَذَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ:

قَالَ (فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَا يَجُوز إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» الْحَدِيثَ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْرِ الْمَدِينَةِ «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» الصَّرْفُ: التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ صَرْفُ النَّفْسِ عَنْ الْفُجُورِ إلَى الْبِرِّ. وَالْعَدْلُ: الْفِدْيَةُ مِنْ الْمُعَادَلَةِ وَالْفِدَاءِ يُعَادِلُ نَفْسَهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ إحْدَاثِ الْحَدَثِ فِعْلُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْجَمْهَرَةِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ: الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ، وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ. وَفِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمْ: الصَّرْفُ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا اعْتِرَاضَ مَعَ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْوَالَ تَنْقَسِمُ إلَى ثَمَنِ كُلِّ حَالٍ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَى مَا هُوَ مَبِيعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ الْعُرُوضِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِلَى مَا هُوَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٍ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ، فَإِنَّهَا إذَا عُيِّنَتْ فِي الْعَقْدِ كَانَتْ مَبِيعَةً؛ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ، فَإِنْ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَقَابَلَهَا مَبِيعٌ فَهِيَ ثَمَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهَا ثَمَنٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] الثَّمَنُ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ وَالنُّقُودُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا دَيْنًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَعِنْدَهُمْ يَتَعَيَّنُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إذَا عُيِّنَتْ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُعَيَّنَةُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهَا. هَذَا تَقْسِيمُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ، وَيَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمِينَةِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ سِلْعَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَهِيَ ثَمَنٌ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً فَهِيَ سِلْعَةٌ كَالْفُلُوسِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) يَعْنِي فِي الْعِلْمِ لَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَطْ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ) فَيَدْخُلُ الْإِنَاءُ بِالْإِنَاءِ، فَلَوْ بَاعَاهُمَا مُجَازَفَةً وَلَمْ يَعْلَمَا كَمِّيَّتَهُمَا وَكَانَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ وَزْنًا فِي الْمَجْلِسِ فَظَهَرَا مُتَسَاوِيَيْنِ يَجُوزُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ وُزِنًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ: الشَّرْطُ التَّسَاوِي وَقَدْ ثَبَتَ، وَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِهِ زِيَادَةٌ بِلَا دَلِيلٍ. قُلْنَا: بَلْ هُوَ شَرْطٌ بِدَلِيلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَوْهُومَ فِي هَذَا الْعَقْدِ جُعِلَ كَالْمَعْلُومِ شَرْعًا، وَمَا لَمْ تُعْلَمْ الْمُسَاوَاةُ تَوَهُّمُ الزِّيَادَةِ حَاصِلٌ فَيَكُونُ كَثُبُوتِ حَقِيقَةِ الزِّيَادَةِ؛ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ إذَا وُزِنَ فِي الْمَجْلِسِ فَظَهَرَ مُتَسَاوِيًا أَيْضًا، لَكِنْ جَازَ فِي الِاسْتِحْسَانِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَأَنَّ الْعَقْدَ أُنْشِئَ الْآنَ؛ لِأَنَّ سَاعَاتِهِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا مَعْلُومًا فَلِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ كَيْلًا، إذْ الْمُسَاوَاةُ وَزْنًا تَسْتَلْزِمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَيْلِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيمَا كَانَ مَكِيلًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّقْدِيرُ بِالْكَيْلِ عَلَى مَا سَلَفَ. وَعَنْ هَذَا إذَا اقْتَسَمَا مَكِيلًا مُوَازَنَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَالْبَيْعِ. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ (بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» الْحَدِيثَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ وَجْهُ انْتِصَابِهِ أَنَّهُ بِالْعَامِلِ الْمُقَدَّرِ: أَيْ بِيعُوا، وَالْأَوْلَى حَيْثُ كَانَ الذَّهَبُ

قَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِنْ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْآخَرِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ قَبْضُهُمَا سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرْفُوعًا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُجْعَلَ عَامِلُهُ مُتَعَلِّقَ الْمَجْرُورِ: أَيْ الذَّهَبُ يُبَاعُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ. نَعَمْ حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مُفَرَّغٌ لِلْحَالِ، وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ «وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَالشِّفُّ بِالْكَسْرِ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ لِلنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا لَا تَزِيدُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يَتَّضِحُ فِي مَعْنَى النَّقْصِ وَإِلَّا لَقَالَ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ، وَقَوْلُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُشِفُّوا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورِ تَفْسِيرٌ لِمِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِنَّ الْمِثْلِيَّةَ أَعَمُّ، فَفَسَّرَهَا بِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارِ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» أَيْضًا، وَتَخْرِيجُهُ وَهُوَ دَلِيلُ سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَسُقُوطُ زِيَادَةِ الصِّيَاغَةِ بِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِنَاءٍ كُسِرَ وَإِنِّي قَدْ أَحْكَمْت صِيَاغَتَهُ، فَبَعَثَنِي بِهِ لِأَبِيعَهُ فَأُعْطِيت وَزْنَهُ وَزِيَادَةً، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا. هَذَا وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسَاوَاةِ الْمَصُوغُ بِالْمَصُوغِ وَالتِّبْرُ بِالْآنِيَةِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بِإِنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ وَأَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ إنَاءَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا نُحَاسٍ أَوْ شِبْهِهِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ تَفَاضَلَا وَزْنًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ صِفَةَ الْوَزْنِ فِي النَّقْدَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ جَعْلِهِ عَدَدِيًّا لَوْ تُعُورِفَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْوَزْنَ فِيهِ بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ عَدَدِيَّتِهِ إذَا صِيغَ وَصُنِعَ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. وَفِي فَوَائِدِ الْقُدُورِيِّ: الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ هُنَا الْقَبْضُ بِالْبَرَاجِمِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ يُرِيدُ بِالْيَدِ، وَذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ هَذَا الْقَبْضَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ ابْتِدَاءِ الصِّحَّةِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: فَإِذَا افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْفَسَادُ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ يَفْسُدُ فِيمَا لَيْسَ صَرْفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَفْسُدُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ (لِمَا رُوِّينَا) يَعْنِي قَوْلَهُ

كَانَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَصُوغِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتَعَيَّنُ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا خِلْقَةً فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ اعْتِبَارًا لِلشُّبْهَةِ فِي الرِّبَا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ، حَتَّى لَوْ ذَهَبَا عَنْ الْمَجْلِسِ يَمْشِيَانِ مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدًا بِيَدٍ " وَكَذَا مَا رُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَقَوْلُ عُمَرَ: " وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى آخِرِهِ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْهُ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ، وَإِنَّ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرُهُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ هَاتِ وَهَاتِ، إنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الرِّبَا " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " الرِّمَا " بِالْمِيمِ وَهُوَ الرِّبَا. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَالَ: أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ. وَلَمَّا ثَبَتَ نَصُّ الشَّرْعِ بِإِلْزَامِ التَّقَابُضِ عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَحَلَّهُ أَنَّ لِلتَّقَدُّمِ مَزِيَّةً عَلَى النَّسِيئَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ الرِّبَا، وَلَمَّا كَانَ مَظِنَّةُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ فِي قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ يُجْعَلَا مَعًا نَسِيئَةً قَالَ: لَا بُدَّ شَرْعًا مِنْ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ: أَيْ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ لَزِمَ الرِّبَا بِمَا قُلْنَا. وَأَيْضًا يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي مَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ، فَإِذَا وَجَبَ قَبْضُ أَحَدِهِمَا فَكَذَا الْآخَرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: تَعْلِيلُ الْكِتَابِ يَخُصُّ الثَّمَنَيْنِ الْمَحْضَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَتَعَيَّنَانِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ لُزُومُ التَّقَابُضِ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ مَا رُوِّينَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ» وَعَلَّلَ الْإِطْلَاقَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ الْمُتَعَيَّنَ أَيْضًا كَالْمَصُوغِ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ إذْ فِيهِ شُبْهَةُ الثَّمَنِيَّةِ إذْ قَدْ خُلِقَ ثَمَنًا، وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الرِّبَا كَالْحَقِيقَةِ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَلَمَّا كَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ تَنَاوَلَ

وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ، وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فِيهِ. (وَإِنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ) لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ (وَوَجَبَ التَّقَابُضُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّصَّ بِإِطْلَاقِهِ لَمْ يَدْفَعْهُ أَنَّ الثَّابِتَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ بَلْ وَجَبَ بِالنَّصِّ إلْحَاقُ شُبْهَةِ شُبْهَةِ الرِّبَا بِشُبْهَةِ الرِّبَا فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَقَوْلُهُ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُمَا لَوْ مَشَيَا كُلٌّ فِي جِهَةٍ كَانَ افْتِرَاقًا مُبْطِلًا. وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ، يُفِيدُ عَدَمَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ، بَلْ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ الْآخَرُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ وُثُوبِ أَحَدِهِمَا اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَانِعًا إلَّا إذَا لَمْ يَثِبْ مَعَهُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَعَنْ أَبِي جَبَلَةَ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقُلْت: إنَّا نَقْدُمُ أَرْضَ الشَّامِ وَمَعَنَا الْوَرِقُ الثِّقَالُ النَّافِقَةُ وَعِنْدَهُمْ الْوَرِقُ الْخِفَافُ الْكَاسِدَةُ، فَنَبْتَاعُ وَرِقَهُمْ الْعَشْرَ بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُ، وَلَكِنْ بِعْ وَرِقَك بِذَهَبٍ وَاشْتَرِ وَرِقَهُمْ بِالذَّهَبِ، وَلَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ، وَإِنْ وَثَبَ عَنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ. وَفِيهِ دَلِيلُ رُجُوعِهِ عَنْ جَوَازِ التَّفَاضُلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا رُجُوعُهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا أَجَابَ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ طَرِيقَ تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ لِبِلَالٍ «بِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِيهِ» إنَّمَا الْمَحْظُورُ تَعْلِيمُ الْحِيَلِ الْكَاذِبَةِ لِإِسْقَاطِ الْوُجُوبَاتِ. قَالَ (وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) يَعْنِي أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) فَإِنَّهَا لَوْ قَامَتْ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ بَطَلَ، وَكَذَا إذَا مَشَتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ إعْرَاضِهَا عَمَّا كَانَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِبْطَالِ هُنَاكَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَالْقِيَامُ وَنَحْوُهُ دَلِيلُهُ فَلَزِمَ فِيهِ الْمَجْلِسُ، وَلِتَعَلُّقِ الصِّحَّةِ بِعَدَمِ الِافْتِرَاقِ لَا يَبْطُلُ لَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جُعِلَ الصَّرْفُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ بِدَلِيلِ الْإِعْرَاضِ كَالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ، حَتَّى لَوْ نَامَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ فُرْقَةٌ، وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ فَلَا. وَعَنْهُ: الْقُعُودُ الطَّوِيلُ فُرْقَةٌ دُونَ الْقَصِيرِ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَرْسَلَ رَسُولًا يَقُولُ لَهُ: بِعْتُك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي لَك عَلَيَّ فَقَالَ: قَبِلْت كَانَ بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ لِأَنَّهُمَا مُتَفَرِّقَانِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ الْأَبُ: اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةٍ وَقَامَ قَبْلَ نَقْدِهَا بَطَلَ. هَذَا وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْحَوَالَةِ بِهِ كَمَا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَاشْتُرِطَ الْقَبْضُ) لِمَا رَوَى السِّتَّةُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» (فَإِنْ افْتَرَقَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقَبْضُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ وَلَا الْأَجَلُ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا لَا يَبْقَى الْقَبْضُ مُسْتَحَقًّا وَبِالثَّانِي يَفُوتُ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ، إلَّا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ لِارْتِفَاعِهِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» قِيلَ: وَمَعْنَى قَوْلُهُ رِبًا: أَيْ حَرَامٌ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهِ فِي حَقِيقَتِهِ شَرْعًا وَأَنَّ اسْمَ الرِّبَا تَضَمَّنَ الزِّيَادَةَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْخَاصَّةِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى حَالَةَ التَّقَابُضِ مِنْ الْحَرَامِ بِحَصْرِ الْحِلِّ فِيهَا فَيَنْتَفِي الْحِلُّ فِي كُلِّ حَالَةٍ غَيْرِهَا فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْمُسْتَثْنَى حَالَةُ التَّفَاضُلِ وَالتَّسَاوِي وَالْمُجَازَفَةِ فَيَحِلُّ كُلُّ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ لَازِمِ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّرْطِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْبُطْلَانِ: أَيْ شَرْطُ الْخِيَارِ يَفُوتُ الشَّرْطُ إلَّا إذَا أَسْقَطَهُ فَلَا يَفُوتُ فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ. وَقَدَّمْنَا نَقْلَ خِلَافِ زُفَرَ فِيهِ: هَذَا وَبَيْنَ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقَبْضِ وَالْفَسَادِ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ فَاسِدٌ) لِأَنَّ الْقَبْضَ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي تَجْوِيزِهِ فَوَاتُهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ فِي الثَّوْبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فَيَنْصَرِفُ الْعَقْدُ إلَى مُطْلَقِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَجَلِ فَرْقٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ زِنَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى انْصَرَفَ لِلطَّوْقِ مِائَةٌ مِنْ الْأَلْفِ فَيَصِيرُ صَرْفًا فِيهِ وَتِسْعُمِائَةٍ لِلْجَارِيَةِ بَيْعًا، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقَبْضِ بَطَلَ فِي الطَّوْقِ، وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ صَحِيحٌ، وَلَوْ فَسَدَ بِالْأَجَلِ فَسَدَ فِيهِمَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ الْمُفْسِدُ فَيَخُصُّ مَحَلَّهُ وَهُوَ الصَّرْفُ، وَفِي الثَّانِي انْعَقَدَ أَوَّلًا عَلَى الْفَسَادِ فَشَاعَ، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ. وَفِي الْكَامِلِ: لَوْ أُسْقِطَ الْأَجَلُ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ دُونَ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى مِثْلِهَا، بِخِلَافِ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ لِتَعَيُّنِهِ فِيهِ، وَلَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا دُونَ الِافْتِرَاقِ زَيْفًا أَوْ سُتُّوقًا فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِهِ الِاسْتِبْدَالُ وَالْبُطْلَانُ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنُ الصَّرْفِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِهِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا بَيْعٍ، فَإِنْ فَعَلَ بَعْضَ ذَلِكَ مَعَ الْعَاقِدِ بِأَنْ وَهَبَهُ الْبَدَلَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَبِلَ بَطَلَ الصَّرْفُ لِتَعَذُّرِ وُجُوبِ الْقَبْضِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الشَّرْطُ يَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَا يُنْتَقَضُ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ وَمَا مَعَهَا سَبَبُ الْفَسْخِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ. وَفَرَّعَ عَلَيْهِ (مَا لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةٍ) مَثَلًا (وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْقَبْضَ) فِي الْعَشَرَةِ (مُسْتَحَقٌّ حَقًّا لِلَّهِ) فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَلَوْ جَازَ الْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ سَقَطَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّوْبِ وَالصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ بِقَبْضِ بَدَلِهِ مِنْ عَاقِدِهِ مَعَهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ فَسَادَ الصَّرْفِ حِينَئِذٍ حَقُّ اللَّهِ وَصِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ حَقُّ الْعَبْدِ فَتَعَارَضَا فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ لِتَفَضُّلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقَّيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْعَبْدِ بَعْدُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّ اللَّهِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَيَمْتَنِعُ لَا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وَالتَّقْدِيمُ فِيمَا إذَا ثَبَتَا فَيَرْتَفِعُ أَحَدُهُمَا فَضْلًا، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهُ بَدَلَ الصَّرْفِ

وَلَكِنَّا نَقُولُ: الثَّمَنُ فِي بَابِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ سِوَى الثَّمَنَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ مَبِيعًا أَنْ يَكُونَ مُتَعَيَّنًا كَمَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ. . قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ، فَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى بَدَلِ الصَّرْفِ كَعَدَمِ إضَافَتِهِ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَصِفْهَا، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُ الثَّوْبِ كَقَوْلِنَا: قُلْنَا قَبْضُ بَدَلِ الصَّرْفِ وَاجِبٌ وَالِاسْتِبْدَالُ يُفَوِّتُهُ فَكَانَ شَرْطُ إيفَاءِ ثَمَنِ الثَّوْبِ مِنْ بَدَلِ الصَّرْفِ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَمْتَنِعُ الْجَوَازُ لِإِسْقَاطِ الثَّمَنِ بِهِ، كَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَا يَخْفَى كَثْرَةُ مَا ذَكَرُوا فِي عَدَمِ تَعَيُّنِ النَّقْدِ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَشَارَ إلَى دَرَاهِمَ وَعَيَّنَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا. وَحَاصِلُ شِرَاءِ الثَّوْبِ بِبَدَلِ الصَّرْفِ لَيْسَ إلَّا تَعْيِينَ ثَمَنِ الدَّرَاهِمِ، فَلَوْ كَانَ شَرْطًا فَاسِدًا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بَطَلَ مَا ذَكَرُوا فِي عَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ كُلَّمَا تَعَيَّنَتْ الدَّرَاهِمُ فَسَدَ الْبَيْعُ لَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ، لَا جَرَمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَجَابَ بِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَابِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ لِاسْتِدْعَاءِ الْبَيْعِ مَبِيعًا وَلَا مَبِيعَ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ فَكَانَ كُلُّ ثَمَنٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا وَجَعَلَهُ بَدَلَ الثَّوْبِ وَثَمَنُهُ بَيْعٌ لَهُ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ: يَعْنِي وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ بَائِعِ الثَّوْبِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ زُفَرَ إنَّمَا قَالَ: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّوْبِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ بَدَلِ الصَّرْفِ ثَمَنًا فَجَازَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِذَا قَالَ بِصِحَّةِ بَيْعِ هَذَا الثَّوْبِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ نَقْدِ بَدَلِ الصَّرْفِ فِي ثَمَنِهِ كَانَ بِالضَّرُورَةِ قَائِلًا بِأَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ مُوجِبًا دَفْعَ مِثْلِهِ، وَيَكُونُ تَسْمِيَةُ بَدَلِ الصَّرْفِ تَقْدِيرًا لِثَمَنِ الثَّوْبِ سَوَاءٌ سَمَّيْته مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا لَزِمَ تَسْلِيمُهُ بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ هُنَا هَكَذَا، فَإِنْ كَانَ هَذَا وَاقِعًا لَمْ يَنْتَهِضْ مَا دَفَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ صِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ وَإِعْطَاءُ ثَمَنٍ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكُ بَائِعِ الثَّوْبِ بَدَلَ الصَّرْفِ لَزِمَ بِالضَّرُورَةِ إعْطَاءُ غَيْرِهِ، وَهَكَذَا نَقَلَ الْقُدُورِيُّ عَنْهُ: أَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَائِزٌ وَيَكُونُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مِثْلَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، قَالَ: وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ يَقَعُ الْبَيْعُ بِمِثْلِ بَدَلِ الصَّرْفِ، وَعَلَى هَذَا فَبُطْلَانُ بَيْعِ الثَّوْبِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ جَوَابُ الْمَذْهَبِ مُشْكِلٌ. وَتَنْظِيرُ النِّهَايَةِ بِغَاصِبِ الدَّرَاهِمِ إذَا اشْتَرَى وَأَشَارَ إلَيْهَا وَدَفَعَ مِنْهَا حَيْثُ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ الْمَبِيعِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُطَابِقٍ؛ لِأَنَّ إجَازَةَ بَيْعِ الثَّوْبِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا بِأَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ بَدَلِ الصَّرْفِ لَا نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً) وَكَذَا سَائِرُ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، بِخِلَافِ جِنْسِهَا

لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَفِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ مِثْقَالٍ بِأَلْفَيْ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ مِثْقَالٍ ثُمَّ افْتَرَقَا فَاَلَّذِي نَقَدَ ثَمَنَ الْفِضَّةِ) لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الطَّوْقِ وَاجِبٌ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ (وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْ مِثْقَالِ أَلْفٍ نَسِيئَةً وَأَلْفٍ نَقْدًا فَالنَّقْدُ ثَمَنُ الطَّوْقِ) لِأَنَّ الْأَجَلَ بَاطِلٌ فِي الصَّرْفِ جَائِزٌ فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ، وَالْمُبَاشَرَةُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا (وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ فَدَفَعَ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسِينَ جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ حِصَّةَ الْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُرَادُ بِذِكْرِهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ حَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْمُجَازَفَةِ اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ (وَالْمُسَاوَاةُ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ) أَيْ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَكُلُّ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَذَلِكَ (لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذَكَرْنَا، يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ) لَكِنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَقُولَ لِمَا رُوِّينَا، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَعَبَّرَ بِالْمَجْلِسِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَفِي عُنُقِهَا طَوْقٌ فِيهِ أَلْفُ مِثْقَالٍ بِأَلْفَيْ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ مِثْقَالٍ ثُمَّ افْتَرَقَا) صُرِفَ الْمَنْقُودُ إلَى الطَّوْقِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ الدَّافِعُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْهُ مِنْهُمَا صُرِفَ أَيْضًا إلَى الطَّوْقِ وَصَحَّ الْبَيْعُ فِيهِمَا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ بِتَحْكِيمِ ظَاهِرِ حَالِهِمَا، إذْ الظَّاهِرُ قَصْدُهُمَا إلَى الْوَجْهِ الْمُصَحَّحِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُفِيدُ تَمَامَ مَقْصُودِهِمَا إلَّا بِالصِّحَّةِ، فَكَانَ هَذَا الِاعْتِبَارُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ عَارَضَهُ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الطَّوْقِ كَمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ. فَإِنْ قُلْت: فَفِي قَوْلِهِ خُذْهُ مِنْهُمَا عَارَضَهُ أَيْضًا. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّ الْمُثَنَّى قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْوَاحِدِ أَيْضًا (قَالَ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَالْمُرَادُ مِنْ أَحَدِهِمَا) وَهُوَ الْبَحْرُ الْمِلْحُ، وَ

(فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهُ صُرِفَ فِيهَا (وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الضَّرَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ (وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي السَّيْفِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَالطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ أَزْيَدَ مِمَّا فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلرِّبَا أَوْ لِاحْتِمَالِهِ، وَجِهَةُ الصِّحَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَجِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQ {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] وَإِنَّمَا الرُّسُلُ مِنْ الْإِنْسِ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَقَالَ تَعَالَى {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61] وَإِنَّمَا نَسِيَهُ فَتَى مُوسَى. «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ: إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ تَعَالَى {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] وَالْمُرَادُ دَعْوَةُ مُوسَى، إلَّا أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ هَارُونَ كَانَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، فَإِذَا صَحَّ الِاسْتِعْمَالُ وَكَثُرَ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَسَادُ بِسَبَبِ الْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ شَاعَ الْفَسَادُ فِي الْجَارِيَةِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ بِخِلَافِهِ عَنْ الِافْتِرَاقِ. هَذَا وَلَقَدْ وَقَعَ الْإِفْرَاطُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ طَوْقُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِالْمِصْرِيِّ وَوَضْعُ هَذَا الْمِقْدَارِ فِي الْعُنُقِ بَعِيدٌ عَنْ الْعَادَةِ بَلْ نَوْعُ تَعْذِيبٍ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ كَوْنَ قِيمَتِهَا مَعَ مِقْدَارِ الطَّوْقِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا بِيعَ نَقْدٌ مَعَ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنَ عَلَى النَّقْدِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِيمَا إذَا بَاعَ سَيْفًا مُحَلَّى بِمِائَةٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ فَدَفَعَ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتُ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا فِي الصُّورَتَيْنِ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي حِصَّةِ الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيهَا وَيَصِحُّ فِي الْجَارِيَةِ. وَأَمَّا السَّيْفُ فَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ لَمْ تَتَخَلَّصْ مِنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ فِيهِ فَسَدَ فِي السَّيْفِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَمَا مَرَّ فِي جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ، فَإِنْ كَانَ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ ثُمَّ افْتَرَقَا وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ وَصَحَّ فِيمَا قُبِضَ وَكَانَ الْإِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلُّهُ فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ وَالْفَسَادُ طَارِئٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ. قَالَ (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فِي الْإِنَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَخَلَّصُ بِلَا ضَرَرٍ جَازَ فِيهِ كَالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ خَاصَّةً. ثُمَّ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ: يَعْنِي الثَّمَنَ أَكْثَرَ مِنْ الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا يَدْرِي وَاخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلرِّبَا حَقِيقَةً فِيمَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيَةً بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْبَدَلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَبِيعُ الْفِضَّةُ زِيَادَةً مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ نَفْسُ الْجَارِيَةِ وَالسَّيْفِ أَوْ احْتِمَالُ الرِّبَا فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرَ الْحَالُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي صُورَةِ الِاحْتِمَالِ لَمْ يُقْطَعْ بِالْفَسَادِ. أَجَابَ بِأَنَّ جِهَةَ الْفَسَادِ مُتَعَدِّدَةٌ، فَإِنَّهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، وَهُوَ تَجْوِيزُ الْأَقَلِّيَّةِ وَالْمُسَاوَاةُ، بِخِلَافِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْفَسَادِ، عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ الرِّبَا كَافٍ فِي الْفَسَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّرْجِيحِ مَعَ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِمَا يَصْلُحُ بِنَفْسِهِ عِلَّةً لِلْفَسَادِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ احْتِمَالَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ مُفْسِدٌ فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَا، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا اُشْتُرِيَ بِالْفِضَّةِ فِضَّةً مَعَ غَيْرِهَا أَوْ بِالذَّهَبِ ذَهَبًا مَعَ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ ثُمَّ افْتَرَقَا) وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ وَصَحَّ فِيمَا قُبِضَ وَكَانَ الْإِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلُّهُ فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ (وَ) لَا يَشِيعُ (الْفَسَادُ) فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ (طَارِئٌ) بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فِي الْكُلِّ (فَيَصِحُّ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ) وَلَا يَتَخَيَّرُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ عَيْبَ الشَّرِكَةِ جَاءَ بِفِعْلِهِمَا وَهُوَ الِافْتِرَاقُ بِلَا قَبْضٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ (لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ) وَلَمْ يَحْدُثْ بِصَنْعَةٍ،

(وَمَنْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ وَجُعِلَ كُلُّ جِنْسٍ بِخِلَافِهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَاعَ كُرَّ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَكُرَّيْ حِنْطَةٍ: وَلَهُمَا أَنَّ فِي الصَّرْفِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرَ تَصَرُّفِهِ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ، وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَالتَّغْيِيرُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى قَلْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ فِي الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَيْهِ. وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ. وَكَذَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الدِّرْهَمَيْنِ وَلَا يُصْرَفُ الدِّرْهَمُ إلَى الثَّوْبِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَنَا أَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمُطْلَقَةَ تَحْتَمِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَهَا حَيْثُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهَا (وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ) فَلَمْ يَلْزَمْ الْعَيْبُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَقْطَعَ حِصَّتَهُ مِنْهَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ جَازَ) الْبَيْعُ (وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْجِنْسَيْنِ (بِخِلَافِهِ) فَيُعْتَبَرُ الدِّرْهَمَانِ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّينَارِ (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَاعَ كُرَّ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَكُرَّيْ حِنْطَةٍ) أَوْ بَاعَ السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِسَيْفٍ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ وَلَا يَدْرِي مِقْدَارَ الْحِلْيَتَيْنِ، وَكَذَا دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارَيْنِ (لَهُمَا أَنَّ فِي الصَّرْفِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرُ تَصَرُّفِهِ) أَيْ تَصَرُّفِ الْعَاقِدِ (لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ، وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ عَلَى الشُّيُوعِ مُقَابِلًا لِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى الشُّيُوعِ

مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَمَا فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ، وَأَنَّهُ طَرِيقٌ مُتَعَيَّنٌ لِتَصْحِيحِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَفِيهِ تَغْيِيرُ وَصْفِهِ لَا أَصْلِهِ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُوجِبُهُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ، وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا عُدَّ مِنْ الْمَسَائِلِ. أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُرَابَحَةِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ بِصَرْفِ الرِّبْحِ كُلِّهِ إلَى الثَّوْبِ. وَالطَّرِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَنْدَرِجُ فِيهِ جِنْسُ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَخِلَافُ جِنْسِهِ وَأَجْزَاءُ جِنْسِهِ أَكْثَرُ إذْ أَجْزَاءُ دِينَارَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْزَاءِ دِينَارٍ بِالضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مُقَابَلٌ بِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى الْعُمُومِ وَإِلَّا كَانَتْ الذَّرَّةُ مِنْ الدِّينَارِ مُقَابَلَةً بِجَمِيعِ الدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمِ فَلَمْ يَبْقَ لِلذَّرَّةِ مَا يُقَابِلُهَا أَوْ يُقَابِلُ الْكُلَّ بِنَفْسِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَهُوَ اعْتِبَارٌ مُمْكِنٌ لَكِنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ وَهُوَ أَنْ يُقَايِلَ الذَّرَّةَ بِأَلْفِ ذَرَّةٍ ثُمَّ تَكُونُ هَذِهِ الْأَلْفُ بِنَفْسِهَا مُقَابِلَةً لِذَرَّةٍ أُخْرَى وَأُخْرَى وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْتَفِي الِانْقِسَامُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الِانْقِسَامَ كَمَا ذَكَرْنَا مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَجَارِيَةً بِثَوْبٍ وَفَرَسٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فِي الثَّوْبِ وَالْفَرَسِ جَمِيعًا. وَلَوْلَا أَنَّ الِانْقِسَامَ عَلَى الشُّيُوعِ لَمَا رَجَعَ فِي الثَّوْبِ وَالْفَرَسِ جَمِيعًا، وَتَغْيِيرُ تَصَرُّفِهِمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى قَلْبًا وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ وَحْدَهُ لِيَخْلُوَ الْقَلْبُ عَنْ التَّفَاضُلِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ، وَيَفْسُدُ فِي الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَيْهِ، وَكَذَا إذَا جُمِعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ. وَكَذَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَسَدَ فِي الدِّرْهَمَيْنِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الثَّوْبِ لِمَا ذَكَرْنَا فَهَذِهِ أَحْكَامٌ إجْمَاعِيَّةٌ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ تَغْيِيرَ التَّصَرُّفِ لَا يَجُوزُ،

صَرْفُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفِ إلَى الْمُشْتَرِي. وَفِي الثَّالِثَةِ أُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْمُنَكَّرِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ وَالْمُعَيَّنُ ضِدُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَصْحِيحِهِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدِي فِي التَّعْلِيلِ أَنَّا تَعَبَّدْنَا بِالْمُمَاثَلَةِ تَحْقِيقًا وَهُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ فَيَفْسُدُ لِلْعَقْدِ. قَالَ صَاحِبُ الْوَجِيزِ: وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: تَعَبَّدْنَا بِتَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِيمَا إذَا تَمَحَّضَتْ مُقَابَلَةُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ أَمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَإِنْ قُلْت: الثَّانِي مَمْنُوعٌ، وَإِنْ قُلْت الْأَوَّلُ فَمُسَلَّمٌ، وَلَيْسَ صُورَةَ الْخِلَافِيَّةِ، انْتَهَى بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ مُقَابَلَةِ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ وَالْجُزْءِ الشَّائِعِ بِالشَّائِعِ لَا يَقْتَضِي الرِّبَا وَالْفَسَادَ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ لَوْ كَانَ التَّفَاضُلُ لَازِمًا حَقِيقَةً، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا قُوبِلَ مُعَيَّنٌ بِمُعَيَّنٍ وَتَفَاضَلَا، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ فِي التَّصْحِيحِ إلَى التَّوْزِيعِ وَصُرِفَ كُلٌّ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ عَيْنًا، لَكِنَّ الْأَصْحَابَ اقْتَحَمُوهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِيٍّ إجْمَاعِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ مَهْمَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ يَرْتَكِبُ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، وَلِهَذَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْمَجَازِ وَتُتْرَكُ حَقِيقَتُهُ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِهِ، وَيُدْرَجُ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةٌ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذَلِكَ، كَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَنَّ الْمُقَابَلَةَ عَلَى وَجْهِ الشُّيُوعِ إنْ لَمْ تَقْتَضِ حَقِيقَةَ الرِّبَا اسْتَلْزَمَ شُبْهَةً، وَشُبْهَةُ الرِّبَا مُعْتَبَرَةٌ كَحَقِيقَةٍ؛ فَقَالُوا: الْعَقْدُ كَذَلِكَ إنَّمَا يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمُقَابَلَةِ لَا مُقَابَلَةَ الْكُلِّ بِالْكُلِّ وَلَا الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ مَعَ عَدَمِ الِاقْتِضَاءِ يَحْتَمِلُ مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ وَهُوَ الْجِنْسُ الْمُعَيَّنُ هُنَا بِجِنْسٍ مُعَيَّنٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْت هَذَيْنِ الدِّرْهَمَيْنِ وَالدِّينَارَ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الدِّرْهَمَيْنِ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّينَارَ بِالدِّرْهَمِ صَحَّ وَهُوَ طَرِيقٌ مُتَعَيَّنٌ لِلتَّصْحِيحِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِيهِ تَغْيِيرُ وَصْفِ الْعَقْدِ كَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ شَائِعًا لَا أَصْلُهُ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُوجِبُهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ وَصَارَ كَمَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ عَدَمَ الصَّرْفِ فِيهَا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَالتَّعْيِينِ. أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُرَابَحَةِ فَعَدَمُ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ أَصْلُ الْعَقْدِ إذْ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ حَمْلِ الْمُثَنَّى عَلَى الْوَاحِدِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ بِعْتهمَا بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً فِيهِمَا بِعَشَرَةٍ أَنْ يُحْمَلَ فِيهِمَا عَلَى أَحَدِهِمَا: يَعْنِي الثَّوْبَ، كَمَا حُمِلَ قَوْلُهُ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ مِنْ ثَمَنِهِمَا عَلَى ثَمَنِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الطَّوْقُ وَكَوْنُ الطَّوْقِ لَمْ يَصِرْ مُرَابَحَةً لَا يَضُرُّ إذْ يَصْدُقُ أَنَّ الْعَقْدَ مُرَابَحَةٌ بِثُبُوتِ الرِّبْحِ فِي بَعْضِ مَبِيعَاتِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ طَرِيقُ تَصْحِيحِهِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ أَنْ يَكُونَ بِصَرْفِ الْخَمْسِمِائَةِ إلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ فَيَكُونُ بَائِعًا مَا اشْتَرَاهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِذَلِكَ يَكُونُ بِصَرْفِ أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ بِدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ بَائِعًا

وَفِي الْأَخِيرَةِ الْعَقْدُ انْعَقَدَ صَحِيحًا وَالْفَسَادُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَكَلَامُنَا فِي الِابْتِدَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُشْتَرِي مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَاهُ مِنْهُ. وَنُقِضَ بِأَنَّ طَرِيقَ الصِّحَّةِ أَيْضًا لَيْسَ مُتَعَيِّنًا فِيمَا قُلْتُمْ، بَلْ لَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ مُقَابَلَةُ دِرْهَمٍ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ وَدِينَارٌ مِنْ الدِّينَارَيْنِ بِمُقَابَلَةِ الدِّينَارِ وَالدِّينَارُ الْآخَرُ بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّغْيِيرَ مَا أَمْكَنَ تَقْلِيلُهُ مُتَعَيَّنٌ، وَتَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ مَعَ قِلَّةِ التَّغْيِيرِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا قُلْنَا فَكَانَ مَا قُلْنَا مُتَعَيِّنًا، بِخِلَافِ مَا فُرِضَ فَإِنَّ فِيهِ ثَلَاثَ تَغْيِيرَاتٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا هُوَ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَيْفَ كَانَ لَا بِخُصُوصِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَنْ يُصْرَفَ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِمُقَابَلَةِ الدِّينَارِ فِي فُرُوضٍ كَثِيرَةٍ لَا يُخْرَجُ عَنْ صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِلَى هَذَا رَجَعَ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي الْجَوَابِ: التَّعَدُّدُ إنَّمَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ الْوُجُوهِ تَرْجِيحٌ بَلْ تَسَاوَتْ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ فَتَتَمَانَعُ الْوُجُوهُ فَيَمْتَنِعُ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا، وَفِيمَا اعْتَبَرْنَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى اسْمِ الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ فَلَا يُغَيَّرُ عَنْهُ، وَنَحْنُ أَسْلَفْنَا لَنَا فِي أَصْلِ هَذَا الْأَصْلِ نَظَرًا اسْتَنَدَ إلَى جَوَازِ ثُبُوتِ الشَّيْءِ بِعِلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ اجْتَمَعَتْ دَفْعَةً. وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا فَلِأَنَّ الْبَيْعَ أُضِيفَ إلَى الْمُنَكَّرِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ لِجَهَالَتِهِ، وَلِأَنَّ الْمُعَيَّنَ ضِدُّهُ فَلَا يُحْمَلُ الشَّيْءُ عَلَى ضِدِّهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ النَّكِرَةِ، فَإِنَّ زَيْدًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَلَا شَكَّ أَنْ يَحْتَمِلَهُ فَيَجِبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ حِمَارِي حُرٌّ: إنَّهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَيَجْعَلُ اسْتِعَارَةُ الْمُنَكَّرِ لِلْمَعْرِفَةِ، وَكَذَا مَا قِيلَ: إنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ يَجِبُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ وَهُوَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُعَيَّنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَوْرَدَ عَلَى دَفْعِ النُّقُوضِ الْمَذْكُورَةِ إنْ لُحِظَ لَهُ جَوَابٌ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّك النَّقْضُ فِي إثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ خَطَأٌ فِي مَحَلٍّ آخَرَ إذَا اعْتَرَفَ بِخَطَئِهِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ خَطَأً فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا بِلَا قَبْضٍ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا طَرَأَ الْفَسَادُ بِالِافْتِرَاقِ وَالصَّرْفِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَهُوَ قَدْ انْعَقَدَ بِلَا فَسَادٍ وَكَلَامُنَا لَيْسَ فِي الْفَسَادِ الطَّارِئِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيُصْرَفْ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ لِيَبْقَى صَحِيحًا كَمَا يُصْرَفُ لِيَنْعَقِدَ صَحِيحًا وَالْمُقْتَضَى وَاحِدٌ فِيهِمَا وَهُوَ الِاحْتِيَالُ لِلصِّحَّةِ. قُلْنَا: الْفَسَادُ هُنَاكَ لَيْسَ طُرُّوهُ مُتَحَقِّقًا وَلَا مَظْنُونًا لِيَجِبَ اعْتِبَارُ الصَّرْفِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بَلْ يُتَوَهَّمُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا يَتَقَايَضَانِ بَعْدَمَا عَقَدَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَشْهَدُ بِهَا أَوَّلًا وَهِيَ الرُّجُوعُ فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ وَالْفَرَسِ فَإِنَّمَا تَشْهَدُ عَلَى أَنَّ الْمُقَابَلَةَ لِلْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ عَلَى الشُّيُوعِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إذَا كَانَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي الْإِيضَاحِ قَالَ: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى إبْدَالٍ وَجَبَ قِسْمَةُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَفَاوَتُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ الرِّبَا فَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِسْمَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ. مِثَالُهُ: بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ يَصِحُّ الْعَقْدُ، فَإِنَّ الْخَمْسَةَ بِالْخَمْسَةِ وَالْخَمْسَةَ الْأُخْرَى بِإِزَاءِ الدِّينَارِ، وَكَذَا لَوْ قَابَلَ جِنْسَيْنِ بِجِنْسَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. انْتَهَى. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ جَازَ الْبَيْعُ وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِدِرْهَمٍ) لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ فِي الدَّرَاهِمِ التَّمَاثُلُ عَلَى مَا رُوِّينَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ذَلِكَ فَبَقِيَ الدِّرْهَمُ بِالدِّينَارِ وَهُمَا جِنْسَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِمَا. (وَلَوْ تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ وَمَعَ أَقَلِّهِمَا شَيْءٌ آخَرُ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ بَاقِي الْفِضَّةِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهِيَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَمَعَ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ كَالتُّرَابِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ) لِتَحَقُّقِ الرِّبَا إذْ الزِّيَادَةُ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فَيَكُونُ رِبًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَةِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَهِيَ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ جَازَ الْبَيْعُ) وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِدِرْهَمِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ فِي الدَّرَاهِمِ التَّمَاثُلُ وَهُوَ بِذَلِكَ فَيَبْقَى الدِّرْهَمُ بِالدِّينَارِ وَهُمَا جِنْسَانِ لَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا. ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ فَرْعًا بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً فِي الْحُكْمِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ فَقَالَ (وَلَوْ تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ) يَعْنِي وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ مَعَ الْأَقَلِّ شَيْئًا آخَرَ كَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ قَدْرَ الزِّيَادَةِ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ يُتَغَابَنُ فِيهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَأَنْ يَضَعَ مَعَهُ كَفًّا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ فَلْسَيْنِ. وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ تَجِدُهُ فِي قَلْبِك؟ قَالَ: مِثْلَ الْجَبَلِ. وَلَمْ تُرْوَ الْكَرَاهَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ صَرَّحَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَلِفَ النَّاسُ التَّفَاضُلَ وَاسْتَعْمَلُوهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا. وَقِيلَ: إنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْحِيلَةَ لِسُقُوطِ الرِّبَا كَبَيْعِ الْعِينَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِهَذَا. وَأُورِدَ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ الْبَيْعُ فِي مَسْأَلَةِ الدِّرْهَمَيْنِ وَالدِّينَارِ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْخِلَافِيَّةُ مَكْرُوهًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ هُنَاكَ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّائِدُ دِينَارًا بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ وَقِيمَةُ الدِّينَارِ تَبْلُغُ الدِّرْهَمَ وَتَزِيدُ وَحِينَئِذٍ لَا كَرَاهَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَكَمَا أَنَّ قِيمَةَ الدِّينَارِ تَبْلُغُ وَتَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الدِّرْهَمِ فَالدِّرْهَمُ لَا تَبْلُغُ قِيمَةُ قِيمَتِهِ الدِّينَارَ وَلَا تَنْقُصُ بِقَدْرٍ يُتَغَابَنُ فِيهِ، فَالْعَقْدُ مَكْرُوهٌ بِالنَّظَرِ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ هُنَاكَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَصْلًا كُلِّيًّا يُفِيدُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَأَمَّا إذَا ضَمَّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَابِلْ الزِّيَادَةَ مَالٌ.

قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدَفَعَ الدِّينَارَ وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فَهُوَ جَائِزٌ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ ثَمَنٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُهُ بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْمَبِيعِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ، فَإِذَا تَقَاصَّا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فَسْخَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ] اشْتَرَى تُرَابَ الْفِضَّةِ بِفِضَّةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي التُّرَابِ شَيْءٌ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِتُرَابِ فِضَّةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَدَلَيْنِ هُمَا الْفِضَّةُ لَا التُّرَابُ. وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِتُرَابِ ذَهَبٍ أَوْ بِذَهَبٍ جَازَ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، فَلَوْ ظَهَرَ أَنْ لَا شَيْءَ فِي التُّرَابِ لَا يَجُوزُ وَكُلُّ مَا جَازَ فَمُشْتَرِي التُّرَابِ بِالْخِيَارِ إذَا رَأَى؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةٌ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِعَشَرَةٍ وَقَبَضَ الدِّينَارَ) فَإِنْ كَانَ أَضَافَ إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنَ جَازَ اتِّفَاقًا، وَيَجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ عَشَرَةٌ ثُمَّ لَا يَجِبُ

الْأَوَّلِ وَالْإِضَافَةَ إلَى الدَّيْنِ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ، وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى الدَّيْنِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَالْفَسْخُ قَدْ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَمَا إذَا تَبَايَعَا بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَزُفَرُ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَيُّنُهُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِدَفْعِ الرِّبَا بِالتَّسَاوِي، وَقَدْ انْدَفَعَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِقَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ الدِّينَارُ وَالْقَبْضُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْهُ التَّعْيِينُ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ قَدْ تَحَقَّقَ سَابِقًا، فَعِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَقْبُوضِ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْبُوضًا قَبْضًا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ عَشَرَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعَشَرَةُ الدَّيْنَ، وَلِذَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا بَاعَهُ الْمَدْيُونُ بِالْعَشَرَةِ دِينَارًا بِعَشَرَةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ثُمَّ تَقَاصَّا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ الْعَقْدِ عَشَرَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْعَشَرَةَ الْمُعَيَّنَةَ، وَنَحْنُ نَقُولُ: مُوجِبُ الْعَقْدِ عَشَرَةٌ مُطْلَقَةٌ تَصِيرُ مُتَعَيِّنَةً بِالْقَبْضِ وَبِالْإِضَافَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ صَارَتْ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ بِقَبْضٍ سَابِقٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُبَالِي بِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ بِالْمُسَاوَاةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ فَسْخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْفَسْخَ لَازِمٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا مَعَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لِلصِّدْقِ، لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ

وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا. فَإِنْ كَانَ لَاحِقًا فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِتَضَمُّنِهِ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَالْإِضَافَةَ إلَى دَيْنٍ قَائِمٍ وَقْتَ تَحْوِيلِ الْعَقْدِ فَكَفَى ذَلِكَ لِلْجَوَازِ. قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمِ غَلَّةٍ) وَالْغَلَّةُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ. وَوَجْهُهُ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَمَا عُرِفَ مِنْ سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ فِضَّةٌ، وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّنَانِيرِ الذَّهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ قَيْدًا فِي الْعَقْدِ بِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهَا أَصْلًا إذْ لَا وُجُودَ لِلْمُطْلَقِ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَوْا. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا غَيَّرَا مُوجِبَ الْعَقْدِ فَقَدْ فَسَخَاهُ إلَى عَقْدٍ آخَرَ اقْتَضَاهُ، وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ زُفَرُ بِالِاقْتِضَاءِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ: إنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْأَمْرِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ لَمْ يَنْفَسِخْ فَلَا يَتَحَوَّلُ حُكْمُهُ (وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا) عَلَى بَيْعِ الدِّينَارِ (فَإِنْ كَانَ لَاحِقًا) قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ عَقَدَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَ مُشْتَرِي الدِّينَارِ مِنْ بَائِعِهِ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ ثُمَّ قَاصَصَهُ بِثَمَنِ الدِّينَارِ عَنْهَا فَفِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُصُولِ الِانْفِسَاخِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الدَّيْنِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا اسْتَقْرَضَ بَائِعُ الدِّينَارِ عَشَرَةً مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَصَبَ مِنْهُ فَقَدْ صَارَ قِصَاصًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَبْضُ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ دِرْهَمِ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ، وَالْغَلَّةُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) لَا لِلزِّيَافَةِ، بَلْ لِأَنَّهَا دَرَاهِمُ مُقَطَّعَةٌ مُكَسَّرَةٌ يَكُونُ فِي الْقِطْعَةِ رُبُعٌ وَثُمُنٌ وَأَقَلُّ وَبَيْتُ الْمَالِ لَا يَأْخُذُ إلَّا الْغَالِيَ، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ فَالصِّحَّةُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ سَاقِطَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ إلَخْ) الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا

فَهِيَ ذَهَبٌ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِيَادِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِهَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا) لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ عَادَةً لِأَنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ إلَّا مَعَ الْغِشِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْغِشُّ خِلْقِيًّا كَمَا فِي الرَّدِيءِ مِنْهُ فَيُلْحَقُ الْقَلِيلُ بِالرَّدَاءَةِ، وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ سَوَاءٌ (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَا فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا فِضَّةً خَالِصَةً فَهُوَ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ. (وَإِنْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ) فَهِيَ فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ وَلَكِنَّهُ صُرِفَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِي الصُّفْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْغِشُّ أَقَلُّ، أَوْ الْغَالِبُ الْغِشُّ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَقَلُّ أَوْ مُتَسَاوِيَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الذَّهَبَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالْفِضَّةَ فِي الدَّرَاهِمِ فَهُمَا كَالذَّهَبِ الْخَالِصِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لِأَنَّهَا عَلَى مَا قِيلَ قَلَّمَا تَنْطَبِعُ إلَّا بِقَلِيلِ غِشٍّ (وَقَدْ يَكُونُ الْغِشُّ خُلُقِيًّا كَمَا فِي الرَّدِيءِ مِنْهُ) الَّذِي يُقَالُ لَهُ نَاقِصَ الْعِيَارِ فِي عُرْفِنَا وَالرَّدَاءَةُ مُهْدَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجَيِّدِ. فَكَذَا الْغِشُّ الْمَغْلُوبُ إلْحَاقًا لَهُ بِهَا، وَإِذَا كَانَ كَالْخَالِصَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا بِالْخَالِصِ مَعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ، وَكَذَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا بِهَا إلَّا وَزْنًا كَاسْتِقْرَاضِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) الْخَالِصَةِ (اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا فِضَّةً خَالِصَةً فَهُوَ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ) وَهِيَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ مِثْلَ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا يَدْرِي لَا يَصِحُّ فِي الْفِضَّةِ وَلَا فِي النُّحَاسِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَا تَتَخَلَّصُ الْفِضَّةُ إلَّا بِضَرَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الدَّرَاهِمِ جَازَ لِيَكُونَ مَا فِي الدَّرَاهِمِ مِنْ الْفِضَّةِ بِمِثْلِهَا مِنْ الْخَالِصَةِ وَالزَّائِدُ مِنْ الْخَالِصَةِ بِمُقَابَلَةِ الْغِشِّ. (وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ) أَيْ يُصْرَفُ كُلٌّ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَى غِشِّ الدَّرَاهِمِ الْأُخْرَى (لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَ) غِشِّ (صُفْرٍ) أَوْ غَيْرِهِ (وَلَكِنَّهُ) مَعَ هَذَا (صُرِفَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ) وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَتَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ (بِالْمَجْلِسِ) عَنْهُ (لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِي الصُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي كُلِّ دَرَاهِمَ

وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي الْعَدَالَى وَالْغَطَارِفَةِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَنْفَتِحُ بَابُ الرِّبَا، ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَالتَّبَايُعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدِّ فَبِالْعَدِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَصٌّ، ثُمَّ هِيَ مَا دَامَتْ تَرُوجُ تَكُونُ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِذَا كَانَتْ لَا تَرُوجُ فَهِيَ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِذَا كَانَتْ يَتَقَبَّلُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهِيَ كَالزُّيُوفِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَالِبَةِ الْغِشِّ، بَلْ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمَغْلُوبَةُ بِحَيْثُ تَتَخَلَّصُ مِنْ النُّحَاسِ إذَا أُرِيدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّصُ لِقِلَّتِهَا بَلْ تَحْتَرِقُ لَا عِبْرَةَ بِهَا أَصْلًا بَلْ تَكُونُ كَالْمُمَوَّهَةِ لَا تُعْتَبَرُ وَلَا يُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُ الصَّرْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَاللَّوْنِ وَقَدْ كَانَ فِي أَوَائِلِ قَرْنِ سَبْعِمِائَةٍ فِي فِضَّةِ دِمَشْقَ قَرِيبٌ مَعَ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) مَعَ هَذَا مَشَايِخُنَا يَعْنِي مَشَايِخَ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ مِنْ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ (لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ) أَيْ بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا (فِي الْعَدَالَى وَالْغَطَارِفَةِ) مَعَ أَنَّ الْغِشَّ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ الْفِضَّةِ (لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهَا يَنْفَتِحُ بَابُ الرِّبَا) الصَّرِيحِ، فَإِنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ يَعْتَادُونَ التَّفَاضُلَ فِي الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ فَيَدْرُجُونَ إلَى ذَلِكَ فِي النُّقُودِ الْخَالِصَةِ فَمُنِعَ ذَلِكَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ. وَالْغَطَارِفَةُ دَرَاهِمُ مَنْسُوبَةٌ إلَى غِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ، وَقِيلَ: هُوَ خَالُ الرَّشِيدِ (ثُمَّ إنْ كَانَتْ) هَذِهِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي غَلَبَ غِشُّهَا (تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَالْبَيْعُ بِهَا وَالِاسْتِقْرَاضُ بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا تَرُوجُ بِالْعَدِّ فَالْبَيْعُ بِهَا وَالِاسْتِقْرَاضُ لَهَا بِالْعَدِّ) لَيْسَ غَيْرُ (وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَصٌّ) عَلَى مَا عُرِفَ فِي الرِّبَا (وَمَا دَامَتْ تَرُوجُ فَهِيَ أَثْمَانٌ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) وَلَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَائِجَةٍ فَهِيَ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَهَذَا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ بِحَالِهَا وَيَعْلَمُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ، فَإِنْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَعْلَمَانِ وَلَا يَعْلَمُ كُلٌّ أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّرَاهِمِ الرَّائِجَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَا بِالْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لَا تَرُوجُ، وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُهَا الْبَعْضُ وَيَرُدُّهَا الْبَعْضُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ، فَيَتَعَلَّقُ الْبَيْعُ بِجِنْسِهَا لَا بِعَيْنِهَا كَمَا هُوَ فِي الرَّائِجَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ خَاصَّةً ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَأَدْرَجَ نَفْسَهُ فِي الْبَعْضِ

بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا زُيُوفًا إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا لِتَحَقُّقِ الرِّضَا مِنْهُ، وَبِجِنْسِهَا مِنْ الْجِيَادِ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْهُ. (وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَكَسَدَتْ وَتَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيمَتُهَا آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا) لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بِالْكَسَادِ وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالرُّطَبِ فَانْقَطَعَ أَوَانُهُ. وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقْتَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي يَقْبَلُونَهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ تَعَلُّقَ الْعَقْدِ عَلَى الرَّوَاجِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ فِي الرَّوَاجِ جَرَى التَّفْصِيلُ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَتَعْيِينُ الْمُصَنِّفِ الْجِيَادَ تَسَاهُلٌ. (وَ) مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ غِشُّهَا أَنَّهُ (لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِهَا فَكَسَدَتْ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِهَا (بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا مَقْبُوضًا رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا أَوْ هَالِكًا رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يَبْطُلُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا (فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِهِ) أَيْ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا) وَهُوَ يَوْمُ الِانْقِطَاعِ (لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ) وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ بِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ (لَهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ صَحَّ) بِالْإِجْمَاعِ (إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ) أَيْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ لِانْعِدَامِ الثَّمَنِيَّةِ (بِالْكَسَادِ) وَالضَّمِيرُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْكَسَادَ (لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالرُّطَبِ) شَيْئًا (فَانْقَطَعَ) فِي (أَوَانِهِ) بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ لَا يَبْطُلُ اتِّفَاقًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ أَوْ يَنْتَظِرَ زَمَانَ الرُّطَبِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَكَذَا هُنَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ بِالْكَسَادِ) لِأَنَّ مَالِيَّةَ

بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ وَمَا بَقِيَ فَيَبْقَى بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ يَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفُلُوسِ وَالدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ الْغِشِّ (بِالِاصْطِلَاحِ) لَا بِالْخِلْقَةِ (وَمَا بَقِيَ) الِاصْطِلَاحُ بَلْ انْتَفَى فَانْتَفَتْ الثَّمَنِيَّةُ (فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ) بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ مَالِيَّتَهُمَا بِالْخِلْقَةِ لَا بِالِاصْطِلَاحِ، كَمَالِيَّةِ الْعَبْدِ لَمَّا كَانَتْ بِالْحَيَاةِ ذَهَبَتْ بِذَهَابِ الْحَيَاةِ. لَا يُقَالُ: فَلْتَصِرْ مَبِيعَةً إذَا انْتَفَتْ ثَمَنِيَّتُهَا. لِأَنَّا نَقُولُ: تَصِيرُ مَبِيعَةً فِي الذِّمَّةِ وَالْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ. وَاعْتُرِضَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي بِأَنَّ انْتِفَاءَ ثَمَنِيَّتِهَا يُوجِبُ أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ مُقَاصَّةٍ فَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ دَيْنًا وَلَا يَبْطُلُ بِعَدَمِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ ثُبُوتِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ الِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، إلَّا أَنَّ الْمُجِيبَ نَظَرَ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ بَاعَ بِدَرَاهِمَ كَذَا وَكَذَا غَلَبَ غِشُّهَا، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ إذَا كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَيْسَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَحْضَرَ الدَّرَاهِمَ وَأَشَارَ إلَيْهَا بِعَيْنِهَا بَلْ بَاعَ بِهَا عَلَى نَمَطِ مَا يُبَاعُ بِالْأَثْمَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ حَالَ رَوَاجِهَا أَثْمَانًا وَإِنَّمَا كَسَدَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَمْ يَنْتَبِهْ هَذَا الْمُعْتَرِضُ لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ لُزُومُ كَوْنِهِ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، ثُمَّ شُرِطَ فِي الْعُيُونِ أَنْ يَكُونَ الْكَسَادُ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، فَلَوْ كَسَدَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُونَ الْبَعْضِ لَا يَبْطُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا لَمْ تَهْلَكْ لِيَصِيرَ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَلَكِنْ تَعَيَّبَتْ فَيَكُونُ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ دَنَانِيرَ. قَالُوا: وَمَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَفِيَ الْبَيْعُ بِالْكَسَادِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ. عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ بَعْضِ النَّاسِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ، فَالْكَسَادُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَسَادِ مِثْلُهُ فِي الِانْقِطَاعِ، وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ إذَا كَسَدَتْ كَذَلِكَ هَذَا إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ، فَلَوْ تَكْسُدُ وَلَمْ تَنْقَطِعْ وَلَكِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ، وَعَكْسُهُ لَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَلَا

قَالَ (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ) لِأَنَّهَا مَالٌ مَعْلُومٌ، فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِالِاصْطِلَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِهَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا لِأَنَّهَا سِلَعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا (وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُطَالَبُ بِالنَّقْدِ بِذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْبَيْعِ بِالرُّطَبِ أَنَّ الرُّطَبَ مَرْجُوُّ الْوُصُولِ فِي الْعَامِ الثَّانِي غَالِبًا فَكَانَ لَهُ مَظِنَّةٌ يَغْلِبُ ظَنُّ وُجُودِهِ عِنْدَهَا، بِخِلَافِ الْكَسَادِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَظِنَّةٌ مُحَقَّقَةُ الْوُجُودِ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ يُرْجَى فِيهَا بَلْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي غَالِبِيَّةِ الْغِشِّ الْكَسَادُ وَعَدَمُ الثَّمَنِيَّةِ، وَالشَّيْءُ إذَا رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ قَلَّمَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَوْفَاهَا فَكَسَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ) لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ (فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ) بَلْ لَوْ عُيِّنَتْ لَا تَتَعَيَّنُ وَلِلْعَاقِدِ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَ مَا عَيَّنَ (لِأَنَّهَا) حِينَئِذٍ (أَثْمَانٌ) كَالدَّرَاهِمِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ، وَلَوْ اُسْتُبْدِلَ بِهَا جَازَ، وَلَوْ بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ يَجُوزُ عَلَى مَا سَلَفَ فِي بَابِ الرِّبَا؛ وَلَوْ بَاعَ فَلْسًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ وَضْعًا لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى سُقُوطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ فَيَكُونُ رِبًا، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً فَهِيَ مَبِيعَةٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ (وَإِذَا بَاعَ الْفُلُوسَ النَّافِقَةَ ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ الْغِشِّ يَبْطُلُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، ثُمَّ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الْخِلَافَ. وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَسْرَارِ الْبُطْلَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ سِوَى خِلَافِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اسْتَدَلَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ انْقِطَاعِ الرُّطَبِ الْمُشْتَرَى بِهِ وَإِبَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَتَخْمِيرِ الْعَصِيرِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْطُلُ

(وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا نَافِقَةً فَكَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا) لِأَنَّهُ إعَارَةٌ، وَمُوجِبُهُ رَدُّ الْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدُ فِيهَا، وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الرُّطَبِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَمَالِيَّتُهُ لَمْ تَبْطُلْ بِالْإِبَاقِ بَلْ هُوَ مَالٌ بَاقٍ حَيْثُ هُوَ، وَإِنَّمَا عَرَضَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسَلُّمِ وَكَذَا بِالتَّخَمُّرِ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ بَلْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا، بِخِلَافِ الْكَسَادِ لِهَلَاكِ الثَّمَنِ بِهِ، إلَّا أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ ثُبُوتُ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَسَادِ الْمَغْشُوشَةِ وَكَسَادِ الْفُلُوسِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ، فَإِنَّ غَالِبَةَ الْغِشِّ الْحُكْمُ فِيهَا لِلْغَالِبِ وَهُوَ النُّحَاسُ مَثَلًا، فَلَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْفُلُوسِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ وَقَبَضَ الْفُلُوسَ أَوْ الدِّرْهَمَ ثُمَّ افْتَرَقَا جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْفَلْسُ هُوَ الْمَقْبُوضُ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ كَسَادَهَا كَهَلَاكِهَا. وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ الْفَلْسُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ بَطَلَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ كَهَلَاكِهَا، وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْطُلَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّمَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَهُ فَسْخًا لِأَنَّ كَسَادَهَا كَعَيْبٍ فِيهَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَلَوْ نَقَدَ الدِّرْهَمَ وَقَبَضَ نِصْفَ الْفُلُوسِ ثُمَّ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ النِّصْفَ الْآخَرَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهَا، وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ نِصْفَ الدِّرْهَمِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى فَاكِهَةً أَوْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ بِفُلُوسٍ ثُمَّ كَسَدَتْ وَقَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ الْقِيمَةَ أَوْ مِثْلَهُ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي هَذَا: إنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْفُلُوسِ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ الْفُلُوسَ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ أَوْجَبْنَا رَدَّ قِيمَةِ الْفُلُوسِ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا وَهَاهُنَا لَا يَتَمَكَّنُ. وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا إذَا لَمْ تَكْسُدْ الْفُلُوسُ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الْعَدَدَ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْهَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرُدُّ مِثْلَهَا) عَدَدًا اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ غَالِبَةَ الْغِشِّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَلَسْت أَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ فِي الْفُلُوسِ إذَا أَقْرَضَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ يَوْمَ الْقَرْضِ فِي الْفُلُوسِ وَالدَّرَاهِمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فِي آخِرِ وَقْتِ إنْفَاقِهَا. وَجْهُ قَوْلِهِ. (أَنَّهُ) أَيْ الْقَرْضَ (إعَارَةٌ وَمُوجِبُهُ) أَيْ مُوجِبُ عَقْدِ الْإِعَارَةِ (رَدُّ الْعَيْنِ) إذْ لَوْ كَانَ اسْتِبْدَالًا حَقِيقَةً مُوجِبًا لِرَدِّ الْمِثْلِ اسْتَلْزَمَ الرِّبَا لِلنَّسِيئَةِ فَكَانَ

مَعْنًى وَالثَّمَنِيَّةِ فَضْلٌ فِيهِ إذْ الْقَرْضُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ. وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قُبِضَ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا، كَمَا إذَا اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الْقَبْضِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ الْكَسَادِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْظَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوجِبًا رَدَّ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْعَقْدُ لَمَّا كَانَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ لَزِمَ تَضَمُّنُهُ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ؛ فَبِالضَّرُورَةِ اكْتَفَى بِرَدِّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَذَلِكَ بِرَدِّ الْمِثْلِ، وَلِذَا يُجْبَرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى قَبُولِ الْمِثْلِ إذَا أَتَى بِهِ الْغَاصِبُ فِي غَصْبِ الْمِثْلِيِّ بِلَا انْقِطَاعٍ مَعَ أَنَّ مُوجِبَ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْكَاسِدِ (وَالثَّمَنِيَّةُ فَضْلٌ فِي الْقَرْضِ) غَيْرُ لَازِمٍ فِيهِ وَلِذَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا بَعْدَ الْكَسَادِ، وَكَذَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُ كُلِّ مِثْلِيٍّ وَعَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ وَلَا ثَمَنِيَّةَ (وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قَبَضَهَا فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا) وَهَذَا لِأَنَّ الْقَرْضَ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ وَصْفَ الثَّمَنِيَّةِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ اعْتِبَارِهَا إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ قَرْضًا مَوْصُوفًا بِهَا لِأَنَّ الْأَوْصَافَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِهَا، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَصْفُهَا لَغْوٌ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِذَوَاتِهَا وَتَأْخِيرُ دَلِيلِهِمَا بِحَسَبِ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِهِ قَوْلَهُمَا (ثُمَّ أَصْلُ الِاخْتِلَافِ) فِي وَقْتِ الضَّمَانِ اخْتِلَافُهُمَا (فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقَضَاءِ) وَقَوْلُهُمَا أَنْظَرُ لِلْمُقْرِضِ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ فِي رَدِّ الْمِثْلِ إضْرَارًا بِهِ. ثُمَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنْظَرُ لَهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ (فَكَانَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرَ) لِلْمُسْتَقْرِضِ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرَ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ مَعْلُومَةٌ ظَاهِرَةٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا بِخِلَافِ ضَبْطِ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ فَإِنَّهُ عُسْرٌ فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ فِي ذَلِكَ.

لِلْجَانِبَيْنِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ جَازَ وَعَلَيْهِ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ) وَكَذَا إذَا قَالَ بِدَانِقِ فُلُوسٍ أَوْ بِقِيرَاطِ فُلُوسٍ جَازَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ وَأَنَّهَا تُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ لَا بِالدَّانِقِ وَالدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدِهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: مَا يُبَاعُ بِالدَّانِقِ وَنِصْفُ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فَأَغْنَى عَنْ بَيَانِ الْعَدَدِ. وَلَوْ قَالَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْ فُلُوسٍ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مَا يُبَاعُ بِالدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْمُرَادُ لَا وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالدِّرْهَمِ وَيَجُوزُ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ، لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ الْمُبَايَعَةَ بِالْفُلُوسِ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ فَصَارَ مَعْلُومًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الدِّرْهَمُ قَالُوا: وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصَحُّ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ) فَاكِهَةً أَوْ غَيْرَهَا بِأَنْ قَالَ مَثَلًا لِبَائِعِ سِلْعَةٍ اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ فَقَالَ بِعْتُك (انْعَقَدَ مُوجِبًا لِدَفْعِ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمِ فِضَّةٍ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِدَانِقٍ مِنْ الْفُلُوسِ) وَهُوَ سُدُسُ دِرْهَمٍ (أَوْ بِقِيرَاطٍ) وَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ (وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ وَهِيَ تُقَدَّرُ بِالْعَدِّ لَا بِالدَّانِقِ وَالدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدِهَا) وَإِلَّا فَالثَّمَنُ مَجْهُولٌ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الدَّانِقِ وَالدِّرْهَمِ ثُمَّ شَرَطَ إيفَاءَهُ مِنْ الْفُلُوسِ وَهُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ. فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فُلُوسًا وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالدَّانِقِ فُلُوسًا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ مَا يُبَاعُ بِالدَّانِقِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ نِصْفَ الدِّرْهَمِ ثُمَّ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ فُلُوسٌ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُبَاعُ بِهِ مِنْ الْفُلُوسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْعَدِّ بِخُصُوصِهِ، وَإِذَا صَارَ كِنَايَةً عَمَّا يُبَاعُ بِنِصْفٍ وَرُبُعِ دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْ جَهَالَةُ الثَّمَنِ وَلَا صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ (وَلَوْ قَالَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ، لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ فِي الْعَادَةِ فِي الْفُلُوسِ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ فَيَصِيرُ مَعْلُومًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الدِّرْهَمُ. قَالُوا: وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ وَلَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا) أَيْ الْمُدُنِ الَّتِي وَرَاءَ النَّهْرِ فَإِنَّهُمْ يَشْتَرُونَ الْفُلُوسَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلِأَنَّ الْمَدَارَ هُوَ الْعِلْمُ بِمَا يُبَاعُ بِالدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعَ وُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ وَالدَّرَاهِمِ فَضْلًا عَنْ الدِّرْهَمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ وَالْمَذْكُورُ مِنْ خِلَافِهِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سِيَّمَا بِغَيْرِ لَا وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ لَمْ يَثْبُتْ فِي كَلَامِ مَنْ يَحْتَجُّ بِكَلَامِهِ فِي اللُّغَةِ وَفِي بَعْضِهَا

قَالَ (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا وَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ بَيْعَ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِالْفُلُوسِ جَائِزٌ وَبَيْعُ النِّصْفِ بِنِصْفٍ إلَّا حَبَّةً رِبًا فَلَا يَجُوزُ (وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَطَلَ فِي الْكُلِّ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَالْفَسَادُ قَوِيٌّ فَيَشِيعُ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ، وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ) أَوْ رُبُعِهِ أَوْ قِيرَاطًا مِنْهُ (فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً) وَعَلَى وِزَانِهِ أَنْ يَقُولَ وَبِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً وَقِسْ الْبَاقِيَ (جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ) مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ أَوْ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ وَبَاقِي الصُّوَرِ (لِأَنَّ بَيْعَ نِصْفِ الدِّرْهَمِ بِالْفُلُوسِ جَائِزٌ وَبَيْعَ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِنِصْفِ) دِرْهَمٍ (إلَّا حَبَّةً رِبًا فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَالْفَسَادُ قَوِيٌّ) مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ (فَيَشِيعُ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ إذَا لَمْ يُفَصَّلْ الثَّمَنُ يَشِيعُ الْفَسَادُ اتِّفَاقًا، وَإِذَا فُصِّلَ لَا يَشِيعُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَشِيعُ (فَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ) بِأَنْ قَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً (كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا) فِي أَنَّ الْفَسَادَ يَخُصُّ النِّصْفَ الْآخَرِ (لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ) لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُظَفَّرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصَّفْقَةِ عِنْدَهُ بِتَعَدُّدِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَلَفْظُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةً، وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ بِعْنِي

(وَلَوْ قَالَ أَعْطِنِي نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسًا وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ) لِأَنَّهُ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَيَكُونُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا وَرَاءَهُ بِإِزَاءِ الْفُلُوسِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَذَا لَيْسَ إيجَابًا، حَتَّى لَوْ قَالَ بِعْت لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْأَوَّلُ قَبِلْت فَأَعْطِنِي وَلَيْسَ مِنْ مَادَّةِ الْبَيْعِ أَوْلَى، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْبَيْعُ فَيَشِيعُ الْفَسَادُ عَلَى قَوْلِهِ كَالصُّورَةِ الْأُولَى. وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ ذَلِكَ صَارَ مَعْلُومَ الْمُرَادِ أَنَّهُ إيجَابٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ تُعُورِفَ فِي مِثْلِهِ صَحَّ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ، أَوْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا دُفِعَ إلَيْهِ الْمُخَاطَبُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ بَيْعًا فِي النِّصْفَيْنِ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَلَوْ قَالَ) حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ الْكَبِيرَ (أَعْطِنِي نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً) (جَازَ) فِيهِمَا (لِأَنَّهُ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَ) يَتَحَرَّى لِلْجَوَازِ بِأَنْ (يَكُونَ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا وَرَاءَهُ بِإِزَاءِ الْفُلُوسِ) نَعَمْ قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ نِصْفُ دِرْهَمِ فُلُوسٍ مَعْنَاهُ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِهِ كَانَ الْحَاصِلُ أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً، وَمَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مَعْلُومٌ أَنَّهُ يَخُصُّ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَبِنِصْفِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً. وَجَوَابُهُ أَنَّ مُوجِبَ التَّحَرِّي لِلتَّصْحِيحِ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً، وَمَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٍ وَمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْأُولَى، وَلِذَا قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَيَجُوزُ فِي فُلُوسٍ الْجَرُّ صِفَةً لِدِرْهَمٍ وَالنَّصْبُ صِفَةً لِلنِّصْفِ. [فُرُوعٌ] تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي ضِمْنِ التَّعْلِيلِ فَرُبَّمَا يُغْفَلُ عَنْهَا. تَصَارَفَا جِنْسًا بِجِنْسٍ مُتَسَاوِيًا فَزَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ حَطَّ شَيْئًا وَقَبِلَ الْآخَرُ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَبَطَلَ الْعَقْدُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْتَحِقُ فِيهِمَا وَلَا يَبْطُلُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ الْحَطُّ فَقَطْ وَيُجْعَلُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً. وَلَوْ تَصَارَفَا بِغَيْرِ الْجِنْسِ فَزَادَ أَوْ حَطَّ جَازَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ غَيْرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ يَجِبُ قَبْضُهَا فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ ثَمَنُ الصَّرْفِ، وَعِنْدَ مَنْ لَا يَلْحَقُ الزِّيَادَةَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَلَوْ افْتَرَقَا لَا عَنْ قَبْضِهَا بَطَلَ حِصَّتُهَا مِنْ الْبَدَلِ الْآخَرِ كَأَنَّهُ بَاعَ الْكُلَّ ثُمَّ فَسَدَ فِي الْبَعْضِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ، وَالْحَطُّ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَرُدُّ الَّذِي حَطَّ مَا حَطَّ، وَإِنْ كَانَ الْحَطُّ قِيرَاطَ ذَهَبٍ فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الدِّينَارِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرًا وَكُلُّ مَالٍ رِبَوِيٍّ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً وَلَا مُوَاضَعَةً إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسِهِ وَيَجُوزُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى مَصُوغًا مِنْ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ أَوْ مِنْ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَتَقَابَضَا فَوَجَدَهُ الْمُشْتَرِي مَعِيبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، فَإِنْ رَدَّهُ بِقَضَاءٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ مِنْ الْبَائِعِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ

[كتاب الكفالة]

(كِتَابُ الْكَفَالَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِغَيْرِ قَضَاءٍ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، فَإِنْ قَبَضَ صَحَّ الرَّدُّ وَإِلَّا بَطَلَ وَعَادَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الشَّرْعِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَ فِضَّةً لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، فَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ بِعَيْبِهِ لَهُ ذَلِكَ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدُ. وَلَوْ اشْتَرَى دِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَلَا دِينَارَ لِهَذَا وَلَا دِرْهَمَ لِلْآخَرِ ثُمَّ اقْتَرَضَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ، وَفِي الْمَكِيلِ لَا يَجُوزُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اشْتَرَى فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ وَلَا فُلُوسَ وَلَا دَرَاهِمَ لَهُمَا ثُمَّ نَقَدَ أَحَدُهُمَا وَتَفَرَّقَا جَازَ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْفُلُوسِ دِينَارٌ لَمْ يَجُزْ وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي تَقْسِيمِ الطَّحَاوِيِّ. اشْتَرَى سَيْفًا حِلْيَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فِضَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ حِلْيَتَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنْ شَاءَ زَادَ فِي الثَّمَنِ مِائَةً أُخْرَى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَالْمِائَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ يَزِيدُ شَيْئًا لِيَتَمَحَّضَ الْمِائَتَانِ لِلْحِلْيَةِ، وَلَوْ عَلِمَ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَالتَّفَرُّقِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي إبْرِيقِ فِضَّةٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي نِصْفِ الْإِبْرِيقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْكَفَالَةِ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْكَفَالَةِ) أَوْرَدَ الْكَفَالَةَ عَقِيبَ الْبُيُوعِ لِأَنَّهَا غَالِبًا يَكُونُ تَحَقُّقُهَا فِي الْوُجُودِ عَقِيبَ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَطْمَئِنُّ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ بِالثَّمَنِ، أَوْ لَا يَطْمَئِنُّ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ فِي السَّلَمِ، فَلَمَّا كَانَ تَحَقُّقُهَا فِي الْوُجُودِ غَالِبًا بَعْدَهَا أَوْرَدَهَا فِي التَّعْلِيمِ بَعْدَهَا، وَلَهَا مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِالصَّرْفِ وَهِيَ أَنَّهَا تَصِيرُ بِالْآخِرَةِ مُعَاوَضَةً عَمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْأَثْمَانِ وَذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، ثُمَّ لَزِمَ تَقْدِيمُ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ مِنْ أَبْوَابِ الْبَيْعِ السَّابِقِ عَلَى الْكَفَالَةِ فَلَزِمَتْ الْكَفَالَةُ بَعْدَهُ. وَمَحَاسِنُ الْكَفَالَةِ جَلِيلَةٌ وَهِيَ: تَفْرِيجُ كَرْبِ الطَّالِبِ الْخَائِفِ عَلَى مَالِهِ، وَالْمَطْلُوبِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ كُفِيَا مُؤْنَةَ مَا أَهَمَّهُمَا وَقَرَّ جَأْشُهُمَا وَذَلِكَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَيْهِمَا، وَلِذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْعَالِيَةِ حَتَّى امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا حَيْثُ قَالَ {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ يَتَضَمَّنُ الِامْتِنَانَ عَلَى مَرْيَمَ، إذْ جَعَلَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهَا وَيَقُومُ بِهَا بِأَنْ أَتَاحَ لَهَا ذَلِكَ، وَسَمَّى نَبِيًّا بِذِي الْكِفْلِ لَمَّا كَفَلَ جَمَاعَةً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِمَلِكٍ أَرَادَ قَتْلَهُمْ. وَسَبَبُ وُجُودِهَا تَضْيِيقُ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَعَ قَصْدِ الْخَارِجِ رَفْعَهُ عَنْهُ إمَّا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إزَالَةً لِلْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِمَّنْ يَهُمُّهُ مَا أَهَمَّهُ. وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهَا دَفْعُ هَذِهِ الْحَاجَةِ

الْكَفَالَةُ: هِيَ الضَّمُّ لُغَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] ثُمَّ قِيلَ: هِيَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضَّرَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَدَلِيلُ وُقُوعِ شَرْعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْإِجْمَاعُ. وَشَرْطُهَا فِي الْكَفِيلِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، فَلَا كَفَالَةَ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا عَبْدٍ مَحْجُورٍ وَلَا مُكَاتَبٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا؛ فَلَا كَفَالَةَ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَيْنًا صَحِيحًا إذْ لَا يَلْزَمُ دَيْنٌ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ وَلُزُومُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِيَصِلَ الْعَبْدُ إلَى الْعِتْقِ وَأَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا مَفْهُومُهَا (الْكَفَالَةُ) لُغَةً فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الضَّمُّ سَوَاءٌ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ عَيْنًا أَوْ مَعْنًى. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: تَرْكِيبُهُ دَالٌّ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّضْمِينِ، وَمِنْهُ كِفْلُ الْبَعِيرِ كِسَاءٌ يُدَارُ حَوْلَ سَنَامِهِ كَالْحَوِيَّةِ يُرْكَبُ عَلَيْهِ، وَكِفْلُ الشَّيْطَانِ مَرْكَبُهُ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ (ثُمَّ قِيلَ: هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ؛ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْأَصِيلِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْمَبْسُوطِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَمَا يُخَالُ مِنْ لُزُومِ صَيْرُورَةِ الْأَلْفِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ أَلْفَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مَعَ بَقَائِهِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مَا يُوجِبُ زِيَادَةَ حَقِّ الطَّالِبِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ وَإِنْ ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ فَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ. فَإِنَّ كُلًّا ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ وَلَيْسَ حَقُّ الْمَالِكِ إلَّا فِي قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا، وَاخْتِيَارُهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ، فَكَذَا هُنَا يُرِيدُ بِاخْتِيَارِهِ التَّضْمِينَ الْقَبْضَ مِنْهُ لَا مُجَرَّدَ حَقِيقَةِ اخْتِيَارِهِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا وَبِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لَا يَبْرَأُ الْآخَرُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ صَحَّ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ مَعَ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ شَيْئًا يَصِحُّ مَعَ أَنَّ الشِّرَاءَ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَصِحُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ اعْتِبَارٌ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي ذِمَّتَيْنِ، إنَّمَا يَمْتَنِعُ فِي عَيْنٍ ثَبَتَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فِي ظَرْفَيْنِ حَقِيقِيَّيْنِ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فِي مُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ لَا الدَّيْنِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي الذِّمَّتَيْنِ وَإِنْ أَمْكَنَ شَرْعًا لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ كُلِّ مُمْكِنٍ إلَّا بِمُوجِبٍ وَلَا مُوجِبَ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ يَحْصُلُ بِالْمُطَالَبَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ اعْتِبَارِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَسْلِيمِ الْهِبَةِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّا جَعَلْنَاهُ فِي حُكْمِ الدَّيْنَيْنِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ وَقَبْلَهُ لَا ضَرُورَةَ فَلَا دَاعِيَ إلَى ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا نُقِلَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّيْنَ فِعْلٌ يَقْتَضِي أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ

قَالَ (الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ: كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ. فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ وَالْمَضْمُونُ بِهَا إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصِيلِ إذْ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ الْوَجْهُ أَنْ تُطْلَقَ الْمُطَالَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ كَمَا تَكُونُ بِالدُّيُونِ تَكُونُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَهُوَ مَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ مِثْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، وَبِقِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا. وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَيَجِبُ تَسْلِيمُهَا، وَإِذَا هَلَكَتْ يَجِبُ تَسَلُّمُ قِيمَتِهَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ، وَالْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا وَهِيَ الْأَعْيَانُ الْوَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ قَائِمَةٌ، وَعِنْدَ هَلَاكِهَا لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ مِثْلِهَا وَلَا قِيمَتِهَا وَهُوَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُضْمَنُ بِالثَّمَنِ وَكَالرَّهْنِ يُضْمَنُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ هَلَكَتْ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ قِيمَتُهَا. وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْوَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ وَهِيَ أَمَانَةٌ كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَمَتَى هَلَكَتْ لَا تَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ قِيمَتُهَا، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْغَيْرِ الْوَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا أَصْلًا. وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ الْقَبُولَ رُكْنًا فَجَعَلَ الْكَفَالَةَ تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ فَقِيلَ: إنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ مِنْ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ أَوْ تَصِحُّ نَافِذًا وَلِلطَّالِبِ حَقُّ الرَّدِّ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ مَنْ يَقُولُ بِالتَّوَقُّفِ يَقُولُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ. وَأَمَّا حُكْمُهَا فَثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ لِلْكَفِيلِ مَتَى شَاءَ سَوَاءٌ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ أَوْ لَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ: يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ فَلَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْأَصِيلِ أَصْلًا كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مِنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى مَالِكٍ خِلَافُ مَا فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ أَصْحَابِهِ. احْتَجُّوا بِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَرَ جِنَازَةً فَقَالَ: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ، فَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا وَفَكَّ رِهَانَك كَمَا فَكَكْت رِهَانَ أَخِيك، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً؟ فَقَالَ لِلنَّاسِ كَافَّةً» فَدَلَّ أَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بَرِيءٌ مِنْ الضَّمَانِ، وَلِلْعَامَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» وَقَوْلُهُ فِي خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ «الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ» وَصَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ صَارَ وَفَاءً، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَدْيُونٍ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً، وَقَوْلُهُ " فَكَّ اللَّهُ رِهَانَك " لِأَنَّهُ كَانَ بِحَالٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَمَّا ضَمِنَ عَنْهُ فَكَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ بَعْدُ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَتِمُّ بِصَلَاتِهِ عَقِيبَ ضَمَانِ عَلِيٍّ إذْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ تَمَّ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ (الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ: كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ) وَيَدْخُلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ الْكَفَالَةُ بِالْأَعْيَانِ الَّتِي ذَكَرَاهَا (وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ وَالْمَضْمُونُ بِهَا إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ)

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَالِ نَفْسِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَهَذَا يُفِيدُ مَشْرُوعِيَّةَ الْكَفَالَةِ بِنَوْعَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِطَرِيقِهِ بِأَنْ يَعْلَمَ الطَّالِبُ مَكَانَهُ فَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ يَسْتَعِينَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَحَقُّقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَا تَجُوزُ وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلِ الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ كَقَوْلِنَا. وَاسْتَدَلَّ لِقَوْلِهِ الْمُضَعَّفِ (بِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ) فَكَانَ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ حُرٌّ لَا يَنْقَادُ لَهُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ خُصُوصًا إذَا كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَكَذَا بِأَمْرِهِ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِكَفَالَتِهِ لَا يُثْبِتُ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ وَصَارَ كَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ الشَّاهِدَيْنِ (وَ) اسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ (قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» ) بِاعْتِبَارِ عُمُومِهِ. وَقَوْلُهُ (بِنَوْعَيْهِ) أَيْ نَوْعَيْ عَقْدِ الْكَفَالَةِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِالزَّعِيمِ فِي الْمَالِ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ غَارِمٌ، وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِلْمَالِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْغُرْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ بَلْ الْغُرْمُ أَدَاءُ مَا يَلْزَمُهُ مِمَّا يَضُرُّهُ، وَالْغَرَامُ اللَّازِمُ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْمَلِ، وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ يَلْزَمُهُ الْإِحْضَارُ، وَقَدْ تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عَلَى كَفَالَةِ الْمَالِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ مَاسَّةٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ) وَحَاصِلُهُ إلْحَاقُهُ بِجَامِعِ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ مَعَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالشَّرَائِطِ، وَمَا طَرَأَ مِنْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ بِانْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَنْقَادُ إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِلَا أَمْرِهِ يُمْكِنُهُ إحْضَارُهُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِأَعْوَانِ الْحَاكِمِ. وَأَبْطَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْكَفَالَةِ فَلَا يَصِحُّ دَلِيلًا. وَلَا يَخْفَى أَنْ لَيْسَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْمَنْفِيَّةِ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ لِيَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْكَفَالَةِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ: وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَلَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ» وَكَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خُصُومَةٌ فَكَفَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنَفْسِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَاعْتُرِضَ بِالْمُنَاقَضَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فِيهِمَا لَا تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ وَاجِبًا كَتَسْلِيمِهَا لِلْجَوَابِ. وَالْجَوَابُ مَنَعَ عَدَمَ صِحَّتِهَا مُطْلَقًا بَلْ الْمَنْصُوصُ فِي الْأَصْلِ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ وَجْهٍ فِي بَعْضِهَا وَمِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي بَعْضِهَا. وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ فَعَدَمُ صِحَّةِ

قَالَ (وَتَنْعَقِدُ إذَا قَالَ تَكَفَّلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِرُوحِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ وَكَذَا بِبَدَنِهِ وَبِوَجْهِهِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْبَدَنِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ عُرْفًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، كَذَا إذَا قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَفَالَةِ لِلُزُومِ التَّنَافِي، فَإِنَّ الْحَدَّ يَحْتَالُ فِي دَرْئِهِ وَصِحَّةُ الْكَفَالَةِ لِلِاسْتِيثَاقِ وَالِاحْتِيَالِ لِاسْتِيفَائِهِ فَقَامَ الْمَانِعُ فِيهِمَا. وَأَمَّا الْجَبْرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِيهَا فَفِي الْحُدُودِ لَا يُجْبَرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْقِصَاصُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِنَفْسِ الشَّاهِدِ لِيُؤَدِّيَ فَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تُفِيدُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الطَّالِبِ لَهُ بِالْأَدَاءِ إمَّا أَنْ يُجِيبَ وَيَحْضُرَ أَوْ لَا؛ فَفِي الْأَوَّلِ لَا حَاجَةَ إلَى الْكَفَالَةِ، وَفِي الثَّانِي يَلْزَمُ فِسْقُهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَوْ أَحْضَرَهُ الْكَفِيلُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ إذَا قَالَ تَكَفَّلْت إلَخْ) شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْكَفَالَةُ، وَهِيَ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ تَكَفَّلْتُ وَضَمِنْتُ وَزَعِيمٌ وَقَبِيلٌ وَحَمِيلٌ وَعَلَيَّ وَإِلَيَّ وَلَك عِنْدِي هَذَا الرَّحْلُ وَعَلَيَّ أَنْ أُوفِيَك بِهِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَلْقَاك بِهِ أَوْ دَعْهُ إلَيَّ، وَحَمِيلٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى كَفِيلٍ بِهِ، يُقَالُ حَمَلَ بِهِ حَمَالَةً بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ. وَرُوِيَ فِي الْفَائِقِ " الْحَمِيلُ ضَامِنٌ " وَأَمَّا الْقَبِيلُ فَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى الْكَفِيلِ، وَيُقَالُ قَبَلَ بِهِ قَبَالَةً بِفَتْحِهَا فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُوجِبُ لُزُومَ مُوجِبِ الْكَفَالَةِ إذَا أُضِيفَتْ إلَى جُمْلَةِ الْبَدَنِ أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَمَا لَا فَلَا عَلَى وِزَانِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ مِثْلُ كَفَلْتُ أَوْ أَنَا حَمِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ بِنَفْسِهِ أَوْ رَقَبَتِهِ أَوْ رُوحِهِ أَوْ جَسَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ يُعَبَّرُ بِهَا حَقِيقَةً كَالنَّفْسِ وَالْجَسَدِ وَالْبَدَنِ وَعُرْفًا وَلُغَةً وَمَجَازًا كَهُوَ رَأْسٌ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ. قَالَ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ. وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْكَفَالَةِ وَالطَّلَاقِ إذْ الْعَيْنُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، يُقَالُ عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَيَتَأَتَّى فِي دَمِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ (وَكَذَا)

بِنِصْفِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَ ذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَكَفَّلْتُ بِيَدِ فُلَانٍ أَوْ بِرِجْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْبَدَنِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِمَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ تَصِحُّ (وَكَذَا إذَا قَالَ ضَمِنْته) لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُوجِبِهِ (أَوْ قَالَ) هُوَ (عَلَيَّ) لِأَنَّهُ صِيغَةُ الِالْتِزَامِ (أَوْ قَالَ إلَيَّ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى عَلَيَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ. (قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» ) (وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ بِهِ) لِأَنَّ الزَّعَامَةَ هِيَ الْكَفَالَةُ وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ. وَالْقَبِيلُ هُوَ الْكَفِيلُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الصَّكُّ قَبَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَعْرِفَةَ دُونَ الْمُطَالَبَةِ. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ تَسْلِيمَ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ إذَا طَالَبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحِقٍّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ لَعَلَّهُ مَا دَرَى لِمَاذَا يَدَّعِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أَضَافَ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ كَكَفَلْتُ (بِنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ فَذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا) وَوَجْهُ ضَمِنْت (بِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ) بِمُوجِبِهِ (لِأَنَّ مُوجِبَ الْكَفَالَةِ لُزُومُ الضَّمَانِ فِي الْمَالِ) فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ (وَعَلَى صِيغَةِ الْتِزَامٍ وَإِلَيَّ فِي مَعْنَاهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَرَكَ كَلًّا) أَيْ يَتِيمًا (فَإِلَيَّ) لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ) اقْتَصَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا الْحَدِيثُ يُرِيدُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا» وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد «وَأَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَإِلَيَّ» (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) لَا تَثْبُتُ بِهِ الْكَفَالَةُ (لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَعْرِفَةَ دُونَ الْمُطَالَبَةِ) وَكَذَا بِمَعْرِفَتِهِ وَكَذَا أَنَا ضَامِنٌ لَك عَلَى أَنْ أُوقِفَك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ أَدُلَّك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْزِلِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَلْزَمَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ إلَى اثْنَيْنِ فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ يُعَرِّفَهُ الْغَرِيمَ، بِخِلَافِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا مَعْرِفَةَ الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ. وَعَنْ نُصَيْرٍ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَبَا سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: أَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِيك لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ قَالَ هَذَا عَلَى مُعَامَلَةِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ: هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَالظَّاهِرُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي خِزَانَةِ الْوَاقِعَاتِ وَبِهِ يُفْتِي: أَيْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ نَصَّ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ لَك بِمَعْرِفَةٍ فَلَأَنْ يَلْزَمَهُ، وَعَلَى هَذَا مُعَامَلَةُ النَّاسِ. وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: لَوْ قَالَ الدَّيْنُ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك أَوْ أُسَلِّمُهُ إلَيْك أَوْ أَقْبِضُهُ لَا يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ مُتَفَرِّقَاتِ خَالِهِ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَالَهُ مُنَجَّزًا فَلَوْ مُعَلَّقًا يَكُونُ كَفَالَةً نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي، نَظِيرُهُ فِي النَّذْرِ لَوْ قَالَ: أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ (قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ) أَيْ بِالنَّفْسِ (تَسْلِيمَ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ) أَوْ يَوْمٍ (لَزِمَهُ إحْضَارُهُ فِيهِ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ عَنْ

وَلَوْ غَابَ الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ يَحْبِسُهُ لِتَحَقُّقِ امْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ الْحَقِّ. قَالَ (وَكَذَا إذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) وَهَذَا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فِي الْمُدَّةِ فَيُنْظَرُ كَاَلَّذِي أُعْسِرَ، وَلَوْ سَلَّمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَرِئَ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إسْقَاطَهُ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. قَالَ (وَإِذَا أَحْضَرَهُ وَسَلَّمَهُ فِي مَكَان يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْضَارُهُ فِيهِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَا يَحْبِسُهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي حَبْسِهِ، كَمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَبْطُلُ، فَإِنْ غَابَ وَعَلِمَ مَكَانَهُ لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلَ لِلْحَالِ وَيُؤَجِّلُ إلَى مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ الْإِحْضَارُ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ ظَهَرَتْ مُمَاطَلَةُ الْكَفِيلِ فَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي تَعَذُّرُ الْإِحْضَارِ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ بِشُهُودٍ بِذَلِكَ فَيُخْرَجُ مِنْ الْحَبْسِ وَيُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الْقُدْرَةِ كَالْإِعْسَارِ بِالدَّيْنِ، وَإِذَا أُخْرِجَ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكْفُولِ لَهُ فَيُلَازِمُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَشْغَالِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَكَانَهُ سَقَطَتْ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ؛ فَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ تَعْرِفُ مَكَانَهُ وَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَعْرِفُ؛ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُرْجَةٌ مَعْرُوفَةٌ يَخْرُجُ إلَيْهَا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ لِلتِّجَارَةِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجَهْلُ وَمُنْكِرٌ لُزُومَ الْمُطَالَبَةِ. وَقِيلَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْكَفِيلِ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَظْهَرَ عَجْزُهُ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى مَا يُسْقِطُهَا، فَإِنْ أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا يُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) يَعْنِي يُمْهِلُهُ الْحَاكِمُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَادَعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَاللِّحَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتًا فَهُوَ حُكْمِيٌّ فِي مَالِهِ لِيُعْطِيَ الْأَقْرَبَ إلَيْهِ، أَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَثَابِتَةٌ عَلَى حَالِهَا، وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ. لِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ كَمَا هُوَ فِيمَا دُونَهَا، وَالثَّانِي يَسْقُطُ إلْحَاقًا بِالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ (قَوْلُهُ إذَا أَحْضَرَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي مَكَان يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ

أَنْ يُخَاصِمَهُ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ إلَّا مَرَّةً. قَالَ (وَإِذَا كَفَلَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ فِي السُّوقِ بَرِئَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا: لَا يَبْرَأُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُعَاوَنَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَا عَلَى الْإِحْضَارِ فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا (وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ لَمْ يَبْرَأْ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهَا فَلَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ، وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ فِي سَوَادٍ لِعَدَمِ قَاضٍ يَفْصِلُ الْحُكْمَ فِيهِ، وَلَوْ سَلَّمَ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنْ يُخَاصِمَهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ) مِنْ الْأَمْصَارِ (بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ) سَوَاءٌ قَبِلَهُ الطَّالِبُ أَوْ لَا كَالْمَدْيُونِ إذَا جَاءَ بِالدَّيْنِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ الطَّالِبِ (وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ) بِالْكَفَالَةِ (إلَّا مَرَّةً) وَقَدْ حَصَلَتْ. ثُمَّ الشَّرْطُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمِصْرُ وَهُوَ الْمِصْرُ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ مَسَائِلِ التَّسْلِيمِ، وَوَضْعُهَا هُنَا أَنْسَبُ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُثْبِتُ بِذَلِكَ قُدْرَةَ الْمُخَاصَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُمَا يَقُولَانِ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْفِيلِ بِنَفْسِهِ تَحْصِيلُهُ فِي وَقْتٍ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى مُخَاصَمَتِهِ وَهَذَا لَا يَكُونُ ظَاهِرًا إلَّا فِي مِصْرِهِ؛ لِأَنَّ شُهُودَهُ ظَاهِرٌ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْصَارِ، وَلَا يُفِيدُ التَّكْفِيلُ فَائِدَتَهُ الْمَقْصُودَةَ بِهِ، وَقَوْلُهُمَا أَوْجَهُ. وَفِي الْفَتَاوَى: الْقَاضِي إذَا أَخَذَ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى رَسُولِهِ بَرِيءَ، وَإِنْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي لَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ أَضَافَ بِأَنْ قَالَ أَكْفُلُ لِلْمُدَّعِي فَالْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ، أَمَّا إنْ عَيَّنَ مَجْلِسَ الْقَاضِي أَوْ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهُ فِي السُّوقِ بَرِيءَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفَالَةِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَهُوَ قُدْرَةُ الْمُخَاصَمَةِ. وَحِينَ اخْتَلَفَ الزَّمَانُ رَأَى الْمَشَايِخُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إيصَالِهِ إلَى حَضْرَةِ الْقَاضِي بِمُعَاوَنَةِ النَّاسِ وَعُبَّارُ الطَّرِيقِ الْآنَ لَا يَقْدِرُونَ أَوْ لَا يَفْعَلُونَ إنْ قَدَرُوا فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَصًّا وَقَالَ: لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُعِينُونَهُ لِلْإِحْضَارِ. قِيلَ وَيَجِبُ أَنْ يُفْتِيَ بِهَذَا. وَلَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ الْأَمِيرُ فَسَلَّمَهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَدَفَعَهُ عِنْدَ الثَّانِي جَازَ، ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ (وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ سَوَادٍ لَا يَبْرَأُ) اتِّفَاقًا

وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهِ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مِنْ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ، وَلِأَنَّهُ سَقَطَ الْحُضُورُ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَسْقُطُ الْإِحْضَارُ عَنْ الْكَفِيلِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ وَمَالُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ. وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِوَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ فِيهِ) وَفِي الْمُنْتَقَى: رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ مَحْبُوسٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ الْكَفِيلُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ ثُمَّ يُعِيدَهُ إلَى السِّجْنِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَفِي الْعُيُونِ: لَوْ ضَمِنَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَحُبِسَ الْمَطْلُوبُ فِي السِّجْنِ فَأَتَى بِهِ الَّذِي ضَمِنَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَدَفَعَهُ إلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ فِي السِّجْنِ؛ وَلَوْ ضَمِنَهُ وَهُوَ فِي السِّجْنِ يَبْرَأُ، وَلَوْ خُلِّيَ عَنْ الْحَبْسِ ثُمَّ حُبِسَ ثَانِيًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ، إنْ كَانَ الْحَبْسُ الثَّانِي مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا صَحَّ الدَّفْعُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ السُّلْطَانِ لَا يَبْرَأُ. وَلَوْ حَبَسَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ ثُمَّ أَخَذَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ فَقَالَ: ادْفَعْهُ إلَيَّ فَدَفَعَهُ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ قَالَ مُحَمَّدٌ: بَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ. وَمَفْهُومُ هَذَا الْقَيْدِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ. وَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ فِي السِّجْنِ دَفَعْت نَفْسِي إلَيْك عَنْ كَفَالَتِهِ كَانَ جَائِزًا أَيْضًا وَبَرِئَ الْكَفِيلُ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ: رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْكَفِيلُ لَا يُحْبَسُ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مِنْ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ وَلِأَنَّهُ سَقَطَ الْحُضُورُ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَسْقُطُ الْإِحْضَارُ عَنْ الْكَفِيلِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْكَفِيلُ) يَعْنِي يَبْرَأُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ وَمَالُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ) الَّذِي هُوَ إحْضَارُ النَّفْسِ (بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ) إذَا مَاتَ فَإِنَّهُ يُطَالِبُ بِأَدَاءِ مَا كَفَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَصْلُحُ لِلْوَفَاءِ بِذَلِكَ فَيُطَالِبُ بِهِ الْوَصِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْوَارِثُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَتَرْجِعُ وَرَثَةُ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ: أَعْنِي الْمَكْفُولَ عَنْهُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْحَيَاةِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَمَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ حَالًّا وَلَا تَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ بَاقٍ فِي حَقِّ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ. وَعَنْ زُفَرَ لَا يَحُلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ عَلَى الْكَفِيلِ أَيْضًا. أَمَّا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَلَا تَسْقُطُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ كَمَا لَا تَسْقُطُ بِالْمَالِ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مَوْجُودٌ عَلَى

الْمَيِّتِ. قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ آخَرَ وَلَمْ يَقُلْ إذَا دَفَعْت إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ بَرِيءٌ) لِأَنَّهُ مُوجِبُ التَّصَرُّفِ فَيَثْبُتُ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الطَّالِبِ التَّسْلِيمَ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْخُصُومَةِ فَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقُدْرَتِهِ، وَالْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَيُطَالِبُهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ آخَرَ وَلَمْ يَقُلْ إذَا دَفَعْته إلَيْك أَنَا بَرِيءٌ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ بَرِيءٌ لِأَنَّهُ) أَيْ دَفْعَ الْمَطْلُوبِ هُوَ (مُوجِبُ التَّصَرُّفِ) يَعْنِي الْكَفَالَةَ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِهِ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ كَالْمِلْكِ مُوجِبُ الْبَيْعِ فَيَثْبُتُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مُوجِبَ الْكَفَالَةِ وُجُوبُ الدَّفْعِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ وَجَوَازُهُ عِنْدَ عَدَمِهَا وَالْبَرَاءَةُ مُوجِبُ الدَّفْعِ فَكَانَتْ حُكْمَ مُتَعَلِّقٍ مُوجِبِ الْكَفَالَةِ، فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَتْ وَقَدْ وُجِدَ، إذْ قَدْ فَرَضَ الدَّفْعَ فَتَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اشْتِرَاطِهَا. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ) يَعْنِي إذَا سَلَّمَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ لِلدَّائِنِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَبْضِ بَرِيءَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ كَالْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْمَالِكِ يَبْرَأُ مَعَ أَنَّهُ جَانٍ فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَالْبَائِعُ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ تَسْلِيمُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مَا أُرِيدَتْ إلَّا لِلتَّوَثُّقِ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فَمَا لَمْ يَسْتَوْفِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِبَيَانِ أَنَّ عَقْدَ الْكَفَالَةِ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ مَرَّةً لَا بِقَيْدِ التَّكْرَارِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ) أَيْ مِنْ كَفَالَةِ الْكَفِيلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: سَلَّمْت نَفْسِي أَوْ دَفَعْت نَفْسِي إلَيْك مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ (صَحَّ) عَنْ كَفَالَتِهِ فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِذَلِكَ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَكْفُولَ (مُطَالَبٌ بِالْخُصُومَةِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُطَالَبٌ بِالْحُضُورِ: يَعْنِي إذَا طَالَبَ الْكَفِيلَ فَكَانَ

وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَكِيلُ الْكَفِيلِ أَوْ رَسُولُهُ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ. قَالَ (فَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَلَمْ يُحْضِرْهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْمَالِ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحٌ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ (وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ لَا يُنَافِي الْكَفَالَةَ بِنَفْسِهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ بِالْخَطَرِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُسْقِطًا ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ إذَا طَالَبَهُ بِمُعَجَّلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَالْمُحِيلِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ يَصِحُّ قَبِلَ الطَّالِبُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ (وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ رَسُولُ الْكَفِيلِ أَوْ وَكِيلُهُ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ) يَعْنِي إذَا قَالَ: سَلَّمْت إلَيْك نَفْسَهُ عَنْ الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بَلْ سَلَّمَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ سَلَّمَهُ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَقُلْ مَا ذَكَرْنَا لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ، وَلَوْ سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ لَا بِأَمْرِ الْكَفِيلِ عَنْ الْكَفِيلِ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ الطَّالِبُ فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَكَتَ الطَّالِبُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا يَبْرَأُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَلَمْ يُحْضِرْهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ ضَامِنٌ) لِلْأَلْفِ (لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ) فِي هَذَا (مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ، وَهَذَا تَعْلِيقٌ صَحِيحٌ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ) الْمُعَلَّقَةِ (لَا يُنَافِي الْكَفَالَةَ بِنَفْسِهِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ) وَلَعَلَّهُ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ آخَرَ فَهَذَانِ مَطْلَبَانِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَخَالَفَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ (تَعْلِيقُ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ بِالْخَطَرِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ) فَكَمَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ كَأَنْ يَقُولَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ بِعْتُك

وَلَنَا أَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ وَيُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامٌ. فَقُلْنَا: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ. وَيَصِحُّ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ مُتَعَارَفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا بِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْآخَرُ لَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ عِنْدَ الدُّخُولِ كَذَلِكَ. هَذَا (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ عَقْدَ الْكَفَالَةِ (يُشْبِهُ الْبَيْعَ) فِي الِانْتِهَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَفِيلَ بِالْأَمْرِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى فَصَارَ كَالْمُعَاوَضَةِ (وَيُشْبِهُ النَّذْرَ) ابْتِدَاءً (مِنْ حَيْثُ إنَّهُ) تَبَرَّعَ فِي الِابْتِدَاءِ بِ (الْتِزَامِ) الْمَالِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الشَّبَهِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي فَقَطْ يَجُوزُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ النَّذْرَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ مُطْلَقًا فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ (فَقُلْنَا إنْ كَانَ) التَّعْلِيقُ (بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ) بَيْنَ النَّاسِ أَيْ تَعَارَفُوا تَعْلِيقَهَا بِهِ (صَحَّ عَمَلًا بِشَبَهِ النَّذْرِ) وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مُتَعَارَفٍ كَدُخُولِ الدَّارِ (وَهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ عَمَلًا بِشَبَهِ الْبَيْعِ وَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ مُتَعَارَفٌ) ثُمَّ ذَكَرَ خُصُوصَ الْكَمِّيَّةِ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الْأَلْفُ اتِّفَاقِيٌّ فِي التَّصْوِيرِ، فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى مَعْلُومِيَّةِ الْقَدْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ بَلْ لَا تَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ لَوْ قَالَ: كَفَلْت لَك بِمَالِك عَلَيْهِ صَحَّ، وَمَهْمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَتَيْنِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ عَنْهُ بَلْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ فَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ لِلتَّعْلِيقِ. وَأَمَّا ثُبُوتُ صِحَّتِهِمَا فَلِلْمُقْتَضِي وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَوَّلًا ثُمَّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ ثَانِيًا مُعَلَّقَةٌ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَصَحَّتْ كَفَالَتَانِ مُتَعَدِّدَتَا الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ تِلْكَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ وَمُوجِبَ الْأُخْرَى تَسْلِيمُ الْمَالِ وَلَيْسَ إسْقَاطُ أَحَدِهِمَا مُسْقِطًا لِلْآخَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَدَّعِي بِهِ غَيْرَ الْمَالِ الَّذِي كَفَلَ بِهِ مُعَلَّقًا، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُوجِبُ أَنَّ الْتِزَامَ الْكَفَالَتَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ إلَّا لَوْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ كَفَلْت بِنَفْسِهِ، عَلَى أَنِّي إنْ لَمْ أُوَافِ بِهِ إلَى كَذَا كُنْت كَفِيلًا بِمَا عَلَيْهِ بَدَلَ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَذَلِكَ بَلْ اللَّفْظُ عَلَى ثُبُوتِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ مُنَجَّزًا بِقَوْلِهِ كَفَلْت بِنَفْسِهِ وَعَلَى تَعْلِيقِ كَفَالَةٍ أُخْرَى بِالْمَالِ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِهِ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَثَبَتَ الْكَفَالَتَانِ. وَلَا يَخْفَى حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمُعَلَّقَةُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ ضَمِنَ الْمَالَ) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوَافِ بِهِ إلَى كَذَا فَهُوَ كَفِيلٌ بِكُلِّ مَالٍ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ فَدَفَعَهُ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قَبْلَهُ حَقٌّ أَنْ تَبْطُلَ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ تَوَارَى الْمَكْفُولُ لَهُ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَجِدْهُ الْكَفِيلُ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَخَافَ لُزُومَ الْمَالِ عَلَيْهِ يَرْفَعُ أَمْرَهُ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ وَكِيلًا فَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَتَوَارَى حَتَّى كَادَتْ تَمْضِي يَرْفَعُ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَلَوْ فَعَلَهُ الْقَاضِي فَهُوَ حَسَنٌ، ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِيهَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَالْمَالُ الَّذِي لِلطَّالِبِ عَلَى فُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ وَهُوَ كَذَا عَلَى الْكَفِيلِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ. وَهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ وَاحِدًا فِي الْكَفَالَتَيْنِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ مُخْتَلَفًا فِيهِمَا فَتَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ وَاحِدًا وَالْمَطْلُوبُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى غَدٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فِي الْمَجْلِسِ مَثَلًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَاشْتَرَطَ الْكَفِيلُ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ تُوَافِ غَدًا لِتَقْبِضَهُ مِنِّي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ فَالْتَقَيَا بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ الْكَفِيلُ قَدْ وَافَيْت وَقَالَ الطَّالِبُ قَدْ وَافَيْت وَلَمْ تُوَافِ أَنْتَ لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلَوْ أَقَامَ الْمَطْلُوبُ بَيِّنَةً عَلَى الْمُوَافَاةِ بَرِيءَ مِنْ الْكَفَالَتَيْنِ، وَكُلَّمَا كَفَلَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْمَالُ فَادَّعَى الْكَفِيلُ أَنَّهُ وَافَى بِهِ لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ: فَإِنْ غَابَ فَلَمْ أُوَافِك بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَهَذَا عَلَى أَنْ يُوَافِيَهُ بَعْدَ الْغَيْبَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَقَالَ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ) يَعْنِي بَعْدَ الْغَدِ (ضَمِنَ الْمَالَ) لِلْمَكْفُولِ لَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَكْفُولِ بِهِ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْمَالُ إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ بَقَاءُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَهِيَ قَدْ زَالَتْ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ قَبْلَ الْوَقْتِ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ وُضِعَ لِفَسْخِ الْكَفَالَةِ فَتُفْسَخُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الِانْفِسَاخِ بِالْمَوْتِ إنَّمَا هُوَ ضَرُورَةُ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ الْمُفِيدِ فَيُقْتَصَرُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعَدِّيهَا إلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ. وَأَمَّا جَوَابُ الْمَحْبُوبِيِّ وَالْمَبْسُوطِ بِأَنَّ تَصْحِيحَهَا بِطَرِيقِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِالْمَالِ لِلْحَالِ ثُمَّ عَلَّقَ إبْرَاءَهُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ.

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ بَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلٌ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ مَالًا مُطْلَقًا بِخَطَرٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى مَا عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَخُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ احْتِيَاطًا لِإِيجَابِ الْمَالِ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَفْظَ الْغَدِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَقَاضِي خَانْ؛ فَيَثْبُتُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ وَالْقُدُورِيِّ بِأَنَّ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ وَتِلْكَ مُقَيَّدَةٌ بِالْوَقْتِ فَلِذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. وَالْوَجْهُ أَنَّ هَذِهِ تُفِيدُ فَائِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ عَدَمَ الْمُوَافَاةِ إذَا كَانَ لِعَجْزِ الْمَوْتِ لَا أَثَرَ لَهُ وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ الضَّمَانُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعَجْزَ الْمُوجِبَ لِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ يَكُونُ عَنْ تَقْصِيرٍ مِنْ الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ مَوْتِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِأَنَّهُ غُلِبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ لَا حِيلَةَ لَهُ فِي دَفْعِهِ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ فِيهِ، وَإِلَّا فَكَوْنُ تِلْكَ مُقَيَّدَةً وَهَذِهِ مُطْلَقَةً لَا يُفِيدُ عَدَمَ مَعْرِفَةِ حُكْمِ هَذِهِ، إذْ قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمَدَارَ وُجُودُ الشَّرْطِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ فِيهِ، هَذَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ هَلْ يَجِبُ الْمَالُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ إذَا مَضَى الْوَقْتُ؟ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: فِي الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ وَافَى وَرَثَةُ الْكَفِيلِ بِالْمَكْفُولِ بِهِ الطَّالِبَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الْمَالُ، وَإِنْ أَبَى الْقَبُولَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ الْمَالُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: فِي رَجُلٍ لَزِمَ رَجُلًا وَادَّعَى عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ فَبَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا أَوْ لَزِمَهُ وَلَمْ يَدَّعِ مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:

وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ بَيَّنَهَا وَلِأَنَّهُ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَلَا يَجِبُ إحْضَارُ النَّفْسِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَا تَصِحُّ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِالْإِجْمَالِ فِي الدَّعَاوَى فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْبَيَانِ، فَإِذَا بَيَّنَ الْتَحَقَ الْبَيَانُ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَتَبَيَّنَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَعْهُ وَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إلَى غَدٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ فَرَضِيَ بِذَلِكَ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا، قَالَ عَلَيْهِ الْمِائَةُ الدِّينَارِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ ادَّعَى وَلَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى كَفَلَ لَهُ بِالْمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ، وَأَرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ مَا إذَا بَيَّنَهَا: أَيْ ذَكَرَ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَذَا قِيلَ: وَالْأَفْيَدُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ مَا إذَا ادَّعَى الْمِائَةَ عَيَّنَهَا أَوْ لَا، وَمَا إذَا لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا حَتَّى كَفَلَ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْمِقْدَارَ الَّذِي سَمَّاهُ الْكَفِيلُ. لِمُحَمَّدٍ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْتِزَامَ مَالٍ مُطْلَقٍ بِخَطَرٍ هُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ إذَا لَمْ يَنْسُبْ الْمِائَةَ إلَى مَا عَلَيْهِ وَهُوَ رِشْوَةٌ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الْمَطْلُوبَ فِي الْحَالِ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ هَذَا الْمَالِ أَوْ كَلَامُهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَمَا يَحْتَمِلُ مَا يَدِّعِيهِ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالشَّكِّ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَوَّلَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ. الثَّانِي: أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ صِحَّتَهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى (وَلَمْ تَصِحَّ) مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ (مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَلَمْ يَجِبْ إحْضَارُ النَّفْسِ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَمْ تَصِحَّ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ) وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ الثَّانِيَةُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَوَّلَ الْكَرْخِيُّ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْكَفَالَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِالْإِجْمَالِ فِي الدَّعَاوَى) قَبْلَ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي احْتِرَازًا عَنْ حِيَلِ الْخُصُومِ ثُمَّ يَقَعُ الْبَيَانُ فِيهِ (فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْبَيَانِ، فَإِذَا بُيِّنَ الْتَحَقَ الْبَيَانُ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَيَتَبَيَّنُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا) صِحَّةُ (الثَّانِيَةِ) وَنَحْنُ قَدْ أَسْمَعْنَاك عِبَارَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَالُ مُنْكَرٌ فِيهِ حَيْثُ قَالَ فَعَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى وَيُقَالُ: إنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الدَّعْوَى بِأَلْفٍ ظَهَرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَلْفَ الَّتِي سَيَدَّعِيهَا حُكَّامُنَا بِأَنَّ الْكَفِيلَ كَانَ يَدْرِي خُصُوصَ دَعْوَاهُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ حِينَ تَقَعُ عَلَى اعْتِبَارِ بَيَانِ الدَّعْوَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّا لَا نَحْكُمُ حَالَ صُدُورِهَا بِالْفَسَادِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى ظُهُورِ الدَّعْوَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ ظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ بِالْأَلْفِ الْمُدَّعَى بِهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: إذَا كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ الَّتِي عَلَيْهِ فَمَضَى غَدٌ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ وَفُلَانٌ يَقُولُ: لَا شَيْءَ عَلَيَّ وَالطَّالِبُ يَدَّعِي أَلْفًا

قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مَعْنَاهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ، وَقَالَا: يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَفِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيَلِيقُ بِهِمَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَفِيلُ يُنْكِرُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصِيلِ فَعَلَى الْكَفِيلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَحْدَهُ. وَيُسْتَفَادُ بِهَا أَنَّ الْأَلْفَ تَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمَكْفُولِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ يُنْكِرُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَسَنَذْكُرُ مَا يَظْهَرُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ لَا يُجْبَرُ) عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ (عِنْدَهُ، وَقَالَا: يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ) وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى (وَفِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْغَالِبُ فِيهِ ذَلِكَ، وَفِيهِ حَقُّ اللَّهِ لِإِخْلَاءِ الْأَرْضِ عَنْ الْفَسَادِ، وَمَعْنَى الْجَبْرِ لَيْسَ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُعْطِيَ بَلْ يُلَازِمُهُ لَا يَدَعُهُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ إلَّا وَهُوَ مَعَهُ أَوْ يَجْلِسُ مَعَهُ خَارِجَ الْبَيْتِ أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا (بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ) كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ قَبْلَهَا لِأَنَّ قَبْلَهَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِسَبَبِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِي الزِّنَا وَالشُّرْبِ فَلَمْ تَقَعْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ وَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ يُحْبَسُ وَبِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِيثَاقُ فَلَا مَعْنَى لِلْكَفَالَةِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَإِنَّ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْقَذْفِ وَالْقَتْلِ حَتَّى يُجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْحُضُورِ وَيَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِإِحْضَارِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْبَسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِثْيَاقِ فِيهِ أَكْثَرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَبْسَ فِي هَذَا لَيْسَ لِلِاحْتِيَاطِ لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ بَلْ لِتُهْمَةِ الْإِعَارَةِ وَالْفَسَادِ تَعْزِيرًا، وَإِذَا لَمْ يَكْفُلْ بِهِ مَاذَا يَصْنَعُ؟ قَالَ: يُلَازِمُهُ إلَى وَقْتِ قِيَامِ الْقَاضِي عَنْ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ فِيهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الَّذِي يَجْمَعُ الْخَمْرَ وَيَشْرَبُهُ وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَالَ: أَحْبِسُهُ وَأُؤَدِّبُهُ ثُمَّ أُخْرِجُهُ، وَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ فَإِنِّي أَحْبِسُهُ وَأُخَلِّدُهُ فِي السِّجْنِ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكُلِّ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ (وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهَا وَاجِبٌ فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ. قَالَ (وَلَا يُحْبَسُ فِيهَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنْ يَتُوبَ، لِأَنَّ شَرَّ هَذَا عَلَى النَّاسِ وَشَرَّ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ بَقِيَّةِ الْمَجْهُولِينَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ. فِي الْكَامِلِ عَنْ عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ وَأَعَلَّهُ بِهِ. قَالَ: مَجْهُولٌ لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ بَقِيَّةٍ، كَمَا يُرْوَى عَنْ سَائِرِ الْمَجْهُولِينَ (وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكُلِّ) يَعْنِي الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَاَلَّتِي فِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ (عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ) حَيْثُ يُجْبَرُ الْمَطْلُوبُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِيهِ بِنَفْسِهِ. هَذَا (وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ) أَيْ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ (بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِلَا جَبْرٍ) يَعْنِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ (جَازَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ) وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ (لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهِمَا وَاجِبٌ فَيُطَالِبُ بِهِ الْكَفِيلُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ) وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ إذَا سَمَحَ بِهَا فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ وَاجِبٌ فِيهَا، لَكِنْ نَصَّ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ وَالشَّاهِيَة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ الَّتِي فِيهَا لِلْعِبَادِ حَقٌّ كَحَدِّ الْقَذْفِ لَا غَيْرُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، وَلِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِوُجُوبِ الدَّرْءِ (وَلَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي) أَنَّهُ عَدَلَ لِنَفْيِ الْمَجْهُولِ

لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ هَاهُنَا، وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ: إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْحَبْسَ هُنَا لِلتُّهْمَةِ) لَا لِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ (وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ، إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ) فَإِذَا وَقَعَتْ التُّهْمَةُ حُبِسَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ وَالْكَلَامَ فِيهِ فِي الْحُدُودِ (بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَالُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِيفَاءِ يُحْبَسُ فَكَانَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهَا. أَمَّا الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ فَأَقْصَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا الْقَتْلُ، وَالْحَبْسُ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَجَازَ أَنْ يُعَاقَبَ بِالْحَبْسِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. وَفِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ: التُّهَمَةُ بِالتَّحْرِيكِ، وَأَصْلُ التَّاءِ فِيهِ وَاوٌ مِنْ وَهَمْت الشَّيْءَ أَهِمُهُ وَهْمًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: أَيْ وَقَعَ فِي خُلْدِي، وَالْوَهْمُ مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْخَاطِرِ، وَاتَّهَمْت فُلَانًا بِكَذَا وَالِاسْمُ التُّهْمَةُ بِالتَّحْرِيكِ أَصْلُهُ اوْتَهَمْتُ كَمَا فِي اتَّكَلْت أَصْلُهُ اوْتَكَلْتُ بِمَعْنَى اعْتَمَدْت قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أُبْدِلَتْ مِنْهَا وَأُدْغِمَتْ فِي تَاءِ الِافْتِعَالِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَذَكَرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفَالَةِ) إذْ هُمَا يَقُولَانِ بِجَوَازِ الْكَفَالَةِ فَيَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ فَكَانَ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يُحْبَسُ وَلَا يَكْفُلُ، وَفِي أُخْرَى يَكْفُلُ وَلَا يُحْبَسُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِأَحَدِهِمَا. وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُولَى يُحْبَسُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَفِيلٍ، وَبِالثَّانِيَةِ يَكْفُلُ بِلَا حَبْسٍ إنْ قَدَرَ عَلَى الْكَفِيلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُدُودِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ.

قَالَ (وَالرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَانِ فِي الْخَرَاجِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُطَالَبٌ بِهِ مُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءِ فَيُمْكِنُ تَرْتِيبُ مُوجِبِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فِيهِمَا. قَالَ (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا آخَرَ فَهُمَا كَفِيلَانِ) لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْتِزَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَانِ فِي الْخَرَاجِ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمٌّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ وَالْخَرَاجُ دَيْنٌ مُطَالَبٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى يُحْبَسَ بِهِ وَيُلَازَمَ وَيُمْنَعَ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالرَّهْنُ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَالْخَرَاجُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ (فَأَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِ الْعَقْدِ) أَيْ كُلٌّ مِنْ عَقْدِ الْكَفَالَةِ وَهُوَ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ وَعَقْدِ الرَّهْنِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ لِلْخَرَاجِ مِنْ الرَّهْنِ فَصَحَّ كُلٌّ مِنْ عَقْدِ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ بِهِ. وَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ مُطَالَبٌ بِهِ مُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءِ لَفٌّ وَنَشْرٌ، فَالْمُطَالَبَةُ تَرْجِعُ إلَى الْكَفَالَةِ وَالِاسْتِيفَاءُ يَرْجِعُ إلَى الرَّهْنِ. وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى خُصُوصِ هَذَا الدَّيْنِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي حُكْمِ الصِّلَاتِ وَوُجُوبَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَلْزُومًا لِلَوَازِمِ الدَّيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا صَحَّ الْعَقْدَانِ الْمَذْكُورَانِ. بِخِلَافِ دَيْنِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُطَالِبٌ، مِنْ الْعِبَادِ وَهُوَ الْإِمَامُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَالِكُ فِي الْبَاطِنَةِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الدَّيْنِ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ إيجَابُ تَمْلِيكِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الْغِنَى، وَلِذَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ جَبْرًا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَنَا، وَلَمْ يَخْلُصْ كَوْنُهُ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ الْعِبَادِ عَنْ شُبْهَةِ عَدَمِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَالِكَ لِلْعَيْنِ يَتَحَقَّقُ مُطَالَبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَقِيقَةً، بَلْ حَقِيقَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَالِكِ مُطَالَبًا لِلْمَالِكِ، فَالْمَالِكُ مُطَالَبٌ بِفَتْحِ اللَّامِ لَيْسَ غَيْرُ، وَمُطَالَبَةُ الْإِمَامِ لَيْسَ لِإِيصَالِ الْمُسْتَحَقِّينَ إلَى أَمْلَاكِهِمْ بَلْ إلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ لَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنَّهَا مَمْلُوكَاتٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا آخَرَ) بِنَفْسِهِ جَازَ (وَهُمَا كَفِيلَانِ) بِالنَّفْسِ (لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْتِزَامُ

الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْمَقْصُودُ التَّوَثُّقُ، وَبِالثَّانِيَةِ يَزْدَادُ التَّوَثُّقُ فَلَا يَتَنَافَيَانِ (وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَجَائِزَةٌ مَعْلُومًا كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ أَوْ مَجْهُولًا إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِأَلْفٍ أَوْ بِمَا لَك عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ) لِأَنَّ مَبْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فَيَتَحَمَّلُ فِيهَا الْجَهَالَةَ، وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ إجْمَاعٌ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُطَالَبَةِ) وَجَازَ تَعَدُّدُ الْمُلْتَزِمِينَ بِهَا لِزِيَادَةِ التَّوَثُّقِ. ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا نَفْسَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا يَبْرَأُ الْآخَرُ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ إنْ كَفَلُوا مَعًا طُولِبَ كُلٌّ بِمَا يَخُصُّهُ أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ جَازَتْ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِالْكُلِّ. مَثَلًا: كُفِلَ ثَلَاثَةٌ مَعًا بِأَلْفٍ لَا يُطَالَبُ أَحَدُهُمْ إلَّا بِثُلُثِهَا، وَلَوْ كُفِلُوا بِهَا عَلَى التَّعَاقُبِ طُولِبَ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْأَلْفِ، وَأَيُّهُمْ قَضَى سَقَطَتْ عَنْ الْبَاقِينَ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ) هُوَ عَدِيلُ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ: الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ: كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْمُعَادَلَةَ الصَّرِيحَةَ لَوْ قَالَ: أَمَّا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَهُوَ إنَّمَا قَالَ فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إلَخْ، وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ عِنْدَنَا جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمَكْفُولُ بِهِ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ هُوَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَاللَّيْثُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَالٍ مَجْهُولٍ فَلَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِوُقُوعِ الْمُمَاكَسَاتِ فِي مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْكَفَالَةُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ كَالنَّذْرِ لَا يُقْصَدُ بِهِ سِوَى ثَوَابِ اللَّهِ أَوْ رَفْعِ الضِّيقِ عَنْ الْحَبِيبِ فَلَا يُبَالَى بِمَا الْتَزَمَ فِي ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إقْدَامُهُ بِلَا تَعْيِينِهِ لِلْمِقْدَارِ حِينَ قَالَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَعَلَيَّ، فَكَانَ مَبْنَاهَا التَّوَسُّعَ فَتُحُمِّلَتْ فِيهَا الْجَهَالَةُ. وَمِنْ آثَارِ التَّوَسُّعِ فِيهَا جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَمَا نُوقِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ لَك بِبَعْضِ مَالِك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَمْنُوعٌ بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَالْخِيَارُ لِلضَّامِنِ وَيَلْزَمُ أَنْ يُبَيِّنَ أَيَّ مِقْدَارٍ شَاءَ (وَعَلَى ضَمَانِ الدَّرَكِ إجْمَاعٌ) وَضَمَانُ الدَّرَكِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي: أَنَا ضَامِنٌ لِلثَّمَنِ إنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ أَحَدٌ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ أَوْ كُلِّهِ، وَقَدْ نَقَلَ

وَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ لِشَجَّةٍ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَإِنْ اُحْتُمِلَتْ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا وَمُرَادُهُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَسَيَأْتِيك فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَالْمَكْفُولُ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ كَفِيلَهُ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِيَامَ الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ عَنْهُ، إلَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْبَرَاءَةَ فَحِينَئِذٍ تَنْعَقِدُ حَوَالَةً اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى، كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ تَكُونُ كَفَالَةً (وَلَوْ طَالَبَ أَحَدَهُمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا) لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ الضَّمُّ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى جَوَازِ ضَمَانِ الدَّرَكِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بِإِنْكَارٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى أَنَّ حِمْلَ الْبَعِيرِ كَانَ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا كَمَا يُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْحِمْلَ الصَّادِرَ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ (وَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ بِشَجَّةٍ) أَيْ خَطَأٍ، فَإِنَّ الْعَمْدَ عَلَى تَقْدِيرِ السِّرَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا كَانَتْ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَلَا كَفَالَةَ بِالْقِصَاصِ، وَإِذَا كَانَتْ خَطَأً فَفِي الْكَفَالَةِ بِهَا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ فَإِنَّهَا إنْ سَرَتْ إلَى النَّفْسِ وَجَبَ دِيَةُ النَّفْسِ وَإِلَّا فَأَرْشُ الشَّجَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدَّيْنِ الصَّحِيحِ مَا لَا يَكُونُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ هَذَا الدَّيْنِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَلِأَنَّهُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ، وَكَذَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ دَيْنِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ حَتَّى يَمْنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الدَّيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرْنَا. وَالدَّرَكُ التَّبِعَةُ وَفِيهِ فَتْحُ الرَّاءِ وَسُكُونُهَا. (ثُمَّ الْمَكْفُولُ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَتْ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ (وَلَهُ مُطَالَبَتُهُمَا) جَمِيعًا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَذَلِكَ يُسَوِّغُ مُطَالَبَتَهُمَا أَوْ مُطَالَبَةَ أَيِّهِمَا شَاءَ، إلَّا إذَا شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَحِينَئِذٍ لَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حِينَئِذٍ حَوَالَةٌ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْكَفَالَةِ تُجُوِّزَ بِهَا فِيهَا فَتَجْرِي حِينَئِذٍ أَحْكَامُ الْحَوَالَةِ، كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْأَصِيلُ تَنْعَقِدُ كَفَالَةً اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى فِيهِمَا (بِخِلَافِ الْمَالِكِ) الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ

أَحَدِ الْغَاصِبَيْنِ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَحَدَهُمَا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الثَّانِي، أَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ لَا تَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ فَوَضَحَ الْفَرْقُ قَالَ (وَيَجُوزُ) (تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ أَوْ مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى صِحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِ الْغَاصِبَيْنِ) يَعْنِي الْغَاصِبَ وَغَاصِبَ الْغَاصِبِ إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْآخَرَ (لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ) تَضْمِينَ (أَحَدِهِمَا) أَيْ إنْ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ (يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ) فَيَبْرَأُ الْآخَرُ بِالضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ مَا لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ وَمَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ، أَيْ مَا وَجَبَ وَثَبَتَ فَعَلَيَّ مِنْ ذَوْبِ الشَّحْمِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ بَايَعْته فَعَلَيَّ دَرَكُ ذَلِكَ الْبَيْعِ. وَإِنْ ذَابَ لَك عَلَيْهِ شَيْءٌ فَعَلَيَّ، وَكَذَا مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ، وَإِذَا صَحَّتْ فَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِالْمُبَايَعَةِ الْأُولَى، فَلَوْ بَايَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْمُبَايَعَةِ الثَّانِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا. وَفِي نَوَادِر أَبِي يُوسُفَ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ: يَلْزَمُهُ كُلُّهُ، وَلَوْ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَنْ هَذَا الضَّمَانِ وَنَهَاهُ عَنْ الْمُبَايَعَةِ صَحَّ، حَتَّى لَوْ بَايَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فُلَانًا لِيَصِيرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعْلُومًا فَإِنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ فِي الْإِضَافَةِ. وَلَوْ قَالَ مَا بَايَعْت مِنْ النَّاسِ فَعَلَيَّ ضَمَانُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِهِ، بِخِلَافِ انْفِرَادِ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ قَلِيلَةٌ تُتَحَمَّلُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ مُطْلَقًا وَجَهَالَةَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُهَا مُطْلَقًا وَجَهَالَةَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي التَّعْلِيقُ وَالْإِضَافَةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، وَفِي التَّنْجِيزِ لَا تَمْنَعُ. مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَا ذَابَ لَك عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ مَا بَايَعْت أَحَدًا فَهُوَ عَلَيَّ لَا تَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الْإِضَافَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا ذَابَ لِأَحَدٍ عَلَيْك فَهُوَ عَلَيَّ لَا تَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ. وَلَوْ قَالَ مَا غَصَبَك فُلَانٌ أَوْ سَرَقَك فَعَلَيَّ جَازَ لِانْتِفَائِهِمَا، وَمِنْ الْمُثُلِ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا يَجِبُ لَك عَلَى وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فَعَلَيَّ، وَفِيهِ لَا تَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. وَمَنْ بَايَعَ فُلَانًا الْيَوْمَ مِنْ بَيْعٍ فَعَلَيَّ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْوَاحِدَ مِنْ النَّاسِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ مَا بَايَعْتُمُوهُ فَعَلَيَّ يَصِحُّ فَأَيُّهُمْ بَايَعَهُ لَزِمَ الْكَفِيلَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لِمُعَيَّنِينَ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ كَوْنُ أَهْلِ الدَّارِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لَيْسُوا مُعَيَّنِينَ مَعْلُومِينَ عِنْدَ الْمُتَخَاطَبِينَ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ. وَمِنْهُ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ كَفَلْت لِهَذَا بِمَا لَهُ

ضَمَانِ الدَّرَكِ، ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ لَهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ، أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى فُلَانٍ وَهُوَ أَلْفٌ أَوْ لِهَذَا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ. وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ كَفَلْت بِمَا لَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ مَا لَك عَلَى فُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ جَازَ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي غَيْرِ تَعْلِيقٍ وَيَكُونُ الْخِيَارُ لِلْكَفِيلِ فَيَحْتَاجُ إلَى فَرْقَيْنِ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَكْفُولِ لَهُ. وَعَنْهُ فِي التَّنْجِيزِ حَيْثُ يَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ دُونَ الْمَكْفُولِ لَهُ. وَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي التَّنْجِيزِ وَالْإِضَافَةِ حَيْثُ يَصِحُّ فِي التَّنْجِيزِ دُونَ الْإِضَافَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْكَفَالَةَ فِي حَقِّ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالْمَكْفُولُ لَهُ كَالْبَائِعِ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِنْ الْكَفِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَا يَصِحُّ بِدُونِ قَبُولِ الْمُشْتَرِي وَقَبُولُهُ يَسْتَلْزِمُ تَعْيِينَهُ فَكَانَتْ جَهَالَةُ الطَّالِبِ مَانِعَةً جَوَازَهَا كَجَهَالَةِ الْمُشْتَرِي مَانِعَةٌ لِلْبَيْعِ، وَالْكَفَالَةُ فِي حَقِّ الْمَطْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَيْثُ صَحَّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ وَأَمْرِهِ فَلَا تَمْنَعُ جَهَالَتُهُ جَوَازَهَا كَمَا لَا تَمْنَعُ جَهَالَةُ الْمُعْتَقِ جَوَازَ الْعِتْقِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي الْإِرْسَالِ وَالتَّعْلِيقِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ إضَافَةِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي حَقِّ الطَّالِبِ. وَإِنَّمَا جُوِّزَ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ وَالتَّعَامُلُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعْلُومًا فَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا يَبْقَى عَلَى الْقِيَاسِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ الْمُبْطِلَ هُوَ الْإِضَافَةُ لَا جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. إذَا عُرِفَ هَذَا جِئْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، فَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَنُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ تَضْعِيفُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْعِمَالَةِ لَا الْكَفَالَةِ. وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ ضَامِنٌ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا حَالُ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْأُجْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ لَا الْكَفَالَةِ، وَضَمَانُ الْعِمَالَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ كَمَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ فَقَالَ مَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ كَذَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكَفَالَةِ بَلْ هُوَ الْعِمَالَةُ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ فِي الْآيَةِ مَجْهُولٌ وَلَا كَفَالَةَ مَعَ جَهَالَتِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ سَتَأْتِي. وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا: الِاسْتِدْلَال بِهِ صَحِيحٌ، فَإِنَّ الزَّعِيمَ حَقِيقَةُ الْكَفِيلِ، وَالْمُؤَذِّنُ إنَّمَا نَادَى الْعِيرَ عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَلِكُ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَلِكُ يَقُولُ لَكُمْ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَادَى بِأَمْرِهِ ثُمَّ كَفَلَ عَنْ الْمَلِكِ بِالْجُعْلِ الْمَذْكُورِ لَا عَنْ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّ فِيهِ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ، فَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَمْرَيْنِ: جَوَازُ الْكَفَالَةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَجَوَازُهَا مُضَافَةٌ. وَقَدْ عُلِمَ انْتِسَاخُ الْأَوَّلِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِهَا مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الْآخَرِ كَمَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ وَبُطْلَانِهَا مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَغَيْبَتِهِ لِحَدِيثِ «أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ الْمَيِّتِ الْمَدْيُونِ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ هُمَا عَلَيَّ، فَصَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ» فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِسَاخِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ جَوَازُهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَلَمْ يَقُمْ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ، وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ هَذَا كَفَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَعْنَى فِيهَا وَمِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ ضَمَانِ الدَّرَكِ. وَلَمَّا كَانَ إضَافَةُ الْكَفَالَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ شَبَهِهِ بِالْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُنَاسِبُ مَوْرِدَ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُلَائِمًا، وَمُلَاءَمَةُ الشَّرْطِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلُزُومِ الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ (بِأَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ) فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِالْجُعْلِ مُعَلَّقَةٌ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِصَاعِ الْمَلِكِ فَإِنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِ الْجُعْلِ. الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ) فَإِنَّ قُدُومَهُ سَبَبٌ مُوَصِّلٌ لِلِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ. الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ

أَوْ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا غَابَ عَنْ الْبَلْدَةِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَمَّا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَجَلًا، إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ إنْ غَابَ عَنْ الْبَلَدِ) أَوْ هَرَبَ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَدَّعِ شَيْئًا. وَمِنْ الصُّوَرِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ضَمِنْت مَالَك عَلَى فُلَانٍ إنْ تَوِيَ وَإِنْ حَلَّ مَالُك عَلَيْهِ وَلَمْ يُوَافِك بِهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ قَالَ لِلْمُودَعِ: إنْ أَتْلَفَ الْمُودِعُ وَدِيعَتَك، أَوْ جَحَدَك فَأَنَا ضَامِنٌ لَكَ صَحَّ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ قَتَلَك ابْنُك فُلَانٌ خَطَأً فَأَنَا ضَامِنٌ لِلدِّيَةِ صَحَّ، بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَيْسَ مُلَائِمًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَكْفُولٍ عَنْهُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ (وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَجَلًا) يَعْنِي مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ كَأَنْ يَقُولَ: كَفَلْت بِهِ أَوْ بِمَالِك عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَهُبَّ الرِّيحُ أَوْ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ، إلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَهَا بِهِمَا نَحْوُ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فَقَدْ كَفَلْت لَك بِمَالِك عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ أَصْلًا. وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ الْحَصَادَ أَوْ الدِّيَاسَ أَوْ الْمِهْرَجَانَ أَوْ الْعَطَاءَ أَوْ صَوْمَ النَّصَارَى جَازَتْ الْكَفَالَةُ وَالتَّأْجِيلُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ الْغَيْرَ الْمُلَائِمِ لَا تَصِحُّ مَعَهُ الْكَفَالَةُ أَصْلًا وَمَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ)

(فَإِنْ قَالَ تَكَفَّلْت بِمَا لَك عَلَيْهِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ الْكَفِيلُ) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً فَيَتَحَقَّقُ مَا عَلَيْهِ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ بِهِ (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي أَنَّ فِي التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ حَالَّةً، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ فَتَصْحِيحُهُ أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ تَعْلِيقِهَا عَلَى مَعْنَى تَأْجِيلِهَا بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ، وَقَلَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّعْلِيقَ وَأَرَادَ التَّأْجِيلَ. هَذَا وَظَاهِرُ شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ الْمَشْيُ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: الشَّرْطُ إذَا كَانَ مُلَائِمًا جَازَ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهِ، وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ: إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَأَنَا ضَامِنٌ إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَلَكِنْ تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَصْلُهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: كَفَلَ بِمَالٍ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الطَّالِبُ جُعْلًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْكَفَالَةِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِيهَا فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إنْ كَانَتْ فِي صُلْبِهَا. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ تَكَفَّلْت بِمَالَكَ عَلَيْهِ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ خُصُوصِ وَقْتِ الْوُجُوبِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَهَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَعُ بِهَا الْكَفَالَةُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ تَكَفَّلْت بِمَالَكَ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِمِقْدَارِ أَلْفٍ أَوْ غَيْرِهَا (لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً فَيَتَحَقَّقُ بِهَا مَا عَلَيْهِ) فَوَجَبَ عَلَيْهِ (وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ (فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى كَفِيلِهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ (وَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ فِي مِقْدَارِ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) مَعَ يَمِينِهِ (فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى كَفِيلِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَيُصَدَّقُ) الْمَكْفُولُ عَنْهُ (فِي حَقِّ نَفْسِهِ) بِمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ (لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا) بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ مَا ثَبَتَ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَالٍ لَزِمَ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ حَصَلَ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ ذَابَ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى حَصَلَ وَقَدْ حَصَلَ بِإِقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِمَا لَك عَلَيْهِ فَإِنَّهَا بِالدَّيْنِ الْقَائِمِ فِي الْحَالِ وَمَا ذَابَ وَنَحْوُهُ الْكَفَالَةُ بِمَا سَيَجِبُ، وَالْوُجُوبُ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ، بِخِلَافِ مَا قَضَى عَلَيْهِ لَك لَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي وَمِثْلُ مَالَكَ مَا أَقَرَّ لَك بِهِ أَمْسِ، فَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ أَقْرَرْت لَهُ بِأَلْفٍ أَمْسِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ مَالًا وَاجِبًا عَلَيْهِ لَا مَالًا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ مَا أَقَرَّ بِهِ فَأَقَرَّ فِي الْحَالِ يَلْزَمُهُ؛ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مَا كَانَ أَقَرَّ لَك، وَلَوْ أَبَى الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ فَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ بَذْلٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ قَالَ مَا أَقَرَّ فُلَانٌ بِهِ فَهُوَ عَلَيَّ فَمَاتَ الْكَفِيلُ ثُمَّ أَقَرَّ فُلَانٌ فَالْمَالُ لَازِمٌ فِي تَرِكَةِ الضَّامِنِ، وَكَذَا ضَمَانُ الدَّرَكِ. وَفِيهَا: رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بَايِعْ فُلَانًا فَمَا بَايَعْتَهُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ عَلَيَّ صَحَّ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ بِعْته مَتَاعًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَهُ مِنِّي وَأَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ وَجَحَدَ الْكَفِيلُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ اسْتِحْسَانًا بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَوْ جَحَدَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ الْبَيْعَ وَأَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ لَزِمَهُمَا، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يُعْطِك فُلَانٌ مَالَك عَلَيْهِ فَأَنَا ضَامِنٌ بِذَلِكَ لَا سَبِيلَ فِيهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَاضَاهُ فَيَقُولَ: لَا أُعْطِيك، وَلَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ أَنْ يَتَقَاضَاهُ لَزِمَ الضَّمَانُ أَيْضًا، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنَّهُ قَالَ: أَنَا أُعْطِيك إنْ أَعْطَاهُ مَكَانَهُ أَوْ ذَهَبَ إلَى السُّوقِ فَأَعْطَاهُ أَوْ قَالَ اذْهَبْ إلَى الْمَنْزِلِ حَتَّى أُعْطِيَك مَالَك فَأَعْطَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ يَوْمِهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ تَقَاضَيْت فُلَانًا مَالَك عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْطِك فَأَنَا لِمَالِك عَلَيْهِ ضَامِنٌ فَمَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ أَنْ يَتَقَاضَاهُ بَطَلَ الضَّمَانُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ عَجَزَ غَرِيمُك عَنْ الْأَدَاءِ فَهُوَ عَلَيَّ فَالْعَجْزُ يَظْهَرُ بِالْحَبْسِ إنْ حَبَسَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ لَزِمَ الْكَفِيلَ. وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: رَجُلٌ كَفَلَ لِرَجُلٍ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَى أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ فُلَانٌ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ فَلَمْ يَكْفُلْ فُلَانٌ فَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ وَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ فِي تَرْكِ الْكَفَالَةِ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: جَمَاعَةٌ طَمِعَ الْوَالِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَاخْتَفَى بَعْضُهُمْ وَظَفِرَ الْوَالِي بِبَعْضِهِمْ فَقَالَ الْمُخْتَفُونَ الَّذِينَ وَجَدَهُمْ الْوَالِي لَا تُطْلِعُوهُمْ عَلَيْنَا وَمَا أَصَابَكُمْ فَهُوَ عَلَيْنَا بِالْحِصَصِ، فَلَوْ أَخَذَ الْوَالِي مِنْهُمْ شَيْئًا فَلَهُمْ الرُّجُوعُ، قَالَ: هَذَا مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ

قَالَ (وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِثُبُوتِ الرُّجُوعِ إذْ هُوَ عِنْدَ أَمْرِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجَوَازِ ضَمَانِ الْجِبَايَةِ، وَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَفَلَ بِمَا لَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ وَدِيعَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ الَّتِي عِنْدَهُ جَازَ إذَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْوَدِيعَةَ مِنْهُ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ أَنَّهَا هَلَكَتْ، فَلَوْ غَصَبَهَا رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْحَوَالَةُ عَلَى هَذَا؛ وَلَوْ ضَمِنَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَبِعْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ ضَمَانٌ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الدَّارِ. (قَوْلُهُ وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ. الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِإِذْنٍ وَبِلَا إذْنٍ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ عَقْدَ الْكَفَالَةِ (الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِالْتِزَامُ (تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ بِلَا ضَرَرٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ) لِأَنَّ ضَرَرَهُ (بِثُبُوتِ الرُّجُوعِ) وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الرُّجُوعَ (عِنْدَ أَمْرِهِ وَ) عِنْدَ أَمْرِهِ يَكُونُ (قَدْ رَضِيَ بِهِ، فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ) مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْأَمْرُ، فَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَحْجُورًا وَأَمَرَ مَنْ يَكْفُلُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا صَحَّ أَمْرُهُ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ أَمْرِهِ بِسَبَبِ الْإِذْنِ. ثَانِيهِمَا: أَنْ يَشْتَمِلَ كَلَامُهُ عَلَى لَفْظَةِ عَنِّي كَأَنْ يَقُولَ: اُكْفُلْ عَنِّي اضْمَنْ عَنِّي لِفُلَانٍ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنَا ضَامِنٌ وَنَحْوُهُ، فَلَوْ قَالَ: اضْمَنْ الْأَلْفَ الَّتِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَائِنَ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ بِالضَّمَانِ وَالْإِعْطَاءِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ لِيَرْجِعَ وَأَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ طَلَبَ تَبَرُّعِهِ بِذَلِكَ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِدَلِيلِ مَا فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ: إذَا قَالَ لِرَجُلٍ اضْمَنْ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ اقْضِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا

(وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا يُؤَدِّيهِ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ، وَقَوْلُهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مَا ضَمِنَهُ، أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ خَلِيطًا أَوْ شَرِيكًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرْجِعُ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْقَضَاءَ بِنَاءً عَلَى الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ قَضَاءً مِنْ جِهَةِ الَّذِي أَمَرَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: اقْضِ عَنِّي وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ اسْتِقْرَاضًا مِنْهُ، وَمَتَى قُلْنَا: لَا يَقَعُ عَنْ الَّذِي أَمَرَ لَغَا الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا عَنْ نَفْسِهِ فَيَصِيرُ وُجُودُ الْأَمْرِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً. أَمَّا الْخَلِيطُ فَيَرْجِعُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْخَلِيطُ هُوَ الَّذِي يَعْتَادُ الرَّجُلُ مُدَايَنَتَهُ وَالْأَخْذَ مِنْهُ وَوَضْعَ الدَّرَاهِمِ عِنْدَهُ وَالِاسْتِجْرَارَ مِنْهُ، وَأَوْرَدَ مُطَالَبَةً بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرِ فِي الْكَفَالَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ أَدِّ عَنِّي زَكَاةَ مَالِي أَوْ أَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَأَدَّى عَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ مَا لَمْ يَشْرِطْ الضَّمَانَ فَيَقُولُ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ فَلَمْ يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهِ لَفْظَةَ عَنِّي بَلْ حَتَّى يَشْتَرِطَ الضَّمَانَ وَفِي الْكَفَالَةِ اكْتَفَى بِهِ. وَأَجَابَ فِي الذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْآمِرَ طَلَبَ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَأْمُورِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ وَيَقْضِيَ عَنْهُ وَأَنْ يَكُونَ قَاضِيًا عَنْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ الْمَقْضِيُّ بِهِ مِلْكًا لِلْآمِرِ، إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ لِلْآمِرِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الْقَابِضِ فَيَثْبُتُ عَلَى وَقْفِهِ، فَمَتَى ثَبَتَ لِلْقَابِضِ مِلْكٌ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ يَثْبُتُ لِلْآمِرِ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْقَابِضِ مِلْكٌ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَلَّكَهُ بِالْمِثْلِ وَهُوَ الدَّيْنُ السَّابِقُ لَهُ، حَتَّى لَوْ ظَهَرَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ الْمَقْبُوضَ فَيَثْبُتُ لِلْآمِرِ مِلْكٌ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْقَرْضُ. وَفِي بَابِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ يَثْبُتُ لِلْقَابِضِ مِلْكٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْمِثْلِ، حَتَّى لَوْ ظَهَرَ أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْفَقِيرِ مَا قَبَضَ فَيَثْبُتُ لِلْآمِرِ مِلْكُ مِثْلِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا بِالشَّرْطِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَفَالَةِ تَضَمَّنَ طَلَبَ الْقَرْضِ إذَا ذَكَرَ لَفْظَةَ عَنِّي، وَفِي قَضَاءِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ طَلَبُ اتِّهَابٍ؛ وَلَوْ ذَكَرَ لَفْظَةَ عَنِّي لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ثَبَتَ لِلْقَابِضِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ) هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يَرْجِعُ كَالْوَكِيلِ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ كَالْمُمَلِّكِ لِمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ الْكَفِيلِ أَوْ كَالْمُقِيمِ لَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَالِ مِنْ الْأَصِيلِ. وَقُلْنَا: تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ، وَحَيْثُ تَسَاهَلْنَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّشْبِيهُ: أَيْ هُوَ كَالْمُمَلِّكِ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ يَجِبُ الْمَالُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ حُكْمًا لِلْكَفَالَةِ كَمَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ بِهَا عَلَى الْكَفِيلِ لَكِنْ يَتَأَخَّرُ إلَى أَدَائِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي كَفَالَتِهِ بِلَا أَمْرِهِ (لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ) وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ بِلَا رِضَاهُ وَلِذَلِكَ لَا يَرْجِعُ. وَقَوْلُهُ (رَجَعَ بِمَا أَدَّى مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مَا ضَمِنَهُ أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ) فَإِنَّمَا (يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ) حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ زُيُوفًا: فَأَدَّى عَنْهَا جِيَادًا فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالزُّيُوفِ أَوْ كَانَ الدَّيْنُ جِيَادًا فَأَدَّى عَنْهَا

لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ، كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْإِرْثِ، وَكَمَا إذَا مَلَكَهُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQزُيُوفًا وَتَجَوَّزَ الطَّالِبُ بِهَا فَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى، فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ جِيَادًا فَأَدَّى زُيُوفًا يَرْجِعُ بِالزُّيُوفِ، وَلَوْ كَانَ زُيُوفًا فَأَدَّى جِيَادًا رَجَعَ بِالزُّيُوفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بِحُكْمِ الْأَمْرِ، وَلَمْ تَدْخُلْ صِفَةُ الْجَوْدَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ زُيُوفًا تَحْتَ الْأَمْرِ. أَمَّا الْكَفِيلُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَيَصْبِرُ كَالطَّالِبِ نَفْسَهُ فَيَرْجِعُ بِنَفْسِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَ الْكَفِيلُ الدَّيْنَ بِالْإِرْثِ بِأَنْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ فَإِنَّ مَالَهُ عَيْنُهُ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيُطَالِبُ بِهِ الْمَكْفُولَ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ هِبَةُ الدَّيْنِ مِنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَيْسَ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْكَفَالَةَ ضَمٌّ فِي الدَّيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إنَّمَا لَا تَجُوزُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لِلْغَيْرِ فِي قَبْضِهِ، فَأَمَّا إذَا وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْ آخَرَ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَهُنَا لَمَّا أَدَّى الدَّيْنَ فَقَدْ سَلَّطَهُ الطَّالِبُ عَلَى قَبْضِهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ كَذَا قِيلَ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِأَنَّ بِقَبْضِ الطَّالِبِ مِنْ الْكَفِيلِ سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ عَنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَطْلُوبِ إذْ صَارَ مِلْكًا لَهُ شَرْعًا جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الطَّالِبِ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيطَ عَلَى مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ. وَالْأَوْجَهُ إمَّا اعْتِبَارُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ كَمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَيَسْقُطُ عَنْهُمَا بِأَدَاءِ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، أَوْ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْهِبَةِ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ. وَإِذَا وَهَبَ الْكَفِيلُ الدَّيْنَ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ وَبِالْإِبْرَاءِ تَسْقُطُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَقَوْلُهُ (وَكَمَا إذَا مَلَكَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ) بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُحْتَالِ بِأَنْ أَحَالَ الْمَدْيُونُ رَجُلًا عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَبِلَ الْحَوَالَةَ وَأَدَّى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الدَّيْنَ

بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَوَالَةِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَمْلِكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَ الْكَفِيلَ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ يَرْجِعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي عَلَى الْمُحِيلِ فَيَرْجِعُ بِهِ لَا بِمَا أَدَّى، حَتَّى لَوْ أَدَّى عُرُوضًا أَوْ دَرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالدَّيْنِ كَالْكَفِيلِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الْمُحْتَالُ الدَّيْنَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ وَرِثَهُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحْتَالِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَوَالَةِ) أَيْ حَوَالَةِ كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ) فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا (وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَنْ الْأَلْفِ) الْمَكْفُولِ بِهَا (عَلَى خَمْسِمِائَةٍ) حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى وَهُوَ الْخَمْسُمِائَةِ لَا بِمَا ضَمِنَ وَهُوَ الْأَلْفُ (لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ) أَوْ هُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ الْبَعْضُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْكَفِيلِ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ) يَعْنِي عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ، فَكَذَلِكَ إذَا صَالَحَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَنْ الْأَلْفِ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ؛ أَوْ الْمَعْنَى إذَا أَبْرَأَ الْكَفِيلَ عَنْ كُلِّ الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِ لَا يَرْجِعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ الْبَعْضِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ) أَيْ الْكَفِيلَ (لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ) لَهُ أَنْ (يَرْجِعَ) عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ (قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ)

قَالَ (فَإِنْ لُوزِمَ بِالْمَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ) وَكَذَا إذَا حُبِسَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ مَا لَحِقَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُعَامِلُهُ بِمِثْلِهِ (وَإِذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَسْتَفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ فَكَانَ الْوَكِيلُ كَالْبَائِعِ وَلِذَا كَانَ لَهُ حَبْسُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَلِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَكَذَا الْوَكِيلُ (فَإِنْ لُوزِمَ) الْكَفِيلُ (بِالْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ) إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ تُوجِبُ الرُّجُوعَ (حَتَّى يُخَلِّصَهُ، وَكَذَا إذَا حُبِسَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ إذْ الدَّيْنُ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَمْ يُؤَدِّ بَعْدُ. وَقُلْنَا: مُلَازَمَتُهُ وَحَبْسُهُ مَعَهُ كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلدَّيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ وَإِلَّا فَيُعَامِلُهُ بِمِثْلِ مَا عَامَلَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُ حَقَّهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ) بِالْإِجْمَاعِ (لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَصِيلِ (فِي الصَّحِيحِ) خِلَافًا لِمَنْ ذَكَرَ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ كَذَا قِيلَ. وَلَيْسَ لِهَذَا الْخِلَافِ أَثَرٌ هُنَا بَلْ الْقَائِلُ: إنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ قَائِلٌ بِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْكَفِيلِ بِشَرْطِ بَقَاءِ ضَمَانِ الْأَصِيلِ. وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْأَصِيلِ أَوْ مَوْتُهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَدَيْنُ الطَّالِبِ عَلَى حَالِهِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَعُودُ إلَى الْكَفِيلِ أَمْ لَا؟ فَبَعْضُهُمْ يَعُودُ وَبَعْضُهُمْ لَا، بِخِلَافِ الْكَفِيلِ فَإِنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ صَحَّ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا. وَلَوْ كَانَ إبْرَاءُ الْأَصِيلِ أَوْ هِبَتُهُ أَوْ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ قَبِلُوا صَحَّ، وَإِنْ رَدُّوا ارْتَدَّ،

(وَإِنْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ، وَلِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ وَبَقَاءَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ بِدُونِهِ جَائِزٌ (وَكَذَا إذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ عَنْ الْأَصِيلِ فَهُوَ تَأْخِيرٌ عَنْ الْكَفِيلِ، وَلَوْ أَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إبْرَاءٌ مُوَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ فَإِنَّهُ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الدَّيْنُ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ فَصَارَ الْأَجَلُ دَاخِلًا فِيهِ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْإِبْرَاءِ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ لَمْ يَبْرَأْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ: لِأَنَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ (الْمُطَالَبَةَ) دُونَ الدَّيْنِ (وَبَقَاءُ الدَّيْنِ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الطَّلَبِ (جَائِزٌ) فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ عَدَمُ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ بِإِبْرَائِهِ (وَكَذَا إذَا أَخَّرَ عَنْ الْأَصِيلِ فَهُوَ) تَأْخِيرٌ عَنْ كَفِيلِهِ، وَلَوْ أَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إبْرَاءٌ مُوَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ فَإِنْ قِيلَ: الْإِبْرَاءُ الْمُؤَبَّدُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْكَفِيلِ وَالْمُوَقَّتُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ وَبِرَدِّ الْأَصِيلِ يَرْتَدَّانِ كِلَاهُمَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمٍ لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ حُكْمٍ، وَسَبَبُ الِافْتِرَاقِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمُ وَهُوَ الِارْتِدَادُ بِالرَّدِّ وَعَلَيْهِ مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكَفَالَةِ مُجَرَّدُ الْمُطَالَبَةِ وَالْإِسْقَاطُ الْمَحْضُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ لِتَلَاشِي السَّاقِطِ كَإِسْقَاطِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ الْمُؤَقَّتُ فَهُوَ تَأْخِيرُ مُطَالَبَةٍ وَلَيْسَ بِإِسْقَاطٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَعُودُ بَعْدَ الْأَجَلِ وَالتَّأْخِيرُ قَابِلٌ لِلْإِبْطَالِ بِخِلَافِ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ، فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا لَمْ يَقْبَلْ الْكَفِيلُ التَّأْخِيرَ أَوْ الْأَصِيلُ فَالْمَالُ حَالٌّ يُطَالِبَانِ بِهِ لِلْحَالِ، وَهَذَا (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ) أَيْ بِالدَّيْنِ (الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ) مَثَلًا (فَإِنَّهُ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ) إلَى شَهْرٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَكْفُولَ لَهُ (لَا حَقَّ لَهُ حَالَ الْكَفَالَةِ إلَّا فِي الدَّيْنُ) فَلَيْسَ إذْ ذَاكَ حَتَّى يَقْبَلَ التَّأْجِيلَ سِوَاهُ (فَكَانَ الْأَجَلُ) الَّذِي يَشْتَرِطُهُ الْكَفِيلُ (دَاخِلًا فِيهِ) فَبِالضَّرُورَةِ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ (أَمَّا هَاهُنَا) وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ ثَابِتَةً قَبْلَ التَّأْجِيلِ (فَبِخِلَافِهِ) لِأَنَّهَا تَقَرَّرَ

قَالَ (فَإِنْ صَالَحَ الْكَفِيلُ رَبَّ الْمَالِ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَقَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ وَهِيَ عَلَى الْأَصِيلِ فَبَرِئَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، ثُمَّ بَرِئَا جَمِيعًا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِأَدَاءِ الْكَفِيلِ، وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِخَمْسِمِائَةٍ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَمَلَكَهُ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَلَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَمَّا اسْتَوْجَبَ بِالْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ هَذَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُهَا قَبْلَ التَّأْجِيلِ أَنَّهُ جَوَازُ الْمُطَالَبَةِ ثُمَّ طَرَأَ التَّأْجِيلُ عَنْ الْكَفِيلِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَهُوَ جَوَازُ الْمُطَالَبَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ صَالَحَ الْكَفِيلُ رَبَّ الْمَالِ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ) إنْ شَرَطَ بَرَاءَتَهُمَا جَمِيعًا عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ أَوْ شَرَطَ بَرَاءَةَ الْمَطْلُوبِ بَرِئَا جَمِيعًا، وَإِنْ شَرَطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَالْأَلْفُ بِتَمَامِهَا عَلَى الْأَصِيلِ فَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِخَمْسِمِائَةٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَالطَّالِبُ بِخَمْسِمِائَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ الْبَاقِيَ حَيْثُ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِأَلْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطَا بَرَاءَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ (بَرِئَا جَمِيعًا) عَنْ خَمْسِمِائَةٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْكَفِيلَ (أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (عَلَى الْأَصِيلِ) فَيَبْرَأُ الْأَصِيلُ (مِنْ خَمْسِمِائَةٍ) وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ مِنْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي أَوْفَاهَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا (بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَ بِجِنْسٍ آخَرَ لِأَنَّهُ) أَيْ الصُّلْحَ بِجِنْسٍ آخَرَ (مُبَادَلَةٌ فَيَمْلِكُهُ) أَيْ الدَّيْنَ (فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ الَّتِي صَالَحَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى هَذَا الْقَدْرَ، وَلَا يُجْعَلُ الصُّلْحُ بِجِنْسِهِ مُبَادَلَةً؛ لِأَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ لَا تُجْعَلُ عِوَضًا عَنْ الْأَلْفِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا، وَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهَا مِنْ الْكَفِيلِ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ وَاجِبَةً فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ تَصْحِيحًا لِلصُّلْحِ مَعَ الْكَفِيلِ حَتَّى تَصِيرَ الْبَرَاءَةُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مَشْرُوطَةً لِلْكَفِيلِ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى التَّمْلِيكِ، وَفِي خِلَافِ الْجِنْسِ يَحْتَاجُ إلَى التَّمْلِيكِ وَفِي الْجِنْسِ لَا يَحْتَاجُ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا، بَلْ هُوَ إسْقَاطُ الْخَمْسِمِائَةِ فَكَانَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مَشْرُوطَةً لِلْأَصِيلِ فَتَسْقُطُ عَنْهُمَا، ثُمَّ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِخَمْسِمِائَةٍ إذَا كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ (وَلَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَمَّا اسْتَوْجَبَ بِالْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكَفَالَةِ الْمُطَالَبَةُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا مِنْ الْكَفَالَةِ فَيَبْقَى حَالُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْكَفَالَةِ، وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ صُورَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ عَلَى إبْرَاءِ الْكَفِيلِ خَاصَّةً مِنْ الْبَاقِي رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمِائَةٍ وَرَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْأَصِيلِ بِتِسْعِمِائَةٍ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ فَسْخٌ لِلْكَفَالَةِ.

قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِكَفِيلٍ ضَمِنَ لَهُ مَالًا قَدْ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) مَعْنَاهُ بِمَا ضَمِنَ لَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ، فَيَكُونُ هَذَا إقْرَارًا بِالْأَدَاءِ فَيَرْجِعُ (وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك لَمْ يَرْجِعْ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَرَاءَةٌ لَا تَنْتَهِي إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِالْإِسْقَاطِ فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْإِيفَاءِ. وَلَوْ قَالَ بَرِئْت قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مِثْلُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَالْإِبْرَاءِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى إذْ لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَإِلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِكَفِيلٍ ضَمِنَ لَهُ مَالًا) بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ (قَدْ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَالْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ هُوَ الْمُنْتَهَى فِي هَذَا التَّرْكِيبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مُبْتَدَأٌ وَلَيْسَ إلَّا الْكَفِيلُ الْمُخَاطَبُ فَأَفَادَ التَّرْكِيبُ بَرَاءَةً مِنْ الْمَالِ مُبْتَدَؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَمُنْتَهَاهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ. وَهَذَا مَعْنَى الْإِقْرَارِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ وَبِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ، كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَالْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ فِي هَذَا. وَهُنَا ثَلَاثَةُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: هَذِهِ، وَالثَّانِيَةُ: قَالَ: أَبْرَأْتُك مِنْ الْمَالِ لَيْسَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ حَتَّى كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَصِيلَ بِهِ، وَالثَّالِثَةُ بَرِئْت مِنْ الْمَالِ وَلَمْ يَقُلْ إلَيَّ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِهِ بَرِئْت إلَيَّ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتُك إثْبَاتًا لِلْأَدْنَى وَهُوَ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ

الْإِيفَاءُ دُونَ الْإِبْرَاءِ. وَقِيلَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ شَكٌّ فَلَا يَثْبُتُ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَقَوْلِهِ: بَرِئْت إلَيَّ بِقَضِيَّةِ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الصَّكَّ يُكْتَبُ عَلَى الطَّالِبِ بِالْبَرَاءَةِ إذَا حَصَلَتْ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يُكْتَبُ الصَّكُّ عَلَيْهِ فَجُعِلَتْ الْكِتَابَةُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هُوَ مِثْلُ بَرِئْت إلَيَّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْكَفِيلُ الْمُخَاطَبُ. وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ قُمْت وَقَعَدْت، وَالْبَرَاءَةُ الْكَائِنَةُ مِنْهُ خَاصَّةً كَالْإِيفَاءِ، بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِفِعْلِ الْكَفِيلِ بَلْ بِفِعْلِ الطَّالِبِ فَلَا تَكُونُ حِينَئِذٍ مُضَافَةً إلَى الْكَفِيلِ، وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الِاحْتِمَالَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي مِنْ الدَّعْوَى الَّتِي يَدَّعِي عَلَيَّ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ إقْرَارٌ بِالْمَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَكُونُ بِحَقٍّ وَبِبَاطِلٍ. وَلَوْ قَالَ الْكَفِيلُ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ الْمَالِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَبْرَأْتُك؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْحِلِّ تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَرَاءَةِ كَالْإِبْرَاءِ دُونَ الْبَرَاءَةِ بِالْقَبْضِ. قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ أَنَّهُ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِجْمَالِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْمُجْمَلُ فِي الْبَيَانِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُجْمَلِ هُنَا مَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَيَحْتَمِلُ الْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا كَمَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ بَرِئْت إلَيَّ مَعْنَى لِأَنِّي أَبْرَأْتُك لَا حَقِيقَةَ الْمُجْمَلِ: يَعْنِي يَرْجِعُ إلَيْهِ إذَا كَانَ حَاضِرًا لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالَاتِ، خُصُوصًا إنْ كَانَ الْعُرْفُ مِنْ ذَلِكَ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبَرَاءَاتِ. وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ، وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ. قَالَ (وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) مَعْنَاهُ بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إيجَابُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّفْظِ مُشْتَرَكًا، مِنْهُمْ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيَقْصِدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَبْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ الْإِبْرَاءَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) أَيْ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ مِثْلُ إنْ عَجَّلْتَ لِي الْبَعْضَ أَوْ دَفَعْتَ الْبَعْضَ فَقَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ الْكَفَالَةِ أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَارَفِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهِ فَسَقَطَ سُؤَالُ الْقَائِلِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا قَالَ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ عَلَى أَنِّي إنْ وَافَيْت بِهِ غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَوَافَاهُ بِهِ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُلَائِمٌ، عَلَى أَنَّهُ لَا وُرُودَ لَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ فَهَذَا الْفَرْعُ شَاهِدُ إحْدَاهُمَا (وَيُرْوَى أَنَّهُ يَجُوزُ) وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَعْنَى التَّمْلِيكِ وَذَاكَ يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَطْلُوبِ، أَمَّا الْكَفِيلُ فَالْمُتَحَقَّقُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ (فَكَانَ) إبْرَاؤُهُ (إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ، وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ مِنْ الْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْأَصِيلِ) لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ) كَنَفْسِ (الْحُدُودِ وَ) نَفْسِ (الْقِصَاصِ) إذْ لَا يُقْتَلُ الْكَفِيلُ بَدَلًا عَنْ الْمَكْفُولِ

قَالَ (وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ جَازَ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَإِنْ تَكَفَّلَ عَنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ لَمْ تَصِحَّ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَضْمُونٍ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْكَفَالَةُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَكِنْ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَغْصُوبِ، لَا بِمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ وَلَا يُضْرَبُ وَتَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَكَفَّلَ عَنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ إمَّا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، فَغَيْرُ الْمَضْمُونَةِ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْعَارِيَّةِ عِنْدَنَا وَالْمُسْتَأْجَرِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمَضْمُونَةُ إمَّا مَضْمُونَةٌ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا أَصْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ. وَقَالُوا: رَدُّ الْوَدِيعَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُودَعِ بَلْ الْوَاجِبُ عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ طَلَبِ الْمُودِعِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ تَسْلِيمُهَا، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّ تَسْلِيمَهَا وَاجِبٌ فَصَحَّ التَّكْفِيلُ بِتَسْلِيمِهَا، وَكَذَا الْبَاقِي مِنْ الْقِسْمَيْنِ يَصِحُّ بِالتَّسْلِيمِ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ بِعَيْنِهِ يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَإِنْ هَلَكَ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَصِيلِ، بَلْ لَوْ هَلَكَ الْبَيْعُ إنَّمَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ أَوْ الرَّهْنُ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، وَعَلَى مَعْنَى الْكَفَالَةِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمَتَى هَلَكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ، وَفَائِدَتُهُ حِينَئِذٍ إلْزَامُ إحْضَارِ الْعَيْنِ وَتَسْلِيمِهَا، وَلَوْ عَجَزَ بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أَوْ الرَّهْنُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ انْفَسَخَتْ الْكَفَالَةُ عَلَى وِزَانِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ سَوَاءً. وَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَارِيَّةِ بَاطِلَةٌ بَاطِلٌ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَارِيَّةِ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ أَنَّهَا بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ جَائِزَةٌ، وَنَصَّ فِي التُّحْفَةِ عَلَى جَمِيعِ

كَالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ، وَلَا بِمَا كَانَ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ. وَلَوْ كَفَلَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أَوْرَدْنَاهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالتَّسْلِيمِ صَحِيحَةٌ. وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَبَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَمَا مَعَهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ، إذْ لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ عِنْدَ الطَّلَبِ، فَإِنْ قَالَ: الْوَاجِبُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَا رَدَّهَا إلَيْهِ فَنَقُولُ: فَلْيَكُنْ مِثْلُ هَذَا الْوَاجِبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَهُوَ أَنْ يُحَصِّلَهَا وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَعْدَ إحْضَارِهِ إلَيْهَا، وَنَحْنُ نَعْنِي بِوُجُوبِ الرَّدِّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا، وَمِنْ حِمْلِ الْمَرْدُودِ إلَيْهِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْكَفَالَةُ بِتَمْكِينِ الْمُودَعِ مِنْ الْأَخْذِ صَحِيحَةٌ، وَإِمَّا مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ دَفْعُ الْعَيْنِ، فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ عَلَى الْكَفِيلِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَمْ يُقَدِّمْهُ إلَى الْقَاضِي وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَبِالْعَبْدِ فَمَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَطْلُوبِ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ يَقْضِي الْقَاضِي بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّ بِالْبَيِّنَةِ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ مَغْصُوبًا وَالْكَفَالَةُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ تُوجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ أَدَاءَ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَيْنِ، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَلِكَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ فِي قِيمَتِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ كَالْأَصِيلِ: أَعْنِي الْغَاصِبَ، فَإِنْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِأَكْثَرَ لَزِمَهُ الْفَضْلُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْكَفِيلِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: كَفَلَ بِالرَّهْنِ وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ لِأَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ،

لِأَنَّهُ الْتَزَمَ فِعْلًا وَاجِبًا. قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ وَالْحَمْلُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ (وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِخِدْمَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَضْمَنُ الْكَفِيلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِالْكَفَالَةِ، وَلَوْ ضَمِنَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَا نَقَصَ الرَّهْنُ مِنْ دَيْنِهِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ تِسْعَمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ مَثَلًا ضَمِنَ الْكَفِيلُ مِائَةً لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْكَفَالَةِ دَيْنًا مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِهِ فَهَلَكَ عِنْدَ الرَّاهِنِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الْأَصِيلِ بِسَبَبِ هَذَا الْقَبْضِ فَلَا يَضْمَنُ الْكَفِيلُ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ جَازَ ضَمَانُ الْكَفِيلُ وَأَخَذَ بِهِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ ضَامِنٌ مَالِيَّةَ الْعَيْنِ هُنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَغْصُوبِ، وَلَفْظُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْفَتْحِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مَتَى هَلَكَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ وَالْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِتَسْلِيمِهِ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ فَفِي الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُ وَجْهَهُ وَفِي الْمُسْتَأْجَرِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِهِ وَخَرَجَ الْأَصِيلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ رَدُّ الْأُجْرَةِ، وَالْكَفِيلُ مَا كَفَلَ الْأَجْرَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا) أَيْ آجَرَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ (لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْفِعْلِ) الْوَاجِبِ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّابَّةِ لِيَحْمِلَهُ عَلَيْهَا (وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ) أَوْ عَلَى دَابَّةٍ يَسْتَأْجِرُهَا (وَالْحَمْلُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ) وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْكَفِيلِ فَصَحَّتْ كَفَالَتُهُ بِهِ (وَوَازَنَهُ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِخِدْمَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ إذْ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ، أَمَّا لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَوْ هَلَكَ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ. وَقَالَ شَارِحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنَّ الدَّابَّةَ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ لَا الْحَمْلِ، فَالْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ كَفَالَةٌ بِمَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا تَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْحَمْلُ وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ إنْ كَانَ

قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا: يَجُوزُ إذَا بَلَغَهُ أَجَازَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِجَازَةَ، وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا. لَهُ أَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ، وَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفُضُولِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ إلَّا تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ بِسَبَبِ أَنَّ تَحْمِيلَهُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَمْلُ الدَّابَّةِ فَكَذَلِكَ إجَارَةُ حَمْلِهِ عَلَى دَابَّةٍ إلَى مَكَانِ كَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى تَسْلِيمِ أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتْ إذْ لَا يَجِبُ تَحْمِيلُهُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْ الرَّجُلَ نَفْسَهُ فَلَا فَرْقَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْكَفَالَةُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَمْلَ أَيْضًا غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ بِعَيْنِ مَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ تَسْلِيمَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ صَحِيحَةٌ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ كَوْنُ الْمُسْتَأْجَرِ مِلْكًا لِغَيْرِ الْكَفِيلِ، وَإِنْ كَانَ التَّحْمِيلُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَسْلِيمِهَا بَلْ الْمَجْمُوعُ مِنْ تَسْلِيمِهَا وَالْإِذْنُ فِي تَحْمِيلِهَا وَهُوَ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا، فَفِي الْمُعَيَّنَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِذْنِ فِي تَحْمِيلِهَا إذْ لَيْسَتْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا لِيَصِحَّ إذْنُهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْحَمْلِ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ عِنْدَ تَسْلِيمِ دَابَّةِ نَفْسِهِ أَوْ دَابَّةٍ اسْتَأْجَرَهَا. (قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَيْ نُسَخِ كَفَالَةِ الْأَصْلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (الْإِجَازَةَ) بَلْ إنَّهُ نَافِذٌ إنْ كَانَ الْمَكْفُولُ لَهُ غَائِبًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ (وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا) وَجْهُ رِوَايَةِ النَّفَاذِ (أَنَّهُ الْتِزَامٌ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ) وَلَا يَتَعَدَّى لَهُ ضَرَرٌ فِي الْمَكْفُولِ لَهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا مَلْزُومٌ، فَإِنْ رَأَى مُطَالَبَتَهُ طَالَبَهُ وَإِلَّا لَا. وَأَحَالَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَ التَّوَقُّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ شَطْرَ الْعَقْدِ يَتَوَقَّفُ حَتَّى إذَا عَقَدَ فُضُولِيٌّ لِامْرَأَةٍ عَلَى آخَرَ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا إذَا كَانَ عَقْدًا تَامًّا بِأَنْ خَاطَبَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ وَعِنْدَهُمَا

فِي النِّكَاحِ. وَلَهُمَا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ فَيَقُومُ بِهِمَا جَمِيعًا وَالْمَوْجُودُ شَطْرُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَكَفَلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ جَازَ) لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ يُقَالُ إنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَفْعُ الطَّالِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَوَقَّفُ إلَّا إنْ خَاطَبَهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا إلَّا الْعَقْدُ التَّامُّ (وَلَهُمَا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ فَيَقُومُ بِهِمَا جَمِيعًا وَالْمَوْجُودُ) مِنْ الْمُوجِبِ وَحْدَهُ (شَطْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَمَّ عَقْدًا بِقَبُولِ فُضُولِيٍّ آخَرَ تَوَقَّفَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ عِنْدَهُمَا. قَالُوا: إذَا قَبِلَ عَنْهُ قَابِلٌ تَوَقَّفَ بِالْإِجْمَاعِ، وَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْمَجْلِسِ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَتَنْفُذُ، أَوْ يَقْبَلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ إنْ كَانَ غَائِبًا فَتَتَوَقَّفُ إلَى إجَازَتِهِ أَوْ رَدٍّ، وَقَوْلُهُ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ صَحَّتْ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا قَبُولِ فُضُولِيٍّ عَنْهُ (وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ) الْمَدْيُونُ (لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَكَفَلَ) عَنْهُ (بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا فَلِلْغُرَمَاءِ مُطَالَبَتُهُ. وَذَكَرَ لِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَكَفَّلْ عَنِّي وَصِيَّةٌ: أَيْ فِيهِ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ، إذْ لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةَ الْوَصِيَّةِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ لَهُمْ اقْضُوا دُيُونِي فَقَالُوا نَعَمْ إذَا قَالُوا تَكَفَّلْنَا بِهَا، فَلِذَا قَالَ الْمَشَايِخُ: إنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَا تُؤْخَذُ الْوَرَثَةُ بِدُيُونِهِ، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةَ الْكَفَالَةِ لَأُخِذُوا بِهَا حَيْثُ تَكَفَّلُوا. ثَانِيهمَا: مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا بِذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِمَرَضِ الْمَوْتِ وَلِذَا امْتَنَعَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ كَيْفَ شَاءَ وَاخْتَارَ، فَنَزَلَ نَائِبًا عَنْ الْغُرَمَاءِ الْمَكْفُولِ لَهُمْ عَامِلًا لَهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهُ بِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ الْمَكْفُولِ لَهُ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ كَالطَّالِبِ حَضَرَ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ فَإِنَّ الصَّادِرَ مِنْهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: تَكَفَّلْ، وَلَوْ قَالَ تَكَفَّلْ لِي بِمَا لِي عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ كَفَلْت لَا يَتِمُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبِلْت أَوْ نَحْوَهُ، كَالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْنِي بِكَذَا فَقَالَ بِعْت لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَقُولَ الْآمِرُ قَبِلْت. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ

وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ دُونَ الْمُسَاوَمَةِ ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) بَعْدَ قَوْلِ الْوَارِثِ تَكَفَّلْت (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَكَفَّلْت (لَا يُرَادُ بِهِ الْمُسَاوَمَةُ) وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ فِي الْبَيْعِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمُسَاوَمَةُ وَهُنَا لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا التَّحْقِيقُ بِدَلَالَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ حَالَةَ الْمَوْتِ ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى قَصْدِهِ إلَى تَحْقِيقِ الْكَفَالَةِ لِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ لَا عَلَى الْمُسَاوَمَةِ بِهَا (فَصَارَ) الْأَمْرُ هُنَا (كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ) فِيمَا لَوْ قَالَ زَوِّجْنِي بِنْتَك فَقَالَ زَوَّجْتُكَهَا انْعَقَدَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَيْثُ كَانَ النِّكَاحُ لَا تَجْرِي فِيهِ الْمُسَاوَمَةُ (وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ) فَضَمِنَ (اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ) مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِلَا الْتِزَامٍ فَكَانَ الْمَرِيضُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَالصَّحِيحُ سَوَاءً، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِوَارِثِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ الطَّالِبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَيَنْزِلُ الْمَرِيضُ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ لِتَضْيِيقِ الْحَالِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَارِثِ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذَا مِنْ الْمَرِيضِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الدَّيْنَ وَلَا صَاحِبَ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ

قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَكَفَّلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِلْغُرَمَاءِ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: تَصِحُّ) لِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِحَقِّ الطَّالِبِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ يَصِحُّ، وَكَذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ مَالٌ. وَلَهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لِوَرَثَتِهِ بِأَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ، وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْأَرْجَحِ وَهُوَ أَنَّهَا كَفَالَةٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ هِيَ كَفَالَةٌ، وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ لَا تَضُرُّ فِي الْكَفَالَةِ، وَقَدْ فَرَضَ أَنَّ الْمَرِيضَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ فَلَمْ يَكُنْ الْمَكْفُولُ لَهُ مَجْهُولًا حُكْمًا لِهَذَا الِاعْتِبَارِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا) بَلْ مَاتَ مُفْلِسًا (فَتَكَفَّلَ رَجُلٌ لِلْغُرَمَاءِ بِمَا عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ (تَصِحُّ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِجِنَازَةِ أَنْصَارِيٍّ فَقَالَ: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارَانِ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ وَقَالَ: هُمَا عَلَيَّ فَصَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَلَوْ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الدَّيْنَ (وَجَبَ) فِي حَيَاتِهِ (لِحَقِّ الطَّالِبِ) وَهُوَ بَاقٍ (وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ) وَهُوَ الْأَدَاءُ أَوْ الْإِبْرَاءُ أَوْ انْفِسَاخُ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِالْمَوْتِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ كَوْنُهُ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ (وَ) أَنَّهُ (لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ جَازَ) أَخْذُ الطَّالِبِ مِنْهُ وَلَوْ سَقَطَ بِالْمَوْتِ مَا حَلَّ لَهُ أَخْذُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ كَفِيلٌ قَبْلَ مَوْتِهِ بَقِيَتْ الْكَفَالَةُ، وَلَوْ بَطَلَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ لِسُقُوطِهِ عَنْ الْكَفِيلِ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْأَصِيلِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ) فِي حُكْمِ الدُّنْيَا لَا مُطْلَقًا، وَالْكَفَالَةُ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا تُوَثَّقُ لِيَأْخُذَهُ فِيهَا لَا فِي الْآخِرَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهَا وُجُودٌ بِلَا دَيْنٍ

لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ. لَكِنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ وَقَدْ عَجَزَ بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ فَفَاتَ عَاقِبَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَسْقُطُ ضَرُورَةً، وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ، (وَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِعْلٌ حَقِيقَةً وَلِذَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ) وَالْمَوْصُوفُ بِالْأَحْكَامِ الْأَفْعَالُ (وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ) هُوَ الْكَفِيلُ الْكَائِنُ قَبْلَ سُقُوطِهِ فَسَقَطَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ضَرُورَةً (وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ) وَلَوْ كَانَ بِقَيْدِ الْإِضَافَةِ: أَيْ التَّبَرُّعُ بِالدَّيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ فَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ قِيَامُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَهُ، وَالْكَفَالَةُ نِسْبَةٌ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْمَكْفُولِ لَهُ وَالْأَصِيلِ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا عَلَى الْأَصِيلِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ بِهِ كَفِيلٌ لَمْ يَعْجِزْ بِخَلَفِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ

وَإِذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ لَهُ مَالٌ فَخَلَفَهُ أَوْ الْإِفْضَاءُ إلَى الْأَدَاءِ بَاقٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنُ بِمَوْتِهِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا كَفَالَةٌ بَعْدَ السُّقُوطِ (وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَالْإِفْضَاءُ إلَى الْأَدَاءِ بَاقٍ) فَلَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ فَصَحَّتْ كَفَالَتُهُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمَلِيءِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَلَيْسَ فِيهِ صَرِيحُ إنْشَاءِ الْكَفَالَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ هُمَا عَلَيَّ كُلًّا مِنْ إنْشَائِهَا وَالْإِخْبَارِ بِهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَلَا عُمُومَ لِوَاقِعَةِ الْحَالِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي خُصُوصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَيُحْتَمَلُ الْوَعْدُ بِهَا وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا، وَامْتِنَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ طَرِيقُ إيفَائِهِمَا لَا بِقَيْدِ طَرِيقِ الْكَفَالَةِ، فَلَمَّا ظَهَرَ بِوَعْدِهَا أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِالْكَفَالَةِ بِهِمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. وَنُوقِضَ إثْبَاتُ سُقُوطِ الدَّيْنِ بِمَسَائِلَ: أَحَدُهَا لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قَبْلَ أَدَائِهِ الثَّمَنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَلَوْ سَقَطَ الثَّمَنُ بَطَلَ، وَلَوْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الثَّمَنِ فِي نَفْسِهِ فَعُلِمَ أَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ، بِالنِّسْبَةِ إلَى الدُّنْيَا لَا يُبْطِلُ الدَّيْنَ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَفِيلٌ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا وَلَوْ سَقَطَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَمْ تَبْقَ الْكَفَالَةُ. ثَالِثُهَا: لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ بَقِيَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُفْلِسًا وَبَقَاءُ الرَّهْنِ إنَّمَا يَكُونُ بِبَقَاءِ الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ تَعَذُّرَ الْمُطَالَبَةِ لِمَعْنًى لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الدَّيْنِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، كَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَكَفَلَ عَنْهُ بِهِ كَفِيلٌ صَحَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي حَالِ رِقِّهِ فَكَذَا فِي حَالِ الْمَوْتِ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ حَتَّى جَازَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ وَالْكَفَالَةُ تَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ سَقَطَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ يُبْطِلُ الْمِلْكَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ انْتَقَضَ الْعَقْدُ وَهُنَا الدَّيْنُ بَاقٍ فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ ذِمَّةَ الْكَفِيلِ السَّابِقِ كَفَالَتُهُ خَلَفٌ عَنْ ذِمَّتِهِ فَلَا تَبْطُلُ ذِمَّتُهُ بِالْمَوْتِ وَمِثْلُهُ الرَّهْنُ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَتَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ لِحَقِّ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَقَضَاهُ الْأَلْفَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ صَاحِبُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَلَا يَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، كَمَنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْلَى كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُطَالَبُ بِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَقَضَاهُ) أَيْ قَضَى الرَّجُلَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ الْكَفِيلُ (الْأَلْفَ) الَّتِي كَفَلَ بِهَا (قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الْأَلْفَ (صَاحِبَ الْمَالِ) وَذِكْرُ ضَمِيرِ يُعْطِيَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَالِ أَوْ الْمَكْفُولِ بِهِ لَازِمٌ مِنْ قَوْلِهِ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ وَصَاحِبُ الْمَالِ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لِيُعْطِيَ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ ضَمِيرُ الْمَالِ الْمُقَدَّمُ فِي يُعْطِيَهُ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلرَّجُلِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ (أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا) وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ يَقْضِ الْأَصِيلُ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَأَنَّ الْأَمَانَةَ مَا إذَا كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْكَفِيلِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ إلَى الطَّالِبِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ، وَهَذَا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ) إلْحَاقًا بِالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ لِلسَّاعِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْدَادُهُ شَرْعًا مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ (وَ) الْوَجْهُ الثَّانِي

وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ (وَإِنْ رَبِحَ الْكَفِيلُ فِيهِ فَهُوَ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حِينَ قَبَضَهُ، أَمَّا إذَا قَضَى الدَّيْنَ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا قَضَى الْمَطْلُوبُ بِنَفْسِهِ وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ أُخِّرَتْ الْمُطَالَبَةُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ الْمَطْلُوبَ قَبْلَ أَدَائِهِ يَصِحُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ) أَيْ الْقَابِضَ (مَلَكَهُ) بِالْقَبْضِ عَلَى مَا نَذْكُرُ يُرِيدُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ سَطْرٍ فِي تَعْلِيلِ طَيِّبِ الرِّبْحِ لِلْكَفِيلِ لَوْ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ وَهُوَ قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حِينَ قَبَضَهُ. أَمَّا إذَا قَضَى الدَّيْنَ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا لَوْ قَضَى الْمَطْلُوبُ بِنَفْسِهِ) الدَّيْنَ وَلَمْ يَقْضِ الْكَفِيلُ (وَثَبَتَ) لِلْمَطْلُوبِ (الِاسْتِرْدَادُ) بِمَا دَفَعَ لِلْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ مِلْكِهِ إذَا قَضَى الْأَصِيلُ بِنَفْسِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْكَفِيلَ (وَجَبَ لَهُ) بِمُجَرَّدِ الْكَفَالَةِ (عَلَى الْأَصِيلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ) عَلَى الْكَفِيلِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ (إلَّا) أَيْ لَكِنْ (أُخِّرَتْ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ إلَى أَدَائِهِ فَنَزَلَ) مَا لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ (بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ) وَلَوْ عَجَّلَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ مَلَكَهُ الدَّائِنُ بِقَبْضِهِ فَكَذَا هَذَا (وَلِهَذَا) أَيْ وَالدَّلِيلُ أَنَّ لِلْكَفِيلِ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ مُتَأَخِّرًا أَنَّهُ (لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ الْأَصِيلَ قَبْلَ أَدَائِهِ) أَيْ قَبْلَ أَدَاءِ الْكَفِيلِ (يَصِحُّ) حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَدَّى

فَكَذَا إذَا قَبَضَهُ يَمْلِكُهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ خُبْثٍ نُبَيِّنُهُ فَلَا يُعْمَلُ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ (وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ فَقَبَضَهَا الْكَفِيلُ فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْحُكْمِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ (قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ الْكُرَّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ لَهُ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَازَ أَخْذُ الْكَفِيلِ مِنْ الْأَصِيلِ رَهْنًا بِهِ قَبْلَ أَدَائِهِ (فَكَذَا إذَا قَبَضَهُ يَمْلِكُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ كَانَ بِحَيْثُ يَمْلِكُهُ إذَا قَبَضَهُ، وَإِذَا مَلَكَهُ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ (إلَّا) أَيْ لَكِنْ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (فِيهِ نَوْعُ خُبْثٍ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (نُبَيِّنُهُ) عَنْ قَرِيبٍ (فَلَا يُعْمَلُ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَنْ لَا يَتَعَيَّنُ) وَهُوَ الْأَلْفُ الَّتِي قَضَاهُ إيَّاهَا لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ (وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ) فِي آخِرِ فَصْلٍ فِي أَحْكَامِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ) فَدَفَعَهُ الْأَصِيلُ إلَى الْكَفِيلِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ (فَالرِّبْحُ لَهُ) أَيْ الْكَفِيلِ (لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ) أَيْ مَلَكَ الْكُرَّ، وَإِنَّمَا بَيَّنَهُ فِي ضِمْنِ بَيَانِ أَنَّهُ مَلَكَ الْمَقْبُوضَ (قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ الْكُرَّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) وَلَا شَكَّ أَنَّ ضَمِيرَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ. فَقَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُمَهِّدَ لِنَصْبِ الْخِلَافِ بِذِكْرِ قَوْلِهِمَا حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَاعِلِ قَالَ (وَقَالَا: هُوَ لَهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ) أُخْرَى (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأَصْلِ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (رِوَايَةٌ) ثَالِثَةٌ (أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ)

لَهُمَا أَنَّهُ رَبِحَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَيُسَلِّمُ لَهُ. وَلَهُ أَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخُبْثُ مَعَ الْمِلْكِ، إمَّا لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بِأَنْ يَقْضِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ عَلَى اعْتِبَارِ قَضَاءِ الْكَفِيلِ، فَإِذَا قَضَاهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ وَهَذَا الْخُبْثُ يُعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ فِي رِوَايَةٍ، وَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْخُبْثَ لَحِقَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا جَبْرٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْهُ (لَهُمَا أَنَّهُ رَبِحَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ) فِي ثُبُوتِ مِلْكِهِ مِنْ أَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ إلَخْ (فَيُسَلِّمُ لَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخُبْثَ مَعَ الْمِلْكِ، إمَّا) لِقُصُورِ مِلْكِهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْأَصِيلَ (بِسَبِيلٍ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ بِأَنْ يَقْضِيَ) هُوَ الطَّالِبُ فَيَنْتَقِضُ مِلْكُ الْكَفِيلِ فِيمَا قَبَضَ (أَوْ لِأَنَّهُ) إنَّمَا بِمِلْكٍ (رَضِيَ بِهِ) أَيْ بِمِلْكِ الْكَفِيلِ فِيهِ (عَلَى اعْتِبَارِ قَضَاءِ الْكَفِيلِ، فَإِذَا قَضَاهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ) وَالْوَجْهُ أَنْ يَعْطِفَ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُمَا وَجْهَانِ لَا أَنَّ الْوَجْهَ أَحَدُهُمَا بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ، وَهُوَ قُصُورُ الْمِلْكِ بِسَبَبِ ثُبُوتِ تِلْكَ الْخُبْثِيَّةِ وَعَدَمِ رِضَا الْأَصِيلِ بِمِلْكِ الْكَفِيلِ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ إلَّا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ مُنْتَفٍ (وَهَذَا الْخُبْثُ يُعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ) وَهُوَ الْكُرُّ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالْأَلْفِ مَثَلًا (فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ فِي رِوَايَةٍ، وَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ) أُخْرَى (وَهِيَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْخُبْثَ لَحِقَ الْأَصِيلَ) لَا لَحِقَ الشَّرْعَ فَيَرُدُّهُ إلَيْهِ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ (لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ) وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَوْجَهُ طِيبُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْحَقَّ لَهُ (إلَّا أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا جَبْرٌ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْكَفِيلِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَكَرَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَابَلَةُ الِاسْتِحْبَابِ بِالْحُكْمِ فَقَالَ أَوَّلًا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ: أَيْ فِي الْقَضَاءِ. وَثَانِيًا لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا جَبْرٌ: يَعْنِي لَا يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْبَابِ مَا يُقَابِلُ جَبْرَ الْقَاضِي يَكُونُ الْمَعْنَى لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي وَلَكِنْ يَفْعَلُهُ هُوَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَبْرِ الْقَاضِي عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِحْبَابِ عَدَمُ جَبْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْقَضَاءِ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَيْهِ، وَالْعِبَارَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَأَمَرَهُ الْأَصِيلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا فَفَعَلَ فَالشِّرَاءُ لِلْكَفِيلِ وَالرِّبْحُ الَّذِي رَبِحَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ عَلَيْهِ) وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ تَاجِرٍ عَشَرَةً فَيَتَأَبَّى عَلَيْهِ وَيَبِيعَ مِنْهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا رَغْبَةً فِي نَيْلِ الزِّيَادَةِ لِيَبِيعَهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيَتَحَمَّلَ عَلَيْهِ خَمْسَةً؛ سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِمَذْمُومِ الْبُخْلِ. ثُمَّ قِيلَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِحْسَانُ. قَالَ: وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا قَبَضَهُ الْكَفِيلُ مَمْلُوكٌ لَهُ مِلْكًا فَاسِدًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ لِلْأَصِيلِ اسْتِرْدَادَهُ حَالَ قِيَامِ الْكَفَالَةِ بِقَضَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَقْبُوضِ حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ حُكْمُ مِلْكٍ فَاسِدٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: حَالَ قِيَامِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ وَلَكِنْ تَنْتَهِي كَمَا لَوْ أَدَّى الْكَفِيلُ بِنَفْسِهِ، فَكَانَ الْمَقْبُوضُ مِلْكًا فَاسِدًا مِنْ وَجْهٍ صَحِيحًا مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِلْكًا فَاسِدًا وَرَبِحَ فِيهِ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ أَوْ الرَّدُّ عَلَى الْمَالِكِ، لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لَحِقَهُ فَيَزُولُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ، كَالْغَاصِبِ إذَا أَجَّرَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ رَدَّهُ فَإِنَّ الْأَجْرَ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَكَذَا فِي الْمِلْكِ الْفَاسِدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ صَحِيحًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ وَلَا رَدُّهُ، فَإِذَا فَسَدَ مِنْ وَجْهٍ وَصَحَّ مِنْ وَجْهٍ يَجِبُ التَّصَدُّقُ أَوْ الرَّدُّ عَلَى الْأَصِيلِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ظَاهِرَةً فِي وُجُوبِ رَدِّهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ التَّصَدُّقِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ تَرَجَّحَ الرَّدُّ، هَذَا كُلُّهُ إذَا أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ إلَى الطَّالِبِ فَتَصَرَّفَ وَرَبِحَ صَارَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَطَابَ لَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا عُرِفَ فِيمَنْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ مَالًا وَرَبِحَ فِيهِ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ فِي قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ اسْتَفَادَهُ مِنْ أَصْلٍ خَبِيثٍ وَيَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . (قَوْلُهُ وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ بِأَمْرِهِ فَأَمَرَهُ) أَيْ فَأَمَرَ الْكَفِيلُ (الْأَصِيلَ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا) أَيْ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ حَرِيرًا بِطَرِيقِ الْعِينَةِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ حَرِيرًا بِثَمَنٍ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ لِيَبِيعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِالْأَقَلِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَيَدْفَعَ ذَلِكَ الْأَقَلَّ إلَى بَائِعِهِ فَيَدْفَعَهُ بَائِعُهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْمَدْيُونِ فَيُسَلِّمَ الثَّوْبَ لِلْبَائِعِ كَمَا كَانَ وَيَسْتَفِيدَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ الْأَقَلِّ، وَإِنَّمَا وَسَّطَا الثَّانِيَ تَحَرُّزًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ بِأَنْ يَسْتَقْرِضَ فَيَأْبَى الْمُقْرِضُ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ عَيْنًا تُسَاوِيَ عَشَرَةً مَثَلًا فِي السُّوقِ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَيَفْعَلَ فَيَرْبَحَ الْبَائِعُ دِرْهَمَيْنِ رَغْبَةً عَنْ الْقَرْضِ الْمَنْدُوبُ إلَى الْبُخْلِ وَتَحْصِيلِ غَرَضِهِ مِنْ

هَذَا ضَمَانٌ لِمَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَكَذَا الثَّمَنُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِجَهَالَةِ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْكَفِيلُ وَالرِّبْحُ: أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّبَا بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ هُنَا، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ حَرِيرٌ اذْهَبْ فَاسْتَقْرِضْ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُقْرِضَك فَاشْتَرِ مِنْهُ الْحَرِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، بَلْ الْمَقْصُودُ اذْهَبْ فَاشْتَرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِذَا فَعَلَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ لَهُ فِي الْحَرِيرِ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي يَخْسَرُهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ حَاصِلُهَا (ضَمَانٌ لِمَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ) كَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَمَا خَسِرَ فَعَلَيَّ، وَضَمَانُ الْخُسْرَانِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَضْمُونٍ وَالْخُسْرَانُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى أَحَدٍ، حَتَّى لَوْ قَالَ بَايِعْ فِي السُّوقِ عَلَى أَنَّ كُلَّ خُسْرَانٍ يَلْحَقُك فَعَلَيَّ أَوْ قَالَ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ إنْ أَبَقَ عَبْدُك هَذَا فَعَلَيَّ لَا يَصِحُّ (وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ) وَمَعْنَى عَلَيَّ مُنْصَرِفٌ إلَى الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ يَكُونُ الْبَيْعُ لَهُ فَأَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ لِي فَهُوَ تَوْكِيلٌ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِقْدَارُهُ وَلَا ثَمَنُهُ فَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي حِنْطَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا وَلَا ثَمَنَهَا، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ كَانَ الْحَاصِلُ اشْتَرِ لِي حَرِيرًا لِيَكُونَ ثَمَنُهُ الَّذِي تَبِيعُهُ بِهِ فِي السُّوقِ قَدْرَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْنَا وَهُوَ لَا يُعَيِّنُ قَدْرَ ثَمَنِ الْحَرِيرِ الْمُوَكَّلِ بِشِرَائِهِ بَلْ مَا يُبَاعُ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ (وَكَيْفَمَا) كَانَ تَوْكِيلًا فَاسِدًا أَوْ ضَمَانًا بَاطِلًا (يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْكَفِيلُ وَالرِّبْحُ أَيْ الزِّيَادَةُ) الَّتِي يَخْسَرُهَا (عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ) وَمِنْ صُوَرِ الْعِينَةِ أَنْ يُقْرِضَهُ مَثَلًا خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَبِيعَهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشْرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَيَأْخُذَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْقَرْضَ مِنْهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا عَشْرَةٌ وَثَبَتَ لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ مَتَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبْعَثَ مُتَوَسِّطًا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ بِأَلْفٍ حَالَّةً وَيَقْبِضَهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِأَلْفٍ ثُمَّ يُحِيلَ الْمُتَوَسِّطُ بَائِعَهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ حَالَّةً فَيَدْفَعَهَا إلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ أَلْفَيْنِ عِنْدَ الْحُلُولِ. قَالُوا: وَهَذَا الْبَيْعُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَتَبِعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» وَالْمُرَادُ بِاتِّبَاعِ أَذْنَابِ الْبَقَرِ الْحَرْثُ لِلزِّرَاعَةِ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَتْرُكُونَ الْجِهَادَ وَتَأْلَفُ النَّفْسُ الْجُبْنَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ هَذَا الْبَيْعُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَحَمِدُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ الرِّبَا، حَتَّى لَوْ بَاعَ كَاغِدَةً بِأَلْفٍ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا قَضَى لَهُ عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنَّ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مَقْضِيٌّ بِهِ وَهَذَا فِي لَفْظَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الْأُخْرَى لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ وَهُوَ بِالْقَضَاءِ أَوْ مَالٌ يُقْضَى بِهِ وَهَذَا مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَأْنَفُ كَقَوْلِهِ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك فَالدَّعْوَى مُطْلَقٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا الْبَيْعُ فِي قَلْبِي كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ ذَمِيمٌ اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا، وَقَدْ ذَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» أَيْ اشْتَغَلْتُمْ بِالْحَرْثِ عَنْ الْجِهَادِ وَفِي رِوَايَةٍ «سَلَّطَ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» وَقِيلَ: إيَّاكَ وَالْعِينَةَ فَإِنَّهَا لَعِينَةٌ. ثُمَّ ذَمُّوا الْبِيَاعَاتِ الْكَائِنَاتِ الْآنَ أَشَدَّ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ، حَتَّى قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بِبَلْخٍ لِلتُّجَّارِ: إنَّ الْعِينَةَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ بِيَاعَاتِكُمْ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَكَثِيرٌ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالشَّيْرَجُ وَغَيْرِ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ الْحَالُ فِيهَا عَلَى وَزْنِهَا مَظْرُوفَةً ثُمَّ إسْقَاطُ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ عَلَى الظَّرْفِ وَبِهِ يَصِيرُ الْبَيْعُ فَاسِدًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ بِحُكْمِ الْغَصْبِ الْمُحَرَّمِ فَأَيْنَ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِي كَرَاهَتِهِ، ثُمَّ الَّذِي يَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّ مَا يُخْرِجُهُ الدَّافِعُ إنْ فُعِلَتْ صُورَةٌ يَعُودُ فِيهَا إلَيْهِ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ كَعَوْدِ الثَّوْبِ أَوْ الْحَرِيرِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَكَعَوْدِ الْعَشَرَةِ فِي صُورَةِ إقْرَاضِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَمَكْرُوهٌ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ إلَّا خِلَافُ الْأُولَى عَلَى بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ كَأَنْ يَحْتَاجَ الْمَدْيُونُ فَيَأْبَى الْمَسْئُولُ أَنْ يُقْرِضَ بَلْ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ فَيَشْتَرِيَهُ الْمَدْيُونُ وَيَبِيعَهُ فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ حَالَّةٍ، وَلَا بَأْسَ فِي هَذَا فَإِنَّ الْأَجَلَ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقَرْضُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ دَائِمًا بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ، فَإِنْ تَرَكَهُ بِمُجَرَّدِ رَغْبَةٍ عَنْهُ إلَى زِيَادَةِ الدُّنْيَا فَمَكْرُوهٌ أَوْ لِعَارِضٍ يُعْذَرُ بِهِ فَلَا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْمَوَادِّ وَمَا لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ الْعَيْنُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ لَا يُسَمَّى بَيْعَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَرْجَعَةِ لَا الْعَيْنِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَكُلُّ بَيْعٍ بَيْعُ الْعِينَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا قَضَى لَهُ عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَأَقَامَ) رَجُلٌ (بَيِّنَةً عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا يَقْبَلُ) الْقَاضِي هَذِهِ الْبَيِّنَةَ وَلَا يَقْضِي بِهَا لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يُنْتَصَبْ عَنْهُ خَصْمٌ، إذْ الْكَفِيلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ مَقْضِيٍّ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِمْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك، وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ الذَّوْبَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الذَّوْبُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا (وَالدَّعْوَى مُطْلَقٌ عَنْ ذَلِكَ) وَالْبَيِّنَةُ لَمْ تَشْهَدْ بِقَضَاءِ مَالٍ وَجَبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ كَفِيلًا عَنْ الْغَائِبِ بَلْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ إذْ لَا يُنْتَصَبُ خَصْمًا (وَهَذَا فِي لَفْظَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الْأُخْرَى) وَهِيَ لَفْظَةُ ذَابَ (لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ) وَوَجَبَ (وَهُوَ بِالْقَضَاءِ) بَعْدَ الْكَفَالَةِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنِّي قَدَّمْت الْغَائِبَ إلَى قَاضِي كَذَا وَأَقَمْت عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِكَذَا

(وَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَعَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يُقْضَى عَلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْكَفَالَةِ وَقَضَى لِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ صَارَ كَفِيلًا، وَصَحَّتْ الدَّعْوَى وَقَضَى عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ لِصَيْرُورَتِهِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً. وَقَدَّمْنَا مِنْ مَسَائِلِ الذَّوْبِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ، وَلَوْ ضَمِنَ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ أَوْ دَايَنَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ فَغَابَ الْمَطْلُوبُ فَيَرْهَنُ الطَّالِبُ عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّهُ كَفَلَ بِهِ وَقَدْ دَايَنَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ بَعْدَهُ وَجَحَدَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ قَضَى عَلَى الْكَفِيلِ وَالْغَائِبِ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ الضَّمَانَ مُقَيَّدٌ بِصِفَةٍ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَيُنْتَصَبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْهُ فَيَقَعُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَجَاءَ الطَّالِبُ بِالْكَفِيلِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَنَّ هَذَا كَفَلَ لَهُ بِأَمْرِ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ فَإِنِّي أَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ بِالْمَالِ عَلَى هَذَا وَعَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْغَائِبِ قَضَيْت بِالْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ بِخَصْمٍ

وَإِنَّمَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مُطْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِالْأَمْرِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُمَا يَتَغَايَرَانِ، لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِأَمْرٍ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ وَمُعَاوَضَةُ انْتِهَاءٍ، وَبِغَيْرِ أَمْرٍ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ وَانْتِهَاءٍ، فَبِدَعْوَاهُ أَحَدَهُمَا لَا يُقْضَى لَهُ بِالْآخَرِ، وَإِذَا قُضِيَ بِهَا بِالْأَمْرِ ثَبَتَ أَمْرُهُ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْغَائِبِ انْتَهَى. يَعْنِي فَلَا يَقَعُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَإِنَّمَا خَصَّ قَوْلَهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا لَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا. (وَإِنَّمَا قُبِلَتْ) هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ تُقْبَلْ فِيمَا قَبْلَهَا (لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ) هُنَا (مَالٌ مُطْلَقٌ) وَدَعْوَى الْمُدَّعِي مُطْلَقَةٌ أَيْضًا فَصَحَّتْ فَقُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى (بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا) لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ هُنَاكَ مَالٌ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ وُجُوبِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِخُصُوصِ كَمِّيَّةٍ وَلَمْ يُطَابِقْهَا دَعْوَى لِلْمُدَّعِي وَلَا الْبَيِّنَةُ (وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ) الْقَضَاءُ (بِالْأَمْرِ وَعَدَمِهِ) حَتَّى يَقَعَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا فِي الْأَمْرِ فَيَرْجِعَ الْكَفِيلُ، وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِهِ وَعَلَى الْكَفِيلِ وَحْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ فَلَا يَرْجِعُ (لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْكَفَالَةَ بِالْأَمْرِ وَبِغَيْرِ الْأَمْرِ (يَتَغَايَرَانِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْأَمْرِ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ وَمُعَاوَضَةُ انْتِهَاءٍ، وَبِغَيْرِ الْأَمْرِ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ وَانْتِهَاءٍ فَدَعْوَاهُ أَحَدَهُمَا) وَهُوَ مُجَرَّدُ التَّبَرُّعِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً (لَا يُقْضَى لَهُ بِالْآخَرِ) وَهُوَ الْمُعَاوَضَةُ لِيَثْبُتَ لَهُ الرُّجُوعُ وَيَكُونَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ (وَإِذَا قُضِيَ بِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ (بِالْأَمْرِ ثَبَتَ أَمْرُهُ) أَيْ أَمْرُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. (وَأَمْرُهُ يَتَضَمَّنُ

الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَمَسُّ جَانِبَهُ لِأَنَّهُ تَعْتَمِدُ صِحَّتُهَا قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْآمِرِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ فَقَدْ ظَلَمَ فِي زَعْمِهِ فَلَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ مَا زَعَمَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإقْرَارَ الْأَصِيلِ بِالْمَالِ) إذْ لَا يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ إلَّا وَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ عَلَيْهِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ دَيْنًا (فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) فَإِنَّهَا (لَا تَمَسُّ جَانِبَهُ) أَيْ جَانِبَ الْأَصِيلِ (لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ) بِلَا أَمْرِ الْمَكْفُولِ (إنَّمَا تَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْأَصِيلِ) إذْ زَعْمُهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ (ثُمَّ فِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْآمِرِ) حَيْثُ ثَبَتَ الْأَمْرُ (وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ فَقَدْ ظَلَمَ فِي زَعْمِهِ فَلَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ) وَهُوَ الْأَصِيلُ (وَنَحْنُ نَقُولُ) قَدْ (صَارَ) الْكَفِيلُ فِي إنْكَارِهِ الدَّيْنَ عَلَى الْأَصِيلِ (مُكَذَّبًا شَرْعًا) بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِهِ (فَيَبْطُلُ زَعْمُهُ) فَيَثْبُتُ حُكْمُ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ، وَهَذَا كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَ. وَاسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَبَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ إنْكَارِهِ الْعَيْبَ؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَمْ يَبْطُلْ زَعْمُهُ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَرُدُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا عَيْبَ فِيهِ نَفْيٌ لِلْعَيْبِ فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي، وَالْقَاضِي إنَّمَا كَذَّبَهُ فِي قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ قِيَامَ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَيْسَ شَرْطًا لِلرَّدِّ عَلَى الثَّانِي. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَقَالَ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: كَفَلْت بِمَالِك عَلَى فُلَانٍ، أَوْ مُقَيَّدَةً نَحْوُ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك عَنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَالْقَضَاءُ عَلَى الْكَفِيلِ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصِيلِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الْكَفِيلِ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِهِ عَلَى الْأَصِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْكَفِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْأَصِيلِ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ حَقًّا لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ. قَالَ مَشَايِخُنَا: وَهَذَا طَرِيقُ مَنْ أَرَادَ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالْكَفِيلِ اتِّصَالٌ، وَكَذَا إذَا خَافَ الطَّالِبُ مَوْتَ الشَّاهِدِ بِتَوَاضُعٍ مَعَ رَجُلٍ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ مِثْلَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ فَيُقِرُّ الرَّجُلُ بِالْكَفَالَةِ وَيُنْكِرُ الدَّيْنَ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ فَيُقْضَى بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ ثُمَّ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ، وَكَذَا الْحَوَالَةُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا

قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَكَفَلَ رَجُلٌ عَنْهُ بِالدَّرَكِ فَهُوَ تَسْلِيمٌ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِهِ، ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ دُونَ الْكَفَالَةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ؛ كَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَادَّعَى الْمَقْذُوفُ الْحَدَّ فَقَالَ الْقَاذِفُ: قَذَفْته وَهُوَ عَبْدٌ فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِفُلَانٍ وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ قُضِيَ بِعِتْقِهِ عَلَى فُلَانٍ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا وَهُوَ الْحَدُّ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى إثْبَاتِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ فَصَارَ الْقَاذِفُ خَصْمًا عَنْ فُلَانٍ سَيِّدِ الْعَبْدِ الْغَائِبِ وَيَثْبُتُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ رَجُلٌ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: أَنَا ضَامِنٌ لِدَيْنِك إنْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ أَقَامَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ كَفَالَةِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَقَضَاءٌ لِلْغَائِبِ، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ اسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا فَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَهُوَ تَسْلِيمٌ) وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ هُوَ قَبُولُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَقَوْلُهُ تَسْلِيمٌ: أَيْ تَصْدِيقٌ مِنْ الْكَفِيلِ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الْبَائِعِ، فَلَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، إذْ لَوْ صَحَّتْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْكَفِيلِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَلَا يُفِيدُ. وَأَيْضًا (فَالْكَفَالَةُ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ) بِأَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَكْفُلَ لَهُ (فَتَمَامُ الْبَيْعِ بِقَبُولِهِ) أَيْ بِقَبُولِ الْكَفِيلِ (ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ) وَلِهَذَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لَوْ كَانَ الْكَفِيلُ شَفِيعًا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ عَقْدُ الْكَفَالَةِ (مَشْرُوطًا فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ إلَّا بِالْكَفَالَةِ) تَسْكِينًا لِقَلْبِهِ (فَيَنْزِلُ) عَقْدُ الْكَفَالَةِ (مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ) وَإِلَّا كَانَ تَغْرِيرًا فَلَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ إيَّاهُ أَصْلًا بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا إذَا كَفَلَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكْفُلْ وَلَكِنْ شَهِدَ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ ادَّعَاهَا بَعْدَ شَهَادَتِهِ إنْ كَانَ رَسْمٌ مَكْتُوبًا عَلَى الصَّكِّ وَفِي الصَّكِّ مَا يُفِيدُ الِاعْتِرَافَ بِمِلْكِ الْبَائِعِ مِثْلُ بَاعَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ جَمِيعَ الدَّارِ الْجَارِيَةِ فِي مِلْكِهِ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا ثُمَّ كَتَبَ بِذَلِكَ أَوْ كَتَبَ جَرَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ جَمِيعَ الدَّارِ أَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ بِحَضْرَتِي وَالشِّرَاءِ ثُمَّ كَتَبَ شَهِدْت بِذَلِكَ أَوْ كَتَبَ جَرَى ذَلِكَ لَا تُمْنَعُ دَعْوَاهُ فِيهَا، فَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ

[فصل في الضمان]

قَالَ (وَلَوْ شَهِدَ وَخَتَمَ وَلَمْ يَكْفُلْ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ وَلَا هِيَ بِإِقْرَارٍ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَرَّةً يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْحَادِثَةَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، قَالُوا: إذَا كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا وَهُوَ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَهُوَ تَسْلِيمٌ، إلَّا إذَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. (فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ) قَالَ (وَمَنْ بَاعَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا وَضَمِنَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ مُضَارِبٌ ضَمِنَ ثَمَنَ مَتَاعِ رَبِّ الْمَالِ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ إلَيْهِمَا فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَادِثَةَ لِيَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ، وَقَوْلُهُ (وَخَتَمَ) هُوَ أَمْرٌ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ إذَا كَتَبَ اسْمَهُ فِي الصَّكِّ جَعَلَ اسْمَهُ تَحْتَ رَصَاصٍ مَكْتُوبٍ وَوَضَعَ نَقْشَ خَاتَمِهِ كَيْ لَا يَطْرُقَهُ التَّبْدِيلُ، وَلَيْسَ هَذَا فِي زَمَانِنَا. [فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ] (فَصْلٌ فِي الضَّمَانِ) الضَّمَانُ هُوَ الْكَفَالَةُ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ مَسَائِلَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذُكِرَتْ فِيهِ بِلَفْظِ الضَّمَانِ أَوْرَدَهَا مُتَرْجَمَةً بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا) اللَّامُ فِي لِرَجُلٍ لَامُ الْمِلْكِ: أَيْ بَاعَ ثَوْبًا هُوَ لِرَجُلٍ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَنْهُ فِي بَيْعِهِ (وَضَمِنَ) الْوَكِيلُ (لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الْمَالِكِ (الثَّمَنَ أَوْ مُضَارِبٌ ضَمِنَ ثَمَنَ مَتَاعٍ لِرَبِّ الْمَالِ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ) وَهِيَ الضَّمَانُ (الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَالْمُطَالَبَةُ إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ (فَيَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِنَفْسِهِ) فَيَصِيرُ مُطَالَبًا، وَهَذَا لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِمَا، حَتَّى لَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي مَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ

وَلِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي أَيْدِيهِمَا وَالضَّمَانُ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِهِ عَلَى الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ (وَكَذَا رَجُلَانِ بَاعَا عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الضَّمَانُ مَعَ الشَّرِكَةِ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ خَاصَّةً يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَرَّ، وَلَوْ حَلَفَ مَا لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَنِثَ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ الْمَهْرَ لَهَا عَنْ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ فَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَا سَلَفَ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ. (وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ) فَلَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا وَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ لِاسْتِلْزَامِهِ تَغْيِيرَ حُكْمِ الشَّرْعِ وَصَارَ (كَاشْتِرَاطِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ أَيْضًا فِيمَا (إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا) مَثَلًا بَيْنَهُمَا (صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الضَّمَانُ مَعَ الشَّرِكَةِ) بِأَنْ ضَمِنَ نِصْفَ الثَّمَنِ مُطْلَقًا (يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ) لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَمَا يَسْتَحِقُّ بِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، فَمَا يُؤَدِّيهِ الضَّامِنُ لِلشَّرِيكِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ عَلَى الشَّرِيكِ فَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ حُكْمُ الْأَدَاءِ فِي مِقْدَارِهِ مَا وَقَعَ الرُّجُوعُ فِيهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَّا الْبَاقِيَ فَكَانَ لِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْبَاقِي ثُمَّ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ أَوْ يَبْقَى الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ فَظَهَرَ لُزُومُ بُطْلَانِ الضَّمَانِ مِنْ حَيْثُ صَحَّ (وَلَوْ كَانَ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ خَاصَّةً يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةُ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهَا إفْرَازٌ، وَلَا يُمْكِنُ إلَّا فِي عَيْنٍ خَارِجِيَّةٍ، وَالدَّيْنُ وَصْفٌ اعْتِبَارِيٌّ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الثَّانِي

بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَا بِصَفْقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَيَقْبِضَ إذَا نَقَدَ ثَمَنَ حِصَّتِهِ وَإِنْ قَبِلَ الْكُلَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ يَجُوزُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَيْنِ يَجُوزُ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ فَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَحَّ هَذَا يَكُونُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ الْمَضْمُونِ لَهُ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ هَذَا: وَلَكِنَّ التَّعْوِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يُرِيدُ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ بُطْلَانِ الضَّمَانِ حَيْثُ صَحَّ، لَكِنْ بَعْدَ مَا صَارَ الْوَجْهُ مُرَدَّدًا بَيْنَ كَوْنِ الضَّمَانِ بِنِصْفٍ شَائِعٍ أَوْ بِنِصْفِ شَرِيكِهِ وَبَطَلَ الْأَوَّلُ بِمَا ذَكَرَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَخْتَارَ الثَّانِيَ وَيَدْفَعَ لَازِمُهُ الْبَاطِلَ بِمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ شِرَائِهِ بِحِصَّتِهِ وَبَيْنَ ضَمَانِهَا، أَوْ يَخُصَّ الْبُطْلَانَ بِمَا إذَا أُرِيدَ ضَمَانُ النِّصْفِ شَائِعًا وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ صَفْقَتَيْنِ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الشَّرِيكَانِ الْعَبْدَ صَفْقَتَيْنِ بِأَنْ بَاعَ هَذَا نَصِيبَهُ عَلَى حِدَتِهِ، وَهَذَا كَذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ نَصِيبَهُ أَوْ بَاعَا مَعًا وَسَمَّيَا لِكُلِّ نَصِيبٍ ثَمَنًا ثُمَّ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا صَحَّ الضَّمَانُ (لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ) بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الشَّرْعِ بِذَلِكَ، وَلِذَا لَوْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي

قَالَ (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ وَنَوَائِبَهُ وَقِسْمَتَهُ فَهُوَ جَائِزٌ. أَمَّا الْخَرَاجُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ) يُخَالِفُ الزَّكَاةَ، لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ وَلِهَذَا لَا تُؤَدَّى بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فِيمَا إذَا بَاعَا مَعًا دُونَ الْآخَرِ صَحَّ، وَلَوْ قَبِلَ الْكُلُّ ثُمَّ نَقَدَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا مَلَكَ قَبْضَ نَصِيبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي الثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَعَادَ مَعَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ لَفْظَةَ الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ عَلَى مَا سَلَفَ فِي الْبَيْعِ. قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: وَلَوْ تَبَرَّعَ يَعْنِي الشَّرِيكُ بِالْأَدَاءِ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ جَازَ تَبَرُّعُهُ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ يَصِيرُ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الْمُشَارَكَةِ فَيَصِحُّ وَجَوَازُ التَّبَرُّعِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ أَسْرَعُ جَوَازًا مِنْ الْكَفَالَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ وَنَوَائِبَهُ وَقِسْمَتَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، أَمَّا الْخَرَاجُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ وَالرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَانِ فِي الْخَرَاجِ (وَهُوَ يُخَالِفُ الزَّكَاةَ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ) هُوَ تَمْلِيكُ طَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ مُقَدَّرَةً لَا دَيْنَ ثَابِتَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ اسْمٌ لِمَالٍ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَتْلَفَهُ أَوْ قَرْضٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ مَبِيعٍ عَقَدَ بَيْعَهُ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَقَدَ عَلَيْهَا مِنْ بُضْعِ امْرَأَةٍ وَهُوَ الْمَهْرُ أَوْ اسْتِئْجَارِ عَيْنٍ، وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ إيجَابُ إخْرَاجِ مَالٍ ابْتِدَاءً بَدَلًا عَنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِدَيْنٍ حَقِيقِيٍّ، وَلَوْ وَجَبَتْ فِي نِصَابٍ مُسْتَهْلَكٍ وَإِنَّمَا لَهَا شَبَهُ الدَّيْنِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الذَّبِّ عَنْ حَوْزَةِ الدَّيْنِ وَحِفْظِهِ فَكَانَ كَالْأُجْرَةِ، وَقَدْ قُيِّدَتْ الْكَفَالَةُ بِمَا إذَا كَانَ خَرَاجًا مُوَظَّفًا لِإِخْرَاجِ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ مَا يَجِبُ فِيمَا يَخْرُجُ فَإِنَّهُ غَيْرُ

وَأَمَّا النَّوَائِبُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَأَجْرِ الْحَارِسِ وَالْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى وَغَيْرِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهَا عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ فِي زَمَانِنَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَمِمَّنْ يَمِيلُ إلَى الصِّحَّةِ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ، وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ مَا يَنُوبُهُ غَيْرُ رَاتِبٍ وَالْحُكْمُ مَا بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ. (وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ) لِلْعَامَّةِ (وَأُجْرَةِ الْحَارِسِ) لِلْمَحَلَّةِ الَّذِي يُسَمَّى فِي دِيَارِ مِصْرَ الْخَفِيرُ (وَالْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ) فِي حَقِّ (وَفِدَاءِ الْأَسَارَى) إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ (وَغَيْرِهَا) مِمَّا هُوَ بِحَقٍّ (فَالْكَفَالَةُ بِهِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُوسِرٍ بِإِيجَابِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَلْزَمْ بَيْتَ الْمَالِ أَوْ لَزِمَهُ وَلَا شَيْءَ فِيهِ (وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ) الْمُوَظَّفَةِ عَلَى النَّاسِ (فِي زَمَانِنَا) بِبِلَادِ فَارِسٍ عَلَى الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمْ لِلسُّلْطَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا ظُلْمٌ. فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِهَا، فَقِيلَ: تَصِحُّ إذْ الْعِبْرَةُ فِي صِحَّةِ الْكَفَالَةِ وُجُودُ الْمُطَالَبَةِ إمَّا بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فَهُوَ مَأْجُورٌ، وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْكَفَالَةَ ضَمٌّ فِي الدَّيْنِ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا هَاهُنَا، وَمَنْ قَالَ فِي الْمُطَالَبَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ بِصِحَّتِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ مَعْنَاهُ أَوْ مُطْلَقًا (وَمِمَّنْ يَمِيلُ إلَى الصِّحَّةِ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ) يُرِيدُ فَخْرَ الْإِسْلَامِ، أَمَّا أَخُوهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فَأَبَى صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِهَا (وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقِيلَ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا) إذَا قَسَمَهَا الْإِمَامُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى كَوْنِ الرِّوَايَةِ قَسَمَ بِلَا هَاءٍ، لِأَنَّ قِسْمَةً فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى قَسَمَ، قَالَ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] إذْ لَا مَعْنَى لِضَمَانِ حَقِيقَةِ الْقِسْمَةِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، لَكِنْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ يَنْبَغِي كَوْنُ الرِّوَايَةِ بِالْوَاوِ لِيَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ بِأَوْ (وَقِيلَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ) مَا هُوَ (مِنْهَا غَيْرُ رَاتِبٍ) فَتَغَايَرَا (وَالْحُكْمُ) يَعْنِي فِي الْقِسْمَيْنِ (مَا بَيَّنَّاهُ) مِنْ الصِّحَّةِ فِي أَحَدِهِمَا وَالْخِلَافِ فِي الْأُخْرَى، ثُمَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: الْأَفْضَلُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ

(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ) ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَمَنْ قَالَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُسَاوِيَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ فِي إعْطَاءِ النَّائِبَةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا كَانَ فِي ذَاكَ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْجَائِحَةِ وَالْجِهَادِ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَأَكْثَرُ النَّوَائِبِ تُؤْخَذُ ظُلْمًا، وَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِعْطَاءَ فَلْيُعْطِ مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقِيرٍ يَسْتَعِينُ بِهِ الْفَقِيرُ عَلَى الظُّلْمِ وَيَنَالُ الْمُعْطِي الثَّوَابَ. وَقَوْلُهُ وَالْحُكْمُ مَا بَيَّنَّاهُ يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْكَفَالَةَ فِيمَا كَانَ بِحَقٍّ جَائِزٍ وَبِغَيْرِ حَقٍّ فِيهَا خِلَافٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ) الْمُرَادُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِرَجُلٍ فَاعْتَرَفَ بِالدَّيْنِ الْمُقَرِّ لَهُ وَأَنْكَرَ الْأَجَلَ الْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ

ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْخِيَارِ، أَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَنَوْعٌ مِنْهَا حَتَّى يَثْبُتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَلْحَقَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ أَلْحَقَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي وَالْفَرْقُ قَدْ أَوْضَحْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَرَّ بِكَفَالَةٍ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَاعْتَرَفَ الْمُقَرُّ لَهُ وَأَنْكَرَ الْأَجَلَ الْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ أَلْحَقَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي فَجَعَلَ الْقَوْلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِلْمُقِرِّ. وَلِأَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ حَيْثُ أَلْحَقَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ فَجَعَلَ الْقَوْلَ فِيهِمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَمَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ مِنْ عَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَلْحَقَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ وَأَبُو يُوسُفَ قَلَبَهُ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ نَوْعَانِ: حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ. فَاعْتِرَافُهُ بِالْمُؤَجَّلِ اعْتِرَافٌ بِنَوْعٍ كَالِاعْتِرَافِ بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ أَوْ جَيِّدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ النَّوْعَ الْآخَرَ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ كَالْكَفِيلِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْأَجَلَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا فِي الْأَوَّلِ وَصَارَ الْأَجَلُ كَالْخِيَارِ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ فِي إنْكَارِهِ الْخِيَارَ. وَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالدَّيْنِ أَقَرَّ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِّ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بَدَلًا عَنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ مُسْتَحِقِّهِ فِي الْحَالِّ إلَّا بِبَدَلٍ فِي الْحَالِّ، فَكَانَ الْحُلُولُ الْأَصْلَ وَالْأَجَلُ عَارِضٌ فَكَانَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ مَعْرُوضًا لِعَارِضٍ لَا نَوْعًا (ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ حَقًّا وَهُوَ تَأْخِيرُهَا) وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ (وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ) عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ بَلْ بِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ شَهْرٍ وَالْمَكْفُولُ لَهُ يَدِّعِيهَا فِي الْحَالِّ وَالْكَفِيلُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمُطَالَبَةِ يَتَنَوَّعُ إلَى الْتِزَامِهَا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ وَالدَّرَكِ، فَإِنَّمَا أَقَرَّ بِنَوْعٍ مِنْهُمَا فَلَا يَلْزَمُ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَإِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لِقِلَّةِ وُجُودِهَا فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ، وَهَذَا مُخَلِّصٌ مِمَّنْ ادَّعَى مَالًا وَهُوَ مُؤَجَّلٌ فِي الْوَاقِعِ.

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتَحَقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْكَفِيلَ حَتَّى يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ رَدُّ الثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْكَفِيلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ يَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَوْضِعُهُ أَوَائِلُ الزِّيَادَاتُ فِي تَرْتِيبِ الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ مُؤَجَّلًا لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ أَنْكَرَ يَكُونُ كَاذِبًا وَخَافَ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ كَذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْأَجَلِ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي هَذَا الْمَالُ الَّذِي تَدَّعِيهِ مُؤَجَّلٌ أَمْ مُعَجَّلٌ، فَإِنْ قَالَ: مُؤَجَّلٌ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ قَالَ: مُعَجَّلٌ فَيُنْكِرُ وَهُوَ صَادِقٌ. وَفِي الْعُيُونِ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا حَلَفَ مَا لَهُ الْيَوْمَ قَبْلَهُ شَيْءٌ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إنْ كَانَ لَا يَقْصِدُ بِهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتَحَقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْكَفِيلَ) وَفَاعِلُ يَأْخُذُ ضَمِيرُ مَنْ وَالْكَفِيلُ مَفْعُولٌ: يَعْنِي لَمْ يُطَالِبْهُ (حَتَّى يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ) أَوْ الْقَضَاءِ بِهِ وَبِالْمَبِيعِ (لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ) أَيْ لَا يَنْفَسِخُ (عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَاحْتَرَزَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ رِوَايَةِ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَوَجَّهَ عَلَى الْبَائِعِ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَبِالضَّرُورَةِ لَا يَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَاسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِ الثَّانِي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الثَّمَنُ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُضِيَ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْبَيْعِ فَيَكُونُ اسْتِحْقَاقًا مُبْطِلًا لِلْمِلْكِ رَأْسًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ نَاقِلٌ لِلْمِلْكِ فَمَحَلِّيَّتُهُ لِلْمِلْكِ بَاقِيَةٌ وَاحْتِمَالُ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْبَيْعِ الْقَائِمِ ثَابِتٌ، فَمَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ يَبْقَى الْمِلْكُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُضِيَ عَلَى الْبَائِعِ بِرَدِّ الثَّمَنِ لِارْتِفَاعِهِ حِينَئِذٍ. وَصَحَّحَ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُجِيزَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَبَعْدَ قَبْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَالرُّجُوعُ بِالْقَضَاءِ يَكُونُ فَسْخًا. ثُمَّ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُبْطِلِ دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ وَدَعْوَى الْوَقْفِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ مَسْجِدًا، وَيُشَارِكُ الِاسْتِحْقَاقُ النَّاقِلُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْعَلُ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَمَنْ تَمَلَّكَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ جِهَتِهِ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِمْ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعَةِ فِي النَّاقِلِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى كَفِيلِ الدَّرَكِ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَأَسْلَفْنَا مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِحْقَاقِ جُمْلَةً. وَقَوْلُهُ (وَمَوْضِعُهُ) أَيْ الِاسْتِحْقَاقِ (أَوَائِلُ الزِّيَادَاتِ فِي تَرْتِيبِ الْأَصْلِ) يُرِيدُ تَرْتِيبَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِبَابِ الْمَأْذُونِ، وَاحْتَرَزَ بِالْأَصْلِ عَنْ تَرْتِيبِهَا الْكَائِنِ الْآنَ فَإِنَّهُ تَرْتِيبُ

(وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ بِالْعُهْدَةِ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ) لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُشْتَبِهَةٌ قَدْ تَقَعُ عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى حُقُوقِهِ وَعَلَى الدَّرَكِ وَعَلَى الْخِيَارِ، وَلِكُلِّ ذَلِكَ وَجْهٌ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا، بِخِلَافِ الدَّرَكِ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ عُرْفًا، وَلَوْ ضَمِنَ الْخَلَاصَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْلِيصِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِهِ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَكِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْبَيْعِ أَوْ قِيمَتِهِ فَصَحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزَّعْفَرَانِيِّ تِلْمِيذِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ غَيَّرَ تَرْتِيبَ مُحَمَّدٍ إلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ بِالزِّيَادَاتِ لِأَنَّ أُصُولَ أَبْوَابِهِ مِنْ أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ مُحَمَّدٌ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْبَابَ مِنْ كَلَامِ أَبِي يُوسُفَ أَصْلًا ثُمَّ يَزِيدُ عَلَيْهِ تَفْرِيعًا تَتْمِيمًا لَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ بِالْعُهْدَةِ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُشْتَبِهَةُ) الْمُرَادِ فَإِنَّهَا (تُقَالُ لِلصَّكِّ الْقَدِيمِ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: هُوَ كِتَابُ الشِّرَاءِ وَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مِلْكَهُ، وَفِي بِلَادِنَا يُقَالُ لِخَاصٍّ مِنْهُ وَهُوَ مَكْتُوبُ شِرَاءِ الْجَوَارِي، وَتُقَالُ لِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ مِنْ الْعَهْدِ كَالْعُقْدَةِ مِنْ الْعَقْدِ، وَالْعَهْدُ وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ، وَتُقَالُ عَلَى حُقُوقِ الْعَقْدِ لِأَنَّهَا ثَمَرَاتُهُ وَعَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، وَهِيَ فِي الْحَدِيثِ «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ، وَلِكُلِّ ذَلِكَ وَجْهٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ، وَإِذَا تَعَدَّدَتْ الْمَفَاهِيمُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا قَبْلَ الْبَيَانِ (بِخِلَافِ) ضَمَانِ (الدَّرَكِ فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ عُرْفًا) فَلَا تَعَذُّرَ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ هُوَ ضَمَانُ الدَّرَكِ (وَلَوْ ضَمِنَ الْخَلَاصَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْلِيصِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِهِ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَكِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ (أَوْ) تَسْلِيمُ (قِيمَتِهِ) وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ

[باب كفالة الرجلين]

(بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ) (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى اثْنَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَفَلَ كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْسِيرَ الْخَلَاصِ وَالدَّرَكِ وَالْعُهْدَةِ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: يَعْنِي فَيَكُونُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ الدَّرَكِ عِنْدَهُمَا تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ، فَتَمَّتْ الْأَلْفَاظُ ثَلَاثَةً: ضَمَانُ الدَّرَكِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَضَمَانُ الْخَلَاصِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ فِي شُرُوطِهِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ كَانَا يَكْتُبَانِ فِي الشُّرُوطِ: فَمَا أَدْرَكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ أَوْ رَدُّ الثَّمَنِ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَدَّ الثَّمَنِ يَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَبْقَى الضَّمَانُ بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا ذُكِرَ ضَمَانُ الْخَلَاصِ مُطْلَقًا، أَمَّا إذَا قَالَ: خَلَاصُ الْمَبِيعِ أَوْ رَدُّ الثَّمَنِ أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ وَاتَّفَقَا عَلَى إرَادَتِهِ فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. [بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ]

وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا يُؤَدِّيهِ عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَفِيلٌ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ وَبِحَقِّ الْكَفَالَةِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَيْنٌ وَالثَّانِيَ مُطَالَبَةٌ، ثُمَّ هُوَ تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ فَيَقَعُ عَنْ الْأَوَّلِ، وَفِي الزِّيَادَةِ لَا مُعَارَضَةَ فَيَقَعُ عَنْ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّ أَدَاءَ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا نَزَلَ هَذَا مِمَّا قَبْلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ ذَكَرَهُ عَقِيبَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى اثْنَيْنِ بِأَنْ اشْتَرَيَا مَعًا عَبْدًا بِأَلْفٍ) أَوْ اقْتَرَضَا مَعًا (وَكَفَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا يُؤَدِّيهِ عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعَ بِالزَّائِدِ لِ) وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا (أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَفِيلٌ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ وَ) مَا عَلَيْهِ (بِحَقِّ الْكَفَالَةِ) لِقُوَّةِ الْأَوَّلِ وَضَعْفِ الثَّانِي (لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَيْنٌ) عَلَيْهِ. (وَالثَّانِيَ مُطَالَبَةٌ) بِلَا دَيْنٍ (ثُمَّ هُوَ تَابِعٌ) فَوَجَبَ صَرْفُ الْمُؤَدِّي عَنْ الْأَقْوَى تَقْدِيمًا لَهُ عَلَى الْأَضْعَفِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَالْعَادَةِ. لَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الدَّيْنَ عَلَى الْكَفِيلِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ يَكُونُ الْمُؤَدِّي بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِهَذَا إلَّا أَنْ يَصْرِفَهُ بِنِيَّتِهِ أَوْ بِلَفْظِهِ إلَى أَحَدِهِمَا. لِأَنَّا نَقُولُ: الْحُكْمُ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عِنْدَنَا، فَإِنَّ الدَّيْنَ الثَّابِتَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ لَيْسَ بِقُوَّةِ الْكَائِنِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا اشْتَرَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ كَفَلَ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ. وَأَيْضًا لَوْ اشْتَرَى الْمَرِيضُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ، وَلَوْ كَفَلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يُصْرَفُ بِنِيَّتِهِ. قُلْنَا: التَّعْيِينُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ وَهَذَا دَيْنٌ وَاحِدٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ نِصْفُ الدَّيْنِ بِقَرْضٍ مَثَلًا وَنِصْفُهُ بِبَيْعٍ وَعَيْنٍ صَحَّ إذْ فِي الْجِنْسَيْنِ يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُفِيدٌ. ثَانِيهِمَا (أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ) لِلْكَفَالَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِهِ (فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ) بِعَيْنِ مَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ الْمُؤَدِّي (لِأَنَّ أَدَاءَ نَائِبِهِ) يَعْنِي كَفِيلَهُ بِأَمْرِهِ (كَأَدَائِهِ

فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ (وَإِذَا كَفَلَ رَجُلَانِ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّحِيحِ أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِالْكُلِّ عَنْ الْأَصِيلِ وَبِالْكُلِّ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَعَدِّدَةٌ فَتَجْتَمِعُ الْكَفَالَتَانِ عَلَى مَا مَرَّ وَمُوجِبُهَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْكَفِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَفْسِهِ) ، وَلَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ يَرْجِعُ فَكَذَا بِنَائِبِهِ، لَكِنْ إذَا جَعَلَهُ كُلَّهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَنَقُولُ بِذَلِكَ لِيَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَا رَجَعَ بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا بِنِصْفِ مَا رَجَعَ بِهِ صَاحِبُهُ. بَيَانُهُ أَدَّى الْأَوَّلُ مِائَتَيْنِ يَرْجِعُ بِنِصْفِهَا لِأَنَّهُ فِي إحْدَى الْمِائَتَيْنِ أَصِيلٌ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَقْدِرْ صَاحِبُهُ أَنْ يَرْجِعَ بِكِلْتَيْهِمَا إلَّا إذَا اعْتَبَرَ نَفْسَهُ مُؤَدِّيًا كُلَّهَا عَنْ صَاحِبِهِ الْمُؤَدِّي حَقِيقَةً وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِنِصْفِهَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا حَقِيقَةً بِنَفْسِهِ انْصَرَفَ مِنْهَا خَمْسُونَ إلَى مَا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَخَمْسُونَ إلَى مَا عَلَيْهِ كَفَالَةً، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَالَةِ (فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ) وَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مُمْتَنِعٌ فَيَمْتَنِعُ رُجُوعُهُ فَلَمْ يَقَعْ عَنْ صَاحِبِهِ وَإِلَّا تَغَيَّرَ حُكْمُ الشَّرْعِ، إذْ الْوُقُوعُ عَنْ صَاحِبِهِ حُكْمُهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلدَّوْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الدَّوْرِ فَإِنَّهُ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَرُجُوعُ الْمُؤَدِّي لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى رُجُوعِ صَاحِبِهِ، بَلْ إذَا رَجَعَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي مَالٍ وَاحِدٍ بَلْ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، فَإِذَا رَجَعَ الْآخَرُ اسْتَفَادَهُ أَوْ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ، كَذَا الْأَوَّلُ فَاللَّازِمُ فِي الْحَقِيقَةِ التَّسَلْسُلُ فِي الرُّجُوعَاتِ بَيْنَهُمَا فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ بَاطِلٌ لِأَنَّ رُجُوعَ الْمُؤَدِّي عَنْهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَوِّغَهُ شَرْعًا اعْتِبَارُ الْمُؤَدِّي عَنْهُ أَنَّهُ أَدَّى بِنَفْسِهِ وَاحْتَسَبَهُ عَنْ الْمُؤَدِّي؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ بَاطِلٌ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْمُؤَدِّيَ عَنْهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَدِّي عَنْهُ بِمِثْلِ مَا أَدَّى إلَى الطَّالِبِ، وَهُوَ نَقِيضُ مَا يُقْطَعُ بِهِ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الْمُؤَدِّيَ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَدِّي عَنْهُ بِمِثْلِ مَا أَدَّى، وَكَيْفَ يَكُونُ أَدَاءُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ سَبَبًا لَأَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِمِثْلٍ آخَرَ، هَذَا مُجَازَفَةٌ عَظِيمَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَفَلَ رَجُلَانِ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّحِيحِ أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِالْكُلِّ عَنْ الْأَصِيلِ وَبِالْكُلِّ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَعَدِّدَةٌ) مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّهَا مَعَ الدَّيْنِ أَوْ لَا (فَتَجْتَمِعُ الْكَفَالَتَانِ) وَمُوجِبُهُمَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْكَفِيلِ

كَمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْأَصِيلِ وَكَمَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا وَقَعَ شَائِعًا عَنْهُمَا إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ فَلَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الِاسْتِوَاءُ، وَقَدْ حَصَلَ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى فَلَا يَنْتَقِضُ بِرُجُوعِ الْآخَرِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِنَائِبِهِ (وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ كَفَلَ بِجَمِيعِ الْمَالِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ. قَالَ (وَإِذَا أَبْرَأَ رَبُّ الْمَالِ أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْآخَرَ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ) بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَبَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ بِهِ. قَالَ (وَإِذَا افْتَرَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِمَا كَفَلَ بِهِ (كَمَا تَصِحُّ عَنْ الْأَصِيلِ) بِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَيْهِ (وَكَمَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) لِلْمُحَالِ بِمَا أُحِيلَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى آخَرَ (وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا وَقَعَ شَائِعًا عَنْهُمَا إذْ الْكُلُّ كَفَالَةُ) مَا عَنْ نَفْسِهِ وَمَا عَنْ الْكَفِيلِ الْآخَرِ (فَلَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ) لِيَقَعَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً (بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) وَإِذَا لَمْ يَتَرَجَّحْ مَا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَدْيُونِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ الْآخَرِ. (فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ جَمِيعِ مَا أَدَّى وَلَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ هَذَا الِاسْتِوَاءُ) لِلِاسْتِوَاءِ فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ (وَقَدْ حَصَلَ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا) وَهُوَ الْمُؤَدِّي (بِنِصْفِ مَا أَدَّى فَنَقَضَهُ بِرُجُوعِ غَيْرِ الْمُؤَدِّي بِلَا مُوجِبٍ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) لَا اسْتِوَاءَ فِيهِ فِي الْعِلَّةِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا عِلَّتُهُ أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ فَلَمْ يَسْتَوِيَا فَلَمْ يَسْتَوِ مُوجِبُهَا فَلِذَا لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَهَذَا الْفَرْقُ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ الثَّانِي صَحِيحًا لَمْ يَقَعْ فَرْقٌ بِاعْتِبَارِهِ لِأَنَّ مُسَوِّغَ رُجُوعِ الْمُؤَدِّي عَنْهُ اعْتِبَارُ نَفْسِهِ أَدَّى مَا أَدَّاهُ عَنْهُ الْمُؤَدِّي، وَاحْتِسَابُهُ بِهِ عَنْ الْمُؤَدِّي وَهَذَا مُمْكِنٌ هُنَا بِعَيْنِهِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الَّذِي تَرْجِعُ عَلَيَّ بِهِ بِسَبَبِ أَنَّك أَدَّيْته عَنِّي هُوَ كَأَدَائِي بِنَفْسِي فَكَأَنِّي أَنَا الَّذِي أَدَّيْته وَاحْتَسَبْته عَنْك فَأَنَا أَرْجِعُ عَلَيْك بِهِ، وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ هَذَا فَلَا يَقَعُ الْفَرْقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (ثُمَّ يَرْجِعَانِ) يَعْنِي الْكَفِيلَيْنِ الْمُتَكَافِلَيْنِ (عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِنَائِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ الْكَفِيلُ الْمُؤَدِّي بِالْجَمِيعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ بِأَمْرِهِ) ثُمَّ أَدَّاهُ (وَلَوْ أَبْرَأَ رَبُّ الْمَالِ أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْآخَرَ بِالْجَمِيعِ، لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَبَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ) . (قَوْلُهُ وَإِذَا افْتَرَقَ

الْمُتَفَاوِضَانِ فَلِأَصْحَابِ الدُّيُونِ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهمَا شَاءُوا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الشَّرِكَةِ (وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) لِمَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ. قَالَ (وَإِذَا كُوتِبَ الْعَبْدَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عِتْقُهُمَا مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ وَيُجْعَلَ كَفِيلًا بِالْأَلْفِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْمُكَاتَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَفَاوِضَانِ فَلِأَصْحَابِ الدُّيُونِ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي) كِتَابِ (الشَّرِكَةِ) مِنْ أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ تَنْعَقِدُ عَلَى وَكَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَكَفَالَةِ كُلٍّ عَنْ الْآخَرِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى (وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ) الْمَدْيُونَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كُوتِبَ الْعَبْدَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) بِأَنْ قَالَ مَثَلًا كَاتَبْتُكُمَا عَلَى أَلْفٍ إلَى عَامٍ (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ) وَهُوَ عَقْدُ الْكَفَالَةِ (جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَلِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَيْضًا شَرَطَ فِيهِ كَفَالَةَ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْكِتَابَةُ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ لَهُ وَجْهٌ يَصِحُّ بِهِ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَعِتْقَ الْآخَرِ مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ كَمَا فِي الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ فَيُجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ عَلَيْهِ وَعِتْقَ الْآخَرِ مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ فَيُطَالِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا الْكَفَالَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَالُ مُقَابَلٌ بِهِمَا فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَتْ كِتَابَتُهُمَا لِأَنَّ عِتْقَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِمَالٍ عَلَيْهِ عَلَى حِدَةٍ فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ الْمُصَحَّحِ الْحَقِيقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ حَتَّى إنَّ مَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى

قَالَ (وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا حَتَّى أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا جَازَ الْعِتْقُ) لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَبَرِئَ عَنْ النِّصْفِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ الْمَالُ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَمَا بَقِيَ وَسِيلَةً فَيَسْقُطُ وَيَبْقَى النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِمَا. وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ، وَإِذَا جَاءَ الْعِتْقُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتِهِمَا فَلِهَذَا يَتَنَصَّفُ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ أَيَّهمَا شَاءَ الْمُعْتَقَ بِالْكَفَالَةِ وَصَاحِبَهُ بِالْأَصَالَةِ، وَإِنْ أَخَذَ الَّذِي أَعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يُؤَدِّي لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعْتَقِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا (وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا) حَتَّى إنَّ الْمَوْلَى (أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا جَازَ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ) وَبَرِئَ عَنْ النِّصْفِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلَى عِتْقِهِ وَلَمْ يَبْقَ وَسِيلَةً لِحُصُولِ عِتْقِهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ (فَيَسْقُطُ وَيَبْقَى النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِعِتْقِهِمَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ) وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ (فَإِذَا جَاءَ الْعِتْقُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَصَّفَ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ أَيَّهمَا شَاءَ، الْمُعْتَقَ بِالْكَفَالَةِ وَصَاحِبَهُ بِالْأَصَالَةِ) وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الرَّقِيقِ ضَامِنًا لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَوْ مَاتَ شُهُودُ النِّكَاحِ (فَإِنْ أَخَذَ الَّذِي عَتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا أَدَّى، وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرَ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى الَّذِي عَتَقَ (لِأَنَّهُ) رُبَّمَا (أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ) .

[باب كفالة العبد وعنه]

(بَابُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ وَعَنْهُ) (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَالًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ وَلَمْ يُسَمِّ حَالًّا وَلَا غَيْرَهُ فَهُوَ حَالٌّ) لِأَنَّ الْمَالَ حَالٌّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ الذِّمَّةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ لِعُسْرَتِهِ، إذْ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ، فَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ أَوْ مُفْلِسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ وَعَنْهُ] أُخِّرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِتَأَخُّرِهِ بِالرَّدِّ بِالرِّقِّ (قَوْلُهُ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَالًا) مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ (لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَعْتِقَ) كَأَنْ أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ وَهُوَ مَحْجُورٌ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ، وَكَذَا إذَا أَوْدَعَ شَيْئًا فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ اسْتِهْلَاكُهُ لِلْمَالِ مُعَايَنًا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ الْعَبْدِ بِالْمَالِ الَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرِطَ فِي الْكَفَالَةِ تَأْجِيلًا (وَ) هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (لَمْ يَذْكُرْ حُلُولًا وَلَا غَيْرَهُ لَزِمَ) الْكَفِيلَ (حَالًّا لِأَنَّ الْمَالَ حَالٌّ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ الذِّمَّةِ) وَعَدَمِ الْأَجَلِ، وَكَيْفَ وَالْعِتْقُ لَا يَصْلُحُ أَجَلًا لِجَهَالَةِ وَقْتِ وُقُوعِهِ وَقَدْ لَا يَقَعُ أَصْلًا (وَ) إنَّمَا (لَا يُطَالَبُ بِهِ لِعُسْرَتِهِ، إذْ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ) أَيْ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمِلْكِهِ. (وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ) فَالْمَانِعُ الَّذِي تَحَقَّقَ فِي الْأَصِيلِ مُنْتَفٍ مِنْ الْكَفِيلِ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْكَفَالَةُ الْمُطْلَقَةُ بِمَالٍ غَيْرِ مُؤَجَّلٍ فَيُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ (فَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ مُفْلِسٍ أَوْ غَائِبٍ) يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِّ مَعَ أَنَّ الْأَصِيلَ لَا يَلْزَمُهُ،

بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ بِمُؤَخَّرٍ، ثُمَّ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ، فَكَذَا الْكَفِيلُ لِقِيَامِهِ مَقَامِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حُرًّا. قَالَ (فَإِنْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ قِيمَتَهُ) لِأَنَّ عَلَى الْمَوْلَى رَدَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا أَحْسَنُ فِي حُلُولِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ، بِخِلَافِ وَجْهِ تَأْخِيرِ الدَّيْنِ إلَى الْعِتْقِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ وَعَدَمُ رِضَا الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ لَوْ ثَمَّ لَزِمَ تَأْخِيرُ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُعَايَنِ لِعُسْرَتِهِ وَعَدَمِ رِضَا الْمَوْلَى، بَلْ الْوَجْهُ عَدَمُ نَفَاذِ تَصَرُّفِ غَيْرِ الْمَوْلَى فِي حَقِّهِ بِمَا يَضُرُّهُ: أَعْنِي تَصَرُّفَ الْمُقْرِضِ وَالْبَائِعِ لِلْعَبْدِ وَلَمْ يَرْضَ بِإِيدَاعِ الْمُودِعِ عِنْدَ عَبْدِهِ وَلَا بِتَمْكِينِ الْمَرْأَةِ، وَعَدَمِ نَفَاذِ قَوْلِ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إذَا كَانَ يُكَذِّبُهُ، بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُعَايَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدُهُمَا فَيَنْفُذُ فِي حَقِّهِ دَفْعًا لِضَرَرٍ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَجِبُ الدَّيْنُ فِي الْحَالِ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَسْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ وَالِاتِّبَاعُ رَقَبَتُهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى، هَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَسْتَهْلِكُ الْمَالَ الَّذِي لَا يَجِبُ حَتَّى يَعْتِقَ (بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ بِمُؤَخِّرٍ) صَحِيحٍ، وَلَوْ كَانَ كَفَلَ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُعَايَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْعِتْقِ إذَا أَدَّى لِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُؤَخَّرٍ إلَى الْعِتْقِ فَيُطَالَبُ السَّيِّدُ بِتَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ أَوْ الْقَضَاءِ عَنْهُ، وَبَحَثَ أَهْلُ الدَّرْسِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الرُّجُوعِ الْأَمْرُ بِالْكَفَالَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ السَّيِّدِ؟ وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ. . (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَإِنَّمَا فَرَضَهَا فِي الْعَبْدِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا مَسْأَلَةَ دَعْوَى الرَّقَبَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ. (فَلَوْ كَانَ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ لَهُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ قِيمَتَهُ) لِأَنَّ عَلَى الْمَوْلَى رَدَّ رَقَبَةِ الْعَبْدِ

عَلَى وَجْهٍ يَخْلُفُهَا قِيمَتُهَا، وَقَدْ الْتَزَمَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تَبْقَى الْقِيمَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا عَلَى الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. قَالَ (وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ فَأَدَّاهُ أَوْ كَانَ الْمَوْلَى كَفَلَ عَنْهُ فَأَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ، وَمَعْنَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى تَصِحَّ كَفَالَتُهُ بِالْمَالِ عَنْ الْمَوْلَى إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ، أَمَّا كَفَالَتُهُ عَنْ الْعَبْدِ فَتَصِحُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ. لَهُ أَنَّهُ تَحَقَّقَ الْمُوجِبُ لِلرُّجُوعِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَالْمَانِعُ وَهُوَ الرِّقُّ قَدْ زَالَ. وَلَنَا أَنَّهَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى مَوْلَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَجْهٍ يُخَلِّفُهَا قِيمَتَهَا (وَقَدْ الْتَزَمَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ الْقِيمَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا عَلَى الْكَفِيلِ) فَهُوَ كَمَا لَوْ كَفَلَ بِالْمَغْصُوبِ حَيْثُ يُؤْخَذُ بِرَدِّ عَيْنِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِقِيمَتِهِ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِمَالٍ هُوَ رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ فَمَاتَ يَجِبُ ضَمَانُهُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ فِيهِ هُوَ الْعَبْدُ، وَكَذَا عَنْ الْحُرِّ فَمَاتَ الْحُرُّ مُفْلِسًا لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، بِخِلَافِ مَنْ كَفَلَ عَنْ الْمُفْلِسِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ. . (قَوْلُهُ وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ فَأَدَّى أَوْ كَانَ الْمَوْلَى كَفَلَ عَنْ عَبْدِهِ وَأَدَّى بَعْدَ عِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ) بِشَيْءٍ (وَ) نُقِلَ (عَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فِي شَرْحِ الْجَامِعِ (أَنَّهُ يَرْجِعُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي ضَمَانَ الْعَبْدِ عَنْ سَيِّدِهِ (أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى تَصِحَّ كَفَالَتُهُ عَنْ سَيِّدِهِ) وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كَفَالَةَ الْعَبْدِ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّبَرُّعُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ فَلِذَا لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمَأْذُونِ، غَيْرَ أَنَّ أَمْرَ السَّيِّدِ لَهُ بِهَا فَكٌّ لِلْحَجْرِ عَنْهُ فِيهِ فَتَصِحُّ حَتَّى تُبَاعَ رَقَبَتُهُ فِي دَيْنِ الْكَفَالَةِ إذَا كَفَلَ لِغَيْرِ السَّيِّدِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ مَالِيَّتَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهَا فَلَا يَعْمَلُ أَمْرُهُ إيَّاهُ بِالْكَفَالَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ لِمَوْلَاهُ الْحَقَّ فِي مَالِيَّتِهِ فَيَعْمَلُ إذْنُهُ لَهُ فِي أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ: وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَتْ صَحِيحَةً لِمَا بَيَّنَّا. أَمَّا كَفَالَةُ السَّيِّدِ عَنْ الْعَبْدِ فَصَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا. فَإِنْ قِيلَ: دَيْنُ الْعَبْدِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى يُقْضَى مِنْ مَالِيَّتِهِ وَهِيَ مِلْكُ الْمَوْلَى فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ شَغْلُ ذِمَّةِ الْمَوْلَى بِالْمُطَالَبَةِ مَعَ الدَّيْنِ أَوَّلًا مَعَهُ لِيُقْضَى مِنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكْفُلْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عَيْنًا إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ لِيُبَاعَ، وَقَدْ لَا يَفِي ثَمَنَهُ بِالدَّيْنِ فَلَا يَصِلُ لِلْغُرَمَاءِ إلَى تَمَامِ الدَّيْنِ وَبِالْكَفَالَةِ يَصِلُونَ (لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَحَقَّقَ الْمُوجِبُ لِلرُّجُوعِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَالْمَانِعُ وَهُوَ كَوْنُهُ عَبْدَهُ) وَلَا يَسْتَوْجِبُ وَاحِدٌ مِنْ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ (قَدْ زَالَ) بِالْعِتْقِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ مِنْهُمَا بَعْدَهُ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ (وَلَنَا أَنَّهَا وَقَعَتْ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ) بِمَا قُلْنَا إنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ

فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً أَبَدًا كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَهُ. (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ حُرٌّ تَكَفَّلَ بِهِ أَوْ عَبْدٌ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً أَبَدًا كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) فَبَلَغَهُ (فَأَجَازَ فَأَدَّى الْكَفِيلُ لَا يَرْجِعُ) لِأَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ وَإِنْ تَحَقَّقَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لَمْ يُوجِبْ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَقَعُ لَازِمًا لَا يَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ حِينَ وَقَعَتْ وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْآخَرِ دَيْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَدْيُونًا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِذَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ فَلَوْ انْقَلَبَتْ مُوجِبَةً كَانَ فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَلَيْسَ لِبَقَائِهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهَا تَقَعُ لَازِمَةً، وَقَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّاهِنِ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الرَّهْنَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ فَلِمَ لَا يَرْجِعُ هُنَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِيجَابَ الدَّيْنِ عَلَى مَوْلَاهُ وَقَعَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَنَافٍ وَقْتَ اسْتِيجَابِ الدَّيْنِ لِحُرِّيَّتِهِمَا إذْ ذَاكَ فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى، أَمَّا هُنَا فَزَمَانُ اسْتِيجَابِ الدَّيْنِ وَهُوَ زَمَانُ الْكَفَالَةِ كَانَ عَبْدًا فِيهِ. . (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ حُرٌّ تَكَفَّلَ بِهِ أَوْ عَبْدٌ) وَكَذَا لَا تَجُوزُ بِمَالٍ آخَرَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ (لِأَنَّهُ) أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ (ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي) وَهُوَ عَبْدِيَّتُهُ لِلسَّيِّدِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَ الدَّيْنِ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ،

فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَجَزَ نَفْسُهُ سَقَطَ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ، وَإِثْبَاتُهُ مُطْلَقًا يُنَافِي مَعْنَى الضَّمِّ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّحَادُ، وَبَدَلُ السِّعَايَةِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ ثَبَتَ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ لِتَحْقِيقِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ (فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ عَجَّزَ نَفْسُهُ سَقَطَ) هَذَا الدَّيْنُ (وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ) أَيْ إثْبَاتُ هَذَا الدَّيْنِ (عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى الْكَفِيلِ) وَهُوَ كَوْنُهُ إذَا عَجَزَ الْكَفِيلُ نَفْسُهُ يَسْقُطُ عَنْهُ (وَإِثْبَاتُهُ مُطْلَقًا) فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ (يُنَافِي مَعْنَى الضَّمِّ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّحَادَ) وَلَوْ أَثْبَتَاهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى الْكَفِيلِ وَعَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ إسْقَاطِهِ عَلَى الْأَصِيلِ لَمْ يَتَّحِدْ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا (وَبَدَلُ السِّعَايَةِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ) لِلْعِلَّةِ الْأُولَى، لِأَنَّ لَهُ أَحْكَامَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ، وَلَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَيُنَصِّفُ حَدَّهُ. وَقَسْمُهَا دُونَ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ دَيْنُ السِّعَايَةِ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ، وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا الْكَفَالَةُ لِلْمُكَاتَبِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى السَّيِّدِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَجَائِزَةٌ. وَأَمَّا الْعَبْدُ التَّاجِرُ إذَا أَدَانَ مَوْلَاهُ دَيْنًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا لَهُ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ لَا السَّيِّدِ فَكَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ مِثْلُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ صَحَّتْ.

[كتاب الحوالة]

(كِتَابُ الْحَوَالَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] ِ) الْحَوَالَةُ تُنَاسِبُ الْكَفَالَةَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ الْتِزَامِ مَا عَلَى الْأَصِيلِ لِلتَّوَثُّقِ، إلَّا أَنَّ الْحَوَالَةَ تَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بَرَاءَةً مُقَيَّدَةً عَلَى مَا سَتَعْلَمُ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ لَا تَتَضَمَّنُهُ فَكَانَتْ كَالْمُرَكَّبِ مَعَ الْمُفْرَدِ، وَالْمُفْرَدُ مُقَدَّمٌ فَأَخَّرَ الْحَوَالَةَ عَنْهَا. وَأَيْضًا أَثَرُ الْكَفَالَةِ أَقْرَبُ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ السُّقُوطِ بِهِ الثُّبُوتُ وَأَثَرُ الْحَوَالَةِ أَبْعَدُ مِنْهُ. وَالْحَوَالَةُ اسْمٌ مِنْ الْإِحَالَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ أَحَلْت زَيْدًا بِمَا لَهُ عَلَى عَمْرٍو فَاحْتَالَ أَيْ قَبِلَ فَأَنَا مُحِيلٌ وَزَيْدٌ مُحَالٌ، وَيُقَالُ مُحْتَالٌ وَالْمَالُ مُحْتَالٌ بِهِ وَالرَّجُلُ مُحَالٌ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ مُحْتَالٌ عَلَيْهِ. فَتَقْدِيرُ الْأَصْلِ فِي مُحْتَالٍ الْوَاقِعِ فَاعِلًا مُحْتَوِلٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَفِي الْوَاقِعِ مَفْعُولًا مُحْتَوَلٌ بِالْفَتْحِ كَمَا يُقَدَّرُ فِي مُخْتَارِ الْفَاعِلِ مُخْتِيرٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَبِفَتْحِهَا فِي مُخْتَارٍ الْمَفْعُولِ، وَإِمَّا صِلَةٌ لَهُ مَعَ الْمُحْتَالِ الْفَاعِلِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا، بَلْ الصِّلَةُ مَعَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَفْظَةٌ عَلَيْهِ فَهُمَا مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ عَلَيْهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الصِّلَةِ وَبِصِلَةٍ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُغْرِبِ تَرْكِيبُ الْحَوَالَةِ يَدُلُّ عَلَى الزَّوَالِ وَالنَّقْلِ، وَمِنْهُ التَّحْوِيلُ وَهُوَ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ، وَيُقَالُ لِلْمُحْتَالِ حَوِيلُ أَيْضًا، فَالْمُحِيلُ هُوَ الْمَدْيُونُ وَالْمُحَالُ وَالْمُحْتَالُ رَبُّ الدَّيْنِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي الْتَزَمَ ذَلِكَ الدَّيْن لِلْمُحْتَالِ وَالْمُحْتَالُ بِهِ نَفْسُ الدَّيْنِ. وَهِيَ فِي الشَّرْعِ نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ إلَى ذِمَّةِ الْمُلْتَزِمِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا ضَمٌّ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا نَقْلٌ فَلَا يُطَالَبُ الْمَدْيُونُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ أَنَّ الدَّيْنَ أَيْضًا يَنْتَقِلُ أَوَّلًا وَسَنَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَوْ أُرِيدَ التَّعْرِيفُ عَلَى قَوْلِ النَّاقِلِينَ بِخُصُوصِهِمْ قِيلَ نَقْلُ الدَّيْنِ

قَالَ (وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالدُّيُونِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَتَصِحُّ كَالْكَفَالَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِالدُّيُونِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَالتَّحْوِيلُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ. قَالَ (وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) أَمَّا الْمُحْتَالُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَقِلُ بِهَا وَالذِّمَمُ مُتَفَاوِتَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ وَقَوْلُ النَّافِينَ قِيلَ نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ. . (قَوْلُهُ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالدُّيُونِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا بِلَفْظِ أُحِيلَ مَعَ لَفْظِ يَتْبَعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَرِوَايَةُ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ «وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» قِيلَ: وَقَدْ يُرْوَى فَإِذَا أُحِيلَ بِالْفَاءِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاتِّبَاعِ لِلْمُلَاءَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَنِيُّ ظُلْمًا، فَإِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظُّلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ لِلْوُجُوبِ، وَالْحَقُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ إبَاحَةٍ هُوَ دَلِيلُ جَوَازِ نَقْلِ الدَّيْنِ شَرْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةُ، فَإِنَّ بَعْضَ الْأَمْلِيَاءِ عِنْدَهُ مِنْ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ وَالتَّعْسِيرِ مَا تَكْثُرُ بِهِ الْخُصُومَةُ وَالْمُضَارَّةُ، فَمَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ هَذَا لَا يَطْلُبُ الشَّارِعُ اتِّبَاعَهُ بَلْ عَدَمُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْخُصُومَاتِ وَالظُّلْمِ، وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ مِنْهُ الْمُلَاءَةُ وَحُسْنُ الْقَضَاءِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ اتِّبَاعَهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمَدْيُونِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَمُبَاحٌ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ إضَافَةُ هَذَا التَّفْصِيلِ إلَى النَّصِّ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ لِلَفْظِ الْأَمْرِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جُعِلَ لِلْأَقْرَبِ أُضْمِرَ مَعَهُ الْقَيْدُ وَإِلَّا فَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ النَّقْلَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ نَقْلٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ الْمُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّقْلُ الْحِسِّيُّ فَكَانَتْ نَقْلَ الْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدَّيْنُ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. أَمَّا الْمُحْتَالُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (الَّذِي يَنْتَقِلُ بِهَا) أَيْ بِالْحَوَالَةِ (وَالذِّمَمُ مُتَفَاوِتَةٌ)

فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ، وَأَمَّا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ وَلَا لُزُومَ بِدُونِ الْتِزَامِهِ، وَأَمَّا الْمُحِيلُ فَالْحَوَالَةُ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حُسْنِ الْقَضَاءِ وَالْمَطْلِ (فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ) وَإِلَّا لَزِمَ الضَّرَرُ بِإِلْزَامِهِ إتْبَاعَ مَنْ لَا يُوفِيهِ (وَأَمَّا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ) الَّذِي (يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ وَلَا لُزُومَ إلَّا بِالْتِزَامِهِ) وَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا لِلْمُحِيلِ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الِاقْتِضَاءِ مِنْ بَيْنِ سَهْلٍ مُيَسِّرٍ وَصَعْبٍ مُعَسِّرٍ (وَأَمَّا الْمُحِيلُ فَالْحَوَالَةُ تَصِحُّ بِلَا رِضَاهُ ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ) أَيْ الْمُحِيلُ (لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ) عَاجِلًا بِانْدِفَاعِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ فِي الْحَالِّ وَآجِلًا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِأَمْرِهِ) وَحَيْثُ تَثْبُتُ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَأَوَّلَ فِي الْأَوْضَحِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُدُورِيِّ بِمَا إذَا كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ، فَإِنَّ قَبُولَ الْحَوَالَةِ حِينَئِذٍ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ يَكُونُ إسْقَاطًا لِمُطَالَبَةِ الْمُحِيلِ عَنْ نَفْسِهِ: أَعْنِي نَفْسَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهُ، كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ. وَاشْتِرَاطُ رِضَا الْمُحِيلِ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، قَالُوا لِأَنَّ الْمُحِيلَ إيفَاءُ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْجِهَاتِ قَهْرًا. وَنَقْلُ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ رِضَا الْمُحِيلِ لَا خِلَافَ فِيهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ: وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ لَك عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَلْفٌ فَاحْتَلْ بِهَا عَلَيَّ فَرَضِيَ الطَّالِبُ وَأَجَازَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَسَنُبَيِّنُ الْحَقَّ فِيهِ عِنْدَنَا. هَذَا وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ رَجُلٌ الْحَوَالَةَ لِلْغَائِبِ فَتَتَوَقَّفُ إجَازَتُهُ إذَا بَلَغَهُ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ أَحَالَ عَلَى

قَالَ (وَإِذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ بَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ بِالْقَبُولِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَبْرَأُ اعْتِبَارًا بِالْكَفَالَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQغَائِبٍ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ صَحَّتْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ بِالْقَبُولِ بَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ) هَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ أُخْرَى: لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَبْرَأُ) مِنْ الْمُطَالَبَةِ أَيْضًا، فَالنَّظَرُ فِي خِلَافِ الْمَشَايِخِ أَوَّلًا حَتَّى يَثْبُتَ الْمَذْهَبُ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي خِلَافِ زُفَرَ، فَالْقَائِلُونَ إنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ اسْتَدَلُّوا بِمَسَائِلَ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ. فَمِنْهَا أَنَّ الْمُحْتَالَ إذَا أَبْرَأَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ يَصِحُّ وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَإِبْرَاءِ الْكَفِيلِ؛ وَلَوْ انْتَقَلَ أَصْلُ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَرْتَدَّ بِرَدِّهِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحِيلَ قَبْلَ الْحَوَالَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُحِيلَ إذَا نَقَدَ الْمُحْتَالُ مَالَهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، فَلَوْ انْتَقَلَ أَصْلُ الدَّيْنِ بِالْحَوَالَةِ كَانَ مُتَبَرِّعًا

إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ تَوَثُّقٍ، وَلَنَا أَنَّ الْحَوَالَةَ لِلنَّقْلِ لُغَةٌ، وَمِنْهُ حَوَالَةُ الْغِرَاسِ وَالدَّيْنُ مَتَى انْتَقَلَ عَنْ الذِّمَّةِ لَا يَبْقَى فِيهَا. أَمَّا الْكَفَالَةُ فَلِلضَّمِّ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى وِفَاقِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالتَّوَثُّقِ بِاخْتِيَارِ الْأَمْلَأِ وَالْأَحْسَنِ فِي الْقَضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَالِ الْمُحْتَالِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ لِغَيْرِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُحْتَالَ إذَا وَكَّلَ الْمُحِيلُ بِقَبْضِ مَالِ الْحَوَالَةِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ صَارَ الْمُحِيلُ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، وَتَوْكِيلُ الْأَجْنَبِيِّ بِقَبْضِ الدَّيْنِ صَحِيحٌ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُحْتَالَ إذَا أَبْرَأَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ، فَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ وَلَوْ وُهِبَ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا فِي الْكَفِيلِ إلَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِلَّا الْتَقَيَا قِصَاصًا، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَتَحَوَّلُ إلَى ذِمَّتِهِ كَانَ الْإِبْرَاءُ وَالْهِبَةُ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ فَلَا يَرْجِعُ. وَالْقَائِلُونَ إنَّ الْمَذْهَبَ يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمُحْتَالَ إذَا وُهِبَ الدَّيْنَ مِنْ الْمُحِيلِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ، وَلَوْ بَقِيَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ صَحَّ، وَجَعَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ وَالْمُطَالَبَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَنْتَقِلُ الْمُطَالَبَةُ لَا الدَّيْنُ. قَالَ: وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا حَالَ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَرِدُّهُ كَمَا لَوْ أَجَّلَ الدَّيْنَ بَعْدَ الرَّهْنِ. وَالثَّانِيَةُ إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمُحِيلَ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالْحَوَالَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ وَبَرِئَ الْمُحِيلُ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا تَحَوَّلَتْ الْمُطَالَبَةُ لَيْسَ غَيْرُ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَقَالَ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصٌّ بِنَقْلِ الْمُطَالَبَةِ دُونَ الدَّيْنِ، بَلْ ذَكَرَ أَحْكَامًا مُتَشَابِهَةً وَاعْتَبَرَ الْحَوَالَةَ فِي بَعْضِهَا تَأْجِيلًا وَجَعَلَ الْمُحَوَّلَ بِهَا الْمُطَالَبَةَ لَا الدَّيْنَ، وَاعْتَبَرَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ إبْرَاءً وَجَعَلَ الْمُحَوَّلَ بِهَا الْمُطَالَبَةَ وَالدَّيْنَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ هَكَذَا لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ يُوجِبُ نَقْلَ الْمُطَالَبَةِ وَالدَّيْنِ، إذْ الْحَوَالَةُ مُنْبِئَةٌ عَنْ النَّقْلِ وَقَدْ أُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ، وَاعْتِبَارُ الْمَعْنَى يُوجِبُ تَحْوِيلَ الْمُطَالَبَةِ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَأْجِيلٌ مَعْنًى؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّأْجِيلِ، فَاعْتَبَرَ الْمَعْنَى فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَاعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ فِي بَعْضِهَا، نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ كَمِّيَّةِ خُصُوصِ الِاعْتِبَارِ فِي كُلِّ مَكَان، وَسَيُجِيبُ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِهَا فِي خِلَافِيَّةِ زُفَرَ هَذِهِ. إذَا عُرِفَ الْمَذْهَبُ حِينَئِذٍ جِئْنَا إلَى خِلَافِ زُفَرَ لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالْكَفَالَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ تَوَثُّقٍ وَلَمْ يَنْتَقِلْ فِيهَا دَيْنٌ وَلَا مُطَالَبَةٌ بَلْ تَحَقَّقَ فِيهَا اشْتِرَاكٌ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَلِأَنَّ عَدَمَ الِانْتِقَالِ أَدُخِلَ فِي مَعْنَى التَّوَثُّقِ إذْ يَصِيرُ لَهُ مُكْنَةُ أَنْ يُطَالِبَ كُلًّا مِنْهُمَا فَكَذَا هَذَا. (وَلَنَا أَنَّ الْحَوَالَةَ لِلنَّقْلِ لُغَةً وَمِنْهُ حَوَالَةُ الْغِرَاسِ) فَوَجَبَ نَقْلُ الدَّيْنِ (وَالدَّيْنُ إذَا انْتَقَلَ عَنْ الذِّمَّةِ لَا يَبْقَى فِيهَا، أَمَّا الْكَفَالَةُ فَلِلضَّمِّ) لُغَةً لِأَنَّهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الضَّمُّ فَوَجَبَ فِيهَا اعْتِبَارُ ضَمِّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ (لِأَنَّ الْأَحْكَامَ) يَعْنِي الْعُقُودَ (الشَّرْعِيَّةَ) الْمُسَمَّاةَ بِأَسْمَاءٍ تُعْتَبَرُ فِيهَا مَعَانِي تِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَهُوَ فَائِدَةُ اخْتِصَاصِهَا بِأَسْمَائِهَا. (قَوْلُهُ عَقْدُ تَوَثُّقٍ) وَالتَّوَثُّقُ أَنْ يُطَالِبَ كُلًّا

وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إذَا نَقَدَ الْمُحِيلُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدُ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا. قَالَ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَتْوَى حَقَّهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَرْجِعُ وَإِنْ تَوِيَ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمَا. قُلْنَا بَلْ التَّوَثُّقُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي ذَلِكَ بَلْ يَصْدُقُ بِاخْتِيَارِ الْأَمْلَأِ وَالْأَيْسَرِ فِي الْقَضَاءِ فَيُكْتَفَى بِهِ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى التَّوَثُّقِ فِي مُسَمَّى لَفْظِ الْحَوَالَةِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى خُصُوصِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّوَثُّقِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ يَنْتَهِضُ عَلَى زُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ بِبَقَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ عَلَى الْأَصِيلِ. أَمَّا الطَّائِفَةُ مِنْ الْمَشَايِخِ الْقَائِلُونَ بِنَقْلِ الْمُطَالَبَةِ دُونَ الدَّيْنِ فَلَا، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: الْحَوَالَةُ تُنَبِّئُ عَنْ النَّقْلِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ. قَالُوا: سَلَّمْنَا، وَاعْتِبَارُ نَقْلِ الْمُطَالَبَةِ كَافٍ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى النَّقْلِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى نَقْلِ الدَّيْنِ كَمَا قُلْت. لِزُفَرَ إنَّ تَحْقِيقَ التَّوَثُّقِ يَحْصُلُ بِاخْتِيَارِ الْإِمْلَا إلَخْ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى كُلٍّ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّوَثُّقُ. وَقَوْلُهُ يُجْبَرُ إلَخْ جَوَابُ نُقِضَ مِنْ قِبَلِ زُفَرَ وَهُوَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ مِنْ الْمَشَايِخِ بِعَدَمِ نَقْلِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَنَّ الْمُحِيلَ إذَا نَقَدَ الْمُحْتَالَ الدَّيْنَ الْمُحَالَ بِهِ قَبْلَ نَقْدِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أُجْبِرَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْقَبُولِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ بَاقِيًا عَلَى الْمُحِيلِ لَمْ يُجْبَرْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَبَرِّعٌ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقْلِ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا مَحْضًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَوْدُ الدَّيْنِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ مُمْكِنًا مَخُوفًا قَدْ يُتَوَقَّعُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ فَلَا لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ دَافِعٌ عَنْ نَفْسِهِ الْمُطَالَبَةَ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ سَبَبِهَا، فَهَذَا الْجَوَابُ يَدْفَعُ هَذَا الْوَارِدَ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَقْضٌ لِزُفَرَ وَدَلِيلٌ لِتِلْكَ الطَّائِفَةِ، وَقَدْ نُقِضَ مِنْ قِبَلِ زُفَرَ بِوُجُودِ الْحَوَالَةِ وَلَا نَقْلَ أَصْلًا بِمَا إذَا وَقَعَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحِيلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى النَّقْلِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَبْقَى إذْ ذَاكَ عَلَى الْمُحِيلِ شَيْءٌ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَوْ صَحَّ هَذَا لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِيهَا نَقْلُ الدَّيْنِ أَيْضًا بِهَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى الْكَفِيلُ لَا يَبْقَى عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ شَيْءٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ أَصْلَ الْجَوَابِ سَاقِطٌ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الدَّيْنِ عَنْ الْمُحِيلِ بِأَدَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ نَقْلُ الدَّيْنِ بَلْ انْتِفَاؤُهُ مِنْ الْوُجُودِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا نَقْلَهُ بَلْ نَقْلُهُ تَحَوُّلُهُ مِنْ مُحَالٍ إلَى مَحَلِّ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَعِنْدِي أَنَّ الْجَوَابَ هُوَ أَنَّ الْحَوَالَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحِيلِ لَيْسَتْ حَوَالَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ إنْ كَانَ فِعْلُ الْمُحِيلِ الْإِحَالَةَ أَوْ الْحَاصِلُ مِنْ فِعْلِهِ فَهُوَ مُنْتَفٍ لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَالنَّقْلُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِيقَتِهَا وَلِهَذَا أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الْمَعْنَى وَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْحَوَالَةِ وَسَمَّوْهُ حَمَالَةً، وَحُكْمُهَا شَطْرُ حُكْمِ الْحَوَالَةِ وَهُوَ اللُّزُومُ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ دُونَ الشَّطْرِ الْآخَرِ وَهُوَ انْتِقَالُ الدَّيْنِ عَنْ الْمَدْيُونِ فَلَمْ تَكُنْ حَوَالَةً وَإِلَّا اسْتَعْقَبَتْ تَمَامَ حُكْمِهَا وَهَذَا مَا وُعِدْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يُتْوَى حَقُّهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَرْجِعُ وَإِنْ تَوِيَ)

حَصَلَتْ مُطْلَقَةً فَلَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ. وَلَنَا أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ تَنْفَسِخُ الْحَوَالَةُ لِفَوَاتِهِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْتٍ أَوْ إفْلَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَاللَّيْثِ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا وَلَمْ يَعْلَمْ الطَّالِبُ بِذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بَعْدَ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ عَيْبٌ فِي الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِسَبَبِهِ كَالْمَبِيعِ، وَلِأَنَّ الْمُحِيلَ غَرَّهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ دَلَّسَ الْمَبِيعَ يَرْجِعُ بِهِ (لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ) الْحَاصِلَةَ بِالِانْتِقَالِ (حَصَلَتْ مُطْلَقَةً فَلَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ) وَلَا سَبَبَ فَلَا عَوْدَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَيْنٌ فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى آخَرَ فَمَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ اخْتَرْت عَلِيًّا فَقَالَ لَهُ أَبْعَدَك اللَّهُ فَمَنَعَ رُجُوعَهُ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقَةً بَلْ هِيَ مُقَيَّدَةٌ مَعْنًى بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً، وَهَذَا الْقَيْدُ ثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحَوَالَةِ لَيْسَ مُجَرَّدَ الْوُجُوبِ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ الذِّمَمَ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْقَدْرِ مُتَسَاوِيَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَفَاوَتُ فِي إحْسَانِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ، فَالْمَقْصُودُ التَّوَصُّلُ إلَى الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْمَحَلِّ الثَّانِي عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْسَنِ، وَإِلَّا لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ الْأَوَّلِ فَصَارَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَحَلِّ الثَّانِي كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَشْرُوطُ عَادَ حَقُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ

فَصَارَ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ. قَالَ (وَالتَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصَارَ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى عَيْنٍ فَهَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَعُودُ الدَّيْنُ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مَا ثَبَتَتْ مُطْلَقَةً بَلْ بِعِوَضٍ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ يَعُودُ. يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا فِي الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا قَالَ: يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَقَالَ لَا تَوَى عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. وَلَفْظُ الْأَسْرَارِ قَالَ: إذَا تَوِيَ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ، وَلَا تَوَى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ شُرَيْحٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ، فَإِنْ كَانَا صَحِيحَيْنِ أَوْ لَمْ يَثْبُتَا فَقَدْ تَكَافَآ. هَذَا وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ الْعَوْدِ فَقِيلَ بِفَسْخِ الْحَوَالَةِ أَيْ بِفَسْخِهَا الْمُحْتَالَ وَيُعَادُ الدَّيْنُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، وَقِيلَ تَنْفَسِخُ وَيَعُودُ الدَّيْنُ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ عَنْ إفْلَاسٍ تَنْفَسِخُ وَيَعُودُ. وَفِي الْجُحُودِ يُفْسَخُ وَيُعَادُ، وَفِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالُوا لَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسَيْنِ لَا يَرْجِعُ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِعْسَارِ وَلِهَذَا كُلَّمَا ظَهَرَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ أَخَذَهُ كَمَا فِي الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا مَاتَا مُفْلِسَيْنِ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ، ثُمَّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تَثْبُتُ حَالَةَ حَيَاةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. قَالُوا: مَالُ الْحَوَالَةِ جُعِلَ كَالْمَقْبُوضِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمَقْبُوضِ لَأَدَّى إلَى الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلِأَنَّهُ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ كَالْمَقْبُوضِ لَمْ تَجُزْ الْحَوَالَةُ. وَإِذَا مَاتَ الْمُحِيلُ مُفْلِسًا لَا يَكُونُ الْمُحْتَالُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَالْمَقْبُوضِ لَا يَرْجِعُ. قُلْنَا: لَيْسَ كَالْمَقْبُوضِ وَإِلَّا لَجَازَ لِلْمُحْتَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمَقْبُوضِ صَارَ دَيْنًا بِدَيْنٍ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْمُعَاوَضَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَالْقَرْضِ. وَأَمَّا الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَحُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَالْمَقْبُوضِ لَجَازَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَحَالَ بِهِمَا فَلَوْ افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ قَبْضًا لَكَانَ هَذَا افْتِرَاقًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُحْتَالِ لَا يَصِيرُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ إذَا مَاتَ الْمُحِيلُ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَى مَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَمَمْنُوعٌ. قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَلَوْ أَنَّ الْمُحَالَ أَخَّرَ الْحَوِيلَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُحِيلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ سِوَى دَيْنِ الْمُحَالِ يُقْسَمُ دَيْنُهُ عَلَى الْحَوِيلِ بَيْنَ الْمُحَالِ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ لِأَنَّ هَذَا مَالُ الْمُحِيلِ وَلَمْ يَصِرْ بِالْحَوَالَةِ مِلْكًا لِلْمُحَالِ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يُتَصَوَّرُ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحَالِ وَبِهَذَا لَا يَصِيرُ الْمُحَالُ أَخَصَّ بِهِ مَا لَمْ تَثْبُتْ الْيَدُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَتَعَلَّقُ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ لَوْ وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنٌ آخَرُ كَانَ رَقَبَتُهُ ثَمَّ وَكَسْبُهُ بَيْنَ الْكُلِّ بِالْحِصَصِ انْتَهَى. وَإِذَا عُرِفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالتَّوَى بَيْنَ التَّوَى بِقَوْلِهِ (وَالتَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكُلٍّ مِنْ أَمْرَيْنِ:

إمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّوَى فِي الْحَقِيقَةِ (وَقَالَا هَذَانِ الْوَجْهَانِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ بِحُكْمِ الْقَاضِي عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ. قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمِثْلِ مَالِ الْحَوَالَةِ فَقَالَ الْمُحِيلُ أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك لَك يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ الدَّيْنِ) لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُحِيلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَلَا تَكُونُ الْحَوَالَةُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِدُونِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ) لِلْمُحْتَالِ وَلَا لِلْمُحِيلِ، فَقَوْلُهُ (لَهُ) يَعْنِي كُلًّا مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ (أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا) لَا مَالَ لَهُ مُعَيَّنًا وَلَا دَيْنًا وَلَا كَفِيلَ عَنْهُ بِدَيْنِ الْمُحْتَالِ، وَعِنْدَهُمَا بِهَذَيْنِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ بِإِفْلَاسِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي يَصِحُّ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ بِحُدُوثِ مَالٍ لَهُ فَلَا يَعُودُ بِتَفْلِيسِ الْقَاضِي عَلَى الْمُحِيلِ. وَالتَّوَى التَّلَفُ، يُقَالُ مِنْهُ تَوِيَ بِوَزْنِ عَلِمَ يَتْوَى وَهُوَ تَوٍ وَتَاوٍ. وَلَوْ قَالَ الْمُحْتَالُ مَاتَ مُفْلِسًا وَقَالَ الْمُحِيلُ بِخِلَافِهِ فَفِي الشَّافِي وَالْمَبْسُوطِ: الْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مَعَ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا فَزَعَمَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ فَالْقَوْلُ لَهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَفِي شَرْحِ النَّاصِحِيِّ: الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ عَوْدَ الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمِثْلِ مَالِ الْحَوَالَةِ فَقَالَ الْمُحِيلُ) إنَّمَا (أُحِلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الدَّيْنِ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ قَضَاؤُهُ دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ، وَلِأَنَّ الْمُحِيلَ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ) وَلَا يُقَالُ: قَبُولُ الْحَوَالَةِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ ذَلِكَ، بَلْ قَدْ تَكُونُ مِمَّا عَلَيْهِ وَهِيَ الْمُقَيَّدَةُ وَقَدْ تَكُونُ مُطْلَقَةً وَالْمُطْلَقَةُ هِيَ حَقِيقَةُ الْحَوَالَةِ أَمَّا الْمُقَيَّدَةُ فَوَكَالَةٌ بِالْأَدَاءِ مِنْ وَجْهِ الْقَبْضِ. (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ بِمَا أَحَالَهُ بِهِ فَقَالَ إنَّمَا أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي وَقَالَ الْمُحْتَالُ لَا بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ كَانَ لِي عَلَيْك، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُحِيلِ (الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُ)

قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ بِمَا أَحَالَهُ بِهِ فَقَالَ إنَّمَا أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي وَقَالَ الْمُحْتَالُ لَا بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ كَانَ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ) لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَلَفْظَةُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ آخَرَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْقَضَاءِ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) لِتَقَيُّدِهَا بِهَا، فَإِنَّهُ مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَّةِ هُوَ الْأَصْلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ الْقَوْلُ لِلطَّالِبِ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِالدَّيْنِ ظَاهِرًا، فَمَا قَالَهُ الْمُحِيلُ تَوْكِيلٌ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَفْظَةُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ) جَوَابٌ عَنْهُ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَمَنْعُ كَوْنِهَا بِالدَّيْنِ أَظْهَرُ فَالْحَوَالَةُ مُتَوَاطِئٌ فِيهِمَا وَإِلَّا فَادِّعَاؤُهُ مَجَازًا مُتَعَارَفًا يَخُصُّ قَوْلَهُمَا فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ، وَقَدْ تَكَلَّفَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ حِينَ اسْتَبْعَدَ التَّوَاطُؤَ وَتَقْدِيمَ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ فَحَمَلَهَا عَلَى مَا إذَا اسْتَوْفَى الْمُحْتَالُ الْأَلْفَ الْمُحَالَ بِهَا وَقَدْ كَانَ الْمُحِيلُ بَاعَ مَتَاعًا مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَلْفِ فَيَقُولُ الْمُحْتَالُ كَانَ الْمَتَاعُ مِلْكِي وَكُنْت وَكِيلًا فِي بَيْعِهِ عَنِّي وَالْمَقْبُوضُ مَالِيٌّ وَيَقُولُ الْمُحِيلُ كَانَ الْمَتَاعُ مِلْكِي وَإِنَّمَا بِعْتُهُ لِنَفْسِي فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ، لِأَنَّ أَصْلَ الْمُنَازَعَةِ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ وَالْيَدِ كَانَ لِلْمُحِيلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِنَحْوِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ فِي سَائِرِ الْأُمَّهَاتِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَجْوِيزِ كَوْنِ لَفْظِ أَحَلْتُك بِأَلْفٍ يُرَادُ بِهِ أَلْفٌ لِلْمُحِيلِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ عَلَى الْإِنْسَانِ لَا يُمْكِنُ بِمِثْلِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَطْعِ بِهَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَوْ دَلَالَتِهِ، مِثْلُ: لَهُ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَّةِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَلْزَمُ فِيهِ ضَرَرُ شَغْلِ ذِمَّتِهِ إلَّا بِمِثْلِهِ مِنْ اللَّفْظِ، وَمِنْهُ نَحْوُ قَوْلِهِ اتَّزِنْهَا فِي جَوَابِ لِي عَلَيْك أَلْفٌ لِلتَّيَقُّنِ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ فِي اتَّزِنْهَا عَلَى الْأَلْفِ الْمُدَّعَاةِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَحَلْتُك. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ آخَرَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْقَضَاءِ) لِتَيَسُّرِ مَا يُقْضَى بِهِ وَحُضُورِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ (فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُودِعُ (لِتَقَيُّدِهَا بِهَا) أَيْ لِتَقَيُّدِ الْحَوَالَةِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي هَلَكَتْ (فَإِنَّهُ) أَيْ الرَّجُلُ (مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً) بِعَيْنِ (مَغْصُوبٍ) عَرْضٍ أَوْ أَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ الْمُحَالُ بِهِ لَا تَبْطُلُ

لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خُلْفٍ كَلَا فَوَاتَ، وَقَدْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ أَيْضًا، وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَوَالَةُ وَلَا يَبْرَأُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ، فَإِنْ عَجَزَ رَدَّ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَبْرَأُ (لِأَنَّ) لَهُ خُلْفًا وَ (الْفَوَاتُ إلَى خُلْفٍ كَلَا فَوَاتٍ) فَبَقِيَتْ مُتَعَلِّقَةً بِخُلْفِهِ فَيُرَدُّ خُلْفُهُ عَلَى الْمُحْتَالِ (وَقَدْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ أَيْضًا) بِأَنْ يُحِيلَهُ بِدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَصَارَتْ الْمُقَيَّدَةُ بِالتَّفْصِيلِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: مُقَيَّدَةٌ بِعَيْنِ أَمَانَةٍ، وَبِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ، وَبِدَيْنٍ خَاصٍّ (وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَعْنِي الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ (أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) بِذَلِكَ الْعَيْنِ وَلَا بِذَلِكَ الدَّيْنِ

لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحِيلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ لَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَهِيَ حَقُّ الْمُحْتَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْحَوَالَةَ) لَمَّا قُيِّدَتْ بِهَا (تَعَلَّقَ حَقُّ الطَّالِبِ بِهِ) وَهُوَ اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِنْهُ (عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ) وَأَخْذُ الْمُحِيلِ يُبْطِلُ هَذَا الْحَقَّ فَلَا يَجُوزُ؛ فَلَوْ دَفَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْعَيْنَ أَوْ الدَّيْنَ إلَى الْمُحِيلِ ضَمِنَهُ لِلطَّالِبِ فَإِنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ كَمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الرَّهْنَ أَحَدٌ يَضْمَنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ. وَلَمَّا كَانَ تَشْبِيهُ الْمُصَنِّفِ بِالرَّهْنِ يَتَبَادَرُ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمُحِيلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ غَيْرُ دَيْنِ الْمُحْتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ الْمُحْتَالُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ الَّذِي أُحِيلَ بِهِ أَوْ الْعَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْمُحْتَالُ (أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ) فِيهِ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُحِيلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ) لِلْمُحِيلِ (حَقُّ الْمُطَالَبَةِ) بِمَا أَحَالَ بِهِ مِنْ الْأَمْرِ الْمُعَيَّنِ (فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَ) الْوَاقِعُ (أَنَّهَا حَقُّ الْمُحْتَالِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ، وَتُرِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْمُحَالِ بِهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا، وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْمُحْتَالِ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ الْمَخْصُوصَةِ أَوْ الدَّيْنِ كَمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الدَّائِنِ بِالرَّهْنِ الْمُعَيَّنِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ وَالْمُرْتَهِنُ لَهُ يَدٌ ثَابِتَةٌ مَعَ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ لَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ، وَإِذَا كَانَ الْمُحْتَالُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَلَوْ قُسِّمَ ذَلِكَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَيْنُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ وَأَخَذَ الْمُحْتَالُ حِصَّتَهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَقَيُّدِ الْحَوَالَةِ بِذَلِكَ الْمُقْسَمِ. هَذَا وَمِنْ أَحْكَامِ الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَكَانَ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ، وَلَوْ وَهَبَ الْمُحْتَالُ دَيْنَهُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ الْمُحْتَالُ لَهُ وَوَرِثَهُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، وَكَذَا الْإِرْثُ، فَمَلَكَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْهِبَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ أَدَّى لَا يَرْجِعُ الْمُحِيلُ عَلَيْهِ، فَكَذَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ، بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَوْضُوعٌ لِلْإِسْقَاطِ فَلَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا خَرَجَ بِهِ عَنْ ضَمَانِهِ لِلْمُحْتَالِ دَيْنُهُ وَهُوَ الشَّاغِلُ لِدَيْنِ الْمُحِيلِ فَبَقِيَ دَيْنُ الْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِلَا شَاغِلٍ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ

بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّهِ بِهِ بَلْ بِذِمَّتِهِ فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ مَا عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ السَّفَاتِجُ وَهِيَ قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ) وَهَذَا نَوْعُ نَفْعٍ اُسْتُفِيدَ بِهِ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» . (كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ) يَتَّصِلُ بِقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالْعَيْنِ الْمُحَالِ بِهِ وَالدَّيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَوَالَةَ قِسْمَانِ، مُقَيَّدَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمُطْلَقَةٌ. وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمُحِيلُ لِلطَّالِبِ أَحَلْتُك بِالْأَلْفِ الَّتِي لَك عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَلَمْ يَقُلْ لِيُؤَدِّيَهَا مِنْ الْمَالِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا أَحَالَ كَذَلِكَ وَلَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَدِيعَةٌ أَوْ مَغْصُوبَةٌ أَوْ دَيْنٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنُ (لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّ الْمُحْتَالِ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ لِوُقُوعِهَا مُطْلَقَةً عَنْهُ (بَلْ بِذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) وَفِي الذِّمَّةِ سَعَةٌ (فَيَأْخُذُ دَيْنَهُ أَوْ عَيْنَهُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ) وَمَا عَلَيْهِ يَرْجِعُ إلَى الدَّيْنِ أَوْ الْغَصْبِ أَوْ عِنْدَهُ يَرْجِعُ إلَى الْوَدِيعَةِ. وَمِنْ الْمُطْلَقَةِ أَنْ يُحِيلَ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَتَنْقَسِمُ الْمُطْلَقَةُ إلَى حَالَّةٍ وَمُؤَجَّلَةٍ. فَالْحَالَّةُ أَنْ يُحِيلَ الطَّالِبُ بِأَلْفٍ وَهِيَ عَلَى الْمُحِيلِ حَالَّةٌ فَتَكُونُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَالَّةً لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لِتَحْوِيلِ الدَّيْنِ فَيَتَحَوَّلُ بِالصِّفَةِ الَّتِي هِيَ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ، وَلَكِنْ لَهُ إذَا لُوزِمَ أَنْ يُلَازِمَهُ، وَإِذَا حُبِسَ أَنْ يَحْبِسَهُ. وَالْمُطْلَقَةُ الْمُؤَجَّلَةُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ إلَى سَنَةٍ فَأَحَالَ الطَّالِبُ عَلَيْهِ إلَى سَنَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ إلَى سَنَةٍ؛ وَلَوْ حَصَلَتْ الْحَوَالَةُ مُبْهَمَةً لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ مُؤَجَّلَةً كَمَا فِي الْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ تَحَمَّلَ مَا عَلَى الْأَصِيلِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ، فَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ لَمْ يَحِلَّ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ حُلُولَ الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأَجَلِ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ مُحْتَاجٌ إلَى الْأَجَلِ، وَلَوْ حَلَّ عَلَيْهِ إنَّمَا يَحِلُّ بِنَاءً عَلَى حُلُولِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ الْأَصِيلَ بَرِيءٌ عَنْ الدَّيْنِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْتَحَقَ بِالْأَجَانِبِ؛ وَلَوْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَالْمُحِيلُ حَيٌّ حَلَّ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأَجَلِ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً رَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَى أَجَلِهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ سَقَطَ حُكْمًا لِلْحَوَالَةِ وَقَدْ اُنْتُقِضَتْ الْحَوَالَةُ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فَيُنْتَقَضُ مَا فِي ضِمْنِهَا وَهُوَ سُقُوطُ الْأَجَلِ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَدْيُونُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ عَبْدًا مِنْ الطَّالِبِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ عَادَ الْأَجَلُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَجَلِ كَانَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَقَدْ اُنْتُقِضَ كَذَا هُنَا. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ السَّفَاتِجُ) جَمْعُ سَفْتَجَةٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ تَعْرِيبُ سُفْتَهَ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُحْكَمُ، سُمِّيَ هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْفَعَ فِي بَلْدَةٍ إلَى مُسَافِرٍ قَرْضًا لِيَدْفَعَهُ إلَى صَدِيقِهِ أَوْ وَكِيلِهِ مَثَلًا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ أَمْرَ خَطَرِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا، رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ حَمْزَةَ، أَنْبَأَنَا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ عُمَارَةَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا

[كتاب أدب القاضي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ رِبًا» وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِسَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: مَتْرُوكٌ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَرَوَاهُ أَبُو الْجَهْمِ فِي جُزْئِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْ سَوَّارٍ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سُمْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السُّفْتَجَاتُ حَرَامٌ» وَأَعَلَّهُ بِعَمْرِو بْنِ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. وَأَحْسَنُ مَا هُنَا مَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنِّفِهِ: حَدَّثَنَا خَالِدُ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا: إنْ كَانَ السَّفْتَجُ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَالْقَرْضُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا جَازَ. وَصُورَةُ الشَّرْطِ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهِ إلَى بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَكَتَبَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اُكْتُبْ لِي سَفْتَجَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا عَلَى أَنْ أُعْطِيَك هُنَا فَلَا خَيْرَ فِيهِ. وَفِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ: سَفَاتِجُ التُّجَّارِ مَكْرُوهَةٌ، ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يُقْرِضَ مُطْلَقًا ثُمَّ يَكْتُبَ السُّفْتَجَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ بِأَحْسَنَ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا قَالُوا: إنَّمَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِذَلِكَ فَلَا. وَاَلَّذِي يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ فِي ظِلِّ جِدَارِ غَرِيمِهِ فَلَا أَصْلَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ انْتِفَاعًا بِمِلْكِهِ، كَيْفَ وَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَا مُتَعَارَفًا، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي] (كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي) لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعَاتِ فِي الدُّيُونِ وَالْبِيَاعَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ مُحْتَاجَةً إلَى قَطْعِهَا أَعْقَبَهَا بِمَا هُوَ الْقَاطِعُ لَهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ. وَالْأَدَبُ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ وَالْقَاضِي مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَأَفَادَهَا، وَهُوَ أَنَّ ذِكْرَ مَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ؛ وَسُمِّيَتْ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ أَدَبًا لِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْخَيْرِ، وَالْأَدَبُ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْأَدْبِ بِسُكُونِ الدَّالِ هُوَ الْجَمْعُ

قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدُّعَاءُ، وَهُوَ أَنْ تَجْمَعَ النَّاسَ وَتَدْعُوَهُمْ إلَى طَعَامِك، يُقَالُ مِنْهُ أَدَبَ زَيْدٌ يَأْدِبُ أَدْبًا بِوَزْنِ ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا إذَا دَعَاك إلَى طَعَامِهِ فَهُوَ آدِبٌ، وَالْمَأْدُبَةُ الطَّعَامُ الْمَصْنُوعُ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ يَمْدَحُ قَوْمَهُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: وَرِثُوا السُّؤْدُدَ عَنْ آبَائِهِمْ ... ثُمَّ سَادُوا سُؤْدُدًا غَيْرَ زُمَرْ نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى ... لَا تَرَى الْآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرْ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدَبَةُ اللَّهِ، فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ آمِنٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مَأْدَبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدَبَتِهِ، بِفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ تَأْدِيبِهِ، وَكَانَ الْأَحْمَرُ يَجْعَلُهُمَا لُغَتَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا غَيْرَهُ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُسْتَعْمَلُ لَمَعَانٍ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى الْخَتْمِ وَالْفَرَاغِ مِنْ الْأَمْرِ: يَعْنِي بِإِكْمَالِهِ. وَفِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِهِ الْإِلْزَامُ، وَيُقَالُ لَهُ الْحُكْمُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْعِ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ مِنْ الْحِكْمَةِ الَّتِي تُجْعَلُ فِي رَأْسِ الْفَرَسِ. . وَأَمَّا وَصْفُ الْقَضَاءِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْكُلُّ أَثِمُوا هَذَا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ لَا يَفْصِلُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَأْثَمُوا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُكْرِهَ مَنْ يَعْلَمُ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَرْبَابِهَا بِإِلْزَامِ الْمَانِعِينَ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَضَاءِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَقَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاوُد بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26] «وَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا قَاضِيًا عَلَى الْيَمَنِ وَمُعَاذًا وَقَالَ لَهُ: بِمَ تَقْضِي؟ فَقَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي فَأَقَرَّهُ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ لَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمَوْلَى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ وَيَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. وَذَكَرَ الْمَوْلَى عَلَى لَفْظِ الْمَفْعُولِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ أَلْقَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لَهُ مِنْهُ كَمَا هُوَ الْأَوْلَى (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (فَلِأَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ) يَعْنِي: كُلٌّ مِنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ

لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَمَا يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ. وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ يَصِحُّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ كَمَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَمِدُّ مِنْ سِرٍّ وَاحِدٍ هُوَ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالْحُرِّيَّةِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ أَعْمَى وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، وَالْكَمَالُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَفِيفًا عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَبِطَرِيقِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْقُضَاةِ. [فَرْعٌ] قُلِّدَ عَبْدٌ فَعَتَقَ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِتِلْكَ الْوِلَايَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَجْدِيدٍ، كَمَا لَوْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ حَالَ الرِّقِّ ثُمَّ عَتَقَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ. وَذَكَرَ بَعْدَ وَرَقَةٍ: لَوْ قُلِّدَ قَضَاءُ مِصْرَ لِصَبِيٍّ فَأَدْرَكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ، وَلَوْ قُلِّدَ كَافِرٌ الْقَضَاءَ فَأَسْلَمَ قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى قَضَائِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْلِيَةٍ ثَانِيَةٍ فَصَارَ الْكَافِرُ كَالْعَبْدِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ وِلَايَةٌ وَبِهِ مَانِعٌ، وَبِالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ يَرْتَفِعُ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا. وَمَا فِي الْفُصُولِ: لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ كَافِرٍ إذَا أَدْرَكْت فَصَلِّ بِالنَّاسِ أَوْ اقْضِ بَيْنَهُمْ جَازَ لَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الصَّبِيِّ، لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْوِلَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ، وَمَا تَقَدَّمَ تَنْجِيزٌ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ وِلَايَةُ الصَّبِيِّ قَاضِيًا لَا يَصِحُّ سُلْطَانًا، فَمَا فِي زَمَانِنَا مِنْ تَوْلِيَةِ ابْنٍ صَغِيرٍ لِلسُّلْطَانِ إذَا مَاتَ فَقَدْ سَأَلَهُ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ وَصَرَّحَ بِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وَالٍ عَظِيمٍ يَصِيرُ سُلْطَانًا، وَتَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يُعِدُّ نَفْسَهُ تَبَعًا لِابْنِ السُّلْطَانِ تَعْظِيمًا وَهُوَ السُّلْطَانُ فِي الْحَقِيقَةِ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدٍ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا إنْ عَزَلَ ذَلِكَ الْوَالِي الْعَظِيمُ نَفْسَهُ مِنْ السَّلْطَنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ وَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ. وَأَمَّا الذُّكُورَةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ إلَّا لِلْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالدِّمَاءِ فَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِيهِمَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَضَاءِ الْفَاسِقِ، فَأَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وِلَايَتُهُ كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي النَّوَادِرِ مِثْلُهُ، لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ: اجْتِمَاعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالِاجْتِهَادِ وَغَيْرِهِمَا مُتَعَذِّرٌ فِي عَصْرِنَا لِخُلُوِّ الْعَصْرِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْعَدْلِ، فَالْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ ذُو شَوْكَةٍ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا، فَلَوْ قُلِّدَ الْجَاهِلُ الْفَاسِقُ صَحَّ وَيُحْكَمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الرَّعِيَّةِ عَدْلٌ عَالِمٌ لَا يَحِلُّ تَوْلِيَةُ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَوْ وُلِّيَ صَحَّ عَلَى مِثَالِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا، وَإِنْ قَبِلَ نَفَّذَ الْحُكْمَ بِهَا، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ذَكَرَ الْأَوْلَوِيَّةَ: يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ قَبِلَ جَازَ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ

وَلَوْ قَبِلَ جَازَ عِنْدَنَا. وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَنْعَزِلُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَحِلُّ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا فَإِنْ قَضَى جَازَ وَنَفَذَ. (وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا) قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَوُلِّيَ (فَفَسَقَ) وَجَازَ (بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا) مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ (لَا يَنْعَزِلُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا) الْبُخَارِيُّونَ وَالسَّمَرْقَنْدِيُّونَ وَمَعْنَى يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ. وَقِيلَ إذَا وُلِّيَ عَدْلًا ثُمَّ فَسَقَ انْعَزَلَ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ فِي مَعْنَى الْمَشْرُوطَةِ فِي وِلَايَتِهِ، لِأَنَّهُ حِينَ وَلَّاهُ عَدْلًا اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مُقَيَّدَةً بِعَدَالَتِهِ فَتَزُولُ بِزَوَالِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَ ذَلِكَ انْعَزَلَ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ وَالتَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ إذَا وَصَلْت إلَى بَلْدَةِ كَذَا فَأَنْتَ قَاضِيهَا، وَإِذَا وَصَلْت إلَى مَكَّةَ فَأَنْتَ أَمِيرُ الْمَوْسِمِ، وَالْإِضَافَةُ كَأَنْ يَقُولَ: جَعَلْتُك قَاضِيًا فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا كَأَنْ يَقُولَ جَعَلْتُك قَاضِيًا إلَّا فِي قَضِيَّةِ فُلَانٍ أَوْ لَا تَنْظُرُ فِي قَضِيَّةِ كَذَا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اخْتِيَارِ وِلَايَتِهِ لِصَلَاحِهِ تَقْيِيدُهَا بِهِ عَلَى وَجْهٍ تَزُولُ بِزَوَالِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ الْمُوَرِّدُ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَفِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ وِلَايَةُ الْفَاسِقِ، فَفِي الْبَقَاءِ لَا يَنْعَزِلُ. وَاتَّفَقُوا فِي الْإِمْرَةِ وَالسَّلْطَنَةِ عَلَى عَدَمِ الِانْعِزَالِ بِالْفِسْقِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ. ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ الْإِمَارَةِ وَإِضَافَتِهَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَعَثَ الْبَعْثَ إلَى مُؤْتَةَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ أَمِيرُكُمْ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي. ثُمَّ الرِّشْوَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي وَهُوَ الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا. الثَّانِي ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ. أَمَّا فِي الْحَقِّ فَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا فِي الْبَاطِلِ فَأَظْهَرُ. وَحُكِيَ فِي الْفُصُولِ فِي نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: لَا يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ، وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا، يَنْفُذُ فِيهِمَا، وَهُوَ مَا ذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ، وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِحَقٍّ أَجَابَهَا فِسْقُهُ وَقَدْ فُرِضَ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْفَاسِقُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ، وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ، وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ الْمُقَلَّد اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِتَقْلِيدِهِ دُونَهَا. وَهَلْ يَصْلُحُ الْفَاسِقُ مُفْتِيًا؟ قِيلَ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوِلَايَتُهُ قَائِمَةٌ وَقَضَاؤُهُ بِحَقٍّ فَلِمَ لَا يَنْفُذُ، وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ بِهِ أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ يَعْنِي وَالْقَضَاءُ عَمَلُ اللَّهِ تَعَالَى وَارْتِشَاءُ الْقَاضِي أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَوْ بَعْضِ أَعْوَانِهِ سَوَاءٌ إذَا كَانَ بِعِلْمِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَشِيَ ثُمَّ يَقْضِيَ أَوْ يَقْضِيَ ثُمَّ يَرْتَشِيَ، وَفِيهِ لَوْ أَخَذَ الرِّشْوَةَ ثُمَّ بَعَثَ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَقْضِيَ لَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الثَّانِي، لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمِلَ فِي هَذَا لِنَفْسِهِ حِينَ أَخَذَ الرِّشْوَةَ وَإِنْ كَانَ كَتَبَ إلَى الثَّانِي لِيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ وَأَخَذَ مِثْلَ أَجْرِ الْكِتَابِ صَحَّ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَاَلَّذِي قُلِّدَ بِوَاسِطَةِ الشُّفَعَاءِ كَاَلَّذِي قُلِّدَ احْتِسَابًا فِي أَنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ طَلَبُ الْوِلَايَةِ بِالشُّفَعَاءِ. الثَّالِثُ: أَخَذَ الْمَالَ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخَرِ لَا الدَّافِعِ، وَحِيلَةُ حِلِّهَا لِلْآخِذِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ أَوْ يَوْمَيْنِ فَتَصِيرَ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةً ثُمَّ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الذَّهَابِ إلَى السُّلْطَانِ لِلْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ قَسَّمَ الْهَدِيَّةَ وَجَعَلَ هَذَا مِنْ أَقْسَامِهَا فَقَالَ: حَلَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِهْدَاءِ لِلتَّوَدُّدِ. وَحَرَامٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِهْدَاءِ لِيُعِينَهُ عَلَى الظُّلْمِ، حَلَالٌ مِنْ جَانِبِ الْمُهْدِي حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَهُوَ أَنْ يُهْدِيَ لِيَكُفَّ عَنْهُ الظُّلْمُ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ إلَخْ، قَالَ: هَذَا إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ، أَمَّا إذَا كَانَ الْإِهْدَاءُ بِلَا شَرْطٍ وَلَكِنْ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي إلَيْهِ لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَمَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ قَضَى حَاجَتَهُ بِلَا شَرْطٍ وَلَا طَمَعٍ فَأَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَرَاهَتِهِ فَوَرَعٌ. الرَّابِعُ مَا يُدْفَعُ لِدَفْعِ الْخَوْفِ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ حَلَالٌ لِلدَّافِعِ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ، لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ لِيَفْعَلَ الْوَاجِبَ. (وَهَلْ يَصْلُحُ الْفَاسِقُ مُفْتِيًا قِيلَ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ) وَقَدْ

وَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ، وَقِيلَ يَصْلُحُ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ كُلَّ الْجَهْدِ فِي إصَابَةِ الْحَقِّ حَذَارِ النِّسْبَةِ إلَى الْخَطَإِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالصَّحِيحُ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ لِلدِّينِ (وَقِيلَ يُسْتَفْتَى لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ كُلَّ الْجَهْدِ حَذَارِ أَنْ يَنْسُبَهُ فُقَهَاءُ عَصْرِهِ إلَى الْخَطَإِ. وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْوِلَايَةِ بَلْ لِلْأَوْلَوِيَّةِ) . (فَأَمَّا تَقْلِيدُ الْجَاهِلِ فَصَحِيحٌ عِنْدَنَا) وَيُحْكَمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَوْلُهُمْ رِوَايَةٌ عَنْ عُلَمَائِنَا نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ، أَنَّ الْمُقَلَّدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ خِلَافُهُ. قَالُوا: الْقَضَاءُ يَسْتَدْعِي الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ. قُلْنَا: يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ (وَمَقْصُودُ الْقَضَاءِ وَهُوَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ) وَرَفْعُ الظُّلْمِ (وَيَحْصُلُ بِهِ) فَاشْتِرَاطُهُ ضَائِعٌ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ لَيْسَ مَا يَقْطَعُ بِصَوَابِهِ بَلْ مَا يَظُنُّهُ الْمُجْتَهِدُ، فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَإِذَا قَضَى بِقَبُولِ مُجْتَهِدٍ فِيهِ فَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَكَوْنُ مُعَاذٍ قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي لَا يَلْزَمُهُ اشْتِرَاطُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مُعَاذٌ الْإِجْمَاعَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الْغَزَالِيِّ تَوْجِيهَ خِلَافَهُ فَيُقَلَّدُ فِي هَذَا الزَّمَانِ. فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ: الِاسْتِدْلَال عَلَى تَقْلِيدِ الْمُقَلِّدِ بِتَقْلِيدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا الْيَمَنَ وَلَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَا لَهُ بِأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَيُثَبِّتَ لِسَانَهُ. فَإِنْ كَانَ بِهَذَا الدُّعَاءِ رُزِقَ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِلَّا فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ الْعِلْمُ وَالسَّدَادُ، وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ فِي غَيْرِهِ، وَسَنَذْكُرُ سَنَدَ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَاضِي ذُكِرَ فِي الْمُفْتِي فَلَا يُفْتِي إلَّا الْمُجْتَهِدُ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إذَا سُئِلَ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ، فَعُرِفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَتْوَى الْمَوْجُودِينَ لَيْسَ بِفَتْوَى، بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامِ الْمُفْتِي لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِي، وَطَرِيقُ نَقْلِهِ كَذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ سَنَدٌ إلَيْهِ أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي، نَحْوُ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَنَحْوُهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُمْ أَوْ الْمَشْهُورِ، وَشَهِدَ هَكَذَا ذِكْرُ الرَّازِيّ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدْنَا بَعْضَ نُسَخِ النَّوَادِرِ فِي زَمَانِنَا لَا يَحِلُّ عُزُوُّ مَا فِيهَا إلَى مُحَمَّدٍ وَلَا إلَى أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْتَهَرْ فِي عَصْرِنَا فِي دِيَارِنَا وَلَمْ تُتَدَاوَلْ. نَعَمْ إذَا وُجِدَ النَّقْلُ عَنْ النَّوَادِرِ مَثَلًا فِي كِتَابٍ مَشْهُورٍ مَعْرُوفٍ كَالْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ كَانَ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ،

فَأَمَّا تَقْلِيدُ الْجَاهِلِ فَصَحِيحٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ الْأَمْرَ بِالْقَضَاءِ يَسْتَدْعِي الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا قُدْرَةَ دُونَ الْعِلْمِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِفَتْوَى غَيْرِهِ، وَمَقْصُودُ الْقَضَاءِ يَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ كَانَ حَافِظًا لِلْأَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَلَا يَعْرِفُ الْحُجَّةَ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ لِلتَّرْجِيحِ لَا يَقْطَعُ بِقَوْلٍ مِنْهَا يُفْتِي بِهِ، بَلْ يَحْكِيهَا لِلْمُسْتَفْتِي فَيَخْتَارُ الْمُسْتَفْتِي مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ كُلِّهَا بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَحْكِيَ قَوْلًا مِنْهَا فَإِنَّ الْمُقَلِّدَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ أَيَّ مُجْتَهِدٍ شَاءَ، فَإِذَا ذَكَرَ أَحَدَهَا فَقَلَّدَهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، نَعَمْ لَا يَقْطَعُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ جَوَابُ مَسْأَلَتِك كَذَا بَلْ يَقُولُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حُكْمُ هَذَا كَذَا، نَعَمْ لَوْ حَكَى الْكُلَّ فَالْأَخْذُ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ أَوْلَى. وَالْعَامِّيُّ لَا عِبْرَةَ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ مِنْ صَوَابِ الْحُكْمِ وَخَطَئِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهَيْنِ: أَعْنِي مُجْتَهِدَيْنِ فَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ الْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْهُمَا. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ جَازَ لِأَنَّ مَيْلَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَقَدْ فَعَلَ أَصَابَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ أَوْ أَخْطَأَ. وَقَالُوا الْمُنْتَقِلُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ آخَرَ بِاجْتِهَادٍ وَبُرْهَانٍ آثِمٌ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ فَبِلَا اجْتِهَادٍ وَبُرْهَانٍ أَوْلَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الِاجْتِهَادِ مَعْنَى التَّحَرِّي وَتَحْكِيمِ الْقَلْبِ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَيْسَ لَهُ اجْتِهَادٌ. ثُمَّ حَقِيقَةُ الِانْتِقَالِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ خَاصَّةٍ قَلَّدَ فِيهِ وَعَمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ قَلَّدْت أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَا أَفْتَى مِنْ الْمَسَائِلِ مَثَلًا وَالْتَزَمْت الْعَمَلَ بِهِ عَلَى الْإِجْمَالِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ صُوَرَهَا لَيْسَ حَقِيقَةَ التَّقْلِيدِ بَلْ هَذَا حَقِيقَةُ تَعْلِيقِ التَّقْلِيدِ أَوْ وَعَدَ بِهِ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ

وَيَنْبَغِي لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَخْتَارَ مَنْ هُوَ الْأَقْدَرُ وَالْأَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْمَلَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فِيمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَيَّنُ فِي الْوَقَائِعِ، فَإِنْ أَرَادُوا هَذَا الِالْتِزَامَ فَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمُجْتَهِدِ الْمُعَيَّنِ بِإِلْزَامِهِ نَفْسَهُ ذَلِكَ قَوْلًا أَوْ نِيَّةً شَرْعًا، بَلْ الدَّلِيلُ اقْتَضَى الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَالسُّؤَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ طَلَبِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَحِينَئِذٍ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ بِهِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ إلْزَامَاتٌ مِنْهُمْ لِكَفِّ النَّاسِ عَنْ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ وَإِلَّا أَخَذَ الْعَامِّيُّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ قَوْلُهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَا أَدْرِي مَا يَمْنَعُ هَذَا مِنْ النَّقْلِ أَوْ الْعَقْلِ وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ يَتَّبِعُ مَا هُوَ أَخَفُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَوْلِ مُجْتَهِدٍ مُسَوَّغٌ لَهُ الِاجْتِهَادُ مَا عَلِمْت مِنْ الشَّرْعِ ذَمَّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَنْ أُمَّتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. . (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُقَلِّدِ) وَهُوَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ (أَنْ يَخْتَارَ مَنْ هُوَ أَقْدَرُ وَأَوْلَى) لِدِيَانَتِهِ وَعِفَّتِهِ وَقُوَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا مُثْرِيًا وَإِنْ احْتَسَبَ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَالِ الْيَتِيمِ إذَا عَمِلَ فِيهِ الْوَصِيُّ {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُ سُلَيْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيَّ عَلَى الْقَضَاءِ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ كِفَايَتُهُ وَعِيَالُهُ عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْزُقُ شُرَيْحًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَرَزَقَهُ عَلِيٌّ خَمْسِمِائَةٍ وَذَلِكَ لِقِلَّةِ عِيَالِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ رُخْصِ السِّعْرِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ غَلَاءِ السِّعْرِ، فَرِزْقُ الْقَاضِي لَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْرٍ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عَلَى الْقَضَاءِ. وَإِنَّمَا يَخْتَارُ الْأَوْلَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَتَعَقَّبَ بِحُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ وَقَالَ: إنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ كَلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ حُسَيْنٍ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَلَّى مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وَعَلِمَ أَنَّ فِي الْعَشَرَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَقَدْ غَشَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَاَلَّذِي لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ الَّذِي نَصَّبَهُ الْخَلِيفَةُ

وَفِي حَدِّ الِاجْتِهَادِ كَلَامٌ عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَحَاصِلُهُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ لِيَعْرِفَ مَعَانِيَ الْآثَارِ أَوْ صَاحِبَ فِقْهٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ، وَكَذَا الَّذِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ نَاحِيَةً وَجَعَلَ لَهُ خَرَاجَهَا وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ وَيَعْزِلَ، كَذَا قَالُوا. وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُصَرِّحَ لَهُ بِالْمَنْعِ أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ بِعُرْفِهِمْ فَإِنَّ نَائِبَ الشَّامِ وَحَلَبَ فِي دِيَارِنَا يُطْلِقُ لَهُمْ التَّصَرُّفَ فِي الرَّعِيَّةِ وَالْخَرَاجِ وَلَا يُوَلُّونَ الْقُضَاةَ وَلَا يَعْزِلُونَ، وَلَوْ وُلِّيَ فَحُكْمُ الْمُوَلَّى ثُمَّ جَاءَ بِكِتَابٍ لِلسُّلْطَانِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إمْضَاءً لِلْقَضَاءِ، وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطٌ فِي السُّلْطَانِ وَفِي التَّقْلِيدِ بِالْأَصَالَةِ لَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَمَّرَ عَبْدَهُ عَلَى نَاحِيَةٍ وَأَمَّرَهُ أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِيَ جَازَ، فَإِنْ نَصَّبَهُ كَنَصْبِ السُّلْطَانِ بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَفِي حَدِّ الِاجْتِهَادِ كَلَامٌ عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَحَاصِلَهُ) الْكَلَامِ (أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ فِي الْفِقْهِ لِيَعْرِفَ مَعَانِيَ الْآثَارِ أَوْ صَاحِبَ فِقْهٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ عَلَى الْأَوَّلِ نِسْبَتُهُ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْفِقْهِ، وَفِي الثَّانِي عَكْسُهُ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ كَوْنَهُ حِينَئِذٍ يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْآثَارِ، وَالْمُرَادُ بِمَعَانِي الْآثَارِ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ مُنَاطَاةُ الْأَحْكَامِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ، وَعَلَى الثَّانِي سَلَامَتُهُ مِنْ الْقِيَاسِ مَعَ مُعَارَضَةِ النَّصِّ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مُتَضَادَّانِ لِأَنَّ كَوْنَهُ أَدْرَى بِالْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ يُضَادُّ كَوْنَهُ أَدْرَى بِالْفِقْهِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَحْتَاجُ إلَى الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ تَحَرُّزُهُ مِنْ الْقِيَاسِ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ وَمَعْرِفَةِ مَعَانِي الْآثَارِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقِيَاسِ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ " صَاحِبَ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ " لِيَعْرِفَ مَعَانِيَ الْآثَارِ، وَيَمْتَنِعَ عَنْ الْقِيَاسِ، بِخِلَافِ النَّصِّ. وَالْحَاصِلُ أَنْ يَعْلَمَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِأَقْسَامِهِمَا مِنْ عِبَارَتِهِمَا وَإِشَارَتِهِمَا وَدَلَالَتِهِمَا وَاقْتِضَائِهِمَا وَبَاقِي الْأَقْسَامِ نَاسِخِهِمَا وَمَنْسُوخِهِمَا وَمُنَاطَاةِ أَحْكَامِهِمَا وَشُرُوطِ الْقِيَاسِ وَالْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِجْمَاعِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَدِّمُهُ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَا يَقِيسُ فِي مُعَارَضَةِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَيَعْلَمُ عُرْفَ النَّاسِ وَهَذَا قَوْلُهُ (وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ إلَخْ) فَهَذَا الْقِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْمُجْتَهِدِ، فَمَنْ أَتْقَنَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَهُوَ أَهْلٌ لِلِاجْتِهَادِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِاجْتِهَادِهِ وَهُوَ أَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ فِي طَلَبِ الظَّنِّ بِحُكْمٍ

يَعْرِفُ بِهَا عَادَاتِ النَّاسِ لِأَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَهُ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةٌ، وَلِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْعِيٍّ عَنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ وَلَا يُقَلِّدُ أَحَدًا. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَهُ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تَقَلَّدُوا وَلِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ) أَمَّا إنَّ الصَّحَابَةَ تَقَلَّدُوا فَحَدِيثُ مُعَاذٍ مَعْرُوفٌ. وَكَذَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَك وَيُثَبِّتُ لِسَانَك، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْك الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْت مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ حَرِيٌّ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَك الْقَضَاءُ، قَالَ: فَمَا زِلْت قَاضِيًا أَوْ مَا شَكَكْت فِي قَضَاءٍ بَعْدُ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالطَّيَالِسِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ «فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ، قَالَ: فَمَا شَكَكْت» الْحَدِيثَ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: عَلِّمْهُمْ الشَّرَائِعَ وَاقْضِ بَيْنَهُمْ» الْحَدِيثَ، وَصَحَّحَهُ ثُمَّ قَلَّدَ عَلِيٌّ شُرَيْحًا الْإِمَامَ. وَأَمَّا إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، غَيْرَ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ فِيهِ مُسْتَحَبًّا؛ وَعِبَارَةُ لَا بَأْسَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمُبَاحِ وَمَا تَرْكُهُ أَوْلَى. وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفَ: أَيْ الْجَوْرَ أَوْ عَدَمَ إقَامَةِ الْعَدْلِ كُرِهَ لَهُ الدُّخُولُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْوُقُوعُ فِي مَحْظُورِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ أُمِنَ أُبِيحَ رُخْصَةً، وَالتَّرْكُ هُوَ الْعَزِيمَةُ لِأَنَّهُ وَإِنْ أُمِنَ فَالْغَالِبُ هُوَ خَطَأُ ظَنِّ مَنْ ظَنَّ مِنْ نَفْسِهِ الِاعْتِدَالَ فَيَظْهَرُ مِنْهُ خِلَافُهُ فَيُؤَخِّرُهُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ. هَذَا إذَا لَمْ تَنْحَصِرْ الْأَهْلِيَّةُ فِيهِ، وَإِنْ انْحَصَرَتْ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ وَعَلَيْهِ ضَبْطُ نَفْسِهِ، إلَّا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ الْخُصُومَاتِ وَيَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ جُعِلَ عَلَى الْقَضَاءِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اُسْتُقْضِيَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ اسْتَخَفَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ دَعَا مَنْ يُسَوِّي لَهُ لِحْيَتَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحْلِقُ لَهُ تَحْتَ لِحْيَتِهِ فِي حُلْقُومِهِ إذَا عَطَسَ الْقَاضِي فَأَلْقَى الْمُوسَى رَأْسَهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْقَضَاءِ آثَارٌ. وَقَدْ اجْتَنَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَبَرَ عَلَى الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ حَتَّى مَاتَ فِي السِّجْنِ وَقَالَ: الْبَحْرُ عَمِيقٌ فَكَيْفَ أَعْبُرُ بِالسِّبَاحَةِ؟ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَحْرُ عَمِيقٌ وَالسَّفِينَةُ وَثِيقٌ وَالْمَلَّاحُ عَالِمٌ. فَقَالَ

قَالَ (وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ عَنْهُ وَلَا بَأْسَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفُ فِيهِ) كَيْ لَا يَصِيرَ شَرْطًا لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَبِيحَ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الدُّخُولَ فِيهِ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مَنْ جُعِلَ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ " ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو حَنِيفَةَ: كَأَنَّ بِك قَاضِيًا. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ: مَا وَجَدْت الْقَاضِيَ إلَّا كَسَابِحٍ فِي بَحْرٍ فَكَمْ يَسْبَحُ حَتَّى يَغْرَقَ. وَكَانَ دُعِيَ لِلْقَضَاءِ فَهَرَبَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ فَوَافَقَ مَوْتَ قَاضِيهَا، فَهَرَبَ حَتَّى أَتَى الْيَمَامَةَ. وَاجْتَنَبَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ. وَقُيِّدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا لِيَتَقَلَّدَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ الْيَتِيمِ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ وَجَارٍ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يُدْعَى بِالْقَاضِي الْعَادِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي عُمُرِهِ» وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ وَلِيَ عَشَرَةً فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَمْ يَرْتَشِ فِي حُكْمِهِ وَلَمْ يَحِفْ فَكَّ اللَّهُ عَنْهُ غُلَّهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَارْتَشَى فِي حُكْمِهِ وَحَافَ فِيهِ شُدَّتْ يَسَارُهُ إلَى يَمِينِهِ ثُمَّ رُمِيَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ» وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ مَكْحُولٍ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ ضَرْبِ عُنُقِي وَبَيْنَ الْقَضَاءِ لَاخْتَرْت ضَرْبَ عُنُقِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ قَالَ: اُسْتُعْمِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يُهَنُّونَهُ بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: أَتُهَنُّونَنِي بِالْقَضَاءِ وَقَدْ جُعِلْت عَلَى رَأْسٍ مَهْوَاةٍ مَنْزِلَتُهَا أَبْعَدُ مِنْ عَدَنَ وَأَبْيَنَ. وَأَمَّا مَا فِي الْبُخَارِيِّ «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ» فَلَا يُنَافِي مَجِيئُهُ أَوَّلًا مَغْلُولَةً يَدُهُ إلَى

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الدُّخُولَ فِيهِ رُخْصَةٌ طَمَعًا فِي إقَامَةِ الْعَدْلِ وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ فَلَعَلَّهُ يُخْطِئُ ظَنُّهُ وَلَا يُوَفَّقُ لَهُ أَوْ لَا يُعِينُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَانَةِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ دُونَ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ التَّقَلُّدُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِخْلَاءً لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ. قَالَ (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ وَلَا يَسْأَلَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» وَلِأَنَّ مَنْ طَلَبَهُ يَعْتَمِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَحْرُمُ، وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ عَلَى رَبِّهِ فَيُلْهَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعُنُقِهِ إلَى أَنْ يَفُكَّهَا عَدْلُهُ فَيُظِلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ فَلَا يُعَارَضُ. . (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ وَلَا يَسْأَلَهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ» إلَخْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نُزِّلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ» وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ إسْرَائِيلَ يُرِيدُ سَنَدَ الْأَوَّلِ، وَأَصَحُّ مِنْ الْكُلِّ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سُمْرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْت إلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا» وَإِذَا كَانَ طَلَبُ الْوِلَايَةِ أَنْ يُوكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَعْلُومٌ وُقُوعُ الْفَسَادِ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَحْذُورٌ.

(ثُمَّ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْعَادِلِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَوْبَتِهِ، وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ وَكَانَ جَائِرًا إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْعَادِلِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَوْبَتِهِ، وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوا مِنْ الْحَجَّاجِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوْرِ مُعَاوِيَةَ، وَالْمُرَادُ فِي خُرُوجِهِ لَا فِي أَقْضِيَتِهِ، ثُمَّ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَلِيَ الْقَضَاءَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْحَسَنِ لَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ فَلَا، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْجَمَاعَةِ، وَاسْتَقْضَى مُعَاوِيَةُ أَبَا الدَّرْدَاءِ بِالشَّامِ وَبِهَا مَاتَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَشَارَهُ فِيمَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِفُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ فَوَلَّاهُ الشَّامَ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ فِي نَوْبَتِهِ: نَوْبَةُ عَلِيٍّ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هِيَ كَوْنُهُ رَابِعًا بَعْدَ عُثْمَانَ، وَقَيَّدَ بِنَوْبَتِهِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الرَّوَافِضِ إنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا فِي سَائِرِ النُّوَبِ حَتَّى مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنَّمَا كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ فِي تِلْكَ النَّوْبَةِ لِصِحَّةِ بَيْعَتِهِ وَانْعِقَادِهَا فَكَانَ عَلَى الْحَقِّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَقِتَالِ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ. «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَمَّارٍ سَتَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» وَقَدْ قَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُمْ بُغَاةٌ، " وَلَقَدْ أَظْهَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - النَّدَمَ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ قَالَ: قَالَتْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِابْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا مَنَعَك أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيرِي؟ قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا غَلَبَ عَلَيْك: يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ نَهَيْتنِي مَا خَرَجْت ". . وَأَمَّا الْحَجَّاجُ فَحَالُهُ مَعْرُوفٌ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ فَعَزَلَهُ الْحَجَّاجُ وَجَعَلَ أَخَاهُ مَكَانَهُ. وَأَسْنَدَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ ضَمْرَةَ قَالَ: اسْتَقْضَى الْحَجَّاجُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى وَأَجْلَسَ مَعَهُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، ثُمَّ قُتِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَاتَ الْحَجَّاجُ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. . وَفِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ لِلْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْأُمَوِيِّ: وَلِيَ الْقَضَاءَ بِأَصْبَهَانَ لِلْحَجَّاجِ ثُمَّ عَزَلَهُ الْحَجَّاجُ وَأَقَامَ مَحْبُوسًا بِوَاسِطَ، فَلَمَّا هَلَكَ الْحَجَّاجُ رَجَعَ إلَى أَصْبَهَانَ وَتُوُفِّيَ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ: طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ طَلْحَةُ النَّدَى ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ يَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّقَلُّدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ. قَالَ (وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يُسَلَّمُ إلَيْهِ دِيوَانُ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ) وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَغَيْرُهَا، لِأَنَّهَا وُضِعَتْ فِيهَا لِتَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَتُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَيَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ فِي الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ مِنْ التَّقَلُّدِ) حِينَئِذٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. هَذَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا مَنْ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ كَقُرْطُبَةَ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ الْآنَ وَبَلَنْسِيَةَ وَبِلَادِ الْحَبَشَةِ وَأَقَرُّوا الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ عَلَى مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجْعَلُونَهُ وَالِيًا فَيُوَلَّى قَاضِيًا أَوْ يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَكَذَا يُنَصِّبُوا لَهُمْ إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ. [فُرُوعٌ فِي الْعَزْلِ] لِلسُّلْطَانِ عَزْلُ الْقَاضِي بِرِيبَةٍ وَبِلَا رِيبَةٍ، وَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ وَيَنْعَزِلُ نَائِبُهُ بِعَزْلِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْقَاضِي يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ النَّائِبَ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَائِبٌ لِلسُّلْطَانِ، وَيَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ نَفْسِهِ إذَا بَلَّغَ السُّلْطَانَ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا يَنْعَزِلُ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسِهِ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يُبَلِّغَ الْمُوَكِّلَ. وَقِيلَ لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِعَزْلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ صَارَ حَقًّا لِلْعَامَّةِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ السُّلْطَانِ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضٍ آخَرُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ النَّاسِ، وَمِثْلُهُ وَصِيُّ الْقَاضِي إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ يَشْتَرِطُ عِلْمَ الْقَاضِي، وَيَجُوزُ تَعْلِيقَ الْعَزْلِ بِالشَّرْطِ. وَمِنْ صُوَرِهِ: إذَا كَتَبَ الْخَلِيفَةُ إلَيْهِ إذَا وَصَلَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتَ مَعْزُولٌ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ. وَلَمْ يُجِزْ ظَهِيرُ الدِّينِ تَعْلِيقَ الْعَزْلِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَيَنْعَزِلُ خُلَفَاءُ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ أُمَرَاءُ الْخَلِيفَةِ، وَلَوْ قُلِّدَ رَجُلٌ قَضَاءَ بَلْدَةِ قَاضٍ هَلْ يَنْعَزِلُ؟ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْعَزِلُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَلَوْ شَرَطَ فِي الْقَضَاءِ شَرْطًا مِثْلُ أَنْ لَا يَمْتَثِلَ أَمْرَ أَحَدٍ فَخَالَفَ انْعَزَلَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتْرَكُ الْقَاضِي عَلَى الْقَضَاءِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ يَعْزِلُهُ وَيَقُولُ أَشْغَلْنَاك اذْهَبْ فَاشْتَغِلْ بِالْعِلْمِ ثُمَّ ائْتِنَا. . (قَوْلُهُ وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يَسْأَلُ) أَيْ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ. هَذَا وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ: أَيْ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي الْمُنْعَزِلِ دِيوَانَهُ ثُمَّ فَسَّرَ دِيوَانَهُ بِأَنَّهُ (الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَغَيْرُهَا) مِنْ كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَكُتُبِ نَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْمُحَاضِرِ وَالصُّكُوكِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ لِلْأَيْتَامِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا اقْتَضَاهُ الْحَالُ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ (لِأَنَّهَا) إنَّمَا (وُضِعَتْ) عِنْدَ الْقَاضِي (لِتَكُونَ حُجَّةً) وَوَثِيقَةً مَحْفُوظَةً (عِنْدَ) الْقَاضِي إذَا وَقَعَتْ (الْحَاجَةُ) إلَى الْحُجَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْأَحْوَالِ (فَتُجْعَلُ عِنْدَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النَّظَرِ) فِي أُمُورِهِمْ وَمَا كَانَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ إلَّا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ (ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَيَاضُ) الَّذِي كَتَبَ فِيهِ الْقَاضِي وَرَقًا أَوْ رِقًّا (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ أَرْبَابِ الْقَضَايَا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ)

لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا فِي يَدِهِ لِعَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى الْمُوَلَّى، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ اتَّخَذَهُ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا، وَيَبْعَثُ أَمِينَيْنِ لِيَقْبِضَاهَا بِحَضْرَةِ الْمَعْزُولِ أَوْ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا فِي خَرِيطَةٍ كَيْ لَا يَشْتَبِهَ عَلَى الْمُوَلَّى، وَهَذَا السُّؤَالُ لِكَشْفِ الْحَالِ لَا لِلْإِلْزَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لِلْقَاضِي لَا لِأَنَّهُ مِلْكُ الذَّاتِ (وَقَدْ انْتَقَلَ) الْقَضَاءُ (إلَى) الْقَاضِي (الْمُوَلَّى وَإِنْ كَانَ مِلْكَ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ اتَّخَذَهُ تَدَيُّنًا) لِيَحْفَظَ بِهِ أُمُورَ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِمْ (لَا تَمَوُّلًا، وَيَبْعَثُ) الْمُوَلَّى (اثْنَيْنِ) أَوْ وَاحِدًا مَأْمُونًا (لِيَقْبِضَاهَا بِحَضْرَةِ الْمَعْزُولِ أَوْ) مِنْ (أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ) أَعْنِي الْأَمِينَيْنِ (الْمَعْزُولَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ) مَثَلًا الصُّكُوكُ فِي خَرِيطَةٍ وَالنَّفَقَاتُ فِي خَرِيطَةٍ وَكُتُبُ الْأَوْقَافِ فِي خَرِيطَةٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِلتَّنَاوُلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَطَ الْكُلَّ فَإِنَّ فِي الْكَشْفِ عَنْهُ حِينَئِذٍ عُسْرًا شَدِيدًا، وَفِي عُرْفِ دِيَارِنَا لَيْسَ عِنْدَ الْقَاضِي صُكُوكُ النَّاسِ وَلَا كُتُبُ أَوْقَافِهِمْ، بَلْ إذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ نَاظِرُ الْوَقْفِ (وَهَذَا السُّؤَالُ لِكَشْفِ الْحَالِ) لَا لِيَلْزَمَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْجَوَابِ مِنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الرَّعَايَا بِالْعَزْلِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَاهُ خَتْمًا عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ طُرُوُّ التَّغْيِيرِ. وَأَمَّا مَا قِيلَ يَكْتُبَانِ عَدَدَ ضِيَاعِ الْوُقُوفِ وَمَوَاضِعَهَا فَلَيْسَ إلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ، فَإِنَّ كُتُبَ الْأَوْقَافِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عَدَدِ الضِّيَاعِ الْمَوْقُوفَةِ وَالدُّورَ

قَالَ (وَيَنْظُرُ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا (فَمَنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ (وَمَنْ أَنْكَرَ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِالرَّعَايَا، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ (فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادَى عَلَيْهِ وَيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ حَقٌّ ظَاهِرًا فَلَا يُعَجِّلُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَوَانِيتُ مَحْدُودَةٌ. (قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) فَيَبْعَثُ إلَى السِّجْنِ مَنْ يُحْصِيهِمْ وَيَأْتِيهِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ وَيَسْأَلُ الْمَحْبُوسَ عَنْ سَبَبِ حَبْسِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ مُسْلِمُونَ مَحْبُوسُونَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ سَبَبٌ يُوجِبُ حَبْسَهُمْ، وَثُبُوتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَيْسَ حُجَّةً يَعْتَمِدُهَا الثَّانِي فِي حَبْسِ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً (فَمَنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ) وَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ السِّجْنِ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَالٌ، وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي يَعْرِفُ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُمْ أَخَذَ مِنْهُمْ كَفِيلًا وَأَطْلَقَهُمْ حَتَّى يَنْظُرَ فِي حَالِهِمْ، فَإِنْ ظَهَرَتْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ رَدَّهُ إلَى السِّجْنِ إذَا طَلَبَهُ الْخَصْمُ (وَلَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ بِسَبَبِ حَبْسِهِمْ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ) بِوَاحِدٍ مِنْ (الرَّعَايَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَيْسَتْ حُجَّةً) مُوجِبَةً لِلْعَمَلِ (لَا سِيَّمَا) وَهِيَ (عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ كَمَا قَبْلَ الْعَزْلِ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبْلَ الْعَزْلِ أَيْضًا إلَّا بِحُجَّةٍ (وَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ) بِمَا وَجَبَ حَبْسُهُ (لَا يُعَجِّلُ) بِإِطْلَاقِهِ (لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي ظَاهِرًا) مَا كَانَ إلَّا (بِحَقٍّ) فَيُحْتَاطُ لِخَصْمِهِ الْغَائِبُ

(وَيَنْظُرُ فِي الْوَدَائِعِ وَارْتِفَاعِ الْوُقُوفِ فَيَعْمَلُ فِيهِ عَلَى مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ. (وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ) لِمَا بَيَّنَّا (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ أَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيَقْبَلُ قَوْلَهُ فِيهَا) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْقَاضِي كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ، إلَّا إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي فَيُسَلِّمُ مَا فِي يَدِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ حَقِّهِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي وَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُنَادَى عَلَيْهِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَأْمُرَ كُلَّ يَوْمٍ إذَا جَلَسَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي مَحَلَّتِهِ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَأْتِ إلَى الْقَاضِي يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيَّامًا، فَإِذَا حَضَرَ وَادَّعَى وَهُوَ عَلَى جُحُودِهِ ابْتَدَأَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إذْ لَعَلَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ لِغَائِبٍ، وَأَمَارَتُهُ أَنَّهُ فِي حَبْسِ قَاضٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِحَقٍّ، فَإِنْ قَالَ لَا كَفِيلَ لِي وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ كَفِيلًا وَجَبَ أَنْ يَحْتَاطَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فَيُنَادِيَ شَهْرًا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أَطْلَقَهُ. وَقِيلَ أَخْذُ الْكَفِيلِ هُنَا قَوْلُهُمَا. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا كَمَا قَالَ فِي أَصْحَابِ الْمِيرَاثِ إذَا اقْتَسَمُوا عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ هُنَا اتِّفَاقٌ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَالَ ظَاهِرًا حَقٌّ لِهَذَا الْوَارِثِ، وَفِي ثُبُوتِ وَارِثٍ آخَرَ شَكٌّ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إلَى زَمَانِ حُصُولِ الْكَفِيلِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، وَهُنَا الظَّاهِرُ أَنَّ حَبْسَهُ بِحَقٍّ لِظُهُورِ أَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي بِحَقٍّ وَلَكِنَّهُ مَجْهُولٌ، فَلَيْسَ أَخْذُ الْكَفِيلِ لِمَوْهُومٍ، وَلَوْ قِيلَ فَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا الظَّاهِرِ يَجِبُ أَنْ لَا يُطْلِقَهُ بِقَوْلِهِ إنِّي مَظْلُومٌ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُطْلَقُ فِيهَا مُدَّعِي الْإِعْسَارِ كَانَ جَيِّدًا. (قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ فِي الْوَدَائِعِ وَارْتِفَاعِ الْأَوْقَافِ) الْكَائِنَةِ تَحْتَ أَيْدِي أُمَنَاءِ الْقَاضِي، وَاَلَّذِي فِي دِيَارِنَا مِنْ هَذَا أَنَّ أَمْوَالَ الْأَوْقَافِ تَحْتَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ يُوَلِّيهِمْ الْقَاضِي النَّظَرَ أَوْ الْمُبَاشَرَةَ فِيهَا وَوَدَائِعَ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الَّذِي يُسَمَّى أَمِينُ الْحُكْمِ (فَيَعْمَلُ) فِيهَا (عَلَى) حَسَبِ (مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ) أَنَّهُ لِفُلَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (أَوْ يَعْتَرِفُ) الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ. (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ) عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ إذَا أَنْكَرَ وَقَالَ هِيَ لِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ (لِمَا بَيَّنَّاهُ) أَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، بِخِلَافِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ فِي الْإِلْزَامِ حَتَّى إنَّ الْخَلِيفَةَ الَّذِي قَلَّدَ الْقَاضِيَ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ بِكَذَا لَا يَقْضِي بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ الْخَلِيفَةُ مَعَ آخَرَ، وَالْوَاحِدُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الَّذِي فِي يَدِهِ أَنَّ) الْقَاضِيَ (الْمَعْزُولَ) سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ إمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَقُولَ سَلِّمْهَا إلَيَّ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ، أَوْ يَقُولَ سَلِّمْهَا إلَيَّ وَقَالَ هِيَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَهُوَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: فَفِي هَذَيْنِ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ مَنْ فِي يَدِهِ أَنَّ الْيَدَ فِيهَا كَانَتْ لِلْقَاضِي فَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْقَاضِي فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ حَالَ إقْرَارِهِ، أَوْ يَقُولَ دَفَعَهُ إلَيَّ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ وَهُوَ لِفُلَانٍ، وَقَالَ الْمَعْزُولُ بَلْ لِفُلَانٍ رَجُلٍ آخَرَ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْمَعْزُولُ، وَيُدْفَعُ لِمَنْ أَقَرَّ بِهِ لَهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِلْقَاضِي فَصَارَ كَأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ بِهِ لِوَاحِدٍ وَأَقَرَّ بِهِ هَذَا الرَّجُلُ لِآخَرَ وَفِيهِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَاضِي فَكَذَا هَذَا أَوْ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ لِفُلَانٍ فَقَالَ هُوَ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ دَفَعَهُ إلَيَّ الْقَاضِي فَفِي هَذَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْأَمِينُ، وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتَهُ لِلْمَعْزُولِ فَيَدْفَعُهُ الْمَعْزُولُ إلَى مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ فِي يَدِهِ، فَلَمَّا قَالَ دَفَعَهُ إلَيَّ الْقَاضِي فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِ مَنْ أَقَرَّ هُوَ بِهِ لَهُ فَيَصِيرُ هُوَ مُتْلِفًا لِذَلِكَ عَلَى مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُهُ. هَذَا وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ يَقُولُ اسْتَوْدَعْت فُلَانًا مَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ وَجَحَدَ مَنْ فِي يَدِهِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى بَيْعِهِ مَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيُؤْخَذُ الْمَالُ لِمَنْ ذَكَرَهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَاسْتُقْضِيَ غَيْرُهُ فَشَهِدَ بِذَلِكَ. [فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا] لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا أَوْ قَالَ الْقَاضِي لَمْ أَقْضِ بِشَيْءٍ

قَالَ (وَيَجْلِسُ لِلْحُكْمِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ) كَيْ لَا يَشْتَبِهَ مَكَانُهُ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ، وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْهَرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ بِالنَّصِّ وَالْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ دُخُولِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمِ» . «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ فِي مُعْتَكَفِهِ» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عِبَادَةٌ فَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ كَالصَّلَاةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُمَا. وَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقْبَلُ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَيَجْلِسُ لِلْحُكْمِ جُلُوسًا ظَاهِرًا كَيْ لَا يَشْتَبِهَ مَكَانُهُ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ) وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي طُولِ الْجُلُوسِ وَلَكِنْ يَجْلِسُ فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَكَذَا الْمُفْتِي وَالْفَقِيهُ (وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْهَرُ) ثُمَّ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَاتُ وَإِنْ لَمْ تُصَلَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: هَذَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا فَلَا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ عَلَى أَهْلِ الشُّقَّةِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ وَفِي السُّوقِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي بَيْتِهِ وَحَيْثُ كَانَ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَا، وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَضَاءُ (يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ بِالنَّصِّ) قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ} [التوبة: 28] (وَالْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ دُخُولِهِ) وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، وَالْخُصُومَاتُ تَقْتَرِنُ بِالْمَعَاصِي كَثِيرًا مِنْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَالْكَذِبِ فِي الدَّعَاوَى (وَلَنَا) مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ اللِّعَانِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَفِيهِ «فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ» وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا كَاذِبًا حَانِثًا فِي يَمِينٍ غَمُوسٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سُجُفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِك، قَالَ كَعْبُ: قَدْ فَعَلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مُسْنِدًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ أَتَى رَجُلٌ فَتَخَطَّى النَّاسَ حَتَّى قَرُبَ إلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَقَالَ اجْلِسْ فَجَلَسَ ثُمَّ قَامَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، قَالَ وَمَا حَدُّك؟ قَالَ: أَتَيْت امْرَأَةً حَرَامًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

وَنَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي ظَاهِرِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ، وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا فَيَخْرُجُ الْقَاضِي إلَيْهَا أَوْ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ يَبْعَثُ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا كَمَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي الدَّابَّةِ. وَلَوْ جَلَسَ فِي دَارِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انْطَلِقُوا بِهِ فَاجْلِدُوهُ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْلِدُ الَّتِي خَبُثَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ صَاحِبَتُك؟ قَالَ: فُلَانَةُ فَدَعَاهَا ثُمَّ سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَبَ عَلَيَّ وَاَللَّهِ إنِّي لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ شَاهِدُك؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي شَاهِدٌ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً» وَأَمَّا إنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ فَنُقِلَ بِالْمَعْنَى: يَعْنِي وَقَعَ مِنْهُمْ هَذَا، وَلَا يَكَادُ يَشُكُّ فِي أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَعَ لَهُمَا ذَلِكَ. وَمَنْ تَتَبَّعَ السِّيَرَ رَأَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا. فَفِي الْبُخَارِيِّ: " لَاعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ". وَأَسْنَدَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ قَضَى فِي الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي ذَلِكَ، فَمَا قِيلَ إنَّهُ غَرِيبٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد رِوَايَةُ هَذَا اللَّفْظِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ بِسَنَدِهِ إلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْقَبْرِ. "، وَكَانَ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَسْنَدَ إلَى سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ بَانَكَ. قَالَ: رَأَيْت سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ قَدْ وُلِّيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ. وَإِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا وَلَّى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إمْرَةَ الْمَدِينَةِ لَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَّى أَبَا طُوَالَةَ الْقَضَاءَ بِهَا فَكَانَ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: أَبُو طُوَالَةَ ثِقَةٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَإِلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: رَأَيْت شُرَيْحًا يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، وَإِلَى الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ: رَأَيْت الشَّعْبِيَّ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَاضِي الْكُوفَةِ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، وَكُلُّ قَضَاءٍ صَدَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَانَ بَيْنَ السَّلَفِ مَشْهُورًا وَفِيهِمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَلَمْ يُرْوَ إنْكَارُهُ عَنْ أَحَدٍ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالْحُكْمِ» فَلَمْ يُعْرَفْ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ «الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي قَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْ مَهْ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَالْقَذَرِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، قَالَ: وَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ» وَأَمَّا نَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ فَفِي الِاعْتِقَادِ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ (وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا لِيَخْرُجَ إلَيْهَا الْقَاضِي) أَوْ يُرْسِلَ نَائِبَهُ (كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَابَّةٍ، وَلَوْ جَلَسَ فِي دَارِهِ فَحَسَنٌ بِ) شَرْطِ (أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ) عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقًّا فِي مَجْلِسِهِ، وَعَلَى

وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي جُلُوسِهِ وَحْدَهُ تُهْمَةً. قَالَ (وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَالثَّانِيَ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ بَلْ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَصِيرُ آكِلًا بِقَضَائِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ لِلْقَرِيبِ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ، وَكَذَا إذَا زَادَ الْمُهْدِي عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ فَيَتَحَامَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَا يَقْضِي وَهُوَ يَمْشِي أَوْ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُعْتَدِلِ الْحَالِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِمَا هُوَ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَّكِئَ لِأَنَّهُ نَوْعُ جِلْسَةٍ كَالتَّرَبُّعِ وَغَيْرِهِ، وَطِبَاعُ النَّاسِ فِي الْجُلُوسِ مُخْتَلِفَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ وَهُوَ غَضْبَانُ أَوْ فَرْحَانُ أَوْ جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ أَوْ مَهْمُومٌ أَوْ نَاعِسٌ أَوْ فِي حَالِ بَرْدٍ شَدِيدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الْجِمَاعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي حَالَ شَغْلِ قَلْبِهِ، وَأَصْلُهُ حَدِيثُ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» مَعْلُولٌ بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُرِيدُ الْجُلُوسَ وَلَا يَسْمَعُ مِنْ رَجُلٍ حُجَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ قَلِيلًا، وَلَا يُقَدِّمُ رَجُلًا جَاءَ الْآخَرُ قَبْلَهُ، وَلَا يَضْرِبُ فِي الْمَسْجِدِ حَدًّا وَلَا تَعْزِيرًا (وَ) يَنْبَغِي أَنْ (يَجْلِسَ مَعَهُ مَنْ كَانَ يُجَالِسُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي جُلُوسِهِ وَحْدَهُ تُهْمَةً) الرِّشْوَةَ أَوْ الظُّلْمَ. وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا كَانَ يَحْكُمُ حَتَّى يَحْضُرَ أَرْبَعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيُشَاوِرَهُمْ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُحْضِرُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ: يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ دَخَلَهُ حَصْرٌ فِي قُعُودِهِمْ عِنْدَهُ أَوْ شُغْلِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ جَلَسَ وَحْدَهُ، فَإِنَّ طِبَاعَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ حِشْمَةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْدَادُ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ يَدْخُلُهُ حَصْرٌ جَلَسَ وَحْدَهُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَذِرَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ قَضَائِهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّهُ فَهِمَ حُجَّتَهُ، وَلَكِنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِ كَذَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْفَعَ لِشِكَايَتِهِ لِلنَّاسِ، وَنِسْبَتِهِ إلَى أَنَّهُ جَارٍ عَلَيْهِ. وَمَنْ يَسْمَعْ يُخَلِّ، فَرُبَّمَا تُفْسِدُ الْعَامَّةُ غَرَضَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَإِذَا أَمْكَنَ إقَامَةُ الْحَقِّ مَعَ عَدَمِ إيغَارِ الصُّدُورِ كَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهْدِيَ إمَّا لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِمُهَادَاتِهِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُصُومَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِسَبَبِ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمُعْتَادِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنْ زَادَ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُهْدِي قَدْ زَادَ فَبِقَدْرِ مَا زَادَ مَالُهُ إذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQزَادَ فِي الْهَدِيَّةِ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ الْقَرِيبِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْمُهَادَاةِ كَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَرِيبِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَادَةً فَأَهْدَى بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَقْبَلُ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ مَعَ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ تُفِيدُ قَبُولَهَا مِنْ الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ بِالْمُهَادَاةِ قَبْلُ إذَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ. وَالْوَجْهُ هُوَ ظَاهِرُ النِّهَايَةِ. ثُمَّ صَرَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّعْوَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ فِي أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عَادَةٌ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ بِمُهَادَاةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِفَقْرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ وِلَايَةِ قَرِيبِهِ فَصَارَ يُهْدَى إلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَانِعَ مَا كَانَ إلَّا الْفَقْرَ، وَهَذَا عَلَى شِبْهِ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الزِّيَادَةِ إذَا كَثُرَ مَالُهُ. ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْهَدِيَّةَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُبَاحُ أَخْذُهَا قِيلَ يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ عَمَلِهِ لَهُمْ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفَهُمْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ أَوْ كَانُوا بَعِيدًا حَتَّى تَعَذَّرَ الرَّدُّ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ اللُّقَطَةِ، فَإِنْ جَاءَ الْمَالِكُ يَوْمًا يُعْطَاهَا، وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا حُكْمُهُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ الْقَاضِي. وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ أَنَّ الرِّشْوَةَ يُعْطِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعِينَهُ، وَالْهَدِيَّةُ لَا شَرْطَ مَعَهَا انْتَهَى. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا» قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتْ الْهَدِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةً وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدِمَ بِمَالٍ فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: تَلَاحَقَتْ الْهَدَايَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ هَلَّا قَعَدْت فِي بَيْتِك فَتَنْظُرَ أَيُهْدَى لَك أَمْ لَا، فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَتَعْلِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ، وَلِهَذَا لَوْ زَادَ الْمُهْدِي عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ كُرِهَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مُحَرَّمٌ كَالرِّشْوَةِ. هَذَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَدِيَّةُ الْمُسْتَقْرِضِ لِلْمُقْرِضِ كَالْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي إنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ اسْتِقْرَاضِهِ فَأَهْدَى إلَى الْمُقْرِضِ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُهْدِيهِ

وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً لِأَنَّ الْخَاصَّةَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ فَيُتَّهَمُ بِالْإِجَابَةِ، بِخِلَافِ الْعَامَّةِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ قَرِيبُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُجِيبُهُ وَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً كَالْهَدِيَّةِ، وَالْخَاصَّةُ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضِيفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا. قَالَ (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَا زِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إلَّا إذَا كَانَتْ عَامَّةً) يَعْنِي وَلَا خُصُومَةَ لِصَاحِبِ الْوَلِيمَةِ الْعَامَّةِ (وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ قَرِيبُهُ) فَلَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ عَامَّةً وَلَا خُصُومَةَ لَهُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُجِيبُ قَرِيبُهُ وَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً) هَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ الطَّحَاوِيُّ. وَقَالَ الْخَصَّافُ: يُجِيبُ الْخَاصَّةَ لِقَرِيبِهِ بِلَا خِلَافٍ لِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْخِلَافِ طُولِبَ بِالْفَرْقِ فِي الْقَرِيبِ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ، قَالَ: يُقْبَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ جَرْي الْعَادَةِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الدَّعْوَى فَصَلَ بَيْنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: قَالُوا مَا ذُكِرَ فِي الضِّيَافَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُحَرَّمُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا الدَّعْوَةُ وَالْمُهَادَاةُ وَصِلَةُ الْقَرَابَةُ وَأَحْدَثَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ الْحَالَةُ هَذِهِ فَهُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ. وَمَا فِي الْهَدِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمَا الْمُهَادَاةُ وَصِلَةُ الْقَرَابَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِذَا أَهْدَى بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهِ انْتَهَى. فَقَدْ آلَ الْحَالُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْغَرِيبِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالضِّيَافَةِ سِوَى ذَلِكَ لِإِمْكَانِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فَقِيلَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ خَاصَّةٌ وَالْعَشَرَةُ وَمَا فَوْقَهَا عَامَّةٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (الْخَاصَّةُ) هِيَ (الَّتِي لَوْ عَلِمَ الْمُضِيفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا) وَالْعَامَّةُ هِيَ الَّتِي يَتَّخِذُهَا حَضَرَهَا الْقَاضِي أَوْ لَا. وَعِنْدِي أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْعَامَّةَ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَمَا سِوَاهُمَا خَاصَّةٌ حَسَنٌ فَإِنَّ الْغَالِبَ هُوَ كَوْنُ الدَّعْوَةِ الْعَامَّةِ هَاتَيْنِ، وَرُبَّمَا مَضَى عُمَرُ وَلَمْ يَعْرِفْ مَنْ اصْطَنَعَ طَعَامًا عَامًا ابْتِدَاءً لِعَامَّةِ النَّاسِ بَلْ لَيْسَ إلَّا لِهَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ أَوْ لِمَخْصُوصٍ مِنْ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ أَضْبَطُ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْقَاضِي لَمْ يَصْنَعْ أَوْ يَصْنَعُ غَيْرَ مُحَقَّقٍ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لَوَائِحُ لَيْسَ كَضَبْطِ هَذَا، وَيَكْفِي عَادَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَعَادَةُ النَّاسِ هِيَ مَا ذَكَرَ النَّسَفِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: يَحْضُرُ الْوَلَائِمَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْضُرُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقْضِي. قُلْنَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْلُومَ الْعِصْمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ لَا يَضُرُّهُ حُضُورٌ وَلَا قَبُولُ هَدِيَّةٍ فَلَقَدْ أُبْعِدَتْ. (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) الْمُرَادُ مَرِيضٌ لَا خُصُومَةَ لَهُ وَإِلَّا

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ» وَعَدَّ مِنْهَا هَذَيْنِ. (وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ خَصْمِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً. قَالَ (وَإِذَا حَضَرَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْجُلُوسِ وَالْإِقْبَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَعُودُهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ» فَهَذِهِ هِيَ السَّادِسَةُ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ فِيهِ: «وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ يُشَمِّتُهُ» . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ مِنْ حَدِيثِ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الْإِفْرِيقِيِّ قَالَ: كُنَّا غُزَاةً فِي الْبَحْرِ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فَانْضَمَّ مَرْكَبُنَا إلَى مَرْكَبِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا حَضَرَ غَدَاؤُنَا أَرْسَلْنَا إلَيْهِ فَأَتَانَا وَقَالَ: دَعَوْتُمُونِي وَأَنَا صَائِمٌ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنْ أَنْ أُجِيبَكُمْ لِأَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ سِتَّ خِصَالٍ وَاجِبَةٍ، إنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا فَقَدْ تَرَكَ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ لِأَخِيهِ: يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ، وَيُجِيبُهُ إذَا دَعَاهُ، وَيُشَمِّتُهُ إذَا عَطَسَ، وَيَعُودُهُ إذَا مَرِضَ، وَيَحْضُرُهُ إذَا مَاتَ، وَيَنْصَحُهُ إذَا اسْتَنْصَحَهُ» وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْوُجُوبِ فِيهِ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الْوُجُوبِ فِي اصْطِلَاحِ الْفِقْهِ الْحَادِثِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ وُجُوبُ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ، وَكَوْنُ الْوُجُوبِ وُجُوبَ عَيْنٍ فِي الْجِنَازَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَمْرٌ ثَابِتٌ عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا بِالِاصْطِلَاحِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ خَصْمِهِ) الْآخَرِ، لِمَا رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ فَنَزَلَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَضَافَهُ، فَلَمَّا قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُخَاصِمَ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَحَوَّلْ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نُضَيِّفَ الْخَصْمَ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ» . وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثُمَّ الدَّارَقُطْنِيُّ. (وَلِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةَ) الْمَيْلِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْجُلُوسِ وَالْإِقْبَالِ) لِمَا رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ، وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَحْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ» وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنْ: آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وَعَدْلِك وَمَجْلِسِك

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» (وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً) لِلتُّهْمَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ (وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُ يَجْتَرِئُ عَلَى خَصْمِهِ (وَلَا يُمَازِحُهُمْ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بِمَهَابَةِ الْقَضَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك وَلَا يَيْأَسُ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك. (وَلَا يَسَّارِ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ لِلتُّهْمَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَجْتَرِئُ بِذَلِكَ عَلَى خَصْمِهِ، وَلَا يُمَازِحُهُمْ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمْ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِمَهَابَةِ الْقَضَاءِ) وَالْمُسْتَحَبُّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يُجْلِسُ وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ لِلْيَمِينِ فَضْلًا، وَلِذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخُصُّ بِهِ أَبَا بَكْرٍ دُونَ عُمَرَ. وَفِي أَبِي دَاوُد «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ خَاصَمَهُ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ عَلَى السَّرِيرِ قَدْ أَجْلَسَ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى السَّرِيرِ، فَلَمَّا جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَّعَ لَهُ سَعِيدٌ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ فَقَالَ هُنَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْأَرْضَ الْأَرْضَ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ قَالَ: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي.» . وَفِي النَّوَازِلِ وَالْفَتَاوَى الْكُبْرَى: خَاصَمَ السُّلْطَانُ مَعَ رَجُلٍ فَجَلَسَ السُّلْطَانُ مَعَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ وَيَجْلِسَ خَصْمُ السُّلْطَانِ فِيهِ وَيَقْعُدَ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَهُمَا. وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَظْهَرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَصْلُحُ قَاضِيًا عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قِصَّةُ شُرَيْحٍ مَعَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ قَامَ فَأَجْلَسَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَجْلِسَهُ، وَيَنْبَغِي لِلْخَصْمَيْنِ أَنْ يَجْثُوَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَتَرَبَّعَانِ وَلَا يَقْعَيَانِ، وَلَوْ فَعَلَا ذَلِكَ مَنَعَهُمَا الْقَاضِي تَعْظِيمًا لِلْحُكْمِ كَمَا يَجْلِسُ الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُعَلِّمِ تَعْظِيمًا لَهُ فَيَكُونُ بُعْدُهُمَا عَنْهُ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَا أَصْوَاتَهُمَا، وَيُسْنِدُ الْقَاضِي ظَهْرَهُ إلَى الْمِحْرَابِ، وَهَذَا رَسْمُ زَمَانِنَا. قَالُوا: وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا فِي زَمَنِ الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ الْقَاضِي يَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ وَيَقِفُ أَعْوَانُ الْقَاضِي بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَكُونَ أَهَيْبَ. وَإِذَا حَضَرَا فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ابْتَدَأَ فَقَالَ مَا لَكُمَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا حَتَّى يَبْتَدِئَاهُمَا بِالنُّطْقِ، وَبَعْضُ الْقُضَاةِ يَخْتَارُ السُّكُوتَ وَلَا يُكَلِّمُهُمَا بِشَيْءٍ غَيْرِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ الْمُدَّعِي أَسْكَتَ الْآخَرَ حَتَّى يَفْهَمَ حُجَّتَهُ لِأَنَّ فِي تَكَلُّمِهِمَا مَعًا شَغَبًا وَقِلَّةَ حِشْمَةٍ لِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ يَسْتَنْطِقُ الْآخَرَ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ الْمُدَّعِي ذَلِكَ. وَقِيلَ لَا إلَّا بَعْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي بِأَنْ يَقُولَ اسْأَلْهُ لِكَيْ يَتَفَكَّرَ فِي الدَّعْوَى لِتَظْهَرَ لَهُ صِحَّتُهَا، وَإِلَّا قَالَ قُمْ فَصَحِّحْ دَعْوَاك، وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى يَقُولُ فَمَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ جَوَابَهُ سَأَلَهُ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُهُ ابْتِدَاءً لِلْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، وَإِذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِنَّ مَعَهُمْ، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ أَنْ يُقَدِّمَ الدَّعْوَى الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَيَضَعَ عَلَى ذَلِكَ أَمِينًا لَا يَرْتَشِي يَعْرِفُهُ السَّابِقُ، وَلْيُبَكِّرْ عَلَى بَابِ الْقَاضِي وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ طَمَعٌ، وَلَوْ أَشْكَلَ السَّابِقُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَلَا يَسْتَعْجِلُ عَلَى الْخُصُومِ بَلْ يَتَمَهَّلُ مَعَهُمْ فَإِنَّ بِالْعُجَالَةِ تَنْقَطِعُ الْحُجَّةُ وَيُذْهَلُ عَنْهَا، وَلِهَذَا لَا يُخَوِّفُهُمْ فَيَكُونُ مَهِيبًا لَا تَخَافُهُ النَّاسُ. وَأَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ مَا رَأَوْا

قَالَ (وَيُكْرَهُ تَلْقِينُ الشَّاهِدِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَكَذَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَيُكْرَهُ كَتَلْقِينِ الْخَصْمِ. وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَحْصُرُ لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ تَلْقِينُهُ إحْيَاءً لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِشْخَاصِ وَالتَّكْفِيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَخْذِ بَوَّابِ الْقَاضِي شَيْئًا لِيُمَكِّنَّهُ مِنْ الدُّخُولِ وَهُوَ يَعْلَمُ. قَالُوا: هَذَا فَسَادٌ عَظِيمٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ التَّقَدُّمِ إلَى بَابِ الْقَاضِي فِي حَاجَةٍ، وَالْمَأْخُوذُ عَلَى ذَلِكَ رِشْوَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَعَلَى هَذَا يُقَاسُ حَالُ الَّذِي يُسَمَّى فِي زَمَانِنَا نَقِيبَ الْقَاضِي. قِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ رَجُلٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ مَعَهُ سَوْطٌ يُقَالُ لَهُ الْجِلْوَازُ، وَصَاحِبُ الْمَجْلِسِ يُقِيمُ الْخُصُومَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْبُعْدِ وَالشُّهُودُ بِقُرْبٍ مِنْ الْقَاضِي، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِيَامَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لِلْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا، بَلْ أَنْ يُجْلِسَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ الْمُحْدَثَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ إذَا سَافَرَ اسْتَصْحَبَ رَجُلًا سَيِّئَ الْأَدَبِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ يُدْفَعُ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُو الْأَحْوَالِ وَالْأَدَبِ. وَقَدْ حَدَثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أُمُورٌ وَسُفَهَاءُ فَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْحَالِ مُرَادًا بِهِ الْخَيْرَ لَا حِشْمَةَ النَّفْسِ الْمُؤَدِّي إلَى الْإِعْجَابِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عِبْسَةٌ بِلَا غَضَبٍ، وَأَنْ يَلْزَمَ التَّوَاضُعَ مِنْ غَيْرِ وَهْنٍ وَلَا ضَعْفٍ، وَلَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِنْ الْحَقِّ، وَيَتَّخِذُ كَاتِبًا أَمِينًا صَالِحًا يَكْتُبُ الْمَحَاضِرَ وَالسِّجِلَّاتِ عَارِفًا بِهَا كَيْ لَا يَقَعَ السِّجِلُّ فَاسِدًا بِالْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ السِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرَ، وَيُقْعِدُهُ حَيْثُ يَرَى مَا يَكْتُبُ وَيَكْتُبُ خُصُومَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَشَهَادَةَ شُهُودِهِمَا فِي صَحِيفَةٍ وَهِيَ الْمَحْضَرُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، بِخِلَافِ عُرْفِ الْعَادَةِ الْيَوْمَ بِمِصْرَ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَلْقِينُ الشَّاهِدِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي كَلَامًا يَسْتَفِيدُ بِهِ الشَّاهِدُ عِلْمًا وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ اسْتَوْلَتْهُ الْحِيرَةُ أَوْ الْهَيْبَةُ فَتَرَكَ شَيْئًا مِنْ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ فَيُعِينُهُ بِقَوْلِهِ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَكَذَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ (فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ) أَمَّا فِيهَا بِأَنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ الْخَمْسَمِائَةِ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَلْفٍ فَيَقُولُ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ وَاسْتَفَادَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ عِلْمًا فَوُفِّقَ بِهِ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا وُفِّقَ الْقَاضِي فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي تَلْقِينِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: مَا قَالَاهُ عَزِيمَةٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَنْهِيٌّ عَنْ اكْتِسَابِ مَا يَجُرُّ إلَيْهِ تُهْمَةَ الْمَيْلِ وَتَلْقِينُ الشَّاهِدِ لَا يَخْلُو مِنْهُ. وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رُخْصَةٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ شَاهِدُ الْحَصْرِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ مُهَابٌ فَيَضِيعُ الْحَقُّ إذَا لَمْ يُعِنْهُ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَيَحْصَرُ مُضَارِعُ حَصِرَ مِنْ بَابِ عَلِمَ إذَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ

[فصل في الحبس]

(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَاقَ صَدْرُهُ بِهِ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَأَيْضًا أَمْرًا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي بِهِمْ الْحُقُوقَ، وَهَذَا التَّلْقِينُ إعَانَةٌ وَإِكْرَامٌ حَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْقُصُورُ. وَقَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَشْخَاصِ هُوَ إرْسَالُ شَخْصٍ لِيَأْتِيَ بِخَصْمِهِ، يُقَالُ شَخَصَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ إذَا ذَهَبَ مِنْ حَدٍّ مَنَعَ. قِيلَ وَتَأْخِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتَسْمِيَتُهُ بِالِاسْتِحْسَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ اسْتَحْسَنَهُ مَعْنَاهُ لَهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْسَانِ الِاصْطِلَاحِيِّ، وَقَدْ لَا يَلْزَمُ وَيَكْفِي كَوْنُهُ آخِرُ دَلِيلٍ فِي ذَلِكَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ بَلْ يُفَوِّضُ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ يَتَّخِذُ وَكِيلًا لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُ الْقَاضِي تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَابَاةِ، وَشَرَطَ شُرَيْحٌ عَلَى عُمَرَ حِينَ وَلَّاهُ أَنْ لَا أَبِيعَ وَلَا أَشْتَرِيَ وَلَا أَرْتَشِيَ، وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِ الْمَالِكِيَّةِ، يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْ طَلَبِ الْعَوَارِيّ مِنْ الْمَاعُونِ وَالدَّابَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَيَنْبَغِي لِلْخُصُومِ إذَا وَصَلَّوْا أَنْ لَا يُسَلِّمُوا عَلَى الْقَاضِي، فَإِذَا سَلَّمُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي رَدُّ سَلَامِهِمْ، فَإِنْ رَدَّ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ وَيَخْرُجُ فِي أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ] أَحْكَامُ الْقَضَاءِ كَثِيرَةٌ فَذَكَرَ مِنْهَا مَا ذَكَرَ، وَمِنْهَا الْحَبْسُ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ فَأَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَتِهِ. وَالْحَبْسُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] وَبِالسُّنَّةِ عَلَى مَا سَلَفَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ» . وَذَكَرَ الْخَصَّافُ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ اقْتَتَلُوا فَقَتَلُوا بَيْنَهُمْ قَتِيلًا، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَهُمْ» وَلَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ سِجْنٌ، إنَّمَا كَانَ يَحْبِسُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الدِّهْلِيزِ حَتَّى اشْتَرَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَارًا بِمَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاِتَّخَذَهُ مَحْبِسًا. وَقِيلَ بَلْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ أَيْضًا إلَى زَمَنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَبَنَاهُ، وَهُوَ أَوَّلُ سِجْنٍ بُنِيَ فِي الْإِسْلَامِ.

قَالَ (وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَبْسَ غَرِيمِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالُ، فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ كَمَا ثَبَتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْفَائِقِ: إنَّ عَلِيًّا بَنَى سِجْنًا مِنْ قَصَبٍ فَسَمَّاهُ نَافِعًا، فَنَقَبَهُ اللُّصُوصُ وَتَسَيَّبَ النَّاسُ مِنْهُ، ثُمَّ بَنَى سِجْنًا مِنْ مَدَرٍ فَسَمَّاهُ مَخِيسًا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيِّسَا ... بَنَيْت بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا بَابًا حَصِينًا وَأَمِينًا كَيِّسَا وَالْمُخَيَّسُ مَوْضِعُ التَّخْيِيسِ وَهُوَ التَّذْلِيلُ، وَالْكَيْسُ حُسْنُ التَّأَنِّي فِي الْأُمُورِ، وَالْكَيِّسُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْكَيْسِ. وَأَرَادَ بِالْأَمِينِ السَّجَّانَ الَّذِي نَصَبَهُ فِيهِ، وَالْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ لَا يَخْرُجُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا لِعِيدٍ وَلَا لِجُمُعَةٍ وَلَا لِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ وَلَا لِحَجِّ فَرِيضَةٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةِ بَعْضِ أَهْلِهِ وَلَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ فَيُسَارِعَ لِلْقَضَاءِ، وَلِهَذَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا خَشِنًا وَلَا يُبْسَطُ لَهُ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ لَهُ أَحَدٌ يَسْتَأْنِسُ بِهِ. وَقِيلَ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَوْلَادِ، وَفِي غَيْرِهِمْ لَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إبْطَالُ حَقٍّ آدَمِيٍّ بِلَا مُوجِبٍ وَمَوْتُ الْأَبِ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ بِنَفْسِهِ. نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِحُقُوقِ دَفْنِهِ فَعَلَ ذَلِكَ. وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَمَّا إذَا مَاتَ وَالِدُهُ أَيَخْرُجُ فَقَالَ لَا. وَلَوْ مَرِضَ فِي السِّجْنِ فَأَضْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ لَا يَخْرُجُ حَتَّى يَمُوتَ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ يَخْرُجُ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْمُمَرِّضِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَقْضِيًّا لِلتَّسَبُّبِ فِي هَلَاكِهِ؛ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ تَدْخُلُ زَوْجَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فَيَطَؤُهَا حَيْثُ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَيْسَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْإِيفَاءِ بِمَشُورَتِهِمْ وَرَأْيِهِمْ وَيُمْنَعُونَ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ. وَالْمَالُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فِي الْحَبْسِ، فَيُحْبَسُ فِي الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ لِأَنَّ ظُلْمَهُ يَتَحَقَّقُ بِمَنْعِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي وَطَلَبَ صَاحِبُهُ حَبْسَ غَرِيمِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفَسَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ إحْلَالَ عِرْضِهِ بِإِغْلَاظِ الْقَوْلِ لَهُ وَعُقُوبَتِهِ بِالْحَبْسِ (فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ الْمُمَاطَلَةِ) وَلَمْ تَظْهَرْ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْإِقْرَارِ (إذْ لَعَلَّهُ طَمَعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ) وَإِنَّمَا يَظْهَرُ إذَا أَمَرَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ فَامْتَنَعَ (أَمَّا إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ فَيَحْبِسُهُ كَمَا ظَهَرَ لِظُهُورِ الْمُمَاطَلَةِ بِإِنْكَارِهِ) . وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ.:

قَالَ (فَإِنْ امْتَنَعَ حَبْسُهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ بِهِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ دَلِيلُ يَسَارِهِ إذْ هُوَ لَا يَلْتَزِمُ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ مُعَجَّلُهُ دُونَ مُؤَجَّلِهِ. قَالَ (وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إذَا قَالَ إنِّي فَقِيرٌ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الْيَسَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ غِنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ عَكْسُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَحْبِسُهُ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ لِأَنَّهُ يَعْتَذِرُ بِأَنِّي مَا كُنْت أَعْلَمُ أَنَّ عَلَيَّ دَيْنًا لَهُ بِخِلَافِهِ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَحْوَجَهُ إلَى شَكْوَاهُ؛ وَعَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَأْمُرَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ) أَيْ بَعْدَ أَمْرِهِ بِقَضَائِهِ (حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَ) الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ (بِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْغِنَى الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِيفَاءِ، وَإِلَّا فَالدَّيْنُ قَدْ يَكُونُ دُونَ النِّصَابِ وَيُحْبَسُ بِهِ: يَعْنِي إذَا دَخَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى إيفَائِهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ بَدَلَ مَالٍ لَكِنَّهُ لَزِمَهُ عَنْ عَقْدٍ الْتَزَمَهُ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ مَا يُلْزِمُ ذَلِكَ الْمَالَ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَحْبِسُهُ، وَلَا يَسْمَعُ قَوْلَهُ إنِّي فَقِيرٌ لِأَنَّهُ كَالْمُنَاقِضِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْيَسَارِ (وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى هَذَيْنِ) النَّوْعَيْنِ (إذَا قَالَ إنِّي فَقِيرٌ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسَهُ) حِينَئِذٍ (لِأَنَّهُ وَجَدَ دَلَالَةَ الْيَسَارِ)

وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعُسْرَةُ. وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ. وَفِي النَّفَقَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنَّهُ مُعْسِرٌ، وَفِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ قُدْرَتَهُ عَلَى الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ (وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا كَانَ بَدَلَ مَالٍ أَوْ لَزِمَهُ بِعَقْدٍ أَوْ حُكْمًا لِفِعْلِهِ لَا لِعَقْدٍ كَالْإِتْلَافِ وَضَمَانِ الْغَصْبِ وَهُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ (لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعُسْرَةُ) فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لِأَنَّهُ خُلِقَ عَدِيمَ الْمَالِ، وَلِهَذَا قَالَ: إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ فَلَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَلَك مَالٌ أَوْ لَا، فَإِنْ قَالَ لَا اسْتَحْلَفَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَبَسَهُ، وَإِنْ حَلَفَ أَطْلَقَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى قُدْرَتِهِ. وَعِنْدَنَا يَحْبِسُهُ وَلَا يَسْأَلُهُ، فَإِنْ قَالَ أَنَا فَقِيرٌ حِينَئِذٍ يَنْظُرُ (وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ (إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ) كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِمَا قَوْلُ الْمُدَّعِي. وَنَسَبَ الْخَصَّافُ هَذَا الْقَوْلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: يَحْكُمُ الزِّيُّ إنْ كَانَ بِزِيِّ الْفُقَرَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْفَقْرِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي قُدْرَتَهُ، وَإِنْ كَانَ بِزِيِّ الْأَغْنِيَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي إلَّا فِي الْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ لَا يَحْكُمُ الزِّيُّ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ فِي لِبَاسِهِمْ مَعَ فَقْرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ كَانَ عَلَى الْمَطْلُوبِ زِيُّ الْفُقَرَاءِ فَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ غَيْرُ زِيِّهِ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْأَغْنِيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْأَغْنِيَاءِ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْبَيَانِ حَكَمَ زِيُّهُ فِي الْحَالِ فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ، وَكُلَّمَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُوسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ أَعْسَرْت بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَقَدُّمُ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا بِأَمْرٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُدُوثُ ذَهَابِ الْمَالِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ مَحْفُوظَتَيْنِ نَصًّا عَنْ أَصْحَابِنَا بِلَا خِلَافٍ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّهُ مُوسِرٌ لِتَأْخُذَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ وَقَالَ إنَّهُ مُعْسِرٌ لِيُعْطِيَ نَفَقَةَ الْإِعْسَارِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ، وَالثَّانِيَةُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ فَلَا يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ شَيْئًا وَلَكِنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ وَقَالَ شَرِيكُهُ بَلْ مُوسِرٌ لِيَضْمَنَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ

وَالْمَسْأَلَتَانِ تُؤَدِّيَانِ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَالتَّخْرِيجُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ صِلَةٌ حَتَّى تَسْقُطَ النَّفَقَةُ بِالْمَوْتِ عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ، ثُمَّ فِيمَا كَانَ الْقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَسْأَلَتَانِ تُؤَيِّدَانِ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ) يَعْنِي قَوْلَ الْقَائِلِ الْقَوْلُ لِمَنْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ الْقَوْلُ لِمَنْ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ. أَمَّا تَأْيِيدُهُمَا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجِ وَالْمُعْتِقِ، فَلَوْ كَانَ الصَّحِيحُ الْمَذْكُورَ أَوْ لَا، كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ وَالشَّرِيكِ السَّاكِتِ فِي دَعْوَى الْيَسَارِ، وَأَمَّا تَأْيِيدُهُمَا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الْمَهْرِ وَبَدَلُ الْعِتْقِ مَالًا جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَرْوَحَ فِي الْأَوَّلِ فَقَالَ: أَمَّا تَأْيِيدُهُمَا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ الْقَوْلُ لَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَظَاهِرٌ، وَذَكَرَ فِي الثَّانِي مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ الْقَوْلَ الْمُفَصَّلَ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ كَوْنِ الدَّيْنِ مُلْتَزَمًا بِمَالٍ أَوْ بِعَقْدٍ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ وَكَوْنُهُ بِخِلَافِهِمَا فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْبَدَلَ فِيهِمَا مُلْتَزَمٌ بِعَقْدٍ أَوْ شِبْهِهِ، وَهُوَ الْفِعْلُ الْحَسَنُ الْمَوْضُوعُ سَبَبًا: أَعْنِي الْعِتْقَ، وَيُؤَيِّدَانِ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَدْيُونِ إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ فَإِنَّ الْبَدَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ مَالًا، وَيَجْعَلُ الْقَوْلَ لِلْمَدْيُونِ تَأَيُّدُ الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا بَدَلُهُ لَيْسَ بِمَالٍ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمَطْلُوبِ وَإِنْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ، ثُمَّ هَذِهِ الثَّانِيَةُ بِاعْتِبَارِ صِدْقِهَا مَعَ جُزْءِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِمُطَابَقَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يُوهِمُ أَنَّهُ يُفِيدُ الشُّمُولَ وَإِلَّا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِهِ الْقَوْلَ لِلْمَطْلُوبِ فِيمَا إذَا الْتَزَمَ بِعَقْدٍ وَالْبَدَلُ لَيْسَ بِمَالٍ كَوْنُ الْقَوْلِ لَهُ فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ. فَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ تَوْجِيهِ التَّأْيِيدِ فَكَانَ الصَّحِيحُ هُمَا الْقَوْلَانِ تَسَاهُلٌ ظَاهِرٌ. وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْمَطْلُوبِ فِي الْكُلِّ إذَا كَانَ هُوَ الصَّحِيحَ لَا يَكُونُ الْمُفَصَّلُ بَيْنَ كَوْنِ بَدَلِ الدَّيْنِ مَالًا فَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي، أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ صَحِيحًا. فَاَلَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ إنَّمَا يُبْطِلَانِ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ غَيْرُ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْإِبْطَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ وَضَمَانَ الْعِتْقِ لَيْسَ بِدَيْنٍ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ صِلَةٌ وَاجِبَةٌ وَلِذَا سَقَطَتْ النَّفَقَةُ بِالْمَوْتِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَالتَّخْرِيجُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ إلَخْ) فَلَمْ يُرِدْ نَقْضًا فَيَرْجِعَ قَوْلُ الْكِتَابِ الْمُفَصَّلِ عَلَى قُوَّتِهِ وَثُبُوتِهِ (ثُمَّ فِيمَا) إذَا (كَانَ الْقَوْلُ

قَوْلَ الْمُدَّعِي إنَّ لَهُ مَالًا، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ عَلَيْهِ يَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَالْحَبْسُ لِظُهُورِ ظُلْمِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ مُدَّةً لِيَظْهَرَ مَالُهُ لَوْ كَانَ يُخْفِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَمْتَدَّ الْمُدَّةُ لِيُفِيدَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَقَدَّرَهُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَيُرْوَى غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ فِيهِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خُلِّيَ سَبِيلُهُ) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا؛. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَ الْمُدَّعِي إنَّ لَهُ مَالًا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ يُحْبَسُ) الْمَدْيُونُ (شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يُسْأَلُ عَنْهُ فَالْحَبْسُ لِظُهُورِ الْمُمَاطَلَةِ ثُمَّ إنَّمَا يُحْبَسُ مُدَّةً لِيَظْهَرَ مَالُهُ) فَيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ (فَلَا بُدَّ أَنْ تَمْتَدَّ تِلْكَ الْمُدَّةُ لِيُفِيدَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَقَدَّرَهُ بِمَا ذَكَرَهُ) وَهُوَ شَهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ (وَيُرْوَى غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرٍ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْآجِلِ وَمَا دُونَ الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْعَاجِلِ فَصَارَ أَدْنَى الْأَجَلِ شَهْرًا وَالْأَقْصَى لَا غَايَةَ لَهُ فَيُقَدَّرُ بِشَهْرٍ. وَرُوِيَ (أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَيْ مَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ نَحْوَهُ وَكَذَا الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، فَالتَّقْدِيرُ فِي هَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي إذْ الْمَقْصُودُ بِالْحَبْسِ أَنْ يَضْجَرَ قَلْبُهُ فَيَقْضِيَهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي بَعْدَ مُدَّةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَرَّجَ عَنْ نَفْسِهِ فَيَسْأَلُ عَنْهُ جِيرَانَهُ وَأَهْلَ الْخِبْرَةِ بِهِ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَإِنْ

وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ، وَلَا تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْكِتَابِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي الْمُلَازَمَةِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالُوا إنَّهُ ضَيِّقُ الْحَالِ أَطْلَقَهُ، وَلَوْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَبْسِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا السُّؤَالُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَقَبُولُ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ: فِي رِوَايَةٍ تُقْبَلُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَبِهِ أَفْتَى مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْإِعْسَارِ بَيِّنَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ حَتَّى تَتَأَيَّدَ بِمُؤَيِّدٍ وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَأَيَّدَتْ،

إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَمُرَادُهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً وَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ وَالْحَبْسُ أَوَّلًا وَمُدَّتُهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ (وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدُ عَلَى الْوَالِدِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَحَمَّلْ ضِيقَ السِّجْنِ وَمَرَارَتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَ الْقَاضِي بَعْدَ الْمُدَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ وَإِلَّا فَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ دَفَعَهُ وَجَبَ إطْلَاقُهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ يَسَارِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى سُؤَالٍ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَوْ طَلَبَ الْمَدْيُونُ يَمِينَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ حَلَفَ، فَإِنْ نَكَلَ أَطْلَقَهُ، وَلَوْ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَإِنْ حَلَفَ أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى حُدُوثِ عُسْرَتِهِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي كَيْفِيَّةِ شَهَادَةِ الْإِعْسَارِ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَثِيَابِ لَيْلِهِ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا أَمْرَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَسَأَلَ فَإِنَّهُ يَكْفِي الْوَاحِدُ الْعَدْلُ فِي إخْبَارِهِ بِالْعُسْرَةِ، وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَبْسِ مِنْ كَفَالَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ لِمَا فِي ظَاهِرُهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْإِقْرَارِ لَا يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ، فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي وَصْلِ الْحَبْسِ بِإِقْرَارِهِ فَذَكَرَهُ لِيُؤَوِّلَهُ بِقَوْلِهِ (وَمُرَادُهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً وَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ فَتَرَافَعَا) إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ بِمُجَرَّدِ جَوَابِهِ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ إلَى الْآنَ شَيْئًا (قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ) وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَنْ تُقَدِّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ فَرْضِ النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ النَّفَقَةِ قَلِيلًا كَالدَّانَقِ إذَا رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ، فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ فَرْضِهَا لَوْ طَلَبَتْ حَبْسَهُ لَمْ يَحْبِسْهُ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تُسْتَحَقُّ بِالظُّلْمِ، وَالظُّلْمُ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يُنْفِقْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا فِي يَوْمٍ يَنْبَغِي إذَا قَدَّمَتْهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَإِنْ رَجَعَ فَلَمْ يُنْفِقْ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ سَقَطَتْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهَا وَهُوَ قِيَاسُ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْقَسْمِ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِالْقَسْمِ وَعَدَمِ الْجَوْرِ، فَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَقْسِمْ فَرَفَعَتْهُ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَ مَا ذَهَبَ لَهَا مِنْ الْحَقِّ لَا يَقْضِي وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ عُقُوبَةٌ) وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَالِدُ عُقُوبَةً لِأَجْلِ الْوَلَدِ لِأَنَّ التَّأْفِيفَ لَمَّا حَرُمَ كَانَ الْحَبْسُ حَرَامًا لِأَنَّهُ فَوْقَهُ، وَكَذَا لَا يُحَدُّ

[باب كتاب القاضي إلى القاضي]

(إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لِوَلَدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَدَارَكُ لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ إذَا قَذَفَهُ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إذَا قَتَلَهُ، أَمَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَأَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا، لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ سَعْيًا فِي هَلَاكِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ الْوَالِدُ لِقَصْدِهِ إلَى إهْلَاكِ الْوَلَدِ (وَلِأَنَّهُ لَا يُتَدَارَكُ لِسُقُوطِهَا) أَيْ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْعَبْدُ لَا يُحْبَسُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِمَوْلَاهُ فَكَيْفَ يُحْبَسُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حُبِسَ لِأَنَّهُ لِلْغُرَمَاءِ فِي التَّحْقِيقِ، وَيُحْبَسُ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ لِلْمُكَاتَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ مِنْ جِنْسٍ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ فِي الْجِنْسِ لَهُ حَقُّ أَخْذِهِ. فَإِذَا أَخَذَ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَفِي غَيْرِ جِنْسِهِ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ. وَالْمُكَاتَبُ فِي أَكْسَابِهِ كَالْحُرِّ فَلَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فَيُحْبَسُ لِمَطْلِهِ، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يُحْبَسُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا هُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ. [بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي] هَذَا أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِقَاضِيَيْنِ فَهُوَ كَالْمُرَكَّبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَبْسِ، وَالْعَمَلُ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى إخْبَارِهِ بِنَفْسِهِ، وَالْقَاضِي لَوْ أَخْبَرَ قَاضِيَ

قَالَ (وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ) لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ (وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ) وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا (وَإِنْ شَهِدُوا بِهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْخَصْمِ لَمْ يَحْكُمْ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ (وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ) لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَهَذَا هُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَلَدِ الْأُخْرَى بِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ قَبِلَهَا حَقُّ فُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ الْكَائِنِ فِي بَلَدِ الْقَاضِي الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ إخْبَارَ الْقَاضِي لَا يُثْبِتُ حُجَّةً فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَكِتَابُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُعْمَلَ بِهِ، لَكِنَّهُ جَازَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ شُهُودِهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدَيْنِ فَجُوِّزَ إعَانَةً عَلَى إيصَالِ الْحُقُوقِ لِمُسْتَحِقِّيهَا وَمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ التَّزْوِيرِ فَإِنَّ الْخَطَّ وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَالْخَتْمَ فَلَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ مُنْتَفِيَةٌ بِاشْتِرَاطِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى نَسْبِهِ مَا فِيهِ إلَى الْقَاضِي الْمُرْسَلِ وَأَنَّهُ خَتَمَهُ. وَقِيلَ أَصْلُهُ مَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ: أَنْ وَرِّثْ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ. لَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ مِسَاسَ الْحَاجَةِ إلَى كِتَابِ الْقَاضِي لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْكِتَابِ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَيُؤَدُّونَ عِنْدَ الْقَاضِي الثَّانِي فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ: فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ يَحْتَاجُ الْقَاضِي الثَّانِي إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي بَلَدِهِ، وَبِالْكِتَابِ يَسْتَغْنِي عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكْتُبُ بِعَدَالَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ) أَيْ الَّتِي تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (إذَا شَهِدَ بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ (عِنْدَ الْقَاضِي) الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ مَا هُوَ عَنْ قَرِيبٍ. ثُمَّ فَصَّلَ فَقَالَ (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) يُرِيدُ بِالْخَصْمِ الْحَاضِرِ مَنْ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مُسَخَّرًا وَهُوَ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى الْكِتَابِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ، لِأَنَّ الْخَصْمَ حَاضِرٌ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ (وَ) إذَا حَكَمَ (كَتَبَ بِحُكْمِهِ) إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا الْمُوَكِّلُ لِيَقْتَضِيَ مِنْهُ الْحَقَّ (وَ) هَذَا الْكِتَابُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْحُكْمِ (هُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا) فِي عُرْفِهِمْ (وَإِذَا شَهِدُوا بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ لَمْ يَحْكُمْ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ (وَ) إنَّمَا (يَكْتُبُ بِالشَّهَادَةِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ لِيَحْكُمَ) هُوَ (بِهَا وَهَذَا هُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) فِي عُرْفِهِمْ نَسَبُوهُ

وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَيَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَوَازُهُ لِمِسَاسِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ شُهُودِهِ وَخَصْمِهِ فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحُقُوقِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَالْمَغْصُوبُ وَالْأَمَانَةُ الْمَجْحُودَةُ وَالْمُضَارَبَةُ الْمَجْحُودَةُ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ، وَيُقْبَلُ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِ بِالتَّحْدِيدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ (وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَقْلُ الشَّهَادَةِ) إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي، وَسَنَذْكُرُ شُرُوطَ الْحُكْمِ مِنْ الْقَاضِي الثَّانِي بِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ السِّجِلَّ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَرَى ذَلِكَ الْحُكْمَ لِصُدُورِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَالْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ لَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حُكْمٌ فِي مَحَلِّ اجْتِهَادٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ وَلَا يَعْمَلَ بِهِ (وَيَنْدَرِجُ فِي الْحُقُوقِ الدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَالْمَغْصُوبُ وَالْأَمَانَةُ الْمَجْحُودَةُ وَالْمُضَارَبَةُ الْمَجْحُودَةُ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى الْإِشَارَةِ) وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى الرَّجُلِ وَإِلَى الْمَرْأَةِ، وَكَذَا فِي الْأَمَانَةِ وَالْمَغْصُوبِ فَكَانَتْ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ الْمُدَّعَى بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ نَفْسُ النِّكَاحِ وَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ فِي ضِمْنِهِ الْإِشَارَةُ إلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذْ كُلٌّ خَصْمٌ، وَالْإِشَارَةُ إلَى الْخَصْمِ شَرْطٌ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إذَا لَزِمَتْهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ ضِمْنًا أَوْ قَصْدًا تَتَعَذَّرُ عَلَى شُهُودِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ. فَالْحَقُّ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَلْزَمُ مِنْ الْأُصُولِ إلَى الْخَصْمِ الْغَائِبِ، بَلْ يَشْهَدُونَ عَلَى مُسَمَّى الِاسْمِ الْخَاصِّ وَالنَّسَبِ وَالشُّهْرَةِ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ هُنَاكَ يَقَعُ التَّعْيِينُ كَمَا سَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَكْتُبُ فِيهَا كَمَا يَكْتُبُ فِي الدَّيْنِ وَالْعَبْدِ (وَيُقْبَلُ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا) إذَا بَيَّنَ حُدُودَهَا الْأَرْبَعَ (لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِهِ)

وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ دُونَهَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ) كَالْحِمَارِ وَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ (لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ) فِيهَا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قُبِلَ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِي الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ يَخْدُمُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَإِبَاقُهُ مُتَيَسِّرٌ فَلِمِسَاسِ الْحَاجَةِ فِيهِ جَوَّزَهُ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِأَنَّهَا دَاخِلُ الْبَيْتِ فَلَا يَتَيَسَّرُ لَهَا تَيَسُّرُهُ لَهُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ مَا يُنْقَلُ) مِنْ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالْإِمَاءِ (وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ) وَنَصَّ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ مَا كَانَ إلَّا الْحَاجَةَ إلَى الْإِشَارَةِ فِي الْأَعْيَانِ وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي بَلَدِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى الْمَدْيُونِ لِيُقْضَى عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ اكْتَفَى بِاسْمِهِ وَشُهْرَتِهِ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِ، وَقَبُولُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ عِنْدَ الْقَضَاءِ مِنْ الثَّانِي يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِإِيرَادِ الصُّوَرِ، فَصُورَةُ الدَّيْنِ إذَا شَهِدُوا عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إلَى فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا سَلَامٌ عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ رَجُلًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَتَانِي يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَى رَجُلٍ فِي كُورَةِ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُجَرَّدِ يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا سَنَذْكُرُ، وَسَأَلَنِي أَنْ أَسْمَعَ بَيِّنَتَهُ وَأَكْتُبَ إلَيْك بِمَا يَسْتَقِرُّ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَتْهُ الْبَيِّنَةَ فَأَتَانِي بِعِدَّةٍ مِنْهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَيُحَلِّيهِمْ وَيَنْسُبُهُمْ فَشَهِدُوا عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا دَيْنًا حَالًّا، وَسَأَلَنِي أَنْ أُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا قَبَضَهُ لَهُ قَابِضٌ بِوَكَالَةٍ وَلَا احْتَالَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَحَلَّفْته فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَبَضَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي وَلَا قَبَضَهُ لَهُ وَكِيلٌ وَلَا أَحَالَهُ وَلَا قَبَضَهُ لَهُ قَابِضٌ وَأَنَّهَا لَهُ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا إلَيْك بِمَا اسْتَقَرَّ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ فَكَتَبْت إلَيْك هَذَا الْكِتَابَ وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ شُهُودًا أَنَّهُ كِتَابِي وَخَاتَمِي وَقَرَأَتْهُ عَلَى الشُّهُودِ. قَالَ ثُمَّ يُطْوَى الْكِتَابُ وَيُخْتَمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَتَمَ عَلَيْهِ شُهُودُهُ فَهُوَ أَوْثَقُ ثُمَّ يَكْتُبُ عَلَيْهِ عِنْوَانَ الْكِتَابِ مِنْ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إلَى فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا أَتَى بِهِ الْمُدَّعِي إلَى الْقَاضِي الَّذِي بِالْكُورَةِ فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْهِ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي حَتَّى يَحْضُرَ الْخَصْمُ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ قَبِلَ بَيِّنَتَهُ وَسَمِعَ بِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ لَهُ جِئْنِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَعُدِّلُوا سَمِعَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي الَّذِي ذُكِرَ، فَيَقُولُ لَهُمْ: أَقَرَأَ عَلَيْكُمْ مَا فِيهِ؟ ، فَإِذَا قَالُوا قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَأَشْهَدْنَا أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ فَإِذَا سَمِعَ مِنْهُمْ لَا يَفُكُّ الْخَاتَمَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمْ، فَإِذَا عُدِّلُوا لَا يَفُكُّهُ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرَ الْخَصْمُ، فَإِذَا حَضَرَ فَكَّهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ أَلَك حُجَّةٌ وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ قَضَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حُجَّةٌ قَبِلَهَا، وَإِنْ قَالَ لَسْت أَنَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الَّذِي شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ لِزَيْدٍ بَلْ هُوَ آخَرُ، قَالَ لَهُ هَاتِ بَيِّنَةً أَنَّ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ رَجُلًا يَنْتَسِبُ بِمِثْلِ مَا تَنْتَسِبُ إلَيْهِ وَإِلَّا أَلْزَمْتُك مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ مَنْ يَنْتَسِبُ بِمِثْلِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ أَبْطَلَ الْكِتَابَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ أَحَدٌ عَلَى اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ قَضَى عَلَيْهِ انْتَهَى. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّعْيِينَ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِشَارَةِ يَحْصُلُ بِآخِرِهِ الْأَمْرُ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَوَاضِعُ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً نُنَبِّهُ عَلَيْهَا: مِنْهَا قَوْلُهُ فِي شُهُودِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَيُحَلِّيهِمْ وَيَنْسُبُهُمْ لَمْ يَذْكُرُ كَتْبَ عَدَالَتِهِمْ وَلَا بُدَّ مِنْهَا، وَقَالُوا لَوْ كَتَبَ وَأَقَامَ شُهُودًا عُدُولًا عَرَفْتهمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ سَأَلْت عَنْهُمْ فَعَدَلُوا كَفَى عَنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَنَسَبِهِمْ، وَعِنْدِي لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَحْرَارٌ عُدُولٌ إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَنِسْبَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ وَمُصَلَّاهُ وَحِرْفَتِهِ إنْ تَاجِرًا فَتَاجِرٌ أَوْ مُزَارِعًا فَمُزَارِعٌ، وَالْمَقْصُودُ تَتْمِيمُ تَعْرِيفِ الشُّهُودِ، ثُمَّ يَذْكُرُ أَنَّهُ عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ عَدَلُوا لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَحْضَرَهُ الثَّانِي قَدْ يَكُونُ لَهُ مَطْعَنٌ فِيهِمْ أَوْ فِي أَحَدِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِمْ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الطَّعْنِ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَيَقُولُ سَمُّوهُمْ لِي فَإِنِّي قَدْ يَكُونُ لِي فِيهِمْ مَطْعَنٌ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ إلَى فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْقَاضِي وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ لَهَا قَاضِيَانِ لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَّعِي يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يَتِمُّ التَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِمَا وَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ ذَكَرَ قَبِيلَتَهُ أَوْ صِنَاعَتَهُ وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْأَبِ لَكِنْ نَسَبَهُ إلَى قَبِيلَتِهِ أَوْ فَخِذِهِ فَقَالَ فُلَانٌ التَّمِيمِيُّ أَوْ الْكُوفِيُّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ

قَالَ (وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ، بِخِلَافِ كِتَابِ الِاسْتِئْمَانِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ، وَبِخِلَافِ رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْرِيفًا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا. وَقِيلَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ غَائِبٌ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ مَسِيرَةَ سَفَرٍ لِأَنَّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافًا فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي وَجْهٍ. وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَمِنْهَا خَتْمُ الشُّهُودِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ هُوَ أَوْثَقُ كَمَا قَالَ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَعُدِّلُوا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَفُكُّ الْخَتْمَ حَتَّى يُعَدَّلَ شُهُودُ الْكِتَابِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَيُذْكَرُ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا قَالَ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ دَارًا فِي بَلَدِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا وَذَكَرَ حُدُودَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يَعْرِفُهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ. وَلَوْ ذَكَرُوا ثَلَاثَةَ حُدُودٍ كَفَى اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ غَلِطُوا فِي بَعْضِ الْحُدُودِ بَطَلَ الْكِتَابُ. وَصُورَةُ كِتَابِ الْعَبْدِ الْآبِقِ مِنْ مِصْرٍ بَعْدَ الْعُنْوَانِ وَالسَّلَامِ أَنْ يَكْتُبَ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْهِنْدِيَّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فُلَانٌ حِلْيَتُهُ كَذَا وَقَامَتُهُ كَذَا وَسِنُّهُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا مِلْكُ فُلَانٍ الْمُدَّعِي، وَقَدْ أَبَقَ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَهُوَ الْيَوْمَ فِي يَدِ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَشْهَدُ عَلَى كِتَابِهِ شَاهِدَيْنِ مُسَافِرَيْنِ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة عَلَى مَا فِيهِ وَعَلَى خَتْمِهِ كَمَا سَيُذْكَرُ، فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ الْقَاضِي مَا تَقَدَّمَ وَفَتَحَ الْكِتَابَ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِهِ لِأَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِمِلْكِ الْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي لَمْ يَشْهَدُوا بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ الْمُدَّعِي وَيَجْعَلُ خَاتَمًا مِنْ الْقَاضِي فِي كَتِفِ الْعَبْدِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا إلَّا لِدَفْعِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُ وَيَتَّهِمُهُ بِسَرِقَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَا حَاجَةَ وَيَكْتُبُ كِتَابًا إلَى قَاضِي مِصْرٍ وَيَشْهَدَانِ عَلَى كِتَابِهِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ فَعَلَ مَا يَفْعَلُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الْمُدَّعِي أَنْ يُحْضِرَ شُهُودَهُ لِيَشْهَدُوا بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِذَا شَهِدُوا قَضَى لَهُ بِهِ وَكَتَبَ إلَى قَاضِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيُبَرِّئَ كَفِيلَهُ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ قَاضِيَ مِصْرٍ لَا يَقْضِي بِالْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ الْخَصْمَ غَائِبٌ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ كِتَابًا آخَرَ إلَى قَاضِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَيَذْكُرُ فِيهِ مَا جَرَى عِنْدَهُ وَيُشْهِدُ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ مَعَهُ إلَيْهِ لِيَقْضِيَ بِهِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ وَيُبَرِّئُ الْكَفِيلَ. وَصُورَتُهُ فِي الْجَوَارِي كَمَا فِي الْعَبْدِ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَدْفَعُ الْجَارِيَةَ إلَى الْمُدَّعِي بَلْ يَبْعَثُهَا عَلَى يَدِ أَمِينٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَهَا مَعَ الْمُدَّعِي يَطَؤُهَا لِاعْتِمَادِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا: هَذَا فِيهِ بَعْضُ الْقُبْحِ، فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ الْعَبْدَ يَسْتَخْدِمُهُ قَهْرًا وَيَسْتَغِلُّهُ، فَيَأْكُلُ مِنْ غَلَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقَضَاءِ وَرُبَّمَا يَظْهَرُ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ضَمَّ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَكَلَامُنَا عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى الْمُوَافِقَةِ لِلْوَجْهِ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَالزَّوْجَةُ الْمُدَّعَى بِاسْتِحْقَاقِهَا فِي بَلَدِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ تُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ الْأَمَةِ فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِيهَا لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَجْرِيَ مَجْرَى الدُّيُونِ، لِأَنَّهَا إذَا قَالَتْ لَسْت أَنَا فُلَانَةَ الْمَشْهُودَ عَلَى أَنَّهَا زَوْجَةٌ الْمُدَّعِي الْمَذْكُورِ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى بَيِّنَةِ أَنَّ فِي قَبِيلَتِهَا مَنْ هُوَ عَلَى اسْمِهَا وَنَسَبِهَا أَنْ تُدْفَعَ إلَى الْمُدَّعِي يَطَؤُهَا (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ) أَيْ لَا يَقْبَلُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابُ (إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ الْكَاتِبِ وَأَنَّهُ خَتْمُهُ وَأَنَّ

الْقَاضِي إلَى الْمُزَكَّى وَرَسُولِهِ إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ الْإِلْزَامَ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالتَّزْكِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّينَ عَلَى كُتَّابِ الْقَاضِي الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَانَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ إذْ قَلَّمَا يَحْضُرُ الْمُسْلِمُونَ مُعَامَلَاتِهِمْ خُصُوصًا الْأَنْكِحَةَ وَالْوَصَايَا، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَخَتْمِهِ، وَلَمْ يَشْرِطْ الشَّعْبِيُّ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْحَسَنُ أَسْنَدَ الْخَصَّافَ إلَى عَمْرِو بْنِ أَبِي زَائِدَةَ أَوْ عُمَيْرٍ قَالَ: جِئْت بِكِتَابٍ مِنْ قَاضِي الْكُوفَةِ إلَى إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَجِئْت وَقَدْ عُزِلَ وَاسْتُقْضِيَ الْحَسَنُ فَدَفَعْت كِتَابِي إلَيْهِ فَقَبِلَهُ وَلَمْ يَسْأَلْنِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَفَتَحَهُ ثُمَّ نَشَرَهُ فَوَجَدَ لِي فِيهِ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ اذْهَبْ بِهَذَا الْكِتَابِ إلَى زِيَادَةَ فَقُلْ لَهُ أَرْسِلْ إلَى فُلَانٍ فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَادْفَعْهَا إلَى هَذَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، فَالشَّرْطُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَعْرِفُ خَطَّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمَهُ قِيَاسًا عَلَى كِتَابِ الِاسْتِئْمَانِ، وَعَلَى رَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولِ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي. قُلْنَا: الْفَرْقُ أَنَّ هَذَا نَقْلٌ مُلْزِمٌ، إذْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَيَعْمَلَ بِهِ، وَلَا بُدَّ لِلْمُلْزِمِ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ، بِخِلَافِ كِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُلْزِمًا إذْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا طَلَبُوهُ، وَلَهُ أَنْ لَا. وَأَمَّا الرَّسُولُ فَلِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لَيْسَتْ مُلْزِمَةً، وَإِنَّمَا الْمُلْزِمُ هُوَ الْبَيِّنَةُ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ رَسُولِ الْقَاضِي وَبَيْنَ كِتَابِهِ حَيْثُ يُقْبَلُ كِتَابُهُ وَلَا يُقْبَلُ رَسُولُهُ فَلِأَنَّ غَايَةَ رَسُولِهِ أَنْ يَكُونَ كَنَفْسِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ مَا فِي كِتَابِهِ لِذَلِكَ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ لَا يَقْبَلُهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي كِتَابِهِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أُجِيزَ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قُلْت: فَكَيْفَ عَمِلَ الْحَسَنُ بِالْكِتَابِ وَهُوَ لَمْ يَكْتُبْ إلَّا إلَى قَاضٍ آخَرَ غَيْرِهِ؟ فَالْجَوَابُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَالَ إلَى إيَاسٍ الْقَاضِي بِالْبَصْرَةِ وَإِلَى كُلِّ قَاضٍ يَرَاهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ إذَا كَتَبَ كَذَلِكَ كَانَ لِكُلِّ قَاضٍ رُفِعَ إلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ مَنْ الْأَوَّلُ إلَى مَنْ يَبْلُغُهُ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ، وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ.

قَالَ (وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ (ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ) كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّ عِلْمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ بِحَضْرَتِهِمْ شَرْطٌ، وَكَذَا حِفْظُ مَا فِي الْكِتَابِ عِنْدَهُمَا وَلِهَذَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ كِتَابٌ آخَرُ غَيْرُ مَخْتُومٍ لِيَكُونَ مَعَهُمْ مُعَاوَنَةٌ عَلَى حِفْظِهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا: شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْضًا فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ. وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَرْعٌ] يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا جَازَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ. وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ثُمَّ قَصَّ الْقِصَّةَ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ فَجَاءَ بِهِ ثِقَةٌ يَعْرِفُهُ الْأَمِيرُ، فَفِي الْفَتَاوَى لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ لِلْأَمِيرِ أَنْ يُمْضِيَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَلَا يَلِيقُ بِالْقَاضِي أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى الْأَمِيرِ لِيُخْبِرَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِذَلِكَ رَسُولًا ثِقَةً كَانَ عِبَارَةُ رَسُولِهِ كَعِبَارَتِهِ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ، فَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كِتَابَهُ وَلَمْ يَجْرِ الرَّسْمُ فِي مِثْلِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فَشَرْطُنَا هُنَاكَ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الشُّرُوطِ الْمَوْعُودِ بِذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ وَيَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ نَذْكُرُهَا. وَالْحَاصِلُ إنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعْلِمَهُمْ مَا فِيهِ: أَيْ بِإِخْبَارِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ بِالْمَشْهُودِ بِهِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا الصَّكَّ مَكْتُوبٌ عَلَى فُلَانٍ لَا يُفِيدُ مَا لَمْ يَشْهَدُوا بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَاشْتِرَاطُ عِلْمِهِمْ بِمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ. وَمِنْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ خَتَمَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْتِمَهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِمْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مُعَنْوَنًا: أَيْ مَكْتُوبًا فِيهِ الْعُنْوَانُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ اسْمُ الْكَاتِبِ وَاسْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبُهُمَا وَالشَّرْطُ الْعُنْوَانُ الْبَاطِنُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَكَانَ مُعَنْوَنًا فِي الظَّاهِرِ لَا يَقْبَلُهُ لِتُهْمَةِ التَّغْيِيرِ، وَعَنْ هَذَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نُسْخَةٌ أُخْرَى مَفْتُوحَةٌ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى حِفْظِ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّذَكُّرِ مِنْ وَقْتِ الشَّهَادَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا: شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ) بَعْدَمَا كَانَ أَوَّلًا يَقُولُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْضًا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأُمَّةِ السَّرَخْسِيِّ) وَلَا شَكَّ

قَالَ (وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ، بِخِلَافِ سَمَاعِ الْقَاضِي الْكَاتِبَ لِأَنَّهُ لِلنَّقْلِ لَا لِلْحُكْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدِي فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ الْفَرْضَ إذَا كَانَ عَدَالَةَ الشُّهُودِ وَهُمْ حَمَلَةُ الْكِتَابِ فَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ غَيْرَ مَخْتُومٍ مَعَ شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ، نَعَمْ إذَا كَانَ الْكِتَابُ مَعَ الْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَتْمَ لِاحْتِمَالِ التَّغْيِيرِ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ حِفْظًا، فَالْوَجْهُ إنْ كَانَ الْكِتَابُ مَعَ الشُّهُودِ أَنْ لَا تُشْتَرَطَ مَعْرِفَتُهُمْ لِمَا فِيهِ وَلَا الْخَتْمُ، بَلْ تَكْفِي شَهَادَتُهُمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ مَعَ عَدَالَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي اُشْتُرِطَ حِفْظُهُمْ لِمَا فِيهِ فَقَطْ وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ التَّارِيخَ، فَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ لَا يُقْبَلُ، وَذَلِكَ لِيَنْظُرَ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَا، وَكَذَا إنْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَادِثَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا لَا تُقْبَلُ. وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ: يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمِصْرَيْنِ، وَمِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي رُسْتَاقٍ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ بَعْدَ عَدَالَةِ شَهَادَةِ شُهُودِ الْأَصْلِ وَالْكِتَابِ لَا فَرْقَ، وَلَوْ كَانَ الْعُنْوَانُ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَبِي فُلَانٍ إلَى أَبِي فُلَانٍ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْمِ أَوْ الْكُنْيَةِ لَا يَتَعَرَّفُ بِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْكُنْيَةُ مَشْهُورَةً مِثْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَكَذَلِكَ النِّسْبَةُ إلَى أَبِيهِ فَقَطْ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقِيلَ تُقْبَلُ الْكُنْيَةُ الْمَشْهُورَةُ كَأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَا تَجُوزُ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَرِكُونَ فِي الْكُنَى غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَشْتَهِرُ بِهَا فَلَا يَعْلَمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّ الْمَكْنِيَّ هُوَ الَّذِي اُشْتُهِرَ بِهَا أَوْ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ إلَى قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ وَاحِدًا فَيَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَحَلِّ الْوِلَايَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ الْعُنْوَانَ أَيْضًا بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَنْوَنًا وَكَانَ مَخْتُومًا وَشَهِدُوا بِالْخَتْمِ كَفَى. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَمْ يُفْتَكَّ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَقْرَؤُهُ إلَّا بِحُضُورِهِ لَا مُجَرَّدِ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَتَرْتِيبُ الْحَالِ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْمُدَّعِي إلَى الْقَاضِي جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ اسْتَغْنَى عَنْ الْكِتَابِ، وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ لَهُ هَلْ لَك حُجَّةٌ، فَإِنْ قَالَ مَعِي كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْك طَالَبَهُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَضَرُوا أَحْضَرَ خَصْمَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَيَشْهَدُونَ بِحَضْرَتِهِ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فَحِينَئِذٍ افْتَكَّهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْرَأْهُ إلَّا بِحُضُورِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْكِتَابَ فِي الْمَعْنَى (بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ) عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَنْقُلُ أَلْفَاظَ الشُّهُودِ بِكِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ شَاهِدَ الْفَرْعِ يَنْقُلُ شَهَادَةَ شَاهِدِ الْأَصْلِ بِعِبَارَتِهِ (بِخِلَافِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ) فَإِنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ الْأُصُولِ الشَّهَادَةَ وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَائِبًا (لِأَنَّ سَمَاعَهُ لَيْسَ لِلْحُكْمِ بَلْ لِلنَّقْلِ) فَكَانَ سَمَاعُهُ بِمَنْزِلَةِ تَحَمُّلِ الْفَرْعِ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَفِي التَّحَمُّلِ

قَالَ (فَإِذَا سَلَّمَهُ الشُّهُودُ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ، فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَخَاتَمُهُ قَبِلَهُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْكِتَابِ ظُهُورُ الْعَدَالَةِ لِلْفَتْحِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفُضُّ الْكِتَابَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الشُّهُودِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُمْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بَعْدَ قِيَامِ الْخَتْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْخَصْمِ كَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَةِ أَنَّهُ كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ (وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْكِتَابِ ظُهُورُ الْعَدَالَةِ) فِي شُهُودِ الْكِتَابِ (لِلْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ فَإِذَا شَهِدُوا إلَخْ فَتَحَهُ وَلَمْ يَقُلْ فَإِذَا شَهِدُوا وَعُدِّلُوا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفُضُّ الْكِتَابَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ، ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ) وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا ذَكَرَ فِي الْمُغْنِي فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَذَكَرَ الْخَصَّافُ لَا يُفْتَحُ قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، ثُمَّ قَالَ: مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَصَحُّ: أَيْ تَجْوِيزُ الْفَتْحِ قَبْلَ ظُهُورِهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُهُ. وَوَجَّهَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ.

وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ عَلَى الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ قَاضِيًا آخَرَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ غَيْرَهُ صَارَ تَبَعًا لَهُ وَهُوَ مُعَرَّفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنَّهُ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الشُّهُودِ بِأَنْ ارْتَابَ فِي هَؤُلَاءِ فَيَقُولُ زِدْنِي شُهُودًا، وَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْمَزِيدِينَ إلَّا حَالَ قِيَامِ الْخَتْمِ. [فَرْعٌ] لَوْ سَمِعَ الْخَصْمُ بِوُصُولِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدِهِ فَهَرَبَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى كَانَ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي، فَكَمَا جَوَّزْنَا لِلْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ نُجَوِّزُ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهَلُمَّ جَرًّا لِلْحَاجَةِ. وَلَوْ كَتَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ الْخَصْمُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ شُهُودِ الْكِتَابِ، بَلْ يُعِيدُ الْمُدَّعِي شَهَادَتَهُمْ لِأَنَّ سَمَاعَهُ الْأَوَّلَ كَانَ لِلنَّقْلِ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِهِ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدُهَا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَقْتَ شَهَادَتِهِمْ (وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ) هَذَا شَرْطٌ آخَرُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ عَلَى قَضَائِهِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ أَمْرُ الْكِتَابِ، فَلَوْ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ بِجُنُونٍ أَوْ عَمًى، قَالُوا أَوْ فِسْقٍ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَزْلِ بِالْفِسْقِ بَطَلَ الْكِتَابُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: يُعْمَلُ بِهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُ يَنْقُلُ بِهِ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَالنَّقْلُ قَدْ تَمَّ بِالْكِتَابَةِ فَكَانَ كَشُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتُوا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ مَاتَ الْأَصْلُ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرْعِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ فِي الذَّخِيرَةِ مَنْعُ تَمَامِ النَّقْلِ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بَلْ حَتَّى يَصِلَ وَيَقْرَأَهُ، لِأَنَّ هَذَا النَّقْلَ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْقَاضِي فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِقِرَاءَتِهِ؛ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِبَارَةَ الْجَيِّدَةَ أَنْ يُقَالَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَا قَبْلَ وُصُولِهِ، لِأَنَّ وُصُولَهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقِرَاءَتِهِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا) يَعْنِي قَبْلَ تَمَامِ الْقَضَاءِ (وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ قَاضِيًا آخَرَ) غَيْرَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ غَيْرِ عَمَلِهِمَا) وَلَوْ كَانَ عَلَى قَضَائِهِ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَمَلِ الْآخَرِ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا غَيْرَ أَنَّ الْكِتَابَ خُصَّ مِنْ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ وَقِرَاءَتِهِ عَمِلَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ) أَوْ عُزِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ لَا يَعْمَلُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ عِنْدَنَا (إلَّا إذَا) كَانَ (كَتَبَ إلَى فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ غَيْرَهُ صَارَ تَبَعًا لَهُ) وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا هُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَعْمَلُ بِهِ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى مَا تَحَمَّلُوهُ، وَمَنْ تَحَمَّلَ وَشَهِدَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ قَاضٍ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ وَصَارَ

بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَرَّفٍ، وَلَوْ كَانَ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. (وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَوْ كَتَبَ وَإِلَى كُلِّ قَاضٍ وَصَلَ إلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَاتِبَ لَمَّا خَصَّ الْأَوَّلَ بِالْكِتَابَةِ فَقَدْ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ وَأَمَانَتَهُ، وَالْقُضَاةُ مُتَفَاوِتُونَ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَصَحَّ التَّعْيِينُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هُنَاكَ اعْتَمَدَ عَلَى عِلْمِ الْكُلِّ وَأَمَانَتِهِمْ فَكَأَنَّ الْكُلَّ مَكْتُوبٌ إلَيْهِمْ مُعَيَّنِينَ. أَمَّا لَوْ كَتَبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ أَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْوَجْهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ إعْلَامَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَالْعُمُومُ يُعْلَمُ كَمَا يُعْلَمُ الْخُصُوصُ وَلَيْسَ الْعُمُومُ مِنْ قَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَالتَّجْهِيلِ فَصَارَ قَصْدِيَّتُهُ وَتَبَعِيَّتُهُ سَوَاءً. (وَلَوْ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ) سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشُّهُودِ وَقَدْ شَهِدُوا. قُلْنَا (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي (شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لَا يُقَامُ بِهِ الْحَدُّ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَلَى الْإِسْقَاطِ بِالشُّبُهَاتِ (وَفِي قَبُولِ الْكِتَابِ سَعْيٌ) وَاحْتِيَاطٌ (فِي إثْبَاتِهِمَا) وَعُرِفَ مِنْ تَقْرِيرِنَا أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى عَدَمِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا إلَخْ.

[فصل في قضاء المرأة]

(فَصْلٌ آخِرُ) (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) اعْتِبَارًا بِشَهَادَتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّك رُبَّمَا تَطَّلِعُ عَلَى فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ فِي الْكُتُبِ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ الْكِتَابِ فِيهَا مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ادَّعَيَا وَلَدًا وَقَالَا هُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنَّا هُوَ فِي يَدِ فُلَانٍ اسْتَرَقَّهُ فِي بَلْدَةِ كَذَا وَطَلَبَا الْكِتَابَ لَا يَكْتُبُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ ادَّعَيَا النَّسَبَ وَلَمْ يَذْكُرَا الِاسْتِرْقَاقَ يَكْتُبُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ دَعْوَى النَّسَبِ مُجَرَّدًا فَكَانَ كَدَعْوَى الدِّينِ. بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ يُرِيدُ دَفْعَ الرِّقِّ فَهُوَ كَدَعْوَى أَنَّهُ عَبْدِيٌ. [فَرْعٌ] هَلْ يَكْتُبُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ؟ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ كَالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ، وَالتَّفَاوُتُ هُنَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عِنْدَ الْقَاضِي وَسَأَلَ أَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ فَعَلَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ شَاهِدٌ فِي مَحَلِّ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَيَكْتُبُ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَيُبَيِّنُ الْأَجَلَ لِيُطَالِبَهُ إذَا حَلَّ هُنَاكَ، وَلَوْ قَالَ اسْتَوْفَى غَرِيمِي دَيْنَهُ أَوْ أَبْرَأَنِي مِنْهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَقْدَمَ الْبَلْدَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَأَخَافُ أَنْ يَأْخُذَنِي بِهِ، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكْتُبُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكْتُبُ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: جَحَدَنِي الِاسْتِيفَاءُ أَوْ الْإِبْرَاءُ مَرَّةً يَكْتُبُ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّ الشَّفِيعَ الْغَائِبَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَطَلَبَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ هَلْ يَكْتُبُ؟ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَا امْرَأَةٌ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ وَأَشْهَدَتْ وَطَلَبَتْ الْكِتَابَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا. وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت بِآخَرَ وَأَخَافُ أَنْ يُنْكِرَ الطَّلَاقَ فَأَحْضَرَتْهُ وَقَالَتْ لِلْقَاضِي سَلْهُ حَتَّى إذَا أَنْكَرَ أَقَمْت عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَالْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ وَهَذَا احْتِيَاطٌ. [فَصْل فِي قَضَاءِ الْمَرْأَةِ] (فَصْلٌ آخَرُ) . (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَاقِصَةُ

وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ. (وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ قُلِّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ بِهِ فَصَارَ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَسْتَخْلِفُ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْلِ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْخُصُومَةِ مَعَ الرِّجَالِ فِي مَحَافِلِ الْخُصُومِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ) يَعْنِي وَجْهَ جَوَازِ قَضَائِهَا، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ كَالشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَتَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُ قَبْلُ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَخُصُّ وَجْهَ اسْتِثْنَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَنْصِبْ الْخِلَافَ لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرَ غَايَةُ مَا يُفِيدُ مَنْعُ أَنْ تَسْتَقْضِيَ وَعَدَمُ حِلِّهِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَوْ وُلِّيَتْ وَأَثِمَ الْمُقَلِّدُ بِذَلِكَ أَوْ حَكَّمَهَا خَصْمَانِ فَقَضَتْ قَضَاءً مُوَافِقًا لِدِينِ اللَّهِ أَكَانَ يَنْفُذُ أَمْ لَا؟ لَمْ يَنْتَهِضُ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِهِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَا أَنْ يَثْبُتَ شَرْعًا سَلْبَ أَهْلِيَّتِهَا، وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ سِوَى نُقْصَانِ عَقْلِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ سَلْبِ وِلَايَتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَصْلُحُ شَاهِدَةً وَنَاظِرَةً فِي الْأَوْقَافِ وَوَصِيَّةً عَلَى الْيَتَامَى وَذَلِكَ النُّقْصَانُ بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ، ثُمَّ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْجِنْسِ فَجَازَ فِي الْفَرْدِ خِلَافُهُ؛ أَلَا تَرَى إلَى تَصْرِيحِهِمْ بِصِدْقِ قَوْلِنَا: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ مَعَ جَوَازِ كَوْنِ بَعْضِ أَفْرَادِ النِّسَاءِ خَيْرًا مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الرِّجَالِ، وَلِذَلِكَ النَّقْصِ الْغَرِيزِيِّ نَسَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ يُوَلِّيهِنَّ عَدَمَ الْفَلَاحِ، فَكَانَ الْحَدِيثُ مُتَعَرِّضًا لِلْمُوَلِّينَ وَلَهُنَّ بِنَقْصِ الْحَالِ، وَهَذَا حَقٌّ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ وُلِّيَتْ فَقَضَتْ بِالْحَقِّ لِمَاذَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْحَقُّ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ) فِي صِحَّةٍ وَلَا مَرَضٍ (إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ) فَيَمْلِكَهُ كَمَا أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ فِيهِ بِالْمَنْعِ يَمْتَنِعُ مِنْهُ وَهَذَا (لِأَنَّهُ قُلِّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ بِهِ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ) جَازَ لَهُ أَنْ (يَسْتَخْلِفَ) لِأَنَّهُ لِتَوَقُّتِهِ بِحَيْثُ لَوْ عَرَضَ فِي وَقْتِهِ مَا يَمْنَعُهُ كَانَ لَا إلَى خُلْفٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ غَرَضٌ لِلْأَعْرَاضِ

وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ. وَلَوْ قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الثَّانِي فَأَجَازَ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَزْلَ هُوَ الصَّحِيحُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ الْمُوَلَّى لَهُ آذِنًا فِي اسْتِخْلَافِهِ دَلَالَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلِفُ سَمِعَ الْخُطْبَةَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهَا فَلَا لِأَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ افْتِتَاحِ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ هُنَاكَ بَانٍ وَلَيْسَ بِمُفْتَتِحٍ، وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ الِافْتِتَاحِ وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ، وَلِذَا لَوْ أَفْسَدَهَا هَذَا الْخَلِيفَةُ وَاسْتَفْتَحَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِيهَا صَحِيحٌ، وَبِهَذَا الشُّرُوعِ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ حُكْمًا، وَبِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ لِنَفْسِهِ فَكَانَ لَهُ تَمْلِيكُهَا، بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّمَا هِيَ إذْنٌ فِي أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَا قَالُوا: مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ لَهُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مُقَامَ نَفْسِهِ، وَمَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ، وَبِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ وَالتَّوْكِيلَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَيْضًا لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَرُبَّمَا يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ وَالْمُوصِي قَدْ مَاتَ فَلَا يُمْكِنُ رَجْعُهُ إلَى رَأْيِهِ فَتَضَمَّنَ الْإِيصَاءُ الْإِذْنَ بِالِاسْتِخْلَافِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى) بِغَيْبَتِهِ فَبَلَغَهُ (فَأَجَازَ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ) إذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ فَتَصَرَّفَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَهُ نَفَذَ (لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ) فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ بِتَوْكِيلِهِ، وَتَحْقِيقُ حَالِهِ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ ابْتِدَاءً وَكِيلٌ انْتِهَاءً، وَلَا يَمْتَنِعُ إذْ قَدْ يَجُوزُ فِي الِانْتِهَاءِ وَالْبَقَاءِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ خُصُوصًا وَقَدْ فُرِضَ زَوَالُ الْمَانِعِ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ هُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِمَّا حَضَرَهُ رَأْيُهُ (وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ) الِاسْتِخْلَافُ (يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ) يَعْنِي السُّلْطَانَ (حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ) إلَّا إذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُ عَزْلَهُ، أَوْ قَالَ جَعَلْتُك قَاضِي الْقُضَاةِ فَإِنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ مُطْلَقًا تَقْلِيدًا وَعَزْلًا،

قَالَ (وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ بِأَنْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ) الْمَشْهُورَةَ (أَوْ الْإِجْمَاعَ بِأَنْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ: أَوْ يَكُونُ قَوْلًا إلَخْ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ) قَالُوا: إنَّمَا أَعَادَهُ لِأَنَّ فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ فَائِدَتَيْنِ لَيْسَتَا فِي الْقُدُورِيِّ: إحْدَاهُمَا تَقْيِيدُهُ بِالْفُقَهَاءِ، أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْخِلَافِ لَا يَنْفُذُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَالثَّانِيَةُ: التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْقَاضِي يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ أَمْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ لَا يُمْضِيهِ، فَأَبَانَتْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ أَنَّ الْإِمْضَاءَ عَامٌّ فِيمَا سِوَى الْمُسْتَثْنَيَاتِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُوَافِقًا: يَعْنِي بِالطَّرِيقِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوْلَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ، وَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا، ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ هَذَا أَمْضَاهُ فَرُبَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الثَّانِيَ عَالِمٌ بِالْخِلَافِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمُنَفِّذُ وَالْكَلَامُ فِي الْقَاضِي الْأَوَّلِ الَّذِي يُنَفِّذُ هَذَا الْآخَرُ حُكْمَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْخِلَافِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الدَّلَالَةِ. نَعَمْ فِي الْجَامِعِ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّهُ يُنَفِّذُهُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ رَأْيِهِ، وَكَلَامُ الْقُدُورِيِّ يُفِيدُهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ وَهُوَ أَعَمُّ يَنْتَظِمُ مَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُخَالِفًا، وَإِنَّمَا فِي الْجَامِعِ النُّصُوصِيَّةُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ إلَخْ حَاصِلُهُ بَيَانُ شَرْطِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ كَوْنُ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ حَتَّى تَجُوزَ مُخَالَفَتُهُ أَوْ لَا، فَشَرْطُ حِلِّ الِاجْتِهَادِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ: يَعْنِي الْمَشْهُورَةَ، مِثْلُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَلَوْ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يَنْفُذُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ ذَكَرَهُ فِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَنْفُذُ مُطْلَقًا، ثُمَّ يُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُجْمَعِ عَلَى مُرَادِهِ أَوْ مَا يَكُونُ مَدْلُولٌ لَفْظُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ وَلَا تَأْوِيلُهُ بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ. فَالْأَوَّلُ مِثْلُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ، لَوْ قَضَى قَاضٍ بِحِلِّ أُمِّ امْرَأَتِهِ كَانَ بَاطِلًا لَا يَنْفُذُ. وَالثَّانِي مِثْلُ {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَلَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، وَهَذَا لَا يَنْضَبِطُ فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ يَكُونُ مُؤَوَّلًا فَيَخْرُجُ عَنْ ظَاهِرِهِ، فَإِذَا مَنَعْنَاهُ يُجَابُ بِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِالْمَذْبُوحِ لِلْأَنْصَابِ أَيَّامَ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ أَوْ لَيْسَ بِمُؤَوَّلٍ، فَلَا يَكُونُ حُكْمُ أَحَدِ الْمُتَنَاظِرِينَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَوَّلٍ قَاضِيًا عَلَى غَيْرِهِ بِمَنْعِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ. نَعَمْ قَدْ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِثُبُوتِ دَلِيلِ التَّأْوِيلِ فَيَقَعُ الِاجْتِهَادُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أَوْ لَا، وَلِذَا نَمْنَعُ نَحْنُ نَفَاذَ الْقَضَاءِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَيُجِيزُونَهُ وَبِالْعَكْسِ، وَلَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ فِي الْحِلِّ عِنْدَنَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ لَمْ يَحْكُوا الْخِلَافَ. فَفِي الْخُلَاصَةِ فِي رَابِعِ جِنْسٍ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي قَالَ: وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَجَائِزٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ انْتَهَى. وَأَمَّا عَدَمُ تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ بِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْحُكْمِ أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ السَّمْعِيِّ أَوْ بِنَقْلِ عَدَمِ تَسْوِيغِ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ اجْتِهَادَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ اجْتِهَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي جَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَمْ يَقْبَلْهُ الصَّحَابَةُ مِنْهُ، فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَفِيمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَا يُعْتَبَرُ مُخَالَفَةُ الْبَعْضِ، وَلَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بَلْ لَا يُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يُرِدْ بِالْبَعْضِ مَا دُونَ النِّصْفِ أَوْ مَا دُونَ الْكُلِّ بَلْ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَبَرْ قَضَاءً فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَصْلًا، إذْ مَا مِنْ مَحَلِّ اجْتِهَادٍ إلَّا وَأَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ أَقَلُّ مِنْ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، إذْ لَا يُضْبَطُ تَسَاوِي الْفَرِيقَيْنِ وَلِذَا لَمْ يُمَثِّلُوهُ قَطُّ إلَّا بِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ خِلَافُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَالْمُرَادُ إذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمٍ فَخَالَفَهُمْ وَاحِدٌ لَا يَصِيرُ الْمَحَلُّ بِذَلِكَ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ حَتَّى لَا يَنْفُذَ الْقَضَاءُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ الْوَاحِدَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْبَاقِينَ، ثُمَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِمْ سَوَّغُوا اجْتِهَادَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا. وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَاخْتَارَهُ أَنَّ الْوَاحِدَ الْمُخَالِفَ إنْ سَوَّغُوا لَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاجْتِهَادَهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوا لَا يَصِيرُ الْمَحَلُّ مُجْتَهَدًا فِيهِ. قَالَ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لِأَنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ ضَمَّ التَّابِعِينَ، وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الْخَصَّافُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ. وَقَدْ حُكِيَ فِي هَذَا الْخِلَافِ عِنْدَنَا، فَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَلَا يُفْسَخُ. وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِهِ، فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُرْفَعُ: يَعْنِي اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِنَّ، فَعَنْ عَلِيٍّ الْجَوَازُ وَعُمَرُ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْعِهِ، ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِهِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيُبْطِلُهُ الثَّانِي. وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ يُرْفَعْ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ وَقَعَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْقُضُهُ الثَّانِي، وَلَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ: إنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ، فَقَدْ عَلِمْت مَا هُنَا مِنْ تَشَعُّبِ الِاخْتِلَافِ فِي الرِّوَايَةِ. وَبِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخِلَافِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ مَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ وَالشَّافِعِيُّ بِرَأْيِهِ: يَعْنِي إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ قَوْلُ مَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ وَافَقَ قَوْلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ الْمُخْتَلِفِينَ فَلَا يُنْقَضُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَوْلُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَلْ الْخِلَافُ مُقْتَضَبٌ فِيهَا بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ مُجْتَهِدُونَ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ اجْتِهَادٍ وَرِفْعَةٍ، وَلَقَدْ نَرَى فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ جَعْلَ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً، بِخِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ حَتَّى يَنْفُذَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْخِلَافُ إلَّا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْأَبَ إذَا خَلَعَ الصَّغِيرَةَ عَلَى صَدَاقِهَا وَرَآهُ خَيْرًا لَهَا بِأَنْ كَانَتْ لَا تُحْسِنُ الْعِشْرَةَ مَعَ زَوْجِهَا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَصِحُّ وَيَزُولُ الصَّدَاقُ عَنْ مِلْكِهَا وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْهُ، فَإِذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ. وَفِي حَيْضِ مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ طَلَّقَهَا فَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ لَمْ تَرَ دَمًا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا قَضَى بِذَلِكَ قَاضٍ يَنْبَغِي أَنْ يُنَفِّذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَجِبُ حِفْظُهَا لِأَنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ اشْتِبَاهُ الدَّلِيلِ لَا حَقِيقَةُ الْخِلَافِ. قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِإِبْطَالِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ نَفَذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ إذْ اعْتِبَارُ الطَّلَاقِ بِسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ يَنْفِي حُكْمَهُ، وَكَذَا لَوْ قَضَى فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ يُنَفِّذُهُ، وَلَيْسَ طَرِيقُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ كَوْنَهُ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، إذْ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ مُطْلَقًا وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمُدَايَنَةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ قَاطِعٌ فِي إبْطَالِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ نَفَذَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَمَالِكٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ يَشْتَرِطَانِ الْإِعْلَانَ لَا الشُّهُودَ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ خِلَافُهُمَا لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ، إذْ اعْتِبَارُ النِّكَاحِ بِسَائِرِ

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ مَتَى لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصَرُّفَاتِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الشَّهَادَةُ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ مُعَارَضَةُ الْمَعْنَى لِلدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ النَّصَّ تُوجِبُ اشْتِبَاهَ الدَّلِيلِ فَيَصِيرُ الْمَحَلُّ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهِ، فَكُلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَوْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَوْ أَحَدِهِمْ مَحَلُّ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ حِينَئِذٍ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى كَوْنِهِ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَوَاضِعَ نَصَّ فِيهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِعَيْنِهَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ وَهُنَاكَ لَوْثٌ مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ لَا يَنْفُذُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» مَعَ أَنَّ مَعَهُ ظَاهِرًا فِي حَدِيثِ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةَ نَذْكُرُهُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَلَوْ قَضَى بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الثَّانِي بِلَا دُخُولٍ كَقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لَا يَنْفُذُ لِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ. وَفِي السِّيَرِ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إذَا قَضَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمْلِكُونَ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ نَفَذَ. وَفِي الْفُصُولِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ: الزَّوْجُ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ يَنْفُذُ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا وَهُوَ صَرِيحٌ {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ زُفَرَ. وَلَوْ قَضَى فِي الْمَأْذُونِ فِي نَوْعٍ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَقَطْ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ مُتَّفِقًا. وَلَوْ قَضَى بِنِصْفِ الْجِهَازِ فِيمَنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَتَجَهَّزَتْ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْجُمْهُورِ، وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ. وَلَوْ قَضَى بِعَدَمِ جَوَازِ عَفْوِ الزَّوْجَةِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ إنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْقِصَاصِ لَا يَنْفُذُ. وَلَوْ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ فَقَضَى بِإِقْرَارِ الْبِنْتِ مَعَهُ نَفَذَ. وَحَكَى فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا فَقَضَى بِجَوَازِهِ خِلَافًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ، وَبِصِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ يَنْفُذُ، وَيَنْفُذُ بِالْقُرْعَةِ فِي رَقِيقٍ أَعْتَقَ الْمَيِّتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَبِالشَّهَادَةِ لِأَبِيهِ، وَعَكْسُهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَنْفُذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ نَفَذَ وَبِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى وَصِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَيْهِمْ الْمَيِّتُ أَمْضَاهُ الْآخَرُ وَبِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ بِأَيَّامٍ نَفَذَ وَلَوْ عَقَدَا مُوَقَّتًا بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ، نَحْوُ مَتِّعِينِي بِنَفْسِك عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَا يَنْفُذُ. وَلَوْ قَضَى بِرَدِّ زَوْجَتِهِ بِالْعُيُوبِ مِنْ الْعَمَى وَالْجُنُونِ نَفَذَ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ بِرَدِّهَا بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ، وَكَذَا بِصِحَّةِ رَدِّ الزَّوْجَةِ لَهُ. وَلَوْ قَضَى بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ بِلَا إقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يَنْفُذْ، وَكَذَا إذَا قَضَى أَنْ لَا يُؤَجَّلَ الْعِنِّينُ. هَذَا فِي الْقَضَاءِ بِالْمُجْتَهَدِ فِيهِ. أَمَّا إذَا كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدًا فِيهِ فَهَذِهِ فُرَيْعَاتٌ مِنْهُ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَالْوَاقِعُ تَوَقَّفَ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ أَمْضَاهُ لَيْسَ لِلثَّالِثِ نَقْضُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ: أَعْنِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ. وَعَلَيْهِ فَرْعٌ إذَا قَضَى بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْسِدِ لِلْفَسَادِ لَا يَنْفُذُ لِتَحَقُّقِ الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، وَقِيلَ أَنْ يُمْضِيَ الثَّانِي نَقْضَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَضَاءً فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَتِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَالْقَاضِي الثَّانِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَهُ أَوْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ قَضَى الْمَحْدُودُ أَوْ الْأَعْمَى. وَأَمَّا قَضَاءُ السُّلْطَانِ فِي أَمْرٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْفُذُ، وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ يَحْتَاجُ فِي نَفَاذِهِ إلَى أَنْ يُنْفِذَهُ قَاضٍ آخَرُ. وَقِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ فِي صِحَّةِ نَقْضِ الثَّانِي إنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَعَلَيْهِ نَفَذَ قَضَاءُ الثَّانِي بِإِطْلَاقِهِ عَنْ الْحَجْرِ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ) حَاصِلُهُ تَوْجِيهُ

يُنْفِذُهُ وَلَا يَرُدُّهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّ اجْتِهَادَ الثَّانِي كَاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ. (وَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَوَجْهُ النَّفَاذِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُنَفِّذُ خِلَافَ رَأْيِهِ فِي الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ اجْتِهَادَ الثَّانِي فِي الْبُطْلَانِ كَاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ فِي الصِّحَّةِ مَثَلًا فَتَعَارَضَ اجْتِهَادَاهُمَا وَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يَنْقُضُهُ الثَّانِي بِاجْتِهَادٍ هُوَ دُونَهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) عَنْهُ (وَوَجْهُ النَّفَاذِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ) لِأَنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ الصَّوَابَ، وَرَأْيُ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ خَطَأَهُ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ، فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ. وَوَجْهُ عَدَمِ النَّفَاذِ أَنَّ قَضَاءَهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ غَيْرُ حَقٍّ عَبَثٌ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ إلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إلَى غَيْرِهَا لَا يَصِحُّ لِاعْتِقَادِهِ خَطَأَ نَفْسِهِ، فَكَذَا هَذَا، وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ. وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْقُضَاةُ مِنْ الْإِرْسَالِ إلَى الشَّافِعِيِّ لِيَحْكُمَ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ كَوْنِ الْقَاضِي الْمُرْسَلِ يَرَى بُطْلَانَهُ كَالشَّافِعِيِّ وَإِلَّا كَانَ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ لِيَفْعَلَ مَا هُوَ الْبَاطِلُ عِنْدَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ: هَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ الْقَضَاءَ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَيَرَوْنَ مَا يَحْكُمُونَ بِهِ نَافِذًا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْخُلَفَاءِ انْتَهَى. وَأَوْكَدُ الْأُمُورِ فِي هَذَا حُكْمُ شُرَيْحٍ بِمَا يُخَالِفُ رَأْيَ عَلِيٍّ كَثِيرًا وَهُوَ يَعْلَمُ وَيُوَافِقُهُ كَمَا عَلِمَ فِي رَدِّهِ شَهَادَةَ الْحَسَنِ لَهُ وَعُمَرَ قَبْلَهُ، فَقِيلَ صَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَلَّدَ أَبَا الدَّرْدَاءِ الْقَضَاءَ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ لَقِيَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ عُمَرُ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ: قَضَى عَلَيَّ فَقَالَ: لَوْ كُنْت مَكَانَهُ قَضَيْت لَك، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُك؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هُنَا نَصٌّ وَالرَّأْيُ مُشْتَرَكٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُرْسِلَ

أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ثُمَّ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْهَا وَفِيمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَا يُعْتَبَرُ مُخَالَفَةُ الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافٌ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ وَالْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْطَعُ بِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي الْمُرْسَلُ إلَيْهِ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَظَنُّهُ بُطْلَانَهُ مَعْنَاهُ ظَنُّهُ عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لِحُكْمِ اللَّهِ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَكِنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ مِنْهُ تَعَالَى لَيْسَ إصَابَةَ ذَلِكَ بَلْ الْعَمَلُ بِمَظْنُونِهِ، وَإِنْ خَالَفَ حُكْمَهُ تَعَالَى فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِخِلَافِ حُكْمِهِ تَعَالَى فَكَانَ إرْسَالُ الْحَنَفِيِّ إلَيْهِ إرْسَالًا لَأَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ اللَّهَ جَوَّزَ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ وَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَنْ أَفْتَاهُ بِهِ أَوْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى وَجْهِ النَّفَاذِ دَلِيلُ أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ عِنْدَهُ. هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي وَجْهَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ (لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ) وَقَدْ تَضَمَّنَ وَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَابَهُ بِيَسِيرِ تَأَمُّلٍ، وَمَعَ

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ بِتَحْرِيمِهِ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَكَذَا إذَا قَضَى بِإِحْلَالٍ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى. وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ. وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ. فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَثَلًا فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ. هَذَا وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ. وَقَالَ: وَجْهُ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ أَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْمُشَاوَرَةِ وَقَدْ تَقَعُ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ. وَجْهُ الْمَنْعِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] الْآيَةَ. وَاتِّبَاعُهُ غَيْرَ رَأْيِهِ اتِّبَاعُ هَوَى غَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ إجْمَاعًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مُقْتَضَى ظَنِّهِ وَعَمَلِهِ هُنَا لَيْسَ إلَّا قَضَاؤُهُ، بِخِلَافِ الْمُرْسَلِ إلَى مَنْ يَرَى خِلَافَ رَأْيِهِ لِيَحْكُمَ هُوَ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ بِشَيْءٍ. هَذَا وَمِنْ تَتِمَّةِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ، وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ حُكِيَ عَنْ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا، وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفُسِخَتْ الْيَمِينُ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُخْرَى هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ؟ ذُكِرَ فِيهِ خِلَافٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَاجُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا. وَفِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْتَاجُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْتَاجُ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ أَيْضًا. وَحِيلَةُ أَنْ لَا يَحْتَاجَ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عِنْدَ تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ الْوَاقِعَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدِ فَسْخِهَا فِي حَقِّ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَسَنَذْكُرُ فِي أَمْرِ الْفَتْوَى فِيهَا كَلَامًا آخَرَ فِي بَابِ التَّحْكِيمِ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ بِتَحْرِيمِهِ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ) أَيْ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ قَضَى بِهِمْ كَذَبَةً وَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ (وَكَذَا إذَا قَضَى بِإِحْلَالٍ) يَكُونُ حَلَالًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ (وَهَذَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَشْرُوطٌ

إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَقَدْ مَرَّتْ فِي النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا (إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ) لِلْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي النِّكَاحِ الْمُعَنْوَنَةُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْقَاضِي نَافِذٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَاطِنًا خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ. وَمِنْ الْمِثْلِ: ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ جَاحِدَةٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَلَّ لِلْمُدَّعِي وَطْؤُهَا وَلَهَا التَّمْكِينُ خِلَافًا لَهُمْ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَجْحَدُهُ، وَمِنْهَا قَضَى بِبَيْعِ أَمَةٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ أَنَّك اشْتَرَيْتهَا حَلَّ لِلْمُنْكِرِ وَطْؤُهَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ الزُّورُ وَقَضَى بِهَا، وَكَذَا فِي الْفُسُوخِ بِالْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ. وَفِي الْهِبَةِ رِوَايَتَانِ. وَمِنْهَا ادَّعَتْ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ يُنْكِرُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ زُورٍ فَقَضَى بِالْفُرْقَةِ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَلِمَ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِكَذِبِ الشُّهُودِ. وَمِنْ صُوَرِ التَّحْرِيمِ: صَبِيٌّ وَصَبِيَّةٌ سُبِيَا فَكَبِرَا وَأُعْتِقَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَجَاءَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا وَلَدَاهُ قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِالْفُرْقَةِ، فَإِنْ رَجَعَ الشُّهُودُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ شُهُودُ زُورٍ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحُرْمَةِ نَفَذَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَمُحَمَّدٌ فِي هَذَا الْفَرْعِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ كَذِبِ الشُّهُودِ، وَأَجْمَعُوا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ عَنْ تَعْيِينِ سَبَبِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَاطِنًا، وَالْوَجْهُ فِي الْأَصْلِ. وَالْفَرْقُ تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكِفَّاءِ، وَمِنْ الْأَوْجُهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَبِأَمْرِ اللَّهِ أَوْلَى، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِذَلِكَ مِنْهُ جَلَّ وَعَلَا، وَأَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِتَفْرِيقِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ أَنْكَرَ وَحَلَفَ فَقَضَى لَهُ بِهَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَأَنَّ الشُّهُودَ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ مَحْدُودِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا. وَفِيهَا رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَنَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ رَجْعِيَّةً فَقَضَى الْقَاضِي بِأَنَّهَا ثَلَاثًا أَخْذًا بِقَوْلِ عَلِيٍّ نَفَذَ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُجْتَهِدًا يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي إنْ كَانَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَقْضِيًّا لَهُ يَتْبَعُ أَشَدَّ الْأَمْرَيْنِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا فَإِنْ اسْتَفْتَى فَمَا أَفْتَاهُ بِهِ الْمُفْتِي صَارَ كَالثَّابِتِ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَهُ

قَالَ (وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ فَظَهَرَ الْحَقُّ. وَلَنَا أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلَا مُنَازَعَةَ دُونَ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُوجَدْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ أَخَذَ بِمَا قُضِيَ بِهِ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ عِنْدِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَضَاءِ بِالِاجْتِهَادِ الْكَائِنِ لِلْقَاضِي يُرَجِّحُهُ عَلَى اجْتِهَادِ الزَّوْجِ وَالْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ، وَكَوْنُهُ لَا يَرَاهُ حَلَالًا إنَّمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقُرْبَانِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، أَمَّا بَعْدَهُ وَبَعْدَ نَفَاذِهِ بَاطِنًا كَمَا فُرِضَتْ الْمَسْأَلَةُ فَلَا. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ) إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ أَوْ فِيهَا وَهُوَ مُسْتَتِرٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ غَيْرَ مُخْتَفٍ فَلَهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِدُونِ حُضُورِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمُسْتَتِرِ تَضْيِيعُ الْحُقُوقِ لَوْ لَمْ يَحْكُمْ وَفِي غَيْرِهِ لَا. احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَاشْتِرَاطُ حُضُورِ الْخَصْمِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ. وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ حِينَ اسْتَقْضَاهُ عَلَى الْيَمَنِ لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ» وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَتَصْحِيحِهِ وَتَحْسِينِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ جَهَالَةَ كَلَامِهِ مَانِعَةٌ مِنْ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ مَعَ غَيْبَتِهِ وَغَيْبَةِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ، وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهَا مَوْقُوفٌ عَلَى عَجْزِ الْمُنْكِرِ عَنْ الدَّفْعِ وَالطَّعْنِ فِيهَا، وَالْعَجْزُ عَنْهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مَعَ حُضُورِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَلِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِهَا الْإِنْكَارُ حَتَّى لَا تُسْمَعَ عَلَى مُقِرٍّ، وَلَا يُقْضَى بِهَا إذَا اعْتَرَضَ الْإِقْرَارُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبِغَيْبَتِهِ يَفُوتُ

وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ مِنْ الْخَصْمِ فَيَشْتَبِهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحْكَامَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، وَلَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ غَابَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْإِنْكَارِ وَقْتَ الْقَضَاءِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَدْ يَكُونُ نَائِبًا بِإِنَابَتِهِ كَالْوَكِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمُ بِوُجُودِ شَرْطِ الْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ الْإِنْكَارُ، وَمَا لَمْ يُعْلَمْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا يُحْكَمُ بِثُبُوتِ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ صِحَّةُ الْحُكْمِ، وَلَا يَكْتَفِي فِي الْحُكْمِ بِثُبُوتِهِ كَوْنُهُ الْأَصْلَ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُجُودُ أَمْرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ وُجُودِهِ، وَلِذَا قُلْنَا جَمِيعًا فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ وَقَالَ السَّيِّدُ دَخَلْت وَقَالَ الْعَبْدُ لَمْ أَدْخُلْ لَا يُحْكَمُ بِوُجُودِ الْعِتْقِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ جُعِلَ شَرْطًا لِحُدُوثِ أَمْرٍ آخَرَ فَلَا يُحْكَمُ بِوُجُودِهِ

أَوْ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ: الْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيمَا لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ ثُمَّ غَابَ. قُلْنَا: لِأَنَّ بَقَاءَ الْإِنْكَارِ شَرْطُ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِجَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَصْلِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ وَسَكَتَ لِإِنْزَالِ الشَّرْعِ إيَّاهُ مُنْكِرًا لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْكِرٍ، وَمَا قِيلَ وَقْفُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُضُورِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الدَّعْوَى لَازِمَةٌ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَعَ حُضُورِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقِرَّ فَيَبْطُلَ حُكْمُ الْبَيِّنَةِ أَوَّلًا، فَيَطْعَنُ فِي الْبَيِّنَةِ وَيُثْبِتُهُ أَوْ لَا يَطْعَنُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَمَعَ غَيْبَتِهِ يَشْتَبِهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِالْبَيِّنَةِ أَنْ يَنْفُذَ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ وَبِالْإِقْرَارِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُقِرِّ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَأْخُذْ وَلَدَهَا وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهَا وَبِالْبَيِّنَةِ تَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا لَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ غَابَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْإِنْكَارِ وَقْتَ الْقَضَاءِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ قَالَ: يُحْكَمُ بِهَا لِأَنَّ إنْكَارَهُ سُمِعَ نَصًّا فَوَجَدَ شَرْطَ حُجِّيَّتِهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ غَابَ يَقْضِي بِالْإِقْرَارِ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ وَيُقْضَى بِالْإِقْرَارِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ فِي الْبَيِّنَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقَّ الطَّعْنِ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ حَالَ غَيْبَتِهِ يُبْطِلُ هَذَا الْحَقَّ، أَمَّا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الطَّعْنِ فِي إقْرَارِهِ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ حَالَ غَيْبَتِهِ ثَمَّ لَا يُبْطِلُ حَقًّا لَهُ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ عَلَى الْغَائِبِ جَمِيعًا، ثُمَّ رَجَعَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ، وَقَالَ: يُقْضَى فِيهِمَا جَمِيعًا وَاسْتَحْسَنَهُ حِفْظًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ، فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ أَوْ حُضُورِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَحَدُ ثَلَاثٍ: نَائِبٌ بِإِنَابَتِهِ كَوَكِيلِهِ، أَوْ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي. وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا: يَعْنِي شَخْصًا يَقُومُ مَقَامَهُ حُكْمًا، أَيْ يَكُونُ قِيَامُهُ عَنْهُ حُكْمًا لِأَمْرٍ لَازِمٍ لَهُ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا نَفْيًا لِلْمُسَخَّرِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُنَصِّبُهُ الْقَاضِي لِيَسْمَعَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى، وَكَذَا لَوْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي رَجُلًا غَيْرَ خَصْمِهِ لِيَسْمَعَ الْقَاضِي الْخُصُومَةَ وَالْقَاضِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَا يَسْمَعُ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسَخَّرِ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْقَاضِي الْوَكِيلَ عَنْ خَصْمٍ اخْتَفَى فِي بَيْتِهِ وَلَا يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَبْعَثَ أُمَنَاءَهُ إلَى بَابِ دَارِهِ فَيُنَادِيَ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَيَقُولَ

وَهَذَا فِي غَيْرِ صُورَةٍ فِي الْكُتُبِ، أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا لِحَقِّهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي جَعْلِهِ خَصْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQاُحْضُرْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَإِلَّا يُحْكَمُ عَلَيْك، أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ. رَجُلٌ غَابَ وَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرِيمُ الْغَائِبِ وَالْغَائِبُ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى غُرَمَائِهِ بِالْكُوفَةِ وَبِالْخُصُومَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ وَكَالَتَهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى وَكَالَتِهِ قَضَى عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ: يَعْنِي عَلَى الْغَائِبِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُسَخَّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرِيمُ الْغَائِبِ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ غَرِيمُ الْغَائِبِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ مُسَخَّرٌ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ فِي نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَيْنِ، ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَنْفُذُ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَشَايِخِ قَالُوا: لَا يَنْفُذُ، وَفِي مَفْقُودِ خُوَاهَرْ زَادَهُ، لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لِلْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ كَمَا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْغَائِبِ، إلَّا أَنَّ مَعَ هَذَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا وَأَنْفَذَ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ، لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهُوَ كَقَضَاءِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَنَحْوِهِ، وَحَيْثُ قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَلَا يَكُونُ عَنْ إقْرَارٍ عَلَيْهِ. وَمِنْ فُرُوعِهِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَصَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فَالْقَاضِي لَا يَأْمُرُ ذَا الْيَدِ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُدَّعِي حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِالشِّرَاءِ بِإِقْرَارِهِ، وَهِيَ عَجِيبَةٌ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ. قَالَ: وَأَحَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى بَابِ الْيَمِينِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَلَمْ أَجِدْهَا ثَمَّةَ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَا إذَا كَانَ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ، لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ بِحَيْثُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ (وَهُوَ فِي غَيْرِ صُورَةٍ فِي الْكُتُبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ) مَا يَدَّعِيهِ الْغَائِبُ (شَرْطًا لِحَقِّهِ) لَا سَبَبًا لَا مَحَالَةَ، أَوْ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا وَقَدْ لَا يَكُونُ (فَإِنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي جَعْلِ الْحَاضِرِ خَصْمًا

عَنْ الْغَائِبِ وَقَدْ عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْغَائِبِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ عَرَفَ تَمَامَهُ فِي الْجَامِعِ) . مِثَالُ السَّبَبِ الْمَلْزُومِ لَا مَحَالَةَ فِي سِتِّ مَسَائِلَ: ثَلَاثٌ فِيمَا يَكُونُ الْمَقْضِيُّ شَيْئَيْنِ، وَثَلَاثٌ فِيمَا يَكُونُ وَاحِدًا. أَمَّا ثَلَاثُ الْوَاحِدِ: إحْدَاهَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ لِثُبُوتِ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ لَا مَحَالَةَ لِمِلْكِهِ. وَالثَّانِيَةُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الذَّوْبَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْكَفِيلِ وَالْغَائِبِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ. الثَّالِثَةُ ادَّعَى شُفْعَةً فِي دَارٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ فَقَالَ ذُو الْيَدِ الدَّارُ دَارِي مَا اشْتَرَيْتهَا مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَأَنَا شَفِيعُهَا يَقْضِي بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ وَالْغَائِبِ. وَمِثَالُ ثَلَاثِ الشَّيْئَيْنِ: إحْدَاهَا قَذَفَ مُحْصَنًا فَادَّعَى عَلَيْهِ الْحَدَّ فَقَالَ الْقَاذِفُ أَنَا عَبْدٌ وَعَلَيَّ حَدُّ الْعَبِيدِ وَقَالَ الْمُدَّعِي الْمَقْذُوفُ بَلْ أَعْتَقَك مَوْلَاك فَعَلَيْك حَدُّ الْأَحْرَارِ وَالْمَوْلَى غَائِبٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ فَالْعِتْقُ سَبَبٌ لِكَمَالِ الْحَدِّ وَهُوَ الْمُدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ فَهُمَا شَيْئَانِ. الثَّانِيَةُ شَاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمَا عَبْدَانِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَأَقَامَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُمَا أَعْتَقَهُمَا قَبْلَ هَذَا وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْمَوْلَى الْغَائِبِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وِلَايَةِ الشَّهَادَةِ. الثَّالِثَةُ: رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْحَاضِرُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنَّ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ نَصِيبِهِ وَانْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهَا عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُنْتَقَضٌ بِمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ غَائِبٍ وَحَاضِرٍ فَادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى الْحَاضِرِ مِنْهُمَا أَنَّ الْغَائِبَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَادَّعَى قَصْرَ يَدِ الْحَاضِرِ عَنْ نَفْسِهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُكَاتَبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَاضِرِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ أَصْلًا مَعَ أَنَّ إعْتَاقَ الْغَائِبِ نَصِيبَهُ سَبَبٌ لِقَصْرِ يَدِ الْحَاضِرِ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ عِنْدَهُ هُنَا لَا لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْ الْغَائِبِ بَلْ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُعْتَقِ يَصِيرُ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقِ، وَإِنْ اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ يَصِيرُ مُكَاتَبًا مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ فَكَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ مَجْهُولًا فَلَمْ يُقْبَلْ. وَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ فِيهِ مَا يَدَّعِي بِهِ عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ، فَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا شَيْئَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا، وَبَيَانُهُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا قَالَ لِعَبْدِ رَجُلٍ مَوْلَاك وَكَّلَنِي بِحَمْلِك إلَيْهِ فَأَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْحَاضِرِ وَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ عَلَى الْغَائِبِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الْعِتْقَ يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِهِ. وَالثَّانِيَةُ: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةِ غَائِبٍ وَكَّلَنِي زَوْجُك بِحَمْلِك إلَيْهِ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقْضِي بِقَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهَا دُونَ الطَّلَاقِ، فَلَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ

قَالَ (وَيُقْرِضُ الْقَاضِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَيَكْتُبُ ذِكْرَ الْحَقِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقَ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا أَوْ بَيِّنَةٍ أُخْرَى فَالْمُدَّعِي الْعِتْقَ وَقَصْرَ الْيَدِ وَالطَّلَاقَ وَقَصْرَ الْيَدِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ قَدْ يَتَحَقَّقُ وَلَا يُوجِبُ انْعِزَالَ الْوَكِيلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ وَكَالَةٌ، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مُوجِبًا لِلِانْعِزَالِ بِأَنْ وُجِدَ بَعْدَ الْوَكَالَةِ، فَلَيْسَ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ حُكْمًا أَصْلِيًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِحَقِّ الْحَاضِرِ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ فِيهِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا قَبِلْنَا الْبَيِّنَةَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْحَاضِرِ فِي قَصْرِ يَدِهِ وَانْعِزَالِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ تَحَقُّقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَا مِنْ ضَرُورَةِ تَحَقُّقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ فَلَا يُقْضَى بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ دَعْوَى شَيْئَيْنِ، إلَّا أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْغَائِبِ لَيْسَ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ فَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ: إحْدَاهَا قَالُوا فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ كَانَ زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي وَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا بِهَذَا الْعَيْبِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْئَانِ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْحَاضِرِ، وَالنِّكَاحُ عَلَى الْغَائِبِ. وَالنِّكَاحُ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْغَائِبِ لَيْسَ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَقَاءِ بِأَنْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لِلْحَالِ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعٌ لِلِابْتِدَاءِ. وَالثَّانِيَةُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ الِاسْتِرْدَادَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا تُقْبَلُ لِإِبْطَالِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ، لِأَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ لَيْسَ سَبَبًا لِبُطْلَانِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فَيَعُودُ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ نَفْسِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْبَقَاءِ لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعٌ لِلِابْتِدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا. الثَّالِثَةُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ دَارٌ بِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ فَأَرَادَ ذُو الْيَدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرَاةَ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَهُ: الدَّارُ الَّتِي بِيَدِك لَيْسَتْ لَك وَإِنَّمَا هِيَ لِفُلَانٍ فَأَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْضَى بِالشِّرَاءِ لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْئَانِ، وَالْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ مِنْ شِرَاءِ الدَّارِ لَيْسَ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الشُّفْعَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَقَاءُ، لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَزَالَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ لَا يَكُونُ لَهُ شُفْعَةٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ؛ وَلَوْ أَقَامَ عَلَى الْبَقَاءِ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَا يَكُونُ شَرْطًا فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِر خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِيمَا يَدَّعِيهِ. وَصُورَتُهُ: قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُقْضَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ والأوزجندي فِيهِ بِانْتِصَابِ الْحَاضِرِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَيُقْضَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَرْهَنَتْ عَلَى دُخُولِ فُلَانٍ حَيْثُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ غَائِبًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لَهُ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَمَا تَضَمَّنَ إبْطَالًا عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ. (قَوْلُهُ وَيُقْرِضُ الْقَاضِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَيَكْتُبُ ذِكْرَ الْحَقِّ) وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالصَّكِّ وَالْحَقُّ هُنَا هُوَ الْإِقْرَاضُ، وَهَذَا

لِأَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ مَحْفُوظَةً مَضْمُونَةً، وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ وَالْكِتَابَةِ لِيَحْفَظَهُ (وَإِنْ أَقْرَضَ الْوَصِيُّ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ، وَالْأَبُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِخْرَاجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ السَّارِقُ وَالْغَاصِبُ الْمُكَابِرُ، وَفِي الْقَرْضِ بَقَاؤُهَا مَحْفُوظَةً عَنْ ذَلِكَ مَضْمُونَةً (وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ) فَكَانَ النَّظَرُ فِي الْإِقْرَاضِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ، إذْ رُبَّمَا لَا يُوَافِقُهُ الشُّهُودُ أَوْ لَا يَجِدُهُمْ، وَلَوْ وَجَدَهُمْ فَلَيْسَ كُلُّ بَيِّنَةٍ تَعْدِلُ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَفِي الْجُثُوِّ بَيْنَ يَدِي الْقُضَاةِ ذُلٌّ وَصَغَارٌ فَكَانَ إضْرَارًا بِالصِّغَارِ عَلَى الِاعْتِبَارِ (وَالْأَبُ كَالْوَصِيِّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ. وَوَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّهُ أَعَمُّ وِلَايَةً مِنْ الْوَصِيِّ لِأَنَّهَا فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ كَوِلَايَةِ الْقَاضِي، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِزِيَادَةِ الشَّفَقَةِ الْمَانِعُ مِنْ تَرْكِ النَّظَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْرِضُ مِمَّنْ يَأْمَنُ جُحُودَهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: لَوْ أَخَذَهُ الْأَبُ قَرْضًا لِنَفْسِهِ يَجُوزُ وَإِنْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي جَوَازِ الْقَرْضِ وَعَدَمِهِ لَيْسَ لِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَلَا لِزِيَادَةِ الْوِلَايَةِ بَلْ لِتَمَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِرْجَاعِ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ وَلَا قُدْرَةَ لِلْأَبِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ الشُّهُودَ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ قَضَى بِعِلْمِهِ وَاسْتَخْرَجَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قُدْرَةَ هَذَا إنَّمَا تُفِيدُ مَعَ وُجُودِ الْمُلَاءَةِ. أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ الْمُسْتَقْرِضُ صَارَ الْقَاضِي كَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْخَصَّافُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ الْمَالَ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ حَالُ أَحَدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ مِنْهُمْ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُعْسِرَ فَلَا يَقْدِرُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ مُعْسِرًا فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي إقْرَاضُهُ، وَقَدْ انْتَظَمَ مَا ذَكَرْنَا حُكْمَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ وَلْنُفَصِّلْهَا فَعِنْدَنَا وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لَا يَجُوزُ، وَعَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ بِالْجَوَازِ كَقَوْلِنَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَهَذَا قَضَاءٌ بِعِلْمِهِ، وَشَرْطُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَعْلَمَ فِي حَالِ قَضَائِهِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ قَاضِيهِ بِحَقٍّ غَيْرِ حَدٍّ خَالِصٍ لِلَّهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَطْلِيقِ رَجُلٍ امْرَأَتَهُ أَوْ قَتْلِ عَمْدٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ. وَأَمَّا إذَا عَلِمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ ثُمَّ وُلِّيَ فَرُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ أَوْ عَلِمَهَا فِي حَالِ قَضَائِهِ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ ثُمَّ دَخَلَهُ فَرُفِعَتْ إلَيْهِ لَا يَقْضِي عِنْدَهُ، وَقَالَ: يُقْضَى. وَفِي التَّجْرِيدِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ عَلِمَ فِي رُسْتَاقِ مِصْرِهِ عِنْدَهُمَا يَقْضِي. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَاءٌ كَانَ مُقَلِّدًا لِلرُّسْتَاقِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْقَرْيَةِ وَالْمَفَازَةِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ

[باب التحكيم]

(بَابُ التَّحْكِيمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَنَصَّ أَصْحَابُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي السَّوَادِ، وَهَكَذَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَلَوْ عَلِمَ بِحَادِثَةٍ وَهُوَ قَاضٍ فِي مِصْرِهِ ثُمَّ عُزِلَ ثُمَّ أُعِيدَ إلَى الْقَضَاءِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي. وَأَمَّا فِي حَدِّ الشُّرْبِ وَالزِّنَا فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ التَّحْكِيمِ] هَذَا أَيْضًا مِنْ فُرُوعِ الْقَضَاءِ، وَالْمُحَكَّمُ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْقَاضِي، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي فِيمَا لَا يَقْضِي الْمُحَكَّمُ فَأَخَّرَهُ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ التَّحْكِيمِ بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتِهِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِصْلَاحِ وَالْوَاقِعُ مِنْهُ كَالصُّلْحِ، أَوْ هُوَ صُلْحٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مِثْلَهُ بِالشَّكِّ. وَالتَّحْكِيمُ جَائِزٌ بِالْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: 35] الْآيَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا «قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ فَأَتَوْنِي فَحَكَمْت بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ عَنِّي الْفَرِيقَانِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا أَحْسَنَ هَذَا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأُجْمِعَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمِلَ بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا اتَّفَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى الرِّضَا بِحُكْمِهِ فِيهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مُنَازَعَةٌ فِي نَخْلٍ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَخَرَجَ زَيْدٌ وَقَالَ لِعُمَرَ: هَلَّا بَعَثْت إلَيَّ فَآتِيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ، فَدَخَلَا بَيْتَهُ فَأَلْقَى لَعُمَرَ وِسَادَةً، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا أَوَّلُ جَوْرِك فَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ زَيْدٌ لِأُبَيٍّ: لَوْ أَعْفَيْت أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَمِينٌ لَزِمَتْنِي، فَقَالَ أُبَيٌّ: نُعْفِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَنُصَدِّقُهُ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَظُنُّ بِأَحَدٍ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ التَّلْبِيسَ، وَإِنَّمَا هِيَ لِاشْتِبَاهِ الْحَادِثَةِ عَلَيْهِمَا فَتَقَدَّمَا إلَى الْحَكَمِ لِلتَّبْيِينِ لَا لِلتَّلْبِيسِ. وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّحْكِيمِ وَأَنَّ زَيْدًا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ بِرِكَابِهِ عِنْدَ رُكُوبِهِ، وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِفُقَهَائِنَا، فَقَبَّلَ زَيْدٌ يَدَهُ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِأَشْرَافِنَا. وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ يَأْتِي إلَى الْعَالِمِ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَبْعَثُ إلَيْهِ لِيَأْتِيَهُ وَإِنْ كَانَ أَوْجَهَ النَّاسِ. وَأَمَّا إلْقَاءُ زَيْدٍ الْوِسَادَةَ فَاجْتِهَادٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» «وَبَسَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِدَاءً لَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ» ، وَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ، وَاجْتِهَادُ عُمَرَ عَلَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ عُمُومِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْحَلِفِ صَادِقًا، وَامْتِنَاعُ عُثْمَانَ عَنْ الْيَمِينِ حِينَ لَزِمَتْهُ كَانَ لِأَمْرٍ آخَرَ، وَأَنَّ

(وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ جَازَ) لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَصَحَّ تَحْكِيمُهُمَا وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِصِفَةِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِيمَا بَيْنَهُمَا فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ اعْتِبَارًا بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْفَاسِقُ إذَا حَكَمَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي الْمُوَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا وَيَسْقُطَ بِإِسْقَاطِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا) أَوْ امْرَأَةً (فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ) إلَى أَنْ حَكَمَ (جَازَ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَصَحَّ تَحْكِيمُهُمَا) وَسَنَذْكُرُ لِهَذَا تَخْصِيصَاتٍ: أَوَّلُهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِصِفَةِ الْحَاكِمِ) بِأَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ (فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ) إلَّا أَنْ يُحَكِّمَهُ ذِمِّيَّانِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ (وَ) كَذَلِكَ (الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ وَالْفَاسِقُ) لَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ (لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ. وَالْفَاسِقُ إذَا حَكَمَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي الْمَوْلَى) الْفَاسِقِ يَنْفُذُ حُكْمُهُ. وَقَوْلُهُ (وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا) عَطْفٌ عَلَى جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ جَازَ، وَهَذِهِ شُرُوطُ التَّحْكِيمِ فَقَدَّمْنَاهَا عَلَى الْجَوَابِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمَجْرُورَ فَقَالَ وَعَلَيْهِمَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ كَانَ مُفِيدًا لِلْحَصْرِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ

(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا (وَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا) لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا (وَإِذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ فِي إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ (وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ) لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ التَّحْكِيمِ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِهِمَا، فَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي عَلَى تَحْكِيمِهِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ اخْتَصَمَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فِي الْعَيْبِ فَحَكَمَ بِرَدِّهِ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ إذَا كَانَ الْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُوَكِّلُ بِتَحْكِيمِهِ مَعَهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمُوَكِّلُ مَعَهُمْ فِي التَّحْكِيمِ فَفِي لُزُومِهِ لِلْمُوَكِّلِ رِوَايَتَانِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ حُكْمُهُ وَلَمْ يَتَعَدَّ لِأَنَّهُ كَالْمُصَالِحِ. ثُمَّ تُشْتَرَطُ هَذِهِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَوَقْتَ الْقَضَاءِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَكَّمَا عَبْدًا فَعَتَقَ أَوْ صَبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا فَبَلَغَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَكَمَ لَا يَنْفُذُ كَمَا فِي الْمُقَلَّدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ التَّحْكِيمِ ثُمَّ ارْتَدَّ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ثُمَّ الْإِضَافَاتُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْعَبْدِ إلَخْ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ إلَى الْفَاعِلِ جَازَ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. وَفِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَالْحُرِّ، وَتَحْكِيمُ الذِّمِّيِّ ذِمِّيًّا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِمِّيٍّ يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمِينَ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا) إذْ هُمَا الْمُوَلِّيَانِ لَهُ فَلَهُمَا عَزْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ كَمَا أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ وَلَوْ حَكَمَ قَبْلَ عَزْلِهِ نَفَذَ وَعَزْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهُ فَكَذَا هَذَا (وَإِذَا نَفَذَ حُكْمُهُ لَزِمَهُمَا لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ كَامِلَةٍ عَلَيْهِمَا) فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ دُونَ الصُّلْحِ وَبَعْدَمَا تَمَّ الصُّلْحُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَرْجِعَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ) بِعَيْنِهِ (وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: هُوَ كَالْمُقَلَّدِ فَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَنَحْنُ فَرَّقْنَا بِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي عَامَّةٌ عَلَى النَّاسِ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْخَلِيفَةِ الْمُقَلِّدِ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُوَلِّيَيْنِ لَهُ إنَّمَا لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَقَطْ لَا عَلَى الْقَاضِي فَلَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ الْقَاضِيَ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَكِّمْهُ، وَلِأَنَّ تَقْلِيدَهُمَا إيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى شَيْءٍ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ أَوْ يُنْفِذَهُ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ لَيْسَ مَا يُعْفِيهِ ظَاهِرُهُ مِنْ لُزُومِ إبْطَالِ الْقَاضِي إيَّاهُ بَلْ جَوَازُ

(وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِبَاحَةَ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِرِضَاهُمَا قَالُوا: وَتَخْصِيصُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ، وَيُقَالُ يُحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْمُوَلَّى دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُبْطِلَهُ وَأَنْ يُنْفِذَهُ. وَعِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَ فَلَا يَجِبُ تَنْفِيذُ حُكْمِهِ عَلَى الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقِصَاصِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْخَصَّافِ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالُوا هَذَا فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِاسْتِيفَائِهَا وَلَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ. وَأَمَّا الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ فَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِمَا، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ يُرِيدُ الْخَصَّافَ أَطْلَقَ وَقَالَ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ بِالصُّلْحِ، وَلِأَنَّهُمَا يَنْدَرِئَانِ بِالشُّبُهَاتِ، وَفِي حُكْمِهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِي حَقِّهِمَا لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (قَالُوا وَتَخْصِيصُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ وَهُوَ صَحِيحٌ) وَفِي الْخُلَاصَةِ: قَضَاءُ الْحُكْمِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَالدُّيُونِ وَالْبُيُوعِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقِصَاصِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَقَطْعِ يَدٍ عَمْدًا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ جَائِزٌ إذَا وَافَقَ رَأْيَ الْقَاضِي. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ. وَنَقَلَ النَّاصِحِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي الْقِصَاصِ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ لَوْ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ جَازَ، فَكَذَا إذَا حَكَّمَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ بَنِي آدَمَ. وَتَوْجِيهُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُمَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِذَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِبَاحَةَ: يَعْنِي لَوْ قَالَ لِشَخْصٍ اُقْتُلْنِي لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْآخَرِ قَتْلُهُ لَا يَدْفَعُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّحْكِيمِ، وَالْآخَرُ: أَعْنِي الطَّالِبَ تَبَعٌ فَكَوْنُ

وَإِنْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَإٍ فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ. وَلَوْ حَكَمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ رَدَّهُ الْقَاضِي وَيَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرَأْيِهِ وَمُخَالِفٌ لِلنَّصِّ أَيْضًا إلَّا إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْضِيَ بِالنُّكُولِ وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ، وَلَوْ أَخْبَرَ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِهِمَا وَهُوَ الَّذِي تَحْكِيمُهُ لَيْسَ الْأَقْوَى يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّحْكِيمِ فِيهِ بَلْ حَتَّى يَرْضَى الْآخَرُ، وَالْآخَرُ لَا يَمْلِكُ مَا حَكَمَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِيهِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمُضَافِ يَنْفُذُ لَكِنْ لَا يُفْتِي بِهِ. وَفِيهَا: رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَادِثَةِ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا عَدْلًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَسِعَهُ اتِّبَاعُ فَتْوَاهُ وَإِمْسَاكُ الْمَرْأَةِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا. وَرُوِيَ عَنْهُمْ مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اسْتَفْتَى أَوَّلًا فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَسِعَهُ إمْسَاكُ الْمَرْأَةِ فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى وَكَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا آخَرَ فَأَفْتَاهُ بِصِحَّةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يُفَارِقُ الْأُخْرَى وَيُمْسِكُ الْأُولَى عَمَلًا بِفَتْوَاهُمَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ: فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَبَعَثَ الْقَاضِي إلَى شَافِعِيٍّ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِبُطْلَانِ ذَلِكَ النِّكَاحِ وَبِبُطْلَانِ الثَّلَاثِ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ حَكَّمَا بِذَلِكَ حَكَمًا يَجُوزُ، وَلَا يُفْتَى بِهِ لِمَا مَرَّ: يَعْنِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ خَشْيَةِ تَجَاسُرِ الْعَوَامّ: يَعْنِي عَلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ. قَالَ: وَكَذَا مَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ لَهَا نَفَقَةً فَبَعَثَ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَحْكُمَ بِفَسْخِ النِّكَاحِ لِعَجْزِ النَّفَقَةِ يَجُوزُ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَإٍ فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا لَمْ يُحَكِّمُوهُ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ) فَإِنَّ الْقَاضِيَ (يَرُدُّهُ وَيَقْضِي) بِمَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ كَوْنُهُ (عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرَأْيِهِ وَلِلنَّصِّ) وَهُوَ حَدِيثُ حَمْلِ بْنِ مَالِكٍ (إلَّا إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ) وَهُوَ قَتْلُ الْخَطَإِ (بِإِقْرَارِهِ) فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِالدِّيَةِ حِينَئِذٍ عَلَى الْقَاتِلِ، لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْقَتْلَ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ كَمَا لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَالصُّلْحَ عَلَى الدِّيَةِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّهِمْ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَاقْتَصَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أُرُوشُ الْجِرَاحَاتِ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ، بَلْ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي بِأَنْ كَانَتْ دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ أَوْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ بَلَغَ خَمْسَمِائَةٍ

وَهُمَا عَلَى تَحْكِيمِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ وَلَوْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْقِضَاءِ الْوِلَايَةِ كَقَوْلِ الْمُوَلَّى بَعْدَ الْعَزْلِ. (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ بَاطِلٌ وَالْمُوَلَّى وَالْمُحَكَّمُ فِيهِ سَوَاءٌ) وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَؤُلَاءِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَكَذَا الْقَضَاءُ، وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَضَى الْحَكَمُ عَلَى الْجَانِي جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِهَا أَصْلًا لِأَنَّهُ إنْ قَضَى عَلَى الْجَانِي خَالَفَ الشَّرْعَ، وَعَلَى الْعَاقِلَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُحَكِّمُوهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ) يَعْنِي الْمُحَكَّمُ لَوْ قَالَ: لِأَحَدِهِمَا أَقْرَرْت عِنْدِي أَوْ قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَيْك بِهَذَا فَعَدَلُوا عِنْدِي وَقَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ وَحَكَمْت بِهَذَا فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَمَضَى الْقَضَاءُ عَلَيْهِ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ بَاقِيًا لِأَنَّ الْحَكَمَ مَا دَامَ تَحْكِيمُهُمَا قَائِمًا كَالْقَاضِي الْمُقَلِّدِ، وَلَوْ قَالَ الْمُقَلِّدُ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، فَكَذَا الْحَكَمُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الْمُخَاطَبُ عَنْ الْحُكْمِ وَيَعْزِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ حَكَمْت عَلَيْك ثُمَّ قَالَ الْمُحَكَّمُ ذَلِكَ أَوْ قَالَهُ بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ بِالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ يَنْعَزِلُ كَمَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ فَصَارَ كَالْقَاضِي، إذَا قَالَ بَعْدَ الْعَزْلِ قَضَيْت بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ كَذَا هَذَا. (قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ) سَوَاءٌ كَانَ قَاضِيًا أَوْ مُحَكَّمًا (لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ) وَكُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ (بَاطِلٌ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ) بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ يَجُوزُ لِانْتِفَائِهَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ) وَإِنَّمَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِرَأْيِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ لَا يُصَدَّقُ الْحَكَمَانِ فِي إخْبَارِهِمَا عَنْ الْحُكْمِ إذَا قَامَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْعِزَالِهِمَا فَالْتَحَقَا بِسَائِرِ الرَّعَايَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى فِعْلٍ بَاشَرَاهُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَكَمَيْنِ شَاهِدَانِ ثُمَّ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أَوْ غَابَا فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا لَهُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا مَا حَمَلَاهُمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا. وَإِذَا عَرَفَ أَنَّ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ فَلَوْ حَكَّمَا عَبْدًا وَحُرًّا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ حَكَّمَ مُسْلِمٌ وَمُرْتَدٌّ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَتَلَ الْمُرْتَدَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ رَجُلًا بِأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ جَازَ وَيَصِيرُ كَالْقَاضِي، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ يَتَرَاضَى بِهِ الرَّجُلَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَأَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكُومَةِ فَحَكَمَ بَعْدَهُ بَيْنَهُمَا فَأَجَازَاهُ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْحَكَمِ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ فَوَّضَ وَحَكَمَ الثَّانِي بِلَا

[مسائل شتى من كتاب القضاء]

(مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ) قَالَ (وَإِذَا كَانَ عُلْوٌ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا وَلَا يَنْقُبَ فِيهِ كَوَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مَعْنَاهُ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلْوِ (وَقَالَا: يَصْنَعُ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلْوِهِ. قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا خِلَافَ. وَقِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِضَاهُمْ فَأَجَازَ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ إذَا أَجَازَ فِعْلَ الْوَكِيلِ الثَّانِي، وَلَوْ حَكَّمَا وَاحِدًا فَحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ جَوْرًا أَبْطَلَهُ، وَكِتَابُ الْحَكَمِ إلَى الْقَاضِي وَقَلْبُهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ قَاضٍ فَرَضِيَ بِهِ الْخَصْمَانِ حَكَمَ حِينَئِذٍ بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ. [مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ] (مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ) (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ عُلْوٌ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا، وَلَا يَنْقُبُ فِيهِ كَوَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيْ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلْوِ) وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ جِذْعًا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ سُفْلَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِ الْعُلْوِ فِي سُكْنَاهُ الْعُلْوَ (وَقَالَا: يَصْنَعُ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلْوِهِ) أَوْ يَضَعَ عَلَيْهِ جِذْعًا أَوْ يَشْرَعَ كَنِيفًا. وَالْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَيُقَالُ وَتَدَ وَتَدًا يَتِدُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَهُ (قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ (فَلَا خِلَافَ) بَيْنَهُمْ (وَقِيلَ) بَلْ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ وَهُوَ فِي مَحَلِّ وُقُوعِ الشَّكِّ، فَمَا لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ضَرَرِهِ كَوَضْعِ مِسْمَارٍ صَغِيرٍ أَوْ وَسَطٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَمَا فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ كَفَتْحِ الْبَابِ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ اتِّفَاقًا

الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَالْحُرْمَةُ بِعَارِضِ الضَّرَرِ فَإِذَا أُشْكِلَ لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْإِطْلَاقُ بِعَارِضٍ فَإِذَا أُشْكِلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَرَّى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلْوِ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ أَوْ نَقْضِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا يَشُكُّ فِي التَّضَرُّرِ بِهِ كَدَقِّ الْوَتَدِ فِي الْجِدَارِ وَالسَّقْفِ فَعِنْدَهُمَا لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّ (الْأَصْلَ) فِيهِ (الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَالْحَظْرُ بِعَارِضِ الضَّرَرِ فَإِذَا أُشْكِلَ لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ) لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَجُوزُ، وَلَوْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ لَا يَجُوزُ، وَلِلشَّرِيكِ حَقُّ فَسْخِهِ (وَعِنْدَهُ الْأَصْلُ الْحَظْرُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ) وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ هَدْمِهِ اتِّفَاقًا، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِمِلْكِهِ يَمْنَعُ تَصَرُّفَهُ بِهِ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَمُنِعَ الرَّاهِنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ صَاحِبُ الْعُلْوِ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا: إذَا أُشْكِلَ تَصَرُّفُ صَاحِبِ الْعُلْوِ وَهَلْ يَضُرُّ بِالسُّفْلِ أَوَّلًا لَا يَمْلِكُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا أُشْكِلَ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِذَا لَمْ يَضُرَّ يَمْلِكُهُ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ: لَوْ حَفَرَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَتِهِ بِئْرًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ، وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ، وَعَلِمْت أَنْ لَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ هَدْمُهُ، فَلَوْ هَدَمَهُ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْعُلْوِ وَهُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ، كَالرَّاهِنِ إذَا قَتَلَ الْمَرْهُونَ وَالْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ، وَهَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ، كُلُّ مَنْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِأَنَّهُ لَهُ طَرِيقٌ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْفِعْلِ كَنَهْرٍ بَيْنَهُمَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَرْيِهِ وَكَرَى الْآخَرُ، أَوْ سَفِينَةٍ تَتَخَوَّفُ الْغَرَقَ أَوْ بَيْتٍ أَوْ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَاحُونَةٍ فَأَصْلَحَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ جَنَى فَفَدَاهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِأَنَّ الْآخَرَ يُجْبَرُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُجْبَرُ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا كَعُلْوٍ لِرَجُلٍ وَسُفْلٍ لِآخَرَ وَسَقَطَ السُّفْلُ فَبَنَاهُ الْآخَرُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ فَكَانَ فِي بِنَائِهِ إيَّاهُ مُضْطَرًّا لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ، وَإِذَا بَنَاهُ وَبَنَى عَلَيْهِ عُلْوَهُ لَهُ مُنِعَ صَاحِبُ السُّفْلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَالسُّكْنَى حَتَّى يُؤَدِّيَ قِيمَتَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْقِيمَةَ هَلْ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْبِنَاءِ أَوْ وَقْتَ الرُّجُوعِ، وَالصَّحِيحُ وَقْتَ الْبِنَاءِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الدَّارِ وَالْبَيْتِ وَالطَّاحُونَةِ وَالْحَمَّامِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ

قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ زَائِغَةً مُسْتَطِيلَةً تَنْشَعِبُ مِنْهَا زَائِعَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى) لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمُرُورِ إذْ هُوَ لِأَهْلِهَا خُصُوصًا حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَهْلِ الْأُولَى فِيمَا بِيعَ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقِسْمَةُ السَّاحَةِ لِيَبْنِيَ فِي نَصِيبِهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَائِطِ وَعِمَارَتِهِ قَالَ: وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَهَذَا عِنْدِي فِي غَايَةِ الْحُسْنِ إذَا كَانَ بِقَضَاءٍ. وَيَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لَوْ عَلَا بِنَاءُ السُّفْلِ عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ السَّاحَةُ صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ بِنَاءُ ذَلِكَ فِيهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ إذَا بَنَى لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَكَذَا إذَا انْهَدَمَ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِبِنَائِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا. وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: دَارٌ لِجَارَيْنِ سَطْحُ إحْدَاهُمَا أَعْلَى وَمَسِيلُ مَاءِ الْعُلْيَا عَلَى الْأُخْرَى فَأَرَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَرْفَعَ سَطْحَهُ أَوْ يَبْنِي عَلَيْهِ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ، وَلَكِنْ يُطَالِبُهُ بِتَسْيِيلِ مَائِهِ إلَى طَرَفِ الْمِيزَابِ. وَإِذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ أَوْ هَدَمَهُ الْمَالِكُ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْعِمَارَةَ لِأَجْلِ إسَالَةِ الْمَاءِ لَكِنْ يَبْنِي هُوَ وَيَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ انْتَهَى. فَرَّقَ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ حَيْثُ لَوْ هُدِمَ فِي الْأَوَّلِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ، وَلَوْ هُدِمَ فِي الثَّانِي لَا يُجْبَرُ. وَفِي الْحَائِطِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَبَنَى أَحَدُهُمَا لِلْبَانِي أَنْ يَمْنَعَ الْآخَرَ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى الْحَائِطِ حَتَّى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا. وَفِي الْأَقْضِيَةِ: حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ أَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الشَّرِيكُ؛ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَخَافُ سُقُوطَهُ لَا يُجْبَرُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَخَافُ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ يُجْبَرُ، وَإِنْ هَدَمَاهُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْنِيَ وَأَبَى الْآخَرُ إنْ كَانَ أُسُّ الْحَائِطِ عَرِيضًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ يُجْبَرُ كَذَا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: وَتَفْسِيرُ الْجَبْرِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ الشَّرِيكُ وَأَنْفَقَ عَلَى الْعِمَارَةِ رَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَ إنْ كَانَ الْحَائِطُ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، وَفِي شَهَادَاتِ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: لَوْ هَدَمَاهُ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ، وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ فِيهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بِلَا قَضَاءٍ فَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ انْتَهَى. فَلَوْ حُمِلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَا قَضَاءٍ وَقَوْلُ الْخَصَّافِ مَعَ قَوْلِ ابْنِ الْفَضْلِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِقَضَاءٍ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ الظَّاهِرِيُّ. فَلْيَكُنْ هُوَ الْمَحْمَلَ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُضْطَرًّا فِي الْبِنَاءِ كَانَ لَهُ تَضْمِينُ مَا صُرِفَ لِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُضْطَرًّا فِي تَرْكِ مُرَاجَعَةِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الشَّرِيكِ وَهُوَ الْقَاضِي فَيَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ صَحِيحًا فَهَدَمَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْهَادِمُ عَلَى الْبِنَاءِ إنْ أَرَادَهُ الْآخَرُ كَمَا لَوْ هَدَمَاهُ وَإِنْ هَدَمَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ. وَفِي كِتَابِ الْحِيطَانِ: رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ دَارِهِ وَلِأَهْلِ السِّكَّةِ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ يُخَرِّبُ السِّكَّةَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُمْنَعُ، فَلَوْ هَدَمَ مَعَ هَذَا وَأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْبِنَاءِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ، قِيلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ. وَفِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ هَدَمَ دَارِهِ فَانْهَدَمَ دَارُ جَارِهِ لَا يَضْمَنُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ زَائِغَةً مُسْتَطِيلَةً تَنْشَعِبُ مِنْهَا زَائِغَةٌ أُخْرَى مُسْتَطِيلَةٌ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ) يَعْنِي الْمُنْشَعِبَةَ (فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى) إذَا كَانَ لَهُ جِدَارٌ فِي الزَّائِغَةِ الْمُنْشَعِبَةِ أَنْ يَفْتَحَ فِي جِدَارِهِ ذَلِكَ بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْمُنْشَعِبَةِ، وَهَذِهِ صُورَتُهَا:

بِخِلَافِ النَّافِذَةِ لِأَنَّ الْمُرُورَ فِيهَا حَقُّ الْعَامَّةِ. قِيلَ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ لَا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لِأَنَّهُ رَفَعَ بَعْضَ جِدَارِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. وَلِأَنَّهُ عَسَاهُ يَدَّعِي الْحَقَّ فِي الْقُصْوَى بِتَرْكِيبِ الْبَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِي رُكْنِ الزَّائِغَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى فِي الْمُرُورِ فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى بَلْ هُوَ لِأَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، وَلِذَا لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي الْقُصْوَى لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْأُولَى شُفْعَةٌ فِيهَا، بِخِلَافِ أَهْلِ الْقُصْوَى فَإِنَّ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الْأُولَى لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ فِيهَا، وَ (بِخِلَافِ النَّافِذَةِ فَإِنَّ الْمُرُورَ فِيهَا حَقُّ الْعَامَّةِ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ. قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ بَلْ مِنْ الْمُرُورِ لِأَنَّ فَتْحَ الْبَابِ رَفْعُ بَعْضِ جِدَارِهِ، وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ كُلَّهُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَرْفَعَ بَعْضَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ بِنَصِّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُ إذْ لَا يُمْكِنُ مُرَاقَبَتُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْخُرُوجِ فَيَخْرُجُ، وَلِأَنَّهُ عَسَاهُ يَدَّعِي بَعْدَ تَرْكِيبِ الْبَابِ وَطُولِ الزَّمَانِ حَقًّا فِي الْمُرُورِ، وَيَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِتَرْكِيبِ الْبَابِ فَيَكُونُ بِتَرْكِيبِ الْبَابِ مُمَهِّدٌ لِنَفْسِهِ دَعْوَى حَقِّ الْمُرُورِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ

(وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَدِيرَةً قَدْ لَزِقَ طَرَفَاهَا فَلَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا) بَابًا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ لِلظَّاهِرِ الَّذِي مَعَهُ وَهُوَ فَتْحُ الْبَابِ (وَلَوْ كَانَتْ) الْمُنْشَعِبَةُ (مُسْتَدِيرَةً فَلَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا لِأَنَّ لِكُلِّ مِنْهُمْ حَقَّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ) غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهَا اعْوِجَاجًا (وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا) وَهَذِهِ صُورَتُهَا: وَفِي الْحِيطَانِ زُقَاقٌ غَيْرُ نَافِذٍ أَرَادَ إنْسَانٌ: يَعْنِي مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّخِذَ طِينًا إنْ تَرَكَ مِنْ الطَّرِيقِ قَدْرَ الْمَمَرِّ لِلنَّاسِ وَيَرْفَعَهُ سَرِيعًا وَيَفْعَلَ فِي الْأَحَايِينِ مَرَّةً لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ آرِيًّا أَوْ دُكَّانًا وَهُوَ الَّذِي نُسَمِّيهِ فِي عُرْفِنَا مِصْطَبَةً، وَلَوْ اسْتَأْذَنَ رَجُلًا فِي وَضْعِ جُذُوعٍ عَلَى حَائِطِهِ أَوْ حَفْرِ سِرْدَابٍ تَحْتَ دَارِهِ فَفَعَلَ ثُمَّ بَاعَ الْآذِنُ دَارِهِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِرَفْعِهَا إلَّا إذَا شَرَطَ بَقَاءَهَا عِنْدَ الْبَيْعِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ نَصَبَ أَعْمِدَةً مُلَاصِقَةً لِجِدَارِ الرَّجُلِ مُقَابِلَةً لِبَابِهِ وَنَصَبَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَجْهِ دَارِهِ سَقِيفَةً لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِزَالَتِهَا إلَّا إذَا شَرَطَهَا، وَلَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ حَائِطًا وَوَجْهُهُ فِي دَارِ رَجُلٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَيِّنَ حَائِطَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِدُخُولِ دَارِ الرَّجُلِ أَوْ انْهَدَمَ الْحَائِطُ فَوَقَعَ نَقْضُهُ فِي دَارِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ لِيَبُلَّ الطِّينَ وَغَيْرَهُ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ لَهُ مَجْرَى مَاءٍ فِي دَارِهِ فَأَرَادَ حَفْرَهُ وَإِصْلَاحَهُ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِدُخُولِ دَارِ الرَّجُلِ وَهُوَ يَمْنَعُهُ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ يَدْخُلُ وَيُصْلِحُ وَيَفْعَلُ بِمَالِهِ أَوْ تَفْعَلُ بِمَالِك، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَفِي وَقْفِ النَّوَازِلِ: دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَرْبِطُوا الدَّابَّةَ فِيهَا وَأَنْ يَضَعُوا الْخَشَبَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ، وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا بِحَيْثُ لَا تَضِيقُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ لِمُرُورِهِمْ وَلَوْ عَطِبَ بِهَا أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ حَفَرَ الْأَرْضَ يُؤْمَرُ أَنْ يُسَوِّيَهَا فَإِنْ نَقَصَ الْحَفْرُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ بَيْنَ قَوْمٍ وَهُوَ غَيْرُ نَافِذٍ، غَيْرَ أَنَّ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَفْرِ. وَفِي أَوَّلِ قِسْمَةِ الْأَصْلِ قُبَيْلَ بَابِ قِسْمَةِ الدَّارِ: رَجُلٌ أَصَابَ سَاحَةً فِي الْقِسْمَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهَا وَيَرْفَعَ بِنَاءَهَا وَأَرَادَ الْآخَرُ مَنْعَهُ وَقَالَ تَسُدُّ عَلَيَّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ بِنَاءَهُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِيهَا حَمَّامًا أَوْ تَنُّورًا، وَإِنْ كَفَّ عَمَّا يُؤْذِي جَارَهُ فَهُوَ حَسَنٌ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ فَتَحَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي عُلْوِ بِنَائِهِ بَابًا أَوْ كَوَّةً لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ مَنْعُهُ، وَلِصَاحِبِ السَّاحَةِ أَنْ يَبْنِيَ فِي مِلْكِهِ مَا يَسْتُرُ مَهَبَّهُ. وَلَوْ اتَّخَذَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ كِرْبَاسًا أَوْ بَالُوعَةً فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ وَطَلَبَ جَارُهُ مِنْهُ تَحْوِيلَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، فَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ. هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَوَابُ الرِّوَايَةِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ مِنْ بِئْرٍ حَفَرَهَا جَارُهُ فِي دَارِهِ فَقَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْفِرْ فِي دَارِك بِقُرْبِ تِلْكَ الْبِئْرِ بَالُوعَةً فَفَعَلَ، فَسُجِّسَتْ الْبِئْرُ فَكَبَسَهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يُفْتِهِ بِمَنْعِ الْحَافِرِ بَلْ هَدَاهُ إلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ، وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ. وَفِي مُضَارَبَةِ النَّوَازِلِ: لَوْ اتَّخَذَ دَارِهِ حَظِيرَةً لِلْغَنَمِ وَالْجِيرَانُ يَتَأَذَّوْنَ مِنْ نَتِنِ السِّرْقِينِ وَلَا يَأْمَنُونَ عَلَى الرُّعَاةِ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ مَنْعُهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَلَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ. قَالَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ نَصِرْ بْنِ يَحْيَى أَنَّ لِلْقَاضِي مَنْعَ الْجَارِ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ تَمَسُّكَهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَالْوَجْهُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبِنَاءِ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَوَاءِ مِلْكِ صَاحِبِ السَّاحَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَصَاحِبُ السَّاحَةِ إذَا سَدَّ الْهَوَاءَ بِالْبِنَاءِ فَإِنَّمَا مَنَعَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَلَمْ يُتْلِفْ عَلَيْهِ مِلْكًا وَلَا مَنْفَعَةً، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ شَجَرَةٌ يَسْتَظِلُّ بِهَا جَارُهُ فَأَرَادَ قَطْعَهَا لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ الْجَارُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ الِانْتِفَاعِ، وَتَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةً فِي مَسْأَلَةٍ لَا رِوَايَةً لَهَا فِي الْكُتُبِ، وَصُورَتُهَا بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا. وَحَاصِلُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ بَيْتَانِ لِرَجُلَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَقْفٌ وَاحِدٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْفَعَ الْبِنَاءَ وَيَجْعَلَهُ ذَا سَقْفَيْنِ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: إنْ كَانَا فِي الْقَدِيمِ بِسَقْفٍ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَإِنْ كَانَ بِسَقْفَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، قَالَ: وَحَدُّ الْقَدِيمِ أَنْ لَا تُحْفَظَ أَقْرَانُهُ وَرَاءَ هَذَا الْوَقْتِ كَيْفَ كَانَ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ قَدِيمٌ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ مُحْدَثٌ فَبَيِّنَةُ الْقَدِيمِ أَوْلَى. قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ السِّكَّةِ فِي هَذَا. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْمَنْعُ عَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ الْآخَرِ يَجْعَلُ بَيْتَهُ ذَا سَقْفَيْنِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَوَاءِ مِلْكِ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَعَلَى تَقْدِيرِ الْفَرْقِ فَالْفَرْقُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْبَيْتَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الضَّوْءِ وَالضَّوْءُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ يَمْنَعُهُ عَنْ الشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَذَا مِنْ الْحَوَائِجِ الزَّائِدَةِ انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ امْتِنَاعِ كَثِيرٍ مِنْ الضَّرَرِ كَالتَّعَازِيرِ وَالْحُدُودِ وَنَحْوِ مُوَاظَبَةِ طَبْخٍ يَنْتَشِرُ بِهِ دُخَانٌ قَدْ يَنْحَبِسُ فِي خُصُوصِ أَمَاكِنَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ جِيرَانٌ لَا يَطْبُخُونَ لِفَقْرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ خُصُوصًا إذَا كَانَ فِيهِمْ مَرِيضٌ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَكَمَا أَرَيْنَاك مِنْ التَّضَرُّرِ بِقَطْعِ الشَّجَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْقَاطِعِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى خُصُوصٍ مِنْ الضَّرَرِ وَهُوَ مَا يُؤَدِّي إلَى هَدْمِ بَيْتِ الْجَارِ وَنَحْوِهِ مِنْ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ الْفَاحِشِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: حُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِدُورٍ فَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّارِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا تَنُّورًا لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ أَوْ رَحًى لِلطَّحْنِ أَوْ مِدَقَّةً لِلْقَصَّارِينَ يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ جِيرَانُهُ ضَرَرًا فَاحِشًا. قِيلَ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ الدَّقِّ الَّذِي يَهْدِمُ الْحِيطَانَ وَيُوهِنُهَا وَدَوَرَانُ الرَّحَى مِنْ ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَفْعَلَ صَاحِبُ الْمِلْكِ مَا بَدَا لَهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِغَيْرِهِ، لَكِنْ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ فِي مَوْضِعٍ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا فَاحِشًا كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنِ فِيمَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهُوَ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْهَدْمِ وَمَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ سَبَبٌ لَهُ أَوْ يَخْرُجُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَسَدِّ الضَّوْءِ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ وَاخْتَارُوا الْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا التَّوَسُّعُ إلَى مَنْعِ كُلِّ ضَرَرٍ مَا فَيَسُدُّ بَابَ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْإِنْسَانِ كَمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي فَتَاوَاهُ: حُجْرَةٌ سَطْحُهَا وَسَطْحُ جَارِهِ مُتَسَاوِيَانِ فَأَخَذَ جَارُهُ حَتَّى يَتَّخِذَ حَائِطًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَتَّخِذَ سُتْرَةً، إنْ كَانَ إذَا صَعِدَ يَقَعُ بَصَرُهُ فِي دَارِ جَارِهِ لَهُ الْمَنْعُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى فِي دَارِ دَعْوَى وَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ) وَسَنَذْكُرُهَا فِي الصُّلْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ يَقَعُ إذَا كَانُوا عَلَى السَّطْحِ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ. قَالَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ: وَعَلَى قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنْ لَا يُمْنَعَ صَاحِبُ السَّاحَةِ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ صَاحِبُ الْعُلْوِ كَوَّةً يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي هَذِهِ لَيْسَ لِلْجَارِ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الصُّعُودِ وَإِنْ كَانَ بَصَرُهُ يَقَعُ فِي دَارِ جَارِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ حَقَّ مَنْعِ صَاحِبِ الْبِنَاءِ عَنْ فَتْحِ الْكَوَّةِ فِي عُلْوِهِ مَعَ أَنَّ بَصَرَهُ يَقَعُ فِي السَّاحَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ يَأْخُذُ جَارُهُ بِبِنَاءِ السُّتْرَةِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي بِنَائِهَا لَا أَنْ يَسْتَقِلَّ هُوَ بِذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَسَمَاهَا وَقَالَ أَحَدُهُمَا نَبْنِي حَاجِزًا بَيْنَنَا لَيْسَ عَلَى الْآخَرِ إجَابَتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُؤْذِي الْآخَرَ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِبِنَائِهِ يَتَخَارَجَانِ نَفَقَتَهُ بِقَدْرِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لِلْمَصْلَحَةِ. وَنَظِيرُهَا فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ: رَجُلٌ فِي دَارِهِ شَجَرَةُ فِرْصَادٍ، فَإِذَا ارْتَقَاهَا يَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْجَارِ يَمْنَعُهُ الْقَاضِي مِنْهُ إذَا رَآهُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ فَتْحِ الْكَوَّةِ لَيْسَ لِلْجَارِ وِلَايَةُ الْمُرَافَعَةِ وَلَا لِلْقَاضِي الْمَنْعُ انْتَهَى. وَلَقَدْ أَحْسَنَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ حَيْثُ قَالَ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُرْتَقِيَ يُخْبِرُهُمْ وَقْتَ الِارْتِقَاءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يَسْتُرُوا أَنْفُسَهُمْ لِأَنَّ هَذَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى فِي دَارٍ دَعْوَى وَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَسَنَذْكُرُهَا فِي الصُّلْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَنُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالدَّعْوَى مِقْدَارًا مُعَيَّنًا كَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ. وَنُقِلَ عَنْ وَالِدِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً، لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا يَصِحُّ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ إذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى. قَالَ: وَهَذَا يُشْكَلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ دَفَعَتْهُ إلَيْهِ صَحَّ مَعَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ، فَالْحَقُّ أَنَّ الصُّلْحَ يَتَحَقَّقُ لِدَفْعِ الشَّغَبِ وَالْخِصَامِ صَحَّتْ الدَّعْوَى أَوْ لَمْ تَصِحَّ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالصُّلْحُ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي السَّاقِطِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) يَعْنِي وَهُوَ الْمَانِعُ.

وَالْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي السَّاقِطِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ إذْ هُوَ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ قَبْلَهَا، وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَهَا تُقْبَلُ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ، وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الْهِبَةَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهَا وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ عِنْدَهَا، وَدَعْوَى الشِّرَاءِ رُجُوعٌ عَنْهُ فَعُدَّ مُنَاقِضًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ) يَعْنِي ذَكَرَ وَقْتًا عَيَّنَهُ كَقَوْلِهِ مُنْذُ شَهْرٍ وَسَلَّمَهَا إلَيَّ فَمَلَكْتهَا وَهِيَ الْآنَ فِي يَدِهِ وَأُطَالِبُهُ بِدَفْعِهَا إلَيَّ فَطَالَبَهُ الْقَاضِي بِالْبَيَانِ فَقَالَ لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْهِبَةِ بَلْ عَلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ ظَفِرَ بِهَا فَحَبَسَهَا عَنِّي فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدُوا وَأَرَّخُوا وَقْتًا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ (لَا تُقْبَلُ لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ) بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ، لِأَنَّ الدَّعْوَى أَنَّ الشِّرَاءَ فِي تَارِيخٍ بَعْدَ تَارِيخِ الْهِبَةِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ بِأَنَّهُ قَبْلَ الْهِبَةِ وَبَيْنَ نَفْسِ أَجْزَاءِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ، وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُ قَالَ وُهِبَ لِي هَذَا الشَّيْءُ وَكَانَ مِلْكِي بِالشِّرَاءِ قَبْلُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْهِبَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَكَانَ مُنَاقِضًا (وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَهَا تُقْبَلُ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ) الَّذِي وَفَّقَهُ (وَلَوْ ادَّعَى الْهِبَةَ) يَعْنِي وَأَرَّخَ فَطُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ (فَقَامَتْ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا) تَوْفِيقًا. (وَلَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ نُسَخَ الْأَصْلِ (لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ عِنْدَهَا، وَدَعْوَى الشِّرَاءِ رُجُوعٌ مِنْهُ فَعُدَّ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَاهِبِ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الْهِبَةِ، وَلَوْ لَمْ يُؤَرِّخْ الشِّرَاءَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ تَارِيخًا بَعْدَ الْهِبَةِ لِإِمْكَانِ الْحَمْلِ عَلَى مَا يَنْتَفِي بِهِ التَّنَاقُضُ،

لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عِنْدَهَا. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ إنْ أَجْمَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَهُ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ، إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِهِ كَمَا إذَا تَجَاحَدَا فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ ثُمَّ الْفَسْخِ، وَبِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ إنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ فَقَدْ اقْتَرَنَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا وَمَا يُضَاهِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاتَ رِضَا الْبَائِع فَيَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَى إذَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ وَإِنْ لَمْ يُوَفِّقْ الْمُدَّعِي. وَشَاهِدُهُ مَا ذُكِرَ فِي رَجُلٍ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي صِحَّتِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَلَمْ تُزَكَّ أَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَارُهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ قَبِلَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ وَلَا يَكُونُ دَعْوَاهُ الْإِرْثَ تَنَاقُضًا، وَلَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ الْأَبِ أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً لَا يُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ فِي الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الثَّانِي. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي التَّوْفِيقَ. وَفِي دَعْوَى الْمَبْسُوطِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ الْمُدَّعِي، فَكَانَ التَّوْفِيقُ مِنْ الْمُدَّعِي شَرْطًا فِي رِوَايَةٍ وَلَيْسَ شَرْطًا فِي أُخْرَى. وَفِي الْمُحِيطِ: قِيلَ مَا قَالُوا يُوَفِّقُ بِغَيْرِ دَعْوَى الْمُدَّعِي قِيَاسٌ، وَمَا قَالُوا لَا يُوَفِّقُ بِدُونِ دَعْوَاهُ اسْتِحْسَانٌ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شِرَاءَ مَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ سَائِرَ الْعُقُودِ تَنْفَسِخُ بِالتَّجَاحُدِ إلَّا النِّكَاحُ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْفَسْخَ يَتَحَقَّقُ مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ يَجْحَدُهُ، وَحِينَ أَقْدَمَ الْآخَرُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ فَانْفَسَخَتْ الْهِبَةُ بِتَرَاضِيهِمَا، فَإِذَا اشْتَرَى هُوَ ذَلِكَ فَقَدْ اشْتَرَى مَا لَا يَمْلِكُهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ إنْ أَجْمَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِ) وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا (أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِالْجَحْدِ كَمَا إذَا تَجَاحَدَا) مَعًا حَيْثُ يَنْقَسِمُ قَطْعًا (فَإِنْ عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ) وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَزْمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَسْخُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ إذَا عَزَمَ بِقَلْبِهِ عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ لَا يَنْفَسِخُ. الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَزْمُ الْمُؤَكَّدُ بِفِعْلٍ اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ إمْسَاكِهَا

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اقْتَضَى، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضِ أَيْضًا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ إلَّا أَنَّهَا مَعِيبَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ نَقْلِهَا إلَى بَيْتِهِ، فَإِنَّ إمْسَاكَهَا لَا يَحِلُّ بِلَا فَسْخٍ فَكَانَ الْفَسْخُ ثَابِتًا بِهِ دَلَالَةً كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ يَوْمًا بِكَذَا لِتَرْكَبَهَا إلَى مَكَانِ كَذَا فَأَخَذَ الْمُسْتَأْجِرُ لِيَرْكَبَهَا كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا دَلَالَةً، لِأَنَّ الْأَخْذَ وَالِاسْتِعْمَالَ لَا يَحِلُّ بِلَا قَبُولٍ. وَفِي الْمُحِيطِ تَفْسِيرُ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بِالْقَلْبِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقِيلَ أَنْ يَشْهَدَ بِلِسَانِهِ عَلَى الْعَزْمِ بِالْقَلْبِ وَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. وَبَنَى فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَلَيْهِ فَرْعًا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ: اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْبَيْعَ فَخَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَعَزَمَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَأَرَادَ رَدَّهُ فَاحْتَجَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ بِدَعْوَاهُ الْبَيْعَ عَلَى الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ عَزَمَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ تَحْلِيفِ الثَّانِي يَرُدُّهُ، أَوْ قَبْلَهُ فَلَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الثَّانِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَحَدَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ وَحَلَفَ وَعَزَمَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ. الْوَجْهُ الثَّانِي الْتِزَامُ أَنَّ الْفَسْخَ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاتَ رِضَا الْبَائِعِ فَيَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْبَيْعِ وَهُوَ التَّرَاضِي، وَسَنَذْكُرُ نَظَرَ صَاحِبِ الْكَافِي فِي تَدَافُعِ الْوَجْهَيْنِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ) هُنَا مَسَائِلُ الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ وَمَسَائِلُ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، أَمَّا مَسَائِلُ الْقَبْضِ مَا إذَا أَقَرَّ (أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اقْتَضَى وَهُوَ أَيْضًا الْقَبْضُ) يَعْنِي أَقَرَّ

وَالسَّلَمِ جَازَ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَيُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ قَبْضَ حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْجِيَادِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَلَا يُصَدَّقُ وَالنَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مَدْيُونِهِ بِدَيْنِ قَرْضٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ بَدَلِ إجَارَةٍ أَوْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ قَالَ بَعْدُ نَعَمْ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ يُصَدَّقُ فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ قَبَضَ مِمَّا لَهُ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ وَجَدْتهَا زُيُوفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ صِدْقٌ يُفِيدُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ. فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ: لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ

لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا لَا يَجُوزُ. وَالزَّيْفُ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ إجَارَةٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ لَا إنْ فَصَلَ. وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِ تِجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الِالْتِزَامِ بِالتِّجَارَةِ إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُسْلِمِ. وَقِيلَ يُصَدَّقُ هُنَا إذَا وَصَلَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ التِّجَارَةِ، فَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي كَلَامِهِ بِجِهَةِ التِّجَارَةِ لَا تَصِيرُ صِفَةُ الْجَوْدَةِ مُسْتَحَقَّةً، وَتَأْتِي الْحُجَجُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إذَا فَصَلَ لَا يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ كَمَا ذَكَرَ الْعَشَرَةَ فَهُمْ الْجِيَادُ. وَقَوْلُهُ هِيَ زُيُوفٌ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ. قُلْنَا: مَسْأَلَتُنَا إنَّمَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَقَبْضُ الدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ، لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ بَلْ يَقَعُ عَلَى الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ، فَإِذَا قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ كَانَ حَاصِلُهُ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِقَبْضِ عِدَّةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مُنْكِرًا أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ أَعْنِي الْجِيَادَ، فَيُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ الْآخَرُ يُكَذِّبُهُ وَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا عَنْ شَيْءٍ لِأَنَّ الْأَعَمَّ يُصَدَّقُ عَلَى كُلِّ أَخَصَّ، فَإِذَا نَفَى أَنَّهُ بَعْدَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَأَنَّهُ مِنْ صَدَقَاتِهِ الْأُخْرَى لَا يَكُونُ مُنَاقِضًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا فَكَانَ رُجُوعًا. وَأَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى مَالَهُ عَلَيْهِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ وَالنَّبَهْرَجَةَ، لِأَنَّهُ فِي هَذَا مُقِرٌّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ صَرِيحًا فِي الْأَوَّلِ وَدَلَالَةً فِيمَا بَعْدَهُ لِأَنَّ حَقَّهُ الثَّمَنُ، وَكَذَا بَدَلُ الْإِجَارَةِ هِيَ الْجِيَادُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ لَا يُصَدَّقُ لَا مَوْصُولًا وَلَا مَفْصُولًا، وَفِيمَا بَقِيَ يُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ قَبَضْت مَا لِي عَلَيْهِ أَوْ حَقِّي إقْرَارٌ بِقَبْضِ الْقَدْرِ وَالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اسْتَثْنَى الْجَوْدَةَ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْبَعْضَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً. أَمَّا إذَا قَالَ قَبَضْت عَشَرَةً جِيَادًا فَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَدْرِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ وَبِالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإِذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ مِنْ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوْدَةِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ إلَّا دِينَارًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا. فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْجَوْدَةِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَبَعٌ لِلدَّرَاهِمِ وَصِفَةٌ لَهَا، وَاسْتِثْنَاءُ التَّبَعِ مَوْصُولًا لَا يَصِحُّ كَاسْتِثْنَاءِ

قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ فِي مَكَانِهِ بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ خَصْمِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا. قُلْنَا: إنَّمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ تَبَعًا فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مَوْصُولًا. وَأَمَّا الْجَوْدَةُ فَدَخَلَتْ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا كَالْوَزْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا عَلَيْهِ، وَكَمَا عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْوَزْنِ عَلَيْهِ الْجَوْدَةُ فَكَانَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ قَوْلِهِ مَا لِي عَلَيْهِ وَحَقِّي عَلَيْهِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ: فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. وَعِنْدِي أَنَّ التَّأَمُّلَ يَشُدُّهُ لَا يَرُدُّهُ؛ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أُشْكِلَ عَلَيْهِ تَبَعِيَّةُ الْجَوْدَةِ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهَا تَبَعٌ وَصِفَةٌ لِلدَّرَاهِمِ وَالصِّفَةُ أَبَدًا تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ. وَهَذَا سَهْوٌ عَنْ قَوْلِهِ دَخَلَتْ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا. فَحَاصِلُ رَدِّهِ عَلَى السَّائِلِ أَنَّ مَا يَكُونُ تَبَعًا فِي الْوُجُودِ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ وَصِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَقْصُودًا مِنْ اللَّفْظِ كَقَصْدِ الْبَاقِي سَوَاءٌ كَانَ تَبَعًا فِي الْوُجُودِ لَهُ أَوْ أَصْلًا مِثْلُهُ. وَإِنَّمَا كَانَتْ السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّ غِشَّهَا غَالِبٌ، وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ بِاعْتِبَارِ الْفِضَّةِ وَالنِّسْبَةِ إلَى الْغَالِبِ مُتَعَيَّنٌ. فَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْغِشُّ فَلَيْسَتْ دَرَاهِمَ إلَّا مَجَازًا، وَلِذَا قِيلَ هُوَ مُعَرَّبُ سه طَاقه: يَعْنِي ثَلَاثَ طَاقَاتٍ الطَّاقُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ فِضَّةٌ، وَالْأَوْسَطُ نُحَاسٌ، وَهِيَ شِبْهُ الْمُمَوَّهِ. وَتَعَقَّبَ فِي النِّهَايَةِ إطْلَاقَ قَوْلِهِ فِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ بَلْ ذَاكَ إذَا قَالَ مَفْصُولًا، أَمَّا فِي الْمَوْصُولِ يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي إقْرَارِ الْمَبْسُوطِ: لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِمَّا لَهُ عَلَى الْمَدْيُونِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا سَكَتَ هُوَ رَصَاصٌ لَمْ يُصَدَّقْ، لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لَا يَتَنَاوَلُ الرَّصَاصَ حَقِيقَةً، وَإِنْ قَالَ مَوْصُولًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّصَاصَ مِنْ الدَّرَاهِمِ صُورَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا مَعْنًى فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ إلَى مَا هُوَ مُحْتَمَلٌ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا فَفِي السَّتُّوقَةِ أَوْلَى، لِأَنَّ الرَّصَاصَ أَبْعَدُ مِنْهَا إلَى الدَّرَاهِمِ. وَذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ فِي جَامِعِهِ مُصَرِّحًا فَقَالَ: فَأَمَّا إذَا قَالَ وَجَدْتهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا كَانَ مَوْصُولًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ فَلَا يَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ أَنَّهَا كَانَتْ جِيَادًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أُحَلِّفُهُ إذَا اتَّهَمْته. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ) أَوْ قَالَ هِيَ لَك أَوْ قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ فَقَدْ رُدَّ إقْرَارُهُ، فَلَوْ عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ وَادَّعَى الْأَلْفَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ، لَا إنْ عَادَ الْمُقِرُّ إلَى الْإِقْرَارِ بِهَا بَعْدَ رَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَصَدَّقَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَثْبُتُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا،

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ اشْتَرَيْت وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ، لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَتَفَرَّدُ بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَتَفَرَّدُ بِالْعَقْدِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعَمِلَ التَّصْدِيقُ، وَأَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ يَتَفَرَّدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ سَيِّدُ الْعَبْدِ بِنَسَبِهِ لِإِنْسَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ لِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى كَانَ لِلرَّادِّ أَنْ يَعُودَ وَيَدَّعِيَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَبْطُلْ بِالرَّدِّ بَقِيَ مُقِرًّا بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ (وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِسَبَبِ الْمَالِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت مِنِّي وَأَنْكَرَ، لَهُ أَنْ) يَعُودَ فَ (يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ) فَإِنْكَارُهُ إنْ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الِانْفِسَاخُ، وَكَانَ الْعَقْدُ قَائِمًا بَعْدَ إنْكَارِهِ فَلَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ) بِالْمَالِ (فَيَتَفَرَّدُ بِالرَّدِّ فَافْتَرَقَا) وَنَاقَضَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ: يَعْنِي مِنْ مَسْأَلَةِ التَّجَاحُدِ قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاتَ رِضَا الْبَائِعِ فَيَسْتَبِدُّ بِالْفَسْخِ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ صَعْبٌ انْتَهَى، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مَعَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ مَاتَ وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَيَسْتَمْتِعَ بِالْجَارِيَةِ فَالْوَجْهُ مَا قَدَّمَهُ أَوَّلًا. [وَهَذِهِ فُرُوعٌ ذَكَرَهَا فِي النِّهَايَةِ] لَوْ صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّ إقْرَارَهُ لَا يَرْتَدُّ. لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا وَقَبِلَ ثُمَّ رَدَّهُ فَرَدُّهُ بَاطِلٌ، وَكَذَا لَوْ قَبِلَ الْمَدْيُونُ الْإِبْرَاءَ ثُمَّ رَدَّهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك رَقَبَتَك فَرَدَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ، هَذَا كُلُّهُ فِي رَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ إقْرَارَ الْمُقِرِّ. فَأَمَّا لَوْ رَدَّ الْمُقِرُّ إقْرَارَ نَفْسِهِ كَأَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْآخَرِ أَنَّهُ أَقْبَضَهُ أَوْ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ لَمْ أَقْبِضْ أَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ لِي وَأَرَادَ تَحْلِيفَ فُلَانٍ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الدَّائِنِ أَنَّهُ أَقْبَضَهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يَحْلِفُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا تَحَرُّزًا مِنْ امْتِنَاعِ الْقَابِضِ عَنْ الْإِشْهَادِ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَهُ فَيَجِبَ أَنْ يُرَاعِيَ الْعَادَةَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَقَالَ: كَانَ تَلْجِئَةً وَطَلَبَ يَمِينَ الْآخَرِ حَلَفَ عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الرَّأْيُ فِي التَّحْلِيفِ إلَى الْقَاضِي يُرِيدُ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي خُصُوصِ الْوَقَائِعِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ حِينَ أَقَرَّ وَأَشْهَدَ يَحْلِفُ لَهُ خَصْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ فِيهِ ذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِالتَّفَرُّسِ فِي الْأَخْصَامِ وَاَللَّهُ الْهَادِي. (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا) مَعْلُومَ

فَقَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَلْفٍ وَأَقَامَ هُوَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ) وَكَذَلِكَ عَلَى الْإِبْرَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا. وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيَبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالشَّغَبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ وَقَدْ يُصَالَحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ثُمَّ يُقْضَى، وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ أَظْهَرُ (وَلَوْ قَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ وَلَا أَعْرِفُك لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ) وَكَذَا عَلَى الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ وَقَضَاءٌ وَاقْتِضَاءٌ وَمُعَامَلَةٌ بِدُونِ الْمَعْرِفَةِ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تُقْبَلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَدْرِ وَمَا تَصِحُّ بِهِ الدَّعْوَى (فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَلْفٍ وَأَقَامَ هُوَ بَيِّنَةً عَلَى الْقَضَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَلِكَ) لَوْ أَقَامَهَا (عَلَى الْإِبْرَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا تُقْبَلُ) وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى (لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَقَدْ أَنْكَرَ الْوُجُوبَ) حَيْثُ قَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ قَضَاهُ نَاقَضَ (وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى دَفْعًا لِلشَّغَبِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ (وَيَبْرَأُ مِنْهُ وَ) لِذَا (يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ، وَ) أَيْضًا (قَدْ يُصَالَحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ثُمَّ يَقْضِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ أَظْهَرُ) لِأَنَّهُ نَفَى فِي الْحَالِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّفْيَ مُطْلَقًا لِجَوَازِ الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ اللُّزُومِ فَيَنْتَفِي فِي الْحَالِ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي قَبُولَ الْبَيِّنَةِ إذَا احْتَاجَ إلَى التَّوْفِيقِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى التَّوْفِيقِ. وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ شَرَطَ مُحَمَّدٌ دَعْوَى التَّوْفِيقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَقِيلَ يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي الْكُلِّ وَيُحْمَلُ مَا سَكَتَ فِيهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهِ حَتَّى قَالَ فِي الْأَقْضِيَةِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُوَفِّقَ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ لَا لِإِنْشَائِهَا وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَدْرِي مَا يُوَفِّقُ بِهِ الْمُدَّعِي. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: كَانَ وَالِدِي يُفْتِي بِأَنَّ التَّوْفِيقَ إذَا كَانَ مُمْكِنًا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ التَّوْفِيقُ كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ حُجَجُ الشَّرْعِ. وَالتَّوَسُّطُ فِي هَذَا أَنَّ وَجْهَ التَّوْفِيقِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا مُتَبَادِرًا يَجِبُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ بِلَا تَوْفِيقِ الْمُدَّعِي كَقَوْلِهِ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهُ قَضَاهُ وَنَحْوُهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَكَلِّفًا لَا يَعْتَبِرُهُ الْقَاضِي وَاقِعًا مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُدَّعِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَهَبَهَا لِي ثُمَّ أَنْكَرَهَا فَاشْتَرَيْتهَا، وَكَذَا فِيمَا يَأْتِي فِي الْجَارِيَةِ لَمْ أَبِعْهَا لَهُ وَلَكِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً كَاذِبَةً بِالْبَيْعِ فَسَأَلْته أَنْ يُبْرِئَنِي مِنْ الْعُيُوبِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَلْقِينٌ لِلْحُجَّةِ. هَذَا (فَلَوْ) زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَ (قَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ وَلَا أَعْرِفُك) أَوْ قَالَ وَلَا رَأَيْتُك أَوْ قَالَ وَلَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَك مُخَالَطَةٌ وَلَا أَخْذٌ وَلَا إعْطَاءٌ أَوْ مَا اجْتَمَعْت مَعَك فِي مَكَان وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ (لَمْ تُقْبَلْ) لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ (وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ) عَنْ أَصْحَابِنَا (أَنَّهَا تُقْبَلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ

فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ جَارِيَتَهُ فَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا أُصْبُعًا زَائِدَةً فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُقْبَلُ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَأْمُرُ بِإِرْضَائِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ) فَعَلَى هَذَا قَالُوا يَجِبُ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِلَّا قُبِلَتْ. وَفِي الشَّافِي: لَوْ قَالَ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى الدَّفْعَ لَمْ يُسْمَعْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا وَقَدْ دَفَعْته، أَمَّا لَوْ ادَّعَى إقْرَارَهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَوْ الْقَضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ لِأَنَّ الْمُنَاقِضَ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَهُنَا لَمْ يَجْمَعْ، وَلِهَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي عِيَانًا لَا يَكُونُ مُنَاقِضًا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَقِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَتَحَقَّقُ بِلَا مَعْرِفَةٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ جَارِيَةً فَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى شِرَائِهِ) إيَّاهَا مِنْهُ فَقَبَضَهَا (فَوَجَدَ بِهَا أُصْبُعًا زَائِدَةً) أَوْ نَحْوَهُ مِنْ عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ رَدَّهَا (فَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي التَّوْفِيقَ فِي الدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا حَكَاهُ الْخَصَّافُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ هُنَا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا بَيْعٌ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا ادَّعَى عَلَيَّ الْبَيْعَ سَأَلْته أَنْ يُبْرِئَنِي مِنْ الْعَيْبِ فَأَبْرَأَنِي. قَالَ شَارِحٌ: وَلِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ فَجُحُودُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ دَعْوَى الْآخَرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَذُكِرَ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَكِيلًا عَنْ الْمَالِكِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ قَوْلُهُ لِلْمَالِكِ مَا بِعْتهَا لَك قَطُّ صِدْقًا فَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ لَيْسَ مُنَاقِضًا، وَالْوَجْهُ أَعَمُّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى الْوَكِيلِ نَفْسِهِ لَا يُوَفِّقُ بِذَلِكَ. وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ وَذُو الْيَدِ يُنْكِرُ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُنْكِرُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ رَدَّ الْبَيْعَ قُبِلَتْ، وَلَا يُبْطِلُ إنْكَارُهُ الْبَيْعَ بَيِّنَتَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَخَذَهَا مِنِّي بِبَيِّنَةٍ كَاذِبَةٍ ثُمَّ اسْتَقَلْته فَأَقَالَنِي

وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَسْتَدْعِي وُجُودَ الْبَيْعِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَكَانَ مُنَاقِضًا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْضَى وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (ذِكْرُ حَقٍّ كُتِبَ فِي أَسْفَلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ كُتِبَ فِي شِرَاءٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُ ذَلِكَ وَتَسْلِيمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَطَلَ الذِّكْرُ كُلُّهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ عَلَى الْخَلَاصِ وَعَلَى مَنْ قَامَ بِذِكْرِ الْحَقِّ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْرَارِ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَكَذَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِبْدَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَائِهِ وَصْفَ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَسْتَدْعِي وُجُودَ الْبَيْعِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَكَانَ مُنَاقِضًا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْضَى وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا) وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ وَجْهَيْ التَّوْفِيقِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ يَدْفَعُ هَذَا. (قَوْلُهُ ذِكْرُ حَقٍّ) يَعْنِي صَكًّا فِي إقْرَارٍ بِدَيْنٍ (قَالَ فِي آخِرِهِ: وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ) يَعْنِي مَنْ أَخْرَجَهُ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ، ثُمَّ كَتَبَ (إنْ شَاءَ اللَّهُ) مُتَّصِلًا بِهَذِهِ الْكِتَابَةِ أَوْ صَكَّ شِرَاءٍ كَتَبَ فِيهِ وَمَا أَدْرَكَ فُلَانًا الْمُشْتَرِي مِنْ الدَّرَكِ فَعَلَى فُلَانٍ خُلَاصَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ (فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْطُلُ الصَّكُّ كُلُّهُ) الدَّيْنُ فِي الْأَوَّلِ وَالشِّرَاءُ فِي هَذَا وَالْخَلَاصُ (وَعِنْدَهُمَا كُلٌّ مِنْ الدَّيْنِ وَالشِّرَاءِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ) وَهُوَ وَكَالَةُ مَنْ قَامَ بِهِ وَضَمَانُ الدَّرَكِ خَاصَّةً (وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ لَهُ أَنَّ الْكُلَّ بِوَاسِطَةِ الْعَطْفِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ) اتَّصَلَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ (فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُبْطِلُ الْكُلَّ فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَلَا يَلْزَمُ نَذْرٌ (وَلَهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَكَذَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِبْدَادُ) فَقَامَ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ مِنْ كَتْبِ الصَّكِّ دَلَالَةً عَلَى قَصْرِ انْصِرَافِهِ إلَى الْأَخِيرِ، هَذَا هُوَ الْعَادَةُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَادِثُ لَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُكْتَبُ لِلْإِبْطَالِ لِغَرَضٍ قَدْ يَتَّفِقُ. وَظَاهِرُ الْوَجْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أُجْرِيَ بِالِاتِّفَاقِ مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ خَالَفَ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ انْصِرَافُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى مَا يَلِيهِ خَاصَّةً بِسَبَبِ الْعَطْفِ، وَهُمَا سَلَّمَا ذَلِكَ لَوْلَا عُرُوضُ فَهْمِ الْغَرَضِ مِنْ كُتُبِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ، إذْ لَوْ

وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيُصْرَفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفَةِ مِثْلِ قَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً قَالُوا: لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُجُودُ جُمَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِبَعْضِهَا اسْتِثْنَاءٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ وُجُودَ الْجُمَلِ الْمُتَعَدِّدَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعَطْفِ، فَإِذَا كَانَ الْعَطْفُ يُصَيِّرُهَا كَوَاحِدٍ لَزِمَ فِي كُلِّ اسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ بِجُمَلٍ مَنْسُوقٍ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْكُلِّ وَيَسْتَحِيلَ وُجُودُ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ الْوَجْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطٌ، وَحُكْمُ الشَّرْطِ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مَنْسُوقَةً بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْكُلِّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَلْزَمْ النَّذْرُ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَمَشَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى حُكْمِهِ، وَهُمَا أَخْرَجَا صُوَرَ كُتُبِ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِهِ بِعَارِضٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِ حُكْمِ الشَّرْطِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِذَا كَانَ قَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانًا رَاجِحًا عَلَى قَوْلِهِ. هَذَا إذَا كَانَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَكْتُوبًا مُتَّصِلًا بِالْكِتَابَةِ، فَلَوْ فَصَلَ بِبَيَاضٍ وَهُوَ الْفُرْجَةُ صَارَ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ فَلَا يَعْمَلُ شَيْئًا اتِّفَاقًا. وَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُهُ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ لِلْمَجْهُولِ بِالْخُصُومَةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ، وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكِتَابَةِ إثْبَاتُ رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَوْكِيلِ مَنْ يُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي، فَلَا يَمْتَنِعُ الْمَدْيُونُ عَنْ سَمَاعِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ عِنْدَهُ. وَدَفَعَ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ بِهَذَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ، وَالرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ بَاطِلٌ فَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا. وَقِيلَ بَلْ فَائِدَتُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ لَا يُصَحِّحُ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ إلَّا إذَا وُجِدَ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ مُطْلَقًا.

[فصل في القضاء بالمواريث]

(فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ) قَالَ (وَإِذَا مَاتَ نَصْرَانِيٌّ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً وَقَالَتْ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ] (وَإِذَا مَاتَ نَصْرَانِيٌّ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً وَقَالَتْ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ) فَأَنَا أَسْتَحِقُّ فِي مِيرَاثِهِ (وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ) بَلْ (أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ) فَلَا مِيرَاثَ لَك (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَدَلُ قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لَا تُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ يَكُونُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا حَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَّا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُفْرَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهَا أَنْ تُحَلِّفَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ (وَقَالَ زُفَرُ: الْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ فَ) الظَّاهِرُ (إضَافَتُهُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ) مِنْ الْمِيرَاثِ (ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ

الطَّاحُونَةِ؛ وَهَذَا ظَاهِرٌ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ؛ وَمَا ذَكَرَهُ يَعْتَبِرُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ؛ وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا، وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ، أَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّاحُونَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ) هُوَ اسْتِصْحَابٌ: أَعْنِي اسْتِصْحَابَ الْمَاضِي لِلْحَالِ (نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ، وَمَا ذَكَرَهُ) اسْتِصْحَابُ هُوَ عَكْسُ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَكُونُ مِنْ الْمَاضِي لِلْحَالِ وَمِنْ الْحَالِ إلَى الْمَاضِي، وَلَكِنَّهُ (اعْتَبَرَهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ) وَلَيْسَ حُكْمُ الِاسْتِصْحَابِ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِجَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَالِكُهَا مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا طَالَبَهُ بِمُدَّةٍ فَقَالَ: كَانَ الْمَاءُ مُنْقَطِعًا حُكْمُ جَرَيَانِهِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْحَالِ فَيُعْطَفُ عَلَى الْمَاضِي لِدَفْعِ اسْتِحْقَاقِ أُجْرَةِ الْمَاضِي فَكَذَا هَذَا، وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظَّاهِرِ، فَإِنَّ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ قَدْ أَثْبَتَ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا (وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ أَيْضًا وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ) هُنَا (لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ، أَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ) وَالِاسْتِصْحَابُ يَكْفِي لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَهُوَ

وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِصْحَابُ مَا فِي الْمَاضِي مِنْ كُفْرِهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَالْمَسْأَلَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ اُعْتُبِرَ فِيهِمَا لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: اعْتِبَارُ الْحَالِ فِي مَاءِ الطَّاحُونَةِ شَاهِدًا لِلْمَاضِي عُمِلَ بِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالِاسْتِصْحَابِ فَإِنَّ بِهِ يَسْتَحِقُّ مَالِكُهَا أَجْرَ الْمَاضِي إذَا كَانَ جَارِيًا. أُجِيبَ بِأَنَّ هُنَاكَ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَلَكِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّأْكِيدِ، وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلتَّأْكِيدِ. فِي مَسْأَلَةِ الْمِيرَاثِ نَفْسُ السَّبَبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ مَعَ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ فِي الدِّينِ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا مَاتَ أَبِي مُسْلِمًا وَقَدْ كُنْت مُسْلِمًا حَالَ حَيَاتِهِ وَقَالَ الْآخَرُ صَدَقْت وَأَنَا أَيْضًا أَسْلَمْت حَالَ حَيَاتِهِ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إسْلَامِهِ وَقَالَ بَلْ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لِلِابْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَى إسْلَامِهِ، وَلَمْ يُجْعَلْ الْحَالُ حُكْمًا عَلَى إسْلَامِهِ فِيمَا مَضَى مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا اخْتَلَفَا فِي تَمَامِ الْمَاضِي فِي ثُبُوتِ مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْحَالِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارٍ مِنْهُ فَلَا يُصَارُ إلَى تَحْكِيمِ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ قَائِمًا، حَتَّى إنَّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الِانْقِطَاعِ فِي بَعْضِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ بِأَنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ الْمَاءُ مُنْقَطِعًا شَهْرَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ شَهْرًا فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ مُنْقَطِعًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ جَارِيًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مُقَدَّرٍ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْحَالِ. وَفِي مَسْأَلَةِ الِابْنَيْنِ وَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الِاخْتِلَافُ وَاقِعٌ فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْإِسْلَامِ لَا فِي نَفْسِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَالثَّابِتُ فِي الْحَالِ نَفْسُ الْإِسْلَامِ لَا إسْلَامٌ مُقَدَّرٌ فَهَذَا هُوَ الْمَأْخَذُ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ مَسْأَلَةً وَهِيَ تَرُدُّ أَيْضًا شُبْهَةً عَلَى الْأَصْلِ: أَعْنِي كَوْنَ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَثْبُتُ بِالظَّاهِرِ؛ وَهُوَ لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ فَصَارَ فَارًّا فَأَنَا أَرِثُ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بَلْ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّهَا أَنْكَرَتْ

قَالَ (وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْوَارِثِ خِلَافَةً فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ حَقُّ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ أَصَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودِعِ إذْ هُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَقَرَّ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ (فَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ لِآخَرَ هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا وَقَالَ الْأَوَّلُ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ غَيْرِي قَضَى بِالْمَالِ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ انْقَطَعَ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ فَيَكُونُ هَذَا إقْرَارًا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِلثَّانِي، كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا، وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فَصَحَّ، وَحِينَ أَقَرَّ لِلثَّانِي لَهُ مُكَذِّبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَانِعَ مِنْ الْإِرْثِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ: يَعْنِي وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) مَثَلًا (وَدِيعَةً فَأَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ) فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ (لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْوَارِثِ) مِلْكٌ لَهُ (خِلَافَةً فَهُوَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ حَقُّ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ أَصَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ) الْمُودَعُ (لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ) أَيْ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ (أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ) أَيْ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ الَّتِي فِي يَدِهِ مِنْ الْمُودِعِ (حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودِعِ) وَمِلْكِهِ فِي الْوَدِيعَةِ الْآنَ (إذْ هُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِلْكِهِ لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ لِلْحَالِ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُودِعِ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ: أَعْنِي الْمَالِكَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ لَوْ دَفَعَ إلَى الَّذِي اعْتَرَفَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا؟ قِيلَ لَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ. وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ كَانَ وَالِدِي يَتَرَدَّدُ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْ الْوَدِيعَةَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِالْوَكَالَةِ حَتَّى هَلَكَتْ قِيلَ يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ وَكِيلِ الْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَنَعَهَا مِنْ نَفْسِ الْمُودِعِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الدَّفْعُ (بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الدَّائِنِ بِقَبْضِ مَالِهِ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقِرٍّ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ (إذًا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقِرِّ (فَإِنَّمَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ) حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ الدَّائِنُ إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَكَالَةِ إذَا قَدِمَ (فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ. وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ لِآخَرَ هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا وَأَنْكَرَ الِابْنُ الْأَوَّلُ قُضِيَ بِالْمَالِ لِلْأَوَّلِ) وَحْدَهُ (لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ) عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ (انْقَطَعَ يَدُهُ عَلَى الْمَالِ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى) الْغَيْرِ وَهُوَ الِابْنُ (الْأَوَّلُ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا، وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فَصَحَّ، وَحِينَ أَقَرَّ لِلثَّانِي لَهُ مُكَذِّبٌ) وَهُوَ

فَلَمْ يَصِحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ (فَلَا يَصِحُّ) وَهَلْ يَضْمَنُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: إنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْمُودَعُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ لَهُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّلَفُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبُنُوَّةِ إقْرَارًا بِالْمَالِ. وَفِي الدِّرَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ نِصْفَ مَا أَدَّى لِلِابْنِ الثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلثَّانِي صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُودَعُ لِلِابْنِ الثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ بَدَأَ الْمُودَعُ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِلْقَاضِي قِيمَتَهُ. قُلْنَا: هُنَا أَيْضًا يَضْمَنُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الِابْنِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي نِصْفَ مَا أَدَّى إلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَاخْتُلِفَ فِي اللُّقَطَةِ إذَا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ بِهَا لِرَجُلٍ هَلْ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؟ مَذْكُورٌ فِي اللُّقَطَةِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ ادَّعَى الْوِصَايَةَ وَصَدَّقَهُ مُودِعُ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَاصِبُ مِنْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الِابْنِ، فَلَوْ أَقَرَّ الْمُودَعُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ شَقِيقُهُ وَأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ يَدَّعِيهِ أَوْ لِمَنْ ادَّعَى وَصِيَّةً بِأَلْفٍ مَثَلًا أَنَّهُ صَادِقٌ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَخِ بِشَرْطِ عَدَمِ الِابْنِ، بِخِلَافِ الِابْنِ لِأَنَّهُ وَارِثٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ غَيْرَ أَنَّهُ احْتَمَلَ مُشَارَكَةَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَوْهُومٌ وَالْبِنْتُ كَالِابْنِ وَفِي الْوَصِيَّةِ هُوَ مُقِرٌّ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَلَفٍ عَنْ الْمَيِّتِ، إذَا تَأَنَّى إنْ حَضَرَ وَارِثٌ آخَرُ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَارِثٌ آخَرُ أَعْطَى كُلَّ مُدَّعٍ مَا أَقَرَّ بِهِ لَكِنْ بِكَفِيلٍ ثِقَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا أَعْطَاهُ الْمَالَ وَضَمِنَهُ إنْ كَانَ ثِقَةً حَتَّى لَا يَهْلَكُ أَمَانَةً، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ تَلَوَّمَ الْقَاضِي حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ، أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ ثُمَّ يُعْطِيهِ الْمَالَ وَيَضْمَنُهُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةَ التَّلَوُّمِ بِشَيْءٍ بَلْ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا أَشْبَهَ بِأَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا مُقَدَّرٌ بِحَوْلٍ، هَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ. قَالَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ، هَذَا إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ وَارِثٌ وَلَا أَدْرَى أَمَاتَ أَمْ لَا لَا يَدْفَعُ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا لَا قَبْلَ التَّلَوُّمِ وَلَا بَعْدَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً تَقُولُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَكُلُّ مَنْ يَرِثُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ كَالْأَخِ وَالْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ كَالِابْنِ؛ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُو الْغَائِبِ وَأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَمَّةُ الْمَيِّتِ أَوْ خَالَتُهُ أَوْ بِنْتُ أَخِيهِ وَقَالَ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرِي وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ

قَالَ (وَإِذَا قُسِمَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَفِيلٌ وَلَا مِنْ وَارِثٍ وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ ثُلُثِهِ وَصَدَّقَهُمَا ذُو الْيَدِ وَقَالَ لَا أَدْرِي لِلْمَيِّتِ وَارِثًا غَيْرَهُمَا أَوْ لَا لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعِي الْوَصِيَّةِ شَيْءٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ، وَيَدْفَعُ الْقَاضِي إلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَوْ الْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ أَوْ بِنْتِ الْأَخِ إذَا انْفَرَدَ، أَمَّا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يُزَاحِمُ مُدَّعِي الْبُنُوَّةِ مُدَّعِيَ الْأُخُوَّةِ لَكِنْ مُدَّعِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا زَاحَمَهُ مُدَّعِي الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ أَوْ الثُّلُثِ مُسْتَدِلًّا بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ فَمُدَّعِي الْأُخُوَّةِ أَوْ الْبُنُوَّةِ أَوْلَى بَعْدَمَا يُسْتَحْلَفُ الِابْنُ مَا هَذِهِ زَوْجَةُ الْمَيِّتِ أَوْ مُوصًى لَهُ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ قَامَ أَخَذَ بِهَا، وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ؟ تَقَدَّمَ، وَلَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَوْ ثُلُثِهِ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ زَوْجَتُهُ فَالْمَالُ لِلِابْنِ وَالْمَوْلَى كَمَا لَوْ عَايَنَاهُ أَقَرَّ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ بِسَبَبٍ مُنْتَقَضٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا قُسِمَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ) أَوْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ (لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَفِيلٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَ) قَالَ (هَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ فِيهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ) كَأَنَّهُ عَنَى بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْكُوفَةِ (وَقَالَا: يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ) أَيْ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ حَتَّى يَكْفُلُوا (وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ) أَمَّا إذَا ثَبَتَا بِالْإِقْرَارِ فَيُؤْخَذُ

لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغُيَّبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ وَارِثًا غَائِبًا أَوْ غَرِيمًا غَائِبًا، لِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيُحْتَاطُ بِالْكَفَالَةِ. كَمَا إذَا دَفَعَ الْآبِقَ وَاللُّقَطَةَ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ لَا يُكْفَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَتَأَنَّى الْقَاضِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ مِمَّنْ يَحْجُبُ أَوْ لَا يَحْجُبُ، وَلَوْ قَالُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا. ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ نَفْيِ الدَّفْعِ إذَا لَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ وَارِثًا لَا يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ، وَتَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ: وَإِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ وَادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَعْرِفُوهُمْ بَلْ قَالُوا وَتَرَكَهَا لِوَرَثَتِهِ لَا تُقْبَلُ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ لِيَصِيرَ نَصِيبُ هَذَا الْوَاحِدِ مَعْلُومًا، وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ الْمَعْلُومِ مُتَعَذِّرٌ. وَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الْأَوَّلُ هَذَا، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَعْرِفُوهُمْ. وَالثَّانِي أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ بِلَا تَلَوُّمٍ، الثَّالِثُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ مَالِكِ هَذِهِ الدَّارِ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ زَمَانًا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى، فَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ آخَرُ قَسَمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ دَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا عِنْدَهُمَا. وَلَا يَأْخُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ إنَّمَا يَدْفَعُ إلَى الْوَارِثِ الَّذِي حَضَرَ جَمِيعَ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ، فَإِنْ كَانَ يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ حَجْبَ نُقْصَانٍ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ يَدْفَعُ إلَيْهِ أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُف، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَوْفَرَهُمَا وَهُوَ النِّصْفُ لِلزَّوْجِ وَالرُّبْعُ لِلزَّوْجَةِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مُضْطَرِبٌ. هَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ، فَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِنْ صُوَرِهِ مَا إذَا أَقَرَّ الْمُودَعُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ، وَهُوَ أَلْيَقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَنْ يَنْتَظِرَ زَمَانًا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ آخَرُ لَظَهَرَ، وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِعَامٍ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَارِثٌ آخَرُ دَفَعَ الْمَالَ وَأَخَذَ كَفِيلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ وَارِثٌ آخَرُ. قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ، وَقِيلَ يَأْخُذُ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ دُونَ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ (لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغُيَّبِ) أَيْ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لَهُمْ (وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ وَارِثًا غَائِبًا أَوْ غَرِيمًا غَائِبًا، لِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيُحْتَاطُ بِالْكَفَالَةِ، كَمَا إذَا دَفَعَ) الْقَاضِي (الْآبِقَ وَاللُّقَطَةَ إلَى)

صَاحِبِهِ وَأَعْطَى امْرَأَةَ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ قَطْعًا، أَوْ ظَاهِرًا فَلَا يُؤَخَّرُ لِحَقٍّ مَوْهُومٍ إلَى زَمَانِ التَّكْفِيلِ كَمَنْ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ مِمَّنْ فِي يَدِهِ أَوْ أَثْبَتَ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى بِيعَ فِي دَيْنِهِ لَا يَكْفُلُ، وَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا إذَا كُفِلَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي أَثْبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ (صَاحِبُهُ) أَخَذَ كَفِيلًا لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ (وَ) كَذَا إذَا (أَعْطَى امْرَأَةَ الْغَائِبِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ تَسْتَنْفِقُ: أَيْ تَطْلُبُ (النَّفَقَةَ) وَزَوْجُهَا غَائِبٌ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالزَّوْجِيَّةِ الْوَدِيعَةِ فَالْقَاضِي يُعْطِيهَا (مِنْ مَالِهِ) وَيَأْخُذُ كَفِيلًا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ قَطْعًا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ الْآخَرُ مَعْدُومًا (أَوْ ظَاهِرًا) فِيمَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَالْقَاضِي لَمْ يُكَلَّفْ بِإِظْهَارِهِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ حَقَّ الْحَاضِرِ بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ بِالْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهُ (فَلَا يُؤَخَّرُ) إلَى زَمَانِ التَّكْفِيلِ (لِحَقٍّ مَوْهُومٍ) أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا كَانَ مَنْعُ حَقِّهِ هَذَا ظُلْمًا وَصَارَ (كَمَنْ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ مِمَّنْ فِي يَدِهِ) لَا يُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا أَثْبَتَ شِرَاءَهُ بِالْحُجَّةِ (وَ) لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ (الَّذِي أَثْبَتَ دَيْنَهُ عَلَى الْعَبْدِ) بِالْبَيِّنَةِ (حَتَّى بِيعَ) الْعَبْدُ (لِأَجْلِ دَيْنِهِ) وَإِنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ حُضُورُ مُشْتَرٍ آخَرَ قَبْلَهُ وَغَرِيمٍ آخَرَ لِلْعَبْدِ (وَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَفَلَ) لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ ثَابِتٌ وَالزَّوْجُ مَعْلُومٌ، فَأَمَّا الْآبِقُ وَاللُّقَطَةُ فَفِي أَخْذِ (الْكَفِيلِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقِيلَ إنْ دَفَعَ اللُّقَطَةَ بِعَلَامَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ يَكْفُلُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ. وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُمْنَعَ) مَعَ الْعَلَامَةِ وَإِقْرَارِ الْعَبْدِ بِالْإِبَاقِ. لَا يُقَالُ: يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ صِيَانَةً لِقَضَائِهِ عَنْ النَّقْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ، وَلَا يُقَالُ يَأْخُذُ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي تَسْلِيمِ مَالِهِ إلَى وَارِثِهِ وَقَدْ أَثْبَتَ وِرَاثَتَهُ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَاضِي يَتَلَوَّمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالتَّلَوُّمُ: إنَّمَا هُوَ لِتَوَهُّمِ وَارِثٍ أَوْ غَرِيمٍ آخَرَ، وَبَعْدَ التَّلَوُّمِ مَا انْقَطَعَتْ الشُّبْهَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ لِبَقَاءِ الشُّبْهَةِ وَيَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ رَاجِحَةٌ عَلَى الشُّبْهَةِ فَأَظْهَرْنَا رُجْحَانَهَا فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ فَيَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ قِيَامُ الشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ عَمَلًا بِالْجِهَتَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ يَجِبُ بِالْحُجَّةِ بَعْدَ قِيَامِهَا لَا بِالشُّبْهَةِ وَلَيْسَ التَّكْفِيلُ كَالتَّلَوُّمِ لِأَنَّ التَّلَوُّمَ لِطَلَبِ عِلْمٍ زَائِدٍ لَهُ لِيَتِمَّ عِلْمُهُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، فَإِنَّ التَّلَوُّمَ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِ الشُّهُودِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ لِأَنَّهَا عَلَى النَّفْيِ، بَلْ هُوَ خَبَرٌ يُؤَكِّدُ ظَنَّ انْتِفَاءِ غَيْرِهِ، أَمَّا الْكَفَالَةُ فَطَلَبُ

بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ ثَابِتٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ. وَأَمَّا الْآبِقُ وَاللُّقَطَةُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقِيلَ إنْ دَفَعَ بِعَلَامَةِ اللُّقَطَةِ أَوْ إقْرَارِ الْعَبْدِ يَكْفُلُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُمْنَعَ. وَقَوْلُهُ ظُلْمٌ: أَيْ مَيْلٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَهَذَا يَكْشِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُضِيَ لَهُ بِالنِّصْفِ وَتَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي يَدِ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: إنْ كَانَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تُرِكَ فِي يَدِهِ) لَهُمَا أَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ فَلَا يُتْرَكُ الْمَالُ فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَلَهُ أَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ مَقْصُودًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرٍ زَائِدٍ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَوَجُّهِ حَقٍّ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَجَّهُ بِالْمَوْهُومِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ ظُلْمٌ) أَيْ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (يَكْشِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ) أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ جَرَّهُمْ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ فَكَانَ صِيَانَةُ الْمُجْتَهِدِينَ عَنْ الْخَطَإِ وَتَقْرِيرُهُمْ عَلَى الصَّوَابِ وَاجِبًا. وَسَبَبُ نِسْبَةِ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ. وَلَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ مُتَنَاقِضًا، إذْ قَوْلُهُ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ أَصَابَ الْحَقَّ، وَإِلَّا لَكَانَ الْحَقُّ مُتَعَدِّدًا، فَلَزِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ: أَيْ يُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الِاجْتِهَادَ عَلَى الْمُتَأَهِّلِ لَهُ فَإِذَا اجْتَهَدَ فَقَدْ أَصَابَ بِسَبَبِ قِيَامِهِ بِالْوَاجِبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ تَلَاعَنَا ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا نَفَذَ وَقَالَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُضِيَ لَهُ بِالنِّصْفِ وَتَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي يَدِ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ) إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ (وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا: إنْ كَانَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ) قَدْ (جَحَدَ) فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ (أُخِذَ مِنْهُ) النِّصْفُ (فَوُضِعَ عَلَى يَدِ أَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَحَدَ تُرِكَ فِي يَدِهِ. لَهُمَا أَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ) ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ بِالْجَحْدِ (فَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ) لِقُرْبِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إمَّا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ كَذْبَةٌ أَوْ لِلْخِيَانَةِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ) أَنَّهَا مَالُ الْمَيِّتِ مُودَعٌ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ خِيَانَةٌ وَقَدْ رَضِيَهُ الْمَيِّتُ فَكَانَ أَوْلَى بِحِفْظِهَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَضَاءَ) إنَّمَا (يَقَعُ أَوَّلًا لِلْمَيِّتِ مَقْصُودًا) لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّهُ مَالُهُ

وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ مُخْتَارَ الْمَيِّتِ ثَابِتٌ فَلَا تُنْقَضُ يَدُهُ كَمَا إذَا كَانَ مُقِرًّا وَجُحُودُهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجُحُودِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِصَيْرُورَةِ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لَهُ وَلِلْقَاضِي، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَنْقُولٍ فَقَدْ قِيلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْحِفْظِ وَالنَّزْعُ أَبْلَغُ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَئِذٍ تُقْضَى دُيُونُهُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ (وَكَوْنُهُ مُخْتَارَ الْمَيِّتِ ثَابِتٌ) مَعَ جَحْدِهِ (فَلَا تُنْقَضُ يَدُهُ كَالْمُقِرِّ وَجُحُودُهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي) بِهَا لِلْمَيِّتِ (وَالظَّاهِرُ عَدَمُ جُحُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِصَيْرُورَةِ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لَهُ وَلِلْقَاضِي) وَمَوْتُ الْقَاضِي وَعَزْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْغَائِبُ، وَكَذَا احْتِرَاقُ الْمَحْضَرِ وَالتَّلَفُ نَادِرٌ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ لِنُدْرَتِهِ (فَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَنْقُولٍ) وَأَنْكَرَ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ (فَقَدْ قِيلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ) النِّصْفُ (بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْحِفْظِ

بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهَا مُحَصَّنَةٌ بِنَفْسِهَا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ دُونَ الْعَقَارِ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ. وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَظْهَرُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ، وَإِنَّمَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ خُصُومَةٍ وَالْقَاضِي إنَّمَا نُصِبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَيُسَلَّمُ النِّصْفُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّزْعُ أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ) مِنْ تَرْكِهِ فِي يَدِهِ إذْ رُبَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُتَأَوِّلًا كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ خِيَانَةً (بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهَا مُحَصَّنَةٌ بِنَفْسِهَا وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَنْقُولَ مُحْتَاجٌ إلَى الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ. وَالنَّزْعُ أَبْلَغُ فِي حِفْظِهِ مِنْ تَرْكِهِ (يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ دُونَ الْعَقَارِ وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ) يَمْلِكُ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةٌ فِي الْمَالِ (وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا) عِنْدَهُ يُتْرَكُ فِي يَدِ الَّذِي جَحَدَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ (وَإِنَّمَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ (لِأَنَّهُ إنْشَاءُ خُصُومَةٍ وَالْقَاضِي إنَّمَا نُصِبَ لِقَطْعِهَا) وَهَذَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَجِدُ كَفِيلًا أَوْ لَا يَسْمَحُ بِإِعْطَائِهِ وَالْأَخُ الْحَاضِرُ يُطَالِبُهُ بِهِ فَتَثُورُ الْخُصُومَةُ (ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَيُسَلِّمُ النِّصْفَ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ) الْكَائِنِ فِي غَيْبَتِهِ (لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ

يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَسْتَحِقُّ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَعَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْمَيِّتُ فِي الْحَقِيقَةِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْلُحُ خَلِيفَةٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَوْفِي إلَّا نَصِيبَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ، الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي يَدِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا بِدُونِ الْيَدِ فَيَقْتَصِرُ الْقَضَاءُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا) فَقَدْ قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ الْوَرَثَةِ وَهَذَا مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَعَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْمَيِّتُ فِي الْحَقِيقَةِ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ (وَوَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْلُحُ خَلِيفَةً عَنْهُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ (لِأَنَّهُ عَامِلٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ) لَا لِلْمَيِّتِ (فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فَلِهَذَا لَا يَسْتَوْفِي إلَّا نَصِيبَ نَفْسِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ) فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْكُلِّ وَلَا يَأْخُذُ إلَّا نَصِيبَ نَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَسْتَحِقُّ لَهُ وَعَلَيْهِ وَيَكُونُ قَضَاءٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ (إذَا كَانَتْ) التَّرِكَةُ كُلُّهَا (فِي يَدِهِ)

قَالَ (وَمَنْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي يَدِ الْحَاضِرِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ يَنْفُذُ بِقَدْرِهِ لِأَنَّهُ لَا خُصُومَةَ بِدُونِ الْيَدِ، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَالَ فِي شَهَادَاتِ الْمَوَارِيثِ: وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَثَلَاثَةَ بَنِينَ وَابْنَانِ غَائِبَانِ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْحَاضِرِ فَادَّعَى رَجُلٌ الدَّارَ عَلَى الْحَاضِرِ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَقَالَ مَاتَ وَالِدُنَا وَأَخَوَايَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ قَبَضَا نَصِيبَهُمَا وَأَوْدَعَانِي وَغَابَا وَقَالَ الْمُدَّعِي كَانَتْ دَارِي فِي يَدِ أَبِيكُمْ وَأَعْلَمُ أَنَّ الْغَائِبَيْنِ قَبَضَا ثُلُثَيْهَا شَائِعًا وَأَوْدَعَاهَا عِنْدَك وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارِي تُقْبَلُ وَذُو الْيَدِ خَصْمٌ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبَانِ وَصَدَقَا فِي الْإِرْثِ وَجَحَدَا حَقَّ الْمُدَّعِي فَالْقَضَاءُ مَاضٍ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ وَقَالَا لَمْ نَرِثْهَا مِنْ أَبِينَا بَلْ ثُلُثَاهَا لَنَا لَا بِالْإِرْثِ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي أَعِدْ بَيِّنَتَك عَلَيْهِمَا فِي ثُلُثَيْ الدَّارِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ لِأَنَّ إقْرَارَ الْحَاضِرِ يَعْمَلُ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ الْغَائِبَيْنِ. قَالَ الْعَتَّابِيُّ: قَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مَقْسُومَةً، أَمَّا إذَا اقْتَسَمُوهَا وَأَوْدَعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا الْحَاضِرَ وَغَابَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي فِي نَصِيبِهِمَا عَلَى الْحَاضِرِ وَالْتَحَقَ هَذَا بِسَائِرِ أَمْوَالِهِمَا فَلَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا فِيهَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا عُرِفَ. وَلَوْ كَانَ ثُلُثَا الدَّارِ فِي يَدِ رَجُلٍ مَقْسُومٍ أَوْ غَيْرِ مَقْسُومٍ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ الْغَائِبَانِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ لَهُمَا مِيرَاثٌ مِنْ أَبِيهِمَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي، وَكَذَلِكَ الِابْنُ الْحَاضِرُ لَا يَكُونُ خَصْمًا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ لَا فِيمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ. قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِي عَيْنٍ هُوَ فِي يَدِهِ لَا فِي عَيْنٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ، حَتَّى إنَّ مَنْ ادَّعَى عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ وَأَحْضَرَ وَارِثًا لَيْسَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْعَيْنُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ) فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالسَّوَائِمِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَيُمْسِكُ قُوتَهُ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ، وَإِذَا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ مَا عِنْدَهُ نِصَابًا أَوْ لَا، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ دُونَ قَدْرِهِ، وَلِذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَالِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنًا لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ إلَى أَنْ يُوَفَّى (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ مَالٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ) فِيهِمَا (وَبِهِ قَالَ زُفَرُ) وَالْبَتِّيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي لُبَابَةَ حِينَ قَالَ: إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً: يُجْزِئُك الثُّلُثُ» (لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَالْوَصِيَّةِ) وَقَالَ

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْصَرِفُ إيجَابُهُ إلَى مَا أَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ الصَّدَقَةَ مِنْ الْمَالِ. أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَأُخْتُ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ كَهِيَ فَلَا يَخْتَصُّ مَالٌ دُونَ مَالٍ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ الْتِزَامُ الصَّدَقَةِ مِنْ فَاضِلِ مَالِهِ وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ تَقَعُ فِي حَالِ الِاسْتِغْنَاءِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا سَبَبُ الصَّدَقَةِ، إذْ جِهَةُ الصَّدَقَةِ فِي الْعُشْرِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا سَبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ فِيهِ الصَّدَقَةَ) وَمَا أَوْجَبَ بِهِ التَّصَدُّقَ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْعُمُومِ وَعَلَّقَ الْإِيجَابَ بِبَعْضِهِ. قَالَ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَلَمْ يَعُمَّ كُلَّ مَالٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ إنَّمَا يَصْدُقُ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلِّ مَالٍ، وَذَكَرْنَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ بِالْأَخْذِ مِنْ جِنْسِ الْأَمْوَالِ يَصْدُقُ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا ذَاكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَحْسَنُ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْعُمُومِ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ إذْ مُنِعَ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] فَوَجَبَ تَقْيِيدُهَا بِبَعْضِهَا، ثُمَّ عَيَّنَا ذَلِكَ الْبَعْضَ بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهَا بِإِيجَابِ التَّصَدُّقِ مِنْهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ إخْرَاجَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ طَاعَةٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ تَقَيَّدَ بِجَمِيعِ مَا تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِلُزُومِ الْمَعْصِيَةِ. وَحَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ نَذَرَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ وَقَصَدَهُ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَجَرَيْنَا فِيهَا عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ أَيْضًا فَقُلْنَا: لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ ارْتِكَابَ الْمَعْصِيَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الثُّلُثِ الْمَفْسُوخِ لَهُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْوَرَثَةِ. وَأَمَّا نَفَاذُهُ فِي الْكُلِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُوجِبُ ذَلِكَ فِي حَالِ اسْتِغْنَائِهِ بِالْمَوْتِ فَانْتَفَى الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّهْيَ مَا كَانَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ إلَّا لِقِيَامِ حَاجَتِهِ النَّاجِزَةِ فِي الْحَيَاةِ وَعَدَمِ الْبُدَاءَةِ بِنَفْسِهِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» فَيُؤَدِّي إلَى ضِيقِ نَفْسِهِ وَحَرَجِهَا وَهُوَ قَدْ يَكُونُ سَبَبَ الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الصَّدَقَةَ إلَخْ) يَصْلُحُ تَقْرِيرًا لِإِبْدَاءِ الْمُخَصِّصِ يَعْنِي أَنَّ الْعُمُومَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا لَكِنَّ هُنَا مَعْنًى يُخَصِّصُهُ

الْمُؤْنَةِ، إذْ جِهَةُ الْمُؤْنَةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ، وَلَا تَدْخُلُ أَرْضُ الْخَرَاجِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَتَمَحَّضُ مُؤْنَةً. وَلَوْ قَالَ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ فَقَدْ قِيلَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَالٍ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ. وَالْمُقَيَّدُ إيجَابُ الشَّرْعِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِلَفْظِ الْمَالِ فَلَا مُخَصِّصَ فِي لَفْظِ الْمِلْكِ فَبَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ بِاللَّفْظَيْنِ الْفَاضِلُ عَنْ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إرْسَالِ لَفْظٍ عَامٍّ بِالْخُرُوجِ عَنْ كُلِّ مَالِهِ مَعَ قِيَامِ حَاجَتِهِ الْمُسْتَمِرَّةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ عَدَمُ كَوْنِهِ عَلَى وَجْهٍ يَدْخُلُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، فَكَانَ ظَاهِرًا فِي إرَادَةِ الْخُصُوصِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْمَعْصِيَةِ بِتَقْدِيرِ اعْتِبَارِ عُمُومٍ هُوَ أَيْضًا مِنْ إبْدَاءِ الْمُخَصِّصِ، وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ بِدَلَالَةٍ. وَهَلْ تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ غَالِبَةٌ فِي الْعُشْرِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، لِأَنَّ جِهَةَ الْمُؤْنَةِ غَالِبَةٌ عِنْدَهُ، وَلَا تَدْخُلُ الْخَرَاجِيَّةُ اتِّفَاقًا لِتَمَحُّضِ الْخَرَاجِ مُؤْنَةً وَلِذَا وَجَبَ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْوَقْفِ (وَلَوْ) كَانَ (قَالَ مَا أَمْلِكُ صَدَقَةً قِيلَ يَجِبُ الْكُلُّ) لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ فِي الشَّرْعِ الْمَذْكُورُ بِلَفْظِ الْمَالِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ بِاللَّفْظَيْنِ الْفَاضِلُ عَنْ الْحَاجَةِ) وَهَذَا يُؤْذِنُك بِقَصْدِهِمْ إلَى التَّخْصِيصِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ، وَكَانَ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ فِي اللَّفْظَيْنِ أَنْ يَثْبُتَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي أَوْ جَمِيعَ مِلْكِي، إلَّا أَنَّ الطَّحَاوِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجِبُ الْكُلُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ بِهِ فَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي حَيْثُ يَجِبُ الْكُلُّ بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ لِمَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْمَذْكُورِ بِالْتِزَامِ مَا يَكْرَهُهُ عَلَى تَقْدِيرِهِ فَانْفَتَحَ بَابُ إرَادَةِ الْعُمُومِ، إلَّا أَنَّ هَذَا عَلَى جَعْلِ الْمُخَصِّصِ الْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا عَلَى جَعْلِهِ لُزُومَ الْمَعْصِيَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَخُصَّ أَيْضًا فَكَانَ تَعْوِيلُهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا مَرَّ) يُرِيدُ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ هَذَا.

(ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَهُ، ثُمَّ إذَا أَصَابَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ) لِأَنَّ حَاجَتَهُ هَذِهِ مُقَدَّمَةٌ وَلَمْ يُقَدِّرْ مُحَمَّدٌ بِشَيْءٍ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ. وَقِيلَ الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ قُوتَهُ لِيَوْمٍ وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ لِشَهْرٍ وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي مُدَّةِ وُصُولِهِمْ إلَى الْمَالِ، وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ التِّجَارَةِ يُمْسِكُ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَصِيَّةَ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ) فَهُوَ وَصِيٌّ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ حَتَّى يَعْلَمَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ بِالْإِنَابَةِ قَبْلَهُ وَهِيَ الْوَكَالَةُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لِإِضَافَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ) يَعْنِي مَالَ الزَّكَاةِ عَلَى بُعْدِ ذَلِكَ (يُمْسِكُ مِنْهُ قُوتَهُ) وَيَتَصَدَّقُ بِمَا سِوَاهُ (وَإِذَا اسْتَفَادَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ وَلَمْ يُقَدِّرْ مُحَمَّدٌ) مِقْدَارًا فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ (لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ) مِنْ قِلَّةِ الْعِيَالِ أَوْ كَثْرَتِهِمْ وَالرَّخَاءِ وَالْغَلَاءِ فَيَخْتَلِفُ الِاعْتِبَارُ (وَقِيلَ الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ لِيَوْمٍ) لِأَنَّهُ يَكْتَسِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا (وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ) وَهُوَ مَنْ لَهُ حَوَانِيتُ أَوْ دُورٌ يَجْبِيهَا يُمْسِكُ (شَهْرًا) لِأَنَّ يَدَهُ تَصِلُ إلَى نَفَقَتِهِ بَعْدَ شَهْرٍ (وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ) لِأَنَّ غَلَّتَهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا فِي عُرْفِ دِيَارِنَا فَبَعْضُهُمْ كَذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ يُؤَجِّرُهَا بِدَرَاهِمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ كُلُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قِسْطٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ إلَى تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (وَعَلَى هَذَا فَصَاحِبُ التِّجَارَةِ يُمْسِكُ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ) . (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَهُوَ وَصِيٌّ) بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا بَاعَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْوَكِيلِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا حَتَّى يَعْلَمَ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إنَابَةٌ) أَيْ اسْتِنَابَةٌ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ اللُّغَةِ فِي الْإِنَابَةِ إنَّمَا هُوَ مَعْنَى الرُّجُوعِ وَالْإِقْلَاعِ مِنْ أَنَابَ إلَى اللَّهِ. وَاسْتَدَلَّ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الِاسْتِنَابَةِ بِاسْتِعْمَالِ الزَّمَخْشَرِيِّ لَهَا كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرُّومِ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ نَفْسُهُ يَفْعَلُ كَذَلِكَ فَيُنَزِّلُ عِلْمَ الْمُتَكَلِّمِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ فَرُبَّمَا يَسْتَشْهِدُ بِبَيْتٍ لِأَبِي تَمَّامٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) بَيْنَ الْوِصَايَةِ وَالتَّوْكِيلِ (أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافٌ) فِي التَّصَرُّفِ عَنْ الْمَيِّتِ كَالْوِرَاثَةِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوَكَالَةِ (لِإِضَافَتِهَا) إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَتَصَرَّفُ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ، وَلِذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ظَهَرَ مَوْتُ الْمُوَرِّثِ ظَهَرَ نَفَاذُهُ حِينَ صَدَرَ

إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ الْإِنَابَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَمَا فِي تَصَرُّفِ الْوَارِثِ. أَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِنَابَةٌ لِقِيَامِ وِلَايَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ لَا يَفُوتُ النَّظَرُ لِقُدْرَةِ الْمُوَكَّلِ، وَفِي الْأَوَّلِ يَفُوتُ لِعَجْزِ الْمُوصِي (وَمَنْ أَعْلَمَهُ مِنْ النَّاسِ بِالْوَكَالَةِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ) لِأَنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ لَا إلْزَامُ أَمْرٍ. قُلْ (وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَبِالْوَاحِدِ فِيهَا كِفَايَةٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوِصَايَةُ اسْتِخْلَافُ مُضَافٍ (إلَى) مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا وَهُوَ (زَمَانُ بُطْلَانِ الْإِنَابَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ) كَالْوِرَاثَةِ (لِقِيَامِ وِلَايَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ) وَلِهَذَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ (وَهَذَا لِأَنَّهُ) إذَا وَقَفْنَاهُ عَلَى الْعِلْمِ (لَا يَفُوتُ النَّظَرُ) لِقِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوَكَّلِ وَقُدْرَتِهِ (وَفِي الْأَوَّلِ يَفُوتُ لِعَجْزِ الْمُوصِي) بِالْمَوْتِ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ قَصْدًا، أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ يَبِيعُك أَوْ لِامْرَأَتِهِ اذْهَبِي إلَى فُلَانٍ يُطَلِّقُك أَوْ اذْهَبْ بِعَبْدِي إلَى فُلَانٍ فَيَبِيعَهُ مِنْك فَذَهَبَ كَمَا أَخْبَرَهُ فَفَعَلَ. ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَكَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي إحْدَاهُمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَفِي أُخْرَى لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ. وَذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ مَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلنَّاسِ بَايِعُوا عَبْدِي فَإِنِّي أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايَعُوهُ جَازَ مَعَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لِلْعَبْدِ بِالْإِذْنِ، وَإِذَا تَوَقَّفَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى الْعِلْمِ فَلْنَذْكُرْ بِمَاذَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْمُثْبِتُ لِلْوَكَالَةِ فَقَالَ (كُلُّ مَنْ أَعْلَمَهُ بِالْوَكَالَةِ جَازَ بِهِ تَصَرُّفُهُ) بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُمَيِّزًا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فَاسِقًا كَانَ أَوْ عَدْلًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَصْلًا لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ عَقْدًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَ (لِأَنَّهُ) تَسْلِيطٌ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قُلْنَا (إنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ) هُوَ حَقُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ (لَا إلْزَامُ أَمْرٍ) فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ وَكَانَ كَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهَا عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ، فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُهَا مِنْ الْعَبْدِ وَالتَّقِيِّ وَيَشْتَرِي مِنْ الْكَافِرِ (أَمَّا الْعَزْلُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَعِنْدَهُمَا هُوَ وَالْإِخْبَارُ بِهَا سَوَاءٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدُ عَدْلٍ أَوْ شَاهِدَانِ) أَيْ مُخْبِرَانِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَدَلَا أَوْ لَمْ يَعْدِلَا (وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَبِالْوَاحِدِ فِيهَا كِفَايَةٌ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَدَالَةِ الْمُخْبِرِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مَعْنَى إطْلَاقِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يُعْلَمَ

وَلَهُ أَنَّهُ خَبَرٌ مُلْزِمٌ فَيَكُونُ شَهَادَةً مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ أَحَدُ شَطْرَيْهَا وَهُوَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَبِخِلَافِ رَسُولِ الْمُوَكَّلِ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِرْسَالِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أُخْبِرَ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالُهُمَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَهُمَا بِالْفِسْقِ. وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْعَدَدِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْعَدَالَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِوَاحِدٍ عَدْلٍ لَا يَنْفُذُ وَبِفَاسِقَيْنِ يَنْفُذُ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى يَثْبُتُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَهَذَا لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُلْزِمٌ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ الْوَكِيلُ مِنْ التَّصَرُّفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَمَا قِيلَ مُلْزِمٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِنَاءً عَلَى مُجَرَّدِ اصْطِلَاحِ أَنْ يُرَادَ بِالْمُلْزِمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا كَانَ إلْزَامًا عَلَى خَصْمٍ مُنْكِرٍ بِشَرْطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِلْزَامُ كَذَلِكَ كَانَ إلْزَامًا فِيهِ قُصُورٌ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ لَوْ تَصَرَّفَ بِنَاءً عَلَى الْإِلْزَامِ مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ يَكْفِي لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ كَوْنُهُ مُلْزِمًا مِنْ وَجْهٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ الْإِعْلَامِ بِالْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلْزَامٌ أَصْلًا لَمْ يَلْزَمْ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُخْبِرَ بِالْعَزْلِ لَوْ كَانَ فَاسِقًا وَصَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا أُخْبِرَ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ إلَخْ) هَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْهَا ثَلَاثَةً فِي الْأَصْلِ وَاثْنَتَيْنِ فِي النَّوَادِرِ وَالسَّادِسَةُ قَاسَهَا مَشَايِخُنَا عَلَى هَذِهِ. أَمَّا الثَّلَاثُ فَإِحْدَاهَا عَزْلُ الْوَكِيلِ. وَالثَّانِيَةُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ بِالْحَجْرِ إنْ كَانَ رَسُولًا يَنْحَجِرُ فَاسِقًا كَانَ أَوْ عَدْلًا، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فَيَنْحَجِرُ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ أَوْ كَذَّبَهُ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا إنْ صَدَّقَهُ انْحَجَرَ وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ. وَالثَّالِثَةُ الْعَبْدُ إذَا جَنَى جِنَايَةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَوْلَى حَتَّى أَعْتَقَهُ

وَالشَّفِيعُ وَالْبِكْرُ وَالْمُسْلِمُ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي مَقَامَ الْإِمَامِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْحَقُهُ ضَمَانٌ كَيْ لَا يَتَقَاعَدُ عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ فَيُضَيِّعُ الْحُقُوقَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ لَهُمْ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْعَاقِدِ، كَمَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلِهَذَا يُبَاعُ بِطَلَبِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بَاعَهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ بِالْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فَاسِقًا، إنْ صَدَّقَهُ ثُمَّ بَاعَ أَوْ أُعْتِقَ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ. وَإِنْ كَذَّبَهُ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لَهَا. وَأَمَّا اللَّتَانِ فِي النَّوَادِرِ فَإِحْدَاهُمَا الْحَرْبِيُّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخْبَرَهُ إنْسَانٌ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا، أَوْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ لَزِمَتْهُ حَتَّى لَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَإِنْ صَدَّقَهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَذَّبَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ هَاهُنَا اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمُخْبِرَ لَهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِتَحْرِيرِ الْأُصُولِ. وَالثَّانِيَةُ الشَّفِيعُ إذَا أُخْبِرَ بِالشِّرَاءِ فَسَكَتَ فَعَلَى مَا قُلْنَا إنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ فَصَدَّقَهُ ثَبَتَ الشِّرَاءُ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ، فَإِذَا سَكَتَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا تَبْطُلُ. وَالسَّادِسَةُ الْبِكْرُ إذَا زُوِّجَتْ بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَأُخْبِرَتْ فَسَكَتَتْ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ لِأَجَلِهِمْ لِيُوفِيَ دُيُونَهُمْ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الْمَيِّتِ (وَأَخَذَ الْمَالَ) أَيْ الثَّمَنَ (فَضَاعَ) عِنْدَهُ (ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ) أَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي (لَمْ يَضْمَنْ) الْقَاضِي وَلَا أَمِينُهُ لِلْمُشْتَرِي شَيْئًا (لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي كَالْإِمَامِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَلْحَقُهُ ضَمَانٌ كَيْ لَا يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ، وَ) إذَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مِنْ هَؤُلَاءِ (يَرْجِعُ) بِالثَّمَنِ (عَلَى الْغُرَمَاءِ) أَوْ الْغَرِيمِ (لِأَنَّ الْبَيْعَ) وَالتَّصَرُّفَ (وَاقِعٌ لِأَجَلِهِمْ) فَتَرْجِعُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِمْ وَصَارَ (كَمَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ)

[فصل قال القاضي قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه]

(وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ لِلْغُرَمَاءِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ بِإِقَامَةِ الْقَاضِي عَنْهُ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ بِنَفْسِهِ. قَالَ (وَرَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ، وَإِنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ. قَالُوا: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَحِقَهُ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ، وَالْوَارِثُ إذَا بِيعَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ. فَصْلٌ آخَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَكَّلَهُ رَجُلٌ بِبَيْعِ مَالِهِ جَازَ الْعَقْدُ بِمُبَاشَرَتِهِمَا، وَلَا تَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِهِمَا بَلْ بِمُوَكَّلِهِمَا لِأَنَّ الْتِزَامَ الْعُهْدَةِ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا لِقُصُورِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الصَّبِيِّ وَحَقُّ السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ تَعَلُّقُ الْحُقُوقِ بِالْعَاقِدِ تَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْعَقْدِ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَنْ يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْعَقْدِ وَهُوَ الْغَرِيمُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَأْمُرُ الْوَصِيَّ أَوْ أَمِينَهُ بِالْبَيْعِ حَتَّى يَطْلُبَ الْغَرِيمُ فَلِذَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ (وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ الْوَصِيَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ بِإِقَامَةِ الْقَاضِي إيَّاهُ عَنْهُ ثُمَّ الْوَصِيُّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَرِيمِ) وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ لِنَفَقَةِ الْوَارِثِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْوَصِيَّ يَرْجِعُ عَلَى الْوَارِثِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ لِأَجَلِهِ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ (فَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ) : بِلَا شَكٍّ وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ (قَالُوا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا أَيْضًا) يُرِيدُ بِالْمِائَةِ مَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي فَرْضُهَا مِائَةٌ (لِأَنَّهُ لَحِقَهُ) ذَلِكَ (فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ: أَعْنِي جَوَازَ أَنْ يُقَالَ: وَأَمَّا الْوَاقِعُ مِنْ الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ بِمَا ضَمِنَ فَفِيهِ خِلَافٌ. قِيلَ نَعَمْ، وَقَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَا يَأْخُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ لِأَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا ضَمِنَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْكَافِي: الْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا سَمِعْت. [فَصْلٌ قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ فَارْجُمْهُ] (فَصْلٌ آخَرُ)

فَصْلٌ (وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ فَارْجُمْهُ أَوْ بِالْقَطْعِ فَاقْطَعْهُ أَوْ بِالضَّرْبِ فَاضْرِبْهُ وَسِعَك أَنْ تَفْعَلَ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَقَالَ: لَا تَأْخُذْ بِقَوْلِهِ حَتَّى تُعَايِنَ الْحُجَّةَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ وَالْخَطَأَ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ كِتَابُهُ. وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِفَسَادِ حَالِ أَكْثَرِ الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيُقْبَلُ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ، وَلِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ، وَفِي تَصْدِيقِهِ طَاعَةٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ تُهْمَةِ الْخَطَإِ وَالْخِيَانَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يُسْتَفْسَرُ، فَإِنْ أَحْسَنَ التَّفْسِيرَ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا أَوْ عَالِمًا فَاسِقًا لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ سَبَبَ الْحُكْمِ لِتُهْمَةِ الْخَطَإِ وَالْخِيَانَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا كَانَتْ مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي بِانْفِرَادِهِ هَلْ يُقْبَلُ مُوَلًّى وَمَعْزُولًا أَخَّرَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ فَارْجُمْهُ أَوْ بِالْقَطْعِ فَاقْطَعْهُ أَوْ بِالضَّرْبِ فَاضْرِبْهُ وَسِعَك أَنْ تَفْعَلَ) بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ هَذَا (وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَقَالَ لَا تَأْخُذْ بِقَوْلِهِ حَتَّى تُعَايِنَ الْحُجَّةَ) الَّتِي عَنْهَا حَكَمَ فِيهِ بِذَلِكَ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِحَضْرَتِهِ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ عَلَى هَذَا فَقَالُوا: أَوْ يَشْهَدُ مَعَ الْقَاضِي شَاهِدٌ عَدْلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَشْهَدُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْقَاضِي وَالْعَدْلُ عَلَى شَهَادَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِسَبَبِ الْحَدِّ لَا عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي، وَإِلَّا كَانَ الْقَاضِي شَاهِدًا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ هُنَا مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ إلَّا الْمَأْمُورُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَهَذَا بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ: أَعْنِي أَنْ يَشْهَدَ الْقَاضِي عِنْدَ الْجَلَّادِ بِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَيُؤَدِّي الْآخَرُ عِنْدَهُ، وَلِذَا اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى مُعَايَنَةِ حُضُورِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْمَأْمُورِ وَهَذَا (لِأَنَّ الْغَلَطَ وَالْخَطَأَ فِي الْحُكْمِ مُحْتَمَلٌ) لِأَنَّ الْقَطْعَ بِنَفْيِهِمَا لَيْسَ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَعَلَى هَذَا لَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِيهِ عَلَى خَبَرِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِمُفْرَدِهِ (وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِفَسَادِ حَالِ أَكْثَرِ الْقُضَاةِ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ الِاعْتِمَادِ مُعَلَّلًا بِالْفَسَادِ وَالْغَلَطِ اقْتَضَى الْحَالُ التَّفْصِيلَ فِي التَّوَقُّفِ لَا إطْلَاقَهُ (فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ: إنْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ) فِي الدِّينِ بِالْعَدَالَةِ وَالْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ (وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا اُسْتُفْسِرَ، فَإِنْ أَحْسَنَ) فِي بَيَانِ سَبَبِ حُكْمِهِ وَشُرُوطِهِ (وَجَبَ تَصْدِيقُهُ) لِلْعَدَالَةِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قِسْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فَاسِقًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، فَإِنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ مِنْ الرُّكُونِ لِإِخْبَارِهِ بِالِاسْتِفْسَارِ، وَحُكْمُهُ بِقَصْدِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَلَا بِتَفْسِيرِهِ (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ أُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ) فِي الْحَالِ (فَيُقْبَلُ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي إخْبَارٍ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ

قَالَ (وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَقَالَ لِرَجُلٍ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ قَضَيْتُ بِمَا عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْتَهَا ظُلْمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ، هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ وَاَلَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ مُقِرَّيْنِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَاضٍ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا تَوَافَقَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَالِ فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْدَرُ عَلَى إنْشَائِهِ فِي الْحَالِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَنْشَأَهُ فِي الْحَالِ بِمُعَايَنَةِ الْحَاضِرِينَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لَيْسَ إلَّا الْحُكْمَ وَهُوَ لَا يُفِيدُ، فَإِنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَانِعَ قَائِمٌ إذَا عَايَنَ الْحُكْمَ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الشَّهَادَةَ وَالشُّرُوطَ، وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ الْحُكْمَ فَلَا يُفِيدُ هَذَا الْوَجْهُ شَيْئًا. وَلَمَّا زَادَ مَنْ زَادَ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ قَوْلَهُمْ أَوْ يَشْهَدُ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ عَلَى ذَلِكَ احْتَاجُوا أَنْ يَزِيدُوا وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُنْصَبَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ قَاضٍ وَاحِدٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُ الْقَاضِي بِانْفِرَادِهِ حُجَّةً فِي الْإِلْزَامِ لَقُلِّدَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ قَاضِيَانِ، وَأَنْتَ سَمِعْت مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَعَلِمْت أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْعِلْمِ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْمَأْمُورِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ وُقُوعَ السَّبَبِ أَوْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي الْآمِرِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ عَلَى الْوَجْهِ الْفُلَانِيِّ وَيَشْهَدُوا تَوَفُّرَ الشُّرُوطِ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْقُضَاةِ بَلْ عَلَى وُجُودِ الشُّهُودِ قُضَاةً كَانُوا أَوْ لَا، فَلَا يَلْزَمُ لِذَلِكَ تَكْثِيرُهُمْ، فَالْمُلَازَمَةُ بَيْنَ عَدَمِ قَبُولِ خَبَرِهِ بِانْفِرَادِهِ وَتَكْثِيرِ الْقُضَاةِ مَمْنُوعَةٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَقَالَ لِرَجُلٍ إلَخْ) صُورَتُهَا عُزِلَ الْقَاضِي فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ قَضَيْت بِهَا عَلَيْك لِفُلَانٍ وَدَفَعْتهَا إلَيْهِ وَقَضَيْت بِقَطْعِك فِي حَقٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَلَمْ يُحْكَ فِي هَذَا جَرَيَانُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ هَذَا فِي أَمْرٍ فَاتَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْقَاضِي، وَإِلَّا امْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ خُصُومَاتٌ فِي أَنْفُسٍ وَأَمْوَالٍ لَا تُحْصَرُ حِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ لَهُ فِي هَذَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ بَعْدُ لَمْ يَقَعْ فَكَانَ إعْمَالُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ مُفِيدًا، نَعَمْ كَوْنُ الْقَوْلِ لَهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُقِرًّا بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَاضٍ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَوَافَقَا

إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالْجَوْرِ ظَاهِرًا (وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي. (وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَالِ الْقَضَاءِ وَدَفْعُ الْقَاضِي صَحِيحٌ كَمَا إذَا كَانَ مُعَايِنًا (وَلَوْ زَعَمَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ أَوْ الْمَأْخُوذُ مَالُهُ أَنَّهُ فَعَلَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى جَرَتْ وَهُوَ قَاضٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا (وَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ (لَا يَقْضِي بِالْجَوْرِ ثُمَّ لَا يَمِينَ) عَلَى الْمَعْزُولِ (لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ) وَهُوَ (فِي) حَالِ (قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ، وَ) لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فِي حَالِ قَضَائِهِ بِذَلِكَ (لَا يَمِينَ عَلَيْهِ) فَكَذَا بَعْدَهُ (وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ) الْمَأْمُورُ (أَوْ الْآخِذُ) لِلْمَالِ بِأَمْرِ الْقَاضِي (بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي) وَهُوَ أَنَّ الْقَطْعَ مِنْهُ وَالْأَخْذَ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْأَخْذِ وَأَمْرِهِ بِالدَّفْعِ (لَا يَضْمَنُ أَيْضًا) كَالْقَاضِي لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَالِ قَضَائِهِ، وَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ دَفَعَ الْقَاضِي الْمَالَ إلَى الْآخِذِ مُعَايِنًا لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ فِي حَالِ قَضَائِهِ وَيَصِيرُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِ الْمَقْطُوعِ أَنَّهُ قَطَعَهُ فِي حَالِ قَضَائِهِ كَالْمُعَايِنِ لِلْحَاكِمِ الَّذِي رَفَعَ إلَيْهِ الْمَقْطُوعُ وَاقِعَتَهُ (فَ) أَمَّا (لَوْ زَعَمَ الْمَقْطُوعُ وَالْمَأْخُوذُ مَالَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ قَبْلَ التَّقْلِيدِ) أَوْ بَعْدَهُ وَالْقَاضِي يَقُولُ بَلْ فَعَلْته فِي حَالِ قَضَائِي فَفِيهِ

أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي أَيْضًا) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَالْجُنُونُ مِنْهُ كَانَ مَعْهُودًا ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافٌ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ أَيْضًا لِلْقَاضِي، لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَضَافَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا) اتَّفَقَا عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ كَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ عَقْلِكَ وَ (قَالَ) بَلْ (وَأَنَا مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا) فَالْقَوْلُ لَهُ وَكَمَا لَوْ قَالَ أَقْرَرْت لَكَ وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ بِرْسَامٍ وَهُوَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ بِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ عَمَّا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ الْقَوْلَ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا يَخُصُّ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَعْدَ الْعَزْلِ خَاصَّةً، وَكَذَا أَفْرَضَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَأَمَّا إذَا زَعَمَ: أَيْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ إلَخْ. قَالَ: وَمَنْ ادَّعَى فِيهِ تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَالتَّصْحِيحُ يَخُصُّ مَا إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي تَعْلِيلِهِ مَا يَعُمُّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ قَالَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُنَازَعَةَ مَتَى وَقَعَتْ فِي الْحَالَةِ الْمَاضِيَةِ يُحَكَّمُ الْحَالُ كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ، وَفِي الْحَالِ فِعْلُهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَصَادَقَا أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ شُرُوحِ الْجَامِعِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَاضِي وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ، لِأَنَّهُ بِالْإِسْنَادِ إلَى الْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلضَّمَانِ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْعَزْلِ بِعْت وَسَلَّمْت قَبْلَ الْعَزْلِ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَهْلَكًا وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيَصِيرُ مُدَّعِيًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِرَجُلٍ قَطَعْت يَدَك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ وَلَا ضَمَانَ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَخَذْت مِنِّي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَقَالَ السَّيِّدُ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ إنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ هَالِكَةً، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ، وَيَأْخُذُهُ مِنْ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ ثُمَّ بِالْإِضَافَةِ يُرِيدُ التَّمَلُّكَ عَلَيْهِ فَكَانَ مُدَّعِيًا، وَكَذَا الْوَصِيُّ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِ الْيَتِيمِ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَذَا وَهُوَ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْيَتِيمُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ، ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ فِيمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ بَلْ وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَكَذَا كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ بِإِسْنَادِهِ إلَى الْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلضَّمَانِ، وَلَوْ قُلْت أَقَرَّ هُنَاكَ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَطْعُ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ فَلَا يُسْمَعُ فَهَاهُنَا أَيْضًا أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ إقْرَارُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ بِذَهَابِ الْعَقْلِ، وَكَذَا الْقَاضِي إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعَزْلِ بِالْأَخْذِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ بِالْإِسْنَادِ وَكَذَا الْوَصِيُّ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى جِهَةَ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ لَا فِي جِهَةِ التَّمَلُّكِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا هِيَ دَيْنِي عَلَيْك أَوْ الْهِبَةُ الَّتِي وَهَبْتهَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْآخَرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَكَلْت طَعَامَك بِإِذْنِك وَقَالَ: بِغَيْرِ إذْنِي فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ لِأَنَّهُمْ مَا ادَّعَوْا جِهَةَ التَّمَلُّكِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَكَذَا فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا ادَّعَوْا التَّمَلُّكَ لِأَنْفُسِهِمْ لِمَا هُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ فَكَانَ الْقَوْلُ

(وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي بِضَمَانٍ) لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ (وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَضَائِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى تَمَلُّكِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ فِيهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُمْ فِي إضَافَتِهِمْ إلَى الْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُنَافِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ) وَهُوَ فَصْلُ زَعْمٍ لِمَأْخُوذٍ مِنْهُ وَالْمَقْطُوعُ أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَأَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْقَابِضُ إنِّي فَعَلْت ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَالْمَقْطُوعُ يَدَهُ يَقُولُ بَلْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (يَضْمَنَانِ) وَلَا يَضْمَنُ الْقَاضِي (لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ) وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُمَا الْأَخْذَ وَالْقَطْعَ (وَقَبُولُ قَوْلِ الْقَاضِي) فِي ذَلِكَ (لِدَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ) بِسَبَبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِهِ فَتَضِيعُ الْحُقُوقُ وَهِيَ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي ذَلِكَ السَّبَبِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا) هَذَا قَيْدٌ فِيمَا يَلْزَمُ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ لَازِمَ كَوْنِ الْقَوْلِ لِلْقَاضِي وَلِلْقَاطِعِ وَالْآخِذِ فِي صُورَةِ التَّصَادُقِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ بِالْمَالِ الْمَأْخُوذِ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِنَفَاذِ قَوْلِهِ فَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ: أَعْنِي عَدَمَ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ هَالِكًا، أَمَّا إذَا كَانَ قَائِمًا فَيُؤْخَذُ مِنْ الْقَابِضِ سَوَاءٌ صُدِّقَ

[كتاب الشهادات]

(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَابِضُ فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ فِي حَالِ قَضَائِهِ أَوْ كَذَّبَهُ وَقَالَ بَلْ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ، عَلَّلَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ فَقَالَ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ، قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا أَقَرَّ بِالْأَخْذِ يَصِيرُ شَاهِدًا لِغَيْرِهِ بِالْكَلَامِ الثَّانِي، وَإِقْرَارُهُ بِالْأَخْذِ صَحِيحٌ وَشَهَادَتُهُ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بَاطِلَةٌ، وَلِأَنَّ الْقَابِضَ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ حَيْثُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ التَّمَلُّكَ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَاهِدًا بِالدَّيْنِ بَلْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ الْمُنَافِي لِلضَّمَانِ. [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] يَتَبَادَرُ أَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْقَضَاءِ أَوْلَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا، إذْ كَانَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّهَادَةِ قَدَّمَهُ تَقْدِمَةً لِلْمَقْصُودِ عَلَى الْوَسِيلَةِ. وَالشَّهَادَةُ لُغَةً، إخْبَارٌ قَاطِعٌ، وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ إخْبَارُ صِدْقٍ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الزُّورِ فَلَيْسَتْ شَهَادَةً. وَقَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ. وَسَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ، فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ. وَشَرْطُهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْوِلَايَةُ، فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الدِّينَ أَصْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ. وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقٌ لِلْإِخْبَارِ. وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا لَكِنَّهُ تُرِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَنَظَائِرُهُ مِنْ الْكِتَابِ

(قَالَ: الشَّهَادَةُ فَرْضٌ تَلْزَمُ الشُّهُودَ وَلَا يَسَعُهُمْ كِتْمَانُهَا إذَا طَالَبَهُمْ الْمُدَّعِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ، وَسَبَبِيَّةُ الطَّلَبِ ثَبَتَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وَسَبَبِيَّةُ خَوْفِ الْفَوْتِ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ سَبَبِيَّةَ الطَّلَبِ إنَّمَا ثَبَتَتْ كَيْ لَا يَفُوتَ الْحَقُّ (قَوْلُهُ الشَّهَادَةُ فَرْضٌ) يَعْنِي أَدَاءَهَا بَعْدَ التَّحَمُّلِ، فَإِنَّهَا تُقَالُ لِلتَّحَمُّلِ كَمَا يُقَالُ لِلْأَدَاءِ فِي الْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ الْمُتَكَلِّمِ مُسَوِّغًا لِلْإِطْلَاقِ فِي قَصْدِ التَّحَمُّلِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا عِنْدَ عُرْفِ أَهْلِ التَّكَلُّمِ وَافْتِرَاضُ الْأَدَاءِ إلَّا فِي الْحُدُودِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] مُحْتَمَلٌ أَنْ يُرَادَ النَّهْيُ عَنْ الْإِبَاءِ عَنْ التَّحَمُّلِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ، وَيَكُونُ اسْمُ الشُّهَدَاءِ مَجَازًا فِيمَنْ سَيَتَّصِفُ بِالشَّهَادَةِ فَيَكُونُ النَّهْيُ لِكَرَاهَةِ الْإِبَاءِ عَنْ التَّحَمُّلِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَمَرْجِعُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّ التَّحَمُّلَ لِمَا فِيهِ مِنْ إعَانَةِ الْمُسْلِمِ

وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ طَلَبُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى حِفْظِ حَقِّهِ أَوْلَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ نَهْيُ مُسَمَّى الشُّهَدَاءِ عَنْ الْإِبَاءِ، وَحَقِيقَةُ الشُّهَدَاءِ مَنْ اتَّصَفَ بِالشَّهَادَةِ فَيَكُونُ نَهْيُ مَنْ اتَّصَفَ بِالشَّهَادَةِ حَقِيقَةً عَنْ الْإِبَاءِ إذَا ادَّعَى، وَلَا اتِّصَافَ قَبْلَ الدُّعَاءِ إلَّا بِالتَّحَمُّلِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ النَّهْيِ عَنْ إبَاءِ الْأَدَاءِ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَالْأَدَاءُ الْمَفْرُوضُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَدْ فَرَضَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْمُتَحَمِّلِ أَنْ يَذْهَبَ إذَا دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ لِلْأَدَاءِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وَهُوَ تَحْرِيمُ الْكِتْمَانِ عَنْ الْقَاضِي فَيَكُونُ الْإِظْهَارُ لِلْقَاضِي وَهُوَ الْأَدَاءُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ الضِّدُّ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ الِانْتِهَاءُ عَنْ الْمُحَرَّمِ الذِّشِي هُوَ الْكِتْمَانُ إلَّا بِهِ، ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ التَّحْرِيمَ الْمُفَادَ بِالنَّهْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَهُوَ تَأْكِيدٌ فِي تَأْكِيدٍ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى فَإِنَّهُ آثِمٌ تَأْكِيدٌ، وَإِضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ وَرَئِيسُهَا تَأْكِيدٌ فِي تَأْكِيدٍ. وَلِأَنَّهُ هُوَ مَحَلُّ الْكِتْمَانِ فَهُوَ مَحَلُّ الْمَعْصِيَةِ بِتَمَامِهَا هُنَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِمَعْصِيَةِ الْقَلْبِ وَهُوَ الْهَمُّ الْمُتَّصِلُ بِالْفِعْلِ فَلَيْسَ هُوَ مَحَلًّا لِتَمَامِهَا. قَالُوا: يَلْزَمُ إذَا كَانَ مَجْلِسُ الْقَاضِي قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا. فَعَنْ نَصْرٍ: إنْ كَانَ بِحَالٍ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ يَجِبُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَأَرْكَبَهُ الطَّالِبُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ أَخْرَجَ الشُّهُودَ إلَى ضَيْعَةٍ فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ حَمِيرًا فَرَكِبُوهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهَا الْعَادَةُ وَهِيَ إكْرَامُ الشُّهُودِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَفَصَّلَ فِي النَّوَازِلِ بَيْنَ كَوْنِ الشَّاهِدِ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُهُ دَابَّةً فَتُقْبَلُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ، وَلَوْ وَضَعَ لِلشُّهُودِ طَعَامًا فَأَكَلُوا إنْ كَانَ مُهَيَّأً قَبْلَ ذَلِكَ تُقْبَلُ، وَإِنْ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ لَا تُقْبَلُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ فِيهِمَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِإِطْعَامِ مَنْ حَلَّ مَحَلَّ الْإِنْسَانِ مِمَّنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَوْ لَا، وَيُؤْنِسُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ يَجُوزُ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَدَاءَ فَرْضٌ، بِخِلَافِ الذَّهَابِ إلَى الْأَمِيرِ. وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُهُ نَرْجُو أَنْ يَسَعَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ. وَفِي الْعُيُونِ: إنْ كَانَ فِي الصَّكِّ جَمَاعَةٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَسِعَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ لَكِنَّ قَبُولَهَا مَعَ شَهَادَتِهِ أَسْرَعُ وَجَبَ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إذَا دُعِيَ فَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ ظَاهِرٍ ثُمَّ أَدَّى لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ بِعُذْرٍ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لِاسْتِجْلَابِ الْأُجْرَةِ انْتَهَى.

(وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ) لِأَنَّهُ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّوَقِّي عَنْ الْهَتْكِ (وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ «لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَفِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ السَّتْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَجْهُ أَنْ تُقْبَلَ وَيُحْمَلَ عَلَى الْعُذْرِ مِنْ نِسْيَانٍ ثُمَّ تَذَكُّرٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ) أَيْ الْأَدَاءُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالتَّرْكِ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَكِنْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّتْرِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ «لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَزَّالٍ. ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ هَزَّالٌ «لَوْ سَتَرْته بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَالْمُرَادُ بِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ سَتَرْته مَاعِزٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وَقَالَ لِهَزَّالٍ: لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَإِنَّ هَزَّالًا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى مَاعِزٍ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقِرَّ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَاهِدًا، لِأَنَّ مَاعِزًا إنَّمَا حُدَّ بِالْإِقْرَارِ، أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ هَزَّالًا أَمَرَ مَاعِزًا أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُخْبِرَهُ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ

(إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ فِي السَّرِقَةِ فَيَقُولُ: أَخَذَ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ (وَلَا يَقُولُ سَرَقَ) مُحَافَظَةً عَلَى السَّتْرِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ لَوَجَبَ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يُجَامِعُ الْقَطْعَ فَلَا يَحْصُلُ إحْيَاءُ حَقِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَزَادَ. وَقَالَ شُعْبَةُ: قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ بِمَجْلِسٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ فَقَالَ يَزِيدُ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، هَذَا حَدِيثُ جَدِّي وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَفِيهِ «قَالَ فِي هَزَّالٍ بِئْسَمَا صَنَعْت، لَوْ سَتَرْته بِطَرْفِ رِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَدْرِ أَنَّ فِي الْأَمْرِ سَعَةً» وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَتَلْقِينُ الدَّرْءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْ تَلْقِينُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الدَّرْءُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى قَصْدِهِ إلَى السَّتْرِ وَالسَّتْرُ يَحْصُلُ بِالْكِتْمَانِ، فَكَانَ كِتْمَانُ الشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ مَخْصُوصًا مِنْ عُمُومِ تَحْرِيمِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «أُتِيَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا سَرَقَ فَقَالَ لَهُ مَا إخَالُهُ سَرَقَ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا إخَالُكَ سَرَقْت، قَالَ فَأَعَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» الْحَدِيثَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَاعِزٍ: لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت، قَالَ: لَا» الْحَدِيثُ قَدَّمْنَاهُ فِي الْحُدُودِ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ صَحَّ لَك الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ الْعَامِّ مِنْ الْكِتَابِ بِهَذِهِ وَهِيَ أَخْبَارُ آحَادٍ، وَأَيْضًا شَرْطُ التَّخْصِيصِ عِنْدَكُمْ الْمُقَارَنَةُ وَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ لَك ذَلِكَ. قُلْت: هَذِهِ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا تَنْحَطُّ بِهِ عَنْ دَرَجَةِ الشُّهْرَةِ لِتَعَدُّدِ مُتُونِهَا مَعَ قَبُولِ الْأُمَّةِ لَهَا فَصَحَّ التَّخْصِيصُ بِهَا، أَوْ هِيَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَخْيِيرِ الشَّاهِدِ فِي الْحُدُودِ، فَثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْمُخَصِّصِ. وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ فَإِنَّمَا هِيَ شَرْطُ التَّخْصِيصِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهَذَا التَّخْصِيصُ الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ هُنَا لَيْسَ بِذَاكَ بَلْ هُوَ جَمْعٌ لِلْمُعَارَضَةِ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي التَّعَارُضِ مِنْ كِتَابِ تَحْرِيرِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ إذَا تَعَارَضَا بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِهِ، فَإِذَا وَجَبَ لِلْجَمْعِ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَضَمُّنُ الْحُكْمِ مِنَّا بِأَنَّهُ كَانَ مُقَارِنًا أَوْ أَنَّهَا لَيْسَتْ تَخْصِيصَاتٍ أُوَلَ كَمَا أَنَّا إذَا رَجَّحْنَا فِي التَّعَارُضِ الْمُحَرِّمَ عَلَى الْمُبِيحِ وَثَبَتَ صِحَّتُهُمَا تَضَمَّنَ حُكْمُنَا أَنَّ الْمُبِيحَ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَنَسَخَ حُكْمًا لِوُجُوبِ تَرْجِيحِ الْمُحَرِّمِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَقَدُّمُهُ بِعِلْمِ تَارِيخِهِ، وَكَثِيرًا مَا يَعْتَرِضُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّارِحِينَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَحْكُومِ فِيهَا بِالتَّخْصِيصِ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَلَا يَثْبُتُ التَّخْصِيصُ، وَمُرَادُهُمْ فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ مَا ذَكَرْنَا، هَذَا كُلُّهُ إذَا نَظَرْنَا إلَى مُجَرَّدِ إطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] فَأَمَّا إذَا قَيَّدْنَاهُ بِمَا إذَا دُعُوا لِلشَّهَادَةِ فِي الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْآيَةِ: أَيْ قَوْله تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] . ثُمَّ قَالَ {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ} [البقرة: 282] يَعْنِي بِذَلِكَ الدَّيْنَ فَظَاهِرٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ مُخَيَّرٌ فِي الْحُدُودِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَشْهَدَ بِالسَّرِقَةِ فَقَدْ يَتَبَادَرُ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ فِيهَا

(وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبَ: مِنْهَا الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا لِاسْتِلْزَامِهِ الْحَدَّ فَقَالَ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ إحْيَاءً لِحَقِّ مَالِكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَقُولُ أَخَذَ الْمَالَ وَلَا يَقُولُ سَرَقَ، فَإِنَّ الْأَخْذَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ غَصْبًا أَوْ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّهُ مِلْكُهُ مُودَعًا عِنْدَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا تَسْتَلْزِمُ الشَّهَادَةُ بِالْأَخْذِ مُطْلَقًا ثُبُوتَ الْحَدِّ بِهَا مَعَ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ إذَا قَالَ سَرَقَ فَثَبَتَتْ السَّرِقَةُ وَجَبَ الْقَطْعُ وَبِهِ يَنْتَفِي ضَمَانُ الْمَالِ إنْ كَانَ أَتْلَفَهُ (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبِهَا) أَرْبَعَةٌ (مِنْهَا الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا) وَالشَّهَادَةُ فِي بَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَالشَّهَادَةُ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَالشَّهَادَةُ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ النِّسَاءِ. أَمَّا عَلَى الزِّنَا فَيُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالدِّمَاءِ انْتَهَى. وَتَخْصِيصُ الْخَلِيفَتَيْنِ. يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِأَنَّهُمَا

(وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِمَا ذَكَرْنَا. (قَالَ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ) وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَقْفِ وَالصُّلْحِ (وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ) وَالْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْوَلَدِ وَالْوِلَادِ وَالنَّسَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ وَحْدَهُنَّ إلَّا أَنَّهَا قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ ضَرُورَةً، وَالنِّكَاحُ أَعْظَمُ خَطَرًا وَأَقَلُّ وُقُوعًا فَلَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ أَدْنَى خَطَرًا وَأَكْثَرُ وُجُودًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّذَانِ كَانَ مُعْظَمُ تَقْرِيرِ الشَّرْعِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ فِي زَمَانِهِمَا وَبَعْدَهُمَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا الِاتِّبَاعُ، وَلِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] فَقَبُولُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ ثَلَاثَةٍ مُخَالِفٌ لِمَا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدَدِ وَالْمَعْدُودِ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ عُمُومِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَبَيَّنَ هَذِهِ فَتُقَدَّمَ هَذِهِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ وَتِلْكَ مُبِيحَةٌ. وَأَيْضًا هَذِهِ تُفِيدُ زِيَادَةَ قَيْدٍ وَزِيَادَةُ الْقَيْدِ مِنْ طُرُقِ الدَّرْءِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَتْ قُيُودُ الشَّيْءِ قَلَّ وُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ تَقْيِيدٍ، وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ، وَلِذَا لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} [البقرة: 282] الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ رِجَالٍ يَشْهَدُونَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ فَاعْتُبِرَ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ نَزَلَتْ إلَى شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ وَالشُّبْهَةُ كَالْحَقِيقَةِ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. وَسَائِرُ مَا سِوَى حَدِّ الزِّنَا مِنْ الْحُدُودِ يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الْقِصَاصُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ: أَيْ وَكُلُّ مَا سِوَى ذَلِكَ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ لَا كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالْعِتْقِ وَالرَّجْعَةِ وَالنَّسَبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا كَالْإِذْنِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَقَتْلِ الْخَطَإِ وَكُلِّ جُرْحٍ لَا يُوجِبُ إلَّا الْمَالَ، وَكَذَا فَسْخُ الْعُقُودِ وَقَبْضُ نُجُومِ الْكِتَابَةِ إلَّا النَّجْمُ الْأَخِيرُ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِتَرَتُّبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالُ الضَّبْطِ، وَكَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ

وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ، إذْ بِالْأَوَّلِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ، وَبِالثَّانِي يَبْقَى، وَبِالثَّالِثِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي وَلِهَذَا يُقْبَلُ إخْبَارُهَا فِي الْأَخْبَارِ، وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَالِكٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ كَقَوْلِنَا وَرِوَايَةٌ كَقَوْلِهِمَا، وَقُصُورُ الرِّوَايَةِ حَتَّى إنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ، لَكِنْ خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ شَرْعًا فِي الْأَمْوَالِ ضَرُورَةً لِكَثْرَةِ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا فَيَلْحَقُ الْحَرَجُ بِطَلَبِ رَجُلَيْنِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ، وَكَذَا الْعَادَةُ أَنْ يُوَسَّعَ فِيمَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ. بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ أَعْظَمَ خَطَرًا أَقَلَّ وُقُوعًا فَلَا يَلْحَقُ الْحَرَجُ بِالِاشْتِرَاطِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى فِي الرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالرَّجْعَةُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ فَأُلْحِقَتْ بَقِيَّةُ التَّوَابِعِ بِهِ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْقَبُولُ) فَابْتَدَأَ بِتَضْمِينِ مَنْعِ مُقَدِّمَتِهِ الْقَائِلَةِ: الْأَصْلُ عَدَمُ الْقَبُولِ، ثُمَّ أَثْبَتَ هَذِهِ بِوُجُودِ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ إلَخْ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ وَالضَّبْطَ أَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ لَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ، بَلْ هِيَ كَمَا قَالَ فِي الْأَسْرَارِ: إنَّ أَهْلِيَّتَهَا بِالْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِرْثِ وَالنِّسَاءُ فِي هَذَا كَالرِّجَالِ. بَقِيَ أَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ وَهُوَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالضَّبْطِ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ كَالرِّجَالِ وَلِهَذَا قُبِلَتْ رِوَايَتُهُنَّ لِأَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ الْمُلْزِمَةِ لِلْأُمَّةِ. فَعَنْ هَذَا قَدْ يُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: إنْ جَعَلَ الشَّارِعُ الثِّنْتَيْنِ فِي مَقَامِ رَجُلٍ لَيْسَ لِنُقْصَانِ الضَّبْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ لِإِظْهَارِ دَرَجَتِهِنَّ عَنْ الرِّجَالِ لَيْسَ غَيْرُ، وَلَقَدْ نَرَى كَثِيرًا مِنْ النِّسَاءِ يَضْبِطْنَ أَكْثَرَ مِنْ ضَبْطِ الرِّجَالِ لِاجْتِمَاعِ خَاطِرِهِنَّ أَكْثَرَ مِنْ الرِّجَالِ لِكَثْرَةِ الْوَارِدَاتِ عَلَى خَاطِرِ الرِّجَالِ

وَعَدَمُ قَبُولِ الْأَرْبَعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ. قَالَ (وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ. وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَتْ الذُّكُورَةُ لِيَخِفَّ النَّظَرُ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ إلَّا أَنَّ الْمُثَنَّى وَالثَّلَاثَ أَحْوَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشُغْلِ بَالِهِمْ بِالْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَقِلَّةِ الْأَمْرَيْنِ فِي جِنْسِ النِّسَاءِ. سَلَّمْنَا أَنَّهُ لِنُقْصَانِ الضَّبْطِ وَزِيَادَةِ النِّسْيَانِ فِي جِنْسِهِنَّ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَفْرَادِهِنَّ أَضْبَطَ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] لَكِنْ ذَلِكَ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ حِينَئِذٍ إلَّا الشُّبْهَةُ فَلَمْ تُقْبَلْ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِ الْأَرْبَعِ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَأَنَّهُ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ عِدْلَةٍ وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ

(ثُمَّ حُكْمُهَا فِي الْوِلَادَةِ شَرَحْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) وَأَمَّا حُكْمُ الْبَكَارَةِ فَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ فِي الْعِنِّينِ سَنَةً وَيُفَرَّقُ بَعْدَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعًا. وَمَالِكٌ ثِنْتَيْنِ. لَهُ أَنَّ كُلَّ ثِنْتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ. وَلِمَالِكٍ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرَانِ الْعَدَدُ وَالذُّكُورَةُ، وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ الذُّكُورَةِ فَبَقِيَ الْعَدَدُ. وَلَنَا مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي أَوَّلِ بَابِ شَهَادَاتِ النِّسَاءِ مِنْ الْأَصْلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٍ قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَهَذَا مُرْسَلٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ اعْتِبَارُهَا فِي الْعَهْدِ إذْ لَا عَهْدَ فِي مَرْتَبَةٍ بِخُصُوصِهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ كَانَتْ لِلْجِنْسِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَتَصِحُّ بِوَاحِدَةٍ وَالْأَكْثَرُ أَحْسَنُ فَقُلْنَا كَذَلِكَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَاتِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ» ، وَهَذَا مُرْسَلٌ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَهُوَ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ إلَّا عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا هُنَّ مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ. وَلَهُ مَخَارِجُ أُخَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ حُكْمُهَا فِي الْوِلَادَةِ شَرَحْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ)

لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ، وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعَةِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الْبَائِعُ لِيَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى قَوْلِهِنَّ وَالْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطْلُعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ إلَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ. وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَوْتٌ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلٌ فَقَالَ فَاجَأْتهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي إلَيْهَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ لَا تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ تُقْبَلُ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا حُكْمُ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ فَقَالَ وَصَلْت إلَيْهَا فَأَنْكَرَتْ تَرَى النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ تُخَيَّرُ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فُرِّقَ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بِقَوْلِهِنَّ لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ، إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ، وَلَوْ لَمْ تَتَأَيَّدْ شَهَادَتُهُنَّ بِمُؤَيِّدٍ اُعْتُبِرَتْ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي إلْزَامِ الْخَصْمِ، وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي هِيَ ثَيِّبٌ يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ لِتَأَيُّدِ شَهَادَتِهِنَّ بِمُؤَيِّدٍ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَوِيٌّ وَشَهَادَتُهُنَّ ضَعِيفَةٌ وَلَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ لَكِنْ ثَبَتَ حَقُّ الْخُصُومَةِ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتهَا وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتٌ مَسْمُوعٌ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ فَكَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، بِخِلَافِ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهَا انْفِصَالُ الْوَلَدِ مِنْ الْأُمِّ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ

قَالَ (وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّاهِدُ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ) أَمَّا الْعَدَالَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ هِيَ الْمُعِينَةُ لِلصِّدْقِ، لِأَنَّ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ الْكَذِبِ قَدْ يَتَعَاطَاهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَأْجَرُ لِوَجَاهَتِهِ وَيَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ لِمُرُوءَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُمَا يَقُولَانِ صَوْتُهُ يَقَعُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَهَا لَا يَحْضُرُ الرِّجَالُ فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ، وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ) حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ. وَثَالِثٌ وَهُوَ التَّفْسِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ مِثْلَ شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا مِثْلُ شَهَادَةِ صَاحِبِي عِنْدَ الْخَصَّافِ لِلِاحْتِمَالِ. أَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ هِيَ الْمُعَيِّنَةُ لِجِهَةِ الصِّدْقِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ عَلَى السَّوَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْمَفْهُومِ، فَبِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ صِدْقًا حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُنْكِرُ أَيْضًا قَدْ يَكُونُ عَدْلًا. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ اخْتِلَافُ الْمُدَّعِي فَيَتَسَاقَطَانِ وَتَسْلَمُ الشَّهَادَةُ عَنْ الْمُعَارِضِ أَوْ يَتَرَجَّحُ إخْبَارُ الْمُدَّعِي بِالشَّهَادَةِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ) كَمُبَاشِرِي السُّلْطَانِ وَالْمَكَسَةِ وَغَيْرِهِمْ (تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَأْجَرُ لِشَهَادَةِ الزُّورِ لِوَجَاهَتِهِ وَيَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ لِمُرُوءَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ

إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَصِحُّ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ. وَأَمَّا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ النُّصُوصَ نَطَقَتْ بِاشْتِرَاطِهَا إذْ الْأَمْرُ فِيهَا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ تَوْحِيدٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَشَدَّ. وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ، وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا) وَيَكُونُ الْقَاضِي عَاصِيًا. (وَأَمَّا) اشْتِرَاطُ (لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ النُّصُوصَ نَطَقَتْ بِاشْتِرَاطِهَا إذْ الْأَمْرُ فِيهَا) أَيْ فِي النُّصُوصِ (بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ) قَالَ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] ... ... {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» . وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ النُّصُوصَ وَرَدَتْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: غَايَاتُهَا وَرَدَتْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ لَفْظَ الشَّهَادَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَلَمْ يُرِدْ مِنْ السُّنَّةِ فِي تَكْبِيرِ الِافْتِتَاحِ إلَّا بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَلَمْ يُشْتَرَطْ لِذَلِكَ لَفْظُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَمِنْ أَيْنَ لَزِمَ فِي الشَّهَادَةِ؟ قُلْنَا: لِفَرْقٍ مَعْنَوِيٍّ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ أَقْوَى فِي إفَادَةِ تَأْكِيدِ مُتَعَلِّقِهَا مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ كَأَعْلَم وَأَتَيَقَّنُ لِمَا فِيهَا مِنْ اقْتِضَاءِ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَالْمُعَايَنَةِ الَّتِي مَرْجِعُهَا الْحِسُّ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْحَلِفِ فَالِامْتِنَاعُ مَعَ ذِكْرِهَا عَنْ الْكَذِبِ أَظْهَرُ. وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» فَلَزِمَ لِذَلِكَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ التَّعْظِيمُ، وَلَيْسَ لَفْظُ أَكْبَرَ أَبْلَغَ مِنْ أَجَلَّ وَأَعْظَمَ فَكَانَتْ الْأَلْفَاظُ سَوَاءً، فَلَمْ تَثْبُتْ خُصُوصِيَّةٌ تُوجِبُ تَعْيِينَ لَفْظِ أَكْبَرَ. وَقَوْلُهُ (فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعِ كُلِّهَا تُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا

شَهَادَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ حَتَّى اخْتَصَّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» وَمِثْلُ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الِانْزِجَارُ عَمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ دِينُهُ، وَبِالظَّاهِرِ كِفَايَةٌ إذْ لَا وُصُولَ إلَى الْقَطْعِ. (إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ) لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهَا، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا دَارِئَةٌ، وَإِنْ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَبَرٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ النَّاسِ وَمِنْهُمْ مَشَايِخُ الْمَذْهَبِ مِنْ الْبُخَارِيِّينَ وَالْبَلْخِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ النُّصُوصِ مَعَ وَجْهِ إفَادَةِ اشْتِرَاطِهَا، بِخِلَافِ رَمَضَانَ فَإِنَّ اللَّازِمَ فِيهِ لَيْسَ الشَّهَادَةَ بَلْ الْإِخْبَارَ ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ الْقَاضِيَ بِمَجِيءِ رَمَضَانَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ يَعْنِي فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَشَرَائِطُ الْقَضَاءِ، أَمَّا فِي الْعِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ انْتَهَى. وَلِهَذَا احْتَاجُوا إلَى الْحِيلَةِ فِي إثْبَاتِ الرَّمَضَانِيَّةِ. قَالُوا: يَدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي بِوَكَالَةٍ مُعَلَّقَةٍ بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِقَبْضِ دَيْنٍ فَيُقِرُّ الْخَصْمُ بِالدَّيْنِ وَيُنْكِرُ دُخُولَ رَمَضَانَ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فَيُقْضَى بِالْمَالِ فَيَثْبُتُ مَجِيءُ رَمَضَانَ، لِأَنَّ إثْبَاتَ مَجِيءِ رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ. ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي شَهَادَاتِ الْخُلَاصَةِ. وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالْإِسْلَامِ: يَعْنِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مِثْلِهِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) يَعْنِي لَمَّا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى وُجُوبِ الْعَدَالَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى

سَأَلَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ تَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ فَيَسْأَلُ طَلَبًا لِلتَّرْجِيحِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنَاهُ عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ فَيَتَعَرَّفُ عَنْ الْعَدَالَةِ، وَفِيهِ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ ظَاهِرُ حَالِهِ مِنْ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ الْتِزَامُ الِاجْتِنَابِ عَنْ مَحْظُورَاتِهِ فَيُقْبَلُ كُلُّ مُسْلِمٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَدْلٌ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدَّمْنَا بَعْضَهُ وَفِيهِ " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي قَذْفٍ، أَوْ مُجَرَّبًا فِي شَهَادَةِ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ حَسَنَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ الطَّرِيقَيْنِ جَيِّدَةٍ، وَإِذَا كَانَ الثَّابِتُ ظَاهِرًا هِيَ الْعَدَالَةُ اكْتَفَى بِهَا، إذْ الْقَطْعُ لَا يَحْصُلُ وَلَوْ مَعَ الِاسْتِقْصَاءِ. نَعَمْ تَزْدَادُ قُوَّةُ الظَّنِّ وَلَا مُوجِبَ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ السَّلَفُ يَسْأَلُونَ قَبْلُ. وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا دَلِيلَ طَلَبِ الزِّيَادَةِ فَيَسْأَلُ عَلَى مَا عُرِفَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، إذْ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزْكِيَةِ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَهُوَ مَطْلُوبٌ. وَأَوْرَدَ أَنَّ الظَّاهِرَ إنَّمَا يَكْفِي لِلدَّفْعِ وَالشَّهَادَةُ تُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الشَّهَادَةِ كَالْقَطْعِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَى الْقَطْعِ وَلَا بِالتَّزْكِيَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الظَّاهِرَ يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ هُوَ الِاسْتِصْحَابُ. وَأَمَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَقَدْ تَقَابَلَ ظَاهِرَانِ فَيَسْأَلُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَمْ يَطْعَنْ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ، وَمَنْ عُرِفَ جُرْحُهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنَّمَا يَسْأَلُ إذَا شَكَّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ الْعَدَالَةُ وَذَلِكَ بِذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَكَوْنُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ الْعَدَالَةُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ يَقُولُ: طَرِيقُ الثُّبُوتِ هُوَ الْبِنَاءُ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ خُصُوصًا مَعَ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَمَعَ ذَلِكَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّمَانِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: هَذَا الْخِلَافُ خِلَافُ زَمَانٍ لَا حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّلَاحُ بِخِلَافِ زَمَانِهِمَا. وَمَا قِيلَ بِأَنَّهُ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» وَهُمَا

وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ (ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ إلَى الْمُعَدِّلِ فِيهَا النَّسَبُ وَالْحَلْيُ وَالْمُصَلَّى وَيَرُدُّهَا الْمُعَدِّلُ) كُلُّ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُخْدَعَ أَوْ يُقْصَدَ (وَفِي الْعَلَانِيَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ) لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفْتَيَا فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُوُفِّيَ فِي عَامِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ فَكَيْفَ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ. وَقَوْلُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ إلَخْ إثْبَاتُ الْخَيْرِيَّةِ بِالتَّدْرِيجِ وَالتَّفَاوُتِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ غَلَبَةَ الْفِسْقِ، وَالظَّاهِرُ الَّذِي يَثْبُتُ بِالْغَالِبِ أَقْوَى مِنْ الظَّاهِرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِظَاهِرِ حَالِ الْإِسْلَامِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ لَمَّا قَطَعْنَا بِغَلَبَةِ الْفِسْقِ فَقَدْ قَطَعْنَا بِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَجْتَنِبْ مَحَارِمَهُ فَلَمْ يَبْقَ مُجَرَّدُ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ مَظِنَّةَ الْعَدَالَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الثَّابِتُ بِالْغَالِبِ بِلَا مُعَارِضٍ. [فَرْعٌ] لَوْ تَابَ الْفَاسِقُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ تَمْضِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَنَةٌ، وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِالزُّورِ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ) وَهِيَ الْوَرَقَةُ الَّتِي يَكْتُبُ فِيهَا الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَنَسَبَهُمْ وَحَالَهُمْ وَالْمُصَلَّى: أَيْ مَسْجِدَ مَحَلَّتِهِمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَارَ إلَّا مُعَدِّلًا صَالِحًا زَاهِدًا كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ مَأْمُونًا أَعْظَمَ مَنْ يَعْرِفُهُ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَيَكْتُبُ إلَيْهِ ثُمَّ هُوَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ أَهْلَ مَحَلَّتِهِمْ وَسُوقِهِمْ وَمَنْ يَعْرِفُهُمْ، وَيَكُونُ الْمُزَكِّي صَاحِبَ خِبْرَةٍ بِالنَّاسِ مُدَاخِلًا لَهُمْ لَا مُنْزَوِيًا عَنْهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْمُخَالَطَةِ وَالْمُدَاخَلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَهْلَ مَجْلِسِهِ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، فَإِنْ وَجَدَهُمْ غَيْرَ ثِقَاتٍ يَعْتَبِرُ تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ. وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمَحْدُودُ إذَا كَانُوا عُدُولًا، وَلَا يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ

وَيُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ. ثُمَّ قِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُعَدَّلُ، وَقِيلَ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالدَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ. . قَالَ (وَفِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهُ عَدْلٌ) مَعْنَاهُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضُمُّ تَزْكِيَةَ الْآخَرِ إلَى تَزْكِيَتِهِ لِأَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَهُ شَرْطٌ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْخَصْمَ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ مُبْطَلٌ فِي إصْرَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُعَدِّلًا، وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ إلَّا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا، أَمَّا إذَا قَالَ صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَقَةٌ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَقَطْ، لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي الْأَمْرِ الدِّينِيِّ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لِلْأَخْبَارِ، فَإِذَا قَالَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ عَدْلٌ كَتَبَ الْمُزَكِّي هُوَ عَدْلٌ مَرَضِيٌّ مَقْبُولٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ، وَإِلَّا يَكْتُبُ هُوَ غَيْرُ عَدْلٍ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إنْ عَرَفَ فِسْقَهُ لَا يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ ذَلِكَ بَلْ يَسْكُتُ احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ، أَوْ يَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ، إلَّا إذَا خَافَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَيُصَرِّحُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ، وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ لَا بِعَدَالَةٍ وَلَا بِفِسْقٍ يَكْتُبُ مَسْتُورٌ ثُمَّ يَرُدُّ الْمَسْتُورَةَ مَعَ أَمِينِ الْقَاضِي إلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يَظْهَرَ الْأَمْرُ فَيُخْدَعَ الْمُزَكِّي أَوْ يُقْصَدَ بِالْأَذَى. وَأَمَّا الْعَلَانِيَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمُعَدِّلِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ الْمُعَدِّلِ لِغَيْرِ هَذَا الشَّاهِدِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ الْقَاضِي إذْ قَدْ يَتَّفِقُ اسْمٌ وَشُهْرَةٌ وَصِفَةٌ لِاثْنَيْنِ، وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الصَّبْرُ لِلْحَقِّ، وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا

(وَإِذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ وَاحِدًا جَازَ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُزَكِّي، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ لَهُ أَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَنْبَنِي عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَهُوَ بِالتَّزْكِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَمَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِيهِ، وَتُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِغَلَبَةِ النُّفُوسِ فِيهِ فَيُوجِبُ الْفِتْنَةَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ، ثُمَّ قِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزِ الشَّهَادَةِ. وَقِيلَ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالدَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا تَلْزَمُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ نَظَرًا إلَى الدَّارِ فَيُكْتَفَى بِهِ مَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِلَا طَعْنٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْخَصْمِ: يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا قَالَ فِي شُهُودِ الْمُدَّعِي هُمْ عُدُولٌ فَلَا تَقَعُ بِهِ التَّزْكِيَةُ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْخَصْمَ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ مُبْطَلٌ فِي إصْرَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُعَدِّلًا لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الْمُزَكِّي بِالْإِجْمَاعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، يَجُوزُ قَوْلُهُ ذَلِكَ تَعْدِيدٌ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضُمُّ تَزْكِيَةُ آخَرَ إلَى تَزْكِيَتِهِ أَيْ تَزْكِيَةِ الْخَصْمِ لِأَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْمُزَكِّي شَرْطٌ، وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ هُمْ عُدُولٌ إلَّا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا. أَمَّا لَوْ قَالَ صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَقَةٌ أَوْ مَعْنًى هَذَا فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَشَهِدُوا عَلَيْك بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ، فَإِنْ قَالَ بِحَقٍّ فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ. [فَرْعٌ] إذَا شَهِدَ فَعُدِّلَ ثُمَّ شَهِدَ لَا يُسْتَعْدَلُ إلَّا إذَا طَالَ، فَوَقَّتَ مُحَمَّدٌ شَهْرًا وَأَبُو يُوسُفَ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ وَاحِدًا جَازَ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ، وَالْمُرَادُ) مِنْ رَسُولِ الْقَاضِي (الْمُزَكِّي) وَهُوَ الْمَسْئُولُ مِنْهُ عَنْ الشُّهُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ الْوَاحِدُ، وَكَذَا الرِّسَالَةُ إلَيْهِ وَالرِّسَالَةُ مِنْهُ إلَى الْقَاضِي، وَكَذَا فِي التَّرْجَمَةِ عَنْ الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تَنْبَنِي عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَهِيَ بِالتَّزْكِيَةِ فَتَوَقَّفَتْ عَلَيْهَا كَمَا تَوَقَّفَتْ عَلَيْهَا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ

[فصل ما يتحمله الشاهد على ضربين]

(وَلَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ فِي الْمُزَكِّي فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ) حَتَّى صَلُحَ الْعَبْدُ مُزَكِّيًا، فَأَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَهُوَ شَرْطٌ، وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِاخْتِصَاصِهَا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ. قَالُوا: يُشْتَرَطُ الْأَرْبَعَةُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [فَصْلٌ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ] (فَصْلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَدَدُ كَمَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَلِذَا اُشْتُرِطَتْ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي فِي الْحُدُودِ كَمَا اُشْتُرِطَتْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَالتَّوَقُّفُ لَا يَسْتَلْزِمُ اشْتَرَاك كُلِّ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ، بَلْ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي بِهَا ثُبُوتُ الْحَقِّ يَكُونُ مِثْلُهَا وَمَا لَا فَلَا يَلْزَمُ، وَالتَّزْكِيَةُ لَا يَسْتَنِدُ إلَيْهَا ثُبُوتُ الْحَقِّ بَلْ إلَى الشَّهَادَةِ، فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ شَرْطًا لَا عِلَّةً، وَلِهَذَا وَقَعَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي التَّزْكِيَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ اشْتِرَاطُهَا فِي التَّزْكِيَةِ، عَلَى أَنَّ التَّعَدِّيَةَ تَكُونُ بِجَامِعٍ يُعْلَمُ اعْتِبَارُهُ، وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرٌ تَحَكُّمِيٌّ فِي الشَّهَادَةِ يَعْنِي تَعَبُّدِيٌّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: هُوَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ. وَهَذَا زِيَادَةٌ عَلَى كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا إذْ فِي الْقِيَاسِ يَكْفِي الْوَاحِدُ الْعَدْلُ لِأَنَّ خَبَرَهُ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ لَا عِلْمِ الْيَقِينِ، وَكَمَا لَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الِاثْنَيْنِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا: أَيْ لَا يَتَعَدَّى الشَّهَادَةَ إلَى التَّزْكِيَةِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ، فَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي فِيهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ زِيَادَةُ شِبْهٍ لَهَا بِالشَّهَادَةِ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَهَا اتِّفَاقًا، وَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ التَّزْكِيَةِ بِالشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْعَدَدِ. قَالَ الْمَشَايِخُ: فَيَجِبُ عِنْدَهُ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ فِي شُهُودِ الزِّنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ الْأَدَاءِ وَمُسَوِّغِهِ)

وَمَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَوْ رَآهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ) وَهُوَ الرُّكْنُ فِي إطْلَاقِ الْأَدَاءِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» قَالَ (وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي) لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ يَكُونُ هُوَ تَمَامُ السَّبَبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَوْلًا كَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ. أَوْ فِعْلًا كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ، فَإِذَا سَمِعَ الشَّاهِدُ الْقَوْلَ كَأَنْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ جَمَاعَةً مَا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ رَأَى الْفِعْلَ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ فَيَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ

إذَا كَانَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَى، فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَيْعَ مُعَاطَاةٍ فَفِي الذَّخِيرَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ. وَقِيلَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ كَالْقَوْلِيِّ، وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا جَازَ الْأَدَاءُ بِلَا إشْهَادٍ لِأَنَّهُ عَلِمَ الْمُوجِبَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَيْ عِلْمُ الْمُوجِبِ الرُّكْنُ الْمُسَوِّغُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِمُسَوِّغِ الْأَدَاءِ سِوَاهُ. وَقَوْلُهُ فِي إطْلَاقٍ يَعْنِي مُطْلَقَ الْأَدَاءِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى تَسْوِيغِ الشَّرْعِ لِلْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] فَأَفَادَ أَنَّ مَنْ شَهِدَ عَالِمًا بِحَقٍّ كَانَ مَمْدُوحًا فَلَزِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُطْلَقٌ شَرْعًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَمْدُوحًا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» فَأَمَرَ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ يَقِينًا، فَعَنْ هَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا سَمِعْته مِنِّي ثُمَّ قَالَ بِحَضْرَتِهِ لِرَجُلٍ بَقِيَ لَك عَلَيَّ كَذَا وَغَيْرُ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: اشْتَرَى عَبْدًا وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ عَيْبًا بِهِ فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا الْعَيْبَ فَأَنْكَرَ، فَاَلَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الْعَيْبِ فِي الْحَالِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَالَ: هَلْ تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مَشْمُولٍ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَالْمَعْلُومُ أَنَّ النَّسَائِيّ ضَعَّفَهُ، وَوَافَقَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَفِي الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَثِيفٍ لَا يَشِفُّ مِنْ وَرَائِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ شَهِدَ وَفَسَّرَهُ لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ سَمِعْته بَاعَ وَلَمْ أَرَ شَخْصَهُ حِينَ تَكَلَّمَ لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا أَحَاطَ بِعِلْمِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَوِّغَ هُوَ الْعِلْمُ غَيْرَ أَنَّ رُؤْيَتَهُ مُتَكَلِّمًا بِالْعَقْدِ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِذَا فَرَضَ تَحَقُّقَ طَرِيقٍ آخَرَ جَازَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ دَخَلَ الْبَيْتَ فَرَآهُ فِيهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ أَحَدٌ غَيْرَهُ وَلَا مَنْفَذَ غَيْرُ الْبَابِ وَهُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَيْهِ وَسَمِعَ الْإِقْرَارَ أَوْ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَنَحْوُهُ مَا فِي الْأَقْضِيَةِ: ادَّعَى عَلَى وَرَثَةٍ مَالًا فَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا الْمُتَوَفَّى قَبَضَ مِنْ الْمُدَّعِي صُرَّةً فِيهَا دَرَاهِمُ

إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَكَذَا لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ الشَّاهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ) لِأَنَّهُ مَا حَمَلَهُ وَإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَعْلَمَا كَمْ وَزْنُهَا إنْ فَهِمَا قَدْرَهَا وَأَنَّهَا دَرَاهِمُ وَأَنَّ كُلَّهَا جِيَادٌ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ يَقِينُهُمَا بِذَلِكَ فَإِذَا شَهِدَا بِهِ جَازَ. وَفِي الْفَتَاوَى: إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصَهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ. أَجْمَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَوَضَعَهَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا هَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا سَأَلَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَبَا سُلَيْمَانَ عَنْهَا قَالَ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِيك فَيَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ. وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ: يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ شَخْصِهَا. وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةٍ تُفِيدُ التَّمْيِيزَ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَيْهَا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّعْرِيفَ يُفِيدُ التَّمْيِيزَ لَزِمَ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى رُؤْيَةِ وَجْهِهَا وَلَا شَخْصِهَا كَمَا اخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، وَإِذَا وُجِدَ حِينَئِذٍ يَجْرِي الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْمَعْرِفَةِ عَدْلَانِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُنْتَقَى: تَحَمَّلَ الشَّاهِدُ الشَّهَادَةَ عَلَى امْرَأَةٍ فَمَاتَتْ فَشَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّ الْمُقِرَّةَ فُلَانَةُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا، نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ: شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ سَمَّيَاهَا وَنَسِيَاهَا وَكَانَتْ

حَمَلَ غَيْرَهُ. وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ. قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاضِرَةً، فَقَالَ الْقَاضِي أَتَعْرِفَانِهَا، فَإِنْ قَالَا لَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ قَالَا تَحَمَّلْنَاهَا عَلَى الْمُسَمَّاةِ بِفُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَلَا نَدْرِي أَنَّهَا هَذِهِ أَمْ لَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي أَنْ يَأْتِي بِآخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا هُنَاكَ أَقَرَّا بِالْجَهَالَةِ فَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ يُفِيدُ مَا قُلْنَاهُ. وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّهُ مَا حَمَّلَهُ وَإِنَّمَا حَمَّلَ غَيْرَهُ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُلْزِمَةٌ. [فُرُوعٌ] كَتَبَ إلَى آخَرَ رِسَالَةً: مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ. كَتَبْت تَتَقَاضَى الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ وَكُنْت قَضَيْتُك مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَبَقِيَ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةٍ، أَوْ كَتَبَ إلَى زَوْجَتِهِ: قَدْ بَلَغَنِي كِتَابُك تَسْأَلِينِي الطَّلَاقَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَاعَةَ كَتَبَ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ وَالطَّلَاقِ وَهِيَ شَهَادَةُ حَقٍّ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ وَقَالَ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ إذَا قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ رَأَوْهُ يَكْتُبُ وَهُمْ يَقْرَءُونَهُ أَوْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ قَرَأَهُ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَقَالَ لَهُمْ هُوَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، وَلَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّاهِدَانِ نَشْهَدُ عَلَيْك بِمَا فِيهِ فَحَرَّك رَأْسَهُ بِنَعَمْ بِلَا نُطْقٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا فِي الْأَخْرَسِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا وَقَّعَ إلَيْهِمْ وَصِيَّةً مَخْتُومَةً. وَقَالَ هَذِهِ وَصِيَّتِي وَخَتْمِي فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا كَتَبَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَأَوْدَعَهُ الشَّاهِدَ وَلَمْ يَعْرِفْ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا فِيهِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ كَانَ مَعْصُومًا مِنْ التَّبْدِيلِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إذَا كَانَ الْكِتَابُ عَلَى الرَّسْمِ الْمَعْرُوفِ بِأَنْ كَانَ عَلَى وَرَقَةٍ وَعُنْوَانٍ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْكِتَابَةِ إلَى الْغَائِبِ. وَإِذَا شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فَقَالَ لَهُمْ لَمْ أُرِدْ الْإِقْرَارَ وَالطَّلَاقَ لَا يَدِينُهُ الْقَاضِي وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. أَمَّا لَوْ رَآهُ كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ لَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَمْ يُشْهِدْهُمْ بِهِ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِالدَّيْنِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِلتَّجْرِبَةِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَرْسُومَةِ، وَبِخِلَافِ خَطِّ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا إذَا تَذَكَّرَ شَهَادَتَهُ) الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَجَزَمَ أَنَّهُ خَطَّهُ لَا يَشْهَدُ، لِأَنَّ هَذَا الْجَزْمَ لَيْسَ بِجَزْمٍ بَلْ تَخَيُّلُ الْجَزْمِ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا هُوَ وَلَا فِي شَرْحِهِ لِلْأَقْطَعِ، وَكَذَا الْخَصَّافُ ذَكَرَهَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَلَمَّا حَكَى الْخِلَافَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَغَيْرُهُ كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَقِيلَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ: يَعْنِي عَدَمَ جَوَازِ

وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَقِيلَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فِي دِيوَانِهِ أَوْ قَضِيَّتَهُ، لِأَنَّ مَا يَكُونُ فِي قِمْطَرِهِ فَهُوَ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَذَكَّرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهَادَةِ إذْ رَأَى وَلَمْ يَتَذَكَّرْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ: يَعْنِي رَأَى فِي دِيوَانِهِ شَهَادَةَ شُهُودٍ أُدِّيَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهَا حُكْمٌ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَطَلَبَ حُكْمَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي لَا يَتَذَكَّرُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ شُهُودٌ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عِنْدَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا وَجَدَهُ فِي قِمَطْرِهِ تَحْتَ خَاتَمِهِ يَجُوزُ أَنْ يَقْضِي بِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. وَكَذَا إذَا رَأَى قَضِيَّتَهُ: أَيْ رَأَى حُكْمَهُ مَكْتُوبًا فِي خَرِيطَتِهِ وَهِيَ الْقِمَطْرَةُ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ حَكَمَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ الْمَبْسُوطِ حَكَى الْخِلَافَ كَذَلِكَ فِي وِجْدَانِ صَحِيفَةِ الْحُكْمِ، وَأَمَّا فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ يَجِدُهَا فِي صَكٍّ وَعَلِمَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ وَفِي الْحَدِيثِ يَجِدُهُ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ وَوَجَدَ سَمَاعَهُ مَكْتُوبًا بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهُوَ خَطٌّ مَعْرُوفٌ فَعَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ الْفُصُولُ ثَلَاثَةً: وِجْدَانُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ أَوْ حُكْمُهُ، وَوِجْدَانُ الشَّاهِدِ خَطَّهُ، وَالرَّاوِي فِي الْحَدِيثِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخَذَ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ بِالرُّخْصَةِ تَيْسِيرًا وَقَالَ: يُعْتَمَدُ الْخَطُّ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا، وَأَبُو يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالرِّوَايَةِ أَخَذَ بِالرُّخْصَةِ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ أَمِينِهِ. وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْخَصْمِ فَلَا يَأْمَنُ الشَّاهِدُ التَّغْيِيرَ فَلَا يُعْتَمَدُ خَطُّهُ. وَحَاصِلُ وَجْهِ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صُوَرِ خِلَافِهِمْ أَنَّ وَضْعَ الْخَطِّ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ، وَهُوَ يَمْنَعُ حَصْرَ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ، بَلْ صَحَّ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ بِرُؤْيَتِهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَحْفُوظًا مَأْمُونًا عَلَيْهِ مِنْ التَّغْيِيرِ كَأَنْ يَكُونَ تَحْتَ خَتْمِهِ فِي خَرِيطَتِهِ الْمَحْفُوظَةِ عِنْدَهُ أَنْ يَتَرَجَّحَ الْعَمَلُ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عِنْدَ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَرَأَيْنَا كَثِيرًا تَتَحَاكَى خُطُوطُهُمْ حَتَّى أَنِّي رَأَيْت بِبَلْدَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة خَطَّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُعْرَفُ بِالْقَاضِي بَدْرِ الدِّينِ الدَّمَامِينِيِّ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقِيهًا مَالِكِيًّا شَاعِرًا أَدِيبًا فَصِيحًا، وَخَطَّ آخَرَ بِهَا شَاهِدٌ يُعْرَفُ بِالْخَطِيبِ لَا يُفَرِّقُ الْإِنْسَانُ بَيْنَ خَطَّيْهِمَا أَصْلًا. وَدَمَامِينُ بِالنُّونِ بَلْدَةٌ بِالصَّعِيدِ. وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِصَلَاحِهِ وَخَبَرِهِ أَنَّهُ شَاهَدَ رَجُلًا كَانَ مُعِيدًا فِي الصَّلَاحِيَةِ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَضَعَ رَسْمَ شَهَادَتِهِ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي صَكٍّ فَأَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ عُدْوَانًا فَكَتَبَ رَجُلٌ مِثْلَهُ ثُمَّ عَرَضَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَاتِبِ فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ خَطُّهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّكُّ فِي يَدِ الشَّاهِدِ تَرَكَهُ الطَّالِبُ فِي يَدِهِ مُنْذُ كَتَبَهُ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَادِثَةَ. وَبِهَذَا أَجَابَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ حِين كَتَبَ إلَيْهِ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى فِيمَنْ نَسِيَ شَهَادَتَهُ وَوَجَدَ خَطَّهُ وَعَرَفَهُ هَلْ يَسْعَهُ أَنْ يَشْهَدَ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الْخَطُّ فِي حِرْزِهِ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ شَهِدُوا عَلَى صَكٍّ فَقَالُوا نَعْرِفُ أَنَّ هَذَا خَطُّنَا وَخَوَاتِيمُنَا لَكِنْ لَا نَذْكُرُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي أَنْ يُنْفِذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَنْفَذَهُ قَاضٍ غَيْرُهُ ثُمَّ اخْتَصَمُوا إلَيْهِ فِيهِ أَنْفَذَهُ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْقُضَاةُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ لِلْقَاضِي أَنِّي أَشْهَدُ مِنْ غَيْرِ تَذَكُّرٍ لِلْحَادِثَةِ بَلْ لِمَعْرِفَةِ خَطِّي لَمْ تُقْبَلْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَلَوْ نَسِيَ قَضَاءَهُ وَلَا سِجِلَّ عِنْدَهُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا لِهَذَا عَلَى هَذَا، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ، وَقِيلَ وَأَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَمَدُ وَيَقْضِي بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَلَى هَذَا لَوْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ حَدِيثًا ثُمَّ نَسِيَ الْأَصْلُ رِوَايَتَهُ لِلْفَرْعِ ثُمَّ سَمِعَ الْفَرْعَ يَرْوِيهِ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْمَلُ بِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَائِلُ الَّتِي رَوَاهَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَسِيَهَا أَبُو يُوسُفَ وَهِيَ سِتٌّ فَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتَمِدُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ لَهَا عَنْهُ، وَمُحَمَّدٌ كَانَ لَا يَدَعُ رِوَايَتَهَا عَنْهُ، كَذَا قَالُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ فِي تَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ السِّتِّ إشْكَالًا، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَنْكَرَ وَقَالَ مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا صَلَّى أَرْبَعًا وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ أَرْبَعٍ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا رَوَيْت لَك إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مِنْ صُوَرِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ رِوَايَةَ الْفَرْعِ، بَلْ مِنْ صُوَرِ تَكْذِيبِ الْأَصْلِ رِوَايَةَ الْفَرْعِ عَنْهُ كَمَا يُعْرَفُ فِي الْأُصُولِ، وَلَا خِلَافَ يُحْفَظُ فِيهِ بَيْنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ رِوَايَةَ الْفَرْعِ تُرَدُّ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَسِيَ الْأَصْلُ وَلَمْ يَجْزِمْ بِالْإِنْكَارِ فَلَا يَنْبَغِي اعْتِبَارُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَعَمْ إذَا صَحَّ اعْتِبَارُ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ تَخْرِيجًا عَلَى أُصُولِ أَبِي حَنِيفَة يُمْكِنُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ) أَيْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعَايَنَةِ بِالْعَيْنِ أَوْ السَّمَاعِ إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِخْبَارِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَفِي الْمَوْتِ إذَا قُلْنَا يَكْفِي الْوَاحِدُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ، أَوْ بِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُشَاهِدُ عِنْدَ الْمَوْتِ إلَّا وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ، فَإِذَا رَآهُ وَاحِدٌ عَدْلٌ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَهُوَ عَدْلٌ أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِمَوْتِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ الْمُخْبِرُ أَنَّهُ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ جِنَازَتَهُ أَوْ دَفْنَهُ حَتَّى يَشْهَدَ الْآخَرُ مَعَهُ، وَكَذَا لَوْ جَاءَ خَبَرَ مَوْتِ رَجُلٍ وَصَنَعَ أَهْلُهُ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى لَمْ يَسَعْ لِأَحَدٍ

مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَّاصٌ مِنْ النَّاسِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ سَمِعَ مِمَّنْ شَهِدَ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى. وَالِاكْتِفَاءُ بِالْعَدْلَيْنِ نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَقَالَ الْخَصَّافُ فِي الْكُلِّ: حَتَّى يَسْمَعَ مِنْ الْعَامَّةِ وَتَتَابُعَ الْأَخْبَارُ وَيَقَعَ فِي قَلْبِهِ تَصْدِيقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَفِي الْفُصُولِ عَنْ شَهَادَاتِ الْمُحِيطِ فِي النَّسَبِ أَنْ يَسْمَعَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ تَحِلُّ الشَّهَادَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ النَّسَفِيِّ. وَفِي النِّكَاحِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ مَعَ رُؤْيَةِ دُخُولِهِ إلَى آخِرِهِ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَكَذَا الْقَضَاءُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ الْحَقُّ. ثُمَّ قَوْلُ أَحْمَدَ كَقَوْلِنَا فِيمَا سِوَى الدُّخُولِ. وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا بَلْ جَعَلَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِنَّ الِاشْتِقَاقَ انْتِظَامُ الصِّيغَتَيْنِ مَعْنًى وَاحِدًا بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ، وَالْمُشَاهَدَةُ مُنْتَفِيَةٌ: يَعْنِي الْقَطْعَ فَلَا تَجُوزُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ سَمِعَ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّهُ بَاعَ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَكَذَا غَيْرُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ سَبَبٌ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سِوَى الْخَبَرِ، إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِحُضُورِ النَّاسِ الْوِلَادَةَ، إنَّمَا يَرَوْنَ الْوَلَدَ مَعَ أُمِّهِ أَوْ مُرْضِعَتِهِ وَيَنْسِبُونَهُ إلَى الزَّوْجِ فَيَقُولُونَ هُوَ ابْنُ فُلَانٍ، وَكَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا إلَّا الْأَقَارِبُ، فَإِذَا رَأَوْا الْجِنَازَةَ وَالدَّفْنَ حَكَمُوا بِمَوْتِ فُلَانٍ، وَكَذَا النِّكَاحُ لَا يَحْضُرُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا يُخْبِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ، وَكَذَا الدُّخُولُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِأَمَارَاتِ فَإِنَّ الْوَطْءَ لَا يُشَاهَدُ، وَكَذَا وِلَايَةُ السُّلْطَانِ لِلْقَاضِي لَا يَحْضُرُهَا إلَّا الْخَوَاصُّ، وَإِنَّمَا يَحْضُرُونَ جُلُوسَهُ وَتَصَدِّيهِ لِلْأَحْكَامِ، وَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ عِلْمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَالِبًا لَا يَحْصُلُ إلَّا لِبَعْضِ أَفْرَادٍ وَأَنَّ النَّاسَ يَعْتَمِدُونَ فِيهِ عَلَى الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ مُسَوِّغًا لِلشَّهَادَةِ وَإِلَّا ضَاعَتْ حُقُوقٌ عَظِيمَةٌ تَبْقَى عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ كَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِرْثِ وَالْمَوْتِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِثْلُ الْعِدَّةِ وَالْإِحْصَانِ وَكَمَالِ الْمَهْرِ فِي الدُّخُولِ، وَالْحَاسِمُ لِمَادَّةِ الشَّغَبِ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَنَّهَا زَوْجَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، وَأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بْنَ الْخَطَّابِ، وَأَنَّ شُرَيْحًا كَانَ قَاضِيًا، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتُوا وَإِنْ لَمْ نُعَايِنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَحُكِيَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ

فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَسْمَعُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالِاشْتِهَارِ وَذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ. وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ فَيَكُونُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بَعْضُ الْحَرَجِ، وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الدُّخُولِ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ الدُّخُولَ يُثْبِتَ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ. وَنَصَّ الْخَصَّافُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَشْتَهِرُ، بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّهُ فَاحِشَةٌ تُسْتَرُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ) فَيَشْهَدَ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَمِيرٌ أَوْ قَاضٍ، أَمَّا إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ عَنْ تَسَامُعٍ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، كَمَا أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالْمِلْكِ لِمُعَايَنَةِ الْيَدِ حَلَّ لَهُ وَتُقْبَلُ، وَلَوْ فَسَّرَ فَقَالَ لِأَنِّي رَأَيْتهَا فِي يَدِهِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: شَهِدَا عَلَى النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ وَفَسَّرَا وَقَالَا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ قَوْمٍ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ لَا تُقْبَلُ. وَقِيلَ تُقْبَلُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ: لَوْ قَالَا أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مَنْ نَثِقُ بِهِ تُقْبَلُ وَجَعَلَهُ الْأَصَحَّ وَاخْتَارَهُ الْخَصَّافُ. وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ: لَوْ شَهِدَ عَلَى النِّكَاحِ فَسَأَلَهُمَا الْقَاضِي هَلْ كُنْتُمَا حَاضِرَيْنِ فَقَالَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُمَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ كَأَنَّهُمَا قَالَا لَمْ نُعَايِنْ. وَلَوْ شَهِدَا وَقَالَا سَمِعْنَا لَا تُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُمَا دَفَنَاهُ أَوْ قَالَا شَهِدْنَا جِنَازَتَهُ تُقْبَلُ. وَلَوْ شَهِدَ بِالْمَوْتِ وَاحِدٌ وَآخَرُ بِالْحَيَاةِ تَأْخُذُ امْرَأَتُهُ بِشَهَادَةِ الْمَوْتِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْعَارِضَ، ذَكَرَهُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ أَخْبَرَهَا وَاحِدٌ بِمَوْتِهِ وَاثْنَانِ بِحَيَاتِهِ، إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ بِالْمَوْتِ عَدْلًا

أَمَّا إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كَمَا أَنَّ مُعَايَنَةَ الْيَدِ فِي الْأَمْلَاكِ تُطْلِقُ الشَّهَادَةَ، ثُمَّ إذَا فَسَّرَ لَا تُقْبَلُ كَذَا هَذَا. وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا جَلَسَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْخُصُومُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى كَوْنِهِ قَاضِيًا وَكَذَا إذَا رَأَى رَجُلًا وَامْرَأَةً يَسْكُنَانِ بَيْتًا وَيَنْبَسِطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ كَمَا إذَا رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ. وَمَنْ شَهِدَ أَنَّهُ شَهِدَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ، حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قَبْلَهُ ثُمَّ قَصَرَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكِتَابِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ وَالْوَقْفِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَشْهَدُ أَنَّهُ عَايَنَ مَوْتَهُ أَوْ جِنَازَتَهُ وَسِعَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. ثُمَّ قَالَ: هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا، فَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ شَاهِدِي الْحَيَاةِ بَعْدَ تَارِيخِ شَاهِدِ الْمَوْتِ فَشَهَادَةُ شَاهِدِي الْحَيَاةِ أَوْلَى وَكَذَا بِقَتْلِهِ انْتَهَى. وَأَطْلَقَ فِي وَصَايَا عِصَامِ الدِّينِ فَقَالَ: شَهِدَا أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَآخَرَانِ عَلَى الْحَيَاةِ فَالْمَوْتُ أَوْلَى. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: شَهِدَ عِنْدَهَا عَدْلٌ أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ هَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ؟ رِوَايَتَانِ: فِي السِّيَرِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ. وَمِنْ فُرُوعِ التَّسَامُعِ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ: سَمِعْت أَنَّ زَوْجَكِ مَاتَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ أَخْبَرَهَا جَمَاعَةٌ أَنَّهُ حَيٌّ إنْ صَدَّقَتْ الْأَوَّلَ يَصِحُّ النِّكَاحَ. وَفِي الْمُنْتَقَى لَمْ يَشْتَرِطْ تَصْدِيقَهَا بَلْ شَرَطَ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فَقَطْ، وَقَدْ يَخَالُ أَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَلِّ إقْدَامِهَا وَعَدَمِهِ، وَهَذَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ وَاسْتَحَقَّهَا الزَّوْجُ الثَّانِي ظَاهِرًا، وَالشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ إذَا أَخْبَرَهَا وَاحِدٌ عَدْلٌ أَوْ شَهِدَ عِنْدَ وَلِيِّهَا بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَوَقَعَ فِي قَلْبِهَا صِدْقُهُ لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ. وَذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ أَيْضًا فِيهِ إنَّمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى الْمَوْتِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِأَنْ كَانَ عَالِمًا أَوْ مِنْ الْعُمَّالِ، أَمَّا إذَا كَانَ تَاجِرًا أَوْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ اسْتِثْنَاءَ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: إلَّا فِي النَّسَبِ إلَى آخَرِ الْأَشْيَاءِ

وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ، إلَّا أَنَّا نَقُولُ الْوَلَاءُ يُبْتَنَى عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فَكَذَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي أَصْلِهِ دُونَ شَرَائِطِهِ، لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يَشْتَهِرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَمْسَةِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ وَالْوَقْفِ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِيهِمَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ بِالتَّسَامُعِ رَجَعَ إلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَسْمَعَا الْعِتْقَ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ تَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَفِي النَّسَبِ تَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ، فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّ قَنْبَرًا مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَبِلَالًا مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْعِتْقِ، وَالْعِتْقُ لِقَوْلِهِ قَوْلًا يُسْمَعُ، وَكَثِيرًا مَا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ، وَلَيْسَ تَجْوِيزُنَا بِالسَّمَاعِ لِكَوْنِ الشَّيْءِ مِمَّا يَشْتَهِرُ بَلْ لِلضَّرُورَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّسَبَ لَا يُرَى إذْ لَا يُرَى الْعُلُوقُ، وَكَذَا تَقْلِيدُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ إلَّا الْخَوَاصُّ وَالْمَوْتُ وَالْبَاقِي فَيُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ. وَكَوْنُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَنَحْوُهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ الْحَقِّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ لَا خِلَافَ فِي الْعِتْقِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بِالتَّسَامُعِ، وَعَلَيْهِ نَصَّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْعِتْقِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ خِلَافًا لَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَشَرَطَ الْخَصَّافُ فِي الْوَلَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ شَرْطًا لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ مَشْهُورًا وَلِلْمُعْتِقِ أَبَوَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ عَلَيْهِ فِي أَصْلِهِ) وَقَالَ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ: قَالَ مُحَمَّدٌ تَجُوزُ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يَشْتَهِرُ لَيْسَ بِذَاكَ، وَالْوَجْهُ فِي التَّوْجِيهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا مِمَّا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ لَكِنَّهُ فِي تَوَالِي الْأَعْصَارِ تَبِيدُ الشُّهُودُ وَالْأَوْرَاقُ مَعَ اشْتِهَارِ وَقْفِيَّتِهِ فَيَبْقَى فِي الْبَقَاءِ سَائِبَةٌ إنْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ بِهِ بِالتَّسَامُعِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ فَالصَّحِيحُ إلَخْ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ. قَالَ بَعْضُهُمْ تَحِلُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَحِلُّ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَجُوزُ عَلَى أَصْلِ الْوَقْفِ بِالتَّسَامُعِ لَا عَلَى شَرَائِطِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ مَعْنَى الشُّرُوطِ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بَلْ أَنْ يَقُولَ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهَا بِكَذَا وَكَذَا وَالْبَاقِي كَذَا وَكَذَا. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْوَاقِفَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ. وَنَصٌّ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ قَدِيمًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ

قَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ) لِأَنَّ الْيَدَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ إذْ هِيَ مَرْجِعُ الدَّلَالَةِ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا فَيَكْتَفِي بِهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِفِ، وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْجِهَةَ لَا تَجُوزُ وَلَا تُقْبَلُ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولُوا وَقْفٌ عَلَى كَذَا. ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذُكِرَ هُنَا. وَفِي الْأَصْلِ صُورَتُهُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِالتَّسَامُعِ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِغَلَّتِهَا فَيُصْرَفُ إلَى كَذَا ثُمَّ مَا فَضُلَ يُصْرَفُ إلَى كَذَا لَا يُشْهَدُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِالتَّسَامُعِ، وَهَكَذَا قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. قَالَ: وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِمْ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِهَةِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ فَيُصْرَفُ إلَى كَذَا وَكَذَا، وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ. ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى وَالْمُخْتَارِ أَنْ تُقْبَلَ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ أَيْضًا. وَأَنْتَ إذَا عَرَفْت قَوْلَهُمْ فِي الْأَوْقَافِ الَّتِي انْقَطَعَ ثُبُوتُهَا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا شَرَائِطُ وَمَصَارِفُ أَنَّهَا يَسْلُكُ بِهَا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ لَمْ تَقِفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ إلَخْ) صُورَتُهَا: رَأَى عَيْنًا سِوَى مَا اسْتَثْنَاهُ فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَآهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمِلْكَ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ الْمِلْكَ يُعْرَفُ بِالظَّاهِرِ وَالْيَدُ بِلَا مُنَازَعٍ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَلَا دَلِيلَ سِوَاهُ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يُعَايِنَ سَبَبُ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَمَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَشَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الثَّانِي حَتَّى يَكُونَ مِلْكُ الْأَوَّلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَلِّ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أُسْنِدَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَفْظُهُ وَعَنْهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَالُوا يَعْنِي الْمَشَايِخَ:

قَالُوا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرِّوَايَةِ فَيَكُونُ شَرْطًا عَلَى الِاتِّفَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَلِيلُ الْمِلْكِ الْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى إنَابَةٍ وَمِلْكٍ. قُلْنَا: وَالتَّصَرُّفُ يَتَنَوَّعُ أَيْضًا إلَى نِيَابَةٍ وَأَصَالَةٍ. ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ عَايَنَ الْمَالِكُ الْمِلْكَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الرِّوَايَةِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْكُلِّ وَبِهِ نَأْخُذُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي حِلِّ الشَّهَادَةِ الْيَقِينُ لِمَا عُرِفَ، فَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ يُصَارُ إلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَلْبُ لِأَنَّ كَوْنَ الْيَدِ مُسَوِّغًا بِسَبَبِ إفَادَتِهَا ظَنَّ الْمِلْكِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْقَلْبِ ذَلِكَ لَا ظَنَّ فَلَمْ يُفِدْ مُجَرَّدَ الْيَدِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا رَأَى إنْسَانٌ دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَعُرِفَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْيَدِ لَا يَكْفِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دَلِيلُ الْمِلْكِ الْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَهُوَ الْخَصَّافُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْيَدَ تَتَنَوَّعُ إلَى مِلْكٍ وَنِيَابَةٍ وَضَمَانٍ. قُلْنَا: وَكَذَا التَّصَرُّفُ أَيْضًا فَلَمْ يَزُلْ احْتِمَالُ عَدَمِ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ الشَّهَادَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ إنَّهُ شَهِدَ بِنَاءً عَلَى الْيَدِ لَا تُقْبَلُ، وَهَذَا لِأَنَّ مُعَايَنَةَ الْيَدِ مُطْلِقٌ لِلشَّهَادَةِ مُجَوِّزٌ لَهَا لَا مُوجِبٌ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ وَالْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ بِالشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِالْعِمَارَةِ وَالْهَدْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَانِبِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهَا فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِهِ مِلْكُهُ لِأَنَّ الْعِيَانَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ بَلْ لِلْجَوَازِ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ عَايَنَ الْمِلْكَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يُعَايِنَ الْمِلْكَ وَالْمَالِكَ، وَهُوَ إنْ عَرَفَ الْمَالِكَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ

إذَا عَايَنَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ دُونَ الْمَالِكِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَيَحْصُلُ مَعْرِفَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْهَا أَوْ عَايَنَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكِ لَا يَحِلُّ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهِهِ وَعَرَفَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ وَرَآهُ فِي يَدِهِ بِلَا مُنَازَعٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ آخَرَ فَجَاءَ الْأَوَّلُ وَادَّعَاهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْمَمْلُوكُ. الثَّانِي أَنْ يُعَايِنَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ بِأَنْ عَايَنَ مِلْكًا بِحُدُودِهِ يُنْسَبُ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ ثُمَّ جَاءَ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ الْمِلْكُ وَادَّعَى مِلْكَ هَذَا الْمَحْدُودِ عَلَى شَخْصٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ، فَكَذَا فِي الْمَشْهُودِ لَهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمِلْكَ الْمَشْهُودَ بِهِ مَعْلُومٌ وَالنَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَصَارَ الْمَالِكُ مَعْلُومًا بِالتَّسَامُعِ أَيْضًا. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ بِالتَّسَامُعِ. وَأُجِيبَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ هُنَا لَيْسَتْ قَصْدًا بَلْ بِالنَّسَبِ وَفِي ضِمْنِهِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فَيَجُوزُ، وَهُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِنَسَبِ الْمَالِكِ بِالتَّسَامُعِ وَثَبَتَ مُلْكُهُ فِي ضِمْنِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْمُتَضَمِّنِ لَا الْمُتَضَمَّنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يُوجِبْ ثُبُوتَ مِلْكِهِ لِتِلْكَ الضَّيْعَةِ لَوْلَا الشَّهَادَةُ بِهِ، وَكَذَا الْمَقْصُودُ لَيْسَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بَلْ الْمِلْكِ فِي الضَّيْعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا قَالَ النَّاضِحِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ امْرَأَةً لَا تَخْرُجُ وَلَا يَرَاهَا الرِّجَالُ، فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ مَشْهُورًا أَنَّهُ لَهَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ لِأَنَّ شُهْرَةَ الِاسْمِ كَالْمُعَايَنَةِ. الثَّالِثُ أَنْ لَا يُعَايِنَ الْمِلْكَ وَلَا الْمَالِكَ بَلْ سَمِعَ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ ضَيْعَةً فِي قَرْيَةِ كَذَا حُدُودُهَا كَذَا وَهُوَ لَمْ يَعْرِفْ تِلْكَ الضَّيْعَةَ وَلَمْ يُعَايِنْ يَدَهُ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. الرَّابِعُ أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ بِأَنْ عَرَفَهُ مَعْرِفَةً تَامَّةً كَمَا ذَكَرْنَا وَسَمِعَ أَنَّ لَهُ ضَيْعَةً فِي كُورَةِ كَذَا وَهُوَ

وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُمَا رَقِيقَانِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُمَا رَقِيقَانِ إلَّا أَنَّهُمَا صَغِيرَانِ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَذَلِكَ مَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيُدْفَعُ يَدُ الْغَيْرِ عَنْهُمَا فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْمِلْكِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالثِّيَابِ، وَالْفَرْقُ مَا بَيِّنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ بِعَيْنِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَحْدُودِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ) يَعْنِي إذَا عَايَنَهُمَا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَخْدُمَانِهِ إذَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُمَا رَقِيقَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُمَا مِلْكَهُ سَوَاءٌ كَانَا صَغِيرَيْنِ أَوْ كَبِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِوَصْفِ الرِّقِّ لَا يَدَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَقَدْ شُوهِدَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَكَانَ كَرُؤْيَةِ ثَوْبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رِقَّهُمَا، فَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ: أَيْ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمِلْكِهِمَا لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا لَا يَدَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ: أَيْ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا صَبِيَّيْنِ عَاقِلَيْنِ أَوْ بَالِغَيْنِ بِهِ صَرَّحَ الْمَحْبُوبِيُّ فَهُوَ مَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَتَدْفَعُ الْغَيْرَ عَنْهُمَا، حَتَّى أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يَعْقِلُ لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ جَازَ إقْرَارُهُ وَيَصْنَعُ الْمُقِرُّ لَهُ بِهِ مَا يَصْنَعُ بِمَمْلُوكِهِ، وَإِذَا كَانَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا تَكُونُ الْيَدُ دَلِيلَ الْمِلْكِ إذْ الْحُرُّ قَدْ يَخْدُمُ الْحُرَّ خِدْمَةَ الْعَبِيدِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ يُهْدَرُ إذَا كَانَا لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا فَلَا يَزَالُ اعْتِبَارُهُ إلَّا بِإِقْرَارِهِمَا بِالرِّقِّ، فَإِنْ لَمْ يُقِرَّا لَا تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِمَا بِهِ، وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا الْحُرِّيَّةَ بَعْدَمَا كَبِرَا فِي يَدِ مَنْ هُمَا فِي يَدِهِ لِظُهُورِ الرِّقِّ عَلَيْهِمَا بِالْيَدِ فِي حَالِ صِغَرِهِمَا. هَذَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الْكَبِيرَيْنِ أَيْضًا، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَجَعَلُوا الْيَدَ فِي الْكُلِّ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَبْدًا أَوْ أَمَةً فِي يَدِ غَيْرِهِ وَذُو الْيَدِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ فَالْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِقِيَامِ يَدِهِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا) يُرِيدُ كَوْنَ يَدَيْهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَتُدْفَعُ الْيَدُ عَنْهُمَا.

[باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل]

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى السَّمَاعِ وَلَا خَلَلَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ غَيْرُ مُوفٍ وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ] (بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) لَمَّا ذَكَرَ تَفْصِيلَ مَا يُسْمَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ وَأَخَّرَهُ لِأَنَّ الْمَحَالَّ شُرُوطٌ وَالشَّرْطُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ التُّهْمَةَ تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ» وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ مَرَّةً بِعَدَمِ الْعَدَالَةِ وَمَرَّةً بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ مَعَ قِيَامِ الْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَمِيَ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ أَوْ لَا تَجُوزُ (وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّسَامُعُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ لِلسَّمَاعِ وَلَا خَلَلَ فِي سَمْعِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيِّ. وَتُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِالسَّمَاعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمَاعُ، وَمَا لَا يَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ ثُمَّ عَمِيَ عِنْدَ الْأَدَاءِ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ، وَفِيهِ شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ وَالنِّسْبَةِ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ فَصَارَ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَلَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ كَفَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ (وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ) وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ (وَفِيهِ) أَيْ فِي التَّمْيِيزِ بِالنَّغْمَةِ (شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ) فَلَمْ تَقَعْ ضَرُورَةٌ إلَى إهْدَارِ هَذِهِ التُّهْمَةِ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْأَعْمَى زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِجِنْسِ

لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ وَقَدْ بَطَلَتْ وَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا، لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ. (قَالَ وَلَا الْمَمْلُوكِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ لَا يَلِي نَفْسَهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّسَاءِ فَأُهْدِرَتْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِالنِّسْبَةِ فِي تَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِجِنْسِ الْمَشْهُودِ، عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ لَمْ تَقَعْ إلَى وَكِيلِ الْغَائِبِ وَوَصِيِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِلْحَاقِ بِالْحُدُودِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تُقْبَلُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ بَلْ مَا تَقَدَّمَ يَكْفِي إذْ الرَّدُّ بِتُهْمَةٍ مَا فِي الْحُدُودِ لَا يَسْتَلْزِمُ الرَّدَّ بِمِثْلِهَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ تِلْكَ يُحْتَاطُ فِي دَرْءِ الْحُكْمِ فِيهَا. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَدَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَجَازَ كَوْنُهُ كَانَ فِي حَدٍّ وَنَفْيِهِ، وَقَيَّدَ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا إذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُ فِي الدَّيْنِ وَالْعَقَارِ. أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ فَأَجْمَعَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ. وَاسْتُشْكِلَ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَإِنَّ الشُّهُودَ لَا يُشِيرُونَ إلَى أَحَدٍ وَتُقْبَلُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ فِيهِ يَعْرِفُونَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ لَوْ رَأَيْنَاهُ عَرَفْنَاهُ، وَالْأَعْمَى لَا يَعْرِفُهُ، إذْ لَوْ رَآهُ لَمْ يَعْرِفْهُ حَتَّى لَوْ قَالُوا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لَا نَعْرِفُهُ الْيَوْمَ لَمْ تُقْبَلْ. وَأَيْضًا فَنَقُولُ: كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا ضَرُورَةَ فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِجِنْسِ الشُّهُودِ هَذَا. قَالَ: فَلَوْ أَدَّى بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الْقَضَاءِ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شُرِطَ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَةِ الشَّهَادَةِ حُجَّةً عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرَادُ لِلْقَضَاءِ فَمَا يَمْنَعُ الْأَدَاءَ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ، وَالْعَمَى وَالْخَرَسُ وَالْجُنُونُ وَالْفِسْقُ يَمْنَعُ الْأَدَاءَ فَيَمْنَعُ الْقَضَاءَ، وَأَبُو يُوسُفَ قَاسَهُ بِمَا إذَا غَابَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ مَاتَ. قُلْنَا: بِالْمَوْتِ انْتَهَتْ الشَّهَادَةُ وَتَمَّتْ بِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ، بِخِلَافِ الْعَمَى فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لَهَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَنُقِضَ بِأَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ فِيهِ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ التُّهْمَةِ فِي الْإِشَارَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقَبُولِ مِنْ الْأَعْمَى لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ فِي نِسْبَتِهِ وَهُنَا تَتَحَقَّقُ فِي نِسْبَتِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأُمُورٍ أُخَرَ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَمْلُوكِ) أَيْ الرَّقِيقِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ تُقْبَلُ عَلَى الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تُقْبَلُ عَلَى مِثْلِهِ لَا الْأَحْرَارِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ

(وَلَا الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَلِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَانِعًا فَيَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ كَأَصْلِهِ، بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِلْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَنْعِ عَدَمُ وِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا هُوَ إلَّا مَعْنًى ضَعِيفٌ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ الْعَبْدِ وَتَمَامِ تَمَيُّزِهِ وَعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِعَارِضٍ يَخُصُّهُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى لَا لِنَقْصٍ فِي عَقْلِهِ وَلَا خَلَلٍ فِي تَحَمُّلِهِ وَضَبْطِهِ فَلَا مَانِعَ. وَأَمَّا ادِّعَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ فَلَمْ يَصِحَّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: شَهَادَةُ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا. وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ وَزُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إلَّا الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ. وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ شُرَيْحٌ كُلُّكُمْ بَنُو عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّبِيِّ عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ مَالِكٍ تُقْبَل فِي الْجِرَاحِ إذَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِأَمْرٍ مُبَاحٍ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْوَجْهُ أَنْ لَا تُقْبَلُ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَرُبَّمَا يَقْدَمُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. [فُرُوعٌ] إذَا تَحَمَّلَ شَهَادَةً لِمَوْلَاهُ فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى عَتَقَ فَأَدَّاهَا بَعْدَ الْعِتْقِ قُبِلَتْ، كَالصَّبِيِّ إذَا تَحَمَّلَ فَأَدَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَذَا الَّذِي إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَدَّى جَازَ. (قَوْلُهُ وَلَا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ تُقْبَلُ إذَا تَابَ، وَالْمُرَادُ بِتَوْبَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [النور: 5] وَقِيلَ لَا لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ قَبْلَ شَهَادَتِكَ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ كَانَ مِنْ الْعُبَّادِ وَحَالُهُ فِي الْعِبَادَةِ مَعْلُومٌ. فَصَلَاحُ الْعَمَلِ كَانَ ثَابِتًا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّوْبَةُ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ إلَى الْكُلِّ، وَالْمَسْأَلَةُ مُحَرَّرَةٌ فِي الْأُصُولِ، وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً هَلْ

تُقْبَلُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] اسْتَثْنَى التَّائِبَ. قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ أَوْ إلَى الْأَخِيرَةِ؟ عِنْدَنَا إلَى الْأَخِيرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ثَلَاثُ جُمَلٍ هِيَ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] ... ... {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] ... ... ، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَالظَّاهِرُ مِنْ عَطْفِ " وَلَا تَقْبَلُوا " أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْحَدِّ لِلْعَطْفِ مَعَ الْمُنَاسَبَةِ وَقَيْدِ التَّأْبِيدِ. أَمَّا الْمُنَاسَبَةُ فَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مُؤْلِمٌ لِقَلْبِهِ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِ لِسَانِهِ كَمَا أَنَّهُ آلَمَ قَلْبَ الْمَقْذُوفِ بِسَبَبِ فِعْلِ لِسَانِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» فَإِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْحَدَّ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَصْلُحُ مَانِعًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ فِعْلِهِ، وَالتَّغْرِيبُ سَبَبُ لِزِيَادَةِ الْوُقُوعُ لِأَنَّهُ لِغُرْبَتِهِ وَعَدَمِ مَنْ يَعْرِفُهُ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ أَحَدٍ يُرَاقِبُهُ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ لَهُ دَاعِيَةَ الزِّنَا أَوْسَعَ فِيهِ، وَكَذَا قَيْدُ التَّأْبِيدِ لَا فَائِدَةَ لَهُ إلَّا تَأْيِيدُ الرَّدِّ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً. {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ تَعْلِيلِ عَدَمِ الْقَبُولِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى الَّذِينَ تَابُوا، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَيْسَ إلَّا لِلْفِسْقِ وَيَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْبِيدِ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَبُولِ بِالتَّوْبَةِ. وَأَمَّا رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ قَوْله تَعَالَى فِي الْمُحَارَبِينَ {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] حَتَّى سَقَطَ عَنْهُمْ الْحَدُّ فَلِدَلِيلٍ اقْتَضَاهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْأَخِيرَةِ: أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7] لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَائِدَةٌ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْعَذَابَ. فَفَائِدَةُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] لَيْسَ إلَّا سُقُوطُ الْحَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّا إنَّمَا نَقُولُ بِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ دَلِيلِ عَوْدِهِ إلَى الْكُلِّ، فَأَمَّا إذَا اقْتَرَنَ بِهِ عَادَ إلَيْهَا كَمَا يَقُولُ هُوَ إنَّ عَوْدَهُ إلَى الْكُلِّ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ دَلِيلِ عَوْدِهِ إلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ وَلَوْ اقْتَرَنَ بِهِ عَادَ إلَيْهَا فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْحُدُودِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِمَا يُوجِبُ أَنَّ الرَّدَّ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ فَكَانَ قِيَاسًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ. لَا يُقَالُ: رَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ يَنْفِي الْفَائِدَةَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ شَرْعًا أَنَّ التَّوْبَةَ تُزِيلُ الْفِسْقَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: كَوْنُ التَّوْبَةِ تُزِيلُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُعْرَفُ عَقْلًا بَلْ سَمْعًا، وَذَلِكَ بِإِيرَادِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَهَذَا مِنْهُ، وَكَوْنُ آيَةٍ أُخْرَى تُفِيدُهُ لَا يَضُرُّ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ طَرِيقَ الْقُرْآنِ تَكْرَارُ الدَّوَالِّ خُصُوصًا إذَا كَانَ مَطْلُوبُ التَّأْكِيدِ {كَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} وَقَدْ تَكَرَّرَ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] لِذَلِكَ الْغَرَضِ، فَفِي آيَةِ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] إلَى قَوْلِهِ {فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 160] . وَفِي أُخْرَى {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} [مريم: 60] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60] وَفِي أُخْرَى {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] وَمَوَاضِعُ أُخْرَى عَدِيدَةٌ، وَلَمْ يُسْمَعْ أَنْ يُقَالَ فِي أَحَدِهَا قَدْ عُرِفَ هَذَا بِآيَةٍ أُخْرَى فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا إلَّا مَنْ أَقْدَمَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مِنْهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعِبَادِ لِيُؤَكِّدَ هَذَا الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَعَسَى أَنْ لَا يَسْمَعَهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَإِذَا تَعَدَّدَتْ مَوَاضِعُهُ فَمَنْ لَمْ

أَوْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ. (وَلَوْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةٌ فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَبِالْإِسْلَامِ حَدَّثَتْ لَهُ شَهَادَةٌ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فَتَمَامُ حَدِّهِ يَرُدُّ شَهَادَتَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْمَعْ تِلْكَ الْآيَةَ سَمِعَ تِلْكَ، وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ تِلْكَ سَمِعَ أُخْرَى فَكَانَ فِي تَعْدَادِهِ إفَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى نَصْبَ مَظِنَّةِ عِلْمِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ مَعَ تَأْكِيدِ جَانِبِ عَفْوِهِ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَك فَفِي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَلَوْ تَرَكْنَا النَّظَرَ فِي ذَلِكَ كَانَ مُعَارَضًا بِمَا قَالَهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي كِتَابِهِ لَهُ: وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَجْلُودًا فِي قَذْفٍ، أَوْ مُجَرَّبًا فِي شَهَادَةِ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا بِقَرَابَةٍ. وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» وَبِقَوْلِنَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ (أَوْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ) وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّائِبِينَ لَيْسُوا دَاخِلِينَ فِي الْفَاسِقِينَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ لَكِنَّ الَّذِينَ تَابُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: أَيْ يَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ، وَإِذَا كَانَ الرَّدُّ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَانِعًا: أَيْ زَاجِرًا يَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ كَأَصْلِهِ: أَيْ كَأَصْلِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، فَكَذَا مَا كَانَ تَمَامًا لَهُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ عَلَى صِدْقِهِ بَعْدَ الْحَدِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً) فِي الْجُمْلَةِ

(قَالَ وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْآبَاءِ مُتَّصِلَةٌ لِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ فَتَكُونُ شَهَادَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ شَهَادَتِهِ، وَبِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ لَهُ شَهَادَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أُعْتِقَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ إذْ ذَاكَ، فَلَزِمَ كَوْنُ تَتْمِيمِ حَدِّهِ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ لَهُ. وَقَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُحَدُّ حَيْثُ تَوَقَّفَ حُكْمُ الْمُوجِبِ فِي الْعَبْدِ إلَى أَنْ أَمْكَنَ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِي الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى الْإِمْكَانِ بِالْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا أَصْلًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ مُخَاطَبًا بِإِقَامَتِهِ أَصْلًا لِأَنَّ الْقُدْرَةَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ، فَلَوْ حَدَّهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ آخَرَ كَانَ بِلَا مُوجِبٍ، وَغَيْرُ الْمُوجِبِ لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِنَفْسِهِ خُصُوصًا فِي الْحَدِّ الْمَطْلُوبِ دَرْؤُهُ. أَمَّا قَذْفُ الْعَبْدِ فَمُوجِبٌ حَالَ صُدُورِهِ لِلْحَدِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَمَامُهُ فِي الْحَالِ فَتَوَقَّفَ تَتْمِيمُهُ عَلَى حُدُوثِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فَرْقَ الْمُصَنِّفِ: هَذَا الْفَرْقُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ فِي الدِّيَانَاتِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى أَنْ لَا تُقْبَلَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَافِرَ بِالْإِسْلَامِ اسْتَفَادَ عَدَالَةً لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ، وَهَذِهِ الْعَدَالَةُ لَمْ تَصِرْ مَجْرُوحَةً بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ بِالْعِتْقِ لَا يَسْتَفِيدُ عَدَالَةً لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلُ وَقَدْ صَارَتْ عَدَالَتُهُ مَجْرُوحَةً بِإِقَامَةِ الْحَدِّ. ثُمَّ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْيِيدِ الْجَوَابِ فِي الْعَبْدِ بِكَوْنِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْحَدِّ فِي قَوْلِهِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحَدَّ حَتَّى عَتَقَ فَحُدَّ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا، وَلَكِنْ وَضَعَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ سِيقَ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ لَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حُدَّ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ حُدَّ بَعْضَ الْحَدِّ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَبَعْضَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَمَرَّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ تَمَامُ الْحَدِّ، تَسْقُطُ إذَا أُقِيمَ أَكْثَرُهُ، تَسْقُطُ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْحُكْمُ شَرْعًا بِكَذِبِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ) وَإِنْ عَلَا لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ (وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ) أَمَّا الْوَلَدُ مِنْ الرَّضَاعِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا تُقْبَلُ " إلَخْ. وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَلَا الْأَبُ لِابْنِهِ، وَلَا الْمَرْأَةُ

لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ تَتَمَكَّنُ فِيهِ التُّهْمَةُ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ عَلَى مَا قَالُوا التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَقِيلَ الْمُرَادُ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهِرَةً أَوْ مُيَاوَمَةً فَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمَنَافِعِهِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِزَوْجِهَا، وَلَا الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ، وَلَا الشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ فِي الشَّيْءِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ فِي غَيْرِهِ وَلَا الْأَجِيرُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَلَا الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ " انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ وَأَخْرَجَا نَحْوَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، لَكِنَّ الْخَصَّافَ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَكَابِرُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ رَوَاهُ بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ثِنَا صَالِحُ بْنُ زُرَيْقٍ وَكَانَ ثِقَةً: ثِنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الشَّامِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ. وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ، وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَلَا السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ، وَلَا الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ، وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ» انْتَهَى. وَقَدْ فَسَّرَ فِي رِوَايَةِ شُرَيْحٍ أَمْرَ الشَّرِيكِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ شَهَادَةَ الْخَائِنِ وَالْخَائِنَةِ وَذِي الْغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ وَشَهَادَةَ الْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ وَأَجَازَهَا لِغَيْرِهِمْ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: الْغَمْرُ الشَّحْنَاءُ، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَعَنْهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا، وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ، وَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فِي ابْنِ مَاجَهْ وَآدَمُ بْنُ فَائِدٍ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الْقَانِعَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا مَجْلُودٍ حُدَّا، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ. وَلَا مُجَرَّبٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ، وَلَا الْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا ظَنِينٍ فِي وَلَاءٍ وَلَا قَرَابَةٍ» انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَهُوَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ: وَالْغَمْرُ الْعَدَاوَةُ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغَمْرُ الْعَدَاوَةُ، وَالْقَانِعُ التَّابِعُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ كَالْخَادِمِ لَهُمْ. قَالَ: يَعْنِي وَيَطْلُبُ مَعَاشَهُ مِنْهُمْ. وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ. فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ. فَإِذَا ثَبَتَ رَدُّ الْقَانِعِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَالْوَلَدُ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِثُبُوتِهِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَالِدُ وَنَحْوُهُمَا أَوْلَى بِالرَّدِّ. لِأَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ أَعْظَمُ فِي ذَلِكَ فَيَثْبُتُ حِينَئِذٍ رَدُّ شَهَادَتِهِمْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمَذْكُورِ فِيهِ «وَلَا ظَنِينَ فِي وَلَاءٍ وَلَا قَرَابَةٍ» وَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ مُضَعَّفًا. إذْ لَيْسَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ كُلُّ مَا يَرْوِيهِ بَاطِلٌ إنَّمَا يُرَدُّ بِتُهْمَةِ الْغَلَطِ لِضَعْفِهِ، فَإِذَا قَامَتْ دَلَالَةٌ أَنَّهُ أَجَادَ فِي هَذَا الْمَتْنِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْآبَاءِ مُتَّصِلَةٌ فَتَكُونُ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلِكَوْنِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ كَنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَجُزْ شَرْعًا وَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهِمْ، وَعَلَى هَذَا كَانَ شُرَيْحٌ " حَتَّى رَدَّ شَهَادَةَ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ شَهِدَ مَعَ قَنْبَرٍ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا سَمِعْتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ: نَعَمْ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَكِنْ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ، فَقِيلَ عَزَلَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ وَزَادَ فِي رِزْقِهِ " فَقِيلَ رَجَعَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى قَوْلِهِ، وَقَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ عَلَى مَا قَالُوا التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالتِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُيَاوَمَةً، لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ إجَارَتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَخَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الَّتِي هِيَ الْأَدَاءُ فِي أُجْرَتِهِ فَيَكُونُ مُسْتَوْجِبًا الْأَجْرَ بِهَا فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ مُوجِبًا تَمْلِيكَ مَنَافِعِهِ، وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا تَمْلِيكَ مَنَافِعِهِ بَلْ وَقَعَ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ لَهُ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ فَافْتَرَقَا. وَفِي الْعُيُونِ: قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا فَشَهِدَ لَهُ الْأَجِيرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا فَشَهِدَ فَلَمْ يَعْدِلْ حَتَّى ذَهَبَ الشَّهْرُ ثُمَّ عَدَلَ قَالَ أُبْطِلُهَا كَرَجُلٍ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَلَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ أَجِيرًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ فَإِنِّي أُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ حَتَّى بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ ثُمَّ أَعَادَ الشَّهَادَةَ جَازَتْ، كَالْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا تَجُوزُ. وَمَا فِي زِيَادَاتِ الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ حَمَلَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا حَمَلَ مَا فِي كِتَابِ كَفَالَةِ الْأَصْلِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَصْلِ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِمَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ مُشَاهَرَةً وَإِنْ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ اهـ. وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأُسْتَاذِ لِلتِّلْمِيذِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ فَمَقْبُولَةٌ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِلْمَشْهُودِ لَهُ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ)

وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُتَّصِلٌ عَادَةً وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَيَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ يَصِيرُ مُتَّهَمًا، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ مَمْلُوكًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي مَالِهِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لَهَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. وَجْهُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ: أَيْ كُلُّ يَدٍ فِي حَيِّزٍ غَيْرِ حَيِّزِ الْأُخْرَى فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْهُ مِنْ حَازَ الشَّيْءَ مَنَعَهُ فَلَا اخْتِلَاطَ فِيهَا وَلِهَذَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ لَأَنْ يَنْتَفِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلْمَقْصُودِ عَادَةً وَصَارَ كَالْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ بِمَالٍ لَهُ عَلَى آخَرَ تُقْبَلُ مَعَ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي مَنْفَعَتِهِ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ " وَقَدْ سَمِعْتَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ وَمَرْفُوعٌ مِنْ رِوَايَةِ الْخَصَّافِ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَصٌّ كَفَى الْمَعْنَى فِيهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِجَامِعِ شِدَّةِ الِاتِّصَالِ فِي الْمَنَافِعِ حَتَّى يُعَدَّ كُلٌّ غَنِيًّا بِمَالِ الْآخَرِ. وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] قِيلَ بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَنَافِعِ، وَالِانْبِسَاطُ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ، بَلْ قَدْ يُعَادِي أَبَوَيْهِ لِرِضَا زَوْجَتِهِ وَهِيَ لِرِضَاهُ، وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ أَصْلُ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَنْهَا تَثْبُتُ فَيَلْحَقُ بِالْوِلَادِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى اتِّصَالِ الْمَنَافِعِ كَمَا أَعْطَى كَسْرَ بَيْضِ الصَّيْدِ حُكْمَ قَتْلِ الصَّيْدِ عِنْدَنَا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا زَوْجِيَّةَ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِمُعْتَدَّتِهِ مِنْ رَجْعِيٍّ وَلَا بَائِنٍ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي حَادِثَةٍ فَرُدَّتْ فَارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ ثُمَّ تَابَ وَصَارَ عَدْلًا وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْقَاضِي لَمَّا رَدَّهَا صَارَ مُكَذَّبًا فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ شَرْعًا فَلَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ إذَا رُدَّتْ ثُمَّ أُعْتِقَ وَأَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأَعَادَهَا تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا تُقْبَلُ كَالرَّدِّ لِلْفِسْقِ. قُلْنَا: رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ لَا لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي الرَّدِّ، فَإِذَا صَارُوا أَهْلًا تُقْبَلُ. وَلَوْ قِيلَ الرَّدُّ فِي الْفِسْقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِكَذِبِهِ بَلْ لِمُجَرَّدِ تُهْمَتِهِ بِهِ، وَبِالْإِعَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ تَرْتَفِعُ تُهْمَةُ كَذِبِهِ فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ بِعَيْنِهَا فَيَجِبُ قَبُولُهَا احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ، فَصَارَ الْحَاصِلُ: كُلُّ مَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِمَعْنًى وَزَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى

(وَلَا شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ مِنْ وَجْهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعَى (وَلَا لِمُكَاتَبِهِ) لِمَا قُلْنَا. (وَلَا شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا، وَلَوْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (وَتَقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ) لِانْعِدَامِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ وَمَنَافِعَهَا مُتَبَايِنَةٌ وَلَا بُسُوطَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تُقْبَلُ إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، إلَّا الْعَبْدُ إذَا شَهِدَ فَرُدَّ وَالْكَافِرُ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيُّ إذَا شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمْ فَرُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ وَأَسْلَمَ وَأَبْصَرَ وَبَلَغَ فَشَهِدُوا فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا تُقْبَلُ وَلَا تُقْبَلُ فِيمَا سِوَاهُمْ، وَتُقْبَلُ لِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَأَبِيهَا وَلِزَوْجِ بِنْتِهِ وَلِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَلِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَلِأُخْتِ امْرَأَتِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الْخَصَّافِ، وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَمِنْ وَجْهٍ إذَا كَانَ، وَلِأَنَّ الْحَالَ: أَيْ حَالَ مَالِ الْعَبْدِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى بَيْنَ أَنْ يَصِيرَ لِلْغُرَمَاءِ بِسَبَبِ بَيْعِهِمْ الْمَالَ فِي دَيْنِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَبْقَى لِلْمَوْلَى بِسَبَبِ قَضَائِهِ دَيْنَهُ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَقَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا: يَعْنِي مِنْ أَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَبِي الْمَوْلَى وَابْنِهِ وَامْرَأَتِهِ لِهَؤُلَاءِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمَمْلُوكِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ تُقْبَلَ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ شَهَادَةٌ لِسَيِّدِهِ لَكِنْ مَنَعُوهُ لِلَفْظِ النَّصِّ السَّابِقِ. " وَلَا الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا " بِخِلَافِ مَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا حَيْثُ تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا وَلِذَا قَالُوا: لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، لِأَنَّ مَا سِوَى هَذِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ تُزَادَ الشَّهَادَةُ بِمَا كَانَ مِنْ طَعَامِ أَهْلِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِسْوَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهِ. (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ) قِيلَ بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ السَّلَفِ: مَنْ قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ، وَلَا شَكَّ فِي ضَعْفِ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لَا بُسُوطَةَ وَلَيْسَ مَظِنَّةً مُلْزِمَةً لِلْإِلْفِ، بَلْ كَثِيرًا مَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ، وَكُلُّ قَرَابَةٍ غَيْرُ الْوِلَادِ كَالْخَالِ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُخَنَّثِ) وَمُرَادُهُ الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، فَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ. (وَلَا نَائِحَةٍ وَلَا مُغَنِّيَةٍ) لِأَنَّهُمَا يَرْتَكِبَانِ مُحَرَّمًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةُ» (وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخَالَةِ وَغَيْرِهِمَا كَالْأَخِ تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُخَنَّثِ، وَمُرَادُهُ الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ) وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ تَعَمُّدًا لِذَلِكَ فِي تَزْيِينِهِ وَتَكْسِيرِ أَعْضَائِهِ وَتَلْيِينِ كَلَامِهِ كَمَا هُوَ صِفَتُهُنَّ لِكَوْنِ ذَلِكَ مَعْصِيَةً. رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ» يَعْنِي الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ، فَكَيْفَ إذَا تَشَبَّهَ بِهِنَّ فِيمَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ خِلْقَةً وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ خِلْقَةً فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا نَائِحَةٍ وَلَا مُغَنِّيَةٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ، فَأَطْلَقَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ، فَوَرَدَ أَنَّهُ تَكْرَارٌ لِعِلْمِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ: مُغَنِّيَةٍ. وَالْوَجْهُ أَنَّ اسْمَ مُغَنِّيَةٍ وَمُغَنٍّ إنَّمَا هُوَ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ كَانَ الْغِنَاءُ حِرْفَتَهُ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا الْمَالَ؛ أَلَا تَرَى إذَا قِيلَ مَا حِرْفَتُهُ أَوْ مَا صِنَاعَتُهُ يُقَالُ مُغَنٍّ كَمَا يُقَالُ خَيَّاطٌ أَوْ حَدَّادٌ، فَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ هُنَا يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّ الْمُؤَنَّثَ بِهِ لِيُوَافِقَ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ النَّائِحَاتِ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُغَنِّيَاتِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لِوَصْفِ التَّغَنِّي لَا لِوَصْفِ الْأُنُوثَةِ وَلَا لِلتَّغَنِّي مَعَ الْأُنُوثَةِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ وَصْفَ الِاشْتِقَاقِ هُوَ الْعِلَّةُ فَقَطْ لَا مَعَ زِيَادَةٍ أُخْرَى. نَعَمْ هُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَفْحَشُ لِرَفْعِ صَوْتِهَا وَهُوَ حَرَامٌ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَفْظُ النَّائِحَةِ صَارَ عُرْفًا لِمَنْ جَعَلَتْ النِّيَاحَةَ مُكْسِبَةً، وَحِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اتَّخَذَ التَّغَنِّي صِنَاعَةً يَأْكُلُ بِهَا لَا مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صِنَاعَتَهُ، وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْغِنَاءَ فِي حَقِّهِنَّ مُطْلَقًا حَرَامٌ لِرَفْعِ صَوْتِهِنَّ وَهُوَ حَرَامٌ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مُغَنِّيَةٍ، وَقَيَّدَ فِي غِنَاءِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ لَا يَخُصُّ الرِّجَالَ لِأَنَّ مَنْ تُطْلَقُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً فَضْلًا عَنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَعًا، وَكَوْنُ صِلَتِهَا وَقَعَتْ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ يُغَنِّي بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتٍ لَا يُوجِبُ خُصُوصَهُ بِالرِّجَالِ

(وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ) لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِصُعُودِهِ عَلَى سَطْحِهِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ وَهُوَ الْمُغَنِّي (وَلَا مَنْ يُغْنِي لِلنَّاسِ) لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا عُرِفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى وَمُرَاعَاةُ اللَّفْظِ وَمُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى التَّأْنِيثِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ. فَإِنْ قُلْت: تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْمَعُ النَّاسِ عَلَى كَبِيرَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ التَّغَنِّي مُطْلَقًا حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مُفَادُهُ بِالذَّاتِ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ بِالذَّاتِ لِأَنَّ كَوْنَ الِاسْتِمَاعِ مُحَرَّمًا لَيْسَ إلَّا لِحُرْمَةِ الْمَسْمُوعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا تَغَنَّى بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ بَلْ نَفْسَهُ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الْوَحْشَةَ لَا يُكْرَهُ. وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ إذَا فَعَلَهُ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ فَصِيحَ اللِّسَانِ. وَقِيلَ وَلَا يُكْرَهُ لِاسْتِمَاعِ النَّاسِ إذَا كَانَ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ لَهْوٍ بِالنَّصِّ فِي الْعُرْسِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّغَنِّي لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ وَلِدَفْعِ الْوَحْشَةِ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُكْرَهُ، إنَّمَا يُكْرَهُ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ احْتِجَاجًا بِمَا عَنْ أَنْسَ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ يَتَغَنَّى، وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَيَحْمِلُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْشُدُ الْأَشْعَارَ الْمُبَاحَةَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْغِنَاءِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْرُوفِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا» وَإِنْشَادُ الْمُبَاحِ مِنْ الْأَشْعَارِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ الْمُبَاحِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصِفَةُ امْرَأَةٍ مُرْسَلَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا حَيَّةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَائِلًا بِتَعْمِيمِ الْمَنْعِ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ التَّغَنِّي الْمُحَرَّمَ هُوَ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالدُّوَيْرَاتِ وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذْ أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ لَا إذَا أَرَادَ إنْشَادَ الشِّعْرِ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِتَعَلُّمِ فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَصْفَ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مَا سَلَفَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ إنْشَادِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مُحْرِمٌ: قَامَتْ تُرِيكَ رَهْبَةً أَنْ تَهْضِمَا ... سَاقًا بَخَنْدَاةٍ وَكَعْبًا أَدْرَمَا وَإِنْشَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنْ يَصْدُقُ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِيهِمَا لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً، فَلَوْلَا أَنَّ إنْشَادَ مَا فِيهِ وَصْفُ امْرَأَةٍ كَذَلِكَ جَائِزٌ لَمْ تَقُلْهُ الصَّحَابَةُ، وَمِمَّا يَقْطَعُ بِهِ فِي هَذَا قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبِينِ إذْ رَحَلُوا ... إلَّا أَغَنَّ غَضِيضُ الطَّرَفِ مَكْحُولُ تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظُلَمٍ إذَا ابْتَسَمَتْ ... كَأَنَّهُ مَنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ وَكَثِيرٌ فِي شِعْرِ حِسَانَ مِنْ هَذَا كَقَوْلِهِ وَقَدْ سَمِعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا: تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ ... تَسْقِي الضَّجِيعَ بِبَارِدٍ بَسَّام فَأَمَّا الزُّهْرِيَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ ذَلِكَ الْمُتَضَمَّنَةُ فِي وَصْفِ الرَّيَاحِينِ وَالْأَزْهَارِ وَالْمِيَاهِ الْمُطْرِبَةِ كَقَوْلِ ابْنِ الْمُعْتَزِّ: سَقَاهَا بِغَابَاتٍ خَلِيجٌ كَأَنَّهُ ... إذَا صَافَحَتْهُ رَاحَةُ الرِّيحِ مُبْرِدُ يَعْنِي سَقَى تِلْكَ الرِّيَاضِ، وَقَوْلُهُ: وَتَرَى الرِّيَاحَ إذَا مَسَحْنَ غَدِيرَهُ ... صَقَلْنَهُ وَنَفَيْنَ كُلَّ قَذَاةِ مَا إنْ يَزَالُ عَلَيْهِ ظَبْيٌ كَارِعًا ... كَتَطَلُّعِ الْحَسْنَاءِ فِي الْمِرْآةِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ عَلَى هَذَا. نَعَمْ إذَا قِيلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلَاهِي امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ مَوَاعِظَ وَحِكَمًا لِلْآلَاتِ نَفْسِهَا لَا لِذَلِكَ التَّغَنِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْمُغَنِّي: الرَّجُلُ الصَّالِحُ إذَا تَغَنَّى بِشَعْرٍ فِيهِ فُحْشٌ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ. وَفِي مُغْنِي ابْنِ قُدَامَةَ: الْمَلَاهِي نَوْعَانِ: مُحَرَّمٌ وَهُوَ الْآلَاتُ الْمُطْرِبَةُ بِلَا غِنَاءٍ كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَنَحْوِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْقِ الْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ» . وَالنَّوْعُ الثَّانِي مُبَاحٌ وَهُوَ الدُّفُّ فِي النِّكَاحِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا كَانَ مِنْ حَادِثِ سُرُورٍ. وَيُكْرَهُ غَيْرُهُ لِمَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الدُّفِّ بَعَثَ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ فِي وَلِيمَةٍ سَكَتَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ عَمَدَ بِالدُّرَّةِ. وَفِي الْأَجْنَاسِ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ الَّذِي يَتَرَنَّمُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: لَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَأَبَاحَهَا قَوْمٌ وَحَظَرَهَا قَوْمٌ. وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَتْ الْأَلْحَانُ لَا تُخْرِجُ الْحُرُوفَ عَنْ نَظْمِهَا وَقَدْرِ ذَوَاتِهَا فَمُبَاحٌ، وَإِلَّا فَغَيْرُ مُبَاحٍ، كَذَا ذُكِرَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَذَانِ مَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلْحِينَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ تَغْيِيرِ مُقْتَضَيَاتِ الْحُرُوفِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْصِيلِ. وَنَقَلْنَا هُنَاكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالتَّلْحِينِ وَقَدْ أَجَابَ بِالْمَنْعِ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: أَيُعْجِبُكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُقَالَ لَك يَا مُوحَامَدُ؟ هَذَا وَأَمَّا النَّائِحَةُ فَظَاهِرٌ أَنَّهَا أَيْضًا فِي الْعُرْفِ لِمَنْ اتَّخَذَتْ النِّيَاحَةَ مُكْسِبَةً، فَأَمَّا إذَا نَاحَتْ لِنَفْسِهَا فَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: لَمْ يَرُدَّ النَّائِحَةَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا بَلْ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا، اتَّخَذَتْ ذَلِكَ مُكْسِبَةً لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ مَعْصِيَةً وَهِيَ الْغِنَاءُ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَرْتَكِبَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَهُوَ أَيْسَرُ عَلَيْهَا مِنْ الْغِنَاءِ وَالنُّوحِ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِيمَا عَلِمْت، لَكِنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي الشَّارِحِينَ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلنَّاسِ أَوْ لَا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الصَّالِقَةَ وَالْحَالِقَةَ وَالشَّاقَّةَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَهُمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّيَاحَةَ وَلَوْ فِي مُصِيبَةِ نَفْسِهَا مَعْصِيَةٌ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهَا لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الشُّهْرَةِ لِيَصِلَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِهَا لِلنَّاسِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَهُوَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا مُدْمِنَ لِلشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ، يُرِيدُ شُرْبَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ خَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ. وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: وَلَا شَهَادَةُ مُدْمِنِ خَمْرٍ، وَلَا شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ. يُرِيدُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ خَمْرًا، فَقَالَ هَذَا الشَّارِحُ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَانُ فِي الْخَمْرِ، وَهَذِهِ الْأَشْرِبَةُ: يَعْنِي الْأَشْرِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ لِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ مَعَ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ بِلَا قَيْدِ الْإِدْمَانِ، وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ، لَكِنْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ كَمَا سَمِعْت فَمَا هُوَ جَوَابُهُ؟ هُوَ الْجَوَابُ فِي تَقْيِيدِ الْمَشَايِخِ بِكَوْنِ النِّيَاحَةِ لِلنَّاسِ، ثُمَّ هُوَ نَقَلَ كَلَامَ الْمَشَايِخِ فِي تَوْجِيهِ اشْتِرَاطَ الْإِدْمَانِ أَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ لِيَظْهَرَ عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّ مَنْ شَرِبَهَا سِرًّا لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَلَمْ يَتَنَفَّسْ فِيهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَذَا الَّتِي نَاحَتْ فِي بَيْتِهَا لِمُصِيبَتِهَا لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا لِعَدَمِ اشْتِهَارِ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ، وَانْظُرْ إلَى تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ ذِكْرِ الْإِدْمَانِ بِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِلَا إدْمَانٍ، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ إذَا أَدْمَنَ حِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرْتَكِبُ مُحَرَّمِ دِينِهِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، بِخِلَافِ الَّتِي اسْتَمَرَّتْ تَنُوحُ لِلنَّاسِ لِظُهُورِهِ حِينَئِذٍ فَتَكُونُ كَاَلَّذِي يَسْكَرُ وَيَخْرُجُ سَكْرَانَ وَتَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ. وَصَرَّحَ بِأَنَّ الَّذِي يُتَّهَمُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ الْإِدْمَانَ بِنِيَّتِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِصْرَارِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَذْكُرُ رَدَّ شَهَادَةِ مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِهِ تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَشْرَبَ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ لَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ، وَالْمُدَارَاةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِوُجُودِهَا حُكْمُ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً لَا خَفِيَّةً لِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ وَالْخَفِيُّ لَا يُعْرَفُ وَالظُّهُورُ بِالْإِدْمَانِ الظَّاهِرِ. نَعَمْ بِالْإِدْمَانِ الظَّاهِرِ يُعْرَفُ إصْرَارُهُ، لَكِنَّ بُطْلَانَ الْعَدَالَةِ لَا يَتَوَقَّفُ فِي الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِصْرَارِ، بَلْ أَنْ يَأْتِيَهَا وَيَعْلَمَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّغَائِرِ وَقَدْ انْدَرَجَ فِيمَا ذَكَرْنَا شَرْحُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ فَلِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً، وَهَذَا كَأَنَّهُ بِالْخَاصِّيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالِاسْتِقْرَاءِ. وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَفَّلِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ، وَلِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لِصُعُودِ سَطْحِهِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ صُعُودِ السَّطْحِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ مِنْهُ لِهَذِهِ الدَّاعِيَةِ فَإِنَّ الدَّاعِيَةَ إلَى الشَّيْءِ كَالْحَرْبِ فِي اقْتِضَاءِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي لِعْبِ الشِّطْرَنْجِ، فَإِنَّهُ يُشَاهَدُ فِيهِ دَاعِيَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ حَتَّى أَنَّهُمْ رُبَّمَا يَسْتَمِرُّونَ النَّهَارَ وَاللَّيْلَ لَا يَسْأَلُونَ عَنْ أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ، وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ وَجْهٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الشَّيْطَانِ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ اللَّعِبَ بِالطُّيُورِ فِعْلٌ مُسْتَخَفٌّ بِهِ يُوجِبُ فِي الْغَالِبِ اجْتِمَاعًا مَعَ أُنَاسٍ أَرَاذِلَ وَصُحْبَتَهُمْ وَذَلِكَ مِمَّا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ. هَذَا وَفِي تَفْسِيرِ الْكَبَائِرِ كَلَامٌ، فَقِيلَ: هِيَ

(وَلَا مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ) لِلْفِسْقِ. قَالَ (وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ) لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ. (أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ) . لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ لِلِاشْتِغَالِ بِهِمَا، فَأَمَّا مُجَرَّدُ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَلَيْسَ بِفِسْقٍ مَانِعٍ مِنْ الشَّهَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّبْعُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَهْتُ الْمُؤْمِنِ، وَالزِّنَا، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَكْلَ الرِّبَا، وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ فَذَكَرهَا وَفِيهَا السِّحْرُ، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ» وَفِيهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا» الْحَدِيثَ. وَقَدْ عَدَّ أَيْضًا مِنْهَا السَّرِقَةَ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ، وَقِيلَ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقِيلَ مَا كَانَ حَرَامًا لَعَيْنِهِ. وَنُقِلَ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهَا مَا كَانَ حَرَامًا مَحْضًا مُسَمًّى فِي الشَّرْعِ فَاحِشَةً كَاللِّوَاطَةِ أَوْ لَمْ يُسَمَّ بِهَا لَكِنْ شُرِعَ عَلَيْهَا عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ بِنَصٍّ قَاطِعٍ، إمَّا فِي الدُّنْيَا بِالْحَدِّ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ الْوَعِيدِ بِالنَّارِ فِي الْآخِرَةِ كَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ مَا ثَبَتَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ، إلَّا إذَا دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَدَالَةَ تَزُولُ بِالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ فَهَذَا أَوْلَى، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدِّ شُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ، فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ حَدٌّ بِنَصِّ الْكِتَابِ قَالَ: وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا بَنَوْا عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُنَابَذَةٌ لِلْمُرُوءَةِ وَالْكَرَمِ، وَكُلُّ فِعْلٍ يَرْفُضُ الْمُرُوءَةَ وَالْكَرَمَ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُصِرَّ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ عَدَمِ الِانْضِبَاطِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ أَيْضًا. وَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ. وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لِتَصِيرَ كَبِيرَةً حَسَنٌ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِعِصَامٍ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ، فَلِذَا شَرَطَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ الْإِدْمَانَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ عَلَى الشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ، لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ بِهِمْ وَتَرْكَهُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ: وَكَذَا الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَالْحَثُّ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ. (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ) وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ مَشَى فِي الطَّرِيقِ بِسَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَلَيْسَ لِلْحُرْمَةِ بَلْ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا، إلَى قَوْلِهِ:

لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا. وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ آكِلُ الرِّبَا مَشْهُورًا بِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَنْجُو عَنْ مُبَاشَرَةِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ) أَمَّا أَكْلُ الرِّبَا فَكَثِيرٌ أَطْلَقُوهُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ فَقِيلَ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مَانِعًا لَمْ يُقْبَلْ شَاهِدٌ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ كُلَّهَا فِي مَعْنَى الرِّبَا وَقَلَّ مَنْ يُبَاشِرُ عُقُودَ الْبِيَاعَاتِ وَيَسْلَمُ دَائِمًا مِنْهُ. وَقِيلَ لِأَنَّ الرِّبَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا مَعَ ذَلِكَ فَكَانَ نَاقِصًا فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً. وَالْمَانِعُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى إمْكَانِ ارْتِكَابِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ حَرَامٌ مَحْضٌ فَالدَّالُّ عَلَيْهَا لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَرَّةٍ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ كَانَ الْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا تُهْمَةَ أَكْلِ الرِّبَا وَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ. وَهَذَا أَقْرَبُ وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ تَقْيِيدِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْإِدْمَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ فَلَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ. وَالدَّالُّ عَلَى تَجْوِيزِ شَهَادَةِ الزُّورِ مِنْهُ يَكْفِي كَوْنُهُ مُرْتَكِبًا مَحْظُورَ دِينِهِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ الْفَاسِقُ وَجِيهًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِبُعْدِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِالزُّورِ لِوَجَاهَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ لَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَالرِّبَا لَمْ يَخْتَصَّ بِعَقْدٍ عَلَى الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فِيهِ تَفَاضُلٌ أَوْ نَسِيئَةٌ، بَلْ أَكْثَرُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ. وَنَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا بِسَبَبِ إقْرَاضِهِمْ الْمِقْدَارَ كَالْمِائَةِ وَغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ فِيهِ أَرْبَى عَلَيْهِ فَتَزِيدُ الْكَمِّيَّةُ. وَهَذَا هُوَ الْمُتَدَاوَلُ فِي غَالِبِ الْأَزْمَانِ لَا بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَرُبَّمَا لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ أَصْلًا أَوْ إلَّا قَلِيلًا. وَأَمَّا أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَحَدٌ وَنَصُّوا أَنَّهُ بِمَرَّةٍ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الظُّهُورِ لِلْقَاضِي، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَرُدُّ بِهِ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ فَكَأَنَّهُ بِمَرَّةٍ يَظْهَرُ لِأَنَّهُ يُحَاسَبُ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتَنْقَصَ مِنْ الْمَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِسْقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَانِعٌ شَرْعًا، غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِي لَا يُرَتِّبُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَلِذَا نَقُولُ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ رَدَّ شَهَادَتَهُ سَوَاءٌ قَامَرَ بِهِ أَوْ لَمْ يُقَامِرْ، لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَلَعِبُ الطَّابِ فِي بِلَادِنَا مِثْلَهُ لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطْرَحُ بِلَا حِسَابٍ وَإِعْمَالِ فِكْرٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ وَعَمِلَهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ قُومِرَ بِهِ أَوْ لَا. فَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إبَاحَتِهِ، فَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِمَا رَوَيْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ النَّرْدَشِيرَ هُوَ الشِّطْرَنْجُ، وَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَرَاهَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَهْوِ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا ثَلَاثَةً: تَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتَهُ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتَهُ مِنْ أَهْلِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ إلَّا ثَلَاثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ

قَالَ (وَلَا مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ كَالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ) لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ، وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحْيِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ فَيُتَّهَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَالِكٍ: يُبَاحُ مَعَ الْكَرَاهَةِ إنْ تَجَرَّدَ عَنْ الْحَلِفِ كَاذِبًا وَالْكَذِبِ عَلَيْهِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا وَالْمُقَامَرَةِ بِهِ فَلَمَّا كَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مُتَجَرِّدًا مَسَاغٌ لَمْ تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَنْ يَلْعَبُهُ عَلَى الطَّرِيقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ فَلِإِتْيَانِهِ الْأُمُورَ الْمُحَقَّرَةَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الشَّعْبَذَةِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي دِيَارِنَا دِكَاكًا لِأَنَّهُ إمَّا سَاحِرٌ أَوْ كَذَّابٌ: أَعْنِي الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهَا وَيَتَّخِذُهَا مُكْسِبَةً، فَأَمَّا مَنْ عَلِمَهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَلَا، وَصَاحِبُ السِّيمَيَا عَلَى هَذَا. (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُسْتَقْبَحَةِ، وَفِي بَعْضِهَا الْمُسْتَخِفَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِهَا مُحَرَّمَةٌ. وَالْمُسْتَخَفَّةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا: أَيْ الَّتِي يَسْتَخِفُّ النَّاسُ فِعْلَهَا، أَوْ الْخَصْلَةُ الَّتِي تَسْتَخِفُّ الْفَاعِلَ فَيَبْدُو مِنْهُ مَا لَا يَلِيقُ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] وَذَلِكَ (كَالْأَكْلِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ) يَعْنِي بِمَرْأَى النَّاسِ، وَالْبَوْلِ عَلَيْهَا، وَمِثْلُهُ الَّذِي يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ لِيَسْتَنْجِيَ مِنْ جَانِبِ بِرْكَةٍ وَالنَّاسُ حُضُورٌ، وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي دِيَارِنَا مِنْ الْعَامَّةِ وَبَعْضِ مَنْ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الطَّلَبَةِ، وَالْمَشْيِ بِسَرَاوِيلَ فَقَطْ، وَمَدِّ رِجْلِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَشْفِ رَأْسِهِ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ فِعْلُهُ خِفَّةً وَسُوءَ أَدَبٍ وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ وَحَيَاءٍ، لِأَنَّ مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَبْعُدُ مِنْهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالزُّورِ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» وَعَنْ الْكَرْخِيِّ: لَوْ أَنَّ شَيْخًا صَارَعَ الْأَحْدَاثَ فِي الْجَامِعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ سَخَفٌ. وَأَمَّا أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ الدَّنِيئَةِ كَالْكَسَّاحِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِ دِيَارِ مِصْرَ قَنَوَاتِيًّا، وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَوُجِّهَ بِكَثْرَةِ خَلْفِهِمْ الْوَعْدَ وَكَذِبِهِمْ، وَرَأَيْت أَكْثَرَ مُخْلِفٍ لِلْوَعْدِ السَّمْكَرِيُّ. وَالْأَصَحُّ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا قَدْ تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يُبْنَى عَلَى ظَاهِرِ الصِّنَاعَةِ، وَمِثْلُهُ النَّخَّاسُونَ وَالدَّلَّالُونَ فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ كَثِيرًا زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِمْ مَعَ خَلْفِهِمْ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا مَنْ عُلِمَ عَدَالَتُهُ مِنْهُمْ. وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ وَيُشْتَرَى مِنْهُ الْأَكْفَانُ فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ تَمَنِّيهِ الْمَوْتَ لِلنَّاسِ وَالطَّاعُونِ. وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّكَّاكِينَ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانٌ أَوْ بَاعَ أَوْ أَجَّرَ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ قَبْلَ وُقُوعِهِ فَيَكُونُ كَذِبًا، وَلَا فَرْقَ فِي الْكَذِبِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْكِتَابَةِ. وَالصَّحِيحُ تُقْبَلُ إذَا كَانَ غَالِبُ أَحْوَالِهِمْ الصَّلَاحَ، فَإِنَّهُمْ غَالِبًا

(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ بِخِلَافِ مَنْ يَكْتُمُهُ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا يَكْتُبُونَ بَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ وَقَبْلَ صُدُورِهِ يَكْتُبُونَ عَلَى الْمَجَازِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ لِيَسْتَغْنُوا عَنْ الْكِتَابَةِ إذَا صَدَرَ الْمَعْنَى بَعْدَهَا. وَرَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ شَهَادَةَ الْقَرَوِيِّ وَالْأَعْرَابِيِّ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ تَقْبَلُ إلَّا بِمَانِعٍ غَيْرِهِ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالرَّقَّاصِ وَالْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الْحَدِيثِ «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ وَيَكْذِبُ كَيْ يَضْحَكَ مِنْهُ النَّاسُ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ أَحْيَانًا تُقْبَلُ، وَكَذَا الشَّتَّامُ لِلْحَيَوَانِ كَدَابَّتِهِ، وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا فَكَثِيرًا يَشْتُمُونَ بَائِعَ الدَّابَّةِ فَيَقُولُونَ قَطَعَ اللَّهُ يَدَ مَنْ بَاعَكِ، وَلَا مَنْ يَحْلِفُ فِي كَلَامِهِ كَثِيرًا وَنَحْوِهِ. وَحُكِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَةِ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ؟ قَالَ: لِأَنِّي سَمِعْتَهُ يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ: أَنَا عَبْدُك، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ، فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ. وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ رَدَّ أَبِي يُوسُفَ شَهَادَتَهُ لَيْسَ لِكَذِبِهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْحُرِّ لِغَيْرِهِ أَنَا عَبْدُك مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقِيَامِ بِخِدْمَتِكَ، وَكَوْنِي تَحْتَ أَمْرِكَ مُمْتَثِلًا لَهُ عَلَى إهَانَةِ نَفْسِي فِي ذَلِكَ وَالتَّكَلُّمُ بِالْمَجَازِ عَلَى اعْتِبَارِ الْجَامِعِ وَوَجْهِ الشَّبَهِ لَيْسَ كَذِبًا مَحْظُورًا شَرْعًا وَلِذَا وَقَعَ الْمَجَازُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَكِنْ رَدَّهُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خُصُوصُ هَذَا الْمَجَازِ مِنْ إذْلَالِ نَفْسِهِ وَتَمَلُّقِهِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَرُبَّمَا يَعِزُّ هَذَا الْكَلَامُ إذَا قِيلَ لِلْخَلِيفَةِ فَعَدَلَ إلَى الِاعْتِذَارِ بِأَمْرٍ يَقْرُبُ مِنْ خَاطِرِهِ. وَالْحَاصِلُ فِيهِ أَنَّ تَرْكَ الْمُرُوءَةِ مُسْقِطٌ لِلْعَدَالَةِ. وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْمُرُوءَةِ أَنْ لَا يَأْتِي الْإِنْسَانُ بِمَا يَعْتَذِرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ. وَقِيلَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ. وَالسُّخْفُ: رِقَّةُ الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ ثَوْبٌ سَخِيفٌ إذَا كَانَ قَلِيلَ الْغَزْلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَفْرَطَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِ إلَى مَنْعِ الْحُقُوقِ. (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَذَا الْعُلَمَاءُ. وَنَصَّ أَبُو يُوسُفَ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ، قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ سَبَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، فَإِذَا أَظْهَرَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَيْفَ يَكُونُ مَقْبُولًا، وَقَيَّدَ بِالْإِظْهَارِ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَهُ وَلَمْ يُظْهِرْ فَهُوَ عَلَى عَدَالَتِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ: لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ يَشْتُمُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ يَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ، لِأَنَّ إظْهَارَ الشَّتِيمَةِ مُجُونَةٌ وَسَفَهٌ وَلَا يَأْتِي بِهِ إلَّا الْأَوْضَاعُ وَالْأَسْقَاطُ، وَشَهَادَةُ السَّخِيفِ لَا تُقْبَلُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُتَبَرِّئُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ دِينًا مَرَضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزَةٌ. (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) كُلُّهُمْ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ وُجُوهُ الْفِسْقِ. وَلَنَا أَنَّهُ فِسْقٌ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَمَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ بِهِ وَصَارَ كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ أَوْ يَأْكُلُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُسْتَبِيحًا لِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي. أَمَّا الْخَطَّابِيَّةُ فَهُمْ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ يَعْتَقِدُونَ الشَّهَادَةَ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ. وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً فَتَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ. قَالَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَائِرُهُمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى مِثْلِهِمْ وَعَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، إلَّا الْخَطَّابِيَّةُ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الرَّوَافِضِ لَا لِخُصُوصِ بِدْعَتِهِمْ وَهَوَاهُمْ بَلْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ، لِمَا نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ لِمَنْ حَلَفَ لَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ أَوْ يَرَوْنَ وُجُوبَ الشَّهَادَةِ لِمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَمَنَعَ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ لِشِيعَتِهِمْ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِ شِيعَتِهِمْ لِلْأَمْرِ الْأَوَّلِ. وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَامِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَكَقَوْلِنَا بِلَا اخْتِلَافٍ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الِاعْتِقَادِ مِنْ أَعْظَمِ الْفُسُوقِ فَوَجَبَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بِالْآيَةِ. وَلَنَا أَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى مُسْلِمٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ لِتَدَيُّنِهِ بِتَحْرِيمِهِ حَتَّى أَنَّهُ رُبَّمَا يَكْفُرُ بِهِ كَالْخَوَارِجِ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ بِهِ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ مَعَ الْإِسْلَامِ. فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْفِسْقَ الْفِعْلِيَّ، وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْخَوَارِجِ إذَا اعْتَقَدُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا، فَإِذَا قَاتَلُوا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِإِظْهَارِ الْفِسْقِ بِالْفِعْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ اتِّفَاقُنَا عَلَى قَبُولِ رِوَايَاتِهِمْ لِلْحَدِيثِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَعَ اعْتِمَادِهِ الْغُلُوَّ فِي الصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ قَبُولَ الرِّوَايَةِ أَيْضًا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْفِسْقِ بِظَاهِرِهَا وَبِالْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ رَدَّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِمْ. وَالْخَطَّابِيَّةُ نِسْبَةٌ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْأَجْدَعُ، وَقِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ الْأَسَدِيُّ الْأَجْدَعُ. وَخَرَجَ أَبُو الْخَطَّابِ بِالْكُوفَةِ وَحَارَبَ عِيسَى بْنَ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَظْهَرَ الدَّعْوَةَ إلَى جَعْفَرَ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ جَعْفَرُ وَدَعَا عَلَيْهِ فَقُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ عِيسَى بِالْكَنَائِسِ. (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) قَيَّدَ بِهَا لِتَخْرُجَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَيَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ كَشَهَادَةِ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسِهِ

(وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِي خَبَرِهِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى جِنْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا تُقْبَلُ أَصْلًا لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، قَالَ تَعَالَى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ: وَالْكَافِرُونَ هُمْ الْفَاسِقُونَ. وَفِي النِّهَايَةِ النُّسْخَةُ الْمُصَحَّحَةُ بِتَصْحِيحٍ بِخَطِّ شَيْخِي قَالَ تَعَالَى لِلْكَافِرِينَ: هُمْ الْفَاسِقُونَ إذْ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] (فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِي خَبَرِهِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ) بِذَلِكَ الْجَامِعِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَالْكَافِرُ لَيْسَ ذَا عَدْلٍ وَلَا مَرَضِيًّا وَلَا مِنَّا، وَلِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُمْ لَأَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ عَلَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْءٌ بِقَوْلِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ» ) قَالَ الْإِمَامُ: الْمَخْرَجُ غَرِيبٌ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُدَّعَى، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ جَائِزَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ، وَلَوْ قَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ عِوَضَ النَّصَارَى وَافَقَ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشُّعَبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ» وَمُجَالِدٌ فِيهِ مَقَالٌ. ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ الْيَهُودِ عِوَضَ النَّصَارَى، وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا الْإِسْنَادِ «جَاءَتْ الْيَهُودُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: ائْتُونِي بِأَعْلَمَ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ، فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا، فَنَشَدَهُمَا اللَّهَ كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَا: نَجِدُ فِيهَا إذَا

وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ مَا يَعْتَقِدُهُ مُحَرَّمَ دِينِهِ، وَالْكَذِبُ مَحْظُورُ الْأَدْيَانِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَبِخِلَافِ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَغِيظُهُ قَهْرُهُ إيَّاهُ، وَمِلَلُ الْكُفْرِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَلَا قَهْرَ فَلَا يَحْمِلُهُمْ الْغَيْظُ عَلَى التَّقَوُّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْكُمْ أَنَّهُمْ إذَا رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجُمُوهُمَا؟ قَالَا: ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّهُودِ فَجَاءُوا بِأَرْبَعَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِهِمَا» قَالَ: هَكَذَا وَجَدْتَهُ فِي نُسْخَةِ عَلَاءِ الدِّينِ يَدُهُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فَدَعَا بِالشُّهُودِ بِخَطٍّ كَشَفْتَهُ مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ نُسْخَةً، وَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَالدَّارَقُطْنِيّ كُلُّهُمْ قَالُوا: فَدَعَا بِالشُّهُودِ. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ " فَدَعَا بِالشُّهُودِ فَشَهِدُوا " زِيَادَةٌ فِي الْحَدِيثِ تَفَرَّدَ بِهَا مُجَالِدٌ وَلَا يُحْتَجَّ بِمَا تَفَرَّدَهُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. لَكِنَّ الطَّحَاوِيَّ أَسْنَدَهُ إلَى عَامِرِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ائْتُونِي بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ يَشْهَدُونَ» ثُمَّ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا يُقْبَلُ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ) أَرَادَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُسْتَأْمَنُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَفَرَّدَ بِهِ مُجَالِدٌ يَجْرِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّاوِيَ الْمُضَعَّفَ إذَا قَامَتْ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا رَوَاهُ حُكِمَ بِهِ لِارْتِفَاعِ وَهْمِ الْغَلَطِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رَجْمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ بِنَاءً عَلَى مَا سَأَلَ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ فِيهِمَا. وَأُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ حُكْمَهَا الرَّجْمُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إذْ هُوَ يُوَافِقُ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بَنَى عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ يَهُودٍ فِي مَحَالِّهِمْ وَأَمَاكِنِهِمْ، فَهَذِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مُجَالِدًا لَمْ يَغْلَطْ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ. وَأَنْتَ عَلِمْتَ فِي مَسْأَلَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ فِسْقُ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَّهَمُ صَاحِبُهُ بِالْكَذِبِ لَا الِاعْتِقَادُ، إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نُسِخَتْ قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] فَبَقِيَتْ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا. ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى جِنْسِهِ بِدَلِيلِ وِلَايَتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَمَمَالِيكِهِ فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى جِنْسِهِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا فَلَا شَهَادَةَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِغَيْظِهِ بِقَهْرِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا فِيهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى، وَلِأَنَّهُ وَإِنْ عَادَاهُ لَيْسَ أَحَدُهُمْ تَحْتَ قَهْرِ الْآخَرِ فَلَا حَامِلَ عَلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ مُجَرَّدُ الْعَدَاوَةِ مَانِعٌ مِنْ الْقَبُولِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ يُعَادِي مُسْلِمًا ثُمَّ يُشَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ مُضَعَّفٌ بِعُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا مِلَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا تَجُوزُ عَلَى مِلَّةِ غَيْرِهِمْ» وَأَيْضًا فَقَوْلُ الرَّاوِيِّ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةَ وَاقِعَةِ حَالٍ شَهِدَ فِيهَا بَعْضُ الْيَهُودِ عَلَى بَعْضٍ أَوْ بَعْضُ النَّصَارَى عَلَى بَعْضٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حِكَايَةُ تَشْرِيعٍ قَوْلِيٍّ فَيَعُمُّ شَهَادَةَ الْمِلَّتَيْنِ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ فَلَا نَحْكُمُ بِأَحَدِهِمَا عَيْنًا، غَيْرَ أَنَّ فِي هَذِهِ خِلَافًا فِي الْأُصُولِ، وَرُجِّحَ الثَّانِي وَهُوَ مَسْأَلَةُ قَوْلِ الرَّاوِي «قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ» . (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ) أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ

وَهُوَ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَعَلَى الذِّمِّيِّ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ) لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ وَلِهَذَا يَمْنَعُ التَّوَارُثَ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَلَا كَذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنُ. (وَإِنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبُ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَقِّي الْكَبَائِرِ كُلِّهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ كَمَا ذَكَرْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ، وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَعْلَى مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ قِيلَ خَلْفَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْهُ، وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ عِنْدَنَا لَا بِالْمُسْتَأْمَنِ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الَّذِي مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ: يَعْنِي تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ كَالْمُسْلِمِ وَشَهَادَةُ الْمُسْلِمِ تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا الذِّمِّيُّ، وَإِنَّمَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالشَّهَادَةُ مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فِي الْإِرْثِ وَالْمَالِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ، وَفِيهِ قُصُورٌ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَمْرِ

فَأَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ لَا تَنْقَدِحُ بِهِ الْعَدَالَةُ الْمَشْرُوطَةُ فَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ الْمَشْرُوعَةُ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ اجْتِنَابِهِ الْكُلَّ سَدَّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ. قَالَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ) لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ إلَّا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِهَذَا الصَّنِيعِ عَدْلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرُوءَةِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَاصِي. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُهُ أَنْ لَا يَأْتِي بِكَبِيرَةٍ وَلَا يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَيَكُونُ سَتْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَتْكِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَيَسْتَعْمِلُ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبُ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً. هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ حِينَ سَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَزِيرُ الْمُعْتَضِدِ عَنْ الْعَدَالَةِ فَقَالَ: أَحْسَنُ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ الْقَاضِي. ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَكَانَ يَكْفِيهِ إلَى قَوْلِهِ وَمُرُوءَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَأَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تَنْقَدِحُ بِهِ الْعَدَالَةُ) يُرِيدُ الصَّغِيرَةَ، وَلَفْظُ الْإِلْمَامِ وَأَلَمَّ قَدْ اشْتَهَرَ فِي الصَّغِيرَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ خِرَاشٍ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْعُتْبِيُّ عَنْهُ بِسَنَدِهِ، وَنَسَبَهُ الْخَطَّابِيُّ إلَى أُمَيَّةَ، وَنِسْبَةُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ إيَّاهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَطٌ. وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ أَفْرَادٍ نَصَّ عَلَيْهَا: مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَرْكِهَا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ، وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَالسَّرَخْسِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي غَيْرِ إرَادَةِ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ الضَّيْفِ، وَكَذَا مَنْ خَرَجَ لِرُؤْيَةِ السُّلْطَانِ أَوْ الْأَمِيرِ عِنْدَ قُدُومِهِ. وَرَدَّ شَدَّادُ شَهَادَةَ شَيْخٍ صَالِحٍ لِمُحَاسَبَتِهِ ابْنَهُ فِي نَفَقَةِ طَرِيقِ مَكَّةَ كَأَنَّهُ رَأَى مِنْهُ تَضْيِيقًا وَمُشَاحَحَةً فَشَهِدَ مِنْهُ الْبُخْلَ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلتَّفَرُّجِ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَكَذَا التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ وَقُرَى فَارِسٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ مُخَاطِرٌ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ لِنَيْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارٍ بَاطِلٍ وَكَذَا عَلَى فِعْلٍ بَاطِلٍ، مِثْلُ مِنْ يَأْخُذُ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً وَأَشْهَدَ عَلَى وَثِيقَتِهَا شُهُودًا. قَالَ الْمَشَايِخُ: إنْ شَهِدُوا حَلَّ لَهُمْ اللَّعْنُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى بَاطِلٍ فَكَيْفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عِنْدَ مُبَاشِرِي السُّلْطَانِ عَلَى ضَمَانِ الْجِهَاتِ وَالْإِجَارَاتِ الضَّارَّةِ وَعَلَى الْمَحْبُوسِينَ عِنْدَهُمْ وَاَلَّذِينَ فِي تَرْسِيمِهِمْ. (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ) .

(وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ، وَلِأَنَّهُ قُطِعَ عُضْوٌ مِنْهُ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ. (وَوَلَدِ الزِّنَا) لِأَنَّ فِسْقَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ فِي الزِّنَا لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ كَمِثْلِهِ فَيُتَّهَمُ. قُلْنَا: الْعَدْلُ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِبُّهُ، وَالْكَلَامُ فِي الْعَدْلِ. قَالَ (وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى جَائِزَةٌ) لِأَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَشَهَادَةُ الْجِنْسَيْنِ مَقْبُولَةٌ بِالنَّصِّ. (وَشَهَادَةُ الْعُمَّالِ جَائِزَةٌ) وَالْمُرَادُ عُمَّالُ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ. قَالَ: وَتَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ إلَّا إذَا تَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ عَنْ السُّنَّةِ لَا خَوْفًا مِنْ الْهَلَاكِ، وَكُلُّ مَنْ يَرَاهُ وَاجِبًا يُبْطِلُ بِهِ شَهَادَتَهُ وَعِنْدَنَا هُوَ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ، وَلِلنِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ» وَمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ» إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَجُوسِيَّ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. (قَوْلُهُ وَالْخَصِيُّ إذَا كَانَ عَدْلًا) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِهِ مَظْلُومٌ. نَعَمْ لَوْ كَانَ ارْتِضَاءً لِنَفْسِهِ وَفَعَلَهُ مُخْتَارًا مُنِعَ. وَقَدْ قَبِلَ عُمَرُ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ أَنَّ الْجَارُودَ شَهِدَ عَلَى قُدَامَةَ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَلْ مَعَكَ شَاهِدٌ آخَرُ؟ قَالَ لَا، قَالَ عُمَرُ: يَا جَارُودُ مَا أَرَاك إلَّا مَجْلُودًا، قَالَ: يَشْرَبُ خَتْنُكَ الْخَمْرَ وَأُجْلَدُ أَنَا، فَقَالَ عَلْقَمَةُ الْخَصِيُّ لِعُمَرَ: أَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْخَصِيِّ؟ قَالَ: وَمَا بَالُ الْخَصِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ قَالَ: فَإِنَى أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْته يَتَقَيَّؤُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا، فَأَقَامَهُ ثُمَّ جَلَدَهُ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُطَوَّلًا. (قَوْلُهُ وَوَلَدِ الزِّنَا) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ، إذْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَعَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ فِي الزِّنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ. (وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ جَائِزَةٌ) إذَا شَهِدَ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، فَلَوْ شَهِدَ مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تُقْبَلُ، إلَّا إذَا زَالَ الْإِشْكَالُ بِظُهُورِ مَا يَحْكُمُ بِهِ بِأَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ. (قَوْلُهُ وَشَهَادَةُ الْعُمَّالِ جَائِزَةٌ) وَالْمُرَادُ عُمَّالُ

وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَاسِقِ، لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يَقْدُمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ وَلِمَهَابَتِهِ لَا يُسْتَأْجَرُ عَلَى الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَصِيُّ لَمْ يَجُزْ) وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّلْطَانِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِفِسْقٍ لِأَنَّهُ مُعِينٌ لِلْخَلِيفَةِ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ وَجِبَايَةِ الْمَالِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ كَانَ فِسْقًا لَمْ يَلِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لِعُمَرَ وَكَثِيرٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ، وَلَوْ كَانَ فِسْقًا لَمْ يَلِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّ هَؤُلَاءِ خَلْفَاءُ وَالْعُمَّالُ فِي الْعُرْفِ مَنْ يُوَلِّيهِمْ الْخَلِيفَةُ عَمَلًا يَكُونُ نَائِبَهُ فِيهِ، وَكَانَ الْغَالِبُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَتُقْبَلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَيَنْقَشِعْ عَنْهُ الظُّلْمُ كَالْحَجَّاجِ. وَقِيلَ أَرَادَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَاسِقِ الْوَجِيهِ وَعَلِمْتَ مَا فِيهِ وَرَدَّهُ شَهَادَةَ الْوَزِيرِ لِقَوْلِهِ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك يُبْعِدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَمَلِ، لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ الْخَسِيسَةِ فَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ، وَكَيْفَ لَا وَكَسْبُهُمْ أَطْيَبُ كَسْبٍ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا الْجَابِي وَالصَّرَّافُ الَّذِي يَجْمَعُ عِنْدَهُ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذُهَا طَوْعًا لَا تُقْبَلُ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا، فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخَ الْبَلَدِ. وَمِثْلُهُ الْمُعَرِّفُونَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضُمَّانُ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلَانِ) صُورَتُهَا: رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ فُلَانٍ

الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ إنْ ادَّعَى، وَعَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصِي لَهُمَا بِذَلِكَ أَوْ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ مَعَهُمَا. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ لِلشَّاهِدِ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ طَالِبًا وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ، فَيَكْفِي الْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ لَا أَنْ يَثْبُتَ بِهَا شَيْءٌ فَصَارَ كَالْقُرْعَةِ وَالْوَصِيَّانِ إذَا أَقَرَّا أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ ثَالِثٍ مَعَهُمَا لِعَجْزِهِمَا عَنْ التَّصَرُّفِ بِاعْتِرَافِهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَا وَلَمْ يَعْرِفْ الْمَوْتَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَصِيِّ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ، وَفِي الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَثْبُتُ الْمَوْتُ بِاعْتِرَافِهِمَا فِي حَقِّهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَيِّتِ فَشَهِدَ بِذَلِكَ اثْنَانِ مُوصَى لَهُمَا بِمَالٍ أَوْ وَارِثَانِ لِذَلِكَ الْمَيِّتِ أَوْ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّانِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ، لِأَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ تَتَضَمَّنُ جَلْبَ نَفْعٍ لِلشَّاهِدِ. أَمَّا الْوَارِثَانِ لِقَصْدِهِمَا نَصْبَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُمَا وَيُرِيحُهُمَا وَيَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا وَالْغَرِيمَانِ الدَّائِنَانِ وَالْمُوصَى لَهُمَا لِوُجُودِ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ مِنْهُ وَالْمَدْيُونَانِ لِوُجُودِ مَنْ يَبْرَءَانِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّانِ لِوُجُودِ مَنْ يُعِينُهُمَا فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالْمُطَالَبَةِ وَكُلُّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ نَفْعًا لَا تُقْبَلُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا لَمْ نُوجِبْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَاضِي شَيْئًا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، بَلْ إنَّمَا اعْتَبَرْنَاهَا عَلَى وِزَانِ الْقُرْعَةِ لَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ. وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِفَائِدَةٍ غَيْرِ الْإِثْبَاتِ كَمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا لِتَطْيِيبِ الْقَلْبِ فِي السَّفَرِ بِإِحْدَى نِسَائِهِ وَلِدَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْ الْقَاضِي فِي تَعْيِينِ الْأَنْصِبَاءِ، فَكَذَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَمْ تُثْبِتْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهَا لِفَائِدَةِ إسْقَاطِ تَعْيِينِ الْوَصِيِّ عَنْ الْقَاضِي، فَإِنَّ لِلْقَاضِي إذَا ثَبَتَ الْمَوْتُ وَلَا وَصِيَّ أَنْ يُنَصِّبَ الْوَصِيَّ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَصَّى وَادَّعَى الْعَجْزَ وَهَذِهِ الصُّوَرُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُثْبِتْ شَيْئًا وَثَبَتَ الْمَوْتُ فَلِلْقَاضِي أَوْ عَلَيْهِ أَنْ يُنَصِّبَ وَصِيًّا، فَلَمَّا شَهِدَ هَؤُلَاءِ بِوِصَايَةِ هَذَا الرَّجُلِ فَقَدْ رَضَوْهُ وَاعْتَرَفُوا لَهُ بِالْأَهْلِيَّةِ الصَّالِحَةِ لِذَلِكَ، فَكَفَى الْقَاضِي بِذَلِكَ مُؤْنَةَ التَّفْتِيشِ عَلَى الصَّالِحِ، وَعُيِّنَ هَذَا الرَّجُلُ بِتِلْكَ الْوِلَايَةِ لَا بِوِلَايَةٍ أَوْجَبَتْهَا الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَكَذَلِكَ وَصِيَّا الْمَيِّتِ لَمَّا شَهِدَا بِالثَّالِثِ فَقَدْ اعْتَرَفَا بِعَجْزٍ شَرْعِيٍّ مِنْهُمَا عَنْ التَّصَرُّفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ مَعَهَا، أَوْ بِعَجْزٍ عَلِمَهُ الْمَيِّتُ مِنْهُمَا حَتَّى أَدْخَلَهُ مَعَهُمَا فِي فَيَنْصِبُ الْقَاضِي الْآخَرَ،

(وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ فَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا) لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ، فَلَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا وَهِيَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الصُّوَرِ كُلِّهَا ثُبُوتُ الْمَوْتِ شَرْطٌ لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ نَصْبَ وَصِيٍّ قَبْلَ الْمَوْتِ إلَّا فِي شَهَادَةِ الْغَرِيمَيْنِ الْمَدْيُونَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي إثْبَاتِ الْوَصِيِّ الَّذِي شَهِدَا لَهُ ثُبُوتُ الْمَوْتِ لِأَنَّهُمَا مُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ حَقِّ قَبْضِ الدَّيْنِ لِهَذَا الرَّجُلِ فَضَرَرُهُمَا فِي ذَلِكَ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهَا بِالْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَهُوَ يَدَّعِي الْوَكَالَةَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ، فَلَوْ أَثْبَتَ الْقَاضِي وَكَالَتَهُ لَكَانَ مُثْبِتًا لَهَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهَا عَلَى مَا عُرِفَ وَإِذَا تَحَقَّقْتَ مَا ذُكِرَ ظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ ثَابِتٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمَا نَصْبُ الْقَاضِي وَصِيًّا اخْتَارُوهُ، وَلَيْسَ هُنَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا يُصْرَفُ إلَيْهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ، وَلَوْ اُعْتُبِرَا فِي نَفْسِ إيصَاءِ الْقَاضِي إلَيْهِ فَالْقِيَاسُ لَا يَأْبَاهُ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ الْمَشَايِخِ فِيهَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَيْسَ إلَّا مُحَمَّدُ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ قَالَ: جَائِزٌ إنْ ادَّعَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ كَانَ بَاطِلًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْدِرُ عَلَى نَصْبِ وَكِيلٍ عَنْ الْغَائِبِ، فَلَوْ نَصَبَهُ كَانَ عَنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ. [فُرُوعٌ] إذَا شَهِدَ الْمُودَعَانِ بِكَوْنِ الْوَدِيعَةِ مِلْكًا لِمُودِعِهِمَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ مُدَّعِيهَا أَنَّهَا مِلْكُ الْمُودَعِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَا رَدَّا الْوَدِيعَةَ عَلَى الْمُودِعِ وَلَوْ شَهِدَ الْمُرْتَهِنَانِ بِالرَّهْنِ لِمُدَّعِيهِ قُبِلَتْ، وَلَوْ شَهِدَا بِذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ لَا تُقْبَلُ وَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ لِلْمُدَّعِي لِإِقْرَارِهِمَا بِالْغَصْبِ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِكَوْنِ الرَّهْنِ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ هَالِكًا إلَّا إذَا شَهِدَ بَعْدَ رَدِّ الرَّهْنِ، وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُرْتَهِنَانِ فَشَهِدَ الرَّاهِنَانِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَضَمِنَا قِيمَتَهُ لِلْمُدَّعِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ شَهِدَ الْغَاصِبَانِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ رَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِمَا ثُمَّ شَهِدَا لِلْمُدَّعِي لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْمُسْتَقْرِضَانِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُسْتَقْرِضِ لِلْمُدَّعِي لَا تُقْبَلُ لَا قَبْلَ الدَّفْعِ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَوْ رَدَّ عَيْنَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ بَعْدَ رَدِّ الْعَيْنِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ قَبْلَ اسْتِهْلَاكِهِ عِنْدَهُ حَتَّى كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ إذَا شَهِدَ الْمُشْتَرِيَانِ شِرَاءً فَاسِدًا بِأَنَّ الْمُشْتَرَى مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ نَقَضَ الْقَاضِي الْعَقْدَ أَوْ تَرَاضَوْا عَلَى نَقْضِهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِمَا، فَلَوْ رَادَّهُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ شَهِدَا قُبِلَتْ. وَلَوْ شَهِدَ الْمُشْتَرِي بِمَا اشْتَرَى لِإِنْسَانٍ وَلَوْ بَعْدَ التَّقَايُلِ أَوْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِلَا قَضَاءٍ لَا تُقْبَلُ، كَالْبَائِعِ إذَا شَهِدَ بِكَوْنِ الْمَبِيعِ مِلْكًا لِلْمُدَّعِي بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِطَرِيقٍ هُوَ فَسْخٌ قُبِلَتْ. وَشَهَادَةُ الْغَرِيمَيْنِ بِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِمَا لِهَذَا الْمُدَّعِي لَا تُقْبَلُ وَإِنْ قَضَيَا الدَّيْنَ وَشَهَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ بِكَوْنِ الدَّارِ لِلْمُدَّعِي إنْ قَالَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْإِجَارَةَ كَانَتْ بِأَمْرِي لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ قَالَ كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِي تُقْبَلُ، وَشَهَادَةُ سَاكِنِ الدَّارِ بِغَيْرِ إجَارَةٍ لِلْمُدَّعِي أَوْ عَلَيْهِ تُقْبَلُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى تَجْوِيزِ غَصْبِ الْعَقَارِ وَعَدَمِهِ. وَلَوْ شَهِدَ عَبْدَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّ الثَّمَنَ كَذَا لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْعُيُونِ: أَعْتَقَهُمَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ جُحُودِهِ تَجُوزُ إجْمَاعًا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي أَلْفٍ قِبَلَ فُلَانٍ فَخَاصَمَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي ثُمَّ عَزْلَهُ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَشَهِدَ بِهَذِهِ الْأَلْفِ لِمُوَكِّلِهِ جَازَتْ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ خَاصَمَ عِنْدَ الْقَاضِي وَالْبَاقِي بِحَالِهِ لَمْ تَجُزْ، وَلَوْ خَاصَمَ فِي الْأَلْفِ

قَالَ (وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْفِسْقَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّ لَهُ الدَّفْعَ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ، وَلِأَنَّهُ هَتْكُ السِّرِّ وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ وَالْإِشَاعَةُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الْقَاضِي وَالْوَكَالَةُ بِكُلِّ حَقٍّ قِبَلَ فُلَانٍ فَعَزَلَهُ فَشَهِدَ لِمُوَكِّلِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي قُبِلَتْ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُ فَاحْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْإِشْهَادِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ صَارَ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي جَمِيعِ مَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَشَهَادَتُهُ شَهَادَةُ الْخَصْمِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَاضِي عَلِمَ بِالْوَكَالَةِ وَعِلْمُهُ لَيْسَ قَضَاءً فَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فَتُقْبَلُ فِي غَيْرِ مَا صَارَ فِيهِ خَصْمًا، هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالطَّلَبِ لِمَ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ. وَحُكْمُهَا أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ الْحَادِثَ بَعْدَ التَّوْكِيلِ، أَمَّا الْعَامَّةُ وَهِيَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ جَمِيعِ النَّاسِ أَوْ أَهْلِ مِصْرٍ فَيَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ بَعْدَ التَّوْكِيلِ وَفِيهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ بِشَيْءٍ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْعَزْلِ إلَّا عَلَى مَا وَجَبَ بَعْدَ الْعَزْلِ. شَهِدَ ابْنَا الْمُوَكِّلِ أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا بِقَبْضِ دُيُونِهِ لَا تُقْبَلُ إذَا جَحَدَ الْمَطْلُوبُ الْوَكَالَةَ وَكَذَا فِي الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَشَهَادَةُ ابْنَيْ الْوَكِيلِ عَلَى الْوَكَالَةِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا شَهَادَةُ أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَأَحْفَادِهِ. وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ بَعْدَمَا أَدْرَكَتْ الْوَرَثَةُ سَوَاءٌ خَاصَمَ فِيهِ أَوْ لَا، وَلَوْ شَهِدَ لِكَبِيرٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ تُقْبَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ لِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ مَعًا فِي غَيْرِ الْمِيرَاثِ لَا تُقْبَلُ. وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ دَارٌ أَوْ غَيْرِهَا لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ) قِيلَ قَوْلُهُ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ تَكْرَارٌ. أُجِيبَ بِجَوَازِ أَنْ لَا يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِ السَّمَاعِ عَدَمُ الْحُكْمِ عَلَى نَفْيِ الْأَمْرَيْنِ، وَالْمُرَادُ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ عَنْ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ مُتَضَمِّنًا أَحَدَهُمَا سُمِعَتْ الشَّهَادَةُ وَحُكِمَ بِهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ، أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ، أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، أَوْ إقْرَارُهُمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ

وَذَلِكَ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ (إلَّا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ. قَالَ (وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ، وَالِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَيْهِ فَلَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ لِيُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ وَأَعْطَاهُمْ الْعَشَرَةَ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، أَوْ إقْرَارُهُمْ أَنْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ. فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ تُقْبَلُ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ لِلْحُكْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَالْفِسْقُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْحُكْمَ إلْزَامٌ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُ الْفِسْقِ لِأَحَدٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَفْعِهِ فِي الْحَالِ بِالتَّوْبَةِ. الثَّانِي أَنَّ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ يَفْسُقُ الشَّاهِدُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ فِيهِ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19] فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ بَلْ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ دَفْعَهُ لَيْسَ يَنْحَصِرُ فِي إفَادَةِ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الْإِشَاعَةِ بِأَنْ يَشْهَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ، إذْ يَنْدَفِعُ بِأَنْ يُخْبِرَ الْقَاضِيَ سِرًّا فَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ: يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ لِهَذَا الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ. فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِئْجَارُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَالِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا فَلَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ، لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْمُدَّعِي فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ هَذَا بَلْ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ الْفِسْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلُوا مُزَكِّينَ لِشُهُودِ الْمُدَّعِي فَيُخْبِرُونَ بِالْوَاقِعِ مِنْ الْجَرْحِ فَيُعَارِضُ تَعْدِيلَهُمْ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ قُدِّمَ الْجَرْحُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَدِّلَ فِي زَمَانِنَا يُخْبِرُ الْقَاضِيَ سِرًّا تَفَادِيًا مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَالتَّعَادِي، وَأَمَّا الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَوْلُ الشَّاهِدِ لَا شَهَادَةَ عِنْدِي لِشَكٍّ أَوْ ظَنٍّ عُرَاه بَعْدَمَا مَضَتْ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، فَأَمَّا لَوْ كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ بَلْ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلْعَبْدِ أَوْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَهُمْ بِعَشَرَةٍ وَأَعْطَاهُمُوهَا مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ أَنِّي صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا وَقَدْ شَهِدُوا وَأَنَا أُطَالِبُهُمْ بِهَذَا الْمَالِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِمْ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا إلَى آخِرِهِ، لَكِنْ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِمْ الْمَالَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ سَرَقَ مِنِّي أَوْ زَنَى

ثُمَّ يَثْبُتُ الْجَرْحُ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَقَامَهَا عَلَى أَنِّي صَالَحْت الشُّهُودَ عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ. وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الْبَاطِلِ وَقَدْ شَهِدُوا وَطَالَبَهُمْ بِرَدِّ ذَلِكَ الْمَالِ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ قَاذِفٌ أَوْ شَرِيكُ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ شَرِيكُ الْمُدَّعِي فِيمَا ادَّعَى بِهِ مِنْ الْمَالِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا ذَلِكَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ هَذَا الْأَمْرُ قُبِلَتْ، أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ مِنْهُ مَا تَضَمَّنَ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَمَوَاضِعُهُ ظَاهِرَةٌ وَفِي ضِمْنِهِ يَثْبُتُ الْجَرْحُ. وَمِنْهُ الشَّهَادَةُ بِرِقِّهِمْ فَإِنَّ الرِّقَّ حَقٌّ لِلْعَبْدِ. وَمِنْهُ مَا تَضَمَّنَ حَقًّا لِلشَّرْعِ مِنْ حَدٍّ كَالشَّهَادَةِ بِسَرِقَتِهِمْ وَشُرْبِهِمْ وَزِنَاهُمْ أَوْ غَيْرِ حَدٍّ كَالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُمْ مَحْدُودُونَ، فَإِنَّهَا قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَقَضَاءُ الْقَاضِي حَقُّ الشَّرْعِ. وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبْطِلٌ لِشَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ إشَاعَةَ فَاحِشَةٍ فَتُقْبَلُ. وَمِنْهُ شَهَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ الْمَشْهُودِ لَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ إظْهَارُ الْفَاحِشَةِ فَتُقْبَلُ فَتَصِيرُ الشَّرِكَةُ كَالْمُعَايَنَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ فَمَهْمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الْبَاطِلِ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ شَرِيكَهُ فِي الْمُدَّعَى بِهِ وَإِلَّا كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُمَا، وَكَذَا كُلُّ مَا يَشْهَدُونَ بِهِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِمَا نَسَبَهُ إلَى شُهُودِهِ مِنْ فِسْقِهِمْ وَنَحْوِهِ لَيْسَ فِيهِ إشَاعَةٌ مِنْهُمْ، بَلْ إخْبَارٌ عَنْ إخْبَارِ الْمُدَّعِي عَنْهُمْ بِذَلِكَ فَتُصْبِحُ كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنْهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِنْهُ اعْتِرَافٌ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَالْإِنْسَانُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَكَذَا الْإِشَاعَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ مَحْدُودُونَ إنَّمَا هِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ شَهَادَةِ الْقَذْفِ. هَذَا وَقَدْ نَصَّ الْخَصَّافُ فِي الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ فَقِيلَ فِي وَجْهِهِ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ فَتُقْبَلُ كَالرِّقِّ وَأَنْتَ سَمِعْت الْفَرْقَ. وَأَوَّلُ جَمَاعَةٌ قَوْلَ الْخَصَّافِ بِحَمْلِهِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ يُجْعَلُ كَشَاهِدٍ زَكَّاهُ نَفَرٌ وَجَرَّحَهُ نَفَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا مَا يَمْنَعُهُ ثُمَّ قَدْ وَقَعَ فِي عَدِّ صُوَرِ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ. وَفِي صُوَرِ الْقَبُولِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ شَرِبَ أَوْ زَنَى لِأَنَّهُ لَيْسَ جَرْحًا مُجَرَّدًا لِتَضَمُّنِهِ دَعْوَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ وَيَحْتَاجُ

قَالَ (وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أُوهِمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ أُوهِمْتُ أَيْ أَخْطَأْت بِنِسْيَانِ مَا كَانَ يَحِقُّ عَلَيَّ ذِكْرُهُ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِمِثْلِهِ لِمَهَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى جَمْعٍ وَتَأْوِيلٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أُوهِمْت بَعْضَ شَهَادَتِي: أَيْ أَخْطَأْت لِنِسْيَانٍ) عَرَانِي بِزِيَادَةٍ بَاطِلَةٍ بِأَنْ كَانَ شَهِدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ إنَّمَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، أَوْ بِنَقْصٍ بِأَنْ شَهِدَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ أُوهِمْت إنَّمَا هِيَ أَلْفٌ (جَازَتْ شَهَادَتُهُ) إذَا كَانَ عَدْلًا: أَيْ ثَابِتَ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ لَا فَسَأَلَ عَنْهُ فَعُدِّلَ (وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ

مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَانَ الْعُذْرُ وَاضِحًا فَتُقْبَلُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ عَدْلٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ وَقَالَ أُوهِمْتُ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بِتَلْبِيسٍ وَخِيَانَةٍ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ، وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ إذَا اتَّحَدَ لَحِقَ الْمُلْحَقُ بِأَصْلِ الشَّهَادَةِ فَصَارَ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ. وَعَلَى هَذَا إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ أَصْلًا مِثْلُ أَنْ يَدَعَ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) إذْ طَبْعُ الْبَشَرِ النِّسْيَانُ وَعَدَالَتُهُ مَعَ عَدَمِ التُّهْمَةِ تُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ ذَلِكَ لِتَمَكُّنِ تُهْمَةِ اسْتِغْوَاءِ الْمُدَّعِي فِي الزِّيَادَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنَّقْصِ فِي الْمَالِ فَلَا تُقْبَلُ (وَعَلَى هَذَا إذَا غَلِطَ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ) بِأَنْ ذَكَرَ الشَّرْقِيَّ مَكَانَ الْغَرْبِيِّ وَنَحْوَهُ (أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ) بِأَنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ إنْ تَدَارَكَهُ فِي الْمَجْلِسِ قُبِلَ، وَبَعْدَهُ لَا، وَإِذَا جَازَتْ وَلَمْ تُرَدَّ فَبِمَاذَا يَقْضِي؟ قِيلَ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِقَوْلِهِ أُوهِمْتُ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الزِّيَادَةَ، فَإِنَّهُ لَوْ شَهِدَ لَهُ بِأَلْفٍ وَقَالَ: بَلْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ لَا يَدْفَعُ إلَّا إنْ ادَّعَى الْأَلْفَ وَخَمْسَمِائَةٍ. وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ حِينَئِذٍ عَلَى تَقْدِيرِ الدَّعْوَى أَنْ يَدَّعِيَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَيَشْهَدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَقُولَ أُوهِمْتُ إنَّمَا هُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، لَكِنْ هَلْ يَقْضِي بِأَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؟ قِيلَ يَقْضِي بِالْكُلِّ، وَقِيلَ بِمَا بَقِيَ وَهُوَ الْأَلْفُ، حَتَّى لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت بِخَمْسِمِائَةٍ زِيَادَةً وَإِنَّمَا هُوَ خَمْسُمِائَةٍ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَطْ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يُجْعَلُ كَحُدُوثِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ لَوْ شَهِدَ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَقْضِ بِأَلْفٍ فَكَذَا إذَا غَلِطَ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ: أَيْ لَا تُرَدُّ، لَكِنْ لَا يَقْضِي، إلَّا كَمَا قُلْنَا سَوَاءٌ كَانَ وَهْمُهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ بِشَهَادَةٍ ثُمَّ زَادَ فِيهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَالَا أُوهِمْنَا وَهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ قُبِلَ مِنْهُمَا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَقْضِي بِالْكُلِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ شَهِدَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ يَوْمٍ وَقَالَ شَكَكْتُ فِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُهُ بِالصَّلَاحِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِالصَّلَاحِ فَهَذِهِ تُهْمَةٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا شَهِدُوا بِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُدَّعِي وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ قَالُوا لَا نَدْرِي لِمَنْ الْبِنَاءُ فَإِنِّي لَا أُضَمِّنُهُمْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ كَمَا لَوْ قَالُوا شَكَكْنَا فِي شَهَادَتِنَا، وَإِنْ قَالُوا لَيْسَ الْبِنَاءُ لِلْمُدَّعِي ضَمِنُوا قِيمَةَ الْبِنَاءِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. فَعُلِمَ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذَا أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي قَوْلِهِمْ شَكَكْنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ فِي أَنَّهُ يُقْبَلُ إذَا كَانُوا عُدُولًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ شُبْهَةٍ وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْإِشَارَةَ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي أَوْ اسْمَ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ جَازَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ يَكُونُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُتَصَوَّرُ بِلَا شَرْطِهِ وَهُوَ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَالتَّسْمِيَةُ وَلَوْ قَضَى لَا يَكُونُ قَضَاءً. [فُرُوعٌ] مِنْ الْخُلَاصَةِ: وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَكْتَبٍ وَعَلَى مُعَلِّمِهِ فَغُصِبَ فَشَهِدَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ وَقْفُ فُلَانٍ عَلَى مَكْتَبِ كَذَا وَلَيْسَ لِلشُّهُودِ أَوْلَادٌ فِي الْمَكْتَبِ قُبِلَتْ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَوْلَادٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَجُوزُ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ لِلْمَسْجِدِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا شَهَادَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَقْفِيَّةٍ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةِ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِهَا تُقْبَلُ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْمُصْحَفَ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ وَقْفٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَطْلُبُ لِنَفْسِهِ حَقًّا مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَامِدٍ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: تُقْبَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ كَوْنَ الْفَقِيهِ فِي الْمَدْرَسَةِ وَالرَّجُلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَالصَّبِيِّ فِي الْمَكْتَبِ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ يَنْتَقِلُ، وَأُخِذَ هَذَا مِمَّا سَنَذْكُرُهُ مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ جِيرَانِهِ وَلِلشُّهُودِ أَوْلَادٌ مُحْتَاجُونَ فِي جَوَازِ الْمُوصِي قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ لِلِابْنِ وَتَبْطُلُ لِلْبَاقِينَ، وَفِي الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ كَذَلِكَ. وَفِي وَقْفِ هِلَالٍ قَالَ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْجِيرَانِ عَلَى الْوَقْفِ. قُلْتُ: وَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَوْقَافِهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ أَوْ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مِنْ فُقَرَاءِ الْجِيرَانِ قَالَ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ فُقَرَاءَ الْجِيرَانِ لَيْسُوا قَوْمًا مَخْصُوصِينَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى فُقَرَاءِ الْجِيرَانِ يَوْمَ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ، فَمَنْ انْتَقَلَ مِنْهُمْ مِنْ جِوَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْغَلَّةِ حَقٌّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ فَقِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ جَعَلَ أَرْضَهُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ لَهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا خَاصَّةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلِيَّ الْوَقْفِ لَوْ أَعْطَى الْغَلَّةَ غَيْرَهُمَا مِنْ فُقَرَاءِ الْكُوفَةِ كَانَ جَائِزًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ تَكُونُ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ مِثْلُ أَهْلِ بَغْدَادَ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ. وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا بِأَسْطُرٍ إنْ شَهِدَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى جِيرَانِهِ وَهُمَا جِيرَانُهُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ تَعَيُّنُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذْ لَا جِيرَانَ لَهُ سِوَاهُمَا، بِخِلَافِ تِلْكَ الصُّورَةِ. وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ فُقَرَاءُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ بَعْضُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِزِيَادَةِ الْخَرَاجِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ خَرَاجُ كُلِّ أَرْضٍ مُعَيَّنًا أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ تُقْبَلُ، وَكَذَا أَهْلُ قَرْيَةٍ شَهِدُوا عَلَى ضَيْعَةٍ أَنَّهَا مِنْ قَرْيَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا أَهْلُ سِكَّةٍ يَشْهَدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ السِّكَّةِ إنْ كَانَتْ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ لَا تُقْبَلُ. وَفِي النَّافِذَةِ: إنْ طَلَبَ حَقًّا لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ لَا آخُذُ شَيْئًا تُقْبَلُ، وَكَذَا فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ عَلَى هَذَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ. وَقِيلَ إنْ كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً تُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَفِي الْأَجْنَاسِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَأَهْلُ بَيْتِ الشَّاهِدَيْنِ فُقَرَاءُ لَا تُقْبَلُ لَهُمَا وَلَا لِغَيْرِهِمَا. وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُقَرَاءِ بَنِي تَمِيمٍ وَهُمَا فَقِيرَانِ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَلَا يُعْطَيَانِ مِنْهُ شَيْئًا. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ جَعَلَ أَرْضَهُ صَدَقَةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَهُمَا مِنْ

[باب الاختلاف في الشهادة]

(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ (الشَّهَادَةُ إذَا وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَرَابَتِهِ وَهُمَا غَنِيَّانِ يَوْمَ شَهِدَا أَوْ فَقِيرَانِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا. وَوَضَعَ هَذِهِ الْخَصَّافُ فِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ. قَالَ: وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيَوْمَ شَهِدَا هُمَا غَنِيَّانِ قَالَ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُمَا إنْ افْتَقَرَا يَثْبُتُ الْوَقْفُ لَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا، وَكُلُّ شَهَادَةٍ تَجُرُّ نَفْعًا لِلشَّاهِدِ أَوْ لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ لَا تَجُوزُ. [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ] (بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) الِاخْتِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ، بَلْ الْأَصْلُ الِاتِّفَاقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ذَلِكَ، وَالشَّهَادَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إمَّا عَنْ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْقَتْلِ أَوْ سَمَاعِ إقْرَارٍ وَغَيْرِهِ، وَالشَّاهِدَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي إدْرَاكِ ذَلِكَ فَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ فَلِهَذَا أَخَّرَهُ عَمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ الشَّهَادَةُ إذَا وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ.

وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتٍ فِي حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ وَهُوَ الدَّعْوَى (وَقَدْ وُجِدَتْ) الدَّعْوَى (فِيمَا يُوَافِقُهَا) أَيْ يُوَافِقُ الشَّهَادَةَ فَوُجِدَ شَرْطُ قَبُولِهَا فَتُقْبَلُ (وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا) فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوَافِقْهَا صَارَتْ الدَّعْوَى بِشَيْءٍ آخَرَ وَشَرْطُ قَبُولِ الدَّعْوَى بِمَا بِهِ الشَّهَادَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ الْمُطَابِقَةَ، بَلْ إمَّا الْمُطَابَقَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ، فَمِنْ الْأَقَلِّ مَا لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرِ كَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ تُقْبَلُ، وَيَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا سَمَّاهُ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي بِالزِّيَادَةِ، كَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْخُلَاصَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ، وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتَا، لِأَنَّ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ، بِخِلَافِ بِسَبَبٍ يُفِيدُ الْحُدُوثَ، وَالْمُطْلَقُ أَقَلُّ مِنْ النِّتَاجِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنِّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ، وَفِي قَلْبِهِ وَهُوَ دَعْوَى الْمُطْلَقِ فَشَهِدُوا بِالنِّتَاجِ لَا تُقْبَلُ. وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ الْإِرْثَ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسِيَهُ. أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْته أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ. وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ، وَعَنْ هَذَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مِلْكٍ بِسَبَبٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ لَهُ. قُلْت: كَيْفَ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا لَوْ ادَّعَاهَا بِسَبَبٍ. وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مَعَ الْقَبْضِ فَقَالَ وَقَبَضْته مِنْهُ هَلْ هُوَ كَالْمُطْلَقِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ. الْخُلَاصَةُ تُقْبَلُ. وَحُكِيَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ خِلَافًا، قِيلَ تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ الْقَبْضِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى تَعْيِينُ الْعَبْدِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهَا لَا كَالْمُطْلَقِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِالزَّوَائِدِ فِي ذَلِكَ. وَفِي زَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ: دَعْوَى الدَّيْنِ كَدَعْوَى الْعَيْنِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْحِيَلِ لِلْحَلْوَانِيِّ، فَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْقَرْضِ وَشَبَهِهِ فَشَهِدُوا بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَحْمُودٌ الْأُوزْجَنْدِيُّ: لَا تُقْبَلُ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي الْأَقْضِيَةِ: مَسْأَلَتَانِ يَدُلَّانِ عَلَى الْقَبُولِ انْتَهَى. وَعِنْدِي الْوَجْهُ الْقَبُولُ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الدِّينِ لَا مَعْنَى لَهُ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ. وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ: لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا بِسَبَبِ حِمْلِ دَعْوَى الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ بَعْدَهُ عَلَى الْمُطْلَقِ. وَلَوْ شَهِدُوا أَوَّلًا عَلَى الْمُطْلَقِ ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ بِبَعْضِ مَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا. وَلَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ مَعَ السَّبَبِ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ كَمَا لَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ بِسَبَبِ عَقْدِ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ فَهُوَ مِلْكٌ حَادِثٌ. وَلَوْ ادَّعَى بِسَبَبٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ مُطْلَقًا لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدُوا جَمِيعًا بِالْمُطْلَقِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. وَإِذَا أَرَّخَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ تُقْبَلُ فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُؤَرِّخِ لَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ. وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ بِسَبَبٍ أَرَّخَهُ فَشَهِدُوا لَهُ بِهِ بِلَا تَارِيخٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ شَهْرَانِ فَأَرَّخُوا شَهْرًا تُقْبَلُ. وَعَلَى الْقَلْبِ لَا، وَلَوْ أَرَّخَ الْمُطْلِقُ بِأَنْ قَالَ هَذَا الْعَيْنُ لِي مُنْذُ سَنَةٍ فَشَهِدَا أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى الْقَلْبِ تُقْبَلُ. وَمِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ مَا تَضْمَنَّهُ هَذِهِ الْفُرُوعُ الَّتِي نَذْكُرُهَا دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ لَهُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ مُشَاعًا فَشَهِدُوا أَنَّ لَهُ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ. ادَّعَى دَارًا وَاسْتَثْنَى طَرِيقَ الدُّخُولِ وَحُقُوقَهَا وَمَرَافِقَهَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا شَيْئًا لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى بَيْتًا وَلَمْ يَسْتَثْنُوهُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ كُنْت بِعْت ذَلِكَ الْبَيْتَ مِنْهَا فَتُقْبَلُ. وَفِي الْمُحِيطِ نَقْلًا مِنْ الْأَقْضِيَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ لِلْحَالِ: أَيْ فِي الْعَيْنِ فَشَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ الْمِلْكَ فِي الْمَاضِي فَيُحْكَمُ بِهَا فِي الْحَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُزِيلُ. قَالَ رَشِيدُ الدِّينِ بَعْدَمَا ذَكَرَهَا: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ " امرو زملك وي مي دَانَيْت " انْتَهَى، مَعْنَى هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْيَوْمَ. نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَقَطْ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. قَالَ الْعِمَادِيُّ فَعَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ فَشَهِدَا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ كَمَا فِي الْعَيْنِ. وَمِثْلُهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحَالِ تُقْبَلُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ فِي الْمَاضِي. أَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِالْيَدِ لَهُ فِي الْمَاضِي لَا يُقْضَى بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تُسَوِّغُ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي بِهَا، وَخَرَّجَ الْعِمَادِيُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الْوَاقِعَاتِ: لَوْ أُقِرَّ بِدَيْنِ رَجُلٍ عِنْدَ رَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ أَنَّ شَاهِدَيْ الْإِقْرَارِ يَشْهَدَانِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا يَشْهَدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِمَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ لَا لِلْقَبُولِ وَعَدَمِهِ، بَلْ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَنْعِهِ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى ثُبُوتُ الْقَبُولِ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَضَاهُ فَلَا يَشْهَدَانِ حَتَّى يُخْبِرَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ، وَسَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الْكِتَابِ إذَا عَلِمَ شَاهِدُ الْأَلْفِ أَنَّهُ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يُقِرَّ بِقَبْضِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَعَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ ادَّعَى فِي الْمَاضِي أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ مِلْكِي فَشَهِدَ أَنَّهَا لَهُ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَشَهِدَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَا تُقْبَلُ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ إذَا شَهِدُوا عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ هَذِهِ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ لِأَنَّ إسْنَادَ الْمُدَّعِي دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ، إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَاضِي إلَّا ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مَا شَهِدُوا بِهِ مُدَّعًى بِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا أَسْنَدَا ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِمَا إيَّاهُ فِي الْحَالِ لِجَوَازِ قَصْدِهِمَا إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِخْبَارِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمَا بِهِ إذْ لَمْ يَعْلَمَا سِوَى ثُبُوتِهِ فِي الْمَاضِي وَقَدْ يَكُونُ انْتَقَلَ فَيَحْتَرِزَانِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ لِلْحَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: ادَّعَى النَّقْرَةَ الْجَيِّدَةَ وَبَيَّنَ الْوَزْنَ فَشَهِدَا عَلَى النَّقْرَةِ وَالْوَزْنِ وَلَمْ يَذْكُرَا جَيِّدَةً أَوْ رَدِيئَةً أَوْ وَسَطًا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالرَّدِيءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى قَفِيزَ دَقِيقٍ مَعَ النُّخَالَةِ فَشَهِدُوا مِنْ غَيْرِ نُخَالَةٍ أَوْ مَنْخُولًا فَشَهِدُوا غَيْرَ الْمَنْخُولِ لَا تُقْبَلُ. وَفِيهَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ بَيْتٍ فَشَهِدُوا عَلَى أَلْفٍ مِنْ ضَمَانِ جَارِيَةٍ غَصَبَهَا وَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْطُورَةِ وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ بَاعَهَا مِنْهُ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّهُ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي لِي عَلَيْهِ ثَمَنُ مَتَاعٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ: أَيْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ بِمِثْلِهِ فِي الْإِقْرَارِ تُقْبَلُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا. وَفِي الْكَفَالَةِ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَفَلَ بِأَلْفٍ عَنْ فُلَانٍ، فَقَالَ الطَّالِبُ هُوَ أَقَرَّ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ عَنْ فُلَانٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْمَالِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَضُرُّهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي السَّبَبِ. وَمِثْلُهُ ادَّعَى أَنَّهُ آجَرَهُ دَارًا وَقَبَضَ مَالَ الْإِجَارَةِ وَمَاتَ فَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَطَلَبَ مَالَ الْإِجَارَةِ فَشَهِدُوا أَنَّ الْآجِرَ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَالِ الْإِجَارَةِ تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ مَالِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ أَوْ الْقَرْضَ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَقَدْ أُطْلِقَ الْقَبُولُ فِي الْمُحِيطِ وَالْعُمْدَةِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: قَالُوا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَلَوْ ادَّعَى قَرْضًا فَشَهِدُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَ إلَيْهِ كَذَا وَلَمْ يَقُولُوا وَقَبَضَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَثْبُتُ قَبْضُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْبَيْعِ شَهَادَةٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْقَبْضُ بِذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ أَنَّهُ قَبَضَ بِجِهَةِ الْأَمَانَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِجِهَةِ الْقَرْضِ إنْ ادَّعَاهُ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ دَيْنَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدُوا جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ بِهِ قُبِلَتْ. وَلَوْ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ وَكِيلِهِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا بَاعَهَا مِنْهُ وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجَازَ الْبَيْعَ ادَّعَى أَنَّك قَبَضْت مِنْ مَالِي جَمَلًا بِغَيْرِ حَقٍّ مَثَلًا وَذَكَرَ سِنَّهُ وَقِيمَتَهُ فَشَهِدُوا

قَالَ (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ) . وَعَلَى هَذَا الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالثَّلَاثُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ غَيْرَ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِهِ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِي وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتَ مِنِّي فَلَا يَكُونُ مَا شَهِدَا بِهِ يُنَاقِضُهُ فَيَحْضُرُهُ لِيُشِيرَ إلَيْهِ بِالدَّعْوَى. فَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ وَوُجِدَ شَرْطُ الْقَبُولِ فِي شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَهُوَ مَا طَابَقَ الدَّعْوَى مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَالْوَاحِدُ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ لِلْقَاضِي. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الِاشْتِرَاطَ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ احْتِرَازًا عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ الدَّعْوَى مُدَّعٍ خَاصٍّ غَيْرُ الشَّاهِدِ لَيْسَ شَرْطًا لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ بِهِ فِي إثْبَاتِهِ، وَذَلِكَ لِلشَّاهِدِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَكَانَ قَائِمًا فِي الْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَاهِدًا مِنْ جِهَةِ تَحَمُّلِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهَا إلَى خَصْمٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ إلَخْ) أَيْ يُشْتَرَطُ التَّطَابُقُ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى أَيْضًا لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ. ثُمَّ الشَّرْطُ فِي تَطَابُقِ الشَّاهِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى) وَالْمُرَادُ مِنْ تَطَابُقِهِمَا تَطَابُقُ لَفْظِهِمَا عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ بِمُرَادِفٍ، حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخِرُ بِالْعَطِيَّةِ قُبِلَتْ لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ (فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ) فَلَمْ يُقْضَ بِشَيْءٍ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ يَدَّعِي أَلْفًا لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْأَلْفَيْنِ، إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَقَضَانِي أَلْفًا أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ أَلْفٍ وَالشَّاهِدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لَهُ بِالْأَلْفِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ أَوْ بِطَلْقَةٍ وَطَلْقَتَيْنِ وَطَلْقَةٍ وَثَلَاثٍ لَا يُقْضَى بِطَلَاقٍ أَصْلًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْأَقَلِّ، وَعَلَى هَذَا الْخَمْسَةُ وَالْعَشَرَةُ وَالْعَشَرَةُ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالدِّرْهَمُ وَالدِّرْهَمَانِ، وَهَذَا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ. أَمَّا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي كِيسٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكِيسِ وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ لَهُ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكِيسِ لَهُ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْمِقْدَارِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ذَكَرَهُ الْخَبَّازِيُّ. وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

لَهُمَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ أَوْ الطَّلْقَةِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَصَارَ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا لَفْظًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِاللَّفْظِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ بَلْ هُمَا جُمْلَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فَحَصَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَسْتَحِقُّ الزَّائِدَ بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ (مَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ أَوْ الطَّلْقَةِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَصَارَ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفُ وَالْخَمْسُمِائَةِ) حَيْثُ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِالْأَلْفِ لِذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا) فِي لَفْظٍ غَيْرِ مُرَادِفٍ (لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ) وَيَلْزَمُهُ اخْتِلَافُ الْمَعْنَى فَإِنَّمَا (هُمَا) أَيْ الْأَلْفُ وَالْأَلْفَانِ (جُمْلَتَانِ) أَيْ عَدَدَانِ (مُتَبَايِنَتَانِ حَصَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ وَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالِ) بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكُرِّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَعِيرٍ وَالْآخِرُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ بِيضٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ سُودٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي السُّودَ لَا تُقْبَلُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُدَّعِي كَذَّبَ شَاهِدَ الْبِيضِ، إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ الْمُدَّعِي فَيَقُولَ كَانَ لِي الْبِيضُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ صِفَةِ الْجُودَةِ فَتُقْبَلُ حِينَئِذٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ يَدَّعِي الْبِيضَ وَلَهَا مَزِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالسُّودِ، وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ. وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِمُدَّعِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا جَيِّدَةٌ وَقَالَ الْآخَرُ رَدِيئَةٌ وَالدَّعْوَى بِالْأَفْضَلِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا نَيْسَابُورِيَّةً وَقَالَ الْآخَرُ بُخَارِيَّةً وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي النَّيْسَابُورِيَّة وَهِيَ أَجْوَدُ يُقْضَى بِالْبُخَارِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ يُنْقَلُ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْكَمْيَّةِ وَالْجِنْسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَقَعْ جَوَابُ قَوْلِهِمَا الشَّاهِدُ بِالْأَلْفَيْنِ شَاهِدٌ بِالْأَلْفِ فِي ضِمْنِهِمَا فَاجْتَمَعَا عَلَيْهَا وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَلَا يُقْبَلُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَا شَهِدَ بِهَا إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ جُزْءُ الْأَلْفَيْنِ، فَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْأَلْفُ فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ الْمُتَضَمَّنَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْمُتَضَمِّنِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفَانِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفُ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ وَشَهِدَ بِأَلْفٍ تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَهِيَ شَرْطٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ. وَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَالْآخَرُ أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا يُقْضَى بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعًا الْبَيْنُونَةَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّفْظِ لَهُ وَحْدَهُ غَيْرُ ضَائِرٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى وَزْنِ اتِّفَاقِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَا تُقْبَلُ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَدَّعِي أَلْفَيْنِ كَانَ مُدَّعِيًا الْأَلْفَ وَقَدْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ صَرِيحًا فَتُقْبَلُ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَنُصَّ شَاهِدُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَانِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفَانِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ: الَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا مَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِطَلْقَةٍ: يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَآخَرَانِ بِثَلَاثٍ وَفَرَّقَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الشَّهْرِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ لَا عَلَى شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ مَا قَالَا إنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً تَقَعُ الْوَاحِدَةُ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ فَقَدْ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهَا فِيهَا وَالْمَالِكُ يُوجَدُ مِنْ مَمْلُوكِهِ مَا شَاءَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا أَلْفًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِمِلْكِهِ الْعَدَدَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَغَا مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ شَرْعًا. وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَيُمْنَعُ التَّرَادُفُ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٍ لَيْسَ مَعْنَى بَرِيَّةٍ لُغَةً وَالْوُقُوعُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ هُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ، وَالْمُتَبَايِنَاتُ قَدْ تَشْتَرِكُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُهُمَا ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا كَانَ دَلِيلَ اخْتِلَالِ تَحَمُّلِهِمَا فَإِنَّ هَذَا يَقُولُ: مَا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ إلَّا بِوَصْفِهَا بِخَلِيَّةٍ وَالْآخَرُ يَقُولُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِوَصْفِهَا بِبَرِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي عَقْدًا، أَمَّا إنْ ادَّعَى الْمَالَ فِي ضِمْنِ دَعْوَى الْعَقْدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَالْجَوَابُ مَا سَتَعْلَمُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَلْ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهَا قَالَ أَجْعَلُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا الَّذِي أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَالْبَاقِي لِلْمَسَاكِينِ، وَكَذَا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا مَالًا لِزَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالْآخَرُ أَقَلُّ مِنْهُ أَحْكُمُ لِزَيْدٍ بِمَا أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يُعْطِي لِزَيْدٍ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا يَسَعُهُ وَيَسَعُ عِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ الْآخَرُ يُعْطِي أَلْفًا قَالَ أُقَدِّرُ نَفَقَتَهُ وَعِيَالِهِ فِي الْعَامِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ حَكَمْت لَهُ بِالْأَلْفِ أَوْ الْأَلْفُ أَكْثَرُ أَعْطَيْته نَفَقَتَهُ وَالْبَاقِي لِلْمَسَاكِينِ، هَذَا بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَ الْكِسْوَةَ فِي النَّفَقَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: قُلْت فَلِمَ أَجَزْت هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِمَا؟ قَالَ: الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْوَقْفَ إلَى أَنَّ لِزَيْدٍ بَعْضَ هَذِهِ الْغَلَّةِ فَأَجْعَلُ لَهُ الْأَقَلَّ انْتَهَى. فَإِيرَادُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّ إيرَادَهُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا صَرِيحٌ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّا عَلِمْنَا اسْتِحْقَاقَهُ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ وَتَرَدَّدْنَا بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَيَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ. [فُرُوعٌ] ادَّعَى بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَا تُقْبَلُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهُ مَلَكَهُ لَا تُقْبَلُ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى الرَّهْنِ فَشَهِدَ بِهِ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِقَبْضِهِ لَا تُقْبَلُ. قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: الرَّهْنُ فِي هَذَا كَالْغَصْبِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لَوْ أَعَادَهَا فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُودَعِ قُبِلَتْ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى قِيَاسِ الْغَصْبِ. وَعَلَى قِيَاسِ الْقَرْضِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ الْوَفَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاحِدٌ. وَمِثْلُهُ ادَّعَتْ صَدَاقَهَا فَقَالَ وَهَبَتْنِي إيَّاهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ السُّقُوطُ. وَقِيلَ لَا لِلِاخْتِلَافِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ،

قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَلْفِ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ) لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، لِأَنَّ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ جُمْلَتَانِ عُطِفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالْعَطْفُ يُقَرِّرُ الْأَوَّلَ وَنَظِيرُهُ الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَةُ وَالنِّصْفُ وَالْمِائَةُ وَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ، بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَهُوَ نَظِيرُ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْهِ إلَّا الْأَلْفُ فَشَهَادَةُ الَّذِي شَهِدَ بِالْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَا إذَا سَكَتَ إلَّا عَنْ دَعْوَى الْأَلْفِ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ ظَاهِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَلَوْ قَالَ كَانَ أَصْلُ حَقِّي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَلَكِنِّي اسْتَوْفَيْت خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَبْرَأْتُهُ عَنْهَا قُبِلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْمُحِيطِ: ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَ أَنَّهَا دَارُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهَا لَهُ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الدَّيْنِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا لَا تُقْبَلُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ. وَإِذَا رَاجَعْت الْقَاعِدَةَ الَّتِي نَذْكُرُهَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ خَرَّجْت كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَلِيمُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ) بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرًا، وَعِنْدَهُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالشَّهَادَةِ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مَنْصُوصٌ عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهَا لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَلْفِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ يَدَّعِيهِمَا، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا يَدَّعِي الْأَلْفَ وَسَكَتَ عَنْ التَّوْفِيقِ لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ لِشَاهِدِ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ ظَاهِرًا، لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ بَيَانٌ إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ كَانَ حَقِّي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَقَضَانِي أَوْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ عَلَى نَظِيرِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا لَمْ يُوَفِّقْ صَرِيحًا وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ، وَلَا يَكْفِي احْتِمَالُ التَّوْفِيقِ

لِتَوْفِيقِهِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِالْأَلْفِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (وَلَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ إنْ قَضَاهُ) لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ، لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونُ شَهَادَتِهِ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ. وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ) إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ (أَنْ لَا يَشْهَدَ بِأَلْفٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ) كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا كَانَ لِي إلَّا أَلْفٌ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُهُ التَّوْفِيقُ فَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ، وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ قَضَى بِالْأَلْفِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا عَلَيْهَا، وَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ إنَّهُ قَضَاهُ لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ) بِسُقُوطِ بَعْضِ الْحَقِّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَلَا تُقْبَلُ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ (أَنَّهُ يُقْضَى بِخَمْسِمِائَةٍ) فَقَطْ (لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونٌ شَهَادَتُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ. وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، يَعْنِي فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْأَلْفِ بِاتِّفَاقِهِمَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِسُقُوطِ خَمْسِمِائَةٍ فَلَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا إنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهَا بَعْدَ قَرْضِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْكُلِّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدِ الْقَضَاءِ، وَذَكَرُوا قَوْلَ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ إكْذَابٌ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ كَمَا لَوْ فَسَّقَهُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا إلَى آخِرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِكْذَابِ التَّفْسِيقُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَغْلِيطًا لَهُ (قَالَ) الْقُدُورِيُّ (وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَضَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ (أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِقَبْضِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ فَإِمَّا بِالْأَلْفِ ثُمَّ يَقُولُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَعَلِمْت أَنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِأَلْفٍ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِمَّا بِخَمْسِمِائَةٍ يَثْبُتُ اخْتِلَافُهُمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَصْلًا عَلَى قَوْلِ

(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَرْضٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَضَاهَا، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَرْضِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْقَضَاءِ. قُلْنَا: هَذَا إكْذَابٌ فِي غَيْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَمِثْلُهُ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعِي. فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ الَّذِي عَرَفَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَعْتَرِفَ بِالْقَدْرِ الَّذِي سَقَطَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ لَفْظِ لَا يَنْبَغِي لَا يَحِلُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ أَبِي اللَّيْثِ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ: رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ قَوْمٍ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا فَبَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَ رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ إلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا لَا تَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ فَالشُّهُودُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَإِنْ شَاءُوا أَخْبَرُوا الْحَاكِمَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُمْ بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُونَ عُدُولًا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْمَالِ، هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، لَوْ شَهِدَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَدَّعُوا الشَّهَادَةَ، وَكَذَا إذَا حَضَرُوا بَيْعَ رَجُلٍ أَوْ نِكَاحَهُ أَوْ قَتْلَهُ فَلَمَّا أَرَادُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ شَهِدَ عِنْدَهُمْ بِطَلَاقِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا أَوْ قِيلَ عَايَنَّا امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُمَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ وَاحِدًا شَهِدُوا أَوْ اثْنَيْنِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا، وَكَذَا لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلثَّانِي لَا يَسَعُهُ بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا. هَذَا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ تَفْرِيعَهَا عَلَيْهَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ الَّتِي نَقَلَهَا يُقْضَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ إيَّاهَا أَنْ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَذَكَرَهَا لِلْإِعْلَامِ بِالْفَرْقِ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لِقَاتِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدِ الْقَضَاءِ عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ مُتَقَدِّمًا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لِلشَّاهِدِ أَنْ يَقُولَ: أَنَا تَحَمَّلْت الشَّهَادَةَ وَأَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا وَقَدْ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَكِنِّي أَشْهَدُ كَمَا أُشْهِدْت عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ، فَإِذَا ظَهَرَتْ شَهَادَتُهُ مَعَ الْآخَرِ بِهَا قُضِيَ لَهُ بِالْأَلْفِ. أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ فَالشَّاهِدُ يَذْكُرُ أَنَّ الشَّهَادَةَ سَقَطَتْ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيَّ أَدَاؤُهَا فَشَهَادَتِي بَاطِلَةٌ فَلَا يَقْضِي بِالْأَلْفِ، فَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَزَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةَ وَأَثْبَتَتْ جَوَازَ الشَّهَادَةِ. وَاسْتَرْوَحَ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ: التَّفَاوُتُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ بِقَضَاءِ الْمَدْيُونِ كُلَّ الدَّيْنِ وَفِي الَّتِي

قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَقْبَلْ الشَّهَادَتَيْنِ) لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى (فَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَقَضَى بِهَا ثُمَّ حَضَرَتْ الْأُخْرَى لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا تُنْتَقَضُ بِالثَّانِيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَهَا شَهِدَ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَاجْتُمِعُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَقْضِ) بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَوْ لَمْ يَجْتَمِعُوا بَلْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَكَّة فَقُضِيَ بِهَا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِكَذِبِ إحْدَاهُمَا بِيَقِينٍ وَلَا أَوْلَوِيَّةَ فَلَا قَبُولَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلْأَوْلَوِيَّةِ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ الصَّحِيحِ بِهَا فَإِنَّهُ حِينَ قَضَى بِالْأُولَى لَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ ذَاكَ فَنَفَذَ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ شَرْعًا بِحُدُوثِ مُعَارِضٍ، كَمَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فِي أَحَدِهِمَا نَجَاسَةٌ شَكَّ فِي تَعْيِينِهِ فَتَحَرَّى وَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَقَعَ ظَنُّهُ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَحَرِّيهِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فِيهِ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّحَرِّي الثَّانِي فِي رَفْعِهِ. وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْآلَةِ، قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَقَالَ الْآخَرُ بِيَدِهِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا إنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِأَنَّ الْقَوْلَ غَيْرُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْقَتْلِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصَابٌ، وَكَذَا الضَّرْبُ الْوَاقِعُ أَمْسِ وَبِتِلْكَ الْآلَةِ لَيْسَ عَيْنَ الضَّرْبِ الْوَاقِعِ الْيَوْمَ وَبِالْأُخْرَى حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْفِعْلِ الثَّانِي إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ لِيَتَّحِدَ الْفِعْلُ نَفْسُهُ، وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ كَالشَّجِّ وَالْجِنَايَةِ مُطْلَقًا وَالْغَصْبِ أَوْ مِنْ بَابِ الْقَوْلِ الْمَشْرُوطِ فِي صِحَّتِهِ الْفِعْلُ كَالنِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ إحْضَارُ الشُّهُودِ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الْإِنْشَاءِ أَوْ الْإِقْرَارِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ لِمَا ذَكَرْنَا، إذْ الْمُرَادُ بِالْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ ذِكْرُ أَنَّ إنْشَاءَ الْفِعْلِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ. مِثَالُهُ: مَا لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ بِهِ قُبِلَتْ، بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْقَوْلِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَالْإِقْرَارِ وَالْقَرْضِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْقَذْفِ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ، فَإِنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ إنْشَاءً وَإِخْبَارًا وَهُوَ فِي الْقَرْضِ بِحَمْلِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُقْرِضِ أَقْرَضْتُك، وَكَذَا يُقْبَلُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَا يَشْهَدَانِ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَفِي الْمُحِيطِ: ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ قَبَضَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ مُنْذُ شَهْرٍ وَشَهِدُوا لَهُ بِالْقَبْضِ مُطْلَقًا لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى الْقَبْضِ بِلَا تَارِيخٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَالِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْفِعْلَ فِي الْمَاضِي وَالْفِعْلُ فِي الْمَاضِي غَيْرُهُ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الْقَتْلَ مِنْ شَهْرٍ فَشَهِدُوا بِهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْقَتْلَ مُطْلَقًا وَشَهِدُوا بِهِ مِنْ شَهْرٍ لِأَنَّهُ

(وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَقَرَةً وَقَالَ الْآخَرُ ثَوْرًا لَمْ يُقْطَعْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: لَا يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ) جَمِيعًا، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي لَوْنَيْنِ يَتَشَابَهَانِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ لَا فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَقِيلَ هُوَ فِي جَمِيعِ الْأَلْوَانِ. لَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ فِي السَّوْدَاءِ غَيْرُهَا فِي الْبَيْضَاءِ فَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَصَارَ كَالْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ أَمْرَ الْحَدِّ أَهَمُّ وَصَارَ كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. وَلَهُ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِي اللَّيَالِي مِنْ بَعِيدٍ وَاللَّوْنَانِ يَتَشَابَهَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدٍ فَيَكُونُ السَّوَادُ مِنْ جَانِبٍ وَهَذَا يُبْصِرُهُ وَالْبَيَاضُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَهَذَا الْآخَرُ يُشَاهِدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQادَّعَى الْفِعْلِ فِي الْحَالِ وَهُمْ شَهِدُوا بِهِ فِي الْمَاضِي فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ وَقَالَ أَرَدْت مِنْ الْمُطْلَقِ الْفِعْلَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي هَذَا مِنْ غَيْرِ تَوْفِيقٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَكْثَرُ وَأَقْوَى مِنْ الْمُؤَرَّخِ فَقَدْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى بِهِ فَتُقْبَلُ انْتَهَى فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مِنْ الْفِعْلِ الْقَبْضُ. وَمِنْ الْفُرُوعِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ ادَّعَى الشِّرَاءَ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ فَشَهِدُوا بِهِ أَمْسِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ، وَلَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ فَشَهِدُوا بِهِ أَمْسِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْفِعْلَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ، هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ رِوَايَتِهِ، اخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يَمْنَعُ فِي الْكُلِّ إلَّا إذَا شَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ الْآخَرُ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ وَالْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ بِالْقَبْضِ جَازَتْ. وَلَوْ ادَّعَى الْبَيْعَ وَشَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ وَاخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ قُبِلَتْ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّ لَفْظَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِلَافُ الْمَشْهُودِ بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَفِيهِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَوْ سَكَتَ شَاهِدَا الْبَيْعِ عَنْ بَيَانِ الْوَقْتِ فَسَأَلَهُمَا الْقَاضِي فَقَالَا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا حِفْظَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَا إلَخْ) صُورَتُهَا: ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ بَقَرَةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا لَوْنًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا

بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ عَلَى قُرْبٍ مِنْهُ، وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدَةٍ، وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَلَا يَشْتَبِهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَرِقَتِهِ الْحَمْرَاءَ وَالْآخَرُ سَوْدَاءَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ وَيُقْطَعُ، وَقَالَا هُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ عَيَّنَ لَوْنًا كَحَمْرَاءَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءَ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُدَّعِي لَوْنًا بَيْنَ كَوْنِ اللَّوْنَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَلَفَا فِيهِمَا مُتَقَارِبَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ أَوْ مُتَبَاعِدَيْنِ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ. وَقِيلَ فِي الْمُتَبَاعِدَيْنِ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَصْحِيحَهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ ثَوْبٍ مُطْلَقًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ. لَهُمَا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابُ شَهَادَةٍ فَكَانَ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي ذُكُورَتِهَا وَأُنُوثَتِهَا أَوْ فِي قِيمَتِهَا لَا تُقْبَلُ كَذَا هَذَا. وَأَيْضًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فِي الْغَصْبِ فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى غَصْبِ بَقَرَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ وَالْآخَرُ بَيْضَاءُ لَمْ تُقْبَلْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ قَبُولُهَا إثْبَاتَ حَدٍّ فَلَأَنْ لَا تُقْبَلَ فِيمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْلَى لِأَنَّ الْحَدَّ أَعْسَرُ إثْبَاتًا فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ. وَأَمَّا مَا زِيدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ مِمَّا فِيهِ الْكَلَامُ: أَعْنِي السَّرِقَةَ بَلْ يَخُصُّ الزِّنَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَهُوَ الْمُدَّعَى بِهِ بِلَا ذِكْرِ الْمُدَّعِي لَوْنًا خَاصًّا يَثْبُتُ الْحَدُّ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَلْ وَقَعَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا عِلْمَ لَوْنِهَا، فَإِنَّهُمَا لَوْ قَالَا لَا نَعْلَمُ لَوْنَهَا لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُمَا وَيَجِبُ الْحَدُّ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي أَمْرٍ زَائِدٍ لَا يَلْزَمُهُمَا مِمَّا لَيْسَ مُدَّعًى بِهِ لَا يُبْطِلُ الْحَدَّ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي ثِيَابِ السَّارِقِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَهَا وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَحْمَرُ وَقَالَ الْآخَرُ أَبْيَضُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَكَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانٍ الزِّنَا مِنْ الْبَيْتِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ وَقَالَ الْآخَرُ فِي تِلْكَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ فِي قَبُولِهَا إلَى التَّوْفِيقِ كَمَا

قَالَ (وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَلَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهِمَهُ الْعَلَّامَةُ السَّرَخْسِيُّ، غَيْرَ أَنَّا تَبَرَّعْنَا بِالتَّوْفِيقِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ غَالِبًا لَيْلًا وَنَظَرُ الشَّاهِدِ إلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ، وَذَلِكَ سَبَبُ اشْتِبَاهِ اللَّوْنِ إذَا كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ كَانَا مُتَبَاعِدَيْنِ فِي الْبَلْقَاءِ فَيَرَى كُلٌّ لَوْنًا غَيْرَ الْآخَرِ فَيُحْمَلُ اخْتِلَافُهُمَا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُتَقَارِبَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِي فَقَطْ فِي الْمُتَبَاعِدَيْنِ. بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ نَهَارًا فَلَا اشْتِبَاهَ فِيهِ، وَبِخِلَافِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لِأَنَّهُمَا يُكَلَّفَانِ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ لِتُعْلَمَ الْقِيمَةُ فَيُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ بَلَغَ نِصَابًا أَوْ لَا، وَلِأَنَّ ذِكْرَهُ الذُّكُورَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ مِنْ قَرِيبٍ وَتَحَقَّقَ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ، فَالِاخْتِلَافُ وَإِنْ كَانَ فِي زِيَادَةٍ فَقَدْ شَغَبَ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ لَيْسَ احْتِيَاطًا لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ، كَمَا لَمْ يَكُنْ التَّوْفِيقُ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي مَكَانِ الزِّنَا مِنْ الْبَيْتِ بِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْتَقِلَانِ بِحَرَكَةِ الْوَطْءِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان احْتِيَاطًا لِإِثْبَاتِهِ، وَلَا أَنَّ وَجْهَ قَوْلِهِمَا أَدَقُّ وَأَحَقُّ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا ظَنَّهُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ. وَمَا قِيلَ إنَّ التَّوْفِيقَ لِإِثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَاجِبٌ فَيُفْعَلُ ثُمَّ يَجِبُ الْحَدُّ حِينَئِذٍ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ حِينَئِذٍ إنْ لَمْ يَصِحَّ مَنْعُ وُجُوبِهِ مُطْلَقًا بَلْ إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ وُجُوبَ حَدٍّ (قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ إلَخْ) صُورَتُهَا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِأَلْفٍ وَشَاهِدًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا بَاطِلٌ إلَى آخِرِ مَا هُنَاكَ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قَضَى بِأَلْفٍ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَهُنَا لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا فَقَطْ وَالْمَقْصُودُ هُنَا دَعْوَى الْعَقْدِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الدَّيْنَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ، وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ أَرْكَانِهِ، وَالْمُرَكَّبُ

وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا (وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعَقْدُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ السَّبَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي بَعْضُ أَجْزَائِهِ مِقْدَارٌ خَاصٌّ غَيْرُ مِثْلِهِ بِمِقْدَارٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصَابُ شَهَادَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ أَصْلًا (وَلِأَنَّ الْمُدَّعِي يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ) وَهُوَ الشَّاهِدُ بِالْأَلْفِ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ فَأَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ كَذَلِكَ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ أَوْ أَقَلَّهُمَا لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَالتَّكْذِيبُ مِنْ الْمُدَّعِي. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الشَّهِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ: تُقْبَلُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الشِّرَاءِ الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَى بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَكُونُ بِمِائَةِ دِينَارٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّارِحِينَ: فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ، كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَوْ جَازَ لَزِمَ الْقَضَاءُ بِبَيْعٍ بِلَا ثَمَنٍ إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ تَعُودُ الْخُصُومَةُ كَمَا كَانَتْ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَة الْمُدَّعَى بِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ وَسِيلَةً إلَى إثْبَاتِهَا. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ ثَمَانِيَةُ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ: إحْدَاهَا هَذِهِ. وَالثَّانِيَةُ الْكِتَابَةُ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ إذَا ادَّعَاهَا الْعَبْدُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى: يَعْنِي الْكِتَابَةَ عَلَى وِزَانِ مَا ذَكَرَ فِي الْبَيْعِ زَادَ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى لِأَنَّ دَعْوَى السَّيِّدِ الْمَالَ عَلَى عَبْدِهِ لَا تَصِحُّ، إذْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دَعْوَى الْكِتَابَةِ

(وَكَذَا الْخُلْعُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الْقَاتِلَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَبَقِيَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَفِي الرَّهْنِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعَى هُوَ الرَّهْنَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ فَعَرِيَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَنْصَرِفُ إنْكَارُ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِهِ، فَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ إلَّا لِإِثْبَاتِهَا. الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ الْخُلْعُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةَ فِي الْخُلْعِ وَالْعَبْدَ فِي الْعِتْقِ وَالْقَاتِلَ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُمْ الْخَلَاصَ وَهُوَ مَقْصُودُهُمْ (وَإِنْ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ) وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ وَوَلِيُّ الْقَتِيلِ (فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ وَالْآخَرُ بِالْأَقَلِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِعَطْفٍ مِثْلُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَضَى بِالْأَقَلِّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَأَلْفٍ وَأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ، وَهَذَا (لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تَبْقَ الدَّعْوَى إلَّا فِي الدَّيْن) وَالسَّادِسَةُ الرَّهْنُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِشَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّ قَبُولَهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَلَمْ تَصِحَّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّاهِنَ (لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ) أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَا دَامَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى فَلَمْ تَصِحَّ (وَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعِي هُوَ (الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ) وَعَلِمْت حُكْمَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الرَّهْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَكَانَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ

وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ نَظِيرُ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْمُدَّعِي هُوَ الْآجِرُ فَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَالِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ، بِخِلَافِ الرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ إذْ الرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدَّيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِأَلْفٍ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ مَثَلًا هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِي عَلَيْهِ عَلَى رَهْنٍ لَهُ عِنْدِي فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إلَّا الْمَالَ، وَذِكْرُ الرَّهْنِ زِيَادَةٌ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ دَيْنِهِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ دَيْنِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِإِعَادَةِ رَهْنِ كَذَا وَكَذَا كَأَنْ رَهَنَهُ عِنْدِي عَلَى كَذَا ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ، فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةٌ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَخْتَلِفُ بِهِ. وَالسَّابِعَةُ الْإِجَارَةُ، إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْآجِرُ أَنَّهُ أَجَّرَهُ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَشَهِدَ وَاحِدٌ كَذَلِكَ وَآخَرُ بِأَلْفٍ لَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ، إذْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُسْتَحَقُّ الْبَدَلُ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ فَلَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّهَا) اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَ، فَإِنْ

قَالَ (فَأَمَّا النِّكَاحُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِأَلْفٍ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَا: هَذَا بَاطِلٌ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا) وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. لَهُمَا أَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ السَّبَبُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرَ فَهُوَ دَعْوَى الْأُجْرَةِ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يَدَّعِي الْأَكْثَرَ يَقْضِي بِأَلْفٍ إذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا الْأُجْرَةُ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ فَهُوَ دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُعْتَرَفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ. وَالثَّامِنَةُ النِّكَاحُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النِّكَاحَ أُجْرِيَ مُجْرَى الْفِعْلِ حَتَّى لَا يَقْبَلَ الِاخْتِلَافَ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى نِكَاحَهَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ وَلِيَّهَا زَوَّجَهَا مِنْهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى هُوَ عَلَيْهَا ثَانِيًا أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ فَشَهِدَ هَذَا بِأَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ تُقْبَلُ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ إذَا ادَّعَى أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ فَشَهِدَا أَنَّ وَكِيلَهَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ زَوَّجَهَا لِأَنَّ لَفْظَ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا يُصَدَّقُ بِهِ فِي الْعُرْفِ. وَقَدْ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقَالَ: فَأَمَّا النِّكَاحُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: إذَا جَاءَتْ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَشَاهِدٍ يَشْهَدُ عَلَى أَلْفٍ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِالْأَلْفِ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَأَمَّا يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَا: النِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا، فَمَشَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى إطْلَاقِهِ فَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعِي فِيهِ الزَّوْجَ أَوْ الزَّوْجَةَ، وَجَعَلَهُ الْأَصَحَّ نَفْيًا لِمَا حَكَاهُ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعِي الزَّوْجَ فَلَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْعَقْدِ إذْ الزَّوْجُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهَا مَالًا وَكَوْنُهُ الزَّوْجَةَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ: وَقَالَ وَجْهُ الْأَصَحِّ مَا ذَكَرْنَا. يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْحِلُّ وَالِازْدِوَاجُ وَالْمِلْكُ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا بَلْ فِي التَّبَعِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي التَّبَعِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَضَاءُ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِالْأَقَلِّ بِلَا تَفْصِيلٍ. وَأَيْضًا أَجْرَى إطْلَاقَهُ فِي دَعْوَى لِلْأَقَلِّ الْأَكْثَرُ فَصَحَّحَ الصِّحَّةَ سَوَاءً ادَّعَى الْمُدَّعِي الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ قَيَّدَهُ بِدَعْوَى الْأَكْثَرِ حَيْثُ قَالَ: جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِأَلْفٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، وَالْمَفْهُومُ يُعْتَبَرُ رِوَايَةً، وَبِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَيْضًا يُفْهَمُ لُزُومِ التَّفْصِيلِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ بَيْنَ كَوْنِهِ الْأَكْثَرَ فَيَصِحُّ عِنْدَهُ أَوْ الْأَقَلَّ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْبُطْلَانِ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي شَاهِدَ الْأَكْثَرِ كَمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ، فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَهِيَ تَدَّعِي إلَخْ يُفِيدُ تَقْيِيدَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلْأَكْثَرِ دُونَهُ فَإِنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ فَيَثْبُتُ الْعَقْدُ بِاتِّفَاقِهِمَا وَدِينَ بِأَلْفٍ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَالِازْدِوَاجُ وَالْمِلْكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ] شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ هَذَا الْعَبْدَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ يَقْضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَهُ لَمْ يَقْضِ لِلْمَشْهُودِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ تُقْبَلُ. وَزَادَ فِي الْمُنْتَقَى حِينَ وَضَعَهَا ثَانِيَةً فِي الثَّوْبِ: لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِمَا قَالَا لَكِنَّهُ غَصَبَهُ مِنِّي تُقْبَلُ وَيُجْعَلُ ذُو الْيَدِ مُقِرًّا بِمَلَكِيَّةِ الثَّوْبِ لِلْمُدَّعِي فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الثَّوْبِ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ فِيمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَخْذِهِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْإِيدَاعِ مِنْهُ وَقَالَ الْمُدَّعِي إنَّمَا أَوْدَعْته مِنْهُ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِمِلْكٍ وَلَا بِأَخْذٍ، لِأَنَّ شَاهِدَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَشْهَدْ بِالْأَخْذِ فَلَزِمَ الْمُنَاقَضَةُ فِي الْحُكْمِ. وَالدَّلِيلِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ بِغَصْبِهِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَخْذِهِ مِنْهُ يَقْضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي وَيُجْعَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى حُجَّتِهِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْأَخْذِ لَيْسَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ فَلَا مُنَاقَضَةَ إذَا كَانَ الْأَخْذُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ. شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْعَيْنَ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِإِيدَاعِهِ الْمُدَّعِيَ إيَّاهُ مِنْهُ قَضَى لِلْمُدَّعِي، وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ الثَّانِي شَهِدَ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَ إلَيْهِ هَذَا الْعَيْنَ قُضِيَ بِهِ لِلْمُدَّعِي أَيْضًا، لَكِنْ لَوْ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى شِرَائِهِ مِنْهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ تُقْبَلُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ دَفَعَ إلَيَّ فُلَانٌ هَذَا الْعَيْنَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ تُقْبَلُ. وَفِي الزِّيَادَاتِ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْتَقَ كُلَّهُ وَقَالَ الْآخَرُ نِصْفَهُ لَا تُقْبَلُ. وَلَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إجْمَاعًا. ادَّعَى الشِّرَاءَ فَشَهِدَا بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ لَا تُقْبَلُ، إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ جَحَدَنِي الشِّرَاءَ فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُ وَأَعَادَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْهِبَةِ لِأَنَّ الْأُولَى مَا قَامَتْ عَلَى مَا ادَّعَى بِهِ مِنْ الْهِبَةِ وَإِنَّمَا ادَّعَاهَا الْآنَ فَيُقِيمُ بَيِّنَةَ دَعْوَاهُ. ادَّعَى أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَالْآخَرُ مِنْ أُمِّهِ لَا تُقْبَلُ. ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَا لَهُ بِمُدَّعَاهُ وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالْأَرْضِ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ شَهِدَ بِالْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ بَطَلَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهُمَا فِيمَا قَضَاهُ مِنْ الْبِنَاءِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ دُخُولَ الْبِنَاءِ مُحْتَمَلٌ، فَإِقْرَارُ الْمُدَّعِي بِعَدَمِ دُخُولِهِ بَيَانٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ. شَهِدَ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ، أَوْ شَهِدَ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ غُلَامًا وَالْآخَرُ جَارِيَةً تُقْبَلُ. شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ سَكَنَ هَذِهِ الدَّارَ وَالْآخَرُ أَنَّهَا لَهُ لَا تُقْبَلُ. وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَاكِنُهَا قُضِيَ بِهَا لَهُ. شَهِدَ أَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ الْهَالِكِ كَذَا وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا لَا تُقْبَلُ. شَهِدَ عَلَى صَرِيحِ الْإِذْنِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَبِيعُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِهَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الطَّعَامِ وَالْآخَرُ عَلَيْهِ فِي الثِّيَابِ تُقْبَلُ عَلَى الْإِذْنِ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ: ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَشَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ تُقْبَلُ، وَلَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي الْبَيْعَ يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشِّرَاءِ وَالِاسْتِلَامِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْ بِعَدَمِ مِلْكِ نَفْسِهِ فِيهِ عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلَا أَحَدَ مُتَعَرِّضٌ لِلْمُدَّعِي فَيَأْخُذُهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْهِبَةِ مِنْهُ وَالْمُدَّعِي يُنْكِرُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ قَالَ الْآخَرُ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ بَاعَهُ الْمُدَّعِي مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ

وَلَا اخْتِلَافَ فِي مَا هُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ، ثُمَّ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفَعَهَا إلَيْهِ. شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ هَذَا وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ مِنْهُ تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ لَكِنْ بِحُكْمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْأَخْذِ مِنْهُ مُنْفَرِدًا. شَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا دِينَارًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ تُقْبَلُ. شَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِهَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ، وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ لِأَنِّي أَنْوِيهِ فِي وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَفِيهِ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَالْآخَر أَنَّهُ قَالَ لَهُ " آزَادَ " تُقْبَلُ. وَفِيهِ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ وَالْآخَرُ أَمْسِ لَمْ تُقْبَلْ، وَذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ قَالَ طَلَّقْت، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْعِتْقِ ثُبُوتُهُ إذَا وَفَّقَ الْعَبْدُ بِأَنْ قَالَ كَلَّمْته فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا. وَفِيهِ شَهِدَ أَنَّهُ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَكَذَا وَالْآخَرُ إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ وَهَذِهِ لَا تُقْبَلُ، وَفِيهِ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ أَمْسِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ، وَلَوْ قَالَ إنْ ذَكَرْت طَلَاقَك إنْ سَمَّيْته إنْ تَكَلَّمْت بِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ أَمْسِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لَا الْعَتَاقُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا اخْتَلَفَتْ فِي الْكَلَامِ؛ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَذْفِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي إنْشَائِهِ وَإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا. ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا قَرْضًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ أَلْفًا تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ أَلْفٌ وَقَدْ جَحَدَ فَصَارَ ضَامِنًا هِيَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَقِسْمٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ادَّعَى مِلْكًا عَلَى رَجُلٍ بِالشِّرَاءِ فَشَهِدُوا لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَلَا تُقْبَلُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ كَأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ وَذَكَرَ شَرَائِطَ التَّعْرِيفِ، أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْت فَقَطْ أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ مِنْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قَبِلَتْ. وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ فِي الْقَبُولِ خِلَافًا. وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا بِهِ بِسَبَبٍ تُقْبَلُ، كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَزَادَ فِي الْأَجْنَاسِ فِي الْقَبُولِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ الْمِلْكَ أَلَكَ بِهَذَا السَّبَبِ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ إنْ قَالَ نَعَمْ قَضَى أَوْ لَا لَا. وَفِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ: إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مِلْكٍ لَهُ سَبَبٌ وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ مَعْرُوفٍ وَنَسَبَهُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ مَعَ الْقَبْضِ وَقَالَ وَقَبَضْته مِنْهُ فَشَهِدُوا بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَفِي الْخُلَاصَةِ تُقْبَلُ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ. وَحَكَى الْعِمَادِيُّ فِيهِ اخْتِلَافًا، قِيلَ تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ الْقَبْضِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى تَعْيِينُ الْعَبْدِ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهَا

وَيَسْتَوِي دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ. ثُمَّ قِيلَ: لِاخْتِلَافٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ يَكُونُ الْمَالَ وَمَقْصُودَهُ لَيْسَ إلَّا الْعَقْدَ. وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهَذَا أَصَحُّ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا كَالْمُطْلَقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِالزَّوَائِدِ فِي ذَلِكَ. وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ دَعْوَى الدَّيْنِ كَدَعْوَى الْعَيْنِ، وَهَكَذَا فِي شَرْحِ الْحِيَلِ لِلْحَلْوَانِيِّ، لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْقَرْضِ وَشَبَهِهِ فَشَهِدُوا بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا كَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَحْمُودُ الْأُوزْجَنْدِيُّ يَقُولُ: لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ بِسَبَبٍ وَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ. قَالَ: وَفِي الْأَقْضِيَةِ مَسْأَلَتَانِ يَدُلَّانِ عَلَى الْقَبُولِ انْتَهَى. وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ: لَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ حَمْلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُطْلَقِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْمُطْلَقِ ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِبَعْضِ مَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا فَتُقْبَلُ. أَمَّا النِّكَاحُ فَلَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِكَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ قَدْرَ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُقْضَى بِالزِّيَادَةِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ قُضِيَ بِالنِّكَاحِ فَقَطْ. وَلَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ مَعَ السَّبَبِ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ كَمَا لَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكُلُّ مَا كَانَ بِسَبَبِ عَقْدِ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مِلْكٌ حَادِثٌ، وَإِنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ مُطْلَقًا لَا تُقْبَلُ كَمَا إذَا شَهِدُوا جَمِيعًا بِالْمُطْلَقِ، وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى التَّمَلُّكَ فَشَهِدُوا عَلَى الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ فَشَهِدُوا عَلَى النِّتَاجِ لَا لِأَنَّ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ دَعْوَى أَوَّلِيَّتِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى النِّتَاجِ شَهَادَةٌ عَلَى أَوَّلِيَّتِهِ عَلَى الْيَقِينِ فَشَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ فَلَا تُقْبَلُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ تُقْبَلُ. وَلَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ أَوَّلًا ثُمَّ النِّتَاجَ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِالنِّتَاجِ وَشَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ حَيْثُ تُقْبَلُ انْتَهَى. وَلَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ بِسَبَبٍ فَشَهِدَا بِسَبَبٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْفُصُولِ: الْقَاضِي إذَا سَأَلَ الشُّهُودَ قَبْلَ الدَّعْوَى عَنْ لَوْنِ الدَّابَّةِ فَقَالُوا كَذَا ثُمَّ عِنْدَ الدَّعْوَى شَهِدُوا بِخِلَافِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَمَّا لَا يُكَلَّفُ بَيَانَهُ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ. وَقَالَ رَشِيدُ الدِّينِ: وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ. وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا مُؤَرَّخًا فَقَالَ قَبَضْته مِنِّي مُنْذُ شَهْرٍ فَشَهِدُوا بِلَا تَارِيخٍ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى الْعَكْسِ تُقْبَلُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَدَعْوَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا أَرَّخَ. فَفِي الْخُلَاصَةِ: ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكُ أَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَبِعْتهَا مِنْ أَبِي ثُمَّ وَرِثْتهَا عَنْهُ مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا التَّوْفِيقِ. وَإِذَا أَرَّخَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَا تُقْبَلُ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُؤَرِّخِ وَتُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمُؤَرَّخِ وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ بِسَبَبٍ أَرَّخَهُ فَشَهِدُوا بِالشِّرَاءِ بِلَا تَارِيخٍ تُقْبَلُ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا، وَلَوْ كَانَ لِلشِّرَاءِ شَهْرَانِ وَأَرَّخُوا شَهْرًا تُقْبَلُ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا، وَلَوْ أَرَّخَ الْمُطْلَقَ بِأَنْ قَالَ هَذَا الْعَيْنُ لِي مُنْذُ سَنَةٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ قَالَ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَشَهِدُوا أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ تُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ مِنِّي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَشَهِدُوا عَلَى الْقَبْضِ تُقْبَلُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَبَضَ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ شَهِدُوا وَقَدَّمْنَا مِنْ مَسَائِلِ الْقَبْضِ شَيْئًا. دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا بَعْدَ الدَّعْوَى أَوْ قَبْلَهَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ لَهُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ مُشَاعًا وَفِي يَدِ رَجُلٍ نِصْفُهَا مَقْسُومَةً فَشَهِدُوا أَنَّ لَهُ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ. وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا وَاسْتَثْنَى طَرِيقَ الدُّخُولِ وَحُقُوقَهَا وَمَرَافِقَهَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى بَيْتًا وَلَمْ يَسْتَثْنُوهُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ صَدَقُوا لَكِنِّي بِعْت هَذَا الْبَيْتَ مِنْهَا تُقْبَلُ. وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ لِلْحَالِ فَشَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْمَاضِي فَيُحْكَمُ بِهِ فِي الْحَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُزِيلُ. وَقَالَ الْعِمَادِيُّ: وَعَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ قَالَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَيْنَ مِقْدَارُ " زردردمه اين مُدَّعَى عَلَيْهِ بِوُدِّ مُرِينِ مُدَّعَى را " يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ كَمَا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ انْتَهَى. وَنَظِيرُهُ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ مَا ذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ: إذَا قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كَانَ مِلْكَهُ تُقْبَلُ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا مِلْكَهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ " امروز مِلْك وى مى دَانَيْت " انْتَهَى. وَمَعْنَى هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْيَوْمَ. نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَقَطْ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي عَيْنٍ فَشَهِدُوا أَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمِلْكِهِ فِي الْحَالِ، أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمِلْكِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَالِ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْقَاضِي إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ زَوْجَتُهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحَالِ تُقْبَلُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ فِي الْمَاضِي. أَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِالْيَدِ لَهُ فِي الْمَاضِي وَقَدْ ادَّعَى الْآنَ لَا يُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تَسُوغُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى بِهَا، وَخَرَّجَ الْعِمَادِيُّ عَلَى هَذَا مَا نَقَلَ عَنْ الْوَاقِعَاتِ. لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ رَجُلٍ عِنْدَ رَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ أَنَّ شَاهِدَيْ الْإِقْرَارِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا يَشْهَدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ عَلَيْهِ، وَالْحَالُ أَنَّ صَاحِبَ الْوَاقِعَاتِ فَرَّقَ حَيْثُ قَالَ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَشْهَدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لَمْ يَكُنْ لِمَنْعِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مَعْنًى. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ أَنَّهُمَا إذَا ثَبَتَ عِنْدَ هُمَا بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ أَنَّهُ قَضَاهُ. ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُمَا أَوْ ثَبَتَ بِطَرِيقٍ أَفَادَهُمَا ذَلِكَ أَنْ لَا يَشْهَدَا كَمَا عُرِفَ فِيمَا إذَا عَلِمَ شَاهِدُ الْأَلْفِ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يُقِرَّ بِقَبْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ ادَّعَى فِي الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ كَانَتْ مِلْكِي فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا، وَالْأَصَحُّ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ إسْنَادَ الْمُدَّعِي دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ كَانَ فِي الْمَاضِي إلَّا ذَلِكَ، بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا أَسْنَدَا ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِمَا إيَّاهُ فِي الْحَالِ لِجَوَازِ قَصْدِهِمَا إلَى الِاحْتِرَاسِ عَنْ الْإِخْبَارِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمَا بِهِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا سِوَى ثُبُوتِهِ فِي الْمَاضِي وَلَمْ يَعْلَمَا بِانْتِقَالِهِ فَقَدْ يَكُونُ انْتَقَلَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَحْتَرِسُ عَنْهُ الشَّاهِدُ وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ لِلْحَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: ادَّعَى النَّقْرَةَ الْجَيِّدَةَ وَبَيَّنَ الْوَزْنَ فَشَهِدَا عَلَى النَّقْرَةِ وَالْوَزْنِ وَلَمْ يَذْكُرَا جَيِّدَةً وَلَا رَدِيئَةً وَلَا وَسَطًا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالرَّدِيءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى قَفِيزَ دَقِيقٍ مَعَ النُّخَالَةِ فَشَهِدُوا مِنْ غَيْرِ نُخَالَةٍ أَوْ مَنْخُولًا فَشَهِدُوا عَلَى غَيْرِ الْمَنْخُولِ لَا تُقْبَلُ. وَفِيهَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ بَيْتٍ فَشَهِدُوا عَلَى أَلْفٍ مِنْ ضَمَانِ جَارِيَةٍ غَصَبَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ. وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْطُورَةِ: وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَا بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ بَاعَهَا مِنْهُ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّهُ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي لِي عَلَيْهِ ثَمَنُ مَتَاعٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ: أَيْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي الْإِقْرَارِ يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا، وَفِي الْكَفَالَةِ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَفَلَ بِأَلْفٍ عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ الطَّالِبُ هُوَ أَقَرَّ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ عَنْ فُلَانٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْمَالِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَضُرُّهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي السَّبَبِ. وَمِثْلُهُ ادَّعَى أَنَّهُ أَجَّرَهُ دَارًا وَقَبَضَ مَالَ الْإِجَارَةِ وَمَاتَ فَانْفَسَخَتْ وَطَلَبَ مَالَ الْإِجَارَةِ فَشَهِدُوا أَنَّ الْآجِرَ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَالِ الْإِجَارَةِ تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ، لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ مَالِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ أَوْ الْقَرْضَ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْقَبُولَ فِي الْمُحِيطِ وَالْعِدَّةِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَلَوْ ادَّعَى قَرْضًا فَشَهِدُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَ إلَيْهِ كَذَا وَلَمْ يَقُولُوا قَبَضَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَثْبُتُ قَبْضُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ شَهَادَةٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْقَبْضُ بِذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ لِذِي

[فصل في الشهادة على الإرث]

(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ) (وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ أَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَدِ أَنَّهُ قَبَضَ بِجِهَةِ الْأَمَانَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِجِهَةِ الْقَرْضِ إنْ ادَّعَاهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ دَيْنَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَا جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ قُبِلَتْ، وَلَوْ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ فَشَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ وَكِيلِهِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَهَا مِنْهُ وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجَازَ الْبَيْعَ. ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّك قَبَضْت مِنْ مَالِي جَمَلًا بِغَيْرِ حَقٍّ مَثَلًا وَبَيَّنَ سِنَّهُ وَقِيمَتَهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ غَيْرِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِهِ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِي وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْت مِنِّي فَلَا يَكُونُ مَا شَهِدُوا بِهِ يُنَاقِضُهُ فَيَحْضُرُهُ لِيُشِيرَ إلَيْهِ بِالدَّعْوَى. الْقِسْمُ الثَّانِي: اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ. ادَّعَى بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهُ مَلَكَهُ لَا تُقْبَلُ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى الرَّهْنِ فَشَهِدَ بِهِ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِقَبْضِهِ لَا تُقْبَلُ. قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: الرَّهْنُ فِي هَذَا كَالْغَصْبِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لَوْ ادَّعَاهَا فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُودَعِ قُبِلَتْ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى قِيَاسِ الْغَصْبِ، وَعَلَى قِيَاسِ الْقَرْضِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاحِدٌ. وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَتْ صَدَاقَهَا فَقُلْت وَهَبَتْنِي إيَّاهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ لِلْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ السُّقُوطُ، وَقِيلَ لَا لِلِاخْتِلَافِ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَلَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْمُحِيطِ: ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَ أَنَّهَا دَارُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَنَّهَا لَهُ لَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الدَّيْنِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا لَا تُقْبَلُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَإِذَا رَاجَعْت الْقَاعِدَةَ الَّتِي أَسْلَفْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ خَرَّجْت كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ] (فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ تَعْقِيبِ الشَّهَادَةِ بِمِلْكٍ مُتَجَدِّدٍ لِحَيٍّ عَنْ مَيِّتٍ عَلَى الشَّهَادَةِ بِمِلْكٍ يَتَجَدَّدُ لِحَيٍّ عَنْ حَيٍّ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً إلَخْ) اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَوَقَّفُ الْقَضَاءُ لِلْوَارِثِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجَرِّ

أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ) وَأَصْلُهُ أَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ مِلْكُ الْمُورَثِ لَا يَقْضِي بِهِ لِلْوَارِثِ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هُوَ يَقُولُ: إنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ الْمُورَثِ فَصَارَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِلْمُورَثِ شَهَادَةٌ بِهِ لِلْوَارِثِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ فِي حَقِّ الْعَيْنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْرُوثَةِ، وَيَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ مَا كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْمُورَثِ الْفَقِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ، إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الْمُورَثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِثُبُوتِ الِانْتِقَالِ ضَرُورَةً، وَكَذَا عَلَى قِيَامِ يَدِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْيَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّقْلِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ فِي شَهَادَتِهِمْ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِهَذَا الْمُدَّعِي. فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ نَعَمْ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (هُوَ يَقُولُ مِلْكُ الْمُورَثِ مِلْكُ الْوَارِثِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكَهُ خِلَافَةً، وَلِهَذَا يُخَاصِمُ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا إذَا كَانَ الْمُورَثُ مَغْرُورًا، فَالشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِلْمُورَثِ شَهَادَةٌ بِهِ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِهِ لَهُ، وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَهُوَ شَهَادَتُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ الْمَيِّتِ بِلَا زِيَادَةٍ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهَا لِأَبِيهِ لَا تُقْبَلُ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ؛ فَقِيلَ تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ (وَهُمَا يَقُولَانِ مِلْكُ الْوَارِثِ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ فِي الْعَيْنِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْوَارِثِ اسْتِبْرَاءُ الْجَارِيَةِ الْمَوْرُوثَةِ، وَيَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ مَا كَانَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمُورَثِ الْفَقِيرِ) وَلَوْ زَكَاةَ أَوْ كَفَّارَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا الْجَرَّ وَالِانْتِقَالَ غَيْرَ أَنَّهُ

الْجَرِّ وَالنَّقْلِ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّ الْأَيْدِي عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةُ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالتَّجْهِيلِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذَلِكَ نَصًّا بَلْ إمَّا نَصًّا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ أَوْ شَهِدَا بِالْمِلْكِ لِلْمُورَثِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْيَدُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَجَدُّدُ مِلْكِ الْوَارِثِ غَيْرُ لَازِمٍ شَرْعِيٍّ لِمَا شَهِدُوا بِهِ بَلْ لَازِمٌ لِقِيَامِهِ حَالَ الْمَوْتِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ اتِّفَاقِيَّةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ أَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ لِلْبَيِّنَةِ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ الْيَدِ وَقْتَ الْمَوْتِ تَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ، وَقَدْ وُجِدَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْيَدَ عِنْدَ الْمَوْتِ حَيْثُ شَهِدَ أَنَّهَا مُعَارَةٌ مِنْهُ أَوْ مُودَعَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمُعِيرِ وَأَخَوَيْهِ، وَقَدْ طُولِبَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَمَا إذَا شَهِدَا لِمُدَّعِي مِلْكِ عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلٍ بِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ الْمُدَّعِي أَوْ أَنَّهُ كَانَ مَلَكَهَا حَيْثُ يَقْضِي بِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا أَنَّهَا مِلْكُهُ إلَى الْآنَ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِمُدَّعِي عَيْنٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَذُو الْيَدِ يُنْكِرُ مِلْكَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا شَهِدَا بِمِلْكِهِ قُضِيَ لِلْمُشْتَرِي بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّا عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِمَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ يُوجِبُ تَجَدُّدَ الْمِلْكِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ حَالَةَ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالثَّابِتُ بِهِ بِحُجَّةٍ لِإِبْقَاءِ الثَّابِتِ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْوَارِثِ، بِخِلَافِ مُدَّعِي الْعَيْنِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِصْحَابِ بَقَاءُ مِلْكِهِ لَا تَجَدُّدُهُ، وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ مُضَافٌ إلَيْهِ لَا إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ بَقَائِهِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ آخِرُهُمَا وُجُودًا وَهُوَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ حَتَّى لَا يَتَحَقَّقُ لَوْ لَمْ يُوجِبْهُ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْبَيِّنَةِ. أَمَّا هُنَا فَثُبُوتُ مِلْكِ الْوَارِثِ مُضَافٌ إلَى كَوْنِ الْمَالِ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا مَوْضُوعًا لِلْمِلْكِ بَلْ عِنْدَهُ يَثْبُتُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَارِغٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. هَذَا إذَا شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ مُعَارَةً أَوْ مُودَعَةً (فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ أَبِيهِ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدِهِ وَالْأَبُ) هُوَ

(وَإِنْ قَالُوا لِرَجُلٍ حَيٍّ نَشْهَدُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي مُنْذُ شَهْرٍ لَمْ تُقْبَلْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ؛ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ تُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا صَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِالْأَخْذِ مِنْ الْمُدَّعِي. وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِإِعَادَةِ الْمَجْهُولِ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، وَبِخِلَافِ الْآخِذِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ، وَلِأَنَّ يَدَ ذِي الْيَدِ مُعَايِنٌ وَيَدُ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادُ بِلَفْظِ فُلَانٍ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّهُمَا كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ: يَعْنِي أَبَا الْوَارِثِ الْمُدَّعِي جَازَتْ الشَّهَادَةُ فَيَقْضِي بِالدَّارِ لِلْوَارِثِ لِإِثْبَاتِهِمَا الْيَدَ لِلْمَيِّتِ إلَى حِينِ الْمَوْتِ، وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ لِأَنَّ الْيَدَ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ إلَى يَدِ عَصَبٍ وَأَمَانَةٍ وَمِلْكٍ، فَإِنَّهَا عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ تَصِيرُ يَدَ مِلْكٍ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ إذَا مَاتَ مُجْهَلًا يَصِيرُ الْمَغْصُوبُ الْوَدِيعَةُ مِلْكَهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ شَرْعًا، وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ مَالِكِ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ أَبَاهُ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ وَمَاتَ فِيهَا أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ، أَوْ أَنَّهُ مَاتَ فِيهَا أَوْ أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى هَذَا الْبِسَاطِ أَوْ نَائِمٌ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ، أَوْ أَنَّهُ مَاتَ وَهَذَا الثَّوْبُ مَوْضُوعٌ عَلَى رَأْسِهِ لَا تُقْبَلُ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ الْوَارِثُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُورَثِ قَبْلَ الْمَوْتِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِقَوْلِهِ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ. قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: لَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَى الْمَحَلِّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى لَا يَصِيرَ غَاصِبًا وَلَا يَصِيرَ ذُو الْيَدِ مُقِرًّا بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَاللُّبْسِ فَإِنَّ الْيَدَ تَثْبُتُ بِهَا وَيَصِيرُ

(وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُفِعَتْ إلَى الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا غَاصِبًا. هَذَا إذَا شَهِدَ كَذَلِكَ لِمَيِّتٍ، فَلَوْ شَهِدَا لِحَيٍّ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ كَذَلِكَ: أَيْ شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعِي مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ لَمْ يَذْكُرَا وَقْتًا، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ هِيَ كَاَلَّتِي لِلْمَيِّتِ فَيَقْضِي لِلْمُدَّعِي بِالْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَا: لَا يَقْضِي بِهَا لِلْمُدَّعِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ، وَلَوْ شَهِدَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُدَّعِي تُقْبَلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي الْفُرُوعِ اسْتِصْحَابًا لِمِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى كَذَا هُنَا اسْتِصْحَابًا لِيَدِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ يَقْضِي بِالرَّدِّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الشَّهَادَةَ مَعَ كَوْنِهَا بِيَدِهِ مُنْقَضِيَةً شَهَادَةً بِمَجْهُولٍ لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ، وَلَمْ يَلْزَمْ أَحَدُهَا بِعَيْنِهِ لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِمَجْهُولٍ، بِخِلَافِ مِثْلِهَا فِي الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَزِمَ أَحَدَهَا بِعَيْنِهِ بِالْمَوْتِ وَهُوَ يَدُ الْمِلْكِ فَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ، وَبِخِلَافِ الْأَخْذِ فَإِنَّ لَهُ مُوجِبًا مَعْلُومًا وَهُوَ الرَّدُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَخْذٌ إلَى أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ ثُبُوتُ أَنَّهُ أَخَذَ حَقَّهُ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ فَيَقْضِيَ بِهِ» وَأَيْضًا الْيَدُ مُعَايِنٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَدُ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ مُخْبَرٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَقْضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي. وَاسْتَشْكَلَ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ مَعَ ذِي الْيَدِ، وَكَذَا بِبَيِّنَةِ مُدَّعِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مَعَ ذِي الْيَدِ حَيْثُ تَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَمُدَعِّي الْمِلْكِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ فِيمَا لَا يَتَنَوَّعُ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَمُدَّعِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِخِلَافِ مَا يَتَنَوَّعُ. وَهَذَا الْجَوَابُ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعَايَنَةَ كَانَتْ تُقَدَّمُ لَوْ لَمْ تَلْزَمْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَقْضِيِّ وَهُوَ فِي التَّحْقِيقِ يَصِيرُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ اسْتِقْلَالُ الثَّانِي بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ الَّتِي فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَتْ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَنَوِّعَةً لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ جَهَالَةٌ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بَلْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ بِالْبَيَانِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا الْجَهَالَةُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا جَازَتْ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ. [تَتِمَّةٌ] شَرْطُ الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ لِمُورَثِهِ، فَلَوْ قَالُوا إنَّهُ لِمُورَثِهِ تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، لِأَنَّ الْمُورَثَ إنْ كَانَ حَيًّا فَالْمُدَّعِي لَيْسَ خَصْمًا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمَيِّتِ حَالًّا مُحَالٌ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهَا تَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يُرِدْ هَذَا الْمَعْنَى بَلْ مَلَكَهُ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَانَ كَالْأَوَّلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَ الشُّهُودُ الْمَيِّتَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمِلْكِ لَا تَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنُوا جِهَةَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ قَالُوا أَخُوهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَقُولُوا لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِرْثَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ، وَكَذَا لَوْ قَالُوا كَانَ لِجَدِّهِ وَلَمْ يَقُولُوا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِأَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَنْ عَدَدِ الْوَرَثَةِ لِلْقَضَاءِ. وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لِمُورَثِهِ تَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرِثُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَا يَقْضِي لِاحْتِمَالِ عَدَمِ

[باب الشهادة على الشهادة]

أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَتْ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ هَاهُنَا الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ. (بَابٌ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ) قَالَ (الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِحْقَاقِهِ أَوْ يَرِثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُحْتَاطُ لِلْقَاضِي وَيَنْتَظِرُ مُدَّةً هَلْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ أَمْ لَا ثُمَّ يَقْضِي بِكُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ يَخْتَلِفُ فِي الْأَحْوَالِ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ؛ فَيَقْضِي فِي الزَّوْجِ بِالرُّبْعِ وَالزَّوْجَةِ بِالثُّمُنِ إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِي بِالْأَكْثَرِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ وَيَأْخُذُ الْقَاضِي كَفِيلًا عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَفَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. [فُرُوعٌ] إذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَلَمْ يَذْكُرَا سَبَبًا يَرِثُ بِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ حَتَّى يُبَيِّنَا سَبَبَ الْإِرْثِ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ أَوْ جَدُّهُ أَوْ جَدَّتُهُ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يُبَيِّنَا طَرِيقَ الْأُخُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ: أَيْ يُبَيِّنَا الْأَسْبَابَ الْمُوَرِّثَةَ لِلْمَيِّتِ أَنَّهُ لِأَبٍ أَوْ شَقِيقٌ وَيَنْسُبَا الْمَيِّتَ وَالْوَارِثَ حَتَّى يَلْتَقِيَا إلَى أَبٍ وَاحِدٍ، وَيَذْكُرُ أَيْضًا أَنَّهُ وَارِثُهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ قَوْلُهُ إرْثُهُ فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْوَلَدِ؟ قِيلَ يُشْتَرَطُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُ وَارِثُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا يُحْجَبُ بِحَالٍ لَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُ وَارِثُهُ. وَفِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِ الْمَيِّتِ أَوْ بِنْتُ ابْنِهِ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الشَّهَادَةِ أَنَّهُ مَوْلَاهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ اسْمِ أَبٍ الْمَيِّتِ، حَتَّى لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ جَدُّ الْمَيِّتِ أَبُو أَبِيهِ وَوَارِثُهُ وَلَمْ يُسَمُّوا أَبَا الْمَيِّتِ قُبِلَتْ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ شَهِدَا أَنَّهُ جَدُّ الْمَيِّتِ وَقَضَى لَهُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبُو الْمَيِّتِ وَبَرْهَنَ فَالثَّانِي أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ وَوَارِثُهُ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ شَهِدَ هَذَانِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ بَلْ يَضْمَنَانِ لِلِابْنِ مَا أَخَذَ الْأَوَّلُ مِنْ الْإِرْثِ، وَلَوْ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ الثَّانِيَ ابْنُ الْمَيِّتِ تُقْبَلُ. وَفِي الزِّيَادَاتِ: شَهِدَا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَضَى بِأَنَّ هَذَا وَارِثٌ فَلِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَالْقَاضِي يَحْتَاطُ وَيَسْأَلُ الْمُدَّعِي عَنْ نَسَبِهِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ أَمْضَى الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ وَارِثُهُ، فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ قَضَى لِلثَّانِي، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ زَاحَمَهُ بِأَنْ كَانَ مَثَلًا الْأَوَّلُ ابْنًا وَالثَّانِي أَبًا قَضَى بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا. [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] (بَابٌ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ)

جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ، فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ، وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ، إلَّا أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِجِنْسِ الشُّهُودِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَائِزَةٌ فِي كُلِّ (حَقٍّ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ) فَخَرَجَ مَا لَا يَثْبُتُ مَعَهَا وَهُوَ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ. فَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَفِي الْأَجْنَاسِ مِنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: يَجُوزُ فِي التَّعْزِيرِ الْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَنَصَّ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَلَى أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ جَائِزَةٌ فِي الْأَقَارِيرِ وَالْحُقُوقِ وَأَقْضِيَةِ الْقُضَاةِ وَكُتُبِهِمْ وَكُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، وَبِقَوْلِنَا هَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَأَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفُرُوعَ عُدُولٌ، وَقَدْ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمْ وَصَارُوا كَالْمُتَرْجِمِ وَسَيَنْدَفِعُ (قَوْلُهُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ) أَيْ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْأَصْلِ وَلَيْسَتْ بِحَقٍّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ حَتَّى لَا تَجُوزَ الْخُصُومَةُ فِيهَا وَالْإِجْبَارُ عَلَيْهَا. وَالنِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ كَوْنَ قَوْلِ إنْسَانٍ يَنْفُذُ عَلَى مِثْلِهِ وَيَلْزَمُهُ مَا نَسَبَهُ إلَيْهِ

(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ إلَّا الْأَرْبَعُ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ اثْنَانِ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَصَارَا كَالْمَرْأَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ يَنْفِيهِ وَيَبْرَأُ مِنْهُ إنَّمَا عُرِفَ حُجَّةً شَرْعًا عِنْدَ قَدْرٍ مِنْ احْتِمَالِ الْكَذِبِ وَهُوَ مَا فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ مِنْ الْكَذِبِ وَالسَّهْوِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً كَذَلِكَ عِنْدَ زِيَادَةِ الِاحْتِمَالِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ الثَّابِتُ ضَعْفَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَهُوَ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَحَلُّ الْأَدَاءِ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْأَصْلَيْنِ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْمُدَّعِي وَفِي الْفَرْعَيْنِ مَا يَشْهَدَانِ بِهِ مِنْ شَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الشَّاهِدُ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ لِمَوْتِهِ أَوْ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ أَثْبَتَهَا أَهْلُ الْإِجْمَاعِ صِيَانَةً لِحُقُوقِ النَّاسِ. لَا يُقَالُ: يُسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِجِنْسِ الشُّهُودِ بِأَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَى كُلِّ حَقٍّ عَشَرَةٌ مَثَلًا فَيَبْعُدُ مَوْتُ الْكُلِّ قَبْلَ دَعْوَى الْمُدَّعِي. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُدَّعِي جَازَ كَوْنُهُ وَارِثَ وَارِثِ صَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى مِثْلِهِ، وَقَدْ انْقَرَضَ الْكُلُّ فَالْحَاجَةُ مُتَحَقِّقَةٌ إلَيْهَا، وَلَمَّا كَانَتْ الْحُقُوقُ مِنْهَا مَا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ وَمِنْهَا مَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ الِاحْتِيَاطَ فِي دَرْئِهِ وَهُوَ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ لَوْ أَجَزْنَا فِيهَا الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَعَ ثُبُوتِ ضَعْفِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ كَانَ خِلَافًا لِلشَّرْعِ وَالْمُصَنِّفُ عَلَّلَ بِهَذَا وَبِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ، فَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ أَصْلٍ مَعَ فَرَعَيْنَ، إذْ الْبَدَلُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَدَلِيَّةَ هُنَا بِحَسَبِ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَإِنَّا عَلِمْنَا بِثُبُوتِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِلْأُصُولِ فِيهِ شُبْهَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ أُخْرَى لَا بِحَسَبِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عِيَانٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَبَعْدَ تَحَمُّلِهِ يَرُدُّهُ إلَى التَّعْلِيلِ الْآخَرِ وَهُوَ كَثْرَةُ الِاحْتِمَالِ بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكُونَانِ تَعْلِيلَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، لَا جَرَمَ أَنَّ أَصْلَ السُّؤَالِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَدَلِيَّةِ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا قَالَ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ لَا حَقِيقَتُهَا. فَإِنْ قِيلَ: ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَنَّ قَاضِي بَلَدِ كَذَا حَدَّ فُلَانًا فِي قَذْفٍ تُقْبَلُ حَتَّى تَرِدَ شَهَادَةُ فُلَانٍ. أُجِيبَ بِأَنْ لَا نَقْضَ، فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الْقَاضِي وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ الشَّهَادَةُ بِوُقُوعِ أَسْبَابِهَا الْمُوجِبَةِ لَهَا، فَأَوْرَدَ أَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي مُوجِبٌ لِرَدِّهَا وَرَدُّهَا مِنْ حَدِّهِ فَهُوَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ بَلْ الْمُوجِبُ لِرَدِّهَا إنْ كَانَ مِنْ حَدِّهِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ هُوَ الْقَذْفُ نَفْسُهُ عَلَى أَنَّ فِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ (قَوْلُهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ) أَوْ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَيَكُونُ لَهُمَا شَهَادَتَانِ شَهَادَتُهُمَا مَعًا عَلَى شَهَادَةِ هَذَا وَشَهَادَتُهُمَا أَيْضًا عَلَى شَهَادَةِ الْآخَرِ. أَمَّا لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِمَعْنَى شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ وَالْآخَرُ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا لَكِنْ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْعَنْبَرِيِّ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَإِسْحَاقَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ، لِأَنَّ الْفَرْعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِهِ فِي إيصَالِ

وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَلِأَنَّ نَقْلَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ مِنْ الْحُقُوقِ فَهُمَا شَهِدَا بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا بِحَقٍّ آخَرَ فَتُقْبَلُ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ) لِمَا رَوَيْنَا، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. (وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهَادَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ بِنَفْسِهِ وَاعْتَبَرُوهُ بِرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ (وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ) ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَرِيبٌ. وَاَلَّذِي فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا تَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ الْمَيِّتِ إلَّا رَجُلَانِ. وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى الشَّاهِدِ حَتَّى يَكُونَا اثْنَيْنِ، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ كُلٍّ مِنْ الْأَصْلَيْنِ هِيَ الْمَشْهُودُ بِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى كُلِّ مَشْهُودٍ بِهِ شَاهِدَانِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ شَاهِدَةٌ مَعَ الْأُصُولِ لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَتِهَا إلَّا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا تَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ أَصْلٍ وَاحِدٍ كَالْمَرْأَتَيْنِ، وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِمَا كَالْمَرْأَتَيْنِ لَمَّا قَامَتَا مَقَامَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ كَانَ أَصْلًا فَشَهِدَ شَهَادَةً ثُمَّ شَهِدَ مَعَ فَرْعٍ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْآخَرِ لَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا، فَكَذَا إذَا شَهِدَا جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ تَجُوزُ كَقَوْلِنَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَنْتَظِمُ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِهِمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِحَقٍّ هُوَ شَهَادَةُ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ، ثُمَّ شَهِدَ بِحَقٍّ آخَرَ هُوَ شَهَادَةُ الْأَصْلِ الْآخَرِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِحُقُوقٍ كَثِيرَةٍ، بِخِلَافِ أَدَاءِ الْأَصْلِ بِشَهَادَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ بِشَهَادَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ الْآخَرِ مَعَ آخَرَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِهِ وَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْآخَرِ حَيْثُ يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ) فِيهِ نَظَرٌ، إذْ كُتُبُهُمْ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ عَلَى الْأَصْلِ لَا تَجُوزُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةً عَنْهُ، وَإِنَّمَا نَقَلَ هَذَا عَمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْفَرْعَ كَرَسُولٍ، وَكَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ. وَيَدْفَعُهُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حَقٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِاثْنَيْنِ. وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعَبِ

لِشَاهِدِ الْفَرْعِ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّ الْفَرْعَ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ وَالتَّوْكِيلِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ كَمَا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ جَازَ) لِأَنَّ مَنْ سَمِعَ إقْرَارَ غَيْرِهِ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اشْهَدْ (وَيَقُولُ شَاهِدُ الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ، وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذِكْرِ التَّحْمِيلِ، وَلَهَا لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَأَقْصَرُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَنَابِلَةِ عَنْ أَحْمَدَ: لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةِ فُرُوعٍ لِيَشْهَدَ كُلُّ فَرَعَيْنَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ (قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ) أَيْ إشْهَادُ شَاهِدِ الْأَصْلِ شَاهِدَ الْفَرْعِ (أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ) وَإِنَّمَا شَرَطَ إشْهَادَ الْأَصْلِ الْفَرْعَ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ (لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ) وَذَلِكَ بِالتَّحْمِيلِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ تَجُوزُ عَلَى الْمُقِرِّ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ شَاهَدَ أَمْرًا غَيْرَ الشَّهَادَةِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ (عَلَى مَا مَرَّ) يَعْنِي فِي فَصْلِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةَ النَّائِبِ لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ فَرْعَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ وَأَصْلُ الِامْتِنَاعِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ لَكِنَّهُ جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ) أَيْ شَاهِدُ الْأَصْلِ عِنْدَ الْفَرْعِ (كَمَا يَشْهَدُ) شَاهِدُ الْأَصْلِ (عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهُ الْفَرْعُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ) شَاهِدُ الْأَصْلِ فِي شَهَادَتِهِ عِنْدَ الْفَرْعِ. قَوْلُهُ (وَأَشْهَدَنِي) يَعْنِي الْمُقِرَّ (عَلَى نَفْسِهِ) بِذَلِكَ (جَازَ) لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ الْفَرْقِ. وَإِذَا وَقَعَ التَّحْمِيلُ بِمَا ذُكِرَ (فَيَقُولُ شَاهِدُ الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ) وَيُعَرِّفُهُ (أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْفَرْعِ جَرَّ شَاهِدِ الْأَصْلِ فَلَزِمَ فِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ، وَذَلِكَ (لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْفَرْعِ مِنْ شَهَادَتِهِ وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَالتَّحْمِيلِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَهَا) أَيْ لِشَهَادَةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْفَرْعِ (لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَأَقْصَرُ)

وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا. (وَمَنْ قَالَ أَشْهَدَنِي: فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَشْهَدْ السَّامِعُ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ جَمِيعًا حَتَّى اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا الْأَطْوَلُ فَأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَنَا الْآنَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُ ثَمَانُ شِينَاتٍ، وَأَمَّا الْأَقْصَرُ فَأَنْ يَقُولُ الْفَرْعُ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِأَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا فَفِيهِ شِينَانِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَحَكَى فَتْوَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ بِهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السَّيْرِ الْكَبِيرِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَحُكِيَ أَنَّ فُقَهَاءَ زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ خَالَفُوا وَاشْتَرَطُوا زِيَادَةَ تَطْوِيلٍ، فَأَخْرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ الرِّوَايَةَ مِنْ السَّيْرِ الْكَبِيرِ فَانْقَادُوا لَهُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَلَوْ اعْتَمَدَ أَحَدٌ عَلَى هَذَا كَانَ أَسْهَلَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى خَمْسِ شِينَاتٍ حَيْثُ حَكَاهُ، وَذَكَرَ أَنَّ ثَمَّ أَطْوَلَ مِنْهُ وَأَقْصَرَ، ثُمَّ قَالَ (وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا) وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ شَارِحُ الْقُدُورِيِّ أَقْصَرَ آخَرَ وَهُوَ ثَلَاثُ شِينَاتٍ. قَالَ: وَيُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ لَفَظَاتٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ: يَعْنِي الْقُدُورِيَّ أَوْلَى وَأَحْوَطُ. ثُمَّ حَكَى خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّ قَوْلَهُ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ. قَالَ: وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقُلْهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْهَدَ مِثْلَ شَهَادَتِهِ وَهُوَ كَذِبٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْمِيلِ فَلَا يَثْبُتُ الثَّانِي بِالشَّكِّ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَمْرَ الشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ فَيُحْمَلُ لِذَلِكَ عَلَى التَّحْمِيلِ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ فِي شُهُودِ الزَّمَانِ الْقَوْلُ بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ الْعَارِفُ الْمُتَدَيِّنُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ خُصُوصًا الْمُتَّخِذَ بِهَا مَكْسَبَةً لِلدَّرَاهِمِ، وَقَوْلُهُمْ فِي إعْطَاءِ الصُّوَرِ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ وَنَحْوُهَا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّمْثِيلُ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ شَاهِدَ الْأَصْلِ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: شُهُودُ الْفَرْعِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَذْكُرُوا أَسْمَاءَ الْأُصُولِ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ حَتَّى لَوْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَعْرِفُهُمَا أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ بِكَذَا وَقَالَا لَا نُسَمِّيهِمَا. أَوْ لَا نَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُمَا تَحَمَّلَا مُجَازَفَةً لَا عَنْ مَعْرِفَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ أَشْهَدَنِي إلَخْ) أَيْ إذَا قَالَ شَاهِدٌ عِنْدَ آخَرَ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ

لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ لِيَصِيرَ حُجَّةً فَيَظْهَرَ تَحْمِيلُ مَا هُوَ حُجَّةٌ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى يَقُولَ لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ. وَوَجَّهَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ يَقُولُ بِاشْتِرَاكِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فِي الضَّمَانِ إذَا رَجَعُوا، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مُحَمَّدًا يُخَيِّرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَيْنَ تَضْمِينِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِنْ أَنَّهُ يُضَمِّنُ الْكُلَّ مَعًا، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْفُرُوعِ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْأُصُولِ، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ يَتَخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى غَاصِبِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا قَالَ فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ (لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ) يَعْنِي إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي (لِيَصِيرَ حُجَّةً فَيَظْهَرَ) بِالنَّقْلِ (تَحْمِيلُ مَا هُوَ حُجَّةٌ) يَعْنِي شَهَادَةَ الْأُصُولِ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ التَّحْمِيلِ لِوُجُوبِ النَّقْلِ، وَالنَّقْلُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالتَّحْمِيلِ، حَتَّى لَوْ سَمِعَ شَاهِدًا يَقُولُ لِرَجُلٍ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي إلَى آخِرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ، فَإِذَا نَقَلَ ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ التَّحْمِيلُ فَتَثْبُتُ عِنْدَهُ الْحُجَّةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمِعَ قَاضِيًا يَقُولُ لِآخَرَ قَضَيْت عَلَيْك بِكَذَا أَوْ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَضَائِهِ بِلَا تَحْمِيلٍ لِأَنَّ قَضَاءَهُ حُجَّةٌ كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ نَفْسُهَا حُجَّةً حَتَّى تَصِلَ إلَى الْقَاضِي. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَوْنُ النَّقْلِ إلَى الْقَاضِي وَالْحُجِّيَّةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّحْمِيلِ شَرْعًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عَلَى الْأَصَحِّ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَوْ يَمْرَضُوا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا تُمَسُّ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ. وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا السَّفَرَ لِأَنَّ الْمُعْجِزَ بُعْدُ الْمَسَافَةِ وَمُدَّةُ السَّفَرِ بَعِيدَةٌ حُكْمًا حَتَّى أُدِيرَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا سَبِيلُ هَذَا الْحُكْمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ، قَالُوا: الْأَوَّلُ أَحْسَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِلَّا فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَمِعَ إقْرَارَ رَجُلٍ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ، بَلْ وَلَوْ مَنَعَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ فَإِخْرَاجُ الْإِقْرَارِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ عَلَى فُلَانٍ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ مِنْ الشَّرْعِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي وَجْهِهِ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ لَهُ مَنْفَعَةُ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ مَنْ هِيَ لَهُ؛ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّوْكِيلِ وَالتَّحْمِيلِ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ لَكِنْ فِيهَا مَضَرَّةُ إهْدَارِ وِلَايَتِهِ فِي تَنْفِيذِ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَيُشْتَرَطُ كَمَنْ لَهُ وِلَايَةُ إنْكَاحِ صَغِيرَةٍ لَوْ نَكَحَهَا إنْسَانٌ لَا بِأَمْرِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَلَيَالِيِهَا (فَصَاعِدًا أَوْ يَمْرَضُوا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا تُمَسُّ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا السَّفَرَ لِأَنَّ الْمُعْجِزَ بُعْدُ الْمَسَافَةِ) فَقُدِّرَتْ بِمَسَافَةٍ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ بَعِيدَةً حَتَّى أَثْبَتَ رُخَصًا عِنْدَهَا مِنْ الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ وَامْتِدَادِ مَسْحِ الْخُفِّ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْجُمُعَةِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ صَحَّ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ، قَالُوا: الْأَوَّلُ أَحْسَنُ) يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِمُوَافَقَتِهِ لِحُكْمِ الشَّرْعِ

وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. قَالَ (فَإِنْ عَدَّلَ شُهُودَ الْأَصْلِ شُهُودُ الْفَرْعِ جَازَ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ (وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَالثَّانِي أَرْفَقُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ) وَفِي الذَّخِيرَةِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ (وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ) وَذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السَّيْرِ الْكَبِيرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ كَيْفَمَا كَانَ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَهِدَ الْفَرْعُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى تُقْبَلُ. وَقَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ: يَجِبُ أَنْ تَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا بِلَا رِضَا الْخَصْمِ، وَعِنْدَهُ لَا إلَّا بِرِضَاهُ وَإِلَّا قُطِعَ، صَرَّحَ بِهِ عَنْهُمَا فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُقْبَلُ وَإِنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ. [فُرُوعٌ] خَرِسَ الْأَصْلَانِ أَوْ عَمِيَا أَوْ جُنَّا أَوْ ارْتَدَّا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِسْقًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَبِ دُونَ قَضَائِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ فِيهِمَا: وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ صَحَّ، وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِي النَّسَبِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. وَفِي الْأَصْلِ: لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ الْحَاضِرِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْغَائِبِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، لِأَنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ الْحَاضِرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ نِصْفُهُ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ وَرُبْعُهُ بِشَهَادَتِهِ مَعَ آخَرَ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْغَائِبِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ. وَلَمْ يَزِدْ فِي شَرْحِ الشَّافِي عَلَى تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ نَفْسِهِ أَصْلٌ وَشَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ بَدَلٌ وَلَا يَجْتَمِعَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ آخَرَ يَصِحُّ. . وَلَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى حَضَرَ الْأَصْلَانِ وَنَهَيَا الْفُرُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ صَحَّ النَّهْيُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ. وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَثُرُوا. سَمِعَا قَوْلَ حَاكِمٍ حَكَمْت بِكَذَا عَلَى هَذَا ثُمَّ نُصِّبَ حَاكِمٌ غَيْرُهُ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا سَمِعَا مِنْ الْقَاضِي فِي الْمِصْرِ أَوْ سَوَادِهِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إنْ سَمِعَاهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَهَذَا أَحْوَطُ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَدَّلَ شُهُودَ الْأَصْلِ إلَخْ) شُهُودَ الْأَصْلِ مَنْصُوبٌ مَفْعُولًا وَشُهُودُ الْفَرْعِ فَاعِلٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ الْفَرْعَانِ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي عَدَالَةَ كُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ قُضِيَ بِمُوجِبِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَالَةَ الْأُصُولِ وَعَلِمَ عَدَالَةَ الْفُرُوعِ سَأَلَ الْفُرُوعَ عَنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ فَإِنْ عَدَّلُوهُمْ جَازَ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ فَتُقْبَلُ (وَكَذَا لَوْ شَهِدَا اثْنَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ مَعْلُومُ الْعَدَالَةِ لِلْقَاضِي (الْآخِرَ جَازَ) خِلَافًا لِقَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ

لِمَا قُلْنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ لَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ، كَيْفَ وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ صَاحِبِهِ فَلَا تُهْمَةَ. قَالَ (وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِهِمْ جَازُوا نَظَرَ الْقَاضِي فِي حَالِهِمْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا يُقْبَلُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ، وَإِذَا نَقَلُوا يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي الْعَدَالَةَ كَمَا إذَا حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ بِتَعْدِيلِهِ رَفِيقَهُ يَثْبُتُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ، وَذَلِكَ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً إلَى آخِرِهِ، لَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ) يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ نَفْسِهِ تَتَضَمَّنُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْقَضَاءُ بِهَا، فَكَمَا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِر الشَّرْعُ مَعَ عَدَالَتِهِ ذَلِكَ مَانِعًا كَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ (وَإِنْ سَكَتُوا) أَيْ الْفُرُوعُ عَنْ تَعْدِيلِ الْأُصُولِ حِينَ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي (جَازَتْ) شَهَادَةُ الْفُرُوعِ (وَنَظَرَ الْقَاضِي) فِي حَالِ الْأُصُولِ، فَإِنْ عَدَّلَهُمْ غَيْرُهُمْ قَضَى وَإِلَّا لَا (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ) إذَا سَكَتُوا أَوْ قَالُوا لَا نَعْرِفُ عَدَالَتَهُمْ (لَا تُقْبَلُ) شَهَادَةُ الْفُرُوعِ لِأَنَّ قَبُولَهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا نَقْلُ شَهَادَةٍ وَلَمْ تَثْبُتْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ) أَيْ الْوَاجِبَ (عَلَى الْفُرُوعِ لَيْسَ إلَّا نَقْلُ) مَا حَمَلَهُمْ الْأُصُولُ (دُونَ تَعْدِيلِهِمْ) فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى حَالُهُمْ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ إذَا نَقَلُوا مَا حَمَلُوهُمْ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّفَ حَالَهُمْ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرَ الْأُصُولُ بِنَفْسِهِمْ وَشَهِدُوا وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ سُؤَالُ الْقَاضِي الْفُرُوعَ عَنْ الْأُصُولِ لَازِمًا عَلَيْهِ بَلْ الْمَقْصُودُ أَنْ يَتَعَرَّفَ حَالَهُمْ غَيْرَ أَنَّ الْفُرُوعَ حَاضِرُونَ وَهُمْ أَهْلُ التَّزْكِيَةِ إنْ كَانُوا عُدُولًا فَسُؤَالُهُمْ أَقْرَبُ لِلْمَسَافَةِ مِنْ سُؤَالِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ فَقَدْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ وَإِلَّا احْتَاجَ إلَى تَعَرُّفِ حَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ.

قَالَ (وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الشُّهُودِ الْفَرْعِ) لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ. (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَا أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ وَقَالَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ الْفُرُوعُ حِينَ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ لَا نُخْبِرُك بِشَيْءٍ لَمْ تَقْبَلْ شَهَادَتَهُمَا: أَيْ الْفُرُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْجَرْحِ كَمَا لَوْ قَالُوا نَتَّهِمُهُمْ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جَرْحًا. لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ تَوْقِيفًا فِي حَالِهِمْ فَلَا يَثْبُتُ جَرْحًا بِالشَّكِّ انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَيُسْأَلُ غَيْرُهُمَا. وَلَوْ قَالَا: لَا نَعْرِفُ عَدَالَتَهُمَا وَلَا عَدَمَهَا، فَكَذَا الْجَوَابُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَيَسْأَلُ عَنْ الْأُصُولِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقِيَ مَسْتُورًا فَيُسْأَلُ عَنْهُ. وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي عَدْلٍ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً نَحْوَ عِشْرِينَ سَنَةً وَلَا يُدْرَى أَهُوَ عَلَى عَدَالَتِهِ أَمْ لَا؟ فَشَهِدَا عَلَى تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَجِدْ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ، إنْ كَانَ الْأَصْلُ مَشْهُورًا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا عَنْهُ لِأَنَّ عَثْرَةَ الْمَشْهُورِ يُتَحَدَّثُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ لَا يَقْضِي بِهِ، وَلَوْ أَنَّ فَرَعَيْنَ مَعْلُومًا عَدَالَتُهُمَا شَهِدَا عَنْ أَصْلٍ وَقَالَا لَا خَيْرَ فِيهِ وَزَكَّاهُ غَيْرُهُمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا لَا يُلْتَفَتُ إلَى جَرْحِهِ. وَفِي التَّتِمَّةِ: إذَا شَهِدَ أَنَّهُ عَدْلٌ لَيْسَ فِي الْمِصْرِ مَنْ يَعْرِفُهُ، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَوْضِعٌ لِلْمَسْأَلَةِ: يَعْنِي بِأَنْ تُخْفَى فِيهِ الْمَسْأَلَةُ سَأَلَهُمَا عَنْهُ أَوْ بَعَثَ مَنْ يَسْأَلُهُمَا عَنْهُ سِرًّا، فَإِنْ عَدَّلَاهُ قُبِلَ وَإِلَّا اكْتَفَى بِمَا أَخْبَرَاهُ عَلَانِيَةً (قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ) لِأَنَّ إنْكَارَهُمَا الشَّهَادَةَ إنْكَارٌ لِلتَّحْمِيلِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ فَوَقَعَ فِي التَّحْمِيلِ تَعَارُضُ خَبَرِهِمَا بِوُقُوعٍ، وَخَبَرُ الْأُصُولِ بِعَدَمِهِ وَلَا ثُبُوتَ مَعَ التَّعَارُضِ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ) هَكَذَا عِبَارَةُ الْجَامِعِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. فَيَقُولَانِ قَدْ أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا وَيَجِيئَانِ بِامْرَأَةٍ فَيَقُولَانِ لَا نَدْرِي هِيَ هَذِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ: يُقَالُ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ الْفُلَانِيَّةُ بِعَيْنِهَا فَأُجِيزُ الشَّهَادَةَ. وَالْمُصَنِّفُ أَفْرَدَ فَقَالَ (فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ) يَعْنِي الْمُدَّعِيَ جَاءَ بِهَا

لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْحَقَّ عَلَى الْحَاضِرَةِ وَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ بِبَيْعٍ مَحْدُودَةً بِذِكْرِ حُدُودِهَا وَشَهِدُوا عَلَى الْمُشْتَرِي لَا بُدَّ مِنْ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ بِهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ. . قَالَ (وَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنْسَبُ وَهَذَا (لِأَنَّ الشَّهَادَةَ) بِالْأَلْفِ (عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَتْ) بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْفُرُوعِ (وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي) الْأَلْفَ (عَلَى حَاضِرِهِ جَازَ كَوْنُهَا غَيْرَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ الْحَاضِرَةِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ) الَّتِي بِهَا شَهِدَا بِالْأَلْفِ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَنَظِيرُ هَذَا إذَا تَحَمَّلُوا شَهَادَةً بِبَيْعٍ مَحْدُودَةً) قَالَ قَاضِي خَانْ: وَهَذَا كَرَجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ فُلَانًا اشْتَرَى دَارًا فِي بَلَدِ كَذَا بِحُدُودِ كَذَا وَلَا يَعْرِفَانِ الدَّارَ بِعَيْنِهَا يُقَالُ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمَحْدُودَةَ بِهَذِهِ الْحُدُودِ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَصِحَّ الْقَضَاءُ. وَهَذَا التَّصْوِيرُ أَوْفَقُ بِالْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ: تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ بِبَيْعٍ مَحْدُودٍ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَصَارَ كَرَجُلٍ ادَّعَى مَحْدُودًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَشَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّ هَذَا الْمَحْدُودَ الْمَذْكُورَ بِهَذِهِ الْحُدُودِ مِلْكُهُ وَفِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي فِي يَدِي غَيْرُ مَحْدُودٍ بِهَذِهِ الْحُدُودِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشُّهُودُ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ مَحْدُودٌ بِهَذِهِ الْحُدُودِ. ثُمَّ تَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ يَصْدُقُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي شَفِيعًا وَالْمَحْدُودُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَادَّعَاهُ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي الْعَيْنُ الَّذِي فِي يَدِي بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ لَيْسَ بِهَذِهِ الْحُدُودِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (قَالَ) يَعْنِي مُحَمَّدًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَكَذَلِكَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأُجِيزُ الشَّهَادَةَ، وَكَذَلِكَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ

لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لِكَمَالِ دِيَانَتِهِ وَوُفُورِ وِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِالنَّقْلِ (وَلَوْ قَالُوا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبُوهَا إلَى فَخِذِهَا) وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا، وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامَّةِ وَهِيَ عَامَّةٌ إلَى بَنِي تَمِيمٍ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَاهِدَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ قَالَا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسِبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ فِي كِتَابِهِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ أَنَّ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَاقْضِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقَالَ هِيَ هَذِهِ يَقُولُ لَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ هَاتِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الَّتِي أَحْضَرْتهَا هِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِتُمْكِنَ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُ الْقَاضِي وَحْدَهُ لِأَنَّهُ كَشَاهِدِ الْفَرْعِ شَهِدَ عَلَى الْأُصُولِ بِمَا شَهِدُوا بِهِ فَقَالَ إنَّ لِلْقَاضِي زِيَادَةَ وَفَوْرِ وِلَايَةٍ لَيْسَتْ لِلشُّهُودِ فَقَامَتْ تِلْكَ مَعَ دِيَانَتِهِ مَقَامَ قَوْلِ الِاثْنَيْنِ فَانْفَرَدَ بِالنَّقْلِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَالَ: وَلَوْ قَالُوا فِي هَذَيْنِ فَلَفْظُ قَالَ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَقْلًا لِلَفْظِ الْجَامِعِ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا: أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ قَالَا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ: أَيْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي هِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَنْسِبُوهَا إلَى فَخْذِهَا، يُرِيدُ الْقَبِيلَةَ الْخَاصَّةَ الَّتِي لَيْسَ مَنْ دُونَهَا أَخَصُّ مِنْهَا، وَهَذَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ اللُّغَوِيِّينَ وَهُوَ فِي الصِّحَاحِ. وَفِي الْجَمْهَرَةِ جَعَلَ الْفَخْذَ دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الْبَطْنِ وَأَنَّهُ بِتَسْكِينِ الْخَاءِ وَالْجَمْعُ أَفْخَاذٌ، وَجَعَلَهُ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْبَطْنِ وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَالزُّبَيْرُ فَقَالَ: وَالْعَرَبُ عَلَى سِتِّ طَبَقَاتٍ: شَعْبٌ، وَقَبِيلَةٌ، وَعِمَارَةٌ، وَبَطْنٌ، وَفَخْذٌ، وَفَصِيلَةٌ؛ فَالشَّعْبُ تَجْمَعُ الْقَبَائِلَ، وَالْقَبِيلَةُ تَجْمَعُ الْعَمَائِرَ، وَالْعِمَارَةُ تَجْمَعُ الْبُطُونَ، وَالْبَطْنُ تَجْمَعُ الْأَفْخَاذَ وَالْفَخْذُ يَجْمَعُ الْفَصَائِلَ؛ فَمُضَرُ شَعْبٌ وَكَذَا رَبِيعَةُ وَمَذْحِجُ وَحِمْيَرُ، وَسُمِّيَتْ شُعُوبًا لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا، وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ، وَقُرَيْشٌ عِمَارَةُ، وَقُصَيٌّ بَطْنٌ، وَهَاشِمٌ فَخْذُ، وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ. وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِالْفَخْذِ مَا لَمْ يَنْسُبْهَا إلَى الْفَصِيلَةِ لِأَنَّهَا دُونَهَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [المعارج: 13] وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ

[فصل شاهد الزور]

وَيَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَخِذِ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ. وَقِيلَ الْفَرْغَانِيَّةُ نِسْبَةٌ عَامَّةٌ وَالْأُوزَجَنْدِيَّةُ خَاصَّةٌ، (وَقِيلَ السَّمَرْقَنْدِيَّة وَالْبُخَارِيَّةُ عَامَّةٌ) وَقِيلَ إلَى السِّكَّةِ الصَّغِيرَةِ خَاصَّةٌ، وَإِلَى الْمَحَلَّةِ الْكَبِيرَةِ وَالْمِصْرِ عَامَّةٌ. ثُمَّ التَّعْرِيفُ وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، فَذِكْرُ الْفَخِذِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ لِأَنَّهُ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْجَدِّ الْأَدْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَصِيلَةِ الْعَشِيرَةَ. وَالْعِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَالشَّعْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَأَسْلَفْنَا هُنَاكَ ذِكْرَهَا مَنْظُومَةً فِي شَعْرٍ. ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِذِكْرِ نَحْوِ التَّمِيمِيَّةِ لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ عَامَّةٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهَا التَّعْرِيفُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ ذَلِكَ. وَنَقَلَ فِي الْفُصُولِ عَنْ قَاضِي خَانْ: إنْ حَصَلَ التَّعْرِيفُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَلَقَبِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ. وَفِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ: رَأَيْت بِخَطِّ ثِقَةٍ: لَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَفَخِذَهُ وَصِنَاعَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّ تُقْبَلُ. وَشَرْطُ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ. فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَكَرَ لَقَبَهُ وَاسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ هَلْ يَكْفِي؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي. وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْجَدِّ اخْتِلَافٌ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِدُونِ ذِكْرِ الْجَدِّ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، قَالَ: كَذَا رَأَيْت فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ. وَلَا يَخْفَى أَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَنْ يَعْرِفَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُهُ، وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى مِائَةِ جَدٍّ وَإِلَى صِنَاعَتِهِ وَمَحَلَّتِهِ بَلْ لِيَثْبُتَ بِذَلِكَ الِاخْتِصَاصُ وَيَزُولَ الِاشْتِرَاكُ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ اثْنَانِ فِي اسْمِهِمَا وَاسْمِ أَبِيهِمَا وَجَدِّهِمَا أَوْ صِنَاعَتِهِمَا وَلَقَبِهِمَا، فَمَا ذُكِرَ عَنْ قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَعَ ذِكْرِ الْجَدِّ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ. الْأَوْجَهُ مِنْهُ مَا نَقَلَ فِي الْفُصُولِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اللَّقَبِ مَعَ الِاسْمِ هَلْ هُمَا وَاحِدٌ أَوْ لَا، وَنَظِيرُ مَا ذُكِرَ فِي النَّسَبِ مَا ذُكِرَ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْبُلْدَانِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ نِسْبَةٌ إلَى جَدٍّ مَشْهُورٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْفَرْغَانِيَّةُ وَكَذَا الْبَلْخِيَّةُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ (وَقِيلَ السَّمَرْقَنْدِيَّة وَالْبُخَارِيَّةُ عَامَّةٌ) بِخِلَافِ الْأُوزْجَنْديَّةِ (وَقِيلَ) فِي النِّسْبَةِ (إلَى السِّكَّةِ الصَّغِيرَةِ خَاصَّةٌ وَإِلَى الْمَحَلَّةِ الْكَبِيرَةِ وَالْمِصْرِ عَامَّةٌ) ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ التَّعْرِيفُ وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ ذِكْرَ الْجَدِّ (عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، فَذِكْرُ الْفَخِذِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ لِأَنَّ الْفَخِذَ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى) أَيْ الْجَدُّ الْأَعْلَى فِي ذَلِكَ الْفَخِذِ الْخَاصِّ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْجَدِّ الْخَاصِّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَنْقُولِ فِي الْجَامِعِ: إنْ قَالَا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ فُلَانَةُ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخِذِهَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا قَالَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ جَدٍّ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفُلَانِيَّةَ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ إذَا كَانَ نِسْبَةٌ إلَى أَخَصِّ الْآبَاءِ. [فَصْلٌ شَاهِدُ الزُّورِ] (فَصْلٌ)

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شَاهِدُ الزُّورِ أُشَهِّرُهُ فِي السُّوقِ وَلَا أُعَزِّرُهُ. وَقَالَا: نُوجِعُهُ ضَرْبًا وَنَحْبِسُهُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شَاهِدُ الزُّورِ إلَخْ) أَخَّرَ حُكْمَ شَهَادَةِ الزُّورِ لِأَنَّهَا خِلَافُ الْأَصْلِ، إذْ الْأَصْلُ الصِّدْقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفِطْرَةِ كَوْنُهَا عَلَى الْحَقِّ وَالِانْحِرَافُ عَنْهُ لِعَارِضٍ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، وَشَاهِدُ الزُّورِ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الدَّعْوَى أَوْ الشَّاهِدَ الْآخَرَ أَوْ تَكْذِيبُ الْمُدَّعِي لَهُ إذْ قَدْ يَكُونُ مُحِقًّا فِي الْمُخَالَفَةِ أَوْ لِلْمُدَّعِي غَرَضٌ فِي أَذَاهُ. وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِ وَاحِدٍ فَيَجِيءَ حَيًّا، وَلَوْ قَالَ غَلِطْت أَوْ ظَنَنْت ذَلِكَ قِيلَ هُمَا بِمَعْنَى كَذَبْت لِإِقْرَارِهِ بِالشَّهَادَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ شَاهِدَ زُورٍ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعَزَّرُ بِتَشْهِيرِهِ عَلَى الْمَلَإِ فِي الْأَسْوَاقِ لَيْسَ غَيْرُ (وَقَالَا: نُوجِعُهُ ضَرْبًا وَنَحْبِسُهُ) فَصَارَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا أُعَزِّرُهُ لَا أَضُرُّ بِهِ. فَالْحَاصِلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَعْزِيرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِتَشْهِيرِ حَالِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ خُفْيَةً أَوْ هُمَا أَضَافَا إلَى ذَلِكَ الضَّرْبَ وَالْحَبْسَ وَبِقَوْلِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَمَالِكٌ (لَهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا) رَوَاهُ ابْن أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُضْرَبُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُطَالُ حَبْسُهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا. وَقَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ. أَخْبَرَنِي أَبُو الْأَحْوَصِ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ بِشَاهِدِ الزُّورِ أَنْ يُسَخَّمَ وَجْهُهُ وَتُلْقَى عِمَامَتُهُ فِي عُنُقِهِ وَيُطَافُ بِهِ فِي الْقَبَائِلِ. فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَرَى تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ ظَاهِرٌ، أَمَّا مَنْ لَا يَرَاهُ فَبِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ النَّكِيرِ فِيمَا فَعَلَ عُمَرُ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ لَا يُتَّجَهُ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ النَّكِيرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ فِي مَحَلِّ اجْتِهَادِهِ فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا السُّكُوتِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ قَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَا يَسْكُتُ» وَقَرَنَ تَعَالَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشِّرْكِ فَقَالَ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] وَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ، وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ وَهُوَ لَا يَنْفِيهِ، بَلْ قَالَ بِهِ عَلَى مَا حَقَقْنَاهُ لَكِنَّهُ يَنْفِي الزِّيَادَةَ فِيهِ بِالضَّرْبِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْتَهِضُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَنْفِي ضَرْبَهُ وَهُمَا يُثْبِتَانِهِ، فَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ

وَلِأَنَّ هَذِهِ كَبِيرَةٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إلَى الْعِبَادِ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ. وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ، وَلِأَنَّ الِانْزِجَارَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ فَيَكْتَفِي بِهِ، وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ وَلَكِنَّهُ يَقَعُ مَانِعًا عَنْ الرُّجُوعِ فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالتَّسْخِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQزِيَادَةً فِي التَّعْزِيرِ فَلْيَكُنْ إذْ قَدْ ثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ فِيهِ بِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شُرَيْحًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَخَذَ شَاهِدَ الزُّورِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ قَالَ لِلرَّسُولِ قُلْ لَهُمْ إنَّ شُرَيْحًا يُعَرِّفُكُمْ وَيَقُولُ لَكُمْ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ أَرْسَلَ بِهِ إلَى مَجْلِسِ قَوْمِهِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا فَقَالَ لِلرَّسُولِ مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. وَنَحْوُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَ شُرَيْحُ يَبْعَثُ شَاهِدَ الزُّورِ إلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ أَوْ إلَى السُّوقِ وَيَقُولُ إنَّا زَيَّفْنَا شَهَادَةَ هَذَا. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ يَكْتُبُ اسْمَهُ عِنْدَهُ. وَقَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَ شُرَيْحُ يَبْعَثُ بِشَاهِدِ الزُّورِ فَأَدْخَلَ بَيْنَ وَكِيعٍ وَأَبِي حُصَيْنٍ سُفْيَانَ. وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ بِهِ بَلْ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَا يَنْفِي هَذَا أَنْ يَقُولَ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ. ثُمَّ وَجَدْنَا هَذَا الْمُحْتَمَلَ مَرْوِيًّا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقُ: أَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْجَعْدِ بْنِ ذَكْوَانَ قَالَ: أُتِيَ شُرَيْحُ بِشَاهِدِ زُورٍ فَنَزَعَ عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسه وَخَفَقَهُ بِالدُّرَّةِ خَفَقَاتٍ وَبَعَثَ بِهِ إلَى مَسْجِدٍ يَعْرِفُهُ النَّاسُ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنْ فَرَضْنَا أَنَّهُ وَقَعَ الضَّرْبُ وَقَدْ قُلْنَا إنَّهُ إنَّمَا يُعْرَفُ شَاهِدُ الزُّورِ بِإِقْرَارِهِ فَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْرِيَ شَاهِدُ الزُّورِ الرَّاجِحُ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ وَلَا يُضْرَبُ فَرَجَعَ، فَحِينَ تَرَتَّبَ عَلَى رُجُوعِهِ الضَّرْبُ وَصَارَ ذَلِكَ مُسْتَقِرًّا فِي النُّفُوسِ يَكُونُ صَارِفًا لَهُ عَنْ الرُّجُوعِ وَحَامِلًا عَلَى التَّمَادِي فَوَجَبَ أَنْ يُتْرَكَ وَيُكْتَفَى بِمَا ذَكَرْت مِنْ التَّعْزِيرِ، هَذَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّقْلِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَازَ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي نَفْيِهِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ مَعْنًى آخَرَ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ ضَرْبِ عُمَرَ

ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّشْهِيرِ مَنْقُولٌ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ كَانَ يَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا، وَإِلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا، وَيَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُشَهَّرُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. وَالتَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا، وَكَيْفِيَّةُ التَّعْزِيرِ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحُدُودِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: شَاهِدَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ لَمْ يُضْرَبَا وَقَالَا يُعَزَّرَانِ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلشَّهَادَةِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّسْخِيمِ كَانَ سِيَاسَةً، فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ ذَلِكَ مَصْلَحَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَقَدْ يُرَدُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ عُمَرَ بِهِ إلَى عُمَّالِهِ فِي الْبِلَادِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى السِّيَاسَةِ بِالتَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ إلَى الْحُدُودِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُجِيزُهُ، وَقَدْ أَجَازَ عَالَمُ الْمَذْهَبِ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَبْلُغَ بِهِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَتِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ فَجَازَ كَوْنُ رَأْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَلِكَ. وَأَمَّا كَوْنُ التَّسْخِيمِ مُثْلَةً مَنْسُوخَةً فَقَدْ يَكُونُ رَأْيُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُثْلَةَ لَيْسَتْ إلَّا فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الْبَدَنِ وَيَدُومُ، لَا بِاعْتِبَارِ عَرَضٍ يُغْسَلُ فَيَزُولُ

[كتاب الرجوع عن الشهادة]

(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) (قَالَ: إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ) لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ شَهِدْت فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ لَا يُعَزَّرُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ. وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ. فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّائِبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارُ وَقَدْ انْزَجَرَ بِدَاعِي اللَّهِ تَعَالَى. وَجَوَابُهُمَا فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالتَّسْخِيمِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ: يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ، إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقِدْرِ، وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ. وَفِي الْمُغْنِي: وَلَا يُسَحَّمُ وَجْهُهُ بِالْخَاءِ وَالْحَاءِ [كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] (كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) لَمَّا كَانَ هَذَا إيجَابَ رَفْعِ الشَّهَادَةِ وَمَا تَقَدَّمَ إيجَابَ إثْبَاتِهَا فَكَانَا مُتَوَازِيَيْنِ فَتَرْجَمَ هَذَا بِالْكِتَابِ كَمَا تَرْجَمَ ذَاكَ لِلْمُوَازَاةِ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِهَذَا أَبْوَابٌ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِ مَسَائِلِهِ لِيَكُونَ كِتَابًا كَمَا لِذَلِكَ وَلِتَحَقُّقِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، إذْ لَا رَفْعَ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ نَاسَبَ أَنْ يَجْعَلَ تَعْلِيمَهُ بَعْدَهُ، كَمَا أَنَّ وُجُودَهُ بَعْدَهُ وَخُصُوصَ مُنَاسَبَتِهِ لِشَهَادَةِ الزُّورِ هُوَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِتَقَدُّمِهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً (قَوْلُهُ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ الشَّهَادَةِ سَقَطَتْ) عَنْ الِاعْتِبَارِ فَلَا يُقْضَى بِهَا لِأَنَّ كَلَامَهُمْ تَنَاقَضَ حَيْثُ قَالُوا نَشْهَدُ بِكَذَا لَا نَشْهَدُ بِهِ وَلَا يُقْضَى بِالْمُتَنَاقِضِ، وَلِأَنَّهُ أَيْ كَلَامَهُ الَّذِي نَاقَضَ لَهُ وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ فِي احْتِمَالِهِ الصِّدْقَ كَالْأَوَّلِ، فَلَيْسَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَوَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا. قَالُوا: وَيُعَزِّرُ الشُّهُودَ سَوَاءً رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَهُ، أَوْ التَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ، وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ

بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (فَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ) لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِمْ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالتَّنَاقُضِ وَلِأَنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ (وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ) لِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدٌّ مُقَدَّرٌ (قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُتْلِفُوا شَيْئًا عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ حُكِمَ إلَخْ) إذَا رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَهُ لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ، وَلَا الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ الثَّانِي فَتَعَارَضَا، وَلَا تَرْجِيحَ قَبْلَ الْحُكْمِ لِأَحَدِ الْكَلَامَيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِأَحَدِهِمَا، وَبَعْدَهُ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِحُكْمِهِ وَقَعَ فِي حَالٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ فَلَا يُنْقَضُ الْأَقْوَى بِالْأَدْنَى، لَكِنَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانَ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانُوا مُتْلِفِينَ بِسَبَبِ لُزُومِ حُكْمِ شَهَادَتِهِمْ: أَعْنِي اتِّصَالَ الْقَضَاءِ الَّذِي لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَبِالرُّجُوعِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ بِهِ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ تَسَبُّبَهُمْ فِي ذَلِكَ الْإِتْلَافِ كَانَ تَعَدِّيًا لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ، وَالتَّسَبُّبُ فِي الْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا سَبَبٌ لِلضَّمَانِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ: يَنْظُرُ إلَى حَالِ الشُّهُودِ، إنْ كَانَ حَالُهُمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلَ مِنْ حَالِهِمْ وَقْتَ الْأَدَاءِ فِي الْعَدَالَةِ صَحَّ رُجُوعُهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِمْ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَيُعَزَّرُونَ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ الرُّجُوعِ كَحَالِهِمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ دُونَهُ يُعَزَّرُونَ، وَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّاهِدِ. وَهَذَا قَوْلُ أُسْتَاذِهِ حَمَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ) سَوَاءً كَانَ هُوَ الْقَاضِيَ الْمَشْهُودَ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ

لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ الْمَجْلِسِ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَاضِي أَيَّ قَاضٍ كَانَ، وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ، فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ. وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ، وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِرُجُوعِهِمَا وَيُضَمِّنَهُمَا الْمَالَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ (وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا) أَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا (لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا) لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى هَذَا الرُّجُوعِ (لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا) وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامُ الْيَمِينِ لَا تُقْبَلُ إلَّا عَلَى دَعْوًى صَحِيحَةٍ. ثُمَّ قَالَ (حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ) فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَقْيِيدِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ، وَنُقِلَ هَذَا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ وَبِالضَّمَانِ، وَتَرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُصَنِّفِي الْفَتَاوَى هَذَا الْقَيْدَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ إمَّا تَرَكَهُ تَعْوِيلًا عَلَى هَذَا الِاسْتِبْعَادِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ شَاهِدٌ بِالرُّجُوعِ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ وَبِالْتِزَامِ الْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ،

(وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّسْبِيبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا تَصَادَقَا أَنَّ لُزُومَ الْمَالِ عَلَيْهِ كَانَ بِهَذَا الرُّجُوعِ، وَلَوْ أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ قَاضٍ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا صَحَّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ هَذَا رُجُوعًا عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي لَا الَّذِي أَسْنَدَ رُجُوعَهُ إلَيْهِ، وَلَوْ رَجَعَا عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ جَحَدَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِمَا وَيَقْضِي بِالضَّمَانِ عَلَيْهِمَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِاشْتِرَاطِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ وَجْهَيْنِ: أَوَّلُهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ، فَكَمَا اُشْتُرِطَ لِلشَّهَادَةِ الْمَجْلِسُ كَذَلِكَ لِفَسْخِهَا، وَعَلَى الْمُلَازَمَةِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ مَعَ إبْدَاءِ الْفَرْقِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمَجْلِسِ لِيُتَصَوَّرَ الْأَدَاءُ عِنْدَهُ بِالضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الْإِقْرَارُ عَلَى نَفْسِهِ يَتَحَقَّقُ سَبَبُ الضَّمَانِ مِنْهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالضَّمَانِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَأَجَابَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مَا شُرِطَ لِلِابْتِدَاءِ شُرِطَ لِلْبَقَاءِ كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ شُرِطَ فِيهِ وُجُودُ الْمَبِيعِ فَكَذَا فِي فَسْخِهِ، أَوْ هَذَا أَيْضًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْمُلَازَمَةِ مَعَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْفَسْخِ وَهُوَ التَّرَادُّ، وَالتَّرَادُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِهِ، بِخِلَافِ حُكْمِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ الضَّمَانُ، وَيُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مَعَ ثُبُوتِهِ دُونَ الْمَجْلِسِ. ثُمَّ هُوَ قَدْ أَوْرَدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الِابْتِدَاءِ شَرْطُ الْبَقَاءِ فِي السَّلَمِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ لِابْتِدَائِهِ حُضُورُ رَأْسِ الْمَالِ دُونَ فَسْخِهِ. وَأَجَابَ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ يَخُصُّ الِابْتِدَاءَ لَا يُوجَدُ فِي الْبَقَاءِ وَهُوَ كَيْ لَا يَلْزَمَ الِافْتِرَاقُ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي فَسْخِهِ فَلِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي فَسْخِهِ مَا شُرِطَ فِي ابْتِدَائِهِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْمَجْلِسِ ابْتِدَاءٌ لِيُتَصَوَّرَ الْأَدَاءُ بِخِلَافِ الْفَسْخِ. ثُمَّ تَمْهِيدُ الْجَوَابِ بِأَنَّ مَا شُرِطَ لِلِابْتِدَاءِ شُرِطَ لِلْبَقَاءِ لَا يُنَاسِبُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ الرَّفْعُ. نَعَمْ الرَّفْعُ يُرَدُّ عَلَى حَالَةِ بَقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحُكْمُ بِهَا، وَلَوْ تَسَهَّلْنَا إلَى جَعْلِ ذَلِكَ بَقَاءَ نَفْسِ الشَّهَادَةِ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ مَجْلِسِ الْحُكْمِ شَرْطًا لِبَقَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ أَرْخَيَا الْعَنَانَ فِي الْآخَرِ فَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَشْرُوطُ لِلْبَقَاءِ الْمَجْلِسَ الْأَوَّلَ الَّذِي كَانَ شَرْطًا لِلْأَدَاءِ، وَالْمَجْلِسُ الْمَشْرُوطُ هُنَا مَجْلِسٌ آخَرُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي وَجْهِهِ أَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ وَنَقْضٌ لِلشَّهَادَةِ فَكَانَ مُقَابِلًا لَهَا فَاخْتَصَّ بِمَوْضِعِ الشَّهَادَةِ، وَمَنْعُ الْمُلَازَمَةِ فِيهِ ظَاهِرٌ فَبَيَّنَهُ بِأَنَّ السَّوَادَ وَالْبَيَاضَ لَمَّا كَانَا مُتَضَادَّيْنِ اُشْتُرِطَ لِلتَّضَادِّ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ اتِّحَادَ الْمَحَلِّ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الْمُتَضَادَّيْنِ لَا شَرْطٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَضَادَّيْنِ فِي نَفْسِهِ، كَمَا أَنَّ مَجْلِسَ شَرْطٍ لِكُلٍّ مِنْ الشَّهَادَةِ وَنَقْضِهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الرُّجُوعَ تَوْبَةٌ عَنْ ذَنْبِ الْكَذِبِ وَكَانَ ذَلِكَ الذَّنْبُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَتَخْتَصُّ التَّوْبَةُ عَنْهُ بِمَجْلِسِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا غَيْرُ لَازِمٍ فِيهِ فَبَيَّنُوا لَهُ مُلَازَمَةً شَرْعِيَّةً بِحَدِيثِ «مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ أَوْصِنِي، فَقَالَ: عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى مَا اسْتَطَعْت، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا عَمِلْت شَرًّا فَأَحْدِثْ تَوْبَةَ السِّرِّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةَ بِالْعَلَانِيَةِ» وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَلَانِيَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِعْلَانِ فِي مَحَلِّ الذَّنْبِ بِخُصُوصِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بَلْ فِي مِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ عَلَانِيَةٌ وَهُوَ إذَا أَظْهَرَ الرُّجُوعَ لِلنَّاسِ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَكُونَ مُعْلِنًا (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا مُسَبِّبَانِ وَلَا

سَبَّبَ الضَّمَانَ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَقَدْ سَبَّبَا لِلْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ. قُلْنَا: تَعَذَّرَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَهُوَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ كَالْمَلْجَإِ إلَى الْقَضَاءِ، وَفِي إيجَابِهِ صَرْفُ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِهِ وَتَعَذُّرُ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ فَاعْتُبِرَ التَّسْبِيبُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِبْرَةَ بِالتَّسَبُّبِ، وَإِنْ كَانَ تَعَدِّيًا مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ. قُلْنَا: الْمُبَاشِرُ الْقَاضِي وَالْمُدَّعِي. وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كَالْمَلْجَإِ إلَى مُبَاشَرَةِ الْقَضَاءِ الَّذِي بِهِ الْإِتْلَافُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِافْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَإِذَا أَلْجَأَهُ الشَّرْعُ لَا يَضْمَنُهُ، وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ عَدَمَ قَبُولِ الْقَضَاءِ مِنْ أَحَدٍ. وَأَمَّا الْمُدَّعِي فَلِأَنَّهُ أَخَذَ بِحَقٍّ ظَاهِرٍ مَاضٍ لِأَنَّ خَبَرَ الرُّجُوعِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِيَنْقُضَ الْحُكْمَ، وَإِذَا لَمْ يَنْقُضْ لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ عَلَى إعْطَاءِ مَا أَخَذَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَاضِي شَرْعًا. وَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمُبَاشِرِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِالتَّسَبُّبِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الشُّهُودَ يَضْمَنُونَ كَمَذْهَبِنَا، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا يَنْقُضُ. وَلَا يَرُدُّ الْمَالَ مِنْ الْمُدَّعِي وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ وَهُوَ عَيْنُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ حَالُهُمَا وَقْتَ الرُّجُوعِ مِثْلَهُ عِنْد الْأَدَاءِ. وَقَدْ نُقِضَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى الشُّهُودِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ قَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشِرِ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُقْتَصُّ وَالْقَاضِي. وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِشَاهِدَيْ السَّرِقَةِ بَعْدَمَا قَطَعَ وَرَجَعُوا وَجَاءُوا بِآخَرَ وَقَالُوا هَذَا الَّذِي سَرَقَ: لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَدَّيْتُمَا لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا، أَخْرَجَهُ

إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ، لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ. قَالَ (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيُّ وَقَالَ: بِهَذَا الْقَوْلِ نَقُولُ. فَإِنْ نُوقِضَ بِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنِّي إنَّمَا قُلْت بِهِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ مَنَاطِهِ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الدَّمِ أَشَدُّ مِنْ أَمْرِ الْمَالِ. قُلْنَا: الْأَشَدِّيَّةُ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهَا عَلَى ثُبُوتِ الضَّمَانِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِجَوَازِهِ بِاعْتِبَارِ أَمْرِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ مَتَى يُقْضَى بِالضَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ؟ . قَالَ الْمُصَنِّفُ (إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا) لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ وَالْإِتْلَافُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَخْذِهِ مِنْهُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ عَيْنًا فَيَضْمَنَانِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُدَّعِي إيَّاهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَهُ بِهَا أَوْ دَيْنًا فَلَا يَضْمَنَانِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُدَّعِي. وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ ضَمَانَهُمَا ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ، فَإِذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ عَيْنًا فَالشَّاهِدَانِ وَإِنْ أَزَالَاهُ عَنْ مِلْكِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، فَلَوْ أَزَلْنَا قِيمَتَهُ عَنْ مِلْكِهِمَا بِأَخْذِ الضَّمَانِ مِنْهُمَا لَا تَنْتَفِي الْمُمَاثَلَةُ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَالشَّاهِدَانِ أَوْجَبَا عَلَيْهِ دَيْنًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ اسْتَوْفَى الضَّمَانَ مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ انْتَفَتْ الْمُمَاثَلَةُ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُمَا عَيْنٌ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ أَوْجَبَاهُ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُوَافِقُ فِي وَجْهِ الدَّيْنِ، يَقُولُ فِي الْعَيْنِ: إنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ لِلْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ لَكِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ شَيْئًا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ. قَالَ الْبَزَّازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوَاهُ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الضَّمَانُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا، وَكَذَا الْعَقَارُ يُضْمَنُ بَعْدَ الرُّجُوعِ إنْ اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ.

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذَا بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ (وَإِنْ شَهِدَا بِالْمَالِ ثَلَاثَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ بَقِيَ بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بَاقٍ بِالْحُجَّةِ، وَالْمُتْلِفُ مَتَى اسْتَحَقَّ (سَقَطَ الضَّمَانُ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ) فَإِنْ رَجَعَ الْآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ] شَهِدَا أَنَّهُ أَجَّلَهُ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَاهُ حَالًا ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ السَّنَةِ، وَلَوْ تَوَى مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ لَمْ يَرْجِعَا عَلَى الطَّالِبِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا. وَلَوْ شَهِدَا عَلَى هِبَةِ عَبْدٍ وَتَسْلِيمٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ كَالْعِوَضِ، وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْ الْوَاهِبُ الشَّاهِدَيْنِ لَهُ الرُّجُوعَ. شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا يَخْسَرُ الْبَائِعُ بَيْنَ رُجُوعِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى سَنَةٍ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاهِدَيْنِ قِيمَتَهُ حَالَّةً وَلَا يُضَمِّنُهُمَا الْخَمْسمِائَةِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْبَائِعِ بِالضَّمَانِ وَطَابَ لَهُمَا قَدْرُ مِائَةٍ وَتَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذَا بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ) وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ الْمَالَ وَالرُّجُوعَ إنَّمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَهُ، فَإِذَا بَقِيَ بَعْدَ رُجُوعِ مَنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ الْمَالِ بَقِيَ الْمَالُ ثَابِتًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِالرُّجُوعِ إتْلَافُ شَيْءٍ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَضْمَنَ مَعَ عَدَمِ إتْلَافِ شَيْءٍ. وَأَمَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَيَقْتَضِي أَنْ يُضَمَّنَ الْوَاحِدُ الرَّاجِعُ كُلَّ الْمَالِ وَهُوَ مُصَادِمٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ فِي حَلِّ الْبَقَاءِ مَا يَلْزَمُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَبَعْدَمَا ثَبَتَ ابْتِدَاءُ شَيْءٍ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ نُسِبَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ ثُبُوتُ حِصَّةٍ مِنْهُ بِشَهَادَتِهِ فَتَبْقَى هَذِهِ الْحِصَّةُ مَا بَقِيَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَيَكُونُ مُتْلِفًا لَهَا بِرُجُوعِهِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَإِذَا رَجَعَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ لَزِمَهُ ضَمَانُ النِّصْفِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِرُجُوعِهِ (وَإِنْ شَهِدَ بِالْمَالِ ثَلَاثَةٌ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَقِيَ الْحَقُّ مِنْ غَيْرِ إتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ بِبَقَاءِ الشَّاهِدَيْنِ وَالِاسْتِحْقَاقُ بَاقٍ بِالْحُجَّةِ (وَالْمُتْلَفُ مَتَى اُسْتُحِقَّ سَقَطَ الضَّمَانُ) كَمَا إذَا أَتْلَفَ مَالَ زَيْدٍ فَقُضِيَ بِضَمَانِهِ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ مُسْتَحِقَّهُ عَمْرٌو فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ لِزَيْدٍ (فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ الضَّمَانُ) وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا فَإِنَّ بِالرُّجُوعِ أَتْلَفَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ حِصَّتَهُ الَّتِي أَثْبَتَهَا لَهُ بِشَهَادَتِهِ لَهُ وَصَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَبِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى كُلُّ الْحَقِّ بِهِ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْمَشْهُودِ لَهُ لِتِلْكَ الْحِصَّةِ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَيَدْفَعُ الضَّمَانَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ) مِنْ الثَّلَاثَةِ

ضَمِنَ (الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْمَالِ) لِأَنَّ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمْ يَبْقَى نِصْفُ الْحَقِّ (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ رُبُعَ الْحَقِّ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ (وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا نِصْفَ الْحَقِّ) لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ بَقِيَ نِصْفُ الْحَقِّ (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرَةُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ ثَمَانٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ) لِأَنَّهُ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ (فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى كَانَ عَلَيْهِنَّ رُبْعُ الْحَقِّ) لِأَنَّهُ بَقِيَ النِّصْفُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالرُّبْعُ بِشَهَادَةِ الْبَاقِيَةِ فَبَقِيَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ (وَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ فَعَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسْوَةِ خَمْسَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمِنَ الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْمَالِ لِأَنَّ بِبَقَاءِ الثَّالِثِ يَبْقَى نِصْفُ الْمَالِ) فَلَوْ قَالَ الرَّاجِعُ الْأَوَّلُ كَيْفَ أَضْمَنُ بِرُجُوعِ الثَّانِي مَا لَا يَلْزَمُنِي ضَمَانُهُ بِرُجُوعِ نَفْسِي وَقْتَ رُجُوعِي لَا يُقْبَلُ هَذَا، كَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَحَدِهِمَا لَوْ رَجَعَ الثَّلَاثَةُ لَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ لِأَنَّ غَيْرِي يَثْبُتُ بِهِ كُلُّ الْحَقِّ فَرُجُوعُ غَيْرِي مُوجِبٌ عَلَيْهِ لَا عَلَيَّ. وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ أَنَّ تَلَفَ النِّصْفِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَسْتَقِلُّ بِهِ رُجُوعُ وَاحِدٍ إذَا فَرَضَ تَحَقُّقَهُ مَعَ رُجُوعِ جَمَاعَةٍ تَحَاصَصُوا الضَّمَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ إحْدَاهُمَا ضَمِنَتْ رُبْعَ الْمَالِ لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ، وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا نِصْفَهُ لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ يَبْقَى نِصْفُ الْحَقِّ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ) مِنْهُنَّ (ثَمَانٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ، فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ) التِّسْعُ (رُبْعَ الْحَقِّ لِبَقَاءِ النِّصْفِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ) الْبَاقِي (وَالرُّبْعِ بِشَهَادَةِ الْبَاقِيَةِ) (وَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ) فَعَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسْوَةِ خَمْسَةُ

أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ) لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نُقْصَانِ عَقْلِهِنَّ عُدِّلَتْ شَهَادَةُ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ» فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِذَلِكَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا (وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشَرَةُ دُونَ الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) لِمَا قُلْنَا (وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِشَاهِدَةٍ بَلْ هِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يُقِمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ الرَّجُلِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ. «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نُقْصَانِ عَقْلِهِنَّ عَدَلَتْ شَهَادَةُ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ» رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ فَقَالَ: أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ لَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ» (فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا، وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ. فَعِنْدَهُمَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْمَالِ وَعِنْدَهُ لِبَقَاءِ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ النِّصْفُ وَهُوَ الرَّجُلُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعَ خَمْسَةٌ ثُمَّ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِضَمَانِ النِّصْفِ مِنْ الْآخَرِينَ (وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا) فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ شَاهِدَةً بَلْ بَعْضٌ شَاهِدٌ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَشَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ شَطْرُ عِلَّةٍ وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ فَكَانَ الْقَضَاءُ لَيْسَ إلَّا بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ فَلَا تَضْمَنُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ رُجُوعِهَا شَيْئًا. وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَجَبَ ضَمَانُ نِصْفِ الْمَالِ

بَعْضُ الشَّاهِدِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ بِالنِّكَاحِ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ لِأَنَّ التَّضْمِينَ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنَّمَا تُضْمَنُ وَتُتَقَوَّمُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُتَقَوِّمَةً ضَرُورَةَ الْمِلْكِ إبَانَةً لِخَطَرِ الْمَحَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِبَقَاءِ مِنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفَ الْمَالِ أَعْنِي الْمَرْأَتَيْنِ، ثُمَّ هُوَ عَلَى الرَّجُلِ خَاصَّةً عَلَى قَوْلِهِمَا لِثُبُوتِ النِّصْفِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالنِّصْفِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ. وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النِّصْفَ أَثْلَاثًا عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا بِشَهَادَةِ الْكُلِّ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الشُّيُوعِ. ثُمَّ يُقَامُ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ، فَثَلَاثُ نِسْوَةٍ مَقَامُ رَجُلٍ وَنِصْفٍ، فَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا. وَعِنْدَهُ أَخْمَاسًا عَلَى النِّسْوَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ وَعَلَى الرَّجُلِ خُمُسَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا إلَى آخِرِهِ) إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ ادَّعَاهُ بِأَقَلَّ بِأَنْ ادَّعَاهُ بِمِائَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَشَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ فَقُضِيَ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِرُجُوعِهِمَا وَلَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ مَا نَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي بَابِ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ أَثْبَتُوا نِكَاحَهَا فَأَوْكَسُوا إنْ رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا مَا بَخَسُوا. ثُمَّ بَيَّنَهُ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِالْحَصْرِ وَجُعِلَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ. فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْقَوْلَ قَوْلُهَا إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَكَانَ يَقْضِي لَهَا بِأَلْفٍ لَوْلَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا تِسْعَمِائَةٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فَلَمْ يَتْلَفَا عَلَى قَوْلِهِ عَلَيْهَا شَيْئًا وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ لَمْ يَنْقُلُوا سِوَاهُ خِلَافًا وَلَا رِوَايَةً، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأُصُولِ كَالْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا نَقَلُوا فِيهَا خِلَافَ الشَّافِعِيِّ، فَلَوْ كَانَ لَهُمْ شُعُورٌ بِهَذَا الْخِلَافِ الثَّابِتِ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَعْرِضُوا عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَشْتَغِلُوا بِنَقْلِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرُوا وَجْهَهُ بِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ لِثُبُوتِ

(وَكَذَا إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ لَمَّا أَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ، وَهَذَا لِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْإِتْلَافِ بِعِوَضٍ وَبَيْنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ (وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ مَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقَوُّمِهِ حَالَ الدُّخُولِ، فَكَذَا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْخُرُوجِ عَيَّنَ ذَلِكَ الَّذِي ثَبَتَ تَقَوُّمُهُ. وَأَجَابُوا بِحَاصِلِ تَوْجِيهِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ تَقَوُّمَهُ حَالَ الدُّخُولِ لَيْسَ إلَّا لِإِظْهَارِ خَطَرِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْهُ النَّسْلُ الْمَطْلُوبُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّفْعِ، كَمَا شُرِطَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهِ دُونَ سَائِرِ الْعُقُودِ لِذَلِكَ لَا لِاعْتِبَارِهِ مُتَقَوِّمًا فِي نَفْسِهِ كَالْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ الْمِلْكُ عَلَى رَقَبَتِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ فَلَا تُضْمَنُ لِأَنَّ التَّضْمِينَ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ بِالنَّصِّ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُحَرَّزُ وَتَتَمَوَّلُ وَالْأَعْرَاضِ الَّتِي تَتَصَرَّمُ وَلَا تَبْقَى. وَفُرِّعَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ خِلَافِيَّةٌ أُخْرَى، هِيَ مَا إذَا شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ لَمْ يَضْمَنُوا عِنْدَنَا، وَكَذَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا، وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِزَوْجِهَا. وَعِنْدَهُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْقَاتِلِ لِلزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِنَا نَقْضًا أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الضَّمَانَ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ حَقِيقَةً فِيمَا إذَا أَكْرَهَ مَجْنُونٌ امْرَأَةً فَزَنَى بِهَا يَجِبُ فِي مَالِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا يَجِبُ فِي الْإِتْلَافِ الْحُكْمِيِّ. وَأَجَابَ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ فِي الْإِتْلَافِ الْحَقِيقِيِّ بِالشَّرْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْحُكْمِيُّ دُونَهُ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِيهِ وَارِدًا فِي الْحُكْمِيِّ، وَنَظِيرُهُ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الدَّارَ مِنْ هَذَا شَهْرًا بِعَشْرَةٍ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا مِائَةٌ وَالْمُؤَجِّرُ يُنْكِرُ فَشَهِدَا بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا الْمَنْفَعَةَ وَمُتْلِفُ الْمَنْفَعَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا) بِأَنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَشَهِدَا ثُمَّ رَجَعَا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ بَعْدَمَا قَضَى بِهِ، وَلَا يَضْمَنَانِ مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمَا عَوَّضَا مِلْكَ الْبُضْعِ وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ حِينَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْإِتْلَافِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، وَالْإِتْلَافُ بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ (وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ) عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا بِلَا عِوَضٍ) وَهِيَ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي تَقَعُ الْمُمَاثَلَةُ بِالتَّضْمِينِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ) بِأَنْ ادَّعَى ذَلِكَ مُدَّعٍ فَشَهِدَا لَهُ بِهِ. (ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافِ مَعْنًى

نَظَرًا إلَى الْعِوَضِ (وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا هَذَا الْجُزْءَ بِلَا عِوَضٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ، لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ السَّابِقُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ إلَيْهِ فَيُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظَرًا إلَى الْعِوَضِ، وَإِنْ) شَهِدَا بِهِ (بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ) ثُمَّ رَجَعَا (ضَمِنَا نُقْصَانَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا هَذَا الْقَدْرَ) عَلَيْهِ (بِلَا عِوَضٍ) هَذَا إذَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ، فَلَوْ شَهِدَا بِهِ وَبِنَقْدِ الثَّمَنِ ثُمَّ رَجَعَا، فَإِمَّا أَنْ يُنَظِّمَاهَا فِي شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا بِأَلْفٍ وَأَوْفَاهُ الثَّمَنَ أَوْ فِي شَهَادَتَيْنِ بِأَنْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ فَقَطْ ثُمَّ شَهِدَا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ، فَفِي الْأَوَّلِ يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِقِيمَةِ الْبَيْعِ لَا بِالثَّمَنِ، وَفِي الثَّانِي يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ. وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْمَقْضِيَّ بِهِ الْبَيْعُ دُونَ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِإِيجَابِ الثَّمَنِ لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْإِيفَاءِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ وَأَقَالَهُ بِشَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُقْضَى بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ قَارَنَ الْقَضَاءَ بِهِ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْإِقَالَةِ، فَكَذَا هَذَا، وَإِذَا كَانَ الْمَقْضِيُّ بِهِ الْبَيْعَ فَقَطْ وَزَالَ الْمَبِيعُ بِلَا عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِ الْقِيمَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِشَهَادَتَيْنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ يَصِيرُ مَقْضِيًّا بِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالثَّمَنِ لَا يُقَارِنُهُ مَا يُسْقِطُهُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِالْإِيفَاءِ بَلْ شَهِدَا بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا صَارَ الثَّمَنُ مَقْضِيًّا بِهِ ضَمِنَاهُ بِرُجُوعِهِمَا. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْبَيْعِ بَاتَا أَوْ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ لِأَنَّ السَّبَبَ) يَعْنِي الْبَيْعَ (هُوَ السَّابِقُ) حَتَّى اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ وَقَدْ أَزَالَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ إلَيْهِ (فَانْضَافَ التَّلَفُ إلَى الشُّهُودِ) وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ

(وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا ضَمَانًا عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ الْمَهْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَيُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسُؤَالٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. حَاصِلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أَثْبَتَا الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، وَبِهِ لَا يَزُولُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا يَزُولُ إذَا لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَإِذَا لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ كَانَ مُخْتَارًا فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ سَبَبَ التَّلَفِ الْعَقْدُ السَّابِقُ وَثُبُوتُهُ بِشَهَادَتِهِمْ فَيُضَافُ إلَيْهِمْ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَكَتَ إلَى أَنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِتَحَرُّزِهِ عَنْ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ الْكَذِبُ لِأَنَّهُ قَدْ أَنْكَرَ الْعَقْدَ، فَإِذَا فَسَخَ كَانَ مُعْتَرِفًا بِصُدُورِهِ مِنْهُ فَيَظْهَرُ لِلنَّاسِ تَنَاقُضُهُ وَكَذِبُهُ، وَالْعَاقِلُ يَحْتَرِزُ عَنْ مِثْلِهِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُفْسَخْ وَفِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ نُقْصَانٌ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَا بِهِ ضَمِنَاهُ، وَلَوْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ أَجَازَهُ فِي الْمُدَّةِ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ بِاخْتِيَارِهِ، كَمَا لَوْ أَجَازَهُ الْبَائِعُ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْخِيَارِ لَهُ بِثَمَنٍ نَاقِصٍ عَنْ الْقِيمَةِ حَيْثُ يَسْقُطُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَضَى بِالْفُرْقَةِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) هَذَا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ مَهْرٌ مُسَمًّى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَا الْمُتْعَةَ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ فِيهِ، وَذَلِكَ (لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ) وَعَلَى الْمُؤَكِّدِ مَا عَلَى الْمُوجِبِ. أَمَّا كَوْنُهُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ فَإِنَّ الْمَهْرَ بِحَيْثُ لَوْ ارْتَدَّتْ الزَّوْجَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ أَصْلًا. وَأَمَّا أَنَّ عَلَى الْمُؤَكِّدِ مَا عَلَى الْمُوجِبِ فَبِمَسْأَلَتَيْنِ: هُمَا مَا إذَا أَخَذَ مُحْرِمٌ صَيْدَ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فِي يَدِهِ آخَرُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْآخَرِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ أَكَّدَ مَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْقُطُ بِأَنْ يَتُوبَ فَيُطْلِقُهُ، وَمَا إذَا أَكْرَهَ رَجُلٌ آخَرُ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَكَذَلِكَ بِارْتِدَادِهَا وَنَحْوِهِ (وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَتُوجِبُ سُقُوطُ كُلِّ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ) أَيْ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ مِنْ أَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَعُودُ الْمَعْقُودُ

ثُمَّ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ فَكَانَ وَاجِبًا بِشَهَادَتِهِمَا قَالَ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ إلَيْهَا كَمَا كَانَ سَالِمًا فَلَا يَجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ (ثُمَّ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً) فَقَدْ أَوْجَبَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ مَالًا فَيَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ وَلَمْ يَقُلْ فَسْخٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصْ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ بِسَبَبِ عَوْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَيْهَا سَالِمًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا لَوْ شَهِدَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْقُدُورِيِّ وَالْبِدَايَةِ. وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَجِبَ ضَمَانٌ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا تُقَوَّمُ لَهُ حَالَ الْخُرُوجِ، وَمَا دَفَعَ مِنْ الْمَهْرِ قَدْ اعْتَاضَ عَنْهُ مَنَافِعَ الْبُضْعِ فَلَمْ يَتْلَفَا عَلَيْهِ مَالًا بِلَا عِوَضٍ. وَفِي التُّحْفَةِ: لَمْ يَضْمَنَا إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعُ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا. ثُمَّ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَضْمَنَانِ سِوَى نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيَضْمَنَانِ لِلْمَرْأَةِ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ إلَى تَمَامِهِ لِأَنَّهُمَا بِرُجُوعِهِمَا زَعَمَا أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْقَضَاءِ بِهِ. فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وُقُوعُهُ بِالْقَضَاءِ كَإِيقَاعِ الزَّوْجِ وَبِإِيقَاعِ الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا إلَّا النِّصْفُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَضَاءُ بِهِ لَيْسَ إيقَاعًا مِنْهُ فَيَبْقَى حَقُّهَا ثَابِتًا فِي كُلِّ الْمَهْرِ وَفَوَّتَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَقَدْ أَتْلَفَاهُ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ عَدَمُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوُقُوعِ إنَّمَا هُوَ عَنْهُ تَكْذِيبًا لَهُ فِي إنْكَارِهِ الطَّلَاقَ. عَلَى أَنَّ نَقْلَ هَذَا الْخِلَافِ غَرِيبٌ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ) فَقَضَى بِالْعِتْقِ (ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ) مَالًا مُتَقَوِّمًا (بِلَا عِوَضٍ) فَيَضْمَنَانِ سَوَاءً كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعَسِّرَيْنِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْيَسَارِ (وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ) وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لِلْعِتْقِ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا، وَإِنَّمَا لَا يَتَحَوَّلُ لِلشَّاهِدَيْنِ بِضَمَانِهِمَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالُ وَلَا يَكُونُ الْوَلَاءُ عِوَضًا نَافِيًا لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ هُوَ كَالنَّسَبِ سَبَبٌ يُورَثُ بِهِ. وَلَوْ كَانَا شَهِدَا بِتَدْبِيرِ الْعَبْدِ وَقَضَى بِهِ كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَغَيْرَ مُدَبَّرٍ وَقَدْ سَلَفَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ قَدْرُ نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ. وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ رُجُوعِهِمَا فَعَتَقَ مِنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ كَانَ عَلَيْهِمَا بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ عَبْدًا لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ شَهِدَا بِالْكِتَابَةِ ضَمِنَا تَمَامَ قِيمَتِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا بِالْكِتَابَةِ حَالَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَمَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِشَهَادَتِهِمَا فَكَانَا غَاصِبَيْنِ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحُولُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ مُدَبَّرِهِ بَلْ يَنْقُصُ مَالِيَّتُهُ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَا تَبِعَا الْمُكَاتَبَ عَلَى نُجُومِهِ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْمَوْلَى حِين ضَمِنَا قِيمَتَهُ، وَلَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِمَا الْجَمِيعَ كَمَا كَانَ كَذَلِكَ مَعَ الْمَوْلَى، وَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ كَانَ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً لِلشَّاهِدَيْنِ

(وَإِنْ شَهِدُوا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنُوا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْتَصُّ مِنْهُمْ لِوُجُودِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ تَسْبِيبًا فَأَشْبَهَ الْمُكْرِهَ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ وَالْمُكْرِهَ يُمْنَعُ. وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ مُبَاشَرَةَ لَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا تَسْبِيبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَيَرُدُّ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ مِنْهُمَا لِزَوَالِ حَيْلُولَتِهِمَا بِرَدِّهِ فِي الرِّقِّ، فَهُوَ كَغَاصِبِ الْمُدَبَّرِ إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ بَعْدَ إبَاقِهِ ثُمَّ رَجَعَ يَكُونُ مَرْدُودًا عَلَى الْمَوْلَى وَيَرُدُّ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ. وَلَوْ كَانَا شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَمَةَ وُلِدَتْ مِنْهُ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْمَوْلَى نُقْصَانَ قِيمَتِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ أَمَةً وَأُمَّ وَلَدٍ لَوْ جَازَ بَيْعُهَا مَعَ الْأُمُومَةِ فَيَضْمَنَانِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فَعَتَقَتْ كَانَ عَلَيْهِمَا بَقِيَّةُ قِيمَتِهَا أَمَةً لِلْوَرَثَةِ وَإِنَّ هُمَا نَصَّا فِي شَهَادَتِهِمَا عَلَى إقْرَارِهِ فِي ابْنٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ مِنْهُ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ كَانَ عَلَيْهِمَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا لِلْمَوْلَى قِيمَةُ الْوَلَدِ، فَإِنْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ مَاتَ فَوَرِثَهُ هَذَا الِابْنُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مِمَّا وَرِثَ مِثْلُ مَا كَانَ الْمَيِّتُ أَخَذَهُ مِنْهُمَا مِنْ قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْمَيِّتُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَنَّهُ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ لَهُمَا. وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ مِقْدَارَ مَا وَرِثَ الِابْنُ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا، عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِمَا (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنَا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا) وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الشُّهُودِ. وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ إنْ قَالَا أَخْطَأْنَا ضَمِنَّا الدِّيَةَ فِي مَالِهِمَا، وَإِنْ قَالَا تَعَمَّدْنَا اقْتَصَّ مِنْهُمَا (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقْتَصُّ لِوُجُودِ الْقَتْلِ) مِنْهُمَا (تَسْبِيبًا فَأَشْبَهَ) الشَّاهِدَ (الْمُكْرَهَ) فَإِنَّهُ تَسَبَّبَ بِشَهَادَتِهِ فِي قَتْلِ الْوَلِيِّ، كَمَا أَنَّ الْمُكْرَهَ تَسَبَّبَ بِإِكْرَاهِهِ فِي قَتْلِ الْمُكْرَهِ فَيُقْتَلُ كَمَا يُقْتَلُ الْمُكْرَهُ (بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ) بَعْدَ الشَّهَادَةِ (يُعَانُ) عَلَى قَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ (وَالْمُكْرَهُ) لَا يُعَانُ عَلَى الْقَتْلِ بِإِكْرَاهِهِ بَلْ (يُمْنَعُ) وَيُنْكَرُ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ (وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ) مِنْ الشَّاهِدِ (لَمْ يُوجَدْ) تَسْبِيبًا

لِأَنَّ التَّسْبِيبَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَهَاهُنَا لَا يُفْضِي لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ ظَاهِرًا، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ مِمَّا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ، ثُمَّ لَا أَقَلَّ مِنْ الشُّبْهَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقِصَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ التَّسْبِيبَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَا تَسَبَّبَ فِيهِ (غَالِبًا) وَالشَّهَادَةُ لَا تُفْضِي إلَى قَتْلِ الْوَلِيِّ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ، وَإِنْ أَفَضْت إلَى الْقَضَاءِ، بَلْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ ثُمَّ تَقِفُ النَّاسُ فِي الصُّلْحِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ بَلْ عَلَى قَدْرِ بَعْضِهَا فَلَمْ تُفِضْ غَالِبًا إلَيْهِ بَلْ قَدْ وَقَدْ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ التَّشَفِّي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْعَفْوُ بِالْمَالِ يَرَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا هُوَ الْأَحَبُّ لِلشَّارِعِ وَحُصُولُ مَالٍ يَنْتَفِعُ بِهِ فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ وَمَفْهُومِهِ يَقْتَضِي كَثْرَةَ وُجُودِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَتْلِ فَكَيْفَ إذَا عَلِمَ كَثْرَةَ وُقُوعِهِ، وَإِذَا انْتَفَى التَّسْبِيبُ مِنْ الشَّاهِدِ حَقِيقَةً انْتَفَى قَتْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ) يَعْنِي فَحَالَفَ الْوَلِيُّ الْمُكْرَهَ (لِأَنَّ) الْغَالِبَ أَنَّ (الْإِنْسَانَ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ) عَلَى حَيَاةِ غَيْرِهِ فَكَانَ الْمُكْرَهُ بِإِكْرَاهِهِ مُسَبَّبًا حَقِيقَةً حَيْثُ ثَبَتَ بِفِعْلِهِ مَا هُوَ الْمُفْضِي لِلْقَتْلِ بِسَبَبِ الْإِيثَارِ الطَّبِيعِيِّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْجَامِعِ وَهُوَ إثْبَاتُ مَا يُفْضِي غَالِبًا إلَى الْفِعْلِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ (أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ) ذِي الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ أَعْنِي قَتْلَ الْوَلِيِّ الْمُعْتَرِضِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ (مِمَّا يَقْطَعُ نِسْبَةُ الْفِعْلِ) إلَى الشَّاهِدِ كَمَا عُرِفَ فِيمَنْ فَكَّ إنْسَانٌ قَيْدَهُ فَأَبَقَ بِاخْتِيَارِهِ وَأَمْثَالِهِ، كَمَنْ دَفَعَ إنْسَانًا فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ تَعَدِّيًا فَإِنَّهُ بِدَفْعِهِ الِاخْتِيَارِيِّ انْقَطَعَتْ نِسْبَةُ التَّلَفِ إلَى الْحَافِرِ فَلَا وُجُودَ لِلْمُسَبِّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ مُخْتَارًا

بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَالْبَاقِي يُعْرَفُ فِي الْمُخْتَلِفِ. قَالَ (وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ (وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ اعْتَرَضَ فِعْلَهُ الِاخْتِيَارِيِّ عَنْ الْإِكْرَاهِ لَكِنَّ اخْتِيَارَهُ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ لِلْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ فَكَانَ كَلَا اخْتِيَارٍ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ مَعَ اخْتِيَارِهِ هَذَا الْبَيْعُ وَلَا إجَازَةُ بَيْعِهِ وَلَا إجَارَتُهُ وَنَحْوُهَا فَلَمْ يَصْلُحْ لِقَطْعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ عَنْ الْمُكْرَهِ فَاعْتُبِرَ الْمُكْرَهُ كَآلَةٍ لِلْمُكْرَهِ قَتَلَ بِهَا ذَلِكَ الْقَتِيلَ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْطَعْ الِاخْتِيَارَ الصَّحِيحَ النِّسْبَةَ إلَى الشَّاهِدِ فَلَا أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُوجِبَ شُبْهَةً فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَالْقِصَاصُ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ) وَقَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَقَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ بِفَتْحِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمُخْتَلِفِ مُخْتَلِفُ الرِّوَايَةِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْعَتَّابِيِّ: إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَقَضَى بِذَلِكَ وَأَخَذَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ وَقُتِلَ الْقَاتِلُ فِي الْعَمْدِ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا، فَالْعَاقِلَةُ فِي الْخَطَإِ إنْ شَاءُوا رَجَعُوا عَلَى الْآخِذِ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمِنُوا الشُّهُودَ لِأَنَّهُمْ تُسَبَّبُوا لِلتَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَضْمُونَ وَهُوَ الدِّيَةُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَلِيَّ أَخَذَ مَالَهُمْ. وَفِي الْعَمْدِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَكِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَيُخَيَّرُ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنُوا الْوَلِيَّ الدِّيَةَ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى أَحَدٍ، وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنُوا الشَّاهِدَيْنِ، وَهُمَا لَا يَرْجِعَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْمَضْمُونَ وَهُوَ الدَّمُ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالًا، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُونَ بِمَا ضَمِنُوا لِأَنَّ أَدَاءَ الضَّمَانِ انْعَقَدَ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَضْمُونِ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ لِعَدَمِ قَبُولٍ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ كَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا وَغَصَبَهُ آخَرُ وَمَاتَ فِي يَدِهِ وَضَمِنَ الْمَالِكُ الْأَوَّلُ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا (قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّ الشَّهَادَةَ) الَّتِي (فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) وَهِيَ الَّتِي بِهَا الْقَضَاءُ (صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ. وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا لَمْ يَضْمَنُوا) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا.

لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا السَّبَبَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ (وَإِنْ قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ضَمِنُوا وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِمَا يُعَايِنُ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَتُهُمْ. وَلَهُ أَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِأَبِي نَصْرِ الْبَغْدَادِيِّ قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُونَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِيمَا إذَا شَهِدَ فَرْعَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ خَطَأً فَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَبَضَهَا الْوَلِيُّ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا لَا يَضْمَنُ الْفُرُوعَ لِعَدَمِ رُجُوعِهِمْ وَعَدَمِ ظُهُورِ كَذِبِهِمْ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَصْلَيْنِ أَشْهَدَاهُمَا غَيْرَ أَنَّ الْوَلِيَّ يَرُدُّ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَلَوْ حَضَرَ الْأَصْلَانِ وَقَالَا لَمْ نُشْهِدْهُمَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إنْكَارِهِمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصْلَيْنِ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُمَا لَوْ رَجَعَا بِأَنْ قَالَا أَشْهَدْنَاهُمَا بِبَاطِلٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا وَإِشْهَادَهُمَا لِلْفَرْعَيْنِ كَانَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ كَالرُّجُوعِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَضْمَنَا بِالرُّجُوعِ فَكَذَا إذَا ظَهَرَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا. فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَضْمَنَانِ بِالرُّجُوعِ. ثُمَّ قَالَ هُنَا: لَا يَضْمَنَانِ: يَعْنِي قَالَ مُحَمَّدٌ فِي إنْكَارِ الْأُصُولِ الْإِشْهَادَ لَا يَضْمَنُ الْأَصْلَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَرَدُّدًا فِي أَنَّهُ قَالَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً أَوْ قَالَهُ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَصَرَّحَ بِأَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِهِ (لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا) أَيْ شُهُودُ الْأَصْلِ (السَّبَبَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ) الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ (فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَنْقُضُ بِهِ الشَّهَادَةَ لِهَذَا (بِخِلَافِ مَا) إذَا أَنْكَرُوا الْإِشْهَادَ (قَبْلَ الْقَضَاءِ) لَا يَقْضِي بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ كَمَا إذَا رَجَعُوا قَبْلَهُ، هَذَا إذَا قَالُوا لَمْ نُشْهِدْهُمْ (فَإِنْ قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا) أَوْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَرَجَعْنَا (ضَمِنَ الْأُصُولَ) هَكَذَا أَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ وَحَكَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الضَّمَانَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأُصُولِ. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ نَقَلَا شَهَادَتَهُمَا إلَى الْمَجْلِسِ وَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا كَأَنَّهُمَا حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا وَأَدَّيَا فَإِذَا رَجَعَا ضَمِنَا. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمَا لَيْسَتْ فِي الْمَجْلِسِ حَقِيقَةً لَكِنَّهَا فِيهِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا الْمَنْقُولَةُ فَعَمِلْنَا بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ وَبِالْحُكْمِ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ الْفَرْعَيْنِ نَائِبَيْنِ عَنْ الْأَصْلَيْنِ فَيَكُونُ فِعْلُهُمَا كَفِعْلِهِمَا لِيَرْتَفِعَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَعَمِلَ مَنْعُ الْأَصْلَيْنِ إيَّاهُمَا عَنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ التَّحْمِيلِ وَلَا يُعْمَلُ، فَلَهُمَا بَلْ عَلَيْهِمَا أَنْ يُؤَدِّيَا لَوْ مَنَعَاهُمَا بَعْدَ التَّحْمِيلِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِحَقٍّ آخَرَ إنَّمَا يَقْضِي بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا

(وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ جَمِيعًا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْفُرُوعِ لَا غَيْرُ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْأُصُولَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْفُرُوعَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَا وَبِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ (وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا أُمْضِيَ مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْضِي بِمَا عَايَنَ مِنْ الْحُجَّةِ وَهُوَ شَهَادَتُهُمَا. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ إلَّا بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَهُمَا، وَقَدْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ وَعَادَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَهُ مَا أَخَّرَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ جَمِيعًا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْفُرُوعِ) بِنَاءً عَلَى مَا عُرِفَ لَهُمَا مِنْ (أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ) وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِرُجُوعِ مَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْأُصُولَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْفُرُوعَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَا) وَهُوَ قَوْلُهُمَا إنَّ الْقَضَاءَ بِمَا عَايَنَ الْقَاضِي مِنْ الْحُجَّةِ، وَإِنَّمَا عَايَنَ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ (وَمِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ) أَيْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ، فَالْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ الْمَنْقُولَةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ (وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ فَيَضْمَنُ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَ الْمُتْلَفِ؟ فَقَالَ هُمَا مُتَغَايِرَتَانِ لِأَنَّ شُهُودَ الْأَصْلِ يَشْهَدُونَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشُهُودَ الْفَرْعِ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ. وَقِيلَ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا إشْهَادٌ وَالْأُخْرَى أَدَاءٌ لِلشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ فَلَا تُعْتَبَرُ شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَمْرِ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّضْمِينِ بَلْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ فِي تَضْمِينِ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ، وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إذَا ضَمِنَ بِمَا أَدَّى عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآخَرِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُتْلِفَ نَقَلَ شَهَادَةَ الْأُصُولِ، إذْ لَوْلَا إشْهَادُ الْأُصُولِ مَا تَمَكَّنَ الْفُرُوعُ مِنْ النَّقْلِ، وَلَوْلَا نَقْلُ الْفُرُوعِ لَمْ يَثْبُتْ النَّقْلُ فَكَانَ فِعْلُ كُلٍّ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ

قَالَ (وَإِنْ رَجَعَ الْمُزَكَّوْنَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنُوا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ. وَلَهُ أَنَّ التَّزْكِيَةَ إعْمَالٌ لِلشَّهَادَةِ، إذْ الْقَاضِي لَا يَعْمَلُ بِهَا إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَصَارَتْ بِمَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ، بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَحْضٌ (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبَ الضَّمَانِ. أَمَّا الْفُرُوعُ فَبِالنَّقْلِ. وَأَمَّا الْأُصُولُ فَبِتَحْمِيلِهِمْ الْفُرُوعَ عَلَى النَّقْلِ، إذْ بِتَحْمِيلِهِمْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ شَرْعًا حَتَّى يَأْثَمُوا لَوْ تَرَكُوا النَّقْلَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ الْمُزَكَّوْنَ عَنْ التَّزْكِيَةِ) بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْمَالِ (ضَمِنُوا) الْمَالَ أَطْلَقَهُ الْقُدُورِيُّ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ الَّذِي بِهِ الْإِتْلَافُ لَمْ يَقَعْ بِالتَّزْكِيَةِ بَلْ بِالشَّهَادَةِ فَلَمْ يُضِفْ التَّلَفَ إلَيْهِمْ فَلَا يَضْمَنُونَ (وَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ) إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ لَا يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ بِاتِّفَاقِنَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّزْكِيَةَ عِلَّةُ إعْمَالِ الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةَ عِلَّةُ التَّلَفِ فَصَارَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى التَّزْكِيَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعِلَّةُ فِي الْقَتْلِ بَلْ الْعِلَّةُ فِيهِ الزِّنَا، وَالْإِحْصَانُ لَيْسَ مُثْبِتًا لِلزِّنَا فَشُهُودُهُ لَا يَثْبُتُونَ الزِّنَا، فَلَيْسَ عِلَّةً لِعِلَّةِ الْقَتْلِ لِيَجِبَ الضَّمَانُ بَلْ هُوَ شَرْطٌ مَحْضٌ: أَيْ عِنْدَ وُجُودِهِ فَيَكُونُ الْحَدُّ كَذَا، وَتَمَامُ الْمُؤَثِّرِ فِي الْحَدِّ رَجْمًا كَانَ أَوْ جَلْدًا لَيْسَ إلَّا الزِّنَا، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ مِنْ طَرَفِهِمَا إنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ وَعِنْدَ وُجُودِهَا لَا يُضَافُ إلَّا إلَيْهَا. وَهَذَا فَرْعٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ: شَهِدُوا بِالزِّنَا وَزَكَّوْا وَقَالَ الْمُزَكَّوْنَ هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَرَجَمَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ، فَإِنْ ثَبَتَ الْمُزَكَّوْنَ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ، أَمَّا الشُّهُودُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ، بَلْ الْوَاقِعُ أَنْ لَا شَهَادَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبِيدٍ أَوْ كُفَّارٍ. وَأَمَّا الْمُزَكَّوْنَ فَلِأَنَّهُمْ اعْتَمَدُوا قَوْلَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ إخْبَارُهُمْ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ شَهَادَةً، وَأَمَّا لَوْ رَجَعُوا وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ فَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ الدِّيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمُزَكَّيْنَ مَا أَثْبَتُوا سَبَبَ الْإِتْلَافِ وَهُوَ الزِّنَا، إنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: جَعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجَبٍ: أَعْنِي الشَّهَادَةَ مُوجَبًا بِالتَّزْكِيَةِ إلَى آخِرِهِ: يَعْنِي مَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ) أَيْ شَهِدُوا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ

ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ، وَالتَّلَفُ يُضَافُ إلَى مُثْبِتِي السَّبَبِ دُونَ الشَّرْطِ الْمَحْضِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِشَهَادَةِ الْيَمِينِ دُونَ شُهُودِ الشَّرْطِ، وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ يَمِينُ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّخُولِ بِهَا بِدُخُولِ الدَّارِ أَوْ بِتَعْلِيقِ عِتْقِ عَبْدِهِ بِهِ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَقَضَى بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثُمَّ رَجَعَ الْفَرِيقَانِ (فَالضَّمَانُ) لِنِصْفِ الْمَهْرِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ (عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً) وَاحْتُرِزَ بِلَفْظِ خَاصَّةً عَنْ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ: لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِشَهَادَتِهِمْ. قُلْنَا: الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ إنَّمَا هُوَ بِثُبُوتِ قَوْلِهِ أَنْتَ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ الْعِلَّةُ فِي الْوُقُوعِ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ السَّبَبَ، وَذَلِكَ إنَّمَا أَثْبَتَهُ شُهُودُ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ شُهُودِ الدُّخُولِ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَمْ يُوضَعْ شَرْعًا عِلَّةً لِطَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ فَلَمْ يَكُنْ عِلَّةً، وَإِذَا ضَمِنَ الدَّافِعُ مَعَ وُجُودِ الْحَافِرِ وَهُمَا مُسَبِّبَانِ غَيْرَ أَنَّ الدَّفْعَ مُثْبَتٌ لِسَبَبٍ أَقْرَبَ مِنْ الْحَفْرِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ الثِّقَلُ فَلَأَنْ يَضْمَنَ مُبَاشِرُ الْعِلَّةَ دُونَ مُبَاشِرِ السَّبَبِ أَوْلَى. وَمِنْ هَذَا إذَا رَجَعَ شُهُودُ التَّخْيِيرِ مَعَ شُهُودِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا يَضْمَنُ شُهُودُ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ هُوَ الْعِلَّةُ وَالتَّخْيِيرَ سَبَبٌ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى بِكُلِّ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعُوا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُ الْمَهْرِ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّ شُهُودَ الدُّخُولِ أَثْبَتُوا أَنَّ الزَّوْجَ اسْتَوْفَى عِوَضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالتَّزَوُّجِ فَخَرَجَتْ شَهَادَتُهُمَا مِنْ أَنْ تَكُونَ إتْلَافًا، ثُمَّ مُقْتَضَى مَا فِي وَجْهِ انْفِرَادِ شُهُودِ الْيَمِينِ بِالضَّمَانِ أَنْ يَجِبَ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ لَوْ رَجَعُوا وَحْدَهُمْ بِتَسَبُّبِهِمْ بِإِثْبَاتِهِمْ مَا يَثْبُتُ السَّبَبُ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ مَعَهُمْ شُهُودُ الْيَمِينِ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ. قَالَ الْعَتَّابِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي التَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِأَنَّ لَهُ أَثَرٌ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ

[كتاب الوكالة]

(كِتَابُ الْوَكَالَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ، بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّهُ أَثَّرَ فِي مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ سَبَّبَ الِامْتِنَاعَ مِنْ الزِّنَا لَا سَبَّبَ إتْيَانَهُ فَلَا يَلْحَقُ بِالْعِلَّةِ. وَجَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ الْعَتَّابِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ مُبَاشِرُ الْإِتْلَافِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يُضَافُ إلَيْهِ لَا إلَى الشَّرْطِ سَوَاءً كَانَ تَعَدِّيًا أَوَّلًا. بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَفْرِ فَالْعِلَّةُ هُنَاكَ ثِقَلُ الْمَاشِي، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ فِي شَيْءٍ فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْإِتْلَافُ مُضَافًا لِلشَّرْطِ وَهُوَ إزَالَةُ الْمَسْكَةِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ صُورَةَ رُجُوعِ شُهُودِ الشَّرْطِ وَحْدِهِمْ إذَا أَقَرَّ بِالتَّعْلِيَةِ فَشَهِدَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ. وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَيْهِ بِالتَّعْلِيقِ وَآخَرَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] (كِتَابُ الْوَكَالَةِ) أَعْقَبَ الشَّهَادَةَ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاهِدِ وَالْوَكِيلِ سَاعٍ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالْمُدَّعِي مُعْتَمِدٌ عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا. وَالْوَكَالَةُ لُغَةً بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلتَّوْكِيلِ وَهُوَ تَفْوِيضُ أَمْرِك إلَى مَنْ وَكَّلْته اعْتِمَادًا عَلَيْهِ فِيهِ تَرَفُّهًا مِنْك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عَجْزًا عَنْهُ. وَالْوَكَالَةُ أَبَدًا إمَّا لِلْعَجْزِ أَوْ لِلتَّرَفُّهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لِلضَّعْفِ، وَلِذَا كَانَ مَعْنَى الْوَكِلِ مَنْ فِيهِ ضَعْفٌ، وَفُسِّرَ قَوْلُ لَبِيدٍ: وَكَأَنِّي مُلْجِمٌ سَوْذَانِقًا ... أَجْدَلِيًّا كَرُّهُ غَيْرُ وَكِلْ وَالسَّوْذَانِقُ وَالسَّوْذَقُ وَالسَّوْذَنِيقُ: الشَّاهِينُ، وَالْأَجْدَلُ: الصَّقْرُ نَسَبَ فَرَسَهُ إلَيْهِ وَوَكَّلَهُ جَعَلَهُ وَكِيلًا: أَيْ مُفَوَّضًا إلَيْهِ الْأَمْرُ، وَمِنْهُ وَكَلَ أَمْرَهُ إلَى فُلَانٍ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ: فَلَأْيًا قَصَرْت الطَّرَفَ عَنْهُمْ بِحُرَّةِ ... أَمُونٍ إذَا وَاكَلْتُهَا لَا تَوَاكَلُ يَعْنِي إذَا فَوَّضْت أَمْرَهَا إلَيْهَا لَا تُوَكِّلُ نَفْسَهَا إلَى أَنْ أَحُثَّهَا عَلَى السَّيْرِ بَلْ تَسْتَمِرُّ عَلَى جَدِّهَا فِي السَّيْرِ وَلَا تَضْعُفُ فِيهِ، أَوْ تَوَكَّلُ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَاتَّكَلْت عَلَيْهِ اعْتَمَدْت وَأَصْلُهُ وَاتَّكَلْت قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أُبْدِلَتْ تَاءً فَأُدْغِمَتْ فِي تَاءِ الِافْتِعَالِ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَهُوَ الْقَائِمُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ: أَيْ مَوْكُولٌ إلَيْهِ الْأَمْرُ، فَإِذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْأَمْرِ قَادِرًا عَلَيْهِ نَصُوحًا تَمَّ أَمْرُ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا رَضِيَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا عَنْك وَاعْتَمَدْت عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الْحِرْمَانُ الْعَظِيمُ، فَكَيْفَ إذَا أَوْجَبَهُ عَلَيْك لِتَحَقُّقِ مَصْلَحَتِك فَضْلًا مِنْهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [المزمل: 9] وَعَلَى هَذَا اسْتِمْرَارُ إحْسَانِهِ وَبِرِّهِ لَا إلَهَ غَيْرُهُ. وَأَمَّا شَرْعًا فَالتَّوْكِيلُ إقَامَةُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّصَرُّفُ مَعْلُومًا ثَبَتَ بِهِ أَدْنَى تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْحِفْظُ فَقَطْ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِمَالِي: إنَّهُ يَمْلِكُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحِفْظَ فَقَطْ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ: إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَنْتَ وَكِيلٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَكِيلًا بِالْحِفْظِ وَأَمَّا سَبَبُهَا فَدَفْعُ الْحَاجَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ إلَيْهَا كَمَا سَيَظْهَرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ الَّتِي بِهَا تَثْبُتُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا أَوْ شِرَائِهِ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِقَبُولِ الْمُخَاطَبِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فِيمَا إذَا سَكَتَ فَلَمْ يَقْبَلْ أَوْ يَرُدَّ ثُمَّ عَمِلَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَيَظْهَرُ بِالْعَمَلِ قَبُولُهُ. وَرَوَى بِشْرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَحْبَبْت أَنْ تَبِيعَ عَبْدِي هَذَا أَوْ قَالَ هَوَيْت أَوْ رَضِيت أَوْ وَافِقْنِي أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت أَوْ وَدِدْت وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ تَوْكِيلٌ. وَلَوْ قَالَ لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ زَوْجَتِي لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا، فَلَوْ طَلَّقَ لَا يَقَعُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَا أَنْهَاك عَنْ التِّجَارَةِ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: الْجَوَابُ فِي الْوَكَالَةِ كَذَلِكَ، أَمَّا فِي الْإِذْنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا لِأَنَّ الْعَبْدَ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى يَصِيرُ مَأْذُونًا وَهَذَا فَوْقَ السُّكُوتِ، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَنْهَاك فِي حَالِ عَدَمِ مُبَاشَرَةِ الْعَبْدِ الْبَيْعَ فَوْقَ سُكُوتِهِ إذَا رَآهُ يَبِيعُ، وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمَحْبُوبِيِّ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ بِالْحِفْظِ، قَالُوا: فَلَوْ زَادَ فَقَالَ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ صُنْعَك أَوْ أَمْرَك؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ وَكِيلًا فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَتَّى مَلَكَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَقَطْ، وَلَا يَلِي الْعِتْقَ وَالتَّبَرُّعَ. وَفِي فَتَاوَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا لَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتَك وَوَقَفْت أَرْضَك الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَمِثْلُهُ إذَا قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي. وَلَوْ قَالَ فَوَّضْت أَمْرَ مَالِي إلَيْك يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْحِفْظِ فَقَطْ، وَكَذَا فَوَّضْت أَمْرِي إلَيْك الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِثْلُهُ

قَالَ (كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى اعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَيَكُونَ بِسَبِيلٍ مِنْهُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْمَبْسُوطِ: إذَا وَكَّلَهُ بِكُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْحِفْظِ لَا بِتَقَاضِي بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ، وَفَوَّضْت لَك أَمْرَ مُسْتَغَلَّاتِي وَكَانَ أَجْرُهَا مِلْكَ تَقَاضِي الْأُجْرَةِ وَقَبْضِهَا، وَكَذَا أَمْرَ دُيُونِي مِلْكَ التَّقَاضِي، وَأَمْرَ دَوَابِّي مِلْكَ الْحِفْظِ وَالرَّعْيِ وَالتَّعْلِيفِ، وَأَمْرَ مَمَالِيكِي مِلْكَ الْحِفْظِ وَالنَّفَقَةِ، وَفَوَّضَتْ إلَيْك أَمْرَ امْرَأَتِي مِلْكَ طَلَاقِهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك. وَالْوِصَايَةُ حَالَةَ الْحَيَاةِ وَكَالَةٌ كَالْوَكَالَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وِصَايَةٌ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْمَعَانِي. وَكَّلْتُك فِي كُلِّ أُمُورِي وَأَقَمْتُك مَقَامَ نَفْسِي لَيْسَ تَوْكِيلًا عَامًّا، فَإِنْ كَانَ لَهُ صِنَاعَةٌ مَعْلُومَةٌ كَالتِّجَارَةِ مَثَلًا يَنْصَرِفُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صِنَاعَةٌ مَعْلُومَةٌ وَمُعَامَلَاتُهُ مُخْتَلِفَةٌ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ الَّتِي يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا فَتَوْكِيلٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةَ. وَأَمَّا شَرْطُهَا فَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ. وَأَمَّا صِفَتُهَا فَإِنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ حَتَّى مَلَكَ كُلٌّ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ الْعَزْلَ بِلَا رِضَا الْآخَرِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِكَوْنِ شَرْعِيَّتِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ رَدَّ الْمُحَقِّقُونَ قَوْلَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيمَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلٌ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَتَجَدَّدُ وَكَالَتُهُ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْوَكَالَةِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ لَا الْجَائِزَةِ فَالْحَقُّ إمْكَانُ عَزْلِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحْقِيقِ لَفْظِ الْعَزْلِ؛ فَقِيلَ أَنْ يَكُونَ عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَزْلَ فَرْعُ قِيَامِ الْوَكَالَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُنَجَّزِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَدَمُ قَبُولِ وُجُودِ الشَّرْطِ، فَالصَّحِيحُ أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَفَّذَةِ وَرَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَالرُّجُوعُ عَنْهَا صَحِيحٌ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَظَهِيرُ الدِّينِ: يَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ الرُّجُوعَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى الْعَزْلِ عَنْ الْمُنَفَّذَةِ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْعَزْلَ عَنْ الْمُنَفَّذَةِ تَتَنَجَّزُ وَكَالَةٌ أُخْرَى مِنْ الْمُعَلَّقَةِ. وَقِيلَ هَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ لَفْظُ الرُّجُوعِ يَخُصُّ الْمُعَلَّقَةَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ بِلَفْظِ الْعَزْلِ لَا يَصِحُّ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يَجُوزُ فَلَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَأَمَّا حُكْمُهَا فَجَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا وُكِّلَ بِهِ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِلْمُوَكِّلِ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ مِنْ الْفِعْلِ الْمُوَكَّلِ بِهِ، وَإِلَّا فَمِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ يَثْبُتُ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ) هَذَا ضَابِطٌ لَا حَدٌّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ وَيَمْلِكُ تَوْكِيلَ الذِّمِّيِّ بِهِ لِأَنَّ إبْطَالَ الْقَوَاعِدِ بِإِبْطَالِ الطَّرْدِ لَا الْعَكْسَ، وَلَا يُبْطِلُ طَرْدُهُ عَدَمَ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا بِبَيْعِ خَمْرِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّوَصُّلَ بِهِ بِتَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ، فَصَدَقَ الضَّابِطُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ كُلُّ عَقْدٍ يَمْلِكُهُ يَمْلِكُ تَوْكِيلَ كُلِّ أَحَدٍ بِهِ بَلْ التَّوَصُّلُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوْكِيلَهُ الْوَكِيلُ الَّذِي لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْعَقْدَ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ

وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَبِالتَّزْوِيجِ عُمَرَ بْنَ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوْكِيلَ بِهِ، فَذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ أَهْلِيَّتِهِ اسْتِبْدَادًا لَا بِنَاءً عَلَى إذْنِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) أَمَّا وَكَالَةُ حَكِيمٍ فَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ لَهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ وَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ فَرَجَعَ وَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ وَأُضْحِيَّةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَصَدَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَدَعَا لَهُ أَنْ يُبَارِكَ لَهُ فِي تِجَارَتِهِ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ حَكِيمٍ وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَبِيبٌ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ حَكِيمٍ إلَّا أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي الْإِرْسَالِ عِنْدَنَا فَيُصَدَّقُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ صَحَّ إذَا كَانَ حَبِيبٌ إمَامًا ثِقَةً. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَيُّ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ: «أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا يَشْتَرِي أُضْحِيَّةً أَوْ شَاةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا رَبِحَ فِيهِ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ وَاسْمُهُ لُمَازَةُ بْنُ زَبَّارٍ عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَهُ، وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْ هَذَا ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ وَقَعَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ حَكِيمٍ أَوْ مَعَ عُرْوَةَ أَوْ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ فَتَثْبُتُ شَرْعِيَّةُ الْوَكَالَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا أَنَّهُ وَكَّلَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ: التَّزْوِيجَ فَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَيْهَا يَخْطُبُهَا فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ إنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ، وَإِنِّي غَيْرَى، وَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا كَوْنُك غَيْرَى فَسَأَدْعُو اللَّهَ فَتَذْهَبُ غَيْرَتُك، وَأَمَّا كَوْنُك مُصْبِيَةً فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِيك صِبْيَانَك، وَأَمَّا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَوْلِيَائِك لَيْسَ شَاهِدًا فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِك لَا شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ إلَّا سَيَرْضَى بِهِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قُمْ يَا عُمَرُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَاسْمُ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ سَعِيدٌ سَمَّاهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِعِلَّةٍ بَاطِنَةٍ وَهِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إذْ ذَاكَ: يَعْنِي حِينَ تَزَوَّجَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سِنُّهُ ثَلَاثَ سِنِينَ فَكَيْفَ يُقَالُ لِمِثْلِهِ زَوِّجْ. وَاسْتَبْعَدَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْكَلَابَاذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَهُ فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ إنَّهُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ. وَيُقَوِّي هَذَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَلْ هَذِهِ فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّهُ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ كَبِيرًا. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا عَنْ أُمِّهِ لِأَنَّهَا هِيَ الْقَائِلَةُ لَهُ قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ لَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا يُفِيدُ ذَلِكَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ إلَى ابْنِهَا عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، فَزَوَّجَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ صَغِيرٌ» إلَّا أَنَّهُمْ يُضَعِّفُونَ الْوَاقِدِيَّ خِلَافًا لَنَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وَكَالَةِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ خِلَافًا لَهُمْ، إنْ نَظَرْنَا إلَى حَدِيثِ الْوَاقِدِيِّ فَظَاهِرٌ، وَإِلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُزَوِّجْهَا بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ عَلَى أُمِّهِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ فَيَكُونُ تَزْوِيجُهُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ. وَقَدْ قِيلَ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْمَقُولُ لَهُ زَوِّجْ وَالْمُزَوِّجُ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْوَكَالَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمْت عَلَيْهِ وَقُلْت: إنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ: إذَا أَتَيْت وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنْ ابْتَغَى مِنْك آيَةً فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ» وَابْنُ إِسْحَاقَ عِنْدَنَا مِنْ الثِّقَاتِ. وَأَمَّا عَلَى تَوْكِيلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَقِيلًا فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَكْرَهُ الْخُصُومَةَ، فَكَانَ إذَا

قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَّلَ عَقِيلًا، وَبَعْدَمَا أَسَنَّ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَكَذَا بِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِاسْتِيفَائِهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ، بِخِلَافِ غَيْبَةِ الشَّاهِدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الرُّجُوعِ، وَبِخِلَافِ حَالَةِ الْحَضْرَةِ لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ. فَلَوْ مُنِعَ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ وَكَّلَ فِيهَا عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا كَبِرَ عَقِيلٌ وَكَّلَنِي. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ بِالْخُصُومَةِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ إلَى آخِرِهِ. بَيَانُ حِكْمَةِ شَرْعِيَّةِ الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ الَّتِي بِهَا يَثْبُتُ حَقُّهُ أَوْ يَنْدَفِعُ بِهَا عَنْهُ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ. وَكَذَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَمَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِإِيفَائِهَا وَلَا بِاسْتِيفَائِهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ فَالنَّفْيُ مُطْلَقٌ، إذْ الْإِيفَاءُ لَيْسَ إلَّا بِتَسْلِيمِ ظَهْرِهِ أَوْ نَفْسِهِ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا مِنْ الْجَانِي وَلَيْسَ هُوَ الْوَكِيلُ، فَكَانَ ذَلِكَ قَيْدًا فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهَا: أَيْ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَتِهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ، قَالَ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] بِخِلَافِ غَيْبَةِ الشَّاهِدِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي ذَلِكَ مَعَ غَيْبَتِهِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ لَيْسَ إلَّا الرُّجُوعُ، وَلَيْسَ قَرِيبًا فِي الظَّاهِرِ وَلَا ظَاهِرَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ وَلَا الْغَالِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّدْقُ خُصُوصًا مَعَ الْعَدَالَةِ وَالرُّجُوعُ لَيْسَ غَالِبًا، بَلْ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِمِائَةِ عَامٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ هَلْ نَدَرَ عِنْدَ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا وُجُودَ لَهُ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً يُدَارُ بِاعْتِبَارِهَا حُكْمٌ (بِخِلَافِ) الِاسْتِيفَاءِ (حَالَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ) فَإِنَّ الْوَكَالَةَ بِهِ تَجُوزُ،

يَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ أَيْضًا) وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَقِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي غَيْبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَدْ لَا يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ، فَلَوْ امْتَنَعَ التَّوْكِيلُ بِهِ بَطَلَ هَذَا الْحَقُّ وَهَذَا فِي الْقِصَاصِ. وَأَمَّا الْحُدُودُ فَإِنَّ الَّذِي يَلِي اسْتِيفَاءَهَا الْإِمَامُ، وَقَدْ لَا يُحْسِنُ فَجَازَ تَوْكِيلُ الْجَلَّادِ وَإِلَّا امْتَنَعَ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ النَّفْيَ حَالَةَ الْغَيْبَةِ بِثُبُوتِ شُبْهَةِ الْعَفْوِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْقِصَاصِ دُونَ الْحُدُودِ لِأَنَّ الْعَفْوَ فِيهَا لَا يَتَحَقَّقُ أَصْلًا كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْحُدُودِ، وَلَوْ كَانَ حَدُّ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ لِأَنَّ الْحَقَّ صَارَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ، حَتَّى لَوْ عَفَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيَقْطَعُهُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَضُمَّ مَا يَجْرِي فِيهِ مِنْ إمْكَانِ ظُهُورِ شُبْهَةٍ أَوْ غَلَطٍ، فَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَيُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ نَفْسُ الْمُسْتَحِقِّ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ (قَوْلُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ: أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَقْذُوفِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى السَّبَبِ (قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِثْبَاتِهَا) وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ تَارَةً يُضَمُّ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَتَارَةً إلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحُهُ، وَكَذَا فَعَلَ فِي الْمَبْسُوطِ (وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ) بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ) فَلَوْ وُكِّلَ بِإِثْبَاتِهَا وَهُوَ

دُونَ حَضْرَتِهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ حُضُورِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِنَفْسِهِ. لَهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ وَشُبْهَةُ النِّيَابَةِ يُتَحَرَّزُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ (كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَكَمَا فِي الِاسْتِيفَاءِ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ مَحْضٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُضَافٌ إلَى الْجِنَايَةِ وَالظُّهُورَ إلَى الشَّهَادَةِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ. وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَمْنَعُ الدَّفْعَ، غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاضِرٌ جَازَ اتِّفَاقًا (لِأَنَّ كَلَامَ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ حُضُورِهِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ وَشُبْهَةُ النِّيَابَةِ يُحْتَرَزُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ) أَيْ بَابِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ حَتَّى لَا تَثْبُتَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فَصَارَ كَالتَّوْكِيلِ بِالِاسْتِيفَاءِ حَالِ الْغَيْبَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ مَحْضٌ) لِثُبُوتِ الْحَدِّ (لِأَنَّ وُجُوبَهُ) إنَّمَا (يُضَافُ إلَى) نَفْسِ (الْجِنَايَةِ) لَا إلَى الْخُصُومَةِ (وَالظُّهُورِ) أَيْ ظُهُورِ الْجِنَايَةِ إنَّمَا يُضَافُ (إلَى) نَفْسِ (الشَّهَادَةِ) لَا إلَى السَّعْيِ فِي إثْبَاتِهَا فَكَانَ السَّعْيُ فِي ذَلِكَ حَقًّا (كَسَائِرِ الْحُقُوقِ) فَيَجُوزُ لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. وَقَوْلُهُ سَائِرُ الْحُقُوقِ: أَيْ بَاقِيهَا: أَيْ فَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الْحَقِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْسِيرِهِ بِجَمِيعِ الْحُقُوقِ مُعَوِّلًا عَلَى مَا فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ ثُمَّ تَخْطِئَتِهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْبَاقِي لَا الْجَمِيعِ. هَذَا وَقَدْ يُمْنَعُ انْتِفَاءُ الْمَانِعِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْخُصُومَةَ لَيْسَ إلَّا السَّعْيَ فِي إثْبَاتِ سَبَبِ الْحَدِّ وَالِاحْتِيَالِ فِيهِ وَوَضَعَ الشَّرْعُ الِاحْتِيَالَ لِإِسْقَاطِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ نَفْسَهُ عَلَى مَا ذَكَرْت لِأَنَّهُ سَاعٍ إلَى آخِرِهِ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِالْإِجْمَاعِ. قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الْوَكَالَةَ فِيهَا زِيَادَةُ تَحَيُّلٍ وَزِيَادَةُ تَكَلُّفٍ لِإِثْبَاتِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُوَكِّلُ لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِ لِضَعْفِهِ هُوَ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَالشَّرْعُ أَطْلَقَ فِي إثْبَاتِهِ لَا بِذَلِكَ التَّكَلُّفِ الزَّائِدِ وَالتَّهَالُكِ فِيهِ، بَلْ إذَا عَجَزَ تَرَكَ لِأَنَّهُ عِلَّةُ الدَّرْءِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِينَ اتَّبَعُوا مَاعِزًا حِينَ هَرَبَ لَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ؟» أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ) أَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ (وَ) لَا شَكَّ أَنَّ (كَلَامَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَظْهَرُ) مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ بِإِثْبَاتِهَا (لِأَنَّ الشُّبْهَةَ) الَّتِي بِهَا مَنَعَ أَبُو يُوسُفَ هُنَاكَ (لَا تَمْنَعُ الدَّفْعَ) بَلْ تَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ الْوَكَالَةِ بِدَفْعِهِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِلْمُوَكَّلِ الْإِقْرَارُ عَلَى مُوَكِّلِهِ

(وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا. وَقَالَا: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَخِلَافُهُ هَذَا عَجِيبٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ وَجْهُ عَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ هُنَا وَجَوَازُهُ فِي غَيْرِهِ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ انْصَرَفَتْ إلَى الْجَوَابِ مُطْلَقًا نَوْعًا مِنْ الْمَجَازِ فَنَعْتَبِرُ عُمُومَهُ فِيمَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَنَخُصُّ مِنْهُ الِاعْتِرَافُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشَّرْعِ الْعَامِّ فِي الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ، وَفِي اعْتِرَافِهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ) مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا (وَقَالَا: يَجُوزُ) ذَلِكَ (بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ) قَالُوا: فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ إلَخْ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ. وَأَنْكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ وَالطَّحَاوِيِّ وَكَثِيرٍ خِلَافُ ذَلِكَ، وَسَاقَ عِبَارَاتِهِمْ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ الْمَسْطُورِ هُنَا، وَهُوَ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ، وَهُمْ قَدْ عَلِمُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَشُكُّوا فِيهِ، وَإِنَّمَا فَسَرُّوهُ بِذَلِكَ. وَسَبَقَ الْمُصَنِّفُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ: التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ صَحِيحٌ، لَكِنْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْلُبَ الْخَصْمَ أَنْ يَحْضُرَ بِنَفْسِهِ وَيُجِيبَ، وَنَحْوُ هَذَا كَلَامٌ كَثِيرٌ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِمَّا ذَكَرُوهُ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَرِّفْ لِأَحَدٍ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ فَعَلِمَ خَصْمُهُ فَرَضِيَ لَا يَكُونُ رِضَاهُ كَافِيًا فِي تَوَجُّهِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ وَلَا تُسْمَعُ حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ وَكَالَةً أُخْرَى عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الظَّوَاهِرِ الَّتِي سَاقَهَا عَلِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِلَا تَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُ أَنَّهَا لَا تَمْضِي عَلَى الْآخَرِ وَتَلْزَمُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى، وَمَعْنَى هَذَا لَيْسَ إلَّا أَنَّ اللُّزُومَ عَلَيْهِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَاهُ وَهُوَ مَعْنَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ الْعِبَارَاتِ الَّتِي نَقَلَهَا مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا أَقْبَلُ وَكَالَةً مِنْ حَاضِرٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى خَصْمُهُ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ حَتَّى أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ فَرَضِيَ الْآخَرُ لَا يَحْتَاجُ فِي سَمَاعِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ إلَى تَجْدِيدِ وَكَالَةٍ كَمَا هُوَ لَازِمُ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ

لَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ كَالتَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ. وَلَهُ أَنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ وَلِهَذَا يَسْتَحْضِرُهُ، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْخُصُومَةِ، فَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا يَتَخَيَّرُ الْآخَرُ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا هُنَالِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ) بِالْخُصُومَةِ (تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ حَقَّهُ الَّذِي لَا يَصُدُّ عَنْهُ فَاسْتِنَابَتُهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ (فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ) وَصَارَ (كَالتَّوْكِيلِ) : بِغَيْرِ ذَلِكَ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ. وَلَهُ أَنَّ جَوَابَ الْخَصْمِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى خَصْمِهِ. وَلِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ يَسْتَحْضِرُهُ الْحَاكِمُ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِيُجِيبَهُ عَمَّا يَدَّعِيه عَلَيْهِ. وَغَايَةُ مَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ لَكِنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ إنَّمَا يُنَفَّذُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ (وَ) لَا شَكَّ أَنَّ (النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْخُصُومَةِ) كَمَا صَرَّحَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ الْآخَرِ فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَقْصِدُ عَادَةً لِاسْتِخْرَاجِ الْحِيَلِ وَالدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ لِيَغْلِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ مَعَهُ، كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ. وَفِي هَذَا ضَرَرٌ بِالْآخَرِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْتِزَامِهِ، وَصَارَ (كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ) فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَمَعَ هَذَا لَمَّا كَانَ مُتَضَمِّنًا الْإِضْرَارَ بِالْآخَرِ كَانَ لَهُ فَسْخُهَا، وَكَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إجَارَتُهُ إيَّاهَا تَصَرُّفٌ فِي حَقِّهِ وَمَمْلُوكِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُؤَجِّرِ إذْ كَانَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي الرُّكُوبِ، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ يَقْبِضُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ فَإِنَّ الْقَبْضَ مَعْلُومٌ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَعَلَى الْمَطْلُوبِ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، وَلِلتَّقَاضِي حَدٌّ مَعْلُومٌ إذَا جَاوَزَهُ مُنِعَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ ضَرَرَهَا أَشَدُّ مِنْ شِدَّةِ التَّقَاضِي، وَعَدَمُ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْقَبْضِ لِتَضَمُّنِهَا التَّحَيُّلَ عَلَى إثْبَاتِ

ثُمَّ كَمَا يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُ مِنْ الْمُسَافِرِ يَلْزَمُ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُخَدَّرَةً لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا. قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَيْسَ بِثَابِتٍ أَوْ دَفْعِ مَا هُوَ ثَابِتٌ فَلَا يُقْبَلُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، إلَّا إذَا كَانَ مَعْذُورًا وَذَلِكَ بِسَفَرِهِ فَإِنَّهُ يَعْجَزُ عَنْ الْجَوَابِ بِنَفْسِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، وَتَوْكِيلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ بِالْخُصُومَةِ إنْ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ اسْتِرْضَاءُ الْخَصْمِ لَمْ يُنْقَلْ عَدَمُهُ فَهُوَ جَائِزُ الْوُقُوعِ فَلَا يَدُلُّ لِأَحَدٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْمُدَّعِي التَّعَنُّتَ فِي إبَائِهِ التَّوْكِيلَ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِذَا عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ الْقَصْدَ إلَى الْإِضْرَارِ بِالتَّوْكِيلِ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ فَيَتَضَاءَلُ وَقْعُ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَدِّ الْمَرَضِ: إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَشْيَ وَيَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ وَلَوْ عَلَى إنْسَانٍ لَكِنْ يَزْدَادُ مَرَضُهُ صَحَّ التَّوْكِيلُ، وَإِنْ لَمْ يَزْدَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُصُومَةِ مَظِنَّةُ زِيَادَةِ سُوءِ الْمِزَاجِ فَلَا يُلْزَمُ بِهِ (وَكَمَا يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ مِنْ الْمُسَافِرِ يَلْزَمُ) مِنْ الْحَاضِرِ (عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ) غَيْر أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ بِإِرَادَتِهِ فَيَنْظُرُ إلَى زِيِّهِ وَعِدَّةِ سَفَرِهِ وَيَسْأَلُهُ مَعَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ فَيَسْأَلُ رُفَقَاءَهُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا إذَا أَرَادَ فَسْخَ الْإِجَارَةِ بِعُذْرِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْآجِرُ فَيَسْأَلُ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ تَحَقَّقَ الْعُذْرُ فِي فَسْخِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُخَدَّرَةً) قَالَ الرَّازِيّ وَهُوَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ (يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ) مِنْهَا (لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا) أَوْ يُضَيِّعُ حَقُّهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ يَعْنِي إمَّا عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ. عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ الْمُخَدَّرَةِ وَالْبَرْزَةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا اخْتَارُوهُ مِنْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَتَخْصِيصُ الرَّازِيّ ثُمَّ تَعْمِيمُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ إلَّا لِفَائِدَةِ أَنَّهُ الْمُبْتَدِئُ بِتَفْرِيعِ ذَلِكَ وَتَبِعُوهُ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ الْمُخَدَّرَةِ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهَا الَّتِي لَا يَرَاهَا غَيْرُ الْمَحَارِمِ مِنْ الرِّجَالِ. أَمَّا الَّتِي جَلِيَتْ عَلَى الْمِنَصَّةِ فَرَآهَا الرِّجَالُ لَا تَكُونُ مُخَدَّرَةً، وَلَيْسَ هَذَا بِحَقٍّ، بَلْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ، فَأَمَّا حَدِيثُ الْمِنَصَّةِ فَقَدْ يَكُونُ عَادَةَ الْعَوَامّ تَفْعَلُهُ بِهَا وَالِدَتُهَا ثُمَّ لَمْ يَعْهَدْ لَهَا بُرُوزٌ وَمُخَالَطَةٌ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهَا بَلْ يَفْعَلُهُ غَيْرُهَا لَهَا (يَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا) لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا بِالْجَوَابِ تَضْيِيعُ حَقِّهَا، وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. ثُمَّ إذَا وَكَّلَتْ فَلَزِمَهَا يَمِينٌ بَعَثَ الْحَاكِمُ إلَيْهَا ثَلَاثَةً مِنْ الْعُدُولِ يَسْتَحْلِفُهَا أَحَدُهُمْ وَيَشْهَدُ الْآخَرَانِ عَلَى يَمِينِهَا أَوْ نُكُولِهَا. وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ: إذَا كَانَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ مَرِيضًا أَوْ مُخَدَّرَةً وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُعْهَدْ لَهَا خُرُوجٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ. فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ بَعَثَ نَائِبًا يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ هُنَاكَ

(قَالَ: وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعَثَ أَمِينًا وَشَاهِدَيْنِ يَعْرِفَانِ الْمَرْأَةَ وَالْمَرِيضَ، فَإِنْ بَعَثَهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى إقْرَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ إنْكَارِهِ مَعَ الْيَمِينِ لِيَنْقُلَاهُ إلَى الْقَاضِي، وَلَا بُدَّ لِلشَّهَادَةِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا شَهِدَا عَلَيْهِمَا قَالَ الْأَمِينُ وَكُلُّ مَنْ يَحْضُرُ مَعَ خَصْمِك مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَيَحْضُرُ وَكِيلُهُ وَيَشْهَدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ أَوْ نُكُولِهِ لِتُقَامَ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ الْوَكِيلِ. وَلَوْ تَوَجَّهَ يَمِينٌ عَلَى أَحَدِهِمَا عَرَضَهُ الْأَمِينُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى الْحَلِفَ عَرَضَهُ ثَلَاثًا، فَإِذَا نَكَلَ أَمَرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَحْضُرُ الْمَجْلِسَ لِيَشْهَدَا عَلَى نُكُولِهِ بِحَضْرَتِهِ، فَإِذَا شَهِدَا بِنُكُولِهِ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى بِنُكُولِهِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَثَرِ النُّكُولِ. فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَشَرَطُوهُ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ النُّكُولِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَمِينُ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا بِالنُّكُولِ ثُمَّ يَنْقُلُهُ الشَّاهِدَانِ إلَى الْقَاضِي مَعَ وَكِيلِهِمَا فَيَمْضِيه الْقَاضِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي أَتُرِيدُ حَكَمًا يَحْكُمُ بَيْنَكُمَا بِذَلِكَ ثِمَّةً؟ فَإِذَا رَضِيَ بَعَثَ أَمِينًا بِالتَّحْكِيمِ إلَى الْخَصْمِ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَإِذَا رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَحَكَمَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ نَفَذَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ خِلَافٌ تَوَقَّفَ عَلَى إمْضَاءِ الْقَاضِي. وَالْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِذَا أَمْضَاهُ نَفَذَ عَلَى الْكُلِّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُوجِبُ لُزُومَ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ. عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَيْضُ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، وَهَذِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَتْ طَالِبَةً قُبِلَ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، أَوْ مَطْلُوبَةً إنْ أَخَّرَهَا الطَّالِبُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْقَاضِي مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يُقْبَلُ تَوْكِيلُهَا بِغَيْرِ رِضَا الطَّالِبِ. وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مَحْبُوسًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ، إنْ كَانَ فِي حَبْسِ هَذَا الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ التَّوْكِيلُ بِلَا رِضَاهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ لِيُخَاصِمَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي حَبْسِ الْوَالِي وَلَا يُمَكِّنُهُ الْوَالِي مِنْ الْخُرُوجِ لِلْخُصُومَةِ يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ (قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُ الْأَحْكَامُ) فَهَذَانِ شَرْطَانِ لِلْوَكَالَةِ فِي الْمُوَكِّلِ. قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا لِأَنَّهُ يُجِيزُ تَوْكِيلَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ خَمْرٍ وَشِرَائِهَا وَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُهُ، بَلْ الشَّرْطُ عِنْدَهُ كَوْنُ الْوَكِيلِ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمِلْكِهِ لِلتَّصَرُّفِ أَنْ تَكُونَ لَهُ وَلَا شَرْعِيَّةَ فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّةِ

لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِيُمَلِّكَهُ مَنْ غَيْرَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، وَهَذَا حَاصِلٌ فِي تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيّ بِبَيْعِ خَمْرٍ وَشِرَائِهَا، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَاهُ لِذَلِكَ وَهُوَ خَطَأٌ إذْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لِعَدَمِ الْبُلُوغِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ إذَا وُكِّلَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَصِحُّ بَعْدَ أَنْ يَعْقِلَ مَعْنَى الْبَيْعِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ بِعْ هَذَا بِعَبْدٍ أَوْ اشْتَرِ لِي بِهِ عَبْدًا صَحَّ التَّوْكِيلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الْمُوَكِّلِ لِمِثْلِ هَذَا، كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِعَبْدٍ أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْك بِعَبْدٍ لَا يَجُوزُ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِي الْجَهَالَةِ، فَإِنَّهَا إنَّمَا تُمْنَعُ فِي الْمُبَاشَرَةِ لَا التَّوْكِيلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُمْنَعُ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا لِذَاتِهَا، وَلِذَا لَمْ تُمْنَعْ فِي بَعْضِ الْبُيُوعِ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةِ طَعَامٍ حَاضِرٍ أَوْ شِرَائِهِ، وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ

(وَ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ (الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ) لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تُفْضِي إلَيْهَا فِي التَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ، بِخِلَافِ الْمُبَاشَرَةِ لِلُزُومِهَا، ثُمَّ إذَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ قِيمَةِ الْعَبْدِ الثُّمُنَ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِنَا فِي شِرَاءِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيُّهُمَا شَاءَ يَصِحُّ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ الْهِدَايَةِ. وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُوَكِّلِ يَمْلِكُهُ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمٌ تَصَرُّفًا وَهُوَ الْمِلْكُ، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَقِيلَ بَلْ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَا يَمْلِكَانِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُمَا وَصَحَّحَ. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ صِحَّةُ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مِلْكَهُ شَرْطُ جَوَازِ تَمْلِيكِهِ لَا عِلَّتُهُ لِيَلْزَمَ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ فَجَازَ أَنْ لَا يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِفَقْدِ شَرْطٍ آخَرَ كَمَا مَعَ فَقْدِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ إلَى آخِرِهِ) مَا تَقَدَّمَ شَرْطُ الْوَكَالَةِ فِي الْمُوَكِّلِ وَهَذَا شَرْطُهَا فِي الْوَكِيلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ، أَيْ يَعْقِلُ مَعْنَاهُ: أَيْ مَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ مِنْ أَنَّهُ سَالِبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَالِبٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَيَسْلُبُ عَنْ الْبَائِعِ مِلْكَ الْمَبِيعِ وَيَجْلِبُ لَهُ مِلْكَ الْبَدَلِ وَفِي الْمُشْتَرِي قَلْبَهُمَا وَيَقْصِدُهُ لِفَائِدَتِهِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ احْتِرَازٌ عَنْ الْهَزْلِ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ شَرَطَ الْوَكَالَةَ أَنْ لَا يَهْزِلَ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

(وَإِذَا وَكَّلَ الْحُرُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ مِثْلَهُمَا جَازَ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَالِكٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ (وَإِنْ وَكَّلَا صَبِيًّا مَحْجُورًا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا جَازَ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ وَيَتَعَلَّقُ بِمُوَكِّلِهِمَا) لِأَنَّ الصَّبِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ ارْتِبَاطٌ بَيْنَ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ، وَكَوْنِ الْوَكِيلِ هَزَلَ فِي بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْعٍ وَكَّلَ بِبَيْعِهِ غَايَتَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَالْوَكَالَةُ صَحِيحَةٌ، وَخَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ذَلِكَ وَالْمَجْنُونُ فَلَا تَصِحُّ وَكَالَةُ أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ، وَالْمُوَكِّلُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ وَعِبَارَتُهُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ يَعْقِلُ ذَلِكَ، وَأَمَّا زِيَادَةُ عَقْلِيَّةِ الْغَبَنِ الْفَاحِشِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ. نَعَمْ إنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ لَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ. وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ أَنْ يَتَعَرَّفَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا وَكَّلَ الْحُرُّ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ مِثْلَهُمَا جَازَ) وَأَطْلَقَ فِي الْمَأْذُونِ لِيَشْمَلَ كُلًّا مِنْ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونَيْنِ فِي التِّجَارَةِ لِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَهِيَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفَ وَلُزُومَ الْأَحْكَامِ وَعَقْلِيَّةُ الْوَكِيلِ مَعْنَى الْعَقْدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَقْلَ مَعَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ مِثْلُهُمَا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلِهِمَا أَوْ أَعْلَى حَالًا مِنْهُمَا كَتَوْكِيلِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ حُرًّا أَوْ دُونَهُمَا كَتَوْكِيلِ الْحُرِّ الْبَالِغِ عَبْدًا مَأْذُونًا (قَوْلُهُ وَإِنْ وَكَّلَ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ جَازَ وَلَا تَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِهِمَا بَلْ بِمُوَكِّلِهِمَا) هَذَا الْكَلَامُ لَهُ مَنْطُوقٌ وَمَفْهُومٌ، فَمَنْطُوقُهُ ظَاهِرٌ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ) أَيْ

مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَالْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ مَالِكٌ لَهُ وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ. أَمَّا الصَّبِيُّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ وَالْعَبْدُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَتَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا عَثَرَ عَلَى عَيْبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَاقِلَ (مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ) حَتَّى (نَفَذَ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَالْعَبْدُ) مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِي (حَقِّ نَفْسِهِ مَالِكٌ لَهُ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ تَصَرُّفًا) مِنْ الْمُوَكِّلِ (فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ، فَالصَّبِيُّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ وَالْعَبْدُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَتَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ) وَيُعْرَفُ مِنْ كَوْنِ انْتِفَاءِ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْعَبْدِ لِحَقِّ السَّيِّدِ أَنَّهُ لَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ أَنْ بَاشَرَ الشِّرَاءَ لَزِمَتْهُ الْحُقُوقُ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لَوْ بَاشَرَ مَا وُكِّلَ بِهِ ثُمَّ بَلَغَ لَا تَرْجِعَ إلَيْهِ. وَأَمَّا مَفْهُومُهُ فَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ كَانَ صَبِيًّا مَأْذُونًا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا تَعَلَّقَتْ الْحُقُوقُ بِهِمَا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بَلْ ذَكَرَ فِيهِ تَفْصِيلًا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: إنْ كَانَ الْوَكِيلُ صَبِيًّا مَأْذُونًا، فَإِنْ وُكِّلَ بِالْبَيْعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ فَبَاعَ لَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ أَوْ بِالشِّرَاءِ إنْ كَانَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فَيُطَالِبُ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ الْآمِرُ لَا الصَّبِيُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ضَمَانُ كَفَالَةٍ لَا ضَمَانُ ثَمَنٍ، لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلضَّامِنِ فِي الْمُشْتَرِي وَهَذَا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلضَّامِنِ إنَّمَا الْتَزَمَ مَا لَا عَلَى مُوَكِّلِهِ اسْتَوْجَبَ مِثْلُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ لَا ضَمَانُ كَفَالَةٍ. وَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنِ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْعُهْدَةُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ مِلْكًا حُكْمِيًّا فِي الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ بِالثَّمَنِ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ. وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ مِنْ أَهْلٍ أَنْ يَلْزَمَهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ بِمَا يَضْمَنُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ إلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَالْعَبْدُ إذَا تَوَكَّلَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَيْنِ وَإِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِمَا الْحُقُوقُ فَلِقَبْضِهِمَا الثَّمَنَ وَتَسْلِيمَهَا الْمَبِيعِ اعْتِبَارًا لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بَعْدَ هَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِعَقْدِ السَّلَمِ فَقَالَ: وَالْمُسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضَ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِمَا الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنْ كَانَ الْمَأْذُونُ مُرْتَدًّا جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ الْمُعْتَبَرَةِ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْآمِرِ وَعِنْدَهُمَا الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ لِنَفْسِهِ بَيْعًا وَشِرَاءً، وَنَظِيرُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ فِي عَدَمِ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ الرَّسُولُ وَالْقَاضِي وَأَمِينُهُ (قَوْلُهُ وَالْعَقْدُ) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْوَكَالَةِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الشَّهَادَاتِ بِأَنْوَاعِهَا وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ، إمَّا لِمُنَاسِبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْوَكَالَةِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 46] وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إيصَالُ النَّفْعِ إلَى الْغَيْرِ بِالْإِعَانَةِ فِي حَقِّهِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُح سَبَبًا لِاكْتِسَابِ الثَّوَابِ وَالصِّيَانَةِ عَنْ الْعِقَابِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ صَاحِب الْعِنَايَةِ عَقِبَ الشَّهَادَةِ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ مَدَنِيًّا بِالطَّبْعِ يَحْتَاج فِي مَعَاشِهِ إلَى تَعَاضُدٍ وَتَعَاوُضٍ، وَالشَّهَادَةُ مِنْ التَّعَاضُدِ وَالْوَكَالَةِ مِنْهُ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا التَّعَاوُضُ أَيْضًا فَصَارَتْ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ فَآثَرَ تَأْخِيرَهَا انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا التَّعَاوُضُ أَيْضًا كَمَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ مَثَلًا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّعَاوُضَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمِثَالِ إنَّمَا هُوَ فِي مُتَعَلَّقِ الْوَكَالَةِ، أَعْنِي الْمُوَكَّلَ بِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ لَا نَفْسُ الْوَكَالَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهَا لَا فِي الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ التَّعَاوُضُ فِي مُتَعَلَّقِ الشَّهَادَةِ أَيْضًا كَمَا إذَا شَهِدَ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ مَثَلًا. وَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هُوَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْوَكَالَةِ التَّعَاوُضُ كَمَا إذَا أَخَذَ الْوَكِيلُ الْأُجْرَةَ لِإِقَامَةِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ شَرْعًا، إذْ الْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ إقَامَتُهَا فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ فِيهَا، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَدَاؤُهَا فَلَا يَجُوزُ فِيهَا التَّعَاوُضُ أَصْلًا. ثُمَّ إنَّ مَحَاسِنَ شَرْعِيَّةِ الْوَكَالَةِ ظَاهِرَةٌ، إذْ فِيهَا قَضَاءُ حَوَائِجِ الْمُحْتَاجِينَ إلَى مُبَاشَرَةِ أَفْعَالٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلَائِقَ عَلَى هِمَمٍ شَتَّى وَطَبَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَأَقْوِيَاءَ وَضُعَفَاءَ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَرْضَى أَنْ يُبَاشِرَ الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ، وَلَا كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى الْمُعَامَلَاتِ، فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِيَّةِ الْوَكَالَةِ، فَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ بَعْضَ الْأُمُورِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ تَعْلِيمًا لِسُنَّةِ التَّوَاضُعِ، وَفَوَّضَ بَعْضَهَا إلَى غَيْرِهِ تَرْفِيهًا لِأَصْحَابِ الْمُرُوءَاتِ. ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا أُمُورًا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا تَفْسِيرًا لِلْوَكَالَةِ لُغَةً وَشَرْعًا. وَدَلِيلُ جَوَازِهَا وَسَبَبِهَا وَرُكْنِهَا وَشَرْطِهَا وَصِفَتِهَا وَحُكْمِهَا. أَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً: فَالْوَكَالَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلتَّوْكِيلِ، مِنْ وَكَّلَهُ بِكَذَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ. وَالْوَكِيلُ هُوَ الْقَائِمُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ، وَالْجَمْعُ الْوُكَلَاءُ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَيْهِ الْأَمْرُ: أَيْ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ. وَأَمَّا شَرْعًا: فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إقَامَةِ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ. وَأَمَّا دَلِيلُ جَوَازِهَا فَالْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ ذَاكَ كَانَ تَوْكِيلًا وَقَدْ قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ بِلَا نَكِيرٍ فَكَانَ شَرِيعَةً لَنَا. وَالسُّنَّةُ وَهِيَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَعُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ بِهِ أَيْضًا، وَوَكَّلَ عُمَرَ بْنَ أُمِّ سَلَمَةَ بِالتَّزْوِيجِ» . وَالْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِهَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَكَذَا الْمَعْقُولُ يَدُلُّ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا سَبَبُهَا فَتَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بِتَعَاطِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ. وَأَمَّا رُكْنُهَا: فَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْوَكَالَةُ كَلَفْظِ وَكَّلْت وَأَشْبَاهِهِ. رَوَى بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَحْبَبْت أَنْ تَبِيعَ عَبْدِي هَذَا أَوْ هَوَيْت أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت فَذَاكَ تَوْكِيلٌ وَأَمْرٌ بِالْبَيْعِ. وَأَمَّا شَرْطُهَا: فَأَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَسَتَعْرِفُهُ مَشْرُوحًا. وَأَمَّا صِفَتُهَا: فَهِيَ أَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ الْعَزْلَ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ. وَأَمَّا حُكْمُهَا: فَجَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُخْتَصَرِهِ (كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ) هَذِهِ ضَابِطَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ لِأَحَدٍ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ بَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا بِنَفْسِهِ. وَلَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِذَلِكَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْقَوَاعِدِ بِإِبْطَالِ الطَّرْدِ لَا الْعَكْسِ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ. وَالْعَجَبُ هَاهُنَا أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِذَلِكَ حَيْثُ أَجَابَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ بِالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ الْعَكْسَ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ. قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: هَذِهِ ضَابِطَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ انْتَهَى، فَإِنَّ الْعَكْسَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا وَلَا مَقْصُودًا فِي الضَّوَابِطِ كَيْفَ يَتَبَيَّنُ بِهَذِهِ الضَّابِطَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ، وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى طَرْدِ هَذِهِ الضَّابِطَةِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَكِيلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِنْسَانَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمَ بِبَيْعِهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يَعْقِدُهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَبِدًّا بِهِ وَالْوَكِيلُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مِنْ شُرُوطِهِ لِكَوْنِ الْمَحَالِّ شُرُوطًا عَلَى مَا عُرِفَ، وَذَاكَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي اسْتَقْرَضَهَا الْوَكِيلُ مِلْكَ الْمُقْرِضِ وَالْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِلنَّقْضِ لَا دَافِعٌ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ، وَقَيْدُ عَدَمِ الْمَانِعِ فِي الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَنُقِضَ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَمَا ذَكَرْتُمْ مَوْجُودٌ فِيهِ. وَفُرِّقَ بِأَنَّ مَحَلَّ عَقْدِ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ هُوَ الثَّمَنُ وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ، وَفِي الِاسْتِقْرَاضِ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَقْرَضَةُ وَهِيَ لَيْسَتْ مِلْكَهُ. وَقِيلَ: هَلَّا جَعَلْتُمْ الْمَحَلَّ فِيهِ بَدَلَهَا وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ؟ وَدُفِعَ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِإِيفَاءِ الْقَرْضِ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ، هَذَا نِهَايَةُ مَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ كَذَلِكَ التَّصَرُّفُ بِنَفْسِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِقْرَاضُ بِنَفْسِهِ أَيْضًا بَاطِلًا بِنَاءً عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ بِنَفْسِهِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَهُوَ عِبَارَتُهُ دُونَ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَقْرَضَةُ. وَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِالِاسْتِقْرَاضِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي عِبَارَةِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ لِلْمُقْرِضِ مَثَلًا أَقْرِضْنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْآمِرِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْعَشَرَةَ مِنْ الْآمِرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي عِبَارَةِ الْآمِرِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَفَعَلَ الْمُقْرِضُ كَانَتْ الْعَشَرَةُ لِلْآمِرِ، وَلَكِنَّ الْمَأْمُورَ يَصِيرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَسُولًا لَا وَكِيلًا، وَالْبَاطِلُ هُوَ الْوَكَالَةُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ دُونَ الرِّسَالَةِ فِيهِ، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُرْسِلِ، فَالرَّسُولُ مُعَبِّرٌ وَالْعِبَارَةُ مِلْكُ الْمُرْسِلِ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ فَيَصِحُّ فِيمَا هُوَ حَقُّهُ. وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَغَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ بَلْ الْعِبَارَةُ لِلْوَكِيلِ فَلَا يُمْكِنُنَا تَصْحِيحُ هَذَا الْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ. بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَنْقُوضٌ بِجَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِيهَابِ وَالِاسْتِعَارَةِ؛ وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَحْثِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأُجِيبَ عَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ كَمَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ يَمْلِكُ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ بِبَيْعِهَا أَيْضًا، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا آخَرَ بِبَيْعِهَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ هَاهُنَا لِمَعْنًى فِي الْمُسْلِمِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاجْتِنَابِ عَنْهَا وَفِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِبَيْعِهَا اقْتِرَابُهَا فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا عَارِضًا فِي الْوَكِيلِ، وَالْعَوَارِضُ لَا تَقْدَحُ فِي الْقَوَاعِدِ، حَتَّى أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْحَائِضُ وَالْمُحَرَّمَةُ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَالذِّمِّيُّ جَازَ لَهُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ وَالْمُمْتَنِعُ تَوَكُّلُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ عَنْ التَّوَكُّلِ وَإِنْ صَحَّ التَّوْكِيلُ، وَقَدْ وُجِدَ الْمَانِعُ وَهُوَ حُرْمَةُ اقْتِرَابِهِ مِنْهَا انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَكُونُ جَوَابًا عَنْ النَّقْضِ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُخَالِفًا لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ، وَلَمْ يُجِبْ بِمَا أَجَابَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ لِذَلِكَ أَيْضًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا لَا يَكَادُ يَكُونُ جَوَابًا عَنْ النَّقْضِ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُنَاكَ فِي نَفْسِ التَّوْكِيلِ وَهُوَ بُطْلَانُ الْأَمْرِ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالْمَانِعُ هَاهُنَا عَلَى رَأْيِهِ إنَّمَا هُوَ حَقُّ التَّوَكُّلِ وَهُوَ حُرْمَةُ اقْتِرَابِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْخَمْرِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَلَمْ يُجِبْ بِمَا أَجَابَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُنَافٍ لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ، فَلَا وَجْهَ لِدَرْجِ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ فِي حَيِّزِ جَوَابٍ لِمَا فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُخَالِفًا لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ إلَخْ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْقَائِلُ: بَقِيَ فِيهِ بَحْثٌ، إذْ التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ كَالْكَسْرِ وَالِانْكِسَارِ، ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي مَا مَعْنَى جَوَازِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ الِانْكِسَارَ مُطَاوِعُ الْكَسْرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ، وَالتَّوَكُّلُ قَبُولُ الْوَكَالَةِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ تَحَقُّقِ الْأَوَّلِ بِدُونِ الثَّانِي، ثُمَّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَهَّمَ لُزُومُ مُطَاوِعٍ لِكُلِّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ، أَلَا يَرَى إلَى صِحَّةِ قَوْلِك خَيَّرْته فَلَمْ يَخْتَرْ، وَصِحَّةُ قَوْلِك نَبَّهْته فَلَمْ يَتَنَبَّهْ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُك وَكَّلْته فَلَمْ يَتَوَكَّلْ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيلِ جَوَازِ الْوَكَالَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ (لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى اعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَحْوَالِ) بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا أَوْ رَجُلًا ذَا وَجَاهَةٍ لَا يَتَوَلَّى الْأُمُورَ بِنَفْسِهِ (فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ) فَلَوْ لَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالنَّصِّ (فَيَكُونُ) أَيْ الْإِنْسَانُ (بِسَبِيلٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّوْكِيلِ (دَفْعًا لِحَاجَتِهِ) وَنَفْيًا لِلْحَرَجِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ دَلِيلٌ أَخَصُّ مِنْ الْمَدْلُولِ وَهُوَ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ عَجْزٌ أَصْلًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانُ حِكْمَةِ الْحُكْمِ وَهِيَ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي الْأَفْرَادِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ مَعَ جَوَابِهِ الْمَزْبُورِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الْخَاصَّ وَأَرَادَ الْعَامَّ، وَهُوَ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لِلْعَجْزِ حَاجَةٌ خَاصَّةٌ وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَنَاطُ هُوَ الْحَاجَةُ وَقَدْ تُوجَدُ بِلَا عَجْزٍ انْتَهَى. أَقُولُ: وُجُودُ الْحَاجَةِ بِدُونِ الْعَجْزِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا وَمِنْهُمْ الشَّارِحُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ أَبَدًا إمَّا لِلْعَجْزِ وَإِمَّا لِلتَّرَفُّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَيْسَ فِي صُورَةِ التَّرَفُّهِ حَاجَةً فَتَأَمَّلْ (وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ) أَيْ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ (حَكِيمَ بْنِ حِزَامٍ) وَيُكَنَّى أَبَا خَالِدٍ. وُلِدَ قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً أَوْ بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا، وَكَانَ مِنْ وُجُوهِ قُرَيْشٍ وَأَشْرَافِهَا، وَعَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِتِّينَ سَنَةً وَفِي الْإِسْلَامِ سِتِّينَ سَنَةً، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي مُخْتَصَرِهِ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ «عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً، فَاشْتَرَى لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَأُضْحِيَّةٍ، فَتَصَدَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّينَارِ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ» (وَبِالتَّزْوِيجِ عُمَرَ بْنَ أُمِّ سَلَمَةَ) أَيْ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَنَا فِي تَوْكِيلِ عُمَرَ بْنِ أُمِّ سَلَمَةَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ، كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ، قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ سِنُّ عُمَرَ بْنِ أُمِّ سَلَمَةَ يَوْمَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهُ سَنَةً وَاحِدَةً فَكَيْفَ يُوَكِّلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ طِفْلٌ لَا يَعْقِلُ؟ انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا النَّظَرِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ حَيْثُ قَالَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ لَهُ مِنْ الْعُمْرِ يَوْمَ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثُ سِنِينَ، وَكَيْفَ يُقَالُ لِمِثْلِ هَذَا زَوْجٌ. بَيَانُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَمَاتَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِعُمَرَ تِسْعُ سِنِينَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَوْلُهُ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَاتَ وَلِعُمَرَ تِسْعُ سِنِينَ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ الْكَلَابَاذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ. وَيُقَوِّي هَذَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ «عَنْ عُمَرَ بْنِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: سَلْ هَذِهِ، فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّهُ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَخْشَاكُمْ» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ كَبِيرًا. وَأَقُولُ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذِكْرُ الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ عَلَى قَوْلِهِ كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ دَلِيلًا عَقْلِيًّا عَلَيْهِ، فَيُتَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ تَوْكِيلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَادَّتَيْنِ الْمَخْصُوصَتَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْكُلِّيَّةِ، فَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ تَأْيِيدِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي مَبْنَاهُ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِوُقُوعِ التَّوْكِيلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إقَامَةُ دَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ عَلَى دَعْوَى الْكُلِّيَّةِ السَّابِقَةِ، وَكَأَنَّهُ عَنْ هَذَا قَالَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ إلَخْ، وَلَمْ يَقُلْ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ إلَخْ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) أَيْ فِي جَمِيعِهَا (لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَاجَةِ) يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى اعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ (إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ) تَعْلِيلٌ لِجَرَيَانِ مَا قَدَّمَهُ هَاهُنَا. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: أَمَّا التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فَإِنَّمَا جَازَ لِمَا رَوَيْنَا قَبْلَ هَذَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ فِي الشِّرَاءِ» ، فَإِذَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ جَازَ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لِمَا قَدَّمْنَا انْتَهَى. أَقُولُ: تَعْلِيلُهُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ لِمَا قَدَّمْنَا صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَأَمَّا تَعْلِيلُهُ الْأَوَّلُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا فِي التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَاتِ لَا فِي التَّوْكِيلِ فِي الْعُقُودِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي الْعُقُودِ دُونَ الْخُصُومَاتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَّلَ عَقِيلًا) أَيْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَاتِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ عَقِيلًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ ذَكِيًّا حَاضِرَ الْجَوَابِ؛ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَقْبَلَهُ يَوْمًا وَمَعَهُ عَنْزٌ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى سَبِيلِ الدُّعَابَةِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ أَحْمَقُ، فَقَالَ عَقِيلٌ: أَمَّا أَنَا وَعَنْزِي فَعَاقِلَانِ (وَبَعْدَمَا أَسَنَّ عَقِيلٌ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ) الطَّيَّارَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، إمَّا؛ لِأَنَّهُ وَقَّرَ عَقِيلًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكِبَرِ سِنِّهِ، أَوْ لِأَنَّهُ انْتَقَصَ ذِهْنَهُ فَوَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ شَابًّا ذَكِيًّا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَكْرَهُ الْخُصُومَةَ، وَكَانَ إذَا كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ وَكَّلَ فِيهَا عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلَمَّا كَبِرَ عَقِيلٌ وَكَّلَنِي. وَأُخْرِجَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ بِالْخُصُومَةِ. وَقَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ لَا يَحْضُرُ الْخُصُومَةَ وَكَانَ يَقُولُ: إنَّ لَهَا قُحَمًا تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْخُصُومَةَ إلَى عَقِيلٍ، فَلَمَّا كَبِرَ وَرَقَّ حَوَّلَهَا إلَيَّ، فَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: مَا قُضِيَ لِوَكِيلِي فَلِي وَمَا قُضِيَ عَلَى وَكِيلِي فَعَلَيَّ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ: إنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَّلَ أَخَاهُ عَقِيلًا بِالْخُصُومَةِ، ثُمَّ وَكَّلَ بَعْدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ لَا يَحْضُرُ الْخُصُومَةَ وَيَقُولُ: إنَّ لَهَا لَقُحَمًا، وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَحْضُرُهَا: أَيْ مَهَالِكَ وَشَدَائِدَ. وَقُحَمُ الطَّرِيقِ مَا صَعُبَ مِنْهُ وَشَقَّ عَلَى سَالِكِهِ انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْخُصُومَةِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِصُنْعِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْأَوْلَى أَنْ يَحْضُرَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِينَ، وَقَدْ وَرَدَ الذَّمُّ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] ، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51] وَجَوَابُهُ أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ الرَّدُّ مِنْ الْمُنَافِقِ وَالْإِجَابَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ اعْتِقَادًا، كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي. وَذُكِرَ فِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَايَةِ الْبَيَانِ (وَكَذَا بِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا) أَيْ وَكَذَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا لِمَا مَرَّ مِنْ دَفْعِ الْحَاجَةِ (إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِاسْتِيفَائِهَا) أَيْ بِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ) وَأَمَّا الْوَكَالَةُ بِإِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَعَدَمُ صِحَّتِهَا مُطْلَقًا: أَيْ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَمَعَ حُضُورِهِ أَمْرٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ إيفَاءَهَا إنَّمَا يَكُونُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ أَوْ الْبَدَنِ لِإِقَامَةِ الْعُقُوبَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْجَانِي، إذْ إقَامَةُ الْعُقُوبَةِ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي ظُلْمٌ صَرِيحٌ. فَلِذَلِكَ اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَفْيِ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِاسْتِيفَائِهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ (تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) فَلَا تُسْتَوْفَى بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرْبِ شُبْهَةٍ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ (وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَتِهِ) أَيْ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا الْوَجْهُ مَخْصُوصٌ بِالْقِصَاصِ، إذْ الْحُدُودُ لَا يُعْفَى عَنْهَا، فَالْمُرَادُ أَنَّ فِي الْقِصَاصِ ثُبُوتَ شُبْهَةٍ أُخْرَى حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَهِيَ شُبْهَةُ الْعَفْوِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْوَكِيلُ (بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ) أَيْ بَلْ الْعَفْوُ هُوَ الظَّاهِرُ (لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ) لِقَوْلِهِ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] وَفِي الْقِصَاصِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: هُوَ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى بِالتَّوْكِيلِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: هَذِهِ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ سَائِرِ حُقُوقِهِ فَافْتَرَقَا (بِخِلَافِ غَيْبَةِ الشَّاهِدِ) حَيْثُ يَسْتَوْفِيَ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ عِنْدَ غَيْبَتِهِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الرُّجُوعِ) يَعْنِي أَنَّ الشُّبْهَةَ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ هِيَ الرُّجُوعُ وَالظَّاهِرُ فِي حَقِّهِ عَدَمُ الرُّجُوعِ، إذْ الصِّدْقُ هُوَ الْأَصْلُ لَا سِيَّمَا فِي الْعُدُولِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ مِثْلَ هَاتَيْكَ الشُّبْهَةِ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجْمَ مِنْ الْحُدُودِ وَلَا يُسْتَوْفَى عِنْدَ غَيْبَةِ الشُّهُودِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ اعْتِبَارَ شُبْهَةِ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الشُّهُودِ هُنَاكَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ إذْ ذَاكَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ لَا بِمُجَرَّدِ شُبْهَةِ الرُّجُوعِ فَتَأَمَّلْ (وَبِخِلَافِ حَالَةِ الْحَضْرَةِ) أَيْ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ يُسْتَوْفَى ذَلِكَ عِنْدَهَا (لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ الْعَفْوِ، فَإِنَّ الْعَفْوَ عِنْدَ حُضُورِ الْمُوَكِّلِ مِمَّا لَا يَخْفَى فَلَا شُبْهَةَ، أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ انْتِفَاءَ الشُّبْهَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الشُّبْهَةِ مُطْلَقًا، وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ تَنْدَرِئُ بِمُطْلَقِ الشُّبُهَاتِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ عَلَى أَنَّ شُبْهَةَ الْعَفْوِ مَخْصُوصَةٌ بِالْقِصَاصِ، فَلَمْ يَظْهَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ أَصْلًا. وَلَمَا اُسْتُشْعِرَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِيفَاءِ رَأْسًا إذْ هُوَ يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ) إمَّا لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ، أَوْ لِأَنَّ قَلْبَهُ لَا يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ (فَلَوْ مُنِعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِيفَاءِ (يَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا) أَيْ يَنْسَدُّ بَابُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَجَازَ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ حُضُورِهِ اسْتِحْسَانًا لِئَلَّا يَنْسَدَّ بَابُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَقَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: هَذَا أَيْ جَوَازُ التَّوْكِيلِ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالُوا فِي تَوْجِيهِ تَفْسِيرِهِمْ إيَّاهُ بِهَذَا الْمَعْنَى: لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ: أَيْ جَمِيعِهَا وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا، وَاسْتَثْنَى إيفَاءَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءَهَا بَقِيَتْ الْخُصُومَةُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ فَقَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي ارْتَكَبُوهُ فِي حِلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَاهُنَا تَكَلُّفٌ بَارِدٌ وَتَعَسُّفٌ شَارِدٌ، حَيْثُ جَعَلُوا الْبَعْضَ الْغَيْرَ الْمُعَيَّنَ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ بَلْ الدَّاخِلَ فِي مُجَرَّدِ كُلِّيَّتِهِ مُشَارًا إلَيْهِ بِلَفْظِ هَذَا الَّذِي يُشَارُ بِهِ إلَى الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ، أَوْ إلَى مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ. ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا لَمَنْدُوحَةٌ عَنْ ذَلِكَ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَعْنًى ظَاهِرٍ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ صَرِيحًا فِيمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ قَوْلِنَا وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ أَيْضًا) أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي بَعْضٍ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَيْضًا: أَيْ كَمَا لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِإِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَاسْتِيفَائِهَا بِالِاتِّفَاقِ. (وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يُذْكَرُ تَارَةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَارَةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ) بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (فِي غَيْبَتِهِ) أَيْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ (دُونَ حَضْرَتِهِ) أَيْ هُوَ جَائِزٌ فِي حَضْرَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّ كَلَامَ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ حُضُورِهِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِنَفْسِهِ. (لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (أَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ) وَالْإِنَابَةُ فِيهَا شُبْهَةٌ لَا مَحَالَةَ (وَشُبْهَةُ النِّيَابَةِ يُتَحَرَّزُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ) أَيْ فِي بَابِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ (كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) أَيْ كَالشُّبْهَةِ الَّتِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِهَا الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلَا بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (وَكَمَا فِي الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ وَكَالشُّبْهَةِ الَّتِي فِي التَّوْكِيلِ بِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ بِالِاتِّفَاقِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ مَحْضٌ) أَيْ لَا حَظَّ لَهَا فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي الظُّهُورِ (لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُضَافٌ إلَى الْجِنَايَةِ وَالظُّهُورَ إلَى الشَّهَادَةِ) وَالشَّرْطُ الْمَحْضُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ مُبَاشَرَتُهُ بِنَفْسِهِ (فَيَجْرِي فِيهِ التَّوْكِيلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) أَيْ بَاقِيهَا لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. لَا يُقَالُ: الْمَانِعُ مَوْجُودٌ وَهُوَ الشُّبْهَةُ كَمَا فِي الِاسْتِيفَاءِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الشُّبْهَةُ فِي الشَّرْطِ لَا تَصْلُحُ لِلْمَنْعِ، إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَا الْوُجُودُ وَلَا الظُّهُورُ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الظُّهُورُ (وَعَلَى هَذَا خِلَافُ) الْمَذْكُورِ (التَّوْكِيلُ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ (الْحَدُّ) أَوْ الْقِصَاصُ؛ فَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ) أَيْ فِي التَّوْكِيلِ بِالْجَوَابِ (أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَمْنَعُ الدَّفْعَ) يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْجَوَابِ إنَّمَا يَكُونُ لِلدَّفْعِ، وَدَفْعُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ، فَالشُّبْهَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُعْتَبَرَةً لَا تُمْنَعُ هَاهُنَا (غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مُوَكِّلِهِ: يَعْنِي لَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ اسْتِحْسَانًا (لِمَا فِيهِ) أَيْ لِمَا فِي إقْرَارِهِ (مِنْ شُبْهَةِ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ) فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْبَلَ إقْرَارُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّا حَمَلْنَا التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ عَلَى الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْخَصْمِ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْمَجَازِ، فَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ فَالْإِقْرَارُ ضِدُّ الْخُصُومَةِ، وَالْمَجَازِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ فَالْحَقِيقَةُ شُبْهَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ دُونَ مَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ. كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ التَّوْكِيلِ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَهُ إنَّمَا هُوَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَحْدِ السَّرِقَةِ. وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ حَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الشُّرْبِ فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِمَا لِأَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ، وَإِنَّمَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، فَإِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ بِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ) سَوَاءٌ كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ قِبَلِ الطَّالِبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمَطْلُوبِ (بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَعْذُورًا بِعُذْرِ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِدُونِ رِضَا الْخَصْمِ عِنْدَهُ أَيْضًا (وَقَالَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ) أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ سَوَاءٌ رَضِيَ الْخَصْمُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ مَعْذُورًا أَمْ لَا، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: أَوْ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: يُقْبَلُ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَمِيعًا (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) أَيْضًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يُفْتِي بِقَوْلِهِمَا. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ. وَقَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ بِالْمُدَّعِي التَّعَنُّتَ فِي إبَاءِ الْوَكِيلِ يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ الْقَصْدَ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُدَّعِي لِيَشْتَغِلَ الْوَكِيلُ بِالْحِيَلِ وَالْأَبَاطِيلِ وَالتَّلْبِيسِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلَ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ ذَلِكَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ) أَيْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الْجَوَازِ، حَتَّى إذَا وَكَّلَ فَرَضِيَ الْخَصْمُ لَا يَحْتَاجُ فِي سَمَاعِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ إلَى تَجْدِيدِ وَكَالَةٍ (إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ) مَعْنَاهُ إذَا وَكَّلَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ هَلْ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ أَمْ لَا؟ عِنْدَهُ يَرْتَدُّ خِلَافًا لَهُمْ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرِضَا الْخَصْمِ: أَيْ لَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْجَوَازِ، وَأَرَادَ اللُّزُومَ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مِنْ لَوَازِمِ اللُّزُومِ فَيَجُوزُ ذِكْرُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَقَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَحْرِيرًا وَإِيرَادًا حَيْثُ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ مَجَازًا لِقَوْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْجَوَازِ، وَأَرَادَ اللُّزُومَ فَإِنَّ الْجَوَازَ لَازِمُ اللُّزُومِ فَيَكُونُ مِنْ ذِكْرِ اللَّازِمِ وَإِرَادَةِ الْمَلْزُومِ، وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجَوَازَ لَازِمُ اللُّزُومِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. سَلَّمْنَا لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَجَازٍ انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَجَازٍ الرَّدُّ عَلَى قَوْلِهِ مَجَازًا بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَاكِيُّ مِنْ أَنَّ الِانْتِقَالَ فِي الْمَجَازِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ، وَفِي الْكِنَايَةِ مِنْ اللَّازِمِ إلَى الْمَلْزُومِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ لَفْظَ الْمَجَازِ لَمْ يُذْكَرْ فِي تَحْرِيرِ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرَّاحِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ أَوْ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ فَكَانَ مَدَارُ رَدِّهِ الْمَزْبُورَ عَلَى لَفْظٍ زَادَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فِي بَيَانِ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ حَقَّقُوا أَنَّ الِانْتِقَالَ فِي الْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ كِلَيْهِمَا مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ. وَرَدُّوا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَاكِيُّ بِأَنَّ اللَّازِمَ مَا لَمْ يَكُنْ مَلْزُومًا لَمْ يُنْتَقَلْ مِنْهُ إلَى الْمَلْزُومِ، وَجَعَلُوا الْعُمْدَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا جَوَازَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ وَعَدَمَ جَوَازِهَا، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ لَفْظُ يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَجَازًا عَنْ مَعْنًى يَلْزَمُ بِلَا مَحْذُورٍ أَصْلًا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا: التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ لَازِمٍ، بَلْ إنْ رَضِيَ بِهِ الْخَصْمُ وَإِلَّا فَلَا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَإِلَى التَّوْجِيهِ بِجَعْلِهِ مَجَازًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنَّ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ لَازِمٍ أَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ هُوَ مَعْنَى الثَّانِي بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى الْجَوَازِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ يُغَايِرُ مَعْنَى اللُّزُومِ، فَنَفْيُ الْأَوَّلِ يُغَايِرُ نَفْيَ الثَّانِي قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَوَّلِ مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ، فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةُ فَيَتَبَادَرُ إلَى ذِهْنِ النَّاظِرِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي نَفْسِ الْجَوَازِ، فَدَفَعَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ فَهَذَا الْكَلَامُ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ بِأَوَّلِ مَنْ حَمَلَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ عَلَى اللُّزُومِ، بَلْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي: إنَّ التَّوْكِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُوَكِّلَ بِأَنْ يَحْضُرَ بِنَفْسِهِ وَيُجِيبَ، وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ حَيْثُ قَالَ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ: التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ لَا يَقَعُ لَازِمًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يَقَعُ لَازِمًا. وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ أَنَّ رِضَا الْخَصْمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ وَلُزُومِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. بَعْضُهُمْ قَالُوا: رِضَا الْخَصْمِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطِ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ بَلْ هُوَ شَرْطُ لُزُومِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَلْ رِضَا الْخَصْمِ عِنْدَهُ شَرْطُ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ. ذُكِرَ فِي شُفْعَةِ الْأَصْلِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذُكِرَ فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ: لَا يُقْبَلُ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّوْكِيلَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْخَصْمَ الْحُضُورُ. وَالْجَوَابُ لِخُصُومَةِ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ بِنَفْسِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ سَفَرٍ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ عِنْدَهُ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا (لَهُمَا) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (أَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ) أَيْ فِي خَالِصِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ أَوْ بِالْجَوَابِ وَكِلَاهُمَا مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ. أَمَّا الْخُصُومَةُ فَلِأَنَّهَا الدَّعْوَى وَهِيَ خَالِصُ حَقِّ الْمُدَّعِي حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّهُ إمَّا إنْكَارٌ أَوْ إقْرَارٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَالِصُ حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ) فَصَارَ (كَالتَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ) وَقَبْضِهَا وَإِيفَائِهَا (وَلَهُ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ) يَعْنِي أَنَّ الْجَوَابَ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلِهَذَا يَسْتَحْضِرُهُ) أَيْ يَسْتَحْضِرُ الْمُدَّعِي الْخَصْمَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِيُجِيبَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ تَصَرُّفًا فِي خَالِصِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ، لَكِنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ (وَ) هَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ (النَّاسَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَفَاوِتُونَ فِي الْخُصُومَةِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الدَّعْوَى وَالْإِثْبَاتِ، وَمِنْ جِهَةِ الدَّفْعِ وَالْجَوَابِ. فَرُبَّ إنْسَانٍ يُصَوِّرُ الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ، وَرُبَّ إنْسَانٍ لَا يُمْكِنُهُ تَمْشِيَةُ الْحَقِّ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ. فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ» ذَكَرَهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَالْأَسْرَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُوَكَّلُ عَادَةً إلَّا مَنْ هُوَ أَلَدُّ وَأَشَدُّ فِي الْخُصُومَاتِ لِيَغْلِبَ عَلَى الْخَصْمِ (فَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ) أَيْ بِلُزُومِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ (يَتَضَرَّرُ بِهِ) أَيْ يَتَضَرَّرُ الْخَصْمُ بِهِ (فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ) فَصَارَ (كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (يَتَخَيَّرُ الْآخَرُ) أَيْ يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْكِتَابَةِ وَفَسْخِهَا، فَكَانَ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مُتَوَقِّفًا عَلَى رِضَا الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا فِي خَالِصِ حَقِّهِ لِمَكَانِ ضَرَرِ شَرِيكِهِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحُضُورَ وَالْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْطَعُهُ عَنْ أَشْغَالِهِ وَيُحْضِرُهُ لِيُجِيبَ خَصْمَهُ، وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي هَذَا الْجَوَابِ؛ فَرُبَّ إنْكَارٍ يَكُونُ أَشَدَّ دَفْعًا لِلْمُدَّعِي مِنْ إنْكَارٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ الْوَكِيلِ ذَلِكَ الْأَشَدَّ، فَإِنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِهَذَا التَّوْكِيلِ أَنْ يَشْتَغِلَ الْوَكِيلُ بِالْحِيَلِ وَالْأَبَاطِيلِ لِيَدْفَعَ حَقَّ الْخَصْمِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْخَصْمِ، وَأَكْثَرُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيلُهُ بِمَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ يَتَّصِلُ بِهِ ضَرَرٌ بِالْغَيْرِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا لَا يُمْلَكُ بِدُونِ رِضَاهُ انْتَهَى. كَلَامُهُ. وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ سَبَقَ الدَّلِيلُ الْمَزْبُورُ فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَامٌّ لِصُورَةِ التَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَلِصُورَةِ التَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصُرِّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْفَتَاوَى أَيْضًا. وَفِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ الْمَزْبُورِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِصُورَةِ التَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا تَرَى فَكَانَ تَقْصِيرًا مِنْهُمْ لِتَحَمُّلِهِ التَّقْرِيرَ بِوَجْهٍ يَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ مَعًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِنَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، فَإِنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ وَلِهَذَا يَسْتَحْضِرُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَالْمُسْتَحَقُّ لِلْغَيْرِ لَا يَكُونُ خَالِصًا لَهُ. سَلَّمْنَا خُلُوصَهُ لَهُ لَكِنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ غَيْرُهُ، وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْخُصُومَةِ، فَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ دَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَنْعِيٌّ لِمَا قَالَاهُ، وَالْآخَرُ: تَسْلِيمِيٌّ لَهُ، فَيَرِدُ حِينَئِذٍ عَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ مَا يَرِدُ عَلَى تَقْرِيرِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَوْنِ الدَّلِيلِ مَخْصُوصًا بِإِحْدَى صُورَتَيْ الْمَسْأَلَةِ الْعَامَّةِ الْمُدَّعَاةِ تَأَمَّلْ تَقِفُ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَجْمُوعُ دَلِيلًا وَاحِدًا وَيُقَرَّرَ بِوَجْهٍ يَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ مَعًا كَمَا فَعَلْنَاهُ فِي شَرْحِنَا، لَكِنَّ الْإِنْصَافَ أَنَّ تَأْثِيرَ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ الْمُتَأَمِّلِ (بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا، وَالْمُرَادُ بَيَانُ وَجْهِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَذَلِكَ (لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ) أَيْ غَيْرُ وَاجِبٍ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ (هُنَالِكَ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لِعَجْزِ الْمَرِيضِ بِالْمَرَضِ وَعَجْزِ الْمُسَافِرِ بِالْغَيْبَةِ، فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمَا الْجَوَابُ لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] أَقُولُ: هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ إنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي فَلَا؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا أَوْ مَرِيضًا مُسَافِرًا، فَإِنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ لَا عَلَى مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَامَّةٌ لِلصُّورَتَيْنِ مَعًا كَمَا تَحَقَّقْته، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَوَقُّعَ الضَّرَرِ اللَّازِمِ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ مِنْ الْمَوْتِ وَآفَاتِ التَّأْخِيرِ أَشَدُّ مِنْ الضَّرَرِ اللَّازِمِ بِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْخُصُومَةِ فَيُتَحَمَّلُ الْأَدْنَى دُونَ الْأَعْلَى. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ كَانَ غَائِبًا أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ أَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي الْمِصْرِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى قَدَمَيْهِ إلَى بَابِ الْقَاضِي كَانَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مُدَّعِيًا كَانَ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَلَكِنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ أَوْ ظَهْرِ إنْسَانٍ، فَإِنْ ازْدَادَ مَرَضُهُ بِذَلِكَ صَحَّ التَّوْكِيلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَزْدَادُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى (ثُمَّ كَمَا يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (مِنْ الْمُسَافِرِ يَلْزَمُ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ) إذْ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِالِانْقِطَاعِ عَنْ مَصَالِحِهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ أَنْ يُوَكِّلَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السَّفَرِ لَكِنْ لَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ إلَى زِيِّهِ وَعِدَّةِ سَفَرِهِ أَوْ يَسْأَلُ عَمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ فَيَسْأَلُ عَنْ رُفَقَائِهِ كَمَا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ انْتَهَى (وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُخَدَّرَةً) اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي تَفْسِيرِ الْمُخَدَّرَةِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَحُضُورِ الْمَجْلِسِ الْقَاضِي. وَقَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ: هِيَ الَّتِي لَا يَرَاهَا غَيْرُ الْمَحَارِمِ، وَأَمَّا الَّتِي جَلَسَتْ عَلَى الْمِنَصَّةِ فَرَآهَا الْأَجَانِبُ لَا تَكُونُ مُخَدَّرَةً، فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ حَيْثُ قَالَ (لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ) فَإِنَّ هَذَا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِمُخَدَّرَةٍ جَارِيَةٍ مَجْرَى التَّفْسِيرِ لَهَا (قَالَ الرَّازِيّ) أَرَادَ بِهِ الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ الْجَصَّاصَ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الرَّازِيّ صَاحِبَ التَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَإِلَيْهِ انْتَهَتْ رِيَاسَةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِبَغْدَادَ بَعْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، وَكَانَتْ وِلَادَتُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَثِمِائَةٍ وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ (يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ) أَيْ يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ مِنْهَا بِلَا رِضَا الْخَصْمِ وَبِدُونِ عُذْرِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ (لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ، فَلَوْ وَكَّلَتْ بِالْخُصُومَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْيَمِينُ وَهِيَ لَا تُعْرَفُ بِالْخُرُوجِ وَمُخَالَطَةِ الرِّجَالِ فِي الْحَوَائِجِ يَبْعَثُ إلَيْهَا الْحَاكِمُ ثَلَاثَةً مِنْ الْعُدُولِ يَسْتَحْلِفُهَا أَحَدُهُمْ وَيَشْهَدُ الْآخَرَانِ عَلَى حَلِفِهَا، وَكَذَا فِي الْمَرِيضَةِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا يَمِينٌ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ، هَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، وَذَكَرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَبْعَثُ إلَى الْمُخَدَّرَةِ وَالْمَرِيضَةِ أَوْ إلَى الْمَرِيضِ خَلِيفَةً فَيَفْصِلُ الْخُصُومَةَ هُنَالِكَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْخَلِيفَةِ كَمَجْلِسِهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ (قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) أَيْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ مَا قَالَهُ الرَّازِيّ (شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ) وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُخَدَّرَةِ أَنْ تُوَكِّلَ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُخَالِطْ الرِّجَالَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ) قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ حَاصِلًا بِمَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ، فَأَمَّا كَوْنُ الْمُوَكِّلِ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَجُوزَ عِنْدَهُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِشِرَاءِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَتَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ بِبَيْعِ الصَّيْدِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَإِنْ امْتَنَعَ لِعَارِضٍ، وَبَيْعُ الْخَمْرِ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بِعَارِضِ النَّهْيِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ وَالتَّبْيِينِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ: أَيْ مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ الَّذِي وَكَّلَ الْوَكِيلَ بِهِ، وَقَالَ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ رِوَايَةِ الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ وَقَعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ كَوْنُ التَّوْكِيلِ حَاصِلًا بِمَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ، فَأَمَّا كَوْنُ الْمُوَكِّلِ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَكَّلَ الْوَكِيلَ بِهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْكِتَابِ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ خُذْ عَبْدِي هَذَا وَبِعْهُ بِعَبْدٍ أَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِهِ عَبْدًا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهَذَا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مُبَاشَرَةُ الْمُوَكِّلِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِعَبْدٍ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك بِهَذَا الْعَبْدِ عَبْدًا لَا يَجُوزُ. قُلْت: إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي التَّوْكِيلِ بِهَذَا وَلَمْ يَجُزْ فِي مُبَاشَرَةِ نَفْسِهِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تَمْنَعُ عَنْ الْجَوَازِ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تُؤَدِّ إلَيْهَا فَلَا تَمْنَعُ كَمَا فِي بَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةِ طَعَامٍ أَوْ شِرَائِهِ ثُمَّ جَهَالَةُ الْوَصْفِ فِي التَّوْكِيلِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَاشَرَةُ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فَتُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمَانِعُ مِنْ الصِّحَّةِ الْمُنَازَعَةُ لَا نَفْسُ الْجَهَالَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي جَوَابِهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْفَارِقَ الْمَذْكُورَ فِيهِ إنَّمَا أَفَادَ كَمِّيَّةَ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الذَّخِيرَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ فِي مِثْلِهَا، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ بَلْ يُقَوِّيهِ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي مَسْأَلَةِ الذَّخِيرَةِ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا. وَالْفَارِقُ الْمَذْكُورُ يُقَرِّرُ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّ هَذَا الْقَيْدَ وَقَعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْخَمْرِ، وَلَوْ وَكَّلَ بِهِ جَازَ عِنْدَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْشَأُ هَذَا التَّوَهُّمِ أَنَّهُ جَعَلَ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِلْعَهْدِ: أَيْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ، وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَاهُ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ احْتِرَازًا عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَيَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ الْأَنْسَبَ لِكَلِمَةِ " مَنْ " جِنْسُ التَّصَرُّفِ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَنْسَبَ لِكَلِمَةِ " مَنْ " جِنْسُ التَّصَرُّفِ، وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَدْخُولَ كَلِمَةِ " مَنْ " هُوَ قَوْلُهُ مَنْ يَمْلِكُ دُونَ التَّصَرُّفِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمَالِكَ لِلتَّصَرُّفِ الْمَخْصُوصِ لَا يَتَعَدَّدُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ إدْخَالُ " مَنْ " فِي مَنْ يَمْلِكُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَالِكَ لِلتَّصَرُّفِ الْمَخْصُوصِ لَا يَتَعَدَّدُ، أَلَا يَرَى إلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ مَالًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا تَصَرُّفًا مَخْصُوصًا، وَإِنْ وَصَلَ مَبْلَغُهُمْ فِي التَّعَدُّدِ إلَى الْأَلْفِ، مَثَلًا إذَا كَانَتْ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ كَثِيرِينَ فَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِسُكْنَى أَوْ غَيْرِهِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ اسْتِقَامَةِ إدْخَالِ " مَنْ " حِينَئِذٍ فِي مَنْ يَمْلِكُ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ لَوْ كَانَتْ كَلِمَةُ " مَنْ " هَاهُنَا لِلتَّبْعِيضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لِلتَّبْيِينِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَقَامِ فَيَسْتَقِيمُ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِكَلِمَةِ " مَنْ " فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَنْسَبَ لِكَلِمَةِ " مَنْ " جِنْسُ التَّصَرُّفِ حَرْفُ الْجَرِّ الدَّاخِلَةُ عَلَى الِاسْمِ الْمَوْصُولِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهَا نَفْسُ الِاسْمِ الْمَوْصُولِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي قَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ. إذْ لَوْ كَانَ مَدَارُ كَلَامِهِ زِيَادَةَ حَرْفِ الْجَرِّ لَقَالَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ فَقَطْ، فَوَجْهُ الْأَنْسَبِيَّةِ حِينَئِذٍ أَنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ مُبْهَمَاتِ الْمَعَارِفِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي النَّحْوِ وَمِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ جِنْسَ الْمَالِكِ لَا الْفَرْدَ الْمُعَيَّنَ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَمْلِكُهُ جِنْسُ الْمَالِكِ هُوَ جِنْسُ التَّصَرُّفِ دُونَ التَّصَرُّفِ الْمَعْهُودِ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: إنَّ الْأَنْسَبِيَّةَ قَدْ فَاتَتْ فِي قَوْلِهِ وَيَقْصِدُهُ كَمَا لَا يَخْفَى. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَيَقْصِدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ مَنْ صَرَاحَةً لَكِنَّهُ مَقْرُونٌ بِهَا حُكْمًا فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا هُوَ فِي حَيِّزِ كَلِمَةِ مَنْ وَهُوَ قَوْلُهُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ فِي قَوْلِهِ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْطُوفَ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ، فَقَدْ حَصَلَتْ الْأَنْسَبِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَاكَ أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ حَمْلَ التَّصَرُّفِ فِي قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَى جِنْسِ التَّصَرُّفِ دُونَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ مِمَّا سَبَقَ إلَيْهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الشَّرْطُ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطُ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَذْهَبِهِ، بَلْ الشَّرْطُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت هَذَا الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَا الْقَائِلُ الِاسْتِقَامَةَ عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ كُنْهَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ، إذْ مَضْمُونُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَهَا شَرْطٌ فِي الْمُوَكِّلِ وَشَرْطٌ فِي الْوَكِيلِ. فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَيَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعًا فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا عَلَى وَجْهٍ يُلْزِمُهُ حُكْمَ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِي تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بَيْعًا وَشِرَاءً؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُوَكِّلَ عَاقِلٌ بَالِغٌ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعًا فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يُلْزِمُهُ حُكْمُ التَّصَرُّفِ فِيمَا تَصَرَّفَ بِوِلَايَتِهِ. وَالشَّرْطُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْقِلَ الْعَقْدَ وَيَقْصِدَهُ حَاصِلٌ فِي الْوَكِيلِ أَيْضًا وَهُوَ الذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ مَعْنَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَيَقْصِدُهُ، فَصَحَّ الشَّرْطُ إذَنْ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ ابْنُ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُجِيزُ تَوْكِيلَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ خَمْرٍ وَشِرَائِهَا وَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُهُ. أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمُلْكِهِ التَّصَرُّفَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَهَذَا حَاصِلٌ فِي تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ خَمْرٍ وَشِرَائِهَا، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاهُ لِذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ إذْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لِعَدَمِ الْبُلُوغِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ إذَا وَكَّلَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونَ يَصِحُّ بَعْدَ أَنْ يَعْقِلَ مَعْنَى الْبَيْعِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْغَايَةِ هَاهُنَا لَيْسَ بِمَثَابَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ هُوَ خَطَأٌ بِمُجَرَّدِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، فَإِنَّ الَّذِي يُهِمُّهُ فِي تَوْجِيهِ الْمَقَامِ هُوَ قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِمِلْكِهِ التَّصَرُّفَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِحُكْمِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي فَصْلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا فَفَضْلَةٌ مِنْ التَّوْجِيهِ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ هُوَ الِاحْتِرَازُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فَكَوْنُهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي عَامَّةِ التَّصَرُّفَاتِ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى، وَعَنْ هَذَا تَرَى الْفُقَهَاءَ فِي كُلِّ عَقْدٍ جَعَلُوا الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ شَرْطًا فِيهِ وَقَصَدُوا بِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَمْ يَسْتَثْنُوا الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ عَنْهُ صَرَاحَةً (وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ) قِيلَ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ تَصَرُّفِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ غَيْرَهُ. وَقِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَا يَمْلِكَانِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُمَا، كَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْقِيلِ الثَّانِي: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ يَحْتَمِلُ أَحْكَامَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَجِنْسَ الْأَحْكَامِ. فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ إذَا وَكَّلَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأَحْكَامُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ شَرْطَانِ. وَالثَّانِي: احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَكُونُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَلُزُومُ الْأَحْكَامِ شَرْطًا وَاحِدًا، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أُذِنَ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ صَحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَحْكَامُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا جَعَلْتهمَا شَرْطًا وَاحِدًا لَزِمَك الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ وَيَلْزَمُهُ جِنْسُ الْأَحْكَامِ وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ قُلْت: غَلَطٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ فَوَاتُ رَأْيِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ (لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ) تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ مَا شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ تَمْلِيكَ التَّصَرُّفِ وَتَمْلِيكُ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهُ مُحَالٌ (فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا) أَيْ لِلتَّصَرُّفِ (لِيَمْلِكَهُ مِنْ غَيْرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَكِيلُ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ، وَالثَّانِي مُسْلِمٌ وَيَنْتَقِضُ بِتَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ صَحَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَكِيلٌ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ يَثْبُتُ لَهُ خِلَافَةٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ. وَتَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَا الْكَلَامِ فِيهِ، وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضًا لِجَوَازِ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِأَمْرَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي جَوَابِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَكِيلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَكِيلٌ مَالِكًا لِجِنْسِ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ فِي التَّوْكِيلِ بِتَصَرُّفٍ لَا بِعَيْنِهِ بِأَنْ قَالَ: اصْنَعْ مَا شِئْت أَوْ اعْمَلْ بِرَأْيِك، وَأَمَّا فِي التَّوْكِيلِ بِتَصَرُّفٍ بِعَيْنِهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَادَّةِ النَّقْضِ بِتَوْكِيلِ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ قَطْعًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْوَكِيلَ هُنَاكَ إنَّمَا يَمْلِكُ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفَ الْمُعَيَّنَ الْمَعْهُودَ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ بَيْعُ الْخَمْرِ لَا جِنْسُ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا وَإِلَّا لَصَحَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ هُنَاكَ بِتَصَرُّفٍ آخَرَ، كَأَنْ يَهَبَ الْخَمْرَ الَّتِي وُكِّلَ بِبَيْعِهَا لِذِمِّيٍّ أَوْ يَشْتَرِيَ بِهَا مِنْهُ شَيْئًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا. وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يَخْتَارَ الشِّقَّ الثَّانِيَ وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ. وَيُدْفَعُ النَّقْضُ الْمَذْكُورُ بِحَمْلِ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَوْ بِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ جَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ فِي الْأَصْلِ. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بِعَارِضِ النَّهْيِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كِلَا الْوَجْهَيْنِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ نَقْلًا عَنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ) بِأَنْ يَعْرِفَ مَثَلًا أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي مَأْذُونِ الذَّخِيرَةِ وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَعْقِلْ وَالْمَجْنُونِ (وَيَقْصِدُهُ) أَيْ يَقْصِدُ الْعَقْدَ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَكُونَ هَازِلًا فِيهِ، كَذَا رَأَى جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ. وَرَدَّ عَلَيْهِمْ الشَّارِحُ ابْنُ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِمْ: أَيُّ ارْتِبَاطٍ بَيْنَ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ وَكَوْنِ الْوَكِيلِ هَازِلًا فِي الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْعِ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ غَايَتُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَالْوَكَالَةُ صَحِيحَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: الْقَصْدُ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الْعَقْدِ عَنْ الْآمِرِ، حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ هَازِلًا لَا يَقَعُ عَنْهُ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ (لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ) وَأَهْلِيَّةُ الْعِبَارَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَلْحَانِ الطُّيُورِ (حَتَّى لَوْ كَانَ) أَيْ الْوَكِيلُ (صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا) إذْ لَيْسَ لَهُمَا أَهْلِيَّةُ الْعِبَارَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِمَا حُكْمٌ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ، وَمَعْرِفَةُ مَا زَادَ عَلَى " ده نيم " فِي الْمَتَاعِ وَ " ده يازده " فِي الْحَيَوَانِ وَ " ده دوازده " فِي الْعَقَارِ، أَوْ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ. انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ مَعْرِفَةَ نَفْسِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ الدَّاخِلِ تَحْتَ أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَمَمْنُوعٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَا يُمَارِسُ الْعِلْمَ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ يُعْرَفُ بِاخْتِلَاطِهِ بِالنَّاسِ وَتَعَامُلِهِ مَعَهُمْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ أَوْ مَا زَادَ عَلَى " ده نيم " فِي الْمَتَاعِ وَ " ده يازده " فِي الْحَيَوَانِ، وَ " ده دوازده " فِي الْعَقَارِ غَبْنٌ فَاحِشٌ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ غَبْنٌ يَسِيرٌ كَمَا هُوَ حَالُ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّوقِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَعْرِفَةَ عِبَارَاتِ أَهْلِ الشَّرْعِ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ وَاصْطِلَاحَاتِهِمْ فِيهِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي ذَلِكَ شَيْئًا، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مَعْرِفَةُ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَإِذَا وَكَّلَ الْحُرُّ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ مِثْلَهُمَا جَازَ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْعَاقِلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ الْمَأْذُونُ لِيَشْمَلَ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ، فَإِنَّ تَوْكِيلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَهُ جَائِزٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِمَا. ثُمَّ إنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمِثْلِيَّةِ فِي صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ، بَلْ يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ فَوْقَهُ كَتَوْكِيلِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْحُرَّ أَوْ مَنْ دُونَهُ كَتَوْكِيلِ الْحُرِّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَالِكٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ) يَشْمَلُ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْمِثْلِيَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالدُّونِيَّةِ كَمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: وَلَوْ قَالَ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ أَشْمَلَ لِتَنَاوُلِهِ تَوْكِيلَ الْحُرِّ الْبَالِغِ مِثْلَهُ أَوْ الْمَأْذُونَ، وَتَوْكِيلُ الْمَأْذُونِ مِثْلَهُ أَوْ الْحُرَّ الْبَالِغَ انْتَهَى. وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَدْ رَامَ تَوْجِيهَ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ: وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُمَا جَوَازُ تَوْكِيلِ مَنْ كَانَ فَوْقَهُمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَا يُجْدِي كَثِيرٌ طَائِلٌ، إذْ يَبْقَى حِينَئِذٍ جَوَازُ تَوْكِيلِ مَنْ كَانَ دُونَ الْمُوَكِّلِ مَحَلًّا لِلْكَلَامِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ كَانَ فَوْقَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ سَمَاجَةٍ إذْ لَا أَحَدَ فَوْقَ الْحُرِّ الْبَالِغِ (وَإِنْ وَكَّلَ) أَيْ الْحُرُّ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ (صَبِيًّا مَحْجُورًا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ جَازَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ) أَيْ حُقُوقُ مَا بَاشَرَاهُ مِنْ الْعَقْدِ كَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ حَيْثُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمَا فِيمَا فَعَلَاهُ (وَتَتَعَلَّقُ بِمُوَكَّلِهِمَا) وَإِنَّمَا جَازَ تَوْكِيلُهُمَا عِنْدَنَا لِانْتِفَاءِ مَا يَمْنَعُهُ، أَمَّا مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ فَلِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ مَالِكٌ لَهُ) أَيْ لِلتَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا صَحَّ طَلَاقُهُ وَإِقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُهُ) أَيْ التَّصَرُّفَ (فِي حَقِّ الْمَوْلَى) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ (وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ تَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْعِبَارَةِ وَالْعَبْدُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ صِحَّتَهَا بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا (إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ (الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ، أَمَّا الصَّبِيُّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ أَمَّا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَلِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ بِعَدَمِ الْبُلُوغِ (وَالْعَبْدُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ) أَيْ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَلِثُبُوتِ حَقِّ سَيِّدِهِ فِي مَالِيَّتِهِ، فَلَوْ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمَوْلَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَتَلْزَمُ) أَيْ الْعُهْدَةُ (الْمُوَكِّلَ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا حَيْثُ انْتَفَعَ بِتَصَرُّفِهِمَا. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِهَا كَانَ حَقَّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِهَا كَانَ قُصُورَ أَهْلِيَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ مُلْزِمًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ تَلْزَمْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْضًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا ذُكِرَ صَرِيحًا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ قَاضِي خَانْ. ثُمَّ إنَّ فِي تَقْيِيدِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بِقَوْلِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَأْذُونَيْنِ تَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِهِمَا لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ إذَا وُكِّلَ بِالْبَيْعِ فَبَاعَ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَإِذَا وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ؛ فَإِنْ وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بَلْ تَكُون الْعُهْدَةُ عَلَى

قَالَ (وَالْعَقْدُ الَّذِي يَعْقِدُهُ الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ) : كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ، وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ، فَكَذَا تَوَابِعُهُ وَصَارَ كَالرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآمِرِ حَتَّى إنَّ الْبَائِعَ يُطَالِبُ الْآمِرَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ضَمَانُ كَفَالَةٍ لَا ضَمَانُ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلضَّامِنِ فِي الْمُشْتَرِي، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هَذَا الْتَزَمَ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ اسْتَوْجَبَ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ لَا ضَمَانُ الْكَفَالَةِ. وَأَمَّا إذَا وُكِّلَ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْعُهْدَةُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ ضَمَانُ ثَمَنٍ حَيْثُ مَلَّكَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ بِالثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْ الْمُوَكِّلِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَ مِنْهُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ بِمَا يَضْمَنُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يُمَلِّكُ الْمُشْتَرِيَ لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ حَبْسَهُ بِذَلِكَ فَكَانَ ضَمَانَ كَفَالَةٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَالْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا وُكِّلَ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ الْمَحْجُورَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا الْحُقُوقُ فَلِقَبْضِهِمَا الثَّمَنَ وَتَسْلِيمِهِمَا الْمَبِيعَ اعْتِبَارٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ بَعْدُ فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ فِي التَّوْكِيلِ بِعَقْدِ السَّلَمِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ انْتَهَى. (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ مَحْجُورٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْ مَجْنُونٌ، فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، وَقِيلَ عَلَى حَاشِيَةِ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ مَحْجُورٌ مَقَامَ مَجْنُونٍ. قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ عِنْدَ نَقْلِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ: وَفِي الْكَافِي لِلْعَلَّامَةِ النَّسَفِيِّ: ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ أَوْ عَبْدٌ مَحْجُورٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ مَجْنُونٌ تَصْحِيفٌ انْتَهَى (لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ (دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى) ظَنِّ (أَنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ إلَّا عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ (فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يَتَخَيَّرُ) ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ عَنْهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ، فَصَارَ (كَمَا إذَا عَثَرَ) أَيْ اطَّلَعَ (عَلَى عَيْبٍ) أَيْ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا عَدَمُ الرِّضَا. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْبَائِعِ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَالْعُقُودُ الَّتِي يَعْقِدُهَا الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ) وَقَالَ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ: وَالْعَقْدُ الَّذِي يَعْقِدُهُ الْوُكَلَاءُ: أَيْ جِنْسُ الْعَقْدِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ) أَيْ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ) أَقُولُ: هَذِهِ الْكُلِّيَّةُ تَنْتَقِضُ بِمَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ، فَإِنَّ حُقُوقَ عَقْدِهِمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَمَا عَرَفْته فِيمَا مَرَّ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ (لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَكَذَا تَوَابِعُهُ وَصَارَ) أَيْ صَارَ الْوَكِيلُ فِي هَذَا الضَّرْبِ (كَالرَّسُولِ) فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: كُنْ رَسُولِي فِي بَيْعِ عَبْدِي وَحُقُوقُ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ بِلَا خِلَافٍ (وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ) أَيْ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي فَإِنَّ حُقُوقَ عَقْدِ النِّكَاحِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ اتِّفَاقًا كَمَا سَيَجِيءُ

وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ، وَصِحَّةُ عِبَارَتِهِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ سَفِيرًا عَنْهُ لَمَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ كَالرَّسُولِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِالثَّمَنِ إذَا اشْتَرَى، وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَيُخَاصِمُ فِي الْعَيْبِ وَيُخَاصِمُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذَا الضَّرْبِ هُوَ الْعَاقِدُ (حَقِيقَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ (لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ وَصِحَّةُ عِبَارَتِهِ) أَيْ وَصِحَّةُ عِبَارَةِ الْعَاقِدِ: أَيْ صِحَّةُ كَلَامِهِ (لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لَهُ أَهْلِيَّةُ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ لَا لِكَوْنِهِ وَكِيلًا) ، فَكَانَ الْعَقْدُ الْوَاقِعُ مِنْهُ وَلِغَيْرِهِ سَوَاءً. وَفِي الْكَافِي: فَقَضِيَّتُهُ تَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ بِالتَّصَرُّفِ وَاقِعًا لَهُ غَيْرَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا اسْتَنَابَهُ فِي تَحْصِيلِ الْحُكْمِ جَعَلْنَاهُ نَائِبًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَرَاعَيْنَا الْأَصْلَ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ (وَكَذَا حُكْمًا) أَيْ وَكَذَا الْوَكِيلُ فِي هَذَا الضَّرْبِ هُوَ الْعَاقِدُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَوْ كَانَ سَفِيرًا) عَنْهُ (لَمَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ (كَالرَّسُولِ) وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَغْنِيَانِ عَنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) أَيْ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ فِي هَذَا الضَّرْبِ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا (كَانَ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ فَتَتَعَلَّقُ) حُقُوقُ الْعَقْدِ (بِهِ) أَيْ تَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ (فَلِهَذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ الْوَكِيلِ فِي هَذَا الضَّرْبِ أَصْلًا فِي الْحُقُوقِ (قَالَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَقِيلَ: أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَبْسُوطِ (يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ) أَيْ يُسَلِّمُ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ (وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ) إذَا بَاعَ (وَيُطَالَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ: أَيْ يُطَالَبُ الْوَكِيلُ (بِالثَّمَنِ إذَا اشْتَرَى وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ) أَيْ وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ إذَا اشْتَرَى (وَيُخَاصَمُ فِي الْعَيْبِ وَيُخَاصِمُ فِيهِ) بِفَتْحِ الصَّادِ فِي الْأَوَّلِ وَكَسْرِهَا فِي الثَّانِي، فَالْأَوَّلُ فِيمَا إذَا بَاعَ، وَالثَّانِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا فَائِدَةً جَلِيلَةً يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهَا قَدْ ذَكَرَهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْحُقُوقَ نَوْعَانِ: حَقٌّ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ، وَحَقٌّ يَكُونُ عَلَى الْوَكِيلِ. فَالْأَوَّلُ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَمُطَالَبَةِ ثَمَنِ الْمُشْتَرِي وَالْمُخَاصَمَةِ فِي الْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ بِثَمَنٍ مُسْتَحَقٍّ. فَفِي هَذَا النَّوْعِ لِلْوَكِيلِ وِلَايَةُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَكِنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَا يُجْبِرُهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْعَمَلِ بَلْ يُوَكِّلُ الْمُوَكِّلُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ بَعْضُ هَذَا، وَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ فَوِلَايَةُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا وَكَّلُوا مُوَكِّلَ مُورِثِهِمْ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلْمُوَكَّلِ وِلَايَةُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِلَا تَوْكِيلٍ مِنْ الْوَكِيلِ أَوْ وَارِثِهِ. وَفِي النَّوْعِ الْآخَرِ يَكُونُ الْوَكِيلُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُجْبِرَ الْوَكِيلَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَأَخَوَاتِهِمَا إلَى هُنَا كَلَامُهُ (وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْوَكِيلِ، هَذَا جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ، وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ

اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ كَالْعَبْدِ يُتَّهَبُ وَيُصْطَادُ هُوَ الصَّحِيحُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمُوَكِّلِ فَكَذَا تَوَابِعُهُ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً، لَكِنْ لَا أَصَالَةَ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ تَوَابِعُهُ أَيْضًا بَلْ خِلَافَةٌ عَنْ الْوَكِيلِ، وَمَعْنَى الْخِلَافِ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً وَيَنْعَقِدَ السَّبَبُ مُوجِبًا حُكْمَهُ لِلْوَكِيلِ فَكَانَ الْمُوَكِّلُ قَائِمًا مَقَامَ الْوَكِيلِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ (اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ خَلَفٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ اسْتِفَادَةِ التَّصَرُّفِ وَالْمُوَكِّلَ خَلَفٌ عَنْ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْمِلْكِ (كَالْعَبْدِ يُتَّهَبُ وَيُصْطَادُ) فَإِنَّهُ إذَا اُتُّهِبَ: أَيْ قَبِلَ الْهِبَةَ وَاصْطَادَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً خِلَافَةً عَنْ الْعَبْدِ، فَإِنْ وَلَّاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَتَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ جِهَتَيْنِ: جِهَةُ حُصُولِهِ بِعِبَارَتِهِ وَجِهَةُ نِيَابَتِهِ، وَإِعْمَالُهُمَا وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا، فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ وَالْحُقُوقَ لِلْوَكِيلِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لِحُصُولِهِمَا بِعِبَارَتِهِمْ وَأَهْلِيَّتِهِ بَطَلَ تَوْكِيلُ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ أَثْبَتْنَاهُمَا لِلْمُوَكِّلِ بَطَلَ عِبَارَةُ الْوَكِيلِ. فَأَثْبَتْنَا الْمِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ الْغَرَضُ مِنْ التَّوْكِيلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ فَتُعَيَّنُ الْحُقُوقُ لِلْوَكِيلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِغَيْرِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ السَّبَبُ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيَصْطَادُ فَإِنَّ مَوْلَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ طَرِيقَةُ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: قَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ أَصَحُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ طَرِيقَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَهِيَ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِلَيْهَا ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهِيَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ كَمَا ذُكِرَ فِي التَّحْرِيرِ، وَإِنَّمَا قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ أَوْ قَرِيبَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَجَوَابُهُ أَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ يَحْتَاجُ إلَى مِلْكٍ مُسْتَقِرٍّ دَائِمٍ وَمِلْكُ الْوَكِيلِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَلَا دَائِمٍ فِيهِ بَلْ يَزُولُ عَنْهُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ. قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ حُرَّةً عَلَى رَقَبَتِهَا فَأَجَازَ مَوْلَاهَا فَإِنَّهُ تَصِيرُ الْأَمَةُ مَهْرًا لِلْحُرَّةِ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَإِنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ حَيْثُ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْحُرَّةِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ إطْلَاقَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ انْتَهَى. أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا النَّظَرِ

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى مُوَكِّلِهِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمُهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ لَهُ فَصَارَ كَالرَّسُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمِلْكَ الْكَامِلَ هُوَ الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ فَلَا مُخَالَفَةَ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: إنَّ الْقَاضِيَ أَبَا زَيْدٍ خَالَفَهُمَا وَقَالَ: الْوَكِيلُ نَائِبٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصِيلٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ، فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ لَهُ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ قِبَلِهِ فَوَافَقَ أَبَا الْحَسَنِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ، وَوَافَقَ أَبَا طَاهِرٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهَذَا حَسَنٌ، كَذَا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى (قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) أَيْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْقَصْرُ عَلَيْهِ قُصُورٌ بَلْ الظَّاهِرُ عُمُومُ الْحَوَالَةِ لِمَا يَذْكُرُهُ فِي فَصْلٍ فِي الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ إلَخْ. أَقُولُ: الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِمُقْتَضَى تَعَلُّقِ حُقُوقِ عَقْدِ الشِّرَاءِ بِالْوَكِيلِ. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا إنْ بَقِيَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ يَبْقَى حَقُّ الرَّدِّ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ بَلْ كَانَ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ يَسْقُطُ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْوَكَالَةِ بِالتَّسْلِيمِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى إذْنِ الْمُوَكِّلِ. وَلَمَّا لَمْ يُعْلَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ هَاهُنَا وَكَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ أَحَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَأَمَّا الَّذِي يَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ إلَخْ فَمِمَّا لَا مِسَاسَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رُدَّ الْعَبْدُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِعَيْبٍ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ قَاصِرَةٍ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ وَرَاءَ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ يَجْرِي بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَوَالَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ الْعَيْبِ، فَلِهَذَا لَمْ يُعَمِّمْهَا الشُّرَّاحُ كَمَا تَوَهَّمَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ) أَيْ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ (إلَى مُوَكِّلِهِ) هَذِهِ ضَابِطَةُ الضَّرْبِ الثَّانِي: أَيْ كُلُّ عَقْدٍ لَا يَسْتَغْنِي الْوَكِيلُ فِيهِ عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ (كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ) فَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُطَالَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمُهَا) أَيْ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا (لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ (سَفِيرٌ مَحْضٌ) أَيْ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ حَاكٍ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ، وَمَنْ حَكَى قَوْلَ الْغَيْرِ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ قَوْلِ ذَلِكَ الْغَيْرِ (أَلَا يُرَى أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ) كَيْفَ (وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ) مَثَلًا (لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ نَفْسِهِ فَيَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْوَكَالَةِ وَالْكَلَامِ فِيهِ (فَصَارَ كَالرَّسُولِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَكِيلُ فِي هَذَا الضَّرْبِ سَفِيرًا مَحْضًا فَقَدْ صَارَ كَالرَّسُولِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحُكْمَ

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ سَفِيرًا. وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَخَوَاتِهِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرِّسَالَةِ يَرْجِعُ إلَى الْمُرْسِلِ دُونَ الرَّسُولِ (وَهَذَا) يَعْنِي كَوْنَ الْحُقُوقِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، وَهَذَا عَلَى مَا هُوَ دَأْبُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ هَذَا مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ دَلِيلٍ عَلَى مُدَّعٍ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ إلَخْ، وَيُرِيدُ بِهِ بِذِكْرِ دَلِيلٍ آخَرَ لَمِّيٍّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ دَلِيلًا إنِّيًّا فَهَاهُنَا لَمَّا بَيَّنَ إنِّيَّةَ كَوْنِ الْحُقُوقِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ بِكَوْنِ الْوَكِيلِ فِيهَا سَفِيرًا مَحْضًا غَيْرَ مُسْتَغْنٍ عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لَمِّيَّتَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ (لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ) حَتَّى لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ، إذْ الْخِيَارُ يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ فَيُوجِبُ تَرَاخِيَهُ عَنْ السَّبَبِ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ (إسْقَاطٌ) أَيْ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ. أَمَّا فِي غَيْرِ النِّكَاحِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلِأَنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، وَهُنَّ فِي الْأَصْلِ خُلِقْنَ حَرَائِرَ وَالْحُرِّيَّةُ تَسْتَدْعِي انْتِفَاءَ وُرُودِ الْمِلْكِ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِهَا، إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ نَوْعَ مِلْكٍ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِالنِّكَاحِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّسْلِ، فَكَانَ ذَلِكَ إسْقَاطًا لِمَعْنَى الْمَالِكِيَّةِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْحُرِّيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ فَكَانَ النِّكَاحُ إسْقَاطًا لِلْحُرْمَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي. وَإِذَا كَانَ السَّبَبُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ إسْقَاطًا (فَيَتَلَاشَى) أَيْ فَيَضْمَحِلُّ (فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ) أَيْ صُدُورُ السَّبَبِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ (مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ) كَمَا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ (فَكَانَ سَفِيرًا) أَيْ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَفِيرًا مَحْضًا. فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْحُكْمِ بَلْ فِي الْحُقُوقِ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ؟ قُلْت: إنَّهُمْ قَالُوا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ إنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ، وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ اعْتِبَارًا لِعِبَارَتِهِ، وَهَا هُنَا إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ الْحُكْمُ عَنْ الْعِبَارَةِ لِكَوْنِهَا لِلْإِسْقَاطِ، فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِلْوَكِيلِ أَوْ تَنْتَقِلَ الْعِبَارَةُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ التَّوْكِيلَ وَيُنَافِي الْإِضَافَةَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ سَفِيرًا (وَالضَّرْبُ الثَّانِي) وَهُوَ كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى مُوَكِّلِهِ (مِنْ أَخَوَاتِهِ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ الَّتِي بَيْنَهُنَّ أُخُوَّةٌ: أَيْ مُشَارَكَةٌ فِي الْحُكْمِ (الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ) .

وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ. فَأَمَّا الصُّلْحُ الَّذِي هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْبَيْعِ فَهُوَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَالْوَكِيلُ بِالْهِبَةِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ وَالْإِقْرَاضِ سَفِيرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مُبْتَدَأٌ مَوْصُوفٌ. وَقَوْلُهُ مِنْ أَخَوَاتِهِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِمُبْتَدَإٍ ثَانٍ وَهُوَ قَوْلُهُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ. وَالْجُمْلَةُ أَعْنِي الْمُبْتَدَأَ الثَّانِيَ مَعَ خَبَرِهِ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ، فَحَاصِلُ الْمَعْنَى وَمِنْ أَخَوَاتِ الضَّرْبِ الثَّانِي الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا: أَيْ الْعُقُودُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ أَخَوَاتِهَا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، وَقَالَ: إنَّمَا فَسَّرْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ وَأَخَوَاتِهِ مِنْ مَشْمُولَاتِ الضَّرْبِ الثَّانِي لَا مِنْ أَخَوَاتِهِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ التَّفْسِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ التَّرْكِيبُ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ أَصْلًا فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَأَخَوَاتِهِ مِنْ مَشْمُولَاتِ الضَّرْبِ الثَّانِي لَا مِنْ أَخَوَاتِهِ فَإِنَّمَا يُنَافِي اعْتِبَارَ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الضَّرْبِ الثَّانِي وَمَشْمُولَاتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إضَافَةُ الْأَخَوَاتِ إلَى ضَمِيرِ الضَّرْبِ الثَّانِي لِكَوْنِهَا مِنْ أَفْرَادِهِ، وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالْأَخَوَاتِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مُشَارَكَتِهَا فِي الْحُكْمِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ مِنْ أَخَوَاتِهِ. نَعَمْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْإِضَافَةِ اعْتِبَارُ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، لَكِنَّ قَرِينَةَ الْمَقَامِ صَارِفَةٌ عَنْهُ إلَى مَا قُلْنَا فَتَدَبَّرْ (وَالْكِتَابَةُ) عَطْفٌ عَلَى الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ دَاخِلٍ فِي حُكْمِ الْكَلَامِ السَّابِقِ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ) وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذِهِ الْعُقُودَ مِنْ قَبِيلِ الضَّرْبِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ دُونَ الْمُعَاوَضَاتِ. أَمَّا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهِمَا بِمُقَابَلَةِ إزَالَةِ الرِّقِّ وَفَكِّ الْحَجْرِ. وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهِ بِمُقَابَلَةِ دَفْعِ الْخُصُومَةِ وَافْتِدَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَأَمَّا الصُّلْحُ الَّذِي هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْبَيْعِ فَهُوَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ) أَرَادَ بِالصُّلْحِ الَّذِي هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْبَيْعِ الصُّلْحَ عَنْ إقْرَارٍ فِيمَا إذَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ فَإِنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ كَانَ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ فَهُوَ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيهِ سَفِيرًا مَحْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ التَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ. أَقُولُ: فَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا وَقَعَ هَاهُنَا فِي الشُّرُوحِ مِنْ تَفْسِيرِ الصُّلْحِ الَّذِي هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْبَيْعِ بِالصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا ذَكَرْنَاهُ تَقْصِيرٌ فِي تَعْيِينِ الْمَرَامِ وَتَحْقِيقِ الْمَقَامِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا هَاهُنَا لَمَا بَدَّلَ الْمُصَنِّفُ اللَّفْظَ الْيَسِيرَ بِاللَّفْظِ الْكَثِيرِ (وَالْوَكِيلُ بِالْهِبَةِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ وَالْإِقْرَاضِ سَفِيرٌ أَيْضًا) وَتَفْسِيرُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ أَوْ يُودِعَهُ أَوْ يُرْهِنَهُ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ وَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ بِرَدِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى يَدِهِ، وَلَا أَنْ يَقْبِضَ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَلَا الرَّهْنَ وَلَا الْقَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ هَذِهِ الْعُقُودِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ فِيهِ أَصِيلًا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي يُلَاقِيهِ الْقَبْضُ فَكَانَ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا عَنْ الْمَالِكِ انْتَهَى. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا) أَيْ فِي الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ (يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ) أَيْ

وَأَنَّهُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ، وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ، إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَنَظَائِرِهِمَا (وَأَنَّهُ) أَيْ الْقَبْضَ (يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَكِيلِ، فَالْحُكْمُ أَيْضًا يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ (فَلَا يُجْعَلُ) أَيْ الْوَكِيلُ (أَصِيلًا) لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا عَنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَقُومُ بِالْقَبُولِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَصِيلًا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي التَّكَلُّمِ وَكَلَامُهُ مَمْلُوكٌ لَهُ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَقَوْلُهُ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا مُقْتَضَاهُ أَصِيلًا فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَيَدْفَعُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا لَاقَى مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْوَكِيلِ كَانَ ثَابِتًا لِمَنْ لَهُ الْمَحَلُّ وَالْحُقُوقُ فِيمَا يُثْبِتُ الْحُكْمَ بِالْعِبَارَةِ وَحْدَهَا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْحُكْمُ الِانْفِصَالَ عَنْهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمُوَكِّلِ بِجَعْلِ الْعِبَارَةِ سِفَارَةً فَفِيمَا احْتَاجَ إلَى الْقَبْضِ أَوْلَى لِضَعْفِهَا فِي الْعَلِيَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا اسْتِشْكَالُهُ بِشَيْءٍ وَلَا دَفْعُهُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لَمْ يُجْعَلْ أَصِيلًا فِي الْحُكْمِ ثَبَتَ أَيْضًا مَا فِيهِ الْكَلَامُ وَهُوَ عَدَمُ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، إذْ قَدْ كَانَ مَبْنَى تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْوَكِيلِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُجْعَلَ الْوَكِيلُ أَصِيلًا فِي الْحُكْمِ، فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ فِي الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ أَصِيلًا فِيهِ تَعَيَّنَ عَدَمُ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ فِيهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى انْتِقَالِ الْحُقُوقِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْحُكْمُ الِانْفِصَالَ عَنْ الْعِبَارَةِ لَيْسَ إلَّا كَوْنُ السَّبَبِ إسْقَاطًا مُتَلَاشِيًا، وَالسَّبَبُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَا مُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ. وَأَمَّا الضَّعْفُ فِي الْعَلِيَّةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَدْخَلٌ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ نَفْسِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَا فِي حَقِّ الِانْتِقَالِ فَتَأَمَّلْ. (وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالِاسْتِيهَابِ أَوْ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ الِارْتِهَانِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا أَيْضًا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ وَالْحُقُوقُ كُلُّهَا بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ. وَفِي الْعِنَايَةِ: أَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِلْمُوَكِّلِ، وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ لِاجْتِمَاعِ الْقَوْلِ وَالْقَبْضِ. وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَهِيَ تَجْعَلُ الْقَبْضَ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ انْتَهَى (وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا أَيْضًا وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ، حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ يَقَعُ عَنْهُ لَا عَنْ مُوَكِّلِهِ (إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ: " وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ " (حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ) فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ مِنْ الْآمِرِ، وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاعْلَمْ أَنِّي أُعِيدُ لَك هَاهُنَا مَا ذَكَرْته فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَأَزِيدُك مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُ لِكَوْنِ الْمَقَامِ مِنْ مَعَارِكِ الْآرَاءِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَك فَاحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ سَمَحَ ذِهْنُك بِخِلَافِهِ فَلَا مَلُومَةَ فَإِنَّ جَهْدَ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ: التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَرُدَّ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ هُوَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مِلْكُهُ. وَأُورِدَ بِأَنَّهُ هَلَّا جُعِلَ مَحَلُّهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ الْبَدَلَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ إيفَاءِ الْقَرْضِ لَا الِاسْتِقْرَاضِ. وَأُورِدَ التَّوْكِيلُ بِالِاتِّهَابِ وَالِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا مَحَلَّ لَهُ سِوَى الْمُسْتَعَارِ وَالْمَوْهُوبِ إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ بَدَلٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ فَيُجْعَلُ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ وَالْمَوْهُوبَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِالْإِعَارَةِ وَالْهِبَةِ لَا الِاسْتِعَارَةُ وَالِاتِّهَابُ، وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِيهِمَا عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِجَعْلِهَا مُوجِبَةً لِلْمِلْكِ عِنْدَ الْقَبْضِ بِإِقَامَةِ الْمُوَكِّلِ مَقَامَ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ فِي الِاسْتِقْرَاضِ كَذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّا اعْتَبَرْنَا الْعِبَارَةَ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَنَحْوِهَا ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعَقْدِ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ يَلْزَمُ فِي الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَدَلٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا مَحَلًّا لَهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَفِيهِ بَدَلٌ مُعْتَبَرٌ لِلْإِيفَاءِ فِي الذِّمَّةِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ لِبُطْلَانِ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ الدَّلِيلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَمُخْتَارِ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي صَدْرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَيْسَ بِتَامٍّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالْأَمْرَ بِهِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَرِضَاهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ مِلْكَ الْغَيْرِ أَوْ أَمَرَ بِغَصْبِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ فَيَجُوزُ قَطْعًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ لِنَفْسِهِ يَقْبِضُ الْمَالَ الْمُسْتَقْرَضَ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْمُقْرِضِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ يَقْبِضُ الْمُسْتَعَارَ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْمُعِيرِ وَيَسْتَعْمِلُهُ، وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ إنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْمُقْرِضِ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ لَا بِالْجَبْرِ وَالْغَصْبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ أَيْضًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّدِّ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ فِي الشِّرَاءِ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَمْرٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ بِإِيجَادِ الْعَقْدِ، وَقَبْضُ الْمَبِيعِ مِنْ مُتَفَرِّعَاتِ الْعَقْدِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ أَمْرًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ. سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَمْرٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ أَيْضًا لَكِنَّهُ أَمْرٌ بِهِ بَعْدَ إيجَادِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْمَبِيعُ بَعْدَ إيجَادِ الْعَقْدِ مِلْكُ الْمُشْتَرِي لَا مِلْكُ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّ الْمُسْتَقْرَضَ لَا يَكُونُ مِلْكَ الْمُسْتَقْرِضِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ. فَالصَّوَابُ فِي تَمْشِيَةِ النَّقْضِ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَمْرٌ بِتَمَلُّكِ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ كَمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ إنَّ مَحَلَّهُ هُوَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ أَنَّ مَحَلَّ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ هُوَ نَفْسُ الثَّمَنِ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِإِيفَاءِ الثَّمَنِ بَعْدَ تَمَامِ عَقْدِ الشِّرَاءِ لَا مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّهُ هُوَ إيجَابُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ جَوَابُهُ عَنْ الْإِيرَادِ الْآتِي فَإِنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ هُوَ أَنَّهُ هَلَّا جُعِلَ مَحَلُّهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ أَيْضًا إيجَابَ الْبَدَلِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَا يَتَيَسَّرُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ إيفَاءِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ إيفَائِهِ هُوَ نَفْسُ الْبَدَلِ لَا إيجَابُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ. بَلْ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْبَدَلَ فِي بَابِ الْقَرْضِ إنَّمَا يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْقَبْضِ لَا بِعَقْدِ الْقَرْضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ الْأَمْرِ بِالْقَبْضِ أَوَّلًا حَتَّى يَسْتَقِيمَ الْأَمْرُ بِإِيجَابِ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْأَمْرُ بِالْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ بَعْدُ لِكَوْنِ الْمَقْبُوضِ مِلْكَ الْغَيْرِ. وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّقْضِ بِالِاتِّهَابِ وَالِاسْتِعَارَةِ: إنَّ الْمُسْتَعَارَ وَالْمَوْهُوبَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِالْإِعَارَةِ وَالْهِبَةِ لَا الِاسْتِعَارَةِ وَالِاتِّهَابِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِيهِمَا عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّهُ إنْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِعَارَةِ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَسْتَعِيرُ مِنْك كَذَا، وَقَالَ الْوَكِيلُ بِالِاتِّهَابِ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَتَّهِبُ مِنْك كَذَا، فَإِنَّهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَا مُتَصَرِّفَيْنِ فِي عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا الْكَلَامَ حِينَئِذٍ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بَلْ أَخْرَجَاهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ دُونَ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ صَحِيحَةٌ فِي الِاسْتِقْرَاضِ أَيْضًا حَتَّى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَوْ أَخْرَجَ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ فَقَالَ إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا كَانَ مَا اسْتَقْرَضَهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَلَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا. وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِعَارَةِ: أَسْتَعِيرُ مِنْك كَذَا لِفُلَانٍ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ الْوَكِيلُ بِالِاتِّهَابِ أَتَّهِبُ مِنْك كَذَا لِفُلَانٍ الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّمَا فِي هَاتِيكَ الصُّورَةِ جَرْيًا عَلَى حُكْمِ وَكَالَتِهِمَا وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مُتَصَرِّفَيْنِ فِي عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ أَصْلًا حَيْثُ لَمْ يَحْكِيَا عَنْهُ كَلَامًا، بَلْ إنَّمَا تَكَلَّمَا بِكَلَامِ أَنْفُسِهِمَا إلَّا أَنَّهُمَا أَضَافَا الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِمَا كَمَا فِي سَائِرِ صُوَرِ الضَّرْبِ الثَّانِي، فَأَيْنَ يَتَمَشَّى الْقَوْلُ بِأَنَّ مَحَلَّ التَّوْكِيلِ فِيهِمَا عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْهُ يُخَالِفُ صَرِيحَ مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَارْتَضَاهُ كِبَارُ الشُّرَّاحِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ أَنَّ الْمَوْضُوعَ لِنَقْلِ الْعِبَارَةِ إنَّمَا هُوَ الرِّسَالَةُ، فَإِنَّ الرَّسُولَ مُعَبِّرٌ وَالْعِبَارَةُ مِلْكُ الْمُرْسِلِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ. وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَغَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ فِيهَا لِلْوَكِيلِ. وَأَمَّا خَامِسًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَالْجَوَابُ إنَّا اعْتَبَرْنَا الْعِبَارَةَ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَنَحْوِهَا ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعَقْدِ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ يَلْزَمُ فِي الذِّمَّةِ إلَخْ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْخَلَفِ عَنْ الْبَدَلِ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَمَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ التَّبَرُّعَاتِ فَلَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِيَةِ فَلَا مَعْنَى لِحَدِيثِ الْخَلْفِيَّةِ هَاهُنَا. وَأَيْضًا اسْتِحَالَةُ اجْتِمَاعِ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ إنَّمَا تَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ اعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ لَا عَدَمَ جَوَازِ اعْتِبَارِهَا مُطْلَقًا، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ أَيْضًا لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ؟ أَلَا يُرَى أَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ مَحَلًّا لِلرِّسَالَةِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الرِّسَالَةُ فِيهِ تَأَمُّلٌ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ بَعْضُهُمْ فِي بَيَانِ بُطْلَانِ اسْتِقْرَاضِ الْوَكِيلِ: إنَّ الْعِبَارَةَ لِلْوَكِيلِ وَالْمَحَلَّ الَّذِي أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ مِلْكُ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي يَسْتَقْرِضُهَا الْوَكِيلُ مِلْكَ الْمُقْرِضِ، وَالْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ. قُلْت: هَذَا الَّذِي قَالَ يَبْطُلُ بِالتَّوْكِيلِ بِالِاسْتِعَارَةِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَيْسَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا فَهِمَهُ هَذَا الْقَائِلُ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ أَقْرِضْنِي كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا حَتَّى لَا يَكُونَ الْقَرْضُ لِلْمُوَكِّلِ بَلْ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ، إلَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَبَلَّغَ

بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ فِيهِ. قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ لِمَا أَنَّ الْحُقُوقَ إلَى الْعَاقِدِ (فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: أَرْسَلَنِي فُلَانٌ إلَيْك يَسْتَقْرِضُ كَذَا فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ وَيَقَعُ الْقَرْضُ لِلْمُوَكِّلِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُوَكِّلَ عَنْهُ فَافْهَمْهُ فَفِيهِ غِنًى عَنْ تَطْوِيلٍ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: وَفِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ أَنَّ الْوَكِيلَ هَاهُنَا سَفِيرٌ أَيْضًا لَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِهِ بَلْ بِمُوَكِّلِهِ لِإِضَافَتِهِ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ دُونَ نَفْسِهِ، وَإِنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً، وَمِنْهُمْ هَذَا الشَّارِحُ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا مَا فَهِمَهُ هَذَا الشَّارِحُ لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِ الِاسْتِثْنَاءِ بِبُطْلَانِ صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ مَعْنًى، إذْ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يَصِيرُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ مَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَوْهِبِ وَالْمُرْتَهِنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ لَا إلَى الْمُوَكِّلِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَيَكُونُ مَا أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِمُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ كُلَّهَا مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي، وَمِنْ شَرْطِ هَذَا الضَّرْبِ أَنْ يُضِيفَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ، فَإِذَا انْتَفَى بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ قَطْعًا، وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الشَّارِحَ قَدْ هَرَبَ هَاهُنَا عَنْ وَرْطَةٍ وَوَقَعَ فِي وَرْطَةٍ أُخْرَى أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى حَتَّى أَفْسَدَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ فِيمَا إذَا اسْتَقْرَضَ لِلْآمِرِ إلَّا إذَا بَلَّغَ عَلَى سَبِيلِ الرِّسَالَةِ فَيَقُولُ أَرْسَلَنِي إلَيْك فُلَانٌ يَسْتَقْرِضُ مِنْك فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُسْتَقْرِضِ: أَيْ الْمُرْسِلِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزٌ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ) أَيْ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ (أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ، لِمَا) تَقَدَّمَ (أَنَّ الْحُقُوقَ تَعُودُ إلَى الْعَاقِدِ) فِي الْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ، وَلِهَذَا إذَا نَهَاهُ الْوَكِيلُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ صَحَّ، وَإِنْ نَهَاهُ الْمُوَكِّلُ عَنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ مُطَالَبَةُ الْمُوَكِّلِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَكِيلِ (فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ) أَيْ إنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ (جَازَ) يَعْنِي وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ جَازَ دَفْعُهُ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا. فَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ لِلْعَطْفِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ، وَلَكِنْ لَوْ بُدِّلَتْ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَحْسَنَ كَمَا لَا يَخْفَى (وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (ثَانِيًا؛ لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَتْ مُطَالَبَتُهُ حَقَّ الْوَكِيلِ (وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ)

وَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ الدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ وَبِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ إنْ كَانَ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْفَصْلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ وَصَلَ حَقُّ الْمُوَكِّلِ إلَى نَفْسِهِ (فَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُوَكِّلِ (ثُمَّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ، وَأَمَّا فِي الصَّرْفِ فَقَبْضُ الْمُوَكِّلِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ فِي الصَّرْفِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ وَلَوْ ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْقَبُولِ وَقَبِلَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَجُزْ. فَكَذَا إذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ وَقَبَضَ الْمُوَكِّلُ، أُشِيرَ إلَى هَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ نَفْسِ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقَّ الْمُوَكِّلِ (لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَتُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَوْ أَبْرَآهُ جَمِيعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا بَرِئَ الْمُشْتَرِي بِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ فَكَذَا هَاهُنَا، وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْوَكِيلِ احْتَجْنَا إلَى قَضَاءٍ آخَرَ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَقْضِي لِلْمُوَكِّلِ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ لَمْ نَحْتَجْ إلَى قَضَاءٍ آخَرَ فَجَعَلْنَاهُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ فَقَدْ أَثْبَتْنَا حُكْمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْوَكِيلِ لَأَثْبَتْنَا حُكْمًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ. وَلَمَا اُسْتُشْعِرَ أَنْ يُقَالَ الْمُقَاصَّةُ لَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ نَفْسِ الثَّمَنِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَإِنَّهَا تَقَعُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي دَيْنٌ عَلَى الْوَكِيلِ وَحْدَهُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَبِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ) إنْ كَانَ (تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِمَا أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُشْتَرِي (عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ إنْ كَانَ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَهُمَا بِدَيْنِ الْوَكِيلِ وَحْدَهُ لِعِلَّةِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا فَيَمْلِكُ الْمُقَاصَّةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَتُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ) أَيْ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ الثَّمَنَ (لِلْمُوَكِّلِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ الْإِبْرَاءِ وَالْمُقَاصَّةِ، بِخِلَافِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ

[باب الوكالة في البيع والشراء]

(بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) (فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْفَصْلَيْنِ فَافْتَرَقَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إبْرَاءُ الْوَكِيلِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِلْكُ الْمُوَكِّلِ، فَإِبْرَاءُ الْوَكِيلِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ، كَمَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْمُشْتَرِي. وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ خَالِصُ حَقِّ الْوَكِيلِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ هُوَ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقَبْضِ مُسْقِطًا حَقَّ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ. ثُمَّ أَنَّهُ لَمَّا أُسْقِطَ حَقُّ الْقَبْضِ انْسَدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَابُ الِاسْتِيفَاءِ إذْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فَصَارَ ضَامِنًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ يَعْتِقُ الْمَرْهُونَ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَلَكِنْ يَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ لِانْسِدَادِ بَابِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِثْلُ هَذَا الْبَيْعِ الَّذِي يُوجِبُ مُقَاصَّةَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ يَصِلُ إلَيْهِ ثَمَنُهُ وَهَا هُنَا لَا يَصِلُ. قُلْت: إنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْآمِرِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْآمِرَ يَمْلِكُ إبْرَاءَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ عِنْدَهُمْ فَيَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ بِعِوَضٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. [بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] [فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ] (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) (فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ) قَدَّمَ مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَأَمَسُّ حَاجَةً وَهُوَ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَقَدَّمَ فَصْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ. وَالْبَيْعُ يُنْبِئُ عَنْ إزَالَتِهِ، وَالْإِزَالَةُ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ لِتَقْدِيمِ فَصْلِ الشِّرَاءِ

(قَالَ: وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَعِيفُ جِدًّا، بَلْ هُوَ أَمْرٌ وَهْمِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ كَمَا يُنْبِئُ عَنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ يُنْبِئُ أَيْضًا عَنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّ الْبَيْعَ كَمَا يُنْبِئُ عَنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَبِيعِ يُنْبِئُ أَيْضًا عَنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الثَّمَنِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا إنَّ الشِّرَاءَ جَالِبٌ لِلْمَبِيعِ سَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَالْبَيْعُ عَلَى عَكْسِهِ، فَهُمَا سِيَّانِ فِي الْإِنْبَاءِ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَالْإِزَالَةِ. وَإِنْ وُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْعُمْدَةَ فِي عَقْدِ الْمُبَايَعَةِ هُوَ الْمَبِيعُ فَيَكْفِي إنْبَاءُ الشِّرَاءِ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَالْبَيْعِ عَنْ الْإِزَالَةِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ. قُلْنَا: لَا شَكَّ أَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ لَيْسَ بِمُقَدَّمٍ عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي كُلِّ مَبِيعٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ هُوَ قَبْلَ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْهُ مِلْكَانِ مُسْتَقِلَّانِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ وَزَوَالَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ مَعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّخْصَيْنِ. وَأَمَّا قَضِيَّةُ كَوْنِ الْإِزَالَةِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّمَا تُجْرَى فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ. فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَجْهَ فِي تَقْدِيمِ فَصْلِ الشِّرَاءِ عَلَى فَصْلِ الْبَيْعِ مَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَقْدِيمِ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى سَائِرِ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ كَوْنِهِ أَكْثَرَ وُقُوعًا وَأَمَسَّ حَاجَةً، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُوَكِّلُ الْآخَرَ بِالشِّرَاءِ فِي مَأْكِلِهِ وَمَشَارِبِهِ وَمَلَابِسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي قَلَّمَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ فِي أَوْقَاتِهِ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، وَقَلَّمَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَوَلَّى شِرَاءَهَا بِنَفْسِهِ. بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ فِي بَابِ الْبَيْعِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ فِي الْعَيْنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ) كَذَا فِي الشُّرُوحِ (فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ) كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ جِنْسٌ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَكَذَا الْجَارِيَةُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ (وَصِفَتُهُ) أَيْ نَوْعُهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَيَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، فَقِيلَ الْجِنْسُ هُوَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُتَغَايِرَةٌ، وَالنَّوْعُ اسْمٌ لِأَحَدِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمٍ فَوْقَهُ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مُحَالًا إلَى أَهْلِ الْمَنْطِقِ: الْجِنْسُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالنَّوْعِ، وَالنَّوْعُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالشَّخْصِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ يُعَرِّفُ بِهِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا لَا حَاصِلَ لَهُ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُبْهَمٌ مُتَنَاوِلٌ لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ مُرَادَةٍ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ هَاهُنَا قَطْعًا. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ثَانِيًا لَا يُطَابِقُ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ قَطْعًا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَأَرَادَ بِالْجِنْسِ النَّوْعَ لَا مُصْطَلَحَ أَهْلِ الْمَنْطِقِ وَهُوَ الْكُلِّيُّ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالنَّوْعِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ، وَالنَّوْعُ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْعَدَدِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ، أَوْ أَرَادَ مُصْطَلَحَ أَهْلِ النَّحْوِ وَهُوَ مَا عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ مَا أَشْبَهَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجِنْسِ مَا يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ أَشْخَاصٌ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ الْمَهْرِ انْتَهَى. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي جَوَّزَ كَوْنَهَا مُرَادَةً بِالْجِنْسِ هَاهُنَا مَنْظُورٌ فِيهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالنَّوْعِ فِي قَوْلِهِ وَأَرَادَ بِالْجِنْسِ النَّوْعَ الْمَنْطِقِيَّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ الْأَجْنَاسِ الشَّرْعِيَّةِ مَا لَيْسَ بِنَوْعٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَنْطِقِ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِنَوْعَيْنِ عِنْدَهُمْ بَلْ هُمَا عِنْدَهُمْ مِنْ أَصْنَافِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ النَّوْعَ اللُّغَوِيَّ بِمَعْنَى الْقِسْمِ يَلْزَمُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ جَمِيعُ الْأَنْوَاعِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ أَصْنَافُهَا أَيْضًا، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا قِسْمٌ مِمَّا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْهُ، فَلَا يَتَمَيَّزُ الْجِنْسُ الشَّرْعِيُّ عَنْ النَّوْعِ الشَّرْعِيِّ وَمَا دُونَهُ فَيُخْتَلَ مَعْنَى الْمَقَامِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مُصْطَلَحُ أَهْلِ النَّحْوِ فِي اسْمِ الْجِنْسِ. وَحَاصِلُهُ مَا عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ يَصْدُقُ عَلَى مَا فَرَّقَ الْأَجْنَاسَ الشَّرْعِيَّةَ كَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَالرَّقِيقِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِمَّا يَجْمَعُ الْأَجْنَاسَ الشَّرْعِيَّةَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَيَصْدُقُ أَيْضًا عَلَى مَا تَحْتَ الْأَجْنَاسِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا دُونَهَا، فَلَا يَتَمَيَّزُ الْجِنْسُ الشَّرْعِيُّ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ فَيَخْتَلُّ مَعْنَى

أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ) لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقَامِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مُصْطَلَحُ حُكَمَاءِ الْيُونَانِ فِي الْجِنْسِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ سِينَا يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَفْهُومٍ كُلِّيٍّ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ أَشْخَاصٌ فَيَعُمُّ مَا فَوْقَ الْأَجْنَاسِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا تَحْتَهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَصْنَافِهَا، فَلَا يَتَمَيَّزُ الْجِنْسُ الشَّرْعِيُّ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا فَيَخْتَلُّ مَعْنَى الْمَقَامِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْمُرَادُ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ هَاهُنَا غَيْرُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَنْطِقِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ كَالْحَيَوَانِ، وَالنَّوْعُ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ كَالْإِنْسَانِ مَثَلًا، وَالصِّنْفُ هُوَ النَّوْعُ الْمُقَيَّدُ بِقَيْدٍ عَرَضِيٍّ كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا بِالْجِنْسِ مَا يَشْمَلُ أَصْنَافًا عَلَى اصْطِلَاحِ أُولَئِكَ وَبِالنَّوْعِ الصِّنْفُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِالْفِقْهِ أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقْرَبُ إلَى ضَبْطِ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ، لَكِنَّ فِيهِ أَيْضًا إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالصِّنْفِ فِي قَوْلِهِ وَبِالنَّوْعِ الصِّنْفِ الصِّنْفَ الْمَنْطِقِيَّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ، يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحِمَارَ نَوْعٌ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصِنْفٍ مَنْطِقِيٍّ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَنْطِقِ أَيْضًا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الصِّنْفَ اللُّغَوِيَّ بِمَعْنَى الضَّرْبِ وَالْقِسْمِ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّقِيقَ مَثَلًا صِنْفٌ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَلَيْسَ بِنَوْعٍ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُ الْأَجْنَاسَ الشَّرْعِيَّةَ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ مَثَلًا صِنْفَانِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَيْسَا بِنَوْعَيْنِ عِنْدَهُمْ بَلْ هُمَا عِنْدَهُمْ جِنْسَانِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ (أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ) أَيْ أَوْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَمِقْدَارِ ثَمَنِهِ (لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ) أَيْ فَيُمْكِنُ الْوَكِيلُ الِامْتِثَالَ لِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ الصِّفَةِ أَوْ الثَّمَنِ لَا يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِهِ. وَاعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الشِّرَاءُ. وَالْجَوَابُ: إنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَيْسَ هُوَ الشِّرَاءَ، بَلْ هُوَ شِرَاءُ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ النَّوْعُ لَمْ يُعْلَمْ الْفِعْلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ شِرَاءُ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَمَعْنَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ نَوْعَهُ مَعَ جِنْسِهِ أَوْ مَبْلَغَ ثَمَنِهِ مَعَ جِنْسِهِ لَمْ يَصِرْ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَلَمْ يُمْكِنْ لِلْوَكِيلِ الِائْتِمَارُ بِمَا أَمَرَ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ شِرَاءَ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الْمَفْرُوضِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ شِرَاءُ نَوْعٍ مَا مِنْ أَنْوَاعِ جِنْسٍ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ حِينَئِذٍ مَعْلُومٌ، وَهُوَ شِرَاءُ نَوْعٍ مَا مِنْ جِنْسٍ، فَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ يَصِيرُ مُؤْتَمَرًا بِمَا أُمِرَ بِهِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ شِرَاءَ نَوْعٍ مُطْلَقٍ مِنْ جِنْسٍ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُوَكِّلِ شِرَاءَ نَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ النَّوْعُ الْمُرَادُ لَمْ يُمْكِنْ لِلْوَكِيلِ

(إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً فَيَقُولَ: ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ تَتَحَمَّلُ فِي الْوَكَالَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ اسْتِحْسَانًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالِائْتِمَارُ بِأَمْرِهِ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا عَلَى وَفْقِ مُرَادِ الْمُوَكِّلِ فَيُمَكِّنُ لِلْوَكِيلِ الِائْتِمَارُ بِأَمْرِهِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي فَلَا يَدْرِي مُرَادَ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ: يَعْنِي إذَا وَكَّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً (فَيَقُولُ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ) أَيْ إلَى رَأْيِ الْوَكِيلِ (فَأَيَّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا) لِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَيَقَعُ عَنْهُ. أَعْلَمْ أَنَّ الْجَهَالَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: فَاحِشَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالرَّقِيقِ وَهِيَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ. وَيَسِيرَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْحِمَارِ وَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ: لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ وَصْفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ» وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهَا. وَمَبْنَى الْوَكَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ لِكَوْنِهَا اسْتِعَانَةً فَيَتَحَمَّلُ فِيهَا الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ اسْتِحْسَانًا. وَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْوَصْفِ بَعْضُ الْحَرَجِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَجَهَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ وَهِيَ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ شِرَاءِ أَمَةٍ أَوْ دَارٍ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ وَيُجْعَلُ مُلْحَقًا بِجَهَالَةِ النَّوْعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ لَا يَصِحُّ وَيُلْحَقُ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ. كَذَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَخْذًا مِنْ الْمَبَاسِيطِ وَالْجَوَامِعِ. فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُشِيرَ إلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْجَهَالَةِ، وَأَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. فَقَالَ (وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ تَتَحَمَّلُ فِي الْوَكَالَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ اسْتِحْسَانًا) هَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَتَحَمَّلَ الْجَهَالَةُ فِي الْوَكَالَةِ وَإِنْ قَلَّتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّا نَجْعَلُ الْوَكِيلَ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالْبَائِعِ مِنْ

لِأَنَّ مَبْنَى التَّوْكِيلِ عَلَى التَّوَسُّعَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ. وَفِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ (ثُمَّ إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَلَا يُدْرَى مُرَادُ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ (وَإِنْ كَانَ جِنْسًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ) ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا، وَبِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ فَلَا تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ. مِثَالُهُ: إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا فَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ كَالتُّرْكِيِّ وَالْحَبَشِيِّ أَوْ الْهِنْدِيِّ أَوْ السِّنْدِيِّ أَوْ الْمُوَلِّدِ جَازَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ بَيَّنَ النَّوْعَ أَوْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ وَالْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ وَالسِّطَةَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ، وَمُرَادُهُ مِنْ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ النَّوْعُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ) لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ الدَّابَّةَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَفِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَى الْخَيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوَكِّلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ وَصْفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ (لِأَنَّ مَبْنَى التَّوْكِيلِ عَلَى التَّوَسُّعَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ وَفِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ) يَعْنِي اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْوَصْفِ أَوْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ (بَعْضُ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ) شَرْعًا بِالنَّصِّ (ثُمَّ إنْ كَانَ اللَّفْظُ) أَيْ لَفْظُ الْمُوَكِّلِ (يَجْمَعُ أَجْنَاسًا) كَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ (أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ) كَالدَّارِ وَالرَّقِيقِ (لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ) هَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ (لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ) أَيْ يُوجَدُ فَرْدٌ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ (فَلَا يُدْرَى مُرَادُ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ) فَالْوَكِيلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ اللَّفْظُ (جِنْسًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا) كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ (لَا يَصِحُّ) أَيْ التَّوْكِيلُ (إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ) هَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِ الْجَهَالَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا وَبِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ فَلَا يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ) أَيْ امْتِثَالَ أَمْرِ الْآمِرِ (مِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الْجَهَالَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمِثَالَ لِهَذَا النَّوْعِ دُونَ النَّوْعَيْنِ السَّابِقَيْنِ؛ لِأَنَّ مِثَالَ ذَيْنِك النَّوْعَيْنِ سَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، بِخِلَافِ هَذَا النَّوْعِ وَهَذَا سِرٌّ تَفَرَّدْت بِبَيَانِهِ. (إذَا وَكَّلَهُ) أَيْ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا (بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَا يَصِحُّ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ (لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا) أَيْ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ: يَعْنِي اللَّفْظَ عَبْدٌ وَجَارِيَةٌ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا فَلَا يُدْرَى الْمُرَادُ (فَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ كَالتُّرْكِيِّ أَوْ الْحَبَشِيِّ أَوْ الْهِنْدِيِّ أَوْ السِّنْدِيِّ أَوْ الْمُوَلَّدِ) وَفِي الْمُغْرِبِ: " الْمُوَلَّدَةُ الَّتِي وُلِدَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ " (جَازَ) أَيْ التَّوْكِيلُ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ (لِمَا ذَكَرْنَاهُ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنْ كَانَ يُوجَدُ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ لَا يَصِحُّ بِبَيَانِ الثَّمَنِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ النَّوْعَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (وَلَوْ بَيَّنَ النَّوْعَ أَوْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ) وَهِيَ (الْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ وَالسِّطَةُ) أَيْ الْوَسَطُ، السِّطَةُ مَعَ الْوَسَطِ كَالْعِدَّةِ مَعَ الْوَعْدِ وَالْعِظَةِ مَعَ الْوَعْظِ فِي أَنَّ التَّاءَ فِي آخِرِهَا عُوِّضَتْ عَنْ الْوَاوِ السَّاقِطَةِ مِنْ أَوَّلِهَا فِي الْمَصْدَرِ وَالْفِعْلُ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ (جَازَ) أَيْ التَّوْكِيلُ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْجَهَالَةِ (جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ) أَيْ يَسِيرَةٌ فَلَا يُبَالِي بِهَا (وَمُرَادُهُ) أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ (مِنْ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ) أَيْ فِي مُخْتَصَرِهِ (النَّوْعُ) لِيُوَافِقَ كَلَامُهُ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ سَائِرِ الْمَشَايِخِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ) أَيْ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ كَمَا ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ، وَلَمَّا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ كَانَ الشِّرَاءُ وَاقِعًا عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ: رَجُلٌ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً فَاشْتَرَى فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ (لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ الدَّابَّةَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَدُبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَفِي الْعُرْفِ عَلَى الْخَيْلِ

وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا، وَكَذَا الثَّوْبُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا وَكَذَا الدَّارُ تَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ فَيَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ (قَالَ: وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَوَصَفَ جِنْسَ الدَّارِ وَالثَّوْبِ جَازَ) مَعْنَاهُ نَوْعُهُ، وَكَذَا إذَا سَمَّى نَوْعَ الدَّابَّةِ بِأَنْ قَالَ حِمَارًا أَوْ نَحْوَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا) يَعْنِي أَنَّ لَفْظَ الدَّابَّةِ سَوَاءٌ حُمِلَ عَلَى اللُّغَةِ أَوْ عَلَى الْعُرْفِ قَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ فِيهِ فَاحِشَةً (وَكَذَا الثَّوْبُ) أَيْ هُوَ أَيْضًا يَجْمَعُ أَجْنَاسًا (لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ) أَيْ مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ فِيهِ أَيْضًا فَاحِشَةً (وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ) أَيْ تَسْمِيَةُ الثَّوْبِ (مَهْرًا) فَإِنَّ الْجَهَالَةَ الْفَاحِشَةَ تُبْطِلُ التَّسْمِيَةَ فِي بَابِ الْمَهْرِ أَيْضًا (وَكَذَا الدَّارُ تَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ) يَعْنِي أَنَّ الدَّارَ وَإِنْ لَمْ تَجْمَعْ أَجْنَاسًا حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا تَجْمَعُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ (لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ فَيَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ) أَيْ يَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ لِأَمْرِ الْآمِرِ بِشِرَاءِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ. قَالَ (وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَوَصَفَ جِنْسَ الدَّارِ وَالثَّوْبِ جَازَ) أَيْ التَّوْكِيلُ هَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ) يَعْنِي مَعْنَى جِنْسِ الدَّارِ فِي قَوْلِهِ وَوَصَفَ جِنْسَ الدَّارِ (نَوْعُهُ) فَحِينَئِذٍ تَلْتَحِقُ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ وَهِيَ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَتَقْيِيدُهُ بِذِكْرِ نَوْعِ الدَّارِ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فَقَالَ فِيهِ: وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ جَازَ؛ لِأَنَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ تَصِيرُ مَعْلُومَةً عَادَةً، وَإِنْ بَقِيَتْ جَهَالَةٌ فَهِيَ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ. وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمَحَلَّةِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ. وَأَنَا أَقُولُ: فِي تَحْقِيقِ الْمَقَامِ: إنَّمَا حَمَلَ الْمُصَنِّفُ الْجِنْسَ الْوَاقِعَ فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَاهُنَا عَلَى النَّوْعِ لِئَلَّا يَخْتَلَّ مَعْنَى الْمَقَامِ، فَإِنْ لَوْ أَجْرَى الْجِنْسَ هَاهُنَا عَلَى مَعْنَاهُ الظَّاهِرِيِّ كَانَ ذِكْرُ وَصْفِ الْجِنْسِ مُسْتَدْرَكًا بِالنَّظَرِ إلَى مَسْأَلَةِ الدَّارِ وَمُخِلًّا بِالنَّظَرِ إلَى مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ يَلْغُو هُنَاكَ وَصْفُ جِنْسِهَا، إذْ لَا مَدْخَلَ لِوَصْفِ جِنْسِ الْجِنْسِ فِي رَفْعِ الْجَهَالَةِ، وَإِنَّمَا تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ أَوْ بِبَيَانِ النَّوْعِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ قَبْلُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الثَّوْبَ مَعْطُوفٌ عَلَى الدَّارِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: إنْ وَصَفَ الْمُوَكِّلُ جِنْسَ الثَّوْبِ جَازَ التَّوْكِيلُ، وَلَا صِحَّةَ لَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ إنْ كَانَ الْجِنْسُ يَجْرِي عَلَى مَعْنَاهُ الظَّاهِرِيِّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَجْمَعُ أَجْنَاسًا فَالْجَهَالَةُ فِيهِ فَاحِشَةٌ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ. وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ارْتِفَاعُهَا بِمُجَرَّدِ وَصْفِ الْجِنْسِ. وَأَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى مَعْنَى النَّوْعِ فَيَصِحُّ الْمَعْنَى فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ بِلَا غُبَارٍ، إذْ بِبَيَانِ النَّوْعِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ الَّتِي تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَبْقَى الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ حِينَئِذٍ مُقَيَّدَةً بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَوَصْفِ النَّوْعِ، مَعَ أَنَّ تَسْمِيَةَ الثَّمَنِ كَافِيَةٌ فِيهَا عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، بَلْ فِي رِوَايَةِ عَامَّةِ الْكُتُبِ، فَتَصِيرُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ تِلْكَ الْكُتُبِ، وَلَكِنَّ وُقُوعَ الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هَاهُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ، فَيَكُونُ مَدَارُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الدَّارِ فَاحِشَةٌ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَدَارُ رِوَايَةِ تِلْكَ الْكُتُبِ عَلَى أَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا مُتَوَسِّطَةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. ثُمَّ إنَّا إنْ جَعَلْنَا وَصْف النَّوْعِ فِي حَقِّ الدَّارِ بَيَانَ الْمَحَلَّةِ صَارَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَيْنَ مَا قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَكَانَ مُوَافِقًا لِمَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَتَأَمَّلْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا إذَا سَمَّى نَوْعَ الدَّابَّةِ بِأَنْ قَالَ حِمَارًا وَنَحْوَهُ) أَيْ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْحِمَارِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ صَارَ مَعْلُومًا

(قَالَ: وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا) اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَسْمِيَةِ النَّوْعِ، وَإِنَّمَا بَقِيَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْوَصْفِ فَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَمِيرُ أَنْوَاعٌ مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ الْعُظَمَاءِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَمْلِ عَلَيْهِ. قُلْنَا: هَذَا اخْتِلَافُ الْوَصْفِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِمَعْرِفَةِ حَالِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْقَاضِيَ أَوْ الْوَالِيَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِشِرَاءِ حِمَارٍ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَرْكَبُ مِثْلَهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ مَقْطُوعَ الذَّنَبِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ الْفَالِيزِيُّ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ فِي مَسْأَلَةِ التَّزَوُّجِ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ انْتَهَى. فَقَدْ جُعِلَ الْحِمَارُ هُنَاكَ جِنْسًا وَهُنَا نَوْعًا وَالتَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هُنَاكَ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجِنْسِ مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ دُونَ مُصْطَلَحِ أَهْلِ الْمَنْطِقِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، إذْ قَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِأَنَّ الْحِمَارَ نَوْعٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّوْعِ هَاهُنَا مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ وَإِلَّا لَلَزِمَ بَيَانُ ثَمَنِ الْحِمَارِ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ لُزُومِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْحِمَارُ جِنْسًا عَلَى مُصْطَلَحِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِدَفْعِ الدَّرَاهِمِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ اشْتَرَى لِي طَعَامًا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ الْمِقْدَارَ وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ بِمَا سَمَّى لَهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ اسْتِحْسَانٌ (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ) أَيْ لِحَقِيقَةِ الطَّعَامِ (كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا يَحْنَثُ بِأَكْلِ أَيِّ طَعَامٍ كَانَ (إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ) بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ) أَيْ أَقْوَى وَأَرْجَحُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْحَقِيقَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْعُرْفِ (عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا (إذَا ذُكِرَ) أَيْ الطَّعَامَ (مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) يَعْنِي أَنَّ الْعُرْفَ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا، وَبَائِعُ الطَّعَامِ فِي النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا دُونَ مَنْ يَبِيعُ الْفَوَاكِهَ فَصَارَ التَّقْيِيدُ الثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِشِرَاءِ الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ

وَلَا عُرْفَ فِي الْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ، وَقِيلَ إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ فَعَلَى الْحِنْطَةِ، وَإِنْ قَلَّتْ فَعَلَى الْخُبْزِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَى الدَّقِيقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا عُرْفَ فِي الْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ) أَيْ فَبَقِيَ الطَّعَامُ فِي حَقِّ الْأَكْلِ عَلَى الْوَضْعِ وَالْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ بِأَكْلِ أَيِّ مَطْعُومٍ كَانَ. قَالُوا: هَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ مِنْ انْصِرَافِهِ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا إنَّمَا هُوَ عُرْفُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِنَّ سُوقَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا عِنْدَهُمْ يُسَمَّى سُوقَ الطَّعَامِ، وَأَمَّا فِي عُرْفِ غَيْرِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى شِرَاءِ كُلِّ مَطْعُومٍ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: الطَّعَامُ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ إدَامٍ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا (وَقِيلَ إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ فَعَلَى الْحِنْطَةِ، وَإِنْ قَلَّتْ فَعَلَى الْخُبْزِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَى الدَّقِيقِ) هَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مُطْلَقٌ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً إذَا وَكَّلَ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ يَنْصَرِفُ إلَى شِرَاءِ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ثَانِيًا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ قِيلَ مُخَالِفٍ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَزَاهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ، وَلَكِنْ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلٍ مُخَالِفٍ لِلْأَوَّلِ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ فَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا قُلْنَا: ثُمَّ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خُبْزًا، وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا الْخُبْزَ؛ لِأَنَّ ادِّخَارَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الِادِّخَارُ فِي الْحِنْطَةِ. وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ طَعَامًا وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ صَحَّ التَّوْكِيلُ اسْتِحْسَانًا. وَيَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا وَخُبْزِهَا وَتُحَكَّمُ الدَّرَاهِمُ فِي تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهَا إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهَا فِي الْعُرْفِ إلَّا الْخُبْزَ، فَالتَّوْكِيلُ يَنْصَرِفُ إلَى الْخُبْزِ إلَى آخِرِهِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقُدُورِيُّ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ قَدْ اتَّخَذَ وَلِيمَةً يَعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ التَّوْكِيلِ الْخُبْزُ وَإِنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ، فَإِذَا اشْتَرَى الْخُبْزَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ إلَى هَاهُنَا كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ رَأْيِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ هَاهُنَا مِنْ أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْأَوَّلِ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ. وَأَقُولُ: فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ: الْعُرْفُ يَصْرِفُ إطْلَاقَ اللَّفْظِ الْمُتَنَاوَلِ لِكُلِّ مَطْعُومٍ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا، وَالدَّرَاهِمُ بِقِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَسِطَتِهَا تُعَيِّنُ أَفْرَادَ مَا عَيَّنَهُ الْعُرْفُ. وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يَتَرَجَّحُ عَلَى ذَلِكَ وَيَصْرِفُهُ إلَى خِلَافِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِثْلَ الرَّجُلِ اتَّخَذَ الْوَلِيمَةَ وَدَفَعَ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً لِيَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا فَاشْتَرَى بِهَا خُبْزًا وَقَعَ عَلَى الْوَكَالَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَطَعَنَ فِيهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: نِسْبَةُ هَذَا الْكَلَامِ إلَى نَفْسِهِ عَجِيبٌ، فَإِنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أَقُولُ هُوَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ بِعَيْنِهِ انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى نَفْسِهِ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ التَّعَجُّبِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ وَجْهِ مَا ذَكَرَ أَوَّلًا مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانَ طَرِيقِ دُخُولِ مَا ذَكَرَ ثَانِيًا بِقِيلَ فِي الْأَوَّلِ وَبَيَانَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا بِقِيلَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ بِتَحَكُّمِ الدَّرَاهِمِ، وَقَصْدُ إفَادَةِ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ بِقِيلَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ الْخُبْزُ أَيْضًا دُونَ الْأَوَّلِ،

قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَبَضَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ (فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى حُكْمُ الْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلِهَذَا كَانَ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْمُشْتَرِي دَعْوَى كَالشَّفِيعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا بَعْدَهُ. قَالَ (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ الْمَزْبُورِ مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ بِقِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَسِطَتِهَا تُعَيِّنُ أَفْرَادَ مَا عَيَّنَهُ الْعُرْفُ، وَالْخُبْزُ لَمْ يَدْخُلْ فِيمَا عَيَّنَهُ الْعُرْفُ عَلَى مَا ذَكَرَ فِيهِ. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يُدْرَجَ الْخُبْزُ فِي الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا الْمَذْكُورَيْنِ أَوْ أَنْ يُجْعَلَ فِي حُكْمِهِمَا فَيَكْتَفِي بِذِكْرِهِمَا عَنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا مَجَالَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخُبْزَ قَسِيمًا لِلْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا فِي الذِّكْرِ وَالْحُكْمِ حَيْثُ قَالُوا: إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ فَعَلَى الْحِنْطَةِ، وَإِنْ قَلَّتْ فَعَلَى الْخُبْزِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَى الدَّقِيقِ فَأَنَّى يَتَيَسَّرُ ذَلِكَ. نَعَمْ قَدْ ذَكَرَ الْخُبْزَ مَعَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانِ تَحْكِيمِ الدَّرَاهِمِ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ عِنْدَ نَقْلِ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي تَصْحِيحِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَمَسْأَلَةِ الْمَبْسُوطِ عَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْكَلَامِ الثَّانِي دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَبَضَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ) أَيْ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّ مَا اشْتَرَاهُ عَلَى الْبَائِعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِيهِ (مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ (مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ) أَيْ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِ الشِّرَاءِ (وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ) أَيْ الْحُقُوقُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ (فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ) أَيْ فَإِنْ سَلَّمَ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُوَكِّلِ (لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ (لِأَنَّهُ انْتَهَى حُكْمُ الْوَكَالَةِ) أَيْ انْتَهَى حُكْمُ الْوَكَالَةِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَخَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْقَطْعِ حَقُّهُ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ (إبْطَالَ يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْمُوَكِّلِ (الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا إلَى الْوَكِيلِ كَذَا قِيلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ إنَّمَا يَتِمُّ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ لَا بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي حَيِّزِ هَذَا التَّفْرِيعِ كَمَا تَرَى. فَالْحَقُّ فِي التَّفْسِيرِ أَنْ يُقَالَ: أَيْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَوَازِ الرَّدِّ فِي صُورَةٍ وَعَدَمِ جَوَازِهِ فِي أُخْرَى (كَانَ) أَيْ الْوَكِيلُ (خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْمُشْتَرِي دَعْوَى كَالشَّفِيعِ) إذَا ادَّعَى حَقَّ الشُّفْعَةِ فِي الْمُشْتَرِي (وَغَيْرِهِ) أَيْ وَغَيْرِ الشَّفِيعِ كَمَنْ يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ الْمِلْكُ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ كَانَ خَصْمًا: أَيْ كَانَ الْوَكِيلُ خَصْمًا لِذَلِكَ الْمُدَّعِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا لَهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ شَخْصًا أَنْ يَعْقِدَ عَقْدَ الصَّرْفِ أَوْ يُسَلِّمَ فِي مَكِيلٍ مَثَلًا فَفَعَلَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ (عَلَى مَا مَرَّ) فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ. قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: يَرُدُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْوَكَالَةِ

وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ دُونَ قَبُولِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ مَعَ أَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ لَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ لِقَبُولِ السَّلَمِ يَجُوزُ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ عَنْهُ. فَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: فَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ، إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ رُخْصَةً لَهُ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَمَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ يَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَلَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ غَيْرَهُ. أَوْ نَقُولُ: جَازَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ ضَرُورَةَ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ. وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فِي التَّوْكِيلِ وَلَمْ يَرِدْ نَقْضًا عَلَى الْكُلِّيِّ الَّذِي قَالَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ لِعَارِضِ الضَّرُورَةِ، وَالْعَوَارِضُ لَا تَقْدَحُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ هَذَا مَا سَمَحَ بِهِ خَاطِرِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ تَبِعَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي كِلَا وَجْهَيْ جَوَابِهِ وَلَكِنَّهُ أَجْمَلَهُمَا. أَقُولُ: فِي كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمَا نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ بِلَا خِلَافٍ، مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ أَيْضًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ. ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ مُجَرَّدُ جَوَازِ عَقْدِ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ، فَجَوَازُ التَّوْكِيلِ فِيهِ عَلَى فَرْضٍ لَا يُنَافِي الِاقْتِصَارَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، كَمَا أَنَّ جَوَازَهُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ لَمْ يُنَافِ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ مَعَ انْتِقَاضِهِ أَيْضًا بِمِثْلِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي التَّوْكِيلِ أَيْضًا ضَرُورَةَ دَفْعِ الْحَاجَةِ سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ مُقَدَّرًا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ أَيْضًا. لَا يُقَالُ: إنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ فِي عَقْدِ السَّلَمِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ إلَى الثَّمَنِ لَا لِمُطْلَقِ الضَّرُورَةِ. وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ فِي التَّوْكِيلِ ضَرُورَةُ دَفْعِ حَاجَةِ الْمُوَكِّلِ إلَى الْعَمَلِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ يَتَحَقَّقُ فِي التَّوْكِيلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ضَرُورَةُ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ إلَى الثَّمَنِ أَيْضًا مَعَ زِيَادَةٍ، فَإِنَّ الْمُفْلِسَ الْعَاجِزَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ لِقَبُولِ السَّلَمِ تَشْتَدُّ حَاجَتُهُ إلَى الثَّمَنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ) أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ بِالتَّوْكِيلِ بِعَقْدِ السَّلَمِ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَوْكِيلُ رَبِّ السَّلَمِ غَيْرَهُ بِأَنْ يَعْقِدَ عَقْدَ السَّلَمِ، وَلَفْظُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ. يُقَالُ: أَسْلَمَ فِي كَذَا: إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِالسَّلَمِ (دُونَ قَبُولِ السَّلَمِ) أَيْ لَيْسَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ التَّوْكِيلَ بِقَبُولِ السَّلَمِ وَهُوَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ: لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبُولِ السَّلَمِ (لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (وَهَذَا لَا يَجُوزُ)

(فَإِنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ) لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ (وَلَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مَنْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ فِي الدُّيُونِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالسَّلَمِ مِنْ الْبُيُوعِ. وَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِقَبُولِ عَقْدِ السَّلَمِ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الطَّعَامُ فِي ذِمَّتِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ، فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا لَهُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِشَيْءٍ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَالثَّمَنُ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَوْكِيلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ غَيْرُهُ بِقَبُولِ السَّلَمِ عَلَى أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ بِتَسْلِيمِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِجَامِعِ مَعْنَى الدَّيْنِيَّةِ. فَإِنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ كَالثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي. قُلْنَا: بَيْنَ الدَّيْنَيْنِ فَرْقٌ، فَإِنَّ الْمُسَلِّمَ فِيهِ دَيْنٌ لَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَيْسَ لِلثَّمَنِ حُكْمُ الْمَبِيعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ هُنَاكَ الْجَوَازُ هُنَا. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ: إنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُبْدَلُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ وَآخَرُ يَمْلِكُ بَدَلَهُ، وَمَا ذَكَرْتُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ الْمُبْدَلَ وَيَلْزَمُ الْبَدَلُ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَاجْعَلْ الْمُسَلِّمَ فِيهِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْمَالَ لَهُ كَمَا فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ. فَالْجَوَابُ هُوَ الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ آنِفًا انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: إنَّهُ عَدَلَ هَاهُنَا عَنْ نَهْجِ الصَّوَابِ حَيْثُ قَصَدَ التَّصَرُّفَ الزَّائِدَ وَلَكِنْ أَفْسَدَ؛ لِأَنَّ مَآلَ جَوَابِهِ الِاعْتِرَافُ بِعَدَمِ تَمَامِ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَصِيرُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ حَاصِلٌ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي حَاصِلُهُ أَنَّ جَوَازَ قَبُولِ السَّلَمِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَبِالضَّرُورَةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآمِرِ بِهِ. وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِمَّا تَلَقَّتْهُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ بِالْقَبُولِ فَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَافِ بِعَدَمِ تَمَامِهِ مَعَ تَحْقِيقِ الْمُخْلِصِ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ بِالْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ. عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ قَدْ عَرَفْت عَدَمَ تَمَامِهِ بِمَا أَوْرَدْنَا عَلَيْهِ فِيمَا قَبْلُ (فَإِنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَيْ إنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ صَاحِبَهُ الَّذِي عَقَدَ مَعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ (لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ) يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ قَبْضَ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا وُجِدَ الِافْتِرَاقُ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَبَطَلَ الْعَقْدُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارِفٌ بِنَفْسِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ: وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ انْتَهَى (وَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ) أَيْ لَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ) أَيْ قَبْضُ الْوَكِيلِ بَدَلَ الصَّرْفِ (وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ (كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ مِنْ تَتِمَّةِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ مِمَّنْ يُصْدَرُ عَنْهُ الْعَقْدُ: أَقُولُ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيلِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَالْقَبْضُ مِنْ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ

بِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ، وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَالْقَبْضُ مِنْهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَلْيَقَ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ هَاهُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ عَامٌّ لِبَابَيْ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلَهُ فَإِنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَامُّ لَهُمَا. وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا خَاصٌّ بِبَابِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي بَابِ السَّلَمِ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ لَا مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَالْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ لَيْسَ بِقَابِضِ الْبَدَلِ بَلْ هُوَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ الْعَاقِدُ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ فَكَانَ الدَّلِيلُ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمُدَّعِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا فَتَدَبَّرْ (بِخِلَافِ الرَّسُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّسُولَ إذَا قَبَضَ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فَلَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِخِلَافِ الرَّسُولَيْنِ: أَيْ الرَّسُولِ فِي بَابِ الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي بَابِ السَّلَمِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي السَّلَمِ: أَيْ مِنْ جَانِبِ رَسُولِ السَّلَمِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ الْوَكَالَةُ مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرِّسَالَةُ مِنْ جَانِبِهِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ (لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا فِي مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ فِي الْعَقْدِ لِلْوَكِيلِ فِي الْعَقْدِ فِي بَابَيْ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَرِسَالَةُ الرَّسُولِ فِي الْعَقْدِ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْدِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الرِّسَالَةِ فِيهِ هَذَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَوْضِيحِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ: وَإِلَّا لَكَانَ افْتِرَاقٌ بِلَا قَبْضٍ، وَفَصَّلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مُرَادَهُ بِأَنْ قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا عَقَدَ الْمُرْسِلُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ وَفَارَقَ صَاحِبَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ إذْ لَا مَعْنَى لِلْإِرْسَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثُ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَا تَكُونَ الرِّسَالَةُ فِي الْقَبْضِ فَقَطْ، لَا أَنْ تَكُونَ فِي الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ مَعًا، وَبِدُونِ دَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَيْضًا لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ (وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ) أَيْ وَيَنْتَقِلُ كَلَامُ الرَّسُولِ فِي الْعَقْدِ إلَى الْمُرْسِلِ (فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُ الرَّسُولِ فَلَمْ يَتِمُّ الْعَقْدُ بِهِ. وَأَقُولُ: هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الرِّسَالَةَ فِي السَّلَمِ إنَّمَا تَجُوزُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ لَا مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ كَالْوَكَالَةِ فِيهِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، فَالْمُرَادُ بِالرَّسُولِ فِي بَابِ السَّلَمِ هُوَ الرَّسُولُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ فَقَطْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وَظِيفَةَ رَبِّ السَّلَمِ هِيَ الْعَقْدُ وَتَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ لَا قَبْضُهُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ عَقْدِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا الْقَبْضُ وَظِيفَةُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ الْكَلَامُ بِالنَّظَرِ إلَى الرَّسُولِ فِي بَابِ السَّلَمِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ ظَاهِرٌ عَلَى نُسْخَةِ، بِخِلَافِ الرَّسُولَيْنِ وَهِيَ نُسْخَةٌ أَطْبَقَ عَلَيْهَا الشُّرَّاحُ حَتَّى أَنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ شَرَحَا هَذِهِ النُّسْخَةَ وَلَمْ يَذْكُرَا النُّسْخَةَ الْأُخْرَى أَصْلًا، وَصَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ جَعَلَهَا أَصْلًا وَذَكَرَ الْأُخْرَى نُسْخَةً وَفَسَّرَ كُلُّهُمْ الرَّسُولَيْنِ بِالرَّسُولِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي السَّلَمِ. وَأَمَّا عَلَى نُسْخَةِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ الرَّسُولَ عَامًّا لِلرَّسُولِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي السَّلَمِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ حَيْثُ فَسَرُّوا الرَّسُولَ بِالرَّسُولِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّسُولِ فِي السَّلَمِ. وَكَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ الرَّسُولِ: أَيْ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ

(قَالَ: وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلِهَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ وَقَدْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ لَمَّا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَهُ الْمُوَكِّلُ يَكُونُ رَاضِيًا بِدَفْعِهِ مِنْ مَالِهِ (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْهُ يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتَهَى. وَأَمَّا إذَا جُعِلَ مَخْصُوصًا بِالرَّسُولِ فِي الصَّرْفِ لِيَكُونَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ مُطَابِقًا لِمُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ، فَإِنَّ الْمَعْنَى هُنَاكَ فَيَصِحُّ قَبْضُ الْوَكِيلِ بَدَلَ الصَّرْفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ) لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا (فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ (مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ) أَيْ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ فَصَارَ الْوَكِيلُ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي تَعْلِيلِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَكِيلِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ انْتَهَى، أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا لَا يَرْتَضِيهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ أَوَّلًا إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ إلَى الْمُوَكِّلِ طَرِيقَةُ الْكَرْخِيِّ. وَالْمُصَنِّفُ قَدْ اخْتَارَ فِيمَا مَرَّ طَرِيقَةَ أَبِي طَاهِرٍ، وَقَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ طَرِيقَةِ الْكَرْخِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً هُنَاكَ، وَمِنْهُمْ هَذَا الشَّارِحُ. وَطَرِيقَةُ أَبِي طَاهِرٍ ثُبُوتُ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ، لَكِنْ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ ثَبَتَ لِلْمُوَكَّلِ ابْتِدَاءً عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي طَاهِرٍ إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ لَا أَصَالَةً كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَافٍ فِي انْعِقَادِ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فِي الْمُبَادَلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِانْعِقَادِ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا (إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ) وَالتَّحَالُفُ مِنْ خَوَاصِّ الْمُبَادَلَةِ (وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ) أَيْ وَإِذَا وَجَدَ الْمُوَكِّلُ عَيْبًا بِالْمُشْتَرَى رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ خَصَائِصِ الْمُبَادَلَةِ. لَا يُقَالُ: مَا ذَكَرْتُمْ فَرْعٌ عَلَى الْمُبَادَلَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهَا؟ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا دَلِيلٌ إنِّيٌّ لَا دَلِيلٍ لَمِّيٌّ فَلَا يُنَافِي الْفَرْعِيَّةَ تَأَمَّلْ (وَقَدْ سَلَّمَ الْمُشْتَرَى لِلْمُوَكِّلِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ الْمُشْتَرَى لِلْمُوَكِّلِ (مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ) أَيْ فَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيل وَقَدْ سَلَّمَ الْمُشْتَرَى لِلْمُوَكِّلِ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَطْعًا (وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ) دَلِيلٌ آخَرُ (لَمَّا كَانَتْ إلَيْهِ) أَيْ لَمَّا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَى الْوَكِيلِ (وَقَدْ عَلِمَهُ الْمُوَكِّلُ) أَيْ عَلِمَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ (فَيَكُونُ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (رَاضِيًا بِدَفْعِهِ) أَيْ بِدَفْعِ الثَّمَنِ (مِنْ مَالِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلُ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّبَرُّعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ، وَالْأَمْرُ ثَابِتٌ هُنَا دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا دَفْعُ الثَّمَنِ عَلِمَ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِدَفْعِ الثَّمَنِ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَكَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ آمِرًا بِهِ دَلَالَةً (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْوَكِيلِ (قَبْلَ حَبْسِهِ) أَيْ قَبْلَ حَبْسِ الْوَكِيلِ الْمَبِيعَ (هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) أَيْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْمُوَكَّلِ، هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ حَبْسِهِ إيَّاهُ لَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ (لِأَنَّ يَدَهُ) أَيْ يَدَ الْوَكِيلِ (كَيَدِ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ) أَيْ بِيَدِ الْوَكِيلِ، فَالْهَلَاكُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ

(وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ فَكَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ. قُلْنَا: هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَنْ يَحْبِسَهُ) أَيْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ وَسَامَحَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَنْ الْمُوَكِّلِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الدَّرَاهِمَ مِنْهُ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِلْوَكِيلِ فِي مَوْضِعِ نَقْدِ الثَّمَنِ لِأَجْلِ بَيْعٍ حُكْمِيٍّ انْعَقَدَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ النَّقْدِ وَعَدَمِهِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قُلْت هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ مِنْ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، وَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا؟ وَقَدْ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ فَقَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ وَقَبَضَهُ فَطَلَبَ الْآمِرُ أَخْذَ الْعَبْدِ مِنْ الْوَكِيلِ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَدْفَعَهُ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ فَهُوَ سَوَاءٌ، إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ) أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَكَذَا لِلْوَكِيلِ، وَهَذَا لَا يُفَصِّلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَا (وَقَالَ زَفَرٌ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ) أَيْ بِيَدِ الْوَكِيلِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ بِدَلِيلِ أَنَّ هَلَاكَهُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ (فَكَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ) أَيْ فَكَأَنَّ الْوَكِيلَ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُوَكِّلِ (فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ) تَشْرِيحُهُ أَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ الْمُوَكِّلِ حُكْمًا، فَلَوْ وَقَعَ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْحَبْسِ، وَكَذَا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ حُكْمًا (قُلْنَا) لَنَا طَرِيقَانِ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: مَدَارُ أَحَدِهِمَا تَسْلِيمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ. وَمَدَارُ الْآخَرِ مَنْعُ ذَلِكَ. فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (هَذَا) أَيْ هَذَا الْقَبْضُ (مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ لَكِنَّ هَذَا الْقَبْضَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْحَبْسِ مَا لَمْ يَقْبِضْ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا، وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْوَكِيلِ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ

فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ، عَلَى أَنَّ قَبْضَهُ مَوْقُوفٌ فَيَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ وَلِنَفْسِهِ عِنْدَ حَبْسِهِ (فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَضَمَانَ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَضَمَانَ الْغَصْبِ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَهُمَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِّهِ بِاعْتِبَارِ رِضَاهُ بِتَسْلِيمِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الرِّضَا فِيمَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ) وَأَشَارَ إلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (عَلَى أَنَّ قَبْضَهُ مَوْقُوفٌ) يَعْنِي عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ بَلْ قَبْضُ الْوَكِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ مَوْقُوفٌ: أَيْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِتَتْمِيمِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْ يَكُونَ لِإِحْيَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِحَبْسِهِ (فَيَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ وَلِنَفْسِهِ عِنْدَ حَبْسِهِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِلْمُوَكِّلِ فَيَقَعُ لَهُ، وَإِنْ حَبَسَهُ عَنْهُ عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا بِقَبْضِهِ (فَإِنْ حَبَسَهُ) أَيْ حَبَسَ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ (فَهَلَكَ) أَيْ الْمَبِيعُ (كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ عَشَرَةٌ رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخَمْسَةٍ (وَضَمَانُ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَعْنِي يَسْقُطُ بِهِ الثَّمَنُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَمْ يَقُلْ رَأْسًا وَضَمَانُ الْمَبِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَا هُوَ اللَّائِقُ الْمُعْتَادُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ قَوْلُهُمَا (وَضَمَانُ الْغَصْبِ عِنْدَ زَفَرٍ) يَعْنِي يَجِبُ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَلَا يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَكْثَرَ، وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ انْتَهَى. وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِمَّا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ الشَّارِحُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَكْثَرَ، وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ انْتَهَى. وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِمَّا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي عَلَى قَوْلِ زَفَرٍ تَأَمَّلْ تَقَفْ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَبْسَ (مَنْعٌ بِغَيْرِ حَقٍّ) لِمَا مَرَّ أَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا (لَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ) إذْ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (فَيَسْقُطُ) أَيْ الثَّمَنُ (بِهَلَاكِهِ) أَيْ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ. وَاعْتِرَاضٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ الضَّمَانُ حَبَسَ أَوْ لَمْ يَحْبِسْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَحْبِسْ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إذَا حَبَسَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ بِالْقَبْضِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَتَقْوَى جِهَةُ كَوْنِهِ بَائِعًا فَلَزِمَ الضَّمَانُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْبِسْ فَقَبَضَهُ كَانَ لِمُوَكِّلِهِ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ أَمَانَةً كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا أَنَّهُ يُشْبِهُ الرَّسُولَ يُشْبِهُ الْبَائِعَ أَيْضًا

وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ وَهَا هُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْعَقْدِ. قُلْنَا: يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ، كَمَا إذَا رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ وَرَضِيَ الْوَكِيلُ بِهِ. (قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِنْ لَحْمٍ يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِانْعِقَادِ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ تَجْعَلْ جِهَةَ مُشَابَهَتِهِ بِالْبَائِعِ سَاقِطَةً عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِبَارِ فِيمَا إذَا لَمْ يَحْبِسْ الْمَبِيعَ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ جَعَلْت تِلْكَ الْجِهَةَ سَاقِطَةً عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِبَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَمَعَ عَدَمِ ظُهُورِ عِلَّةِ الْإِسْقَاطِ فِيمَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَمَشَّى فِيهَا مَا ذَكَرَ فِيمَا سَبَقَ مِنْ تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ رُجُوعِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا إذَا دَفَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ بِانْعِقَادِ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ شَامِلَةٌ لِصُورَتَيْ الْحَبْسِ وَعَدَمِ الْحَبْسِ، وَعِلَّتُهَا انْعِقَادُ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) أَيْ الْهَالِكُ (مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا قَبْلَ الْحَبْسِ كَمَا تَقَدَّمَ وَصَارَ مَضْمُونًا بَعْدَ الْحَبْسِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى الرَّهْنِ، أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ) يَعْنِي هُوَ بِمَعْنَى الرَّهْنِ، وَهَذَا لِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ، وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) لِنَفْيِ قَوْلِهِمَا: يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْمَحْبُوسَ هَاهُنَا لَيْسَ كَالْمَبِيعِ (لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ) أَيْ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ (وَهَا هُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْعَقْدِ) يَعْنِي الَّذِي بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَائِعِهِ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (قُلْنَا يَنْفَسِخُ) أَيْ الْعَقْدُ (فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ) وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ وَمِثْلُهُ لَا يُمْتَنَعُ (كَمَا إذَا رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ) أَيْ إذَا وَجَدَ الْمُوَكِّلُ عَيْبًا بِالْمُشْتَرَى فَرَدَّهُ إلَى الْوَكِيلِ (وَرَضِيَ الْوَكِيلُ بِهِ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَائِعِهِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَبَيْنَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ بَعْدَ الْحَبْسِ؛ فَفِي الْأَوَّلِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَفِي الثَّانِي لَا، وَانْفِسَاخُ الْبَيْعِ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْفِسَاخِهِ مِنْ الْأَصْلِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ مَوْضِعِ النِّزَاعِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَإِنَّهُ كَمَا تَرَى فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الْوَكِيلَ بَائِعٌ كَانَ الْهَلَاكُ فِي يَدِهِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ بَائِعٍ لَيْسَ بِوَكِيلٍ فَاسْتَوَيَا فِي وُجُودِ الْفَسْخِ وَبَطَلَ الْفَرْقُ، بَلْ إذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت مَا ذُكِرَ مِنْ جَانِبِ أَبِي يُوسُفَ غَلَطًا أَوْ مُغَالَطَةً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَنْ الْوَكِيلِ بِمَنْزِلَةِ بَائِعِ الْبَائِعِ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَائِعِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَسْخُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَائِعِهِ فَكَانَ ذِكْرُهُ أَحَدَهُمَا: يَعْنِي غَلَطًا أَوْ مُغَالَطَةً (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِنْ لَحْمٍ يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ يُسَاوِي قِيمَتُهُ

لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ) وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ عِشْرِينَ فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَيَنْفُذُ شِرَاؤُهَا عَلَيْهِ وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدِرْهَمًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ مِنْهُ لَا تُسَاوِي دِرْهَمًا نَفَذَ الْكُلُّ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ (لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَيْ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ (قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ) أَيْ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْهُ: وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْآمِرَ مِنْهَا عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَالْبَاقِي لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ قَدْرٍ مُسَمًّى، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ أَمْرُهُ فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ أَمْرُهُ قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَزَادَهُ مَنْفَعَةً بِالشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهُ فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ كَمَا تَرَى (لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَمَرَهُ) أَيْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَ الْوَكِيلَ (بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ عِشْرِينَ فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يُخَالِفْ لِلْمُوَكِّلِ فِيمَا أَمَرَهُ، وَإِنَّمَا جَاءَ ظَنُّهُ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ فَلَيْسَ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ سِيَّمَا إذَا زَادَهُ خَيْرًا (وَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ) حَيْثُ جَازَ ذَلِكَ فَكَذَا هَذَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ) أَيْ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ (وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ) وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَقَدْ خَالَفَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ (فَيَنْفُذُ شِرَاؤُهَا) أَيْ شِرَاءُ الزِّيَادَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ (وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ) أَيْ وَيَنْفُذُ شِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ إتْيَانٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُلْزِمَ الْآمِرَ عِنْدَهُ عَشَرَةً بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ تَثْبُتُ ضِمْنًا لِلْعِشْرِينِ لَا قَصْدًا وَقَدْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةٍ قَصْدًا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ عِنْدَهُ الْوَاحِدَةُ لِثُبُوتِهَا فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ، وَالْمُتَضَمَّنُ لَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ. قُلْنَا: ذَاكَ مُسَلَّمٌ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَضَمَّنَ لَمْ يَثْبُتْ هُنَاكَ لَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ بِهِ، وَلَا مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ امْرَأَةُ الْمُوَكِّلِ لَا امْرَأَةُ الْوَكِيلِ، وَأَمَّا هُنَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ الشِّرَاءُ مِنْ الْمُوَكِّلِ ثَبَتَ مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا فِي سَائِرِ الصُّوَرِ الَّتِي خَالَفَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَلَمَّا ثَبَتَ الْمُتَضَمَّنُ وَهُوَ الْعِشْرُونَ ثَبَتَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ، وَإِلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ خَالَفَ الْمُوَكِّلَ حَيْثُ اشْتَرَى الْعَشَرَةَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْكُلُّ مَقْصُودًا فَلَا يَتَحَقَّقُ الضِّمْنُ فِي الشِّرَاءِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ مَوْلَانَا حَمِيدِ الدِّينِ. أَقُولُ: الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَتَوَزَّعُ إلَخْ وَاضِحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ فَمُشْكِلٌ لَا يُعْقَلُ إذَا بَعُدَ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ الشِّرَاءَ فِي الْمُتَضَمَّنِ وَهُوَ الْعِشْرُونَ يَثْبُتُ مِنْ الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ يَثْبُتُ مِنْ الْمُوَكِّل، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ مَا فِي ضِمْنِ الشَّيْءِ يَتْبَعُ حُكْمَ ذَلِكَ الشَّيْءِ دَائِمًا، فَثُبُوتُ شِرَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ الْوَكِيلِ نَفْسِهِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ شِرَاءِ الْعَشَرَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِهِ مِنْهُ أَيْضًا، فَلَا وَجْهَ لِنَفَاذِ شِرَاءِ الْعِشْرِينَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَنَفَاذِ شِرَاءِ الْعَشَرَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ مُحَالًا إلَى الْمُنْتَقَى، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي عَشَرَةَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُنَا أَيْضًا حَصَلَ مَقْصُودُ الْآمِرِ وَزَادَهُ خَيْرًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ مَا اشْتَرَاهُ عَلَى الْآمِرِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا فَكَيْفَ نَفَذَ هَاهُنَا شِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّحْمَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ. وَالْأَصْلُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَهِيَ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْقِيمَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَصِفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَلَامُنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ اللَّحْمُ مِمَّا يُبَاعُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُوَكِّلِ: أَيَّ عَشَرَةٍ شَاءَ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَالثَّوْبَانِ وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَذَلِكَ لَا يُعَيِّنُ حَقَّ الْمُوَكِّلِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ مَجْهُولًا فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ فَقَالَ: لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أُعْطِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا

بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ حَيْثُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ يَتَنَاوَلُ السَّمِينَ وَهَذَا مَهْزُولٌ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ. قَالَ (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْجَوَابَ وَنَسَبَهُ إلَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ: وَهَذَا لَا يَتَمَشَّى إلَّا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَعَلَ اللَّحْمَ مِثْلِيًّا، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيلٍ آخَرَ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ أَيْضًا مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، لَكِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ قَلِيلٌ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مَفْرُوضِ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ وَقَدْ اخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ فِي تَطَرُّقِ الْخَلَلِ فِي احْتِمَالِ التَّسَاوِي كَثْرَةً مَادَّةً وَصُورَةً وَطُولًا وَعَرْضًا وَرِفْعَةً وَرُقْعَةً، وَأَجَلُهُ كَوْنُهُ حَاصِلًا بِصُنْعِ الْعِبَادِ مَحَلَّ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فَلَا يَلْزَمُ تَحَمُّلَهُ مَنْ تَحَمَّلَ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ خَلَلًا انْتَهَى كَلَامُهُ (بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ) جَوَابٌ عَنْ تَمْثِيلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ) أَيْ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ (بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ الْوَكِيلُ لَا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْ ثَوْبِي هَذَا عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ لَك لَا يَصِحُّ (فَتَكُونُ لَهُ) أَيْ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْمُوَكِّلِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَرُدَّ بِأَنَّ الدِّرْهَمَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ مِلْكَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الزِّيَادَةَ ثَمَّةَ مُبْدَلُ مِنْهُ لَا بَدَلٌ فَكَانَ الْفَرْقُ ظَاهِرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ قِيَاسُ الْمَبِيعِ عَلَى الثَّمَنِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنَّ الْأَلْفَ الزَّائِدَ لَا يَفْسُدُ بِطُولِ الْمُكْثِ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ، وَيَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى نَاجِزَةٍ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي اللَّحْمِ فَيُتْلَفُ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّدِّ وَالْجَوَابِ شَيْءٌ فَتَأَمَّلْ (بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (حَيْثُ يَصِيرُ) أَيْ يَصِيرُ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ) لِوُجُودِ الْمُخَالَفَةِ (لِأَنَّ الْأَمْرَ يَتَنَاوَلُ السَّمِينَ، وَهَذَا) أَيْ مَا اشْتَرَاهُ (مَهْزُولٌ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ) فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ . (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْوَكِيلِ (أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ نَوَى عِنْدَ الْعَقْدِ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ أَوْ صَرَّحَ بِهِ لِشِرَاءٍ لِنَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ اشْتَرَيْت لِنَفْسِي، هَذَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَصَرَّحَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ. كَذَا فِي الشُّرُوحِ نَقْلًا عَنْ التَّتِمَّةِ. وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ فَشِرَاؤُهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْوَكَالَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَمَتَى أَتَى بِهِ عَلَى مُوَافَقَةِ

لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآمِرِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ (يُؤَدِّي إلَى تَعْزِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي اشْتِرَائِهِ لِنَفْسِهِ (عَزْلَ نَفْسِهِ) عَنْ الْوَكَالَةِ (وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَزْلِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ يَحْصُلُ بِأَسْبَابِ مُتَعَدِّدَةٍ: مِنْهَا حُضُورُ صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا بَعْثُ الْكِتَابِ وَوُصُولُهُ إلَيْهِ، وَمِنْهَا إرْسَالُ الرَّسُولِ إلَيْهِ وَتَبْلِيغُهُ الرِّسَالَةَ إيَّاهُ، وَمِنْهَا إخْبَارُ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِخْبَارُ وَاحِدٍ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ سِيَّمَا فِي الْبَدَائِعِ. فَاشْتِرَاطُ عِلْمِ الْآخَرِ فِي صِحَّةِ فَسْخِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْعَقْدَ الْقَائِمَ بَيْنَهُمَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ عَزْلَ نَفْسِهِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ سَبَبِ وَاحِدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ سَائِرِ الْأَسْبَابِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى انْتِفَاءِ سَائِرِ أَسْبَابِ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ أَيْضًا، لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ عِبَارَاتِ الْكُتُبِ أَصْلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ فِي إقْحَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ عَلَى مَا قِيلَ الْإِيمَاءُ إلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ قَالَ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ عَزْلٌ لِنَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ، كَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ فَصْلُ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِأَشْيَائِهِ: مِنْهَا عَزْلُ الْمُوَكِّلِ إيَّاهُ وَنَهْيُهُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ بِالْعَزْلِ وَالنَّهْيِ. وَلِصِحَّةِ الْعَزْلِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: عِلْمُ الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْعَزْلَ فَسْخٌ فَلَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْفَسْخِ، فَإِذَا عَزَلَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ انْعَزَلَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ غَائِبًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابَ الْعَزْلِ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَعَلِمَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَزْلِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَبَلَغَ الرِّسَالَةَ وَقَالَ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ إنِّي عَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ كَائِنًا مَنْ كَانَ الرَّسُولُ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا بَعْدَ أَنْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسِلِ وَسَفِيرٌ عَنْهُ فَتَصِحُّ سِفَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ كِتَابًا وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا وَلَكِنْ أَخْبَرَهُ بِالْعَزْلِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ كَانَا أَوْ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَخَبَرُ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدْلِ أَوْلَى. وَإِنْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ غَيْرُ عَدْلٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَا يَنْعَزِلُ، وَإِنْ ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَنْعَزِلُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ وَإِنْ كَذَّبَهُ إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ بَيْنَ كَلَامَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَدَافُعًا، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ الْوَكِيلَ بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ عَزَلَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ أَوْ عَزَلَهُ بِغَيْبَتِهِ مِنْهُ، وَلَكِنَّ عِلْمَ الْعَزْلِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابٍ شَتَّى عَلَى مَا فَصَّلَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى حَصْرِ صِحَّةِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ فِي صُورَةِ إنْ عَزَلَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ كَمَا تَرَى. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ أَحَالَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا إذَا نَكَحَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ الْمَهْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ

فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَى الثَّانِي وَهُوَ غَائِبٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ. وَلَوْ اشْتَرَى الثَّانِيَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَكِيلِ لَا عَلَى الْمُوَكِّلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْمَهْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُوَكَّلَ بِهِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ النِّكَاحَ إلَى مُوَكِّلِهِ فَيَقُولُ زَوَّجْتُك لِفُلَانٍ، وَالْمَوْجُودُ فِيمَا إذَا نَكَحَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك فَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ مَوْجُودَةٌ فَوَقَعَ عَلَى الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْمُوَكَّلَ بِهِ هُنَا شِرَاءٌ مُطْلَقٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا شِرَاءٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا أَتَى بِذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. (فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى) يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنِ مُسَمَّى (فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِهِ) أَيْ بِخِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى بِأَنْ سَمَّى دَرَاهِمَ مَثَلًا فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ (أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ (أَوْ وَكَّلَ) أَيْ الْوَكِيلُ (وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَى الثَّانِي) أَيْ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ الثَّانِي وَهُوَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ (وَهُوَ غَائِبٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ غَائِبٌ (يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي إنَّمَا لَا يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ: أَمَّا إذَا وُجِدَ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ (خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ. أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِ مَا سَمَّى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ فَلِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَالْأَمْرُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَاءٍ فَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُحْضِرَ رَأْيَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ حَالَ غَيْبَتِهِ (فَنَفَذَ) أَيْ الشِّرَاءُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (وَلَوْ اشْتَرَى الثَّانِي) أَيْ الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ نَفَذَ) أَيْ الشِّرَاءُ (عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ) أَيْ رَأْيُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا) أَيْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا لِأَمْرِ آمِرِهِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا يَصِيرُ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ. أَلَا يَرَى أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ بِحَضْرَتِهَا جَازَ؟ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي بَاشَرَتْ الْعَقْدَ وَكَانَ الْأَبُ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ شَاهِدَيْنِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ فَبَلَغَ الْوَكِيلُ فَأَجَازَهُ يَجُوزُ، وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؟ فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ الثَّانِي لَا يَقَعُ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، وَالرِّوَايَةُ فِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ الْوَكَالَةِ فِي التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُتَعَذَّرٌ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَى الْوَكِيلِ، وَتَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَى الْوَكِيلِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إذَا انْفَرَدَا عَنْ مَالٍ إلَى الرَّأْيِ فَجَعَلْنَا الْوَكَالَةَ فِيهِمَا مَجَازًا عَنْ الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالرَّسُولُ يَنْقُلُ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ، فَصَارَ الْمَأْمُورُ فِيهِمَا مَأْمُورًا بِنَقْلِ عِبَارَةِ الْآمِرِ لَا بِشَيْءٍ آخَرَ، وَتَوْكِيلُ الْآخَرِ أَوْ الْإِجَازَةُ لَيْسَ مِنْ النَّقْلِ فِي شَيْءٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ الْوَكِيلُ. وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا فَالْعَمَلُ

قَالَ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ: فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ) قَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُطْلَقٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَقِيقَةِ الْوَكَالَةِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، فَاعْتُبِرَ الْمَأْمُورُ وَكِيلًا وَالْمَأْمُورُ بِهِ حُضُورُ رَأْيِهِ وَقَدْ حَضَرَ بِحُضُورِهِ أَوْ بِإِجَازَتِهِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيه بِمَالِ الْمُوَكِّلِ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ (قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ أَضَافَ) أَيْ الْوَكِيلُ (الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ هُوَ الْإِضَافَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ بِغَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهِ (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِي النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ (تَفْصِيلًا) فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةً، إنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمَ الْمُوَكِّلِ كَانَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ كَانَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ (وَخِلَافًا) فَإِنَّهُ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْكُمُ النَّقْدُ عَلَى مَا سَيَجِيءُ (وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ يَقَعُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ مُطْلَقٌ) أَيْ قَوْلُهُ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ مُطْلَقٌ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِضَافَةِ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ، كَذَا قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا، عَلَى أَنَّهُ إنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِلنَّقْدِ الْمُطْلَقِ لَا لِلنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمَا يَصْلُحُ لِتَرْجِيحِ كَوْنِ الْمُرَادِ بِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ الْإِضَافَةَ إلَى دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ إنَّمَا هُوَ وُقُوعُ التَّفْصِيلِ فِي النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ لَا وُقُوعُهُ فِي النَّقْدِ الْمُطْلَقِ، إذْ لَا مِسَاسَ لَهُ بِكَلَامِ الْقُدُورِيِّ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ مَالُ الْمُوَكِّلِ دُونَ مُطْلَقِ الْمَالِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَدْ سَلَكَ الْمَسْلَكَ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ وَزَادَ إخْلَالًا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وُجُوهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِذَا عَلِمْت هَذِهِ الْوُجُوهَ ظَهَرَ لَك أَنَّ فِي النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ تَفْصِيلًا إذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَلَمْ يَنْوِ لِنَفْسِهِ، إنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ كَانَ لَهُ، وَإِنْ نَوَاهُ لِلْمُوَكِّلِ لَا مُعْتَبَرَ بِالنَّقْدِ انْتَهَى. فَإِنَّ قَوْلَهُ: " وَلَمْ يَنْوِ لِنَفْسِهِ " قَيْدٌ مُفْسِدٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ نَوَى لِلْمُوَكِّلِ لَا يُعْتَبَرُ النَّقْدُ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ، فَلَا يَصِحُّ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ كَانَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِلْمُوَكِّلِ أَيْضًا كَانَ لَهُ صِدْقُ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَطْ، إذْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ الْعَقْدُ حِينَئِذٍ لِلْوَكِيلِ كَمَا سَيَجِيءُ، فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مُنَاسِبًا لِشَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَخِلَافًا لِشَرْحِ قَوْلِهِ تَفْصِيلًا. وَأَيْضًا أَنَّهُ بَعْدَمَا صَرَّحَ أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ حَيْثُ قَالَ ظَهَرَ لَك أَنَّ فِي النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ تَفْصِيلًا كَيْفَ يَتَيَسَّرُ لَهُ بَيَانُ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ فِي النَّقْدِ الْمُطْلَقِ بِأَنْ قَالَ: إنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ كَانَ لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّكَاكَةَ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَفْحَشُ. وَأَقُولُ: الْحَقُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالتَّفْصِيلِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا صُورَتَيْ التَّكَاذُبِ وَالتَّوَافُقِ، وَبِالْخِلَافِ الْخِلَافُ الْوَاقِعُ فِي صُورَتَيْ التَّوَافُقِ؛ فَالْمَعْنَى أَنَّ فِي النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ تَفْصِيلًا، فَإِنَّهُ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِهِ فَإِذَا تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يَحْكُمُ النَّقْدُ

وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لِلْعَاقِدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْكُمُ النَّقْدُ أَيْضًا، وَخِلَافًا فَإِنَّهُ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِهِ وَتَوَافَقَا عَلَى عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لِلْعَاقِدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْكُمُ النَّقْدُ، بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ فَإِنَّهُ لَا تَفْصِيلَ وَلَا خِلَافَ فِيهَا، فَكَانَ حَمْلُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ عَلَيْهَا أَوْلَى. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ لَنَا بَحْثٌ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا، وَهُوَ أَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ صُورَةَ إنْ أَضَافَ الْعَقْدُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَتَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ لَا تَكُونُ دَاخِلَةً حِينَئِذٍ فِي شَيْءٍ مِنْ قِسْمَيْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِلْوَكِيلِ أَلْبَتَّةَ بِمُوجِبِ مَا بَقِيَ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّهُ يَحْكُمُ النَّقْدُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ. فَفِيمَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ يَصِيرُ الْعَقْدُ لَهُ قَطْعًا، وَإِنَّ صُورَةَ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَتَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لَا تَكُونُ دَاخِلَةً أَيْضًا حِينَئِذٍ فِي شَيْءٍ مِنْ قِسْمَيْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ فِيهَا أَيْضًا لِلْوَكِيلِ بِمُوجِبِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا كَمَا سَيَأْتِي، فَيَلْزَمُ حَمْلُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ عَلَى مَا فِيهِ الْخِلَافُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمُصَنِّفُ. وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ هَرَبَ الْمُصَنِّفُ فِي حَلِّ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ هَاهُنَا عَنْ وَرْطَةٍ وَوَقَعَ فِي وَرْطَةٍ أُخْرَى مِثْلِ الْأُولَى بَلْ أَشَدَّ مِنْهَا فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهِ؟ وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَفَطَّنَ لِذَلِكَ حَيْثُ زَادَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ أَوْ يَنْقُدَ مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ: فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ إلَى آخِرِهِ (وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ (كَانَ) أَيْ الْعَقْدُ (لِنَفْسِهِ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (حَمْلًا لِحَالِهِ) أَيْ حَالِ الْوَكِيلِ (عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ لِلْآمِرِ لَكَانَ وَاقِعًا لِلْوَكِيلِ، فَلَوْ وَقَعَ لَهُ كَانَ غَاصِبًا لِدَرَاهِمِ الْآمِرِ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ شَرْعًا. كَذَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْآمِرِ، وَأَمَّا إذَا أَضَافَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ وَلَكِنْ لَمْ يَنْقُدْ مِنْ دَرَاهِمِهِ بَلْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْغَصْبُ قَطْعًا. وَجَوَابُ مَسْأَلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ مُتَّحِدٍ فِي الصُّورَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَنُقِلَ عَنْهَا فِي النِّهَايَةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا وَتَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ: يَعْنِي أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ يَقَعُ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ فَلَمَّا أَضَافَ الْعَقْدَ هَاهُنَا إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ وَقَعَ لَهُ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بَعْدَ أَنْ جَرَى فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَهِيَ تَوْزِيعُ التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلَانِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَيُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ شَرْعًا فَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ وَيُضِيفَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا الْعَادَةُ

إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ، فَإِنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهُوَ لِلْآمِرِ، وَإِنْ نَوَاهَا لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَيَعْمَلَ لِلْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ، وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يَحْكُمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْكُمُ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجَارِيَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَيُضِيفُهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ، وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَةَ الْمَذْكُورَةَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً دَلِيلًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي يُعْلَمُ بِالدَّلَالَةِ، فَإِنَّهُ، كَمَا لَا يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَيُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ شَرْعًا فَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ وَيُضِيفَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ وَالْعَادَةُ مُشْتَرِكَةٌ لَا مَحَالَةَ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَصِيرُ غَاصِبًا دُونَ الثَّانِي فَلَا امْتِنَاعَ فِيهِ شَرْعًا انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ (إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا) يُنَادِي بِأَعْلَى الصَّوْتِ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَزْبُورَ بِشِقَّيْهِ مَعًا لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ؛ فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلَّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً دَلِيلًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَيَكْتَفِي فِي الْعِلْمِ بِالْوَجْهِ الثَّانِي بِدَلَالَةِ شِقِّهِ الثَّانِي: أَعْنِي قَوْلَهُ أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً عَلَى ذَلِكَ. وَالْإِنْصَافُ أَنَّ فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا تَعْقِيدًا وَاضْطِرَابًا كَمَا تَرَى، وَلِهَذَا تَحَيَّرَ الشُّرَّاحُ فِي حَلِّهِ الْوَافِي وَشَرْحِهِ الْكَافِي (وَإِنْ أَضَافَهُ) أَيْ الْعَقْدَ (إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ نَوَاهَا) أَيْ الدَّرَاهِمَ الْمُطْلَقَةَ (لِلْآمِرِ فَهُوَ) أَيْ الْعَقْدُ (لِلْآمِرِ، وَإِنْ نَوَاهَا لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ) أَيْ فَالْعَقْدُ لِنَفْسِهِ (لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَيَعْمَلَ لِلْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ) أَيْ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُعْتَبَرَةً. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا نَوَاهَا لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْآمِرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ مِنْ كَوْنِهِ غَاصِبًا لِدَرَاهِمِ الْآمِرِ. فَإِنْ قُلْت: الْغَصْبُ فِي صُورَةِ الْإِضَافَةِ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ فِي ضِمْنِ نَفْسِ الْعَقْدِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِبُطْلَانِهِ، وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَفِي النَّقْدِ مِنْ دَرَاهِمِ الْآمِرِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فَافْتَرَقَتْ الصُّورَتَانِ. قُلْت: الْغَصْبُ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الْإِضَافَةِ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ بَلْ يَتَحَقَّقُ فِي النَّقْدِ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَهُوَ لَمْ يُوجَدْ فِي ضِمْنِ نَفْسِ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، بَلْ إنَّمَا وُجِدَ فِي النَّقْدِ مِنْ دَرَاهِمِ الْآمِرِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِ الْعَقْدِ فِي تَيْنِك الصُّورَتَيْنِ مَعًا فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ تَدَبَّرْ (وَإِنْ تَكَاذَبَا) أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ (فِي النِّيَّةِ) فَقَالَ الْوَكِيلُ نَوَيْت لِنَفْسِي وَقَالَ الْمُوَكِّلُ نَوَيْت لِي (يَحْكُمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ) فَمِنْ مَالِ مَنْ نَقَدَ الثَّمَنَ كَانَ الْمَبِيعُ لَهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ النَّقْدَ (دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ حَمْلِ حَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً (وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ) فَفِيهِ اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. (قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ) أَيْ الْعَقْدُ (لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ (إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعَلَهُ) أَيْ جَعَلَ الْعَمَلَ (لِغَيْرِهِ) بِالْإِضَافَةِ إلَى مَالِهِ أَوْ بِالنِّيَّةِ لَهُ (وَلَمْ يَثْبُتْ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْكُمُ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ بِنِيَّتِهِ (يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ) وَهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ وَأَنْ يَكُونَ

فَيَبْقَى مَوْقُوفًا، فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحْتَمَلَ لِصَاحِبِهِ وَلِأَنَّ مَعَ تَصَادُقِهِمَا يَحْتَمِلُ النِّيَّةَ لِلْآمِرِ، وَفِيمَا قُلْنَا حَمْلُ حَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِنَفْسِهِ (فَيَبْقَى مَوْقُوفًا، فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحْتَمَلَ لِصَاحِبِهِ) فَتَعَيَّنَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَيْنِ (وَلِأَنَّ مَعَ تَصَادُقِهِمَا) عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ (يَحْتَمِلُ النِّيَّةُ لِلْآمِرِ) بِأَنْ نَوَى لَهُ وَنَسِيَهُ (وَفِيمَا قُلْنَا) أَيْ فِي تَحْكِيمِ النَّقْدِ (حَمَلَ) أَيْ حَالَ الْوَكِيلِ (عَلَى الصَّلَاحِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ غَاصِبًا عَلَى تَقْدِيرِ النَّقْدِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ (كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ) بَقِيَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى أَيِّ نَقْدٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقَيِّدَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّ الشِّرَاءَ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ يَتَعَيَّنُ، وَإِنَّمَا نَقُولُ الْوَكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِمَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا تَقَيَّدَتْ بِهَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ بِغَيْرِهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْوَكَالَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ، وَمَأْخَذُهُمْ الْمَبْسُوطُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ بَعْدَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَسَيَظْهَرُ لَك فِيمَا سَيَجِيءُ عَنْ قَرِيبٍ. وَجَوَابُ مَسْأَلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ وَإِلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِ الْإِضَافَةِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَغَيْرُ مُخْتَصٍّ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ، وَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يُجْعَلَ مَدَارُهُ مَا هُوَ الْمُقَيَّدُ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ؟ وَكَأَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى ثَمَنٍ مُعَيَّنٍ: لِأَنَّ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ التَّعَيُّنِ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ بِهِ، وَقَدْ تَعَيَّنَ قَدْرُهُ وَوَصْفُهُ وَلِهَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ انْتَهَى. لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَيْضًا بِمَا يَشْفِي الْغَلِيلَ هَاهُنَا كَمَا تَرَى. ثُمَّ أَقُولُ: الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الْعِلَّةُ فِي كَوْنِ الْعَقْدِ لِمَنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِهِ تَعَيُّنَ النُّقُودِ بِالتَّعْيِينِ بَلْ حُمِلَ حَالُهُ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً كَمَا مَرَّ مُبَيَّنًا وَمَشْرُوحًا، فَلَا ضَيْرَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ النُّقُودِ بِالتَّعْيِينِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَالدَّرَاهِمُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُضِيفُ شِرَاءَ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ إلَى دَرَاهِمِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ

وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ، فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْعًا وَعُرْفًا انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ) الْمَذْكُورَةِ فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ وِفَاقًا وَخِلَافًا؛ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ مَعَ اسْتِفَادَةِ حُكْمِهِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ نَفْيًا لِقَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا: فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَالْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ إجْمَاعًا وَلَا يَحْكُمُ النَّقْدُ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ وَالسَّلَمِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ لِلنَّقْدِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ السَّلَمِ، فَإِنَّ الْمُفَارَقَةَ بِلَا نَقْدٍ تُبْطِلُ السَّلَمَ، فَإِذَا جَهِلَ مَنْ لَهُ الْعَقْدُ يُسْتَبَانُ بِالنَّقْدِ، وَلَيْسَ الشِّرَاءُ كَذَلِكَ فَكَانَ الْعَقْدُ لِلْعَاقِدِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الْأَصْلِ. كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَاتُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ فَصَارَ مُخَالِفًا بِتَرْكِ مَا هُوَ الشَّرْطُ. وَأَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَلَا يَصِيرُ بِتَرْكِ النِّيَّةِ عَنْ الْآمِرِ مُخَالِفًا فَيَبْقَى حُكْمُ عَقْدِهِ مَوْقُوفًا عَلَى النَّقْدِ كَذَا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالسَّلَمِ مِنْ بُيُوعِ الْمَبْسُوطِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ) أَيْ الْمَأْمُورُ (قَدْ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ، فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْآمِرُ (دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَأْمُورِ (الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا إلَى الْمَأْمُورِ (أَخْبَرَ) أَيْ الْمَأْمُورُ (عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ) أَيْ اسْتِئْنَافَ سَبَبِهِ (وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ) فَإِنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ هُوَ الْعَقْدُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِئْنَافِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَيْتٌ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالْمَيْتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعَقْدِ فَكَانَ قَوْلُ الْوَكِيلِ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي لِإِرَادَةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ (وَهُوَ) أَيْ الْآمِرُ (يُنْكِرُ) ذَلِكَ (وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ) فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ مَعْنَاهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ سَبَبِهِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ بِالْحَذْفِ، وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ

وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ اخْتَلَفَا، إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الشِّرَاءِ فَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ لِلْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِذَلِكَ وَلَا ثَمَنَ فِي يَدِهِ هَاهُنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ رَاجِعٌ إلَى " مَا " فِي عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَحْسَنُ فِي حَلِّ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. وَقِيلَ: إنَّمَا قَالَ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَلَمْ يَقُلْ وَهُوَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَكِيلِ مِنْ ذِكْرِ الْعَقْدِ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ لَا الْعَقْدِ لِأَجْلِ الْآمِرِ، فَتَرَكَ الْوَاسِطَةَ وَهِيَ الْعَقْدُ وَصَرَّحَ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الرُّجُوعُ فَكَانَ ذِكْرًا لِلْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةً لِلسَّبَبِ، وَجَازَ هَذَا؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ مُخْتَصٌّ بِالشِّرَاءِ لِأَجْلِ الْآمِرِ، وَإِلَى هَذَا التَّوْجِيهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَهُوَ بِهَذَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ انْتَهَى. (وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا إلَى الْمَأْمُورِ (هُوَ) أَيْ الْمَأْمُورُ (أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: عَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْآمِرُ الثَّمَنَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَفِيمَا إذَا دَفَعَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ شَامِلٌ لِلصُّورَتَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ بِهِ الْفَرْقُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ يَدَّعِي الثَّمَنَ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَفِيمَا إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ يَدَّعِي الْآمِرُ الثَّمَنَ عَلَى الْمَأْمُورِ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ مَخْصُوصٌ بِصُورَتِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمُصَنِّفِ فِيهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ لَا يَشْمَلُ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ إذْ الثَّمَنُ فِيهَا مَقْبُوضٌ لِلْوَكِيلِ فَلَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ قَطْعًا، وَقَدْ لَبَّسَ هَذَا الْقَائِلُ فِي تَعْلِيلِهِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلَ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَتَرَكَ آخِرَهُ الْفَارِقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ ضَمَّ إلَى مَا ذَكَرَهُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا تَرَكَهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِمَقْبُوضِ الْوَكِيلِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا إنَّهُ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى (وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ اخْتَلَفَا) فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتُهُ لَكَ، وَقَالَ الْآمِرُ بَلْ اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِك (إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ) يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الثَّمَنُ (مَنْقُودًا فَكَذَلِكَ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ أَيْضًا (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الشِّرَاءِ) لِلْآمِرِ إذْ الْعَبْدُ حَيٌّ وَالْحَيُّ مَحَلُّ الشِّرَاءِ فَيَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فِي الْحَالِ لِأَجْلِ الْآمِرِ (فَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الشِّرَاءِ لِأَجْلِ الْآمِرِ فَإِنْ قِيلَ: إنْ وَقَعَ الشِّرَاءُ أَوَّلًا لِلْوَكِيلِ كَيْفَ يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ حَتَّى يَمْلِكَ اسْتِئْنَافَهُ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ تَمَلُّكَ اسْتِئْنَافِ الشِّرَاءِ دَائِرٌ مَعَ التَّصَوُّرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتَفَاسَخَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مَعَ بَائِعِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ لِأَجْلِ الْمُوَكِّلِ. كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الشِّرَاءِ لِأَجْلِ الْآمِرِ (مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ (فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَهَا الْآمِرَ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (أَمِينٌ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الثَّمَنِ أَوْ فِي هَذَا الْوَجْهِ (فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِذَلِكَ) أَيْ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ تَبَعًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا (وَلَا ثَمَنَ فِي يَدِهِ هَاهُنَا) أَيْ لَا ثَمَنَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا

وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ حَتَّى يَكُونَ أَمِينًا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَافْتَرَقَا (وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ) يَعْنِي إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ (ثُمَّ اخْتَلَفَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْعَبْدَ حَيٌّ (فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْإِجْمَاعِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَأْمُورَ (أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فِي الْحَالِ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ) أَيْ فِي إخْبَارِهِ عَنْ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ) أَيْ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، قَيَّدَ بِهِ، إذْ فِي حَالِ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ (عَلَى مَا مَرَّ) أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ (بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاخْتَلَفَا (عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ جَانِبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: التُّهْمَةُ مُتَحَقِّقَةٌ فِي صُورَةِ الْمُعَيَّن أَيْضًا بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُوَافَقَةِ لِلْآمِرِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ، كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِخِلَافِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى أَوْ بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ الثَّانِي بِغَيْبَةِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمَّا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً قَالَ لِلْآمِرِ اشْتَرَيْته لَك بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَالْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُوَافَقَةِ لِلْآمِرِ. وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَمْلِكُهُ قَطْعًا عَلَى مَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، فَمَا الدَّافِعُ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؟ ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: إنَّ

(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ ثُمَّ جَاءَ فُلَانٌ وَقَالَ أَنَا أَمَرْته بِذَلِكَ فَإِنَّ فُلَانًا يَأْخُذُهُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِمَالَ أَنَّ اشْتِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ شُبْهَةٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ احْتِمَالُ أَنَّ اشْتِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُوَافَقَةِ شُبْهَةُ شُبْهَةٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّ الشُّبْهَةَ تُعْتَبَرُ وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ لَا تُعْتَبَرُ، وَالتُّهْمَةُ فِي صُورَةِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ نَفْسُ الشُّبْهَةِ وَفِي صُورَةِ الْمُعَيَّنِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، فَاعْتُبِرَتْ فِي الْأُولَى وَلَمْ تُعْتَبَرْ فِي الثَّانِيَةِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ الْوَلِيُّ إذَا أَقَرَّ بِتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ. قُلْنَا: قَوْلُهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَقَعَ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَوْلُهُ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ وَقَعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اتِّفَاقُ الْجَوَابِ مَعَ اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يُرَدَّ الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِهِ. أَوْ نَقُولُ: لَوْ كَانَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ إخْبَارٌ عِنْدَ حُضُورِ شَاهِدَيْنِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ عِنْدَهُ أَيْضًا، فَكَانَ ذَلِكَ إنْشَاءً لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً فَلَا يُرَدُّ الْإِشْكَالُ لِمَا أَنَّهُ إنَّمَا لَا يُقْبَلُ هُنَاكَ إقْرَارٌ بِتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إنْشَاؤُهُ شَرْعًا لِعَدَمِ الشُّهُودِ فَكَانَ لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَاطَّرَدَ الْجَوَابُ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُمَا. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: فَإِنْ قُلْت: الْأَصْلُ فِي الدَّلَائِلِ الِاطِّرَادُ. وَهَذَا لَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا أَقَرَّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَا وَكِيلُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمُقِرَّ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الْعَقْدِ؟ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا بَلْ يَمْلِكُ مُقَيَّدًا بِحَالِ حَضْرَةِ الشُّهُودِ وَلَمْ يَكُنْ شُهُودُ النِّكَاحِ حُضُورًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِنْشَاءُ بِلَا شُهُودٍ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي. وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ: إنَّ قَوْلَهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَقَعَ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَوْلُهُ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ وَقَعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَعِيدٌ عَنْ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَا قَوْلُهُ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ وَحْدَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا بَلْ يَمْلِكُهُ مُقَيَّدًا بَحْثٌ، فَإِنَّ تَمَلُّكَ الِاسْتِئْنَافِ دَائِرٌ مَعَ التَّصَوُّرِ كَمَا ذَكَرُوا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالدَّوَرَانِ مَعَ التَّصَوُّرِ الْإِمْكَانُ الشَّرْعِيُّ، وَمَا لَمْ يَحْضُرْ الشُّهُودُ لَمْ يُمْكِنْ إنْشَاءُ النِّكَاحِ شَرْعًا. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إنْشَاءٌ شَرْعًا لِعَدَمِ الشُّهُودِ. وَأَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ شُهُودُ النِّكَاحِ حُضُورًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِنْشَاءُ بِلَا شُهُودٍ فَكَوْنُ تَمَلُّكِ الِاسْتِئْنَافِ دَائِرًا مَعَ التَّصَوُّرِ لَا يَقْدَحُ أَصْلًا فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْغَايَةِ. لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا بَلْ يَمْلِكُهُ مُقَيَّدًا بِحَالِ حَضْرَةِ الشُّهُودِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ؛؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ. وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ اخْتَلَفَا أَوْ هَالِكًا. وَقَدْ ذَكَرَ سِتَّةَ أَوْجُهٍ مِنْهَا فِي الْكِتَابِ مُدَلِّلًا وَمُفَصِّلًا كَمَا عَرَفْت فَبَقِيَ مِنْهَا وَجْهَانِ، وَهُمَا أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَيَكُونَ الْعَبْدُ هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا مَعَ دَلِيلِهِمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَقْسِيمِ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ: وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الرُّجُوعَ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: دَلِيلُ الْوَجْهِ الْأَخِيرِ مِنْهَا مَحَلُّ إشْكَالٍ، فَإِنَّ الْآمِرَ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لِاشْتِرَاءِ الْمَأْمُورِ لِلْآمِرِ لَكِنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِاشْتِرَائِهِ لِنَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ لِلْمَأْمُورِ بَلْ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ بَلْ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ أَلْبَتَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِإِنْكَارِ الْآمِرِ شِرَاءَ الْمَأْمُورِ حُكْمٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ) أَيْ لِأَجْلِ فُلَانٍ (فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ ثُمَّ جَاءَ فُلَانٌ وَقَالَ أَنَا أَمَرْته بِذَلِكَ فَإِنَّ فُلَانًا يَأْخُذُهُ) يَعْنِي أَنَّ لِفُلَانٍ وِلَايَةَ أَخْذِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ) أَيْ قَوْلَ الْمُشْتَرِي السَّابِقَ وَهُوَ قَوْلُهُ لِفُلَانٍ (إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ) ؛ لِأَنَّ

(فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ لَمْ آمُرْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ فَيَكُونُ بَيْعًا عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي، كَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَتَّى لَزِمَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِلتَّعَاطِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ لِاسْتِتْمَامِ التَّرَاضِي وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقْرَارَ بِالشَّيْءِ لَا يَبْطُلُ بِالْإِنْكَارِ اللَّاحِقِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ لِفُلَانٍ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْوَكَالَةِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لِشَفَاعَةِ فُلَانٍ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: أَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا طَلَبَ مِنْ الشَّفِيعِ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ فَقَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْتهَا لَك بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ اسْتِحْسَانًا كَأَنَّهُ قَالَ سَلَّمْت هَذِهِ الشُّفْعَةَ لِأَجْلِك. قُلْنَا: اللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ وَالِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ بِلَا قَرِينَةٍ، وَسُؤَالُ التَّسْلِيمِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَرِينَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ ذَلِكَ بِغَيْرِ سَبْقِ سُؤَالِ التَّسْلِيمِ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ وَلَيْسَتْ الْقَرِينَةُ بِمَوْجُودَةٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ (فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ لَمْ آمُرْهُ بِذَلِكَ) ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ (لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ سَبِيلٌ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ) أَيْ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي (ارْتَدَّ بِرَدِّهِ) أَيْ بِرَدِّ فُلَانٍ، فَإِذَا عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ حِينَ انْتَفَى الْإِقْرَارُ فَلَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ) رُوِيَ لَفْظُ الْمُشْتَرِي بِرِوَايَتَيْنِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فَعَلَى الْكَسْرِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي فَاعِلًا، وَقَوْلُهُ لَهُ: أَيْ لِأَجْلِهِ وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفًا وَهُوَ إلَيْهِ، فَالْمَعْنَى: إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْفُضُولِيُّ الْعَبْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ إلَيْهِ. وَعَلَى الْفَتْحِ يَكُونُ الْمُشْتَرَى لَهُ مَفْعُولًا ثَانِيًا بِدُونِ حَرْفِ الْجَرِّ وَهُوَ فُلَانٌ، وَيَكُونُ الْفَاعِلُ مُضْمَرًا يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرِي، فَالْمَعْنَى: إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْفُضُولِيُّ الْعَبْدَ إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ وَهُوَ فُلَانٌ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ: أَيْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ إلَّا فِي صُورَةِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ صُورَةَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فُلَانًا لَوْ قَالَ أَجَزْت بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ آمُرْهُ بِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ، بَلْ يَكُونُ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَلْحَقُ الْمَوْقُوفَ دُونَ الْجَائِزِ، وَهَذَا عَقْدٌ جَائِزٌ نَافِذٌ عَلَى الْمُشْتَرِي. كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (فَيَكُونُ بَيْعًا عَنْهُ) أَيْ فَيَكُونُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ بَيْعًا مُبْتَدَأً (وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ) أَيْ وَعَلَى فُلَانٍ عُهْدَةُ الْأَخْذِ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ، كَذَا فَسَّرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي) كَمَا لَا يَخْفَى (كَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ) أَيْ كَالْفُضُولِيِّ الَّذِي اشْتَرَى لِغَيْرِهِ (بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَتَّى لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْعَقْدُ الْمُشْتَرِيَ (ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ) حَيْثُ كَانَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي كَمَا يَكُونُ بِأَخْذٍ وَإِعْطَاءٍ فَقَدْ يَنْعَقِدُ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ كَانَ أَخْذًا بِلَا إعْطَاءٍ لِعَادَةِ النَّاسِ وَثَبَتَ بِهِ أَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْخَسِيسَ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي سَوَاءٌ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ بِقَوْلِهِ (وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ) أَيْ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِلتَّعَاطِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ وَهُوَ) أَيْ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي (يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ) أَيْ نَفِيسِ الْأَمْوَالِ وَخَسِيسِهَا (لِاسْتِتْمَامِ التَّرَاضِي) أَيْ لِاسْتِتْمَامِ التَّرَاضِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ) أَيْ التَّرَاضِي

قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا جَازَ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ (إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ) ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ الْبَيْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] فَلَمَّا وُجِدَ التَّرَاضِي فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فِيهِمَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْكَرْخِيُّ إنَّ الْبَيْعَ بِالتَّعَاطِي لَا يَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ) يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ اشْتِرَائِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ. (وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ (فِي الْبَيْعِ) فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ (إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ جَازَ: أَيْ جَازَ اشْتِرَاءُ أَحَدِهِمَا إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ الْمَذْكُورَ (تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ) وَهُوَ لَا يَتَحَمَّلُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ الْبَيْعَ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ (وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَعَنْ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا، وَقَدْ سَمَّى لَهُ ثَمَنَهُمَا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ (وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُمَا بِأَلْفٍ) أَيْ لَوْ أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ (وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ قِيمَتَهُمَا سَوَاءٌ (فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ جَازَ) أَيْ جَازَ الشِّرَاءُ وَيَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ (وَإِنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ) قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ (لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرُ) بَلْ يَقَعُ عَنْ الْوَكِيلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْآمِرُ (قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا) أَيْ بِالْعَبْدَيْنِ (وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيُقَسَّمُ) أَيْ الْأَلْفُ (بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ وَيَعْمَلُ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ

فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا مُوَافَقَةً وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةً إلَى خَيْرٍ وَالزِّيَادَةُ إلَى شَرٍّ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يُشْتَرَى بِمِثْلِهِ الْبَاقِي جَازَ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يُشْتَرَى بِمِثْلِهَا الْبَاقِي لِيُمْكِنَهُ تَحْصِيلُ غَرَضِ الْآمِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةِ، ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا) أَيْ بِخَمْسِمِائَةِ (مُوَافَقَةً) لِأَمْرِ الْآمِرِ (وَبِأَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ بِالشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ (مُخَالَفَةً إلَى خَيْرٍ) فَيَجُوزُ (وَبِالزِّيَادَةِ إلَى شَرٍّ) أَيْ الشِّرَاءُ بِالزِّيَادَةِ مُخَالَفَةٌ إلَى شَرٍّ (قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: احْتَمَلَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ عَلَى الْآمِرِ إذَا زَادَ زِيَادَةً لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا. وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا فِي الَّذِي يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْآمِرُ، فَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ، وَاحْتُمِلَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ، وَفِي قَوْلِهِمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَلِيلَةً انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَلِيلَةً بِحَيْثُ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَسْمِيَةَ فِي حَقِّ هَذَا الْوَاحِدِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ كَذَا هَاهُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفَصَّلَهُ عَلَى قَوْلِهِمَا انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ: وَبِالزِّيَادَةِ إلَى شَرٍّ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا) فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ وَيَلْزَمُ الْآمِرُ (اسْتِحْسَانًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْآمِرُ لِثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ) يَعْنِي أَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ قَائِمٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ بِالْخُصُومَةِ (وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ) أَيْ وَقَدْ حَصَلَ عِنْدَ اشْتِرَاءِ الْبَاقِي غَرَضُ الْأَوَّلِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ (وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ (إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا) أَيْ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ: يَعْنِي أَنَّ الِانْقِسَامَ بِالسَّوِيَّةِ إنَّمَا كَانَ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَإِذَا جَاءَ الصَّرِيحُ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ بَطَلَتْ الدَّلَالَةُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ (مِنْ الْأَلْفِ مَا يُشْتَرَى بِمِثْلِهِ الْبَاقِي جَازَ) وَلَزِمَ الْآمِرُ (لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ) أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ (لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ) أَيْ الْمُتَعَارَفُ (فِيمَا قُلْنَا) أَيْ فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ (وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يُشْتَرَى بِمِثْلِهَا الْبَاقِي) مِنْ الْعَبْدَيْنِ (لِيُمْكِنَهُ) أَيْ لِيُمْكِنَ الْمَأْمُورُ (تَحْصِيلَ غَرَضِ الْآمِرِ) وَهُوَ تَمَلُّكُ

قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينَ الْبَائِعِ؛ وَلَوْ عَيَّنَ الْبَائِعَ يَجُوزُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَا: هُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ) وَعَلَى هَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ. لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدَيْنِ مَعًا (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ) أَيْ الْآخَرُ (بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْأَلْفِ (هَذَا الْعَبْدَ) يَعْنِي الْعَبْدَ الْمُعَيَّنَ (فَاشْتَرَاهُ جَازَ) وَلَزِمَ الْآمِرَ قَبْضُهُ أَوْ مَاتَ قَبْلَهُ عِنْدَ الْمَأْمُورِ (لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينَ الْبَائِعِ، وَلَوْ عُيِّنَ الْبَائِعُ يَجُوزُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) يُشِيرُ إلَى مَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عُيِّنَ الْبَائِعُ إلَخْ (وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا) أَيْ بِالْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ (عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ) أَيْ فَمَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي) فَالْأَلْفُ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (لَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (لَازِمٌ لِلْآمِرِ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ) سَوَاءٌ قَبَضَهُ الْآمِرُ أَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمَأْمُورِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ (إذَا أَمَرَهُ) أَيْ إذَا أَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (أَنْ يُسَلِّمَ مَا عَلَيْهِ) أَيْ يَعْقِدَ عَقْدَ السَّلَمِ (أَوْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ يَعْقِدَ عَقْدَ الصَّرْفِ فَإِنَّ عَيَّنَ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ وَمَنْ يَعْقِدُ بِهِ عَقْدَ الصَّرْفِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ. قَالَ الشُّرَّاحُ: وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ مَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ مَسْأَلَةُ جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مُدَلَّلَةً وَمُفَصَّلَةً مَعَ التَّعَرُّضِ لِأَحْوَالِ الْقَبْضِ مُسْتَوْفًى، فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمُ جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِيهِمَا، وَهَلْ يَلِيقُ بِشَأْنِ الْمُصَنِّفِ دَفْعُ مِثْلِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ. فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ تَخْصِيصَهُمَا بِالذِّكْرِ إنَّمَا هُوَ لِإِزَالَةِ مَا يَتَرَدَّدُ فِي الذِّهْنِ مِنْ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي بَابَيْ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ أَيْضًا أَمْ لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمَا شَأْنًا مَخْصُوصًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، فَقَوْلُهُ هَذَا عَلَى نَهْجِ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْإِسْلَامِ بِالطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ (لَهُمَا) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ دَيْنًا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَيْنًا غَيْرَ ثَابِتَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَنُورُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ) وَيَجِبُ مِثْلُ الدَّيْنِ وَكُلُّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَانَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءٌ (فَصَارَ الْإِطْلَاقُ) بِأَنْ قَالَ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَا عَلَيْهِ (وَالتَّقْيِيدُ) بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ الْمَزْبُورِ (سَوَاءٌ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ) أَيْ وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ الْآمِرَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ تَصَدَّقْ بِمَالِي عَلَيْك عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا) أَيْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ (تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَكِنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ. وَأَمَّا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَلَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ: رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ اشْتَرِ لِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ الدِّرْهَمِ جَارِيَةً وَأَرَاهُ الدَّرَاهِمَ فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى سُرِقَتْ الدَّرَاهِمُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْوَكِيلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَاتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَاتِ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ فَتُعْتَبَرُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الشِّرَاءِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَكَذَا فِيمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ. وَأَمَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ هَلْ تَتَعَيَّنُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. بَعْضُهُمْ قَالَ: تَتَعَيَّنُ حَتَّى تَبْطُلَ الْوَكَالَةُ بِهَلَاكِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَكَالَةَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ يَتَعَيَّنَانِ فِي الشِّرَاءِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، فَكَذَا فِيمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْأَمَانَاتِ. وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ. وَفَائِدَةُ النَّقْدِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا يُؤَقَّتُ بَقَاءَ الْوَكِيلِ بِبَقَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمَنْقُودَةِ، فَإِنَّ الْعُرْفَ الظَّاهِرَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا دَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى الْوَكِيلِ يُرِيدُ شِرَاءَهُ حَالَ قِيَامِ الدَّرَاهِمِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ. وَالثَّانِي قَطَعَ رُجُوعَ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا وَجَبَ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ يُوجِبُ دَيْنَيْنِ، دَيْنًا لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَدَيْنًا لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ بِنَوْعِ إجْمَالٍ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَعَلَى هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ حَدَّثُوا بَعْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمِائَتَيْ سَنَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، فَلَعَلَّ اعْتِمَادَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ التَّقْيِيدِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ السُّؤَالُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ حَدَّثُوا بَعْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَقُولُوا مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ تَعَيُّنِ النُّقُودِ فِي الْوَكَالَاتِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ بِاجْتِهَادِهِمْ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ بَلْ بِتَخْرِيجِهِمْ إيَّاهُ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ حَالُ أَصْحَابِ التَّخْرِيجِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مِنْ قَبِيلِ إثْبَاتِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَصْلِهِ عَلَى تَخْرِيجِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَأَمْثَالُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الزِّيَادَاتِ فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْوَكِيلِ. فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ هُنَاكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ عَلَى قَوْلِ نَفْسِهِ فَقَطْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا قَالَ بِهِ أَيْضًا، فَلَوْ عَمِلَ بِمَفْهُومِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا سَلَّمَ الْمُوَكِّلُ الدَّرَاهِمَ إلَى الْوَكِيلِ وَقَالَ لَهُ اشْتَرِ لِي بِهَا عَيْنًا فَاشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَعَ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، وَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يُفَصِّلُ مَا فِي الْكِتَابِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ انْتَهَى. أَقُولُ: هُوَ مَدْفُوعٌ بِحَمْلِ إطْلَاقِ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا هُوَ الْمُقَيَّدُ فِي كَلَامِ الثِّقَاتِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ إذَا وَرَدَا وَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْحَادِثَةُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهَا هُنَا كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ (أَلَا تَرَى) تَنْوِيرٌ لِتَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الْوَكَالَاتِ (أَنَّهُ) أَيْ الْآمِرُ (لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ) أَيْ الْآمِرُ أَوْ الْوَكِيلُ (الْعَيْنَ) كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتَهْلَكَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (أَوْ أَسْقَطَ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (الدَّيْنَ) بِأَنْ أَبْرَأهُ عَنْ الدَّيْنِ بَعْدَ التَّوْكِيلِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا. وَيَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا بِنَاءُ الْمَفْعُولِ (بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) جَوَابُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ. وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا قَبَضَ الدَّنَانِيرَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ غَيْرِهَا ثُمَّ نَقَدَ دَنَانِيرَ الْمُوَكِّلِ فَالطَّعَامُ لِلْوَكِيلِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِدَنَانِيرِ الْمُوَكِّلِ. ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَةِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّمَا قَيَّدَ: يَعْنِي الْمُصَنِّفُ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي السَّلَمِ مِنْ بُيُوعِ فَتَاوَاهُ فَقَالَ: رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمِ لِيَشْتَرِيَ بِهَا ثَوْبًا قَدْ سَمَّاهُ فَأَنْفَقَ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْسِهِ دَرَاهِمَ الْمُوَكِّلِ وَاشْتَرَى ثَوْبًا لِلْآمِرِ بِدَرَاهِمِ نَفْسِهِ فَإِنَّ الثَّوْبَ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَقَيَّدَتْ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِهَلَاكِهَا، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا لِلْآمِرِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَمْسَكَ دَرَاهِمَ الْآمِرِ كَانَ الثَّوْبُ لِلْآمِرِ وَتَطِيبُ لَهُ دَرَاهِمُ الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا، كَالْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِمَالِ نَفْسِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: دَلَالَةُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ مَمْنُوعَةٌ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا أَنْفَقَ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْسِهِ دَرَاهِمَ الْمُوَكِّلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا هَلَكَتْ دَرَاهِمُ الْمُوَكِّلِ بِغَيْرِ صُنْعِ الْوَكِيلِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ قَالَ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِهَلَاكِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِاسْتِهْلَاكِهَا، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْهَلَاكِ لَمَا قَالَ كَذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ

وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ دُونِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عَلَيْك ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ. فَأَقُولُ: كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ كَمَا فِي هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِهِ. وَنُقِلَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، بَلْ إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ فَيَقُومُ مِثْلُهَا مَقَامَهَا فَتَصِيرُ كَأَنَّ عَيْنَهَا بَاقِيَةٌ، فَذَكَرَ الِاسْتِهْلَاكَ لِبَيَانِ تَسَاوِيهِمَا فِي بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ بِهِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ خَلَا قَوْلِهِ وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَمْ نَجِدْ فِي نُسَخِ النِّهَايَةِ هُنَا مَسْأَلَةً مَنْقُولَةً عَنْ الذَّخِيرَةِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ الْمَذْكُورُ فِيهَا هَاهُنَا إنَّمَا هِيَ مَسْأَلَةُ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ كَمَا نَقَلْنَاهُ فِيمَا قَبْلُ (فَإِذَا تَعَيَّنَتْ) أَيْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، وَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الدَّلِيلِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ (كَانَ هَذَا) أَيْ التَّوْكِيلُ الْمَذْكُورُ (تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرُ (بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الدَّيْنِ (وَذَلِكَ) أَيْ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَزْبُورِ (لَا يَجُوزُ) لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ (كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي) بِأَنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو مَثَلًا دَيْنٌ فَاشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ آخَرَ شَيْئًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى عَمْرٍو فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَكَانَ تَقْدِيرُهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَى هَذَا الْمَأْمُورُ بِدَيْنٍ هُوَ حَقَّ الْآمِرِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَأْمُورِ انْتَهَى. وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي كَمَا إذْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِدَيْنٍ عَلَى غَيْره كَمَا إذَا أَمَرَهُ زَيْدٌ مَثَلًا أَنْ يَشْتَرِيَ بِدَيْنٍ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو شَيْئًا مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ انْتَهَى. وَبَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ تَغَايُرٌ لَا يَخْفَى (أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ) أَيْ بِدَفْعِ (مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ مُتَعَلِّقٌ بِصَرْفٍ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالْمَعْنَى: أَوْ يَكُونُ التَّوْكِيلُ الْمَذْكُورُ أَمْرًا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بِدَفْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ رَبُّ الدَّيْنِ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ مَا أَدَّى الْمَدْيُونُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ مِلْكَ الْمَدْيُونِ وَلَا يَمْلِكُهُ الدَّائِنُ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَذَلِكَ بَاطِلٌ) أَيْ أَمْرُ الْإِنْسَانِ بِدَفْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ بَاطِلٌ (كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَا لِي عَلَيْك

مَنْ شِئْت، بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ لِلَّهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ شِئْت) فَإِنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ إلَّا بِالْقَبْضِ إلَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْمَدْيُونُ بِنَفْسِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعَ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ عَيَّنَ الْبَائِعَ، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ هُنَاكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْبَائِعَ (يَصِيرُ) أَوَّلًا (وَكِيلًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُوَكِّلِ (فِي الْقَبْضِ) تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ) أَيْ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ الْبَائِعُ فَيَصِيرُ قَابِضًا لِرَبِّ الدَّيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ وَهَبَ دَيْنَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَوَكَّلَ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِقَبْضِهِ، وَكَذَا إذَا عَيَّنَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينَ الْبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْبَائِعَ، وَمَتَى أُبْهِمَ الْمَبِيعُ أَوْ الْبَائِعُ يَكُونُ الْبَائِعُ مَجْهُولًا وَالْمَجْهُولُ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا. قِيلَ: يُشْكِلُ بِمَا لَوْ آجَرَ حَمَّامًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَمَرَ الْمُسْتَأْجِرَ بِالْمَرَمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَجَّرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا بِتَمْلِيكِ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ الْأَجِيرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ مَجْهُولٌ وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَاكَ قَوْلُهُمَا، وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ فَإِنَّمَا جَازَ بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَجِدُ الْآجِرَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَجَعَلْنَا الْحَمَّامَ قَائِمًا مَقَامَ الْآجِرِ فِي الْقَبْضِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنْ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَيْنٍ عَلَى آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَجْعَلَ الْبَائِعَ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ هُنَا لِكَوْنِهِ بَيْعًا بِشَرْطٍ وَهُوَ أَدَاءُ الثَّمَنِ عَلَى الْغَيْرِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَبَعْضِ الشُّرَّاحِ. أَقُولُ: فِي هَذَا الْجَوَابِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ جَعَلَ هُنَا وَكِيلًا بِالْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ بَيْعًا بِشَرْطِ أَدَاءِ الثَّمَنِ عَلَى الْغَيْرِ، بَلْ يَكُونُ أَدَاءُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِيَدِ وَكِيلِهِ كَمَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ عَيَّنَ الْبَائِعَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ النُّقُودَ لَمَّا لَمْ تَتَعَيَّنْ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لَمْ يَلْزَمْ الِاشْتِرَاطُ الْمَذْكُورُ هُنَا أَصْلًا. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَدَمُ الْجَوَازِ هُنَا لِكَوْنِهِ بَيْعًا بِشَرْطٍ لَا لِكَوْنِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي ارْتِبَاطٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَلَمَا كَانَ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ مَعْنَى، فَإِنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِحَمْلِ مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ دُونَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ كَمَا عَرَفْته فِيمَا قَبْلُ لَا يُمْكِنُ تَخْلِيصُ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُ فَتَأَمَّلْ. وَأُجِيبُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِوَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ صَارَ وَكِيلًا فَإِنَّمَا يَصِيرُ وَكِيلًا فِي ضِمْنِ الْمُبَايَعَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ الْمُتَضَمِّنُ لِيَثْبُتَ الْمُتَضَمَّنُ، وَالْمُبَايَعَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنِ فَلَا يَثْبُتُ الْمُتَضَمَّنُ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ يَثْبُتُ فِيهِ بِأَمْرِ الْآمِرِ، وَأَنَّهُ يَسْبِقُ الشِّرَاءُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ الدَّيْنَ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَيْثُ تَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَثْبُتُ الْأَمْرُ مِنْ الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ فِي ضِمْنِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَوَقَّفُ إلَى زَمَانِ الْقَبْضِ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ سَابِقًا عَلَى التَّمْلِيكِ مَعْنَى (وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا عَلَى الْآمِرِ بِالتَّصَدُّقِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سِيَاقِ دَلِيلِهِمَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْآمِرَ بِالتَّصَدُّقِ (جَعَلَ الْمَالَ لِلَّهِ تَعَالَى) وَنَصَبَ الْفَقِيرَ وَكِيلًا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَبْضِ حَقِّهِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (وَهُوَ مَعْلُومٌ) أَيْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعْلُومٌ فَكَانَ كَتَعْيِينِ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّصَادُقِ فِي الشِّرَاءِ بِأَنْ لَا دَيْنَ لَهُ

وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ فَيَهْلِكُ مِنْ مَالِهِ إلَّا إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ مِنْهُ لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ تَعَاطَيَا. قَالَ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ. وَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ فَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الشِّرَاءِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَلَكِنْ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَاتِ، فَلَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنَا فِي الشِّرَاءِ لَمْ يَبْطُلْ الشِّرَاءُ بِبُطْلَانِ الدَّيْنِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ وَقَاضِي خَانْ (وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ) رُجُوعٌ إلَى أَوَّلِ الْبَحْثِ: يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْلَمْ بَائِعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ (نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ فَهَلَكَ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمَأْمُورِ (إلَّا إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ مِنْهُ) فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ حِينَئِذٍ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ (لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ) بَيْنَهُمَا (تَعَاطِيًا) فَكَانَ هَالِكًا فِي مِلْكِ الْآمِرِ. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ: وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ فَتُعْتَبَرُ بِالشِّرَاءِ، وَعَزَاهُ إلَى الزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ لَهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ، فَكَذَا التَّوْكِيلُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْمُعَيَّنِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا لَهُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ بِالتَّمْلِيكِ لَا تَوْكِيلًا لِلْمَدِينِ بِالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ لِلْمَجْهُولِ فَكَانَ تَوْكِيلًا لِلْمَدِينِ بِالتَّمْلِيكِ فِي الْإِسْلَامِ وَالشِّرَاءِ وَالصَّرْفِ وَلَا يَجُوزُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَلْزَمُهُمَا التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَيْضًا، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِهِمَا إنَّ عَدَمَ جَوَازِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مَنْ غَيْرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ تَتَعَيَّنْ النُّقُودُ فِي الْوَكَالَاتِ لَمْ يَكُنْ لِتَعْيِينِ الْآمِرِ الْأَلْفَ الَّتِي عَلَى الْمَأْمُورِ تَأْثِيرٌ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ اشْتِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ، بَلْ صَحَّ اشْتِرَاءُ الْمَأْمُورِ عَبْدًا لَهُ بِأَيَّةِ أَلْفٍ كَانَتْ، فَكَانَ ذِكْرُ تِلْكَ الْأَلْفِ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَعَدَمُ ذِكْرِهَا فِيهِ سَوَاءٌ فَصَحَّ التَّوْكِيلُ. وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ دَلِيلِهِمَا حَيْثُ قَالَ: فَكَانَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءٌ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ، وَلَا بُدَّ فِي تَمَامِ التَّعْلِيلِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْمَصِيرِ إلَى تَعْيِينِ النُّقُودِ فِي الْوَكَالَاتِ وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ فِي تَدْقِيقِهِ وَتَحْقِيقِهِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمُرَادُهُ) أَيْ مُرَادُ مُحَمَّدٍ (إذَا كَانَتْ) أَيْ الْجَارِيَةُ (تُسَاوِي أَلْفًا) يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمَأْمُورِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَلْفًا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَأْمُورَ (أَمِينٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْخُصُوصِ الْمَزْبُورِ (وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِيْ عَلَيْهِ

ضَمَانَ خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ حَيْثُ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَمْرُ تَنَاوَلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا فَيَضْمَنُ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ) أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَلِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَالْوَكِيلَ فِي هَذَا يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَمُوجِبُهُ التَّحَالُفُ. ثُمَّ يُفْسَخُ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا فَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ. قَالَ (وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمَأْمُورَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ) قِيلَ لَا تَحَالُفَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمَانَ خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ) أَيْ الْمَأْمُورُ (يُنْكِرُ) وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْجَارِيَةُ (تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (خَالَفَ) أَيْ خَالَفَ الْآمِرَ إلَى شَرٍّ (حَيْثُ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَمْرُ يَتَنَاوَلُ مَا يُسَاوِي أَلْفًا) وَأَيْضًا فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ (فَيَضْمَنُ) أَيْ الْمَأْمُورُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُخَالِفَ الْآمِرَ إلَى شَرٍّ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ) وَاخْتَلَفَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ (خَمْسَمِائَةٍ فَلِلْمُخَالَفَةِ) وَلِتَحْقِيقِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَمَا مَرَّ آنِفًا (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا، فَمَعْنَاهُ) أَيْ فَمَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ (أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ) وَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا قِيلَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّ الْجَارِيَةَ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا وَجَبَ أَنْ تَلْزَمَ الْآمِرَ سَوَاءٌ قَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ كَانَ مُوَافِقًا لِلْآمِرِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ مِنْهَا كَانَ مُخَالِفًا إلَى خَيْرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْآمِرَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَالتَّحَالُفُ يُخَالِفُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا مَعْنَى ذَاكَ؟ وَالْجَوَابُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرَ مُعْظَمَ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ لَا يَتَمَشَّى هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَالْوَكِيلَ فِي هَذَا) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ (يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي) لِلْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا (وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَمُوجِبُهُ التَّحَالُفُ ثُمَّ يُفْسَخُ) يَعْنِي فَإِذَا تَحَالَفَا يُفْسَخُ (الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَهُوَ الْعَقْدُ الْحُكْمِيُّ (فَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ) قِيلَ هُنَا مُطَالَبَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ وَالْأَمَانَةُ، وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ وَالْمُبَادَلَةُ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ سَبَقَتْ الْأَمَانَةُ الْمُبَادَلَةَ، وَالسَّبَقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّانِي (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ) وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ (فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ) اشْتَرَيْتُهُ (بِأَلْفٍ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ) أَيْ بَائِعُ الْعَبْدِ (الْمَأْمُورَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (قِيلَ لَا تَحَالُفَ هَاهُنَا) وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ (لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ

إذْ هُوَ حَاضِرٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ، فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ، وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ ذَكَرَ مُعْظَمَ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ وَالْبَائِعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَقَبْلَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ إذْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَبْقَى الْخِلَافُ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَظْهَرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ هُوَ) أَيْ الْبَائِعُ (حَاضِرٌ) فَيَجْعَلُ تَصَادُقَهُمَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْعَقْدُ لَزِمَ الْآمِرُ فَكَذَا هَاهُنَا (وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ) أَيْ الْبَائِعُ (غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ) لِعَدَمِ مَا يَرْفَعُهُ وَوَجَبَ التَّحَالُفُ (وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ (كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّهُمَا يَنْزِلَانِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَمُوجِبُهُ التَّحَالُفُ، وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ قِيلَ إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ وَالتَّحَالُفَ مُخَالَفَةٌ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ ذَكَرَ مُعْظَمَ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ) يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا اكْتَفَى بِذِكْرِ مُعْظَمِ الْيَمِينِ مِنْ يَمِينَيْ التَّحَالُفِ. وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ: أَيْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآمِرِ حُكْمًا، وَإِنَّمَا قَالَ إنَّ يَمِينَ الْبَائِعِ الَّذِي هُوَ الْمَأْمُورُ مُعْظَمُ يَمِينَيْ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ هَاهُنَا وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا فِي صُورَةِ التَّحَالُفِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْآمِرُ فَمُنْكِرٌ، وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ، فَلَمَّا كَانَ يَمِينُ الْمَأْمُورِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالتَّحَالُفِ كَانَتْ أَعْظَمَ الْيَمِينَيْنِ، ثُمَّ إذَا وَجَبَ الْيَمِينُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَهُوَ الْمُدَّعِي فَلَأَنْ تَجِبَ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ الْمُنْكِرُ أَوْلَى، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَمَا بَيَّنَ الْمَقَامَ عَلَى هَذَا النَّمَطِ: هَكَذَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ إلَّا أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ يُصَدَّقُ فِيمَا قَالَهُ، وَفِي التَّحَالُفِ لَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَمَا قَالَ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ (وَالْبَائِعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ: يَعْنِي أَنَّ بَائِعَ الْعَبْدِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ مَعًا (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ إذْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلِ (بَيْعٌ) فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُعْتَبَرًا (فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ (فَبَقِيَ الْخِلَافُ) بَيْنَ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ فَلَزِمَ التَّحَالُفُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّحَالُفِ (قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ وَهُوَ أَظْهَرُ) وَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَكِنْ جَعَلَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَصَحَّ. قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَعْدَ هَذَا: هَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى الثَّمَنِ عِنْدَ التَّوَكُّلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَمَرْتنِي بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ لَا بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْوَكِيلِ أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ عِنْدَ التَّوْكِيلِ الثَّمَنَ لِلْعَبْدِ فَكَيْفَ يَصِحُّ

[فصل في التوكيل بشراء نفس العبد]

(فَصْلٌ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى الثَّمَنِ؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ التَّصَادُقَ فِي الثَّمَنِ خِلَافُ التَّحَالُفِ فِيهِ، فَيُصَوِّرُ بِأَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، وَبِأَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ أَصْلًا. وَبِالْجُمْلَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّصَادُقُ عَلَى الثَّمَنِ مِنْ حَيْثُ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ وَمِنْ حَيْثُ تَسْمِيَتِهِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ [فَصْلٌ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ] لَمَّا كَانَ شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ إعْتَاقًا عَلَى مَالٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَسَائِلِ فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَكِنَّهُ شِرَاءُ صُورَةٍ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُتَنَاوَلُ إلَّا لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إنْ أُرِيدَ الشِّرَاءُ وَكَالَةً، وَإِلَّا فَلِلثَّانِيَةِ لَا غَيْرُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَسَائِل لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ بِهِ مِنْ مَسَائِل إلَخْ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إذْ الْمُرَادُ بِالشِّرَاءِ مَا هُوَ عَامٌّ لِلشِّرَاءِ وَكَالَةً وَلِلشِّرَاءِ أَصَالَةً فَيَتَنَاوَلُ الْكَلَامُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا. وَأَمَّا الِاحْتِيَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ بِهِ مِنْ مَسَائِلِ فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَأَمْرٌ ضَرُورِيٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ أَنْ لَا يَكُونَ التَّوْكِيلُ بِهِ مِنْ مَسَائِلِ فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَا أَنْ يَكُونَ نَفْسُ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَسَائِلِ ذَلِكَ، إذْ نَفْسُ الشِّرَاءِ مُطْلَقًا لَيْسَ مِنْ مَسَائِلِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ قَطْعًا. ثُمَّ أَقُولُ فِي اسْتِشْكَالِ مَا فِي الشُّرُوحِ: التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ، بَلْ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ إنَّمَا يَصِيرُ إعْتَاقًا عَلَى مَالٍ أَنْ لَوْ كَانَ شِرَاؤُهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ لِنَفْسِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا. وَالتَّوْكِيلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا هُوَ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِنْ وَافَقَ الْعَبْدُ أَمْرَ الْآمِرِ فَشِرَاؤُهُ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ عَلَى مَالٍ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى بَلْ هُوَ شِرَاءٌ مَحْضٌ، وَإِنْ خَالَفَ أَمْرَهُ فَيَكُونُ شِرَاؤُهُ إعْتَاقًا عَلَى مَالٍ، وَلَا يُنَافِي كَوْنَ التَّوْكِيلِ فِي هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَسَائِلِ فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ، إذْ الْمَسْأَلَةُ لَا تَتَغَيَّرُ عَنْ وَضْعِهَا بِمُخَالَفَةِ الْمَأْمُورِ؛ لِأَمْرِ الْآمِرَ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّمَا هُوَ بِشِرَاءِ رَجُلٍ نَفْسَ الْعَبْدِ الْمُوَكَّلِ مِنْ مَوْلَاهُ لِذَلِكَ الْعَبْدِ، فَإِذَا وَافَقَ وَكِيلُهُ أَمْرَهُ فَاشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ لَهُ يَصِيرُ ذَلِكَ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا عَلَى مَالٍ مَعْنِيٍّ، وَإِنْ كَانَ شِرَاءَ صُورَةٍ فَجَرَى التَّوْجِيهُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ الْأُخْرَى فَكَانَ قَاصِرًا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: ثُمَّ إنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ بَدَلُ الْإِضَافَةِ وَتِلْكَ الْإِضَافَةُ إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ وَالْفَاعِلُ

قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ: اشْتَرِ لِي نَفْسِي مِنْ الْمَوْلَى بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ لِلْمَوْلَى: اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ إذْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْحُقُوقَ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ إعْتَاقًا أَعْقَبَ الْوَلَاءَ (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَوْلَى فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْعَبْدُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: أَيْ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ الْأَجْنَبِيَّ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: أَيْ تَوْكِيلُ الْأَجْنَبِيِّ الْعَبْدَ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالتَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ مَوْلَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَنْ يُوَكِّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، وَأَنْ يُوَكِّلَ الْعَبْدَ رَجُلٌ لِيَشْتَرِيَ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ. فَالْعَبْدُ فِي الْأَوَّلِ مُوَكِّلٌ، وَفِي الثَّانِي وَكِيلٌ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُهُمَا بِجَعْلِ الْأَلْفِ وَاللَّامِ بَدَلًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَجَعْلِ الْمَصْدَرِ مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ، وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا مَتْرُوكٌ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي تَوْكِيلِ الْعَبْدِ رَجُلًا أَوْ فِي تَوْكِيلِ الْعَبْدِ رَجُلٌ انْتَهَى. أَقُولُ: تَنَاوُلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَصْلٌ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَفِي ذَلِكَ تَعَسُّفٌ لَا يَخْفَى، فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَدِّرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالْمَتْرُوكِ أَمْرًا عَامًّا، مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: فَصْلٌ فِي تَوْكِيلِ أَحَدٍ آخَرَ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ لِيَتَنَاوَلَ عُنْوَانَ هَذَا الْفَصْلِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ اشْتَرِ لِي نَفْسِي مِنْ الْمَوْلَى) أَيْ مِنْ مَوْلَايَ (بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا) أَيْ دَفَعَ الْعَبْدُ الْأَلْفَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرَّجُلِ الَّذِي وَكَّلَهُ (فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ) أَيْ الْوَكِيلُ (لِلْمَوْلَى اشْتَرَيْته أَيْ الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ) أَيْ لِنَفْسِ الْعَبْدِ (فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا) أَيْ فَبَاعَ الْمَوْلَى ذَلِكَ الْعَبْدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (فَهُوَ حُرٌّ) أَيْ فَذَلِكَ الْعَبْدُ حُرٌّ يَعْنِي صَارَ حُرًّا (وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى) أَيْ وَوَلَاءُ ذَلِكَ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى (لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ (إعْتَاقٌ) أَيْ إعْتَاقٌ عَلَى مَالِ، وَالْإِعْتَاقُ عَلَى الْمَالِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُعْتِقِ، وَقَدْ وَجَدَ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ. (وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْعَبْدِ حَيْثُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ (إذْ لَا يُرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقَ) أَيْ لَا يُرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ حُقُوقَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْعَبْدِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ رَسُولًا، وَلَا عُهْدَةَ عَلَى الرَّسُولِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَصَارَ كَأَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (اشْتَرَى) نَفْسَهُ (بِنَفْسِهِ) أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ (وَإِذَا كَانَ إعْتَاقًا) أَيْ وَإِذَا كَانَ بَيْعُ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ الْعَبْدِ إعْتَاقًا لِذَلِكَ الْعَبْدِ (أَعْقَبَ الْوَلَاءَ) أَيْ أَعْقَبَ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ فَثَبَتَ أَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَارَ حُرًّا وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَوْلَى) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْت الْعَبْدَ لِنَفْسِ الْعَبْدِ (فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي) يَعْنِي صَارَ مِلْكًا لَهُ

لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَيُحَافِظْ عَلَيْهَا. بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِيهِ مُتَعَيَّنٌ، وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ (وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ (وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ) ثَمَنًا لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ هُنَاكَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْحَالَيْنِ الْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْعَاقِدِ، أَمَّا هَاهُنَا فَأَحَدُهُمَا إعْتَاقٌ مُعَقِّبٌ لِلْوَلَاءِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ وَيَرْغَبُ فِي الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ اللَّفْظَ) أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَيْت عَبْدَك بِكَذَا (حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِلْمُعَاوَضَةِ دُونَ الْإِعْتَاقِ (وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا) يَعْنِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا (إذَا لَمْ يُبَيِّنْ) أَيْ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَيْت عَبْدَك لِأَجْلِ نَفْسِهِ (فَيُحَافَظُ عَلَيْهَا) أَيْ فَيُحَافَظُ اللَّفْظُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ مُمْكِنٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ. قُلْنَا: قَدْ أَتَى الْوَكِيلُ هَاهُنَا بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ مَا وَكَّلَ بِهِ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ، وَمَا أَتَى بِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الشِّرَاءِ الْمَحْضِ فَكَانَ مُخَالِفًا لِلْآمِرِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ. وَسَتَجِيءُ الْإِشَارَةُ مِنْ الْمُصَنِّفِ إلَى نَظِيرِ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ (بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ) حَيْثُ يُجْعَلُ لِلْإِعْتَاقِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ (لِأَنَّ الْمَجَازَ) وَهُوَ كَوْنُ الشِّرَاءِ مُسْتَعَارًا لِلْإِعْتَاقِ (فِيهِ) أَيْ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ (مُتَعَيَّنٌ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يَمْلِكَ مَالًا فَصَارَ شِرَاؤُهُ نَفْسَهُ مَجَازًا عَنْ الْإِعْتَاقِ، أَوْ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَمْلِكَ نَفْسَهُ ثُمَّ يَعْتِقَ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، وَالْمَالُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ فَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِالْمُعَاوَضَةِ فَجُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْإِعْتَاقِ وَالْمُجَوَّزُ مَعْنَى إزَالَةِ الْمِلْكِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِعِوَضٍ إلَى آخَرَ، وَالْإِعْتَاقُ يُزِيلُهُ لَا إلَى آخَرَ (وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُعَاوَضَةً فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَوْلَى (يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى) أَيْ وَالْأَلْفُ الَّتِي دَفَعَهَا الْعَبْدُ إلَى الْمُشْتَرِي حِينَ أَنْ وَكَّلَهُ تَكُونُ لِلْمَوْلَى (لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الْأَلْفِ (ثَمَنًا لِلْعَبْدِ) قَوْلُهُ ثَمَنًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ: أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ ثَمَنٌ لِلْعَبْدِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الثَّمَنَ (فِي ذِمَّةٍ) أَيْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي (حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَدَّى تِلْكَ الْأَلْفَ إلَى الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ وَكَسْبُهُ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَقَعُ ثَمَنًا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْعَبْدِ نَفْسِهِ حَتَّى عَتَقَ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى؟ قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: وَفِيمَا إذَا بَيَّنَ الْوَكِيلُ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِلْعَبْدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى؟ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ النِّهَايَةِ: قُلْت وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ جَعَلَ شِرَاءَ نَفْسِهِ قَبُولَهُ الْإِعْتَاقَ بِبَدَلٍ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى كَانَ إعْتَاقًا بِلَا بَدَلٍ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ. (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ بِأَنْ يُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ أَجْنَبِيًّا بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ مَوْلَاهُ (حَيْثُ لَا يَشْتَرِطُ بَيَانَهُ) أَيْ بَيَانَ الشِّرَاءِ: يَعْنِي لَا يَشْتَرِطُ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ وَقْتَ الشِّرَاءِ اشْتَرَيْته لِمُوَكِّلِي فِي وُقُوعِ الشِّرَاءِ لِلْمُوَكِّلِ (لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ) يَعْنِي الَّذِي يَقَعُ لَهُ وَاَلَّذِي يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ (هُنَاكَ) أَيْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ (عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ) أَيْ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ، وَالنَّمَطُ النَّوْعُ وَالطَّرِيقَةُ أَيْضًا (وَفِي الْحَالَيْنِ) أَيْ حَالِ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ وَحَالِ الْإِضَافَةِ إلَى مُوَكِّلِهِ (الْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْعَاقِدِ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ (وَأَمَّا هَاهُنَا) أَيْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (فَأَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ (إعْتَاقٌ مُعَقِّبٌ لِلْوَلَاءِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ) أَيْ لَا مُطَالَبَةَ فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ (وَالْمَوْلَى عَسَاهُ) أَيْ لَعَلَّهُ (لَا يَرْضَاهُ) أَيْ لَا يَرْضَى الْإِعْتَاقَ؛ لِأَنَّهُ يُعْقِبُ الْوَلَاءَ وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ (وَيَرْغَبُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ) أَيْ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ يَرْغَبُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ (فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ) اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْعِتْقِ، فَإِنَّ

(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَقَالَ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ، وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ إلَّا أَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْبَائِعُ الْحَبْسَ بَعْدَ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقُ وَالْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ الْوَكِيلِ. وَذَكَرَ فِي بَابِ وَكَالَةِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقُ وَالْمَالُ عَلَى الْوَكِيلِ، وَهَكَذَا فِي وَكَالَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ تَوَكُّلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ كَتَوَكُّلِهِ بِشِرَائِهِ لِغَيْرِهِ، وَهُنَاكَ يَصِيرُ هُوَ الْمُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَكَذَا هَاهُنَا. وَعَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّمَنَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْآمِرِ، وَلَيْسَ إلَيْهِ مِنْ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ الرَّجُلَ بِبَيْعِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ الْعَبْدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَاَلَّذِي يَلِي قَبْضَ الْأَلْفِ هُوَ الْمَوْلَى دُونَ الْوَكِيلِ فَكَذَا هَاهُنَا، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَشْمَلُهُمَا هَذَا الْفَصْلُ. فَمَنْ وَكَّلَ عَبْدًا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ، أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ (فَقَالَ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ) أَيْ فَفَعَلَ الْمَوْلَى ذَلِكَ (فَهُوَ) أَيْ الْعَقْدُ أَوْ الْعَبْدُ (لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا لِمَوْلَاهُ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ (وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ) لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ فَكَانَ تَوْكِيلُهُ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ كَتَوْكِيلِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمَوْلَى أَوْ كَتَوْكِيلِ أَجْنَبِيٍّ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: أَمَّا صِحَّةُ هَذَا التَّوْكِيلِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَاطَبٌ لَهُ عِبَارَةٌ مُلْزِمَةٌ كَالْحُرِّ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ الْحُرُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ بِالشِّرَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهُ عِبَارَةً صَحِيحَةً فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ (إلَّا أَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي يَدِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ: يَعْنِي أَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ فِي يَدِ نَفْسِهِ (حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْبَائِعُ الْحَبْسَ بَعْدَ الْبَيْعِ) فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْدَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي يَدِهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فَصَارَ كَالْمُودِعِ إذَا اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ وَهِيَ بِحَضْرَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَبْسُهَا (لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ) لِكَوْنِهَا مُسَلَّمَةً إلَيْهِ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: الِاحْتِرَازُ عَنْ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يَصِيرُ تَسْلِيمُهَا يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ، كَمَا قُلْنَا إنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ لَيْسَ بِقَبْضٍ فِي الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْحَبْسِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ قُلْت: الشَّرْعُ لَا يَرُدُّ بِالْمُحَالِ، وَكَوْنُ الْمَالِيَّةِ هَاهُنَا فِي يَدِ الْعَبْدِ أَمْرٌ حِسِّيٍّ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَكَوْنُ قَبْضِ الْوَكِيلِ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ فَجَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ انْتَهَى. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ مَنْظُورٌ فِيهِ. أَمَّا السُّؤَالُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ كَمَا قُلْنَا إنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ لَيْسَ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ فِي أَثْنَاءِ هَذَا السُّؤَالِ مُخِلٌّ بِالْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ التَّسْلِيمَ الْكَائِنَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ عَفْوٌ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ كَمَا مَرَّ فِي حَبْسِ الْوَكِيلِ الْمَبِيعَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ قَبْضُ الْوَكِيلِ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ لَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُوَكِّلِ هُنَاكَ فَلَا يَكُونُ نَظِيرًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: بَدَلُ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِي قَبْضِ الْوَكِيلِ. وَتَوْضِيحُ الْمَقَامِ أَنَّ لَنَا قَوْلَيْنِ فِي قَبْضِ الْوَكِيلِ عَلَى مَا مَرَّ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ وَتَسْلِيمٌ إلَيْهِ لَكِنَّهُ تَسْلِيمٌ ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يُسْقِطُ حَقَّ الْحَبْسِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ لَيْسَ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ فِي الِابْتِدَاءِ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ فَيَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ وَلِنَفْسِهِ إنْ حَبَسَهُ، وَصِحَّةُ التَّنْظِيرِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ وَبَيْنَ كَوْنِ قَبْضِ الْوَكِيلِ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَالثَّانِي أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ، فَجَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ مِمَّا لَا يُجْدِي طَائِلًا فِي قَطْعِ مَادَّةِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ خُلَاصَتَهُ مَنْعُ كَوْنِ التَّسْلِيمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُسْقِطًا لِحَقِّ الْحَبْسِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ تَسْلِيمًا ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا مَنْعَ تَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَكَوْنُ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ مِمَّا لَا مَرَدَّ لَهُ إنَّمَا يَدْفَعُ مَنْعَ تَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ فِيهِ لَا مَنْعَ كَوْنِ التَّسْلِيمِ فِيهِ مُسْقِطًا لِحَقٍّ الْحَبْسِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ الْفَرْقِ الْمَزْبُورِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا أَدْرَجَهُ فِي أَثْنَاءِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُقَدَّمَةِ الْمُسْتَدْرَكَةِ الْمُخِلَّةِ بِالْمَقْصُودِ كَمَا عَرَفْته لَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَكَوْنُهَا بِيَدِهِ كَذَلِكَ، وَقَبْضُ الْوَكِيلِ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا مَرَدَّ لَهُ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْقَبْضُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ إذَا قَامَ بِمَكَانٍ

فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ. الْعَقْدُ لِلْآمِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُجْعَلُ فِي غَيْرِهِ إلَّا بِالِاعْتِبَارِ، وَجَازَ تَرْكُ الِاعْتِبَارِ إذَا اقْتَضَاهُ ضَرُورَةً، أَمَّا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا خَرَّجَ نَفْسَهُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَالِيَّتُهُ لَا تَنْفَكُّ سُلِّمَتْ إلَيْهِ، وَلَا حَبْسَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ نَظَرِهِ وَجَوَابِهِ الَّذِي اسْتَصْوَبَهُ بَحْثٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْأَمْرَ الْحِسِّيَّ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ إنَّمَا هُوَ قَبْضُ الْوَكِيلِ، وَاَلَّذِي عَدَاهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي جَوَابِهِ أَمْرًا اعْتِبَارِيًّا إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ قَبْضُ الْوَكِيلِ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ فَلَمْ يَكُنْ الْآمِرُ بِالْعَكْسِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِعَدَمِ انْفِكَاكِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِهِ عَدَمَ انْفِكَاكِهَا عَنْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا فِي نَفْسِهِ مُنَافٍ لِمَا قَالَهُ سَابِقًا فِي النَّظَرِ مِنْ أَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَكَوْنُهَا بِيَدِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَدَمَ انْفِكَاكِهَا عَنْهَا فِي اعْتِبَارِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَلِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ أَهْلُ الشَّرْعِ هَذَا الِاعْتِبَارَ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي قَبْضِ الْوَكِيلِ؟ عَلَى أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْجَوَابِ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِأَنَّ الِانْفِكَاكَ جَائِزٌ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، فَتَعَيَّنَ التَّسْلِيمُ هَاهُنَا دُونَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إنَّمَا يَدْفَعُ مَنْعَ تَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ هَاهُنَا، وَقَدْ عَرَفْت أَنْ خُلَاصَةَ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ مَنْعُ كَوْنِ التَّسْلِيمِ هُنَا مُسْقِطًا لِحَقِّ الْحَبْسِ لَا مَنْعُ تَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ هَاهُنَا، فَلَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ جَوَابًا عَنْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الصَّوَابَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنْ يُقَالَ كَمَا ذَكَرَهُ، لَا الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ كَذَا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ الْمَقَامِ. وَالْأَشْبَهُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَتَعْيِينِ الْجَوَابِ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: وُقُوعُ الْمَالِيَّةِ فِي يَدِ الْعَبْدِ ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِلْمَوْلَى فَكَانَ كَالْوَكِيلِ لَهُ وِلَايَةُ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. قُلْنَا: لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ لِلْوَكِيلِ عَنْ هَذَا فِي جِنْسِ الْوَكَالَاتِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ لِلْبَائِعِ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فِي جِنْسِ الْوَكَالَةِ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَهُ لِوَكِيلٍ لَا يَشْتَرِي نَفْسَهُ انْتَهَى (فَإِذَا أَضَافَهُ) أَيْ أَضَافَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ (إلَى الْآمِرِ صَلُحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ) هَذَا نَتِيجَةُ الدَّلِيلِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ، وَكُلُّ مَنْ صَلُحَ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ مَالٍ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْآمِرِ صَلُحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا، فَالْعَبْدُ إذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلُحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْتُ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ أَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ إنَّمَا تُفِيدُهُ الْمِلْكَ إذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمَوْلَى وَالْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْعَبْدُ: بِعْنِي نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ: بِعْتُ، لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ حَتَّى يَقُولَ الْعَبْدُ قَبِلْتُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ مُقَدَّرٍ، وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْإِعْتَاقِ إذَا كَانَ الْمَالُ مُقَدَّرًا فَيَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْتُ مَسْبُوقًا بِقَوْلِ الْعَبْدِ بِعْنِي نَفْسِي. فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَضَافَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ إلَى الْآمِرِ فَمَنْ الْمُطَالَبِ بِالثَّمَنِ؟ قُلْنَا: الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، فَيَجِبُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَكُونُ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ. قُلْت: زَالَ الْحَجْرُ هَاهُنَا بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ مَعَ مَوْلَاهُ، فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ إذْنٌ

(وَإِنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَفِي مِثْلِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ بِعْنِي نَفْسِي مِنِّي فَقَالَ الْمَوْلَى بِعْت (فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ (دُونَ الْمُعَاوَضَةِ) أَيْ لَمْ يَرْضَ بِهَا فَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ. وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ الْعَبْدُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ) وَهُوَ الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَكَانَ مُخَالِفًا (وَفِي مِثْلِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ) فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إذَا خَالَفَ فَأَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ يَنْفُذُ الْعَقْدُ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ (وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ فَقَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ (فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي الِامْتِثَالَ وَغَيْرَهُ (فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا) أَيْ فَلَا يُجْعَلُ امْتِثَالًا (بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّصَرُّفِ أَنْ يَقَعَ عَمَّنْ بَاشَرَهُ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ بِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَلَى مَجَازِهِ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَلْبَتَّةَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَقِيقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَرِينَةٌ لِلْمَجَازِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ إضَافَةُ الْعَبْدِ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ وَرَضِيَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى الْمُوَكِّلِ وَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا وُجِدَتْ فِي مَسْأَلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ إنَّمَا وَقَعَ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْرِدِ الِاعْتِرَاضِ وَلَا مِسَاسَ لِهَذَا الْجَوَابِ بِمَا نَحْنُ فِيهِ أَصْلًا. لَا يُقَالُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ الَّتِي عُدَّتْ قَرِينَةً هَاهُنَا الْإِضَافَةُ الْمَارَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ قَوْلِهِ بِعْنِي، بَلْ الْإِضَافَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ قَوْلِهِ نَفْسِي فِي قَوْلِهِ بِعْنِي نَفْسِي، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ مَوْجُودَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذِهِ الْإِضَافَةُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ قَرِينَةً لِلْمَجَازِ،

[فصل في الوكالة البيع]

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ) قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ بِعْنِي نَفْسِي لَا يُنَافِي الْمُعَاوَضَةَ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ بَيْعُ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ وَبَيْعُ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعَاوَضَةُ، بَلْ الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الِاحْتِمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْكَارَ وَالتَّرْجِيحَ مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إلَى نَفْسِهِ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا إضَافَةَ إلَى نَفْسِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ فِيمَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُضِفْ إلَى أَحَدٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّرْجِيحُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إلَى نَفْسِهِ. وَأَيْضًا إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِ مَجْمُوعِ اللَّفْظِ الصَّادِرِ عَنْ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِعْنِي نَفْسِي فَأَيْنَ تُوجَدُ الْإِضَافَةُ إلَى نَفْسِهِ حَتَّى تَكُونَ قَرِينَةً لِلْمَجَازِ؟ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِ بَعْضِ اللَّفْظِ الصَّادِرِ عَنْهُ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ بِعْنِي فَقَطْ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِطْلَاقِ مَجْمُوعُ مَا صَدَرَ عَنْ الْعَبْدِ، إذْ بِهِ تَمْتَازُ هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ صُورَتَيْ الْإِضَافَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِ قَيْدِ الْإِضَافَةِ عَنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ الْإِطْلَاقُ الْمَفْرُوضُ وَيَصِحُّ الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ. وَبِالْجُمْلَةِ لَا حَاصِلَ لِهَذَا الْجَوَابِ وَلَا مُطَابَقَةَ فِيهِ لِمَا فِي الْكِتَابِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ. وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ أَصْلِ الْمُعَاوَضَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِحَقِيقَتِهِ فِي الْأَصْلِ، فَلَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِمُوَكِّلِهِ كَانَ الشِّرَاءُ مَعْمُولًا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهِيَ الْمُعَاوَضَةُ، وَلَوْ وَقَعَ لِلْعَبْدِ كَانَ مَعْمُولًا بِمَجَازِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْإِعْتَاقِ بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْمُعَاوَضَةِ. قُلْنَا: عَارَضَتْ جِهَةُ أَصَالَةِ الْحَقِيقَةِ جِهَةَ أَصَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي تَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَقَعَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَّحْنَا هَذِهِ الْجِهَةَ بِحَسَبِ مَقْصُودِ الْبَائِعِ ظَاهِرًا وَهُوَ أَنْ لَا يَفُوتَ وَلَاءُ الْعَبْدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الشِّرَاءِ لِلْمُوَكِّلِ يَفُوتُ هَذَا الْغَرَضُ، أَوْ نَقُولُ: لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ رَجَّحْنَا جَانِبَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالْمُعَاوَضَةُ مُبَاحَةٌ مَحْضَةٌ انْتَهَى. [فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ الْبَيْعِ] (فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَمَا ذَكَرَ لِتَقْدِيمِ فَصْلِ الشِّرَاءِ ثَمَّةَ فَهُوَ وَجْهُ تَأْخِيرِ فَصْلِ الْبَيْعِ هُنَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُول: قَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَلِمَ لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ: مِنْهَا قَوْلُهُ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ إلَخْ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ حُكْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ حُكْمُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ إلَخْ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَيْضًا حُكْمُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ؛ فَقَوْلُهُمْ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ مَحَلُّ مُنَاقَشَةٍ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِنَوْعِ عِنَايَةٍ فَتَأَمَّلْ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ

أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) أَيْ وَسَائِرُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَعَبِيدِهِ وَمُكَاتَبِهِ، صَرَّحَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ. إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ الْإِجْمَالَ فَقَالَ بَدَلَهَا: وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ فِي تَمْثِيلِ قَوْلِهِ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ مِثْلُ ابْنِهِ وَأَخِيهِ. أَقُولُ: فِي تَمْثِيلِهِ الثَّانِي خَبْطٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ هَؤُلَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي مُطْلَقِ الْوَكَالَةِ. وَأَمَّا إذَا قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِعُمُومِ الْمَشِيئَةِ بِأَنْ قَالَ بِعْ مِمَّنْ شِئْت فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ مَعَ هَؤُلَاءِ بِلَا خِلَافٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ، كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَنُقِلَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (وَقَالَا: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: تَخْصِيصُ الْبَيْعِ بِالذِّكْرِ مِنْ قَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِهِ مِنْ الشِّرَاءِ وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: خُصَّ قَوْلُهُمَا فِي الْكِتَابِ فِي حَقِّ جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَكَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا فِي الْغَبْنِ الْيَسِيرِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ مِثْلِ الْقِيمَةِ فَائِدَةٌ. وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْبَيْعَ مِنْهُمْ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا فَكَانَ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ مُلْحَقًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فَقَالَ فِيهَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، فِي رِوَايَةِ الْوَكَالَةِ وَالْبُيُوعِ لَا يَجُوزُ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُضَارَبَةِ يَجُوزُ، وَبَيْعُ الْمُضَارِبِ وَشِرَاؤُهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبَيْعُهُ مِنْهُ بِأَكْبَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَشِرَاؤُهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَبِمِثْلِ الْقِيمَةِ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. فَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ عَلَى رِوَايَةِ الْوَكَالَةِ وَالْبُيُوعِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ انْتَهَى كَلَامُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الْفَرْقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَ الْمُضَارِبِ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ظَهَرَ الرِّبْحُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مَعَ أَنَّ لَهُ قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ حُكْمَ الْوَكِيلِ. أُجِيبُ بِأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ أَعَمُّ تَصَرُّفًا مِنْ الْوَكِيلِ فَقَدْ يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيُهُ، وَقَدْ يَكُونُ نَائِبًا مَحْضًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُسْتَبِدِّ بِالتَّصَرُّفِ جَازَ تَصَرُّفُهُ مَعَ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَلِشَبَهِهِ بِالنَّائِبِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ مَعَهُمْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَنَائِبٌ مَحْضٌ فِي تَصَرُّفٍ خَاصٍّ فَيَكُونُ مُتَّهَمًا فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ هَؤُلَاءِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ (إلَّا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، قَيَّدَ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي

لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ إذْ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ فَبَيْعَهُ مِنْهُ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ عِنْدَ تَعْمِيمِ الْمُشَبَّهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ الْعَبْدَ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَظْهَرُ لِلتَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: نَعَمْ إنَّ الْعَبْدَ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ يَمْلِكُ مَوْلَاهُ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ مَوْلَاهُ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا وَلَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ مَوْلَاهُ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا لَا يَعْتِقُ. فَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ تَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَا فِي يَدِهِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا حَتَّى يَصِيرَ مَوْلَاهُ مَمْنُوعًا عَنْ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِهِ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا مِنْ أَكْسَابِهِ وَبَيْعُ مَوْلَاهُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْغَيْرِ الْمَدْيُونِ شَيْئًا مِنْ مَوْلَاهُ وَلَا يَبِيعُ مَوْلَاهُ شَيْئًا مِنْهُ عِنْدَهُمْ أَصْلًا، وَسَيَنْكَشِفُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ، فَقَوْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ فَبَيْعُهُ مِنْهُ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ كَسْبَهُ مِلْكٌ خَالِصٌ لِمَوْلَاهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَبَيْعُهُ مِنْهُ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ جَانِبِهِمَا (لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَخْصِ دُونَ آخَرَ، وَالْمُطْلَقُ يُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِ فَكَانَ الْمُقْتَضَى مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ التُّهْمَةُ (وَلَا تُهْمَةَ هَاهُنَا) ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَيْثُ إيثَارُ الْعَيْنِ أَوْ مِنْ حَيْثُ إيثَارُ الْمَالِيَّةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمَوْجُودٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (إذْ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ) أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لِلِابْنِ وَطْءُ جَارِيَةِ نَفْسِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ جَارِيَةِ أَبِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكُهُ مُتَبَايِنًا عَنْ مِلْكِ أَبِيهِ لَكَانَتْ جَارِيَتُهُ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً وَلَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ (وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ) ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الْأَمْلَاكِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الْمَنَافِعِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا نَفْعَ لَهُ مِنْ حَيْثُ إيثَارُ الْعَيْنِ فَلَا تُهْمَةَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ يَنْفِيهِ، فَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضَى وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ كَمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) يَعْنِي الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِمَا عَرَفْتَ (لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْوَكِيلِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَبْدِ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ (لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ) أَيْ مَا فِي يَدِ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَبْدِ (لِلْمَوْلَى) أَيْ مِلْكٌ خَالِصٌ لِلْمَوْلَى لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ، فَصَارَ الْبَيْعُ

وَكَذَا لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ. وَلَهُ أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَاتِ، وَهَذَا مَوْضِعُ التُّهْمَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَالْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ، وَالْبَيْعُ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ كَانَ مُسْتَزِيدًا مُسْتَنْقِصًا قَابِضًا مُسَلِّمًا مُخَاصَمًا مُخَاصِمًا فِي الْعَيْبِ، وَفِيهِ مِنْ التَّضَادِّ مَا لَا يَخْفَى (وَكَذَا لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ) حَتَّى لَا تَصِحَّ تَبَرُّعَاتُهُ وَلَا تَزْوِيجُ عَبْدِهِ (وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ) يَعْنِي وَقَدْ يَنْقَلِبُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ (وَلَهُ) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْوَكَالَاتِ) يَعْنِي مَنْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ لَكِنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْوَكَالَاتِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْإِعَانَةِ فَكَانَتْ مَوَاضِعَ أَمَانَةٍ (وَهَذَا) أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ (مَوْضِعُ التُّهْمَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمْ (وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِمَالِ الْآخَرِ عَادَةً فَصَارَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَالِ صَاحِبِهِ مِنْ وَجْهٍ (فَصَارَ) أَيْ بَيْعُ الْوَكِيلِ مِنْ هَؤُلَاءِ (بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ) فَكَانَ فِيهِ تُهْمَةُ إيثَارِ الْعَيْنِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَاهُنَا: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ الْتِزَامُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ، وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِهِمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَالتُّهْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَانْقِطَاعِ الْمَنَافِعِ. وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ مِنْ قِبَلِهِ أَنَّ التُّهْمَةَ مُتَحَقِّقَةٌ وَالْمَنَافِعَ مُتَّصِلَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَآلَ هَذَا مَنْعٌ لِمَا عُلِّلَ بِهِ مِنْ قِبَلِهِمَا لَا تَسْلِيمَ وَالْتِزَامَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ فِي شَيْءٍ. نَعَمْ فِيهِ تَسْلِيمٌ لِمُقَدَّمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَهِيَ أَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ لَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهَا وَحْدَهَا مَطْلُوبُهُمَا فَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُهَا تَسْلِيمًا لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ مَعْدُومَةً، وَالصَّرْفَ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ عَرِيَ عَنْهَا غَيْرُهُ فَكَانَا مِمَّا يَظُنُّ عَدَمُ جَوَازِهِ مَعَ هَؤُلَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا كَالْحُكْمِ فِيمَا سِوَاهُمَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: السَّلَمُ أَيْضًا شُرِعَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَهُ شُرُوطٌ مُخَالِفَةٌ لِلْغَيْرِ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَذْكُرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَهُمَا، كَمَا قَالَ فِي الْمُخْتَلِفِ حَيْثُ

قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِهَا، وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجُمْدِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ. وَلَهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِيهِ بَعْدَ بَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ: وَالسَّلَمُ وَالصَّرْفُ وَالْإِجَارَةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَجَلٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ أَيْضًا عِنْدَهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَقَبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ مَنْ كَانَ وَإِلَى أَجَلٍ كَانَ مُتَعَارَفًا وَغَيْرَ مُتَعَارَفٍ كَذَا قَالُوا (وَقَالَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَيَجُوزُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ (وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) أَيْ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالنُّقُودِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا بَاعَ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ جَازَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَإِنْ بَاعَ بِأَجَلٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ بِأَنْ بَاعَ مَثَلًا إلَى خَمْسِينَ سَنَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ: إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَاقْضِ دَيْنِي، أَوْ قَالَ بِعْ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يُلَازِمُونَنِي، أَوْ قَالَ بِعْ فَإِنِّي أَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةِ عِيَالِي فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ جَانِبِهِمَا (لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ) أَيْ بِمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ (لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِهَا) أَيْ فَتَتَقَيَّدُ التَّصَرُّفَاتُ بِمَوَاقِعِ الْحَاجَاتِ (وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلٍ تَقَيُّدِ التَّصَرُّفَاتِ بِمَوَاقِعِهَا (يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اللَّحْمِ مَكَانَ الْفَحْمِ، لَكِنَّ الْفَحْمَ أَلْيَقُ لِقِرَانِ قَوْلِهِ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ، إذْ كُلُّ الْأَزْمَانِ زَمَانُ الْحَاجَةِ إلَى اللَّحْمِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَالْجَمْدُ) بِسُكُونِ الْمِيمِ لَا غَيْرُ هُوَ مَا جَمَدَ مِنْ الْمَاءِ فَكَانَ فِيهِ تَسْمِيَةٌ لِلِاسْمِ بِالْمَصْدَرِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالدِّيوَانِ (وَالْأُضْحِيَّةُ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَتَقَيَّد: أَيْ يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ بِأَيَّامِ الْبَرْدِ، وَبِشِرَاءِ الْجَمْدِ بِأَيَّامِ الصَّيْفِ، وَبِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهَا، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرُ (وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَهِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ) وَلِهَذَا لَوْ حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِهِ، وَهُوَ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ دُونَ الْهِبَةِ. (وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ) أَيْ الْبَيْعُ بِالْعَرَضِ (بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ إخْرَاجَ السِّلْعَةِ مِنْ الْمِلْكِ بَيْعٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ السِّلْعَةِ فِي الْمِلْكِ شِرَاءٌ (فَلَا يَتَنَاوَلُهُ) أَيْ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَبَيْعَ الْمُقَايَضَةِ (مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ) ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ) أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ (فَيَجْرِي) أَيْ يَجْرِي الْمُطْلَقُ (عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ) فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ: أَيْ سَلَّمْنَا أَنَّ

وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ وَالتَّبَرُّمِ مِنْ الْعَيْنِ، وَالْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ لَكِنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ. أَقُولُ: هَذَا أَقْبَحُ مِمَّا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، إذْ لَمْ يَقُلْ الْخَصْمُ هُنَا قَطُّ إنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ، بَلْ قَالَ إنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ: يَعْنِي أَنَّ مَا هُوَ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ مِنْ الْآمِرِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْمُتَعَارَفِ، فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ الْحُكْمُ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ حَتَّى يَصِيرَ مَحَلًّا لِلْمَنْعِ أَوْ التَّسْلِيمِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَاهُنَا قَوْلًا بِالْمُوجَبِ بِتَسْلِيمِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ حَاصِلَ مَعْنَى الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ مَنْعٌ لِكَوْنِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ هَاهُنَا مُقَيَّدًا بِالْمُتَعَارَفِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ لُزُومِ إجْرَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَأَنَّ حَاصِلَ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ) أَيْ الْعَرَضِ (مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ وَالتَّبَرُّمِ) أَيْ السَّآمَةِ (مِنْ الْعَيْنِ) تَنْزِلُ فِي الْجَوَابِ مِنْ الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ، لَكِنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ أَوْ الْعَيْنِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ لِتِجَارَةٍ رَابِحَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا، وَعِنْدَ التَّبَرُّمِ مِنْ الْعَيْنِ، وَفِي هَذَا لَا يُبَالِي بِقِلَّةِ الثَّمَنِ وَكَثْرَتِهِ وَنَقْدِيَّةِ الثَّمَنِ وَعَرْضِيَّتِهِ فَكَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا فَلَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (وَالْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا مِنْ قِبَلِ الْخَصْمِ، وَهِيَ مَسَائِلُ شِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمْدِ وَالْأُضْحِيَّةِ لَيْسَتْ بِمُسَلَّمَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ هِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِيَ عَلَى إطْلَاقِهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا تَتَقَيَّدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فَنَقُولُ: إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِدَلَالَةِ الْغَرَضِ لَا بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ شِرَاءِ الْفَحْمِ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَرْدِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالشِّتَاءِ، وَالْغَرَضُ مِنْ شِرَاءِ الْجُمْدِ دَفْعُ ضَرَرِ الْحَرِّ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالصَّيْفِ، حَتَّى لَوْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ بِأَنْ وُجِدَ التَّوْكِيلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ تَرَبُّصَ الْفَحْمِ كَالْحَدَّادِينَ أَوْ تَرَبُّصَ الْجَمْدِ كَالْفَقَّاعِينَ لَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ، كَذَا قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. وَكَذَا التَّوْكِيلُ بِالْأُضْحِيَّةِ يَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ بِالْغَرَضِ لَا بِالْعَادَةِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُوَكِّلِ خُرُوجُهُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي أَيَّامِ تِلْكَ السَّنَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَلِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الْوَقْتِ لَا عَامٌّ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا وَاحِدًا،

وَأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ مَعَ أَنَّهُ بَيْعٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَر فِيهِ، وَالْمُقَايَضَةُ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ صَارَ الْمُتَعَارَفُ مُرَادًا فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ مُرَادًا، فَأَمَّا هَذَا فَعَامٌّ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ أَيْضًا (وَأَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعُ بِالْغَبْنِ (بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَهِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ: يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِهِ) أَيْ بِالْبَيْعِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، فَلَمَّا جُعِلَ هَذَا بَيْعًا مُطْلَقًا فِي الْيَمِينِ جُعِلَ فِي الْوَكَالَةِ كَذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْعُرْفِ فِي الْيَمِينِ فِي نَوْعِ جَرَيَانِهِ فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ قَدِيدًا حَنِثَ، وَفِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ لَحْمًا قَدِيدًا وَقَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْآمِرِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى لَحْمٍ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْقَدِيدُ لَا يُبَاعُ بِهَا عَادَةً فَلَا يَقَعُ التَّوْكِيلُ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ اخْتَلَفَ فِي حَقِّهِمَا فَاخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِذَلِكَ. وَأَمَّا الْبَيْعُ بِالْغَبْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بَيْعًا حَقِيقَةً وَعُرْفًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عُرْفًا فَيُقَالُ بَيْعٌ رَابِحٌ وَبَيْعٌ خَاسِرٌ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ. وَأَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الِاعْتِرَافُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ فِي حَقِّ الْيَمِينِ وَالْبَيْعِ وَالتَّشَبُّثِ بِادِّعَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بَيْعًا لَا حَقِيقَةً وَلَا عُرْفًا، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بَيْعًا مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَاهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا يَقُولُ بِهِ الْخَصْمُ بَلْ يَدَّعِي أَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَهِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَنَحْنُ بِصَدَدِ الْجَوَابِ عَنْهُ بِمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ، فَإِذَا وَرَدَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَالْحُكْمِ مِنْ حَقِّ الْيَمِينِ وَالْبَيْعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِالْمَصِيرِ إلَى الْأَصْلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْرِيرُهُ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَلَكَهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إنَّمَا لَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ (مَعَ أَنَّهُ بَيْعٌ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا) أَيْ وِلَايَةَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ (نَظَرِيَّةٌ) أَيْ بِشَرْطِ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الصَّغِيرِ بِالشَّفَقَةِ وَإِيصَالِ النَّفْعِ إلَيْهِ (وَلَا نَظَرَ فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ. (وَالْمُقَايَضَةُ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا، وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ: يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ، بَلْ هِيَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (لِوُجُودِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ. قَالَ: وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ وَالْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هُوَ الْبَيْعُ الْمُقَابِلُ لِلشِّرَاءِ وَهُوَ وَصْفُ الْبَائِعِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّرَاءِ فِي قَوْلِهِ الْمَزْبُورُ هُوَ الشِّرَاءُ الْمُقَابِلُ لِلْبَيْعِ وَهُوَ وَصْفٌ لِلْمُشْتَرِي، وَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ: أَعْنِي مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ إنَّمَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ عَقْدٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ الِارْتِبَاطِ الشَّرْعِيِّ الْحَاصِلِ بَيْنَهُمَا، فَذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنْ قَوْلِهِ لِوُجُودِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ هَذَا الْحَدَّ حَدًّا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْبِيَاعَاتِ الْغَيْرِ الِاضْطِرَارِيَّةِ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إذْ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ صِدْقِ هَذَا الْحَدِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَطُّ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِمَالٍ هِيَ بَاءُ الْمُقَابَلَةِ وَالْعِوَضِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَدُّ الشِّرَاءَ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ بَاءَ الْمُقَابَلَةِ وَالْعِوَضِ لَا تُنَافِي تَنَاوُلَ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ الشِّرَاءَ، فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ وَالْمُعَاوَضَةَ يَتَحَقَّقَانِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ بِلَا تَفَاوُتٍ، وَإِنَّمَا بَقِيَ حَدِيثُ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الثَّمَنِ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْبَيْعُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْرَاجِ مِلْكِهِ مُتَوَصِّلًا بِهِ إلَى تَحْصِيلِ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَالشِّرَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ مِلْكِ غَيْرِهِ مُتَوَصِّلًا إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ مِلْكِهِ، وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ عَلَى الْمُقَايَضَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى تَحْرِيرِهِ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا عِنْدَهُ، إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ عَلَى الْمُقَايَضَةِ أَنَّهُمَا صَادِقَانِ عَلَى بَدَلَيْ الْمُقَايَضَةِ مَعًا فَلَا يُنْتَقَضُ بِسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ، فَإِنَّ صِدْقَ الْبَيْعِ بِالْمَعْنَى الْمَزْبُورِ فِي سَائِرِهَا مُخْتَصٌّ بِالسِّلْعَةِ وَصِدْقَ الشِّرَاءِ فِيهَا مُخْتَصٌّ بِالثَّمَنِ فَيَسْقُطُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ عَلَى الْمُقَايَضَةِ بَلْ عَلَى جَمِيعِ الْبِيَاعَاتِ فَفِي تَقْرِيرِهِ قُصُورٌ انْتَهَى فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ يُطْلَقَانِ عَلَى عَقْدٍ شَرْعِيٍّ يُرَدُّ عَلَى مَجْمُوعِ مَالَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِطْلَاقِ لَفْظٍ يَخُصُّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عَنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ وَمَعْنَى الشِّرَاءِ مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ وَمُتَغَايِرَانِ بِالِاعْتِبَارِ يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِطْلَاقِ لَفْظٍ يَخُصُّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ لَفْظُ الْبَيْعِ فِي الْبَيْعِ وَلَفْظُ الشِّرَاءِ فِي الشِّرَاءِ، فَيَمْتَازُ بِهِ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ وَلَفْظَ الشِّرَاءِ مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى كُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَصَرَّحُوا بِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ حَتَّى صَرَّحَ نَفْسَهُ أَيْضًا هُنَاكَ بِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ مِنْ الْأَضْدَادِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا. وَقَالَ: يُقَالُ بَاعَ الشَّيْءَ إذَا شَرَاهُ أَوْ اشْتَرَاهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَتَيَسَّرُ اخْتِصَاصُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَعَيُّنُ أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِإِطْلَاقِ أَحَدِ ذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا هُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يَصِحُّ إطْلَاقَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ، عَلَى أَنَّ اتِّحَادَ مَعْنَيَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالذَّاتِ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الثِّقَاتِ وَلَا يُرَى لَهُ وَجْهٌ سَدِيدٌ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْبَيْعَ كَمَا يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يَنْعَقِدُ أَيْضًا بِالتَّعَاطِي كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْبُيُوعِ، وَفِي صُورَةِ التَّعَاطِي لَا يَلْزَمُ إطْلَاقُ لَفْظٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَكَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُهُ يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِطْلَاقِ لَفْظٍ يَخُصُّهُ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عَنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ يَخُصُّهُ وَامْتَازَ بِهِ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي لَكَانَ الصَّادِرُ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعًا وَمِنْ الْآخَرِ شِرَاءً أَلْبَتَّةَ فَلَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ إمَّا بَيْعٌ وَإِمَّا شِرَاءٌ لَا غَيْرُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا بَيْعًا وَشِرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى أَنَّهَا صَالِحَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ صُدُورِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا بَعْدَ صُدُورِهِ فَيَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ. ثُمَّ إنَّهُ فَرْعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ سُقُوطُ بَعْضِ مَا قِيلَ هَاهُنَا. وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْأَصْلُ كَمَا عَرَفْته لَمْ يَصِحَّ الْفَرْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْفَرْعِ فَرْعُ صِحَّةِ الْأَصْلِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَاعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا أَسْئِلَةً وَأَجْوِبَةً يَسْتَدْعِي بَسْطُهَا تَحْقِيقَ الْمَقَامِ فَنَقُولُ: إنْ قِيلَ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُوصَفَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِصِفَةٍ وَبِضِدِّهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَزِمَ هَذَا الْمُحَالُ. قُلْنَا إنَّمَا يَلْزَمُ الْمُحَالُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَرَضِ نَفْسِهِ وَشِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَرَضِ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَكَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَبِيعٍ وَثَمَنٍ، وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي أَنْ يُجْعَلَ هُوَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا بِمُقَابَلَةِ الْآخَرِ وَثَمَنًا بِمُقَابَلَةِ الْآخَرِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْبَاءِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَحَقُّقِ إلْصَاقِ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ وَمَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْبَاءُ يَتَعَيَّنُ لِلثَّمَنِيَّةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَثْمَانَ فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا بِحِيَالِهِ. قُلْنَا: قَدْ ذَكَرَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ الْبَاءَ إنَّمَا تُعَيِّنُ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِيَّةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ مِنْ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مُتَعَيِّنَةٌ لِلثَّمَنِيَّةِ سَوَاءٌ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْبَاءُ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ، وَالْعُرُوضُ الْمُعَيَّنَةُ مُتَعَيِّنَةٌ لِلْمَبِيعِيَّةِ سَوَاءٌ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْبَاءُ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ. أَمَّا الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَهِيَ مَوْصُوفَةٌ بِصِفَةٍ، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْبَاءُ تَتَعَيَّنُ لِلثَّمَنِيَّةِ، كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهَا الْبَاءُ فَلَا تَتَعَيَّنُ لَهَا أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ كَلَامَنَا هَاهُنَا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ وَهِيَ تُنَبِّئُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ يُقَالُ هُمَا قَيْضَانِ: أَيْ مُسَاوِيَانِ، فَكَانَ كِلَا الْبَدَلَيْنِ مُتَعَيَّنًا فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلْمَبِيعِيَّةِ وَلَا لِلثَّمَنِيَّةِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا، وَإِنْ دَخَلَتْ الْبَاءُ فِي أَحَدِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ شِرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ رَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ جَانِبَ الْبَيْعِ فِيهِ حَتَّى نَفِدَ الْبَيْعُ عَلَى الْآمِرِ عِنْدَهُ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ بِعَرْضٍ مَعَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ؟ قُلْنَا: رَجَّحَ هُوَ جَانِبَ الْبَيْعِ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالسَّلَمِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ أَنَّ جَانِبَ الْبَيْعِ يَتَرَجَّحُ عَلَى جَانِبِ الشِّرَاءِ فِي الْبَيْعِ بِعَرَضٍ، أَلَا يُرَى أَنَّ أَحَدَ الْمُضَارِبَيْنِ لَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ؟ فَإِنْ بَاعَهُ بِعَرَضٍ يَتَوَقَّفُ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ أَجَازَ صَاحِبُهُ كَانَ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ جَانِبَ الْبَيْعِ يَتَرَجَّحُ فِيهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ

قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قُلْت: كَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَاقِدَيْ عَقْدِ الْمُقَايَضَةِ بَائِعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَرْضِ نَفْسِهِ مُشْتَرِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَرْضِ الْآخَرِ كَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَاقِدَيْ عَقْدِ الصَّرْفِ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ لِمَا أَنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ بَيْعٌ وَالْبَيْعُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَبِيعٍ وَثَمَنٍ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي جَعْلِهِ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا، ثُمَّ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ يُتَحَمَّلُ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ، وَلَا يَتَحَمَّلُ فِي بَيْعِ الصَّرْفِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالصَّرْفِ مِنْ صَرْفِ الْمَبْسُوطِ، فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْعِلَّةِ؟ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا نَشَأَ مِنْ حَيْثُ وُرُودُ عِلَّةِ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ هُنَا أَيْضًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ إنَّمَا لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِلتُّهْمَةِ، فَإِنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ عَقَدَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِالْغَبْنِ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ ذَلِكَ الْمُوَكِّلَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ هُنَا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ عَقْدَ الصَّرْفِ لِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ. وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ عَرَضَ الْآخَرِ بِمُقَابَلَةِ عَرَضِ الْمُوَكِّلِ، فَلَمْ تُرَدَّ التُّهْمَةُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يُمْنَعْ الْجَوَازُ لِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالصَّرْفِ إذَا اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ، إلَّا أَنَّ الشِّرَاءَ أَصْلٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَصْلٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ فَكَانَ شِرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ لَا يَتَحَمَّلُ فِي الشِّرَاءِ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةُ. وَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلُ بِالصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالْأَقَلِّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالنَّصِّ فَكَذَا وَكِيلُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْأَقَلِّ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْبَدَلَانِ فِي الْجِنْسِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَيَمْلِكُهُ قَطْعًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ بِالصَّرْفِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي صُورَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، بَلْ يَعُمُّ صُورَتَيْ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهِ، بَلْ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِي صَرْفِ الْمَبْسُوطِ بِصُورَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَصْرِفُهَا لَهُ فَبَاعَهَا بِدَنَانِيرَ وَحَطَّ عَنْهُ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ انْتَهَى. فَتَلْزَمُ هَذِهِ الصُّورَةُ قَطْعًا وَتَكْفِي فِي وُرُودِ السُّؤَالِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَعَمْرِي إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَدْ خَرَجَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ، وَغَبَنَ فِي تَصَرُّفَاتِهِ غَبْنًا فَاحِشًا، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: فَعَلَيْك بِهَذَا وَتَطْبِيقِهِ عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ مُلَاحَظًا بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ تُحْمَدُ الْمُتَصَدِّي لِتَلْفِيقِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ عَقْدُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا) وَهِيَ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ (وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) وَهُوَ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ

لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ، حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ فَلَا تَتَمَكَّنُ هَذِهِ التُّهْمَةُ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ الْعَقْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعُمُومِ الْأَمْرِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ) أَيْ فِي الشِّرَاءِ (مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ) أَيْ فَلَعَلَّ الْوَكِيلَ (اشْتَرَاهُ) أَيْ اشْتَرَى الشَّيْءَ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ (لِنَفْسِهِ) أَيْ لِأَجْلِ نَفْسِهِ (فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ (عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ انْتَهَى. وَالتُّهْمَةُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مُعْتَبَرَةٌ، وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَسْتَوْجِبُ الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ وَيُوجِبُ لِنَفْسِهِ مِثْلَهُ فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ، وَالْإِنْسَانُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَلْزَمَ الْآمِرَ الثَّمَنُ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ بِإِزَائِهِ مَا يَعْدِلُهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ وَقَبَضْتُ وَهَلَكَ فِي يَدِي فَهَاتِ الثَّمَنَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ عِنْدِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلِأَنَّ أَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ يُلَاقِي مِلْكَ الْغَيْرِ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ إطْلَاقُ أَمْرِهِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ أَمْرَهُ يُلَاقِي مِلْكَ نَفْسِهِ وَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعُمُومِ أَوْ الْإِطْلَاقَ فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَاشْتَرَى ذَلِكَ الْمَتَاعَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَبِمَا لَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْمَالِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَفِي جَانِبِ الْبَيْعِ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ، وَالْإِطْلَاقُ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ سِوَى الْمَبِيعِ الَّذِي رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ. وَهَذِهِ فُرُوقٌ أَرْبَعَةٌ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ ذُكِرَتْ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمَبْسُوطِ (حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ) أَيْ يَنْفُذُ الْعَقْدُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ) أَيْ شِرَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ (لِنَفْسِهِ) وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ قَالُوا عَامَّةَ الْمَشَايِخِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: يَتَحَمَّلُ فِيهِ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ لَا الْفَاحِشُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَحَمَّلُ فِيهِ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ أَيْضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا (وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَهُ) أَيْ زَوَّجَ مُوَكِّلَهُ (امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَكَالَةِ فِي النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ زَادَهَا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا زَوَّجَهَا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ زَادَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يَرْضَاهُ، وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَتَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الشِّرَاءُ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ كَانَ الْعَبْدُ لِلْآمِرِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَا فِي الْكِتَابِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ (لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ) أَيْ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ (فَلَا تَتَمَكَّنُ هَذِهِ التُّهْمَةُ) أَيْ تُهْمَةُ أَنْ يَعْقِدَ أَوَّلًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَلْحَقُهُ بِغَيْرِهِ (وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلِقُ الْعَقْدَ) أَيْ لَا يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ حَيْثُ يَقُولُ اشْتَرَيْتُ وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ، يَعْنِي يَجُوزُ لَهُ الْإِطْلَاقُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِضَافَةُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَتَتَمَكَّنُ تِلْكَ التُّهْمَةُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: جَوَازُ عَقْدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا فِيمَا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَدِ كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَالَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَهُمْ كَالْخُبْزِ

قَالَ (وَاَلَّذِي لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ " ده نيم " وَفِي الْحَيَوَانَاتِ " ده يازده " وَفِي الْعَقَارَاتِ " ده دوازده ") ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِذَا زَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرُ وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ كَالْفَلْسِ مَثَلًا (قَالَ) فِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ وَبِهِ يُفْتِي (وَاَلَّذِي لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ مِمَّا يَتَغَابَنُ فِيهِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: تَكَلَّمُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ أَنَّ كُلَّ غَبْنٍ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَهُوَ يَسِيرٌ، وَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَهُوَ فَاحِشٌ. قَالَ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ " ده نيم " وَفِي الْحَيَوَانَاتِ " ده يازده " وَفِي الْعَقَارَاتِ " ده دوازده ") اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ سَوْقِ الْكَلَامِ هَاهُنَا يُشْعِرُ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِذِكْرِ هَذَا الْقَوْلِ تَفْسِيرَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ مَا ذَكَرَهُ سَابِقًا كَانَ تَفْسِيرًا لِلْغَبْنِ الْفَاحِشِ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ: وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ إلَخْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَيْضًا تَفْسِيرًا لِلْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَأَمَّا الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّطْبِيقُ لِمَا عَيَّنَ فِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلْغَبْنِ الْيَسِيرِ، وَعَنْ هَذَا كَانَ الشُّرَّاحُ هَاهُنَا فِرْقَتَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ تَرَدَّدَ فِي تَعْيِينِ مُرَادِهِ وَجَعَلَ كَلَامَهُ مُحْتَمِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ وَلَكِنْ ذَكَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيلَ لَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ بِالثَّانِي فَقَالَ هَذَا بَيَانُ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاحْتِمَالَ الْآخَرَ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْكَاكِيُّ مِنْ هَذِهِ الْفِرْقَةِ: وَكَانَ قَوْلُهُ وَقِيلَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِهِمْ كَانَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِهِمْ غَبْنًا يَسِيرًا. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْغَبْنِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِي كُتُبِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ، مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْبَارِعُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَرُوِيَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ: قَدْرُ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي الْعُرُوضِ " ده نيم " وَفِي الْحَيَوَانِ " ده يازده " وَفِي الْعَقَارِ " ده دوازده " انْتَهَى. وَمِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قَلِيلٌ

لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْأَوَّلِ وَيَقِلُّ فِي الْأَخِيرِ وَيَتَوَسَّطُ فِي الْأَوْسَطِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ. قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ يَجُوزُ عِنْدَهُ فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ بِهِ أَوْلَى (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ، فَإِذَا بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً، وَإِذَا لَمْ يَبِعْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَثِيرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَهُوَ قَلِيلٌ وَمَا لَا يَدْخُلُ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي. وَمُحَمَّدٌ قَدَّرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِدَهٍ نيم وَمَشَايِخُ بَلْخٍ فَصَلُّوا ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ شُعَيْبٍ. حُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدَّرُوا الْيَسِيرَ فِي الْعَقَارِ بِدَهٍ دوازده، وَفِي الْحَيَوَانِ بِدَهٍ يازده، وَفِي الْعُرُوضِ بِدَهٍ نيم انْتَهَى كَلَامُهُ. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ الْمُتَّفِقِينَ عَلَى جَعْلِ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلْغَبْنِ الْيَسِيرِ. هَذَا وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيرُ فِي الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْعُرُوض (وَيَقِلُّ فِي الْأَخِيرِ) وَهُوَ الْعَقَارَاتُ (وَيَتَوَسَّطُ فِي الْأَوْسَطِ) وَهُوَ الْحَيَوَانُ (وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ) ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ يَزِيدُ بِقِلَّةِ التَّجْرِبَةِ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَتِهَا، وَقِلَّتُهَا وَكَثْرَتُهَا بِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ وَكَثْرَتِهِ، ثُمَّ إنَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نِصَابٌ تُقْطَعُ بِهِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ فَجُعِلَتْ أَصْلًا وَالدِّرْهَمُ مَالٌ يُحْبَسُ لِأَجْلِهِ فَقَدْ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْمُمَاكَسَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيمَا كَثُرَ وُقُوعُهُ يَسِيرًا وَالنِّصْفُ مِنْ النَّصَفَةِ فَكَانَ يَسِيرًا وَضُوعِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْوُقُوعِ، فَمَا كَانَ أَقَلَّ وُقُوعًا مِنْهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ ضِعْفُهُ، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْأَقَلِّ اُعْتُبِرَ فِيهِ ضِعْفُ ضِعْفِهِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا وَكَّلَهُ) أَيْ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا (بِبَيْعِ عَبْدٍ) أَيْ بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ (فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) إنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ،؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ نِصْفَ مَا وَكَّلَ بَيْعَهُ وَلَيْسَ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ) فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَنَوَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ) أَيْ كُلَّ الْعَبْدِ (بِثَمَنِ النِّصْفِ يَجُوزُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الثَّمَنِ (أَوْلَى) أَيْ فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ الْبَعْضِ مَعَ بَيْعِ الْبَعْضِ بِمِقْدَارٍ مِنْ الثَّمَنِ أَنْفَعُ لِلْآمِرِ مِنْ بَيْعِ الْكُلِّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا لِكَوْنِهِ غَبْنًا فَاحِشًا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ بِثَمَنِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ عَيْبَ الشَّرِكَةِ، وَأَمَّا بَيْعُ النِّصْفِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فَكَانَ هَذَا مُخَالَفَةً مِنْ الْوَكِيلِ إلَى شَرٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. قُلْنَا: ضَرَرُ الشَّرِكَةِ أَقَلُّ وَأَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ بَيْعِ الْكُلِّ بِثَمَنِ النِّصْفِ، فَإِذَا جَازَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ وَهُوَ أَهْوَنُ أَوْلَى (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ ذَلِكَ الْعَبْدِ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ) يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ بِبَيْعِ الْعَبْدِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَبَيْعُ النِّصْفِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (وَلِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ) ؛ لِأَنَّهَا عَيْبٌ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا) أَيْ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ (لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيَهُ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ، فَإِذَا بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ (وَقَعَ وَسِيلَةً) إلَى الِامْتِثَالِ (وَإِذَا لَمْ يَبِعْ) الْبَاقِيَ (ظَهَرَ أَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ (لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً) إلَى الِامْتِثَالِ (فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْبَيْعِ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ (اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا) إذْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ لِثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ بِبَيْعِ النِّصْفِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ: وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ

(وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ كَانَ مَوْرُوثًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا شِقْصًا، فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الْبَيْعَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الشِّرَاءِ تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ عَلَى مَا مَرَّ. وَآخَرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُهُ وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ كَانَ مَوْرُوثًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا شِقْصًا) الشِّقْصُ: الْجُزْءُ مِنْ الشَّيْءِ وَالنَّصِيبِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الْبَيْعَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ) أَيْ شِرَاءُ الْبَعْضِ (وَسِيلَةً) إلَى الِامْتِثَالِ (فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ جُمْلَةً. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ كَوْنُ الشِّرَاءِ مَوْقُوفًا (بِالِاتِّفَاقِ) بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ أَعْتَقَهُ الْآمِرُ جَازَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ جَازَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَجُزْ. فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ صَرِيحًا نَفَذَ عَلَيْهِ وَالْإِعْتَاقُ إجَازَةٌ مِنْهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَنَاوَلَتْ مَحَلًّا بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَتِهِ فَلَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: إنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ يُتَوَهَّمُ رَفْعُهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَقَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بَقِيَ مُخَالِفًا فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْآمِرُ لَمْ يَجُزْ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ (وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (أَنَّ فِي الشِّرَاءِ تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ عَلَى مَا مَرَّ) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ التُّهْمَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (وَآخَرُ) أَيْ وَفَرْقٌ آخَرُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ) فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ (يُصَادِفُ مِلْكَهُ) أَيْ مِلْكَ الْآمِرِ (فَيَصِحُّ) أَيْ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ لِوِلَايَةِ الْآمِرِ عَلَى مِلْكِهِ (فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُهُ) أَيْ إطْلَاقُ الْأَمْرِ (وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ) فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ (صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ) وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ (فَلَمْ يَصِحَّ) أَيْ الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ (فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ) أَيْ تَقْيِيدُ الْأَمْرِ وَإِطْلَاقُهُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُتَعَارَفُ، وَالْمُتَعَارَفُ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ

قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثْ مِثْلُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْآمِرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدَ جُمْلَةً كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَاعِدُهُ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَمَا اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الشَّرْحِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَمْرٌ بِالشِّرَاءِ، وَقَدْ قَالَ الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ صَحَّ بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ، وَإِذَا صَحَّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ فَجَعَلْنَاهُ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ وَصَرَفْنَاهُ إلَى الْمُتَعَارَفِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَان، وَلَوْ عَمِلْنَا بِإِطْلَاقِهِ كَانَ ذَلِكَ إبْطَالًا لِلْقِيَاسِ وَالْعُرْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْإِعْمَالُ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّا لَمْ نَعْمَلْ بِالْإِطْلَاقِ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ لِئَلَّا يَبْطُلَ الْعَمَلُ بِالْعُرْفِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الدَّلَائِلِ، فَيَتَّجِهُ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَعْمَلَ بِالْإِطْلَاقِ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ أَيْضًا لِئَلَّا يَبْطُلَ الْعَمَلُ بِالْعُرْفِ كَذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: لَمْ يَعْمَلْ بِالْقِيَاسِ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِالْعُرْفِ أَيْضًا لَزِمَ إبْطَالُ الدَّلِيلَيْنِ مَعًا، بِخِلَافِ صُورَةِ الْبَيْعِ حَيْثُ عَمِلَ فِيهَا بِالْقِيَاسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا صَادَفَ مِلْكَ الْآمِرِ. قُلْت: لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْفَرْقِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ بِالنَّصِّ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْعُرْفِ، فَلَوْ جَازَ تَقْيِيدُ الْإِطْلَاقِ بِهِ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لَجَازَ تَقْيِيدُهُ بِهِ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي شَرْحِ الْفَرْقِ الثَّانِي: إنَّ الْأَمْرَ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ صَادَفَ مِلْكَ الْآمِرِ فَصَحَّ أَمْرُهُ لِوِلَايَتِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَاعْتُبِرَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ فَجَازَ بَيْعُ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ مُطْلَقًا عَنْ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ. وَأَمَّا الْأَمْرُ فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَصَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ وَهُوَ مَالُ الْبَائِعِ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْآمِرِ فِي مَالِ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا صَحَّ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا عُمُومَ لِمَا ثَبَتَ ضَرُورَةً فَلَمْ يُعْتَبَرْ إطْلَاقُهُ فَلَمْ يَجُزْ شِرَاءُ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ يَتَأَدَّى بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ شِرَاءُ الْكُلِّ لَا الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْكُلِّ لَا يَحْصُلُ بِشِرَاءِ الْبَعْضِ إلَّا إذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا فَيَجُوزَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْبَيَانِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْهُومٍ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا ارْتَكَبَهُ فِي جَوَابِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ) وَسَلَّمَهُ (وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي (بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ) أَيْ لَا يَحْدُثْ مِثْلُهُ أَصْلًا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالسِّنِّ الشَّاغِيَةِ، أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ (بِقَضَاءِ الْقَاضِي) مُتَعَلِّقٌ بِرَدِّهِ: أَيْ رَدِّهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا سَيَأْتِي (بِبَيِّنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَيْ قَضَائِهِ بِبَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي (أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ) أَيْ أَوْ قَضَائِهِ بِإِبَاءِ الْبَائِعِ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَ تَوَجُّهِهَا إلَيْهِ (أَوْ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ أَوْ قَضَائِهِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْبَائِعَ وَهُوَ الْمَأْمُورُ (يَرُدُّهُ) أَيْ يَرُدُّ الْعَبْدَ الَّذِي رُدَّ عَلَيْهِ (عَلَى الْآمِرِ) بِلَا حَاجَةٍ إلَى خُصُومَةٍ، إذْ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَدٌّ

لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ. وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِهَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا لَكِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَارِيخُ الْبَيْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ لِظُهُورِ التَّارِيخِ، أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ الْأَطِبَّاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُوَكِّلِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُهُ لَا مَحَالَةَ، فَمَا مَعْنَى ذِكْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي مَعَ الْإِقْرَارِ؟ قُلْنَا: يُمْكِنُ أَنْ يُقِرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ وَيَمْتَنِعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْقَبُولِ، فَقَضَاءُ الْقَاضِي كَانَ إجْبَارًا عَلَى الْقَبُولِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: إنْ كَانَ الْوَكِيلُ مُقِرًّا بِالْعَيْبِ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهِ؟ قُلْت: الْكَلَامُ وَقَعَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا كَانَ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ بِلَا قَضَاءٍ لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ فَظَهَرَتْ الْفَائِدَةُ إذًا فَافْهَمْهُ وَاغْتَنِمْهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَيْسَ بِشَافٍ، إذْ هُوَ لَا يَحْسِمْ عِرْقَ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ هَاتِيَك الْفَائِدَةَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى وُقُوعِ الْقَضَاءِ: أَيْ حَاصِلَةٌ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَكَلَامُ السَّائِلِ فِي سَبَبِ وُقُوعِ الْقَضَاءِ ابْتِدَاءً. يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَرَفْعِ الْمُنَازَعَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فَصْلَ الْخُصُومَةِ وَرَفْعَ الْمُنَازَعَةِ فَرْعُ تَحَقُّقِ الْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ، وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ لَا خُصُومَةَ وَلَا مُنَازَعَةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ رَأْسًا فَبِأَيِّ سَبَبٍ يَقَعُ الْقَضَاءُ حَتَّى تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْفَائِدَةَ؟ فَالْجَوَابُ الشَّافِي هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْمُقِرِّ بِالْعَيْبِ عَنْ قَبُولِ الْمَعِيبِ يَقْتَضِي الِاحْتِيَاجَ إلَى وُقُوعِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْجَبْرِ عَلَى الْقَبُولِ. قَالَ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) إذْ الْكَلَامُ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ (فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ) يَعْنِي الْبَيِّنَةَ وَالنُّكُولَ وَالْإِقْرَارَ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ لَمْ يَتَوَقَّفْ قَضَاءُ الْقَاضِي عَلَى وُجُودِ هَذِهِ الْحُجَجِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِدُونِهَا لِعِلْمِهِ قَطْعًا بِوُجُودِ هَذَا الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ. فَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ إلَخْ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى مَنْ لَهُ ذَوْقٌ صَحِيحٌ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ، إلَّا أَنَّ تَفْرِيعَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِإِدْخَالِ الْفَاءِ عَلَيْهِ يَأْبَى ذَلِكَ جِدًّا؛ لِأَنَّ مَنْشَأَ السُّؤَالِ مَا سَبَقَ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ فَكَيْفَ يَتِمُّ تَفْرِيعُ الْجَوَابِ عَلَيْهِ؟ وَكَأَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَاقَ هَذِهِ الْبَشَاعَةَ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ. هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ دَفْعٌ لِسُؤَالِ سَائِلٍ فَقَرَّرَ السُّؤَالُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ لَمَّا جَاءَ إلَى تَقْرِيرِ الْجَوَابِ قَالَ: فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِهَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ إلَخْ، فَجَعَلَ الْجَوَابَ قَوْلَهُ: وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِهَا فِي الْكِتَابِ إلَخْ دُونَ قَوْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ، لَكِنْ لَا يُجْدِي ذَلِكَ طَائِلًا، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ ابْتِدَاءً فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ إلَى آخِرِهِ بِأَنَّ هَذَا دَفْعٌ لِذَلِكَ السُّؤَالِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِإِخْرَاجِ قَوْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ عَنْ جَوَابِ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَإِدْخَالُهُ فِي التَّعْلِيلِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ قَدْ تَمَّ بِدُونِ الْقَوْلِ الْمَزْبُورِ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ لَا يَتِمُّ بِدُونِ هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرُهُ لَمَّا رَأَوْا مَعْنَى الْكَلَامِ بِمُقْتَضَى الْمَقَامِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلصَّرْفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَخْ جَوَابٌ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِبَيَانِ رَكَاكَةِ الْفَاءِ حِينَئِذٍ، فَتَلَخَّصَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ بِتَبْدِيلِ الْفَاءِ بِالْوَاوِ لَكَانَ كَلَامُهُ أَسْلَمَ وَأَوْفَى (وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِهَا) أَيْ اشْتِرَاطُ هَذِهِ الْحُجَجِ (فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَيْبَ الْمَذْكُورَ (لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا لَكِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاضِي (تَارِيخُ الْبَيْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ) أَيْ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا (لِظُهُورِ التَّارِيخِ) أَيْ لِأَجْلِ ظُهُورِ التَّارِيخِ عِنْدَهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ (أَوْ كَانَ عَيْبًا) إشَارَةً إلَى تَأْوِيلٍ آخَرَ: أَيْ أَوْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي يُرِيدُ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِهِ عَيْبًا (لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ) كَالْقَرَنِ فِي الْفَرْجِ وَنَحْوِهِ (أَوْ الْأَطِبَّاءُ) أَيْ أَوْ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ

وَقَوْلُهُنَّ وَقَوْلُ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَيْهَا فِي الرَّدِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى رَدٍّ وَخُصُومَةٍ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ، وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالدِّقِّ وَالسُّعَالِ الْقَدِيمِ (وَقَوْلُهُنَّ) أَيْ قَوْلُ النِّسَاءِ. (وَقَوْلُ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ) لِلْمُشْتَرِي (لَا فِي الرَّدِّ) أَيْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ (فَيَفْتَقِرُ) أَيْ الْقَاضِي (إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْحُجَجِ الْمَذْكُورَةِ (فِي الرَّدِّ) عَلَى الْبَائِعِ. أَقُولُ: فِي هَذَا التَّأْوِيلِ نَظَرٌ، إذْ عَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ وَالِاحْتِيَاجِ، إلَى التَّأْوِيلِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ تَتْمِيمِ ذَلِكَ بَلْ عَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ جَوَابُ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا، إذْ يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمَأْمُورِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مِثْلَ الْجَوَابِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ النِّسَاءِ وَلَا قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ حُجَّةً فِي حَقِّ الرَّدِّ بَلْ كَانَ الْقَاضِي فِيهِ مُفْتَقِرًا إلَى إحْدَى الْحُجَجِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَيْضًا كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِإِقْرَارِهِ قَضَاءً بِحُجَّةٍ قَاصِرَةٍ لَمْ يُضْطَرَّ الْمَأْمُورُ إلَيْهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَعَدَّى إلَى الْآمِرِ بِعَيْنٍ مَا ذَكَرُوا فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي زَادَ هَاهُنَا تَأْوِيلًا ثَالِثًا وَقَدَّمَهُ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: وَمَعْنَى شَرْطُ الْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ وَالْإِقْرَارِ أَنْ يُشْتَبَهَ عَلَى الْقَاضِي أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ قَدِيمٌ أَمْ لَا. أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا، وَلَكِنْ لَا يَعْلَمْ تَارِيخَ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ لِيُظْهِرَ التَّارِيخَ، أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ الْأَطِبَّاءُ كَالْقَرَنِ فِي الْفَرْجِ وَنَحْوِهِ. وَقَوْلُهُنَّ وَقَوْلُ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ، وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ بِقَوْلِهِنَّ فَيَفْتَقِرُ إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ لِلرَّدِّ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا: أَقُولُ: ذَلِكَ التَّأْوِيلُ مِمَّا لَا يُرَى لَهُ وَجْهُ صِحَّةٍ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرَّدِّ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، وَالْعَيْبُ الَّذِي يُشْتَبَهُ عَلَى الْقَاضِي أَنَّهُ قَدِيمٌ أَمْ لَا مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا مَا يَتَعَيَّنُ حُدُوثُهُ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ بِحُجَّةٍ، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَاَلَّذِي يُشْتَبَهُ أَنَّهُ قَدِيمٌ أَمْ لَا مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ مِثْلُهُ وَإِلَّا لَمَا اشْتَبَهَ حَالُهُ، فَإِنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ مِثْلُهُ قَدِيمٌ أَلْبَتَّةَ (حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ) أَيْ الْقَاضِي (إلَى شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْحُجَجِ (وَهُوَ) أَيْ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ (رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى رَدٍّ وَخُصُومَةٍ) مَعَ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي، وَالْفَسْخُ بِالْحُجَّةِ الْكَامِلَةِ عَلَى الْوَكِيلِ فَسْخٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ (قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا رَدَّهُ) أَيْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ (بِعَيْبٍ) أَيْ بِسَبَبِ عَيْبٍ (يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِبَيِّنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِرَدِّهِ: أَيْ رَدِّهِ عَلَيْهِ بِبَيِّنَهٍ (أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ) أَيْ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ (لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ) أَيْ كَامِلَةٌ فَتَتَعَدَّى، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقِيلَ: أَيْ مُثَبَّتَةٌ عِنْدَ النَّاسِ كَافَّةً فَيَثْبُتُ بِهَا قِيَامُ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُوَكِّلِ فَيَنْفُذُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي (وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ خِلَافِ زُفَرٍ فِي إبَاءٍ عَنْ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ رَدَّ

لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْمَبِيعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ لَزِمَ الْمَأْمُورَ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِإِمْكَانِهِ السُّكُوتَ وَالنُّكُولَ، إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيُلْزِمَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَالْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْبَائِعُ ثَالِثُهُمَا، وَالرَّدُّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَكِيلِ بِنُكُولِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ وَجَدَ عَيْبًا فَرَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِنُكُولِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ، فَجَعَلَ هَذَا وَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ سَوَاءً فِي حَقِّ الْبَائِعِ، فَكَذَا فِي حَقِّ الْوَكِيلِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا النُّكُولِ (لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ) أَيْ عَنْ عِلْمِ الْوَكِيلِ (اعْتِبَارُ عَدَمِ مُمَارَسَةِ الْمَبِيعِ) فَإِنَّهُ لَمْ يُمَارِسْ أَحْوَالَ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْعَبْدُ فَلَا يَعْرِفُ بِعَيْبِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَخَافُ أَنْ يَحْلِفَ كَاذِبًا فَيَنْكُلَ، وَالْمُوَكِّلُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ فَكَانَ الْخَلَاصُ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ (فَيَلْزَمُ الْآمِرَ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْعَبْدُ الْآمِرَ أَوْ فَيَلْزَمُ حُكْمُ النُّكُولِ الْآمِرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَيَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَيَكُونَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ مُخْتَارًا لَا مُضْطَرًّا، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى النُّكُولِ، وَلَكِنْ فِي عَمَلٍ بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعْ بِعُهْدَةِ عَمَلِهِ عَلَى غَيْرِهِ. كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِع الصَّغِيرِ (فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ (بِإِقْرَارٍ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ (لَزِمَ الْمَأْمُورَ) أَيْ لَزِمَ الْعَبْدُ الْمَأْمُورَ وَهُوَ الْوَكِيلُ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ دُونَ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَأْمُورُ (غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِقْرَارِ (لِإِمْكَانِهِ السُّكُوتُ وَالنُّكُولُ) بِرَفْعِ السُّكُوتِ وَالنُّكُولِ: يَعْنِي يُمْكِنُهُ السُّكُوتُ وَالنُّكُولُ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالسُّكُوتِ وَالنُّكُولِ (إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ) يَعْنِي لَكِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ (فَيُلْزِمَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِهِ) أَيْ بِنُكُولِ الْمُوَكِّلِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَمْ يَذْكُرْ الْإِقْرَارَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْمُخَاصَمَةِ هُنَا إذَا كَانَ مُقِرًّا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَامٍّ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ وَيَمْتَنِعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْقَبُولِ، فَفَائِدَةُ الْخُصُومَةِ أَنْ يُجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْقَبُولِ كَمَا قَالُوا فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ إقْرَارُ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ مُخَاصَمَةِ الْوَكِيلِ لَا قَبْلَهَا، فَلَا مَعْنًى لِقَوْلِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْمُخَاصَمَةِ هَاهُنَا إذَا كَانَ مُقِرًّا فَتَدَبَّرْ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّدُّ) أَيْ الرَّدُّ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ (بِغَيْرِ قَضَاءٍ) يَعْنِي أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ (وَالْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ) فَبِخِلَافِهِ (حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ) يَعْنِي الْمُوَكِّلَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّدَّ بِالْإِقْرَارِ وَالرِّضَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ (بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ) وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (وَالْبَائِعُ) يَعْنِي الْمُوَكِّلَ (ثَالِثُهُمَا) أَيْ ثَالِثُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُمَا الْوَكِيلُ وَالْمُشْتَرِي. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَنْ يُخَاصِمَ مُوَكِّلَهُ أَوْ يَقُولَ آمُرَهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَقُولَ مَكَانَ قَوْلِهِ وَالْبَائِعُ ثَالِثُهُمَا وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا أَوْ الْآمِرُ ثَالِثُهُمَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُخَاصَمَةِ الْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ لَيْسَ بِبَائِعٍ انْتَهَى. وَاعْتَذَرَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنْ قَالَ: عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا انْتَقَلَ إلَى الْوَكِيلِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ قَدْ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ انْتَهَى (وَالرَّدُّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ الْخُصُومَةِ مَعَ الْمُوَكِّلِ أَصْلًا فِيمَا إذَا حَصَلَ الرَّدُّ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ لِكَوْنِهِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، فَقَالَ الرَّدُّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ

لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي، غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ الْإِقْرَارُ، فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ، وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَالرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِإِقْرَارِهِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي) يَعْنِي أَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَقْدًا مُبْتَدَأً لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ فَيُجْعَلُ فَسْخًا لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي (غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ الْإِقْرَارُ) يَعْنِي لَكِنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى حُجَّةٍ قَاصِرَةٍ وَهِيَ الْإِقْرَارُ فَعَمِلْنَا بِالْجِهَتَيْنِ (فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ (كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَنْ يُخَاصِمَ) أَيْ مَعَ الْمُوَكِّلِ (وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ فِي الْحُجَّةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ (لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلُ إلَّا بِحُجَّةٍ) أَيْ إلَّا بِإِقَامَةِ الْوَكِيلِ الْحُجَّةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهَذِهِ فَائِدَةُ الْحَاجَةِ إلَى الْقَضَاءِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَيَسْقُطُ مَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ، لَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُهُ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ قَدْ عَرَفْت فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ أَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَائِدَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْقَضَاءِ حَاصِلَةٌ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَمَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلِ تَحَقُّقِ الْقَضَاءِ وَحُصُولِهِ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى قَضَاءٍ، فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ الْقَضَاءُ حَتَّى تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْفَائِدَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَهَذَا كَلَامٌ جَيِّدٌ لَا يَسْقُطُ بِمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَإِنَّ لِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ ثَبِّتْ الْعُرْسَ ثُمَّ اُنْقُشْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ بَلْ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ السُّؤَالِ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُقِرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ وَيَمْتَنِعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْقَبُولِ، فَقَضَاءُ الْقَاضِي كَانَ جَبْرًا عَلَيْهِ عَلَى الْقَبُولِ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرْنَا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ الْجَوَابَ جَوَابٌ حَسَنٌ وَوَجْهٌ وَجِيهٌ، فَإِنَّ فِيهِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ التَّوْجِيهِ الَّذِي تَمَحَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ انْتَهَى فَتَفَكَّرْ. فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الرَّدُّ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَّرَ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَعَنَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ بِعَيْبٍ فَقَبِلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إجَارَةً جَدِيدَةً فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، فَكَذَا هَذَا. قُلْنَا: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الدَّارِ لَا يَصِيرُ مَقْبُوضًا بِقَبْضِ الدَّارِ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَ بِانْهِدَامِ الدَّارِ كَانَ فِي ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ، فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلَهُ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَهُنَاكَ يَلْزَمُ الْآمِرَ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ. وَقَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَفِي الْكِتَابِ عَلَّلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، وَقَالَ: إنَّ فَسْخَ الْإِجَارَةِ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ الْإِجَارَةُ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنَافِعِ، فَبَعْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يُمْتَنَعُ الِانْعِقَادُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَقْدًا مُبْتَدَأً. وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى الْعَقْدُ مُنْعَقِدٌ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَهَذَا حُكْمٌ قَدْ ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى أَنْ يُجْعَلَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَقْدًا مُبْتَدَأً لِقِيَامِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَالرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ) أَيْ وَكَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ (يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأَصْلِ (لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا غَيْرَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إلَيْهِ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا يُكَلِّفُهُ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ. قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِذَا تَعَيَّنَ الرَّدُّ صَارَ تَسْلِيمُ الْخَصْمِ وَتَسْلِيمُ

وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْحَقُّ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ ثُمَّ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الرَّدُّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَمَرْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ) ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِي سَوَاءً كَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ) أَيْ عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَنْ يُخَاصِمَهُ) يَعْنِي لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلُ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ (وَالْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْمُشْتَرِي (فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ: يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ أَوَّلًا فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَهُوَ وَصْفُ السَّلَامَةِ (ثُمَّ يَنْتَقِلُ) بِضَرُورَةِ الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ (إلَى الرَّدِّ، ثُمَّ) يَنْتَقِلُ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِحُدُوثِ عَيْبٍ أَوْ بِحُدُوثِ زِيَادَةٍ فِي الْمَبِيعِ (إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الرَّدُّ) وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْحَقُّ مُتَعَيَّنٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَتِمَّ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ الْجَامِعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا) يُرِيدُ بِالْكِفَايَةِ كِفَايَةَ الْمُنْتَهَى وَهِيَ شَرْحٌ لِلْبِدَايَةِ: أَلَّفَهَا الْمُصَنِّفُ قَبْلَ الْهِدَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الدِّيبَاجَةِ، وَلَمْ نَعْلَمْ وُجُودَ نُسَخِهَا الْآنَ وَلَمْ نَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا رَآهَا. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَ بَيَانِ الْمَقَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ: وَهَكَذَا ذُكِرَ الرِّوَايَتَانِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نُزُولًا مِنْ اللُّزُومِ إلَى أَنْ لَا يُخَاصِمَ بِالْكُلِّيَّةِ. وَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ انْتَهَى. أَقُولُ: وَلَعَمْرِي إنَّ رُتْبَتَهُ لَا تَتَحَمَّلُ الْإِقْدَامَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَّهُ أَقْرَبَ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْجَرَاءَةُ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ سِيَّمَا بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي مَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَلْبَتَّةَ لَا غَيْرُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (قَالَ) أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ قَالَ لِأَخَرَ أَمَرْتُكَ بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتَنِي بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ فِي إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ وَتَقْيِيدِهِ فَقَالَ الْآمِرُ أَمَرْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بَلْ أَمَرْتَنِي بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا زَائِدًا عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ (لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ، وَمَنْ يُسْتَفَادُ الْأَمْرُ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَهُ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ، إلَّا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ مَا يُخَالِفُ مُدَّعَاهُ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ) إذْ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ قَدْ يَكُونُ مُقَيَّدًا وَقَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ التَّقْيِيدُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقْيِيدِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَقُلْ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا الشَّيْءِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِبَيْعِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك بِمَالِي أَوْ فِي مَالِي لَا يَمْلِكُ إلَّا الْحِفْظَ وَكَانَ مُدَّعِيًا لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ (الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ) فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك بِالنَّقْدِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ بَلْ دَفَعْت مُضَارَبَةً وَلَمْ تُعَيِّنْ شَيْئًا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَصْوِيرِ الِاخْتِلَافِ هَاهُنَا: فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَ فِي الْبَزِّ وَقَالَ

لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِذِكْرِ لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ فَقَامَتْ دَلَالَةُ الْإِطْلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْإِطْلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا فَنَزَلَ إلَى الْوَكَالَةِ الْمَحْضَةِ ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ يَنْتَظِمُهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ وَالْوَجْهُ قَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَتَوِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُضَارِبُ دَفَعْت إلَيَّ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا. أَقُولُ: هَذَا التَّصْوِيرُ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. فَإِنَّ صُورَتَهَا هَكَذَا: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً فَاخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَهُ بِالنَّقْدِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَعْطَيْتنِي الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا. قَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ. انْتَهَى لَفْظُ مُحَمَّدٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ) يَعْنِي أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنَّ فِي الْعَقْدِ مَا يُخَالِفُ دَعْوَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُضَارِبَ (يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِذِكْرِ لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَصِحُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَيَثْبُتُ الْإِذْنُ عَامًّا (فَقَامَتْ دَلَالَةُ الْإِطْلَاقِ) أَيْ فَقَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَمَنْ ادَّعَى الْإِطْلَاقَ فِي الْمُضَارَبَةِ كَانَ مُدَّعِيًا لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ) أَيْ فِي نَوْعٍ مُسَمًّى (وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ) أَيْ وَادَّعَى الْمُضَارِبُ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ آخَرَ (حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْإِطْلَاقُ فِيهِ بِتَصَادُقِهِمَا فَنَزَلَ) أَيْ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ (إلَى الْوَكَالَةِ الْمَحْضَةِ) وَفِيهَا الْقَوْلُ لِلْآمِرِ كَمَا مَرَّ آنِفًا (ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ) فِي صُورَةِ الْوَكَالَةِ (يَنْتَظِمُهُ) أَيْ يَنْتَظِمُ الْبَيْعَ (نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ) مُتَعَارَفٍ عِنْدَ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ فِيهَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ) حَتَّى لَوْ بَاعَ بِأَجَلٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ عِنْدَ التُّجَّارِ بِأَنْ بَاعَ إلَى خَمْسِينَ سَنَةٍ جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَالْوَجْهُ قَدْ تَقَدَّمَ) أَيْ الْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ عَمِلَ بِالْإِطْلَاقِ وَهُمَا بِالْمُتَعَارَفِ. قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَذْكُرَ مَسْأَلَةَ النَّسِيئَةِ فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ وَالْوَجْهُ قَدْ تَقَدَّمَ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ) أَيْ الرَّهْنُ (فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (كَفِيلًا فَتَوْيُ الْمَالِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَأْمُورِ. قَالَ الْكَاكِيُّ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ

لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تُوثَقُ بِهِ، وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ نِيَابَةً وَقَدْ أَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَأَخْذِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ أَصَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا، إذْ الضَّمَانُ عَلَى الْكَفِيلِ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ لَيْسَ بِمَحَلِّ الشَّكِّ فَضْلًا عَنْ الْحُكْمِ بِخِلَافِهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ عَلَى الْوَكِيلِ إذْ هُوَ مَحَلُّ شُبْهَةٍ فَهُوَ مَوْرِدُ الْبَيَانِ؛ أَلَا يَرَى قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ (لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ) أَيْ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ (وَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْحُقُوقِ (وَالْكَفَالَةُ تُوثَقُ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ لِجَانِبِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَقَدْ ازْدَادَ بِالْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ فَكَانَا مُؤَكَّدَيْنِ لِحَقِّ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (فَيَمْلِكُهُمَا) أَيْ فَيَمْلِكُهُمَا الْوَكِيلُ، فَإِذَا ضَاعَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الرَّهْنِ كَاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدَلُهُ أُقِيمَ مَقَامَهُ. وَلَوْ هَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ هَلَكَ أَمَانَةً فَكَذَلِكَ الرَّهْنُ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هَاهُنَا الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ التَّوْيِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ لَا يَبْرَأُ. وَقِيلَ بَلْ هِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَالتَّوَى فِيهَا بِأَنْ يَمُوتَ الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ مُفْلِسَيْنِ، وَقِيلَ التَّوَى فِيهَا بِأَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَيَحْكُمَ عَلَى مَا يَرَاهُ أَوْ يَمُوتَ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: فَتَوْيِ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَيَحْكُمُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَتَوْيِ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ انْتَهَى. وَإِنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ قَدْ اخْتَارَ ذَلِكَ، وَزَيَّفَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَفِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هَاهُنَا الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ، وَقِيلَ الْكَفَالَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَإِنَّ التَّوَى يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِأَنْ مَاتَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ مُفْلِسَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا تَوَى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا أَيْضًا لَمْ يَتْوَ دَيْنُهُ كَمَا فِي الرَّهْنِ، وَالتَّوْيِ الَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ بِدَلِيلٍ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا أَيْضًا لَتَوِيَ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُفْلِسًا، وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَوَالَةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتْوَى فِيهَا بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنَّمَا يَتْوَى بِمَوْتِهِمَا مُفْلِسَيْنِ فَصَارَ كَالْكَفَالَةِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالتَّوْيِ تَوًى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ الدَّيْنِ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا وَيَحْكُمَ بِهِ ثُمَّ يَمُوتَ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ. (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ) إذَا أَخَذَ بِالدَّيْنِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ (يَفْعَلُ نِيَابَةً) أَيْ يَتَصَرَّفُ نِيَابَةً عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى إذَا نَهَاهُ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْقَبْضِ صَحَّ نَهْيُهُ (وَقَدْ أَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَأَخَذَ الرَّهْنَ) فَيَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ) أَيْ يَقْبِضُ الثَّمَنَ (أَصَالَةً) لَا نِيَابَةً (وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ، فَيَنْزِلُ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ، وَالْمَالِكُ لَوْ أَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا جَازَ فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ.

[فصل إذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر]

(فَصْلٌ) قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ) (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ) وَهَذَا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ] فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ وِكَالَةِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَ وِكَالَةِ الِاثْنَيْنِ لِمَا أَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ فَكَذَلِكَ حُكْمُهُمَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْوَجْهِ: وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْفَصْلِ كَبِيرُ حَاجَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُفْهَمُ هُنَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْوِكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْوِكَالَةُ بِالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا حَسَنٌ انْتَهَى (وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخِرِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتهمَا بِبَيْعِ عَبْدِي أَوْ بِخُلْعِ امْرَأَتِي، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الْوِكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَوَكَّلَ آخَرَ بِهِ أَيْضًا فَأَيُّهُمَا بَاعَ جَازَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ حَيْثُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَقْدٍ عَلَى حِدَةِ حَيْثُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَهَاهُنَا حُكْمُ الْوِكَالَةِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ، فَإِذَا أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ اسْتَبَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ تَصَرُّفِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِدُونِ الْآخَرِ (فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ. وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ مُقَيَّدًا بِتَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لَمَا احْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَاءِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الَّتِي اسْتَثْنَى التَّوْكِيلَ بِهَا مِنْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ مَا سِوَى الْخُصُومَةِ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمَّا تَمَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ تِلْكَ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مُتَّصِلًا بِالنَّظَرِ إلَى التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ وَمُنْقَطِعًا بِالنَّظَرِ إلَى التَّوْكِيلِ بِمَا سِوَاهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ صِيغَةَ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ، فَيَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ هَاهُنَا مُطْلَقٌ، وَبَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ الْآتِي يَخْرُجُ مِنْهُ مَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، وَمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ كَالْخُصُومَةِ وَيَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا بِالنَّظَرِ إلَى الْكُلِّ فَيَنْتَظِمُ الْمَقَامُ وَيَتَّضِحُ الْمَرَامُ. فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ هَاهُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ

لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي. قَالَ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الشَّغْبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَالرَّأْيُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا لِتَقْوِيمِ الْخُصُومَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ، بَلْ مُرَادُهُ بَيَانُ حَاصِلِ الْمَعْنَى بِمُلَاحَظَةِ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ الْآتِي عَلَيْهِ. قُلْت: حَاصِلُ الْمَعْنَى هَاهُنَا بِمُلَاحَظَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْآتِي أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَلَا يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَخَصُّ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَبَيَانُ الْمَعْنَى هَاهُنَا بِمَا ذَكَرَهُ لَا يُطَابِقُ الْحَاصِلَ مِنْ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ لَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ فَلَا يُجْدِي كَبِيرَ طَائِلٍ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا) إذْ لَا يَنَالُ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا مَا يَنَالُ بِرَأْيِهِمَا، حَتَّى إنَّ رَجُلًا لَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِبَيْعٍ أَوْ بِشِرَاءٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا أَوْ اشْتَرَى وَالْآخَرُ حَاضِرٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْآخَرُ، وَفِي الْمُنْتَقَى: وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمْ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ فَأَجَازَ بَيْعَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ شَيْءٍ وَأَحَدُهُمَا عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَوْ صَبِيٌّ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِبَيْعِهِ وَحْدَهُ حِينَ ضَمَّ إلَيْهِ رَأْيَ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَا حُرَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ حَاضِرٌ فَأَجَازَ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِرَأْيِهِمَا، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ (وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا) هَذَا جَوَابُ شُبْهَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ إذَا قَدَّرَ الْمُوَكِّلُ الْبَدَلَ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِالْإِعْتَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَأَجَابَ عَنْهَا بِأَنَّ الْبَدَلَ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا (وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي أَنَّ تَقْدِيرَ الْبَدَلِ إنَّمَا يَمْنَعُ النُّقْصَانَ لَا الزِّيَادَةَ، وَرُبَّمَا يَزْدَادُ الثَّمَنُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا لِذَكَاءِ أَحَدِهِمَا وَهِدَايَتِهِ دُونَ الْآخَرِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَأْيِهِمَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَكَذَا يَخْتَارُ أَحَدُهُمَا الْمُشْتَرِيَ الَّذِي يُمَاطِلُ فِي الثَّمَنِ دُونَ الْآخَرِ فَيَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَيْضًا (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ: يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الْوَكِيلَيْنِ لَا يَتَصَرَّفُ بِانْفِرَادِهِ إلَّا فِي الْخُصُومَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ خَاصَمَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ جَازَ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْخُصُومَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ صَاحِبِهِ فِي خُصُومَتِهِ؟ بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: يُشْتَرَطُ، وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَا فِي الْكِتَابِ (لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا) أَيْ فِي الْخُصُومَةِ (مُتَعَذِّرٌ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الشَّغْبِ) الشَّغْبُ بِالتَّسْكِينِ تَهْيِيجُ الشَّرِّ، وَلَا يُقَالُ شَغَبٌ بِالتَّحْرِيكِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ (فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) وَلَا بُدَّ مِنْ صِيَانَةِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَنْ الشَّغْبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ إظْهَارُ الْحَقِّ وَبِالشَّغْبِ لَا يَحْصُلُ، وَلِأَنَّ فِيهِ ذَهَابَ مَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَلَمَّا وَكَّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا صَارَ رَاضِيًا بِخُصُومَةِ أَحَدِهِمَا (وَالرَّأْيُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا لِتَقْوِيمِ الْخُصُومَةِ) إشَارَةً إلَى دَفْعِ قَوْلِ زُفَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ دُونَ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ

(قَالَ: أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ بَلْ هُوَ تَعْبِيرٌ مَحْضٌ، وَعِبَارَةُ الْمَثْنَى وَالْوَاحِدُ سَوَاءٌ. وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا. وَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الرَّأْيَيْنِ يَحْصُلُ فِي تَقْوِيمِ الْخُصُومَةِ سَابِقًا عَلَيْهَا فَيَكْتَفِي بِذَلِكَ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ قَوْلُهُ بِالْخُصُومَةِ أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا بِانْفِرَادِهِ (أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَعْتِقَهُ وَحْدَهُ (أَوْ يَرُدَّ وَدِيعَةً عِنْدَهُ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِرَدِّ وَدِيعَةٍ، فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّهَا مُنْفَرِدًا. قَيَّدَ بِرَدِّهَا، إذْ لَوْ وَكَّلَهُمَا بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْقَبْضِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، فَقَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: إذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَانَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْقَبْضِ، وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ مُمْكِنٌ وَلِلْمُوَكِّلِ فِيهِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّ حِفْظَ اثْنَيْنِ أَنْفَعُ، فَإِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا صَارَ قَابِضًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ ضَامِنًا. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ ضَامِنًا لِلنِّصْفِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِقَبْضِ النِّصْفِ. قُلْنَا: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِقَبْضِ النِّصْفِ إذَا قَبَضَ مَعَ صَاحِبِهِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ فَغَيْرُ مَأْمُورٍ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ مَضْمُونَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هَاهُنَا. وَلَكِنْ مَا عَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا يُقَسَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الْوَدِيعَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ كَلَامُهُ بِشَيْءٍ، إذْ مَنْشَؤُهُ الْغُفُولُ عَنْ قَيْدِ الْإِذْنِ، فَإِنَّ الَّذِي سَيَجِيءُ فِي الْوَدِيعَةِ هُوَ أَنَّهُ إنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقَسَّمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ فَيَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ جَازَ أَنْ يَحْفَظَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَهُ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنْ لَا يَجُوزَ حِفْظُ أَحَدِهِمَا الْكُلَّ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا بِلَا خِلَافٍ، وَأَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْآخَرِ أَيْضًا فِيمَا يُقَسَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، فَهُوَ تَامٌّ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا بِالِاتِّفَاقِ (أَوْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادَ فِيهِ أَيْضًا (لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ) يَعْنِي الطَّلَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْعَتَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَرَدَّ الْوَدِيعَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ (لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ بَلْ هُوَ) أَيْ بَلْ أَدَاءُ الْوِكَالَةِ فِيهَا (تَعْبِيرٌ مَحْضٌ) أَيْ تَعْبِيرٌ مَحْضٌ لِكَلَامِ الْمُوَكِّلِ (وَعِبَارَةُ الْمَثْنَى وَالْوَاحِدِ سَوَاءٌ) لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَعْنَى (وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا أَوْ قَالَ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهِمَا فَاعْتَبَرَهُ بِدُخُولِهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا، أَوْ قَالَ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا) حَيْثُ لَا يَجُوزُ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ مَا قَالَهُ لَهُمَا فِيهِمَا (تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِمَا) فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا، وَنَوَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ. وَإِذَا كَانَ تَمْلِيكًا صَارَ التَّطْلِيقُ مَمْلُوكًا لَهُمَا فَلَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْآخَرِ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْدِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى إيقَاعِ نِصْفِ تَطْلِيقَةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ، إذْ بِإِيقَاعِ النِّصْفِ تَقَعُ تَطْلِيقَةً كَامِلَةً. فَإِنْ قِيلَ: الْإِبْطَالُ هُنَا ضِمْنِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ الْإِبْطَالِ مَعَ قُدْرَتِهِمَا إلَى الِاجْتِمَاعِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ أَلَا يَرَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ طَلَّقَاهَا فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي كَوْنِهِ تَمْلِيكًا انْتَهَى. أَقُولُ: جَمِيعُ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ عَلَى النَّقْضِ سَقِيمٌ، أَمَّا قَوْلُهُ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ أَيْضًا فَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُقَرَّرِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقَاهَا بِدُونِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ تَوْكِيلٌ لَا تَمْلِيكٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ فَلَا يَلْزَمُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ كَمَا يَظْهَرُ بِمُرَاجَعَةِ مَحَلِّهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي كَوْنِهِ تَمْلِيكًا فَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الِاخْتِيَارِ مِنْ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ انْتَهَى. وَإِلَى قَوْلِهِ فِي أَوَاسِطِ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ انْتَهَى (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْآمِرَ (عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهِمَا) أَيْ بِفِعْلِ الْمَأْمُورَيْنِ (فَاعْتَبَرَهُ) صِيغَةَ أَمْرٍ مِنْ الِاعْتِبَارِ (بِدُخُولِهِمَا) أَيْ فَاعْتَبَرَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِفِعْلِ الرَّجُلَيْنِ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِدُخُولِ الرَّجُلَيْنِ: أَيْ بِدُخُولِهِمَا الدَّارَ مَثَلًا. يَعْنِي يُشْتَرَطُ ثَمَّةَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ دُخُولُهُمَا جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُمَا الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يُوجَدْ فِعْلُ التَّطْلِيقِ مِنْهُمَا جَمِيعًا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهِمَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِمَا رَاجِعٌ إلَيْهِ. وَإِلَى قَوْلِهِ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا وَقَدْ تَبِعَهُ فِي جَعْلِ قَوْلَهُ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهِمَا رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِهِ كَصَاحِبِ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَظْهَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّحْرِيرِ وَهُوَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالُوا بِصَدَدِ بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَاعْتَبَرَهُ بِدُخُولِهِمَا، حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُمَا الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَكَذَا هُنَا فِي قَوْلِهِ طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يُوجَدْ فِعْلُ التَّطْلِيقِ مِنْهُمَا جَمِيعًا. أَقُولُ: وَأَنَا لَا أَرَى بَأْسًا فِي إبْقَاءِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تَعْلِيلَيْهِ عَامًا لِلصُّورَتَيْنِ مَعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ كَمَا يُوجَدُ فِي صُورَةِ إنْ قَالَ لَهُمَا طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا يُوجَدُ أَيْضًا فِي صُورَةِ إنْ قَالَ لَهُمَا أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ مِنْ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ بِأَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ. وَقَالَ الشُّرَّاحُ فِي بَيَانِهِ: وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى أَمْرُك بِيَدِك إنْ أَرَدْت طَلَاقَك فَأَنْتِ

قَالَ (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ) لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQطَالِقٌ انْتَهَى. وَلِذَلِكَ لَمْ أُخَصِّصْ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهِمَا إلَخْ بِصُورَةِ إنْ قَالَ لَهُمَا طَلَّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا، بَلْ شَرَحْته بِوَجْهٍ يَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ مَعًا كَمَا رَأَيْته (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ، لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ (فَوَّضَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ (التَّصَرُّفَ) أَيْ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ (دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ) أَيْ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ التَّوْكِيلَ بِذَلِكَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَمْلِكُهُ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِعِلَّةِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ (رَضِيَ بِرَأْيِهِ) أَيْ بِرَأْيِ الْوَكِيلِ (وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ) فَلَا يَكُونُ الرِّضَا بِرَأْيِهِ رِضًا بِرَأْيِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ فِي تَوْكِيلِ الْغَيْرِ مُبَاشِرًا غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَلَا تَجُوزُ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ تَشْكِيكٌ، وَهُوَ أَنَّ تَفَاوُتَ الْآرَاءِ مُدْرَكٌ بِيَقِينٍ وَإِلَّا لَمَا جَازَ التَّعْلِيلُ بِهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ. وَأَيْضًا الرِّضَا بِرَأْيِ الْوَكِيلِ وَرَدُّ تَوْكِيلِهِ تَنَاقُضٌ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَقْوَى رَأْيًا أَوْ قَوِيَّهُ فِي رَأْيِ الْأَوَّلِ لَمَا وَكَّلَهُ فَرَدُّ تَوْكِيلَهُ مَعَ الرِّضَا بِرَأْيِهِ مِمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْقُوَّةِ فِي الرَّأْيِ لِمَا يَكُونُ بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُوَكِّلِ، وَحَيْثُ اخْتَارَهُ لِلتَّوْكِيلِ مِنْ بَيْنِ مَنْ يَعْرِفُهُ بِالرَّأْيِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْأُمُورِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَا ثَمَّةَ مَنْ يَفُوقُهُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ، فَقَبُولُ تَوْكِيلِهِ حِينَئِذٍ مُنَاقِضٌ لِظَنِّهِ فَلَا يَجُوزُ انْتَهَى. أَقُولُ: الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يَدْفَعُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مِنْ التَّشْكِيكِ الْمَذْكُورِ دُونَ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْهُ، لِأَنَّ قَبُولَ تَوْكِيلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مُنَاقِضًا لِظَنِّ الْمُوَكِّلِ، إلَّا أَنَّ رَدَّ تَوْكِيلِهِ أَيْضًا مُنَاقِضٌ لِرِضَا الْمُوَكِّلِ بِرَأْيِ الْوَكِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْهُ، فَمَا الرُّجْحَانُ فِي إيثَارِ هَذَا التَّنَاقُضِ عَلَى ذَاكَ التَّنَاقُضِ؟ ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْهُ: إنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ الْوَكِيلِ فِي تَصَرُّفٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا وُكِّلَ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنَاقُضَ فِي رَدِّ تَوْكِيلِهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ذَلِكَ تَنَاقُضًا لَوْ كَانَ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِرَأْيِ الْوَكِيلِ فِي التَّوْكِيلِ أَوْ بِرَأْيِهِ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي التَّوْكِيلِ أَوْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ خَاصٌّ بِمَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَالْمُدَّعَى عَامٌّ لِغَيْرِهِ أَيْضًا. أَقُولُ: أَصْلُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ رَضِيَ بِفِعْلِهِ دُونَ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْأَفْعَالِ

قَالَ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ) لِوُجُودِ الرِّضَا (أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك) لِإِطْلَاقِ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ، وَإِذَا جَازَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكَّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَعُمُّ مَا يَعُمُّهُ الْمُدَّعَى، إلَّا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَقَالَ: لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ، فَإِنَّهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ (لِوُجُودِ الرِّضَا) أَيْ لِوُجُودِ الرِّضَا حِينَئِذٍ بِرَأْيِ غَيْرِهِ أَيْضًا (أَوْ يَقُولَ لَهُ) عَطْفٌ عَلَى يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ: أَيْ أَوْ إلَّا أَنْ يَقُولَ لِلْوَكِيلِ (اعْمَلْ بِرَأْيِك) فَيَجُوزَ أَيْضًا أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ (لِإِطْلَاقِ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ) أَيْ إلَى رَأْيِ الْوَكِيلِ فَيَدْخُلَ تَوْكِيلُهُ الْغَيْرَ تَحْتَ الْإِجَازَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِذَا جَازَ فِي هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ إذَا جَازَ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ غَيْرَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَوَكَّلَ غَيْرَهُ (يَكُونُ الثَّانِي) أَيْ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَهُوَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ (وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ) لَا عَنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ (عَزْلَهُ) أَيْ عَزْلَ الْوَكِيلِ الثَّانِي (وَلَا يَنْعَزِلُ) أَيْ الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِمَوْتِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (وَيَنْعَزِلَانِ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالْوَكِيلُ الثَّانِي (بِمَوْتِ الْأَوَّلِ) أَيْ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ (وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ آخَرَ قَبْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ. أَقُولُ: وَالْعَجَبُ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا سِيَّمَا مِنْ فُحُولِهِمْ كَصَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَصَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَاحِبِ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بَيَانِ مَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْ قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الثَّانِي فَأَجَازَهُ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوِكَالَةِ، فَحَقَّقُوا

قَالَ (فَإِنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَضَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامَ فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي الْوِكَالَةِ مَعَ أَنَّ نَظِيرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إنَّمَا هُوَ مَا تَرَكُوهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ هُنَاكَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرُوهُ: وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ يَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا اغْتَرُّوا بِمَا فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي الْوِكَالَةِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْوِكَالَةِ، لَكِنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ التَّشْبِيهُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ لَا التَّشْبِيهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى. بَقِيَ هَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي التَّوْكِيلِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْإِذْنَ لَهُ فِي الْعَزْلِ أَيْضًا، وَأَمَّا فِي صُورَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك تَوْكِيلٌ عَامٌّ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ إثْبَاتُ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ لِلْوَكِيلِ فَيَمْلِكُ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ كَالْمَالِكِ، فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَزْلَ الْوَكِيلِ الثَّانِي أَيْضًا بِعُمُومِ وِكَالَتِهِ عَنْ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ، وَبِكَوْنِهِ كَالْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ لَهُ، كَمَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ وَأَنْ يَعْزِلَ عَنْهُ إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ النَّصْبُ وَالْعَزْلُ مِنْ قِبَلِ الْخَلِيفَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ وَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ غَيْرَهُ جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلَ الْمُوَكَّلِ الْأَوَّلِ لَا وَكِيلَ الْوَكِيلِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ أَوْ عُزِلَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي؛ وَلَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارٍ الْحَرْبِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلَانِ، وَلَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ جَازَ عَزْلُهُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ الْأَوَّلَ رَضِيَ بِصَنِيعِ الْأَوَّلِ وَعَزْلُ الْأَوَّلِ الثَّانِي مِنْ صَنِيعِ الْأَوَّلِ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ الْأَوَّلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا رَضِيَ بِعَمَلِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِرَأْيِهِ، وَأَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ الثَّانِيَ مِنْ عَمَلِهِ بِرَأْيِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَزْلُهُ إيَّاهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُشْكِلٌ دُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ وَكَّلَ) أَيْ الْوَكِيلُ (بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ) أَيْ وَكِيلُ الْوَكِيلِ (بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (جَازَ) أَيْ جَازَ الْعَقْدُ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) أَيْ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ (حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ) أَيْ حُضُورُ رَأْيِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (وَقَدْ حَضَرَ) أَيْ وَقَدْ حَضَرَ رَأْيُهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ فَجَازَ الْعَقْدُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ هُنَاكَ بِمُجَرَّدِ حَضْرَةِ صَاحِبِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِجَازَةِ صَرِيحًا كَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ عَقْدَ وَكِيلِ الْوَكِيلِ جَائِزٌ عِنْدَ حَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَقْدَ الْوَكِيلِ الثَّانِي لَا مُطْلَقَ الْحَضْرَةِ. هَكَذَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ:

وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ جَازَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ لِلْجَوَازِ إجَازَةَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي وِكَالَةِ الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ وِكَالَةِ الْأَصْلِ وَشَرْطِ إجَازَتِهِ فَقَالَ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ جَازَ. وَحَكَى عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ مُطْلَقًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ، فَكَانَ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ صَارَ وُجُودِ هَذَا التَّوْكِيلِ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ، وَلَوْ عَدِمَ التَّوْكِيلَ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى بَاعَهُ هَذَا الرَّجُلَ وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُ هَذَا الْفُضُولِيِّ إلَّا بِإِجَازَتِهِ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ لِكَوْنِ السُّكُوتِ مُحْتَمَلًا، كَذَا هَاهُنَا. وَمَتَى أَجَازَ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ إجَارَتَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْأَوَّلِ أَنَّ بَيْعَ الثَّانِي حَالَ غَيْبَةِ الْأَوَّلِ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِتَعَرِّي الْعَقْدِ عَنْ رَأْيِ الْأَوَّلِ، وَمَتَى بَاعَ بِحَضْرَتِهِ فَقَدْ حَضَرَ هَذَا الْعَقْدَ رَأْيُ الْأَوَّلِ، وَعَلَى هَذَا أَحَدُ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ إذَا أَمَرَ صَاحِبَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ فَبَاعَ بِحَضْرَتِهِ، فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إجَازَتِهِ انْتَهَى، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأَبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا فِيمَا نَقَلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ، فَأَجَازَ الْوَكِيلُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ الْإِجَازَةِ لِلْحَاضِرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَأَجَازَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ أَوْ غَائِبٌ فَقَطْ، أَمَّا فِي تَعْلِيلِهِمْ فَلِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الرَّأْيُ وَقَدْ حَضَرَ كَمَا ذَكَرَهُ انْتَهَى. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ نَظَرِهِ فِيمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي إلَخْ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ وَأَجَازَ بِالْوَاوِ فَيَجُوزُ كَوْنُهَا حَالِيَّةً لَاحْتَمَلَ مَا ذَكَرَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا لِلْعَطْفِ، كَمَا فِي قَوْلِك: زَيْدٌ فَاضِلٌ فَأَكْرِمْهُ، وَنَحْوُ الَّذِي يَطِيرُ فَيَغْضَبَ زَيْدٌ الذُّبَابُ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي مَوْضِعِهِ؛ وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهَا لِلْعَطْفِ وَكَوْنُ قَوْلِهِ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي إلَخْ فَلَا يَسْلَمُ كَوْنُ قَوْلِهِ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ مُتَعَلِّقًا بِكُلٍّ مِنْ قَيْدَيْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ إنَّمَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمَعْطُوفِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَيْدُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، كَمَا فِي قَوْلِنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سِرْت وَضَرَبْت زَيْدًا، وَقَوْلِنَا إنْ جِئْتنِي أُعْطِك وَأَكْسُك، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ فِي شَيْءٍ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ أَنْ يَتَقَيَّدَ الْمَعْطُوفُ بِقَيْدَيْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بَلْ جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَطْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ عَقْدِ وَكِيلِ الْوَكِيلِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَكِيلَ الْوَكِيلِ لَمَّا كَانَ يَتَصَرَّفُ بِتَوْكِيلِهِ وَرِضَاهُ بِالتَّصَرُّفِ كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ رِضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْظًا مِنْهُ عَلَى اسْتِبْدَادِهِ بِالتَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ صَاحِبِهِ انْتَهَى قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ) أَيْ فِي حُقُوقِ عَقْدِ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى جَازَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ تَكُونُ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ

(وَإِنْ عَقَدَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ فَاتَ رَأْيَهُ إلَّا أَنْ يُبْلِغَهُ فَيُجِيزَهُ (وَكَذَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ) لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيُهُ (وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي فَعَقَدَ بِغِيبَتِهِ يَجُوزُ) لِأَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ لَمَا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ غَرَضُهُ رَأْيَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا رَضِيَ بِلُزُومِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْعُهْدَةُ عَلَى الثَّانِي إذْ السَّبَبُ وَهُوَ الْعَقْدُ وُجِدَ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي كَالْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِهِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي وَهُوَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: ثُمَّ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى جَازَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ؟ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ، وَفِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَالْعُيُونِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الثَّانِي انْتَهَى. وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى (وَإِنْ عَقَدَ) أَيْ الْوَكِيلُ الثَّانِي (فِي حَالِ غِيبَتِهِ) أَيْ فِي حَالِ غِيبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ (لِأَنَّهُ فَاتَ رَأْيَهُ) أَيْ رَأْيَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ حُضُورُ رَأْيِهِ (إلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ خَبَرُ عَقْدِ الْوَكِيلِ الثَّانِي الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ (فَيُجِيزَهُ) أَيْ فَيُجِيزَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ الْعَقْدَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِتَحَقُّقِ رَأْيِهِ (وَكَذَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ) أَيْ وَكَذَا يَجُوزُ لَوْ بَاعَ الْأَجْنَبِيُّ (فَبَلَغَهُ) أَيْ فَبَلَغَ خَبَرُ الْبَيْعِ الْوَكِيلَ (فَأَجَازَهُ) أَيْ فَأَجَازَ الْبَيْعَ بَعْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ (لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ) أَيْ بِإِجَازَتِهِ (وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ (الثَّمَنَ) أَيْ ثَمَنَ مَا أُمِرَ بِبَيْعِهِ (لِلثَّانِي) أَيْ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي الَّذِي وَكَّلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْهُ بِكَذَا (فَعَقَدَ بِغِيبَتِهِ) أَيْ فَعَقَدَ الثَّانِي بِذَلِكَ الثَّمَنِ الْمُقَدَّرِ بِغِيبَةِ الْأَوَّلِ (يَجُوزُ) أَيْ الْعَقْدُ (لِأَنَّ الرَّأْيَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا) إنَّمَا قَالَ ظَاهِرًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَقَدْ حَصَلَ) أَيْ وَقَدْ حَصَلَ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّأْيِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الرَّهْنِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ إنَّمَا يَمْنَعُ النُّقْصَانَ لَا الزِّيَادَةَ، فَلَوْ بَاشَرَ الْأَوَّلُ رُبَّمَا بَاعَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ لِذَكَاتِهِ وَهِدَايَتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ (لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِمَا) أَيْ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْوَكِيلَيْنِ (مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي) الَّذِي لَا يُمَاطِلُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا، وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي (أَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَفَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (كَانَ غَرَضُهُ) أَيْ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ (رَأْيَهُ) أَيْ رَأْيَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ) أَيْ مُعْظَمِ أَمْرِ عَقْدِ الْبَيْعِ (وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ

قَالَ (وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَهَا لَمْ يَجُزْ) مَعْنَاهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا لِأَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَرْقُوقَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ، وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْوِيضِ إلَى الْقَادِرِ الْمُشْفِقِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا تُفَوَّضُ إلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِيَاعَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ فِي الْوِكَالَةِ أَنْ يُوَكِّلَ الْأَهْدَى فِي تَحْصِيلِ الْأَرْبَاحِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي التَّوْكِيلِ بِتَقْدِيرِ ثَمَنٍ صَالِحٍ لِزِيَادَةِ الرِّبْحِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِنِيَابَةِ الْآخَرِ عَنْهُ فِي مُجَرَّدِ الْعِبَارَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: اخْتِيَارُ الْمُشْتَرِي الَّذِي لَا يُمَاطِلُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ مِنْ مُهِمَّاتِ الْبِيَاعَاتِ وَمُعْظَمَاتِ أُمُورِهَا أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا، وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي، فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا: فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِنِيَابَةِ الْآخَرِ عَنْهُ فِي مُجَرَّدِ الْعِبَارَةِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ بَاعَ) أَيْ أَوْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (أَوْ اشْتَرَى لَهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ الْمَوْصُوفَةِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَهَا (التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا) أَيْ فِي مَالِ الصَّغِيرَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ اشْتَرَى لَهَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا شَيْئًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَالْآخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا بِمَالِهَا. وَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ جَائِزًا لَا مَحَالَةَ كَانَ الْمُرَادُ هَاهُنَا هُوَ الثَّانِي. وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ (لِأَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ) يَعْنِي أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَالرِّقُّ فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْكُفْرُ فِي الذِّمِّيِّ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ (أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَرْقُوقَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَاصِرَةِ (وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] (حَتَّى لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ) أَيْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِ (وَلِأَنَّ هَذِهِ) أَيْ هَذِهِ الْوِلَايَةَ (وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ) أَيْ وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ نَظَرًا لِلضُّعَفَاءِ وَالصِّغَارِ لِعَجْزِهِمْ (فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْوِيضِ) أَيْ تَفْوِيضِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ (إلَى الْقَادِرِ الْمُشْفِقِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ) بِالْقُدْرَةِ وَالشُّفْعَةِ (وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] (وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ) كَمَا لَا يَخْفَى (فَلَا تُفَوَّضُ إلَيْهِمَا)

(قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَالْمُرْتَدُّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ) لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ أَبْعَدُ مِنْ الذِّمِّيِّ فَأَوْلَى بِسَلْبِ الْوِلَايَةِ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نَافِذًا عِنْدَهُمَا لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وَلَدِهِ وَمَالِ وَلَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ، ثُمَّ تَسْتَقِرُّ جِهَةُ الِانْقِطَاعِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فَيَبْطُلُ وَبِالْإِسْلَامِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَيَصِحَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فَلَا تُفَوَّضُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ النَّظَرِيَّةُ إلَى الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ. قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: إلَى الْعَاقِدِ الْمُشْفِقِ مَكَانَ الْقَادِرِ الْمُشْفِقِ، وَجَعَلَ الشَّارِحُ الْكَاكِيُّ هَذِهِ النُّسْخَةَ أَصْلًا. وَقَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَى الْقَادِرِ مَكَانَ الْعَاقِدِ. أَقُولُ: وَأَنَا لَمْ أَرَ نُسْخَةً إلَى الْعَاقِدِ قَطُّ وَلَمْ أَجِدْ لَهَا وَجْهًا هَاهُنَا، إذْ لَا يُوجَدُ حِينَئِذٍ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ مُتَعَلِّقٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ (قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَالْمُرْتَدُّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُمَا عَلَى وَلَدِهِمَا الْمُسْلِمِ وَمَالِهِ. قَالَ الشُّرَّاحُ: إنَّمَا خَصَّ قَوْلَهُمَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا نَافِذَةٌ، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ تَرَكَا أَصْلَهُمَا فِي تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَمَالِ وَلَدِهِ فَإِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. أَقُولُ: قَدْ أُدْرِجَ فِي قَوْلِهِمَا الْحَرْبِيُّ أَيْضًا، وَالْعُذْرُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَجْرِي فِيهِ قَطْعًا فَلَا يَتِمُّ (لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ) وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا (أَبْعَدُ مِنْ الذِّمِّيِّ) لِأَنَّ الذِّمِّيَّ صَارَ مِنَّا دَارًا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ مِنَّا دِينًا، وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ (فَأَوْلَى بِسَلْبِ الْوِلَايَةِ) أَيْ فَالْحَرْبِيُّ أَوْلَى بِسَلْبِ الْوِلَايَةِ: يَعْنِي إذَا سُلِبَتْ وِلَايَةُ الذِّمِّيِّ كَمَا عَرَفْت فَالْحَرْبِيُّ أَوْلَى بِسَلْبِهَا (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتُصَرِّفُهُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نَافِذًا عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (لَكِنَّهُ) أَيْ لَكِنَّ تَصَرُّفَهُ (مَوْقُوفٌ) أَيْ مَوْقُوفٌ عَلَى إسْلَامِهِ؛ إنْ أَسْلَمَ صَحَّ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ (وَعَنْ وَلَدِهِ وَمَالِ وَلَدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ ضَمِيرُ لَكِنَّهُ وَهُوَ التَّصَرُّفُ بِمَعْنَى الْوِلَايَةِ: يَعْنِي لَكِنَّ تَصَرُّفَهُ: أَيْ وِلَايَتَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَمَالِ وَلَدِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى إسْلَامِهِ (بِالْإِجْمَاعِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مَوْقُوفٌ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ فِطْرَةٌ سَلِيمَةٌ وَوُقُوفٌ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَمَسَائِلِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا تَعْقِيدًا قَبِيحًا وَاحْتِيَاجًا إلَى بَيَانِ مَعْنَاهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي شَرَحْنَاهُ بِهِ. وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ الشُّرَّاحِ كَيْفَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ أَصْلًا مَعَ تَقَيُّدِهِمْ بِكَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الْبَيِّنَةِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى. فَحَقُّ الْعِبَارَةِ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَمْوَالِهِمْ مَوْقُوفَةٌ بِالْإِجْمَاعِ (لِأَنَّهَا) أَيْ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ وَمَالِ وَلَدِهِ (وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَذَلِكَ) أَيْ الْوِلَايَةُ النَّظَرِيَّةُ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، أَوْ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ (بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ) أَيْ بِسَبَبِ اتِّفَاقِ الْمِلَّةِ بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَلَدِ (وَهِيَ) أَيْ الْمِلَّةُ (مُتَرَدِّدَةٌ) فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً فِي الْحَالِ لَكِنَّهَا مَرْجُوُّ الْوُجُودِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مَجْبُورٌ عَلَيْهَا فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ (ثُمَّ تَسْتَقِرُّ جِهَةُ الِانْقِطَاعِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فَيَبْطُلُ) أَيْ تَصَرُّفُهُ (وَبِالْإِسْلَامِ) أَيْ بِالْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ (يُجْعَلُ) أَيْ الْمُرْتَدُّ (كَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مُسْلِمًا فَيَصِحُّ) أَيْ تَصَرُّفُهُ. أَقُولُ: بَقِيَ فِي هَذَا الْمُقَامِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ ابْنَتَهُ إلَى هَاهُنَا لَيْسَ مِنْ مَسَائِلِ الْوِكَالَةِ قَطُّ، وَقَدْ وُجِدَ ذِكْرُهُ مَرَّةً فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ، وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى هَؤُلَاءِ، وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

[باب الوكالة بالخصومة والقبض]

(بَابُ الْوِكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ) قَالَ (الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ رَضِيَ بِخُصُومَتِهِ وَالْقَبْضُ غَيْرُ الْخُصُومَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ انْتَهَى. فَذِكْرُهُ مَرَّةً أُخْرَى سِيَّمَا فِي كِتَابِ الْوِكَالَةِ بَعِيدُ الْمُنَاسَبَةِ. [بَابُ الْوِكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ] أَخَّرَ الْوِكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ عَنْ الْوِكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَقَعُ بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ بِمُطَالَبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ، أَوْ لِأَنَّهَا مَهْجُورَةٌ شَرْعًا فَاسْتَحَقَّتْ التَّأْخِيرَ عَمَّا لَيْسَ بِمَهْجُورٍ، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَذُكِرَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ أَيْضًا. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، كَيْفَ وَقَدْ وَقَعَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَانْظُرْ إلَى تَفْسِيرِ الْخُصُومَةِ هَلْ فِيهِ مَا يُوجِبُ هَجْرَهَا اهـ. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْخُصُومَةَ بِحَقِيقَتِهَا وَهِيَ الْمُنَازَعَةُ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46] وَإِنَّمَا شُرِعَتْ وَوَقَعَتْ مِنْ الْأَشْرَافِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مَجَازًا عَنْ جَوَابِ الْخَصْمِ بِنَعَمْ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي بَحْثُهُ عَنْ قَرِيبٍ مُفَصَّلًا وَمَشْرُوحًا، وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ هَاهُنَا أَيْضًا فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الْخُصُومَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46] حَتَّى تُرِكَتْ حَقِيقَتُهَا إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ مَجَازًا أَخَّرَ ذِكْرَ الْوِكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ عَمَّا لَيْسَ بِمَهْجُورٍ شَرْعًا بَلْ هُوَ مُقَرَّرٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ) أَطْلَقَ كَلَامَهُ فِي رِوَايَةٍ لِيَتَنَاوَلَ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا، فَإِنَّ الْإِمَامَ الْمَحْبُوبِيَّ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ (عِنْدَنَا) أَيْ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ كَمَا قُلْنَا (هُوَ) أَيْ زُفَرُ (يَقُولُ) إنَّهُ (رَضِيَ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (بِخُصُومَتِهِ) أَيْ بِخُصُومَةِ الْوَكِيلِ (وَالْقَبْضُ غَيْرُ الْخُصُومَةِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَوْلٌ يُسْتَعْمَلُ فِي إظْهَارِ الْحُقُوقِ وَالْقَبْضُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ (وَلَمْ يَرْضَ بِهِ) أَيْ وَلَمْ يَرْضَ الْمُوَكِّلُ بِالْقَبْضِ إذْ يَخْتَارُ لِلْخُصُومَةِ فِي الْعَادَةِ أَلَحَّ النَّاسِ وَلِلْقَبْضِ آمَنَ النَّاسِ، فَمَنْ يَصْلُحُ

وَلَنَا أَنْ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ، وَقَدْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ، وَنَظِيرُهُ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْخُصُومَةِ لَا يُرْضَى بِأَمَانَتِهِ عَادَةً. (وَلَنَا أَنَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشَّيْءِ مَأْمُورٌ بِإِتْمَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ يَكُونُ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ بَاقِيَةٌ مَا لَمْ يَقْبِضْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ يُتَوَهَّمُ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْمَطْلُ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْمُرَافَعَةِ بِإِثْبَاتِ الْخُصُومَةِ فَلَمَّا وَكَّلَهُ بِفَصْلِهَا وَالْفَصْلُ بِالْقَبْضِ دَخَلَ تَحْتَهُ ضِمْنًا، كَذَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِهِ: وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ مَا دَامَ وَكِيلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا أُمِرَ بِهِ، وَقَدْ أُمِرَ بِالْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ لِتَوَهُّمِ الْإِنْكَارِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَعَذُّرِ الْإِثْبَاتِ بِعَارِضٍ مِنْ مَوْتِ الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَطْلِ وَالْإِفْلَاسِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ مَا دَامَ وَكِيلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا أُمِرَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا أَسْلَفَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَحُكْمُ الْوِكَالَةِ جَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ مَنْشَأَهُ الْغَفْلَةُ عَنْ فَائِدَةِ قَوْلِهِ مَا دَامَ وَكِيلًا فِي قَوْلِهِ إنَّ الْوَكِيلَ مَا دَامَ وَكِيلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا أُمِرَ بِهِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْوَكِيلَ مَا دَامَ ثَابِتًا عَلَى وِكَالَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ مَا أُمِرَ بِهِ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَغْرِيرُ الْآمِرِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا، وَمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ أَنَّ الْوِكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَحُكْمُهَا جَوَازُ أَنْ يُبَاشِرَ الْوَكِيلُ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَأَنْ لَا يُبَاشِرَهُ بِشَرْطِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ إيَّاهُ أَوْ عَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ وَإِعْلَامِهِ الْمُوَكِّلَ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا ذَلِكَ الْبَعْضُ فِي قَوْلِهِ وَالْخُصُومَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ قَبْضُ الْوَكِيلِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٌ، وَإِنْ أُرِيدَ مَا يَعُمُّهُ وَقَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَطْلُوبُهُ. أَقُولُ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ قَبْضَ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَطْلُوبُهُ قَطْعًا بِمُقْتَضَى مُقَدِّمَتِهِ الْقَائِلَةِ: وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْمُوَكِّلُ الْخُصُومَةَ إلَى الْوَكِيلِ وَالْتَزَمَ الْوَكِيلُ إقَامَتَهَا دَخَلَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مَا لَا تَتِمُّ الْخُصُومَةُ إلَّا بِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ فَمَلَكَهُ الْوَكِيلُ قَطْعًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ مَا دَامَ عَلَى وِكَالَتِهِ (وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ، وَقَدْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ) وَمَشَايِخُ بَلْخٍ أَفْتَوْا بِقَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ غَيْرُ ثَابِتٍ نَصًّا وَلَا دَلَالَةً. أَمَّا نَصًّا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا دَلَالَةً فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِالْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي وَلَا يَرْضَى بِأَمَانَتِهِ وَقَبْضِهِ، وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَيْضًا، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ وَقَعَتْ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَنَظِيرُهُ) أَيْ نَظِيرُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ (الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي) فَإِنَّهُ (يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ (لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا) أَيْ لِأَنَّ التَّقَاضِيَ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْأَسَاسِ تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي، وَاقْتَضَيْته دَيْنِي وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي: أَيْ أَخَذْته. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَتَقَاضَاهُ الدَّيْنَ قَبَضَهُ مِنْهُ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ

إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَعْنَاهُ وَضْعًا بِقَوْلِهِ: أَيْ لِأَنَّ التَّقَاضِيَ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ قَالَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: تَقَاضَيْته دَيْنِي وَتَقَاضَيْته بِدَيْنِي وَاسْتَقْضَيْته طَلَبْت قَضَاءَهُ، وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي أَخَذْته. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ النَّظَرِ الْمَذْكُورِ عَنْهُ: قُلْت لَمْ أَدْرِ وَجْهَ النَّظَرِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ التَّقَاضِي هُوَ الْقَبْضُ بَلْ قَالَ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ. أَقُولُ: بَلْ لَا وَجْهَ لِمَا قَالَ لِأَنَّ وَجْهَ النَّظَرِ هُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِمَّا فِي الْمُغْرِبِ كَوْنُ التَّقَاضِي فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى طَلَبِ الْقَضَاءِ لَا بِمَعْنَى الْقَبْضِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ التَّقَاضِي هُوَ الْقَبْضُ بَلْ قَالَ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى التَّقَاضِي فِي اللُّغَةِ طَلَبَ الْقَضَاءِ لَا غَيْرُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الِاتِّحَادُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ قَطْعًا. ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّظَرِ الْمَذْكُورِ: لَعَلَّ صَاحِبَ الْمُغْرِبِ فَسَّرَ التَّقَاضِي بِطَلَبِ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ لِلَّفْظِ التَّقَاضِي لِكَوْنِهِ غَالِبًا عَلَى مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ الْأَصْلِيِّ كَمَا سَتَعْرِفُهُ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَا صَرَّحَ بِهِ عَامَّةُ ثِقَاتِ أَرْبَابِ اللُّغَةِ فِي كُتُبِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ كَوْنِ مَعْنَى التَّقَاضِي هُوَ الْأَخْذُ وَالْقَبْضُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّقَاضِي، فَفَسَّرَ الِاقْتِضَاءَ بِالْأَخْذِ عَلَى أَصْلِهِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعُرْفِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ اللُّغَةِ كَمَا عَرَفْته مِمَّا نَقَلْنَاهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْأَسَاسِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ حَيْثُ قَالَ: وَاقْتَضَى دَيْنَهُ وَتَقَاضَاهُ بِمَعْنًى فَتَدَبَّرْ (إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ) أَيْ بِخِلَافِ الْوَضْعِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ التَّقَاضِي الْقَبْضَ بَلْ يَفْهَمُونَ مِنْهُ الْمُطَالَبَةَ (وَهُوَ) أَيْ الْعُرْفُ (قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ) أَيْ رَاجِحٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ وَضْعَ الْأَلْفَاظِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ بَلْ يَفْهَمُونَ الْمَجَازَ، فَصَارَ الْمَجَازُ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ لِتَسَارُعِ أَفْهَامِ النَّاسِ إلَيْهِ (وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ) يَعْنِي فَتْوَى الْمَشَايِخِ الْيَوْمَ عَلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي الْقَبْضَ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفٌ وَهِيَ أَوْلَى مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ وَجْهٌ لِأَصْلِ الرِّوَايَةِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ أَوْ عَلَى الْعُرْفِ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ قَالُوا عَلَى الْعُرْفِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا النَّظَرُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ التَّقَاضِي غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ بَلْ هِيَ مَهْجُورَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ثِقَاتُ الْمَشَايِخِ كَالْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّقَاضِي فِي عُرْفِ دِيَارِنَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، كَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي دِيَارِنَا، وَجُعِلَ التَّقَاضِي مُسْتَعْمَلًا فِي الْمُطَالَبَةِ مَجَازًا لِأَنَّهُ سَبَبَ الِاقْتِضَاءِ وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ أَصْلٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ قَطُّ، فَلَوْ كَانَتْ الْحَقِيقَةُ فِي لَفْظِ التَّقَاضِي مُسْتَعْمَلَةً لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَطْعًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَشَايِخِ الْفَتْوَى عَلَى الْعُرْفِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ تَرْكُ أَصْلِ إمَامِهِمْ الْمُجْتَهِدِ، وَلَيْسَتْ وَظِيفَتُهُمْ إلَّا الْجَرَيَانُ عَلَى أَصْلِهِ الْكُلِّيِّ، وَإِنْ جَازَ لَهُمْ بَعْضٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ

قَالَ (فَإِنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا، وَاجْتِمَاعُهُمَا مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفُرُوعِ الْجُزْئِيَّةِ. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَدَارُ فَتْوَاهُمْ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ أَوْلَى مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ عِنْدَهُمَا. لِأَنَّا نَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَمِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ أَنْ لَا يَقَعَ خِلَافٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ: الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ كَانَ لِأَصْلِنَا الْمَذْكُورِ تَأْثِيرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ فِيهَا، عَلَى أَنَّ صَاحِبَ التَّلْوِيحِ قَالَ: وَفِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ إنَّمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمَا إذَا تَنَاوَلَ الْحَقِيقَةَ بِعُمُومِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الْحِنْطَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا تَمْشِيَةَ لِأَصْلِهِمَا الْمَذْكُورِ هَاهُنَا رَأْسًا، فَلَا مَجَالَ لَأَنْ يُجْعَلَ مَدَارُ الصِّحَّةِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَفَتْوَى الْمَشَايِخِ فَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالتَّقَاضِي كَانَ مُسْتَعْمَلًا عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الْأَوَائِلِ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، فَكَانَ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَمَّا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فِي الْوُكَلَاءِ وَجَرَى الْعُرْفُ عَلَى أَنْ جَعَلُوا التَّقَاضِيَ فِي التَّوْكِيلِ بِالتَّقَاضِي مُسْتَعْمَلًا فِي الْمُطَالَبَةِ مَجَازًا وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً أَفْتَى مَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِالِاتِّفَاقِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمُقَرَّرِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ أَوْلَى مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَقَامِ غُبَارٌ أَصْلًا. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (فَإِنْ كَانَا) أَيْ الرَّجُلَانِ (وَكِيلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا) أَيْ لَا يَقْبِضَانِ حَقَّ الْمُوَكِّلِ إلَّا مُجْتَمِعَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ (رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا) وَحْدَهُ (وَاجْتِمَاعُهُمَا مُمْكِنٌ) أَيْ اجْتِمَاعُ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى الْقَبْضِ مُمْكِنٌ شَرْعًا فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ قَابِضَيْنِ بِالتَّخْلِيَةِ بِلَا مَحْذُورٍ (بِخِلَافِ الْخُصُومَةِ) فَإِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَيْهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ شَرْعًا (عَلَى مَا مَرَّ) أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الشَّغْبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَيَّدَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ. وَهُوَ أَنَّ التَّوْكِيلَ إذَا وَقَعَ بِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ وَقَعَ بِالْقَبْضِ لَا غَيْرُ، وَإِذَا وَقَعَ التَّوْكِيلُ بِالتَّمَلُّكِ كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، كَذَا قَالُوا وَسَيَظْهَرُ حُكْمُ هَذَا الْأَصْلِ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ. وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ مَفْقُودِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا إنْ كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ الْقَاضِي كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دُيُونِ الْغَائِبِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ ثَمَرَةَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ (حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ (الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكَّلِ) أَيْ عَلَى اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ (أَوْ إبْرَائِهِ) أَيْ أَوْ عَلَى إبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ الْمَدْيُونَ عَنْ الدَّيْنِ (تُقْبَلُ عِنْدَهُ) أَيْ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا جَحَدَ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ وَأَرَادَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؟ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تُقْبَلُ (وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا) أَيْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ خَصْمًا (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُمَا

رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي فِي الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِالْقَبْضِ رِضًا بِهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، إذْ قَبْضُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ اسْتِيفَاءَ الْعَيْنِ حَقَّهُ مِنْ وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ) فَلَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ تَوْكِيلًا بِالْخُصُومَةِ (وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي فِي الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِالْقَبْضِ رِضًا بِهَا) أَيْ بِالْخُصُومَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (وَكَّلَهُ بِالتَّمَلُّكِ) أَيْ وَكَّلَ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ بِتَمَلُّكِ الْمَقْبُوضِ بِمُقَابِلَةِ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ قِصَاصًا (لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) لَا بِأَعْيَانِهَا (إذْ قَبَضَ الدَّيْنَ نَفْسَهُ) أَيْ قَبَضَ نَفْسَ الدَّيْنِ (لَا يُتَصَوَّرُ) لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ (إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ اسْتِيفَاءَ الْعَيْنِ حَقَّهُ مِنْ وَجْهٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا: يَعْنِي أَنَّ الدُّيُونَ وَإِنْ كَانَتْ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، إلَّا أَنَّ قَبْضَ الْمِثْلِ جُعِلَ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ حَقِّ الدَّائِنِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمَدْيُونُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَ تَمَلُّكًا مَحْضًا لَمَا أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا ظَفَرَ الدَّائِنُ بِجِنْسِ حَقِّهِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ: لَكِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ قَبْضَهُ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَضَاءُ دُيُونٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهَا، وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ تَوْكِيلًا بِالتَّمَلُّكِ كَانَ تَوْكِيلًا بِالِاسْتِقْرَاضِ، إذْ التَّوْكِيلُ بِقَبْضِ مِثْلِ مَالِ الْمُوَكِّلِ لَا عَيْنِ مَالِهِ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ، وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ امْتِنَاعَ التَّوْكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَجْعَلَ قَبْضَهُ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ لِجَوَازِ تَصْحِيحِ التَّوْكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يَجْعَلُهُ رِسَالَةً بِالِاسْتِقْرَاضِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزَةٌ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ، لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مَعْنًى، لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، فَمَا قَبَضَهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَهُ عَلَى الْغَرِيمِ مِثْلُهُ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ رِسَالَةٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ بِتَوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ إضَافَةِ الْقَبْضِ إلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا وَكَّلَنِي بِقَبْضِ مَالِهِ عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَا بُدَّ لِلرَّسُولِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ إضَافَةِ الْمُرْسِلِ بِأَنْ يَقُولَ: أَرْسَلَنِي فُلَانٌ إلَيْك يَقُولُ لَك أَقْرِضْنِي كَذَا، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّهُ يُضِيفُ إلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ أَقْرَضَنِي فَصَحَّ مَا ادَّعَيْنَاهُ أَنَّهُ رِسَالَةٌ مَعْنًى، وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزَةٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ قَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ الْمَزْبُورَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ، وَالْجَوَابُ غَيْرُ مُخَلِّصٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ رَسُولًا لَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ رَسُولٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَكُونَ خَصْمًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَسُولٌ

فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ هُنَالِكَ. وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاسْتِقْرَاضِ بِالنَّظَرِ إلَى قَبْضِ مِثْلِ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً وَوَكِيلٌ بِالتَّمَلُّكِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُقَاصَّةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَوْنُهُ خَصْمًا حُكْمٌ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا غُبَارَ عَلَى الْجَوَابِ (فَأَشْبَهَ) أَيْ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ (الْوَكِيلُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ خَصْمًا، فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُوَكِّلِ الشُّفْعَةَ تُقْبَلُ (وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى أَخْذِ الشُّفْعَةِ: أَيْ فَأَشْبَهَ أَيْضًا الْوَكِيلَ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالرُّجُوعِ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ الْوَاهِبَ أَخَذَ الْعِوَضَ تُقْبَلُ (وَالْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ: أَيْ فَأَشْبَهَ أَيْضًا الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ خَصْمٌ يُطَالِبُ بِحُقُوقِ الْعَقْدِ وَلَا يَرَى لِفَصْلِهِ عَمَّا قَبْلَهُ بِإِعَادَةِ لَفْظِ الْوَكِيلِ كَثِيرَ فَائِدَةٍ (وَالْقِسْمَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الشِّرَاءِ: أَيْ فَأَشْبَهَ أَيْضًا الْوَكِيلُ بِالْقِسْمَةِ. فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُقَاسِمَ مَعَ شَرِيكِهِ وَأَقَامَ الشَّرِيكُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ نَصِيبَهُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ (وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الشِّرَاءِ أَيْضًا: أَيْ فَأَشْبَهَ أَيْضًا الْوَكِيلُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ تُقْبَلُ (وَهَذِهِ) أَيْ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهَذَا: أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدِّينِ (أَشْبَهَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ) أَيْ أَشْبَهَ بِالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ مِنْهَا بِالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، كَذَا صَرَّحُوا بِهِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ قَدْ افْتَرَقُوا فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا وَتَبْيِينِ الْمُرَادِ بِالْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ هَاهُنَا فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَشْبَهَ بِالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا، لَكِنْ بِطَرِيقِ النَّقْلِ عَنْ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِعِبَارَتَيْنِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَشْبَهَ بِالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ مِنْهَا بِالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَشْبَهَ بِالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَيْ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَشْبَهَ بِمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْأُخَرِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَمْ تُوجَدْ الْمُبَادَلَةُ لَا تَثْبُتُ الْوِكَالَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ وَقَبْضِ الدَّيْنِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ أَيْضًا، وَلَكِنْ لَمْ يُعَيِّنُوا تِلْكَ الثَّلَاثَ الْأُخَرَ مِنْ بَيْنِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ وَجْهَ الْأَشْبَهِيَّةِ بِقَوْلِهِ (حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ حَتَّى يَكُونَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ خَصْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ (كَمَا يَكُونُ) أَيْ كَمَا يَكُونُ الْوَكِيلُ (خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ) أَيْ قَبْلَ أَخْذِ الْعَقَارِ (هُنَالِكَ) أَيْ فِي التَّوْكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ) فَافْتَرَقَا. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالذِّكْرِ هَاهُنَا يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، وَهَذِهِ أَشْبَهَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ هُوَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَشْبَهَ بِمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا بِالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَهَبَ إلَيْهِ فِرْقَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ، وَاخْتَرْنَاهُ أَيْضًا فِي شَرْحِنَا هُنَالِكَ بِنَاءً عَلَى هَذَا، وَلَكِنْ بَقِيَتْ شُبْهَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْوَكِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ لِمَا وُكِّلَ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ أَيْضًا لَا يَظْهَرُ لِتَخْصِيصِ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالذِّكْرِ وَجَعْلِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ إيَّاهَا فَقَطْ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ خَصْمًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ سِيَّمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالْقِسْمَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الشَّرِيكَ الْآخَرَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ الْوَكِيلُ

وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهَا فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا قَالَ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ، وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ (حَتَّى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ فَلَمْ تُعْتَبَرْ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقِسْمَةِ مَا وُكِّلَ بِتَقْسِيمِهِ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ نَصِيبَهُ مِنْهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، لَا يَظْهَرُ لِتَخْصِيصِ أَشْبَهِيَّةِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ بِالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَجْهٌ، إذْ يَصِيرُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ أَشْبَهَ بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ أَيْضًا مِنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَتَأَمَّلْ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى مَطْلَعِ نُكْتَةِ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمَلُّكِ (لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا) كَالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالتَّمَلُّكِ (أَصِيلٌ فِيهَا) أَيْ فِي الْحُقُوقِ (فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا) أَيْ فِي الْحُقُوقِ: يَعْنِي كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِتَمَلُّكِ مِثْلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَدْيُونِ وَذَلِكَ مُبَادَلَةٌ، وَالْمَأْمُورُ بِالْمُبَادَلَةِ يَكُونُ أَصِيلًا فِي حُقُوقِ الْمُبَادَلَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأَكْثَرِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّمَلُّكِ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ اهـ. فَعَلَيْك الِاخْتِبَارُ ثُمَّ الِاخْتِيَارُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنَّفِ هُنَا حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْمُبَادَلَةَ لَمْ تَقَعْ مِنْ الْوَكِيلِ بَلْ مِنْ مُوَكِّلِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَكِيلُ أَصِيلًا فِي حُقُوقِهَا. وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: الْمُبَادَلَةُ فِي التَّمَلُّكِ بِأَخْذِ الدَّيْنِ. قُلْنَا: ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بَعْدٌ فَتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِمُتَوَجِّهٍ، لِأَنَّ تَعَلُّقَ بَعْضِ الْحُقُوقِ بِشَيْءٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ وُقُوعِ الْأَخْذِ، فَكَذَا هَاهُنَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ أَشْبَهَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ هُنَالِكَ. ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُبَادَلَةً مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الدُّيُونِ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إلَّا أَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِعَيْنِ الْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ كَمَا مَرَّ، فَلِشَبَهِهِ بِالْمُبَادَلَةِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْخُصُومَةِ بِالْوَكِيلِ، وَلِشَبَهِهِ بِأَخْذِ عَيْنِ الْحَقِّ جَازَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ وُقُوعِ التَّمَلُّكِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ وَجَبَ أَنْ تَلْحَقَهُ الْعُهْدَةُ فِي الْمَقْبُوضِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُبَادَلَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ اسْتِيفَاءُ عَيْنِ الْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الدُّيُونِ مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ، فَلِشَبَهِهِ بِالْمُبَادَلَةِ جَعَلْنَاهُ خَصْمًا، وَلِشَبَهِهِ بِأَخْذِ الْعَيْنِ لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ فِي الْمَقْبُوضِ عَمَلًا بِهَا اهـ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا. وَلِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا فِي قَبْضِ الدَّيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْعَيْنِ (أَمِينٌ مَحْضٌ) حَيْثُ لَا مُبَادَلَةَ هَاهُنَا لِأَنَّهُ يَقْبِض عَيْنِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ (وَالْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْعَيْنِ (لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولُ، حَتَّى إنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ (فَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ) أَيْ فَأَقَامَ ذُو الْيَدِ (الْبَيِّنَةَ) عَلَى (أَنَّ الْمُوَكِّلِ بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ الْعَبْدَ (إيَّاهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (وَهَذَا) أَيْ وُقُوفُ الْأَمْرِ (اسْتِحْسَانٌ) أَيْ مُقْتَضَى الِاسْتِحْسَانِ (وَالْقِيَاسُ) أَيْ مُقْتَضَاهُ (أَنْ يَدْفَعَ) أَيْ الْعَبْدَ (إلَى الْوَكِيلِ) وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ (لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ (فَلَمْ تُعْتَبَرْ) أَيْ الْبَيِّنَةُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ) أَيْ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ نَفْسِهِ عَنْ الْعَبْدِ (لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ) أَيْ يَدُ الْوَكِيلِ: يَعْنِي يَصِيرُ أَثَرُ الْبَيِّنَةِ مُجَرَّدَ قَصْرِ يَدِهِ لَا إثْبَاتَ الْبَيْعِ (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْبَيْعُ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ (تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ) يَعْنِي لَوْ حَضَرَ

فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَزَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ كَذَا هَذَا . قَالَ (وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ) وَمَعْنَاهُ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ عَلَى الْعَتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمْ تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ اسْتِحْسَانًا دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوَكِّلُ لَا بُدَّ لِذِي الْيَدِ مِنْ إعَادَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْبَيْعِ فِي مَحْضَرِ الْمُوَكِّلِ، وَلَا يَكْتَفِي بِالْبَيِّنَةِ السَّابِقَةِ فِي إثْبَاتِ الْبَيْعِ لِعَدَمِ كَوْنِ الْوَكِيلِ خَصْمًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ (فَصَارَ) هَذَا (كَمَا إذَا أَقَامَ) أَيْ ذُو الْيَدِ (الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَزَلَهُ) أَيْ عَزَلَ الْوَكِيلَ (عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ التَّوْكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ (فَإِنَّهَا تُقْبَلُ) أَيْ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ هُنَاكَ (فِي قَصْرِ يَدِهِ) أَيْ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِهِ (كَذَا هَذَا) أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَالِارْتِهَانِ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْيَدِ الِارْتِهَانَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِهِ لَا فِي ثُبُوتِ الِارْتِهَانِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ (إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ) أَيْ وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ الْبَيِّنَةَ (عَلَى الْعَتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِقَامَةِ: أَيْ وَإِذَا أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمْ إلَى الْمُوَكِّلِ يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْوَكِيلُ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا الْمُوَكِّلِ نَقَلَهَا إلَيْهِ وَأَرَادَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ نَقْلَهُمَا إلَى مَوْلَاهُمَا الْمُوَكِّلِ قَبَضَهُمَا وَنَقَلَهُمَا إلَيْهِ، فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهَا عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، وَأَقَامَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمَا عَلَى أَنَّ مَوْلَاهُمَا أَعْتَقَهُمَا (فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ) أَيْ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهُمْ (حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ) أَيْ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ (اسْتِحْسَانًا) أَيْ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا قِيَاسًا فَلَا تُقْبَلُ لِقِيَامِهَا لِأَعْلَى خَصْمٍ (دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لَا قِيَاسًا وَلَا اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ خَصْمًا فِي قَصْرِ يَدِهِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ قَصْرِ يَدِهِ الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى الْغَائِبِ فَتُقْبَلُ فِي الْقَصْرِ دُونَ غَيْرِهِ. وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ: عَلَى الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَعَلَى قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ. فَفِي حَقِّ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمُوَكِّلِ قَامَتْ لِأَعْلَى خَصْمٍ، وَفِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ فَتُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِهِ لَا فِي حَقِّ إزَالَةِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي) مُتَعَلِّقٌ بِأَقَرَّ أَيْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي (جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ) أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ وَالْمُوَكِّلَ لِيَتَنَاوَلَ اسْمُ الْمُوَكِّلِ لِلْمُدَّعِي

وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِكَالَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهُ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ جَوَازُ إقْرَارِ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوَكِّلُهُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، سِوَى أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُوَكِّلِ، فَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعِي هُوَ أَنْ يُقِرَّ أَنَّ مُوَكِّلَهُ قَبَضَ هَذَا الْمَالَ وَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى مُوَكِّلِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَخُلَاصَةُ هَذَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِيَ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِالْقَبْضِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، أَوْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ (وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) أَيْ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا) وَقَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ جَازَ وَبِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فَتَأَمَّلْ (إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِكَالَةِ) فَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ. وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيُّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَبْطُلُ الْوِكَالَةُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ مُقْتَضَاهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ) أَيْ الْخُصُومَةُ (مُنَازَعَةٌ) وَمُشَاجَرَةٌ (وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهُ) أَيْ يُضَادُّ الْخُصُومَةَ الَّتِي هِيَ مُنَازَعَةٌ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِتَأْوِيلِ مَا أَمَرَ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ (مُسَالَمَةٌ) وَمُسَاعَدَةٌ (وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ، وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ عَدَمِ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ ضِدَّ ذَلِكَ الشَّيْءِ (لَا يَمْلِكُ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ (الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ) وَكَذَا لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ وَالْبَيْعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَافِي وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَا يُضَادُّ الْخُصُومَةَ (وَيَصِحُّ) أَيْ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ (إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ) بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزٍ الْإِقْرَارُ، أَوْ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُقِرَّ عَلَيَّ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلُ مَنْ يَقُولُ إنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ، فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ هُوَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَوْ كَانَ مَجَازًا لِمُطْلَقِ الْجَوَابِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ مِنْ التَّوْكِيلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخُصُومَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجَوَابِ إمَّا الْإِقْرَارُ أَوْ الْإِنْكَارُ لَا كِلَاهُمَا بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ فِي صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْجَوَابِ يَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِنْكَارِ لَا يَصِحُّ لِمَا قُلْنَا. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَيْسَ بِمَجَازٍ لِمُطْلَقِ الْجَوَابِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجَوَابِ إمَّا الْإِقْرَارُ أَوْ الْإِنْكَارُ لَا كِلَاهُمَا بِالِاتِّفَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجَوَابِ إمَّا الْإِقْرَارُ وَحْدَهُ أَوْ الْإِنْكَارُ وَحْدَهُ لَا مَا يَعُمُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ، فَلَا نُسَلِّمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، إذْ الْمُرَادُ مِنْ الْجَوَابِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَا يَعُمُّ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا وَمَشْرُوحًا سِيَّمَا مِنْ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ لَا مَجْمُوعِهِمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، إذْ لَا يَصِحُّ جَمْعُ الْإِنْكَارِ وَالْإِقْرَارِ مَعًا فِي جَوَابِ قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ حِينَئِذٍ قَوْلَهُ ثُمَّ فِي صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْجَوَابِ يَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ، إذْ اللَّازِمُ فِيهِمَا حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءُ الْجُزْئِيِّ مِنْ الْكُلِّيِّ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَوْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِنْكَارِ لَا يَصِحُّ لِمَا قُلْنَا لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا، إذْ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا. ثُمَّ أَقُولُ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ فَسَادُ مَا فِي كَلَامِ غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ فِي تَقْرِيرِ الْمَحَلِّ: وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، لِأَنَّ لَفْظَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِقْرَارَ، فَلَوْ تَنَاوَلَهُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ. وَصَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ اهـ. فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ أَنَّهَا أَمْرٌ جُزْئِيٌّ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ أَصْلًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ فَهُوَ لَا يُنَافِي تَعَدُّدَهَا مِنْ حَيْثُ الْأَفْرَادُ وَصِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ أَفْرَادِهَا مِنْهَا عِنْدَ التَّوْكِيلِ بِهَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمُقَامِ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَوْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ وَكَمَا لَوْ وُكِّلَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسْلِمَ الْمَبِيعَ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ الْمَقَامِ، وَلَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ حُقُوقِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ، وَكَمَا لَوْ وُكِّلَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسْلِمَ الْمَبِيعَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا لِأَنَّ عَدَمَ التَّنَاوُلِ إنَّمَا يُنَافِي صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ شَرْعًا هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ. نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِمَّنْ يَقُولُ بِجَوَازِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَا يَقُولُ بِكَوْنِ الْإِقْرَارِ مِنْ حُقُوقِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ، بَلْ يَقُولُ بِكَوْنِهِ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ كَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ حُجَّةً عَلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ الْكَاكِيَّ وَالشَّارِحَ الْعَيْنِيَّ جَعَلَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ: أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَقَرَّرَ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ بِمَا لَا حَاصِلَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ النَّاظِرِ فِي كَلَامِهِمَا. وَلَمَّا رَأَيْنَا تَفْصِيلَ ذَلِكَ إطْنَابًا مُمِلًّا أَعْرَضْنَا عَنْهُ، عَلَى أَنَّ مَآلَ مَا ذَكَرَهُ

وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَاكِيُّ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ، وَمَآلُ مَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي تَقْرِيرِهِ مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ عَرَفْت حَالَهُمَا (وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ) يَعْنِي الْإِنْكَارَ (إذْ الْعَادَةُ) فِي التَّوْكِيلِ (جَرَتْ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا) أَيْ فِي الْخُصُومَةِ (الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى) وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الْهِدَايَةِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُبْتَدَأَةٌ خِلَافِيَّةٌ، لَيْسَ إيرَادُهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ: يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْمُخْتَلِفَاتِ الْبُرْهَانِيَّةِ اهـ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ النَّقْلِ عَنْ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَكَانَ هَذَا سَهْوَ الْقَلَمِ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَظَنِّي أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ فَكَذَا فِيمَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ عَلَى وَجْهِ النَّتِيجَةِ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الصُّلْحَ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْمُوَكِّلِ الْإِقْرَارَ أَنْتَجَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ وَهُوَ الْإِنْكَارُ لَا بِجَوَابِ هُوَ مُسَالَمَةٌ وَهُوَ الْإِقْرَارُ، وَلِأَجْلِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ يَخْتَارُ فِي التَّوْكِيلِ بِخُصُومَةٍ الْأَهْدَى فِي الْخُصُومَةِ فَالْأَهْدَى، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِإِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ وَهُوَ الْإِنْكَارُ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ جَمِيعًا، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْخُصُومَةِ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ زُفَرُ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَالْإِقْرَارِ مُضَادَّةٌ، وَلِهَذَا صَرَّحَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الْمُطْلَقِ فَأَقَرَّ يَصِحُّ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الْمُطْلَقِ لَا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ، وَقَدْ تَحَيَّرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا لِلِاسْتِشْهَادِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَبِيلِ سَهْوِ الْقَلَمِ عَمَّا ظُنَّ أَنَّهُ مُرَادٌ بِذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ذَلِكَ الْإِمَامُ الَّذِي لَنْ تَسْمَحَ بِمِثْلِهِ الْأَدْوَارُ مَا دَارَ الْفَلَكُ الدُّوَّارُ، فَإِنَّ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ وَمَا ظَنَّهُ مُرَادًا بِذَلِكَ بَوْنًا بَعِيدًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، فَأَنَّى يَتَيَسَّرُ الْحَمْلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَهْوًا عَنْ الْآخَرِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ إمْكَانِ تَصْحِيحِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِإِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ. قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ وَهُوَ الْإِنْكَارُ. قُلْنَا: إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَضُرُّ بِتَصْحِيحِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِإِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُرَادُهُ قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا لَا يَتَقَيَّدُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا أَيْضًا بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ الْبُرْهَانِيَّةِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ. قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ جَمِيعًا، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْخُصُومَةِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ زُفَرُ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَالْإِقْرَارِ مُضَادَّةٌ. قُلْنَا: لِزُفَرَ أَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا أَنَّ الْأَمْرَ يَنْصَرِفُ إلَى جَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ، إذْ الْعَادَةُ فِي التَّوْكِيلِ جَرَتْ بِذَلِكَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى، وَالْوِكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَصَرَّحَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اتِّفَاقَ جَوَابِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَقْتَضِي اتِّحَادَ دَلِيلِهِمَا. قَوْلُهُ وَلِهَذَا صَرَّحَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الْمُطْلَقِ فَأَقَرَّ يَصِحُّ. قُلْنَا: لَا يَدُلُّ مَا صَرَّحَ بِهِ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَكِيلَ صَحِيحٌ قَطْعًا وَصِحَّتُهُ بِتَنَاوُلِهِ مَا يَمْلِكُهُ قَطْعًا وَذَلِكَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الْمُطْلَقِ فَأَقَرَّ يَصِحُّ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ حَتَّى زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَلَا يَتِمُّ مَطْلُوبُهُ. وَأَمَّا صِحَّةُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ فَمِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ هَاهُنَا بِحَذَافِيرِهِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْإِنْصَافُ أَنَّ كَوْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ خِلَافِيَّةٌ غَيْرُ مُورَدَةٍ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ كَمَا اخْتَارَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِ الْمُصَنِّفِ إذْ هُوَ بِصَدَدِ بَيَانِ أَدِلَّةِ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ، فَمَا الضَّرُورَةُ فِي شُرُوعِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى أَثْنَاءَ ذِكْرِ أَدِلَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا؟ فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ذُكِرَتْ هَاهُنَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ: يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الْمُطْلَقِ صَرِيحًا لَا يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ بَلْ يَتَقَيَّدُ بِجَوَابِ هُوَ خُصُومَةٌ وَهُوَ الْإِنْكَارُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى. فَكَيْفَ يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقُ الْجَوَابِ مَجَازًا. نَعَمْ مَسْأَلَةُ التَّوْكِيلِ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا أَيْضًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ الْبُرْهَانِيَّةِ فَلَا يَحْصُلُ بِهَا إلْزَامُ الْخَصْمِ. إلَّا أَنَّ ذِكْرَهَا هَاهُنَا مِنْ قَبِيلِ رَدِّ الْمُخْتَلَفِ عَلَى الْمُخْتَلِفِ، فَيَصِيرُ اسْتِشْهَادًا تَحْقِيقِيًّا عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلْزَامِيًّا. وَنَظِيرُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى فَتَدَبَّرْ. (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْكِيلَ) يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ الْمَعْهُودَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ (صَحِيحٌ قَطْعًا) أَيْ صَحِيحٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالْإِجْمَاعِ (وَصِحَّتُهُ بِتَنَاوُلِهِ مَا يَمْلِكُهُ قَطْعًا) أَيْ صِحَّةُ هَذَا التَّوْكِيلِ بِتَنَاوُلِهِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ قَطْعًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ تَصَرُّفٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ أَوْ شِرَائِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْلِمِ ضِمْنًا وَحُكْمًا لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا قَصْدًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْحَقُهُ اللُّوَّمُ وَالْإِثْمُ فِي ذَلِكَ. عَلَى أَنَّا نَقُولُ: إنَّ لِلْمُسْلِمِ وِلَايَةً فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ لِكَوْنِهِ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُهُ حُكْمُ التَّصَرُّفِ فِيمَا تَصَرَّفَ بِوِلَايَتِهِ. لَا يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَكِّلِ وِلَايَةٌ فِي كُلِّ الْأَفْرَادِ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمِنْ شَرْطِ الْوِكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي جَوَابِهِ الثَّانِي بَحْثٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّقْضَ اللَّازِمَ هَاهُنَا بِصِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يُؤَيِّدُهُ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَكِّلِ وِلَايَةٌ فِي كُلِّ الْأَفْرَادِ فَجَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ بَيْعُ الْخَمْرِ وَشِرَاؤُهَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا صِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ وَصِحَّتُهُ بِتَنَاوُلِهِ مَا يَمْلِكُهُ قَطْعًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَإِنْ اخْتَلَجَ فِي ذِهْنِك صِحَّةُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ فَتَذَكَّرْ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ اهـ. أَقُولُ: الَّذِي تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هُوَ قَوْلُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ بِصَدَدِ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ شَرْطِ الْوِكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّ هَذَا الْقَيْدَ وَقَعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْخَمْرِ، وَلَوْ وَكَّلَ بِهِ جَازَ عِنْدَهُ، وَمَنْشَأُ هَذَا التَّوَهُّمِ أَنْ جَعَلَ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِلْعَهْدِ: أَيْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ، وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَاهُ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ احْتِرَازًا عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَيَكُونَ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ وَهُوَ الْمُرَادُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَآلَ هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّقْصَ هَاهُنَا بَلْ يُؤَيِّدُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ (مُطْلَقُ الْجَوَابِ) الْمُتَنَاوِلِ لِلْإِنْكَارِ وَالْإِقْرَارِ جَمِيعًا (دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا) أَيْ دُونَ أَحَدِ

وَطَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيُصْرَفُ إلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ قَطْعًا؛ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَوَابَيْنِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ حَرَامًا لِأَنَّ خَصْمَهُ إنْ كَانَ مُحِقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِالْإِنْكَارِ فَلَا يُمْلَكُ الْمُعَيَّنُ مِنْهُمَا قَطْعًا فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ قَطْعًا بَلْ يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَحَيْثُ صَحَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عُلِمَ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَمْلُوكَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ الدَّاخِلِ تَحْتَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَطَرِيقُ الْمَجَازِ) أَيْ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَمُطْلَقِ الْجَوَابِ (مَوْجُودٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) عَلَى مَا سَيَأْتِي عَنْ قَرِيبٍ عِنْدَ بَيَانِ وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَيُصْرَفُ إلَيْهِ) أَيْ فَيُصْرَفُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَى التَّوْكِيلِ بِمُطْلَقِ الْجَوَابِ (تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ قَطْعًا) أَيْ تَحَرِّيًا لِصِحَّةِ كَلَامِ الْمُوَكِّلِ قَطْعًا، فَإِنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ يُصَانُ عَنْ الْإِلْغَاءِ. (وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) جَوَابٌ عَنْ مُسْتَشْهَدِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ: يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، بَلْ لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْضًا (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ (لَا يَمْلِكُهُ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ بَقَاءَ الْإِنْكَارِ عَيْنًا، وَقَدْ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ آنِفًا، كَذَا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، أَوْ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ لَا لِأَنَّهُ مِنْ الْخُصُومَةِ فَيَصِيرُ ثَابِتًا بِالْوِكَالَةِ حُكْمًا لَهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسْلِمَ الْمَبِيعَ، فَإِنَّ ذَاكَ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ كَذَا هَذَا، كَذَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ) يَعْنِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ

لِأَنَّ لِلتَّنْصِيصِ زِيَادَةَ دَلَالَةٍ عَلَى مِلْكِهِ إيَّاهُ؛ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوْلَى. وَعَنْهُ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَلَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الثَّانِي لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَيْهِ وَيُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ يَصِحُّ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ (لِأَنَّ لِلتَّنْصِيصِ) أَيْ لِتَنْصِيصِ الْمُوَكِّلِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (زِيَادَةُ دَلَالَةٍ عَلَى مِلْكِهِ إيَّاهُ) أَيْ عَلَى تَمَلُّكِهِ الْإِنْكَارَ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْإِنْكَارُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ مُحِقًّا، فَإِذَا نَصَّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّ خَصْمَهُ مُبْطِلٌ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْكَارُ (وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَيْ عِنْدَ إطْلَاقِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ (يُحْمَلُ عَلَى الْأَوْلَى) أَيْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى بِحَالِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ مُحَمَّدٍ (أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ) أَيْ فَصَلَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي اسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ فَصَحَّحَ اسْتِثْنَاءَهُ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الطَّالِبُ (وَلَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الثَّانِي) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (لِكَوْنِهِ) أَيْ لِكَوْنِ الْمَطْلُوبِ (مَجْبُورًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِقْرَارِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ، أَوْ عَلَى تَرْكِ الْإِنْكَارِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ: أَوْ يُقَالُ لِكَوْنِ الْمَطْلُوبِ شَخْصًا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْخُصُومَةِ (وَيُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِيهِ) أَيْ فِي أَصْلِ الْخُصُومَةِ فَلَهُ تَرْكُ أَحَدِ وَجْهَيْهَا، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ مِنْ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا كَانَ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ أَدَّى الِاسْتِثْنَاءُ فَائِدَتَهُ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ يَضْطَرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْإِقْرَارِ بِعَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ وَكِيلُهُ، إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ فَائِدَتَهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ مُجْمَلًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُدَّعِي قَدْ يَعْجِزُ عَنْ إثْبَاتِ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَدْ لَا يَضْطَرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْإِقْرَارِ بِعَرْضِ الْيَمِينِ لِكَوْنِهِ مُحِقًّا فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُفِيدًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مَجْبُورٌ عَلَى الْإِقْرَارِ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَهُوَ مُبْطِلٌ فَكَانَ مَجْبُورًا فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاؤُهُ مُقَيَّدًا فِيهِ، بِخِلَافِ الطَّالِبِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي كُلِّ حَالٍ فَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ مُفِيدًا إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُ الْمَطْلُوبِ مَجْبُورًا عَلَى الْإِقْرَارِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ احْتِمَالًا مَحْضًا مَوْقُوفًا عَلَى كَوْنِهِ مُبْطِلًا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي اسْتِثْنَائِهِ الْإِقْرَارَ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا احْتِمَالًا مَحْضًا، فَبِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ كَيْفَ يَجُوزُ إسَاءَةُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَإِلْغَاءُ كَلَامِ الْعَاقِلِ مَعَ وُجُوبِ حَمْلِ أَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَصِيَانَةِ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ؟ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الطَّالِبَ أَيْضًا قَدْ يَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى الْإِقْرَارِ لِأَنَّ إقْرَارَ الطَّالِبِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعٍ، إذَا الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارُ مُتَبَايِنَانِ. بَلْ مُتَضَادَّانِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ خَصْمِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّالِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى الْإِقْرَارِ، لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ أَنَّ

فَبَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَإِقْرَارُهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا إقْرَارُ نَائِبِهِ. وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ التَّوْكِيلَ يَتَنَاوَلُ جَوَابَ يُسَمَّى خُصُومَةً حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَالْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خُصُومَةٌ مَجَازًا، إمَّا لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّالِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَالِبٌ: أَيْ مُدَّعٍ يَصِحُّ مِنْهُ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ مُخَيَّرٌ، بِخِلَافِ الْمَطْلُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَطْلُوبٌ: أَيْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَجْبُورًا عَلَيْهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الطَّالِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَالِبٌ لَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الْإِقْرَارُ قَطُّ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ هُنَاكَ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ صِحَّتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْجَوَابَ مِنْ صُورَةِ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صُلْحُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ دَاعٍ إلَى الصُّلْحِ أَوْ إلَى الْإِبْرَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ مُجَوِّزُ الْمَجَازِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إفْضَاءَهَا إلَى الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَشَدَّ مِنْ إفْضَائِهَا إلَى الْإِقْرَارِ فَهُوَ مِثْلُهُ لَا مَحَالَةَ، وَأَيْضًا الْخُصُومَةُ وَالصُّلْحُ مُتَقَابِلَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الِاسْتِعَارَةُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ إمَّا بِلَا أَوْ بِنَعَمْ، وَالصُّلْحُ عَقْدٌ آخَرُ يَحْتَاجُ إلَى عِبَارَةٍ أُخْرَى خِلَافُ مَا وُضِعَ جَوَابًا، وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمُطْلَقِ الْجَوَابِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فَنَظَرُهُ الْأَوَّلُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إفْضَاءَ الْخُصُومَةِ إلَى الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ أَشَدُّ مِنْ إفْضَائِهَا إلَى الْإِقْرَارِ أَوْ مِثْلِ إفْضَائِهَا إلَيْهِ، كَيْفَ وَالْخَصْمُ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى الْإِقْرَارِ عِنْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ فَإِنَّ الْخَصْمَ لَا يُضْطَرُّ إلَيْهِمَا أَصْلًا بَلْ هُوَ مُخْتَارٌ فِيهِمَا مُطْلَقًا، عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَتَحَقَّقَانِ بِاخْتِيَارِ الْخَصْمِ فَقَطْ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ اخْتِيَارِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ مَعًا، وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ الْمُجِيبُ وَهُوَ الشَّارِحُ الْأَتْقَانِيُّ فِي تَقْرِيرِ جَوَابِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الصُّلْحِ فَنَقُولُ: إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صُلْحُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ دَاعٍ إلَى الصُّلْحِ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ ابْتِدَاءً يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِمَا اهـ (فَبَعْدَ ذَلِكَ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَأْخَذِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ: أَيْ بَعْدَمَا ثَبَتَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ أَوْ بَعْدَمَا ثَبَتَ جَوَازُ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ (يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ) فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ (إنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ) فَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يَمْلِكَ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لَهُ (وَإِقْرَارُهُ) أَيْ إقْرَارُ الْمُوَكِّلِ (لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ مَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ (فَكَذَا إقْرَارُ نَائِبِهِ) أَيْ هُوَ أَيْضًا لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ (وَهُمَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (يَقُولَانِ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ (أَنَّ التَّوْكِيلَ) أَيْ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ (يَتَنَاوَلُ جَوَابًا يُسَمَّى خُصُومَةً حَقِيقَةً) وَهُوَ الْإِنْكَارُ (أَوْ مَجَازًا) وَهُوَ الْإِقْرَارُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ، وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ مَجَازٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهِ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ الْخُصُومَةُ وَالْمَجَازَ وَهُوَ الْإِقْرَارُ، وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ خُصُومَةً مَجَازًا إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِخُصُومَةٍ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا مَجَازًا إذْ الْإِقْرَارُ إنَّمَا يَكُونُ خُصُومَةً مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوَابٌ، وَلَا جَوَابَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا إقْرَارَ يَكُونُ خُصُومَةً مَجَازًا فِي غَيْرِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْجَوَابُ الْمُوَكَّلِ بِهِ. ، ثُمَّ إنَّ طَرِيقَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوَابُ خُصُومَةٍ مَجَازًا كَمَا وَعَدَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَهُ فِيمَا مَرَّ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ (وَالْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خُصُومَةٌ مَجَازًا إمَّا لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ (خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ) جَوَابًا عَنْهَا فَسُمِّيَ بِاسْمِهَا كَمَا سُمِّيَ جَزَاءُ الْعُدْوَانِ عُدْوَانًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَكَمَا سُمِّيَ جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ

أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَسْرَارِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَكَانَ مُجَوِّزُهُ التَّضَادَّ وَهُوَ مُجَوِّزٌ لُغَوِيٌّ لِمَا قَرَّرْنَا فِي التَّقْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُجَوِّزًا شَرْعِيًّا. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُجَوِّزَهُ الْمُشَاكَلَةُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْمُشَاكَلَةِ وَيُتْقِنُ النَّظَرَ فِي مَبَاحِثِهَا أَنَّ الْمُشَاكَلَةَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا غَرَّهُ تَمْثِيلُهُمْ مَا نَحْنُ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلَكِنَّ جَوَازَ الْمُشَاكَلَةِ أَيْضًا فِي ذَيْنِك الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ النَّظْمِ الشَّرِيفِ لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، تَأَمَّلْ تَقِفْ (أَوْ لِأَنَّهُ) أَيْ الْخُصُومَةُ عَلَى تَأْوِيلِ التَّخَاصُمِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْ لِأَنَّهَا (سَبَبٌ لَهُ) أَيْ لِإِقْرَارٍ، وَقَدْ سُمِّيَ الْمُسَبَّبُ بِاسْمِ السَّبَبِ كَمَا يُقَالُ صَلَاةُ الْعِيدِ سُنَّةٌ مَعَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِالسُّنَّةِ، وَكَمَا يُسَمَّى جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ فَكَانَ الْمُجَوِّزُ السَّبَبِيَّةَ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهُوَ مُجَوِّزٌ شَرْعِيٌّ نَظِيرُ الِاتِّصَالِ الصُّورِيِّ فِي اللُّغَوِيِّ كَمَا عُرِفَ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ) أَيْ إتْيَانُ الْخَصْمِ (بِالْمُسْتَحَقِّ) فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ سَبَبًا لَهُ حَيْثُ أَفْضَى إلَيْهِ ظَاهِرًا، كَذَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَاخْتَارَهُ الْعَيْنِيُّ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ. وَقِيلَ هُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَالْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خُصُومَةٌ مَجَازًا بِمُلَاحَظَةِ الْقَصْرِ فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ: يَعْنِي لَا الْإِقْرَارُ فِي غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَيُشْعِرُ بِهِ تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ إلَخْ فَتَفَكَّرْ (وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَحَقُّ (الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) لَا غَيْرُ (فَيَخْتَصُّ بِهِ) أَيْ فَيَخْتَصُّ جَوَابُ الْخُصُومَةِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ بَدَلٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ أَوْ فِي تَأْدِيَةٍ لِلْمَقْصُودِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إلَخْ لِتَطَرُّقِ الْمَنْعِ عَلَى دَعْوَى الْوُجُوبِ، وَسَنَدُهُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ مِنْ الشَّارِحِ حَيْثُ بَيَّنَ حُكْمَهَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى زَعْمِ أَنَّ ضَمِيرَ " عَلَيْهِ " وَ " إتْيَانُهُ " فِي قَوْلِهِ " لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ " رَاجِعٌ إلَى الْوَكِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَكِيلٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْخَصْمِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ حَقِيقَةً، وَإِنْ عُدَّ الْوَكِيلُ أَيْضًا خَصْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَالْوُجُوبُ هَاهُنَا يَصِيرُ حُكْمُ الْخُصُومَةِ لَا حُكْمُ الْوِكَالَةِ، وَوُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ بِمَا لَا يَقْبَلُ الْمَنْعَ قَطْعًا، وَمَا مَرَّ مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ وَهُوَ جَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ حُكْمُ الْوِكَالَةِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْوُجُوبِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا حُكْمُ الْخُصُومَةِ فَلَا يَكَادُ يَصْلُحُ سَنَدًا لِمَنْعِ ذَلِكَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِ مَا بَاشَرَهُ

لَكِنْ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَخْرُجُ مِنْ الْوِكَالَةِ حَتَّى لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِضًا وَصَارَ كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوِكَالَةِ كَمَا قَالُوا كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا فَحُقُوقُهُ تَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ مَعَ إطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْوِكَالَةِ جَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ. فَالتَّوْفِيقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْوُجُوبَ حُكْمُ مَا بَاشَرَهُ، وَالْجَوَازُ حُكْمُ أَصْلِ الْوِكَالَةِ فَلَا تَغْفُلْ (لَكِنْ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ عَلَى إقْرَارِ الْوَكِيلِ (فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَخْرُجُ مِنْ الْوِكَالَةِ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ جَوَابًا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوِكَالَةِ، وَمَعْنَاهُ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي خَرَجَ مِنْ الْوِكَالَةِ (حَتَّى لَا يُؤْمَرَ) أَيْ لَا يُؤْمَرَ الْخَصْمُ (بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ (لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِضًا) فِي كَلَامِهِ حَيْثُ كَذَّبَ نَفْسَهُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَالْمُنَاقِضُ لَا دَعْوَى لَهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: حَتَّى لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى وَكِيلًا بِمُطْلَقِ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ بَقِيَ وَكِيلًا بَقِيَ وَكِيلًا بِجَوَابٍ مُقَيَّدٍ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَمَا وَكَّلَهُ بِجَوَابٍ مُقَيَّدٍ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا انْتَهَى (وَصَارَ) أَيْ صَارَ الْوَكِيلُ الْمُقِرُّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ (كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ) أَيْ أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) فَإِنَّهُ (لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) ، بَيَانُ أَنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا ادَّعَى شَيْئًا لِلصَّغِيرِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ فَإِنَّ إقْرَارَهُمَا لَا يَصِحُّ (وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْمَالِ بِسَبَبِ إقْرَارِهِمَا بِمَا قَالَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، كَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ، وَالْأَحْسَنُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إذَا أَقَرَّا عَلَى الْيَتِيمِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا لِزَعْمِهِمَا بُطْلَانَ حَقِّ الْآخِذِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّغِيرِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ آخَرَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْإِنْكَارِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَصِيرُ وَكِيلًا بِالْإِقْرَارِ أَيْضًا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. الثَّانِي أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْإِنْكَارِ، لِأَنَّ بِاسْتِثْنَاءِ الْإِقْرَارِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَكِيلَ مَا يَتَنَاوَلُ نَفْسَ الْجَوَابِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ جَوَابًا مُقَيَّدًا بِالْإِنْكَارِ، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ. وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ وِكَالَةِ الْأَصْلِ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ مِنْ الطَّالِبِ يَصِحُّ وَمِنْ الْمَطْلُوبِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. الثَّالِثِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِنْكَارِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْإِقْرَارِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ. الرَّابِعِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ جَائِزَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ وَالْإِقْرَارِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَارِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا، وَلَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ عِنْدَنَا، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْوِكَالَةِ بِالصُّلْحِ. الْخَامِسِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلَا رِوَايَةَ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ: بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ أَصْلًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيلٌ بِجَوَابِ الْخُصُومَةِ، وَجَوَابُ الْخُصُومَةِ إقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ، فَإِذَا اسْتَثْنَى كِلَاهُمَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ شَيْئًا. وَحَكَى عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ صَاعِدٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ فَوَكَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِقَبْضِهِ عَنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ أَبَدًا) لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَصِيرُ الْوَكِيلُ وَكِيلًا بِالسُّكُوتِ مَتَى حَضَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ حَتَّى يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهَذَا الْقَدْرِ لِأَنَّ مَا هُوَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ وَهُوَ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ بِوَاسِطَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَحْصُلُ بِهِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الذَّخِيرَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ جُعِلَ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ مَجَازًا بِالِاجْتِهَادِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ . (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ فَوَكَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الْمَالِ (عَنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ وَكِيلًا فِي قَبْضِ الْمَالِ عَنْ الْغَرِيمِ (أَبَدًا) أَيْ لَا بَعْدَ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ وَلَا قَبْلَهَا، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَمْ يَهْلِكْ عَلَى الْمُوَكِّلِ، أَمَّا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَصِحَّ حَالَ التَّوْكِيلِ لِمَا سَيَذْكُرُ لَمْ تَنْقَلِبْ صَحِيحَةً كَمَنْ كَفَلَ لِغَائِبٍ فَأَجَازَهَا بَعْدَمَا بَلَغَتْهُ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ الْقَبُولِ فَلَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً، وَأَمَّا قَبْلَ الْبَرَاءَةِ فَلِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْكَفِيلُ لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ (وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا) أَيْ وَلَوْ صَحَّحْنَا الْوِكَالَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (صَارَ) أَيْ صَارَ الْوَكِيلُ (عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ) لِأَنَّ قَبْضَهُ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَبِقَبْضِهِ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْكَفِيلِ فَكَذَا بِقَبْضِ وَكِيلِهِ (فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ) أَيْ رُكْنُ الْوِكَالَةِ وَهُوَ الْعَمَلُ لِلْغَيْرِ فَانْعَدَمَ عَقْدُ الْوِكَالَةِ لِانْعِدَامِ رُكْنِهِ وَصَارَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا كَالْمُحْتَالِ إذَا وَكَّلَ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِمَا قُلْنَا. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ هَذَا بِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا وُكِّلَ الْمَدْيُونُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ نَفْسِهِ سَاعِيًا فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ. قُلْنَا: ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ الطَّالِبِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ فَكَانَ لِلْمَنْعِ فِيهِ مَجَالٌ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَنَقُولُ: إنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا نَقْضًا لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي التَّوْكِيلِ لَا فِي التَّمْلِيكِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأَكْثَرِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، أَمَّا فِي الْمَنْعِيِّ فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَيْفَ يَصْلُحُ لِلْمُعَارَضَةِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ حَتَّى يَكُونَ لِلْمَنْعِ فِيهِ مَجَالٌ، وَأَمَّا فِي التَّسْلِيمِيِّ فَلِأَنَّ النَّقْضَ لَيْسَ بِنَفْسِ الْإِبْرَاءِ بَلْ بِالتَّوْكِيلِ بِالْإِبْرَاءِ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ كَلَامَنَا فِي التَّوْكِيلِ لَا فِي التَّمْلِيكِ عَلَى أَنَّ الْمَنْقُوضَ هَاهُنَا لَيْسَ نَفْسَ الْمَسْأَلَةِ بَلْ دَلِيلَهَا الْمَذْكُورَ فَإِنَّهُ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي صُورَةِ تَوْكِيلِ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ هُنَاكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُمْ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِبْرَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ تَمْلِيكٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا صُورَةً، وَكَلَامُنَا فِي التَّوْكِيلِ الْحَقِيقِيِّ لَا فِيمَا هُوَ تَوْكِيلٌ صُورَةً تَمْلِيكٌ حَقِيقَةً، وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا إنَّمَا يَجْرِي فِي التَّوْكِيلِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَكِيلِ عَامِلًا لِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ، وَيَمِيلُ إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: الدَّائِنُ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الدَّيْنِ يَصِحُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ نَفْسِهِ سَاعِيًا فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ. قُلْنَا: إنَّمَا يَصِحُّ ثَمَّةَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَمَا قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك انْتَهَى فَتَأَمَّلْ. قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ عَنْ الْكَافِي: قُلْت لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَقْتَصِرُ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضَ هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا لَمَا ارْتَدَّ بِالرَّدِّ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ حَيْثُ قِيلَ: إنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ وَجَوَابَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ عَلَى نَهْجِ مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي بِنَوْعِ تَغْيِيرِ عِبَارَةٍ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ الدَّائِنُ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونَ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الدَّيْنِ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ سَاعِيًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ. قُلْنَا ذَلِكَ تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اهـ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلدَّيْنِ فَمَمْنُوعٌ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْإِبْرَاءِ كَمَا فِي طَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ، فَالتَّوْكِيلُ أَيْضًا تَمْلِيكٌ لِلتَّصَرُّفِ الْمُوَكَّلِ بِهِ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ الدَّرْسِ السَّابِقِ أَيْضًا اهـ. أَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ شِقَّيْ تَرْدِيدِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِسُقُوطِ مَنْعِ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا لِلدَّيْنِ بَلْ كَانَ إسْقَاطُهُ لَهُ لَمَّا ارْتَدَّ بِالرَّدِّ، فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ يَتَلَاشَى لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشُّرَّاحُ بِقَوْلِهِمْ: الْإِبْرَاءُ تَمْلِيكٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِسُقُوطِ نَقْضِ ذَلِكَ بِالتَّوْكِيلِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى مَا مَرَّ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ إقَامَةُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ إنَابَةٌ مَحْضَةٌ لَا تَمْلِيكُ شَيْءٍ أَصْلًا. فَقَوْلُهُ فَالتَّوْكِيلُ أَيْضًا تَمْلِيكٌ لِلتَّصَرُّفِ الْمُوَكَّلِ بِهِ كَمَا عُلِمَ فِي الدَّرْسِ السَّابِقِ أَيْضًا سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ لَمْ يُعْلَمْ قَطُّ لَا فِي الدَّرْسِ السَّابِقِ وَلَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ التَّوْكِيلَ تَمْلِيكُ شَيْءٍ، بَلْ هُمْ مُصَرِّحُونَ بِكَوْنِهِ مُقَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى سِيَّمَا فِي بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ. ثُمَّ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وِكَالَةُ الْكَفِيلِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِرَبِّ الدِّينِ قَصْدًا، وَعَمَلُهُ لِنَفْسِهِ كَانَ وَاقِعًا فِي ضِمْنِ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ، وَالضِّمْنِيَّاتُ قَدْ لَا تُعْتَبَرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ أَصْلٌ، إذْ الْأَصْلُ أَنْ يَقَعَ تَصَرُّفُ كُلِّ عَامِلٍ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ. وَقِيلَ لَمَّا اسْتَوَيَا فِي جِهَةِ الْأَصَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ الْكَفَالَةُ بِالْوِكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ كَانَتْ طَارِئَةً عَلَى الْكَفَالَةِ فَكَانَتْ نَاسِخَةً لِلْكَفَالَةِ، كَمَا إذَا تَأَخَّرَتْ الْكَفَالَةُ عَنْ الْوِكَالَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ نَاسِخَةً لِلْوِكَالَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ الْمَحْبُوبِيَّ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ضَمِنَ الْمَالَ لِلْمُوَكِّلِ يَصِحُّ الضَّمَانُ وَتَبْطُلُ الْوِكَالَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَصْلُحُ نَاسِخَةً لِلْوِكَالَةِ وَمُبْطِلَةً لَهَا لَا عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ لَا بِمَا هُوَ دُونَهُ، وَالْوِكَالَةُ دُونَ

وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوِكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا لَا يُقْبَلُ لِكَوْنِهِ مُبَرِّئًا نَفْسَهُ فَيَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدٍ مَدْيُونٍ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ حَتَّى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَيُطَالَبُ الْعَبْدُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الْمَالِ عَنْ الْعَبْدِ كَانَ بَاطِلًا لِمَا بَيَّنَّاهُ . قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ خَالِصُ مَالِهِ (فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَفَالَةِ فِي الرُّتْبَةِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْكَفِيلُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْوِكَالَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْوِكَالَةُ نَاسِخَةً لِلْكَفَالَةِ وَإِنْ جَازَ عَكْسُهُ (وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ) أَيْ قَبُولَ قَوْلِ الْوَكِيلِ (مُلَازِمٌ لِلْوِكَالَةِ) هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوِكَالَةَ تَسْتَلْزِمُ قَبُولَ قَوْلِ الْوَكِيلِ (لِكَوْنِهِ أَمِينًا، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا) أَيْ لَوْ صَحَّحْنَا الْوِكَالَةَ هَاهُنَا (لَا يُقْبَلُ) أَيْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ (لِكَوْنِهِ مُبَرِّئًا نَفْسَهُ) عَمَّا لَزِمَهُ بِحُكْمِ كَفَالَتِهِ فَانْتَفَى اللَّازِمُ وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِهِ (فَيَنْعَدِمُ) أَيْ التَّوْكِيلُ الَّذِي هُوَ الْمَلْزُومُ (بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ) الَّذِي هُوَ قَبُولُ قَوْلِهِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ فَيَلْزَمُ عَدَمُهُ حَالَ فَرْضِ وُجُودِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَعْدُومٌ (وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدٍ مَدْيُونٍ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ مَسْأَلَتِنَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ عَبْدٍ مَدْيُونٍ أَوْ بُطْلَانُ الْوِكَالَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرُ بُطْلَانِهَا فِي عَبْدٍ مَدْيُونٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَنَظِيرُهُ عَبْدٌ مَدْيُونٌ (أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ حَتَّى ضَمِنَ قِيمَتَهُ) أَيْ ضَمِنَ الْمَوْلَى قَدْرَ قِيمَةِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا (لِلْغُرَمَاءِ وَيُطَالَبُ الْعَبْدُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ) أَيْ فَلَوْ وَكَّلَ الْمَوْلَى الطَّالِبُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ (بِقَبْضِ الْمَالِ عَنْ الْعَبْدِ كَانَ بَاطِلًا) أَيْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا (لِمَا بَيَّنَّاهُ) مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهَاهُنَا لَمَّا كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا لِقِيمَةِ الْعَبْدِ كَانَ فِي مِقْدَارِهَا عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُبَرِّئُ بِهِ نَفْسَهُ فَكَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ) أَيْ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ (فِي قَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ) أَيْ الْمَدْيُونُ (أُمِرَ) أَيْ الْغَرِيمُ (بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى مُدَّعِي الْوِكَالَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْغَرِيمِ إيَّاهُ (إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ خَالِصُ مَالِهِ) أَيْ لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْمَدْيُونُ خَالِصُ مَالِ الْمَدْيُونِ، إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَتَقَرَّرَ، فَمَا أَدَّاهُ الْمَدْيُونُ مِثْلَ مَالِ رَبِّ الدَّيْنِ لَا عَيْنَهُ، فَكَانَ تَصْدِيقُهُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ أُمِرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمَقَرِّ لَهُ (فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ) أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ

فَصَدَّقَهُ وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ حَيْثُ أَنْكَرَ الْوِكَالَةَ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَفْسُدُ الْأَدَاءُ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ) لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الدَّفْعِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَحْصُلْ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضُهُ (وَإِنْ كَانَ) ضَاعَ (فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ وَهُوَ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْوَكِيلُ فِيهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ (دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ (الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ رَبِّ الدَّيْنِ حَقَّهُ (حَيْثُ أَنْكَرَ الْوِكَالَةَ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ) أَيْ الْقَوْلُ فِي إنْكَارِ الْوِكَالَةِ قَوْلُ رَبِّ الدَّيْنِ (مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ ثَابِتًا وَالْمَدْيُونُ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ سُقُوطُ الدَّيْنِ بِأَدَائِهِ إلَى الْوَكِيلِ وَرَبُّ الدَّيْنِ يُنْكِرُ الْوِكَالَةَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ (فَيَفْسُدُ الْأَدَاءُ) أَيْ يَفْسُدُ الْأَدَاءُ إلَى مُدَّعِي الْوِكَالَةِ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْمَدْيُونِ فَيَجِبُ الدَّفْعُ ثَانِيًا إلَى رَبِّ الدَّيْنِ (وَيَرْجِعُ بِهِ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْمَدْيُونُ بِمَا دَفَعَهُ أَوَّلًا (عَلَى الْوَكِيلِ) أَيْ عَلَى مُدَّعِي الْوِكَالَةِ (إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ) أَيْ إنْ كَانَ مَا دَفَعَهُ إلَى الْوَكِيلِ بَاقِيًا فِي يَدِهِ (لِأَنَّ غَرَضَهُ) أَيْ غَرَضَ الْمَدْيُونِ (مِنْ الدَّفْعِ) أَيْ مِنْ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ (بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ) مِنْ الدَّيْنِ (وَلَمْ تَحْصُلْ) أَيْ لَمْ تَحْصُلْ الْبَرَاءَةُ (فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَهُ) أَيْ فَلِلْمَدْيُونِ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَ الْوَكِيلِ (وَإِنْ كَانَ ضَاعَ) أَيْ إنْ كَانَ مَا دَفَعَهُ إلَى الْوَكِيلِ ضَاعَ (فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ) أَيْ الْمَدْيُونُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَدْيُونَ (بِتَصْدِيقٍ) أَيْ بِتَصْدِيقِ الْوَكِيلِ (اعْتَرَفَ أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ) وَالْمُحِقُّ فِي الْقَبْضِ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَدْيُونُ (مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ) أَيْ فِي الْأَخْذِ الثَّانِي، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ " وَهُوَ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ " مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ " أَنَّ " فِي قَوْلِهِ " اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ " فَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَدْيُونَ بِتَصْدِيقِ الْوَكِيلِ اعْتَرَفَ أَيْضًا أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ الثَّانِي (وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ) فَلَا يَأْخُذُ الْمَدْيُونُ مِنْ الْوَكِيلِ بَعْدَ الْإِهْلَاكِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ بَاقِيَةً أَيْضًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً أَمْكَنَ نَقْضُ الْقَبْضِ فَيَرْجِعُ بِنَقْضِهِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَلَمْ يُمْكِنْ نَقْضُهُ فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْمُحِقَّ فِي الْقَبْضِ كَمَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً لَا يَتَيَسَّرُ نَقْضُ قَبْضِهِ أَيْضًا بِلَا رِضَاهُ فَكَيْفَ يَرْجِعُ بِنَقْضِهِ وَإِنَّ الْمَظْلُومَ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ ابْتِدَاءً كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّلَ إلَيْهِ بِوَسِيلَةٍ كَنَقْضِ الْقَبْضِ هَاهُنَا فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. فَالْجَوَابُ الْوَاضِحُ أَنَّ الْوَكِيلَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا فِي الْقَبْضِ عَلَى زَعْمِ الْمَدْيُونِ إلَّا أَنَّ قَبْضَهُ لَمْ يَكُنْ لِنَفْسِهِ أَصَالَةً، بَلْ كَانَ لِأَجْلِ الْإِيصَالِ إلَى مُوَكِّلِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مَا قَبَضَهُ مِلْكَ نَفْسِهِ، فَإِذَا أَخَذَ الدَّائِنُ مِنْ الْمَدْيُونِ ثَانِيًا وَلَوْ كَانَ ظُلْمًا فِي زَعْمِ الْمَدْيُونِ لَمْ يَبْقَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ إيصَالِ مَا قَبَضَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لِوُصُولِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ إلَى نَفْسِهِ مِنْ الْغَرِيمِ، فَإِنْ كَانَ عَيْنُ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ بَاقِيًا فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُ الْمَدْيُونِ عَلَيْهِ ظُلْمًا لَهُ أَصْلًا لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ نَفْسِهِ بَلْ كَانَ مَقْبُوضًا لِأَجْلِ الْإِيصَالِ إلَى مُوَكِّلِهِ؛ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الْإِيصَالِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلِلْمَدْيُونِ نَقْضُ قَبْضِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ حُصُولِ غَرَضِهِ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَيْنُ مَا قَبَضَهُ هَالِكًا، فَإِنَّ مَا قَبَضَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ يَدَهُ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ عَلَى زَعْمِ الْمَدْيُونِ حَيْثُ صَدَّقَهُ فِي الْوِكَالَةِ، وَتَضْمِينُ الْأَمِينِ ظُلْمٌ لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَلَهُ أَلْفٌ آخَرُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَاقْتَسَمَا

قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمَا، وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ فَتَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ، وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوِكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ، فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوِكَالَةِ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَلْفَ الْعَيْنَ نِصْفَيْنِ فَادَّعَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنَّ الْمَيِّتَ اسْتَوْفَى مِنْهُ الْأَلْفَ مِنْ حَيَاتِهِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَالْمُكَذِّبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةِ وَيَرْجِعُ بِهَا الْغَرِيمُ عَلَى الْمُصَدِّقِ وَهُوَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُكَذِّبَ ظَلَمَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ فَظَلَمَ هُوَ الْمُصَدِّقَ بِالرُّجُوعِ بِمَا أَخَذَ الْمُكَذِّبُ. وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ زَعَمَ أَنَّهُ بَرِئَ عَنْ جَمِيعِ الْأَلْفِ، وَإِلَّا أَنَّ الِابْنَ الْجَاحِدَ ظَلَمَهُ، وَمِنْ ظَلَمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ، وَمَا أَخَذَهُ الْجَاحِدُ دَيْنٌ عَلَى الْجَاحِدِ وَدَيْنُ الْوَارِثِ لَا يُقْضَى مِنْ التَّرِكَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُصَدِّقَ أَقَرَّ عَلَى أَبِيهِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالِاسْتِيفَاءِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهِمَا فَإِذَا كَذَّبَهُ الْآخَرُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ الْبَرَاءَةُ إلَّا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ فَبَقِيَتْ خَمْسُمِائَةٍ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُصَدِّقِ فَيَأْخُذُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِرْثِ حَتَّى يُسْتَوْفَى، لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ، وَإِلَى هُنَا كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ (قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي الْبِدَايَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ: يَعْنِي إذَا ضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ، وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، فَفِي التَّشْدِيدِ كَانَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِي ضَمَّنَهُ مُسْنَدًا إلَى الْمَدْيُونِ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ رَاجِعًا إلَى الْوَكِيلِ، وَفِي التَّخْفِيفِ عَلَى الْعَكْسِ، فَإِنَّ مَعْنَى التَّشْدِيدِ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمَدْيُونُ الْوَكِيلَ ضَامِنًا عِنْدَ دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اضْمَنْ لِي مَا دَفَعْته إلَيْك عَنْ الطَّالِبِ، حَتَّى لَوْ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنِّي مَالَهُ آخُذُ مِنْك مَا دَفَعْته إلَيْك، وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ هُوَ أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمَدْيُونِ أَنَا ضَامِنٌ لَك إنْ أَخَذَ مِنْك الطَّالِبُ ثَانِيًا فَأَنَا أَرُدُّ عَلَيْك مَا قَبَضْته مِنْك. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَرْجِعُ الْمَدْيُونُ عَلَى الْوَكِيلِ (لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ) مِنْهُ (ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ (فِي زَعْمِهِمَا) أَيْ فِي زَعْمِ الْوَكِيلِ وَالْمَدْيُونِ، لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ فِي حَقِّهِمَا غَاصِبٌ فِيمَا يَقْبِضُهُ ثَانِيًا (وَهَذِهِ) أَيْ هَذِهِ الْكَفَالَةُ (كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ) أَيْ إلَى حَالَةِ قَبْضِ رَبِّ الدَّيْنِ ثَانِيًا (فَتَصِحُّ) أَيْ فَتَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ لِإِضَافَتِهَا إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ قَبْضُ رَبِّ الدَّيْنِ فَصَارَتْ (بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ) أَيْ بِمَا يَذُوبُ: أَيْ يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ، وَقَدْ مَرَّ تَقْدِيرُهُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ، فَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَفَالَةً أُضِيفَتْ إلَى حَالِ وُجُوبٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ الْوَكِيلَ (عَلَى الْوِكَالَةِ) يَعْنِي وَلَمْ يَكْذِبْهُ أَيْضًا بَلْ كَانَ سَاكِتًا، لِأَنَّ فَرْعَ التَّكْذِيبِ سَيَأْتِي عَقِيبَ هَذَا (وَدَفَعَهُ إلَيْهِ) أَيْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ (عَلَى ادِّعَائِهِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مُجَرَّدِ دَعْوَى الْوَكِيلِ (فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْغَرِيمَ (لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (عَلَى الْوِكَالَةِ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ) أَيْ عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُجِيزَهُ صَاحِبُ الْمَالِ. (فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ) أَيْ رَجَاءُ الْغَرِيمِ بِرُجُوعِ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَيْهِ (رَجَعَ عَلَيْهِ) أَيْ رَجَعَ الْغَرِيمُ أَيْضًا عَلَى الْوَكِيلِ (وَكَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ)

عَلَى تَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فِي الْوِكَالَةِ. وَهَذَا أَظْهَرُ لِمَا قُلْنَا، وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ، إمَّا ظَاهِرًا أَوْ مُحْتَمَلًا فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ غَرَضِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا دَفَعَ الْغَرِيمُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ (عَلَى تَكْذِيبِهِ) أَيْ عَلَى تَكْذِيبِ الْغَرِيمِ (إيَّاهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (فِي الْوِكَالَةِ) أَيْ فِي دَعْوَى الْوِكَالَةِ (وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ رُجُوعِ الْمَدْيُونِ عَلَى الْوَكِيلِ فِي صُورَةِ التَّكْذِيبِ (أَظْهَرُ) أَيْ أَظْهَرُ مِنْ جَوَازِ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَهُمَا صُورَةُ التَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ وَصُورَةُ السُّكُوتِ، لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ عَلَيْهِ فِي تِينِك الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيهِمَا فَلَأَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ كَذَّبَهُ فِيهَا أَوْلَى بِالطَّرِيقِ لِأَنَّهُ إذَا كَذَّبَهُ صَارَ الْوَكِيلُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ قَطْعًا (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَكِنَّهُ دَلِيلُ الرُّجُوعِ لَا دَلِيلُ الْأَظْهَرِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) يَعْنِي الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ دَفْعُهُ مَعَ التَّصْدِيقِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ. وَدَفْعُهُ بِالتَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ، وَدَفْعُهُ سَاكِتًا مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ وَلَا تَكْذِيبٍ، وَدَفْعُهُ مَعَ التَّكْذِيبِ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْغَرِيمِ (أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ، إمَّا ظَاهِرًا) وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّصْدِيقِ (أَوْ مُحْتَمَلًا) وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّكْذِيبِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: الْحَقُّ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ أَوْ مُحْتَمَلًا أَنْ يُقَالَ وَهُوَ فِي حَالَةِ التَّكْذِيبِ وَحَالَةِ السُّكُوتِ لِيَتَنَاوَلَ كَلَامُهُ الْوُجُوهَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا. وَقِيلَ ظَاهِرًا إنْ كَانَ الْوَكِيلُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، أَوْ مُحْتَمَلًا إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ (فَصَارَ) أَيْ صَارَ الْحُكْمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا (كَمَا إذَا دَفَعَهُ) أَيْ كَمَا إذَا دَفَعَ الْغَرِيمُ الْمَالَ (إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ) مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنَّ الدَّافِعَ هُنَاكَ (لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ) فَكَذَا هَاهُنَا (وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ غَرَضِهِ) أَيْ عَنْ حُصُولِ غَرَضِهِ لِأَنَّ سَعْيَ الْإِنْسَانِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ مَرْدُودٌ كَمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ وَكِيلَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ كَانَ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا أَنْكَرَ الْوِكَالَةَ هَلْ يَحْلِفُ أَوْ لَا؟ قَالَ الْخَصَّافُ: لَا يَحْلِفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَحْلِفُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ، لَكِنَّهُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ

(وَمَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ) لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ نِيَابَتُهُ عَنْ الْآمِرِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ فَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوِكَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ، وَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ يَسْتَحْلِفُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَثْبُتُ الْوِكَالَةُ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ إنْ دَفَعَ الْغَرِيمُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّ الطَّالِبَ مَا وَكَّلَهُ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ الْغَائِبُ، فَإِنْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الطَّالِبَ جَحَدَ الْوِكَالَةَ وَقَبَضَ الْمَالَ مِنِّي تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِ سَبَبِ انْقِطَاعِ حَقِّ الطَّالِبِ عَنْ الْمَدْفُوعِ وَهُوَ قَبْضُهُ الْمَالَ بِنَفْسِهِ، فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا مِنْ الْغَائِبِ فِي إثْبَاتِ السَّبَبِ فَيَثْبُتُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَيَنْتَقِضُ قَبْضُ الْوَكِيلِ ضَرُورَةً، وَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ ضِمْنًا وَضَرُورَةً وَلَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا اهـ (وَمَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُودَعَ بِفَتْحِ الدَّالِ (أَقَرَّ لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (بِمَالِ الْغَيْرِ) وَهُوَ الْمُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ، فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِبَقَاءِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُودَعِ، وَالْإِقْرَارُ بِمَالِ الْغَيْرِ بِحَقِّ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ (بِخِلَافِ الدَّيْنِ) حَيْثُ يُؤْمَرُ الْمَدْيُونُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَكِيلِ الَّذِي صَدَّقَهُ فِي وِكَالَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ، فَإِنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ إقْرَارُ الْمَدْيُونِ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ وَالْقَبْضِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ. ثُمَّ إنَّ الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَارِدَةٌ فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَيْضًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا قَبَضَ رَجُلٌ وَدِيعَةَ رَجُلٍ فَقَالَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ مَا وَكَّلْتُك وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمَّنَ مَالَهَا الْمُسْتَوْدَعَ رَجَعَ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْمَالِ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَإِنْ قَالَ هَلَكَ مِنِّي أَوْ دَفَعْته إلَى الْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَا إنْ صَدَّقَهُ الْمُسْتَوْدَعَ فِي الْوِكَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمَّنَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِمَا قُلْنَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ، وَمَعَ هَذَا سَلَّمَ ثُمَّ أَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى ضَاعَتْ فِي يَدِهِ هَلْ يَضْمَنُ؟ قِيلَ لَا يَضْمَنُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ وَكِيلِ الْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْعِ مِنْ الْمُودِعِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الْمُودِعِ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَكَذَا مِنْ وَكِيلِهِ اهـ (وَلَوْ ادَّعَى) أَيْ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَلَوْ ادَّعَى ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ (أَنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (مَاتَ أَبُوهُ) أَيْ أَبُو الْمُدَّعِي (وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (وَلَا وَارِثَ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ

غَيْرُهُ، وَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُدَّعِي (وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ أُمِرَ الْمُودَعُ بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى ذَلِكَ الْمُدَّعِي. أَقُولُ: مِنْ الْعَجَائِبِ هَاهُنَا أَنَّ الشَّارِحَ الْعَيْنِيَّ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَيْ فَلَوْ ادَّعَى مَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ أَنَّهُ أَيْ فُلَانًا مَاتَ أَبُوهُ إلَخْ. وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةَ الْوِرَاثَةِ ذُكِرَتْ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْوِكَالَةِ لِبَيَانِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَأَنَّهُ لَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِي وَلَوْ ادَّعَى أَوْ فَلَوْ ادَّعَى رَاجِعًا إلَى مَنْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى مُدَّعِي الْوِكَالَةِ أَصْلًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ مَالَ الْوَدِيعَةِ (لَا يَبْقَى مَالُهُ) أَيْ لَا يَبْقَى مَالُ الْمُودِعِ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُودِعِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: مَالَهُ بِالنَّصْبِ، وَقَالَ هَكَذَا كَانَ مُعْرَبًا بِإِعْرَابِ شَيْخِي: أَيْ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ مَالً الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ: أَيْ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَمَمْلُوكًا لَهُ، فَكَانَ انْتِصَابُهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَالِ كَمَا فِي كَلَّمْته فَاهُ إلَى فِي: أَيْ مُشَافِهًا اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ بِعَيْنِهِ: وَيَجُوزُ الرَّفْعُ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَوْلُهُ لَا يَبْقَى مَالَهُ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ كَلَّمْته فَاهُ إلَى فِي: يَعْنِي لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ مَالَ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَرَوَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ خَطِّ شَيْخِهِ نَصْبَ مَالِهِ وَوَجَّهَهُ بِكَوْنِهِ حَالًا كَمَا فِي كَلَّمْته فَاهُ إلَى فِي: أَيْ مُشَافِهًا، وَمَعْنَاهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ مَالَ الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَمَمْلُوكًا لَهُ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ. وَرَأَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَالَ مُقَيَّدٌ لِلْعَامِلِ، فَكَلَّمْته يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالْمُشَافَهَةِ: أَيْ كَلَّمْته فِي حَالِ الْمُشَافَهَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْوَدِيعَةِ حَالَ كَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، وَالظَّاهِرُ فِي إعْرَابِهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ لَا يَبْقَى: أَيْ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِانْتِقَالِهِ إلَى الْوَارِثِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَمْثَالِ هَذَا التَّرْكِيبِ أَنْ يُعْتَبَرَ الْقَيْدُ أَوَّلًا فَيَئُولَ الْمَعْنَى إلَى نَفْيِ الْقَيْدِ، وَأَنْ يُعْتَبَرَ النَّفْيُ أَوَّلًا فَيَئُولَ الْمَعْنَى إلَى تَقْيِيدِ النَّفْيِ وَيَتَعَيَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ بِقَرِينَةٍ تَشْهَدُ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَبْقَى مَالُ الْمُودِعِ حَالَ كَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ " أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ فَمَمْنُوعٌ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَ بَقَاءِ مَمْلُوكِيَّةِ مَالِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ وَانْتِسَابِهِ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَعْنًى ظَاهِرٌ مَقْبُولٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا هُوَ الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ رَفْعِ مَالُهُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ لَا يَبْقَى يَصِيرُ الْمَعْنَى لَا يَبْقَى عَيْنُ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَعْنًى صَحِيحٍ إذَا الْمَالُ بَاقٍ بِعَيْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا الْمُنْتَفَى بَعْدَ مَوْتِهِ مَمْلُوكِيَّتُهُ وَانْتِسَابُهُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِ وَأَحْوَالِهِ يُفْهَمُ مِنْ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ الرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ إضَافَةِ الْمَالِ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْمُودِعِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا، فَالظَّاهِرُ فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ هُوَ النَّصْبُ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ الْعَيْنِيَّ قَدْ زَادَ فِي الطُّنْبُورِ نَغْمَةً حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَمَا الْعِنَايَةِ: وَالصَّوَابُ هُوَ الرَّفْعُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَكْمَلُ. وَقَدْ فَاتَهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ وَالْمَالُ لَيْسَ مِنْهَا، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّأْوِيلِ. وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ إنَّهُ حَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ مُتَمَوَّلًا: أَيْ لَا يَبْقَى الْمَيِّتُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُتَمَوَّلًا

فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ . وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ صَاحِبِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَا يُصَدِّقَانِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا يَقْبِضُ مَالَهُ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ اسْتَوْفَاهُ فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكَانَ أَوْجَهَ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ مَا زَادَهُ بِشَيْءٍ، أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ مِنْ شَرْطِ الْحَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ فَمَمْنُوعٌ، أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَى هَيْئَةٍ صَحَّ أَنْ يَقَعَ حَالًا مِثْلُ هَذَا بُسْرًا أَطْيَبُ مِنْهُ رُطَبًا. وَلَئِنْ سَلِمَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ النُّحَاةِ فَجَوَازُ كَوْنِ غَيْرِ الْمُشْتَقِّ حَالًا بِالتَّأْوِيلِ بِالْمُشْتَقِّ مِمَّا لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ النُّحَاةِ، وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ نَفْسُهُ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّأْوِيلِ، وَقَدْ بَيَّنَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ التَّأْوِيلَ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ مَمْلُوكًا لَهُ، فَبَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْقَدَحُ فِيهِ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْحَالِ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ إنَّهُ حَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ مُتَمَوَّلًا: أَيْ لَا يَبْقَى الْمَيِّتُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُتَمَوَّلًا لَكَانَ أَوْجَهَ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ الْعَاقِلُ لِأَنَّ الْمُتَمَوِّلَ إنَّمَا هُوَ الْمَالِكُ لَا الْمَالُ قَطْعًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَأْوِيلُ الْمَالِ بِمَا لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَجَعْلُهُ صِفَةً لَهُ، بَلْ عَلَى تَقْدِيرِ إرْجَاعِ ضَمِيرٍ لَا يَبْقَى إلَى الْمَيِّتِ لَا يَبْقَى لَهُ ارْتِبَاطٌ بِالْمَقَامِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَفْهَامِ (فَقَدْ اتَّفَقَا) أَيْ مُدَّعِي الْوِرَاثَةِ وَالْمُودَعُ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ: أَيْ الَّذِي ادَّعَى الْوِكَالَةَ وَالْمُودَعُ. أَقُولُ: هَذَا بِنَاءً عَلَى ضَلَالِهِ السَّابِقِ وَقَدْ عَرَفْت (عَلَى أَنَّهُ) مُتَعَلِّقٌ بِاتَّفَقَا: أَيْ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مَالَ الْوَدِيعَةِ (مَالُ الْوَارِثِ) فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: أَقُولُ فِيهِ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ بِالْمَوْتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِالدَّفْعِ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي انْتَهَى فَتَأَمَّلْ (وَلَوْ ادَّعَى) أَيْ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ (أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ صَاحِبِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ) أَيْ لَمْ يُؤْمَرْ الْمُودَعُ (بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مُدَّعِي الشِّرَاءِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْبِدَايَةِ، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ (مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ) : أَيْ كَانَ إقْرَارُ الْمُودَعِ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَيَّ (مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ (فَلَا يُصَدِّقَانِ) أَيْ مُدَّعِي الشِّرَاءِ وَالْمُودَعُ الْمُصَدِّقُ إيَّاهُ (فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ تَقَدَّمَ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فَكَانَ ذِكْرُهُمَا تَكْرَارًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا هُنَالِكَ بِاعْتِبَارِ الْقَضَاءِ وَهَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الدَّعْوَى، وَلِهَذَا صَدَّرَهُمَا هَاهُنَا بِقَوْلِهِ " وَلَوْ ادَّعَى " وَهُنَاكَ بِقَوْلِهِ " وَمَنْ أَقَرَّ "، وَمَعَ هَذَا فَلَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ لِأَنَّ إيرَادَهُمَا فِي بَابِ الْوِكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ بَعِيدُ الْمُنَاسَبَةِ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: تَضْعِيفُهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ ادِّعَاءِ الْوِكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ اقْتَضَى ذِكْرَهُمَا عَقِيبَهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهَا لَمَّا أَوْقَعَ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا أَيْضًا كَالْحُكْمِ فِيهَا أَمْ لَا ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَقِيبَهَا فِي بَابِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْرِيعِ عَلَيْهَا إزَالَةً لِلِاشْتِبَاهِ بِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ إحْدَاهُمَا وَبَيَانِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ مَعَ الْأُخْرَى فَكَانَ إيرَادُهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ قَرِيبَ الْمُنَاسَبَةِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (فَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ مَالِهِ) أَيْ إنْ وَكَّلَ رَجُلٌ وَكِيلًا بِقَبْضِ مَالٍ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ (فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ اسْتَوْفَاهُ فَإِنَّهُ) أَيْ فَإِنَّ الْغَرِيمَ

يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ. قَالَ (وَيَتْبَعُ رَبُّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) أَيْ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ) أَيْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَرِيمِ بِلَا حُجَّةٍ (فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْقَبْضِ إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدِّينِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ فَبِأَيِّ دَلِيلٍ ثُبُوتُ الْوِكَالَةِ؟ وَلَوْ قِيلَ بِسَبَبِ ادِّعَاءِ الْمَدْيُونِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ اسْتَوْفَاهُ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ ثُبُوتِ الْوِكَالَةِ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْوِكَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مُسْتَوْفًى مِنْ جَانِبِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَانَ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِيفَاءِ بَاطِلًا لَا مَحَالَةَ فَكَيْفَ تَثْبُتُ الْوِكَالَةُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى؟ قُلْنَا: لَمَّا ادَّعَى الْغَرِيمُ اسْتِيفَاءَ رَبِّ الدِّينِ دَيْنَهُ كَانَ هُوَ مُعْتَرِفًا بِأَصْلِ الْحَقِّ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ قَضَيْتُكَهَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عِنْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي ذَلِكَ، فَلَمَّا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ الْوِكَالَةَ كَانَ لِلْوَكِيلِ وِلَايَةُ الطَّلَبِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِيفَاءِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى اسْتِيفَاءَ رَبِّ الدَّيْنِ عِنْدَ دَعْوَاهُ بِنَفْسِهِ كَانَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِيفَاءِ، فَكَذَا عِنْدَ دَعْوَى وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ اهـ. أَقُولُ: جَوَابُهُ مَنْظُورٌ فِيهِ، إذْ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ ادِّعَاءِ الْغَرِيمِ اسْتِيفَاءَ رَبِّ الدِّينِ دَيْنَهُ يَتَضَمَّنُ الِاعْتِرَافَ بِأَصْلِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْوِكَالَةَ بِأَيِّ دَلِيلٍ ثَبَتَتْ، وَمُجَرَّدُ عَدَمِ إنْكَارِ الْوِكَالَةِ لَا يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ بِثُبُوتِهَا، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا يُنَاسَبُ الْحَالَ لَا يُعَدُّ مُقِرًّا لِلْوِكَالَةِ، فَكَيْفَ إذَا تَكَلَّمَ بِمَا يُشْعِرُ بِإِنْكَارِ الْوِكَالَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ بِقَوْلِهِ: بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْوِكَالَةِ إلَى قَوْلِهِ: فَكَيْفَ تَثْبُتُ الْوِكَالَةُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى، فَكَأَنَّ الْغَرِيمَ قَالَ أَنْتَ لَا تَصْلُحُ لِلْوِكَالَةِ أَصْلًا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ حَقَّهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَقَعَ وَكِيلًا عَنْهُ تَدَبَّرْ. وَقَصَدَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ دَفْعَ السُّؤَالِ الْمَزْبُورِ بِوَجْهٍ آخَرُ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مَالٌ فَوَكَّلَ وَكِيلًا بِذَلِكَ الْمَالِ وَأَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ قَدْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ ادْفَعْ الْمَالَ ثُمَّ ادْفَعْ رَبَّ الْمَالِ فَاسْتَحْلِفْهُ. ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ: يَعْنِي بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ مَدَارُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بَلْ مَدَارُ نَفْسِ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى اعْتِبَارِ قَيْدِ إقَامَةِ الْوَكِيلِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوِكَالَةِ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمَا وَسِعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي بِدَايَتِهِ وَهِدَايَتِهِ وَلِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ فِي تَصَانِيفِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ تَرْكُ ذَلِكَ الْقَيْدِ الْمُهِمِّ عِنْدَ تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدَّعِيَ كَوْنَ تَرْكِهِمْ إيَّاهُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ اعْتِبَارِهِ، كَيْفَ وَقَدْ ذَهَبَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الثِّقَاتِ كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَصَاحِبِ التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا، حَتَّى ذَهَبُوا إلَى تَوْجِيهٍ آخَرَ فِي دَفْعِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ، فَلَوْ كَانَ اعْتِبَارُهُ مِنْ الظُّهُورِ بِحَيْثُ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ لَمَا خَفِيَ عَلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ (قَالَ وَيَتْبَعُ) أَيْ يَتْبَعُ الْغَرِيمُ (رَبَّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ) أَيْ فَيَسْتَحْلِفُ الْغَرِيمُ رَبَّ الْمَالِ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ

رِعَايَةً لِجَانِبِهِ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ نَائِبٌ . قَالَ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَالِكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ، وَهَاهُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِعَايَةً لِجَانِبِهِ) أَيْ جَانِبِ الْغَرِيمِ. فَإِنْ حَلَفَ مَضَى الْأَدَاءُ، وَإِنْ نَكَلَ يَتْبَعُ الْغَرِيمُ الْقَابِضَ فَيَسْتَرِدُّ مَا قَبَضَهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ نَائِبٌ) وَالنِّيَابَةُ: لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحْلَفَهُ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِنْ نَكَلَ خَرَجَ عَنْ الْوِكَالَةِ وَالطَّالِبُ عَلَى حُجَّتِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَطَلَتْ وِكَالَتُهُ فَجَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي حَقًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ، فَتَحْلِيفُ الْوَكِيلِ يَكُونُ نِيَابَةً وَهِيَ لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ. بِخِلَافِ الْوَارِثِ حَيْثُ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ اسْتِيفَاءَ مُوَرِّثِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ بِالْأَصَالَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنْ الْإِيضَاحِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ) أَيْ إنْ وَكَّلَهُ بِرَدِّ جَارِيَةٍ بِسَبَبِ عَيْبٍ (فَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرَى) أَيْ رِضَاهُ بِالْعَيْبِ (لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ لَمْ يَرُدَّ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَائِعِ (حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالرَّدِّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَيَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْعَيْبِ (بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ) حَيْثُ يُؤْمَرُ الْغَرِيمُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الْوَكِيلِ قَبْلَ تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الْوَكِيلِ بِدُونِ تَحْلِيفِ الْوَكِيلِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِمَعْنَى الْمَقَامِ قَطْعًا، إذْ لَا مَدْخَلَ لِعَدَمِ تَحْلِيفِ الْوَكِيلِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا أَصْلًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ وَمَسْأَلَةِ الْعَيْبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ فِي الدَّيْنِ حَقَّ الطَّالِبِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، إذْ لَيْسَ فِي دَعْوَى الِاسْتِيفَاءِ وَالْإِبْرَاءِ مَا يُنَافِي ثُبُوتَ أَصْلِ حَقِّهِ، لَكِنَّهُ يَدَّعِي الِاسْتِيفَاءَ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَكِيلِ الِاسْتِيفَاءُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُسْقِطُ. وَأَمَّا فِي الْعَيْبِ فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّهِ فِي الرَّدِّ أَصْلًا، فَالْبَائِعُ لَا يَدَّعِي مُسْقِطًا بَلْ يَزْعُمُ أَنَّ حَقَّهُ فِي الرَّدِّ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلًا، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ وَيَحْلِفُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ لِلْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ إذَا انْفَسَخَ لَا يَعُودُ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا لَهُ حَقَّ الرَّدِّ تَضَرَّرَ بِهِ الْخَصْمُ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَضَاءُ الدَّيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ فَسْخُ عَقْدِهِ، فَإِذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ يَتَوَصَّلُ الْمَطْلُوبُ إلَى قَضَاءِ حَقِّهِ فَلِهَذَا أُمِرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْفَرْقِ هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَالِكَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ (بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ) أَيْ نُكُولِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْيَمِينِ، إذْ الْقَضَاءُ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا لِأَنَّهُ مَا قَضَى إلَّا بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ فَكَانَ كَالْقَضَاءِ بِالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ (وَهَاهُنَا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَفِي الثَّانِيَةِ أَيْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (غَيْرُ مُمْكِنٍ) أَيْ التَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ (لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ) وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَفِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَيْضًا (وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ مَضَى الْقَضَاءُ بِالْفَسْخِ عَلَى الصِّحَّةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ (لَا يُفِيدُ) فَإِنَّهُ لَمَّا مَضَى الْفَسْخُ وَلَا يُرَدُّ بِالنُّكُولِ

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَا يُؤَخَّرُ، لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَبْقَ فِي الِاسْتِحْلَافِ فَائِدَةٌ قَطْعًا، قَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذَلِكَ: أَيْ بَعْدَ نُكُولِ الْمُوَكِّلِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: أَقُولُ: هَذَا تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ، إذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْمَقَامِ حِينَئِذٍ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ بَعْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ مِنْ الْكَلَامِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ عَلَى رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ وَرَدَّ الْوَكِيلُ الْجَارِيَةَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ حَضَرَ الْآمِرُ وَادَّعَى الرِّضَا وَأَرَادَ أَخْذَ الْجَارِيَةِ فَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يَدْفَعَهَا وَقَالَ نَقَضَ الْقَاضِي الْبَيْعَ فَلَا سَبِيلَ لَك، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ مَعَ الْبَائِعِ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْجَارِيَةَ مِلْكُ الْآمِرِ لِأَنَّ الْبَائِعَ ادَّعَى رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ وَلُزُومَ الْجَارِيَةِ إيَّاهُ وَصَدَّقَهُ الْآمِرُ فِي ذَلِكَ فَاسْتَنَدَ التَّصْدِيقُ إلَى وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَيَثْبُتُ بِهَذَا التَّصَادُقِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِالرَّدِّ وَأَنَّ قَضَاءَهُ بِالرَّدِّ نَفَذَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْآمِرِ فِي الْبَاطِنِ فَكَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَهَا. بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا سَبِيلَ لِلْآمِرِ عَلَى الْجَارِيَةِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ نَقْضَ الْقَاضِي هَاهُنَا الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّقْضِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِجَهْلِهِ بِالدَّلِيلِ الْمُسْقِطِ لِلرَّدِّ وَهُوَ رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا كَمَا لَوْ قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِاجْتِهَادِهِ وَثَمَّةَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا، وَنَقَلَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ تِلْكَ الْكُتُبِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ هَاهُنَا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابُ حَيْثُ قَالَ: وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ إذْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ حَضَرَ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَاسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَقَضَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ مَاضِيًا عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ تُرَدَّ الْجَارِيَةُ عَلَى الْمُشْتَرَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا سَبِيلَ لِلْآمِرِ عَلَى الْجَارِيَةِ. سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، لَكِنَّ النَّقْضَ هَاهُنَا لَمْ يُوجِبْهُ دَلِيلٌ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْجَهْلِ بِالدَّلِيلِ الْمُسْقِطِ لِلرَّدِّ وَهُوَ رِضَا الْآمِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ بِتَصَادُقِهِمَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا كَمَا لَوْ قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ وَثَمَّةَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، قَالُوا: هَذَا أَصَحُّ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ بَلْ يُقَوِّيهِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ نَقْضُ الْقَضَاءِ هَاهُنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ تَعَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ مَاضِيًا عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ (وَأَمَّا عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ (فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ الدَّيْنِ وَفِي فَصْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَلَا يُؤَخَّرُ) أَيْ لَا يُؤَخَّرُ الْقَضَاءُ بِالرَّدِّ إلَى تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يُؤَخَّرُ الْقَضَاءُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ (لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ) أَيْ فِي الْفَصْلَيْنِ مَعًا (عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ التَّأْخِيرِ إلَى تَحْلِيفِ رَبِّ الدَّيْنِ فِي فَصْلِ الدَّيْنِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَ ظُهُورِ الْخَطَإِ فِي الْقَضَاءِ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ

وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَتَّى النَّظَرَ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْبَائِعِ فَيَنْتَظِرُ لِلنَّظَرِ. قَالَ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ قَرَرْنَاهُ فَهَذَا كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي فَصْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَيْضًا لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، فَإِذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْقَضَاءِ عِنْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي رُدَّتْ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَخَّرُ إلَى التَّحْلِيفِ (وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخَّرَ) أَيْ الْقَضَاءُ (فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ (يَعْتَبِرُ النَّظَرَ) أَيْ النَّظَرَ لِلْبَائِعِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: أَيْ النَّظَرُ لِلْخَصْمِ لِيَكُونَ أَنْسَبَ بِالتَّعْمِيمِ لِلْفَصْلَيْنِ كَمَا سَيَنْكَشِفُ لَك (حَتَّى يَسْتَحْلِفَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ (الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْبَائِعِ) يَعْنِي أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا وَأَرَادَ الرَّدَّ مَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ بِاَللَّهِ مَا رَضِيت بِهَذَا الْعَيْبِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ، فَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ غَائِبًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ صِيَانَةً لِقَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَنَظَرًا لِلْبَائِعِ وَالْمَدْيُونِ (فَيَنْتَظِرُ لِلنَّظَرِ) أَيْ فَيَنْتَظِرُ فِي الْفَصْلَيْنِ نَظَرًا لِلْبَائِعِ وَالْمَدْيُونِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ فَيَنْتَظِرُ لِلنَّظَرِ: أَيْ لِلْبَائِعِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَظِرَ فِي الدَّيْنِ نَظَرًا لِلْغَرِيمِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: فَعَلَى هَذَا يَنْتَظِرُ عِنْدَهُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا نَظَرًا لِلْغَرِيمِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَيَنْتَظِرُ لِلنَّظَرِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النَّظَرَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ إنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْبَائِعِ فَيَنْتَظِرُ لِلنَّظَرِ لَهُ إنْ كَانَ غَائِبًا انْتَهَى أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ تَخْصِيصِ مَعْنَى نَفْسِ الْكَلَامِ بِصُورَةٍ مِنْ الْفَصْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ، فَالْوَجْهُ مَا قَرَّرْنَاهُ فَتَبَصَّرْ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ) أَيْ لِيُنْفِقَهَا عَلَيْهِمْ (فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ) أَيْ فَالْعَشَرَةُ الَّتِي أَنْفَقَهَا الْوَكِيلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَشَرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ: يَعْنِي لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ بَلْ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ. قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: هَذَا إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ الدَّفْعِ قَائِمَةً وَقْتَ شِرَائِهِ النَّفَقَةَ وَكَانَ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَيْهَا، أَوْ كَانَ مُطْلَقًا لَكِنْ يَنْوِي تِلْكَ الْعَشَرَةَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ الدَّافِعِ مُسْتَهْلَكَةً أَوْ كَانَ يَشْتَرِي النَّفَقَةَ بِعَشَرَةِ نَفْسِهِ وَيُضِيفُ الْعَقْدَ إلَيْهَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوِكَالَةِ، وَكَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى غَيْرِهَا، كَذَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَقِيلَ لَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَامَّةِ لَكِنْ تَتَعَلَّقُ الْوِكَالَةُ بِبَقَائِهَا، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ حَيْثُ تَتَعَيَّنُ اتِّفَاقًا فِيهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَا فِي الْكِتَابِ (لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ (مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ رُجُوعِ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَدَّى مِنْ الثَّمَنِ (وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْوِكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ (فَهَذَا) أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْإِنْفَاقِ (كَذَلِكَ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَهْلِ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى

وَقِيلَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا. وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ، فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ يَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ فَلَا يَدْخُلَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشِرَاءِ شَيْءٍ يَصْلُحُ لِنَفَقَتِهِمْ وَلَا يَكُونُ مَالُ الْمُوَكِّلِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَكَانَ فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ تَجْوِيزُ الِاسْتِبْدَالِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ مَسْأَلَةَ الْإِنْفَاقِ، بَلْ ذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَقَالَ: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَنِّي فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَ الْأَلْفَ عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الَّتِي حَبَسَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونَ مُتَطَوِّعًا فِي الَّتِي دَفَعَ، وَلَكِنِّي أَدَعُ الْقِيَاسَ فِي ذَلِكَ وَأَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْإِنْفَاقِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِيهِ فَقَالُوا فِي شُرُوحِهِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَقِيلَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا) أَيْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ إنْفَاقُ عَشَرَةِ نَفْسِهِ بِمُقَابَلَةِ عَشَرَةِ الْمُوَكِّلِ، بَلْ إذَا أَنْفَقَ عَشَرَةَ نَفْسِهِ يَصِيرُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوِكَالَاتِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ بَطَلَتْ الْوِكَالَةُ، فَإِذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا. وَأَمَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ إلَخْ، وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا: مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعْنَى الشِّرَاءِ فَوَرَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. أَمَّا الْإِنْفَاقُ فَفِيهِ شِرَاءٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ وَجْهُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، بَلْ صَحَّ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا حَتَّى رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَنْفَقَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ) هَذَا وَجْهُ الْقِيَاسِ: يَعْنِي لَمَّا لَمْ يَكُنْ قَضَاءُ الدَّيْنِ شِرَاءً لَمْ يَكُنْ الْآمِرُ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ لِلْوَكِيلِ فَلَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ مُتَبَرِّعًا لَأَلْزَمْنَاهُ دَيْنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ فَجَعَلْنَاهُ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ سُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لَهُ اهـ (فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ) فَإِنَّهُ (يَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْفَاقِ أَمَرَ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ، وَالشِّرَاءُ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الدَّرَاهِمِ الْمَدْفُوعَةِ بَلْ بِمِثْلِهَا فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ فَكَانَ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فَلَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا أَيْضًا (فَلَا يَدْخُلَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ فَلَا يَدْخُلُ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْإِنْفَاقِ، بَلْ يَكُونُ فِيهِ حُكْمِ الْقِيَاسِ كَحُكْمِ الِاسْتِحْسَانِ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ.

[باب عزل الوكيل]

(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) قَالَ (وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ، إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ يُطْلَبُ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ] أَخَّرَ بَابَ الْعَزْلِ، إذْ الْعَزْلُ يَقْتَضِي سَبْقَ الثُّبُوتِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ آخِرًا (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُوَكِّلِ (فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ) أَيْ فَلِلْمُوَكِّلِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ (إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْ بِالْوَكَالَةِ ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ كَوْنِهَا حَقًّا (حَقُّ الْغَيْرِ) فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ بِلَا رِضَا ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَذَلِكَ (بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ) أَيْ بِالْتِمَاسٍ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي (لِمَا فِيهِ) أَيْ لِمَا فِي الْعَزْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ) وَهُوَ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيُخَاصِمَهُ وَيُثْبِتَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، وَإِبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ، قُيِّدَ بِالطَّلَبِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالطَّلَبِ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الطَّلَبِ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ: أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَوَكَّلَ الطَّالِبَ فَلَهُ عَزْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا. ثُمَّ إنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْعَزْلِ إذَا كَانَ

وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَزْلُ عِنْدَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ حُضُورِهِ فَيَصِحُّ الْعَزْلُ سَوَاءٌ رَضِيَ بِهِ الطَّالِبُ أَوْ لَا، وَهَذِهِ الْقُيُودُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ صَرِيحِ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَإِذَا عُزِلَ الْوَكِيلُ حَالَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ وَكِيلَ الطَّالِبِ. وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْعَزْلُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ غَائِبًا لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالْعَزْلِ يُبْطِلُ حَقَّ نَفْسِهِ، لِأَنَّ خُصُومَةَ الْوَكِيلِ حَقُّ الطَّالِبِ وَإِبْطَالُ الْإِنْسَانِ حَقَّ نَفْسِهِ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى حَضْرَةِ غَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ وَكِيلَ الْمَطْلُوبِ، وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِنْ غَيْرِ الْتِمَاسِ أَحَدٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْعَزْلُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِالْتِمَاسِ أَحَدٍ إمَّا الطَّالِبَ وَإِمَّا الْقَاضِيَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ غَائِبًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ صَحَّ عَزْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ غَيْرُ نَافِذَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَاذَ لَهَا قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ فَكَانَ الْعَزْلُ رُجُوعًا وَامْتِنَاعًا فَيَصِحُّ. وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي شَرَطَتْ عِلْمَ الْوَكِيلِ لِصَيْرُورَتِهِ وَكِيلًا. وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ حَاضِرًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ أَوْ كَانَ غَائِبًا وَلَكِنْ قَدْ عَلِمَ بِالْوَكَالَةِ وَلَمْ يَرُدَّهَا فَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْتِمَاسٍ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ وَيَصِحُّ حَالَ حَضْرَتِهِ رَضِيَ بِهِ الطَّالِبُ أَوْ سَخِطَ؛ لِأَنَّ بِالتَّوْكِيلِ ثَبَتَ نَوْعُ حَقٍّ لِلطَّالِبِ قَبْلَ الْوَكِيلِ وَهُوَ حَقُّ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَيُخَاصِمَهُ وَيُثْبِتَ حَقَّهُ عَلَيْهِ. وَبِالْعَزْلِ حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ لَوْ صَحَّ الْعَزْلُ يَبْطُلُ هَذَا الْحَقُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ وَالْمَطْلُوبُ رُبَّمَا يَغِيبُ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَهُ أَيْضًا فَيَبْطُلُ حَقُّهُ أَصْلًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا فَحَقُّهُ لَا يَبْطُلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ يُمْكِنُهُ مَعَ الْمَطْلُوبِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُطَالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَنْ يَنْصِبَ وَكِيلًا آخَرَ إلَى هُنَا لَفْظُ الذَّخِيرَةِ، قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَكِيلَ إنْ كَانَ لِلطَّالِبِ فَعَزْلُهُ صَحِيحٌ حَضَرَ الْمَطْلُوبُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالْعَزْلِ يَبْطُلُ حَقُّهُ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا. وَإِنْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِثْلُ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فَأَمَّا إنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْوَكَالَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَاذَ لِلْوَكَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ فَكَانَ الْعَزْلُ امْتِنَاعًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَرُدَّهَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْبَةِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ بِالتَّوْكِيلِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ إحْضَارِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِثْبَاتُ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَبِالْعَزْلِ حَالَ غَيْبَتِهِ يَبْطُلُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مُسْتَثْنًى، وَصَحَّ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْوَكِيلِ يُمْكِنُهُ الْخُصُومَةُ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَيُمْكِنُهُ طَلَبُ نَصْبِ وَكِيلٍ آخَرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ يَلُوحُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهَاهُنَا لَا إبْطَالَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. كَلَامُهُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا يَعُمُّهُ، وَعَزْلُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَثَلًا لِعُمُومِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَصْرَ إضَافِيٌّ: أَيْ لَا عَزْلَ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ اهـ. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِتَامٍّ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ يَعُمُّ عَزْلَ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا سِيَّمَا الَّذِي لَمْ يَكُنْ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَتِمُّ التَّوْجِيهُ بِحَمْلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِضَافِيِّ بِمَعْنَى لَا عَزْلَ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ الصَّرِيحُ أَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ يَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِطَرِيقِ التَّقْسِيمِ وَالتَّفْصِيلِ، وَقَدْ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ صُورَةً وَاحِدَةً وَهِيَ عَزْلُ مَنْ كَانَ وَكِيلًا لِلْمَطْلُوبِ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهَا مِنْ الصُّوَرِ تَحْتَ عُمُومِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِلَا رَيْبٍ، وَيَمْشِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ، فَمَا زَعَمَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ مِنْ كَوْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا مَقْصُورًا عَلَى صُورَةِ عَزْلِ وَكِيلِ الطَّالِبِ، وَكَوْنِ بَعْضِ صُوَرِ عَزْلِ الْوَكِيلِ الْمَطْلُوبِ غَيْرَ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ أَصْلًا سَهْوٌ بَيِّنٌ (وَصَارَ) أَيْ صَارَ التَّوْكِيلُ الَّذِي كَانَ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ (كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ) أَيْ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ بِأَنْ وَضَعَ

قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ) لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ إضْرَارًا بِهِ مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ وِلَايَتِهِ أَوْ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُ الْحُقُوقِ إلَيْهِ فَيَنْقُدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّهْنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَشَرْطٌ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَارَ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ، وَبِالْعَزْلِ يَبْطُلُ هَذَا الْحَقُّ كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، وَكَذَا إذَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَكِيلِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمُوَكِّلِ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ نَحْوُ إنْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ. قِيلَ: مِنْ أَيْنَ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ فِي الْخُصُومَةِ بِطَلَبٍ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ الَّذِي تَثْبُتُ وَكَالَتُهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ حَيْثُ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ فِي الْأَوَّلِ عَزْلَ الْوَكِيلِ حَالَ حَضْرَةِ الْخَصْمِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْخَصْمُ وَلَا يَمْلِكُ فِي الثَّانِي عَزْلَهُ حَالَ حَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ مَعَ أَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِوَكَالَةِ الْوَكِيلِ، وَمَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْمُفَارَقَةِ كَيْفَ شَبَّهَ هَذَا بِذَاكَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَزْلَ لَوْ صَحَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حَالَ حَضْرَةِ الطَّالِبِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الطَّالِبِ أَصْلًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمَطْلُوبَ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ، فَلَوْ صَحَّ الْعَزْلُ حَالَ حَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْبَيْعِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِالْبَيْعِ. وَأَمَّا وَجْهُ التَّشْبِيهِ فَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِوَكَالَةِ الْوَكِيلِ وَبُطْلَانُ حَقِّ ذَلِكَ الْغَيْرِ عِنْدَ صِحَّةِ الْعَزْلِ فِي غَيْبَتِهِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْوَكِيلَ خَبَرُ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ إيَّاهُ (فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ) أَيْ حَتَّى يَعْلَمَ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ: يَنْعَزِلُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْوَكَالَةِ لِحَقِّ الْمُوَكِّلِ لَهُ فَهُوَ بِالْعَزْلِ يُسْقِطُ حَقَّ نَفْسِهِ، وَالْمَرْءُ يَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّ نَفْسِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَيُعْتِقُ عَبْدَهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ لِلْمُوَكِّلِ لَا عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَنْفَرِدْ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِهِ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْعَزْلُ خِطَابٌ مُلْزِمٌ لِلْوَكِيلِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَحُكْمُ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَخِطَابِ الشَّرْعِ، فَإِنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا يُصَلُّونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَجَوَّزَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ لَمْ يَعْلَمُوا، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شَرِبُوا الْخَمْرَ بَعْدَ نُزُولِ تَحْرِيمِهَا قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] وَهَذَا لِأَنَّ الْخِطَابَ مَقْصُودٌ لِلْعَمَلِ، وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ إنَّ الْفِقْهَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ) أَيْ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ (إضْرَارًا بِهِ) أَيْ بِالْوَكِيلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ وِلَايَتِهِ) فَإِنَّ فِي إبْطَالِ وِلَايَتِهِ تَكْذِيبًا لَهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ لِمُوَكِّلِهِ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ ذَلِكَ بِالْوَكَالَةِ، وَفِي عَزْلِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ تَكْذِيبٌ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ لِبُطْلَانِ وِلَايَتِهِ بِالْعَزْلِ، وَتَكْذِيبُ الْإِنْسَانِ فِيمَا يَقُولُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ. وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُ الْحُقُوقِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى رُجُوعِهَا إلَيْهِ (فَيَنْقُدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ) إنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ (وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ) إنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ، فَلَوْ كَانَ مَعْزُولًا قَبْلَ الْعِلْمِ كَانَ التَّصَرُّفُ

فَيَضْمَنُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَيَسْتَوِي الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ فَلَا نُعِيدُهُ . قَالَ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاقِعًا لَهُ (فَيَضْمَنُهُ) أَيْ فَيَضْمَنُ مَا نَقَدَهُ وَمَا سَلَّمَهُ (فَيَتَضَرَّرُ بِهِ) وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا. ثُمَّ إنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَامٌّ يَشْمَلُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَمُخْتَصٌّ بِالتَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَرْجِعُ فِيهَا الْحُقُوقُ إلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَسْتَوِي الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ سِيَّانِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَدَمُ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ نَظَرًا إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي سَائِرِ مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى. قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَإِذَا جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ وَقَالَ لَمْ أُوَكِّلْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَزْلًا، هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَجْنَاسِ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ، وَفِي مَسَائِلِ الْغَصْبِ مِنْ الْأَجْنَاسِ أَيْضًا: إذَا قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوَكِّلْ فُلَانًا فَهَذَا كَذِبٌ وَهُوَ وَكِيلٌ لَا يَنْعَزِلُ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِهِمْ أَنَّ جُحُودَ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ عَزْلٌ لِلْوَكِيلِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ جُحُودَ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ لَهُ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ إلَخْ (فَلَا نُعِيدُهُ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْإِعَادَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، وَرَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا، وَكَذَلِكَ الْعَزْلُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ الْعَزْلُ إلَّا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ أَوْ بِخَبَرِ الِاثْنَيْنِ إذَا لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَبَرُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَثْبُتُ بِهِ الْعَزْلُ بِالِاتِّفَاقِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ الرَّسُولُ، عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ. وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ الرَّسُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسِلِ وَسَفِيرٌ عَنْهُ فَتَصِحُّ سِفَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا) بِالْبَاءِ الْمَسْكُورَةِ: أَيْ دَائِمًا، وَمِنْهُ الْحُمَّى الْمُطْبِقَةُ: أَيْ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا تُفَارِقُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَقِيلَ مُطْبِقًا: أَيْ مُسْتَوْعِبًا، مِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ السَّمَاءَ، إذَا اسْتَوْعَبَهَا (وَلَحَاقِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ: أَيْ وَتَبْطُلُ بِلَحَاقِ الْمُوَكِّلِ (بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا: مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ بِحَيْثُ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ الْعَزْلَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَزَمَانٍ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ جَانِبِ الطَّالِبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ لَازِمَةً بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ الْعَزْلَ كَالْعَدْلِ إذَا سُلِّطَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ وَكَانَ التَّسْلِيطُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ يَكُونُ لِبَقَائِهَا حُكْمُ الْإِنْشَاءِ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ بَعْدَمَا جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا لَا يَصِحُّ، فَكَذَا لَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ إذَا صَارَ الْمُوَكِّلُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَأَمَّا إذَا

لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَكُونُ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا لِأَنَّ قَلِيلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ الْوَكَالَةُ لَازِمَةً بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الْمُوَكِّلُ عَلَى عَزْلِهِ لَا يَكُونُ لِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ، وَكَانَ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ. وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ثُمَّ جُنَّ الْمُمَلِّكُ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ مِلْكُهُ، كَمَا لَوْ مَلَكَ عَيْنًا فَكَذَا إذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا ثُمَّ جُنَّ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ الْأَمْرُ انْتَهَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ، أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ كَالْعَدْلِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ، وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الْخَصْمِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ، وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَنْعَزِلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَنْعَزِلُ قِيَاسًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْمَنْقُولِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ مِنْ بَابِ التَّوْكِيلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّمْلِيكِ لَا التَّوْكِيلِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ فِي بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ. ثُمَّ أَقُولُ: فِيمَا بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ تَقْسِيمَهُمْ الْوَكَالَةَ عَلَى اللَّازِمَةِ وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ وَحَمْلَهُمْ الْجَوَابَ فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ عَلَى الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى يُنَافِي مَا ذَكَرُوا فِي صَدْرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ أَنَّ صِفَةَ الْوَكَالَةِ هِيَ أَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ الْعَزْلَ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ صِفَتُهَا الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَاللُّزُومُ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِعَارِضٍ وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ عَلَى عَكْسِ مَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي فَتَأَمَّلْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ: إذْ اللُّزُومُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ فِي فَسْخِهَا، فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَكِيلَ عَنْهَا انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ إلَى هَذَا التَّعْلِيلِ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ الْوُجُودِ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُتَحَقِّقٌ فِي كُلِّ عَقْدٍ لَازِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ مَا يَتَوَقَّفُ فَسْخُهُ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ فَقَوْلُهُمَا إذًا لِلُّزُومِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إذْ التَّصَرُّفُ اللَّازِمُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَتَوَقَّفُ فَسْخُهُ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ (فَيَكُونُ لِدَوَامِهِ) أَيْ لِدَوَامِ التَّوْكِيلِ (حُكْمُ ابْتِدَائِهِ) لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ بِسَبِيلٍ مِنْ فَسْخِهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِ دَوَامِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْفَسِخْ جُعِلَ امْتِنَاعُهُ عَنْ الْفَسْخِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ تَصَرُّفٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ إنْزَالًا لِلْمُتَمَكِّنِ مَكَانَ الْمُبْتَدِئِ وَالْمُنْشِئِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] فَصَارَ كَأَنَّهُ يَتَجَدَّدُ عَقْدُ الْوَكَالَةِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَيَنْتَهِي، فَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ (فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْأَمْرِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِالتَّوْكِيلِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ إذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرِهِ بِذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَكَذَا فِيمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ (وَقَدْ بَطَلَ) أَيْ أَمْرُ الْمُوَكِّلِ (بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ) وَهِيَ الْمَوْتُ وَالْجُنُونُ وَالِارْتِدَادُ. فَإِنْ قِيلَ: الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ غَيْرُ لَازِمٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَتَقَرَّرُ وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ. قُلْنَا: الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَعَدَمُ اللُّزُومِ بِسَبَبِ الْعَارِضِ وَهُوَ الْخِيَارُ، فَإِذَا مَاتَ تَقَرَّرَ الْأَصْلُ وَبَطَلَ الْعَارِضُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَشَرْطٌ) أَيْ شَرْطٌ فِي بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ (أَنْ يَكُونَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا لِأَنَّ قَلِيلَهُ) أَيْ قَلِيلَ

بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ، وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ. وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَصَارَ كَالْمَيِّتِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَوْلٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا. قَالُوا: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّحَاقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُنُونِ (بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ) فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْوَكَالَةُ لَا تَبْطُلُ بِالْإِغْمَاءِ (وَحَدُّ الْمُطْبِقِ) أَيْ حَدُّ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ (شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَرَوَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ) أَيْ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْجَائِزَةِ: وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْعَاجِلِ فَكَانَ قَصِيرًا، وَالشَّهْرُ فَصَاعِدًا فِي حُكْمِ الْآجِلِ فَكَانَ طَوِيلًا (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ مَنْ جُنَّ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ (كَالْمَيِّتِ) فَلَا يَصْلُحُ لِلْوَكَالَةِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَوْلٌ كَامِلٌ) قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ: قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: حَتَّى يُجَنَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَيَخْرُجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: حَتَّى يُجَنَّ شَهْرًا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: حَتَّى يُجَنَّ سَنَةً (لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ) أَيْ بِالْحَوْلِ الْكَامِلِ (جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ) وَأَمَّا دُونَ الْحَوْلِ فَلَا تَسْقُطُ بِهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا مُقَدَّرٌ بِالْحَوْلِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْتِ (فَقُدِّرَ بِهِ) أَيْ فَقُدِّرَ حَدُّ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ بِالْحَوْلِ الْكَامِلِ (احْتِيَاطًا) قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّحَاقِ) أَيْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّحَاقِ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَلَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا (قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ: اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَتَمَامِ الْوِلَايَةِ، وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ، وَمَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ، وَمُخْتَلَفٌ فِي تَوَقُّفِهِ وَهُوَ مَا عَدَّدْنَاهُ اهـ. وَقَالَ الشُّرَّاحُ هُنَاكَ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَا عَدَّدْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ. أَقُولُ: فَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُ هَاهُنَا أَنَّ بَعْضَ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ

فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا عَلَى مَا عُرِفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْقُوفٌ عِنْدَهُ. فَكَذَا وَكَالَتُهُ لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ عِبَارَتَهُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ (فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ) أَيْ فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ السَّابِقُ (وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ) حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَمْرُ اللَّحَاقِ (وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ) أَيْ مَرَّ كَوْنُ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَافِذًا عِنْدَهُمَا مَعَ ذِكْرِ دَلِيلِ الطَّرَفَيْنِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ. وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ هَذَا الْمَقَامَ حَيْثُ قَالَ: فِيمَا نُسِبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ نَظَرٌ. إذْ الْمُرْتَدُّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا صَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فَكَيْفَ يَبْطُلُ تَوْكِيلُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِذَلِكَ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السِّيَرِ إنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُرْجَى إسْلَامُهُ فَتَوَقَّفْنَا، فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ الْعَارِضُ كَالْعَدَمِ وَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَعَمَلُ السَّبَبِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ بِمُجَرَّدِ اللَّحَاقِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُوَكِّلِ كَذَلِكَ لَا يَبْطُلُ تَوْكِيلُهُ بِمُجَرَّدِ لَحَاقِهِ عِنْدَهُ اهـ كَلَامُهُ. وَأَقُولُ: هُنَا كَلَامٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ مَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عَنْ الْمَشَايِخِ حَيْثُ قَالَ فِي فَصْلِ مَا يُبْطِلُهُ الِارْتِدَادُ مِنْ بَابِ الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِ أَهْلِهَا مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ: وَإِنْ وَكَّلَ رَجُلًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُوَكِّلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ فِي قَوْلِهِمْ اهـ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي اللَّحَاقِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ. فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِاللَّحَاقِ لِدَارِ الْحَرْبِ فِيمَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ بِهَا. قُلْت: ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا يُسَاعِدُ ذَلِكَ. فَإِنْ جَازَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ وَالْقَوَاعِدِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا حَتَّى تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً وَيَتَلَخَّصُ عَنْ التَّكَلُّفِ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ فِي تَخْصِيصِهَا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ اللَّحَاقُ مَعَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ دُونَ مُجَرَّدِ اللَّحَاقِ فَالْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةٌ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْكَنْزِ: وَالْمُرَادُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِاللَّحَاقِ الْمُبْطِلِ لِلْوَكَالَةِ اللَّحَاقُ مَعَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ دُونَ مُجَرَّدِ اللَّحَاقِ أَنَّ أَسَاطِينَ الْمَشَايِخِ قَيَّدُوا اللَّحَاقَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ عِنْدَ بَيَانِهِمْ بُطْلَانَ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ وَاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ بِصَدَدِ بَيَانِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ لِتَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ وَنَوْعٌ مِنْهَا اخْتَلَفُوا فِي نَفَاذِهِ وَتَوَقُّفِهِ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَبْضِ الدُّيُونِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُوقَفُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، فَإِنْ أَسْلَمَ تَنْفُذُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ تَبْطُلُ، وَعِنْدَهُمَا تَنْفُذُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ اهـ. وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ أَثْنَاءَ بَيَانِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ لِتَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ: وَمِنْهَا مَا اخْتَلَفُوا فِي تَوَقُّفِهِ نَحْوِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَبْضِ الدُّيُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ تَبْطُلُ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ تَنْفُذُ فِي الْحَالِ اهـ. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثِّقَاتِ، حَتَّى أَنَّ صَاحِبَ الْوِقَايَةِ قَالَ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ: وَتُوقَفُ مُفَاوَضَتُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ، إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ وَحُكِمَ بِهِ بَطَلَ اهـ (وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا) لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ (عَلَى مَا عُرِفَ) فِي السِّيَرِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا مِنْ الْهِدَايَةِ: وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ

قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ الشَّرِيكَانِ فَافْتَرَقَا، فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْوَكِيلِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِالْحَجْرِ وَالْعَجْزِ وَالِافْتِرَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوَكِّلَ إذَا ارْتَدَّ تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ بِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ بِدُونِ اللَّحَاقِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَارْتِدَادُهُ بَدَلُ قَوْلِهِ " وَلَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا " انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنَّ وَكَالَتَهُ لَا تَبْطُلُ قَبْلَ مَوْتِ مُوَكِّلَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ أَوْ لُحُوقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ، وَأُخِذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُوَكِّلَ إذَا ارْتَدَّ تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ بِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ بِدُونِ اللَّحَاقِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ ذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ نَافِذٌ قَبْلَ مَوْتِ مُوَكِّلَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ أَوْ لُحُوقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ رَجُلًا فَارْتَدَّ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ لَيْسَ بِنَافِذٍ هُنَاكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ ارْتِدَادِ مُوَكِّلِهِ، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَافْتَرَقَا. وَأَمَّا بُطْلَانُ الْوَكَالَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَانْتَظَمَ السِّبَاقُ وَاللَّحَاقُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْوَكِيلِ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فِيمَا خَلَا التَّوْكِيلَ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّ رِدَّتَهَا تُخْرِجُ الْوَكِيلَ بِالتَّزْوِيجِ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهَا حِينَ كَانَتْ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ وَقْتَ التَّوْكِيلِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي الْحَالِ، ثُمَّ بِرِدَّتِهَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَزْلًا مِنْهَا لِوَكِيلِهَا، فَبَعْدَمَا انْعَزَلَ لَا يَعُودُ وَكِيلًا إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ) أَيْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَعَادَ إلَى الرِّقِّ (أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ) أَيْ أَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ (ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ وَكَانَ التَّوْكِيلُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ بِالْعُقُودِ أَوْ الْخُصُومَات (أَوْ الشَّرِيكَانِ) أَيْ أَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَالِثًا بِشَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَلِهِ بِنَفْسِهِ (فَافْتَرَقَا) أَيْ فَافْتَرَقَ الشَّرِيكَانِ بَعْدَ التَّوْكِيلِ (فَهَذِهِ الْوُجُوهُ) أَيْ الْعَجْزُ وَالْحَجْرُ وَالِافْتِرَاقُ (تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْوَكِيلِ عَلِمَ) . أَيْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ) أَيْ قِيَامُ الْأَمْرِ (بِالْحَجْرِ) فِي الْمَأْذُونِ لَهُ (وَالْعَجْزُ) فِي الْمُكَاتَبِ (وَالِافْتِرَاقُ) فِي الشَّرِيكَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ تَوْكِيلُ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ التَّقَاضِي فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِالْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِيَهُ الْعَبْدُ لَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَلْ يَبْقَى هُوَ مُطَالِبًا بِإِيفَائِهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ مُطَالَبَةِ اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ بِعَقْدِهِ، فَإِذَا بَقِيَ حَقُّهُ بَقِيَ وَكِيلُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْحَجْرِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِمُبَاشَرَةٍ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا بِشَيْءٍ هُوَ وَلِيَهُ ثُمَّ افْتَرَقَا وَاقْتَسَمَا وَأَشْهَدَا أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَمْضَى الْوَكِيلُ مَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ كَتَوْكِيلِهِمَا فَصَارَ وَكِيلًا مِنْ جِهَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَنْعَزِلُ بِنَقْضِهِمَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ مَا وَلِيَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَلِهِ، فَمَا الْفَارِقُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا وُكِّلَ فِيمَا وَلِيَهُ كَانَ لِتَوْكِيلِهِ جِهَتَانِ: جِهَةُ مُبَاشَرَتِهِ، وَجِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا، فَإِنْ بَطَلَتْ جِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْأُخْرَى وَهِيَ مُسْتَنِدَةٌ إلَى حَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَتَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا فِيهَا كَتَوْكِيلِهِمَا فَتَبْقَى فِي حَقِّهِمَا، وَإِذَا وُكِّلَ فِيمَا لَمْ يَلِهِ كَانَ لِتَوْكِيلِهِ جِهَةُ كَوْنِهِ شَرِيكًا لَا غَيْرُ قَدْ بَطَلَتْ بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ اسْتِحْسَانًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ وَكِيلٍ فُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِ عَلَى الْعُمُومِ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَذَلِكَ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِتَصَرُّفٍ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ فَصَارَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِالتَّوْكِيلِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ جَمِيعُهُ جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ إلَّا فِي الشَّرِيكَيْنِ. وَفِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ نَظَرٌ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ، يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَوْ الْمُفَاوَضَةِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْت لَك وَهُوَ الَّذِي وَلِيَ ذَلِكَ ثُمَّ افْتَرَقَا وَاقْتَسَمَا وَأَشْهَدَا أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ أَمْضَى الَّذِي كَانَ وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا وَكَّلَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ وَكَالَةَ أَحَدِهِمَا جَائِزَةٌ عَلَى الْآخَرِ، وَلَيْسَ تَفَرُّقُهُمَا يَنْقُضُ الْوَكَالَةَ، إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ وَكَالَةِ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ أَبْهَمَ الْأَمْرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَلَامِ الْقُدُورِيِّ، وَالْغَالِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّ الْقُدُورِيَّ أَرَادَ بِذَلِكَ الْوَكَالَةَ الثَّانِيَةَ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ لَا الْوَكَالَةَ الِابْتِدَائِيَّةَ الْقَصْدِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمُتَضَمِّنَ وَهُوَ عَقْدُ الشَّرِكَةِ إذَا بَطَلَ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ لَا مَحَالَةَ، وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى، أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ لَا مَحَالَةَ لَيْسَ بِتَامٍّ لَا مَحَالَةَ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْوَكَالَةَ الِابْتِدَائِيَّةَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ بِحَمْلِهِ عَلَى التَّوْكِيلِ بِشَيْءٍ لَمْ يَلِهِ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ كَمَا فَصَّلْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَفِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ: إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْت لَك وَهُوَ الَّذِي وَلِيَ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ التَّوْكِيلِ بِشَيْءٍ لَمْ يَلِهِ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. لَا يُقَالُ: مُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ قَوْلِهِ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَةِ فَلَا يُنَافِيهِ التَّطْبِيقُ بِتَقْيِيدٍ وَتَأْوِيلِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الْمَعْنَى مُشْتَرَكُ الِالْتِزَامِ، فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ قَيَّدَهُ أَيْضًا، وَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ كَمَا تَرَى (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ) أَيْ لَا فَرْقَ فِي الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ (لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ) أَيْ عَزْلٌ عَنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ (فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ) إذْ الْعِلْمُ شَرْطٌ لِلْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ

كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ بَعْدَ جُنُونِهِ وَمَوْتِهِ (وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَكَالَةَ إطْلَاقٌ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ (كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ) أَيْ إذَا بَاعَ مَا وَكَّلَ بِبَيْعِهِ الْمُوَكِّلُ حَيْثُ يَصِيرُ الْوَكِيلُ مَعْزُولًا حُكْمًا لِفَوَاتِ مَحَلِّ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) لَمَّا فَرَّغَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُبْطِلَةِ لِلْوَكَالَةِ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ شَرَعَ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبْطِلَةِ لَهَا مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَا ذُكِرَ (لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ) أَيْ أَمْرُ الْوَكِيلِ (بَعْدَ جُنُونِهِ وَمَوْتِهِ) وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ الَّذِي كَانَ مَأْمُورًا بِهِ لَمْ يَبْقَ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: هَاهُنَا شَائِبَةُ الِاسْتِدْرَاكِ، إذْ لَا يَخْفَى عَلَى أُولِي النُّهَى أَنَّ ذِكْرَ كَوْنِ مَوْتِ الْوَكِيلِ مُبْطِلًا لِلْوَكَالَةِ قَلِيلُ الْجَدْوَى لِأَنَّهُ بَيِّنٌ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ. لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ دَفْعُ احْتِمَالِ جَرَيَانِ الْإِرْثِ مِنْ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْوَكَالَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: احْتِمَالُ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِ الْوَكِيلِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ لَا يَنْدَفِعُ بِالتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَكَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ صَحِيحًا بِالنَّظَرِ إلَى الْوَكِيلِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَبْقَى صَحِيحًا بِالنَّظَرِ إلَى وَارِثِهِ الْحَيِّ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (وَإِنْ لَحِقَ) أَيْ الْوَكِيلُ (بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا أَنْ يَعُودَ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (مُسْلِمًا) هَذَا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَإِنَّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ لَحِقَ الْوَكِيلُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ وَهَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ ارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَقَدَّرَ مَوْتَهُ أَوْ جَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ انْتَهَى. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَالَ) أَيْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ التَّصَرُّفِ لِلْوَكِيلِ عِنْدَ عَوْدِهِ مُسْلِمًا (عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ) أَيْ وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا (لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَكَالَةَ إطْلَاقٌ) أَيْ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَكَالَةَ

رُفِعَ الْمَانِعُ. أَمَّا الْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَإِنَّمَا عَجَزَ بِعَارِضِ اللَّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ، لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ وَبِاللَّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ وَبَطَلَتْ الْوِلَايَةُ فَلَا تَعُودُ كَمِلْكِهِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَأْوِيلِ التَّوْكِيلِ أَوْ الْعَقْدِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ (رُفِعَ الْمَانِعُ) فَإِنَّ الْوَكِيلَ كَانَ مَمْنُوعًا شَرْعًا عَنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ لِمُوَكِّلِهِ، فَإِذَا وَكَّلَهُ رُفِعَ الْمَانِعُ (أَمَّا الْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ) أَيْ بِالْوَكِيلِ: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْدُثُ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ وَوِلَايَةٌ، بَلْ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَهِيَ الْعَقْلُ وَالْقَصْدُ إلَى ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةُ الصَّالِحَةُ لَهُ. (وَإِنَّمَا عَجَزَ) أَيْ وَإِنَّمَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ التَّصَرُّفِ (بِعَارِضِ اللَّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِطْلَاقَ بَاقٍ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ عُرُوضِ هَذَا الْعَارِضِ، وَلَكِنْ إنَّمَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِهَذَا الْعَارِضِ (فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا) وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: صَحَّتْ الْوَكَالَةُ لِحَقِّ الْمُوَكِّلِ وَحَقُّهُ قَائِمٌ بَعْدَ لَحَاقِ الْوَكِيلِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضٍ وَالْعَارِضُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَ يَصِيرُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ زَمَانًا ثُمَّ أَفَاقَ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) أَيْ التَّوْكِيلَ (إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ) أَيْ تَمْلِيكُ وِلَايَةِ تَنْفِيذِ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ لَا إثْبَاتُ وِلَايَةِ أَصْلِ التَّصَرُّفِ لَهُ (لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ) ثَابِتَةٌ لَهُ (بِأَهْلِيَّتِهِ) لِجِنْسِ التَّصَرُّفِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ) أَيْ وَتَمْلِيكُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ مُلْصَقٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِلَا مِلْكٍ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَكَانَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لِلتَّنْفِيذِ بِالْوَكَالَةِ (وَبِاللَّحَاقِ) أَيْ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ (لَحِقَ) أَيْ الْوَكِيلُ (بِالْأَمْوَاتِ) فَبَطَلَ الْمِلْكُ (وَبَطَلَتْ الْوِلَايَةُ) أَيْ إذَا بَطَلَتْ الْوِلَايَةُ بَطَلَ التَّوْكِيلُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ (فَلَا تَعُودُ) أَيْ الْوِلَايَةُ: يَعْنِي إذَا بَطَلَتْ الْوِلَايَةُ فَلَا تَعُودُ (كَمِلْكِهِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ) فَإِنَّهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ تَعْتِقُ أُمُّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُهُ ثُمَّ بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا لَا يَعُودُ مِلْكُهُ فِيهِمَا وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ، فَكَذَلِكَ الْوِلَايَةُ الَّتِي بَطَلَتْ لَا تَعُودُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ إلَى أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ فَلَا يَخْرُجُ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ: قَالَ صَاحِبُ

وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ. وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ وَلَمْ يَزَلْ بِاللَّحَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِنَايَةِ: بَقِيَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ فَإِنَّهُ بَعِيدُ التَّعَلُّقِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ فَيُقَالَ: الْوَكِيلُ لَهُ وِلَايَتَانِ: وِلَايَةُ أَصْلِ التَّصَرُّفِ، وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ، وَالْأُولَى ثَابِتَةٌ لَهُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَبَعْدَهُ، وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْكِيلِ فَكَانَتْ ثَابِتَةً بِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى مَنْطُوقِ قَوْلِهِ إنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ بَعِيدُ التَّعَلُّقِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَفْهُومِ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا إثْبَاتَ وِلَايَةِ أَصْلِ التَّصَرُّفِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ قَبْلُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ لِلْوَكِيلِ لَا إثْبَاتُ وِلَايَةِ أَصْلِ التَّصَرُّفِ لَهُ، حَتَّى يَجُوزَ أَنْ تَعُودَ الْوَكَالَةُ بِعَوْدِ الْوَكِيلِ مُسْلِمًا كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِأَهْلِيَّتِهِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُثْبِتَهَا الْمُوَكِّلُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ اعْتِبَارُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَنَقُولُ: هُوَ دَلِيلٌ عَلَى مُقَدِّمَةٍ مَطْوِيَّةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ الْكَلَامِ بِمَعُونَةِ قَرِينَةِ الْمَقَامِ وَهِيَ لَا إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لَهُ فَلَا إشْكَالَ عَلَى كُلِّ حَالٍ . (وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) أَيْ وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ (لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا) أَيْ الْوَكَالَةَ (تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ) وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يَقُولُ مُحَمَّدٌ: يَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا عَادَ مُسْلِمًا عَادَ إلَيْهِ مَالُهُ عَلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ، كَمَا لَوْ وُكِّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَادَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ) يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا فَرَّقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ: أَيْ بَيْنَ ارْتِدَادِ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ ارْتِدَادِ الْمُوَكِّلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ بِعَوْدِ الْوَكَالَةِ فِي ارْتِدَادِ الْوَكِيلِ إذَا عَادَ مُسْلِمًا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَبِعَدَمِ عَوْدِهَا فِي ارْتِدَادِ الْمُوَكِّلِ إذَا عَادَ مُسْلِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. فَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ) أَيْ وَقَدْ زَالَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ بِرِدَّتِهِ وَالْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى الْبَتَاتِ (وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ) أَيْ وَمَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ (عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ) أَيْ بِالْوَكِيلِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (وَلَمْ يَزَلْ) أَيْ وَلَمْ يَزَلْ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِهِ (بِاللَّحَاقِ) أَيْ بِلَحَاقِ الْوَكِيلِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ فَكَانَ مَحَلُّ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بَاقِيًا، وَلَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَ الْعَارِضُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَرَّ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَسَوَّى بَيْنَ

قَالَ (وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْتَظِمُ وُجُوهًا: مِثْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ بِالْخُلْعِ فَخَالَعَهَا، بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَصْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ عَوْدِ الْوَكَالَةِ فِيهِمَا مَعًا (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ) مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ أَوْ الْإِسْقَاطَاتِ (ثُمَّ تَصَرَّفَ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْتَظِمُ وُجُوهًا كَثِيرَةً) مِنْ الْمَسَائِلِ (مِثْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ) أَيْ الْآخَرُ (بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ (أَوْ بِكِتَابَتِهِ) أَيْ بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ (فَأَعْتَقَهُ) أَيْ أَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ (أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ) فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ حِينَئِذٍ (أَوْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ إيَّاهُ (أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَهُ (فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ فَفَعَلَ الْمُوَكِّلُ مَا وَكَّلَ بِهِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَزْلًا لِلْوَكِيلِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (أَوْ يُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ (أَوْ وَاحِدَةً) أَيْ أَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا) فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ هُنَاكَ أَيْضًا، وَلَا يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ وَقَيَّدَ الْوَاحِدَةَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ بَائِنَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً. فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ تَطْلِيقَاتٍ ثَلَاثًا فَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ طَلَاقَهَا لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَادِرًا عَلَى الطَّلَاقِ كَانَ وَكِيلُهُ أَيْضًا قَادِرًا عَلَيْهِ، وَمَا لَا فَلَا، كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي هَذَا الْأَصْلِ نَوْعُ إشْكَالٍ إذْ لِطَالِبٍ أَنْ يَطْلُبَ الْفَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ هُنَاكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ، مَعَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَادِرٌ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِنَفْسِهِ مَرَّةً أُخْرَى فَلِمَ لَمْ يَقْدِرْ الْوَكِيلُ أَيْضًا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى؟ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ قُدْرَةِ الْوَكِيلِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا فَعَلَ مَرَّةً حَصَلَ الِامْتِثَالُ فَانْتَهَى حُكْمُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْدِرَ الْوَكِيلُ عَلَى التَّطْلِيقِ بَعْدَ تَطْلِيقِ الْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: بُطْلَانُ الْوَكَالَةِ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ بِتَزْوِيجِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى انْقِضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ. قُلْنَا: قَدْ انْقَضَتْ الْحَاجَةُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا بِتَطْلِيقِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ. لَا يُقَالُ: قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى تَكْرَارِ الطَّلَاقِ تَشْدِيدًا لِلْفُرْقَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّزَوُّجِ مَرَّةً أُخْرَى أَيْضًا فَلَمْ يَتَّضِحْ الْفَرْقُ فَتَأَمَّلْ (أَوْ بِالْخُلْعِ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِأَنْ يُخَالِعَ امْرَأَتَهُ (فَخَالَعَهَا) أَيْ فَخَالَعَهَا الْمُوَكِّلُ (بِنَفْسِهِ) فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ هُنَاكَ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ (لَمَّا

تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَأَبَانَهَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلَ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ وَالْعَجْزُ قَدْ زَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصَرَّفَ) فِيمَا وَكَّلَ بِهِ (بِنَفْسِهِ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ) فِي ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ (فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ الْمُوَكِّلُ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَكَّلَ الْآخَرَ بِتَزْوِيجِهَا مِنْهُ (بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا) أَيْ أَبَانَهَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ. (لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ) أَيْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الْمُبَانَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ مَرَّةً أُخْرَى (لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ) أَيْ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمُوَكِّلِ قَدْ انْقَضَتْ بِتَزَوُّجِهَا بِنَفْسِهِ. أَقُولُ: هَاهُنَا كَلَامٌ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ تَفْرِيعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَتَّى عَلَى التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِبُطْلَانِ الْوَكَالَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِي تَزَوُّجِهَا مَرَّةً أُولَى، فَهُوَ الَّذِي تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى مُوجِبِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. وَفَحْوَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَكِيلِ تَزْوِيجُهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ حَتَّى يَتَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فِيهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ أَدَاةَ التَّفْرِيعِ وَيَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَزَوُّجِهَا مَرَّةً أُولَى قَدْ انْقَضَتْ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْحَاجَةِ إلَى تَزَوُّجِهَا مَرَّةً أُخْرَى فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَزَوُّجِهَا مُطْلَقًا قَدْ انْقَضَتْ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ يَحْتَاجُ الرَّجُلُ إلَى تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً لِأَسْبَابٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ. فَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا فَعَلَ مَرَّةً حَصَلَ الِامْتِثَالُ فَانْتَهَى حُكْمُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْوَكِيلُ الْمَرْأَةَ الَّتِي وُكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ (وَأَبَانَهَا) أَيْ وَأَبَانَهَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ يَكُونُ (لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلَ) تِلْكَ الْمَرْأَةَ الْمُبَانَةَ (لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ) أَيْ لِبَقَاءِ حَاجَةِ الْمُوَكِّلِ إلَى تَزَوُّجِهَا (وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ فَبَاعَ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ يَعْنِي بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا (فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَوْ رُدَّ الْعَبْدُ عَلَى الْمُوَكِّلِ (بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى) رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ سِمَاعَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ (لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُوَكِّلِ ذَلِكَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ (مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ) حُكْمًا (فَصَارَ كَالْعَزْلِ) أَيْ فَصَارَ ذَلِكَ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَلَا يَعُودُ وَكِيلًا إلَّا بِتَجْدِيدِ الْوَكَالَةِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَنْ يَبِيعَهُ) أَيْ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ الْعَبْدَ (مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِتَأْوِيلِ التَّوْكِيلِ أَوْ الْعَقْدِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَقَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ (إطْلَاقُ) أَيْ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ وَهُوَ بَاقٍ وَالِامْتِنَاعُ إنَّمَا كَانَ لِعَجْزِ الْوَكِيلِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِخُرُوجِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ (وَالْعَجْزُ قَدْ زَالَ) أَيْ وَعَجْزُ الْوَكِيلِ قَدْ

بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْهِبَةِ فَوَهَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلُ عَدَمِ الْحَاجَةِ. أَمَّا الرَّدُّ بِقَضَاءٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQزَالَ بِعَوْدِ الْعَبْدِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَعَادَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا قَبِلَهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ كَالْعَقْدِ الْمُبْتَدَإِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْوَكِيلُ غَيْرُهُمَا، فَكَانَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً. وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْوَكِيلِ، وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَمَةِ فَقَالَ: وَلَوْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ أَوْ الْآمِرُ ثُمَّ رُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهَا لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَعَادَتْ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِيهَا لِأَنَّ هَذَا السَّبَبَ كَالْعَقْدِ الْمُبْتَدَإِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْوَكِيلُ غَيْرُهُمَا فَكَانَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً، وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ سِوَى الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ إلَّا بِتَجْدِيدِ تَوْكِيلٍ مِنْ الْمَالِكِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَلَا فِي شَرْحِهِ لِلْإِمَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيّ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ فَوَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ أَنْ يَهَبَهُ، مُحَمَّدٌ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ لَمْ يَتَّضِحْ انْتَهَى. فَقَدْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ (بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْهِبَةِ فَوَهَبَ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ هِبَتِهِ حَيْثُ (لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَ) مَرَّةً أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ الْوَاهِبَ بِنَفْسِهِ (مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ كَانَ رُجُوعُهُ مُخْتَارًا (دَلِيلَ عَدَمِ الْحَاجَةِ) إلَى الْهِبَةِ، إذْ لَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا لَمَا رَجَعَ عَنْهَا فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى نَقْضِ الْوَكَالَةِ (أَمَّا الرَّدُّ بِقَضَاءٍ) أَيْ أَمَّا رَدُّ الْمَبِيعِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى الْمُوَكِّلِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ فَهُوَ (بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ) أَيْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُوَكِّلِ الْبَائِعِ (فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلَ زَوَالِ الْحَاجَةِ) إلَى الْبَيْعِ. أَقُولُ: مِنْ الْعَجَائِبِ هَاهُنَا أَنَّ الشَّارِحَ الْعَيْنِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَمَّا الرَّدُّ بِقَضَاءٍ: أَيْ أَمَّا رَدُّ الْهِبَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَفِي شَرْحِ قَوْلِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ: أَيْ اخْتِيَارِ الْوَاهِبِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ رَدِّ الْهِبَةِ بِالِاخْتِيَارِ وَبَيْنَ رَدِّهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ كَيْفَ غَفَلَ عَنْ تَعَلُّقِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْهِبَةِ بِمَا سَبَقَ مِنْ مَسْأَلَةِ تَوْكِيلِهِ بِالْبَيْعِ، وَمَاذَا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُوَكِّلِ (قَدِيمُ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَنْ يَبِيعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. وَذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُشْبِهُ الْهِبَةَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ لَا تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بَعْدَمَا بَاعَ يَتَوَلَّى حُقُوقَ الْعَقْدِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَانِيًا بِحُكْمِهَا، أَمَّا الْوَكَالَةُ بِالْهِبَةِ فَتَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْهِبَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ، فَإِذَا رَجَعَ الْمُوَكِّلُ فِي هِبَتِهِ عَادَ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَلَا وَكَالَةَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْهِبَةِ ثَانِيًا انْتَهَى. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: ثُمَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ سِوَى الْعَزْلِ وَالنَّهْيِ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الْوَكِيلُ بِهَا أَوْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنْ الْوَكَالَةِ، لَكِنْ تَقَعُ الْمُفَارَقَةُ فِيهَا بَيْنَ الْبَعْضِ

[كتاب الدعوى]

(كِتَابُ الدَّعْوَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبَعْضِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَكَذَا لَوْ دَبَّرَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ أَوْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، وَفِيمَا إذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ أَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ الَّذِي وَكَّلَ بِبَيْعِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ هُنَاكَ وَإِنْ صَارَ مَعْزُولًا بِتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ لَكِنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ بِتَرْكِ إعْلَامِهِ إيَّاهُ فَصَارَ كَفِيلًا لَهُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْكَفَالَةِ أَوْ ضَمَانُ الْغُرُورِ فِي الْحَقِيقَةِ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ، وَمَعْنَى الْغُرُورِ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْمَوْتِ وَهَلَاكِ الْعَبْدِ وَالْجُنُونِ وَأَخَوَاتِهَا فَهُوَ الْفَرْقُ. وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ وَهَبَ الْمَالَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَالْوَكِيلُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ الْمَالَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ لِدَافِعِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ الْمُوَكِّلَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ نِيَابَةٍ عَنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِهِ وَقَبْضُ النَّائِبِ كَقَبْضِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَمَا وَهَبَهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَرَجَعَ عَلَيْهِ، فَكَذَا هَذَا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْبَدَائِعِ. [كِتَابُ الدَّعْوَى] لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ الَّتِي هِيَ أَشْهَرُ أَنْوَاعِ الْوَكَالَاتِ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى الدَّعْوَى ذَكَرَ كِتَابَ الدَّعْوَى عَقِيبَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ يَتْلُو السَّبَبَ. ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا أُمُورًا مِنْ دَأْبِ الشُّرَّاحِ بَيَانُ أَمْثَالِهَا فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ، وَهِيَ مَعْنَى الدَّعْوَى لُغَةً وَشَرْعًا وَسَبَبُهَا وَشَرْطُهَا وَحُكْمُهَا وَنَوْعُهَا، فَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلٍ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: مُطَالَبَةُ حَقٍّ فِي مَجْلِسِ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا سَيَجِيءُ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَعْرِيفُهَا بِهَا لِلْمُبَايَنَةِ إلَّا أَنْ تُؤَوَّلَ بِالْمَشْرُوطِ بِالْمُطَالَبَةِ. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُطَالَبَةِ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا يُنَافِي اسْتِقَامَةَ تَعْرِيفِ نَفْسِ الدَّعْوَى بِهَا، إذْ الْمُبَايَنَةُ لِصِحَّةِ الشَّيْءِ لَا تَقْتَضِي الْمُبَايَنَةَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُبَايِنٌ لِصِحَّتِهِ لِكَوْنِهَا وَصْفًا مُغَايِرًا لَهُ وَلَيْسَ بِمُبَايِنٍ لِنَفْسِهِ قَطْعًا غَايَةُ مَا لَزِمَ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ صِحَّةُ الدَّعْوَى مَشْرُوطًا بِالْمُطَالَبَةِ الَّتِي هِيَ نَفْسُ الدَّعْوَى وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ، فَإِنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى وَصْفٌ لَهَا وَتَحَقُّقُ الْوَصْفِ مَشْرُوطٌ بِتَحَقُّقِ الْمَوْصُوفِ دَائِمًا

قَالَ (الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ بَيَانِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهِ الْبَسْطِ وَالتَّفْصِيلِ: وَأَمَّا سَبَبُهَا فَمَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ أَمْرًا رَاجِعًا إلَى إبْقَاءِ نَسْلِهِ أَوْ أَمْرًا رَاجِعًا إلَى بَقَاءِ نَفْسِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا، وَكِلَاهُمَا قَدْ ذُكِرَا، وَأَمَّا شَرْطُ صِحَّتِهَا عَلَى الْخُصُوصِ فَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَجْلِسِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابُ الْمُدَّعِي. وَمِنْ شَرَائِطِ صِحَّتِهَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ دَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِمَا أَنَّ الْفَاسِدَةَ مِنْ الدَّعْوَى هِيَ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مَجْهُولًا، لِأَنَّ عِنْدَ الْجَهَالَةِ لَا يُمْكِنُ لِلشُّهُودِ الشَّهَادَةُ وَلَا لِلْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ، وَأَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَى الْمَطْلُوبِ شَيْءٌ بِدَعْوَاهُ نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ وَكِيلُ هَذَا الْخَصْمِ الْحَاضِرِ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُ هَذِهِ إذَا أَنْكَرَ آخَرُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا حُكْمُهَا فَوُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا، وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ حَتَّى يُوفِيَ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ. وَأَمَّا أَنْوَاعُهَا فَشَيْئَانِ: دَعْوَى صَحِيحَةٌ، وَدَعْوَى فَاسِدَةٌ. فَالصَّحِيحَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُهَا وَهِيَ إحْضَارُ الْخَصْمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَوَابِ وَالْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَ، وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمُدَّعَى بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالنُّكُولِ، وَالدَّعْوَى الْفَاسِدَةُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَفَسَادُ الدَّعْوَى بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مُلْزِمًا لِلْخَصْمِ شَيْئًا وَإِنْ ثَبَتَتْ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ وَكِيلُهُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ وَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا بِالنُّكُولِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِهِ نَوْعُ اخْتِلَالٍ وَاضْطِرَابٍ. فَإِنَّ قَوْلَهُ وَأَمَّا شَرْطُ صِحَّتِهَا عَلَى الْخُصُوصِ إلَى قَوْلِهِ وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِصِحَّتِهَا شُرُوطًا أَرْبَعَةً: وَهِيَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَحُضُورُ الْخَصْمِ، وَكَوْنُ الْمُدَّعَى بِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يَكُونَ فَسَادُهَا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ وَهِيَ: انْتِفَاءَاتُ هَذِهِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ لِمَا أَنَّ الْفَاسِدَةَ مِنْ الدَّعْوَى هِيَ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَصْمُ حَاضِرًا إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ فِي الْحَالِ يُشْعِرُ بِأَنَّ فَسَادَهَا إنَّمَا هُوَ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ عَدَمُ حُضُورِ الْخَصْمِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مَجْهُولًا، وَأَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَى الْمَطْلُوبِ شَيْءٌ بِالدَّعْوَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ إذَا جُعِلَ مُبْتَدَأً كَمَا فِي قَوْلِهِ إنَّ الْفَاسِدَةَ مِنْ الدَّعْوَى فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْخَبَرِ نَحْوُ: الْكَرَمُ التَّقْوَى. وَالْإِمَامُ مِنْ قُرَيْشٍ. عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ وَفَسَادُ الدَّعْوَى بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَسَادَهَا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْمَصْدَرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَفَسَادُ الدَّعْوَى تُفِيدُ الْقَصْدَ نَحْوُ ضَرْبِي زَيْدًا فِي الدَّارِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَأَمَّا أَنْوَاعُهَا فَشَيْئَانِ لَا يَخْلُو عَنْ سَمَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ حَيْثُ حَمَلَ التَّثْنِيَةَ عَلَى الْجَمْعِ بِالْمُوَاطَأَةِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ) وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ

وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ، فَمِنْهَا مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ. وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ قَالَ فِي مَتْنِهِ: الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ لَمْ يَقُلْ إذَا تَرَكَهَا كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ حَالَتَيْ التَّرْكِ وَالْفِعْلِ، وَالْقَيْدُ الْمَذْكُورُ يُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ إذْ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ قِيلَ التَّرْكُ يَلْزَمُ أَنْ يُنْتَقَضَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَالَةَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَصَوُّرِ الْجَبْرِ عَلَى الْفِعْلِ حَالَةَ حُصُولِهِ، وَأَمَّا إيهَامُ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ الِاخْتِصَاصَ فَمَمْنُوعٌ لِانْدِفَاعِهِ بِشَهَادَةِ ضَرُورَةِ الْعَقْلِ عَلَى عَدَمِ تَصَوُّرِ الْجَبْرِ حَالَةَ الْفِعْلِ (وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مِنْ أَهَمِّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى) فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ مُدَّعِيًا صُورَةً وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا فِي الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا (وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (فَمِنْهَا مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ (وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ، وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ) وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ النُّكُولُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ كَمَا سَيُعْلَمُ فِي بَابِ الْيَمِينِ (كَالْخَارِجِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ لَيْسَ بِعَامٍّ: أَيْ جَامِعٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ صُورَةَ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ تَوْضِيحُ كَلَامِهِ وَتَقْرِيرُ مَرَامِهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ قَوْلُ الْمُودَعِ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُودَعَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِحُجَّةٍ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْوَجْهَيْنِ مَعًا أَنَّهُ سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ، فَلِهَذَا أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ دُونَ الصُّورَةِ، فَحِينَئِذٍ لَا ضَيْرَ فِي عَدَمِ تَنَاوُلِ تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي صُورَةَ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى. وَيُمْكِنُ جَوَابٌ آخَرُ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُودَعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعٍ رَدَّ الْوَدِيعَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَبِالْجُمْلَةِ قَيْدُ الْحَيْثِيَّةِ مُعْتَبَرٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ اسْتِحْقَاقَ غَيْرِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ دَفْعَ اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ، بَلْ يَقْتَضِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمُسْتَحِقِّ، فَكَوْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ اسْتِحْقَاقَ غَيْرِهِ لَا يُنَافِي صِحَّةَ تَعْرِيفِهِ بِمَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي بَيَانِ تَعْرِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ هُوَ لِي كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْغَيْرُ اسْتِحْقَاقَهُ. فَإِنْ قُلْت: صِيغَةُ الْفِعْلِ تُفِيدُ التَّجَدُّدَ وَالْحُدُوثَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ فَيَكُونُ مَعْنَى

وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَتَمَسَّكُ بِغَيْرِ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مَنْ يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ اسْتِحْقَاقُهُ بِقَوْلِهِ مَعَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَتَجَدَّدُ وَلَا يَحْدُثُ بِقَوْلِهِ بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى. قُلْت: هَذِهِ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ يُمْكِنُ دَفْعُهَا أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِمَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مَنْ يَكُونُ ثَابِتًا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا مَجَازًا ثَابِتًا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَذِي الْيَدِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ ثَبِّتْنَا عَلَى هُدَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ فَاَلَّذِي يَلْزَمُ حِينَئِذٍ مِنْ صِيغَةِ الْفِعْلِ فِي تَعْرِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ أَنْ يَتَجَدَّدَ الثَّبَاتُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَا أَنْ يَتَجَدَّدَ نَفْسُ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: قَدْ مَرَّ فِي الدَّرْسِ السَّابِقِ أَنَّ لِدَوَامِ الْأُمُورِ الْمُسْتَمِرَّةِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، مَعَ أَنَّ فِي الْعُدُولِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ إلَى قَوْلِهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ إيمَاءً إلَى دَفْعِ هَذَا الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ يَكُونُ اسْتِحْقَاقُهُ دَائِمًا لِدَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ اهـ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ شِقَّيْ جَوَابِهِ نَظَرٌ: أَمَّا فِي شِقِّهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ لِدَوَامِ التَّصَرُّفَاتِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ السَّابِقِ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَتَأَمَّلْ. وَأَمَّا فِي شِقِّهِ الثَّانِي لَا يَذْهَبُ عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ فِي إفَادَةِ التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، لِأَنَّ صِلَةَ مَنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ فَتَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ قَطْعًا، وَكَوْنُ الْخَبَرِ اسْمًا فِي الثَّانِيَةِ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي إفَادَةِ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ أَصْلًا، عَلَى أَنَّ الثِّقَاتِ مِنْ مُحَقِّقِي النُّحَاةِ كَالرَّضِيِّ وَأَضْرَابِهِ صَرَّحُوا بِأَنَّ ثُبُوتَ خَبَرِ بَابِ كَانَ مُقْتَرِنٌ بِالزَّمَانِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْفِعْلِ النَّاقِصِ، إمَّا مَاضِيًا أَوْ حَالًا أَوْ اسْتِقْبَالًا، فَكَانَ لِلْمَاضِي وَيَكُونُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَكُنْ لِلِاسْتِقْبَالِ. وَقَالَ الْفَاضِلُ الرَّضِيُّ: وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ كَانَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ فِي جَمِيعِ الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَشُبْهَتُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] وَذَهِلَ أَنَّ الِاسْتِمْرَارَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَرِينَةِ وُجُوبِ كَوْنِ اللَّهِ سَمِيعًا بَصِيرًا لَا مِنْ لَفْظِ كَانَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَانَ زَيْدٌ نَائِمًا فَاسْتَيْقَظَ، وَكَانَ قِيَاسُ مَا قَالَ أَنْ يَكُونَ كُنْ وَيَكُونُ لِلِاسْتِمْرَارِ أَيْضًا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَكَانَ تَكُونُ نَاقِصَةً لِثُبُوتِ خَبَرِهَا دَائِمًا أَوْ مُنْقَطِعًا رَدٌّ عَلَى ذَلِكَ الْقَائِلِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجِيءُ دَائِمًا كَمَا فِي الْآيَةِ، وَمُنْقَطِعًا كَمَا فِي قَوْلِك كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا، وَلَمْ يَدُلَّ لَفْظُ كَانَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بَلْ ذَلِكَ إلَى الْقَرِينَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. فَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا دَوَامَ فِي مَضْمُونِ خَبَرِ كَانَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ ذُهُولًا. وَأَمَّا الدَّوَامُ فِي خَبَرِ يَكُونُ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ فَمِمَّا لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ قَطُّ، فَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْمُجِيبُ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ فِي التَّعْرِيفِ مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ بِقَوْلِهِ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لَتَمَّ الْفَرْقُ وَلَيْسَ فَلَيْسَ (وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَتَمَسَّكُ بِغَيْرِ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْمُودَعِ فَإِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمُتَمَسِّكٍ بِالظَّاهِرِ إذْ رَدُّ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْفَرَاغَ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَعْدَ الِاشْتِغَالِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى وَكِيلِ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ يُنْكِرُ الْوَكَالَةَ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ يَدَّعِي بَرَاءَةً بَعْدَ الشُّغْلِ فَكَانَتْ عَارِضَةً، وَالشُّغْلُ أَصْلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُورِدَ بِالْعَكْسِ بِأَنَّهُ مُدَّعٍ وَيَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُودَعَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ، وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ هُوَ بِمُتَمَسِّكٍ بِالظَّاهِرِ. قَوْلُهُ إذْ رَدُّ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ. قُلْنَا: مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ تَمَسُّكَهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مُتَمَسِّكٌ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُدَّعٍ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ بَلْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مُلْتَمِسٌ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَهُوَ رَدُّ الْوَدِيعَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ زَعَمَ حَيْثِيَّةَ كَوْنِ الْمُودَعِ مُدَّعِيًا حَيْثِيَّةَ كَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ فَأَوْرَدَ النَّقْضَ عَلَى تَعْرِيفِهِمَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ، كَيْفَ وَلَوْ تَمَّ مَا زَعَمَهُ لَوْ رُدَّ النَّقْضُ بِالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِأَنَّهُ مُدَّعٍ رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَعَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ عَلَى تَسْلِيمِ اعْتِبَارِ جَانِبِ الصُّورَةِ أَيْضًا فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ إنْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ جَانِبُ الْمَعْنَى دُونَ جَانِبِ الصُّورَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ فَلَا يَتَوَجَّهُ النَّقْضُ بِالْعَكْسِ أَصْلًا. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى بَعْضِ مُقَدِّمَاتِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ فِي صُورَةِ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْمُودَعِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ حَتَّى يَكُونَ دَعْوَى الرَّدِّ مِنْهُ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ بَعْدَ الشُّغْلِ، بَلْ إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ إنْكَارِ الضَّمَانِ وَثُبُوتُ الشَّيْءِ فِي ذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ صُورَةِ الدَّيْنِ، وَأُشِيرَ إلَى هَذَا فِي الْكَافِي اهـ. أَقُولُ: نَعَمْ قَدْ أُشِيرَ إلَيْهِ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ رَآهُ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْنَا أَنَّ فِي صُورَةِ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْمُودَعِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَلَكِنْ فِي عُهْدَتِهِ حِفْظُ مَالِ الْوَدِيعَةِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهَا عَقْدُ اسْتِحْفَاظٍ، وَأَنَّ حُكْمَهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُودَعِ فَكَانَ دَعْوَى الرَّدِّ مِنْهُ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ بَعْدَ اشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِالْحِفْظِ، وَالْفَرَاغُ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَعْدَ الِاشْتِغَالِ فَيَتَمَشَّى كَلَامُهُ، وَيَتِمُّ مَرَامُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَخْ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مُجَرَّدِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي كَوْنِ الْفَرَاغِ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَعْدَ الِاشْتِغَالِ، وَإِنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ بِكَوْنِ الِاشْتِغَالِ فِي إحْدَاهُمَا بِالْمَالِ وَفِي الْأُخْرَى بِالْحِفْظِ، فَاَلَّذِي يَقْطَعُ عِرْقَ إيرَادِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ لَا غَيْرُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْأَصْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ، وَهَذَا صَحِيحٌ) لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَرُوِيَ «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» (لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ) أَيْ مَعْرِفَةِ الْمُنْكِرِ (وَالتَّرْجِيحِ بِالْفِقْهِ) أَيْ بِالْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ (عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يَعْنِي إذَا تَعَارَضَ الْجِهَتَانِ فِي صُورَةٍ فَالتَّرْجِيحُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى يَكُونُ بِالْفِقْهِ: أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَهُوَ يَدَّعِي الرَّدَّ صُورَةً، فَلَوْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ، وَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا فَكَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اعْتَبَرَ الصُّورَةَ، وَإِذَا عَجَزَ عَنْهَا اعْتَبَرَ مَعْنَاهَا، فَإِنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. أَقُولُ: شَرْحُ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْوَجْهِ لَا يَكَادُ يَصِحُّ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالتَّرْجِيحُ

قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَعَانِي لَا غَيْرُ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اعْتَبَرَ الصُّورَةَ وَإِذَا عَجَزَ عَنْهَا اعْتَبَرَ مَعْنَاهُ مُخَالِفٌ لَهُ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصُّورَةَ أَيْضًا مُعْتَبَرَةٌ فَيَصِيرُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْعَمَلِ بِالْجِهَتَيْنِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَرْجِيحِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ أَوَّلَ هَذَا الشَّرْحِ مُخَالِفٌ لِآخِرِهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَوَّلِ إذَا تَعَارَضَ الْجِهَتَانِ فِي صُورَةٍ فَالتَّرْجِيحُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى يَكُونُ بِالْفِقْهِ: أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ، صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِهَةُ الْمَعْنَى دُونَ جِهَةِ الصُّورَةِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآخَرِ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اعْتَبَرَ الصُّورَةَ وَإِذَا عَجَزَ عَنْهَا اعْتَبَرَ مَعْنَاهَا، صَرِيحٌ فِي أَنَّ كِلْتَا الْجِهَتَيْنِ مُعْتَبَرَتَانِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَصَدَ تَوْجِيهَ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا وَتَبْيِينَ مَرَامِهِ فَقَالَ: الْمُرَادُ بِالْجِهَتَيْنِ الْإِنْكَارُ الصُّورِيُّ وَالْإِنْكَارُ الْمَعْنَوِيُّ لَا الِادِّعَاءُ الصُّورِيُّ وَالْإِنْكَارُ الْمَعْنَوِيُّ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعْتَبَرٌ حَيْثُ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الرَّدِّ أَيْضًا فَلَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْمَعْنَوِيِّ اهـ. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الشَّرْحَ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ حِينَئِذٍ أَيْضًا، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّورَةِ هَاهُنَا الِادِّعَاءُ الصُّورِيُّ حَيْثُ جَعَلَ الصُّورَةَ قَيْدًا لِلِادِّعَاءِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْإِنْكَارِ الصُّورِيِّ وَالْإِنْكَارِ الْمَعْنَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّعَارُضِ هَاهُنَا مُجَرَّدُ التَّخَالُفِ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ التَّنَافِي فِي الصِّدْقِ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بَيْنَ الْإِنْكَارِ الصُّورِيِّ وَالْإِنْكَارِ الْمَعْنَوِيِّ. أَمَّا عَدَمُ تَحَقُّقِ الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَدَمُ تَحَقُّقِ الثَّانِي بَيْنَهُمَا فَلِأَنَّ الْمُنْكِرَ الْمَعْنَوِيَّ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُودَعُ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ هُوَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ حَيْثُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ، وَالْمُنْكِرُ الصُّورِيُّ هُوَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ حَيْثُ يُنْكِرُ الرَّدَّ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ إنْكَارَيْهِمَا فِي الصِّدْقِ لِجَوَازِ أَنْ يَصْدُقَا مَعًا بِأَنْ لَا يَرُدَّ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لِهَلَاكِ الْوَدِيعَةِ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْجِهَتَانِ فِي قَوْلِهِ: يَعْنِي إذَا تَعَارَضَ الْجِهَتَانِ. وَأَيْضًا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَمَحَلُّ الْإِنْكَارِ الصُّورِيِّ مُغَايِرٌ لِمَحَلِّ الْإِنْكَارِ الْمَعْنَوِيِّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِقِيَامِ أَحَدِهِمَا بِالْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَالْآخَرِ بِالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الِادِّعَاءِ الصُّورِيِّ وَالْإِنْكَارِ الْمَعْنَوِيِّ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا التَّعَارُضُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ فَكَانَ مَوْقِعًا لِلتَّعَارُضِ وَنِعْمَ مَا قِيلَ وَلَنْ يُصْلِحَ الْعَطَّارُ مَا أَفْسَدَ الدَّهْرُ ثُمَّ إنَّ الْحَقَّ عِنْدِي أَنْ يُشْرَحَ هَذَا الْمُقَامَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ: أَيْ جِهَةُ الِادِّعَاءِ الصُّورِيِّ وَجِهَةُ الْإِنْكَارِ الْمَعْنَوِيِّ فَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ: أَيْ بِالْمَعْنَى عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ مَعْنًى وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً، وَأَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ قَبُولِ بَيِّنَةِ الْمُودِعِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ: إنَّمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُودِعِ إذَا أَقَامَهَا عَلَى الرَّدِّ لِدَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهُ، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تُقْبَلُ لِدَفْعِ الْيَمِينِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً قُبِلَتْ، وَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ تُقْبَلُ أَيْضًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِدَفْعِ الْيَمِينِ كَمَا إذَا أَقَامَ الْمُودَعُ بَيِّنَةً عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَالِكِ تُقْبَلُ اهـ. فَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ الْمُرَادُ وَيَرْتَفِعُ الْفَسَادُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَقَدْرَهُ) مِثْلَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ كُرًّا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ لَا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهَا بِأَنَّ هَذِهِ مِلْكٌ لِي، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ قِيمَتَهَا عَلَى مَا سَيُفَصَّلُ. فَإِنْ قُلْتَ: عِبَارَةُ الْكِتَابِ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ

لِأَنَّ فَائِدَةَ الدَّعْوَى الْإِلْزَامُ بِوَاسِطَةِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَالْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ (فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى) عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى، وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ، لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ، وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى وُجُوبُ الْحُضُورِ، وَعَلَى هَذَا الْقُضَاةُ مِنْ آخِرِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْتُ: نَعَمْ، إلَّا أَنَّ الْعِبَارَةَ وَقَعَتْ كَذَلِكَ فِي عَامَّةِ مُعْتَبَرَاتِ الْمُتُونِ فَلَعَلَّهَا بِنَاءً عَلَى انْفِهَامِ الْمُرَادِ بِهَا مِمَّا يُذْكَرُ بَعْدَهَا مِنْ تَفْصِيلِ أَحْوَالِ دَعْوَى الْأَعْيَانِ، وَمَعَ هَذَا قَدْ تَصَدَّى صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إيضَاحًا لِلْمَقَامِ. وَأَمَّا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَمَّا فَهِمُوا الْخَفَاءَ فِيهَا غَيَّرُوهَا فِي مُتُونِهِمْ إلَى التَّصْرِيحِ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الدَّعَاوَى عَلَى حِدَةٍ مَعَ بَيَانِ شَرَائِطِهِ الْمَخْصُوصَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِأَنَّ فَائِدَةَ الدَّعْوَى الْإِلْزَامُ) أَيْ الْإِلْزَامُ عَلَى الْخَصْمِ (بِوَاسِطَةِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَالْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ.) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْإِلْزَامِ فِي الْمَجْهُولِ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي صَدْرِ كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ حُكْمَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ وَإِمَّا بِالْإِنْكَارِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ إنْ أَجَابَ الْخَصْمُ بِالْإِقْرَارِ يُمْكِنُ الْإِلْزَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْهُولِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مُؤَاخَذًا بِإِقْرَارِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الدَّعْوَى فِيهِ أَيْضًا لِظُهُورِ فَائِدَتِهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْجَوَابِ بِالْإِقْرَارِ. وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ الْإِلْزَامَ كَمَا يَتَحَقَّقُ بِوَاسِطَةِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ كَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِوَاسِطَةِ حُجَّةِ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْأَوَّلُ فِي دَعْوَى الْمَجْهُولِ يُتَصَوَّرْ الثَّانِي فِيهَا فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ. لَا يُقَالُ: إقْرَارُ الْخَصْمِ مُحْتَمَلٌ لَا مُحَقَّقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ فِي دَعْوَى الْمَجْهُولِ بَلْ يُحْتَمَلُ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِتَحَقُّقِ الْإِلْزَامِ الَّذِي عُدَّ فَائِدَةَ الدَّعْوَى إمْكَانُ تَحَقُّقِهِ دُونَ وُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ، وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ لَا تَتَحَقَّقَ الْفَائِدَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ دَعَاوَى الْمَعْلُومِ أَيْضًا، كَمَا إذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ وَلَمْ يُقِرَّ الْخَصْمُ بِمَا ادَّعَاهُ بَلْ أَنْكَرَ وَحَلَفَ إذًا حِينَئِذٍ لَا يَقَعُ الْإِلْزَامُ بِالْفِعْلِ قَطْعًا (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْمُدَّعَى (عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا) أَيْ كُلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارَ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ (لِيُشِيرَ) أَيْ الْمُدَّعِي (إلَيْهَا بِالدَّعْوَى) هَذَا الَّذِي ذُكِرَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ أَوْ اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَيْهَا كُلِّفَ إحْضَارَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِيُشِيرَ الشُّهُودُ إلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلِيُشِيرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَيْهَا عِنْدَ الْحَلِفِ (لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ، وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ) حَتَّى قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى وَنَحْوِهِ حَضَرَ الْقَاضِي عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى) أَيْ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ: أَيْ بِمُجَرَّدِهَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وُجُوبُ الْحُضُورِ) أَيْ وُجُوبُ حُضُورِ الْخَصْمِ مَجْلِسَ الْقَاضِي (وَعَلَى هَذَا الْقُضَاةُ) أَيْ عَلَى وُجُوبِ حُضُورِ الْخَصْمِ مَجْلِسَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ الْقُضَاةُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] إلَى قَوْلِهِ {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: 50] سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ لِإِعْرَاضِهِمْ عِنْدَ الطَّلَبِ (مِنْ آخِرِهِمْ) أَيْ مِنْ آخِرِهِمْ إلَى أَوَّلِهِمْ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ بِأَجْمَعِهِمْ، وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَآلِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَيْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا لَا يَخْفَى (فِي كُلِّ عَصْرٍ) فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَعَلَهُ، وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَعَلَا ذَلِكَ، وَالتَّابِعُونَ بَعْدَ

وَوُجُوبُ الْجَوَابِ إذَا حَضَرَ لِيُفِيدَ حُضُورُهُ وَلُزُومُ إحْضَارِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ لِمَا قُلْنَا وَالْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَهُ، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا) لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ (وَوُجُوبُ الْجَوَابِ إذَا حَضَرَ) عَطْفٌ عَلَى وُجُوبِ الْحُضُورِ: أَيْ وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَيْضًا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا (لِيُفِيدَ حُضُورُهُ) أَيْ حُضُورَ الْخَصْمِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حُضُورِهِ الْجَوَابُ (وَلُزُومُ إحْضَارِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ) أَيْ وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَيْضًا لُزُومُ أَنْ يُحْضِرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى (وَالْيَمِينِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى إحْضَارِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، فَالْمَعْنَى: وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَيْضًا لُزُومُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إذَا أَنْكَرَهُ) أَيْ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ (وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ وَسَنَذْكُرُ لُزُومَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ (قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ حَاضِرَةً فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ كَانَتْ غَائِبَةً لَا يَدْرِي مَكَانَهَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي قِيمَةَ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ الْغَائِبَةِ (لِيَصِيرَ الْمُدَّعِي مَعْلُومًا) فَتَصِحُّ الدَّعْوَى بِوُقُوعِهَا عَلَى مَعْلُومٍ (لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ) لِإِمْكَانِ مُشَارَكَةِ أَعْيَانٍ كَثِيرَةٍ فِيهِ، وَإِنْ بُولِغَ فِيهِ فَذَكَرَ الْوَصْفَ لَا يُفِيدُ (وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِهِ) أَيْ وَالْقِيمَةُ شَيْءٌ تُعْرَفُ الْعَيْنُ بِهِ فَذِكْرُهَا يُفِيدُ (وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِهِ: أَيْ وَالْقِيمَةُ شَيْءٌ تُعْرَفُ بِهِ: يَعْنِي وَالْحَالُ أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ مُتَعَذِّرَةٌ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ إذْ ذَاكَ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ الْإِعْلَامُ. وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ

وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمْلَةَ الْمَزْبُورَةَ حَالِيَّةً مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ فَعَلَيْك الِاخْتِبَارُ ثُمَّ الِاخْتِيَارُ (وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ وَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ غَائِبًا وَادَّعَى أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ أَنْ بَيَّنَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهُ وَصِفَتَهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غَصَبَ مِنِّي عَيْنَ كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَمْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ: إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفًا فِيهَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِيَ بَيَانَ الْقِيمَةِ، وَإِذَا كَلَّفَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كَلَّفَهُ بَيَانَ الْقِيمَةِ فَقَدْ أَضَرَّ بِهِ، إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ مِنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي: فَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ أَيْضًا، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ عَنْ مُمَارَسَتِهِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْكَافِي: أَقُولُ فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ، وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيقِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَائِدَةِ جَارٍ فِي جَمِيعِ صُوَرِ دَعْوَى الْمَجْهُولِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، فَيَقْتَضِي صِحَّةَ دَعْوَى الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى كَوْنَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا غَيْرَ مَجْهُولٍ، وَأَنَّ رِوَايَةَ صِحَّةِ دَعْوَى الْعَيْنِ مَعَ جَهَالَةِ الْقِيمَةِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ فَقَطْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي دَفْعِهِ إنَّ مُجَرَّدَ جَرَيَانِ الْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ دَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ دَعْوَى الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى مِنْ عِلَّةٍ مُقْتَضِيَةٍ لَهَا غَيْرِ فَائِدَةٍ مُتَرَتِّبَةٍ عَلَيْهَا، وَقَدْ بَيَّنُوا تَحَقُّقَ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى فِي صُورَةِ دَعْوَى الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ الْمَجْهُولَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ. وَبَقِيَ بَيَانُ الْفَائِدَةِ فِيهَا فَبَيَّنَهَا صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغَرَرِ، بِخِلَافِ سَائِرِ صُوَرِ دَعْوَى الْمَجْهُولِ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا عِلَّةٌ مُقْتَضِيَةٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى فَلَا يُفِيدُ جَرَيَانَ الْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا، وَلَكِنْ يَرِدُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا مِنْ صُوَرِ دَعْوَى الْمَجْهُولِ، كَمَا إذَا كَانَ لِمُوَرِّثِ رَجُلٍ دُيُونٌ فِي ذِمَمِ النَّاسْ وَلَمْ يَعْرِفْ الْوَارِثُ جِنْسَ تِلْكَ الدُّيُونِ وَلَا قَدْرَهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدَهُمَا، فَلَوْ كُلِّفَ ذَلِكَ الْوَارِثُ فِي دَعْوَى تِلْكَ الدُّيُونِ عَلَى الْمَدْيُونِ بِبَيَانِ جِنْسِهَا أَوْ قَدْرِهَا لَتَضَرَّرَ بِهِ، إذْ الْإِنْسَانُ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَالِ مُوَرِّثِهِ وَلَا جِنْسَهُ عِنْدَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَالِ فِي يَدِ مُوَرِّثِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْرِفَهُمَا عِنْدَ كَوْنِهِ فِي ذِمَمِ النَّاسِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ دَعْوَى مِثْلِ تِلْكَ الدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ مِثْلُ مَا قِيلَ فِي صِحَّةِ دَعْوَى الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ الْمَجْهُولَةِ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. ثُمَّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ تُسْمَعُ الدَّعْوَى مَعَ جَهَالَةِ قِيمَةِ الْمُدَّعَى وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ مَعَ جَهَالَةِ قِيمَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ، لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ هَذِهِ الدَّعْوَى وَقَبِلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَمْ يَحْكُمْ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الدَّعْوَى حَيْثُ

قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا حَدَّدَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالُوا: إنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى كَوْنَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا، وَعَلَّلُوهُ بِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ، لَا يُقَالُ: الْقَاضِي يُجْبِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيَانِ قِيمَةِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمَا بَيَّنَ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْجَبْرُ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْجَهَالَةِ، فَإِنَّ التَّجْهِيلَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ أَجْمَلَ مَا اعْتَرَفَ بِلُزُومِهِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ بَلْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ التَّجْهِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْمِلْ شَيْئًا فَلَا وَجْهَ لِإِجْبَارِهِ عَلَى الْبَيَانِ بِمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ فَبَقِيَ الْإِشْكَالُ. فَإِنْ قُلْت: الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ بَلْ يَحْكُمُ بِرَدِّ تِلْكَ الْعَيْنِ نَفْسِهَا إلَى صَاحِبِهَا وَالْجَهَالَةُ فِي قِيمَةِ تِلْكَ الْعَيْنِ لَا فِي نَفْسِهَا فَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ. قُلْت: قَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْعَيْنَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالْقِيمَةِ لَا بِغَيْرِهَا فَالْجَهَالَةُ فِي قِيمَةِ الْعَيْنِ جَهَالَةٌ فِي نَفْسِهَا، وَأَيْضًا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِرَدِّ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إلَى صَاحِبِهَا فَعَجَزَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ عَنْ رَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ فَالْقَاضِي إنْ حَكَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقِيمَةِ تِلْكَ الْعَيْنِ يَعُودُ الْإِشْكَالُ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا يُضَيِّعُ حَقَّ الْمُدَّعِي وَلَا يَظْهَرُ لِسَمَاعِ دَعْوَاهُ وَقَبُولِ بَيِّنَتِهِ فَائِدَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ عَلَى الْخَصْمِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ بَلْ يَحْبِسُهُ لِيَرُدَّ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ إلَى الْمُدَّعِي فَفَائِدَةُ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَقَبُولِ الْبَيِّنَةِ هِيَ الْحَبْسُ. قُلْنَا: إلَى مَتَى يَحْبِسُهُ، إنْ حَبَسَهُ أَبَدًا يَصِيرُ ظَالِمًا لَهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَجْزُهُ عَنْ رَدِّهَا إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ يَمْضِيَ عَلَى الْحَبْسِ مُدَّةٌ يَعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ لَأَظْهَرَهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَإِنْ حَبَسَهُ إلَى مُدَّةِ ظُهُورِ عَجْزِهِ عَنْ رَدِّهَا إلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْزِمَهُ الضَّمَانَ فَمِثْلُ ذَلِكَ لَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ إثْبَاتِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ. وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَخْلُو الْمَقَامُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَنْ ضَرْبٍ مِنْ الْإِشْكَالِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا حَدَّدَهُ) أَيْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي حُدُودَهُ (وَذَكَرَ أَنَّهُ) أَيْ الْعَقَارَ (فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ وَذَكَرَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى. أَقُولُ: هَكَذَا وَقَعَ وَضْعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَامَّةِ مُعْتَبَرَاتِ الْمُتُونِ، وَلَكِنْ فِيهِ قُصُورٌ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ ذِكْرَ حُدُودِ الْعَقَارِ كَافٍ فِي تَعْرِيفِهِ عِنْدَ الدَّعْوَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ صَرَّحَ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى بَلْ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ وَمِنْ ذِكْرِ الْمَحَلَّةِ وَمِنْ ذِكْرِ السِّكَّةِ وَمِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: تَصِحُّ الدَّعْوَى إذَا بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ وَالْحُدُودَ. وَقِيلَ ذِكْرُ الْمَحَلَّةِ وَالسُّوقِ وَالسِّكَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَذِكْرُ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ لَازِمٌ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى أَيْضًا بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْبُدَاءَةِ، فَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْحَاكِمُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شُرُوطِهِ: إذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ، ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلَّةِ، ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ السِّكَّةِ، فَيَبْدَأُ أَوَّلًا بِذِكْرِ الْكُورَةِ ثُمَّ بِالْمَحَلَّةِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ يَنْزِلَ مِنْهُ إلَى الْأَخَصِّ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ: يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ، فَيَقُولُ دَارٌ فِي سِكَّةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي كُورَةِ كَذَا

لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّعْرِيفُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ النَّقْلِ فَيُصَارُ إلَى التَّجْدِيدِ فَإِنَّ الْعَقَارَ يُعْرَفُ بِهِ، وَيَذْكُرُ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ، وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْحُدُودِ وَأَنْسَابَهُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يَكْتَفِي بِذِكْرِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةً مِنْ الْحُدُودِ يُكْتَفَى بِهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ يُخْتَلَفُ بِهِ الْمُدَّعَى وَلَا كَذَلِكَ بِتَرْكِهَا، وَكَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ، وَفِي الْعَقَارِ لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي وَتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بَلْ لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَاسَهُ عَلَى النَّسَبِ حَيْثُ يَقُولُ فُلَانٌ ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يَذْكُرُ الْجَدَّ. فَيَبْدَأُ بِمَا هُوَ الْأَقْرَبُ ثُمَّ يَتَرَقَّى إلَى الْأَبْعَدِ. قَالَ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَحْسَنُ، لِأَنَّ الْعَامَّ يُعْرَفُ بِالْخَاصِّ وَلَا يُعْرَفُ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ وَفَصْلُ النَّسَبِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَعَمَّ اسْمُهُ، فَإِنَّ جَعْفَرًا فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ، فَإِنْ عُرِفَ فِيهَا وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْأَخَصِّ فَيَقُولُ ابْنُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا أَخَصُّ، فَإِنْ عُرِفَ فِيهَا وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْجَدِّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الشُّرُوطِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْأَعَمِّ أَوْ بِالْأَخَصِّ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ فِي الْبُدَاءَةِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ انْتَهَى. وَقَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ: قُلْت اخْتِلَافَاتُ أَهْلِ الشُّرُوطِ أَنَّهُ يَنْزِلُ مِنْ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ، أَوْ مِنْ الْأَخَصِّ إلَى الْأَعَمِّ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى شَرْطِيَّةِ الْبَيَانِ انْتَهَى. فَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ كُلِّهِ أَنَّ ذِكْرَ الْحُدُودِ لَيْسَ بِكَافٍ فِي تَعْرِيفِ الْعَقَارِ، بَلْ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ ذِكْرِ الْبَلْدَةِ وَالْمَحَلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا قُرِّرَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ لُزُومِ التَّحْدِيدِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ (لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّعْرِيفُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ النَّقْلِ) أَيْ نَقْلِ الْعَقَارِ (فَيُصَارُ إلَى التَّحْدِيدِ، فَإِنَّ الْعَقَارَ يُعْرَفُ بِهِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ تَعَذَّرَ النَّقْلِ لَا يَقْتَضِي تَعَذُّرَ التَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْضُرَ الْقَاضِي عِنْدَ الْعَقَارِ أَوْ يَبْعَثَ أَمِينَهُ إلَيْهِ فَيُشِيرَ الْمُدَّعَى إلَيْهِ فِي مَحْضَرِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ بِعَيْنِ مَا قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى وَنَحْوِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يُتَعَذَّرُ نَقْلُهَا نَادِرَةٌ فَالْتُزِمَ فِيهَا حُضُورُ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ عِنْدَهَا لِعَدَمِ تَأَدِّيهِ إلَى الْحَرَجِ، بِخِلَافِ الْعَقَارَاتِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ، فَلَوْ كُلِّفَ الْقَاضِي بِحُضُورِهِ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينَهُ إلَيْهَا لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ فَافْتَرَقَا (وَيَذْكُرُ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْحُدُودِ وَأَنْسَابَهُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْأَبِ يَكْفِي (وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا) مِثْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى (يَكْتَفِي بِذِكْرِهِ) يَعْنِي لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ حِينَئِذٍ لِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِالِاسْمِ بِلَا ذِكْرِ النَّسَبِ. وَفِي الدَّارِ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْدِيدِ وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الشُّهْرَةَ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ، وَلَهُ إنْ قَدَّرَهَا لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالتَّحْدِيدِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (فَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةً مِنْ الْحُدُودِ يَكْتَفِي بِهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ) دَلِيلٌ لَنَا: يَعْنِي أَنَّ إقَامَةَ الْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ فَنَعْمَلُ بِهِ هَاهُنَا أَيْضًا (بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعَةِ) أَيْ فِي الْحَدِّ الرَّابِعِ وَأَنَّثَهُ الْمُصَنِّفُ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ يَعْنِي إذَا ذَكَرَ الْحُدُودَ الثَّلَاثَةَ وَسَكَتَ عَنْ الرَّابِعِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ الْحَدَّ الرَّابِعَ أَيْضًا وَغَلِطَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ (لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ) أَيْ بِالْغَلَطِ (الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِكَ بِتَرْكِهَا) وَنَظِيرُ مَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَتَرَكَا ذِكْرَ الثَّمَنِ جَازَ، وَلَوْ غَلِطَا فِي الثَّمَنِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ صَارَ عَقْدًا آخَرَ بِالْغَلَطِ، وَبِهَذَا الْفَرْقِ بَطَلَ قِيَاسُ زُفَرَ التَّرْكَ عَلَى الْغَلَطِ (وَكَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ) فَيَجْرِي فِي الثَّانِيَةِ مَا يَجْرِي فِي الْأُولَى (وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَذَكَرَ أَنَّهُ) يَعْنِي الْعَقَارَ (فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا) أَيْ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ (إذَا كَانَ فِي يَدِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ (وَفِي الْعَقَارِ لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي وَتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ) أَيْ الْعَقَارَ (فِي يَدِهِ بَلْ لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ) بِأَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ عَايَنُوا أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ قَالُوا سَمِعْنَا إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، وَكَذَا الْحَالُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَدْ لَا يُفَرِّقُ الشُّهُودُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْقَاضِي

أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ إذْ الْعَقَارُ عَسَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعَنْ مُعَايَنَةٍ تَشْهَدُونَ أَمْ عَنْ سَمَاعٍ، كَذَا ذُكِرَ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى (أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي) عَطْفٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ أَيْ أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ يَكْفِي تَصْدِيقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ (نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ إذْ الْعَقَارُ عَسَاهُ) أَيْ لَعَلَّهُ (فِي يَدِ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُصَدِّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَ بِأَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ فِي يَدِ الثَّالِثِ فَكَانَ ذَلِكَ قَضَاءً بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى نَقْضِ الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ أَنَّهُ فِي يَدِ الثَّالِثِ اهـ كَلَامُهُ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْمَعْنَى صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ثُمَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ثُمَّ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ لَا يَدَّعِي عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا بَلْ يُصَدِّقُ الْمُدَّعِي فِي قَوْلِهِ إنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَصْدِيقَ الْآخَرِ لَيْسَ بِدَعْوَى عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمُ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الدَّعْوَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِحُجَّةٍ مِنْ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَقَدْ انْتَفَتْ بِقِسْمَيْهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. أَمَّا انْتِفَاءُ الْبَيِّنَةِ فَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنْ لَا تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ هُوَ الْإِخْبَارُ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا مِنْ الْمُدَّعِي بِالنِّسْبَةِ إلَى حَقِّ الْيَدِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحُجَّةُ أَصْلًا لِثُبُوتِ الْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ لِيَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْيَدِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ. وَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا هُوَ أَنَّ الْعَقَارَ قَدْ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَهُمَا يَتَوَاضَعَانِ عَلَى أَنْ يُصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ لَهُ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِكَوْنِهِ لَهُ فَيَصِيرُ هَذَا قَضَاءً لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ فِي الْوَاقِعِ وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى نَقْضِ الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ فِي يَدِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلَقَدْ أَفْصَحَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ عَنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ الْخَصَّافُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّ فِي يَدِهِ الدَّارَ الَّتِي حَدُّهَا كَذَا وَبَيَّنَ حُدُودَهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ عَلَى الْمِلْكِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُمَا تَوَاضَعَا فِي مَحْدُودٍ فِي يَدِ ثَالِثٍ عَلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ أَحَدُهُمَا فَيَقُولَ الْآخَرُ بِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَيُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَتَهُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ وَالدَّارُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا

بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ. وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ، وَبِالْمُطَالَبَةِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الْمَنْقُولِ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَضَاءٌ عَلَى الْمُسَخَّرِ اهـ (بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ) فَلَا مَجَالَ لِلْمُوَاضَعَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى تَقْدِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُطَالَبَةِ فَتَأَمَّلْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ فَكَانَ مَعْنَاهُ الْمُطَالَبُ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ إيرَادِهِ وَجَوَابِهِ سَاقِطٌ. أَمَّا سُقُوطُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي طَلَبِهِ لَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى حَقِّهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ ضَمِيرُ حَقِّهِ وَهُوَ الْمُدَّعِي؛ فَالْمَعْنَى الْمُطَالَبَةُ حَقُّ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُدَّعِي حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْقَاضِي إعَانَتُهُ فَلَا مُسَامَحَةَ أَصْلًا. وَأَمَّا سُقُوطُ الثَّانِي فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ مِنْ طَالَبَهُ بِكَذَا فَالْمُطَالَبُ الْمَفْعُولُ هَاهُنَا هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْبَاءُ هُوَ الْمُدَّعِي، فَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُطَالَبُ حَقُّ الْمُدَّعِي صَارَ الْمَعْنَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَلَا خَفَاءَ فِي فَسَادِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمُدَّعَى أَيْضًا لَيْسَ بِحَقِّ الْمُدَّعِي أَلْبَتَّةَ، بَلْ إنْ ثَبَتَ دَعْوَى الْمُدَّعِي يَكُونُ الْمُدَّعَى حَقَّهُ وَإِلَّا فَلَا، فَفِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ مِنْ أَيْنَ ثَبَتَ أَنَّهُ حَقُّهُ حَتَّى يَتِمَّ أَنْ يُقَالَ هُوَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حَقُّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ أَيْضًا عَلَى زَعْمِهِ، لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى تَقْدِيرِ قَيْدٍ عَلَى زَعْمِهِ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى جَعْلِ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ شَأْنَ الْمُصَنِّفِ بِمَعْزِلٍ عَنْ مِثْلِ هَذَا التَّعَسُّفِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ اسْمَ مَفْعُولٍ وَالتَّأْنِيثُ بِتَأْوِيلِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا اهـ. أَقُولُ: هَذَا بَعِيدٌ عَنْ الْحَقِّ، وَأَبْعَدُ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي جَوَابِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي سُقُوطِ جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ عَنْ كُلِّ مَطْلُوبٍ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَطْلُوبٍ مُذَكَّرٌ بِمُؤَنَّثٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، بِخِلَافِ مَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ (وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْمُدَّعَى (مَرْهُونًا فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ) فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَوْ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ (وَبِالْمُطَالَبَةِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ) إذْ لَوْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ لَمَا طَالَبَ بِالِانْتِزَاعِ مِنْ ذِي الْيَدِ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَوْ الثَّمَنِ (وَعَنْ هَذَا) أَيْ بِسَبَبِ هَذَا الِاحْتِمَالِ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (فِي الْمَنْقُولِ) أَيْ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ (يَجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) أَيْ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي أَدَّعِيهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإزَالَةً لِهَذَا الِاحْتِمَالِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ فِي تَيْنِكَ الصُّورَتَيْنِ بِحَقٍّ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرَ الْمُطَالَبَةَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ أَيْضًا فَقَدْ حَصَلَ زَوَالُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ فِيهَا بِذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ، كَمَا فِي دَعْوَى الْعَقَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ زِيَادَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ، كَمَا لَا تَجِبُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ الْمُطَالَبَةَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ يَكُونُ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي وُجُوبِ ذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ وَدَعْوَى الدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ مَنْقُوضًا بِصُورَةِ دَعْوَى الْمَنْقُولِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِنَوْعِ بَسْطٍ فِي الْكَلَامِ وَتَحْقِيقٍ فِي الْمَقَامِ، وَهُوَ أَنَّ ذِكْرَ الْمُطَالَبَةِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ أَيْضًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ، لَكِنْ لَا يَجِبُ ذِكْرُهَا قَبْلَ إحْضَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَنْقُولَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، بَلْ إنَّمَا يَجِبُ ذِكْرُهَا بَعْدَ إحْضَارِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ إعْلَامَ الْمُدَّعِي بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ، وَذَلِكَ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِشَارَةِ كَمَا مَرَّ، فَمَا لَمْ يُحْضِرْ الْمَنْقُولَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لَمْ تَحْصُلْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَمَا لَمْ يَحْصُلْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لَمْ يَصِرْ مَعْلُومًا بِمَا يَجِبُ إعْلَامُهُ بِهِ، وَمَا لَمْ يَصِرْ مَعْلُومًا بِهَذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ، يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي، لِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ حَيْثُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مَا بَقِيَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَمَامُ الدَّعْوَى لَمْ يَجِبْ ذِكْرُ الْمُطَالَبَةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَمَامُ الدَّعْوَى، فَلَمْ يَجِبْ قَبْلَهُ عَلَى الْمُدَّعِي ذِكْرُ الْمُطَالَبَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ قَبْلَهُ عَلَيْهِ ذِكْرُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إزَالَةً لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارُ الْمُدَّعَى الْمَنْقُولِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَيَصِحُّ لِلْقَاضِي تَكْلِيفُهُ بِإِحْضَارِهِ إلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى زِيَادَةِ قَيْدِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ لِأَجْلِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارُ الْمُدَّعَى إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَوُجُوبُ إحْضَارِ الْمُدَّعَى إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي مُخْتَصٌّ بِدَعْوَى الْمَنْقُولِ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ فَوَجَبَ زِيَادَةُ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ دُونَ غَيْرِهَا. ثُمَّ لَمَّا زِيدَ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ قَبْلَ إحْضَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعَى إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَزَالَ الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ بِهِ لَمْ يَبْقَ لِذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ فِيهَا بَعْدَ إحْضَارِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ إلَّا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ كَمَا هِيَ الْعِلَّةُ فَقَطْ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْعَقَارِ فَإِنَّ لِذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ فِيهَا عِلَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَبِهَذَا الْبَسْطِ وَالتَّحْقِيقِ تَبَيَّنَ انْدِفَاعُ اعْتِرَاضِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْقَوْمِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِلْوِقَايَةِ: أَقُولُ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْمَلُ الْعَقَارَ أَيْضًا، فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمَنْقُولِ بِهَذَا الْحُكْمِ اهـ. ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا كَلِمَاتٍ أُخْرَى لِلْفُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْقُلَهَا وَنَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا. فَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ أَجَابَ عَنْ اعْتِرَاضِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: إنَّ دِرَايَةَ وَجْهِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ مُسَلَّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ دَعْوَى الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ، كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ يَجِبُ دَفْعُهَا لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، كَمَا قَالُوا إنَّ شُبْهَةَ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ. إذَا عَرَفْتهمَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْعَقَارِ شُبْهَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَاهَدٍ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَوَجَبَ دَفْعُهَا فِي دَعْوَى الْعَقَارِ بِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى، وَبَعْدَ ثُبُوتِهِ يَكُونُ احْتِمَالُ كَوْنِ الْيَدِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ بِحَقِّ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ. وَأَمَّا الْيَدُ فِي الْمَنْقُولِ فَلِكَوْنِهِ مُشَاهَدًا لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِ الْيَدِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ فَوَجَبَ دَفْعُهَا لِتَصِحَّ الدَّعْوَى اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْجَوَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالشُّرُوحِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُطَالَبَةِ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا لِيَزُولَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مَرْهُونًا أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ، وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ وَأَوْجَبُوا دَفْعَهُ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ الَّتِي لَمْ يَعْتَبِرُوهَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَدَبِّرِ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَإِنْ أَرَدْت تَحْقِيقَ الْمَقَامِ وَتَلْخِيصَ الْكَلَامِ، فَاسْتَمِعْ لِمَا يُتْلَى عَلَيْك مُسْتَعِينًا بِالْمَلِكِ الْعَلَّامِ، وَمُسْتَمِدًّا مِنْ وَلِيِّ الْفَيْضِ وَالْإِلْهَامِ، فَأَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ فِي الْعَقَارِ شُبْهَةً فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ شُبْهَةً فِي كَوْنِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَنَّ الثَّانِيَةَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ أَقَاوِيلَهُمْ، وَأَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ إلَّا إذَا انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ فَإِنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ حِينَئِذٍ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ غَائِبَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ هُوَ شُبْهَةُ دَعْوَى النِّكَاحِ إذَا حَضَرَتْ ثُمَّ شُبْهَةُ صِدْقِهَا فِي تِلْكَ الدَّعْوَى فَلَا تُعْتَبَرُ لِكَوْنِهَا شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ. وَأَمَّا إذَا حَضَرَتْ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَادَّعَتْ النِّكَاحَ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الصِّدْقِ. إذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فَنَقُولُ: لَوْ أَتَى مُدَّعِي الْعَقَارِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَالَ هُوَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَدْ قَرَعَ سَمْعَك مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي كَلَامٍ مُثْبَتٍ أَوْ مَنْفِيٍّ تَقْيِيدٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَمَنَاطُ الْإِفَادَةِ هُوَ ذَلِكَ الْقَيْدُ يَلْزَمُ عَكْسُ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الِاهْتِمَامُ بِدَفْعِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ مَعَ بَقَاءِ الشُّبْهَةِ بِحَالِهَا، فَأَحَالُوا دَفْعَهَا إلَى كَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مُتَأَخِّرٍ بِحَسَبِ الرُّتْبَةِ عَنْ ثُبُوتِ الْيَدِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَّعِي أُطَالِبُهُ فَإِنَّ فِي تِلْكَ الرُّتْبَةِ انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ بِطَرِيقِهَا وَبَقِيَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَأَوْجَبُوا تِلْكَ الزِّيَادَةِ لِتَنْدَفِعَ بِهَا شُبْهَةُ كَوْنِ الْيَدِ بِحَقٍّ. أَوْ نَقُولُ: لَوْ زَادَ الْمُدَّعِي قَوْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، شُبْهَةُ كَوْنِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَلْزَمُ اعْتِبَارُ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةٌ مَرْتَبَةً عَنْ ثُبُوتِ الْيَدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْدِفَاعِهَا بِهِ مَحْذُورٌ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا فَإِنَّهُ هُوَ الْكَلَامُ الْفَصْلُ وَالْقَوْلُ الْجَزْلُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي الْمَنْقُولِ كَالْمُطَالَبَةِ فِي الدُّيُونِ لَيْسَ لِدَفْعِ الِاحْتِمَالِ بَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْعَقَارِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَأَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْفَاضِلُ هَاهُنَا وَسَمَّاهُ بِالتَّحْقِيقِ مِمَّا لَا يُجْدِي طَائِلًا وَمَا هُوَ بِذَلِكَ التَّلْقِيبِ بِحَقِيقٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ خُلَاصَةَ كَلَامِهِ هِيَ أَنَّ مُدَّعِي الْعَقَارِ لَوْ أَتَى بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَجَعَلَهَا قَيْدًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَقَصَدَ بِهَا دَفْعَ شُبْهَةِ كَوْنِ الْيَدِ بِحَقٍّ لَزِمَ اعْتِبَارُ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَالِاهْتِمَامُ بِدَفْعِهَا مَعَ بَقَاءِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَيْرِ بِحَالِهَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْيَدِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ قَبْلُ انْدِفَاعِ الشُّبْهَةِ، فَأَحَالُوا دَفْعَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ إلَى كَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مُتَأَخِّرٍ فِي الرُّتْبَةِ عَنْ ثُبُوتِ الْيَدِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَّعِي أُطَالِبُهُ، فَإِنَّ فِي تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ وَبَقِيَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ مُعْتَبَرَةً، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِيهِ مُشَاهَدٌ فَلَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَأَوْجَبُوا

قَالَ (وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ ذُكِرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا) لِيَنْكَشِفَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ (فَإِنْ اعْتَرَفَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQتِلْكَ الزِّيَادَةَ لِيَنْدَفِعَ بِهَا شُبْهَةُ كَوْنِ الْيَدِ بِحَقٍّ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْهَا أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِتْيَانُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ عَلَى أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ قَيْدًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى أَنْ تُجْعَلَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي إنَّهُ فِي يَدِهِ وَإِنَّ يَدَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ تَصِيرُ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا كَمَا تَرَى وَتَصِيرُ مُتَأَخِّرًا فِي الرُّتْبَةِ عَنْ ثُبُوتِ الْيَدِ كَقَوْلِهِ أُطَالِبُهُ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ حَقَّ ذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْيَدِ، كَذَلِكَ حَقُّ ذِكْرِ أَنَّ يَدَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، إذْ قَبْلَ ثُبُوتِ الْيَدِ كَمَا لَا فَائِدَةَ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا فَائِدَةَ أَيْضًا فِي بَيَانِ أَنَّ يَدَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ عَدَمِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ. وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ مَا ذَكَرَهُ وَجْهٌ لَفْظِيٌّ مَخْصُوصٌ بِصُورَةِ كَوْنِ الزِّيَادَةِ قَيْدًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ لَا وَجْهٌ فِقْهِيٌّ عَامٌّ لِجَمِيعِ صُوَرِ الزِّيَادَةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ قَطْعًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي الْمَقَامِ بِأَنَّ شُبْهَةَ كَوْنِ الْيَدِ بِحَقٍّ تَنْدَفِعُ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ أَيْضًا بِالْمُطَالَبَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي دَعْوَى الْمَنْقُولِ كَمَا تُتْرَكُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ، وَلَا يَنْحَلُّ هَذَا الْإِشْكَالُ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي الْمَنْقُولِ كَالْمُطَالَبَةِ فِي الدُّيُونِ لَيْسَ لِدَفْعِ الِاحْتِمَالِ بَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْعَقَارِ انْتَهَى؛ لِأَنَّ دَفْعَ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ يَحْصُلُ قَطْعًا مِنْ ذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ فِي الْمَنْقُولِ أَيْضًا فَلَا يُدْفَعُ: أَيْ لَا يُقْصَدُ بِهَا دَفْعُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ فِي الْمَنْقُولِ اسْتِدْرَاكُ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ. وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّحْقِيقِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ هَذَا الْإِشْكَالُ كَمَا يَنْدَفِعُ بِهِ اعْتِرَاضُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ كَمَا تَحَقَّقْته مِنْ قَبْلُ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هُدَانَا اللَّهُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى حَقًّا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ: يَعْنِي إنْ كَانَ دَيْنًا لَا عَيْنًا (ذُكِرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) يَعْنِي ذُكِرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ عَلَى مَا فَصَّلَ فِيمَا مَرَّ (لِمَا قُلْنَا) تَعْلِيلٌ لِمُجَرَّدِ ذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ فِيهِ وَإِشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ (وَهَذَا) أَيْ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ (لِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ) أَيْ تَعْرِيفِ مَا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الدَّيْنُ (بِالْوَصْفِ) أَيْ بِالصِّفَةِ؛ فَالْمَعْنَى: لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِيمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ، وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ (لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ: أَيْ الصِّفَةِ، بِأَنْ يُقَالَ إنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَزْنِيًّا إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ. أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَمَا ذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ وَمُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَصْفِ هَاهُنَا مَعْنَى الصِّفَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ حَيْثُ مَعْنَى الْمَقَامِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِهِ مَعْنَى الْبَيَانِ، فَالْمَعْنَى: لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ مَا فِي الذِّمَّةِ أَيْضًا بِالْبَيَانِ: أَيْ بِبَيَانِ مَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ مُطْلَقًا، وَمِنْ نَوْعِهِ وَصِفَتِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى مَا فَصَّلَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ. وَبِالْجُمْلَةِ لَا بُدَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْإِعْلَامِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ بِهِ التَّعْرِيفُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى) أَيْ وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِشُرُوطِهَا (سَأَلَ) أَيْ الْقَاضِي (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الدَّعْوَى (لِيَنْكَشِفَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ) أَيْ لِيَنْكَشِفَ لِلْقَاضِي وَجْهُ الْحُكْمِ: أَيْ طَرِيقُهُ إنْ ثَبَتَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَإِنَّ الْحُكْمَ مِنْهُ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: الْبَيِّنَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالنُّكُولُ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا طَرِيقٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ لِيَنْكَشِفَ لَهُ طَرِيقُ حُكْمِهِ (فَإِنْ اعْتَرَفَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا) أَيْ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى بِمَعْنَى الْمُدَّعَى

لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ فَيَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ عَنْهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " أَلَك بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينُهُ " سَأَلَ وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى فَقْدِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِحْلَافُ . قَالَ (فَإِنْ أَحْضَرَهَا قُضِيَ بِهَا) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهَا (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ) اسْتَحْلَفَهُ (عَلَيْهَا) لِمَا رَوَيْنَا، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ كَيْفَ أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِمُوجِبِ الدَّعْوَى. ثُمَّ إنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْقَضَاءِ هَاهُنَا تَوَسُّعٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، فَكَانَ الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي إلْزَامًا لِلْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَقَدْ جَعَلَهَا الْقَاضِي حُجَّةً بِالْقَضَاءِ بِهَا وَأَسْقَطَ جَانِبَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِهَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ فَيَأْمُرُهُ) أَيْ يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالْخُرُوجِ عَنْهُ) أَيْ عَمَّا يُوجِبُهُ الْإِقْرَارُ (وَإِنْ أَنْكَرَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (سَأَلَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) أَيْ طَلَبَ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) أَيْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُدَّعِي (أَلَك الْبَيِّنَةُ؟ فَقَالَ لَا) أَيْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي (فَقَالَ) أَيْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَك يَمِينُهُ) أَيْ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (سَأَلَ) أَيْ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُدَّعِيَ عَنْ الْبَيِّنَةِ (وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى فَقْدِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ) أَيْ فَلَا بُدَّ لِلْقَاضِي مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْبَيِّنَةِ (لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِحْلَافُ) أَيْ لِيُمْكِنَ الْقَاضِيَ اسْتِحْلَافُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ فَقْدِ الْبَيِّنَةِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ أَحْضَرَهَا) أَيْ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ (قَضَى بِهَا) أَيْ قَضَى الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ (لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الدَّعْوَى لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ: أَيْ الْبَيِّنَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ يَظْهَرُ بِهَا الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ، وَقِيلَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيْنِ إذْ بِهَا يَقَعُ الْفَصْلُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ كَذَا فِي الْكَافِي (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ (وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (اسْتَحْلَفَهُ عَلَيْهَا) أَيْ اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي خَصْمَهُ عَلَى دَعْوَاهُ (لِمَا رَأَيْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَك يَمِينُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا (وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ) أَيْ مِنْ طَلَبِ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَ خَصْمِهِ (لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُدَّعِي (أَلَا يَرَى أَنَّهُ كَيْفَ أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ) أَيْ كَيْفَ أُضِيفَ الْيَمِينُ إلَى الْمُدَّعِي بِحَرْفِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَك يَمِينُهُ» وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاخْتِصَاصِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أُضِيفَ بِتَذْكِيرِ الْفِعْلِ مَعَ كَوْنِهِ مُسْنَدًا إلَى ضَمِيرِ الْيَمِينِ الَّتِي هِيَ مُؤَنَّثٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقَسَمِ أَوْ الْحَلِفِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَالْفِقْهُ فِيهِ: أَيْ فِي كَوْنِ الْيَمِينِ حَقَّ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتْوَى حَقَّهُ بِإِنْكَارِهِ فَشُرِعَ الِاسْتِحْلَافُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ يَكُونُ إتْوَاءً بِمُقَابَلَةِ إتْوَاءً، فَإِنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَلَّا يَنَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الثَّوَابَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ صَادِقًا، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بِوَجْهٍ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْكَافِي: ثُمَّ إنَّمَا رَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى الْبَيِّنَةِ لَا عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى لِأَنَّ فِيهِ إسَاءَةَ الظَّنِّ بِالْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَوَجَبَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي لِإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِهِ بِهَا، فَيُطَالِبُهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّذْكِيرِ لَهُ، فَلَوْ قَدَّمْنَا الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إذْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الْيَمِينِ، فَلَوْ حَلَّفْنَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ افْتَضَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَبَيَّنَ وَجْهَ النَّظَرِ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ لَوْ وَرَدَ بِتَقْدِيمِ الْيَمِينِ لَمَا كَانَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مَشْرُوعَةً، كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْيَمِينَ بَعْدَهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ لَمَّا كَانَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مَشْرُوعَةً فِيهِ بَحْثٌ، بَلْ تَكُونُ مَشْرُوعِيَّةُ الْبَيِّنَةِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْيَمِينِ بِأَنْ نَكَلَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: بَحْثُهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لَمَّا كَانَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ وَصُدُورِهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَشْرُوعَةً يُرْشِدُ إلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْيَمِينَ بَعْدَهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ، وَمُرَادُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ إذْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الْيَمِينِ مَشْرُوعِيَّةَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ وَصُدُورِهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ افْتِضَاحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَاحْتِمَالُ كَوْنِ مَشْرُوعِيَّةِ الْبَيِّنَةِ إذَا عَجَزَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ بِأَنْ نَكَلَ لَا يُفِيدُ فِي دَفْعِ نَظَرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَمَّا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ النُّكُولَ عَنْ الْيَمِينِ لَيْسَ بِعَجْزٍ عَنْهَا، إذْ هُوَ حَالَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعِي، بِخِلَافِ الْعَجْزِ عَنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ نَظَرٌ آخَرُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَهُوَ مَشْرُوعِيَّةُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ افْتِضَاحُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ مَحْذُورًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ تَسْتَلْزِمُ الِافْتِضَاحَ الْمَزْبُورَ، وَمَشْرُوعِيَّةُ إقَامَتِهَا بَعْدَ الْيَمِينِ تَقْتَضِي حُسْنَهَا، فَإِنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَسْتَلْزِمُ الْحُسْنَ الشَّرْعِيَّ فَهُوَ حُسْنٌ شَرْعِيُّ أَيْضًا فَلَا يَصِيرُ الِافْتِضَاحُ الْمَزْبُورُ مَحْذُورًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فَتَأَمَّلْ.

[باب اليمين]

(بَابُ الْيَمِينِ) (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَعْنَاهُ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْيَمِينِ] قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا التَّرْتِيبُ مِنْ التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ لِمَا أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْبَيِّنَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَ الْيَمِينِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ مَشْرُوعِيَّةِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةٍ كَمَا سَيَظْهَرُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ، فَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ وَجْهًا جَامِعًا لِأَقْوَالِ أَئِمَّتِنَا، عَلَى أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الْبَيِّنَةِ إجْمَالًا ذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا حَالَ الْيَمِينِ إجْمَالًا، فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الذِّكْرِ الْإِجْمَالِيِّ فِيمَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا تَفَاصِيلُ أَحْكَامِ الْبَيِّنَاتِ فَتُذْكَرُ فِيمَا بَعْدَ هَذَا الْبَابِ كَمَا تُذْكَرُ تَفَاصِيلُ أَحْكَامِ الْيَمِينِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَلَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ تَرْتِيبِ الْكِتَابِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ؛ فَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَنْكَرَ الدَّعْوَى وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبِ الْيَمِينِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْيَمِينِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: أَقُولُ مَا كَانَ يَحْتَاجُ هَاهُنَا إلَى الْفَصْلِ بِالْبَابِ، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسُوقَ الْكَلَامَ مُتَوَالِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صِحَّةَ الدَّعْوَى رَتَّبَ عَلَيْهَا الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: قُلْت الَّذِي رَتَّبَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ مَشْرُوعَةً بَعْدَ فَقْدِ الْبَيِّنَةِ تَعَيَّنَ ذِكْرُهَا بَعْدَهَا بِأَحْكَامِهَا وَشَرَائِطِهَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ عَمَّا نَقَلَهُ مِنْ الْعَجَائِبِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْبَحَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا هُوَ الْفَصْلُ بِالْبَابِ لَا ذِكْرُ الْيَمِينِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ: بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسُوقَ الْكَلَامَ مُتَوَالِيًا، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ مِمَّا لَا مِسَاسَ لَهُ بِدَفْعِ مَا اسْتَقْبَحَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَكَأَنَّهُ مَا فَهِمَ مَعْنَى صَرِيحِ كَلَامِهِ. ثُمَّ أَقُولُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ: إنَّ إفْرَادَ بَعْضِ الْمَسَائِلِ مِنْ بَيْنِ أَخَوَاتِهَا بِوَضْعِ بَابٍ مُسْتَقِلٍّ لَهَا أَوْ كِتَابٍ أَوْ فَصْلٍ لِكَثْرَةِ مَبَاحِثِهَا وَأَحْكَامِهَا، أَوْ لِتَعَلُّقِ غَرَضٍ آخَرَ بِاسْتِقْلَالِهَا كَإِفْرَادِ الطَّهَارَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِوَضْعِ كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ لَهَا وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ أَوْ فَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ شَائِعٌ ذَائِعٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهَذَا الْبَابُ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، وَلِهَذَا تَرَى الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا جَرَوْا عَلَى إفْرَادِ مَسَائِلِ الْيَمِينِ بِبَابٍ أَوْ فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ فَلَيْسَ مَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِمَحَلِّ اسْتِقْبَاحٍ وَلَا اسْتِبْعَادٍ كَمَا لَا يَخْفَى (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ. وَاحْتُرِزَ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا حَضَرَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فِيمَا سَيَأْتِي) كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ (حَاضِرَةً) عَنْ الْبَيِّنَةِ الْغَائِبَةِ عَنْ الْغَائِبَةِ عَنْ الْمِصْرِ، فَإِنَّهَا إذَا غَابَتْ عَنْ الْمِصْرِ يُسْتَحْلَفُ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ كَانَ أَنْ يَقْرِنَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ (مَعْنَاهُ حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ) بِذِكْرِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ (إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ) (وَقَدْ أَخَّرَهُ عَنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ) وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ، فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ يُجِيبُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ، كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَقْبَحَ قَطْعَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ بِكَلَامِ نَفْسِهِ فَانْتَظَرَ أَنْ يَتِمَّ جَوَابُ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ ثُمَّ فَسَّرَ مُرَادَهُ بِالْحُضُورِ فِي الْمِصْرِ. وَثَانِيهمَا أَنَّ فَائِدَةَ هَذَا التَّفْسِيرِ الِاحْتِرَازُ عَنْ صُورَةِ الْحُضُورِ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ كَانَ عَدَمُ الِاسْتِحْلَافِ هُنَاكَ بِالِاتِّفَاقِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالِاخْتِلَافِ، فَمَا لَمْ يُذْكَرْ الْقَوْلُ الْمُشْعِرُ بِالْخِلَافِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ: لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَمْ تَظْهَرْ فَائِدَةُ هَذَا التَّفْسِيرِ، فَاقْتَضَى هَذَا السِّرُّ تَأْخِيرَ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ الْمَزْبُورَ عَنْ ذِكْرِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُدَّعِي (بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ) فَسَّرَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ الْحَدِيثَ الْمَعْرُوفَ بِمَا مَرَّ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَك يَمِينُهُ» وَلَكِنْ قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَمَا فَسَّرَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ سَائِرُ الشُّرَّاحِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ أَسَالِيبَ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِهِ هَذَا أَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلُ بِمَا رَوَيْنَا كَمَا يُعَبِّرُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيمَا قَبْلُ بِمَا تَلَوْنَا، وَعَنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلُ بِمَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك يَمِينُهُ لَمَا عَدَلَ عَنْ أُسْلُوبِهِ الْمُقَرَّرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ كَيْفَ جَرَى عَلَى ذَلِكَ الْأُسْلُوبِ فِي ذِكْرِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ: إنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا رَوَيْنَا مُرِيدًا بِهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِيمَا قَبْلُ. فَالْحَقُّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» أَيْ مَا جَوَّزَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ لَا غَيْرُ. وَيُؤَيِّدُهُ تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْتَحْلَفُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت: الَّذِي حَمَلَ الشُّرَّاحَ عَلَى تَفْسِيرِهِمْ الْحَدِيثَ الْمَعْرُوفَ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، فَإِنَّ كَوْنَ الْيَمِينِ حَقَّ الْمُدَّعِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَك يَمِينُهُ» حَيْثُ أَضَافَ إلَيْهِ الْيَمِينَ فَاللَّامُ الْمِلْكِ وَالِاخْتِصَاصِ. قُلْت: نَعَمْ وَلَكِنْ يُفْهَمُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَإِنَّ كَلِمَةَ عَلَى فِي قَوْلِهِ «عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُنْكِرَ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ فَالْمُسْتَحِقُّ لَهُ هُوَ الْمُدَّعِي. نَعَمْ انْفِهَامُهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَظْهَرُ، لَكِنْ هَذَا لَا يُوجِبُ حَمْلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى خِلَافِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُ الْمُطَّرِدَةُ (فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ يُجِيبُهُ) أَيْ إذَا طَالَبَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ يُجِيبُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ: أَيْ يَحْكُمُ لَهُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يُجِيبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَ: أَيْ يَحْلِفُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينُهُ» فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْيَمِينَ بَعْدَمَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ (فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ) أَيْ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ حَقَّ الْمُدَّعِي دُونَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ: أَيْ بِغَيْرِ الْعَجْزِ عَنْهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ كَوْنَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبًا عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْيَمِينُ حَقَّ الْمُدَّعِي دُونَ الْعَجْزِ عَنْهَا إلَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا، فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي مُقَابَلَةِ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْيَمِينِ هُنَاكَ فَكَذَا هَاهُنَا وَالْجَامِعُ الْقُدْرَةُ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. أَقُولُ: لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ

وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. قَالَ (وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَسَمَ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ، وَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّورَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ تَكُنْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلِلْمُدَّعِي غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِاسْتِحْلَافِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصُرَ الْمَسَافَةَ وَالْمُؤْنَةَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ فَيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ هَذَا الْغَرَضَ: أَعْنِي قَصْرَ الْمَسَافَةِ وَالْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ وَالتَّوَصُّلُ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالِ يَحْصُلُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِاسْتِحْلَافِ قَبْلَ إقَامَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْيَمِينِ قَبْلَهَا فَلَمْ يَتِمَّ الِاسْتِدْلَال عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَيْضًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَجِيبَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا ذَكَرَهُ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْلَافَهُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ رَوَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَحْلِفُ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ عَلَى دَعْوَاهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً، وَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْتَحْلَفُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِحْلَافِهِ لَهُ ذِكْرُهُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً تَشْهَدُ لَهُ عَلَى دَعْوَاهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَصْلًا كَمَا تَرَى، وَمَعَ هَذَا كَيْفَ يَدَّعِي صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ: قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْغَايَةِ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ إنْكَارَ صَاحِبِ الْغَايَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي جَعْلِهِ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَبَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ إجْمَالًا. قُلْت: لَا وَجْهَ لِهَذَا الْإِنْكَارِ لِأَنَّ عَدَمَ وُقُوفِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُقُوفِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ انْتَهَ ى. أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ عَجِيبٌ، لِأَنَّ الَّذِي أَنْكَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ إسْنَادُ الْمُصَنِّفِ رِوَايَةَ كَوْنِ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى الطَّحَاوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّحَاوِيَّ قَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالْكُلِّيَّةِ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُسْنِدَهَا الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ الَّذِي أَنْكَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَصْلِهَا، حَتَّى يَتَمَشَّى مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ مِنْ أَنَّ عَدَمَ وُقُوفِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُقُوفِ غَيْرِهِ عَلَيْهَا، وَكَوْنُ مَحِلِّ إنْكَارِ صَاحِبِ الْغَايَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَتَأَدَّى عَلَيْهِ أَلْفَاظُ تَحْرِيرِهِ فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَى الشَّارِحِ الْعَيْنِيِّ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (قَسَمَ) أَيْ قَسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ حَيْثُ جَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ (وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي عَدَمَ التَّمْيِيزِ وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِي التَّمْيِيزَ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ. وَبِقَوْلِهِ (وَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ) إذْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ تُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ

وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْهُودٌ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ (وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ، فَلَوْ رُدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لَزِمَ الْمُخَالَفَةُ لِهَذَا النَّصِّ فَقَدْ حَصَلَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا تَرَى (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ فِي عَدَمِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَصْلًا وَحَلَّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَيُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ شَاهِدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَى، وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ غَرِيبٌ، وَمَا رَوَيْنَاهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ حَتَّى صَارَ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ فَلَا يُعَارِضُهُ، عَلَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَدْ رَدَّهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا نَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَيُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ اُعْتُبِرَ يَمِينُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ الْآخَرِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيُقْضَى لَهُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» وَيُرْوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» . وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ رَدَّهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ يَرْوِيهِ رَبِيعَةُ عَنْ سَهْلِ بْن أَبِي صَالِحٍ وَأَنْكَرَهُ سَهْلٌ فَلَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَمَا أَنْكَرَهُ الرَّاوِي فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْمَشَاهِيرِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ قَضَى تَارَةً بِشَاهِدٍ: يَعْنِي بِجِنْسِهِ وَتَارَةً بِيَمِينٍ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ رَكِبَ زَيْدٌ الْفَرَسَ وَالْبَغْلَةَ، وَالْمُرَادُ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَلَئِنْ سَلَّمَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْجَمْعَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَمِينُ الْمُدَّعِي، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يُعْتَبَرُ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيَرْجِعُ إلَى يَمِينِ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْمَشَاهِيرِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) أَرَادَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلسَّبَبِ

وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ يَقُولَ هَذَا مِلْكِي وَلَا يَقُولُ هَذَا مِلْكِي بِسَبَبِ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، وَقَيَّدَ الْمِلْكَ بِالْمُطْلَقِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ، وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ، وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرَّخَا وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ هَذَا، فَإِنْ قِيلَ: أَمَا انْتَقَضَ مُقْتَضَى الْقِسْمَةِ حَيْثُ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ؟ قُلْت نَعَمْ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا مِنْ حَيْثُ مَا ادَّعَى مِنْ زِيَادَةِ النِّتَاجِ وَالْقَبْضِ وَسَبْقِ التَّارِيخِ فَهُوَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مُدَّعٍ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْخَارِجِ الْيَمِينُ لِكَوْنِهِ إذْ ذَاكَ مُدَّعًى عَلَيْهِ؟ قُلْت: لَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ، وَهَاهُنَا لَمْ يَعْجِزْ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى جَوَابِهِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُدَّعِيًا لَصَدَقَ تَعْرِيفُهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْخَارِجُ عَلَى الْخُصُومَةِ وَيُجْبَرُ هُوَ عَلَيْهِ. وَعَلَى جَوَابِهِ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي بِأَنَّ مُرَادَ السَّائِلِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْخَارِجِ الْيَمِينُ عِنْدَ عَجْزِ ذِي الْيَدِ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَلَا تَمْشِيَةَ لِسُؤَالِهِ أَصْلًا؟ أَقُولُ: إيرَادُهُ الثَّانِي مُتَوَجِّهٌ ظَاهِرٌ، وَقَدْ كُنْت كَتَبْته فِي مُسَوَّدَاتِي قَبْلَ أَنْ أَرَى مَا كَتَبَهُ، وَأَمَّا إيرَادُهُ الْأَوَّلُ فَمُنْدَفِعٌ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعٍ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الصُّوَرِ الْمَزْبُورَةِ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْخَارِجِ لِمَا فِي يَدِهِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا الْخَارِجُ إنَّمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعٍ عَلَى ذِي الْيَدِ اسْتِحْقَاقَهُ لِمَا فِي يَدِهِ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ دَعْوَى ذِي الْيَدِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ دَعْوَى تَابِعَةٌ لِدَعْوَى الْخَارِجِ حَيْثُ يَقْصِدُ بِهَا ذُو الْيَدِ دَفْعَ دَعْوَى الْخَارِجِ لَا دَعْوَى مُبْتَدَأَةٍ مَقْصُودَةٍ بِالْأَصَالَةِ، فَمَتَى جَرَى الْخَارِجُ عَلَى دَعْوَاهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ذُو الْيَدِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَيُجْبَرُ الْخَارِجُ عَلَى الْجَوَابِ عَنْ دَعْوَى ذِي الْيَدِ وَالْخُصُومَةُ مَعَهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ كَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ الْخَارِجُ دَعْوَاهُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ ذُو الْيَدِ شَيْئًا لِكَوْنِ دَعْوَاهُ تَابِعَةً لِدَعْوَى الْخَارِجِ، وَتَرْكُ الْمَتْبُوعِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ التَّابِعِ فَلَا يُجْبَرُ الْخَارِجُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَعَهُ أَصْلًا، وَلَوْلَا هَذَا التَّحْقِيقُ لَانْتَقَضَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلَ وَتَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ بِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ، كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَيْنًا مُعَيَّنًا فَادَّعَى الْآخَرُ عَلَيْهِ إيفَاءَ ذَلِكَ الدَّيْنِ إيَّاهُ أَوْ إبْرَاءَهُ عَنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَوْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا مَعَ كَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ دَعَاوَى الدَّفْعِ فَالْمُخَلِّصُ فِي الْكُلِّ مَا بَيَّنَّاهُ وَحَقَّقْنَاهُ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ لَنَا كَلَامٌ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُ بَيَّنَ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا ذُو الْيَدِ فِي الصُّوَرِ الْمَزْبُورَةِ بِالنِّتَاجِ وَالْقَبْضِ وَسَبْقِ التَّارِيخِ، فَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ صَحِيحَانِ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِظَاهِرِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ أَحَدِهِمَا قَابِضًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِ بِالْفِعْلِ لَا أَنْ يَثْبُتَ قَبْضُهُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ تَفْسِيرُهُ وَبَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ، وَشُرُوحِهِ فِي بَابِ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْقَابِضِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَمْرٌ مُعَايَنٌ لَا يَدَّعِيهِ ذُو الْيَدِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَقَبُولِ بَيِّنَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَظَهَرَ أَنَّ بَيَانَ مَا ادَّعَاهُ ذُو الْيَدِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ بِالْقَبْضِ لَيْسَ بِتَامٍّ. فَالْحَقُّ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَالْقَبْضُ: وَتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ فَتَدَبَّرْ (وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى) يَعْنِي أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إذَا تَعَارَضَتَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ عِنْدَنَا، وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيَكُونُ الْمُدَّعِي لِذِي الْيَدِ تَارِكًا فِي يَدِهِ وَهَذَا قَضَاءُ تَرْكٍ. لَا قَضَاءُ مِلْكٍ، وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فَيُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ مِلْكٍ بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ الَّذِي

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ فَيَتَقَوَّى الظُّهُورُ وَصَارَ كَالنِّتَاجِ وَالنِّكَاحِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ. وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا أَوْ إظْهَارًا لِأَنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَتْهُ الْيَدُ لَا يُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ، إذْ الْيَدُ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ) أَيْ لِتَأَكُّدِ الْبَيِّنَةِ بِالْيَدِ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ (فَيَتَقَوَّى الظُّهُورُ) أَيْ فَيَتَقَوَّى ظُهُورُ الْمُدَّعِي (وَصَارَ) أَيْ صَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَالنِّتَاجِ) أَيْ كَحُكْمِ مَسْأَلَةِ النِّتَاجِ بِأَنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ أَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِذِي الْيَدِ (وَالنِّكَاحُ) أَيْ وَكَحُكْمِ مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِأَنْ تَنَازَعَا فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى (وَدَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ) أَيْ وَكَحُكْمِ مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ يَكُونَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ عَبْدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى (أَوْ الِاسْتِيلَادِ) عَطْفٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ، فَالْمَعْنَى: أَوْ دَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ الِاسْتِيلَادِ بِأَنْ تَكُونَ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ اسْتَوْلَدَهَا فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى (أَوْ التَّدْبِيرِ) أَيْ أَوْ دَعْوَى الْمِلْكِ مَعَ التَّدْبِيرِ بِأَنْ يَكُونَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ دَبَّرَهُ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى (وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا) أَيْ فِي عِلْمِ الْقَاضِي (أَوْ إظْهَارًا) أَيْ فِي الْوَاقِعِ فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُظْهِرُ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْوَاقِعِ (لِأَنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَتْهُ الْيَدُ لَا تُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ، إذْ الْيَدُ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ) أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ، فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ غَيْرُ مُثْبِتَةٍ لِلْمِلْكِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالْيَدِ، وَالتَّأْكِيدُ إثْبَاتُ وَصْفٍ لِلْمَوْجُودِ لَا إثْبَاتُ أَصْلِ الْمِلْكِ. وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ فَمُثْبِتَةٌ لِأَصْلِ الْمِلْكِ، فَصَحَّ قَوْلُنَا إنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ إثْبَاتًا فِي الْبَيِّنَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ لِتَوَفُّرِ مَا شُرِعَتْ الْبَيِّنَاتُ لِأَجْلِهِ فِيهِ. هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ فِي حَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا. فَإِنْ قِيلَ: بَيِّنَةُ الْخَارِجِ تُزِيلُ مَا أَثْبَتَهُ الْيَدُ مِنْ الْمِلْكِ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ تُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَيْسَتْ مُوجِبَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى تَزِيدَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ مَا ثَبَتَ بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَقَبْلَهُ يَكُونُ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِثْبَاتُ الثَّابِتِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا تَكُونُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مُثْبِتَةً بَلْ مُؤَكِّدَةً لِمِلْكٍ ثَابِتٍ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَمِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنَّ لِذِي الْيَدِ أَيْضًا بَيِّنَةً وَأَنَّ مِنْ حَقِّهِ إقَامَتَهَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَيِّنَتِهِ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لِذِي الْيَدِ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَقِّهِ إقَامَتُهَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَحْضٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْيَمِينِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

بِخِلَافِ النِّتَاجِ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى الْإِعْتَاقِ وَأُخْتَيْهِ وَعَلَى الْوَلَاءِ الثَّابِتِ بِهَا . قَالَ (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَأَلْزَمَهُ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْضَى بِهِ بَلْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا حَلَفَ يَقْضِي بِهِ لِأَنَّ النُّكُولَ يَحْتَمِلُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَالتَّرَفُّعَ عَنْ الصَّادِقَةِ وَاشْتِبَاهَ الْحَالِ فَلَا يَنْتَصِبُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَيَمِينُ الْمُدَّعِي دَلِيلُ الظُّهُورِ فَيُصَارُ إلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. فَالْأَظْهَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ قَبْلِنَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّ لَنَا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ جَمِيعَ الْبَيِّنَةِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ اللَّامَ فِي الْبَيِّنَةِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ فَلَمْ يَبْقَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ، وَالْمُدَّعِي اسْمٌ لِمَنْ يَدَّعِي الشَّيْءَ وَلَا دَلَالَةَ مَعَهُ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ وَالْخَارِجُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ مَعَهُ عَلَى الْمِلْكِ، بِخِلَافِ ذِي الْيَدِ فَإِنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ انْتَهَى (بِخِلَافِ النِّتَاجِ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ) فَكَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ مُثْبِتَةً لَهُ لَا مُؤَكِّدَةً فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْإِثْبَاتِ فَتَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا بِالْيَدِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي النِّكَاحِ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ بَيْنِ أَخَوَاتِهِ إمَّا نِسْيَانًا وَإِمَّا اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي النِّتَاجِ (وَكَذَا عَلَى الْإِعْتَاقِ وَأُخْتَيْهِ) أَيْ وَكَذَا الْيَدُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَأُخْتَيْهِ وَهُمَا الِاسْتِيلَادُ وَالتَّدْبِيرُ، فَاسْتَوَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْإِثْبَاتِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْضًا فَتَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا بِالْيَدِ (وَعَلَى الْوَلَاءِ الثَّابِتِ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ: الْإِعْتَاقُ، وَالِاسْتِيلَادُ، وَالتَّدْبِيرُ: يَعْنِي أَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوَلَاءِ الثَّابِتِ بِهَا أَيْضًا فَاسْتَوَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَتَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا بِالْيَدِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) أَيْ قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ (وَأَلْزَمَهُ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِي. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: وَلَزِمَهُ بَدَلٌ وَأَلْزَمَهُ: أَيْ وَلَزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِي (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقْضِي بِهِ) أَيْ بِالنُّكُولِ (بَلْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا حَلَفَ) الْمُدَّعِي (يَقْضِي بِهِ) أَيْ يَقْضِي لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي أَيْضًا انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ (لِأَنَّ النُّكُولَ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يُقْضَى بِهِ (يَحْتَمِلُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَالتَّرَفُّعَ عَنْ الصَّادِقَةِ) أَيْ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَهَا قَضَاءٌ فَيُقَالُ إنَّ عُثْمَانَ حَلَفَ كَاذِبًا، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ (وَاشْتِبَاهَ الْحَالِ) أَيْ وَيَحْتَمِلُ اشْتِبَاهُ الْحَالِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَدْرِيَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي إنْكَارِهِ فَيَحْلِفَ أَوْ كَاذِبٌ فِيهِ فَيَمْتَنِعَ (فَلَا يَنْتَصِبُ) أَيْ لَا يَنْتَصِبُ نُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ) الْمَذْكُورِ (وَيَمِينُ الْمُدَّعِي دَلِيلُ الظُّهُورِ) أَيْ دَلِيلُ ظُهُورِ كَوْنِ الْمُدَّعِي مُحِقًّا (فَيُصَارُ إلَيْهِ) أَيْ فَيَرْجِعُ إلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي (وَلَنَا أَنَّ النُّكُولَ) أَيْ نُكُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا) أَيْ دَلَّ عَلَى كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَاذِلًا إنْ كَانَ النُّكُولُ بَذْلًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (أَوْ مُقِرًّا) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ مُقِرًّا إنْ كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا (وَلَوْلَا ذَلِكَ) أَيْ وَلَوْلَا كَوْنُهُ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا (لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ) وَهُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ (وَدَفْعًا

لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ دَفْعًا لِضَرَرِ الدَّعْوَى عَنْ نَفْسِهِ (فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ) وَاعْلَمْ أَنَّ حَلَّ الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ مِنْ دَلِيلِنَا وَرَبْطَهُ بِمَا قَبْلَهَا مِنْ مَدَاحِضِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلِهَذَا لَمْ يَخْلُ كَلَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا عَنْ اخْتِلَالٍ وَاضْطِرَابٍ، فَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ: أَيْ جَانِبُ كَوْنِهِ بَاذِلًا إنْ تَرَفَّعَ أَوْ مُقِرًّا إنْ تَوَرَّعَ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّعَ وَالتَّوَرُّعَ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ تَوْزِيعَ كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إلَى التَّوَرُّعِ وَالتَّرَفُّعِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَذْلٌ لَا غَيْرُ، وَعِنْدَهُمَا إقْرَارٌ لَا غَيْرُ، فَعَلَى التَّوْزِيعِ الْمَزْبُورِ لَا يَثْبُتُ الرُّجْحَانُ فِي هَذَا الْجَانِبِ عَلَى التَّرَفُّعِ وَالتَّوَرُّعِ مَعًا فِي وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ، بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ رُجْحَانُ كَوْنِهِ بَاذِلًا فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّرَفُّعِ فَقَطْ، وَرُجْحَانُ كَوْنِهِ مُقِرًّا فِي مَذْهَبِهِمَا عَلَى التَّوَرُّعِ فَقَطْ، وَبِهِ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّعَ وَحْدَهُ أَوْ التَّوَرُّعَ وَحْدَهُ يَحْتَمِلُ وَاحِدًا مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ، وَبِمُجَرَّدِ رُجْحَانِ هَذَا الْجَانِبِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمُحْتَمَلَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ مُرَادًا لِلنَّاكِلِ حَتَّى يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ خَلْطَ الْمَذْهَبَيْنِ كَمَا تَرَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ سِيَّمَا عَنْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، إنَّمَا يَحِلُّ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّوَرُّعَ عَنْهَا وَاجِبٌ فِي كُلِّ حَالٍ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِفْضَاءِ إلَى الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ وَارِدٍ، فَإِنَّ الْإِفْضَاءَ إلَيْهِ فِي صُورَةِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ ظَاهِرٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُنْكِرِ كَاذِبًا فِي يَمِينِهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ، فَحِينَئِذٍ لَوْ تَوَرَّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ بِدُونِ الْبَذْلِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَفْضَى إلَى الضَّرَرِ بِالْمُدَّعِي قَطْعًا لِتَضْيِيعِ حَقِّهِ وَهُوَ مَا ادَّعَاهُ، وَكَذَا الْإِفْضَاءُ إلَيْهِ فِي صُورَةِ التَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّ يَمِينَ

وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنْكِرِ حَقُّ الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَك يَمِينُهُ» كَمَا مَرَّ، فَلَوْ تَرَفَّعَ عَنْ الْيَمِينِ وَلَوْ عَنْ الصَّادِقَةِ بِدُونِ رِضَا الْمُدَّعِي بِالْبَذْلِ وَنَحْوِهِ أَفْضَى إلَى الضَّرَرِ بِالْمُدَّعِي بِمَنْعِ حَقِّهِ وَهُوَ يَمِينُ خَصْمِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ: فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ: أَيْ جَانِبُ كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا عَلَى جَانِبِ التَّوَرُّعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَهُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ دُونَ التَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ فِي نُكُولِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ إنَّمَا أَفَادَ رُجْحَانَ هَذَا الْجَانِبِ: أَيْ جَانِبِ كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا عَلَى التَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ التَّرَفُّعُ عَنْهَا مِمَّا أَلْزَمَهُ الشَّرْعُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَزِمَهُ النَّاكِلُ، وَلَمْ يُفِدْ رُجْحَانُهُ عَلَى التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمَا عَلَى جَانِبِ التَّوَرُّعِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِجَانِبِ التَّوَرُّعِ الْجَانِبُ الْمُقَابِلُ لِجَانِبِ الْبَذْلِ وَالْإِقْرَارِ لَا التَّوَرُّعُ نَفْسُهُ فَيَكُونُ التَّرَفُّعُ أَيْضًا دَاخِلًا فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ، يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ إنَّمَا أَفَادَ رُجْحَانَ جَانِبِ كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا عَلَى التَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَقَطْ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَاحِدًا مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي دَلِيلِ الْخَصْمِ، وَبِمُجَرَّدِ الرُّجْحَانِ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ مَطْلُوبُنَا كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُ مُنْفَهِمٍ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَتِمُّ بِنَاءُ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ عَلَيْهِ، وَالْفَاءُ فِي فَتَرَجَّحَ تَقْتَضِي التَّفْرِيعَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ: أَيْ تَرَجَّحَ جَانِبُ كَوْنِ النَّاكِلِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحْتَمَلِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُتَوَرِّعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّ النُّكُولَ امْتِنَاعٌ عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ، فَلَوْلَا أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ لَكَانَ النُّكُولُ امْتِنَاعًا عَنْ الْوَاجِبِ وَظُلْمًا عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْعَاقِلُ الدَّيِّنُ لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ وَلَا يُقْدِمُ عَلَى الظُّلْمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّكُولَ إنْ كَانَ امْتِنَاعًا عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَكُونُ إقْرَارًا، وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ يَكُونُ بَذْلًا انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَظُلْمًا عَلَى الْمُدَّعِي لَيْسَ بِتَامٍّ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النُّكُولَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَذْلًا أَوْ إقْرَارًا لَكَانَ ظُلْمًا عَلَى الْمُدَّعِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَتَحَقَّقُ الظُّلْمُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ صِدْقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي إنْكَارِهِ يَسْتَلْزِمُ كَذِبَ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ وَالْكَاذِبُ لَيْسَ بِمَظْلُومٍ بَلْ هُوَ ظَالِمٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّ النُّكُولُ ظُلْمًا عَلَى الْمُدَّعِي فِي صُورَةِ صِدْقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقُّ الْمُدَّعِي بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَنَّ فِي النُّكُولِ عَنْهَا مَنْعَ هَذَا الْحَقِّ فَصَارَ النَّاكِلُ ظَالِمًا عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ فِي التَّوْزِيعِ الْحَاصِلِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّكُولَ إنْ كَانَ امْتِنَاعًا عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَكُونُ إقْرَارًا، وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ يَكُونُ بَذْلًا خَلَلًا حَيْثُ لَا يَكُونُ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى خَلْطِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي بَحْثِنَا الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، فَالصَّوَابُ عِنْدِي فِي حَلِّ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ: أَيْ جَانِبُ كَوْنِ النَّاكِلِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى مُقْتَضَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَاقِلَ الدَّيِّنَ لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَا يَتْرُكُ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ. أَمَّا بِالتَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَظَاهِرٌ، إذْ هُوَ لَيْسَ بِأَمْرٍ ضَرُورِيٍّ أَصْلًا حَتَّى يَتْرُكَ بِهِ الْوَاجِبَ وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ النَّفْسِ، وَأَمَّا بِالتَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَلِأَنَّ الْمُتَوَرِّعَ لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بَلْ يُعْطِي حَقَّ خَصْمِهِ فَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنْ عُهْدَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّاكِلُ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْيَمِينِ انْتَفَى احْتِمَالُ كَوْنِهِ مُتَوَرِّعًا. وَأَمَّا بِاشْتِبَاهِ الْحَالِ فَلِأَنَّ مَنْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْحَالُ لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَيْضًا بَلْ يَتَحَرَّى فَيُقْدِمُ عَلَى إقَامَةِ الْوَاجِبِ أَوْ يُعْطِي حَقَّ خَصْمِهِ فَيَسْقُطُ عَنْ عُهْدَتِهِ الْوَاجِبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّاكِلُ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْيَمِينِ انْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ أَيْضًا. وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ يَنْدَفِعُ بِهَا الْوُجُوهُ الْمُحْتَمَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ بِأَسْرِهَا فَيَتَرَجَّحُ كَوْنُ النَّاكِلِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا بِالضَّرَرِ (وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ

عَلَى الْمُدَّعِي لِمَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثًا، فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ) وَهَذَا الْإِنْذَارُ لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ . قَالَ (فَإِذَا كَرَّرَ الْعَرْضَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) وَهَذَا التَّكْرَارُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إبْلَاءِ الْعُذْرِ، فَأَمَّا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً جَازَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُدَّعِي لِمَا قَدَّمْنَاهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» إلَخْ، وَنَحْنُ أَيْضًا قَدَّمْنَا وَاسْتَوْفَيْنَا هُنَاكَ دَلِيلَ الشَّافِعِيِّ فِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي وَأَجْوِبَتَنَا عَنْهُ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَتَذَكَّرْ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (فَإِنْ حَلَفْت) أَيْ إنْ حَلَفْت خَلَصْتَ أَوْ تَرَكْتُك (وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ) أَيْ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا الْإِنْذَارُ) أَيْ قَوْلُ الْقَاضِي وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ (لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ) أَيْ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ (إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ) لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ، فَإِنَّ لِلشَّافِعِيِّ خِلَافًا فِيهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ بِالنُّكُولِ فَوَجَبَ أَنْ يُعَرِّفَهُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَنْكُلَ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِذَا كَرَّرَ الْعَرْضَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا التَّكْرَارُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إبْلَاءِ الْأَعْذَارِ) أَيْ فِي إظْهَارِهَا: يَعْنِي أَنَّ هَذَا التَّكْرَارَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ لِلِاسْتِحْبَابِ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، وَنَظِيرُهُ إمْهَالُ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ؛ وَأَوْضَحَ هَذَا بِقَوْلِهِ (فَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً جَازَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ) مِنْ أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ وَلَيْسَ التَّكْرَارُ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ لَوْ قَضَى بِالنُّكُولِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَنْفُذُ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْكَافِي وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثِ فِي عَرْضِ الْيَمِينِ لَازِمٌ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ، حَتَّى لَوْ قَضَى بِالنُّكُولِ مَرَّةً نَفَذَ قَضَاؤُهُ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْخَصَّافِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ بَعْدَمَا صَرَّحَ بِأَنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَ التَّكْرَارَ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَيْفَ يَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَطَ التَّكْرَارَ فَيُحْتَرَزُ عَنْ قَوْلِهِ (وَالْأَوَّلُ أَوْلَى) أَيْ الْعَرْضُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْلَى: يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً جَائِزٌ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى هُوَ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ ثَلَاثَ

ثُمَّ النُّكُولُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقِيًّا كَقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمِيًّا بِأَنْ يَسْكُتَ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ مِنْ طَرَشٍ أَوْ خَرَسٍ هُوَ الصَّحِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّاتٍ. وَفِي النِّهَايَةِ: وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: رَجُلٌ قَدَّمَ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي فَادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا أَوْ ضَيْعَةً فِي يَدِهِ أَوْ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ فَأَنْكَرَ فَاسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا أَلْزَمْتُك الْمُدَّعَى، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْمَالُ الَّذِي يَدَّعِي وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى يَقُولُ لَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ يَقُولُ لَهُ بَقِيَتْ الثَّالِثَةُ ثُمَّ أَقْضِي عَلَيْك إنْ لَمْ تَحْلِفْ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ ثَالِثًا احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْمَالُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى نَفَذَ قَضَاؤُهُ انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعٌ لِلْخُصُومَةِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْيَمِينِ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ. ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً أَقَامَهَا عَلَيْهِ وَقَضَى لَهُ بِهَا، وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ وَيَقُولُونَ تَرَجَّحَ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا تَرَجَّحَ جَانِبُ صِدْقِ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ يَمِينُ الْمُنْكِرِ مَعَهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مَهْجُورٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ. وَكَانَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؟ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ: إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ (ثُمَّ النُّكُولُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقِيًّا كَقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ وَقَدْ يَكُونُ حُكْمِيًّا بِأَنْ يَسْكُتَ، وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْحُكْمِيُّ (حُكْمُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْحَقِيقِيُّ (إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ) أَيْ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مِنْ طَرَشٍ) الطَّرَشُ بِفَتْحَتَيْنِ أَهْوَنُ الصَّمَمِ يُقَالُ هُوَ مُوَلَّدٌ (أَوْ خَرَسٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا: آفَةٌ بِاللِّسَانِ تَمْنَعُ الْكَلَامَ أَصْلًا (هُوَ الصَّحِيحُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيمَا إذَا سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَحْلِفُ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا سَكَتَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ هَلْ بِهِ خَرَسٌ أَوْ طَرَشٌ، فَإِنْ قَالُوا لَا جَعَلَهُ نَاكِلًا وَقَضَى عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجْلِسُ حَتَّى يُجِيبَ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ كَذَا فِي

قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى نِكَاحًا لَمْ يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقِّ وَالِاسْتِيلَادِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ. وَقَالَا: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى نِكَاحًا لَمْ يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ) يُرِيدُ بِهِ التَّعْمِيمَ بَعْدَ تَخْصِيصِ النِّكَاحِ بِالذِّكْرِ (فِي النِّكَاحِ) أَيْ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَوْ بِالْعَكْسِ (وَالرَّجْعَةِ) أَيْ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ فِي دَعْوَى الرَّجْعَةِ أَيْضًا بِأَنْ ادَّعَى بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ أَوْ بِالْعَكْسِ (وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ) أَيْ فِي دَعْوَى الْفَيْءِ بِالْإِيلَاءِ أَيْضًا بِأَنْ ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ كَانَ فَاءَ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَتْ أَوْ بِالْعَكْسِ (وَالرِّقِّ) أَيْ وَفِي دَعْوَى الرِّقِّ أَيْضًا بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ أَوْ بِالْعَكْسِ (وَالِاسْتِيلَادِ) أَيْ وَفِي دَعْوَى الِاسْتِيلَادِ أَيْضًا بِأَنْ ادَّعَتْ أَمَةٌ عَلَى مَوْلَاهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَكْسُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (وَالنَّسَبِ) أَيْ وَفِي دَعْوَى النَّسَبِ أَيْضًا بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ وَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ أَوْ بِالْعَكْسِ. (وَالْوَلَاءِ) أَيْ وَفِي دَعْوَى الْوَلَاءِ أَيْضًا بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ مُعْتِقُهُ وَمَوْلَاهُ وَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، إذْ الْوَلَاءُ يَشْمَلُ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ (وَالْحُدُودِ) أَيْ وَفِي دَعْوَى الْحُدُودِ أَيْضًا بِأَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَا يُوجِبُ حَدًّا مِنْ الْحُدُودِ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ (وَاللِّعَانِ) أَيْ وَفِي دَعْوَى اللِّعَانِ أَيْضًا بِأَنْ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا بِمَا يُوجِبُ اللِّعَانَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ هَاهُنَا، إلَّا اللِّعَانَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِيهِ وَلَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ) فَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ. وَفِي الْكَافِي قَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقِيلَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ وَيَأْخُذُهُ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِ انْتَهَى. وَفِي النِّهَايَةِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ مَالًا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ دَعْوَى مَالٍ بِأَنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ فِي قَوْلِهِمْ، فَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ بِنِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابِ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ تَعْلَمُ بِالنِّكَاحِ وَلَا تَجِدُ بَيِّنَةً تُقِيمُهَا لِإِثْبَاتِ النِّكَاحِ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ مَاذَا يَصْنَعُ الْقَاضِي حَتَّى لَا تَبْقَى هَذِهِ الْمَرْأَةُ مُعَلَّقَةً أَبَدَ الدَّهْرِ؟ قَالَ يَسْتَحْلِفُهُ الْقَاضِي إنْ كَانَتْ هَذِهِ امْرَأَةً لَك فَهِيَ طَالِقٌ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ إنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ فَتَتَخَلَّصُ مِنْهُ وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ. وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْيَمِينِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا اللَّيْثِ أَخَذَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهَكَذَا

وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَقُولَ الْجَارِيَةُ أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ وَهَذَا ابْنِي مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا. لَهُمَا أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فَكَانَ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ، وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْوَاقِعَاتِ أَيْضًا. وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِحْلَافِ عِنْدَهُمَا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْحَاصِلِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ امْرَأَتُك بِهَذَا النِّكَاحِ الَّذِي ادَّعَتْهُ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي تَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا زَوْجُك عَلَى مَا ادَّعَى. وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ رَآهُ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ كَمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ وَبِغَيْرِ رِضَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ عَلِمَ بِالْمُدَّعِي التَّعَنُّتَ فِي إبَاءِ التَّوْكِيلِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْبَلُ التَّوْكِيلَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْمُوَكِّلِ الْقَصْدَ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُدَّعِي فِي التَّوْكِيلِ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ حَتَّى يَكُونَ دَافِعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيِّ. وَفِي الْحُدُودِ: لَا يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى، حَتَّى إذَا نَكَلَ ثَبَتَ الْعِتْقُ دُونَ الزِّنَا، كَذَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ (وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَقُولَ الْجَارِيَةُ أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ وَهَذَا ابْنِي مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا) وَإِنَّمَا خَصَّ صُورَةَ الِاسْتِيلَادِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ أَخَوَاتِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا مَسَاغَ لِلدَّعْوَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ أَخَوَاتِهِ الْخِلَافِيَّةِ فَإِنَّ لِلدَّعْوَى فِيهَا مَسَاغًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا صَوَّرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ (لَهُمَا) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ) أَيْ فِي إنْكَارِهِ السَّابِقِ (عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَفِيهَا تَحْصِيلُ الثَّوَابِ بِإِجْرَاءِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَدَفْعُ تُهْمَةِ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِبْقَاءُ مَالِهِ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْلَا هُوَ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ لَمَا تَرَكَ هَذِهِ الْفَوَائِدَ الثَّلَاثَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (فَكَانَ) أَيْ النُّكُولُ (إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ خَلَفًا عَنْ الْإِقْرَارِ: يَعْنِي أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ رَكَاكَةُ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا، عَيَّنَ أَوَّلًا كَوْنَ النُّكُولِ إقْرَارًا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى دَلِيلِهِ كَوْنَهُ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ بِالتَّرْدِيدِ، وَلَا يَدْفَعُهَا مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّرْدِيدُ لِدَفْعِ بَعْضِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْهِمَا فِي الْقَوْلِ بِالْإِقْرَارِ انْتَهَى. إذْ كَانَ يُمْكِنُ دَفْعُ ذَلِكَ بِذِكْرِ التَّرْدِيدِ أَوَّلًا أَيْضًا أَوْ بِالِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ كَوْنِهِ بَدَلًا عَنْهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَعًا، بَلْ كَانَ هَذَا: أَيْ الِاكْتِفَاءُ بِهِ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) هَذَا كُبْرَى دَلِيلِهِمَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ، تَقْرِيرُهُ أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَنْتُجُ أَنَّ النُّكُولَ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِذَا جَرَى النُّكُولُ فِيهَا جَرَى الِاسْتِحْلَافُ فِيهَا أَيْضًا لِحُصُولِ فَائِدَةِ الِاسْتِحْلَافِ وَهِيَ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ كَمَا فِي سَائِرِ مَوَاضِعِ الِاسْتِحْلَافِ (لَكِنَّهُ) أَيْ لَكِنَّ النُّكُولَ (إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ) لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ سُكُوتٌ (وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) فَلَا يَجْرِي النُّكُولُ فِيهَا (وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ) لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، حَتَّى أَنَّ كُلَّ قَذْفٍ يُوجِبُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَذَفَ الْأَجْنَبِيَّاتِ فَكَذَلِكَ يُوجِبُ اللِّعَانَ عَلَى الزَّوْجِ، وَقَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَمَا تَقَرَّرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَابِ اللِّعَانِ فَلَا يَجْرِي النُّكُولُ فِيهِ أَيْضًا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعَلَيْهِ نُقَوِّضُ إجْمَالِيَّةً: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَرُدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ خَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي فَأَنْكَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَيُسْتَحْلَفُ، وَلَوْ كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا لَزِمَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ بِنُكُولِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى كَمَا لَوْ أَقَرَّ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ. وَالثَّانِي الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ وَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَزِمَ الْوَكِيلَ. الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ تَكَفَّلْت لَك بِمَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَلَوْ كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا لَقَضَى بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ النُّكُولَ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ. فَوَجْهُ الْإِقْرَارِ مَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ بَدَلًا أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَسْتَحِقُّ بِدَعْوَاهُ جَوَابًا يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ وَذَكَرَ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، فَإِنْ أَقَرَّ فَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ تَنْقَطِعْ إلَّا بِيَمِينٍ، فَإِذَا نَكَلَ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِقَطْعِ الْخُصُومَةِ. فَالنُّقُوضُ الْمَذْكُورَةُ إنْ وَرَدَتْ عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ إقْرَارًا لَا تُرَدُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ بَدَلًا مِنْهُ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ النَّظَرِ تَغْيِيرَ الْمُدَّعِي، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ مَنْظُورٌ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ فَوَجْهُ الْإِقْرَارِ مَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ بَدَلًا كَيْتَ وَكَيْتَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ وَجْهَ الْإِقْرَارِ لَا لَأَنْ يَكُونَ وَجْهَ كَوْنِهِ بَدَلًا مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ صَالِحٌ لَهُمَا، وَلِهَذَا فَرَّعَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: فَكَانَ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ. الثَّانِي أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ بَدَلًا مِنْهُ غَيْرُ تَامٍّ، إذْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْعُ قَوْلِهِ فَإِذَا نَكَلَ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِقَطْعِ الْخُصُومَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَذْلًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَدَلًا عَنْ الْإِقْرَارِ، وَقَطْعُهُ الْخُصُومَةَ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ بَدَلًا عَنْهُ لِتَحَقُّقِ الْقَطْعِ الْمَزْبُورِ بِكَوْنِهِ بَذْلًا أَيْضًا، وَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْإِقْرَارِ بَدَلًا عَنْهُ، فَحِينَئِذٍ أَيْضًا لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. الثَّالِثُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا كَانَ مُخَالِفًا فِي الْأَحْكَامِ لِمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ كَمَا هُوَ فِي صُورَةِ النُّقُوضِ الْمَذْكُورَةِ فَمِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ جَرَيَانُ بَدَلِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى يَتِمَّ دَلِيلُهُمَا الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ. الرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ النَّظَرِ تَغْيِيرَ الْمُدَّعِي إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ فِي دَلِيلِهِمَا الْمَسْفُورِ كَوْنَ النُّكُولِ إقْرَارًا فَقَطْ. وَلَمَّا كَانَ الْمَذْكُورُ فِيهِ كَوْنُهُ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ بِالتَّرْدِيدِ كَمَا تَرَى لَمْ يَحْتَجَّ فِي دَفْعِ النُّقُوضِ الْمَزْبُورَةِ بِمَا ذُكِرَ إلَى تَغْيِيرِ شَيْءٍ أَصْلًا فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ إنَّ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ كَلَامَيْنِ فِي تَحْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا: أَحَدُهُمَا فِي جَانِبِ السُّؤَالِ وَالْآخَرُ فِي جَانِبِ الْجَوَابِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ نُقُوضٌ إجْمَالِيَّةٌ حَيْثُ قَالَ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْئِلَةَ الثَّلَاثَةَ مُعَارَضَاتٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ وَدِرَايَةٍ انْتَهَى. وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي قَوْلِهِ وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ النَّظَرِ تَغْيِيرَ الْمُدَّعِي حَيْثُ قَالَ: بَلْ هُوَ تَغْيِيرُ الدَّلِيلِ وَالْمُدَّعِي جَوَازَ الِاسْتِحْلَافِ انْتَهَى. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ تِلْكَ الْأَسْئِلَةِ مُعَارَضَاتٌ مِمَّا لَا يَكَادُ يَحْسُنُ لِأَنَّ حَاصِلَ كُلِّ وَاحِدٍ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ بَذْلٌ لِأَنَّ مَعَهُ لَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَاجِبَةً لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَإِنْزَالُهُ بَاذِلًا أَوْلَى كَيْ لَا يَصِيرَ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهَا بَيَانُ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ وَهُوَ كَوْنُ النُّكُولِ إقْرَارًا فِي صُورَةٍ جُزْئِيَّةٍ عَنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامَيْنِ، وَهُوَ صَرِيحُ نَقْضٍ إجْمَالِيٍّ، وَلَا لُطْفَ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمُعَارَضَةِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هَاهُنَا وَهُوَ كَوْنُ النُّكُولِ إقْرَارًا كُلِّيًّا، وَمَا ذُكِرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا صُورَةٌ جُزْئِيَّةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْمُدَّعِي بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا غَرَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ قَوْلُ السَّائِلِ فِي ذَيْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْئِلَةِ، وَلَوْ كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا لَكَانَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ مَا ذُكِرَ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمُرَادَ مُجَرَّدُ بَيَانِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الدَّلِيلِ لَا إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ الْمُدَّعِي كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِالْمُدَّعِي هَاهُنَا قَوْلُهُمَا إنَّ النُّكُولَ إقْرَارُ الْمُسْتَدِلِّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِذَا صَيَّرَ فِي الْجَوَابِ عَنْ النُّقُوضِ الْمَذْكُورَةِ إلَى كَوْنِ النُّكُولِ بَدَلًا عَنْ الْإِقْرَارِ لَا نَفْسَ الْإِقْرَارِ فَقَدْ غَيَّرَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي قَطْعًا، وَكَوْنُ قَوْلِهِمَا إنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ مُقَدِّمَةَ الدَّلِيلِ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ جَوَازُ الِاسْتِحْلَافِ عِنْدَهُمَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُدَّعِي بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ مُسْتَدِلًّا عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ الْمُسْتَقِلِّ. وَالْعَجَبُ مِنْ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَسْئِلَةَ الْمَذْكُورَةَ مُعَارَضَاتٍ وَالْمُعَارَضَةُ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ مُدَّعِي الْخَصْمِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي هَاهُنَا قَوْلُهُمَا إنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ، إذَا لَا مِسَاسَ لِتِلْكَ الْأَسْئِلَةِ بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ النُّكُولَ (بَذْلٌ) وَتَفْسِيرُ الْبَذْلِ عِنْدَهُ تَرْكُ الْمُنَازَعَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا لَا الْهِبَةُ وَالتَّمْلِيكُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا ادَّعَى نِصْفَ الدَّارِ شَائِعًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقْضِي فِيهِ بِالنُّكُولِ، وَهِبَةُ نِصْفِ الدَّارِ شَائِعًا لَا تَصِحُّ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ (لِأَنَّ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْبَذْلِ (لَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَاجِبَةً لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ) أَيْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ بِالْبَذْلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا عَلَى تَرْكِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ، هَذَا هُوَ الْعِلَّةُ الْمُجَوِّزَةُ لِكَوْنِ النُّكُولِ بَذْلًا، وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْمُرَجِّحَةُ لِكَوْنِهِ بَذْلًا عَلَى كَوْنِهِ إقْرَارًا فَهِيَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْزَالُهُ بَاذِلًا أَوْلَى) أَيْ مِنْ إنْزَالِهِ مُقِرًّا (كَيْ لَا يَصِيرُ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ) أَيْ فِي إنْكَارِهِ السَّابِقِ: يَعْنِي لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ لَكَذَّبْنَاهُ فِي إنْكَارِهِ السَّابِقِ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ بَذْلًا لَقَطَعْنَا الْخُصُومَةَ بِلَا تَكْذِيبٍ، فَكَانَ هَذَا أَوْلَى صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِ عَنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ الْكَذِبُ. قِيلَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ النُّكُولُ بَذْلًا لَمَا ضَمِنَ شَيْئًا آخَرَ إذَا اسْتَحَقَّ مَا أَدَّى بِقَضَاءٍ، كَمَا لَوْ صَالَحَ عَنْ إنْكَارٍ وَاسْتَحَقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَلَكِنَّ الْمُدَّعِيَ يَرْجِعُ إلَى الدَّعْوَى. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ بَذْلَ الصُّلْحِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَطَلَ الْعَقْدُ فَعَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الدَّعْوَى، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْمُدَّعِي يَقُولُ أَنَا آخُذُ هَذَا بِإِزَاءِ مَا وَجَبَ لِي فِي ذِمَّتِهِ بِالْقَضَاءِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ رَجَعْت بِمَا فِي الذِّمَّةِ. وَقِيلَ عَلَيْهِ إنَّ الْحُكْمَ وَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ بِالنُّكُولِ، وَالْبَذْلُ لَا يَجِبُ بِهِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ النُّكُولُ بَذْلًا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجِبُ بِالْبَذْلِ الصَّرِيحِ. وَأَمَّا مَا كَانَ بَذْلًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ كَالنُّكُولِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لَهُ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. وَقِيلَ عَلَيْهِ يَقْضِي بِالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بِالنُّكُولِ، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا قَضَى بِهِ لِأَنَّ الْبَذْلَ لَا يَعْمَلُ فِيهَا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَذْلَ فِيهَا غَيْرُ عَامِلٍ بَلْ هُوَ عَامِلٌ إذَا كَانَ مُفِيدًا نَحْوُ أَنْ يَقُولَ اقْطَعْ يَدَيَّ وَبِهَا أَكَلَةٌ حَيْثُ لَمْ يَأْثَمْ بِقَطْعِهَا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ النُّكُولُ مُفِيدٌ لِأَنَّهُ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَلَهُ وِلَايَةُ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْيَمِينِ

وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَفَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُسْتَحْلَفُ، إلَّا أَنَّ هَذَا بَذْلٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِمَنْزِلَةِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ خُلَاصَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ هَاهُنَا مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ (وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) فَإِنَّهُ لَوْ قَالَتْ مَثَلًا لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَكِنِّي بَذَلْت لَك نَفْسِي لَمْ يَصِحَّ بَذْلُهَا؛ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ وَلَكِنْ هَذَا يُؤْذِينِي بِالدَّعْوَى فَبَذَلْت لَهُ نَفْسِي لِيَسْتَرِقَّنِي، أَوْ قَالَ أَنَا ابْنُ فُلَانٍ وَلَكِنَّ هَذَا يُؤْذِينِي بِالدَّعْوَى فَأَبَحْت لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نَسَبِي لَمْ يَصِحَّ بَذْلُهُ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا الْمَالُ لَيْسَ لَهُ وَلَكِنِّي أَبَحْته وَبَذَلْته لَهُ لِأَتَخَلَّصَ مِنْ خُصُومَتِهِ صَحَّ بَذْلُهُ (وَفَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ) وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ الْبَذْلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهَا الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ الَّذِي هُوَ الْبَذْلُ (فَلَا يُسْتَحْلَفُ) فِيهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قُلْنَا: خَصَّ مِنْهُ الْحُدُودَ وَاللِّعَانَ، فَجَازَ تَخْصِيصُ هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْقِيَاسِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرَكَ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» بِالرَّأْيِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَنْفِ وُجُوبَ الْيَمِينِ فِيهَا، لَكِنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا لَمْ تُفِدْ الْيَمِينُ فَائِدَتَهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ لِكَوْنِهِ بَذْلًا لَا يَجْرِي فِيهَا سَقَطَتْ كَسُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْ مَعْذُورٍ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْكَاكِيُّ بِأَنَّهُ خَصَّ مِنْ الْحَدِيثِ الْحُدُودَ بِالْإِجْمَاعِ، فَجَازَ تَخْصِيصُ هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْقِيَاسِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ: يَعْنِي الْعِنَايَةَ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: مَدَارُ كَلَامِهِ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْعَلَّامَةِ الْكَاكِيِّ أَنَّ تَخْصِيصَ الْحُدُودِ مِنْ الْحَدِيثِ هُوَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِجْمَاعِ اتِّفَاقُ الْأَئِمَّةِ، فَالْمَعْنَى كَوْنُ الْحَدِيثِ مِمَّا خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ وَهُوَ الْحُدُودُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا كَوْنَ الْمُخَصِّصِ نَصًّا وَمُقَارِنًا، عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْأُصُولِ هِيَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُقَارَنَةُ وَعَدَمُهَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَارَنَةِ فَيَتِمُّ الْمَطْلُوبُ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ مُرَادِهِ بِالْإِجْمَاعِ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ فِي كَوْنِ الْحَدِيثِ مَخْصُوصًا أَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي ذَكَرَهُ وَقَعَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ قَيْدِ الْإِجْمَاعِ فَتَأَمَّلْ (إلَّا أَنَّ هَذَا بَذْلٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِمَنْزِلَةِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ

وَصِحَّتُهُ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مَا يَقْبِضُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَالْبَذْلُ مَعْنَاهُ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ قَالَ (وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنَّ النُّكُولَ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لِمَا أَنَّ فِي الْبَذْلِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ، وَبَذْلُهُمَا بِالنُّكُولِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ بَذْلِهِمَا مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ إذْ الْخُصُومَةُ تَنْدَفِعُ بِدُونِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بِأَنْ أَقْدَمَا عَلَى الْيَمِينِ إنْ كَانَا صَادِقَيْنِ فِي إنْكَارِهِمَا، وَبِأَنْ أَقَرَّا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الصَّادِقُ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَصِحَّتُهُ) أَيْ حِصَّةِ الْبَذْلِ (فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مَا يَقْبِضُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَالْبَذْلُ مَعْنَاهُ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ) هَذَا أَيْضًا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّ النُّكُولَ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا جَرَى فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْأَعْيَانُ لَا الدُّيُونُ، إذْ الدَّيْنُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْبَذْلُ وَالْإِعْطَاءُ لَا يَجْرِيَانِ فِي الْأَوْصَافِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى الْبَذْلِ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ، فَكَانَ الْمُدَّعِي يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّ نَفْسِهِ وَلَا مَانِعَ لَهُ، وَتَرْكُ الْمَنْعِ جَائِزٌ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَالِ هَيِّنٌ حَيْثُ تَجْرِي فِيهِ الْإِبَاحَةُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَجْرِي فِيهَا الْإِبَاحَةُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، حَتَّى أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي أَتَى بِصَرِيحِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا جَرَى فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْأَعْيَانُ لَا الدُّيُونُ، إذْ الْبَذْلُ وَالْإِعْطَاءُ لَا يَجْرِيَانِ فِي الْأَوْصَافِ وَالدَّيْنُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ. قُلْنَا: الْبَذْلُ هَاهُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ كَأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّ نَفْسِهِ وَلَا مَانِعَ لَهُ، وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ بَعْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَزْبُورَ وَإِنْ تَلَقَّتْهُ الثِّقَاتُ بِالْقَبُولِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ وَصْفًا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ مُنْتَقِلٍ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَأَنَّ تَرْكَ الْمَنْعِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَمْوَالِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي الْأَعْيَانِ لَا فِي الْأَوْصَافِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَمِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْعِ فَرْعُ جَوَازِ الْأَخْذِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِلْأَخْذِ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ تَرْكُ الْمَنْعِ، فَلَمْ يَكُنْ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّهُ حَقُّ نَفْسِهِ الدَّيْنَ بَلْ كَانَ الْعَيْنَ، وَكَذَا لَمْ يَكُنْ الَّذِي تَرَكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْعَهُ أَخْذَ الدَّيْنِ بَلْ كَانَ أَخْذَ الْعَيْنِ وَالسُّؤَالُ بِالدَّيْنِ لَا بِالْعَيْنِ، فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ لَا يَدْفَعُهُ. وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى الْبَذْلِ فِي الدَّيْنِ إحْدَاثُ مِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعِي بِإِعْطَاءِ عَيْنٍ يُمَاثِلُ مِعْيَارُهُ مِعْيَارَ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى وَحُصُولُ الْمُقَاصَّةِ بِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى قَضَاءِ الدَّيْنِ هَذَا وَلِهَذَا قَالُوا: الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي مَثَلًا لِي عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَانَ مَعْنَاهُ حَصَلَ لِي فِي ذِمَّتِهِ وَصْفٌ مِعْيَارُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَاَلَّذِي يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ إعْطَاءُ عَيْنٍ يُمَاثِلُ مِعْيَارُهُ مِعْيَارَ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَالْمَبْذُولُ حَقِيقَةً هُوَ الْعَيْنُ الَّذِي يُعْطَى لَا الدَّيْنُ نَفْسُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَخْذَ الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ

فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ: الضَّمَانُ وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ. وَالْقَطْعُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ . قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ اُسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِالنُّكُولِ الَّذِي هُوَ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ لَا تُقَامُ بِحُجَّةٍ فِيهَا شُبْهَةٌ فَكَذَلِكَ لَا تُقَامُ بِالنُّكُولِ، فَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْيَمِينُ فِي الْحُدُودِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي مَاذَا تُرِيدُ؟ فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْقَطْعَ، فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ: إنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا فَلَيْسَتْ لَك يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ، فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ: دَعْ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَانْبَعِثْ عَلَى دَعْوَى الْمَالِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَالْمَحْبُوبِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ) أَيْ بِفِعْلِ السَّارِقِ وَهُوَ السَّرِقَةُ (شَيْئَانِ: الضَّمَانُ) أَيْ أَحَدُهُمَا ضَمَانُ الْمَالِ (وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ. وَالْقَطْعُ) أَيْ وَثَانِيهمَا قَطْعُ الْيَدِ (وَلَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ بِالنُّكُولِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ بِفِعْلِهِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ: النُّكُولُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ فِعْلُ السَّرِقَةِ. أَقُولُ: الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْأَوَّلُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ فَحِينَئِذٍ لَا يُنَاطُ الْقَطْعُ بِالنُّكُولِ قَطْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ الْفِعْلُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ عَلَى النُّكُولِ وَأَحَدُ الشَّيْئَيْنِ هُوَ الْقَطْعُ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ إلَى آخِرِهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ لَمِّيَّةِ الْمُدَّعِي هَاهُنَا، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ تَفْصِيلٍ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ الضَّمَانُ وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَى عِلَّةِ كَوْنِ النُّكُولِ عَامِلًا فِيهِ، وَقَوْلُهُ وَالْقَطْعُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَى عِلَّةِ عَدَمِ ثُبُوتِ الْقَطْعِ بِهِ فَبَقِيَ الْمُدَّعَى غَيْرَ مَعْلُومِ اللِّمِّيَّةِ. وَالْأَوْجَهُ فِي التَّعْلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ مُوجِبَ فِعْلِهِ شَيْئَانِ الضَّمَانُ، وَهُوَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيَجِبُ بِالنُّكُولِ، وَالْقَطْعُ وَهُوَ لَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَلَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ انْتَهَى. وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ يَدَّعِي الْمَالَ وَالْحَدُّ وَإِيجَابُ الْحَدِّ لَا تُجَامِعُهُ الشُّبْهَةُ، وَإِيجَابُ الْمَالِ يُجَامِعُهُ الشُّبْهَةُ فَيَثْبُتُ بِهِ انْتَهَى، تُبْصِرُ تَقِفُ (فَصَارَ) أَيْ صَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى السَّرِقَةِ (رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ هُنَاكَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، فَكَذَا هَاهُنَا وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ الْحَدُّ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ اُسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ) وَفَائِدَةُ تَعْيِينِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ هِيَ تَعْلِيمُ

وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى الْمَالِ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ، وَكَذَا فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ وَالْحِجْرِ فِي اللَّقِيطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ دَعْوَى الْمَهْرِ لَا تَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي كُلِّ الْمَهْرِ أَوْ نِصْفِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَوَهُّمُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لِرُبَّمَا ذَهَبَ الْوَهْمُ إلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِغَلَبَتِهِ فَقُيِّدَ بِهِ لِيُعْلَمَ حُكْمُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا اُسْتُحْلِفَ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ) أَيْ وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ النِّكَاحِ الصَّدَاقَ (لِأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى الْمَالِ) أَيْ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ دَعْوَى الْمَالِ (ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ) يَعْنِي يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْمَالَ يَجْرِي فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْبَذْلُ، وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ بِدُونِ اللَّازِمِ. قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ بِالنُّكُولِ لَا مُطْلَقًا، عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ يَسْتَلْزِمُ النِّكَاحَ الْقَائِمَ لِبَقَائِهِ حَالَ الْفُرْقَةِ وَالطَّلَاقِ انْتَهَى. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْلِ جَوَابِهِ وَعِلَاوَتِهِ مُخْتَلٌّ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ بِالنُّكُولِ لَجَازَ الْبَذْلُ فِي النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ: أَيْ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ صَاحِبُ مَذْهَبٍ قَطُّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَهْرَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ قِيَامَ النِّكَاحِ فِي الْبَقَاءِ وَلَكِنْ يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ النِّكَاحِ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا فِي الْبَقَاءِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَمْ يَنْدَفِعْ السُّؤَالُ. ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِهِ: إنَّ ثُبُوتَ الْمَهْرِ فِي الْوَاقِعِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النِّكَاحِ فِيهِ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النِّكَاحِ عِنْدَهُ لِأَنَّ مَعْنَى ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ ظُهُورُهُ لَهُ، إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْحُجَجَ الشَّرْعِيَّةَ مُثْبَتَةٌ فِي عِلْمِ الْقَاضِي مُظْهَرَةٌ فِي الْوَاقِعِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ ظُهُورُ الْمَلْزُومِ ظُهُورَ اللَّازِمِ لِجَوَازِ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. فَاَلَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُبُوتُ الْمَهْرِ عِنْدَ الْقَاضِي بِدُونِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ عِنْدَهُ، وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ لِعَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ كَمَا عَرَفْت، وَقِسْ عَلَى هَذَا أَحْوَالَ نَظَائِرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُخَلِّصٌ فِي الْجَمِيعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا فِي النَّسَبِ) أَيْ وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ (إذَا ادَّعَى حَقًّا) أَيْ إذَا ادَّعَى مَعَ النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ (كَالْإِرْثِ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخٌ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ النَّسَبِ (وَالْحِجْرِ فِي اللَّقِيطِ) بِأَنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ حُرَّةُ الْأَصْلِ صَبِيًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ الْتَقَطَهُ أَنَّهُ أَخُوهَا وَأَنَّهَا أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ نَقْلِ

وَالنَّفَقَةِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا دُونَ النَّسَبِ (وَالنَّفَقَةِ) بِأَنْ ادَّعَى زَمِنٌ عَلَى مُوسِرٍ أَنَّهُ أَخُوهُ وَأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأُخُوَّةَ يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ دُونَ النَّسَبِ (وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) بِأَنْ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْتَ أَخِي يُرِيدُ بِذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ دُونَ النَّسَبِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ) دَلِيلٌ لِلْمَجْمُوعِ: يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ هَذِهِ الْحُقُوقُ: أَيْ دُونَ النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ بَعْدَمَا فَسَّرَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ بِقَوْلِهِ: أَيْ دُونَ النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْمِيلَهُ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَلْزَمُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ مُطْلَقًا بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ فِيمَا إذَا كَانَ النَّسَبُ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا فِيمَا إذَا كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ فَلَا، وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ تَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ مَعًا، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي صُورَةِ النَّفَقَةِ إذَا قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْتَ أَبِي فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا وَكَذَا الْحَالُ فِي صُورَةِ امْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا الْمُدَّعِيَةُ فِي صُورَةِ الْحِجْرِ فِي اللَّقِيطِ إذَا قَالَتْ إنَّ الصَّبِيَّ ابْنُهَا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا أَيْضًا وَكَانَ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ كُلِّيَّةِ الْمُدَّعِي. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَدَلَ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ: فَإِنَّ الْبَذْلَ لَا يَجْرِي فِيهِ كَمَا قَالَ آنِفًا فِي صُورَةِ دَعْوَى النِّكَاحِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُعَلَّلَ هَاهُنَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِالدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ النَّسَبَ الْمُجَرَّدَ، وَعَدَمُ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّ الْحُجَجَ عَلَى الدَّعْوَى غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي النُّكُولِ، بَلْ مِنْهَا أَيْضًا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ، وَالْبَذْلُ إنَّمَا هُوَ لِلنُّكُولِ مِنْ بَيْنِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَرَيَانِهِ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عَدَمُ جَرَيَانِ سَائِرِ الْحُجَجِ فِيهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِالدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، بِخِلَافِ مَا قَالَهُ فِي صُورَةِ دَعْوَى النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمُعَلَّلَ هُنَاكَ عَدَمُ ثُبُوتِ النِّكَاحِ بِالنُّكُولِ، وَعَدَمُ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِي النِّكَاحِ يُفِيدُهُ قَطْعًا. لَا يُقَالُ: التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ هُنَا أَنْ يُقَالَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالدَّعْوَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ النَّسَبُ الْمُجَرَّدُ لَمَّا ادَّعَى الْمُدَّعِي فِيهَا مَعَ النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ وَالْمَفْرُوضُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ ادِّعَاءُ الْمُدَّعِي مَعَهُ حَقًّا آخَرَ كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ إلَخْ. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ النَّسَبُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالْبُنُوَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ تُسْمَعُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، فَلَوْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُدَّعِي فِيهَا دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ لَمَّا ادَّعَى مَعَهُ حَقًّا آخَرَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّسَبُ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا؛ لِأَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ لَا تُسْمَعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ فِيهَا اسْتِمَاعُ الدَّعْوَى وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي مَعَ النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ لِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُ الْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ النَّسَبَ الْمُجَرَّدَ وَيَدَّعِيَ مَعَ النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ لِمُجَرَّدِ التَّوَسُّلِ بِهِ إلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ النَّسَبُ الْمُجَرَّدُ، وَالْمَسَائِلُ

وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْأَبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ فِي دَعْوَاهَا الِابْنَ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَالْمَوْلَى وَالزَّوْجِ فِي حَقِّهِمَا. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَهُ اُسْتُحْلِفَ) بِالْإِجْمَاعِ (ثُمَّ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَزِمَهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ بِهِ الْمَالُ، خُصُوصًا إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَةُ تَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ مَعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، فَكَانَ هَذَا التَّعْلِيلُ أَيْضًا قَاصِرًا عَلَى إفَادَةِ كُلِّيَّةِ الْمُدَّعِي. وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَظْهَرْ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَذِهِ الْحُقُوقُ) عِلَّةٌ وَاضِحَةٌ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْعَامَّةِ فَكَانَ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا أَصْلًا مَعَ أَنَّ عَادَتَهُ اقْتِفَاءُ أَثَرِ الْمُصَنِّفِ فِي أَمْثَالِهِ، وَأَنَّ أَكْثَرَ الشُّرَّاحِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِشَرْحِهِ وَبَيَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْمُجَرَّدِ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا هُوَ مَقْرُونٌ بِدَعْوَى حَقٍّ آخَرَ كَمَا مَرَّ آنِفًا (عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ إذَا كَانَ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُمَا إقْرَارٌ فَكُلُّ نَسُبَّ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَبَتَ يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ أَيْضًا (كَالْأَبِ وَالِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ) فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْأَبِ وَالِابْنِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ (وَالْأَبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ) فَإِنَّهَا إذَا أَقَرَّتْ بِالْأَبِ يَصِحُّ إقْرَارُهَا وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهَا، وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّتْ بِالِابْنِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهَا (لِأَنَّ فِي دَعْوَاهَا الِابْنَ) أَيْ فِي ادِّعَائِهَا الِابْنَ: أَيْ فِي إقْرَارِهَا بِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ تَأَمَّلْ (تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ (وَالْمَوْلَى) أَيْ وَكَالْوَلِيِّ: يَعْنِي السَّيِّدَ (وَالزَّوْجِ فِي حَقِّهِمَا) أَيْ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهَذَا الْقَيْدُ: أَعْنِي قَوْلَهُ فِي حَقِّهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمَوْلَى وَالزَّوْجِ جَمِيعًا، فَإِنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالْمَوْلَى وَالزَّوْجِ يَصِحُّ. وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةٍ: بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْمَوْلَى وَالزَّوْجَةِ، وَإِقْرَارُ الْمَرْأَةِ يَصِحُّ بِثَلَاثَةٍ: بِالْأَبِ وَالْمَوْلَى وَالزَّوْجِ، وَلَا يَصِحُّ بِالْوَلَدِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. وَكَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي مَحَلِّهَا أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِخَمْسَةٍ: بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى. وَإِقْرَارُ الْمَرْأَةِ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةٍ: بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، وَلَا يَصِحُّ بِالْوَلَدِ لِمَا مَرَّ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَبِ عَنْ ذِكْرِ الْأُمِّ لِظُهُورِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ النَّسَبُ إذَا أَنْكَرَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُفِيدُ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ حَتَّى يُجْعَلَ النُّكُولُ بَذْلًا أَوْ إقْرَارًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ بِحَيْثُ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُسْتَحْلَفُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُسْتَحْلَفُ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ الدَّعْوَى، فَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ مَسَائِلُ الْبَابِ انْتَهَى. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَهُ) وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ (اُسْتُحْلِفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالْإِجْمَاعِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي النَّفْسِ بِهَا أَوْ فِيمَا دُونَهَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (ثُمَّ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَزِمَهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا) أَيْ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا (لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بَلْ يَكُونُ بَذْلًا، كَذَا فِي الْكَافِي (فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ بِهِ الْمَالُ خُصُوصًا) أَيْ خَاصَّةً (إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَقَيَّدَ امْتِنَاعَ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى

كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ، بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَهَذَا إعْمَالٌ لِلْبَذْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ بِهِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْآكِلَةِ وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الْمَالُ أَيْضًا، كَمَا إذَا أَقَامَ مُدَّعِي الْقِصَاصِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ بِالْقِصَاصِ وَلَكِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَإِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ) فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ وَبِالْعَكْسِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ) لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ كَالْأَمْوَالِ (فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ) كَمَا يَجْرِي فِي الْأَمْوَالِ (بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ) حَيْثُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ (فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: اقْطَعْ يَدِي) أَيْ لَوْ قَالَ الْآخَرُ اقْطَعْ يَدَيَّ (فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ) أَيْ عَلَى الْقَاطِعِ (وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُودِ الضَّمَانِ (إعْمَالٌ لِلْبَذْلِ) فِي الْأَطْرَافِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي رِوَايَةٍ وَالدِّيَةُ فِي أُخْرَى، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِي الْأَنْفُسِ. وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَتْ الْأَطْرَافُ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاحَ قَطْعُ يَدِهِ إذَا قَالَ اقْطَعْ يَدِي كَمَا يُبَاحُ أَخْذُ مَالِهِ إذَا قَالَ خُذْ مَالِي، أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) أَيْ لَا يُبَاحُ الْقَطْعُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ كَمَا أَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ لَا يُبَاحُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَائِدَةِ بِأَنْ قَالَ أَلْقِ مَالِي فِي الْبَحْرِ أَوْ أَحْرِقْهُ بِالنَّارِ (وَهَذَا الْبَذْلُ) أَيْ الَّذِي بِالنُّكُولِ (مُفِيدٌ لِانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ بِهِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْآكِلَةِ وَقَطْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَ فِي السَّرِقَةِ إنَّ الْقَطْعَ

وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ . قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْخُصُومَةَ تَنْدَفِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ أَهْوَنُ، فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ أَوْلَى. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهَا فَتَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْأَمْوَالِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ دَفْعَ الْخُصُومَةِ بِالْأَرْشِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ بَعْدَ تَعَذُّرِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فِي جَوَابِ الْبَحْثِ الْأَوَّلِ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ الْمُرَادَ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي أَنَّ فِي كَوْنِ النُّكُولِ بَذْلًا شُبْهَةً لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَذْلِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ أَيْضًا، فَالْأَوْلَى طَرْحُ الشُّبْهَةِ مِنْ الْبَيِّنِ وَالِاكْتِفَاءُ بِعَدَمِ تَأَتِّي الْبَذْلِ فِيهِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَدَارُ بَحْثِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا بَيَّنَهُ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ فِي كَوْنِ الْأَطْرَافِ مِمَّا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ شُبْهَةً لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا فِي حُكْمِ الْأَنْفُسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَنَى عَلَيْهِ تَجْوِيزَهُ الْقِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَبَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ، فَمَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لَا يَتَأَتَّى الْبَذْلُ فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعَبْدِ فَيَتِمُّ الْجَوَابُ. ثُمَّ إنَّ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ إيمَاءً إلَى سَبَبِ عَدَمِ تَأَتِّي الْبَذْلِ فِيهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ ذِكْرُهَا أَوْلَى مِنْ طَرْحِهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِعَدَمِ تَأَتِّي الْبَذْلِ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ) أَيْ بِالنُّكُولِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْبَذْلِ فِيهَا كَمَا مَرَّ (وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ (يُحْبَسُ بِهِ) أَيْ يُحْبَسُ النَّاكِلُ بِذَلِكَ الْحَقِّ (كَمَا فِي الْقَسَامَةِ) فَإِنَّهُمْ إذَا نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ يُحْبَسُونَ حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قِيلَ

لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) كَيْ لَا يَغِيبَ نَفْسُهُ فَيَضِيعَ حَقُّهُ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَأَخْذُ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اسْتِحْسَانٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْمُدَّعِي وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى يُعَدَّى عَلَيْهِ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَصَحَّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْخَامِلِ وَالْوَجِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَيْ لَا يَغِيبَ نَفْسُهُ) أَيْ كَيْ لَا يَغِيبَ خَصْمُهُ نَفْسُهُ (فَيَضِيعَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ ثِقَةً مَعْرُوفَ الدَّارِ حَتَّى تَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ وَهِيَ الِاسْتِيثَاقُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) أَيْ وَقَدْ مَرَّ جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ مِنْ قَبْلُ: أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ (وَأَخْذُ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اسْتِحْسَانٌ عِنْدَنَا.) اعْلَمْ أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ. رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهَذَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَخَذَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِنْكَارِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ (نَظَرًا لِلْمُدَّعِي) إذْ لَا يَغِيبُ حِينَئِذٍ خَصْمُهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى يُعَدَّى عَلَيْهِ) مِنْ الْإِعْدَاءِ عَلَى لَفْظِ الْمَجْهُولِ. يُقَالُ اسْتَعْدَى فُلَانٌ الْأَمِيرَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ: أَيْ اسْتَعَانَ بِهِ فَأَعْدَاهُ الْأَمِيرُ عَلَيْهِ: أَيْ أَعَانَهُ الْأَمِيرُ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَنَسْتَعْدِي الْأَمِيرَ إذَا ظُلِمْنَا ... وَمَنْ يُعْدِي إذَا ظَلَمَ الْأَمِيرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ) مِنْ الْحَيْلُولَةِ عَلَى لَفْظِ الْمَجْهُولِ أَيْضًا (فَيَصِحُّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ) بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى (وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي (وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (بَيْنَ الْخَامِلِ وَالْوَجِيهِ) يُقَالُ خَمَلَ الرَّجُلُ خُمُولًا: إذَا كَانَ سَاقِطَ

وَالْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ وَمَعْنَاهُ فِي الْمِصْرِ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يُكْفَلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. قَالَ (فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا أُمِرَ بِمُلَازَمَتِهِ) كَيْ لَا يَذْهَبَ حَقُّهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا فَيُلَازِمَ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) وَكَذَا لَا يُكْفَلُ إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِمَا لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ بِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا، وَكَيْفِيَّةُ الْمُلَازَمَةِ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَدْرِ (وَالْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ) أَيْ وَبَيْنَ الْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ: أَيْ الشَّرِيفِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا أَوْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى نَفْسُهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي حَقِيرًا لَا يَخْفَى الْمَرْءُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ (ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ وَمَعْنَاهُ فِي الْمِصْرِ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ حَاضِرَةٌ: حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ (حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ) بِفَتْحَتَيْنِ مُخَفَّفَةِ الْيَاءِ أَوْ بِضَمِّ الْغَيْنِ مُشَدَّدَةِ الْيَاءِ (لَا يُكْفَلُ) أَيْ لَا يُكْفَلُ خَصْمُهُ (لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) لِأَنَّ الْفَائِدَةَ هِيَ الْحُضُورُ عِنْدَ حُضُورِ الشُّهُودِ وَذَلِكَ فِي الْهَالِكِ مُحَالٌ، وَالْغَائِبُ كَالْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ، إذْ لَيْسَ كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ فَإِنْ أَعْطَى خَصْمُهُ الْكَفِيلَ فِيهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْطِ (أُمِرَ بِمُلَازَمَتِهِ) أَيْ أُمِرَ الْمُدَّعِي بِمُلَازَمَةِ خَصْمِهِ (كَيْ لَا يَذْهَبَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُدَّعِي (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَرِيبًا (عَلَى الطَّرِيقِ) أَيْ مُسَافِرًا (فَيُلَازَمُ) أَيْ فَيُلَازِمُ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَكَذَا لَا يُكْفَلُ إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) أَيْ وَكَذَا لَا يُكْفَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُسَافِرًا إلَّا إلَى آخِرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي (فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِمَا) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا مُنْصَرِفٌ إلَى التَّكْفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ جَمِيعًا (لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى مِقْدَارِ مَجْلِسِ الْقَاضِي (إضْرَارًا بِهِ) أَيْ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ، وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ) أَيْ فِي مِقْدَارِ مَجْلِسِ الْقَاضِي (ظَاهِرًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ الرُّفْقَةِ. فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ قِيَامِ الْقَاضِي عَنْ مَجْلِسِهِ وَلَمْ يُحْضِرْ الْمُدَّعِي بَيِّنَتَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ لِيَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ أَنَا مُسَافِرٌ وَقَالَ الطَّالِبُ إنَّهُ لَا يُرِيدُ السَّفَرَ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِأَقْوَالٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ عَارِضٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَاضِي يَسْأَلُهُ مَعَ مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ؟ فَإِنْ أَخْبَرَهُ مَعَ فُلَانٍ وَالْقَاضِي يَبْعَثُ إلَى الرُّفْقَةِ أَمِينًا مِنْ أُمَنَائِهِ يَسْأَلُ إنَّ فُلَانًا هَلْ اسْتَعَدَّ لِلْخُرُوجِ مَعَكُمْ، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46] فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قَدْ اسْتَعَدَّ لِذَلِكَ انْضَمَّ قَوْلُهُمْ إلَى قَوْلِهِ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ فَيُمْهِلُهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَتَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَإِلَّا خُلِّيَ سَبِيلُ الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مِنْ حَالِهِ فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْقَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَجْلِ الِاسْتِعْدَادِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَيْفِيَّةُ الْمُلَازَمَةِ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَاَلَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ هُوَ أَنَّهُ يَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ وَلَا يُجْلِسُهُ فِي مَوْضِعٍ لِأَنَّهُ حَبْسَ، وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ لَا يَتْبَعُهُ بَلْ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَتَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ أَنْ يَدُورَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ وَيَبْعَثَ أَمِينًا حَتَّى يَدُورَ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ، لَكِنْ لَا يُجْلِسُهُ فِي مَوْضِعٍ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الدَّعْوَى وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَلْ هُوَ يَتَصَرَّفُ وَالْمُدَّعِي يَدُورُ مَعَهُ، وَإِذَا انْتَهَى الْمَطْلُوبُ إلَى دَارِهِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِهِ، بَلْ يَدْخُلُ الْمَطْلُوبُ عَلَى أَهْلِهِ وَالطَّالِبُ الْمُلَازِمُ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْت فِي الزِّيَادَاتِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَالْأَرْبَعِينَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَأْذَنَ الْمُدَّعِيَ بِالدُّخُولِ مَعَهُ أَوْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ حَتَّى دَخَلَ الدَّارَ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا يَهْرُبُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَيَفُوتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُلَازَمَةِ انْتَهَى.

[فصل في كيفية اليمين والاستحلاف]

(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَالِاسْتِحْلَافِ) قَالَ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» (وَقَدْ تُؤَكَّدُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) وَهُوَ التَّغْلِيظُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ، مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ. وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَلَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ، إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ فِيهِ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَالِاسْتِحْلَافِ] لَمَّا ذَكَرَ نَفْسَ الْيَمِينِ أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَحْلِفُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ صِفَتَهَا لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الشَّيْءِ وَهِيَ مَا يَقَعُ بِهِ الْمُشَابَهَةُ واللَّامُشَابَهَةُ صِفَتُهُ وَالصِّفَةُ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمَوْصُوفِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» ) أَقُولُ: هَاهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ آخَرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْيَمِينَ كَمَا تَكُونُ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ أَيْضًا بِصِفَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا فِي الْمُتَعَارَفِ، وَالْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ هَاهُنَا وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَأَيْضًا قَالَ هُنَاكَ: وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت هَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ يَكُونُ يَمِينًا، وَالْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ هَاهُنَا يُنَافِيهِ أَيْضًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ عَيْنَ الذَّاتِ وَلَا غَيْرَهَا، فَعَلَى هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ صِحَّةَ الْيَمِينِ بِصِفَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُنَافِيهَا أَيْضًا اخْتِصَاصُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنًى لَا بِغَيْرِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي ظَاهِرِ الْحَالِ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ بِهِ فِي الْمَآلِ فَتَأَمَّلْ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ الْحُرَّ وَالْمَمْلُوكَ وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَالْفَاسِقَ وَالصَّالِحَ وَالْكَافِرَ وَالْمُسْلِمَ فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ، وَهَؤُلَاءِ فِي اعْتِقَادِ الْحُرْمَةِ فِي الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ سَوَاءٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَقَدْ تُؤَكَّدُ) أَيْ الْيَمِينُ (بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) أَيْ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى، هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ التَّغْلِيظُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ قُلْ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ) وَالْخَفَاءِ (مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَلَهُ) أَيْ وَلِلْقَاضِي (أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْمَذْكُورِ (وَلَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ النُّكُولُ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ؛ مِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ إذَا غُلِّظَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيَتَجَاسَرُ إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ فَقَطْ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ بِأَدْنَى تَغْلِيظٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَمْتَنِعُ إلَّا بِزِيَادَةِ تَغْلِيظٍ، فَلِلْقَاضِي أَنْ يُرَاعِيَ أَحْوَالَ النَّاسِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي «الَّذِي حَلَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ) وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِيَاطِ أَنْ يَذْكُرَ بِغَيْرِ وَاوٍ، إذْ لَوْ ذَكَرَ:

لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ غَلَّظَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُغَلِّظْ فَيَقُولُ: قُلْ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ، وَقِيلَ: لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ. قَالَ (وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَكَثْرَةِ الِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ بِالْوَاوَاتِ صَارَتْ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ، وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ (لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ غَلَّظَ) فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا (وَإِنْ شَاءَ) الْقَاضِي (لَمْ يُغَلِّظْ فَيَقُولُ: قُلْ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ النُّكُولُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ شَتَّى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ بِدُونِ التَّغْلِيظِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي (وَقِيلَ: لَا يُغَلَّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ) إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِدُونِ التَّغْلِيظِ (وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ) لِكَوْنِ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ (وَقِيلَ يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ) لِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي الْقِيلِ الْأَوَّلِ . (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ لِمَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» (وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ (لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَكَثْرَةِ الِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ) أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَرَامٌ. وَبَعْضُهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ: التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَأَجَازَهُ الْبَعْضُ، فَيُفْتَى بِأَنَّهُ يَجُوزُ إنْ مَسَّتْهُ الضَّرُورَةُ، وَإِذَا بَالَغَ الْمُسْتَفْتِي فِي الْفَتْوَى يُفْتِي بِأَنَّ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي انْتَهَى. وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ: وَلَوْ حَلَّفَ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ فَنَكَلَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا انْتَهَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ: التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَا يُجَوِّزُهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا فَإِنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ يُفْتَى بِأَنَّ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي، فَلَوْ حَلَّفَ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ فَنَكَلَ وَقَضَى بِالْمَالِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عِنْدَ إلْحَاحِ الْخَصْمِ، وَأَنْ يُفْتِيَ بِجَوَازِ ذَلِكَ إنْ مَسَّتْهُ الضَّرُورَةُ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ عَنْهُ، وَإِنْ قَضَى بِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بِهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قَضَى بِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ انْتَهَى. لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّحْلِيفِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ عَمَّا ذُكِرَ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّحْلِيفُ بِهِ، أَلَّا يَرَى إلَى مَا مَرَّ فِي بَيَانِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ الْعَدِيدَةِ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَفَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فَلَا يَسْتَحْلِفُ فِيهَا حَيْثُ جَعَلُوا عَدَمَ

قَالَ (وَيَسْتَحْلِفُ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالنَّصْرَانِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَعْتَقِدُ نُبُوَّةَ مُوسَى وَالنَّصْرَانِيَّ نُبُوَّةَ عِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَيُغَلِّظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ (وَ) يَسْتَحْلِفُ (الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ. يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ أَحَدًا إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ غَيْرَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ فِي ذِكْرِ النَّارِ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ، بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ مُعَظَّمَةٌ (وَالْوَثَنِيُّ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ) لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] قَالَ (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَرَتُّبِ فَائِدَةِ الِاسْتِحْلَافِ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ عِلَّةً لِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَيَسْتَحْلِفُ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصْرَانِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى لِقَوْلِهِ) أَيْ لِقَوْلِ نَبِيِّنَا (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ) وَفِي الْمُغْرِبِ: ابْنُ صُورِيَّا بِالْقَصْرِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ «أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» أَيْ التَّحْمِيمُ، هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ مُسْنَدًا إلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «مَرَّ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمٍ، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا فَقَالَ: نَشَدْتُك اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا، فَلَوْلَا أَنَّك نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْك، حَدُّ الزِّنَا فِي كِتَابِنَا الرَّجْمُ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إذَا أَخَذْنَا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ فَقُلْنَا: تَعَالَوْا فَنَجْتَمِعَ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ وَتَرَكْنَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ إنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَك إذْ أَمَاتُوهُ، فَأُمِرَ بِهِ فَرُجِمَ» وَقَالَ شُرَّاحُهُ: وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا، وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: يَعْنِي لِابْنِ صُورِيَّا، الْحَدِيثُ. وَهَذَا مُرْسَلٌ (وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَعْتَقِدُ نُبُوَّةَ مُوسَى وَالنَّصْرَانِيَّ نُبُوَّةَ عِيسَى) أَيْ يَعْتَقِدُ نُبُوَّةَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فَيُغَلِّظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ) لِيَكُونَ رَادِعًا لَهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ (وَيَحْلِفُ الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ يَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ فِي النَّارِ فَيَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ أَحَدًا إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا) تَفَادِيًا عَنْ تَشْرِيكِ الْغَيْرِ مَعَهُ فِي التَّعْظِيمِ (وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ غَيْرَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، لِأَنَّ فِي ذِكْرِ النَّارِ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ) لِأَنَّ النَّارَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ، فَكَمَا لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُسْلِمَ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الشَّمْسَ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْمَجُوسِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ النَّارَ تَعْظِيمَ الْعِبَادَةِ، فَلِمَقْصُودِ النُّكُولِ قَالَ: تُذْكَرُ النَّارُ فِي الْيَمِينِ انْتَهَى (بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ) أَيْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ (لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ مُعَظَّمَةٌ) فَجَازَ أَنْ تُذْكَرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالْوَثَنِيُّ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ، لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) لَا يُقَالُ: لَوْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَعْبُدُونَهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى زَعْمِهِمْ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى يَمْتَنِعُونَ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَتَحْصُلُ الْفَائِدَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الْيَمِينِ وَهِيَ النُّكُولُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا) أَيْ لَا يَحْضُرُ بُيُوتَ عِبَادَتِهِمْ لِلْحَرَجِ

بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ. . قَالَ (وَلَا يَجِبُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ، وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ حَرَجٌ عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورَهَا وَهُوَ مَدْفُوعٌ. قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَجَحَدَ اسْتَحْلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ فِيهِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت) لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاعُ الْعَيْنُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهِ (وَيَسْتَحْلِفُ فِي الْغَصْبِ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك رَدَّهُ وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت) لِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُ ثُمَّ يَفْسَخُ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ (وَفِي النِّكَاحِ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَالْحَلِفُ يَقَعُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْمَكَانِ، فَفِي أَيِّ مَكَان حَلَّفَهُ جَازَ. وَفِي الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي الْمَأْخُوذِ لِلْحَسَنِ: وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ إلَى بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ فَيُحَلِّفُهُ هُنَاكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْعَلَهُ إذَا اتَّهَمَهُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَا يَجِبُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ) أَيْ بِدُونِ تَعْيِينِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ حَرَجٌ عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلِّفُ حُضُورَهَا) أَيْ حُضُورُ الْأَزْمَانِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْأَمَاكِنِ الْمَخْصُوصَةِ (وَهُوَ مَدْفُوعٌ) أَيْ الْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ فِي قَسَامَةٍ أَوْ فِي لِعَانٍ أَوْ فِي مَالٍ عَظِيمٍ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ؛ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَعِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَفِي سَائِرِ الْبِلَادِ فِي الْجَوَامِعِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَجَحَدَ اسْتَحْلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ فِيهِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت) يَعْنِي يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ دُونَ السَّبَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْيَمِينُ عَلَى الْحَاصِلِ أَوْ السَّبَبِ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ، إمَّا إنْ كَانَ مِمَّا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ تَضَرَّرَ الْمُدَّعِي بِالتَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا إذَا عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِرَفْعِ السَّبَبِ وَسَيَظْهَرُ الْكُلُّ مِنْ الْكِتَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاعُ الْعَيْنُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهِ) مِنْ الْإِقَالَةِ: أَيْ ثُمَّ تَطْرَأُ عَلَيْهِ الْإِقَالَةُ فَلَا يَبْقَى الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ، فَلَوْ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ هَاهُنَا لَتَضَرَّرَ بِهِ فَاسْتَحْلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. (وَيَسْتَحْلِفُ فِي الْغَصْبِ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ رَدَّهُ) أَيْ رَدُّ الْمُدَّعِي (وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت) هَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهُ قَدْ يُغْصَبُ) أَيْ قَدْ يُغْصَبُ الشَّيْءُ (ثُمَّ يُفْسَخُ) أَيْ يُفْسَخُ الْغَصْبُ (بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ) فَلَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْغَصْبُ هَاهُنَا لَتَضَرَّرَ بِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ (وَفِي النِّكَاحِ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ) وَهَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَأَكْثَرُ الشُّرَّاحِ: هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ فِي النِّكَاحِ قَوْلُهُمَا. أَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ فِي النِّكَاحِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَى قَوْلِهِمَا مَعًا إلَّا أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الِاسْتِحْلَافُ عَلَى الْحَاصِلِ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقَطْ، إذْ الِاسْتِحْلَافُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا هُوَ عَلَى السَّبَبِ كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى السَّبَبِ. نَعَمْ سَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ أَيْضًا إلَّا إذَا عَرَضَ

لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخُلْعُ (وَفِي دَعْوَى الطَّلَاقِ بِاَللَّهِ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك السَّاعَةَ بِمَا ذَكَرْت وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقَهَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُجَدَّدُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْحَاصِلِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ عَرَضَ أَوْ لَمْ يَعْرِضْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ إذْ لَا خِلَافَ فِي صُورَةِ التَّعْرِيضِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْلِيلِ (لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخُلْعُ) أَيْ يَطْرَأُ عَلَى النِّكَاحِ الْخُلْعُ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ النِّكَاحِ هَاهُنَا لَتَضَرَّرَ بِهِ فَحَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ (وَفِي دَعْوَى الطَّلَاقِ بِاَللَّهِ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك السَّاعَةَ بِمَا ذَكَرْت وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقَهَا) وَهَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ، فَكَأَنَّهُ زَادَ ذِكْرَ دَعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ أُخْرَى الْمَسَائِلِ الْمُتَنَاسِبَةِ الْمَذْكُورَةِ هَاهُنَا إيمَاءً إلَى أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّهَا تَرَكَتْ فِيهَا اعْتِمَادًا عَلَى انْفِهَامِهَا بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُجَدَّدُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ) وَفَرَّعَ عَلَى جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ قَوْلَهُ (فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ لَتَضَرَّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ (وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ التَّحْلِيفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُمَا. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَاهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَكُونُ التَّحْلِيفُ فِيهِ عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَهُ كَمَا لَا يُخْفَى انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَيْضًا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا عَلَى التَّغْلِيبِ: أَيْ تَغْلِيبُ حُكْمِ سَائِرِ الْوُجُوهِ عَلَى حُكْمِ وَجْهِ النِّكَاحِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ عَدَمِ جَرَيَانِ الِاسْتِحْلَافِ فِي النِّكَاحِ مِمَّا مَرَّ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَصَدَ تَوْجِيهَ الْكَلَامِ وَدَفْعَ الِاعْتِرَاضِ عَنْ الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ: أَيْ التَّحْلِيفُ عَلَى الْحَاصِلِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْحَاصِلِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يُخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى السَّبَبِ يَأْبَى مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ، إذْ قَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَعْيِينًا لِكَوْنِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ لَا فِي كَيْفِيَّةِ التَّحْلِيفِ فِي الْجُمْلَةِ فَتَدَبَّرْ (أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ

عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ. وَقِيلَ: يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ. فَالْحَاصِلُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ سَبَبًا يَرْتَفِعُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ أَنْ تَدَّعِيَ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا، أَوْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرَاهَا، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يَصْدُقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ (كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْوُجُوهِ (عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ إلَّا إذَا عَرَّضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ارْتِفَاعِ السَّبَبِ. وَصِفَةُ التَّعْرِيضِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْقَاضِي إذَا عَرَضَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ مَا بِعْت أَيَّهَا الْقَاضِي أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبِيعُ شَيْئًا ثُمَّ يُقِيلُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا بَاقِي أَخَوَاتِ الْبَيْعِ فَتَدَبَّرْ (فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ) أَيْ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ الِاسْتِحْلَافُ عَلَى حُكْمِ الشَّيْءِ فِي الْحَالِ، وَصَارَ الْعُدُولُ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى مُقْتَضَى الدَّعْوَى حَقًّا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ طَالَبَ بِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ (وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ رُوِيَ عَنْهُ إنَّهُ يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ) وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ عِنْدِي وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ. وَفِي الْكَافِي: قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي (فَالْحَاصِلُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا) أَيْ التَّحْلِيفُ عَلَى الْحَاصِلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا (إذَا كَانَ سَبَبًا) أَيْ إذَا كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ سَبَبًا (يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ (تَرْكُ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ) أَيْ مَا كَانَ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى السَّبَبِ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي (مِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا) أَيْ لَا يَرَى نَفَقَةَ الْعِدَّةِ لِلْمَبْتُوتَةِ (أَوْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرَاهَا) بِأَنْ كَانَ شَافِعِيًّا (لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يَصْدُقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقِدِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) فَإِنْ قِيلَ: فِي التَّحْلِيفِ عَلَى السَّبَبِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَى وَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِأَنْ سَلَّمَ أَوْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ. قُلْنَا: الْقَاضِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا، فَكَانَ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَقِّ وَهُوَ الشِّرَاءُ إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ الْحَقُّ لَهُ، وَسُقُوطُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْعَارِضِ، كَذَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَإِنْ كَانَ سَبَبًا) أَيْ إنْ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ سَبَبًا (لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ) وَجَحَدَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّحْلِيفِ

بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ) لِأَنَّهُ يُكَرِّرُ الرِّقَّ عَلَيْهَا بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ وَعَلَيْهِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللِّحَاقِ، وَلَا يُكَرِّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ. . قَالَ: (وَمَنْ وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَاهُ آخَرُ يَسْتَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ) لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا صَنَعَ الْمُوَرِّثُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ (وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ) لِوُجُودِ الْمُطْلَقِ لِلْيَمِينِ إذْ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَضْعًا وَكَذَا الْهِبَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْحَاصِلِ، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ رَقِيقًا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ، كَيْفَ وَلَوْ تَصَوَّرَ عَوْدَ الرِّقِّ فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ الِارْتِدَادِ. وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالِارْتِدَادِ (بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ) حَيْثُ يَحْلِفُ فِيهِمَا عَلَى الْحَاصِلِ: أَيْ مَا هِيَ حُرَّةٌ أَوْ مَا هُوَ حُرٌّ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْكَافِي (لِأَنَّهُ يُكَرِّرُ الرِّقَّ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَمَةِ (بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ) بِدَارِ الْحَرْبِ وَالسَّبْيِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ وَيُكَرِّرُ الرِّقَّ عَلَى الْعَبْدِ الْكَافِرِ (بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللِّحَاقِ) بِدَارِ الْحَرْبِ وَالسَّبْيِ أَيْضًا (وَلَا يُكَرِّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: (وَمَنْ وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَاهُ آخَرُ) وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ (اُسْتُحْلِفَ) أَيْ الْوَارِثُ (عَلَى عِلْمِهِ) أَيْ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا عَبْدُ الْمُدَّعِي (لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ) أَيْ لِلْوَارِثِ (بِمَا صَنَعَ الْمُوَرِّثُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ) إذْ لَوْ حَلَّفْنَا عَلَيْهِ لَامْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ كَوْنِهِ صَادِقًا فِيهَا فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَإِنْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ) يَعْنِي إنْ وَهَبَ لَهُ عَبْدًا أَوْ اشْتَرَاهُ وَادَّعَاهُ آخَرُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ (لِوُجُودِ الْمُطْلَقِ) أَيْ الْمُجَوِّزِ (لِلْيَمِينِ) أَيْ لِلْيَمِينِ عَلَى الْبَتَاتِ (إذْ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَضْعًا وَكَذَا الْهِبَةُ) فَإِنْ قِيلَ: بِهَذَا التَّعْلِيلِ لَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْإِرْثَ أَيْضًا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ شَرْعًا كَالْهِبَةِ فَكَيْفَ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ؟ قُلْنَا: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَضْعًا أَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِاخْتِيَارِهِ الْمُشْتَرِيَ وَمُبَاشَرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتَرَاهُ مِلْكُ الْبَائِعِ لَمَا بَاشَرَ الشِّرَاءَ اخْتِيَارًا وَكَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي قَبُولِ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْوَارِثِ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِحَالِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ فَلِذَلِكَ يَحْلِفُ الْوَارِثُ بِالْعِلْمِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْبَتَاتِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ أَيْضًا مِنْ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ، وَهُوَ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ الْبَتَاتِ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّحْلِيفَ إنْ كَانَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ يَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ. فَإِنْ قِيلَ: أَنَّى يَسْتَقِيمُ هَذَا. لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ إبَاقَ عَبْدٍ قَدْ بَاعَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ الْإِبَاقَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّ الْإِبَاقَ فِعْلُ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا: لِلْمُدَّعِي يَدَّعِي عَلَيْهِ تَسْلِيمَ غَيْرِ السَّلِيمِ عَنْ الْعَيْبِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَأَنَّهُ فِعْلُ نَفْسِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي. قَالَ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ فُصُولِهِ: وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّحْلِيفِ فَنَقُولُ: إنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى فِعْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّك سَرَقْت هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي أَوْ غَصَبْت هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ بِحَضْرَةِ وَارِثِهِ بِسَبَبِ الِاسْتِهْلَاكِ أَوْ ادَّعَى أَنَّ أَبَاك سَرَقَ هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي أَوْ غَصَبَ هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إلَّا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ إبَاقَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ بِاَللَّهِ مَا سَرَقَ فِي يَدِك، وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَلِيمًا عَنْ الْعُيُوبِ وَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ. وَكَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ يَزِيدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ حَرْفًا، وَهُوَ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ عَلَى الْبَتَاتِ وَعَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْعِلْمِ، إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا يَتَّصِلُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، خَرَجَ عَلَى هَذَا فَصْلُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعَبْدِ سَلِيمًا وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى فِعْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ بِأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنِّي اسْتَأْجَرْت مِنِّي اسْتَقْرَضْت مِنِّي، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِعْلُهُ وَفِعْلُ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَقُومُ بِاثْنَيْنِ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا قَالَ الَّذِي اُسْتُحْلِفَ: لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: لِي عِلْمٌ بِذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ: قَبَضَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ الْوَدِيعَةَ مِنِّي فَإِنَّهُ يُحَلِّفُ الْمُودِعَ عَلَى الْبَتَاتِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ الثَّمَنَ وَجَحَدَ الْمُوَكِّلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ الْمُشْتَرِي وَيَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَبَضَ الْمُوَكِّلُ، وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ عِلْمًا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: قَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَكَانَ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، ذَكَرَ الْإِمَامُ اللَّامِشْتِيُّ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا، وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ النُّكُولُ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْعِلْمِ وَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَلِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَلَوْ نَكَلَ يَقْضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ أَقْوَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفُصُولِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ، وَيَقْضِيَ عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ آكَدُ فَيُعْتَبَرُ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْعَكْسِ انْتَهَى. وَفِيهِ بَحْثٌ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، بَلْ اللَّائِقُ أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ، فَإِنَّهُ إذَا نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ فَفِي الْحَلِفِ عَلَى الْبَتَاتِ أَوْلَى. وَالْجَوَابُ الْمَنْعُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التَّكْرَارِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، فَإِنَّهَا إذْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَيْفَ يَقْضِي عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ، إلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الْقَائِلِ. وَأَقُولُ: بَحْثُهُ الثَّانِي مُتَوَجِّهٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ بِإِيرَادِهِ، بَلْ قَدْ سَبَقَهُ إلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَيْثُ

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَافْتَدَى يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى عَشْرَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ: وَفِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَتَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُمَا إلَيْهِ الْإِمَامُ عِمَادُ الدِّينِ حَيْثُ قَالَ فِي فُصُولِهِ: وَرَأَيْت فِيمَا كَتَبْتُهُ مِنْ نُسْخَةِ الْمُحِيطِ فِي فَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي مِنْهُ: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا، وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ النُّكُولُ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَّفَهُ عَلَى الْبَتَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَلِفُ لِأَنَّ الْبَتَاتَ أَقْوَى، وَلَوْ نَكَلَ عَنْهُ يَقْضِي عَلَيْهِ. قُلْت: وَهَذَا الْفَرْعُ مُشْكِلٌ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُ بِهَذَا الْفَرْعِ هُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَلَ عَنْهُ يَقْضِي عَلَيْهِ وَإِنَّ وَجْهَ إشْكَالِهِ تَوَجُّهُ مَا ذَكَرَاهُ. وَأَمَّا بَحْثُهُ الْأَوَّلُ وَجَوَابُهُ فَمَنْظُورٌ فِيهِمَا: أَمَّا الْبَحْثُ فَلِأَنَّ اللَّازِمَ مِنْ النُّكُولِ عَنْ الْحَلِفِ عَنْ الْعِلْمِ أَنْ يَفْهَمَ نُكُولَهُ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْبَتَاتِ لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ لَا أَنْ يَتَحَقَّقَ النُّكُولُ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْبَتَاتِ بِالْفِعْلِ، وَاَلَّذِي مِنْ أَسْبَابِ الْقَضَاءِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِيَقِينٍ كَوْنَ نُكُولِهِ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ فَالْحُكْمُ أَيْضًا مَا ذُكِرَ، وَلَا يَجْرِي الْجَوَازُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ، عَلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التَّكْرَارِ، إذْ الْمَحْذُورُ تَكْرَارُ التَّحْلِيفِ لَا تَكْرَارُ الْحَلِفِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَافْتَدَى يَمِينَهُ) أَيْ افْتَدَى الْآخَرُ عَنْ يَمِينِهِ (أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا) أَيْ صَالَحَ الْآخَرُ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْيَمِينِ (عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَهُوَ) أَيْ الِافْتِدَاءُ أَوْ الصُّلْحُ (جَائِزٌ) فَالِافْتِدَاءُ قَدْ يَكُونُ بِمَالٍ هُوَ مِثْلُ الْمُدَّعِي، وَقَدْ يَكُونُ بِمَالٍ هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْمُدَّعِي. وَأَمَّا الصُّلْحُ مِنْ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَالٍ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعِي فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ الصُّلْحَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَطِيطَةِ، وَكِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ الِافْتِدَاءُ عَنْ الْيَمِينِ (مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ. ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ، فَقِيلَ أَلَا تَحْلِفُ وَأَنْتَ صَادِقٌ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ اسْتَقْرَضَ مِنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَضَاهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: لِيَحْلِفْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ وَلْيَأْخُذْ سَبْعَةَ آلَافٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ: أَنْصَفَك الْمِقْدَادُ احْلِفْ إنَّهَا كَمَا تَقُولُ وَخُذْهَا، فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلَمَّا خَرَجَ الْمِقْدَادُ قَالَ عُثْمَانُ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ، قَالَ: فَمَا مَنَعَك أَنْ تَحْلِفَ

(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ أَبَدًا) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْك؟ فَقَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ. فَيَكُونُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ نَقُولُ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمِقْدَادَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَضَاهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ كَيْفَ قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ، ثُمَّ إنَّ قِصَّةَ الْمِقْدَادِ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، إذْ لَيْسَ فِيهَا إلَّا النُّكُولُ لَا الِافْتِدَاءُ وَالصُّلْحُ انْتَهَى. وَأَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ بِشِقَّيْهِ، أَمَّا شِقُّهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ، أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ سَبْعَةَ آلَافٍ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ لَفْظُ كَانَتْ، لَا أَنَّ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّتِهِ الْآنَ سَبْعَةُ آلَافٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَضَاءَ أَرْبَعَةِ آلَافٍ إنَّمَا يُنَافِي الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي. فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ النِّزَاعُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْإِيفَاءِ وَالْقَبْضِ دُونَ مِقْدَارِ أَصْلِ الْقَرْضِ كَمَا ذَكَرْتُهُ. قُلْت: الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي إيفَاءَ تَمَامِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: بَلْ أَوْفَيْت الْبَعْضَ مِنْهُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَبَقِيَ الْبَعْضُ مِنْهُ فِي ذِمَّتِك وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ النِّزَاعُ فِي الْإِيفَاءِ فَرْعَ النِّزَاعِ فِي أَصْلِ مِقْدَارِ الْقَرْضِ، فَتَسْلَمُ الْقِصَّةُ عَنْ تَعَارُضِ طَرَفَيْهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ النَّاظِرُ، وَيَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا شِقُّهُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ الْقِصَّةَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُدَّعِيًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَصَلَحَ أَنْ يَتَّخِذَهُ الشَّافِعِيُّ دَلِيلًا عَلَى مَذْهَبِهِ وَهُوَ جَوَازُ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ قِبَلِنَا، وَإِنَّمَا كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَمُفْتَدِيًا عَنْ يَمِينِهِ بِمَالٍ فِي رِوَايَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى رِوَايَةِ بَعْضِ الْكُتُبِ دُونَ رِوَايَةِ بَعْضِهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا: وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَذَكَرَ مَا ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ نَقَلَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: فَيَكُونُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ: قَدْ أَوْضَحَ الْمَرَامَ بِتَفْصِيلِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: قَدْ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ الْكِتَابِ فِي أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَوْ مُدَّعِيًا، فَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ، فَقِيلَ: أَلَا تَحْلِفُ وَأَنْتَ صَادِقٌ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ. وَذَكَرَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ دَعْوَى الْمَبْسُوطِ فِي احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُدَّعِيًا فَقَالَ: وَحُجَّتُهُ فِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ ادَّعَى مَالًا عَلَى الْمِقْدَادِ بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إلَى أَنْ قَالَ: لِيَحْلِفْ لِي عُثْمَانُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ تَمَامَ الْقِصَّةِ فَقَالَ: رُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ اسْتَقْرَضَ مِنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَضَاهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ. فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: لِيَحْلِفْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ وَلْيَأْخُذْ سَبْعَةَ آلَافٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ: أَنْصَفَك الْمِقْدَادُ لِتَحْلِفْ أَنَّهَا كَمَا تَقُولُ وَخُذْهَا، فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمِقْدَادُ قَالَ عُثْمَانُ لِعُمَرَ: إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ، قَالَ: فَمَا مَنَعَك أَنْ تَحْلِفَ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْك؟ فَقَالَ عُثْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ ادَّعَى الْإِيفَاءَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ نَقُولُ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ الَّتِي افْتَدَى عَنْهَا أَوْ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ (أَبَدًا) أَيْ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ (لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الِافْتِدَاءِ أَوْ الصُّلْحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يُجْبَرْ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. .

[باب التحالف]

(بَابُ التَّحَالُفِ) قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قَضَى لَهُ بِهَا) لِأَنَّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ وَلَا تَعَارُضَ فِي الزِّيَادَةِ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِي الثَّمَنِ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ) نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّحَالُفِ] لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الْوَاحِدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ يَمِينِ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ طَبْعًا فَرَاعَاهُ فِي الْوَضْعِ لِيُنَاسِبَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمُشْتَرِي (ثَمَنًا) بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَةٍ (وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ) بِأَنْ قَالَ: بِعْتُهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ (أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ) بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: الْمَبِيعُ كُرٌّ مِنْ الْحِنْطَةِ (وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ) بِأَنْ قَالَ: هُوَ كُرَّانِ مِنْ الْحِنْطَةِ. وَالْحَاصِلُ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ بِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ (لِأَنَّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُوجِبُ مِنْهُ الْحُكْمَ عَلَى الْقَاضِي وَمُجَرَّدُ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ) أَيْ وُضِعَتْ فِي الشَّرْعِ لِلْإِثْبَاتِ فَكُلُّ مَا كَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا كَانَ أَوْلَى (وَلَا تَعَارُضَ فِي الزِّيَادَةِ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْأَقَلِّ لَا تَتَعَرَّضُ لِلزِّيَادَةِ، فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: الْبَيِّنَةُ الَّتِي تُثْبِتُ الْأَقَلَّ تَنْفِي الزِّيَادَةَ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ هَذَا الْقَدْرُ. قُلْت: الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ تُثْبِتُهَا قَصْدًا وَتِلْكَ لَا تَنْفِيهَا قَصْدًا فَكَانَتْ الْأُولَى أَوْلَى لِمَا قَامَتْ بَيْنَهَا مُعَارَضَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ هَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِظَاهِرِ تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ انْتِفَاءُ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الزِّيَادَةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ تَحَقُّقُ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا فِي الزِّيَادَةِ مَعَ رُجْحَانِ الْبَيِّنَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ النَّافِيَةِ لَهَا فَتَأَمَّلْ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا) بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ مَثَلًا: بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتَنِيهَا وَهَذَا الْعَبْدُ مَعَهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأَقَامَا بَيِّنَةً (فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِي الثَّمَنِ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ) فَالْجَارِيَةُ وَالْعَبْدُ جَمِيعًا لِلْمُشْتَرِي بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ، وَقِيلَ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَهَذِهِ جِهَةٌ فِيهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالْفَسْخِ فَإِذَا عَلِمَا بِهِ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ: يَقْضِي لِلْمُشْتَرِي بِمِائَةِ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَاتِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا: أَيْ فِي قَدْرِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةٌ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى قَوْلِهِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَبْدِك هَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهَا مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالْعَبْدِ وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ دُونَ حَقِّ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْجَارِيَةِ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ فَبَيِّنَتُهُ عَلَى حَقِّهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ الْحَقُّ لِنَفْسِهِ فِي الْعَبْدِ وَالْمُشْتَرِي يَنْفِي ذَلِكَ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَبِالْمُعَارَضَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ الْحَقَّ لِلْبَائِعِ فِي مِائَةِ دِينَارٍ وَالْبَائِعُ يَنْفِي ذَلِكَ، وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَبِالنَّقْضِ، فَإِنَّهُ لَوْ سَلِمَ هَذَا التَّعْلِيلُ لَأَفَادَ عَدَمَ قَبُولِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَيْضًا، إذْ حِينَئِذٍ يَنْفِي الْمُشْتَرِي أَيْضًا بِبَيِّنَتِهِ حَقَّ الْبَائِعِ فِيمَا ادَّعَاهُ، وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ بِهَا قَطْعًا. وَأَمَّا ثَالِثًا فَبِالْمَنْعِ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفِي بِبَيِّنَتِهِ مَا يُثْبِتُهُ الْبَائِعُ بَلْ هُوَ يُثْبِتُ بِهَا مَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ كَوْنُ حَقِّ الْبَائِعِ فِي مِائَةِ دِينَارٍ وَيَسْكُتُ عَمَّا يُثْبِتُهُ الْبَائِعُ وَهُوَ كَوْنُ حَقِّهِ فِي الْعَبْدِ، فَإِنْ حَصَلَ مِمَّا يُثْبِتُهُ الْمُشْتَرِي نَفْيَ مَا يُثْبِتُهُ الْبَائِعُ فَإِنَّمَا هُوَ بِالتَّبَعِ وَالتَّضَمُّنِ لَا بِالْأَصَالَةِ وَالْقَصْدِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَ وَضْعِ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ يَقُولُ الْحَاكِمُ لِلْمُشْتَرِي: (إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ، وَقِيلَ لِلْبَائِعِ) أَيْ وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ: (إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) أَيْ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْأَسْبَابِ (قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ) وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ (وَهَذَا جِهَةٌ فِيهِ) أَيْ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي جِهَةٌ فِي قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ (لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْضَيَانِ) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (بِالْفَسْخِ فَإِذَا عَلِمَا بِهِ) أَيْ بِالْفَسْخِ (يَتَرَاضَيَانِ بِهِ) أَيْ بِمُدَّعِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَمَا أَنَّ مَا ذُكِرَ جِهَةٌ فِي قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ كَذَلِكَ عَكْسُ ذَلِكَ جِهَةٌ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ لِلْبَائِعِ: إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ، وَأَنْ يُقَالَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَقْبَلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْبَائِعُ مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ. وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ قَطْعَ الْمُنَازَعَةِ كَمَا يُمْكِنُ بِأَنْ يُكَلِّفَ مُدَّعِي الْأَقَلِّ بِالرِّضَا بِالْأَكْثَرِ يُمْكِنُ أَيْضًا بِعَكْسِهِ، وَهُوَ أَنْ يُكَلِّفَ مُدَّعِيَ الْأَكْثَرِ بِالرِّضَا بِالْأَقَلِّ، فَمَا الرُّجْحَانُ فِي اخْتِيَارِهِمْ الْجِهَةَ الْمَذْكُورَةَ دُونَ عَكْسِهَا فَتَأَمَّلْ (فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ

وَهَذَا التَّحَالُفُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُهُ، وَالْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا نَقَدَ وَالْبَائِعَ يُنْكِرُهُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ؛ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا لِأَنَّ الْمَبِيعَ سَالِمٌ لَهُ فَبَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهَا فَيُكْتَفَى بِحَلِفِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا: أَيْ بِأَنْ يُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا يَدَّعِي صَاحِبُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا دُونَ الصُّورَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَيَدَّعِيَ الْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَأَنَّ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا قَدْرًا مِنْ الْمَبِيعِ وَيَدَّعِيَ الْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَلَوْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَدَّعِي صَاحِبُهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَزِمَ إعْطَاءُ الثَّمَنَيْنِ مَعًا أَوْ إعْطَاءُ الْمَبِيعَيْنِ مَعًا وَهَذَا خَلَفٌ. وَلَا يُخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا حُكْمٌ عَامٌّ لِلصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ جَمِيعًا فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ، وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: أَيْ إنْ لَمْ يَتَرَاضَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي: يَعْنِي لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي بِمَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ يَسْتَحْلِفُ الْقَاضِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا قُصُورٌ، لِأَنَّ هَذَا أَيْضًا لَا يَجْرِي إلَّا فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ، فَلَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا فِي الْحُكْمِ الْعَامِّ لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ كُلِّهَا. وَأَمَّا سَائِرُ الشُّرَّاحِ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هَاهُنَا لِلشَّرْحِ وَالْبَيَانِ. فَالْحَقُّ عِنْدِي فِي شَرْحِ الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: أَيْ إنْ لَمْ يَتَرَاضَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يَدَّعِيهِ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، أَوْ مِمَّا يَدَّعِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ، فَحِينَئِذٍ يَجْرِي مَعْنَى الْكَلَامِ وَفَحْوَى الْمَقَامِ فِي كُلِّ صُورَةٍ كَمَا تَرَى (وَهَذَا التَّحَالُفُ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُهُ) أَيْ يُنْكِرُ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ (وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا نَقَدَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ (فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا لِأَنَّ الْمَبِيعَ سَالِمٌ لَهُ فَبَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهَا فَيُكْتَفَى بِحَلِفِهِ) أَيْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُكْتَفَى بِحَلِفِهِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا أَقَامَهَا، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا قَبْلُ: فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى لَهُ بِهَا. قُلْت: الْمُرَادُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا ادِّعَاءً مَعْنَوِيًّا فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُدَّعِيًا ادِّعَاءً صُورِيًّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَبَيِّنَةُ الْمُدَّعِي صُورَةٌ تُسْمَعُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى مَا مَرَّ. لَا يُقَالُ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُدَّعِيًا صُورَةً فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ الْبَائِعُ مُنْكِرًا لِمَا ادَّعَاهُ صُورَةً فَيَصِيرُ التَّحَالُفُ هَاهُنَا أَيْضًا مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَحْلِيفِ الْمُنْكِرِ الصُّورِيِّ، بَلْ إنَّمَا الْيَمِينُ إيذَاءٌ عَلَى الْمُنْكِرِ الْحَقِيقِيِّ، بِخِلَافِ الْمُدَّعِي الصُّورِيِّ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ مِنْهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا. وَلَك أَنْ تَقُولَ فِي الْجَوَابِ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبُولُ بَيِّنَتِهِ فِيهِ لِدَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهُ لَا لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا، وَهَذَا أَيْ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي لِدَفْعِ الْيَمِينِ كَثِيرٌ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ يَعْرِفُهُ مَنْ يَتَتَبَّعُ الْكُتُبَ، وَهَذَا الْوَجْهُ مِنْ

لَكِنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» . (وَيَبْتَدِئُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ يُطَالِبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَوَابِ هُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا رَأَيْنَاهُ حَقًّا فِي شَرْحِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ مِنْ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الدَّعْوَى فَتَذَكَّرْ. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِكَلِمَةِ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَهَذَا التَّحَالُفُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا فِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَاتِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اخْتِصَاصِ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ إلَخْ بِتِلْكَ الصُّورَةِ فَلَا يَخْلُو الْكَلَامُ عَنْ الرَّكَاكَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ أَبْعَدُ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، فَالْإِشَارَةُ إلَى مَا فِيهَا بِلَفْظِ الْقَرِيبِ بَعِيدٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ: أَعْنِي كَوْنَ التَّحَالُفِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ وَبَعْدَهُ عَلَى خِلَافِهِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِتِلْكَ الصُّورَةِ، بَلْ هُوَ جَارٍ أَيْضًا فِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي فِيهَا قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ، وَالْبَائِعُ يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ بِمَا اعْتَرَفَ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ. وَأَمَّا بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ فَلَا يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا لِأَنَّ الثَّمَنَ سَالِمٌ لَهُ. بَقِيَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي فِي زِيَادَةِ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ فَيَكْتَفِي بِحَلِفِهِ، وَلَقَدْ أَفْصَحَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ عَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ حَيْثُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَظَاهِرٌ وَهُوَ قِيَاسٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْهُمَا لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ انْتَهَى. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَخْصُوصًا بِتِلْكَ الصُّورَةِ لَمْ يَظْهَرْ لِتَخْصِيصِ الْإِشَارَةِ إلَى مَا فِيهَا وَجْهٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْإِشَارَةَ إلَى جِنْسِ التَّحَالُفِ فَلَا يَخْلُو الْمَقَامُ عَنْ الرَّكَاكَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى أَيْضًا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ لَفْظَ هَذَا يَصِيرُ حِينَئِذٍ زَائِدًا، لَا مَوْقِعَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ إلَخْ يَصِيرُ حِينَئِذٍ أَخَصَّ مِنْ الْمُدَّعِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي وَكَثِيرًا مِنْ الثِّقَاتِ تَرَكُوا كَلِمَةَ هَذَا فِي بَيَانِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَيْضًا فِي دَلِيلِ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ بَعْضَ الْقَبْضِ مَا يَخْتَصُّ بِصُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْكُلِّ بِعِنَايَةٍ فَتَأَمَّلْ (وَلَكِنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيُكْتَفَى بِحَلِفِهِ. يَعْنِي كَانَ الْقِيَاسُ فِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَنْ يُكْتَفَى بِحَلِفِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّا عَرَفْنَا التَّحَالُفَ بِالنَّصِّ (وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَإِنْ كَانَ فَكَذَلِكَ لِعُمُومِ الْمَشْهُورِ أَوْ يَتَعَارَضَانِ وَلَا تَرْجِيحَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَنْهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ تُرَجَّحُ عَلَى إشَارَةِ النَّصِّ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ رَاجِحًا عَلَى الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ بِعِبَارَتِهِ عَلَى اسْتِحْلَافِ الْمُدَّعِي أَيْضًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ فَلَا يَدُلُّ بِعِبَارَتِهِ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْلَافِ الْمُدَّعِي مُطْلَقًا، بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِإِشَارَتِهِ حَيْثُ يُفْهَمُ مِنْ تَقْسِيمِ الْحُجَّتَيْنِ لِلْخَصْمَيْنِ أَوْ مِنْ جَعْلِ جِنْسِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكَرَيْنِ كَمَا بَيَّنَ فِيمَا مَرَّ فَهُوَ إذَنْ مَرْجُوعٌ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَيَبْتَدِئُ) أَيْ الْقَاضِي (بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَجِيءُ (لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ يُطَالِبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ) فَهُوَ الْبَادِئُ بِالْإِنْكَارِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْإِنْكَارِ دُونَ شِدَّتِهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالشِّدَّةِ التَّقَدُّمَ وَهُوَ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ فِي الْإِنْكَارِ تَقَدَّمَ فِي الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَدَارَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى كَوْنِ الْبَادِي أَظْلَمُ لِكَوْنِهِ مُنْشَأً لِلثَّانِي أَيْضًا فَيَكُونُ أَشَدَّ كَمَا يَكُونُ أَقْدَمَ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَدَارُهُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا كَانَ مُطَالَبًا أَوَّلًا بِالثَّمَنِ كَانَ مُنْكِرًا لِلشَّيْئَيْنِ أَصْلُ

وَلِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فَائِدَةَ النُّكُولِ وَهُوَ إلْزَامُ الثَّمَنِ، وَلَوْ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا: يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ التَّقْدِيمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ فَكَانَ أَشَدَّ إنْكَارًا، وَعِنْدَ هَذَيْنِ الْمَحْمَلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ لِإِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ الْأَشَدِّ عَلَى الْأَقْدَمِ تَجَوُّزًا مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُمَا (وَلِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فَائِدَةَ النُّكُولِ) أَيْ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي (وَهُوَ) أَيْ فَائِدَةُ النُّكُولِ إلْزَامُ الثَّمَنِ ذَكَرَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إلَى الْفَائِدَةِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ (إلْزَامُ الثَّمَنِ) أَوْ بِتَأْوِيلِ الْفَائِدَةِ بِالنَّفْعِ (وَلَوْ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يُؤَخَّرُ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: امْسِكْ الْمَبِيعَ إلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَانَ تَقْدِيمُ مَا تَتَعَجَّلُ فَائِدَتُهُ أَوْلَى، كَذَا فِي الْكَافِي (وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ) وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى وَفِي جَامِعِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (خَصَّهُ بِالذِّكْرِ) أَيْ خَصَّ الْبَائِعَ بِالذِّكْرِ حَيْثُ قَالَ: فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ (وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ) أَيْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ (التَّقْدِيمُ) يَعْنِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْبَائِعِ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِيَمِينِهِ، فَإِذَا كَانَ لَا يُكْتَفَى بِيَمِينِهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِهِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ جَوَابًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّمَا خَصَّ الْبَائِعَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ يَمِينَ الْمُشْتَرِي مَعْلُومَةٌ لَا تُشْكِلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَسَكَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيْنَ مَا يُشْكِلُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ بَيَانُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» كَمَا أَنَّهُ دَلِيلٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي دَلِيلٌ أَيْضًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْكِرُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِيمَا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الْقَبْضِ. فَفِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ الْمُنْكِرُ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَفِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ الْمُنْكِرُ هُوَ الْبَائِعُ، فَاسْتَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الِانْدِرَاجِ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ وَعَدَمِ الِانْدِرَاجِ تَحْتَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي إشْكَالِ الْيَمِينِ وَعَدَمِ إشْكَالِهَا، وَتَقَدُّمُ الْبَيَانِ وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ فَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ لُزُومِ الِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، أَوْ بِيَمِينِ الْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلِ

(وَإِنْ كَانَ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ بَدَأَ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ) لِاسْتِوَائِهِمَا (وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ) وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ يَضْمَنُ الْإِثْبَاتُ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا، وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ، دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ «بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا» . قَالَ (فَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعُ مَجْهُولٍ فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. أَوْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ يَبْقَى بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. قَالَ: (وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ جُعِلَ بَاذِلًا فَلَمْ يَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضًا لِدَعْوَى الْآخَرِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ بَيْعَ عَيْنٍ بِثَمَنٍ (وَإِنْ كَانَ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُقَايَضَةِ (أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ) أَيْ بَيْعَ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالصَّرْفِ (بَدَأَ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ) مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (لِاسْتِوَائِهِمَا) أَيْ فِي الْإِنْكَارِ وَفِي فَائِدَةِ النُّكُولِ. (وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ (وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَحْلِفُ) أَيْ الْبَائِعُ (بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ يَضُمُّ الْإِثْبَاتَ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ) أَيْ عَلَى النَّفْيِ وُضِعَتْ لَا عَلَى الْإِثْبَاتِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ «بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا» ) وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّأْكِيدَ انْتَهَى. أَقُولُ: بَلْ يُنَافِيهِ، لِأَنَّ وَضْعَ الْأَيْمَانِ لَمَّا كَانَ مَقْصُورًا عَلَى النَّفْيِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَفْسِيرُنَا الْمَنْقُولُ عَنْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ، بِتَقْدِيمِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى وُضِعَتْ دُونَ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّهُ إفَادَةً لِقَصْرِ وَضْعِهَا عَلَى النَّفْيِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إدْرَاجُ الْيَمِينِ وَلَوْ بِطَرِيقِ التَّأْكِيدِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الظُّلْمُ لِلْمُنْكِرِ بِإِلْزَامِ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَرْعًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَيَكُونُ حَقًّا لِلْمُدَّعِي إنَّمَا هُوَ الْإِتْيَانُ بِمَا وُضِعَتْ لَهُ الْيَمِينُ دُونَ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ زَائِدٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّفْيِ كَمَا ذُكِرَ. وَلِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ بِصَدَدِ الْجَوَابِ عَنْ النَّظَرِ الْمَزْبُورِ كَلِمَاتٌ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ، جُلُّهَا بَلْ كُلُّهَا مَدْخُولٌ وَمَجْرُوحٌ، تَرَكْنَا ذِكْرَهَا وَرَدَّهَا مَخَافَةَ التَّطْوِيلِ بِلَا طَائِلٍ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ إنْ طَلَبَا أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ (يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعُ (لَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ) وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَبِهِ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ لِأَبِي حَازِمٍ الْقَاضِي حَيْثُ قَالَ: إذَا تَحَالَفَا فَسَخَ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالتَّحَالُفِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى (لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَقِيَ بَيْعٌ مَجْهُولٌ) أَيْ بَقِيَ بَيْعًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ. أَقُولُ: هَذَا لَا يَتِمُّ فِي صُورَةِ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ: أَيْ بَقِيَ بَيْعُ الْمَجْهُولِ إمَّا بِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ، وَإِمَّا بِجَهَالَةِ الثَّمَنِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، وَإِمَّا بِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِيهِمَا (فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ) بَيْنَهُمَا (أَوْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ) لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا (يَبْقَى بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي فَاسِدِ الْبَيْعِ) أَيْ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَهُمَا لَمْ يَفْسَخَاهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ الْقَاضِي مَقَامَهُمَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: حَلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ الْمَبِيعَةَ، فَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِالتَّحَالُفِ لَمَا حَلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ) أَيْ النَّاكِلُ (جُعِلَ بَاذِلًا) لِصِحَّةِ الْبَذْلِ فِي الْأَعْوَاضِ (فَلَمْ يَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضًا لِدَعْوَى الْآخَرِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ سَاقَ الدَّلِيلَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ

قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ حَيْثُ قَالَ: وَجُعِلَ بَاذِلًا، وَالنُّكُولُ عِنْدَهُمَا إقْرَارٌ لَا بَذْلٌ كَمَا مَرَّ، فَلَا يَتَمَشَّى مَا ذَكَرَهُ عَلَى أَصْلِهِمَا مَعَ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ اتِّفَاقِيَّةٌ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا، فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ أَوْ بَاذِلًا كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ زَادَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْكَنْزِ قَيْدًا آخَرَ حَيْثُ قَالَ فَلَزِمَهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ. وَقَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ، لِأَنَّهُ بِدُونِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْبَذْلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا بِانْفِرَادِهِ انْتَهَى. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ) أَيْ فِي أَصْلِهِ أَوْ قَدْرِهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ فِي أَصْلِهِ أَوْ قَدْرِهِ أَيْضًا. كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (أَوْ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ) وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي اسْتِيفَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوغٌ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدَّعَاوَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا) عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: يَتَحَالَفَانِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْبَيْعِ لَمْ يَتَحَالَفَا بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ إنَّ الْقَوْلَ فِي مَسَائِلِ الْكِتَابِ لِمُنْكِرِ الْأَجَلِ وَلِمُنْكِرِ شَرْطِ الْخِيَارِ وَلِمُنْكِرِ الِاسْتِيفَاءِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَبِيعِ لِمُنْكِرِ الْعَقْدِ ذَكَرَ كُلَّهَا هَاهُنَا فِي الْكَافِي وَسَيَجِيءُ بَعْضُهَا فِي الْكِتَابِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُنْكِرًا كَمَا إذَا كَانَ مُدَّعِي الْخِيَارِ هُوَ الْبَائِعُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ سَلَكَ هَاهُنَا مَسْلَكَ التَّغْلِيبِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ (لِأَنَّ هَذَا) أَيْ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَجَلِ أَوْ شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ (اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَبِيعُ (وَالْمَعْقُودُ بِهِ) وَهُوَ الثَّمَنُ وَالِاخْتِلَافُ

فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِهِمَا لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ، إذْ قَدْ عَلَّقَ فِيهِ وُجُوبَ التَّحَالُفِ بِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعِينَ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَيَتَعَلَّقُ وُجُوبُ التَّحَالُفِ بِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْعُ، وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لَا بِالْأَجَلِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ وَاسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا، فَالِاخْتِلَافُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَجَلِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ وَاسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ وَالْكَافِي هَاهُنَا (فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ) أَيْ فِي الْحَطِّ مِنْ الثَّمَنِ (وَالْإِبْرَاءِ) أَيْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الثَّمَنِ، وَلَا تَحَالُفَ فِي الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا، بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَ مَعَ يَمِينِهِ فَكَذَا فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ اخْتِلَافًا فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُشَارَ بِهِ إلَى الْأَقْرَبِ: أَيْ شِبْهُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ (لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ) أَيْ بِانْعِدَامِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَاسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ (لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ بِلَا شَرْطٍ وَأَجَلٍ جَائِزٌ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ أَوْ فِي الْأَجَلِ وَحَالَفَا بَقِيَ الْعَقْدُ بِلَا شَرْطٍ وَأَجَلٍ، وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فِي الْمُثَمَّنِ أَوْ الثَّمَنِ وَحَالَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَيَبْقَى الثَّمَنُ أَوْ الْمُثَمَّنُ مَجْهُولًا، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْفَسَادَ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْعَقْدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْأَخِيرُ بِالدَّنَانِيرِ لَا يُقْبَلُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَقْدِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا. أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ فَلَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْعَقْدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ يَقْضِي بِالْعَقْدِ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِيَارَ جَازَتْ الشَّهَادَةُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ جَامِعِ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ (بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ) كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ (أَوْ جِنْسِهِ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (حَيْثُ يَكُونُ) الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا (بِمَنْزِلَةِ الْخِلَافِ فِي الْقَدْرِ) أَيْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الِاخْتِلَافَ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ (يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ) أَيْ الِاخْتِلَافِ فِي نَفْسِ الثَّمَنِ (فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ) فَلَمَّا اخْتَلَفَا فِي الْوَصْفِ وَهُوَ مُعَرَّفٌ صَارَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْمُعَرَّفِ وَهُوَ الثَّمَنُ (وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ) أَيْ لَيْسَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَجَلَ (لَيْسَ بِوَصْفٍ) بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَثْبُتُ بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ، وَنَوَّرَ هَذَا بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِتَبَعِهِ كَذَا فِي الْكَافِي. قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْخِيَارُ وَالْأَجَلُ (يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ) أَيْ بِشَرْطٍ عَارِضٍ عَلَى أَصْلِ الْعَقْدِ (وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ) وَالْحُكْمُ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ كَذَلِكَ،

قَالَ: (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ثُمَّ اخْتَلَفَا لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَى هَذَا إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ. لَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ مَا يَحْصُلُ ثَمَنًا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ثُمَّ اخْتَلَفَا) أَيْ فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ (لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكُ الْمُشْتَرِي (أَوْ صَارَ) أَيْ الْمَبِيعُ (بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ) بِحُدُوثِ عَيْبٍ فِي يَدِهِ (لَهُمَا) أَيْ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (يَدَّعِي غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ) فَإِنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ شَاهِدَيْ الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ (وَأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ) اعْلَمْ أَنَّ حَلَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ وَرَبْطَهَا بِالْمَقَامِ مِنْ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلِهَذَا كَانَ لِلشُّرَّاحِ هَاهُنَا طَرَائِقُ قِدَدٌ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَا يَشْفِي الْغَلِيلَ. فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ وَأَنَّ التَّحَالُفَ يُفِيدُ إعْطَاءَ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي عَنْ الْحَلِفِ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا فَائِدَةُ التَّحْلِيفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ الْهَلَاكِ مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ فَإِنَّ حُكْمَ التَّحَالُفِ التَّرَادُّ وَامْتَنَعَ التَّرَادُّ بِالْهَلَاكِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحَالُفِ. فَأَجَابَ عَنْهُ وَقَالَ: بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ دَفْعُ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ يَتَحَالَفَانِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ فَمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَائِدَةُ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ؟ قُلْنَا: لَمْ يَحْصُلْ تَمَامُ الْفَائِدَةِ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا نَكَلَ يَجِبُ الثَّمَنُ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، وَالْبَائِعُ إذَا نَكَلَ يَنْدَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَيَتَحَالَفَانِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَحَالِّ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ الدَّفْعَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْإِعْطَاءِ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَكُونَ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَا مَنْ دَفَعَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: أَيْ وَإِنَّ التَّحَالُفَ يُفِيدُ إعْطَاءَ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي عَنْ الْحَلِفِ وَجُعِلَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فَائِدَةَ التَّحَالُفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ إعْطَاءُ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي اتَّجَهَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ بِالضَّرُورَةِ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ مَا ذَكَرَهُ جَوَابًا عَنْهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ لَا تَحْصُلَ تَمَامُ الْفَائِدَةِ الَّتِي حُمِلَ عَلَيْهِ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهُ زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْفَائِدَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ وَالْبَائِعُ إذَا نَكَلَ إلَخْ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي يَنْدَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ، فَبَعْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ دَعْوَى الْبَائِعِ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نُكُولُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي يَنْدَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ يَتَّجِهُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَنْدَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ بِحَلِفِهِ السَّابِقِ فَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِنُكُولِ الْبَائِعِ. وَأَيْضًا يَتَّجِهُ عَلَى مَجْمُوعِ الْجَوَابِ أَنَّ الْأَمْرَ الثَّانِيَ وَهُوَ انْدِفَاعُ الزِّيَادَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي يَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي إنْ حَلَفَ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ هُوَ وُجُوبُ إعْطَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي يَحْلِفُ بِتَحْلِيفِهِ إنْ نَكَلَ، فَتَمَامُ الْفَائِدَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ يَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَلَمْ تَظْهَرْ فَائِدَةُ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ قَطُّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجِ الشَّرِيعَةِ: يَعْنِي أَنَّ التَّحَالُفَ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ نُكُولِ الْبَائِعِ فَكَانَ التَّحَالُفُ مُفِيدًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ، لِأَنَّهُمَا حَمَلَا الدَّفْعَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَعْنَى الْمَنْعِ حَيْثُ جَعَلَاهُ مَنْ دَفَعَ عَنْهُ كَمَا تَرَى، وَاعْتَبَرَا ظُهُورَ الْفَائِدَةِ عِنْدَ نُكُولِ الْبَائِعِ، فَيَتَّجِهُ عَلَى مَا ذَهَبَا إلَيْهِ أَنَّ نُكُولَ الْبَائِعِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي لَا بَعْدَ نُكُولِهِ لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا، وَعِنْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي قَدْ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ: أَعْنِي دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَحْلِيفِ الْبَائِعِ وَنُكُولِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَإِنَّهُ يَعْنِي التَّحَالُفَ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ: يَعْنِي أَنَّ التَّحَالُفَ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ انْدَفَعَتْ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ فَكَانَ مُفِيدًا انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّفْعَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ دَفَعَ عَنْهُ كَمَا تَرَى، فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بِالنُّكُولِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالنُّكُولِ نُكُولُ الْبَائِعِ دُونَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِي دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ نُكُولُ الْبَائِعِ، وَأَمَّا نُكُولُ الْمُشْتَرِي فَيَقْتَضِي دَفْعُهُ زِيَادَةَ الثَّمَنِ بِمَعْنَى إعْطَائِهِ إيَّاهَا فَإِذًا يَئُولُ قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ التَّحَالُفَ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ إلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ كَمَا مَرَّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ وَيَزْدَادُ إشْكَالُ قَوْلِهِ وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ انْدَفَعَتْ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ، لِأَنَّ مَدْلُولَهُ أَنْ يَكُونَ انْدِفَاعُ الزِّيَادَةِ الْمُدَّعَاةِ بِحَلِفِ الْبَائِعِ، وَمَدْلُولُهُ قَوْلُهُ السَّابِقُ أَنْ يَكُونَ انْدِفَاعُهَا بِنُكُولِ الْبَائِعِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَّحِدَ حَلِفُ الْبَائِعِ وَنُكُولُهُ حُكْمًا وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ. فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ اللَّاحِقِ وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي انْدَفَعَتْ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ بِأَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ السَّابِقِ إذَا نَكَلَ الْبَائِعُ تَنْدَفِعُ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقْضِيَ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ لَا بِأَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ، فَاخْتَلَفَ حُكْمُ حَلِفِ الْبَائِعِ وَحُكْمُ نُكُولِهِ بِهَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ وَهُوَ كَافٍ. قُلْت: لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْهَالِكِ أَنْقَصَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لَهُ بَلْ أَزِيدَ مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ انْدِفَاعُ

فَيَتَحَالَفَانِ؛ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَدَّعِيهِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَادَةِ الْمُدَّعَاةِ، فَلَا يَتِمُّ حَمْلُ مَعْنَى قَوْلِهِ اللَّاحِقِ عَلَى مَا ذُكِرَ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ حَلَفَ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ إلَخْ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إذَا حَلَفَ الْبَائِعُ انْدَفَعَتْ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ: أَيْ بِنُكُولِ الْبَائِعِ لَا بِحَلِفِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ اتِّحَادُ حُكْمِ حَلِفِ الْبَائِعِ وَنُكُولِهِ. قُلْنَا: فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ اللَّاحِقِ لِحُصُولِ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَصَدَ حَلَّ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ بِالنُّكُولِ: أَيْ بِنُكُولِ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ: وَقَوْلُهُ بِالنُّكُولِ مُتَعَلِّقٌ بِزِيَادَةٍ فِي قَوْلِهِ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ: يَعْنِي بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: دَافِعُ زِيَادَةِ الثَّمَنِ الْمُدَّعَاةِ حَلِفُ الْمُشْتَرِي لَيْسَ إلَّا. قُلْنَا: إذَا حَلَفَ الْبَائِعُ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي يُفْسَخُ عَلَى الْقِيمَةِ وَتَنْدَفِعُ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ انْتَهَى. أَقُولُ: جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، أَمَّا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ بِالنُّكُولِ بِنُكُولِ الْمُشْتَرِي وَجُعِلَ قَوْلُهُ بِالنُّكُولِ مُتَعَلِّقًا بِزِيَادَةٍ فِي قَوْلِهِ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ فَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْكَلَامِ حِينَئِذٍ مَعْنًى مَعْقُولٍ أَصْلًا، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَعْنَى يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الْكَائِنَةِ: أَيْ الثَّابِتَةُ فِي الْوَاقِعِ بِنُكُولِ الْمُشْتَرِي فَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ إنْ ثَبَتَتْ فِي الْوَاقِعِ ثَبَتَتْ بِالْعَقْدِ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الثَّابِتِ فِي عِلْمِ الْقَاضِي بِنُكُولِ الْمُشْتَرِي فَلَا صِحَّةَ لَهُ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ إذًا ثَبَتَتْ فِي عِلْمِ الْقَاضِي بِنُكُولِ الْمُشْتَرِي يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَدْفَعُهَا التَّحَالُفُ عَنْهُ، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّحَالُفُ عِنْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي أَصْلًا عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ يَعْنِي بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي فَلِوُرُودِ السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ إلَخْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنْ السُّؤَالِ فَلِسُقُوطِهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ عَلَى الْقِيمَةِ انْدِفَاعُ الزِّيَادَةِ الْمُدَّعَاةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ الْمُسَاوِيَةُ لِلزِّيَادَةِ الْمُدَّعَاةِ بَلْ أَزْيَدَ مِنْهَا. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَوْلُهُ وَإِنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ: أَيْ إنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي يُفِيدُ ذَلِكَ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِتَأْوِيلِ الِادِّعَاءِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ، لِأَنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي لَا تُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِالدَّفْعِ مَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ مَعْنَى الْمَنْعِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفِيدُ دَفْعَهَا بِنِيَّةِ الْمُشْتَرِي أَوْ حَلِفِهِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالدَّفْعِ مَعْنَى الْمَنْعِ، وَنُكُولُهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَعْنَى الْإِعْطَاءِ، عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ بَيَانُ فَائِدَةِ التَّحَالُفِ لَا بَيَانُ فَائِدَةِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي وَلَا بَيَانُ فَائِدَةِ تَحْلِيفِهِ فَقَطْ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرَهُ فَاتَ مُقْتَضَى الْمَقَامِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَفْهَامِ (فَيَتَحَالَفَانِ) هَذَا نَتِيجَةُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ (كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرُ بِالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْقِيمَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا أَنَّهُ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَدَّعِيهِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ) أَيْ التَّحَالُفُ (فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ) وَهُوَ قَوْلُهُ

وَالتَّحَالُفُ فِيهِ يُفْضِي إلَى الْفَسْخِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهَا لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِالِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، وَفَائِدَةُ دَفْعِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» فَلَا يَتَعَدَّى إلَى حَالِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ حَالُ هَلَاكِ السِّلْعَةِ مُلْحَقًا بِحَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ بِالدَّلَالَةِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالتَّحَالُفُ فِيهِ) أَيْ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ (يُفْضِي إلَى الْفَسْخِ) فَيَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَدِّ رَأْسِ مَالِهِ بِعَيْنِهِ إلَيْهِ (وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهَا) أَيْ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ (لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ) أَيْ بِالْهَلَاكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بِالْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فَكَذَا بِالتَّحَالُفِ إذْ الْفَسْخُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ (فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ وَقْتَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فِي مَعْنَى وَقْتِ قِيَامِ السِّلْعَةِ فَبَطَلَ الْإِلْحَاقُ أَيْضًا (وَلِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِالِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ: أَيْ لَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ سَلِمَ لَهُ وَهَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا زَعَمَ هُوَ أَوْ الْبَائِعُ، فَلَغَا ذِكْرُ السَّبَبِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِي أَلْفٍ وَأَلْفَيْنِ بِلَا سَبَبٍ فَيَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى مُنْكِرِ الْأَلْفِ الزَّائِدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي الدَّنَانِيرَ وَالْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ، وَإِنْكَارُهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا بِثَمَنٍ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ وَهُوَ يَكْفِي لِلصِّحَّةِ، كَذَا قَرَّرَ الْمَقَامُ فِي الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِهِ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُبَالِي إلَخْ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَوْلٌ بِمُوجَبِ الْعِلْمِ: أَيْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَضُرُّنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا أَفْضَى إلَى التَّنَاكُرِ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ تَمَلُّكُ الْمَبِيعِ قَدْ حَصَلَ بِقَبْضِهِ وَتَمَّ بِهَلَاكِهِ وَلَيْسَ يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا يُنْكِرُهُ لِيَجِبَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. ثُمَّ قَالَ: وَنُوقِضَ بِحَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَبِمَا إذَا اخْتَلَفَا بَيْعًا وَهِبَةً، فَإِنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَالتَّحَالُفَ مَوْجُودٌ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى (وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، وَفَائِدَةُ دَفْعِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ) هَذَا أَيْضًا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُرَاعَى مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يَكُونُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ، وَفَائِدَةُ دَفْعِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ مِنْ مُوجِبَاتِ النُّكُولِ،

وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ فَتُوَفَّرُ فَائِدَةُ الْفَسْخِ ثُمَّ يَرُدُّ مِثْلَ الْهَالِكِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ. . قَالَ (وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ النُّكُولُ مِنْ مُوجِبَاتِهِ فَلَا يَتْرُكُ بِهَا مَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ وَهُوَ مِلْكُ الْمَبِيعِ وَقَبْضُهُ. هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ مِلْكَ الْمَبِيعِ وَقَبْضَهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّحَالُفِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُ تَرْكُ مُوجِبِ الْعَقْدِ بِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَدَارُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ عَلَى عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَى الْمَقَامِ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِهِ مِلْكُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ وَقَبْضُهُ إيَّاهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ قَطْعًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ هُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَقَبْضُهُ إيَّاهُ. وَأَمَّا مِلْكُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ وَقَبْضُهُ إيَّاهُ فَمِنْ مُوجِبَاتِ الْفَسْخِ دُونَ الْعَقْدِ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ. ثُمَّ أَنَّ قَوْلَهُ غَايَتُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ بِالْقِيمَةِ إلَخْ كَلَامٌ سَاقِطٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ تَأَمَّلْ تَقِفْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ بَعْدَ شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا قَدْ اعْتَبَرْنَا حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ التَّرَادَّ فَائِدَةُ التَّحَالُفِ وَلَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ بِأَنْ قَالَ فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَمْ يُعْتَبَرْ التَّرَادُّ فَائِدَةً لِلتَّحَالُفِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، إذْ الرَّدُّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَانَ الْجَوَابُ الْمَزْبُورُ دَافِعًا لِلنَّظَرِ الْمَذْكُورِ. نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ أَنَّ لِلتَّحَالُفِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَائِدَةً مَا، فَأَيُّ شَيْءٍ اُعْتُبِرَ فَائِدَةً لِلتَّحَالُفِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ مُوجِبَ التَّحَالُفِ فَسْخُ الْعَقْدِ وَحُكْمُ الْفَسْخِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْعَقْدِ قَطْعًا فَيُنْتَقَضُ بِهِ قَوْلُهُمْ وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ (وَهَذَا) أَيْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي التَّحَالُفِ عِنْدَ صُورَةِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ (إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا) أَيْ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ كَانَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ الْمَوْصُوفَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ (فَإِنْ كَانَ عَيْنًا) أَيْ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا كَالثَّوْبِ وَالْفَرَسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ الْعَقْدُ مُقَايَضَةً وَهَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ (يَتَحَالَفَانِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ مَبِيعٌ وَثَمَنٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا لِلثَّمَنِيَّةِ بِدُخُولِ الْبَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ (فَتُوَفَّرُ فَائِدَةُ الْفَسْخِ) وَهُوَ التَّرَادُّ فَيَرُدُّ الْقَائِمُ (ثُمَّ يَرُدُّ مِثْلَ الْهَالِكِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ) هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْبَدَلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ دَيْنًا لَا يَتَحَالَفَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُ

الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْحَيِّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدَيْنِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِهِمَا: كَذَا فِي الشُّرُوحِ (ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الرَّجُلُ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُهُمَا مِنْك بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُمَا مِنْك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) أَيْ فِيهِمَا، كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ (مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْهَالِكِ) وَإِنَّمَا أَعَادَ ذِكْرَ لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَمِينَ الْمُشْتَرِي وَلَفْظُ الْقُدُورِيِّ الَّذِي هُوَ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَمَ التَّحَالُفِ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَاكَ قَوْلُهُ لَمْ يَتَحَالَفَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْحَيِّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ فِي تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ لَيْسَ بِالصَّحِيحِ عَلَى مَا سَيَأْتِي انْتَهَى. أَقُولُ: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ هَاهُنَا يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ لَيْسَ بِمُلَابِسٍ بِالتَّفْسِيرِ الصَّحِيحِ لِلتَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهُوَ أَنْ يَتَحَالَفَا عَلَى الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ مَعًا لَا أَنْ يَتَحَالَفَا عَلَى الْقَائِمِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ يُمْكِنُ تَطْبِيقُ قَوْلِهِ هَذَا عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ التَّفْسِيرِ الصَّحِيحِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ هَاهُنَا يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْحَيِّ حَتَّى تَكُونَ كَلِمَةُ عَلَى صِلَةَ التَّحَالُفِ فَيَئُولُ الْمَعْنَى إلَى التَّفْسِيرِ الْغَيْرِ صَحِيحٍ، بَلْ قَالَ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ فِي بِمَعْنَى اللَّامِ وَيَصِيرَ الْمَعْنَى يَتَحَالَفَانِ لِأَجْلِ الْحَيِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ «إنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا» عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ. وَلَا يَخْفَى أَنْ يَكُونَ تَحَالُفُهُمَا لِأَجْلِ الْحَيِّ: أَيْ كَوْنُ الْمَقْصُودِ مِنْ تَحَالُفِهِمَا فَسْخَ الْعَقْدِ فِي الْحَيِّ لَا يُنَافِي أَنْ يَتَحَالَفَا عَلَى الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ مَعًا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ لِيُفِيدَ التَّحَالُفَ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي

فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيَرُدُّ الْحَيَّ وَقِيمَةَ الْهَالِكِ) لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَالُفِ لِلْهَلَاكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا تَبْقَى السِّلْعَةُ بِفَوَاتِ بَعْضِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَالُفُ فِي الْقَائِمِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَذَرِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحَالُفِ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قِيمَةِ الْهَالِكِ) هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَاهُنَا قُصُورٌ، لِأَنَّ قَوْلَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حِصَّةِ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ، لَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا لِلْبَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ انْتَهَى. وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْحَيِّ وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي حِصَّةِ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْحَيِّ وَالْهَالِكِ (وَيَرُدُّ لُحَيُّ وَقِيمَةُ الْهَالِكِ، لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَلَاكَ الْبَعْضِ مُحْوِجٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ بِالْحَزْرِ وَذَلِكَ مُجْهَلٌ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ الْقِيمَةَ حَتَّى يَلْزَمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَالُفِ لِلْهَلَاكِ) أَيْ لِأَجْلِ الْهَالِكِ (فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) أَيْ يَتَقَدَّرُ امْتِنَاعُ التَّحَالُفِ بِقَدْرِ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعِلَّةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ) يَعْنِي أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ (وَهِيَ) أَيْ السِّلْعَةُ (اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا تَبْقَى السِّلْعَةُ بِفَوَاتِ بَعْضِهَا) لِانْعِدَامِ الْكُلِّ بِانْعِدَامِ جُزْئِهِ، وَمَا يَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ نَفْيُ الْقِيَاسِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا لَا يَخْفَى (وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَالُفُ فِي الْقَائِمِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَهِيَ) أَيْ الْقِسْمَةُ (تُعْرَفُ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحَالُفِ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ) فَلَا يُلْحَقُ بِالتَّحَالُفِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ بِتَمَامِهَا، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ نَفْيُ الدَّلَالَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا تَرَى. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ فِيمَا إذَا أَقَامَ الْقَصَّارُ بَعْضَ الْعَمَلِ فِي الثَّوْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ، فَفِي حِصَّةِ مَا أَقَامَ الْعَمَلَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي حِصَّةِ مَا بَقِيَ يَتَحَالَفَانِ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَاسْتِيفَاءُ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ، وَفِيهِ التَّحَالُفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا دُونَ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ. قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ فِي الْعَبْدَيْنِ عَقْدٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فَسْخُهُ فِي الْبَعْضِ فِي الْهَلَاكِ تَعَذَّرَ فِي الْبَاقِي.

إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ أَصْلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابِلِ الْقَائِمِ وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ. هَذَا تَخْرِيجُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَهُمْ إلَى التَّحَالُفِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالُوا: إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ، مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ. وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي لَا إلَى التَّحَالُفِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَفِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ تَتَجَدَّدُ بِحَسَبِ مَا يُقِيمُ مِنْ الْعَمَلِ فَبِتَعَذُّرِ فَسْخِهِ فِي الْبَعْضِ لَا يَتَعَذَّرُ فَسْخُهُ فِي الْبَاقِي، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ إجَارَاتِ الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَتَمَشَّى بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي فَلَا، لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ إلَّا أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُعَيَّنْ فِيهَا لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهِيَ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحَالُفِ مَعَ الْجَهْلِ بِعَيْنِ مَا قِيلَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَيْضًا (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ أَصْلًا) أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَيَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْقَائِمِ وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ) أَيْ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَتَحَالَفَانِ (وَهَذَا) أَيْ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ بِمَا ذُكِرَ (تَخْرِيجُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) أَيْ عَامَّتُهُمْ (وَيُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَهُمْ إلَى التَّحَالُفِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكَلَامِ، فَكَانَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا تَرَكَ الْبَائِعُ حِصَّةَ الْهَالِكِ فَيَتَحَالَفَانِ (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ فَيَتَحَالَفَانِ (وَقَالُوا) أَيْ قَالَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ: (إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا) أَقُولُ: كَانَ الظَّاهِرُ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ، وَالْمَعْنَى أَنْ يَتْرُكَ اللَّفْظُ مَعْنَاهُ مِنْ الْبَيِّنِ. أَوْ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ، مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا، وَوَجْهُ الظُّهُورِ ظَاهِرٌ (وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي لَا إلَى التَّحَالُفِ) فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي (لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ أَخْذَ الْحَيِّ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ بَلْ بِطَرِيقِ تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ وَتَرْكِ مَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى لِمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَكَانَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ: إنَّ أَخْذَ الْحَيِّ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَةِ الْمُشْتَرِي أَخْذُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنَّ أَخْذَ الْحَيِّ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْكِتَابِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَمْ يُعَلِّقْ فِيهِ أَخْذَ الْحَيِّ إلَّا بِمَشِيئَةِ الْبَائِعِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي الصُّلْحِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ لَهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ،

ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَائِمِ. وَإِذَا حَلَفَا وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ أَوْ كِلَاهُمَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ بِرَدِّ الْبَاقِي وَقِيمَةِ الْهَالِكِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُهُمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ أَخْذَ الْحَيِّ لَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَكَانَ مُعَلَّقًا فِي الْكِتَابِ بِمَشِيئَتِهِمَا كَمَا يَكُونُ فِي الصُّلْحِ مُتَعَلِّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ إلَّا بِمَشِيئَةِ الْبَائِعِ (ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَائِمِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ الْقَائِمِ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَخْ، وَإِنَّمَا لَمْ تَخْتَلِفْ صِفَةُ التَّحَالُفِ عِنْدَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ قِيَامَ السِّلْعَةِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلتَّحَالُفِ (وَإِذَا حَلَفَا وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ) كَانَ الْأَحْسَنُ فِي التَّحْرِيرِ أَنْ يَقُولَ: وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَحَلَفَا بِتَقْدِيمٍ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ عَلَى حَلَفَا فِي الْوَضْعِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فِي الطَّبْعِ (فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ أَوْ كِلَاهُمَا) أَيْ أَوْ ادَّعَى كِلَاهُمَا (يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِي بِرَدِّ الْبَاقِي وَقِيمَةِ الْهَالِكِ) وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ قِيمَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ التَّحَالُفِ (عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: لَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ هَلَاكُ الْبَعْضِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ كَهَلَاكِ الْكُلِّ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ هَلَاكَ الْبَعْضِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ مُطْلَقًا بَلْ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ أَصْلًا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُ أَيْضًا عَلَى تَخْرِيجِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَقَدْ ارْتَضَى الْمُصَنِّفُ هَذَا التَّخْرِيجَ حَيْثُ بَنَى عَلَيْهِ شَرْحَ مَعْنَى الْكِتَابِ أَوَّلًا كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَكَانَ لِذِكْرِ تَفْسِيرِ التَّحَالُفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا مَسَاغٌ. وَعَنْ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي التَّبْيِينِ تَفْسِيرَ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِأَبِي يُوسُفَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لَمَّا كَانَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَ وُجُوبِ التَّحَالُفِ اسْتَغْنَى عَنْ التَّفْسِيرِ فَفَسَّرَهُ عَلَى قَوْلِهِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ مِمَّا سَبَقَ، وَلَكِنْ فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ لَا يَخْفَى. فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ جَرَيَانُ التَّحَالُفِ عِنْدَ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَخْصُوصًا بِتَخْرِيبِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَبِصُورَةٍ نَادِرَةٍ هِيَ صُورَةُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ التَّحَالُفِ عِنْدَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، بَلْ اكْتَفَى بِمَا يُفْهَمُ مِنْ بَيَانِ تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُهُمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْقَائِمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ دُونَ الْهَالِكِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ لِلْفَسْخِ وَالْعَقْدُ يَنْفَسِخُ فِي الْقَائِمِ لَا فِي الْهَالِكِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ كَانَ صَادِقًا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ

فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْبَائِعِ، وَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ حَلَفَ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْهَالِكِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا فِي الِانْقِسَامِ يَوْمَ الْقَبْضِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاَللَّهِ مَا بِعْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي صُدِّقَ فَلَا يُفِيدُ التَّحَالُفَ، فَالصَّحِيحُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ (فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْبَائِعِ، وَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ حَلَفَ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ) فَإِنْ قُلْت: أَسْنَدَ فَسْخَ الْعَقْدِ هَاهُنَا إلَيْهِمَا كَمَا تَرَى وَفِيمَا سَبَقَ إلَى الْقَاضِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فَمَا التَّوْفِيقُ؟ قُلْت: مَعْنَى مَا سَبَقَ فَسَخَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ يَفْسَخَا بِأَنْفُسِهِمَا، يُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّ الشُّرَّاحَ قَالُوا فِي شَرْحِ ذَلِكَ الْمَقَامِ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا إنْ طَلَبَا أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا، لِأَنَّ الْفَسْخَ حَقُّهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبِ انْتَهَى. إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَسْخَ إذَا كَانَ حَقَّهُمَا فَهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى إحْدَاثِهِ بِأَنْفُسِهِمَا. وَمَعْنَى مَا ذُكِرَ هَاهُنَا يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ إنْ أَرَادَا الْفَسْخَ بِأَنْفُسِهِمَا عَلَى نَهْجِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَفْسَخَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَفْسَخَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا بَلْ طَلَبَاهُ أَوْ طَلَبَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ بِالْإِقَالَةِ بِتَسَاوِي فَسْخِ الْقَاضِي وَفَسْخِهِمَا بِأَنْفُسِهِمَا (وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ) أَيْ حِصَّةُ الْقَائِمِ (مِنْ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ حِصَّةُ الْهَالِكِ) مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ إذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ فِي الْهَالِكِ لَمْ يَنْفَسِخْ عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا فِي الِانْقِسَامِ يَوْمَ الْقَبْضِ) يَعْنِي يُقْسَمُ الثَّمَنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ عَلَى قَدْرِ قِيَمِهِمَا يَوْمَ الْقَبْضِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُمَا يَوْمَ الْقَبْضِ كَانَتْ عَلَى السَّوَاءِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَيَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّ قِيمَتَهُمَا يَوْمَ الْقَبْضِ كَانَتْ عَلَى التَّفَاوُتِ، فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ قِيمَةَ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ كَانَتْ كَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَدْرِهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْبَاقِي مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ قِيمَةُ الْقَائِمِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْهَالِكِ خَمْسَمِائَةٍ وَقَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْعَكْسِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الثَّمَنِ الَّذِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي سُقُوطَ زِيَادَةٍ مِنْ الثَّمَنِ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا يَوْمَ الْقَبْضِ دُونَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ انْقِسَامِ الْقِيمَةِ وَمَسَائِلُ الزِّيَادَاتِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيمَةُ الْأُمِّ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الزِّيَادَةِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَبْضِ، لِأَنَّ الْأُمَّ صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْعَقْدِ وَالزِّيَادَةُ بِالزِّيَادَةِ وَالْوَلَدُ بِالْقَبْضِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ هَاهُنَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْعَقْدِ لَا يَوْمَ الْقَبْضِ. قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ: هَذَا إشْكَالٌ هَائِلٌ أَوْرَدْتُهُ عَلَى كُلِّ قَرْمٍ نِحْرِيرٍ فَلَمْ يَهْتَدِ أَحَدٌ إلَى جَوَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يُخَايِلُ لِي بَعْدَ طُولِ التَّجَشُّمِ أَنَّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فِيمَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ، وَفِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ تَحَقُّقُ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فِيمَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ وَهُوَ التَّحَالُفُ، أَمَّا فِي الْحَيِّ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِي الْهَالِكِ لِمَكَانِ الْهَلَاكِ لَمْ يَتَعَذَّرْ اعْتِبَارُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْفَسْخِ فِي الْهَالِكِ وَهُوَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْهَالِكَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، حَتَّى قَالَ: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْهَالِكِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّحَالُفِ عِنْدَهُ فَيَجِبُ إعْمَالُ التَّحَالُفِ فِي اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا يَوْمَ الْقَبْضِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأَكْثَرِ الشُّرُوحِ، أَقُولُ: فِي التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ نَظَرٌ، لِأَنَّ تَحَقُّقَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فِيمَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ التَّحَالُفُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ، وَالتَّحَالُفُ إنَّمَا يَجْرِي عِنْدَهُ فِي الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، وَتَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِي الْهَالِكِ عِنْدَهُ لِامْتِنَاعِ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ فِيهِ لِلْهَلَاكِ لَا لِمُجَرَّدِ الْهَلَاكِ بِدُونِ امْتِنَاعِ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَمَّا أَجَازَ التَّحَالُفَ عَلَى الْهَالِكِ أَيْضًا أَجَازَ الْفَسْخَ فِي الْهَالِكِ عَلَى قِيمَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ الْهَلَاكُ مَانِعًا عَنْهُ. فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّحَالُفُ فِي الْهَالِكِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِيهِ أَيْضًا فَمَا الْبَاعِثُ عَلَى اعْتِبَارِ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْفَسْخِ فِيهِ وَمُجَرَّدُ عَدَمِ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِهِ لَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ سِيَّمَا عِنْدَ تَحَقُّقِ مَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي تِلْكَ الشُّرُوحِ وَأَقُولُ: الْأَصْلُ فِيمَا هَلَكَ وَكَانَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ إلَّا إذَا وُجِدَ مَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَهُوَ مَقْبُوضٌ عَلَى جِهَةِ الضَّمَانِ تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ، فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا كَانَتْ الصَّفْقَةُ وَاحِدَةً وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْهَالِكِ صَارَ الْعَقْدُ مَفْسُوخًا فِي الْهَالِكِ نَظَرًا إلَى اتِّخَاذِ الصَّفْقَةِ غَيْرَ مَفْسُوخٍ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْهَلَاكُ، فَعَمِلْنَا فِيهِ بِالْوَجْهَيْنِ وَقُلْنَا بِلُزُومِ الْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ، وَبِانْقِسَامِهِ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ نَظَرًا إلَى الِانْفِسَاخِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا كَانَتْ الصَّفْقَةُ وَاحِدَةً وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْقَائِمِ صَارَ الْعَقْدُ مَفْسُوخًا فِي الْهَالِكِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ غَيْرُ تَامٍّ، لِأَنَّ اتِّحَادَ الصَّفْقَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي انْفِسَاخَ الْعَقْدِ فِي الْهَالِكِ بِانْفِسَاخِهِ فِي الْقَائِمِ لَوْ وَقَعَ الْفَسْخُ قَبْلَ قَبْضِهِمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْفَسْخُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا

وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ (اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِالْعَيْبِ وَهَلَكَ الْآخَرُ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثَمَنُ مَا رَدَّهُ وَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ وَجَبَ بِاتِّفَاقِهِمَا ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ظَاهِرًا لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ وَهَذَا لِفِقْهٍ. وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَيْمَانِ تُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَبُنِيَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ حَقِيقَةً فَلِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّازِمَ حِينَئِذٍ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا إذْ هِيَ تَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَهُوَ جَائِزٌ؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَقَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَإِنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ فِي الْعُيُوبِ خَاصَّةً عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا بِالْقَبْضِ جَائِزٌ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ بَعْدَ قَبْضِهِمَا كَمَا تَبَيَّنَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ (وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْقَائِمِ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ. قُلْنَا: إنَّ الَّذِي وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مَقْصُودًا قِيمَةُ الْهَالِكِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي قِيمَةِ الْقَائِمِ يَثْبُتُ ضِمْنًا لِلِاخْتِلَافِ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ قَامَتْ عَلَى مَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مَقْصُودًا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَقَاضِي خَانْ (وَهُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتَفْرِيعَاتِهِ (قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ) أَيْ الْمَبْسُوطُ (اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِالْعَيْبِ وَهَلَكَ الْآخَرُ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثَمَنُ مَا رَدَّهُ وَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا) أَيْ يَوْمَ الْقَبْضِ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ وَجَبَ بِاتِّفَاقِهِمَا ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ (فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ظَاهِرًا لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَالْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ فَمَا كَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا كَانَ أَوْلَى، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا لِفِقْهٍ) أَيْ اعْتِبَارُ بَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَيَمِينِهِ لِمَعْنًى فِقْهِيٍّ (وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَيْمَانِ تُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ) أَيْ حَقِيقَةُ الْحَالِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَسَمِ بِجَهَالَةٍ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْأَيْمَانَ (تَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ لَا عَلَى الْوَكِيلِ وَالنَّائِبِ (وَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ فِعْلُ أَنْفُسِهِمَا وَالْإِنْسَانُ أَعْرَفُ بِحَالِ نَفْسِهِ (فَيَبْنِي الْأَمْرَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْحَقِيقَةِ (وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ حَقِيقَةً فَلِذَا كَانَ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سُقُوطَ الزِّيَادَةِ

وَفِي الْبَيِّنَاتِ يُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَاعْتُبِرَ الظَّاهِرُ فِي حَقِّهِمَا وَالْبَائِعُ مُدَّعٍ ظَاهِرًا فَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا وَتَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. . قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) وَنَحْنُ مَا أَثْبَتْنَا التَّحَالُفَ فِيهِ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْبَيِّنَاتِ يُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ) لِأَنَّهُمَا يُخْبِرَانِ عَنْ فِعْلِ الْغَيْرِ لَا عَنْ فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ مَا ظَهَرَ عِنْدَهُمَا بِهَزْلٍ أَوْ تَلْجِئَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَاعْتُبِرَ الظَّاهِرُ فِي حَقِّهِمَا وَالْبَائِعُ مُدَّعٍ ظَاهِرًا فَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا اُعْتُبِرَ يَمِينُهُ (وَتَتَرَجَّحُ) أَيْ تَتَرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي (بِالزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا مَرَّ) هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ظَاهِرًا (وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ (يُبَيِّنُ لَك مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّحَالُفِ وَتَفْرِيعَاتِهِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا) أَيْ وَنَقَدَ ثَمَنَهَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَفِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (ثُمَّ تَقَايَلَا) وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ (ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي: كَانَ الثَّمَنُ أَلْفًا فَعَلَيْك أَنْ تَرُدَّ الْأَلْفَ وَقَالَ الْبَائِعُ: كَانَ خَمْسَمِائَةٍ فَعَلَيَّ رَدُّ الْخَمْسِمِائَةِ (فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) حَتَّى يَكُونَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِقَالَةِ؛ مَعْنَاهُ: يَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ إذَا فَسَخَ الْقَاضِي أَوْ فَسَخَا بِأَنْفُسِهِمَا الْإِقَالَةَ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ كَالْبَيْعِ لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِالْفَسْخِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ. وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي حَقِّ التَّحَالُفِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» لَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِقَالَةَ، فَمَا وَجْهُ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ فِيهَا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَنَحْنُ مَا أَثْبَتْنَا التَّحَالُفَ فِيهِ) أَيْ فِي التَّقَايُلِ (بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) وَإِنْ كَانَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا. فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْضًا، وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فَمَا وَجْهُ بِنَاءِ الْوِفَاقِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِيَّةِ؟ قُلْت: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَذَلِكَ السُّؤَالُ إنَّمَا

وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْقِيَاسُ يُوَافِقُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَلِهَذَا نَقِيسُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَارِثَ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْقِيمَةَ عَلَى الْعَيْنِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي. قَالَ (وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَلَا تَحَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكَادُ يَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَبَنَى الْجَوَابَ أَيْضًا عَلَى أَصْلِهِمَا دُونَ أَصْلِهِ فَتَدَبَّرْ (وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ (وَالْقِيَاسُ يُوَافِقُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَلِهَذَا نَقِيسُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالْقِيَاسِ: يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْأُجْرَةِ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا (وَالْوَارِثُ عَلَى الْعَاقِدِ) أَيْ وَنَقِيسُ الْوَارِثَ عَلَى الْعَاقِدِ: يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ وَارِثُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا (وَالْقِيمَةُ عَلَى الْعَيْنِ) أَيْ نَقِيسُ الْقِيمَةَ عَلَى الْعَيْنِ (فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي إذَا اسْتَهْلَكَ غَيْرُ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ قَامَتْ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَيْنِ الْمُسْتَهْلَكَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَاقِدَانِ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى جَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ بَقَاءِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَاةِ لِكَوْنِ النَّصِّ إذْ ذَاكَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذِهِ هِيَ النُّسْخَةُ الْمُقَابَلَةُ بِنُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي، وَفِي بَعْضِهَا فِيمَا إذَا اُسْتُهْلِكَ الْمَبِيعُ. قَالَ الْإِمَامُ حَافِظُ الدِّينِ الْكَبِيرُ الْبُخَارِيُّ عَلَى حَاشِيَةِ كِتَابِهِ الصَّحِيحِ: اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الْمُشْتَرَى انْتَهَى. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الصَّوَابُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ عَلَى حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ قُوبِلَتْ بِنُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ الصَّوَابُ اُسْتُهْلِكَ الْمُشْتَرَى بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى صِيغَةِ بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَالْمُشْتَرَى عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ انْتَهَى (وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَلَا تَخَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا) يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا يَرَى النَّصَّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» مَعْلُولًا بِوُجُودِ الْإِنْكَارِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ مِنْ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَإِنْ قِيلَ: الْإِقَالَةُ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَكُونُ مُتَنَاوَلَ النَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ التَّحَالُفُ عِنْدَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ أَيْضًا، قُلْنَا: لَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ بَيْعًا لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْبَيْعِ الْمُطَلَّقِ لِلشُّبْهَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ سَاقِطٌ جِدًّا، لِأَنَّ التَّحَالُفَ لَيْسَ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ الْإِقَالَةِ بَيْعًا مَانِعًا عِنْدَهُ مِنْ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فِي حَقِّ حُكْمِ التَّحَالُفِ فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا عِنْدَهُ عَنْ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي حَقِّ سَائِرِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ أَحْكَامَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ جَارِيَةً بِأَسْرِهَا فِي الْإِقَالَةِ عِنْدَهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي بَابِهَا. ثُمَّ أَقُولُ فِي دَفْعِ سُؤَالِهِ: إنَّ أَصْلَ أَبِي يُوسُفَ الْإِقَالَةُ هُوَ أَنَّهَا بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا بَيْعًا كَالْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ

قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ السَّلَمُ، بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَوْ كَانَ عَرَضًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لَا يَعُودُ السَّلَمُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ يَعُودُ الْبَيْعُ دَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَقَالَتْ تَزَوَّجَنِي بِأَلْفَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَنْقُولِ فَتُجْعَلُ فَسْخًا كَمَا بَيَّنُوا فِي بَابِ الْإِقَالَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَلَمْ يَثْبُتْ قَوْلُ أَحَدِهِمَا صَارَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ بَيْعًا لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمَجْهُولِ كَعَدَمِ جَوَازِ. بَيْعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يَجْرِ التَّحَالُفُ فِيهِ عِنْدَهُ أَيْضًا لَا بِالنَّصِّ وَلَا بِالْقِيَاسِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَمَنْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ: كَانَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسَةً وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ: كَانَ عَشْرَةً (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ (وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) أَيْ لَا يَتَحَالَفَانِ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ (لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ) أَيْ الْفَسْخَ: يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّحَالُفِ الْفَسْخُ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَالْإِقَالَةُ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ التَّقَايُلِ (إسْقَاطٌ) لِلْمُسَلَّمِ فِيهِ وَهُوَ دَيْنٌ وَالدَّيْنُ السَّاقِطُ لَا يَعُودُ (فَلَا يَعُودُ السَّلَمُ، بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ) فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَيَعُودُ الْمَبِيعُ إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْبَائِعِ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا قَائِمًا، (وَنَوَّرَ هَذَا بِقَوْلِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَوْ كَانَ عَرَضًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ) أَيْ فَقَضَى الْقَاضِي بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ (وَهَلَكَ) أَيْ فِي يَدِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لَا يَعُودُ السَّلَمُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ يَعُودُ الْبَيْعُ، دَلَّ) أَيْ دَلَّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ (عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ السَّلَمِ وَالْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ إقَالَةِ السَّلَمِ وَبَيْنَ مَا إذَا هَلَكَتْ السِّلْعَةُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ فِيمَا إذَا هَلَكَتْ السِّلْعَةُ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِي إقَالَةِ السَّلَمِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ فَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا؟ قُلْنَا: الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ قِيلَ: قَبْضُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فُسِخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالتَّحَالُفُ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ يَجْرِي فِي الْبَيْعِ لَا فِي الْفَسْخِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَقَالَتْ: تَزَوَّجَنِي بِأَلْفَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: أَمَّا قَبُولُ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ

(وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ، مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ) لِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ فِي انْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ يُفْسِدُهُ عَلَى مَا مَرَّ فَيُفْسَخُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهَا تَدَّعِي الزِّيَادَةَ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَبُولِهِ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرُ الزِّيَادَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا الْبَيِّنَةُ، وَإِنَّمَا قَبِلَتْ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِي الصُّورَةِ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِقَبُولِهَا انْتَهَى (فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ) هَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ (تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ) وَقَالَ فِي تَوْجِيهِهِ (مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ مَهْرُ مِثْلِ الْمَرْأَةِ (أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ) وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَفْصِيلِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ أَقَامَا فَلَا يَخْلُوا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْبَيِّنَةُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ وَبَيِّنَتُهَا لَا تُثْبِتُ شَيْئًا لِثُبُوتِ مَا ادَّعَتْهُ بِشَهَادَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِهِ خَلَلٌ، حَيْثُ حَكَمَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِكَوْنِ الْبَيِّنَةِ لِلْمَرْأَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْأَوَّلُ أَيْضًا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ. وَمِنْ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَتَتَعَارَضُ بَيِّنَتَاهُمَا حَيْثُ تُثْبِتُ بَيِّنَتُهَا الزِّيَادَةَ وَتُثْبِتُ بَيِّنَتُهُ الْحَطَّ فَيَتَهَاتَرَانِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ حَتَّى الْمُتُونِ فِي بَابِ الْمَهْرِ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْبَابِ مِنْ شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ فَلَيْسَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ الْخَلَلِ، إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِهِ مُجَرَّدَ الِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَتْهُ لَا التَّعْمِيمَ لِقَسَمِي كَوْنِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ، بِخِلَافِ تَحْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّ عِبَارَةَ لَا يَخْلُو فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَامَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ أَوْ لَا تَقْتَضِي شُمُولَ الْأَقْسَامِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَفْهَامِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْكَنْزِ: وَإِنْ بَرْهَنَّا فَلِلْمَرْأَةِ، هَذَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِي الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ وَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ تُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَكَانَتْ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَشْهَدُ لَهَا بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا تَدَّعِيهِ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَشْهَدُ لَهَا وَلَا لَهُ بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَتَهَاتَرَانِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ، لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَبَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الْحَطَّ فَلَا تَكُونُ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى انْتَهَى. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ) أَيْ عَجَزَا مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (تَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ فِي انْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فِيهِ) أَيْ فِي النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَسْخِ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ يُفْسِدُهُ) لِبَقَائِهِ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، بَلْ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَيُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ بَقِيَ بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ (فَيُفْسَخُ) أَيْ الْبَيْعُ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: النَّصُّ

(وَلَكِنْ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ قَضَى بِمَا قَالَ الزَّوْجُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (وَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْعِيَّةِ التَّحَالُفِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَكَيْفَ تَعَدَّى حُكْمُ النَّصِّ مِنْ الْبَيْعِ إلَى النِّكَاحِ، أَوْ نَقُولُ: إنَّ التَّحَالُفَ إنَّمَا شُرِعَ فِي عَقْدٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لِمَا أَنَّ الْفَسْخَ مِنْ أَحْكَامِ التَّحَالُفِ وَلَا فَسْخَ فِي النِّكَاحِ بَعْدَ التَّحَالُفِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُشْرَعَ فِيهِ التَّحَالُفُ لِعَدَمِ حُكْمِهِ. قُلْت: أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ وُرُودُ النَّصِّ فِي الْبَيْعِ فَقُلْنَا: إنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلتَّحَالُفِ هُنَاكَ مَوْجُودٌ هَاهُنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَثْبُتُ التَّحَالُفُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّحَالُفِ هُنَاكَ هُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا، فَلِذَلِكَ قُوبِلَتْ بَيِّنَتُهُمَا وَيَمِينُهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْفَسْخَ حُكْمُ التَّحَالُفِ وَالْفَسْخُ لَيْسَ بِثَابِتٍ هَاهُنَا وَجَوَابُهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ التَّحَالُفَ إنَّمَا أَوْجَبَ الْفَسْخَ فِي التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ يَمِينِ الْآخَرِ لَزِمَ إخْلَاءُ الْعَقْدِ عَنْ الْبَدَلِ، وَالْبَدَلُ إذَا خَلَا فِي الْبَيْعِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالْفَاسِدُ يُفْسَخُ. وَأَمَّا النِّكَاحُ إذَا خَلَا الْعِوَضُ عَنْهُ فَلَا يَفْسُدُ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ، وَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ لَا يُفْسَخُ إذْ الْفَسْخُ إنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ الْفَسَادِ فَافْتَرَقَا، إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ انْتَهَى. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ وَهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَوَابَيْنِ بَحْثٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلتَّحَالُفِ وَهُوَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إنَّمَا يُوجَدُ هَاهُنَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَرْأَةِ بُضْعَهَا إلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُوجَدُ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَدَّعِي عَلَى الْمَرْأَةِ حِينَئِذٍ شَيْئًا إذْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ سَالِمٌ لَهُ. بَقِيَ دَعْوَى الْمَرْأَةِ فِي زِيَادَةِ الْمَهْرِ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُهَا عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَرَّرَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَتْ بِمَفْرُوضَةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ هِيَ عَامَّةٌ لِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ، بَلْ كَانَتْ مُصَوَّرَةً فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِصُورَةٍ تَخُصُّ بِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ السُّؤَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُومًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيَانُ سَبَبِ عَدَمِ ثُبُوتِ الْفَسْخِ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالنِّزَاعِ أَوْ التَّرَدُّدِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْفَسْخِ فِي النِّكَاحِ، بَلْ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ إنَّمَا شُرِعَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْفَسْخُ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ يَنْبَغِي أَيْ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّحَالُفُ أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ لَمْ يَجْرِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْإِقَالَةِ فِي بَابِ السَّلَمِ الْفَسْخَ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَتَأَمَّلْ (وَلَكِنْ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ أَيْ لَكِنْ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ (فَإِنْ كَانَ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ (مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ) أَيْ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ (قَضَى بِمَا قَالَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ) أَيْ ظَاهِرَ الْحَالِ (شَاهِدٌ لَهُ) أَمَّا فِي صُورَةِ كَوْنِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ فَظَاهِرٌ لِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِ مَهْرَ الْمِثْلِ. وَأَمَّا فِي صُورَةِ كَوْنِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ فَلِكَوْنِ قَوْلِهِ أَقْرَبَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ قَوْلِنَا (وَإِنْ كَانَ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ (مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ (قَضَى بِمَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ)

أَوْ أَكْثَرَ قَضَى بِمَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ قَضَى لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَحَالَفَا لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا الْحَطُّ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ، وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَعْجِيلًا لِفَائِدَةِ النُّكُولِ كَمَا فِي الْمُشْتَرِي، وَتَخْرِيجُ الرَّازِيّ بِخِلَافِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الظَّاهِرَ لَهَا شَاهِدٌ حِينَئِذٍ لِمِثْلِ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ قَضَى لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَحَالَفَا لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ بِسَبَبِ حَلِفِ الزَّوْجِ (وَلَا الْحَطِّ عَنْهُ) أَيْ بِسَبَبِ حَلِفِ الْمَرْأَةِ (قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (ذَكَرَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ (التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ، وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ (قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ) لِأَنَّهُ مُوجِبُ نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ (وَسُقُوطُ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ) أَيْ سُقُوطُ اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا هُوَ بِالتَّحَالُفِ (فَلِهَذَا يُقَدَّمُ) أَيْ التَّحَالُفُ (فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَهَذِهِ خَمْسَةُ وُجُوهٍ (وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَعْجِيلًا لِفَائِدَةِ النُّكُولِ) لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ (كَمَا فِي الْمُشْتَرِي) أَيْ كَمَا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ تَعْجِيلًا لِفَائِدَةِ النُّكُولِ كَمَا مَرَّ مِنْ تَخْرِيجِ الرَّازِيّ (بِخِلَافِهِ) أَيْ تَخْرِيجُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّ الرَّازِيَّ يَقُولُ بِتَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوَّلًا إذَا

وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا نُعِيدُهُ (وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ لَهَا قِيمَتُهَا دُونَ عَيْنِهَا) لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ يَقُولُ بِالتَّحَالُفِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَاهُ) أَيْ تَخْرِيجَ الرَّازِيّ (فِي النِّكَاحِ) أَيْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ) هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ، وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (فَلَا نُعِيدُهُ) أَيْ لَا نُعِيدُ ذِكْرَ خِلَافِهِ هَاهُنَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُ الرَّازِيّ هُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ تَحْكِيمَ مَهْرِ الْمِثْلِ هَاهُنَا لَيْسَ لِإِيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الدَّعَاوَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ مَعَ يَمِينِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ انْتَهَى، وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالُوا: إنَّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ التَّسْمِيَةُ بِالتَّحَالُفِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ أَصْلًا فَيُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ كَيْفَ يَكُونُ الظَّاهِرُ مَعَ الَّذِي وَافَقَهُ مَهْرَ الْمِثْلِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: أَقُولُ: إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ غَيْرَهُ فَاسِدٌ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِإِيجَابِهِ، وَأَمَّا لِتَحْكِيمِهِ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ فَمَمْنُوعٌ انْتَهَى، وَأَنَا أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ، فَلَا كَلَامَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا مَجَالَ لِإِرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ، لِأَنَّهُمْ مَا قَالُوا هُوَ صَحِيحٌ حَتَّى لَا يُنَافِيَ كَوْنَ غَيْرِهِ أَصَحَّ، بَلْ قَالُوا: هُوَ الصَّحِيحُ بِقَصْرِ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَهُوَ قَصْرُ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ كَمَا تَرَى، فَإِذَا كَانَتْ صِفَةُ الصِّحَّةِ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِفَ غَيْرُهُ بِالْأَصَحِّيَّةِ وَالِاتِّصَافُ بِالْأَصَحِّيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الِاتِّصَافَ بِأَصْلِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ الصِّحَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَا كَلَامَ فِي الْمُرَادِ لَا فِي الْإِرَادَةِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا بَالُهُمْ لَا يُحَكِّمُونَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ كَمَا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا مَحْظُورَ فِيهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مَعْلُومٌ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا تُعْلَمُ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ فَلَا تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ فَلَا تُجْعَلُ حُكْمًا انْتَهَى. وَأَقُولُ: فِي جَوَابِهِ تَحْكُمُ، حَيْثُ جَعَلَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَمْرًا مَعْلُومًا ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَالْقِيمَةَ أَمْرًا مَظْنُونًا غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمَعْرِفَةِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا مُتَفَاوِتَيْنِ فِي الْمَعْرِفَةِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَخْفَى مِنْ الْقِيمَةِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْمَهْرِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ بِقَرَابَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَبَكَارَةً وَثِيَابَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ عُسْرٌ جِدًّا، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ إذْ يَكْفِي فِيهَا نَوْعُ خِبْرَةٍ بِأَحْوَالِ الْأَمْتِعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: قُلْنَا الْقَضَاءُ هُنَاكَ بِمَا يَدَّعِيهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُطَابِقَةً لِمَا يَدَّعِيهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا ثَمَنًا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مَهْرًا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ (وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ لَا، فَمَنْ شَهِدَ لَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ تَخْرِيجُ الرَّازِيّ، وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ فَيَتَحَالَفَانِ أَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ (قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ (دُونَ عَيْنِهَا لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا لَا يَكُونُ

إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) مَعْنَاهُ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ أَوْ فِي الْمُبْدَلِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ نَظِيرُ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَكَلَامُنَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ) أَيْ التَّرَاضِي (فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (مَعْنَاهُ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ) أَيْ الْأُجْرَةِ (أَوْ فِي الْمُبْدَلِ) أَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَهَذَا احْتِرَازٌ عَنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا فِيهِ. بَلْ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ كَانَ أَنْ يَزِيدَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ أَوْ فِيهِمَا كَمَا زَادَهُ صَاحِبُ الْكَافِي لِيَتَنَاوَلَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَةَ الْآتِيَةَ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ مَنْعَ الْخُلُوِّ احْتِرَازًا عَمَّا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا لَا مَنْعَ الْجَمْعِ فَيَتَنَاوَلُهُمَا أَيْضًا فَتَدَبَّرْ (لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ فَكَانَ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ (وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ نَظِيرُ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةِ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ (وَكَلَامُنَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ) لِأَنَّ وَضْعَ مَسْأَلَتِنَا فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَصَارَ الِاخْتِلَافُ فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَجَرَى التَّحَالُفُ هَاهُنَا كَمَا جَرَى ثَمَّةَ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطُ التَّحَالُفِ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجْرِيَ فِيهَا التَّحَالُفُ. قُلْنَا: فِي مَعْدُومٍ يَجْرِي التَّحَالُفُ كَمَا فِي السَّلَمِ وَأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا قَائِمَةٌ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ (فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ) أَيْ لِوُجُوبِ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ الْآجِرِ لِتَعْجِيلِ فَائِدَةِ النُّكُولِ، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ وَاجِبٌ أَوَّلًا عَلَى الْآجِرِ ثُمَّ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةَ التَّعْجِيلِ فَهُوَ الْأَسْبَقُ إنْكَارًا فَيَبْدَأُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ لَا يُمْتَنَعُ الْآجِرُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ فَبَقِيَ إنْكَارُ الْمُسْتَأْجِرِ لِزِيَادَةِ الْآجِرِ فَيَحْلِفُ انْتَهَى. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَ الشَّارِحِ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ مِنْ تَسْلِيمِهَا بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْهَا فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ إيَّاهَا وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ إلَّا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَيُّنِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْمُؤَجِّرُ مُنْكِرًا لِوُجُوبِ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِمَا عَيَّنَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الْإِجَارَةُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ نَظِيرَ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَهَذَا خَلَفٌ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَاكَ أَيْضًا لَا يَمْتَنِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي كَمَا يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ فِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ، وَيُعَلِّلُ بِتَعْجِيلِ فَائِدَةِ النُّكُولِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ فَبَقِيَ إنْكَارُ الْمُسْتَأْجِرِ لِزِيَادَةِ الْأُجْرَةِ فَيَحْلِفُ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا إنْكَارَ لِلْمُؤَجِّرِ أَصْلًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَحْلِفَ أَصْلًا فَيَخْتَلَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ وَضْعَهَا

(وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ، وَلَوْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنَافِعِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ) نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشْرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ يَقْضِي بِشَهْرَيْنِ بِعَشْرَةٍ. قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَتَحَالَفَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّحَالُفِ لَا فِي حَلِفِ الْوَاحِدِ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ أَيْضًا إنْكَارَ الْمُسْتَأْجِرِ مَا يَقْتَضِي الْبَدْءَ بِيَمِينِهِ فَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ. ثُمَّ إنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ أَجَابَ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ اُعْتُبِرَتْ بِالْبَيْعِ، وَمِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ حُكْمَ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ بَلْ يُعَدِّي حُكْمَ الْأَصْلِ بِعَيْنِهِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ لِأَنَّ هَذَا مَنْقُوضٌ بِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِيهَا بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ فَيَلْزَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ يُغَيِّرَ فِيهَا حُكْمَ النَّصِّ، وَأَنْ لَا يُعَدِّيَ حُكْمَ الْأَصْلِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَلِ وَأَنْ يَقَعَ فِي الْمُبْدَلِ عَلَى مَا مَرَّ. ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ مُجَرَّدُ ثُبُوتِ التَّحَالُفِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَلَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُ النَّصِّ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ وَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ (وَإِنْ وَقَعَ) أَيْ الِاخْتِلَافُ (فِي الْمَنْفَعَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِزِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ (وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ) لِأَنَّ نُكُولَهُ بَدَلٌ أَوْ إقْرَارُهُ عَلَى مَا مَرَّ (وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ (وَلَوْ أَقَامَاهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الِاخْتِلَافُ (فِي الْمَنَافِعِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ (وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ وَالْمَنَافِعِ مَعًا (قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا) أَيْ الْمُؤَجَّرُ (شَهْرًا بِعَشْرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ يَقْضِي بِشَهْرَيْنِ بِعَشْرَةٍ) لَا يُقَالُ: كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَدِّمَ ذِكْرَ أَحْوَالِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذِكْرِ أَحْوَالِ الْيَمِينِ وَالنُّكُولِ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولُ فَرْعُ تَكْلِيفِ الْيَمِينِ. وَقَدْ عَكَسَ الْمُصَنِّفُ الْأَمْرَ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْعُمْدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ أَمْرِ التَّحَالُفِ وَبَاقِي الْأَقْسَامِ اسْتِطْرَادِيٌّ، فَقَدَّمَ الْأَهَمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ حَيْثُ غَيَّرَ أُسْلُوبَ الْمُصَنِّفِ فَقَدَّمَ ذِكْرَ أَحْوَالِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِتَمَامِهِ (لَمْ يَتَحَالَفَا

وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يُمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَبِيعِ لِمَا أَنَّ لَهُ قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا، وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هَاهُنَا وَفَسْخُ الْعَقْدِ فَلَا قِيمَةَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عَقْدَ. وَإِذَا امْتَنَعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَاضِي قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَصِيرُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فِي الْبَعْضِ تَعَذَّرَ فِي الْكُلِّ. . قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْجَامِعُ أَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي بَدَلًا زَائِدًا يُنْكِرُهُ الْعَبْدُ وَالْعَبْدُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ التَّحَالُفِ هَاهُنَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا) وَقَدْ هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هَاهُنَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ (وَكَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يُمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَبِيعِ لِمَا أَنَّ لَهُ) أَيْ لِلْمَبِيعِ (قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْعَيْنَ مُتَقَوِّمَةٌ بِنَفْسِهَا فَكَانَتْ الْقِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَهَا (فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ عِنْدَهُ عَلَى الْقِيمَةِ (وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هَاهُنَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ التَّحَالُفِ هِيَ الْفَسْخُ (فَلَا قِيمَةَ) أَيْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ) أَيْ بَلْ تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ (وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عَقْدَ) أَيْ وَتَبَيَّنَ بِحَلِفِهِمَا أَنَّهُ لَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا لِانْفِسَاخِهِ مِنْ الْأَصْلِ، فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ قَائِمٍ وَلَا الَّذِي يَقُومُ مَقَامَهُ فَامْتَنَعَ التَّحَالُفُ (وَإِذَا امْتَنَعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ) أَيْ وَهُوَ الَّذِي اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ، وَمَتَى وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَاضِي قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ الْعَقْدَ) أَيْ عَقْدَ الْإِجَارَةِ (يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً) عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ (فَيَصِيرُ) أَيْ الْعَقْدُ (فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَصَارَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ كَالْمُنْفَرِدِ بِالْعَقْدِ فَكَانَ الِاخْتِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ التَّحَالُفُ. وَأَمَّا الْمَاضِي فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَاضِيَةَ هَالِكَةٌ، فَكَانَ الِاخْتِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا تَحَالُفَ فِيهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا مَرَّ آنِفًا (بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فِي الْبَعْضِ تَعَذَّرَ فِي الْكُلِّ) ضَرُورَةً. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (وَقَالَا: يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْجَامِعُ أَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي بَدَلًا زَائِدًا يُنْكِرُهُ الْعَبْدُ وَالْعَبْدُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ)

عِنْدَ أَدَاءِ الْقَدْرِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَلَ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لِلْحَالِ وَهُوَ سَالِمٌ لِلْعَبْدِ وَإِنَّمَا يَنْقَلِبُ مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَقَبْلَهُ لَا مُقَابَلَةَ فَبَقِيَ اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا غَيْرُ فَلَا يَتَحَالَفَانِ. . قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ كَالْعِمَامَةِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (وَمَا يَصْلُحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ عَلَى الْمَوْلَى (عِنْدَ أَدَاءِ الْقَدْرِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فِي الثَّمَنِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَلَ) أَيْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ (مُقَابِلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَقَدْ وَجَبَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْعَبْدِ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ أَيْضًا شَيْءٌ وَمَا ذَاكَ إلَّا فَكُّ الْحَجْرِ (فِي بَدَلِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لِلْحَالِ) اللَّامُ فِي الْحَالِ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَابِلٍ أَيْ مُقَابِلٌ لِلْحَالِ. الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ (سَالِمٌ لِلْعَبْدِ) لِاتِّفَاقِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى عَلَى ثُبُوتِ الْكِتَابَةِ (وَإِنَّمَا يَنْقَلِبُ) أَيْ الْبَدَلُ (مُقَابِلًا بِالْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ) أَيْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمُكَاتَبِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِتَمَامِهِ (فَقَبِلَهُ) أَيْ قَبِلَ الْأَدَاءَ (لَا مُقَابَلَةً) أَيْ لَا مُقَابَلَةً بِالْعِتْقِ وَإِلَّا لِعِتْقٍ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، وَكَانَ هَذَا نَظِيرَ إجَارَةِ الدَّارِ حَيْثُ جَعَلْنَا رَقَبَةَ الدَّارِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فِي الْإِجَارَةِ أَصْلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهَا إلَى الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْمَطْلُوبَةُ آخِرًا، فَكَذَا فِي الْكِتَابَةِ جَعَلْنَا الْفَكَّ فِي حَقِّ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ أَصْلًا فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، ثُمَّ عِنْدَ الْأَدَاءِ جَعَلْنَا الْعِتْقَ أَصْلًا وَانْتَقَلَ مِنْ فَكِّ الْحَجْرِ إلَى الْعِتْقِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ (فَبَقِيَ اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا غَيْرُ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُ الْبَدَلَ فِي الْحَالِ سَالِمًا لِلْعَبْدِ فَقَدْ بَقِيَ أَمْرُهُمَا اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا غَيْرُ (فَلَا يَتَحَالَفَانِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى الْمَوْلَى، بَلْ هُوَ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمَوْلَى مِنْ الزِّيَادَةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَتَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدَّى قَدْرَ مَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْحُرِّيَّةَ لِنَفْسِهِ عِنْدَ أَدَاءِ هَذَا الْقَدْرِ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ يُعْتَقُ، وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ كَمَا اسْتَحَقَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَرْتَفِعُ بَعْدَ النُّزُولِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ، وَكَذَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ (كَالْعِمَامَةِ) وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْكُتُبِ وَالْقَوْسِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ وَنَحْوِهَا (لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ) وَفِي الدَّعَاوَى الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ (وَمَا يَصْلُحُ

لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ كَالْوِقَايَةِ) لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهَا (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ. (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْيَدَ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ كَالْوِقَايَةِ) وَالدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالْمِلْحَفَةِ وَالْمُلَاءَةِ وَنَحْوِهَا (لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهَا) قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَانِعًا وَلَهُ أَسَاوِرُ وَخَوَاتِيمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ) وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْعَقَارِ وَنَحْوِهَا (فَهُوَ لِلرِّجَالِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ) لِأَنَّهُ قِوَامٌ عَلَيْهَا وَالسُّكْنَى تُضَافُ إلَيْهِ (وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ) أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي شَيْءٍ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَذَا هُنَا (بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا) أَيْ بِالنِّسَاءِ (لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ) أَيْ يُعَارِضُ ظَاهِرَ الزَّوْجِ بِالْيَدِ (ظَاهِرٌ أَقْوَى مِنْهُ) وَهُوَ يَدُ الِاخْتِصَاصِ بِالِاسْتِعْمَالِ فَجَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهَا كَالرَّجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَإِنَّ اللَّابِسَ أَوْلَى، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيَنْدَفِعُ بِهَذَا مَا إذَا اخْتَلَفَا الْعَطَّارُ وَالْإِسْكَافُ فِي آلَاتِ الْأَسَاكِفَةِ وَالْعَطَّارِينَ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَلَمْ يُرَجَّحْ بِالِاخْتِصَاصِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا هُوَ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَمْ نُشَاهِدْ اسْتِعْمَالَ الْأَسَاكِفَةِ وَالْعَطَّارِينَ وَشَاهَدْنَا كَوْنَ هَذِهِ الْآلَاتِ فِي أَيْدِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَجَعَلْنَاهَا نِصْفَيْنِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ لُزُومُ اسْتِعْمَالِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ مُشَاهَدًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ مُجَرَّدَ الصَّلَاحِيَّةِ لِأَحَدِهِمَا كَافٍ فِي التَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ نُشَاهِدْ اسْتِعْمَالَهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا مَرَّ مِنْ الْجَوَابِ، ثُمَّ إنَّ مَا ذُكِرَ حُكْمُ الِاخْتِلَافِ قَبْلَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا. (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا) أَيُّهُمَا كَانَ (لِأَنَّ الْيَدَ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ) أَيْ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ (وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ (قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ لَيْسَ قَوْلُهُ خَاصَّةً، فَإِنَّ كَوْنَ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا، وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ وَهَذَا أَقْوَى فَيَبْطُلُ بِهِ ظَاهِرُ يَدِ الزَّوْجِ، ثُمَّ فِي الْبَاقِي لَا مُعَارِضَ لِظَاهِرٍ فَيُعْتَبَرُ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ) لِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَمَا يَكُونُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ) لِمَا قُلْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ) لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ) لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى (وَلِلْحَيِّ بَعْدَ الْمَمَاتِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُشْكِلِ، وَأَمَّا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَقَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مِثْلِهَا، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ نَوْعُ تَخْلِيطٍ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا فِيمَا ذُكِرَ قَوْلُهُمَا فِي حَقِّ الْمُشْكِلِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَدْفَعُ لِلْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَالْبَاقِي) أَيْ مِنْ الْمُشْكِلِ (لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ يَدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا (وَهَذَا أَقْوَى) أَيْ هَذَا الظَّاهِرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (فَيَبْطُلُ بِهِ ظَاهِرُ يَدِ الزَّوْجِ) وَهُوَ يَدُهُ (ثُمَّ فِي الْبَاقِي لَا مُعَارِضَ لِظَاهِرِهِ) أَيْ لِظَاهِرِ الزَّوْجِ (فَيُعْتَبَرُ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ فِي الْبَاقِي إلَى هُنَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (لِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَمَا يَكُونُ لَهُمَا فَهُوَ (لِلرَّجُلِ) أَيْ إنْ كَانَ حَيًّا (أَوْ لِوَرَثَتِهِ) إنْ كَانَ مَيِّتًا (لِمَا قُلْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ) مِنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيَاةِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَمَاتِ فَقَوْلُهُ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ) وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ: مُحَمَّدٌ يَقُولُ: وَرَثَةُ الزَّوْجِ يَقُومُونَ مَقَامَ الزَّوْجِ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ فِي مَالِهِ؛ فَكَمَا أَنَّ فِي الْمُشْكِلِ الْقَوْلَ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَمَاتِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: يَدُ الْبَاقِي مِنْهُمَا إلَى الْمَتَاعِ أَسْبَقُ، لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَثْبُتُ يَدَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَكَمَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِقُوَّةِ الْيَدِ نَظَرًا إلَى صَلَاحِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ فَكَذَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِسَبْقِ الْيَدِ لِأَنَّ يَدَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَدُ نَفْسِهِ وَيَدَ الْوَارِثِ خَلَفٌ عَنْ يَدِ الْمُوَرِّثِ، فَهَذَا نَوْعٌ مِنْ التَّرْجِيحِ فَكَانَ الْمُشْكِلُ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (مَمْلُوكًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مُكَاتَبًا (فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى) لِكَوْنِ الْيَدِ يَدَ نَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَدُ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَوْلَى وَالْأَقْوَى أَوْلَى، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْحُرَّيْنِ، فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ لِقُوَّةِ يَدِهِ فِيهِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ لِذَلِكَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَلِلْحَيِّ بَعْدَ الْمَمَاتِ) أَيْ وَالْمَتَاعُ لِلْحَيِّ

[فصل فيمن لا يكون خصما]

لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ) لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ. (فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا) (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْمَمَاتِ حُرًّا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ مَمْلُوكًا، هَكَذَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَلِلْحُرِّ بَعْدَ الْمَمَاتِ، ثُمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَارَ الْعَامَّةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ) فَكَانَ الْمَتَاعُ لَهُ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَحْجُورِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ) وَلِهَذَا لَوْ اخْتَصَمَ الْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي شَيْءٍ هُوَ فِي أَيْدِيهِمَا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ اسْتَوَيَا فِيهِ، فَكَمَا لَا يَتَرَجَّحُ الْحُرُّ بِالْحُرِّيَّةِ فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ فَكَذَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْيَدَ عَلَى مَتَاعِ الْبَيْتِ بِاعْتِبَارِ السُّكْنَى فِيهِ، وَالْحُرُّ فِي السُّكْنَى أَصْلٌ دُونَ الْمَمْلُوكِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. [فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا] لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمُنَاسِبَةِ الْمُضَادَّةِ بَيْنَهُمَا، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ ذِكْرِهِ الْعُمْدَةَ فِي الْمَقَامِ لِأَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُ الدَّعْوَى وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الثَّانِي فَلْيَتَّضِحْ بِهِ الْأَوَّلُ، إذْ الْأَشْيَاءُ تَتَبَيَّنُ بِأَضْدَادِهَا فَإِنْ قِيلَ: الْفَصْلُ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذِكْرِ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا أَيْضًا. قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ الْفَرْقُ لَا مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ الْأَصْلِيُّ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ ذُو الْيَدِ: هَذَا الشَّيْءُ

وَكَذَا إذَا قَالَ: آجَرَنِيهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَدَفْعِ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ. قُلْنَا: مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَدَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ وَإِقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَكَذَا إذَا قَالَ: آجَرَنِيهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ) أَيْ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: آجَرَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي أَيْضًا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّهُ عَارِيَّةٌ عِنْدِي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ انْتَهَى (لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتَهُ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ) تَعْلِيلٌ لِمَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتَهُ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الدَّلِيلِ: فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ أَثْبَتَ ذُو الْيَدِ إقْرَارَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالشَّرْطُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْمِلْكِ، حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ وَبِالْعَكْسِ تَنْدَفِعُ انْتَهَى (وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ) أَيْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ (لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ: يَعْنِي أَنَّ ذَا الْيَدِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتَهُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ بِدُونِ خَصْمٍ عَنْهُ مُتَعَذَّرٌ، إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ فِي إدْخَالِ الشَّيْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا رِضَاهُ (وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمُتَعَذَّرِ مُتَعَذَّرٌ. (قُلْنَا) أَيْ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ (مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ) : أَحَدُهُمَا (ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَ) ثَانِيهِمَا (دَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهُوَ) أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ) أَيْ فَيَثْبُتُ دَفْعُ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّهِ، وَبِنَاءُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِانْفِكَاكِهِ عَنْهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ) أَيْ إلَى زَوْجِهَا (وَإِقَامَتُهَا) عُطِفَ عَلَى الْوَكِيلِ أَيْ وَإِقَامَةُ الْمَرْأَةِ (الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ) يَعْنِي أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرُ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِنَقْلِ امْرَأَتِهِ إلَيْهِ

كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَا تَنْدَفِعُ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِظَاهِرِ يَدِهِ، فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَصْدُقُ إلَّا بِالْحُجَّةِ، كَمَا إذَا ادَّعَى تَحَوُّلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا فَالْجَوَابُ كَمَا قُلْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي بِهِ لَا يَقْبَلُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا فَإِنَّ بَيِّنَتَهَا تُقْبَلُ لِقَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهَا، وَلَا تُقْبَلُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ (كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِدَفْعِ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، إنَّمَا مَقْصُودٌ بِهَا إثْبَاتُ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ لَا يَدُ خُصُومَةٍ، وَفِي هَذَا الْمُدَّعِي خَصْمٌ لَهُ فَيُجْعَلُ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ خَصْمِهِ بِذَلِكَ (وَلَا تَنْدَفِعُ) أَيْ الْخُصُومَةُ (بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى) فَإِنَّهُ قَالَ بِانْدِفَاعِهَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْغَائِبِ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ وَالْإِقْرَارُ يُوجِبُ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيِّنَةِ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (صَارَ خَصْمًا بِظَاهِرِ يَدِهِ) وَلِهَذَا كَانَ لِلْقَاضِي إحْضَارُهُ وَتَكْلِيفُهُ بِالْجَوَابِ (فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَى نَفْسِهِ) فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي إقْرَارِهِ (فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا إذَا ادَّعَى تَحَوُّلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ) بِالْحَوَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا. لَا يُقَالُ: يَلْزَمُ إثْبَاتُ إقْرَارِ نَفْسِهِ بِبَيِّنَتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّا نَقُولُ الْبَيِّنَةُ لِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْحَافِظَةِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْمُدَّعِي لَا لِإِثْبَاتِ الْإِقْرَارِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ فِي السُّؤَالِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ حَيْثُ قَالَ: قَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ فِي الْعَقَارِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَدِ انْتَهَى. وَأَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لَيْسَ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرْعِ. كَيْفَ وَلَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ لِعِلَلٍ شَتَّى، كَعَدَمِ اعْتِبَارِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ، وَعَدَمِ اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، وَكَعَدِمِ اعْتِبَارِ إقْرَارِ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ، وَكَعَدِمِ اعْتِبَارِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ أَيْضًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ إثْبَاتَ إقْرَارِ نَفْسِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ صُورَةِ دَعْوَى الْعَقَارِ إثْبَاتُ الْمُقِرِّ نَفْسَهُ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي لَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمُقِرُّ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا: إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا فَالْجَوَابُ) أَيْ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ (كَمَا قُلْنَاهُ) أَيْ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ) وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ (لِأَنَّ الْمُحْتَالَ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ) سِرًّا (إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ) عَلَانِيَةً (فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ مِنْ ذَلِكَ الْإِضْرَارَ بِالْمُدَّعِي لِيَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ (فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي بِهِ) أَيْ بِالِاحْتِيَالِ (لَا يَقْبَلُهُ) أَيْ

(وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ هُوَ هَذَا الْمُدَّعِي، وَلِأَنَّهُ مَا أَحَالَهُ إلَى مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي اتِّبَاعُهُ، فَلَوْ انْدَفَعَتْ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُدَّعِي، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لَا يَقْبَلُ مَا صَنَعَهُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْدَمَا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مَارَسَ الْقَضَاءَ فَوَقَفَ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ غَيْرُهُ، وَمَا قَالَاهُ قِيَاسٌ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ حِجَجٌ مَتَى قَامَتْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَذُو الْيَدِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِظَاهِرِ الْيَدِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْمِلْكِ، إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ بِالْحُجَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فَالدَّعْوَى تَقَعُ فِي الدَّيْنِ وَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي بِذِمَّتِهِ وَبِمَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَعَلَى أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ فِي الشُّرُوحِ. ثُمَّ إنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ إذَا قَالَ الشُّهُودُ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ (وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ) أَيْ أَصْلًا بِاسْمِهِ وَلَا نَسَبِهِ وَلَا بِوَجْهِهِ (وَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ هَاهُنَا إجْمَاعُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ أَوْ إجْمَاعُ مَا عَدَا ابْنَ أَبِي لَيْلَى، فَإِنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ فِي انْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ كَمَا مَرَّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ (لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ هُوَ هَذَا الْمُدَّعِي) حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُوهُ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (مَا أَحَالَهُ) أَيْ مَا أَحَالَ الْمُدَّعِي (إلَى مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي اتِّبَاعُهُ، فَلَوْ انْدَفَعَتْ) أَيْ الْخُصُومَةُ (وَلَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُدَّعِي) أَقُولُ: فِي تَعْلِيلِهِ الثَّانِي قُصُورٌ: أَمَّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَلِأَنَّهُ أَضْمَرَ فِيهِ الْمُدَّعِي أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ مَا أَحَالَهُ وَأَظْهَرَهُ ثَانِيًا حَيْثُ قَالَ: يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي اتِّبَاعُهُ. وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ سَمَاجَةُ ذَلِكَ، وَكَوْنُ الْوَجْهِ إمَّا الْعَكْسُ وَإِمَّا الْإِضْمَارُ فِي الْمَقَامَيْنِ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْإِجْمَاعِيَّةِ، مَعَ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِالْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ الشُّهُودُ: نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ هُنَاكَ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَظْهَرُ، وَكَأَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ تَنَبَّهْ لِهَذَا فَجَعَلَ الدَّلِيلَيْنِ دَلِيلًا وَاحِدًا حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّبْيِينِ: لِأَنَّهُمْ مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ، وَلَعَلَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَلَوْ انْدَفَعَتْ لَبَطَلَ حَقُّهُ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ كَأَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ مَا أَحَالُوهُ بَدَلَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَا أَحَالَهُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي أَنْ لَا يَعْرِفَهُ الشُّهُودُ لَا فِي أَنْ لَا يَعْرِفَهُ ذُو الْيَدِ كَمَا

وَلَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْوَجْهِ الثَّانِي، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَيْثُ عَرَفَهُ الشُّهُودُ بِوَجْهِهِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ أَضَرَّهُ شُهُودُهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ. (وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْتُهُ مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَخْفَى. وَتَوْجِيهُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ لَمَّا كَانَتْ لِأَجْلِ ذِي الْيَدِ نُسِبَ حَالُهُمْ إلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مَا أَحَالَهُ رَاجِعَيْنِ إلَى الشُّهُودِ بِتَأْوِيلِ مَنْ شَهِدَ (وَلَوْ قَالَ) أَيْ الشُّهُودُ: (نَعْرِفُهُ) أَيْ الرَّجُلَ الَّذِي أَوْدَعَهُ (بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَكَذَا الْجَوَابُ) أَيْ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْوَجْهِ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَا أَحَالَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ إلَخْ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْوَجْهِ لَيْسَتْ بِمَعْرِفَةٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: تَعْرِفُ فُلَانًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: إذًا لَا تَعْرِفُهُ» وَمَنْ حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ يَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلَا يَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ لَا يَحْنَثُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَأَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ أَنَّ الْعَيْنَ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُدَّعِي (حَيْثُ عَرَفَهُ الشُّهُودُ بِوَجْهِهِ) فَحَصَلَ الْعِلْمُ بِيَقِينٍ أَنَّ الْمُودِعَ غَيْرُ هَذَا الْمُدَّعِي (بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ: أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ أَصْلًا (فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ) أَيْ لَمْ تَكُنْ يَدُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي (يَدَ خُصُومَةٍ) لِعَدَمِ كَوْنِهَا يَدَ مِلْكٍ بَلْ يَدَ حِفْظٍ (وَهُوَ الْمَقْصُودُ) أَيْ لَا تَكُونُ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ بَلْ يَدَ حِفْظٍ هُوَ مَقْصُودُهُ. وَقَدْ أَفَادَتْهُ الشَّهَادَةُ، وَالْحَدِيثُ الْمَارُّ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ، وَلَيْسَ عَلَى ذِي الْيَدِ تَعْرِيفُ خَصْمِ الْمُدَّعِي تَعْرِيفًا تَامًّا، إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَقَدْ ثَبَتَ (وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ أَضَرَّهُ شُهُودُهُ) أَيْ شُهُودُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ ذُو الْيَدِ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَوْ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُدَّعِي، وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بِالْمُدَّعِي إنَّمَا لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ شُهُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مِنْ جِهَةِ ذِي الْيَدِ (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَيْنِ مَسَائِلِ الدَّعْوَى تُسَمَّى مُخَمَّسَةَ كِتَابٍ الدَّعْوَى، إمَّا لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَذَكَرْنَا الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ) وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ وَإِمَّا لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَ صُوَرٍ وَهِيَ: الْإِيدَاعُ، وَالْإِعَارَةُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالرَّهْنُ، وَالْغَصْبُ كَمَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا . (وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْتُهُ مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي إنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: غَصَبْتَهُ مِنِّي أَوْ سَرَقْتَهُ مِنِّي لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَيَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ. (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: سَرَقَ مِنِّي وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفَاعِلَ لَا مَحَالَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَإِقَامَةً لِحِسْبَةِ السِّرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتَرَيْت هَذَا الشَّيْءَ مِنْ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصْمٌ لِلْمُدَّعِي (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا) كَمَا لَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتَهُ مِنِّي) أَيْ غَصَبْتَ هَذَا الشَّيْءَ مِنِّي (أَوْ سَرَقْتَهُ مِنِّي لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ (إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ) أَيْ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي الْفِعْلَ وَهُوَ الْغَصْبُ أَوْ السَّرِقَةُ عَلَى ذِي الْيَدِ (لَا بِيَدِهِ) أَيْ لَمْ يَصِرْ ذُو الْيَدِ فِي دَعْوَى الْفِعْلِ خَصْمًا بِيَدِهِ. ثُمَّ إنَّ فِعْلَ ذِي الْيَدِ لَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ بَلْ فِعْلُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (خَصْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِتَأْوِيلِ الِادِّعَاءِ (بِاعْتِبَارِ يَدِهِ حَتَّى لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ) وَيَدُهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَيَكُونَ خَصْمًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونَ خَصْمًا، وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَثْبَتَ أَنَّ يَدَهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا (وَيَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ) أَيْ يَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ كَمَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى ذِي الْيَدِ. (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي سُرِقَ مِنِّي) أَيْ إنْ قَالَ الْمُدَّعِي سُرِقَ مِنِّي هَذَا الشَّيْءُ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ) أَيْ عَلَى أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَنِيهِ إيَّاهُ (لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ) هَذَا أَيْضًا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْدَفِعُ) أَيْ الْخُصُومَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ (فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي (غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلَهُ) يَعْنِي أَنَّ التَّجْهِيلَ أَفْسَدَ دَعْوَى السَّرِقَةِ فَبَقِيَ دَعْوَى الْمِلْكِ فَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَدِيعَةِ، كَمَا لَوْ جَهِلَ الْغَصْبَ وَقَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ) وَهُوَ السَّرِقَةُ (يَسْتَدْعِي الْفِعْلَ لَا مَحَالَةَ) لِأَنَّ الْفِعْلَ بِدُونِ الْفَاعِلِ لَا يُتَصَوَّرُ (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ) أَيْ الْفَاعِلُ (وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَمْ يُعَيِّنْهُ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ الْفَاعِلَ (دَرْءًا لِلْحَدِّ شَفَقَةً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ (وَإِقَامَةً لِحِسْبَةِ السِّتْرِ) أَيْ لَأَجْلِ السِّتْرِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ فَرُبَّمَا يَقْضِي بِالْعَيْنِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ جَعَلَهُ سَارِقًا فَمَا وَجْهُ الدَّرْءِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ خَصْمًا وَقَضَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ ظَهَرَ سَرِقَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ لِظُهُورِ سَرِقَتِهِ بَعْدَ وُصُولِ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ، وَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ سَارِقًا انْدَفَعَ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَلَمْ يَقْضِ بِالْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي، فَمَتَى ظَهَرَتْ سَرِقَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ قُطِعَتْ يَدُهُ لِظُهُورِهَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْعَيْنُ إلَى الْمَالِكِ، فَكَانَ فِي جَعْلِهِ سَارِقًا احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ انْتَهَى، وَأَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي السُّؤَالِ فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَفِي ذَلِكَ جَعَلَهُ سَارِقًا أَنَّ فِي ذَلِكَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِمُوجِبِ السَّرِقَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَعْيِينِ كَوْنِهِ السَّارِقَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدَ جَعْلِهِ خَصْمًا فِي دَعْوَى كَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مَسْرُوقًا مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا وَجْهَ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ فَمَا وَجْهُ الدَّرْءِ حِينَئِذٍ إذْ وَجْهُهُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ وَهُوَ سُقُوطُ الْقَطْعِ بِعَدَمِ

فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: سَرَقْت، بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: ابْتَعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ أُسْقِطَتْ الْخُصُومَةُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ وُصُولُهَا إلَى ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْيِينِ لِشُبْهَةِ كَوْنِ السَّارِقِ غَيْرَهُ؟ وَأَمَّا فِي الْجَوَابِ فَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ جَعْلَ ذِي الْيَدِ خَصْمًا وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُدَّعِي فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الِاحْتِيَالِ لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَأَنَّ الِاحْتِيَالَ لِدَرْئِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لَا مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعِي، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ كَمَا تَرَى غَيْرَ تَامٍّ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّ ظُهُورَ سَرِقَةِ ذِي الْيَدِ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَخُرُوجُ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مِنْ يَدِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِهَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فَكَيْفَ يَرْتَكِبُ الضَّرَرَ الْمُحَقَّقَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمَوْهُومِ سِيَّمَا إذَا اعْتَرَفَ بِأَنَّهَا مِلْكُ الْغَيْرِ أُودَعَهَا عِنْدَهُ، فَإِنَّ إتْلَافَ مَالِ أَحَدٍ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مَوْهُومٍ عَنْ آخَرَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ مَا إذَا قَالَ سُرِقَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (كَمَا إذَا سَرَقْت) بِالتَّعْيِينِ وَالْخِطَابِ (بِخِلَافِ الْغَصْبِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: غُصِبَ مِنِّي بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ حَيْثُ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَدِيعَةِ بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْغَصْبِ (فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ) فَلَمْ يَكُنْ الْمُدَّعِي مَعْذُورًا فِي التَّجْهِيلِ. (وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: ابْتَعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ) أَيْ فُلَانٌ الَّذِي قَالَ الْمُدَّعِي: ابْتَعْتُهُ مِنْهُ (أَسْقَطَ الْخُصُومَةَ) أَيْ أَسْقَطَ صَاحِبُ الْيَدِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ (بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ) أَيْ فِي الشَّيْءِ الْمُدَّعِي (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ (فَيَكُونُ وُصُولُهَا) أَيْ وُصُولُ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، وَكَانَ الْمُطَابِقُ لِلضَّمَائِرِ السَّابِقَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ: فَيَكُونُ وُصُولُهُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَلَكِنَّهُ يُشْبِهُ أَنَّهُ قَصَدَ التَّفَنُّنَ فِي الْعِبَارَةِ (إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ (فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ) أَيْ الْمُدَّعِي (الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا) أَيْ فُلَانًا الْمَذْكُورَ (وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا) أَيْ بِإِمْسَاكِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كَأَنَّهُ قَصَدَ التَّفَنُّنَ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا بِقَبْضِهِ بِالتَّذْكِيرِ، وَثَانِيًا بِإِمْسَاكِهَا بِالتَّأْنِيثِ.

[باب ما يدعيه الرجلان]

(بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ) قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ بِهَا بَيْنَهُمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: تَهَاتَرَتَا، وَفِي قَوْلٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْكُلِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَيَتَهَاتَرَانِ أَوْ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقْرَعَ فِيهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْحَكَمُ بَيْنَهُمَا» وَلَنَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرْفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ] ِ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ دَعْوَى الْوَاحِدِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ حُكْمِ دَعْوَى الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا) أَيْ الْعَيْنَ (لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ) أَيْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ (قَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا) أَيْ نِصْفَيْنِ، وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي دَعْوَى مِلْكِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لَمْ يَقْضِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِاتِّفَاقِ وَفِي دَعْوَى الْخَارِجِينَ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَوْ كَانَتْ بَيْنَ الْخَارِجِ وَصَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى عِنْدَنَا. وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيَكُونُ الْمُدَّعَى لِذِي الْيَدِ تَرْكًا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَضَاءُ تَرْكٍ لَا قَضَاءُ مِلْكٍ. وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فَيُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ مِلْكٍ وَفِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُقَيَّدِ بِالسَّبَبِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بِالتَّارِيخِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا كَمَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا (فِي قَوْلِ تَهَاتَرَتَا) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ: أَيْ تَسَاقَطَتَا وَبَطَلَتَا، مَأْخُوذٌ مِنْ الْهِتْرِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ السَّقْطُ مِنْ الْكَلَامِ وَالْخَطَإِ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَفِي قَوْلِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ وَيَقْضِي لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ (لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ الْعَيْنِ (فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ) أَيْ بَيْنَ الصَّادِقَةِ مِنْهَا وَالْكَاذِبَةِ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا (فَيَتَهَاتَرَانِ) كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِالْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهَذَا لِأَنَّ تُهْمَةَ الْكَذِبِ تَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ فَالتَّيَقُّنُ بِهِ أَوْلَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَة (أَوْ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَرَعَ فِيهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْحَكَمُ بَيْنَهُمَا» ) رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي أَمَةٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَ عِبَادِك بِالْحَقِّ، ثُمَّ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ» (وَلَنَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرْفَةَ) الطَّائِيِّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ

«أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نَاقَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» . وَحَدِيثُ الْقُرْعَةِ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ، وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمَلُ الْوُجُودِ بِأَنْ يَعْتَمِدَ أَحَدُهُمَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَالْآخَرُ الْيَدَ فَصَحَّتْ الشَّهَادَتَانِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّنْصِيفِ إذْ الْمَحِلُّ يَقْبَلُهُ، وَإِنَّمَا يُنَصَّفُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاقَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» ) وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ، فَقَالَ: مَا أَحْوَجَكُمَا إلَى سِلْسِلَةٍ كَسِلْسِلَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، كَانَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا جَلَسَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ نَزَلَتْ سِلْسِلَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِعِتْقِ الظَّالِمِ، ثُمَّ قَضَى بِهِ رَسُولُنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» (وَحَدِيثُ الْقُرْعَةِ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ حَدِيثِ الْقُرْعَةِ: يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ وَقْتَ إبَاحَةِ الْقِمَارِ ثُمَّ نُسِخَ بِحُرْمَةِ الْقِمَارِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُسْتَحِقِّ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ ابْتِدَاءً: فَكَمَا أَنَّ تَعْلِيقَ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ قُرْعَةِ قِمَارٍ فَكَذَلِكَ تَعْيِينُ الْمُسْتَحِقِّ، بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ لِلْقَاضِي هُنَاكَ وِلَايَةَ التَّعْيِينِ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ، وَإِنَّمَا يَقْرَعُ تَطْيِيبًا لِلْقُلُوبِ، وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَسَائِرِ الشُّرُوحِ (وَلِأَنَّ الْمُطْلِقَ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمُجَوِّزَ (لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمَلُ الْوُجُودِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (بِأَنْ يَعْتَمِدَ أَحَدُهُمَا سَبَبَ الْمِلْكِ) كَالشِّرَاءِ (وَالْآخَرُ الْيَدَ فَصَحَّتْ الشَّهَادَتَانِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ: وَلَا نُسَلِّمُ كَذِبَ إحْدَاهُمَا بِيَقِينٍ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمَلُ الْوُجُودِ، فَإِنَّ صِحَّةَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا تَعْتَمِدُ وُجُودَ الْمِلْكِ حَقِيقَةً لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْبٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْعِبَادُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اعْتَمَدَ سَبَبَ الْمِلْكِ بِأَنْ رَآهُ يَشْتَرِي فَشَهِدَ عَلَى ذَلِكَ وَالْآخَرُ اعْتَمَدَ الْيَدَ فَشَهِدَ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَتْ الشَّهَادَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ تَقْرِيرِهِ أَنَّهُ قَدْ حَمَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلشَّهَادَةِ إلَخْ عَلَى مَنْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَجَالَ لِمَنْعِ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى صِدْقِ الْخَبَرِ مُطَابِقَتُهُ لِلْوَاقِعِ، وَمَعْنَى كَذِبِهِ عَدَمُ مُطَابِقَتِهِ لِأَنَّ اسْتِحَالَةَ اجْتِمَاعِ الْمِلْكَيْنِ فِي كُلِّ الْعَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ضَرُورِيَّةٌ فَكَذَبَ إحْدَاهُمَا: أَيْ عَدَمُ مُطَابِقَتِهَا لِلْوَاقِعِ مُتَيَقَّنٌ بِلَا رَيْبٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ السَّنَدِ لِلْمَنْعِ لَا يُجْدِي طَائِلًا مِنْ دَفْعِ هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ مَنْعَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ، بَلْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِهِ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ: أَيْ إثْبَاتَ مُدَّعَانَا مَعَ الْتِزَامِ مَا قَالَهُ الْخَصْمُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُطْلِقَ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمَلُ الْوُجُودِ بِأَنْ يَعْتَمِدَ أَحَدُهُمَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَالْآخَرُ الْيَدَ، وَكُلُّ شَهَادَةٍ لَهَا مُطْلِقٌ كَذَلِكَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ طَابَقَتْ الْوَاقِعَ أَوْ لَمْ تُطَابِقْهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ لَا تَعْتَمِدُ تَحَقُّقَ الْمَشْهُودِ بِهِ فِي الْوَاقِعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْبٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْعِبَادُ بَلْ إنَّمَا تَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْحَالِ فَصَحَّتْ الشَّهَادَتَانِ (فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَ) لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ حِجَجُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَمَلُ بِهَا وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا (بِالتَّنْصِيفِ إذْ الْمَحَلُّ يَقْبَلُهُ) أَيْ يَقْبَلُ التَّنْصِيفَ (وَإِنَّمَا يُنَصَّفُ لِاسْتِوَائِهِمَا) أَيْ لِاسْتِوَاءِ الْمُدَّعِيَيْنِ (فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ)

قَالَ (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا بَيِّنَةً لَمْ يَقْضِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ. قَالَ (وَيَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ لِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تُؤَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ، فَأَمَّا إذَا وَقَّتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الشَّهَادَةُ. فَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى مَا وَجَّهْنَاهُ أَنَّ مَدَارَ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَتَيْنِ صِحَّتُهُمَا لَا صِدْقُهُمَا، فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْعِبَادُ، وَأَنَّ وَجْهَ صِحَّتِهِمَا مَا ذَكَرَهُ يُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّفْرِيعِ: فَصَحَّتْ الشَّهَادَتَانِ وَلَمْ يَقُلْ فَصَدَقَتْ الشَّهَادَتَانِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَلَا نُسَلِّمُ كَذِبَ إحْدَاهُمَا بِيَقِينٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْكَذِبَ هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْحُكْمِ لِلْوَاقِعِ وَعَدَمُ مُطَابَقَةِ كَلَامِ إحْدَاهُمَا لِنَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ أَجْلَى الْوَاضِحَاتِ، فَكَيْفَ يَمْنَعُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ السَّنَدِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَانِعَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ هُوَ كَذِبُهَا شَرْعًا وَهُوَ مَفْقُودٌ هَاهُنَا، وَإِلَّا لَزِمَ اجْتِمَاعُ إطْلَاقِ الشَّهَادَةِ وَتَكْذِيبُهَا شَرْعًا. فَاَلَّذِي لَا يُسَلِّمُهُ الشَّارِحُ هُوَ الْكَذِبُ الشَّرْعِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِكَذِبِهَا شَرْعًا عَدَمُ مُطَابَقَتِهَا لِلِاعْتِقَادِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ الْكَذِبِ هَاهُنَا بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ عَدَمَ مُطَابَقَةِ الْحُكْمِ لِلْوَاقِعِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُوَجِّهٍ لِأَنَّ كَوْنَ صِدْقِ الْخَبَرِ مُطَابَقَتَهُ لِاعْتِقَادِ الْمَخْبَرِ، وَكَذِبُهُ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ مَذْهَبُ النَّظَّامِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَصْدِيقِ الْيَهُودِيِّ فِي قَوْلِهِ: الْإِسْلَامُ حَقٌّ مَعَ مُخَالِفَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ، وَتَكْذِيبِهِ فِي قَوْلِهِ: الْإِسْلَامُ بَاطِلٌ مَعَ مُطَابَقَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ، فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْكَذِبُ الشَّرْعِيُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ الْمُزَيَّفِ وَيَجْعَلُ مَبْنَى الِاسْتِدْلَالِ أَئِمَّتَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَذِبُ الشَّرْعِيُّ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ بَلْ كَانَ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ لِلِاعْتِقَادِ لَمَا كَانَ لِمَا وَرَدَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ مِنْ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ بِمَعْنَى عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لِلِاعْتِقَادِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ التَّعَمُّدِ. وَأَيْضًا لَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِمَنْعِ كَذِبِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِيَقِينٍ بِمَعْنَى عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لِلِاعْتِقَادِ، إذْ يَكْفِي لَهُ كَذِبُ إحْدَاهُمَا بِيَقِينٍ بِمَعْنَى عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ فَإِنْ الْتَزَمَ جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِمَا عِنْدَ تَيَقُّنِ عَدَمِ مُطَابَقَةِ إحْدَاهُمَا لِلْوَاقِعِ فَلِمَ لَا يَلْتَزِمُ جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِمَا عِنْدَ تَيَقُّنِ كَذِبِ إحْدَاهُمَا بِمَعْنَى عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ. وَالْفَرْقُ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ لَفْظِ الْكَذِبِ وَعَدَمِ إطْلَاقِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّمَا هُوَ اعْتِبَارٌ لَفْظِيٌّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ بِهِ الْقَوْلَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَّا لَزِمَ اجْتِمَاعُ إطْلَاقِ الشَّهَادَةِ وَتَكْذِيبِهَا شَرْعًا إنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَلْزَمَ اجْتِمَاعُ إطْلَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ، وَتَكْذِيبُهَا بِعَيْنِهَا مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ إطْلَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَكْذِيبُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ الْمَحْذُورَ فِيهِ، إذْ الْكَذِبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا كَانَ مُحْتَمَلًا لَا مُحَقَّقًا فَتَأَمَّلْ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الرَّجُلَيْنِ (نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا بَيِّنَةً لَمْ يَقْضِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهَا لِأَنَّ الْمَحِلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ. قَالَ: وَيَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ) وَحُكِيَ عَنْ رُكْنِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ أَنَّهُ لَا تَتَرَجَّحُ إحْدَاهُمَا إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ: إحْدَاهُمَا إقْرَارُ الْمَرْأَةِ، وَالثَّانِيَةُ كَوْنُهَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَالثَّالِثَةُ دُخُولُ أَحَدِهِمَا بِهَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ نِكَاحَهُ أَسْبَقُ كَذَا فِي الشُّرُوحِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ (إذَا لَمْ تُؤَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ، فَأَمَّا إذَا وُقِّتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ، كَذَا فِي الْكَافِي. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَوْلُهُ فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى لَيْسَ بِجَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى إذَا كَانَ الثَّانِي بَعْدَهُ بِمُدَّةٍ لَا تَحْتَمِلُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِيهَا، أَمَّا إذَا احْتَمَلَتْ ذَلِكَ فَيَتَسَاوَيَانِ

وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ) لِتَصَادُقِهِمَا (وَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِجَوَازِ أَنَّ الْأَوَّلَ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا الثَّانِي. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا مَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَوْ عَايَنَا تَقَدُّمَ الْأَوَّلِ حَكَمْنَا بِهِ، فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا كَانَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الثَّانِي أَوْلَى قَطْعًا، وَلَيْسَ مَدَارُ السُّؤَالِ عَلَى دَعْوَى أَوْلَوِيَّةِ الثَّانِي بَلْ عَلَى مَنْعِ أَوْلَوِيَّةِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا الْمَنْعُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ بَلْ يَتَوَجَّهُ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ دَعْوَى النِّكَاحِ مُطْلَقًا: أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا احْتَمَلَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَوَّلَ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا الثَّانِي، كَمَا ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ فَلَمْ تَثْبُتُ الْأَوْلَوِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ احْتِيَاجٍ إلَى بَيَانِ لَمِّيَّةِ الْحُكْمِ بِالْأَوَّلِ، فِيمَا عَايَنَا تَقَدَّمَهُ أَيْضًا مَعَ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، فَالْأَحْسَنُ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِتَخَلُّلِ الطَّلَاقِ. قُلْت: لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ بَقَاءِ الطَّلَاقِ فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ الثَّابِتُ لِلْأَوَّلِ بِالشَّكِّ، وَلَا يُقَالُ: يُحْمَلُ أَمْرُهُمَا عَلَى الصَّلَاحِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الدَّفْعِ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهَاهُنَا لِحَاجَةٍ إلَى الْإِبْطَالِ انْتَهَى. (وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِتَصَادُقِهِمَا، فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ) إذْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ. وَذَكَرَ فِي نِكَاحِ الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي امْرَأَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ. فَإِنْ كَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا عَلَى الْعَقْدِ تَتَرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِالْقَبْضِ. كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ فِي عَيْنٍ مِنْ ثَالِثٍ بِالشِّرَاءِ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى. لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ مَا أَمْكَنَ. وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ هُنَا بِأَنْ جَعَلَ نِكَاحَ الَّذِي دَخَلَ بِهَا

وَلَوْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْآخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَحْكُمُ بِهَا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ بَلْ هُوَ دُونَهُ (إلَّا أَنْ يُؤَقِّتَ شُهُودُ الثَّانِي سَابِقًا) لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ. وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَنِكَاحُهُ ظَاهِرٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّبْقِ. قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ) مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا بَيِّنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQثَابِتًا حِينَ دَخَلَ، وَهَذَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مِنْ نَقْلِهَا إلَى بَيْتِهِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ، وَدَلِيلُ التَّارِيخِ كَالتَّصْرِيحِ بِالتَّارِيخِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَحِينَئِذٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ الدَّلِيلِ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ بِالسَّبْقِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَوَّلٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِسَبْقِ التَّارِيخِ فِي عَقْدِهِ، وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَأَيُّهُمَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ أَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا دُونَ الْآخَرِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، إمَّا لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَتَرَجَّحُ بِإِقْرَارِهَا لَهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ، أَوْ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا تَعَارَضَتَا وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا بَقِيَ تَصَادُقُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْحِ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَأَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ: فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا بَيِّنَةً لَمْ يَقْضِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا دَخَلَ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا كَانَ التَّنَازُعُ حَالَ حَيَاةِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهَا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْيَدُ، فَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ يُقْضَى بِالنِّكَاحِ وَالْمِيرَاثِ لَهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ الْمَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِنْهَا مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ. فَرَّقَ بَيْنَ الدَّعْوَى حَالَةَ الْحَيَاةِ وَبَيْنَ الدَّعْوَى بَعْدَ الْوَفَاةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ هِيَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِلشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا، وَالْمَقْصُودُ بَعْدَ الْوَفَاةِ هُوَ الْمِيرَاثُ وَهُوَ مَالٌ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَيَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الْفُصُولِ، وَفِي الْفُصُولِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ (وَلَوْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى) يَعْنِي أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا مَعًا، وَلَوْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى (وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى بِهَا الْقَاضِي لَهُ ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ادَّعَاهُ الثَّانِي (لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ بَلْ هُوَ دُونَهُ) أَيْ لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ الْأُولَى، بَلْ دُونَهَا لِأَنَّ الْأُولَى تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي الظَّنِّيَّات لَا يُنْقَضُ الْمِثْلُ بِالْمِثْلِ وَلِهَذَا لَا يُهْدَمُ الرَّأْيُ بِالرَّأْيِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (إلَّا أَنْ يُؤَقِّتَ شُهُودُ الثَّانِي سَابِقًا) أَيْ وَقْتًا سَابِقًا فَإِنَّهُ يَقْضِي حِينَئِذٍ بِمَا ادَّعَاهُ الثَّانِي (لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْخَطَأُ الْأَوَّلُ بِيَقِينٍ) حَيْثُ ظَهَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ. أَقُولُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِيَقِينٍ تَسَامُحٌ. لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ مِنْ الظَّنِّيَّاتِ لَا مِنْ الْيَقِينِيَّاتِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لَهُ حَيْثُ تَرَكَ لَفْظَةَ بِيَقِينٍ فِي تَحْرِيرِهِ (وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَنِكَاحُهُ ظَاهِرٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّبْقِ) قَدْ مَرَّ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْهُ (مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ فَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ، فَالْحُكْمُ عَلَى التَّفْصِيلِ يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. ثُمَّ إنَّ تَمَامَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ (وَأَقَامَا بَيِّنَةً) أَيْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ

فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ كَالْفُضُولِيِّينَ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَيْنِ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ، فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى مَا لَوْ أَقَامَاهَا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَامِ: وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الْكَافِي هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَامِ: وَلَمْ تُؤَقِّتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا. وَأَقُولُ: الْأَوْلَى تَعْمِيمُهُ لَمَّا لَمْ يُؤَقِّتَا وَلَمَّا وَقَّتَا وَوَقْتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ مُسَاعِدٌ لِلتَّعْمِيمِ لَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يُعَمِّمْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ مَا وَقَّتَا وَوَقْتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ مَتْرُوكَةً فِي الْكِتَابِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ بَيْنِ أَقْسَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الصُّوَرِ الْآتِيَةِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ ذَلِكَ (فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ كَالْفُضُولِيِّينَ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَيْنِ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ) وَهُوَ رِضَاهُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْمَبِيعِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ اخْتَلَّ رِضَاهُ بِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي. وَفَسَّرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ شَرْطَ عَقْدِهِ بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ (فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ) وَلَمْ يَحْصُلْ (فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ) وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شَرْطِ الْعَقْدِ هُوَ الرِّضَا، وَقَدْ تَغَيَّرَ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْبَيْعِ، وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ اخْتَلَّ رِضَاهُ بِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْكَاكِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ وَأَيْضًا لِاتِّحَادِ وَصْفِ الْعَقْدِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا لَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: الَّذِي هُوَ تَصَرُّفُ نَفْسِ ذَلِكَ الْقَائِلِ هَاهُنَا سَاقِطٌ، أَمَّا قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُؤَيِّدَهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْكَاكِيُّ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَيْضًا لِاتِّحَادِ وَصْفِ الْعَقْدِ إلَخْ فَلِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّفْقَةِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا أَنَّهُ شَرْطُ نَفْسِ الْعَقْدِ، كَمَا أَنَّ الرِّضَا أَيْضًا كَذَلِكَ لِتَحَقُّقِ نَفْسِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ مَعَ انْتِفَاءِ الرِّضَا فِيهِ، وَأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ تَغَيَّرَ شَرْطُ صِحَّةِ عَقْدِهِ لَا أَنَّهُ تَغَيَّرَ شَرْطُ نَفْسِ عَقْدِهِ وَإِلَّا مَا سَاغَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ. ثُمَّ إنَّ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصْفٌ لِلْعَقْدِ كَاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ أَحَدِ وَصْفَيْهِ شَرْطًا لِلْآخَرِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: كَذِبُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مُتَيَقَّنٌ لِاسْتِحَالَةِ تَوَارُدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى

فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَا أَخْتَارُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي النِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ خَصَمَ فِيهِ لِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَوْلَا بَيِّنَةُ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَلَمْ يَفْسَخْ سَبَبَهُ، وَالْعَوْدُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحِمَةِ وَلَمْ تُوجَدْ، وَنَظِيرُهُ تَسْلِيمُ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ تَسْلِيمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَمُلَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ الْبَيِّنَتَانِ. أُجِيبُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدَا بِكَوْنِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَلْ شَهِدُوا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا اعْتَمَدَ سَبَبًا فِي وَقْتِ أَطْلَقَ لَهُ الشَّهَادَةَ بِهِ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى جَوَابِهِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِكَوْنِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَالْجَوَابُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَسَيَجِيءُ مِنْ الشَّارِحِ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْوَرَقِ الْآتِي، وَذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ هَاهُنَا نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَجَوَابُ الشَّارِحِ لَا يَفِي بِدَفْعِ مَا إذَا أُورِدَ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَبْنَى جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا تَقْيِيدُهُ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ، فَحِينَئِذٍ يَتِمُّ جَوَابُهُ، فَإِنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ مِقْدَارُ مَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَقَدْ حَصَلَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْيِيدِ. وَأَمَّا دَفْعُ السُّؤَالِ عَنْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى غَيْرِ مَذْكُورَةٍ فِي الْكِتَابِ فَفَضْلَةٌ مِنْ الْكَلَامِ هَاهُنَا فَلَا ضَيْرَ فِي عَدَمِ وَفَاءِ جَوَابِهِ بِذَلِكَ. نَعَمْ تَقْيِيدُهُ هُنَاكَ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ رَأْسًا كَمَا بَيَّنَّاهُ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ آخَرُ مَوْضِعُهُ ثَمَّةَ، ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا جَوَابًا آخَرَ دَافِعًا لِلسُّؤَالِ عَنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا ذَكَرَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْكَافِي وَعَامَّةُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَيْنِ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِأَنْ وَكَّلَ الْمَالِكُ رَجُلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ بِأَنْ يَبِيعَا عَبْدَهُ فَبَاعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ مَعًا مِنْ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَعَقْدُ الْوَكِيلِ كَعَقْدِ الْمُوَكِّلِ، وَيُضَافُ عَقْدُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ مَجَازًا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ وُرُودُ الْبَيْعَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَمُلَا (فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ) أَيْ بِالْعَبْدِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ (فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَا أَخْتَارُ) أَيْ لَا أَخْتَارُ الْأَخْذَ (لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْآخَرَ (صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي النِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا النِّصْفِ. وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ وَلَا يُوجَدْ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مُدَّعٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي النِّصْفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ (لِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَوْلَا بَيِّنَةُ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَخْتَارُ الْأَخْذَ (قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ (حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ) وَحُجَّتُهُ قَامَتْ بِهِ (وَلَمْ يَفْسَخْ سَبَبَهُ) أَيْ لَمْ يَفْسَخْ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ فِي شَيْءٍ (وَالْعَوْدُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ وَلَمْ تُوجَدْ) يَعْنِي إنَّمَا كَانَ الْقَضَاءُ لَهُ بِالنِّصْفِ لِمَانِعٍ وَهُوَ مُزَاحَمَةُ صَاحِبِهِ لَهُ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ حَيْثُ لَمْ تُوجَدْ الْمُزَاحَمَةُ قُضِيَ لَهُ بِالْكُلِّ (وَنَظِيرُهُ) أَيْ نَظِيرُ مَا قَالَ أَحَدُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ لَا أَخْتَارُ الْأَخْذَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي (تَسْلِيمُ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ) أَيْ تَسْلِيمُ أَحَدِهِمَا الشُّفْعَةَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا لَهُمَا حَيْثُ يَكُونُ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الدَّارِ (وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ) أَيْ نَظِيرُ مَا قَالَ أَحَدُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ لَا أَخْتَارُ الْأَخْذَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُمَا بِالْخِيَارِ (تَسْلِيمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ)

وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ (وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَهُوَ أَوْلَى) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ تَسْلِيمُ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ الشُّفْعَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا لَهُمَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ إلَّا أَخْذُ نِصْفِ الدَّارِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ قَوْلَهُ وَالْعَوْدُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ إلَى هُنَا، وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ شَرْحُهُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا وَنَحْنُ اخْتَرْنَا شَرْحَنَا وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ) فَاسْتِحْقَاقُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ) إذْ قَدْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْآخَرَ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ بَاطِلًا (وَلَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ (وَلَمْ تُؤَقَّتْ الْأُخْرَى فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْآخَرَ أَثْبَتَ الْمِلْكَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَاحْتِمَالُ قَبْلِيَّتِهِ يَقْتَضِي رُجْحَانَهُ عَلَى صَاحِبِ الْوَقْتِ وَاحْتِمَالُ بَعْدِيَّتِهِ يَقْتَضِي الْعَكْسَ، فَمَا الْوَجْهُ فِي الْعَمَلِ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الشَّكَّ فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْآخَرِ أَوْ مُؤَخَّرٌ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ الشَّكَّ أَيْضًا فِي أَنَّ الْآخَرَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَوْ مُؤَخَّرٌ عَنْهُ فَلَمْ يَظْهَرْ الرُّجْحَانُ فِي جَانِبٍ، فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَقَّتْ الْأُخْرَى قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاَلَّذِي لَمْ يُؤَقِّتْ يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ حَادِثٌ فَيُضَافُ حُدُوثُهُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يَثْبُتُ التَّارِيخُ فَكَانَ شِرَاءُ الْمُؤَقَّتِ سَابِقًا فَكَانَ أَوْلَى انْتَهَى. (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَهُوَ أَوْلَى) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَاهُ) أَيْ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ (أَنَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ الْقَبْضُ ثَابِتٌ فِي يَدِهِ مُعَايَنَةً، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى التَّفْسِيرِ بِهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَثْبَتَ قَبْضَهُ بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ فِي الْحَالِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هُنَاكَ عَلَى خِلَافِ هَذَا حَيْثُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ بِالْمُعَايَنَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَالْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ الَّتِي كَانَتْ مَذْكُورَةً أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيِّنِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تُؤَقَّتْ الْأُخْرَى فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ كُلُّهَا مِنْ شُعَبِ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ هِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَمُتَفَرَّعَاتُهَا يُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَفْظُ الِادِّعَاءِ وَلَا ذَكَرَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ كَمَا كَانَ الْأُسْلُوبُ الْمُطَّرِدُ عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى مَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْبَائِعِ. وَقَالَ هَاهُنَا: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ: أَيْ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ فَاقْتَضَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ مُخَالِفًا لِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ (لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ) تَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ " مَا " مَعَ الْبَعْدِ بَعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بَعْدُ، فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَبْضٌ لِقَابِضٍ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ حَادِثَانِ فَيُضَافَانِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْكُمُ بِثُبُوتِهِمَا فِي الْحَالِ، وَقَبْضُ الْقَابِضِ مَبْنِيٌّ عَلَى شِرَائِهِ وَمُتَأَخِّرٌ عَنْهُ ظَاهِرًا فَكَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّارِيخَ الْمُتَقَدِّمَ أَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ أَخَذَ هَذَا التَّحْقِيقَ مِنْ تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْكَافِي وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ فِي أُسْلُوبِ تَحْرِيرِهِ مِنْ إيجَازِ الْكَلَامِ

وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا تُنْقَضُ الْيَدُ الثَّابِتَةُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ الْآخَرُ وَقْتًا لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَنْقِيحِ الْمُرَادِ مَا يَأْبَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ ذَلِكَ، إذْ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَاكْتَفَى بِأَنْ قَالَ لِأَنَّ قَبْضَهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ، إذْ يَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ مَدَارُ ذَلِكَ التَّحْقِيقِ فَلَا يَبْقَى لِذِكْرِ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَبْضِهِ مَوْقِعٌ حَسَنٌ، فَعِنْدِي أَنَّ تَحْقِيقَ مُرَادِهِ هُوَ أَنَّ تَمَكُّنَ أَحَدِهِمَا مِنْ قَبْضِ الْمُدَّعِي يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ شِرَائِهِ إيَّاهُ سَابِقًا، إذْ لَوْ كَانَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ إيَّاهُ سَابِقًا لَمَا تَمَكَّنَ الْقَابِضُ مِنْ قَبْضِهِ. فَإِنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مِلْكًا لِغَيْرِ الْقَابِضِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَمَكَّنُ عَادَةً مِنْ قَبْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ بَلْ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ مِلْكِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ الْقَابِضُ مِنْ قَبْضِهِ دَلَّ تَمَكُّنُهُ مِنْهُ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِلَا كُلْفَةٍ وَبِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى بَسْطِ مُقَدِّمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ سَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ الْجَلِيلَةُ عَنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ) أَيْ وَلِأَنَّ الْقَابِضَ وَغَيْرَ الْقَابِضِ اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ الشِّرَاءِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلِلْقَابِضِ أَمْرٌ مُرَجِّحٌ وَهُوَ يَدُهُ الثَّابِتَةُ بِالْمُعَايَنَةِ لِأَنَّ غَيْرَ الْقَابِضِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَابِضِ فِي الْعَقْدِ فَيَنْقُضُ يَدَ الْقَابِضِ وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَنْقُصُ يَدَهُ فَصَارَ أَمْرُهُ مَشْكُوكًا (فَلَا تُنْقَضُ الْيَدُ الثَّابِتَةُ بِالشَّكِّ) . لَا يُقَالُ: بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَرْجِعَ بَيِّنَةُ غَيْرِ الْقَابِضِ. لِأَنَّا نَقُولُ: بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إنَّمَا تَكُونُ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ إذَا ادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا. أَمَّا إذَا ادَّعَيَا الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَهُمَا سِيَّانِ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي هَاهُنَا. وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْيَمِينِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءِ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ فَإِنَّ الْخَارِجَ هُنَاكَ أَوْلَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ثَمَّةَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِبَائِعِهِ أَوَّلًا، فَاجْتَمَعَ فِي حَقِّ الْبَائِعَيْنِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ فَكَانَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَزَادَ فِي الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا هَاهُنَا فَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ، إنَّمَا حَاجَتُهُمَا إلَى إثْبَاتِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ وَسَبَبُ الْقَابِضِ أَقْوَى لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ الْمِلْكُ لَهُ ثَمَّةَ وَهُوَ بَائِعٌ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِذِي يَدٍ بَلْ هُوَ خَارِجٌ كَغَيْرِ الْقَابِضِ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَكَوْنُ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بِينَةِ ذِي الْيَدِ فِيمَا إذَا أَثْبَتَا الْمِلْكَ لِأَنْفُسِهِمَا مُسَلَّمٌ، وَأَمَّا فِيمَا إذَا أَثْبَتَاهُ لِخَارِجٍ آخَرَ فَمَمْنُوعٌ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرُوا لِإِثْبَاتِ كَوْنِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ، وَهُوَ أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا أَوْ إظْهَارًا، فَإِنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَتْهُ الْيَدُ لَا تُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ انْتَهَى. إنَّمَا يَجْرِي فِيمَا إذَا أَثْبَتَا الْمِلْكَ لِأَنْفُسِهِمَا لَا فِيمَا إذَا أَثْبَتَاهُ لِخَارِجٍ آخَرَ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ (وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ الْآخَرُ وَقْتًا) أَيْ لَوْ ذَكَرَ غَيْرُ الْقَابِضِ وَقْتًا كَانَ الْعَبْدُ لِذِي الْيَدِ أَيْضًا (لِمَا بَيَّنَّا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: بَلْ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَذَلِكَ التَّحْقِيقُ لَا يُجْرَى فِيمَا إذَا ذَكَرَ الْآخَرُ

إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ قَبْلَ شِرَاءِ صَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ. . قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا) مَعْنَاهُ مِنْ وَاحِدٍ (وَأَقَامَا بَيِّنَةً وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا فَالشِّرَاءُ أَوْلَى) لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتًا لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ شِرَاءُ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْقَابِضِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ لَأَنْ يُضَافَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ التَّارِيخُ فَلَمْ تَحْصُلْ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى. وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ تَارِيخُ قَبْضِ الْقَابِضِ أُضِيفَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ الَّذِي هُوَ الْحَالُ فَلَمْ يَكُنْ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِض فَلَمْ تَحْصُلْ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ. وَأَمَّا شِرَاءُ الْقَابِضِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى قَبْضِهِ فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا لِفِعْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ دُونَ الْغَصْبِ كَمَا ذَكَرُوا فِيمَا مَرَّ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَيِّنِ السَّبْقِ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْآخَرُ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَقْضِي بِالشَّكِّ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوَقِّتْ أَحَدُهُمَا وَوَقَّتَ الْآخَرُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ، ثُمَّ يُجْعَلُ قَوْلُهُ هَاهُنَا لِمَا بَيَّنَّا إشَارَةً إلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ، إذْ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ يَتَمَشَّى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا هُوَ الثَّمَرَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فِيمَا مَرَّ آنِفًا (إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا) أَيْ شُهُودُ الْخَارِجِ (أَنَّ شِرَاءَهُ) أَيْ شِرَاءَ الْخَارِجِ كَانَ (قَبْلَ شِرَاءِ صَاحِبِ الْيَدِ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْخَارِجُ أَوْلَى (لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ) يَعْنِي أَنَّ تَقَدُّمَ عَقْدِ الْخَارِجِ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ بِتَصْرِيحِ شُهُودِهِ. وَتَقَدُّمُ عَقْدِ الْآخَرِ بِالدَّلَالَةِ حَيْثُ دَلَّ تَمَكُّنُهُ مِنْ قَبْضِهِ عَلَى سَبْقِ شِرَاءِهِ كَمَا مَرَّ. وَلَا عِبْرَةَ لِلدَّلَالَةِ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ مِنْ وَاحِدٍ) أَيْ مَعْنَى مَا قَالَهُ الْقُدُورِيُّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَيْنِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ وَلَا أَوْلَوِيَّةَ لِلشِّرَاءِ عَلَى الْهِبَةِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدُ، ثُمَّ إنَّ تَمَامَ لَفْظِ الْقُدُورِيِّ (وَأَقَامَا بَيِّنَةً وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا فَالشِّرَاءُ أَوْلَى) وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ كَمَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى) أَيْ مِنْ الْهِبَةِ (لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ) وَالْهِبَةُ تَبَرُّعٌ يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ جَانِبٍ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الشِّرَاءِ مُثْبَتَةً لِلْأَكْثَرِ فَكَانَتْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ تَتَرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْإِثْبَاتِ (وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى: أَيْ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ (وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ) وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِذَاتِهِ أَقْوَى مِمَّا يُثْبِتُهُ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ، فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا آخَرَ عَلَى كَوْنِ الشِّرَاءِ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: لِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَانَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْهِبَةُ لَا تُثْبِتُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ الشِّرَاءُ وَالْهِبَةُ ثَابِتَيْنِ مَعًا، وَالشِّرَاءُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ دُونَ الْهِبَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْقَبْضِ انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ تَحْرِيرِهِ هَذَا كَمَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى، فَجَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَوْلَوِيَّةُ الشِّرَاءِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي هَاهُنَا، لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مِسْكَةٍ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بَعِيدٌ هَذَا، وَقَوْلُهُ: لِمَا بَيَّنَّا أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى انْتَهَى. ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ

وَكَذَا الشِّرَاءُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْقَبْضِ لِمَا بَيَّنَّا (وَالْهِبَةُ وَالْقَبْضُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَجْهِ التَّبَرُّعِ، وَلَا تَرْجِيحَ بِاللُّزُومِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمَآلِ وَالتَّرْجِيحُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ صَحِيحٌ، وَكَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ. وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ وَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ وَهَذَا أَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهَا وَجْهًا مُسْتَقِلًّا لِكَوْنِ الشِّرَاءِ أَقْوَى كَمَا قَرَّرْنَاهُ (فِيمَا قَبْلُ، فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ تَدَافُعٌ لَا يَخْفَى وَكَذَا الشِّرَاءُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْقَبْضِ) أَيْ كَذَا الْحُكْمُ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَالْآخَرُ الصَّدَقَةَ مَعَ الْقَبْضِ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِكَوْنِ الشِّرَاءِ أَقْوَى (وَالْهِبَةُ وَالْقَبْضُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا هِبَةً وَقَبْضًا وَالْآخَرُ صَدَقَةً وَقَبْضًا فَهُمَا سَوَاءٌ (حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا) أَيْ نِصْفَيْنِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَجْهِ التَّبَرُّعِ) فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ التَّسَاوِيَ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَازِمَةٌ لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ دُونَ الْهِبَةِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَرْجِيحَ بِاللُّزُومِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمَآلِ) أَيْ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ، إذْ اللُّزُومُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَالتَّرْجِيحُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ) أَيْ التَّرْجِيحُ إنَّمَا يَقَعُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ لَا بِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الْمَآلِ. وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ امْتِنَاعَ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ الثَّوَابُ لَا لِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا أَيْضًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ (وَهَذَا) أَيْ الْقَضَاءُ بِالتَّنْصِيفِ بَيْنَهُمَا (فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) كَالْحَمَامِ وَالرَّحَى (صَحِيحٌ، وَكَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الِانْقِسَامَ كَالدَّارِ وَالْبُسْتَانِ (عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ قَبْضَهُ فِي الْكُلِّ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْبَعْضُ لِمُزَاحَمَةِ صَاحِبِهِ فَكَانَ الشُّيُوعُ طَارِئًا وَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ (وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ) وَلَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ (لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ) فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ. قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ عَلَى قِيَاسِ هِبَةِ الدَّارِ لِرَجُلَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ

قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ فَهُمَا سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الشِّرَاءُ أَوْلَى وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ، إذْ التَّزَوُّجُ عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ صَحِيحٌ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ فَإِنَّمَا نَقْضِي لَهُ بِالْعَقْدِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْعَقْدَيْنِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِرَجُلَيْنِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَتَمَكُّنُ الشُّيُوعِ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ مَانِعٌ صِحَّتَهَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ) أَيْ شِرَاءَ شَيْءٍ كَعَبْدٍ مَثَلًا مِنْ رَجُلٍ (وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلَ (تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ) أَيْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُدَّعِيَةَ عَلَى ذَلِكَ الْمُدَّعِي (فَهُمَا سَوَاءٌ) أَيْ يَقْضِي بِذَلِكَ الْمُدَّعِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (لِاسْتِوَائِهَا) أَيْ لِاسْتِوَاءِ الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ (فِي الْقُوَّةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، أَمَّا إذَا أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَالْأَسْبَقُ أَوْلَى، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ يَقْضِي بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا وَانْتَهَى. وَفِي التَّبْيِينِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ: ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ لِاسْتِحْقَاقِ الْآخَرِ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَلِلْمُشْتَرِي نِصْفُ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ انْتَهَى (وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الشِّرَاءُ أَوْلَى وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ) أَيْ وَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ تَمَامُ قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ (لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ) يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَاتِ مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ لِكَوْنِهَا حُجَّةً مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ، فَإِنْ قَدَّمْنَا النِّكَاحَ بَطَلَ الْعَمَلُ بِهَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ بَعْدَهُ يَبْطُلُ إذَا لَمْ تُجِزْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ قَدَّمْنَا الشِّرَاءَ صَحَّ الْعَمَلُ بِهَا (إذْ التَّزَوُّجُ عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ صَحِيحٌ وَيَجِبُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ) بِأَنْ لَا يُجِيزَهُ صَاحِبُهُ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الشِّرَاءِ. أَقُولُ: هَاهُنَا إشْكَالٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا. وَأَمَّا إذَا أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَالْمَسْأَلَةُ تَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ كَمَا مَرَّ آنِفًا فَكَيْفَ يَتِمُّ خِلَافُ مُحَمَّدٍ. وَدَلِيلُهُ الْمَذْكُورُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِالصُّورَةِ الْأُولَى، وَقَدْ تَمَحَّلَ بَعْضُهُمْ فِي دَفْعِهِ فَقَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى التَّارِيخَيْنِ الْمُتَّحِدَيْنِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ مَثَلًا: كَانَ الْعَقْدُ فِي أَوَّلِ الظُّهْرِ مِنْ

وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَالرَّهْنُ أَوْلَى) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ الْهِبَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى. بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ بَيْعُ انْتِهَاءٍ وَالْبَيْعُ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً فَكَذَا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ فَصَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَلَا يَتَلَقَّى الْمِلْكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَسَعُ فِيهِ الْعُقُودَ الْمُتَعَدِّدَةَ عَلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ إذْ لَمْ نَرَ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَقْتٍ مُضَيَّقٍ لَا يَسَعُ فِيهِ عَقْدَانِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ جَوَابَ أَبِي يُوسُفَ عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ مِلْكُ الْعَيْنِ، وَالنِّكَاحُ إذَا تَأَخَّرَ لَمْ يُوجِبْ مِلْكَ الْمُسَمَّى كَمَا إذَا تَأَخَّرَ الشِّرَاءُ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، فَإِنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ النِّكَاحُ ثَبَتَ مِلْكُ الْعَيْنِ فِي الْمُسَمَّى لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلِمُدَّعِيهِ الْمَهْرُ مَعْنًى فَوُجِدَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَوَّيْنَاهُمَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْبَحْثُ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِمُدَّعِيَةِ الْمَهْرِ عِنْدَ تَأَخُّرِ النِّكَاحِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى، إذْ لَمْ نَسْمَعْ جَعْلَ مِلْكِ الْقِيمَةِ مِلْكَ الْعَيْنِ لَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَلَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ. وَلَئِنْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلِأَبِي يُوسُفَ أَنْ يَقُولَ: الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ مِلْكُ الْعَيْنِ صُورَةً، إذْ لَوْلَاهُ لَاكْتَفَى فِي الدَّعْوَى بِذِكْرِ مَبْلَغِ الْقِيمَةِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ ذَلِكَ (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَالرَّهْنُ أَوْلَى) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ الْهِبَةُ أَوْلَى) وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَجْهُ الْقِيَاسِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ لِأَنَّ الْهِبَةَ (تُثْبِتُ الْمِلْكَ) أَيْ مِلْكَ الْعَيْنِ (وَالرَّهْنَ لَا يُثْبِتُهُ) فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَهِيَ أَوْلَى (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ) وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ (وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ) أَيْ الْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الْهِبَةِ (غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى) أَيْ مِنْ عَقْدِ التَّبَرُّعِ، وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الرَّهْنِ تُثْبِتُ بَدَلَيْنِ الْمَرْهُونَ وَالدَّيْنَ، وَالْهِبَةُ لَا تُثْبِتُ إلَّا بَدَلًا وَاحِدًا فَكَانَتْ أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَكَانَتْ أَوْلَى، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ) يَعْنِي لَا تُرَدُّ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ نَقْضًا حَيْثُ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ (لِأَنَّهُ بَيْعُ انْتِهَاءٍ) أَيْ لِأَنَّ الْهِبَةَ بَيْعُ انْتِهَاءٍ، وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْهِبَةِ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ أَوْ بِتَأْوِيلِ الْعَقْدِ (وَالْبَيْعُ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعَ (عَقْدُ ضَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً هَكَذَا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ) أَيْ فَكَذَا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ لِكَوْنِهَا بَيْعًا انْتِهَاءً. فَإِنْ قُلْت: التَّرْجِيحُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ، وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعٌ انْتِهَاءً تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَتَكُونُ كَالْهِبَةِ مَعَ الصَّدَقَةِ. قُلْت: نَعَمْ هِيَ مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَقْصُودُ الْعَاقِدِ فِي الِابْتِدَاءِ عَادَةً فَتَكُونُ مُعَاوَضَةً ابْتِدَاءً نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ، بِخِلَافِ اللُّزُومِ فِي الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْمُتَصَدِّقِ فَلَا يَكُونُ اللُّزُومُ قَائِمًا فِي الْحَالِ، لَا نَظَرًا إلَى الْعَقْدِ وَلَا إلَى الْعَاقِدِ وَمَقْصُودُهُ كَذَا فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ فَصَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ (أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَلَا يُتَلَقَّى الْمِلْكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ

وَلَمْ يَتَلَقَّ الْآخَرُ مِنْهُ. قَالَ: (وَلَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَتَلَقَّ الْآخَرُ مِنْهُ) أَيْ الْفَرْضُ أَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَتَلَقَّ مِنْهُ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ أَوَّلًا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ آخِرًا فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا وَلَا يَكُونُ لِلتَّارِيخِ عِبْرَةٌ، وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ عِنْدَهُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي لِلَّذِي أَرَّخَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي لِلَّذِي لَمْ يُؤَرِّخْ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَيْسَ فِي تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَفِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ لَا يَتَفَاوَتُ أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ: دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ بِكَذَا، فَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَالدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ، وَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ شِرَاءَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَيَثْبُتُ شِرَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْآخَرَ اشْتَرَاهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ. وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَالْمُؤَرِّخُ أَوْلَى تَقْلِيلًا لِنَقْصِ مَا هُوَ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَا الْمُؤَرِّخَ أَوْلَى فَقَدْ نَقَضْنَا شِرَاءَ الْآخَرِ لَا غَيْرُ. وَأَمَّا إذَا قَضَيْنَا لِلَّذِي لَا تَارِيخَ لَهُ لَنَقَضْنَا عَلَى صَاحِبِ التَّارِيخِ شِرَاءَهُ وَتَارِيخَهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ الْأَمْرَانِ

وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَا تَارِيخًا) فَهُمَا سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا ادَّعَى الْخَارِجَانِ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ آخَرَ بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا سَمَّى رَجُلًا وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ يَقْضِي بِالدَّارِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ يَقْضِي لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا، وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَالْمُؤَرِّخُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا انْتَهَى. وَقَدْ اقْتَفَى أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ أَثَرَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي مُؤَاخَذَةِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ كَيْ لَا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ، لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ هُنَا، فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَا الشِّرَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ انْتَهَى. أَقُولُ: الْحَقُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الْقُدُورِيَّ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ فِي مُخْتَصَرِهِ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا هَاهُنَا وَالْأُخْرَى فِي أَثْنَاءِ الْأَحْكَامِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا فُهِمَ التَّكْرَارُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الظَّاهِرِ فَصَرَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ إلَى مَا إذَا ادَّعَيَا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَقَوْلَهُ الثَّانِيَ مَا إذَا ادَّعَيَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ احْتِرَازًا عَنْ التَّكْرَارِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَمْلُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصَّلَاحِ فَلَا غُبَارَ فِيهِ أَصْلًا. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ طَعَنُوا فِيهِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِصَدَدِ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ فَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ، فَالْحُكْمُ عَلَى التَّفْصِيلِ يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابِ انْتَهَى، وَذَلِكَ الْكَلَامُ مِنْهُمْ اعْتِرَافًا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ هَاهُنَا وَلَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ ادَّعَيَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ، إذْ لَا يَجِيءُ فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةُ إنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرَ قَوْلِهِ هَذَا، وَبِأَنَّ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ هُنَاكَ الِاحْتِرَازُ عَنْ التَّكْرَارِ فَكَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهُوا لِكَوْنِ فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ هَاهُنَا أَيْضًا الِاحْتِرَازَ عَنْ التَّكْرَارِ (وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ) هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ مَا سَبَقَ: أَيْ لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ (فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) أَيْ فَصَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَوَّلِ أَوْلَى (لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ إنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ (أَنَّهُ أَثْبَتَهُ) أَيْ أَنَّ صَاحِبَ التَّارِيخِ الْأَوَّلِ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ (فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ (وَإِنْ أَقَامَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ) كَأَنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ زَيْدٍ وَالْآخَرُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ عَمْرٍو (وَذَكَرَا تَارِيخَهُمَا فَهُمَا سَوَاءٌ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: أَيْ ذَكَرَا تَارِيخًا وَاحِدًا، وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَا تَارِيخَيْنِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ لِبَائِعِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ الْآخَرُ فِيهِ وَيَرْجِعُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ انْتَهَى. وَقَدْ سَلَكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مَسْلَكَهُمَا فِي شَرْحِ الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَا تَارِيخًا وَاحِدًا فَهُمَا سَوَاءٌ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُهُمَا وَاحِدًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ تَارِيخًا فَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا وَلَا تَارِيخَ لِمِلْكِ الْبَائِعَيْنِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا

لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعَيْهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ (وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ تَوْقِيتَ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ بِدُونِ التَّارِيخِ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا، فَكَذَا فِيمَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي التَّلَقِّي مِنْهُ وَأَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، أَثْبَتَ التَّلَقِّيَ لِنَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ فَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْضَى لِلْغَيْرِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إذَا ادَّعَى التَّلَقِّيَ مِنْهُ وَالْآخَرُ لَا يَدَّعِي التَّلَقِّيَ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَدْ سَلَكَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا الْمَسْلَكَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْكَنْزِ. أَقُولُ: السِّرُّ فِي اخْتِلَافِ كَلِمَاتِ الثِّقَاتِ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ فِي حِلِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ تَارِيخًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى حَيْثُ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ آخَرَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بَيْنَهُمَا، وَإِنْ وَقَّتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ التَّارِيخَ، وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يَقْضِي بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ سِوَى صَاحِبِ الْيَدِ مُطْلَقًا مِنْ الْوَقْتِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ يُقْضَى بَيْنَهُمَا فِي نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ مِنْ الْآخَرِ فَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ: أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَبَيْنَ الشِّرَاءِ، وَقَالَ: لَا عِبْرَةَ بِالتَّارِيخِ فِي الشِّرَاءِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا مِلْكَ الْبَائِعَيْنِ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعَ نَوْعِ تَفْصِيلٍ وَكَذَا فِي غَيْرِهَا. ثُمَّ أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ نَقْلِ تِلْكَ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ كَوْنَ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْأَسْبَقِ أَوْلَى فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَكْبَرِهِمْ، فَحَمْلُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَا لَا يُنَافِيهِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا) أَيْ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ حَضَرَا وَادَّعَيَا وَأَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) أَيْ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ (وَلَوْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْخَارِجَانِ شِرَاءً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَوَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (لِأَنَّ تَوْقِيتَ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ) أَيْ عَلَى تَقَدُّمِ مِلْكِ بَائِعِهِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ هَاهُنَا خَصْمٌ عَنْ بَائِعِهِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ، وَتَوْقِيتُ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ

لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يَحْكُمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ شِرَاءُ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكِ بَائِعِهِ (لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ الْآخَرُ أَقْدَمَ فِي الْمِلْكِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ (اتَّفَقَا) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى) أَيْ لَا يُؤْخَذُ (إلَّا مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الْوَاحِدِ، فَحَاجَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى إثْبَاتِ سَبَبِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لَا إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ (فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يَحْكُمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَوْ عَايَنَّا بِيَدِهِ الْمِلْكَ حَكَمْنَا بِهِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ شِرَاءُ غَيْرِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَوْقِيتِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لَا فِي إثْبَاتِهَا الْيَدَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ الْمُؤَقَّتَةِ كَالْمِلْكِ الثَّابِتِ الْمُعَايَنِ بِالْيَدِ فَلَا تَعَلُّقَ لِقَوْلِهِ وَلَوْ عَايَنَّا بِيَدِهِ الْمِلْكَ حَكَمْنَا بِهِ بِالْمَقَامِ، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ مَنْ وَقَّتَتْ بَيِّنَتُهُ كَالشِّرَاءِ الْمُعَايَنِ لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَكِنَّ الْآخَرَ مُشْتَرِكٌ فِي هَذَا اللَّازِمِ لِثُبُوتِ شِرَائِهِ أَيْضًا بِالْبَيِّنَةِ. نَعَمْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَوَّلَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَايَنَّا شِرَاءَهُ وَوَقْتُهُ مَعْلُومٌ مُتَعَيِّنٌ عِنْدَنَا الْآنَ. وَالثَّانِي يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَايَنَّا شِرَاءَهُ أَيْضًا وَلَكِنَّ وَقْتَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَنَا الْآنَ، بَلْ مُحْتَمِلٌ لِلتَّقَدُّمِ عَلَى الْآخَرِ وَالتَّأَخُّرِ عَنْهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يُجْدِي نَفْعًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّا لَا نَحْكُمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا لِصَاحِبِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ مَا لَمْ نَعْرِفْ أَنَّهُ أَسْبَقُ مِنْ الْآخَرِ. فَالْوَجْهُ فِي تَعْلِيلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَمْرٌ حَادِثٌ، وَالْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ وَقْتُهُ عَلَى مَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ عِنْدَهُمْ، فَشِرَاءُ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ الْحَالُ فَيَتَأَخَّرُ عَنْ شِرَاءِ الْمُؤَقَّتِ حُكْمًا، وَقَدْ أُشِيرَ إلَى هَذَا الْوَجْهِ هَاهُنَا إجْمَالًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ، وَمَرَّ مِنَّا تَفْصِيلُ نَظِيرِهِ فِيمَا سَبَقَ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي فَتَذَكَّرْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَأَمَّا الْبَاقِي فَمُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْفَرْقِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ بِالْبَيِّنَةِ فَهُوَ كَمَنْ ثَبَتَ لَهُ عِيَانًا فَيَحْكُمُ بِهِ، إلَّا إذَا تَبَيَّنَ تَقَدُّمُ شِرَاءِ غَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ لِذَلِكَ مَدْخَلًا فِي الْفَرْقِ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ وَاحِدًا كَانَ التَّعَاقُبُ ضَرُورِيًّا. وَقَدْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ مِلْكٌ فِي وَقْتٍ وَمِلْكُ غَيْرِهِ مَشْكُوكٌ إنْ تَأَخَّرَ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ تَقَدَّمَ مِلْكٌ فَتَعَارَضَا فَيَرْجِعُ بِالْوَقْتِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَكَمَا جَازَ أَنْ يَقَعَا مُتَعَاقِبَيْنِ جَازَ أَنْ يَقَعَا مَعًا، وَفِي ذَلِكَ تَعَارُضٌ أَيْضًا فَضَعْفُ قُوَّةِ الْوَقْتِ عَنْ التَّرْجِيعِ لِتَضَاعُفِ التَّفَاوُضِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ وَاحِدًا كَانَ التَّعَاقُبُ ضَرُورِيًّا مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يُوَكِّلَ وَاحِدٌ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ مَثَلًا فَيَبِيعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَعَقْدُ الْوَكِيلِ كَعَقْدِ الْمُوَكِّلِ فَيُضَافُ عَقْدُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ مَجَازًا كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَرَّ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرَّاحِ لِدَفْعِ السُّؤَالِ بِتَيَقُّنِ كَذِبِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَيُرَجَّحُ بِالْوَقْتِ غَيْرُ تَامٍّ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ يَسْتَلْزِمُ الشَّكَّ فِي مِلْكِ الْمُؤَقَّتِ لِأَنَّ تَقَدُّمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يَسْتَلْزِمُ تَأَخُّرَ الْآخَرِ عَنْهُ وَكَذَا تَأَخُّرُهُ عَنْ الْآخَرِ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْآخَرِ عَلَيْهِ فَاحْتِمَالُ تَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الشَّكِّ فِي مِلْكِهِ يَسْتَلْزِمُ احْتِمَالَ تَقَدُّمِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ فَيَلْزَمُ الشَّكُّ فِي مِلْكِهِ أَيْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَقْتَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَقْتٌ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي تَرْجِيحِ الْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا، بَلْ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّرْجِيحُ بِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى وَقْتِ الْآخَرِ، فَإِذَا

وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ وَالرَّابِعُ الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ آخَرَ قَضَى بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا) لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ الْمِلْكَ مِنْ بَاعَتِهِمْ فَيَجْعَلُ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. قَالَ: (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَصَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ تَارِيخًا كَانَ أَوْلَى) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ رَجَعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ قَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِجِهَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ هَذَا مَشْكُوكًا فَلَا مَجَالَ لِلتَّرْجِيحِ بِهِ أَصْلًا. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَضَعْفُ قُوَّةِ الْوَقْتِ عَنْ التَّرْجِيحِ لِتَضَاعُفِ التَّعَارُضِ غَيْرُ مَعْقُولٍ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ مَتَى تَضَاعَفَ لَا يُزِيدُ شَيْئًا عَلَى التَّسَاوِي وَالتَّسَاقُطِ، فَمَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ فِي مَرْتَبَةٍ مِنْ التَّعَارُضِ يَنْبَغِي أَنْ يَصْلُحَ لَهُ فِي سَائِرِ الْمَرَاتِبِ مِنْهُ، وَلَعَمْرِي إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَدْ تَصَنَّعَ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ زِيَادَةً عَلَى سَائِرِ الشُّرَّاحِ وَلَكِنْ مَا أَتَى بِشَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا عَرَفْت، وَإِنَّ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهِ فِي تَعْلِيلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا لَمَنْدُوحَةً عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ فَتَفَكَّرْ (وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ، وَالْآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ، وَالرَّابِعُ الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ آخَرَ) وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ (قَضَى بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا) وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ الْمِلْكَ مِنْ بَاعَتِهِمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ بَائِعِهِمْ، وَكِلَاهُمَا بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُمَلِّكِينَ الْأَرْبَعَةِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مِنْ مُمَلِّكِيهِمْ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مِنْ مُلْقِيهِمْ اسْتِدْلَالًا بِلَفْظِ يَتَلَقَّوْنَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (فَيَجْعَلُ كَأَنَّهُمْ) أَيْ الْمُمَلِّكِينَ (حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ) عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَثَمَّةَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا فَكَذَا هَاهُنَا (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ، وَصَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ تَارِيخًا كَانَ أَوْلَى) أَيْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ مُحَمَّدٍ (أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ رَجَعَ إلَيْهِ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا قَوْلُهُ الْآخَرُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إذَا كَانَتْ أَقْدَمَ تَارِيخًا مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ كَانَتْ أَوْلَى؛ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الرَّقَّةِ. وَقَالَ: لَا أَقْبَلُ مِنْ ذِي الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى تَارِيخٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا لِلنِّتَاجِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ التَّارِيخَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ النِّتَاجِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ قَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَلَمْ تَتَعَرَّضَا لِجِهَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ سَوَاءً) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ. أَقُولُ: فِي الْبَيَانِ لَمَّا لَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَتَانِ لِجِهَةِ الْمِلْكِ وَجَازَ أَنْ تَكُونَ جِهَةُ الْمِلْكِ: أَيْ سَبَبِهِ فِي حَقِّ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْمُؤَخَّرِ أَقْدَمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْمُؤَخَّرِ أَسْبَقَ مِنْ الْآخَرِ فِي الْمِلْكِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَلَى سَبَبِ

وَلَهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الدَّفْعِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ إذَا ثَبَتَ لِشَخْصٍ فِي وَقْتٍ فَثُبُوتُهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَوُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْخَارِجُ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: صَاحِبُ الْوَقْتِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْدَمُ وَصَارَ كَمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ إذَا أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى. وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِالتَّارِيخِ عَلَى الشِّرَاءِ وَإِحْدَاهُمَا أَسْبَقُ مِنْ الْأُخْرَى حَيْثُ كَانَ الْأَسْبَقُ أَوْلَى لِتَعَرُّضِهِ لِسَبْقِ سَبَبِ مِلْكِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ وَهُوَ الشِّرَاءُ فَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَسْبَقَ فِي الْمِلْكِ (وَلَهُمَا) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الدَّفْعِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ إذَا ثَبَتَ لِشَخْصٍ فِي وَقْتٍ فَثُبُوتُهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ) فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ عَيْنًا وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا قَبُولُ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي أَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ حَتَّى يَنْدَفِعَ عَنْهُ دَعْوَى الْمُدَّعِي عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَمَّا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ صَارَتْ هَاهُنَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِذِكْرِ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ مُتَضَمِّنَةً دَفْعَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ التَّلَقِّي مِنْ قَبْلِهِ فَتُقْبَلُ لِكَوْنِهَا لِلدَّفْعِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا) أَيْ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَا يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ وَكَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ (وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ فِي الطَّرَفَيْنِ (وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ (وَوَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ (دُونَ الْأُخْرَى) فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْخَارِجُ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: (صَاحِبُ الْوَقْتِ أَوْلَى) إنَّمَا قَيَّدَ بِالتَّوْقِيتِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ وَذَا الْيَدِ إذَا أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِلَا ذِكْرِ تَارِيخٍ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا كُلِّهِمْ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ عُلَمَائِنَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عِنْدَ ذِكْرِ التَّارِيخِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (لِأَنَّهُ أَقْدَمُ) دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ: أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَقْتِ أَقْدَمُ (وَصَارَ كَمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ) أَيْ صَارَ الْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْجَوَابِ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ (إذَا أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إذَا أَرَّخَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ هُنَاكَ (كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى) فَكَذَا هُنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الشِّرَاءَ مَعْنًى حَادِثٌ، فَإِذَا لَمْ يُؤَرِّخْ حُكِمَ بِوُقُوعِهِ فِي الْحَالِ وَكَانَ الْمُقَدِّمُ أَوْلَى مِنْهُ، وَالْمِلْكُ لَيْسَ بِمَعْنًى حَادِثٍ فَلَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِ فِي الْحَالِ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَلَهُمَا) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ

لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الدَّفْعِ، وَلَا دَفْعَ هَاهُنَا حَيْثُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَضَمُّنِهِ) أَيْ لِتَضَمُّنِ الْبَيِّنَةِ بِتَأْوِيلِ الشَّاهِدِ (مَعْنَى الدَّفْعِ) لِمَا مَرَّ آنِفًا (وَلَا دَفْعَ هَاهُنَا حَيْثُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّ بِذِكْرِ تَارِيخِ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْصُلْ الْيَقِينُ بِأَنَّ الْآخَرَ تَلَقَّاهُ مِنْ جِهَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأُخْرَى لَوْ وَقَّتَتْ كَانَ أَقْدَمَ تَارِيخًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَقْدَمَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ: إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الدَّفْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ إلَّا لَزِمَهُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ. فَإِنَّ أَوْلَوِيَّةَ الْخَارِجِ عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ الَّذِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّارِيخُ نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَرَاجِعْهُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لَيْسَ مُرَادُ الْمُجِيبِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ: أَعْنِي أَوْلَوِيَّةَ الْخَارِجِ فِيمَا إذَا وَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ حَتَّى يُنَافِيَهُ نَصَّ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُهُ الْآخَرُ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الدَّفْعِ بِصَدَدِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى عَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي هُنَاكَ. وَتَوْضِيحُ الْمَقَامِ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ قَوْلَيْنِ: قَوْلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَقْضِي لِلَّذِي لَمْ يُؤَقِّتْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّارِيخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَقَّتِ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ. وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَنَّ الْخَارِجَ أَوْلَى، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّارِيخِ فَكَانَ الْمُؤَقَّتُ لَمْ يُؤَقَّتْ فَتَكُونُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَهُوَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَمَا أَنَّهُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَعَهُ وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُفْصِحُ عَنْهُ مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ: لَوْ أُرِيدَ الِاسْتِدْلَال عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ رِعَايَةِ قَوْلِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الدَّفْعِ، بَلْ كَفَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ أَصْلًا فِي غَيْرِ النِّتَاجِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِمَا مَرَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا قَصَدَ الْجَمْعَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي دَلِيلٍ وَاحِدٍ لِيُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ دَلِيلٍ آخَرَ لِمُحَمَّدٍ اسْتَدَلَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا يَجْمَعُهُمَا مُرَاعِيًا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا فَهِمَهُ الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النُّكْتَةُ لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَوَجْهُ مُحَمَّدٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ هُنَا، وَقَوْلُهُ لَهُمَا مِنْ قَبِيلِ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّوْجِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ أَمْرٌ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى فَتَبَصَّرْ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ (إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا) وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَوَقَّتَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ بَيِّنَةِ الْآخَرِ: يَعْنِي لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ عِنْدَهُمَا، وَالْمُرَادُ لِلْمُؤَرِّخِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمُدَّعَاةُ فِي يَدِ ثَالِثٍ

الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الَّذِي وَقَّتَ أَوْلَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الَّذِي أَطْلَقَ أَوْلَى لِأَنَّهُ ادَّعَى أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ اسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ وَرُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّارِيخَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ. وَالْإِطْلَاقُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْأَوَّلِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالتَّيَقُّنِ؛ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّارِيخَ يُضَامُهُ احْتِمَالُ عَدَمِ التَّقَدُّمِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ صَاحِبِ التَّارِيخِ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَصَاحِبُ الْيَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ وَقَّتَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِ الْخَارِجَيْنِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْأُخْرَى. (فَهُمَا سَوَاءٌ) أَيْ فَالْخَارِجَانِ سَوَاءٌ: يَعْنِي يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الَّذِي وَقَّتَ أَوْلَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الَّذِي أَطْلَقَ) أَيْ لَمْ يُؤَقِّتْ (أَوْلَى لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِطْلَاقَ (دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ اسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ) كَالْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ (وَرُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) أَيْ وَبِدَلِيلِ رُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فِي جَارِيَةٍ مَثَلًا وَاسْتَحَقَّهَا وَزَوَائِدَهَا يَرْجِعُ بَاعَتُهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَكَانَ مُدَّعِي مُطْلَقِ الْمِلْكِ كَانَ مُدَّعِيًا لِلْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ، وَمِلْكُ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ التَّارِيخِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّارِيخَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ، وَالْإِطْلَاقُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْأَوَّلِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالتَّيَقُّنِ) يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُتَيَقِّنِ رَاجِحٌ عَلَى الْعَمَلِ بِالْمُحْتَمَلِ (كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ) أَيْ ادَّعَيَاهُ مِنْ بَائِعٍ وَاحِدٍ وَأَرَّخَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى كَمَا مَرَّ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّارِيخَ يُضَامُهُ) أَيْ يُزَاحِمُهُ (احْتِمَالُ عَدَمِ التَّقَدُّمِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ التَّارِيخِ: يَعْنِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَارِيخُ الَّذِي أَرَّخَ سَابِقًا عَلَى تَارِيخِ صَاحِبِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، فَنَزَّلْنَاهُ مُقَارِنًا لَهُ رِعَايَةً لِلِاحْتِمَالَيْنِ، كَذَا فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَمَا لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ) أَيْ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ التَّارِيخَ أَصْلًا (بِخِلَافِ الشِّرَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الشِّرَاءُ (أَمْرٌ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ) وَهُوَ الْحَالُ (فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ صَاحِبِ التَّارِيخِ) لِكَوْنِ شِرَاءِ صَاحِبِ التَّارِيخِ حِينَئِذٍ سَابِقًا عَلَى شِرَاءِ الْآخَرِ مِنْ زَمَانِ التَّارِيخِ لَا مَحَالَةَ. أَقُولُ: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فِيمَا مَرَّ بِمَا هُوَ فِي سَمْتِ دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ هَاهُنَا وَكُنْت اسْتَشْكَلْتُهُ هُنَاكَ، وَاخْتَرْت مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي هُنَاكَ، مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي خَاتِمَةِ الْكَلَامِ هَاهُنَا فَتَذَكَّرْ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ: فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَصَاحِبُ الْيَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) سَوَاءٌ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا لِلْخَارِجِ أَوْ بَعْدَهُ،

لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا، وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيَقْضِي لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَأَمَّا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَالْخَارِجُ أَوْلَى، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَوَجْهُهُ أَنَّ بِبِنَّةِ الْخَارِجِ أَكْثَرُ اسْتِحْقَاقًا مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّ الْخَارِجَ بِبَيِّنَتِهِ كَمَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالنِّتَاجِ يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ يَدِهِ، وَذُو الْيَدِ بِبَيِّنَتِهِ لَا يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلْخَارِجِ بِوَجْهٍ مَا، فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ) أَيْ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ (قَامَتْ عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ) وَهُوَ أَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ بِالنِّتَاجِ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ (فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيَقْضِي لَهُ) أَيْ لِذِي الْيَدِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا لِلْخَارِجِ أَوْ بَعْدَهُ. أَمَّا قَبْلَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ دَافِعَةٌ لِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِأَنَّ النِّتَاجَ لَا يَتَكَرَّرُ، فَإِذَا ظَهَرَتْ بَيِّنَةٌ دَافِعَةٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إلَى حُجَّةٍ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا، كَذَا قَرَّرَ فِي الْعِنَايَةِ وَاكْتَفَى بِهِ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ بِهَذَا التَّقْرِيرِ لَا يَدْفَعُ مَا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ تَسَاوِيَ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ كُلِّ وَجْهٍ مِنْهُمَا عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالنِّتَاجِ لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا لِلِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَةِ إثْبَاتِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ اسْتِحْقَاقَ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ يَدِهِ، وَعَدَمِ إثْبَاتِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ اسْتِحْقَاقَ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلْخَارِجِ بِوَجْهٍ مَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى بِنَاءً عَلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ. وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ تَدَارَكَا ذَلِكَ فَزَادَا فِي تَقْرِيرِهِمَا شَيْئًا لِدَفْعِهِ حَيْثُ قَالَا: وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ اسْتِحْقَاقًا. قُلْنَا: نَعَمْ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ فِي بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ سَبْقُ التَّارِيخِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ فَكَانَ أَوْلَى أَلَا يَرَى أَنَّهُمَا لَوْ ادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا وَأَرَّخَا وَذُو الْيَدِ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا يَقْضِي لِذِي الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ فِي بَيِّنَةِ الْخَارِجِ زِيَادَةُ اسْتِحْقَاقٍ عَلَى ذِي الْيَدِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كَوْنَ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ مُثْبِتَةً لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ إثْبَاتِهَا النِّتَاجَ الَّذِي لَا يَتَكَرَّرُ، وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي بَيِّنَةِ الْخَارِجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَصَاحِبِ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ هَاهُنَا وَفِيمَا إذَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا، فَإِنَّ مَا إذَا ذَكَرَا تَارِيخَا مَسْأَلَةٍ أُخْرَى لَهَا أَقْسَامٌ وَأَحْكَامٌ أُخَرُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ، فَإِذًا لَا مَعْنَى لِسَبْقِ التَّارِيخِ فِي بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَلَا تَمْشِيَةَ لِلتَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرَاهُ هَاهُنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي لَا يَحُومُ حَوْلَهُ شَائِبَةُ إشْكَالٍ هَاهُنَا مَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ

وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ» ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إنَّمَا تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا نَحْوَ الْغَضَبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا ادَّعَى فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّ ذَا الْيَدِ بَيِّنَتُهُ تُثْبِتُ مَا هُوَ ثَابِتٌ ظَاهِرُ يَدِهِ مِنْ وَجْهٍ وَالْخَارِجُ بَيِّنَتُهُ تُثْبِتُ الْفِعْلَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَهِيَ أَوْلَى انْتَهَى. وَلَكِنْ قَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الشُّرُوحِ عَنْ دَعْوَى الذَّخِيرَةِ: وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي بَابِ دَعْوَى النِّتَاجِ فِي الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُ الْمَذْكُورَ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ: دَابَّةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ آجَرَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ رَهَنَهَا إيَّاهُ وَصَاحِبُ الْيَدِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ النِّتَاجِ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْإِعَارَةَ أَوْ الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ وَالنِّتَاجُ أَسْبَقُ مِنْ الْإِعَارَةِ أَوْ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَيَقْضِي لِذِي الْيَدِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ انْتَهَى (وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَضَاءِ لِذِي الْيَدِ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ) أَيْ يُتْرَكُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ (لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ) أَيْ لَا عَلَى طَرِيقِ قَضَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ بَلْ عَلَى طَرِيقِ قَضَاءِ التَّرْكِ. وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْقَاضِيَ يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نِتَاجُ دَابَّةٍ مِنْ دَابَّتَيْنِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ كُوفَةَ وَمَكَّةَ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ. وَجْهُ صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الْخَارِجَيْنِ: أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَا قَالَهُ لَكَانَ يُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَسَوَاقِطُهَا فِي يَدِ الْآخَرِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ فِيهَا يَقْضِي بِهَا وَبِالسَّوَاقِطِ لِمَنْ فِي يَدِهِ أَصْلُ الشَّاةِ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ تَهَاتُرُ الْبَيِّنَتَيْنِ لَكَانَ يُتْرَكُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا فِي يَدِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْمِلْكَيْنِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتَمَدَ سَبَبًا ظَاهِرًا مُطْلَقًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النِّتَاجِ لَا يَلْزَمُ فِيهَا مُعَايَنَةُ الِانْفِصَالِ مِنْ الْأُمِّ، بَلْ يَكْفِي رُؤْيَةُ الْفَصِيلِ يَتْبَعُ النَّاقَةَ فَكُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى النِّتَاجِ يَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ سَبَبًا ظَاهِرًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا يُصَارُ إلَى التَّهَاتُرِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْمِلْكَيْنِ حَيْثُ لَا تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ مَعَ أَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِشَخْصَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَجَدَ الْقَاضِي لِشَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مَحْمَلًا يُطْلِقُ لَهُ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بِأَنْ عَايَنَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ يُبَاشِرُ سَبَبَ الْمِلْكِ وَعَايَنَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ الْخَصْمَ الْآخَرَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ قَبْلَ شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ، كَذَا هَاهُنَا. وَعَنْ هَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَجِدْ لِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ هُنَاكَ مَحْمَلًا يُطْلِقُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلشَّهَادَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُعَايَنَةُ الشُّهُودِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ سَمَاعُ الْفَرِيقَيْنِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِمَكَّةَ وَكُوفَةَ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ فِي مِثْلِ ذَيْنِكَ الْمَكَانَيْنِ عَادَةً فَتَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ هُنَاكَ لِذَلِكَ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ. ثُمَّ إنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ

وَلَوْ تَلْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكَ مِنْ رَجُلٍ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ عِنْدَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَتِهَا عَلَى النِّتَاجِ فِي يَدِ نَفْسِهِ (وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْلَى أَيُّهُمَا كَانَ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَيْنَ خَارِجَيْنِ فَبَيِّنَةُ النِّتَاجِ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ قَضَى بِالنِّتَاجِ لِصَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ ثَالِثٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يَقْضِي لَهُ إلَّا أَنْ يُعِيدَهَا ذُو الْيَدِ) لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْلِيفِ ذِي الْيَدِ وَعَدَمِهِ، فَعِنْدَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ يَحْلِفُ ذُو الْيَدِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا تَهَاتَرَتَا صَارَ كَأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمْ تَقُومَا بِالشَّهَادَةِ أَصْلًا فَيَقْضِي لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ بَعْدَمَا حَلَفَ لِلْخَارِجِ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يَحْلِفُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ (لَوْ تَلَقَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ وَلَوْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ (الْمِلْكَ مِنْ رَجُلٍ) عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ هُنَاكَ مُمَلِّكَانِ (وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ عِنْدَهُ) أَيْ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ عِنْدَ مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ (فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَتِهَا عَلَى النِّتَاجِ فِي يَدِ نَفْسِهِ) فَيَقْضِي بِهِ لِذِي الْيَدِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ عَمَّنْ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ، فَكَأَنَّ الْمُمَلِّكَيْنِ قَدْ حَضَرَا وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَمَّةَ لِصَاحِبِ الْيَدِ كَذَلِكَ هَاهُنَا (وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْلَى أَيُّهُمَا كَانَ) أَيْ خَارِجًا كَانَ صَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْ ذَا الْيَدِ (لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ) أَيْ لِأَنَّ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْيَدِ (قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ) أَيْ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ (لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ النِّتَاجِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَتَلَقَّ مِنْهُ (وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَيْنَ خَارِجَيْنِ) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْمِلْكَ وَالْآخَرُ النِّتَاجَ (فَبَيِّنَةُ النِّتَاجِ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ بَيِّنَتَهُ تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ (وَلَوْ قَضَى بِالنِّتَاجِ لِصَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ ثَالِثٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يَقْضِي لَهُ) أَيْ لِلثَّالِثِ (إلَّا أَنْ يُعِيدَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (ذُو الْيَدِ) فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لَهُ (لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ) لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ الْمِلْكُ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ شَخْصٍ لَا يَقْضِي بِثُبُوتِهِ فِي حَقِّ آخَرَ. فَإِنْ أَعَادَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَتَهُ قَضَى لَهُ بِهَا تَقْدِيمًا لِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ فِي النِّتَاجِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ قَضَى بِهَا لِلثَّالِثِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَرَّقَ بَيْنَ الْمِلْكِ وَبَيْنَ الْعِتْقِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِتْقِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَالْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ النِّتَاجِ تُوجِبُ الْمِلْكَ بِصِفَةِ الْأَوَّلِيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ كَالْعِتْقِ. وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْحُرِّ بِرِضَاهُ، وَلَوْ كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ لَقَدَرَ عَلَى إبْطَالِهِ، وَإِذَا كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالنَّاسُ فِي إثْبَاتِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خُصُومٌ عَنْهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ لِكَوْنِهِمْ عَبِيدَهُ، فَكَانَ حَضْرَةُ الْوَاحِدِ كَحَضْرَةِ الْكُلِّ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْوَاحِدِ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْعُبُودِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَرَثَةِ لَمَّا قَامُوا مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي إثْبَاتِ حُقُوقِهِ وَالدَّفْعِ عَنْهُ لِكَوْنِهِمْ خُلَفَاءَهُ قَامَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مَقَامَ الْكُلِّ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَالْحَاضِرُ فِيهِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ إلَّا بِالْإِنَابَةِ حَقِيقَةً أَوْ ثُبُوتِ النِّيَابَةِ شَرْعًا أَوْ اتِّصَالٍ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الدَّعْوَى عَلَى مَا عُرْفٍ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْقَضَاءُ عَلَى غَيْرِهِ يَكُونُ قَضَاءَ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ

وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ. قَالَ (وَكَذَلِكَ النَّسْجُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً) كَغَزْلِ الْقُطْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ انْتَهَى (وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ (وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ) أَيْ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ. صُورَتُهُ مَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذِي الْيَد فِي دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لَهُ ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يَقْضِي بِهَا لَهُ وَيَنْقُضُ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ) أَيْ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ قَطْعًا، فَكَانَ الْقَضَاءُ الْوَاقِعُ عَلَى خِلَافِهِ كَالْقَضَاءِ الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ، وَالْقَضَاءُ يُنْقَضُ هُنَاكَ، كَذَا هُنَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ فَلَا تُقْبَلُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ جِهَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّافِعَ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي كَانَ مَوْجُودًا وَالْقَضَاءُ كَانَ خَطَأً فَأَنَّى يَكُونُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ فِي ظَاهِرِ هَذَا الْجَوَابِ خُرُوجًا عَنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا: وَكَذَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ، وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ. فَإِنْكَارُ كَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ يُنَافِيهِ ظَاهِرًا، فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَوْنَهُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَا يَضُرُّ بِقَبُولِ بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّافِعَ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي كَانَ مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا ظَهَرَ تَبَيَّنَ خَطَأُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فَيُنْقَضُ كَالْقَضَاءِ بِالظَّاهِرِ فِي خِلَافِهِ نَصٌّ. قَالَ الشُّرَّاحُ: فَإِنْ قِيلَ الْقَضَاءُ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ مَعَ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُرَجِّحُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْقَضَ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُصَادَفَتِهِ مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ. قُلْنَا: إنَّمَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ عَنْ اجْتِهَادٍ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ قَائِمَةً عِنْدَهُ وَقْتَ الْقَضَاءِ فَيُرَجِّحُ بِاجْتِهَادِهِ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ مَا كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَهُ حَالَ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ عَنْ اجْتِهَادٍ بَلْ كَانَ لِعَدَمِ مَا يَدْفَعُ الْبَيِّنَةَ مِنْ ذِي الْيَدِ، فَإِذَا أَقَامَ مَا يَدْفَعُ بِهِ انْتَقَضَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ رَأْسًا لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ، وَتَرْجِيحُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى الْخَارِجَ فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذُو الْيَدِ النِّتَاجَ عَلَى مَا بَيَّنَ فِيمَا قَبْلُ وَذَلِكَ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَذُو الْيَدِ النِّتَاجَ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ. وَقَدْ تَتَبَّعْت الْكُتُبَ وَلَمْ أَظْفَرْ بِالتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ، وَمَا ذَكَرُوا فِيمَا مَرَّ مِنْ وَجْهِ جَوَابِ الْقِيَاسِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُسَاعِدُ ذَلِكَ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَكَذَلِكَ النَّسِيجُ) أَيْ النَّسْجُ كَالنِّتَاجِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ، وَكُلُّ حُكْمٍ عَرَفْته فِي النِّتَاجِ فَهُوَ فِي النَّسِيجِ كَذَلِكَ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ ثَوْبًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِأَنَّهُ نَسَجَهُ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قُضِيَ بِالثَّوْبِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَغَزْلِ الْقُطْنِ) هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الثِّيَابِ الَّتِي تُنْسَجُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْخَزِّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: النَّسْخُ فِي الثَّوْبِ مُوجِبٌ لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فِيهِ وَهُوَ

وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ كَحَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ وَالْمِرْعِزَّى وَجَزِّ الصُّوفِ، وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ كَالنِّتَاجِ فِي الدَّايَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ بِحَيْثُ يُنْسَجُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْخَزِّ يُنْسَجُ ثُمَّ يُنْكَثُ فَيُغْزَلُ وَيُنْسَجُ ثَانِيًا فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لِلْخَارِجِ (وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مِنْ أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى، وَأَنَّ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ أَوْلَى اسْتِحْسَانٌ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِيهِ بِالسُّنَّةِ، وَهِيَ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ فَلَا يُلْحَقُ بِالنِّتَاجِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكُلُّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُلْحَقُ بِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ (كَحَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ) أَيْ وَاِتِّخَاذِ اللِّبَدِ (وَالْمِرْعِزَّى) أَيْ وَجَزِّ الْمِرْعِزَّى إذَا شَدَّدْت الزَّايَ قَصَرْت وَإِذَا خَفَّفَتْ مَدَدْت، وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ مَكْسُورَتَانِ. وَقَدْ يُقَالُ: مَرْعَزَاءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مُخَفَّفًا مَمْدُودًا وَهِيَ كَالصُّوفِ تَحْتَ شَعْرِ الْعَنْزِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَجَزِّ الصُّوفِ) فَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ لَبَنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ حَلَبَهُ مِنْ شَاتِه، أَوْ ادَّعَى جُبْنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ، أَوْ ادَّعَى لِبْدًا أَنَّهُ مِلْكُهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ، أَوْ ادَّعَى مِرْعِزَّى أَنَّهَا مِلْكُهُ جَزّهَا مِنْ عَنْزِهِ، أَوْ ادَّعَى صُوفًا أَنَّهُ مِلْكُهُ جَزَّهُ مِنْ غَنَمِهِ وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي بِذَلِكَ لِذِي الْيَدِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ فِيهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَانَتْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأُلْحِقَتْ بِهِ (وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ يَتَكَرَّرُ (قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يُنْسَجُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ لِذِي الْيَدِ بِالنَّسْجِ ثُمَّ يَغْصِبُهُ الْخَارِجُ وَيَنْقُضُهُ وَيَنْسِجُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَيَصِيرُ مِلْكًا لَهُ بِهَذَا السَّبَبِ بَعْدَ مَا كَانَ مِلْكًا لِذِي الْيَدِ فَكَانَ بِمَعْنَى دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي لَا يُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً إذَا صَارَ لِذِي الْيَدِ يَنْسِجُهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ لِلْخَارِجِ بِنَسْجِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى دَعْوَى النِّتَاجِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَقْضُ الْيَدِ الثَّابِتَةِ بِالشَّكِّ انْتَهَى. أَقُولُ: كِلَا بَحْثَيْهِ سَاقِطٌ جِدًّا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا يَقْضِي هَاهُنَا بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ السَّبَبَيْنِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَمْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذِي الْيَدِ حَيْثُ كَانَ الْمُدَّعَى لِلْخَارِجِ؛ بَلْ إنَّمَا يَقْضِي هَاهُنَا بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا أَكْثَرَ

وَهُوَ مِثْلُ الْخَزِّ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ، فَإِنْ أَشْكَلَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِهِ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيِّنَتِهِ هُوَ الْأَصْلُ وَالْعُدُولُ عَنْهُ بِخَبَرِ النِّتَاجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتًا كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا سَبَبٌ وَاحِدٌ هُوَ الْخَارِجُ، بِخِلَافِ مَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ حَيْثُ يَقْضِي هُنَاكَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّبَبَيْنِ وَيَكُونُ الْمُدَّعَى لِلْخَارِجِ؛ فَيُتَّجَهُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامَيْنِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِذِي الْيَدِ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مُفِيدًا لِحُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَسَيَتَّضِحُ لَك الْأَمْرُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ الْمَعْنَى لَيْسَ عِلَّةً لِلْقَضَاءِ لِلْخَارِجِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْأَسْبَابِ حَتَّى يُقَالَ: كَيْفَ تُنْقَضُ الْيَدُ الثَّابِتَةُ بِالْمُحْتَمَلِ الْمَشْكُوكِ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ بَيَانِ كَوْنِ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ يَتَكَرَّرُ فِي مَعْنَى دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دُونَ دَعْوَى النِّتَاجِ حَيْثُ لَا يَدُلُّ السَّبَبُ الَّذِي يَتَكَرَّرُ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ كَالنِّتَاجِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ الْمِلْكُ أَوَّلًا وَثَانِيًا كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا عِلَّةُ الْقَضَاءِ لِلْخَارِجِ بَعْدَ تَقَرُّرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَوْنُ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ كَمَا تَحَقَّقَ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهِ هَاهُنَا، وَمَفَاسِدُ قِلَّةِ التَّأَمُّلِ مِمَّا يَضِيقُ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِهِ نِطَاقُ الْبَيَانِ، وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْبَعْضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ يَتَكَرَّرُ مَعَ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ أَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ. أَقُولُ: إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَادَّعَاهُ ذُو الْيَدِ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَحُكْمِ مَا إذَا ادَّعَيَا الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَلَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْأَتْقَانِيُّ فِيمَا مَرَّ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَلَا اشْتِبَاهَ هُنَاكَ. وَأَمَّا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ. فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ هُنَاكَ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى ثَالِثٍ حَيْثُ ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَكَانَ مَا ادَّعَيَاهُ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْغَيْرِ لَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَحْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ مَعْنَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَعَلَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءً إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ فَاعْتَبَرَ اخْتِلَافَ حُكْمَيْ مَا يَتَكَرَّرُ وَمَا لَا يَتَكَرَّرُ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ احْتِرَازًا عَنْ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ (وَهُوَ) أَيْ السَّبَبُ الْمُتَكَرِّرُ فِي الْمِلْكِ (مِثْلُ الْخَزِّ) أَيْ مِثْلُ نَسْجِ الْخَزِّ: وَهُوَ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قِيلَ: هُوَ يُنْسَجُ فَإِذَا بَلِيَ يُغْزَلُ مَرَّةً أُخْرَى وَيُنْسَجُ (وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ) أَيْ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَسَائِرِ الْحُبُوبِ، فَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ ثَوْبًا أَنَّهُ مِلْكُهُ نَسَجَهُ مِنْ خَزِّهِ، أَوْ ادَّعَى دَارًا أَنَّهَا مِلْكُهُ بَنَاهَا بِمَالِهِ أَوْ ادَّعَى غَرْسًا أَنَّهُ مِلْكُهُ غَرَسَهُ. أَوْ ادَّعَى حِنْطَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ زَرَعَهَا أَوْ حَبًّا آخَرَ مِنْ الْحُبُوبِ كَذَلِكَ وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُضِيَ بِذَلِكَ لِلْخَارِجِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِأَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ فِيهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ لِتَكَرُّرِهَا أَمَّا الْخَزُّ فَلِمَا نَقَلْنَاهُ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَأَمَّا الْغَرْسُ فَكَذَلِكَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةُ وَالْحُبُوبُ فَلِأَنَّهَا تُزْرَعُ ثُمَّ يُغَرْبَلُ التُّرَابُ فَتَتَمَيَّزُ الْحِنْطَةُ وَالْحُبُوبُ ثُمَّ تُزْرَعُ ثَانِيَةً، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَاهُ لَمْ تُلْحَقْ بِهِ بَلْ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (فَإِنْ أَشْكَلَ) أَيْ فَإِنْ أَشْكَلَ شَيْءٌ لَا يَتَيَقَّنُ بِالتَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ فِيهِ (يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ) أَيْ يَسْأَلُ الْقَاضِي أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ ذَلِكَ: يَعْنِي الْعُدُولَ مِنْهُمْ وَيَبْنِي حُكْمَهُ عَلَى قَوْلِهِمْ (لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِهِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ (فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ) أَيْ فَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَيْضًا (قُضِيَ بِهِ) أَيْ بِالْمُشْكِلِ (لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيِّنَتِهِ) أَيْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ (هُوَ الْأَصْلُ) لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ (وَالْعُدُولُ عَنْهُ بِخَبَرِ النِّتَاجِ) أَيْ وَالْعُدُولُ عَنْ الْأَصْلِ كَانَ بِخَبَرِ النِّتَاجِ: أَيْ بِحَدِيثِ النِّتَاجِ، وَهُوَ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ

فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَصَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ يَدَّعِي أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَهَذَا تَلَقَّى مِنْهُ، وَفِي هَذَا لَا تَنَافِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ. قَالَ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَيَكُونُ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مُمْكِنٌ فَيَجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى ذُو الْيَدِ مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلَالَةُ السَّبْقِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْأَصْلِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ. (قَالَ أَيْ الْقُدُورِيُّ) فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَصَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْخَارِجِ (كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ الْخَارِجَ (وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: إنْ كَانَ يُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ (فَهَذَا) أَيْ فَصَاحِبُ الْيَدِ (تَلَقَّى مِنْهُ) أَيْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ ذَلِكَ الْخَارِجِ (وَفِي هَذَا لَا تَنَافِيَ) كَمَا لَا يَخْفَى (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ) أَيْ كَمَا إذَا أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْمِلْكِ لِلْخَارِجِ (ثُمَّ ادَّعَى) أَيْ صَاحِبُ الْيَدِ (الشِّرَاءَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: ذَكَرَ فِي الْفُصُولِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَارِجَ مَعَ ذِي الْيَدِ إذَا ادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا فَفِي كُلِّ الصُّوَرِ الْخَارِجُ أَوْلَى. إلَّا إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقُ، وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْكِتَابِ تَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَيْضًا، وَهِيَ فِيمَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي أَثْبَتَ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَهَذَا تَلَقَّى مِنْهُ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَا مِسَاسَ لِهَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْكِتَابِ بِمَا ذَكَرَ فِي الْفُصُولِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ مِلْكًا مُطْلَقًا عَلَى مَا هُوَ مَدْلُولُ صَرِيحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْفُصُولِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَارِجَ مَعَ ذِي الْيَدِ إذَا ادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا إلَخْ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَذُو الْيَدِ الْمِلْكَ الْمُقَيَّدَ بِالشِّرَاءِ فَضَمَّ هَذِهِ الصُّورَةَ إلَى الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْفُصُولِ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَجَعَلَ مَا تَتَرَجَّحُ فِيهِ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ صُوَرًا ثَلَاثًا كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِمَّا لَا حَاصِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ مَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ هَذِهِ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ أَوْ غَيْرَهُ هَذِهِ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فَلَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ مَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بَلْ مُتَحَقِّقٌ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا، كَمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَلَمْ يَكُنْ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْكِتَابِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ (الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ) أَيْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا مِنْ ذِي الْيَدِ وَأَقَامَهَا ذُو الْيَدِ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْخَارِجِ (وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) بِغَيْرِ قَضَاءٍ (قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَتَكُونُ) أَيْ وَتَكُونُ الدَّارُ (لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا) أَيْ بِالْبَيِّنَتَيْنِ (مُمْكِنٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى ذُو الْيَدِ مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ) أَيْ ثُمَّ بَاعَ ذُو الْيَدِ مِنْ الْخَارِجِ (وَلَمْ يَقْبِضْ) الْخَارِجُ (لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلَالَةُ السَّبْقِ) أَيْ لِأَنَّ قَبْضَ ذِي الْيَدِ دَلِيلُ سَبْقِهِ فِي الشِّرَاءِ (كَمَا مَرَّ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا وَمَعَ

وَلَا يَعْكِسُ الْأَمْرَ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا هَاهُنَا، وَلِأَنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ فَبَقِيَ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ. ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْأَلْفُ بِالْأَلْفِ قِصَاصٌ عِنْدَهُمَا إذَا اسْتَوَيَا لِوُجُودِ قَبْضٍ مَضْمُونٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْقِصَاصُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُ. وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ تَهَاتَرَتَا بِالْإِجْمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ انْتَهَى (وَلَا يَعْكِسُ الْأَمْرَ) أَيْ لَا يَجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَهَا إيَّاهُ (لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ) يَعْنِي أَنَّ الْعَكْسَ يَسْتَلْزِمُ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ (فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُمَا) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي (بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ أَمْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَأَنَّهُمَا) أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ (قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ) أَيْ عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا) أَيْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (وَلِأَنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ) ، هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ مُتَضَمِّنٌ لِلْجَوَابِ عَمَّا. قَالَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ مُمْكِنٌ: يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ لَا يُرَادُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ، فَإِذَا كَانَ مُفِيدًا لِحُكْمِهِ كَانَ مُعْتَبَرًا وَإِلَّا فَلَا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ (وَهَاهُنَا لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ) أَيْ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّا إذَا قَضَيْنَا بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فَإِنَّمَا نَقْضِي لِيَزُولَ مِلْكُهُ إلَى الْخَارِجِ فَلَمْ يَكُنْ السَّبَبُ الَّذِي هُوَ الْبَيِّنَةُ هَاهُنَا مُفِيدًا لِحُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (فَبَقِيَ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ) فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ. أَقُولُ: لِمُطَالِبٍ أَنْ يُطَالِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ؛ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا حَيْثُ لَمْ تَتَهَاتَرْ الْبَيِّنَتَانِ هُنَاكَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ، بَلْ قَضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ اسْتَوَتَا فِي الْإِثْبَاتِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ كَمَا مَرَّ وَتَهَاتَرَتَا هَاهُنَا عِنْدَهُمَا مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ، فَتَأَمَّلْ فِي الْفَرْقِ (ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْأَلْفُ بِالْأَلْفِ قِصَاصٌ عِنْدَهُمَا إذَا اسْتَوَيَا) أَيْ إذَا اسْتَوَى الثَّمَنَانِ (لِوُجُودِ قَبْضٍ مَضْمُونٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِعَدَمِ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ أَكْثَرَ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ، ثُمَّ إنَّ هَذَا أَيْ الْقِصَاصَ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ هَالِكًا وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَجَبَ رَدُّهُ، كَذَا فِي الْكَافِي. فَإِنْ قُلْت: تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشِّرَاءِ عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ النَّقْدِ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِهِ. قُلْت: أَمْكَنَ أَنْ لَا تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ شَيْءٍ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ شَيْءٍ آخَرَ، كَالْمَرْأَةِ إذَا أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَكِيلِ زَوْجِهَا بِنَقْلِهَا عَلَى تَطْلِيقِ زَوْجِهَا لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ كَذَا فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْقِصَاصُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُ) أَيْ لِوُجُوبِ الثَّمَنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا ثَبَتَا عِنْدَهُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبًا لِلثَّمَنِ عِنْدَ مُشْتَرِيهِ فَيُتَقَاصُّ الْوُجُوبُ بِالْوُجُوبِ (وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ تَهَاتَرَتَا) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ (بِالْإِجْمَاعِ) لَكِنْ عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ؛ فَعِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ دَعْوَاهُمَا مِثْلَ هَذَا الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمِلْكِ

لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا وَوَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ يُقْضَى لِصَاحِبِ الْيَدِ عِنْدَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِصَاحِبِهِ. وَفِي مِثْلِ هَذَا الْإِقْرَارِ تَتَهَاتَرُ الشُّهُودُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَيْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ لِوُجُودِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْعَيْنِ ذِكْرُ تَارِيخٍ وَلَا دَلَالَةُ تَارِيخٍ حَتَّى يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا سَابِقًا وَالْآخَرَ لَاحِقًا. فَإِذَا جَازَ الْبَيْعَانِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي الْقَبُولِ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ فَبَقِيَ الْعَيْنُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَتْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَهُ (لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ) مَعَ عَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِعَدَمِ ذِكْرِ التَّارِيخِ وَلَا دَلَالَتِهِ، فَكَانَتْ شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ بِمَنْزِلَةِ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ بِحَيْثُ مَتَى لَمْ يُمْكِنْ التَّرْجِيحُ وَلَا الْحَمْلُ عَلَى الْحَالَتَيْنِ سَقَطَ الْعَمَلُ بِهِمَا، فَبَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ الْحُجَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَهَاهُنَا أَيْضًا لَمَّا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمَا بِالتَّعَارُضِ بَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَتْ (بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْقَبْضَ فِي شَهَادَتِهِمَا حَيْثُ يَجْعَلُ هُنَاكَ شِرَاءَ صَاحِبِ الْيَدَ سَابِقًا وَبَيْعَهُ لَاحِقًا لِدَلَالَةِ الْقَبْضِ عَلَى السَّبْقِ، إذْ لَوْ جَعَلَ شِرَاءَ الْخَارِجِ سَابِقًا لَزِمَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَالْعَمَلُ بِهِمَا حَيْثُ يَجْعَلُ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ كَمَا جَعَلْنَاهَا كَذَلِكَ فِيمَا إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا حَيْثُ قَضَيْنَا هُنَاكَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ. وَأَيْضًا قُلْنَا: إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَأَقَامَا بَيِّنَةً وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَيْنِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ مَرَّتْ فِيهِ أَيْضًا مَسَائِلُ أُخْرَى مُشْتَرِكَةٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ: أَعَنَى التَّنْصِيفَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرُوا هَاهُنَا لِتَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْتَقِضُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَتَدَبَّرْ. وَفِي الْكَافِي: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ تَهَاتَرَتَا بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ يَقْضِي بِالْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَقْضِي بِالدَّارِ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ حُجَجُ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا الْعَقْدَيْنِ وَالْقَبْضَ فَيَجْعَلُ كَأَنَّ ذَا الْيَدِ بَاعَهَا وَسَلَّمَهَا انْتَهَى (وَإِنْ وَقَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ) وَقْتَيْنِ، قَيَّدَ بِالْعَقَارِ لِيُظْهِرَ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ (وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا) أَيْ وَلَمْ تُثْبِتْ الْبَيِّنَتَانِ قَبْضًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَمْ تُبَيِّنَا قَبْضًا (وَوَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ وَقْتَ الْخَارِجِ أَسْبَقُ (يَقْضِي لِصَاحِبِ الْيَدِ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (فَيَجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْعَقَارِ (قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْخَارِجِ (وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا) أَيْ وَإِنْ أَثْبَتَتْ

يَقْضِي لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقَ يُقْضَى لِلْخَارِجِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا ذُو الْيَدِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَوْ سَلَّمَ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ. قَالَ: (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ الشَّاهِدِينَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّةٍ فِيهَا عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) اعْتِبَارًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، فَإِنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُنَازِعُ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ فَسَلَّمَ لَهُ بِلَا مُنَازَعٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيِّنَتَانِ قَبْضًا وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى حَالِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَإِنْ بَيَّنَتَا قَبْضًا (يَقْضِي لِصَاحِبِ الْيَدِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ بَاعَ ذَلِكَ مِنْ بَائِعِهِ بَعْدَمَا قَبَضَهُ (لِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ) أَيْ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (جَائِزَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ (وَإِنْ كَانَ وَقْتُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقَ) وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى حَالِهِ (يَقْضِي لِلْخَارِجِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ سَوَاءٌ أَثْبَتَتْ الْبَيِّنَتَانِ الْقَبْضَ أَوْ لَمْ تُثْبِتَاهُ (فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ذُو الْيَدِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ) أَيْ ثُمَّ بَاعَ ذُو الْيَدِ مِنْ الْخَارِجِ وَلَكِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ هَذَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ إثْبَاتِ الْقَبْضِ (أَوْ سَلَّمَ) أَيْ سَلَّمَ ذُو الْيَدِ إلَى الْخَارِجِ (ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى ذِي الْيَدِ (بِسَبَبٍ آخَرَ) مِنْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْقَبْضِ، فَقَدْ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي تَقْرِيرِهِ هَذَا كَمَا تَرَى. فَإِنْ قُلْت: بَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ صُورَتَانِ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ: إحْدَاهُمَا أَنْ تُؤَقِّتَ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا وَاحِدًا، وَثَانِيَتُهُمَا أَنْ تُؤَقِّتَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى فَمَا حُكْمُهُمَا؟ قُلْت: حُكْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَحُكْمِ مَا إذَا لَمْ تُؤَقِّتَا أَصْلًا نَصَّ عَلَيْهِ غَايَةُ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ) أَيْ الِاثْنَانِ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ الشُّهُودِ سَوَاءٌ (لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ) لِوُصُولِهَا إلَى حَدِّ النِّصَابِ الْكَامِلِ (كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ) فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا (وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ) يَقَعُ (بِقُوَّةٍ فِيهَا) أَيْ فِي الْعِلَّةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَتَرَجَّحُ بِخَبَرٍ أَوْ بِآخَرَ وَالْآيَةُ لَا تَتَرَجَّحُ بِآيَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ بِنَفْسِهِ وَالْمُفَسَّرُ يَتَرَجَّحُ عَلَى النَّصِّ وَالنَّصُّ عَلَى الظَّاهِرِ بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ (عَلَى مَا عُرِفَ) أَيْ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَتَانِ إذَا تَعَارَضَتَا وَإِحْدَاهُمَا مَسْتُورَةٌ وَالْأُخْرَى عَادِلَةٌ تَرَجَّحَتْ الْعَادِلَةُ عَلَى الْمَسْتُورَةِ بِالْعَدَالَةِ لِأَنَّهَا صِفَةُ الشَّهَادَةِ وَلَا تَتَرَجَّحُ بِزِيَادَةِ عَدَدِ الشُّهُودِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصِفَةٍ لِمَا هُوَ حُجَّةٌ مِنْ الشَّهَادَةِ بَلْ هِيَ مِثْلُهَا، وَشَهَادَةُ كُلِّ عَدَدٍ رُكْنٌ مِثْلُ شَهَادَةِ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا صِفَةً لِلْبَعْضِ، إلَى هَذَا أَشَارَ فِي التَّقْوِيمِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا جَمِيعًا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، فَإِنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُنَازِعُ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ فَسَلِمَ لَهُ بِلَا مُنَازِعٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا

فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا (وَقَالَا: هِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) فَاعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِكُلِّ حَقِّهِ سَهْمَيْنِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ فَتُقَسَّمُ أَثْلَاثًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا) فَتُجْعَلُ الدَّارُ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفُ وَلِنِصْفِهِ نِصْفٌ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَقَالَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (هِيَ) أَيْ الدَّارُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ (أَثْلَاثًا فَاعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِكُلِّ حَقِّهِ سَهْمَيْنِ) أَيْ يَأْخُذُ بِحَسَبِ كُلِّ حَقِّهِ سَهْمَيْنِ. وَفِي الْمُغْرِبِ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: فُلَانٌ يَضْرِبُ فِيهِ بِالثُّلُثِ: أَيْ يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا بِحُكْمِ مَالِهِ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَصَاحِبُ النِّصْفِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ) أَيْ وَصَاحِبُ النِّصْفِ يَضْرِبُ بِكُلِّ حَقِّهِ أَيْضًا وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ إذْ الدَّارُ تُجْعَلُ سَهْمَيْنِ لِحَاجَتِنَا إلَى عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ صَحِيحٌ، وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فَيَضْرِبُ صَاحِبُ الْمِلْكِ بِذَلِكَ وَصَاحِبُ النِّصْفِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ (فَتُقَسَّمُ) بَيْنَهُمَا (أَثْلَاثًا) أَيْ فَتُقَسَّمُ الدَّارُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِمُدَّعِي الْجَمِيعِ وَثُلُثُهَا لِمُدَّعِي النِّصْفِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُدْلِيَ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، كَأَصْحَابِ الْعَوْلِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، وَغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ إذَا ضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ دُيُونِهِ، وَالْمُدْلِي بِسَبَبٍ غَيْرِ صَحِيحٍ يَضْرِبُ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهُ حَالَ الْمُزَاحَمَةِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ مَتَى وَجَبَتْ بِسَبَبِ حَقٍّ كَانَ فِي الْعَيْنِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ كَالتَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَمَتَى وَجَبَتْ لَا بِسَبَبِ حَقٍّ كَانَ فِي الْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ كَالْفُضُولِيِّ إذَا بَاعَ عَبْدَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَفُضُولِيٍّ آخَرَ بَاعَ نِصْفَهُ وَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، أَوْ بَاعَا فَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ أَمْكَنَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْعَوْلِ وَعَلَى الْمُنَازَعَةِ وَأَمْكَنَ الِافْتِرَاقُ، فَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْعَوْلِ فِيهِ الْعَوْلُ فِي التَّرِكَةِ، أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ضَمِّ شَيْءٍ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ حَقٍّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، وَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَ الْفُضُولِيِّ، أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى انْضِمَامِ الْإِجَازَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ كَانَ فِي الثَّمَنِ تَحَوَّلَ بِالشِّرَاءِ إلَى الْبَيْعِ. وَمِمَّا افْتَرَقُوا فِيهِ مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ، فَعَلَى أَصْلِهِ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا هُوَ الشَّهَادَةُ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا صَحِيحًا فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ كَمَا بَيَّنَ فِي الْكِتَابِ، وَعَلَى أَصْلِهِمَا حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ فِي الْعَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَائِعٌ فِيهَا، فَمَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَصَاحِبُ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ فِيهِ صَاحِبَ الْكَثِيرِ بِنَصِيبِهِ، فَلِهَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَهُمَا يَنْتَقِضُ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي التَّرِكَةِ، فَإِنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِ حَقٍّ كَانَ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَوْلِيَّةً

وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادٌ لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الزِّيَادَاتِ. قَالَ (وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا سَلِمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ نِصْفُهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِي النِّصْفِ فَيَقْضِي بِبَيِّنَتِهِ، وَالنِّصْفُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ صَاحِبُهُ لَا يَدَّعِيهِ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ النِّصْفُ وَهُوَ فِي يَدِهِ سَالِمٌ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَيْهِ دَعْوَاهُ كَانَ ظَالِمًا بِإِمْسَاكِهِ وَلَا قَضَاءَ بِدُونِ الدَّعْوَى فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادٌ) أَيْ لِلْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَشْبَاهٌ حَكَمَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِالْمُنَازَعَةِ وَصَاحِبَاهُ بِالْعَوْلِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَضْدَادٌ حَكَمَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِالْعَوْلِ وَصَاحِبَاهُ بِالْمُنَازَعَةِ عَلَى عَكْسِ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (لَا يَحْتَمِلُهَا) أَيْ النَّظَائِرَ وَالْأَضْدَادَ (هَذَا الْمُخْتَصَرُ) يَعْنِي الْهِدَايَةَ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الزِّيَادَاتِ) فَمِنْ نَظَائِرِهَا: الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَبِنِصْفِهِ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِعَيْنٍ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَاهُ. وَمِنْ أَضْدَادِهَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ إذَا ادَّانَهُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَجْنَبِيٌّ مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ بِيعَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الْمَوْلَى الْمَدِينِ وَالْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ أَثْلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ وَغَرِمَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لَهُمَا، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ، فَتَذَكَّرْ الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورِينَ يَسْهُلْ عَلَيْك اسْتِخْرَاجُ هَذِهِ الصُّوَرِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِي الْمُدَّعِيَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا. (سَلِمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ) أَيْ لِمُدَّعِي الْجَمِيعِ (نِصْفُهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ الْآخَرِ (وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ نَفْسِهِ (لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِي النِّصْفِ) أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ وَهُوَ مُدَّعِي الْجَمِيعِ خَارِجٌ فِي النِّصْفِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ مُدَّعِي النِّصْفِ (فَيَقْضِي بِبَيِّنَتِهِ) أَيْ فَيَقْضِي بِبَيِّنَةِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ فِي حَقِّ ذَلِكَ النِّصْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فَتَمَّ دَلِيلُ قَوْلِهِ: نِصْفُهُمَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَبَقِيَ دَلِيلُ قَوْلِهِ: وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ (فَالنِّصْفُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ) أَيْ فِي يَدَيْ صَاحِبِ الْجَمِيعِ (صَاحِبُهُ لَا يَدَّعِيهِ) أَيْ صَاحِبُ الْجَمِيعِ: أَيْ خَصْمُهُ وَهُوَ مُدَّعِي النِّصْفِ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ النِّصْفَ (لِأَنَّهُ مُدَّعَاهُ) أَيْ مُدَّعَى صَاحِبِهِ وَهُوَ مُدَّعِي النِّصْفِ (النِّصْفُ وَهُوَ فِي يَدِهِ سَالِمٌ لَهُ) تَوْضِيحُهُ أَنَّ دَعْوَى مُدَّعِي النِّصْفِ مُنْصَرِفَةٌ إلَى مَا فِي يَدِهِ لِتَكُونَ يَدُهُ يَدًا مُحِقَّةً فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ، فَمُدَّعِي النِّصْفِ لَا يَدَّعِي شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ النِّصْفُ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَسَلِمَ النِّصْفَ لِمُدَّعِي الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَكَذَا فِي الْكَافِي (وَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَيْهِ دَعْوَاهُ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ دَعْوَى مُدَّعِي النِّصْفِ إلَى النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ (كَانَ ظَالِمًا بِإِمْسَاكِهِ) أَيْ كَانَ مُدَّعِي النِّصْفِ ظَالِمًا بِإِمْسَاكِ مَا فِي يَدِهِ، وَقَضِيَّةُ وُجُوبِ حَمْلِ أَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصِّحَّةِ قَاضِيَةٌ بِخِلَافِهِ (وَلَا قَضَاءَ بِدُونِ الدَّعْوَى فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ) أَيْ وَإِذَا لَمْ يَدَّعِ مُدَّعِي

قَالَ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ، وَذَكَرَا تَارِيخًا وَسِنُّ الدَّابَّةِ يُوَافِقُ أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى) لِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ (وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ كَانَتْ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ سَقَطَ التَّوْقِيتُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّصْفِ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدَيْ مُدَّعِي الْجَمِيعِ، وَلَا قَضَاءَ بِدُونِ الدَّعْوَى فَيُتْرَكُ ذَلِكَ النِّصْفُ فِي يَدَيْ مُدَّعِي الْجَمِيعِ بِلَا قَضَاءٍ فَتَمَّ دَلِيلُ قَوْلِهِ: وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ أَيْضًا فَيَثْبُتُ الْمُدَّعِي بِشِقَّيْهِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ تَنْصَرِفُ إلَى مَا فِي يَدِهِ كَيْ لَا يَكُونَ فِي إمْسَاكِهِ ظَالِمًا حَمْلًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ انْصِرَافَ دَعْوَى مُدَّعِي الْجَمِيعِ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ إلَى مَا فِي يَدِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْكُلَّ لَا يَبْقَى لِلْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ: وَأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ مَحِلٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِي النِّصْفِ وَلَا قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي أَثْنَاءِ الشَّرْحِ وَمُدَّعِي الْكُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ النِّصْفُ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ النِّصْفِ، وَإِنْ جَعَلَ الَّذِي فِي يَدِهِ النِّصْفُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْحَقَّ فَلَا مَعْنَى لِانْصِرَافِ دَعْوَاهُ إلَى مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَهُوَ لَيْسَ فِي يَدِهِ. وَأَيْضًا لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ كَيْ لَا يَكُونَ فِي إمْسَاكِهِ ظَالِمًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ ظَالِمًا بِإِمْسَاكِ حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَمُدَّعِي الْكُلِّ يَدَّعِي أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا حَقُّهُ، فَالْحَقُّ أَنَّ الَّذِي يَنْصَرِفُ دَعْوَاهُ إلَى مَا فِي يَدِهِ إنَّمَا هُوَ مُدَّعِي النِّصْفِ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَقَدْ مَرَّ بِنَا فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَإِذَا تَنَازَعَا) أَيْ تَنَازَعَ اثْنَانِ (فِي دَابَّةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا نَتَجَتْ وَذَكَرَا تَارِيخًا وَسِنُّ الدَّابَّةِ يُوَافِقُ أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى) أَيْ الَّذِي يُوَافِقُ سِنُّ الدَّابَّةِ تَارِيخَهُ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (لِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ لَهُ) يَعْنِي أَنَّ عَلَامَةَ صِدْقِ شُهُودِهِ قَدْ ظَهَرَتْ بِشَهَادَةِ الْحَالِ لَهُ (فَيَتَرَجَّحُ) أَيْ فَيَتَرَجَّحُ مَنْ يُوَافِقُ سِنُّ الدَّابَّةِ تَارِيخَهُ. وَاعْلَمْ أَنْ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي النِّتَاجِ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ حَيْثُ يَحْكُمُ بِهَا لِذِي الْيَدِ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ إحْدَاهُمَا أَوْ لَهُمَا إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ يَدِ ثَالِثٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ (وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ) أَيْ سِنُّ الدَّابَّةِ (كَانَتْ بَيْنَهُمَا) أَيْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (لِأَنَّهُ سَقَطَ التَّوْقِيتُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا) هَذَا الْجَوَابُ فِي الْخَارِجَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ الْيَدِ وَدَعْوَاهُمَا فِي النِّتَاجِ وَوَقَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ عَلَى وَقْتِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ قَضَيْت بِهَا لَهُ لِظُهُورِ عَلَامَةِ الصِّدْقِ فِي بَيِّنَتِهِ وَعَلَامَةِ الْكَذِبِ فِي بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ عَلَى وَقْتِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ أَوْ كَانَتْ مُشْكِلَةً قَضَيْت بِهَا لِذِي الْيَدِ إمَّا لِظُهُورِ عَلَامَةِ الصِّدْقِ فِي بَيِّنَتِهِ أَوْ سُقُوطِ اعْتِبَارِ التَّوْقِيتِ إذَا كَانَتْ مُشْكِلَةً، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ. فِي ذَلِكَ تَتَهَاتَرُ

وَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الْوَقْتَيْنِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَتُتْرَكُ الدَّابَّةُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ (وَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الْوَقْتَيْنِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: أَيْ فِي دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ. أَقُولُ: لَمْ يَظْهَرْ لِي فَائِدَةُ هَذَا التَّقْيِيدِ كَمَا سَأُبَيِّنُ (بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ) وَذَلِكَ مَانِعٌ عَنْ قَوْلِ الشَّهَادَةِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فَيَمْنَعُ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ أَيْضًا (فَتُتْرَكُ) أَيْ الدَّابَّةُ (فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَعُمُّ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ: أَعْنِي مَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَمَا إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، وَمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، إذْ لَا فَارَقَ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ الْحَاكِمُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ الْمَارِّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: تَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ، وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْجَوَابِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ بَيْنَهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ: يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ مُشْكِلًا، وَفِيمَا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ فِي دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ. أَمَّا إذَا كَانَ مُشْكِلًا فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذِكْرِ الْوَقْتِ لَحِقَهُمَا، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي اعْتِبَارِهِ إبْطَالَ حَقِّهِمَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُ ذِكْرِ الْوَقْتِ أَصْلًا وَيَنْظُرُ إلَى مَقْصُودِهِمَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فِي الدَّابَّةِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرَنَا التَّوْقِيتَ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ هِيَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا عَلَى ذِي الْيَدِ فَكَيْفَ تُتْرَكُ فِي يَدِهِ مَعَ قِيَامِ حُجَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ، كَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا رَوَى أَبُو اللَّيْثِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ مُشْكِلًا يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْوَقْتَيْنِ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ وَتُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ يَنْظُرُ إلَى مَقْصُودِهِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعِي لَيْسَ بِمُعْتَبَرِ الدَّعَاوَى بِلَا حُجَّةٍ، وَاتِّفَاقُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمَا عَلَى ذِي الْيَدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَعَ وُجُودِ الْمُكَذِّبِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: وَقَوْلُهُ يَنْظُرُ إلَى مَقْصُودِهِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَعَ وُجُودِ الْمُكَذِّبِ بِأَنَّ الْمَوْجُودَ مُكَذِّبُ الْوَقْتَيْنِ لَا مُكَذِّبُ أَصْلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَاللَّازِمُ مِنْهُ سُقُوطُ اعْتِبَارِ ذِكْرِ الْوَقْتِ لَا سُقُوطُ اعْتِبَارِ أَصْلِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَهُوَ إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُدَّعِيَيْنِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَلَا قَادِحَ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ خَالَفَ سِنُّهَا الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا سَقَطَ الْوَقْتُ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بُطْلَانَ التَّوْقِيتِ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يُوَقِّتَا فَبَقِيَتْ الْبَيِّنَتَانِ قَائِمَتَيْنِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي اللَّيْثِ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَوَجْهُهُ أَنَّ سِنَّ الدَّابَّةِ إذَا خَالَفَ الْوَقْتَيْنِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَالْتَحَقَتَا بِالْعَدَمِ فَيُتْرَكُ الْمُدَّعَى فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَ.

[فصل في التنازع بالأيدي]

قَالَ (وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِغَصْبٍ وَالْآخَرُ بِوَدِيعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. (فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي) قَالَ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَالرَّاكِبُ أَوْلَى) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَظْهَرُ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفُهُ فَالرَّاكِبُ أَوْلَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ أَنَّ مُخَالَفَةَ السِّنِّ فِي الْوَقْتَيْنِ تُوجِبُ كَذِبَ الْوَقْتَيْنِ لَا كَذِبَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَصْلًا وَرَأْسًا انْتَهَى كَلَامُهُ، فَتَأَمَّلْ تَرْشُدْ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِغَصْبٍ وَالْآخَرُ بِوَدِيعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْعَبْدُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ (لِاسْتِوَائِهِمَا) لِأَنَّ الْمُوَدَّعَ لَمَّا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ صَارَ غَاصِبًا فَصَارَ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ سَوَاءً، وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي نَفْسِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. [فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي] لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ وُقُوعِ الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ وُقُوعِهِ بِظَاهِرِ الْيَدِ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِمَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى، وَلِهَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى الْيَدِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا تَنَازَعَا) أَيْ تَنَازَعَ اثْنَانِ (فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَالرَّاكِبُ أَوْلَى لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ) أَيْ تَصَرُّفَ الرَّاكِبِ (أَظْهَرُ، فَإِنَّهُ) أَيْ الرُّكُوبَ (يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ) يَعْنِي غَالِبًا. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ، وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا التَّعَلُّقُ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَكَذَا التَّصَرُّفُ، لَكِنَّهُ يُسْتَدَلُّ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ حَتَّى جَازَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَجُ وَالتَّرَاجِيحُ انْتَهَى (وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفَهُ فَالرَّاكِبُ) أَيْ فِي السَّرْجِ (أَوْلَى) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْمُلَّاكَ يَرْكَبُونَ فِي السَّرْجِ وَغَيْرُهُمْ يَكُونُ رَدِيفًا، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ كَوْنَ الرَّاكِبِ فِي السَّرْجِ أَوْلَى مِنْ رَدِيفِهِ عَلَى رِوَايَةٍ نَقَلَهَا النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ حَيْثُ تَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ (وَكَذَا إذَا تَنَازَعَا فِي بَعِيرٍ وَعَلَيْهِ حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا فَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ (وَكَذَا إذَا تَنَازَعَا فِي قَمِيصٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَاللَّابِسُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَظْهَرُهُمَا تَصَرُّفًا (وَلَوْ تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) مَعْنَاهُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقُعُودَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ نَوَادِرِ الْمُعَلَّى. وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالدَّابَّةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ) يَعْنِي فِي السَّرْجِ (حَيْثُ تَكُونُ) أَيْ الدَّابَّةُ (بَيْنَهُمَا) قَوْلًا وَاحِدًا (لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ) أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُمْسِكًا بِلِجَامِ الدَّابَّةِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقَا بِذَنَبِهَا. قَالَ مَشَايِخُنَا: يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ لِلَّذِي هُوَ مُمْسِكٌ بِلِجَامِهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّجَامِ غَالِبًا إلَّا الْمَالِكُ، أَمَّا الذَّنَبُ فَإِنَّهُ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَالِكُ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَيْرُهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ (وَكَذَا إذَا تَنَازَعَا فِي بَعِيرٍ وَعَلَيْهِ حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِآخَرَ كُوزٌ مُتَعَلِّقٌ فَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ) فَهُوَ ذُو الْيَدِ (وَكَذَا إذَا تَنَازَعَا فِي قَمِيصٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَاللَّابِسُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَظْهَرُهُمَا تَصَرُّفًا) وَلِهَذَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَلَوْ تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّق بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) كَذَا لَوْ كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ وَادَّعَيَاهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ بَيْنَهُمَا لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ، وَعَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الْقُعُودَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبِسَاطِ حَتَّى لَا يَصِيرَ غَاصِبًا بِهِ (فَاسْتَوَيَا) أَيْ فَاسْتَوَيَا الْمُتَنَازِعَانِ فِيهِ فَيُجْعَلُ فِي أَيْدِيهِمَا لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُمَا. هَذَا وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ: لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْبِسَاطِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ؛ إمَّا بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ حَسًّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَإِمَّا بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبِسَاطِ فَإِنَّا نَرَاهُ مَوْضُوعًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَلَا فِي يَدِهِمَا وَهُمَا مُدَّعِيَانِ يَقْضِي بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْحَ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: مَعْنَاهُ لَا عَلَى طَرِيقِ قَضَاءٍ وَهُوَ يَقُولُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا فَبَيْنَهُمَا تَدَافُعٌ ظَاهِرٌ. فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَمُرَادُ الشَّارِحِ يَقْضِي بَيْنَهُمَا قَضَاءَ التَّرْكِ فَلَا تَدَافُعَ بَيْنَهُمَا. قُلْت: لَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ بَيْنَهُمَا هَاهُنَا قَضَاءَ التَّرْكِ أَيْضًا، إذَا لَا بُدَّ فِي قَضَاءِ التَّرْكِ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ كَوْنَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْمُدَّعِي كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا هُنَاكَ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فِيمَا سَيَجِيءُ فِي مَسْأَلَةِ التَّنَازُعِ فِي الْحَائِطِ حَيْثُ قَالَ: وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا عَرَفَ كَوْنَهُ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بَيْنَهُمَا قَضَاءَ تَرْكٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَدْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي يَدَيْهِ يَجْعَلُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُمَا لَا أَنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا انْتَهَى. فَإِنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ التَّرْكِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَعْلِ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا عَرَفَ كَوْنَ الْمُدَّعِي فِي أَيْدِيهِمَا وَالثَّانِي فِيمَا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ فَلَا تُوجِبُ زِيَادَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ تَتَحَقَّقْ يَدٌ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ آنِفًا فَلَمْ يُعْرَفْ كَوْنُ الْمُدَّعِي فِي أَيْدِيهِمَا فَلَمْ يُتَصَوَّرْ الْقَضَاءُ بَيْنَهُمَا قَضَاءَ التَّرْكِ أَيْضًا فَلَمْ يَتَيَسَّرْ التَّوْفِيقُ الْمَذْكُورُ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ تَنَبَّهَ لِهَذَا فَقَالَ: لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْبِسَاطِ إمَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ أَوْ بِكَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ، وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ يَدًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمَا وَلَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَهُمَا يَدَّعِيَانِهِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُتْرَكُ فِي أَيْدِيهِمَا انْتَهَى. حَيْثُ تَرَكَ ذِكْرَ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ التَّرْكَ فِي أَيْدِيهِمَا، لَكِنَّ هَذَا أَيْضًا لَا يَخْلُو عَنْ قُصُورٍ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ التَّرْكِ فِي الْيَدِ يَقْتَضِي سَبْقَ تَحَقُّقِ الْيَدِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَبَيَّنَ، فَحَقُّ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ فَيُجْعَلُ فِي أَيْدِيهِمَا: أَيْ يُوضَعُ فِيهَا لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُمَا كَمَا ذَكَرْته فِيمَا قَبْلُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُطَابِقُ الشَّرْحُ الْمَشْرُوحَ، وَيُطَابِقُ الْمَقَامُ مَا يَظْهَرُ مِمَّا سَيَجِيءُ فِي مَسْأَلَةِ التَّنَازُعِ عَنْ الْحَائِطِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَحِلِّ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمَا قَضَاءَ تَرْكٍ وَبَيْنَ مَحِلِّ الْجَعْلِ فِي أَيْدِيهِمَا بِلَا قَضَاءٍ. وَأَيْضًا لَا تَبْقَى الْحَاجَةُ حِينَئِذٍ إلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الدَّارِ إذَا تَنَازَعَا فِيهَا وَكَانَا قَاعِدَيْنِ فِيهَا حَيْثُ لَا يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا إلَى مَا ارْتَكَبُوا فِي وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّكْلِيفِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ النَّاظِرِ فِي كَلَامِهِمْ إذْ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ أَنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنْ لَا يَقْضِيَ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ بِالْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا يَدٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَصِيرَ دَلِيلَ الْمِلْكِ وَسَبَبَ الْقَضَاءِ، بَلْ أَنْ يَجْعَلَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا بِلَا قَضَاءٍ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُمَا وَاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى فَتَدَبَّرْ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا كَانَ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرْفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَسِّكٌ بِالْيَدِ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ اسْتِمْسَاكًا (فَلَا تُوجِبُ زِيَادَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ) يَعْنِي أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لَا تُوجِبُ الرُّجْحَانَ، إذْ لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ كَمَا مَرَّ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي بَعِيرٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خَمْسُونَ مَنًّا وَلِلْآخَرِ مِائَةُ مَنٍّ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَكَمَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الِاثْنَيْنِ مِنْ الشُّهُودِ وَالْآخَرُ الْأَرْبَعَةَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْقَمِيصِ الَّتِي ذُكِرَتْ مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ؛ فَإِنَّ الْحُجَّةَ هِيَ الْيَدُ وَالزِّيَادَةُ هِيَ الِاسْتِعْمَالُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الثَّوْبِ لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ وَادَّعَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لَكِنَّ هَذَا إذَا عَرَفَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الثَّوْبِ كَانَ لَهُ فِي الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ: لَوْ خَرَجَ مِنْ دَارِ رَجُلٍ وَعَلَى عَاتِقِهِ مَتَاعٌ فَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي عَلَى عَاتِقِهِ هَذَا الْمَتَاعُ يُعْرَفُ بِبَيْعِهِ وَحَمْلِهِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ فَهُوَ لِرَبِّ الدَّارِ. وَفِي الْقُدُورِيِّ: لَوْ أَنَّ خَيَّاطًا يَخِيطُ ثَوْبًا فِي دَارِ رَجُلٍ وَتَنَازَعَا فِي الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الدَّارِ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: رَجُلٌ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَوُجِدَ مَعَهُ مَالٌ فَقَالَ رَبُّ الدَّارِ هَذَا مَالِي أَخَذْته مِنْ مَنْزِلِي، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ، وَلَا يُصَدَّقُ الدَّاخِلُ فِي شَيْءٍ مَا خَلَا ثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ الثِّيَابُ مِمَّا يَلْبَسُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الدَّاخِلُ رَجُلًا يُعْرَفُ بِصِنَاعَةِ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ بِأَنْ كَانَ مَثَلًا حَمَّالًا يَحْمِلُ الزَّيْتَ فَدَخَلَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ زِقُّ زَيْتٍ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَبِيعُ وَيَطُوفُ بِالْمَتَاعِ فِي الْأَسْوَاقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا أُصَدِّقُ قَوْلَ رَبِّ الدَّارِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا. فَأَثْبَتَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ يَدُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَنْقُولَاتِ عِنْدَ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهُ عَادَةٌ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ (وَلَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ بِالرِّقِّ (وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: (وَإِذَا كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ يَعْقِلُ فَحَوَى مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ الشُّرَّاحِ: أَيْ يَتَكَلَّمُ وَيَعْقِلُ مَا يَقُولُ (فَقَالَ) أَيْ الصَّبِيُّ (أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ) فَكَانَ هُوَ صَاحِبَ الْيَدِ وَكَانَ الْمُدَّعِي خَارِجًا وَالْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ إنْسَانٍ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ إبَانَةً لِمَعْنَى الْكَرَامَةِ، إذْ كَوْنُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ دَلِيلُ الْإِهَابَةِ، وَمَعَ قِيَامِ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَثْبُتُ يَدُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْيَدَيْنِ إلَّا إذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ يَدِهِ شَرْعًا فَحِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ يَدُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَسُقُوطُ اعْتِبَارِ يَدِهِ قَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ: أَيْ لَا يَعْقِلُ مَا يَكُونُ، وَقَدْ يَكُونُ لِثُبُوتِ الرِّقِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرِّقَّ عِبَارَةٌ عَنْ عَجْزٍ حُكْمِيٍّ، وَالْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، فَإِذَا ثَبَتَ الضَّعْفُ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ) أَيْ لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ: إنَّهُ عَبْدِي (فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ بِالرِّقِّ) فَكَانَ يَدُ صَاحِبِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةً شَرْعًا فَكَانَ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ أَنَّهُ لَهُ، وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، كَذَا فِي الْكَافِي. فَإِنْ قِيلَ: الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ لَا مَحَالَةَ وَأَقْوَالُ الصَّبِيِّ فِيهَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ أَبَدًا يَبْعُدُ مِنْ الْمَضَارِّ وَيُقَرَّبُ مِنْ الْمَبَارِّ. قُلْنَا: الرِّقُّ هَاهُنَا لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ إيَّاهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا تَتَقَرَّرُ يَدُهُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ عَدَمِهَا تَتَقَرَّرُ كَمَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي رِقِّهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الصَّبِيُّ (لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ (وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَتَاعٍ) فِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَتْ يَدُ صَاحِبِ الْيَدِ ثَابِتَةً عَلَيْهِ شَرْعًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يُقِرَّ بِالرِّقِّ لِمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اللَّقِيطِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ هُنَاكَ وَهُوَ صَاحِبُ الْيَدِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ لَا يُصَدَّقُ وَهُنَا قِيلَ. قُلْنَا: الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرِّقِّ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ، وَيَدُ الْمُلْتَقِطِ عَلَى اللَّقِيطِ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَلَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ حُكْمًا لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِي اللَّقِيطِ وَيَدُ الْأَمِينِ فِي الْحُكْمِ يَدُ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ مَعَ الشَّكِّ. فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي دَعْوَى الرِّقِّ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالْأَصْلِ فِي بَنِي آدَمَ إذْ الْأَصْلُ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَهُمَا كَانَا حُرَّيْنِ فَكَانَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الرِّقِّ أَمْرًا عَارِضًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، قُلْنَا: مَا هُوَ الْأَصْلُ إذَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ يَبْطُلُ، وَالْيَدُ عَلَى مَنْ هَذَا شَأْنُهُ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْأَصْلِ لِأَنَّهَا دَلِيلُ الْمِلْكِ

فَلَوْ كَبِرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الرِّقُّ عَلَيْهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ، وَالْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ صَاحِبُ اسْتِعْمَالٍ وَالْآخَرُ صَاحِبُ تَعَلُّقٍ فَصَارَ كَدَابَّةٍ تَنَازَعَا فِيهَا وَلِأَحَدِهِمَا حِمْلٌ عَلَيْهَا وَلِلْآخَرِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ مُدَاخَلَةُ لَبِنِ جِدَارِهِ فِيهِ وَلَبِنِ هَذَا فِي جِدَارِهِ وَقَدْ يُسَمَّى اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَبْطُلُ بِهِ ذَلِكَ الْأَصْلُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ (فَلَوْ كَبِرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الرِّقُّ عَلَيْهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ) فَلَا يُنْقَضُ الْأَمْرُ الثَّابِتُ ظَاهِرًا بِلَا حُجَّةٍ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: (وَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ) أَيْ أَوْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ (وَلِآخَرَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ (هَرَادِيٌّ) بِفَتْحِ الْهَاءِ جَمْعُ هَرْدِيَّةٍ بِضَمِّهَا. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْهُرْدِيَّةُ عَنْ اللَّيْثِ: قَصَبَاتٌ تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بِطَاقَاتٍ مِنْ الْكَرْمِ يُرْسَلُ عَلَيْهَا قُضْبَانُ الْكَرْمِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ الْحَرْدِيُّ وَلَا تَقُلْ هَرْدَى انْتَهَى. وَفِي الصَّحَّاحِ: الْحَرْدِيُّ مِنْ الْقَصَبِ نَبَطِيٌّ مُعَرَّبٌ وَلَا تَقُلْ هَرْدَى انْتَهَى. وَصَحَّحَ فِي الدِّيوَانِ الْهَاءَ وَالْحَاءَ جَمِيعًا، وَكَذَا الْقَامُوسُ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: الرِّوَايَةُ فِي الْأَصْلِ وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِالْحَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْكَافِي وَقَعَتْ بِالْهَاءِ لَا غَيْرُ انْتَهَى (فَهُوَ) أَيْ الْحَائِطُ (لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ، وَالْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ صَاحِبُ اسْتِعْمَالٍ) أَيْ هُوَ صَاحِبُ اسْتِعْمَالٍ لِلْحَائِطِ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَائِطَ إنَّمَا يُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ وَذَا بِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ (وَالْآخَرُ) يَعْنِي صَاحِبَ الْهَرَادِيِّ (صَاحِبُ تَعَلُّقٍ) لَا صَاحِبُ اسْتِعْمَالٍ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِوَضْعِ الْهَرَادِيِّ عَلَيْهِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَدٌ، وَعِنْدَ تَعَارُضِ الدَّعْوَيَيْنِ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ الْحَائِطُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ (كَدَابَّةٍ تَنَازَعَا فِيهَا وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ) فَإِنَّهَا تَكُونُ لِصَاحِبِ الْحَمْلِ دُونَ صَاحِبِ الْكُوزِ كَذَا هَاهُنَا (وَالْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ) أَيْ الْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ (مُدَاخَلَةُ لَبِنِ جِدَارِهِ) أَيْ جِدَارِ صَاحِبِ الْبِنَاءِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (وَلَبِنِ هَذَا) أَيْ وَمُدَاخَلَةُ لَبِنِ هَذَا: أَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ (فِي جِدَارِهِ) أَيْ فِي جِدَارِ صَاحِبِ الْبِنَاءِ (وَقَدْ يُسَمَّى اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ) أَيْ وَيُسَمَّى اتِّصَالُ مُدَاخَلَةِ لَبِنٍ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ، وَتَفْسِيرُ التَّرْبِيعِ إذَا كَانَ الْحَائِطُ مِنْ مَدَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَنْ تَكُونَ أَنْصَافُ لَبِنِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ دَاخِلَةً فِي أَنْصَافِ لَبِنِ غَيْرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَأَنْصَافُ لَبِنِ غَيْرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ دَاخِلَةً

وَهَذَا شَاهِدٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ بَعْضَ بِنَائِهِ عَلَى بَعْضِ بِنَاءِ هَذَا الْحَائِطِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ تَكُونَ سَاحَةُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبَةً فِي الْأُخْرَى، وَأَمَّا إذَا ثَقَبَ فَأَدْخَلَ لَا يَكُونُ تَرْبِيعًا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُبْنَيَانِ لِيُحِيطَا مَعَ جِدَارَيْنِ آخَرَيْنِ بِمَكَانٍ مُرَبَّعٍ انْتَهَى. وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: صِفَةُ هَذَا الِاتِّصَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مُتَّصِلًا بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَالْحَائِطَانِ مُتَّصِلَانِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ مُرَبَّعًا شِبْهَ الْقُبَّةُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اتِّصَالَ جَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَكْفِي، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الْحَائِطَيْنِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةٍ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ الرُّجْحَانَ يَقَعُ بِكَوْنِهِ مِلْكًا مُحِيطًا بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالِاتِّصَالِ بِجَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ. وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ (وَهَذَا) أَيْ اتِّصَالُ التَّرْبِيعِ (شَاهِدٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ بَعْضَ بِنَائِهِ) أَيْ بَعْضَ بِنَاءِ صَاحِبِهِ (وَعَلَى بَعْضِ هَذَا الْحَائِطِ) أَيْ عَلَى بَعْضِ هَذَا الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِالِاتِّصَالِ فَصَارَ الْكُلُّ فِي حُكْمِ حَائِطٍ وَاحِدٍ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاتِّصَالِ، وَبَعْضُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَحَدِهِمَا فَيُرَدُّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ مَعَ حَائِطِهِ فَمُدَاخَلَةُ أَنْصَافِ اللَّبِنِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ بِنَاءِ الْحَائِطَيْنِ مَعًا فَكَانَ هُوَ أَوْلَى، كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: بَقِيَ لِي هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْمُرَادَ بِالِاتِّصَالِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ عَلَى اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ، وَتَبِعَهُ فِي هَذَا عَامَّةُ ثِقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَالْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَشُرَّاحِ الْهِدَايَةِ قَاطِبَةً وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ صَرَّحُوا بِتَقْيِيدِ الِاتِّصَالِ هَاهُنَا بِالتَّرْبِيعِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَالْحَائِطُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ لَا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ انْتَهَى. وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ هَذَا التَّقْيِيدِ هَاهُنَا لِأَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الْهَرَادِيِّ، وَكَذَا صَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الْهَرَادِيِّ. وَفِي الْحُكْمِ يَكُونُ صَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الْهَرَادِيِّ لَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْيِيدِ الِاتِّصَالِ بِالتَّرْبِيعِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ضَرْبَيْ الِاتِّصَالِ: أَعْنِي اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ وَاتِّصَالَ الْمُلَازَقَةِ مُشْتَرِكَانِ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَإِنَّ الْهَرَادِيَّ مِمَّا لَا اعْتِبَارَ لَهُ أَصْلًا بَلْ هِيَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ وَلَيْسَ لِلْآخِرِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ اتِّصَالٌ وَلَا جُذُوعٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ، فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَذَكَرَ هَذَا أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مُتَّصِلًا بِبِنَائِهِمَا إنْ كَانَ اتِّصَالُهُمَا اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ أَوْ اتِّصَالَ مُلَازَقَةٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَى وَالِاتِّصَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ اتِّصَالُ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ وَاتِّصَالُ الْآخَرِ اتِّصَالَ مُلَازَقَةٍ فَصَاحِبُ التَّرْبِيعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ التَّرْبِيعِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ قِوَامَ حَائِطِهِ بِقَدْرِ التَّرْبِيعِ بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِ التَّرْبِيعِ، فَكَانَ لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ مَعَ الِاتِّصَالِ نَوْعُ الِاسْتِعْمَالِ، وَلِلْآخَرِ مُجَرَّدُ اتِّصَالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فَيَكُونُ الِاتِّصَالُ مَعَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْلَى فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاكِبِ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْمُتَعَلِّقِ بِاللِّجَامِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالٌ بِبِنَاءٍ اتِّصَالَ مُلَازَقَةٍ أَوْ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ اتِّصَالٌ وَلَا لَهُ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَإِنَّهُ يَقْضِي لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي حَقِّ الِاتِّصَالِ بِالْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ وَلِأَحَدِهِمَا زِيَادَةُ الِاتِّصَالِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِالْبِنَاءِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْآخَرِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ إحْدَى الدَّارَيْنِ اتِّصَالَ الْتِزَاقٍ وَارْتِبَاطٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ كَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ الْتِزَاقٍ وَلِلْآخَرِ جُذُوعٌ فَصَاحِبُ الْجُذُوعُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ وَلَا اسْتِعْمَالَ مِنْ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ الْتِزَاقٍ وَارْتِبَاطٍ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ فَصَاحِبُ التَّرْبِيعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ أَقْوَى مِنْ اتِّصَالِ الِالْتِزَاقِ، وَلَوْ كَانَ

وَقَوْلُهُ الْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْهَرَادِيِّ أَصْلًا، وَكَذَا الْبَوَارِي لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا تُبْنَى لَهَا أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ وَلِلْآخَرِ الْجُذُوعُ فَالْحَائِطُ لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ حَقُّ وَضْعِ الْجُذُوعِ انْتَهَى. فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ فَائِدَةَ تَقْيِيدِ الِاتِّصَالِ بِالتَّرْبِيعِ إنَّمَا تَظْهَرُ لَوْ كَانَ لِلْآخَرِ اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ كَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ، أَوْ كَانَ لِلْآخَرِ جُذُوعٌ كَمَا ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلْآخَرِ هَرَادِيٌّ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ التَّقْيِيدِ بَلْ فِيهِ إخْلَالٌ بِعُمُومِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَتَنَبَّهْ، فَإِنَّ كَشْفَ الْقِنَاعِ عَنْ وَجْهِ هَذَا الْمَقَامِ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ (وَقَوْلُهُ الْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ (يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْهَرَادِيِّ أَصْلًا) بَلْ هِيَ فِي الْحُكْمِ الْمَعْدُومِ (وَكَذَا الْبَوَارِي لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لَهَا أَصْلًا) أَيْ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِ الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ وَذَلِكَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ لَا بِوَضْعِ الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِي، وَإِنَّمَا تُوضَعُ الْهَرَادِيُّ وَالْبَوَارِي لِلِاسْتِظْلَالِ وَالْحَائِطُ لَا يُبْنَى لَهُ (حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ الْهَرَادِيُّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) مَعْنَاهُ: إذَا عُرِفَ كَوْنُهُ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بَيْنَهُمَا قَضَاءَ تَرْكٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَدْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي يَدَيْهِ يُجْعَلُ فِي أَيْدِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُمَا لَا أَنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ. وَيُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ التَّرْكِ وَالْجَعْلِ فِي الْيَدِ بِلَا قَضَاءٍ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ) أَيْ وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ عَلَى الْحَائِطِ جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ (فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا) أَيْ فِي أَصْلِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَلٌ مَقْصُودٌ يُبْنَى الْحَائِطُ لِأَجْلِهِ وَفِي نِصَابِ الْحُجَّةِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ (وَلَا مُعْتَبَرَ) أَيْ وَلَا اعْتِبَارَ (بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْجُذُوعِ (بَعْدَ الثَّلَاثَةِ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلْجُذُوعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يُبْنَى لِأَكْثَرَ مِنْهَا. قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ: وَقَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا: أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ. أَقُولُ: تَفْسِيرُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَلِمَةُ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْهَا تَفْصِيلِيَّةً فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ لَامِ التَّعْرِيفِ وَمِنْ التَّفْضِيلِيَّةِ فِي اسْمِ التَّفْصِيلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ لَغْوًا، لِأَنَّ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ، فَالصَّوَابُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ هَاهُنَا تَبْيِنِيَّةٌ لَا تَفْصِيلِيَّةٌ، وَأَنَّ ضَمِيرَ مِنْهَا رَاجِعٌ إلَى الْجُذُوعِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا إلَى الثَّلَاثَةِ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَلَا اعْتِبَارَ بِالْأَكْثَرِ الْكَائِنِ مِنْ جِنْسِ الْجُذُوعِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَلْزَمُ

وَإِنْ كَانَ جُذُوعُ أَحَدِهِمَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ) فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ، ثُمَّ قِيلَ مَا بَيْنَ الْخَشَبِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ خَشَبِهِمَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ. وَجْهُ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (وَإِنْ كَانَ جُذُوعُ أَحَدِهِمَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ) أَيْ الْحَائِطُ كُلُّهُ (لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْآخَرِ) أَيْ وَلِصَاحِبِ الْجِذْعِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ (مَوْضِعُ جِذْعِهِ فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: الْحَائِطُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَجْذَاعِ وَلِصَاحِبِ الْقَلِيلِ مَا تَحْتَ جِذْعِهِ. قَالُوا: يُرِيدُ بِهِ حَقَّ الْوَضْعِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ بِسَبَبِ الْعَلَامَةِ وَهِيَ الْجُذُوعُ الثَّلَاثَةُ لَا بِالْبَيِّنَةِ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ الْجِذْعِ الْوَاحِدِ مِنْ وَضْعِ جِذْعِهِ عَلَى جِدَارِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى (وَفِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْأَصْلِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ) حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَجْذَاعِ، وَجَعَلَ فِي الْمُحِيطِ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَصَحَّ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَكُونُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْخَشَبَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي الدَّعْوَى، كَذَا فِي التَّبْيِينِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ (ثُمَّ قِيلَ) أَيْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَعْنَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى فِي حُكْمِ مَا بَيْنَ الْخَشَبِ فَقِيلَ (مَا بَيْنَ الْخَشَبِ بَيْنَهُمَا) أَيْ يَكُونُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِكَ كَمَا فِي السَّاحَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ صَاحِبِ بَيْتٍ وَصَاحِبِ أَبْيَاتٍ عَلَى مَا سَيَذْكُرُ (وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ خَشَبِهِمَا) أَيْ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الْخَشَبِ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ خَشَبِهِمَا اعْتِبَارًا لِمَا بَيْنَ الْخَشَبَاتِ بِمَا هُوَ تَحْتَ كُلِّ خَشَبَةٍ، ثُمَّ إنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مُوَافِقَانِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعِ الْقِيلِ الْأَوَّلِ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلْخَشَبَاتِ لَا لِخَشَبَةٍ وَاحِدَةٍ (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) هَذَا نَاظِرٌ إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ إلَى آخِرِهِ: يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ بَيْنَ صَاحِبِ الْجِذْعِ وَالْجِذْعَيْنِ وَبَيْنَ صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ نِصْفَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ) أَيْ لَا اعْتِبَارَ (بِالْكَثْرَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ) يَعْنِي أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلُوا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَوَجْهُ الثَّانِي) يَعْنِي وَجْهَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ، وَلَكِنَّ ذِكْرَ الثَّانِي إمَّا بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الرِّوَايَةُ بِالْفِعْلِ وَأَنَّ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي نَظَائِرِهَا، وَإِمَّا

أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ خَشَبَتِهِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِوَضْعِ كَثِيرِ الْجُذُوعِ دُونَ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْوَضْعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ (وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَالْآخَرُ اتِّصَالٌ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) وَيُرْوَى الثَّانِي أَوْلَى. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ التَّصَرُّفَ وَلِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَأْوِيلِ الرِّوَايَةِ بِالنَّقْلِ أَوْ الْقَوْلِ (أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ خَشَبَتِهِ) وَالِاسْتِحْقَاقُ بِحَسْبِ الِاسْتِعْمَالِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ جَوَابُ وَجْهِ الْقِيَاسِ. أَقُولُ: يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مُخْتَصٌّ بِقَدْرِ خَشَبَتِهِ، وَمَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ لَا يَعْدُو الْغَيْرَ فَلَمْ يَكُونَا مُسْتَعْمَلَيْنِ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ زِيَادَةِ اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا بَلْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَعْمِلًا لِمَا كَانَ تَحْتَ خَشَبَتِهِ فَقَطْ فَكَانَتْ حُجَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ قَائِمَةً عَلَى غَيْرِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ الْآخَرِ فَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ مِنْ قَبِيلِ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ مَحِلُّ الْحُجَّتَيْنِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْحَائِطَ إذَا كَانَ يُسْتَحَقُّ بِوَضْعِ الْجِذْعِ فَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ مَشْغُولٌ بِجِذْعِهِ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ انْعَدَمَ دَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْبَاقِي فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكُ فِيمَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَصَارَ هَذَا كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَ فِيهَا أَحَدَ عَشَرَ مَنْزِلًا: عَشَرَةُ مِنْهَا فِي يَدِ رَجُلٍ، وَوَاحِدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ، وَتَنَازَعَا فِي الدَّارِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ كَذَا هَاهُنَا اهـ (وَوَجْهُ الْأَوَّلِ) أَيْ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ وَتَذْكِيرُ الْأَوَّلِ لِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثَّانِي (أَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِوَضْعِ كَثِيرِ الْجُذُوعِ دُونَ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ، وَالتَّسْقِيفُ لَا يَحْصُلُ بِخَشَبَةٍ وَلَا بِخَشَبَتَيْنِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْخَشَبَةِ وَالْخَشَبَتَيْنِ أُسْطُوَانَةٌ وَأُسْطُوَانَتَانِ (فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْوَضْعِ) أَيْ يَبْقَى لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ حَقُّ وَضْعِ جِذْعِهِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَنَا بِالْحَائِطِ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ يَصْلُحُ حَجَّةً لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ يَدَ صَاحِبِ الْأَقَلِّ حَتَّى يَرْفَعَ خَشَبَتَهُ الْمَوْضُوعَةَ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ وَيَثْبُتُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْوَضْعِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَوْ وَقَعَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَكَانَ جَائِزًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَعْلِ الْجِذْعَيْنِ كَجِذْعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّسْقِيفَ بِهِمَا نَادِرٌ كَجِذْعٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْخَشَبَتَانِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثِ لِإِمْكَانِ التَّسْقِيفِ بِهَا، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالٌ وَلِلْآخَرِ جُذُوعٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ فَعَلَى الْأُولَى وَقَعَ فِي الدَّلِيلِ بِوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَقَعَ فِيهِ وَجْهُ الثَّانِي، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ مِنْ الشُّرَّاحِ مَا فِي النُّسْخَةِ الْأُولَى هُوَ الصَّحِيحُ لِيَكُونَ الدَّلِيلُ مُوَافِقًا لِلْمُدَّعِي، وَمَا فِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا إلَى نُسْخَةٍ وَقَعَ ذِكْرُ الدَّلِيلِ فِيهَا وَجْهُ الثَّانِي فَتَتَبَّعْ (فَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيُرْوَى أَنَّ الثَّانِيَ أَوْلَى، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ التَّصَرُّفَ وَلِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ الْيَدَ، وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى) لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْيَدِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ

وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْحَائِطَيْنِ بِالِاتِّصَالِ يَصِيرَانِ كَبِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ لَهُ بِبَعْضِهِ الْقَضَاءُ بِكُلِّهِ ثُمَّ يَبْقَى لِلْآخَرِ حَقُّ وَضْعِ جُذُوعِهِ لِمَا قُلْنَا، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهَا الْجُرْجَانِيُّ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ مِنْهَا فِي يَدِ رَجُلٍ عَشْرَةُ أَبْيَاتٍ وَفِي يَدِ آخَرَ بَيْتٌ فَالسَّاحَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي اسْتِعْمَالِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَكُونُ بِدُونِ الْيَدِ، وَالْيَدَانِ إذَا تَعَارَضَا سَلِمَ التَّصَرُّفُ عَنْ الْمُعَارِضِ فَصَلُحَ مُرَجِّحًا، كَذَا فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ، وَيُرَجِّحُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ (وَجْهُ الْأَوَّلِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَجْهُ الثَّانِي (أَنَّ الْحَائِطَيْنِ بِالِاتِّصَالِ يَصِيرَانِ كَبِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ لَهُ بِبَيْعِهِ الْقَضَاءُ بِكُلِّهِ) أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ مَنْعُ قَوْلِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ لَهُ بِبَعْضِهِ الْقَضَاءُ لَهُ بِكُلِّهِ لِجَوَازِ أَنْ يَقْضِيَ بِبَعْضِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِرَجُلٍ وَبِبَعْضِهِ الْآخَرِ لِرَجُلٍ آخَرَ، وَإِمَّا بِالتَّجْزِئَةِ إنْ قِبَلَ الْقِسْمَةَ أَوْ بِالشُّيُوعِ إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا، كَيْفَ وَلَوْ أَثْبَتَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ بِالْبَيِّنَةِ كَوْنَ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مِلْكَهُ قُضِيَ لَهُ بِلَا شُبْهَةٍ مَعَ بَقَاءِ الْحَائِطِ الْآخَرِ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ، فَلَوْ تَمَّتْ تِلْكَ الضَّرُورَةُ لَمَا جَازَ هَذَا الْقَضَاءُ وَكَانَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَنَبَّهَ لِهَذَا وَقَصَدَ دَفْعَهُ فَعَلَّلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ لَهُ بِبَعْضِهِ الْقَضَاءُ بِكُلِّهِ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالِاشْتِرَاكِ. وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَعَدَمِ الْقَائِلِ بِهِ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ قَائِلٌ بِهِ، فَإِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ الْحَائِطَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ لَهُ، وَيَعْتَرِفُ بِأَنَّ الْحَائِطَ الْآخَرَ الْمُتَّصِلَ بِهِ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ، فَيَصِيرُ الْبِنَاءُ الْمُرَكَّبُ مِنْ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَدَمَ الْقَائِلِ بِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَهُوَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِكَوْنِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَقُولُ بِكَوْنِ الْبِنَاءِ الْمُرَكَّبِ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ الْمُتَّصِلِ بِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ صَاحِبِ الْجُذُوعِ وَصَاحِبِ الِاتِّصَالِ قَطْعًا (ثُمَّ يَبْقَى لِلْآخَرِ حَقُّ وَضْعِ جُذُوعِهِ) أَيْ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْحَائِطَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ، حَتَّى قَالُوا: لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أُمِرَ بِرَفْعِ الْجُذُوعِ لِكَوْنِ الْبَيِّنَةِ حُجَّةً مُطْلَقَةً صَالِحَةً لِلدَّفْعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ (وَهَذِهِ) أَيْ رِوَايَةُ أَنَّ صَاحِبَ الِاتِّصَالِ أَوْلَى (رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ) وَصَحَّحَهَا الْجُرْجَانِيُّ وَهُوَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُرْشِدُ، وَرَجَّحَهَا بِالسَّبْقِ لِأَنَّ التَّرْبِيعَ يَكُونُ حَالَةَ الْبِنَاءِ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى وَضْعِ الْجُذُوعِ فَكَانَ يَدُهُ ثَابِتًا قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ الْجُذُوعَ فَصَارَ نَظِيرَ سَبْقِ التَّارِيخِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاتِّصَالَ الَّذِي وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي تَرْجِيحِ صَاحِبِهِ عَلَى صَاحِبِ الْجُذُوعِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ هُوَ الِاتِّصَالُ الَّذِي وَقَعَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ اتِّصَالُ التَّرْبِيعِ فِي طَرَفَيْهِ فَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ كَانَ الِاتِّصَالُ فِي طَرْفٍ وَاحِدٍ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ صَاحِبَ الِاتِّصَالِ أَوْلَى، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُرْشِدُ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ أَوْلَى وَقَالَ فِيهَا قَبْلَ هَذَا: فَإِنْ كَانَ الِاتِّصَالُ فِي طَرَفَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى بِهِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ مِنْهَا فِي يَدِ رَجُلٍ عَشْرَةُ أَبْيَاتٍ وَفِي يَدِ آخَرَ بَيْتٌ فَالسَّاحَةُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ عَرْصَةٌ فِي الدَّارِ وَبَيْنَ يَدَيْهَا، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي اسْتِعْمَالِهِمَا) أَيْ اسْتِعْمَالِ

وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا. قَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ أَرْضًا) يَعْنِي يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَنَّهَا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْضِ أَنَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا) لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا وَمَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي فَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّاحَةِ (وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا) وَوَضْعُ الْأَمْتِعَةِ وَصَبُّ الْوُضُوءِ وَكَسْرُ الْحَطَبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَا فِي ذَلِكَ سَوَاءً كَانَا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّاحَةِ أَيْضًا سَوَاءً، وَلَعَلَّ مُرُورَ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَكْثَرُ مِنْ مُرُورِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ لِزَمَانَةِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ وَكَوْنِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ وَلَّاجًا خَرَّاجًا. عَلَى أَنَّا نَقُولُ: التَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِلَّةِ وَصَارَ هَذَا كَالطَّرِيقِ يَسْتَوِي فِيهِ صَاحِبُ الدَّارِ وَالْمَنْزِلِ وَالْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْيَدِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا جَمِيعُ الثَّوْبِ وَفِي يَدِ الْآخَرِ هُدْبُهُ حَيْثُ يُلْغَى صَاحِبُ الْهُدْبِ، وَمَا إذَا تَنَازَعَا فِي مِقْدَارِ الشُّرْبِ حَيْثُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَرَاضِيِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ جُعِلَتْ السَّاحَةُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكَةً. أُجِيبُ بِأَنَّ الْهُدْبَ لَيْسَ بِثَوْبٍ لِكَوْنِ الثَّوْبِ اسْمًا لِلْمَنْسُوجِ فَكَانَ جَمِيعُ الْمُدَّعِي فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ فَأُلْغِيَ وَالشُّرْبُ تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَرَاضِي دُونَ الْأَرْبَابِ، فَبِكَثْرَةِ الْأَرَاضِيِ كَثُرَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الشُّرْبِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَثْرَةِ حَقٍّ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا فِي السَّاحَةِ فَالِاحْتِيَاجُ لِلْأَرْبَابِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، فَاسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَصَارَ هَذَا نَظِيرَ تَنَازُعِهِمَا فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ وَضِيقِهِ حَيْثُ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ أَرْضًا، يَعْنِي يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا أَنَّهَا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْضِ أَنَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَاهُنَا مُسَامَحَةٌ، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَنَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إقَامَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ لَا عَلَى إقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا، وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَسَيَتَجَلَّى مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْكِتَابِ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ الْكَافِي هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَقْضِ بِأَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالْبَيِّنَةِ انْتَهَى. فَإِنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ هَاهُنَا (لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْضِ (غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا) فَقَدْ غَابَ مِنْ عِلْمِ الْقَاضِي (وَمَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي) أَيْ وَاَلَّذِي غَابَ عَنْ عِلْمِهِ (فَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُهُ) فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْكِنَ الْقَضَاءُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ جَازَ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا؛ وَلَوْ قَضَى لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا بِالْيَدِ لَأَبْطَلَ حَقَّ صَاحِبِ الْيَدِ بِلَا حُجَّةٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ غَفَلَ عَنْهَا الْقُضَاةُ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَرْضًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُم أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِبَيِّنَتِهِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِيَجْعَلَهَا الْقَاضِي فِي يَدِ أَحَدِهِمَا،

وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي يَدِهِ) لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي أَيْدِيهِمَا) لِمَا بَيَّنَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ لِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ لَبِنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنِي أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ) لِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَا لَمْ يَثْبُتُ كَوْنُ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَقْضِي، إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُقِرَّ مِنْ أَنْ يُزَاحِمَ الْمُقِرَّ لَهُ فِيهَا لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ (جُعِلَتْ فِي يَدِهِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ) وَيُجْعَلُ الْآخَرُ خَارِجًا، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْبَيِّنَةُ تُقَامُ عَلَى الْخَصْمِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا فِي يَدِ الْآخَرِ لَا يَكُونُ خَصْمًا فَكَيْفَ يَقْضِي لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ؟ قُلْنَا: هُوَ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ مُنَازَعَتِهِ فِي الْيَدِ، وَمَنْ كَانَ خَصْمًا لِغَيْرِهِ بِاعْتِبَارِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ شَرْعًا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مَقْبُولَةً، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ) يَعْنِي فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ خَصْمًا انْتَهَى (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا (جُعِلَتْ فِي أَيْدِيهِمَا لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: فَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَ صَاحِبِهِ مَا هِيَ فِي يَدِهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ حَلَفَا لَمْ يَقْضِ لَهُمَا بِالْيَدِ وَبَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتُوقَفُ الدَّارُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ حَقِيقَةُ الْحَالِ، وَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِكُلِّهَا، لِلْحَالِفِ نِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَنِصْفُهَا الَّذِي كَانَ بِيَدِ صَاحِبِهِ لِنُكُولِهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (فَلَا تُسْتَحَقُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ: أَيْ فَلَا تُسْتَحَقُّ الْيَدُ (لِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَخْفَى عَلَيْك هَذَا الْكَلَامُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ اهـ. أَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُتَفَرِّعًا عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ إلَخْ، إذْ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ إذْ يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَجْنَبِيٍّ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَفَرِّعًا عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلَانِ أَرْضًا إلَى هُنَا بِأَنْ كَانَ فَذْلَكَةَ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ كَانَ فِي مَحِلِّهِ كَمَا لَا يَخْفَى (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ لَبِنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْضًا صَحْرَاءَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَأَحَدُهُمَا لَبِنَ فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ (فَهِيَ فِي يَدِهِ لِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ) وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ إثْبَاتُ الْيَدِ كَالرُّكُوبِ عَلَى الدَّوَابِّ وَاللُّبْسِ فِي الثِّيَابِ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ.

[باب دعوى النسب]

(بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ) (وَإِذَا بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ) فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ] ِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دَعْوَى الْأَمْوَالِ شَرَعَ فِي بَيَانِ دَعْوَى النَّسَبِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ أَهَمَّ ذِكْرًا (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا بَاعَ جَارِيَةً بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ) اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَصَدَ بَيَانَ ضَابِطَةِ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ فَقَالَ أَخْذًا مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ: اعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا ادَّعَى وَلَدَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الْمُشْتَرِي، فَإِمَّا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِمَا بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ. وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا إنْ ادَّعَى الْبَائِعُ وَحْدَهُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ أَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَى فِيهِ اخْتِلَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ قَسَّمَ ادِّعَاءَ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَلَدَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَهِيَ: إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، أَوْ لِمَا بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ. وَقَسَّمَ كُلُّ وَجْهٍ مِنْهَا إلَى أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ وَهِيَ: إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ وَحْدَهُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ أَوْ ادَّعَيَا مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ قُسِّمَ قَسِيمَةً حَيْثُ جُعِلَ ادِّعَاءُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُقَسَّمًا ثُمَّ جَعَلَهُ قِسْمًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ. وَالثَّانِي أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ إنَّ الْبَائِعَ إذَا ادَّعَى وَلَدَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الْمُشْتَرِي تَأَبَّى دُخُولَ ادِّعَائِهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ فِي الْمُقَسَّمِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ هَذَانِ الْوَجْهَانِ دَاخِلَيْنِ فِي أَقْسَامِ أَقْسَامِهِ؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُقَسَّمَ ادِّعَاءُ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا: أَيْ أَعَمُّ مِنْ ادِّعَاءِ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا وَمِنْ ادِّعَائِهِ مُنْضَمًّا إلَى الْآخَرِ بِالْمَعِيَّةِ أَوْ التَّعَاقُبِ، وَقَسْمُ الْقِسْمِ هُوَ ادِّعَاءُ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ أَوْ ادِّعَاؤُهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، فَيَكُونُ قَسْمُ الْقِسْمِ أَخَصَّ مِنْ الْمُقَسَّمِ لَا عَيْنَهُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنْ تُحْمَلَ كَلِمَةُ أَوْ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَنْعِ الْخُلُوِّ دُونَ مَنْعِ الْجَمْعِ. وَالْأَوْلَى عِنْدِي فِي بَيَانِ الضَّابِطَةِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا بِيعَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَأَمَّا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِمَا بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ، وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ

فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَ فَهُوَ ابْنٌ لِلْبَائِعِ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ (وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ قَوْلُ زُفَرٍ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ دَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ فَكَانَ فِي دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا وَلَا نَسَبَ بِدُونِ الدَّعْوَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا. وَمَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ، وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ (وَيُرَدُّ الثَّمَنُ) لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، أَمَّا إنْ ادَّعَى ذَلِكَ الْوَلَدَ الْبَائِعُ وَحْدَهُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ أَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ (فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَ) وَقَدْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَحْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ (فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (ابْنُ الْبَائِعِ وَأُمُّهُ) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ (أُمُّ وَلَدٍ لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ دَعْوَتُهُ) أَيْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ (بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ (عَبْدٌ وَكَانَ) أَيْ الْبَائِعُ (فِي دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا) وَالتَّنَاقُضُ يُبْطِلُ الدَّعْوَى فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، كَمَا لَوْ قَالَ كُنْت: أَعْتَقْتُهَا أَوْ أَدْبَرْتُهَا قَبْلَ أَنْ أَبِيعَهَا (وَلَا نَسَبَ بِدُونِ الدَّعْوَى) أَيْ وَلَا ثُبُوتَ لِلنَّسَبِ بِدُونِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) أَيْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي نَعْمَلُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (أَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ) يَعْنِي أَنَّا تَيَقَّنَّا بِاتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَهَذَا شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا) فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ عَنْهَا وَعَنْ وَلَدِهَا (وَمَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ التَّنَاقُضِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَعْلَمُ ابْتِدَاءً بِكَوْنِ الْعُلُوقِ مِنْهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مِنْهُ (فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى؛ كَمَا أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِنَفْيِ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ يَثْبُتُ مِنْهُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى التَّنَاقُضِ لِمَكَانِ الْخَفَاءِ فِي أَمْرِ الْعُلُوقِ، وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّنَاقُضُ لِخَفَاءِ الْإِعْتَاقِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِهِ، وَكَالْمُخْتَلِعَةِ إذَا أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ فَإِنَّ بَيِّنَتَهَا تُقْبَلُ مَعَ التَّنَاقُضِ لِخَفَاءِ الطَّلَاقِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ الزَّوْجُ بِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْبَائِعِ الْإِعْتَاقَ أَوْ التَّدْبِيرَ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ فِعْلُ نَفْسِهِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ، كَذَا حَقَّقُوا (وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَفُسِخَ الْبَيْعُ لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ) أَيْ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا (لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَإِنَّ سَلَامَةَ الثَّمَنِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سَلَامَةِ الْمَبِيعِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَالْمُشْتَرِي يَصِحُّ مِنْهُ التَّحْرِيرُ، فَكَذَا دَعْوَتُهُ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ، وَتَثْبُتُ لَهَا أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ مِنْ الْبَائِعِ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: صِحَّةُ التَّحْرِيرِ مِنْ الْمُشْتَرِي ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مَمْلُوكَتُهُ فِي الْحَالِ فَيَمْلِكُ إعْتَاقَهَا وَإِعْتَاقَ وَلَدِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا صِحَّةُ دَعْوَتِهِ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ فَمُشْكِلَةٌ بِمَا مَرَّ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ أَنَّا تَيَقَّنَّا بِاتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَهَذَا شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ حَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ كَيْفَ يُفِيدُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّهَادَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَيَقَّنَّا بِاتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ إنَّمَا يَكُونُ شَهَادَةً ظَاهِرَةً عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ إذَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ فَلَا يَجُوزُ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ

(وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَوْ بَعْدَهُ فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهَا أَسْبَقُ لِاسْتِنَادِهَا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَهَذِهِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ تَيَقُّنًا وَهُوَ الشَّاهِدُ وَالْحُجَّةُ (إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُثْبِتُ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ وَلَا حَقَّهُ، وَهَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّكَاحِ، فَإِذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ يُحْمَلْ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ الِاشْتِرَاءِ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ فَصَارَتْ عِلَّةُ صِحَّةِ دَعْوَةِ الْمُشْتَرِي وَثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَاجَةَ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ مَعَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ الِاشْتِرَاءِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَكَحَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا انْتَهَى. (وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ الِادِّعَاءِ (فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَسْبَقُ) أَمَّا إذَا كَانَتْ قَبْلَ دَعْوَةِ الْمُشْتَرِي فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَعْدَ دَعْوَةِ الْمُشْتَرِي فَلِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (لِاسْتِنَادِهَا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَهَذِهِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ) يَعْنِي أَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ، وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي مُقْتَصِرَةٌ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ فَكَانَتْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ سَابِقَةً مَعْنًى فَكَانَتْ أَوْلَى، ثُمَّ إنَّهُ ضَمَّنَ قَوْلَهُ: وَهَذِهِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادِ الْجَوَابِ عَنْ دَخْلٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ فِي الْحَالِ. وَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ وَهِيَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى زَمَانِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ دَعْوَةِ التَّحْرِيرِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ تَيَقُّنًا وَهُوَ الشَّاهِدُ وَالْحُجَّةُ) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ تَيَقُّنًا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هَاهُنَا فَلَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ (إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ) حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، وَقَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى الصِّدْقِ (وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُثْبِتُ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ) أَيْ لِلْوَلَدِ (وَلَا حَقَّهُ) أَيْ وَلَا يُثْبِتُ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ فَيَبْقَى الْوَلَدُ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي وَلَا تَصِيرُ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدِ الْبَائِعِ كَمَا إذَا ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (وَهَذِهِ) أَيْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ هَاهُنَا (دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّحْرِيرِ وَالْبَائِعُ لَيْسَ بِمَالِكٍ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ مِنْهُ.

(وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ فِيهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ تُوجَدْ الْحُجَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا صَدَّقَهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَالْأُمُّ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِتَصَادُقِهِمَا وَاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَةَ نَوْعَانِ: دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ وَدَعْوَةُ تَحْرِيرٍ؛ فَدَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ هِيَ أَنْ يَكُونَ عُلُوقُ الْمُدَّعَى فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَتَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْوَطْءِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ عَلِقَ حُرًّا، وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ أَنْ يَكُونَ عُلُوقُ الْمُدَّعَى فِي غَيْرِ مِلْكِ الْمُدَّعِي وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ وَلَا تَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْوَطْءِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الِاسْتِيلَادِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَقْتَ الْعُلُوقِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا صَحَّ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْوَجْهِ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ) أَيْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ (فَلَمْ تُوجَدْ الْحُجَّةُ) وَهِيَ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ تَيَقُّنًا (فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ) أَيْ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ (وَإِذَا صَدَّقَهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ. وَالْأُمُّ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) وَهِيَ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَ (لِتَصَادُقِهِمَا وَاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ) وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةٌ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِهِ فَفِيمَا يَحْتَمِلُهُ أَوْلَى، وَتَكُونُ دَعْوَتُهُ دَعْوَةَ اسْتِيلَاءٍ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ وَلَا يَكُونُ لَهُ وَلَاءٌ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِهِ مُمْكِنٌ، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا فَالْمُشْتَرِي أَوْلَى لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ لَهُ إذَا كَانَتْ مُدَّةُ الْوِلَادَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ مَعْلُومَةً. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ مُدَّةٍ الْحَمْلِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِهَا أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا: فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَحْدَهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ دَعْوَةَ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَكُونُ الْوَلَدُ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ كَانَ النَّسَبُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ الْمُدَّةِ كَانَ النَّسَبُ لِلْمُشْتَرِي فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ فَلَا يَثْبُتُ. وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مُتَعَاقِبًا، فَإِنْ سَبَقَ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ، وَإِنْ سَبَقَ الْبَائِعُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَوْ تَنَازَعَا فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي، أَيْ إذَا بَاعَ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُهَا مِنْك مُنْذُ شَهْرٍ وَالْوَلَدُ مِنِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتُهَا مِنِّي لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْوَلَدُ لَيْسَ مِنْك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي انْتِقَاضَ الْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ زِيَادَةَ مُدَّةٍ فِي الشِّرَاءِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ نَسَبَ

(فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَتْبَعُهُ اسْتِيلَادُ الْأُمِّ (وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الْوَلَدِ وَأَخَذَهُ الْبَائِعُ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي النَّسَبِ فَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَلَدُ أَصْلًا لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَتَسْتَفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَتُهَا، وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى (وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلَدِ وَاسْتِيلَادَ الْأَمَةِ وَانْتِقَاضَ الْبَيْعِ فَكَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا انْتَهَى. (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّهَا) أَيْ لِأَنَّ الْأُمَّ (تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ (وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ (بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ) أَيْ لِعَدَمِ حَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ (فَلَا يَتْبَعُهُ اسْتِيلَادُ الْأُمِّ) لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ بِدُونِ ثُبُوتِهِ فِي الْمَتْبُوعِ (وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الْوَلَدِ وَأَخَذَهُ الْبَائِعُ) هَذَا أَيْضًا الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي النَّسَبِ فَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا كَانَ هُوَ الْأَصْلَ كَانَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءَهُ لِحَاجَتِهِ إلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الْفَرْعِ لَا يُبْطِلُ الْأَصْلَ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَإِنَّمَا كَانَ الْوَلَدُ أَصْلًا لِأَنَّهَا) أَيْ لِأَنَّ الْأُمَّ (تُضَافُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَلَدِ حَيْثُ (يُقَالُ أُمُّ الْوَلَدِ) وَالْإِضَافَةُ إلَى الشَّيْءِ أَمَارَةُ أَصَالَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ (وَتَسْتَفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى تُضَافُ إلَيْهِ: أَيْ وَتَسْتَفِيدُ الْأُمُّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَةِ الْوَلَدِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا قَالَهُ حِينَ قِيلَ لَهُ وَقَدْ وَلَدَتْ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ إبْرَاهِيمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تَعْتِقُهَا؟» (وَالثَّابِتُ لَهَا) أَيْ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْأُمِّ (حَقُّ الْحُرِّيَّةِ) وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ (وَلَهُ) أَيْ وَالثَّابِتُ لِلْوَلَدِ (حَقِيقَتُهَا) أَيْ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ (وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى) دَائِمًا دُونَ الْعَكْسِ، فَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ الَّذِي هُوَ الْأَدْنَى يَتْبَعُ الْحُرِّيَّةَ الَّتِي هِيَ الْأَعْلَى دُونَ الْعَكْسِ (وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ) وَهَذَا مِنْ تَمَامِ لَفْظِ الْقُدُورِيِّ الَّذِي ذُكِرَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ) أَيْ تَبَيَّنَ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَبَيْعُهَا بَاطِلٌ

وَمَالِيَّتُهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِذَا حَبِلَتْ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ فَهُوَ ابْنُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ الْوَلَدُ، وَالْأُمُّ تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ. وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قَامَ الْمَانِعُ مِنْ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ الْعِتْقُ فِي التَّبَعِ وَهُوَ الْأُمُّ فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَالِيَّتُهَا) أَيْ وَلَكِنَّ مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ (غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (مُتَقَوِّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا) أَيْ فَيَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي، فَإِذَا رَدَّ الْوَلَدَ دُونَهَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ حِصَّةِ مَا سُلِّمَ لَهُ وَهُوَ الْوَلَدُ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ حِصَّةٍ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَهِيَ الْأُمُّ. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَمَا بَيَّنَ الْمَقَامَ بِهَذَا الْمِنْوَالِ: هَكَذَا ذَكَرُوا الْحُكْمَ فِي قَوْلِهِمَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الثَّمَنُ وَلَا يَكُونُ لِأَجْزَاءِ الْمَبِيعِ مِنْهُ حِصَّةٌ، بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَبَدَلَهُ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) ذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إعْلَامًا بِأَنَّ حُكْمَ الْإِعْتَاقِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حُكْمُ الْمَوْتِ. (وَإِذَا حَبِلَتْ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ فَهُوَ ابْنُهُ) أَيْ فَالْوَلَدُ ابْنُ الْبَائِعِ (يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ يُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّةِ الْوَلَدِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ نَقَدَهُ الْبَائِعُ فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي، وَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي مَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ وَهُوَ الْوَلَاءُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ فَدَعْوَتُهُ) أَيْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ (بَاطِلَةٌ) أَيْ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي فِي دَعْوَاهُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ اسْتِظْهَارًا، إذْ قَدْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ (أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ الْوَلَدُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ الْأَصْلَ فِي بَابِ ثُبُوتِ حَقِّ الْعِتْقِ لِلْأُمِّ بِطَرِيقِ الِاسْتِيلَادِ وَهُوَ ثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ لِلْوَلَدِ بِالنَّسَبِ، وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الرَّكَاكَةِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَالْأَوْجَهُ فِي التَّفْسِيرِ أَنْ يُقَالَ: أَيْ الْأَصْلُ فِي بَابِ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ هُوَ الْوَلَدُ (وَالْأُمُّ تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ) فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ آنِفًا (وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ (قَامَ الْمَانِعُ مِنْ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ) أَيْ الْمَانِعُ مِنْهُمَا (الْعِتْقُ فِي التَّبَعِ وَهُوَ الْأُمُّ فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ) أَيْ ثُبُوتُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ (فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ

وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ. كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ حُرٌّ وَأُمُّهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا، وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ. وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَامَ الْمَانِعُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ فِيهِ وَفِي التَّبَعِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتِنَاعَهُ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَمْنَعْ ثُبُوتَ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ لِلْبَائِعِ فِي الْوَلَدِ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا حَبِلَتْ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَمِنْ حُكْمِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ صَيْرُورَةُ أُمِّهِ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ وَإِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ) أَيْ وَلَيْسَ ثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ فِي حَقِّ الْأُمِّ مِنْ ضَرُورَاتِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَحُرِّيَّتِهِ: يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحْكَامِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ لِجَوَازِ انْفِكَاكِهِ عَنْهُ (كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ) وَهُوَ وَلَدُ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَجِيءُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ (فَإِنَّهُ) أَيْ وَلَدَ الْمَغْرُورِ (حُرٌّ) أَيْ حُرُّ الْأَصْلِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمُسْتَوْلِدِ (وَأُمَّهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا) فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلِدِ بَلْ تَكُونُ رَقِيقَةً حَتَّى تُبَاعَ فِي السُّوقِ (وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ جَارِيَةَ الْغَيْرِ فَوَلَدَتْ لَهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَلَا تَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَيُطَابِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَ أَمَةَ الْغَيْرِ بِنِكَاحٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ انْتَهَى. وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: كَمَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ الْغَيْرِ بِالنِّكَاحِ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِلْحَالِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ اهـ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْمَعْنَى هَاهُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَاهَا قِسْمٌ مِنْ قِسْمَيْ وَلَدِ الْمَغْرُورِ كَمَا سَيَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَنَبَّهْت عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، فَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَذْكُرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: إنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فَسَّرَا وَلَدَ الْمَغْرُورِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِقَوْلِهِمَا: وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ أَمَةً مِنْ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ انْتَهَى. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِوَلَدِ الْمَغْرُورِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَحَدَ قِسْمَيْهِ، وَهُوَ مَا حَصَلَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ، وَبِالْمَذْكُورِ فِي مُقَابَلَتِهِ قِسْمَةَ الْآخَرِ وَهُوَ مَا حَصَلَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ فَلَا مَحْذُورَ. قُلْت: ذَلِكَ التَّفْسِيرُ مِنْهُمَا تَقْصِيرٌ آخَرُ، فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ تَقْيِيدًا لِلْكَلَامِ الْمُطْلَقِ بِلَا مُقْتَضٍ لَهُ مُؤَدٍّ إلَى تَقْلِيلِ الْأَمْثِلَةِ فِي مَقَامٍ يُطْلَبُ فِيهِ التَّكْثِيرُ فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْمَحْذُورُ بَلْ يَتَأَكَّدُ (وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ (قَامَ الْمَانِعُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ) أَيْ ثُبُوتُ مَا ذَكَرَ مِنْ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ (وَفِي التَّبَعِ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي التَّبَعِ أَيْضًا (وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا) . قَالَ مُتَقَدِّمُو الشُّرَّاحِ: أَيْ وَإِنَّمَا كَانَ إعْتَاقُ

لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَحَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَحَقِّ الِاسْتِيلَادِ فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي الْوَلَدَ مَانِعًا لِدَعْوَةِ الْبَائِعِ إيَّاهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْهُمْ: قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا بَيَانًا لِمَانِعِيَّةِ عِتْقِ الْوَلَدِ عَنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِدَعْوَةِ الْبَائِعِ انْتَهَى. أَقُولُ: بَلْ هَذَا بَيَانٌ لِمَانِعِيَّةِ عِتْقِ الْأُمِّ عَنْ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ فِي حَقِّهَا بِدَعْوَةِ الْبَائِعِ، وَلِمَانِعِيَّةِ عِتْقِ الْوَلَدِ عَنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي حَقِّهِ بِدَعْوَةِ الْبَائِعِ أَيْضًا. وَالْمَعْنَى: إنَّمَا كَانَ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ مَانِعًا مِنْ دَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ، وَأَمَّا دَعْوَةُ النَّسَبِ فَيَشْمَلُ الْفَصْلَيْنِ مَعَهُ، كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ عِبَارَاتُ الْمُصَنِّفِ فِي أَثْنَاءِ الْبَيَانِ عَلَى مَا تَرَى، وَفِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشُّرَّاحُ تَخْصِيصُ الْبَيَانِ بِالْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ تَقْصِيرٌ فِي حَقِّ الْمَقَامِ وَشَرْحِ الْكَلَامِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ (لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَحَقِّ اسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ وَحَقِّ الِاسْتِيلَادِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمُشْتَرِي كَحَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ مِنْ الْبَائِعِ فِي الْوَلَدِ وَحَقِّ الِاسْتِيلَادِ مِنْ الْبَائِعِ فِي الْأُمِّ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (فَاسْتَوَيَا) أَيْ اسْتَوَى إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي وَحَقُّ الْبَائِعِ اسْتِلْحَاقًا وَاسْتِيلَادًا (مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْضَ فَلَيْسَ لِفِعْلِ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَرُدَّ بِمَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً حُبْلَى فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الْآخَرَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيهِمَا جَمِيعًا حَتَّى يَبْطُلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ نَقْضٌ لِلْعِتْقِ كَمَا تَرَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ فِي حُكْمِ وَلَدٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْحُكْمِ بِصَيْرُورَتِهِ حُرَّ الْأَصْلِ ثُبُوتُ النَّسَبِ لِلْآخَرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي أَحَدِهِمَا فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي أَحَدِهِمَا ثُبُوتُهُ فِي الْآخَرِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْجِيحُ الدَّعْوَةِ عَلَى الْعِتْقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي الْآخَرِ لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ زَائِدٌ انْتَهَى. أَقُولُ: السُّؤَالُ الْأَوَّلُ وَجَوَابُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا وَلَهُمَا وَجْهٌ وَجِيهٌ. وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي وَجَوَابُهُ فَمِنْ مُخْتَرَعَاتِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا السُّؤَالُ فَلِأَنَّ مُرَادَ الْمُجِيبِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّوْأَمَيْنِ فِي حُكْمِ وَلَدٍ وَاحِدٍ فِي بَابِ النَّسَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَدَارَ النَّسَبِ عَلَى الْعُلُوقِ وَعُلُوقُهُمَا وَاحِدٌ لِكَوْنِهِمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ وَلَدٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ حَتَّى يُتَوَجَّهُ السُّؤَالُ، كَيْفَ وَمَدَارُ الْعِتْقِ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رَقَبَتَيْهِمَا مُتَغَايِرَتَانِ فَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْأُخْرَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي الْآخَرِ لَزِمَ الْآخَرَ ضَمَانُ قِيمَتِهِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَ عَبْدِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَلْزَمُ الْعَبْدَ عِنْدَهُ ضَمَانُ قِيمَةِ بَعْضِهِ الْآخَرِ: أَيْ السِّعَايَةِ فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا زَائِدًا، إذْ الضَّمَانُ فِي مُقَابَلَةِ الْعِتْقِ لَا يُعَدُّ ضَرَرًا أَصْلًا، وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَيُعَارَضُ

ثُمَّ الثَّابِتُ مِنْ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةُ الْإِعْتَاقِ وَالثَّابِتُ فِي الْأُمِّ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، وَفِي الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ حَقُّ الدَّعْوَةِ وَالْحَقُّ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّسَبِ أَيْضًا قَطْعًا، فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي الْآخَرِ لَزِمَ الْبَائِعَ ضَمَانُ قِيمَتِهِ: أَيْ رَدُّ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَحَقَّقَ هُنَاكَ أَيْضًا ضَرَرٌ زَائِدٌ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي الْآخَرِ لَزِمَ الْمُشْتَرِي ضَمَانُ قِيمَتِهِ: أَيْ إتْلَافُ قِيمَتِهِ فَيُعَارَضُ بِالنَّسَبِ أَيْضًا قَطْعًا، فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي الْآخَرِ لَزِمَ الْبَائِعَ ضَمَانُ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي الْآخَرِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَحَقَّقَ هُنَاكَ أَيْضًا ضَرَرٌ زَائِدٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْجِيحُ فِي صُورَةِ التَّوْأَمَيْنِ أَيْضًا وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ. ثُمَّ أَقُولُ: بُدِّلَ السُّؤَالُ الثَّانِي وَجَوَابُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي التَّوْأَمَيْنِ كَذَا كَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي مِمَّا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَنَا مِنْ قَوْلِنَا: الْعِتْقُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ قَصْدًا وَاللَّازِمُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْأَمَيْنِ احْتِمَالُهُ النَّقْضَ ضِمْنًا، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَيَثْبُتُ ضِمْنًا، وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ بَعْدَمَا سَبَقَ مِنْ سُؤَالِهِ الثَّانِي وَجَوَابِهِ: فَإِنْ عُورِضَ بِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا ادَّعَى النَّسَبَ فِي الَّذِي عِنْدَهُ كَانَ ذَلِكَ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فَيُعَارَضُ بِأَنَّ الضَّرَرَ الزَّائِدَ الَّذِي يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي الْآخَرِ غَيْرُ مَقْصُودٍ أَيْضًا فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ أَيْضًا فَلَا يَخْلُو الْجَوَابُ عَنْ مُعَارَضَةٍ مَا (ثُمَّ الثَّابِتُ مِنْ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً الْإِعْتَاقُ) يُرِيدُ بَيَانَ رُجْحَانِ مَا فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً الْإِعْتَاقُ (وَالثَّابِتُ فِي الْأُمِّ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، وَفِي الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ حَقُّ الدَّعْوَةِ وَالْحَقُّ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ) لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَنُوقِضَ بِالْمَالِكِ الْقَدِيمِ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ، فَإِنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَلِلْمُشْتَرِي حَقِيقَتُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَرْجِيحٍ بَلْ هُوَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ فِيهَا شُبْهَةٌ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى تَمَلُّكِ أَهْلِ الْحَرْبِ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِنَا بِدَرَاهِمَ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَانْحَطَّتْ عَنْ دَرَجَةِ الْحَقَائِقِ، فَقُلْنَا: يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا انْتَهَى. أَقُولُ: النَّقْضُ مَعَ جَوَابِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ وَلَهُمَا وَجْهٌ صَحِيحٌ. وَأَمَّا النَّظَرُ مَعَ جَوَابِهِ فَمِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَلَيْسَا بِصَحِيحَيْنِ، أَمَّا النَّظَرُ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ، أَلَا يَرَى أَنَّا نَجْمَعُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ فِي الْعَمَلِ مَعَ تَقَرُّرِ بَقَاءِ رُجْحَانِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِحَالِهِ. وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الرُّجْحَانِ عِنْدَ تَعَارُضِ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ بِأَنْ لَا يُمْكِنَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ بِخِلَافِنَا فِي مَسْأَلَةِ تَمَلُّكِ أَهْلِ الْحَرْبِ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِنَا بِدَرَاهِمَ هُوَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الزَّمَانِ عَنْ اجْتِهَادِ أَئِمَّتِنَا فَكَيْفَ يُوقِعُ اجْتِهَادُهُ شُبْهَةً فِيمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ حَتَّى تَنْحَطَّ بِهَا هَذِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ دَرَجَةِ الْحَقَائِقِ عِنْدَ

وَالتَّدْبِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَقَدْ ثَبَتَ بِهِ بَعْضُ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَهُ يُرَدُّ بِكُلِّ الثَّمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ. قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، وَمَا لَهُ مِنْ حَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَئِمَّتِنَا فَيَصِحُّ بِنَاءُ الْجَوَابِ عَلَيْهِ (وَالتَّدْبِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ فِي صَدْرِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ (لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَقَدْ ثَبَتَ بِهِ بَعْضُ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ) وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ (وَقَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلُهُمَا) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ فَهُوَ ابْنُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (يُرَدُّ بِكُلِّ الثَّمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ) قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُرَدُّ بِمَا يَخُصُّ الْوَلَدَ مِنْ الثَّمَنِ لَا بِكُلِّ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. بِخِلَافِ فَصْلِ الْمَوْتِ. وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ كَذَّبَ الْقَاضِي الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ حِينَ جَعَلَهَا مُعْتَقَةَ الْمُشْتَرِي أَوْ مُدَبَّرَتَهُ فَلَمْ يَبْقَ لِزَعْمِهِ عِبْرَةٌ. وَأَمَّا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَبِمَوْتِهَا لَمْ يَجِدْ الْحُكْمَ بِخِلَافِ مَا زَعَمَ الْبَائِعُ فَبَقِيَ زَعْمُهُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ فَرَدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَكِنْ قَالُوا: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْأُصُولِ، وَكَيْفَ يَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَبْطُلْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَلَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ. قُلْنَا: الْوَلَدُ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَهُوَ حَادِثٌ قَبْلَ الْقَبْضِ لِثُبُوتِ عُلُوقِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَلِهَذَا كَانَ لِلْبَائِعِ سَبِيلٌ مِنْ فَسْخِ هَذَا الْبَيْعِ بِالدَّعْوَةِ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْبَائِعُ وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ هَاهُنَا بِالدَّعْوَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ) أَيْ كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ (وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي (مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ) أَيْ الْوَلَدُ ابْنُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ (وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) أَيْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي (لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالَهُ) أَيْ وَمَا لِلْبَائِعِ (مِنْ حَقِّ

الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْقَضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ كَانَتْ الدَّعْوَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَيُنْقَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَتَصِحُّ الدَّعْوَةُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ عَلَى مَا مَرَّ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَصَارَ كَإِعْتَاقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ) أَيْ لِأَجْلِ مَا لِلْبَائِعِ مِنْ حَقِّ الدَّعْوَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا) أَيْ وَكَحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ الْحُكْمُ (إذَا كَاتَبَ الْوَلَدَ) أَيْ إذَا كَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ (أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ) أَيْ كَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا مَعَ وَلَدِهَا (أَوْ رَهَنَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ كَانَتْ الدَّعْوَةُ) أَيْ ثُمَّ وُجِدَتْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ (لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ تَحْتَمِلُ النَّقْضَ) كَالْبَيْعِ (فَيَنْتَقِضُ ذَلِكَ كُلُّهُ) أَيْ فَتَنْتَقِضُ تِلْكَ الْعَوَارِضُ كُلُّهَا ذَكَرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ وَالضَّمِيرَ بِتَأْوِيلِ مَا ذَكَرَ (وَتَصِحُّ الدَّعْوَةُ) لِكَوْنِهَا مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ) فَإِنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْضَ (عَلَى مَا مَرَّ) آنِفًا (بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ) أَيْ الْوَلَدَ (الْمُشْتَرِي أَوْ لَا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَصَارَ كَإِعْتَاقِهِ) أَيْ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الثَّابِتُ بِالْإِعْتَاقِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَبِالدَّعْوَةِ حَقُّهَا فَأَنَّى يَتَسَاوَيَانِ. وَأَمَّا الدَّعْوَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَمِنْ الْبَائِعِ فَيَتَسَاوَيَانِ فِي أَنَّ الثَّابِتَ بِهِمَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَأَيْنَ الْمُرَجِّحُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالدَّعْوَةِ فِي عَدَمِ احْتِمَالِ النَّقْضِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ أَلْبَتَّةَ، وَتَرْجِيحُ دَعْوَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى دَعْوَةِ الْبَائِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَلَدَ قَدْ اسْتَغْنَى بِالْأُولَى عَنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي وَقْتٍ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فِي السُّؤَالِ الثَّابِتِ بِالْإِعْتَاقِ حَقِيقَةَ الْحُرِّيَّةِ وَبِالدَّعْوَةِ حَقَّهَا بِأَنْ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ أَيْضًا بَلْ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ كَمَا سَيَجِيءُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا مُنْدَفِعٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالدَّعْوَةِ لِلْوَلَدِ، وَمُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّعْوَةِ لِلْبَائِعِ حَقُّهَا؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَلَامِ فِي جِنْسِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ، عَلَى أَنَّ التَّرْجِيحَ هَلْ هُوَ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ أَوْ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّعْوَةِ لِلْبَائِعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إنَّمَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ فِي الْوَلَدِ وَحَقُّ الِاسْتِيلَادِ فِي الْأُمِّ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ وَتَقَرَّرَ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ لِتَأَدِّيهِ إلَى الْحُرِّيَّةِ، وَكَذَا الْحَالُ بِالنَّظَرِ إلَى دَعْوَةِ الْمُشْتَرِي فَانْتَظَمَ السُّؤَالُ

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ وَلَدَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ عُلُوقُ الثَّانِي حَادِثًا لِأَنَّهُ لَا حَبَلَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ غُلَامَانِ تَوْأَمَانِ وُلِدَا عِنْدَهُ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الَّذِي فِي يَدِهِ فَهُمَا ابْنَاهُ وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَهُ لِمُصَادَفَةِ الْعُلُوقِ وَالدَّعْوَةِ مِلْكَهُ إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيهِ ثَبَتَ بِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِيهِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ الْآخَرِ، وَحُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِيهِ ضَرُورَةٌ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي وَشِرَاءَهُ لَاقَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ فَبَطَلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَوَابُ وَإِنْ كَانَ فِي تَقْرِيرِهِ نَوْعُ ضِيقٍ وَاضْطِرَابٍ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ) التَّوْأَمُ اسْمٌ لِلْوَلَدِ إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، يُقَالُ هُمَا تَوْأَمَانِ كَمَا يُقَالُ هُمَا زَوْجَانِ، وَقَوْلُهُمْ هُمَا تَوْأَمٌ وَهُمَا زَوْجٌ خَطَأٌ، وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى تَوْأَمَةٌ، وَكَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَلَكِنَّ الْإِمَامَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ذِكْرَ التَّوْأَمِ مَكَانَ التَّوْأَمَيْنِ صَحِيحٌ فِي اللُّغَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: غُلَامَانِ تَوْأَمٌ، وَغُلَامَانِ تَوْأَمَانِ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) أَيْ ثَبَتَ نَسَبُ التَّوْأَمَيْنِ مَعًا مِمَّنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِهِمَا (لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ) ، وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ (لِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ وَلَدَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ عُلُوقُ الثَّانِي حَادِثًا) أَيْ بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ (لِأَنَّهُ لَا حَبَلَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عُلُوقُ الثَّانِي عَلَى عُلُوقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا إذَا حَبِلَتْ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِدَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا مَعْلُومًا فِي غَيْرِ هَذَا الْفَنِّ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: ذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صُورَةِ بَيْعِ أَحَدِهِمَا وَدَعْوَى النَّسَبِ فِي الْآخَرِ بَعْدَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي انْتَهَى. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: إنَّمَا أَعَادَ لَفْظَ الْجَامِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ وُلِدَا عِنْدَهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى كَوْنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي انْتَهَى (إذَا كَانَ فِي يَدِهِ غُلَامَانِ تَوْأَمَانِ وُلِدَا عِنْدَهُ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الَّذِي فِي يَدِهِ فَهُمَا ابْنَاهُ وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي) وَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَالْعِتْقُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَتْحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْلِيلِ (لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَهُ لِمُصَادَفَةِ الْعُلُوقِ وَالدَّعْوَةِ مِلْكَهُ إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيهِ) أَيْ فِي أَنْ يُصَادِفَ الْعُلُوقُ وَالدَّعْوَةُ مِلْكَهُ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: وُلِدَا عِنْدَهُ إشَارَةٌ إلَى مُصَادَفَةِ الْعُلُوقِ مِلْكَهُ، وَفِي قَوْلِهِ: ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الَّذِي فِي يَدِهِ تَصْرِيحٌ بِمُصَادَفَةِ الدَّعْوَى مِلْكَهُ (ثَبَتَ بِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ) جَوَابٌ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَهُ: أَيْ ثَبَتَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِي هَذَا الْوَلَدِ (فَيَثْبُتُ نَسَبُ الْآخَرِ) أَيْ فَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ الْآخَرِ الَّذِي كَانَ بَاعَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي (وَحُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِيهِ) أَيْ وَيَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ أَيْضًا (ضَرُورَةً لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ) وَهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ (فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي وَشِرَاءَهُ لَاقَى حُرَّ الْأَصْلِ فَبَطَلَ) أَيْ فَبَطَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِتْقِهِ وَشِرَائِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَكَانَ هَذَا نَقْضَ الْإِعْتَاقِ بِأَمْرٍ

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا لِأَنَّ هُنَاكَ يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِيهِ مَقْصُودًا لِحَقِّ دَعْوَةِ الْبَائِعِ وَهُنَا ثَبَتَ تَبَعًا لِحُرِّيَّتِهِ فِيهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فَافْتَرَقَا (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوْقَهُ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ انْتَهَى (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ) حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِيهِ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَى الْبَائِعِ نِسْبَةً كَمَا مَرَّ (لِأَنَّ هُنَاكَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ (يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَلَدِ (مَقْصُودًا) يَعْنِي لَوْ صَحَّتْ الدَّعْوَةُ مِنْ الْبَائِعِ هُنَاكَ لَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي الْوَلَدِ مَقْصُودًا (لِحَقِّ دَعْوَةِ الْبَائِعِ) وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ حَقَّ الدَّعْوَةِ لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْإِعْتَاقِ (وَهَاهُنَا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْأَمَيْنِ (يَثْبُتُ تَبَعًا لِحُرِّيَّتِهِ فِيهِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ) أَيْ يَثْبُتُ بُطْلَانُ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ تَبَعًا لِحُرِّيَّتِهِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لَا حُرِّيَّةِ التَّحْرِيرِ، فَالضَّمِيرُ فِي حُرِّيَّتِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمُشْتَرَى بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَثْبُتُ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمُشْتَرَى كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لِحُرِّيَّتِهِ، وَإِنَّمَا أَبْدَلَ بِهِ إشَارَةً إلَى سَبْقِهَا لِيَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَالْإِعْتَاقُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ خَلِيقًا بِالرَّدِّ وَالْإِبْطَالِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حِينَئِذٍ تَعْقِيدٌ لَفْظِيٌّ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ حَيْثُ كَانَ حَقُّ الْأَدَاءِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ: وَهَاهُنَا يَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِحُرِّيَّتِهِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَأَنَّ مُتَقَدِّمِي الشُّرَّاحِ هَرَبُوا عَنْهُ حَيْثُ قَالَ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ فِي بَيَانِ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا: أَيْ يَثْبُتُ بُطْلَانُ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِحُرِّيَّةِ الْمُشْتَرَى الَّذِي كَانَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: يَعْنِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَثْبُتُ بُطْلَانُ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي لَا مَقْصُودًا بَلْ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ فِي الَّذِي بَاعَهُ اهـ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِمَّا بَيَّنُوا مِنْ الْمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ يَثْبُتُ بَلْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ الْكَائِنَةُ أَوْ الثَّابِتَةُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّعْقِيدُ أَقُولُ: لَعَلَّ الْمَحْذُورَ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ أَنْ تُضَافُ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْمُشْتَرَى لَا يَبْقَى احْتِمَالُ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: تَثْبُتُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنْ لَوْ كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَهَاهُنَا يَثْبُتُ تَبَعًا لِلْحُرِّيَّةِ فِيهِ بِدُونِ الْإِضَافَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (فَافْتَرَقَا) أَيْ فَافْتَرَقَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّوْأَمَيْنِ، وَمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا حَيْثُ لَزِمَ بُطْلَانُ الْعِتْقِ هُنَاكَ أَصَالَةً وَقَصْدًا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَلَا يَثْبُتُ أَصَالَةً وَقَصْدًا. قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: إلَى هَذَا أَشَارَ قَاضِي خَانْ والمرغيناني فِي فَوَائِدِهِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي جَامِعِهِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ: أَوْ نَقُولُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي الَّذِي يَثْبُتُ مِنْهُ بَلْ يَظْهَرُ بِدَعْوَةِ الْبَائِعِ لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ أَنَّ إعْتَاقَ الْمُشْتَرِي لَمْ يُلَاقِ مَحَلَّهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، وَتَحْرِيرُ الْحُرِّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الثَّابِتِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ (فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ) يَعْنِي أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ قَبْلُ إذَا كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي

عِنْدَهُ، وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيمَا بَاعَ) لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ لِانْعِدَامِ شَاهِدِ الِاتِّصَالِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ: هُوَ ابْنُ عَبْدِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ) أَيْ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ بِمُصَادَفَةِ الدَّعْوَةِ مِلْكَهُ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ لِلْوَلَدِ الْآخَرِ أَيْضًا ضَرُورَةً لِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ لَا يَنْفَكَّانِ نَسَبًا (وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيمَا بَاعَ) وَلَا يَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ (لِأَنَّ هَذِهِ) أَيْ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ هَاهُنَا (دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ) لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ (لِانْعِدَامِ شَاهِدِ الِاتِّصَالِ) أَيْ لِانْعِدَامِ شَاهِدِ اتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْمُدَّعِي حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ، وَمِنْ شَرْطِ دَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْمُدَّعِي (فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ هَذِهِ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَةِ الْمُدَّعِي وَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُمَا فَيُعْتَقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ عَلَيْهِ فَحَسْبُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ حُرِّيَّةِ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ بِعِتْقٍ عَارِضٍ حُرِّيَّةُ الْآخَرِ فَلِهَذَا لَا يُعْتِقُ الَّذِي عِنْدَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ عُلُوقِهِمَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ كَانَتْ دَعْوَتُهُ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ فَكَانَ قَوْلُهُ: هَذَا ابْنِي مَجَازًا عَنْ قَوْلِهِ: هَذَا حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ: هَذَا حُرٌّ كَانَ تَحْرِيرًا مُقْتَصِرًا عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَكَذَا دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ، أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ فَكَانَ قَوْلُهُ: هَذَا ابْنِي مَجَازًا عَنْ قَوْلِهِ: هَذَا حُرٌّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا ثَبَتَ نَسَبُ أَحَدٍ مِنْ الْوَالِدَيْنِ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إعْمَالِ الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِثُبُوتِ نَسَبِهِمَا مِنْهُ. وَتَفْصِيلُ الْمَقَامِ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ: هَذَا ابْنِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ بِالْمِلْكِ ثَابِتَةٌ وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ مِنْهُ. وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ النَّسَبُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ وَيَعْتِقُ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي مَجَازِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إعْمَالِهِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَإِنْ قَالَ لِغُلَامٍ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ: هَذَا ابْنِي عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. لَهُمْ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ فَيُرَدُّ وَيَلْغُو. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجَوُّزًا، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةِ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ انْتَهَى. فَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِيمَا إذَا قَالَ لِغُلَامٍ: هَذَا ابْنِي إنَّمَا يَكُونُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ: أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ مِمَّنْ وُلِدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَلَكِنْ يَجْرِي اللَّفْظُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَأَمَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَيَصِيرُ اللَّفْظُ مَحْمُولًا عَلَى مَجَازِهِ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِمَا فَلَمْ تُوجَدْ صُورَةٌ فِيهَا النَّسَبُ وَيَكُونُ اللَّفْظُ مَجَازًا فَلَمْ يَصِحَّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ قَالَ) أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ (هُوَ) أَيْ الصَّبِيُّ (ابْنُ عَبْدِي

فُلَانٍ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا وَإِنْ جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: إذَا جَحَدَ الْعَبْدُ فَهُوَ ابْنُ الْمَوْلَى) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: هُوَ ابْنُ فُلَانٍ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ. لَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْعَبْدِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَالْهَزْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانٍ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ) أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الصَّبِيُّ ابْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ (أَبَدًا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: يَعْنِي سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ الْغَائِبُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ تَصْدِيقٌ وَلَا تَكْذِيبٌ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: يَعْنِي وَإِنْ جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ ابْنَهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى اسْتِدْرَاكُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَإِنْ جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ) سِيَّمَا عَلَى مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّأْكِيدِ تَقْرِيرًا لِكَوْنِ الْمَعْنَى هَذَا لَكِنَّ فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ إلَى كَوْنِ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا: أَيْ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا حَالًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا حَيْثُ قَالَ فِي تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُ عَبْدِهِ فُلَانٍ أَوْ ابْنُ فُلَانٍ الْغَائِبِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا حَالًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا انْتَهَى. أَقُولُ: الْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا هَذَا الْمَعْنَى لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا انْدِفَاعُ الِاسْتِدْرَاكِ الْمَذْكُورِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَثَانِيهَا أَنَّ الْأَبَدَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهُ وَهُوَ عُمُومُ الْأَوْقَاتِ وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَصِيرُ مَصْرُوفًا عَنْهُ إلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ كَمَا تَرَى. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ فَائِدَةُ تَقْيِيدِ فُلَانٍ بِالْغَائِبِ فِي وَضْعِ مَسْأَلَتِنَا دُونَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ سِيَّانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ: أَعْنِي التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَالسُّكُوتَ عَنْهُمَا، إذْ يُتَصَوَّرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ فِي وَقْتٍ مَا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْغَائِبِ عَلَى إرَادَةِ عُمُومِ الْأَحْوَالِ. وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى: أَعْنِي الْحَالَ وَالْأَوْقَاتَ الْمُسْتَقْبَلَةَ فَهُمَا: أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ مُتَفَاوِتَانِ حَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ الْجُحُودُ مِنْ الْغَائِبِ فِي حَالٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِ فِيهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِأَنْ يَعْلَمَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْضُرَ، بِخِلَافِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجُحُودُ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُمَا، فَاحْتَمَلَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِعَدَمِ كَوْنِ الصَّبِيِّ ابْنَ الْمُقِرِّ بِوَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْجُحُودُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ الْحَالُ وَلَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ، فَلَوْ أَطْلَقَ فُلَانًا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْغَائِبِ عَلَى إرَادَةِ عُمُومِ الْأَوْقَاتِ لَتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ كَوْنُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ كَوْنِ الْمُقَرِّ لَهُ حَاضِرًا فَقَطْ، وَلَمَّا قَيَّدْنَا بِالْغَائِبِ عُلِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ كَوْنِ الْمُقَرِّ لَهُ غَائِبًا عِبَارَةً، وَثُبُوتُهُ عِنْدَ كَوْنِهِ حَاضِرًا أَيْضًا دَلَالَةً؛ فَظَهَرَ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْغَائِبِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَعَ اتِّفَاقًا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى إطْلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَكِنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الْمَوْلَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَقَالَا: إذَا جَحَدَ الْعَبْدُ فَهُوَ) أَيْ الصَّبِيُّ (ابْنُ الْمَوْلَى) يَعْنِي ادَّعَى الْمَوْلَى لِنَفْسِهِ بَعْدَ جُحُودِ الْعَبْدِ نِسْبَةً كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ) أَيْ إذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الصَّبِيُّ: (هُوَ ابْنُ فُلَانٍ وُلِدَ عَلَى فَرَاشِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (لَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ قَوْلُهُ هُوَ ابْنُ عَبْدِي فُلَانٍ الْغَائِبِ (ارْتَدَّ بِرَدِّ الْعَبْدِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لِأَحَدٍ وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ (وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (أَلَا يُرَى أَنَّهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ (يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَالْهَزْلُ) حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ بِبُنُوَّةِ عَبْدٍ فَأَقَرَّ بِهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَكَذَا لَوْ

فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرَى فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ أَنَا أَعْتَقْتُهُ يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ نَسَبًا ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ فَيَصِيرُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَبَقِيَ فَتَمْتَنِعُ دَعْوَتُهُ، كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبِ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ، حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَرَّ بِهَا هَازِلًا (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرَى) بِفَتْحِ الرَّاءِ (فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ) أَيْ الْمُشْتَرِي: (أَنَا أَعْتَقْتُهُ يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَى الْمُشْتَرِي وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَصْلًا (بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي مَسْأَلَتِنَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِيهِ دَعْوَةُ الْمَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (يَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ إيَّاهُ (نَسَبًا ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ) وَهُوَ لَا يَصِحُّ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ) بَلْ سَكَتَ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِيهِ أَيْضًا دَعْوَةُ الْمَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْ بِالصَّبِيِّ (حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ احْتِمَالِ تَصْدِيقِهِ (فَيَصِيرُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) يَعْنِي أَنَّ الِاحْتِمَالَ جَانَبَ التَّصْدِيقَ تَأْثِيرًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. كَمَا أَنَّ الِاحْتِمَالَ جَانَبَ التَّكْذِيبَ تَأْثِيرًا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ (وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) يَعْنِي وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِقْرَارُ بِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ: أَيْ لَا يَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ، كَمَنْ أَقَرَّ بِهِ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ (فَبَقِيَ) أَيْ فَبَقِيَ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ (فَتَمْتَنِعُ دَعْوَتُهُ) أَيْ فَتَمْتَنِعُ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ بَعْدَ الرَّدِّ أَيْضًا (كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبِ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ) كَالْعِتْقِ وَالْقَرَابَةِ (ثُمَّ ادَّعَاهُ) أَيْ ثُمَّ ادَّعَاهُ الشَّاهِدُ (لِنَفْسِهِ) حَيْثُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبِ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِعُذْرٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ الشَّاهِدُ لَمْ تَصِحَّ انْتَهَى. فَاقْتَفَى الْمُصَنِّفُ أَثَرَهُ فَأَوْرَدَهَا هَاهُنَا كَذَلِكَ. وَأَمَّا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا شَهِدَ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ فَلَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا انْتَهَى (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ (لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ) أَيْ بِالنَّسَبِ (حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ، حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ،

وَكَذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ. وَمَسْأَلَةُ الْوَلَاءِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْوَلَاءُ قَدْ يَبْطُلُ بِاعْتِرَاضِ الْأَقْوَى كَجَرِّ الْوَلَاءِ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ إلَى قَوْمِ الْأَبِ. وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى الْوَلَاءِ الْمَوْقُوفِ مَا هُوَ أَقْوَى وَهُوَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ بِهِ، بِخِلَافِ النَّسَبِ عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمَّا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ بَقِيَ لَهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ وَمَعَ بَقَاءِ حَقِّهِ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ كَمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ، (وَكَذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ) مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجِهِ إلَى النَّسَبِ (فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ وَحَقِّ الْوَلَدِ. هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْرَحَ هَذَا الْمَقَامُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُسَاعِدُهُ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُطَابِقُهُ تَحْرِيرُهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ (وَمَسْأَلَةُ الْوَلَاءِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ اسْتِشْهَادِهِمَا بِمَسْأَلَةِ الْوَلَاءِ بِأَنَّهَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَلَا تَنْتَهِضُ شَاهِدَةً لِمَا قَالَاهُ وَحُجَّةً عَلَى مَا قَالَهُ (وَلَوْ سَلِمَ) أَيْ وَلَوْ سَلِمَ كَوْنُ مَسْأَلَةِ الْوَلَاءِ عَلَى الِاتِّفَاقِ (فَالْوَلَاءُ قَدْ يَبْطُلُ بِاعْتِرَاضِ الْأَقْوَى كَجَرِّ الْوَلَاءِ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ إلَى قَوْمِ الْأَبِ) . صُورَتُهُ: مُعْتَقَةٌ تَزَوَّجَتْ بِعَبْدٍ وَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ كَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ فَكَانَ الْوَلَدُ مُلْحَقًا بِقَوْمِ الْأُمِّ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ إلَى نَفْسِهِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى الْوَلَاءِ الْمَوْقُوفِ) وَهُوَ الْوَلَاءُ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مَوْقُوفًا لِأَنَّهُ عَلَى عَرْضِيَّةِ التَّصْدِيقِ بَعْدَ التَّكْذِيبِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (مَا هُوَ أَقْوَى وَهُوَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ قَائِمٌ فِي الْحَالِ فَكَانَ دَعْوَى الْوَلَاءِ مُصَادِفًا لِمَحَلِّهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ قِيَامُ الْمِلْكِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَكْثَرِ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ كَيْفَ يَقُومُ الْمِلْكُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ مُعْتِقٌ. قَالَ فِي الْكَافِي: إنَّ الْمُشْتَرَى إذَا أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَ مَا بَاعَهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُعْتَقُ عَنْ الْمُقِرِّ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى دَلَالَتُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ إلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الْبَعْضِ. أَقُولُ: بَحْثُهُ ظَاهِرُ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا أَقَرَّ أَوَّلًا بِأَنَّ مَا اشْتَرَاهُ مُعْتَقُ الْبَائِعِ لَا بِأَنَّهُ مُعْتَقُ نَفْسِهِ وَقَدْ كَذَّبَهُ الْبَائِعُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي قِيَامَ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْحَالِ: أَيْ فِي حَالِ الْإِعْتَاقِ لِنَفْسِهِ ثَانِيًا، وَإِنَّمَا لَا يَقُومُ الْمِلْكُ لَهُ فِي الْحَالِ لَوْ كَانَ أَقَرَّ ابْتِدَاءً بِأَنَّهُ مُعْتَقُ نَفْسِهِ، أَوْ كَانَ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مُعْتَقُ الْبَائِعِ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَلَيْسَ فَلَيْسَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فَعَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى كَوْنِ مَسْأَلَةِ الْوَلَاءِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ: وَمَسْأَلَةُ الْوَلَاءِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَبْنِيَّ الْكَلَامِ هَاهُنَا عَلَى تَسْلِيمِ كَوْنِ بُطْلَانِ الْإِقْرَارِ وَتَحَوُّلِ الْوَلَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلَاءِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ سَلِمَ إلَخْ، وَحِينَئِذٍ لَا شَكَّ فِي قِيَامِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي إلَى حَالِ دَعْوَى الْإِعْتَاقِ لِنَفْسِهِ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِبَاهِ الْمَقَامِ وَخَلْطِ الْكَلَامِ (فَبَطَلَ بِهِ) أَيْ بَطَلَ الْوَلَاءُ الْمَوْقُوفُ بِاعْتِرَاضِ مَا هُوَ الْأَقْوَى الَّذِي هُوَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي (بِخِلَافِ النَّسَبِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِاعْتِرَاضِ شَيْءٍ أَصْلًا (عَلَى مَا مَرَّ) وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: إنَّ النَّسَبَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَعَلَيْهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ. قَالَ فِي الْكَافِي: بِخِلَافِ النَّسَبِ كَمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ لِاحْتِمَالِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْمُلَاعِنِ انْتَهَى.

وَهَذَا يَصْلُحُ مَخْرَجًا عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ يَبِيعُ الْوَلَدَ وَيَخَافُ عَلَيْهِ الدَّعْوَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ دَعْوَاهُ إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ لِغَيْرِهِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: هُوَ ابْنِي وَقَالَ الْمُسْلِمُ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ فَيَسْتَدْعِي تَعَارُضًا، وَلَا تَعَارُضَ لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ لِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ حَالًا وَشَرَفَ الْإِسْلَامِ مَآلًا، إذْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرَةٌ، وَفِي عَكْسِهِ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا وَحِرْمَانُهُ عَنْ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ اكْتِسَابُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَمَلَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّسَبَ أَلْزَمُ مِنْ الْوَلَاءِ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ فِي الْجُمْلَةِ وَالنَّسَبَ لَا يَقْبَلُهُ أَصْلًا فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ النَّسَبِ عَلَى الْوَلَاءِ (وَهَذَا) أَيْ إقْرَارُ الْبَائِعِ بِنَسَبِ مَا بَاعَهُ لِغَيْرِهِ (يَصْلُحُ مَخْرَجًا) أَيْ حِيلَةً (عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (فِيمَنْ يَبِيعُ الْوَلَدَ وَيَخَافُ عَلَيْهِ) أَيْ يَخَافُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَلَدِ (الدَّعْوَةَ بَعْدَ ذَلِكَ) مِنْ الْبَائِعِ (فَيَقْطَعُ دَعْوَاهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ دَعْوَى الْبَائِعِ (بِإِقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ لِغَيْرِهِ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ: صُورَتُهُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ يَبِيعُهُ وَلَا يَأْمَنُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَدَّعِيَهُ الْبَائِعُ يَوْمًا فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فَيُقِرُّ الْبَائِعُ بِكَوْنِ الصَّبِيِّ ابْنَ عَبْدِهِ الْغَائِبِ حَتَّى يَأْمَنَ الْمُشْتَرِي مِنْ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ بِالدَّعْوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ حِيلَةً عِنْدَهُ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: الْحِيلَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ أَنَّ هَذَا ابْنُ عَبْدِهِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَكْذِيبٌ فَيَكُونُ مُخْرَجًا عَنْ قَوْلِ الْكُلِّ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: هُوَ ابْنِي وَقَالَ الْمُسْلِمُ: هُوَ عَبْدِي فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ حُرٌّ) وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا: هُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَتَانِ مَعًا، فَكَانَ قَوْلُهُ مَعًا إشَارَةً إلَى أَنَّ دَعْوَى الْمُسْلِمِ لَوْ سَبَقَتْ عَلَى دَعْوَى النَّصْرَانِيِّ يَكُونُ عَبْدًا لِلْمُسْلِمِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: (لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (فَيَسْتَدْعِي تَعَارُضًا) يَعْنِي أَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ أَيْنَمَا كَانَ وَالتَّرْجِيحُ يَسْتَدْعِي تَعَارُضًا (وَلَا تَعَارُضَ) أَيْ لَا تَعَارُضَ هَاهُنَا لِأَنَّ التَّعَارُضَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ هَاهُنَا (لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ) يَعْنِي أَنَّ النَّظَرَ لِلصَّبِيِّ وَاجِبٌ وَنَظَرَهُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْفَرُ (لِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ حَالًا وَشَرَفَ الْإِسْلَامِ مَآلًا إذْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرَةٌ، وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ وَفِي عَكْسِ مَا ذَكَرْنَاهُ (الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا) أَيْ يَنَالُ الْحُكْمَ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا (وَحِرْمَانُهُ عَنْ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ اكْتِسَابُهَا) أَيْ لَيْسَ فِي وُسْعِ الصَّبِيِّ اكْتِسَابُ الْحُرِّيَّةِ فَانْتَفَى الْمُسَاوَاةُ، كَذَا رَأَى أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ، وَهُوَ الْحَقِيقُ عِنْدِي أَيْضًا بِأَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ شَرْحِ الْمَقَامِ بِهَذَا الْمِنْوَالِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] وَدَلَائِلُ التَّوْحِيدِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لَكِنَّ الْإِلْفَ بِالدِّينِ مَانِعٌ قَوِيٌّ؛ أَلَا يَرَى إلَى كُفْرِ آبَائِهِ مَعَ ظُهُورِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَضَانَةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَوْ يُخَافُ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ لِلنَّظَرِ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ الضَّرَرِ بَعْدَهُ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] بِأَنْ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ خَيْرًا مِنْ الْإِشْرَاكِ حَتَّى يُخَالَفَ، بَلْ نَقُولُ: كَمَا أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ كَذَلِكَ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ خَيْرٌ مِنْ ذُلِّ الرِّقِّيَّةِ، وَكَسْبُ الْإِسْلَامِ فِي وُسْعِهِ دُونَ كَسْبِ الْحُرِّيَّةِ، فَالنَّظَرُ لِلصَّبِيِّ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِحُرِّيَّتِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ بِمُجَرَّدِ دَلَالَةِ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْإِيمَانِ خَيْرٌ مِنْ صِفَةِ الْإِشْرَاكِ حَتَّى يُفِيدَ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا خَيْرٌ مِنْ الْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا. أَمَّا عَلَى كَوْنِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} [البقرة: 221] وقَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] مَحْمُولَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا: أَعْنِي الرَّقِيقَ وَالرَّقِيقَةَ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ بَعْضِ كِبَارِ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ الْمَقَامِ مِنْ النَّظْمِ الشَّرِيفِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ خَسَاسَةُ الرِّقِّ خَيْرٌ مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ، فَإِنَّ شَرَفَهَا لَا يُجْدِي نَفْعًا مَعَ الْكُفْرِ، وَدَنَاءَةُ الرِّقِّ لَا تَضُرُّ مَعَ شَرَفِ الْإِيمَانِ انْتَهَى، فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى كَوْنِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِيهِمَا بِمَعْنَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَمَتِهِ عَامَّيْنِ لِلْحُرِّ وَالْحُرَّةِ أَيْضًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَأَضْرَا بِهِ حَيْثُ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ: أَيْ وَلَا امْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ مَمْلُوكَةً، وَكَذَلِكَ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَإِمَاؤُهُ انْتَهَى، فَلِأَنَّ الرَّقِيقَ الْمُؤْمِنَ يَنْدَرِجُ حِينَئِذٍ فِي عَبْدٍ مُؤْمِنٍ قَطْعًا فَيَكُونُ خَيْرًا مِنْ مُشْرِكٍ وَإِنْ كَانَ حُرًّا، وَدَلَالَةُ ظَاهِرِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ النَّائِلَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ مَعَ كَوْنِ كَسْبِ الْإِيمَانِ فِي وُسْعِهِ خَيْرٌ مِنْ الرَّقِيقِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا مَعَ حِرْمَانِهِ عَنْ الْحُرِّيَّةِ فَتُفْهَمُ الْمُخَالَفَةُ لِلْكِتَابِ، وَهَذَا تَوْجِيهُ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَلَى وَفْقِ مَرَامِهِ فَلَا يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] يُوجِبُ دَعْوَةَ الْأَوْلَادِ لِآبَائِهِمْ، وَمُدَّعِي النَّسَبِ أَبٌ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَتَعَارَضَتْ الْآيَتَانِ. وَفِي الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَرْحَمَةِ بِالصِّبْيَانِ نَظَرًا لَهَا كَثْرَةٌ فَكَانَتْ أَقْوَى مِنْ الْمَانِعِ، وَكُفْرُ الْآبَاءِ جُحُودٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ؛ أَلَا يَرَى إلَى انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ فِي الْآفَاقِ، وَبِتَرْكِ الْحَضَانَةِ لَا يَلْزَمُ رِقٌّ فَيُقْلَعُ مِنْهَا، بِخِلَافِ تَرْكِ النَّسَبِ هَاهُنَا فَإِنَّ الْمَصِيرَ بَعْدَهُ إلَى الرِّقِّ وَهُوَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ كَوْنَ مُدَّعِي النَّسَبِ أَبًا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فَذِكْرُهُ هَاهُنَا مُؤَدٍّ إلَى الْمُصَادَرَةِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ دَعْوَتَهُ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ دَعْوَتَهُ إنَّمَا لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَقْبُولَةً بِحَسَبِ الشَّرْعِ رَاجِحَةً عَلَى دَعْوَى الْمُسْلِمِ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: وَفِي الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَرْحَمَةِ بِالصِّبْيَانِ نَظَرٌ لَهَا كَثْرَةٌ فَكَانَتْ أَقْوَى مِنْ الْمَانِعِ كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَرْحَمَةِ بِالصِّبْيَانِ وَالنَّظَرِ لَهُمْ مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ مَا يُؤَدِّي إلَى الْإِلْفِ بِالْكُفْرِ الْمَانِعِ عَنْ الْإِسْلَامِ مُنَافٍ لِلْمَرْحَمَةِ بِهِمْ وَلِلنَّظَرِ لَهُمْ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَكَانَتْ أَقْوَى مِنْ الْمَانِعِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْكِفَايَةِ وَتَاجَ الشَّرِيعَةِ قَالَا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَعَارُضَ: أَيْ بَيْنَ دَعْوَى الرِّقِّ وَدَعْوَى النَّسَبِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِوَاحِدٍ وَابْنًا لِآخَرَ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُمَا أَخَذَا هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: هُوَ ابْنِي وَقَالَ الْمُسْلِمُ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ إذَا ادَّعَيَا مَعًا، وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمَا الْبُنُوَّةَ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى. وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ اسْتَوَيَا فَتَرَجَّحَ الْمُسْلِمُ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنَّسَبِ مِنْ الْمُسْلِمِ قَضَاءٌ بِإِسْلَامِهِ، وَفِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ: أَيْ دَعْوَى الرِّقِّ وَدَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِوَاحِدٍ وَابْنًا لِآخَرَ حَتَّى يَثْبُتَ التَّرْجِيحُ بِالْإِسْلَامِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَدَّعِيهِ النَّصْرَانِيُّ فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ بُنُوَّةُ الصَّبِيِّ لَهُ حُرًّا لَا مُطْلَقَ بُنُوَّتِهِ لَهُ، وَأَنَّ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ لَهُ هُوَ ثُبُوتُ نَسَبِ الصَّبِيِّ

(وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمَا دَعْوَةَ الْبُنُوَّةِ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى) تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْفَرُ النَّظَرَيْنِ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ تَجُزْ دَعْوَاهَا حَتَّى تَشْهَدَ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ لِأَنَّهَا تَدَّعِي تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ حُرًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ لَا ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْهُ عَبْدًا لِلْآخَرِ وَإِلَّا لَلَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا وَالْحُكْمُ لَهُمَا مَعًا، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا رَأْسًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَ دَعْوَى الرِّقِّ وَبَيْنَ دَعْوَى النَّسَبِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ تَعَارُضًا بَيِّنًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. ثُمَّ إنَّ فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مَانِعًا آخَرَ عَنْ الْحَمْلِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ إلَخْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَا تَعَارَضَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مُرَادِهِ بِوَجْهِ عَدَمِ التَّعَارُضِ هَذَا الْمَعْنَى، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ غَيَّرَ تَحْرِيرَ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ عَلَى وَجْهِ التَّنْوِيرِ، أَلَا يَرَى أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْإِسْلَامِ وَاجِبٌ فِي النَّسَبِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَنَظَرُ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ إلَخْ. أَمَّا صَاحِبُ الْكِفَايَةِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى شَرْحِهِ الْمَذْكُورِ شَيْئًا آخَرَ فَكَأَنَّهُ غَافِلٌ بِالْكُلِّيَّةِ. وَأَمَّا تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَقَدْ تَنَبَّهَ لِهَذَا وَتَدَارَكَهُ حَيْثُ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ لَا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْمُعَارَضَةِ، وَقَالَ: كَذَا سَمِعْته مِنْ الْإِمَامِ الْأُسْتَاذِ انْتَهَى. لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ حُرٌّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ فَيَسْتَدْعِي تَعَارُضًا وَلَا تَعَارُضَ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ إلَخْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لَكَانَ دَلِيلًا ثَانِيًا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ بِالْوَاوِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الثَّانِي عَلَى تَعْلِيلِ الْمُعَلَّلِ فَتَأَمَّلْ (وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمَا) أَيْ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ (دَعْوَةَ الْبُنُوَّةِ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْفَرُ النَّظَرَيْنِ) أَيْ لِلصَّبِيِّ. وَنُوقِضَ هَذَا بِغُلَامٍ نَصْرَانِيٍّ بَالِغٍ ادَّعَى عَلَى نَصْرَانِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَمُسْلِمَةٌ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بَيِّنَةً فَقَدْ تَسَاوَتْ الدَّعْوَتَانِ مَعَ أَنَّ بَيِّنَةَ الْغُلَامِ أَوْلَى وَلَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ الْإِسْلَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ لَكِنْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ الْغُلَامِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ يُثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنْفَعَةِ فِي النَّسَبِ لِلْوَلَدِ دُونَ الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَيَّرُ بِعَدَمِ الْأَبِ الْمَعْرُوفِ وَالْوَالِدَانِ لَا يُعَيَّرَانِ بِعَدَمِ الْوَلَدِ، وَبَيِّنَةُ مَنْ يُثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي التَّرْجِيحِ لَا مَحَالَةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَقَوَّى بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» لِأَنَّهُ أَشْبَهُ الْمُدَّعِيَيْنِ لِكَوْنِهِ يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَقَوَّى هَذَا بِذَلِكَ النَّصِّ فَقَدْ تَقَوَّى رُجْحَانُ الْإِسْلَامِ بِأَلْفِ نَصٍّ، مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» . (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهَا حَتَّى تَشْهَدَ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: اقْتِفَاءُ أَثَرِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فِي تَقْيِيدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ) وَادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ هَذَا الزَّوْجِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ (لِأَنَّهَا تَدَّعِي تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ) وَهُوَ الزَّوْجُ (فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ) يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْصِدُ إلْزَامَ النَّسَبِ عَلَى الزَّوْجِ وَالْإِلْزَامُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْحُجَّةِ، وَسَبَبُ لُزُومِ النَّسَبِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَهُوَ النِّكَاحُ لَكِنَّ الْحَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ وَالنِّكَاحِ

بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ يُحَمِّلُ نَفْسَهُ النَّسَبَ، ثُمَّ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ كَافِيَةٌ فِيهَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ. أَمَّا النَّسَبُ فَيَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ» (وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً قَالُوا: يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تُوجِبُ الْوِلَادَةَ لَا مَحَالَةَ، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ وَتَعْيِينُ الْوَلَدِ إلَّا بِحُجَّةٍ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُجَّةٍ. كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (بِخِلَافِ الرَّجُلِ) أَيْ الزَّوْجِ حَيْثُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَةِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ أَحَدٍ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ (لِأَنَّهُ يُحَمِّلُ نَفْسَهُ النَّسَبَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: تَحَمَّلَ عَلَى نَفْسِهِ النَّسَبَ (ثُمَّ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ كَافِيَةٌ فِيهَا) أَيْ فِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ (لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ) بِأَنَّهُ الَّذِي وَلَدَتْهُ تِلْكَ الْمَرْأَةُ وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِيهِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ النِّسَاءِ (أَمَّا النَّسَبُ فَيَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ) يَعْنِي أَمَّا النَّسَبُ فَيَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ فِي الْحَالِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ حَتَّى تَلْزَمَ الْحُجَّةُ التَّامَّةُ (وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ» ) فَكَانَتْ حُجَّةً فِيهَا (وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَكِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَادَّعَتْ النَّسَبَ عَلَى الزَّوْجِ احْتَاجَتْ إلَى حُجَّةٍ تَامَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَقَالَا: يَكْفِي فِي الْجَمِيعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً قَالُوا: يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ أَصْلًا (لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا) وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، هَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى الْمَسْأَلَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا وَقَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ جَازَتْ دَعْوَةُ الْوَلَدِ مِنْهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَمْ تَجُزْ مِنْهَا بِدُونِ الْبَيِّنَةِ. وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ادَّعَى مَعْنًى لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَكُلَّ مَنْ يَدَّعِي مَعْنًى يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ. وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الدُّخُولَ وَكَذَّبَهَا لَا تُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِحَيْضِهَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ لِمَكَانِ الْعَجْزِ عَنْ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ فَفِي مَا نَحْنُ فِيهِ يُمْكِنُ لِلْمَرْأَةِ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ انْفِصَالَ الْوَلَدِ مِنْهَا مِمَّا يُشَاهَدُ وَيُعَايَنُ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ بَيِّنَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِعْلَاقِ وَالْإِحْبَالِ لِمَكَانِ الْخَفَاءِ وَالتَّغَيُّبِ عَنْ عُيُونِ النَّاظِرِينَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الرَّجُلَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إثْبَاتُ الْإِعْلَاقِ وَالْإِحْبَالِ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُهُ

(وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهُمَا مِنْهُ وَصَدَّقَهَا فَهُوَ ابْنُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ نَسَبَهُ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ الْحُجَّةِ. (وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي أَيْدِيهِمَا وَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُمَا لِقِيَامِ أَيْدِيهِمَا أَوْ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ ثَوْبٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ صَاحِبِهِ يَكُونُ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَدْخُلُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَهَاهُنَا لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتُ النَّسَبِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ: مِنْهَا النَّسَبُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ادِّعَاءِ الرَّجُلِ وَلَدًا أَنَّهُ ابْنُهُ وَثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ ثُبُوتُ وُقُوعِ الْإِعْلَاقِ وَالْإِحْبَالِ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِلَّا لَمَا تَيَسَّرَ إثْبَاتُ دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ مِنْ الرَّجُلِ أَصْلًا: أَيْ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ شَرْعِيٌّ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُ الْإِعْلَاقِ وَالْإِحْبَالِ قَطْعًا، مَعَ أَنَّ مَسَائِلَ التَّنَازُعِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فِي بُنُوَّةِ وَلَدٍ وَإِثْبَاتِهَا شَرْعًا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ادِّعَاءِ الرَّجُلِ بُنُوَّةَ وَلَدٍ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْهُ دُونَ ثُبُوتِ وُقُوعِ الْإِعْلَاقِ وَالْإِحْبَالِ مِنْهُ، فَلَمَّا أَمْكَنَهُ إثْبَاتُ نَسَبِهِ مِنْهُ لَزِمَهُ أَيْضًا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ لِلْفَرْقِ الْمَزْبُورِ مِمَّا لَا يُجْدِي فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُدَّعِي مِمَّا يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَ الْمُدَّعِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا وُجِدَ هُنَاكَ مَنْ يُكَذِّبُهُ وَيُنْكِرُ مَا ادَّعَاهُ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْبَيَانِ وَمَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنْ كَانَ مَا يُمْكِنُهَا إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا بَيَّنَ إلَّا أَنَّهُ مِمَّا لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُكَذِّبُهَا بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا انْتَهَى. فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِاحْتِيَاجِهَا إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَتَدَبَّرْ (وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ) أَيْ ادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ ابْنُهَا مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ (وَصَدَّقَهَا) أَيْ وَصَدَّقَ (الزَّوْجُ) إيَّاهَا (فَهُوَ ابْنُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ: يَعْنِي لَا حَاجَةَ هَاهُنَا إلَى شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الزَّوْجَ (الْتَزَمَ نَسَبَهُ) أَيْ نَسَبَ الْوَلَدِ (فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ الْحُجَّةِ) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الزَّوْجِ بِلَا دَعْوَى امْرَأَةٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَمَعَ دَعْوَى امْرَأَةٍ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي أَيْدِيهِمَا) أَيْ فِي أَيْدِي الزَّوْجَيْنِ (فَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ زَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّ الصَّبِيَّ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَهُ (وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ وَزَعَمَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ لَهَا (فَهُوَ ابْنُهُمَا) أَيْ كَانَ الصَّبِيُّ ابْنَهُمَا مَعًا هَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ أَيُّهُمَا صَدَّقَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِتَصْدِيقِهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الَّذِينَ كَانَ الْوَلَدُ فِي أَيْدِيهِمَا (لِقِيَامِ أَيْدِيهِمَا أَوْ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ قِيَامَ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بَعْدَ تَعْيِينِ الْوَلَدِ: أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِ وِلَادَتِهِ مِنْ تِلْكَ الزَّوْجَةِ، وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ دَعْوَةُ امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ صَبِيًّا أَنَّهُ ابْنُهَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ مَا لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَفِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الزَّوْجَيْنِ (يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صَاحِبِهِ: يَعْنِي لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ (وَهُوَ نَظِيرُ ثَوْبٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ صَاحِبِهِ) حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ (بَلْ يَكُونُ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا) فَكَذَا هُنَا (إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَدْخُلُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ) أَيْ يَصِيرُ مَا حَصَلَ لِلْمُقِرِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ نِصْفَانِ (لِأَنَّ الْمَحَلَّ) وَهُوَ الثَّوْبُ (يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَهُنَا لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاقَضَةَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ غَيْرُ مَانِعَةٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، حَتَّى أَنَّ

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ يُخَاصِمُ) لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ الْمَغْرُورَ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّبِيَّ إذَا كَانَ فِي يَدِ امْرَأَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ ابْنِي مِنْكِ مِنْ زِنًا وَقَالَتْ: مِنْ نِكَاحٍ ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: مِنْ نِكَاحٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: هُوَ ابْنِي مِنْ نِكَاحٍ مِنْكِ وَقَالَتْ: هُوَ ابْنُك مِنِّي مِنْ زِنًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ: هُوَ ابْنُك مِنِّي مِنْ نِكَاحٍ يَثْبُتُ لِمَا قُلْنَا: إنَّ الْمُنَاقَضَةَ لَا تُبْطِلُ دَعْوَى النَّسَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ إنَّمَا لَا تَبْطُلُ بِالتَّنَاقُضِ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَلَا مُسَاوَاةَ، فَإِنَّ دَعْوَى النَّسَبِ أَقْوَى مِنْ النَّفْيِ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا: إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا مِنْ فُلَانٍ فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ قَائِمٌ وَهُوَ الْفِرَاشُ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلصَّبِيِّ فَلَا يُقْبَلُ تَصَادُقُهُمَا عَلَى إبْطَالِ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً أَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَدْ وُجِدَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: الَّذِي نُقِلَ عَنْ الْإِيضَاحِ أَوَّلًا مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ بُطْلَانِ دَعْوَى النَّسَبِ بِالتَّنَاقُضِ مَحَلُّ نَظَرٍ مَنْعًا وَنَقْضًا فَتَأَمَّلْ. (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا عِنْدَهُ) يَعْنِي وَلَدَتْ وَلَدًا مِنْ الْمُشْتَرِي (فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ يُخَاصِمُ) وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الشِّرَاءِ أَيِّ سَبَبٍ كَانَ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَسَيُفْهَمُ مِنْ نَفْسِ الْكِتَابِ (لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ، فَإِنَّ الْمَغْرُورَ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ) بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا (أَوْ نِكَاحٍ) عَطْفٌ عَلَى يَمِينٍ. وَالْمَعْنَى أَوْ مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ نِكَاحٍ (فَتَلِدُ مِنْهُ) أَيْ تَلِدُ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَطَؤُهَا (ثُمَّ تُسْتَحَقُّ) بِأَنْ يَظْهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَوْنُهَا أَمَةً، هُنَا تَمَّ تَفْسِيرُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ (وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ: يَعْنِي إنْ كَانَ الْوَلَدُ غُلَامًا فَعَلَى الْأَبِ غُلَامٌ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَعَلَيْهِ جَارِيَةٌ مِثْلُهَا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ. وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يُفَكُّ الْغُلَامُ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ، وَقَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِضَمَانِ مِثْلِهِ دُونَ قِيمَتِهِ يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ مَا ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ لَأَنْ يَكُونَ شَرْحًا وَبَيَانًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ اخْتِلَافٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ دُونَ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُفَكُّ الْغُلَامُ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ. فَحَاصِلُ الشَّرْحِ

وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ رَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا، ثُمَّ الْوَلَدُ حَاصِلٌ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ، فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ (وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ) لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مَالًا لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهُ، وَالْمَالُ لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّهِ فَيَرِثُهُ (وَلَوْ قَتَلَهُ الْأَبُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ) لِوُجُودِ الْمَنْعِ وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ فَأَخَذَ دِيَتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبَيَانُ هَاهُنَا أَنَّ السَّلَفَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ مُرْتَفِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِتَأْوِيلِ كَلَامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَبْيِينُ مَرَامِهِ عَلَى وَفْقِ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ الدَّالُ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ (وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ) إذْ الْمَغْرُورُ بَنَى أَمْرَهُ عَلَى سَبِيلٍ صَحِيحٍ فِي الشَّرْعِ فَاسْتَوْجَبَ النَّظَرَ، وَالْأَمَةُ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ وَالْوَلَدُ مُتَفَرِّعٌ عَنْ مِلْكِهِ فَاسْتَوْجَبَ النَّظَرَ أَيْضًا فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَقَّيْهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَذَا بِأَنْ يَحْيَى حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ فِي مَعْنَى الْمَمْلُوكِ وَيَحْيَى حَقُّ الْمَغْرُورِ فِي صُورَتِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي (فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ رَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا) وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا (ثُمَّ الْوَلَدُ حَاصِلٌ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمَغْرُورِ (مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (فَلَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ) فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَنَا لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ إلَّا بِالْمَنْعِ (فَلِهَذَا) أَيْ فَلِأَنَّ الْمَغْرُورَ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ إلَّا بِالْمَنْعِ (تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ) وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَلَّقُ فِي حَقِّ الْمُسْتَوْلِدِ حُرًّا وَيُعَلَّقُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ رَقِيقًا فَلَا يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْبَدَلِ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَضَاءِ كَذَلِكَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ إنَّمَا يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ إذَا كَانَ الْمَغْرُورُ حُرًّا، أَمَّا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّزَوُّجِ يَكُونُ وَلَدُهُ عَبْدًا لِلْمُسْتَحِقِّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ (لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ) أَيْ لَيْسَ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَتِهِ (لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ) إذْ الْمَنْعُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الطَّلَبِ، فَإِذَا هَلَكَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ ضَمَانِهِ فَلَا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مَالًا) أَيْ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ مَالًا مِيرَاثًا لِأَبِيهِ فَأَخَذَهُ أَبُوهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَتَحَقَّقْ، لَا عَنْ الْوَلَدِ لِمَا مَرَّ وَلَا عَنْ بَدَلِهِ (لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِبَدَلِهِ عَنْهُ) فَلَمْ يَجْعَلْ سَلَامَةَ الْإِرْثِ كَسَلَامَةِ نَفْسِهِ (وَالْمَالُ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ (حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ أَبِيهِ كَمَا مَرَّ (فَيَرِثُهُ) فَإِنْ قِيلَ: الْوَلَدُ وَإِنْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ إلَّا أَنَّهُ رَقِيقٌ فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ. قُلْنَا: الْوَلَدُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي أَيْضًا، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ. وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الرِّقَّ فِي حَقِّهِ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَالْكَافِي. أَقُولُ: يُنَافِي هَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا فَلْيَتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ أَوْ التَّرْجِيحِ (وَلَوْ قَتَلَهُ الْأَبُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ) أَيْ يَضْمَنُهَا (لِوُجُودِ الْمَنْعِ) بِالْقَتْلِ (وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ

لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ لَهُ كَسَلَامَتِهِ، وَمَنْعَ بَدَلِهِ كَمَنْعِهِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا إذَا كَانَ حَيًّا (وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَتَهُ كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ، بِخِلَافِ الْعُقْرِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَخَذَ دِيَتَهُ) أَيْ فَأَخَذَ الْأَبُ دِيَتَهُ (لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِ الْوَلَدِ وَهُوَ دِيَتُهُ لِلْأَبِ (كَسَلَامَتِهِ) أَيْ كَسَلَامَةِ الْوَلَدِ نَفْسِهِ (وَمَنْعَ بَدَلِهِ كَمَنْعِهِ) أَيْ وَمَنْعَ بَدَلِ الْوَلَدِ كَمَنْعِ الْوَلَدِ نَفْسِهِ (فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا إذَا كَانَ حَيًّا) وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْأَبُ دِيَتَهُ مِنْ الْقَاتِلِ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ الْوَلَدَ أَصْلًا: أَيْ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، نَصَّ عَلَيْهِ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ قَضَى لَهُ بِالدِّيَةِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا لَمْ يُؤْخَذْ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا لَمْ يَصِلْ إلَى يَدِهِ مِنْ الْبَدَلِ، فَإِنْ قَبَضَ مِنْ الدِّيَةِ قَدْرَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ تَحَقَّقَ بِوُصُولِ يَدِهِ إلَى الْبَدَلِ فَيَكُونُ مَنْعُهُ قَدْرَ قِيمَةِ الْوَلَدِ كَمَنْعِهِ الْوَلَدَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ (وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْأَبُ بِمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ أَيْ بَائِعَهُ (ضَمِنَ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (سَلَامَتَهُ) أَيْ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ وَلَا عَيْبَ فَوْقَ الِاسْتِحْقَاقِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَيُسَاعِدُهُ تَقْرِيرُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْبَائِعَ ضَامِنٌ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ، إلَّا أَنَّ الْمَبِيعَ فِي مَسْأَلَتِنَا هِيَ الْأُمُّ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، فَكَأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ قَصَدُوا دَفْعَ هَذَا فَقَالُوا فِي بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَتَهُ: يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءُ الْأُمِّ وَالْبَائِعُ قَدْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا بِجُزْئِهِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجُزْءِ مَعْدُومٌ حِينَ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ الْمَعْدُومِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ ضَمَانِ سَلَامَتِهِ عَنْ الْعَيْبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِمَّنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ. وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُطْرَحَ حَدِيثُ الْجُزْئِيَّةِ مِنْ الْبَيِّنِ وَيُقَالُ فِي بَيَانِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ: إنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْوَلَدِ بِوَاسِطَةِ ضَمَانِهِ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ الْأُمُّ عَنْ الْعَيْبِ، فَإِنَّ كَوْنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ غَيْرَ سَالِمٍ عَنْ عَيْبِ الِاسْتِحْقَاقِ عَيْبٌ لِنَفْسِ الْجَارِيَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ مَنَافِعِهَا الِاسْتِيلَادَ وَكَوْنَ وَلَدِهَا مِنْ مَوْلَاهَا حُرَّ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَحَدٌ فَكَانَتْ سَلَامَتُهَا عَنْ الْعَيْبِ مُسْتَلْزِمَةً لِسَلَامَةِ وَلَدِهَا فَضَمَانُ الْبَائِعِ سَلَامَتَهَا ضَمَانٌ لِسَلَامَتِهِ (كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: أَيْ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ فَالضَّمِيرُ لِلْمُشْتَرِي. وَقِيلَ بِثَمَنِ الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَحَقَّ أَوْ بِثَمَنِ الْوَلَدِ لَوْ تُصُوِّرَ شِرَاؤُهُ وَاسْتَحَقَّهُ أَحَدٌ انْتَهَى. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الْمَعْنَى الْوَسْطَانِيَّ حَيْثُ قَالَ: كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ: أَيْ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْأُمُّ لِأَنَّ الْغُرُورَ شَمَلَهَا انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْوَجِيهُ هَاهُنَا، وَلَكِنْ فِي تَذْكِيرِ الضَّمِيرِ هَاهُنَا نَوْعُ عُدُولٍ عَنْ الظَّاهِرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَرَجَعَ بِهَا كَثَمَنِهَا بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ: أَيْ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ كَثَمَنِ الْأُمِّ (بِخِلَافِ الْعُقْرِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَغْرُورَ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِعُقْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْمُسْتَحِقُّ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْعُقْرَ (لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْمَغْرُورَ (لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا) أَيْ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْجَارِيَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ: أَيْ مَنَافِعِ بُضْعِهَا (فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ) إذْ لَوْ رَجَعَ بِهِ سَلَّمَ لَهُ الْمُسْتَوْفَى مَجَّانًا، وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَاطِئِ مَجَّانًا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا.

[كتاب الإقرار]

(كِتَابُ الْإِقْرَارِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] ِ) ذِكْرُ كِتَابِ الدَّعْوَى مَعَ ذِكْرِ مَا يَقْفُوهُ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالصُّلْحِ وَالْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي إذَا تَوَجَّهَتْ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَإِنْكَارُهُ سَبَبٌ لِلْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لِلصُّلْحِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وَبَعْدَمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَالِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالصُّلْحِ فَأَمْرُ صَاحِبِ الْمَالِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ مِنْهُ أَوْ لَا، فَإِنْ اسْتَرْبَحَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ اسْتِرْبَاحَهُ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هُنَاكَ بِمَا قَبْلَهُ، وَذَكَرَ هَاهُنَا اسْتِرْبَاحَهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْبِحْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْفَظَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حِفْظَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَقِيَ حِفْظُهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. ثُمَّ إنَّ مَحَاسِنَ الْإِقْرَارِ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا إسْقَاطُ وَاجِبِ النَّاسِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَقَطْعُ أَلْسِنَتِهِمْ عَنْ مَذَمَّتِهِ. وَمِنْهَا إيصَالُ الْحَقِّ إلَى صَاحِبِهِ وَتَبْلِيغُ الْمَكْسُوبِ إلَى كَاسِبِهِ فَكَانَ فِيهِ إنْفَاعُ صَاحِبِ الْحَقِّ وَإِرْضَاءُ خَالِقِ الْخَلْقِ. وَمِنْهَا إحْمَادُ النَّاسِ الْمُقِرَّ بِصِدْقِ الْقَوْلِ وَوَصْفُهُمْ إيَّاهُ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ وَإِنَالَةِ النَّوْلِ. ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا احْتِيَاجًا إلَى بَيَانِ الْإِقْرَارِ لُغَةً وَشَرِيعَةً، وَبَيَانِ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَرُكْنِهِ وَحُكْمِهِ وَدَلِيلِ كَوْنِهِ حُجَّةً. أَمَّا الْإِقْرَارُ لُغَةً فَهُوَ إفْعَالٌ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ، فَالْإِقْرَارُ إثْبَاتٌ لِمَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْجُحُودِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَأَمَّا شَرِيعَةً فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْإِقْرَارُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَارِ فَكَانَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ مَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا. وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ انْتَهَى. أَقُولُ: لَقَدْ أَصَابَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْإِقْرَارِ لُغَةً وَلَمْ يُصِبْ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ شَرِيعَةً. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ أَخْذَ الْإِقْرَارِ فِي تَعْرِيفِ مَعْنَى الْإِقْرَارِ لُغَةً كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى الْمُصَادَرَةِ مِمَّا يَخْتَلُّ بِهِ الْمَعْنَى، إذْ لَا مَعْنَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَوْنِ إثْبَاتِ مَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمَخْصُوصَيْنِ هُوَ أَحَدُ ذَيْنِك الشَّيْئَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَيْضًا إنَّ الْإِقْرَارَ فِي اللُّغَةِ لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِإِثْبَاتِ مَا تَزَلْزَلَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمَخْصُوصَيْنِ، بَلْ هُوَ عَامٌّ لِإِثْبَاتِ كُلِّ مَا تَزَلْزَلَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَأْخَذُ اشْتِقَاقِهِ وَهُوَ الْقَرَارُ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ يَتَنَاوَلُ الدَّعْوَةَ وَالشَّهَادَةَ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَمْتَازُ الْإِقْرَارُ الشَّرْعِيُّ عَنْهُمَا بِقَيْدٍ لِلْغَيْرِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الدَّعْوَى إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِنَفْسِهِ عَلَى الْغَيْرِ، وَالشَّهَادَةَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا زِيدَ فِي تَعْرِيفِ الْإِقْرَارِ الشَّرْعِيِّ قَيْدٌ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فَعَلَهُ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ يَخْرُجُ عَنْهُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ. وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ وَقِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ فَيَخْتَلُّ التَّعْرِيفُ ثُمَّ أَقُولُ: فِي تَعْرِيفِ الْعَامَّةِ أَيْضًا شَيْءٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ إمَّا إثْبَاتَاتٌ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِمَّا إسْقَاطَاتٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَنَحْوِهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِقِسْمِ الْإِسْقَاطَاتِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ تَعْرِيفُهُمْ الْمَذْكُورُ جَامِعًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمُكْرَهِ لِآخَرَ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُقُوقِ غَيْرُ صَحِيحٍ شَرْعًا عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ تَعْرِيفُهُمْ الْمَزْبُورُ مَانِعًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ كَوْنَ إقْرَارِ الْمُكْرَهِ غَيْرَ صَحِيحٍ شَرْعًا، إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ صَحِيحًا شَرْعًا لَا أَنْ لَا يَكُونَ إقْرَارًا مُطْلَقًا فِي الشَّرْعِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُمْ تَعْرِيفَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ فِي الشَّرْعِ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، وَعَنْ هَذَا تُرَى التَّعْرِيفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ وَالْفَاسِدَ، حَتَّى إنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَرَكُوا قَيْدَ التَّرَاضِي فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعِ بِحَسَبِ الشَّرْعِ لِيَتَنَاوَلَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ كَسَائِرِ الْبَيْعَاتِ الْفَاسِدَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا سَبَبُ الْإِقْرَارِ فَإِرَادَةُ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ بِإِخْبَارِهِ وَإِعْلَامِهِ لِئَلَّا يَبْقَى فِي تَبِعَةِ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا شَرْطُهُ فَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَالْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ مُوجَبُ الْإِقْرَارَ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَظُهُورُ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا ثُبُوتُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتِدَاءً؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالْإِنْشَاءُ يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِنْدَنَا، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كَرَمِهِ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِلَا تَصْدِيقٍ وَقَبُولٍ وَلَكِنْ يَبْطُلُ بِرَدِّهِ، وَالْمُقَرُّ لَهُ إذَا صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ: وَحُكْمُهُ لُزُومُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَعَمَلُهُ إظْهَارُ الْمُخْبَرِ بِهِ لِغَيْرِهِ لَا التَّمْلِيكُ بِهِ ابْتِدَاءً. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ لَا يَمْلِكُهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ الْمُقِرُّ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ يَصِحُّ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمْ يَصِحَّ. وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمْ يَنْفُذْ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَتِهِمْ. وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ابْتِدَاءً كَانَ تَبَرُّعًا مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ. وَأَمَّا دَلِيلُ كَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى الْمُقِرِّ فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَعْقُولِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: 282] بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِمْلَاءِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالْإِمْلَاءِ شَيْءٌ لَمَا أَمَرَ بِهِ وَالْإِمْلَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ، وَأَيْضًا نَهَى عَنْ الْكِتْمَانِ وَهُوَ آيَةٌ عَلَى لُزُومِ مَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي نَهْيِ الشُّهُودِ عَنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ. وقَوْله تَعَالَى {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] بَيَانُهُ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُمْ الْإِقْرَارَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ حُجَّةً لَمَا طَلَبَهُ. وقَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارٌ. " وقَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَيْ شَاهِدٌ بِالْحَقِّ " وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَالْغَامِدِيَّةَ بِاعْتِرَافِهَا» وَقَالَ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَأَثْبَتَ الْحَدَّ بِالِاعْتِرَافِ وَالْحَدِيثَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ حُجَّةً لَمَا طَلَبَهُ وَأَثْبَتَ الْحَدَّ بِهِ وَإِذَا كَانَ حُجَّةً فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي غَيْرِهِ أَوْلَى وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى كَوْنِ الْإِقْرَارِ حُجَّةً مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْخَبَرَ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْأَصْلِ، لَكِنْ ظَهَرَ رُجْحَانُ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ لِوُجُودِ الدَّاعِي إلَى الصِّدْقِ وَالصَّارِفِ عَنْ الْكَذِبِ، لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَحْمِلَانِهِ عَلَى الصِّدْقِ وَيَزْجُرَانِهِ عَنْ الْكَذِبِ، وَنَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ رُبَّمَا تَحْمِلُهُ عَلَى الْكَذِبِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، أَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا فَصَارَ عَقْلُهُ وَدِينُهُ وَطَبْعُهُ دَوَاعِيَ إلَى الصِّدْقِ زَوَاجِرَ عَنْ الْكَذِبِ، فَكَانَ الصِّدْقُ ظَاهِرًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ.

قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِحَقٍّ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِحَقٍّ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْمُقِرَّ (إقْرَاره) أَيْ مُوجَبُ إقْرَارِهِ أَوْ مَا أَقَرَّ بِهِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِمَا إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِحَقٍّ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ، فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الطَّائِعِ أَيْضًا لَا يُقَالُ: تَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ كَوْنِ الطَّوْعِ وَالرِّضَا مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ ظُهُورُهُ بِمَثَابَةِ ظُهُورِ اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَدَارُ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا وَلَمْ يَتْرُكْهُمَا

مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ مَعْلُومًا) اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِوُقُوعِهِ دَلَالَةً؛ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَلْزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّجْمَ بِإِقْرَارِهِ وَتِلْكَ الْمَرْأَةَ بِاعْتِرَافِهَا. وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ لِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ مَعْلُومًا) هَذَا أَيْضًا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَلُزُومِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ) أَرَادَ بِهَذَا، التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِيمَا مَضَى لَا إنْشَاءُ الْحَقِّ ابْتِدَاءً لِئَلَّا يَرِدَ الْإِشْكَالُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِخَمْرٍ لِلْمُسْلِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى كَوْنِ الْإِقْرَارِ إخْبَارًا عَمَّا ثَبَتَ فِيمَا مَضَى لَا إنْشَاءً فِي الْحَالِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِيمَا مَرَّ، وَلَمْ يَرُدَّ بِذَلِكَ تَعْرِيفَ الْإِقْرَارِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ أَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ مَانِعًا عَنْ دُخُولِ الْأَغْيَارِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (وَأَنَّهُ مُلْزِمٌ) أَيْ وَأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْمُقِرِّ مَا أَقَرَّ (بِهِ لِوُقُوعِهِ) أَيْ لِوُقُوعِ الْإِقْرَارِ (دَلَالَةً) أَيْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَعْقُولِ عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ فِيمَا مَرَّ. وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى بَعْضٍ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى كَيْفَ أَلْزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا الرَّجْمَ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا (وَتِلْكَ الْمَرْأَةَ) أَيْ وَكَيْفَ أَلْزَمَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ وَهِيَ الْغَامِدِيَّةُ الرَّجْمَ (بِاعْتِرَافِهَا) أَيْ بِاعْتِرَافِهَا بِالزِّنَا أَيْضًا، فَإِذَا كَانَ مُلْزِمًا فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ يَكُونَ مُلْزِمًا فِي غَيْرِهِ أَوْلَى كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ مَنْعُ إطْلَاقِ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي فَكَانَ مُلْزَمًا فِي حَقِّهِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ دُونَ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِقْرَارُ (حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) أَيْ قَاصِرَةٌ عَلَى نَفْسِ الْمُقِرِّ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ إلَى الْغَيْرِ (لِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقِرِّ نَفْسِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَجْهُولُ الْأَصْلِ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبَّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ لِهَؤُلَاءِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْقَضَاءِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَتَتَعَدَّى إلَى الْكُلِّ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ فَيُنَفَّذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَحْدَهُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوا أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَوْقَ الشَّهَادَةِ بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقُوَّةَ وَالضَّعْفَ وَرَاءَ التَّعْدِيَةِ وَالِاقْتِصَارِ، فَاتِّصَافُ الْإِقْرَارِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى نَفْسِ الْمُقِرِّ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّعَدِّيَةِ إلَى الْغَيْرِ لَا يُنَافِي اتِّصَافَهُ بِالْقُوَّةِ، وَاتِّصَافَهَا بِالضَّعْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيهِ دُونَهَا (وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ (فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ) حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ

لَكِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَيَصِحُّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِوَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَصْبٍ يَصِحُّ (لَكِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَيَصِحُّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَكَأَنَّ هَذَا اعْتِذَارٌ عَنْ قَوْلِهِ إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ، وَلَعَلَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ، وَأَمَّا أَنَّ غَيْرَ الْحُرِّ إذَا أَقَرَّ لَزِمَ أَوْ لَمْ يَلْزَمْ فَسَاكِتٌ عَنْهُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ بِصَحِيحٍ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِلَا خِلَافٍ، حَتَّى أَنَّ الشَّارِحَ الْمَذْكُورَ قَالَ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ بَابِ النَّوَافِلِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: فَإِنْ قِيلَ: التَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ قُلْنَا: ذَلِكَ فِي النُّصُوصِ دُونَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى. فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ هَاهُنَا، وَأَمَّا أَنَّ غَيْرَ الْحُرِّ إذَا أَقَرَّ لَزِمَ أَوْ لَمْ يَلْزَمْ فَسَاكِتٌ عَنْهُ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ لُزُومَ إقْرَارِ غَيْرِ الْحُرِّ وَعَدَمَ لُزُومِهِ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَا يَقْصِدُ نَفْيَ لُزُومِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، إذْ يَرِدُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ اسْتِدْرَاكُ قَيْدِ الْحُرِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ ذِكْرِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِمَعْذِرَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي صِحَّةِ أَقَارِيرِهِمْ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَحَجْرِ الْمَحْجُورِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ دُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِصَحِيحٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ الْعَاقِلُ النَّاظِرُ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا إلَخْ فِي أَنَّ مُرَادَهُ هُوَ الْمَعْذِرَةُ عَنْ ذِكْرِ قَيْدِ الْحُرِّ لَا بَيَانُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْعَبِيدِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا لِبَيَانِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْعَبِيدِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ قَوْلِهِ: وَيَصِحُّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ مَوْقِعٌ، إذْ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمْ بَلْ هُوَ مُخِلٌّ بِهِ لِأَنَّهُمْ مُتَّحِدُونَ فِي صِحَّةِ أَقَارِيرِهِمْ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَالْمَحْمَلُ الصَّحِيحُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى فَرْضِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَعْذِرَةَ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ الْوَاقِعَةِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ بِأَنَّ قَيْدَ الْحُرِّيَّةِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا لَا شَرْطُ صِحَّةِ مُطْلَقِ الْإِقْرَارِ، بِخِلَافِ الْقَيْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ: أَعْنِي الْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ تَأَمَّلْ تَقِفْ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ بَحْثٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ وَقَتْلِ الْخَطَأِ وَقَطْعِ يَدِ الرَّجُلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ وَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى التِّجَارَةِ لَا غَيْرُ، وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إقْرَارِ الْحُرِّ بِتِلْكَ الْأُمُورِ فَكَانَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْحُرِّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ عَلَى الْفَرْضِ وَالْمُبَالَغَةِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ نَافِذٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ، فَمَا مَعْنَى نَفْيِ صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ لَكِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ. لَا يُقَالُ: مُرَادُهُ هَاهُنَا أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ فِي الْحَالِ لَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا فَيُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ مَقْصُودَهُ هَاهُنَا تَوْجِيهُ

لِأَنَّ إقْرَارَهُ عُهِدَ مُوجِبًا لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَبِخِلَافِ الْحَدِّ وَالدَّمِ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي ذَلِكَ، حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَالْمَذْكُورُ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لُزُومُ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا: أَيْ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْحَالِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَأَيْضًا عَدَمُ اللُّزُومِ فِي الْحَالِ يُوجَدُ فِي الْحُرِّ أَيْضًا كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَكَمَا إذَا أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، وَإِذَا مَلَكَهَا يَوْمًا يَلْزَمُهُ وَيُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، عَلَى أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عَدَمُ صِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لَا عَدَمُ لُزُومِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ عَدَمُ صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَتِمُّ التَّوْفِيقُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تُحْمَلَ الصِّحَّةُ هَاهُنَا عَلَى اللُّزُومِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ، فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ، وَكَذَا بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ لَكِنْ لَا يُنَفَّذُ عَلَى الْمَوْلَى لِلْحَالِ حَتَّى لَا تُبَاعَ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ، إلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ لِوُجُودِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ النَّفَاذُ عَلَى الْمَوْلَى لِلْحَالِ لِحَقِّهِ، فَإِذَا عَتَقَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَكَذَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ فِي حَقِّ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَكَوْنُ الْمُقِرِّ حُرًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَصِحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ وَيَنْفُذَ فِي الْحَالِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَفِيمَا فِيهِ تُهْمَةٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ مَوْلًى، وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ لِلْحَالِ، وَأَمَّا إذَا مَلَكَهَا يَوْمًا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا (لِأَنَّ إقْرَارَهُ) أَيْ إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (عُهِدَ) أَيْ عُرِفَ (مُوجِبًا لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ) لِأَنَّ ذِمَّتَهُ ضَعُفَتْ بِالرِّقِّ فَانْضَمَّتْ إلَيْهَا مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (وَهِيَ) أَيْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى لِقُصُورِ الْحُجَّةِ (بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَأْذُونَ (مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِقْرَارِ (مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ إذْنٌ لَهُ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ، إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ انْحَسَمَ عَلَيْهِ بَابُ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُبَايِعُونَهُ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ، إذْ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الِاسْتِشْهَادُ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ يَعْمَلُونَهَا مَعَهُ، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالذَّخِيرَةِ (وَبِخِلَافِ الْحَدِّ وَالدَّمِ) أَيْ الْقِصَاصِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْعَبْدَ (مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْحَدِّ وَالدَّمِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، أَوْ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي الْمُثَنَّى أَيْضًا كَمَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] (حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ

وَلَا بُدَّ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ لَازِمٍ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ، إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ، وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ أَوْ يَجْرَحَ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا أَوْ تَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ بِهِ، بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحِقًّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْآدَمِيَّةُ لَا تَزُولُ بِالرِّقِّ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ لَا يُدْفَعُ مَا لَوْ قِيلَ فِي إقْرَارِهِ بِالْقِصَاصِ إهْلَاكَ رَقَبَتِهِ الَّتِي هِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ انْتَهَى. أَقُولُ: بَلْ ذَلِكَ مَدْفُوعٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِصَاصِ وَإِهْلَاكُ مَالِيَّةِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ بِالتَّبَعِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بِالْقِصَاصِ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَصَالَةً، وَلَا يَضُرُّهُ لُزُومُ إهْلَاكِ مَالِ الْغَيْرِ بِالتَّبَعِ، إذْ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ أَصَالَةً وَذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَالسَّرِقَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ وَالدَّمَ حَقُّهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِمَا فِي الْبَقَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إتْلَافَهُمَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا تَوَهَّمَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ يَتَوَجَّهُ إلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا أَيْضًا وَالْمُخَلَّصُ مَا حَقَقْنَاهُ (وَلَا بُدَّ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ لَازِمٍ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ) فَلَا يَلْزَمُ إقْرَارَهُمَا شَيْءٌ (إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ) فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ (لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ) لَا بِخِيَارِ رَأْيِهِ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ فَيُعْتَبَرُ كَالْبَالِغِ وَالنَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّمْيِيزِ، وَهُمَا شَرْطَانِ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ، وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ بِالْحُقُوقِ كُلِّهَا إلَّا بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ، وَالرِّدَّةُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ تَنْفُذُ مِنْ السَّكْرَانِ كَمَا تَنْفُذُ مِنْ الصَّاحِي، كَذَا فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ الْمُقِرُّ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ (لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُ مَجْهُولًا) يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ مَجْهُولًا (بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ أَوْ يَجْرَحَ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِرَاحَاتِ أَنْ يَسْتَأْنِيَ حَوْلًا فَلَا يَعْلَمُ فِي الْحَالِ مُوجَبَهُ (أَوْ تَبْقَى عَلَيْهِ بَقِيَّةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ) أَيْ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحِسَابِ (عِلْمُهُ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ بِهِ) أَيْ فَيَصِحُّ بِكَوْنِ الْمُقَرِّ بِهِ مَجْهُولًا. فَإِنْ قُلْت: الشَّهَادَةُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ أَيْضًا وَمَعَ ذَلِكَ تُمْنَعُ صِحَّتُهَا بِجَهَالَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. قُلْت: الشَّرْعُ لَمْ يَجْعَلْ الشَّهَادَةَ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ حَقًّا إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهَا، وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ لَا يُتَصَوَّرُ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَمُوجِبٌ بِنَفْسِهِ قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ إزَالَةُ الْجَهَالَةِ بِالْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيَانِ فَيَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ لَهُ) يَعْنِي أَنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ (لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحِقًّا) ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَالنَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ لَهُ إنَّمَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ إذَا

(وَيُقَالُ لَهُ: بَيِّنْ الْمَجْهُولَ) لِأَنَّ التَّجْهِيلَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ) لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا لَزِمَهُ بِصَحِيحِ إقْرَارِهِ وَذَلِكَ بِالْبَيَانِ. (فَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا) ، فَإِذَا بَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُونُ رُجُوعًا. قَالَ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ مُتَفَاحِشَةً بِأَنْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَفَاحِشَةً بِأَنْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَلَا تَمْنَعُ ذَلِكَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ، وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ هَاهُنَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُجْبَرُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَفِي الْكَافِي: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُفِيدُ، إذْ فَائِدَتُهُ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَطَرِيقُ الْوُصُولِ ثَابِتٌ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ فَلَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمُقِرِّ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ نَقْلًا عَنْهُ. أَقُولُ: فِي تَمْثِيلِ جَهَالَةِ الْمُقِرِّ بِالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ فِي الْمُقَرِّ عَلَيْهِ لَا فِي الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَالْأَوْلَى فِي تَمْثِيلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ أَحَدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمْ أَوْ أَيَّهُمَا قَالَ ذَلِكَ (وَيُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي يُقَالُ لِلْمُقِرِّ فِيمَا أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ (لِأَنَّ التَّجْهِيلَ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ: يَعْنِي أَنَّ الْإِجْمَالَ وَقَعَ مِنْ جِهَتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ شَيْئًا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ نَحْوُ أَنْ يُبَيِّنَ حَبَّةً أَوْ فَلْسًا أَوْ جَوْزَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا بَيَّنَ شَيْئًا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: عَنَيْت حَقَّ الْإِسْلَامِ أَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ أَوْ نَحْوَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ) أَيْ فَصَارَ إقْرَارُهُ بِالْمَجْهُولِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي وُجُوبِ الْبَيَانِ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُقِرُّ مَا أَجْمَلَهُ (أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا لَزِمَهُ بِصَحِيحِ إقْرَارِهِ) بِالْبَاءِ الْجَارَّةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: بِصَرِيحِ إقْرَارِهِ (وَذَلِكَ) أَيْ الْخُرُوجُ عَمَّا لَزِمَهُ بِصَحِيحِ إقْرَارِهِ (بِالْبَيَانِ) لَا غَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ: إنْ وَقَعَ الْإِقْرَارُ الْمُبْهَمُ فِي جَوَابِ دَعْوَى وَامْتَنَعَ عَنْ التَّفْسِيرِ يُجْعَلُ ذَلِكَ إنْكَارًا مِنْهُ وَيُعْرَضُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَصَرَّ جُعِلَ نَاكِلًا عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي، وَإِنْ أَقَرَّ ابْتِدَاءً يُقَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ: ادَّعِ حَقَّك فَإِذَا ادَّعَى وَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (فَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظَةُ عَلَيَّ لِأَنَّهَا لِلْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ (وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا) أَيْ فِي الذِّمَّةِ (فَإِذَا بَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرَ مَا لَهُ قِيمَةٌ (يَكُونُ رُجُوعًا) عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا يُقْبَلُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْمُقِرِّ (مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا بَيَّنَهُ، يَعْنِي إذَا بَيَّنَ الْمُقِرُّ مَا لَهُ قِيمَةٌ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ

لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ فِيهِ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ) لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا وَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكِيلًا كَانَ أَوْ مَوْزُونًا أَوْ عَدَدِيًّا نَحْوُ كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ جَوْزَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يُسَاعِدَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ سَاعَدَهُ أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ بَلْ ادَّعَى عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُقِرَّ (هُوَ الْمُنْكِرُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ) أَيْ لَزِمَهُ هُنَا أَيْضًا أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا. وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُسْتَزَادِ: وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ ثُمَّ قَالَ مَفْصُولًا عَنَيْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ قَالَ مَوْصُولًا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ بَيَانٌ يُعْتَبَرُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَكَذَا لَوْ قَالَ: غَصَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ يَعْنِي لَوْ قَالَ: غَصَبْت مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَهُ الْبَيَانُ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَتَحَقُّقِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَالْإِقْرَارُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ كَالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا مَجْهُولًا فِي كِيسٍ أَوْ أَوْدَعَهُ مَالًا مَجْهُولًا فِي كِيسٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْغَصْبُ الْوَدِيعَةُ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُمَا، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَتَحَقُّقِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَالْإِقْرَارُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ أَجَّرَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ كَذَا بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيمِ شَيْءٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً. وَلَوْ عَايَنَّا أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا مَجْهُولًا لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ شَيْءٍ بِحُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، وَلَوْ عَايَنَّا أَنَّهُ غَصَبَ شَيْئًا مَجْهُولًا فِي كِيسٍ يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ مَعَ الْجَهَالَةِ يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ حَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ (وَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ) أَيْ اعْتِمَادًا عَلَيْهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: رَجُلٌ قَالَ: غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَيَلْزَمُهُ مَا يُبَيِّنُهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ شَيْئًا هُوَ مَالٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِمَا هُوَ مَوْجُودٌ مَالًا، كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ، إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَالِيَّةِ فِيهِ، فَإِنَّ الْغَصْبَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى مَا هُوَ مَالٌ، وَمَا ثَبَتَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ كَالْمَلْفُوظِ كَقَوْلِهِ: اشْتَرَيْت مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا يَكُونُ إقْرَارًا بِشِرَاءِ مَا هُوَ مَالٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى لَوْ فَسَّرَهُ بِحَبَّةِ حِنْطَةٍ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْغَصْبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ فَغَصَبَهُ وَهَذَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ، فَإِذَا بَيَّنَ شَيْئًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ قُبِلَ بَيَانُهُ لِأَنَّ هَذَا بَيَانٌ مُقَرَّرٌ لِأَصْلِ كَلَامِهِ وَبَيَانُ التَّقْرِيرِ يَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا، وَيَسْتَوِي أَنْ يُبَيِّنَ شَيْئًا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ أَوْ لَا يُضْمَنُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ حَتَّى إذَا بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ خَمْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ دَارٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَيَانُهُ مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمُبْهَمِ كَلَامِهِ فَإِنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ عَادَةً، وَالتَّمَانُعُ

(وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ فَالْمَرْجِعُ إلَيْهِ فِي بَيَانِهِ لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُتَمَوَّلُ بِهِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْرِي فِي الْأَمْوَالِ. وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ بَيَانُهُ بِهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْغَصْبِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِيمَا هُوَ مَالٌ فَبَيَانُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ يَكُونُ إنْكَارًا لِحُكْمِ الْغَصْبِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِسَبَبِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ. وَصَرَّحَ فِي الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ قَبُولُ بَيَانِهِ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ. وَالثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ بَيَانِهِ بِذَلِكَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَإِذَا قَدْ عَرَفْت ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ هَاهُنَا قَوْلَ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ: يَعْنِي أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْغَصْبِ يَنْطَلِقُ عَلَى أَخْذِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي الْعُرْفِ. هَذَا وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَكَذَا لَوْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْغَصْبَ أَخْذُ مَالٍ فَحُكْمُهُ لَا يَجْرِي فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ فِي حَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ فِي قَطْرَةِ مَاءٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِغَصْبِ ذَلِكَ فَكَانَتْ مُكَذِّبَةً لَهُ فِي بَيَانِهِ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي الْعَقَارِ أَوْ فِي خَمْرِ الْمُسْلِمِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ. فَإِنْ قِيلَ: الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ وَهُوَ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْعَقَارِ وَخَمْرِ الْمُسْلِمِ فَلَزِمَ نَقْضُ التَّعْرِيفِ أَوْ عَدَمُ قَبُولِ الْبَيَانِ فِيهِمَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَتُهُ، وَقَدْ تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ: الْعَادَةِ تُنَافِي صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِ أَصِحِّيَّةِ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِيمَا لَوْ بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ مِنْ أَنَّ الْغَصْبَ أَخْذُ مَالٍ فَحُكْمُهُ لَا يَجْرِي فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ مَشَايِخَ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ: إنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ عَادَةً، وَالتَّمَانُعُ فِيهِ يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْرِي فِي الْأَمْوَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُمْ إلَّا أَنَّ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ تُتْرَكُ فِي ذَلِكَ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ تَعْلِيلُ أَصَحِّيَّةِ اخْتِيَارِ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِيهِ بِأَنَّ الْغَصْبَ أَخْذُ مَالٍ فَحُكْمُهُ لَا يَجْرِي فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ لَا يَكَادُ يَصِحُّ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ وَإِنْ تَنَاوَلَتْ مَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَمَا لَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ مِنْهَا، إلَّا أَنَّ الْعَادَةَ خَصَّصَتْهُ بِالْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ، وَمَقْصُودُهُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَوْ بَيَّنَ حَبَّةَ حِنْطَةٍ أَوْ قَطْرَةَ مَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا. وَأَمَّا أَنَّ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا فَلَا إشَارَةَ إلَيْهِ فِي كَلَامِهِ أَصْلًا، كَيْفَ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَكَانَ فِي كَلَامِهِ إشَارَةً إلَيْهِ لَمَا صَحَّ الْقَوْلُ مِنْهُ بِوُجُوبِ أَنْ يُبَيِّنَ مَالًا، إذْ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ قَطْعًا عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِ الْغَصْبِ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ إطْلَاقًا جَارِيًا عَلَى اللُّغَةِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ. وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا مَسُوقٌ عَلَى مَا هُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ دُونَ مُخْتَارِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ خَلْطٌ لِلْمَذْهَبَيْنِ. (وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ فَالْمَرْجِعُ إلَيْهِ فِي بَيَانِهِ) وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ أَحَدٌ فِي إقْرَارِهِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ فَالرُّجُوعُ إلَى الْمُقِرِّ فِي بَيَانِ قَدْرِ الْمَالِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُقِرَّ هُوَ الْمُجْمِلُ وَالرُّجُوعُ فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ إلَى الْمُجْمِلِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) وَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ، فَإِنَّهُ) أَيْ الْمَالُ (اسْمٌ لِمَا يُتَمَوَّلُ بِهِ) وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَالٌ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا يُصَدَّقُ فِيهِ، وَجْهُهُ تَرْكُ الْحَقِيقَةِ

لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا (وَلَوْ قَالَ: مَالٌ عَظِيمٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا بِهِ، وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهِيَ نِصَابُ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ، وَعَنْهُ مِثْلُ جَوَابِ الْكِتَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ (لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا) فَإِنَّ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ مِنْ الْكُسُورِ وَلَا يُطْلَقُ اسْمُ الْمَالِ عَلَيْهِ عَادَةً، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ وَدِرْهَمٌ مَالٌ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا بَيَّنَ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْبَيَانِ لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ مُنْطَلِقٌ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَسُدُسِ دِرْهَمٍ كَمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الدِّرْهَمِ. ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الِالْتِزَامِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ فَحَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ اهـ. وَقَالَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ: وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِدِرْهَمٍ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْهَارُونِيُّ: لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ هُوَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُصَدَّقُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ (وَلَوْ قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ فَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ قُلْنَا: فِيهِ إلْغَاءٌ لِوَصْفِ الْعِظَمِ فَلَا يَجُوزُ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ) أَيْ مَوْصُوفٍ بِوَصْفِ الْعِظَمِ (فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ بِمَا يُعَدُّ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ (وَالنِّصَابُ) مَالٌ (عَظِيمٌ) فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ، (حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا بِهِ) فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةَ الْفُقَرَاءِ (وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ) فَكَانَ فِيمَا قُلْنَا رِعَايَةُ حُكْمِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَاخْتَلَفَتْ رِوَايَةُ الْمَشَايِخِ عَنْهُ فِيهِ، فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ ذَلِكَ فَقَالَ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ رُوِيَ عَنْهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرُّ فِي هَذَا الْفَصْلِ (لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهِيَ نِصَابُ السَّرِقَةِ) وَنِصَابُ الْمَهْرِ أَيْضًا (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ هَذَا النِّصَابَ (عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ) وَيُسْتَبَاحُ بِهِ الْبِضْعُ الْمُحْتَرَمُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِثْلُ جَوَابِ الْكِتَابِ) أَيْ مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا حَتَّى تَجِبَ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ فِيهِ فَأَوْجَبْنَا الْعَظِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ اهـ. وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا بِقِيلٍ خَلَا قَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يُفِيدُ كَوْنَ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُوَ الصَّحِيحَ؛ لِأَنَّ إيجَابَنَا الْعَظِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ ذَلِكَ الْعَظِيمَ مَاذَا؟ هَلْ هُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ أَمْ نِصَابُ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ؟ فَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ، إذْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَقُولَ: بَلْ هُوَ الْمَالُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ قَطْعُ الْيَدِ الْمُحْتَرَمَةِ

وَهَذَا إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَمَّا إذَا قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْعِشْرِينِ، وَفِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَدْنَى نِصَابٍ يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ بِقِيمَةِ النِّصَابِ (وَلَوْ قَالَ: أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ نُصُبٍ مِنْ أَيِّ فَنٍّ سَمَّاهُ) اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ (وَلَوْ قَالَ: دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ الْمُحْتَرَمُ وَهُوَ أَقَلُّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّقْرِيبُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَصَحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ، وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ حَقِيرٌ، وَكَمَا أَنَّ الْمِائَتَيْنِ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَالْعَشَرَةُ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ، وَتَقْدِيرُ الْمَهْرِ بِهَا فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَيَرْجِعُ إلَى حَالِ الْمُقِرِّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ (وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ قَالَ كَذَلِكَ ابْتِدَاءً أَوْ قَالَ فِي الِابْتِدَاءِ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ بَيَّنَ مُرَادَهُ مِنْ الْمَالِ الْعَظِيمِ بِالدَّرَاهِمِ فَقَوْلُ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَذَا إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ: أَيْ بَيَّنَ وَقَالَ: إنَّ مُرَادِي بِالْمَالِ الْعَظِيمِ الدَّرَاهِمُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ (أَمَّا إذَا قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ) أَيْ إذَا قَالَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً أَوْ ثَانِيًا عِنْدَ الْبَيَانِ (فَالتَّقْدِيرُ فِيهَا) أَيْ فِي الدَّنَانِيرِ (بِالْعِشْرِينِ) أَيْ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا لِأَنَّهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ (وَفِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ) يَعْنِي وَفِيمَا إذَا قَالَ مِنْ الْإِبِلِ يُقَدَّرُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا (لِأَنَّهُ أَدْنَى نِصَابٍ يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ) كَعِشْرِينَ مِثْقَالًا فِي الدَّنَانِيرِ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي الدَّرَاهِمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ بِجِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ فَالْمُعْتَبَرُ أَقَلُّ مَا يَكُونُ نِصَابًا فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ لِأَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ شَاةٌ فَكَانَ صَاحِبُهَا بِهَا غَنِيًّا. قُلْنَا: هِيَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَجِبَ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ عَظِيمٍ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَجِبَ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا، فَاعْتَبَرْنَا مَا ذَكَرْنَا لِيَكُونَ عَظِيمًا مُطْلَقًا إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَبَعْضِ الشُّرُوحِ (وَفِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ بِقِيمَةِ النِّصَابِ) يَعْنِي وَفِيمَا إذَا بَيَّنَ بِغَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يُقَدَّرُ بِقِيمَةِ النِّصَابِ: أَيْ بِقَدْرِ النِّصَابِ قِيمَةً (وَلَوْ قَالَ أَمْوَالٌ عِظَامٌ) أَيْ وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَمْوَالٌ عِظَامٌ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ (فَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ نُصُبٍ مِنْ أَيِّ فَنٍّ سَمَّاهُ) أَيْ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ سَمَّاهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ التَّقْدِيرُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَوْ قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ كَانَ بِسِتِّينَ مِثْقَالًا، وَلَوْ قَالَ مِنْ الْإِبِلِ كَانَ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَاسِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ (اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ) فَإِنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْوَالٍ عِظَامٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ نُصُبٍ مِنْ جِنْسِ مَا سَمَّاهُ. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ مَالٌ نَفِيسٌ أَوْ كَرِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ جَلِيلٌ قَالَ النَّاطِفِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا، وَكَانَ الْجُرْجَانِيُّ يَقُولُ يَلْزَمُهُ مِائَتَانِ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةٌ وَالتَّضْعِيفُ أَقَلُّهُ مَرَّةٌ فَيُضَعَّفُ مَرَّةً، قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً أَوْ قَالَ مُضَاعَفَةً أَضْعَافًا عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الْأَضْعَافَ جَمْعُ الضِّعْفِ فَيُضَاعَفُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكَانَتْ تِسْعَةً، وَقَوْلُهُ مُضَاعَفَةً يَقْتَضِي ضِعْفَ ذَلِكَ فَيَقْتَضِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ الدَّرَاهِمُ الْمُضَاعَفَةُ سِتَّةٌ وَأَضْعَافُهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، قَالَ: عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةً عَلَيْهِ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا لِأَنَّ أَضْعَافَ الْعَشَرَةِ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ضُمَّتْ إلَى الْعَشَرَةِ كَانَ أَرْبَعِينَ فَأَوْجَبَهَا مُضَاعَفَةً فَيَكُونُ ثَمَانِينَ (وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ) أَيْ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ (لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُصَدَّقُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يُصَدَّقُ

لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصَابِ مُكْثِرٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا دُونَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَعِنْدَهُمَا فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ، كَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ: رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ وَصَفَ الدَّرَاهِمَ مَثَلًا بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهَا وَهِيَ الْكَثْرَةُ فَيَلْغُو ذِكْرُهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ إثْبَاتَ صِفَةِ الْكَثْرَةِ لِمِقْدَارٍ مِنْ الْمَقَادِيرِ الْكَثِيرَةِ عَلَى التَّعْيِينِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ. أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ فَلِأَنَّ الْكَثْرَةَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ يَصْدُقُ بَعْدَ الْوَاحِدِ عَلَى كُلِّ عَدَدٍ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ فَلِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، فَكَمْ مِنْ كَثِيرٍ عِنْدَ قَوْمٍ قَلِيلٌ عِنْدَ الْآخَرِينَ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ يَتَعَلَّقُ تَارَةً بِالْعَشَرَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِمَا دُونَهُ عِنْدَ الْآخَرِ كَمَا فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ، وَيَتَعَلَّقُ تَارَةً بِالْمِائَتَيْنِ كَمَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ وَحُرْمَةِ الصَّدَقَةِ، وَيَتَعَلَّقُ تَارَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْنِ كَمَا فِي الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ فِي الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهَا أَصْلًا فَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا لَغَا ذِكْرُهَا فَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِ دَرَاهِمَ وَيَنْصَرِفُ إلَى ثَلَاثَةٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصَابِ) يَعْنِي صَاحِبَ نِصَابِ الزَّكَاةِ (مُكْثِرٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ) بِدَفْعِ زَكَاتِهِ وَالتَّصَدُّقِ عَلَى الْفَقِيرِ (بِخِلَافِ مَا دُونَهُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا دُونَ النِّصَابِ. فَإِنَّ صَاحِبَهُ مُقِلٌّ وَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِهِمَا: وَقَالَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا: أَيْ بِالْكَثْرَةِ حُكْمًا لِأَنَّ فِي النِّصَابِ كَثْرَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْإِلْغَاءِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ نِصَابَ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ كَثْرَةٌ فِي تَرْتِيبِ حُكْمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ إلَّا أَنَّ نِصَابَ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ عِنْدَنَا لَهُ أَيْضًا كَثْرَةٌ فِي تَرْتِيبِ حُكْمِ ثُبُوتِ قَطْعِ الْيَدِ وَاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ، وَكَذَا الْأَكْثَرُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ فِي الْحَجِّ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ لَهُ كَثْرَةٌ فِي تَرْتِيبِ حُكْمِ وُجُوبِ الْحَجِّ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ هَاتِيك الْكَثْرَاتِ الْحُكْمِيَّةِ فَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِإِحْدَاهَا عَلَى التَّعْيِينِ، فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي النِّصَابِ كَثْرَةً حُكْمِيَّةً لَا يُجْدِي شَيْئًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْإِلْغَاءِ؛ لِأَنَّ أَوْلَوِيَّةَ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْإِلْغَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَوْلَوِيَّةَ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ كَثْرَةٌ أُخْرَى فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِهِمَا: وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِنْ تَعَذَّرَ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَالْعُرْفُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، لَكِنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا حُكْمًا، وَلَا يُلْغَى مِنْ كَلَامِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ، فَيَجِبُ حَمْلُ الْكَثْرَةِ عَلَى الْكَثْرَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ حَتَّى لَا تَلْغُوَ هَذِهِ الصِّفَةُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ حُكْمًا، وَالدَّرَاهِمُ الْكَثِيرَةُ حُكْمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ لِأَنَّهَا كَثِيرَةٌ شَرْعًا فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَالْمَهْرِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحُرْمَةِ الصَّدَقَةِ. فَأَمَّا الْعَشَرَةُ إنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَجَوَازِ النِّكَاحِ فَفِي حَقِّ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ قَلِيلَةٌ، وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ مِنْ ذَلِكَ الِاسْمِ لَا إلَى النَّاقِصِ، وَأَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَثْرَةِ حُكْمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَأَمَّا الْعَشَرَةُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَكَانَ نَاقِصًا مِنْ حَيْثُ الْكَثْرَةُ حُكْمًا انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا بَسَطَهُ وَإِنْ أَفَادَ فِي الظَّاهِرِ أَوْلَوِيَّةَ حَمْلِ الدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْعَشَرَةِ لَكِنْ لَمْ يُفِدْ أَوْلَوِيَّةَ حَمْلِهَا عَلَى الْمِائَتَيْنِ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْمِائَتَيْنِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ وُجُوبِ الْحَجِّ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ كَمَا أَدْرَجَهُ نَفْسُهُ أَيْضًا فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ أَفَادَ أَوْلَوِيَّةَ الْعَكْسِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ هُوَ الَّذِي تَحَقَّقَ فِيهِ الْكَثْرَةُ حُكْمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَجِّ أَيْضًا مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ، وَأَمَّا الْمِائَتَانِ فَهُوَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِالنَّظَرِ إلَى حُكْمِ الْحَجِّ

وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ، يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ فَكَانَ نَاقِصًا مِنْ حَيْثُ الْكَثْرَةُ حُكْمًا فَلَمْ يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ تَأَمَّلْ (وَلَهُ) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ) أَيْ عِنْدَ كَوْنِهِ مُمَيِّزًا لِلْعَدَدِ (يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) يَعْنِي أَنَّ الْعَدَدَ إذَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ يَصِيرُ مُمَيَّزُهُ مُفْرَدًا لَا جَمْعًا (فَيَكُونُ) أَيْ الْعَشَرَةُ (هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ (فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إذَا كَانَ مُمْكِنًا وَلَمْ يُوجَدْ مَانِعٌ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ لَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا ذَكَرَ الْكَثْرَةَ صَارَ كَذِكْرِ الْجِنْسِ فَيَسْتَغْرِقُ اللَّفْظَ مَا يَصْلُحُ لَهُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْعَشَرَةِ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ اقْتِرَانِ اسْمِ الْجَمْعِ بِالْعَدَدِ بِأَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا لَهُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا، لَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِجَمْعِ الْكَثْرَةِ حَالَ الِانْفِرَادِ مَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِاللُّغَةِ، وَمَسْأَلَتُنَا مَفْرُوضَةٌ فِي حَالِ انْفِرَادِ الدَّرَاهِمِ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ، فَمَا مَعْنَى اعْتِبَارِ حُكْمٍ خَالٍ الِاقْتِرَانُ فِيهَا أَلْبَتَّةَ؟ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ جَمْعَ الْكَثْرَةِ أَقَلُّهُ عَشَرَةٌ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ جَمْعَ الْكَثْرَةِ أَقَلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ لَا عَشَرَةٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. قَالَ الْفَاضِلُ الرَّضِيُّ: قَالُوا مُطْلَقُ الْجَمْعِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: قِلَّةٌ، وَكَثْرَةٌ؛ وَالْمُرَادُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْحَدَّانِ دَاخِلَانِ وَبِالْكَثِيرِ مَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ انْتَهَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَوْنَ أَقَلِّ جَمْعِ الْكَثْرَةِ عَشَرَةً لَزِمَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ أَيْضًا عِنْدَهُ فِي أَقَلِّ مِنْ عَشَرَةٍ فِيمَا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ بِدُونِ ذِكْرِ وَصْفِ الْكَثْرَةِ مَعَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ هُنَاكَ فِي ثَلَاثَةٍ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَثْرَةَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ نَصًّا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ضَرُورَةَ أَنْ لَا تَصِيرَ صِفَةُ الْكَثْرَةِ لَغْوًا فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَالْعُرْفِ مُتَعَذِّرٌ، وَمَا ثَبَتَ مُقْتَضَى صِحَّةِ الْغَيْرِ يُثْبِتُ أَدْنَى مَا يَصِحُّ بِهِ الْغَيْرُ، وَأَدْنَى مَا يُثْبِتُ بِهِ الْكَثْرَةَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنَّ الْقَطْعَ مُتَعَلِّقٌ شَرْعًا بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمَالِ لَا بِالْقَلِيلِ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» ، ثُمَّ اعْتَبَرَ النِّصَابَ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ عَشَرَةً فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ: دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: مَالٌ عَظِيمٌ أَنَّ قَوْلَهُ: دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ يُفِيدُ الْعَدَدَ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَكُونُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْعَدَدِ وَقَوْلَهُ: مَالٌ عَظِيمٌ لَا يَتَضَمَّنُ عَدَدًا فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسْتَعْظَمِ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَالْعَظِيمُ فِي الشَّرْعِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا فَيَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَاعْتَبِرْ ذَلِكَ (وَلَوْ قَالَ: دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ) يَعْنِي أَنَّ الدَّرَاهِمَ جَمْعٌ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَفْظُ الصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ صِفَةَ الْجَمْعِ كَمَا هُوَ مُتَبَادِرٌ مِنْ ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ. يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَ بِجَمْعٍ صَحِيحٍ بَلْ هُوَ جَمْعٌ مُكَسَّرٌ فَلَمْ يُطَابِقْ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى، وَإِنْ كَانَ صِفَةً لِأَقَلَّ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي لِأَنَّهُ أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُثَنَّى يُتَّجَهُ عَلَيْهِ

(إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدَ عَشَرَ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيُحْمَلُ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى نَظِيرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ كَوْنَ أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً إنَّمَا هُوَ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ دُونَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ، فَإِنَّ أَقَلَّ جَمْعِ الْكَثْرَةِ أَحَدَ عَشَرَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ آنِفًا وَالدَّرَاهِمُ جَمْعُ كَثْرَةٍ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ النَّحْوِ أَنَّ جَمِيعَ أَمْثِلَةِ الْجَمْعِ الْمُكَسَّرِ جَمْعُ كَثْرَةٍ سِوَى الْأَمْثِلَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ أَفْعَلُ وَأَفْعَالُ وَأَفْعِلَةُ وَفَعَلَةُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَسِوَى فَعَلَةٍ كَأَكَلَةٍ عِنْدَ الْفَرَّاءِ، وَسِوَى أَفْعِلَاءٍ كَأَصْدِقَاءٍ فِي نَقْلِ التَّبْرِيزِيِّ، وَلَفْظُ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ مِنْ أَحَدِ هَاتِيك الْأَمْثِلَةِ فَكَانَ جَمْعَ كَثْرَةٍ قَطْعًا فَلَمْ يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ عَلَى اخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّرْدِيدِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَاضِلَ الرَّضِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ كُلَّ جَمْعِ تَكْسِيرٍ لِلرُّبَاعِيِّ الْأَصْلِ حُرُوفُهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَلَمَّا اشْتَرَكَ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ كَانَ أَقَلُّهُ الْمُتَيَقَّنُ هُوَ الثَّلَاثَةَ فَتَمَّ الْمَطْلُوبُ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمُحَقِّقَ التَّفْتَازَانِيَّ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ فِي أَوَائِلِ مَبَاحِثِ أَلْفَاظِ الْعَامِّ بِصَدَدِ تَحْقِيقِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَأَئِمَّةِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ جَمْعَيْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ: يَعْنِي أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَجَمْعَ الْكَثْرَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَهَذَا أَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالَاتِ وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالَاتِ وَتَقْرِيرَاتِ أَهْلِ الْأُصُولِ مِنْ كَوْنِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ جَمْعَيْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ لَا فِي جَانِبِ النُّقْصَانِ فَتَدَبَّرْ (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا) هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْمُقِرُّ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ مَا بَيَّنَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (لِأَنَّ اللَّفْظَ) أَيْ لَفْظَ الْجَمْعِ (يَحْتَمِلُهُ) أَيْ يَحْتَمِلُ الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ لِكَوْنِهِ عَلَيْهِ لَا لَهُ (وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ) أَيْ إلَى الْوَزْنِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مُتَعَارَفٌ يُحْمَلُ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ فَإِنَّهُ الْوَزْنُ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي بَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ فِيهِ بِدَرَاهِمَ وَزْنُهَا يَنْقُصُ عَنْ وَزْنِ سَبْعٍ يَقَعُ إقْرَارُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَزْنِ لِانْصِرَافِ مُطْلَقِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى وَزْنًا أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ بَلَدِهِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَوْزَانٌ مُخْتَلِفَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ كَمَا فِي نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ الْأَوْزَانِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ انْتَهَى. أَقُولُ: بَيْنَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي تَفَاوُتٌ بَلْ تَخَالُفٌ لَا يَخْفَى (وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرً دِرْهَمًا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ) أَيْ ذَكَرَ لَفْظَيْنِ هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ الْعَدَدِ الْمُبْهَمِ (لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ) أَيْ أَقَلُّ مَا كَانَ عَدَدَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ (مِنْ الْمُفَسَّرِ) أَيْ مِنْ الْعَدَدِ الْمُفَسَّرِ: أَيْ الْمُصَرَّحِ بِهِ (أَحَدَ عَشَرَ) وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ) هَذَا أَيْضًا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيُحْمَلُ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى نَظِيرِهِ) يَعْنِي أَنَّ لَفْظَ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ، وَالْأَصْلُ

(وَلَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ) لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اسْتِعْمَالِهِ اعْتِبَارُهُ بِالْمُفَسَّرِ: أَيْ بِالْعَدَدِ الصَّرِيحِ، فَمَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الْأَعْدَادِ الْمُفَسَّرَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا (وَلَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ دِرْهَمًا فِي قَوْلِهِ كَذَا دِرْهَمًا (تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ) أَيْ تَمْيِيزٌ لِلشَّيْءِ الْمُبْهَمِ وَهُوَ كَذَا لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ الْمُبْهَمِ وَأَقَلُّهُ الْمُتَيَقَّنِ وَاحِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يُعَدُّ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعَدُّ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ. وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا قَالَ كَذَا دِينَارًا فَعَلَيْهِ دِينَارَانِ، لِأَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يُعَدُّ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعَدُّ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ. وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِينَارًا فَعَلَيْهِ دِينَارَانِ؛ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلُّ الْعَدَدِ اثْنَانِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيمَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَدَدِ إنَّمَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْحِسَابِ وَأَمَّا فِي الْوَضْعِ وَاللُّغَةِ فَهُوَ مِنْ الْعَدَدِ قَطْعًا، وَعَنْ هَذَا تَرَى أَئِمَّةَ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ قَاطِبَةً جَعَلُوا أُصُولَ الْعَدَدِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَاحِدٌ إلَى عَشَرَةٍ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: الْأَحَدُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ وَهُوَ أَوَّلُ الْعَدَدِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ: لَا خِلَافَ عِنْدَ النُّحَاةِ فِي أَنَّ لَفْظَ وَاحِدٍ وَاثْنَانِ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ، وَعِنْدَ الْحِسَابِ لَيْسَ الْوَاحِدُ مِنْ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَهُمْ هُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الِاثْنَانِ مِنْ الْعَدَدِ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ كَذَا كِنَايَةً عَنْ الْعَدَدِ لَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْحِسَابِ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ جَارٍ عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ وَاللُّغَةِ، فَكَوْنُ أَقَلِّ الْعَدَدِ اثْنَيْنِ عِنْدَ الْحِسَابِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُقِرِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ دِرْهَمَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَدَ عَشَرَ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعَدَدِ الَّذِي يَقَعُ مُمَيِّزُهُ مَنْصُوبًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي دِرْهَمٍ وَالْقِيَاسُ فِيهِ مَا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ: إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَةً وَفَسَّرَهَا بِدِرْهَمٍ مَنْصُوبٍ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ عِشْرِينَ إلَى تِسْعِينَ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ وَهُوَ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يَجِيءُ مُمَيِّزُهُ مَنْصُوبًا. قُلْت: الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى لِلتَّيَقُّنِ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَصْلِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ إنَّمَا يَقْتَضِي كَوْنَ الثَّابِتِ أَدْنَى مَا يَتَحَمَّلُهُ لَفْظُ الْمُقِرِّ دُونَ الْأَدْنَى مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَمَعْنَى السُّؤَالِ أَنَّ أَدْنَى مَا يَتَحَمَّلُهُ لَفْظُ الْمُقِرِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ أَحَدَ عَشَرَ بِدَلَالَةِ كَوْنِ الْمُمَيِّزِ مَنْصُوبًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَوَابِ لَا يَدْفَعُهُ قَطْعًا. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ كَذَا دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ الْأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كَوْنِ الْمُمَيِّزِ مَنْصُوبًا لَكِنْ لَيْسَ بِنَظِيرٍ لَهُ فِي نَفْسِ مَا يُمَيِّزُهُ الْمَنْصُوبُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ عَشَرَ عَدَدٌ مُرَكَّبٌ وَلَفْظُ كَذَا لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ نَفْسُ كَذَا نَظِيرًا لِنَفْسِ أَحَدَ عَشَرَ لَمْ يُفِدْ الِاشْتِرَاكَ فِي مُجَرَّدِ كَوْنِ مُمَيِّزِهِمَا مَنْصُوبًا، وَهَذَا أَمْرٌ لَا سُتْرَةَ بِهِ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ: وَقِيلَ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ كَذَا يُذْكَرُ لِلْعَدَدِ عُرْفًا، وَأَقَلُّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالنَّصْبِ عِشْرُونَ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْكَنْزِ نَقْلًا عَنْهُ. وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَصَاحِبُ الْحِلْيَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ إذَا قَالَ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُفَسِّرُهُ الْوَاحِدُ الْمَنْصُوبُ خِلَافُ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِنَا اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ مَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ أَوْ لَمْ يَعُدَّهُمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِنَا، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ مَنْقُولًا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِنَا: ثُمَّ إنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَنْقُولِ الْمَزْبُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُفَسِّرُهُ الْوَاحِدُ الْمَنْصُوبُ

(وَلَوْ ثَلَّثَ كَذَا بِغَيْرِ وَاوٍ فَأَحَدَ عَشَرَ) لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ سِوَاهُ (وَإِنْ ثَلَّثَ بِالْوَاوِ فَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ رَبَّعَ يُزَادُ عَلَيْهَا أَلْفٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُهُ. قَالَ: (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَقَدْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّ " عَلَيَّ " صِيغَةُ إيجَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَاصِرٌ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ يُفَسِّرُهُ الْوَاحِدُ الْمَنْصُوبُ إنَّمَا هُوَ أَحَدَ عَشَرَ دُونَ عِشْرِينَ، فَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُفَسِّرُهُ الْوَاحِدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُهُ مُسَاعِدًا لَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَوْ ثَلَّثَ كَذَا بِغَيْرِ وَاوٍ) أَيْ لَوْ ذَكَرَ لَفْظَةَ كَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِغَيْرِ وَاوٍ فَقَالَ كَذَا كَذَا كَذَا دِرْهَمًا (فَأَحَدَ عَشَرَ) أَيْ فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لَا غَيْرُ (لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ سِوَاهُ) أَيْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْأَعْدَادِ الصَّرِيحَةِ سِوَى أَحَدَ عَشَرَ: يَعْنِي سِوَى مَا كَانَ أَقَلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ فَيُحْمَلُ الِاثْنَانِ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ لِكَوْنِهِمَا نَظِيرَيْ عَدَدَيْنِ صَرِيحَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ، وَيُحْمَلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا عَلَى التَّكْرِيرِ وَالتَّأْكِيدِ ضَرُورَةَ عَدَمِ ثَلَاثِ أَعْدَادٍ مُجْتَمَعَةٍ ذُكِرَتْ بِلَا عَاطِفٍ، كَذَا قَالُوا: (وَإِنْ ثَلَّثَ بِالْوَاوِ) بِأَنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا وَكَذَا (فَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ هَذَا الْمِقْدَارُ (وَإِنْ رَبَّعَ) بِأَنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا (يُزَادُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى مِائَةٍ وَأَحَدٍ وَعِشْرُونَ (أَلْفٌ) فَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ (لِأَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُهُ) أَيْ لِأَنَّ الْعَدَدَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي صُورَتَيْ التَّثْلِيثِ وَالتَّرْبِيعِ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُقِرُّ فِي تَيْنِك الصُّورَتَيْنِ: أَيْ أَقَلُّ مَا كَانَ نَظِيرًا لَهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُهُ تَعْلِيلًا لِمَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ التَّعْلِيلِ فِي صُورَةِ التَّثْلِيثِ وَتَأْخِيرِهِ إلَى هُنَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَعْلِيلًا لِقَرِيبِهِ: أَعْنِي صُورَةَ التَّرْبِيعِ وَيَكُونَ تَعْلِيلُ صُورَةِ التَّثْلِيثِ مَتْرُوكًا لِانْفِهَامِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ مَعَ الْعَاطِفِ، وَلَوْ رَبَّعَ يُزَادُ عَلَيْهَا الْأَلْفُ لِأَنَّ ذَا نَظِيرُهُ انْتَهَى. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ: وَلَوْ خَمَّسَ بِالْوَاوِ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَلَوْ سَدَّسَ يُزَادُ مِائَةُ أَلْفٍ، وَلَوْ سَبَّعَ يُزَادُ أَلْفُ أَلْفٍ، وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا زَادَ عَدَدًا مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ زِيدَ عَلَيْهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى انْتَهَى. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ بِالنَّصْبِ فَأَمَّا إذَا قَالَ دِرْهَمٍ بِالْخَفْضِ بِأَنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ. وَقَالَ: هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدًا مُبْهَمًا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَذَكَرَ الدِّرْهَمَ عَقِيبَهُ بِالْخَفْضِ فَيُعْتَبَرُ بِعَدَدٍ وَاحِدٍ مُصَرَّحٍ يَسْتَقِيمُ ذِكْرُ الدِّرْهَمِ عَقِيبَهُ بِالْخَفْضِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَإِنْ قَالَ: كَذَا كَذَا دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا وَاوَ الْعَطْفِ، وَذَكَرَ الدَّرَاهِمَ عَقِيبَهُمَا بِالْخَفْضِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ الْعَدَدِ الْمُصَرَّحِ ثَلَاثُمِائَةٍ لِأَنَّ ثَلَاثًا عَدَدٌ وَمِائَةً عَدَدٌ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَيَسْتَقِيمُ ذِكْرُ الدَّرَاهِمِ بِالْخَفْضِ عَقِيبَهُمَا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا وَكَذَا كَذَا دِينَارًا فَعَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الذِّكْرِ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ، فَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَحَدَ عَشَرَ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَيْفَ يُقَسَّمُ؟ . الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةٌ وَنِصْفٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ، إلَّا أَنَّا نَقُولُ: لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْكَسْرِ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ فَيَجْعَلُ سِتَّةً مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةً مِنْ الدَّنَانِيرِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا جَعَلْت سِتَّةً مِنْ الدَّنَانِيرِ وَخَمْسَةً مِنْ الدَّرَاهِمِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ أَقَلُّ مَالِيَّةً مِنْ الدَّنَانِيرِ فَصَرَفْنَاهُ إلَيْهَا احْتِيَاطًا، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. (قَالَ) أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: (وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَقَدْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ) لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ. أَمَّا وَجْهُ كَوْنِهِ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ فِي قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ فَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ عَلَيَّ صِيغَةُ إيجَابٍ) تَقْرِيرُهُ أَنَّ عَلَيَّ كَلِمَةٌ خَاصَّةٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْعُلُوِّ، وَإِنَّمَا يَعْلُوهُ وَإِذَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَضَائِهِ لِيَخْرُجَ عَنْهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَتَقْرِيرٌ آخَرُ أَنَّ الدَّيْنَ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ فَقَدْ ذُكِرَ اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَمَحَلُّ الْإِيجَابِ الذِّمَّةُ،

وَقِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ. (وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ هُوَ وَدِيعَةٌ وَوَصَلَ صُدِّقَ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ حِفْظَهُ وَالْمَالُ مَحَلَّهُ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي إنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا حَتَّى صَارَ قَوْلُهُ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا، وَالْأَمَانَةُ أَقَلُّهُمَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ الدَّيْنُ لَا الْعَيْنُ فَصَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لَا الْعَيْنِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ: وَأَمَّا وَجْهُ كَوْنِهِ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ فِي قَوْلِهِ لَهُ قِبَلِي فَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ) لِأَنَّ هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ اللُّزُومِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الصَّكَّ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ الدَّيْنِ يُسَمَّى قَبَالَةً وَأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى قَبِيلًا لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ (عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ) مِنْ أَنَّهُ تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ بِقَوْلِهِ: أَنَا قَبِيلٌ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ. أَقُولُ: هَاهُنَا نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْقَبِيلِ بِمَعْنَى الْكَفِيلِ، وَتَضْمِينُهُ مَعْنَى الضَّمَانِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ قِبَلِي مُنْبِئًا عَنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ كَلِمَةَ قِبَلِ غَيْرُ كَلِمَةِ الْقَبِيلِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَجِيءُ الْأُولَى بِمَعْنَى الثَّانِيَةِ قَطُّ، بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي كُتُبِهِمْ هُوَ أَنَّ قِبَلَ فُلَانٍ بِمَعْنَى عِنْدَهُ، وَأَنَّ قِبَلًا بِمَعْنَى مُقَابَلَةً وَعِيَانًا، وَأَنَّهُ يَجِيءُ قِبَلُ بِمَعْنَى طَاقَةٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا رَأَيْته قِبَلًا: أَيْ مُقَابَلَةً وَعِيَانًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا} [الكهف: 55] أَيْ عِيَانًا وَلِي قِبَلَ فُلَانٍ حَقٌّ أَيْ عِنْدَهُ، وَمَالِي بِهِ قِبَلٌ أَيْ طَاقَةٌ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ قِبَلِ فِي مَعْنَى الضَّمَانِ فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُمْ قَطُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُتُبَ اللُّغَةِ غَيْرُ مُسَاعِدَةٍ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ فَتَأَمَّلْ. (وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ) فِي قَوْلِهِ: عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي (وَهُوَ وَدِيعَةٌ وَوَصَلَ) أَيْ وَوَصَلَ قَوْلَهُ: عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي بِقَوْلِهِ هُوَ وَدِيعَةٌ (صُدِّقَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ) أَيْ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ (مَجَازًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَجَازُ (حَيْثُ يَكُونُ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ حِفْظَهُ) أَيْ حِفْظَ الْمُودَعِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ مُلْتَزِمٌ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ (وَالْمَالُ مَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ الْحِفْظِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَهُوَ مَالُ الْوَدِيعَةِ وَأَرَادَ الْحَالَ وَهُوَ حِفْظُهُ فَجَازَ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: نَهْرٌ جَارٍ لَكِنَّهُ تَغْيِيرٌ عَنْ وَضْعِهِ (فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا) لِأَنَّهُ صَارَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ، وَبَيَانُ التَّغْيِيرِ يُقْبَلُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ (قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ (فِي قَوْلِهِ قِبَلِي) أَيْ وَقَعَ فِي قَوْلِ الْمُقِرِّ قِبَلِي (أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا) أَيْ يَنْتَظِمُ الدَّيْنَ وَالْأَمَانَةَ (حَتَّى صَارَ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقَائِلِ (لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا) نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ: لَا حَقَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ بَرِئَ فُلَانٌ مِمَّا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا حَقَّ عِنْدَهُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا أَصْلُهُ الْأَمَانَةُ، وَإِنْ قَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ بَرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ وَمِمَّا عِنْدَهُ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُ قِبَلَهُ وَمَا عَلَيْهِ قِبَلَهُ انْتَهَى (وَالْأَمَانَةُ أَقَلُّهُمَا) هَذَا تَتِمَّةُ الدَّلِيلِ: يَعْنِي أَنَّ الْأَمَانَةَ أَقَلُّ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا الْأَدْنَى الْمُتَيَقَّنَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَوَّلُ مَذْكُورٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ وَأَكْثَرُ فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ أَحْرَى وَأَجْدَرَ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ أَصَحُّ، ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدَّيْنِ أَغْلَبُ وَأَكْثَرُ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُنْتَقَضُ هَذَا التَّعْلِيلُ بِمَا إذَا قَالَ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ هُنَاكَ عَلَى الدَّيْنِ خَاصَّةً، بَلْ جُعِلَ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ مَعَ جَرَيَانِ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ

(وَلَوْ قَالَ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَوْ فِي بَيْتِي أَوْ كِيسِي أَوْ فِي صُنْدُوقِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى مَضْمُونٍ وَأَمَانَةٍ فَيَثْبُتُ وَأَقَلُّهَا وَهُوَ الْأَمَانَةُ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ أَجِّلْنِي بِهَا أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا فَهُوَ إقْرَارٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفْعُ ذَلِكَ بِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا صُورَةُ الْإِثْبَاتِ، وَلَمَّا لَمْ يَتَيَسَّرْ جَمْعُ إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَإِثْبَاتِ الْأَمَانَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ حُمِلَ عَلَى مَا هُوَ الْأَرْجَحُ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَصُورَةُ النَّفْيِ، وَلَمَّا تَيَسَّرَ جَمْعُ نَفْيِ الدَّيْنِ وَنَفْيِ الْأَمَانَةِ عَنْ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَى نَفْيِهِمَا مَعًا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْفَرْقَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالٍ أَعْتَقُوهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَوْلَى النِّعْمَةِ وَالْآخَرَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا فَلَمْ يَنْتَظِمْهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ وَلَا تَنَافِيَ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ قِيَاسُ تَرْتِيبِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُذْكَرَ أَوَّلًا مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ ثُمَّ يُذْكَرَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ شَرْحَ الْبِدَايَةِ الَّتِي تَجْمَعُ مَسَائِلَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالزَّوَائِدُ عَلَيْهَا مَذْكُورَةٌ عَلَى سَبِيلِ التَّفْرِيعِ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا رَأَى الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْأَصَحَّ قَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبِدَايَةِ غَيْرَ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ (وَلَوْ قَالَ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَوْ فِي بَيْتِي أَوْ فِي كِيسِي أَوْ فِي صُنْدُوقِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ) وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْأَصْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ) لَا فِي ذِمَّتِهِ (وَذَلِكَ) أَيْ مَا كَانَ فِي يَدِهِ (يَتَنَوَّعُ إلَى مَضْمُونٍ وَأَمَانَةٍ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا) وَهُوَ الْأَمَانَةُ. تَوْضِيحُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلٌّ لِلْعَيْنِ لَا لِلدَّيْنِ، إذْ الدَّيْنُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ وَالْعَيْنُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَأَمَانَةً وَالْأَمَانَةُ أَدْنَاهَا فَحُمِلَ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ كَلِمَةَ عِنْدَ لِلْقُرْبِ وَمَعَ لِلْقِرَانِ وَمَا عَدَاهُمَا لِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الدَّيْنَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ، فَإِذَا كَانَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأَمَانَةُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمَانَاتِ وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ هَذَا بِمَا قَالَ: لَهُ قِبَلِي مِائَةُ دِرْهَمٍ دَيْنُ وَدِيعَةٍ أَوْ وَدِيعَةُ دَيْنٍ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لَا بِالْأَمَانَةِ مَعَ أَنَّ الْأَمَانَةَ أَقَلُّهُمَا. قُلْت: تَنَوُّعُ اللَّفْظِ إلَى الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةِ فِيمَا فِيهِ نَحْنُ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ لَفْظَيْنِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ إذَا كَانَ لِلْأَمَانَةِ وَالْآخَرُ لِلدَّيْنِ فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ تَرَجَّحَ الدَّيْنُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ اسْتِعَارَةَ اللَّفْظِ الَّذِي يُوجِبُ الدَّيْنَ لِمَا يُوجِبُ الْأَمَانَةَ مُمْكِنٌ لَا عَلَى الْعَكْسِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ اسْتِعَارَةُ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ اسْتِعَارَةُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِلْعَتَاقِ، وَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَكَانَ فِيهِ اسْتِعَارَةُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى وَهُوَ صَحِيحٌ كَاسْتِعَارَةِ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ، وَالِاسْتِعَارَةُ إنَّمَا تَصِحُّ فِي اللَّفْظَيْنِ لَا فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْمُحْتَمِلِ لِلشَّيْئَيْنِ، بَلْ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى مَا هُوَ الْأَعْلَى الْمُحْتَمَلُ وَالْأَدْنَى الْمُتَيَقَّنُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى الْمُتَيَقَّنِ لِثُبُوتِهِ يَقِينًا انْتَهَى. (وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ أَجِّلْنِي بِهَا أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا فَهُوَ إقْرَارٌ) هَذَا كُلُّهُ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ

لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اتَّزِنْ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْكِنَايَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ، وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ، وَالْقَضَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَالْقَضَاءِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا دَعْوَى الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَلْتُك بِهَا عَلَى فُلَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ جَوَابًا إذَا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ، فَلَمَّا قَرَنَ كَلَامَهُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالْكِنَايَةِ رَجَعَ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ اتَّزِنْهَا وَفِي قَوْلِهِ انْتَقِدْهَا (كِنَايَةٌ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى فَكَأَنَّهُ قَالَ) فِي الْأَوَّلِ (اتَّزِنْ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ) وَفِي الثَّانِي انْتَقِدْ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَجَابَ بِنَعَمْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْجَوَابِ (حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْكِتَابَةِ) يَعْنِي الْهَاءَ (لَا يَكُونُ) كَلَامُهُ (إقْرَارًا) بِالْمُدَّعَى (لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ) أَيْ لِعَدَمِ انْصِرَافِ كَلَامِهِ (إلَى الْمَذْكُورِ) أَيْ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى لِكَوْنِهِ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اُقْعُدْ وَزَّانًا لِلنَّاسِ أَوْ نَقَّادًا لَهُمْ دَرَاهِمَهُمْ وَاكْتُبْ الْمَالَ وَلَا تُؤْذِنِي بِالدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ (وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى تَعْلِيلِ كَوْنِ قَوْلِهِ أَجِّلْنِي بِهَا إقْرَارًا، يَعْنِي أَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ لِأَنَّهُ لِلتَّرْفِيهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ التَّأْجِيلِ إقْرَارًا بِحَقٍّ وَاجِبٍ (وَالْقَضَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ) أَيْ يَتْبَعُ الْوُجُوبَ هَذَا إشَارَةٌ إلَى تَعْلِيلِ كَوْنِ قَوْلِهِ قَدْ قَضَيْتُكَهَا إقْرَارًا: يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَقْضِي سَبْقَ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِ، فَلَمَّا ادَّعَى قَضَاءَ الْأَلْفِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا (وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ) بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا (كَالْقَضَاءِ) أَيْ كَدَعْوَى الْقَضَاءِ (لِمَا بَيَّنَّا) أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ وَالْقَضَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ: يَعْنِي أَنَّ الْإِبْرَاءَ أَيْضًا يَتْلُو الْوُجُوبَ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي مَالٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْكَافِي. أَقُولُ: هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ أَطْبَقَتْ كَلِمَةُ الْفُقَهَاءِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ لِلْمُدَّعِي: قَدْ قَضَيْتُكَهَا أَوْ أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ. وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ هَذَا: إنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ، وَكَذَا الْإِبْرَاءُ يَتْلُوهُ. وَقَدْ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ لَوْ قَالَ لِلْمُدَّعِي: لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ أَوْ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ ثُمَّ ادَّعَى قَضَاءَ تِلْكَ الْأَلْفِ لِلْمُدَّعِي، أَوْ ادَّعَى إبْرَاءَ الْمُدَّعِي إيَّاهُ مِنْ تِلْكَ الْأَلْفِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَقُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا سِوَى زُفَرَ، وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: إنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيُبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ، حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ وَقَدْ يُصَالِحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ثُمَّ يَقْضِي، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا قَوْلَ زُفَرَ هُنَاكَ الْقَضَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ، وَكَذَا الْإِبْرَاءُ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا فَكَانَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمْ الْمُقَرَّرَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ تَدَافُعٌ لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ (وَكَذَا دَعْوَى الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيَّ أَوْ وَهَبْتهَا لِي كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا إقْرَارًا مِنْهُ (لِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ) يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكِ، فَدَعْوَى الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ دَعْوَى التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَحَلْتُك بِهَا عَلَى فُلَانٍ) أَيْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ أَيْضًا

لِأَنَّهُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ وَادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْإِجَارَةَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ فِيهِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ. قَالَ (وَيَسْتَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْأَجَلِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقًّا عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ كُلُّهَا دَرَاهِمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإقْرَارًا (لِأَنَّهُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ) مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَذَا لَا يَكُونُ بِدُونِ الْوُجُوبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْضِيكَهَا الْيَوْمَ أَوْ لَا أَتَّزِنُهَا لَك الْيَوْمَ لِأَنَّهُ نَفَى الْقَضَاءَ وَالْوَزْنَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَالْقَضَاءُ يَكُونُ مُنْتَفِيًا أَبَدًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْكِيدِ نَفْيِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُنْتَفٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ عَلَيْك لِفُلَانٍ كَذَا فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْكَلَامِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًا) هَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَزِمَهُ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتٍ فَيَلْزَمُهُ بِالْوَصْفِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِلْمَالِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الدَّائِنِ وَلَكِنَّهُ مُؤَخَّرٌ لِلْمُطَالَبَةِ إلَى مُضِيِّهِ، فَكَانَ دَعْوَاهُ الْأَجَلَ كَدَعْوَاهُ الْإِبْرَاءَ، كَذَا ذَكَرَ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ (أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ وَادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَيُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِلَا حُجَّةٍ دُونَ الدَّعْوَى (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ الْمُقِرُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (كَمَا إذَا أَقَرَّ) لِغَيْرِهِ (بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ) أَيْ بِعَبْدٍ كَائِنٍ فِي يَدِ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ الْغَيْرَ (وَادَّعَى الْإِجَارَةَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ صَاحِبِهِ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمِلْكِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ هُنَاكَ فِي دَعْوَى الْإِجَارَةِ، فَكَذَا هَاهُنَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ فَصَدَّقَهُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ بِالدَّرَاهِمِ دُونَ وَصْفِ السَّوَادِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ السُّودُ دُونَ الْبِيضِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ السَّوَادَ (صِفَةٌ فِيهِ) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، وَأَمَّا الْأَجَلُ فَلَيْسَ بِصِفَةٍ فِي الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ بِغَيْرِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ كَالْقُرُوضِ وَثَمَنِ الْبِيَاعَاتِ وَالْمَهْرِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، بَلْ الْأَجَلُ فِيهَا أَمْرٌ عَارِضٌ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِلَا شَرْطٍ، وَالْقَوْلُ لِمُنْكَرِ الْعَارِضِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ) فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَصْلِ الضَّمَانِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَإِنْ قَالَ: ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ. وَقَالَ: وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ، وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْخِيَارِ، أَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ نَوْعٌ حَتَّى يَثْبُتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ يُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ (عَلَى الْأَجَلِ) أَيْ عَلَى إنْكَارِ الْأَجَلِ (لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقًّا عَلَيْهِ) فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّأْجِيلَ وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ (وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ) بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالْحَلِفِ حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَنْكَرَ فَاسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ قَضَى لَهُ بِالْمُقَرِّ بِهِ. (وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ كُلُّهَا دَرَاهِمُ) وَكَذَا لَوْ قَالَ مِائَةٌ وَدِرْهَمَانِ أَوْ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ

وَلَوْ قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ) وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَالدِّرْهَمَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ لَا تَفْسِيرًا لَهَا فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ فِي كُلِّ عَدَدٍ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ. وَهَذَا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَذَلِكَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، أَمَّا الثِّيَابُ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَرَاهِمَ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ: وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمَانِ أَوْ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ كَانَ الْكُلُّ دَرَاهِمَ انْتَهَى (وَلَوْ قَالَ مِائَةٌ وَثَوْبٌ) أَيْ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ (لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُقِرِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ) يَعْنِي أَنَّ لُزُومَ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَالرُّجُوعَ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَى الْمُقِرِّ هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ وَنَظَائِرُهُ (وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَالدِّرْهَمَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمِائَةِ (بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ لَا تَفْسِيرَ لَهَا) لِأَنَّ الْعَطْفَ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَيَانِ بَلْ هُوَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى الْبَيَانِ، وَلَكِنْ، عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَأَخَذُوا بِالِاسْتِحْسَانِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَجَعَلُوا الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ مِائَةٌ وَدِينَارٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ أَوْ مِائَةٌ وَمَنُّ زَعْفَرَانٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ) بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ (أَنَّهُمْ) أَيْ أَنَّ النَّاسَ (اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ فِي كُلِّ عَدَدٍ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ) أَيْ بِذِكْرِ الدِّرْهَمِ مَرَّةً (عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ) أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَيَكْتَفُونَ بِذِكْرِ الدِّرْهَمِ مَرَّةً وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ (وَهَذَا) أَيْ اسْتِثْقَالُهُمْ (فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَذَلِكَ) أَيْ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ (عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَذَلِكَ) أَيْ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ الْأَسْبَابِ (فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) يَعْنِي فِيمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، وَيَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى (أَمَّا الثِّيَابُ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ لَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا) فَإِنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا إلَّا فِي السَّلَمِ، وَالشَّاةُ وَنَحْوُهَا لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا (فَبَقِيَ) أَيْ بَقِيَ هَذَا الْقِسْمُ (عَلَى الْحَقِيقَةِ) أَيْ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ الْمُجْمَلِ إلَى الْمُجْمِلِ لَا إلَى الْمَعْطُوفِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْعَطْفِ لِلتَّفْسِيرِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَقَدْ انْعَدَمَتْ هَاهُنَا. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ اكْتِفَاءَهُمْ بِذِكْرِ الدِّرْهَمِ مَرَّةً عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ لَا يُجْدِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَمْ يُذْكَرْ الدِّرْهَمُ فِيهِ عَقِيبَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَقِيبَ عَدَدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمِائَةُ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذِكْرِ مِثْلِ الثَّوْبِ أَيْضًا عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ يَكُونُ الْكُلُّ أَثْوَابًا لِانْصِرَافِ التَّفْسِيرِ إلَى مَجْمُوعِ الْعَدَدَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَمَحَّلَ فِي الْجَوَابِ بِأَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الْمُمَيِّزِ

(وَكَذَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبَانِ) لِمَا بَيَّنَّا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهَا تَفْسِيرًا إذْ الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ فَكَانَتْ كُلُّهَا ثِيَابًا. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ) وَفَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ: غَصَبْت تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْصَرَّةَ وِعَاءٌ لَهُ وَظَرْفٌ لَهُ، وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ فَيَلْزَمَانِهِ وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالْحِنْطَةُ فِي الْجَوَالِقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ عَدَدٍ بَلْ اكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذَلِكَ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالِاطِّرَادِ، وَكَذَلِكَ اكْتَفَوْا بِهِ فِي عَدَدٍ وَاحِدٍ أَيْضًا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَدَوَرَانُهُ فِي الْكَلَامِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ. نَعَمْ الْأَوْلَى هَاهُنَا أَنْ يَطْرَحَ مِنْ الْبَيِّنِ حَدِيثَ الذِّكْرِ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ، وَيُقَرِّرَ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى طُرُزِ مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَدِرْهَمٌ بَيَانٌ لِلْمِائَةِ عَادَةً لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ وَنَحْوَهُ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ مَرَّةً، وَهَذَا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَذَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَدَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ، وَذَا فِيمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالْأَثْمَانِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَإِنَّهُ لَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا وَثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ الثِّيَابِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: مِائَةٌ وَشَاةٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الثِّيَابَ وَالْغَنَمَ تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، بِخِلَافِ الْعَبِيدِ فَإِنَّهَا لَا تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، وَمَا يُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً يَتَحَقَّقُ فِي أَعْدَادِهَا الْمُجَانَسَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُفَسَّرَ مِنْهُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ انْتَهَى. وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَعَبْدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: يُقِرُّ فِي الْأَوَّلِ بِمَا يَشَاءُ، وَلَوْ قَالَ: أَلْفٌ وَبَعِيرٌ أَوْ أَلْفٌ وَثَوْبٌ أَوْ أَلْفٌ وَفَرَسٌ فَهِيَ ثِيَابٌ وَأَغْنَامٌ وَأَبْعِرَةٌ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا بَنِي آدَمَ لِأَنَّ بَنِي آدَمَ لَا يُقَسَّمُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ النِّهَايَةِ: وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ الْعَبِيدُ كَالْغَنَمِ، وَإِنَّمَا لَا يُقَسَّمُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ) أَيْ يَرْجِعُ فِي بَيَانِهِ الْمِائَةَ إلَى الْمُقِرِّ (لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ الثِّيَابَ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ لَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ) حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ ثِيَابًا بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهُمَا تَفْسِيرًا إذْ الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرْ بِحَرْفِ الْعَطْفِ) حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ (فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا) أَيْ فَانْصَرَفَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ إلَى الْعَدَدَيْنِ جَمِيعًا (لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ فَكَانَ كُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الْآحَادِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ ذَيْنِك الْعَدَدَيْنِ (ثِيَابًا) لَا يُقَالُ: الْأَثْوَابُ جَمْعُ ثَوْبٍ لَا يَصْلُحُ مُمَيِّزًا لِلْمِائَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِالثَّلَاثَةِ صَارَا كَعَدَدٍ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ) الْقَوْصَرَّةُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: وِعَاءُ التَّمْرِ يُتَّخَذُ مِنْ قَصَبٍ، وَقَوْلُهُمْ إنَّمَا تُسَمَّى بِذَلِكَ مَا دَامَ فِيهَا التَّمْرُ، وَإِلَّا فَهِيَ زِنْبِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِهِمْ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ: أَمَّا الْقَوْصَرَّةُ فَأَحْسَبُهَا دَخِيلًا. وَقَدْ رُوِيَ: أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ ثُمَّ قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّةُ هَذَا الْبَيْتِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ فَسَّرَ الْإِقْرَارَ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ (غَصَبْت تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ. وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ لُزُومُ التَّمْرِ وَالْقَوْصَرَّةِ جَمِيعًا (أَنَّ الْقَوْصَرَّةَ وِعَاءٌ لَهُ) أَيْ لِلتَّمْرِ (وَظَرْفٌ لَهُ) أَيْ لِلتَّمْرِ (وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَظْرُوفٌ (لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ فَيَلْزَمَانِهِ) أَيْ فَيَلْزَمُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ الْمُقِرَّ (وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ) أَيْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ غَصَبْت الطَّعَامَ فِي السَّفِينَةِ (وَالْحِنْطَةَ فِي الْجَوَالِقِ) أَيْ وَفِيمَا إذَا قَالَ غَصَبْت الْحِنْطَةَ فِي الْجَوَالِقِ، وَالْجَوَالِقُ بِالْفَتْحِ جَمْعُ جُوَالِقٍ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: غَصَبْت تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ. قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالضَّمِّ، وَالْجَوَالِيقُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ تَسَامُحٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا كَانَ الثَّانِي ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ وَوِعَاءً لَهُ لَزِمَاهُ نَحْوُ ثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ وَطَعَامٍ فِي سَفِينَةٍ وَحِنْطَةٍ فِي جُوَالِقٍ، وَمَا كَانَ لِلثَّانِي مِمَّا لَا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ نَحْوُ قَوْلِك: غَصَبْت دِرْهَمًا فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْ الثَّانِي لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِمَا أَقَرَّ بِغَصْبِهِ أَوَّلًا فَلَغَا آخِرُ كَلَامِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ النَّقْضُ بِمَا إذَا أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ فَإِنَّ اللَّازِمَ عَلَى الْمُقِرِّ هُنَاكَ هُوَ الدَّابَّةُ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ لَا رَيْبَ فِي أَنَّ الثَّانِيَ فِيهِ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ، وَقَيْدُ عَدَمِ الْمَانِعِ فِي الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَوَّلُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْت تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ) يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي كَلِمَةِ فِي وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي كَلِمَةِ مِنْ فَبِخِلَافِهِ (لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ) يَعْنِي أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِأَنَّ مَبْدَأَ الْغَصْبِ مِنْ الْقَوْصَرَّةِ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الِانْتِزَاعُ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الِانْتِزَاعُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّمْيِيزِ فَيَكُونُ الِانْتِزَاعُ لَازِمَهُمَا، لَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ مَوْضُوعَةٌ لِلِانْتِزَاعِ انْتَهَى. أَقُولُ: الْحَقُّ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْأُولَى لَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: غَصَبْت تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ لَا تَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّبْعِيضِ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بَعْضَ الْقَوْصَرَّةِ فَكَيْفَ يُفْهَمُ الِانْتِزَاعُ مِنْ التَّبْعِيضِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ. وَأَمَّا انْفِهَامُ الِانْتِزَاعِ مِنْ التَّبْعِيضِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ مِنْ فِي مَعْنَى التَّبْعِيضِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ، بِخِلَافِ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ كَلِمَةَ مِنْ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ تَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ قَطْعًا فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ جِدًّا. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي كَلِمَةِ عَلَى نَحْوُ أَنْ يَقُولَ غَصَبْت إكَافًا عَلَى حِمَارٍ فَكَانَ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْإِكَافِ خَاصَّةً، وَالْحِمَارُ مَذْكُورٌ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْمَغْصُوبِ حِينَ أَخَذَهُ، وَغَصْبُ الشَّيْءِ مِنْ مَحَلٍّ لَا يَكُونُ مُقْتَضِيًا غَصْبَ الْمَحَلِّ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً) إنَّمَا قَالَ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً وَلَمْ يَقُلْ كَانَ إقْرَارًا بِالدَّابَّةِ خَاصَّةً لِمَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إقْرَارٌ بِهِمَا جَمِيعًا، إلَّا أَنَّ اللُّزُومَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي الدَّابَّةِ خَاصَّةً، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ عِنْدَهُمَا، وَالْإِصْطَبْلَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا (وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُهُمَا) أَيْ يَضْمَنُ الدَّابَّةَ وَالْإِصْطَبْلَ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرَى غَصْبَ

وَمِثْلُهُ الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ. قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ لَزِمَهُ الْحَلَقَةُ وَالْفَصُّ) لِأَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ. (وَمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ وَالْجَفْنُ وَالْحَمَائِلُ) لِأَنَّ الِاسْمَ يَنْطَوِي عَلَى الْكُلِّ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَجَلَةٍ فَلَهُ الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ) لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَى الْكُلِّ عُرْفًا. (وَإِنْ قَالَ غَصَبْتُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لِأَنَّ الثَّوْبَ يُلَفُّ فِيهِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ. بِخِلَافِ قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ لَا ظَرْفٌ (وَإِنْ قَالَ: ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقَارِ فَيَدْخُلَانِ فِي الضَّمَانِ عِنْدَهُ كَمَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ (وَمِثْلُهُ الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ) أَيْ وَمِثْلُ الْإِقْرَارِ بِالدَّابَّةِ فِي الْإِصْطَبْلِ الْإِقْرَارُ بِالطَّعَامِ فِي الْبَيْتِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ قَالَ غَصَبْت مِنْك طَعَامًا فِي بَيْتٍ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: طَعَامًا فِي سَفِينَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ قَدْ يَكُونُ وِعَاءً لِلطَّعَامِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْبَيْتِ وَالطَّعَامِ، إلَّا أَنَّ الطَّعَامَ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ وَالْبَيْتَ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ، وَالْغَصْبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أُحَوِّلْ الطَّعَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبٍ تَامٍّ، وَفِي الطَّعَامِ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ فَكَانَ هُوَ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَنْقُلْهُ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَمْ يُصَدَّقْ فَكَانَ ضَامِنًا الطَّعَامَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ ضَامِنٌ الْبَيْتَ أَيْضًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ لَزِمَهُ الْحَلَقَةُ وَالْفَصُّ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ) أَيْ يَتَنَاوَلُ الْحَلَقَةَ وَالْفَصَّ جَمِيعًا وَلِهَذَا يَدْخُلُ الْفَصُّ فِي بَيْعِ الْخَاتَمِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، فَإِذَا تَنَاوَلَهُمَا اسْمُ الْخَاتَمِ لَزِمَاهُ جَمِيعًا بِالْإِقْرَارِ بِالْخَاتَمِ. (وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ) أَيْ لِغَيْرِهِ (بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ) وَهُوَ حَدِيدَةُ السَّيْفِ (وَالْجَفْنُ) وَهُوَ الْغِمْدُ (وَالْحَمَائِلُ) جَمْعُ حِمَالَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ عَلَّاقَةُ السَّيْفِ (لِأَنَّ الِاسْمَ) يَعْنِي اسْمَ السَّيْفِ (يَنْطَوِي) أَيْ يَشْتَمِلُ (عَلَى الْكُلِّ) عُرْفًا فَلَهُ الْكُلُّ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَجَلَةٍ) الْحَجَلَةُ بِفَتْحَتَيْنِ وَاحِدَةُ حِجَالِ الْعَرُوسِ: وَهِيَ بَيْتٌ يُزَيَّنُ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ وَالسُّتُورِ، كَذَا فِي الصَّحَّاحِ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ (الْعِيدَانُ) بِرَفْعِ النُّونِ جَمْعُ عُودٍ وَهُوَ الْخَشَبُ كَالدِّيدَانِ جَمْعُ دُودٍ (وَالْكِسْوَةُ) أَيْ وَلَهُ الْكِسْوَةُ أَيْضًا (لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ) أَيْ اسْمِ الْحَجَلَةِ (عَلَى الْكُلِّ عُرْفًا) فَلَهُ الْكُلُّ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ أَوْ أَرْضٍ لِرَجُلٍ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ إذَا كَانَا فِيهِمَا حَتَّى أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَشْجَارَ لَهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بِالْخَاتَمِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْفَصَّ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: الْخَاتَمُ لِي وَفَصُّهُ لَك، أَوْ هَذَا السَّيْفُ لِي وَحِلْيَتُهُ لَك، أَوْ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِي وَبِطَانَتُهَا لَك وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: الْكُلُّ لِي فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِ الْمُقَرِّ بِهِ ضَرَرٌ لِلْمُقِرِّ يُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِالنَّزْعِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي النَّزْعِ ضَرَرٌ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُقِرِّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا أَقَرَّ بِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (وَإِنْ قَالَ: غَصَبْت ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّهُ) أَيْ الْمِنْدِيلَ (ظَرْفٌ) لِلثَّوْبِ (لِأَنَّ الثَّوْبَ يُلَفُّ فِيهِ) وَقَدْ مَرَّ أَنَّ غَصْبَ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ (وَكَذَا) أَيْ وَكَذَا الْحُكْمُ (لَوْ قَالَ: عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ) لَزِمَاهُ (لِأَنَّهُ ظَرْفٌ) أَيْ لِأَنَّ الثَّوْبَ الثَّانِيَ ظَرْفٌ لِلثَّوْبِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ الثَّوْبَانِ جَمِيعًا (بِخِلَافِ قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ (حَيْثُ يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ) أَيْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي دِرْهَمٍ (ضَرْبٌ) أَيْ ضَرْبُ حِسَابٍ (لَا ظَرْفٌ) كَمَا لَا يَخْفَى (وَإِنْ قَالَ ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَفِي الْكَافِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي التَّبْيِينِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا

لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَرْفَ " فِي " يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي، فَوَقَعَ الشَّكُّ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُوعًى وَلَيْسَ بِوِعَاءٍ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَحْمَلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ) يَعْنِي أَنَّ كَلِمَةَ فِي حَقِيقَةٌ فِي الظَّرْفِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ قَدْ يُلَفُّ لِعِزَّتِهِ وَنَفَاسَتِهِ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ. قِيلَ هُوَ مَنْقُوضٌ عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ؟ قَالَ: غَصَبْته كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابِ حَرِيرٍ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ عَشَرَةَ أَثْوَابِ حَرِيرٍ لَا تُجْعَلُ وِعَاءً لِلْكِرْبَاسِ عَادَةً، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَرْفَ فِي يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي فَوَقَعَ الشَّكُّ) فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِحَرْفِ " فِي " هَاهُنَا مَعْنَى الظَّرْفِ أَوْ مَعْنَى الْبَيْنِ، وَبِالشَّكِّ لَا يَثْبُتُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ (وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ) لِأَنَّهَا خُلِقَتْ بَرِيئَةً عَرِيَّةً عَنْ الْحُقُوقِ فَلَا يَجُوزُ شَغْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ قَوِيَّةٍ وَلَمْ تُوجَدْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ (عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُوعًى وَلَيْسَ بِوِعَاءٍ) يَعْنِي أَنَّ مَجْمُوعَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ بِوِعَاءٍ لِلْوَاحِدِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُوعًى بِمَا حَوَاهُ، فَإِنَّهُ إذَا لَفَّ ثَوْبًا فِي أَثْوَابٍ يَكُونُ كُلُّ ثَوْبٍ مُوعًى فِي حَقِّ مَا وَرَاءَهُ، وَلَا يَكُونُ وِعَاءً إلَّا الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ وِعَاءٌ وَلَيْسَ بِمُوعًى، فَلَفْظَةُ كُلٍّ هَاهُنَا لِمُجَرَّدِ التَّكْثِيرِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا قَالُوا فِي نَظَائِرِهَا، فَإِذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ كَوْنِ الْعَشَرَةِ وِعَاءً لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ كَلِمَةِ فِي عَلَى الظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ: ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ (فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) أَيْ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْبَيْنُ (مَحْمَلًا) بِكَلِمَةِ " فِي " فِي قَوْلِهِ الْمَزْبُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيَّ ثَوْبٌ بَيْنَ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ. قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي حِلِّ هَذَا الْمَقَامِ: فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُ الْعَشَرَةِ وِعَاءً لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَغْوًا وَزَادَ عَلَى هَذَا مِنْ بَيْنِهِمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَنْ قَالَ: وَتَعَيَّنَ أَوَّلُ كَلَامِهِ مَحْمَلًا: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ فِي بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْبَيْنُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ مِنْهُمْ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ، إذْ لَا يُسَاعِدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَعْلَ آخِرِ كَلَامِ الْمُقِرِّ لَغْوًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَحْمَلًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِآخِرِ كَلَامِ الْمُقِرِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ مَحْمَلًا مُتَعَيِّنًا وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، فَإِذَا تَيَسَّرَ لِآخِرِ كَلَامِهِ بَلْ تَعَيَّنَ لَهُ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ مِنْ الْمَعَانِي الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا كَلِمَةُ فِي لَمْ يَصِحَّ جَعْلُ ذَلِكَ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ، إذْ يَجِبُ صِيَانَةُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ اللَّغْوِ مَهْمَا أَمْكَنَ. ثُمَّ مِنْ الْعَجَائِبِ مَا زَادَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَتَعَيَّنَ أَوَّلُ كَلَامِهِ مَحْمَلًا بَعْدَ قَوْلِهِ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَغْوًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَحْمَلًا عَلَى أَوَّلِ كَلَامِ الْمُقِرِّ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَأْبَى عَنْهُ جِدًّا قَيْدُ مَحْمَلًا يُنَافِيهِ تَفْسِيرُهُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَوْنَ فِي بِمَعْنَى الْبَيْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي آخِرِ كَلَامِ الْمُقِرِّ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ دُونَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ إذْ لَا مِسَاسَ لَهُ بِمَعْنَى الْبَيْنِ أَصْلًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: قَدْ اشْتَبَهَ عَلَيَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّ الْمَظْرُوفَ مُعَيَّنٌ مُشَارٌ إلَيْهِ أَمْ يَسْتَوِي الْمُعَيَّنُ وَالْمُنْكَرُ فِي ذَلِكَ، إلَى أَنْ ظَفِرْتُ بِالرِّوَايَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى،

(وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ يُرِيدُ الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْمَالَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ (وَلَوْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَمَا بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ الْغَايَةُ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا) فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ. وَقَالَ زُفَرٌ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهُ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُعَرَّفُ وَالْمُنَكَّرُ وَيُرْجَعُ فِي بَيَانِ الْمُنَكَّرِ إلَيْهِ وَهُوَ مَا قَالَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُك ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ فَهُوَ إقْرَارٌ بِغَصْبِ الثَّوْبِ وَالْمِنْدِيلِ وَيُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمًا فِي طَعَامٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي مَتَى دَخَلَتْ عَلَى مَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَيُجْعَلُ ظَرْفًا عَادَةً اقْتَضَى غَصْبَهُمَا، وَإِلَّا فَغَصْبُ الْأَوَّلِ دُونَ غَيْرِهِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. (وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ يُرِيدُ الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْمَالَ) يَعْنِي أَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لِإِزَالَةِ الْكَسْرِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَالِ وَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَزْنًا، وَإِنْ جَعَلَ أَلْفَ جُزْءٍ لَا يُزَادُ فِيهِ وَزْنُ قِيرَاطٍ، عَلَى أَنَّ حِسَابَ الضَّرْبِ فِي الْمَمْسُوحَاتِ لَا فِي الْمَوْزُونَاتِ، كَذَا قَالُوا، وَلِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ حَقِيقَةً وَالدَّرَاهِمُ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلدَّرَاهِمِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الظَّرْفِ مَجَازٌ، وَالْمَجَازُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى مَعَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلَزِمَهُ خَمْسَةٌ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ وَلَغَا آخِرُهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. (وَقَالَ الْحَسَنُ) يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ (يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ وَقَدْ مَرَّ جَوَابُهُ آنِفًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ثَمَّةَ صَرِيحًا بَلْ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرٍ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ، فَعِنْدَنَا يَقَعُ ثِنْتَانِ وَعِنْدَهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ صَرِيحًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ) أَيْ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: أَرَدْت بِقَوْلِي خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ (لَزِمَهُ عَشَرَةٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] قِيلَ مَعَ عِبَادِي، كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت خَمْسَةً وَخَمْسَةً لَزِمَهُ عَشَرَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي بِمَعْنَى وَاوِ الْعَطْفِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ فِي يَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَيَلْغُو ذِكْرُ الثَّانِي، إلَى هُنَا لَفْظُهُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِفِي مَعْنَى عَلَى مَا حُكْمُهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ حُكْمَهُ أَيْضًا كَحُكْمِ فِي، حَتَّى لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ أَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الضَّرْبَ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا اهـ. (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَمَا بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ الْغَايَةُ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ) أَيْ الِابْتِدَاءُ وَالِانْتِهَاءُ (وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ حَدًّا وَلَا يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْمَحْدُودِ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ أَوْ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَانِ فِي الْإِقْرَارِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا يَدْخُلُ الْحَدَّانِ. وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا: هُوَ كَذَلِكَ فِي حَدٍّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ فَأَمَّا فِيمَا لَيْسَ بِقَائِمٍ بِنَفْسِهِ فَلَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ حَدًّا إذَا كَانَ وَاجِبًا فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِمَا هُوَ وَاجِبٌ

[فصل ومن قال لحمل فلانة علي ألف درهم]

(وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَلَهُ مَا بَيْنَهُمَا لَوْ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْحَائِطَيْنِ شَيْءٌ) وَقَدْ مَرَّتْ الدَّلَائِلُ فِي الطَّلَاقِ. (فَصْلٌ) (وَمَنْ قَالَ: لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ قَالَ أَوْصَى لَهُ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ صَالِحٍ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ (ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْأَصْلُ مَا قَالَهُ زُفَرُ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ، وَمَا لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ حَدٌّ ذِكْرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، إلَّا أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهَا لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَاجِبٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الثَّانِي بِدُونِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ الْكَلَامَ يَسْتَدْعِي ابْتِدَاءً، فَإِذَا أَخْرَجْنَا الْأَوَّلَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا صَارَ الثَّانِي هُوَ الِابْتِدَاءُ فَيَخْرُجُ هُوَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا ثُمَّ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَهَكَذَا بَعْدَهُ، فَلِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ أَدْخَلْنَا فِيهِ الْغَايَةَ الْأُولَى، وَلَا ضَرُورَةَ فِي إدْخَالِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذْنَا فِيهَا بِالْقِيَاسِ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْغَايَةِ الْأُولَى اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ قِيَاسٌ وَمَا قَالَاهُ فِي الْغَايَتَيْنِ اسْتِحْسَانٌ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فِيهِمَا قِيَاسٌ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ (مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ مَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْحَائِطَيْنِ شَيْءٌ) أَيْ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ مَرَّتْ الدَّلَائِلُ) أَيْ دَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ فَمَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فَلْيُرَاجِعْهُ. [فَصْلٌ وَمَنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ مَسَائِلُ الْحَمْلِ مُغَايِرَةً لِغَيْرِهَا صُورَةً وَمَعْنًى ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَلْحَقَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْخِيَارِ اتِّبَاعًا لِلْمَبْسُوطِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَمَنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ) فَهُوَ لَا يَخْلُو عَنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا أَوْ لَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّبَبُ صَالِحًا أَوْ غَيْرَ صَالِحٍ، فَإِنْ كَانَ صَالِحًا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَالَ أَوْصَى بِهَا) أَيْ بِالْأَلْفِ (لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ وَهُوَ الْجَنِينُ (فُلَانٌ أَوْ) قَالَ: (مَاتَ أَبُوهُ) أَيْ أَبُو الْحَمْلِ (فَوَرِثَهُ) أَيْ وَرِثَ الْحَمْلُ الْأَلْفَ، أَنَّثَ ضَمِيرَ الْأَلْفِ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ الدَّرَاهِمِ، وَذَكَّرَهُ ثَانِيًا لِكَوْنِ الْأَلْفِ مُذَكَّرًا فِي الْأَصْلِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْأَلْفُ مِنْ الْعَدَدِ مُذَكَّرٌ، وَلَوْ أُنِّثَ بِاعْتِبَارِ الدَّرَاهِمِ جَازَ انْتَهَى (فَالْإِقْرَارُ) فِي هَذَا الْوَجْهِ (صَحِيحٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ صَالِحٍ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ: يَعْنِي أَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْحَمْلِ، فَلَوْ عَايَنَّاهُ حَكَمْنَا بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَكَانَ صَحِيحًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لِأَنَّ الْجَنِينَ أَهْلٌ لَأَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَالَ بِالْإِرْثِ أَوْ الْوَصِيَّةِ (ثُمَّ إذَا) وُجِدَ السَّبَبُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَهُ، فَإِنْ (جَاءَتْ) أَيْ فُلَانَةُ (بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ (فِي مُدَّةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ (كَانَ قَائِمًا) أَيْ مَوْجُودًا (وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَالْعِلْمُ بِأَنَّ الْوَلَدَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقِيقِيٌّ وَالْآخَرُ حُكْمِيٌّ. فَالْحَقِيقِيُّ مَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْحُكْمِيُّ مَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً، إذْ حِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً وَجَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَذَا قَالُوا. ثُمَّ إنَّ الشُّرَّاحَ افْتَرَقُوا هَاهُنَا فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ مُدَّةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَئِذٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ قَالَ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ حَيْثُ قَالَ بِأَنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ مَاتَ الْمُورَثُ وَالْمُوصِي كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَقُولُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ أَوْفَقَ بِالْمَشْرُوحِ فِي الظَّاهِرِ حَيْثُ ذَكَرَ فِيهِ كَوْنَ الْوَلَدِ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّحْقِيقِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ لَا إنْشَاءُ الْحَقِّ ابْتِدَاءً كَمَا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَتَقَرَّرَ وُجُودُ الْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ لَا عِنْدَ مُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ، وَسَبَبُ الْمِلْكِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ أَوَّلُ مُدَّةٍ يَعْلَمُ بِهَا وُجُودَ الْحَمْلِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ لِيَتَقَرَّرَ وُجُودُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ فِي مُدَّةٍ هِيَ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَأَكْثَرُ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ لِلْحَمْلِ شَيْءٌ، أَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ فَلِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ، وَلَا يُفِيدُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا عِنْدَ مُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ لَا إنْشَاءُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ كَوْنُ الْجَنِينِ مَوْجُودًا عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ بَلْ يَبْقَى عَلَى مُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا بَيَّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي. لَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْجَنِينِ بِالطَّرِيقِ الْحُكْمِيِّ لَا الْحَقِيقِيِّ وَذَلِكَ بِأَنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَكَانَتْ مُعْتَدَّةً قَالُوا يُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ حِينَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ حِينَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَوَقْتُ الْفِرَاقِ أَقَلَّ مِنْهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: اُعْتُبِرَ أَوَّلُ الْمُدَّةِ فِي الطَّرِيقِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي فَفِي الطَّرِيقِ الْحُكْمِيِّ

فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ حَتَّى يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ (وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ بَاعَنِي أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ بَيَّنَ مُسْتَحِيلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا كَذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَإِلَّا لَا يَكُونُ طَرِيقًا لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ أَصْلًا. قُلْنَا: فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ رَأْسًا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمًا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ حِينَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَوَقْتُ الْفِرَاقِ أَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَلْيُتَأَمَّلْ (فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ) أَيْ إنْ جَاءَتْ فُلَانَةُ بِالْوَلَدِ (مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي) فِيمَا إذَا قَالَ أَوْصَى بِهِ لَهُ فُلَانٌ (وَالْمُوَرِّثِ) فِيمَا إذَا قَالَ: مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ (حَتَّى يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ) أَيْ يُقَسَّمَ الْمَالُ بَيْنَ وَرَثَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ مَا قَالَهُ (إقْرَارٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا) أَيْ لِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ (وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ) مِنْهُمَا (إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ) إلَيْهِ هَاهُنَا لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ (وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ إنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَفِي الْوَصِيَّةِ كَذَلِكَ، وَفِي الْمِيرَاثِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَوْلَادِ أُمِّ الْمَيِّتِ لِمَا صَرَّحُوا مِنْ أَنَّ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْقِسْمَةِ سَوَاءٌ. أَقُولُ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ بِالنَّظَرِ إلَى وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ: إنْ قَالَ الْمُقِرُّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ شُرَّاحُ الْكِتَابِ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى مُطْلَقِ الْإِرْثِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ غَيْرَ صَالِحٍ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ بَاعَنِي أَوْ أَقْرَضَنِي) أَيْ بَاعَنِي الْحَمْلُ أَوْ أَقْرَضَنِي (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مُسْتَحِيلًا) أَيْ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بَيَّنَ سَبَبًا مُسْتَحِيلًا فِي الْعَادَةِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَاضُ مِنْ الْجَنِينِ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا حُكْمًا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى الْجَنِينِ حَتَّى يَكُونَ تَصَرُّفُهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِ الْجَنِينِ فَيَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِذَا كَانَ مَا بَيَّنَهُ مِنْ السَّبَبِ مُسْتَحِيلًا صَارَ كَلَامُهُ لَغْوًا فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا. قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ بَيَانُ سَبَبٍ مُحْتَمَلٍ

قَالَ (وَإِنْ أُبْهِمَ الْإِقْرَارُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْحُجَجِ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالْحَمْلِ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِقْرَارَ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَلِهَذَا حُمِلَ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضِينَ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى الْجَاهِلِ فَيَظُنُّ أَنَّ الْجَنِينَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ كَالْمُنْفَصِلِ فَيُعَامِلُهُ ثُمَّ يُقِرُّ بِذَلِكَ الْمَالِ لِلْجَنِينِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ وَيُبَيِّنُ سَبَبَهُ ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ كَانَ بَاطِلًا فَكَانَ كَلَامُهُ هَذَا بَيَانًا لَا رُجُوعًا فَلِهَذَا كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأَكْثَرِ الشُّرَّاحِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ، بَلْ ظَهَرَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ قَالَ: قَطَعْت يَدَ فُلَانٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَيَدُ فُلَانٍ صَحِيحَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ ظَهَرَ كَذِبُهُ فَإِنَّمَا ظَهَرَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْغَيْرِ الصَّالِحِ لَا فِي أَصْلِ إقْرَارِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ بَيَانِ السَّبَبِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ رُجُوعًا عَنْ أَصْلِ إقْرَارِهِ الْوَاقِعِ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي إقْرَارِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ صَالِحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنْ قَصَدَ الرُّجُوعَ فَبَيَّنَ سَبَبًا مُسْتَحِيلًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَطَعْت يَدَ فُلَانٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ هُنَاكَ فِي أَصْلِ إقْرَارِهِ بِيَقِينٍ، فَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قُلْت: كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِقْرَاضَ لَا يُتَصَوَّرَانِ مِنْ الْجَنِينِ كَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرَانِ مِنْ الرَّضِيعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِهَذَا الصَّبِيِّ الرَّضِيعِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ أَوْ الْإِقْرَاضِ أَوْ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ يُؤَاخَذُ بِهِ. قُلْت: الرَّضِيعُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَّجِرُ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الدَّيْنَ بِهَذَا السَّبَبِ بِتِجَارَةِ وَلِيِّهِ، وَكَذَلِكَ الْإِقْرَاضُ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ لَكِنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْ نَائِبِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ الْأَبُ بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَإِذَا تُصُوِّرَ ذَلِكَ مِنْ نَائِبِهِ جَازَ لِلْمُقِرِّ إضَافَةُ الْإِقْرَارِ إلَيْهِ لِأَنَّ فِعْلَ النَّائِبِ قَدْ يُضَافُ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا أَصْلًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أُبْهِمَ الْإِقْرَارُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ الْإِقْرَارُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قِيلَ وَأَبُو حَنِيفَةَ مَعَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْحُجَجِ) الشَّرْعِيَّةِ (فَيَجِبُ إعْمَالُهُ) مَهْمَا أَمْكَنَ، وَذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ (وَقَدْ أَمْكَنَ) إعْمَالُهُ هَاهُنَا، إذْ لَا نِزَاعَ فِي صُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْرُوضُ وَأَمْكَنَ إضَافَتُهُ إلَى مَحَلِّهِ (بِالْحَمْلِ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ) وَهُوَ الْمِيرَاثُ أَوْ الْوَصِيَّةُ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَتَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَإِنَّ إقْرَارَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسَادَ بِكَوْنِهِ صَدَاقًا أَوْ دَيْنَ كَفَالَةٍ بِكَوْنِهِ مِنْ التِّجَارَةِ كَانَ جَائِزًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِقْرَارَ مُطْلَقَهُ) أَيْ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ (يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَلِهَذَا حُمِلَ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضِينَ فِي الشَّرِكَةِ) (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِغَيْرِ سَبَبِ التِّجَارَةِ كَدَيْنِ الْمَهْرِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ حَتَّى يُؤَاخَذُ بِهِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي حَالِ رِقِّهِ وَالشَّرِيكُ الْآخَرُ فِي الْحَالِ، وَفِي الْإِقْرَارِ بِدَيْنِ الْمَهْرِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ لَا يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي حَالِ رِقِّهِ وَلَا الشَّرِيكُ الْآخَرُ أَبَدًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (فَيَصِيرُ) أَيْ فَيَصِيرُ الْمُقِرُّ فِيمَا إذَا أُبْهِمَ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ (كَمَا إذَا صُرِّحَ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَلَوْ صُرِّحَ بِهِ كَانَ فَاسِدًا، فَكَذَا إذَا أُبْهِمَ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلِأَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَالثَّانِي مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ: إنَّ هَذَا إقْرَارٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَهْلِهِ وَقَدْ احْتَمَلَ الْجَوَازَ وَالْفَسَادَ كَمَا قَالَهُ، إلَّا أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْجَوَازِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الْجَوَازَ لَهُ وَجْهَانِ: الْوَصِيَّةُ، وَالْمِيرَاثُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يُعْتَبَرَ سَبَبًا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْجَوَازِ فَيُحْكَمُ بِالْفَسَادِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مَعَ عَبْدٍ آخَرَ لَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَقِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ كَانَ الْبَيْعُ فِي الَّذِي اشْتَرَى مِنْ الْبَائِعِ فَاسِدًا وَإِنْ احْتَمَلَ الْجَوَازَ لِأَنَّ لِلْجَوَازِ وَجْهَيْنِ، بِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مِثْلُ

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَهُ) لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْجَوَازِ فَحُكِمَ بِالْفَسَادِ لِهَذَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا أَقَرَّ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ لِلْجَوَازِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ التِّجَارَةُ وَلِلْفَسَادِ جِهَاتٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا يَسْتَقِيمُ بِهِ وُجُوبُ الْمَالِ لِلْجَنِينِ وَصِيَّةً أَوْ مِيرَاثًا حَيْثُ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا لِأَنَّ جِهَةَ الْجَوَازِ مُتَعَيِّنَةٌ، وَهِيَ مَا صَرَّحَ بِهِ فَكَانَ مَحْكُومًا بِالْجَوَازِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: الْوَجْهُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَنْظُورٌ فِيهِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَجْهًا صَالِحًا لِجَوَازِ الْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَعَدَمُ تَعَيُّنِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صُورَةِ إبْهَامِ الْإِقْرَارِ لَهُ يَقْتَضِي تَعَذُّرَ الْحَمْلِ عَلَى الْجَوَازِ فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ لِمَ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْجَوَازِ صَلَاحِيَةُ وَجْهٍ مَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ خُصُوصِيَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ أَلَا يَرَى أَنَّ جَهَالَةَ نَفْسِ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَيْفَ يَمْنَعُهَا جَهَالَةُ سَبَبِ الْمُقَرِّ بِهِ؟ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَلْزَمَ الْمُقِرَّ بَيَانُ خُصُوصِيَّةِ وَجْهٍ مِنْ ذَيْنَك الْوَجْهَيْنِ كَمَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ خُصُوصِيَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ الْمَجْهُولِ، فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهُ، فَإِنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْفَسَادَ بِأَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَيْتَةٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّ لِجَوَازِ الدَّيْنِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً مُتَعَذِّرَةَ الِاجْتِمَاعِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ التَّنْظِيرَ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى مَعَ عَبْدٍ آخَرَ مِنْ الْبَائِعِ لَيْسَتْ فِي السَّبَبِ بَلْ فِي قَدْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهُ بِوَجْهَيْنِ بِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مِثْلُ الثَّمَنِ وَبِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُ ذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَقَعَتْ الْجَهَالَةُ فِي ثَمَنِهِ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ مُفْسِدَةٌ بِلَا كَلَامٍ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ السَّبَبِ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا تَحَقَّقْته، عَلَى أَنَّ تَعْلِيلَ فَسَادِ الْبَيْعِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذُكِرَ لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ آخَرَ لَهُ، فَإِنَّ لِجَوَازِ بَيْعِهِ أَيْضًا وَجْهَيْنِ: بِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ مِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَى مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ إذَا صُرِفَ إلَى أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لَهُمَا يَكُونُ الْبَاقِي مِنْهُ مَصْرُوفًا إلَى الْآخَرِ ضَرُورَةً، فَتَعَدُّدُ وَجْهِ الْجَوَازِ فِي أَحَدِهِمَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ وَجْهِ الْجَوَازِ فِي الْآخَرِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ بَيْعَ عَبْدٍ آخَرَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَزْبُورَةِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ إجْمَاعًا، وَيُنْتَقَضُ أَيْضًا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا فِيمَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ لَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا بِعَيْنِهِ بَلْ مَعَ زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى مِنْ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى فَازْدَادَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجْهٌ آخَرُ لِلْجَوَازِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِيهَا. وَيُمْكِنُ تَعْلِيلُ فَسَادِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى مِنْ الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِوَجْهٍ آخَرَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مَا مِنْ مَادَّتَيْ النَّقْضِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ مَحَلَّهَا. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ (لِأَنَّ لَهُ) أَيْ لِإِقْرَارِهِ (وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ (مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُقِرِّ بِأَنْ أَوْصَى بِالْحَمْلِ مَالِكُ الْجَارِيَةِ وَمَالِكُ الشَّاةِ لِرَجُلٍ وَمَاتَ فَأَقَرَّ وَارِثُهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِوَصِيَّةِ مُوَرِّثِهِ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ لِفُلَانٍ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (فَحُمِلَ عَلَيْهِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: وَلَا وَجْهَ لِلْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَمْلِ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَامِلِ. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ هَذَا

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَلَزِمَهُ الْمَالُ) لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ وَلَمْ تَنْعَدِمْ بِهَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ مَالِكُ الْحَامِلِ بِالْحَامِلِ لِرَجُلٍ وَيَسْتَثْنِيَ حَمْلَهَا وَيَمُوتَ، فَإِذَنْ تَصِيرُ الْحَامِلُ لِلْمُوصَى لَهُ وَالْحَمْلُ لِوَارِثِ الْمَيِّتِ، فَلَوْ أَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْحَامِلَ بِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهَا بِأَنَّ حَمْلَ هَذِهِ الْحَامِلِ لِوَارِثِ الْمَيِّتِ الْمَزْبُورِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَانَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمِيرَاثُ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِمْ لَا وَجْهَ لِلْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا لِتَعْلِيلِهِمْ إيَّاهُ بِأَنَّ مَنْ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَمْلِ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَامِلِ، تَأَمَّلْ جِدًّا فَإِنَّ مَا ذَكَرْته وَجْهٌ حَسَنٌ دَقِيقٌ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ الْجُمْهُورُ. ثُمَّ أَقُولُ: يُشْكِلُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْوَجْهُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قِبَلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي صُورَةِ إبْهَامِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ لَمْ يُصْرَفْ هَاهُنَا إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ بِأَنْ يَبِيعَ الْحَمْلُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْغَيْرِ الصَّالِحَةِ فِي حَقِّ الْحَمْلِ بَلْ صُرِفَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ غَيْرِ سَبَبِ التِّجَارَةِ فَلَمْ يَتِمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ فَتَدَبَّرْ، وَقَدْ رَامَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ بَيَانَ الْفَرْقِ لِأَبِي يُوسُفَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ جَوَّزَ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَمْ يَجُزْ الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ إذَا أُبْهِمَ الْإِقْرَارُ أَنَّ هَاهُنَا طَرِيقَ التَّصْحِيحِ مُتَعَيَّنٌ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، بِخِلَافِ الْأَوْلَى فَإِنَّ طَرِيقَ التَّصْحِيحِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِازْدِحَامِ الْمِيرَاثِ الْوَصِيَّةَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ لِأَبِي يُوسُفَ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً كَيْفَ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا؟ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ، أَمْ نِصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ؟ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ جَوَازَ الْإِقْرَارِ مُتَعَذِّرٌ لِاحْتِمَالِهِ وَجْهَيْنِ إرْثًا وَوَصِيَّةً انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ جِهَةُ الْجَوَازِ مُتَعَذِّرَةً لَا يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ لِتَزَاحُمِ جِهَاتِ الْجَوَازِ وَلَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَتْ جِهَةُ الْجَوَازِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ مُزَاحَمَةَ الْمِيرَاثِ الْوَصِيَّةَ فِي حَقِّ الْحَمْلِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْوَارِثَ إذَا كَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْحَمْلِ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ أَيْضًا فِي الْأُمِّ لِشُيُوعِ حَقِّهِ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ بِحَمْلِ شَاةٍ لَا تَكُونُ وَصِيَّةً بِالْأُمِّ فَتَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ جِهَةً لِلْجَوَازِ فَيَجُوزُ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ مُطْلَقًا بِحَمْلِ جَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ وَعَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِهِ مُطْلَقًا لِلْحَمْلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هُنَاكَ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ مُطْلَقًا جِهَتَيْنِ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ، وَلَيْسَ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَبْقَى عَلَى الْبُطْلَانِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْفَرْقَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ أَيْضًا. أَقُولُ: مَدَارُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفُرُوقِ عَلَى حَرْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تَعَدُّدَ جِهَةِ الْجَوَازِ يُنَافِي الْحَمْلَ عَلَى الْجَوَازِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ جِهَةَ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَقَامَيْنِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ الشَّرْطُ) يَعْنِي وَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي إقْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، أَمَّا بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَهَمُّ بِالْبَيَانِ فَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ) أَيْ لِأَجْلِ الْفَسْخِ (وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ: يَعْنِي أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ اخْتَارَهُ أَوْ لَمْ يَخْتَرْهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ وَاجِبُ الرَّدِّ لَا يَتَغَيَّرُ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ لِيَتَغَيَّرَ بِهِ صِفَةُ الْعَقْدِ وَيَتَخَيَّرَ بِهِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ، وَأَمَّا صِحَّةُ الْإِقْرَارِ الَّتِي حُكْمُهَا لُزُومُ الْمُقَرِّ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَزِمَهُ الْمَالُ) أَيْ وَلَزِمَ الْمُقِرَّ الْمَالُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فَلَمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيَّ وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَلَمْ يَنْعَدِمْ) أَيْ اللُّزُومُ، وَقِيلَ: أَيْ الْإِخْبَارُ (بِهَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ) يَعْنِي شَرْطَ الْخِيَارِ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْبَاطِلِ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فِيمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، فَكَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ، إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَدْخُلُ عَلَى أَصْلِ السَّبَبِ فَيَمْنَعُ كَوْنَ الْكَلَامِ إقْرَارًا وَالْخِيَارُ يَدْخُلُ

[باب الاستثناء وما في معناه]

بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ (وَمَنْ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْجُمْلَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَاقِي وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى حُكْمِ السَّبَبِ، فَإِذَا لَغَا بَقِيَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَهُوَ اللُّزُومُ، كَمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَا يَمْنَعُهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: هَذَا إذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ، فَأَمَّا إذَا بَيَّنَ السَّبَبَ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ بِعَيْنِهِ أَوْ مُسْتَهْلَكٍ أَوْ وَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ مُسْتَهْلَكَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ إلَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِيمَا بَيَّنَ مِنْ السَّبَبِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ إنْ كَانَ اسْتِهْلَاكًا فَالِاسْتِهْلَاكُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَرْضًا أَوْ غَصْبًا بِعَيْنِهِ أَوْ وَدِيعَةً بِعَيْنِهَا فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْفَسْخِ بِالرَّدِّ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ لِلْمُقِرِّ ثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ بِأَنْ يَرُدَّ مَا قَبَضَ فَيَنْفَسِخَ الْقَرْضُ وَالْغَصْبُ فَلَا يَكُونُ فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَائِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْخِيَارِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْأَصْلِ فِي جَانِبِ الْمُقِرِّ، إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقِرَّ فِي الْخِيَارِ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ فِي الْحَاصِلِ يَدَّعِي شِرَاءً بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَدْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَثْبُتُ مَتَى صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الشِّرَاءُ، وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الشِّرَاءِ مُسْتَقِيمٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ الْمَالَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَالَ مَشْرُوطٌ فِي الْإِقْرَارِ، وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْإِقْرَارِ لَا يَسْتَقِيمُ، فَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ فَأَرَادَ هُوَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْخِيَارِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْأَصْلِ. قَالُوا: وَيَجِبُ أَنْ لَا تُسْمَعَ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُسْمَعُ إذَا تَرَتَّبَتْ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَدَعْوَى الْخِيَارِ مِنْ الْمُقِرِّ هَاهُنَا لَمْ تَصِحَّ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ. [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ] (بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) لَمَّا ذَكَرَ مُوجَبَ الْإِقْرَارِ بِلَا مُغَيِّرٍ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُوجَبِهِ مَعَ الْمُغَيِّرِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي كَوْنِهِ مُغَيِّرًا كَالشَّرْطِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ) أَيْ مَوْصُولًا بِإِقْرَارِهِ لَا مَفْصُولًا عَنْهُ (صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) أَيْ لَزِمَ الْمُقِرَّ الْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا (لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْجُمْلَةِ) أَيْ مَعَ مَصْدَرِ الْكَلَامِ (عِبَارَةٌ عَنْ الْبَاقِي) فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا وَاحِدًا مَعْنَى عَلَيَّ تِسْعَةٌ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ

(وَسَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ، فَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا وَلَا حَاصِلَ بَعْدَهُ فَيَكُونُ رُجُوعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَوَازُ التَّأْخِيرِ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْأُصُولِ (وَسَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ) أَيْ الْأَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي كَمَا فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَرْبَعَمِائَةٍ (أَوْ الْأَكْثَرَ) مِنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا سِتَّمِائَةٍ: يَعْنِي لَا فَصْلَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَكْثَرِ. وَفِي الْعِنَايَةِ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ: اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ انْتَهَى. وَفِي الْكَافِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْفَرَّاءِ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ انْتَهَى. وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ وَيَكُونُ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْفَرَّاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ انْتَهَى. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْله تَعَالَى {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4] أَقُولُ: فِي كَوْنِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَشَّافِ قَالَ فِي تَفْسِيرِهَا: نِصْفَهُ بَدَلٌ مِنْ اللَّيْلِ، وَإِلَّا قَلِيلًا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النِّصْفِ، كَأَنَّهُ قَالَ: قُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ شِئْت جَعَلْت نِصْفَهُ بَدَلًا مِنْ قَلِيلًا، فَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا مَخْصُوصًا حَتَّى يُحْكَمَ بِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْبَاقِي. نَعَمْ يُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي أَيْضًا، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ حِينَئِذٍ النِّصْفَ لَا الْأَكْثَرَ، وَالْمُدَّعَى جَوَازُ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، فَالْأَظْهَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَهُوَ أَنَّ طَرِيقَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يُجْعَلَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَعَدَمُ تَكَلُّمِ الْعَرَبِ بِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِطَرِيقِهِمْ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَسْرِ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ وَكَانَ صَحِيحًا، وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا تِسْعَةً فَجَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الْعَشَرَةُ. وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا، وَهَذَا الْمَعْنَى كَمَا يُوجَدُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ يُوجَدُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ، إلَّا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا وَضَعُوا الِاسْتِثْنَاءَ لِحَاجَتِهِمْ إلَى اسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ، وَمِثْلُ هَذَا الْغَلَطِ يَنْدُرُ وُقُوعُهُ غَايَةَ النُّدْرَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِدْرَاكِهِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوُقُوعَ فِي الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. ثُمَّ إنَّ لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ دَلِيلًا آخَرَ قَوِيًّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] فَإِنَّ الْغَاوِينَ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] (فَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ) أَيْ الْكُلَّ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ (لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ) أَيْ لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ (وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ بَطَلَ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ (تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا) أَيْ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا (وَلَا حَاصِلَ بَعْدَهُ) أَيْ وَلَا بَاقِيَ بَعْدَ اسْتِثْنَاءِ الْجَمِيعِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ (فَيَكُونُ رُجُوعًا) أَيْ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ رُجُوعًا

وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الطَّلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْإِقْرَارِ لَا مَحَالَةَ لَا اسْتِثْنَاءً حَقِيقِيًّا، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا مَا يَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الْبَيَانِ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ، وَالْإِبْطَالُ لَيْسَ مِنْ الْبَيَانِ فِي شَيْءٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ مِنْ الْأَلْفِ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ وَزِيَادَةً أَوْلَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ. اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ إلَّا هَؤُلَاءِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعَتَقُوا كُلُّهُمْ، وَلَوْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ عَبِيدٌ غَيْرَ هَؤُلَاءِ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمَاتَ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَ مَالِي كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَلَقَدْ أَفْصَحَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيْمَانِ الزِّيَادَاتِ حَيْثُ قَالَ: اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إنَّمَا لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَيَصِحُّ كَمَا إذَا: قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا عَمْرَةَ وَزَيْنَبَ وَسُعَادَ حَتَّى أَتَى عَلَى الْكُلِّ صَحَّ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ هَاهُنَا: وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيُبْتَنَى عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ سِتَّ طَلْقَاتٍ إلَّا أَرْبَعًا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ حَتَّى يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ السِّتُّ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمَعَ هَذَا لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ تَتْبَعُ صِحَّةَ اللَّفْظِ دُونَ الْحُكْمِ. وَتَحْقِيقُهُ هُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى وَقَعَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ أَوْ لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ كُلًّا ضَرُورَةَ عَدَمِ مِلْكِهِ فِيمَا سِوَاهُ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ اللَّفْظِ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ غَيْرُ هَذِهِ الْجَوَارِي أَوْ الْعَبِيدِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ وَلَا لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي بَيَانِ الْفِقْهِ وَالتَّحْقِيقِ بِعَيْنِ تَحْرِيرِهِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِتَغْيِيرِ أُسْلُوبِ تَحْرِيرِهِ. أَقُولُ: التَّحْقِيقُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ فِي الزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى وَقَعَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ أَوْ لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا إنَّمَا يَتَمَشَّى عِنْدَ كَوْنِ غَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَخَصَّ مِنْ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَأَمَّا عِنْدَ كَوْنِهِ مُسَاوِيًا لَهُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ كَمَا لَوْ قَالَ نِسَائِي كَذَا إلَّا حَلَائِلِي أَوْ إلَّا أَزْوَاجِي، أَوْ كَوْنِهِ أَعَمَّ مِنْهُ بِحَسَبِهِ كَمَا لَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي فَلَا يَتَمَشَّى ذَلِكَ

(وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوْ الْقَفِيزِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ فِيهِمَا. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ. وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا اتَّحَدَا جِنْسًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطْعًا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الزِّيَادَاتِ: أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَيَصِحُّ بِتَنَاوُلِ مَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ وَمَا كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا أَيْضًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ. وَأَصْحَابُنَا قَيَّدُوهُ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَا يُسَاوِيهِ نَحْوُ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي أَوْ إلَّا مَمَالِيكِي لَكِنْ إذَا اسْتَثْنَى بِلَفْظٍ يَكُونُ أَخَصَّ مِنْهُ فِي الْمَفْهُومِ لَكِنْ فِي الْوُجُودِ يُسَاوِيهِ يَصِحُّ نَحْوَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَا عَبِيدَ لَهُ سِوَاهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِي أُصُولِهِ بَعْدَ أَنْ قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ: وَقَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا إذَا كَانَ بِلَفْظِهِ نَحْوُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي، أَوْ بِمَا يُسَاوِيهِ نَحْوُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا حَلَائِلِي أَوْ بِأَعَمَّ مِنْهُ، وَإِنْ اسْتَثْنَى بِلَفْظٍ يَكُونُ أَخَصَّ مِنْهُ فِي الْمَفْهُومِ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ يُسَاوِيهِ فِي الْوُجُودِ نَحْوُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَهِنْدَ وَبَكْرَةَ وَعَمْرَةَ أَوْ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَا نِسَاءَ لَهُ سِوَاهُنَّ حَتَّى لَا تَطْلُقَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَرَّ نَقْلًا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ عَدَمَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ: أَيْ أَعَمَّ مِنْهُ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوْ الْقَفِيزِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ يَعْنِي يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيُطْرَحُ مِنْ الْمِائَةِ قِيمَةُ الدِّينَارِ أَوْ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ. قَالَ الْمُصَنَّفُ (وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) اسْتِحْسَانًا (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ) أَيْ مِائَةُ دِرْهَمٍ (إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ) قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَأَحْمَدُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ (لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ (وَهَذَا) الْمَعْنَى (لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ) أَيْ فِي اسْتِثْنَاءِ خِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْمُنْقَطِعِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ (وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا) أَيْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (اتَّحَدَا جِنْسًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ) يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَهُوَ مَوْجُودٌ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَانْتَفَى الْمَانِعُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمُقْتَضَيْ وَهُوَ التَّصَرُّفُ اللَّفْظِيُّ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ عَمَلِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَعِنْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ: أَيْ إنَّمَا امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى لِدَلِيلٍ مُعَارِضٍ كَدَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْعَامِّ، فَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيَّ، فَعَدَمُ لُزُومِ الدِّرْهَمِ لِلدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ لَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَطْبَقُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ أَنَّ لِلِاسْتِثْنَاءِ حُكْمًا يُعَارَضُ بِهِ حُكْمُ الصَّدْرِ، وَلِأَنَّ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ كَلِمَةُ تَوْحِيدٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِثْنَاءِ حُكْمٌ يُضَادُّ حُكْمَ الصَّدْرِ لَكَانَ هَذَا نَفْيًا لِلشَّرِكَةِ لَا تَوْحِيدًا، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَقَالَ: الْعَمَلُ بِدَلِيلِ الْمُعَارِضِ وَاجِبٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا لِلْمُجَانَسَةِ مِنْ

وَلَهُمَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ فِي الْأَوَّلِ ثَابِتَةٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ الْمَالِيَّةُ. وَعِنْدَنَا الِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ التَّكَلُّمَ بِحُكْمِهِ بِقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى فَيَصِيرُ كَالتَّكَلُّمِ بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَيَخْرُجُ كَلَامُهُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] وَامْتِنَاعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ يَكُونُ فِي الْإِيجَابِ لَا فِي الْإِخْبَارِ، وَقَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَاطِبَةً: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَنَجْمَعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَنَقُولُ: إنَّهُ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بِوَضْعِهِ وَإِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ بِإِشَارَتِهِ، وَاخْتِيرَ الْإِثْبَاتُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ إشَارَةً وَالنَّفْيُ قَصْدًا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، إذْ الْكُفَّارُ يُقِرُّونَ بِهِ إلَّا أَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَقُولُ إلَخْ. وَسَلَكَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَذَا الْمَسْلَكَ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُعَارِضُ فِي الْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُعَارِضُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى، وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَرَى يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَهُوَ الْحَقُّ، وَقَرَّرَ الشَّارِحُونَ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُ يُعَارِضُ الصَّدْرَ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُجَانَسَةُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالْإِخْرَاجِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِبَيَانِ أَنَّ الصَّدْرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُسْتَثْنَى فَهُوَ أَحْوَجُ إلَى إثْبَاتِ الْمُجَانَسَةِ لِأَجْلِ الدُّخُولِ مِنَّا، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الشَّارِحِينَ بِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سِوَى صَاحِبِ الْغَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَلَامٌ آخَرُ يُعَارِضُ الصَّدْرَ بِحُكْمِهِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُجَانَسَةُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ: وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ قَدْ اسْتَثْنَى مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ انْتَهَى. وَأَمَّا مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُعَارِضُ فِي الْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُعَارِضُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَلَيْسَ بِدَالٍّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنْسِ فِي قَوْلِهِمْ إنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُعَارِضُ فِي الْعَيْنِ مَا هُوَ جِنْسٌ صُورَةً وَمَعْنًى لَا مُطْلَقُ الْجِنْسِ الشَّامِلِ لِمَا هُوَ جِنْسٌ مَعْنًى فَقَطْ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُمْ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُعَارِضُ فِي الْعَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ جِنْسٌ صُورَةً وَمَعْنًى أَيْضًا فَالْمَفْهُومُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْمُجَانَسَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي بَعْضِ مَوَادِّ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْمُجَانَسَةِ فِي الْجُمْلَةِ شَرْطًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي جَمِيعِ مَوَادِّ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالثَّوْبِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْأَكْمَلِ: قَرَّرَ الشَّارِحُونَ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لَيْسَ بِتَامٍّ (وَلَهُمَا) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ الْمُجَانَسَةَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا وَإِلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ (ثَابِتَةٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ الْمُجَانَسَةُ وَهِيَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ثَابِتَةٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ دُونَ الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ عَدَمَ تَنَاوُلِ الدَّرَاهِمِ غَيْرَهَا لَفْظًا لَا يَرْتَابُ فِيهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَنَاوُلِهَا إيَّاهُ حُكْمًا، فَقُلْنَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ عَلَى أَخَصِّ

وَهَذَا فِي الدِّينَارِ ظَاهِرٌ. وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ أَوْصَافُهَا أَثْمَانٌ؛ أَمَّا الثَّوْبُ فَلَيْسَ بِثَمَنٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَمَا يَكُونُ ثَمَنًا صَلَحَ مُقَدِّرًا بِالدَّرَاهِمِ فَصَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَمَا لَا يَكُونُ ثَمَنًا لَا يَصْلُحُ مُقَدِّرًا فَبَقِيَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الدَّرَاهِمِ مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْصَافِهَا الَّذِي هُوَ الثَّمَنِيَّةُ وَهُوَ الدَّنَانِيرُ وَالْمُقَدَّرَاتُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ (أَمَّا الدِّينَارُ فَظَاهِرٌ) يَعْنِي أَمَّا ثُبُوتُ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ فِي صُورَةِ اسْتِثْنَاءِ الدِّينَارِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ بِلَا اشْتِبَاهٍ (وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ أَوْصَافُهُمَا أَثْمَانٌ) يَعْنِي وَأَمَّا ثُبُوتُ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ فِي صُورَةِ اسْتِثْنَاءِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ أَوْصَافُهَا أَثْمَانٌ. تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ أَثْمَانٌ بِأَوْصَافِهِمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ، حَتَّى لَوْ عُيِّنَتْ فِي الْعَقْدِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا إلَّا أَنَّهَا إذَا وُصِفَتْ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَيَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا فَكَانَتْ فِي حُكْمِ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ مَعْنًى وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا صُورَةً وَالِاسْتِثْنَاءُ اسْتِخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي مَعْنًى لَا صُورَةً؛ لِأَنَّهُ تَكَلُّمٌ بِالْمِائَةِ صُورَةٍ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ (أَمَّا الثَّوْبُ) فِي الْوَجْهِ الثَّانِي (فَلَيْسَ بِثَمَنٍ أَصْلًا) أَيْ لَا ذَاتًا وَلَا وَصْفًا (وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ) بَلْ يَثْبُتُ سَلَمًا أَوْ مَا هُوَ بِمَعْنَى السَّلَمِ كَالْبَيْعِ بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ مُؤَجَّلًا فَلَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ اسْتِخْرَاجًا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَكَانَ بَاطِلًا (وَمَا يَكُونُ ثَمَنًا صَلُحَ مُقَدِّرًا) بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ (لِلدَّرَاهِمِ) أَيْ لِمَا دَخَلَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الدَّرَاهِمِ لِحُصُولِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَهُمَا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَخَصِّ الْأَوْصَافِ (فَصَارَ بِقَدْرِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ الدَّرَاهِمِ) بِقِيمَتِهِ فَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ يُطْرَحُ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْمُقَرِّ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى تَسْتَغْرِقُ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ (وَمَا لَا يَكُونُ ثَمَنًا لَا يَصْلُحُ مُقَدِّرًا) لِلدَّرَاهِمِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ (فَبَقِيَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَجْهُولًا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَبَقِيَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الدَّرَاهِمِ مَجْهُولًا (فَلَا يَصِحُّ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَكِنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تُورِثُ جَهَالَةً فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَبَقِيَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولًا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا لَيْسَ بِثَمَنٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَدِّرًا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُقَدِّرَاتِ تُقَدِّرُ الدَّرَاهِمَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْدِيرَ الِاسْتِثْنَائِيَّ يَقْتَضِي حَقِيقَةَ التَّجَانُسِ أَوْ مَعْنَاهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَيْثُ أَخَصُّ الْأَوْصَافِ اسْتِحْسَانًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ التَّجَانُسِ، ثُمَّ الْمَصِيرُ إلَى الْقِيمَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُقَدِّرَاتِ انْتَهَى أَقُولُ بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَا يَكُونُ ثَمَنًا بِوَصْفِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إنَّمَا يَكُونُ ثَمَنًا وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ بِسَبَبِ الْوَصْفِ كَالْحِنْطَةِ الرَّبِيعِيَّةِ وَالْخَرِيفِيَّةِ لَا بِسَبَبِ الذَّاتِ وَالْعَيْنِ، حَتَّى لَوْ عُيِّنَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ وَلَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ وُصِفَ وَلَمْ يُعَيَّنْ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الدِّينَارِ فَيَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا إنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَدِّرًا لِلدَّرَاهِمِ إذَا كَانَ مَوْصُولًا لَا مُطْلَقًا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَمْ يُوصَفْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَدِّرًا لِلدَّرَاهِمِ فَيَبْقَى

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا) بِإِقْرَارِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ، إمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَثْنَى مِنْ الدَّرَاهِمِ مَجْهُولًا فِي هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ) قَالَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ إقْرَارِ الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُك هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ اسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِنْشَاءَاتِ دُونَ الْإِخْبَارَاتِ، وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُخْرِجٌ لِلْكَلَامِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً لَا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: 69] وَلَمْ يَصْبِرْ وَلَمْ يُعَاتَبْ عَلَى ذَلِكَ، وَالْوَعْدُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُخْرِجٌ لِلْكَلَامِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثَنِيَّاهُ» وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا إلَّا بِكَلَامٍ هُوَ عَزِيمَةٌ، لَكِنْ إنَّمَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ لَا إذَا كَانَ مَفْصُولًا عَنْهُ، فَإِنَّ الْمَفْصُولَ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، وَالْمُقِرُّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي إقْرَارِهِ فَكَذَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَفْصُولَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا لِأَنَّ رُجُوعَهُ نَفْيٌ لِمَا أَثْبَتَهُ فَكَانَ تَنَاقُضًا مِنْهُ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا كَانَ أَوْ مَوْصُولًا. أَمَّا هَذَا فَبَيَانُ تَغْيِيرٍ وَبَيَانُ التَّغْيِيرِ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ انْتَهَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ) كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ (أَوْ تَعْلِيقٌ) كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي طَلَاقِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ. وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ كَمَا ذَكَرَ فِي طَلَاقِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ وَاخْتَارَهُ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ كَمَا فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّهُ إبْطَالٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَعِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّهُ تَعْلِيقٌ يَقَعُ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ بِشَرْطٍ وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْجَزَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ وَبَقِيَ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَقَعُ، وَكَيْفَمَا كَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْإِبْطَالُ (فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي) وَهُوَ التَّعْلِيقُ (فَكَذَلِكَ، إمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا سَبَقَ وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، فَإِنْ كَانَ صِدْقًا لَا يَصِيرُ كَذِبًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ صِدْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَغَا تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ (أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ وُقُوعَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَكَادُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَالتَّعْلِيقُ بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ (كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ. وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ قَدْ شِئْت فَهَذَا إقْرَارٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ فِي وُجُودِهِ خَطَرٌ، وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْخَطَرِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا فِيهِ خَطَرٌ يَمِينٌ وَالْإِقْرَارُ لَا يُحْلَفُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، فَإِنْ كَانَ صِدْقًا لَا يَصِيرُ كَذِبًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ صِدْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَلِيقُ التَّعْلِيقُ بِهِ أَصْلًا، إنَّمَا التَّعْلِيقُ فِيمَا هُوَ إيجَابٌ لِيَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِالشَّرْطِ أَوْ الْخَطَرِ نَحْوُ قَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إنْ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إذَا مِتُّ أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا لَا تَعْلِيقًا، حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجْلِ يَكُونُ الْمَالُ حَالًّا. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَلْفُوظِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَطَرَتْ السَّمَاءُ أَوْ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَوْ إنْ أَرَادَهُ أَوْ رَضِيَهُ أَوْ أَحَبَّهُ أَوْ قَدَّرَهُ أَوْ يَسَّرَهُ أَوْ إنْ بُشِّرْت بِوَلَدٍ أَوْ إنْ أَصَبْت مَالًا أَوْ إنْ كَانَ كَذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ حَقًّا فَهَذَا كُلُّهُ مُبْطِلٌ لِلْإِقْرَارِ إذَا وَصَلَهُ بِالْكَلَامِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إذَا مِتُّ أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيَانِ الْمُدَّةِ) وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَادُونَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَحَلَّ الْأَجَلِ فَحَسْبُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ يَصِيرُ حَالًّا بِالْمَوْتِ وَمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ وَالْفِطْرُ مِنْ آجَالِ النَّاسِ فَتُرِكَتْ الْحَقِيقَةُ لِلْعُرْفِ (فَيَكُونُ تَأْجِيلًا) أَيْ فَيَكُونُ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ تَأْجِيلًا: أَيْ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ (لَا تَعْلِيقًا) أَيْ لَا يَكُونُ تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ (حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ يَكُونُ الْمَالُ حَالًّا) لِأَنَّ دَعْوَى الْأَجَلِ مِنْ الْمُقِرِّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُثْبِتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ) بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا (فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ مَعْنًى) أَيْ تَبَعًا (لَا لَفْظًا) أَيْ لَا مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِي الدَّارِ وَالْوَصْفُ يَدْخُلُ تَبَعًا لَا قَصْدًا، وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْبِنَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي بَيْعِ الدَّارِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَتِهِ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي (وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَلْفُوظِ) يَجْعَلُ الْمَلْفُوظَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، فَمَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الدَّارِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ، كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: هَذَا وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الدَّارُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْبِنَاءِ وَالْعَرْصَةِ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدَّارُ الْمَحَلُّ الَّذِي يَجْمَعُ الْبِنَاءَ وَالْعَرْصَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ اسْمًا لِمَجْمُوعِ الْبِنَاءِ

وَالْفَصُّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا لَا لَفْظًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَرْصَةِ لَا اسْمًا لِلْعَرْصَةِ وَحْدَهَا فَتَأَمَّلْ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ مَا ذُكِرَ بِمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ فَإِنَّ الْحِنْطَةَ دَخَلَتْ فِي الدَّرَاهِمِ مَعْنًى لَا لَفْظًا حَتَّى صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ. قُلْت: الدَّرَاهِمُ تَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّارُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِاسْمٍ لِلْعَرْصَةِ وَالْبِنَاءِ حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُ الدَّارِ ذِكْرًا لِلْبِنَاءِ بِطَرِيقِ التَّنَاوُلِ قَصْدًا، بَلْ الدَّارُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ وَالْبِنَاءُ صِفَةٌ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْوَصْفُ يَدْخُلُ تَبَعًا لَا قَصْدًا فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْوَصْفِ فَافْتَرَقَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: التَّعَرُّضُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ جِدًّا وَقَدْ أَهْمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ، وَلَكِنَّ الْمَرْتَبَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ لَا تَقْطَعُ الْكَلَامَ هَاهُنَا، إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أُرِيدَ بِتَنَاوُلِ الدَّرَاهِمِ الْحِنْطَةَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى تَنَاوُلُهَا إيَّاهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْوَضْعِيُّ لِلَفْظِ الدَّرَاهِمِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، أَلَا يَرَى إلَى مَا مَرَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ عَدَمَ تَنَاوُلِ الدَّرَاهِمِ غَيْرَهَا لَفْظًا لَا يَرْتَابُ فِيهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَنَاوُلِهَا إيَّاهُ حُكْمًا فَقُلْنَا بِتَنَاوُلِ مَا كَانَ عَلَى أَخَصِّ أَوْصَافِهَا الَّذِي هُوَ الثَّمَنِيَّةُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ تَنَاوُلُهَا إيَّاهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يُجْدِي نَفْعًا، إذْ الْمُصَنِّفُ مُصَرِّحٌ هَاهُنَا بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَلْفُوظِ فَتَنَاوُلُ لَفْظِ الدَّرَاهِمِ الْحِنْطَةَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، كَيْفَ وَلَوْ كَفَى تَنَاوُلُ لَفْظِ الدَّرَاهِمِ الْحِنْطَةَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَقَطْ فِي صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْحِنْطَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَكَفَى تَنَاوُلُ اسْمِ الدَّارِ الْبِنَاءَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَقَطْ أَيْضًا فِي صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ فَإِنَّ الْبِنَاءَ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ بَيْعِ الدَّارِ وَفِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ بِالدَّارِ وَنَحْوِهِمَا حَتَّى يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي وَالْمُقَرُّ لَهُ الْبِنَاءَ أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ إيضَاحٍ وَتَقْرِيرٍ فَنَقُولُ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ هُوَ التَّنَاوُلُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَكِنْ قَصْدًا لَا تَبَعًا، وَالدَّرَاهِمُ تَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا عَلَى أَخَصِّ أَوْصَافِهَا الَّذِي هُوَ الثَّمَنِيَّةُ تَنَاوُلًا قَصْدِيًّا لَا تَبَعِيًّا، فَإِنَّ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الثَّمَنِيَّةُ كَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ مِنْ قَبِيلِ الذَّوَاتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهَا فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهَا وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ وَكَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّارُ مَعَ الْبِنَاءِ فَإِنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ لِلدَّارِ فَلَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِهَا إلَّا تَبَعًا. وَبِالْجُمْلَةِ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ حُكْمًا وَبَيْنَ مَا يَتْبَعُ مُتَنَاوَلُهُ فِي الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَدْلُولٌ حُكْمِيٌّ لِلَّفْظِ مَقْصُودٌ مِنْهُ أَصَالَةً فَيَكُونُ اسْتِثْنَاؤُهُ تَصَرُّفًا فِي الْمَلْفُوظِ: أَيْ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ حُكْمًا فَيَصِحُّ، وَالثَّانِي خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَضْعًا وَحُكْمًا غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْهُ أَصْلًا لَكِنَّهُ تَابِعٌ لِمَدْلُولِهِ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ لَهُ فَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاؤُهُ تَصَرُّفًا فِي الْمَلْفُوظِ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْفَصُّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ) يَعْنِي لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْفَصِّ فِي الْإِقْرَارِ بِالْخَاتَمِ وَلَا اسْتِثْنَاءُ النَّخْلَةِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْبُسْتَانِ، كَمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّارِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَصِّ وَالنَّخْلَةِ (يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ يَدْخُلُ فِي الصَّدْرِ (تَبَعًا لَا لَفْظًا) وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَلْفُوظِ كَمَا مَرَّ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا إنَّ الْفَصَّ يَدْخُلُ تَبَعًا لَا لَفْظًا يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ بِشُمُولِ اسْمِ الْخَاتَمِ الْكُلَّ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ أَعَمُّ مِنْ الشُّمُولِ الْقَصْدِيِّ وَالتَّبَعِيِّ، وَمُرَادُهُ بِنَفْيِ دُخُولِ الْفَصِّ فِي الْخَاتَمِ فِي قَوْلِهِ اللَّاحِقِ نَفْيُ الدُّخُولِ الْقَصْدِيِّ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ لُغَةً بَلْ وُضِعَ دَلَالَةً عَلَى الْعَرْصَةِ فِي اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا الْبِنَاءُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ الدَّارُ مَعَ الْبِنَاءِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْمًا عَامًّا لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ كَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ كَانَ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ لَا لِأَنَّهُ اسْمٌ عَامٌّ، بَلْ هُوَ اسْمٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْحَلْقَةِ وَالْفَصِّ وَلَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ لُغَةً بَلْ وُضِعَ دَلَالَةً عَلَى الْعَرْصَةِ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ كُتُبُ اللُّغَةِ، أَلَا يَرَى إلَى مَا قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الدَّارُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْبِنَاءِ وَالْعَرْصَةِ، وَإِلَى مَا قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ: الدَّارُ الْمَحَلُّ يَجْمَعُ الْبِنَاءَ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ لَفْظًا (وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذَا الدَّارِ لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَكَانُ الْعَرْصَةِ أَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَرْصَةَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ جُزْءٌ مِنْ مَعْنَى اسْمِ الدَّارِ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ لُغَةً يَقْتَضِي صِحَّةَ اسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ لِنَفْسِهِ لِلْقَطْعِ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ مِنْ الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا وَاحِدًا. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالتَّضْمِينِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ لَا الْجُزْئِيَّةِ فَيَئُولُ إلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَعَ إبَاءِ قَوْلِهِ هَذِهِ الْأَجْزَاءُ عَنْ ذَلِكَ التَّوْجِيهِ جِدًّا يَمْنَعُهُ قَوْلُهُ فِي تَنْظِيرِهِ بِمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْخَاتَمِ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْحَلْقَةِ وَالْفَصِّ وَلَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ، فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي دُخُولِ الْفَصِّ كَالْحَلْقَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ دُونَ التَّبَعِيَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الثِّقَاتِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا) أَيْ إذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهَا (أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا) حَيْثُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ مَا عَدَا ثُلُثَ الدَّارِ وَمَا عَدَا الْبَيْتَ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثُّلُثِ وَالْبَيْتِ (دَاخِلٌ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّدْرِ الَّذِي هُوَ الدَّارُ (لَفْظًا) وَمَقْصُودًا حَتَّى لَوْ اُسْتُحِقَّ الْبَيْتُ فِي بَيْعِ الدَّارِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: كَوْنُ الْبَيْتِ دَاخِلًا فِي الدَّارِ لَفْظًا وَمَقْصُودًا مُشْكِلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ دَاخِلًا فِي الدَّارِ لَفْظًا وَمَقْصُودًا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ مَدْلُولِ لَفْظِ الدَّارِ فَلَا يَكُونُ الدَّارُ حِينَئِذٍ اسْمًا لِلْعَرْصَةِ فَقَطْ بَلْ لِمَجْمُوعِ الْعَرْصَةِ وَالْبُيُوتِ، فَإِذَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ لَزِمَ أَنْ تَنْعَدِمَ بِانْعِدَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْحِنْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ قَالَ هَاهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى رُبْعَ الدَّارِ أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ بَيْتًا مِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَحَّ انْتَهَى. فَإِنَّ كَوْنَ الدَّارِ اسْمًا لِلْعَرْصَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي صُورَةِ اسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعَرْصَةِ إذْ الْبَيْتُ اسْمٌ لِبِنَاءٍ مُسْقَفٍ لَهُ حَوَائِطُ أَرْبَعَةٌ عَلَى قَوْلٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ كَمَا عُرِفَ فِي الْأَيْمَانِ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ صُفَّةً، وَالْعَرْصَةُ هِيَ الْبُقْعَةُ كَمَا سَيَأْتِي فَأَنَّى هَذِهِ مِنْ ذَلِكَ؟ فَمَا ذَكَرَهُ يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ فِي هَاتِيكَ الصُّورَةِ (وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْمُقِرِّ وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ) يَعْنِي أَنَّ الْعَرْصَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةُ عَنْ بُقْعَةٍ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ، فَلَمَّا اُعْتُبِرَ فِي مَعْنَاهَا الْخُلُوُّ عَنْ الْبِنَاءِ لَمْ يَتْبَعْهَا الْبِنَاءُ فِي الْحُكْمِ (فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَكَانَ الْعَرْصَةِ أَرْضًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَالْأَرْضُ لِفُلَانٍ (حَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ) مَعَ الْأَرْضِ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ وَالْبِنَاءَ تَبَعٌ، وَالْإِقْرَارَ إقْرَارٌ بِالتَّبَعِ (كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ) حَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ أَيْضًا لِلْمُقَرِّ لَهُ هُنَاكَ وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ لِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ. فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ الْبِنَاءُ لِفُلَانٍ وَالْأَرْضُ لِآخَرَ فَإِنَّهُ كَمَا

(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ، فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك) قَالَ: وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا هَذَا وَهُوَ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيُسَلِّمَ الْعَبْدَ، وَجَوَابُهُ مَا ذُكِرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ حَتَّى يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْأَوَّلِ وَالْأَرْضُ لِلثَّانِي، وَلَمْ يَقُلْ هُنَاكَ الْإِقْرَارُ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ فِيمَا أَوْرَدْت إقْرَارٌ مُعْتَبَرٌ بِالْبِنَاءِ لِلْأَوَّلِ فَهَبْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ لَكِنَّ إقْرَارَهُ فِيمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ فَكَانَ لِلثَّانِي الْأَرْضُ خَاصَّةً، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَآخِرُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهِمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ فَبَقِيَ قَوْلُهُ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ، وَالْإِقْرَارُ بِالْأَصْلِ يُوجِبُ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي التَّبَعِ. تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبِنَاءَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَمَّا صَارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ حُكْمًا فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ لِلثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبِنَاءِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْبِنَاءُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُقِرِّ فَكَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبِنَاءِ تَبَعًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ خَمْسُ مَسَائِلَ وَتَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ دُونَ الْعَكْسِ. وَالثَّانِي أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ: إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ: الْبِنَاءُ لِي ادَّعَى الْبِنَاءَ وَبِقَوْلِهِ: الْأَرْضُ لِفُلَانٍ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا لِلْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ، وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ. وَإِذَا قَالَ أَرْضُهَا لِي وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ فَهُوَ عَلَى مَا أَقَرَّ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ أَرْضُهَا لِي ادَّعَى الْبِنَاءَ لِنَفْسِهِ تَبَعًا وَبِقَوْلِهِ: وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لِفُلَانٍ، وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ، وَيُؤْمَرُ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَقْلِ الْبِنَاءِ مِنْ أَرْضِهِ. وَإِذَا قَالَ أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي فَالْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ: أَرْضُهَا لِفُلَانٍ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا وَبِقَوْلِهِ وَبِنَاؤُهَا لِي ادَّعَى الْبِنَاءَ لِنَفْسِهِ، وَالدَّعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَا تَصِحُّ وَإِذَا قَالَ: أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ فَالْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ: أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ صَارَ مُقِرًّا لِفُلَانٍ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَبِقَوْلِهِ وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ كَانَ مُقِرًّا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ. وَإِذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا بِنَاءُ هَذَا الدَّارِ لِفُلَانٍ صَارَ مُقِرًّا بِالْبِنَاءِ لَهُ وَبِقَوْلِهِ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ صَارَ مُقِرًّا عَلَى الْأَوَّلِ بِالْبِنَاءِ لِلثَّانِي، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ بَاطِلٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ، فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ: إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك) إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ (قَالَ) أَيْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ (عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا هَذَا) أَيْ هَذَا الْوَجْهُ (وَهُوَ أَنْ يُصَدِّقَهُ) أَيْ أَنْ يُصَدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ (وَيُسَلِّمَ الْعَبْدَ، وَجَوَابُهُ) أَيْ جَوَابُ هَذَا الْوَجْهِ (مَا ذُكِرَ) مِنْ قَوْلِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْعَبْدَ كَيْفَ يُقَالُ لَهُ: إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ إلَخْ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ أَنْ لَوْ كَانَ لَفْظُ يُسَلِّمُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُسَلِّمُ الْعَبْدَ مَنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَنْ سَلَّمَهُ لَهُ: أَيْ جَعَلَهُ سَالِمًا لَهُ فَلَا؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْعَبْدِ لِلْمُقِرِّ إنَّمَا تَحْصُلُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ بِأَنَّهُ عَبْدُك لَا عَبْدِي، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ هَذَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ إلَى الْمُقِرِّ فَلَا يُنَافِي أَنْ يُقَالَ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ إلَخْ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ سَلَّمَهُ لَهُ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ. وَهَذَا وَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ حَيْثُ قَالَ: فَلَوْ سَلَّمَ لَهُ

لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً. وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ: الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَ هَذَا وَفِيهِ الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ لَهُ وَقَدْ سَلَّمَ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عَبْدِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا قَبَضَ ثُمَّ تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ يُسَلِّمُ هَاهُنَا ثُلَاثِيًّا مِنْ السَّلَامَةِ لَا مِنْ التَّسْلِيمِ وَيَكُونَ الْعَبْدُ فَاعِلًا لَا مَفْعُولًا فَحِينَئِذٍ لَا يُتَوَهَّمُ الْمُنَافَاةُ أَصْلًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً) يَعْنِي أَنَّهُمَا تَصَادَقَا فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَالثَّابِتُ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً. وَلَوْ عَايَنَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَذَا هَاهُنَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا وَثَبَتَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَالْحُكْمُ الْأَمْرُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقِرِّ ثُمَّ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ مَا إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمْنَا بِذَلِكَ كَانَ حُكْمًا بِمَا لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَطَعَنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي جَوَابِهِ بِأَنْ قَالَ: وَلَيْتَ شِعْرِي أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ حُكْمُ أَيَّةِ مَسْأَلَةٍ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ وَالتَّصَادُقِ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقِرِّ وَلَا الْحُكْمَ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ الْمَذْكُورِينَ مُقْتَضَى الدَّعْوَى وَلَا دَعْوَى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، بَلْ فِيهِ إقْرَارٌ مَحْضٌ، وَحُكْمُهُ لُزُومُ الْأَلْفِ عَلَى الْمُقِرِّ إنْ سَلَّمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ إلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي ثُبُوتِ الْبَيْعِ مُعَايَنَةً، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. قِيلَ: لِلْمُقَرَّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ تَخْيِيرَ الْمُقَرِّ لَهُ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ وَعَدَمِ تَسْلِيمِهِ، إذْ لَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ عَلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَمَّ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ لُزُومَ الْأَلْفِ عَلَى الْمُقِرِّ مَشْرُوطٌ بِتَسْلِيمِك الْعَبْدَ إلَيْهِ، فَإِنْ أَرَدْت الْوُصُولَ إلَى حَقِّك فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَلَا تُضَيِّعْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَخُذْ الْأَلْفَ خُذْ الْأَلْفَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ، إذْ لَا دَلَالَةَ عَلَى التَّعْقِيبِ فِي الْوَاوِ بَلْ هِيَ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ أَنَّ اللَّازِمَ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا، فَخُلَاصَةُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ هَاهُنَا مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ سَلَّمَ الْمُقَرُّ لَهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِلَّا لَا (وَالثَّانِي) أَيْ الْوَجْهُ الثَّانِي (أَيْ يَقُولُ الْمُقَرُّ لَهُ: الْعَبْدُ عَبْدُك) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي عَيَّنْته عَبْدُك (مَا بِعْتُكَهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَ هَذَا) وَسَلَّمْته إلَيْك (وَفِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْوَجْهِ (الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ لَهُ وَقَدْ سُلِّمَ) أَيْ وَقَدْ سُلِّمَ الْعَبْدُ لَهُ حِينَ اعْتَرَفَ الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ (فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ) كَمَا لَوْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ غَصَبْته مِنْك وَقَالَ: لَا بَلْ اسْتَقْرَضْت مِنِّي لِأَنَّ الْأَسْبَابَ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّكَاذُبُ فِي السَّبَبِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، كَذَا قَالُوا (وَالثَّالِثُ) أَيْ الْوَجْهُ الثَّالِثُ (أَنْ يَقُولَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (الْعَبْدُ عَبْدِي) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي

مَا بِعْتُك. وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْمَالِ إلَّا عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ دُونَهُ، وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ مَنْ عَيَّنَهُ وَالْآخَرَ يُنْكِرُ وَالْمُقَرَّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَلْفَ بِبَيْعِ غَيْرِهِ وَالْآخَرَ يُنْكِرُهُ، وَإِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ الْمَالُ، هَذَا إذَا ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ (وَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ رُجُوعًا إلَى كَلِمَةِ عَلَيَّ، وَإِنْكَارُهُ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُقَارِنَةً كَانَتْ أَوْ طَارِئَةً بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ نَسِيَاهُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِأَمْثَالِهِ تُوجِبُ هَلَاكَ الْمَبِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَيَّنْته عَبْدِي (مَا بِعْتُك وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ هَذَا الْوَجْهِ (أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْمَالِ إلَّا عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ دُونَهُ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ لَا يُسَلِّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بَدَلَهُ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ يَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، كَذَا قَالُوا. (وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ وَلَوْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ إنْكَارِ الْعَبْدِ الْمُقَرِّ بِهِ: (إنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ الْعَبْدِ (يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ مَنْ عَيَّنَهُ) أَيْ وُجُوبَ تَسْلِيمِهِ (وَالْآخَرُ يُنْكِرُ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقِرِّ (الْأَلْفَ) أَيْ لُزُومَ الْأَلْفِ (بِبَيْعِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ (وَالْآخَرُ يُنْكِرُ) فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا ذَلِكَ وَحُكْمُ ذَلِكَ التَّحَالُفِ (وَإِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ الْمَالُ) أَيْ بَطَلَ الْمَالُ عَنْ الْمُقِرِّ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ (هَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوُجُوهِ (إذَا ذَكَرَ) أَيْ الْمُقِرُّ (عَبْدًا بِعَيْنِهِ وَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ) يَعْنِي إنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ (اشْتَرَيْتُهُ) مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ (وَلَمْ يُعَيِّنْهُ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى (لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) أَيْ سَوَاءٌ وَصَلَ قَوْلَهُ مَا قَبَضْت الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى بِكَلَامِهِ السَّابِقِ أَوْ فَصَلَ عَنْهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا قَبَضْت (رُجُوعٌ) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ (فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ رُجُوعًا إلَى كَلِمَةِ عَلَيَّ) أَيْ نَظَرًا إلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إذْ هِيَ لِلْإِيجَابِ (وَإِنْكَارُهُ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا) أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ (لِأَنَّ الْجَهَالَةَ) أَيْ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ (مُقَارِنَةً كَانَتْ) كَالْجَهَالَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ (أَوْ طَارِئَةً بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ نَسِيَاهُ) أَيْ نَسِيَ الْمُتَعَاقِدَانِ ذَلِكَ الْعَبْدَ (عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِأَمْثَالِهِ تُوجِبُ هَلَاكَ الْمَبِيعِ) خَبَرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ: يَعْنِي أَنَّ الْجَهَالَةَ تُوجِبُ هَلَاكَ

فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مَتَاعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ سَبَبًا وَهُوَ الْبَيْعُ، فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَبْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَبِيعِ: أَيْ تَجْعَلُ الْمَبِيعَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَجْهُولِ (فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ نَقْدِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ نَقْدَ الثَّمَنِ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِحْضَارِ الْمَبِيعِ وَقَدْ امْتَنَعَ إحْضَارُهُ بِالْجَهَالَةِ فَامْتَنَعَ وُجُوبُ نَقْدِ الثَّمَنِ أَيْضًا (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رُجُوعًا) فَإِنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ وَآخِرَهُ يُوجِبُ سُقُوطَهُ، وَذَلِكَ رُجُوعٌ (فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ مَفْصُولًا كَانَ أَوْ مَوْصُولًا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَمْ يُلْزِمْ الْمُقِرَّ هُنَاكَ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ مَعَ جَرَيَانِ خُلَاصَةِ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ رُجُوعًا إلَى كَلِمَةِ عَلَيَّ، وَآخِرَهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِقَوْلِهِ قُلْنَا ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ، وَسَنَذْكُرُ تَتِمَّةَ الْكَلَامِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ كَلَامًا آخَرَ، وَأَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: فِي تَمَامِ التَّقْرِيبِ كَلَامٌ، فَإِنَّ ارْتِفَاعَ الْجَهَالَةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالْقَبْضِ بَلْ بِاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ هَذَا وَإِحْضَارِ الْبَائِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ هُوَ عَدَمُ الِاعْتِرَافِ فَيَبْقَى عَلَى الْجَهَالَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا الْإِيرَادُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُقِرَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ الْعَبْدَ فَصَارَ مَجْهُولًا لَمْ يُكَلَّفْ الْمُقَرُّ لَهُ بِإِحْضَارِ ذَلِكَ أَصْلًا، بَلْ لَمْ يُمْكِنْ لَهُ إحْضَارُهُ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِ الْمَجْهُولِ فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ إحْضَارُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ هَاهُنَا حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ هَذَا، وَإِنْ أَحْضَرَ الْمُقَرُّ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ وَاعْتَرَفَ الْمُقِرُّ بِأَنَّ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ هَذَا الْعَبْدُ فَقَدْ صَارَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَبِيلِ مَا إذَا ذَكَرَ الْمُقِرُّ عَبْدًا بِعَيْنِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ هُوَ عَدَمُ الِاعْتِرَافِ وَقَدْ لَزِمَهُ الْأَلْفُ بِلَا عِوَضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الْبَائِعُ شَيْئًا، فَهَلْ يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ إعْطَاءَ الْأَلْفِ بِلَا عِوَضٍ عَلَى إعْطَائِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا أَحْضَرَهُ الْبَائِعُ، فَالظَّاهِرُ هُوَ الِاعْتِرَافُ عِنْدَ إحْضَارِهِ بِلَا رِيَبٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ) أَيْ إذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي الْجِهَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَلْفُ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ (وَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ إنْ أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُقَرَّ لَهُ (بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ الْمُقِرَّ (مَتَاعًا) يَعْنِي إنْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي الْجِهَةِ بِأَنْ قَالَ: إنَّهُ بَاعَهُ مَتَاعًا وَهُوَ الْعَبْدُ كَمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ، وَلَكِنْ كَذَّبَهُ فِي إنْكَارِهِ قَبْضَ الْمَبِيعِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ) سَوَاءٌ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ. وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عَنْ الْمَبِيعِ بِالْمَتَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مَتَاعًا وَقَدْ كَانَ وَضَعَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِي الْعَبْدِ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَتَاعِ مُطْلَقًا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَبْدِ (وَوَجْهُ ذَلِكَ) أَيْ وَجْهُ مَا قَالَهُ الْإِمَامَانِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ (وَبَيَّنَ سَبَبًا) لَهُ (وَهُوَ الْبَيْعُ) حَيْثُ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ (فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ) يَعْنِي الْمُقَرَّ لَهُ (فِي السَّبَبِ) وَهُوَ الْبَيْعُ (وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَبْضِ) أَيْ وَبِمُجَرَّدِ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْبَيْعُ لَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي حَيِّزِ التَّزَلْزُلِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْلِكُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ

وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي السَّبَبِ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُقِرِّ بَيَانًا مُغَيِّرًا لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ لِلْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَآخِرُهُ يَحْتَمِلُ انْتِفَاءَهُ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَبْضِ وَالْمُغَيِّرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا. (وَلَوْ قَالَ ابْتَعْتُ مِنْهُ بَيْعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَيْعِ الْقَبْضُ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي الْقَبْضَ (وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْمُنْكِرِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَابٍ، وَقَوْلُهُ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فَيَكُونُ لِوُجُودِ الْفَاءِ وَلِعَدَمِ الرَّبْطِ، فَإِنَّك لَوْ قَدَّرْت كَلَامَهُ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ فِيهِ إشْعَارٌ بِذَلِكَ وَقَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ جَزَاؤُهُ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ لَا يَتَأَكَّدُ لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ كَانَ الطَّالِبُ مُدَّعِيًا لِلْقَبْضِ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: النَّظَرُ الْمَزْبُورُ سَاقِطٌ جِدًّا، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ قَطْعًا، وَوُجُودُ الْفَاءِ فِيهِ لَيْسَ بِمَانِعٍ عَنْهُ أَصْلًا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ الْجَزَاءَ إذَا كَانَ مُضَارِعًا مُثْبَتًا أَوْ مَنْفِيًّا بِلَا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ: دُخُولُ الْفَاءِ عَلَيْهِ وَعَدَمُ دُخُولِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] وَعَدَمُ الرَّبْطِ فِيهِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ وَقَعَ قَيْدًا لِلشَّرْطِ الْمَزْبُورِ فَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ لَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُ الْقَبْضَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ. وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَرْبُوطًا بِالشَّرْطِ الْمَزْبُورِ مُقَيَّدًا بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْبُوطًا بِهِ عَارِيًّا عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ جَزَاءٍ مَحْذُوفٍ كَمَا تَمَحَّلَهُ ذَلِكَ الشَّارِحُ (وَإِنْ كَذَّبَهُ) أَيْ وَإِنْ كَذَّبَ الطَّالِبُ الْمُقِرَّ (فِي السَّبَبِ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُقِرِّ بَيَانًا مُغَيِّرًا لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ (لِلْوُجُوبِ مُطْلَقًا) رُجُوعًا عَنْ كَلِمَةِ عَلَيَّ (وَآخِرُهُ) أَيْ آخِرُ كَلَامِهِ (يَحْتَمِلُ انْتِفَاءَهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْوُجُوبِ (عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَبْضِ) فَصَارَ مُغَيِّرًا لِمُقْتَضَى أَوَّلِ كَلَامِهِ (وَالْمُغَيِّرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا) كَالِاسْتِثْنَاءِ. (وَلَوْ قَالَ ابْتَعْت مِنْهُ بَيْعًا) أَيْ مَبِيعًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: عَيْنًا (إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْمُقِرِّ (بِالْإِجْمَاعِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَيْعِ الْقَبْضُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُقِرَّ هَاهُنَا إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعَقْدِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَيْعِ قَبْضُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَجِبَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ) فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْقَبْضَ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا

قَالَ (وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَأَوَّلُ كَلَامِهِ لِلْوُجُوبِ (وَقَالَا: إذَا وَصَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ بَيَّنَ بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قُلْنَا: ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوَّلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَهَذَا النَّظَرُ أَيْضًا سَاقِطٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا هُوَ الْإِقْرَارُ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ، إذْ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ الْمُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ إنْكَارَ الْقَبْضِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا، فَلَا بُدَّ فِي نَفَاذِ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ قَبْضِهِ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْقَبْضُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقُدُورِيُّ (إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارِهِ (لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا) عَلَى الْمُسْلِمِ (وَأَوَّلُ كَلَامِهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيَّ الْأَلْفُ (لِلْوُجُوبِ) وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ (وَقَالَا) أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (إذَا وَصَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (بَيَّنَ بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ) أَيْ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ (الْإِيجَابَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَنَى إقْرَارَهُ عَلَى عَادَةِ الْفَسَقَةِ، فَإِنَّ الْخَمْرَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ وَقَدْ اعْتَادَ الْفَسَقَةُ شِرَاءَهَا وَأَدَاءَ ثَمَنِهَا فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هَذَا لَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ خِنْزِيرٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَبْنِيَ إقْرَارَهُ عَلَى عَادَةِ الْفَسَقَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي صُورَةِ أَنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، إذْ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ شِرَاءُ الْخِنْزِيرِ وَلَا أَدَاءُ ثَمَنِهِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ اعْتِيَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَأَمَّا عَادَةُ الْكُفَّارِ فَلَا تَصْلُحُ لَأَنْ تُجْعَلَ مَبْنَى الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مِنْ قَبْلِهِمَا مَسُوقٌ لِلصُّورَتَيْنِ مَعًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (وَصَارَ) أَيْ صَارَ آخِرُ كَلَامِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (كَمَا إذَا قَالَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ هُنَاكَ إذَا وَصَلَ فَكَذَا هَاهُنَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ بِقَوْلِهِ (قُلْنَا ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَالتَّعْلِيقُ

(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إنْ قَالَ مَوْصُولًا يُصَدَّقُ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشَّرْطِ مِنْ بَابِ بَيَانِ التَّغْيِيرِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ إبْطَالٌ وَالْإِبْطَالُ لَا يَكُونُ بَيَانًا فَلَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِيَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ، فَأَيَّا مَا كَانَ لَا يَكُونُ هَذَا الْجَوَابُ حُجَّةً عَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمَا يَكُونُ ذَاكَ أَيْضًا إبْطَالًا. وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُنَاكَ: فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ: يَعْنِي الْإِبْطَالَ فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: يَعْنِي التَّعْلِيقَ فَكَذَلِكَ، إمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ فَحَصَلَ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فِي أَصْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بَلْ هُوَ إبْطَالٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُهُ هَاهُنَا ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ هَاهُنَا مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ إلْزَامِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمَا يَكُونُ ذَلِكَ إبْطَالًا، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ إلْزَامِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ تَعْلِيقًا حَقِيقَةً، إلَّا أَنَّهُ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي قَدْحِ قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ بِتَعْلِيقٍ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى، وَإِنَّمَا هِيَ إبْطَالٌ مَحْضٌ، وَأَمَّا تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ فَتَعْلِيقٌ صُورَةً وَإِنْ كَانَتْ إبْطَالًا مَعْنًى فَافْتَرَقَتَا، تَأَمَّلْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي مُخْتَصَرِهِ خِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ الطَّالِبُ، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِ جَمِيعًا لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ، صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) أَيْ أَلْفُ دِرْهَمٍ (مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ) جَمْعُ زَيْفٍ وَهُوَ مَا يَقْبَلُهُ التُّجَّارُ وَيَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ (أَوْ نَبَهْرَجَةٌ) وَهِيَ دُونَ الزُّيُوفِ فَإِنَّهَا مِمَّا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا (وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا) أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (إنْ قَالَا مَوْصُولًا) أَيْ إنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ السَّابِقِ (يُصَدَّقُ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا) أَيْ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَفْصُولًا عَنْهُ (لَا يُصَدَّقُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. أَقُولُ: تَحْرِيرُهَا عَلَى النَّمَطِ الْمَذْكُورِ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ قُصُورٍ، فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْجِيَادُ سَوَاءٌ وَصَلَ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَمْ فَصَلَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَيَقْتَضِيهِ بَيَانُ الْخِلَافِ، إلَّا أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ: هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ يَدُلُّ عَلَى الْفَصْلِ كَمَا لَا يَخْفَى فَتُوُهِّمَ اخْتِصَاصُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِصُورَةِ الْفَصْلِ وَلَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ صَاحِبَيْهِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يَذْكُرَ الْوَاوَ بَدَلَ ثُمَّ كَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الْقَرَارِ بِالزُّيُوفِ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنٍ مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَإِنْ وَصَلَ يُصَدَّقْ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقْ. وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَعَلَى هَذَا نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ) أَيْ الْأَلْفُ (سَتُّوقَةٌ) وَهِيَ أَرْدَأُ مِنْ النَّبَهْرَجَةِ (أَوْ رَصَاصٌ) أَيْ أَوْ قَالَ هِيَ رَصَاصٌ فَلَا يُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَيُصَدَّقُ عِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ، وَلَكِنْ هَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لَا يُصَدَّقُ هَاهُنَا وَإِنْ وَصَلَ كَمَا قَالَهُ

وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ إلَّا إنَّهَا زُيُوفٌ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ. لَهُمَا أَنَّهُ بَيَانٌ مُغَيِّرٌ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ. وَهَذَا لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَحْتَمِلُ الزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ وَالسَّتُّوقَةُ بِمَجَازِهِ، إلَّا أَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ، وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ وَدَعْوَى الْعَيْبِ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مُوجِبِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهِ سَلِيمًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو حَنِيفَةَ. كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ) بِكَلِمَةِ الِاسْتِثْنَاءِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ) بِالْجَرِّ، وَتَجْرِي الصِّفَةُ عَلَى الْمَجْرُورِ الْمَعْدُودِ دُونَ الْعَدَدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43] كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيهِ وَصْفِ الْمُفْرَدِ بِالْجَمْعِ فَتَأَمَّلْ (مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ) هَذَا تَتِمَّةُ كَلَامِ الْمُقِرِّ (لَهُمَا) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخِلَافِيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ مَا قَالَهُ الْمُقِرُّ آخِرًا (بَيَانٌ مُغَيِّرٌ) لِمَا قَالَهُ أَوَّلًا (فَيَصِحُّ مَوْصُولًا) أَيْ بِشَرْطِ الْوَصْلِ (كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا لِكَوْنِهِ بَيَانَ تَغْيِيرٍ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ آخِرِ كَلَامِ الْمُقِرِّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَيَانًا مُغَيِّرًا (لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَحْتَمِلُ الزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ) فَإِنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ فِي الصَّرْفِ أَوْ السَّلَمِ وَلَا يَصِيرُ اسْتِبْدَالًا (وَالسَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ) أَيْ وَيَحْتَمِلُ السَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهَا تُسَمَّى دَرَاهِمَ مَجَازًا فَأَمْكَنَ أَنْ يَتَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى عَجُزِهِ (إلَّا أَنَّ مُطْلَقَهُ) أَيْ مُطْلَقَ اسْمِ الدَّرَاهِمِ (يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ) لِأَنَّ بِيَاعَاتِ النَّاسِ تَكُونُ بِالْجِيَادِ عَادَةً (فَكَانَ) أَيْ فَكَانَ ذِكْرُ الزُّيُوفِ أَوْ السَّتُّوقَةِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ (بَيَانًا مُغَيِّرًا) لِمَا اقْتَضَاهُ أَوَّلُ الْكَلَامِ (مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ كَانَ بَيَانًا مِنْ جِهَةِ الِاحْتِمَالِ وَمُغَيِّرًا مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ فَصَحَّ مَوْصُولًا (وَصَارَ) أَيْ صَارَ حُكْمُ هَذَا (كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ) أَوْ سِتَّةٍ وَنَقْدُ بَلَدِهِمْ وَزْنُ سَبْعَةٍ صُدِّقَ إنْ كَانَ مَوْصُولًا وَلَمْ يُصَدَّقْ إنْ كَانَ مَفْصُولًا. أَقُولُ: لَوْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيلِ لِذِكْرِ النَّبَهْرَجَةِ أَيْضًا لَكَانَ أَوْجَهَ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ أَيْضًا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنْ قُلْت: النَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ فِي كَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يُكْتَفَى فِي التَّعْلِيلِ بِذِكْرِ حَالِ الزُّيُوفِ. قُلْت: رَدَاءَةُ النَّبَهْرَجَةِ دُونَ رَدَاءَةِ الزُّيُوفِ كَمَا نُبِّهَ عَلَيْهِ هُنَاكَ أَيْضًا، فَكَانَ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءَ بِذِكْرِ حَالِ الْأَدْنَى لِيُعْلَمَ بِهِ حَالُ مَا فَوْقِهِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ. ثُمَّ أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَحْتَمِلُ الزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ وَالسَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ لَا يُسَاعِدُهُ مَا ذُكِرَ فِي مُعْتَبَرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا دِرْهَمٌ سَتُّوقٌ وَتُسْتُوقٌ: أَيْ زَيْفٌ نَبَهْرَجٌ فَكَيْفَ يَكُونُ اسْمُ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً فِي الْمُفَسَّرِ مَجَازًا فِي الْمُفَسِّرِ فَتَأَمَّلْ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا) أَيْ مَا قَالَهُ الْمُقِرُّ آخَرُ (رُجُوعٌ) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا وَدَعْوَى أَمْرٍ عَارِضٍ فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ وَصَلَ وَذَلِكَ (لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ) لِأَنَّ مُوجِبَهُ سَلَامَةُ الْبَدَلِ الْمُسْتَحَقِّ بِهِ عَنْ الْعَيْبِ (وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ) فِي الدَّرَاهِمِ (وَدَعْوَى الْعَيْبِ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مُوجِبِهِ) أَيْ عَنْ بَعْضِ مُوجِبِ الْعَقْدِ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ أَرَادَ إبْطَالَ مَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فَلَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ وَصَلَ (وَصَارَ) حُكْمُ هَذَا (كَمَا إذَا قَالَ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَهُ مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهِ سَلِيمًا فَالْقَوْلُ) هُنَاكَ (لِلْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ، فَكَذَا هَاهُنَا، فَحَاصِلُ اخْتِلَافِهِمْ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ الزُّيُوفَ

وَالسَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَى الثَّمَنِ فَكَانَ رُجُوعًا. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءً لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ بِخِلَافِ الْجَوْدَةِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي مُطْلَقِ اسْمِ الدَّرَاهِمِ أَمْ لَا. فَأَبُو حَنِيفَةَ رَجَّحَ جَانِبَ الْعَيْبِ فِيهَا فَلَمْ يُدْخِلْهَا تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى كَانَ دَعْوَى الزِّيَافَةِ رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ أَوَّلًا بِمُطْلَقِ الدَّرَاهِمِ، وَهُمَا أَدْخَلَاهَا تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الدَّرَاهِمِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ، حَتَّى كَانَ دَعْوَى الزِّيَافَةِ بَعْدَ ذِكْرِ اسْمِ الدَّرَاهِمِ بَيَانَ تَغْيِيرٍ كَمَا فِي الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ (وَالسَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْأَثْمَانِ) أَيْ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ (وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَى الثَّمَنِ) فَلَمْ تَكُنْ السَّتُّوقَةُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ الْعَقْدِ (فَكَانَ) أَيْ فَكَانَ قَوْلُهُ الْآخَرُ (رُجُوعًا) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا: أَيْ فَكَانَ دَعْوَى السَّتُّوقَةِ بِتَأْوِيلِ الِادِّعَاءِ رُجُوعًا مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ مَفْصُولًا وَلَا مَوْصُولًا (وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءً) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَا بِهِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً (لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ) وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْمِقْدَارِ صَحِيحٌ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَتَنَاوَلُ الْقَدْرَ فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ الْمَلْفُوظِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ (بِخِلَافِ الْجَوْدَةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ اسْتِثْنَاءً لِلدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ عَنْ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ وَالْجَوْدَةُ وَصْفٌ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا (لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ) لِعَدَمِ تَنَاوُلِ صَدْرِ الْكَلَامِ إيَّاهُ قَصْدًا بَلْ تَبَعًا (كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ) عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: اسْتِثْنَاءُ الْوَصْفِ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ صَحَّحَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ اسْتِثْنَاءَ الزِّيَافَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ؟ قُلْنَا: صَحَّحَا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَالزِّيَافَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَيْنٌ لَا وَصْفٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهَا نَقْدُ بَلَدِ كَذَا وَنَقْدُ ذَلِكَ الْبَلَدِ زُيُوفٌ، وَهُنَاكَ صَحَّ هَذَا الْبَيَانُ مَوْصُولًا بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ فَصَارَ ذَلِكَ نَوْعًا لِلدَّرَاهِمِ لَا وَصْفًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْحِنْطَةِ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ، إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْأَسْرَارِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَهَاهُنَا بَحْثٌ، إذْ حِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ، فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا فَصَلَ فَتَأَمَّلْ. أَقُولُ: بَحْثُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ هَذَا الْبَيَانَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمَا بَيَانُ نَوْعِ الدَّرَاهِمِ إلَّا أَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَالْجَوْدَةَ عُرْفًا، فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ نَوْعِ الزُّيُوفِ مِنْ الدَّرَاهِمِ تَغْيِيرًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَكَانَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَمَا مَرَّ، وَبَيَانُ التَّغْيِيرِ لَا يَصِحُّ إلَّا مَوْصُولًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ الْفَاضِلُ فِي الْغَلَطِ مِنْ قَوْلِ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَصَارَ ذَلِكَ نَوْعًا لِلدَّرَاهِمِ لَا وَصْفًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْحِنْطَةِ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ يُقْبَلُ، وَإِنْ فَصَلَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ إلَّا أَنَّ مُرَادَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْحِنْطَةِ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ فِي مُجَرَّدِ كَوْنِهِ نَوْعًا لَا وَصْفًا لَا فِي الِاتِّحَادِ فِي جِهَةِ الْبَيَانِ، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هَذَا بَيَانُ تَغْيِيرٍ وَذَاكَ بَيَانُ التَّفْسِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ) أَيْ مُنَوَّعَةٌ (لَا عَيْبٌ) لِأَنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ وَالْحِنْطَةُ قَدْ تَكُونُ رَدِيئَةً فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَكَانَتْ الرَّدِيئَةُ نَوْعًا مِنْهَا وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُشَارًا إلَيْهَا فَوَجَدَهَا رَدِيئَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الرَّدَاءَةِ، إذْ لَيْسَ لِمُطْلَقِ الْعَقْدِ مُقْتَضًى فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِالْحِنْطَةِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيئَةٌ فَلَيْسَ فِي بَيَانِهِ تَغْيِيرُ مُوجَبِ أَوَّلِ كَلَامِهِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يُسْتَثْنَى الْوَصْفُ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ ضِدُّ الْجَوْدَةِ فَهُمَا صِفَتَانِ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْجَوْدَةُ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا ضِدَّانِ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الْحِنْطَةِ مُنَوَّعَةٌ لَا عَيْبٌ وَفِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُفَادَ الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ وَفِي الْحِنْطَةِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ لَا أَنَّهَا فِي الدَّرَاهِمِ وَصْفٌ وَفِي الْحِنْطَةِ لَيْسَتْ بِوَصْفٍ، فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ أَصْلُ السُّؤَالِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ نَقْضُ الْقَوْلِ بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ بِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ وَصْفِ الرَّدَاءَةِ فِي الْحِنْطَةِ. عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ السُّؤَالُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ رَدَاءَةِ الْحِنْطَةِ وَجَوْدَةِ الدَّرَاهِمِ. وَمُفَادُ الْجَوَابِ عَنْهُ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ رَدَاءَةِ الْحِنْطَةِ وَرَدَاءَةِ الدَّرَاهِمِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْبَاعِثُ عَلَى شَرْحِهِ الْمَقَامَ بِالْوَجْهِ الْمَزْبُورِ هُوَ أَنَّهُ حَسِبَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي قُبَيْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ فَوَقَعَ فِيمَا وَقَعَ، وَلَكِنْ لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ، وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ يُرْشَدُ إلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ هَاهُنَا فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا بَعْدَ قَوْلِهِ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ. ثُمَّ أَقُولُ: وَأَمَّا السُّؤَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ يُسْتَثْنَى الْوَصْفُ كَمَا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ. فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ هُنَاكَ اسْتِثْنَاءٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِلْحِنْطَةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، يُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي قَالَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ بُرٍّ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ رَدِيءٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ، لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِي الْبُرِّ انْتَهَى حَيْثُ بَدَّلَ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ بِقَوْلِهِ هُوَ رَدِيءٌ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَطْمَحُ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِيغَةَ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ إنَّ الرَّدَاءَةَ فِي مِثْلِ الْبُرِّ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ، فَظَهَرَ أَنَّ جَعْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ الْمَزْبُورِ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ. فَإِنْ قُلْت: لِلسُّؤَالِ الْمَزْبُورِ جَوَابٌ آخَرُ أَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرْته، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ لَيْسَ لِاسْتِثْنَاءِ الْوَصْفِ وَهُوَ الرَّدَاءَةُ بَلْ لِاسْتِثْنَاءِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ الرَّدِيئَةُ، فَالْمُرَادُ اسْتِثْنَاءُ نَوْعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ فَلِمَ تَرَكْت هَذَا الْجَوَابَ؟ قُلْت: لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ عِنْدَهُ مَعَ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إذَا وَصَلَ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُوجِبُ رَدَّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ، وَقَدْ يَكُونُ زَيْفًا كَمَا فِي الْغَصْبِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّعَامُلَ بِالْجِيَادِ فَانْصَرَفَ مُطْلَقُهُ إلَيْهَا. (وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ وَالْقَرْضَ قِيلَ يُصَدَّقُ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا (وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ لِتَعَيُّنِهَا مَشْرُوعَةً لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرَيَانِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِاسْتِثْنَاءِ الْوَصْفِ وَهُوَ الزِّيَافَةُ بَلْ لِاسْتِثْنَاءِ الْعَيْنِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ الزُّيُوفُ، وَنَحْنُ الْآنَ بِصَدَدِ تَتْمِيمِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا مَجَالَ لِلتَّشَبُّثِ بِذَلِكَ الْجَوَابِ هَاهُنَا فَتَدَبَّرْ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ) الْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْجَامِعَانِ وَالزِّيَادَاتُ وَالْمَبْسُوطُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ الْأَمَالِي وَالنَّوَادِرِ وَالرُّقَيَّاتِ وَالْهَارُونِيَّاتِ والْكَيْسانِيَّاتِ بِغَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إذَا وَصَلَ) يَعْنِي فِي الْقَرْضِ، كَذَا وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ. وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَنْ قَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إذَا وَصَلَ يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ هِيَ زُيُوفٌ يُصَدَّقُ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إذَا وَصَلَ قَوْلُهُ هِيَ زُيُوفٌ بِقَوْلِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ، أَمَّا إذَا قَطَعَ كَلَامَهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ زَمَانٍ هِيَ زُيُوفٌ لَا يُصَدَّقُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ (لِأَنَّ الْقَرْضَ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَقْرَضَ إنَّمَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ بِالْقَبْضِ فَالْقَرْضُ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ (وَقَدْ يَكُونُ) الْمَقْبُوضُ فِي الْقَرْضِ (زَيْفًا كَمَا فِي الْغَصْبِ) فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الزَّيْفُ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ كَالْغَصْبِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ كَمَا يُصَدَّقُ فِي الْغَصْبِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ يُصَدَّقَ فِي الزُّيُوفِ فِي الْقَرْضِ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ كَمَا فِي الْغَصْبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي صُورَةِ الْقَرْضِ إذَا فَصَلَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (وَوَجْهُ الظَّاهِرِ) أَيْ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (أَنَّ التَّعَامُلَ بِالْجِيَادِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي التَّعَامُلِ هُوَ الْجِيَادُ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ (فَانْصَرَفَ مُطْلَقُهُ) أَيْ مُطْلَقُ الْقَرْضِ (إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْجِيَادِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجِيَادُ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الزِّيَافَةِ لِأَنَّهَا رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ. (وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ وَالْقَرْضَ) أَيْ وَلَوْ أَرْسَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ وَادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ (قِيلَ يُصَدَّقُ بِالْإِجْمَاعِ) يَعْنِي إذَا وَصَلَ (لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا) أَيْ يَتَنَاوَلُ الزُّيُوفَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَصْرِفُهَا إلَى الْجِيَادِ (وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ) قَائِلُ هَذَا هُوَ الْكَرْخِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَيْ لَا يُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ وَلَا يُصَدَّقُ إذَا فَصَلَ، فَحَصَلَ الْمَعْنَى: وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ) بِالدَّيْنِ (يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ) أَيْ إلَى الْإِلْزَامِ بِسَبَبِ الْعُقُودِ (لِتَعَيُّنِهَا مَشْرُوعَةً) أَيْ لِكَوْنِهَا هِيَ الْمَشْرُوعَةَ (لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ) أَيْ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْإِلْزَامِ بِسَبَبِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ، إذْ لَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحَرَامِ مَا أَمْكَنَ، فَصَارَ هَذَا وَمَا بَيْنَ سَبَبِ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَوْ أَرْسَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْأُصُولِ. فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هُوَ هَذَا الِاخْتِلَافُ،

(وَلَوْ قَالَ اغْتَصَبْت مِنْهُ أَلْفًا أَوْ قَالَ أَوْدَعَنِي ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَيُودِعُ مَا يَمْلِكُ فَلَا مُقْتَضَى لَهُ فِي الْجِيَادِ وَلَا تَعَامُلَ فَيَكُونُ بَيَانَ النَّوْعِ فَيَصِحُّ وَإِنْ فَصَلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَاهُنَا يُصَدَّقُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَجِبُ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا تَجِبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ انْتَهَى. (وَلَوْ قَالَ اغْتَصَبْت مِنْهُ أَلْفًا أَوْ قَالَ أَوْدَعَنِي) أَيْ أَوْدَعَنِي أَلْفًا (ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَيُودِعُ مَا يَمْلِكُ فَلَا مُقْتَضَى لَهُ) أَيْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغَصْبِ وَالْإِيدَاعِ (وَلَا تَعَامُلَ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَقْتَضِيهَا فِي الْجِيَادِ: أَيْ وَلَا تَعَامُلَ فِي غَصْبِ الْجِيَادِ وَلَا فِي إيدَاعِهَا، بِخِلَافِ الْقَرْضِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ فِيهِ بِالْجِيَادِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ هِيَ زُيُوفٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِغَصْبِ الْأَلْفِ أَوْ إيدَاعِهَا تَغْيِيرًا لِأَوَّلِ كَلَامِهِ (فَيَكُونُ بَيَانَ النَّوْعِ فَيَصِحُّ وَإِنْ فَصَلَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزِّيَافَةَ فِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ فَيَكُونُ ذِكْرُ الزَّيْفِ رُجُوعًا فَلَا يُقْبَلُ أَصْلًا، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَلَا يُقْبَلُ مَفْصُولًا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الزِّيَافَةِ عَيْبًا فِي الدَّرَاهِمِ كَوْنُ ذِكْرِ الزُّيُوفِ رُجُوعًا أَوْ بَيَانًا مُغَيِّرًا إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ أَوَّلُ كَلَامِ الْمُقِرِّ الْمَعْيُوبَ وَغَيْرَ الْمَعْيُوبِ عَلَى السَّوَاءِ، بَلْ كَانَ مَخْصُوصًا بِغَيْرِ الْمَعْيُوبِ وَهُوَ الْجِيَادُ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ تَحَقُّقِ الْمُقْتَضَى كَمَا فِي الْبَيْعِ أَوْ التَّعَامُلِ كَمَا فِي الْقَرْضِ. وَإِذْ قَدْ تَبَيَّنَ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ عَدَمُ تَحَقُّقِ مُقْتَضَى الْجِيَادِ وَلَا التَّعَامُلُ بِهَا فِي الْغَصْبِ وَالْإِيدَاعِ تَعَيَّنَ تَنَاوُلُ أَوَّلِ كَلَامِ الْمُقِرِّ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ عَلَى السَّوَاءِ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الزُّيُوفِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ أَصْلًا وَلَا بَيَانًا مُغَيِّرًا فِي شَيْءٍ بَلْ كَانَ بَيَانَ النَّوْعِ قَطْعًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِفَةٌ وَالْمَوْصُوفُ بِهَا قَدْ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِهَا مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ فَيَكُونُ مُنَوَّعًا لَيْسَ إلَّا كَمَا فِي الْحِنْطَةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنَوَّعًا وَعَيْبًا. وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ فِي الْجِهَةِ الْمُوجِبَةِ لَهَا، فَإِنْ اقْتَضَتْ السَّلَامَةَ كَانَتْ الزِّيَافَةُ عَيْبًا وَإِلَّا كَانَتْ نَوْعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمَّا اقْتَضَتْهَا تَقَيَّدَتْ بِهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَافَةُ نَوْعًا مِنْهَا لِتَبَايُنِهَا لَكِنَّهَا تُنَافِيهَا تَنَافِيَ التَّضَادِّ فَكَانَتْ عَيْبًا، لِأَنَّ ضِدَّ السَّلَامَةِ عَيْبٌ. وَإِذَا لَمْ تَقْتَضِهَا كَانَتَا نَوْعَيْنِ لِمُطْلَقِ الدَّرَاهِمِ لِاحْتِمَالِهِ إيَّاهُمَا لِاحْتِمَالِ الْجِنْسِ الْأَنْوَاعَ هَذَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الزِّيَافَةَ فِي الدَّرَاهِمِ مِمَّا لَا يَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِهَا مُتَّصِفًا بِهَا مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ أَصْلًا إذْ هِيَ أَمْرٌ عَارِضٌ لِلدَّرَاهِمِ تَخْلُو عَنْهَا الدَّرَاهِمُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهَا، وَإِنَّمَا الَّتِي قَدْ يَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِهَا مُتَّصِفًا بِهَا مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ هِيَ الرَّدَاءَةُ فِي الْحِنْطَةِ كَمَا مَرَّ وَهِيَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ وَلَا مَعْنَى لِخَلْطِ ذَلِكَ هَاهُنَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الضَّابِطِ مِنْ أَنَّ الْجِهَةَ الْمُوجِبَةَ لِلدَّرَاهِمِ إنْ اقْتَضَتْ السَّلَامَةَ كَانَتْ الزِّيَافَةُ عَيْبًا، وَإِلَّا كَانَتْ نَوْعًا بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كَوْنَ الزِّيَافَةِ فِي الدَّرَاهِمِ عَيْبًا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ غَيْرُ

وَلِهَذَا لَوْ جَاءَ رَادُّ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ بِالْمَعِيبِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَفْصُولًا اعْتِبَارًا بِالْقَرْضِ إذْ الْقَبْضُ فِيهِمَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ. وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ لَكِنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهَا مَجَازًا فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْلِ (وَإِنْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَابِعٍ لِاقْتِضَاءِ الْجِهَةِ الْمُوجِبَةِ لَهَا السَّلَامَةَ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ اقْتِضَائِهَا السَّلَامَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ عَنْ مُطْلَقِ اسْمِ الدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ لَا فِي جَعْلِهَا مَعْيُوبَةً، وَكَذَلِكَ فِي كَوْنِ الزِّيَافَةِ نَوْعًا: أَيْ مُنَوَّعَةً لَيْسَ بِتَابِعٍ لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ الْجِهَةِ السَّلَامَةَ، بَلْ الزِّيَافَةُ كَالْجَوْدَةِ مُنَوَّعَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ نَوْعَانِ مِنْ مُطْلَقِ الدَّرَاهِمِ قَطْعًا سَوَاءٌ اقْتَضَتْ الْجِهَةُ السَّلَامَةَ أَمْ لَا، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا لَمْ تَقْتَضِهَا كَانَتَا نَوْعَيْنِ لِمُطْلَقِ الدَّرَاهِمِ أَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَانَتَا نَوْعَيْنِ لِمُطْلَقِ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ تَكُنْ الزِّيَافَةُ عَيْبًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الزِّيَافَةُ عَيْبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَوْنُهَا نَوْعًا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا عَيْبًا، فَإِنَّ كَوْنَ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ مَعْيُوبًا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْآخَرِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ، وَإِنَّمَا لَا تَكُونُ عَيْبًا لَوْ كَانَتْ فِي أَصْلِ خِلْقَةِ الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَانَتَا نَوْعَيْنِ لِمُطْلَقِ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَافَةُ عَيْبًا أَيْضًا فَلَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ النَّظَرِ الْمَذْكُورِ بِمَا ذَكَرَهُ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنْ لَا مُقْتَضَى لَهُ فِي الْجِيَادِ وَلَا تَعَامُلَ (لَوْ جَاءَ رَادُّ الْمَغْصُوبِ) وَهُوَ الْغَاصِبُ (الْوَدِيعَةِ) أَيْ وَرَادُّ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ الْمُودِعُ (بِالْمَعِيبِ) مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَ: أَيْ لَوْ جَاءَ رَادُّهُمَا بِالْمَعِيبِ (كَانَ الْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلرَّادِّ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ مَتَى وَقَعَ فِي صِفَةِ الْمَقْبُوضِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ) أَيْ فِي الْغَصْبِ لَا فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (مَفْصُولًا) أَيْ إذَا ادَّعَى الزِّيَافَةَ مَفْصُولًا (اعْتِبَارًا بِالْقَرْضِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَيْهِ (إذْ الْقَبْضُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغَصْبِ وَالْقَرْضِ (هُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ) يَعْنِي أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا كَوْنُ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ هُوَ الْقَبْضَ، وَجَوَابُهُ يُفْهَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ تَدَبَّرْ (وَلَوْ قَالَ: هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَإِنْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ صُدِّقَ إنْ وَصَلَ وَلَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ: يَعْنِي فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا صُورَةً، فَصَارَ إرَادَتُهَا بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ كَإِرَادَةِ الْمَجَازِ بِاسْمِ الْحَقِيقَةِ، وَإِذَا بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازَ مَوْصُولًا قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. وَعَلَّلَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَقَالَ (لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ) أَيْ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِهَا فِي بَابِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (لَكِنَّ الِاسْمَ) أَيْ اسْمَ الدَّرَاهِمِ (يَتَنَاوَلُهَا) أَيْ يَتَنَاوَلُ السَّتُّوقَةَ (مَجَازًا) لِلْمُشَابَهَةِ بَيْنَ السَّتُّوقَةِ وَالدَّرَاهِمِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ (فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا) لِمَا اقْتَضَاهُ أَوَّلُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ يَتَنَاوَلُ الدَّرَاهِمَ صُورَةً وَحَقِيقَةً، وَبِآخِرِ كَلَامِهِ بَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ الدَّرَاهِمُ صُورَةً لَا حَقِيقَةً (فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْلِ) لِأَنَّ بَيَانَ التَّغْيِيرِ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ لِأَنَّ الزُّيُوفَ وَالنَّبَهْرَجَةَ دَرَاهِمُ صُورَةً وَحَقِيقَةً فَلَيْسَ فِي بَيَانِهِ تَغْيِيرٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا (وَإِنْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالْإِيدَاعِ (أَلْفًا ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ

لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ مَوْصُولًا، بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ لِأَنَّهَا وَصْفٌ وَاسْتِثْنَاءُ الْأَوْصَافِ لَا يَصِحُّ، وَاللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْمِقْدَارَ دُونَ الْوَصْفِ وَهُوَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ كَمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ فَهُوَ وَاصِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ ثُمَّ جَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ لَا بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَالَ أَعْطَيْتَنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ لَا بَلْ غَصَبْتَنِيهَا لَمْ يَضْمَنْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ وَالْآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ) أَيْ اسْتِثْنَاءٌ لِبَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمِقْدَارِ (وَالِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ مَوْصُولًا) لَا مَفْصُولًا فَيَصِيرُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى (بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ) أَيْ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ وَصْفٌ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ (وَاللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْمِقْدَارَ دُونَ الْوَصْفِ، وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ (تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ كَمَا بَيَّنَّا) فِيمَا مَرَّ فَيَصِحُّ فِي مُتَنَاوَلِ اللَّفْظِ دُونَ غَيْرِهِ (وَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ) أَيْ لِضَرُورَةِ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوْ أَخْذِ السُّعَالِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (فَهُوَ وَاصِلٌ) أَيْ هُوَ فِي حُكْمِ الْوَاصِلِ حَتَّى يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ (لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَيَذْكُرُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي آخِرِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ عَفْوًا. قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا يَفْصِلُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ انْقَطَعَ عَنْهُ الْكَلَامُ ثُمَّ وَصَلَ، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَجُعِلَ ذَلِكَ عَفْوًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ يَعْنِي مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. (وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ ثُمَّ جَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ لَهُ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ) فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ وَالْجَيِّدِ وَالزَّيْفِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا غَصَبَ سَوَاءٌ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ) أَيْ الْمُقِرُّ (ضَامِنٌ) يَعْنِي كَانَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ (وَإِنْ قَالَ: أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (لَا بَلْ غَصَبْتنِيهَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُقِرُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَلْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا (أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً (أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَهَذَا يَتَنَاوَلُ رَدَّ الْعَيْنِ حَالَ بَقَائِهَا وَرَدَّ الْمِثْلِ حَالَ زَوَالِهَا لِكَوْنِ الْمِثْلِ قَائِمًا مَقَامَ الْأَصْلِ (ثُمَّ ادَّعَى) أَيْ ثُمَّ ادَّعَى الْمُقِرُّ بِقَوْلِهِ وَدِيعَةً (مَا يُبْرِئُهُ) عَنْ الضَّمَانِ (وَهُوَ الْإِذْنُ) بِالْأَخْذِ (وَالْآخَرُ) وَهُوَ الْمُقَرُّ

يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ. وَفِي الثَّانِي أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ وَذَاكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ وَالْقَبْضُ فِي هَذَا كَالْأَخْذِ وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إعْطَاؤُهُ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ، فَنَقُولُ: قَدْ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ فَالْمُقْتَضَى ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَلَا يَظْهَرُ فِي انْعِقَادِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَخَذْتُهَا مِنْك وَدِيعَةً وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا هُنَالِكَ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَدَّعِي سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ (يُنْكِرُهُ) أَيْ يُنْكِرُ الْإِذْنَ (فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ) هَذَا مَا قَالُوا. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا أَنَّ الْأَخْذَ مُطْلَقًا سَبَبُ الضَّمَانِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْأَخْذُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ كَأَخْذِ الْوَدِيعَةِ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَلَيْسَ بِسَبَبِ الضَّمَانِ قَطْعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» كَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ. عَلَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ إذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ، فَيَكُونُ مَا أَخَذَتْهُ الْيَدُ بِهَذَا الطَّرِيقِ مَخْصُوصًا عَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْأَخْذَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ سَبَبُ الضَّمَانِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ بِغَيْرِ إذْنٍ، بَلْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ الْمُقَيَّدِ بِكَوْنِهِ وَدِيعَةً وَهُوَ الْأَخْذُ بِالْإِذْنِ فَتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ الْمُقِرُّ وَيُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَدِيعَةً بَيَانُ تَغْيِيرٍ كَمَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةٌ. قُلْنَا: صَدْرُ الْكَلَامِ هُنَا مُوجِبُهُ الْغَصْبُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْوَدِيعَةَ، فَقَوْلُهُ: وَدِيعَةً يَكُونُ دَعْوَى مُبْتَدَأَةً لَا بَيَانَ مَا احْتَمَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ يَحْتَمِلُ الْوَدِيعَةَ: يَعْنِي عَلَى حِفْظِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَدِيعَةٌ بَيَانَ تَغْيِيرٍ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ هُنَا مُوجِبُهُ الْغَصْبُ، كَيْفَ وَسَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ الْغَصْبَ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ؟ وَفِي الشَّرِيعَةِ: أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ هَاهُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْ الْغَصْبِ، وَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْعَامَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْخَاصِّ بِإِحْدَى الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ، فَأَنَّى يَكُونُ مُوجِبُهُ الْغَصْبَ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ تَنَبَّهَ لِمَا قُلْنَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ (وَفِي الثَّانِي) أَيْ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً (أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ) وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ (وَذَاكَ) أَيْ ذَاكَ الْغَيْرُ (يَدَّعِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقِرِّ (سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ) وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ (فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْقَبْضُ فِي هَذَا) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (كَالْأَخْذِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: قَبَضْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ غَصَبْتنِيهَا كَانَ ضَامِنًا، كَمَا لَوْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً (وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ غَصَبْتنِيهَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْطَيْتنِيهَا (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الْإِعْطَاءُ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُقِرِّ (لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ) فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِالْإِعْطَاءِ وَالدَّفْعِ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالْقَبْضِ يَضْمَنُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ إذَا أَقَرَّ بِالْإِعْطَاءِ وَالدَّفْعِ أَيْضًا (فَنَقُولُ) فِي الْجَوَابِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْطَاءَ وَالدَّفْعَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ بَلْ (قَدْ يَكُونُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِعْطَاءِ وَالدَّفْعِ (بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ) بِدُونِ قَبْضِهِ فَلَمْ يَقْتَضِ الْإِقْرَارُ بِهِمَا الْإِقْرَارَ بِالْقَبْضِ (وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ) أَيْ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ اقْتَضَى ذَلِكَ (فَالْمُقْتَضَى ثَابِتٌ ضَرُورَةً) وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَثْبُتُ بِأَدْنَى مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ (فَلَا يَظْهَرُ فِي انْعِقَادِ سَبَبِ الضَّمَانِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا) أَيْ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْمُقِرِّ بِالْأَخْذِ وَدِيعَةً إذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَخَذْتَهَا غَصْبًا (بِخِلَافِ مَا) أَيْ مُلَابِسٍ، بِخِلَافِ مَا (إذَا قَالَ) أَيْ الْمُقِرُّ (أَخَذْتُهَا مِنْك وَدِيعَةً وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا هُنَالِكَ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَخَذْتَهَا قَرْضًا (عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ بِالْإِذْنِ) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْقَرْضِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِذْنِ كَالْأَخْذِ بِالْوَدِيعَةِ. (إِلَّا أَنَّ الْمُقِرَّ لَهُ يَدَّعِي سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ) ذَلِكَ

فَافْتَرَقَا (وَإِنْ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ فُلَانٍ فَأَخَذْتُهَا فَقَالَ فُلَانٌ هِيَ لِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. (وَلَوْ قَالَ: آجَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا، أَوْ قَالَ: آجَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ وَقَالَ فُلَانٌ: كَذَبْتَ وَهُمَا لِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِعَارَةُ وَالْإِسْكَانُ. (وَلَوْ قَالَ خَاطَ فُلَانٌ ثَوْبِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضْتُهُ وَقَالَ فُلَانٌ: الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ) وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَدِيعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (فَافْتَرَقَا) ، أَيْ: فَافْتَرَقَ مَا إِذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: أَخَذْتَهَا غَصْبًا وَمَا إِذَا قَالَ: أَخَذْتَهَا قَرْضًا. أَقُولُ: هَا هُنَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُقِرُّ إِنَّمَا هُوَ مَا يُبَرِّئُهُ عَنِ الضَّمَانِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْإِذْنُ الْمُطْلَقُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَحْصُلُ بِالْإِذْنِ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَنَظَائِرِهِمَا أَسْبَابٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ مُبَرِّئَةً عَنِ الضَّمَانِ، بَلْ إِنَّمَا ذَلِكَ هُوَ الْإِذْنُ الْمَخْصُوصُ الْحَاصِلُ فِي ضِمْنِ الْوَدِيعَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَا يُوَافِقُهُ عَلَى الْأَخْذِ بِهَذَا الْإِذْنِ الْمَخْصُوصِ، وَإِلَّا لَمَا ادَّعَى عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ. وَأَمَّا تَوَافُقُهُمَا عَلَى مُطْلَقِ الْإِذْنِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا فِي الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ ادِّعَاءَ الْمُقِرِّ مَا يُبَرِّئُهُ عَنِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْإِذْنُ الْمَخْصُوصُ الْحَاصِلُ فِي ضِمْنِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْكَارَ الْمُقِرِّ لَهُ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ: لَا بَاقِيَانِ بِعَيْنِهِمَا فِيمَا إِذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ أَيْضًا يَدَّعِي سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ. وَإِذَا تَعَارَضَ دَعْوَاهُمَا وَإِنْكَارُهُمَا بَقِيَ إِقْرَارُ الْمُقِرِّ أَوَّلًا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ سَالِمًا عَنِ الدَّافِعِ، كَمَا فِيمَا إِذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ أَخَذْتَهَا غَصْبًا فَلَمْ يَفْتَرِقَا افْتِرَاقًا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحَكَمِ، تَأَمَّلْ جِدًّا. (وَإِنْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ لِي وَدِيعَةً عِنْدَ فُلَانٍ فَأَخَذْتُهَا) مِنْهُ. (فَقَالَ فُلَانٌ: هِيَ لِي فَإِنَّهُ) ، أَيْ: فَإِنَّ فُلَانًا. (يَأْخُذُهَا) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِهَا: (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: لِأَنَّ الْمُقِرَّ. (أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ) ، أَيْ: لِفُلَانٍ. وَفِي الْكَافِي: وَأَقَرَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَالسَّبِيلُ فِي الْأَخْذِ الرَّدُّ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. (وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهَا عَلَيْهِ) ، أَيِ: ادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ الْأَلْفَ عَلَى فُلَانٍ بِقَوْلِهِ: كَانَتْ لِي وَدِيعَةً عِنْدَ فُلَانٍ. (وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ) مَعَ يَمِينِهِ. . (وَلَوْ قَالَ: آجَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فَلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا) عَلَيَّ. (أَوْ قَالَ: آجَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ) عَلَيَّ. (وَقَالَ فُلَانٌ: كَذَبْتَ) بَلِ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ لِي. (فَالْقَوْلُ لَهُ) ، أَيْ: لِلْمُقِرِّ. (وَهَذَا) ، أَيْ: كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلُ الْمُقِرِّ. (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ) وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا اسْتِحْسَانٌ وَقَوْلُهُمَا قِيَاسٌ، كَذَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ الْقِيَاسُ) ، أَيْ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ الْقِيَاسُ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَجْهُ الْقِيَاسِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا كُلَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنِ الدَّابَّةُ أَوِ الثَّوْبُ مَعْرُوفًا لِلْمُقِرِّ. أَمَّا إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا لَهُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا لِلْمُقِرِّ لَا يَكُونُ مُجَرَّدَ الْيَدِ فِيهِ لِغَيْرِهِ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ، وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ. (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ) ، أَيْ: عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ آنِفًا (الْإِعَارَةُ وَالْإِسْكَانُ) بِأَنْ قَالَ: أَعَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيَّ، أَوْ أَعَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيَّ، وَبِأَنْ قَالَ: أَسْكَنْتُ دَارِي هَذِهِ فُلَانًا ثُمَّ أَخْرَجَتُهُ مِنْهَا، فَقَالَ فُلَانٌ: كَذَبْتَ بَلِ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ وَالدَّارُ لِي. (وَلَوْ قَالَ: خَاطَ فُلَانٌ ثَوْبِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضْتُهُ، وَقَالَ فُلَانٌ: الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ) احْتُرِزَ بِهِ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّ الْقَوْلَ فِي هَذَا قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْأُصُولِ، بَلْ قَالَ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ: هُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَدِيعَةِ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ وَادَّعَى

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ضَرُورِيَّةٌ تُثْبِتُ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ، فَيَكُونُ عَدَمًا فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ إِقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا مَقْصُودَةٌ، وَالْإِيدَاعُ إِثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ اعْتِرَافًا بِالْيَدِ لِلْمُودِعِ. وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي كَيْفِيَّتِهِ. وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: كَانَتْ وَدِيعَةً، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَوْدَعْتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِحْقَاقَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ) بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ضَرُورِيَّةٌ) ، يَعْنِي: أَنَّ الْيَدَ فِيهِمَا لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ (تُثْبِتُ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَتَكُونُ عَدَمًا) ، أَيْ: فَتَكُونُ الْيَدُ مَعْدُومَةً (فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ) ، فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالضَّرُورَةِ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ، (فَلَا يَكُونُ) ، أَيْ: فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ (إِقْرَارًا لَهُ) ، أَيْ: لِلْمُقِرِّ لَهُ (بِالْيَدِ مُطْلَقًا) ، أَيْ: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يَكُونُ إِقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَقَطْ، فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ (بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا مَقْصُودَةٌ) ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ الْحِفْظُ وَالْحِفْظُ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْيَدِ، (وَالْإِيدَاعُ إِثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ) ، أَيْ: بِالْإِيدَاعِ (اعْتِرَافًا بِالْيَدِ لِلْمُودِعِ) . أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْإِيدَاعِ يَكُونُ اعْتِرَافًا بِالْيَدِ لِلْمُودِعِ مُطْلَقًا، أَيْ: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي؛ حَيْثُ قَالَ: فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِالْوَدِيعَةِ إِقْرَارًا بِالْيَدِ لِلْمُقِرِّ لَهُ مُطْلَقًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ إِذِ الْإِيدَاعُ إِثْبَاتُ يَدِ الْمُحَافَظَةِ دُونَ إِثْبَاتِ يَدِ الْمَلِكِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْإِيدَاعِ إِقْرَارًا بِالْيَدِ مُطْلَقًا لِلْمُودِعِ؟ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ يَكُونُ اعْتِرَافًا بِيَدِ الْمُحَافَظَةِ لِلْمُودِعِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهِ التَّقْرِيبُ، كَمَا لَا يَخْفَى. (وَوَجْهٌ آخَرُ) لِلِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الْفَرْقُ (أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ) ، أَيْ: مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ، (فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي كَيْفِيَّتِهِ) ، أَيْ: فِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الْيَدِ لَهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبَدٌ، وَقَالَ: هَذَا عَبْدِي بِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ أُسَلِّمْهُ إِلَيْهِ بَعْدُ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ كَانَ عَبْدِي لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ. وَكَمَا لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُ عَبْدِي هَذَا فُلَانًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضِ الثَّمَنَ فَلِي حَقُّ الْحَبْسِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ زَعْمَ الْآخَرُ خِلَافَهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ أَخْذًا مِنَ الْأَسْرَارِ، (وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ) ، أَيْ: لِأَنَّ الْمُقِرَّ (قَالَ فِيهَا: كَانَتْ وَدِيعَةً، وَقَدْ تَكُونُ) ، أَيِ: الْوَدِيعَةُ (مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) كَاللُّقَطَةِ؛ فَإِنَّهَا وَدِيعَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إِلَيْهِ صَاحِبُهَا، وَكَذَا الثَّوْبُ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ فَأَلْقَتْهُ فِي دَارِ إِنْسَانٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ وَدِيعَةً عِنْدَ صَاحِبِ الدَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إِلَيْهِ صَاحِبُهُ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هُنَا كَلَامٌ: أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْإِيدَاعَ إِثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْيَدِ قَصْدًا يَقْتَضِي الصُّنْعَ. فَإِنْ قُلْتَ: مُرَادُهُ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْمُقِرِّ لَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْمُودِعِ، وَكَوْنُ الْإِيدَاعِ إِثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا إِنَّمَا يَقْتَضِي صُنْعَ الْمُودِعِ فَلَا مُنَافَاةَ. قُلْتُ: فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْمِثَالَانِ الْمَزْبُورَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ، وَذَكَرَ الثَّانِي صَاحِبُ الْكَافِي أَيْضًا؛ إِذْ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ فِي ثُبُوتِ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فِي اللُّقَطَةِ وَفِى ثُبُوتِ يَدِ صَاحِبِ الدَّارِ فِي الثَّوْبِ الَّذِي أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي دَارِهِ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ تَمْثِيلَ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ الْوَدِيعَةَ هَاهُنَا بِالْمِثَالَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ يُنَافِي مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، مِنْ أَنَّ الْوَدِيعَةَ هِيَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْحِفْظِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْعَقْدِ وَالْقَصْدِ، وَالْأَمَانَةِ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَقَصْدٍ، كَمَا إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إِنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ ظَاهِرٌ. (حَتَّى لَوْ قَالَ) ، أَيِ: الْمُقِرُّ: (أَوْدَعَتُهَا

كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي طَرَفِ الْوَدِيعَةِ وَعَدَمِهِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَأُخْتَاهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي وَضْعِ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ اقْتَضَيْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ إِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ) جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. (عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) الْمَذْكُورِ فِي مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَتَّضِحُ لَوْ كَانَتْ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ مَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَ فُلَانٍ بِدُونِ ذِكْرِ لَفْظَةِ لِي، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَتُ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ لِي وَدِيعَةً عِنْدَ فُلَانٍ فَيُشْكِلُ ذَلِكَ؛ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ لِي تُفِيدُ ثُبُوتَ الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَئُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إِلَى مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْدَعْتُهَا عِنْدَ فُلَانٍ. (وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي طَرَفِ الْوَدِيعَةِ وَعَدَمِهِ) ، أَيْ: عَدَمُ ذِكْرِ الْأَخْذِ (فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَأُخْتَاهُ) ، أَيِ: الْإِعَارَةُ وَالْإِسْكَانُ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: إِنَّمَا ذَكَرَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إِلَى الْإِجَارَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْعَقْدِ. قُلْتُ: وَإِنَّمَا قَالَ: "وَأُخْتَاهُ"، وَلَمْ يَقُلْ: "وَأَخَوَاهُ" مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الْإِسْكَانُ كَانَ مُذَكَّرًا، وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَغْلُبُ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ وَلَا يُعْكَسُ، أَمَّا عَلَى تَأْوِيلِهِمَا بِالصُّورَتَيْنِ أَوْ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا الرَّدُّ عَلَى الْإِمَامِ الْقُمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ مِنَ الْفَرْقِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا وَجَبَ الرَّدُّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: أَخَذْتُهَا مِنْهُ، فَيَجِبُ جَزَاؤُهُ، وَجَزَاءُ الْأَخْذِ الرَّدُّ. وَقَالَ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا: "فَرَدَّهَا عَلَيَّ"، فَكَانَ الِافْتِرَاقُ فِي الْحَكَمِ لِلِافْتِرَاقِ فِي الْوَضْعِ. وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَفْظَ الْأَخْذِ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا أَيْضًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي وَضْعِ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا) . بَقِيَ وَجْهٌ آخَرُ لِلْفَرْقِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَنُقِلَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ لَوْ أَخَذْنَا الْمُؤَجِّرَ وَالْمُعِيِرَ بِإِقْرَارِهِمَا امْتَنَعَ النَّاسُ عَنِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فَلَا يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا اسْتِحْسَانًا كَيْلَا تَنْقَطِعَ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ، وَأَمَّا فِي الْوَدِيعَةِ فَمَنْفَعَةُ الْإِيدَاعِ تَعُودُ إِلَى الْمَالِكِ، فَلَوْ أَخَذَنَا الْمَالِكَ بِإِقْرَارِهِ لَا يَنْقَطِعُ الْإِيدَاعُ، انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: تَعُودُ الْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا إِلَى الْمَالِكِ وَهُوَ الْمُؤَجِّرُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَتَعُودُ فِيهَا مَنْفَعَةُ الْأُجْرَةِ إِلَى الْمُؤَجِّرِ قَطْعًا، كَمَا يَعُودُ فِي الْإِيدَاعِ مَنْفَعَةُ الْحِفْظِ إِلَى الْمُودِعِ، فَلَمْ يَتِمَّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ تَمَّ بِالنَّظَرِ إِلَى مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَنْفَعَةُ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ عَادَتْ فِي الْإِجَارَةِ إِلَى الْمُؤَجِّرِ لَكِنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا تَعُودُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا يَقْدِرُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَيَتَضَرَّرُ بِهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ؛ فَإِنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ لِلْمُودِعِ، فَافْتَرَقَا فِي الْجُمْلَةِ. (وَهَذَا) ، أَيِ: الَّذِي ذُكِرَ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا (بِخِلَافٍ مَا إِذَا قَالَ: اقْتَضَيْتُ) ، أَيْ: قَبَضَتُ (مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ؛ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) ، أَيْ: قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ؛ (لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) ، لَا بِأَعْيَانِهَا؛ (وَذَلِكَ) ، أَيْ: قَضَاءُ الدُّيُونِ بِأَمْثَالِهَا. (إِنَّمَا

يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى تَمَلُّكَهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنَ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، أَمَّا هَاهُنَا الْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ الْإِجَارَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا فَافْتَرَقَا، لَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَادَّعَاهَا فُلَانٌ وَقَالَ الْمُقِرُّ لَا بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ لِي اسْتَعَنْتُ بِكَ فَفَعَلْتَ أَوْ فَعَلْتَهُ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مِلْكٍ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَصَارَ كَمَا إِذَا قَالَ خَاطَ لِي الْخَيَّاطُ قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا بِالْيَدِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مِنْهُ وَقَدْ يَخِيطُ ثَوْبًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ كَذَا هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ) ، أَيْ: بِقَبْضِ مَالٍ مَضْمُونٍ يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الدَّائِنِ ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ عَلَى الْمَدْيُونِ، (فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، ثُمَّ ادَّعَى تَمَلُّكَهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، أَمَّا هَاهُنَا) ، يَعْنِي فِي صُورَةِ الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا (الْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ الْإِجَارَةَ، وَمَا أَشْبَهَهَا فَافْتَرَقَا) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ: لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ، فَإِذَا أَقَرَّ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مِثْلَ هَذَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ مَالٍ مَضْمُونٍ، وَالْإِقْرَارُ بِقَبْضٍ مَالٍ مَضْمُونٍ إِقْرَارٌ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، ثُمَّ ادَّعَى تَمَلُّكَ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنَ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، أَمَّا هَاهُنَا، يَعْنِي: فِي صُورَةِ الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا فَالْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ الْإِجَارَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا، فَافْتَرَقَا. وَقَالَ: وَعَلَيْكَ بِتَطْبِيقِ مَا ذَكَرْنَا بِمَا فِي الْمَتْنِ لِيَظْهَرَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِحُسْنِ التَّدَبُّرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَقُولُ: لَا يَظْهَرُ لِذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ بِتَطْبِيقِ مَا ذَكَرَهُ بِمَا فِي الْمَتْنِ وَيَتَدَبَّرُ فِيهِ بِحُسْنِ التَّدْبِيرِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، بَلْ يَظْهَرُ لَهُ نَوْعُ اخْتِلَالٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِذَا أَقَرَّ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مِثْلِ الدَّيْنِ لَيْسَ عَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ؛ لِاخْتِلَافِ تَالِيهِمَا، فَلَا يَقْتَضِي تَقْدِيمُ ذَاكَ تَقْدِيمَ هَذَا، كَيْفَ وَلَوْ قُدِّمَ هَذَا وَوِضَعَ مَوْضِعَ ذَاكَ، فَقِيلَ: لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ لَمْ يَتِمَّ التَّفْرِيعُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْفَاءِ فِي فَإِذَا أَقَرَّ، مِثْلُ مَا تَمَّ فِي تَقْدِيمِ ذَاكَ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الذَّوْقُ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ عَلَّلَ قَوْلَهُ: فَإِذَا أَقَرَّ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مِثْلِ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ مَالٍ مَضْمُونٍ، وَالْإِقْرَارُ بِقَبْضِ مَالٍ مَضْمُونٍ إِقْرَارٌ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالِاقْتِضَاءِ إِقْرَارٌ بِسَبَبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ إِقْرَارٌ بِقَبْضِ مِثْلِ الدَّيْنِ، كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى. (وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا زَرْعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ) ، أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ. (فَادَّعَاهَا) ، أَيْ: فَادَّعَى الْأَرْضَ وَالدَّارَ وَالْكَرْمَ؛ (فُلَانٌ) لِنَفْسِهِ، (وَقَالَ الْمُقِرُّ: لَا بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ لِيَ اسْتَعَنْتُ بِكَ) عَلَى الزِّرَاعَةِ أَوِ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرْسِ، (فَفَعَلْتُ أَوْ فَعَلْتُهُ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ) ، هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ، ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهَا: (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: لِأَنَّ الْمُقِرَّ (مَا أَقَرَّ لَهُ) ، أَيْ: لِفُلَانٍ (بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنْ فُلَانٍ. (وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ) ، أَيِ: الْفِعْلُ مِنَ الْغَيْرِ (فِي يَدِ الْمُقِرِّ) ، يَعْنِي: أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنَ الْغَيْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْمُعَيَّنِ وَالْأَجِيرِ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ صَاحِبِهَا. (وَصَارَ) ، أَيْ: صَارَ حُكْمُ هَذَا (كَمَا إِذَا قَالَ: خَاطَ لِيَ الْخَيَّاطُ قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ: قَبَضْتُهُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا بِالْيَدِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مِنْهُ) ، أَيْ: مِنَ الْخَيَّاطِ. (وَقَدْ يَخِيطُ ثَوْبًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ كَذَا هَذَا) ، أَيْ: كَذَا حُكْمُ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَحَصَلَ

[باب إقرار المريض]

(بَابُ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ) قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ الْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَيْنُ الْمَرَضِ وَدَيْنُ الصِّحَّةِ يَسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَاءِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ جِنْسَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: فَفِي نَوْعٍ مِنْهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ وَالْإِقْرَاضِ وَالِاقْتِضَاءِ، وَفِي نَوْعٍ مِنْهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْعَبْدِ، وَمَسْأَلَةُ زَرْعِ هَذِهِ الْأَرْضِ، أَوْ بِنَائِهَا هَذِهِ الدَّارِ، وَمَسْأَلَةُ خَيَّاطَةِ الثَّوْبِ بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبْضِ مِنْهُ، وَفِي نَوْعٍ مِنْهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَعِنْدَ أَبِى حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ، كَمَا فِي الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، كَمَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ مَعَ ذِكْرِ الْقَبْضِ، انْتَهَى. [بَابُ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ إِقْرَارِ الصَّحِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَأَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَحْكَامٍ لَيْسَتْ لِلصَّحِيحِ، (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ) ، أَيْ: بِدُيُونٍ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْأَسْبَابِ، (وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ) ، أَيْ: فِي مَرَضِ مَوْتِهِ (بِأَسْبَابِ مَعْلُومَةٍ) ، مُتَعَلِّقٌ بِلَزِمَتْهُ، أَيْ: لَزِمَتْهُ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ، مِثْلُ بَدَلِ مَالٍ مَلَكَهُ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ مُهْرِ مِثْلِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا وَعُلِمَ مُعَايِنَةً. (فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ الْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ) عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ، إِلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دَيْنُ الْمَرَضِ) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبٍ مَعْلُومٍ أَوْ بِإِقْرَارِهِ، (وَدَيْنُ الصِّحَّةِ يَسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَاءِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ) ، وَإِنَّمَا تُعْرَضُ لَوْ صَفَى الْعَقْلُ وَالدِّينُ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَانِعَانِ عَنِ الْكَذِبِ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِقْرَارِ، إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صِحَّةِ الْمُقِرِّ وَمَرَضِهِ، بَلْ بِالْمَرَضِ يَزْدَادُ جِهَةُ رُجْحَانِ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ التَّوَرُّعِ عَنِ الْمَعَاصِيَ وَالْإِنَابَةِ عَمَّا جَرَى فِي الْمَاضِي، فَالِاحْتِرَازُ عَنِ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ

وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ الذِّمَّةُ الْقَابِلَةُ لِلْحُقُوقِ فَصَارَ كَإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ مُبَايَعَةً وَمُنَاكَحَةً. وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلًا إِذَا كَانَ فِيهِ إِبْطَالُ حَقِ الْغَيْرِ، وَفِي إِقْرَارِ الْمَرِيضِ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ اسْتِيفَاءً، وَلِهَذَا مُنِعَ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ إِلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالَةِ أَكَثُرُ فَكَانَ جِهَةُ قَبُولِ الْإِقْرَارِ فِيهِ أَوَفَرَ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى تَقْرِيرِ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ إِنَّمَا يُفِيدُ مُسَاوَاتِهِ لِلدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى، كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْأُولَى أَنْ يُقَالَ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الدَّيْنُ فِي الْمَرَضِ يُسَاوِي الدَّيْنُ فِي الصِّحَّةِ؛ لِاسْتِوَاءِ السَّبَبِ الْمَعْلُومِ وَالْإِقْرَارِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ إِذَا أَفَادَ مُسَاوَاةِ دَيْنِ الْمَرَضِ لِلدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ، فَقَدْ أَفَادَ مُسَاوَاتِهِ لِلدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ بَيْنَ ذَيْنِكِ الدَّيْنَيْنِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَثَلِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ الْمُرَكَّبِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَأَرَادَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ حَيْثُ قَالَ: الْمُدَّعَى عَامٌّ لِمَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالدَّلِيلُ خَاصُّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّنْبِيهِ بِحَالِ الْأَدْنَى عَلَى حَالِ الْأَعْلَى. أَقُولُ: لَا حَاصِلَ لَهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّنْبِيهِ بِمُسَاوَاةِ دَيْنِ الْمَرَضِ لِأَدْنَى دَيْنَيِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِأَعْلَى دَيْنَيِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الدَّيْنُ اللَّازِمُ فِي الصِّحَّةِ بِأَسْبَابِ مَعْلُومَةٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُصُولِ الشَّيْءِ إِلَى رُتْبَةِ الْأَدْنَى وُصُولُهُ إِلَى رُتْبَةِ الْأَعْلَى فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّنْبِيهُ بِالْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّنْبِيهِ بِمُسَاوَاةِ أَدْنَى دَيْنَيِ الْمَرَضِ وَهُوَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ لِلدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ عَلَى مُسَاوَاةِ أَعْلَى دَيْنَيِ الْمَرَضِ وَهُوَ الدَّيْنُ اللَّازِمُ فِي الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ لِلدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ؛ إِذْ يَلْزَمُ مِنْ وُصُولِ الْأَدْنَى إِلَى رُتْبَةِ شَيْءٍ وَصُولُ الْأَعْلَى إِلَى رُتْبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، بِالْأَوْلَوِيَّةِ لَكِنَّهُ لَا يُجْدِي شَيْئًا هَاهُنَا؛ إِذِ الْكَلَامُ فِي قُصُورِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَنْ إِفَادَةِ مُسَاوَاةِ دَيْنِ الْمَرَضِ لِلدَّيْنِ اللَّازِمِ فِي الصِّحَّةِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ مَعَ عُمُومِ الْمُدَّعَى، وَهَذَا لَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّ مُسَاوَاةَ الدَّيْنِ اللَّازِمِ فِي الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ لِدَيْنِ الصِّحَّةِ مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ أَصْلًا. (وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ الذِّمَّةُ الْقَابِلَةُ لِلْحُقُوقِ) ، وَهِيَ ذِمَّةُ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَهِيَ فِي حَالَتَيِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ، فَاسْتَوَى دِينُ الْمَرَضِ وَدَيْنُ الصِّحَّةِ فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَفِي مَحِلِّهِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْوُجُوبِ، وَإِذَا اسْتَوَيَا وُجُوبًا اسْتَوَيَا اسْتِيفَاءً، (وَصَارَ كَإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ مُبَايِعَةً وَمُنَاكَحَةً) ، أَيْ: صَارَ إِقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ كَإِنْشَائِهِ التَّصَرُّفَ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، وَذَلِكَ مُسَاوٍ لِتَصَرُّفِهِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ، فَكَذَا هَاهُنَا. (وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلًا إِذَا كَانَ فِيهِ إِبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ) ، أَيْ: إِذَا تَضَمَّنَ إِبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ، كَمَا لَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ شَيْئًا، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ إِقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمُرْتِهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمَا بِهِ (وَفِي إِقْرَارِ الْمَرِيضِ ذَلِكَ) ، أَيْ: إِبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ؛ (لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ) ، يَعْنِي: مَالَ الْمَرِيضِ. (اسْتِيفَاءً) ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ الِاسْتِيفَاءِ؛ (وَلِهَذَا ذَلِكَ) ، أَيِ: الْمَرِيضُ (مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ إِلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ) . قَالَ صَاحِبٌ النِّهَايَةِ: أَيْ: فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دِينٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الدُّيُونُ مُحِيطَةٌ بِمَالِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُ أَصْلًا فِي الثُّلُثِ وَمَا دُونَهُ، انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ

بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْمَحَلِّ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَكِنْ غَيَّرَ الْعِبَارَةَ؛ حَيْثُ قَالَ: وَلِهَذَا مَنَعَ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ أَصْلًا إِذَا أَحَاطَتِ الدُّيُونُ بِمَالِهِ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ؛ إِذِ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمَا: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دِينٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الدُّيُونِ أَصْلًا بِمُقْتَضَى وُقُوعِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَلِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ مُنِعَ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ أَصْلًا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَعْنَىً لَغْوٌ يُنَاقِضُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ أَصْلًا لَمْ يُتَصَوَّرْ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ. فَالْوَجْهُ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَكِنْ لَمْ تُحِطْ بِمَالِهِ. وَأَمَّا إِذَا أَحَاطَتِ الدُّيُونُ بِمَالِهِ فَيَمْنَعُ مِنَ التَّبَرُّعِ مُطْلَقًا، أَيْ: بِالثُّلُثِ وَبِمَا دُونَهُ، نَعَمْ يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَصْلًا؛ لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِتُعَلِّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ بَلْ لِتُعَلِّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِهِ، فَالْمَنْعُ لِأَجْلِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ وَلِهَذَا مُنِعَ إِنَّمَا يَتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ تَحَقُّقِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ. ثُمَّ إِنَّ جُمْهُورَ الشُّرَّاحِ قَالُوا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلِهَذَا مُنِعَ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ إِلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ، جَوَابًا عَمَّا ادَّعَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنَ اسْتِوَاءِ حَالِ الصِّحَّةِ، وَحَالِ الْمَرَضِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ لَمَا مُنِعَ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ فِي حَالِ الْمَرَضِ، كَمَا لَا يُمْنَعُ عَنْهُمَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُهُ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَا لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ؟ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَصْلًا فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ عَمَّا ادَّعَاهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ اسْتِوَاءُ حَالَتَيِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ لَا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ. ثُمَّ أَقُولُ: كَانَ الْحَقُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ: وَلِهَذَا مُنِعَ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ أَصْلًا إِذَا أَحَاطَتِ الدُّيُونُ بِمَالِهِ؛ إِذْ يَتِمُّ الْجَوَابُ حِينَئِذٍ عَمَّا ادَّعَاهُ الشَّافِعِيُّ قَطْعًا، وَيَصِحُّ التَّفْرِيعُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِلَا غُبَارٍ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ، وَكَأَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ تَنَبَّهَ لِقُصُورِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا فِي التَّفْرِيعِ؛ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بَدَلَ ذَلِكَ: وَلِهَذَا مُنِعَ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِمْ، غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثُّلُثِ، لَكِنَّ فِيمَا قَالَهُ إِفْرَاطٌ، كَمَا كَانَ فِيمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَفْرِيطٌ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنَ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِمْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثُّلُثِ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بَلْ فِيمَا إِذَا أَحَاطَتِ الدُّيُونُ بِمَالِهِ، وَأَمَّا فِيمَا إِذَا لَمْ تُحِطِ بِهِ فَمُقَدَّرٌ بِالثُّلُثِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الْإِطْلَاقُ فَكَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ. فَالْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ فِي تَنْقِيحِ الْكَلَامِ هَاهُنَا لِإِفَادَةِ تَمَامِ الْمَقْصُودِ مَا نَبَّهَنَا عَلَيْهِ آنِفًا، فَإِنْ قِيلَ: الْإِقْرَارُ بِالْوَارِثِ فِي الْمَرَضِ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَلِمَ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِبْطَالُ حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي إِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ؟ قُلْنَا: اسْتِحْقَاقُ الْوَارِثِ الْمَالَ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا، فَالِاسْتِحْقَاقُ يُضَافُ إِلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا وَهُوَ الْمَوْتُ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ شَاهِدَيِ النَّسَبِ قَبْلَ الْمَوْتِ إِذَا رَجَعَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَشْهُودُ لَهُ أَخَذَ الْمَالَ لَمْ يُضَمَّنَا شَيْئًا، فَأَمَّا الدَّيْنُ فَلَمْ يَجِبْ بِالْمَوْتِ بَلْ يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ، (بِخِلَافِ النِّكَاحِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِنْشَاءِ النِّكَاحِ: يَعْنِي لَا يَلْزَمُنَا ذَلِكَ؛ (لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ) ، فَإِنَّ بَقَاءَ النَّفْسِ بِالتَّنَاسُلِ، وَلَا طَرِيقَ لِلتَّنَاسُلِ إِلَّا بِالنِّكَاحِ، وَالْمَرْءُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ صَرْفِ مَالِهِ إِلَى الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ دَيْنُ الصِّحَّةِ كَالصَّرْفِ

وَهُوَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِخِلَافِ الْمُبَايَعَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ حَقَ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ، وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَيَتَحَقَّقُ التَّثْمِيرُ، وَهَذِهِ حَالَةُ الْعَجْزِ وَحَالَتَا الْمَرَضِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ حَالَةُ الْحَجْرِ، بِخِلَافِ حَالَتَيِ الصِّحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإِلَى ثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ. (وَهُوَ) ، أَيِ: النِّكَاحُ. (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) هَذِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ: يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ حَالَ كَوْنِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاطِلَةٌ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ النِّكَاحَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مُطْلَقًا. أَقُولُ: كَوْنُ النِّكَاحِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحَوَائِجَ الْأَصْلِيَّةَ مَا يَكُونُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْإِنْسَانِ، وَالنِّكَاحِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَزَوَّجَ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ لَهُ نِسَاءً جِوَارِيَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يُولَدُ لَهُ عَادَةً جَازَ، وَهِيَ تُشَارِكُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَجَاءُ بَقَاءِ النَّسْلِ، وَلَا احْتِيَاجُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ. قُلْنَا: النِّكَاحُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ مِنْ مَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ، وَالْعِبْرَةُ لِأَصْلِ الْوَضْعِ لَا لِلْحَالِ فَإِنَّ الْحَالَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِيُبْتَنَى الْأَمْرُ عَلَيْهَا، إِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَسْرَارِ، وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ (وَبِخِلَافِ الْمُبَايَعَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِنْشَاءِ الْمُبَايِعَةِ: يَعْنِي: وَلَا يَلْزَمُنَا الْمُبَايَعَةُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ؛ (لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ) ، وَالْمَالِيَّةُ بَاقِيَةٌ فِي الْمُبَايَعَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ فَاتَتِ الصُّورَةُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي إِنْشَاءِ ذَلِكَ إِبْطَالُ شَيْءٍ، مِنْ حَقِّهِمْ بَلْ فِيهِ تَحْوِيلُ حَقِّهِمْ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ يُعَدُّ لَهُ، وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، وَلَمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ تَعَلَقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمَدْيُونِ بِطَلَ إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ حَالَةَ الصِّحَّةِ أَيْضًا؛ لَأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُتَضَمِّنَ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَاطِلٍ بِالْإِجْمَاعِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ) حَقُّ الْغُرَمَاءِ (بِالْمَالِ) ، أَيْ: بِمَالِ الْمَدْيُونِ (لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ) ، أَيْ: لِقُدْرَةِ الْمَدْيُونِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، (فَيَتَحَقَّقُ التَّثْمِيرُ) ، أَيْ: تَثْمِيرُ الْمَالِ وَهُوَ تَكْثِيرُهُ، يُقَالُ: ثَمَّرَ اللَّهُ مَالَهُ، أَيْ: كَثَّرَهُ فَلَمْ تَقَعِ الْحَاجَةُ إِلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ. (وَهَذِهِ) ، أَيْ: حَالَةُ الْمَرَضِ (حَالَةُ الْعَجْزِ) عَنْ الِاكْتِسَابِ، فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِمَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَذَرًا عَنِ التَّوَى، وَلَمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ إِذَا أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ، ثَانِيًا: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِمَالِهِ، كَمَا لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِذَلِكَ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَحَالَتَا الْمَرَضِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ) ، أَيْ: حَالَةُ أَوَّلِ الْمَرَضِ وَحَالَةُ آخِرِهِ بَعْدَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الْمَوْتُ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ؛ (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: لِأَنَّ الْمَرَضَ (حَالَةُ الْحَجْرِ) ؛ وَلِهَذَا يُمْنَعُ عَنِ التَّبَرُّعِ فَكَانَ الْإِقْرَارَانِ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ إِقْرَارٍ وَاحِدٍ، كَمَا أَنَّ حَالَتَيِ الصِّحَّةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُعْتَبَرُ الْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا. (بِخِلَافِ حَالَتَيِ الصِّحَّةِ

وَالْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى حَالَةُ إِطْلَاقٍ وَهَذِهِ حَالَةُ عَجْزٍ فَافْتَرَقَا، وَإِنَّمَا تُقَدَّمُ الدُّيُونُ الْمَعْرُوفَةُ الْأَسْبَابِ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا إِذِ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ مَالٍ مَلَكَهُ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ وَعُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَهَذَا الدَّيْنُ مِثْلُ دَيْنِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى) ، أَيْ: حَالَةُ الصِّحَّةِ (حَالَةُ إِطْلَاقٍ) لِلتَّصَرُّفِ، (وَهَذِهِ) ، أَيْ: حَالَةُ الْمَرَضِ (حَالَةُ عَجْزٍ) عَنِ التَّصَرُّفِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لَوْ قَالَ: حَالَةُ حَجْرٍ، لَكَانَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً بِالْإِطْلَاقِ (فَافْتَرَقَا) ، أَيِ: افْتَرَقَ الْوَجْهَانِ أَوِ الْحُكْمَانِ، فَمَنَعَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ الصِّحَّةُ بِمَالِهِ عَنْ إِقْرَارِهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، وَلَمْ يَمْنَعِ الْإِقْرَارُ فِي أَوَّلِ الْمَرَضِ عَنِ الْإِقْرَارِ فِي آخِرِهِ، ثُمَّ إِنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ أَفَادَ تَقْدِيمَ دَيْنِ الصِّحَّةِ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي تَقْدِيمِ الدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (وَإِنَّمَا تُقَدَّمُ الْمَعْرُوفَةُ الْأَسْبَابِ) ، يَعْنِي: إِنَّمَا تُقَدَّمُ الدُّيُونُ اللَّازِمَةُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ؛ (لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا) ، أَيْ: فِي ثُبُوتِ تِلْكَ الدُّيُونِ؛ (إِذِ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ) ، يَعْنِي: أَنَّ ثُبُوتَهَا بِالْمُعَايَنَةِ وَالْأَمْرِ الْمُعَايَنِ لَا مَرَدَّ لَهُ، فَتَقَدَّمَ عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ فِي الْمَرَضِ. (وَذَلِكَ) ، أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنَ الدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابَ، (مِثْلُ: بَدَلِ مَالِ مُمَلِّكِهِ) ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ، (أَوِ اسْتَهْلَكَهُ) ، أَيْ: أَوْ بَدَلَ مَالٍ اسْتَهْلَكَهُ، (وَعُلِمَ وُجُوبُهُ) ، أَيْ: وُجُوبُ الْبَدَلِ (بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ) ، أَيْ: بِغَيْرِ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِأَنْ يَثْبُتَ وُجُوبُهُ بِمُعَايَنَةِ الْقَاضِي أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، (أَوْ تُزَوُّجُ امْرَأَةٌ بِمَهْرٍ مِثْلِهَا) ، هَذَا عَطْفٌ عَلَى بَدَلِ مَالٍ مَلَكَهُ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ: أَوْ مُهْرُ مِثْلِ امْرَأَةٍ تَزَوْجَهَا، فَإِنَّهُ أَيْضًا مِنَ الدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابُ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ بِغَيْرِ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ شَرْطٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَيْضًا؛ وَإِلَّا كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ، فَلَا يَصِحُّ مِثَالًا لِمَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مِنَ الدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي هَذَا أَيْضًا لَا يَرَى فِي تَأْخِيرِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِ: وَعُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ وَجْهٌ وَجِيهٌ. (وَهَذَا الدَّيْنُ) ، يَعْنِي: الدَّيْنُ اللَّازِمُ فِي الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ، (مِثْلُ دَيْنِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا، فَإِنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ، أَعْنِي عَدَمَ التُّهْمَةِ فِي الثُّبُوتِ، كَمَا تَتَمَشَّى فِي الدَّيْنِ اللَّازِمِ فِي الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعَايَنَ لَا مَرَدَّ لَهُ كَذَلِكَ تَتَمَشَّى فِي دَيْنِ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا، أَمَّا فِيمَا لَزِمَ فِي الصِّحَّةِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ، فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعَايَنَ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَأَمَّا فِيمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَّةِ بِالْإِقْرَارِ فَبِنَاءً عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ إِبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ، كَمَا فِي إِقْرَارِ الْمَرِيضِ هَذَا، وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَوْلُهُ: "لِمَا بَيَّنَّا" إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: "إِذِ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ". أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ: أَعْنِي قَوْلَهُ: إِذِ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ لَا تَتَمَشَّى فِيمَا إِذَا ثَبَتَ دَيْنُ الصِّحَّةِ بِالْإِقْرَارِ؛ إِذِ الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ لَيْسَ مِنَ الْمُعَايَنِ، فَلَا يَظْهَرُ بِهَا أَنْ لَا يُقَدَّمَ هَذَا الدَّيْنُ عَلَى دَيْنِ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، يَعْنِي فِي النِّكَاحِ، وَلَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهِ فِي غَيْرِهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: "لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا"، مَعَ قُرْبِهِ فِي الذِّكْرِ وَشُمُولِهِ لِلدَّيْنِ اللَّازِمِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ اللَّازِمِ بِسَبَبِ غَيْرِهِ جَمِيعًا، كَيْفَ لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ هَاهُنَا لِمَا بَيَّنَّا، فَيُصَارُ إِلَى تَوْزِيعِ قَوْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا إِلَى قَوْلِهِ: "لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا"، وَإِلَى قَوْلِهِ: فِي بَعِيدٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، كَمَا يَقْتَضِيهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ

وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ فِي إِيثَارِ الْبَعْضِ إِبْطَالُ حَقِ الْبَاقِينَ، وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، إِلَّا إِذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَيِّنَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَوْلُهُ: "لِمَا بَيَّنَّا"، إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقَوْلِهِ: "لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا". أَقُولُ: إِنْ أَرَادَا أَنَّ قَوْلَهُ لِمَا بَيَّنَّا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِطَرِيقِ التَّوْزِيعِ، كَمَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمَا مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ أَرَادَا أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً؛ لِكَوْنِ الدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ مُطْلَقًا مِثْلِ دِينِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَخْصُوصٌ بِالنِّكَاحِ، وَلَيْسَ كَثِيرٌ مِنْ أَسْبَابِ تِلْكَ الدُّيُونِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ قَطُّ، فَلَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ. (وَلَوْ أَقَرَّ) ، أَيِ: الْمَرِيضُ (بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرٍ) ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْعَيْنُ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونَةً (لَمْ يَصِحَّ) إِقْرَارُهُ (فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ) ، أَيْ: بِمَا أَقَرَّ بِهِ ذِكْرُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ، وَمُفَادُهَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَيْنِ فِي الْمَرَضِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فِيهِ، (وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ الْبَعْضِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهَا: (لِأَنَّ فِي إِيثَارِ الْبَعْضِ إِبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ) وَهُوَ لَا يَصِحُّ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمِ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ عِنْدَنَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَقْبُوضُ سَالِمٌ لِلْقَابِضِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ نَاظِرٌ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَصْنَعُ فَرُبَّمَا يَقْضِي دَيْنَ مَنْ يَخَافُ أَنْ لَا يُسَامِحَهُ بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَلْ يُخَاصِمُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَالتَّصَرُّفُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ غَيْرُ مَرْدُودٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا لَمْ يَبْطُلُ حَقَّ غَيْرِهِ. (وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) ، أَيْ: وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ وَغُرَمَاءُ الْمَرَضِ الَّذِينَ كَانُوا غُرَمَاءَ فِي الدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ إِيثَارِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْعِلَّةِ اشْتِرَاكُ الْكُلِّ وَتُسَاوِيهِمْ فِي تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِ الْمَرِيضِ، (إِلَّا إِذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ) ، هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ الْبَعْضِ، وَقَوْلُهُ: فِي مَرَضِهِ، مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا، أَعْنِي: قَضَى وَاسْتَقْرَضَ، فَالْمَعْنَى: إِلَّا إِذَا قَضَى فِي مَرَضِهِ مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (أَوْ نَقْدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ) ، أَيْ: نَقَدَ فِي مَرَضِهِ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ. (وَقَدْ عُلِمَ) وُجُوبُهُ (بِالْبَيِّنَةِ) ، أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ وُجُوبُ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَضَاءِ وَالنَّقْدِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْقَاضِي فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ الْمَرِيضُ الْمُقْرِضَ وَالْبَائِعَ بِقَضَاءِ دِينِهِمَا وَيُسَلِّمَ الْمَقْبُوضَ لَهُمَا، وَلَا يُشَارِكْهُمَا فِي ذَلِكَ غَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّ الْغُرَمَاءِ، بَلْ إِنَّمَا حَوَّلَهُ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ يُعَدُّ لَهُ، وَكَانَ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِالْمَالِيَّةِ بِالصُّورَةِ وَالْمَالِيَّةِ لَمْ تَفُتْ بِالتَّحْوِيلِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَرَأَيْتَ لَوْ رَدَّ مَا اسْتَقْرَضَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَرَدَّ الْمَبِيعَ أَكَانَ يَمْتَنِعُ سَلَامَتُهُ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ لِحَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ: لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إِذَا رَدَّ بَدَّلَهُ؛ لِأَنَّ حَكَمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ.

قَالَ (فَإِذَا قُضِيَتْ) يَعْنِي الدُّيُونَ الْمُقَدَّمَةَ (وَفَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إِلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي ذَاتِهِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا رُدَّ فِي حَقِ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ حَقُّهُمْ ظَهَرَتْ صِحَّتُهُ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إِقْرَارُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إِبْطَالَ حَقِ الْغَيْرِ وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنَ الْوَرَثَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فَقَالَ: فَإِنْ قَضَى الْمَرِيضُ دُيُونَ هَؤُلَاءِ، هَلْ لِغُرَمَاءَ الصِّحَّةِ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِيمَا قَبَضُوا؟ قَالُوا: لَا يُشَارِكُونَ الْمُقْرِضَ وَالْبَائِعَ، وَيُشَارِكُونَ الْمَرْأَةَ وَالْآجِرَ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُقْرِضِ وَالْبَائِعِ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فِي مَعْنَى مَالِ الْمَرِيضِ، لَا فِي أَعْيَانِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِبْطَالًا لَحِقِّهِمْ بَلْ كَانَ نَقْلًا لَحَقِّهِمْ وَلَهُ وِلَايَةُ النَّقْلِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَهُ لِيُوَفِّيَ حُقُوقَهُمْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ فَبِقَضَاءِ الْمَهْرِ وَالْأَجْرِ أُبْطِلَ حَقُّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ عَنْ عَيْنِ الْمَالِ وَعَنْ مَالِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَصْلُحُ لِقَضَاءِ حُقُوقِهِمْ، فَصَارَ وُجُودُ هَذَا الْعِوَضِ فِي حَقِّهِمْ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ فَكَانَ إِبْطَالًا لِحَقِّهِمْ وَلَيْسَتْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِبْطَالِ، انْتَهَى. (قَالَ) ، أَيْ: الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (فَإِذَا قُضِيَتْ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْقَائِمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ بِقَوْلِهِ: (يَعْنِي الدُّيُونَ الْمُقَدَّمَةَ) ، وَأَرَادَ بِالدُّيُونِ الْمُقَدِّمَةِ دُيُونَ الصِّحَّةِ وَالدُّيُونَ اللَّازِمَةَ فِي الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ، (وَفَضْلُ شَيْءٍ) ، وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْقُدُورِيُّ، يَعْنِي: وَفَضْلُ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ الْمَذْكُورَةِ (يُصْرَفُ إِلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي ذَاتِهِ صَحِيحٌ) ، أَيْ: مَحْمُولٌ عَلَى الصِّدْقِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ لِصُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ؛ إِذِ الْكَلَامُ فِيهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ، (وَإِنَّمَا رُدَّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ) لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ، (فَإِذَا لَمْ يُبْقِ حَقَّهُمْ ظَهَرَتْ صِحَّتُهُ) ، أَيْ: صِحَّةُ إِقْرَارِهِ فِي الْمَرَضِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. (قَالَ) ، أَيْ: الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْمَرِيضِ (دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إِقْرَارُهُ) ، وَإِنْ كَانَ بِكُلِّ مَالِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إِبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ إِنَّمَا رُدَّ لِتَضَمُّنِهِ إِبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ، فَإِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ نَفَذَ إِقْرَارُهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. أَقُولُ: كَانَ الظَّاهِرُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَلَا دُيُونٌ لَازِمَةٌ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابِ مَعْلُومَةٍ جَازَ إِقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ اللَّازِمَةَ فِي الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَيْضًا عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ، كَمَا مَرَّ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ تِلْكَ الدُّيُونُ فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا يَجُوزَ إِقْرَارُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ لِتَضْمِينِهِ إِبْطَالَ حَقِّ غُرَمَاءِ الدُّيُونِ اللَّازِمَةِ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ، (وَكَانَ الْمُقِرُّ لَهُ أَوْلَى مِنَ الْوَرَثَةِ) ، هَذَا مِنْ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِهِ (لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ) : وَالْأَثَرُ فِي مَثَلِهِ كَالْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَا عُمَرَ، وَكَذَا رُوِيَ فِي الْأَصْلِ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِيهِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَرْوِيًّا عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَرْوِيًّا عَنْ عُمَرَ أَيْضًا، فَيَجُوزُ أَنْ يُسْنِدَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي النَّقْلِ إِلَى أَحَدِهِمَا، كَمَا وَقَعَ فِي الْكُتُبِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبَعْضُهُمْ إِلَى الْآخَرِ، كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا، سِيَّمَا إِذَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النَّقْلِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ؛ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا

وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَحَقُ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ وَلِهَذَا تُقَدَّمُ حَاجَتُهُ فِي التَّكْفِينِ. قَالَ (وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ لَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَصِحُّ لِأَنَّهُ إِظْهَارُ حَقٍّ ثَابِتٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ، وَصَارَ كَالْإِقْرَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثٍ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ، انْتَهَى. فَتَدَبَّرْ. (وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ) ؛ إِذْ فِيهِ رَفْعُ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدَّيْنُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ» ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. (وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ) عَنِ الْحَاجَةِ وَلِهَذَا تُقَدَّمُ حَاجَتُهُ، أَيْ: حَاجَةُ الْمَيِّتِ (فِي التَّكْفِينِ) وَالتَّجْهِيزِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنْ كَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ، وَبَيْنَ الدَّيْنِ اللَّازِمِ بِمُنَاكَحَتِهِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَضَاءُ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ يَكُونُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَاكَ دَيْنُ الصِّحَّةِ، وَالدَّيْنُ اللَّازِمُ فِي الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ تَحَقُّقًا، وَلَكِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضَائِهِمَا. وَأَمَّا إِذَا تَحَقَّقَا وَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضَائِهِمَا، فَلَا يَكُونُ الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ كَوْنِهِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ أَنْ يُرْفَعَ بِهِ الْحَائِلُ بَيْنَ الْمَدْيُونِ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ، كَمَا مَرَّ، وَتِلْكَ الْعِلَّةُ مُنْتَفِيَةٌ عِنْدَ تَحَقُّقِ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ مَعَ عَدَمِ وَفَاءِ التَّرِكَةِ بِمَا سِوَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَحُولَانِ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ مَا لَمْ يُرْفَعَا بِقَضَائِهِمَا، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ عِلَّةَ كَوْنِهِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَوْنُهُ مِنْ مَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُتَحَقِّقَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنِ الْإِيرَادِ الْمَزْبُورِ بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ ثُبُوتُ الدَّيْنِ فِيمَا إِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دُيُونُ الصِّحَّةِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ حَتَّى يَكُونَ قَضَاؤُهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مَدَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ، وَبَيْنَ مَا لَزِمَ بِنِكَاحِهِ عَدَمُ ظُهُورِ ثُبُوتِ الْأَوَّلِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ وَظُهُورِ ثُبُوتِ الثَّانِي؛ إِذِ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ لَا عَدَمَ كَوْنٍ الْأَوَّلِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَكَوْنِ الثَّانِي مِنْهَا، كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمَوْرِدُ الْإِيرَادِ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا، وَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ فَتَأَمَّلَ. (قَالَ) ، أَيْ: الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ لَا يَصِحُّ) ، سَوَاءً أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ بِدَيْنٍ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ: (إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهِ) ، أَيْ: فِي إِقْرَارِهِ هَذَا (بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: وَأَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَأَبِي هَاشِمٍ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَصِحُّ) ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَالْعَطَاءِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِحُّ إِذَا لَمْ يُتَّهَمُ، وَيَبْطُلُ إِذَا اتُّهِمَ كَمَنْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ عَمٍّ فَأَقَرَّ لِابْنَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَلَوْ أَقَرَّ لِابْنِ عَمِّهِ قُبِلَ؛ إِذْ لَا يُتَّهَمُ أَنْ يَزِيدَ فِي نَصِيبِهِ، وَيُتَّهَمُ أَنْ يَزِيدَ فِي نَصِيبِهَا، دَلِيلُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ (إِظْهَارُ حَقٍّ ثَابِتٍ) ، أَيْ: إِخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ لَازِمٍ عَلَيْهِ؛ (لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ) ، أَيْ: فِي هَذَا الْإِقْرَارِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ فَإِنَّ حَالَ الْمَرَضِ أَدَلُّ عَلَى الصِّدْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ تَدَارَكِ الْحُقُوقِ، فَلَا يَجُوزُ أَنَّ يَثْبُتَ الْحَجْرُ عَنِ الْإِقْرَارِ بِهِ، (وَصَارَ) هَذَا الْإِقْرَارُ (كَالْإِقْرَارِ لِأَجْنَبِيِّ وَبِوَارِثٍ آخَرَ) ، نَحْوُ: أَنْ يُقِرَّ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ تَضَمَّنَ وُصُولَ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ إِلَيْهِ، (وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ) ، أَيْ: وَكَالْإِقْرَارِ بِاسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ مَعْرُوفَةٍ لِلْوَارِثِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ، وَصُورَةُ ذَلِكَ عَلَى

وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: رَجُلٌ أَوْدَعَ أَبَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي حَالِ صِحَّةِ الْأَبِ أَوْ مَرَضِهِ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: اسْتَهْلَكْتُهَا، ثُمَّ مَاتَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّ إِقْرَارَ الْمَرِيضِ جَائِزٌ وَالْأَلْفُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِلِابْنِ الْمُقَرِّ لَهُ خَاصَّةً. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا لَوْ لَمْ نَعْتَبِرْ إِقْرَارَهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ مَاتَ مُجْهَلًا فَيَجِبُ الضَّمَانُ فَلَا يُفِيدُ رَدُّ إِقْرَارِهِ؛ وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ إِنَّمَا رُدَّ لِلتُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْمُعَايَنَةِ، انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُمُ الثَّانِي لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْمُعَايَنَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ إِنَّمَا هُوَ إِيدَاعُ الْوَارِثِ تِلْكَ الْوَدِيعَةِ لَا اسْتِهْلَاكُ الْمُوَرِّثِ إِيَّاهَا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الِاسْتِهْلَاكُ بِإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ لَا غَيْرَ، كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ، فَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِهْلَاكِ، فَالصَّوَابُ مِنْ جَوَابِهِمْ هُوَ الْأَوَّلُ، كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مِنْ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ إِنَّمَا يُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ لَا لِخَلَلٍ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي هَذَا، أَلَا يُرَى أَنَّا إِذَا كَذَّبْنَاهُ فَمَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ أَيْضًا فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهَلًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ تِلْكَ الْجَمَاعَةَ مِنَ الشُّرَّاحِ اغْتَرُّوا بِمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا تُهْمَةَ فِي هَذَا، فَفَهِمُوا أَنَّ وَجْهَ عَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهِ ثُبُوتُهُ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ وَجْهُ ذَلِكَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُقِرِّ، سَوَاءٌ صَدَقَ فِي إِقْرَارِهِ أَمْ كَذَبَ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهَلًا، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ التَّنْوِيرِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمْ يُصِبْ أَيْضًا فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ؛ حَيْثُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ تَعْلِيلِهَا الْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ عِنْدَ تَقْرِيرِ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ، مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ لَا لَهُ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنْ يَذْكُرَ مَضْمُونَ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ هَاهُنَا عَلَى وَجْهِ الْجَوَابِ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ. (وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» ) ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ ثَعْلَبٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» . قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» ، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ شَاذَّةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرُ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ، وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ عِنْدَنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا، انْتَهَى. أَقُولُ: كُلٌّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَثَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ بِالدَّيْنِ بِدُونِ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ، وَمَسْأَلَتُنَا تَعُمُّ بُطْلَانَ إِقْرَارِهِ لَهُ بِالدَّيْنِ وَبِالْعَيْنِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَكَانَ الدَّلِيلُ قَاصِرًا عَنْ إِفَادَةِ تَمَامِ

وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنَ التَّبَرُّعِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا، فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ إِبْطَالُ حَقِ الْبَاقِينَ، وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةَ الِاسْتِغْنَاءِ، وَالْقَرَابَةُ سَبَبُ التَّعَلُّقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعِي، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى إِفَادَةِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الْآتِي كُلِّيَّةَ الْمُدَّعِي، فَتَأَمَّلْ. (وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ) ، أَيِ: الْمَرِيضُ (مِنَ التَّبَرُّعِ عَلَى الْوَارِثِ) ، كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ لَهُ (أَصْلًا) ، أَيْ: بِالْكُلِّيَّةِ، (فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ) ، أَيْ: فَفِي تَخْصِيصِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ (إِبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ) ، أَيْ: إِبْطَالُ حَقِّ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَهُوَ جَوْرٌ عَلَيْهِمْ فَيُرَدُّ، وَتَذَكَّرْ هَاهُنَا مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنِ الْإِشْكَالِ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ بِوَارِثٍ آخَرَ وَجَوَابَهُ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا مَرَّ نَقْلًا عَنِ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. فَإِنْ قِيلَ: حَقَّ الْوَرَثَةِ إِنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَتِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ فَقَدْ ظَهَرَ حَاجَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ خِرَافًا، وَبِالْمَرَضِ تَزْدَادُ جِهَةُ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ الشَّرْعِيَّ يَنْضَمُّ إِلَى الْعَقْلِيِّ فَيَبْعَثُهُ عَلَى الصِّدْقِ. قُلْنَا: الْإِقْرَارُ لِلْوَارِثِ إِيصَالُ نَفَعٍ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ إِبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ لَمْ يُعَرَفْ إِلَّا بِقَوْلِهِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِيثَارَ بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ حَيْثُ عَجَزَ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ تَتَوَقَّفَ صِحَّتُهُ عَلَى رِضَا الْبَاقِينَ، دَفَعَا لِلْوَحْشَةِ وَالْعَدَاوَةِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهِمٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إِيصَالَ النَّفْعِ إِلَيْهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَتَمَكَّنُ الْمَرْءُ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِهِ إِنْشَاءً لَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي إِقْرَارِهِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةُ الِاسْتِغْنَاءِ) عَنِ الْمَالِ لِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْمَوْتِ الْمُوجِبِ لِانْتِهَاءِ الْآمَالِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْإِقْرَارُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ فِيهِ يُورِثُ تُهْمَةَ تَخْصِيصِهِ، (وَالْقَرَابَةُ) تَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا. (سَبَبُ التَّعَلُّقِ) ، أَيْ: سَبَبُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْأَقْرِبَاءِ بِالْمَالِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ يَمْنَعُ تَخْصِيصَ بَعْضِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِلَا مُخَصَّصٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ الَّذِي هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةَ الِاسْتِغْنَاءِ ... إِلَخْ. دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أُسْلُوبِ تَحْرِيرِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ: "وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةُ الِاسْتِغْنَاءِ" عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: "وَلِهَذَا يُمْنَعُ ... إِلَخْ". فَإِنَّهُ كَانَ دَلِيلًا إِنِّيًا، وَهَذَا دَلِيلٌ لِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِهِ فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ إِبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ يَأْبَى عَنْ ذَلِكَ جِدًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ مُقَدِّمَةٌ لِدَلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلَهُ: "فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ إِبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ"، مُقَدِّمَةٌ أُخْرَى لَهُ مَرْبُوطَةٌ بِالْأُولَى، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةَ الِاسْتِغْنَاءِ، مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنَ التَّبَرُّعِ، لَكَانَ دَلِيلًا عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى كَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ تَوْسِيطُ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ دَلِيلَيِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، نَعَمْ يَصْلُحُ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةُ الِاسْتِغْنَاءِ، وَالْقَرَابَةُ سَبَبُ التَّعَلُّقِ؛ لِأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ لَوْلَا تَوْسِيطُ قَوْلِهِ: "فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ إِبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ". وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْكَافِي: وَلِأَنَّهُ آثَرَ بَعْضَ وَرَثَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْكُلِّ بِمَا لَهُ فَيُرَدُّ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا؛ لَأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ مَالِهِ لِظُهُورِ آثَارِ الْمَوْتِ فِيهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مَالِهِ لِانْتِهَاءِ آمَالِهِ عِنْدَ إِقْبَالِهِ عَلَى الْآخِرَةِ فَيَظْهَرُ عِنْدَ اسْتِغْنَائِهِ حَقُّ أَقْرِبَائِهِ؛ وَلِهَذَا مُنِعَ مِنَ التَّبَرُّعِ عَلَى وَارِثِهِ أَصْلًا فَلَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ إِبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَلِأَنَّ فِيهِ إِيثَارُ

إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِ الْأَجْنَبِيِّ لِحَاجَتِهِ إِلَى الْمُعَامَلَةِ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ انْحَجَرَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ، وَقَلَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ مَعَ الْوَارِثِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ آخَرَ لِحَاجَتِهِ أَيْضًا، ثُمَّ هَذَا التَّعَلُّقُ حَقُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَبْطَلُوهُ فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ) لِمَا بَيَّنَّا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إِلَّا فِي الثُّلُثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ جَمِيعِهِمْ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْبَقِيَّةِ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِوَرَثَتِهِ، كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ، انْتَهَى، تَبَصَّرْ. (إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ) ، أَيْ: تُعَلِّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ (لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ) ؛ حَيْثُ لَمْ يُمْنَعْ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ (لِحَاجَتِهِ) ، أَيْ: لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ (إِلَى الْمُعَامَلَةِ) مَعَ النَّاسِ (فِي الصِّحَّةِ) ، أَيْ: فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ لَمْ تُقْضَ حَاجَتُهُ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ؛ (لِأَنَّهُ لَوِ انْحَجَرَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ) فِي الصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازٍ أَنْ يَعْرِضَهُ الْمَرَضُ، فَتَخْتَلُّ مَصَالِحُهُ فَيَقَعُ فِي الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا. وَلَمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ: الْحَاجَةُ مَوْجُودَةٌ فِي حَقِّ الْوَارِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَمَا يُعَامَلُونَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ يُعَامَلُونَ مَعَ الْوَارِثِ، أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَقَلَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ مَعَ الْوَارِثِ) ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَلَا اسْتِرْبَاحَ مَعَ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَيَا مِنَ الْمُمَاكَسَةِ مَعَهُ، فَلَا يُحَصَّلُ الرِّبْحَ. (وَلَمْ يَظْهَرْ) ، أَيْ: وَكَذَا لَمْ يَظْهَرْ هَذَا التَّعَلُّقُ (فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ آخَرَ لِحَاجَتِهِ أَيْضًا) ، أَيْ: لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَارِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِبْقَاءِ نَسْلِهِ فَلَا يَنْحَجِرُ عَنْهُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، (ثُمَّ هَذَا التَّعَلُّقُ) ، أَيْ: تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ (حَقُّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ) ، أَيْ: إِذَا صَدَّقَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْمُقِرَّ لِوَارِثٍ، (فَقَدْ أَبْطَلُوهُ) ، أَيْ: أَبْطَلُوا حَقَّهُمْ، (فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ) ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْمُصَنِّفِ بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: إِلَّا أَنَّ تَصَدِّقَهُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ. (وَإِذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا) إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَإِلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَوِ انْحَجَرَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَكَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مَعْلُومَةً مِمَّا تَقَدَّمَ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهَا تَمْهِيدًا لِذِكْرِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، (وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إِلَّا فِي الثُّلُثِ) ، وَهُوَ مَذْهَبُ

لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَيْهِ. إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: لَمَّا صَحَّ إِقْرَارُهُ فِي الثُّلُثِ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ الثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ. قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَبَطَلَ إِقْرَارُهُ، فَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ إِقْرَارُهُ لَهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إِلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَقَرَّ لِابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَبَقِيَ إِقْرَارُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِ النَّاسِ، كَمَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ؛ (لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ) ، أَيْ: تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ. (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الثُّلُثِ وَتَعَلَّقَ بِالثُّلُثَيْنِ حَقُّ الْوَرَثَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يُنَفَّذْ إِلَّا فِي الثُّلُثِ، فَكَذَا الْإِقْرَارُ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذُ إِلَّا فِي الثُّلُثِ، كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الشَّرْعُ إِنَّمَا قَصَرَ عَلَى الثُّلُثِ تَصَرُّفَهُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ دُونَ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفَهُ فِي نَحْوِ ثَمَنِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ إِلَّا فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، فَلَمْ يَجْرِ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَدَّعِي أَنَّ كَوْنَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَى مُوجَبِ الِاسْتِحْسَانِ أَيْضًا دُونَ الْقِيَاسِ. (إِلَّا أَنَّا نَقُولُ) فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ: (لَمَا صَحَّ إِقْرَارُهُ فِي الثُّلُثِ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْ إِقْرَارِهِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ لِعَدَمِ تُعَلِّقِ الْوَرَثَةِ بِهِ، (كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلْثِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ الثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ) ، وَالثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ قَطْعًا فَيَنْفُذُ الْإِقْرَارُ فِي الثُّلُثِ الثَّانِي. (ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ) ، كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَعَامَّةِ الْمُعْتَبِرَاتِ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْإِتْيَانَ عَلَى الْكُلِّ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْوَجْهِ الْمَزْبُورِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ فَظَاهَرٌ؛ لِأَنَّ التَّثْلِيثَ إِذَا انْتَهَى إِلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ فَأُخْرِجَ مِنْهَا أَحَدُهَا، وَبَقِيَ الْجُزْآنِ امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إِخْرَاجُ الثُّلُثِ مِنْ ذَيْنِكَ الْجُزْأَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّجَزُّؤِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ إِلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحُكَمَاءِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ الْكُلِّ لِلْقَطْعِ بِمُغَايَرَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ. لَا يُقَالُ: مُرَادُهُمُ الْإِتْيَانُ عَلَى قَرِيبٍ مِنَ الْكُلِّ لَا عَلَى الْكُلِّ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي جَوَازَ الْإِقْرَارِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَإِنْ أَحَاطَ بِكُلِّ مَالِهِ حَقِيقَةً، تَدَبَّرْ، وَنَقْضُ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَبِالْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْوَرَثَةِ مَعَ جَرَيَانِ الطَّرِيقِ الْمَزْبُورِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي ثُلْثِ مَالِهِ بِدُونِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَلَمَّا صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلْثِ مَالِهِ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلْثِ الْبَاقِي لِمَا أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ بَعْدَ الثُّلُثِ الْخَارِجِ جُعِلَ كَأَنَّهُ هُوَ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَجِبُ أَنْ تَنْفُذَ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلْثِهِ أَيْضًا ثُمَّ وَثُمَّ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الثُّلُثَ بَعْدَ الدَّيْنِ مَحَلُّ تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ، فَلَمَّا أَقَرَّ بِدَيْنٍ انْتَقَلَ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ إِلَى ثُلْثِ مَا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ مُحَلَّ تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ وَصِيَّةً، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ ثُلْثُ الْمَجْمُوعِ لَا غَيْرَ فَافْتَرَقَا. (قَالَ) ، أَيْ: الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ) فِي مَرَضِهِ بِمَالٍ، (ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) ، أَيْ: ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنَ الْمُقِرِّ، (وَبَطَلَ إِقْرَارُهُ) بِالْمَالِ. (فَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ إِقْرَارُهُ لَهَا) ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ؛ حَيْثُ بَطَلَتَا لَهَا أَيْضًا. وَقَالَ زُفَرُ: بَطَلَ الْإِقْرَارُ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَحَصَلَتِ التُّهْمَةُ وَهِيَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) ، أَيْ: بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ (أَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إِلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَقَرَّ لِابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ) ، يَعْنِي: أَنَّ النَّسَبَ إِذَا ثَبَتَ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ إِقْرَارَ الْمَرِيضِ وَقَعَ لِوَارِثِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. (وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ) ، يَعْنِي: أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ إِذَا ثَبَتَتْ ثَبَتَتْ مُقْتَصِرَةً عَلَى زَمَانِ الْعَقْدِ، (فَبَقِيَ إِقْرَارُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ) ، فَيَصِحُّ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ، وَالْهِبَةُ

قَالَ: (وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنَ الدَّيْنِ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَرَضِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَفِي وَصَايَا الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ أَقَرَّ بِدِينٍ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَبْدٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ كَانَ سَبَبُ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا قَائِمًا وَهُوَ الْقُرَابَةُ الَّتِي صَارَ بِهَا وَارِثًا فِي ثَانِيَ الْحَالِ، وَلَيْسَ هَذَا كَالَّذِي أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ، انْتَهَى. (قَالَ) ، أَيِ: الْقُدُورِيَّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنَ الدَّيْنِ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ) ، أَيْ: مِنَ الزَّوْجِ، قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: هَذَا إِذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إِذْ هُوَ فَارٌّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ، انْتَهَى. وَقَالَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالشُّرُوحِ: وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا بِسُؤَالِهَا، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنِ، وَالْمَوْضِعَانِ صَحِيحَانِ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي الْجَامِعِ وَالْمُحِيطِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْلَا الْإِقْرَارُ، فَفِي الْوَضْعِ الْأَوَّلِ: تَرِثُهُ إِذَا مَاتَ فِي الْعِدَّةِ، وَفِي الْوَضْعِ الثَّانِي: لَا تَرِثُهُ، وَمَعَ هَذَا إِذَا أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنَ الدَّيْنِ وَمِنَ الْمِيرَاثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: قَدْ اخْتَلَفَ رَأْيَاهُمَا فِي اسْتِخْرَاجِ هَذَا الْمَقَامِ. وَالَّذِي يُطَابِقُ مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ بِأَمْرِهَا، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنَ الْمِيرَاثِ، فَكَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةً هُنَاكَ بِمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ هَا هُنَا، وَلَا يَرَى لِلتَّقْيِيدِ فَائِدَةً سِوَى الِاحْتِرَازِ عَمَّا إِذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا، ثُمَّ إِنِّي تَتَبَّعْتُ عَامَّةَ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى الْجَامِعِ وَالْمُحِيطِ وَلَمْ أَظْفَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِكَوْنِ الْحُكْمِ وَاحِدًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، بَلْ أَيْنَمَا وَجَدْتُ الْمَسْأَلَةَ الْمَزْبُورَةَ مَذْكُورَةٌ مَعَ الْحُكْمِ الْمَسْفُورِ وَجَدْتُهَا مُقَيَّدَةً بِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِسُؤَالِ الْمَرْأَةِ أَوْ بِأَمْرِهَا: فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَأَمَّا عَدَمُ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنَ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا لِلتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ مِنَ الشُّرَّاحِ وَإِنْ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ هَاهُنَا أَيْضًا بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ إِلَّا أَنَّهُ فَسَّرَهَا؛ حَيْثُ جَعَلَهَا مِثَالًا لِمَا إِذَا كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ وَارِثًا حَالَةَ الْإِقْرَارِ دُونَ الْمَوْتِ، فَغَيَّرَهَا عَنْ وَضْعِهِمَا الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ: كَمَا إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا، وَقَدْ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ، فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنَ الدَّيْنِ وَالْمِيرَاثِ

[فصل في بيان الإقرار بالنسب]

لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهِ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ، وَبَابُ الْإِقْرَارِ مَسْدُودٌ لِلْوَارِثِ، فَلَعَلَّهُ أَقْدَمَ عَلَى هَذَا الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ إِقْرَارُهُ لَهَا زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَيَثْبُتُ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا) لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يَلْزَمُهُ خَاصَّةً، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِهِ، وَشَرْطٌ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ كَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ، وَشَرْطٌ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ تَصْدِيقَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ إِذِ الْمَسْأَلَةُ فِي غُلَامٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ: ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا، وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ لَا يَخْفَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: (لِأَنَّهُمَا) ، أَيِ: الزَّوْجَيْنِ (مُتَّهَمَانِ فِيهِ) ، أَيْ: فِي هَذَا الْإِقْرَارِ؛ (لِقِيَامِ الْعِدَّةِ) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إِذَا كَانَ مَوْتُ الْمُقِرِّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَإِقْرَارُهُ لَهَا جَائِزٌ. (وَبَابُ الْإِقْرَارِ مَسْدُودٌ لِلْوَارِثِ فَلَعَلَّهُ) ، أَيْ: فَلَعَلَّ الزَّوْجَ (أَقْدَمَ عَلَى هَذَا الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ إِقْرَارُهُ لَهَا زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا) ، فَوَقَعَتِ التُّهْمَةُ فِي إِقْرَارِهِ. (وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَيَثْبُتُ) ، أَيْ: أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ. قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَلَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ مِنْ مَهْرِهَا صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَهْرِ مَثْلِهَا، وَتَحَاصَّ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إِنْشَاءَهُ، فَانْعَدَمَتِ التُّهْمَةُ، وَلَوْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ فِي مَرَضِهَا بِقَبْضِ الْمَهْرِ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ تُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لِلْوَارِثِ لَا يَصِحُّ، انْتَهَى. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْمَرِيضَةُ إِذَا أَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا فَإِنْ مَاتَ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهَا، وَإِنْ مَاتَتْ غَيْرَ مَنْكُوحَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ بِأَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَصِحُّ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ] قَدَّمَ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْأَوَّلِ وَقِلَّةِ وُقُوعِ الثَّانِي، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ مَا هُوَ كَثِيرُ الدَّوَرَانِ أَهَمُّ بِالْبَيَانِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الثَّانِي بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِانْفِرَادِهِ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ، كَمَا سَيَظْهَرُ، (وَمَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلهُ) ، أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْغُلَامِ (لِمَثَلِهِ) ، أَيْ: لِمِثْلِ الْمُقِرِّ، يَعْنِي: هُمَا فِي السِّنِّ، بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُولَدَ الْمُقَرُّ لَهُ لِلْمُقِرِّ، (وَلَيْسَ لَهُ) ، أَيْ: لِلْغُلَامِ (نَسَبٌ مَعْرُوفٌ) بَلْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ (أَنَّهُ ابْنُهُ) ، أَيْ: أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. (وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ) ، أَيْ: فِيمَا إِذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقهُ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً. (ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ، أَيْ: ثَبَتَ نَسَبُ الْغُلَامِ مِنَ الْمُقِرِّ، (وَإِنْ كَانَ) الْمُقِرُّ (مَرِيضًا) إِلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: (لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يَلْزَمُهُ خَاصَّةً) يَعْنِي أَنَّ النَّسَبَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ خَاصَّةً، لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، (فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِهِ) ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا؛ لِأَنَّ إِقْرَارَ الْمَرِيضِ إِنَّمَا لَا يَصِحُّ فِيمَا فِيهِ التُّهْمَةُ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَلَا تُهْمَةَ هَاهُنَا. (وَشَرْطٌ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ كَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ) ، فَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ. (وَشَرْطٌ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُ) ، أَيْ: لِأَنَّ كَوْنَ نَسَبِهِ مَعْرُوفًا (يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ مِنْ غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. (وَإِنَّمَا شَرَطَ تَصْدِيقَهُ) ، أَيْ: تَصْدِيقَ الْغُلَامِ. (لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ؛ إِذِ الْمَسْأَلَةُ فِي غُلَامٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) وَإِذَا

بِخِلَافِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَلَا يَمْتَنِعُ بِالْمَرَضِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ (وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ فَيُشَارِكُ وَرَثَتَهُ. قَالَ (وَيَجُوزُ إِقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَلْزَمُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ يُعَبِّرُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ، كَذَا ذَكَرَ فِي التَّبْيِينِ. أَقُولُ: يَنْتَقِضُ هَذَا التَّعْلِيلُ بِالْإِقْرَارِ بِغَيْرِ النَّسَبِ كَالْمَالِ وَنَحْوِهِ؛ إِذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ مَا أَقَرَّ بِهِ هُنَاكَ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَكِنْ يُرَدُّ التَّعْلِيلُ بِإِقْرَارٍ بِرَدِّهِ، عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مَعَ جَرَيَانِ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا: إِنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّ إِقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ يَدِهِ فَلَا يَبْطُلُ إِلَّا بِرِضَاهُ، انْتَهَى. أَقُولُ: تَضَمَّنَ الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ إِبْطَالَ يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ مَحَلَّ الْمَنْعِ، فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ فِي التَّسْهِيلِ: لِمَا فِيهِ مِنْ إِلْزَامِ حُقُوقِ النَّسَبِ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا بِالْتِزَامِهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا أَظْهَرُ الْوُجُوهِ وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ حُقُوقٌ كَثُبُوتِ الْإِرْثِ وَلُزُومِ النَّفَقَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَفِي بَعْضِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، فَفِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ إِلْزَامُ تِلْكَ الْحُقُوقِ، فَلَا بُدَّ مِنِ الْتِزَامِ الْمُقَرِّ لَهُ إِيَّاهَا حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهِ؛ إِذْ هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَفِيهِ بُدٌّ مِنِ الْتِزَامِهِ، (بِخِلَافِ الصَّغِيرِ) الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ، فَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ (عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ) ، أَيْ: فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى. (وَلَا يَمْتَنِعُ بِالْمَرَضِ) ، أَيْ: لَا يَمْتَنِعُ الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ؛ (لِأَنَّ النَّسَبَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ) ، فَصَارَ كَالنِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، (وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةُ فِي الْمِيرَاثِ) ، هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، أَيْ: وَيُشَارِكُ الْغُلَامُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْبُنُوَّةِ سَائِرَ الْوَرَثَةِ فِي مِيرَاثِ الْمُقِرِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ فَيُشَارِكُ وَرَثَتَهُ) ، أَيْ: وَرَثَةَ الْمُقِرِّ بِالنَّسَبِ. (قَالَ) ، أَيِ: الْقُدُورِيَّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَيَجُوزُ إِقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ) ، أَيْ: بِالشَّرَائِطِ الَّتِي مَرَّ بَيَانُهَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مُنْدَرِجَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ إِذْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا صَرَاحَةً قَوْلُهُ هَاهُنَا: وَالْوَلَدِ، فَإِذَا كَانَتِ الشَّرَائِطُ الْمُعْتَبَرَةُ هُنَاكَ مُعْتَبَرَةٌ هَاهُنَا أَيْضًا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا قَبْلُ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، كَمَا وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَعَامَّةِ الْمُتُونِ فَائِدَةٌ يَعْتَدُّ بِهَا، كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ كَذَلِكَ فِي الْأَصْلِ وَالْمُحِيطِ وَعَامَّةِ مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى. (وَالزَّوْجَةِ) ، أَيْ: وَيَجُوزُ إِقْرَارُ الرَّجُلِ بِالزَّوْجَةِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ هَاهُنَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ خَالِيَةً عَنْ زَوْجٍ آخَرَ وَعِدَّتِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ تَحْتَ الْمُقِرِّ أُخْتُهَا وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ. (وَالْمَوْلَى) ، أَيْ: وَيَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالْمَوْلَى: يَعْنِي مَوْلَى الْعَتَاقَةِ سَوَاءً كَانَ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ، هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنَ الْغَيْرِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا مِنْ صِحَّةِ إِقْرَارِ الْمُقِرِّ بِالْأُمِّ؛ حَيْثُ قَالَ: بِالْوَالِدَيْنِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَرِوَايَةِ شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلْإِمَامِ سِرَاجِ الدِّينِ وَالْمُصَنِّفِ، وَمُخَالِفٌ لِعَامَّةِ النُّسَخِ مِنَ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَغَيْرِهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: (لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَلْزَمُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ) فَتَحَقَّقَ الْمُقْتَضَى وَانْتَفَى الْمَانِعُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهَذَا الدَّلِيلُ، كَمَا تَرَى يَدُلُّ

(وَيُقْبَلُ إِقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى) ؛ لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يُقْبَلُ بِالْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى صِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِالْأُمِّ كَصِحَّتِهِ بِالْأَبِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، وَقَدْ عَرَفْتَ صِحَّتَهُ بِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ، انْتَهَى. يَعْنِي: أَنَّ صِحَّتَهُ مُقَرَّرَةٌ بِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهَا، فَلَا وَجْهَ لِتَرَدُّدِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِيهَا، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ: أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ دَلَالَةَ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى صِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِالْأُمِّ مَمْنُوعَةٌ؛ فَإِنَّ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِالْأُمِّ تَصْدِيقَ الْأُمِّ إِيَّاهُ، وَفِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الزَّوْجُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ الْأُمِّ بِالْوَلَدِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، كَمَا سَيَأْتِي، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ تَصْدِيقُهَا إِيَّاهُ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ بِهَا لِاسْتِلْزَامِ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ، وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ تَرَدُّدَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي صِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِالْأُمِّ إِنَّمَا نَشَأَ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ إِقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْمَرْأَةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ، وَذِكْرُ الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ بِالْأُمِّ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ جَازَ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ ذَلِكَ أَقْوَى مِنَ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لِلْجَوَازِ؛ فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ عَدَمِ الْجَوَازِ هُوَ النَّصُّ أَوِ الْإِجْمَاعُ أَوِ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُتْرَكُ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ دَلِيلُ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ أَيْضًا فَلَا أَقَلَّ مِنَ الْمُسَاوَاةِ، وَعَدَمُ اطِّلَاعِنَا عَلَى دَلِيلِ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَالْمَدَارُ فِي صِحَّةِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ صِحَّةُ النَّقْلِ عَنْهُمْ لَا غَيْرُ، فَتَأَمَّلْ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَالدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِأُمُومِيَّةِ الْمَرْأَةِ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ إِذَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ. فَإِنْ قُيِّدَ بِعَدَمِ الزَّوْجِ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ؛ فَإِنَّ إِقْرَارَهَا بِالْوَلَدِ يَصِحُّ أَيْضًا إِذَا أُخِذَ بِهَذَا الْقَيْدِ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِإِثْبَاتِ هَذَا وَنَفْيِ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِأُمُومِيَّةِ الْمَرْأَةِ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً، بَلْ فِيهِ تَحْمِيلُ أُبُوَّةِ الزَّوْجِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالِانْتِسَابِ إِلَيْهِ أَيْضًا، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الْإِقْرَارِ بِالْأَبِ صَرَاحَةً: إِنَّ الْمُقِرَّ بِالْأَبِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِالِانْتِسَابِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ نَسَبِ نَفْسِهِ عَلَى الْغَيْرِ، بِخِلَافِ إِقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجِ، وَالْإِقْرَارُ الَّذِي فِيهِ حَمْلُ نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ دَعْوَى أَوْ شَهَادَةٌ، وَالدَّعْوَى الْمُفْرَدَةُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، وَشَهَادَةُ الْمُفْرَدِ فِيمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ حُقُوقِ الْعِبَادِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. (وَيُقْبَلُ إِقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى؛ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَلْزَمُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَالْأُنُوثَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ إِقْرَارِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَيَسْتَوِي فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ حَالَةَ الصِّحَّةِ، وَحَالَةَ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ إِنَّمَا تُخَالِفُ حَالَةَ الصِّحَّةِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِالتَّرِكَةِ، فَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ كَانَ الْإِقْرَارُ بِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ، وَالنَّسَبُ وَالنِّكَاحُ وَالْوَلَاءُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، (وَلَا يُقْبَلُ) ، أَيْ: لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ الْمَرْأَةِ (بِالْوَلَدِ) وَإِنْ صَدَّقَهَا؛ (لِأَنَّ فِيهِ) ، أَيْ: فِي إِقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ (تَحْمِيلَ النَّسَبِ) ، أَيْ: تَحْمِيلَ نَسَبِ الْوَلَدِ

عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْهُ (إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهِ قَابِلَةٌ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ فِي هَذَا مَقْبُولٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إِقْرَارِ الْمَرْأَةِ تَفْصِيلًا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَلَا بُدَّ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْهُ) . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] ، (إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ) ، اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُقْبَلُ بِالْوَلَدِ، يَعْنِي: إِذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ يُقْبَلُ إِقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ؛ (لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ) ، أَيْ: لِلزَّوْجِ، فَيَثْبُتُ بِتَصْدِيقِهِ، (أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهِ قَابِلَةٌ) ، أَيْ: أَوْ إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ قَابِلَةٌ بِوِلَادَتِهِ، أَيْ: بِتَوَلُّدِ ذَلِكَ الْوَلَدِ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِوِلَادَتِهَا، أَيْ: بِوِلَادَتِهَا إِيَّاهُ، فَفِي هَذِهِ النُّسْخَةِ أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الْفَاعِلِ وَتُرِكَ الْمَفْعُولُ، وَفِي الْأُولَى عَكْسُ الْأَمْرِ؛ (لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ فِي هَذَا) ، أَيْ: فِي هَذَا الْخُصُوصِ (مَقْبُولٌ) ؛ إِذِ الْفَرْضُ أَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ، فَيُحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَشَهَادَتُهَا فِي ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ. (وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ) ، أَيْ: فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَإِنَّ جَحْدَ الْوِلَادَةِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، تَشَهَدُ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ الزَّوْجُ يُلَاعِنُ؛ لَأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، (وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إِقْرَارِ الْمَرْأَةِ تَفْصِيلًا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى) مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَذَلِكَ التَّفْصِيلُ هُوَ أَنَّ إِقْرَارَهَا بِالْوَلَدِ إِنَّمَا لَا يَصِحُّ بِدُونِ شَهَادَةِ قَابِلَةٍ بِالْوِلَادَةِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً قَالُوا: يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إِلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِقْرَارُهُ مَقْبُولٌ، كَمَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ يَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ، كَمَا لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. فَإِنْ قُلْتَ: لِأَيِّ مَعْنًى يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنَ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ مَعَ أَنَّ الْوَلَدَ وُلِدَ مِنْهُمَا، وَمَا فَائِدَةُ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنَ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ، وَمَا فَائِدَةُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنَ الرَّجُلِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، مَعَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقَرَّ بِالْأَخِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ يُشَارِكُهُ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَخِ الْمُقَرِّ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ، كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ. قُلْتُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] ، وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] ؛ حَيْثُ أَضَافَ الْوَلَدَ إِلَى الْأَبِ بِلَامِ الْمِلْكِ، وَلِذَلِكَ اخْتُصَّ الْأَبُ بِالنَّسَبِ. وَأَمَّا فَائِدَةُ اخْتِصَاصِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنَ الْأَبِ فَهِيَ صِحَّةُ إِقْرَارِ الْأَبِ بِالْوَلَدِ، وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ حَتَّى لَا يُشَارِكَهُ فِيهَا أَحَدٌ، كَمَا لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَسَبِهِ. وَأَمَّا فَائِدَةُ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْخَمْسَةِ فَهِيَ ثُبُوتٌ عَلَى طَرِيقِ الْعُمُومِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْخُصُوصِ، أَيْ: أَنَّ حُقُوقَ الْمُقَرِّ لَهُ، كَمَا تَلْزَمُ عَلَى الْمُقِرِّ كَذَلِكَ تَلْزَمُ عَلَى غَيْرِ الْمُقِرِّ تَقْرِيرًا لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ، حَتَّى أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ بِالِابْنِ مَثَلًا، فَالِابْنُ الْمُقَرُّ لَهُ يَرِثُ مِنَ الْمُقَرِّ مَعَ سَائِرِ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ جَحَدَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ، وَيَرِثُ مِنْ أَبِي الْمُقِرِّ وَهُوَ جَدُّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْجَدُّ يَجْحَدُ بُنُوَّتَهُ لِابْنِهِ. وَأَمَّا فِيمَا سِوَى الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْخَمْسَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُ الْمُقِرِّ بِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَدَمُ اعْتِبَارِ إِقْرَارِهِ فِيمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ، حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ وَرَثَةٌ سِوَاهُ يَجْحَدُونَ أُخُوَّتَهُ فَمَاتَ الْمُقِرُّ لَا يَرِثُ الْأَخُ مَعَ سَائِرِ وَرَثَتِهِ، وَلَا يَرِثُ مِنْ أَبِي الْمُقِرِّ وَأُمِّهِ، بِخِلَافِ مَنْ صَحَّ إِقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّانِي: صِحَّةُ رُجُوعِ الْمُقِرِّ عَمَّا أَقَرَّ فِي حَقٍّ مِنْ سِوَى الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْخَمْسَةِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ يَصِحُّ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِأَخٍ كَانَ مَالُهُ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ كَانَ إِقْرَارُهُ بِالْأَخِ وَقَعَ بَاطِلًا، فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَمَّا أَقَرَّ، وَأَمَّا أَخْذُ الْأَخِ الْمُقَرِّ لَهُ تَرِكَةُ الْمُقِرِّ عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ، فَلَيْسَ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوصِي بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ إِقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا بِاسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ لَهُ النَّفَقَةَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، إِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ

تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ، وَيَصِحُّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ، وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ غَسْلُهَا عِنْدَنَا، وَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إِلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ) ، أَيْ: لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُمُ الْمَذْكُورِينَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ فَيَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْإِقْرَارِ عَلَى تَصْدِيقِهِمْ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، (وَيَصِحُّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ) ، يَعْنِي: أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِالنَّسَبِ إِذَا صَدَّقَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُقِرِّ يَصِحُّ، فَكَذَا إِذَا صَدَّقَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ (لِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ) ، فَيَصِحُّ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ حَتَّى يَثْبُتَ بِهِ أَحْكَامُ النِّسَبِ بِأَسْرِهَا، قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِإِيجَابِ الْبَائِعِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَامٌّ فِي نَفْسِهِ وَالتَّصْدِيقَ شَرْطٌ، فَكَانَ كَمَا إِذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ، أَمَّا الْإِيجَابُ ثَمَّةَ فَلَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ، انْتَهَى. (وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ) ، أَيْ: وَكَذَا يَصِحُّ تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا فِي الْإِقْرَارِ بِالزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ الْمُقِرِّ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ؛ (لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ) وَهُوَ الْعِدَّةُ (بَاقٍ) بَعْدَ الْمَوْتِ؛ فَإِنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ، أَلَا يُرَى أَنَّهَا تُغَسِّلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ. (وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا) ، أَيْ: وَكَذَا يَصِحُّ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ الْمَرْأَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي الْإِقْرَارِ بِالزَّوْجِيَّةِ فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا وَلَهُ الْمِيرَاثُ مِنْهَا؛ (لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِهِ) ، أَيْ: مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَهُوَ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْعِدَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ) تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ (لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ) ، حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا؛ (وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ لَهُ غَسْلُهَا) بَعْدَ مَوْتِهَا (عِنْدَنَا) وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِ لِيَصِحَّ بِاعْتِبَارِهَا، كَمَا فِي الْعَكْسِ، (وَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْرِيرَهُ: سَلَّمْنَا أَنَّ تَصْدِيقَ الزَّوْجِ إِيَّاهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَا يَصِحُّ نَظَرًا إِلَى انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، وَلَكِنْ لِمَ لَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ إِيَّاهَا بَعْدَ مَوْتِهَا نَظَرًا إِلَى الْإِرْثِ الَّذِي هُوَ مِنْ حَقِّ آثَارِ النِّكَاحِ أَيْضًا؟ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ؛ (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: لِأَنَّ الْإِرْثَ (مَعْدُومٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ) ، أَيْ: حَالَةَ إِقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِالنِّكَاحِ، (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ) ، أَيِ: الْإِرْثَ (بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إِلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: مَعْنَاهُ أَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الْمُوجِبُ لِثُبُوتِ النِّكَاحِ الْمُوجِبِ لِلْإِرْثِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِرْثِ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنَّ التَّصْدِيقَ يَسْتَنِدُ إِلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ بِالنِّكَاحِ، وَالْإِرْثُ مَعْدُومٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ صِحَّةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصْدِيقِ بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ الْمَعْدُومِ وَقْتَئِذٍ، وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَمَعَ كَوْنِهِ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَصْلًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ هَاهُنَا. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ التَّصْدِيقَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْإِرْثِ حَتَّى يَتِمَّ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ التَّصْدِيقُ بِالْإِرْثِ لِثُبُوتِ الْإِرْثِ بِهِ، بَلْ قِيلَ: صِحَّةُ التَّصْدِيقِ بِاعْتِبَارِ مُصَادَفَتِهِ وَقْتَ الْإِرْثِ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ، وَلَا يُنَافِيهِ ثُبُوتُ نَفْسِ الْإِرْثِ بِالتَّصْدِيقِ. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ ذَلِكَ يَنْتَقِضُ بِمَا إِذَا كَانَ التَّصْدِيقُ قَبْلَ مَوْتِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا لِمُصَادَفَتِهِ وَقْتَ ثُبُوتِ النِّكَاحِ مَعَ أَنَّهُ يَجْرِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الْمُوجِبُ لِثُبُوتِ النِّكَاحِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ. وَأَمَّا ثَالِثًا: فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ ضَائِعًا مُسْتَدْرِكًا لِجَرَيَانِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْإِرْثَ مَوْجُودٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، تَدَبَّرْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يُعَارِضَ فَيَقُولَ: لَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إِلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ، وَيُفَسَّرُ بِمَا ذَكَرْتُمْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ لَازِمَةٌ لِلْمَوْتِ عَنْ نِكَاحٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ النِّكَاحُ الْمُعَايِنُ قَائِمًا بِاعْتِبَارِهِمَا، فَكَذَا الْمُقَرُّ بِهِ، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً فَلَمْ يُعْتَبَرْ قَائِمًا بِاعْتِبَارِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ أَيْضًا غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْمَوْتِ عَنْ نِكَاحٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ، أَوْ تَكُونَ حَرْبِيَّةً خَرَجَتْ إِلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً، فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَالْمُعَارَضَةُ الْمَذْكُورَةُ إِنَّمَا تَرُدُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَالْجَوَابُ الْمَزْبُورُ لَا يَدْفَعُهَا عَلَى أَصْلِهِ. ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: الظَّاهِرُ أَنًّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَسْتَنِدُ إِلَى حَالَةِ الْإِقْرَارِ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَجِبُ الْإِرْثُ بَلْ هُوَ حُكْمٌ يَجِبُ وَيَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَمَتَى صَحَّحْنَا الْإِقْرَارَ صَحَّحْنَا لِإِثْبَاتِ الْإِرْثِ ابْتِدَاءً، فَيَكُونُ التَّصْدِيقُ وَاقِعًا فِي شَيْءٍ، وَهُوَ فِي الْحَالِ مَعْدُومٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ النِّكَاحُ، وَأُشِيرَ إِلَى هَذَا فِي النِّهَايَةِ، فَلَا تَرِدُ الْمُعَارَضَةُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ التَّصْدِيقُ وَاقِعًا فِي نِكَاحٍ مَعْدُومٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إِلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: نَعَمْ، أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَكِنْ قَوْلُهُ: فَلَا تَرُدُّ الْمُعَارَضَةُ أَصْلًا مَمْنُوعٌ، قَوْلُهُ: لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ وُجُوبَهَا ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي الْمُعْتَدَّةِ بِالطَّلَاقِ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْدِي نَفْعًا؛ إِذِ الْكَلَامُ فِي الْمُعْتَدَّةِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ وُجُوبَهَا ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي الْمُعْتَدَّةِ بِالْمَوْتِ أَيْضًا فَمَمْنُوعٌ، بَلْ وُجُوبُهَا فِي الْمُعْتَدَّةِ بِالْمَوْتِ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَمَا لَا يَخْفَى وَصَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ مَدْفُوعَةٌ عَنِ الْمُصَنِّفِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ: حُكْمُ النِّكَاحِ بَاقٍ، هُوَ الْعِدَّةُ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مِثْلَ حُرْمَةِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ وَحِلِّ غَسْلِهَا؛ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي حَالِ النِّكَاحِ أَيْضًا، وَلَوْ عَيَّنَهُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِالْعِدَّةِ مَا يُلَازِمُهَا مِنْ أَمْثَالِ مَا ذَكَرْنَا مَجَازًا، فَلَا إِشْكَالَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ مِثْلِ حُرْمَةِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ وَحِلِّ غَسْلِهَا لَيْسَ بِحُكْمٍ مُسْتَقِلٍّ لِلنِّكَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ بَلْ هُوَ مِنْ مُتَفَرِّعَاتَ الْعِدَّةِ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِالْفِقْهِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ مَا هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَصْلِ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِبَارِ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْفَرْعِ عَنْ حَيِّزِ ذَلِكَ أَيْضًا فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ. فَإِنْ قِيلَ: إِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ، فَمَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ كَسْبًا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ اسْتَحَقَّ الْكَسْبَ وَالْإِرْثَ فِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ. قُلْنَا: الْكَسْبُ يَقَعُ مِلْكًا مِنْ الِابْتِدَاءِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ. وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً مَلَكَ مَنَافِعَهَا حُكْمًا لَهَا، فَيَصِيرُ الْإِقْرَارً بِالْعَبْدِ إِقْرَارًا بِأَنَّ الْكَسْبَ لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَيَصِيرُ قِيَامُهُ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ الْعَبْدِ، فَأَمَّا الْإِرْثُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهَا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ لَا بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ، وَالْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ يَفُوتُ بِمَوْتِهَا، فَيَبْقَى تَصْدِيقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى إِرْثٍ مُبْتَدَأٍ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا

قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ نَحْوَ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ) لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ فَيَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةً حَقِيقَةً حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا نِصْفَيْنِ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ وِرَاثَتَهُ ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ كَانَ مَالُهُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ رُجُوعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَالَ) ، أَيْ: الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ) الصُّلْبِيِّ، (نَحْوَ الْأَخِ وَالْعَمِّ) ، وَنَحْوَ الْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا أَيْضًا فِي الْكَافِي (لَا يُقْبَلُ إِقْرَارهُ فِي النَّسَبِ) ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْبَيِّنَةِ، كَمَا ذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا؛ (لِأَنَّ فِيهِ) ، أَيْ: فِي هَذَا الْإِقْرَارِ (حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ) ؛ فَإِنَّ فِي الْإِقْرَارِ بِالْأَخِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْأَبِ؛ إِذِ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْأُخُوَّةِ مَا لَمْ يَكُنِ ابْنَ أَبِي الْمُقِرِّ لَا يَكُونُ أَخًا لَهُ، وَفِي الْإِقْرَارِ بِالْعَمِّ حَمَلُ النَّسَبِ عَلَى الْجَدِّ؛ إِذِ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْعُمُومَةِ مَا لَمْ يَكُنِ ابْنَ جَدِّ الْمُقِرِّ لَا يَكُونُ عَمًّا لَهُ، وَفِي الْإِقْرَارِ بِابْنِ الِابْنِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الِابْنِ؛ إِذِ الْمُقَرُّ لَهُ لَا يَكُونُ ابْنَ ابْنِ الْمُقِرِّ مَا لَمْ يَثْبُتْ بُنُوَّتُهُ مِنِ ابْنِ الْمُقِرِّ، وَفِي الْإِقْرَارِ بِالْجَدِّ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْأَبِ؛ إِذِ الْمُقَرُّ لَهُ لَا يَكُونُ جَدَّ الْمُقِرِّ مَا لَمْ يَثْبُتْ أُبُوَّتُهُ مِنْ أَبِيهِ. (فَإِنْ كَانَ لَهُ) ، أَيْ: لِلْمُقِرِّ - بِنَحْوِ مَا ذَكَرَ - (وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ) كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ، (أَوْ بَعِيدٌ) كَذَوِي الْأَرْحَامِ، (فَهُوَ) ، أَيِ: الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ (أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ) حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ، فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ؛ (لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) ، أَيْ: نَسَبُ الْمُقَرِّ لَهُ. (مِنْهُ) ، أَيْ: مِنَ الْمُقَرِّ (لَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ) . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ بِالْفَاءِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ وَقْعَ فِي مَحَزِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَتِيجَةُ ذَلِكَ، فَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ بِابْنِ ابْنٍ لَهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ مَوْلَى مُوَالَاةٍ، فَالْمِيرَاثُ لِلْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَوِ الْمَوْلَى، وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) ، أَيْ: لِمُقِرٍّ (وَارِثٌ) مَعْرُوفٌ (اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالنَّسَبِ وَبِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ بَعْدَهُ، وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ إِذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَفَى الثَّانِي مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ؛ (لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ، أَلَا يَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ) ، أَيْ: بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَقَدْ جَعَلَ مَالَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِإِقْرَارِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بَعْدَهُ، (فَيَسْتَحِقُّ) الْمُقَرُّ لَهُ (جَمِيعَ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) مِنَ الْمُقِرِّ؛ (لِمَا فِيهِ) ، أَيْ: فِي الْإِقْرَارِ الْمَزْبُورِ (مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ) ، أَيْ: هَذِهِ الصُّورَةُ أَوِ الْقَضِيَّةُ: يَعْنِي الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ (وَصِيَّةً حَقِيقَةً) أَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلْثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ) ، يَعْنِي: الْإِقْرَارُ بِالْأَخِ (وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا) ، أَيِ: الْأَخَ وَالْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ (نِصْفَيْنِ، لَكِنَّهُ) ، اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةً حَقِيقَةً، أَيْ: لَكِنَّ الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ (بِمَنْزِلَتِهِ) ، أَيْ: بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِتَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ الْمُصَنِّفَ يُفْرِطُ فِي الْمُسَاهَلَةِ فِي أَمْرِ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ فِي كِتَابِهِ هَذَا، كَمَا تَرَى، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَشَارَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا إِلَى الْإِقْرَارِ بِلَفْظَةِ هَذِهِ، وَأَرْجَعَ هَاهُنَا إِلَى الْوَصِيَّةِ ضَمِيرَ الْمُذَكَّرِ، (حَتَّى لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ وِرَاثَتَهُ، ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ) وَمَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ. (كَانَ مَالُهُ) جَمِيعًا. (لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ) مَالُهُ. (لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ) ، أَيْ: رُجُوعَ الْمُقِرِّ الْمَزْبُورِ

صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ فَبَطَلَ إِقْرَارُهُ. قَالَ: (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا (وَيُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ) ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ: حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيَثْبُتُ كَالْمُشْتَرِي، وَإِذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (صَحِيحٌ) ، يَعْنِي: أَنَّ إِنْكَارَهُ رُجُوعٌ، وَالرُّجُوعُ عَنْ مِثْلِ هَذَا صَحِيحٌ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ عَنِ الْوَصِيَّةِ؛ (لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ فَبَطَلَ إِقْرَارُهُ) ، وَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ ثُبُوتِ النَّسَبِ، كَمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ لِكَوْنِهِ تَحْمِيلًا عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا إِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. (قَالَ) ، أَيْ: الْقُدُورِيَّ فِي مُخْتَصَرِهِ: (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، (وَيُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ) ، أَيْ: يُشَارِكُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْأُخُوَّةِ الْمُقِرَّ فِي الْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُشَارِكُهُ فِي الْإِرْثِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِ الْمُشَارَكَةِ: (لِأَنَّ إِقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ) أَحَدُهُمَا: (حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ) ، أَيْ: لِلْمُقِرِّ. (عَلَيْهِ) ، أَيْ: عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ. (وَ) الثَّانِي: (الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، (فَيَثْبُتُ) وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ، (كَالْمُشْتَرِي إِذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ) ، أَيْ: بِعِتْقِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَائِعِ (لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ) فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ (حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ) ؛ لِكَوْنِهِ إِقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، (وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ) إِقْرَارُهُ (فِي حَقِّ الْعِتْقِ) ، حَتَّى يَعْتِقَ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَاهُ؛ لِكَوْنِهِ إِقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ فِي حَقِّ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا قُبِلَ إِقْرُارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يُجْعَلُ إِقْرَارُهُ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ، فَيُعْطِي الْمُقِرُّ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَاتَ أَبُوهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ، فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ، أَعْطَى الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمَا ثُلْثُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلْثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَيَنْفُذُ إِقْرَارُهُ فِي حِصَّتِهِ، وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي حِصَّةِ أَخِيهِ، فَيَكُونُ لَهُ ثُلْثُ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ سُدْسُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالسُّدْسُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ فَبَطَلَ إِقْرَارُهُ فِيهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ بِإِنْكَارِهِ، فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ كَالْهَالِكِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلْثَ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمَا تَأْخُذُ خُمُسَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ آخَرُ مَعْرُوفٌ يُقَسَّمُ نَصِيبُ الْمُقِرِّينَ عِنْدَنَا أَخْمَاسًا، وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ صَحِيحَةٍ أَخَذَتْ سُدْسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ، كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِامْرَأَةٍ أَنَّهُمَا زَوْجَةُ أَبِيهِمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ أَخَذَتْ تُسْعَيْ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُمَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ ثُمُنَ مَا فِي يَدَيْ الِابْنَيْنِ، إِلَّا أَنَّ إِقْرَارَهُ صَحَّ فِيمَا بِيَدِ نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ، وَإِذَا صَحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يُعْطِيهَا ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ زَعْمَ الْمُقِرِّ أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلزَّوْجَةِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، فَلَمَّا أَخَذَ أَخُوهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ، فَيُقَسَّمُ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُقِرِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا

قَالَ: (وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبُوهُ قَبَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ لَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا إِقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ، فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا، وَيُجْعَلُ مَا يَحْصُلُ لِلْمُقِرِّ وَهُوَ سَبْعَةٌ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ. فَتَضْرِبُ هِيَ بِقَدْرِ حَقِّهَا وَهُوَ سَهْمَانِ، وَيَضْرِبُ الْمُقِرُّ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ وَالْإِيضَاحِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُ بِإِقْرَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مِنَ الْوَرَثَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ يَحُوزُ الْمِيرَاثَ يُثْبِتُ النَّسَبَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَتَوْضِيحُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ، بِنَحْوِ الْأُخُوَّةِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَكَانَ شَهَادَةً، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النَّسَبِ مَقْبُولَةٌ. (قَالَ) ، أَيْ: مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ، وَلَهُ) ، أَيْ: وَلِلْمَيِّتِ (عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا) ، أَيْ: أَحَدُ الِابْنَيْنِ (أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهَا) ، أَيْ: مِنَ الْمِائَةِ (خَمْسِينَ) دِرْهَمًا (لَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ) ، أَيْ: لَا شَيْءَ مِنَ الْمِائَةِ لِلِابْنِ الْمُقِرِّ. (وَلِلْآخَرِ) ، أَيْ: وَلِلِابْنِ الْآخَرِ (خَمْسُونَ) مِنْهَا، يَعْنِي: كَانَ لِلِابْنِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ مِنَ الْغَرِيمِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ الْمِائَةَ؛ (لِأَنَّ هَذَا) ، أَيْ: لِأَنَّ إِقْرَارَ أَحَدِ الِابْنَيْنِ بِمَا ذُكِرَ (إِقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ) ، أَيِ: اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ (إِنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَجِبُ لِلْمَدْيُونِ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا، وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ مِنْ حِصَّتِهِ خَاصَّةً. (فَإِذَا كَذَّبَهُ) ، أَيْ: كَذَّبَ الْمُقِرَّ. (أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ) ، أَيْ: نَصِيبَ الْمُقِرِّ، (كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا) ، احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ فَإِنَّ هَلَاكَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ يَخْتَصُّ عِنْدَنَا بِنَصِيبِ الْمُقِرِّ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَشِيعُ فِي النَّصِيبَيْنِ، وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. فَعِنْدَهُ يَشِيعُ فِي النَّصِيبَيْنِ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَبِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَأَحْمَدُ: يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدَّيْنِ وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِ مَالِكٍ،، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ بِأَنَّ صَرْفَ إِقْرَارِهِ إِلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَسْتَلْزِمُ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الدَّيْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْمُقِرُّ بِقَبْضِ خَمْسِينَ قَبْلَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَلَى زَعْمِهِ مِنَ الدَّيْنِ إِلَّا الْخَمْسُونَ فَلَمْ تَتَحَقَّقِ الْقِسْمَةُ، انْتَهَى. أَقُولُ. الْجَوَابُ الْمَزْبُورُ لَيْسَ بِشَافٍ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ عَدَمُ لُزُومِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى زَعْمِ الْمُقِرِّ، وَزَعْمُ الْمُقِرِّ إِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَيَكْفِي فِي الْمَحْذُورِ لُزُومُ ذَلِكَ عَلَى زَعْمِ الْآخَرِ؛ فَإِنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ بِالنَّظَرِ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِنَّمَا لَا تَجُوزُ فِي الْقِسْمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الْقِسْمَةِ الْحُكْمِيَّةِ، كَمَا نَحْنُ فِيهِ فَعَدَمُ جَوَازِهَا مَمْنُوعٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي فَصْلِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ إِنَّمَا لَا تَجُوزُ قَصْدًا لَا ضِمْنًا فَتَأَمَّلْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا) ، أَيْ: الِابْنَيْنِ. (تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا) ، أَيْ: عَلَى كَوْنِ

لَكِنَّ الْمُقِرَّ لَوْ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِشَيْءٍ لَرَجَعَ الْقَابِضُ عَلَى الْغَرِيمِ وَرَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ فَيُؤَدِّي إِلَى الدَّوْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَمْسِينَ الْبَاقِي عَلَى الْغَرِيمِ الَّذِي يَقْبِضُهُ الِابْنُ الْمُنْكِرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الِابْنِ الْمُقِرِّ وَالِابْنِ الْمُنْكِرِ، هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، تَقْرِيرُهُ أَنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَكَذَلِكَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَمَا هَلَكَ يَهْلَكُ مُشْتَرَكًا، وَمَا بَقِيَ يَبْقَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَالِابْنُ الْمُنْكِرُ لَمَّا جَحَدَ الْهَلَاكَ لَمْ يُنْكِرْ الِاشْتِرَاكَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَالِابْنُ الْمُقِرُّ وَإِنْ زَعْمَ أَنَّ بَعْضَ أَجْزَائِهِ هَالِكٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ الِاشْتِرَاكَ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الْهَلَاكِ، فَهُمَا مُتَصَادِقَانِ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْبَاقِي الْمَقْبُوضِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيَرْجِعُ الْمُقِرُّ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَهُ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، (لَكِنَّ الْمُقِرَّ) لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ إِذْ (لَوْ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِشَيْءٍ لَرَجَعَ الْقَابِضُ عَلَى الْغَرِيمِ) بِقَدْرِ ذَلِكَ؛ لِزَعْمِهِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنَ الْغَرِيمِ، وَلَهُ تَمَامُ الْخَمْسِينَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ، (وَرَجَعَ الْغَرِيمُ) أَيْضًا (عَلَى الْمُقِرِّ) بِقَدْرِ ذَلِكَ لِانْتِقَاضٍ الْمُقَاصَّةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَبَقَائِهِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ بِمُوجَبِ إِقْرَارِهِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ، (فَيُؤَدِّي إِلَى الدَّوْرِ) وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَقَدْ قَرَّرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ هَاهُنَا بِوَجْهٍ آخَرَ؛ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: زَعْمُ الْمُقِرِّ يُعَارِضُهُ زَعْمُ الْمُنْكِرِ، فَإِنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى التَّرِكَةِ، كَمَا فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ، وَالْمُنْكِرُ يَدَّعِي زِيَادَةً عَلَى الْمَقْبُوضِ، فَتَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَمَا الْمُرَجِّحُ لِزَعْمِ الْمُقِرِّ عَلَى زَعْمِ الْمُنْكِرِ حَتَّى انْصَرَفَ الْمُقَرُّ بِهِ إِلَى نَصِيبِ الْمُقِرِّ خَاصَّةً، وَلَمْ يَكُنِ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، لَكِنَّ الْمُقِرَّ لَوْ رَجَعَ، يَعْنِي أَنَّ الْمُرَجِّحَ هُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ زَعْمَ الْمُنْكِرِ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْفَائِدَةِ بِلُزُومِ الدَّوْرِ، انْتَهَى. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تَقْرِيرَيِ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُخْتَلٌّ، أَمَّا تَقْرِيرُ السُّؤَالِ؛ فَلِأَنَّ حَدِيثَ مُعَارِضَةِ زَعْمَ الْمُقِرِّ لِزَعْمِ الْمُنْكِرِ، وَتَرْجِيحِ زَعْمِ الْمُقِرِّ عَلَى زَعْمِ الْمُنْكِرِ مِمَّا لَا مَسَاسَ لَهُ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّصَادُقَ يُنَافِي التَّعَارُضَ وَالتَّرْجِيحَ فَكَيْفَ يَحْمِلُ كَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْعَجَبُ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ أَدْرَجَ تَصَادُقَهُمَا أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ السُّؤَالِ، وَفَرَّعَ عَلَى تَعَارُضِ زَعْمَيْهِمَا؛ حَيْثُ قَالَ: فَتَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ طَلَبَ الْمُرَجِّحَ بِقَوْلِهِ: فَمَا الْمُرَجِّحُ لِزَعْمِ الْمُقِرِّ عَلَى زَعْمِ الْمُنْكِرِ؟ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي نَفْسِ هَذَا التَّقْرِيرِ تَعَارُضًا وَتَنَاقُضًا، وَأَمَّا تَقْرِيرُ الْجَوَابِ فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُرَجِّحَ، هُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ زَعْمَ الْمُنْكِرِ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْفَائِدَةِ بِلُزُومِ الدَّوْرِ هُوَ أَنَّ

[كتاب الصلح]

(كِتَابُ الصُّلْحِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلُزُومَ الدَّوْرِ إِنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ زَعْمِ الْمُنْكِرِ دُونَ الْمُقِرِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لُزُومُ الدَّوْرِ إِنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ زَعْمِ الْمُقِرِّ دُونَ زَعْمِ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْغَرِيمِ عَلَى الْمُقِرِّ بِالْآخِرَةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ الْخَمْسِينَ، وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ الْخَمْسُونَ الْمَقْبُوضُ. وَأَمَّا عَلَى زَعْمِ الْمُنْكِرِ وَهُوَ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يَرْجِعُ الْغَرِيمَ عَلَى الْمُقِرِّ بِشَيْءٍ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُقِرَّ أَيْضًا مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ الْمُنْكِرُ، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ، وَتَدَبَّرْ تَقَفْ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِذَا كَانَ مِنْ زَعْمِ الْمُنْكِرِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا كَانَ مِنْ زَعْمِهِ أَنَّ أَخَاهُ فِي إِقْرَارِهِ ظَالِمٌ، وَهُوَ فِيمَا يَقْبِضُهُ أَخُوهُ مِنْهُ مَظْلُومٌ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَظْلُومَ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَظْلُومَ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ، وَلَكِنَّهُ فِي زَعْمِهِ لَيْسَ فِي الرُّجُوعِ بِظَالِمٍ بَلْ طَالِبٌ لِتَمَامِ حَقِّهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ الَّذِي قَبَضَهُ الْمُنْكِرُ مِنَ الْغَرِيمِ أَوَّلًا إِنْ كَانَ بِتَمَامِهِ حَقُّ الْمُنْكِرِ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِي رُجُوعِهِ عَلَى الْغَرِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ طَالِبًا لِتَمَامِ حَقِّهِ؛ إِذْ لَيْسَ حَقُّهُ فِي الْمِائَةِ بِزَائِدٍ عَلَى الْخَمْسِينَ حَتَّى يَكُونَ طَالِبًا لِتَمَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْبُوضُ أَوَّلًا بِتَمَامِهِ حَقَّهُ بَلْ كَانَ بَعْضُهُ حَقُّ أَخِيهِ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِيمَا يَقْبِضُهُ أَخُوهُ مِنْهُ مَظْلُومًا، وَسَوْقُ الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ عَلَى تَسْلِيمِ مَظْلُومِيَّتِهِ، كَمَا تَرَى. فَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَنْ زَعْمِ الْمُنْكِرِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا كَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ فِيمَا يَقْبِضُهُ أَخُوهُ مِنْهُ مَظْلُومٌ، كَيْفَ وَهُمَا مُتَصَادِقَانِ عَلَى كَوْنِ مَا قَبَضَهُ مِنَ الْغَرِيمِ أَوَّلًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، كَمَا تَقَرَّرَ. نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ زَعْمِ الْمُنْكِرِ ذَلِكَ أَنَّ أَخَاهُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ؛ حَيْثُ أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي الْمِائَةِ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهَا الْخَمْسِينَ. [كِتَابُ الصُّلْحِ] قَدْ مَرَّ مُنَاسَبَةُ الصُّلْحِ بِالْإِقْرَارِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَالصُّلْحُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِلْمُصَالَحَةِ الَّتِي هِيَ الْمُسَالَمَةُ خِلَافَ الْمُخَاصَمَةِ. وَأَصْلُهُ مِنَ الصَّلَاحِ، وَهُوَ اسْتِقَامَةُ الْحَالِ فَمَعْنَاهُ دَالٌّ عَلَى حُسْنِهِ الذَّاتِيِّ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ وُضِعَ لِرَفْعِ الْمُنَازَعَةِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَبَبُهُ: تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بِتَعَاطِيهِ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ. وَرُكْنُهُ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، كَذَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنَ النِّهَايَةِ: وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ مُطْلَقًا وَالْقَبُولُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبِ الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي: قَبِلْتُ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ، وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَنْ طَلَبَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ ذَلِكَ الْغَيْرُ: بِعْتُ، لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلِ الطَّالِبُ قَبِلْتُ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَنَّ الصُّلْحَ إِذَا وَقَعَ عَنْ إِقْرَارٍ فَإِنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ اعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ. وَإِنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ اعْتُبِرَ بِالْإِجَارَاتِ، وَإِذَا وَقَعَ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ كَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الضَّابِطَةُ، فَلَوْ وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبِ الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَكَانَ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ وَجَبَ أَنْ لَا يَتِمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي: قَبِلْتُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ إِسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ وَاسْتِيفَاءً لِبَعْضِهِ الْآخَرِ فِيمَا إِذَا وَقَعَ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي. وَأَمَّا فِي حَقّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ أَيْضًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الِافْتِدَاءُ وَتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّارِ مَثَلًا، فَصُولِحَ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا وَأُلْحِقَ بِهِ ذِكْرُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هُنَاكَ أَيْضًا بِقَوْلِ الْمُدَّعِي: قَبِلْتُ، بِدُونِ قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ إِسْقَاطًا لِدَعْوَى بَعْضِ الْحَقِّ بِمِثْلِ مَا قَالَ فِيمَا إِذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبِ الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَلَا يَتِمُّ إِطْلَاقُ قَوْلِهِ وَالْقَبُولِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. وَأَمَا ثَالِثًا: فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: " لِأَنَّهُ طَلَبُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ. . . " إِلَخْ، فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ الْأَوَّلِ قَاصِرٌ عَنْ إِفَادَةِ كُلِّيَّةِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ رُكْنِيَّةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ طَلَبَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَتَمَشَّى فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُنْدَرِجَةِ فِي الضَّابِطَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلصُّلْحِ. بَلْ إِنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَهِيَ مَا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ وَكَانَ مَالًا بِمَالٍ، فَتَأَمَّلْ. وَشَرْطُ مُطْلَقِ الصُّلْحِ: كَوْنُ الْمَصَالَحِ عَنْهُ مِمَّا يَجُوزُ عَنْهُ الِاعْتِيَاضُ. وَلِأَنْوَاعِهِ شُرُوطٌ أُخَرُ سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي الْكِتَابِ. وَحُكْمُهُ: وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي، كَذَا فِي الْكَافِي وَبَعْضِ الشُّرُوحِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنَ النِّهَايَةِ: وَحُكْمُهُ تَمَلُّكُ الْمُدَّعِي الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ مُنْكِرًا كَانَ الْخَصْمُ أَوْ مُقِرًّا، وَوُقُوعُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمُصَالِحِ عَنْهُ إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَالْبَرَاءَةَ لَهُ فِي غَيْرِهِ إِنْ كَانَ مُقِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا فَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي احْتَمَلَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ التَّمْلِيكَ أَوْ لَا، انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَدْ يَكُونُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَتَرْكِ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، فَجُعِلَ حُكْمُ الصُّلْحِ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ قِسْمَيْنِ: تَمَلُّكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِيَّاهُ، وَبَرَاءَتُهُ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَفِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ قِسْمًا وَاحِدًا هُوَ تَمَلُّكُ الْمُدَّعِي إِيَّاهُ مَعَ جَرَيَانِ احْتِمَالِ التَّمْلِيكِ وَعَدَمِ احْتِمَالِهِ فِي الْجَانِبَيْنِ مَعًا، مِمَّا لَا يَخْلُو عَنْ تَحَكُّمٍ، فَإِنْ نُوقِشَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ كَوْنَ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ تَرْكُ الدَّعْوَى فِي ذَلِكَ أَمْرٌ ظَاهِرِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَإِنَّمَا الْمَصَالَحُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فِي ذَلِكَ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحَقِّ فِيمَا بِيَدِ الْآخَرِ؛ فَإِنَّهُ يَقَعُ مُصَالَحًا عَنْهُ بِالنَّظَرِ إِلَى ذِي الْيَدِ، وَمُصَالَحًا عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْآخَرِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ قَطْعًا. قُلْنَا: فَمَاذَا يُقَالُ فِيمَا إِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ قِصَاصًا فَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى وَالْعَفْوِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى وَالْعَفْوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ، كَذَلِكَ نَفْسُ الْقِصَاصِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ تَمَلُّكُ الْمُدَّعِي الْمَصَالَحَ عَلَيْهِ، بَلْ إِنَّمَا يَتَيَسَّرُ فِيهَا بَرَاءَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى الْآخَرِ. بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَدَفَعَ الْمُدَّعِي إِلَى ذِي الْيَدِ شَيْئًا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَأَخَذَ الدَّارَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّرُوحِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ فَصُولِ الْإِسْتَرُوشَنِيِّ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ هُنَاكَ الْمُدَّعِي الْمُصَالَحَ عَنْهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ فَيَنْتَقِضُ

قَالَ: (الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: صُلْحٌ مَعَ إِقْرَارٍ، وَصُلْحٌ مَعَ سُكُوتٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ، وَصُلْحٌ مَعَ إِنْكَارٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ) ؛ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذُكِرَ مِنْ حُكْمِ الصُّلْحِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ طَرْدًا وَعَكْسًا، فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ. . .) إِلَخْ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: الْحَصْرُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ وَقْتَ الدَّعْوَى إِمَّا أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. لَا يُقَالُ: قَدْ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَتَّصِلُ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِقَوْلِنَا: مُجِيبًا، انْتَهَى. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِ جَوَابِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُفِيدُ انْحِصَارَ تَقْسِيمِهِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَلَا يُفِيدُ انْحِصَارَ تَقْسِيمِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ الْخَصْمَ وَقْتَ الدَّعْوَى إِمَّا أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا؛ إِذْ تَخْرُجُ صُورَةُ التَّكَلُّمِ بِمَا لَا يَتَّصِلُ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ عَنْ قَسَمَيْهِ مَعًا، فَيَبْقَى الِاعْتِرَاضُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَصْرُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ضَرُورِيٌّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ فِي قَوْلِهِ: إِمَّا أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا، هُوَ السُّكُوتُ عَنِ التَّكَلُّمِ مُجِيبًا لَا السُّكُوتُ مُطْلَقًا وَهُوَ عَدَمُ التَّكَلُّمِ أَصْلًا، فَتَدْخُلُ الصُّورَةُ الْمَزْبُورَةُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ تَقْسِيمِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِمَّا أَنْ يَسْكُتَ، فَيَصِحُّ قَوْلُهُ: الْحَصْرُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ضَرُورِيٌّ، وَتَفْسِيرُ السُّكُوتِ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ لَا يَخْلُو عَنْ إِيمَاءٍ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّكُوتِ هَاهُنَا هُوَ السُّكُوتُ عَنِ الْجَوَابِ دُونَ مُطْلَقِ السُّكُوتِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مُطْلَقِ السُّكُوتِ مَعَ كَوْنِهِ غَنِيًّا عَنِ التَّفْسِيرِ لَيْسَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بَلْ هُوَ أَلَّا يَتَكَلَّمَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِإِطْلَاقِ. . .) إِلَخْ تَسَامَحَ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا فِي التَّعْبِيرِ؛ حَيْثُ قَالَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِ كُلِّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُهُ: الْمُطْلَقُ، لَا إِطْلَاقَ قَوْلِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَتَسَامَحُونَ فِي الْعِبَارَةِ فِي أَمْثَالِ هَذَا بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ وَتَنْبِيهًا عَلَى فَائِدَةٍ تُفِيدُهَا تِلْكَ الْعِبَارَةُ، كَمَا فِي تَعْرِيفِهِمُ الْعِلْمَ بِحُصُولِ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الصُّورَةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْعَقْلِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْفَاضِلُ الشَّرِيفُ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَلِّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى، أَيْ: لِقَوْلِهِ الْمُطْلَقِ: فَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ إِضَافَةَ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ لَيْسَتْ بِجَائِزَةٍ كَإِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ الْمُقَرَّرُ فِي كُتُبِ النَّحْوِ، حَتَّى أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مِثْلَ: جُرْدُ قَطِيفَةٍ، وَأَخْلَاقُ ثِيَابٍ

«كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ فَمَا مَعْنَى حَمْلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ الصِّفَةَ فِي " لِقَوْلِهِ لِمُطْلَقٍ "، هُوَ الْمُطْلَقُ لَا الْإِطْلَاقُ وَالْكَلَامُ فِي تَوْجِيهِ إِطْلَاقِ قَوْلِهِ: فَلَا يُجْدِي حَدِيثُ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ شَيْئًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى الْمُسَامَحَةِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ صَاحِبٌ الْعِنَايَةِ: فَإِنَّ مَنْعَ الْإِطْلَاقِ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقٍ صَلَحَ الزَّوْجَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] ، فَكَانَ لِلْعَهْدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَبِأَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصَالِحَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ فَكَانَ عَامًّا؛ وَلِأَنَّهُ وَقَعَ قَوْله تَعَالَى أَنْ يُصَالِحَا فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَكَانَ مُسْتَقْبَلًا، وقَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] كَانَ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ إِيَّاهُ بَلْ جِنْسُهُ، انْتَهَى. أَقُولُ: إِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِتَامَّيْنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ كَوْنُ الِاعْتِبَارِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ مَنْعُ عُمُومِ اللَّفْظِ بِحَمْلِ اللَّامِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] عَلَى الْعَهْدِ. فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ خَاصًّا وَإِنَّمَا يُجْدِي نَفْعًا لَوْ سَلَّمَ عُمُومَ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ وَأُرِيدَ تَخْصِيصُهُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] كَانَ فِي الْحَالِ أَنَّ التَّكَلُّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ وَالْإِخْبَارِ بِهَذَا الْخَبَرِ كَانَ فِي الْحَالِ، أَيْ: فِي حَالِ وُرُودِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ تَحَقُّقُ مَدْلُولِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ، أَلَا يَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: الْأَمْرُ الَّذِي يَحْدُثُ غَدًا خَيْرٌ، فَلَا شَكَّ أَنَّ تَكَلُّمَكَ بِهَذَا الْكَلَامِ وَإِخْبَارُكَ بِهِ كَائِنٌ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا تَحَقُّقُ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَاتِّصَافُهُ بِالْخَيْرِيَّةِ، فَيَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُنْ إِيَّاهُ بَلْ جِنْسُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الصُّلْحَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ خَيْرٌ كَانَ فِي الْحَالِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَالصَّوَابُ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ هُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكَافِي وَفِي سَائِرِ الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنَ الْأَسْرَارِ. وَوَجْهُ كَوْنُ الصُّلْحِ عَامًّا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذِكْرٌ لِلتَّعْلِيلِ هُوَ أَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ الَّذِي عُلِّلَ فِيهِ، بَلْ أَيْنَمَا وُجِدَتِ الْعِلَّةُ يَتْبَعُهَا الْحُكْمُ، كَذَا قَالُوا، وَهُوَ التَّقْرِيرُ الْمُنَاسِبُ لِقَوَاعِدِ الْأُصُولِ. وَأَمَّا التَّقْرِيرُ الْمُطَابِقُ لِقَوَاعِدِ الْمَعْقُولِ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ خَارِجًا مَخْرَجَ الْكُبْرَى مِنَ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَإِنَّ هَذَا صُلْحٌ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، وَكُلِّيَةُ الْكُبْرَى شَرْطٌ لِإِنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْمِيزَانِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَيْضًا؛ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيلًا لَأَبْدَلَ الْفَاءَ بِالْوَاوِ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ الْإِبْدَالَ إِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ تَعْلِيلًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ لِمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ كَأَنَّهُ قَالَ: صَالِحُوا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ. وَفَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ، كَمَا يُقَالُ: صَلِّ وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] بِمَنْزِلَةِ الْكُبْرَى مِنَ الدَّلِيلِ وَالصُّغْرَى مَطْوِيَّةٌ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِيمَا مَرَّ، وَأَدَاةُ التَّعْلِيلِ كَاللَّامِ وَالْفَاءِ إِذَا ذُكِرَتْ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى أَوَّلِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى، فَلَا يَلْزَمُ الْإِبْدَالُ هَاهُنَا أَصْلًا، تَدَبَّرْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَاهُ، يَعْنِي الْإِطْلَاقَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] ، وَلَكِنْ صَرْفُهُ إِلَى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَصُلْحُ الْمُودِعِ وَصُلْحُ مَنِ ادَّعَى قَذْفًا عَلَى آخَرَ وَصُلْحُ مَنِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَتْ لَا يَجُوزُ، فَيُصْرَفُ إِلَى الْأَدْنَى وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِمَانِعٍ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ: وَصُلْحُ مَنِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَتْ لَا يَجُوزُ أَنَّهُ خَبْطٌ؛ إِذْ هُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ حَتَّى الْهِدَايَةِ وَالْبِدَايَةِ، فِيمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ، فَكَأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ. ثُمَّ أَقُولُ: تَوْجِيهُهُ: إِنَّ لِعَدَمِ الْجَوَازِ رِوَايَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِهَا، وَالسُّؤَالُ الْمَزْبُورُ مِمَّا أَوْرَدَتْهُ الشَّافِعِيَّةُ فَهُمْ أَخَذُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَخَوَاتِهَا بِمَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِغَرَضِهِمْ. وَالْحَنَفِيَّةُ أَجَابُوا عَنْهُ تَارَةً بِمَنْعِ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ، وَأُخْرَى بِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِمَانِعٍ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ: اكْتَفَى بِالثَّانِي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَنْعِ، وَأَمَّا صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فَتَعْرَّضَ لَهُمَا مَعًا حَتَّى قَالَ فِي الْجَوَابِ هَاهُنَا: عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ عَدَمَ جَوَازِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ مَعَ إِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِمَا رَوَيْنَا، وَهَذَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ كَانَ حَلَالًا عَلَى الدَّافِعِ حَرَامًا عَلَى الْآخِذِ، فَيَنْقَلِبُ الْأَمْرُ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُ الْمَالَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَهَذَا رِشْوَةٌ. وَلَنَا مَا تَلَوْنَا، وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا وَتَأْوِيلُ آخِرِهِ أَحَلَّ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَالْخَمْرِ، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا لِعَيْنِهِ كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الضَّرَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّلْحِ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ عَلَيْهَا إِذَا أَنْكَرَتْهُ فَصَالَحَتْ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ. وَبِهِ صَرَّحَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ عُقَيْبِ هَذَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَشَرْحِهِ كَذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا لَا يَرُدُّ عَلَيْنَا سُؤَالُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِقَوْلِهِمْ: إِذَا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَتْ فَصَالَحَتْ عَلَى مَالٍ لَا يَجُوزُ، وَلَئِنْ صَحَّتْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ، كَمَا أَوْرَدُوهَا فِي نَسْخِ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا مَرَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ مَعَ إِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِمَا رَوَيْنَا. . .) إِلَخْ. قُلْتُ: كَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لِآخِرِ مَا رَوَيْنَا لَا أَنَّ أَوَّلَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا. . .) إِلَخْ، كَرَّرَ ذِكْرَهُمَا تَأْكِيدًا وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: وَتَأْوِيلُ آخِرِهِ. . . إِلَخْ. وَإِلَّا لَكَفَى هَاهُنَا بَيَانُ هَذَا التَّأْوِيلِ مَعَ بَيَانِ أَنَّ دَفْعَ الرِّشْوَةِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ جَائِزٌ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يَتِمُّ بِبَيَانِهِمَا. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا إِشْكَالٌ فِي قَوْلِهِ: وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا: وَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ دَلِيلًا لَنَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ آخِرِهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ مُسْتَثْنًى مِنْ أَوَّلِهِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَتَأَخَّرَ حُكْمُ صَدْرِ الْكَلَامِ عَنْ إِخْرَاجِ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ بِدُونِ آخِرِهِ، بَلْ لَا يَتِمُّ الْمَعْنَى إِلَّا بِمَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَتَأْوِيلُ آخِرِهِ أَحَلَّ حَرَامًا لِعَيْنِهِ. . . " إِلَخْ، مُتَّصِلٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا. فَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ لَنَا أَوَّلَ مَا رَوَيْنَاهُ مَعَ تَأْوِيلِ آخِرِهِ، فَالدَّلِيلُ مَجْمُوعُ الْحَدِيثِ بِمُلَاحَظَةِ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَلَكِنَّ الْإِنْصَافَ أَنَّ لَفْظَةَ أَوَّلَ هَاهُنَا مَعَ كَوْنِهَا زَائِدَةً لَا فَائِدَةَ لَهَا مُوهِمَةٌ لِمَا يُخِلُّ بِالْكَلَامِ وَيَضُرُّ بِالْمَقَامِ، كَمَا نَبَّهَنَا عَلَيْهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ تُطْرَحَ مِنَ الْبَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُ آخِرهِ أَحَلَّ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَالْخَمْرِ أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا لِعَيْنِهِ كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأُ الضَّرَّةَ) وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ الْمُطْلَقَ مَا هُوَ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، وَالْحَلَالُ

وَلِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَيُقْضَى بِجَوَازِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ أَيْضًا؛ إِذِ الْمَالُ وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ وَدَفْعُ الرِّشْوَةِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ أَمْرٌ جَائِزٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُطْلَقُ مَا هُوَ حَلَالٌ لِعَيْنِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ؛ إِذِ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الصُّلْحَ يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ فِي الْعَادَةِ، فَمَا زَادَ عَلَى الْمَأْخُوذِ إِلَى تَمَامِ الْحَقِّ كَانَ حَلَالًا لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَرُمَ بِالصُّلْحِ، وَكَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْعُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَقَدْ حَلَّ بِالصُّلْحِ. كَذَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَالْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِئَلَّا يَبْطُلَ الْعَمَلُ بِهِ أَصْلًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ حَمَلَ عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ خَاصَّةً لَكَانَ كَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لَأَنَّ الصُّلْحَ فِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ، فَمَا زَادَ عَلَى الْمَأْخُوذِ إِلَى تَمَامِ الْحَقِّ كَانَ حَلَالًا لِلْمُدَّعِي أَخْذَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ، وَحَرُمَ بِالصُّلْحِ، وَكَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنَعُهُ قَبْلَهُ، وَحَلَّ بَعْدَهُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا لِعَيْنِهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ خَلَلٌ؛ إِذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْإِقْرَارِ خَاصَّةً لَكَانَ كَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لَأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَمْلِ آخِرِ الْحَدِيثِ عَلَى الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَالْحَلَالِ لِعَيْنِهِ خَاصَّةً، لَا فِي حَمْلِهِ عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ خَاصَّةً؛ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الصِّحَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ آخِرُ الْحَدِيثِ عَلَى الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَالْحَلَالِ لِعَيْنِهِ خَاصَّةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَحْمِلَ آخِرَهُ عَلَى مَا يَعُمُّ الْحَرَامَ لِغَيْرِ عَيْنِهِ وَالْحَلَالَ لِغَيْرِ عَيْنِهِ أَيْضًا. فَمَدَارُ التَّأْوِيلِ وَالْحَمْلِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لَفْظُ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ وَإِطْلَاقُهُ دُونَ لَفْظِ الصُّلْحِ. فَالْحَقُّ فِي التَّقْرِيرِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا يَعُمُّ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ لِعَيْنِهِمَا وَلِغَيْرِ عَيْنِهِمَا لَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الِاشْتِمَالِ عَلَى إِحْلَالِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الصُّلْحَ فِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ بِأَنْ قَالَ: هَذَا يَخْتَصُّ بِالدَّيْنِ لِظُهُورِ عَدَمِ جَرَيَانِهِ فِي الْعَيْنِ، فَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْعَمَلِ بِهِ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ إِلَّا بِالْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي، كَمَا سَيَجِيءُ، انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنِ التَّحْصِيلِ؛ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ إِلَّا بِالْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي عَدَمُ جَوَازِهِ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ أَصْلًا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ الصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ مَشْرُوطًا بِالْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا؛ إِذْ لِجَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ، وَسَيَأْتِي كِلَا الطَّرِيقَيْنِ فِي الْكِتَابِ، وَعَلَى كِلَيْهِمَا يَجْرِي قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصُّلْحَ فِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ أَيْضًا) . (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، فَيُقْضَى بِجَوَازِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَدَفْعُ الرَّشْوَةِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ أَمْرٌ جَائِزٌ) هَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَئِمَّتُنَا مِنْ جَوَازٍ الصُّلْحُ مَعَ إِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَيْضًا مُتَضَمِّنٌ لِلْجَوَابِ عَنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ لِلشَّافِعِيِّ مَذْكُورٌ فِيمَا قَبْلُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُ

قَالَ: (فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ اعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ إِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فِي حَقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِتَرَاضِيهِمَا (فَنُجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةُ إِذَا كَانَ عَقَارًا، وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ، وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ) لِأَنَّهَا هِيَ الْمُفْضِيَةُ إِلَى الْمُنَازَعَةِ دُونَ جَهَالَةِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ وَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ (وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ يُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَاتِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِمَالٍ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعُقُودِ لِمَعَانِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا رَشْوَةٌ. قَالَ الشُّرَّاحُ: لَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ دَفْعِ الرَّشْوَةِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» عَامٌّ. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، كَمَا إِذَا دَفَعَ الرَّشْوَةَ حَتَّى أَخْرَجَ الْوَالِي أَحَدَ الْوَرَثَةِ عَنِ الْإِرْثِ، وَأَمَّا إِذَا دَفَعَ الرَّشْوَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَجَائِزٌ لِلدَّافِعِ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ؛ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إِنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ عُمُومُ اللَّفْظِ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذُكِرَ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ مِنَ النُّصُوصِ فِي أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ دَفْعَ الْحَرَجِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ اعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ إِنْ وَقْعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ. . .) إِلَخْ، هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إِلَيْهِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ ضَابِطَهُ يَعْرِفُ بِهَا أَنَّهُ عَلَى أَيِّ عَقْدٍ يَحْمِلُ. أَقُولُ: لَيْسَتْ هَذِهِ الضَّابِطَةُ بِتَامَّةٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ إِقْرَارٍ قَدْ يَقَعُ عَنْ مَنَافِعَ بِمَالٍ أَوْ بِمَنْفَعَةٍ، كَمَا إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً، فَمَاتَ وَادَّعَى الْمُوصَى لَهُ السُّكْنَى فَصَالَحَهُ الْوَرَثَةُ عَنْ ذَلِكَ عَلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْرًا أَوْ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ شَهْرًا، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الضَّابِطَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا يَقَعُ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مَنْفَعَةٍَ كَالصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ، حَتَّى أَنَّ مَا صَلَحَ مُسَمَّى فِيهِ صُلْحٌ هَاهُنَا أَيْضًا، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ أَيْضًا فِي هَاتِيكَ الضَّابِطَةِ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَى عَقْدِ الْبَيْعِ وَلَا فِي مَعْنَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ، بَلْ هُوَ

فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِيهَا، وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ إِجَارَةٌ (وَالصُّلْحُ عَنِ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمَا كَمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْإِقَالَةِ فِي حَقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا) وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي السُّكُوتِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْجُحُودَ، فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ عِوَضًا فِي حَقِّهِ بِالشَّكِّ. قَالَ: (وَإِذَا صَالَحَ عَنْ دَارٍ لَمْ يَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ) مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ عَنْ إِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِ وَيَدْفَعُ الْمَالَ دَفْعًا لِخُصُومَةِ الْمُدَّعِي، وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا صَالَحَ عَلَى دَارٍ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَنِ الْمَالِ فَكَانَ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّهِ، فَتَلْزَمُهُ الشُّفْعَةُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُكَذِّبُهُ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ وَاسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحِصَّةٍ ذَلِكَ مِنَ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مُطْلَقَةٌ كَالْبَيْعِ وَحُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيْعِ هَذَا (وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إِنْكَارٍ فَاسْتَحَقَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ وَرَدَّ الْعِوَضَ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا بَذَلَ الْعِوَضَ إِلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَيَبْقَى الْعِوَضُ فِي يَدِهِ غَيْرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى غَرَضِهِ فَيَسْتَرِدُّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَعْنَى عَقْدِ النِّكَاحِ، فَلَمْ يُفْهَمْ مِنَ الضَّابِطَةِ الْمَذْكُورَةِ قَطُّ، وَكَذَا يَقَعُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الرِّقِّ بِمَالٍ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَعَنْ دَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحِ بِمَالٍ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَلْعِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِدَاخِلٍ أَيْضًا فِي الضَّابِطَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا مَفْهُومٌ مِنْهَا أَصْلًا، فَكَانَتْ قَاصِرَةً عَنْ إِفَادَةِ تَمَّامِ الْمُرَادِ. لَا يُقَالُ: يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ تِلْكَ الصُّوَرِ هَاهُنَا بِمَا ذُكِرَ فِي الْفَصْلِ الْآتِي عَنْ قَرِيبٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا أَيْضًا بِأَنْ قَالَ: وَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ فَلَا يَتِمُّ الْعُذْرُ. ثُمَّ إِنَّ كَوْنَ الصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ إِذَا وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعَى، وَأَمَّا فِيمَا إِذَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنَ الْمُدَّعَى فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فَضْلٌ وَرِبًا، صَرَّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ عَنِ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا بَيَّنَّا. . .) إِلَخْ، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ. أَقُولُ: هَاهُنَا كَلَامٌ.

وَإِنِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ ذَلِكَ رَدَّ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَا الْعِوَضُ فِي هَذَا الْقَدْرِ عَنِ الْغَرَضِ. وَلَوِ اسْتَحَقَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ عَنْ إِقْرَارٍ رَجَعَ بِكُلِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ، وَإِنِ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ. وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ رَجَعَ إِلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بِقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ إِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ فِيهِ هُوَ الدَّعْوَى، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا بَاعَ مِنْهُ عَلَى الْإِنْكَارِ شَيْئًا حَيْثُ يَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْبَيْعِ إِقْرَارٌ مِنْهُ بِالْحَقِّ لَهُ، وَلَا كَذَلِكَ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ، وَلَوْ هَلَكَ بَدَلُ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْفَصْلَيْنِ. قَالَ: (وَإِنِ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَصُولِحَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الدَّارِ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَقِيَ) بِخِلَافِ مَا إِذَا اسْتَحَقَّ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْرَى الْعِوَضُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ يُقَابِلُهُ فَيَرْجِعُ بِكُلِّهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ. وَلَوِ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الصُّلْحِ عَنِ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّهُ إِذَا ادَّعَى عَيْنًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ سَكَتَ وَدَفَعَ الْمُدَّعِي إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَأَخَذَ الْعَيْنَ كَانَ ذَلِكَ الصُّلْحُ جَائِزًا عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، مَعَ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي لَيْسَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي ادَّعَاهُ حَقُّهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُعَاوِضَ إِنْسَانٌ مِلْكَ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ

قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي. وَالْوَجْهُ فِيهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ فَيَصِيرَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِيمَا بَقِيَ، أَوْ يَلْحَقَ بِهِ ذِكْرُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ الْمُدَّعِي فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَوْ يَلْحَقَ بِهِ ذِكْرُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ صُورَةُ الْبَرَاءَةِ؟ قُلْتُ: هِيَ أَنْ يَقُولَ: قَدْ بَرِئْتَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ يَقُولَ: قَدْ بَرِئْتَ مِنْ دَعْوَايَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَهَذَا جَائِزٌ، حَتَّى لَوِ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ لَا تُقْبَلُ. أَمَّا لَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ قَالَ: قَدْ أَبْرَأْتُكَ عَنْ خُصُومَتِي فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: بَرِئْتَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَبْرَأْتُكَ؛ فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: أَبْرَأْتُكَ إِنَّمَا أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِهِ لَا مِنَ الدَّعْوَى، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إِنَّ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: بَرِئْتَ مِنْهُ، كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: " أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ "، كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ، وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، إِلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ: أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ بَيَانَ صُورَةِ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ: بَرِئْتَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ يَلْحَقَ بِهِ ذِكْرُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَدَارَ عَدَمِ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْ بَعْضِ الْمُدَّعَى فِي الْعَيْنِ بِدُونِ الْحِيلَةِ فِي تَصْحِيحِهِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِنَّمَا هُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْنِ، وَإِلَّا لَصَحَّ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ الْحَقِّ وَإِسْقَاطًا لِبَعْضِهِ الْبَاقِي، كَمَا فِي الصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى فِي الدَّيْنِ، فَالصُّورَةُ الصَّحِيحَةُ الْمُطَابِقَةُ لِلْمَشْرُوحِ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ: بَرِئْتَ مِنْ دَعْوَايَ فِي هَذِهِ الدَّارِ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: " أَبْرَأْتُكَ "، إِنَّمَا أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِهِ، لَا مِنَ الدَّعْوَى، إِنَّمَا يَتَمَشَّى فِي قَوْلِهِ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ، لَا فِي قَوْلِهِ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ خُصُومَتِي؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنَ الْخُصُومَةِ هُوَ الْإِبْرَاءُ مِنَ الدَّعْوَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَبْرَأَتُكَ عَنْ خُصُومَتِي فِي هَذِهِ الدَّارِ بَاطِلٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا قَالُوا فِي عَبْدٍ فِي يَدِ رَجُلٍ؛ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ فِي جَانِبِ الْإِبْرَاءِ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْآخَرِ: أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ، لَا غَيْرَ، تَبَصَّرْ.

[فصل: والصلح جائز عن دعوى الأموال]

(فَصْلٌ) (وَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْأَمْوَالِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ: (وَالْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالصُّلْحِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ: وَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْأَمْوَالِ] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الصُّلْحِ، وَشَرَائِطِهِ وَأَنْوَاعِهِ شَرَعَ فِي بَيَانٍ مَا يَجُوزُ عَنْهُ الصُّلْحُ وَمَا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْأَمْوَالِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ، أَقُولُ: هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ: وَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْأَمْوَالِ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ الصُّلْحَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ وَالصُّلْحَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ، فَإِنْ أُجْرِيَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَمْ يَتِمَّ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ؛ لِظُهُورِ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ، وَإِنْ قَيَّدَ بِمَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ، كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَزِمَ أَنْ لَا يَنْدَرِجَ مَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَعَ أَنَّهُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَجُوزُ عَنْهُ الصُّلْحُ وَمَا لَا يَجُوزُ، فَكَانَ تَقْصِيرًا مِنَ الْمُقَيِّدِ بِلَا ضَرُورَةٍ، لَا يُقَالُ: إِنَّمَا تَرَكَ ذَلِكَ النَّوْعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا فِيمَا مَرَّ. لِأَنَّا نَقُولُ: يَنْتَقِضُ ذَلِكَ بِمَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَيْضًا كَانَ مَعْلُومًا فِيمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنَافِعِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْأَمْوَالِ وَعَنْ دَعْوَى الْمَنَافِعِ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ لَفْظِ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِهِ: (لِأَنَّهَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، فَكَذَا بِالصُّلْحِ) . أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ هَذَا التَّعْلِيلُ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الإِسْبِيجَابِيُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْوَصَايَا؛ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلْثِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ مِنْ خِدْمَتِهِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ، أَوْ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ، أَوْ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ، أَوْ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ أَحَدٍ بِبَدَلٍ، وَلِهَذَا لَوْ آجَرَ مِنْهُمْ لَا يَصِحُّ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَمْلِيكِ إِيَّاهُمْ بِبَدَلٍ، بَلْ هُوَ إِسْقَاطُ حَقِّهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ بِبَدَلٍ، وَلَفْظَةُ الصُّلْحِ لِفَظَّةٌ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَتَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إِسْقَاطًا فَصَحَّحْنَاهُ إِسْقَاطًا، وَهُوَ حَقٌّ مُعْتَبَرٌ يُوَازِي الْمِلْكَ فَاحْتَمَلَ التَّقْوِيمَ بِالشَّرْطِ، إِلَى هُنَا كَلَامُهُ. فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ الْمُوصَى بِهَا مِنْ أَحَدٍ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيلُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالصُّلْحِ، ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْلِيكِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمُوصَى بِهَا حَقِيقَةً إِلَّا أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِهَا حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِسْقَاطِهَا بِبَدَلٍ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ حَقٌّ مُعْتَبَرٌ يُوَازِي الْمِلْكَ فَاحْتَمَلَ التَّقْوِيمَ، فَمَعْنَى تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جِنْسَ الْمَنَافِعِ يُمْلَكُ حَقِيقَةً بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، كَمَا إِذَا آجَرَ مِلْكَهُ، فَكَذَا يُمْلَكُ حُكْمًا بِالصُّلْحِ، كَمَا إِذَا صَالَحَ عَنِ الْمَنْفَعَةِ الْمُوصَى بِهَا، فَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي: الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَنَافِعِ بِأَنِ ادَّعَى فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةً وَصِيَّةً مِنْ رَبِّ الدَّارِ، فَجَحَدَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ عَلَى شَيْءٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالصُّلْحِ، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا: وَنَقَلَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِىُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِمَا بَيْنَ مَا نَقَلَ مِنَ الإسبيجابي وَالْكَافِي مِنَ الْمُخَالَفَةِ، وَلَعَلَّ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ رِوَايَتَيْنِ، فَلْيَتَأَمَّلْ، انْتَهَى. أَقُولُ: الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْفَهْمِ لَا فِي الْمُفْهِمِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي هُوَ أَنَّهُ جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ جِنْسِ الْمَنَافِعِ بِالْإِجَارَةِ، كَمَا إِذَا آجَرَ مِلْكَهُ، فَكَذَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ بِالصُّلْحِ، كَمَا إِذَا صَالَحَ عَنِ الْمَنْفَعَةِ الْمُوصَى بِهَا كَسُكْنَى دَارٍ سَنَةً مَثَلًا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ كَمَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ مَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، هِيَ سُكْنَى دَارٍ مَثَلًا وَصِيَّةً مِنْ رَبِّ الدَّارِ بِالْإِجَارَةِ، كَذَلِكَ جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِالصُّلْحِ عَنْهَا حَتَّى تَلْزَمَ الْمُخَالَفَةُ، ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلْثِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ مِنْ خَدَمْتِهِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ أَوْ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ أَوْ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ أَوْ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنِ الْمُغْنِي مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إِلَيْهِ وَأَشْبَهِهَا بِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِدِ مَا أَمْكَنَ قَالَ: (وَيَصِحُّ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ} [البقرة: 178] ، الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ، حَتَّى أَنَّ مَا صَلَحَ مُسَمًّى فِيهِ صَلَحَ هَاهُنَا إِذْ كُلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ إِلَّا أَنَّ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ هُنَا يُصَارُ إِلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا مُوجَبُ الدَّمِ. وَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ الْعَفْوِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلْثِ مَالِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ مِنِ الْخِدْمَةِ عَلَى دَرَاهِمَ جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ يَجُوزُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ شَهْرًا، وَلُبْسِ ثَوْبٍ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ، انْتَهَى مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ؛ فَإِنَّ مَدْلُولَهُمَا جَوَازُ الصُّلْحِ عَنِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنِ اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَنْفَعَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ جُوِّزَ فِيهِمَا مُصَالَحَةُ الْوَارِثِ عَنْ خِدْمَةِ عَبْدٍ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَبَرَاتِ عَدَمُ جَوَازِ الصُّلْحِ عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ كَانَ الْمَنْفَعَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا إِذَا صَالَحَ مِنْ سُكْنَى دَارٍ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَمَوْضِعُ الْمَسْأَلَةِ كِتَابُ الْإِجَارَاتِ، وَإِذَا اعْتُبِرَ الصُّلْحُ عَلَى الْمَنَافِعِ إِجَارَةً يَصِحُّ بِمَا يَصِحُّ بِهِ الْإِجَارَاتُ، وَيَفْسُدُ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ: إِنَّمَا يَجُوزُ عَنِ الْمَنَافِعِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إِذَا كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيِ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ بِأَنْ يُصَالِحَ عَنِ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى، أَوْ عَنِ الزِّرَاعَةِ عَلَى الزِّرَاعَةِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا فَكَذَا الصُّلْحُ. وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا بِالْمَنْفَعَةِ فَكَذَا الصُّلْحُ، انْتَهَى إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْتَبَرَاتِ، فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إِلَيْهِ وَأَشْبَهَهَا بِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ) . أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ يَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى مُجَرَّدِ تَرْكِ الدَّعْوَى مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَيَجُوزُ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَإِمْكَانُ حَمْلِ مِثْلِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعُقُودِ غَيْرُ ظَاهِرٍ سِيَّمَا إِذَا وَقَعَ عَلَى تَرْكِ دَعْوَى جِنَايَةِ الْعُمَدِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ حَتَّى أَنَّ مَا صَلَحَ مُسَمَّى فِيهِ صُلْحٌ هَاهُنَا؛ إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ)

وَفِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ، وَيَجِبُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ حُكْمًا، وَيَدْخُلُ فِي إِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَلَا حَقَّ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّمَلُّكِ. وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمِلْكُ الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْفِعْلِ فَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالسُّكُوتِ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ حَقِ الشُّفْعَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الشُّرَّاحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: إِنَّ مَا صَالَحَ مُسَمَّى فِيهِ صُلْحٌ هَاهُنَا، وَلَا يَنْعَكِسُ هَذَا، أَيْ: لَا يُقَالُ: كُلُّ مَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الصُّلْحِ يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْعَكْسَ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا مُلْتَزَمٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى أَقَلِّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ مَا دُونُ الْعَشْرَةِ صَدَاقًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَصَاصَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَصَاصٍ لَهُ عَلَى آخَرَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحِ الْعَفْوُ عَنِ الْقَصَاصِ صَدَاقًا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الصَّدَاقِ مَالًا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ فِي الْقَصَاصِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَيُكْتَفَى بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِيهِ مُتَقَوَّمًا، وَالْقَصَاصُ مُتَقَوَّمٌ حَتَّى صَلَحَ الْمَالُ عِوَضًا عَنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عِوَضًا عَنْ قَصَاصٍ آخَرَ، انْتَهَى كَلَامُهُمْ. أَقُولُ: هُنَا إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ بَدَلُ الصُّلْحِ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْعَفْوِ عَنِ الْقَصَاصِ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ فِي صُورَةِ أَنْ صَالَحَ مَنْ صَالَحَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَصَاصُ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ قَصَاصٍ لَهُ عَلَى آخَرَ لَيْسَ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ بَلْ هُوَ هُنَاكَ مُبَادَلَةُ غَيْرِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ، كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ الشُّرَّاحُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: حَتَّى أَنَّ مَا صَلَحَ مُسَمَّى فِيهِ صُلْحٌ هَاهُنَا، فَلَوْ صَالَحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْلُومَةَ صَلَحَتْ صَدَاقًا فَكَذَا بَدَلًا فِي الصُّلْحِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ جِنَايَةُ الْخَطَأِ فَلِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ فَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا إِذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ، أَمَّا إِذَا صَالَحَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ بِهَا، إِلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِهَا فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْحَقُّ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ مُبَادَلَةً، بِخِلَافِ الصُّلْحِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ التَّعْيِينِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا تَعَيَّنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ أَوْ عَلَى غَلَّةِ نَخْلِهِ سِنِينَ مَعْلُومَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْلُحْ صَدَاقًا، فَكَذَا بَدَلًا فِي الصُّلْحِ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمْ عَدَمَ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِمْ: لِأَنَّهُ لَمْ يَصْلُحْ صَدَاقًا، فَكَذَا بَدَلًا فِي الصُّلْحِ، يُنَافِي قَوْلَهُمْ بِأَنَّ الْعَكْسَ هَاهُنَا غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا مُلْتَزَمٍ؛ فَإِنَّ صِحَّةَ التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرُوا يُبْتَنَى عَلَى لُزُومِ الْعَكْسِ وَالْتِزَامِهِ. فَالصَّوَابُ تَعْلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ الصُّلْحِ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ بِجَهَالَةِ الْمَصَالَحِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ؛ لِئَلَّا يَصْلُحَ صَدَاقًا فَإِنَّ جَهَالَتَهُ تُفْسِدُ الصُّلْحَ فِيمَا احْتِيجَ فِيهِ إِلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: وَلَا يُتَوَهَّمُ لُزُومُ الْعَكْسِ؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا مُلْتَزَمٍ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: إِذَا صَالَحَهُ عَلَى وَصَيْفٍ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ شَرْعِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا صَلَحَ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ صَلَحَ بَدَلًا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَمَا لَا فَلَا، وَالْوَصِيفُ يَصْلُحُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ وَيَصْرِفُ مُطْلَقَهُ إِلَى الْوَسَطِ فَكَذَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَمُطَلَقُهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْوَسَطِ، انْتَهَى. وَالْمَقْصُودُ قَوْلُهُ: وَمَا لَا فَلَا، فَلْيَتَأَمَّلْ، فَإِنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً أُخْرَى لِقَوْلِهِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ: يُصَارُ إِلَى الدِّيَةِ، إِلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الْبَعْضِ. أَقُولُ: لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِقَوْلِهِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ: يُصَارُ إِلَى الدِّيَةِ؛ إِذْ لَا فَسَادَ فِي التَّسْمِيَةِ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ بِجَهَالَةٍ فَاحِشَةٍ وَلَيْسَ فِي الْوَصِيفِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ سِيَّمَا إِذَا انْصَرَفَ مُطَلَقُهُ إِلَى الْوَسَطِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ، وَلِهَذَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا سُتْرَةَ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ جِنَايَةُ الْخَطَأِ فَلِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ) . أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الصُّلْحَ إِذَا كَانَ عَلَى جِنْسِ مَا اسْتَحَقَّهُ

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ عَنْ دَعْوَى حَدِّ) لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقُّهُ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ نَسَبَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ لَا حَقُّهَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَمَّا أَشْرَعَهُ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحَ وَاحِدٌ عَلَى الِانْفِرَادِ عَنْهُ؛ وَيَدْخُلُ فِي إِطْلَاقِ الْجَوَابِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ. قَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ، وَكَانَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ خُلْعًا فِي جَانِبِهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ، وَفِي جَانِبِهَا بَدَلًا لِلْمَالِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ. قَالُوا: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَ مُبْطِلًا فِي دَعْوَاهُ. قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتِ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا جَازَ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ، وَفِي بَعْضِهَا قَالَ: لَمْ يَجُزْ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا. وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ بَذَلَ لَهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيَهُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ إِذَا كَانَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرُ الدِّيَةَ مُطْلَقًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِأَحَدٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ أَوْ كَانَ عَلَى جِنْسِ مَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ بَعْدَ أَنْ قَضَى بِأَحَدِ مَقَادِيرِهَا بِعَيْنِهِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَلَمْ يَتِمَّ إِطْلَاقُ قَوْلِهِ: فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا) ، أَيْ: أَنْ يَجْعَلَ كَأَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا، ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ دُونَ الزِّيَادَةِ، فَسَقَطَ الْأَصْلُ دُونَ الزِّيَادَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَفِيهِ نَظَرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي دَعْوَاهَا النِّكَاحُ وَصُلْحُ الرَّجُلِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ، وَالصُّلْحُ عَنْ نِكَاحٍ عَلَى مَالٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ النِّكَاحِ بِمَالٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، اهـ. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنِ التَّحْصِيلِ، فَإِنَّ كَوْنَ الصُّلْحِ عَنِ النِّكَاحِ عَلَى مَالٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ النِّكَاحِ بِمَالٍ لَا يُنَافِي كَوْنَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، بَلْ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ النِّكَاحِ بِلَا فُرْقَةٍ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ تَرْكَ النِّكَاحِ بِمَالٍ فُرْقَةً بِبَدَلٍ وَهِيَ الْخُلْعُ، وَلَمَّا جُعِلَ خُلْعًا سَقَطَ أَصْلُ الْمَهْرِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ مَا بَذَلَهُ لَهَا زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، وَهَذَا وَجْهٌ

فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً فَالزَّوْجُ لَا يُعْطِي الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى، فَلَا شَيْءَ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ، فَلَمْ يَصِحَّ. قَالَ: (وَإِنِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ، فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَعْطَاهُ جَازَ، وَكَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي حَقِّهِ لِزَعْمِهِ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَجَلٍ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكُونُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرًّا فَجَازَ إِلَّا أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ لِإِنْكَارِ الْعَبْدِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَتُقْبَلَ وَيَثْبُتَ الْوَلَاءُ. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَهُ جَازَ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَتِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَيْعًا فَكَذَا اسْتِخْلَاصًا بِمَالِ الْمَوْلَى وَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا غُبَارَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَعَلَ تَرْكَ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً، فَالزَّوْجُ لَا يُعْطَى الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ) ؛ إِذْ لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي تُسَلَّمُ لَهَا نَفْسُهَا، وَتَتَخَلَّصُ عَنِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ قَوْلَهُمْ؛ إِذْ لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْفُرْقَةِ؛ فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ لَهُ مِنْهَا أَصْلُ الْمَهْرِ؛ إِذْ لَوْلَا هَذِهِ الْفُرْقَةُ لَلَزِمَهُ مَهْرُهَا عِنْدَ إِثْبَاتِهَا النِّكَاحَ، فَجَازَ أَنْ يُعْطَى الزَّوْجُ الْعِوَضَ لِيُسَلَّمَ لَهُ الْمَهْرُ فِي ضِمْنِ هَاتِيكَ الْفُرْقَةِ الَّتِي هِيَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ. فَإِنْ قُلْتَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ فَالزَّوْجُ لَا يُعْطَى الْعِوَضَ بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ هَذِهِ الْفُرْقَةِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَقْرِيرُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ؛ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ إِنْ جَعَلَ فُرْقَةً فَلَا عِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ مِنْ جَانِبِهَا عَلَى الزَّوْجِ، كَالْمَرْأَةِ إِذَا مَكَّنَتِ ابْنَ زَوْجِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً فَلَا عِوَضَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْفُرْقَةِ، كَمَا إِذَا مَكَّنَتِ

أَمَّا عَبْدُهُ فَمِنْ تِجَارَتِهِ، وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ نَافِذٌ بَيْعًا فَكَذَا اسْتِخْلَاصًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ وَهَذَا شِرَاؤُهُ فَيَمْلِكُهُ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا يَهُودِيًّا قِيمَتُهُ دُونَ الْمِائَةِ فَاسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَبْطُلُ الْفَضْلُ عَلَى قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ هِيَ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا تَكُونُ رِبًا، بِخِلَافِ مَا إِذَا صَالَحَ عَلَى عَرَضٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَبِخِلَافِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا تَظْهَرُ الزِّيَادَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَالِكِ بَاقٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا وَتَرَكَ أَخْذَ الْقِيمَةِ يَكُونُ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، أَوْ حَقَّهُ فِي مِثْلِهِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ بِالْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، فَقَبِلَهُ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْأَكْثَرِ كَانَ اعْتِيَاضًا فَلَا يَكُونُ رِبًا، بِخِلَافِ الصُّلْحِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ إِلَى الْقِيمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنَ زَوْجِهَا، انْتَهَى. فَمَاذَا حَالُ هَذَا الْمَعْنَى؟ قُلْتُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: وُقُوعُ الْفُرْقَةِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا يَمْنَعُ إِعْطَاءَ الزَّوْجِ الْعِوَضُ لَوْ كَانَتْ هِيَ مُسْتَقِلَّةٌ فِي مُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ، كَمَا إِذَا مَكَّنَتِ ابْنَ زَوْجِهَا، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مُبَاشَرَتُهَا بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ بِرَأْيِ الزَّوْجِ وَرِضَاهُ، كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إِذَا كَانَ تَرْكُهَا دَعْوَى النِّكَاحِ فِيهِ بِطَلَبِ الزَّوْجِ وَرِضَاهُ؛ حَيْثُ تَصَالَحَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يَمْنَعُ إِعْطَاءَ الزَّوْجِ الْعِوَضَ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ أَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَزِمَهُ مَهْرُهَا قَطْعًا، فَلَمْ يَكُنْ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ مِنْ جَانِبِهَا هُنَاكَ مَانِعًا عَنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ، كَمَا كَانَ مَانِعًا عَنْهُ فِيمَا إِذَا مَكَّنَتِ ابْنَ زَوْجِهَا، فَكَذَا هَاهُنَا لَا يَكُونُ وُقُوعُهَا مِنْ جَانِبِهَا مَانِعًا عَنْ لُزُومِ إِعْطَاءِ الزَّوْجِ الْعِوَضَ، فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَقَّهُ فِي مِثْلِهِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ بِالْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ ... إِلَخْ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ، فَصَالَحَهُ الْآخَرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ) ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِمَا بَيَّنَّا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْقِيَمِيِّ، وَذَكَرَ فِي الدَّلِيلِ الْمِثْلَ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْمِثْلِ صُورَةٌ وَمَعْنًى إِنَّمَا هُوَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَلَا يُصَارُ فِيهَا إِلَى الْقِيمَةِ إِلَّا إِذَا انْقَطَعَ الْمُثْلَى فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إِلَيْهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: قَدْ غَلِطَ فِي اسْتِخْرَاجِ هَذَا الْمَقَامِ، فَحَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّسَامُحِ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَقِّ فِي قَوْلِهِ: أَوْ حَقَّهُ فِي مِثْلِهِ صُورَةً وَمَعْنًى هُوَ حَقُّ الْأَخْذِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْقِيمِيَّاتِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمِثْلِ فَرَّعٌ وَجَوَّدَهُ، وَوُجُودُ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِهِ ذَلِكَ قَطْعًا، بَلْ إِنَّمَا مُرَادُهُ بِهِ حَقُّ تَعَلُّقِ الْمِلْكِ بِجِهَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ حَقٌّ لِلْمَالِكِ مِثْلَ الْهَالِكِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَهَذَا الْحَقُّ يُتَصَوَّرُ فِي الْقِيمِيَّاتِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ حَقُّ الْأَخْذِ إِلَّا فِي الْمِثْلِيَّاتِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمِيَّاتِ فِي الذِّمَّةِ مُمْكِنٌ كَالْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ فِي النِّكَاحِ وَالدِّيَةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ. وَمِمَّا يُفْصِحُ عَمَّا قُلْنَا مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَنُقِلَ عَنْهَا فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ قَالَ: وَالْوَجْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا اعْتِيَاضٌ عَنِ الثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ حُكْمًا، فَيَجُوزُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَالِاعْتِيَاضِ عَنِ الثَّوْبِ الْقَائِمِ وَالْحَيَوَانِ الْقَائِمِ حَقِيقَةً. وَإِنَّمَا قُلْنَا:

[باب التبرع بالصلح والتوكيل به]

وَتَقْدِيرُ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ دُونَ تَقْدِيرِ الْقَاضِي، فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عُرُوضٍ جَازَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ التَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ) (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ فَصَالَحَ لَمْ يَلْزَمِ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَ عَنْهُ إِلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإِنَّ هَذَا اعْتِيَاضٌ عَنِ الثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ حَقًّا لِلْمَالِكِ مِثْلَ الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عُدْوَانٍ، فَيَكُونُ مُقَيَّدًا بِالْمِثْلِ. وَالْمِثْلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى؛ وَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ فِي غَيْرِ الثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ، نَحْوَ الْمُكَيَّلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَإِيجَابُ الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ فِي الذِّمَّةِ مُمْكِنٌ، كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالدِّيَةِ، إِلَّا أَنَّ عِنْدَ الْأَخْذِ يُصَارُ إِلَى الْقِيمَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ أَخْذَ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى غَيْرُ مُمْكِنٍ إِلَّا بِسَابِقَةِ التَّقْوِيمِ، وَالْآخِذُ وَالدَّافِعُ لَا يَعْرِفَانِ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِمَا فِيهِ مِنَ التَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِذَلِكَ، فَصَحَّ مَا ادَّعَيْنَا أَنَّ هَذَا اعْتِيَاضٌ عَنِ الثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ، فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ بَعْدَ مَا نَظَرَ إِلَى النِّهَايَةِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبِرَاتِ وَاطَّلَعَ عَلَى مَا فِيهَا كَيْفَ وَقَعَ فِي تِلْكَ الْوَرْطَةِ؟ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمِثْلِيَّ إِذَا انْقَطَعَ حُكْمُهُ كَالْقِيمِيِّ لَا يُنْتَقَلُ فِيهِ إِلَى الْقِيمَةِ إِلَّا بِالْقَضَاءِ فَقَبِلَهُ إِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْأَكْثَرِ كَانَ اعْتِيَاضًا فَلَا يَكُونُ رِبًا بِخِلَافِ الصُّلْحِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدِ انْتَقَلَ إِلَى الْقِيمَةِ، انْتَهَى. أَقُولُ: عُذْرُهُ أَقْبَحُ مِنْ ذَنْبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ هَاهُنَا لَيْسَ بِصَدَدِ بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى تُفِيدَ إِشَارَتُهُ إِلَى اشْتِرَاكِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ شَيْئًا، بَلْ هُوَ هَاهُنَا فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصُّلْحِ عَنِ الثَّوْبِ الْمُسْتَهْلَكِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُفِدِ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْمُدَّعِي فِي الْقِيمِيِّ، وَكَوْنِ الدَّلِيلِ مَخْصُوصًا بِالْمِثْلِيِّ، كَمَا زَعَمَهُ لَا يُتِمُّ الْمَطْلُوبُ، فَيَخْتَلُّ الْكَلَامُ لِعَدَمِ إِيفَائِهِ حَقَّ الْمَقَامِ، وَلَا تُجْدِي الْإِشَارَةُ إِلَى أَمْرٍ أَجْنَبِيٍّ عَنِ الصَّدَدِ نَفْعًا، كَمَا لَا يَخْفَى. [بَابُ التَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ] قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لِمَا كَانَ تَصَرُّفُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ أَصْلًا قَدَّمَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ لِمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْعَمَلِ لِغَيْرِهِ مُتَبَرِّعٌ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: إِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ هَاهُنَا مُجَرَّدَ التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ لَكَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ مُسْتَدْرِكًا لِتَنَاوُلِ التَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ بِمَعْنَى مُجَرَّدِ التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ مَا حَصَلَ بِالتَّوْكِيلِ بِهِ أَيْضًا، فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ هَاهُنَا هُوَ الصُّلْحُ عَنْ آخَرَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَبِالتَّوْكِيلِ بِهِ هُوَ الصُّلْحُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَكِلْتَا الصُّورَتَيْنِ مَذْكُورَتَانِ فِي هَذَا الْبَابِ فَيَسْلَمُ مَا ذُكِرَ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ عَنْ الِاسْتِدْرَاكِ. بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالصُّلْحِ فِعْلُ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَتِمُّ وَجْهُ التَّقْدِيمِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِالنَّظَرِ

وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ) وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إِلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ هُوَ مُؤَاخَذٌ بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إِلَى الْوَكِيلِ فَيَكُونُ الْمُطَالِبُ بِالْمَالِ هُوَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإِلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْعُنْوَانِ: وَالتَّوْكِيلِ بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّوْكِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْعُنْوَانِ مُصْدَرٌ مِنَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى التَّوَكُّلِ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ لِلْغَيْرِ. فَإِنْ قُلْتَ: فَلِمَ لَمْ يَقُلْ وَالتَّوَكُّلُ بِهِ بَدَلَ قَوْلُهُ: وَالتَّوْكِيلُ بِهِ، حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى الْبَيَانِ بِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ. قُلْتُ: فَائِدَةُ التَّعْبِيرِ عَنِ التَّوَكُّلِ بِالتَّوْكِيلِ هِيَ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّوَكُّلَ الْحَاصِلَ بِالتَّوْكِيلِ وَهُوَ التَّوَكُّلُ بِأَمْرِ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ الْمُوَكِّلُ، لَا الْمُبَاشَرَةُ بِنَفْسِهِ بِدُونِ أَمْرِ الْغَيْرِ، وَهُوَ التَّبَرُّعُ بِالصُّلْحِ، فَيَنْدَفِعُ بِهِ تَوَهَّمُ الِاسْتِدْرَاكِ، تَأْمَّلْ؛ فَإِنَّهُ مَعْنًى لَطِيفٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: وَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَاللَّامُ فِي لِلْمُوَكِّلِ بِمَعْنَى عَلَى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] ، أَيْ: فَعَلَيْهَا. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ؛ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ، أَيْ: عَلَى الْمُوَكِّلِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] ، أَيْ: فَعَلَيْهَا، انْتَهَى. 50 أَقُولُ: لَا وَجْهَ لِحَمْلِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى مَعْنَى "عَلَى"؛ لِأَنَّ لِلْمُوَكِّلِ مُتَعَلِّقٌ بِلَازِمٍ، وَكَلِمَةُ اللُّزُومِ تَتَعَدَّى بِنَفْسِهَا وَبِالْبَاءِ، يُقَالُ: لَزِمَهُ وَلَزِمَ بِهِ، وَلَا تَتَعَدَّى بِعَلَى، فَلَوْ جَعَلَ اللَّامَ هُنَا بِمَعْنَى عَلَى لَزِمَ تَعْدِيَةُ اللُّزُومِ بِعَلَى، وَلَمْ تُسْمَعْ قَطُّ، فَالصَّحِيحُ أَنْ تَبْقَى اللَّامُ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَى حَالِهَا، وَيَكُونُ إِقْحَامُهَا لِتَقْوِيَةِ الْعَمَلِ، فَالْمَعْنَى وَالْمَالُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، وَإِدْخَالُ اللَّامِ عَلَى مَعْمُولِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ بِأَنْفُسِهَا لِتَقْوِيَةِ الْعَمَلِ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي " فَلَهَا " هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ، كَمَا لَا يَخْفَى، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةً عَلَى صِلَةٍ لَهُ، فَلَا ضَيْرَ فِي أَنْ يَحْمِلَ اللَّامِ هُنَاكَ عَلَى مَعْنَى عَلَى، تَأَمَّلْ تَقَفَّ. (قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الدَّيْنِ ... إِلَخْ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ التَّأْوِيلِ لَا يَكْفِي لِتَأْوِيلِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ فِيهِ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلَا يَجِبُ بَدَلَ الصُّلْحِ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْعَقَارِ: وَلَوِ ادَّعَى رَجُلٌ فِي دَارِ رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحَهُ عَنْهُ آخَرُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْمُصَالِحِ إِلَّا أَنْ يُضَمِّنَهُ الَّذِي صَالَحَهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مُعَاوَضَةٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ بِجُعْلٍ وَالْعَفْوِ عَنِ الْقَصَّاصِ بِمَالٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، كَمَا يَجُوزُ مَعَ الْخَصْمِ، انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الشُّرَّاحِ فِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَكْفِي لِتَأْوِيلِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الصُّلْحُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عَلَى الْإِنْكَارِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:

قَالَ (وَإِنْ صَالَحَ رَجُلٌ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إِنْ صَالَحَ بِمَالٍ وَضَمِنَهُ تَمَّ الصُّلْحُ) لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ إِلَّا الْبَرَاءَةَ وَفِي حَقِّهَا هُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ، فَصُلْحٌ أَصِيلًا فِيهِ إِذَا ضَمِنَهُ، كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ إِذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ، وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْمُصَالِحِ شَيْءٌ مِنَ الْمُدَّعَى، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ لِأَنَّ تَصْحِيحَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا (وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ صَالَحْتُكَ عَلَى أَلْفَيِّ هَذِهِ أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا صَحَّ الصُّلْحُ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إِلَى مَالِ نَفْسِهِ فَقَدِ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَصَحَّ الصُّلْحُ (وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ وَسَلَّمَهَا) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إِلَيْهِ يُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ لَهُ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ (وَلَوْ قَالَ صَالَحْتُكَ عَلَى أَلْفٍ فَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَطَلَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ إِنَّمَا هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْخُصُومَةِ حَاصِلٌ لَهُ، إِلَّا أَنَّ الْفُضُولِيَّ يَصِيرُ أَصِيلًا بِوَاسِطَةِ إِضَافَةِ الضَّمَانِ إِلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يُضِفْهُ بَقِيَ عَاقِدًا مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَتِهِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَالَحْتُكَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ صَارَ شَارِطًا سَلَامَتَهُ لَهُ فَيَتِمُّ بِقَوْلِهِ. وَلَوِ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُصَالِحِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْإِيفَاءَ مِنْ مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا سِوَاهُ، فَإِنْ سَلِمَ الْمَحَلُّ لَهُ تَمَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. بِخِلَافِ مَا إِذَا صَالَحَ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ وَضَمِنَهَا وَدَفَعَهَا ثُمَّ اسْتُحِقَّتْ، أَوْ وَجَدَهَا زُيُوفًا؛ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصِيلًا فِي حَقِ الضَّمَانِ؛ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا سَلَّمَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إِلَى الْوَكِيلِ مِنْ تَتِمَّةِ تَأْوِيلِهِ. وَمَقْصُودُهُ مِنْهُ تَعْمِيمُ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ لِكُلِّ مَا لَمْ يَكُنِ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إِلَى الْوَكِيلِ بَلْ تَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، كَمَا ذَكَرَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ. وَفَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي ابْتِدَاءِ التَّأْوِيلِ مِنَ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الدَّيْنِ إِنَّمَا هُوَ بِطْرِيقِ التَّمْثِيلِ لَا بِطْرِيقِ تَخْصِيصِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ بِذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِجَرَيَانِهِ قَطْعًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، كَالصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَالصُّلْحُ عَنْ كُلِّ عَقْدٍ يَكُونُ الْوَكِيلُ فِيهِ سَفِيرًا مَحْضًا كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدَ فُهِمَ دُخُولُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فِي جَوَابِ هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ؛ إِذْ قَدْ تَحَقَّقَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمَا فَلَمْ يَكُنِ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ صُلْحًا عَنْ مَالٍ بِمَالٍ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مُعَاوَضَةٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ بِجُعْلٍ، وَالْعَفْوِ عَنِ الْقَصَّاصِ بِمَالٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الْوِكَالَةُ مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَتَمَّ الْمَطْلُوبُ بِدُونِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى التَّصْرِيحِ بِقَيْدٍ آخَرَ، تَفَكَّرْ.

[باب الصلح في الدين]

(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ) (وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَكُلُّ شَيْءٍ وَقْعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيَهِ) . أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ كُلِّيَّةَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى قَوْلِهِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ مُسَلَّمَةٌ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيَهُ فَمَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ إِذَا كَانَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا، كَمَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ جِيَادٍ فَصَالَحَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ جِيَادٍ يُحْمَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَبِرَاتِ كَالْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ فِيهِ إِسْقَاطُ شَيْءٍ قَطُّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ: وَصُلْحُهُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ عَلَيْهِ أَخْذًا لِبَعْضِ حَقِّهِ، وَحَطًّا لِبَاقِيهِ لَا مُعَاوَضَةً، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَذَرَ عَمَّا فِي الْكِتَابِ بِأَنَّهُ خَارِجٌ مُخْرِجٌ الْعَادَةَ، فَإِنَّ الْمُعْتَادَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلِّ مِنَ الْمُدَّعَى لَا عَلَى مِثْلِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ عَلَى مِثْلِ الْمُدَّعِي. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَاهُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي لَفْظِ الرِّوَايَةِ قَيْدٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى بَيْعِ الصَّرْفِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى بَيْعِ الصَّرْفِ

كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَكَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ جِيَادٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ جَازَ وَكَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ) وَهَذَا لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ يَتَحَرَّى تَصْحِيحَهُ مَا أَمْكَنَ، وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ مُعَاوَضَةً لِإِفْضَائِهِ إِلَى الرِّبَا فَجُعِلَ إِسْقَاطًا لِلْبَعْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِلْبَعْضِ وَالصِّفَةِ فِي الثَّانِيَةِ (وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ وَكَأَنَّهُ أَجَّلَ نَفْسَ الْحَقِّ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْخِيرِ (وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ إِلَى شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْخِيرِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ سِوَى الْمُعَاوَضَةِ، وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ (وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةً لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ بِإِزَاءِ مَا حَطَّهُ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحْمَلُ عَلَى بَيْعِ الصَّرْفِ وَهُوَ مُعَاوَضَةٌ؛ وَإِنْ كَانَ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَنْظَرُ، إِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا بَطَلَ الصُّلْحُ وَإِلَّا فَلَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُودٍ حَالَّةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بِخِّيَّةٍ إِلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ. وَالْبَخِّيَّةُ: اسْمٌ لِمَا هُوَ أَجْوَدُ مِنَ السُّودِ، وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُصَارَفَةً إِلَى أَجَلٍ، وَالصَّرْفُ إِلَى أَجَلٍ بَاطِلٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ: وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، يُخْرِجُ مَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى بَيْعِ الصَّرْفِ، فَإِنَّ مَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى بَيْعِ الصَّرْفِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ لَيْسَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، وَمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَيْسَ مِمَّا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى بَيْعِ الصَّرْفِ عِنْدَهُمْ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْأَمْثِلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَسَائِلِ وَأَدِلَّتُهَا الْمُفَصَّلَةُ فِيهِ. وَأَمَّا الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُودٍ حَالِّةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَخِّيَّةٍ إِلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ، فَبِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ بِمَرَاحِلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ وَلَا مِمَّا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى بَيْعِ الصَّرْفِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الْبَخِّيَّةَ أَجْوَدُ مِنَ السُّودِ فَفِيهَا زِيَادَةُ وَصَفَ وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ بِالسُّودِ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَقُّ بِهِ السُّودُ لَا غَيْرَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَجَلَ يُمْنَعُ عَنِ الْحَمْلِ عَلَى بَيْعِ الصَّرْفِ، كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ نَفْسُهُ؛ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُصَارَفَةٌ إِلَى أَجَلٍ، وَالصَّرْفُ إِلَى أَجَلٍ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ يَتَحَرَّى تَصْحِيحَهُ مَا أَمْكَنَ، وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ مُعَاوَضَةً لِإِفْضَائِهِ إِلَى الرِّبَا) . أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا يُفْضِي إِلَى الرِّبَا لَوْ جُعِلَ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٌ عِوَضًا عَنْ مَجْمُوعِ الْأَلْفِ الْمُدَّعَى، وَأَمَّا إِذَا جُعِلَ عِوَضًا عَمَّا يُسَاوِيهِ مِنْ بَعْضِ الْمُدَّعَى وَهُوَ الْخَمْسُمِائَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا فَلَا إِفْضَاءَ إِلَى الرِّبَا، فَمَا بَالُهُمْ حَمَلُوا الصُّلْحَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيَهُ وَلَمْ يَحْمِلُوا عَلَى أَنَّهُ صَارِفٌ بَعْضَ حَقِّهِ، وَأُسْقِطَ

وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنِ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ (وَإِنْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ سُودٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْبِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ وَهِيَ زَائِدَةٌ وَصْفًا فَيَكُونُ مُعَاوَضَةُ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ وَهُوَ رِبًا، بِخِلَافِ مَا إِذَا صَالَحَ عَنِ الْأَلْفِ الْبِيضِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ سُودٍ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ كُلُّهُ قَدْرًا وَوَصْفًا، وَبِخِلَافِ مَا إِذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالصِّفَةِ إِلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ إِلَى شَهْرٍ صَحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ إِسْقَاطًا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَالدَّرَاهِمِ إِلَّا مِائَةً وَتَأْجِيلًا لِلْبَاقِي فَلَا يُجْعَلُ مُعَاوَضَةً تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ أَوْ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فِيهِ أَلْزَمُ قَالَ (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ أَدِّ إِلَيَّ غَدًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنَ الْفَضْلِ فَفَعَلَ فَهُوَ بَرِيءٌ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا عَادَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَعُودُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ إِبْرَاءٌ مُطْلَقٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ الْخَمْسِمِائَةِ عِوَضًا؛ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى وَهِيَ لِلْمُعَاوَضَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاقِيهِ حَتَّى لَمْ يَشْتَرِطُوا الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ، وَجَوَّزُوا التَّأْجِيلَ، فَتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ: أَدِّ إِلَيَّ غَدًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنَ الْفَضْلِ فَفَعَلَ فَهُوَ بَرِيءٌ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ مَعْنَاهُ: فَقَبِلَ، فَهُوَ بَرِيءٌ فِي الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَأَدَّى إِلَيْهِ ذَلِكَ غَدًا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْبَاقِي، انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا عَادَ إِلَيْهِ الْأَلْفُ، يَأْبَى الْمَعْنَى الثَّانِي وَيُنَاسِبُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ عَوْدَ الْأَلْفِ إِلَيْهِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ أَوَّلًا، لَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى أَدَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ إِلَيْهِ غَدًا مُتَحَقِّقَةٌ أَوَّلًا، وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقِ الْبَرَاءَةُ الْمَقْطُوعَةُ إِلَّا بِأَدَاءِ ذَلِكَ إِلَيْهِ غَدًا، فَفِيمَا إِذَا لَمْ يَدْفَعْ ذَلِكَ إِلَيْهِ غَدًا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: عَادَ إِلَيْهِ الْأَلْفُ نَظَرًا إِلَى تَحَقُّقِ الْبَرَاءَةِ الْمَوْقُوفَةِ مِنْ قَبْلُ، فَإِنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ قَدْ خَرَجَ مَلِكَةُ خُرُوجًا مَوْقُوفًا عَلَى أَدَاءِ نِصْفِهِ الْآخَرِ إِلَيْهِ غَدًا، فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ ذَلِكَ غَدًا عَادَ إِلَيْهِ الْأَلْفُ، كَمَا كَانَ، وَأَمَّا جَعْلُ الْعَوْدِ مَجَازًا عَنِ الْبَقَاءِ، كَمَا كَانَ، كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَمِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ. (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ الْخَمْسَمِائَةِ عِوَضًا؛ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى وَهِيَ لِلْمُعَاوَضَةِ) . قُلْتُ: الْبَاءُ فِي: "بِكَلِمَةِ عَلَى" فِي قَوْلِهِ: حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى، لِلْمُقَابَلَةِ، كَمَا فِي قَوْلِكَ: بِعْتُ هَذَا

وَالْأَدَاءُ لَا يَصِحُّ عِوَضًا لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ فَبَقِيَ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا فَلَا يَعُودُ كَمَا إِذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إِبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِأَدَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْغَدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ غَرَضًا حِذَارَ إِفْلَاسِهِ وَتَوَسُّلًا إِلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ مِنْهُ، وَكَلِمَةً عَلَى إِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ فَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلشَّرْطِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذَا، فَالْمَعْنَى: حَيْثُ ذَكَرَ أَدَاءَ الْخَمْسِمِائَةِ بِمُقَابَلَةِ كَلِمَةِ عَلَى الَّتِي لِلْمُعَاوَضَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا تَمَحَّلَ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ: حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى حَيْثُ، قَالَ: أَيْ: فِي الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَفِي اللَّفْظِ دَخَلَ كَلِمَةُ عَلَى فِي الْإِبْرَاءِ دُونَ الْأَدَاءِ، انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْبَاءَ عَلَى الْإِلْصَاقِ فَأَخَذَ مِنْهُ الدُّخُولُ فِي الْأَدَاءِ فَاحْتَاجَ إِلَى التَّكَلُّفِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِهِ: وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا؛ لِأَنَّ حَدَّ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ يَسْتَفِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا، وَالْأَدَاءُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ، انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ: وَالْأَدَاءُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ؛ حَيْثُ قَالَ فِيهِ شَيْءٌ بَلْ يُسْتَفَادُ بِهِ الْبَرَاءَةَ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ بِالْأَدَاءِ شَيْءٌ فِي جَانِبِ الدَّائِنِ، وَالْبَرَاءَةُ إِنَّمَا تُسْتَفَادُ فِي جَانِبِ الْمَدْيُونِ، وَحَدُّ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ يَسْتَفِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا، فَإِذَا لَمْ يُسْتَفَدْ فِي جَانِبِ الدَّائِنِ شَيْءٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ حَدُّ الْمُعَاوَضَةِ، فَتَمَّ الْمَطْلُوبُ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: "قَوْلُهُ: أَوْ"؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِوُجُودِ الْمُقَابَلَةِ، يَعْنِي: أَنَّ حَمْلَ كَلِمَةِ "عَلَى: عَلَى الشَّرْطِ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا لِوُجُودِ الْمُقَابَلَةِ، وَإِمَّا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ فِي الصُّلْحِ مُتَعَارَفٌ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا يَكُونُ عِلَّةً لِحَمْلِ كَلِمَةِ عَلَى

وَالْإِبْرَاءُ مِمَّا يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَسَتَخْرُجُ الْبُدَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِلْمُعَاوَضَةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهَا عَلَى غَيْرِهَا مَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةُ الْمَجَازِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ فِي الصُّلْحِ مُتَعَارَفًا لَا يُجْدِي مُنَاسَبَةً بَيْنَ مَا وُضِعَتْ لَهُ كَلِمَةُ عَلَى، وَبَيْنَ هَذَا الشَّرْطِ حَتَّى تَصْلُحَ عَلَاقَةٌ لِلْمَجَازِ، بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّ اشْتِرَاكَ الْمُعَاوَضَةِ وَالشَّرْطِ فِي مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ مُنَاسَبَةٌ مُصَحِّحَةٌ لِلتَّجَوُّزِ. نَعَمْ يَكُونُ الْمَعْنَى الثَّانِي عِلَّةً مُرَجِّحَةً لِلتَّجَوُّزِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتِ الْعِلَّةُ الْمُصَحِّحَةُ لَهُ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي كَوْنِهِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِحَمْلِهَا عَلَى الْمَجَازِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بِكَوْنِهِ عِلَّةً مُصَحِّحَةً لِلتَّجَوُّزِ كَالْأَوَّلِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ. ثُمَّ أَقُولُ: الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَقْرَبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ كَثِيرِ مِنَ الشُّرَّاحِ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: فَتُحْمَلُ كَلِمَةُ عَلَى عَلَى الشَّرْطِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ؛ أَوْ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ فِي الصُّلْحِ مُتَعَارَفٌ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ بَيَانًا لِلْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلتَّجَوُّزِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيَانًا لِلْعِلَّةِ الْمُرَجِّحَةِ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ بِوَجْهَيْنِ، فَيَنْتَظِمُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَالْإِبْرَاءُ مِمَّا يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، كَمَا فِي الْحَوَالَةِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْحَوَالَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ، يَعْنِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ كَانَ كَالْحَوَالَةِ، فَإِنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ جَعْلَ قَوْلِهِ: كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْجُمَلِ الْكَثِيرَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَهُمَا- بَعِيدٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ عِنْدَ الْمَجَالِ الْوَاضِحِ لِجَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَا يَتَّصِلُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْإِبْرَاءُ، إِنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ وَإِنَّ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّانِي إِذَا قَالَ صَالَحْتُكَ مِنَ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ تَدْفَعُهَا إِلَيَّ غَدًا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَدْفَعْهَا إِلَيَّ غَدًا فَالْأَلْفُ عَلَيْكَ عَلَى حَالِهِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِ التَّقْيِيدِ فَيُعْمَلُ بِهِ. وَالثَّالِثُ إِذَا قَالَ: أَبْرَأْتُكَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا وَالْإِبْرَاءُ فِيهِ وَاقِعٌ أَعْطَى الْخَمْسَمِائَةِ أَوْ لَمْ يُعْطِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْإِبْرَاءَ أَوَّلًا، وَأَدَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ يَصْلُحُ شَرْطًا، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّهَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، يَعْنِي: أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِمَّا يَتَقَيَّدُ كَالْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ: مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ: وَالْإِبْرَاءُ يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ كَالْحَوَالَةِ؛ فَإِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَعُودُ الدَّيْنُ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ شَرَحَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ هَذَا الْمَقَامَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَهَبَ إِلَى كَوْنِ قَوْلِهِ، كَمَا فِي الْحَوَالَةِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ سِوَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ. وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّ مَا صَوَّرَهُ مِنَ الْمَعْنَى لَا يُسَاعِدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَلْ يُنَاسِبُ خِلَافَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يَعْنِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ كَانَ كَالْحَوَالَةِ، فَإِنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. وَلَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ قَوْلَهُ لَمَّا كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ كَانَ كَالْحَوَالَةِ، وَقَوْلَهُ: "فَإِنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ"، مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إِنَّمَا يُنَاسِبُ كَوْنَ قَوْلِهِ: كَمَا فِي الْحَوَالَةِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: " وَالْإِبْرَاءُ"، مِمَّا يَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ، وَإِنَّمَا الْمُسَاعِدُ لَمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَمَّا كَانَ فَائِتًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ كَانَ كَالْحَوَالَةِ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ شَرْطِ السَّلَامَةِ عَلَى أَنَّ فَوَاتَ الشَّيْءِ بِفَوَاتِ الشَّرْطِ فَرْعٌ لِصِحَّةِ تَقَيُّدِ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ بِأَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ فِي الْكَلَامِ، فَكَيْفَ يَحْسُنُ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ، كَمَا فِي الْحَوَالَةِ بِذَلِكَ دُونَ أَصْلِهِ، تَبَصَّرْ تَرَشَّدْ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، أَيْ: وُجُوهٌ خَمْسَةٌ: فَوَجْهُ الْحَصْرِ فِيهَا هُوَ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ فِي تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ بَدَأَ بِالْأَدَاءِ أَمْ لَا، فَإِنْ بَدَأَ بِهِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ بَقَاءُ الْبَاقِي عَلَى الْمَدْيُونِ صَرِيحًا عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ أَمْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ ذَكَرَهُ فَالْوَجْهُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ أَمْ لَا، فَإِنْ بَدَأَ فَالْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ بَدَأَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ فَالْوَجْهُ الرَّابِعُ وَإِنْ بَدَأَ فَالْوَجْهُ الْخَامِسُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ وُجُوهَ الْحُصْرِ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ إِشْكَالٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَجْهَ الثَّانِي قِسْمًا مِمَّا بَدَأَ بِالْأَدَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْدَأْ فِيهِ بِالْأَدَاءِ، بَلْ بَدَأَ فِيهِ بِالْمُصَالَحَةِ، وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَجْهَ الرَّابِعَ قِسْمًا مِمَّا لَمْ يَبْدَأْ بِالْأَدَاءِ مَعَ أَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ، كَمَا تَرَى. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَوْعِ عِنَايَةٍ. أَمَّا عَنِ الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْبَدْءَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَدَاءِ صُورَةً إِلَّا أَنَّهُ كَانَ بِهِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَعْنَاهُ: أَدِّ إِلَيَّ غَدًا خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الْأَلْفِ وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَدْفَعْهَا إِلَيَّ غَدًا فَالْأَلْفُ عَلَيْكَ عَلَى حَالِهِ، فَالْمُرَادُ بِأَنْ بَدَأَ بِالْأَدَاءِ أَنْ بَدَأَ بِهِ فِيمَا يَتِمُّ بِهِ وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ، وَيَمْتَازُ عَنْ سَائِرِ وُجُوهِهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ يَتِمُّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَاصِلِ

بِخِلَافِ مَا إِذَا بَدَأَ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مَقْرُونًا بِهِ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا يَقَعُ مُطْلَقًا، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَصْلُحُ شَرْطًا لَا يَقَعُ مُطْلَقًا فَلَا يَثْبُتُ الْإِطْلَاقُ بِالشَّكِّ فَافْتَرَقَا. وَالرَّابِعُ إِذَا قَالَ أَدِّ إِلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنَ الْفَضْلِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ لِأَنَّ هَذَا إِبْرَاءٌ مُطْلَقٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا لَا يَكُونُ الْأَدَاءُ غَرَضًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي مُطْلَقِ الْأَزْمَانِ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا، بِخِلَافٍ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِي الْغَدِ غَرَضٌ صَحِيحٌ. وَالْخَامِسُ إِذَا قَالَ إِنْ أَدَّيْتَ إِلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ قَالَ إِذَا أَدَّيْتَ أَوْ مَتَى أَدَّيْتَ. فَالْجَوَابُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا، وَتَعْلِيقُ الْبَرَاءَاتِ بِالشُّرُوطِ بَاطِلٌ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مَا أَتَى بِصَرِيحِ الشَّرْطِ فَحُمِلَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَا أُقِرُّ لَكَ بِمَالِكَ حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ عَنِّي فَفَعَلَ جَازَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إِذَا قَالَ ذَلِكَ سِرًّا، أَمَّا إِذَا قَالَ عَلَانِيَةً يُؤْخَذُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْنَى، وَيَمْتَازُ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ. وَأَمَّا الْمُصَالَحَةُ فَإِنَّهَا ذُكِرَتْ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التَّفْصِيلِ وَالْإِيضَاحِ. وَأَمَّا عَنِ الثَّانِي فَبِأَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَدْءِ بِالْأَدَاءِ فِي وَجْهِ الْحَصْرِ الْبَدْءَ بِالْأَدَاءِ الْمُطْلَقِ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْبَدْءُ بِالْأَدَاءِ الْمُؤَقَّتِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يُبْدَأْ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ بِالْأَدَاءِ الْمُوَقَّتِ، بَلْ إِنَّمَا بَدَأَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ الْمُطْلَقِ فَاسْتَقَامَ التَّقْسِيمُ. 50 وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنِ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُبْدَأْ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِالْأَدَاءِ بَلْ بِالْمُصَالَحَةِ، فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِهِ قِسْمًا مِمَّا بُدِئَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ. قُلْنَا: ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّحَادِهِ مَعَ مَا بُدِئَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ حُكْمًا، فَلْيُتَأَمَّلْ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَهُ مَعَ مَا بُدِئَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ حُكْمًا لَا يَقْتَضِي وَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ مِمَّا بُدِئَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ؛ إِذْ الِاتِّحَادُ فِي الْحُكْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاتِّحَادَ فِي الذَّاتِ، وَلَا فِي الصِّفَاتِ، كَيْفَ وَلَوْ جَازَ جَعْلُ الْوَجْهِ الثَّانِي مِمَّا بُدِئَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِهِ فِي الْحُكْمِ مَعَ مَا بُدِئَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ لَجَازَ جَعْلُ مَا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ بَقَاءَ الْبَاقِي عَلَى الْمَدْيُونِ صَرِيحًا عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى الِاتِّحَادِ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا، فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهٌ لِجَعْلِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالْوَجْهِ الثَّانِي قِسْمَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إِذَا بَدَأَ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مَقْرُونًا بِهِ. فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا يَقَعُ مُطْلَقًا، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَصْلُحُ شَرْطًا لَا يَقَعُ مُطْلَقًا، فَلَا يَثْبُتُ الْإِطْلَاقُ بِالشَّكِّ فَافْتَرَقَا) . أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ هَذَا، وَإِنْ أَفَادَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ الْإِطْلَاقُ بِالشَّكِّ لَا يَثْبُتُ الشَّرْطُ بِهِ أَيْضًا، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ تَقْيِيدُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ إِذْ لَمْ يَثْبُتُ تَقْيِيدُهُ بِهِ أَوَّلًا هُنَاكَ، كَمَا ثَبَتَ إِطْلَاقُهُ أَوَّلًا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ حَتَّى لَا يَزُولَ بِالشَّكِّ، بَلْ إِنَّ أَخْذَ التَّقْيِيدِ هُنَاكَ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مُقَارَنَةِ الْإِبْرَاءِ بِالْأَدَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْأَدَاءُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَا يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَمَا يَقْتَضِي التَّقْيِيدَ، كَمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا كَانَ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ مَشْكُوكًا غَيْرَ ثَابِتٍ، وَقَدْ جَزَمَ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ مِنْ قَبْلِهِمَا بِكَوْنِ الْإِبْرَاءِ مُقَيَّدًا بِالشَّرْطِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَكَانَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَافٍ، فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ.

[فصل في الدين المشترك]

(فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ) قَالَ (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِصِفَةٍ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ ازْدَادَ بِالْقَبْضِ؛ إِذْ مَالِيَّةُ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَةِ الْقَبْضِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى أَصْلِ الْحَقِّ فَتَصِيرُ كَزِيَادَةِ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَلَهُ حَقُ الْمُشَارَكَةِ، وَلَكِنَّهُ قَبْلَ الْمُشَارَكَةِ بَاقٍ عَلَى مَالِكِ الْقَابِضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ] أُخِّرَ بَيَانُ حُكْمِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ عَنِ الْمُفْرَدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ يَتْلُو الْمُفْرَدَ. (قَوْلُهُ: وَأَصِلُ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ) . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا إِذَا أَخَذَ بِمُقَابَلَةِ نَصِيبِهِ ثَوْبًا لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ، بَلِ الْخِيَارُ لِلْقَابِضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَنْصِيصِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، وَإِشَارَةِ رِوَايَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى. أَقُولُ: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِذَا كَانَ قَبْضُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ شَيْئًا مِنَ الدَّيْنِ مُخَالِفًا لِأَخْذِ أَحَدِهِمَا ثَوْبًا بِمُقَابَلَةِ نَصِيبِهِ فِي حُكْمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ اتِّحَادٌ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ مَا إِذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ شَيْئًا مِنَ الدَّيْنِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، فَلَمْ يَظْهَرْ لِجَعْلِ الْأُولَى أَصْلًا لِلثَّانِيَةِ، كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ جِهَةَ حُسْنٍ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ حُسْنُ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، كَمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ) . قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الظَّاهِرُ إِسْقَاطُ لَفْظِ الْحَقِّ، فَإِنَّ الْمُتَحَقَّقَ فِي الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ حَقِيقَتُهَا لَا حَقُّهَا، انْتَهَى. أَقُولُ: بَلِ الْحَقُّ إِقْحَامُ لِفَظِّ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الضَّمِيَرَ فِي وَلَهُ عَائِدٌ إِلَى صَاحِبِ الشَّرِيكِ الْقَابِضِ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لَا إِلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ وَإِلَّا لَمَا نَفَذَ تَصَرُّفُ الْقَابِضِ فِيهِ قَبْلَ الْمُشَارَكَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ، فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الْحَقِّ هَاهُنَا عَسَى يَتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقِيقَةُ الْمُشَارَكَةِ، كَمَا فِي الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ، فَأَقْحَمَ لَفْظَ الْحَقِّ دَفْعَا لِذَلِكَ التَّوَهُّمِ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ قَبْلَ الْمُشَارَكَةِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْقَابِضِ.

لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ فَيَمْلِكُهُ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَيَضْمَنَ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ، وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ يَكُونُ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إِذَا كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَثَمَنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَوْرُوثِ بَيْنَهُمَا وَقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ الْمُشْتَرَكِ. إِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ نَصِيبَهُ لَكِنَّ لَهُ حَقَ الْمُشَارَكَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ لِأَنَّ لَهُ حَقَ الْمُشَارَكَةِ إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ (وَلَوِ اسْتَوْفَى نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنَ الدَّيْنِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ) لِمَا قُلْنَا (ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ بِالْبَاقِي) لِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَا فِي الْمَقْبُوضِ لَا بُدَ أَنْ يَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الشَّرِكَةِ. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ مِنَ الدَّيْنِ سِلْعَةً كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ بِالْمُقَاصَّةِ كَامِلًا، لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِغْمَاضِ وَالْحَطِيطَةِ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ دَفْعَ رُبْعِ الدَّيْنِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، فَيَتَخَيَّرُ الْقَابِضَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا سَبِيلَ لِلشَّرِيكِ عَلَى الثَّوْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً، وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ، فَيَمْلِكُهُ) . قَالَ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً: هَذَا اسْتِدْرَاكُ جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَتْ زِيَادَةُ الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ كَزِيَادَةِ الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ لَمَا جَازَ تَصَرُّفُ الْقَابِضِ فِي الْمَقْبُوضِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ بِغَيْرِ إِذَنْ الْآخَرِ. أَقُولُ: نَعَمْ كَذَلِكَ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَإِنْ تَمَّ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ.

فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدِهِ وَالِاسْتِيفَاءِ بِالْمُقَاصَّةِ بَيْنَ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّؤَالُ إِلَّا أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا تَقَرَّرَ آنِفًا مِنْ أَنَّ لِصَاحِبِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا قَبَضَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ غَيْرَ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ لَا عَيْنُهُ، وَلَمَّا قَالَ: وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا قَبَضَهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ بَدَلٌ عَنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ فَقَطْ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ عَيْنُ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ، وَلَا بَدَلًا عَنْهُ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ، فِي جَوَابِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِأَنْ قَالَ: لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقْعَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ مُشَاعٌ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ، وَحَقُّ الشَّرِكَةِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنَ الدَّيْنِ فَصَارَ عِوَضُ الثَّوْبِ نَصْفُهُ مِنْ حَقِّهِ، فَوَقَفَ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَأَخْذِهِ النِّصْفَ دَلَالَةً عَلَى إِجَازَةِ الْعَقْدِ فَصَحَّ ذَلِكَ وَجَازَ، فَإِنَّ ضَمِنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ، انْتَهَى. فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَا قَبَضَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ بَدَلًا مِنْ حَقِّهِمَا مَعًا لَا مِنْ حَقِّ الْقَابِضِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْمُقَاصَّةِ بَيْنَ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ) . هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدِهِ وَلَكِنْ كَانَ عَقْدُهُ بِبَعْضِ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الْمَقْبُوضِ فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لَا سَبِيلَ لِلشَّرِيكِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْبَيْعِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ يَقَعْ بِمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَلْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنَ الثَّمَنِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ؛ إِذِ الْبَيْعُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْغَرِيمِ مِنْ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا تُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ دَيْنًا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ. كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا الْجَوَابِ وُرُودُ سُؤَالٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلِ الْقَبْضِ لَا تَصِحُّ فِي الْمُقَاصَّةِ بِدَيْنٍ خَاصٍّ يَلْزَمُ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ. قُلْنَا: قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِنَّمَا لَا تَجُوزُ قَصْدًا، أَمَّا ضَمُّنَا فَجَائِزٌ، وَهَاهُنَا وَقَعَتْ قِسْمَةُ الدَّيْنِ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الشِّرَاءِ، كَمَا وَقَعَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْمُصَالَحَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدِ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِ السُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ وَجَوَابِ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ: وَإِذَا ظَهَرَتِ الْمُقَاصَّةُ انْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَزِمَتْ فِي ضِمْنِ الْمُعَاقَدَةِ، فَلَا مُعْتَبِرَ بِهَا، انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ قُصُورٌ، فَإِنَّهُ فَرَّعَ انْدِفَاعَ تَوَهُّمِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى ظُهُورِ الْمُقَاصَّةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ إِنَّمَا نَشَأَ مِنَ الْمُقَاصَّةِ؛ إِذْ لَوْ لَمْ تَتَحَقَّقِ الْمُقَاصَّةُ لَلَزِمَ الِاشْتِرَاكُ فِي الثَّوْبِ الْمَقْبُوضِ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِيمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، فَلَا تُتَوَهَّمُ الْقِسْمَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَصْلًا، وَلِهَذَا فَرَّعَ غَيْرُهُ وُرُودَ السُّؤَالِ بِلُزُومِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى تَحَقُّقِ الْمُقَاصَّةِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَا احْتِيَاجَ عِنْدِي هَاهُنَا إِلَى التَّشَبُّثِ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ضِمْنًا؛ إِذْ لَا وَجْهَ لِلتَّوَهُّمِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ سَبِيلٌ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ اسْتِيفَاءِ الشَّرِيكِ الْقَابِضِ فِي الْبَيْعِ بِالْمُقَاصَّةِ كَانَ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى مَا اسْتَوْفَاهُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُقَاصَّةِ؛ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَهُ وَهُوَ رُبْعُ الدَّيْنِ، فَلَا مَجَالَ لِتَوَهُّمِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، ضَرُورَةَ أَنْ لَا سَبِيلَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا اسْتَوْفَاهُ الْآخَرُ بَعْدَ وُقُوعِ الْقِسْمَةِ. لَا يُقَالُ: تِلْكَ الضَّرُورَةُ فِي الْقِسْمَةِ الْقَصْدِيَّةِ دُونَ الضِّمْنِيَّةِ، وَالْمُتَوَهُّمُ هَاهُنَا مُطْلَقُ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى أَنْ يُقَالَ: قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَصْدًا غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَأَمَّا ضِمْنًا فَلَازِمَةٌ، وَلَكِنَّهَا جَائِزَةٌ؛

وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَتْبَعَ الْغَرِيمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّتِهِ بَاقٍ لِأَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ حَقِيقَةً لَكِنَّ لَهُ حَقَ الْمُشَارَكَةِ فَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ، فَلَوْ سَلَّمَ لَهُ مَا قَبَضَ ثُمَّ تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، وَلَوْ وَقَعَتِ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ لِأَنَّهُ قَاضٍ بِنَصِيبِهِ لَا مُقْتَضٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ وَلَيْسَ بِقَبْضٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنِ الْبَعْضِ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ السِّهَامِ، وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدَهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّا نَقُولُ: تِلْكَ الضَّرُورَةُ ثَابِتَةٌ قَطْعًا فِي الْقِسْمَةِ الصَّحِيحَةِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَصْدِيَّةً أَوْ ضِمْنِيَّةً، فَلَوْ سَلَّمَ وُقُوعَ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ضِمْنًا هَاهُنَا وَاعْتَرَفَ بِصِحَّتِهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ سَبِيلٌ عَلَى مَا اسْتَوْفَاهُ الْقَابِضُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُقَاصَّةِ أَيْضًا، فَلَزِمَ أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ذَلِكَ، فَالْمَسْلَكُ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ لُزُومَ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا، كَمَا قَرَّرْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَتْبَعَ الْغَرِيمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّتِهِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ حَقِيقَةً لَكِنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ) . أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَقَّ الشَّرِيكِ السَّاكِتِ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَكَانَ مَا اسْتَوْفَاهُ الْقَابِضُ نَصِيبُ نَفْسِهِ حَقِيقَةً كَانَ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُشَارَكَةِ لِلسَّاكِتِ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ الْقَابِضُ مُشْكِلًا غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى. ثُمَّ إِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنَ الْأَصْلِ الصَّحِيحِ الْمُبَرْهَنِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لِلشَّرِيكَيْنِ إِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَالْمَقْبُوضُ مِنَ النَّصِيبَيْنِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا لَكُنَّا قَدْ قَسَّمْنَا الدَّيْنَ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَجُوزُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ كُلََّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُقْتَسِمِينَ يَأْخُذُ نِصْفَ حَقِّهِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِي عِوَضًا عَمَّا لَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ، وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنَ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ، انْتَهَى فَتَأَمَّلْ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ مَا لَهُ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ خَلْفٌ بَاطِلٌ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ أَصْلًا بَلْ يَتَعَيَّنُ لَهُ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لُزُومًا وَبُطْلَانًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَتِ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ؛ لِأَنَّهُ قَاضٍ بِنَصِيبِهِ لَا مُقْتَصَّ) . أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْمُقَاصَّةِ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ

وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا مِنْهُ أَوِ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ قَبْضٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَاهُنَا عَقْدٌ حَتَّى تَجُوزَ فِي ضِمْنِهِ، كَمَا قَالُوا فِي صُورَةِ الْبَيْعِ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَ نَفْسَ الْمُقَاصَّةِ نَوْعَ عَقْدٍ أَوْ شَبِيهَ عَقْدٍ، وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ضِمْنِهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَقَالَا: يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ بِاتِّصَافِ أَحَدِهِمَا بِالْحُلُولِ وَالْآخِرِ بِالتَّأْخِيرِ، وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِتَأْخِيرِ الْبَعْضِ هَلْ يَتَمَيَّزُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ تَمَيَّزَ بَطَلَ قَوْلُكُمْ، وَذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بَطَلَ قَوْلُكُمْ لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ بِكَذَا وَكَذَا. وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ فِيهِ يَسْتَلْزِمُ التَّمْيِيزَ بِذِكْرِ مَا يُوجِبُهُ فِيمَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِيهِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، لِاسْتِلْزَامِ التَّأْخِيرِ الِامْتِيَازَ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَوَّزُوا إِبْرَاءَ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِهِ، وَذِكْرُ الْإِبْرَاءِ يُوجِبُ التَّمْيِيزَ بِكَوْنِ بَعْضِهِ مَطْلُوبًا وَبَعْضِهِ لَا فِيمَا يَسْتَحِيلُ فِيهِ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ النَّصِيبَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ بِمَوْجُودٍ فَلَا قِسْمَةَ. إِلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الثَّانِي بِحْثٌ لِأَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْقِسْمَةِ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ بِسَبَبِ عَدَمِ تَحَقُّقِ مُقْتَضَاهَا لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ نَقْضُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذِكْرَ مَا يُوجِبُ التَّمْيِيزَ يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ أَيْضًا، فَلَوِ اسْتَلْزَمَ مُجَرَّدَ ذَلِكَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي صُورَةِ التَّأْخِيرِ لَاسْتَلْزَمَهَا فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ أَيْضًا، وَأَمَّا عَدَمُ تَحَقُّقِ الْقِسْمَةِ بِسَبَبِ تَخَلُّفِ مُقْتَضَاهَا فَأَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَمَا تَقْتَضِي وُجُودَ النَّصِيبَيْنِ كَذَلِكَ تَقْتَضِي كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّصِيبَيْنِ قَابِلًا لِلتَّمْيِيزِ عَنِ الْآخَرِ، وَتَمْيِيزُ بَعْضِ الدَّيْنِ عَنْ بَعْضٍّ غَيْرُ مُتَصَوِّرٍ، فَلَا

وَكَذَا الْإِحْرَاقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّزَوُّجُ بِهِ إِتْلَافٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ السَّلَمُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ الصُّلْحُ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقِسْمَةَ فِي الدَّيْنِ لَا فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ وَلَا فِي صُورَةِ التَّأْخِيرِ، كَيْفَ وَلَوْ أَمْكَنَ الْقِسْمَةُ فِي الدَّيْنِ لَمَا بَطَلَتْ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا لَمْ تُتَصَوَّرُ حَقِيقَةُ الْقِسْمَةِ فِي الدَّيْنِ لَا فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ وَلَا فِي صُورَةِ التَّأْخِيرِ بَقِيَ أَصْلُ النَّقْضِ عَلَى حَالِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الصُّلْحُ عَلَيْهِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قِيلَ: إِنَّمَا قَيَّدَ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ يَرْجِعُ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ مُطْلَقًا فَقَالَ: وَلَوْ شَجَّ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مُوضِحَةً فَصَالَحَهُ عَلَى حِصَّتِهِ لَمْ يُلْزِمْهُ لِشَرِيكِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنِ الْمُوَضِحَةِ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِيهَا: وَأَرَى أَنَّهُ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ قَدْ يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ، انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ؛ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إِنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ صُلْحًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ، انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ إِنَّمَا لَا تَعْقِلُ الْأَرْشَ الَّذِي يَجِبُ بِالصُّلْحِ وَهُوَ الَّذِي يَجِيءُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ. وَإِنَّمَا مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا أَنَّ الْأَرْشَ قَدْ يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ، ثُمَّ يُصَالِحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ أَعْطَاهُ الْجَانِي، فَفِي مَثَلِهِ إِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى نَصِيبِ الْجَانِي مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لَمْ يَكُنِ الْجَانِي الْمَصَالِحُ مُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ؛ إِذِ الْأَرْشُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَضِيًا لَهُ بَلْ قَدْ لَزِمَ الْعَاقِلَةَ، فَأَيْنَ مَا أَرَادَهُ ذَلِكَ الرَّادُّ، ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ كَلَامٌ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الْقَاتِلَ يَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ؛ إِذْ قَدْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِقَدْرِ مَا لَزِمَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إِنَّمَا يَقْتَضِي إِطْلَاقَ الْجِنَايَةِ لَا تَقْيِيدَهَا بِالْعَمْدِ، فَإِنَّ الْمُصَالِحَ إِذَا لَمْ يَكُنْ

وَبِمَا إِذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ . وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَكُونُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا لَا بُدَ مِنْ إِجَازَةِ الْآخَرِ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَامَ بِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِرَفْعِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَشَارَكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ، فَإِذَا شَارَكَهُ فِيهِ رَجَعَ الْمُصَالِحُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيُؤَدِّي إِلَى عَوْدِ السَّلَمِ بَعْدَ سُقُوطِهِ. قَالُوا: هَذَا إِذَا خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا قَدْ خَلَطَاهُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ عَلَى الِاتِّفَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقْتَضِيًا لِشَيْءٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَرْجِعَ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ، كَمَا فِي الصُّلْحِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِلتَّقْيِيدِ وَجْهٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَكُونُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا لَا بُدَّ مِنْ إِجَازَةِ الْآخَرِ) ، يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ جَازَ، فَأَمَّا إِنْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي النِّصْفِ مِنَ النَّصِيبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ خُصُوصِيَّةَ نَصِيبِهِ لَا تَظْهَرُ إِلَّا بِالتَّمْيِيزِ وَلَا تَمْيِيزَ إِلَّا بِالْقِسْمَةِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ إِجَازَةِ الْآخَرِ لِتَنَاوُلِهِ بَعْضَ نَصِيبِهِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِسَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ جَارَ فِيهَا بِعَيْنِهِ، كَمَا لَا يَخْفَى مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصُّلْحِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ إِنَّمَا لَا تَجُوزُ إِذَا كَانَتْ قَصْدًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ ضِمْنًا فَتَجُوزُ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَفِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنَ التَّرْدِيدِ الْمَذْكُورِ إِنَّمَا لَزِمَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الصُّلْحِ فَلَا مَحْذُورَ فِي اللَّازِمِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَشَارَكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ، فَإِذَا شَارَكَهُ فِيهِ رَجَعَ الْمُصَالِحُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيُؤَدِّي إِلَى عَوْدِ السَّلَمِ بَعْدَ سُقُوطِهِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ: وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ إِذَا

[فصل في التخارج]

(فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ) (وَإِذَا كَانَتِ الشَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ مِنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إِيَّاهُ وَالتَّرِكَةُ عَقَارٌ أَوْ عُرُوضٌ جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ إِيَّاهُ أَوْ كَثِيرًا) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بَيْعًا. وَفِيهِ أَثَرُ عُثْمَانَ، فَإِنَّهُ صَالَحَ تَمَاضُرَ الْأَشْجَعِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رُبُعِ ثَمَنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفِ دِينَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ، فَإِذَا شَارَكَهُ صَاحِبُهُ فِي النِّصْفِ رَجَعَ الْمُصَالِحُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَرِيمِ وَفِيهِ عَوْدُ الدَّيْنِ بَعْدَ سُقُوطِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَخَذَ بَدَّلَ الدَّيْنِ، وَأَخْذُهُ يُؤْذِنُ بِتَقْرِيرِ الْمُبَدِّلِ لَا بِسُقُوطِهِ، بَلْ يَتَقَاصَّانِ وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَفِي السَّلَمِ يَكُونُ فَسْخًا وَالْمَفْسُوخُ لَا يَعُودُ بِدُونِ تَجْدِيدِ السَّبَبِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لِمُعْتَرِضٍ أَنْ يَعُودَ. وَيَقُولُ: هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إِذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ، وَالْفَرْقُ الْمَزْبُورُ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِ الْجَوَابِ أَنَّ الْمَفْسُوخَ لَا يَعُودُ بِدُونِ تَجْدِيدِ السَّبَبِ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ السَّبَبُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ قَطْعًا، فَيَنْتَقِضُ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ بِهَا. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَنْعِ جَرَيَانِ قَوْلِهِ: لَوْ جَازَ لَشَارَكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ، فِي صُورَةِ الْإِقَالَةِ فِي الْعَيْنِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا بِالرَّفْعِ فِي الْعَيْنِ، كَمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَامَ بِهِمَا فَلا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِرَفْعِهِ فَلَمْ يُوجَدِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فَلَا انْتِقَاضَ بِهَا، تَأَمَّلْ تَقِفُ. [فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ] التَّخَارُجُ: تَفَاعَلَ مِنَ الْخُرُوجِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَتَصَالَحَ الْوَرَثَةُ عَلَى إِخْرَاجِ بَعْضِهِمْ مِنِ الْمِيرَاثِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ. وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ؛ إِذْ قَلَّمَا يَرْضَى أَحَدٌ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْبَيْنِ بِغَيْرِ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ. أَوْ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ الْحَيَاةِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ أَثَرُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ صَالَحَ تَمَاضُرَ الْأَشْجَعِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رُبْعِ ثَمَنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفِ دِينَارٍ) . قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ:

قَالَ (وَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ فِضَّةً فَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا أَوْ كَانَ ذَهَبًا فَأَعْطَوْهُ فِضَّةً فَهُوَ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُ بَيْعُ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي وَيُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إِنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا بُدَ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ (وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَا بُدَ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ) احْتِرَازًا عَنِ الرِّبَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ التَّخَارُجِ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصُّلْحِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِحْدَى نِسَاءِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ صَالَحُوهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا عَلَى أَنْ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْمِيرَاثِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بِتَخَارُجِ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَكَذَلِكَ رَوَى الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ إِحْدَى نِسَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ صَالَحُوهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا عَلَى أَنْ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ أَثْبَتَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ وَعَلَاءُ الدَّيْنِ الْإِسْبِيَجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لَفْظُ الْكَافِي، كَمَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، إِلَّا أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيَّ قَالَ: وَهِيَ تَمَاضُرُ كَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ، فَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مِيرَاثِهَا مِنْهُ ثُمَّ صَالَحُوهَا عَلَى الشَّطْرِ، وَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَوْلَادٍ، فَحَظُّهَا رُبْعُ الثَّمَنِ جُزْءٌ مِنَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنَ التَّرِكَةِ فَصَالَحُوهَا عَلَى نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا وَأَخَذَتْ بِهَذَا الْحِسَابِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ الْأَلْفَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُفَسِّرْ أَنَّهَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، وَذَكَرَ ثَلَاثَةً قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الْمُصَالَحَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ كَمْ نِسْوَةً مَاتَ. وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَذْكُرِ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ، وَفَسَّرَ الثَّمَانِينَ بِالدِّينَارِ. إِلَى هُنَا لَفَظُ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَهَذَا بَسَّطَ مَا ذُكِرَ فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ هَاهُنَا غَيْرُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ فِضَّةً وَذَهَبًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ احْتِرَازًا عَنِ الرِّبَا) . أَمَّا إِذَا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ تَبْقَى الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَأْخُوذِ مَنْ جَنَّسَ ذَلِكَ

وَلَا بُدَ مِنَ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ نَصِيبَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الصُّلْحِ عَرَضًا جَازَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الرِّبَا، وَلَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ أَيْضًا جَازَ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إِلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِلصَّرْفِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْمُصَالِحَ عَنْهُ وَيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ) لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ وَهُوَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ خَالِيَةً عَنِ الْعِوَضِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ تَبْقَى الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَأْخُوذِ مَنْ جَنْسِ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ خَالِيَةً عَنِ الْعِوَضِ، فَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِلُزُومِ الرِّبَا، وَلَا يَصِحُّ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الْإِبْرَاءِ عَنِ الْبَاقِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ عَيْنٌ وَالْإِبْرَاءُ عَنِ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ. أَقُولُ: عَدَمُ صِحَّةِ تَجْوِيزِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِبْرَاءِ عَنِ الْبَاقِي مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ نَفْسِ الْأَعْيَانِ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا إِلَّا أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ صَحِيحَةٌ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ. فَلَمْ يَصِحَّ تَجْوِيزُ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ أَوِ الْمُثُلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي وَحَمْلِ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ. فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ هُنَاكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَاهُنَا. قُلْتُ: قَدْ مَرَّ أَيْضًا فِي الشُّرُوحِ هُنَاكَ أَنَّ مَا ذُكِرَ جَوَابُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانَ أَيْضًا اخْتِلَافُ جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجَوَابِ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. حَتَّى قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هُنَاكَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَاقَى عَيْنًا، وَدَعْوَى وَالْإِبْرَاءِ عَنِ الدَّعْوَى صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْإِبْرَاءُ عَنِ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ. وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالْجَوَابُ عَدَمِ صِحَّةِ الصُّلْحِ رِوَايَةً وَاحِدَةً لَا غَيْرَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي جَمِيعِ

وَأُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ ، وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. وَالْأَوْجُهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالِحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُتُبِ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ النَّظَرِ، كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ: إِنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَنْ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَقَلِّ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ حَالَةَ التَّصَادُقِ. وَأَمَّا حَالَةُ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمُنَاكَرَةِ الْمُعْطِي يُعْطِي الْمَالَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَيَفْدِي بِهِ يَمِينَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الرِّبَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ. وَنُقِلَ عَنْهُمَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: قَالَ أَبُو الْفَضْلِ - يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ -: إِنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ نَصِيبِهَا مِنَ الْعَيْنِ فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إِسْقَاطًا. ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، انْتَهَى. وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانَ فِي فَتَاوَاهُ: قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: إِنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ مَالِ الرِّبَا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ. أَمَّا فِي حَالَةِ الْجُحُودِ وَالْمُنَاكَرَةِ يَجُوزُ الصُّلْحُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَالَةِ الْإِنْكَارِ مَا يُؤْخَذُ لَا يَكُونُ بَدَلًا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ قَاضِيخَانَ إِشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِ الْمَأْخُوذِ بَدَلًا فِي حَقِّ الدَّافِعِ ظَاهِرٌ مُسَلَّمٌ، وَأَمَّا عَدَمُ كَوْنِ ذَلِكَ بَدَلًا فِي حَقِّ الْآخِذِ فَمَمْنُوعٌ. فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّمَا لَا يَكُونُ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا فِي حَقِّ الْآخِذِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ تَصْحِيحِ هَذَا الصُّلْحِ بِدُونِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَخْذِ عَيْنِ الْحَقِّ فِي قَدْرِ الْمَأْخُوذِ وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ فِي الْبَاقِي، كَمَا قَالُوا فِي الصُّلْحِ عَنِ الدَّيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ. قُلْتُ: الْكَلَامُ فِي الصُّلْحِ عَنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنِ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، فَلَوْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ هَذَا الصُّلْحِ فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ بَعْضِ الْحَقِّ وَإِسْقَاطِ بَعْضِهِ الْآخَرِ لَأَمْكَنُ تَصْحِيحُهُ فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ أَيْضًا بِذَلِكَ الطَّرِيقِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى قَطْعًا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ إِمْكَانِ تَصْحِيحِهِ أَصْلًا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ. نَعَمْ بَقِيَ لَنَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ تَصْحِيحُ هَذَا الصُّلْحِ فِي الْحَالَتَيْنِ مَعًا بِحَمْلِهِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ دَعْوَى الْبَاقِي مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ لَا عَنْ نَفْسِ تِلْكَ الْأَعْيَانِ، وَالْبَاطِلُ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ) لِعَدَمِ رُجُوعِهِمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ. وَقَالُوا فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ: أَمَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لَا يُمْكِنُهُمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لُزُومُ النَّقْدِ عَلَيْهِمْ بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ نَسِيئَةٌ وَالنَّقْدُ خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ، انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ عَنِ الْكِفَايَةِ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، لَا مَا فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ مِنْ لُزُومِ النَّقْدِ بِالنَّسِيئَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ إِذْ لَا نَسِيئَةَ عِنْدَ التَّبَرُّعِ، فَلْيُتَأَمَّلْ، انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ يَكُونُ التَّبَرُّعُ فِي نَفْسِ الْمَالِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ عَيْنَهُ وَلَا بَدَلَهُ مِنْ بَعْدُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي نَقْدِهِ وَتَعْجِيلِهِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ فِي الْحَالِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُوبِ إِعْطَائِهِ عَاجِلًا عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهُ أَوْ بَدَلَهُ فِي الْآجِلِ، فَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي: "مُتَبَرِّعِينَ"، مُحْتَمِلًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ صُورَتَيِ التَّبَرُّعِ حَمَلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الصُّورَةِ الْأَوْلَى لِتَبَادُرِهَا، فَفَسَّرَ ضَرَرَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا بِعَدَمِ رُجُوعِهِمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِقِلَّةِ الضَّرَرِ فِيهَا وَتَفَاحُشِ الضَّرَرِ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى، فَفَسَّرُوا الضَّرَرَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِالْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفِينَ، فَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: "إِذْ لَا نَسِيئَةَ فِي التَّبَرُّعِ"، نَاشِئٌ مِنَ

وَيُحِيلُهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، قِيلَ: لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغُفُولِ عَنِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِلتَّبَرُّعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ حَمَلَ هَذَا الْوَجْهَ الثَّانِي فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ؛ حَيْثُ قَالَ: وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ يُؤَدُّونَ إِلَى الْمُصَالِحِ نُصِيبَهُ نَقْدًا وَيُحِيلُ لَهُمْ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَتَضَرَّرُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنَ الدَّيْنِ، انْتَهَى. وَلَكِنْ خَالَفَ فِي تَوْجِيهِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَشُرَّاحُ كِتَابِهِ قَاطِبَةً وَسَائِرُ الْمُحَقِّقِينَ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَغَيْرِهِ؛ حَيْثُ قَالَ: الْحِيلَةُ الْأَوَّلُ أَنْ يَشْرُطُوا أَنَّ يُبْرِئَ الْمُصَالِحُ الْغُرَمَاءَ عَنْ حِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ وَيُصَالِحُ عَنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ بِمَالٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ فَائِدَةٌ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَا يَبْقَى لَهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ حَقٌّ لَا أَنَّ حِصَّتَهُ تَصِيرُ لَهُمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إِنَّمَا يُفِيدُ ثُبُوتَ الْفَائِدَةِ لِغُرَمَاءٍ لَا لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إِذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمُصَالِحِ عَلَى الْغُرَمَاءِ حَقٌّ يُسَهِّلُ لِلْغُرَمَاءِ أَدَاءَ حِصَصِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَيَحْصُلُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ فَائِدَةٌ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. قُلْنَا: إِنْ حَصَلَ لَهُمْ فَائِدَةٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ يَحْصُلُ لَهُمُ الضَّرَرُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حِصَّةَ الْمُصَالِحِ لَا تَضِيرُ لَهُمْ لَا أَنَّ حِصَّتَهُ تَصِيرُ لَهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ، فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ فِي تَعْلِيلِ فَائِدَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ زَادَ فِي الطُّنْبُورِ نَغَمَةً؛ حَيْثُ قَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَفَى هَذَا الْوَجْهِ نَوْعُ ضَرَرٍ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ؛ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدَرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ، وَنَوْعِ نَفْعٍ لَهُمْ؛ حَيْثُ لَا يَبْقَى لِلْمُصَالِحِ حَقٌّ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَنُقْصَانُ ذَلِكَ الضَّرَرِ يُجْبِرُ بِهَذَا النَّفْعِ. وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: فِيهِ دَخَلٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ حَيْثُ اعْتَبَرَ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ النَّفْعَ، وَلِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ؛ حَيْثُ عَكَسَ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ؛ إِذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ عَدَمَ تَمَكُّنِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنَ الرُّجُوعِ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ وَضَيَاعَ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ مَالِ التَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لَهُمْ لَا يَنْجَبِرُ بِمُجَرَّدِ أَنْ لَا يَبْقَى لِلْمُصَالِحِ حَقٌّ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ النَّفْعَ فِيهِ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ أَمْرٌ وَهْمِيٌّ مِنْ جِهَةِ تَأَدِّيهِ إِلَى سُهُولَةِ أَدَاءِ الْغُرَمَاءِ حِصَصَ بَاقِي الْوَرَثَةِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ؟ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. قِيلَ: لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا) . بُيِّنَ هَذَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ بِأَنْ كَانَ لَهُ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلَ الصُّلْحِ أَوْ أَقَلَّ، وَهَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ لَا يُلْزِمُ الرِّبَا؛ إِذْ يَكُونُ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ بِمِثْلِهِ مَنْ بَدَلِ الصُّلْحِ، وَيَكُونُ زِيَادَةُ الْبَدَلِ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ كَمْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ، كَمَا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ فِضَّةً وَذَهَبًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ احْتِرَازًا عَنِ الرِّبَا. فَالْحَقُّ فِي الْبَيَانِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ أَكْثَرُ وَلَقَدْ أَصَابَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ؛ حَيْثُ عَلَّلَ قَوْلَهُ: لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ كَيْلِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ وَبَدَلُ الصُّلْحِ مِثْلُ نَصِيبِ الْمَصَالِحِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ يَكُونُ رِبًا، انْتَهَى. فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِلَّةَ فِي جَانِبِ بَدَلِ الصُّلْحِ لَا فِي جَانِبِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَكْسِ مَا اعْتَبَرَهُ الْآخَرُونَ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْخَلَلِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْمِثْلِ؛ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَلِيلِ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ فَيَكُونُ رِبًا، انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ قَيْدٌ أَوْ أَكْثَرُ، كَمَا نَبَّهَنَا عَلَيْهِ آنِفًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَوْسِيعُ دَائِرَةِ احْتِمَالِ الرِّبَا، كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ أَوْ أَقَلَّ، فَفِيهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَبِرَةٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ.

وَلَوْ كَانَتِ التَّرِكَةُ غَيْرَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَكِنَّهَا أَعْيَانٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ قِيلَ: لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ بَيْعًا إِذِ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَيْنٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا الْقِسْمَةُ لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا الْوَارِثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحُوا مَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهُ فَتُقَدَّمَ حَاجَةُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ فَعَلُوا قَالُوا يَجُوزُ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَتَجُوزُ قِيَاسًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَتَبَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، فِيهِ بَحْثٌ. أَقُولُ: لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْبَحْثِ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَهُ لَا يُلْزِمُ الرِّبَا لِمَا بَيَّنَاهُ فِيمَا مَرَّ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ فِي أَثْنَاءِ بَيَانِ احْتِمَالِ الرِّبَا، لَكِنَّهُ سَاقِطٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُ الرِّبَا، أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا إِلَّا أَنَّهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَلْزَمُ الرِّبَا، فَإِنَّهُمْ بِصَدَدِ بَيَانِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعْتَبِرَةٍ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ بَيَانِ احْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبِيِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ؛ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ احْتِمَالُ جَانِبِ الصِّحَّةِ قَطْعًا. كَيْفَ وَلَوْ كَانَ الِاحْتِمَالُ مَقْصُورًا عَلَى جَانِبِ الْفَسَادِ لَكَانَ اللَّازِمُ حَقِيقَةً الرِّبَا لَا شُبْهَةَ الرِّبَا، فَضْلًا عَنْ شُبْهَةِ شَبَّهْتِهِ تَأَمَّلْ تَقَفَّ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ بَعْدَ مَا بَيْنَ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ قَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَقُّ الْجَوَابِ التَّفْصِيلُ بِأَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسٌ بُدِّلَ الصُّلْحُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُدْرَ حَالَ التَّرِكَةِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا احْتِيَاجَ هَاهُنَا إِلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّفْصِيلِ أَصْلًا؛ إِذِ الشِّقَّانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ تَفْصِيلِهِ قَدْ اسْتُغْنِيَ عَنْهُمَا بِالْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ سَابِقًا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ: إِحْدَاهُمَا قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ فِضَّةً وَذَهَبًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ... إِلَخْ. وَأُخْرَاهُمَا قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ: وَإِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ مِنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إِيَّاهُ وَالتَّرِكَةُ عَقَارٌ أَوْ عَرُوضٌ، جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ إِيَّاهُ أَوْ كَثِيرًا. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَخْلُو عَنِ اخْتِلَالٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُ بَدَلِ الصُّلْحِ لَا يَجُوزُ، لَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ جَنَّسُ بَدَلِ الصُّلْحِ وَلَكِنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ قَدْرًا مِنْ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ يَجُوزُ الصُّلْحُ قَطْعًا، كَمَا مَرَّ مُفَصَّلًا وَمُدَلَّلًا. وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُ بَدَلِ الصُّلْحِ وَلَكِنْ كَانَ فِيهَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَكَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ أَيْضًا يَجُوزُ الصُّلْحُ قَطْعًا، كَمَا مَرَّ أَيْضًا مُسْتَوْفَى. وَأَمَا ثَالِثًا: فَلِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ لَا تَقْبَلُ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ جِدًّا؛ إِذْ قَدْ اعْتُبِرَ فِيهَا كَوْنُ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ، فَإِنَّ عِبَارَةَ هَذَا الْكِتَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَالصُّلْحُ عَلَى الْمُكَيَّلِ وَالْمَوْزُونِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ. وَعِبَارَةُ

[كتاب المضاربة]

(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) الْمُضَارَبَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ سُمِّيَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوِقَايَةِ وَكَذَا عِبَارَةُ مَتْنِ ذَلِكَ الْقَائِلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا. وَفِي صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْ تَرِكَةٍ جُهِلَتْ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ اخْتِلَافٌ، انْتَهَى. فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّفْصِيلُ الْمَزْبُورُ، فَهَلَّا هِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الشِّقِّ الثَّالِثِ مِنْهُ وَهُوَ مَا لَمْ يَدْرِ حَالَ التَّرِكَةِ، فَالْجَوَابُ بِالِاخْتِلَافِ لَا غَيْرَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عَامَّةً. [كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ] قَدْ مَرَّ وَجْهُ الْمُنَاسِبَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَالْمُضَارَبَةِ فِي اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ، مِنْ ضَرْبِ الْأَرْضِ إِذَا سَارَ فِيهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] يَعْنِي الَّذِينَ يُسَافِرُونَ فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ؛ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا طَلَبًا لِلرِّبْحِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَعَمَلٍ مِنَ الْآخَرِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَمَنْ يَحْذُو: هِيَ حَذْوهُ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إِلَى غَيْرِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا. أَقُولُ: فِيهِ فُتُورٌ؛ إِذِ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِي الشَّرِيعَةِ لَيْسَتْ نَفْسَ الدَّفْعِ الْمَزْبُورِ، بَلْ هِيَ عُقَدٌ يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ مَعَهُ. وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ: دَفَعْتُ هَذَا إِلَيْكَ مُضَارَبَةً أَوْ مُقَارَضَةً أَوْ مُعَامَلَةً، أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا عَلَى كَذَا، وَيَقُولُ الْمُضَارِبُ: قَبِلْتُ أَوْ مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى. وَشُرُوطُهَا كَثِيرَةٌ تُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَشُرُوطُهَا نَوْعَانِ: صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِفَوَاتِهِ، وَفَاسِدَةٌ تَفْسَدُ فِي نَفْسِهَا وَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ، اهـ. أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ أَيْضًا نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُفْسِدُ الْعَقْدَ أَيْضًا، وَنَوْعٌ يَفْسُدُ فِي نَفْسِهِ وَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا نَصَّ عَلَيْهِ هَاهُنَا فِي النِّهَايَةِ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا. وَعِبَارَةُ الْعِنَايَةِ تُشْعِرُ بِانْحِصَارِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْهَا فَكَانَتْ قَاصِرَةً. وَحُكْمَهَا: الْإِيدَاعُ وَالْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ بِحَسْبِ الْأَوْقَاتِ، كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرهَا عَلَى مَا فُصِّلَ فِي النِّهَايَةِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَحُكْمُهَا الْوَكَالَةُ عِنْدَ الدَّفْعِ وَالشَّرِكَةُ بَعْدَ الرِّبْحِ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ حُكْمَهَا عِنْدَ الدَّفْعِ هُوَ الْإِيدَاعُ، وَإِنَّمَا الْوَكَالَةُ حُكْمُهَا عِنْدَ التَّصَرُّفِ وَالْعَمَلِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى الْمُتُونِ؛ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ: وَهِيَ إِيدَاعٌ أَوَّلًا وَتَوْكِيلٌ عِنْدَ عَمَلِهِ وَشَرِكَةٌ إِنْ رَبِحَ. وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْإِيدَاعَ عِنْدَ بَيَانِ حُكْمِهَا وَهُوَ حُكْمٌ لَهَا أَيْضًا يَثْبُتُ بِهَا أَوَّلًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ: وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ: إِيدَاعٌ وَوَكَالَةٌ وَشَرِكَةٌ وَإِجَارَةٌ وَغَصْبٌ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ إِنَّمَا يَظْهَرُ إِذَا فَسَدَتِ الْمُضَارَبَةُ، وَمَعْنَى الْغَصْبِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا خَالَفَ الْمُضَارِبُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا، كَمَا سَيَأْتِي، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ نَاقِضٌ لِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مُنَافٍ لِصِحَّتِهَا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَجْعَلَ الْإِجَارَةَ وَالْغَصْبَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِهَا، وَحُكْمُ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ وَالَّذِي يَثْبُتُ ثَمَنًا فِيهِ لَا يَثْبُتُ.

لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَهِيَ مشروعة للحاجة إليها، فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ غَنِيٍّ بِالْمَالِ غَبِيٍّ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَبَيْنِ مُهْتَدٍ فِي التَّصَرُّفِ صِفْرِ الْيَدِ عَنْهُ، فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى شَرْعِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ لِيَنْتَظِمَ مَصْلَحَةُ الْغَبِيِّ وَالذَّكِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ. وَبُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُبَاشِرُونَهُ فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ وَتَعَامَلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ الْمَدْفُوعُ إِلَى الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ، وَهُوَ وَكِيلٌ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَمْرِ مَالِكِهِ، وَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لِتَمَلُّكِهِ جُزْءًا مِنَ الْمَالِ بِعَمَلِهِ، فَإِذَا فَسَدَتْ ظَهَرَتِ الْإِجَارَةُ حَتَّى اسْتَوْجَبَ الْعَامِلُ أَجْرَ مِثْلِهِ، وَإِذَا خَالَفَ كَانَ غَاصِبًا لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ قَطْعًا. لَا يُقَالُ: إِنَّ الْإِجَارَةَ وَالْغَصْبَ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحَا أَنْ يُجْعَلَا حُكْمًا لِلْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةَ إِلَّا أَنَّهُمَا يَصْلُحَانِ أَنْ يُجْعَلَا حُكْمًا لِلْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ: فَمَنْ أَدْرَجَهُمَا فِي أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ يُرِيدُ بِأَحْكَامِهَا أَحْكَامَ مُطْلَقِ الْمُضَارِبَةَ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي قَرَائِنِهَا مِنْ رُكْنِهَا وَشَرْطِهَا وَغَيْرِهِمَا إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَا كَانَ لِلْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ لَا غَيْرَ، فَفِي أَحْكَامِهَا أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ. وَلَئِنْ سَلَّمَ صِحَّةَ التَّعْمِيمِ لِلْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا فِي الْأَحْكَامِ فَالْغَصْبُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ بَلْ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِيمَا سَيَجِيءُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ مِثْلَ أَجْرِ عَمَلِهِ، وَلَا شَكَّ أَنْ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَجْرٌ قَطُّ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا مَجَالَ لِجَعْلِ الْغَصْبِ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ فِي شَيْءٍ. (قَوْلهُ: لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحَقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيهِ وَعَمَلِهِ) . قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيهِ وَعَمَلِهِ حَتَّى لَوْ سَعَى وَعَمِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ: "بِسَعْيهِ وَعَمَلِهِ"، لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحَقُّ الرِّبْحَ بِسَبَبِ سَعْيِهِ، وَوَظِيفَةُ السَّبَبِ مُجَرَّدُ الْإِيصَالِ وَالْإِفْضَاءِ إِلَى الْمُسَبِّبِ فِي الْجُمْلَةِ لَا التَّأْثِيرُ فِيهِ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ وَظِيفَةُ الْعِلَّةِ، وَقَدْ

قَالَ (الْمُضَارَبَةُ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) وَمُرَادُهُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ (وَالْعَمَلِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ) وَلَا مُضَارَبَةَ بِدُونِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّبْحَ لَوْ شُرِطَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ بِضَاعَةً، وَلَوْ شُرِطَ جَمِيعُهُ لِلْمُضَارِبِ كَانَ قَرْضًا. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ عَرْضًا وَقَالَ بِعْهُ وَاعْمَلْ مُضَارَبَةً فِي ثَمَنِهِ جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ فَلَا مَانِعَ مِنَ الصِّحَّةِ، وَكَذَا إِذَا قَالَ لَهُ اقْبِضْ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ حَيْثُ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَرَّفَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْأُصُولِ فَتَخَلَّفَ اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ عَنْ سَعْيِ الْمُضَارِبِ، وَعَمَلِهِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ الرِّبْحِ لَا يُخِلُ بِصِحَّةِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفْعَ إِلَيْهِ عَرَضًا وَقَالَ: بِعْهُ وَاعْمَلْ مُضَارَبَةً فِي ثَمَنِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِجَارَةٌ فَلَا مَانِعَ مِنَ الصِّحَّةِ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي بَيَانِ التَّعْلِيلِ: أَيْ: لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ، كَمَا عُرِفَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ قَابِلًا لِلْإِضَافَةِ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا لِئَلَّا يُخَالِفُ الْكُلُّ الْجُزْءَ، اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْبَيَانِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَالْإِجَارَةُ بِالرَّاءِ وَالْإِجَازَةُ بِالزَّاي. أَقُولُ: فِيهِ بَحَثٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ، مَا لَمْ تَفْسَدْ لَمْ تَصِرْ إِجَارَةً بِالرَّاءِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمَرَّ فِي الْكِتَابِ آنِفًا، وَالْمُدَّعَى هَاهُنَا صِحَّةَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ لَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْإِجَارَةِ بِالرَّاءِ أَصْلًا بَلْ تُنَافِيهَا قَطْعًا فَلَا مَعْنًى لِدَرْجِهَا فِي تَعْلِيلِ صِحَّةِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ لُزُومَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا مُخَالَفَةَ الْكُلِّ لِأَجْزَائِهِ الْخَارِجِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَاحِدَ جُزْءٌ مِنَ الْاثْنَيْنِ وَالْأَوَّلَ فَرْدٌ لَا زَوْجٌ وَالثَّانِيَ زَوْجٌ لَا فَرْدٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَبَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ أَيْضًا مُتَحَقِّقَةً قَطْعًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ. مِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ وَلَا يَشْتَرِكُ فِيهِ مَعَ الْمُوَكَّلِ، وَالْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ مَعَ رَبِّ الْمَالِ، وَأَنَّ الْأَجِيرَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَلَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ، وَالْمَضَارِبَ عَلَى الْعَكْسِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَا ثَالِثًا: فَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَالْإِجَارَةَ لَا يَحْتَمِلَانِ الْجُزْئِيَّةَ مِنَ الْمُضَارَبَةِ. أَمَّا الْوِكَالَةُ فَلِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ خَارِجٌ.

لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ. وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ لَكِنْ يَقَعُ الْمَلِكُ فِي الْمُشْتَرَى لِلْآمِرِ فَيَصِيرُ مُضَارَبَةً بِالْعَرَضِ. قَالَ (وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) مِنَ الرِّبْحِ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِفَسَادِهِ فَلَعَلَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ لَا رُكْنٌ دَاخِلٌ فِيهِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا أَيْضًا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَعْضُ وَشَيْءٌ مُنَافٍ لِصِحَّتِهَا: مُضَادٌّ لَهَا عَلَى مُقْتَضَى التَّحْقِيقِ، كَمَا مَرَّ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَصْلُحُ الْجُزْئِيَّةُ مِنْهَا. فَحَدِيثُ الْجُزْئِيَّةِ فِي تَمْشِيَةِ التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَامَ حَوْلَهُ سِوَى الشَّارِحِينَ الْمَذْكُورِينَ، فَالْوَجْهُ فِي تَمْشِيَةِ ذَلِكَ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي؛ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفِ الْمُضَارَبَةَ إِلَى الْعَرْضِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَى ثَمَنِهِ وَالثَّمَنُ مِمَّا يَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهِ وَالْإِضَافَةُ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكَالَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ إِجَارَةٌ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِضَافَةِ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اهـ. نَعَمْ فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ وَهُوَ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ إِجَارَةٌ بَعْدَ فَسَادِهَا لَا فِي حَالِ صِحَّتِهَا، فَلَا مَعْنًى لِدَرْجِ الْإِجَارَةِ فِي تَعْلِيلِ صِحَّتِهَا فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ دَرْجُهَا فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ: كَأَنَّهُ قِيلَ: لَيْسَ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مَا يَمْنَعُ عَنِ الْإِضَافَةِ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَلَا بَعْدَ فَسَادِهِ فَتَأَمَّلَ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ لِي بَحْثٌ قَوِيٌّ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَهُوَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُضَارَبَةَ إِيدَاعٌ ابْتِدَاءً وَتَوْكِيلٌ عِنْدَ الْعَمَلِ وَشَرِكَةٌ بَعْدَ الرِّبْحِ. وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَحَلِّهِ بِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إِضَافَتُهُ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تِسْعَةً وَعَدُّوا مِنْهَا الشَّرِكَةَ. فَإِذَا لَمْ تَصِحُّ إِضَافَةُ الشَّرِكَةِ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ وُجِدَ فِي الْمُضَارَبَةِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ وَهُوَ الشَّرِكَةُ. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْمَانِعِ؛ إِذْ لَا رَيْبَ أَنَّ ارْتِفَاعَ مَنْعِ أُمُورٍ لَا يُجْدِي عِنْدَ تَحَقُّقِ مَانِعٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ عِنْدَ، أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ) ، وَإِذَا لَمْ يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي وَالدِّينُ بِحَالِهِ، فَكَانَ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا لَمْ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ لَمْ تَصِحِّ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْجُزْءِ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكُلِّ، اهـ. أَقُولُ: قَدْ مَرَّ بِنَا أَنَّ حَدِيثَ كَوْنِ الْوَكَالَةِ جُزْءًا مِنَ الْمُضَارَبَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَكَالَةَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى صِحَّةِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ثَابِتٌ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا قَبْلِهُ فَلَا مَجَالَ لِأَنْ تَكُونُ جُزْءًا مِنْهَا فَلَا بُدَّ فِي بَيَانِ بُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ بُطْلَانِ ذَاكَ التَّوْكِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ. نَعَمْ إِنَّهُمَا قَالَا أَيْضًا: بِجُزْئِيَّةِ الْوَكَالَةِ مِنَ الْمُضَارَبَةِ فِيمَا مَرَّ وَلَكِنَّهُمَا أَصَابَا فِي تَرْكِ ذَلِكَ هَاهُنَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةً فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهُ) .

لَا يَرْبَحُ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَتَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ ابْتَغَى عَنْ مَنَافِعِهِ عِوَضًا وَلَمْ يَنَلْ لِفَسَادِهِ، وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَكَمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحِّ الْمُضَارَبَةُ وَلَا تُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ، وَيَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّ أَجْرَ الْأَجِيرِ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ أَوِ الْعَمَلِ وَقَدْ وُجِدَ . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا، وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالصَّحِيحَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَهَبَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ إِلَى أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ شَرَطَ، لِلتَّفْسِيرِ وَزِيَادَةُ عَشْرَةً، أَيْ: عَلَى مَا شَرَطَا كَالنِّصْفِ وَالثُّلْثِ فَلَهُ، أَيْ: فَلِلْعَامِلِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ مُخْتَصِرِ الْقُدُورِيِّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى أَعَمُّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٌ لِأَحَدِهِمَا يَتَمَشَّى فِي صُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى كَالْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا: مِنْهَا أَنَّ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنَ الرِّبْحِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، وَمِنْهَا أَنَّ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَ الرِّبْحِ أَوْ ثُلْثِهِ إِلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْهَا أَنَّ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلْثُهُ وَيُزَادُ عَشَرَةً، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ بِنَاءً عَلَى أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْمَزْبُورَةِ يَقْطَعُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْبَحُ إِلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ عَشْرَةً فَإِنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةٍ ثَالِثَةٍ مِنَ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَخَصُّ مُفَسِّرًا لِلْأَعَمِّ. وَثَانِيهُمَا: أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَسَادُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بِاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِأَحَدِهِمَا، وَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدَ الْمُتَخَالِفِينَ فِي الْحُكْمِ مُفَسِّرًا لِلْآخَرِ فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةً لِلتَّفْرِيعِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى بَيَانُ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ يُفْسِدُ بِاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدِينَ، وَبِالثَّانِيَةِ بَيَانُ أَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةَ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا عَرِفْتَ فَسَادَ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ بِاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِأَحَدِهِمَا فَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ فَسَادِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّفْرِيعِ صُورَةَ اشْتِرَاطِ زِيَادَةِ عَشْرَةً لِكَوْنِهَا هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ فِيهَا وَمِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يُغَيِّرُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِي، وَلَكِنْ دَفْعُ احْتِمَالِ تَوَهُّمِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ الْحَكَمِ بِالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: وَهَذَا هُوَ الْحَكَمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحِّ الْمُضَارَبَةُ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا) ، فَإِنْ قُلْتُ: مَا جَوَابُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ الْقَوِيِّ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ أَبَدًا مِنَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْ جِنْسِهِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ قُلْتُ: جَوَابُهُ هُوَ

وَلِأَنَّهُ عَيْنٌ مُسْتَأْجَرَةٌ فِي يَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْفَاسِدَ إِنَّمَا يَعْتَبِرُ بِالْجَائِزِ إِذَا كَانَ انْعِقَادُ الْفَاسِدِ مِثْلَ انْعِقَادِ الْجَائِزِ كَالْبَيْعِ، وَهَاهُنَا الْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً لَا إِجَارَةً، وَالْمُضَارَبَةُ الْفَاسِدَةُ تَنْعَقِدُ إِجَارَةً فَتُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ عِنْدَ إِيفَاءِ الْعَمَلِ، وَإِنْ تَلَفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَلَا أَجْرَ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ إِلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: مُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارَ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ مَعَ أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوهَا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ فِي حُكْمِ كَوِنِ الْمَالِ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّصِلًا بِمَا نَحْنُ فِيهِ؛ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالصَّحِيحَةِ. نَعَمْ يُمْكِنُ إِثْبَاتُ ذَاكَ الْحَكَمِ بِدَلِيلٍ آخَرَ مَآلُهُ إِلَى اعْتِبَارِهَا بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ عَيْنٌ مُسْتَأْجَرَةٌ فِي يَدِهِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي جَعْلِهِمِ اعْتِبَارَهَا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ رَدَّ عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي قَوْلُهُ وَهَاهُنَا: الْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً لَا إِجَارَةً، بِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّوْكِيلِ وَالْإِجَارَةِ. أَقُولُ: إِنَّمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِمَا أَسْلَفَهُ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى حَالِ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ والْإِجَارَةِ مَعًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّوْكِيلِ حَالَ صِحَّتِهِ وَعَلَى الْإِجَارَةِ بَعْدَ فَسَادِهِ فَلَا مُخَالَفَةً بَيْنَ كَلَامَيْهِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ عَيْنٌ مُسْتَأْجَرَةٌ فِي يَدِهِ) ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: عَيْنُ مُسْتَأْجِرٍ: يَعْنِي أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَيْنٌ اسْتُؤْجِرَ الْمَضَارِبُ لِيَعْمَلَ بِهِ هُوَ لَا غَيْرُهُ فَلَا يُضَمَّنُ كَأَجِيرِ الْوَحْدِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَيَكُونُ مُسْتَأْجَرَةٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنَّفِ: "عَيْنٌ مُسْتَأْجَرَةٌ"، صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ، أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ: سَيْلٌ مُفْعَمٌ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى، انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ: سَيْلٌ مُفْعَمٌ مِمَّا بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ وَأُسْنِدَ لِلْفَاعِلِ؛ إِذِ الْمُفْعَمُ اسْمُ مَفْعُولٍ مَنْ أَفْعَمْتُ الْإِنَاءَ، مَلَأْتُهُ وَقَدْ أُسْنِدَ إِلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ هُوَ الْمَالِئُ لَا الْمَمْلُوءُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَيْسَ بِفَاعِلٍ لِلِاسْتِئْجَارِ قَطْعًا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَفْعُولٍ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ ذَاكَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ سَيْلٌ مُفْعَمٌ أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ مُطْلَقًا لَا أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ خُصُوصِ الْإِسْنَادِ الْوَاقِعِ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ

وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ يُفْسِدُهُ لِاخْتِلَالِ مَقْصُودِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ؛ حَيْثُ قَالَ: الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ الْمُضَارِبُ لَكِنْ سُمِّيَ الْعَيْنُ مُسْتَأْجِرًا لِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فِيهِ، اهـ. ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الشُّرَّاحِ قَالُوا: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ بِمَنْزِلَةِ أَجِيرَ الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَجِيرٌ لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِآخَرَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ مِنْهُمْ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، كَمَا لَا يُمْكِنُ لِأَجِيرِ الْوَاحِدِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهَ لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْعَيْنِ الْوَاحِدِ فِي قَوْلِهِمَا: لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ نَفْسَ الْمَضَارِبِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْسَهَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إِذَا كَانَتْ عَقْدًا عَلَى الْعَمَلِ لَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مُسْتَأْجِرًا لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِينَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْقَصَّارِ وَرَاعِي الْغَنَمِ لِلْعَامَّةِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ وَقَعَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْعَمَلِ مِنَ الْمُضَارِبِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحْدِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ كَانَتْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَمَلِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهَ لِآخَرَ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَيْنِ الْوَاحِدِ فِي قَوْلِهِمَا: الْمَزْبُورُ رَأْسُ الْمَالِ، فَمُسْلَّمٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِمُسْتَأْجِرَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، أَيْ: أَنَّ يَكُونَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلَانِ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِبُ بِمَنْزِلَةِ أَجِيرِ الْوَاحِدِ لِجَرَيَانِ هَذَا الْمَعْنَى فِي كُلِّ أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ، فَإِنَّ مَا يَعْمَلُ بِهِ مِنَ الْأَعْيَانِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي مَحِلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ يُفْسِدُهُ لِاخْتِلَالِ مَقْصُودِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا، وَيُبْطِلُ الشَّرْطَ كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ) . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْكُلُّ مَنْقُوضٌ بِمَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا بِخُطُوطٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ دَاخِلٌ تَحْتَ ذَلِكَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ وَمَعَ ذَلِكَ أَفْسَدَ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ، وَعَلَى قَضِيَّةِ ذَلِكَ الْكُلِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ. قُلْتُ: نَعَمْ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "وَغَيْرُ ذَلِكَ"، الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ لَا يُفْسِدُهَا الشَّرْطَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ شَرْطًا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا شُرِعَ لِإِثْبَاتِ مُوجَبِهِ، انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَلَا يُجْدِي طَائِلًا.

قَالَ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إِلَى الْمُضَارِبِ وَلَا يَدٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ) لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا بُدِّ مِنَ التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَخْلُصَ الْمَالُ لِلْعَامِلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ. أَمَّا الْعَمَلُ فِي الشَّرِكَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَلَوْ شَرَطَ خُلُوصَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ تَنْعَقِدِ الشَّرِكَةُ، وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ خُلُوصَ يَدِ الْمُضَارِبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ لَهُ، وَبَقَاءُ يَدِهِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إِلَى الْمُضَارِبِ، وَكَذَا أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَأَحَدُ شَرِيكَيِ الْعَنَانِ إِذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِدًا، وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَاقِدِ مَعَ الْمُضَارِبِ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ يُفْسِدُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُضَارَبَةِ فِيهِ كَالْمَأْذُونِ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَأْخُذَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً بِأَنْفُسِهِمَا فَكَذَا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمَا بِجُزْءٍ مِنَ الْمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: "وَغَيْرُ ذَلِكَ"، الشَّرْطَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّهُ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ مَحْضٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الزَّبُورُ لِعُمُومِهِ مُفْسِدًا لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْمَقَامِ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ هَاهُنَا بَيَانُ أَصْلٍ يَنْضَبِطُ بِهِ أَحْوَالَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: "وَغَيْرُ ذَلِكَ"، الشَّرْطَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ يَكُونُ الشَّرْطُ الَّذِي يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ وَلَا يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ خَارِجًا عَنْ قِسْمَيْ هَذَا الْأَصْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِانْضِبَاطُ فَلَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَنِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ: شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ وَلَا يَبْطُلُ فِي نَفْسِهِ، بَلْ يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ، كَمَا سَيَجِيءُ فَلَمْ تَكُنِ الْقَاعِدَةُ مُطَّرِدَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَالَ: وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا، أَيْ: الْمُضَارَبَةُ، وَإِذَا شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُضَارَبَةٍ: وَسَلْبُ الشَّيْءِ عَنِ الْمَعْدُومِ صَحِيحٌ، يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: زَيْدٌ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِبَصِيرٍ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا بِخُطُوطٍ وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، مَعْنَاهُ مَانِعٌ عَنْ تَحَقُّقِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَضْمُونُ هَذَا الْجَوَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا فِي نَفْسِهِ إِلَّا أَنَّهُ مُفْسِدٌ لِمَعْنَى الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَ الثَّانِي مِنَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ هُوَ أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ لَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ بَلْ تَبْقَى الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ وَيُبْطِلُ الشَّرْطُ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ هُنَاكَ بَاطِلٌ وَالْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ كَانَ اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا؛ حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا: وَلَمَّا كَانَ مِنَ الشُّرُوطِ مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَمِنْهَا مَا يَبْطُلُ فِي نَفْسِهِ وَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ بِأَمْرٍ جُمْلِيٍّ فَقَالَ: وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ ... إِلَخْ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْمَعْدُومَةَ لَا تَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

قَالَ (وَإِذَا صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُوَكِّلَ وَيُسَافِرَ وَيُبْضِعَ وَيُودِعَ) لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاسْتِرْبَاحُ وَلَا يَتَحَصَّلُ إِلَّا بِالتِّجَارَةِ، فَيَنْتَظِمُ الْعَقْدُ صُنُوفَ التِّجَارَةِ وَمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَكَذَا الْإِبْضَاعُ وَالْإِيدَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى، كَيْفَ وَأَنَّ اللَّفْظَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ. وَعَنْهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إِنْ دَفَعَ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ دَفَعَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إِلَى بَلَدِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْغَالِبِ، وَالظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَالَ (وَلَا يُضَارِبُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُ الْمَالِ أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوِ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إِلَيْهِ وَكَانَ كَالتَّوْكِيلِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إِلَّا إِذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَإِذَا صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ مُطْلُقَةً جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَيُوكِلَ وَيُسَافِرَ وَيَبْضَعَ وَيُوَدِّعَ) فَسَّرَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ الْمُضَارَبَةَ الْمُطْلَقَةَ هَاهُنَا بِأَنْ لَا تَكُونَ مُقَيَّدَةٌ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ. أَقُولُ: هَذَا تَقْصِيرٌ مِنْهُمْ جِدًّا؛ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُقَيَّدَةٌ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ وَلَكِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمُعَامَلَةِ بِفُلَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تَكُنْ مُطْلَقَةً بَلْ كَانَتْ مُقَيِّدَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا، كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ بَعْضٌ مِنَ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ هَاهُنَا، أَيْ: غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَالسِّلْعَةِ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا نَوْعُ تَقْصِيرٍ لِدُخُولٍ مَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمُعَامَلَةِ بِفُلَانٍ بِعَيْنِهِ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُطْلَقَةٍ؛ حَيْثُ يَصِحُّ ذَلِكَ التَّقْيِيدُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، فَالْأَوْلَى فِي تَفْسِيرِهَا أَنْ يُقَالَ: مَا لَمْ تُقَيَّدْ بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانِ وَلَا بِنَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ وَلَا بِشَخْصٍ مِنَ الْمُعَامَلِينَ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ: إِذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ سَائِرِ التِّجَارَاتِ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا مَا هُوَ مِنْ عَادَاتِ التُّجَّارِ، انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يُضَارِبُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ أَوْ يَقُولُ: لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيكَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مَثْلَهُ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَا يَرِدُ جَوَازُ إِذْنِ الْمَأْذُونِ لِعَبْدِهِ وَجَوَازِ الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ وَالْإِجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ.

بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ وَالْإِبْضَاعِ لِأَنَّهُ دُونَهُ فَيَتَضَمَّنُهُ، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ. وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّعْمِيمُ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ وَهُوَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ وَهُوَ الرِّبْحُ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، أَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً فَمِنْ صَنِيعِهِمْ، وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ (وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبٍّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ. وَفِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ فَيَتَخَصَّصُ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إِلَى مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِخْرَاجَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إِلَى غَيْرِهِ. قَالَ (فَإِنْ خَرَجَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَاشْتَرَى ضَمِنَ) وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَهُ رِبْحُهُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى الْكُوفَةِ وَهِيَ الَّتِي عَيَّنَهَا بَرِئَ مِنَ الضَّمَانِ كَالْمُودَعِ إِذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ تَرَكَ وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ لِبَقَائِهِ فِي يَدِهِ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِعَارَةُ لِلْمُسْتَعِيرِ فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ، فَإِنَّهَا أَمْثَالٌ لَمَّا يُجَانِسْهَا. وَقَدْ تَضَمَّنَتْ أَمْثَالُهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَضَمَّنَتِ الْأَمَانَةَ أَوَّلًا وَالْوَكَالَةَ ثَانِيًا، وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ وَالْوَكِيلِ الْإِيدَاعُ وَالتَّوْكِيلُ، فَكَذَا الْمُضَارِبُ لَا يُضَارِبُ غَيْرَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَضَمَّنَتِ الْأَمَانَةَ ... إِلَخْ. تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَرُدُّ جَوَازَ إِذَنْ الْمَأْذُونِ إِلَخْ. لَكِنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ إِقَامَةُ دَلِيلٍ آخَرَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ أَنْ يُضَارِبَ الْمُضَارِبُ غَيْرَهُ بِتَضَمُّنِ الْمُضَارَبَةَ الْأَمَانَةَ وَالْوَكَالَةَ اللَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا الْإِيدَاعُ وَالتَّوْكِيلُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمَ وُرُودِ النَّقْضِ بِالصُّوَرِ الْمَزْبُورَةِ عَلَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَالْوَجْهُ فِي الْجَوَابِ عَنِ النَّقْضِ بِتِلْكَ الصُّوَرِ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّصَرُّفِ نِيَابَةً وَهَؤُلَاءِ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ. أَمَّا الْمَأْذُونُ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجَرِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا يَدًا، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فَلِأَنَّهُمَا مَلَكَا الْمَنْفَعَةَ. (قَوْلُهُ: وَرَجْعُ الْمَالِ مُضَارَبَةٌ عَلَى حَالِهِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ

وَكَذَا إِذَا رَدَّ بَعْضَهُ وَاشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي الْمِصْرِ كَانَ الْمَرْدُودُ وَالْمُشْتَرَى فِي الْمِصْرِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ شَرَطَ الشِّرَاءَ بِهَا هَاهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِالشِّرَاءِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ لِزَوَالِ احْتِمَالِ الرَّدِّ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ، أَمَّا الضَّمَانُ فَوُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ الشِّرَاءَ لِلتَّقَرُّرِ لَا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ، إِلَّا إِذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ فِي السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِ السُّوقِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجْرِ وَالْوِلَايَةُ إِلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجْعُ الْمَالِ مُضَارَبَةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا زَائِلَةٌ، وَإِذَا زَالَ الْعَقْدُ لَا يَرْجِعُ إِلَّا بِالتَّجْدِيدِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ عَلَيَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعُ الصَّغِيرِ لَمْ يَزَلْ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالشِّرَاءِ وَالْفَرْضِ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ رَجْعٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهَا زَالَتْ زَوَالًا مَوْقُوفًا؛ حَيْثُ ضَمَّنَهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ، اهـ. أَقُولُ: قَوْلُهُ: إِنَّهُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَزَلْ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالشِّرَاءِ مُخَالِفٌ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنَّفُ وَغَيْرُهُ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ شَرْطَ الشِّرَاءِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِتُقَرِّرَ الضَّمَانَ لَا لِأَصِلِ وُجُوبِهِ، وَإِنَّمَا وُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ؛ إِذْ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا، فَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُكْتَفَى بِأَنْ يُقَالَ: إِنِ الْمُضَارَبَةَ زَائِلَةٌ بِالْإِخْرَاجِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِ وَرَدَّ الْمَالَ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَبُّ الْمَالِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَعَادَتِ الْمُضَارَبَةُ إِلَى أَصْلِهَا، وَالْعَقْدُ إِنَّمَا لَا يَرْجِعُ إِلَّا بِالتَّجْدِيدِ فِيمَا إِذَا زَالَ زَوَالًا مَقْطُوعًا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: إِلَّا إِذَا صَرَّحَ بِالنَّهْي بِأَنْ قَالَ: اعْمَلْ فِي السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِ السُّوقِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجَرِ وَالْوِلَايَةِ إِلَيْهِ) . قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا تَبِعْ بِالنَّقْدِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ؛ حَيْثُ لَوْ بَاعَ بِالنَّقْدِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا مَعَ صَرِيحِ النَّهْيِ إِذَا كَانَ السِّعْرُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ لَا يَتَفَاوَتُ قُلْنَا: هَذَا مُخَالَفَةٌ بِالْخَيْرِ.

وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا، وَكَذَا إِذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ، أَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ أَوْ قَالَ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ، أَمَّا إِذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَكُونُ مُخَالَفَةً خِلَافًا لِزَفْرٍ، وَهَذَا، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ بِالْخَيْرِ، اهـ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ خَبْطٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: "أَوْ عَلَى الْعَكْسِ"، غَيْرَ صَحِيحٍ؛ إِذْ لَمْ يَذْكُرْ كَوْنُ الْجَوَابِ فِي عَكْسِ قَوْلِهُ: بِعْ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا تَبِعْ بِالنَّقْدِ، كَالْجَوَابِ فِيهِ لَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا مُخَالَفَةٌ بِالْخَيْرِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ بَعْدَ دَرْجِ الْعَكْسِ الْمَذْكُورِ فِي الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالنَّقْدِ مُخَالَفَةً بِالْخَيْرِ فِيمَا إِذَا كَانَ السِّعْرُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ غَيْرَ مُتَفَاوِتٍ لَمْ يُتَصَوَّرْ كَوْنُ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ فِي الْعَكْسِ مُخَالَفَةٌ بِالْخَيْرِ أَيْضًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا، فَالصَّوَابُ أَنْ يَطْرَحَ حَدِيثُ الْعَكْسِ فِي السُّؤَالِ، كَمَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى التَّخْصِيصُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا ... إِلَخْ) . يَعْنِي: أَنَّ مَعْنَى التَّخْصِيصِ يَحْصُلُ بِأَنْ يَقُولَ: كَذَا وَكَذَا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَمَقْصُودُهُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يُفِيدُ التَّخْصِيصُ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَمَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ مِنْهَا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عَلَى مَا عُيِّنُوا ثَمَانِيَةٌ: سِتَّةٌ مِنْهَا تُفِيدُ التَّخْصِيصَ فَتُعْتَبَرُ شَرْطًا، وَاثْنَانِ مِنْهَا لَا تُفِيدُهُ فَتُعْتَبَرُ مَشُورَةً. وَالضَّابِطُ فِي التَّمْيِيزِ مَا يُفِيدُ التَّخْصِيصَ عَمَّا لَا يُفِيدُهُ هُوَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى ذَكَرَ عَقِيبَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يَصِحُّ التَّلَفُّظُ بِهِ ابْتِدَاءٌ وَيَصِحُّ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ يُجْعَلُ مُتَعَلِّقًا بِهِ لِئَلَّا يَلْغُو، وَمَتَى ذَكَرَ عَقِيبُهَا مَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَا يُجْعَلُ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ وَالْكَافِي. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ: خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِرَفْعِ تَعْمَلُ وَبِجَزْمِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ الَّتِي تُفِيدُ التَّخْصِيصَ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِتَعْمُلُ مَرْفُوعًا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، كَمَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِاللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ حَصَرُوا فِيهِمَا مَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُمَا قَوْلُهُ: وَاعْمَلْ بِهِ بِالْوَاوِ، وَقَوْلُهُ: اعْمَلْ بِهِ بِغَيْرِ الْوَاوِ فَعَلَى مُقْتَضَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالرَّفْعِ مِمَّا لَا يُفِيدُ التَّخْصِيصَ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَمَّا إِذَا قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ) . فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَمْ تَجْعَلِ الْوَاوَ لِلْحَالِ، كَمَا فِي قَوْلُهُ: أَدِّ إِلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرُّ. قُلْنَا: لِأَنَّهُ غَيْرَ صَالِحٍ لِلْحَالِ.

وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَوْ دَفَعَ فِي الصَّرْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنَ الصَّيَارِفَةِ وَيَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ بِالْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَوَّلِ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ، وَفَائِدَةَ الثَّانِي التَّقْيِيدُ بِالنَّوْعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ عُرْفًا لَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إِنْ وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ وَقْتًا بِعَيْنِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمُضِيِّهِ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيَتَوَقَّتُ بِمَا وَقَّتَهُ وَالتَّوْقِيتُ مُفِيدٌ وَأَنَّهُ تَقْيِيدٌ بِالزَّمَانِ فَصَارَ كَالتَّقْيِيدِ بِالنَّوْعِ وَالْمَكَانِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِقَرَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحَ وَذَلِكَ بِالتَّصَرُّفِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ لِعِتْقِهِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْمُضَارَبَةِ شِرَاءٌ مَا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَالشِّرَاءِ بِالْمَيْتَةِ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ. قَالَ (وَلَوْ فَعَلَ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَّذَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إِذَا خَالَفَ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ يُعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ وَيُفْسِدُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ أَوْ يُعْتِقُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فَيَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَإِنِ اشْتَرَاهُمْ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْعَبْدَ لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَاهُنَا؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَمَلِ لَا يَكُونُ وَقْتَ الْأَخْذِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْعَمَلُ بَعْدَ الْأَخْذِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَامَّةُ الشُّرُوحِ أَقُولُ: يَنْتَقِضُ هَذَا الْجَوَابُ بِمَا إِذَا قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلُ بِهِ بِالْكُوفَةِ بِالرَّفْعِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلُهُ: تَعْمَلُ بِهِ بِالْكُوفَةِ مِمَّا يُفِيدُ التَّخْصِيصَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: تَعْمَلُ عَلَى إِعْرَابَيْنِ: بِالرَّفْعِ عَلَى الْحَالِ وَبِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ التَّصَرُّفِ، إِذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ لِيُعْتَقَ عَلَيْهِ (فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمْ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ) لِمِلْكِهِ بَعْضَ قَرِيبِهِ (وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِ الْمَالِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَا فِي مِلْكِهِ الزِّيَادَةَ، لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَثْبُتُ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ فَصَارَ كَمَا إِذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ (وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْهُ) لِأَنَّهُ احْتُسِبَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ فَيَسْعَى فِيهِ كَمَا فِي الْوَرَثَةِ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ ثُمَّ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَةِ قَوْلُهُ: وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ لِلْحَالِ وَهِيَ كَوْنُ الْعَمَلِ بَعْدَ الْأَخْذِ لَا وَقْتَ الْأَخْذِ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا فِي قَوْلِهُ: تَعْمَلُ بِهِ بِالْكُوفَةِ بِالرَّفْعِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْحَالِ أَيْضًا. وَإِنْ قَالُوا: هَذَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] يَرُدُّ أَنْ يُقَالَ: لِمَ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهُ: وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ فَلَا تَنْحَسِمُ مَادَّةُ الْإِشْكَالِ بِذَلِكَ الْجَوَابِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْجَوَابُ التَّامُّ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ الْحَاسِمِ مَادَّةُ الْإِشْكَالِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ جُمْلَةٌ إِنْشَائِيَّةٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْجُمَلَ الْإِنْشَائِيَّةَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَقَعَ حَالًا سَوَاء كَانَتْ مَعَ الْوَاوِ أَوْ بِدُونِهَا. وَهَذَا مَعَ وُضُوحِهِ جَدًّا كَيْفَ خُفَّيَ عَلَى الشُّرَّاحِ حَتَّى تَرَكُوهُ وَتَشَبَّثُوا بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ، وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ حَالًا مُنْتَظَرَةً، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا فَهُوَ أَيْضًا غَفَلَ عَنْ عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْجُمَلِ الْإِنْشَائِيَّةِ؛ لِأَنْ تَقَعَ حَالًا. ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ تَدَارَكَ مَا أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَقَصَدَ تَوْجِيهَ الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَامَّةُ فَقَالَ: وَجَعَلَهُ حَالًا مُقَدَّرَةً خِلَافَ الظَّاهِرِ فَكَأَنَّهُ أَيْضًا غَافِلٌ عَنْ عَدَمِ صَلَاحِيَةِ

وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ) وَوَجْهٌ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَةَ صَحِيحَةٌ فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمَلِكُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الرِّبْحِ لِأَنَّ كُلَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَعْنِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ، كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إِذَا صَارَ أَعْيَانًا كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا يُسَاوِي رَأْسَ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ كَذَا هَذَا، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ الْآنَ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَنَفَذَتِ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ثُمَّ ازْدَادَتِ الْقِيمَةُ. لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْشَاءُ الْعِتْقِ، فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُدُوثِ الْمِلْكِ، أَمَّا هَذَا فَإِخْبَارٌ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ كَمَا إِذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَإِذَا صَحَّتِ الدَّعْوَةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ عَتَقَ الْوَلَدُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي بَعْضِهِ، وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ عِتْقَهُ ثَبَتَ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا فَيُضَافُ إِلَيْهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا ضَمَانُ إِعْتَاقٍ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ) لِأَنَّهُ احْتُبِسَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتِقَ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ؛ لِأَنْ يَقَعَ حَالًا. (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ) . قَالَ الشُّرَّاحُ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: "وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ"، لِنَفْيٍ وَشُبْهَةٍ هِيَ أَنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ دَعْوَةِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ ضَمَانُ إِعْتَاقٌ فِي حَقِّ الْوَلَدِ: وَضَمَانُ الْإِعْتَاقُ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ إِذَا كَانَ مُوسِرًا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ، اهـ كَلَامُهُمْ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ لَا يَنْفِي الشُّبْهَةَ عَلَى التَّقْرِيرِ الْمَزْبُورِ بَلْ يُؤَيِّدُهَا. سِيَّمَا إِذَا جُعِلَ قَوْلُهَا. وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ مِنْ تَمَّامِ الشُّبْهَةِ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْفِي الشُّبْهَةَ عَلَى التَّقْرِيرِ الْمَزْبُورِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي بِقَوْلِهُ: وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ ثَبَتَ بِالنَّسَبِ وَالْمُلْكِ. وَالْمُلْكُ آخِرُهُمَا فَيُضَافُ إِلَيْهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا ضَمَانُ إِعْتَاقٍ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ، اهـ. فَالظَّاهِرُ فِي تَقْرِيرِ فَائِدَةِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ تَنْبِيهًا عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ بِحَالَةِ إِعْسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ يَسَارِهِ فَلِأَنَّ لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ إِعْسَارِهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذُكِرَ الْكَلَامَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ.

وَيَسْتَسْعِيهِ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالْخَمْسَمِائَةِ رِبْحٌ وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ. ثُمَّ إِذَا قَبَضَ رَبُ الْمَالِ الْأَلْفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَّعِيَ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ لَمَّا اسْتُحِقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ دَعْوَةٌ صَحِيحَةٌ لِاحْتِمَالِ الْفِرَاشِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَتَوَقَّفَ نَفَاذُهَا لِفَقْدِ الْمِلْكِ، فَإِذَا ظَهَرَ الْمِلْكُ نَفَذَتْ تِلْكَ الدَّعْوَةُ وَصَارَتِ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِيَ صُنْعًا كَمَا إِذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَذَا هَذَا؛ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى حَالَةِ إِعْسَارِهِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَسْعِيهِ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالْخَمْسمِائَةُ رِبْحٌ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ) . قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَا تُجْعَلُ الْأُمَّةُ رَأْسَ الْمَالِ وَجَمِيعَ الْوَلَدِ رِبْحًا؟ قُلْنَا: لِأَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ مِنَ السِّعَايَةِ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْأُمَّةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، فَكَانَ تَعْيِينُ الْأَلْفِ مِنَ السِّعَايَةِ لِرَأْسِ الْمَالِ أُولَى اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا السُّؤَالِ وَهَذَا الْجَوَابِ عَامَّةُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ الْمَزْبُورَيْنِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا إِذَا جَعَلْنَا الْجَارِيَةَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَدْ عُتِقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَجَبْتْ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُضَارِبِ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، اهـ. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الْجَارِيَةَ رَأْسَ الْمَالِ لَمْ تُعْتَقْ بِالِاسْتِيلَادِ؛ لَأَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهَا أَمُّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِبُ مَالِكًا لَهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُجْعَلَ هِيَ رَأْسُ الْمَالِ تَكُونُ مَمْلُوكَةً لِرَبِّ الْمَالِ دُونَ الْمُضَارِبِ فَلَا تَصِيرُ أَمَّ وَلَدٍ لِلْمَضَارِبِ وَلَا تُعْتَقُ فَلَا تَجِبُ قِيَمَتُهَا عَلَى الْمُضَارِبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُجَانَسَةُ وَهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ جِدًّا كَيْفَ خُفِيَ عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ. فَأَوْرَدَ النَّظَرَ الْمَزْبُورَ عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ارْتَضَاهُ جُمْهُورُ الثِّقَاتِ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَشُرَّاحِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ فِي دَفْعِ النَّظَرِ الْمَزْبُورِ وَجَوَابِهِ: إِنَّ الِاسْتِسْعَاءَ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَصْلٌ فِي الدَّعْوَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْأُمَّ تَتْبَعُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادَ الْمُجِيبِ هَذَا، اهـ. أَقُولُ: الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَّرَهُ هَذَا الْقَائِلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَلَى أَصْلِ السُّؤَالِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنَّفُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ لِمَا اسْتَحَقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا، اهـ. إِلَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِلْجَيْبِ بِالْجَوَابِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ هَذَا لَمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَشَبَّثَ بِمُنَاسَبَةِ الْمُجَانَسَةِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي تَمْشِيَةِ هَذَا الْجَوَابِ؛ إِذِ التَّقَدُّمُ فِي الِاسْتِسْعَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ أَمْرٌ مُسْتَقِلٌّ فِي اقْتِضَاءِ كَوْنِ الْأَلْفِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْوَلَدِ رَأْسَ الْمَالِ دُونَ الْجَارِيَةِ. وَنَظَرُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُجَانَسَةِ فَلَا يَدْفَعُهُ هَذَا الْجَوَابُ. وَإِنَّمَا الدَّافِعُ الْقَاطِعُ لَهُ مَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. ثُمَّ إِنَّ الشَّارِحَ الْعَيْنِيَّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَصْلَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ الْمَزْبُورَيْنِ نَقْلًا عَنِ الْكَافِي، وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَظَرَ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ نَقْلًا عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: الْوَلَدُ زَاحَمَهَا فَتُرَجِّحُ بِسَبَبِ ظُهُورِ الرِّبْحِ مِنْ جِهَتِهِ، اهـ. أَقُولُ: لَا يُرَى لِهَذَا مَعْنًى مُفِيدٌ. فَإِنَّ ظُهُورَ الرِّبْحِ مِنْ جِهَتِهِ لَا يَقْتَضِي رُجْحَانَ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ هُوَ الْأَلْفُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ دُونَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ. بَلِ الْأَلْفِ الْمُنَاسِبِ لِظُهُورِ الرِّبْحِ مِنْ جِهَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَيْضًا مِنَ الرِّبْحِ تَأَمَّلْ تَقِفْ.

[باب المضارب يضارب]

(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ) قَالَ (وَإِذَا دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إِلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ، فَإِذَا رَبِحَ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِرَبِ الْمَالِ) وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَهُ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ، وَهَذَا الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الدَّفْعَ إِيدَاعٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُهُ لِلْمُضَارَبَةِ بِالْعَمَلِ فَكَانَ الْحَالُ مُرَاعًى قَبْلَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ] لَمَّا ذُكِرَ حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ حِكَمُ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ؛ إِذِ الثَّانِيَةُ تَتْلُو الْأُولَى أَبَدًا فَكَذَا بَيَانُ حُكْمِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَذُكِرَ فِيهِمَا وَجْهٌ آخَرَ أَيْضًا هُوَ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ مُفْرَدَةٌ وَمُضَارِبَةَ الْمَضَارِبِ مُرَكَّبَةٌ وَالْمَرْكَبُ يَتْلُو الْمُفْرَدَ أَبَدًا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ تَعَسُّفٌ؛ لِأَنَّ مُضَارَبَةَ الْمَضَارِبِ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ مُضَارَبَةِ رَبِّ الْمَالِ إِلَّا أَنَّهَا مُفْرَدَةٌ أَيْضًا غَيْرَ مُرَكَّبَةٍ مِنَ الْمُضَارِبَتَيْنِ قَطْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّانِي أَبَدًا يَتْلُو الْأَوَّلَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ مِنَ الْأَوَّلِ.

أَنَّ الدَّفْعَ قَبْلَ الْعَمَلِ إِيدَاعٌ وَبَعْدَهُ إِبْضَاعٌ، وَالْفِعْلَانِ يَمْلِكُهُمَا الْمُضَارِبُ فَلَا يَضْمَنُ بِهِمَا، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ شَرِكَةً فِي الْمَالِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ عَمِلَ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فِيهِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّانِيَ. وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودِعِ الْمُودَعِ. وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ نَفْسِهِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا الِاثْنَانِ: نَعَمْ إِنَّ مُضَارَبَةَ الْمَضَارِبِ لَمَّا اقْتَضَتِ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى جَازَ أَنَّ يَحْصُلَ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَمْرٌ مُرَكَّبٌ فِي الْعَقْلِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَدَارِ الْحُكْمِ فِي هَذَا الْبَابِ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ. (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ إِبْضَاعٌ) . قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: تَوْكِيلٌ، كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَلَامَةِ الزَّيْلَعِيِّ، اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ، كَمَا فَهِمَهُ فَإِنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ هَاهُنَا بِأَنَّهُ إِبْضَاعٌ إِنَّمَا هُوَ الدَّفْعُ لَا عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ: وَالَّذِي يُنَافِي الْإِبْضَاعَ وَيُلَائِمُ التَّوْكِيلَ إِنَّمَا هُوَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ لَا الدَّفْعُ نَفْسُهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُلَائِمُ الْإِيدَاعَ قَبْلَ الْعَمَلِ وَالْإِبْضَاعَ بَعْدَهُ لَا التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ لِأَجْلِ الْمُوَكِّلِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ مِنَ الدَّفْعِ نَفْسُهُ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الزَّيْلَعِيِّ فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَى الدَّفْعِ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَوَجَّهَ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ الْمُجَرَّدَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَلِهَذَا لَا يُضَمِّنُ الْفُضُولِيُّ بِمُجَرَّدِ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَلَا بِالتَّسْلِيمِ لِأَجْلِ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ إِيدَاعٌ وَهُوَ يُمْلُكُ ذَلِكَ وَلَا بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا أَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ نَفْسَهُ تَوْكِيلٌ. وَلَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ بِحَكَمِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَأَمَّا أَنَّهُ وَكِيلٌ بِحُكْمِ الدَّفْعِ فَقَطْ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ) . قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ: أَيْ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الرِّبْحِ أَوِ الْعَمَلِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَشَرْحِ الْعَيْنِيِّ، أَيْ: وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَيْهِمَا بِالرِّبْحِ أَوِ الْعَمَلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إِذَا كَانَتِ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً. أَقُولُ: لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِهَذَا هَاهُنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا، أَيْ: عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، بَلْ كَوْنُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِهِ هُنَا هُوَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ هُوَ ضَمَانٌ الْأَوَّلُ لَا غَيْرَ. وَلَمْ يَمُرْ مِنَ الْمُصَنَّفِ إِلَى الْآنِ شَيْءٌ يُشْعِرُ بِضَمَانِ الثَّانِي أَيْضًا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنَّ يَجْعَلَ كَلِمَةَ هَذَا هَاهُنَا إِشَارَةً إِلَى الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا. وَشَأْنُ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَنْ يُشَارَ بِهِ إِلَى الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ. وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي مِمَّا لَمْ تَشُمُّ رَائِحَتَهُ قَطُّ إِلَى الْآنِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَجْعَلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ، عَلَى أَنَّ الْمُصَنَّفَ هَاهُنَا بِصَدَدِ بَيَانِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ضَمَانِ الْأَوَّلِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَأَمَّا أَنَّ الثَّانِي هَلْ يُضَمَّنُ أَيْضًا أَمْ لَا فَيُبَيِّنُهُ بَعْدَ مُفَصَّلًا

وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مُودِعِ الْمُودَعِ أَنَّ الْمُودَعَ الثَّانِيَ يَقْبِضُهُ لِمَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا، أَمَّا الْمُضَارِبُ الثَّانِي يَعْمَلُ فِيهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا. ثُمَّ إِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الثَّانِي وَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ خَالَفَ بِالدَّفْعِ إِلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ فَصَارَ كَمَا إِذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ كَمَا فِي الْمُودَعِ وَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ. وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَهُ ابْتِدَاءً، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَعْلَى لِأَنَّ الْأَسْفَلَ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ وَلَا خُبْثَ فِي الْعَمَلِ، وَالْأَعْلَى يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ الْمُسْتَنِدِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَلَا يُعَرَّى عَنْ نَوْعِ خُبْثٍ. قَالَ (فَإِذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَذِنَ لَهُ بِأَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ فَدَفَعَهُ بِالثُّلُثِ وَقَدْ تَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِرَبِ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ السُّدُسُ) لِأَنَّ الدَّفْعَ إِلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً قَدْ صَحَّ لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ وَرَبُّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ إِلَّا النِّصْفُ فَيَتَصَرَّفُ تَصَرُّفُهُ إِلَى نَصِيبِهِ وَقَدْ جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ لِلثَّانِي فَيَكُونُ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا السُّدُسُ، وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي وَاقِعٌ لِلْأَوَّلِ كَمَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَاسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّانِي ... إِلَخْ. فَهُوَ هَاهُنَا بِمَعْزِلٍ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ خَالَفَ بِالدَّفْعِ إِلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ فَصَارَ، كَمَا إِذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ) . أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ إِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ؛ لِأَنَّ تُحَقِّقُ الْمُخَالَفَةُ بِالدَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ بِالدَّفْعِ مَا لَمْ يَعْمَلْ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَتَحَقَّقُ بِالدَّفْعِ وَلَا بِالْعَمَلِ مَا لَمْ يَرْبَحْ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَهَمَّ بِالْبَيَانِ.

دِرْهَمٍ (وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَكَ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إِلَيْهِ التَّصَرُّفَ وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رُزِقَ الْأَوَّلُ وَقَدْ رُزِقَ الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا (وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ فَمَا رَبِحْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنِكَ نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ إِلَى غَيْرِهِ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّهُ. وَقَدْ جَعَلَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ إِلَّا النِّصْفُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَلِي نِصْفُهُ أَوْ قَالَ فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَكَ نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ إِلَى آخَرَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مُطْلَقِ الْفَضْلِ فَيَنْصَرِفُ شَرْطُ الْأَوَّلِ النِّصْفَ لِلثَّانِي إِلَى جَمِيعِ نَصِيبِهِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي بِالشَّرْطِ وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، كَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِيَخِيطَ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ لِيَخِيطَهُ بِمِثْلِهِ (وَإِنْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثَيِ الرِّبْحِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي النِّصْفُ وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسَ الرِّبْحِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلثَّانِي شَيْئًا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّهِ لِمَا فِيهِ مِنِ الْإِبْطَالِ، لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا فِي عَقْدٍ يَمْلِكُهُ وَقَدْ ضَمِنَ لَهُ السَّلَامَةَ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَهُوَ سَبَبُ الرُّجُوعِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنِ اسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَدَفَعَهُ إِلَى مَنْ يَخِيطُهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ. (فَصْلٌ) (وَإِذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَ الرِّبْحِ فَهُوَ جَائِزٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّعْلِيلُ هَاهُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِكَوْنِهِ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ قَوْلُهُمَا لِكَوْنِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَ التَّعْلِيلُ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ بِقَوْلِ زُفَرَ: فَلْيُتَأَمَّلُ فِي التَّوْجِيهِ. (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَإِذَا شَرْطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلْثَ الرِّبْحِ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلْثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنَّ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلْثَ الرِّبْحِ فَهُوَ جَائِزٌ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الشُّرَّاحُ فِي أَمْرِ التَّقْيِيدِ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ فِيهَا فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: التَّقْيِيدُ

لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً خُصُوصًا إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ إِذَنْ لَهُ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ أَخْذِ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعِ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنَ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ يَكُونُ الثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ بِالشَّرْطِ وَالثُّلُثَانِ لِلْمَوْلَى، لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ. هَذَا إِذَا كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْمَوْلَى، وَلَوْ عَقَدَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَشَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ هَذَا اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ عِنْدَهُ عَلَى مَا عُرِفَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ لَا لِلشَّرْطِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي عَبْدِ الْمُضَارِبِ كَذَا أَيْضًا، وَنُقِلَ عَنِ الذَّخِيرَةِ وَالْمَعْنَى تَفْصِيلًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: التَّقْيِيدُ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ لَا لِلشَّرْطِ، فَإِنَّ حُكْمَ عَبْدِ الْمُضَارِبِ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ شَرْطَ الْأَجْنَبِيُّ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الْمُضَارِبِ أَوْ شَهَادَةَ رَبِّ الْمَالِ لَهُ. وَقِيلَ: قَيَّدَ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَفِي غَيْرِهِ لَا خِلَافَ. وَجْهُ قَوْلِ الْبَعْضِ: إِنَّ يَدَ الْغُلَامِ كَيْدِ سَيِّدِهِ، فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ عَمَلِهِ كَاشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقِيلَ؛ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ عَمَلِ عَبْدِ الْمُضَارِبِ أَوِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلْثُ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يُفْهَمُ لِهَذَا الْبَحْثِ وَجْهُ وُرُودٍ عَلَى ذَلِكَ الْمَنْقُولِ.

[فصل في العزل والقسمة]

(فَصَلٌ فِي الْعَزْلِ وَالْقِسْمَةِ) قَالَ (وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوِ الْمُضَارِبُ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمَوْتُ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ، وَكَذَا مَوْتُ الْوَكِيلِ وَلَا تُورَثُ الْوَكَالَةُ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلًا بَلْ هَذَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ عَمَلِ عَبْدِ الْمَضَارِبِ ... إِلَخْ. يَصِيرُ بَيَانًا لِمَا قِيلَ وَفِي غَيْرِهِ لَا خِلَافَ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْبَحْثِ وَمُورِدِهِ فَضْلًا عَنِ الْمُنَافَاةِ. ثُمَّ إِنَّ مَحْصُولَ ذَلِكَ الْمَنْقُولِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ خِلَافٌ لَا فِي غَيْرِهِ كَانَ ذِكْرُ عَبْدِ رَبَّ الْمَالِ مَحَلَّ الِاحْتِيَاطِ وَالِاهْتِمَامِ دُونَ ذِكْرِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ بِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِيهِ الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ أَصْلًا، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ: وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئَانِ: عَبْدُ الْمُضَارِبِ، وَالْأَجْنَبِيُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاحْتِرَازٍ عَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ عَبْدِ الْمُضَارِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حُكْمُ عَبْدِ رَبَّ الْمَالِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إِذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ صَحَّ الشَّرْطُ وَالْمُضَارَبَةُ جَمِيعًا وَصَارَتِ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَمَلُ الْأَجْنَبِيِّ مَعَهُ صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الْأَوَّلِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَيَجْعَلُ الثُّلْثَ الْمَشْرُوطِ لِلْأَجْنَبِيِّ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ أَوْ بِضَمَانِ الْعَمَلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ أَنْ يَحْصُلَ الِاحْتِرَازُ بِقَوْلِهِ: وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ عَنِ الْأَجْنَبِيِّ أَصْلًا، أَيْ: سَوَاءٌ شَرَطَ أَنْ يُعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ. أَمَّا إِذَا شَرْطَ ذَلِكَ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْأَجْنَبِيِّ حِينَئِذٍ عَيْنُ حُكْمِ عَبْدِ رَبِّ الْمَالِ؛ حَيْثُ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَالْمُضَارَبَةُ جَمِيعًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاحْتِرَازُ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْحَكَمِ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ؛ حَيْثُ يُبْطِلُ الشَّرْطَ، لَكِنَّ السَّبَبَ فِيهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ لَا لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا؛ فَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ، لَا بُقُولِهِ: وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلْثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِلْأَجْنَبِيِّ ثُلْثَ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ لَخَرَجَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْعَمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: وَلِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ مَدْخَلٌ فِي الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَصْلًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: التَّقْيِيدُ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي عَبْدِ الْمُضَارِبِ كَذَلِكَ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدٌ لِلْمَوْلَى فَيَمْتَنِعُ التَّخْلِيَةُ، فَقَالَ: هُوَ جَائِزٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي، وَلَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ؛ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً خُصُوصًا إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ تَأَمُّلٌ تَقِفُ. [فَصَلٌ فِي الْعَزْلِ وَالْقِسْمَةِ] أَيْ فِي عَزْلِ الْمُضَارِبِ وَقِسْمَتِهِ الرِّبْحُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحِ ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْحُكْمُ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَزْلَ الْمُضَارِبِ بَعْدَ تَحَقُّقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ وَكَذَا الْقِسْمَةُ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَالِ الرِّبْحِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوِ الْمُضَارِبُ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَوْتُ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَكَذَا مَوْتُ الْوَكِيلِ) . قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنَ النِّهَايَةِ:

(وَإِنِ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنِ الْإِسْلَامِ) وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) (بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ) لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةٍ الْمَوْتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْسِّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَقَبْلَ لُحُوقِهِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مُضَارِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُ فَصَارَ كَتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا رَجَعَ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُضَارِبِ بَعْدَ مَا اشْتَرَى شَيْئًا كَالْوَكِيلِ إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. ثُمَّ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ ثَانِيًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَانْعَزَلَ إِذَا عَزَلَهُ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ مَا اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا، كَمَا فِي الْوَكِيلِ إِذَا عَلِمَ بِهِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا عَادَ الْمُضَارِبُ عَلَى مُضَارَبَتِهِ إِذَا لَحِقَ رَبُّ الْمَالِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا كَالْوَكِيلِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ سَيَأْتِي، انْتَهَى كَلَامُهُ. يُرِيدُ بِالْجَوَابِ الْآتِي عَنِ الرَّدِّ الْأَوَّلِ مَا يَأْتِي فِي الْكِتَابِ قُبَيْلَ فَصْلِ الِاخْتِلَافِ مِنْ بَيَانِ الْفِرَقِ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَبِالْجَوَابِ الْآتِي عَنِ الرَّدِّ الثَّانِي مَا يَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ بَيَانِ عِلَّةِ عَدَمِ انْعِزَالِ الْمُضَارِبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. وَبِالْجَوَابِ الْآتِي عَنِ الرَّدِّ الثَّالِثِ مَا يَأْتِي فِي الشُّرُوحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ. أَقُولُ: الَّذِي يُعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ إِنَّمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَبِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنِ الرَّدِّ بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الْقَدْحُ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ التَّوْكِيلِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمَزْبُورَةِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْمُضَارَبَةِ تَوْكِيلًا حَتَّى يَنْدَفِعَ رَدُّ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ، هَاهُنَا بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ، بَلْ يَظْهَرُ بِهِ خِلَافَ ذَلِكَ فَيَتَأَكَّدُ الرَّدُّ وَالْإِشْكَالُ. فَإِنْ قُلْتُ: الْمُرَادُ بِمَا فِي الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ جَمِيعِهَا فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ. قُلْتُ: فَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الدَّلِيلُ الْمُدَّعَى؛ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُضَارَبَةِ تَوْكِيلًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَوْنُهَا تَوْكِيلًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهَا تَوْكِيلٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ مَا نَحْنُ فِيهِ.: فَحِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ مَا ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَ يَكُونَ دَلِيلًا أَصْلًا لِصَيْرُورَتِهِ أَخْفَى مِنَ الْمُدَّعَى وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ الْمُدَّعَى فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْجَهَالَةِ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنِ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ) . قَالَ الشُّرَّاحُ: هَذَا إِذَا لَمْ يَعُدْ مُسْلِمًا أَمَّا إِذَا عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَكَانَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى مَا كَانَ. أَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغِيبَةِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ فَلِمَكَانِ حَقِّ الْمَضَارِبِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَاتَ حَقِيقَةً وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: فِيهِ إِشْكَالٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ قَطْعًا، كَمَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ، كَمَا لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً؟ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُمْ: كَمَا لَوْ مَاتَ بِحَالِ كَوْنِ الْمَالِ عُرُوضًا فَإِنَّ الْمَضَارِبَ لَا يَنْعَزِلُ حِينَئِذٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ عِلَّةُ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى حَالِهِ فِيمَا إِذَا عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ هِيَ مَكَانُ حَقِّ الْمُضَارِبِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبْقَى عَلَى حَالِهِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَعُدْ أَيْضًا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ

(وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا) لِأَنَّ لَهُ عِبَارَةً صَحِيحَةً، وَلَا تُوقَفُ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَبَقِيَتِ الْمُضَارَبَةُ. قَالَ (فَإِنْ عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ حَتَّى اشْتَرَى وَبَاعَ فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ قَصْدًا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ (وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الرِّبْحِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ تُبْتَنَى عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُنْقَضُ بِالْبَيْعِ. قَالَ (ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ) لِأَنَّ الْعَزْلَ إِنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ ضَرُورَةَ مَعْرِفَةِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدِ انْدَفَعَتْ حَيْثُ صَارَ نَقْدًا فَيَعْمَلُ الْعَزْلُ (فَإِنْ عَزَلَهُ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَقَدْ نَضَّتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إِعْمَالِ عَزْلِهِ إِبْطَالُ حَقِّهِ فِي الرِّبْحِ فَلَا ضَرُورَةَ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. وَمِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ فَرَّقَ فِي بُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَعُدْ مُسْلِمًا وَبَيْنَ مَا إِذَا عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا سِيَّمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ. أَمَّا ظُهُورُ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَلِأَنَّهُ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ إِيَّاهَا: لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ عِنْدَنَا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا كَانَتْ بَلْ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَطْعًا، كَمَا مَرَّ، فَكَذَا بِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ. وَأَمَّا ظُهُورُهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَلِأَنَّهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوِ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ فَبَاعَ الْمُضَارِبُ أَوِ اشْتَرَى بِالْمَالِ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَوْقُوفٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنْ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَالْتَحَقَ رِدَّتُهُ بِالْعَدَمِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ أَصْلًا، وَكَذَا إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَشْتَرِطُ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلِحَاقِهِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَصَيْرُورَةِ أَمْوَالِهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ، اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ بُطْلَانُ الْمُضَارَبَةِ لَوْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ أَنْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَمِنْ قَوْلِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَشْتَرِطُ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلِحَاقِهِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بُطْلَانُهَا، وَلَوْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ تَشْتَرِطُ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلِحَاقِهِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إِطْلَاقِ قَوْلِهِ: فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ بَعْدَ أَنْ تَعَرَّضَ لِعَوْدِهِ مُسْلِمًا فِيمَا سَبَقَ بُطْلَانُهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ، وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا. وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيَجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَلَوِ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجِيزُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ عَلَى الْمُضَارِبِ وَالرِّبْحُ لَهُ، وَيُضَمِّنُهُ رَأْسَ الْمَالِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَتَوَقَّفُ وَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالْقَضَاءِ بِاللُّحُوقِ وَلَوْ لَمْ يَرْفَعِ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي حَتَّى عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا جَازِ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَضَتْ رِدَّتُهُ قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَبَطَلَ حُكْمُهَا. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِلُحُوقِهِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا) فِي مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا احْتِمَالَانِ عَقْلِيَّانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَذَا نَاظِرًا إِلَى قَوْلِهِ: وَإِنِ ارْتَدَّ

بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَرَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرُ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِهِ وَصَارَ كَالْعُرُوضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQرَبُّ الْمَالِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ اللَّاحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا، أَيْ: هِيَ غَيْرُ بَاطِلَةٍ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هَذَا نَاظِرًا إِلَى قَوْلِهِ وَقَبْلَ لُحُوقِهِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مَضَارِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ قَبْلَ لُحُوقِهِ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا، أَيْ: لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، بَلْ يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شُرِحَ الْوِقَايَةِ؛ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ: وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِحَاقِ الْمَالِكِ مُرْتَدًّا، بِخِلَافِ لِحَاقِ الْمَضَارِبِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا؛ حَيْثُ لَا تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ لَهُ عِبَارَةً صَحِيحَةً، اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغَرَرِ وَصَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ نَفْسِ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ أَيْضًا؛ حَيْثُ أُضِيفَ فِيهَا الْمَوْتُ الْمُبْطِلُ إِلَى أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا وَاللِّحَاقُ الْمُبْطِلُ إِلَى الْمَالِكِ فَقَطْ فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ لِحَاقَ الْمُضَارِبِ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ. أَقُولُ: ذَلِكَ الْمَعْنَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي؛ إِذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلِحَاقِهِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ. وَلَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا؛ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ بُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ: إِذَا ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ اهـ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَنَّى يُمْكِنُ تَصَرُّفُ الْمَيِّتِ حَتَّى يُصْبِحَ تَصَرُّفُ الْمَضَارِبِ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ أَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا، عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ إِذَا لَحِقَ الْمُضَارِبُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقُضِيَ بِلِحَاقِهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُعْتَبَرَاتِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِنْ مَاتَ الْمَضَارِبُ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ فِي الرِّدَّةِ كَوْنُهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَكَذَا إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقُضِيَ بِلِحَاقِهِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ مَعَ اللِّحَاقِ وَالْحُكْمِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ فِي بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ، اهـ. فَالْحَقُّ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِهِ: "وَلَا تُوقَفُ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ؛ إِذْ لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ التَّوَقُّفِ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ، وَالتَّوَقُّفُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ اللِّحَاقِ لَا بَعْدَهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هَاهُنَا أَيْضًا مَا يَكُونُ قَبْلَ اللِّحَاقِ لِئَلَّا يَلْغُوَ هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّعْلِيلِ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ زِيَادَةُ الشُّرَّاحِ قَيْدَ فِي قَوْلِهِمْ: جَمِيعًا، بَعْدَ قَوْلِهِ: فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا؛ حَيْثُ قَالُوا: فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا، فِي قَوْلِهِمْ: جَمِيعًا؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ زِيَادَةَ هَذَا الْقَيْدِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى تَحَقُّقِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا فِيمَا إِذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْمُرْتَدَّ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَعْدَ اللُّحُوقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ قَبْلَ اللُّحُوقِ؛ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مَضَارِبِهِ عِنْدَ أبي حنيفة وَلَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا، بَلْ يَنْفُذُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوِفَاقِ فِي بَقَاءِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى حَالِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ هُوَ الْوِفَاقُ فِيهِ قَبْلَ اللُّحُوقِ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ ذَلِكَ الْقَيْدِ تَدَبَّرْ.

وَعَلَى هَذَا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ وَلُحُوقُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا. قَالَ (وَإِذَا افْتَرَقَا وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِيهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأَجْرِ لَهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاقْتِضَاءُ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إِيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا) ، وَفَى بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَلَى هَذَا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ وَلُحُوقُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا، فَكَلِمَةُ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: لَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ مِنْ ذَلِكَ: يَعْنِي لَا يَنْعَزِلُ الْمَضَارِبُ بِالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ إِذَا كَانَ الْمَالِ عُرُوضًا بَلْ يَبِيعُهَا بَعْدَ الْعَزْلِ، كَمَا لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ عَمَلِ الْعَزْلِ فِيهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ إِبْطَالُ حَقَّ الْمُضَارِبِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ ذَيْنِكِ الْعَزْلَيْنِ. ثُمَّ إِنَّ ضَمِيرَ الْمُؤَنَّثِ فِي قَوْلِهِ: وَنَحْوُهَا رَاجِعٌ إِلَى الْعُرُوضِ، أَيْ: وَنَحْوُ الْعُرُوضِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَالنَّقْدُ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ. هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي. وَأَمَّا صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَالَ: وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَنَحْوُهَا مَا إِذَا ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا ثُمَّ بَاعَ الْمَضَارِبُ الْعُرُوضَ جَازَ بَيْعُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا. وَالضَّمِيرُ فِي " وَنَحْوُهَا " عَلَى هَذَا يَرْجِعُ إِلَى مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَنِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِرَفْعِ الْوَاوِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَ ابْتِنَائِهِ عَلَى تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ مُخْتَلٌّ مِنْ حَيْتُ الْمَعْنَى، أَمَّا عَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ نَحْوُ الْمَوْتِ إِنَّمَا هُوَ اللُّحُوقُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا صَرِيحًا فِي تِلْكَ النُّسْخَةِ بِقَوْلِهِ: وَلُحُوقُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ، فَلَمْ يُبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ مَحَلٌّ؛ لِأَنْ يُقَالَ: وَنَحْوُ الْمَوْتِ. وَأَمَّا عَلَى النُّسْخَةِ الْأَوْلَى فَلِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَجَ الْمَوْتَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَنَحْوُهَا؛ حَيْثُ قَالَ: وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَنَحْوُهَا، مَا إِذَا ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ نَحْوَ الْمَوْتِ وَهُوَ بَاطِلٌ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْعِ الْعُرُوضِ بِأَنْ يُعْطِيَ لِلْمُضَافِ حُكْمَ الْمُؤَنَّثِ بِاعْتِبَارِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْمُؤَنَّثِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ بِجَرِّ الْوَاوِ. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِ تَعَسُّفًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ رَكِيكًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنْ يَجُوزَ لِلْمُضَارِبِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ تَصَرُّفٌ آخَرُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ نَحْوَ تَصَرُّفِ بَيْعِ الْعُرُوضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْعُرُوضِ عَلَى مَعْنًى فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ وَفَى بَيْعِ نَحْوِ الْعُرُوضِ، كَمَا إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَالْمَالُ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهَا نَحْوُ الْعُرُوضِ فِي أَنَّ الْمَضَارِبَ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ جَعَلَ هَذَا أَبْعَدَ الِاحْتِمَالَاتِ مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَهَا لَفْظًا وَمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحٌ لَمْ يُلْزِمْهُ الِاقْتِضَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَكَيْلٌ مَحْضٌ، وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إِيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ) . قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْكَفِيلِ فَإِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَيُجْبَرُ عَلَى إِيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَتَأَمَّلْ، اهـ. أَقُولُ: هَذَا النَّقْضُ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ الْغَيْرَ الْمُلْتَزِمِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إِيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ، وَالْكَفِيلُ مُلْتَزِمٌ؛ لَأَنْ يُطَالَبَ بِمَا عَلَى الْغَيْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِهِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إِيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي الْعُقُودِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ وَالْكَفَالَةُ عِقْدٌ لَازِمٌ عَلَى مَا عُرِفَ أَيْضًا فِي مَحَلِّهِ فَلَا انْتِقَاضَ. وَلَئِنْ سُلِّمَ إِطْلَاقُ الْكَلَامِ هَاهُنَا فَهُوَ مَجْرَى عَلَى مُوجَبِ الْقِيَاسِ وَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ، فَلَا ضَيْرَ فِي خُرُوجِهِ؛ إِذِ الْقِيَاسُ تُرِكَ فِيهِ بِالنَّصِّ وَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ فِيمَا عَدَاهُ فَتَأَمَّلْ.

[فصل فيما يفعله المضارب]

(وَيُقَالُ لَهُ: وَكِّلْ رَبَّ الْمَالِ فِي الِاقْتِضَاءِ) لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إِلَى الْعَاقِدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلِهِ وَتَوَكُّلِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يُقَالُ لَهُ: أَجِّلْ مَكَانَ قَوْلِهِ: وَكِّلْ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَكَالَةُ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْوَكَالَاتِ، وَالْبَيَّاعُ وَالسِّمْسَارُ يُجْبَرَانِ عَلَى التَّقَاضِي لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِأَجْرٍ عَادَةً. قَالَ (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنَ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ وَصَرْفُ الْهَلَاكِ إِلَى مَا هُوَ التَّبَعُ أَوْلَى كَمَا يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إِلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ (فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنْ كَانَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ، وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ) لِأَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ لَا تَصِحُّ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَيْهِ وَتَبَعٌ لَهُ، فَإِذَا هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةً تَبَيَّنَ أَنَّ مَا اسْتَوْفَيَاهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مَا اسْتَوْفَاهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ مَحْسُوبٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ (وَإِذَا اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ رِبْحٌ وَإِنْ نَقَصَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَفَسَخَا الْمُضَارَبَةَ ثُمَّ عَقَدَاهَا فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ) لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدِ انْتَهَتْ وَالثَّانِيَةَ عَقْدٌ جَدِيدٌ، وَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الثَّانِي لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأَوَّلِ كَمَا إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ مَالًا آخَرَ. (فَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ] (فَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُذْكَرَ الْفَصْلُ هُنَا بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ

قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَنْتَظِمُهُ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ إِلَّا إِذَا بَاعَ إِلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إِلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ الْأَمْرَ الْعَامَّ الْمَعْرُوفَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَهَا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ. وَلَوْ بَاعَ بِالنَّقْدِ ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى، إِلَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَايِلَ ثُمَّ يَبِيعَ نَسِيئَةً، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ ثُمَّ الْبَيْعَ بِالنَّسَاءِ. بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ. وَلَوِ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَوِ الْأَعْسَرِ جَازَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَحْتَالُ بِمَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَنْظَرُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَتَوَابِعِهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ جُمْلَتِهِ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ لِأَنَّهُ إِيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالْإِيدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْمُسَافَرَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيَمْلِكُهُ إِذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فَيَلْحَقَ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً أَوْ شَرِكَةً إِلَى غَيْرِهِ وَخَلْطِ مَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذَا صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُوَكِّلَ وَيُسَافِرَ وَيُبْضِعَ وَيُودِعَ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَصْلَ هُنَا لِزِيَادَةِ الْإِفَادَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَا لَمْ يَذْكُرْ ثَمَّةَ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَصْلَ هُنَا لِزِيَادَةِ الْإِفَادَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَا لَمْ يَذْكُرْ ثَمَّةَ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْإِفَادَةِ إِنَّمَا تَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، بَلْ بِذَكَرِ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَ هُنَا وَمَا ذَكَرَ ثَمَّةَ وَلَا تَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرَ بَعْضَهَا ثَمَّةَ وَبَعْضَهَا هُنَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَبَقِيَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ عَلَى حَالِهِ تَبَصَّرْ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ زِيَادَةً لِلْإِفَادَةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَقْصُودِيَّةِ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ بِالْإِعَادَةِ، انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ مَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ يَجِبُ حَلُّهُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَتَنْبِيهًا عَلَى مَقْصُودِيَّةِ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ بِالْإِعَادَةِ يُنَافِي فِي الظَّاهِرِ قَوْلَهُ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَقْتَضِي الذِّكْرَ مَرَّةً أُولَى، وَقَدْ قَالَ أَوَّلًا مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ. وَحَلُّ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعَادَةِ إِعَادَةُ جِنْسِ أَفْعَالِ الْمُضَارِبِ لَا إِعَادَةَ خُصُوصِ مَا ذَكَرَ هَاهُنَا، وَإِعَادَةُ جِنْسِهَا إِنَّمَا تَقْتَضِي ذِكْرَ جِنْسِهَا مَرَّةً أُولَى لَا ذِكْرَ خُصُوصَ مَا يُعَادُ مِنْ جِنْسِهَا.

الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التِّجَارَةُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ جِهَةٌ فِي التَّثْمِيرِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُوَافِقُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ وَقَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ. وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَلَا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ إِلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بَعْدَمَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ السِّلْعَةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَالُ زَائِدًا عَلَى مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْمُضَارَبَةُ وَلَا يَرْضَى بِهِ وَلَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ بِالِاسْتِدَانَةِ صَارَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَأَخَذَ السَّفَاتِجَ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ، وَكَذَا إِعْطَاؤُهَا لِأَنَّهُ إِقْرَاضٌ وَالْعِتْقُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِ مَالٍ وَالْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَالْإِقْرَاضُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ. قَالَ (وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْمَهْرَ وَسُقُوطَ النَّفَقَةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَالْعَقْدُ لَا يَتَضَمَّنُ إِلَّا التَّوْكِيلَ بِالتِّجَارَةِ وَصَارَ كَالْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ اكْتِسَابٌ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ تِجَارَةً لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُضَارَبَةِ فَكَذَا هَذَا. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إِلَى رَبِّ الْمَالِ بِضَاعَةً فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ وَبَاعَ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا مُنَافَاةَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ ... إِلَخْ) . أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ قَاصِرٌ عَنْ إِفَادَةِ تَمَّامِ الْمُدَّعَى؛ إِذْ لَا يَجْرِي فِي صُورَةِ خَلْطِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ أَيْضًا فِي الْمُدَّعَى، كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ دَفَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إِلَى رَبِّ الْمَالِ بِضَاعَةً فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ وَبَاعَ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْإِبْضَاعِ بِبَعْضِ الْمَالِ؛ حَيْثُ قَالَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْضًا أَوْ كُلًّا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ، انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ فِي بَيَانِ إِيهَامِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اخْتِصَاصُ الْإِبْضَاعِ بِبَعْضِ الْمَالِ أَنْ يُقَالَ: حَيْثُ

وَقَالَ زُفَرٌ: تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ فَيَصِيرُ مُسْتَرَدًّا وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إِذَا شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَلَنَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ قَدْ تَمَّتْ وَصَارَ التَّصَرُّفُ حَقًّا لِلْمُضَارِبِ فَيَصْلُحُ رَبُّ الْمَالِ وَكِيلًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ وَالْإِبْضَاعُ تَوْكِيلٌ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا، بِخِلَافِ شَرْطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ، وَبِخِلَافِ مَا إِذَا دَفَعَ الْمَالَ إِلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً عَلَى مَالِ رَبِ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمُضَارِبِ وَلَا مَالَ هَاهُنَا، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ يُؤَدِّي إِلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ بَقِيَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِ الْمُضَارِبِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى. قَالَ: (وَإِذَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي الْمِصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ مَنْشَأَ الْإِيهَامِ إِنَّمَا هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ: شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، لَا قَوْلُهُ: مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَقَطْ؛ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِكَلِمَةٍ مِنَ الْبَيَانِ لَا التَّبْعِيضُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: فَإِنْ دَفَعَ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إِلَى رَبِّ الْمَالِ بِضَاعَةً تَعَيَّنَ الْبَيَانُ وَارْتَفَعَ الْإِيهَامُ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ: فَإِنْ دَفَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إِلَى رَبِّ الْمَالِ بِضَاعَةً فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ التَّصْرِيحِ بِبَعْضِ الْمَالِ، كَمَا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ. وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا اللَّفْظُ، كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُوعُ إِلَى رَبِّ الْمَالِ بَعْضَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَقُلْ: حَيْثُ قَالَ: مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْكَافِي فَلَمَّا رَأَى لَفْظَ الْمُصَنَّفِ مُوهِمًا لِلِاخْتِصَاصِ بِإِبْضَاعِ بَعْضِ الْمَالِ غَيْرَهُ فَقَالَ: فَإِنْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ إِلَى رَبِّ الْمَالِ بِضَاعَةً وَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ وَبَاعَ فَهِيَ مُضَارَبَةٌ بِحَالِهَا، انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ فَيَصِيرُ مُسْتَرَدًّا، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إِذَا شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: قَالَ زُفَرُ: رَبُّ

فَلَيْسَتْ نَفَقَتُهُ فِي الْمَالِ، وَإِنْ سَافَرَ فَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَرُكُوبُهُ) وَمَعْنَاهُ شِرَاءٌ وَكِرَاءٌ فِي الْمَالِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِإِزَاءِ الِاحْتِبَاسِ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي وَنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْمُضَارِبُ فِي الْمِصْرِ سَاكِنٌ بِالسُّكْنَى الْأَصْلِيِّ، وَإِذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِالْمُضَارَبَةِ فَيَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِيهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ، أَمَّا الْمُضَارِبُ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الرِّبْحُ وَهُوَ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ، فَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَبِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَبِخِلَافِ الْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ. قَالَ (فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا قَدِمَ مِصْرَهُ رَدَّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ) لِانْتِهَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ دُونَ السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَغْدُو ثُمَّ يَرُوحُ فَيَبِيتُ بِأَهْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّوقِيِّ فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبِيتُ بِأَهْلِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْمُضَارَبَةِ، وَالنَّفَقَةُ هِيَ مَا يُصْرَفُ إِلَى الْحَاجَةِ الرَّاتِبَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ ذَلِكَ غَسْلُ ثِيَابِهِ وَأُجْرَةُ أَجِيرٍ يَخْدُمُهُ وَعَلَفُ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ عَادَةً كَالْحِجَازِ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يَضْمَنَ الْفَضْلَ إِنْ جَاوَزَهُ اعْتِبَارًا لِلْمُتَعَارَفِ بَيْنَ التُّجَّارِ. قَالَ (وَأَمَّا الدَّوَاءُ فَفِي مَالِهِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ بَدَنِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ التِّجَارَةِ إِلَّا بِهِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى النَّفَقَةِ مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ وَإِلَى الدَّوَاءِ بِعَارِضِ الْمَرَضِ، وَلِهَذَا كَانَتْ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِ تَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَيَكُونُ مُسْتَرِدًّا لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَصْلُحُ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ فَسَادِ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَ زُفَرَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ كَوْنُ تَصَرُّفِ رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَصْرِيحِ الْمُضَارِبِ بِالتَّوْكِيلِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ صَرَّحَ بِالتَّوْكِيلِ تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ عِنْدَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الشُّرُوحِ أَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَوْنُ رَبِّ الْمَالِ مُتَصَرِّفًا فِي مَالِ نَفْسِهِ غَيْرُ صَالِحٍ لِأَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيمَا يَعْمَلُ فِي مَلِكِ نَفْسِهِ، وَلَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي؛ حَيْثُ قَالَ: قَالَ زُفَرُ: تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ، فَإِنَّ الْمَرْءَ فِيمَا يَعْمَلُ فِي مِلْكِهِ لَا يَصْلُحُ

الزَّوْجِ وَدَوَاؤُهَا فِي مَالِهَا. قَالَ (وَإِذَا رَبِحَ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ مَا أَنْفَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً حَسَبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنِ الْحِمْلَانِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَحْتَسِبُ مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقٍ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمَالِيَّةِ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَالثَّانِيَ لَا يُوجِبُهَا. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا فَقَصَّرَهَا أَوْ حَمَلَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَنْتَظِمُهُ هَذَا الْمَقَالُ عَلَى مَا مَرَّ (وَإِنْ صَبَغَهَا أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بِهِ حَتَّى إِذَا بِيعَ كَانَ لَهُ حِصَّةُ الصَّبْغِ وَحِصَّةُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ بِهِ، وَلِهَذَا إِذَا فَعَلَهُ الْغَاصِبُ ضَاعَ وَلَا يَضِيعُ إِذَا صَبَغَ الْمَغْصُوبَ، وَإِذَا صَارَ شَرِيكًا بِالصَّبْغِ انْتَظَمَهُ قَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ انْتِظَامَهُ الْخُلْطَةَ فَلَا يَضْمَنُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكِيلًا لِغَيْرِهِ فَصَارَ مُسْتَرَدًّا، انْتَهَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا فَقَصَّرَهَا أَوْ حَمَلَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَ مَا مَرَّ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ وَإِنْ صَبَغَهَا أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ. أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَرَّتْ بِعَيْنِهَا وَخُصُوصِهَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا مَرَّتْ فِي ضِمْنِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِمَا مَرَّ؛ حَيْثُ انْدَرَجَتْ تَحْتَ النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ أَيْضًا مَرَّتْ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ حَيْثُ انْدَرَجَتْ تَحْتَ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ الْأُولَى تَمْهِيدًا لِلثَّانِيَةِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمُرُورِ بِالْمَعْنَى الْمَزْبُورِ، بَلْ لَمْ تَكُنْ مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ خَارِجَةً مِنْ أَحَدِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا زَعَمَهُ فَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَقْصُورَةٌ بِالْبَيَانِ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصِيَّتُهُمَا كَسَائِرِ الْمَسَائِلِ، وَلَا يُنَافِيهِ انْدِرَاجُهُمَا تَحْتَ أَصْلٍ كُلِّيٍّ مَارٍّ، كَيْفَ وَتَفْرِيعُ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَعَ أَنَّهُ الْمَسْلَكُ الْمُعْتَادُ فِي عَامَّةِ الْمَوَاقِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا صَارَ شَرِيكًا بِالصَّبْغِ انْتَظَمَهُ قَوْلُهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ انْتِظَامَهُ الْخُلْطَةَ فَلَا يَضْمَنُهُ) . قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الْمُضَارِبُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الصَّبْغِ كَانَ بِهِ مُخَالِفًا غَاصِبًا فَيَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ كَالْغَاصِبِ بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا. أُجِيبُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُضَارِبٍ قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْخَلْطَ، وَبِالصَّبْغِ اخْتَلَطَ مَالُهُ بِمَالِ الْمُضَارِبِ فَصَارَ شَرِيكًا فَلَمْ يَكُنْ غَاصِبًا فَلَا يَضْمَنُ. وَقَالَ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ: الْمُضَارِبُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا بِهَذَا الْفِعْلِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ، فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا وَقَعَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضِمْنَ الْمُضَارِبُ كَالْغَاصِبِ لِمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ غَاصِبًا لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِدَانَةً عَلَى الْمَالِكِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ، اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي آخِرِ كَلَامِهِ اضْطِرَابٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَعْلِيلِ انْدِفَاعِ مَا قِيلَ بِقَوْلِهِ: لِمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ

(فَصْلٌ آخَرٌ) قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا بَزًّا فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهُمَا حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنِهِ غَاصِبًا، أَنَّهُ اخْتَارَ كَوْنَهُ غَيْرَ مَأْذُونٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ غَاصِبًا إِنَّمَا جُعِلَ فِيمَا قَبْلُ فَرْعًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْذُونٍ: فَتَعْلِيلُ انْدِفَاعِ ذَلِكَ بِتَبَيُّنِ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ غَاصِبًا يَقْتَضِي اخْتِيَارَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَأْذُونٍ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ قَوْلِهِ: لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ... إِلَخْ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ إِنَّمَا جُعِلَ فِيمَا قَبْلُ فَرْعًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا، فَإِذَا اخْتَارَ كَوْنَهُ غَيْرَ مَأْذُونٍ كَانَ اسْتِدْرَاكُ عَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ مُسْتَدْرَكًا. فَإِنْ قُلْتَ: مُرَادُهُ أَنَّ لِفِعْلِ الْمُضَارِبِ هَاهُنَا وَهُوَ صَبْغُهَا أَحْمَرَ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أُولَاهُمَا خَلْطُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَثَانِيَتُهُمَا الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمَالِكِ، وَأَنَّ الْمُضَارِبَ مَأْذُونٌ بِهَذَا الْفِعْلِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ بِاعْتِبَارِ تَيْنِكَ الْجِهَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَفَصَّلَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. قُلْتُ: مَعَ عَدَمِ مُسَاعَدَةِ آخِرِ كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ، وَلَا أَوَّلِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ لِذَلِكَ التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَفَصَّلَهُ لَيْسَ ذَلِكَ بِتَامٍّ فِي نَفْسِهِ؛ إِذْ لَا يُرَى وَجْهٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِفِعْلِ الْمُضَارِبِ هَذَا جِهَةُ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْمَالِكِ عَلَى أَنَّ الْجِهَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مُتَضَادَّتَانِ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَصِيرَ الْمُضَارِبُ بِاعْتِبَارِهِمَا مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ هَذَا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ. ثُمَّ أَقُولُ: الصَّوَابُ عِنْدِي فِي دَفْعِ مَا قِيلَ: الْمُضَارِبُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِهَذَا الْفِعْلِ مَأْذُونًا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ ... إِلَخْ. أَنْ نَخْتَارَ كَوْنَهُ مَأْذُونًا بِهِ بِقَوْلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَيُمْنَعُ وُقُوعُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ حِينَئِذٍ؛ إِذِ الْإِذْنُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُضَارِبُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَحْدَهُ، بَلْ يَعُمُّ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُنْضَمًّا إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَهُ جِهَةٌ فِي التَّثْمِيرِ كَخَلْطِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي بَيَانِ النَّوْعِ الثَّانِي مِنَ الْأَصْلِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ: وَإِذَا صَارَ شَرِيكًا بِالصَّبْغِ انْتَظَمَهُ قَوْلُهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ انْتِظَامَهُ الْخُلْطَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ تَدَبَّرْ. (فَصْلٌ آخَرُ)

ضَاعَا يَغْرَمُ رَبُّ الْمَالِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُضَارِبُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَكُونُ رُبْعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ) قَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ حَاصِلُ الْجَوَابِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ عَلَى الْمُضَارِبِ إِذْ هُوَ الْعَاقِدُ، إِلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْأُجْرَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَضَّ الْمَالُ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَلَهُ مِنْهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ مُشْتَرِيًا رُبْعَهُ لِنَفْسِهِ وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِلْمُضَارَبَةِ عَلَى حَسَبِ انْقِسَامِ الْأَلْفَيْنِ، وَإِذَا ضَاعَتِ الْأَلْفَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِيهِ وَيَخْرُجُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ وَهُوَ الرُّبْعُ مِنَ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَيَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ (وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ) لِأَنَّهُ دَفَعَ مَرَّةً أَلْفًا وَمَرَّةً أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ (وَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إِلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا بِيعَ الْعَبْدُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَحِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ يَرْفَعُ رَأْسَ الْمَالِ وَيَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا. قَالَ: (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعَهُ إِيَّاهُ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ) لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَقْضِيٌّ بِجَوَازِهِ لِتَغَايُرِ الْمَقَاصِدِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ بِيعَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ، وَمَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَاعْتُبِرَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ، وَلَوِ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ لِأَنَّهُ اعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ وَهُوَ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ: (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَرُبْعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَقَدْ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَالُ عَيْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا كَانَتْ مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ مُتَفَرِّقَةً ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ مِنْ نَفْسِ مَسَائِلِ الْمُضَارَبَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا

وَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفَانِ، وَإِذَا فَدَيَا خَرَجَ الْعَبْدُ عَنِ الْمُضَارَبَةِ، أَمَّا نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فَلَمَّا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ فَلِقَضَاءِ الْقَاضِي بِانْقِسَامِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا وَالْمُضَارَبَةُ تَنْتَهِي بِالْقِسْمَةِ، بِخِلَافٍ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَى الْمُضَارِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقِسْمَةِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِمَا بِالْجِنَايَةِ، وَدَفْعُ الْفِدَاءِ كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَخْدُمُ الْمُضَارِبَ يَوْمًا وَرَبَّ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ: (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهَا حَتَّى هَلَكَتْ يَدْفَعُ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ الثَّمَنَ وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا يَدْفَعُ إِلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا، وَالِاسْتِيفَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ وَحُكْمُ الْأَمَانَةِ يُنَافِيهِ فَيَرْجِعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إِلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إِلَّا مَرَّةً لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ. مُسْتَوْفِيًا، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْغَاصِبِ إِذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُضَارَبَةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إِلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إِلَّا مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْغَاصِبِ إِذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ) ، يَعْنِي: أَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ

ثُمَّ فِي الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَرْجِعُ مَرَّةً، وَفِيمَا إِذَا اشْتَرَى ثُمَّ دَفَعَ الْمُوَكِّلُ إِلَيْهِ الْمَالَ فَهَلَكَ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ بَعْدَهُ، أَمَّا الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا، فَإِذَا هَلَكَ رَجَعَ عَلَيْهِ مَرَّةً ثُمَّ لَا يَرْجِعُ لِوُقُوعِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَا مَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِيرُ وَكِيلًا وَلَا يَبْرَأُ عَنِ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ أَمِينًا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ هُوَ تَعَدٍّ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى قَبْضِ الْأَمَانَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَا جَمِيعًا، وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَبَبٌ سِوَى الْقَبْضِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ صَلَاحِيَتَهُ لِإِثْبَاتِ حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ دَفْعُ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُسْتَوْفِيًا فَثَابِتٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ مُسْتَوْفِيًا لَبَطَلَ حَقُّ الْمُوَكِّلِ إِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى أَصْلًا. فَأَمَّا هَاهُنَا فَحَقُّ رَبِّ الْمَالِ لَا يَضِيعُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيَسْتَوْفِيهِ مِنَ الرِّبْحِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ يَضُرُّ الْمُضَارِبَ فَاخْتَرْنَا أَهْوَنَ الْأَمْرَيْنِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ فَضَرَرُهُ بِهَلَاكِ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُشْتَرِي، انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ: أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: " لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تُجَامِعُ الضَّمَانَ، كَالْغَاصِبِ إِذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْضُوبِ"، صَرِيحٌ فِي إِثْبَاتِ إِمْكَانِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا بِمُجَامَعَةِ الْوَكَالَةِ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ تَوَكُّلِ الْغَاصِبِ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَقْصُودُهُ مُجَرَّدُ دَفْعِ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا. وَلَئِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ السَّبَبَ فِي صُورَةِ تَوْكِيلِ الْغَاصِبِ بِبَيْعٍ الْمَغْصُوبِ مُتَعَدِّدٌ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا هُنَاكَ إِمْكَانُ اجْتِمَاعِهِمَا هَاهُنَا. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَمَّا كَوْنُهُ مُسْتَوْفِيًا فَثَابِتٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمُوكِّلِ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ اللَّازِمَ لِلْمُوَكَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ أُخْرَى إِنَّمَا هُوَ الضَّرَرُ الضَّرُورِيُّ الْغَيْرُ النَّاشِئِ مِنْ صُنْعِ الْوَكِيلِ؛ إِذِ الْكَلَامُ فِيمَا إِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ إِلَى الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَلَا مَحْذُورَ شَرَعًا فِي مِثْلِ هَذَا الضَّرَرِ حَتَّى يَجْعَلَ الْمُوكِّلَ مُسْتَوْفِيًا لِأَجْلِ دَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مَعَ كَوْنِ يَدِهِ يَدَ أَمَانَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ إِذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُودَعِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ يَلْزَمُ الْمُودَعَ مِثْلُ هَذَا الضَّرَرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُودِعِ الضَّمَانُ لِدَفْعِ ذَلِكَ عَنِ الْمُوَدَعِ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا ثَالِثًا: فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: "وَأَمَّا هَاهُنَا فَحَقُّ رَبِّ الْمَالِ لَا يَضِيعُ"، إِلَى قَوْلِهِ: "فَاخْتَرْنَا"، أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ مُتَمَشٍّ فِيمَا إِذَا هَلَكَ الْأَلْفُ وَالْعَبْدُ مَعًا؛ إِذْ لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَلْحَقَ الْهَالِكَ مِنْهُ فَيَسْتَوْفِيهِ رَبُّ الْمَالِ مِنَ الرِّبْحِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ دَفْعُ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَنَ الْهَالِكَ وَرُجُوعُ الْمُضَارِبِ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى جَارٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: ذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُويِىُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَالثَّانِي: أَنَّا لَوْ لَمْ نَحْمِلْ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لَأَبْطَلْنَا حَقَّ الْمُوَكِّلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى ضَاعَ ذَلِكَ أَصْلًا، فَأَمَّا هَاهُنَا فَحَقُّ رَبِّ الْمَالِ لَا يَضِيعُ إِذَا حَمَلْنَا عَلَى الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيَسْتَوْفِيهِ مِنَ الرِّبْحِ. وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ يَلْحَقُ الْمُضَارِبَ ضَرَرٌ فَوَجَبَ اخْتِيَارُ أَهْوَنِ الْأَمْرَيْنِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَمَّا اشْتَرَى فَقَدِ انْعَزَلَ عَنِ الْوَكَالَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوكِّلِ بَعْدَهُ، فَأَمَّا الْمُضَارِبُ فَلَا يَنْعَزِلُ بِالشِّرَاءِ وَيَتَصَرَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِمَا عَرَفْتَهُ آنِفًا: وَأَمَّا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرْجِعَ

[فصل في الاختلاف بين رب المال والمضارب]

(فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ) قَالَ: (وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفَانِ فَقَالَ: دَفَعْتُ إِلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْتُ أَلْفًا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: لَا بَلْ دَفَعْتُ إِلَيْكَ أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: أَوَّلًا الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَفِي مِثْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ، وَلَوِ اخْتَلَفَا مَعَ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَهُوَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ فَضْلٍ قُبِلَتْ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ (وَمَنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ: هِيَ مُضَارَبَةٌ لِفُلَانٍ بِالنِّصْفِ وَقَدْ رَبِحَ أَلْفًا وَقَالَ فُلَانٌ: هِيَ بِضَاعَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَقْوِيمَ عَمَلِهِ أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ يَدَّعِي الشَّرِكَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ: أَقْرَضْتَنِي وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: هُوَ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي مَرَّةٍ أُولَى أَيْضًا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إِلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِرُجُوعِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. أَمَّا اقْتِضَاءُ الثَّانِي ذَلِكَ فَلِأَنَّ إِبْطَالَ حَقِّ الْمُوَكِّلِ يَتَحَقَّقُ بِالرُّجُوعِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَيْضًا لِعِلَّةٍ مَذْكُورَةٍ. وَأَمَّا اقْتِضَاءُ الثَّالِثِ إِيَّاهُ فَلِأَنَّ انْعِزَالَ الْوَكِيلِ عَنِ الْوَكَالَةِ لَمَّا تَحَقَّقَ بِالِاشْتِرَاءِ كَانَ الرُّجُوعُ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ الِاشْتِرَاءِ رُجُوعًا بِمَا حَدَثَ بَعْدَ زَوَالِ الْأَمَانَةِ بِالِانْعِزَالِ وَلَوْ كَانَ فِي مَرَّةٍ أُولَى. وَأَيْضًا يُرَدُّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مَا أَوْرَدْنَاهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا عَلَى جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَنْ نَظَرِهِ تَأَمَّلْ تَقَفَّ. ثُمَّ أَقُولُ: "الْحَقُّ عِنْدِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنْ يُقَالَ: قَبْضُ الْوَكِيلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوكِّلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنَ الْمُوَكِّلِ؛ حَيْثُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ بَعْدَ الشِّرَاءِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لَهُ فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَإِذَا هَلَكَ بَعْدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلِهَذَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ أَصْلًا فِيمَا إِذَا اشْتَرَى ثُمَّ دَفَعَ الْمُوَكِّلُ إِلَيْهِ الثَّمَنَ فَهَلَكَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إِلَّا مَرَّةً فِيمَا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إِلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ بَعْدَهُ، أَمَّا الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا، فَإِذَا هَلَكَ رَجَعَ عَلَيْهِ مَرَّةً، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ لِوُقُوعِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ. [فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ] (فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ) أَيْ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ أَخَّرَ هَذَا الْفَصْلَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الرُّتْبَةِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ: أَقْرَضْتَنِي وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: هُوَ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ، فَالْقَوْلُ: رَبُّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَسَمَّاهُ مُضَارِبًا وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُضَارِبًا فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ أَقْرَضَهُ، اهـ. وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. أَقُولُ: تَسْمِيَةُ حَدِّ الْمُتَخَالِفَيْنَ مُضَارِبًا عِنْدَ تَحَقُّقِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُضَارِبًا فِي الْأَوَّلِ مِمَّا لَا يَقْبَلُهُ فِطْرَةٌ سَلِيمَةٌ جِدًّا

لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ وَهُوَ يُنْكِرُ. وَلَوِ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَقَالَ الْآخَرُ: مَا سَمَّيْتَ لِي تِجَارَةً بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ، وَالتَّخْصِيصُ يُعَارِضُ الشَّرْطَ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْخُصُوصُ. وَلَوِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى التَّخْصِيصِ، وَالْإِذْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ سَمَّاهُ مُضَارِبًا لِلْمُشَاكَلَةِ بِمَا ذَكَرَ فِي أَخَوَاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: قَالُوا: اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ ... قُلْتُ اطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ) حَمَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ التَّمَلُّكَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ عَلَى تَمَلُّكِ الرِّبْحِ؛ حَيْثُ قَالَ هَذَا، أَيْ: تَمَلُّكَ الرِّبْحِ، وَسَلَكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا هَذَا الْمَسْلَكَ؛ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَمَلُّكَ الرِّبْحِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالتَّمَلُّكِ هَاهُنَا تَمَلُّكُ أَصْلِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الِاسْتِقْرَاضِ دَعْوَى تَمَلُّكِ أَصْلِ الْمَالِ وَأَمَّا تَمَلُّكُ الرِّبْحِ فَأَمْرٌ تَابِعٌ لِتَمَلُّكِ أَصْلِ الْمَالِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، فَحَمْلُ التَّمَلُّكِ هَاهُنَا عَلَى تَمَلُّكِ الرِّبْحِ لَا يَخْلُو عَنْ قُبْحٍ. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي دَعْوَى الِاسْتِقْرَاضِ دَعْوَى تَمَلُّكِ أَصْلِ الْمَالِ وَتَمَلُّكُ الرِّبْحِ مِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ، وَحَمْلُ التَّمَلُّكِ فِي الدَّلِيلِ عَلَى تَمَلُّكِ الرِّبْحِ يُوهِمُ خِلَافَ الْأَصْلِ. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ دَعْوَى تَمَلُّكِ الرِّبْحِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ دَعْوَى تَمَلُّكِ أَصْلِ الْمَالِ، كَمَا إِذَا ادَّعَى الْمُضَارَبَةَ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى هُنَاكَ اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ دُونَ اسْتِحْقَاقِ أَصْلِ الْمَالِ فَادِّعَاءُ مُجَرَّدِ تَمَلُّكِ الرِّبْحِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الْمُدَّعَى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، عَلَى أَنَّ الشَّائِعَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَهُمُ اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ دُونَ تَمَلُّكِ الرِّبْحِ. وَأَمَّا تَمْلِيكُ الرِّبْحِ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَفِي نَفْسِ صِحَّتِهِ أَيْضًا إِشْكَالٌ يَظْهَرُ ذَلِكَ

يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِحَاجَتِهِ إِلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إِلَى الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْقُضُ الْأَوَّلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّهُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَتَتَبُّعِ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِحَاجَتِهِ إِلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إِلَى الْبَيِّنَةِ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَرَبُّ الْمَالِ أَيْضًا مُحْتَاجٌ إِلَى إِثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ لِيَصِلَ حَقُّهُ إِلَيْهِ، بَلْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَقْوَى بِالْقَبُولِ لِإِثْبَاتِهَا أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ الضَّمَانُ، وَشَرْعِيَّةُ الْبَيِّنَاتِ لِإِثْبَاتِ الْأَمْرِ الْعَارِضِ غَيْرِ الظَّاهِرِ، كَمَا فِي بَيِّنَةِ الْخَارِجِ مَعَ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فَكَانَ هَذَا مِمَّا يُتَأَمَّلُ فِي صِحَّتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الْإِيضَاحِ تُسَاعِدُهُ أَيْضًا، اهـ كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِحَاجَتِهِ إِلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إِلَى الْبَيِّنَةِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ، وَبِأَنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي الضَّمَانَ فَكَيْفَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْبَيِّنَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ تَصْرُّفِهِ وَيَلْزَمُهَا نَفْيُ الضَّمَانِ. فَأَقَامَ الْمُصَنِّفُ اللَّازِمَ مَقَامَ الْمَلْزُومِ كِنَايَةً، وَبِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِ الْآخَرِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ إِلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: جَوَابُهُ عَنْ ثَانِي وَجْهَيِ الِاعْتِرَاضِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِ الْآخَرِ إِنَّمَا هُوَ النَّوْعُ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْآخَرُ لَا مُخَالَفَتُهُ لِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَدَّعِي الْمُوَافَقَةَ لَهُ، وَسَبَبُ الضَّمَانِ إِنَّمَا هُوَ الْمُخَالَفَةُ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ احْتِيَاجِ رَبِّ الْمَالِ إِلَى الْبَيِّنَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَّعٍ شَيْئًا، بَلْ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لِكَوْنِ الْإِذْنِ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، فَكَانَ مَا يَدَّعِيهِ ثَابِتًا بِقَوْلِهِ: فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْبَيِّنَةِ، وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَدَمُ حَاجَةِ الْآخَرِ إِلَى الْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَعَدَمُ قَبُولِ بَيِّنَةِ الْآخَرِ وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَظْهَرُ انْدِفَاعُ مَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي اسْتِشْكَالِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى) . أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ رَبَّ الْمَالِ. وَيُمْكِنُ التَّطْبِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَلَى عَدَمِ التَّوْقِيتِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ ... إِلَخْ. وَإِنْ لَمْ تُوَقَّتَا أَوْ وَقَّتَتَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ وَقَّتَتْ إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ الْمَالِ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى التَّوْقِيتِ وَذَاكَ عَلَى عَدَمِ التَّوْقِيتِ، كَمَا تَرَى. وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي أُسْلُوبِ التَّحْرِيرِ هَاهُنَا؛ حَيْثُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ ... إِلَخْ. شَيْئًا مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي زَادَهَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، بَلْ تَعَرَّضَ لِشَرْحِهِ وَتَمْثِيلِهِ فَقَطْ، وَلَكِنْ قَالَ بَعْدَمَا اسْتَشْكَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ إِلَخْ. وَأَمَّا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَكَرَ مَسَاعِيَهُ جَعَلَ حُكْمَ بَيِّنَتَيِ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ فِي دَعْوَى الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَفِي دَعْوَاهُمَا الْخُصُوصَ وَاحِدًا، وَذَكَرَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مُفَصَّلًا مُنْدَرِجًا فِيهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَقِيبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ ... إِلَخْ. فَكَانَ ذِكْرُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ فِي تَحْرِيرِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ مَنْسُوبًا إِلَى صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، فَلَا يَضُرُّهُ مُنَافَاةُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مُطَابِقٌ لِرِوَايَةِ الْإِيضَاحِ دُونَ رِوَايَةِ الذَّخِيرَةِ.

[كتاب الوديعة]

(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] . (كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) وَجْهُ مُنَاسِبَةِ هَذَا الْكِتَابِ بِمَا تَقَدَّمَ قَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْعَارِيَةَ وَالْهِبَةَ وَالْإِجَارَةَ لِلتَّنَاسُبِ بِالتَّرَقِّي مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ بِلَا تَمْلِيكِ شَيْءٍ وَفِي الْعَارِيَةِ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ، وَفِي الْهِبَةِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ، وَفِي الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بَعُوضٍ وَهِيَ عِقْدٌ لَازِمٌ، وَاللَّازِمُ أَقْوَى وَأَعْلَى مِمَّا لَيْسَ بِلَازِمٍ فَكَانَ فِي الْكُلِّ التَّرَقِّي مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى كَذَا فِي الشُّرُوحِ. ثُمَّ مَحَاسِنُ الْوَدِيعَةِ ظَاهِرَةٌ؛ إِذْ فِيهِ إِعَانَةُ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحِفْظِ وَوَفَاءِ الْأَمَانَةِ وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْخِصَالِ عَقْلًا وَشَرْعًا. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْأَمَانَةُ تَجُرُّ الْغِنَى وَالْخِيَانَةُ تَجُرُّ الْفَقْرَ» وَفَى الْمَثَلِ: الْأَمَانَةُ أَقَامَتِ الْمَمْلُوكَ مَقَامَ الْمُلُوكِ، وَالْخِيَانَةُ أَقَامَتِ الْمُلُوكَ مَقَامَ الْمَمْلُوكِ. ثُمَّ إِنَّ الْوَدِيعَةَ لُغَةً فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفَعُولَةٍ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ» ، أَيْ: عَنْ تَرْكِهِمْ إِيَّاهَا. قَالَ شِمْرٌ: زَعَمَتِ النَّحْوِيَّةُ أَنَّ الْعَرَبَ أَمَاتُوا مَصْدَرَ يَدَعُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْصَحُ الْعَرَبِ، وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ، وَسُمِّيَتِ الْوَدِيعَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا شَيْءٌ يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَبَعْضِ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَفْسِيرُهَا لُغَةً التَّرْكُ، وَسُمِّيَتِ الْوَدِيعَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُتْرَكُ بِيَدِ أَمِينٍ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ سَمَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ إِذْ لَيْسَتِ الْوَدِيعَةُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى التَّرْكِ، وَإِنَّمَا الَّذِي بِمَعْنَى التَّرْكِ هُوَ الْوَدْعُ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: وَتَفْسِيرُهَا لُغَةً التَّرْكُ إِلَّا بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ لَا يُسَاعِدُهُ لَفْظُهُ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَدْعِ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ: الْوَدِيعَةُ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّسْلِيطِ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ فِي الشَّرِيعَةِ أَيْضًا هِيَ الْمَالُ الْمُودَعُ الَّذِي يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ لَا نَفْسَ التَّسْلِيطِ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ، وَأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ هُوَ الْإِيدَاعُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ: الْإِيدَاعُ لُغَةً تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ. يُقَالُ

قَالَ (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ إِذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَى الِاسْتِيدَاعِ، فَلَوْ ضَمِنَاهُ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُهُمْ. (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ فِي عِيَالِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ حِفْظَ مَالِ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْدَعْتُ زَيْدًا مَالًا وَاسْتَوْدَعْتُهُ إِيَّاهُ: إِذَا دَفَعْتَهُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ عِنْدَهُ فَأَنَا مُودِعٌ وَمُسْتَوْدِعٌ بِكَسْرِ الدَّالِّ فِيهِمَا، وَزَيْدٌ مُودَعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَالْمَالُ مُودَعٌ وَوَدِيعَةٌ. وَشَرِيعَةً تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ، انْتَهَى. حَيْثُ فَسَّرَ الْإِيدَاعَ بِالتَّسْلِيطِ الْمَزْبُورِ دُونَ الْوَدِيعَةِ، وَقَالَا: وَالْمَالُ مُودَعٌ وَوَدِيعَةٌ. وَأَقُولُ: فِيمَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَحْصُولَ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْإِيدَاعِ لُغَةً أَعَمُّ مِنْ مَعْنَاهُ شَرِيعَةً لِاخْتِصَاصِ الثَّانِي بِالْمَالِ وَتَنَاوُلِ الْأَوَّلِ الْمَالَ وَغَيْرَهُ وَلَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُعْتَبِرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْمُغْرِبِ وَغَيْرِهَا اخْتِصَاصُ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا عِنْدَ بَيَانِ مَعْنَاهُ، يُقَالُ: أَوْدَعْتُهُ مَالًا، أَيْ: دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَالِ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا لَمَا أَطْبَقَ أَرْبَابُ اللُّغَةِ عَلَى ذِكْرِ الْمَالِ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ، بَلْ كَانَ اللَّائِقُ بِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: أَوْدَعْتُهُ شَيْئًا أَوْ دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ، وَالْعَجَبُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ بَعْدَ أَنْ قَالَا: الْإِيدَاعُ لُغَةً تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ قَالَا أَيْضًا: يُقَالُ: أَوْدَعْتُ زَيْدًا مَالًا وَاسْتَوْدَعْتُهُ إِيَّاهُ: إِذَا دَفَعْتَهُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ فِيمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ شَيْءٌ يُوهِمُ الْعُمُومَ، بَلْ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالْخُصُوصِ، كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا فَكَانَ اللَّائِقُ بِهِمَا جَدًّا تَرْكَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ ... إِلَخْ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الْوَدِيعَةُ وَالْأَمَانَةُ كِلَاهُمَا عِبَارَتَانِ عَنْ مُعَبِّرٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ جَوَّزَ بَيْنَهُمَا الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ وَلَا يَجُوزُ إِيقَاعُ اللَّفْظَيْنِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا إِلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّفْسِيرِ كَقَوْلِكَ: اللَّيْثُ أَسَدٌ وَالْحَبْسُ مَنْعٌ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا لَيْسَ تَفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ بِالْأَمَانَةِ. قُلْنَا: جَوَازُ ذَلِكَ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ خَاصَّةٌ وَالْأَمَانَةَ عَامَّةٌ، وَحَمْلُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ صَحِيحٌ دُونَ عَكْسِهِ، فَالْوَدِيعَةُ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي وَقَعَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ هَبَّتِ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إِنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ. وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَبْرَأَ عَنِ الضَّمَانِ إِذَا عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ بَعْدَ الْخِلَافِ. هَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ الْكُرْدَرِيِّ إِلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَالْوَدِيعَةُ خَاصَّةٌ وَالْأَمَانَةُ عَامَّةٌ، وَحَمْلُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ صَحِيحٌ دُونَ عَكْسِهِ: فَالْوَدِيعَةُ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي وَقَعَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ هَبَّتِ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إِنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ، وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ أَنْ يَبْرَأَ عَنِ الضَّمَانِ إِذَا عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ وَلَا يَبْرَأُ عَنِ الضَّمَانِ إِذَا عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ فِي الْأَمَانَةِ، إِلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ وَالْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّ التَّقْرِيرَ الْمَسْفُورَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ تَبَايُنٌ لَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، فَإِنَّهُ قَدِ اعْتُبِرَ فِي الْأُولَى الْقَصْدُ وَفِي الْأُخْرَى عَدَمُ الْقَصْدِ، وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَادَّةٍ أَصْلًا، وَكَذَا جُعِلَ حُكْمُ الْأُولَى أَنْ يَبْرَأَ عَنِ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إِلَى الْوِفَاقِ، وَحُكْمُ الْأُخْرَى أَنْ لَا يَبْرَأَ عَنِ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إِلَى الْوِفَاقِ، وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ لَا يَتَرَتَّبَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، بَلْ يَتَعَيَّنُ التَّبَايُنُ، وَحَمْلُ أَحَدِ الْمُتَبَايِنَيْنَ عَلَى الْآخَرِ غَيْرُ صَحِيحٍ قَطْعًا فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ هِيَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْحِفْظِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعَقْدِ وَالْأَمَانَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ، كَمَا إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ فِي ثَوْبٍ فَأَلْقَتْهُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ حَمْلُ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ، اهـ كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ؛ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إِنَّ الْأَمَانَةَ مُبَايِنٌ لِلْوَدِيعَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهُ، بَلِ الْمُرَادُ بِالْوَدِيعَةِ مَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ، اهـ. أَقُولُ: قَدْ كَانَ لَاحَ لِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ كَوْنِ الْوَدِيعَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى مُبَايِنًا لِلْأَمَانَةِ مَعَ كَلَامٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ؛ إِذِ التَّسْلِيطُ عَلَى الْحِفْظِ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُودَعِ، وَلَكِنْ دَفَعْتُهُمَا مَعًا بِحَمْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ هُوَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْحِفْظِ هُوَ مَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ التَّسْلِيطِ عَلَى الْحِفْظِ فَيَكُونُ حَمْلُ نَفْسِ التَّسْلِيطِ عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، فَلَا يُنَافِي هَذَا أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ فِي الْحَقِيقَةِ مَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ فَيَنْدَفِعُ الْمَحْذُورَانِ الْمَزْبُورَانِ مَعًا. ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ تَصْحِيحًا لِكَلِمَاتِ ثِقَاتِ النَّاظِرِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّ ذَيْنِكَ الْمَحْذُورَيْنِ يَرُدَّانِ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ: فَالْوَدِيعَةُ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي وَقَعَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ أَمَانَةً بِاسْتِحْفَاظِ صَاحِبِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَصْدًا، وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ. بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هَاهُنَا مِنْ أَنَّ الْأَمَانَةَ أَعَمُّ مِنَ الْوَدِيعَةِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْقَصْدِ فِي الْوَدِيعَةِ دُونَ الْأَمَانَةِ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّ الْوَدِيعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهَا كَاللُّقَطَةِ، فَإِنَّهَا وَدِيعَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ صَاحِبُهَا، وَكَذَا إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ فَأَلْقَتْ ثَوْبًا فِي دَارِ إِنْسَانٍ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مِنْ أَنَّ الْوَدِيعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا يَقْتَضِي الْمُخَالَفَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: "مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ"، مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْمُقِرِّ لَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: "هُنَاكَ"، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَوْدَعْتُهَا كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَتُدَبَّرْ. ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ وَنَسَبَهُ إِلَى الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ الْكُرْدَرِيِّ، كَمَا مَرَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى مِنَ الْجَوَابِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: لَفْظُ الْأَمَانَةِ صَارَ عَلَمًا لِمَا هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَكَانَ قَوْلُهُ: "هُوَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ"، أَيْ: غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، حَتَّى أَنَّ لَفْظَ الْأَمَانَةِ يَنْسَحِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا، وَأَرَادَ بِالْوَدِيعَةِ مَا وُضِعَ لِلْأَمَانَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَانَا مُتَغَايِرَيْنِ فَصَحَّ إِيقَاعُهُمَا مُبْتَدَأً وَخَبَرًا، اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ مَعْنَى "غَيْرُ مَضْمُونٍ" لَمَا احْتِيجَ إِلَى ذِكْرِ قَوْلِهِ: "إِذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ لِلْقَطْعِ بِقُبْحٍ"، أَنْ يُقَالَ: الْوَدِيعَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُودَعِ إِذَا هَلَكَتْ لَمْ تَضْمَنْ لِكَوْنِ الثَّانِي مُسْتَدْرَكًا. وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ وَفِيهِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ مَا وُضِعَ لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَغَيْرُ مَضْمُونٍ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ: عَلَمٍ هَذَا مِنْ أَقْسَامِ الْأَعْلَامِ، اهـ كَلَامُهُ.

وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنَ الدَّفْعِ إِلَى عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُلَازَمَةُ بَيْتِهِ وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ (فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ ضَمِنَ) لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ، وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ، وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إِيدَاعٌ، إِلَّا إِذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ. قَالَ (إِلَّا أَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَيُسَلِّمَهَا إِلَى جَارِهِ أَوْ يَكُونَ فِي سَفِينَةٍ فَخَافَ الْغَرَقَ فَيُلْقِيَهَا إِلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى) لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَرْتَضِيهِ الْمَالِكُ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةً مُسْقِطَةً لِلضَّمَانِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا إِذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ. قَالَ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَحَبَسَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِمْسَاكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: دَفَعَ هَذَا سَهْلٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَمَانَةِ إِنْ كَانَ عَلَمًا لِمَا هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ كَانَ مِنْ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ، كَأُسَامَةَ فَإِنَّهُ عَلَمٌ لِجِنْسِ الْأَسَدِ، وَسُبْحَانَ فَإِنَّهُ عَلَمٌ لِجِنْسِ التَّسْبِيحِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي كُتُبِ النَّحْوِ وَبَيَّنُوا دُخُولَهَا فِي تَعْرِيفِ الْعَلَمِ بِمَا وُضِعَ لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ غَيْرَهُ بِوَضْعٍ وَاحِدٍ فَمَنْ أَتْقَنَ مَبَاحِثَ ذَلِكَ فِي مَحَالِّهَا لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنَ الدَّفْعِ إِلَى عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُلَازِمَةُ بَيْتِهِ، وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ) . أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ مَدَارِ جَوَازِ دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إِلَى عِيَالِهِ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمُ جَوَازِ دَفْعِهَا إِلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَالِكَ إِذَا نُهِيَ عَنْ دَفْعِهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إِلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَدَارَ ذَلِكَ هُوَ الضَّرُورَةُ، كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ لَا يَجْدُ بُدًّا مِنَ الدَّفْعِ إِلَى عِيَالِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ وَيُقَالَ بَدَلُهُ، فَإِنَّ امْتِنَاعَ الْحِفْظِ بِعِيَالِهِ يَقْتَضِي سَدَّ بَابِ الْوَدَائِعِ وَتَعَطُّلِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، كَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْإِمَامِ الزَّاهِدِيِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ، وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ) . أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ أَيْضًا إِذَا حَفِظَهَا بِيَدِ

بَعْدَهُ فَيَضْمَنُهُ بِحَبْسِهِ عَنْهُ. قَالَ (وَإِنْ خَلَطَهَا الْمُودَعُ بِمَالِهِ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إِذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا شَرِكَهُ إِنْ شَاءَ) مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِالْبِيضِ وَالسُّودَ بِالسُّودِ وَالْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ. لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى عَيْنِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إِلَى عَيْنِ حَقِّهِ. وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الشَّرِكَةِ فَلَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لَهَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إِلَّا فِي الدَّيْنِ وَقَدْ سَقَطَ، وَعِنْدَهُمَا بِالْإِبْرَاءِ تَسْقُطُ خِيرَةُ الضَّمَانِ فَيَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ، وَخَلْطُ الْخَلِّ بِالزَّيْتِ وَكُلِّ مَائِعٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إِلَى الضَّمَانِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً وَكَذَا مَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَالْقِسْمَةُ. وَلَوْ خَلَطَ الْمَائِعَ بِجِنْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إِلَى ضَمَانٍ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَهُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ فِي عِيَالِهِ لَا بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ غَيْرُ يَدِ نَفْسِهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِمْ لَا بِيَدِ غَيْرِهِمْ عَلَى نَهْجِ قَوْلِهِ فِي نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ الشَّامِلَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، كَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ للإمام الزاهدي؛ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ فَلَا يَكُونُ رِضَاهُ بِيَدِهِمْ رِضًا بِيَدِ غَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الشَّرِكَةِ فَلَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لَهَا) . قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ الْمَعْلُولَ هُنَا جَوَازُ الشَّرِكَةِ وَالْعِلَّةُ إِمْكَانُ الْقِسْمَةِ وَالْقِسْمَةُ نَفْسُهَا مِنْ

وَنَظِيرُهُ خَلْطُ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا إِذَابَةً لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَائِعًا بِالْإِذَابَةِ قَالَ (وَإِنِ اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِصَاحِبِهَا) كَمَا إِذَا انْشَقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَا لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَيَشْتَرِكَانِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُودَعُ بَعْضَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهَا بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْجَمِيعَ) لِأَنَّهُ خَلَطَ مَالَ غَيْرِهِ بِمَالِهِ فَيَكُونُ اسْتِهْلَاكًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ. قَالَ: (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ فَرَدَّهَا إِلَى يَدِهِ زَالَ الضَّمَانُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْرَأُ عَنِ الضَّمَانِ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا لِلْمُنَافَاةِ فَلَا يَبْرَأُ إِلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بَاقٍ لِإِطْلَاقِهِ، وَارْتِفَاعُ حُكْمِ الْعَقْدِ ضَرُورَةُ ثُبُوتِ نَقِيضِهِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ عَادَ حُكْمُ الْعَقْدِ، كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْحِفْظِ شَهْرًا فَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ حَفِظَ فِي الْبَاقِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوجِبَاتِ نَفْسِ الشَّرِكَةِ، اهـ. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ نَفْسَهَا لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِ الشَّرِكَةِ قَطْعًا؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِكَيْنِ فِي شَيْءٍ قِسْمَةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَا فِيهِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ أَبَدًا، فَإِنَّمَا الَّذِي مِنْ مُوجِبَاتِ نَفْسِ الشَّرِكَةِ وَجَوَازِهَا هُوَ جَوَازُ الْقِسْمَةِ لَا الْقِسْمَةُ نَفْسُهَا، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ الْقِسْمَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِلَّةً مُوجِبًا لِلشَّرِكَةِ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ الْمَعْلُولُ عِلَّةً، فَإِنَّ الْمَعْلُولَ هُنَا عِنْدَهُمَا جَوَازُ الشَّرِكَةِ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّقَ مَشِيئَةُ الْمُودَعِ بِالشَّرِكَةِ، وَنَفْسُ الشَّرِكَةِ بَعْدَ أَنْ

فَحَصَلَ الرَّدُّ إِلَى نَائِبِ الْمَالِكِ. قَالَ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهَا ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَقَدْ عَزَلَهُ عَنِ الْحِفْظِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبٌ مَانِعٌ فَيَضْمَنُهَا، فَإِنْ عَادَ إِلَى الِاعْتِرَافِ لَمْ يَبْرَأْ عَنِ الضَّمَانِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ، إِذِ الْمُطَالَبَةُ بِالرَّدِّ رَفْعٌ مِنْ جِهَتِهِ وَالْجُحُودُ فَسْخٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ كَجُحُودِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ وَجُحُودِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَتَمَّ الرَّفْعُ، أَوْ لِأَنَّ الْمُودَعَ يَنْفَرِدُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْمُسْتَوْدِعِ كَالْوَكِيلِ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَا يَعُودُ إِلَّا بِالتَّجْدِيدِ فَلَمْ يُوجَدِ الرَّدُّ إِلَى نَائِبِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْخِلَافِ ثُمَّ الْعَوْدِ إِلَى الْوِفَاقِ، وَلَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِهَا لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْجُحُودَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَمَعِ الطَّامِعِينَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ أَوْ طَلَبِهِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ. قَالَ: (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةَ وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتَعَلَّقَ مَشِيئَتُهُ بِهَا وَكِلَاهُمَا كَانَا يُوجِبَانِ جَوَازَ الْقِسْمَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْوَدِيعَةِ وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أبي حنيفة ... إِلَخْ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: قَالُوا: إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، فَإِنْ كَانَ مَخُوفًا ضَمِنَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا كَانَ آمِنًا وَلَهُ بُدٌّ مِنَ السَّفَرِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَسَافِرَ بِأَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ سَافَرَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَرْكُهَا فِي أَهْلِهِ، اهـ. أَقُولُ: هَذَا تَحْرِيرٌ مُخْتَلٌّ وَحَلٌّ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَقُولُ الْقَوْلِ فِي قَالُوا مَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ بِأَنْ كَانَ قَوْلُهُ: إِذْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا شَرْطًا

فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِطْلَاقُ الْأَمْرِ، وَالْمَفَازَةُ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَلَهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ فَيَتَقَيَّدُ، وَالشَّافِعِيُّ يُقَيِّدُهُ بِالْحِفْظِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْحِفْظُ فِي الْأَمْصَارِ وَصَارَ كَالِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ. قُلْنَا: مُؤْنَةُ الرَّدِّ تَلْزَمُهُ فِي مِلْكِهِ ضَرُورَةَ امْتِثَالِ أَمْرِهِ فَلَا يُبَالِي بِهِ وَالْمُعْتَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْمِصْرِ لَا حِفْظُهُمْ، وَمَنْ يَكُونُ فِي الْمَفَازَةِ يَحْفَظُ مَالَهُ فِيهَا، بِخِلَافِ الِاسْتِحْفَاظِ بِأَجْرٍ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ (وَإِذَا نَهَاهُ الْمُودِعُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَدِيعَةَ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ) لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إِذِ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ فَكَانَ صَحِيحًا. قَالَ: (وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا وَطَلَبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَدْفَعُ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا بَعْدَهُ جَزَاءَهُ فَسَدَ الْمَعْنَى جِدًّا؛ إِذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا قِسْمًا مِمَّا كَانَ آمِنًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضِدَّ الشَّيْءِ قِسْمًا مِنْهُ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ مَقُولُ ذَلِكَ قَوْلَهُ: إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا فَقَطْ بِأَنْ كَانَ مَعْنَاهُ، قَالُوا: هَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، كَمَا هُوَ الْمُطَابِقُ لِمَا فِي الْكَافِي وَسَائِرِ الشُّرُوحِ، وَكَانَ قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مَخُوفًا ضَمِنَ بِالِاتِّفَاقِ بَيَانًا لِحُكْمِ كَوْنِ الطَّرِيقِ مَخُوفًا فِي الْمُسَافَرَةِ بِالْوَدِيعَةِ، وَكَانَ قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ آمِنًا وَلَهُ بُدٌّ مِنَ السَّفَرِ ... إِلَخْ. تَفْصِيلًا لِحُكْمِ كَوْنِ الطَّرِيقِ آمِنًا فِي الْمُسَافِرَةِ بِالْوَدِيعَةِ فَسَدَ مَعْنَى الْمَقَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا". فِي قَوْلِهِ: "قَالُوا: إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا"، مَا هُوَ عَامٌّ لِمَا كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنَ السَّفَرِ وَمَا لَمْ يَكُنْ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ كَانَ قَوْلُهُ فِي التَّفْصِيلِ، وَإِذَا كَانَ آمِنًا وَلَهُ بُدٌّ مِنَ السَّفَرِ فَكَذَلِكَ مُنَافِيًا لِذَلِكَ قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا هُوَ مُفِيدٌ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ السَّفَرِ فَمَعَ كَوْنِ اللَّفْظِ غَيْرَ مُسَاعِدٍ لَهُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي التَّفْصِيلِ، وَإِنْ سَافَرَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قِسْمٌ مِنْ ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ، كَمَا تَرَى مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ الضَّمَانُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فِيمَا إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَالِكُ الْمِصْرَ لِلْحِفْظِ فِيهِ، كَمَا يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ: وَإِذَا نَهَاهُ الْمُودِعُ أَنْ يَخْرُجَ بِالْوَدِيعَةِ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي وَاحِدٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ قَطُّ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: ثَلَاثَةٌ اسْتَوْدَعُوا رَجُلًا أَلْفًا فَغَابَ اثْنَانِ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَهُ ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ. لَهُمَا أَنَّهُ طَالَبَهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إِلَيْهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَكَذَا يُؤْمَرُ هُوَ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَالَبَهُ بِدَفْعِ نَصِيبِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْمُفْرَزِ وَحَقِّهِ فِي الْمُشَاعِ، وَالْمُفْرَزُ الْمُعَيَّنُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقَّيْنِ، وَلَا يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ إِلَّا بِالْقِسْمَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ دَفْعُهُ قِسْمَةً بِالْإِجْمَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي صُورَةِ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمَالِكُ الْمِصْرَ لِلْحِفْظِ فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ التَّفْصِيلَ فِي صُورَةِ إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا أَوْ إِنْ عَيَّنَ الْمَالِكُ الْمِصْرَ لِلْحِفْظِ فِيهِ: فَالصَّوَابُ فِي هَذَا الْمَقَامِ تَحْرِيرُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ؛ حَيْثُ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، أَمَّا إِذَا كَانَ مَخُوفًا وَلَهُ بُدٌّ مِنَ السَّفَرِ ضَمِنَ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ السَّفَرِ إِنْ سَافَرَ بِأَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ سَافَرَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْرُكَهَا فِي أَهْلِهِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِيخَانَ، اهـ، وَتَحْرِيرِ صَاحِبَيِ الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَا: هَذَا إِذَا لَمْ يُعَيِّنِ الْمَالِكُ الْمِصْرَ لِلْحِفْظِ فِيهِ بَلْ أَطْلَقَ فَإِنْ عَيَّنَ الْحِفْظَ فِي الْمِصْرِ فَسَافَرَ إِنْ كَانَ سَفَرًا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ سَفَرًا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ مَعَ السَّفَرِ بِأَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُتْرَكَ وَاحِدًا مِنْ عِيَالِهِ مَعَ الْوَدِيعَةِ فِي الْمِصْرِ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ، اهـ. وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فَخَلَطَ الْكَلَامَ وَأَفْسَدَ مَعْنَى الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: ثَلَاثَةٌ اسْتَوْدَعُوا رَجُلًا أَلْفًا فَغَابَ اثْنَانِ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَهُ ذَلِكَ) . قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِيَدُلَّ بِوَضْعِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: "وَدِيعَةُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ"؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْأَلْفُ وَهُوَ مَوْزُونٌ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ إِذْ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يُشْعِرُ بِحَصْرِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا يُقْسَمُ حَتَّى يَدُلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ هُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْأَلْفُ وَهُوَ مَوْزُونٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَلْفَ إِنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لَا الْحَصْرِ، كَيْفَ وَلَوْ أَفَادَ بِذَلِكَ الْحَصْرَ لَكَانَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لِلْمَكِيلِ أَصْلًا بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ: وَهُوَ مَوْزُونٌ، وَلَا لِلْمَوْزُونِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْأَلْفِ فَيَفُوتُ الْمَطْلُوبُ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي الْكَشْفِ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنَ الْفَائِدَةِ مَا لَيْسَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ: الْقَاضِي لَا يَأْمُرُ الْمُودَعَ بِالدَّفْعِ، وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَأْمُرُ الْمُودَعَ بِالدَّفْعِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً، فَلَمَّا قَالَ فِي الْجَامِعِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ وَفَائِدَةٌ أُخْرَى أَنَّ رِوَايَةَ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي اثْنَيْنِ وَرِوَايَةَ الْجَامِعِ فِي الثَّلَاثَةِ، فَلَوْلَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ لَكَانَ لِبَعْضٍ أَنْ يَقُولَ: نَصِيبُ الْوَاحِدِ الْحَاضِرِ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَقَلُّ مِنْ نَصِيبِ الْغَائِبَيْنِ فَيَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا وَيُجْعَلُ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُودَعِ، فَأَمَّا نَصِيبُ الْحَاضِرِ مِنَ الرَّجُلَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا وَلَا تَبَعًا فَلَهُ أَخْذُهُ، فَتَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ كِلَيْهِمَا سَوَاءٌ، انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْفَائِدَةِ الْأُخْرَى نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنْ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ عِنْدَ أبي حنيفة، وَهَذَا لَا يَدْفَعُ تَوَهُّمَ قَائِلٍ: إِنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْأَخْذِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قِلَّةُ نَصِيبِ الْحَاضِرِ، بَلْ يُؤَيِّدُهُ لِمُسَاعَدَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ رِوَايَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْحَاضِرِ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْ نَصِيبِ الْغَائِبِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ، فَلَا مَجَالَ لِتَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ عِلَّةُ عَدَمِ دَفْعِ نَصِيبِ الْحَاضِرِ إِلَيْهِ قِلَّةَ نَصِيبِهِ فَتِلْكَ الْفَائِدَةُ الْأُخْرَى إِنَّمَا تَظْهَرُ لَوْ ذُكِرَتْ رِوَايَةُ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى عَكْسِ مَا فِي الْكِتَابِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِنَاءُ تِلْكَ الْفَائِدَةِ عَلَى قَوْلِ

بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا. قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ قَوْلِ أبي حنيفة فَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلَى تَرْتِيبِ الْكِتَابِ تَأَمَّلْ تَقَفَّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ، أَيْ: حَقَّ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) فَلَا يَكُونُ هَذَا تَصَرُّفًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ، بَلْ يَكُونُ الْمَدْيُونُ مُتَصَرِّفًا فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَيَجُوزُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ هَذَا الْمَقَامَ أَوَّلًا هَكَذَا: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالدَّفْعِ إِلَى مَنْ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ مَأْمُورٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالدَّفْعِ إِلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا إِلَى مَنْ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدْيُونِ قَضَاءَ دَيْنِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ قَضَاءُ الدَّيْنَ بِعَيْنِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى بِمِثْلِهِ وَجَبَ عَلَى الْمَدْيُونِ لِلدَّائِنِ دَفْعُ مِثْلِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إِلَى دَائِنِهِ، فَكَانَ مَأْمُورًا بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ عَلَى إِنْسَانٍ لِإِنْسَانٍ دَفْعَ عَيْنِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ دَفْعُ مِثْلِهِ وَبَدَلِهِ، كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا مَحْذُورَ قَطْعًا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي حَقِّهِ لِلشَّرِيكِ لَا لِلْمَدْيُونِ، كَمَا وَقَعَ فِي الشُّرُوحِ، وَمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يُطَالِبُ الْمَدْيُونَ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ، أَيْ: بِقَضَاءِ حَقِّهِ، وَحَقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَالْمِثْلُ مَالُ الْمَدْيُونِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَالْقَضَاءُ إِنَّمَا يَقَعُ بِالْمُقَاصَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَا يُسَاعِدُهُ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي حَقِّهِ لَوْ كَانَ لِلشَّرِيكِ دُونَ الْمَدْيُونِ لَمْ يَتِمَّ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا؛ إِذْ كَوْنُ قَضَاءِ الدُّيُونِ بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَ يُطَالِبُ الْمَدْيُونَ بِتَسْلِيمِ حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ مَالُ الْمَدْيُونِ فَلَمْ يَكُنْ حَقُّ الشَّرِيكِ بَلْ كَانَ حَقُّ الْمَدْيُونِ، فَقَضَاءُ الدَّيْنِ بِالْمِثْلِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمَ حَقِّ الشَّرِيكِ بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمَ حَقِّ الْمَدْيُونِ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا تَوَهَّمَهُ فِي نَظَرِهِ السَّابِقِ مِنْ لُزُومِ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مَأْمُورًا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالدَّفْعِ إِلَى مَنْ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْوُرُودِ عَلَى تَقْدِيرِ نَفْسِهِ بِدُونِ مُلَاحَظَةِ مَا ذَكَرْنَا فِي سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَحَقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَالْمِثْلُ مَالُ الْمَدْيُونِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ـ وَالْقَضَاءُ إِنَّمَا يَقَعُ بِالْمُقَاصَّةِ، انْتَهَى. وَهَذَا أَحَقُّ بِمَا تَوَهَّمَهُ، كَمَا تَرَى وَالْمَدْفَعُ مَا أَوْضَحْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (قَوْلُهُ: قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ) ، أَيْ: قَوْلَ الْخَصْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَهُوَ الْإِمَامَانِ عَلَى مَا مَرَّ. وَقَدْ تَعَسَّفَ فِيهِ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ؛ حَيْثُ قَالَ: وَالضَّمِيرُ فِي "قَوْلِهِ " يَرْجِعُ إِلَى الْقَائِلِ الْمَعْهُودِ فِي الذِّهْنِ، أَيْ قَوْلُ الْقَائِلِ نُصْرَةٌ لِقَوْلِهِمَا كَذَا، انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَمَّا سَائِرُ الشُّرَّاحِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِتَوْجِيهِ إِفْرَادِ

قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُجْبَرَ الْمُودَعُ عَلَى الدَّفْعِ كَمَا إِذَا كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً عِنْدَ إِنْسَانٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لِغَيْرِهِ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ إِذَا ظَفِرَ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ قَالَ (وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ فَيَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ أَنْ يَحْفَظَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُ فِي الْمُرْتَهِنَيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ بِالشِّرَاءِ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ. وَقَالَا: لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ. لَهُمَا أَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إِلَى الْآخَرِ وَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا فِيمَا لَا يُقْسَمُ. وَلَهُ أَنَّهُ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا كُلِّهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَتَى أُضِيفَ إِلَى مَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي تَنَاوَلَ الْبَعْضَ دُونَ الْكُلِّ فَوَقَعَ التَّسْلِيمُ إِلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ الدَّافِعُ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ لِأَنَّ مُودِعَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا وَلَا يُمْكِنُهُمَا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ كَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِدَفْعِ الْكُلِّ إِلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ قَالَ: (وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودَعِ لَا تُسَلِّمُهُ إِلَى زَوْجَتِكَ فَسَلَّمَهَا إِلَيْهَا لَا يَضْمَنُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إِذَا نَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إِلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ) كَمَا إِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ دَابَّةً فَنَهَاهُ عَنِ الدَّفْعِ إِلَى غُلَامِهِ، وَكَمَا إِذَا كَانَتْ شَيْئًا يُحْفَظُ فِي يَدِ النِّسَاءِ فَنَهَاهُ عَنِ الدَّفْعِ إِلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِقَامَةُ الْعَمَلِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا فَيَلْغُو (وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ضَمِنَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُفِيدٌ لِأَنَّ مِنَ الْعِيَالِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فَاعْتُبِرَ (وَإِنْ قَالَ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنَ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّ الْبَيْتَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ (وَإِنْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ) لِأَنَّ الدَّارَيْنِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ فَكَانَ مُفِيدًا فَيَصِحُّ التَّقْيِيدُ، وَلَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ ظَاهِرًا بِأَنْ كَانَتِ الدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْبَيْتَانِ عَظِيمَةً وَالْبَيْتُ الَّذِي نَهَاهُ عَنِ الْحِفْظِ فِيهِ عَوْرَةً ظَاهِرَةً صَحَّ الشَّرْطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمِيرِ قَوْلِهِ: هَاهُنَا. (قَوْلُهُ: قُلْنَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُجْبَرَ الْمُودَعُ عَلَى الدَّفْعِ ... إِلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ: لَوْ أَنْ يَأْخُذَهُ تَقْرِيرُهُ أَنَّ جَوَازَ الْأَخْذِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُودَعُ عَلَى الدَّفْعِ؛ إِذِ الْجَبْرُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْجَوَازِ، أَيْ: مِنْ لَوَازِمِهِ لِانْفِكَاكِهِ عَنْهُ، كَمَا إِذَا كَانَتْ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً عِنْدَ إِنْسَانٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لِغَيْرِهِ فَلِغَرِيمِهِ، أَيْ: لِغَرِيمِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ أَنْ يَأْخُذَهُ إِذَا ظَفِرَ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: هُنَا إِشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَتَمَشَّى عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا: فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ عِنْدَهُ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُودَعِ فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ عِنْدَ أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مُشْعِرٌ بِجَوَازِ أَخْذِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُودَعِ فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ عِنْدَ أبي حنيفة أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُجْبِرِ الْمُودَعَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ إِلَيْهِ عِنْدَهُ، كَجَوَازِ أَخْذِ غَرِيمِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ مَا أَوْدَعَهُ عِنْدَ إِنْسَانٍ إِذَا ظَفِرَ بِهِ مِنَ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِالْجَوَابِ الْمَزْبُورِ

قَالَ (وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً فَأَوْدَعَهَا آخَرَ فَهَلَكَتْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ) لَهُمَا أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ ضَمِينٍ فَيُضَمِّنُهُ كَمُودَعِ الْغَاصِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّانِي بِالْقَبْضِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْعُهْدَةِ، وَلَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ لِحُضُورِ رَأْيِهِ فَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُمَا فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ فَيَضْمَنُهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمُسْتَمِرٌّ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالرِّيحِ إِذَا أَلْقَتْ فِي حِجْرِهِ ثَوْبَ غَيْرِهِ قَالَ: (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَلْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إِيَّاهُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَجْوِيزَ أَخْذِ الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُودَعِ بِدُونِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُودَعَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ إِلَيْهِ عِنْدَ أبي حنيفة لَمَا احْتِيجَ فِي الْجَوَابِ مِنْ قِبَلِهِ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إِلَى التَّشَبُّثِ بِحَدِيثِ أَنْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ جَوَازِ الْأَخْذِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُودَعَ عَلَى الدَّفْعِ، بَلْ لِمَا أَفَادَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَقْصُودُ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْجَوَابِ مِنْ قِبَلِهِ عَنْ قَوْلِهِمَا الْمَذْكُورِ مَنْعَ جَوَازِ الْأَخْذِ أَيْضًا فَالْجَوَابُ الْمَزْبُورُ أَيْضًا إِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى مَا ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِرِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى، كَمَا سَمِعْتُ فِيمَا مَرَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِمَا: وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَكَذَا هُوَ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي أَيْدِي الشَّرِيكَيْنِ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ، فَكَذَا هُنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُودَعِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْجَوَابِ

وَعَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى بَيْنَهُمَا) وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيحَةٌ لِاحْتِمَالِهَا الصِّدْقَ فَيَسْتَحِقُّ الْحَلِفَ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالْحَدِيثِ وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ لِتَغَايُرِ الْحَقَّيْنِ، وَبِأَيِّهِمَا بَدَأَ الْقَاضِي جَازَ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. وَلَوْ تَشَاحَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِمَا وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ، ثُمَّ إِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ نَكَلَ أَعْنِي لِلثَّانِي يَقْضِي لَهُ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ يَحْلِفُ لِلثَّانِي وَلَا يَقْضِي بِالنُّكُولِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ بِنَفْسِهِ فَيَقْضِي بِهِ، أَمَّا النُّكُولُ إِنَّمَا يَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَضَاءِ فَجَازَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِيَحْلِفَ لِلثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ: وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُودَعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ جِنْسَ حَقِّهِ جَازَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ مُودَعِ الْغَرِيمِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً عِنْدَ إنْسَانٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لِغَيْرِهِ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، إلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الشَّارِحِ. أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا الِاسْتِخْرَاجِ يَتَمَشَّى هَذَا الْجَوَابُ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ أَنَّ تَقْرِيرَ الْمُصَنِّفِ لَا يُسَاعِدُ ذَلِكَ جِدًّا. تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيحَةٌ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ دُونَ الِاجْتِمَاعِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ الْوَاحِدُ مُودَعًا عِنْدَ اثْنَيْنِ بِكَمَالِهِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي فِي مَعْنَى الْمَقَامِ، فَيَتِمُّ التَّعْلِيلُ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ لِاحْتِمَالِهَا الصِّدْقَ بِلَا كُلْفَةٍ أَصْلًا. وَأَمَّا بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَقَدْ قَصَدَ تَوْجِيهَ الْمَقَامِ بِالْحَمْلِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِهِ: بِأَنْ يُودِعَهُ أَحَدُهُمَا فَيَشْتَرِيَ الْمُودَعُ بِهِ سِلْعَةً مِنْ الْآخَرِ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهِ فَيَقْبِضَهُ ثُمَّ يُودِعَهُ أَيْضًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ فِي الْحَالِ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِاثْنَيْنِ بِكَمَالِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مُودَعًا مِنْ اثْنَيْنِ بِكَمَالِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ذَلِكَ الْقَائِلُ قَدْ زَالَ إيدَاعُ أَحَدِهِمَا الْأَلْفِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا أَيْضًا بِاشْتِرَائِهِ بِهَا سِلْعَةً مِنْ الْآخَرِ وَتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ، فَكَيْفَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصْدُقَا مَعًا فِي دَعْوَاهُمَا الْمَزْبُورَةِ. (قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ لِتَغَايُرِ الْحَقَّيْنِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي تَعْلِيلِ تَغَايُرِ الْحَقَّيْنِ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَلْفًا. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَدَّعِي أَلْفًا مُعَيَّنًا وَهُوَ مَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ، وَالنُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَدَائِعِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّبْيِينِ، فَمِنْ أَيْنَ يَدُلُّ هَذَا عَلَى تَغَايُرِ الْحَقَّيْنِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ بَيَّنَ مُغَايَرَةَ الْحَقَّيْنِ بِنَهْجٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَغَايُرَ الْحَقِّ لِتَغَايُرِ الْمُسْتَحِقِّ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي يَمِينِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الدَّعْوَى مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَك يَمِينُهُ» انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِمُفِيدٍ هَاهُنَا، لِأَنَّ مَا يَقْتَضِيهِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي يَمِينِهِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ لِتَحْلِيفِهِ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ تَحْلِيفَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا، بَلْ يَحْصُلُ بِتَحْلِيفِهِ لَهُمَا مَعًا، وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِي تَحْلِيفَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ أَمْرٌ وَرَاءَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي يَمِينِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ ادَّعَيَا مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا وَاحِدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الشُّيُوعِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي يَمِينِهِ قَطْعًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ هُنَاكَ تَحْلِيفُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ. وَالْأَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِهِ أَنْ يَحْلِفَ هَاهُنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَاهُ بِانْفِرَادِهِ انْتَهَى، تَدَبَّرْ. (أَمَّا النُّكُولُ إنَّمَا يَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَضَاءِ فَجَازَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِيَحْلِفَ لِلثَّانِي

فَيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ كَمَا إِذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَيَغْرَمُ أَلْفًا أُخْرَى بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَذْلِهِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ وَذَلِكَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ، وَبِالصَّرْفِ إِلَيْهِمَا صَارَ قَاضِيًا نِصْفَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ حَقِّ الْآخَرِ فَيَغْرَمُهُ، فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِلثَّانِي وَإِذَا نَكَلَ يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي لِأَنَّهُ يُقَدِّمُهُ إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْقُرْعَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ، وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ وَإِنَّمَا نَفَذَ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَقْضِي لِلْأَوَّلِ وَلَا يَنْتَظِرُ لِكَوْنِهِ إِقْرَارَ دَلَالَةٍ ثُمَّ لَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي مَا هَذَا الْعَبْدُ لِي لِأَنَّ نُكُولَهُ لَا يُفِيدُ بَعْدَمَا صَارَ لِلْأَوَّلِ، وَهَلْ يُحَلِّفُهُ بِاللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْكَ هَذَا الْعَبْدُ وَلَا قِيمَتُهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ. قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إِذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَدَفَعَ بِالْقَضَاءِ إِلَى غَيْرِهِ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُ وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ الْإِطْنَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَقْضِيَ بِالْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لِلثَّانِي فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَلْفُ كُلُّهُ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَا صِحَّةَ لِقَوْلِهِ أَوْ لِلثَّانِي إذْ لَا احْتِمَالَ لِلْقَضَاءِ بِالْأَلْفِ بَعْدَ نُكُولِ ذِي الْيَدِ الْأَوَّلِ وَالْكَلَامُ فِيهِ، فَالْمُحْتَمَلُ هُنَا وَجْهَانِ لَا غَيْرُ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالْأَلْفُ كُلُّهُ لِلْأَوَّلِ. وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا قَطْعِيٌّ فِي أَنَّ الْمُحْتَمَلَ هُنَا وَجْهَانِ لَا غَيْرُ، وَكَانَ مَنْشَأُ زَلَّتِهِ هُوَ أَنَّ سَائِرَ الشُّرَّاحِ قَالُوا فِي بَيَانِ وَجْهِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَقْضِيَ بِالْأَلْفِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، فَتَوَهَّمَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورَ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَوْ لِأَحَدِهِمَا يَعُمُّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ فَوَقَعَ فِيمَا وَقَعَ مَعَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِهِ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ.

[كتاب العارية]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْعَارِيَّةِ قَالَ: (الْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ إحْسَانٍ وَقَدْ «اسْتَعَارَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ» (وَهِيَ تُمْلِيك الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هُوَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] ِ) . قَدْ مَرَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ لِمَا قَبْلَهُ فِي أَوَّلِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْعَارِيَّةِ لُغَةً وَشَرِيعَةً، أَمَّا لُغَةً فَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: الْعَارِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ، لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ، وَالْعَارَةُ مِثْلُ الْعَارِيَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ: الْعَارِيَّةُ أَصْلُهَا عَوَرِيَّةٌ فَعْلِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارَةِ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ كَالْغَارَةِ مِنْ الْإِغَارَةِ، وَأَخْذُهَا مِنْ الْعَارِ الْعَيْبِ أَوْ الْعُرَى خَطَأٌ. انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ فِي طَلَبِهَا عَارٌ لَمَا بَاشَرَهَا. وَفِي الْقَامُوسُ وَالْمُغْرِبِ: وَقَدْ تُخَفَّفُ الْعَارِيَّةُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْغَيْرِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ عَلَى أَنْ تَعُودَ النَّوْبَةُ إلَيْهِ بِالِاسْتِرْدَادِ مَتَى شَاءَ، وَلِهَذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَرْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ فَلَا تَعُودُ النَّوْبَةُ إلَيْهِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ لِتَكُونَ عَارِيَّةً حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا تَعُودُ النَّوْبَةُ إلَيْهِ فِي مِثْلِهَا. وَأَمَّا شَرِيعَةً فَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ

لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ وَلِذَلِكَ يَعْمَلُ فِيهَا النَّهْيُ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ، فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةِ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ كَالْأَعْيَانِ. وَالتَّمْلِيكُ نَوْعَانِ: بِعِوَضٍ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ. ثُمَّ الْأَعْيَانُ تَقْبَلُ النَّوْعَيْنِ، فَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَسَيَأْتِي دَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعَرِيَّةِ، وَهِيَ الْعَطِيَّةِ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْعَرِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَطِيَّةُ، وَيَقُولُ بَلْ هِيَ مِنْ الْعَارِ كَمَا ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ، أَوْ مِنْ الْعَارَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ، أَوْ مِنْ التَّعَاوُرِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ ثِقَاتِ الْأَئِمَّةِ لَا يَثْبُتُ إنْبَاءُ لَفْظِ الْعَارِيَّةِ عَنْ التَّمْلِيكِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: انْعِقَادُ الْعَارِيَّةِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ دُونَ الْإِبَاحَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ التَّمْلِيكِ هُنَاكَ مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ لِعَلَاقَةِ لُزُومِ الْإِبَاحَةِ لِلتَّمْلِيكِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ انْعِقَادِهَا بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ: إنَّ لَفْظَةَ الْإِبَاحَةِ اُسْتُعِيرَتْ لِلتَّمْلِيكِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَرِّفَ إذَا عَرَّفَ شَيْئًا بِالْجَامِعِ وَالْمَانِعِ، فَإِنْ سَلِمَ مِنْ النَّقْضِ فَذَاكَ، وَإِنْ انْتَقَضَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ جَامِعٍ أَوْ مَانِعٍ يُجَابُ عَنْ النَّقْضِ إنْ أَمْكَنَ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي التَّصْدِيقَاتِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِيَاسِ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَالْمَوْضُوعَاتُ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ. وَالثَّالِثِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُتَعَدِّيًا إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ، وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ نَظِيرَ الْأَعْيَانِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْجُهِ

الْمَنَافِعُ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَلَفْظَةُ الْإِبَاحَةِ اُسْتُعِيرَتْ لِلتَّمْلِيكِ، كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَهِيَ تَمْلِيكٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَحْثِهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَ لَيْسَ بِاسْتِدْلَالٍ عَلَى نَفْسِ التَّعْرِيفِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ بَلْ عَلَى الْحُكْمِ الضِّمْنِيِّ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْمُعَرِّفُ، كَأَنْ يُقَالَ هَذَا التَّعْرِيفُ هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ هُوَ الْحَقُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ قَبِيلِ التَّصْدِيقَاتِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَوْضِعِهِ بِأَنَّ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُورَدَةَ فِي التَّعْرِيفَاتِ مِنْ الْمَنْعِ وَالنَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ إنَّمَا تُورَدُ عَلَى الْأَحْكَامِ الضِّمْنِيَّةِ بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ صَحِيحٌ جَامِعٌ مَانِعٌ لَا عَلَى نَفْسِ التَّعْرِيفَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ التَّصَوُّرَاتِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَمْرَ الِاسْتِدْلَالِ هُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقْصِدْ إثْبَاتَ كَوْنِ لَفْظِ الْعَارِيَّةِ مَوْضُوعًا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِالْقِيَاسِ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، بَلْ أَرَادَ إثْبَاتَ قَبُولِ الْمَنَافِعِ لِنَوْعَيْ التَّمْلِيكِ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَبُولِ الْأَعْيَانِ لَهُمَا، وَقَصَدَ بِإِثْبَاتِ هَذَا دَفْعَ تَوَهُّمِ الْخَصْمِ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَلَا تَقْبَلُ التَّمْلِيكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَبُولَ الْأَعْيَانِ لِنَوْعَيْ التَّمْلِيكِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَيَصِحُّ تَعْدِيَتُهُ إلَى قَبُولِ الْمَنَافِعِ لَهُمَا أَيْضًا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ نَظِيرَ الْأَعْيَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ نَظِيرَهَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يُجْدِي نَفْعًا إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ اشْتِرَاكُ الْفَرْعِ مَعَ الْأَصْلِ فِي جَمِيعِ الْجِهَاتِ، بَلْ يَكْفِي اشْتِرَاكُهُمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ نَظِيرَهَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْقَبُولُ لِنَوْعَيْ التَّمْلِيكِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هِيَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَهُمَا أَيْ الْأَعْيَانُ وَالْمَنَافِعُ مُشْتَرَكَتَانِ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهَا بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ إمَّا لَفْظِيٌّ أَوْ رَسْمِيٌّ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَا ذَكَرْته فِي بَيَانِهِ يُجْعَلُ لِبَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ لَا اسْتِدْلَالًا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جُعِلَ بَيَانًا لِخَوَاصَّ يَعْرِفُ بِهَا الْعَارِيَّةَ انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ إنْ كَانَ لَفْظِيًّا كَانَ قَابِلًا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ مَآلَ التَّعْرِيفِ اللَّفْظِيِّ إلَى التَّصْدِيقِ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِإِزَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَلِذَلِكَ كَانَ قَابِلًا لِلْمَنْعِ، بِخِلَافِ التَّعْرِيفِ الْحَقِيقِيِّ إذْ لَا حُكْمَ فِيهِ بَلْ هُوَ تَصَوُّرٌ وَنَقْشٌ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَمَا ذَكَرَ فِي بَيَانِهِ يُجْعَلُ لِبَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ لَا اسْتِدْلَالًا عَلَى ذَلِكَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَيْضًا أَنَّ التَّعْرِيفَ الرَّسْمِيَّ الَّذِي بِالْخَوَاصِّ إنَّمَا يَكُونُ بِالْخَوَاصِّ اللَّازِمَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّوَازِمَ الْبَيِّنَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جُعِلَ بَيَانًا لِخَوَاصَّ يَعْرِفُ بِهَا الْعَارِيَّةَ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ضَمِيرَ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهَا رَاجِعٌ إلَى وَجْهِ بَحْثِهِ مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ عَلَى تَقْرِيرِ تَمَامِهِ إنَّمَا يَكُونُ جَوَابًا عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ جَعَلْنَا الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ حُكْمَ الْعَارِيَّةِ وَعَرَّفْنَاهَا بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَ سَالِمًا مِنْ الشُّكُوكِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُنَافِيهِ ظَاهِرًا فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ حُكْمَ الْعَارِيَّةِ لَبَقِيَ الْبَحْثُ الثَّالِثُ قَطْعًا فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ: كَانَ سَالِمًا مِنْ الشُّكُوكِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِحَمْلِ التَّمْلِيكِ عَلَيْهَا بِالْمُوَاطَأَةِ يُنَافِي ظَاهِرًا كَوْنَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ حُكْمَ الْعَارِيَّةِ، إذْ حُكْمُ الشَّيْءِ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِالْمُوَاطَأَةِ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُنَافِيهِ ظَاهِرًا. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ تَوْجِيهَهُ هَذَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ بِطَرِيقِ الْجَزْمِ حَيْثُ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِهَا اصْطِلَاحًا، فَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى. فَإِنَّ تَوْجِيهَهُ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي حُكْمِهَا لَا فِي تَعْرِيفِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ سَالِمًا مِنْ الشُّكُوكِ: أَمَّا مِنْ الْأَوَّلِ فَمُسَلَّمٌ، وَأَمَّا مِنْ الْأَخِيرَيْنِ فَلَا انْتَهَى. أَقُولُ: سَلَامَتُهُ مِنْ الثَّانِي أَيْضًا ظَاهِرٌ إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ حُكْمَ الْعَارِيَّةِ دُونَ مَعْنَاهُ شَرْعًا لَمْ يُتَصَوَّرُ وَضْعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الْعَارِيَّةِ حَتَّى يَتَّجِهَ عَلَى دَلِيلِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ

وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِعَدَمِ اللُّزُومِ فَلَا تَكُونُ ضَائِرَةً. وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ. وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا جَهَالَةَ، وَالنَّهْيُ مَنَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ فَلَا يَتَحَصَّلُ الْمَنَافِعَ عَلَى مِلْكِهِ. وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ (وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِعَدَمِ اللُّزُومِ فَلَا تَكُونُ ضَائِرَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ إلَى النِّزَاعِ هِيَ الْمَانِعَةُ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِعَدَمِ اللُّزُومِ فَلَا تَكُونُ ضَائِرَةً، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّمْلِيكُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَالْجَهَالَةُ الَّتِي لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ خَلَلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّمْلِيكُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ يُشْعِرُ بِأَنَّ عَامَّةَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا بِصِحَّةِ الْعَارِيَّةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ اعْتَرَفُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّمْلِيكِ أَصْلًا مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُتِمَّ هَذَا الْكَلَامُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ: وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِهِ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ هِيَ الْإِبَاحَةُ دُونَ التَّمْلِيكِ لَا عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ مَعَ الْجَهَالَةِ: فَالْأَوْلَى فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ إلَخْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ صَرِيحٌ فِيهِ: أَيْ حَقِيقَةٌ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ، وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ: أَيْ مَجَازٌ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي عِبَارَتِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ أَنَّهُ مَجَازٌ فَهُوَ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ، وَالْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ صَرِيحٌ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ، وَالْجَوَابُ: كِلَاهُمَا صَرِيحٌ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْآخَرَ مَجَازٌ، فَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ: أَيْ مَجَازٌ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْآخَرَ حَقِيقَةٌ إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْأُولَى بِكَوْنِهَا صَرِيحَةً يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَا تَنْحَسِمُ مَادَّةُ الْإِشْكَالِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مَا انْكَشَفَ الْمُرَادُ مِنْهُ

(وَمَنَحَتْك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ) ؛ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ تُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا. قَالَ (وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ (وَدَارِي لَك سُكْنَى) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ سُكْنَاهَا لَك (وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ سُكْنَاهَا لَهُ مُدَّةَ عُمُرِهِ. وَجَعَلَ قَوْلُهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ لَك؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ بِدَلَالَةٍ آخِرِهِ. قَالَ: (وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا فَالتَّمْلِيكُ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ فَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ. قَالَ: (وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَيَضْمَنُهُ، وَالْإِذْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نَفْسِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْحَقِيقَةَ الْغَيْرَ الْمَهْجُورَةَ وَالْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّرِيحِ هَاهُنَا الْحَقِيقَةَ فَقَطْ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي مُقَابِلِهِ كَمَا بَيَّنَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَنَّ تَخْصِيصَ الْأُولَى بِكَوْنِهَا صَرِيحَةً يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ: أَيْ لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّرِيحِ هَاهُنَا مَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ تَخْصِيصَ الْأُولَى بِذَلِكَ يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ بِمَعْنَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا إشْكَالَ فِيهِ حَتَّى لَا تَنْحَسِمَ مَادَّتُهُ (قَوْلُهُ: وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِمَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. وَقَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ الطَّعْنِ وَالْجَوَابِ: قُلْت: الْمَذْكُورُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ، وَالْآخَرُ حَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَدَارُ مَا قَالَهُ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَبَيْنَ مَا صَدَّقَ هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الشَّيْئَيْنِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَمَبْنَى التَّأْوِيلِ هَاهُنَا وَفِي قَوْله تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا مَحَالَةَ فَلَا غُبَارَ فِي الْجَوَابِ. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بَيَانَ الْوَاقِعِ لَا رَدَّ الْجَوَابِ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ: كَوْنُ الْمَذْكُورِ شَيْئَيْنِ مَعَ كَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْ الْبَيَانِ جِدًّا يَأْبَى عَنْهُ قَطْعًا ذِكْرَهُ لَفْظَةَ قُلْت سِيَّمَا بَعْدَ ذِكْرِ الطَّعْنِ وَالْجَوَابِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ

ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لِإِبَاحَتِهَا، وَالْقَبْضُ لَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ: يَعْنِي مُؤْنَةَ الرَّدِّ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ إذَا هَلَكَ ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: حَمَلَ الشَّارِحُ الْمَذْكُورَ قَوْلَ الْمُصَنَّفِ وَلِهَذَا عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى كَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَسَكَتَ سَائِرُ الشُّرَّاحِ عَنْ الْبَيَانِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ، فَالْمَعْنَى وَلِكَوْنِهِ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ، وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ، فَبِمُقْتَضَى كَوْنِ الْمَعْطُوفِ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ هَذَا إشَارَةً إلَى كَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا، وَلِكَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا صَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرْته فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَلِكَوْنِهِ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ صَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ حَدِيثَ كَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ لَا عُمْدَةَ فِي الِاسْتِدْلَالِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هُوَ الْعُمْدَةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَحَقُّ بِأَنْ يُفَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي أَخَّرَ حَدِيثَ كَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا عَنْ تَفْرِيعِ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لِإِبَاحَتِهَا، وَالْقَبْضُ لَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي حَمْلِ هَذَا الْمَحَلِّ: يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ إمَّا أَنْ يَجِبَ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالْإِذْنِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ لَهُ. أَمَّا الْعَقْدُ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْعَارِيَّةُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لِإِبَاحَتِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْعَيْنِ حَتَّى يُوجِبَ الضَّمَانَ عِنْدَ هَلَاكِهِ. وَأَمَّا الْقَبْضُ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا وَقَعَ تَعَدِّيًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ. وَأَمَّا الْإِذْنُ فَلِأَنَّ إضَافَةَ الضَّمَانِ إلَيْهِ فَسَادٌ فِي الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ فِي قَبْضِ الشَّيْءِ يَنْفِي الضَّمَانَ فَكَيْفَ يُضَافُ إلَيْهِ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْإِذْنِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ مِمَّا لَا يَخْطِرُ بِبَالِ أَحَدٍ أَصْلًا، وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِنَفْيِ ذَلِكَ قَطُّ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ حُجَّتِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،

وَالْإِذْنُ وَإِنْ ثَبَتَ لِأَجْلِ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَا قَبَضَهُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الرَّدُّ مُؤْنَةً كَنَفَقَةِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا لِنَقْضِ الْقَبْضِ. وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا اسْتَعَارَهُ؛ فَإِنْ آجَرَهُ فَعَطِبَ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَلِإِنَّا لَوْ صَحَّحْنَاهُ لَا يَصِحُّ إلَّا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْمُعِيرِ، وَفِي وُقُوعِهِ لَازِمًا زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِالْمُعِيرِ لِسَدِّ بَابِ الِاسْتِرْدَادِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَدَرَجَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورَ إيَّاهُ فِي احْتِمَالَاتِ إيجَابِ الضَّمَانِ وَنِسْبَتِهِ ذَلِكَ إلَى الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي خُرُوجًا عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ وَإِنْ ثَبَتَ لِأَجْلِ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَا قَبَضَهُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِذْنُ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهُ. وَتَقْرِيرُهُ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِضَرُورَةِ الِانْتِفَاعِ، لَكِنَّ الْقَبْضَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَعَدٍّ وَلَا ضَمَانَ بِدُونِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَبْضُ أَيْضًا إلَّا لِضَرُورَةِ الِانْتِفَاعِ كَانَتْ صِحَّةُ الْقَبْضِ مُقَدَّرَةً بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ إنَّمَا هِيَ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ هَلَكَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا. وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فِي غَيْرِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ لِكَوْنِ هَلَاكِهَا فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ. فَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِذْنُ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يُظْهِرُ فِيمَا وَرَاءَهُ طَرِيقَةَ الْمَنْعِ لَا الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهَا صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَالْإِذْنُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ. قُلْنَا: لَمَّا مَسَّتْ الْحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ إلَى إظْهَارِ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ فِي حَالَةِ الِانْتِفَاعِ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى إظْهَارِ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا وَهِيَ حَالَةُ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ كَمَا يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَا سَاعَةً وَيُمْسِكُ أُخْرَى، وَلَوْ انْتَفَعَ بِالْعَارِيَّةِ دَائِمًا يَضْمَنُ كَمَا إذَا رَكِبَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فِيمَا لَا يَكُونُ الْعُرْفُ كَذَلِكَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا مَأْذُونٌ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، إلَى هُنَا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأُشِيرَ إلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْجَوَابِ فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ

الْإِجَارَةِ فَأَبْطَلْنَاهُ، وَضَمِنَهُ حِينَ سَلَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْعَارِيَّةُ كَانَ غَصْبًا، وَإِنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ. قَالَ (وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَاحَةَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةٌ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا مَوْجُودَةً فِي الْإِجَارَةِ لِلضَّرُورَةِ. وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْإِبَاحَةِ هَاهُنَا. وَنَحْنُ نَقُولُ: هُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَبْضِ بَلْ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِالْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ فَصَارَ كَالْمَأْخُوذِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ أَنَّ تَحْرِيرَهُ هَذَا فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ مُخْتَلٌّ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي فَصَارَ رَاجِعٌ إلَى الْمَأْخُوذِ بِالْعَقْدِ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: فَصَارَ الْمَأْخُوذُ بِالْعَقْدِ كَالْمَأْخُوذِ بِالْعَقْدِ فَيَلْزَمُ تَشْبِيهُ الشَّيْءَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِعِنَايَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَحْمِلَ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِالْعَقْدِ عَلَى الْمُلَابَسَةِ، وَفِي قَوْلِهِ فَصَارَ كَالْمَأْخُوذِ بِالْعَقْدِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ، فَيَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِهِ: لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِمُلَابَسَةِ الْعَقْدِ: أَيْ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ مِنْ مُبَادِيهِ لَهُ حُكْمُ نَفْسِ الْعَقْدِ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْمَأْخُوذِ بِسَبَبِ نَفْسِ الْعَقْدِ فَيَئُولُ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَبَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الضَّمَانَ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ بِالْقَبْضِ بِجِهَةِ الشِّرَاءِ، إذْ الْقَبْضُ بِحَقِيقَةِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ فَكَذَا بِجِهَتِهِ اهـ. ثُمَّ أَقُولُ: لَا حَاجَةَ فِي حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا إلَى مَا ارْتَكَبَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ التَّحْرِيرِ الرَّكِيكِ الْمُشْعِرِ بِالِاخْتِلَالِ كَمَا عَرَفْت، بَلْ لَهُ مَحْمَلَانِ صَحِيحَانِ سَالِمَانِ عَنْ شَائِبَةِ الْخَلَلِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْعَقْدِ بِالْمُبَاشَرَةِ لِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ لَهُ حُكْمُ نَفْسِ الْعَقْدِ وَتَمَامِهِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ مِنْ أَخَذَ فِيهِ بِمَعْنَى شَرَعَ فِيهِ لَا مِنْ أَخَذَهُ. وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ: أَيْ الْمَأْخُوذَ لِأَجْلِ الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ، عَلَى أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ " فِي " فِي قَوْلِهِ فِي الْعَقْدِ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا» عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ، فَالْأَخْذُ حِينَئِذٍ مِنْ أَخَذَهُ بِمَعْنَى تَنَاوَلَهُ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ: فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ وَلَكِنْ لَا عَقْدَ هَاهُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا حَقِيقَةً جُعِلَ مَوْجُودًا تَقْدِيرًا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ إذْ الْمَالِكُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ مِلْكِهِ مَجَّانًا اهـ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَوَجَّهُ هَاهُنَا أَصْلًا، إذْ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْأَخْذِ فِي الْعَقْدِ حُكْمُ الْعَقْدِ تَحَقُّقُ الْعَقْدِ، بَلْ يَقْتَضِي عَدَمَ تَحَقُّقِهِ، إذْ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ يَكُونُ الْحُكْمُ لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا لِلْأَخْذِ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَلَكِنْ لَا عَقْدَ هَاهُنَا. ثُمَّ إنَّ الْجَوَابَ الْمَزْبُورَ مَنْظُورٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي جَعْلِ الْعَقْدِ مَوْجُودًا تَقْدِيرًا صِيَانَةً لِمَالِ الْبَائِعِ عَنْ الضَّيَاعِ لَكِنْ فِيهِ تَضْيِيعٌ لِمَالِ الْمُشْتَرِي، إذْ قَدْ يَكُونُ هَلَاكُ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ بَلْ بِسَبَبٍ اضْطِرَارِيٍّ، وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِإِذْنٍ، فَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ خَرَجَ مَالُهُ الَّذِي أَدَّاهُ مِنْ مِلْكِهِ مَجَّانًا: أَيْ بِلَا عَقْدٍ وَلَا تَعَدٍّ فِي شَيْءٍ فَيَلْزَمُ النَّظَرُ لِأَحَدِ الْمُتَآخِذَيْنِ فِي الْعَقْدِ وَتَرْكُ النَّظَرِ عَنْ الْآخَرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ) قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ: كَالْحَمْلِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: كَذَا ذَكَرَهُ

مَا ذَكَرْنَا فَيَمْلِكُ الْإِعَارَةَ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَالْمَنَافِعُ اُعْتُبِرَتْ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ فِي الْإِجَارَةِ فَتُجْعَلُ كَذَلِكَ فِي الْإِعَارَةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النَّظَائِرِ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيُّ. أَقُولُ: فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ إشْكَالٌ: أَمَّا فِي مِثَالِ الْحَمْلِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَفَاوَتُ انْتَهَى. إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ كَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ. وَحُكْمُهُ كَحُكْمِهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ. وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فِي شَأْنِ الْحَمْلِ حَيْثُ قَالُوا فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: إنَّهُ مِمَّا لَا يَتَفَاوَتُ، وَقَالُوا فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ إنَّهُ مِمَّا يَتَفَاوَتُ، وَمِمَّنْ ظَهَرَتْ الْمُخَالَفَةُ جِدًّا بَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَقَامَيْنِ صَاحِبُ الْكَافِي، فَإِنَّهُ قَالَ هَاهُنَا: سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ شَيْئًا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَاللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ وَالرُّكُوبِ فِي الدَّابَّةِ أَوْ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَالْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ. وَقَالَ فِي الْإِجَارَاتِ: وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالْحَمْلِ، فَمَا لَمْ يُبَيِّنْ لَا يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا فَلَا يُحْكَمُ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ انْتَهَى. وَأَمَّا فِي مِثَالِ الزِّرَاعَةِ فَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ فِي الْبَابِ الْمَزْبُورِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَا يَزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَيْ لَا تَقَعَ الْمُنَازَعَةُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّ الزِّرَاعَةَ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ، وَعَنْ هَذَا مَثَّلَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ لِمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِأَمْثِلَةٍ، وَعَدَّ مِنْهَا الزِّرَاعَةَ حَيْثُ قَالَ: كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ. وَأَمَّا فِي مِثَالِ السُّكْنَى فَلِأَنَّ سُكْنَى الْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ دُونَ سُكْنَى غَيْرِهِمَا، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ سُكْنَاهُمَا فِي اسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى كَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، فَكَانَ السُّكْنَى أَيْضًا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْإِضْرَارَ بِالْبِنَاءِ أَثَرُ الْحِدَادَةِ وَالْقِصَارَةِ لَا أَثَرُ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السُّكْنَى لَا يُؤَثِّرُ فِي انْهِدَامِ الْبِنَاءِ يُضَافُ الِانْهِدَامُ إلَى الْحِدَادَةِ وَالْقِصَارَةِ كَمَا بَيَّنَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ فَلَمْ يَقَعْ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فِي نَفْسِ السُّكْنَى بَلْ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ، وَالْمِثَالُ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ نَفْسُ السُّكْنَى فَلَا إشْكَالَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْمَنَافِعُ اُعْتُبِرَتْ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ فِي الْإِجَارَةِ فَتُجْعَلُ كَذَلِكَ فِي الْإِعَارَةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَنَافِعُ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ. وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ فَتُجْعَلُ فِي الْإِعَارَةِ كَذَلِكَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْإِجَارَةِ، وَقَدْ تَدَارَكَ الشَّافِعِيُّ دَفْعَهُ حَيْثُ قَالَ فِي ذَيْلِ تَعْلِيلِهِ: وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا مَوْجُودَةً فِي الْإِجَارَةِ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْإِبَاحَةِ: يَعْنِي أَنَّ عِلَّةَ اعْتِبَارِ الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ قَابِلَةٌ لِلْمِلْكِ فِي الْإِجَارَةِ ضَرُورَةَ دَفْعِ حَاجَةِ النَّاسِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْإِعَارَةِ لِانْدِفَاعِ حَاجَتِهِمْ بِالْإِبَاحَةِ فَلَمْ يُتِمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا جَوَابًا عَنْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: النَّاسُ كَمَا يَحْتَاجُونَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ؛ لِأَنْفُسِهِمْ كَذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إلَى نَفْعِ غَيْرِهِمْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ. وَعِنْدَ كَوْنِ الْإِعَارَةِ إبَاحَةً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَفْعِ غَيْرِهِمْ بِالْعَارِيَّةِ فَلَا تَنْدَفِعُ حَاجَتُهُمْ الْأُخْرَى، فَضَرُورَةُ دَفْعِ حَاجَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ دَعَتْ إلَى اعْتِبَارِ الْمَنَافِعِ قَابِلَةً لِلْمِلْكِ فِي الْعَارِيَّةِ كَمَا

وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ دَفْعًا لِمَزِيدِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَا بِاسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً. وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ وَلِلْمُسْتَعِيرِ فِيهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِيهِمَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ فِيهِ مَا سَمَّاهُ عَمَلًا بِالتَّقْيِيدِ إلَّا إذَا كَانَ خِلَافًا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ إلَى خَيْرٍ مِنْهُ وَالْحِنْطَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْإِجَارَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ: أَقُولُ: لَمْ يَمُرَّ مِنْهُ كَلَامٌ مُنَاسِبٌ لِلْمَقَامِ سِوَى بَحْثِهِ الثَّالِثِ مِنْ أَبْحَاثِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا فِي صَدْرِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ، وَدَفَعْنَا كُلَّهُ هُنَاكَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَشٍّ هُنَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ قِيَاسَ الْمَنَافِعِ عَلَى الْأَعْيَانِ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ كَوْنَ الْفَرْعِ نَظِيرَ الْأَصْلِ وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ نَظِيرَ الْأَعْيَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَقِيسَ وَالْمَقِيسَ عَلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كِلَاهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْمَنَافِعِ فَكَانَ الْفَرْعُ نَظِيرَ الْأَصْلِ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً) قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ: أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ وِلَايَةِ الْإِعَارَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً. أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ الْمُسْتَعَارَ فِيمَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ وِلَايَةَ الْإِعَارَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا لَا يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْفِقْهِ حَتَّى الْمُتُونِ أَنَّ اخْتِصَاصَ وِلَايَةِ الْإِعَارَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ إنَّمَا هُوَ إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً فَلِلْمُسْتَعِيرِ وِلَايَةُ الْإِعَارَةِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ أَوْ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ، وَهَذَا مِمَّا أَطْبَقَ عَلَيْهِ كَلِمَةُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ حَتَّى الْمُصَنِّفِ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَفَاوَتُ، وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرَكِّبَ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفًا اهـ. . فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرِيدَ بِكَلِمَةِ هَذَا الْإِشَارَةَ إلَى مَا قَالَهُ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ فِيمَا قَبْلُ مُقَيَّدًا بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِهِ لَمْ يُتِمَّ قَوْلَهُ الْمَزْبُورَ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً عَلَى مُقْتَضَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ قَاطِبَةً كَمَا بَيَّنَّاهُ. وَالْعَجَبُ مِنْ عَامَّةِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْمُشَارَ إلَيْهِ بِكَلِمَةِ هَذَا الْوَاقِعَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذَكَرُوا، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ مَعَ ظُهُورِهِ جِدًّا. ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ كَأَنَّهُ تَنَبَّهَ لِلْمَحْذُورِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةَ الْإِشَارَةِ لَا تَعُودُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَلْ إلَى أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْعَارِيَّةِ مَا شَاءَ إذَا أُطْلِقَتْ الْعَارِيَّةُ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ وَجَعَلَهُ مَا يَعُودُ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا قَبْلُ قَطُّ فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إلَيْهِ بِكَلِمَةِ هَذَا الْوَاقِعَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا، وَلَا يُشَارُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لَا إلَى الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ، أَوْ إلَى مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، فَكَأَنَّهُ هَرَبَ عَنْ وَرْطَةٍ وَوَقَعَ فِي وَرْطَةٍ أُخْرَى أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى. وَالْإِنْصَافُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً وَشَرَعَ فِي الْكَلَامِ الَّذِي بَسَطَهُ بِأَنْ يَقُولَ وَالْإِعَارَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لَكَانَ أَحْرَى، وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا: وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ، وَذَكَرَ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ وَبَيَّنَ دَلِيلَ الطَّرَفَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا إنْ حَصَلَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الْمُنْتَفِعِ بِأَنْ أَعَارَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ اللَّابِسَ أَوْ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الرَّاكِبَ أَوْ دَابَّةً لِلْحَمْلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحَامِلَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَهُ أَنْ يُعِيرَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ شَيْئًا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَاللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ وَالرُّكُوبِ فِي الدَّابَّةِ أَوْ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَالْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً بِأَنْ اسْتَعَارَ لِيَلْبَسَ بِنَفْسِهِ أَوْ لِيَرْكَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ لِيَحْمِلَ بِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا فِي الْحَمْلِ، وَلَيْسَ

مِثْلُ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ إذَا كَانَ كَيْلًا. وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ. وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى مَا سَمَّاهُ، فَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَفَاوَتُ. وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُطْلِقَ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ، حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ رُكُوبُهُ، وَلَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْإِرْكَابُ. قَالَ: (وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا فَاقْتَضَى تَمْلِيكُ الْعَيْنِ ضَرُورَةً وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا فَيَثْبُتُ. أَوْ؛ لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِعَارَةِ الِانْتِفَاعَ وَرَدَّ الْعَيْنِ فَأُقِيمَ رَدُّ الْمِثْلِ مَقَامَهُ. قَالُوا: هَذَا إذَا أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ أَنْ يُعِيرَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي إعَارَةِ الْمُسْتَعِيرِ. وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي انْتِفَاعِهِ فِي الْمُسْتَعَارِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ خِلَافًا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ إلَى خَيْرٍ مِنْهُ) كَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ أُخْرَى أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ. وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ. فَإِنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تُعْتَبَرُ الْمَنْفَعَةُ وَالضَّرَرُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْمَالِكِ فِي تَعْيِينِ الْحِنْطَةِ، إذْ مَقْصُودُهُ دَفْعُ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَنْ دَابَّتِهِ. وَمِثْلُ كَيْلِ الْحِنْطَةِ مِنْ الشَّعِيرِ أَخَفُّ عَلَى الدَّابَّةِ. وَالتَّقْيِيدُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا كَذَا فِي الْعَصَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مُنْتَقَضٌ بِالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ. مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ هَذَا الِاسْتِحْسَانِ هَاهُنَا جَارٍ هُنَاكَ أَيْضًا بِعَيْنِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ بَيْعُهُ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ؛ لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِعَارَةِ الِانْتِفَاعَ وَرَدَّ الْعَيْنِ فَأُقِيمَ رَدُّ الْمِثْلِ مَقَامَهُ) أَقُولُ: يُرَى هَذَا التَّعْلِيلُ خَالِيًا عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعَارَةِ مُنْتَفِيَةٌ

وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْجِهَةَ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا لَمْ يَكُنْ قَرْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ، وَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ آنِيَةً يَتَحَمَّلُ بِهَا أَوْ سَيْفًا مُحَلًّى يَتَقَلَّدُهُ. قَالَ (وَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ لِيَغْرِسَ فِيهَا جَازَ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيُكَلِّفَهُ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَمَّا الرُّجُوعُ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْإِعَارَةِ. وَإِذَا صَحَّ الرُّجُوعُ بَقِيَ الْمُسْتَعِيرُ شَاغِلًا أَرْضَ الْمُعِيرِ فَيُكَلَّفُ تَفْرِيغَهَا، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُغْتَرٌّ غَيْرُ مَغْرُورٍ حَيْثُ اعْتَمَدَ إطْلَاقَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَ مِنْهُ الْوَعْدُ وَإِنْ كَانَ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ وَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ صَحَّ رُجُوعُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عَارِيَّةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا فِي صَدْرِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا كَوْنُ الْمُسْتَعَارِ قَابِلًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا فَتَعَذَّرَ حَقِيقَةُ الْإِعَارَةِ فِيهَا فَجَعَلْنَاهَا كِنَايَةً عَنْ الْقَرْضِ، وَكَذَا حُكْمُ الْإِعَارَةِ مُنْتَفٍ فِي عَارِيَّةِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْ الْقَابِضِ، فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ حَقِيقَةُ الْإِعَارَةِ وَلَا حُكْمُهَا فِي عَارِيَّةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا تَأْثِيرَ فِيهَا أَصْلًا؛ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِعَارَةِ الِانْتِفَاعُ وَرَدُّ الْعَيْنِ وَلَا لِإِقَامَةِ رَدِّ الْمِثْلِ مَقَامَ رَدِّ الْعَيْنِ. نَعَمْ يُفْهَمُ مِنْ مَضْمُونِ هَذَا التَّعْلِيلِ مُنَاسَبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ صَالِحَةٌ؛ لَأَنْ يُجْعَلَ لَفْظُ الْإِعَارَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً عَنْ مَعْنَى الْإِقْرَاضِ، وَلَكِنَّ كَلَامَنَا فِي صَلَاحِيَّةِ ذَلِكَ؛ لَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أُسْلُوبِ التَّحْرِيرِ فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْجِهَةَ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايَرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا لَمْ يَكُنْ قَرْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا وَاعْتِبَارُ ذَلِكَ شَرْعًا أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ مَا ذَكَرَ سَابِقًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا؟ . وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ سَابِقًا بِنَاءً عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَحْوِ الدَّرَاهِمِ فِي الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا، فَيُدَارُ الْحُكْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا هُوَ الْأَغْلَبُ، وَأَمَّا عِنْدَ تَعْيِينِ الْجِهَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا تُسَاعِدُ التَّوْجِيهَ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّ الْحَصْرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِدُونِ اسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا. قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُ الْحَصْرِ

(وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْقَلْعِ) ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ وَقَّتَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّ الْأَرْضِ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَيَكُونَانِ لَهُ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُمَا فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. قَالُوا: إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ، وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ.؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً، وَفِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحُقَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ عَلَى الْحَصْرِ الِادِّعَائِيِّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَقَلِّ فَلَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: أَيْ نُقْصَانُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَنْصُوبَيْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونَانِ مَرْفُوعَيْنِ. اهـ كَلَامُهُ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَا يَظْهَرُ وَجْهَ صِحَّةٍ لِكَوْنِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَنْصُوبَيْنِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الَّذِي نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ إنَّمَا هُوَ الْقَلْعُ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ نَصْبِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُضْمَنُ بَلْ هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا الْمَضْمُونُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ الْمُنْتَقَضَةِ بِالْقَلْعِ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا صِحَّةَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ قَوْلُهُ: بِالْقَلْعِ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ الْقَلْعَ بِالْقَلْعِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. فَالْوَجْهُ عِنْدِي هَاهُنَا رَفْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا غَيْرُ. أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مَوْصُولَةً فَبِتَقْدِيرِ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَيْهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِيهِ بِالْقَلْعِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ. فَيَكُونُ كَلِمَةُ نَقَصَ هَاهُنَا مِنْ نَقَصَ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ أَنْ يَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ إذَا بَقِيَ إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، يَعْنِي إذَا كَانَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا، وَإِذَا قَلَعَ فِي الْحَالِ تَكُونُ قِيمَةُ النَّقْصِ دِينَارَيْنِ يَرْجِعُ بِهِمَا. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْمَقَامِ وَمِثَالُهُ عَلَى الْمِنْوَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا بَدَلَ قَوْلِهِ يَرْجِعُ بِهِمَا فَيَرْجِعُ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيرَ فَكَأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ مِمَّا قَالَاهُ حِصَّةً فَأَوْرَدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ

بِخِلَافِ الْغَرْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ. قَالَ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَالْأُجْرَةُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقَلْعَ مَا نَقَصَ دِينَارَيْنِ بَلْ نَقَصَ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِهَا كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. أَقُولُ: لَعَلَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ أَرَادَ بِقِيمَةِ النَّقْصِ فِي قَوْلِهِ تَكُونُ قِيمَةُ النَّقْصِ دِينَارَيْنِ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَلْبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ بِالْقَلْعِ دِينَارَيْنِ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ فَيَرْجِعُ بِهِمَا قَطْعًا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ فَكَأَنَّهُمَا أَرَادَا بِقِيمَةِ النَّقْصِ مَعْنَى قِيمَةِ النَّاقِصِ، وَإِذَا كَانَ قِيمَةُ النَّاقِصِ بِالْقَلْعِ دِينَارَيْنِ يَكُونُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيرَ فَيَرْجِعُ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيرَ، وَبِهَذَا ظَهَرَ تَوْجِيهُ كَلَامِ كُلٍّ مِنْ طَائِفَتَيْ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ. وَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَأَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ قِيمَةُ النَّقْصِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ أَيْ الْقِيمَةِ الْمَنْقُوصَةِ فَلَا إشْكَالَ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَا يَجُوزُ إضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ وَلَا إضَافَةُ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُورِ الْمُخْتَارِ حَتَّى تَقَرَّرَ فِي عَامَّةِ مُتُونِ النَّحْوِ وَشَاعَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ لَا يُضَافُ إلَى صِفَتِهِ وَلَا الصِّفَةُ إلَى مَوْصُوفِهَا، وَإِنَّمَا جَوَازُ ذَلِكَ مَذْهَبٌ سَخِيفٌ كُوفِيٌّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الثِّقَاتِ، عَلَى أَنَّ النَّقْصَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْقِيمَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمَفْعُولِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَنْقُوصَةِ، وَهَذَا تَعَسُّفٌ بَعْدَ تَعَسُّفٍ، وَلَعَمْرِي إنَّ مِنْ عَادَةِ ذَلِكَ الْفَاضِلِ أَنْ يَتَشَبَّثَ بِذَلِكَ الْمَذْهَبِ السَّخِيفِ مَعَ تَكَلُّفِ آخَرَ فِي تَوْجِيهِ بَعْضِ الْمَقَامَاتِ، وَقَدْ مَرَّ مِنْهُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يَزْعُمُهُ مَعْنَى لَطِيفًا ظَاهِرًا كَمَا يُلَوِّحُ بِهِ. قَوْلُهُ: هَاهُنَا فَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ قِيمَةُ النَّقْصِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْغَرْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ وَقْتٌ فِي الْغَرْسِ كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ بِالتَّوْقِيتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُؤْخَذَ الْأَرْضُ مِنْهُ هُنَا أَيْضًا إلَى تَمَامِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ لَهُ فِي نَفْسِهِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَبِالتَّوْقِيتِ لَا يَتَقَرَّرُ لَهُ نِهَايَةٌ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْلَعَهُ الْمُسْتَعِيرُ فِي تَمَامِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، إمَّا بِعَمْدٍ مِنْهُ لِخِيَانَةِ نَفْسِهِ، أَوْ بِمَانِعٍ يَمْنَعُهُ عَنْهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَضَرَّرَ الْمَالِكُ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّ لَهُ فِي نَفْسِهِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ فَافْتَرَقَا. وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ الضَّرَرَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مُتَعَيِّنٌ سَوَاءٌ وَقَّتَ أَوْ لَا، إذْ لَيْسَ لَهُمَا نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَلَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الضَّرَرِ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَمْنُوعٌ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَسْكُنَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي الْبِنَاءِ شِتَاءً ثُمَّ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ إذَا جَاءَ الصَّيْفُ، وَأَنْ يَغْرِسَ صَاحِبُ الْغَرْسِ الشَّجَرَ ثُمَّ يَقْلَعَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ لِيَبِيعَهُ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، فَإِذَا وَقَّتَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ بِالْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ فِي نَقْضِ مِثْلِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَقَلْعِ مِثْلِ ذَلِكَ الشَّجَرِ وَلَمْ تُؤْخَذْ الْأَرْضُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى تَمَامِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَتَضَرَّرْ صَاحِبُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَصْلًا، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُغْتَرٌّ غَيْرُ مَغْرُورٍ،

لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ قَبْضِهِ سَالِمَةٌ لِلْمُؤَجِّرِ مَعْنًى فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهِ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَالْإِعَادَةُ إلَى يَدِ الْمَالِكِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَتَكُونَ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ. قَالَ: (وَإِذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا إلَى إصْطَبْلِ مَالِكِهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا بَلْ ضَيَّعَهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أُتِيَ بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْعَوَارِيِّ إلَى دَارِ الْمُلَّاكِ مُعْتَادٌ كَآلَةِ الْبَيْتِ، وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ فَالْمَالِكُ يَرُدُّهَا إلَى الْمَرْبِطِ. (وَإِنْ اسْتَعَارَ عَبْدًا فَرَدَّهُ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ رَدَّ الْمَغْصُوبَ أَوْ الْوَدِيعَةَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ، الْوَدِيعَةُ لَا يَرْضَى الْمَالِكُ بِرَدِّهَا إلَى الدَّارِ وَلَا إلَى يَدِ مَنْ فِي الْعِيَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَاهُ لَمَا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ، بِخِلَافِ الْعَوَارِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا عُرْفًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عُقْدَ جَوْهَرٍ لَمْ يَرُدَّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ؛ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْعُرْفِ فِيهِ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ أَنْ يَكُونَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، وَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ. (وَكَذَا إذَا رَدَّهَا مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَرْضَى بِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ فَهُوَ يَرُدُّهُ إلَى عَبْدِهِ، وَقِيلَ هَذَا فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ، وَقِيلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ دَائِمًا يُدْفَعُ إلَيْهِ أَحْيَانًا (وَإِنْ رَدّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ) وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ هُوَ مَغْرُورٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ صَرِيحًا لَكِنْ وَقَّتَ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ لِلدَّوَامِ فَكَانَتْ الْإِعَارَةُ لَهُ تَوْقِيتًا. قُلْنَا: الْبِنَاءُ قَدْ يُبْنَى لِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ بِأَنْ يَسْكُنَ شِتَاءً ثُمَّ يَنْقُضَ إذَا جَاءَ الصَّيْفُ، وَالشَّجَرُ قَدْ يُغْرَسُ ثُمَّ يُقْلَعُ بَعْدَ زَمَانٍ لِيُبَاعَ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ. انْتَهَى كَلَامُهُمَا تَأَمَّلْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ قَبْضِهِ سَالِمَةٌ لِلْمُؤَجِّرِ مَعْنًى فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةٌ رَدِّهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: كَمَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ سَالِمَةٌ لِلْمُؤَجِّرِ فَكَذَلِكَ هِيَ سَالِمَةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا وَهِيَ الِانْتِفَاعُ بِمَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. قُلْنَا: إنَّ الْمَنْفَعَةَ الْحَاصِلَةَ لِلْمُؤَجِّرِ مَالٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَمَا حَصَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْفَعَةٌ وَلَيْسَ بِمَالٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ اعْتِبَارُ مَنْفَعَةِ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى، إلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ إجَارَاتِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالُوا: وَفِي الْمُسْتَأْجَرِ الْمَنْفَعَةُ عَائِدَةٌ إلَى الْآجِرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مِلْكِ الْآجِرِ أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ مَنْفَعَةً، لَكِنَّ مَنْفَعَةَ الْآجِرِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَيْنِ وَمِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنْفَعَةُ تَابِعَةٌ لِلْعَيْنِ انْتَهَى. وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُعَارَضُ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ انْتَفَعَ بِمَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْآجِرِ عَيْنٌ وَمَنْفَعَةُ الْمُسْتَأْجَرِ مَنْفَعَةٌ وَالْعَيْنُ لِكَوْنِهِ مَتْبُوعًا أَوْلَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَنْفَعَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ مَنْفَعَةَ الْآجِرِ عَيْنٌ هُوَ الْأُجْرَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْأُجْرَةُ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَيْنًا أَلْبَتَّةَ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ قَدْ تَكُونُ عَيْنًا وَقَدْ تَكُونُ دِينًا وَقَدْ تَكُونُ مَنْفَعَةً مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْآجِرِ عَيْنٌ عَلَى الْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا بَلْ ضَيَّعَهَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَحْرِيرِ الْمَقَامِ:

الْإِيدَاعَ قَصْدًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ دُونَ الْإِعَارَةِ، وَأَوَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِانْتِهَاءِ الْإِعَارَةِ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. قَالَ: (وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ إنَّك أَطْعَمْتنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَكْتُبُ إنَّك أَعَرْتنِي) ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْإِعَارَةِ مَوْضُوعَةٌ لَهُ وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الدَّارِ. وَلَهُ أَنَّ لَفْظَةَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا تَخُصُّ الزِّرَاعَةَ وَالْإِعَارَةُ تَنْتَظِمُهَا وَغَيْرَهَا كَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَارُ إلَّا لِلسُّكْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْقِيَاسِ هُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لَا رَدٌّ، وَصَارَ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ إلَى دَارِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ. وَعَلَى الْمُودِعِ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ لَا إلَى دَارِهِ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ.؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَى بِالرَّدِّ إلَى عِيَالِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا تَحْرِيرٌ مُخْتَلٌّ. فَإِنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ إلَخْ كَلَامُهُ الْمَزْبُورُ يُشْعِرُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْقِيَاسِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ سِوَاهُ هَاهُنَا، بَلْ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي مَحَلِّهِ فِيمَا سَيَأْتِي كَمَا تَرَى. (كِتَابُ الْهِبَةِ) ذَكَرْنَا وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ وَالتَّرْتِيبِ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى، وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ كَالْمُفْرَدِ وَالْهِبَةَ كَالْمَرْكَبِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكَ

[كتاب الهبة]

[كِتَابُ الْهِبَةِ] ِ الْهِبَةُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَتَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ) أَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِأَنَّهُ عَقْدٌ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، وَالْقَبْضُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِثُبُوتِ الْمَلِكِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ اعْتِبَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْنِ مَعَ الْمَنْفَعَةِ. ثُمَّ مَحَاسِنُ الْهِبَةِ لَا تُحْصَى وَلَا تَخْفَى عَلَى ذَوِي النُّهَى. فَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَاتَهُ بِالْوَهَّابِ فَقَالَ {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وَهَذَا يَكْفِي لِمَحَاسِنِهَا. ثُمَّ إنَّ الْهِبَةَ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا مِنْ الْوَهْبِ، وَالْوَهْبُ بِتَسْكِينِ الْهَاءِ وَتَحْرِيكِهَا، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مُعْتَلِّ الْفَاءِ كَالْوَعْدِ وَالْعِدَّةِ وَالْوَعْظِ وَالْعِظَةِ فَكَانَتْ مِنْ الْمَصَادِرِ الَّتِي تُحْذَفُ أَوَائِلُهَا وَيُعَوَّضُ فِي أَوَاخِرِهَا التَّاءُ، وَمَعْنَاهَا: إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى الْغَيْرِ بِمَا يَنْفَعُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ، يُقَالُ وَهَبَ لَهُ مَالًا وَهْبًا وَهِبَةً، وَيُقَالُ وَهَبَ اللَّهُ فُلَانًا وَلَدًا صَالِحًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] {يَرِثُنِي} [مريم: 6] وَيُقَالُ وَهَبَهُ مَالًا وَلَا يُقَالُ وَهَبَ مِنْهُ، وَيُسَمَّى الْمَوْهُوبُ هِبَةً وَمَوْهِبَةً وَالْجَمْعُ هِبَاتٌ وَمَوَاهِبُ، وَاتَّهَبَهُ مِنْهُ قِبَلَهُ وَاسْتَوْهَبَهُ طَلَبَ الْهِبَةَ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ بَلْ الْمُتُونِ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ عَكْسًا بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَمَا تَرَى، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ حَامَ حَوْلَ التَّعَرُّضِ لِلْجَوَابِ عَنْ هَذَا النَّقْضِ وَلَا لِإِيرَادِهِ مَعَ ظُهُورِ وُرُودِهِ جِدًّا، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ قَصَدَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ فِي مَتْنِهِ: هِيَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: أَيْ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِوَضِ شَرْطٌ فِيهِ لِيَنْتَقِضَ بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَتَدَبَّرْ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ بِلَا عِوَضٍ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ مَعْنَى بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ لِيَعُمَّ مَا كَانَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ مِنْ الْهِبَةِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ أَنَّ بِلَا شَرْطٍ شَيْءٌ أَعَمُّ مِنْ بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَمِنْ بِشَرْطِ لَا شَيْءٍ لَكَانَ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ صَادِقًا عَلَى الْبَيْعِ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَزِمَ أَنْ يَنْتَقِضَ بِهِ طَرْدًا عَلَى عَكْسِ مَا فِي الْمَعْنَى الظَّاهِرِ فَلَا يَنْدَفِعُ الْمَحْذُورُ بِذَلِكَ بَلْ يَشْتَدُّ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابَ عَنْ أَصْلِ النَّقْضِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ بِلَا عِوَضٍ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ بِلَا اكْتِسَابِ عِوَضٍ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الْهِبَةَ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِشَرْطِ عَدَمِ اكْتِسَابِ الْعِوَضِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطِ الِاكْتِسَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْبَيْعَ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ، وَقَالُوا خَرَجَ بِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَزْبُورِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، فَإِنَّهَا أَيْضًا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا اكْتِسَابِ عِوَضٍ فَلَمْ يَكُنْ مَانِعًا عَنْ دُخُولِ الْأَغْيَارِ، فَلَوْ زَادُوا قَيْدَ فِي الْحَالِ فَقَالُوا: هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ فِي الْحَالِ لَخَرَجَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي الْحَالِ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ تَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ، وَبِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ فَصَارَ هُوَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ، وَلَكِنْ

بِالْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّدَقَةُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْمِلْكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ. وَثَمَرَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَحَالِّ، وَنَسَجَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْنَى الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا وَعَزَاهُ إلَى الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلَفِ. وَبَنَى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا كَلَامَهُ هَاهُنَا عَلَى اخْتِيَارِ هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدَيْنِ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ كَافٍ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقَبُولِ بِدُونِ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ. وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ أَيْضًا اقْتَفَى أَثَرَ هَؤُلَاءِ، وَبِالْجُمْلَةِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ. أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا جِدًّا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِثْلُهُ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ وَلِهَذَا يُقَالُ وَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ اهـ. إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِأَنَّهُ عَقْدٌ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ فِي أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَيَشْهَدُ بِهَذَا أَيْضًا قَوْلُهُ: وَالْقَبْضُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ لَقَالَ وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ عِنْدَ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ صَحِيحٌ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَدْ كَانَا صَرَّحَا قُبَيْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِأَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَاكَ التَّصْرِيحَ مِنْهُمَا يُنَافِي الْقَوْلَ مِنْهُمَا هَاهُنَا بِأَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ، إذَا لَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتِمُّ بِبَعْضِ أَرْكَانِهِ بِدُونِ حُصُولِ الْآخَرِ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْكُلِّ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي وَصَاحِبَ الْكِفَايَةِ سَلَكَا هَاهُنَا مَسْلَكًا آخَرَ فَقَالَا وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ، وَقِيَامُ الْعَقْدِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْغَيْرِ بِدُونِ تَمْلِيكِهِ، وَإِلْزَامُ الْمِلْكِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَكُونُ بِدُونِ قَبُولِهِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ لَا الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ. اهـ كَلَامُهُمَا. أَقُولُ: هَذَا التَّقْرِيرُ وَإِنْ كَانَ مُنَاسِبًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِمَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ كَمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا، وَأَيْضًا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لِلْحِنْثِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ يَقْتَضِي أَنْ يَحْنَثَ أَيْضًا فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ فَبَاعَ وَلَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ لَهُ فِي كُلِّ عَقْدٍ هُوَ الْإِيجَابُ لَا الْقَبُولُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلِمَاتِ الْقَوْمِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا تَخْلُو عَنْ الِاضْطِرَابِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَأَمَّا رُكْنُهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ: هُوَ مُجَرَّدُ إيجَابِ الْوَاهِبِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَهَبْت وَلَمْ يَجْعَلْ قَبُولَ الْمَوْهُوبِ لَهُ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ إيجَابِ الْوَاهِبِ، وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ عِنْدَنَا. وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: رُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: أَمَّا رُكْنُ الْهِبَةِ فَهُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْوَاهِبِ، فَأَمَّا الْقَبُولُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَيْسَ بِرُكْنٍ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي قَوْلٍ قَالَ: الْقَبْضُ أَيْضًا رُكْنٌ. وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ أَنَّهُ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ، وَفِي قَوْلٍ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَيَقْبِضْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ فَلَمْ يُقْبَلْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، إلَى

لِأَنَّ الْجَوَازَ بِدُونِهِ ثَابِتٌ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ فَلَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا إلْزَامَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ، وَحَقُّ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَمْلِكْهَا. قَالَ: (فَإِنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ) اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ، إذْ مِلْكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاقٍ فَلَا يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُنَا كَلَامُهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ فَلَا يَصِحُّ) يَعْنِي لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ فَيُؤَدِّي إلَى إيجَابِ التَّسْلِيمِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَهُوَ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ، وَإِيجَابُ شَيْءٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ التَّبَرُّعَاتِ، بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَبَعْضِ الشُّرُوحِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ بِالشَّيْءِ قَدْ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ تَمَامِهِ ضَرُورَةُ تَصْحِيحِهِ، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ مُحْدِثٌ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ، وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُغَالَطَةٌ، فَإِنَّ مَا لَا يَتِمُّ الشَّيْءُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا كَمَا ذَكَرْت مِنْ الصُّوَرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالنَّذْرِ أَوْ الشُّرُوعِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَالْهِبَةُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَإِنَّهُ لَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَيْفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَجِبُ مَا يَتِمُّ بِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ لَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَيْفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مَنْقُوضٌ بِالْهِبَةِ لِلْقَرِيبِ وَبِالْهِبَةِ الْمُعَوَّضِ عَنْهَا وَبِغَيْرِهِمَا مِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمَانِعُ عَنْ الرُّجُوعِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ، إذْ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَنْتَفِي لُزُومُ التَّسْلِيمِ فَمِنْ أَيْنَ يَجِبُ إلْزَامُ التَّسْلِيمِ فَلْيَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ.

بِدُونِ إذْنِهِ، وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ) قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُهُ: فِي الْهِبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَبْضِ لَا بِالْقَبُولِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَا أَدْرِي مَا الْمَانِعُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِالْقَبُولِ، فَإِنَّ التَّوَقُّفَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ التَّامَّ اهـ. أَقُولُ: لَعَلَّ الْمَانِعَ عَنْهُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا مَقَامَهُ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَالْقَبْضِ وَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ كُلًّا مِنْهُمَا حِينَئِذٍ يُعْطَى حُكْمَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا حُكْمَ الْآخَرِ فَلَا يُوجَدُ نُزُولُ أَحَدِهِمَا مَنْزِلَةَ الْآخَرِ وَقِيَامُهُ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ الْآخَرِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَمَّا كَانَ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ أَخَذَ حُكْمَ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ التَّوَقُّفَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ الْإِيجَابَ التَّامَّ إلَّا أَنَّ الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ كَمَا لَا يُوجِبُ ثُبُوتُ حُكْمِ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَيْضًا ثُبُوتُ حُكْمِ عَقْدِ الْهِبَةِ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ بِدُونِ تَحَقُّقِ الْقَبُولِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الشَّيْءَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ وَمَلَكَهُ؛ لِوُجُودِ الْقَبْضِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، بِخِلَافِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْبَيْعِ أَصْلًا بِدُونِ تَحَقُّقِ الْقَبُولِ فِيهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي قَطْعِيٌّ فِي الْمَنْعِ كَمَا تَرَى. وَطَعَنَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ إلَخْ حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْخَصْمِ فِي الْمَتْنِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: وَلَنَا مُنَاسِبًا. اهـ. وَقَصَدَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ دَفْعَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قُلْت: لَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ هُوَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُنَا نَاسَبَ أَنْ يَقُولَ وَلَنَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ الشَّافِعِيِّ اهـ. أَقُولُ: إنْ تَحَقَّقَ خَصْمٌ يَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: وَلَنَا إيمَاءٌ إلَى وُقُوعِ مُنَازِعٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا مُنَاسَبَةُ هَذَا الْقَوْلِ وَحُسْنُهُ فَإِنَّمَا يَحْصُلَانِ عِنْدَ ذِكْرِ مُخَالَفَةِ الْخَصْمِ فِيمَا قَبْلُ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ الْمُعْتَادُ، وَمُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ مُؤَاخَذَةُ الْمُصَنِّفِ بِتَقْوِيَةِ الْمُنَاسَبَةِ فِي تَحْرِيرِهِ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ وَالْجَوَازِ عَنْ كَلَامِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَدْفَعُهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ كَمَا لَا يَخْفَى. وَاعْتَرَضَ عَلَى الدَّلِيلِ الْمَزْبُورِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَبْضُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ لَمَا صَحَّ الْأَمْرُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ كَمَا لَا يَصِحُّ أَمْرُ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْبَائِعِ شَطْرُ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْنَثُ، فَأَمَّا إيجَابُ الْوَاهِبِ فَعَقْدٌ تَامٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا فَيَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ الْأَمْرُ بِالْقَبْضِ وَقَبَضَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مَذْكُورَانِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُمَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْمُخْتَلِفَاتِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ بَلْ يُقَرِّرُهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ السُّؤَالِ الْقَدَحُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّ الْقَبْضَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ فِي الْقَبْضِ مَا لَا يَصِحُّ فِي الْقَبُولِ مِنْ التَّأْخِيرِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ إيجَابِ الْوَاهِبِ وَإِيجَابِ الْبَائِعِ، بِأَنَّ الْأَوَّلَ عَقْدٌ تَامٌّ وَالثَّانِي شَطْرُ الْعَقْدِ وَجَعْلُ هَذَا الْفَرْقِ مَدَارًا لِصِحَّةِ الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فِي الْهِبَةِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الْقَبُولِ بِالْأَمْرِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ. وَخُلَاصَةُ هَذَا بَيَانٌ لَمِّيَّةِ صِحَّةِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَهُ، وَهَذَا لَا يَدْفَعُ الْقَدْحَ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتَنَا التَّسْلِيطَ فِيهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْقَبُولِ، وَالْقَبُولُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، فَكَذَا مَا يُلْحَقُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَعْمَلُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّرِيحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَيْعِ بَلْ يُقَرِّرُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْهِبَةِ لِافْتِقَارِهِ أَيْضًا إلَى الْقَبْضِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَمَشَّى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ رَأْسًا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَالْإِيجَابَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ شَيْئَانِ فِي كَوْنِهِمَا شَطْرَ الْعَقْدِ لِإِتْمَامِهِ، فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ الْمَزْبُورُ هُنَاكَ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَ لَجَازَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ، وَأَيْضًا هَذَا الْكَلَامُ مُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. اهـ. أَقُولُ: كِلَا وَجْهَيْ بَحْثِهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ فِي قَوْلِهِ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَ لَجَازَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ مُسَلَّمَةٌ، فَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَمَمْنُوعٌ إذْ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الشَّيْءَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا: فَإِذَا صَحَّ عَقْدُ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ أَصْلًا فَلَأَنْ يَصِحَّ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّا قَدْ نَقَلْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ فِيمَا مَرَّ أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْوَاهِبِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَيْسَ بِرُكْنٍ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا، فَمَدَارُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَمَدَارُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ، وَلِهَذَا يُقَالُ وَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ، وَالْعَاقِلُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَا يُنَاقِضُ كَلَامَ نَفْسِهِ فَوَجْهُ التَّوْفِيقِ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالْآخَرِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ) يَعْنِي أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاهِبِ مِنْ عَقْدِ الْهِبَةِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ فَكَانَ إذْنًا دَلَالَةً، وَنُقِضَ هَذَا بِفَصْلِ الْبَيْعِ فَإِنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ مِنْ إيجَابِ عَقْدِ الْبَيْعِ هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ إذَا تَمَّ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ هُنَاكَ وَالْمَبِيعُ حَاضِرٌ لَا يُجْعَلُ إيجَابُ الْبَائِعِ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ، حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَحْبِسَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الثَّمَنَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ مِنْ عَقْدِ الْبَيْعِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ مَقْصُودَهُ مِنْهُ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي ضِمْنِيٌّ لَا قَصْدِيٌّ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: لَا يَرِدُ النَّقْضُ الْمَذْكُورُ رَأْسًا، إذْ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ مِنْ إيجَابِ عَقْدِ الْبَيْعِ هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فَكَذَاك الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فَلَا مُقْتَضَى لِجَعْلِ إيجَابِ الْبَائِعِ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ فَصْلِ الْهِبَةِ كَمَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا التَّسْلِيطَ فِيهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَكَذَا مَا يُلْحَقُ بِهِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أُلْحِقَ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ بِالْقَبُولِ

قَالَ: (وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ وَهَبْت وَنَحَلْت وَأَعْطَيْت) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ فِيهِ وَالثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكُلَّ أَوْلَادِك نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا؟» وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ، يُقَالُ: أَعْطَاك اللَّهُ وَوَهَبَك اللَّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ (وَكَذَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ وَجَعَلْت هَذَا الثَّوْبَ لَك وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحُمْلَانِ الْهِبَةَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا لَا مِنْ جَمِيعِ الْحَيْثِيَّاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ بِرُكْنِ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ شَرْطٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ رُكْنٌ دَاخِلٌ لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَتَقَيَّدَ الْقَبُولُ بِالْمَجْلِسِ أَنْ يَتَقَيَّدَ مَا يَلْحَقُ بِهِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمَجْلِسِ أَيْضًا، فَإِنَّ تَقْيِيدَ الْقَبُولِ بِالْمَجْلِسِ مِنْ أَحْكَامِ كَوْنِهِ رُكْنًا دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ أَيْضًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ الْقَبْضُ، وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْقَبُولِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْقَبْضُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِالْإِذْنِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. وَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَنَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِبَقَاءِ الْإِيجَابِ عَلَى الصِّحَّةِ مِنْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَتَى فَاتَ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْقَى الْإِيجَابُ صَحِيحًا، وَإِذَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَاهِبِ عَلَى الصِّحَّةِ وُجُودُ الْقَبْضِ لَا مَحَالَةَ كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِيجَابِ لَهُ إذْنًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ اقْتِضَاءً كَمَا فِي بَابِ الْبَيْعِ جَعَلْنَا إقْدَامَ الْبَائِعِ عَلَى الْإِيجَابِ إذْنًا لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبُولِ مُقْتَضِيًا بَقَاءِ الْإِيجَابِ عَلَى الصِّحَّةِ، إلَّا أَنَّ مَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً يَثْبُتُ ضَرُورَةً، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِثُبُوتِ الْإِذْنِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْقَى صَحِيحًا مَتَى قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يُعْتَبَرُ ثَابِتًا فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ نَصًّا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ نَصًّا ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَثْبُتُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ. انْتَهَى. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَنَا فِي تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ نَظَرٌ،

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُطْعَمُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَكْلَ غَلَّتِهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ لِلتَّمْلِيكِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعَمَّرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَكَذَا إذَا قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَك عُمْرَى لِمَا قُلْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ التَّمْلِيكَ لَا الْإِبَاحَةَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِطْعَامِ إطْعَامُ الطَّعَامِ وَالطَّعَامُ يُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَكَانَ الْإِطْعَامُ فِي الْآيَةِ مُضَافًا إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ فَافْهَمْ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا النَّظَرِ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ وَيُجْعَلَ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِلْإِطْعَامِ، وَفِي آيَةِ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْإِطْعَامُ فِيهَا عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ، وَيُرْشِدُك إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي تَنْقِيحِ الْأُصُولِ فِي أَوَائِلِ التَّقْسِيمِ الرَّابِعِ: وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ هُوَ الْإِبَاحَةُ، وَالتَّمْلِيكُ مُلْحَقٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ جَعْلُ الْغَيْرِ طَاعِمًا لَا جَعْلُهُ مَالِكًا، وَأَلْحَقَ بِهِ التَّمْلِيكَ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَضَاءُ حَوَائِجِهِمْ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَأُقِيمَ التَّمْلِيكُ مَقَامَهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْوِيحِ: وَأَمَّا نَحْوُ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّمَا كَانَ هِبَةً وَتَمْلِيكًا بِقَرِينَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ طَاعِمًا. قَالُوا: وَالضَّابِطُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ فَهُوَ لِلتَّمْلِيكِ، وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ. انْتَهَى فَتَأَمَّلْ تَرْشُدْ. ثُمَّ إنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ: وَإِذَا قَالَ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ عَارِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ، فَإِنْ قَالَ فَاقْبِضْهُ فَهُوَ هِبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَاقْبِضْهُ يَكُونُ هِبَةً أَوْ عَارِيَّةً انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْنَةٍ أَنَّ إطْلَاقَ رِوَايَةِ الْكِتَابِ وَتَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذَكَرَ لَا يُطَابِقَانِ رِوَايَةَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ هِبَةً مُطْلَقًا، وَرِوَايَةُ الْأَصْلِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ هِبَةً إذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ فَاقْبِضْهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ: أَيْ الْهِبَةَ وَالْعَارِيَّةَ، وَأَنَّ النَّظَرَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَّجِهُ أَصْلًا عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إنَّمَا يُسْتَفَادُ عَلَى هَاتِيك الرِّوَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَاقْبِضْهُ لَا مِنْ لَفْظِ الْإِطْعَامِ، فَلَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْإِطْعَامُ فِي آيَةِ الْكَفَّارَةِ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ، وَهُوَ الْإِبَاحَةُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُطْعَمُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ إطْعَامَ غَلَّتِهَا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَوْنُ الْأَرْضِ مِمَّا لَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الْإِطْعَامُ الْمُضَافُ إلَيْهَا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُرَادَ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ مَجَازًا كَمَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ فَإِنَّهُمْ حَمَلُوا هُنَاكَ عَلَى تَمْلِيكِ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِطْعَامِ جَعْلُ الْغَيْرِ طَاعِمًا: أَيْ آكِلًا لَا جَعْلُهُ مَالِكًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِالْإِطْعَامِ الْمُضَافِ إلَى مِثْلِ الْأَرْضِ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ مَجَازًا لَكِنَّ هَذَا التَّجَوُّزَ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَارَفُ أَنْ يُرَادَ إطْعَامُ الْغَلَّةِ عَلَى طَرِيقِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ، كَمَا أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِيمَا إذَا أُضِيفَ الْإِطْعَامُ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ أَنْ يُرَادَ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، وَكَلَامُ الْعَاقِلِ إنَّمَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ لَا عَلَى كُلِّ مَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَك عُمْرَى لِمَا قُلْنَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ: لِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: فَلِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ لِلتَّمْلِيكِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَسَكَتَ غَيْرُهُمَا عَنْ الْبَيَانِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا إشَارَةٌ إلَى قَرِيبِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعَمَّرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا ذِكْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي ذَيْلِ الثَّالِثِ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ لَذَكَرَهَا فِي ذَيْلِ الثَّانِي، بَلْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَمَا ذَكَرَهَا أَصْلًا، إذْ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُ مَا إذَا قَالَ جَعَلْت هَذَا الثَّوْبَ لَك وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ وَأَمَّا الثَّانِي، وَلَا يَرَى أَثَرَ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ

وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ، يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ. (وَلَوْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ يَكُونُ هِبَةً) ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] وَيُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا ثَوْبًا: أَيْ مَلَّكَهُ مِنْهُ (وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَك عُمْرَى إلَّا بِاشْتِمَالِ هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى لَفْظَةِ عُمْرَى دُونَ مَا سَبَقَ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا كَوْنَ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لَك لِلتَّمْلِيكِ لَا كَوْنَ لَفْظَةِ الْعُمْرَى لِإِثْبَاتِ الْمَلِكِ لَلْمُعَمَّرِ لَهُ لَكَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ مُسْتَدْرَكًا كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَا ذَكَرْته لَقَالَ لِمَا رَوَيْنَا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ عِنْدَ قَصْدِهِ الْإِشَارَةَ إلَى السُّنَّةِ. قُلْت: كَأَنَّ الشَّارِحَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ اغْتَرَّا بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِجَعْلِ " مَا " فِي قَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا عِبَارَةً عَنْ قَوْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا عَنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي تَحْرِيرِ مُرَادِهِ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ، يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْحَمْلَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً، إلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَرَدْت الْهِبَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ يُذْكَرُ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، فَإِذَا نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: إنَّ حَقِيقَتَهُ الْإِرْكَابُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ حَمَلْتُك لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ. قُلْنَا: حَقِيقَتُهُ الْإِرْكَابُ نَظَرًا إلَى الْوَضْعِ، وَهُوَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْعُرْفِ وَالِاسْتِعْمَالِ، لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ مَا صَارَتْ مَهْجُورَةً بِالْعُرْفِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَحْوَى ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى حَيْثُ قَالَ: لَا يُقَالُ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ مَجَازًا لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ هُنَالِكَ أَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ: يَعْنِي فِي الْعُرْفِ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَنَافِعِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً: يَعْنِي فِي اللُّغَةِ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ انْتَهَى. أَقُولُ: بَقِيَ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً، وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفًا، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَوْلَى وَالْعَمَلُ بِهِ. وَعِنْدَهُمَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ أَوْلَى وَالْعَمَلُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً فَالْعَمَلُ بِالْمَجَازِ اتِّفَاقًا. إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَفِي مَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَعَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا هُوَ حَقِيقَةٌ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَهُوَ الْإِرْكَابُ، وَعِنْدَهُمَا بِمَا هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْحَمْلُ عَلَى الْعَارِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا عَلَى أَصْلِهِمَا، مَعَ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُذْكَرَ الْخِلَافُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُشْتَرَكِ التَّأَمُّلُ فِيهِ حَتَّى يَتَرَجَّحَ أَحَدُ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ بِالْأَدِلَّةِ أَوْ الْأَمَارَاتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنْ نَوَى الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا يُحْمَلُ عَلَى الْعَارِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَلَا تَوَقُّفٍ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

(وَلَوْ قَالَ دَارِي لَك هِبَةً سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةً فَهِيَ عَارِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مُحْكَمٌ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ وَالْهِبَةُ تَحْتَمِلُهَا وَتَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ، وَكَذَا إذَا قَالَ عُمْرَى سُكْنَى أَوْ نَحْلِي سُكْنَى أَوْ سُكْنَى صَدَقَةً أَوْ صَدَقَةٌ عَارِيَّةً أَوْ عَارِيَّةٌ هِبَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (وَلَوْ قَالَ هِبَةٌ تَسْكُنُهَا فَهِيَ هِبَةٌ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ هِبَةُ سُكْنَى؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ. قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا يُقَسَّمُ إلَّا مَحُوزَةً مَقْسُومَةً، وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ جَائِزَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَيَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هَاهُنَا كَلَامٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْفَصِلَةً عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ، وَعَدَمِ تَقْيِيدِهَا بِعَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ، أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَارِيَّةً وَإِنْ نَوَى بِالْمِنْحَةِ الْهِبَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ مَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ، وَقَوْلَهُ حَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ عَارِيَّةٌ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِمَا الْهِبَةَ. وَقَالَ فِي التَّعْلِيلِ: لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا فَكَانَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَقَامَيْنِ نَوْعُ تَنَافُرٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَعْلِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» مَنْظُورٌ فِيهِ، إذْ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ أَوْ هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ هِبَةٌ، وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَهُوَ عَارِيَّةٌ. وَقَالَ: فَالْأَصْلُ أَنَّ لَفْظَةَ الْمِنْحَةِ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ هِبَةٌ، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، فَتَعْلِيلُ الْفَصْلِ الثَّانِي بِهِ يَنْتَقِضُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ) إذْ الْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلِاسْمِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا فِعْلُ الْمُخَاطَبِ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقِيلٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مُخْتَارَ الْعَامَّةِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا لَيْسَ بِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ، وَإِنَّمَا فِعْلُ الْمُخَاطَبِ السُّكْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ تَسْكُنُهَا، وَالْكَلَامُ فِي عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ هَذَا اللَّفْظِ

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَكُونُ مَحَلًّا لَهُ، وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَيُشْتَرَطُ كَمَالُهُ وَالْمُشَاعُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلتَّفْسِيرِ، فَهَلْ يَقُولُ الْعَاقِلُ إنَّ لَفْظَ التَّكَلُّمِ فِعْلُ الْمُخَاطَبِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَكُونُ مَحَلًّا لَهُ، وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْكَلَامِ: وَهَذَا: أَيْ جَوَازُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ: أَيْ حُكْمِ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِرْثِ وَكُلُّ مَا هُوَ قَابِلٌ لِحُكْمِ عَقْدٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ عَيْنُ الْقَابِلِيَّةِ أَوْ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهَا فَكَانَ الْعَقْدُ صَادِرًا مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا مَانِعَ ثَمَّةَ فَكَانَ جَائِزًا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْمَانِعِ فَإِنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشُّيُوعُ مُبْطِلًا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا: يَعْنِي لَمْ يَعْهَدْ ذَلِكَ مُبْطِلًا فِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ بِأَنْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ قَرْضًا عَلَيْهِ وَيَعْمَلُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ بِشَرِكَتِهِ، وَبِأَنْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُبْطِلُ التَّبَرُّعَ حَتَّى يَكُونَ مَانِعًا. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: تَعَسُّفُ الشَّارِحِ الْمَذْكُورُ فِي بَيَانِهِ هَذَا مِنْ وُجُوهِ: الْأَوَّلِ أَنَّهُ جَعَلَ لَفْظَ هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ عَقْدِ الْهِبَةِ فَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ إلَخْ دَلِيلًا عَلَى أَصْلِ مُدَّعَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: تَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَيَكُونُ دَلِيلًا ثَانِيًا عَلَيْهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ: وَلِأَنَّ الْمُشَاعَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ ارْتَكَبَ تَقْدِيرَ مُقَدِّمَاتٍ حَيْثُ قَالَ: فَكَانَ الْعَقْدُ صَادِرًا مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا مَانِعَ ثَمَّةَ فَكَانَ جَائِزًا، وَالْبَاعِثُ عَلَيْهِ جَعْلُهُ لَفْظَ هَذَا إشَارَةً إلَى

وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ جَوَازُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ التَّسْلِيمُ، بِخِلَافِ مَا لَا يُقَسَّمُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْقَاصِرَ هُوَ الْمُمْكِنُ فَيُكْتَفَى بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوَازِهِ. وَالثَّالِثِ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا إلَخْ عَلَى الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالٍ يَرِدُ بِطَرِيقِ الْمَنْعِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي قَدَّرَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَا مَانِعَ ثَمَّةَ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ إلَخْ إثْبَاتُ كُبْرَى الدَّلِيلِ السَّابِقِ وَهِيَ قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ لَا إثْبَاتِ أَصْلِ الْمُدَّعَى، وَلَفْظُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَضْمُونِ هَاتِيك الْكُبْرَى، فَالْمَعْنَى وَهَذَا: أَيْ صِحَّتُهُ فِي الْمُشَاعِ أَوْ كَوْنُهُ صَحِيحًا فِي الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَكُونُ مَحَلًّا لَهُ، فَلَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ وُجُوهِ التَّعَسُّفِ اللَّازِمَةِ لِتَقْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ جِدًّا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِسُقُوطِ الِاحْتِيَاجِ حِينَئِذٍ إلَى مَا قَدَّرَهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الزَّائِدَةِ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ فِي الْمُشَاعِ لَزِمَ فِي ضِمْنِهِ وُجُوبُ ضَمَانِ الْقِسْمَةِ وَالْوَاهِبُ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ فَيَكُونُ إلْزَامًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَقَالَ: كَوْنُهُ عَقْدَ تَبَرُّعٍ لَا يَمْنَعُهُ الشُّيُوعُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ: يَعْنِي أَنَّ الشُّيُوعَ فِي الْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ، كَمَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُمَا عَقْدَ تَبَرُّعٍ كَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ فِي الْهِبَةِ فَلَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَيْضًا مِنْ وُجُوهِ التَّعَسُّفِ اللَّازِمَةِ لِتَقْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ حَمْلُ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْجَوَابِ عَمَّا يَرِدُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ كَمَا عَرَفْت فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمُهُ، وَهُوَ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ) يَعْنِي أَنَّ فِي تَجْوِيزِ عَقْدِ الْهِبَةِ فِي الْمُشَاعِ إلْزَامَ الْوَاهِبِ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَهُوَ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا ضَرَرٌ مَرَضِيٌّ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى هِبَةِ الْمُشَاعِ يَدُلُّ عَلَى الْتِزَامِهِ ضَرَرَ الْقِسْمَةِ وَالضَّائِرُ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَمْ يَكُنْ مَرَضِيًّا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرَضِيَّ مِنْهُ لَيْسَ الْقِسْمَةَ وَلَا مَا يَسْتَلْزِمُهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِالْمِلْكِ الْمُشَاعِ وَهُوَ لَيْسَ بِقِسْمَةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُهَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ الْمُشَاعُ قِسْمَةً وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهَا لَمْ يَتِمَّ نَفْسُ هَذَا الدَّلِيلِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ تَجْوِيزُ هِبَةِ الشَّيْءِ إنَّمَا هُوَ إلْزَامُ وَاهِبِهِ حُكْمَ الْهِبَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَشَيْئًا يَسْتَلْزِمُهُ حُكْمُهَا. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ وَلَا شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِ حُكْمِهَا فَلَا يَسْتَلْزِمُهُ تَجْوِيزُ الْهِبَةِ فِي شَيْءٍ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ نَفْسَ حُكْمِ الْهِبَةِ وَلَا شَيْئًا يَسْتَلْزِمُهُ حُكْمُهَا فَأَيْنَ يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ هِبَةِ الْمُشَاعِ إلْزَامُ الْوَاهِبِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يَلْزَمَ إلْزَامُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ. لَا يُقَالُ: الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْقِسْمَةَ هُوَ الْمِلْكُ الْمُشَاعُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ وَمَا هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ هُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْقِسْمَةَ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ مُطْلَقًا هُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ بَلْ حُكْمُهَا هُوَ الْمِلْكُ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَحُكْمُهَا ثَابِتٌ قَطْعًا، مَعَ أَنَّ حُكْمَهَا هُنَاكَ لَيْسَ الْمَلِكَ الْمُفْرَزَ بِلَا رَيْبٍ بَلْ هُوَ الْمِلْكُ الْمُشَاعُ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ حُكْمَهَا مُطْلَقًا هُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ الْمُجِيبِ إنَّ الْمَرَضِيَّ مِنْهُ لَيْسَ الْقِسْمَةَ وَلَا مَا يَسْتَلْزِمُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى الْهِبَةِ يَرْضَى بِحُكْمِهَا قَطْعًا، فَلَوْ كَانَ حُكْمُهَا مُطْلَقًا هُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ تَعَيَّنَ الرِّضَا مِنْهُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ

وَالْمُهَايَأَةُ تَلْزَمُهُ فِيمَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَالْهِبَةُ لَاقَتْ الْعَيْنَ، وَالْوَصِيَّةُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبْضُ، وَكَذَا الْبَيْعُ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَالْقَبْضُ فِيهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا عُقُودُ ضَمَانٍ فَتُنَاسِبُ لُزُومَ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، وَالْقَرْضُ تَبَرُّعٌ مِنْ وَجْهٍ وَعَقْدُ ضَمَانٍ مِنْ وَجْهٍ، فَشَرَطْنَا الْقَبْضَ الْقَاصِرَ فِيهِ دُونَ الْقِسْمَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِسْمَةَ وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ. هَذَا وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا طَلَبَ شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ لَا يَنْفَعُهُ إبَاؤُهُ، عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ هِبَتِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْمُؤْنَةُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْلِ بَحْثِهِ وَعِلَاوَتِهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا طَلَبَ شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ لَا يَنْفَعُهُ إبَاؤُهُ إلَّا أَنَّ طَلَبَ شَرِيكِهِ إيَّاهَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ بَلْ مُحْتَمَلٌ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ إنَّمَا يَقْتَضِي الرِّضَا بِمَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَلَوَازِمِهِ لَا بِمَا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ عَنْ هِبَتِهِ ضَرَرًا آخَرَ لَهُ وَهُوَ حِرْمَانُهُ عَنْ ثَوَابِ الْهِبَةِ فَلَزِمَ أَنْ يَتَوَقَّفَ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى ارْتِكَابِ ضَرَرٍ آخَرَ لِنَفْسِهِ، فَكَانَ فِي تَجْوِيزِ هِبَةِ الْمُشَاعِ إلْزَامُ الْوَاهِبِ أَحَدَ الضَّرَرَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَأَيْضًا هَلْ يُجَوِّزُ الْعَاقِلُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءُ جَوَازِ هِبَةِ الْمَتَاعِ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهَا وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بِنَاءِ تَحَقُّقِ الشَّيْءِ عَلَى انْتِفَائِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَادِّ وَهِيَ الَّتِي تَحَقَّقَ فِيهَا الْمَوَانِعُ عَنْ الرُّجُوعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فَيَلْزَمُ الْمَحْذُورُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي أَصْلِ هَذَا التَّعْلِيلِ، وَهُوَ أَنَّ وَاهِبَ الْمُشَاعِ إمَّا أَنْ يَرْضَى بِالْقِسْمَةِ أَوْ يَمْتَنِعَ عَنْهَا، فَإِنْ رَضِيَ بِهَا كَانَ مُلْتَزِمًا إيَّاهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي إلْزَامِهِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ إلْزَامُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ عِنْدَهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ فَلَمْ يَتِمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى قَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُهَايَأَةُ تَلْزَمُهُ فِيمَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ وَالْهِبَةُ لَاقَتْ الْعَيْنَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَلْزَمْهُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْمُهَايَأَةُ، وَفِي إيجَابِهَا

وَلَوْ وَهَبَ مِنْ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ. قَالَ (وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا مُشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ. قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ) وَكَذَا السَّمْنُ فِي اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَخْرَجَهُ الْغَاصِبُ يَمْلِكُهُ، وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ بَاطِلًا، فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ مَحَلٌّ لَلتَّمْلِيكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلْزَامُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزٌ فَلْتَكُنْ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ فِيمَا يُقْسَمُ كَذَلِكَ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ تَلْزَمُهُ فِيمَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنْفَعَةِ وَالْهِبَةِ الَّتِي هِيَ عَقْدُ التَّبَرُّعِ إنَّمَا لَاقَتْ الْعَيْنُ وَلَا إلْزَامَ فِيهِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ضَمَانًا فِي عَيْنِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ بِخِلَافِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ فِيمَا يُقْسَمُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ وَالْكَافِي هَاهُنَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إلْزَامُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْوَاهِبُ بِعَقْدِ الْهِبَةِ إنْ كَانَ مَانِعًا عَنْ جَوَازِهَا فَقَدْ وُجِدَ، وَإِنْ خَصَّصْتُمْ بِعَوْدِهِ إلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ كَانَ تَحَكُّمًا، وَالْجَوَابُ بِتَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ. وَيُدْفَعُ التَّحَكُّمُ بِأَنَّ فِي عَوْدِهِ إلَى ذَلِكَ إلْزَامَ زِيَادَةِ عَيْنٍ هِيَ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يُرَى فِي الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَثِيرُ طَائِلٍ فِي دَفْعِ سُؤَالِ سَائِلٍ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ فِي عَوْدِهِ إلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ إلْزَامَهُ إخْرَاجَ عَيْنٍ هِيَ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمُهَايَأَةِ، فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُهَايَأَةِ إلْزَامُهُ إخْرَاجَ عَيْنٍ عَنْ مِلْكِهِ فَفِيهِ إلْزَامُهُ إزَالَةً تَقَعُ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ عَنْ تَصَرُّفِهِ، وَكَوْنُ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ الثَّانِي مُطْلَقًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَكَمْ مِنْ مَنْفَعَةٍ كَمَنْفَعَةِ دَارٍ وَنَحْوِهَا تَكُونُ أَعَزَّ وَأَشْرَفَ مِنْ مِقْدَارِ عَيْنٍ يَصِيرُ أُجْرَةَ قِسْمَتِهِ فَتَكُونُ إزَالَتُهَا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَشَقَّ عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَكْثَرَ ضَرَرًا لَهُ مِنْ إخْرَاجِ مِقْدَارِ عَيْنٍ يَصِيرُ أُجْرَةَ قِسْمَتِهِ عَنْ مِلْكِهِ

وَهِبَةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فِي الْأَرْضِ وَالتَّمْرِ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ كَالشَّائِعِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَلَكَهَا بِالْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي قَبْضِهِ وَالْقَبْضُ هُوَ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْبَيْعِ مَضْمُونٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ، أَمَّا قَبْضُ الْهِبَةِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَيَنُوبُ عَنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَمُتَحَقِّقَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا، غَيْرَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا فِي إحْدَاهُمَا الْعَيْنُ وَفِي الْأُخْرَى الْمَنْفَعَةُ. وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا عَادَ إلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي إلْزَامِهِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ فِيمَا إذَا عَادَ إلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ لُزُومُ الْمُنَافَاةِ، فَإِنَّ التَّبَرُّعَ ضِدُّ اللُّزُومِ فَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ لَا تَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ، فَإِنَّ الْمُهَايَأَةَ لَاقَتْ الْمَنْفَعَةَ وَالْهِبَةَ لَاقَتْ الْعَيْنَ، فَلَمْ يُصَادِفْ الْإِلْزَامُ وَالتَّبَرُّعُ إذْ ذَاكَ مَحَلًّا وَاحِدًا فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَنْهَجِ الْمَزْبُورِ قَالَ: وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لِمَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهَا ضَمَانُ الْقِسْمَةِ عَلَى الْوَاهِبِ صَحَّتْ. وَقَوْلُهُمْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إلْزَامِ التَّهَايُؤِ فَنَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَارَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَالْإِعَارَةُ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَعَلَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ يَجِبُ وَيَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي إذَا طَلَبَهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ سِيَّمَا فِيمَا لَا يُقْسَمُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْمُهَايَأَةِ مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ فِيهِ إعَارَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ إلَخْ وَجْهُ الْقِيَاسِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ قَوْله تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَهُوَ الْمُهَايَأَةُ بِعَيْنِهَا، وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِ إذْ يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَأَشْبَهَ الْقِسْمَةَ، فَقَوْلُهُمْ فِي هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إلْزَامِ التَّهَايُؤِ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْمَنْعَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَلَكَهَا بِالْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا إلَى قَوْلِهِ: أَمَّا قَبْضُ الْهِبَةِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَيَنُوبُ عَنْهُ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ تَجَانُسَ الْقَبْضَيْنِ يُجَوِّزُ نِيَابَةَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَتَغَايُرُهُمَا يُجَوِّزُ نِيَابَةَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى دُونَ الْعَكْسِ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ وَدِيعَةً فِي يَدِ شَخْصٍ أَوْ عَارِيَّةً فَوَهَبَهُ إيَّاهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ؛ لِأَنَّ كِلَا الْقَبْضَيْنِ لَيْسَ قَبْضَ ضَمَانٍ فَكَانَا مُتَجَانِسَيْنِ، وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَغْصُوبًا أَوْ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَوَهَبَهُ إيَّاهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ،؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى فَيَنُوبُ عَنْ الضَّعِيفِ وَلَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَبَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ ضَعِيفٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ أَوْ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَوَهَبَهُ إيَّاهُ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ بِقَوْلِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً هُنَاكَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هِبَةُ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُهُ: فَوَهَبَهُ إيَّاهُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَيْضًا فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَسْخَهُ

قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ هِبَةً مَلَكَهَا الِابْنُ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مُودِعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ مَبِيعًا بَيْعًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا مِثْلُ الْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَتْ لَهُ أُمُّهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَوَهَبَهُ إيَّاهُ فَوَهَبَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ أَنْ فَسَخَ الْعَقْدَ فَحِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْبَائِعِ فَتَصِحُّ هِبَتُهُ إيَّاهُ، بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ تُجْعَلَ نَفْسُ الْهِبَةِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ اقْتِضَاءً، وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَوْجِيهَ هَذَا الْمَحَلِّ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَيَّدَ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَوْ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ بِقَوْلِهِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ وَقَالَ: فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْقَابِضِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ فَكَيْفَ تَصِحُّ هِبَتُهُ. اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ أَنَّهُ لَا حَاصِلَ لِمَا ذَكَرَهُ، إذَا لَا يُتَصَوَّرُ بَيْعٌ فَاسِدٌ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُطْلَقًا لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَالْإِيجَابُ هُوَ الْإِذْنُ مِنْ الْبَائِعِ. لَا يُقَالُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْبَائِعِ فِي قَوْلِهِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ هُوَ الْمَالِكُ فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ فُضُولِيٌّ مَالَ أَحَدٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ بَيْعًا فَاسِدًا وَيَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي. لِإِنَّا نَقُولُ: فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ يَكُونُ الْبَيْعُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ: أَيْ الْمَالِكِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ أَصْلًا، فَتَكُونُ يَدُ الْقَابِضِ يَدَ الْغَصْبِ أَوْ يَدَ الْأَمَانَةِ لَا يَدَ الْقَبْضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ تَدَبُّرٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ) أَيْ قَبْضُ الْهِبَةِ؛ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَنْ يَعُولُهُ نَحْوَ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ: أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ جَوَازَ قَبْضِ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَبْضِ لِهَؤُلَاءِ إذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيُّهُ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلَا، سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ فِي عِيَالِ الْقَابِضِ

(وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ هِبَةً تَمَّتْ بِقَبْضِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهِ الدَّائِرَ بَيْنَ النَّافِعِ وَالضَّائِرِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْمَنَافِعَ. قَالَ (وَإِذَا وَهَبَ لِلْيَتِيمِ هِبَةً فَقَبَضَهَا لَهُ وَلِيُّهُ وَهُوَ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ جَدُّ الْيَتِيمِ أَوْ وَصِيُّهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةً عَلَيْهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْأَبِ (وَإِنْ كَانَ فِي حِجْرِ أُمِّهِ فَقَبْضُهَا لَهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ لَهَا الْوِلَايَةَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ وَحِفْظِ مَالِهِ. وَهَذَا مِنْ بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَّا بِالْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ وِلَايَةِ التَّحْصِيلِ (وَكَذَا إذَا كَانَ فِي حِجْرِ أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ يَدًا مُعْتَبَرَةً. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ فَيَمْلِكُ مَا يَتَمَحَّضُ نَفْعًا فِي حَقِّهِ (وَإِنْ قَبَضَ الصَّبِيُّ الْهِبَةَ بِنَفْسِهِ جَازَ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَاقِلًا؛ لِأَنَّهُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ. وَفِيمَا وَهَبَ لِلصَّغِيرَةِ يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ مِنْهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا. لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ. فَقِيَامُ وِلَايَةِ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جَازَ قَبْضُ مَنْ كَانَ الصَّبِيِّ فِي عِيَالِهِ لِثُبُوتِ نَوْعِ وِلَايَةٍ لَهُ حِينَئِذٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤَدِّبُهُ وَيُسَلِّمُهُ فِي الصَّنَائِعِ، فَقِيَامُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْوِلَايَةِ يُطْلِقُ حَقَّ قَبْضِ الْهِبَةِ؛ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْمَنْفَعَةِ. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ: وَأَرَى أَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ، وَلَكِنَّهُ اقْتَصَرَ فِي التَّقْيِيدِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَتْ لَهُ أُمُّهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَعْطُوفِ أَيْضًا، لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْجَدِّ وَوَصِيِّهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْجَدَّ الصَّحِيحَ مِثْلُ الْأَبِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَوَصِيُّهُ كَوَصِيِّ الْأَبِ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَوْجِيهٍ صَحِيحٍ، إذَا قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْقَيْدَ إذَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُ الْمَعْطُوفِ بِهِ كَقَوْلِنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سِرْت وَضَرَبْت زَيْدًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَطْعِيٍّ وَلَكِنَّهُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي الْخَطَابِيَّاتِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَخَّرًا عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ تَقْيِيدُ الْمَعْطُوفِ بِهِ أَيْضًا أَصْلًا، وَقَيْدُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُؤَخَّرٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَقْيِيدِ الْمَعْطُوفِ بِهِ فِي شَيْءٍ فَيَضْمَحِلُّ

قَبْضُ زَوْجِهَا لَهَا بَعْدَ الزِّفَافِ لِتَفْوِيضِ الْأَبِ أُمُورَهَا إلَيْهِ دَلَالَةً، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزِّفَافِ وَيَمْلِكُهُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ، وَمَعَ حُضُورِهِ لَا ضَرُورَةَ. قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ دَارًا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا جُمْلَةً وَهُوَ قَدْ قَبَضَهَا جُمْلَةً فَلَا شُيُوعَ (وَإِنْ وَهَبَهَا وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ مِنْهُمَا، إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ. وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ فَقِبَلَ أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَوَهُّمُهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَمْلِكُهُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْأُمِّ، وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَيَمْلِكُهُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ: أَيْ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ قَبْضَ الْهِبَةِ لِأَجْلِ امْرَأَتِهِ الصَّغِيرَةِ مَعَ حَضْرَةِ أَبِيهَا فِي الصَّحِيحِ، وَكَانَ هَذَا احْتِرَازًا عَمَّا ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَبْضَ الزَّوْجِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَيًّا، وَقَالَ: إنَّمَا قُلْت هَذَا؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرَهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَيْسَتْ رِوَايَةٌ أُخْرَى حَتَّى يَقَعَ قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْهَا. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ: فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ سَوَّى بَيْنَ الزَّوْجِ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأَخِ. وَقَالُوا: يَجُوزُ قَبْضُ هَؤُلَاءِ عَنْ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا كَمَا فِي الزَّوْجِ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ وَقَالَ بِأَنَّ قَبْضَ الزَّوْجِ يَجُوزُ عَلَى امْرَأَتِهِ الصَّغِيرَةِ إذَا كَانَتْ فِي عِيَالِهِ حَالَ حَضْرَةِ الْأَبِ وَحَالَ غَيْبَتِهِ، وَفِي الْأَجْنَبِيِّ يَجُوزُ قَبْضُهُ لِلصَّغِيرِ حَالَ عَدَمِ قَرِيبٍ آخَرَ لِلصَّغِيرِ. وَفِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَقَارِبِ حَقُّ الْقَبْضِ حَالَ غَيْبَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِمْ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ الْقَبْضُ عَنْ الصَّغِيرِ حَالَ حَضْرَةِ الْأَبِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهُ غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً قَوْلًا آخَرَ يُخَالِفُ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ فَيَصِحُّ أَنْ يَقَعَ قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ رَأَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعَ تَفْصِيلَاتٍ أُخَرَ بِطَرِيقِ النَّقْلِ عَنْ

صَحَّ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ، وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا، إذْ لَا تَضَايُفَ فِيهِ فَلَا شُيُوعَ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا تَصَدَّقَ عَلَى مُحْتَاجِينَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا جَازَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَقَالَا: يَجُوزُ لِلْغَنِيَّيْنِ أَيْضًا) جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجَازًا عَنْ الْآخَرِ، وَالصَّلَاحِيَّةُ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ فِي الْحُكْمِ. وَفِي الْأَصْلِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ فِي الْفَصْلَيْنِ لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى الْقَبْضِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالْهِبَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغَنِيِّ وَهُمَا اثْنَانِ. وَقِيلَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ الصَّدَقَةُ عَلَى غَنِيَّيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ذَلِكَ الْهُمَامُ كَيْفَ تَبِعَ رَأْيَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي جَعْلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الصَّحِيحِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَيَمْلِكُهُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ مَعَ كَوْنِهِ بَعِيدًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، أَمَّا بُعْدُهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ حِينَئِذٍ فَصْلٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْمُتَعَلَّقِ وَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ، وَأَمَّا بُعْدُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ هُوَ الِاحْتِرَازَ عَمَّا ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ مِنْ أَنَّ قَبْضَ الزَّوْجِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَيًّا لَقَالَ وَيَمْلِكُ مَعَ حَيَاةِ الْأَبِ بَدَلَ قَوْلِهِ يَمْلِكُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْحَضْرَةَ إنَّمَا تُقَابِلُ الْغَيْبَةَ دُونَ عَدَمِ الْحَيَاةِ تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الدَّلِيلِ: وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَازٍ فَكَانَ الشُّيُوعُ، وَهُوَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ، وَلَيْسَ مَنْعُ الشُّيُوعِ لِجَوَازِ الْهِبَةِ إلَّا لِذَلِكَ، وَإِذَا

وَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ دَارًا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ. وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ مُرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَكَذَا مُحَمَّدٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ الْمِلْكُ مُشَاعًا، وَهُوَ حُكْمُ التَّمْلِيكِ ثَبَتَ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ، إذْ الْحُكْمُ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ الْمِلْكِ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ كَانَ تَقْرِيرُ الدَّلِيلِ مَا حَرَّرَهُ الشَّارِحُ لَغَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: وَالظَّاهِرُ مِنْ مَسَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كِلَا الدَّلِيلَيْنِ اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ التَّمْلِيكِ انْتَهَى. أَقُولُ: كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ الْمِلْكِ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يَتِمُّ بِجَانِبِ الْمِلْكِ فَقَطْ، فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَغَا حِينَئِذٍ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ مَبْدَأَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ هُوَ جَانِبُ الْمِلْكِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ مِنْ الِابْتِدَائِيَّةُ فِي قَوْلِهِ مِنْ جَانِبِ الْمِلْكِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ كَوْنُ التَّمْلِيكِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَيَحْصُلُ مِنْ الْمَجْمُوعِ تَمَامُ الدَّلِيلِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَسَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كِلَا الدَّلِيلَيْنِ اسْتِدْلَالٌ مِنْ جَانِبِ التَّمْلِيكِ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ دَارًا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ. وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي الْهِبَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ الْإِجْمَالِ، أَوْ يَكُونَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ، سَوَاءٌ كَانَ التَّفْصِيلُ بِالتَّفْضِيلِ كَالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ أَوْ بِالتَّسَاوِي كَالتَّنْصِيفِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَفَاضِلًا أَوْ مُتَسَاوِيًا وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُسَاوَاةِ؛ فَفِي الْمُفَاضَلَةِ لَمْ يُجَوِّزْ وَفِي الْمُسَاوَاةِ جَوَّزَ فِي رِوَايَةٍ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ تَفْصِيلًا ابْتِدَائِيًّا حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ فَصَلَ ابْتِدَائِيًّا بِالتَّنْصِيفِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ الْإِجْمَالِ بِأَنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا وَهَبْت لِهَذَا نِصْفَ الدَّارِ وَلِهَذَا نِصْفَهَا لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

[باب الرجوع في الهبة]

وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ يَظْهَرُ أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ فَيَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ. بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَاهُنَا: وَلَيْسَ هَذَا بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَطَفَ ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَائِيًّا انْتَهَى. أَقُولُ: يُرْشِدُ إلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا وَلَمْ يَقُلْ وَلَوْ وَهَبَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَهَا وَلِلْآخِرِ نِصْفَهَا، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْعَطْفَ عَلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً مُبْتَدَأَةً فَيَجِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ وَهَبَ بَدَلَ وَلَوْ قَالَ كَمَا فِي سَائِرِ مَسَائِلِ الْهِبَةِ، وَلَمَّا قَالَ: وَلَوْ قَالَ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْعَطْفُ عَلَى مَا فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ التَّفْصِيلِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِوُقُوعِ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ فِي الْأُولَى بِطَرِيقِ الْمُفَاضَلَةِ وَفِي الْأُخْرَى بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. [بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ] (بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْهِبَةِ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِلْكًا غَيْرَ لَازِمٍ حَتَّى يَصِحَّ الرُّجُوعُ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ مَوَاضِعِ الرُّجُوعِ وَمَوَانِعِهِ

قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا رُجُوعَ فِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ التَّمْلِيكَ، وَالْعَقْدُ لَا يَقْتَضِي مَا يُضَادُّهُ، بِخِلَافِ هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ؛ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لَهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا بَابُهُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَاجُ إلَى الْقُيُودِ: أَيْ إذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِذِي رَحِمٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ أَوْ لِذِي مَحْرَمٍ لَيْسَ بِرَحِمٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِوَضِ وَالزِّيَادَةِ وَغَيْرِهَا حَالَةَ عَقْدِ الْهِبَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إمَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ، وَبَيَّنَ كَوْنَ هَذِهِ الْقُيُودِ مُحْتَاجًا إلَيْهَا بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ هَاهُنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَمَنْ كَانَ مَحْرَمًا لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ كَالْأَخِ الرَّضَاعِيِّ، وَخَرَجَ بِالتَّذْكِيرِ فِي قَوْلِهِ: " وَهَبَ " وَ " أَجْنَبِيٍّ " الزَّوْجَانِ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدِهِمَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ. وَالثَّانِي وَلَمْ يَقْتَرِنْ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ شَيْءٌ حَالَ عَقْدِ الْهِبَةِ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَهُمَا اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يُفْهَمُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ وَخَرَجَ بِالتَّذْكِيرِ فِي قَوْلِهِ " وَهَبَ " وَ " أَجْنَبِيٍّ " الزَّوْجَانِ خَلَلٌ فَاحِشٌ، إذْ لَوْ قَصَدَ بِالتَّذْكِيرِ فِي قَوْلِهِ وَهَبَ وَأَجْنَبِيٍّ إخْرَاجَ الْمُؤَنَّثِ لَخَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلُّ هِبَةٍ كَانَتْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ، وَكُلُّ هِبَةٍ كَانَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا الْهِبَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَلَا يَخْفَى فَسَادُ ذَلِكَ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ التَّذْكِيرَ الْوَاقِعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الْمُؤَنَّثِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْجَرْيِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي أَمْثَالِهَا مِنْ تَغْلِيبِ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ كَمَا فِي خِطَابَاتِ الشَّرْعِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَأَنَّ الزَّوْجَيْنِ إنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِثَانِي الْقَيْدَيْنِ اللَّذَيْنِ اعْتَرَفَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، وَاعْتَذَرَ عَنْ تَرْكِهِمَا بِمَا ذَكَرَ وَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ شَيْءٌ حَالَ عَقْدِ الْهِبَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمَوَانِعِ، ثُمَّ أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ انْفِهَامَ الْقَيْدِ الْأَوَّلِ مِنْ ذَيْنِك الْقَيْدَيْنِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَالْعُهْدَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْقُدُورِيِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ مُخْتَصَرِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ) لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَكُونُ

وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ هُوَ التَّعْوِيضُ لِلْعَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحُجَّةً. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اسْمَ الْهِبَةِ عَلَى الْمَالِ، وَذَا لَا يَكُونُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَهُ أَحَقَّ بِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فِيهَا حَقٌّ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَخَلَا قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا عَنْ الْفَائِدَةِ إذْ هُوَ أَحَقُّ وَإِنْ شَرَطَ الْعِوَضِ قَبْلَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا إلَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْجَوَابِ، وَقَدْ أَشَارَ فِي الْكَافِي أَيْضًا إلَى تِلْكَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» أَيْ لَمْ يُعَوَّضْ، وَالْمُرَادُ حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِبَةً حَقِيقَةً قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الْوَاهِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ كَرَجُلٍ يَقُولُ أَكَلْنَا خُبْزَ فُلَانٍ الْخَبَّازِ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْوَاهِبِ حَقًّا أَغْلَبَ مِنْ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَقَّانِ، وَحَقُّ الْوَاهِبِ أَغْلَبُ لَا بَعْدَ تَمَامِ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ، إذْ لَا حَقَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّهُ مَدَّ هَذَا الْحَقَّ إلَى وُصُولِ الْعِوَضِ إلَيْهِ، وَذَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ بَحْثٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ إطْلَاقِ اسْمِ الْهِبَةِ عَلَى الْمَالِ حَقِيقَةً قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْهِبَةِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ تَحَقَّقَ حُكْمُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ فَكَانَ خَارِجًا عَنْ حَقِيقَةِ الْهِبَةِ. وَلَئِنْ سَلِمَ عَدَمُ صِحَّةِ إطْلَاقِ اسْمِ الْهِبَةِ عَلَى الْمَالِ حَقِيقَةً قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ كَمَا فِي نَحْوِ {أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وَقَدْ جُوِّزَتْ إضَافَتُهَا إلَى الْوَاهِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَاكَ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَفْعَلَ مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ مُؤَوَّلًا بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ حَالَ كَوْنِهِ عَارِيًّا عَنْ اللَّامِ وَالْإِضَافَةِ وَمِنْ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] إذْ لَيْسَ شَيْءٌ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَلَفْظُ أَحَقُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَارٍ عَنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمَزْبُورَةِ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى الْوَاهِبُ حَقِيقٌ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا فَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فِيهَا حَقٌّ. نَعَمْ الظَّاهِرُ الشَّائِعُ أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ أَفْعَلَ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَى التَّفْضِيلِ، لَكِنَّ الْمُعْتَرِضَ مَانِعٌ مُسْتَنِدٌ بِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْنَى التَّفْضِيلِ مَقْصُودًا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِمَالَ كَافٍ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ قَادِحٌ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ، عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ مَعْنَى التَّفْضِيلِ مَقْصُودًا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَصَارَ الْمُرَادُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ حَقٌّ أَغْلَبُ مِنْ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيهَا لَمَّا كَانَ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَكْرُوهًا، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي حُكْمِ تَفْضِيلِ الْفَاضِلِ وَتَرْجِيحِ الْغَالِبِ، فَالْوَجْهُ تَجْرِيدُ أَحَقَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ تَطْبِيقًا لِلْمَقَامَيْنِ وَتَوْفِيقًا لِلْكَلَامَيْنِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَدَحَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَيْضًا مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ حَيْثُ قَالَ: هَذَا يَجُرُّ إلَى الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ وَقَدْ نَفَاهُ الشَّارِحُ: يَعْنِي صَاحِبَ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: صَرَّحَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ بِأَنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَنْفِيهِ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ هُوَ التَّعْوِيضُ لِلْعَادَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الظَّاهِرَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُهْدِي إلَى مَنْ فَوْقَهُ لَيَصُونَهُ بِجَاهِهِ، وَإِلَى مَنْ دُونَهُ لِيَخْدُمَهُ

فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ عِنْدَ فَوَاتِهِ، إذْ الْعَقْدُ يَقْبَلُهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ اسْتِبْدَادٍ وَالرُّجُوعُ وَإِثْبَاتُهُ لِلْوَالِدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ لِلْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُسَمَّى رُجُوعًا. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَازِمَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِلَى مَنْ يُسَاوِيهِ لِيُعَوِّضَهُ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ خِلَافُ الْمُدَّعَى حَيْثُ خَصَّ التَّعْوِيضَ بِالْمُتَسَاوِيَيْنِ وَالْمُدَّعَى كَانَ أَعَمَّ انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الدَّخْلِ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: قُلْت: فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا فِي الثَّالِثِ، وَمَعَ هَذَا لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ يُعَوَّضْ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ مَا ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْوِيضِ فِي قَوْلِهِ وَإِلَى مَنْ يُسَاوِيهِ لِيُعَوِّضَهُ هُوَ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ، وَبِالتَّعْوِيضِ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ هُوَ التَّعْوِيضُ مَا يَعُمُّ التَّعْوِيضَ بِالصِّيَانَةِ وَبِالْخِدْمَةِ وَبِالْمَالِ، فَالْمَخْصُوصُ بِالْمُتَسَاوِيَيْنِ هُوَ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ، وَأَمَّا التَّعْوِيضُ الْمُطْلَقُ فَيُوجَدُ فِي الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى وَالْمُسَاوِي، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَشْمَلُ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ الْمُدَّعَى أَعَمَّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ يُعَوَّضْ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَيْسَ بِمُنْفَرِدٍ فِي ذَلِكَ التَّقْرِيرِ بَلْ سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: تَوْضِيحُهُ أَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْهِبَةِ لِلْأَجَانِبِ الْعِوَضُ وَالْمُكَافَأَةُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُهْدِي إلَى مَنْ فَوْقَهُ لِيَصُونَهُ بِجَاهِهِ وَإِلَى مَنْ دُونَهُ لِيَخْدُمَهُ وَإِلَى مَنْ يُسَاوِيهِ لِيُعَوِّضَهُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: الْأَيَادِي قُرُوضٌ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ التَّسْهِيلِ اعْتَرَضَ عَلَى أَصْلِ هَذَا الدَّلِيلِ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ: عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَوْ قُيِّدَ بِنَفْيِ الْعِوَضِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مَا لَمْ يُعَوَّضْ " يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ وَإِنْ قُيِّدَ بِنَفْيِ الْعِوَضِ. انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِإِنَّا لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ أَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ عِنْدَ التَّقْيِيدِ بِنَفْيِ الْعِوَضِ، فَإِنَّ التَّعْوِيضَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَيْسَ بِإِيجَابِ الْوَاهِبِ إيَّاهُ وَإِلْغَائِهِ بَلْ بِحَسَبِ مُرُوءَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَجَرْيِ الْعَادَةِ عَلَى التَّعْوِيضِ، وَبِنَفْيِ الْوَاهِبِ التَّعْوِيضَ لَا يَفُوتُ ذَلِكَ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ نَفْيُهُ إيَّاهُ سَبَبًا لِهَيَجَانِ مُرُوءَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ الْوَاهِبُ بِنَفْيِهِ إيَّاهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ظُهُورَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ عِلَّةٌ نَوْعِيَّةٌ لِإِثْبَاتِ نَوْعِ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاطِّرَادَ فِي كُلِّ صُورَةٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَ هَذَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ عَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقَسَّمُ فِيمَا مَرَّ فَتَذَكَّرْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ لِلْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُسَمَّى رُجُوعًا) أَيْ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْحُكْمِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بَلْ شِرَاءً إضْرَابًا عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْحُكْمِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَمَلُّكِ الْوَالِدِ هَاهُنَا تَمَلُّكُهُ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ لَا بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِمَّا لَا مِسَاسَ لَهُ بِالْهِبَةِ فَلَا يُنَاسِبُ تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ قَطْعًا؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ لِلْحَاجَةِ يُعَيِّنُ الْأَوَّلَ؛ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْحَاجَةِ فِي تَمَلُّكِهِ بِالشِّرَاءِ، عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِالْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَلَدِ وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِالرُّجُوعِ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَازِمَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ) قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: قِيلَ قَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى كَرَاهَةِ الرُّجُوعِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ثُمَّ يَشْتَرِطُونَ

ثُمَّ لِلرُّجُوعِ مَوَانِعُ ذَكَرَ بَعْضَهَا فَقَالَ (إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (أَوْ تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي جَوَازِهِ الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءَ، فَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ بِالرِّضَا فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْقَاضِي الْإِعَانَةُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ؟ وَكَيْفَ تَكُونُ إعَانَتُهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى مُنْتِجَةٌ لِلْجَوَازِ؟ وَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ غَيْرَ جَائِزٍ فَبَعْدَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُحَلِّلُ الْحَرَامَ وَلَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَإِنَّمَا قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةٌ لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ، فَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ لَا يَحِلُّ لَا يَصِيرُ بِالْقَضَاءِ حَلَالًا، وَقَدْ اعْتَرَفَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي أَصْلِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَهَاءً فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْقَاضِي الْإِقْدَامُ عَلَى أَمْرٍ وَاهٍ مَكْرُوهٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا الْإِشْكَالُ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقَضَاءِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَاذَا، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ مَكْرُوهًا إنَّمَا هُوَ نَفْسُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ لَا جَوَازُ الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَاَلَّذِي يَكُونُ مَحَلًّا لِلْقَضَاءِ إنَّمَا هُوَ جَوَازُ الرُّجُوعِ عَنْهَا لَا نَفْسُ الرُّجُوعِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقُولُ لِلْوَاهِبِ فِي حُكْمِهِ لَهُ عِنْدَ التَّرَافُعِ مَعَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ارْجِعْ عَنْ هِبَتِك، بَلْ يَقُولُ لَك الرُّجُوعُ عَنْهَا مَعَ كَرَاهَةٍ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي قَضَائِهِ هَذَا إعَانَةٌ عَلَى أَمْرٍ مَكْرُوهٍ بَلْ فِيهِ إجْرَاءُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى أَصْلِ أَئِمَّتِنَا، وَهُوَ جَوَازُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ مَعَ كَرَاهَةٍ فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلْمَكْرُوهِ بِطَوْعِ نَفْسِهِ لَا بِإِعَانَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ يُلْزِمُهُ الْقَاضِي دَفْعَهَا إلَيْهِ. وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا إلْزَامُ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْهِبَةِ إلَى الْوَاهِبِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَوْهُوبِ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ عَنْهَا بِلَا مَانِعٍ عَنْ الرُّجُوعِ، وَإِنْ كَانَ نَفْسُ الرُّجُوعِ مَكْرُوهًا. ثَمَّ إنَّ الْقَاضِيَ لَا يُحَلِّلُ الْحَرَامَ وَلَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَلَكِنْ يَجْعَلُ الضَّعِيفَ قَوِيًّا وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بِتَعَلُّقِ حُكْمِهِ بِذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. ثُمَّ إنَّ الضَّعِيفَ إذَا كَانَ نَاشِئًا مِنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يَمْنَعُ الْقَاضِي عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْحُكْمِ بِهَا سِيَّمَا إذَا وَافَقَ مَذْهَبَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا تَرَى فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ بِحَذَافِيرِهِ، هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَقَامُ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ تُورِثُ زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ. اهـ. أَقُولُ: بَلْ مِنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ الْآخَرِ بُدٌّ بِقَوْلِهِ أَوْ تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً؛ لِأَنَّ مَا لَا يُورِثُ زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ نُقْصَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً حَتَّى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَفْسُهُ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ، فَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ عَادَتْ نُقْصَانًا، فَرُبَّ زِيَادَةِ صُورَةٍ كَانَتْ نُقْصَانًا فِي الْمَعْنَى كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ مَثَلًا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى قَيْدٍ زَائِدٍ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ

قَالَ: (أَوْ يَمُوتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ إذْ هُوَ مَا أَوْجَبَهُ. قَالَ (أَوْ تَخْرُجُ الْهِبَةُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ فَلَا يَنْقُضُهُ، وَلِأَنَّهُ تَجَدُّدُ الْمِلْكِ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ. قَالَ: (فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى بَيْتًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ آرِيًّا وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَقَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا؛ لِأَنَّ الدُّكَّانَ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا حَقِيرًا لَا يُعَدُّ زِيَادَةً أَصْلًا، وَقَدْ تَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّهَايَةِ فِي الْبَيَانِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ بِشَيْءٍ يُورِثُ زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ. أَمَّا لَوْ زَادَ الْمَوْهُوبُ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ لَا تُورِثُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ زِيَادَةً فِي قِيمَتِهِ فَهُوَ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ حَقِيقَةٍ فَلَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ زِيَادَةَ صُورَةٍ نُقْصَانًا مَعْنًى كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَالَ: هَكَذَا كُلِّهِ فِي الذَّخِيرَةِ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الصُّورِيَّةَ الَّتِي لَا تُورِثُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ كَالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِطُولِ الْقَامَةِ وَبِالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرُوا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الرُّجُوعُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ مَدَى الْإِمْكَانِ، وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعُقَدِ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا نَوْعٌ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَكَانَ حَقُّهَا التَّقْدِيمَ اهـ. أَقُولُ: وَجْهُ التَّأْخِيرِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَرِهَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَسْأَلَةِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ يَذْكُرُ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَإِنَّ الْمُسْتَثْنَى مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْهُ: إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ سَرْدَ أُصُولِ الْمَوَانِعِ ثُمَّ التَّفْرِيعَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَتَأْخِيرَ التَّعْوِيضِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ التَّفْصِيلِ. اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَصَدَ سَرْدَ أُصُولِ الْمَوَانِعِ ثُمَّ التَّفْرِيعَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَمَا ذَكَرَ الْقَرَابَةَ الْمَحْرَمِيَّةَ وَالزَّوْجِيَّةَ مِنْ أُصُولِ الْمَوَانِعِ بَيْنَ التَّفْرِيعَاتِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ

الْأَرْضُ عَظِيمَةً يُعَدُّ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا فَلَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِهَا. قَالَ: (فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا غَيْرَ مَقْسُومٍ رَجَعَ فِي الْبَاقِي) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِقَدْرِ الْمَانِعِ (وَإِنْ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْهَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِهَا) ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّهَا فَكَذَا فِي نِصْفِهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. قَالَ (وَإِنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ (وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الصِّلَةُ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ لَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ أَبَانَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ فَلَا رُجُوعَ. قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا عَنْهَا أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ تُؤَدِّي مَعْنًى وَاحِدًا (وَإِنْ عَوَّضَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مُتَبَرِّعًا فَقَبَضَ الْوَاهِبُ الْعِوَضَ بَطَلَ الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا رُجُوعَ فِيهَا، وَبِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، تَبَصَّرْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا غَيْرَ مَقْسُومٍ رَجَعَ فِي الْبَاقِي) أَقُولُ: قَيَّدَ النِّصْفَ فِي الْكِتَابِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْسُومٍ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ كَمَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، إذْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا بَاعَ نِصْفَهَا مَقْسُومًا كَذَلِكَ قَطْعًا وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَكَأَنَّ وَجْهَ التَّقْيِيدِ فِي الْكِتَابِ إرَادَةُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْمَقْسُومِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّهُ لَمَّا صَحَّ الرُّجُوعُ فِي الْبَاقِي فِيمَا إذَا بَاعَ نِصْفَهَا غَيْرَ مَقْسُومٍ كَانَ صِحَّةُ الرُّجُوعِ فِي الْبَاقِي فِيمَا إذَا بَاعَ نِصْفَهَا مَقْسُومًا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى، وَسَيَأْتِي التَّعَرُّضُ مِنْ الشُّرَّاحِ لِنَظِيرِ هَذَا فِي

قَالَ: (وَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ) وَقَالَ زُفَرُ: يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ اعْتِبَارًا بِالْعِوَضِ الْآخَرِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَبِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ إلَّا هُوَ، إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ كُلُّ الْعِوَضِ وَلَمْ يَسْلَمْ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ. قَالَ (وَإِنْ وَهَبَ دَارًا فَعَوَّضَهُ مِنْ نِصْفِهَا) رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُعَوِّضْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَصَّ النِّصْفَ. قَالَ: (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ: وَإِنْ عَوَّضَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مُتَبَرِّعًا فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ. أَقُولُ: هَذَا سَهْوٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالنِّصْفِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَوْلِ زُفَرَ

وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالرِّضَا أَوْ بِالْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ نَفَذَ، وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِقِيَامِ مِلْكُهُ فِيهِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهَذَا دَوَامٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ، وَإِذَا رَجَعَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يَشْتَرِطُ قَبْضَ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ جَائِزًا مُوجِبًا حَقَّ الْفَسْخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرْجِعُ بِالنِّصْفِ إنَّمَا هُوَ نِصْفُ الْهِبَةِ دُونَ نِصْفِ الْعِوَضِ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا مِنْ تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ) أَيْ فِي أَصْلِ الرُّجُوعِ ضَعْفٌ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: لِأَنَّ الْوَاهِبَ إنْ كَانَ يُطَالِبُ بِحَقِّهِ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ يَمْنَعُ بِمِلْكِهِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ وَلِهَذَا

فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا ثَابِتًا لَهُ فَيَظْهَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبْطُلُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِمْ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ: أَيْ فِيمَا يُوجَدُ فِيهِ الْمَانِعُ عَنْهُ، وَفِيمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فِي الْجَمِيعِ، فَلَا يَصِحُّ تَفْرِيعُ بُطْلَانِهِ فِي صُوَرِ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ عَنْهُ عَلَى كَوْنِهِ ثَابِتًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، إذْ لَوْ كَانَ عِلَّةُ الْبُطْلَانِ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَبْطُلَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِ عَنْ تِلْكَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةٍ. فَالصَّوَابُ أَنَّ بُطْلَانَهُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاقِعِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ فِي مَسَائِلِهَا لَا لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ لِانْتِقَاضِهِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِانْتِقَاضِهِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ضَعِيفًا فَمَا الْمَحْذُورُ فِي ذَلِكَ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ثَبَتَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا: كُلُّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَخْتَصُّ بِمَوْرِدِ النَّصِّ، بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ بِهِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مَوْقُوفًا عَلَى الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِدُونِ الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ لَهُ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ، وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ، وَلَا تَجْرِي هَذِهِ الْعِلَّةُ بِتَمَامِهَا فِي كُلِّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ. ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ الْمُطَرِّزَيَّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ مَصْدَرُ وَهِيَ الْحَبْلُ يَهِي وَهَيَا إذَا ضَعُفَ اهـ. وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِشَيْءٍ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَقَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مَدَّ الْمَقْصُورِ السَّمَاعِيِّ لَيْسَ بِخَطَأٍ وَتَخْطِئَةِ مَا لَيْسَ بِخَطَإٍ خَطَأٌ. اهـ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فَطَانَةٍ أَنَّ الْخَطَأَ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْوَهْيَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ: وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ مَقْصُورُ الْوَهَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا بَلْ هُوَ عَلَى وَزْنِ الْفِعْلِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْهَاءِ كَالرَّمْيِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ فِيهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ: مَصْدَرٌ وَهِيَ الْحَبْلُ يَهِي وَهْيًا حَيْثُ قَالَ وَهْيًا، وَلَوْ كَانَ مَقْصُورًا لَقَالَ وَهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ تَفَطَّنَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ لِهَذَا حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: لِأَنَّ مَدَّ الْمَقْصُورِ السَّمَاعِيِّ لَيْسَ بِخَطَإٍ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَ مَدِّ الْمَقْصُورِ السَّمَاعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِ الْمَقْصُورِ حَتَّى يُمَدَّ، وَالْمَصْدَرُ هَاهُنَا عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ بِتَسْكِينِ الْعَيْنِ فَمِنْ أَيْنَ يَتَأَتَّى الْمَدُّ. اهـ. وَلَكِنَّ خَطَأَ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَصَاحِبُ الْمُغْرِبِ مُصِيبٌ مِنْ وَجْهٍ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ: يَعْنِي بِتَسْكِينِ الْعَيْنِ، وَمُخْطِئٌ مِنْ وَجْهٍ فِي قَوْلِهِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ هَذَا أَيْضًا مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ كَمَا تَقُولُ فِي قَلَى يَقْلِي قَلْيًا وَقَلَّاءً عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ وَوَهَاءٌ كَذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَلْيُ الْبُغْضُ، فَإِنْ فَتَحْت الْقَافَ مَدَدْت تَقُولُ قَلَاهُ يَقْلِيهِ قَلْيًا وَقَلَّاءً. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: أَخْطَأَ هَذَا الشَّارِحُ أَيْضًا فِي تَخْطِئَةِ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَهَاءِ عَلَى وَزْنِ بَعْضِ الْمَصَادِرِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَفْسُهُ أَيْضًا مَصْدَرًا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّ مَصْدَرَ الثَّلَاثِي سَمَاعِيٌّ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ، فَمَجِيءُ الْقَلَّاءِ مَصْدَرًا مِنْ قَلَى يَقْلِي كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَهَاءُ أَيْضًا مَصْدَرًا مِنْ وَهَى يَهِي، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَسْمُوعٌ دُونَ الثَّانِي. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فَلَا غُبَارَ فِيهِ عَلَى أَنَّ تَخْطِئَتَهُ إيَّاهُ فِي قَوْلِهِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ يُنَافِي تَصْوِيبَهُ إيَّاهُ فِي قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ هَذَا قَصْرَ مَصْدَرِ وَهَى يَهِي عَلَى الْوَهْيِ بِتَسْكِينِ الْهَاءِ، فَكَوْنُ وَهَاءٍ أَيْضًا مَصْدَرًا مِنْهُ يُنَافِي ذَلِكَ قَطْعًا. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ مِنْ الشُّرَّاحِ كَصَاحِبَيْ الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اسْتَدَلُّوا عَلَى مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ حَيْثُ قَالُوا: وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخُ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ مِنْهُمَا لِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ

بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَاكَ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ فَافْتَرَقَا. قَالَ: (وَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ السَّلَامَةَ، وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ، وَالْغُرُورُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ سَبَبُ الرُّجُوعِ لَا فِي غَيْرِهِ. قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ اُعْتُبِرَ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ، وَتَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ) ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ ابْتِدَاءً (فَإِنْ تَقَابَضَا صَحَّ الْعَقْدُ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتُسْتَحَقُّ فِيهِ الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ انْتِهَاءً. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، وَلِهَذَا كَانَ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِفَسْخِ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَلَكَ الْبَيْعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ. ثُمَّ إنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ فَسْخَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ إنْ كَانَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَصَحَّ فَسْخُ الْعَقْدِ هُنَاكَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ وَلَا الْقَضَاءِ بِهِ، فَصَارَ الدَّلِيلُ الْمَزْبُورُ مَنْقُوضًا بِهِ بَلْ هُوَ مَنْقُوضٌ أَيْضًا بِسَائِرِ الْعُقُودِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهَا بِأَسْرِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ إذَا الْحَقُّ هُنَاكَ لِلْمُشْتَرِي فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ، وَالْحَقُّ هَاهُنَا لِلْوَاهِبِ فِي نَفْسِ الْفَسْخِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَقْتَضِي عَدَمُ انْفِرَادِ الْمُشْتَرِي هُنَاكَ بِالْفَسْخِ عَدَمَ انْفِرَادِ الْوَاهِبِ هَاهُنَا بِهِ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ وَلَا التَّشْبِيهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَاكَ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ فَافْتَرَقَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ لَا فِي الْفَسْخِ: لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعَقْدِ، فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ تَامًّا لَمْ يَقْتَضِ الْفَسْخَ. انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ تَامًّا لَمْ يَقْتَضِ ثُبُوتَ الْفَسْخِ بِالْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِّ الْفَسْخِ لَا فِي ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِالْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ تَامًّا لَمْ يَقْتَضِ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَمَعَ هَذَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ عِنْدَنَا بِمُوجِبِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» وَلِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ عَادَةً عِنْدَ عَدَمِ التَّعْوِيضِ مِنْهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا حَقُّ الْفَسْخِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَيْبِ بِنَاءً عَلَى فَوَاتِ مَقْصُودِهِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ. فَالْأَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْتَضِيَ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِلُّزُومِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ عَقْدُ

وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَقَدْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ حُكْمِهَا تَأَخُّرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ، وَقَدْ يَتَرَاخَى عَنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْبَيْعُ مِنْ حُكْمِهِ اللُّزُومُ، وَقَدْ تَنْقَلِبُ الْهِبَةُ لَازِمَةً بِالتَّعْوِيضِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ بَيْعِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْبَيْعِ فِيهِ، إذْ هُوَ لَا يُصْلَحُ مَالِكًا لِنَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبَرُّعٍ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَا يُنَافِيهِ ثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَقَدْ أَمْكَنَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الدَّلِيلِ: وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ: جِهَةِ الْهِبَةِ لَفْظًا، وَجِهَةِ الْبَيْعِ مَعْنًى وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ إعْمَالُهُمَا؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الشَّبَهَيْنِ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إعْمَالِ أَحَدِهِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ، وَهِيَ أَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الشَّبَهَيْنِ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إعْمَالِ أَحَدِهِمَا يُفِيدُ أَوْلَوِيَّةَ إعْمَالِ الشَّبَهَيْنِ وَالْمُدَّعَى وُجُوبُ إعْمَالِهِمَا كَمَا تَرَى فَلَا تَقْرِيبَ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهَا بِعِنَايَةٍ فَتَأَمَّلْ.

[فصل ومن وهب جارية إلا حملها]

فَصْلٌ قَالَ: (وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ فَانْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا] فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُتَعَلِّقَةً بِالْهِبَةِ بِنَوْعٍ مِنْ التَّعَلُّقِ وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ مَسَائِلَ شَتَّى ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ: وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ فَانْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) . تَوْضِيحُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ؛ لِكَوْنِهِ وَصْفًا، وَالْعَقْدُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَوْصَافِ مَقْصُودًا، حَتَّى لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ لِآخَرَ لَا يَصِحُّ، فَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ عَامِلًا انْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّ اسْمَ

وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْجَنِينُ عَلَى مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ الِاسْتِثْنَاءَ، وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ شَبِيهَ الِاسْتِثْنَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ تَبَعًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا، فَلَمَّا اسْتَثْنَى الْحَمْلَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَعْنَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي بَابِ الْهِبَةِ مُعَلَّقٌ بِفِعْلٍ حِسِّيٍّ وَهُوَ الْقَبْضُ، وَالْقَبْضُ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ الشُّرُوطُ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ. هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى بُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا فِي الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَعْمَلُ إلَّا فِي الْمَلْفُوظِ، وَالْحَمْلُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْأَوْصَافِ، وَاللَّفْظُ يُرَدُّ عَلَى الذَّاتِ لَا عَلَى الْأَوْصَافِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَلْفُوظٍ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَوْ صَحَّ هَذَا الدَّلِيلُ لَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا لِجَرَيَانِهِ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، وَسَيَأْتِي فِي وَصَايَا هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا، فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَجَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ. اهـ. وَقَالَ فِي الْكَافِي هُنَاكَ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَلْفُوظِ. قُلْنَا: يَكْفِي لِصِحَّةِ التَّزَيِّي بِزِيِّهِ كَمَا فِي اسْتِثْنَاءِ إبْلِيسَ، عَلَى أَنَّ صِحَّتَهُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى التَّنَاوُلِ اللَّفْظِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ. اهـ. فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا فِي الْكِفَايَةِ هَاهُنَا، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ هَاهُنَا بَيْنَ الْحَمْلِ وَبَيْنَ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ لِرَجُلٍ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ مِنْ الصُّوفِ أَوْ مَا فِي الضَّرْعِ مِنْ اللَّبَنِ وَأَمَرَهُ بِجَزِّ الصُّوفِ وَحَلْبِ اللَّبَنِ، وَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لَهُ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا وَلَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً. بِخِلَافِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ، وَبِأَنَّ إخْرَاجَ الْوَلَدِ مِنْ الْبَطْنِ لَيْسَ إلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ نَائِبًا عَنْ الْوَاهِبِ، بِخِلَافِ الْجِزَازِ فِي الصُّوفِ، وَالْحَلْبِ فِي اللَّبَنِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي وَجْهِهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالًا أَصْلًا، وَلَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ إعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَإِيصَاؤُهُ، وَقَدْ صَحَّ كُلٌّ مِنْهَا عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْأَوَّلَيْنِ أَيْضًا الْمَسْأَلَتَانِ الْآتِيَتَانِ هَاهُنَا، وَهُمَا قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ يَجُزْ. وَأَمَّا فِي وَجْهِهِ الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ إخْرَاجِ الْوَلَدِ لَيْسَ إلَيْهِ إنَّمَا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْهِبَةِ فِيمَا إذَا أَمَرَهُ الْوَاهِبُ بِقَبْضِ الْحَمْلِ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا فِيمَا إذَا أَمَرَهُ الْوَاهِبُ بِقَبْضِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَا، إذْ يُمْكِنُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَصَالَةً بِدُونِ النِّيَابَةِ عَنْ الْوَاهِبِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ أَمَرَهُ فِي الْحَمْلِ بِقَبْضِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَقَبَضَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الصُّوفِ، وَاللَّبَنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي أَوَّلِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ. وَقَالَ: وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَمْلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ إلَخْ. ثُمَّ أَقُولُ: عَلَى فَرْضِ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ بِوَجْهَيْهِ سَالِمًا عَمَّا ذَكَرْنَاهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ السُّؤَالُ الْمَزْبُورُ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ ذَلِكَ السُّؤَالِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوفَ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَاللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ أَيْضًا مِنْ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ كَالْحَمْلِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَمْلِ وَبَيْنَ الصُّوفِ، وَاللَّبَنِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ حَتَّى تَصِحَّ الْهِبَةُ فِيمَا دُونَ الْحَمْلِ، وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى، وَذَا لَا يُجْدِي شَيْئًا يَنْدَفِعُ بِهِ مُطَالَبَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ.

وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِيهِ لِمَكَانِ التَّدْبِيرِ فَبَقِيَ هِبَةُ الْمُشَاعِ أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ هُوَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْمَالِكِ. قَالَ: (فَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهَا أَوْ أَنْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ وَهَبَ دَارًا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) . لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ تُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَكَانَتْ فَاسِدَةً، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِهَا، أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعَمِّرِ» بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِيهِ لِمَكَانِ التَّدْبِيرِ فَبَقِيَ هِبَةُ الْمُشَاعِ أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ هُوَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْمَالِكِ) فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهَا هِبَةُ مُشَاعٍ لَكِنَّهَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَهِيَ جَائِزَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَرْضِيَّةَ الِانْفِصَالِ فِي ثَانِي الْحَالِ ثَابِتَةٌ لَا مَحَالَةَ فَأُنْزِلَ مُنْفَصِلًا فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ فَكَانَ فِي حُكْمٍ مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ أَقُولُ: لَيْسَ الْجَوَابُ بِسَدِيدٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْحَمْلَ مُفَصَّلًا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ فِي عَرْضِيَّةِ الِانْفِصَالِ فِي ثَانِي الْحَالِ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُفْرَزِ الْمَقْسُومِ لَا فِي حُكْمِ الْمُشَاعِ الْمُحْتَمِلِ لِلْقِسْمَةِ فَكَانَ أَوْلَى بِجَوَازِ هِبَتِهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ خُرُوجِ الْجَنِينِ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ كَوْنُهُ فِي حُكْمٍ مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ احْتِمَالَ الْقِسْمَةِ وَعَدَمَ احْتِمَالِهَا لَا يَدُورَانِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ، وَالْخُرُوجِ عَنْهُ بَلْ عَلَى عَدَمِ إضْرَارِ التَّبْعِيضِ، وَإِضْرَارُهُ كَمَا عُرِفَ فِيمَا مَرَّ، فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ: فَكَانَ فِي حُكْمٍ مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ. نَعَمْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ خُرُوجِ الْجَنِينِ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ كَوْنُ الْجَارِيَةِ الْمَوْهُوبَةِ مَشْغُولَةً بِمِلْكِهِ كَمَا فِي هِبَةِ الْجَوَالِقِ الَّذِي فِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ وَرَاءَ احْتِمَالِ الْقِسْمَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَكَانَ فِي حُكْمٍ مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ هِبَةٍ مَشْغُولَةٍ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا أَنَّهُ كَانَ مُشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قَالَ: فَكَانَ فِي حُكْمٍ مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَقُلْ فَكَانَ مُشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَكَانَ فِي حُكْمٍ مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي هِبَةِ الْجَوَالِقِ وَفِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ هِبَةَ مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوعِ فِي الْهِبَةِ حُكْمًا لِوُجُودِ اخْتِلَاطِ الْمِلْكِ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا. انْتَهَى. قُلْتُ: مَوْرِدُ أَصْلِ السُّؤَالِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَبَقِيَ هِبَةُ الْمُشَاعِ لَا قَوْلُهُ: أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ هُوَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ، وَمَا ذَكَرْتَهُ إنَّمَا يَصْلُحُ تَوْجِيهًا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ، تَأَمَّلْ تَقِفْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ السُّؤَالَ، وَالْجَوَابَ الْمَزْبُورَيْنِ قَالَ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا اسْتَشْعَرَ هَذَا السُّؤَالَ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ مَشْغُولٍ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فَهُوَ كَمَا إذَا وَهَبَ الْجَوَالِقَ، وَفِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَهِبَةِ الْمُشَاعِ الْحَقِيقِيِّ. انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ رَكَاكَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ الْمَزْبُورَ إنْ كَانَ مَقْبُولًا عِنْدَهُ فَاسْتِشْعَارُ السُّؤَالِ الْمَسْفُورِ لَا يَقْتَضِي إرْدَافَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ آخَرَ لِكَوْنِ ذَلِكَ السُّؤَالِ مُنْدَفِعًا عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ غَيْرَ وَارِدٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ بَيَانُ خَلَلِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ قَطُّ (قَوْلُهُ: أَوْ وَهَبَ دَارًا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ، وَالنَّشْرِ وَإِلَّا

الْبَيْعِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَلِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي مَعْنَى الرِّبَا، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ. قَالَ: (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهِيَ لَك أَوْ أَنْتَ مِنْهَا بَرِيءٌ. أَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ النِّصْفَ فَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ إسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ تَمْلِيكًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِحُّ: أَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ دَارًا، وَقَوْلُهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَارٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ قَوْلَهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا بِقَوْلِهِ أَوْ وَهَبَ دَارًا كَانَ هِبَةً بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ فِي الصَّدَقَةِ لَا فِي الْهِبَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ التَّعْوِيضِ مَوْصُولًا بِقَوْلِهِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَارٍ، اللَّهُمَّ إلَّا إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْوَاهِبِ بِطَرِيقِ الْعِوَضِ لِكُلِّ الدَّارِ، فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ صَرْفُ قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا إلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا وَهَبَ دَارًا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ الْمَحْضُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةِ شَيْءٍ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأَبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ. أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِهِمَا قُصُورٌ إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا سِيَّمَا بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا إنَّمَا هُوَ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْوَاهِبِ بِطَرِيقِ الْعِوَضِ عَنْ كُلِّ الدَّارِ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ إلَّا بِتَعَسُّفٍ بَعِيدٍ، وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا إلَى مَا هُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ هَاهُنَا أَصْلًا كَلَفْظِ الْأَعْوَاضِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْ الْأَعْوَاضِ لَا مِنْ الدَّارِ، فَاسْتِبْعَادُ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظَةُ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْوَاهِبِ بِطَرِيقِ الْعِوَضِ لِكُلِّ الدَّارِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ. ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيٌّ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَهَبُ لِلرَّجُلِ هِبَةً أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا قَالَ: الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَا يُعَوِّضُهُ شَيْئًا مِنْهَا، إلَى هُنَا لَفْظُهُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ ثُلُثَ الدَّارِ أَوْ رُبُعَهَا بَعْضٌ مِنْهَا، فَاسْتِبْعَادُ إرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بَلْ تَجْوِيزُ إرَادَةِ مَعْنًى آخَرَ بِالنَّظَرِ إلَى لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ مَأْخَذُ عِبَارَةِ الْكِتَابِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، لَكِنْ بَقِيَ لُزُومُ التَّكْرَارِ وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَكَأَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ تَنَبَّهَ لِسَمَاجَةِ الِاسْتِبْعَادِ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ لَفْظَةُ اللَّهُمَّ الْوَاقِعَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ حَيْثُ غَيَّرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أُسْلُوبَ تَحْرِيرِهِمَا فَقَالَ وَقَوْلُهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فِيهِ إشْكَالٌ، فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ، وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: بَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَى أَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَتَرَكَ التَّرْدِيدَ أَيْضًا، بَلْ قَصَرَ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي لِكَوْنِ ذَلِكَ نَصًّا فِي هَذَا الشِّقِّ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ آنِفًا. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ كَأَنَّهُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلشِّقِّ الْأَوَّلِ أَصْلًا، بَلْ سَاقَ كَلَامَهُ عَلَى أَنْ يَتَقَرَّرَ الشِّقُّ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فَقَالَ: وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ

وَوَصْفٌ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ إسْقَاطًا، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عِوَضًا، فَإِنَّ كَوْنُهُ عِوَضًا إنَّمَا هُوَ بِأَلْفَاظٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ التَّعْوِيضَ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ يَشْمَلُ ذَلِكَ وَيَعُمُّهُ، إذْ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ أَعْطَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ عِوَضًا عَنْ كُلِّ الدَّارِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ عَلَى الْوَاهِبِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا مُغْنِيًا عَنْ قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ الثَّانِي فَائِدَةٌ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ ادَّعَى لُزُومَ التَّكْرَارِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا مَصْرُوفًا أَيْضًا إلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّصَدُّقِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ ادِّعَاءَ لُزُومِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَفْهُومِ أَوْ فِي الصِّدْقِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ حَتَّى يُفِيدَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا يَرْجِعُ إلَى التَّصَدُّقِ، فَإِنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَالشَّرْطُ صَحِيحٌ. أَقُولُ: إذَا وَهَبَ بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَ شَيْئًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَشَرْطُ الْعِوَضِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ يَرْجِعُ إلَى الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَأَقُولُ: التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ خِلَافُ مَا أَرَادَهُ وَاضِعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ وَاضِعَهَا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَوْضِعُهَا الْجَامِعُ الصَّغِيرُ وَلَفْظُهُ فِيهِ: أَوْ يُعَوِّضَهُ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ثُلُثَ الدَّارِ أَوْ رُبُعَهَا أَمْرٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ، فَكَانَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا، إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا الْمُصَنِّفِينَ لَمَّا قَصَدُوا الْإِجْمَالَ غَيَّرُوا عِبَارَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالُوا: أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا، فَلَفْظُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِمْ لَا مِنْ كَلَامِ الْوَاهِبِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ رَدَّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ الْمَوْهُوبِ يَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مَعْلُومٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ قَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَ دَارًا أَوْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَهُ بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْهَا أَوْ دِرْهَمًا وَاحِدًا مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ تَصِحُّ الْهِبَةُ، وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْهِبَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لِانْعِدَامِ الْعِوَضِ. وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ فَسَادُ مَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. أَقُولُ: كَلَامُهُ نَاشِئٌ مِنْ عَدَمِ تَحْقِيقِ الْمَقَامِ وَفَهْمِ الْمُرَادِ، فَإِنَّ مَدَارَ مَا رَآهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَمَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ فِي رَدِّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّعْوِيضِ فِي قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا هُوَ التَّعْوِيضُ بِعِوَضٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ، فَالْمَفْهُومُ مِمَّا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي إنَّمَا هُوَ كَوْنُ شَرْطِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ الْخَارِجِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ صَحِيحًا، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ. وَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَلْ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ هُوَ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْوَاهِبُ أَنْ يُعَوِّضَهُ بَعْضًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ تَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ، وَهَذَا أَيْضًا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ، وَلَكِنَّ كَوْنَ الشَّرْطِ صَحِيحًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ بِمَفْهُومٍ مِمَّا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَا مِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي، فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا مَا تَوَهَّمَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ. نَعَمْ يَرُدُّ عَلَى مَدَارِهِمَا أَنَّهُ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ أَصْلًا فِي أَصْلِ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ آخَرُ فَلْيُتَأَمَّلْ جِدًّا، فَإِنَّ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، وَالتَّدْقِيقَ فِيمَا صَدَرَ عَنْ الْقَوْمِ مِنْ

وَالتَّعْلِيقُ بِالشُّرُوطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا. قَالَ: (وَالْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِلْمُعَمَّرِ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) لِمَا رَوَيْنَا. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمُرَهُ. وَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّمْلِيكُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِمَا رَوَيْنَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَالرُّقْبَى بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَائِزَةٌ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك تَمْلِيكٌ. وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ كَالْعُمْرَى. وَلَهُمَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَرَدَّ الرُّقْبَى» وَلِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى عِنْدَهُمَا إنْ مِتَّ قَبْلَكَ فَهُوَ لَكَ، وَاللَّفْظُ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّهُ يُرَاقِبُ مَوْتَهُ، وَهَذَا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَبَطَلَ. وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ تَكُونُ عَارِيَّةً عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقْوَالِ مِمَّا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ، فَأَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيقُ بِالشُّرُوطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ مَا لَا يُحْلَفُ بِهَا كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ، وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ مِنْهَا اهـ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ: وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ مِنْهَا خَبْطٌ ظَاهِرٌ، إذْ قَدْ مَرَّ آنِفًا أَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ إسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ. فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ فَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ قَيْدِ الْمَحْضَةِ، وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك تَمْلِيكٌ وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ كَالْعُمْرَى) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك هِبَةً وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْخَطَرِ إنْ كَانَ الرُّقْبَى مَأْخُوذًا مِنْ الْمُرَاقَبَةِ، وَإِنْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الْإِرْقَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ رَقَبَةُ دَارِي لَك فَصَارَ كَالْعُمْرَى. انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بَحْثٌ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ دَارِي لَكَ رُقْبَى عِنْدَ كَوْنِ الرُّقْبَى مَأْخُوذًا مِنْ الرَّقَبَةِ رَقَبَةُ دَارِي لَكَ لَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ إذْ لَا فَسَادَ؛ لَأَنْ يُقَالَ رَقَبَةُ دَارِي لَكَ فِي شَيْءٍ كَمَا تَرَى وَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْعُمْرَى كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى عِنْدَهُمَا إنْ مِتَّ قَبْلَكَ فَهُوَ لَك، وَاللَّفْظُ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يُشِيرُ إلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ بِجَوَازِهَا لَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ بَلْ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ الرَّقَبَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقِيلَ عَلَيْهِ إنَّ اشْتِقَاقَ الرُّقْبَى مِنْ الرَّقَبَةِ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِبْدَاعُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا

فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ: (وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ (فَلَا تَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْهِبَةِ (وَلَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ. وَكَذَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ. وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْفَقِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَجْلِ مَا عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ لَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ. إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ يُشِيرُ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ بِجَوَازِهَا لَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ بَلْ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ. وَلَكِنْ لَيْسَ مُرَادُهُ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ الرَّقَبَةِ حَتَّى يَتَّجِهَ عَلَيْهِ أَنَّ اشْتِقَاقَ الرُّقْبَى مِنْ الرَّقَبَةِ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي وَجُمْهُورُ الشُّرَّاحِ بِقَوْلِهِمْ: وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِ الرُّقْبَى مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهَا مِنْ الْمُرَاقَبَةِ. فَحَمَلَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا اللَّفْظَ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ مَعَ انْتِظَارِ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ، فَالتَّمْلِيكُ جَائِزٌ وَانْتِظَارُ الرُّجُوعِ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْعُمْرَى وَقَالَا: الْمُرَاقَبَةُ فِي نَفْسِ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى هَذِهِ الدَّارُ لِآخِرِنَا مَوْتًا كَأَنَّهُ يَقُولُ: أُرَاقِبُ مَوْتَكَ وَتُرَاقِبُ مَوْتِي فَإِنْ مِتَّ قَبْلَك فَهِيَ لَكَ وَإِنْ مِتَّ قَبْلِي فَهِيَ لِي، فَكَانَ هَذَا تَعْلِيقَ التَّمْلِيكِ ابْتِدَاءً بِالْخَطَرِ، وَهُوَ مَوْتُ الْمَالِكِ قَبْلَهُ وَذَا بَاطِلٌ. انْتَهَى قَوْلُهُمْ. فَعَلَى هَذَا لَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِ أَصْلًا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ عَلَيْهِ إنَّ اشْتِقَاقَ الرُّقْبَى مِنْ الرَّقَبَةِ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَعِنْدِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ، إذْ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ فَاسِدٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الشَّرْطِ فَسَادُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا فِي الْعُمْرَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ الشَّرْطُ ثُبُوتَ التَّمْلِيكِ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا إذَا مَنَعَ ذَلِكَ فَلَا مَجَالَ لَأَنْ لَا تَبْطُلَ الْهِبَةُ بِهِ لِضَرُورَةِ امْتِنَاعِ تَحَقُّقِ الْهِبَةِ بِدُونِ تَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَمْنَعُ الرُّقْبَى ثُبُوتُ التَّمْلِيكِ ابْتِدَاءً عَلَى تَفْسِيرِهِمَا إيَّاهَا كَمَا تَحَقَّقْتُهُ آنِفًا وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَصَحَّ الْعُمْرَى لِلْمُعَمَّرِ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَوْ قَالَ دَارِي لَكَ رُقْبَى أَوْ حَبِيسٌ فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ

[فصل في الصدقة]

(وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ يَتَصَدَّقُ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِلْكِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ) وَيُرْوَى أَنَّهُ وَالْأَوَّلَ سَوَاءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ. وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ (وَيُقَالُ لَهُ أَمْسِكْ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِكَ وَعِيَالِكَ إلَى أَنْ تَكْتَسِبَ، فَإِذَا اكْتَسَبَ مَالًا يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْهِبَةِ إذَا كَانَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْحَالِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، ثُمَّ تَفْسِيرُ الْعُمْرَى أَنْ يَقُولَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ لَكَ عُمُرَكَ فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ رَدٌّ عَلَيَّ فَيَصِحُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَمْنَعُ أَصْلَ التَّمْلِيكِ. وَتَفْسِيرُ الْحَبِيسِ أَنْ يَقُولَ: هِيَ حَبِيسٌ عِنْدِي، فَإِنْ مِتَّ فَهِيَ لَكَ. وَتَفْسِيرُ الرُّقْبَى أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الدَّارُ لِآخِرِنَا مَوْتًا، وَهِيَ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرَاقِبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: أُرَاقِبُ مَوْتَكَ وَتُرَاقِبُ مَوْتِي فَإِنْ مِتَّ فَهِيَ لَكَ وَإِنْ مِتَّ فَهِيَ لِي فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْحَالِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ فَاضْمَحَلَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. [فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ] (كِتَابُ الْإِجَارَاتِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْهِبَةُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ، وَقَدَّمَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْأُولَى عَدَمَ الْعِوَضِ، وَالْعَدَمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُجُودِ. ثُمَّ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِفَصْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يَقَعَانِ لَازِمَيْنِ فَلِذَلِكَ أَوْرَدَ كِتَابَ الْإِجَارَاتِ مُتَّصِلًا بِفَصْلِ الصَّدَقَةِ، كَذَا

[كتاب الإجارات]

[كِتَابُ الْإِجَارَاتِ] ِ (الْإِجَارَةُ: عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَإِنَّمَا جَمَعَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ ذَاتُ أَفْرَادٍ. فَإِنَّ لَهَا نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَرِدُ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ، وَالْأَرَاضِيِ، وَالدَّوَابِّ، وَنَوْعٌ يَرِدُ عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْمُحْتَرَفِينَ لِلْأَعْمَالِ نَحْوَ الْقِصَارَةِ، وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ اخْتِلَالٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْأَفْرَادِ فِي قَوْلِهِ ذَاتُ أَفْرَادٍ الْأَشْخَاصَ الْجُزْئِيَّةَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الْأَفْرَادِ لَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةٌ فِي جَمْعِهَا، إذْ لَا يَحْتَمِلُ عِنْدَ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ لِحَقِيقَتِهَا فَرْدٌ وَاحِدٌ شَخْصِيٌّ أَوْ فَرْدَانِ شَخْصِيَّانِ فَقَطْ حَتَّى يَجْمَعَهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهَا ذَاتُ أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ لَهَا نَوْعَيْنِ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَخْفَى. وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَفْرَادِ فِي قَوْلِهِ الْمَزْبُورِ الْأَنْوَاعُ الْكُلِّيَّةُ لَمْ يَتِمَّ بَيَانُهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ لَهَا نَوْعَيْنِ إلَخْ، إذْ بِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ النَّوْعَيْنِ لَهَا لَا يَصِحُّ إيرَادُهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ مِنْ كَوْنِ أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً. وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ السَّخِيفُ جِدًّا مِنْ كَوْنِ أَقَلِّ الْجَمْعِ اثْنَيْنِ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْتَكَبَ وَيُبْنَى عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ عَلَمٌ فِي التَّحْقِيقِ. فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا جَمَعَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ لَهَا أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً: نَوْعٌ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى، وَنَوْعٌ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ كَاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ أَوْ خِيَاطَتِهِ. وَنَوْعٌ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ، وَالْإِشَارَةِ كَاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ لِيَنْقُلَ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ. وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي أُشِيرَ إلَيْهَا فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ، وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ، وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ، وَالْإِشَارَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا عَنْ قَرِيبٍ. (قَوْلُهُ: الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ أَوْ نَحْوُهُ لَكَانَ أَوْلَى لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ النِّكَاحَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ بِخِلَافِ تَعْرِيفِ الْكِتَابِ حَيْثُ يَشْمَلُهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ بِقَرِينَةِ الشُّهْرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَتَفَاوَتْ الْأَمْرُ، فَإِنَّ النِّكَاحَ أَيْضًا تَمْلِيكٌ قَطْعًا لَا اسْتِبَاحَةٌ مَحْضَةٌ، وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بَلْ لَمَا جَازَ، وَقَدْ أَفْصَحُوا عَنْ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ فَسَّرُوا النِّكَاحَ فِي الشَّرْعِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ بَلْ الْمُتُونِ بِأَنَّهُ عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِتَمْلِيكِ الْمُتْعَةِ، وَقَالُوا: الْمُسْتَوْفَى بِالنِّكَاحِ مَمْلُوكٌ لِلْعَاقِدِ بِدَلَالَةِ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ وَبِدَلَالَةِ أَنَّهُ اخْتَصَّ بِهِ انْتِفَاعًا وَحَجْرًا. وَقَالُوا: لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، وَالْإِحْلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِلْكِ الْمُتْعَةِ. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ هَاهُنَا فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ مُنَاقِضٍ لِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ تَمْلِيكٌ، حَتَّى أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ نَفْسَهُ أَيْضًا صَرَّحَ فِي أَوَّلِ النِّكَاحِ بِأَنَّهُ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمُتْعَةِ قَصْدًا وَمُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الِاعْتِيَاضَ لَا يَجُوزُ فِي الْإِبَاحَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَبَاحَ شَيْئًا فَإِنَّمَا يُتْلِفُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِمَّا يُعْتَدُّ بِهِ وَيُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ قَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمَزْبُورِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ قَوْلِهِ النِّكَاحُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ

لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي اللُّغَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ أَنَّهُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَيْنَ كَلَامَيْهِ تَدَافُعًا، فَإِنَّ مَدَارَ الْأَوَّلِ صِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَمُقْتَضَى الثَّانِي عَدَمُ صِحَّتِهِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمَا تَقَرَّرَ فِيمَا سَبَقَ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي دَفْعِ تَنَاوُلِ تَعْرِيفِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ لِلنِّكَاحِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ النِّكَاحِ: وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي، وَالشُّرَّاحُ هُنَاكَ: وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالنِّكَاحِ مَنْفَعَةٌ حَقِيقَةٌ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْعِوَضَ فِي النِّكَاحِ أَجْرًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُشَاكِلٌ لِلْإِجَارَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَمْلُوكَ بِالنِّكَاحِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ إلَّا مُؤَبَّدًا، وَالْإِجَارَةُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا مُؤَقَّتَةً فَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَأَنَّى تَصِحُّ الِاسْتِعَارَةُ؟ . انْتَهَى كَلَامُهُمْ. فَإِذَا كَانَ الْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ بِذَلِكَ جَعْلُ لَفْظِ الْإِجَارَةِ اسْتِعَارَةً لِلنِّكَاحِ لَمْ يَتَنَاوَلْ تَعْرِيفَ الْإِجَارَةِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ، أَوْ بِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ أَوْ بِنَحْوِ ذَلِكَ لِلنِّكَاحِ تَأَمَّلْ تَقِفْ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُبْطِلُهُ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُقَالَ كَذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ التَّعْرِيفِ كَثِيرٌ مِنْ الْإِجَارَاتِ كَمَا يَخْرُجُ النِّكَاحُ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْإِجَارَاتِ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى، وَالْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ كَاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ أَوْ خِيَاطَتِهِ، وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ، وَالْإِشَارَةِ كَاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ؛ لِيَنْقُلَ لَهُ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ، وَتَعْيِينُ الْمُدَّةِ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ تِلْكَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا، فَتَخْرُجُ الْإِجَارَاتُ الْمُنْدَرِجَةُ تَحْتَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ تَعْرِيفِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَيَخْتَلُّ قَطْعًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي اللُّغَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ) قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا أَعْطَيْت مِنْ كِرَاءِ الْأَجِيرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. قُلْتُ: قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ عَنْ قَرِيبٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا فَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ. اهـ. أَقُولُ: النَّظَرُ الْمَزْبُورُ ظَاهِرُ الْوُرُودِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْإِجَارَةَ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ لَا أَمْرٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا الَّذِي هُوَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ الْإِيجَارُ، وَقَدْ كَانَ هَذَا خَطِرَ بِبَالِي حَتَّى كَتَبْتُهُ فِي مُسْوَدَّاتِي مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَرَى مَا كَتَبَهُ غَيْرِي. وَأَمَّا الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ قُلْتُ قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ عَنْ قَرِيبٍ إلَخْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا مِنْهُ كَمَا تَقُولُ كَتَبَ يَكْتُبُ كِتَابَةً بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ جَمْعُ إجَارَةٍ عَلَى فِعَالَةٍ بِالْكَسْرِ اسْمُ لِلْأَجْرِ بِمَعْنَى الْأُجْرَةِ، مِنْ أَجَرَهُ إذَا أَعْطَاهُ أَجْرَهُ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّظَرِ الْمَزْبُورِ. إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّ مَصْدَرَ الثُّلَاثِيِّ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسَ فِيهِ، فَكَوْنُ الْكِتَابَةِ مَصْدَرًا مِنْ كَتَبَ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْإِجَارَةِ أَيْضًا مَصْدَرًا مِنْ أَجَرَ، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ سُمِعَتْ مَصْدَرًا مِنْ كَتَبَ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلَمْ تُسْمَعْ مَصْدَرًا قَطُّ. وَالْكَلَامُ فِيمَا سُمِعَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا فِي الِاحْتِمَالِ الْعَقْلِيِّ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ مَجِيءُ الْإِجَارَةِ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرًا مِنْ أَجَرَهُ إذَا أَعْطَاهُ أَجْرَهُ كَمَجِيءِ الْأَجْرِ مَصْدَرًا مِنْهُ لَمْ يَسْتَقِمْ الْكَلَامُ أَيْضًا، إذْ لَا تَكُونُ

وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ، وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى مَا سَيُوجَدُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَقَدْ شَهِدَتْ بِصِحَّتِهَا الْآثَارُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِجَارَةُ حِينَئِذٍ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ بَيْعَ الْمَنَافِعِ بَلْ تَكُونُ إعْطَاءَ الْأَجْرِ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّ الْإِجَارَةَ فِي اللُّغَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَلَا اسْتِقَامَةَ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ هَاهُنَا: بَيَّنَ الْمَفْهُومَ الشَّرْعِيَّ قَبْلَ اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ اللُّغَوِيَّ هُوَ الشَّرْعِيُّ بِلَا مُخَالَفَةٍ، وَهُوَ فِي بَيَانِ شَرْعِيَّتِهَا فَالشَّرْعِيُّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِي بَيَانِ شَرْعِيَّتِهَا لَوْ تَمَّ لَاقْتَضَى تَقْدِيمَ الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ مُوَافِقًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ، مَعَ أَنَّ دَأَبَ الْمُصَنَّفِينَ عَنْ آخِرِهِمْ جَرَى عَلَى تَقْدِيمِ بَيَانِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ عَلَى بَيَانِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِكَوْنِ اللُّغَوِيِّ هُوَ الْأَصْلَ الْمُتَقَدِّمَ، فَالْوَجْهُ عِنْدِي هَاهُنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَلَكَ مَسْلَكَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْإِجَارَةِ فِي الشَّرْعِ عَقْدًا عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ، وَلَكِنْ طَوَى الصُّغْرَى فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ فِي الشَّرْعِ هُوَ مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ. وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَسْلَكَ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ مَفْهُومِهَا الشَّرْعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُدَّعَى عَلَى الدَّلِيلِ، تَدَبَّرْ فَإِنَّهُ وَجْهٌ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَقَدْ شَهِدَتْ بِصِحَّتِهِ الْآثَارُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: إلَّا أَنَّهَا جُوِّزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ لِحَاجَةِ النَّاسِ فَكَانَ اسْتِحْسَانًا بِالْأَثَرِ. اهـ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ قُصُورٌ، إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهَا جُوِّزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ، وَمِنْ قَوْلِهِ فَكَانَ اسْتِحْسَانًا بِالْأَثَرِ أَنْ يَنْحَصِرَ دَلِيلُ شَرْعِيَّتِهَا فِي الْأَثَرِ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ فَائِدَةٌ فِي ذِكْرِ قَيْدِ الْأَثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنْحَصِرٍ فِي الْأَثَرِ بَلْ الْكِتَابُ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وَكَذَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ الْمُتَأَمِّلِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ) قَالَ الشُّرَّاحُ: فَإِنَّ الْأَمْرَ بِإِعْطَاءِ الْأَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْوَاجِبَ الشَّرْعِيَّ مَأْمُورٌ بِإِعْطَائِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ، فَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ بِإِعْطَائِهِ الْأَجْرَ دَلِيلَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: وَقَعَ الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِإِعْطَاءِ الْأَجْرِ الْمُضَافِ إلَى الْأَجِيرِ حَيْثُ قَالَ «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ» وَذَلِكَ يُفِيدُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْأَجْرِ الْمَأْمُورِ بِإِعْطَائِهِ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى لِلْأَجِيرِ دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ مُطْلَقًا، وَالْأَمْرُ بِإِعْطَاءِ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى لِلْأَجِيرِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ تَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا بُدَّ أَنْ يُتَأَمَّلَ فِي هَذَا

ثُمَّ عَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ. (وَلَا تَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ (وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ، فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقَامِ، فَإِنَّ الِانْعِقَادَ هُوَ ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ، فَإِذَا حَصَلَ الِارْتِبَاطُ بِإِقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ يَتَحَقَّقُ الِانْعِقَادُ، فَأَيُّ مَعْنًى لِلِانْعِقَادِ سَاعَةً فَسَاعَةً بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: جَوَابُ هَذَا الْإِشْكَالِ يَنْكَشِفُ جِدًّا بِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ هُوَ عَمَلُ الْعِلَّةِ وَنَفَاذُهَا فِي الْمَحَلِّ سَاعَةً فَسَاعَةً لَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ كُلَّ سَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ يُوهِمُ ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ تَأَخَّرَ مِنْ زَمَانِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَابِلٌ لِلتَّرَاخِي كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَفَسَّرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: اللَّفْظَانِ الصَّادِرَانِ مِنْهُمَا مُضَافَيْنِ إلَى مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ الدَّارُ صَحَّا كَلَامًا، وَهُوَ عَقْدُ بَيْنِهِمَا، إذْ الْعَقْدُ فِعْلُهُمَا وَلَا فِعْلَ يَصْدُرُ مِنْهُمَا سِوَى تَرْتِيبِ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ، ثُمَّ لِانْعِقَادِ حُكْمِ الشَّرْعِ يَثْبُتُ وَصْفًا لِكَلَامَيْهِمَا شَرْعًا، وَالْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَنْفَكَّ عَنْ مَعْلُولَاتِهَا، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ: الْعَقْدُ وُجِدَ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامَيْهِمَا، وَالِانْعِقَادُ تَرَاخَى إلَى وُجُودِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً، بِخِلَافِ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ. فَإِنَّ الِانْكِسَارَ لَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ عَنْ الْكَسْرِ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْغَايَةِ. فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْمُسْتَشْكِلَ لَمْ يَرَ هَذَا الْكَلَامَ أَوْ لَمْ يَقْنَعْ بِهِ، وَكِلَاهُمَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ إلَخْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ رُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهَا، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ شَهْرًا مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِلَا عُذْرٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ، وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ إلْزَامًا لِلْعَقْدِ فِي الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ انْعِقَادُ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ كُلِّهِ بِمُجَرَّدِ إقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ لَمْ يَظْهَرْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ تَنْعَقِدَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، وَهِيَ سَاعَةُ الْعَقْدِ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ وَارْتِبَاطُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الِانْعِقَادُ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الْإِقَامَةِ بَلْ حَصَلَ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ يُرَدُّ السُّؤَالُ الْمُقَدَّرُ الْمَزْبُورُ عَلَى قَوْلِهِمْ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَلَا يَتِمُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ إلَخْ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ آخَرَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ الْجَوَابَ عَنْ السُّؤَالِ الْمَزْبُورِ، بَلْ مُرَادُهُ بِهِ تَوْجِيهُ صِحَّةِ الْعَقْدِ

وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى أَصْلِ أَئِمَّتِنَا كَمَا فَصَّلَ فِي الْكَافِي وَسَائِرِ الشُّرُوحِ، سِيَّمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: بَيَانُ مَا قُلْنَا هُوَ أَنَّ الْعَقْدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تَصِحُّ بِلَا مَحَلٍّ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: الْمَحَالُّ شُرُوطٌ، وَمَحَلُّ الْعَقْدِ هَاهُنَا هِيَ الْمَنَافِعُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ، وَلَا يَصْلُحُ الْمَعْدُومُ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ فَجُعِلَتْ الدَّارُ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ بِإِقَامَتِهَا مَقَامَ الْمَنَافِعِ الَّتِي سَتُوجَدُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَحَلُّ الْمَنَافِعِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ حَتَّى يَرْتَبِطَ الْكَلَامَانِ وَهُمَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونَانِ عِلَّةً صَالِحَةً فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ وَهُوَ مِلْكُ الْمَنَافِعِ الَّتِي سَتُوجَدُ. انْتَهَى فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ) أَيْ كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ مَثَلًا، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً صَلُحَ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةً كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ الْأَمْوَالَ ثَلَاثَةٌ: ثَمَنٌ مَحْضٌ كَالدَّرَاهِمِ وَمَبِيعٌ مَحْضٌ كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَالْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْعَيْنُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ لَمْ تَصْلُحْ الْعَيْنُ ثَمَنًا كَانَتْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْمِثَالِ لَيْسَ مِنْ دَأَبِ الْمُنَاظِرَيْنِ، فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ صَحِيحًا جَازَ أَنْ يُمَثَّلَ بِمِثَالٍ آخَرَ فَلْيُمَثَّلْ بِالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ أُجْرَةً إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنَافِعِ. كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ سُكْنَى دَارٍ بِرَكُوبِ دَابَّةٍ وَلَا تَصْلُحُ ثَمَنًا أَصْلًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا النَّظَرُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا النَّظَرُ فَلِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالثَّمَنِ هَاهُنَا مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَعَنْ هَذَا تَرَى صَاحِبَ الْكَافِي وَكَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ يَقُولُونَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ: لِأَنَّ الْأُجْرَةَ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَيَعْتَمِدُ وُجُودَ الْمَالِ. وَأَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَلَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَفْسُهُ أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الثَّمَنَ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ، وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ لَأَنْ تَكُونَ ثَمَنًا بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَا فِي عَدَمِ بُطْلَانِ أَنْ تَكُونَ الْمُقَايَضَةُ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ بِهَذَا الْمَعْنَى، أَلَا يُرَى أَنَّ الشَّارِحَ الْمَذْكُورَ نَفْسَهُ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ: وَأَنْوَاعُ الْبَيْعِ أَرْبَعَةٌ: بَيْعُ السِّلْعَةِ بِمِثْلِهَا وَيُسَمَّى مُقَايَضَةً، وَبَيْعُهَا بِالدَّيْنِ أَعْنِي الثَّمَنَ، وَبَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ كَبَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَيُسَمَّى الصَّرْفَ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ، وَيُسَمَّى سَلَمًا انْتَهَى. حَيْثُ جَعَلَ الدَّيْنَ مُقَابِلًا لِلْعَيْنِ، وَفَسَّرَ الدَّيْنَ بِالثَّمَنِ، وَجَعَلَ أَحَدَ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُقَايَضَةِ مَا لَا ثَمَنَ فِيهِ أَصْلًا. نَعَمْ لِلثَّمَنِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ مَا يَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْمَبِيعِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى يَعُمُّ الدَّيْنَ، وَالْعَيْنَ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ بِدُونِهِ، وَيَبْطُلُ كَوْنُ الْمُقَايَضَةِ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ بِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِالثَّمَنِ فِي قَوْلِهِ وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ، فَلَا يُرَدُّ النَّظَرُ الْمَزْبُورُ عَلَيْهِ جِدًّا. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّهُ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ إذْ فِيهِ اعْتِرَافٌ بِبُطْلَانِ الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَاشَا لَهُ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالثَّمَنِ فِي قَوْلِهِ وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا هُوَ مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَأَنَّ تَمْثِيلَهُ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا بِقَوْلِهِ كَالْأَعْيَانِ صَحِيحٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْمُرَادِ،

فَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَنْفِي صَلَاحِيَّةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ (وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ، لِلسُّكْنَى وَالْأَرْضِينَ لِلزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَتَفَاوَتُ. وَقَوْلُهُ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَلِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا عَسَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ الثَّمَنَ الْوَاقِعَ فِي لَفْظِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَعُمُّ الدَّيْنَ، وَالْعَيْنَ، وَهُوَ الْعِوَضُ الْمُقَابِلُ لِلْمَبِيعِ كَمَا حَمَلَ الزَّيْلَعِيُّ الثَّمَنَ الْوَاقِعَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْكَنْزِ، وَمَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ، مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ يَتَحَمَّلُ التَّعْمِيمَ لِصُورَتَيْ الدَّيْنِ، وَالْعَيْنِ كَمَا تَرَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَعْنَى مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَكَانَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ غَيْرَ مُوَفٍّ حَقَّ الْمَقَامِ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِ الثَّمَنِ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ الْعَامِّ لِلْعَيْنِ أَيْضًا فَإِنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ لِلْعَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ أَصْلًا وَتَصْلُحُ أُجْرَةً فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنَافِعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. حَمَلَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الثَّمَنِ الْوَاقِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ وَقَالَ: تَتْمِيمًا لِهَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْحَدِّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَكُونُ أَثْمَانًا وَتَكُونُ أُجْرَةً، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ. وَلَكِنَّ الْإِنْصَافَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَانَتْ حَقِيقًا بِأَنْ تُذْكَرَ فِي تَمْثِيلِ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا وَيَصْلُحُ أُجْرَةً، فَإِنَّ كَوْنَ الْمَنْفَعَةِ مِمَّا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَخْفَى مِنْ كَوْنِ الْأَعْيَانِ مِنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ، بِخِلَافِ كَوْنِ الْأَعْيَانِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهَا بِحَمْلِ الثَّمَنِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ لِلْعَيْنِ أَيْضًا كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى تَأْوِيلِ الْأَجْرِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَيُعْتَمَدُ وُجُودُ الْمَالِ، وَالْأَعْيَانَ مَالٌ فَتَصِحُّ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةً، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَمَا شَرَحَ الْمَحَلَّ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الثَّمَنُ عِوَضٌ مَالِيٌّ إلَخْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الثَّمَنَ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ كَالنُّقُودِ، وَالْمُقَدَّرَاتِ الْمَوْصُوفَةِ الَّتِي تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ:

إلَّا أَنَّ فِي الْأَوْقَافِ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ هُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ: (وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِنَفْسِهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً؛ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ وَلَوْنَ الصَّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولَ وَجِنْسَهُ وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَيْضًا مَشْرُوطَةً بِكَوْنِهَا ثَمَنَ الْمَنْفَعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمَشْرُوطَ بِذَلِكَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ لَا ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ. قُلْنَا: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ مُخَالِفًا لِثَمَنِ الْمَبِيعِ فِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا بِشَيْءٍ دُونَ الْآخَرِ، فَهَلْ يَتِمُّ الْقِيَاسُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَيَلْزَمُ خُلُوُّ الْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ فِيمَا إذَا بِيعَ الدَّارُ بِالدَّارِ، إذْ لَا يَجِبُ الْعَقَارُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. أَقُولُ: إنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ مُجَرَّدَ إلْزَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ فِي نَظَرِهِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَصْلُحْ الْعَيْنُ ثَمَنًا كَانَتْ الْمُقَايَضَةُ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهِ إيرَادَ إشْكَالٍ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ اللَّازِمُ مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ خُلُوُّ الْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ بِمَعْنَى مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فِيمَا إذَا بِيعَ الدَّارُ بِالدَّارِ لَا خُلُوُّهُ عَنْ الثَّمَنِ بِمَعْنَى الْعِوَضِ الْمُقَابِلِ لِلْمَبِيعِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، وَالْمَحْذُورُ خُلُوُّهُ عَنْ الثَّمَنِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي دُونَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (قَوْلُهُ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِنَفْسِهِ) أَيْ بِنَفْسِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، كَذَا ذَكَرَ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً وَلَمْ يَنْقُلْ عَامَّتُهُمْ نُسْخَةً أُخْرَى. وَأَمَّا صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ. أَقُولُ: لَعَلَّ الصَّوَابَ هَذِهِ النُّسْخَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِي هَذَا النَّوْعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَطْ، بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِتَسْمِيَةِ أُمُورٍ كَبَيَانِ الثَّوْبِ وَأَلْوَانِ الصَّبْغِ وَقَدْرِهِ فِي اسْتِئْجَارِ رَجُلٍ عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ وَبَيَانِ الثَّوْبِ وَجِنْسِ الْخِيَاطَةِ فِي اسْتِئْجَارِ رَجُلٍ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبَيَانِ الْقَدْرِ الْمَحْمُولِ وَجِنْسِهِ، وَالْمَسَافَةِ فِي اسْتِئْجَارِ رَجُلٍ دَابَّةً لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ عَلَى مَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ وَأَلْوَانَ الصَّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ، وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولِ وَجِنْسَهُ، وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَصَحَّ الْعَقْدُ، فَكَمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِي النَّوْعِ السَّابِقِ، وَالنَّوْعِ اللَّاحِقِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَطْ بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِي النَّوْعِ السَّابِقِ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَفِي النَّوْعِ اللَّاحِقِ بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ، كَذَلِكَ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِي هَذَا النَّوْعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَطْ، بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِيهِ بِتَسْمِيَةِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ الْبَيَانِ كَمَا أُشِيرَ إلَى بَعْضِهَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَمْ يَكُنْ لِنِسْبَةِ صَيْرُورَةِ الْمَنَافِعِ مَعْلُومَةً فِي هَذَا النَّوْعِ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ. وَعَنْ هَذَا لَا تَرَى عِبَارَةَ بِنَفْسِهِ مَذْكُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ سِوَى نُسْخَةِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ مَوْضِعٌ بِنَفْسِهِ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ، وَالْمُخْتَارِ، أَوْ بِذِكْرِ الْعَمَلِ كَمَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَبَعْضِ الْمُتُونِ. (قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا يُقَالُ الْإِجَارَةُ

[باب الأجر متى يستحق]

وَرُبَّمَا يُقَالُ: الْإِجَارَةُ قَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا وَذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ. قَالَ: (وَتَارَةً تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا، لِيَنْقُلَ لَهُ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَاهُ مَا يَنْقُلُهُ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي يَحْمِلُ إلَيْهِ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ. بَابُ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْعَمَلِ، إلَى قَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّقْسِيمِ نَوْعُ إشْكَالٍ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَقْسِيمُهَا إلَى الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ وَإِلَى الْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تُحْمَلَ عِبَارَةُ التَّقْسِيمِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْإِجَارَةَ قَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَمَلِ، وَقَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَعْيَانِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُنْفَهِمٍ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ أَقُولُ: كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُؤَخِّرَ بَيَانَ هَذَا التَّقْسِيمِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ عَنْ ذِكْرِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ، وَقَدْ وَسَّطَهُ فِي الْبَيَانِ كَمَا تَرَى، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لِسَمَاجَةِ هَذَا التَّحْرِيرِ حَيْثُ أَخَّرَ بَيَانَ هَذَا التَّقْسِيمِ الْمَثْنَى عَنْ تَمَامِ ذِكْرِ أَقْسَامِ ذَلِكَ التَّقْسِيمِ الْمُثَلَّثِ. وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَحْدِ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ أَجِيرِ الْوَحْدِ أَيْضًا عَقْدٌ عَلَى الْعَمَلِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ وَلِهَذَا جَعَلَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ أَحَدَ نَوْعَيْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَعْمَالِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، فَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْمَنْفَعَةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا كَانَ أَوْلَى. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ أَجِيرِ الْوَحْدِ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ عَلَى الْعَمَلِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ أَجِيرُ الْوَحْدِ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَتْ عَقْدًا عَلَى الْعَمَلِ لَمَا اسْتَحَقَّهَا بِدُونِ الْعَمَلِ بَلْ إنَّمَا هِيَ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا وَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِ مَنَافِعِهِ لِغَيْرِهِ، وَتَعْيِينُ الْعَمَلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَرَعْيِ الْغَنَمِ وَنَحْوِهِ؛ لِصَرْفِ لْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، وَسَيَظْهَرُ هَذَا كُلُّهُ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ. وَجَعَلَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ ذَلِكَ أَحَدَ نَوْعَيْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَلَوْ مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ مَا يَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِاسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَنَحْوِهَا دُونَ أَجِيرِ الْوَحْدِ لَفَاتَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ إجَارَةَ أَجِيرِ الْوَحْدِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ مَقْصُودٌ لِخَفَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْبَعْضِ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ] (بَابُ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً احْتَاجَ إلَى بَيَانِ وَقْتِ وُجُوبِهَا فَذَكَرَهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْبَابِ. اهـ كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا التَّوْجِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ رَكَاكَةُ هَذَا التَّوْجِيهِ وَسَخَافَتُهُ، إذْ لَا يَسْتَدْعِي ذِكْرُ مُجَرَّدِ أَنَّ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى كَوْنِ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً بَيَانَ وُجُوبِهَا فَضْلًا عَنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى بَيَانِ وَقْتِ وُجُوبِهَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَعْلُومِيَّةَ الْبَدَلَيْنِ شَرْطٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعُقُودِ؛ وَلَمْ يَحْتَجْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَى بَيَانِ وَقْتِ الْوُجُوبِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَمَّا كَانَتْ الْإِجَارَةُ تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي تَخَلُّفِ

قَالَ: (الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ، أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ بِلَا خِيَارِ شَرْطٍ وَجَبَ إفْرَادُهَا بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّمَلُّكِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ تَخَلُّفَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا كَالْهِبَةِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ هُنَاكَ أَيْضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ، وَكَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ أَيْضًا يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فَلَا يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي تَخَلُّفِ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ بِلَا خِيَارِ شَرْطٍ. ثُمَّ أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ، وَكَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ حَسُنَ إفْرَادُ بَابٍ لِبَيَانِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَرَادَ وُجُوبَ الْأَدَاءِ، أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَيَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: الْمُرَادُ نَفْسُ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا. أَمَّا إجْمَالًا فَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَوْ كَانَتْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ وُجُودِ أَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ لَا يُعْتَقُ، فَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْوُجُوبِ ثَابِتًا لَصَحَّ إعْتَاقُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَأَمَّا تَفْصِيلًا فَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي جَانِبِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا نَفْسُ الْوُجُوبِ، وَلَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ، فَكَذَا فِي جَانِبِ الْعِوَضِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ: أَيْ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، كَذَا وَجَدْتُ بِخَطِّ شَيْخِي. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ إيفَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعْجِيلُ فِي الْأُجْرَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ، وَفِي كِتَابِ التَّحَرِّي. وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ عَيْنًا لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ وَكِتَابِ التَّحَرِّي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ، وَالتَّحَرِّي قَوْلًا آخِرًا، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: تَأْيِيدُ مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ كَوْنُ مَعْنَى عِبَارَةِ الْكِتَابِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَبْلَ أَنْ قَالَ: وَلَا يَجِبُ إيفَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعْجِيلُ فِي الْأُجْرَةِ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا كَمَا لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَمَّ، بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ قَالَ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ فِي الْعَقْدِ، فَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الْأُجْرَةُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَدَمُ تَمَلُّكِهَا بِمُجَرَّدِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْبَيْعِ بِلَا

أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ. وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ قَضِيَّتِهَا الْمُسَاوَاةُ، فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ التَّرَاخِي ـــــــــــــــــــــــــــــQخِيَارٍ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ وَأَدَاؤُهُ فِي الْحَالِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فِي الْبِيَاعَاتِ الْمُؤَجَّلَةِ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِذَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يَفْدِ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتِمَّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ التَّمَلُّكِ كَالْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ لَا تُمْلَكُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ وَمَا لَا يُمْلَكُ لَمْ يَجِبْ إيفَاؤُهُ. وَقَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَفْيُ الْوُجُوبِ نَفْيَ التَّمَلُّكِ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ، وَذِكْرُ الْأَعَمِّ وَإِرَادَةُ الْأَخَصِّ لَيْسَ بِمَجَازٍ شَائِعٍ؛ لِعَدَمِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ أَصْلًا. قُلْتُ: أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَنَفَى الْوُجُوبَ فِيهَا وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ التَّمَلُّكِ لَا مَحَالَةَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ ذِكْرَ الْأَعَمِّ وَإِرَادَةَ الْأَخَصِّ إنَّمَا لَيْسَ بِمَجَازٍ شَائِعٍ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ قَرِينَةٌ مُخَصِّصَةٌ، وَأَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ الْقَرِينَةُ فَذَلِكَ مَجَازٌ شَائِعٌ وُقُوعُهُ فِي كَلِمَاتِ الْقَوْمِ حَتَّى تَعْرِيفَاتِهِمْ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا التَّحَرُّزُ عَمَّا يُورِثُ خَفَاءَ الْمُرَادِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَدْ تَحَقَّقَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَةِ الْأَخَصِّ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ: يَدُلُّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْخِلَافِ مُتَّحِدًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَنَفَى الْوُجُوبَ فِيهَا أَنَّهُ قَصَدَ نَفْيَ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ بِدُونِ أَنْ يَجْعَلَهُ مَجَازًا عَنْ نَفْيِ التَّمَلُّكِ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ لَا تُمْلَكُ وَإِنَّمَا مَوْرِدُ السُّؤَالِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ نَفْيَ الْوُجُوبِ مَجَازًا عَنْ نَفْيِ التَّمَلُّكِ لِعَلَاقَةِ الِاسْتِلْزَامِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا مِمَّا يُمْلَكُ، وَإِذَا كَانَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْهَا هُوَ الدَّيْنُ دُونَ الْعَيْنِ فَنَفْيُ التَّمَلُّكِ بِالْعَقْدِ يَنْتَظِمُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأُجْرَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْهَا وَهُوَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يُقَالَ: أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ التَّمَلُّكِ لَا مَحَالَةَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْعَيْنَ مِمَّا لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ قَطْعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنَّ فِي صُورَةِ التَّعْجِيلِ يُوجَدُ الْمِلْكُ بِلَا وُجُوبٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ

فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ. وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْأَجْرِ لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ. وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ عَجَّلَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ تُثْبِتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ مَوْجُودَةً ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ؛ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ مَوْجُودَةً كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهُوَ حَرَامٌ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَجَبَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً مَانِعٌ عَنْهُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْإِيرَادُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ إذَا جُعِلَتْ مَوْجُودَةً فِي حُكْمِ الشَّرْعِ يَجِبُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَبْقَى لِانْتِفَاءِ الْوُجُودِ حَقِيقَةُ صَلَاحِيَّةٍ لِلْمَنْعِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا يَجْعَلُهَا مَوْجُودَةً؛ لِأَجْلِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ، فَلَوْ كَانَ انْتِفَاءُ وُجُودِهَا حَقِيقَةً مَانِعًا عَنْهُ لَزِمَ أَنْ يَلْغُوَ جَعْلُ الشَّرْعِ إيَّاهَا مَوْجُودَةً وَهَذَا خُلْفٌ. وَعَنْ هَذَا قَالُوا: وَلِلشَّارِعِ وِلَايَةُ جَعْلِ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا كَمَا جَعَلَ النُّطْفَةَ فِي الرَّحِمِ وَلَا حَيَاةَ فِيهَا كَالْحَيِّ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. نَعَمْ يَرِدُ عَلَى اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ كَلَامٌ آخَرُ مِنْ قِبَلِ أَئِمَّتِنَا كَمَا أُشِيرُ إلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهُوَ أَنَّ جَعْلَ الْمَعْدُومِ مَوْجُودًا فِي الشَّرْعِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لِإِمْكَانِ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِطَرِيقٍ آخَرَ أَوْضَحَ وَأَوْسَعَ مِنْهُ وَهُوَ إقَامَةُ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَالدَّارِ مَثَلًا مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ. ثُمَّ انْعِقَادُ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَإِقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ أَصْلٌ شَائِعٌ فِي الشَّرْعِ. كَإِقَامَةِ السَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ، وَإِقَامَةِ الْبُلُوغِ مَقَامَ كَمَالِ الْعَقْلِ وَهَلُمَّ جَرَّا مِنْ النَّظَائِرِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَهَا فَلَا يَتَعَدَّى مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ إلَى إفَادَةِ الْمِلْكِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ إذَا ثَبَتَ يَسْتَتْبِعُ لَوَازِمَهُ، وَإِفَادَةُ الْمِلْكِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ. انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنَّ إفَادَةَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَتَرَاخَى إلَى وَقْتِ سُقُوطِ الْخِيَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ إفَادَةَ الْمِلْكِ وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ مُدَّعَى الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ مُدَّعَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ تُمْلَكُ فِي الْحَالِ. وَالْجَوَابُ الْمَزْبُورُ إنَّمَا هُوَ لِتَصْحِيحِ مُدَّعَاهُ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَسْفُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ إفَادَةَ الْمِلْكِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ حَقِيقَةً فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ، وَلَوْ حُكْمًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ انْتَهَى. أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ فِي كُلٍّ مِنْ شِقَّيْ تَرْدِيدِهِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ سَلَّمَ كَوْنَ إفَادَةِ الْمِلْكِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّ إفَادَةَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ مُدَّعَى الشَّافِعِيِّ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ حَقِيقَةً؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَبِيعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوُجُودَ الْحُكْمِيَّ لَا يَكَادُ أَنْ يُخَالِفَ الْوُجُودَ الْحَقِيقِيَّ فِي اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةٌ فِي جَعْلِ الشَّرْعِ الْوُجُودَ الِاعْتِبَارِيَّ فِي حُكْمِ الْوُجُودِ الْحَقِيقِيِّ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَوَّلًا كَوْنَ إفَادَةِ الْمِلْكِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ حَقِيقَةً لَزِمَهُ تَسْلِيمُ كَوْنِهَا مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ حُكْمًا أَيْضًا، فَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ فِي التَّرْدِيدِ وَفِي الْمَنْعِ، وَالتَّسْلِيمِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ عَجَّلَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ تَثْبُتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَهُ مَطَالِبٌ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ إجَارَةً أَوْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَلَيْسَ جَوَازُ اشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ بِاعْتِبَارِهِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ تَعْجِيلَ الْبَدَلِ وَاشْتِرَاطَهُ لَا يُخَالِفُهُ مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ حَيْثِيَّةَ كَوْنِهِ إجَارَةً هِيَ حَيْثِيَّةُ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مَخْصُوصَةً، فَمَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مِنْ إحْدَى هَاتَيْنِ الْحَيْثِيَّتَيْنِ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْأُخْرَى فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ وَهَلَّا يَسْتَلْزِمُ تَسْلِيمُ الْأَوَّلِ تَسْلِيمَ الثَّانِي وَمَنْعُ الثَّانِي مَنْعَ الْأَوَّلِ. فَإِنْ قِيلَ: مُرَادُهُ بِحَيْثِيَّةِ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً حَيْثِيَّةُ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِيَّتِهِ فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْحَيْثِيَّتَيْنِ. قُلْنَا: فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِيَّةِ كَوْنِهِ إجَارَةً. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ لَا يَخْطِرُ بِبَالِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ اشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ، عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ صَرَّحَا بِأَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا التَّعْجِيلَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إجَارَةٌ لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ قَطْعًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ تَعْجِيلَ الْبَدَلِ وَاشْتِرَاطَهُ لَا يُخَالِفُهُ مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةِ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّ مِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةَ، وَبِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَفُوتُ الْمُسَاوَاةُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَالْأَوْلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجَوَابِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ فِي الْإِجَارَةِ لَا يُخَالِفُهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَإِنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ كَالْبَيْعِ، إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِمَانِعٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الْمُسَاوَاةِ وَهُوَ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالتَّعْجِيلِ زَالَ الْمَانِعُ فَصَحَّ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ دَلِيلُنَا بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأُجْرَةِ، وَالِارْتِهَانَ عَنْهَا، وَالْكَفَالَةَ بِهَا صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْلَا الْمِلْكُ لَمَا صَحَّتْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَمْنُوعَةٌ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ فِي جَانِبِ الْأُجْرَةِ، إذْ اللَّفْظُ صَالِحٌ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ، وَعَدَمُ الِانْعِقَادِ فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ لِضَرُورَةِ الْعَدَمِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْأُجْرَةِ فَظَهَرَ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّهِ، وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ لِوُجُودِهِ بَعْدَ السَّبَبِ، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ كَالْكَفَالَةِ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَصِحَّةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَاسْتِيفَاءُ الْأَجْرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ صَحِيحٌ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ اشْتِرَاطِهِ، فَكَذَا الرَّهْنُ بِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا كُلُّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ النِّهَايَةِ، إلَّا أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لِتَجْوِيزِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأُجْرَةِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا تَحَقَّقَتْ ضَرُورَةٌ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ كَوْنُ الْمَنَافِعِ مَعْدُومَةً كَذَلِكَ تَحَقَّقَتْ ضَرُورَةٌ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ فِي جَانِبِ الْأُجْرَةِ أَيْضًا، وَهِيَ اقْتِضَاءُ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةَ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ قَضِيَّتِهَا الْمُسَاوَاةُ، فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ التَّرَاخِي فِي الْبَدَلِ الْآخِرِ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْأُجْرَةِ فَظَهَرَ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّهِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ لَا يَتَمَشَّى أَصْلًا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَنْفَعَةً أَيْضًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَدَلَيْنِ مَعْدُومٌ هُنَاكَ قَطْعًا فَلَا فَرْقَ فِي الْجَانِبَيْنِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فَظَهَرَ الِانْعِقَادُ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: إنْ أَرَادَ الِانْعِقَادَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَلَيْسَ بِمُنْعَقِدٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِإِجْمَاعِ عُلَمَائِنَا، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَلْيُبَيِّنْ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ أَبْرَأْتَنِي إقْرَارٌ بِالْمَالِ الْمُدَّعَى، فَلْيُتَأَمَّلْ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: قَدْ أَخَذَ أَصْلَ إيرَادِهِ مِنْ الْبَدَائِعِ وَإِنَّهُ سَاقِطٌ. أَمَّا بَيَانُ أَخْذِهِ مِنْ الْبَدَائِعِ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ ذَكَرَ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي جَوَازِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأُجْرَةِ وَجْهَيْنِ. وَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي بِمَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَبُولِ، فَإِذَا قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ فَقَدْ قَصَدَا صِحَّةَ تَصَرُّفِهِمَا وَلَا صِحَّةَ إلَّا بِالْمِلْكِ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِمُقْتَضَى التَّصَرُّفِ تَصْحِيحًا لَهُ كَمَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَعْتَقْتُ؛ وَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزٌ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَسَبَبُ الْوُجُوبِ هَاهُنَا مَوْجُودٌ وَهُوَ الْعَقْدُ الْمُنْعَقِدُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْنِي بِالِانْعِقَادِ الِانْعِقَادَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَهُوَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ كَانَ يَعْنِي بِهِ شَيْئًا آخَرَ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ سَاقِطٌ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالِانْعِقَادِ الِانْعِقَادَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: وَمَعْنَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى مَذْهَبِنَا انْعِقَادُ الْعَقْدِ فِيمَا بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الدَّرَجَةُ الْأُولَى، وَانْعِقَادُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ. وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَنْعَقِدُ فِيمَا بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَا يُفِيدُ الْحُكْمَ فِي الْحَالِ، ثُمَّ فَسَّرَ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَانْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَمَنْ يَطْلُبُ ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْ مَحَلَّهُ وَهُوَ أَوَاخِرُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ إجَارَاتِ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْمُورِدُ فِي عِلَاوَتِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُخَالَفَةِ لِمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَلَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا، إذْ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ أَصْلًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ قَيْدَ الْمُنْعَقِدِ عِنْدَ تَقْرِيرِ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ هَاهُنَا مَوْجُودٌ وَهُوَ الْعَقْدُ الْمُنْعَقِدُ بِأَنْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْعَقْدُ لَمَا تَمَشَّى الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِتَرْدِيدِ الْمُرَادِ بِالِانْعِقَادِ أَصْلًا، وَكَفَى فِي إثْبَاتِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ لِحَدِيثِ الِانْعِقَادِ فِي جَانِبِ الْأُجْرَةِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ اكْتَفَيَا بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ الْإِبْرَاءَ وَقَعَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْعَقْدُ فَصَحَّ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ، كَمَا اكْتَفَى بِهِ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ

(وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَأَقَمْنَا تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ مَقَامَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِي جَانِبِ الْأُجْرَةِ أَيْضًا، وَكَفَى فِي إثْبَاتِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفْسَهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ الصَّادِرَانِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُضَافَيْنِ إلَى مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ الدَّارُ مَثَلًا مَرْبُوطًا أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَافٍ فِي السَّبَبِيَّةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ انْعِقَادِهِ فِي مَرْتَبَةِ السَّبَبِيَّةِ، فَإِنَّ الِانْعِقَادَ حُكْمُ الشَّرْعِ يَثْبُتُ وَصْفًا لَهُ شَرْعًا، وَالْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فِي جَوَازِ انْفِكَاكِهَا عَنْ مَعْلُولَاتِهَا، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ: الْعَقْدُ وُجِدَ، وَالِانْعِقَادُ تَرَاخَى إلَى وُجُودِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَهَذَا هُوَ رَأْيُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا إنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَنَقَلْنَاهُ عَنْهُ هُنَاكَ. نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعَقْدُ انْعِقَادًا قَبْلَ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ بِمَعْنَى الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَنَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، لَكِنَّ الْأَسْلَمَ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ هَاهُنَا هُوَ الطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى تَأَمَّلْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ. أَحَدُهَا: التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِأَنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ سَلَّمَ الدَّارَ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِهِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً، فَإِنَّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ. وَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ تَمَكُّنِ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ حَتَّى إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا إلَى الْكُوفَةِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَاقَهَا مَعَهُ إلَى الْكُوفَةِ وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَجَبَ الْأَجْرُ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَذَهَبَ إلَيْهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ بِالدَّابَّةِ

إذْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَثْبُتُ بِهِ. قَالَ: (فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ إنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا فَاتَ التَّمَكُّنُ فَاتَ التَّسْلِيمُ، وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فَسَقَطَ الْأَجْرُ، وَإِنْ وَجَدَ الْغَصْبَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْأَجْرُ بِقَدْرِهِ. إذْ الِانْفِسَاخُ فِي بَعْضِهَا. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ (وَكَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرَاضِيِ) لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَرْكَبْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ، وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَكَّنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اعْتِبَارَ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ بِتَحْرِيرٍ آخَرَ: فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ أَكْثَرِ هَذِهِ الْقُيُودِ فَمَا وَجْهُهُ؟ قُلْتُ: وَجْهُهُ الِاقْتِصَارُ لِلِاخْتِصَارِ اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ وَالْعُرْفِ، فَإِنَّ حَالَ الْمُسْلِمِ دَالَّةٌ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الِانْتِفَاعِ، وَعَلَى أَنَّ الْعَاقِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ فَارِغًا عَمَّا يَمْنَعُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْعُرْفُ فَاشٍ فِي تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ وَمَكَانِهِ فَكَانَ مَعْلُومًا عَادَةً، وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَاقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَيْهِمَا. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي آخَرِ جَوَابِهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ إنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى أَنَّ الْعَاقِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ فَارِغًا حَتَّى صَارَ الْمَعْنَى فَإِنَّ حَالَ الْمُسْلِمِ دَالَّةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ، مَعَ رَكَاكَةِ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِأَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْعُرْفُ فَاشٍ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ، وَالْعُرْفِ حَتَّى صَارَ الْمَعْنَى اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ وَالْعُرْفِ، وَعَلَى دَلَالَةِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ عَنْ الِانْتِفَاعِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ قَوْلُهُ: فَاقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَيْهِمَا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْهِمَا رَاجِعٌ إلَى الْحَالِ وَالْعُرْفِ، وَعَلَى الْمَعْنَى الْمَزْبُورِ لَا تَصِيرُ عِلَّةُ الِاقْتِصَارِ لِلِاخْتِصَارِ هِيَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَالِ، وَالْعُرْفِ فَقَطْ بَلْ تَصِيرُ عِلَّةُ ذَلِكَ هِيَ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْحَالِ وَالْعُرْفِ، وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ الِانْتِفَاعَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَصْبَ مِمَّا يَمْنَعَانِ

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ) ؛ لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا، كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ سَاعَةً فَسَاعَةً لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ تُفْضِي إلَى أَنْ لَا يَتَفَرَّغَ لِغَيْرِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الِانْتِفَاعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ أَيْضًا مِنْ الْقُيُودِ الْمُقْتَصَرِ عَنْ ذِكْرِهَا مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ صُورَةَ الْغَصْبِ صَرَاحَةً كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ، وَمَا هُوَ جُمْلَةٌ فِي الْمُدَّةِ لَا تَكُونُ مُسْلَمَةً فِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْأَعْوَاضِ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى أَجْزَاءِ الزَّمَانِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ جُمْلَةِ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ جَمِيعَهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الثَّمَنِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلَ، كَالْخِيَاطَةِ فَإِنَّ الْخَيَّاطَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ جَمِيعَهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الثَّمَنِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ إذَا بِيعَ سِلْعَةٌ بِثَمَنٍ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ الثَّمَنَ أَوَّلًا، وَإِذَا بِيعَ سِلْعَةٌ بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنٌ بِثَمَنٍ قِيلَ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا، فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الثَّمَنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ مَعًا، وَأَمَّا أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ قَبْضَ الثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَمِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَالصَّوَابُ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ كَمَا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَزَّعُ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ بَلْ لَهُ حَقُّ

فَقَدَّرْنَا بِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَ بِأَجْرِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْأَجْرَ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَازِمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَبْسِ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لِمَا بَيَّنَّا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا وَقَعَ مُخَالِفًا لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَالذَّخِيرَةِ، وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ لَهُ فِي بَيْتِهِ. وَقَالُوا: لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا يَخِيطُ لَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ قَمِيصًا وَخَاطَ بَعْضَهُ فَسُرِقَ الثَّوْبُ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا خَاطَ، فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْعَمَلِ يَصِيرُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى حُصُولِ كَمَالِ الْمَقْصُودِ. وَذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي الْإِجَارَةِ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَى الْعَمَلِ وَيَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ كُلِّهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِلْخَيَّاطِ، وَالصَّبَّاغِ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الْمَالِ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْجَمَّالِ عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ يَجِبُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ إيفَاءُ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ كَمَا فِي الْجَمَّالِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا؛ لِيَخِيطَ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ كُلَّمَا عَمِلَ عَمَلًا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِقَدْرِهِ، وَهَكَذَا أَيْضًا فِي غَيْرِهَا. وَلَكِنْ نَقَلَ فِي التَّجْرِيدِ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ ذُكِرَ فِيهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ التَّجْرِيدِ أَبَا الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيَّ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَأَقُولُ كَلَامُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الْأُجْرَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ. وَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا عَيَّنَا لِكُلِّ جُزْءٍ حِصَّةً مَعْلُومَةً، إذْ لَيْسَ لِلْكُمِّ مَثَلًا أَوْ لِلْبَدَنِ أَوْ لِلدَّوَامِلِ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ كُلِّ الثَّوْبِ عَادَةً فَلَمْ تَكُنْ الْحِصَّةُ مَعْلُومَةً إلَّا بِتَعْيِينِهِمَا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَيَسْتَوْجِبُ أُجْرَةً كَمَا فِي كُلِّ الثَّوْبِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُعْتَمَدُ الْمُصَنِّفِ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِشَيْءٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الْأُجْرَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ إنَّمَا يَكُونُ إذَا عَيَّنَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكُلِّ جُزْءٍ حِصَّةً مَعْلُومَةً، بَلْ يَكُونُ أَيْضًا إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْكُلِّ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بِدُونِ تَعْيِينِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ حِصَّةً مَعْلُومَةً، بَلْ هُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ كَمَا سَيَتَّضِحُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ إذْ لَيْسَ لِلْكُمِّ أَوْ لِلْبَدَنِ أَوْ لِلدَّوَامِلِ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ كُلِّ الثَّوْبِ عَادَةً فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا. نَعَمْ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ حِصَّةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي الْعَقْدِ عَادَةً، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهَا مَعْلُومَةً بِتَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْكُلِّ عَلَى الْأَجْزَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مَا إذَا عَيَّنَا لَهُ حِصَّةً مَعْلُومَةً وَصَارَ حِينَئِذٍ كُلُّ جُزْءٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَاسْتَوْجَبَ أَجْرَهُ كَمَا فِي كُلِّ الثَّوْبِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَمَلُ الْخَيَّاطِ أَوْ الصَّبَّاغِ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَمَلُهُ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الْمَالِ فِي وُجُوبِ إيفَاءِ الْأَجْرِ، إذْ لَا كَلَامَ لِأَحَدٍ فِي وُجُوبِ إيفَاءِ الْأَجْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ. وَقَدْ فَرَّقَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْإِجَارَةِ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَى الْعَمَلِ وَيَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إيفَاءُ الْأَجْرِ إلَّا بَعْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ مَا اسْتَوْفَى مَعْلُومَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِلْخَيَّاطِ، وَالصَّبَّاغِ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الْمَالِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إيفَاءُ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ كَمَا فِي الْجَمَّالِ. انْتَهَى. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَلَعَلَّ هَذَا مُعْتَمَدُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفٌ قَطْعًا لِمَنْطُوقِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ وُجُوبُ إيفَاءِ الْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ فِي بَيْتِهِ، وَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ أَيْضًا لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إذَا كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ وَهُوَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَجْرٌ أَصْلًا إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ لَا، فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَكَانَ فِيمَا إذَا عَمِلَ فِي غَيْرِ بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْفَرَاغِ بِلَا خِلَافٍ، فَدَلَّ قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْفَرَاغِ فِيمَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِهِ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ قَالَ لِمَا بَيَّنَّا، وَمُرَادُهُ بِهِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً هُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَوْجِبَ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مُطْلَقًا، فَأَنَّى يَصْلُحُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ؛ لَأَنْ يَكُونَ مُعْتَمَدَ الْمُصَنِّفِ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ، وَلَعَمْرِي إنَّ جُمْلَةَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا مَوْهُومٌ مَحْضٌ، فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إلَى مِثْلِهِ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ عَلَمُ التَّحْقِيقِ وَعَالِمُ التَّدْقِيقِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ كَأَنَّهُ قَصَدَ دَفْعَ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا لِاخْتِلَالِ رَأْيِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ الشَّارِحِ: وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ إلَخْ. وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى هَذَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا إذَا خَاطَ فِي غَيْرِ بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ إذَا خَاطَ فِي بَيْتِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ إذَا فَرَغَ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَ فِي غَيْرِهِ وَقَالَ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ اسْتِيجَابَ الْأَجْرِ بِالْفَرَاغِ لَا بِالتَّسْلِيمِ. ثُمَّ قَالَ: وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَوْجِبُ أَجْرًا. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: جَوَابُهُ عَنْ بَحْثِهِ لَيْسَ بِتَامٍّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ اسْتِيجَابَ الْأَجْرِ يَتَحَقَّقُ بِالْفَرَاغِ، وَلِهَذَا لَوْ حَبَسَ الْخَيَّاطُ أَوْ الصَّبَّاغُ الثَّوْبَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَقَالَ لَا أُعْطِيكَهُ حَتَّى تُعْطِيَنِي الْأَجْرَ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، كَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ لِقَبْضِ الثَّمَنِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزًا مِنْ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ. فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَلَا أَجْرَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، (فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ، وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَتَاعُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْخَيَّاطِ أَوْ الصَّبَّاغِ إيَّاهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ سَقَطَ الْأَجْرُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْبَائِعِ إيَّاهُ إلَى الْمُشْتَرِي سَقَطَ الثَّمَنُ فَكَانَ ابْتِدَاءُ تَحَقُّقِ اسْتِيجَابِ الْأَجْرِ فِي اسْتِئْجَارِ نَحْوِ الْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ وَتَقَرُّرُهُ بِتَسْلِيمِ الْمَتَاعِ إلَى صَاحِبِهِ كَمَا أَنَّ ابْتِدَاءَ تَحَقُّقِ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ بِتَمَامِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ وَتَقَرُّرُهُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي ابْتِدَاءِ تَحْقِيقِ اسْتِيجَابِ الْأَجْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَ بِأُجْرَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَتَاعَ إلَى صَاحِبِهِ، فَلَا بُدَّ فِي انْدِفَاعِ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا عَلَى رَأْيِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ مِنْ ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَبَيْنَ مَا إذَا عَمِلَ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ مِنْ جِهَةِ تَحَقُّقِ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَعَدَمِ تَحَقُّقِهِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ فَتَأَمَّلْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ: مَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزًا مِنْ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يَخْرُجَ الْخُبْزُ مِنْ التَّنُّورِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةُ: ذَكَرَ هَذَا

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا لِلْوَلِيمَةِ فَالْعُرْفُ عَلَيْهِ) اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا أَقَامَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يُشْرِجَهَا) ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ، إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَصَارَ كَإِخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ؛ وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ عُرْفًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ، وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَ التَّشْرِيجِ بِالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ، وَبِخِلَافِ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ. قَالَ: (وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ، وَلَوْ حَبَسَهُ فَضَاعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَبْسِ فَبَقِيَ أَمَانَةً كَمَا كَانَ عِنْدَهُ، وَلَا أَجْرَ لَهُ لِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الْعَيْنُ كَانَتْ مَضْمُونَةً قَبْلَ الْحَبْسِ فَكَذَا بَعْدَهُ، لَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأَجْرُ، وَسَيُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِبَيَانِ حُكْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ آنِفًا. وَالثَّانِي أَنَّ فَرَاغَ الْعَمَلِ بِمَاذَا يَكُونُ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ آنِفًا أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ عَمَلِهِ يَصِيرُ بَيَانُ ذَلِكَ هَاهُنَا تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَهُ الْعَاقِلُ. فَالْوَجْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْفَرَاغَ مِنْ الْعَمَلِ فِي الْخَبَّازِ بِمَاذَا يَكُونُ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يَخْرُجَ الْخُبْزُ

[فصل استأجر رجلا ليذهب إلى البصرة فيجيء بعياله]

قَالَ: (وَكُلُّ صَانِعٍ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَبْسِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ حَيْثُ يَكُونُ لِلرَّادِّ حَقُّ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ، وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّسْلِيمُ بِاتِّصَالِ الْمَبِيعِ بِمِلْكِهِ فَيَسْقُطَ حَقُّ الْحَبْسِ. وَلَنَا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةُ إقَامَةِ تَسْلِيمِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ رَاضِيًا بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ. قَالَ: (وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ فَيَسْتَحِقُّ عَيْنَهُ كَالْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ (وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُمْكِنُ إيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ. [فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ فَيَجِيءَ بِعِيَالِهِ] فَصْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ التَّنُّورِ، وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ بِإِخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ بَيَانَ الْحُكْمَيْنِ مَعًا لَقَالَ هَكَذَا تَدَبَّرْ.

[باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها]

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ فَيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ بَعْضُهُمْ قَدْ مَاتَ فَجَاءَ بِمَنْ بَقِيَ فَلَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ بِقَدْرِهِ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانُوا مَعْلُومِينَ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ دُونَ حَمْلِ الْكِتَابِ لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَقْلُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِهِ وَقَدْ نَقَضَهُ فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ كَمَا فِي الطَّعَامِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ (وَإِنْ تَرَكَ الْكِتَابَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَعَادَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالذَّهَابِ بِالْإِجْمَاعِ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَمْ يُنْتَقَضْ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِطَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَمْلُ الطَّعَامِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ عَلَى مَا مَرَّ. [بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا] ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا) . قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ مُقَدَّمَاتِ الْإِجَارَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهُوَ بَيَانُ مَا يَجُوزُ مِنْ عُقُودِ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْهَا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ خَلَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ

قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَابٍ آخَرَ آتٍ عَقِيبَ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمُؤَجِّرِ كَمَا وَقَعَ فِي عِنْوَانِ الْبَابِ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْعِنَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِهَا وَوَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ ذَكَرَ هُنَا مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَقْيِيدِهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يُعَدُّ خِلَافًا مِنْ الْأَجِيرِ لِلْمُؤَجِّرِ وَمَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: قَوْلُهُ: لِلسُّكْنَى صِلَةُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ لَا صِلَةُ الِاسْتِئْجَارِ: يَعْنِي وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ الْمُعَدَّةِ لِلسُّكْنَى لَا أَنْ يَقُولَ زَمَانَ الْعَقْدِ اسْتَأْجَرْتُ هَذِهِ الدَّارَ لِلسُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَصَّ هَكَذَا وَقْتَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا غَيْرَ السُّكْنَى، وَالتَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَالَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ إلَى سِمَتِهِ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَصَحَّحَهُ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ: لِلسُّكْنَى بِالِاسْتِئْجَارِ: أَيْ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ لِأَجْلِ السُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَلَا يُفْسِدُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيمَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: لِلسُّكْنَى صِلَةَ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ وَكَانَ الْمَعْنَى وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ الْمُعَدَّةِ لِلسُّكْنَى لَمْ يَظْهَرْ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ لِلسُّكْنَى فَائِدَةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ الْغَيْرِ الْمُعَدَّةِ لِلسُّكْنَى، أَوْ يَقْصِدَ بِهِ مُجَرَّدَ بَيَانِ حَالِ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ بِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلسُّكْنَى، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ لَمْ يُعَدَّ لِلسُّكْنَى فِي الْخَارِجِ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِرَازُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي اسْتِئْجَارِ كُلِّ دَارٍ وَحَانُوتٍ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْجَوَازُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ، فَإِنَّ كَوْنَ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ مِمَّا يُعَدُّ لِلسُّكْنَى غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ غَيْرُ خَفِيٍّ عَلَى أَحَدٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَوْ نَصَّ هَكَذَا وَقْتَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا غَيْرَ السُّكْنَى مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَصَّ وَقْتَ الْعَقْدِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ لِأَجْلِ السُّكْنَى وَعَمِلَ فِيهَا غَيْرَ السُّكْنَى مِمَّا هُوَ أَنْفَعُ لِلْبِنَاءِ مِنْ السُّكْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِهَذَا إذَا شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، فَفِيمَا هُوَ أَنْفَعُ مِمَّا شَرَطَ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْلَى أَنْ لَا يَعْتَبِرَ التَّقْيِيدَ. ثُمَّ الْإِنْصَافُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ فِي عِبَارَةِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ قَيْدُ لِلسُّكْنَى فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَمْ يَقَعْ فِي عِبَارَةِ عَامَّةِ مُعْتَبَرَاتِ الْمُتُونِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَحْسَنَ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ) وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ، وَالْإِيضَاحِ كَمَا رَدَّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ لَا يَتَفَاوَتُ فَصَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُهُ قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ سِوَى مُوهِنِ الْبِنَاءِ، بَلْ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يَضُرُّ الْبِنَاءَ يَسْتَحِقُّهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ شَطْرَيْ كَلَامِهِ بِسَدِيدٍ. أَمَّا شَطْرُهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعُرْفَ يَصْرِفُ مُطْلَقَ الْعَمَلِ إلَى السُّكْنَى، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَبْقَى أَعْمَالُ السُّكْنَى عَلَى إطْلَاقِهَا، فَلَهُ أَنْ

وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فَصَحَّ الْعَقْدُ (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ) لِلْإِطْلَاقِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَلَا قَصَّارًا وَلَا طَحَّانًا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا لِهَذَا الْإِطْلَاقِ سِوَى مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ فِيهِ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلِ بِصَرْفِ الْعُرْفِ مُطْلَقَ الْعَمَلِ إلَى أَعْمَالِ السُّكْنَى وَبَيْنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ السُّكْنَى لِإِطْلَاقِ عَمَلِ السُّكْنَى نَظَرًا إلَى أَنْوَاعِهِ وَأَصْنَافِهِ وَعَدَمِ التَّفَاوُتِ فِيهِ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ فِي التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا شَطْرُهُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يَضُرُّ الْبِنَاءَ يَسْتَحِقُّهُ مُسْتَأْجِرُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ بِدُونِ الْمَصِيرِ إلَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا هُوَ السُّكْنَى لَزِمَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعَمَلَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السُّكْنَى أَيْضًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، بَلْ صَرَّحُوا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ بِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ بِالْعُرْفِ إلَى عَمَلِ السُّكْنَى، وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَقَالُوا: إنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَمَلِ، وَالِانْتِفَاعِ يَتَنَاوَلُ عَمَلَ السُّكْنَى وَغَيْرَهُ فَيَتَفَاوَتُ فَلَا يَكُونُ بُدٌّ مِنْ الْبَيَانِ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرَاضِيِ لِلزِّرَاعَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فَصَحَّ الْعَقْدُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ سَلَّمْنَا أَنَّ السُّكْنَى مُتَعَارَفٌ، وَلَكِنْ قَدْ تَتَفَاوَتُ السُّكَّانُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا مِسَاسَ لِهَذَا السُّؤَالِ بِالْمَقَامِ، إذْ الْكَلَامُ فِي عَدَمِ وُجُوبِ بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا لَا فِي بَيَانِ مَنْ يَسْكُنُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَعَلَّ لَفْظَ السُّكَّانِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ بَدَلًا مِنْ لَفْظِ السُّكْنَى، فَحِينَئِذٍ مِسَاسُ السُّؤَالِ بِالْمَقَامِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ فَالْمُرَادُ لَكِنْ قَدْ تَتَفَاوَتُ السُّكْنَى بِتَفَاوُتِ السُّكَّانِ فِي الْعَمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا، وَلَمَّا كَانَ تَفَاوُتُ السُّكَّانِ فِي الْعَمَلِ سَبَبًا لِتَفَاوُتِ نَفْسِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ السُّكْنَى اكْتَفَى بِذِكْرِ تَفَاوُتِ السُّكَّانِ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ: يَعْنِي وَجْهَ الْجَوَابِ أَنَّ السُّكْنَى لَا تَتَفَاوَتُ، وَمَا لَا يَتَفَاوَتُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَيَصِحُّ. انْتَهَى. حَيْثُ قَالَ إنَّ السُّكْنَى لَا تَتَفَاوَتُ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّ السُّكَّانَ لَا يَتَفَاوَتُونَ، تَدَبَّرْ تَرْشُدْ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ، وَهَكَذَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلِهَذَا قَالَ: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ سَلَّمْنَا أَنَّ السُّكْنَى مُتَعَارَفٌ إلَخْ. أَقُولُ: كَلَامُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمْ يُصْحِحْ تِلْكَ النُّسْخَةَ بَلْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا قَطُّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ جَعْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نُسْخَةٍ، وَلِأَنَّهُ بَلْ يَأْبَاهَا إذْ مُقْتَضَى هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا دَلِيلًا آخَرَ مُسْتَقِلًّا، وَاَلَّذِي يَكُونُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ مُتَمِّمَاتِ مَا قَبْلَهُ فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ إلَخْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي لَفْظِ الْعِنَايَةِ بِصَدَدِ الشَّرْحِ عِبَارَةُ هَذِهِ النُّسْخَةِ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا، بَلْ الْمَذْكُورُ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِ الْعِنَايَةِ عِبَارَةُ وَأَنَّهُ بِدُونِ اللَّامِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَعْمَالَ

قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ مَعْهُودَةٌ فِيهَا (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ، وَلَا انْتِفَاعَ فِي الْحَالِ إلَّا بِهِمَا فَيَدْخُلَانِ فِي مُطْلَقِ الْعُقَدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ، حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبْخَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَلَا يَدْخُلَانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ (وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا وَمَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَيْ لَا تَقَعَ الْمُنَازَعَةُ (أَوْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْخِيَرَةَ إلَيْهِ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ. قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةُ؛ لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ؛ لِيَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تُقْصَدُ بِالْأَرَاضِيِ (ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَيُسْلِمَهَا إلَيْهِ فَارِغَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا وَفِي إبْقَائِهِمَا إضْرَارًا بِصَاحِبِ الْأَرْضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّكْنَى تَتَفَاوَتُ فَبَعْضٌ مِنْهَا لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَبَعْضٌ آخَرُ مِنْهَا يُوهِنُهُ كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، وَأَنَّهُ يَعْنِي السُّكْنَى لَا يَتَفَاوَتُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ غَالِبًا فَاَلَّذِي يَضُرُّ الْبِنَاءَ وَيُوهِنُهُ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْدِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَذَلِكَ الْقِسْمُ الْغَالِبُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا، وَمَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَيْ لَا تَقَعَ الْمُنَازَعَةُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي التَّعْلِيلِ شَائِبَةُ الِاسْتِدْرَاكِ، إذْ يَكْفِي فِي تَمَامِهِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى وَلَا نَفْعَ لَهُ فِي إثْبَاتِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ عَقْدِ اسْتِئْجَارِ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ مِنْ أَمْرَيْنِ: أَحَدِهِمَا بَيَانُ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُهَا لِلزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَأْجَرُ لِغَيْرِهَا أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ نَفْيِ الْجَهَالَةِ. وَثَانِيهِمَا بَيَانُ مَا يَزْرَعُ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا، وَالْمُصَنِّفُ لَمَّا رَأَى انْدِرَاجَ الْأَوَّلِ أَيْضًا الْتِزَامًا فِي مَدْلُولِ قَوْلِهِ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا فَرْعُ تَسْمِيَةِ نَفْسِ الزِّرَاعَةِ أَشَارَ إلَى تَعْلِيلِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ. أَمَّا إلَى تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ فَبِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا. وَأَمَّا إلَى تَعْلِيلِ الثَّانِي فَبِقَوْلِهِ وَمَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِي التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ اسْتِدْرَاكٌ بَلْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ. وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ تَفَطَّنَ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَقْرِيرِ الْمَقَامِ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ مَعْهُودَةٌ فِيهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُهَا لِلزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَأْجَرُ لِغَيْرِهَا أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ نَفْيًا لِلْجَهَالَةِ

بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ حَيْثُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى زَمَانِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ: (إلَّا أَنْ يَخْتَارَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكَهُ فَلَهُ ذَلِكَ) وَهَذَا بِرِضَا صَاحِبِ الْغَرْسِ وَالشَّجَرِ، إلَّا أَنْ تَنْقُصَ الْأَرْضُ بِقَلْعِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَتَمَلَّكُهُمَا بِغَيْرِ رِضَاهُ. قَالَ: (أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونَ الْبِنَاءُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَهُ. قَالَ: (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَفِي الْأَرْضِ رُطَبَةٌ فَإِنَّهَا تُقْلَعُ) ؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَأَشْبَهَ الشَّجَرَ. قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ مَعْهُودَةٌ (فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ. وَلَكِنْ إذَا رَكِبَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْكَبَ وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ، وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ (وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَأَطْلَقَ جَازَ فِيمَا ذَكَرْنَا) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَفَاوُتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا يَزْرَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ وَعَدَمِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ) اعْلَمْ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إمَّا أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْعَقْدِ اسْتَأْجَرْتُهَا لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ زَادَ، فَعَلَى هَذَا إمَّا أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ أَوْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَرْكَبَ فُلَانٌ؛ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ مِمَّا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا، فَإِنْ أَرْكَبَ شَخْصًا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِلْجَهَالَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ فَكَأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ ابْتِدَاءٌ، وَإِذَا ارْتَفَعَ الْجَهَالَةُ مِنْ الِابْتِدَاءِ صَحَّ الْعَقْدُ، فَكَذَا هَاهُنَا. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي

النَّاسِ فِي اللُّبْسِ (وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فُلَانٌ أَوْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ فُلَانٌ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ غَيْرَهُ فَعَطِبَ كَانَ ضَامِنًا) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فَصَحَّ التَّعْيِينُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ لِمَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا الْعَقَارُ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ إذَا شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ الَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ، وَاَلَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ خَارِجٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ: (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا مَعْلُومًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ الْإِذْنِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ وَالْحَدِيدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ ابْتِدَاءً. وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ مُفِيدٌ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ فَإِنْ تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا وَحُكْمُ الْحَمْلِ كَحُكْمِ الرُّكُوبِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كَذَا قَالُوا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشُّرَّاحَ افْتَرَقُوا فِي تَعْيِينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ: فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ، أَيُّ وَجْهٍ مِنْ هَاتِيكَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، فَجَزَمَ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ كَتَاجِ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبَيْ الْغَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تُرْكِبَ مَنْ شِئْتَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ التَّعْمِيمُ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِرُكُوبِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ وَالْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحَيْهِمَا لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَجَوَّزَ فِرْقَةٌ أُخْرَى مِنْهُمْ كَأَصْحَابِ النِّهَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْحَمْلَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا آخِرُ أَحْوَالِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ انْقِلَابُ الْعَقْدِ إلَى الْجَوَازِ بَعْدَمَا وَقَعَ فَاسِدًا بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ لَوْ أَرْكَبَ مَنْ شَاءَ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ إلَى الْجَوَازِ بَعْدَمَا وَقَعَ فَاسِدًا. وَثَانِيهِمَا الْوَجْهُ الثَّانِي كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَأَقُولُ إنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ بِقَوْلِهِ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي أَنْ يَحْمِلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَى آخِرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عِلَّةَ انْقِلَابِ الْعَقْدِ إلَى الْجَوَازِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا هِيَ تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَقَاءً لَا إطْلَاقُهُ، وَإِنَّمَا الْإِطْلَاقُ عِلَّةُ الْفَسَادِ ابْتِدَاءً. وَعَنْ هَذَا فَسَّرَ صَاحِبُ الْكَافِي مَعْنَى الْإِطْلَاقِ هَاهُنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي ثُمَّ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ انْتَهَى فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا مَعْلُومًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ، وَالسِّمْسِمِ) كِلَاهُمَا مِثَالٌ لِمَا هُوَ أَقَلُّ فِي الضَّرَرِ، وَأَمَّا مِثَالُ

لِانْعِدَامِ الرِّضَا فِيهِ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ أَضَرَّ بِالدَّابَّةِ فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ظَهْرِهَا وَالْقُطْنُ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالثِّقَلِ) ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَعْقِرُهَا جَهْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ عَدَدُ الرَّاكِبِ كَعَدَدِ الْجُنَاةِ فِي الْجِنَايَاتِ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا هُوَ مِثْلٌ فِي الضَّرَرِ فَكَمَا إذَا سَمَّى خَمْسَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا فَحَمَلَ خَمْسَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا تَرَكَ هَذَا فِي الْكِتَابِ؛ لِظُهُورِهِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَالشَّعِيرِ، وَالسِّمْسِمِ: هَذَا لَفٌّ وَنَشْرٌ، فَإِنَّ الشَّعِيرَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِثْلِ، وَالسِّمْسِمُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَلِّ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ لَا مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْكَاكِيُّ كَمَا هُوَ دَأَبُهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ يَرْجِعُ قَوْلُهُ: كَالشَّعِيرِ إلَى قَوْلِهِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ، وَيَرْجِعُ قَوْلُهُ: وَالسِّمْسِمِ إلَى قَوْلِهِ أَقَلُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ بَلْ أَخَفَّ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رَطْلٍ مِنْ الشَّعِيرِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رَطْلٍ مِنْ الْحِنْطَةِ ضَمِنَ إذَا عَطِبَتْ، فَلَوْ كَانَ مِثْلًا لَهَا لَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةُ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ عَمْرٍو بِذَلِكَ الْكَيْلِ، بَلْ قَوْلُهُ: كَالشَّعِيرِ، وَالسِّمْسِمِ جَمِيعًا نَظِيرُ قَوْلِهِ أَقَلُّ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ فِي الْكَلَامِ لَفًّا وَنَشْرًا فَإِنَّ الشَّعِيرَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِثْلِ، وَالسِّمْسِمُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَلِّ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ فَإِنَّ السِّمْسِمَ أَيْضًا مِثْلٌ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَبْطٌ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ فَإِنَّمَا يَكُونُ السِّمْسِمُ مِثْلَ الْحِنْطَةِ فِي الْكَيْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ، وَالْأَقَلِّ هَاهُنَا مَا هُوَ مِثْلُ وَأَقَلُّ فِي الضَّرَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمِثْلِيَّةُ فِي الضَّرَرِ بِالتَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ، وَالْأَقَلِّيَّةُ فِي الضَّرَرِ بِالْقِلَّةِ فِي الْوَزْنِ، وَانْتِفَاءُ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ بَيْنَ السِّمْسِمِ، وَالْحِنْطَةِ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ أَمْرٌ بَدِيهِيٌّ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ تَوَهَّمَ مِنْ كَوْنِ التَّقْدِيرِ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ كَوْنَ الْمِثْلِيَّةِ، وَالْأَقَلِّيَّةِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ. نَعَمْ يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَنْعُ كَوْنِ الشَّعِيرِ مِثْلَ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ إذَا كَانَ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا؛ لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ صَبِيًّا

ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ) ؛ لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا (إلَّا إذَا كَانَ حَمْلًا لَا يُطِيقُهُ مِثْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهَا) لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهَا أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعَادَةِ. قَالَ: (وَإِنْ كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُتَعَارَفًا) ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ فَكَانَ حَاصِلًا بِإِذْنِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمِنَ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ إذَا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ تَصْدِيرَ الْكَلَامِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِذَلِكَ. انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ لَمَّا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَمْ يَكُنْ مَا قِيلَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ. وَيُرْشِدُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ الْفِقْهُ فِي اعْتِبَارِ عَدَدِ الرَّاكِبِ فِي الْآدَمِيِّ لَا الثِّقَلِ هُوَ أَنَّ الْآدَمِيَّ مَخْصُوصٌ بِعِلْمِ الْفُرُوسِيَّةِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ فِيمَا إذَا أَرْدَفَ مِثْلَهُ، وَأَمَّا إذَا أَرْدَفَ صَبِيًّا يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ، لَكِنَّ هَذَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ مِثْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ كَذَا فِي التَّتِمَّةِ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ. ثُمَّ إنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقَصْدِ إلَى تَضْعِيفِ ذَلِكَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي عَامَّةِ مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى، وَنَاهِيكَ بِقَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ: وَمِنْ الْعَجَائِبِ هَاهُنَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يُوزَنُ بِالْقَبَّانِ بَدَلَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ نَقَلَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ وَزَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْقَبَّانِ؛ لِيَعْرِفُوا وَزْنَهَا، وَلَكِنْ لَا يَنْضَبِطُ هَذَا عَلَى مَا لَا يَخْفَى انْتَهَى فَكَأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوزَنَ الْآدَمِيُّ بِالْقَبَّانِ أَصْلًا وَهَلْ يُوجَدُ فِي الْعَالَمِ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهَا شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوزَنَ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا أَوْ جِسْمًا لَطِيفًا (قَوْلُهُ: وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُتَعَارَفًا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ

السَّلَامَةِ إذْ يَتَحَقَّقُ السَّوْقُ بِدُونِهِ، وَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُبَالَغَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ: (وَإِنَّ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْحِيرَةِ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ ثُمَّ نَفَقَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ) وَقِيلَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا؛ لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ مَرْدُودًا إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى. وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ. وَقِيلَ لَا، بَلْ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُودَعَ بِأُمُورٍ بِالْحِفْظِ مَقْصُودًا فَبَقِيَ الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ فَحَصَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِنَايَةِ: وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مُرَادٌ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لَا دَاخِلٌ تَحْتَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمُتَعَارَفِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْكَبْحَ الْمُتَعَارَفَ أَوْ الضَّرْبَ الْمُتَعَارَفَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَاخِلًا لَا مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ. اهـ كَلَامُهُ. وَتَصَرَّفَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْ السُّؤَالِ، وَالْجَوَابِ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَبِأَنْ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ عَدَمُ الْخُرُوجِ،

الرَّدُّ إلَى يَدِ نَائِبِ الْمَالِكِ، وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ يَصِيرُ الْحِفْظُ مَأْمُورًا بِهِ تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ لَا مَقْصُودًا، فَإِذَا انْقَطَعَ الِاسْتِعْمَالُ لَمْ يَبْقَ هُوَ نَائِبًا فَلَا يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ: (وَمَنْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُمَاثِلُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَهُ إذْنُ الْمَالِكِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ (وَإِنْ كَانَ لَا تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا فِي الثَّانِي فَبِأَنْ قَالَ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَيْ الْفِعْلَ الْمُتَعَارَفَ. اهـ. أَقُولُ كُلٌّ مِنْ تَصَرُّفَيْهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالدُّخُولِ عَدَمَ الْخُرُوجِ لَا يَدْفَعُ التَّسَامُحَ فِي الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ لَفْظِ الدُّخُولِ جِدًّا، فَإِرَادَةُ ذَلِكَ مِنْهُ عَيْنُ التَّسَامُحِ فِي الْعِبَارَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْمَعْهُودِ: أَيْ الْفِعْلِ الْمُتَعَارَفِ لَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ، إذْ الْفِعْلُ الْمُتَعَارَفُ مُطْلَقًا مُرَادٌ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لَا دَاخِلٌ تَحْتَهُ، وَإِنَّمَا الدَّاخِلُ تَحْتَهُ الْفِعْلُ الْمُتَعَارَفُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ هَاهُنَا الْكَبْحُ الْمُتَعَارَفُ أَوْ الضَّرْبُ الْمُتَعَارَفُ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْفِعْلِ الْمُتَعَارَفِ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبْحَ الْمُتَعَارَفَ أَوْ الضَّرْبَ الْمُتَعَارَفَ دُونَ الْفِعْلِ الْمُتَعَارَفِ مُطْلَقًا احْتَاجَ إلَى تَفْسِيرٍ آخَرَ فِي تَبْيِينِ الْمُرَادِ، فَالْأَوْلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِجَارَةِ، وَالْإِعَارَةِ يَصِيرُ الْحِفْظُ مَأْمُورًا بِهِ تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ لَا مَقْصُودًا فَإِذَا انْقَطَعَ الِاسْتِعْمَالُ لَمْ يَبْقَ هُوَ نَائِبًا فَلَا يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ) فَإِنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الْحِيرَةَ صَارَ غَاصِبًا لِلدَّابَّةِ وَدَخَلَتْ الدَّابَّةُ فِي ضَمَانِهِ، وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ عَلَى مَنْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَلَمْ يُوجَدْ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَنُوقِضَ بِغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ بِأَنَّا نَزِيدُ فِي الْمَأْخَذِ فَنَقُولُ: إنَّمَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ إلَى مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ ضَمَانٍ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ قَبْلُ، وَالْغَاصِبُ الْأَوَّلُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ ضَمَانٍ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ، وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ أَلْبَتَّةَ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا لِجَوَازِ أَنْ تَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ. وَالسَّبَبُ فِي غَاصِبِ الْغَاصِبِ هُوَ الرَّدُّ إلَى مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ ضَمَانٍ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ قَبْلُ اهـ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ لِجَوَازِ أَنْ تَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ مِمَّا يُنَافِيهِ الْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ عَلَى مَنْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَمَوْرِدُ النَّقْضِ لَيْسَ إلَّا الْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ

لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ لَا يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ) لِمَا قُلْنَا فِي السَّرْجِ، وَهَذَا أَوْلَى (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ كَانَ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءٌ فَيَكُونُ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ، إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ فِي الْوَزْنِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالزِّيَادَةِ فَصَارَ كَالزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِكَافَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّرْجِ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَمْلِ، وَالسَّرْجُ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبَسِطُ عَلَيْهِ الْآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْحَصْرُ عَلَى الْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا بِالْعَوْدِ، فَلَا يُنَافِيهِ جَوَازُ أَنْ تَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يُجِيبَ عَمَّا يَرِدُ عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: لَا يُقَالُ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ لِظُهُورِ صِحَّتِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ. نَعَمْ قَدْ يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ مُسْتَأْجِرًا مِنْ غَاصِبِ الدَّابَّةِ فَتَدَبَّرْ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ، وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ فِي حَيِّزِ الْكُبْرَى مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُسْتَأْجِرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ غَاصِبٌ بِمُجَاوَزَةِ الْحِيرَةِ، وَكُلُّ غَاصِبٍ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ فَهُوَ لَا يَبْرَأُ عَنْهُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا شَيْءٌ مِنْهُمَا، فَظُهُورُ صِحَّةِ الْحَصْرِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ لَا يُفِيدُ صِحَّتَهُ بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى، وَالْكَلَامِ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُطْلَقًا لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمَا كَانَ لِلنَّقْضِ بِغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ مِسَاسٌ بِكَلَامِهِ فَلَا يَكُونُ لِذِكْرِهِ وَجَوَابِهِ عَنْهُ وَجْهٌ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ حِينَئِذٍ بِغَاصِبِ الْغَاصِبِ فِي النَّقْضِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ الَّذِي اسْتَأْجَرَ مِنْ غَاصِبِ الدَّابَّةِ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ الْغَاصِبُ لَا غَاصِبَ الْغَاصِبِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لِلنَّقْضِ الْمَزْبُورِ مِسَاسٌ بِكَلَامِهِ أَيْضًا. قُلْنَا: فَلَا يَصِحُّ الْحَصْرُ الْمَزْبُورُ إذْ ذَاكَ بِالنَّظَرِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ. فَالْمُخَلِّصُ فِي الْجُمْلَةِ لِتَصْحِيحِ مَا فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ حَمْلُ الْحَصْرِ عَلَى الْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْتَ: إلْحَاقُ الْإِجَارَةِ بِالْعَارِيَّةِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِمَا أَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ حَتَّى يَرْجِعَ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودِعِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الَّذِي تَشَبَّثَ بِهِ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي الطَّعْنِ فِي جَوَابِ الْكِتَابِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: رُجُوعُهُ بِالضَّمَانِ لِلْغُرُورِ الْمُتَمَكِّنِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَدَهُ لَيْسَ كَيَدِ نَفْسِهِ كَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْغُرُورِ، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا مِنْ

فَكَانَ مُخَالِفًا كَمَا إذَا حَمَلَ الْحَدِيدَ وَقَدْ شَرَطَ لَهُ الْحِنْطَةَ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا فِي طَرِيقِ كَذَا فَأَخَذَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِهِ يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّفَاوُتِ إذَا كَانَ طَرِيقًا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَمْ يُفَصِّلْ (وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) ؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ مَعْنًى، وَإِنْ بَقِيَ صُورَةً. قَالَ: (وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا يَحْمِلُهُ النَّاسُ فِي الْبَرِّ ضَمِنَ) لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ مَعْنًى. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا؛ لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا رُطَبَةً ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْفَعَةِ لَهُ فِي النَّقْلِ، فَأَمَّا يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ يَدُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ فِي اسْتِمْسَاكِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي اسْتِمْسَاكِ الْعَيْنِ نَفْعٌ لَمَا اخْتَارَ اسْتِمْسَاكَ الْعَيْنِ عَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. اهـ. وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ ذَكَرَ طَعْنَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي الْكِفَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قِيلَ إلْحَاقُ الْإِعَارَةِ بِالْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ وَعَكْسُهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودِعِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّحَادَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَرْفَعُ التَّعَدُّدَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِقَةٍ؛ لِيَتَحَقَّقَ الْإِلْحَاقُ، وَالِاتِّحَادُ فِي الْمَنَاطِ كَافٍ لِلْإِلْحَاقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، فَإِنَّ الْمَنَاطَ هُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الْمُسَمَّى مُتَعَدِّيًا ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ الْحِفْظُ فِيهِ مَقْصُودًا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا لَا مَحَالَةَ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الِاتِّحَادَ فِي الْمَنَاطِ الْمَزْبُورِ غَيْرُ كَافٍ لِلْإِلْحَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الطَّعْنِ، بَلْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مَنَاطًا لِلْإِلْحَاقِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ كَانَ كَيَدِ الْمَالِكِ كَانَ تَعَدِّي الْمُسْتَأْجِرِ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ الْمُسَمَّى فِي حُكْمِ تَعَدِّي الْمَالِكِ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَتِمُّ إلْحَاقُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَالْعَارِيَّةِ بِالْأُخْرَى. فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ مَنْعُ ثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَنْعِ دَلَالَةِ مَا ذَكَرَ فِي الطَّعْنِ عَلَى كَوْنِ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَسَائِرِ الشُّرُوحِ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا حَمَلَ الْحَدِيدَ وَقَدْ شَرَطَ لَهُ الْحِنْطَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمِثَالِ

[باب الإجارة الفاسدة]

لِأَنَّ الرِّطَابَ أَضَرُّ بِالْأَرْضِ مِنْ الْحِنْطَةِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا (وَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِلْأَرْضِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ قَبَاءً، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَبَاءَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ دِرْهَمًا) قِيلَ: مَعْنَاهُ الْقَرْطَفُ الَّذِي هُوَ ذُو طَاقٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ، وَقِيلَ هُوَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْقَبَاءَ خِلَافُ جِنْسِ الْقَمِيصِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَمِيصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُشَدُّ وَسَطُهُ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَا يُشَدُّ وَيُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعُ الْقَمِيصِ فَجَاءَتْ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِقُصُورِ جِهَةِ الْمُوَافَقَةِ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الدِّرْهَمَ الْمُسَمَّى كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ وَقَدْ أَمَرَ بِالْقَبَاءِ قِيلَ يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُخَيَّرُ لِلِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أُمِرَ بِضَرْبِ طَسْتٍ مِنْ شَبَّةٍ فَضَرَبَ مِنْهُ كُوزًا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ كَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ] ِ قَالَ: (الْإِجَارَةُ تُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ كَمَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَقْدٌ يُقَالُ وَيُفْسَخُ (وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ مِثَالًا لِلْمُخَالَفَةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الِانْبِسَاطِ وَعَدَمِهِ. اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قُلْتُ: لَيْسَ فِيهِ عَكْسٌ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ قَدْرُ وَزْنِ الْحِنْطَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَا يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ مَا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ وَهَذَا ظَاهِرٌ. اهـ. أَقُولُ: بَلْ فَسَادُ كَلَامِهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ يُنَافِي مَا ادَّعَاهُ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ الَّذِي هُوَ قَدْرُ وَزْنِ الْحِنْطَةِ الْمَشْرُوطَةِ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ مَا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ الْمَشْرُوطَةُ تَعَيَّنَ الْعَكْسُ حَيْثُ كَانَ مَا حَمَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الدَّابَّةِ وَهُوَ الْحَدِيدَ أَقَلَّ انْبِسَاطًا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مِمَّا شَرَطَهُ لَهُ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ، وَقَدْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَا وَضَعَهُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْحِمَارِ، وَهُوَ الْإِكَافُ أَكْثَرُ انْبِسَاطًا مِمَّا عَيَّنَ لَهُ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ السَّرْجُ، وَهُوَ عَكْسُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. (بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) تَأْخِيرُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ عَنْ صَحِيحِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْذِرَةٍ؛ لِوُقُوعِهَا فِي مَحَلِّهَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَيْ الْوَاجِبُ فِيهَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى، وَقَالُوا: هَذَا الْحُكْمُ

وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ لِحَاجَةِ النَّاسِ فَيُكْتَفَى بِالضَّرُورَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا، إلَّا أَنَّ الْفَاسِدَ تَبَعٌ لَهُ، وَيُعْتَبَرُ مَا يُجْعَلُ بَدَلًا فِي الصَّحِيحِ عَادَةً، لَكِنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارٍ فِي الْفَاسِدِ فَقَدْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ، وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ زِيَادَةُ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مُتَقَوِّمَةٌ فِي نَفْسِهَا وَهِيَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ، فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ فَسَادُ الْإِجَارَةِ بِسَبَبِ شَرْطٍ فَاسِدٍ لَا بِاعْتِبَارِ جَهَالَةِ الْمُسَمَّى وَلَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَفَتَاوَى قَاضِي خَانٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الَّتِي فَسَدَتْ بِالشُّرُوطِ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلُ وَالْمُسَمَّى، وَقَالَ: إنَّمَا جُعِلَتْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لِلْعَهْدِ كَمَا رَأَيْت بِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَدَفْعًا لِمَا قِيلَ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَجْرِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى إنَّمَا يَجِبُ إذَا فَسَدَتْ بِشَرْطٍ، أَمَّا إذَا فَسَدَتْ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَفَتَاوَى قَاضِي خَانٍ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ إلَخْ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَا دَلَالَةَ لِسِيَاقِ كَلَامِهِ عَلَى كَوْنِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لِلْعَهْدِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْإِجَارَةُ تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لَمْ يُذْكَرْ فِي مُخْتَصَرِهِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ، بَلْ ذُكِرَ قَبْلَ مِقْدَارِ الْوَرَقَتَيْنِ، وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا ارْتِبَاطٌ. فَلَا مَعْنَى؛ لَأَنْ يُجْعَلَ سِيَاقُ الْكَلَامِ عِلَّةً لِجَعْلِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لِلْعَهْدِ. نَعَمْ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبِدَايَةِ وَالْهِدَايَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَرَى لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي تَصْحِيحِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّامُ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لِلْعَهْدِ وَكَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حُكْمَ نَوْعٍ مَخْصُوصٍ فَقَطْ مِنْ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ مَا فَسَدَ بِالشُّرُوطِ، وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُ بَاقِي

صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ انْتَقَلَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ إذَا دَخَلَتْ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ تَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ فَكَانَ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ مَعْلُومًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْوَاعِهَا، وَهِيَ مَا فَسَدَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى، وَمَا فَسَدَ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا فَسَدَ بِالشُّيُوعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَتْرُوكُ الذِّكْرِ بِالْكُلِّيَّةِ غَيْرُ مُبَيَّنٍ أَصْلًا لَا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَلَا فِي الْبِدَايَةِ وَلَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهَذَا مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ إنْ انْدَفَعَ بِجَعْلِ اللَّامِ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لِلْعَهْدِ مَا قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ، يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالشُّرُوطِ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ فِيهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ حَانُوتًا سَنَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَرُمَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ هُنَاكَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، صَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ فَيَنْتَقِضُ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: الْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الَّتِي فَسَدَتْ بِالشُّرُوطِ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ اللَّامَ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ لِلْعَهْدِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، بَلْ هُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ فَسَادُ الْإِجَارَةِ بِسَبَبِ شَرْطٍ فَاسِدٍ لَا بِاعْتِبَارِ جَهَالَةِ الْمُسَمَّى وَلَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ هُنَاكَ مُسَمًّى مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمُسَمَّى إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ. فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَجْرٌ مُسَمًّى أَوْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَاوَزَ الْمُسَمَّى بِشَيْءٍ أَصْلًا لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْمُجَاوَزَةَ تَقْتَضِي الْحَدَّ الْمَعْلُومَ فَيَلْغُو أَنْ يُقَالَ هُنَاكَ: لَا يُجَاوَزُ الْمُسَمَّى بِأَجْرِ الْمِثْلِ. فَصَارَ مُلَخَّصُ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُسَمًّى مَعْلُومٌ فَحِينَئِذٍ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا، فَعُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسَمًّى مَعْلُومٌ، وَوُجُوبُ الْأَقَلِّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ هُنَاكَ مُسَمًّى مَعْلُومٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرَّاحَ جَعَلُوا وُجُوبَ الْأَقَلِّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى مَعْنَى مَجْمُوعِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فَوَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا، وَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ مَعْنَى آخِرَ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يُجَاوَزُ الْمُسَمَّى وَأَبْقَى أَوَّلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ وُجُوبُ عَيْنِ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فَعَلْنَاهُ كَانَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مُطْلَقًا مُسْتَوْفًى بِالْكُلِّيَّةِ فِي الْكِتَابِ، وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورَاتِ، فَتَأَمَّلْ وَكُنْ الْحَاكِمَ الْفَيْصَلَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَجَازَ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ: قُلْت: الْإِجَارَةُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُضَافَةِ، وَانْعِقَادُ الْإِجَارَةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَقَبْلَ الِانْعِقَادِ كَيْفَ تُفْسَخُ انْتَهَى، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَّا أَنَّ عَقْدَهَا قَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَلِمَ لَا يَكْفِي فِي جَوَازِ الْفَسْخِ كَوْنُ الْفَسْخِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَقْدِ، وَقَدْ مَرَّ

فَصَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ، وَإِذَا تَمَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ (وَلَوْ سَمَّى جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً. قَالَ (وَإِنْ سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ سَاعَةً) ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِتَرَاضِيهِمَا بِالسُّكْنَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، إلَّا أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنْ يَبْقَى الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي وَيَوْمِهَا؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ بَعْضَ الْحَرَجِ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ بِدُونِ التَّقْسِيمِ فَصَارَ كَإِجَارَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ كُلِّ يَوْمٍ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِمَّا سَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُطْلَقًا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسْبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، فَقَالُوا فِي تَوْجِيهِ تَرَاخِي الِانْعِقَادِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً مَعَ وُجُودِ عِلَّتِهِ فِي الْحَالِ، وَهِيَ الْعَقْدُ أَنَّ الِانْعِقَادَ حُكْمُ الشَّرْعِ، وَالْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ تُغَايِرُ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ فِي جَوَازِ انْفِكَاكِهَا مِنْ مَعْلُولَاتِهَا، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ قَبْلَ أَوَانِ الِانْعِقَادِ، وَلَمْ يَكْفِ كَوْنُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الِانْعِقَادِ لَمَا جَازَ فَسْخُ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْضًا بِعُذْرٍ أَوْ عَيْبٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ بِتَمَامِهَا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَحْدُثْ جُزْءٌ مِنْ الْمَنَافِعِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّهِ فَيَلْزَمُ الْفَسْخُ قَبْلَ الِانْعِقَادِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً. وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَمَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَفِي الْأَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ هَذَا جَائِزٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، فَإِنْ سَكَنَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ الْإِجَارَةُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْمَشَايِخِ فِي تَخْرِيجِ الْمَسْأَلَةِ. بَعْضُهُمْ قَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ جَائِزَةٌ، فَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الشُّهُورِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي، وَلَمْ يَفْسَخْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِجَارَةَ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الثَّانِيَ صَارَ كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا، بَلْ الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَمَا جَازَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا وَرَاءَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً لِتَعَامُلِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مُنْكِرٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ جَائِزَةً فِيمَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ لِنَوْعِ ضَرُورَةِ بَيَانِهَا أَنَّ مَوْضُوعَ الْإِجَارَةِ أَنْ لَا تُزِيلَ الرَّقَبَةَ عَنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ وَلَا تَجْعَلَهَا مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ الشَّهْرِ لَزَالَ رَقَبَةُ الْمُسْتَأْجِرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ سُكْنَاهَا وَلَا بَيْعَهَا وَلَا هِبَتَهَا أَبَدَ الدَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِجُمْلَةِ الشُّهُورِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْمُضِيِّ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ جَارِيَةً فِي الشَّهْرِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ. وَقَالَ: إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ بَعْدَ هَذَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ إمْكَانِ الْفَسْخِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السَّاعَةِ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ فَكُلَّمَا أَهَلَّ الْهِلَالُ مَضَى رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُضِيِّ وَقْتَ الْخِيَارِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ. وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَحَدُ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَسَخْتُ الْإِجَارَةَ فَيَتَوَقَّفُ هَذَا الْفَسْخُ إلَى انْقِضَاءِ الشَّهْرِ، وَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ وَأَهَلَّ الْهِلَالُ عَمِلَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ عَمَلَهُ وَنَفَذَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي وَقْتِهِ، وَالْفَسْخُ إذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي وَقْتِهِ يَتَوَقَّفُ إلَى وَقْتِ نَفَاذِهِ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْبَلْخِيّ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبُيُوعِ: اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَحُمَّ الْعَبْدُ وَفَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْفُذْ هَذَا الْفَسْخُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ تَزُولَ الْحُمَّى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَقَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ: رَبُّ الْمَالِ إذَا فَسَخَ الْمُضَارَبَةَ وَقَدْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا لَمْ يَنْفُذْ الْفَسْخُ لِلْحَالِ بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَيَنْفُذُ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ، كَذَا هَاهُنَا، أَوْ يَقُولَ: الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ فِي خِلَالِ الشَّهْرِ فَسَخْتُ الْعَقْدَ رَأْسَ الشَّهْرِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ، وَيَكُونُ هَذَا فَسْخًا مُضَافًا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَصِحُّ مُضَافًا، فَكَذَا فَسْخُهُ يَصِحُّ مُضَافًا أَوْ يَفْسَخُ الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَيَوْمِهَا، وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ رَأْسَ الشَّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ، وَهُوَ السَّاعَةُ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ رَأْسَ الشَّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ أَوْ يَوْمُهَا وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَقْضِيَنَّ حَقَّ فُلَانٍ رَأْسَ الشَّهْرِ فَقَضَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ أَوْ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِنَوْعِ إجْمَالٍ مِنْهُ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ عِبَارَةُ الْأَئِمَّةِ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ. وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانٍ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ: رَجُلٌ آجَرَ دَارِهِ أَوْ حَانُوتَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ عِنْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ، وَالْمُصَنِّفُ قَالَ هَاهُنَا، وَإِذَا تَمَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْعِبَارَاتِ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ خِيَارِ الْفَسْخِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَدُخُولِ رَأْسِ الشَّهْرِ الثَّانِي لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَدَلَالَةُ ذَيْنِك الطَّرِيقَيْنِ عَلَى أَنْ يَثْبُتَ لَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ فِي خِلَالِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قَبْلَ تَمَامِهِ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ نَفَاذُ الْفَسْخِ وَتَأْثِيرُهُ فِي ذَيْنِك الطَّرِيقَيْنِ أَيْضًا عِنْدَ أَنْ يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ، وَأَهَلَّ هِلَالُ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ التَّكَلُّمُ بِالْفَسْخِ فِيهِمَا فِي خِلَالِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ظُهُورَ أَثَرِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَدُخُولِ رَأْسِ الشَّهْرِ الثَّانِي. هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ الطَّرِيقَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ، وَإِنْ كَانَ يَنْبُو عَنْهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ رَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيْضًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مُنْكِرٍ، إلَّا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارَ الْفَسْخِ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ لِنَوْعِ ضَرُورَةٍ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيْضًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ لَا يُعْتَبَرُ. انْتَهَى. أَقُولُ: بَلْ لَا مَعْنَى لِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ إذَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مُنْكِرٍ فَقَدْ حَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَقَعَ كَذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ بِجَوَازِ الْعَقْدِ فِي كُلِّ الشُّهُورِ، وَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ وَالدَّلِيلُ الَّذِي خَالَفَهُ التَّعَامُلُ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ كَوْنُ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ مُفْسِدَةً لِلْعَقْدِ، وَهُوَ مُوجِبُ الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ أَصْلًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْقَطْعِيُّ فِي مُقَابَلَتِهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْسِدَةَ لِلْعَقْدِ إنَّمَا هِيَ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ دُونَ مُطْلَقِ الْجَهَالَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، وَجَهَالَةُ الْمُدَّةِ فِيمَا

وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ عَلَى السَّوَاءِ فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ (ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ حِينَ يَهُلُّ الْهِلَالُ فَشُهُورُ السَّنَةِ كُلِّهَا بِالْأَهِلَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ (وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْكُلُّ بِالْأَيَّامِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ يُصَارُ إلَيْهَا ضَرُورَةً، وَالضَّرُورَةُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا. وَلَهُ أَنَّهُ مَتَى تَمَّ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ ابْتَدَأَ الثَّانِيَ بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَهَكَذَا إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ: (وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْحَجَّامِ) أَمَّا الْحَمَّامُ فَلِتَعَارُفِ النَّاسِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْجَهَالَةُ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَأَمَّا الْحَجَّامُ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ الْأُجْرَةَ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَيَقَعُ جَائِزًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْنُ فِيهِ لَيْسَتْ بِمُفْضِيَةٍ إلَى النِّزَاعِ، إذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ الْعَقْدِ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ فَكَيْفَ يَقَعُ النِّزَاعُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ عَلَى السَّوَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِهِ لِذِكْرِ الشُّهُورِ مَنْكُورًا وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ السَّنَةُ دُونَ الشُّهُورِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ بِالصَّوْمِ أَيْضًا مَنْكُورٌ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ مُخْتَلِفٌ. وَالصَّوَابُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ كُلَّ الْأَوْقَاتِ مَحَلٌّ لِلْإِجَارَةِ، إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ وَقْتٍ مَا أَصْلًا، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ تَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ عَلَى صِيغَةِ بِنَاءِ الْمَفْعُولِ: أَيْ يُبْصَرُ الْهِلَالُ وَقَالَ: أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فَسَّرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ حِينَ يُهَلُّ بِقَوْلِهِ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بَلْ هُوَ أَوَّلُ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ» وَالْمُرَادُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ. قَالَ: (وَلَا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْأَذَانِ وَالْحَجِّ، وَكَذَا الْإِمَامَةُ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبَ النِّهَايَةِ قَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ يُهَلُّ الْهِلَالُ بِقَوْلِهِ: أَيْ يُبْصَرُ الْهِلَالُ، فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ حِينَ يُبْصَرُ الْهِلَالُ وَهُوَ أَوَّلُ اللَّيْلَةِ مِنْ الشَّهْرِ قَطْعًا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ تَفْسِيرَ مَعْنَى قَوْلِهِ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ، إذْ قَدْ عُلِمَ مَعْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِهِ السَّابِقِ قَطْعًا، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ، وَهُوَ أَوَّلُ اللَّيْلَةِ مِنْ الشَّهْرِ لِتَعَسُّرِ كَوْنِ الْعَقْدِ فِيهِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيُّ وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِرَأْسِ الشَّهْرِ فِي قَوْلِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ رَأْسَ الشَّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ، وَهُوَ السَّاعَةُ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ بَلْ رَأْسُ الشَّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَيَوْمُهَا فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ

«اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» وَفِي آخِرِ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «وَإِنْ اُتُّخِذْتَ مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى حَصَلَتْ وَقَعَتْ عَنْ الْعَامِلِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ أَهْلِيَّتُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْمُعَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ. وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَلَاهِي) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ. قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ، وَقَالَا: إجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ) وَصُورَتُهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَصِيبًا مِنْ دَارِهِ أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّظَرُ الْمَزْبُورُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى حَصَلَتْ وَقَعَتْ عَلَى الْعَامِلِ إلَخْ) أَقُولُ: يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ كَحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيهِ «حُجِّي عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرِي» فَإِنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي وُقُوعِ الْقُرْبَةِ عَنْ غَيْرِ الْعَامِلِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الدَّلِيلِ: وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى وَقَعَتْ يَقَعُ ثَوَابُهَا لِلْفَاعِلِ لَا لِغَيْرِهِ. اهـ. أَقُولُ: يُخَالِفُ هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْكَافِي أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً كَانَتْ أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ غَيْرَهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ» فَجَعَلَ ثَوَابَ تَضْحِيَةِ إحْدَى الشَّاتَيْنِ لِأُمَّتِهِ. اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْمُعَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ الْمُعَلِّمَ لَا يَسْتَقِلُّ فِي التَّعْلِيمِ بِشَيْءٍ أَصْلًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ التَّلْقِينَ وَالْإِلْقَاءَ فِعْلُ الْمُعَلِّمِ وَحْدَهُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْمُتَعَلِّمِ، وَإِنَّمَا وَظِيفَتُهُ الْأَخْذُ وَالْفَهْمُ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ لِلْمُتَعَلِّمِ أَيْضًا مَدْخَلًا فِي ظُهُورِ أَثَرِ التَّعْلِيمِ وَفَائِدَتِهِ فَإِنَّ الْمُتَعَلِّمَ مَا لَمْ يَأْخُذْ مَا أَلْقَاهُ الْمُعَلِّمُ وَلَمْ يَفْهَمْ مَا لَقَّنَهُ لَمْ يَظْهَرْ لِتَعْلِيمِهِ أَثَرٌ وَفَائِدَةٌ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَلْتَزِمُهُ الْمُعَلِّمُ إنَّمَا هُوَ فِعْلُ نَفْسِهِ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا فِعْلُ الْآخَرِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى فِعْلُ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: التَّعْلِيمُ وَالتَّعَلُّمُ مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ، وَمُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، فَيَئُولُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ إلَى أَخْذِهَا عَلَى التَّعَلُّمِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْغَيْرِ. قُلْت: اتِّحَادُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ بِالذَّاتِ أَمْرٌ غَيْرُ وَاضِحٍ بَلْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَلَوْ سُلِّمَ كَفِي التَّغَايُرُ الِاعْتِبَارِيُّ لَنَا إذْ لَا شَكَّ فِي اخْتِلَافِ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَلْيَكُنْ فِي أَخْذِهِ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا: اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَقُولُ: فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الثَّانِي وَالدَّلِيلِ الثَّالِثِ الْمَارَّيْنِ آنِفًا أَنْ لَا يُمْكِنَ تَحَقُّقُ مَاهِيَّةِ الْإِجَارَةِ، وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ

دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ. لَهُمَا أَنَّ لِلْمُشَاعِ مَنْفَعَةً وَلِهَذَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالتَّخْلِيَةُ اُعْتُبِرَتْ تَسْلِيمًا لِوُقُوعِهِ تَمْكِينًا وَهُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّمَكُّنُ وَلَا تَمَكُّنَ فِي الْمُشَاعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ فِيهِ، وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِلْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ، وَحُكْمُ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطُ الْعَقْدِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمُتَرَاخِي سَابِقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَظَائِرِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا الْتَزَمَهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ اسْتِحْسَانُ الِاسْتِئْجَارِ فِي هَاتِيك الصُّوَرِ، وَصِحَّةُ اسْتِحْسَانِهِ فَرْعُ إمْكَانِ تَحَقُّقِ مَاهِيَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ الْقَوِيِّ لَعَلَّهُ مِمَّا تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ إلَّا أَنْ لَا يُسَلَّمَ صِحَّةُ ذَيْنِك الدَّلِيلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِلْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ، إلَى قَوْلِهِ لَا يُعْتَبَرُ الْمُتَرَاخِي سَابِقًا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا أَوْ بِالتَّهَايُؤِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّهَايُؤَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدُ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالتَّهَايُؤِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الشَّيْءِ بِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ثُبُوتًا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ، أَمَّا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَبِأَنْ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا إنَّ التَّهَايُؤَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، بَلْ يَقُولَانِ يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ بِهِ، فَكَمَا أَنَّ التَّسْلِيمَ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ شَرْطٌ فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي التَّهَايُؤِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ فَبِأَنْ قَالَ يَجُوزُ ثُبُوتُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ثُبُوتًا، وَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْهُ. اهـ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَدَارُ مَا قَالَهُ صَاحِبَاهُ عَلَى أَنَّ التَّهَايُؤَ هُوَ الْقُدْرَةُ حَتَّى يَصِحَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا إنَّ التَّهَايُؤَ هُوَ الْقُدْرَةُ، بَلْ قَالَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ بِهِ، بَلْ ذَاكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فِي قَوْلِهِمَا وَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ

وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ فَالْكُلُّ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا شُيُوعَ، وَالِاخْتِلَافُ فِي النِّسْبَةِ لَا يَضُرُّهُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَقَعُ جُمْلَةً ثُمَّ الشُّيُوعُ بِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا طَارِئٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِالتَّهَايُؤِ يَقْتَضِي جَوَازَ كَوْنِ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ بِثُبُوتِ التَّهَايُؤِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ أَنْ يُقَالَ ثُبُوتُ التَّهَايُؤِ بَلْ ثُبُوتُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّهَايُؤِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ تَحَقُّقِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِلْعَقْدِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ. وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعَقْدِ لِكَوْنِهَا شَرْطَ جَوَازِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الْمُتَقَدِّمِ بِثُبُوتِ الْمُتَأَخِّرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمُتَرَاخِي سَابِقًا وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ أَصْلًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ ثُبُوتِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ثُبُوتًا كَمَا فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ، وَلَكِنْ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ لَيْسَ مِنْهُ لَا مَحَالَةَ، إذْ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي أَنْ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمَا وَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِلْمِ بِإِمْكَانِ التَّسْلِيمِ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ ثُبُوتَ نَفْسِ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ: أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ، وَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا ذَلِكَ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَيْضًا مَا أُرِيدَ بِهِ هُنَالِكَ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَيْسَ لِقَوْلِهِ هَذَا تَعَلُّقٌ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يُجْعَلَ تَمْهِيدًا لِلْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِمَا أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ، لَكِنْ فِي قَوْلِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ نَبْوَةً عَنْ ذَلِكَ تُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا دَفْعُ إشْكَالٍ يَرُدُّ عَلَى دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ هُنَاكَ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِهَذَا تَعَلُّقًا ظَاهِرًا بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَنْ يُجْعَلَ تَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَقَعُ جُمْلَةً ثُمَّ الشُّيُوعُ بِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا طَارِئٌ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: الشُّيُوعُ

قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ فَإِنَّهَا عَقْدٌ مُضَافٌ يُعْقَدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَكَانَ الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ. قُلْت: بَقَاءُ الْإِجَارَةِ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يَكُونُ مُقَارِنًا. اهـ كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ جَوَابَهُ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ طَارِئٌ بَلْ هُوَ مُقَارِنٌ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً. أُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاءَ الْإِجَارَةِ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يَكُونُ مُقَارِنًا. وَقَالَ: وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْغَيْرَ اللَّازِمِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِلْبَقَاءِ فِيهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ هُنَا ابْتِدَاءٌ وَبَقَاءٌ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ يَقُولُ لَا بَقَاءَ لِلْعَقْدِ فِيهَا. اهـ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ أَصْلِ رَدِّهِ وَعِلَاوَتِهِ فَاسِدٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُجِيبِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ نَاظِرٌ إلَى قَوْلِهِ دُونَ وَجْهٍ، أَوْ إلَى مَجْمُوعِ قَوْلِهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، لَا إلَى قَوْلِهِ مِنْ وَجْهٍ وَحْدَهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ رَدَّهُ كَمَا تَرَى، فَمَعْنَى الْجَوَابِ أَنَّ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الْغَيْرَ اللَّازِمِ يَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَكُنْ الشُّيُوعُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَكُنْ الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ وَالْمُقَارِنِ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَوَهَّمَ الْعَكْسَ حَتَّى طَوَى فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ قَوْلَ الْمُجِيبِ دُونَ وَجْهٍ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْجَوَابَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ دَافِعًا لِلسُّؤَالِ أَصْلًا بَلْ يَكُونُ مُقَوِّيًا لَهُ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْبَقَاءِ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مِمَّا لَمْ يُنَازِعْ فِيهِ أَحَدٌ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا، وَأَنَّ الْعَقْدَ، وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الصَّادِرَانِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعَ ارْتِبَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَاقٍ شَرْعًا بِبَقَاءِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى السَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً هُوَ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ الْحَادِثَةُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِمَّا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مُنْكَشِفٌ بِمَا ذُكِرَ هَاهُنَا فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَهُوَ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ بِأَنْ آجَرَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ بِأَنْ آجَرَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْحَيِّ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ صَبِيحٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسْبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الشُّيُوعِ الْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَبْقَى الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ تَجَدُّدَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا أَصْلُ الْعَقْدِ فَمُنْعَقِدٌ لَازِمٌ فِي الْحَالِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى الشُّيُوعُ طَارِئٌ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ لَيْسَ نَظِيرَ الْمُقَارِنِ، كَمَا فِي الْهِبَةِ إذَا، وَهَبَ كُلَّ الدَّارِ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ رَجَعَ فِي نِصْفِهَا، انْتَهَى مَا فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ إجَارَةِ الظِّئْرِ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلِأَنَّ التَّعَامُلَ بِهِ كَانَ جَارِيًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَهُ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ قِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ وَهِيَ خِدْمَتُهَا لِلصَّبِيِّ وَالْقِيَامُ بِهِ وَاللَّبَنُ يُسْتَحَقُّ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ. وَقِيلَ إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ، وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ لَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْنِ مَقْصُودًا، وَهُوَ اللَّبَنُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا، لَكِنْ جَوَّزْنَاهَا اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ، وَهُوَ اللَّبَنُ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى فِعْلِ التَّرْبِيَةِ وَالْحَضَانَةِ وَخِدْمَةِ الصَّبِيِّ، وَاللَّبَنُ يَدْخُلُ فِيهَا تَبَعًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ الثَّوْبَ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ. وَطَرِيقُ الْجَوَازِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَقْدَ وَارِدًا عَلَى فِعْلُ الصَّبَّاغِ وَالصَّبْغُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا، فَلَمْ تَكُنْ الْإِجَارَةُ وَارِدَةً عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ مَقْصُودًا، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ فَصْلِ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ مَقْصُودًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: هَذَا تَحْرِيرٌ رَكِيكٌ بَلْ مُخْتَلٌّ؛ لِأَنَّ الْمَشَايِخَ قَدْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ مَاذَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْمَنَافِعُ، وَهِيَ خِدْمَتُهَا لِلصَّبِيِّ، وَاللَّبَنُ يَقَعُ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاللَّبَنُ وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ، وَمَدَارُ مَا ذَكَرَ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي. وَمَدَارُ مَا ذَكَرَ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ بِقَوْلِهِ، وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ إلَخْ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، فَهَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا إنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا لَكِنْ جَوَّزْنَاهَا اسْتِحْسَانًا، فَيَذْكُرُ فِي وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَعْنَى هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ، وَفِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مَا يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فِي مَعْنَاهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَجْهُ الْقِيَاسِ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْآخَرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، فَلَا يُوجَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَزْبُورِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ ذَلِكَ الْقِيَاسِ رَأْسًا لَا تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ تَقَرُّرِ ثُبُوتِهِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا عُرِفَ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] قَالَ الشُّرَّاحُ: يَعْنِي بَعْدَ الطَّلَاقِ. أَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ؛ لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا، وَهِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهَا لَمْ يَجُزْ انْتَهَى. وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَوْجِيهَ كَلَامِهِمْ فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: يَعْنِي بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَقَالَ: إذْ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ قَبْلَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَيْضًا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا فِي الْكِتَابِ فِيمَا مَرَّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةً وَاحِدَةً،

وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى إتْلَافِ الْأَعْيَانِ مَقْصُودًا، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً؛ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا. وَسَنُبَيِّنُ الْعُذْرَ عَنْ الْإِرْضَاعِ بِلَبَنِ الشَّاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةِ النَّهْيِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى إتْلَافِ الْأَعْيَانِ مَقْصُودًا إلَخْ) الْقَوْلُ الْأَوَّلُ اخْتِيَارُ صَاحِبَيْ الذَّخِيرَةِ وَالْإِيضَاحِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَرَى. وَالْقَوْلُ الثَّانِي اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، وَهُوَ الْقِيَامُ بِخِدْمَةِ الصَّبِيِّ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَأَمَّا اللَّبَنُ فَتَبَعٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ وَالْعَيْنُ لَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ كَلَبَنِ الْأَنْعَامِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ مَنْفَعَةُ الثَّدْيِ، وَمَنْفَعَةُ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حَسْبِ مَا يَلِيقُ بِهِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ قَالَ: اسْتِحْقَاقُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَجَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَعَجَّبَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ مَا أَعْرَضَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بَعْدَ أَنْ رَأَى مِثْلَ هَذَا الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ وَالرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ رَوَى تَعَجُّبَهُ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ تَقْلِيدٌ صِرْفٌ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْإِرْضَاعُ وَانْتِظَامُ أَمْرِ مَعَاشِ الصَّبِيِّ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ يَتَعَلَّقُ بِأُمُورٍ وَوَسَائِطَ مِنْهَا اللَّبَنُ فَجَعَلَ الْعَيْنَ الْمَرْئِيَّةَ مَنْفَعَةً. وَنَقْضُ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عُقِدَ عَلَى إتْلَافِ الْمَنَافِعِ مَعَ الْغِنَى عَنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ وَجْهٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَلَا يَتَشَبَّثُ لَهُ بِمَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: اسْتِحْقَاقُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَجَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَئِنْ كَانَ فَنَحْنُ مَا مَنَعْنَا أَنْ يُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: خَاتِمَةُ كَلَامِهِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ، إذْ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَقْصُودًا لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ اسْتِحْقَاقُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَقْصُودًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبْغَ فِي الثَّوْبِ يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ تَبَعًا مَعَ أَنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَطْعًا. ثُمَّ إنَّ لِلشَّارِحِ الْعَيْنِيِّ هَاهُنَا كَلِمَاتٍ كَثِيرَةً مُزَخْرَفَةً ذَكَرَهَا تَقْوِيَةً لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَرَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي رَدِّهِ عَلَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ، فَإِنْ ذَكَرْنَا كُلَّهَا وَبَيَّنَّا حَالَهَا الْتَزَمْنَا الْإِطْنَابَ بِلَا طَائِلٍ، وَلَكِنْ لَا عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ نُبَذًا مِنْ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: قُلْت قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ الَّتِي تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَنَافِعِ فَيَجُوزُ إجَارَتُهَا كَالْعَارِيَّةِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِالْمَتَاعِ ثُمَّ يَرُدُّهُ، وَالْعَرِيَّةِ لِمَنْ يَأْكُلُ ثَمَرَةَ الشَّجَرَةِ ثُمَّ يَرُدُّهَا، وَالْمِنْحَةِ لِمَنْ يَشْرَبُ لَبَنَ الشَّاةِ ثُمَّ يَرُدُّهَا، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَكَيْفَ يَقُولُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَكَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ الصَّالِحِينَ وَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ رَكْعَةً. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلُّ مَا قَالَهُ فِي الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ فَاسِدٌ. أَمَّا مَا قَالَهُ فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ مَعْنَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ شَيْئًا فَشَيْئًا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا بَقَاءٌ أَصْلًا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ

وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً اعْتِبَارًا بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْخِدْمَةِ. قَالَ: (وَيَجُوزُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَجْهُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلْخَبْزِ وَالطَّبْخِ. لَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ فَصَارَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، بِخِلَافِ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ زَمَانَيْنِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فِي الْأَعْيَانِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَعْيَانُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إجَارَةُ الْأَعْيَانِ قَطْعًا، إذْ حَقِيقَةُ الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ دُونَ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ، فَإِنَّ تَمْلِيكَ الْأَعْيَانِ بِعِوَضٍ هُوَ الْبَيْعُ لَا غَيْرُ، وَهَذَا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّنْظِيرَاتِ أَوْ التَّشْبِيهَاتِ مِمَّا لَا يُجْدِي شَيْئًا. أَمَّا صُورَةُ الْعَارِيَّةِ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ هُنَاكَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَإِنَّمَا الِانْتِفَاعُ بِالْمَنَافِعِ فَلَا مِسَاسَ لَهَا لِمَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا الصُّورَتَانِ الْأُخْرَيَانِ فَلِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ لَكِنْ لَا بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، إذْ الْكَلَامُ فِي أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَرِدُ عَلَى الْأَعْيَانِ لَا أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا. وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي الْآخِرِ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ رِوَايَةُ الْجَامِعَيْنِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْمَبْسُوطِ. وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ غَيْرُهَا، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ شَائِعًا فِيمَا بَيْنَهُمْ مَذْكُورٌ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى قَدْ صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً حَتَّى ذَلِكَ الشَّارِحُ نَفْسُهُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَيْضًا هَاهُنَا بِقَوْلِهِ إنَّ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ تِلْكَ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّتِي هِيَ رِوَايَةُ الْمُعْتَدِّ بِهَا جِدًّا، وَكَوْنُ ابْنِ سِمَاعَةَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ مِمَّا لَا يُقْدَحُ فِي ذَلِكَ قَطْعًا، وَمَا الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَّا مِنْ الْغَفُولِ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِ ظَاهِرِهَا فَكَأَنَّهُ نَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً اعْتِبَارًا بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْخِدْمَةِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا: يَعْنِي مِنْ جَوَازِ الْإِجَارَةِ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا مَا يَعُمُّ الطَّرِيقَيْنِ لَمَا تَمَّ قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْخِدْمَةِ: أَيْ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي، فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْخِدْمَةِ يَقَعُ عَلَى إتْلَافِ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودًا لَا مَحَالَةَ، وَفِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ يَقَعُ عَلَى إتْلَافِ الْعَيْنِ مَقْصُودًا عَلَى مُوجِبِ الطَّرِيقِ الثَّانِي فَكَيْفَ يَصِحُّ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. فَالْحَقُّ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا مَا اخْتَارَهُ مِنْ رُجْحَانِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي، وَعَنْ هَذَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَخَّرَ ذِكْرَ الْقِيَاسِ إلَى هُنَا، فَإِنَّ إثْبَاتَهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَمَشٍّ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ فَنَاسَبَ ذِكْرَهُمَا مُتَّصِلًا بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا إثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ فَمُخْتَصٌّ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ بَعْدَ تَفْصِيلِ الطَّرِيقَيْنِ

وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعُ الطَّعَامَ مَكَانَهُ، وَهَذَا لَا جَهَالَةَ فِيهِ (وَلَوْ سَمَّى الطَّعَامَ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ جَازَ أَيْضًا) لِمَا قُلْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيَانُ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ، فَبِهَذَا التَّحْقِيقِ ظَهَرَ سُقُوطُ السُّؤَالِ وَرَكَاكَةُ الْجَوَابِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عَلِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ جَوَازَهَا حَيْثُ صَدَّرَ الْحُكْمَ فَاسْتَدَلَّ فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْكَلَامِ؟ . قُلْت: أَثْبَتَ جَوَازَهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْقِيَاسِ، انْتَهَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَيْ سَمَّى الدَّرَاهِمَ الْمُقَدَّرَةَ بِمُقَابَلَةِ طَعَامِهَا ثُمَّ أَعْطَى الطَّعَامَ بِإِزَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمُسَمَّاةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يُسْتَفَادُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ حَتَّى يَصِحَّ طَعْنُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَقَبُولِهِ هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ بُعْدًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صُيِّرَ إلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ: أَيْ لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ تَقْدِيرُهُ إنْ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ جَازَ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَوَّلُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ، وَلَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَصْلًا آخِرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ: لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى بَدَلَ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ لَا غَيْرُ. انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَلَهُ اشْتِرَاكٌ فِي الْآخَرِ مَعَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي أَوَّلِهِ تَفْصِيلٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي أَوَّلِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ فُهِمَ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ مِنْ الْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ فِي لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ الْمَعْنَيَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي انْفِهَامِ الْبَعْضِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَعَدَمِ انْفِهَامِ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْهُمَا مِنْهُ، وَإِلَّا كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَكْثَرَ بُعْدًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الثَّالِثِ وَقَبُولِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَوْ قَدَّرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةً بَدَلًا بِأَنْ يُقَالَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ بَدَلًا آلَ إلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ أَنَّ تَقْدِيرَ بَدَلًا بَعْدَ أَنْ أَخَذَتْ كَلِمَةُ أَنْ يَجْعَلَ مَفْعُولَيْهَا رَكِيكٌ مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابِ، وَالْمَعْنَى: فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ مَعَ مُلَاحَظَةِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَوْجِيهَيْنِ آخَرَيْنِ لِلَّفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ لِلطَّعَامِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ هُوَ التَّعْيِينُ: أَيْ عَيْنُ الطَّعَامِ بِدَرَاهِمَ وَتَعْدِيَتُهُ إلَى دَرَاهِمَ بِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ تَأَمَّلْ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: كِلَا التَّوْجِيهَيْنِ مَجْرُوحٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ غَيْرِ أَنْ وَأَنَّ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يُسْمَعُ نَحْوُ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ ذَنْبًا: أَيْ مِنْ ذَنْبٍ وَبَغَاهُ الْخَيْرَ: أَيْ بَغَى لَهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يُسْمَعُ فَلَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ حَذْفُ الْجَارِّ مِنْ إيَّاكَ مِنْ الْأَسَدِ إذْ لَمْ يُسْمَعْ، وَعَنْ هَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تَقُلْ إيَّاكَ الْأَسَدَ لِامْتِنَاعِ تَقْدِيرِ مِنْ. انْتَهَى. وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا لَمْ يُسْمَعْ فَلَا يَجُوزُ نَزْعُ الْخَافِضِ: أَيْ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ

وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّ أَوْصَافَهَا أَثْمَانٌ. (وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ (وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ أَيْضًا مَعَ بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إذَا صَارَ مَبِيعًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَبِيعًا عِنْدَ الْأَجَلِ كَمَا فِي السَّلَمِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّ الزَّوْجِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ، إلَّا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَمْنَعُهُ عَنْ غِشْيَانِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ حَقُّهُ (فَإِنْ حَبِلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ إذَا خَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ لَبَنِهَا) ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يُفْسِدُ الصَّبِيَّ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ الْفَسْخُ إذَا مَرِضَتْ أَيْضًا (وَعَلَيْهَا أَنْ تُصْلِحَ طَعَامَ الصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيمَا لَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُرْفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَابِ، فَمَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنْ غَسْلِ ثِيَابِ الصَّبِيِّ وَإِصْلَاحِ الطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الظِّئْرِ أَمَّا الطَّعَامُ فَعَلَى وَالِدِ الْوَلَدِ، وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الدُّهْنَ وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَذَلِكَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ. (وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِعَمَلٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، فَإِنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعَمَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِهَذَا التَّوْجِيهِ مَعَ ظُهُورِهِ جِدًّا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ هُوَ التَّعْيِينَ لَا يَصِحُّ تَعْدِيَتُهُ إلَى دَرَاهِمَ بِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَى التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، إذْ لَا يَجُوزُ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ، وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَشْتَرِطُ تَأْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ أَوْصَافَهَا أَثْمَانٌ) قَالَ كَثِيرٌ مِنْ ثِقَاتِ الشُّرَّاحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْصَافَهَا: أَيْ أَوْصَافُ الطَّعَامِ عَلَى تَأْوِيلِ الْحِنْطَةِ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَا يَعُمُّ الْحِنْطَةَ وَغَيْرَهَا، فَكَيْفَ يَتِمُّ تَأْوِيلُ ذَلِكَ بِالْخَاصِّ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْعَامِّ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ هُوَ الطَّعَامُ بِتَأْوِيلِ كَوْنِهِ أُجْرَةً فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْأُجْرَةَ أَوْصَافُهَا أَوْصَافُ أَثْمَانٍ فَلَا يَشْتَرِطُ تَأْجِيلَهَا، بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ كَمَا سَنَذْكُرُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةُ بَعْدَ أَنْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَشْتَرِطُ تَأْجِيلَهُ: أَيْ تَأْجِيلَهُ الطَّعَامَ الْمُسَمَّى أُجْرَةً سَلَكَ فِي تَأْوِيلِ تَأْنِيثِ ضَمِيرِ أَوْصَافِهَا مَسْلَكَ سَائِرِ الشُّرَّاحِ مِنْ التَّأْوِيلِ بِالْحِنْطَةِ وَقَدْ عَرَفْت. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ) فِي الصِّحَاحِ الْوَجُورُ الدَّوَاءُ يُوجَرُ فِي وَسَطِ الْفَمِ: أَيْ يُصَبُّ، تَقُولُ مِنْهُ وَجَرْتُ الصَّبِيَّ وَأَوْجَرْتُهُ بِمَعْنَى. اهـ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ هَذَا إيجَارًا لَا إرْضَاعًا فَلَا مَعْنَى؛ لَأَنْ

قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ حِمَارًا يَحْمِلُ طَعَامًا بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولَ فِي الْكِتَابِ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ أَوْجَرَتْهُ بَدَلَ، وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُشَاكَلَةِ بِمُلَابَسَةِ مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الظِّئْر الَّتِي وَظِيفَتُهَا الْإِرْضَاعُ تَأَمَّلْ. فَإِنْ قِيلَ: الظِّئْر أَجِيرٌ خَاصٌّ أَوْ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَلَوْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ يَدِهَا أَوْ وَقَعَ فَمَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْ حُلِيِّ الصَّبِيِّ أَوْ مِنْ ثِيَابِهِ شَيْءٌ لَمْ تَضْمَنْ الظِّئْرُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، فَإِنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنَافِعِهَا فِي الْمُدَّةِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ. اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَجِيرًا خَاصًّا وَأَنْ تَكُونَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الذَّخِيرَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ آجَرَتْ الظِّئْرُ نَفْسَهَا مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ تُرْضِعُ صِبْيَانَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَهْلُهَا الْأَوَّلُونَ حَتَّى يَفْسَخُوا هَذِهِ الْإِجَارَةَ فَأَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفَرَغَتْ فَقَدْ أَثِمَتْ، وَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ. اهـ. وَجْهُ الدَّلَالَةِ عَلَى احْتِمَالِهِمَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَجِيرَ وَحْدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا وَأَثِمَتْ بِمَا صَنَعَتْهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اسْتَحَقَّتْ الْأَجْرَ كَامِلًا وَلَا تَأْثَمُ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا، فَقُلْنَا بِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَامِلًا لِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَبِأَنَّهَا تَأْثَمُ لِشَبَهِهَا بِأَجِيرِ الْوَحْدِ. هَذَا زُبْدَةُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَاهُنَا وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى دَلَالَةِ لَفْظِ الْمَبْسُوطِ عَلَى كَوْنِهَا أَجِيرًا خَاصًّا حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لَا عَيْنَهُ. انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِدَلَالَةِ لَفْظِ الْمَبْسُوطِ عَلَيْهِ دَلَالَةُ قَوْلِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنَافِعِهَا فِي الْمُدَّةِ، وَتَنْوِيرُهُ بِقَوْلِهِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ؛ لِأَنَّ وُرُودَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي الْمُدَّةِ وَعَدَمُ جَوَازِ إيجَارِ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ خَوَاصِّ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ.

وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ، لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ وَهُوَ بَعْضُ الْمَنْسُوجِ أَوْ الْمَحْمُولِ. إذْ حُصُولُهُ بِفِعْلِ الْأَجِيرِ فَلَا يُعَدُّ هُوَ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ هِيَ عَيْنُ جِنْسِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنْ قَدَّمَ الْمُسْتَأْجِرُ ذِكْرَ الْمُدَّةِ بِأَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُكِ سَنَةً لِتُرْضِعِي وَلَدِي هَذَا تَكُونُ خَاصًّا، وَإِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَمَلِ تَكُونُ مُشْتَرَكًا عَلَى قِيَاسِ مَا قِيلَ فِي اسْتِئْجَارِ الرَّاعِي. اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ الْجَوَابُ بِتَامٍّ إذْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَتْ الظِّئْرُ أَجِيرًا خَاصًّا عَلَى الثَّبَاتِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمُسْتَأْجِرُ ذِكْرَ الْمُدَّةِ لَمَا اسْتَحَقَّتْ الْأَجْرَ كَامِلًا إذَا آجَرَتْ نَفْسَهَا مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ لِتُرْضِعَ صِبْيَانَهُمْ مَعَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّهُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ وَلَكِنْ تَأْثَمُ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَذُكِرَ فِي سَائِرُ الْمُعْتَبَرَاتِ أَيْضًا. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ بَعْدَ بَيَانِ اسْتِحْقَاقِهَا الْأَجْرَ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ: وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ لِلظِّئْرِ اسْتَأْجَرْتُكِ لِتُرْضِعِي وَلَدِي هَذَا سَنَةً بِكَذَا؛ لِأَنَّ الظِّئْرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَوْقَعَ الْعَقْدَ أَوَّلًا عَلَى الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُشْكِلُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا اسْتَأْجَرْتُك سَنَةً لِتُرْضِعِي وَلَدِي هَذَا بِكَذَا؛ لِأَنَّهَا أَجِيرُ وَحْدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْمُدَّةِ أَوَّلًا، وَلَيْسَ لِأَجِيرِ الْوَحْدِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ. وَإِذَا آجَرَ لَا يَسْتَحِقُّ تَمَامَ الْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ وَيَأْثَمُ. وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أَجِيرَ الْوَحْدِ فِي الرَّضَاعِ يُشْبِهُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُ إيفَاءُ الْعَمَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَمَامِهِ كَمَا فِي الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ، ثُمَّ لَوْ كَانَتْ أَجِيرَ وَحْدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا عَلَى الْأَوَّلِ وَتَأْثَمُ بِمَا صَنَعَتْهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اسْتَحَقَّتْ الْأَجْرَ كَامِلًا، وَلَمْ تَأْثَمْ فَإِذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا قُلْنَا بِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَامِلًا لِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقُلْنَا بِأَنَّهَا تَأْثَمُ لِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْوَحْدِ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ بِمُجَرَّدِ تَقْدِيمِ الْمُسْتَأْجِرِ ذِكْرَ الْمُدَّةِ لَا يَتِمُّ كَوْنُ الظِّئْرِ أَجِيرَ وَحْدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَاعْتِبَارِ الشَّبَهَيْنِ كَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَاخْتَارَهُ الشُّرَّاحُ فِي الْجَوَابِ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ عُرْفُ دِيَارِنَا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ؟ قُلْنَا: لَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَمِثْلُهُ لَا يُتْرَكُ بِالْعُرْفِ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: سَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ أَطْلَقَ الْقِيَاسَ عَلَى مَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَقَالَ يُتْرَكُ بِالْعُرْفِ كَالِاسْتِصْنَاعِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. أَقُولُ: مَا سَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَائِزَةٌ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَذَكَرَ الدَّلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ إلَّا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِظُهُورِ تَعَامُلِ الْأُمَّةِ بِهَا، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ. اهـ. وَلَا يَقْتَضِي

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَلَكَ الْأَجِيرَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا. وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ أَنْ يُطْلِقَ الْقِيَاسَ عَلَى كُلِّ مَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، بَلْ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ يُطْلِقَهُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ، وَهِيَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ مِنْ وَجْهٍ: أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى فَسَادِهَا، وَفِي مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ مِنْ وَجْهٍ: أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عَقْدُ شَرِكَةٍ بَيْنَ الْمَالِ وَالْعَمَلِ كَمَا ذَكَرَ فِي دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ عَلَى جَوَازِهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ الْمُضَارَبَةِ، فَلِهَذَا قِيلَ: إنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ دُونَ الْقِيَاسِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ مُخَالَفَةُ مَا سَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا فَلَا ضَيْرَ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَلَا يُتْرَكُ بِالْعُرْفِ، وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ فَيُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَالِاسْتِصْنَاعِ، وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَأُسْتَاذِهِ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ كَمَا فَصَّلَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا، فَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ قَطْعًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُزَارَعَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَأُسْتَاذُهُ، فَإِذَا كَانَ مَدَارُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا بَأْسَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَلَكَ الْأَجِيرَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ دَلِيلِهَا الْمَزْبُورِ: هَكَذَا قَالُوا، وَفِيهِ إشْكَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةَ لَا تُمَلَّكُ بِالصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، فَكَيْفَ مَلَكَ هَاهُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ، وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُهُ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ إشْكَالَيْهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا سَلَّمَ إلَى الْأَجِيرِ كُلَّ الطَّعَامِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَلَّكَ الْأَجِيرَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ، إذْ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْأَجِيرِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي تَحْرِيرِ نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَا: إنَّ هَاهُنَا مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ لَهُ كُرَّ حِنْطَةٍ إلَى بَغْدَادَ مَثَلًا بِنِصْفِهِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً، وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ بَلَغَ إلَى بَغْدَادَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ قِيمَةَ نِصْفِ الْكُرِّ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ نِصْفَهُ إلَى الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ بِنِصْفِهِ الْبَاقِي، وَدَفَعَ إلَيْهِ كُلَّهُ وَلَا أَجْرَ لَهُ هَاهُنَا. وَاَلَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ هِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَهِيَ مِنْ مَسَائِل إجَارَاتِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ

لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. قَالَ (وَلَا يُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ قَفِيزًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ مَا سَمَّى وَمِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِحَطِّ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الِاحْتِطَابِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْمَخَاتِيمَ مِنْ الدَّقِيقِ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْإِجَارَاتِ: هُوَ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَمَلًا وَيَجْعَلُ ذِكْرَ الْوَقْتِ لِلِاسْتِعْجَالِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. وَلَهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ مَلَكَ الْأَجِيرَ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ مَمْنُوعَةٌ، إذْ مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَجِيرَ ابْتِدَاءً بِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَتَسْلِيمِ الْأَجْرِ إلَى الْأَجِيرِ بِالتَّعْجِيلِ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الْأَجِيرَ بِالتَّسْلِيمِ بِسَبَبِ أَنْ صَارَ شَرِيكًا فِي الطَّعَامِ قَبْلَ إيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، بَلْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا يُؤَدِّي إلَى الثَّانِي. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّوْفِيقِ قَطْعًا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحُمَيْدِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَهُ إلَى بَغْدَادَ بِنِصْفِهِ الْبَاقِي وَدَفَعَ إلَيْهِ فَإِنَّمَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ لِنِصْفِ الْكُرِّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَدَلَ نِصْفُ كُرٍّ مُطْلَقٍ لَا نِصْفُ كُرٍّ مَحْمُولٍ إلَى بَغْدَادَ فَصَارَ بِتَسْلِيمِ الْكُرِّ إلَيْهِ مُعَجِّلًا لِلْأُجْرَةِ فَمَلَكَهَا بِنَفْسِ الْقَبْضِ، وَإِذَا مَلَكَهُ بِالتَّسْلِيمِ بَطَلَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا فِي الْكُرِّ قَبْلَ إيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ عَلَيْهِ، وَمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي الْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَلَوْ ابْتَدَأَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَمَلِ فِي شَيْءٍ الْعَامِلُ فِيهِ شَرِيكُ الْمُسْتَأْجِرِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَإِذَا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحُمَيْدِيِّ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي مِنْ ذَيْنِك الْإِشْكَالَيْنِ إلَى مَا تَعَسَّفَ فِيهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: لَعَلَّ مُرَادَهُمْ نَفْيُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِهِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ، فَقَوْلُهُمْ مَلَكَ الْأَجِيرُ فِي الْحَالِ كَلَامٌ وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَوْ وَجَبَ الْأَجْرُ فِي الصُّورَةِ الْمَفْرُوضَةِ لَمَلَكَ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ إذْ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيُفْضِي إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْأَجْرِ، وَكُلُّ لَازِمٍ يُؤَدِّي فَرْضُ وُجُودِهِ إلَى انْتِفَاءِ مَلْزُومِهِ يَكُونُ بَاطِلًا فَكَذَا هَذَا. اهـ كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا، وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِيهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ أَيْضًا

لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَنْفَعَةِ مَعْقُودًا عَلَيْهَا وَذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ، وَنَفْعُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الثَّانِي وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي الْأَوَّلِ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِجَارَةُ إذَا قَالَ: فِي الْيَوْمِ، وَقَدْ سَمَّى عَمَلًا؛ لِأَنَّهُ لِلظَّرْفِ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ الْيَوْمَ وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا مَعْنَى لِلْحَصْرِ، وَإِثْبَاتُ الْمَطْلُوبِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ: أَيْ هُوَ كَعَامِلٍ لِنَفْسِهِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْبَحْثُ غَيْرُ مُتَمَشٍّ رَأْسًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْحَصْرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ إلَّا، وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ إلَّا، وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَلَا حَصْرَ فِيهِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَلَا مَعْنَى لِلْحَصْرِ إذْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَصْرُ فِيهِ. فَالْوَجْهُ فِي تَمْشِيَةِ الْبَحْثِ هَاهُنَا تَوْسِيعُ الدَّائِرَةِ، بِأَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَعَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ الْأَجْرَ عَلَى فِعْلِهِ لِنَفْسِهِ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَهُ عَلَى فِعْلِهِ لِغَيْرِهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَسَيَأْتِي تَتِمَّةُ هَذَا الْكَلَامِ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَنْفَعَةِ مَعْقُودًا عَلَيْهَا، وَذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يَكُونُ تَقْدِيمُ ذِكْرِ الْعَمَلِ مُرَجِّحًا لِكَوْنِ الْعَمَلِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ، وَلَا تَتَأَتَّى الزِّرَاعَةُ إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ. فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحَقًّا. وَكُلُّ شَرْطٍ هَذِهِ صِفَتُهُ يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَذِكْرُهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ (فَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يُثَنِّيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَمَا هَذَا حَالُهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً وَلَا شُبْهَةَ فِي فَسَادِهِ. وَقِيلَ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا فِي مَوْضِعٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكْرِي الْأَنْهَارِ الْجَدَاوِلَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهَا الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى فَلَا خَيْرَ فِيهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ جَائِزٌ، وَعَلَى هَذَا إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَاللُّبْسِ بِاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّاعِي عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ هُنَاكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى أَصْلِ الْمُدَّعِي فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: وَلِأَنَّ بِالْوَاوِ لِمُنْتَهًى. أَقُولُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَا هَذَا حَالُهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ عَلَى أَصْلِ الْمُدَّعِي فَالظَّاهِرُ تَرْكُ الْوَاوِ كَمَا وَقَعَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا فِي مَوْضِعٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ) قَالَ الشُّرَّاحُ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ: أَيْ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَبِكَوْنِ الْمُدَّةِ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ لَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ إلَّا بِالْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ بِالْكِرَابِ مَرَّةً إلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ كَانَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَفِي الثَّانِي لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فَيَجُوزُ. وَعِبَارَةُ الْعِنَايَةِ: وَالثَّانِي

أَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ دَيْنٍ وَلَا يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَلَنَا أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ فِيهِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَنْفَعَةٌ لِعَدَمِ بَقَاءِ أَثَرِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الثَّانِيَ أَيْضًا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ فِيهِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَنْفَعَةٌ مَمْنُوعٌ، بَلْ فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ لَا تَتَأَتَّى زِرَاعَةٌ إلَّا بِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ شَطْرَيْ كَلَامِهِ بِسَدِيدٍ. أَمَّا شَطْرُهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تُخْرِجُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً، وَلَكِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ثَلَاثَ سِنِينَ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي فَلَا شَكَّ أَنَّ الْكِرَابَ مَرَّتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ لِلْقَطْعِ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ فِيهَا بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْكِرَابِ مَرَّةً أُخْرَى، وَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ بِدُونِهِ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ. وَأَمَّا شَطْرُهُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تُخْرِجُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً فَهَلْ يَقُولُ الْعَاقِلُ لَا تَتَأَتَّى الزِّرَاعَةُ هُنَاكَ إلَّا بِالْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ النَّفْعُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي اشْتِرَاطِ الْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَكَانَتْ الْمُدَّةُ ثَلَاثَ سِنِينَ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الشُّرَّاحِ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنَّمَا خَصَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ بِالذِّكْرِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ احْتِمَالِ النَّفْعِ فِيهِ أَصْلًا لِلْمُسْتَأْجِرِ، لَا؛ لِأَنَّ لَهُ نَفْعًا فِيهِ، وَإِلَّا لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ، وَهُوَ مَا حُكِيَ أَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ كَتَبَ مِنْ بَلْخَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ: لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ؟ فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ فِي جَوَابِهِ: إنَّك أَطَلْت الْفِكْرَةَ فَأَصَابَتْك الْحِيَرَةُ، وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ فَكَانَتْ مِنْك زَلَّةٌ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسَاءٌ. وَالْحِنَّائِيُّ اسْمُ مُحَدِّثٍ كَانَ يُنْكِرُ الْخَوْضَ عَلَى ابْنِ سِمَاعَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَيَقُولُ: لَا بُرْهَانَ لَكُمْ عَلَيْهَا كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَذُكِرَ فِي عَامَّةِ شُرُوحُ هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ النَّسَاءَ مَا يَكُونُ عَنْ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ فِي الْعَقْدِ وَتَأْخِيرُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي أَنَّ النَّسَاءَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي مُبَادَلَةِ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بَلْ يَحْدُثَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُمَا لَمَّا أَقْدَمَا عَلَى عَقْدٍ يَتَأَخَّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ مِنْ الْمَشْرُوطِ فَأُلْحِقَ بِهِ دَلَالَةً احْتِيَاطًا عَنْ شُبْهَةِ الْحُرْمَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي النَّسَاءِ شُبْهَةَ الْحُرْمَةِ، فَبِالْإِلْحَاقِ بِهِ تَكُونُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ، فَبِالْإِلْحَاقِ تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ لَا شُبْهَتُهَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الَّذِي لَمْ تَصْحَبْهُ الْبَاءُ يُقَامُ فِيهِ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ ضَرُورَةَ تُحُقِّقَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ مَا تَصْحَبُهُ لِفِقْدَانِهَا فِيهِ وَلَزِمَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا حُكْمًا وَعَدَمُ الْآخَرِ وَتَحَقُّقُ النَّسَاءِ. إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا أُقِيمَ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ الْعَيْنُ الْمَوْجُودُ فِي الْحَالِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ، إذْ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ فَلَا يُوجَدُ فِي الْعَقْدِ مَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ. وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يُنَافِي الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الْعَيْنَ الْقَائِمَ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ هُوَ نَفْسَ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَتَأَخَّرُ وَتَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَدَافُعٌ. فَإِنْ قُلْت: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ حَقِيقَةً نَفْسُ الْمَنْفَعَةِ، وَحُكْمًا الْعَيْنُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ، فَمَدَارُ الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَمَدَارُ الْجَوَابِ عَنْ الثَّانِي عَلَى الْحُكْمِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا. قُلْت: فِي جَعْلِ الْحُكْمُ الْأَوَّلِ مُرَتَّبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالثَّانِي مُرَتَّبًا عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الْعَكْسِ تَحَكُّمٌ بَلْ احْتِيَالٌ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَجْعَلْ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ أَوْفَقَ بِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ، وَهِيَ وُجُوبُ تَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مَهْمَا أَمْكَنَ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ نَسْلُكَ طَرِيقًا آخَر، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْمُدَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا دُونَ الْآخَرِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَزِمَ النَّسَاءُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ؛ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الَّذِي رَدَّدَهُ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ يَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ مِنْ التَّرْدِيدِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ غَيْرَ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً مَعْدُومٌ فِي كُلِّ عَقْدِ إجَارَةٍ وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهُ، إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ فَأَقَمْنَا الدَّارَ مَثَلًا مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ كَمَا مَرَّ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً مُبْطِلًا لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَطُّ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَهُوَ الْعَيْنُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ يَخْتَارُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْ التَّرْدِيدِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَزِمَ النَّسَاءُ، وَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ تَامٍّ؛ لِأَنَّ النَّسَاءَ إنَّمَا يَبْطُلُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَيْنَ الْقَائِمَ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ كَمَا عَرَفْت فِيمَا مَرَّ آنِفًا. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ لَزِمَ النَّسَاءُ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: هَذَا لَا يُتَّجَهُ إلْزَامًا عَلَى الْبَاحِثِ، فَإِنَّهُ يَخْتَارُ هَذَا الشِّقَّ وَيَمْنَعُ اسْتِلْزَامَهُ لِلْفَسَادِ مُسْتَنِدًا بِأَنَّ مِثْلَهُ مَوْجُودٌ فِي مُبَادَلَةِ السُّكْنَى بِالزِّرَاعَةِ مَثَلًا، وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلْيُتَأَمَّلْ. أَقُولُ: هَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، إذْ لَيْسَ فِي مُبَادَلَةِ السُّكْنَى بِالزِّرَاعَةِ مُبَادَلَةُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ، وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ النَّسَاءَ بِانْفِرَادِهِ إنَّمَا هُوَ الْجِنْسُ لَا غَيْرُ، فَلَا مَجَالَ؛ لَأَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ مِثْلَ مَا قِيلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ بُطْلَانِ النَّسَاءِ مَوْجُودٌ فِي مُبَادَلَةِ السُّكْنَى بِالزِّرَاعَةِ، وَهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ جِدًّا كَيْفَ خَفِيَ عَلَى مِثْلِهِ، ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ

وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ جُوِّزَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الطَّعَامُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ حِمَارَ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ نَصِيبَهُ فَحَمَلَ الطَّعَامَ كُلَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عَيْنٌ عِنْدَهُ وَبَيْعُ الْعَيْنِ شَائِعًا جَائِزٌ، وَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ أَوْ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّيْلَعِيَّ اسْتَشْكَلَ أَصْلَ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْقَاعِدَةِ، فَقَبْلَ وُجُودِهَا لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَإِذَا وُجِدَتْ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَلَمْ يَبْقَ دَيْنًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّسِيئَةُ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ غَيْرُ مُخَلِّصٍ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ وَجْهَيْ اسْتِشْكَالِهِ سَاقِطٌ. أَمَّا وَجْهُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا قَوْلُهُ: إنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي مُبَادَلَةِ الْمَنَافِعِ مُبَادَلَةُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ، إذْ الدَّيْنُ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ بَلْ عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَأَمَّا وَجْهُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الِانْعِقَادَ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَإِنْ حَصَلَ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ إلَّا أَنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الصَّادِرَانِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعَ ارْتِبَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مَوْجُودٌ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ عِلَّةٌ مَعْلُولُهَا الِانْعِقَادُ، وَتَأَخُّرُ الْمَعْلُومِ عَنْ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ جَائِزٌ عَلَى مَا عُرِفَ، فَمَعْنَى انْعِقَادُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ سَاعَةً فَسَاعَةً أَنَّ عَمَلَ الْعِلَّةِ وَنَفَاذَهَا فِي الْمَحَلِّ يَحْصُلُ سَاعَةً فَسَاعَةً، لَا أَنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ يَكُونُ سَاعَةً فَسَاعَةً، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَا يَصْدُرَانِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ، فَقَبْلَ وُجُودِ الْمَنَافِعِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الِانْعِقَادُ إلَّا أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ نَفْسُ الْعَقْدِ، فَحِينَ أَنْ يَتَحَقَّقَ نَفْسُ الْعَقْدِ، وَهُوَ أَنَّ صُدُورِهِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَتَحَقَّقُ النَّسِيئَةُ فِي الْمَنَافِعِ قَطْعًا فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَدَلَانِ مَنْفَعَةً، وَاتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَيَبْطُلُ قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّسِيئَةُ تَبَصَّرْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ جُوِّزَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِمَا هُوَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُبَادَلَةٍ انْتَهَى. أَقُولُ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْحَاجَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَلَا حُصُولَ مَقْصُودِهِ بِمَا هُوَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُبَادَلَةٍ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى سُكْنَى بَعْضِ الدُّورِ دُونَ بَعْضِهَا، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِسُكْنَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْبِلَادِ بَلْ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْمَحَالِّ مِنْ بَلَدٍ وَاحِدٍ فَكَمْ مِنْهُمْ يَحْتَاجُ إلَى السُّكْنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ فِي مَحَلَّةٍ مِنْهُ لِحُصُولِ حَوَائِجِهِ، وَمُهِمَّاتِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى السُّكْنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى مِنْ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ حُصُولِ تِلْكَ الْحَوَائِجِ وَالْمُهِمَّاتِ هُنَاكَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَاجَةِ لَا يَكْفِي فِي تَرْكِ الْقِيَاسِ، وَكَأَنَّهُ أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ بِأَنْ يُقَالَ: وَالْحَاجَةُ لَا تَمُسُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَإِنَّمَا تَمُسُّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَالْكَمَالُ مِنْ بَابِ الْفُضُولِ، وَالْإِجَارَةُ مَا شُرِعَتْ لِابْتِغَاءِ الْفُضُولِ. انْتَهَى تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ: وَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يَعْنِي الطَّعَامَ الْمُشْتَرَكَ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَعِنْدِي لَا حَاجَةَ فِي إتْمَامِ الْكَلَامِ إلَى جَعْلِ الطَّعَامِ

وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ لَا وُجُودَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّائِعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ حُكْمِيٌّ، وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُشْتَرَكًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ خَاصَّةً يَتَوَجَّهُ إلْزَامُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ وَضْعَ الطَّعَامِ فِعْلٌ حِسِّيٌّ، وَالْمُسْتَأْجَرُ هُوَ النَّصِيبُ الشَّائِعُ مِنْ الدَّارِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي إتْمَامِ الْكَلَامِ إلَى جَعْلِ الطَّعَامِ مُشْتَرَكًا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِلْزَامِ فِي قَوْلِهِ يَتَوَجَّهُ إلْزَامُ الشَّافِعِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى مَفْعُولِهِ أَوْ إلَى فَاعِلِهِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ. أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُسْتَشْهَدَ بِهَا مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيِّ، وَهِيَ جَوَازُ اسْتِئْجَارِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَغَيْرِهِ لِوَضْعِ الطَّعَامِ مِمَّا لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ، بَلْ هِيَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا ذُكِرَتْ فِي دَلِيلِهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَيْنَا فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ إلْزَامُنَا الشَّافِعِيَّ بِمَا يَقْتَضِي خِلَافَ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا، وَهَلَّا يَصِيرُ ذَلِكَ إلْزَامًا عَلَيْنَا أَيْضًا. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَنَافِعُ الدَّارِ دُونَ الْعَمَلِ، وَتَسْلِيمُ مَنَافِعِ الدَّارِ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ فَلَا ضَيْرَ هُنَاكَ فِي أَنْ لَا يَكُونَ النَّصِيبُ الشَّائِعُ مَحَلًّا لِلْفِعْلِ الْحِسِّيِّ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَا الْعَمَلُ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّائِعِ فَلَمْ يُتَصَوَّرُ الْإِلْزَامُ عَلَيْنَا مِنْ الشَّافِعِيِّ أَصْلًا. ثُمَّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي أَيْضًا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هَاهُنَا إلَى تَقْيِيدِ الطَّعَامِ بِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ سَائِرُ الشُّرَّاحِ قَطُّ، لَكِنْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، بَلْ؛ لِأَنَّ تَمْشِيَةَ اسْتِشْهَادِ الشَّافِعِيِّ ظَاهِرًا بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْيِيدِ الطَّعَامِ بِذَلِكَ بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ اشْتِرَاكِ الدَّارِ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَغَيْرِهِ كَاشْتِرَاكِ الطَّعَامِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ الَّذِي يَأْتِي مِنْ قِبَلِنَا عَنْ اسْتِشْهَادِ الشَّافِعِيِّ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَا يَخْتَصُّ بِصُورَةِ تَقْيِيدِ الطَّعَامِ بِذَلِكَ بَلْ يَتِمُّ وَيَجْرِي عَلَى الْإِطْلَاقِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلِّهِ التَّأَمُّلُ الصَّادِقُ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ لَا وُجُودَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّائِعِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إذْ الْحَمْلُ يَقَعُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَالشَّائِعُ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ. وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا حُمِلَ الْكُلُّ فَقَدْ حُمِلَ الْبَعْضُ لَا مَحَالَةَ فَيَجِبُ الْأَجْرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ حَمْلَ الْكُلِّ حَمْلٌ مُعَيَّنٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ كَوْنِ حَمْلِ الْكُلِّ مَعْقُودًا عَلَيْهِ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ السُّؤَالِ أَنَّ حَمْلَ الطَّعَامِ وَاقِعٌ عَلَى مُعَيَّنٍ قَطْعًا فَكَانَ مَوْجُودًا، وَحَمْلُ الْكُلِّ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ حَمْلِ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ فَقَدْ اسْتَلْزَمَ وُجُودُ حَمْلِ الْكُلِّ وُجُودَ حَمْلِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لَا مَحَالَةَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ نَصِيبُ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجِبَ الْأَجْرُ لِحَمْلِ ذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ كَوْنِ الْكُلِّ مَعْقُودًا عَلَيْهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا فِي دَفْعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ السُّؤَالِ وُجُوبَ الْأَجْرِ بِحَمْلِ الْكُلِّ وَلَيْسَ فَلَيْسَ

وَلِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ، بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ الْمَنَافِعُ وَيَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ شَرِيكُهُ فِيهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ شَرِيكٌ، وَالثَّانِي حَقٌّ لَكِنَّ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ الْأَجْرَ عَلَى فِعْلِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ لِنَفْسِهِ أَصْلٌ، وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ، وَعَمَلَهُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَلْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقِيَاسِ فِي الْحَاجَةِ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاعْتَبَرَ جِهَةَ كَوْنُهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَقَطْ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِجَعْلِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ حَاجَةُ الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ حَاجَةِ الْأَجِيرِ، فَإِنَّ لَهُ حَاجَةً إلَى الْأَجْرِ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَاجَةً إلَى الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَقَطْ لَا تُقْضَى حَاجَتُهُ، بَلْ إنَّمَا تُقْضَى حَاجَةُ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَمْ يُشْرَعْ لِحَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ، بَلْ إنَّمَا شُرِعَ لِحَاجَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ لِلْأَجِيرِ الْعَامِلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَجْرٌ لَمْ تَنْدَفِعْ الْحَاجَةُ الَّتِي شُرِعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لَهَا فَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ. وَزَيَّفَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ: وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْمُسْتَأْجِرِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: كَيْفَ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ وَالْأَجِيرُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي لَهُ الْأَجْرَ لَا يَحْمِلُ نَصِيبَ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ يُقَاسِمُ وَيَحْمِلُ نَصِيبَ نَفْسِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ وَضْعَ مَسْأَلَتِنَا فِيمَا إذَا حُمِلَ الْكُلُّ، وَلَا شَكَّ فِي حُصُولِ مَقْصُودِ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ، وَاحْتِمَالُ أَنْ لَا يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ فِي صُورَةِ عَدَمِ حَمْلِ الْكُلِّ لَا يَقْدَحُ فِي الْكَلَامِ الْمُبْتَنَى عَلَى وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبُ صَاحِبِهِ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْخَصْمِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ لَكِنْ فِي ظَاهِرِهِ خَفَاءٌ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، وَنَصِيبُ صَاحِبِهِ إنَّمَا هُوَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ يَزْرَعُهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ، فَمِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ مَا لَا يَضُرُّ بِهَا غَيْرُهُ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا فِي مَنَافِعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِمَّا لَا تَقْبَلُ الشَّرِكَةَ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ هُوَ مِلْكَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِعِوَضٍ، وَعَنْ هَذَا ارْتَكَبَ الشُّرَّاحُ تَقْدِيرَ شَيْءٍ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ، فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ: أَيْ مَنْفَعَةُ مِلْكِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَنْفَعَةً لَا فِعْلًا كَالْحَمْلِ صَحَّ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ كَمَا قُلْنَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ. انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ الْخَصْمِ إنَّمَا هُوَ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ لَا الِانْتِفَاعِ بِهِ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا، وَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَمَلَ الْخِيَاطَةِ لَا الْمَنْفَعَةَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْفَعَةَ مُطْلَقًا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَجِيرَ وَحْدٍ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَقِيسٍ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَمَلَ الْخِيَاطَةِ فِعْلٌ حِسِّيٌّ كَالْحَمْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ كَالْحَمْلِ فَلَمْ يَتِمَّ الْفَرْقُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْخَصْمِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَالْمِلْكُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدَارُ فَرْقِهِ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ إقْحَامُ الْمَنْفَعَةِ فِي قَوْلِهِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ يُتَّجَهُ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدْنَاهُ عَلَى تَقْرِيرِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ قِيَاسَ الْخَصْمِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى فِعْلٍ حِسِّيٍّ هُوَ عَمَلُ الْخِيَاطَةِ لَا عَلَى اسْتِئْجَارِهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ، وَإِنْ كَانَ مَدَارُ فَرْقِهِ عَلَى تَحَقُّقِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَكَوْنِ الْمِلْكِ مِمَّا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ عَلَى عَكْسِ مَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَوْلُهُ وَالْمِلْكُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ يَتَحَقَّقُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ، فَفِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْإِجَارَةِ بِمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَلْبَتَّةَ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ

(فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا، كَمَا إذَا ارْتَفَعَتْ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مُضِيِّهِ وَالْخِيَارَ الزَّائِدَ فِي الْمُدَّةِ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى بَغْدَادَ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَنَفَقَ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ فَاسِدَةً (فَإِنْ بَلَغَ بَغْدَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا) عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ (نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ) دَفْعًا لِلْفَسَادِ إذْ الْفَسَادُ قَائِمٌ بَعْدُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإيقَاعِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمُشَاعِ. لَا يُقَالُ: لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ خَالَفَ فِيهَا الشَّافِعِيَّ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِيهِ أَيْضًا بِوُجُوهٍ: مِنْهَا قِيَاسُهُ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ لِلْخِيَاطَةِ، فَبِنَاءُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ جَوَابٌ عَمَّا قَاسَ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ: يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَالْمِلْكُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَيُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِسًّا، بِخِلَافِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّائِعِ لِعَدَمِ الِامْتِيَازِ حِسًّا اهـ. أَقُولُ: مَضْمُونُهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعِنَايَةِ فَفِيهِ مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ زَرَعَهَا، وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: فَإِنْ زَرَعَهَا بَعْدَ مَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الزَّرْعُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ إلَى الْجَوَازِ، وَيَجِبُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ انْقِلَابِ الْعَقْدِ إلَى الْجَوَازِ وَوُجُوبِ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ زَرَعَهَا قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْلَ نَقْضِهِ الْعَقْدَ بَلْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا مَجَالَ لِلِانْقِلَابِ إلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُوضَ لَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ لَا مَحَالَةَ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعْدَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ، وَلَعَلَّ لَفْظَةَ " قَبْلَ " فِي قَوْلِهِ قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي وَقَعَتْ سَهْوًا مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ بَدَلَ لَفْظَةِ " بَعْدَ "، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ: وَإِنْ زَرَعَهَا بَعْدَ نَقْضِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ جَائِزًا (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ قَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ: بِنَقْضِ الْحَاكِمِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ جَعْلَ الْعَقْدِ تَامًّا بِنَقْضِ الْحَاكِمِ مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ مِنْ الْأَصْلِ بِنَقْضِ الْحَاكِمِ إيَّاهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتِمَّ بِهِ، وَتَمَامُ الشَّيْءِ مِنْ آثَارِ بَقَائِهِ وَاقْتِضَائِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ

[باب ضمان الأجير]

بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ قَالَ: (الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَأَجِيرٌ خَاصٌّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْعَقْدِ عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ زَرَعَهَا، وَمَضَى الْأَجَلُ: وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي التَّعْلِيلِ: وَلَنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَيَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اهـ. هَذَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: وَإِنْ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ بِمُجَرَّدِ الزِّرَاعَةِ لَكِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ مَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ، وَهُوَ احْتِمَالُ أَنْ يَزْرَعَ مَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا زَرَعَهَا مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَتَقَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنَازَعَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْفَسَادِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَانَ احْتِمَالَ ذَلِكَ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ. فَكَيْفَ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِتَحَقُّقِ شَيْءٍ احْتِمَالُهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِتَعْيِينِهِمَا صَوْنًا عَنْ الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا، وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّعْيِينِ؛ لِمَا أَنَّ الْعَقْدَ قَامَ بِهِمَا، فَكَذَا تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ بِهِمَا، ثُمَّ الِاسْتِعْمَالُ تَعْيِينٌ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ. وَهَذَا الْإِشْكَالُ هُوَ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ بِقَوْلِهِ وَلِي فِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشْكَالٌ هَائِلٌ. ثُمَّ قَالَ: قُلْنَا الْأَصْلُ إجَارَةُ الْعَقْدِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ عُقُودَ الْإِنْسَانِ تَصِحُّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالْمَانِعُ الَّذِي فَسَدَ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ تَوَقُّعُ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا فِي تَعْيِينِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ اسْتِيفَاءِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْمَنَافِعِ يَزُولُ هَذَا التَّوَقُّعُ فَيَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ. انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ تَوَقُّعَ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا إنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْمَنَافِعِ إذَا لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِهِ فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ أَصْلًا، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ، فَالْكَلَامُ الْفَيْصَلُ أَنَّهُ إنْ اعْتَبَرَ فِي مَوْضِعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِلْمَ رَبِّ الْأَرْضِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْأَرْضِ وَرِضَاهُ بِمَا عَمِلَ فِيهَا فَلَا يُتَّجَهُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ رَأْسًا، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ انْقَلَبَ الْعَقْدُ جَائِزًا بِمُجَرَّدِ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا، وَمَضَى الْأَجَلُ، سَوَاءٌ عَلِمَ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ أَوْ لَا، فَالْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ وَارِدٌ جِدًّا غَيْرُ مُنْدَفِعٍ بِالْجَوَابِ الْمَزْبُورِ قَطْعًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ] (بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَقَالَ: لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ

فَالْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هُوَ الْعَمَلَ أَوْ أَثَرَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَاسِدَةِ شَرَعَ فِي ضَمَانِ الْأَجِيرِ. اهـ. وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ التَّقْرِيرَيْنِ جَيِّدٌ. وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ: لَمَّا ذَكَرَ أَبْوَابَ عُقُودِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا سَاقَتْ النَّوْبَةُ إلَى ذِكْرِ أَحْكَامٍ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَهِيَ الضَّمَانُ فَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ اهـ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامٍ بَعْدَ الْإِجَارَةِ، وَهِيَ الضَّمَانُ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ مَا فِي تَقْرِيرِهِمَا مِنْ الرَّكَاكَةِ حَيْثُ فَسَّرَا الْجَمْعَ بِالْمُفْرَدِ بِقَوْلِهِمَا، وَهِيَ الضَّمَانُ انْتَهَى. فَإِنَّ ضَمِيرَ هِيَ رَاجِعٌ إلَى الْأَحْكَامِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الضَّمَانَ حُكْمٌ وَاحِدٌ لَا أَحْكَامٌ. وَلَمَّا ذَاقَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذِهِ الْبَشَاعَةَ تَوَجَّهَ إلَى تَوْجِيهِ ذَلِكَ فَقَالَ: إطْلَاقُ الْأَحْكَامِ عَلَى الضَّمَانِ إمَّا بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ أَفْرَادِهِ أَوْ الْمُرَادِ، وَهِيَ الضَّمَانُ وُجُودًا وَعَدَمًا اهـ. أَقُولُ: تَوْجِيهُ الثَّانِي لَيْسَ بِوَجِيهٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وُجُودًا وَعَدَمًا أَيْضًا لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَحْكَامِ، فَإِنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَالضَّمَانُ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا يَصِيرُ اثْنَيْنِ لَا غَيْرُ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَالَ: وَالْأَجِيرُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ بَابِ آجَرَ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤَجِّرٌ لَا مُؤَاجِرٌ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤَجِّرٌ لَا مُؤَاجِرٌ يُرَى مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ وَالْأَجِيرُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ بَابِ آجَرَ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤَجِّرًا لَا مُؤَاجِرًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ فَعِيلًا بِمَعْنَى مُفْعِلٍ لَا بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ فَتَأَمَّلْ. وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: قُلْت هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الثُّلَاثِيِّ، وَكَيْفَ يَقُولُ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ بَابِ آجَرَ: يَعْنِي بِهِ مِنْ الْمَزِيدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤَجِّرٌ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: بَلْ الْغَلَطُ إنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْفَعِيلَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ كَمَا يَكُونُ مِنْ الثُّلَاثِيِّ يَكُونُ مِنْ الْمَزِيدِ أَيْضًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ: وَقَدْ جَاءَ فَعِيلٌ مُبَالَغَةَ مُفْعِلٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 10] أَيْ مُؤْلِمٌ عَلَى رَأْيٍ. وَقَالَ: وَأَمَّا الْفَعِيلُ بِمَعْنَى الْمُفَاعِلِ كَالْجَلِيسِ وَالْحَسِيبِ فَلَيْسَ لِلْمُبَالَغَةِ فَلَا يَعْمَلُ اتِّفَاقًا اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ: وَأَمَّا الْأَجِيرُ فَهُوَ مِثْلُ الْجَلِيسِ وَالنَّدِيمِ فِي أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا زَعَمَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذُقْ شَيْئًا مِنْ الْعَرَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَالْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالسُّؤَالُ مِنْ وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْخَاصِّ دَوْرِيٌّ اهـ. يَعْنِي أَنَّ السُّؤَالَ

فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُسَمَّى مُشْتَرَكًا. قَالَ (وَالْمَتَاعُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَيَضْمَنُهُ عِنْدَهُمَا إلَّا مِنْ شَيْءٍ غَالِبٍ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ) لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ؛ وَلِأَنَّ الْحِفْظَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ إلَّا بِهِ، فَإِذَا هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ كَانَ التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَضْمَنُهُ كَالْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ بِسَبَبٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا لَضَمِنَهُ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ، وَالْحِفْظُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا وَلِهَذَا لَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ، بِخِلَافِ الْمُودَعِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَقْصُودًا حَتَّى يُقَابِلَهُ الْأَجْرُ. قَالَ: (وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ، فَتَخْرِيقُ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلَقُ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي الْحِمْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ وَجْهِ التَّقْدِيمِ يَتَوَجَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَكْسِ أَيْضًا: أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْمُشْتَرَكِ فَلَا مُرَجِّحَ سِوَى الِاخْتِيَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَعْنِي لَوْ قَدَّمَ الْخَاصَّ لَتَوَجَّهَ السُّؤَالُ عَنْ سَبَبِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ لِتَقْدِيمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَجْهًا. أَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَاصِّ مَعَ كَثْرَةِ مَبَاحِثِهِ. وَأَمَّا الْخَاصُّ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، لَكِنَّ تَقْدِيمَ الْمُشْتَرَكِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ وَذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَكِ فَتَأَمَّلْ. فَإِنَّ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اخْتِيَارِ تَقْدِيمِ

وَغَرَقُ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْفِعْلِ مُطْلَقًا فَيَنْتَظِمُهُ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبِ وَالسَّلِيمِ وَصَارَ كَأَجِيرِ الْوَحْدِ وَمُعِينِ الْقَصَّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرَكِ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ تَقْدِيمَ الْمُشْتَرَكِ هُنَا إلَخْ لَيْسَ بِتَامٍّ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَعْنَى بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ نَفْسُهُ أَيْضًا فِيمَا قَبْلُ بِقَوْلِهِ أَوْ الْمُرَادِ، وَهِيَ الضَّمَانُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَإِلَّا: أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ بَلْ كَانَ مَعْنَاهُ بَابَ إثْبَاتِ الضَّمَانِ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ عُنْوَانُ الْبَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا، إذْ لَا ضَمَانَ عِنْدَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَحْدَهُ كَمَا سَتُحِيطُ بِهِ خَبَرًا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْتَكَبَ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى عُنْوَانِ الْبَابِ مَا يَعُمُّ إثْبَاتَ الضَّمَانِ وَنَفْيَهُ كَانَ نِسْبَتُهُ إلَى الْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ عَلَى السَّوَاءِ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ: وَذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَكِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَحْتَجْ هُنَاكَ إلَى وَجْهٍ يُرَجِّحُ اخْتِيَارَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ لَمْ يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُرَجِّحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ هُنَالِكَ نَفْسَ الِاخْتِيَارِ لَا غَيْرُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي تَقْرِيرِ مُرَادِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ تَرْجِيحَ أَحَدُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالِاخْتِيَارِ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اخْتِيَارِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِتَمَامِ مَا ذَكَرَهُ، وَقَوْلُهُ وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا لَا صِحَّةَ لَهُ. نَعَمْ يُمْكِنُ مَنْعُ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لَكِنَّهُ أَمْرٌ آخَرُ مُغَايِرٌ لِمَا قَالَهُ فَتَدَبَّرْ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا يَعْنِي تَعْرِيفَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَوْلِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ تَعْرِيفٌ يَئُولُ عَاقِبَتُهُ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، ثُمَّ لَوْ كَانَ عَارِفًا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّعْرِيفِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ قَبْلَ هَذَا لَا يَحْصُلُ لَهُ تَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ بِمَنْ هُوَ، فَلَا بُدَّ لِلْمُعَرِّفِ أَنْ يَقُولَ هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ عَيْنُ الدَّوْرِ. قُلْت: نَعَمْ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْخَفِيِّ بِمَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي فُهُومُ الْمُتَعَلِّمِينَ، أَوْ هُوَ تَعْرِيفٌ لِمَا لَمْ يَذْكُرْهُ بِمَا قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِحْقَاقَ الْأَجِيرِ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا عَرَفْته أَنَّ الْأَجِيرَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْجَوَابِ نَعَمْ كَذَلِكَ اعْتِرَافٌ بِلُزُومِ الدَّوْرِ، وَمَا يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ يَتَعَيَّنُ فَسَادُهُ وَلَا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْخَفِيِّ إلَخْ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ خَفِيًّا. وَمَا ذَكَرَ فِي التَّعْرِيفِ أَشْهَرُ مِنْهُ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ الْجَوَابُ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ بِمَنْ هُوَ بِأَنَّهُ هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ هُوَ حُكْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَإِنَّهُمْ حَصَرُوا هُنَاكَ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْأَجِيرِ مُطْلَقًا لِلْأُجْرَةِ فِي مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ هِيَ: شَرْطُ التَّعْجِيلِ، وَالتَّعْجِيلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى الثَّالِثُ مُخْتَصًّا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَزِمَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ الْأُجْرَةَ أَصْلًا فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ وَلَمْ يُعَجِّلْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَإِذَا كَانَ الْمَذْكُورُ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حُكْمًا عَامًّا لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ أَيْضًا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي تَوْجِيهِ مَعْنَى تَعْرِيفِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ هَاهُنَا بِمَا ذَكَرَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا عَرَفْته أَنَّ الْأَجِيرَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ ذَكَرَ خُلَاصَةَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى حَيْثُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: قِيلَ وَتَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَوْلِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ أَيْضًا تَعْرِيفٌ دَوْرِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ الْعَمَلِ حَتَّى يَعْلَمَ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ فَتَكُونُ مَعْرِفَةُ الْمُعَرِّفِ مَوْقُوفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرَّفِ، وَهُوَ الدَّوْرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ أَنَّ بَعْضَ الْأُجَرَاءِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالْعَمَلِ فَلَمْ تَتَوَقَّفْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرَّفِ. اهـ. أَقُولُ: أَصْلَحَ الْجَوَابَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا تَرَى، وَلَكِنْ فِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ مَا ذَكَرَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ. يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ عَامٌّ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ تَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأُجْرَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْجَوَابِ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ بَعْضَ الْأُجَرَاءِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالْعَمَلِ حَيْثُ زَادَ فِيهِ الْبَعْضُ يُتَّجَهُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ مَادَّةٍ مَخْصُوصَةٍ فَكَيْفَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعْرِفَةُ مُطْلَقِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ حَتَّى يَصْلُحَ تَعْرِيفًا لِمُطْلَقِ الْأَجْرِ الْمُشْتَرَكِ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ مُتَكَفِّلٌ لِدَفْعِ هَذَا السُّؤَالِ، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ بِهِ تَعْرِيفَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يَعْمَلَ بِمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ أَثَرِهِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَوَالَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ مِمَّا اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ شَيْئًا آخَرَ يَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يَعْمَلَ، وَالْمُصَنِّفُ أَيْضًا ذَكَرَهُ وَحْدَهُ فِي الْبِدَايَةِ، وَإِنَّمَا زَادَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالسُّؤَالُ الْمَزْبُورُ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى مَنْ اكْتَفَى بِالتَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهُ مَا يُفِيدُ مَعْرِفَتَهُ. وَزِيَادَةُ الْمُصَنِّفِ شَيْئًا يُفِيدُ مَعْرِفَتَهُ، كَيْفَ تُصْلِحُ كَلَامَ مَنْ لَمْ يَزِدْهُ، وَمَاتَ قَبْلَ وِلَادَةِ الْمُصَنِّفِ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرُ مَعَهُ شَيْءٌ يَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَتُهُ، فَإِمَّا أَنْ تَحْتَاجَ مَعْرِفَتُهُ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ الْمُعَرَّفُ فَيَلْزَمُ الدَّوْرَ أَوْ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا بَلْ حَصَلَتْ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَمَعْهُودٌ فِيمَا سَبَقَ فَلَا بُدَّ فِي الْجَوَابِ مِنْ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتِمَّ. قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَوَالَةِ، نَعَمْ تَمَامُ الْحَوَالَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عِنْدَنَا كَمَا قَرَّرْنَا فِيمَا قَبْلُ، وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ آخَرُ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْفُضَلَاءِ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَالْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ مَنْقُوضٌ بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا عَجَّلَ لَهُ الْأَجْرَ أَوْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ فَيَحْتَاجُ إلَى نَوْعِ عِنَايَةٍ، كَأَنْ يُقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ أَجِيرًا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّمَا يُتَوَهَّمُ الِانْتِقَاضُ بِذَلِكَ، وَيَحْتَاجُ إلَى نَوْعِ عِنَايَةٍ فِي دَفْعِهِ لَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ الْمُشْتَرَكَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِدُونِ الْعَمَلِ أَصْلًا كَمَا يَسْتَحِقُّهَا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ أَصْلًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ فَلَا انْتِقَاضَ بِذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الْعَمَلُ أَصْلًا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَخَذَهَا بِطَرِيقِ التَّعْجِيلِ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَأَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ تَدَارَكَ هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ: يَعْنِي الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا إذَا عَمِلَ. انْتَهَى فَتَبَصَّرْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ: وَقِيلَ قَوْلُهُ: مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ مُفْرَدٌ. وَالتَّعْرِيفُ بِالْمُفْرَدِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا بِالْمِثَالِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ عَلَى التَّعْرِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَقَالَ: وَفِي كَوْنِهِ مُفْرَدًا لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ نَظَرٌ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ التَّعْرِيفَاتِ اللَّفْظِيَّةِ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هُوَ الْعَمَلَ أَوْ أَثَرَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ بَيَانٌ لِمُنَاسَبَةِ التَّسْمِيَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ يُسَمَّى بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إلَخْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُسَمَّى مُشْتَرَكًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْحُكْمِ الضِّمْنِيِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ الْأُجَرَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ هِيَ الْمُسَاوَاةُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ قَبْلَهُ

وَلَنَا أَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنُ مَا هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسِيلَةُ إلَى الْأَثَرِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، حَتَّى لَوْ حَصَلَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ يَجِبُ الْأَجْرُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُفْسِدُ مَأْذُونًا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبْطُلُ الْمُسَاوَاةُ، هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلِ قَوْلَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ لِبَيَانِ مُنَاسَبَةِ التَّسْمِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَدَارُ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَرَأْيِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى أَنْ تَكُونَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، بَلْ عِبَارَتُهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هُوَ الْعَمَلَ أَوْ أَثَرَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ بَلْ هُوَ جَزَاءٌ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَمَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ دَاخِلٌ فِي التَّعْلِيلِ غَيْرُ مُتَحَمِّلٍ لِغَيْرِ بَيَانِ مُنَاسَبَةِ التَّسْمِيَةِ، فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مَا زَعَمَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ وَكَانَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ تَعْلِيلًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَائِلُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ لَمَا صَحَّ تَفْرِيعُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ أَنْ تَكُونَ قَضِيَّةُ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ هِيَ الْمُسَاوَاةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ كَمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرَكًا تَتَحَقَّقُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ خَاصًّا أَيْضًا، فَلَوْ صَحَّ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْعَامَّةِ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلِ لَزِمَ جَوَازُ أَنْ يَعْمَلَ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ أَيْضًا لِلْعَامَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنِ مَا هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَسِيلَةُ إلَى الْأَثَرِ، وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، حَتَّى لَوْ حَصَلَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ يَجِبُ الْأَجْرُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُفْسِدُ مَأْذُونًا فِيهِ) أَقُولُ: فِي تَعْلِيلِ كَوْنِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْعَقْدِ هُوَ الْعَمَلَ الْمُصْلِحَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْعَمَلِ وَسِيلَةً إلَى الْأَثَرِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دِقِّهِ مِنْ صُوَرِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ دُونَ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ مِنْهَا إذْ قَدْ مَرَّ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ أَنَّ كُلَّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَكُلُّ صَانِعٍ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الثَّوْبِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعُ، وَكُلُّ صَانِعٍ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ، وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ انْتَهَى. فَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْهُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَعَمَلِ الصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ. وَنَوْعٌ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَعَمَلِ الْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ. وَأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ هُوَ الْأَثَرُ، وَهُوَ الْوَصْفُ الْقَائِمُ فِي الثَّوْبِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي نَفْسُ الْعَمَلِ لَا غَيْرُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَاتِيك الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسَائِلِ الْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِ الصَّانِعِ فِيهَا أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَثَرِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا الْأَثَرُ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ نَفْسُ الْعَمَلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ حَصَلَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ يَجِبُ الْأَجْرُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عَلَى إطْلَاقِهِ، إذْ قَدْ مَرَّ أَيْضًا فِي الْبَابِ الْمَزْبُورِ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ فَيَسْتَحِقُّ عَيْنَهُ كَالْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ انْتَهَى. نَعَمْ إذَا أَطْلَقَ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ

بِخِلَافِ الْمُعِينِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُصْلِحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ. وَبِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحْدِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ قَالَ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ بِهِ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ. وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَضَمَانُ الْعُقُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ أَيْضًا فَكَانَ الدَّلِيلُ خَاصًّا وَالْمُدَّعَى عَامًّا. وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنِ مَا هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِلْعَقْدِ وَالْعَقْدُ انْعَقَدَ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مِنْ الْعُيُوبِ كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ السَّلِيمُ ثَبَتَ أَنَّ الْمُفْسِدَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِيهِ، كَمَا لَوْ وَصَفَ نَوْعًا مِنْ الدِّقِّ فَجَاءَ بِنَوْعٍ آخَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُصْلِحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِمُلْتَزِمٍ أَنْ يَلْتَزِمَ جَوَازَ الِامْتِنَاعِ عَنْ التَّبَرُّعِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَضَرَّةُ لِغَيْرِ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ. اهـ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ أَخَصَّ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الْأَيْمَانِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بَيَانٌ لِحِكْمَةِ عَدَمِ التَّضْمِينِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا لَا يُجْدِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمْ يَنْفِ لُزُومَ الِامْتِنَاعِ عَنْ التَّبَرُّعِ فِي صُورَةِ حُصُولِ الْمَضَرَّةِ بِهِ لِغَيْرِ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ، بَلْ أَرَادَ مَنْعَ بُطْلَانِ ذَلِكَ اللَّازِمِ بِنَاءً عَلَى الْتِزَامِ جَوَازِ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ غَيْرِ الْمُتَبَرِّعِ لَهُ فَلَا فَائِدَةَ هَاهُنَا لِحَدِيثِ جَوَازِ كَوْنِ الْحِكْمَةِ أَخَصَّ، عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنْ يَقُولَ لَا يَصْلُحُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بَيَانًا لِحِكْمَةِ عَدَمِ التَّضْمِينِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ الْتِزَامُ امْتِنَاعِهِ عَنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغَيْرِ لَمْ تَظْهَرْ حِكْمَةُ عَدَمِ التَّضْمِينِ، بَلْ كَانَ الظَّاهِرُ حِينَئِذٍ هُوَ التَّضْمِينَ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِالْعَمَلِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي السَّلَامَةَ كَأَنْ أَسْلَمَ. اهـ. أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هُنَا أَيْضًا كَوْنُ التَّبَرُّعِ بِالْعَمَلِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ إذَا تَضَمَّنَ ضَرَرًا لِغَيْرِ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَخَذَ أَحَدٌ مِلْكَ الْآخَرِ وَتَبَرَّعَ بِهِ لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فَلِمَ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إذَا عَمِلَ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَبَرَّعَ بِالْعَمَلِ لِلْأَجِيرِ فَتَلِفَ بِعَمَلِهِ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ: انْقِطَاعُ الْحَبْلِ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ الْأَجِيرِ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ، كَذَا مِنْ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ الْهَلَاكُ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هُنَاكَ أَيْضًا: إنَّ الْهَلَاكَ مِنْ قِلَّةِ اهْتَامَهُ حَيْثُ لَمْ يَحْتَرِزْ عَمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَكَانَ مِنْ صَنِيعِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ التَّقْصِيرَ هُنَاكَ فِي الْحِفْظِ، وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَمَا مَرَّ فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالتَّقْصِيرُ فِي نَفْسِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَقْصُودًا فَلَهُ اعْتِبَارٌ وَحُكْمٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لَا يُقَالُ إنَّ ضَمَانَ بَنِي آدَمَ يَجِبُ بِالتَّسْبِيبِ وَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا تَعَدَّى وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ كَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي وَقَدْ وَجَبَ

لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ. قَالَ: (وَإِذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْمِلُ لَهُ دَنًّا مِنْ الْفُرَاتِ فَوَقَعَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَانْكَسَرَ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي حَمَلَهُ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي انْكَسَرَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِمَا قُلْنَا، وَالسُّقُوطُ بِالْعِثَارِ أَوْ بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِ، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ، وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ شَاءَ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى أَصْلًا. قَالَ: (وَإِذَا فَصَدَ الْفَصَّادُ أَوْ بَزَغَ الْبَزَّاغُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا عَطِبَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: بَيْطَارٌ بَزَغَ دَابَّةً بِدَانِقٍ فَنَفَقَتْ أَوْ حَجَّامٌ حَجَمَ عَبْدًا بِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ نَوْعُ بَيَانٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ السِّرَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ ضَمَانُ الْمَتَاعِ الْهَالِكِ بِعَمَلِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَوْلَا التَّعَدِّي لَمَا ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَتَاعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْأَجِيرِ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا كَمَا مَرَّ. وَوَجْهُ التَّعَدِّي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِ أَئِمَّتِنَا هُوَ مُخَالَفَةُ الْأَجِيرِ لِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ أَتَى بِالْعَمَلِ الْمُفْسِدِ، مَعَ أَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ إذْنِهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ، وَسَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفُ التَّصْرِيحُ بِوُقُوعِ التَّعَدِّي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي الْأَحْكَامِ. (قَوْلُهُ: وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ نَوْعُ بَيَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ عَدَمَ التَّجَاوُزِ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ حَتَّى إنَّهُ إذَا تَجَاوَزَ يَجِبُ الضَّمَانُ وَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْأُجْرَةَ وَحِجَامَةَ الْعَبْدِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى، حَتَّى إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ فَيَجْعَلُ الْمَذْكُورَ فِي إحْدَاهُمَا مَذْكُورًا فِي الْأُخْرَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَيَانِ عِبَارَةُ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: لِأَنَّ رِوَايَةَ الْمُخْتَصَرِ نَاطِقَةٌ

لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى قُوَّةِ الطِّبَاعِ وَضَعْفِهَا فِي تَحَمُّلِ الْأَلَمِ فَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِالْمُصْلِحِ مِنْ الْعَمَلِ، وَلَا كَذَلِكَ دَقُّ الثَّوْبِ وَنَحْوُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتَهُ تُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّقْيِيدِ. قَالَ: (وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) وَإِنَّمَا سُمِّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَدَمِ التَّجَاوُزِ سَاكِتَةٌ عَنْ الْإِذْنِ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَاطِقَةٌ بِالْإِذْنِ سَاكِتَةٌ عَنْ التَّجَاوُزِ، فَصَارَ مَا نَطَقَ بِهِ رِوَايَةُ الْمُخْتَصَرِ بَيَانًا لِمَا سَكَتَ عَنْهُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَمَا نَطَقَ بِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَانًا لِمَا سَكَتَ عَنْهُ رِوَايَةُ الْمُخْتَصَرِ. فَيُسْتَفَادُ بِمَجْمُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ اشْتِرَاطُ عَدَمِ التَّجَاوُزِ وَالْإِذْنِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، حَتَّى إذَا عَدِمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ. اهـ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَقَالَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْبَيَانِ. أَمَّا فِي الْقُدُورِيِّ فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَمَ التَّجَاوُزِ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ، وَيُفِيدُ أَنَّهُ إذَا تَجَاوَزَ ضَمِنَ، وَأَمَّا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهُ بَيَّنَ الْأُجْرَةَ وَكَوْنُ الْحِجَامَةِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى وَالْهَلَاكِ، وَيُفِيدُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي بَيَانِهِ خَلَلٌ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْهَلَاكَ أَيْضًا مِنْ الْبَيَانِ الَّذِي فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ نَوْعُ بَيَانٍ أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا مِنْ الْبَيَانِ مَخْصُوصًا بِهِ، وَالْهَلَاكُ مَذْكُورٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: فِيمَا عَطِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَنَفَقَتْ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنَى الْهَلَاكِ، بَلْ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ صَرَّحَ فِي ذَلِكَ بِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَسَّرُوا عَطِبَ بِهَلَكَ وَنَفَقَ بِمَاتَ. (قَوْلُهُ: وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَرُدُّ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ فَعَلَيْك بِمِثْلِهِ هَاهُنَا اهـ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ مِثْلَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ عَنْ الْإِيرَادِ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ دَوْرِيٌّ لَا يَتَمَشَّى هَاهُنَا، يَظْهَرُ ذَلِكَ بِأَدْنَى وَجْهِ تَدَبُّرٍ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ تَدَارَكَ هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجَوَابِ، لَكِنْ فِي تَحْرِيرِهِ أَيْضًا رَكَاكَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيمَا تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ لَا تَعْرِيفَ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ

أَجِيرَ وَحْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ. قَالَ: (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَا مَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَالْأَجِيرُ الْوَحْدُ لَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ فَتَكُونُ السَّلَامَةُ غَالِبَةً فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَتَى صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ صَحَّ وَيَصِيرُ نَائِبًا مَنَابَهُ فَيَصِيرُ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُصَارَ إلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ قَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَهُ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ) فَإِنَّهُ يَقْبَلُ أَعْمَالًا كَثِيرَةً رَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأَجْرِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ قَضَاءِ حَقِّ الْحِفْظِ فِيهَا فَضَمِنَ حَتَّى لَا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا، وَلَا يَأْخُذَ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ حُكْمَهُمَا بِالضَّمَانِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ، وَمَا ذَكَرَ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِئَلَّا يُقَصِّرَ الْأُجَرَاءُ فِي الْحِفْظِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْبَحْثُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَ هُنَا حِكْمَةٌ حَكَمَهَا بِضَمَانِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا هُوَ دَلِيلُ حُكْمِهَا بِذَلِكَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرَ هُنَا أَيْضًا دَلِيلًا لَا حِكْمَةً لَمْ يَلْزَمْ مَحْذُورٌ قَطُّ، إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ هُنَا، وَمَا ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ وَلَا تَعَارُضَ، فَلَا مَانِعَ عَنْ كَوْنِ هَذَا وَذَاكَ مَعًا دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ.

[باب الإجارة على أحد الشرطين]

بَابُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ (وَإِذَا قَالَ لِلْخَيَّاطِ إنْ خِطْتَ هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ، وَأَيَّ عَمَلٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِهِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِلصَّبَّاغِ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ صَبَغْتَهُ بِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِأَنْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِخَمْسَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى بِعَشَرَةٍ، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِأَنْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَإِنْ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَمْ يَجُزْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا، وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَرْتَفِعُ الْمُنَازَعَةُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ (وَلَوْ قَالَ: إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ] (بَابُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْإِجَارَةَ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، إلَى قَوْلِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَرْتَفِعُ الْمُنَازَعَةُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ) اسْتَشْكَلَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ هَذَا الْفَرْقَ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ الْجَهَالَةُ الَّتِي فِي طَرَفِ الْأُجْرَةِ تَرْتَفِعُ كَمَا ذَكَرُوا، وَأَمَّا الْجَهَالَةُ الَّتِي فِي طَرَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِخَمْسَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ بِعَشَرَةٍ فَهِيَ ثَابِتَةٌ، وَهِيَ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَتَسَلُّمِهِ، إذْ الْمُسْتَأْجِرُ يُرِيدُ هَذَا وَالْمُؤَجِّرُ يَدْفَعُ الْآخَرَ فَيَتَحَقَّقُ النِّزَاعُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ بِدُونِ شَرْطِ خِيَارِ التَّعْيِينِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ الِاسْتِشْكَالِ فِي صُورَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ فِي بَابِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَلَا تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ حِينَ وُجُوبِ الثَّمَنِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ، وَالْأُجْرَةُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ لَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْعَمَلِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ لَا مَحَالَةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ. إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي الْفَرْقِ هَاهُنَا، وَالْإِشْكَالُ الْمَزْبُورُ إنَّمَا يُتَّجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ الَّتِي فِي طَرَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَتَسَلُّمِهَا

فَإِنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ) قَالَ: زُفَرُ: الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ ذُكِرَ بِمُقَابَلَتِهِ بَدَلَانِ عَلَى الْبَدَلِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ، وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ فَيَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَبْقَى الْمَجَالُ لِلْعَمَلِ نَفْسِهِ، إذْ الْعَمَلُ فِي نَحْوِ اسْتِئْجَارِ الدَّارِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ تَحَقُّقِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَتَسَلُّمِهَا، وَعِنْدَ النِّزَاعِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَرْتَفِعُ عِنْدَ وُجُودِ الْعَمَلِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ فِي دَفْعِ أَصْلِ الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بِمُقَابَلَتِهِ بَدَلَانِ عَلَى الْبَدَلِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ فَيَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ) بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ إفْرَادِ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ كَانَ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ، حَتَّى لَوْ خَاطَهُ فِي الْغَدِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ، فَكَذَا هَاهُنَا. وَذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ إفْرَادِ الْعَقْدِ فِي الْغَدِ بِأَنْ قَالَ خِطْهُ غَدًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ كَانَ لِلتَّرْفِيهِ فَكَذَا هَاهُنَا، إذْ لَيْسَ لِتَعْدَادِ الشَّرْطِ أَثَرٌ فِي تَغْيِيرِهِ فَيَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ. أَمَّا فِي الْيَوْمِ فَلِأَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ إذَا كَانَ لِلتَّرْفِيهِ كَانَ الْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى غَدٍ ثَابِتًا الْيَوْمَ مَعَ عَقْدِ الْيَوْمِ. وَأَمَّا فِي الْغَدِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْيَوْمِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَيَجْتَمِعُ مَعَ الْمُضَافِ إلَى غَدٍ، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَسْمِيَتَانِ لَزِمَ مُقَابَلَةُ الْعَمَلِ الْوَاحِدِ بِبَدَلَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ خِطْهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِكَوْنِ الْأَجْرِ مَجْهُولًا وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى النِّزَاعِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَالْكَافِي. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَيَانِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَهَالَةَ تَزُولُ بِوُقُوعِ الْعَمَلِ، فَإِنَّ بِهِ يَتَعَيَّنُ الْأَجْرُ لِلُزُومِهِ عِنْدَ الْعَمَلِ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْجَهَالَةِ بِوُقُوعِ الْعَمَلِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ، وَمَدَارُ دَلِيلِ زُفَرَ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي كُلِّ يَوْمٍ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ قَبْلُ، فَحِينَئِذٍ لَا تَزُولُ الْجَهَالَةُ

وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ. وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ؛ وَلِأَنَّ التَّعْجِيلَ وَالتَّأْخِيرَ مَقْصُودٌ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ النَّوْعَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ حَقِيقَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطْعًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ أَمْرٌ وَاحِدٌ، فَفِي أَيِّ يَوْمٍ يَقَعُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَتِهِ بَدَلَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ. فَالْوَجْهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ دَلِيلِ زُفَرَ مَنْعُ لُزُومِ اجْتِمَاعِ التَّسْمِيَتَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَمَا سَيُفْهَمُ مِنْ تَقْرِيرِ دَلِيلِ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ صَرِيحًا (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ نَقْلِ دَلِيلِهِمَا هَذَا عَنْ الْهِدَايَةِ: وَفِيهِ كَلَامٌ. وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَيْنِ جَعَلَا الْيَوْمَ فِي مَسْأَلَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِيَخْبِزَ لَهُ الْيَوْمَ كَذَا بِكَذَا لِلتَّعْجِيلِ هَرَبًا عَنْ بُطْلَانِ الْحَمْلِ عَلَى التَّوْقِيتِ فَكَيْفَ يَلْتَزِمَانِ الْأَمْرَ الْبَاطِلَ هَاهُنَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرُ الِانْدِفَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَيْنِ إنَّمَا حَمَلَا الْيَوْمَ هَاهُنَا عَلَى التَّوْقِيتِ لِكَوْنِ التَّوْقِيتِ حَقِيقَتَهُ، وَعَدَمِ تَحَقُّقِ الصَّارِفِ عَنْهَا إلَى الْمَجَازِ عِنْدَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ. وَإِنَّمَا جَعَلَا الْيَوْمَ فِي مَسْأَلَةِ الْخَبْزِ لِلتَّعْجِيلِ لِتَحَقُّقِ الصَّارِفِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ هُنَاكَ، وَهُوَ يُصَحِّحُ الْعَقْدَ. فَإِنَّ الْأَصْلَ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ، وَإِنَّمَا أَمْكَنَ هُنَاكَ بِجَعْلِ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ عَلَى أَصْلِهِمَا، وَلَقَدْ أَفْصَحَ عَمَّا ذَكَرْنَا تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: قَدْ جَعَلَا ذِكْرَ الْيَوْمِ فِي مَسْأَلَةِ خَبْزِ الْمَخَاتِيمِ لِلتَّعْجِيلِ فَمَا لَهُمَا لَمْ يَجْعَلَا كَذَلِكَ هَاهُنَا؟ قُلْت: هُنَالِكَ حَمَلَا عَلَى الْمَجَازِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، وَهَاهُنَا حَمَلَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلتَّصْحِيحِ أَيْضًا إذْ لَوْ عُكِسَ الْأَمْرُ فِي الْفَصْلَيْنِ يَلْزَمُ إبْطَالُ مَا قَصَدَ الْعَاقِدَانِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ حَقِيقَةً) ، وَمُرَادُهُ بِالتَّعْلِيقِ الْإِضَافَةُ: أَيْ لِلْإِضَافَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَلَكِنْ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَتَكُونُ مُرَادَةً، كَذَا رَأَى عَامَّةُ الشُّرَّاحِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ذِكْرَ الْغَدِ لِلْإِضَافَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ تَفْسِيرِ التَّعْلِيقِ هُنَا بِالْإِضَافَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: عَبَّرَ عَنْ الْإِضَافَةِ بِالتَّعْلِيقِ إشَارَةً إلَى أَنَّ النِّصْفَ فِي الْغَدِ لَيْسَ بِتَسْمِيَةٍ جَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحَطِّ النِّصْفِ الْآخَرِ بِالتَّأْخِيرِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ: أَيْ لِتَعْلِيقِ الْحَطِّ بِالتَّأْخِيرِ، وَهُوَ يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ النِّصْفُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَةً جَدِيدَةً بَلْ كَانَ ذِكْرُ الْغَدِ لِمُجَرَّدِ تَعْلِيقِ حَطِّ النِّصْفِ الْآخَرِ بِالتَّأْخِيرِ لَمَا صَحَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجْتَمِعُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ دُونَ الْيَوْمِ فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ وَيَفْسُدُ الثَّانِي، إذْ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ فِي الْغَدِ إلَّا تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى، وَلَكِنْ يُحَطُّ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالتَّأْخِيرِ فَتَجْوِيرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى هَاهُنَا إفْسَادٌ لِدَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ لِمُدَّعَاهُ أَيْضًا، فَكَأَنَّهُ إنَّمَا اغْتَرَّ بِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ أَثْنَاءَ تَقْرِيرِ دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ. الْمُرَادُ مِنْ التَّعْلِيقِ الْإِضَافَةُ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ: أَوْ نَقُولُ الْمُرَادُ بِهِ تَعْلِيقُ حَطِّ النِّصْفِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لَا تَعْلِيقَ الْإِجَارَةِ انْتَهَى، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ تَجْوِيزَ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَثْنَاءَ تَقْرِيرِ دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَحْذُورًا يَسْتَلْزِمُهُ تَجْوِيزُهُ أَثْنَاءَ تَقْرِيرِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ:

وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى التَّأْقِيتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْعَقْدِ لِاجْتِمَاعِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ فَلَا يُنَافِيهِ تَجْوِيزُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا عَرَفْت (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى التَّأْقِيتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْعَقْدِ لِاجْتِمَاعِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ) فَإِنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى ذِكْرِ الْعَمَلِ كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرَكًا، وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى ذِكْرِ الْيَوْمِ كَانَ أَجِيرَ وَحْدٍ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ لِتَنَافِي لَوَازِمِهِمَا، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ يَعْمَلْ، وَذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ وُجُوبَهَا عِنْدَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْمُدَّةِ، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ؛ وَلِذَلِكَ عَدَلْنَا عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ التَّأْقِيتُ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ التَّعْجِيلُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: يُشْكِلُ هَذَا بِمَسْأَلَةِ الرَّاعِي فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْعَمَلُ وَالْوَقْتُ، وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يُحْمَلُ الْوَقْتُ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي قَوْلِ أَحَدٍ، بَلْ يُعْتَبَرُ الْأَجِيرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا إنْ وَقَعَ ذِكْرُ الْعَمَلِ أَوَّلًا، وَأَجِيرَ وَحْدٍ إنْ وَقَعَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ أَوَّلًا، صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ سِيَّمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ هَائِلٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ هُنَا حَتَّى أَجَازَ الْعَقْدَ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَخَاتِيمِ جَعَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ فَأَفْسَدَ الْعَقْدَ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ حَقِيقَةٌ لِلتَّوْقِيتِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَهُنَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَهُوَ نُقْصَانُ الْأَجْرِ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ فَعَدْلنَا عَنْ الْحَقِيقَةِ وَصِرْنَا إلَى الْمَجَازِ بِهَذَا الدَّلِيلِ، وَلَمْ يَقُمْ مِثْلُ هَذَا الدَّلِيلِ ثَمَّةَ فَكَانَ التَّوْقِيتُ مُرَادًا فَفَسَدَ الْعَقْدُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَزَادَ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَلَخَّصَهُمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ. وَالْجَوَابُ وَرَدَ بِأَنَّ دَلِيلَ الْمَجَازِ قَائِمٌ ثَمَّةَ، وَهُوَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّعْجِيلِ فَيَكُونُ مُرَادًا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَوَازَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِي حَيِّزِ النِّزَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ نُقْصَانَ الْأَجْرِ دَلِيلٌ زَائِدٌ عَلَى الْجَوَازِ بِظَاهِرِ الْحَالِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُشْكِلُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ بِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى مَذْكُورَةٍ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ، وَهِيَ مَا قَالَ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَا أَجْرَ لَك، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَمَالِي: إنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَلَهُ دِرْهَمٌ: وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَهُ أَجْرٌ مِثْلُهُ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْأَجْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يَنْفِي وُجُوبَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَنَفْيُ التَّسْمِيَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يَنْفِي أَصْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَقْدًا لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. انْتَهَى لَفْظُ الْمُحِيطِ. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُفْسِدْ الْعَقْدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ كَمَا أَفْسَدَهُ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ

يَجْتَمِعُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ دُونَ الْيَوْمِ، فَيَصِحُّ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَفْسُدُ الثَّانِي وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلُ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى لَا تَنْعَدِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ خِطْته غَدًا فَلَا أَجْرَ لَك لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا كَانَ ذِكْرُ الْيَوْمِ حَقِيقَةً فِيهِ، وَهُوَ التَّوْقِيتُ، بَلْ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ حَقِيقَةِ ذَلِكَ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ التَّوْقِيتَ لَمَا نَفَى الْأَجْرَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي الْغَدِ، وَإِذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُرَادًا بِذِكْرِ الْيَوْمِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَخَاتِيمِ جِدًّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَاسْتَشْكَلَ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا بُدَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ بَيَانِ دَلِيلِ الْمَجَازِ فِيمَا إذَا قِيلَ خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ حَيْثُ حَمَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ عَلَى التَّعْجِيلِ. وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ صِيغَةَ الْأَمْرِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْخِيَاطَةِ مَطْلُوبَةً فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ، وَقَالَ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يُتَوَجَّهُ هَذَا الِاسْتِشْكَالُ رَأْسًا إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ عَلَى التَّعْجِيلِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ ذِكْرِ الْوَقْتِ وَذِكْرِ الْعَمَلِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ حَالَةَ الْإِفْرَادِ. وَإِنِّي تَتَبَّعْت عَامَّةَ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ وَجَدْت فِي بَعْضٍ مِنْهَا التَّصْرِيحَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ: وَلَوْ قَالَ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ وَلَك دِرْهَمٌ لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنَّهُ الْمُدَّةُ أَوْ الْعَمَلُ انْتَهَى. نَعَمْ قَدْ قِيلَ فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ فِي أَثْنَاءِ بَيَانِ دَلِيلِ زُفَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا تَوْضِيحًا لِقَوْلِهِ إنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ، وَلِهَذَا لَوْ أَفْرَدَ الْعَقْدَ فِي الْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ كَانَ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ، حَتَّى لَوْ خَاطَهُ فِي الْغَدِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ فَكَذَا هَاهُنَا انْتَهَى. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ فِي دَلِيلِ زُفَرَ إنَّمَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً عَلَى الْإِمَامَيْنِ. فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ بِالتَّعْجِيلِ حَالَةَ الْإِفْرَادِ لَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يُنْتَقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى لَا تَنْعَدِمُ

فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَتُعْتَبَرُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ الثَّانِيَةُ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ، فَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ فَبِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ أَوْلَى (وَلَوْ قَالَ: إنْ سَكَّنْتَ فِي هَذَا الدُّكَّانِ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ فِي الشَّهْرِ، وَإِنْ سَكَّنْتَهُ حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ، وَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى أَنَّهُ إنْ سَكَّنَ فِيهِ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنَ فِيهِ حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) . (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْحِيرَةِ بِدِرْهَمٍ وَإِنْ جَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ فَبِدِرْهَمَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيُحْتَمَلُ الْخِلَافُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْحِيرَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ حَمَلَ عَلَيْهَا كُرَّ شَعِيرٍ فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا كُرَّ حِنْطَةٍ فَبِدِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ، وَكَذَا الْأَجْرُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْفَسَادَ، بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالْعَمَلِ وَعِنْدَهُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ، وَهَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فَيَصِحُّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ يُخَالِفُ إسْكَانَهُ الْحَدَّادَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ وَكَذَا فِي أَخَوَاتِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَتُعْتَبَرُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ، وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ الثَّانِيَةُ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ تَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عِنْدَنَا وَلَا تَمْنَعُ النُّقْصَانَ أَصْلًا، بَلْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْمُسَمَّى فَمَا مَعْنَى أَنْ تُعْتَبَرَ التَّسْمِيَةُ الثَّانِيَةُ هَاهُنَا لِمَنْعِ النُّقْصَانِ، وَهَلَّا هَذَا مُخَالِفًا لِمَا تَقَرَّرَ. (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ، وَهَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا) قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: يَرُدُّ عَلَى أَصْلِهِمَا مَسْأَلَةُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَإِنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَفْسُدَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ ثَمَّةَ عِنْدَهُمَا مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وِفَاقًا إلَّا عِنْدَ زُفَرَ، انْتَهَى

[باب إجارة العبد]

وَالْإِجَارَةُ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَعِنْدَهُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامُهُ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَجْرَ، وَإِنْ وَجَبَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ وَالتَّخْلِيَةِ، بَلْ لَا بُدَّ فِي وُجُوبِهِ مِنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا إلَى الْكُوفَةِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَاقَهَا مَعَهُ إلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَرْكَبْهَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ. انْتَهَى. فَفِي مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ مِنْ تَيْنِك الْمَسَافَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى أَصْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ) يَعْنِي وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى إيجَابِ الْأَجْرِ بِمُجَرَّدِ التَّخْلِيَةِ وَالتَّسْلِيمِ، بِأَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ قَطُّ حَتَّى تُعْلَمَ الْمَنْفَعَةُ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ اللَّذَيْنِ سُمِّيَا فِي الْعَقْدِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ جَازَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ فِي دَفْعِ الْجَهَالَةِ الْوَاقِعَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مُتَيَقِّنًا لَصَحَّتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا إذَا سَمَّى لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَجْرَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَأَنْ قَالَ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ أَمْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ: اُسْكُنْ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَجَبَ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمَّاهُمَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ إجَارَةِ الْعَبْدِ] (بَابُ إجَارَةِ الْعَبْدِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ، إذْ الْعَبْدُ مُنْحَطُّ الدَّرَجَةِ عَنْ الْحُرِّ فَانْحَطَّ ذِكْرُهُ عَنْ ذِكْرِ الْحُرِّ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي ذِكْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: لَمَّا كَانَتْ إجَارَةُ الرَّقِيقِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ وَبِالرَّقِيقِ مَسَائِلُ خَاصَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ ذَكَرَهَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخَّرَ ذِكْرَهَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّوْعِ، وَقَالَ هَذَا مَا لَاحَ لِي مِنْ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ، وَمَا قِيلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ إنَّ الْعَبْدَ مُنْحَطُّ الدَّرَجَةِ عَنْ الْحُرِّ فَانْحَطَّ ذِكْرُهُ عَنْ ذِكْرِ الْحُرِّ لِذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِئْجَارَ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَمَّامِ وَالدَّوَابِّ، وَذَكَرَ هُنَا اسْتِئْجَارَ الرَّقِيقِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَتَرْجَمَ الْبَابَ بِبَابِ إجَارَةِ الْعَبْدِ كَمَا تَرْجَمَ فِي الْأَصْلِ بِبَابِ إجَارَةِ الرَّقِيقِ لِلْخِدْمَةِ وَغَيْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَبْدَ مُنْحَطُّ الدَّرَجَةِ عَنْ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي شَيْءٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَهَذَا مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا لَمْ يَبْدَأْ أَوَّلَ الْبَابِ بِاسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصَرُّفٌ أَصْلًا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ لَا أَصَالَةً وَلَا نِيَابَةً، بَلْ هُوَ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ، وَمَوْقِعُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَالدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ غَرَضَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَكُنْ إلَّا تَنْوِيعُ الْمَسَائِلِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْوَجْهِ الَّذِي لَاحَ لَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ

بَابُ إجَارَةِ الْعَبْدِ قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ اشْتَمَلَتْ عَلَى زِيَادَةِ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنْسِ مُقَدَّمًا عَلَى النَّوْعِ لَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ إلَى هُنَا، فَإِنَّ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ مُخْتَصَّةٌ أَيْضًا بِالنَّوْعِ لَا عَامَّةٌ لِلْجِنْسِ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَسَائِلَ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالنَّوْعِ الْفَاسِدِ مِنْ جِنْسِ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا مَسَائِلُ بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ مُخْتَصَّةٌ بِالنَّوْعِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الشَّرْطَانِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأُخْرَى الْمُتَقَدِّمَةِ. وَإِنَّمَا يَقْتَضِي هَذَا الْوَجْهُ تَأْخِيرَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ عَمَّا ذَكَرَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ لِجِنْسِ الْإِجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْبَيْنِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ مِنْ النَّظَرِ فَقَدْ قَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَهُ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ إجَارَةِ الْعَبْدِ: أَيْ نَفْسِهِ وَقَالَ: وَإِجَارَةُ الْغَيْرِ إيَّاهُ ذُكِرَتْ اسْتِطْرَادًا، وَقَدْ يُقَدَّمُ فِي الذِّكْرِ مَا يُذْكَرُ اسْتِطْرَادًا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، فَعَلَى هَذَا الْإِجَارَةُ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ، وَهِيَ كِرَاءُ الْأَجِيرِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْرِبِ وَعَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ، وَلَمْ يُسْمَعْ مَجِيءُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَصْدَرًا قَطُّ، وَإِنَّمَا الْمَصْدَرُ مِنْ الثُّلَاثِيِّ الْأَجْرُ، وَمِنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ الْإِيجَارُ وَالْمُؤَاجَرَةُ، فَلَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ لِلْإِجَارَةِ فَاعِلٌ، وَمَفْعُولٌ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ هَاهُنَا مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى إجَارَةُ الْعَبْدِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ خَمْسُ مَسَائِلَ: ثِنْتَانِ مِنْهَا مُتَعَلِّقَتَانِ بِإِيجَارِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ، وَثَلَاثٌ مِنْهَا مُتَعَلِّقَاتٌ بِإِيجَارِ الْغَيْرِ إيَّاهُ، فَحَمَلَ عُنْوَانَ الْبَابِ عَلَى أَقَلَّ مَا ذَكَرَ فِي الْبَابِ، وَجَعَلَ أَكْثَرَ مَا ذَكَرَ فِيهِ اسْتِطْرَادِيًّا كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ الْغَيْرِ إيَّاهُ ذُكِرَتْ اسْتِطْرَادًا مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ فِطْرَةٌ سَلِيمَةٌ. ثُمَّ أَقُولُ: فِي دَفْعِ مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ النَّظَرِ إنَّ انْحِطَاطَ دَرَجَةِ الْعَبْدِ عَنْ الْحُرِّ كَمَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِيمَا إذَا وُجِدَ مِنْ الْعَبْدِ تَصَرُّفٌ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ، كَذَلِكَ يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصَرُّفٌ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ كَانَ هُوَ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ، وَمَوْقِعَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فِي كُلِّ مِنْ تَيْنِك الصُّورَتَيْنِ حُكْمًا خَاصًّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُ: فِي الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ، وَبِالرَّقِيقِ مَسَائِلُ خَاصَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ ذَكَرَهَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ اخْتِصَاصَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْعَبْدِ لَيْسَ لِارْتِفَاعِ دَرَجَتِهِ عَنْ الْحُرِّ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِانْحِطَاطِ دَرَجَتِهِ عَنْ الْحُرِّ؛ فَكَانَ قَوْلُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَخَّرَ الْأَحْكَامَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ عَنْ أَحْكَامِ الْحُرِّ؛ لِانْحِطَاطِ دَرَجَةِ الْعَبْدِ عَنْ الْحُرِّ وَجْهًا جَارِيًا فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا شَامِلًا لِلْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَسْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا لَمْ يَبْدَأْ أَوَّلَ الْبَابِ بِاسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ إلَخْ، إذْ مَدَارُهُ عَلَى أَنْ لَا يَجْرِيَ الْوَجْهُ الْمَزْبُورُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ. ثُمَّ إنَّ إضَافَةَ الْإِجَارَةِ إلَى الْعَبْدِ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَةِ إلَى الْفَاعِلِ وَلَا مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَفْعُولِ لِمَا عَرَفْت، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى الْمُلَابَسَةِ فَتَشْمَلُ مَا كَانَ الْعَبْدُ مُتَصَرِّفًا فِي نَفْسِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي بَعْضِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ. وَمَا كَانَ الْعَبْدُ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ، وَمَوْقِعَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ. وَمِنْ هَذَا الْبَعْضِ الْمَسْأَلَةُ الْمُبْتَدَأُ بِهَا أَوَّلَ الْبَابِ فَلَا مَحْذُورَ وَلَا اسْتِطْرَادَ فِي شَيْءٍ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ اشْتَمَلَتْ عَلَى زِيَادَةِ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ) فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُسْتَأْجَرَ فِي مِلْكِ مَنَافِعِهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَوْلَى فِي مَنَافِعِ عَبْدِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ بِعَبْدِهِ فَلِمَاذَا لَا يَكُونُ

وَلِهَذَا جُعِلَ السَّفَرُ عُذْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُسَافِرَ بِأَجِيرِهِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا يُسَافِرُ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ أَجِيرِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَنَقْضُ هَذَا الْجَوَابِ بِمَنْ ادَّعَى دَارًا وَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَإِنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَخْرُجَ بِالْعَبْدِ إلَى السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَتَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْآجِرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي النَّقْلِ كَانَتْ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُقَرِّرُ حَقَّهُ فِي الْأَجْرِ، فَالْمُسْتَأْجِرُ إذَا سَافَرَ بِالْعَبْدِ فَهُوَ يُلْزِمُ الْمُؤَجِّرَ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ، وَرُبَّمَا تَرْبُو عَلَى الْأُجْرَةِ. وَأَمَّا فِي الصُّلْحِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ لَيْسَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَالْمُدَّعِي بِالْإِخْرَاجِ إلَى السَّفَرِ يَلْتَزِمُ مُؤْنَةَ الرَّدِّ وَلَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَقْدِرَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْعَبْدِ إذَا الْتَزَمَ مُؤْنَةَ الرَّدِّ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُؤَجِّرُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَبْدِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ يَتَرَتَّبُ الضَّرَرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بِإِلْزَامِهِ إيَّاهُ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ الضَّرَرَ يَنْدَفِعُ بِالْتِزَامِ الْمُسْتَأْجِرِ تِلْكَ الْمُؤْنَةَ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عِبَارَاتِ الْكُتُبِ عَدَمُ جَوَازِ الْمُسَافَرَةِ بِهِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. وَطَعَنَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَرَى انْقِطَاعٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَضُمَّ إلَى عِلَّتِهِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ قَيْدًا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ. ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِي مَنَافِعِ الْعَبْدِ كَالْمَوْلَى فَإِنَّ الْمَوْلَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ زَمَانًا، وَمَكَانًا وَنَوْعًا، وَلَيْسَ الْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا بِعَقْدٍ ضَرُورِيٍّ يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ وَزَمَانٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْمَوْلَى وَالْعُرْفُ يُوجِبُهُ، أَوْ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُؤْنَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يُوجِبُهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيمَا اسْتَصْوَبَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَسْأَلَةِ الصُّلْحِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَالِحَ أَيْضًا لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَ الْعَبْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْمَوْلَى، بَلْ هُوَ أَيْضًا إنَّمَا يَمْلِكُهَا بِعَقْدٍ ضَرُورِيٍّ هُوَ عَقْدُ

فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِهِ كَإِسْكَانِ الْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ فِي الدَّارِ، وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْخِدْمَتَيْنِ ظَاهِرٌ، فَإِذَا تَعَيَّنَ الْخِدْمَةُ فِي الْحَضَرِ لَا يَبْقَى غَيْرُهُ دَاخِلًا كَمَا فِي الرُّكُوبِ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ شَهْرًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَجْرَ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ صَحِيحَةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْعِدَامِ إذْنِ الْمَوْلَى وَقِيَامِ الْحَجْرِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّصَرُّفَ نَافِعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ سَالِمًا ضَارٌّ عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْعَبْدِ، وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ. (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْأَجْرَ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ ضَامِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، إذْ الْإِجَارَةُ قَدْ صَحَّتْ عَلَى مَا مَرَّ. وَلَهُ أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ بِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مُحْرَزٍ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ عَنْهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّلْحِ مَعَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْعَبْدِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْخِدْمَتَيْنِ ظَاهِرٌ، فَإِذَا تَعَيَّنَ الْخِدْمَةُ فِي الْحَضَرِ لَا يَبْقَى غَيْرُهُ دَاخِلًا كَمَا فِي الرُّكُوبِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ غَيْرُ وَاضِحٍ ظَاهِرًا انْتَهَى. أَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَدَارَ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ رَأْسًا بِنَاءً عَلَى انْصِرَافِ مُطْلَقِ الْعَقْدِ إلَى الْمُتَعَارَفِ الَّذِي هُوَ الْخِدْمَةُ فِي الْحَضَرِ، وَمَدَارُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ خِدْمَتَيْ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَإِنْ كَانَتَا دَاخِلَتَيْنِ تَحْتَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ الْخِدْمَةَ فِي الْحَضَرِ تَعَيَّنَتْ بِقَرِينَةٍ حَالَ حَضَرَ الْعَاقِدُ، وَمَكَانَ الْعَقْدِ، فَبَعْدَ تَعَيُّنِهَا لَا يَبْقَى الْمَحَالُ لِلْأُخْرَى كَمَا فِي الرُّكُوبِ، فَإِنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الرُّكُوبَ ثُمَّ رَكِبَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ يَتَعَيَّنُ هُوَ فَبَعُدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مَنْ رَكِبَهُ أَوَّلًا لِتَعَيُّنِهِ لِلرُّكُوبِ فَكَذَا هَاهُنَا، وَيُرْشِدُ إلَى مَا قَرَّرْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ عِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَنْصَرِفُ إلَى التَّعَارُفِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ صَاحِبِ الْعَبْدِ أَنَّهُ يُرِيدُ الِاسْتِخْدَامَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا تَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَرُبَّمَا يَرْبُو ذَلِكَ عَلَى الْآجِرِ فَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ مَكَانًا لِلِاسْتِيفَاءِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ شَهْرًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَجْرَ) قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي تَقْرِيرِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ شَهْرًا فَعَمِلَ فَأَعْطَاهُ

(وَإِنْ وَجَدَ الْمَوْلَى الْأَجْرَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ (وَيَجُوزُ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأَجْرَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ عَلَى مَا مَرَّ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا بِأَرْبَعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ أَوْ نَظَرًا إلَى تَنَجُّزِ الْحَاجَةِ فَيَنْصَرِفُ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الْأَوَّلَ ضَرُورَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجْرَ فَقَدْ زَادَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ فَعَمِلَ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَ إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ شَهْرًا كَمَا تَرَى فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ الْمُدَّةَ، وَهِيَ الشَّهْرُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَعَرَفْت فِيمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْأَجِيرَ يَصِيرُ بِذِكْرِ الْوَقْتِ أَجِيرًا خَاصًّا، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ أَنَّ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ فَمَا مَعْنَى اعْتِبَارِ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُدَّةِ. نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ مِنْ الْأَجْرِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ صَرَاحَةً فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ كَوْنِهِ مُرَادًا. فَإِنْ قُلْت: مَنْ زَادَ قَيْدَ فَعَمِلَ أَرَادَ بِالْعَمَلِ تَسْلِيمَ النَّفْسِ. قُلْت: لَا يُرَى لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ، إذْ لَا اتِّحَادَ بَيْنَهُمَا وَلَا اسْتِلْزَامَ، فَإِنَّ الْعَمَلَ يُوجَدُ بِدُونِ تَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مُطْلَقًا، وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ يُوجَدُ بِدُونِ الْعَمَلِ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ الَّذِي سَلَّمَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْعَمَلِ، وَإِرَادَةِ تَسْلِيمِ النَّفْسِ؟ . وَالْإِنْصَافُ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِهِ كَمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرَّيَا لِلْجَوَازِ أَوْ نَظَرًا إلَى تَنَجُّزِ الْحَاجَةِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا نُكِّرَ الشَّهْرُ، وَهُنَا عُرِّفَ بِقَوْلِهِ هَذَيْنِ. قُلْت: رَأَيْت فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ، وَهُوَ آبِقٌ أَوْ مَرِيضٌ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبَقَ أَوْ مَرِضَ حِينَ أَخَذْته وَقَالَ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَدَمَ التَّعَرُّضِ لِقَوْلِهِ هَذَيْنِ، بَلْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ هَذَيْنِ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْمُؤَجِّرُ آجَرْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَيَنْصَرِفُ قَوْلُهُ: هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ إلَى الشَّهْرَيْنِ الْمُنَكَّرَيْنِ اللَّذَيْنِ دَخَلَا تَحْتَ إيجَابِ الْمُؤَجِّرِ فَيَنْفِي التَّنْكِيرَ فَصَلُحَ التَّعْلِيلُ بِتَنَجُّزِ الْحَاجَةِ لِإِثْبَاتِ التَّعْيِينِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي نَسْجِ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، وَلَكِنْ بِنَوْعِ تَغْيِيرِ تَحْرِيرٍ فِي أَوَائِلِ الْمَقَالِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ مَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ ذُكِرَ مُنَكَّرًا مَجْهُولًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ لِمَا كَانَ فِي كَلَامِ الْمُؤَجِّرِ مِنْ الْمُنَكَّرِ، فَكَأَنَّ الْمُؤَجِّرَ قَالَ: آجَرْتُ عَبْدِي هَذَا شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ، فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْتُهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا الشُّبْهَةُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الشُّبْهَةُ فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَزْبُورَ يَسْتَقِيمُ، وَيَتِمُّ بِتَنْكِيرِ شَهْرٍ فِي شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَنْكِيرِ شَهْرَيْنِ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ تَعْرِيفِ الشَّهْرَيْنِ يَصِيرُ الْمُتَعَيَّنُ مَجْمُوعَ الشَّهْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بِأَرْبَعَةٍ وَالثَّانِي بِخَمْسَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ بِنَاءً عَلَى تَنْكِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِبْهَامِهِ، فَاحْتِيجَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِأَرْبَعَةٍ، وَالثَّانِي بِخَمْسَةٍ دُونَ الْعَكْسِ بِالتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ أَصْلًا. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ لَمَا صَحَّ تَنْكِيرُ عَبْدًا فِي قَوْلِهِ، وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ، بَلْ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِالتَّعْرِيفِ مِنْ الشَّهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ هُوَ الْعَبْدُ الَّذِي آجَرَهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْهُ. عَلَى أَنَّ كَوْنَ اللَّامِ فِي قَوْلِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْعَهْدِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ كَلَامُ الْمُؤَجِّرِ مُقَدَّمًا عَلَى كَلَامِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْعَقْدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ فَإِنَّ أَيًّا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَكَلَّمَ أَوَّلًا يَصِيرُ كَلَامُهُ إيجَابًا، فَإِذَا قِيلَ الْآخَرُ أُلْزِمَ الْعَقْدَ، فَحَمْلُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَقْتَضِي تَعْرِيفَ الشَّهْرَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَلْزَمُ تَخْصِيصُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِبَعْضِ الصُّوَرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا عَرَّفَ الشَّهْرَيْنِ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفًا لِمَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ تَنْكِيرِ ذَلِكَ إشْعَارًا بِأَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَعْرِيفِ لَفْظِ الشَّهْرَيْنِ، بَلْ تَنْكِيرُ ذَلِكَ وَتَعْرِيفُهُ سِيَّانِ عِنْدَ تَنْكِيرِ شَهْرًا فِي شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي رَدِّ الشُّبْهَةِ آنِفًا. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا ذَكَرَ الْمُسْتَأْجِرُ لَفْظَ الشَّهْرَيْنِ بِالتَّنْكِيرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مُعَرَّفًا نَظَرًا إلَى تَعَيُّنِهِ الْمَآلِيّ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ هُوَ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ أَيْضًا، إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ مِنْ كَلَامِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَأَنَّهُ تَفْصِيلٌ لِلشَّهْرَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ كَانَ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُجْمَلُ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ وَالْمُفَصَّلُ لَفْظَ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَرْتَضِيهِ الْعَاقِلُ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِصُورَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ عَبْدًا بَلْ هُوَ مُتَمَشٍّ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ حُرًّا أَيْضًا لِعَيْنِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، فَوَجْهُ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ إجَارَةِ الْعَبْدِ غَيْرُ وَاضِحٍ، فَإِنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ مَا لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا يُقَالُ:

[باب الاختلاف في الإجارة]

وَإِنْ جَاءَ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ) ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ فَيَتَرَجَّحُ بِحُكْمِ الْحَالِ، إذْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِهِ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ يَصْلُحُ مُرَجِّحًا إنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ. أَصْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَانْقِطَاعِهِ. [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ] ِ قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ بَلْ قَمِيصًا أَوْ قَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ وَقَالَ الصَّبَّاغُ لَا بَلْ أَمَرْتنِي أَصْفَرَ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ صِفَتَهُ، لَكِنْ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. قَالَ: (وَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ) وَمَعْنَاهُ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ، وَكَذَا يُخَيَّرُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ إذَا حَلَفَ إنْ شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ كَوْنَ الْأَجِيرِ عَبْدًا أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا، فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَكْثَرِ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَ الْأَجِيرِ حُرًّا أَكْثَرُ لِاسْتِقْلَالِهِ وَكَثْرَةُ احْتِيَاجِهِ إلَى الْأُجْرَةِ لِإِنْفَاقِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى ذَلِكَ لَذَكَرَ سَائِرَ مَسَائِلِ الْأَجِيرِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ اتِّفَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الْأَصْلُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامَ اخْتِلَافِهَا، وَهُوَ الْفَرْعُ، إذْ الِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَكُونُ بِعَارِضٍ (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ، وَمَعْنَاهُ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) يَعْنِي بِهِ مَا مَرَّ قَبْلَ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فِي مَسْأَلَةِ: وَمَنْ دَفَعَ إلَى الْخَيَّاطِ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ قَبَاءً، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَانَا هُنَاكَ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ خِيَاطَةُ الْقَمِيصِ وَالْأَجِيرُ خَالَفَ فَخَاطَ قَبَاءً، وَهَاهُنَا قَدْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَيْفَ يَتَّحِدُ الْجَوَابُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اخْتَلَفَتْ صُورَتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ ابْتِدَاءً وَلَكِنْ اتَّحَدَتَا انْتِهَاءً؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ هُنَا بَعْدَ حَلِفِ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَلَمَّا حَلَفَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَمْ يَبْقَ لِخِلَافِ الْآخَرِ اعْتِبَارٌ فَكَانَتَا فِي الْحُكْمِ فِي الِانْتِهَاءِ سَوَاءً، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي النِّهَايَةِ

ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى. وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: يُضَمِّنُهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ. (وَإِنْ قَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ إذْ هُوَ يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَيُنْكِرُ الضَّمَانَ وَالصَّانِعُ يَدِّعِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ حِرِّيفًا لَهُ) أَيْ خَلِيطًا لَهُ (فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ سَبْقَ مَا بَيْنَهُمَا يُعَيِّنُ جِهَةَ الطَّلَبِ بِأَجْرٍ جَرْيًا عَلَى مُعْتَادِهِمَا (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِحْسَانِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ لِلدَّفْعِ، وَالْحَاجَةُ هَاهُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعِنَايَةِ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا كَانَ الْحُكْمُ ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَا فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إذَا اخْتَلَفَا مَعَ أَنَّ التَّشْبِيهَ غَيْرُ الْقِيَاسِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى مُخَالَفَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ التَّعَدِّي مُقَرَّرًا عِنْدَهُمَا فَيَجِبُ الضَّمَانُ قَطْعًا. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُخَالَفَةِ فَلَا تَعَدِّيَ عَلَى زَعْمِ الْأَجِيرِ فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ نَوْعُ خَفَاءٍ. فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ ذَلِكَ: أَيْ الضَّمَانُ إذَا اتَّفَقَا فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إذَا اخْتَلَفَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَوْرِدَ الِاعْتِرَاضِ هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَمَعْنَاهُ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ. وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ هُوَ الِاتِّحَادُ فِي الْحُكْمِ لَا التَّشْبِيهُ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ مَعَ أَنَّ التَّشْبِيهَ غَيْرُ الْقِيَاسِ فَهَلَّا هُوَ لَغْوٌ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِحْسَانِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةِ هَاهُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ) يَعْنِي أَنَّ الْحَاجَةَ هَاهُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَا إلَى الدَّفْعِ، وَالظَّاهِرُ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ بَعْضُ

[باب فسخ الإجارة]

بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنَافِعُ، وَأَنَّهَا تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ هَذَا عَيْبًا حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ فَعَلَ الْمُؤَجِّرُ مَا أَزَالَ بِهِ الْعَيْبَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ. قَالَ: (وَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ انْقَطَعَ شُرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ فَاتَ، وَهِيَ الْمَنَافِعُ الْمَخْصُوصَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَشَابَهُ فَوْتُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ الْإِبَاقَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْآجِرَ لَوْ بَنَاهَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَلَا لِلْآجِرِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَسِخْ لَكِنَّهُ يُفْسَخُ. (وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى، وَالْبَيْتُ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفُضَلَاءِ: فَرَّقَ بَيْنَ الظَّاهِرُ وَالِاسْتِصْحَابِ، فَالْأَوَّلُ يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ انْتَهَى. أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ هَاهُنَا ظَاهِرُ الْحَالِ، وَكَوْنُ مِثْلِ هَذَا الظَّاهِرِ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ مَمْنُوعٌ. وَأَمَّا أَخْبَارُ الْآحَادِ فَبِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ الظَّنِّيَّةِ تُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعَمَلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ]

لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ عَنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ بِهِ أَوْ الْأُجْرَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ) مِثْلُ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ لِانْعِدَامِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ بَابَ الْفَسْخِ آخِرًا؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ لَا مَحَالَةَ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ آخِرًا (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ بِهِ أَوْ الْأُجْرَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْمُوَرِّثِ إلَى الْوَارِثِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى الْمَنَافِعِ، فَلَوْ قُلْنَا بِالِانْتِقَالِ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا بِانْتِقَالِ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُوَرِّثُ إلَى الْوَارِثِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ أَنَّ الْأُجْرَةَ تُمْلَكُ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ، أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَلَوْ قُلْنَا بِالِانْتِقَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ لَمْ يَلْزَمْ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُوَرِّثُ إلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ قَدْ كَانَ مَلَكَ الْأُجْرَةَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِتَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ أَوْ بِشَرْطِ تَعْجِيلِهَا، فَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَإِنْ تَمَّ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَتِمَّ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ. وَالْأَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَفْصِلَ فَيُسْتَدَلَّ عَلَى انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ بِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ كَمَا وَقَعَ فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ سِيَّمَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: وَلَنَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا فِي مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فَنَقُولُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ الْمَنَافِعُ الَّتِي تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ

قَالَ: (وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِفَوَاتِ بَعْضِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْخِيَارَ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَامَلَةٍ لَا يُسْتَحَقُّ الْقَبْضُ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَفَوَاتُ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، فَكَذَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَدَّ الْكُلِّ مُمْكِنٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ دُونَهَا وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْقَبْضِ إذَا سَلَّمَ الْمُؤَجَّرَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الدَّارِ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَحَدَّدُ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ الْعَقْدِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ فِي مَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنَّمَا يَبْقَى عَلَى أَنْ يَخْلُفَهُ الْوَارِثُ وَالْمَنْفَعَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تُوَرَّثُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا مَاتَ لَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ لِيَكُونَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ، وَيَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، وَالْمَنْفَعَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَبْقَى لِتُوَرَّث، وَاَلَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَهَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ لِيَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهَا فَالْمِلْكُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُودَ، وَإِذَا ثَبَتَ انْتِفَاءُ الْإِرْثِ تَعَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ يَرْتَفِعُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ لَا يَخْلُفُهُ فِيهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِفَوَاتِ بَعْضِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْخِيَارَ) أَقُولُ: فِي هَذَا الدَّلِيلِ لِلشَّافِعِيِّ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَرِدُ الْعَقْدُ فِيهِ عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ أَوْ خِيَاطَتِهِ، وَنَوْعٌ يَرِدُ الْعَقْدُ فِيهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ، وَالدَّلِيلُ الْمَزْبُورُ لَا يَتَمَشَّى فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ إمْكَانِ رَدِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ، وَعَدَمَ إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ أَنْ يَتْلَفَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ، وَفِي الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَتْلَفُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ قَطْعًا، وَكَذَا لَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضٍ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي، وَهُوَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ بِالْمُدَّةِ بَلْ يَتَعَيَّنُ بِالتَّسْمِيَةِ، كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا، وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى ذَلِكَ فِيمَا يَتَعَيَّنُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ بِالْمُدَّةِ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى فَكَانَ الدَّلِيلُ الْمَزْبُورُ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ مَا ادَّعَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ شَرْطِ

قَالَ: (وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ) عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُفْسَخُ إلَّا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى يَجُوزَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فَتَنْفَسِخُ بِهِ، إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ عِنْدَنَا (وَهُوَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَدَّادًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ لِوَجَعٍ بِهِ فَسَكَنَ الْوَجَعُ أَوْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ فِي الْمُضِيِّ عَلَيْهِ إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ (وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا فِي السُّوقِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَذَهَبَ مَالُهُ، وَكَذَا مَنْ أَجَّرَ دُكَّانًا أَوْ دَارًا ثُمَّ أَفْلَسَ، وَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا إلَّا بِثَمَنِ مَا أَجَّرَ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَبَاعَهَا فِي الدُّيُونِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى عَدَمِ مَالٍ آخَرَ. ثُمَّ قَوْلُهُ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ، وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسَخُ بِهِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِزِّ: الْقَوْلُ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ بِالْأَعْذَارِ، وَمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلِ صَحَابِيٍّ بَلْ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِبَارِ بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَلَا زَالَتْ الْأَعْذَارُ تَحْدُثُ فِي عُقُودِ الْإِجَارَاتِ، وَقَدْ يَمُوتُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ الْفَسْخُ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِذَلِكَ لَنُقِلَ لِتَوَفُّرِ الْهِمَمِ عَلَى نَقْلِ مِثْلِهِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُمْ مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ لِلْعُذْرِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ اعْتَبَرُوا الْعُذْرَ الْكَامِلَ فِيمَا لَوْ اكْتَرَى مَنْ يَقْلَعُ ضِرْسَهُ فَبَرِئَ وَانْقَلَعَ قَبْلَ قَلْعِهِ أَوْ اكْتَرَى كَحَّالًا لِيُكَحِّلَ عَيْنَهُ فَبَرِئَتْ أَوْ ذَهَبَتْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا هُوَ دُونَهُ. إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ فِي حَقِّ فَسْخِ الْإِجَارَةِ بِالْأَعْذَارِ أَنْ لَا يَصِحَّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَيَكْفِي تَحَقُّقُ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسَخُ بِهِ. وَبَيَّنَ الْجَامِعَ بِقَوْلِهِ: إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا، وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ لِوُرُودِ نَصٍّ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، أَوْ انْعِقَادِ إجْمَاعٍ

فِي النَّقْضِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي عُذْرِ الدَّيْنِ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تُنْتَقَضُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي. وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إلْزَامِ الْقَاضِي، وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ: إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ الْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ الْعُذْرِ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ مِنْ السَّفَرِ فَهُوَ عُذْرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَذْهَبُ لِلْحَجِّ فَذَهَبَ وَقْتُهُ أَوْ لِطَلَبِ غَرِيمِهِ فَحَضَرَ أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَافْتَقَرَ (وَإِنْ بَدَا لِلْمُكَارِي فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْقِدَ وَيَبْعَثَ الدَّوَابَّ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ (وَلَوْ مَرِضَ الْمُؤَاجِرُ فَقَعَدَ فَكَذَا الْجَوَابُ) عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ فَيَدْفَعُ عَنْهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ دُونَ الِاخْتِيَارِ (وَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِالْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ عَقْدٍ، وَإِنَّمَا يَفُوتُهُ الِاسْتِرْبَاحُ وَأَنَّهُ أَمْرٌ زَائِدٌ (وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ غُلَامًا فَأَفْلَسَ وَتَرَكَ الْعَمَلَ فَهُوَ الْعُذْرُ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِالْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ، وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ خَيَّاطٌ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، أَمَّا الَّذِي يَخِيطُ بِأَجْرٍ فَرَأْسُ مَالِهِ الْخَيْطُ وَالْمَخِيطُ وَالْمِقْرَاضُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ فِيهِ. (وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْخِيَاطَةِ، وَأَنْ يَعْمَلَ فِي الصَّرْفِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقْعِدَ الْغُلَامَ لِلْخِيَاطَةِ فِي نَاحِيَةٍ، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الصَّرْفِ فِي نَاحِيَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِلْخِيَاطَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ حَيْثُ جَعَلَهُ عُذْرًا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ، أَمَّا هَاهُنَا الْعَامِلُ شَخْصَانِ فَأَمْكَنَهُمَا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ غُلَامًا يَخْدُمُهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ سَافَرَ فَهُوَ عُذْرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ إلْزَامِ ضَرَرٍ زَائِدٍ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَكَوْنُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَقْدًا لَازِمًا وَكَثْرَةُ حُدُوثِ الْأَعْذَارِ فِي عُقُودِ الْإِجَارَاتِ مِمَّا لَا يَقْدَحُ أَصْلًا فِي الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ فِي حُكْمِ فَسْخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ بِالْأَعْذَارِ، وَكَذَا مُجَرَّدُ أَنْ لَا يُنْقَلَ الْفَسْخُ بِذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ عِنْدَ تَحَقُّقِ شَرَائِطِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ جُمْلَةَ مَا تَشَبَّثَ بِهِ فِي تَرْوِيجِ نَظَرِهِ هُنَا أَضْعَفُ مِنْ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ،

[مسائل منثورة]

وَفِي الْمَنْعُ مِنْ السَّفَرِ ضَرَرٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ عُذْرًا (وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَقَارًا ثُمَّ سَافَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ إذْ الْمُسْتَأْجِرُ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ السَّفَرَ فَهُوَ عُذْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ أَوْ إلْزَامِ الْأَجْرِ بِدُونِ السُّكْنَى وَذَلِكَ ضَرَرٌ. مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَأَحْرَقَ الْحَصَائِدَ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ فَأَشْبَهَ حَافِرَ الْبِئْرِ فِي دَارِ نَفْسِهِ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِئَةً ثُمَّ تَغَيَّرَتْ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُضْطَرِبَةً يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مُوقِدَ النَّارِ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ. قَالَ: (وَإِذَا أَقْعَدَ الْخَيَّاطُ أَوْ الصَّبَّاغُ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ كُلَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْعُذْرَ الْكَامِلَ مُعْتَبَرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ الْعُذْرِ أَيْضًا نَصٌّ وَلَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ شَيْءٌ، فَالْمَدَارُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا هُوَ الْقِيَاسُ. [مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ] أَيْ مَسَائِلُ نُثِرَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَذُكِرَتْ هُنَا تَلَافِيًا لِمَا فَاتَ (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَقْعَدَ الْخَيَّاطُ أَوْ الصَّبَّاغُ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا كَانَ لِلْخَيَّاطِ أَوْ الصَّبَّاغِ دُكَّانٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ النَّاسِ وَلَهُ وَجَاهَةٌ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ حَاذِقٍ فَيُقْعِدُ فِي دُكَّانِهِ رَجُلًا حَاذِقًا؛ لِيَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ النَّاسِ وَيَعْمَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَهَذَا فِي الْقِيَاسِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ صَاحِبِ الدُّكَّانِ الْمَنْفَعَةُ، وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُتَقَبِّلَ لِلْعَمَلِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الدُّكَّانِ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ نِصْفَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ كَانَتْ

لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فَتَنْتَظِمُ بِذَلِكَ الْمَصْلَحَةُ فَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يَحْصُلُ. قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ جَازَ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْهُولَةً لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَبِّلُ هُوَ الْعَامِلَ فَهُوَ مُسْتَأْجَرٌ لِمَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ دُكَّانِهِ بِنِصْفِ مَا يَعْمَلُ وَذَلِكَ أَيْضًا مَجْهُولٌ. وَالطَّحَاوِيُّ أَخَذَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْقِيَاسِ وَقَالَ: الْقِيَاسُ عِنْدِي أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ فِي الْعَمَلِ بِأَبْدَانِهَا سَوَاءٌ، فَيَصِيرُ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا التَّقَبُّلَ، وَرَأْسُ مَالِ الْآخَرِ الْعَمَلَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ بِهِ الْأَجْرُ فَجَازَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ، وَهِيَ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، وَأَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْقَبُولَ مِنْ النَّاسِ وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْعَمَلَ لِحَذَاقَتِهِ، وَهُوَ مُتَعَارَفٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهَا لِلتَّعَامُلِ بِهَا اهـ كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ وَأَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْقَبُولَ مِنْ النَّاسِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: بَحْثٌ، فَإِنَّ تَعَيُّنَ أَحَدِهِمَا لِتَوَلِّي الْقَبُولِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَوْنُهُ مِنْ مُتَنَاوَلَاتِهَا فَفِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةٌ. اهـ. أَقُولُ: مَنْشَأُ تَوَهُّمِهِ جَعْلُ الْوَاوِ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَأَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْقَبُولَ لِلْعَطْفِ وَحَمْلُ الْمَعْنَى عَلَى بَيَانِ تَعَيُّنِ أَحَدِهِمَا لِتَوَلِّي الْقَبُولِ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا حَالَ كَوْنِ أَحَدِهِمَا يَتَوَلَّى الْقَبُولَ مِنْ النَّاسِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَوْنُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا حَالَ أَنْ يَتَوَلَّيَا الْقَبُولَ مِنْ النَّاسِ مَعًا فَيَصِيرُ قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْقَبُولَ مِنْ النَّاسِ لِجَاهِهِ، وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْعَمَلَ لِحَذَاقَتِهِ. اهـ. فَلَا مَحْذُورَ فِي عِبَارَةِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَلَا مُسَامَحَةَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَيْسَ بِمُنْفَرِدٍ فِي التَّعْبِيرِ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ، بَلْ سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا وَأَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْقَبُولَ مِنْ النَّاسِ لِجَاهِهِ، وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْعَمَلَ لِحَذَاقَتِهِ، وَهُوَ مُتَعَارَفٌ، وَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فَتَنْتَظِمُ بِذَلِكَ الْمَصْلَحَةُ فَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يَحْصُلُ) قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَهَذَا

وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ لِلْجَهَالَةِ وَقَدْ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ يَرْتَفِعُ بِالصَّرْفِ إلَى التَّعَارُفِ فَلَا يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الْوَطَاءَ وَالدُّثُرَ. قَالَ: (وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْحِمْلَ فَهُوَ أَجْوَدُ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ إلَى تَحَقُّقِ الرِّضَا. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُسَمًّى فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ (وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَرَدُّ الزَّادِ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْبَعْضِ كَرَدِّ الْمَاءِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ، فِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ، فَإِنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ. وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِشَرِكَةِ الْوُجُوهِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ الْمَارُّ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ بَلْ مُرَادُهُ بِهَا هَاهُنَا مَا وَقَعَ فِيهِ تَقَبُّلُ الْعَمَلِ بِالْوَجَاهَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ، وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُهَا شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ وَالتَّقَبُّلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: فَفِي الْهِدَايَةِ حَمَلَهُ عَلَى شَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَالتَّقَبُّلِ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَطْلَقَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ بِوَجَاهَتِهِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَقِيقَةِ نَوْعَ نَبْوَةٍ عَنْ هَذَا انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ كَوْنِهَا شَرِكَةً أُخْرَى بَلْ هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ كَوْنِهَا إجَارَةً، وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَقِيقَةِ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ وَالصُّورَةَ لَا مَا يُقَابِلُ الْمَجَازَ، فَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْمُعَاقَدَةَ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَسَبِ الصُّورَةِ وَظَاهِرِ الْحَالِ عَقْدُ إجَارَةٍ بِالنِّصْفِ إلَّا أَنَّهَا بِحَسَبِ حَقِيقَةِ الْحَالِ عَقْدُ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ: أَيْ عَقْدُ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ بِالْوَجَاهَةِ فَلَا نَبْوَةَ عَنْ هَذَا فِي شَيْءٍ تَأَمَّلْ تَقِفْ.

[كتاب المكاتب]

[كِتَابُ الْمُكَاتَبِ] ِ قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَارَ مُكَاتَبًا) أَمَّا الْجَوَازُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الْمُكَاتَبِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَبِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اهـ أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَبِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُسْتَدْرَكٌ بَلْ مُخْتَلٌّ، لِأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ وَقَعَ الِاحْتِرَازُ

{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ غَيْرِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا، فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ؟ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا فَمَا فَائِدَةُ بَيَانِ وُقُوعِ الِاحْتِرَازِ بِهِ عَنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ، إذْ يُنْتَفَضُ حِينَئِذٍ مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَغْيَارِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إنْ وَجَبَ الِاطِّرَادُ فِي وُجُوهِ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْنَ كُتُبِ هَذَا الْفَنِّ لَزِمَ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ فَيَلْزَمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ، فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الِاحْتِرَازِ عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الِاطِّرَادُ فِيهَا، بَلْ كَفَى تَحَقُّقُ كُلٍّ مِنْهَا فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ سَوَاءٌ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا أَمْ لَا لَمْ يَكُنْ فَائِدَةٌ فِي بَيَانِ وُقُوعِ الِاحْتِرَازِ بِمَا ذَكَرَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، سِيَّمَا إذَا لَمْ يَنْحَصِرْ مَا يَقَعُ الِاحْتِرَازُ بِذَلِكَ عَنْهُ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ فِي وُجُوهِ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْنَ هَذِهِ الْكُتُبِ هُوَ الِاطِّرَادُ، وَأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَاهُنَا لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فِي غَيْرِ مَا نَحْنُ فِيهِ أَصْلًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ فَكَانَ مُطَّرِدًا، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ مَا وَقَعَ عَنْهُ الِاحْتِرَازُ بِذَلِكَ الْوَجْهِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ نَقَلَ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَبَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَبِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَقَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ خَرَجَ بِهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ فِيهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ نَقْلِهِ وَبَيَانِهِ اخْتِلَالٌ. أَمَّا فِي نَقْلِهِ فَلِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ النِّهَايَةِ، وَقَدْ ضَمَّهَا فِي النَّقْلِ إلَى الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَأَمَّا فِي بَيَانِهِ فَلِأَنَّهُ قَيَّدَ الْهِبَةَ فِي الْبَيَانِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَأَطْلَقَهَا فِي أَثْنَاءِ النَّقْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ يُخْرِجُهَا عَنْ الْإِطْلَاقِ، إذْ الْهِبَةُ بِلَا شَرْطٍ عِوَضٌ لَا مُقَابَلَةَ فِيهَا أَصْلًا فَتَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا تَخْرُجُ بِهِ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ فِي الْبَيَانِ. وَأَيْضًا لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ مَذْكُورًا فِي نُسَخِ النِّهَايَةِ وَلَا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهَا، وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الْبَيَانِ لِخُرُوجِ النِّكَاحِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَأَيْضًا كَانَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مُطْلَقَيْنِ فِي الْمَنْقُولِ، وَقَدْ قُيِّدَ مَا فِي الْبَيَانِ بِكَوْنِهِمَا عَلَى مَالٍ وَجَعَلَهُمَا خَارِجَيْنِ بِقَوْلِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خُرُوجَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ مَالٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَيْدَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ بِقَيْدِ الْمُقَابَلَةِ فِي قَوْلِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْهِبَةِ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: إنَّ ذِكْرَ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي كِتَابَ الْمُكَاتَبِ وَكِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْعِتْقُ بِمَالٍ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَزَيَّفَهُ حَيْثُ قَالَ: وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ ذِكْرَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِشَخْصٍ وَمَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنْسَبُ لِلْإِجَارَةِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ الْعَرَضِيَّاتِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي نَقْلِهِ خَطَأٌ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْغَايَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْعِتْقُ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي النَّقْلِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ. وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَقْصُودَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَآلَهَا الْعِتْقُ بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْعَتَاقِ وَالْكِتَابَةِ، وَبِقَوْلِهِ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْعَتَاقِ وَالْوَلَاءِ أَيْضًا، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ حَسِبَ مَجْمُوعَ الْكَلَامَيْنِ بَيَانًا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْعَتَاقِ وَالْكِتَابَةِ فَوَقَعَ فِيمَا وَقَعَ مِنْ تَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ فِي النَّقْلِ تَدَبَّرْ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ بَعْدَمَا تَنَبَّهَ لِمَا فِي نَقْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ سُنَنِ السَّدَادِ قَصَدَ رَدَّ تَزْيِيفَةِ أَيْضًا فَقَالَ: وَقَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا إخْرَاجَ فِيهِ فَهُوَ كَالْمُكَابَرَةِ. أَلَا يَرَى أَنَّهُ إخْرَاجُ الْيَدِ حَالًا وَالرَّقَبَةِ مَآلًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَا عِوَضٍ فَمُسَلَّمٌ وَلَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْمُنَاسَبَةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهِ مَعَ أَنَّ اعْتِبَارَ انْتِفَاءِ الْعِوَضِ فِي مَفْهُومِ الْعِتْقِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا وَكَيْفَ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالِ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ الْعَرَضِيَّاتِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ، أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ حَالٌّ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ: أَيْ لَيْسَ فِيهَا إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ حَالًّا وَلَيْسَتْ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ بَلْ هِيَ بِشَرْطِ عِوَضٍ فَيَسْقُطُ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ فِي كُلٍّ مَنْ شِقَّيْ تَرْدِيدِهِ. أَمَّا سُقُوطُ مَا ذَكَرَهُ فِي شِقِّهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ لَيْسَ فِي الْكِتَابَةِ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ حَالًّا وَإِنْ وُجِدَ فِيهَا مُطْلَقُ الْإِخْرَاجِ. وَأَمَّا سُقُوطُ مَا ذَكَرَهُ فِي شِقِّهِ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَنْسَبِيَّةِ لَا فِي مُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ فَلَا تَمْشِيَةَ لِقَوْلِهِ وَلَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْمُنَاسَبَةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهِ. ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا كَانَ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ لَا بِشَرْطِ لَا عِوَضَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ لَمْ يُفِدْ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ، مَعَ أَنَّ اعْتِبَارَ انْتِفَاءِ الْعِوَضِ فِي مَفْهُومِ الْعِتْقِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ انْتِفَاءِ الْعِوَضِ فِي مَفْهُومِ الْعِتْقِ مِمَّا لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ بِشَرْطِ لَا عِوَضَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ فَيَعُمُّ مَا بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَيْضًا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنْ بِلَا شَرْطِ شَيْءٍ أَعَمُّ مِنْ بِشَرْطِ شَيْءٍ، وَمِنْ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ فَيَصِيرُ الْمُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِ الْعِتْقِ انْتِفَاءَ اعْتِبَارِ الْعِوَضِ لَا اعْتِبَارَ انْتِفَاءِ الْعِوَضِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ شَيْءٍ لَيْسَ اعْتِبَارَ عَدَمِهِ كَمَا عُرِفَ. ثُمَّ إنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِالذَّاتِيَّاتِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ الْعَرَضِيَّاتِ مَا هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْمَفْهُومِ، وَبِالْعَرْضِيَّاتِ مَا هُوَ الْخَارِجُ عَنْهُ. إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ الذَّاتِيَّاتِ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ مَا اعْتَبَرَهُ الْمُعْتَبِرُ دَاخِلًا فِيهَا، وَالْعَرَضِيَّاتِ مَا اعْتَبَرَهُ خَارِجًا عَنْهَا، بِخِلَافِ حَقَائِقِ النَّفْسِ الْأَمْرِيَّةِ، فَفِي الْكِتَابَةِ كَوْنُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِشَخْصٍ وَهُوَ الْمَوْلَى وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِهَا الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَآلُهَا الْحَاصِلُ عِنْدَ أَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ، وَكَذَا الْوَلَاءُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ فَكَانَ مُنَاسَبَةُ الْكِتَابَةِ بِالْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِيَّةُ وَبِالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَضِيَّةُ فَكَانَتْ أَنْسَبَ لِلْإِجَارَةِ مِنْ الْعِتْقِ. ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ قَالُوا: وَقَدَّمَ الْإِجَارَةَ لِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ التَّمْلِيكُ وَالشَّرَائِطُ فَكَانَ أَنْسَبَ بِالتَّقْدِيمِ. ثُمَّ أَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ شَبَهِهَا مِنْ بَعْضِ الْحَيْثِيَّاتِ بِالْبَيْعِ الَّذِي مِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنِهَا كُتُبٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ شَبِيهَةٍ بِالْبَيْعِ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّاتِ وَغَيْرِهَا، فَكَيْفَ يَجْعَلُ هَاهُنَا وَجْهًا لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْكِتَابَةِ، وَهَلْ تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ وَجْهَ تَقْدِيمِ الْإِجَارَةِ هُوَ الْمُنَاسَبَةُ الْكَائِنَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ قَبْلَهَا الْمُبَيَّنَةُ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ فَإِنَّ تِلْكَ الْمُنَاسَبَاتِ لَمَّا اقْتَضَتْ ذِكْرَ الْإِجَارَةِ عَقِيبَ مَا ذُكِرَ قُبَيْلَهَا وَهُوَ الْهِبَةُ اقْتَضَتْ أَيْضًا بِالضَّرُورَةِ تَقْدِيمَ الْإِجَارَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَلَا يَفُوتُ أَمْرُ التَّعْقِيبِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ: الْكِتَابَةُ عَقْدٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. أَقُولُ: هَذَا تَعْرِيفٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ قَرِيبٌ مِنْ تَعْرِيفِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَعْنَى الْكِتَابَةِ فِي الشَّرْعِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْعَقْدَ الْجَارِيَ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بَلْ مَعْرِفَةُ الثَّانِي تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَلَعَلَّ الْبَاعِثَ

وَهَذَا لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وُقُوعِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَضِيقِ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ لَمَّا قَالَ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ شَرْعًا فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ بِلَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا يَجِيءُ عَلَى أَدَاءِ الْعَبْدِ مَالًا مَعْلُومًا لِمُقَابَلَةِ عِتْقٍ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ أَدَائِهِ اهـ. حَسِبَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَنَّ تَعْرِيفَ الْكِتَابَةِ شَرْعًا قَدْ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ بِلَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقَطَعَ بِهِ الْكَلَامَ فِي كِتَابِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا حَسِبَهُ فَإِنَّ قَوْلَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عَلَى أَدَاءِ الْعَبْدِ مَالًا مَعْلُومًا إلَخْ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عَقْدٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ بَيَانٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ فَيَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ مَعْرِفَةُ مَعْنَى الْكِتَابَةِ شَرْعًا كَمَا تَرَى، ثُمَّ إنَّ الْأَظْهَرَ فِي تَعْرِيفِهَا الشَّرْعِيِّ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ بِأَنْ يُقَالَ: الْكِتَابَةُ التَّحْرِيرُ يَدًا فِي الْحَالِ وَرَقَبَةً عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنْ يُقَالَ: الْكِتَابَةُ إعْتَاقُ الْمَمْلُوكِ يَدًا حَالًّا وَرَقَبَةً مَآلًا فَلْيُتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ: خُصَّ الْفُقَهَاءُ، لِأَنَّ عِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ كَدَاوُد الْأَصْفَهَانِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ هَذَا أَمْرُ إيجَابٍ، حَتَّى إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ مِنْ مَوْلَاهُ الْكِتَابَةَ وَقَدْ عَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ خَيْرًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ اهـ. أَقُولُ: بَقِيَ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْكَشَّافِ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَهَذَا الْأَمْرُ لِلنَّدَبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ الْحَسَنِ: لَيْسَ ذَاكَ بِعَزْمٍ إنْ شَاءَ كَاتَبَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُكَاتِبْ. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هِيَ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ اللَّهِ. وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِثْلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد اهـ. فَعَلَى هَذَا كَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْإِيجَابِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْفِقْهِ وَالرِّوَايَةِ، وَابْنُ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَعْيَانِ التَّابِعِينَ وَكِبَارِ الْفُقَهَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: جَالِسْ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ بِالْوُجُوبِ يُنَافِي ادِّعَاءَ الْإِجْمَاعِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنْ لَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذَا الْأَمْرِ رِوَايَةٌ مَحْضَةٌ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ لَا أَنَّهُ مَذْهَبُهُمَا الْمُقَرَّرُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مَذْهَبًا مُقَرَّرًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فَتَأَمَّلْ، وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَبِقَوْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ يُحْتَرَزُ عَنْ قَوْلِ دَاوُد وَمَنْ تَابَعَهُ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَطَاءٍ، وَرِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تَجِبُ الْكِتَابَةُ إذَا سَأَلَ الْعَبْدُ إذَا كَانَ ذَا أَمَانَةٍ وَذَا كَسْبٍ، إذْ الْأَمْرُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِ الْخَيْرِيَّةِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ سِيَّمَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاحْتِرَازُ بِقَوْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَنْ قَوْلِهِمْ بِالْإِيجَابِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُمْ بِذَلِكَ يُنَافِي ادِّعَاءَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَأَنَّى يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْهُ، اللَّهُمَّ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ الِاحْتِرَازِ عَلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ فِقْهِ بَعْضِهِمْ وَعَلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِرُوَاةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ) هَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلنَّدَبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وقَوْله تَعَالَى {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] مَذْكُورٌ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ، فَإِنَّهَا جَرَتْ عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يُكَاتِبُ عَبْدَهُ إذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: بِهَذَا وَبِمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ لِلْوُجُوبِ يُظْهِرُ اخْتِلَالَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ

وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ، أَمَّا النَّدْبِيَّةُ مُعَلَّقَةٌ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قِيلَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ لَوْ فَعَلَهُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا اخْتَرْنَاهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فِي الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّهُ لِلنَّدَبِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ انْتَهَى. إذْ قَدْ عُلِمَ مِنْهُمَا أَنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ لِلنَّدَبِ فِي {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] لَيْسَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ بَلْ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافُهُمْ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِلنَّدَبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ) تَقْرِيرُهُ أَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ثَابِتَةٌ بِدُونِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ عِنْدَنَا اهـ: أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ، لِأَنَّ مَعْنَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، لَا أَنْ لَيْسَ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ أَصْلًا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ الْبَشَرِ فَضْلًا عَنْ كَلَامِ خَالِقِ الْقُوَى وَالْقَدَرِ. نَعَمْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَنْعُ أَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ إخْرَاجُ الْكَلَامِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قِيلَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ لَوْ فَعَلَهُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَصِيرُ بِدُونِ الشَّرْطِ حِينَئِذٍ مَكْرُوهًا لَا مُبَاحًا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْمُبَاحَ مَا اسْتَوَى طَرَفَا فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا كَانَ طَرَفُ تَرْكِهِ أَوْلَى، إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَزْبُورِ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ كَانَ جَانِبُ التَّرْكِ أَوْلَى فَيَصِيرُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ إذْ ذَاكَ مَكْرُوهًا لَا مُبَاحًا فَيُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» إلَخْ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَتَكَلُّمُهُمْ فِيهَا بِالرَّأْيِ يَدُلُّ عَلَى زِيَافَةِ الْحَدِيثِ كَمَا عُرِفَ، وَلِهَذَا زَيَّفْنَا مَا رَوَى أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا يَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ» فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ

وَيُعْتَقُ بِأَدَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قُلْت: جَازَ أَنَّهُ مَا بَلَغَ إلَيْهِمْ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، إذْ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ أَنْ يُقَالَ: جَازَ إنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَيْهِمْ الْحَدِيثُ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ الِاسْتِدْلَال بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مَسْأَلَةٍ وَتَكَلُّمِهِمْ فِيهَا بِالرَّأْيِ عَلَى زِيَافَةِ حَدِيثٍ قَطُّ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا عُرِفَ. وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالرَّأْيِ، وَيُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمْ فِيهَا بِاعْتِبَارِ وُرُودِ حَدِيثٍ آخَرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَةَ حُرٍّ، وَبِمَا بَقِيَ دِيَةَ عَبْدٍ» كَمَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى زِيَافَةِ الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُهُمْ بِالرَّأْيِ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَيُعْتَقُ بِأَدَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يَقُلْ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا عَلَى أَنَّك إنْ أَدَّيْته إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ. قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ، فَعِنْدَنَا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا ضَمُّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَوْجَبْت حُرِّيَّةَ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَحُرِّيَّةَ الرَّقَبَةِ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا عَتَقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ، كَذَا هَذَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: تَفْسِيرُهَا ضَمُّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ، وَلَوْ نَصَّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ: ضَرَبْت عَلَيْك أَلْفًا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا لَمْ يُعْتَقْ، كَذَا هَذَا انْتَهَى كَلَامُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الْحَوَاشِي الْجَلَّالِيَّةِ مَنْقُولًا فِيهَا عَنْ الْمَبْسُوطِ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الضَّمِّ لَيْسَ بِتَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ بَلْ مُوجِبُ الْعَقْدِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى. أَقُولُ: تَنْصِيصُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي عِبَارَتِهِ هَاهُنَا، بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَدَّعِيَ تَنْصِيصَهُ عَلَى خِلَافِهِ بَعْدَ صَحِيفَةٍ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الضَّمُّ انْتَهَى. وَلَئِنْ سَلِمَ ذَلِكَ فَكَوْنُ الضَّمِّ الْمَذْكُورِ مُوجِبَ الْعَقْدِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ تَفْسِيرًا لِلْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الشَّيْءِ مِنْ لَوَازِمِهِ وَتَفْسِيرُ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ كَمَا هُوَ حَالُ الرُّسُومِ عَامَّةً. وَلَئِنْ سَلِمَ ذَلِكَ أَيْضًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِ مُوجِبِ الْكِتَابَةِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَمَا هُوَ الطَّرِيقَةُ الشَّائِعَةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْمَجَازِ بِالْحَذْفِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] أَيْ أَمْرُ رَبِّك وقَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِرَدِّ كَلَامِ الثِّقَاتِ بِمَا هُوَ وَهْمٌ مَحْضٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ حَطُّ رُبْعِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لِلْوُجُوبِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَهُوَ

قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَالَ حَالًّا وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ حَالًّا وَلَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ، لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ قَبْلَهُ لِلرِّقِّ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ فَكَانَ احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ ثَابِتًا، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَيَثْبُتُ. وَلَنَا ظَاهِرُ مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّنْجِيمِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُمْهِلُهُ الْمَوْلَى ظَاهِرًا، بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَفِي الْحَالِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُطْلَقُ عَلَى أَمْوَالِ الْقُرَبِ كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ، فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نُعْطِيَ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ صَدَقَاتِنَا لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ الْإِيتَاءُ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ، وَالْحَطُّ لَا يُسَمَّى إعْطَاءً، وَالْمَالُ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ هُوَ مَا فِي أَيْدِينَا لَا الْوَصْفُ الثَّابِتُ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِينَ، فَحَمْلُهُ عَلَى حَطِّ رُبْعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَمَلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْمُرَادُ بِهِ النَّدْبُ كَاَلَّذِي فِي قَوْلِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] لَا يُقَالُ: الْقُرْآنُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقُرْآنَ فِي الْحُكْمِ، لِأَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْقُرْآنَ مُوجِبًا نَقُولُ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَلَى قَرِينَةٍ غَيْرِ الْوُجُوبِ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] قَرِينَةٌ لِذَلِكَ. كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَرِينَةً لِكَوْنِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] لِغَيْرِ الْوُجُوبِ بِدُونِ مُلَاحَظَةِ إيجَابِ الْقُرْآنِ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ فِي الْحُكْمِ، إذْ لَا دَلَالَةَ فِي مُجَرَّدِ كَوْنِ أَمْرٍ لِغَيْرِ الْوُجُوبِ عَلَى كَوْنِ أَمْرٍ آخَرَ أَيْضًا لِذَلِكَ حَتَّى يُجْعَلَ كَوْنُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] لِلنَّدَبِ قَرِينَةً لِكَوْنِ الْأَمْرِ فِي {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] أَيْضًا لِذَلِكَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ فَكَانَ احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ ثَابِتًا، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَيَثْبُتُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ أَثْبَتُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَأْمُورُونَ بِإِعَانَتِهِ، وَالطُّرُقُ مُتَّسَعَةٌ اسْتِدَانَةٌ وَاسْتِقْرَاضٌ وَاسْتِيهَابٌ وَاسْتِعَانَةٌ بِالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ، وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَتَثْبُتُ انْتَهَى، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: هَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ بِوَارِدٍ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ احْتِمَالَ الْقُدْرَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَثْبَتُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَ بِذَاكَ قَطْعًا، إذْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ قَطُّ، فَأَنَّى يَثْبُتُ لَهُ احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ قَبْلَهُ، فَإِنْ

قَالَ (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ) لِتَحَقُّقِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، إذْ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَالتَّصَرُّفُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ. وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ إذْنِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ، حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ غَيْرُهُ لَا يَعْتِقُ وَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهَا إلَيَّ نُجُومًا أَوَّلُ النَّجْمِ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا فَإِذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ فَإِنَّ هَذِهِ مُكَاتَبَةٌ) لِأَنَّهُ أَتَى بِتَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرٌّ فَهَذِهِ مُكَاتَبَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ. لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ. وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ لَا تَكُونُ مُكَاتَبَةً اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ مَرَّةً. قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأُرِيدَ بِهِ أَنَّ احْتِمَالَ الْقُدْرَةِ عَقِيبَ الْعَقْدِ أَثْبَتُ فِي حَقِّهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يُجْدِي نَفْعًا لِأَنَّ مَدَارَ فَرْقِ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَبَيْنَ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ احْتِمَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَبِيعِ لِلْعَاقِدِ قَبْلَ الْعَقْدِ فِي السَّلَمِ لِكَوْنِ الْعَاقِدِ فِيهِ أَهْلًا لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْعَاقِدَ فِيهَا لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ قَطُّ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ احْتِمَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَلِ لَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِهِ، فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَاقَشَةِ فِيهِ كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ. وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَةَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ فَيُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْمِلْكِ قَبْلَهُ، وَلَكِنْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَعْقُودِ بِهِ، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ اشْتَرَى أَمْوَالًا عَظِيمَةً يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكًا لِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَالِكًا لَهُ حَالَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَإِنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ

أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ يَدِهِ إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ أَوْ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَدَاءُ الْبَدَلِ فَيَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْخُرُوجَ إلَى السَّفَرِ وَإِنْ نَهَاهُ الْمَوْلَى، وَأَمَّا عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ فَلِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَيَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِتَنَجُّزِ الْعِتْقِ وَيَتَحَقَّقُ بِتَأَخُّرِهِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ نَوْعُ مَالِكِيَّةٍ وَيَثْبُتُ لَهُ فِي الذِّمَّةِ حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ بِعِتْقِهِ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرَقَبَتِهِ (وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ إلَّا مُقَابَلًا بِحُصُولِ الْعِتْقِ بِهِ وَقَدْ حَصَلَ دُونَهُ. قَالَ (وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ لَزِمَهُ الْعُقْرُ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أَخَصَّ بِأَجْزَائِهَا تَوَسُّلًا إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ الْوُصُولُ إلَى الْبَدَلِ مِنْ جَانِبِهِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ مِنْ جَانِبِهَا بِنَاءً عَلَيْهِ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مُلْحَقَةٌ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَعْيَانِ (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا لَزِمَتْهُ الْجِنَايَةُ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ أَتْلَفَ مَالًا لَهَا غَرِمَ) لِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ أَكْسَابِهَا وَنَفْسِهَا، إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ لَأَتْلَفَهُ الْمَوْلَى فَيَمْتَنِعُ حُصُولُ الْغَرَضِ الْمُبْتَغَى بِالْعَقْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ اهـ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ يَدِهِ إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ

[فصل في الكتابة الفاسدة]

فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ فَلَا يَصْلُحُ بَدَلًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَلِأَنَّهُ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ. قَالَ (فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ لُغَةً وَهُوَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ يَدِهِ الْحَاصِلَةِ فِي الْحَالِ إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ. وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: ضَمُّ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُمَا وَمَالِكِيَّةُ النَّفْسِ فِي الْحَالِ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الضَّمُّ؟ أُجِيبُ بِأَنْ مَالِكِيَّةَ النَّفْسِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ الْمَوْلَى وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ، وَإِنْ وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ لَزِمَهُ الْعُقْرُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُومُ وَالْمَضْمُومُ إلَيْهِ مَوْجُودِينَ فِي الْحَالِ، وَالْمَدْلُولُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَاصِلًا عِنْدَ الْأَدَاءِ لَا فِي الْحَالِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَغْوًا مَحْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ أَنْ تَنَبَّهَ لِمَا قُلْنَا قَالَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَيْضًا أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الضَّمُّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حِينَ وُجُودِ مَالِكِيَّةِ النَّفْسِ عَلَى قِيَاسِ ضَمِّ النَّجْمِ إلَى النَّجْمِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَوْ كَفَى تَحَقُّقُ الضَّمِّ حِينَ مَالِكِيَّةِ النَّفْسِ لَبَطَلَ أَصْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الضَّمُّ، فَإِنَّ تَحَقُّقَ الضَّمِّ حِينَ مَالِكِيَّةِ النَّفْسِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ يَدِهِ فِي الْحَالِ، بَلْ يَتَيَسَّرُ بِالْخُرُوجِ مِنْ يَدِهِ حِينَ مَالِكِيَّةِ النَّفْسِ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، وَمَبْنَى السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ عَلَى تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى الضَّمِّ فِي الْحَالِ. [فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ] أَخَّرَ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ عَنْ الصَّحِيحَةِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْفَاسِدَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ (قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُ) عَبَّرَ عَنْ مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابَةِ عَلَى الْخَمْرِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى الْخِنْزِيرِ بِالْأَوَّلِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي جِهَةِ الْفَسَادِ وَهِيَ عَدَمُ تَحَقُّقِ الْمَالِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَأَنَّمَا صَارَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَإِلَّا فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ فِي بَسْطِ نَفْسِ الْمَسَائِلِ أَيْضًا حَيْثُ أَعَادَ كَلِمَةَ عَلَى عِنْدَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ دُونَ ذِكْرِ الْخِنْزِيرِ كَمَا تَرَى، وَلِهَذَا عَبَّرَ عَنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ بِالثَّانِي فَقَالَ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولًا إلَخْ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ

لِأَنَّ الْبَدَلَ هُوَ الْقِيمَةُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ صُورَةً، وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ مَعْنًى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْعِتْقُ بِالشَّرْطِ لَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَلَا فَصْلَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيْتَةِ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ، وَمُوجِبُهُ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ. وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ (وَإِذَا عَتَقَ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ بِلَا رَيْبٍ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ صُورَةً، وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ مَعْنًى) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يَخُصَّ أَبَا يُوسُفَ وَأَنْ لَا يَذْكُرَ بِكَلِمَةِ " عَنْ " انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: قُلْت صَحِيحٌ إنْ كَانَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْقِيمَةِ بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَدَلًا عَنْ الْخَمْرِ كَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَيْرَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ جَمِيعًا قُلْت: سَوَاءٌ جَعَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْقِيمَةِ بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْخَمْرِ فَعِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ هُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ عِنْدَهُمْ، وَالشُّرَّاحُ مَا جَعَلُوا الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْقِيمَةِ إلَّا بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا قَالَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَبِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هَاهُنَا بِكَلِمَةِ عَنْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَجْعَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْقِيمَةِ بَدَلًا عَنْ الْخَمْرِ إنَّمَا يَكُونُ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ وَبِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ، وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَطْعًا، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاكِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَحَدِ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ اتِّحَادُهُمَا ضَرُورَةً اخْتِلَافَهُمَا بِالْجُزْءِ الْآخَرِ وَهُوَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعِتْقُهُ بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. فَقَوْلُهُ سَوَاءٌ جَعَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْقِيمَةِ بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْخَمْرِ فَعِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَهُمْ لَغْوٌ مَحْضٌ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ الشُّرَّاحِ جَعَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْقِيمَةِ بَدَلًا عَنْ الْخَمْرِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَامِ: وَأَبُو يُوسُفَ قَالَ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَيْنِ الْخَمْرِ وَقِيمَتِهَا بَدَلُ الْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَعَتَقَ إذَا أَدَّى أَيَّهُمَا كَانَ انْتَهَى. وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَدَلًا

وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ. قَالَ (وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى وَيُزَادُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ هَلَاكِ الْمُبْدَلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْخَمْرِ كَمَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ وَالشُّرَّاحِ مَا جَعَلُوا الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْقِيمَةِ إلَّا بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ إنْ أَرَادَ بِهِ الْكُلِّيَّةَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَهَذَا أَيْ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُسَمَّى أَوْ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِلْكُهُ فِي مُقَابَلَةِ بَدَلٍ فَلَا يَرْضَى بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّ بِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ يَبْقَى مِلْكُهُ عَلَى مَا كَانَ فَلَا يَفُوتُ لَهُ شَيْءٌ، وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْقِيمَةِ أَوْ فِي الْمُسَمَّى كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا يَمْتَنِعُ الْمَوْلَى عَنْ الْعَقْدِ فَيُفَوِّتُ لَهُ إدْرَاكَ شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ وَغَيْرُ تَامٍّ فِي نَفْسِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كَلِمَةَ هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى وَيُزَادُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى وَهَذَا: أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ النُّقْصَانِ عَنْ الْمُسَمَّى وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ عَنْ الْمُسَمَّى وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ بِالْكُلِّيَّةِ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ الدَّلِيلُ وَالْمُدَّعِي بِلَا كُلْفَةٍ أَصْلًا، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَا تَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى وَتُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى وَزِيَادَةً كَيْ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا، وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ عَنْهُ اهـ. وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ كَوْنِ كَلِمَةِ هَذِهِ إشَارَةً إلَى وُجُوبِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَيَحْتَمِلُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنُّقْصَانِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ هُوَ النُّقْصَانُ عَنْ الْقِيمَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِيمَا قَبْلُ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى خَالِيًا عَنْ التَّعْلِيلِ وَالْبَيَانِ

وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ. وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَسَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكُلِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ مَطْلَبٌ مَقْصُودٌ بِالْبَيَانِ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ هُوَ النُّقْصَانُ عَنْ الْمُسَمَّى فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُطَابِقَ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى وَأَنْ لَا يُفِيدَهُ، إذْ لَا يَسْتَدْعِي عَدَمُ رِضَا الْمَوْلَى بِالنَّقْصِ عَنْ الْمُسَمَّى إلَّا وُجُوبَ الْمُسَمَّى دُونَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ هُوَ النُّقْصَانُ عَنْ الْمُسَمَّى وَالْقِيمَةِ جَمِيعًا كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُسَمَّى أَوْ فِي الْقِيمَةِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ عُدِمَ رِضَاهُ بِالنُّقْصَانِ عَنْ الْمُسَمَّى مِمَّا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَمَا مَعْنَى تَعْمِيمِ النُّقْصَانِ هَاهُنَا لِلنُّقْصَانِ عَنْ الْمُسَمَّى، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ الْمَزْبُورَ إنَّمَا اغْتَرَّ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَتَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَكِنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ إلَخْ لَا عَلَى مَجْمُوعِ الدَّلِيلِ فَلَا وَجْهَ لِلِاغْتِرَارِ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَأَمَّا الثَّانِي: أَيْ أَنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ فِي نَفْسِهِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُسَمَّى أَوْ فِي الْقِيمَةِ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَتَنْصِيصُ الْمَوْلَى عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مُسَمًّى دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِهِ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصًا عَنْ الْقِيمَةِ أَمْ لَا، فَمَا يُخَالِفُ رِضَاهُ إنَّمَا هُوَ النُّقْصَانُ عَنْ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ، وَلَئِنْ سَلِمَ فَيُنْتَقَضُ بِالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ الْمُسَمَّى فِيهَا أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ هُنَاكَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ الْقِيمَةِ قَطْعًا مَعَ جَرَيَانِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ تَعْمِيمِ النُّقْصَانِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ لِلنُّقْصَانِ الْكَائِنِ فِي الْمُسَمَّى وَفِي الْقِيمَةِ تَأَمَّلْ تَقِفْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ التَّصَوُّرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُسْقِطُ مَا قِيلَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُ حَقِّهِ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا بِعَدَمِ الرِّضَا بِالزِّيَادَةِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا فِي بَقَائِهِ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الرِّضَا بِالزِّيَادَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ ثُبُوتِ الْعِتْقِ لَهُ رَأْسًا لَا بُطْلَانُ حَقِّهِ فِي الْعِتْقِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهِ كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ قَوْلُهُ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ بُطْلَانَ حَقِّ شَخْصٍ فِي شَيْءٍ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ أَوَّلًا. وَمَوْرِدُ مَا قِيلَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَكَيْفَ يَسْقُطُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ: الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ؟ وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ قَوْلِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ وَاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُ حَقِّهِ فِي الْعِتْقِ؟ قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي يَرَى صِحَّةَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى الْخَمْرِ وَلَمْ يَقُلْ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ، فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِتِلْكَ الرِّوَايَةِ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ عِلَّةً لِعَدَمِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِتِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا لِرِضَا الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ خِلَافُهُ، وَالْكَلَامُ فِيمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَا يَتِمُّ ذَاكَ الْجَوَابُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةٍ إنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْخَمْرِ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ، لَا فِي صُورَةٍ إنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، إذْ لَا رِوَايَةَ لِعَدَمِ الْعِتْقِ عِنْدَ أَدَاءِ الْخَمْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا رَأْيَ لِلْقَاضِي فِيهَا مَعَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ يَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَيَبْقَى السُّؤَالُ فِي صُورَةٍ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ رَدَّا عَلَى الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَا: ثُمَّ قَوْلُهُ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ لَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ

بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ عَلَى مُرَادِ الْعَاقِدِ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الثَّوْبِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الْعَبْدُ غَيْرَ رَاضٍ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى وَإِنْ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ، لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْعٌ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الزِّيَادَةِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ نَفْعًا لَهُ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ تَحَمُّلَ الزِّيَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ ضَرَرًا عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِهِ عِنْدَ عَدَمِ تَحَمُّلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الرِّقِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّهُ إذَا اخْتَارَ الرِّقَّ يَصِيرُ جَمِيعُ مَا اكْتَسَبَهُ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ، وَيَقْدِرُ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ كَيْفَ يَشَاءُ فَيَحْصُلُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ فِي رِضَا الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَلَا فِي عَدَمِ رِضَاهُ بِهَا نَفْعٌ لَهُ أَصْلًا. ثُمَّ قَالَا: وَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا عَقَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ مَعَ مَوْلَاهُ كَانَ قَابِلًا قِيمَةَ نَفْسِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجَبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ أَقْدَمَ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ، ثُمَّ قِيمَةُ نَفْسِهِ قَدْ تَرْبُو عَلَى الْمُسَمَّى فَكَانَ رَاضِيًا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى ضَرُورَةً اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ فِي التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرَاهُ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّا بِصَدَدِ أَنْ يَثْبُتَ بِدَلِيلِ أَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ قِيمَةُ نَفْسِ الْعَبْدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَمِنْ جُمْلَةِ مُقَدِّمَاتِ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ، فَلَوْ عَلَّلْنَا هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ بِمَا يُبْتَنَى عَلَى كَوْنِ الْوَاجِبِ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ قِيمَةُ نَفْسِ الْعَبْدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ قَطْعًا. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ إلَخْ دَلِيلٌ شَافٍ مُفِيدٌ لِتَمَامِ الْمُدَّعِي وَهُوَ أَنْ لَا تَنْقُصَ الْقِيمَةُ عَنْ الْمُسَمَّى وَتُزَادَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ هَلَاكِ الْمُبْدَلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُرَى مُسْتَدْرَكًا هَاهُنَا لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ وَلَيْسَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى تَمَامِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تَنْقُصَ الْقِيمَةُ عَنْ الْمُسَمَّى فَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ فَكَانَ الْأَوْلَى طَرْحُهُ مِنْ الْبَيِّنِ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ عَلَى مُرَادِ الْعَاقِدِ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الثَّوْبِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ وَالْعِوَضُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَيَّنُ مُرَادًا، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ فَلَا يُعْتَقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ مُرَادِهِ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمُطْلَقِ فِي قَوْلِهِ وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَرَدَّا مُبْهَمًا مِنْ الثَّوْبِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ، إذْ الْإِبْهَامُ إنَّمَا يُنَافِي التَّعْيِينَ لَا الْوُجُودَ فِي الْخَارِجِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ جُزِمَ بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنَ خُصُوصِيَّتُهُ عِنْدَنَا وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَفْهُومَهُ الْكُلِّيَّ فَنُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ حِينَئِذٍ قَوْلَهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَيِّنُ مُرَادًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْمُبْهَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ بُطْلَانِ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَيْضًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ إمْكَانَ اسْتِدْرَاكِ مُرَادِهِ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فِي صُورَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِهِ فِي صُورَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الثَّوْبِ، إذْ قَدْ حَكَمَ فِيهِ بِتَعَيُّنِ كَوْنِ الْمُتَعَيِّنِ مُرَادًا وَبِتَعَذُّرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ

وَمُرَادُهُ شَيْءٍ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، حَتَّى لَوْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ لِغَيْرِهِ جَازَ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَيَتَعَلَّقُ بِدَرَاهِمِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ، حَتَّى إذَا مَلَكَهُ وَسَلَّمَهُ يُعْتَقُ، وَإِنْ عَجَزَ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ وَالْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ مَوْهُومٌ فَأَشْبَهَ الصَّدَاقَ. قُلْنَا: إنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَعَلَى مَا هُوَ تَابِعٌ فِيهِ أَوْلَى. فَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِحَالِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمَكَاسِبِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ مِنْهَا وَلَا حَاجَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ عَيْنًا مُعَيَّنًا، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي صُورَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقِيمَةِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ اهـ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ اطِّلَاعُ الْمُقَوِّمِينَ عَلَى مُرَادِهِ فِي صُورَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى

عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجُزْ، غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَجِبُ تَسْلِيمُ قِيمَتِهِ كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِهِ مَالًا، وَلَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ ذَلِكَ الْعَيْنَ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا أَدَّاهُ لَا يُعْتَقُ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ قَالَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ مَعَ الْفَسَادِ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْمَشْرُوطِ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ) فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ جَائِزَةٌ، وَيُقَسَّمُ الْمِائَةُ الدِّينَارِ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَلَى قِيمَةِ عَبْدٍ وَسَطٍ فَيَبْطُلُ مِنْهَا حِصَّةُ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مُكَاتَبًا بِمَا بَقِيَ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُطْلَقَ يَصْلُحُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ، فَكَذَا يَصْلُحُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي أَبْدَالِ الْعُقُودِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى الْعَبْدُ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَإِنَّمَا تُسْتَثْنَى قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ بَدَلًا فَكَذَلِكَ مُسْتَثْنًى. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيمَةِ حَتَّى تَتَعَيَّنَ بِتَعْيِينِهِمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى الْعَبْدُ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَإِنَّمَا تُسْتَثْنَى قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ بَدَلًا فَكَذَلِكَ مُسْتَثْنًى) يَعْنِي أَنَّهُمَا يُسَلِّمَانِ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ، وَلَكِنْ يَقُولَانِ ذَلِكَ فِيمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُورِدَ فَسَادَ الْعَقْدِ، وَهَاهُنَا اسْتِثْنَاءُ الْعَبْدِ عَيْنِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِتَفَاحُشِ جَهَالَتِهَا قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، فَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقَعَ مُسْتَثْنًى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَالْكَافِي. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَيْضًا لِجَرَيَانِهِ فِيهِ أَيْضًا بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا مَجْهُولَةٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً، وَلِهَذَا لَوْ كَاتَبَ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، وَعَدَمُ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ عَيْنِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ وَبَيْنَ الدَّرَاهِمِ أَيْضًا ظَاهِرٌ، مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ أَنَّهُ عَلَّلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَعَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ النَّقْضَ بِمَا إذَا

قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ) مَعْنَاهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْجِنْسَ وَلَا يُبَيِّنَ النَّوْعَ وَالصِّفَةَ (وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ) وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْجِنْسَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ دَابَّةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً فَتُتَفَاحَشُ الْجَهَالَةُ، وَإِذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ كَالْعَبْدِ وَالْوَصِيفِ فَالْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ وَمِثْلُهَا يُتَحَمَّلُ فِي الْكِتَابَةِ فَتُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا وَجَعَلَ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ هُوَ الصَّوَابُ، وَعَزَاهُ إلَى الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ اشْتَمَلَ عَلَى بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ، لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْمِائَةِ بِإِزَاءِ الْوَصِيفِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمَوْلَى بَيْعٌ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِإِزَاءِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةٌ فَيَكُونُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ النَّهْيُ عَنْهَا، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَوْ أَمَةً مُعَيَّنَةً، وَالْقَوْمُ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ، وَالصَّوَابُ مَا فِي الْكَافِي وَهُوَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ الْوَصِيفِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَإِنَّمَا تُسْتَثْنَى قِيمَتُهُ، وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِجَهَالَتِهَا، فَكَذَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَطَانَةٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَجْهِ الَّذِي عَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ وَالْوَجْهِ الَّذِي عَزَاهُ إلَى الْكَافِي فِي وُرُودِ النَّقْضِ بِالصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ عَلَيْهِمَا، فَرَدُّ الْأَوَّلِ بِوُرُودِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاسْتِصْوَابُ الثَّانِي لَيْسَ بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْجِنْسَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ دَابَّةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَجْنَاسًا فَتَتَفَاحَشُ الْجَهَالَةُ، وَإِذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ كَالْعَبْدِ وَالْوَصِيفِ فَالْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ وَمِثْلُهَا يُتَحَمَّلُ فِي الْكِتَابَةِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ شُمُولَ اللَّفْظِ لِلْأَجْنَاسِ لَوْ مَنَعَ الْجَوَازَ لَمَا جَازَتْ فِيمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى عَبْدٍ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزْ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ شَمِلَ أَجْنَاسًا عَالِيَةً كَالدَّابَّةِ مَثَلًا أَوْ مُتَوَسِّطَةً كَالْمَرْكُوبِ مَنَعَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا فِي الْكِتَابَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ شَمِلَ أَجْنَاسًا سَافِلَةً كَالْعَبْدِ مَنَعَهُ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ كَالْبَيْعِ وَالْوَكَالَةِ لَا فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَالْكِتَابَةِ وَالنِّكَاحِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ السُّؤَالُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ شُمُولَ اللَّفْظِ لِلْأَجْنَاسِ إنْ مَنَعَ الْجَوَازَ مَا جَازَتْ فِيمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى عَبْدٍ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا وَلِهَذَا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ بِمَالٍ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مِقْدَارًا مَعْلُومًا وَالْعَبْدُ كَافِرًا لِأَنَّهَا مَالٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ فِي حَقِّنَا (وَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ فَلِلْمَوْلَى قِيمَةُ الْخَمْرِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلَّكَهَا، وَفِي التَّسْلِيمِ ذَلِكَ إذْ الْخَمْرُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيَعْجَزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَايَعَ الذِّمِّيَّانِ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ، لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَاتِب عَلَى وَصِيفٍ وَأَتَى بِالْقِيمَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الْقِيمَةِ، فَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يَنْعَقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُجَوِّزْ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ فِرْيَةً بِلَا مِرْيَةٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا ذَكَرَ قَطُّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَلَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْعَبْدَ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا، وَأَنَّ مَا يَشْمَلُ أَنْوَاعًا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشِرَائِهِ إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: ثُمَّ إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ، لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَلَا يُدْرَى مُرَادُ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ كَانَ جِنْسًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ، لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا، وَبِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ فَلَا يَمْتَنِعُ الِامْتِثَالُ. مِثَالُهُ: إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَشْمَلَ أَنْوَاعًا، فَإِنَّ بَيَّنَ النَّوْعَ كَالتُّرْكِيِّ وَالْحَبَشِيِّ وَالْمُوَلَّدِ جَازَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. فَهَلْ يَتَوَهَّمُ الْعَاقِلُ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا حَتَّى يَجْعَلَهُ مَدَارًا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا، وَقَدْ سَبَقَ إلَى هَذَا التَّوَهُّمِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ؟ وَلَعَمْرِي إنَّهُ مِنْ الْعَجَائِبِ مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْفُحُولِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْجَوَابَ الْمَزْبُورَ مَعَ ابْتِنَائِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَرَاتِبِ الْأَجْنَاسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْمَعْقُولِ دُونَ اصْطِلَاحَاتِ أَهْلِ الْفِقْهِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامَيْنِ: أَيْ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ، أَمَّا هُنَاكَ فَلِمَا عَرَفْت آنِفًا، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَا فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ لَزِمَهُ أَنْ يُقَيِّدَ بِالْجِنْسِ فِي قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ الْعَالِي وَالْمُتَوَسِّطِ، إذًا بَيَانُ الْجِنْسِ الْأَسْفَلِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْجَوَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ بِمَالٍ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ.

صَحِيحًا عَلَى الْقِيمَةِ فَافْتَرَقَا. قَالَ (وَإِذَا قَبَضَهَا عَتَقَ) لِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ. فَإِذَا وَصَلَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ إلَى الْمَوْلَى سَلَّمَ الْعِوَضَ الْآخَرَ لِلْعَبْدِ وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا حَيْثُ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْخَمْرِ، وَلَوْ أَدَّاهَا عَتَقَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَنَا أَنَّ هَذَا يَعْنِي مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ قِيَاسَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْبَيْعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ ابْتِدَاؤُهَا أَوْ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاءُ وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ فَكِّ الْحَجْرِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَذَلِكَ الثَّانِي لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الِانْتِهَاءِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَهُوَ الرَّقَبَةُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَفِي أَنَّ مَبْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ كَافٍ فِي إلْحَاقِهَا بِالنِّكَاحِ. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ لِزِيَادَةِ اسْتِظْهَارٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ مُتَفَرِّعًا عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَلَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّ كَوْنَ النِّكَاحِ فِي الِابْتِدَاءِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ وَهُوَ الْمَهْرُ بِغَيْرِ مَالٍ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَهُمْ فِي مَحِلِّهِ. أَمَّا كَوْنُهُ فِي الِانْتِهَاءِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ وَمِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا سِوَى تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَالْعَيْنِيِّ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ مَالٌ عِنْدَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ انْتَهَى، فَكَانَ حَقُّ الْمَقَامِ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ مُتَفَرِّعًا إمَّا عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَقَطْ أَوْ عَلَى مَجْمُوعِ الشِّقَّيْنِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَالَ: وَهَذَا

[باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله]

[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ] ُ قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ) لِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ أَنْ يَصِيرَ حُرًّا يَدًا، وَذَلِكَ بِمَالِكِيَّةِ التَّصَرُّفِ مُسْتَبِدًّا بِهِ تَصَرُّفًا يُوَصِّلُهُ إلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ نَيْلُ الْحُرِّيَّةِ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَكَذَا السَّفَرُ لِأَنَّ التِّجَارَةَ رُبَّمَا لَا تَتَّفِقُ فِي الْحَضَرِ فَتَحْتَاجُ إلَى الْمُسَافَرَةِ، وَيَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، فَإِنَّ التَّاجِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِقْدَارُ كَافٍ فِي إلْحَاقِهَا بِالنِّكَاحِ، وَجُعِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ لِزِيَادَةِ الِاسْتِظْهَارِ، وَلَيْسَ هَذَا بِتَامٍّ أَيْضًا لِأَنَّ مُجَرَّدَ مُشَابَهَةِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ فِي وَجْهٍ لَا يُنَافِي مُشَابَهَتَهُ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ فِي وَجْهٍ آخَرَ، فَمُشَابَهَةُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لِلنِّكَاحِ فِيمَا ذُكِرَ لَا يُنَافِي مُشَابَهَتَهُ لِلْبَيْعِ أَيْضًا. فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ لَمَا ظَهَرَ اخْتِصَاصُ هَاتِيكَ الْمُشَابَهَةِ بِالنِّكَاحِ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَمُ صِحَّةِ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ عَلَى مَا أَفْصَحَ عَنْهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ قِيَاسَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْبَيْعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الِابْتِدَاءُ أَوْ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاءُ إلَخْ، فَكَانَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ عُمْدَةً فِي إثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يَكُنْ لِزِيَادَةِ الِاسْتِظْهَارِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ اكْتِفَاءَ الْمُصَنِّفِ فِي عِنْوَانِ هَذَا الْبَابِ بِمَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ لِكَوْنِهِ الْعُمْدَةَ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ، وَإِلَّا فَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ كَمَا تَرَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ: لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ يُبْتَنَى عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ سَمَاجَةُ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِمَا فَإِنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ يُبْتَنَى عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ هَذَا الْبَابِ عَنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَالِمٌ مِمَّا يُتَّجَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَسْفُورَانِ، لَكِنْ فِيهِ أَيْضًا سَمَاجَةٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ فِي حَيِّزِ يَجُوزُ وَعَطَفَهُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ فَصَارَ الْمَعْنَى شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمُكَاتَبُ وَمَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَصَدَ بَيَانَهُ إنَّمَا هُوَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمُكَاتَبُ وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَهَبُ وَلَا يَتَصَدَّقُ وَلَا يَتَكَفَّلُ وَلَا يُقْرِضُ لَا مُجَرَّدَ مَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، فَإِنَّ جَوَازَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا لَا يُنَافِي جَوَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا كَمَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي يَسْتَوِي فِيهَا جَانِبَا الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَكَأَنَّهُ أَعَادَهَا تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ اسْتِحْسَانًا فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بِبَيَانِهِ ثَمَّةَ اهـ.

قَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِبْدَادِ وَثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ جَوَازُ السَّفَرِ لِلْمُكَاتَبِ لَا جَوَازُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَحَدِيثُ الْإِعَادَةِ لِلتَّمْهِيدِ لَا يَتِمُّ عُذْرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَسْأَلَتَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا تَرَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ اسْتِطْرَادًا، وَإِنَّمَا مَحِلُّ ذِكْرِهِ هُنَا وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ هَاهُنَا انْتَهَى. أَقُولُ: وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ هُنَا لَيْسَ بِلَفْظِ الْقُدُورِيِّ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: فَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَبِإِضْمَارِ الْمُكَاتَبِ دُونَ إظْهَارِهِ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ هُنَا بِالْوَاوِ بَدَلِ فَاءِ التَّفْرِيعِ، وَبِإِظْهَارِ لَفْظِ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا هُوَ لَفْظُ الْبِدَايَةِ. نَعَمْ حَاصِلُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، لَكِنْ هَذَا مُتَحَقِّقٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: فَيَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْخُرُوجَ إلَى السَّفَرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَاصِلَ مَعْنَاهُ مُتَّحِدٌ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَ بَيَانُهَا مُكَرَّرًا لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبِدَايَةِ ثَمَّةَ قَوْلِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ، وَذَكَرَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالسَّفَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْبِدَايَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ شَرْحُ الْبِدَايَةِ هَذَا الْمَوْضِعَ سَاقَ الْكَلَامَ كَمَا سَاقَ مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالسَّفَرِ فِي الْهِدَايَةِ قَبْلَ هَذَا اهـ فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِمِثْلِهِ لَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ الْبَاطِلَ إنَّمَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، كَمَا إذَا قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي مُدَّةً أَوْ زَمَانًا، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ فَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْكِتَابَةُ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ مُقَابِلُهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَحُرِّيَّةُ الْيَدِ وَالْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ تَخْصِيصٌ لِلْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّ مُرَادَهُ بِمَا يُقَابِلُهُ هُوَ الْمُكَاتَبُ، إلَّا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَخْتَصُّ بِهِ أَيْضًا كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ تَخْصِيصًا لِلْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ دَاخِلًا فِيهِمَا، فَإِنَّهُ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ أَخَصَّ مِنْهُ، كَمَا إذَا عَرَّفْنَا الْإِنْسَانَ بِالْحَيَوَانِ الضَّاحِكِ فَإِنَّ قَيْدَ الضَّاحِكِ يُخَصِّصُ الْحَيَوَانَ بِالْإِنْسَانِ مَعَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ قَطْعًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِذْ لَا رَيْبَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَكَذَا الْحَالُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَا يُقَابِلُهُ هُوَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنَّ اخْتِصَاصَ هَذَا الشَّرْطِ بِهِ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهُ فِيهِ، بَلْ لَا مَجَالَ لِدُخُولِهِ فِيهِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَاَلَّذِي نَفَاهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ دُخُولُ هَذَا الشَّرْطِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ فِيمَا يُقَابِلُهُ، إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ التَّمَكُّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَمَا عَيَّنَهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا

لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالْبَيْعِ فِي شَرْطٍ تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، كَمَا إذَا شَرَطَ خِدْمَةً مَجْهُولَةً لِأَنَّهُ فِي الْبَدَلِ وَبِالنِّكَاحِ فِي شَرْطٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. أَوْ نَقُولُ: إنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إعْتَاقٌ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَخُصُّ الْعَبْدَ فَاعْتُبِرَ إعْتَاقًا فِي حَقِّ هَذَا الشَّرْطِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. قَالَ (وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالْبَيْعِ فِي شَرْطٍ تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، كَمَا إذَا شَرَطَ خِدْمَةً مَجْهُولَةً لِأَنَّهُ فِي الْبَدَلِ وَبِالنِّكَاحِ فِي شَرْطٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ مَرَّ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ أَنَّ أَئِمَّتَنَا قَالُوا بِمُشَابَهَةِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لِلنِّكَاحِ وَعَمِلُوا بِهَا. وَرَدُّوا عَلَى الشَّافِعِيِّ قَوْلَهُ بِمُشَابَهَتِهِ لِلْبَيْعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُمْ الْعَمَلُ هَاهُنَا بِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ أَيْضًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّبَهَيْنِ مَعًا فِيمَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يُنَافِي الْعَمَلَ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ دُونَ الْآخَرِ لِرُجْحَانِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا مَعًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إعْتَاقٌ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَخُصُّ الْعَبْدَ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: لَوْ قَالَ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى إعْتَاقٌ أَوْ قَالَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ عِتْقٌ كَانَ أَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: كُلُّ مَنْ شِقَّيْ كَلَامِهِ مَنْظُورٌ فِيهِ. أَمَّا شِقُّهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى إعْتَاقٌ لَمْ يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ، لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَخُصُّ الْعَبْدَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكِتَابَةِ إعْتَاقًا فِي جَانِبِ الْمَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُفَسَّرًا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ إعْتَاقًا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلِهَذَا قَالَ: إنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إعْتَاقٌ. وَأَمَّا شِقُّهُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي قَوْلِهِ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إعْتَاقٌ مَصْدَرٌ مِنْ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ دُونَ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ فَيَئُولُ إلَى الْعِتْقِ، فَكَانَ قَوْلُهُ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إعْتَاقٌ وَقَوْلُهُ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ عِتْقٌ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ ضَعِيفٌ، إذْ حَاصِلُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْعِتْقَ وَالْعِتْقُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ أَيْضًا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِشُبْهَةٍ بِالْعِتْقِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ لِشُبْهَةٍ بِالْعِتْقِ أَثَرٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ الْكِتَابَةُ أَيْضًا إذَا دَخَلَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ مِنْ الْبَيَانِ ضَعِيفٌ. وَالْأَوْلَى مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا مِنْ رِعَايَةِ الشَّبَهَيْنِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ اعْتِرَاضِ صَاحِبِ الْغَايَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ بِمُلَاحَظَةِ قَوْلِهِ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى مُعَاوَضَةٌ فَلِذَلِكَ فَسَدَتْ بِالدَّاخِلِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، أَوْ نَقُولُ يَنْدَفِعُ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ هَذَا الشَّرْطِ انْتَهَى. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ وَجْهَيْ دَفْعِهِ غَيْرُ سَالِمٍ. أَمَّا وَجْهُهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ الْكِتَابَةِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى مُعَاوَضَةً مُتَحَقِّقٌ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ الْكِتَابَةِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عِلَّةً لِلْفَسَادِ لَفَسَدَتْ بِغَيْرِ الدَّاخِلِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَيْضًا، وَإِنْ

لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فَكُّ الْحَجْرِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ التَّوَسُّلِ إلَى الْمَقْصُودِ، وَالتَّزَوُّجُ لَيْسَ وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَيَجُوزُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ (وَلَا يَهَبُ وَلَا يَتَصَدَّقُ إلَّا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ) لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَيُمَلِّكَهُ، إلَّا أَنَّ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ضِيَافَةٍ وَإِعَارَةٍ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ. وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا يَمْلِكُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَتَوَابِعِهِ (وَلَا يَتَكَفَّلُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ، فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَالِاكْتِسَابِ وَلَا يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ نَفْسًا وَمَالًا لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ (وَلَا يُقْرِضُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ الِاكْتِسَابِ (فَإِنْ وَهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQرُجِعَ إلَى الْعَمَلِ بِكَوْنِهَا مُعَاوَضَةً فِيمَا دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَبِكَوْنِهَا إعْتَاقًا فِي غَيْرِ مَا دَخَلَ فِيهِ رِعَايَةً لِلشَّبَهَيْنِ رُجِعَ هَذَا الْوَجْهُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا وَجْهُهُ الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ هَذَا الشَّرْطِ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ. إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ لِشَبَهِهِ بِالْعِتْقِ أَثَرٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ إعْتَاقًا فِي غَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فَكُّ الْحَجْرِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ التَّوَسُّلِ إلَى الْمَقْصُودِ وَالتَّزَوُّجُ لَيْسَ وَسِيلَةً إلَيْهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: تَأَمَّلْ هَلْ يُمْكِنُ تَعْمِيمُ هَذَا الدَّلِيلِ لِعَدَمِ جَوَازِ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا؟ وَقَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ انْتَهَى. أَقُولُ: بَلْ يُمْكِنُ تَعْمِيمُهُ لَهُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَدَارَ حُكْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ هُوَ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ بِتَزْوِيجِ نَفْسَهَا تَتَمَلَّكُ الْمَهْرَ فَيَصِيرُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَمَأْخَذُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ جَوَازِ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبِ أَمَتَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ اكْتِسَابُ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمَهْرَ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ انْتَهَى. لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَامٍّ، فَإِنَّ بَيْنَ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا وَتَزْوِيجِ الْمُكَاتَبِ أَمَتَهُ فَرْقًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ مَسْأَلَةِ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبِ أَمَتَهُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ أَوْضَحَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ سَأَلَ هُنَاكَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمَّا مَلَكَ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ يَنْبَغِي أَنْ تَمْلِكَ الْمُكَاتَبَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا لِوُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فِيهَا لِأَنَّهَا تَكْسِبُ بِهِ الْمَهْرَ وَتُسْقِطُ نَفَقَتَهَا عَنْ نَفْسِهَا. وَمَعَ ذَلِكَ ذَكَرَ فِي بَابِ جِنَايَةِ رَقِيقِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِهِ مِنْ كِتَابِ عَتَاقِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى. وَأَجَابَ بِأَنَّ تَزْوِيجَ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا لَيْسَ لِاكْتِسَابِ الْمَالِ بَلْ لِلتَّحْصِينِ وَالْعِفَّةِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهَا مِنْ تَزْوِيجِ نَفْسِهَا شَيْءٌ آخَرُ سِوَى الْمَالِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَقْدُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْفَكُّ الثَّابِتُ بِالْكِتَابَةِ. وَقَالَ: وَبِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ. فَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ الْجَوَابِ أَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ هَاهُنَا يُمْكِنُ تَعْمِيمُهُ لِعَدَمِ جَوَازِ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ تَقِفْ. نَعَمْ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الشُّرَّاحِ وَصَاحِبِ الْكَافِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّزَوُّجُ لَيْسَ وَسِيلَةً إلَيْهِ بَلْ فِيهِ الْتِزَامُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِ هَذَا الدَّلِيلِ بِالْمُكَاتَبِ، فَإِنَّ الْتِزَامَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ دُونَ الْمُكَاتَبَةِ، لَكِنْ الْكَلَامُ فِي إمْكَانِ تَعْمِيمِ الدَّلِيلِ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ إنَّ الدَّلِيلَ الْأَظْهَرَ الْخَالِيَ عَنْ شَائِبَةٍ تُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ بِالْمُذَكَّرِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ

عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً (وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ جَازَ) لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لِلْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمَهْرَ فَدَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ مَآلَهُ الْعِتْقُ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ عَقْدُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَيَمْلِكُهُ كَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَكَالْبَيْعِ وَقَدْ يَكُونُ هُوَ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ إلَيْهِ وَالْبَيْعُ يُزِيلُهُ قَبْلَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ ثُمَّ هُوَ يُوجِبُ لِلْمَمْلُوكِ مِثْلَ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ. بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فَوْقَ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ. قَالَ: فَإِنْ أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ الْأَوَّلُ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَوْعَ مِلْكٍ. وَتَصِحُّ إضَافَةُ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى مُبَاشِرِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أُضِيفَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا (فَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَتَقَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْمُعْتِقِ (وَإِنْ أَدَّى الثَّانِي بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِأَنَّ الْعَاقِدَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ لَهُ. قَالَ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ الْكَسْبِ وَلَا مِنْ تَوَابِعِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ عَنْ رَقَبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ وَمَكَاسِبَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدُهُمَا بِالنِّكَاحِ انْتَهَى كَلَامُهُ. نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ بِعِبَارَتِهِ وَرَدَ فِي الْمُذَكَّرِ وَلَكِنْ بِدَلَالَتِهِ يَعُمُّ الْمُؤَنَّثَ أَيْضًا لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ الْكَسْبِ وَلَا مِنْ تَوَابِعِهِ)

وَإِثْبَاتُ الدَّيْنِ فِي ذَمِّهِ الْمُفْلِسِ فَأَشْبَهَ الزَّوَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ فِي الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ تَنْقِيصٌ لِلْعَبْدِ وَتَعْيِيبٌ لَهُ وَشَغْلُ رَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لِاسْتِفَادَتِهِ الْمَهْرَ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الِاكْتِسَابَ كَالْمُكَاتَبِ، وَلِأَنَّ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةِ نَظَرًا لَهُ، وَلَا نَظَرَ فِيمَا سِوَاهُمَا وَالْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ. قَالَ (فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حِلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِهَا، وَإِعْتَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ هَاهُنَا لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَمْلِكُهُ اهـ. أَقُولُ: قَدْ أَخَلَّ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ بِحَقِّ الْمَقَامِ فِي تَقْرِيرِ الْكَلَامِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِهَا مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَيْضًا مَا كَانَ مِنْ الِاكْتِسَابِ دُونَ التِّجَارَةِ وَضَرُورَاتِهَا كَتَزْوِيجِ أَمَتِهِ وَكِتَابَةِ عَبْدِهِ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنَّ الِاكْتِسَابَ أَعَمُّ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَا سَيَجِيءُ. فَالْحَقُّ هَاهُنَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ الْكَسْبِ وَلَا مِنْ تَوَابِعِهِ. لَا يُقَالُ: إنَّ مِثْلَ تَزْوِيجِ أَمَتِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَفْسِ التِّجَارَةِ فَانْدَرَجَ فِي قَوْلِهِ أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِهَا. لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ إجْمَاعًا وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا يَمْلِكُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ كَمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا لَمَلَكَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ أَيْضًا إجْمَاعًا. فَلَا مَحِيصَ عَنْ الْمَحْذُورِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ إلَّا بِأَنْ يَجْعَلَ لَفْظَ التِّجَارَةِ فِي كَلَامِهِ مَجَازًا عَنْ مُطْلَقِ الْكَسْبِ إطْلَاقًا لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ) يَعْنِي يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي رَقِيقِ نَفْسِهِ، وَلَا يَمْلِكَانِ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ مَا لَا يَمْلِكُهُ فِي رَقِيقِ نَفْسِهِ فَيَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ أَمَةِ الصَّغِيرِ وَكِتَابَةَ عَبْدِهِ لَا تَزْوِيجَهُ وَلَا بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا إعْتَاقَهُ عَلَى مَالٍ، كَذَا قَالُوا. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ أَنْفَعُ مِنْ الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا مَانِعَ هَاهُنَا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ كَوْنَ الْعِتْقِ فَوْقَ الْكِتَابَةِ مَانِعٌ ثَمَّةَ فَإِذَا مَلَكَا الْبَيْعَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَا الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ أَيْضًا اهـ. أَقُولُ: لَمْ يَمُرَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَا فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْعِتْقَ أَنْفَعُ مِنْ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الَّذِي مَرَّ وَتَقَرَّرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ الْكِتَابَةَ أَنْفَعُ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ إلَى الْمَالِكِ وَالْبَيْعُ يُزِيلُهُ قُبَيْلَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ يُزِيلُهُ قَبْلَهُ أَيْضًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ كَمَا مَرَّ آنِفًا فَلَمْ يَكُنْ أَنْفَعَ مِنْ الْبَيْعِ لَا مَحَالَةَ وَلَا نَظِيرَ الْبَيْعِ فَبَطَلَ قَوْلُهُ فَإِذَا مَلَكَا الْبَيْعَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَا الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ أَيْضًا. (قَوْلُهُ فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّحْرِيرِ نَوْعُ إشْكَالٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ لَمْ يَجُزْ، فَمَعَ كَوْنِ كَلِمَةِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَأْبَاهُ، إذْ حُكْمُ مَا ذَكَرَ قُبَيْلَهُ أَيْضًا عَدَمُ الْجَوَازِ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ، فَإِنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَاتِيكَ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُضَارِبُ وَالْمُفَاوِضُ وَالشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ هُوَ قَاسَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَاعْتَبَرَهُ بِالْإِجَارَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا مَعْنَى بَيَانِ خِلَافِ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ مَجْمُوعَ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ فَيُتَّجَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَعْضُ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُمَا يَجُوزَانِ لِلْمَأْذُونِ لَهُ قَطْعًا كَمَا يَجُوزَانِ لِلْمُكَاتَبِ فَلَا مَعْنَى لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ. فَإِنْ قُلْت: الْمُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَالَةً، وَمَسْأَلَةُ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالسَّفَرِ إنَّمَا ذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَخْ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ثَمَّةَ. قُلْت: قَدْ عَرَفْت هُنَاكَ أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلتَّمْهِيدِ إنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ جَوَازِ السَّفَرِ دُونَ مَسْأَلَتَيْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَجَوَازِ الشِّرَاءِ، فَحَدِيثُ الذَّكَرِ لِلتَّمْهِيدِ دُونَ الْأَصَالَةِ لَا يَتِمُّ عُذْرًا لَا هُنَاكَ وَلَا هُنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْوِقَايَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَوَّلًا مَا يَصِحُّ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ بِقَوْلِهِ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَسَفَرُهُ وَإِنْ شَرَطَ ضِدَّهُ وَإِنْكَاحُ أَمَتِهِ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ. وَثَانِيًا مَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا بِقَوْلِهِ لَا تَزَوُّجُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا هِبَتُهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ وَتَصَدُّقُهُ إلَّا بِيَسِيرٍ وَتَكَفُّلُهُ وَإِقْرَاضُهُ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ. ثُمَّ لَمَّا قَالَ: وَشَيْءٌ مِنْ ذَا لَا يَصِحُّ مِنْ مَأْذُونٍ وَمُضَارِبٍ وَشَرِيكٍ تَفَطَّنَ شَارِحُهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِمَا فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْإِشْكَالِ. فَحَمَلَ الْإِشَارَةَ عَلَى الْمَنْفِيَّاتِ فَقَطْ وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَزَوُّجُهُ إلَخْ لِكَوْنِهَا عَلَى قَرْنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى مَجْمُوعِ الْمَنْفِيَّاتِ وَالْمُثْبَتَاتِ لِعَدَمِ تَمَامِهَا فِي صُورَتَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ الْمُثْبَتَاتِ. وَأَمَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَلَا يَتَيَسَّرُ هَذَا التَّوْجِيهُ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمَنْفِيَّاتِ لَمْ تُذْكَرْ فِيهِ عَلَى قَرْنٍ وَاحِدٍ بَلْ ذُكِرَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْفِيَّاتِ وَالْمُثْبَتَاتِ مُخْتَلِطَةً مَعَ الْأُخْرَى فَلَا تُفْهَمُ الْإِشَارَةُ إلَى الْبَعْضِ دُونَ الْآخَرِ مِنْ اللَّفْظِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ يَمْنَعُ ذَلِكَ. لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ مِنْ قَبِيلِ الْمُثْبَتَاتِ فِي الْمُكَاتَبِ، وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ كَيْفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَاهُنَا لَا لِلتَّوْجِيهِ وَلَا لِلِاسْتِشْكَالِ مَعَ ظُهُورِ الرَّكَاكَةِ فِي التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ هُوَ قَاسَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَاعْتَبَرَهُ بِالْإِجَارَةِ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ قَاسَ الْمَأْذُونَ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ فَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ، وَاعْتَبَرَ التَّزْوِيجَ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ

وَلَهُمَا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ يَتَمَلَّكُ الِاكْتِسَابَ وَهَذَا اكْتِسَابٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قِيَاسِهِ وَاعْتِبَارِهِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ قِيَاسُ الْمَأْذُونِ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ لَصَحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابَةِ عَبْدِهِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِلْمَأْذُونِ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، مَعَ أَنَّ كِتَابَةَ الْمَأْذُونِ لَهُ عَبْدَهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ تَمَّ اعْتِبَارُ التَّزْوِيجِ بِالْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ جَوَازَهَا لِلْمَأْذُونِ لَهُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ لَهُ أَيْضًا لَزِمَ أَنْ يَجُوزَ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ أَيْضًا كَمَا يَجُوزُ إجَارَةُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ بِالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَالَ: ثُمَّ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْقِيَاسِ فِي الْعَيْنَيْنِ وَهُمَا الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ، وَلَفْظَ الِاعْتِبَارِ فِي الْفِعْلَيْنِ وَهُمَا التَّزْوِيجُ وَالْإِجَارَةُ، لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْعَيْنَيْنِ ظَاهِرَةٌ، وَإِذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكُّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ فَكَانَ شَرْطُ الْقِيَاسِ مَوْجُودًا فَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْقِيَاسِ لِذَلِكَ. وَأَمَّا فِي هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ فَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِيَّةِ لَا غَيْرُ، لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ لِلْمَنْفَعَةِ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَثْبُتُ دَيْنًا بِمُقَابَلَةِ الْأَمْوَالِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الِاعْتِبَارِ هُنَاكَ أَلْيَقَ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكُّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقَ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، إذْ لَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَثِيرٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى مَا فُصِّلَ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ الَّذِي أُطْلِقَ فِي الْآخَرِ أَيْضًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَأْذُونِ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ بَعْضٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْجُمْلَةِ فَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ الْمُصَحِّحَةُ لِلْقِيَاسِ فَضْلًا عَنْ ظُهُورِهَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَخْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ ذَيْنَكَ الْفِعْلَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِيَّةُ لَا غَيْرُ، فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْمُمَاثَلَةِ الْغَيْرِ الْفِعْلِيَّةِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ لَا يَسْتَدْعِي انْتِفَاءَهَا مِنْ الْحَيْثِيَّاتِ الْأُخَرِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْكَسْبِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ هُوَ الشَّرْعِيُّ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ أَوْلَوِيَّتَهُ اهـ. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ مُنْدَفِعٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَاسِ هُوَ الشَّرْعِيُّ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ. قَوْلُهُ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيْنِ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ نَفْسَيْ الْعَيْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ ذَاتَيْهِمَا فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ مُرَادُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِاسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ اسْتِعْمَالَهُ بَيْنَهُمَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ عَمَلُهُمَا وَتَصَرُّفُهُمَا، وَلَا رَيْبَ فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ بِحَيْثِيَّةٍ مِنْ الْحَيْثِيَّاتِ فَهُوَ فَاسِدٌ اسْتِعْمَالًا فِي مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ مِنْ لَفْظِ الِاعْتِبَارِ، حَتَّى أَنَّ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي أَصْلِ مَعْنَى الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ: قَاسَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ قَدَّرَهُ عَلَى مِثَالِهِ، فَكَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا مُمَاثَلَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الِاعْتِبَارِ فِي الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا مُمَاثَلَةٌ خَفِيَّةٌ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ قَطْعًا، لِأَنَّ فِيهِ تَوْفِيَةَ الْأَقْوَى لِلْأَقْوَى وَالْأَضْعَفِ لِلْأَضْعَفِ. ثُمَّ إنْ رَأَى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْقِيَاسِ وَلَفْظُ الِاعْتِبَارِ مُتَرَادِفَيْنِ حَيْثُ قَالَ قَبْلَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَقَاسَهُ وَاعْتَبَرَهُ مُتَرَادِفَانِ اهـ. أَقُولُ: إنْ أَرَادَ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، وَإِنْ أَرَادَ

وَلِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَيُعْتَبَرُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ، إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْمُصَنَّفِينَ فَلَا وَجْهَ فَلْيُتَّبَعْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَيُعْتَبَرُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ) أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ إذْ هِيَ: أَيْ الْإِجَارَةُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ أَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يُنْتَقَضَ تَعْرِيفُهُمْ الْبَيْعَ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِمَالٍ بِالْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ مُسَلَّمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ فِي وَجْهِ مُنَاسَبَةِ الْكِتَابَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فِي وَجْهِ مُنَاسَبَةِ الْكِتَابَةِ بِالْإِجَارَةِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ اهـ، بِأَنَّ مُرَادَهُمْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مَا لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَالِ فِي قَوْلِهِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مَا هُوَ مَالٌ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا حَقِيقَةً، فَإِنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ جُعِلَ فِي حُكْمِ الْمَالِ بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَيْنِ وَإِقَامَتِهَا مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَيُفْصِحُ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْمَالِ فِي قَوْلِهِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مَا قُلْنَا قَوْلُ صَاحِبِ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ الْمَالِ اهـ. ثُمَّ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَالُ فِي تَعْرِيفِهِمْ الْبَيْعَ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى الْمَالِ الْحَقِيقِيِّ دُونَ مَا يَتَنَاوَلُ الْحُكْمِيَّ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ انْصِرَافِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْكَمَالِ، فَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ انْتِقَاضُ تَعْرِيفِ الْبَيْعِ بِالْإِجَارَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ هُنَاكَ مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً كَمَا عَرَفْتَهُ آنِفًا. ثُمَّ إنَّ عَامَّةَ الشُّرَّاحِ قَالُوا فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ مَالٌ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ: وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ تَصْلُحُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ مَعَ أَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ ابْتِغَاؤُهُ بِالْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] اهـ وَهَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ تَصْلُحُ مَهْرًا فِي بَابِ النِّكَاحِ بَلْ جَعَلَهُ عِلَّةً لِمَا قَبْلَهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ بَيَانِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ: وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا اهـ. فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا سِيَّمَا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَتَأَمَّلْ.

[فصل اشترى المكاتب أباه أو ابنه]

فَصْلٌ قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ مَتَى كَانَ يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (وَإِنْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَوْلَادٍ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَدْخُلُ) اعْتِبَارًا بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ إذْ وُجُوبُ الصِّلَةِ يَنْتَظِمُهُمَا وَلِهَذَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُرِّ فِي حَقِّ الْحُرِّيَّةِ. وَلَهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا، غَيْرَ أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي الصِّلَةَ فِي الْوِلَادِ حَتَّى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَكْفِي فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى لَا تَجِبَ نَفَقَةُ الْأَخِ إلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ قَرَابَةٌ تَوَسَّطَتْ بَيْنَ بَنِي الْأَعْمَامِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ فَأَلْحَقْنَاهَا بِالثَّانِي فِي الْعِتْقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ] فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَسَائِلِ وُقُوعِ الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَسَائِلِ وُقُوعِهَا بِسَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ وَمَا يَتْبَعُهَا لِأَنَّ التَّبَعَ يَتْلُو

وَبِالْأَوَّلِ فِي الْكِتَابَةِ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ أَسْرَعُ نُفُوذًا مِنْ الْكِتَابَةِ، حَتَّى أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَاتَبَ كَانَ لِلْآخَرِ فَسْخُهُ، وَإِذَا أَعْتَقَ لَا يَكُونُ لَهُ فَسْخُهُ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ دَخَلَ وَلَدُهَا فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا، أَمَّا دُخُولُ الْوَلَدِ فِي الْكِتَابَةِ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا امْتِنَاعُ بَيْعِهَا فَلِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدُهَا فَكَذَا الْجَوَابُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلَ (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ دَخَلَ وَلَدُهَا فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ الْمَقَامِ: امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ الْقِنَّةُ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا الْمُكَاتَبُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَمَلَكَهَا فَإِنْ مَلَكَهَا مَعَ الْوَلَدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِالِاتِّفَاقِ. أَقُولُ: فِي عِبَارَتِهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ الْقِنَّةَ بِالتَّاءِ فِي وَصْفِ الْمَرْأَةِ تُخَالِفُ اللُّغَةَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ عَامَّةً أَنَّ لَفْظَ الْقِنِّ يَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ حَيْثُ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ: وَأَمَّا أَمَةٌ قِنَّةٌ فَلَمْ أَسْمَعْهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا امْتِنَاعُ بَيْعِهَا فَلِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: إذَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ يَثْبُتُ لِلْأُمِّ حَقُّهَا وَهَاهُنَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْأُمِّ حَقُّهَا تَحْقِيقًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا عَنْ الْوَلَدِ. قُلْت: لِلْكِتَابَةِ أَحْكَامٌ: مِنْهَا عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ فَيَثْبُتُ لِلْأُمِّ هَذَا الْحُكْمُ دُونَ الْكِتَابَةِ تَحْقِيقًا لِانْحِطَاطِ الرُّتْبَةِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ؟ قُلْت: لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ عَدَمَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُكَاتَبَةً أَصَالَةً، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ دَخَلَ أَبُوهُ فِي كِتَابَتِهِ وَيَصِيرُ مُكَاتَبًا تَبَعًا لِوَلَدِهِ كَمَا مَرَّ، مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ عَلَى الْأَبِ هُنَاكَ أَيْضًا قَطْعًا. فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِوَلَدِهِ تَحْقِيقًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا عَنْ وَلَدِهَا فِي حَقِّ الْحُرِّيَّةِ، أَلَا يُرَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ حُرَّةً فِي الْحَالِ تَبَعًا لِحُرِّيَّةِ وَلَدِهَا فِي الْحَالِ بَلْ يَثْبُتُ لَهَا عِتْقٌ مُؤَجَّلٌ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، فَكَذَا لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِوَلَدِهَا بَلْ يَثْبُتُ لَهَا بَعْضُ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا مَلَكَهُ

وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ هَذَا الْحَقُّ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ فِي الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ (وَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُشْتَرَى (وَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ) لِأَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ كَسْبٌ كَسَبَهُ وَيَكُونُ كَذَلِكَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِالدَّعْوَةِ اخْتِصَاصُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا لِأَنَّ حَقَّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ ثَابِتٌ فِيهَا مُؤَكَّدًا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَدُهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي عَيْنِ حُرِّيَّةِ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ أَوْ حَقُّهَا تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ عَلَى مَا مَرَّ. ثُمَّ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: الْعَقْدُ مَا وَرَدَ عَلَى الْوَلَدِ أَيْضًا. قُلْت: وَرَدَ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْوَلَدُ جُزْؤُهُ فَيَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، لِأَنَّ كَوْنَ قَرَابَةِ الْوَلَدِ قَرَابَةً جُزْئِيَّةً لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وُرُودُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَبِ وُرُودًا عَلَى الْوَلَدِ أَيْضًا وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كِتَابَةُ الْوَلَدِ أَيْضًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَصَالَةً لَا تَبَعًا لِوَالِدِهِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَمَّا دُخُولُ الْوَلَدِ فِي الْكِتَابَةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَيَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ لَا يَثْبُتَ. فَرْقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا فِي الِاشْتِرَاءِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مَعَهَا فِيهِ تَدَبَّرْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ، إلَى قَوْلِهِ: وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقِيَاسُ كَمَا يَنْفِيهِ ابْتِدَاءً يَنْفِيهِ مَعَ الْوَلَدِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الدَّلِيلِ، فَتَخْصِيصُ نَفْيِهِ بِالِابْتِدَاءِ مَعَ أَنَّهُ مُنَافٍ لِصَدْرِ الْكَلَامِ تَحَكُّمٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَحَكُّمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُعْتِقُ الْأُمَّ إذَا مَلَكَهُ الْأَبُ. وَقَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ: يَعْنِي وَلَا نَصَّ فِيهِ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ، بَلْ هُوَ بِظَاهِرِ إطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الصُّورَتَيْنِ مَعًا، فَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُعْتِقُ الْأُمَّ إذَا مَلَكَهُ الْأَبُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتٌ مُقَرَّرٌ بِدُونِ دَلَالَةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ فَهُوَ يُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ إذْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَيْنِ لَمْ يَقْبَلَاهُ فَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزَا بَيْعَ الْمُكَاتَبِ امْرَأَتَهُ الْمُشْتَرَاةَ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ وَلَدَهَا

قَالَ (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَانَ كَسْبُهُ لَهَا) لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ امْرَأَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَأَوْلَادُهَا عَبِيدٌ وَلَا يَأْخُذُهُمْ بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَأْذَنُ لَهُ الْمَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَوْلَادُهَا أَحْرَارٌ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ شَارَكَ الْحُرَّ فِي سَبَبِ ثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ الْغُرُورُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا رَغِبَ فِي نِكَاحِهَا إلَّا لِيَنَالَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مَوْلُودٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَخَالَفَنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى هُنَاكَ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ نَاجِزَةٍ وَهَاهُنَا بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطُّ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُعْتِقُ الْأُمَّ إذَا مَلَكَهُ الْأَبُ لَيْسَ بِتَامٍّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمِلْكِ فِي قَوْلِهِ إذَا مَلَكَهُ الْأَبُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي إعْتَاقِ الْوَلَدِ أُمَّهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، أَلَا يُرَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا اسْتَوْلَدَ أَمَةَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْأَثَرِ الْمَزْبُورِ بِعَيْنِهِ مَعَ أَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلْأَبِ مِلْكَ الْيَمِينِ بِلَا رَيْبٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِي أَمْرِهِ بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي إعْتَاقِ الْوَلَدِ أُمَّهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، فَإِنَّ مَنْ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ كِتَابِ الْعَتَاقِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عِنْدَهُمْ، مَعَ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي أَمْرِ ذَلِكَ الْوَلَدِ فِي الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ الَّذِي كَانَ مَوْلَى ذَلِكَ الْوَلَدِ بِسَبَبِ أَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مَمْلُوكَةً لَهُ عِنْدَ الِاسْتِيلَادِ لَا لِأَبِيهِ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُعْتِقُ الْأُمَّ إذَا مَلَكَهُ الْأَبُ لَيْسَ بِتَامٍّ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَقَوْلُهُ وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَانَ كَسْبُهُ لَهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِمَا وَكَانَ كَسْبُهُ لَهَا أَيْ فِي الدُّخُولِ يَتْبَعُهُمَا،

[فصل إذا ولدت المكاتبة من المولى]

فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قَالَ (وَإِنْ وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ وَطِئَهَا عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يُعْتَقَ وَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ التِّجَارَةَ وَتَوَابِعَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا الْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا، لِأَنَّهُ لَوْلَا الشِّرَاءُ لَمَا سَقَطَ الْحَدُّ وَمَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ. أَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ فَلَا تَنْتَظِمُهُ الْكِتَابَةُ كَالْكَفَالَةِ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ وَطِئَهَا فَرَدَّهَا أُخِذَ بِالْعُقْرِ فِي الْمُكَاتَبَةِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ) لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ التَّصَرُّفَ تَارَةً يَقَعُ صَحِيحًا وَمَرَّةً يَقَعُ فَاسِدًا، وَالْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ يَنْتَظِمَانِهِ بِنَوْعَيْهِ كَالتَّوْكِيلِ فَكَانَ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى. [فَصْلٌ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى] فَصْلٌ قَالَ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْكَسْبِ يَتْبَعُهَا خَاصَّةً، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الدُّخُولِ هُوَ الْكَسْبُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَائِدَتُهُ أَنْ يُعْتَقَ بِعِتْقِهَا سَوَاءٌ كَسَبَ أَمْ لَا بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَسْبِ مَثَلًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فَائِدَةَ دُخُولِ الْوَلَدِ فِي كِتَابَةِ الْأَبِ هُوَ الْكَسْبُ لَهُ لَا غَيْرُ، لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ كَسْبُهُ لِلْأُمِّ خَاصَّةً لَمْ تَتَحَقَّقْ فَائِدَةٌ قَطُّ فِي دُخُولِهِ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِدُخُولِهِ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَقَطْ هُوَ الْوَجْهُ، ثُمَّ إنْ عَتَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِ أُمِّهِ إنَّمَا يَكُونُ فَائِدَةً لِلْوَلَدِ نَفْسِهِ لَا لِلدُّخُولِ فِيهِ. وَالْكَلَامُ فِي الثَّانِي. وَلَئِنْ سَلِمَ تَعْمِيمُ الْفَائِدَةِ أَوْ جَعَلَ فَائِدَةَ الْوَلَدِ فَائِدَةً لِأُمِّهِ أَيْضًا فَتِلْكَ الْفَائِدَةُ أَيْضًا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالنَّظَرِ إلَى دُخُولِهِ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَقَطْ، فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْأَوَّلِ هُوَ الْوَجْهُ، بَلْ يُؤَيِّدُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنْ لَا يَبْلُغَ الْوَلَدُ مَبْلَغَ الْكَسْبِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ هَاهُنَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِفَائِدَةِ الدُّخُولِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةً فِي الْجُمْلَةِ، وَالْكَسْبُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِهِ يَصِيرُ فَائِدَةً (فَصْلٌ) مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِ مَسَائِلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، فَفَصَلَهَا بِفَصْلٍ وَوَصَلَهَا بِالذِّكْرِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ

فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهَا تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٌ بِبَدَلٍ وَآجِلَةٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَتُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ فِي وَلَدِهَا وَمَا لَهُ مِنْ الْمِلْكِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ بِالدَّعْوَةِ. وَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ الْعُقْرَ مِنْ مَوْلَاهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا وَبِمَنَافِعِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا. ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَتَرَكَتْ مَالًا تُؤَدَّى مِنْهُ مُكَاتَبَتُهَا وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِابْنِهَا جَرْيًا عَلَى مُوجَبِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ) . قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ لِأَنَّ الْأَكْسَابَ تُسَلَّمُ لَهَا وَكَذَا أَوْلَادُهَا الَّتِي اشْتَرَاهَا بَعْدُ لِلْكِتَابَةِ وَهَذَا آيَةُ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ. قُلْت: الْكِتَابَةُ تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ، وَبِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الْبَدَلُ وَتُشْبِهُ الشَّرْطَ، وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ يَسْقُطُ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ فَلَمَّا عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ بَطَلَتْ جِهَةُ الْكِتَابَةِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ وَقُلْنَا بِسَلَامَةِ الْأَكْسَابِ عَمَلًا بِجِهَةِ الْمُعَاوَضَةِ، وَقُلْنَا بِسُقُوطِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَمَلًا بِجِهَةِ الشَّرْطِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ فِي هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ مِرَارًا أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّبَهَيْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ جِهَةَ كَوْنِ الْكِتَابَةِ مُعَاوَضَةً تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ سُقُوطِ الْبَدَلِ، وَجِهَةَ كَوْنِهَا شَرْطًا تَسْتَلْزِمُ سُقُوطَهُ، وَهُمَا: أَيْ السُّقُوطُ وَعَدَمُهُ مُتَنَافِيَانِ قَطْعًا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَنَافِي اللَّازِمَيْنِ يُوجِبُ تَنَافِي الْمَلْزُومَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا كَذَلِكَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّبَهَيْنِ لَوْ تُصُوِّرَ هَاهُنَا فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُشَابِهُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَالشَّرْطِ، لَا عِنْدَ بُطْلَانِهَا لِأَنَّهُ يَنْتَفِي حِينَئِذٍ مَحِلُّ الْمُشَابَهَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ: فَلَمَّا عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ بَطَلَتْ جِهَةُ الْكِتَابَةِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ. وَقُلْنَا بِسَلَامَةِ الْأَكْسَابِ عَمَلًا بِشَبَهِ الْمُعَاوَضَةِ، وَقُلْنَا بِسُقُوطِ الْكِتَابَةِ عَمَلًا بِشَبَهِ الشَّرْطِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ

عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَدَّعِ وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا، فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذْ هُوَ وَلَدُهَا فَيَتْبَعُهَا. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ جَازَ) لِحَاجَتِهَا إلَى اسْتِفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ، وَلَا يُنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ) لِتَعَلُّقِ عِتْقِهَا بِمَوْتِ السَّيِّدِ (وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إيجَابِ الْبَدَلِ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، فَإِذَا عَتَقَتْ قَبْلَهُ لَمْ يُمْكِنْ تَوْفِيرُ الْغَرَضِ عَلَيْهِ فَسَقَطَ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ لِامْتِنَاعِ إبْقَائِهَا بِغَيْرِ فَائِدَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ تُسَلَّمُ لَهَا الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لِنَظَرِهَا وَالنَّظَرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ جَازَ لِحَاجَتِهَا إلَى اسْتِفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِبَدَلٍ وَالْآخَرُ بِلَا بَدَلٍ وَالْعِتْقُ الْوَاحِدُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا فَكَانَا مُتَنَافِيَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا جِهَتَيْ عِتْقٍ تَلَقَّتَاهَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ انْتَهَى. وَرَدَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ وَالْعِتْقُ الْوَاحِدُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا فَكَانَا مُتَنَافِيَيْنِ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَرَادَ الْوَحْدَةَ الشَّخْصِيَّةَ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، كَيْفَ وَفِي الْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ تُسَلَّمُ لَهَا الْأَكْسَابُ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ أَرَادَ النَّوْعِيَّةَ فَلَا تَنَافِي انْتَهَى. أَقُولُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ بِشِقَّيْهِ. أَمَّا شِقُّهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْعِتْقُ الْوَاحِدُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا الْوَحْدَةُ الشَّخْصِيَّةُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا مَجَالَ لِعَدَمِ تَسْلِيمِهِ، لِأَنَّهُ مَا قَالَ الْعِتْقُ الْوَاحِدُ يَثْبُتُ بِهِمَا حَتَّى لَا يَسْلَمَ ذَلِكَ وَيُجْعَلَ اخْتِلَافُ الْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ، وَالْعِتْقِ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ فِي اللَّوَازِمِ سَنَدًا لِمَنْعِ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ: الْعِتْقُ الْوَاحِدُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا، وَعَدَمُ ثُبُوتِ الْعِتْقِ الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ بِالسَّبَبَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي اللَّوَازِمِ أَمْرٌ جَلِيٌّ لَا يَقْبَلُ الْمَنْعَ، وَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ فِي مَعْرِضِ السَّنَدِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ وَفِي الْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ إلَخْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَنَدًا لِمَنْعِ ذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا يَكُونُ عِلَّةً لِسُقُوطِ الْمَنْعِ عَنْهُ. وَأَمَّا شِقُّهُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَلَا تَنَافِي فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ أَرَادَ النَّوْعِيَّةَ فَلَا تَنَافِي أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الِاجْتِمَاعُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَالْعِتْقُ بِالْكِتَابَةِ يَسْتَلْزِمُ سَلَامَةَ الْأَكْسَابِ لَهَا، بِخِلَافِ الْعِتْقِ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ فَأَنَّى يَجْتَمِعَانِ مَعًا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ

غَيْرَ أَنَّهُ تُسَلَّمُ لَهَا الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لِنَظَرِهَا وَالنَّظَرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ. قَالَ (وَإِنْ كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ جَازَ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ وَلَا تَنَافِي، إذْ الْحُرِّيَّةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ مُجَرَّدُ الِاسْتِحْقَاقِ (وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّلَقِّي عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَهُوَ عَيْنُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلٍ لَا يُقَالُ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ تُسَلَّمُ لَهَا الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لِنَظَرِهَا وَالنَّظَرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: النَّظَرُ فِي إيفَاءِ حَقِّهَا إلَيْهَا وَحَقُّهَا الْحُرِّيَّةُ وَقَدْ حَصَلَ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، لِأَنَّ الْكَسْبَ حَصَلَ لَهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَكَلَامِنَا فِيهِ، وَلَمْ تُعْتَقْ هِيَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى بَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْكَسْبُ لِلْمَوْلَى لَا لَهَا لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ لَا بِالْكِتَابَةِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْإِيرَادِ عَنْ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، وَمِلْكُهَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهِ تَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِدَفْعٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُكَاتَبَةِ فِي أَكْسَابِهِمَا إنَّمَا هُوَ يَدًا لَا رَقَبَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ التَّبَرُّعَ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا رَقَبَةُ أَكْسَابِهِمَا مِلْكُ مَوْلَاهُمَا كَرَقَبَةِ أَنْفُسِهِمَا مَا لَمْ يُؤَدِّيَا بَدَلَ كِتَابَتِهِمَا بِالتَّمَامِ كَمَا يُفْهَمُ هَذَا كُلُّهُ مِمَّا سَبَقَ وَمِمَّا يَأْتِي. فَقَوْلُهُ وَمِلْكُهَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ مِلْكَهَا فِي كَسْبِهَا يَدًا لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ الْمَوْلَى فِيهِ رَقَبَةً فَلَا يَنْدَفِعُ الِاسْتِشْكَالُ بِلُزُومِ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِالنَّظَرِ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَنَا فِي قَوْلِهِ تُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ أَيْضًا نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْأَوْلَادِ بِالتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَوْ اُعْتُبِرَتْ مَفْسُوخَةً أَيْضًا فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ يَكُونُ النَّظَرُ لَهَا بَاقِيًا، لِأَنَّ حُكْمَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ لَهُ حُكْمُ الْأُمِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأُمِّ حَالَةَ الْوِلَادَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ سَاقِطٌ جِدًّا، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْلَادِ الَّتِي ذُكِرَتْ بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ هِيَ الْأَوْلَادُ الَّتِي وُلِدَتْ قَبْلَ كِتَابَةِ أُمِّهَا مِنْ غَيْرِ مَوْلَى أُمِّهَا وَقَدْ اشْتَرَتْهَا أُمُّهَا حَالَةَ الْكِتَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ فَسَّرَ الْأَوْلَادَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تُسَلَّمُ لَهَا الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ بِقَوْلِهِ: أَيْ الْأَوْلَادُ الَّتِي اشْتَرَتْهَا الْمُكَاتَبَةُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ لَا الْأَوْلَادُ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ مَوْلَاهَا انْتَهَى. وَلَا شَكَّ فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ سَلَامَةِ أَمْثَالِ تِلْكَ الْأَوْلَادِ، إذْ لَوْ اُعْتُبِرَتْ الْكِتَابَةُ مَفْسُوخَةً أَيْضًا فِي حَقٍّ بِأَمْثَالِهِمْ لَكَانُوا أَرِقَّاءَ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ النَّظَرُ لَهَا بَاقِيًا فِي حَقِّهِمْ إذْ ذَاكَ قَطْعًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْكِتَابَةُ عَقْدُ أَحَدٍ فَكَيْفَ وَيُتَصَوَّرُ بُطْلَانُهُ وَعَدَمُ بُطْلَانِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ تَحْقِيقَ كَلَامِهِ أَنَّ بُطْلَانَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ يُتَصَوَّرُ بِاعْتِبَارَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْطُلَ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ عَنْ إيفَاءِ الْبَدَلِ، وَالثَّانِي أَنْ يَبْطُلَ بِانْتِهَائِهِ بِإِيفَائِهِ. وَبِالْأَوَّلِ يَعُودُ رَقِيقًا فَأَوْلَادُهُ وَأَكْسَابُهُ لِمَوْلَاهُ، وَبِالثَّانِي يُعْتَقُ هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَيَخْلُصُ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ أَكْسَابِهِ، وَحَيْثُ احْتَجْنَا إلَى إبْطَالِ الْكِتَابَةِ نَظَرًا لِلْمُكَاتَبِ وَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ صِرْنَا إلَيْهِ. أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ الْكِتَابَةِ عَقْدًا وَاحِدًا لَا يُنَافِي تَصَوُّرَ بُطْلَانِهِ وَعَدَمَ بُطْلَانِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ شَرَطُوا فِي تَحَقُّقِ التَّنَاقُضِ أُمُورًا مِنْهَا وَحْدَةُ الْجِهَةِ، وَهَاهُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ تِلْكَ الْوَحْدَةُ لِأَنَّ بُطْلَانَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ مِنْ جِهَةِ الْبَدَلِ وَعَدَمَ بُطْلَانِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ فَلَا مَحْذُورَ أَصْلًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ انْتِهَاءَ الْكِتَابَةِ بِإِيفَاءِ الْبَدَلِ إنَّمَا هُوَ تَمَامُهَا وَتَقَرُّرُهَا، فَجُعِلَ أَحَدُ طَرِيقَيْ بُطْلَانِهَا مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ. وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مِمَّنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إيفَاءُ الْبَدَلِ فَكَيْفَ يُحْمَلُ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّهَا عَلَى إيفَائِهِ وَاعْتِبَارِ غَيْرِ الْوَاقِعِ وَاقِعًا لِمُجَرَّدِ النَّظَرِ لَهَا مِمَّا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ. وَثَالِثُهَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ يُنَافِي الْمَعْنَى الَّذِي عَدَّهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ تَحْقِيقَ كَلَامِهِ، لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ الْمَقَامُ عَلَى انْتِهَاءِ الْكِتَابَةِ بِإِيفَاءِ تَمَامِ الْبَدَلِ يَصِيرُ إتْمَامُ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَفِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا هُوَ الْحَالُ عِنْدَ إيفَاءِ الْبَدَلِ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ لِاعْتِبَارِ انْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَبَقَائِهَا فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَالْأَوْلَادِ وَجْهٌ. وَرَابِعُهَا أَنَّ حَمْلَ بُطْلَانِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ هَاهُنَا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي تَخَيَّلَهُ هَذَا الشَّارِحُ لَا يَدْفَعُ أَصْلَ السُّؤَالِ، لِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَقْدِ عَلَى أَيِّ مَعْنًى كَانَ وَعَدَمَهُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَنَافِيَانِ قَطْعًا إذَا كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ صِيرَ إلَى اخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ لَا يَبْقَى احْتِيَاجٌ إلَى مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بُطْلَانَهُ بِامْتِنَاعِ بَقَائِهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، ثُمَّ عَلَّلَهُ بِالنَّظَرِ لَهُ وَالْمَعْلُولُ الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ لَا يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، لِأَنَّ لِلْكِتَابَةِ جِهَتَيْنِ: جِهَةٌ هِيَ لِلْمُكَاتَبِ، وَجِهَةٌ هِيَ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِالْأُولَى وَالْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَعَلَّهُ سَدِيدٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا السُّؤَالُ أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَجَوَابُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَعْلُولَ الْوَاحِدَ بِالشَّخْصِ إنَّمَا لَا يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ. وَأَمَّا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَيُعَلَّلُ بِهِمَا قَطْعًا عَلَى مَا تَبَيَّنَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُذْكَرُ لَهَا دَلِيلَانِ أَوْ أَدِلَّةٌ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ أَوْ الْأَدِلَّةِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُعَلَّلَ بِهِ الْمَطْلُوبُ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ.

وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَسْعَى فِي أَقَلَّ مِنْهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ وَالْمِقْدَارِ، فَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِقْدَارِ، وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي نَفْيِ الْخِيَارِ. أَمَّا الْخِيَارُ فَفَرْعُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ لَمَّا تَجَزَّأَ بَقِيَ الثُّلُثَانِ رَقِيقًا وَقَدْ تَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ بِبَدَلَيْنِ مُعَجَّلٌ بِالتَّدْبِيرِ وَمُؤَجَّلٌ بِالْكِتَابَةِ فَتُخَيَّرُ. وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهَا بِعِتْقِ بَعْضِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَتَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ. وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَابَلَ الْبَدَلَ بِالْكُلِّ وَقَدْ سَلَّمَ لَهَا الثُّلُثَ بِالتَّدْبِيرِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَجِبَ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَهَا الْكُلَّ بِأَنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ يَسْقُطُ كُلُّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَهُنَا يَسْقُطُ الثُّلُثُ وَصَارَ كَمَا إذَا تَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ عَنْ الْكِتَابَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ مُقَابَلٌ بِثُلُثَيْ رَقَبَتِهَا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَدَلَ وَإِنْ قُوبِلَ بِالْكُلِّ صُورَةً وَصِيغَةً لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مَعْنًى وَإِرَادَةً لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ ظَاهِرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمُعَلَّلِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى الْجِهَةَ الَّتِي هِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّ تِلْكَ الْجِهَةَ أَنْ يَلْزَمَهُ إبْقَاءُ الْبَدَلِ وَقَوْلُهُ لِامْتِنَاعِ إبْقَائِهَا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْفَائِدَةِ بِسُقُوطِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهَا، وَإِذَا أُسْقِطَ عَنْهَا الْبَدَلُ لَا يَلْزَمُهَا إيفَاؤُهُ قَطْعًا فَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوْزِيعِ التَّعْلِيلَيْنِ عَلَى مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا سَدِيدًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ عِنْدَهُ لِمَا تَجَزَّأَ) بَقِيَ الثُّلُثَانِ رَقِيقًا وَقَدْ تَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ بِبَدَلَيْنِ مُعَجَّلٌ بِالتَّدْبِيرِ (وَمُؤَجَّلٌ بِالْكِتَابَةِ فَتُخَيَّرُ) لِأَنَّ فِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةً وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَالِ مُتَّحِدًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ أَكْثَرِ الْمَالَيْنِ أَيْسَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ وَأَدَاءُ أَقَلِّهِمَا أَعْسَرَ لِكَوْنِهِ حَالًّا فَكَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَعَزَاهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ الْبَدَلُ الْمُعَجَّلُ بِالتَّدْبِيرِ أَقَلَّ مِنْ الْبَدَلِ الْمُؤَجَّلِ بِالْكِتَابَةِ. وَأَمَّا فِي الْعَكْسِ فَلَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَدَاءَ الْأَقَلِّ الْمُؤَجَّلِ أَيْسَرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ الْمُعَجَّلِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَصْلًا لِتَعَيُّنِ اخْتِيَارِهَا الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ كَمَا قَالَ صَاحِبَاهُ، مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْخِيَارِ يَعُمُّ بِالصُّورَتَيْنِ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكُتُبِ بِأَسْرِهَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهَا بِعِتْقِ بَعْضِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَتَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ) وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ عِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهَا بِالتَّدْبِيرِ لِعِتْقِ بَعْضِهَا بِهِ وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا لَا غَيْرُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ نَظَرًا لَهَا فَتَبْقِيَتُهَا لِذَلِكَ فَلَرُبَّمَا يَكُونُ بَدَلُهَا أَقَلَّ فَيَحْصُلُ النَّظَرُ بِوُجُوبِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ كَانَ جَمِيعُ الْأَلْفِ بِمُقَابَلَةِ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ لِدَلَالَةِ الْإِرَادَةِ، كَذَا هَاهُنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِيهِ لِأَنَّ الْبَدَلَ مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ عِنْدَهُ فِي شَيْءٍ فَافْتَرَقَا قَالَ (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَتَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ) لِمَا بَيَّنَّا. (وَلَهَا الْخِيَارُ، إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ مُدَبَّرَةً) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فِي جَانِبِ الْمَمْلُوكِ، فَإِنْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا فَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، فَالْخِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْخِيَارِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا. أَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ) لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ (وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ إلَّا مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ دُونَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: فِي الْجَوَابِ إشْكَالٌ، لِأَنَّ الْقَوْلَ بِإِبْقَاءِ الْكِتَابَةِ فِيهَا بَعْدَ أَنْ عَتَقَ كُلُّهَا بِالتَّدْبِيرِ يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهَا بِعِتْقِ بَعْضِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالْكِتَابَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ إبْقَاءُ الْكِتَابَةِ فِيهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ حُرَّةً عِنْدَهُمَا. فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ إبْقَاءُ حُكْمِ الْكِتَابَةِ لَا إبْقَاءُ حَقِيقَتِهَا وَالْمُنَافِي لِلْحُرِّيَّةِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. قُلْت: لَوْ أَبْقَى حُكْمَ الْكِتَابَةِ لِأَبْقَى تَأْجِيلَهَا لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهَا. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَافِي فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ هُنَا. وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهُ بِعِتْقِ ثُلُثِهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْكِتَابَةِ وَبَقِيَ أَصْلُ الْمَالِ عَلَيْهِ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ إلَخْ. وَلَوْ أَبْقَى تَأْجِيلَهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَتِمَّ قَوْلُهُمَا فَتَخْتَارَ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ لِجَوَازِ أَنْ تَخْتَارَ الْأَكْثَرَ الْمُؤَجَّلَ لِكَوْنِ أَدَائِهِ أَيْسَرَ مِنْ أَدَاءِ الْأَقَلِّ الْمُعَجَّلِ كَمَا مَرَّ فِي بَيَانِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ فَلَا تَنْقَطِعُ مَادَّةُ الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ) أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَالثَّابِتُ فِي الْمُدَبَّرَةِ فِي الْحَالِ مُجَرَّدُ اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا فَجَازَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى اسْتِفَادَةِ حَقِيقَتِهَا عَاجِلًا فَتَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابِلَتِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُكَاتِبَ أُمَّ وَلَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا حُرِّيَّةَ الْكُلِّ

وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً فِي جَانِبِ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ بِرِضَا الْعَبْدِ وَالظَّاهِرُ رِضَاهُ تَوَسُّلًا إلَى عِتْقِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ مَعَ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ لَهُ لِأَنَّا نُبْقِي الْكِتَابَةَ فِي حَقِّهِ. قَالَ (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ) اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطْعًا لِعِتْقِهَا عِنْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ دُونَ ثُلُثِهِ، فَإِذَا جَازَ الْتِزَامُ الْمَالِ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ بِمُقَابَلَةِ مَا تَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ كُلًّا لِلِاحْتِيَاجِ إلَى اسْتِفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا مَرَّ، فَلَأَنْ جَازَ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَبَّرَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا تَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ بَعْضًا لِتِلْكَ الْعِلَّةِ بِعَيْنِهَا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا التَّعْلِيلَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَتَمَشَّى عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ اسْتَحَقَّ حُرِّيَّةَ الْكُلِّ عِنْدَهُ لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ اهـ. أَقُولُ: ذَاكَ سَاقِطٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُدَبَّرَةَ يَسْتَحِقَّانِ بِالتَّدْبِيرِ حُرِّيَّةَ الْكُلِّ عِنْدَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ بِهِ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَلِهَذَا يُعْتَقَانِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَيَسْعَيَانِ فِي ثُلُثِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَثُبُوتُ عِتْقِ الْكُلِّ بِعِتْقِ الْبَعْضِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَلَى أَصْلِ الْإِمَامَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ حُرِّيَّةِ الثُّلُثِ بِنَفْسِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. وَلَئِنْ سَلِمَ اسْتِحْقَاقُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ بِنَفْسِ التَّدْبِيرِ حُرِّيَّةَ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ ظَاهِرًا هُوَ أَنَّهَا اسْتَحَقَّتْهَا مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهَا سِعَايَةٌ فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ كَمَا تَلْزَمُهَا فِي الثُّلُثَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَبِقَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ هُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ مَجَّانًا، بِخِلَافِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ أَوْ يَسْتَحِقُّهَا وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ مَالِ السِّعَايَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَتَمَشَّى عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا تَفَكَّرْ تَفْهَمْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ اعْتِيَاضٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بِمَا هُوَ مَالٌ، لِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ، وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَانَ خَمْسُمِائَةٍ بَدَلًا عَنْ أَلْفٍ وَذَلِكَ رِبًا اهـ كَلَامُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ إلَى قَوْلِهِ اعْتِيَاضٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بِمَا هُوَ مَالٌ، وَلَكِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْمَهْرِ وَالْمَالِ الْمُقَابَلِ بِالطَّلَاقِ

وَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا فَلَا يَكُونُ رِبًا، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ مَنْقُوضًا بِالْمَهْرِ وَالْمَالِ الْمُقَابَلِ بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ مَا ذُكِرَ الْعِوَضُ فِيهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَنَحْوُهُمَا، لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ. وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَدْرِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ قَالُوا: أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ. وَقَالُوا: خَرَجَ بِقَوْلِنَا مَا لَيْسَ بِمَالٍ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ. فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ فِيهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ هَلَّا جُعِلَتْ إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ لِيَجُوزَ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَالْمُعَجَّلُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا اهـ. وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْفُضَلَاءِ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَمْ تَجُزْ هِبَةُ الْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ وَإِسْقَاطُ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا هُوَ الْمُؤَجَّلُ، وَالْمُسْقَطُ أَيْضًا هُوَ الْمُؤَجَّلُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ شَرْطُ شَيْءٍ مُعَجَّلٍ فِي الْمُقَابَلَةِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْخَمْسَمِائَةِ الْمُعَجَّلَةَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ الصُّلْحِ إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ وَاسْتِيفَاءً لِبَعْضِهِ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ وَالِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَالْمُعَجَّلِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ. نَعَمْ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَا يُقَالُ هَلَّا جَعَلْت الصُّلْحَ إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ وَاسْتِيفَاءً لِبَعْضِهِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ وَالِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَالْمُعَجَّلِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَكَانَ أَظْهَرَ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ قَوْلِهِ وَالْمُعَجَّلُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا فِي حَقِّ انْتِفَاءِ الِاسْتِيفَاءِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ دُونَ انْتِفَاءِ الْإِسْقَاطِ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعَنْ هَذَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ، لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الصُّلْحِ إسْقَاطًا لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءً لِلْبَعْضِ، فَلَوْ جُعِلَ إنَّمَا يُجْعَلُ اعْتِيَاضًا عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَعَنْ الْأَجَلِ بِخَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى، وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ الْأَجَلِ لَا يَجُوزُ اهـ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ ظَاهِرَةٌ،

دُونَ وَجْهٍ وَالْأَجَلُ رِبًا مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ رِبًا وَالْأَجَلُ فِيهِ شُبْهَةٌ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَرِيضُ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ حَالًّا وَالْبَاقِيَ إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا وَالْبَاقِيَ إلَى أَجَلِهِ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّيَادَةَ بِأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا وَصَارَ كَمَا إذَا خَالَعَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ جَازَ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ حَتَّى أُجْرِيَ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْأَبْدَالِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا بِالْبَدَلِ، وَالتَّأْجِيلُ إسْقَاطٌ مَعْنًى فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْمَالَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِالْمُبْدَلِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَلِ، وَنَظِيرُ هَذَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ دَارِهِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَهُمَا يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ ثُلُثَيْ جَمِيعِ الثَّمَنِ حَالًّا وَالثُّلُثَ إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ، وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، قَالَ (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُقَالُ لَهُ أَدِّ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ تُرَدُّ رَقِيقًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هَاهُنَا فِي الْقَدْرِ وَالتَّأْخِيرِ فَاعْتُبِرَ الثُّلُثُ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ جَائِزٌ وَبِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ صَحَّ الْكِتَابَةُ الْحَالَّةُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: هَذِهِ الْمُنَاقَشَةُ إنَّمَا تُظْهِرُ أَنْ لَوْ أَرَادُوا بِنَفْيِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ نَفْيَ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ وَهِيَ أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، وَأَمَّا إذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ نَفْيَ الْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ وَهِيَ مَا يُوجِبُ

[باب من يكاتب عن العبد]

[بَابُ مَنْ يُكَاتِبُ عَنْ الْعَبْدِ] ِ قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ أَدَّى عَنْهُ عَتَقَ، وَإِنْ بَلَغَ الْعَبْدُ فَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ صَارَ مُكَاتَبًا، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَارَتِهِ وَقَبُولُهُ إجَازَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى لَا يُعْتَقُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْعَبْدِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِلْعَبْدِ الْغَائِبِ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْقَائِلِ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَيُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ لُزُومِ الْأَلْفِ عَلَى الْعَبْدِ. وَقِيلَ هَذِهِ هِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيُسْرَ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَكُونُ لِلْمُنَاقَشَةِ مَجَالٌ لِظُهُورِ أَنَّ الْيُسْرَ عَلَى الْأَدَاءِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِالْأَجَلِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى مُفْلِسًا فَيَمْتَنِعُ النَّاسُ غَالِبًا عَنْ إقْرَاضِهِ الْمَالَ فِي الْحَالِ فَيَعْسُرُ الْأَدَاءُ عَلَيْهِ جِدًّا بِدُونِ الْأَجَلِ وَإِنْ أَمْكَنَ فِي الْجُمْلَةِ. عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَأَضْرَابَهُ لَمْ يَتَشَبَّثُوا فِي تَعْلِيلِ صِحَّةِ الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ عِنْدَنَا بِجَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ، بَلْ قَالُوا: إنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَبْنَى الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُمْهِلُهُ الْمَوْلَى، وَمَتَى امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ اهـ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُ ذَلِكَ الْمُنَاقِشِ، وَبِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ صَحَّ الْكِتَابَةُ الْحَالَّةُ فَتَدَبَّرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ مِنْ يُكَاتَبُ عَنْ الْعَبْدِ)

لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْعَبْدُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَبْدٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَائِبٌ، فَإِنْ أَدَّى الشَّاهِدُ أَوْ الْغَائِبُ عَتَقَا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ كَاتِبْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ، وَهَذِهِ كِتَابَةٌ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ: يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا وَيُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاضِرَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً جَعَلَ نَفْسَهُ فِيهِ أَصْلًا وَالْغَائِبُ تَبَعًا، وَالْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعَةٌ كَالْأَمَةِ إذَا كُوتِبَتْ دَخَلَ أَوْلَادُهَا فِي كِتَابَتِهَا تَبَعًا حَتَّى عَتَقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ وَإِذَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَنْفَرِدُ بِهِ الْحَاضِرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِكُلِّ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا فِيهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِيهِ. قَالَ (وَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَا وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ) أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَأَيُّهُمَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ) لِأَنَّ الْحَاضِرَ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ وَالْغَائِبُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ فِي الْكِتَابَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِالنَّائِبِ فِيهَا، وَقَدَّمَ أَحْكَامَ الْأَصِيلِ لِأَنَّ

قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ) لِمَا بَيَّنَّا (فَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ الْغَائِبُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ لِلشَّاهِدِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَافِذَةٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْغَائِبِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِقَبُولِهِ، كَمَنْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ، حَتَّى لَوْ أَدَّى لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ، كَذَا هَذَا. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَتْ الْأَمَةُ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ لَهَا صَغِيرَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَأَيُّهُمْ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَيُعْتَقُونَ) لِأَنَّهَا جَعَلَتْ نَفْسَهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادَهَا تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلَ فِي تَصَرُّفِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي حَقِّ وَلَدِهَا أَوْلَى لِأَنَّ وَلَدَهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ: وَأَقُولُ لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هَاهُنَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ اهـ. وَأَنَا أَقُولُ: أَرَى أَنَّ الْحَقَّ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الْجَوَازِ هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ دُونَ الْقِيَاسِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَبَعْضٌ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هَاهُنَا عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إنْ أَرَادَ بِوَجْهِ الْقِيَاسِ هَاهُنَا كَوْنَ الْوَلَدِ تَابِعًا لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا إنَّمَا تَكُونُ فِي الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ وَالْوَلَدِ الَّذِي اشْتَرَتْهُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ لَا فِي الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِمَسَائِلِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ خَبَرًا. وَلَا شَكَّ أَنَّ وَضْعَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فِي كِتَابَةِ الْأَمَةِ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ لَهَا مَوْلُودَيْنِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَاهُنَا التَّبَعِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَأَمَّا التَّبَعِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالضَّمِّ إلَيْهَا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَمِثْلُ هَذِهِ التَّبَعِيَّةِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا بِلَا تَفَاوُتٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ. وَقَالَ هَاهُنَا لِأَنَّهَا جُعِلَتْ

[باب كتابة العبد المشترك]

بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ وَقَبَضَ بَعْضَ الْأَلْفِ ثُمَّ عَجَزَ فَالْمَالُ لِلَّذِي قَبَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَمَا أَدَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسُهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادُهَا تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اهـ مَعَ أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ دُونَ الْقِيَاسِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أَرَادَ بِوَجْهِ الْقِيَاسِ هَاهُنَا ثُبُوتَ وِلَايَةِ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى أَوْلَادِهَا كَثُبُوتِهَا عَلَى نَفْسِهَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّ الْأُمَّ الْحُرَّةَ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أَوْلَادِهَا فَكَيْفَ بِالْأَمَةِ، وَقَالُوا: هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَمَةِ. إذْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْعَبْدِ لَرُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ الْجَوَازَ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِمَا فَلَا يُعْلَمُ تَسَاوِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. [بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَةِ عَبْدٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ شَرَعَ فِي كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ: ذَكَرَ كِتَابَةَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ كِتَابَةِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ. أَقُولُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ، لِأَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِي لَا يَتَمَشَّى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَهِيَ أَوْلَى اهـ. أَقُولُ: وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعُمُّ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَوْ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، وَلَفْظُ شَرِيكَيْنِ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ. إمَّا بِجَعْلِ الشَّرِيكِ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ شَرِكَهُ فِي كَذَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي أَمْرٍ شَارِكٌ فِيهِ وَمَشْرُوكٌ وَالْفَعِيلُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، أَوْ بِصَيْرُورَةِ لَفْظِ الشَّرِيكِ مِنْ عِدَادِ الْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ كَمَا قَالُوا فِي لَفْظِ التَّابِعِ وَنَحْوِهِ حَتَّى جَعَلُوا التَّوَابِعَ جَمْعَ تَابِعٍ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَيَتَنَاوَلُ الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ عَلَى السَّوِيَّةِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمَّا أَخَذَ بِنُسْخَةِ: بَيْنَ شَرِيكَيْنِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَسَّرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ شَرِيكَيْنِ بِرَجُلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: أَيْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ. أَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَتَخْصِيصُ لَفْظٍ يَتَحَمَّلُ الْعُمُومَ لِلرَّجُلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِالرَّجُلَيْنِ مِمَّا لَا وَجْهَ

فَهُوَ بَيْنَهُمَا) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ عِنْدَهُ لِلتَّجَزُّؤِ، وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ، وَإِذْنُهُ لَهُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ إذْنٌ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا كَانَ كُلُّ الْمَقْبُوضِ لَهُ. وَعِنْدَهُمَا الْإِذْنُ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، فَهُوَ أَصِيلٌ فِي النِّصْفِ وَكِيلٌ فِي النِّصْفِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ هَاهُنَا أَصْلًا، وَلَوْ فَسَّرَ لَفْظَ رَجُلَيْنِ فِي نُسْخَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِالشَّرِيكَيْنِ مُطْلَقًا تَغْلِيبًا لِلذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ إيَّاهُ فَكَيْفَ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ عِنْدَهُ لِلتَّجَزُّؤِ. وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ عِنْدَهُ، وَالْإِذْنُ لَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فَائِدَتُهُ انْتِفَاءَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقِّ الْفَسْخِ إنْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ اهـ كَلَامُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ وَالْإِذْنُ لَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْكِتَابَةِ: أَيْ عَلَى مَذْهَبِهِمَا اهـ. أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمَا قَطْعًا؛ أَلَا يُرَى إلَى قَوْلِهِمَا فِي تَعْلِيلِ مَذْهَبِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْإِذْنَ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ فَهُوَ أَصِيلٌ فِي النِّصْفِ وَكِيلٌ فِي النِّصْفِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ اهـ. وَلَعَلَّ قَوْلَهُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا وَقَعَ سَهْوًا مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَكَانَ الصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِهِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ

قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثُمَّ عَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا وَصَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَتَقْتَصِرُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَإِذَا ادَّعَى الثَّانِي وَلَدَهَا الْأَخِيرَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ ظَاهِرًا، ثُمَّ إذَا عَجَزَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَتْ الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِانْتِقَالِ وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ (وَنِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ كَمَالَ عُقْرِهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ابْنَهُ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ، لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا ظَاهِرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلَيْ الطَّرَفَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالتَّمَامِ قَالَ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَالَ إلَى قَوْلِهِمَا حَيْثُ أَخَّرَهُ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ كَلَامٌ، لِأَنَّهُ يَأْبَى عَنْهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ اهـ. أَقُولُ: الَّذِي مَرَّ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مَسْأَلَةُ الْعَتَاقِ وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا مَسْأَلَةُ الْكِتَابَةِ وَاسْتِلْزَامُ تَرْجِيحِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ تَرْجِيحَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ مَمْنُوعٌ، سِيَّمَا إذَا كَانَتْ كِتَابَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِإِذْنِ الْآخَرِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ الْإِبَاءُ، وَلَئِنْ سَلِمَ الِاسْتِلْزَامُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْأَصْلِ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ التَّجَزُّؤُ وَعَدَمُهُ فَتَرْجِيحُ قَوْلِهِ هُنَاكَ لَمْ يَكُنْ بِالتَّصْرِيحِ بِهِ، بَلْ إنَّمَا فُهِمَ مِنْ تَأْخِيرِ دَلِيلِهِ فِي الْبَيَانِ، وَقَدْ عُكِسَ الْأَمْرُ هَاهُنَا، فَفُهِمَ مِنْهُ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا لَا مَحَالَةَ، وَلَمَّا وَقَعَ التَّدَافُعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ حَمَلْنَا الثَّانِيَ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ الْمَخْلَصُ فِي أَمْثَالِ هَذَا فَلَا مَحْذُورَ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ كَمَالَ الْعُقْرِ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ) قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ شَرِيكُهُ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ حُكْمَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ، وَلَا قِيمَةَ لِأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ فَكَذَا لِابْنِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْوَلَدِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَاكَ السُّؤَالِ: وَهَذَا الْجَوَابُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. أَقُولُ: يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي بِقَوْلِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ يُنَافِي هَذَا الْجَوَابَ قَطْعًا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقِيلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ الْوَلَدُ مُتَقَوِّمًا عَلَى إحْدَاهُمَا فَكَانَ حُرًّا بِالْقِيمَةِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ:

وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا عُرِفَ لَكِنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الْعُقْرِ (وَأَيُّهُمَا دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ جَازَ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَحَقُّ الْقَبْضِ لَهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَنَافِعِهَا وَأَبْدَالِهَا، وَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّ الْعُقْرَ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ (وَهَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَا (كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلُ الْوَلَدَ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ يَجِبُ تَكْمِيلُهَا بِالْإِجْمَاعِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَتُفْسَخُ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ إذْ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا أَسْلَفَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ أُمِّ الْوَلَدِ فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَا تَقَوُّمَ لِمَالِيَّتِهَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَا ضَيْرَ فِي مُخَالَفَةِ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْجَوَابِ الثَّانِي لِمَا أَسْلَفَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ أَسْلَفَهُ هُنَاكَ تَبَعًا لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ هُنَاكَ بِتَحَقُّقِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ انْتَهَى. وَالْمُجِيبُ بِهَذَا الْجَوَابِ الثَّانِي إنَّمَا هُوَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَدَمَ تَحَقُّقِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ أُمِّ الْوَلَدِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَلَيْسَ بِمُجِيبٍ بِهَذَا الْجَوَابِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ نَاقِلٌ مَحْضٌ فَلَا يُنَافِي مَا اخْتَارَهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ

لَا يَرْضَى بِبَقَائِهِ مُكَاتِبًا. وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَالثَّانِي وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ (فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ (وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْعُقْرِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَعْرَى عَنْ إحْدَى الْغَرَامَتَيْنِ، وَإِذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَصَارَتْ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً لَهُ، قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَلَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ. وَقِيلَ يَجِبُ كُلُّ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ إلَّا فِي حَقِّ التَّمَلُّكِ ضَرُورَةً فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ نِصْفِ الْبَدَلِ وَفِي إبْقَائِهِ فِي حَقِّهِ نَظَرٌ لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ لَا تَتَضَرَّرُ الْمُكَاتَبَةُ بِسُقُوطِهِ، وَالْمُكَاتَبَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِي الْعُقْرَ لِاخْتِصَاصِهَا بِأَبْدَالِ مَنَافِعِهَا. وَلَوْ عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تَرُدُّ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQهَلَّا قُلْتُمْ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ ضَمَانًا لِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا بِيعَ الْمُكَاتَبُ كَمَا قُلْتُمْ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ ضَمَانًا لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ؟ وَوَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّ فِي تَجَوُّزِ الْبَيْعِ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ، إذْ الْمُشْتَرِي لَا يَرْضَى بِبَقَائِهِ مُكَاتَبًا، وَلَوْ أَبْطَلْنَاهَا تَضَرَّرَ بِهِ الْمُكَاتَبُ، وَفَسْخُ الْكِتَابَةِ فِيمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ، هَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي حَمْلِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِكَلَامِهِ هَذَا عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ صَرَاحَةً فِي الْكَافِي بِفَإِنْ قِيلَ. قُلْنَا: ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا بِقِيلِ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ فِيمَا وَرَاءَهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ مَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ كَمَا كَانَتْ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ ذَوْقٌ صَحِيحٌ مَا فِيهِ مِنْ الرَّكَاكَةِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلْيُتَفَكَّرْ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا جَوَابٌ عِنْدِي عَنْ قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ نَقْلَ الْمُكَاتَبَةِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ مِلْكِ الثَّانِي إلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ عَلَى بَيْعِهَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي النَّقْلِ لَا تَنْفَسِخُ

قَالَ (وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَيَضْمَنُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ (وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّ حَقَّ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ، وَفِي نِصْفِ الْبَدَلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ فَلِتَرَدُّدِهِ بَيْنَهُمَا يَجِبُ أَقَلُّهُمَا. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الثَّانِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَكِنْ دَبَّرَهَا ثُمَّ عَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْمِلْكَ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ تَمَلَّكَهَا قَبْلَ الْعَجْزِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُصَادِفُ مِلْكِ غَيْرِهِ وَالتَّدْبِيرُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْغُرُورَ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابَةُ مُطْلَقًا كَمَا فَصَّلَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَقَعْ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَطُّ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا عَنْ ذَاكَ (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً، إلَى قَوْلِهِ: فَلِلتَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا يَجِبُ أَقَلُّهُمَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: إذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نُصِيبَهُ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ حَقَّ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ وَفِي نِصْفِ الْبَدَلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ، فَلِلتَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا يَجِبُ أَقَلُّهُمَا لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ. قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ: لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْبَدَلِ دِرْهَمٌ يَكُونُ حِصَّتُهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَقَدْ تَمَلَّكَهَا أَحَدُهُمَا بِالِاسْتِيلَادِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ جَمِيعُ بَدَلِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذِهِ الرَّقَبَةِ إلَّا نِصْفَ دِرْهَمٍ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْأَقَلَّ، هَذَا قَوْلُهُمَا فِي الْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَوْلُهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَدَلِ، وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ فَاسِدٌ وَتَحْرِيرٌ مُخْتَلٌّ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا خَبْطٌ فَاحِشٌ، إذْ قَدْ صَرَّحَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى الْهِدَايَةِ نَفْسِهَا فِيمَا سَيَأْتِي بَعْدَ نِصْفِ صَفْحَةٍ بِأَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُضَمِّنَ السَّاكِتُ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُكَاتَبًا إنْ كَانَ مُوسِرًا

لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمَّلَ الِاسْتِيلَادَ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَنِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ تَمَلَّكَ بِالْقِيمَةِ (وَالْوَلَدُ وَلَدُ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ الْمُصَحِّحِ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا. وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَإِنْ كَانَا كَاتَبَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا لَمَّا عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تَصِيرُ كَأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ قِنَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. وَمِنْ الْعَجَائِبِ قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، إذْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ ضَمَانَ الْإِعْتَاقِ ضَمَانُ إفْسَادِ التَّمَلُّكِ لَا ضَمَانُ التَّمَلُّكِ، أَوْ لَمْ يَرَ قَوْلَ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ بِصَدَدِ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا أَوَّلًا كَانَ هَذَا ضَمَانَ إفْسَادِ الْمِلْكِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا قَوْلُهُمَا فِي الْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلُ بِأَسْرِهِ كَانَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مَعَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ فِيمَا قَبْلُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا تَمَلَّكَهَا أَحَدُهُمَا بِالِاسْتِيلَادِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ صَرَفَ الْقِيَاسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَعًا حَيْثُ قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَوْلُهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَدَلِ انْتَهَى. مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا سَيَأْتِي صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ هُنَاكَ فِي أَنْ يَضْمَنَ السَّاكِتُ الْمُعْتِقُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُكَاتَبًا إذَا كَانَ مُوسِرًا دُونَ الْأَقَلِّ مِنْهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَدَلِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي مَسْأَلَةِ إعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُكَاتَبَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَالْأُخْرَى مَا يُوَافِقُهُ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِيلَادِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ كَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ ضَمَانُ الْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، لَكِنَّ كَلَامَنَا فِي عَدَمِ مُسَاعِدَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَفْسِهِ لِصَرْفِ الْقِيَاسِ الَّذِي أَقْحَمَهُ فِي لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَاهُنَا إلَى قَوْلِهِمَا مَعًا. ثُمَّ أَقُولُ: الْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الِاسْتِيلَادِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ. وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيهِ فَعَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: يُرْشِدُكَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى قَطْعًا أُسْلُوبُ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِزِيَادَةِ لَفْظِ قِيَاسٍ فِي الْأَوَّلِ وَحَذْفِهِ فِي الثَّانِي تَدَبَّرْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَهَاهُنَا مَا بَقِيَتْ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَدَهَا الْأَوَّلُ مَلَكَ نِصْفَ شَرِيكِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِلْكٌ لِلْمُدَبَّرِ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ: أَنَّهُ

وَالْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الرُّجُوعِ وَفِي الْخِيَارَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ مَسْأَلَةُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَقَدْ قَرَرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ، فَأَمَّا قَبْلَ الْعَجْزِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا كَانَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَانَ أَثَرُهُ أَنْ يُجْعَلَ نَصِيبُ غَيْرِ الْمُعْتِقِ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ بِعِتْقِ الْكُلِّ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُكَاتَبًا إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَإِنْ شَاءَ الَّذِي دَبَّرَهُ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ وَيُسْتَسْعَى أَوْ يُعْتَقُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرِ فَيَثْبُتُ لَهُ خِيرَةُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، فَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَإِعْتَاقُهُ يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَلَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ صَادَفَ الْمُدَبَّرَ. ثُمَّ قِيلَ: قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ تُعْرَفُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَقِيلَ يَجِبُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ وَجْهَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِيمَا إذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَهُوَ أَنَّ حَقَّ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ وَفِي نِصْفِ الْبَدَلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ فَلِلتَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا يَجِبُ أَقَلُّهُمَا. وَهَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ مُتَمَشٍّ فِيمَا إذَا لَمْ يُبْقِ الْكِتَابَةَ لِأَنَّ كَوْنَ حَقِّ شَرِيكِهِ

زَهْوَ قِنٍّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: الْبَيْعُ وَأَشْبَاهُهُ، وَالِاسْتِخْدَامُ وَأَمْثَالُهُ، وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ، وَالْفَائِتُ الْبَيْعُ فَيَسْقُطُ الثُّلُثُ. وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، كَمَا إذَا غَصَبَ مُدَبَّرًا فَأَبَقَ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا كَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ، فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَقُ وَيُسْتَسْعَى (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَعِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ صَادَفَهُ التَّدْبِيرُ وَهُوَ قِنٌّ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَعَتَقَ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ وَهُوَ يَعْتَمِدُهُ (وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا) وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ فَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نِصْفِ الْبَدَلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ زَوَالِهَا فَيَصِيرُ مَا أَدَّتْهُ إلَى شَرِيكِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي كُلِّ مُكَاتَبٍ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ تَمَامِ الْبَدَلِ فَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ حَقُّ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا بِالِاتِّفَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.

[باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى]

[بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى] قَالَ (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمٍ نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْبِضُهُ أَوْ مَالٌ يَقْدُمُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْجَلْ بِتَعْجِيزِهِ وَانْتَظَرَ عَلَيْهِ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، وَالثَّلَاثُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَطَلَبَ الْمَوْلَى تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ رُدَّ فِي الرِّقِّ عَلَّقَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْقَاقٍ حَتَّى كَانَ أَحْسَنُهُ مُؤَجَّلَهُ وَحَالَةُ الْوُجُوبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ اسْتِيسَارًا، وَأَوْلَى الْمُدَدِ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ وَمَوْتِ الْمَوْلَى) تَأْخِيرُ بَابِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَكَذَا بَيَانُ أَحْكَامِهَا (قَوْلُهُ وَالثَّلَاثُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْمَدْيُونِ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى كَإِمْهَالِ. أَقُولُ: هَذَا بِحَسَبِ ظَاهِرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ قَطْعًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَدْيُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَصْمِ وَالْمَعْنَى وَكَإِمْهَالِ الْمَدْيُونِ لِأَجْلِ

وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الْعَجْزُ، لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ يَكُونُ أَعْجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى الْوُصُولُ إلَى الْمَالِ عِنْدَ حُلُولِ نَجْمٍ وَقَدْ فَاتَ فَيُفْسَخُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِدُونِهِ، بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا، وَالْآثَارُ مُتَعَارِضَةٌ، فَإِنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ مُكَاتَبَةً لَهُ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ فَرَدَّهَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا. قَالَ (فَإِنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ فَعَجَزَ فَرَدَّهُ مَوْلَاهُ بِرِضَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبِالْعُذْرِ أَوْلَى (وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الْعَجْزُ، لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ يَكُونُ أَعْجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمَيْنِ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ دَلِيلَهُمَا هَذَا لَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةِ إنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ آخِرِ النُّجُومِ الَّتِي تَوَافَقَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَدَّى سَائِرَ النُّجُومِ بِأَسْرِهَا، إذْ لَا يَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ سِوَى أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ نَجْمَانِ عِنْدَ إمْهَالِهِ مُدَّةَ نَجْمٍ فَيَكُونَ أَعْجَزَ عَنْ أَدَائِهِمَا بَلْ يَكُونَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يُؤَدِّيَ نَجْمًا وَاحِدًا فِي ضِعْفِ مُدَّتِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَيْسَرُ لَهُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْبِضُهُ أَوْ مَالٌ يَقْدُمُ عَلَيْهِ لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الشَّرْطِيَّةَ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ الشَّرْطِيَّةُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ مَوْصُولَةٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ يَكُونُ أَعْجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمَيْنِ خَبَرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ فَلَا شَرْطَ وَلَا جَزَاءَ فِي الْكَلَامِ حَتَّى تَكُونَ الْجُمْلَةُ شَرْطِيَّةً (قَوْلُهُ وَالْآثَارُ مُتَعَارِضَةٌ، فَإِنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ مُكَاتَبَةً لَهُ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ فَرَدَّهَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ أَبِي يُوسُفَ بِأَثَرِ عَلِيٍّ

قَالَ (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ) لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ (وَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَوْلَاهُ وَقَدْ زَالَ التَّوَقُّفُ. قَالَ (فَإِنْ مَاتَ الْمَكَاتِبُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ وَقَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَيَعْتِقُ أَوْلَادُهُ) وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تَرَكَهُ لِمَوْلَاهُ، وَإِمَامُهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَتَبْطُلُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الْمَمَاتِ مَقْصُودًا أَوْ يَثْبُتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الْأَثَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يُعَارِضُهُ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا: أَيْ بِالْآثَارِ لِلتَّعَارُضِ، لِأَنَّ الْآثَارَ إذَا تَعَارَضَتْ وَجُهِلَ التَّارِيخُ سَقَطَتْ فَيُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الْحُجَّةِ فَيَبْقَى مَا قَالَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ إلَخْ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَثْبُتُ الْفَسْخُ بِهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هُنَا إشْكَالٌ، لِأَنَّ مَا قَالَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ رَاجِعٌ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى مُقْتَضَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عِنْدَ بَيَانِ انْحِصَارِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمَعْقُولِ رَاجِعٌ إلَى الْقِيَاسِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْآثَارَ مُتَعَارِضَةٌ وَالتَّارِيخُ مَجْهُولٌ فَيُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَجْرِي فِي الْمَقَادِيرِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَقَادِيرِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالُوا: وَمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، لِأَنَّ مَا يَقُولُهُ الصَّحَابِيُّ مِنْ الْمَقَادِيرِ يُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ الْقِيَاسُ انْتَهَى. فَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَتَسَاقَطَتْ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ فِي الْمَقَادِيرِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَكَيْفَ يَنْتَهِضُ مَا قَالَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ الَّذِي مَرْجِعُهُ إلَى الْقِيَاسِ حُجَّةً لَهُمَا فِي إثْبَاتِ مَا ذَهَبَا إلَيْهِ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا. وَمَا تَرَكَهُ لِمَوْلَاهُ وَإِمَامُهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَتَبْطُلُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تَرَكَهُ فَلِمَوْلَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالْمَعْقُولِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَعِتْقُهُ بَاطِلٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا كَذَلِكَ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالْمَعْقُولِ إلَخْ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ لِدَلَالَتِهِ، عَلَى أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَثَرِ زَيْدٍ وَبِالْمَعْقُولِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةُ انْتَهَى. أَقُولُ: بَلْ هُوَ مُطَابِقٌ لِلْمَشْرُوحِ فَإِنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَاسْتَدَلَّ

قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مُسْتَنِدًا، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ، وَلَا إلَى الثَّالِثِ لِتَعَذُّرِ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ. وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْحَاجَةُ إلَى إبْقَاءِ الْعَقْدِ لِإِحْيَاءِ الْحَقِّ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى لَزِمَ الْعَقْدُ فِي جَانِبِهِ، وَالْمَوْتُ أَنَفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْهُ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْعَطْفِ أَيْضًا، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَعْنًى قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَأَنَّهُ قَالَ أَخَذَ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَاسْتَدَلَّ لِمُدَّعَاهُ بِالْمَعْقُولِ أَيْضًا، كَمَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكِتَابَةِ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِمَامُهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كَأَنَّهُ قَالَ لِأَثَرِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكِتَابَةِ إلَخْ، وَالْعَطْفُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى شَائِعٌ فِي كَلَامِ الثِّقَاتِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ كُتُبِ الْبَلَاغَةِ، فَتَطَابَقَ الشَّرْحُ وَالْمَشْرُوحُ فِي حَاصِلِ الْمَعْنَى كَمَا تَرَى، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ قَالَ: وَالْمُوَافِقُ لِلْمَشْرُوحِ فَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ لِأَنَّ الْعُقُودَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِأَحْكَامِهَا فَبُطْلَانُ الْحُكْمِ يَلْزَمُهُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ لِأَنَّهُ كَانَ مَدَارَ رَدِّهِ عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِعَدَمِ مُطَابِقَةِ شَرْحِهِ لِلْمَشْرُوحِ عَلَى تَحَقُّقِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ فِي الْمَشْرُوحِ وَعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الشَّرْحِ عَلَى زَعْمِهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ قَطُّ فَإِنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ الْعُقُودَ إلَخْ بِدُونِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ فَمَا مَعْنَى عَدَمِ مُطَابَقَةِ ذَلِكَ لِلْمَشْرُوحِ وَمُوَافَقَةِ هَذَا إيَّاهُ؟ وَأَيْضًا إنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ فَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ مِمَّا لَا مَحَلَّ لَهُ فِي الْمَشْرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ النَّاظِرِ فِي عِبَارَةِ الْمَشْرُوحِ (قَوْلُهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ بَلْ أَوْلَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ لَيْسَ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِ الْعَاقِدِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ دُونَ الْعَاقِدِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَاقِدِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْحَاجَةُ، وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَدْعَى مِنْ حَيْثُ الْمُقْتَضَى وَالْمَانِعُ إلَخْ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحَقُّقِ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ فِي جَانِبِ الْمَقِيسِ وَهُوَ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَا وَجْهَ لِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ مِنْ طَرَفِ الْخَصْمِ لَيْسَ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِ الْعَاقِدِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ دُونَ الْعَاقِدِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِمَنْعِ

فَيَنْزِلُ حَيًّا تَقْدِيرًا، أَوْ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ أَدَاءُ خَلَفِهِ كَأَدَائِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ عَلَى مَا عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنِ الْمُكَاتَبِ نَفْسِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ. وَبَيَانُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ سَلَامَةُ مَالِكِيَّةِ الْبَدَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي كَلَامِهِ هَذَا لِمَنْعِ ذَلِكَ قَطُّ وَلَا لِبَيَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَاذَا، فَلَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ هَذَا جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ، لِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَقْدِ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا يَحْتَمِلُ جَوَازَهُ بِكَوْنِ الْحَاجَةِ أَدْعَى إلَى إبْقَائِهِ بَعْدَ أَنْ هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، فَلَا تُفِيدُ الْمُقَدِّمَاتُ الْمَذْكُورَةُ هَاهُنَا شَيْئًا فِي دَفْعِ ذَلِكَ السُّؤَالِ أَصْلًا، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَدَحَ فِيمَا جَوَّزَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ كَوْنِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا جَوَابًا عَمَّا ذَكَرَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ كَوْنِ الْمُكَاتَبِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَلَامِ التَّنَزُّلِيِّ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَامٍّ لِأَنَّ كَوْنَ قَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ صَرِيحًا فِي عَدَمِ كَوْنِ الْمُكَاتَبِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُكَاتَبُ مَعَ كَوْنِهِ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ أَيْضًا لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي تَصْوِيرِ مَسْأَلَةِ كِتَابَةِ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَبْدٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ غَائِبٍ بِأَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ كَاتَبَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهُ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَعَدَمُ كَوْنِ الْمُكَاتَبِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ عِنْدَنَا لَا يَسْتَدْعِي عَدَمَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْخَصْمِ أَيْضًا، وَالسُّؤَالُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يُتَوَجَّهُ مِنْ قِبَلِ الْخَصْمِ. فَلَوْ قَصَدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَلْ أَوْلَى الْجَوَابَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ السَّابِقِ بَلْ يَكُونُ مُقَرَّرًا لَهُ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى التَّنَزُّلِ، بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ يَظْهَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ (قَوْلُهُ فَيَنْزِلُ حَيًّا تَقْدِيرًا أَوْ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ أَدَاءُ خَلَفِهِ كَأَدَائِهِ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ مِنْ التَّرْدِيدِ بِوَجْهَيْنِ ذَهَبَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ يَنْزِلَ حَيًّا تَقْدِيرًا كَمَا أَنْزَلْنَا الْمَيِّتَ حَيًّا فِي حَقِّ بَقَاءِ التَّرِكَةِ عَلَى مِلْكِهِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَفِي حَقِّ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ، وَكَمَا قَدَّرْنَا الْمَوْلَى حَيًّا وَمَالِكًا وَمُعْتِقًا فِي فَصْلِ مَوْتِ الْمَوْلَى. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ يَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِأَنْ تَسْتَنِدَ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَيُجْعَلُ أَدَاءُ خَلَفِهِ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ. هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا الْمَقَامِ. ثُمَّ أَقُولُ: مِنْ الْعَجَائِبِ هَاهُنَا أَنَّ صَاحِبَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ بَدَّلَ كَلِمَةَ أَوْ فِي أَوْ

وَتَرَكَ وَلَدًا مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ سَعَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ فَإِذَا أَدَّى حَكَمْنَا بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَعِتْقِ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةٍ وَكَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً (وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى فِي الْكِتَابَةِ قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ حَالَّةً أَوْ تُرَدَّ رَقِيقًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا يُؤَدِّيهِ إلَى أَجَلِهِ اعْتِبَارًا بِالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ يُكَاتِبُ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إعْتَاقَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَكْسَابِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ الْعَقْدَ وَلَا يَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهِ لِانْفِصَالِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَقْتَ الْكِتَابَةِ فَيَسْرِي الْحُكْمُ إلَيْهِ وَحَيْثُ دَخَلَ فِي حُكْمِهِ سَعَى فِي نُجُومِهِ (فَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ ابْنِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبِيهِ فِي الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ هَذَا حُرًّا يَرِثُ عَنْ حُرٍّ (وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُوَ وَابْنُهُ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ الْوَلَدَ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ تَبَعٌ لِأَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا جُعِلَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا حَكَمَ بِحُرِّيَّةِ الْأَبِ يَحْكُمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِكَلِمَةِ الْوَاوِ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ تَعْلِيلِ أَئِمَّتِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَنْزِلُ حَيًّا تَقْدِيرًا وَتَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ. وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَتَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ: هَذَا مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيلِ، فَمَنْ قَالَ أَوْ تَسْتَنِدُ فَقَطْ أَخْطَأَ انْتَهَى. وَفُسِّرَ الْقَائِلُ فِي حَاشِيَةٍ صُغْرَى بِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ أَنَّ الْمُخْطِئَ هُوَ هَذَا الْمُخَطِّئُ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كَلِمَةِ أَوْ هُوَ الْإِشَارَةُ إلَى الْمَسْلَكَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ الْمُسْتَقِلَّيْنِ فِي إثْبَاتِ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، فَحَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ تُذْكَرَ كَلِمَةُ أَوْ دُونَ كَلِمَةِ الْوَاوِ، وَلَعَلَّ مَنْشَأَ غَلَطِ ذَاكَ الْمُخَطِّئِ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَوْ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِ التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَخَطَّأَهُ بِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فَكَيْفَ يُعْطَفُ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ أَوْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَنْزِلُ حَيًّا تَقْدِيرًا، وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي إتْمَامِ التَّعْلِيلِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بَلْ فِيهِ تَرْبِيَةُ الْفَائِدَةِ بِتَوْسِيعِ الدَّائِرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهِ لِانْفِصَالِهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْبَحْثِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْرِ حُكْمُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ إلَيْهِ لَمَا دَخَلَ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ مِنْ بَابِ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لَمَا عَتَقَ عِنْدَهُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ حَالًّا، لَكِنَّهُ سَاقِطٌ بِوَجْهَيْهِ. أَمَّا سُقُوطُ وَجْهِهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ دُخُولَ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ لَيْسَ لِسِرَايَةِ حُكْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَمَوْلَاهُ إلَيْهِ، بَلْ يُجْعَلُ الْمُكَاتَبُ لِوَلَدِهِ بِاشْتِرَائِهِ إيَّاهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَمَا أَنَّ الْحُرَّ إذَا اشْتَرَى وَلَدَهُ يَصِيرُ مُعْتَقًا لَهُ بِالِاشْتِرَاءِ. وَأَمَّا سُقُوطُ وَجْهِ الثَّانِي فَلِأَنَّ عِتْقَ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَى عِنْدَهُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ حَالًّا لَيْسَ

قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ وَتَرَكَ دَيْنًا وَفَاءً بِمُكَاتَبَتِهِ فَجَنَى الْوَلَدُ فَقُضِيَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّتِهَا إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابِ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَ فَيَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرِّرُ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا (وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ) لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوَلَاءِ مَقْصُودًا، وَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا، فَإِنَّهَا إذَا فُسِخَتْ مَاتَ عَبْدًا وَاسْتَقَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَجْلِ السِّرَايَةِ أَيْضًا بَلْ لِصَيْرُورَةِ الْمُكَاتَبِ إذْ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِفَوَاتِ الْمَتْبُوعِ، وَلَكِنْ إذَا عَجَّلَ صَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ انْتَهَى فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ لَا حَاصِلَ لَهُ، لِأَنَّ الْفَرْقَ مُتَحَقِّقٌ بَيْنَ كُلِّ مَسْأَلَتَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ تَكُونَا مَسْأَلَتَيْنِ بَلْ صَارَتَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، فَكُلُّ مَسْأَلَتَيْنِ إذَا ذُكِرَتَا يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ عِلِّيَّةِ بَيَانِ الْفَرْقِ بِذِكْرِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ خَفِيٌّ فَكَانَ بَيَانُهُ أَهَمَّ فِيهِمَا وَلِهَذَا خَصَّ عَلِيَّتَهُ بِذِكْرِهِمَا. قُلْنَا: خَفَاءُ الْفَرْقِ مُتَحَقِّقٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَمْ يَتِمَّ وَجْهُ التَّخْصِيصِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ ذِكْرُهُمَا لِمُجَرَّدِ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَمَا اسْتَحَقَّتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لِلذِّكْرِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأُخْرَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ بِنَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ بِالذِّكْرِ وَالْبَيَانِ، وَعَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَفْهُومَيْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرٌ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَلِيَّتِهِمَا، وَبَيْنَ الْفَرْقِ بَيْنَ عَلِيَّتِهِمَا إنَّمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ أَنْفُسُهُمَا مَذْكُورَتَانِ فِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا بِدُونِ بَيَانِ الْعِلَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُمَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بَلْ كَانَ لِبَيَانِ حُكْمِهِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، وَيُفْهَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّتِهَا إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرَّرُ حُكْمُهُ لَا يَكُونَ تَعْجِيزًا) . قَالَ صَاحِبُ

الْوَلَاءُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَإِذَا بَقِيَتْ وَاتَّصَلَ بِهَا الْأَدَاءُ مَاتَ حُرًّا وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَهَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا كَانَ تَعْجِيزًا. قَالَ (وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى مَوْلَاهُ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ طَيِّبٌ لِلْمَوْلَى لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ) فَإِنَّ الْعَبْدَ يَتَمَلَّكُهُ صَدَقَةً وَالْمَوْلَى عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَاحَ لِلْغَنِيِّ وَالْهَاشِمِيِّ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ، وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَبَاحَ لِغَيْرِهِ لَا يَطِيبُ لَهُ وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ، وَلَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ لِأَنَّ بِالْعَجْزِ يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَجْزِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْمَوْلَى عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ، وَكُلُّ مَا يُقَرِّرُ شَيْئًا لَا يُبْطِلُهُ. أَمَّا أَنَّهُ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَسْتَلْزِمُ إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ الْمَكَاتِبُ فَيَنْجَرَّ وَلَاءُ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ إثْبَاتِهِ مِنْ الْأَبِ، حَتَّى لَوْ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ مِنْ إثْبَاتِهِ مِنْهُ، كَمَا إذَا أَكْذَبَ الْمُكَاتَبُ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ عَادَ النَّسَبُ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، فَكَانَ إيجَابُ الْعَقْلِ مِنْ لَوَازِمِهَا، وَثُبُوتُ اللَّازِمِ يُقَرِّرُ ثُبُوتَ مَلْزُومِهِ. وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُقَرِّرُ شَيْئًا لَا يُبْطِلُهُ فَلِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ نَوْعُ إشْكَالٍ عَلَى طَرِيقِ أَهْلِ الْمَعْقُولِ فَإِنَّ قَوْلَهُ ثُبُوتُ اللَّازِمِ يُقَرِّرُ ثُبُوتَ مَلْزُومِهِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ اللَّازِمِ ثُبُوتُ الْمَلْزُومِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اللَّازِمُ أَعَمَّ مِنْ الْمَلْزُومِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَحَقُّقَ الْعَامِّ لَا يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ الْخَاصِّ، وَالظَّاهِرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عُمُومُ اللَّازِمِ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَقْلِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ أَنْ يَقْضِيَ بِعَجْزِ الْمَكَاتِبِ كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ أَنْ يَبْقَى عَلَى كِتَابَتِهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ اللَّازِمَ هَاهُنَا لَيْسَ مُطْلَقَ إيجَابِ الْعَقْلِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ، بَلْ إيجَابُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ الْمَكَاتِبُ فَيَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ وَإِيجَابُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَازِمٌ مُسَاوٍ لِصُورَةِ إبْقَاءِ الْكِتَابَةِ، إذْ فِي صُورَةِ الْقَضَاءِ بِالْعَجْزِ يَنْتَفِي هَذَا اللَّازِمُ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ وَهُوَ احْتِمَالُ جَرِّ الْوَلَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَلَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَانِعَ أَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتَ هَذَا اللَّازِمِ الْمُقَيَّدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْقَضَاءُ بِمُوجِبِ جِنَايَةِ الْوَلَدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، فَلَا يَخْلُو التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ عَنْ نَوْعِ الْمُصَادَرَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى مَوْلَاهُ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ طَيِّبٌ لِلْوَلِيِّ لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ) وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ فِي الشَّرِيعَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مِلْكَ

لِأَنَّهُ لَا خُبْثَ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا الْخُبْثُ فِي فِعْلِ الْآخِذِ لِكَوْنِهِ إذْلَالًا بِهِ. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْغَنِيِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلِلْهَاشِمِيِّ لِزِيَادَةِ حُرْمَتِهِ وَالْأَخْذُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى فَصَارَ كَابْنِ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى وَطَنِهِ وَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَقَدْ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمَا مَا أَخَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ وَاسْتَغْنَى يَطِيبُ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّقَبَةِ كَانَ لِلْمَوْلَى فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ تَبَدُّلُ الْمِلْكِ؟ قُلْنَا: مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِلْمَوْلَى كَانَ مَغْلُوبًا فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْيَدِ لِلْمُكَاتَبِ، حَتَّى كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْمُكَاتَبَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ بِالْعَجْزِ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ، وَلَيْسَ هَذَا إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى كَذَا قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ. وَاعْتِرَاضُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ تَبَدُّلٌ، وَلَئِنْ كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِثْلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ اهـ. وَقَصَدَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ دَفْعَ ذَلِكَ فَقَالَ: قُلْت أَوَّلُ كَلَامِهِ مَنْعٌ مُجَرَّدٌ، وَالثَّانِي دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الْمَنْعَ الْمُجَرَّدَ وَالْمَنْعَ مَعَ السَّنَدِ كِلَاهُمَا مِنْ دَأْبِ الْمُنَاظِرِينَ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ، فَلَا يُفِيدُ قَوْلُهُ أَوَّلَ كَلَامِهِ مَنْعٌ مُجَرَّدٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالثَّانِي دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ فَفَاسِدٌ، إذْ لَا دَعْوَى لَهُ فِي الثَّانِي بَلْ هُوَ أَيْضًا مَنْعٌ مَحْضٌ كَمَا تَرَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْبُرْهَانُ، وَالصَّوَابُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: أَنَّ مَنْعَ التَّبَدُّلِ مُكَابَرَةٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الِانْعِكَاسَ يَقْتَضِي التَّبَدُّلَ بَلْ هُوَ عَيْنُ التَّبَدُّلِ، وَإِنَّ مَنْعَ كَوْنِ مِثْلِ هَذَا التَّبَدُّلِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ سَاقِطٌ، لِأَنَّ كَوْنَهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، وَكَوْنُهُ بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَلَا مَجَالَ لِمَنْعِهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ يَدٍ قَبْلَ الْعَجْزِ وَحَصَلَ بِهِ فَكَانَ تَبَدُّلًا اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ يَدٍ فَلَهُ مِلْكُ رَقَبَةٍ. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا كَلَامُ لَغْوٍ، إذْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ رَقَبَةٍ قَبْلَ الْعَجْزِ لَا يُنَافِي تَحَقُّقَ التَّبَدُّلِ بِالنَّظَرِ إلَى مِلْكِ الْيَدِ، وَهُوَ كَافٍ فِي كَوْنِ مَا أُدِّيَ إلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الصَّدَقَاتِ طَيِّبًا لِلْمَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَالصَّوَابُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَآلِ عَيْنُ الْجَوَابِ الَّذِي اخْتَارَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ، وَأَوْرَدَ هُوَ النَّظَرَ عَلَيْهِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ الْجَوَابِ مِنْ الْمَزِيَّةِ وَهِيَ الْإِشَارَةُ إلَى وَجْهِ اعْتِبَارِهِمْ تَبَدُّلَ مِلْكِ الْيَدِ دُونَ بَقَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ بِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مَغْلُوبٌ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْيَدِ، فَكَانَ اعْتِبَارُ حَالِ الْغَالِبِ وَهِيَ التَّبَدُّلُ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الْمَغْلُوبِ وَهِيَ الْبَقَاءُ فَلَا وَجْهَ لِإِيرَادِ النَّظَرِ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ، وَذَكَرَ هَذَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَادِّعَاءُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا خُبْثَ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا الْخُبْثُ فِي فِعْلِ الْآخِذِ، إلَى قَوْلِهِ: وَالْأَخْذُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى) .

الصَّدَقَةِ فِي يَدِهِ. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَكَاتَبَهُ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ عَجَزَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَوْ يَفْدِي) لِأَنَّ هَذَا مُوجِبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ حَتَّى يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إلَّا أَنَّ الْكِتَابَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الدَّفْعِ، فَإِذَا زَالَ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ (وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ حَتَّى عَجَزَ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ (وَإِنْ قَضَى بِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ دَيْنٌ يُبَاعُ فِيهِ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْجِنَايَةِ، فَكَمَا وَقَعَتْ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقِيمَةِ كَمَا فِي جِنَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ أَبَاحَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَطِيبَ لَهُمَا عِنْدَهُ إذْ لَا أَخْذَ مِنْهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. أَقُولُ: إنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ يَدِ الْمُتَصَدِّقِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ يَدِ الْفَقِيرِ حَيْثُ تَنَاوَلَا مَا كَانَ فِي يَدِهِ وَمِلْكِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِمَا هُنَاكَ سَبَبُ الْخُبْثِ، إذْ لَا فَرْقَ فِي إيرَاثِ الْخُبْثِ بَيْنَ أَخْذٍ مِنْ وَاحِدٍ وَأَخْذٍ مِنْ آخَرَ إذَا وُجِدَ الْإِذْلَالُ بِالْأَخْذِ، بِخِلَافِ الْمَوْلَى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْأَخْذُ لَا مِنْ يَدِ الْمُتَصَدِّقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا مِنْ يَدِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ أَكْسَابَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَبِالْعَجْزِ لَا يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ فَلَا يُوجَدُ مِنْهُ الْأَخْذُ بَلْ يَبْقَى مِلْكُهُ فِي يَدِهِ عَلَى حَالِهِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَشْبِيهُهُ بِابْنِ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى وَطَنِهِ وَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَقَدْ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمَا مَا أَخَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ. فَإِنْ قُلْت: لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ مِلْكُ الْيَدِ قَبْلَ الْعَجْزِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ مَنْعُ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا فِي يَدِهِ، فَبِالْعَجْزِ انْتَقَلَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَى الْمَوْلَى فَوُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى الْأَخْذُ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. قُلْت: ذَاكَ الِانْتِقَالُ ضَرُورِيٌّ وَالْأَخْذُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ أَخْذًا، وَلَوْ سُلِّمَ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ أَخْذًا فَاللَّازِمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَخْذُ الْمَوْلَى مِلْكَ نَفْسِهِ مِنْ يَدِ عَبْدِهِ، وَاَلَّذِي كَانَ سَبَبًا لِلْخُبْثِ إنَّمَا هُوَ أَخْذُ مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ يَدِهِ

الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَانِعَ قَابِلٌ لِلزَّوَالِ لِلتَّرَدُّدِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ فِي الْحَالِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى الْقَضَاءِ لِتَرَدُّدِهِ وَاحْتِمَالِ عَوْدِهِ، كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الزَّوَالَ بِحَالٍ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى الْمَكَاتِبُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ) كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ، إذْ الْكِتَابَةُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَسَبَبُ حَقِّ الْمَرْءِ حَقُّهُ (وَقِيلَ لَهُ أَدِّ الْمَالَ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى عَلَى نُجُومِهِ) لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ كَذَلِكَ فَيَبْقَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ، إلَّا أَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ إبَاحَةِ الْفَقِيرِ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَانِعَ قَابِلٌ لِلزَّوَالِ لِتَرَدُّدِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ فِي الْحَالِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ فِي الْحَالِ مُتَنَازَعٌ فِيهِ، لِأَنَّ مَذْهَبَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ تَصِيرُ مَالًا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ فَمَا وَجْهُ

فِي الِاسْتِيفَاءِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ لَا يَمْلِكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَذَا بِسَبَبِ الْوِرَاثَةِ. وَإِنْ أَعْتَقُوهُ جَمِيعًا عَتَقَ وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ، وَإِذَا بَرِئَ الْمُكَاتَبُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يُعْتَقُ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ مَوْلَاهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَا يَصِيرُ إبْرَاءً عَنْ نَصِيبِهِ، لِأَنَّا نَجْعَلُهُ إبْرَاءَ اقْتِضَاءٍ تَصْحِيحًا لِعِتْقِهِ. وَالْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ بِإِبْرَاءِ الْبَعْضِ أَوْ أَدَائِهِ فِي الْمُكَاتَبِ لَا فِي بَعْضِهِ وَلَا فِي كُلِّهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إبْرَاءِ الْكُلِّ لِحَقِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْذِهِ فِي الدَّلِيلِ؟ قُلْنَا ظُهُورُهُ، فَإِنَّ التَّرَدُّدَ فِي زَوَالِ الْمَانِعِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ لِإِمْكَانِ عَوْدِ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرَدُّدِ فِي زَوَالِ الْمَانِعِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ، كَيْفَ وَهَذَا التَّرَدُّدُ مُتَحَقِّقٌ فِيمَا إذَا عَجَزَ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَيْضًا مَعَ ثُبُوتِ الِانْتِقَالِ هُنَاكَ بِالِاتِّفَاقِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَمْنَعَ هَاهُنَا أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا؟ فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ الظُّهُورُ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرَدُّدِ فِي زَوَالِ الْمَانِعِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ فِي الْحَالِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ فِي الْحَالِ مُسْتَدْرَكًا بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّ الْمَانِعَ قَابِلٌ لِلزَّوَالِ لِلتَّرَدُّدِ، أَوْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ فَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ فِي الْحَالِ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ قَالَ: وَلَمَّا كَانَ الْمَانِعُ مُتَرَدِّدًا لَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا. (كِتَابُ الْوَلَاءِ) أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ التَّكَاتُبِ بِزَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ آثَارِ الْإِعْتَاقِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ مُوجِبَاتِ تَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ سَاقَتْ التَّكَاتُبَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُ كِتَابِ الْوَلَاءِ عَنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْأَثَرُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ، ثُمَّ إنَّ الْوَلَاءَ لُغَةً مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَحُصُولُ الثَّانِي بَعْدَ

[كتاب الولاء]

[كِتَابُ الْوَلَاءِ] ِ الْوَلَاءُ نَوْعَانِ: وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَيُسَمَّى وَلَاءَ نِعْمَةٍ. وَسَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مُلْكِهِ فِي الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَرِيبُهُ عَلَيْهِ بِالْوِرَاثَةِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ. وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ، وَسَبَبُهُ الْعَقْدُ وَلِهَذَا يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيُسَمَّى وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بِهِ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَهُوَ الْإِرْثُ يَقْرُبُ وَيَحْصُلُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقِيلَ الْوَلَاءُ وَالْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ فِي الشَّرْعِ بِوَلَاءِ الْعِتْقِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ. فَالْوَلَاءُ شَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَطْلُوبُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّنَاصُرُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَقُولُ: فِيهِ فُتُورٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلِيَّ صِفَةُ الثَّانِي مِنْ الْمُتَقَارِبَيْنِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُ وَحُصُولُ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَهُوَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ صِفَةُ حُكْمِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ لَا صِفَةُ أَنْفُسِهِمَا فَكَيْفَ نُحْسِنُ تَسْمِيَتَهُمَا بِمَا لَا يَقُومُ مَعْنَى مَأْخَذِ اشْتِقَاقِهِ بِهِمَا بَلْ بِمَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُمَا وَهُوَ حُكْمُهُمَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّنَاصُرُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ التَّنَاصُرِ غَيْرَهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا، إذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَفْسَهُ بَلْ يَكُونُ أَمْرًا مُغَايِرًا لَهُ، إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الشَّيْءِ وَسِيلَةً إلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاسْتِشْهَادُ عَلَى كَوْنِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةً عَنْ التَّنَاصُرِ بِأَنْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَطْلُوبُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّنَاصُرُ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: الْوَلَاءُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَحُصُولُ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَنَاصُرٍ يُوجِبُ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ الْمُشْتَقَّ مِنْ الْوَلْيِ الَّذِي هُوَ الْقُرْبُ لَا يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ النُّصْرَةِ وَالْمَحَبَّةِ بَلْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ الْقَرَابَةِ، لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ أَنْ تَجِدَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَنَاسُبًا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَلَا تَنَاسُبَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الْوَلْيِ الَّذِي مَعْنَاهُ الْقُرْبُ وَبَيْنَ الْوَلَاءِ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَإِنَّمَا التَّنَاسُبُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بَيْنَ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الْقُرْبِ وَبَيْنَ الْوَلَاءِ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ: هُوَ مِنْ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الْقُرْبِ، وَيُقَالُ بَيْنَهُمَا وَلَاءٌ: أَيْ قَرَابَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» أَيْ وَصْلَةٌ كَوَصْلَةِ النَّسَبِ اهـ. فَالْوَلَاءُ الَّذِي يَكُونُ عِبَارَةٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَالْمَحَبَّةِ إنَّمَا يُشْتَقُّ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَ بَيَانِ كَوْنِ الْوَلَاءِ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقًّا مِنْ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الْقُرْبِ: وَقِيلَ الْوَلَاءُ وَالْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ فِي الشَّرْعِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ: هُوَ مِنْ الْوَلْيِ فَهُوَ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ الْمُوَالَاةِ. ثُمَّ قَالَ: أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ فِي الشَّرْعِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ الْوَلَاءُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ خَلْطٌ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ وَإِخْلَالٌ بِحَقِّ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَسَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَرِيبُهُ عَلَيْهِ بِالْوِرَاثَةِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ سَبَبُهُ الْإِعْتَاقُ وَيَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَلَا

سَبَبِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا التَّنَاصُرُ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَتَنَاصَرُ بِأَشْيَاءَ، وَقَرَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَاصُرَهُمْ بِالْوَلَاءِ بِنَوْعَيْهِ فَقَالَ: «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَحَلِيفُهُمْ مِنْهُمْ» وَالْمُرَادُ بِالْحَلِيفِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَكِّدُونَ الْمُوَالَاةَ بِالْحِلْفِ. قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مَمْلُوكَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِقَوْلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQإعْتَاقَ هُنَاكَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَالْمُرَادُ أَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ بِسَبَبِ الْعِتْقِ لَا بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ، فَإِنَّ فِي الْإِعْتَاقِ عِتْقًا بِدُونِ الْعَكْسِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ هَاهُنَا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا سَبَبُ ثُبُوتِهِ فَالْعِتْقُ سَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ حَاصِلًا بِصُنْعِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ أَوْ مَا يَجْرِي مُجْرَى الْإِعْتَاقِ شَرْعًا كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ، وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ تَطَوُّعًا أَوْ عَنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ بَدَلٍ أَوْ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ صَرِيحًا أَوْ يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ أَوْ كِنَايَةً أَوْ يَجْرِي مَجْرَى الْكِنَايَةِ، وَكَذَا الْعِتْقُ الْحَاصِلُ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْبَدَائِعِ. أَقُولُ: كَوْنُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا فِي حَقِّ الصُّوَرِ الْمَزْبُورَةِ كُلِّهَا مَحَلُّ نَظَرٍ، فَإِنَّ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ الْعِتْقُ حَاصِلًا بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا وَرِثَ قَرِيبَهُ لَا يُوجَدُ الْإِعْتَاقُ فَلَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا التَّنَاصُرُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا التَّنَاصُرُ بَيَانُ مَفْهُومِهِمَا الشَّرْعِيِّ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَيْسَ مَفْهُومُهُمَا الشَّرْعِيُّ مُطْلَقَ التَّنَاصُرِ، بَلْ تَنَاصُرٌ يُوجِبُ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ وَغَيْرُهُ، وَبِهَذَا الْخُصُوصِ يَمْتَازُ مَفْهُومُهُمَا الشَّرْعِيُّ عَنْ مَفْهُومِهِمَا اللُّغَوِيِّ كَمَا عَرَفْت، فَلَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ بَيَانَ مَفْهُومِهِمَا الشَّرْعِيِّ لَمَا أَطْلَقَ التَّنَاصُرَ بَلْ خَصَّصَهُ بِمَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهِمَا الشَّرْعِيِّ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ بَيَانَ مَفْهُومِهِمَا لُغَوِيًّا كَانَ أَوْ شَرْعِيًّا لَقَالَ وَمَعْنَاهُمَا التَّنَاصُرُ دُونَ أَنْ يَقُولَ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا التَّنَاصُرُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ. وَالْحَقُّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ بَيَانُ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا لَا بَيَانُ مَفْهُومِهِمَا، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي بَدَلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا التَّنَاصُرُ، وَالْمَطْلُوبُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّنَاصُرُ كَمَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ تَدَبَّرْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مَمْلُوكَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبْ عَلَيْكَ أَنَّ حَلَّ هَذَا الْمَحَلِّ بِهَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ لَا بَيَانُ عِلَّةِ الْوَلَاءِ، وَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يُفِيدُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ هَاهُنَا هُوَ أَنَّ لَامَ الْجِنْسِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " الْوَلَاءُ " وَلَامَ الِاخْتِصَاصِ فِي قَوْلِهِ " لِمَنْ أَعْتَقَ " تَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ جِنْسَ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] دَلَّ بِلَامَيْ الْجِنْسِ وَالِاخْتِصَاصِ عَلَى اخْتِصَاصِ جِنْسِ الْمَحَامِدِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ:

وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِهِ فَيَعْقِلُهُ وَقَدْ أَحْيَاهُ مَعْنًى بِإِزَالَةِ الرِّقِّ عَنْهُ فَيَرِثُهُ وَيَصِيرُ الْوَلَاءُ كَالْوِلَادِ، وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ تَعْتِقُ لِمَا رَوَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُنَاقِضُ جَعْلَ الْعِتْقِ سَبَبًا لِأَنَّ أَعْتَقَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْإِعْتَاقِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاشْتِقَاقِ هُوَ مَصْدَرُ الثُّلَاثِيِّ وَهُوَ الْعِتْقُ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي جَوَابِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ كَوْنَ مَصْدَرِ الثُّلَاثِيِّ أَصْلًا فِي الِاشْتِقَاقِ لَا يَسْتَدْعِي كَوْنَهُ أَصْلًا فِي الْعِلِّيَّةِ لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ مَصَادِرِ الْمَزِيدَاتِ يَصْلُحُ عِلَّةً لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ مَصَادِرُ الثُّلَاثِيِّ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ مَثَلًا يَكُونُ عِلَّةً لِلْعِتْقِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ، وَمَدَارُ السُّؤَالِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فَلَا يَدْفَعُهُ الْجَوَابُ الْمَزْبُورُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِهِ فَيَعْقِلُهُ وَقَدْ أَحْيَاهُ مَعْنًى بِإِزَالَةِ الرِّقِّ عَنْهُ فَيَرِثُهُ وَيَصِيرُ الْوَلَاءُ كَالْوِلَادِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِهِ: أَيْ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَثَرَيْنِ الثَّابِتَيْنِ بِهِ وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْمِيرَاثُ، وَتَقْرِيرُهُ الْمَوْلَى يَنْتَصِرُ بِمَوْلَاهُ بِسَبَبِ الْعِتْقِ، وَمَنْ يَنْتَصِرُ بِشَخْصٍ يَعْقِلُهُ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ فَحَيْثُ يَغْنَمُ بِنَصْرِهِ يَغْنَمُ عَقْلَهُ، وَالْمَوْلَى أَحْيَاهُ مَعْنًى بِإِزَالَةِ الرِّقِّ عَنْهُ لِأَنَّ الرَّقِيقَ هَالِكٌ حُكْمًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِالْإِحْيَاءِ نَحْوِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى الْعِيدَيْنِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَبِالْإِعْتَاقِ تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي حَقِّهِ فَكَانَ إحْيَاءً مَعْنًى، وَمَنْ أَحْيَا غَيْرَهُ مَعْنًى وَرِثَهُ كَالْوَالِدِ فَيَصِيرُ الْوَلَاءُ كَالْوِلَادِ وَالْوِلَادُ يُوجِبُ الْإِرْثَ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي أَوَائِلِ تَقْرِيرِهِ الدَّلِيلَ خَلَلٌ، لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ النَّصْرَ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى بِمَعْنَى الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ، وَالِانْتِصَارَ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى بِمَعْنَى الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ فِي بَسْطِ كَلَامِهِ سِيَّمَا فِي قَوْلِهِ فَحَيْثُ يَغْنَمُ بِنَصْرِهِ يَغْرَمُ عَقْلَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ، إذْ الْمُعْتَقُ بِالْفَتْحِ يَنْتَصِرُ بِنَصْرِ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ حَيْثُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ بِسَبَبِ إعْتَاقِ ذَلِكَ إيَّاهُ فَهُوَ الْغَانِمُ، وَأَيْضًا قَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ يَنْتَصِرُ بِشَخْصٍ يَعْقِلُهُ بِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ رَجَعَ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَعْقِلُهُ إلَى مَنْ يَنْتَصِرُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سَوْقِ كَلَامِهِ لَمْ يَصِحَّ الْمُدَّعَى فِي نَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُطَابِقُهُ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ. أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْمُدَّعَى فِي نَفْسِهِ فَلِأَنَّ الْعَاقِلَ فِي الشَّرْعِ هُوَ النَّاصِرُ لَا الْمُنْتَصِرُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا عَدَمُ مُطَابَقَةِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إيَّاهُ فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى حِينَئِذٍ وُجُوبُ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ الْغُرْمُ بِالِانْتِصَارِ الَّذِي هُوَ الْغُنْمُ، وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يُفِيدُ عَكْسَ ذَلِكَ، فَالدَّلِيلُ الْمُطَابِقُ لَهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَ وَهُوَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ كَمَا هُوَ نَظْمُ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَرَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا فِي بَابِ النَّفَقَةِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ رَجَعَ ذَلِكَ الضَّمِيرُ إلَى شَخْصٍ فِي قَوْلِهِ مَنْ يَنْتَصِرُ بِشَخْصٍ لَمْ يَصِحَّ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ أَصْلًا لِأَنَّ الْغَانِمَ هُوَ الْمُنْتَصِرُ بِشَخْصٍ وَالْغَارِمُ وَهُوَ ذَلِكَ الشَّخْصُ النَّاصِرُ. فَلَمْ يَجْتَمِعْ الْغُنْمُ وَالْغُرْمُ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ غُنْمَ شَخْصٍ لَا يَصِيرُ سَبَبًا لِغُرْمِ شَخْصٍ آخَرَ وَلَا الْعَكْسُ. ثُمَّ أَقُولُ: الصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِهِ فَيَعْقِلُهُ هُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ بِالْفَتْحِ يَنْتَصِرُ بِنَصْرِ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ بِسَبَبِ إعْتَاقِهِ إيَّاهُ فَيَعْقِلُهُ: أَيْ فَيَعْقِلُ الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ الْمُعْتَقَ بِالْفَتْحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَدَارَ الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ نَاصِرًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ حَيْثُ صَرَّحُوا فِيهِ بِأَنَّ وَجْهَ ضَمِّ الْعَاقِلَةِ إلَى الْجَانِي فِي الدِّيَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ هُوَ أَنَّ الْجَانِيَ إنَّمَا قَصْرُ الْقُوَّةِ فِيهِ وَتِلْكَ بِأَنْصَارِهِ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَكَانُوا هُمْ الْمُقَصِّرِينَ فِي تَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ فَخُصُّوا بِالضَّمِّ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ يَخْدُمُ الْوَجْهَيْنِ فَلِهَذَا أَخَّرَهُ اهـ.

«وَمَاتَ مُعْتَقٌ لِابْنَةِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهَا وَعَنْ بِنْتٍ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» . وَيُسْتَوَى فِيهِ الْإِعْتَاقُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ سَائِبَةٌ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ (وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِمَا بَاشَرَ مِنْ السَّبَبِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمُكَاتَبِ (وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ كَفِعْلِهِ وَالتَّرِكَةُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ (وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ (وَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْعِتْقُ عَلَيْهِ (وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا، وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا) لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ مَقْصُودًا إذْ هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا يَقْبَلُ الْإِعْتَاقَ مَقْصُودًا فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ عَنْهُ عَمَلًا بِمَا رَوَيْنَا (وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ (أَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ يَتَعَلَّقَانِ مَعًا. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَالَتْ رَجُلًا وَهِيَ حُبْلَى وَالزَّوْجُ وَالَى غَيْرَهُ حَيْثُ يَكُونُ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ لِأَنَّ الْجَنِينَ غَيْرُ قَابِلٍ لِهَذَا الْوَلَاءِ مَقْصُودًا، لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: يُرِيدُ بِالْوَجْهَيْنِ الْعَقْلَ وَالْإِرْثَ لَكِنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنْ يَعْقِلَ الْمُعْتِقُ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْغُرْمِ بِالْغُنْمِ لَا كَوْنُ الْغُنْمِ بِالْغُرْمِ، وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا هُوَ الثَّانِي فَكَيْفَ يَخْدُمُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِهِ فَيَعْقِلُهُ مَبْنِيًّا عَلَى كَوْنِ الْغُنْمِ بِالْغُرْمِ كَمَا عَرَفْت فَكَيْفَ يَنْتَظِمُ حِينَئِذٍ وَاوُ الْعَطْفِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّا لَوْ جَعَلْنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ دَلِيلٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا آلَ الْمَعْنَى إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَعْقِلُهُ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ، وَإِنَّمَا يَرِثُهُ لِأَنَّهُ يَعْقِلُهُ فَأَدَّى إلَى الدَّوْرِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ دَلِيلٌ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَطْ وَهُوَ الْإِرْثُ مَعْطُوفٌ بِحَسَبِ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ أَحْيَاهُ مَعْنًى بِإِزَالَةِ الرِّقِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ مَعْنًى بِإِزَالَةِ الرِّقِّ عَنْهُ فَيَرِثُهُ، وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ فَحَيْثُ يَغْرَمُ عَقْلَهُ يَرِثُ مَالَهُ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا سَيَأْتِي وَمَاتَ مُعْتَقٌ لِابْنَةِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا مَعْنًى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ وَغَيْرُهُ هُنَاكَ، وَنَظَائِرُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا، وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ مَقْصُودًا فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ عَنْهُ عَمَلًا بِمَا رَوَيْنَا. وَقَالَ الشُّرَّاحُ: إنَّمَا صَارَ الْحَمْلُ مُعْتَقًا مَقْصُودًا لِأَنَّ الْمَوْلَى قَصَدَ إعْتَاقَ الْأُمِّ وَالْقَصْدُ إلَيْهَا بِالْإِعْتَاقِ قَصْدٌ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَالْحَمْلُ جُزْءٌ مِنْهَا فَصَارَ مُعْتَقًا مَقْصُودًا اهـ. أَقُولُ: يَرَى الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرُوا هَاهُنَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ

قَالَ (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدًا فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ) لِأَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِاتِّصَالِهِ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الْوَلَاءِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِقِيَامِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى يَعْتِقَ مَقْصُودًا (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ وَانْتَقَلَ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ هَاهُنَا فِي الْوَلَدِ يَثْبُتُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» ثُمَّ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ وَالنِّسْبَةُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ كَانَتْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَبِ ضَرُورَةً، فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ؛ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ضَرُورَةً، فَإِذَا أَكَذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ حَيْثُ يَكُونُ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِالشَّكِّ فَأُسْنِدَ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فَعَتَقَ مَقْصُودًا (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنْ يَصِيرَ الْحَمْلُ مُعْتَقًا تَبَعًا أَلْبَتَّةَ لَا مَقْصُودًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ وَانْتَقَلَ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ) قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ قِيلَ: الْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَكَذَا الْوَلَاءُ يَجِبُ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ، وَلَكِنْ حَدَثَ وَلَاءٌ أَوْلَى مِنْهُ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ كَمَا نَقُولُ فِي الْأَخِ إنَّهُ عَصَبَةٌ فَإِذَا حَدَثَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْإِرْثِ لَا يُبْطِلُ تَعْصِيبَهُ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ اهـ. وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا هَذَا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي نَصْرٍ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْوَلَاءُ بَلْ قُدِّمَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْإِرْثِ لَزِمَ أَنْ تَرِثَ مَوَالِي الْأُمِّ عِنْدَ انْقِطَاعِ مَوَالِي الْأَبِ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْ مَوَالِيهَا إلَى مَوَالِيهِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْعَصَبَةِ الْأَدْنَى عِنْدَ انْقِطَاعِ الْعَصَبَةِ الْأَوْلَى مِنْهُ كَالْأَخِ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ وَالْأَبِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ أَنْ يَرِثَ مَوَالِي الْأُمِّ بِالْوَلَاءِ فِي حَالٍ بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ عَنْهُمْ الْوَلَاءُ بِالْجَرِّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ إلَخْ) . قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا إلَخْ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ: يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ أُعْتِقَ الْأَبُ يَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ حَيْثُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَلْ يَكُونُ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي أُمِّهِ

وَإِذَا تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةً بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ) لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا تَبَعًا لِأُمِّهِمْ وَلَا عَاقِلَةَ لِأَبِيهِمْ وَلَا مَوْلَى، فَأُلْحِقُوا بِمَوَالِي الْأُمِّ ضَرُورَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ إلَى نَفْسِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا عَقَلُوا) لِأَنَّهُمْ حِينَ عَقَلُوهُ كَانَ الْوَلَاءُ ثَابِتًا لَهُمْ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَبِ مَقْصُودًا لِأَنَّ سَبَبَهُ مَقْصُودٌ وَهُوَ الْعِتْقُ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ حَيْثُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَكَانُوا مَجْبُورِينَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبَ لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ. أَمَّا إذَا كَانَ بَائِنًا فَلِحُرْمَةِ الْوَطْءِ بَعْدَهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَلِئَلَّا يَصِيرَ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ فَأُسْنِدَ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْحَمْلُ مَوْجُودًا عِنْدَ إعْتَاقِ الْأُمِّ فَعَتَقَ مَقْصُودًا فَلَا يَنْتَقِلُ انْتَهَى. وَأَدَّى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا هَذَا الْمَعْنَى وَلَكِنْ بِطَرِيقِ النَّقْضِ، وَالْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: وَنُوقِضَ قَوْلُهُ فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ بِمَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ بِأَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ امْرَأَةَ مُكَاتَبٍ فَمَاتَ عَنْ وَفَاءٍ أَوْ أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ حَيْثُ يَكُونُ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُمْ وَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَوْدَ إلَيْهِ بِعَوْدِ الْأَهْلِيَّةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا الْعِتْقِ لِلْأَبِ أَهْلِيَّةٌ لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ، لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ فَيَحْتَاجَ إلَى إثْبَاتِهَا لِيَثْبُتَ النَّسَبُ، وَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ أُسْنِدَ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فَعَتَقَ مَقْصُودًا، وَمَنْ عَتَقَ مَقْصُودًا لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَدَارُ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ إلَخْ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ، لَكِنَّهُ مَحَلُّ بَحْث، فَإِنَّ الْعَوْدَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ أَوَّلًا لِمَوَالِي الْأُمِّ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِصَيْرُورَتِهِ أَهْلًا، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ عِتْقُ الْأُمِّ عَلَى عِتْقِ الْأَبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِتْقَ الْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى عِتْقِ الْأُمِّ فِي صُورَةِ إنْ عَتَقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ، إذْ لَا مَجَالَ لِإِحْدَاثِ الْعِتْقِ فِي الْمَيِّتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي هَاتِيكَ الصُّورَةِ الْعَوْدُ أَصْلًا فَلَا يُتَوَهَّمُ بِهَا النَّقْضُ رَأْسًا عَلَى قَوْلِهِ فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا مِسَاسَ لِتِلْكَ الصُّورَةِ أَصْلًا بِمَسْأَلَةِ انْتِقَالِ الْوَلَاءِ بِالْجَرِّ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ هُنَاكَ أَنْ يَقَعَ عِتْقُ الْأَبِ بَعْدَ عِتْقِ الْأُمِّ فَتَصِيرَ مَظِنَّةَ النَّقْضِ بِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ جَرِّ الْوَلَاءِ فَيَحْسُنُ تَدَارُكُ دَفْعِهِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَدَارَكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ رَبْطَ الصُّورَةِ الْأُولَى أَيْضًا بِمَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ قَالَ فِي تَصْوِيرِهَا: بِأَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ امْرَأَةَ مُكَاتَبٍ فَمَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَأَدَّى إلَى تَأَخُّرِ عِتْقِ الْأَبِ عَنْ عِتْقِ الْأُمِّ. قُلْت: لَا يَتَيَسَّرُ التَّأَخُّرُ فِيمَا قَالَهُ أَيْضًا، إذْ قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ فِي الْمُكَاتَبِ الَّذِي مَاتَ عَنْ وَفَاءِ قَوْلَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ أَنَّهُ يُعْتَقُ فِي آخِرِ

ذَلِكَ فَيَرْجِعُونَ. قَالَ (مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا) فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــQجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ تَقَدُّمُ عِتْقِ الْأَبِ عَلَى عِتْقِ الْأُمِّ فِيمَا صَوَّرَهُ أَيْضًا. وَثَانِيهِمَا مَذْهَبُ الْبَعْضِ وَهُوَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْزِلَ حَيًّا تَقْدِيرًا فِي حَقِّ الْأَدَاءِ كَمَا يَنْزِلُ الْمَيِّتُ حَيًّا فِي حَقِّ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ، فَعَلَى هَذَا أَنَّ اللَّازِمَ فِيمَا صَوَّرَهُ أَيْضًا اعْتِبَارُ عِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا اعْتِبَارُ عِتْقِهِ بَعْدَ عِتْقِ امْرَأَتِهِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ مَوْتِهِ حَتَّى يَتَأَخَّرَ عِتْقُهَا عَنْ عِتْقِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ تَحَقُّقُ الْأَدَاءِ عَمَّا تَرَكَهُ الْمُكَاتَبُ وَفَاءً بَعْدَمَا أُعْتِقَتْ امْرَأَتُهُ وَيُعْتَبَرُ عِتْقُهُ حِينَ تَحَقُّقِ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَعْضِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] أَيْ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ، فَصَارَ هَذَا الْوَلَدُ كَأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ فَيُنْسَبُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ ضَرُورَةً، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هَاهُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْعَبْدِ هَالِكًا مَعْنَى أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الرِّقَّ مِنْ أَثَرِ الْكُفْرِ، وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُجَرَّدَ مَوْتِ الْأَبِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِمَوَالِيهِ، بَلْ إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الْوَلَاءِ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، إذْ عِنْدَ حَيَاتِهِ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ مَجْهُولِ الْأُبُوَّةِ وَأَنَّ وَلَدَهُ فِي حُكْمِ مَجْهُولِ النَّسَبِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَصَارَ هَذَا الْوَلَدُ كَأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ يُتَّجَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَرِثَ مِنْ هَذَا الْوَلَدِ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ بِأَبِيهِ الْعَبْدِ مِنْ الْأَقَارِبِ الْأَحْرَارِ كَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَبْقَى أَبُوهُ ذَلِكَ عَبْدًا لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ مَجْهُولِ النَّسَبِ عَلَى الْفَرْضِ الْمَزْبُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ أَنَّ الْمَحْرُومَ عَنْ الْمِيرَاثِ كَالْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ وَالرَّقِيقُ لَا يَحْجُبُ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا جَمِيعًا، بَلْ يَرِثُ الْأَبْعَدُ عِنْدَ حِرْمَانِ الْأَقْرَبِ، فَالْأَوْلَى هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا

وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ، وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَفَاءَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالنَّسَبِ، وَالْقَوِيُّ لَا يُعَارِضُهُ الضَّعِيفُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرِيبًا لِأَنَّ أَنْسَابَ الْعَرَبِ قَوِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ وَالْعَقْلِ، كَمَا أَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِهَا فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَلَاءِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ وَالْوَضْعُ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَقَعَ اتِّفَاقًا (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: نَبَطِيٌّ كَافِرٌ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةٍ كَافِرَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّبَطِيُّ وَوَالَى رَجُلًا ثُمَّ وَلَدَتْ أَوْلَادًا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: مَوَالِيهِمْ مَوَالِي أُمِّهِمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَوَالِيهمْ مَوَالِي أَبِيهِمْ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ فَصَارَ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوَالِي وَبَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ أَضْعَفُ حَتَّى يَقْبَلَ الْفَسْخَ، وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ لَا يَقْبَلُهُ، وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ مُعْتَقَيْنِ فَالنِّسْبَةُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا، وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِهِ لِشَبَهِهِ بِالنَّسَبِ أَوْ لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِ أَكْثَرُ. قَالَ (وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَشَرٌّ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَا أَهْلِيَّةَ لَهُ لِرِقِّهِ كَمَا مَرَّ، فَمَا لَمْ تَحْصُلْ الْأَهْلِيَّةُ لَهُ بِزَوَالِ رِقِّهِ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لَهُ وَلَا لِمَوَالِيهِ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ، وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَفَاءَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالنَّسَبِ، وَالْقَوِيُّ لَا يُعَارِضُهُ الضَّعِيفُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَوَالِي الْأُمِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُقَدَّمِينَ فِي الْإِرْثِ عَلَى الْعَصَبَاتِ النِّسْبِيَّةِ لِأَوْلَادِهَا، بَلْ عَلَى أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ لَهُمْ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ كُلٍّ مِنْ الْعَصَبَاتِ النِّسْبَةَ وَأَصْحَابِ الْفَرَائِضِ بِالْقَرَابَةِ النِّسْبِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ النَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفًا لَا يَصْلُحُ

«وَوَرَّثَ ابْنَةَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى سَبِيلِ الْعُصُوبَةِ مَعَ قِيَامِ وَارِثٍ» وَإِذْ كَانَ عَصَبَةً تَقَدَّمَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُعْتِقِ) ، لِأَنَّ الْمُعْتِقَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا» قَالُوا: الْمُرَادُ مِنْهُ وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الثَّانِي فَتَأَخَّرَ عَنْ الْعَصَبَةِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُوَ أَوْلَى) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُعْتَقِ) تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ ذُو حَالٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ عَلَى مَا رَوَيْنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَصَبَةَ مَنْ يَكُونُ التَّنَاصُرُ بِهِ لِبَيْتِ النِّسْبَةِ وَبِالْمَوَالِي الِانْتِصَارُ عَلَى مَا مَرَّ وَالْعَصَبَةُ تَأْخُذُ مَا بَقِيَ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِبَنِي الْمَوْلَى دُونَ بَنَاتِهِ) ، وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي آخِرِهِ «أَوْ جَرَّ وَلَاءَ وَلَاءِ مُعْتَقِهِنَّ» وَصُورَةُ الْجَرِّ قَدَّمْنَاهَا، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهَا فَيُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ إلَيْهَا وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مَوْلَاهَا، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّ سَبَبَ النِّسْبَةِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُعَارِضَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَدْ يُرَى أَنْ لَا يُعَارِضَ أَحَدٌ مِنْ الْعَجَمِ فِي الْإِرْثِ بِجِهَةِ نَسَبِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْجِهَةُ جِهَةَ الْعُصُوبَةِ أَوْ جِهَةَ الْفَرْضِ مَوَالِي الْعَتَاقَةِ لِقُوَّةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَضَعْفِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الْعَجَمِ، وَمَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِرْثِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ

الْفِرَاشِ، وَصَاحِبُ الْفِرَاشِ إنَّمَا هُوَ الزَّوْجُ، وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ لَا مَالِكَةٌ، وَلَيْسَ حُكْمُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ مَقْصُورًا عَلَى بَنِي الْمَوْلَى بَلْ هُوَ لِعَصَبَتِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ وَيَخْلُفُهُ فِيهِ مَنْ تَكُونُ النُّصْرَةُ بِهِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى أَبًا وَابْنًا فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُهُمَا عُصُوبَةً، وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ دُونَ الْأَخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ عِنْدَهُ. وَكَذَا الْوَلَاءُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ حَتَّى يَرِثَهُ دُونَ أَخِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ عَقْلَ جِنَايَةِ الْمُعْتَقِ عَلَى أَخِيهَا لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَتِهَا (وَلَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى ابْنًا وَأَوْلَادَ ابْنٍ آخَرَ) مَعْنَاهُ بَنِي ابْنٍ آخَرَ (فَمِيرَاثُ الْمُعْتَقِ لِلِابْنِ دُونَ بَنِي الِابْنِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكِبَرِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَمَعْنَاهُ الْقُرْبُ عَلَى مَا قَالُوا، وَالصُّلْبِيُّ أَقْرَبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ وَسَيَجِيءُ فِي نَفْسِ هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا أَنَّ مَوَالِيَ الْعَتَاقَةِ مُطْلَقًا مُؤَخَّرُونَ فِي الْإِرْثِ عَنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَعَنْ الْعَصَبَاتِ النِّسْبِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُونَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ.

[فصل في ولاء الموالاة]

[فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ] ِ قَالَ (وَإِذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثُهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ فَالْوَلَاءُ صَحِيحٌ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ، فَإِنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمَوْلَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُوَالَاةُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ وَارِثٍ آخَرَ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي وَارِثٌ لِحَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الثُّلُثِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] وَالْآيَةُ فِي الْمُوَالَاةِ. «وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ آخَرَ وَوَالَاهُ فَقَالَ: هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ» وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْعَقْلِ وَالْإِرْثِ فِي الْحَالَتَيْنِ هَاتَيْنِ، وَلِأَنَّ مَالَهُ حَقُّهُ فَيَصْرِفُهُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ) أَخَّرَ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ عَنْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، بِخِلَافِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى فِيهِ أَنْ يَنْتَقِلَ قَبْلَ الْعَقْلِ، وَلِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ الْإِحْيَاءُ الْحُكْمِيُّ وَلَا يُوجَدُ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ إحْيَاءٌ أَصْلًا، وَلِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْإِرْثِ وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، بِخِلَافِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَقُلْ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَقَالَ: لَا وَلَاءَ إلَّا وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، ثُمَّ إنَّ مَعْنَى مُطْلَقِ الْوَلَاءِ لُغَةً وَشَرِيعَةً قَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْوَلَاءِ. وَتَفْسِيرُ هَذَا الْوَلَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ أَنْ يُسْلِمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَيَقُولَ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَالَيْتُكَ عَلَى أَنِّي إنْ مِتَّ فَمِيرَاثِي لَك، وَإِنْ جَنَيْتُ فَعَقْلِي عَلَيْك وَعَلَى عَاقِلَتِك وَقَبِلَ الْآخَرُ مِنْهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ: وَلَهُ ثَلَاثُ شَرَائِطَ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ بِأَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا نِسْبَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَغَيْرُ مَانِعٍ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَكُونَ

حَيْثُ شَاءَ، وَالصَّرْفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ ضَرُورَةُ عَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ لَا أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُ غَيْرُهُمَا، وَذُو الرَّحِمِ وَارِثٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ بِالشَّرْطِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْلَى مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْمُوَالَاةِ. قَالَ (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ مُوَالَاةٍ مَعَ أَحَدٍ وَقَدْ عَقَلَ عَنْهُ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الشَّرِيطَةَ الْأُولَى تُغْنِي عَنْ الشَّرِيطَةِ الثَّالِثَةِ، إذْ لَا جَهَالَةَ فِي نَسَبِ الْعَرَبِ فَيَظْهَرُ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُوَالِي مَجْهُولَ النَّسَبِ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الثَّالِثَةِ اسْتِقْلَالٌ مِنْ قَبِيلِ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ حَصْرُ شَرَائِطِ الْوَلَاءِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ مِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا شَرْطُ الْإِرْثِ وَالْعَقْلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بِشَرَائِطَ: مِنْهَا أَنْ يُشْتَرَطَ الْمِيرَاثُ وَالْعَقْلُ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَلَهُ شَرَائِطُ، وَعَدَّ مِنْهَا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَصْرَ شَرَائِطِهِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ يَكُونُ تَخْصِيصُ هَذِهِ الثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْعَدَدِ عَبَثًا، وَلَا يَكُونُ لِلسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ كَمَا سَتَعْرِفُهُمَا وَجْهٌ لِأَنَّ مَدَارَهُمَا عَلَى إرَادَةِ الْحَصْرِ وَإِلَّا لَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ السُّؤَالُ رَأْسًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ أَصْلًا. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ الْعَقْدِ عَقْلُ الْأَعْلَى وَحُرِّيَّتُهُ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بَاطِلَةٌ فَكَيْفَ جَعَلَ الشَّرَائِطَ ثَلَاثًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا هِيَ الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْت فَإِنَّمَا هُوَ نَادِرٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ. أَقُولُ: فِي هَذَا الْجَوَابِ خَلَلٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَقْلِ الْأَعْلَى وَحُرِّيَّتِهِ أَيْضًا مِنْ الشَّرَائِطِ الْعَامَّةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صُوَرِ الْمُوَالَاةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ عَقْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِدُونِ الْعَقْلِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ مُوَالَاةُ الْعَبْدِ أَصْلًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَإِنَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقَبُولِ كَانَ عَقْدُهُ كَعَقْدِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ فَإِنَّمَا هُوَ نَادِرٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ. ثُمَّ إنَّ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ أَيْضًا خَلَلًا، فَإِنَّ تَقْيِيدَ الْعَقْلِ بِعَقْلِ الْأَعْلَى فِي قَوْلِهِ مِنْ شَرْطِ الْعَقْدِ عَقْلُ الْأَعْلَى مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ عَقْلَ الْأَسْفَلِ أَيْضًا شَرْطُ الْعَقْدِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِيجَابُ بِدُونِ الْعَقْلِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ الْقَبُولُ بِدُونِهِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا شَرَائِطُ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ فَمِنْهَا عَقْلُ الْعَاقِدَيْنِ، إذْ لَا صِحَّةَ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِدُونِ الْعَقْلِ انْتَهَى. وَكَذَا تَقْيِيدُ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْأَعْلَى فِي قَوْلِهِ وَحُرِّيَّتِهِ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، إذْ حُرِّيَّةُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا شَرْطٌ بَلْ هِيَ أَظْهَرُ اشْتِرَاطًا مِنْ حُرِّيَّةِ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْعَبْدِ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي ذَلِكَ، وَيَجُوزُ قَبُولُهُ إيَّاهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَيَصِيرُ الْوَلَاءُ لِمَوْلَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَيْضًا لَا وَجْهَ لِتَرْكِ ذِكْرِ الْبُلُوغِ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ السُّؤَالِ فَإِنَّهُ مِنْ شَرْطِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ كَالْعَقْلِ وَالْحُرِّيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ فِي وَقَوْلِهِ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بَاطِلَةٌ أَوْفَقُ بِاشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَكُونُ عَاقِلًا فَلَمْ يَكُنْ بُطْلَانُ مُوَالَاتِهِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ بَلْ كَانَ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ

مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا لِلْأَعْلَى أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ وَلَائِهِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْأَسْفَلُ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي: قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، هَذَا لَفْظُ الْكَافِي بِعَيْنِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْمُوَالَاةِ بَلْ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ كَافٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَالَيْتُك وَالْآخَرُ قَبِلْت، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمُوَالَاةِ بَلْ جَعَلَهُمَا حُكْمًا لَهَا بَعْدَ صِحَّتِهَا فَافْهَمْ. وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ. يُوَضِّحُهُ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ: وَتَفْسِيرُ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتَّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْتُ وَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت فَيَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالتَّيْكَ وَالْآخَرُ قَبِلْت، وَكَذَا إذَا عَقَدَ مَعَ رَجُلٍ غَيْرِ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْغَايَةِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فِي صِحَّةِ الْمُوَالَاةِ. أَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ وُقُوعِ الصَّرِيحِ بِاشْتِرَاطِهِمَا هُنَاكَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ تَضَمُّنِ الْمُوَالَاةِ اشْتِرَاطَهُمَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَوَلَاءٌ فِي قَوْلِهِ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَالَيْتُك وَالْآخَرُ قَبِلْت كَافٍ فِي تَمَامِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ، وَجَعْلُ نَفْسِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ حُكْمًا لِلْمُوَالَاةِ لَا يُنَافِي كَوْنَ ذِكْرِهِمَا فِي الْعَقْدِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْد كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا. وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ: فَلِأَنَّ مَحِلَّ تَوَهُّمِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالَيْتُكَ وَالْآخَرُ قَبِلْت، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالَيْتُكَ بَدَلَ قَوْلِهِ أَنْتَ مَوْلَايَ فَقَطْ لَا بَدَلَ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتَّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْتُ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِمَا. وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ عَدَمَ التَّصْرِيحِ بِشَرْطٍ عِنْدَ تَفْسِيرِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَبَيَانِ صُورَةِ الْمُوَالَاةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ مِنْ بَيَانِهِمْ إيَّاهُ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، أَلَا يُرَى أَنَّ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ شَرَائِطَ كَثِيرَةً، كَكَوْنِ الْمُوَالِي مَجْهُولَ النَّسَبِ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُعْتَقٍ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ تَفْسِيرِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَبَيَانِ صُورَتِهِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا) أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ سَبَبَ اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْعَزْلِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ تَضَرُّرُ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ عِنْدَ رُجُوعِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ

مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ. قَالَ (وَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَلِأَنَّهُ قَضَى بِهِ الْقَاضِي، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عِوَضٍ نَالَهُ كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ، وَكَذَا إذَا عَقَلَ عَنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ لِأَنَّهُمْ فِي حَقِّ الْوَلَاءِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ. قَالَ (وَلَيْسَ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا) لِأَنَّهُ لَازِمٌ، وَمَعَ بَقَائِهِ لَا يَظْهَرُ الْأَدْنَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ، فَمَا مَعْنَى اشْتِرَاطِ تَوَقُّفِ الْفَسْخِ هَاهُنَا عَلَى حَضْرَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ سَبَبَ الِاشْتِرَاطِ هَاهُنَا هُوَ السَّبَبُ هُنَالِكَ وَهُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ كَانَ بَيْنَهُمَا، وَفِي تَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا إلْزَامُ الْفَسْخِ عَلَى الْآخَرِ بِدُونِ عِلْمِهِ، وَنَفْسُ إلْزَامِ أَحَدِهِمَا حُكْمَ الْفَسْخِ عَلَى الْآخَرِ بِدُونِ عِلْمِهِ ضَرَرٌ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ فِيهِ جَعْلَ عَقْدِ الرَّجُلِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ كَلَا عَقْدٍ، وَفِيهِ إبْطَالُ فِعْلِهِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِ الْعِلْمِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَصَرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ذِكْرَ الْجَوَابِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَهُ أَيْضًا. أَقُولُ: هَذَا الْوَجْهُ مَحَلُّ الْكَلَامِ، فَإِنَّ كَوْنَ نَفْسِ إلْزَامِ الْفَسْخِ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرًا أَمْرٌ ظَاهِرٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ فِيهِ إبْطَالَ فِعْلِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَأَمَّا مَدْخَلِيَّةُ عَدَمِ عِلْمِ الْآخَرِ بِذَلِكَ الْإِلْزَامِ فِي كَوْنِهِ ضَرَرًا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِ الْآخَرِ بِهِ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي فَسْخِ الْعَقْدِ عِنْدَ عِلْمِ الْآخِرِ بِلَا رَيْبٍ فَيَتَحَقَّقُ إبْطَالُ فِعْلِ الْآخَرِ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ أَيْضًا بِالضَّرُورَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عِلْمَ الْإِنْسَانِ بِالْأَمْرِ الَّذِي يَكْرَهُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ لَا يُجْدِي شَيْئًا، فَإِذَنْ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ سَبَبِ اشْتِرَاطِ تَوَقُّفِ الْفَسْخِ هَاهُنَا عَلَى حَضْرَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعَ الضَّرَرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: دَفْعُ الضَّرَرِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ هَاهُنَا كَمَا تَعَيَّنَ فِي صُورَةِ الْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ إلَّا أَنَّهُ مِمَّا يَحْتَمِلُ بِإِرْضَاءِ الْآخَرِ بِالْبِرِّ وَالْمُجَازَاةِ، لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّ فَسْخَ أَحَدِهِمَا هَذَا الْعَقْدَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ يَتَضَمَّنُ إضْرَارًا بِصَاحِبِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَسْفَلِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ الْأَسْفَلُ فَيَحْسِبُ الْأَعْلَى أَنَّ مَالَهُ صَارَ مِيرَاثًا لَهُ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَعْلَى فَلِأَنَّ الْأَسْفَلَ رُبَّمَا يُعْتِقُ عَبِيدًا عَلَى حُسْبَانِ أَنَّ عَقْلَ عَبِيدِهِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَلَوْ صَحَّ فَسْخُ الْأَعْلَى يَجِبُ الْعَقْلُ عَلَى الْأَسْفَلِ بِدُونِ عِلْمِهِ فَيَتَضَرَّرُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ. أَقُولُ: هَذَا الْوَجْهُ فِي الْجَوَابِ هُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ فِي الْفَسْخِ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ ضَرَرَ الِاغْتِرَارِ، وَفِي الْإِعْلَامِ دَفْعُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ) قِيلَ عَلَيْهِ لِمَاذَا يَجْعَلُ صِحَّةَ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي مُوجِبَةَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ؟ قُلْنَا: إنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ مَا دَامَ ثَابِتًا مِنْ إنْسَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي بُطْلَانُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ وَالْكَافِي، وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَالنَّسَبُ مَا دَامَ ثَابِتًا مِنْ إنْسَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ مَمْنُوعٍ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ كِتَابِ الْعَتَاقِ مُدَلَّلًا وَمَشْرُوحًا، وَالثَّانِي أَنَّ قِيَاسَ الْوَلَاءِ عَلَى النَّسَبِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ عَقْدُ الْوَلَاءِ مَعَ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ يَصِحَّ مَعَ الْأَوَّلِ إذْ النَّسَبُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ إنْسَانٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ مِنْ آخَرَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ كَذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، فَمِنْ أَيْنَ يُتَصَوَّرُ الِاسْتِدْلَال بِصِحَّةِ عَقْدِ الْوَلَاءِ مَعَ الثَّانِي عَلَى بُطْلَانِ عَقْدِهِ مَعَ الْأَوَّلِ

[كتاب الإكراه]

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] ِ قَالَ (الْإِكْرَاهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا حَصَلَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا) ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّسَبَ مَا دَامَ ثَابِتًا مِنْ إنْسَانٍ أَوَّلًا لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ ثَانِيًا، وَثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْهُمَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا ادَّعَيَاهُ مَعًا. وَأَمَّا إذَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا وَالْآخَرُ ثَانِيًا فَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا فُصِّلَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ كِتَابِ الْعَتَاقِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُجَرَّدِ عَدَمِ صِحَّةِ اجْتِمَاعِ ثُبُوتِهِ لِلشَّخْصَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّعَاقُبِ لَا فِي عَدَمِ صِحَّةِ الِانْتِقَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ آخَرُ نَاشِئٌ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ لَازِمًا وَعَقْدُ الْوَلَاءِ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَيُخَالِفُ النَّسَبَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَلِهَذَا يَصِحُّ الِانْتِقَالُ فِيهِ دُونَ النَّسَبِ فَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) قِيلَ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَضْعِ لَمَّا ذَكَرَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لِمُنَاسَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَذَكَرَ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ لِمُنَاسَبَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لَاقَ إيرَادُ الْإِكْرَاهِ عَقِيبَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَغَيُّرَ حَالِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ، فَإِنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يُغَيِّرُ حَالَ الْمُخَاطَبِ الَّذِي هُوَ الْمَوْلَى الْأَعْلَى مِنْ حُرْمَةِ تَنَاوُلِ مَالِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى حِلِّهِ بِالْإِرْثِ، فَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ يُغَيِّرُ حَالَ الْمُخَاطَبِ الَّذِي هُوَ الْمُكْرَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ إلَى حِلِّهَا فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ. ثُمَّ إنَّ الْإِكْرَاهَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، يُقَالُ أَكْرَهْت فُلَانًا إكْرَاهًا: أَيْ حَمَلْته عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْعَدِمَ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ أَوْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى وَالِابْتِلَاءُ يُقَرِّرُ الْخِطَابَ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ، وَيَأْثَمُ مَرَّةً وَيُؤْجَرُ أُخْرَى وَهُوَ آيَةُ الْخِطَابِ

لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا خَافَ الْمُكْرَهُ تَحْقِيقَ مَا تَوَعَّدَ بِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْقَادِرِ وَالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ سِيَّانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ لِمَا أَنَّ الْمَنَعَةَ لَهُ وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمَنَعَةِ. فَقَدْ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَلَمْ تَكُنْ الْقُدْرَةُ فِي زَمَنِهِ إلَّا لِلسُّلْطَانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وَأَهْلُهُ، ثُمَّ كَمَا تُشْتَرَطُ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ يُشْتَرَطُ خَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعَ مَا يُهَدَّدُ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِيَصِيرَ بِهِ مَحْمُولًا عَلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ. قَالَ (وَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ أَوْ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ أَوْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ فَأُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ بِالْحَبْسِ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَرَجَعَ بِالْمَبِيعِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرِهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى فَيَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ. وَذَكَرَ فِي الْوَافِي أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَهْدِيدِ الْقَادِرِ غَيْرَهُ عَلَى مَا هَدَّدَهُ بِمَكْرُوهٍ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلَك أَنْ تَخْتَارَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ أَيَّهَا شِئْت قُلْت: وَقَدْ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ الْمَبْسُوطِ كَمَا تَرَى، وَسَيَجِيءُ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِهَا. وَأَمَّا شَرْطُهُ وَحُكْمُهُ فَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَثْنَاءَ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمَرْءُ غَيْرَهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ حَمْلًا يَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَ فَسَادِ اخْتِيَارٍ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى نَوْعَيْ الْإِكْرَاهِ وَيَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ عَدَمِ الرِّضَا وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْقِسْمِ الْآخَرِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ " لَا " فِي أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ، فَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْإِكْرَاهِ الثَّلَاثَةُ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: قَدْ خَرَجَ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا عَنْ سَنَنِ الصَّوَابِ، وَسَلَكَ مَسْلَكًا لَا يَرْتَضِيهِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَإِنْ شِئْت مَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَاسْتَمِعْ لِمَا نَتْلُو عَلَيْك مِنْ الْكَلَامِ: فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّائِعَ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ هُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِقَتْلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ

الْعُقُودِ التَّرَاضِي، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُلْجِئُ، وَنَوْعٌ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِضَرْبٍ أَوْ بِقَيْدٍ أَوْ بِحَبْسٍ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ الْغَيْرُ الْمُلْجِئِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَلَا الْخِطَابَ. وَأَمَّا فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فَقَالَ فِي أُصُولِهِ: الْإِكْرَاهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمُلْجِئُ. وَنَوْعٌ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الَّذِي لَا يُلْجِئُ، وَنَوْعٌ آخَرُ لَا يُعْدِمُ الرِّضَا وَهُوَ أَنْ يَهُمَّ بِحَبْسِ أَبِيهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَا يَجْرِي مُجْرَاهُ. وَالْإِكْرَاهُ بِجُمْلَتِهِ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّتَهُ وَلَا يُوجِبُ وَضْعَ الْخِطَابِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: الْإِكْرَاهُ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ وَلَا يُرِيدُ مُبَاشَرَتَهُ لَوْلَا الْحَمْلُ عَلَيْهِ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هُوَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ أَقْسَامِ الْإِكْرَاهِ لِعَدَمِ تَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْكَشْفِ، إذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مِنْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ. وَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ بِعَيْنِهِ، وَأَنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْإِكْرَاهِ لُغَةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشْفِ، وَهُوَ أَنَّ وَجْهَ عَدَمِ إدْخَالِ ذَلِكَ الْقِسْمِ فِي مَعْنَى الْإِكْرَاهِ شَرْعًا عَدَمُ تَرَتُّبِ أَحْكَامِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ، وَانْكَشَفَ عِنْدَك أَيْضًا سِتْرُ مَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ تَنْوِيعِ الْإِكْرَاهِ إلَى نَوْعَيْنِ فَقَطْ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ أَحْوَالُ مَا هُوَ الْوَاقِعُ كَمَا عَرَفْت غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَ فَسَادِ اخْتِيَارٍ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ مَعَ أَنَّ مُقَابَلَةَ قَوْلِهِ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ رِضَاهُ تَمْنَعُهُ قَطْعًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَالَ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارٌ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ عَدَمِ الرِّضَا، وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ بِحَسَبِ ظَاهِرِهِ: أَيْ بِدُونِ تَقْدِيرِ شَيْءٍ آخَرَ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، لِأَنَّ فَسَادَ الِاخْتِيَارِ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الرِّضَا لَا نَفْيَ عَدَمِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الرِّضَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا أُخْرِجَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِتَقْدِيرِ " لَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا، إذْ بِتَقْدِيرِ لَا يَصِيرُ الْمَعْنَى أَوْ لَا يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِحَّ اخْتِيَارُهُ مَعَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صِحَّةَ الِاخْتِيَارِ لَا تَسْتَلْزِمُ نَفْيَ عَدَمِ الرِّضَا وَهُوَ ثُبُوتُ الرِّضَا لِجَوَازِ أَنْ يَصِحَّ الِاخْتِيَارُ وَانْعِدَامُ الرِّضَا كَمَا فِي النَّوْعِ الْغَيْرِ الْمُلْجِئِ مِنْ نَوْعَيْ الْإِكْرَاهِ عَلَى مَا مَرَّ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْقِسْمِ الْآخَرِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ لَا فِي أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ، وَهُوَ أَيْضًا مُخْتَلٌّ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ جِدًّا سِيَّمَا فِي مَقَامِ التَّعْرِيفِ لَا يُجْدِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةَ إلَى الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ نَفْيَ فَسَادِ الِاخْتِيَارِ إنَّمَا يُفِيدُ صِحَّةَ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الرِّضَا بَلْ تُحَقِّقُ عَدَمَ الرِّضَا أَيْضًا كَمَا عَرَفْت آنِفًا فَلَا تَحْصُلُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ الِاخْتِيَارُ عَلَى تَقْدِيرِ كَلِمَةِ " لَا " فِيهِ إلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْإِكْرَاهِ لِصِدْقِهِ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا تَرَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: نَفْيُ فَسَادِ الِاخْتِيَارِ فِي مُقَابَلَةِ انْتِفَاءِ الرِّضَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الرِّضَا فِي الْمُقَابِلِ فَيَخْرُجُ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نَسَبَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ هَاهُنَا إلَى الْمُصَنِّفِ كَانَ يَحْصُلُ بِأَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ أَوْ لَا بِمَعْنَى أَوْ لَا يَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، فَهَلْ يُجَوِّزُ الْعَاقِلُ بِمِثْلِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَتْرُكَ ذَاكَ اللَّفْظَ الْأَقْصَرَ الْخَالِي عَنْ التَّمَحُّلَاتِ بِأَسْرِهَا لَوْ أَرَادَ إفَادَةَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي نَسَبَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ إلَيْهِ وَيَخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ الْأَطْوَلَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى تَمَحُّلَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي إفَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَعَمْرِي إنَّ رُتْبَةَ الْمُصَنِّفِ بِمَعْزِلٍ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ. فَالْحَقُّ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَنْ يَنْتَفِيَ بِهِ رِضَاهُ بِدُونِ فَسَادِ اخْتِيَارِهِ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ

وَالْإِكْرَاهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُعْدِمُ الرِّضَا فَيَفْسُدُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِهِ لِفَوَاتِ الرِّضَا، وَكَذَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ لِتَرَجُّحِ جَنَبَةِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَنَبَةِ الْكَذِبِ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَكْذِبُ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ، ثُمَّ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ جَازَ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِيَارُهُ فَإِنَّ الْعَامَّ إذَا قُوبِلَ بِالْخَاصِّ يُرَادُ بِهِ مَا عَدَا ذَلِكَ الْخَاصَّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَكَانَ قَوْلُهُ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ إشَارَةً إلَى أَحَدِ نَوْعَيْ الْإِكْرَاهِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ، وَقَوْلُهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ إشَارَةٌ إلَى النَّوْعِ الْآخَر مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُلْجِئُ فَانْتَظَمَ كَلَامُهُ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ أَصْلًا وَانْطَبَقَ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ وَالْإِكْرَاهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُعْدِمُ الرِّضَا) أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَالْحَبْسَ الْمَدِيدَ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ أَظْهَرَ مِنْ أَنْ يَخْفَى قَدْ خَفِيَ عَلَى الشَّارِحِ الْعَيْنِيِّ فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ: يَعْنِي بِالْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْبَيْعَ وَأَخَوَاتِهِ مِنْ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لَا مِنْ الْمُكْرَهِ بِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ سَائِرِ سَقَطَاتِهِ فِي كِتَابِهِ هَذَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّحْرِيرِ أَنَّ آخِرَ الْكَلَامِ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْضًا وَإِلَّا لَمَا قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ مَا إذَا ضُرِبَ بِسَوْطٍ أَوْ حُبِسَ يَوْمًا أَوْ قُيِّدَ يَوْمًا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ فِي هَاتِيك الصُّوَرِ فَتَنَاقَضَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِكْرَاهِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ حَمْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ كَمَا مَرَّ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ هَذَا الْمَعْنَى فِي هَاتِيك الصُّوَرِ، وَاَلَّذِي نَفَاهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ تَحَقُّقُ الْإِكْرَاهِ عَلَى مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ فَلَا تَنَاقُضَ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: التَّعْبِيرُ بِالْإِكْرَاهِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ لِلْمُشَاكَلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَفْظُ الْإِكْرَاهِ هُنَالِكَ حَقِيقَةً لَا لُغَوِيَّةً وَلَا شَرْعِيَّةً، بَلْ يَصِيرُ مَجَازًا فَلَا تَنَاقُضَ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَكَذَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْإِكْرَاهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُعْدِمُ الرِّضَا فَيَفْسُدُ: أَيْ وَالْإِقْرَارُ أَيْضًا يَفْسُدُ بِالْإِكْرَاهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً فِي غَيْرِ الْإِكْرَاهِ لِتَرَجُّحِ جَنَبَةِ الصِّدْقِ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ التَّرَاضِي إلَى قَوْلِهِ فَيَفْسُدُ لَا عَلَى قَوْلِهِ وَالْإِكْرَاهُ بِهَذَا الْأَشْيَاءِ يُعْدِمُ الرِّضَا فَيَفْسُدُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَالْإِكْرَاهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ

وَالْفَسَادُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي فَصَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ، حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ جَازَ، وَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَبِإِجَازَةِ الْمَالِكِ يَرْتَفِعُ الْمُفْسِدُ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَعَدَمُ الرِّضَا فَيَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ، أَمَّا هَاهُنَا الرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَمَنْ جَعَلَ الْبَيْعَ الْجَائِزَ الْمُعْتَادَ بَيْعًا فَاسِدًا يَجْعَلُهُ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ حَتَّى يَنْقَضِ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْفَسَادَ لِفَوَاتِ الرِّضَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا لِقَصْدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بَاطِلًا اعْتِبَارًا بِالْهَازِلِ وَمَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا بَعْضَ الْأَحْكَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْدِمُ الرِّضَا بَعْضُ الدَّلِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْكُبْرَى مِنْ غَيْرِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَعَطْفُ قَوْلِهِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ إلَخْ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ مِنْ الدَّلِيلِ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى، مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ فِي حَقِّ فَسَادِ الْإِقْرَارِ بِالْإِكْرَاهِ غَيْرُ مُسْتَمَدٍّ بِمُقَدِّمَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ السَّابِقِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَجْمُوعِ الدَّلِيلِ السَّابِقِ لَا عَلَى بَعْضِهِ، وَالذَّوْقُ الصَّحِيحُ يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ تَدَبَّرْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بَاطِلًا اعْتِبَارًا بِالْهَازِلِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ مَعْنَى الْهَزْلِ أَنَّ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ هَازِلًا اهـ، أَقُولُ: لَمْ يَقُلْ مَنْ جَعَلَهُ بَاطِلًا

عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ قَالَ (فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ طَوْعًا فَقَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ طَائِعًا، بِأَنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ لَا عَلَى الدَّفْعِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْهِبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْعَ فَوَهَبَ وَدَفَعَ حَيْثُ يَكُونُ بَاطِلًا، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ بِالدَّفْعِ وَفِي الْبَيْعِ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ، فَدَخَلَ الدَّفْعُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ) لِفَسَادِ الْعَقْدِ. قَالَ (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرِ مُكْرَهٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) مَعْنَاهُ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ هَازِلٌ حَقِيقَةً حَتَّى يَتَّجِهَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، بَلْ قَالَ: إنَّهُ كَالْهَازِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ هُنَاكَ لَا يَقْصِدُ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ هَازِلًا حَقِيقَةً أَنْ تَجْرِيَ الْمُوَاضَعَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ بِأَنْ يُقَالَ نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِلَفْظِ الْعَقْدِ هَازِلًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَفِي صُورَةِ بَيْعِ الْوَفَاءِ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ الشَّرْطُ قَطْعًا، وَيُرْشِدُ إلَى كَوْنِ الْمُرَادِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْهَازِلِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ قِيَاسًا عَلَى الْهَازِلِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ بِحَسَبِ الذَّاتِ الْمُشْتَرِكَيْنِ فِي الْعِلَّةِ.

[فصل من أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر]

(وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ إنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَلَوْ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي نَفَذَ كُلُّ شِرَاءٍ كَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ لَوْ تَنَاسَخَتْهُ الْعُقُودُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ، وَلَا يَنْفُذُ مَا كَانَ لَهُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ الْمُكْرَهَ عَقْدًا مِنْهَا حَيْثُ يَجُوزُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَهُوَ الْمَانِعُ فَعَادَ الْكُلُّ إلَى الْجَوَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ] فَصْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) قَالَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ: لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ الْوَاقِعِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ الْوَاقِعِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى

(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، إنْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَنْ يُكْرَهَ بِمَا يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، فَإِذَا خَافَ عَلَى ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ) وَكَذَا عَلَى هَذَا الدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، لِأَنَّ تَنَاوُلَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ لِقِيَامِ الْمُحَرَّمِ فِيمَا وَرَاءَهَا، وَلَا ضَرُورَةَ إلَّا إذَا خَافَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى الْعُضْوِ، حَتَّى لَوْ خِيفَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ (وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا تُوُعِّدَ بِهِ، فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى أَوْقَعُوا بِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ آثِمٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ الْوَاقِعِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَكَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ بِقَتْلٍ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَتِمَّ مَا ذَكَرُوهُ بِالنَّظَرِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَالْأَشْبَهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا فَصَلَ بِفَصْلٍ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يَحِلُّ فِعْلُهُ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ، وَمَسَائِلُ الْفَصْلِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَحْظُورَةٌ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ فِي حَالَةِ السَّعَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ خِيفَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ إلَخْ) أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ إشْكَالٌ، فَإِنَّ الْمُبَاحَ مَا اسْتَوَى طَرَفَا فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا خِيفَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى الْعُضْوِ كَانَ طَرَفَا الْفِعْلِ رَاجِحًا بَلْ فَرْضًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، فَإِطْلَاقُ الْمُبَاحِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُنَافِيًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْمُبَاحِ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ فَرْضًا لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا تُوُعِّدَ بِهِ، فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى أَوْقَعُوا بِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ آثِمٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ مِنْ بَابِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ فَسَادٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَالْإِتْيَانُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ، وَهَاهُنَا قَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمُ فَصَارَ التَّرْكُ حَرَامًا، لِأَنَّ مَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْمُبَاحَ هَاهُنَا حَالَ كَوْنِهِ مُبَاحًا صَارَ تَرْكُهُ حَرَامًا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْحَرَامِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا؟ كَيْفَ وَالْمُبَاحُ مَا اسْتَوَى طَرَفَا فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَمَا صَارَ طَرَفُ تَرْكِهِ حَرَامًا لَا يَسْتَوِي طَرَفَاهُ قَطْعًا، فَلَوْ صَارَ تَرْكُهُ حَرَامًا حَالَ كَوْنِهِ مُبَاحًا لَزِمَ اجْتِمَاعُ اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَعَدَمُهُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَا كَانَ مُبَاحًا فِي حَالَةٍ قَدْ يَصِيرُ تَرْكُهُ حَرَامًا فِي حَالَةٍ أُخْرَى لِعِلَّةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَيَنْقَلِبُ وَاجِبًا فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، لِأَنَّ نَحْوَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إنَّمَا كَانَ مُبَاحًا حَالَةَ الِاضْطِرَارِ دُونَ حَالَةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ

لِأَنَّهُ لَمَّا أُبِيحَ كَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ مُعَاوِنًا لِغَيْرِهِ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ فَيَأْثَمُ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَكَانَ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ. قُلْنَا: حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَلَا مُحَرَّمَ فَكَانَ إبَاحَةً لَا رُخْصَةً إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءٌ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِيهِ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. . قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَوْ سَبِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إكْرَاهًا حَتَّى يُكْرَهَ بِأَمْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَيْرُورَةَ تَرْكِهِ حَرَامًا إنَّمَا هِيَ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ أَيْضًا، إذْ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يَصِيرُ تَرْكُهُ وَاجِبًا قَطْعًا فَلَزِمَ أَنْ تَجْتَمِعَ إبَاحَتُهُ وَحُرْمَةُ تَرْكِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الِانْقِلَابُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْوُجُوبِ بِحَسَبِ الْحَالَتَيْنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. لَا يُقَالُ: سَبَبُ اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ حَيْثُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ الْمُحَرِّمُ بِاسْتِثْنَاءِ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ، وَسَبَبُ حُرْمَةِ التَّرْكِ فِيهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِعَدَمِ اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ إنَّمَا هُوَ إفْضَاءُ التَّرْكِ فِيهِ إلَى قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ أَوْ إلَى قَطْعِ الْعُضْوِ الْمُحَرَّمِ، فَلَا اسْتِحَالَةَ فِي اجْتِمَاعِ اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَعَدَمِ اسْتِوَائِهِمَا فِيهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّا نَقُولُ: اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَعَدَمُ اسْتِوَائِهِمَا مُتَنَاقِضَانِ قَطْعًا، فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، سَوَاءٌ كَانَا مُسْتَنِدَيْنِ إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ أَوْ إلَى سَبَبَيْنِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا حَقَّقَهُ الْفَاضِلُ الشَّرِيفُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ فِي مَبَاحِثِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ، فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ بِالشَّخْصِ لَا يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ عُلِّلَ بِهِمَا لَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى كُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا وَمُسْتَغْنِيًا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ. قَالَ: لَا يُقَالُ مَنْشَأُ الِاحْتِيَاجِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا هُوَ عِلِّيَّتُهَا لَهُ، وَمَنْشَأُ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا عِلِّيَّةُ الْأُخْرَى لَهُ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا. لِأَنَّا نَقُولُ: احْتِيَاجُ الشَّيْءِ إلَى آخَرَ فِي وُجُودِهِ وَعَدَمُ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فِيهِ مُتَنَاقِضَانِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْتَنِدَيْنِ إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ أَوْ إلَى سَبَبَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ. فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ مَا فِي كَلَامِ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَقَامِ فَلْيُنْظَرْ إلَيْهِ وَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: هَذَا جَوَابُ إشْكَالٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا ثَبَتَ إبَاحَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْثَمَ، إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْمُبَاحِ. فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى تَلِفَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَاعِيًا فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ انْتَهَى، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ، إذْ لَا مُمَانَعَةَ لِلْعِلْمِ فِي أَنْ لَا يَأْثَمَ الْإِنْسَانُ بِتَرْكِ الْمُبَاحِ، فَإِنَّ الْمُبَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبَاحٌ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِتَرْكِهِ وَإِنْ عَلِمَ إبَاحَتَهُ، بَلْ بِالْعِلْمِ بِإِبَاحَتِهِ يَنْكَشِفُ عَدَمُ الْإِثْمِ فِي تَرْكِهِ، فَكَيْفَ يَحْصُلُ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَمَّا يُقَالُ إذَا ثَبَتَ إبَاحَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْثَمَ، إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْمُبَاحِ، فَالْوَجْهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ

يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لِمَا مَرَّ، فَفِي الْكُفْرِ وَحُرْمَتُهُ أَشَدُّ أَوْلَى وَأَحْرَى. قَالَ (وَإِذَا خَافَ عَلَى ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَمَرُوهُ بِهِ وَيُوَرِّي، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك؟ قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] » الْآيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِثْمِ عَلَى تَقْدِيرِ الصَّبْرِ، وَتَرْكُ الْأَكْلِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ فِيمَا إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا بِالْجَهْلِ فِي أَمْثَالِ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْخَفَاءِ (قَوْلُهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» إلَخْ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» إنْ عَادُوا إلَى الْإِكْرَاهِ فَعُدْ إلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ لَا إلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالطُّمَأْنِينَةِ جَمِيعًا كَمَا زَعَمَهُ الْبَعْضُ، لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُبَاحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَنْكَشِفُ حُرْمَتُهُ أَصْلًا انْتَهَى. وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ لِلتَّرْخِيصِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْكَافِي: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَنْفِي الْحَظْرَ، فَإِنَّ الْمَحْظُورَ قَدْ يُرَخَّصُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ فَوْقَهُ كَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَقَطْعِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا كَذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: مُرَادُ الشُّرَّاحِ أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ مَا اسْتَعْمَلَ فِيهِ صِيغَةَ الْأَمْرِ حَقِيقَةً هُوَ الْإِبَاحَةُ، وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي التَّرْخِيصِ وَنَحْوِهِ مَجَازًا، وَلَا بُدَّ فِي الْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ تُوجَدْ الْقَرِينَةُ فَلَا جَرْمَ نَحْمِلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ هَاهُنَا بِصَرْفِ الْإِعَادَةِ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ دُونَ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لِمَا بَيَّنُوا. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ هَاهُنَا أَيْ عُدْ إلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ وَمَا قِيلَ فَعُدْ إلَى مَا كَانَ مِنْك مِنْ النَّيْلِ مِنِّي وَذِكْرِ آلِهَتِهِمْ بِخَيْرِ فَغَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَأْمُرُ

وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ كَانَ مَأْجُورًا) لِأَنَّ «خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ، وَالِامْتِنَاعُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ عَزِيمَةٌ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِلِاسْتِثْنَاءِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الشِّرْكِ إلَى هُنَا كَلَامُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ دَلِيلٌ مَعْقُولٌ. وَوَجْهه أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَفُوتُ بِهَذَا الْإِظْهَارِ حَقِيقَةً لِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ قَائِمٌ حَقِيقَةً، وَالْإِقْرَارُ رُكْنٌ زَائِدٌ وَهُوَ قَائِمٌ تَقْدِيرًا، لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً فَكَأَنَّمَا اجْتَمَعَ فِيهِ فَوْتُ حَقِّ الْعَبْدِ يَقِينًا وَفَوْتُ حَقِّ اللَّهِ تَوَهُّمًا فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ وَهُوَ قَائِمٌ تَقْدِيرًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ لَا يَسْتَدْعِي قِيَامَ الْإِقْرَارِ تَقْدِيرًا، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ مَا يُضَادُّهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْمَفْرُوضُ هَاهُنَا طَرَيَانُهُ عَلَيْهِ، إذْ الْكَلَامُ فِي إظْهَارِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَهُوَ مُضَادٌّ لِلْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ. فَإِنْ قُلْت: إظْهَارُهَا إكْرَاهًا لَا يُضَادُّهُ الْإِقْرَارُ طَوَاعِيَةً، وَإِنَّمَا يُضَادُّهُ إظْهَارُهَا طَوَاعِيَةً. قُلْت: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ إظْهَارِهَا حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، فَأَخْذُهُ فِي أَثْنَاءِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا مُصَادَرَةٌ فَبِهَذَا ظَهَرَ سُقُوطُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَاهُنَا إنَّهُ كَكَلَامِ النَّاسِي وُجُودُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَيَسْتَلْزِمُ الْمُصَادَرَةَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَكَانَ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ فَوْتُ حَقِّ الْعَبْدِ يَقِينًا، وَفَوْتُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تَوَهُّمًا يُشْعِرُ بِعَدَمِ فَوْتِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً هَاهُنَا أَصْلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَوْلَا فَوْتُ حَقِّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً أَصْلًا لَمَا كَانَ مَأْجُورًا فِيمَا إذَا صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ، وَلَا نُسَلِّمُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ فَوْتِ حَقِّهِ تَعَالَى بِدُونِ أَنْ يَفُوتَ حَقِيقَةً، بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ حَرَامٌ فِي كُلِّ حَالٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحُرْمَةُ أَصْلًا، وَأَنَّ فِيهِ تَرْكَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ هُوَ كُفْرٌ صُورَةً فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ، وَكُفْرٌ صُورَةً وَمَعْنًى فِي حَالَةِ صِحَّةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، إلَّا أَنَّ الْمُبْتَلَى بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ يَصِيرُ مَعْذُورًا حَالَةَ الْإِكْرَاهِ فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ عِنْدَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ إحْيَاءً لِحَقِّهِ مَعَ بَقَاءِ حُرْمَتِهِ أَبَدًا. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ، وَالِامْتِنَاعُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ عَزِيمَةٌ) ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِلِاسْتِثْنَاءِ (وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَيْضًا مُسْتَثْنًى بِقَوْلِهِ {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106]

قَالَ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَمْرٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ (وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قَوْلِهِ {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} [النحل: 106] فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ) . وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَقْدِيرُهُ: مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ وَشَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، فَاَللَّهُ تَعَالَى مَا أَبَاحَ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِمْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ، وَإِنَّمَا وَضَعَ عَنْهُمْ الْعَذَابَ وَالْغَضَبَ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ نَفْيِ الْغَضَبِ وَهُوَ حُكْمُ الْحُرْمَةِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ الْحُكْمِ عَدَمُ الْعِلَّةِ كَمَا فِي شُهُودِ الشَّهْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، فَإِنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ مُنْتَفِيًا مَعَ قِيَامِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغَضَبِ وَهِيَ الْحُرْمَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ إبَاحَةُ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُصْطَلَحَ فَذَاكَ مُمْتَنِعُ التَّخَلُّفِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مَعْلُولُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا السَّبَبَ الشَّرْعِيَّ كَمَا مَثَّلَ بِهِ فَإِنَّمَا يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ يُوجِبُ تَأْخِيرَهُ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَلَا دَلِيلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ سَاقِطٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ نَخْتَارَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ شِقَّيْ التَّرْدِيدِ وَلَا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ أَصْلًا، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعِلَّةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الشَّيْءِ مُؤَثِّرًا فِيهِ. قَوْلُهُ فَذَاكَ مُمْتَنِعُ التَّخَلُّفِ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مَعْلُولُهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ وُجُوبَ مُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَعْلُولِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ أَقْسَامِهَا، وَهُوَ مَا كَانَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ وَهُوَ مَا كَانَ عِلَّةً اسْمًا فَقَطْ أَوْ اسْمًا وَمَعْنًى كَمَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي فَلَا يَمْتَنِعُ التَّخَلُّفُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ التَّمْثِيلِ، وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الشَّيْءِ

آلَةً لَهُ وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِقَتْلِهِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ وَيَصْبِرُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا) لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا فَكَذَا بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ. . قَالَ (وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِمَا. لِزُفَرَ أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْمُكْرَهِ حَقِيقَةً وَحِسًّا، وَقَرَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِثْمُ، بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ فَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ، وَبِهَذَا يَتَمَسَّكُ الشَّافِعِيُّ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ، وَيُوجِبُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَيْضًا لِوُجُودِ التَّسْبِيبِ إلَى الْقَتْلِ مِنْهُ، وَلِلتَّسْبِيبِ فِي هَذَا حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ عِنْدَهُ كَمَا فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَتْلَ بَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى التَّأْثِيمِ، وَأُضِيفَ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْحَمْلِ فَدَخَلَتْ الشُّبْهَةُ فِي كُلِّ جَانِبٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْقَتْلُ بِأَنْ يُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَلَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ فَيَبْقَى الْفِعْلُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْإِثْمِ كَمَا نَقُولُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا فِيهِ بَلْ كَانَ مُوصِلًا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَوْلُهُ فَإِنَّمَا يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ يُوجِبُ تَأْخِيرَهُ مَمْنُوعٌ، بَلْ

وَفِي إكْرَاهِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرَهِ فِي الْإِتْلَافِ دُونَ الذَّكَاةِ حَتَّى يَحْرُمَ كَذَا هَذَا. قَالَ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ وَقَعَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ (وَيَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ صَلَحَ آلَةً لَهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيُضَافُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ يَجُوزُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْهُ، إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ، فَمَا لَمْ تَتَحَقَّقْ تِلْكَ الْعِلَّةُ لَا يَتَحَقَّقُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ، وَهَذَا أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِ مُقَرَّرًا فِي عِلْمِ الْأُصُولِ مَفْهُومٌ مِنْ نَفْسِ مَعْنَى السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّ الْإِيصَالَ فِي الْجُمْلَةِ كَيْفَ يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ الْحُكْمِ، وَالْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْجَوَابِ لَيْسَ فِي مَعْرِضِ التَّعْلِيلِ لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ بَلْ هُوَ مَسُوقٌ لِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ، فَتَحَقُّقُ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحُكْمِ هُنَاكَ لَا يَقْتَضِي قِيَامَ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي كُلِّ صُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ حَدِيثَ خُبَيْبٍ دَلِيلًا عَلَى بَقَاءِ الْحُرْمَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ نَفَى حُكْمَهُ وَهُوَ الْغَضَبُ، فَإِنَّ خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أُكْرِهَ عَلَى إظْهَارِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَصَبَرَ وَلَمْ يُظْهِرْهَا حَتَّى قُتِلَ مَدَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ سَمَّاهُ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَقَالَ «هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلَوْ لَمْ تَبْقَ الْحُرْمَةُ أَبَدًا فِي إظْهَارِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لَمَا وَسِعَهُ الصَّبْرُ عَلَى مَا تُوُعِّدَ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَمَا اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إعَانَةَ الْغَيْرِ عَلَى إهْلَاكِ نَفْسِهِ وَهِيَ حَرَامٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَأْثَمَ بِذَلِكَ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ صَلَحَ آلَةً لَهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيُضَافُ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَمَنَعَ صَلَاحِيَّتَهُ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّلَفُّظِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ فَكَذَا فِي حَقِّ مَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إتْلَافٌ وَهُوَ يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِيهِ، وَالتَّلَفُّظُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي إعْتَاقِ الصَّبِيِّ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ آلَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِتْلَافِ دُونَ التَّلَفُّظِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الِانْفِكَاكَ فِي إعْتَاقِ الصَّبِيِّ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِ التَّلَفُّظِ بِدُونِ ثُبُوتِ الْإِعْتَاقِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْإِعْتَاقِ فِي ضِمْنِ التَّلَفُّظِ

فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِلتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ عَكْسُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْإِعْتَاقُ بِدُونِ التَّلَفُّظِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي صُورَةِ إعْتَاقِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْثِيلُ وَلَا التَّقْرِيبُ. وَكَأَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ قَالَ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ الَّذِي يَهُمُّنَا ثُبُوتُ الْإِعْتَاقِ لَا فِي ضِمْنِ التَّكَلُّمِ كَمَا إذَا وَرِثَ الْقَرِيبَ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ فِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ، فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي صُورَةِ إنْ وَرِثَ الْقَرِيبَ إنَّمَا هُوَ الْعِتْقُ دُونَ الْإِعْتَاقِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مُفَصَّلًا، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي الْإِعْتَاقِ دُونَ مُجَرَّدِ الْعِتْقِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَا يَتِمُّ التَّمْثِيلُ بِتِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا وَلَا التَّقْرِيبُ. ثُمَّ أَقُولُ: لَا فَائِدَةَ لِحَدِيثِ الِانْفِكَاكِ أَصْلًا فِي الْجَوَابِ هَاهُنَا فَإِنَّ كَوْنَ ثُبُوتِ الْإِتْلَافِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي ضِمْنِ التَّلَفُّظِ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ لَا يَقْبَلُ الْإِنْكَارَ، فَيَكُونُ مَدَارُ الْوُرُودِ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِهِ انْفِكَاكُ الْإِتْلَافِ عَنْ التَّلَفُّظِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى. فَالْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْمُكْرَهِ لِلْآلِيَّةِ فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ لَهَا فِي حَقِّ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ الْإِتْلَافُ، لِأَنَّ عَدَمَ صَلَاحِيَّتِهِ لَهَا فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ لِعِلَّةِ امْتِنَاعِ التَّكَلُّمِ بِلِسَانِ الْغَيْرِ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ فِي حَقِّ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِتْلَافِ، فَإِنَّ الْمُكْرِهَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكْرَهَ وَيُلْقِيَهُ عَلَى الْمَالِ فَيُتْلِفَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضَمَّنَ الْمُكْرِهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِعِوَضٍ حَصَلَ لِلْمُكْرَهِ وَهُوَ الْوَلَاءُ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ إنَّمَا يَكُونُ كَلَا إتْلَافَ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَالًا، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ الْغَيْرِ فَأَكَلَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لِلْمُكْرَهِ عِوَضٌ، أَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَالِ كَمَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ إذَا أَتْلَفَهَا مُكْرَهًا، لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ الدُّخُولِ، وَالْوَلَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَاهِدَيْ الْوَلَاءِ إذَا رَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ يُشْكِلُ بِمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مِنْهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَرْجِعُ هُنَاكَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ عِوَضٌ هُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَالْوَلَاءِ، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا قَالُوا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ عِنْدَ الدُّخُولِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِلتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا أَعْتَقَ

وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِتْلَافِهِ. قَالَ (وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ مُسَمًّى يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ) لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرْفِ السُّقُوطِ بِأَنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ. بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ. (وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ جَازَ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُؤَثِّرٌ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ، وَالْوَكَالَةُ لَا تَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، لِأَنَّ السِّعَايَةَ تَجِبُ ثَمَّةَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَبِخِلَافِ الرَّاهِنِ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ تَجِبُ السِّعَايَةُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَدَلَ ذَلِكَ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا فَأُكْرِهَ الرَّاهِنُ عَلَى إعْتَاقِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ بِهِ اهـ. أَقُولُ: لَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إذَا أُكْرِهَ الرَّاهِنُ عَلَى إعْتَاقِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ سِوَى شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ لِهَذَا الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ هَاهُنَا: وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ حَقُّ الْغَيْرِ أَيْضًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى السِّعَايَةِ لِذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فَأُكْرِهَ الرَّاهِنُ عَلَى إعْتَاقِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِرَقَبَتِهِ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغَيْرِ بِالْعَبْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ. ولَعَلَّهُ غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ فَاغْتَرَّ بِهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ عَلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يَقْدِرَ مُعْتِقُهُ عَلَى إيفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ تَجِبُ السِّعَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ زَادُوا قَيْدَ الْإِعْسَارِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّاهِنَ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى إعْتَاقِ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ فَفَعَلَ يَقْدِرُ عَلَى إيفَاءِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِمَا ضُمِّنَهُ الْمُكْرِهُ مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ الْعَبْدِ

بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ زَوَالُ مِلْكِهِ إذَا بَاشَرَ الْوَكِيلُ، وَالنَّذْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالَبُ بِهِ فِيهَا، وَكَذَا الْيَمِينُ، وَالظِّهَارُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِمَا الْفَسْخَ، وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ بِاللِّسَانِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَالْخُلْعُ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ، فَلَوْ كَانَ هُوَ مُكْرَهًا عَلَى الْخُلْعِ دُونَهَا لَزِمَهَا الْبَدَلُ لِرِضَاهَا بِالِالْتِزَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ إيَّاهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ السِّعَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا فَأُكْرِهَ الرَّاهِنُ عَلَى إعْتَاقِهِ إلَخْ لَا يَكَادُ يَصِحُّ هَاهُنَا لِأَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ دَاخِلَةٌ هَاهُنَا فِي إطْلَاقِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْمُخَالَفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ، بِخِلَافِ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ فَإِنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُغَايِرَتَانِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَكَذَا قَوْلُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغَيْرِ بِالْعَبْدِ إلَخْ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِالْمُخَالَفَةِ أَيْضًا بَيْنَ تِلْكَ الصُّورَةِ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَمَعَ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي إطْلَاقِ مَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَيْضًا لَوْ وَجَبَ السِّعَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ لَانْتَقَضَ بِهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ

قَالَ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا أَنْ يُكْرِهَهُ السُّلْطَانُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحُدُودِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِلتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ، إذْ لَا تَخْرِيجَ إلَى الْحُرِّيَّةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ خَرَجَ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ إلَيْهَا ثَانِيًا فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتِمَّ قَوْلُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي ذَيْلِ شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّعْلِيلِ كَافٍ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ سَالِمٌ عَنْ النَّقْضِ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَمُنْتَقِضٌ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ عِنْدَهُمَا وَقَدْ أَعْتَقَ مِلْكَهُ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ فَيُزَادُ لَهُمَا فِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ انْتَهَى تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يُكْرِهَهُ السُّلْطَانُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِكْرَاهِ كَوْنُهُ مُلْجِئًا وَذَلِكَ بِقُدْرَةِ الْمُكْرِهِ عَلَى الْإِيقَاعِ وَخَوْفِ الْمُكْرَهِ الْوُقُوعَ كَمَا مَرَّ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَكْثَرُ تَحَقُّقًا، لِأَنَّ السُّلْطَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ فَهُوَ ذُو أَنَاةٍ فِي أَمْرِهِ وَغَيْرُهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِالِالْتِجَاءِ إلَى السُّلْطَانِ فَيُعَجِّلُ فِي الْإِيقَاعِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُكْرَهَ يَعْجَزُ عَنْ دَفْعِ السُّلْطَانِ عَنْ نَفْسِهِ إذْ لَيْسَ فَوْقَهُ مَنْ يَلْتَجِئُ إلَيْهِ وَيَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ اللِّصِّ بِالِالْتِجَاءِ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ اتَّفَقَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَادِرٌ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. أَقُولُ: يَتَّجِهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ

قَالَ (وَإِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ مِنْهُ) لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَا يَكْفُرُ وَفِي اعْتِقَادِهِ الْكُفْرَ شَكٌّ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ بِنْتُ مِنْك وَقَالَ هُوَ قَدْ أَظْهَرْتُ ذَلِكَ وَقَلْبِي مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُقَالَ: نُدْرَةُ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَوُقُوعُ ظَفَرِ اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِالنَّاسِ وَعَجْزُهُمْ عَنْ دَفْعِ شَرِّ هَؤُلَاءِ الْمُتَغَلِّبَةِ سِيَّمَا فِي الْمَوَاضِعِ النَّائِيَةِ عَنْ الْعُمْرَانِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَلَئِنْ سَلَّمَ النُّدْرَةَ فَأَنْ لَا يَكُونَ لِلنَّادِرِ حُكْمٌ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مِنْ الْحُدُودِ سِيَّمَا فِي حَدِّ الزِّنَا كَمَا نَحْنُ فِيهِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ فَضْلًا عَنْ الْوُقُوعِ بِطَرِيقِ النُّدْرَةِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَدَلِيلُهُمَا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ مَا يَأْتِي مِنْ السُّلْطَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا مَدْفَعَ لَهُ عَادَةً، وَفِي مِثْلِ هَذَا السُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ اُعْتُبِرَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ عَادَةً إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ النَّاسِ أَوْ مِنْ السُّلْطَانِ فَيَنْدَفِعُ، وَالْحُكْمُ لَا يَنْبَنِي عَلَى النَّادِرِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ نَعْتَبِرُهُ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَافِي انْتَهَى. أَقُولُ: عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يُمْكِنُ أَنْ يَنْدَفِعَ مَنْعُ النُّدْرَةِ، وَلَكِنْ يَبْقَى مَنْعُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلنَّادِرِ حُكْمٌ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى حَالِهِ. ثُمَّ أَقُولُ: إطْلَاقُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَإِطْلَاقَاتِ عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ مَخْصُوصٌ بِالسُّلْطَانِ عِنْدَهُ وَعَامٌّ لِكُلِّ مُتَغَلِّبٍ يَقْدِرُ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ عِنْدَهُمَا مِمَّا لَا يُسَاعِدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ، يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ وَتَتَبُّعِ سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ مِنْ فَتَاوَاهُ: الْإِكْرَاهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلِّ مُتَغَلِّبٍ يَقْدِرُ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ مِنْ السُّلْطَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ مَا يَجِيءُ مِنْ السُّلْطَانِ فَهُوَ إكْرَاهٌ صَحِيحٌ شَرْعًا. وَالِاخْتِلَافُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَةِ الزِّنَا، وَصُورَتُهَا: غَيْرُ السُّلْطَانِ إذَا أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى الزِّنَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الزَّانِي كَأَنَّهُ بَاشَرَ الزِّنَا طَوْعًا، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الزِّنَا خَاصَّةً، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَإِكْرَاهُ غَيْرِ السُّلْطَانِ وَإِكْرَاهُ السُّلْطَانِ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْخِلَافُ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ أَيْضًا سَوَاءٌ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: بَعْضُهُمْ قَالَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ هَذَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ انْتَهَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَا يَكْفُرُ وَفِي اعْتِقَادِهِ الْكُفْرَ شَكٌّ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ كَلَامُهُ دَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ إنَّ الرِّدَّةَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُ الِاعْتِقَادِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ. وَالثَّانِي

فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْفُرْقَةِ وَهِيَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَدُّلِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُقَالَ الرِّدَّةُ بِاعْتِقَادِ الْكُفْرِ وَفِي اعْتِقَادِهِ الْكُفْرَ شَكٌّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُغَيَّبٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَرْجَمَةِ اللِّسَانِ، وَقِيَامُ الْإِكْرَاهِ يَصْرِفُ عَنْ صِحَّةِ التَّرْجَمَةِ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْكُفْرِ بِالشَّكِّ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَا قَالَهُ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ، لِأَنَّ مَا زَعَمَهُ دَلِيلَانِ مُتَّحِدَانِ فِي الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ تَبَدُّلُ الِاعْتِقَادِ فِي الْأَوَّلِ وَاعْتِقَادُ الْكُفْرِ فِي الثَّانِي، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَبَدُّلَ اعْتِقَادِ الْمُسْلِمِ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِقَادِ الْكُفْرِ فَاتَّحَدَا مَعْنًى فَمَا مَعْنَى جَعْلِهِمَا دَلِيلَيْنِ؟ وَإِنْ جُعِلَ مَدَارَ جَعْلِهِمَا دَلِيلَيْنِ مُجَرَّدُ تَغَايُرِهِمَا فِي اللَّفْظِ فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلَيْنِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُوَ اللَّفْظُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْفُرْقَةِ وَهِيَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَدُّلِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ اللَّفْظَ يَعْنِي كَلِمَةَ الْكُفْرِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْفُرْقَةِ: يَعْنِي لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا ظُهُورًا بَيِّنًا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَتَّى يَكُونَ صَرِيحًا يَقُومُ اللَّفْظُ فِيهِ مَقَامَ مَعْنَاهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، بَلْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّفْظَ دَلِيلٌ وَتَرْجَمَةٌ لِمَا فِي الْقَلْبِ. فَإِنْ دَلَّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْفُرْقَةِ كَانَ دَلَالَتُهُ عَلَيْهَا دَلَالَةً مَجَازِيَّةً وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَدُّلِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فِيهِ يَقُومُ لَفْظُهُ مَقَامَ مَعْنَاهُ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ دَلَّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْفُرْقَةِ كَانَ دَلَالَتُهُ عَلَيْهَا دَلَالَةً مَجَازِيَّةً لَا يَكَادُ يَتِمُّ، إذْ لَا بُدَّ فِي الْمَجَازِ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّفْظَ هَاهُنَا وَهُوَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْفُرْقَةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَإِنَّمَا هِيَ: أَيْ الْفُرْقَةُ أَثَرٌ لَازِمٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الرَّدِيءُ، فَلَمْ تَكُنْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مَجَازِيَّةً بَلْ كَانَتْ الْتِزَامِيَّةً مَحْضَةً، فَكَانَ انْفِهَامُهَا مِنْ اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ لَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَصَارَتْ مِنْ قَبِيلِ مُسْتَتْبَعَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُغَايِرَةِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَجَازِيَّةِ هَاهُنَا الْمُتَجَاوِزَةُ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ إلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، لَا الْمُتَجَاوِزَةُ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَقَطْ فَتَعُمُّ مُسْتَتْبَعَاتِ الْأَلْفَاظِ أَيْضًا. قُلْتُ: هَذَا الْمَعْنَى مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ يَأْبَاهُ جِدًّا قَوْلُهُ مِنْ قَبْلُ: يَعْنِي لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا ظُهُورًا بَيِّنًا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ فَتَأَمَّلْ. فَالْوَجْهُ الْمُجْمَلُ الْمُفِيدُ الْمُطَابِقُ لِلْمَشْرُوحِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ، وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، كَذَا فِي الْإِيضَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ أَهْلِ أُصُولِ الْفِقْهِ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِقْرَارَ رُكْنًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ كَيْفَ يَكُونُ إشَارَةً إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ

وَهَذَا بَيَانُ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَتْلِ. وَلَوْ قَالَ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَخْبَرْتُ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ بَانَتْ مِنْهُ حُكْمًا لَا دِيَانَةً. لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَائِعٌ بِإِتْيَانِ مَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ هَذَا الطَّائِعِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ أَرَدْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَدْ خَطَرَ بِبَالٍ الْخَبَرُ عَمَّيْ مَضَى بَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً، لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مُبْتَدِئٌ بِالْكُفْرِ هَازِلٌ بِهِ حَيْثُ عَلِمَ لِنَفْسِهِ مَخْلَصًا غَيْرَهُ. وَعَلَى هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ لِلصَّلِيبِ وَسَبِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَفَعَلَ وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُحَمَّدٍ آخَرَ غَيْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَانَتْ مِنْهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ صَلَّى لِلصَّلِيبِ وَسَبَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّلَاةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَبِّ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ تَمْشِيَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا، بَلْ تَمْشِيَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي أَظْهَرُ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا كَانَ رُكْنًا مِنْ الْإِيمَانِ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ آتِيًا بِأَحَدِ رُكْنَيْهِ فَيَظْهَرُ وَجْهُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَحَقَّقَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْإِسْلَامِ مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِانْتِفَاءِ الْآخَرِ حَكَمْنَا بِوُجُودِ الْإِسْلَامِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقَ وَكَانَ الْإِقْرَارُ شَرْطًا لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ شَيْءٌ مِنْ رُكْنَيْ الْإِيمَانِ فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُتَحَقِّقُ فِيهِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ، فَوَجْهُ الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ مَا هُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِهِ لَا يَظْهَرُ ظُهُورَهُ فِي الْأَوَّلِ. لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَتَمَشَّى مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ رُكْنًا مِنْ الْإِيمَانِ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الرِّدَّةِ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي الْإِقْرَارُ إذْ ذَاكَ، وَانْتِفَاءُ رُكْنٍ وَاحِدٍ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْكُلِّ لَا مَحَالَةَ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ رُكْنٌ مِنْ الْإِيمَانِ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ مِنْهُ كَالتَّصْدِيقِ، بَلْ قَالَ: إنَّهُ رُكْنٌ زَائِدٌ وَالتَّصْدِيقُ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ، وَفَسَّرَ مَعْنَى كَوْنِهِ رُكْنًا زَائِدًا بِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ فِي وُجُودِ الْمُرَكَّبِ، لَكِنْ إنْ عُدِمَ بِنَاءً عَلَى

[كتاب الحجر]

النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَانَتْ مِنْهُ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا مَرَّ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ زِيَادَةً عَلَى هَذَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَجْرِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرُورَةِ جَعْلِ الشَّارِعِ عَدَمَهُ عَفْوًا وَاعْتَبَرَ الْمُرَكَّبَ مَوْجُودًا حُكْمًا وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي كُتُب الْأُصُولِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ تَمَشِّي مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ تَقِفْ. (كِتَابُ الْحَجْرِ) أَوْرَدَ الْحَجْرَ عَقِيبَ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا سَلْبُ وِلَايَةِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الِاخْتِيَارِ، إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمَّا كَانَ أَقْوَى تَأْثِيرًا لِأَنَّ فِيهِ سَلْبَهَا عَمَّنْ لَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَوِلَايَةٌ كَامِلَةٌ، بِخِلَافِ الْحَجْرِ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَمِنْ مَحَاسِنِ الْحَجْرِ أَنَّ فِيهِ شَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ أَحَدُ قُطْبَيْ أَمْرِ الدِّيَانَةِ، وَالْآخَرُ التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْوَرَى وَفَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي الْحِجْرِ، فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ أُولِي الرَّأْيِ وَالنُّهَى، وَمِنْهُمْ أَعْلَامُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الدُّجَى وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ مُبْتَلًى بِبَعْضِ أَسْبَابِ الرَّدَى فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مُعَامَلَاتِ الدُّنْيَا، كَالْمَجْنُونِ الَّذِي هُوَ عَدِيمُ الْعَقْلِ، وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي هُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ، فَأَثْبَتَ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا عَنْ التَّصَرُّفَاتِ نَظَرًا مِنْ الشَّرْعِ لَهُمَا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَصَرُّفِهِمَا ضَرَرٌ يَلْزَمُهُمَا، إذْ لَيْسَ لَهُمَا عَقْلٌ كَامِلٌ يَرْدَعُهُمَا وَتَمْيِيزٌ وَافِرٌ يَرُدُّهُمَا، وَكَذَلِكَ حَجْرُ الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ. أُمًّا الصَّبِيُّ فَفِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ كَالْمَجْنُونِ وَفِي آخِرِهَا كَالْمَعْتُوهِ، فَمَا هُوَ الْمُتَوَقَّعُ مِنْ ضَرَرِهِمَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ. وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا يَسْتَعْمِلُ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ مِثْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ عَادَةً، فَسَدَّ بَابَ التَّصَرُّفِ عَلَى الرَّقِيقِ بِالْحَجْرِ لِرِقِّهِ نَظَرًا لِلْمَوْلَى، ثُمَّ إنَّ الْحَجْرَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ فَإِنَّهُ مَصْدَرُ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي إذَا مَنَعَهُ. وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ الْمَنْعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالرَّقِيقُ وَالْمَجْنُونُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الشَّرِيعَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَنْعَ عَنْ

قَالَ (الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ: الصِّغَرُ، وَالرِّقُّ، وَالْجُنُونُ، فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الصَّغِيرِ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَا تَصَرُّفُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ) . أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِنُقْصَانِ عَقْلِهِ، غَيْرَ أَنَّ إذْنَ الْوَلِيِّ آيَةُ أَهْلِيَّتِهِ، وَالرِّقُّ لِرِعَايَةِ حَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا يَتَعَطَّلَ مَنَافِعُ عَبْدِهِ. وَلَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ، وَالْجُنُونُ لَا تُجَامِعُهُ الْأَهْلِيَّةُ فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بِحَالٍ، أَمَّا الْعَبْدُ فَأَهْلٌ فِي نَفْسِهِ وَالصَّبِيُّ تُرْتَقَبُ أَهْلِيَّتُهُ فَلِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ) لِأَنَّ التَّوَقُّفَ فِي الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ، وَفِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ نَظَرًا لَهُمَا فَيَتَحَرَّى مَصْلَحَتَهُمَا فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْقِلَا الْبَيْعَ لِيُوجَدَ رُكْنُ الْعَقْدِ فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، وَالْمَجْنُونُ قَدْ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَجِّحُ الْمَصْلَحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ الَّذِي يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْوَكَالَةِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّوَقُّفُ عِنْدَكُمْ فِي الْبَيْعِ. أَمَّا الشِّرَاءُ فَالْأَصْلُ فِيهِ النَّفَاذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصَرُّفِ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا لَا فِعْلًا كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ يَعْنِي الصِّغَرَ وَالرِّقَّ وَالْجُنُونَ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الصَّغِيرِ وَالرَّقِيقِ وَالْمَجْنُونِ. بَلْ الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالْمُتَطَبِّبُ الْجَاهِلُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَقَوْلُهُ فِي ذَيْلِ التَّعْرِيفِ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالرَّقِيقُ وَالْمَجْنُونُ تَفْسِيرٌ زَائِدٌ وَتَقْيِيدٌ كَاسِدٌ. وَبِالْجُمْلَةِ فِي التَّعْرِيفِ الْمَزْبُورِ تَقْصِيرٌ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُ الْمُقَيَّدِ وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: الْحَجْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ. وَفِي الشَّرْعِ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا بِصِغَرٍ وَرِقٍّ وَجُنُونٍ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ تَدَارُكٌ لِلْمَحْذُورِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ يَبْقَى الْمَحْذُورُ الثَّانِي عَلَى حَالِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْأَوَّلُ مَا ذُكِرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: ثُمَّ الْحَجْرُ لُغَةً الْمَنْعُ مَصْدَرُ حَجَرَ عَلَيْهِ. وَشَرْعًا مَنْعٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا لِشَخْصٍ مَعْرُوفٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَجْرِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ انْتَهَى تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ: الصِّغَرُ، وَالرِّقُّ، وَالْجُنُونُ) هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَلْحَقَ بِمَا اُشْتُقَّ مِنْهَا ثَلَاثَةً أُخْرَى بِالِاتِّفَاقِ أَيْضًا وَهِيَ: الْمُفْتِي الْمَاجِنُ، وَالْمُتَطَبِّبُ الْجَاهِلُ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ. وَأَمَّا حَجْرُ الْمَدْيُونِ وَالسَّفِيهِ بَعْدَمَا بَلَغَ رَشِيدًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: قَدْ أَطْبَقَتْ كَلِمَةُ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ عَلَى إدْرَاجِ الْعَتَهِ فِي الْجُنُونِ

قُلْنَا: نَعَمْ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَيْهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ، وَهَاهُنَا لَمْ نَجِدْ نَفَاذًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ لِضَرَرِ الْمَوْلَى فَوَقَفْنَاهُ. قَالَ (وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ) لِأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهَا لِوُجُودِهَا حِسًّا وَمُشَاهَدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَعْلِ الْأَسْبَابِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا ثَلَاثَةً وَهِيَ: الصِّغَرُ، وَالرِّقُّ، وَالْجُنُونُ. وَفِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَلَى جَعْلِ الْعَتَهِ قَسِيمًا لِلْجُنُونِ كَسَائِرِ الْأُمُورِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ وَمُخَالِفًا لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، فَقَدْ خَالَفَ اصْطِلَاحُهُمْ فِي الْفُرُوعِ اصْطِلَاحَهُمْ فِي الْأُصُولِ وَهَذَا مِنْ النَّوَادِرِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ) الَّتِي هِيَ الصِّغَرُ وَالرِّقُّ وَالْجُنُونُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ، حَتَّى أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ فِي الْأَقْوَالِ الَّتِي تُرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ. وَأَوْجَبَ الْحَجْرَ مِنْ الْأَصْلِ بِالْإِعْدَامِ فِي حُكْمِ أَقْوَالٍ تَتَمَحَّضُ ضَرَرًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونُ دُونَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ: يَعْنِي الصِّغَرَ وَالرِّقَّ وَالْجُنُونَ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ: يَعْنِي مَا تَرَدَّدَ مِنْهَا بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: أَيْ هَذِهِ الْمَعَانِي تُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ عَلَى الْعُمُومِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ، وَأَمَّا مَا يَتَمَحَّضُ مِنْهَا ضَرَرًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْإِعْدَامَ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ دُونَ الْعَبْدِ، وَأَمَّا مَا يَتَمَحَّضُ مِنْهَا نَفْعًا كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ لَا حَجْرَ فِيهِ عَلَى الْعُمُومِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: خَصَّصَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ الْأَقْوَالَ الْمَذْكُورَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِالْأَقْوَالِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ حَيْثُ قَالَ: أَعْنِي مَا تَرَدَّدَ مِنْهَا بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَلَمَّا أَخْرَجَ عَنْ الْأَقْوَالِ مَا تَمَحَّضَ نَفْعًا وَمَا تَمَحَّضَ ضَرَرًا وَكَانَ فَائِدَةُ إخْرَاجِ الْأَوَّلِ ظَاهِرَةً لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحَجْرِ فِيهَا أَصْلًا دُونَ فَائِدَةِ ثُبُوتِ إخْرَاجِ الثَّانِي لِثُبُوتِ الْحَجْرِ فِيهِ أَيْضًا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ خَصَّصَ مَعْنَى إيجَابِ الْحَجْرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: أَيْ هَذِهِ الْمَعَانِي تُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ عَلَى الْعُمُومِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى عَدَمِ ثُبُوتِ الْحَجْرِ بِهَذَا الْمَعْنَى الْمَخْصُوصِ فِيمَا يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا مِنْ الْأَقْوَالِ. وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا مَا يَتَمَحَّضُ مِنْهَا ضَرَرًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْإِعْدَامَ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ دُونَ الْعَبْدِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ عِبَارَةَ الْكِتَابِ مَعَ عَدَمِ مُسَاعَدَتِهَا لِشَيْءٍ مِنْ التَّخْصِيصَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يَلْزَمُ إذْ ذَاكَ مَحْذُورَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ يَصِيرُ مَآلُ مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ شَاءَ

بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا مَوْجُودَةً بِالشَّرْعِ وَالْقَصْدُ مِنْ شَرْطِهِ (إلَّا إذَا كَانَ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَخَهُ فَلَا يَكُونُ فِي إعَادَةِ الثَّانِيَةِ فَائِدَةٌ إلَّا تَجَرُّدُ كَوْنِهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ دُونَ الْأَفْعَالِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ حِينَئِذٍ إدْرَاجَ مَا يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا مِنْ الْأَقْوَالِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَالْإِقْرَارُ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ، وَقَدْ أَدْرَجَهُ فِيهَا فِي الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا. وَصَرَّحَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ وَغَيْرُهُ هُنَاكَ بِأَنَّ تِلْكَ الْمَسَائِلَ ذُكِرَتْ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيعُ بِنَفْسِ عِبَارَتِهِ. فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ اللَّامَ فِي الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ لِلْجِنْسِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِإِيجَابِ الْحَجْرِ فِي قَوْلِهِ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ مَا يَعُمُّ إيجَابَ التَّوَقُّفِ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْأَقْوَالِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ، وَإِيجَابُ الْإِعْدَامِ مِنْ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْأَقْوَالِ الْمُتَمَحِّضَةِ لِلضَّرَرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ هَذَا الْقِسْمِ: أَعْنِي مَا تَمَحَّضَ ضَرَرًا عَنْ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ الْمَسْفُورِ، بَلْ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي جِنْسِ الْأَقْوَالِ فَيَشْمَلُهُ ذَلِكَ الْأَصْلُ فَيُنَاسِبُ تَفْرِيعَ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ بِأَسْرِهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَحَقُّقِ الْحَجْرِ فِي الْأَقْوَالِ الَّتِي تَتَمَحَّضُ نَفْعًا، لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْحَجْرِ فِي جِنْسِ الْأَقْوَالِ لَا يَقْتَضِي تَحَقُّقَهُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِهَا فَصَارَ الْأَصْلُ الْمَزْبُورُ مُجْمَلًا وَمَا فُرِّعَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ تَبْيِينًا لَهُ، فَمَا جُعِلَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ مِمَّا يُحْجَرُ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ حُكْمِ الْحَجْرِ، وَمَا لَا فَلَا تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا مَوْجُودَةً بِالشَّرْعِ وَالْقَصْدُ مِنْ شَرْطِهِ) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْيَمِينَ وَالنَّذْرَ كُلَّهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِاعْتِبَارِهَا فِي الشَّرْعِ، أَلَا يَرَى أَنَّ طَلَاقَ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ هَازِلًا، وَكَذَا عَتَاقُ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ هَازِلًا، وَكَذَا يَمِينُهُ هَازِلًا وَنَذْرُهُ هَازِلًا صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعِهَا سِيَّمَا فِي مَبَاحِثِ الْهَزْلِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ، مَعَ أَنَّ الْهَزْلَ يُنَافِي الْقَصْدَ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ عَدَمَ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ مُعْتَبَرٌ فِي نَفْسِ مَفْهُومِ الْهَزْلِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الْأَقْوَالُ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً فَمَا بَالُهَا شَرْطُ اعْتِبَارِهَا مَوْجُودَةً شَرْطًا بِالْقَصْدِ دُونَ الْأَفْعَالِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَقْوَالَ الْمَوْجُودَةَ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً لَيْسَتْ عَيْنَ مَدْلُولَاتِهَا بَلْ هِيَ دَلَالَاتٌ عَلَيْهَا، وَيُمْكِنُ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ دَلِيلِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَوْلُ الْمَوْجُودُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا عَيْنُهَا، فَبَعْدَمَا وُجِدَتْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ. وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَقَعُ صِدْقًا وَقَدْ يَقَعُ كَذِبًا وَقَدْ يَقَعُ جِدًّا وَقَدْ يَقَعُ هَزْلًا

بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) فَيُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. قَالَ (وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ» وَالْإِعْتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً، وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ، فَلِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَوْلَ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إذَا وُجِدَ هَزْلًا لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا فَكَذَا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا حَيْثُ وَقَعَتْ وَقَعَتْ حَقِيقَةً فَلَا يُمْكِنُ تَبْدِيلُهَا انْتَهَى. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ الْجَوَابِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَمَشٍّ فِي الْإِنْشَاءَاتِ لِأَنَّهَا إيجَادَاتٌ لَا يُمْكِنُ تَخَلُّفُ مَدْلُولَاتِهَا عَنْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَكْثَرَ الْأَقْوَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ فِي إفَادَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ قَبِيلِ الْإِنْشَاءَاتِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِمَا تَسَاوَى فِيهِ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ مِنْ الْأَقْوَالِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا تَدَبَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا إلَخْ) أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمَ النَّفَاذِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، وَإِنَّمَا أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةَ تُوجِبُ الْحَجْرَ عَنْ الْأَقْوَالِ لِتَنْسَاقَ الْقَوْلِيَّاتُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَإِذَا أُرِيدَ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونُ الْمَغْلُوبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِعَدَمِ النَّفَاذِ، وَيَخْلُصُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَنْ وَصْمَةِ التَّكْرَارِ انْتَهَى. وَقَدْ أُخِذَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ آخِرِ كَلَامِ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ قَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ بَيْعَهُمَا وَسَائِرَ تَصَرُّفَاتِهِمَا الَّذِي يَتَرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، أَلَا يُرَى إلَى مَا قَالَ قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَهُ، إلَّا إذَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَالصَّبِيُّ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَصْلًا وَبِقَوْلِهِ وَالْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ أَصْلًا فَحِينَئِذٍ يَجْرِي قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا مَسَاغَ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّ حَمْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي قَوْلِهِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا عَلَى الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ فَقَطْ مِمَّا لَا تُسَاعِدُهُ الْقَاعِدَةُ، فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ فِي قَاعِدَةِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَعَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي قَاعِدَةِ أَهْلِ الْأُصُولِ كَمَا تَقَرَّرَ كُلُّهُ فِي مَوْضِعِهِ، فَهَاهُنَا الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونُ الْمَغْلُوبُ لَمْ يُعْهَدَا بِخُصُوصِهِمَا قَطْعًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْمَذْكُورَيْنِ هَاهُنَا جِنْسُهُمَا أَوْ جَمِيعُ أَفْرَادِهِمَا عَلَى إحْدَى الْقَاعِدَتَيْنِ لَا حِصَّةٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْهُمَا كَمَا تُوُهِّمَ. وَلَئِنْ سُلِّمَ مُسَاعَدَةُ الْقَاعِدَةِ لِذَلِكَ، فَلَوْ أُرِيدَ بِهِمَا هَاهُنَا ذَلِكَ الْقِسْمُ الْمُعَيَّنُ مِنْهُمَا لَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ أَحْكَامُ عُقُودِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ الْغَيْرِ الْمَغْلُوبِ الَّذِي هُوَ الْمَعْتُوهُ وَلَا أَحْكَامُ إقْرَارِهِمَا وَطَلَاقِهِمَا وَعَتَاقِهِمَا مَذْكُورَةً فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَصْلًا، إذْ مَوْضِعُ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ هُنَا وَلَمْ تُذْكَرْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَتْرُوكَةً سُدًى وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ. وَلَا يَخْتَلِجَنَّ فِي وَهْمِكَ أَنَّهَا تُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ دَلَالَةً، لِأَنَّ سَبَبَ الْحَجْرِ فِي الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ أَقْوَى مِنْ سَبَبِهِ فِي غَيْرِهِمَا فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفٍ فِي حَقِّهِمَا عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً، وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَالْإِعْتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً لَا مَحَالَةَ، وَالطَّلَاقُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَرَدَّدَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ بِاعْتِبَارِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ بَعْدَ

لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ. قَالَ (وَإِنْ أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَوْنَ الْإِتْلَافِ مُوجِبًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ كَاَلَّذِي يَتْلَفُ بِانْقِلَابِ النَّائِمِ عَلَيْهِ وَالْحَائِطِ الْمَائِلِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ (فَأَمَّا) (الْعَبْدُ فَإِقْرَارُهُ نَافِذٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِقِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ (غَيْرُ نَافِذٍ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ) رِعَايَةً لِجَانِبِهِ، لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ إتْلَافُ مَالِهِ. قَالَ (فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ حَتَّى لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَيَنْفُذُ طَلَاقُهُ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» وَلِأَنَّهُ عَارِفٌ بِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ فَكَانَ أَهْلًا، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ فَيَنْفُذُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُلُوغِ، لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ. أَمَّا فِي الْحَالِ فَلِعَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَأَمَّا فِي الْمَآلِ فَلِأَنَّ عِلْمَ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَتَنَافُرِ الطِّبَاعِ عِنْدَ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ، وَالْوَلِيُّ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ فِي الْحَالِ لَكِنْ لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ جَعْلَهُ الطَّلَاقَ مِمَّا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ فِيمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ مِمَّا يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ هَاهُنَا عَلَى التَّنَزُّلِ وَالتَّسْلِيمِ فَتَأَمَّلْ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمَصْلَحَةِ فِي قَوْلِهِ وَالْوَلِيُّ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ فِي الْحَالِ مَصْلَحَةَ الصَّبِيِّ فِي الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى مَصْلَحَتِهِ فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ عَدَمُ شَهْوَتِهِ فِي الْحَالِ، كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ وُقُوفِ الصَّبِيِّ عَلَى تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ، فَعِنْدَ تَقَرُّرِ هَاتِيكَ الْعِلَّةِ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقِفَ عَلَى تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ مَصْلَحَتَهُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ يَكُونُ ذِكْرُهَا لَغْوًا فِي إثْبَاتِ مَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى.

[باب الحجر للفساد]

[بَابُ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ] ِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ السَّفِيهِ، وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابُ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحَجْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ سَمَاوِيَّةٌ. وَسَبَبُ الْحَجْرِ هَاهُنَا مُكْتَسَبٌ، وَالسَّمَاوِيُّ فِي التَّأْثِيرِ أَقْوَى فَكَانَ بِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْأَوَّلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَحْرَى بِالتَّقْدِيمِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ هَاهُنَا هُوَ السَّفَهُ، وَهُوَ خِفَّةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فَتَحْمِلُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مَعَ قِيَامِ الْعَقْلِ، وَقَدْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَبْذِيرِ الْمَالِ وَإِتْلَافِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِ كُلٍّ مِنْ مَعْنَى السَّفَهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ شَيْءٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ بِخِلَافِ مُوجَبِ الْعَقْلِ مَعَ قِيَامِ الْعَقْلِ مُشْكِلٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْكَافِي: السَّفَهُ هُوَ الْعَمَلُ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى وَتَرْكُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحِجَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْنَى السَّفَهِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ تَبْذِيرَ الْمَالِ وَإِتْلَافَهُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ فَكَيْفَ الْقَوْلُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ، إذْ لَا مَسَاغَ لِعَدَمِ الْمَنْعِ عَمَّا هُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الشَّرْعِ عِنْدَ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِخِلَافِ مُوجَبِ الْعَقْلِ خِلَافُ مُوجَبِ حُكْمِ الْعَقْلِ لَا خِلَافُ مُوجَبِ نَفْسِ الْعَقْلِ، فَاللَّازِمُ عَدَمُ التَّخَلُّفِ عَنْ حُكْمِ الْعَقْلِ لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا أَوْجَبَهُ حُكْمُ الْعَقْلِ كَمَا هُوَ حَالُ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مَا هُوَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ يَجِبُ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ مُرْتَكِبُهُ بِاللِّسَانِ عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَمِنْهُ عَمَلُ السَّفِيهِ بِالسَّفَهِ. وَأَمَّا الْحَجْرُ عَنْهُ بِمَعْنَى إبْطَالِ حُكْمِ التَّصَرُّفِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فِي نَفْسِ مَالِ التَّصَرُّفِ فَهُوَ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى اسْتِدْعَائِهِ ضَرَرًا أَشَدَّ مِنْ ضَرَرِ إتْلَافِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ لِلْفَسَادِ وَالسَّفَهِ أَصْلًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ كَقَوْلِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ جَازَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدِهِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهَا وَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا.

لِأَنَّهُ مُبَذِّرٌ مَالَهُ بِصَرْفِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِيه الْعَقْلُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ اعْتِبَارًا بِالصَّبِيِّ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ احْتِمَالُ التَّبْذِيرِ وَفِي حَقِّهِ حَقِيقَتُهُ وَلِهَذَا مُنِعَ عَنْهُ الْمَالُ، ثُمَّ هُوَ لَا يُفِيدُ بِدُونِ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُ بِلِسَانِهِ مَا مُنِعَ مِنْ يَدِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالرَّشِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ، وَقَوْلُهُ وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا، وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَرِضَ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُحْجَرُ الْفَاسِقُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ. وَإِنَّمَا الْمَسَائِلُ الْخِلَافِيَّةُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ: ثِنْتَانِ مِنْهَا مَذْكُورَتَانِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبِدَايَةِ: إحْدَاهُمَا مَسْأَلَةُ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ السَّفِيهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُحْجَرُ عِنْدَهُمَا. وَأُخْرَاهُمَا مَسْأَلَةُ أَنَّ الْغُلَامَ الْبَالِغَ غَيْرَ رَشِيدٍ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسُ مِنْهُ رُشْدُهُ. وَوَاحِدَةٌ مِنْهُمَا مَذْكُورَةٌ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي الْهِدَايَةِ وَحْدَهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَنْ يَحْجُرَ الْقَاضِي بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ عِنْدهمَا، وَمَعَ ذَلِكَ جُعِلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ أَصْلًا فِي الذِّكْرِ وَقَوْلُهُمَا تَبَعًا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ مَا هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِهِ إلَّا الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْهِدَايَةِ وَحْدَهَا، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. ثُمَّ أَقُولُ: لَوْ قَالَ بَدَلَ ذَلِكَ الْكَلَامِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَلْقِيبَ هَذَا الْبَابِ بَابَ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ لِلْفَسَادِ وَالسَّفَهِ أَصْلًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُبَذِّرٌ مَالَهُ بِصَرْفِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ اعْتِبَارًا بِالصَّبِيِّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُبَذِّرٌ مَالَهُ بِصَرْفِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ كَالصَّبِيِّ فَهَذَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: تَقْرِيرُهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قِيَاسُ السَّفِيهِ عَلَى الصَّبِيِّ قِيَاسًا تَقْرِيبًا فِي وُجُوبِ الْحَجْرِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ، وَقَدْ قَرَّرَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَنْطِقِيِّ حَيْثُ قَدَّرَ الْكُبْرَى الْكُلِّيَّةَ وَجَعَلَ قَوْلَهُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَتِيجَةَ الْقِيَاسِ كَمَا تَرَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَالَا: هَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ لَا بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ، وَقَالَا: وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّفِيهُ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ كَالْفَاسِقِ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ زَجْرًا وَعُقُوبَةً، وَعِنْدَهُمَا لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ لَا يُسَمَّى سَفِيهًا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِيمَا مَرَّ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَبْذِيرِ الْمَالِ وَإِتْلَافِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُصْلِحِ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ يُسَمَّى بِالسَّفِيهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا هَاهُنَا، إذْ نَحْنُ بِصَدَدِ بَيَانِ حُكْمِ السَّفِيهِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْفَاسِقُ دَاخِلًا فِي السَّفِيهِ فِي عُرْفِهِمْ لَمَا صَحَّ بَيَانُ الْحُكْمِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ الْفَاسِقَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالرَّشِيدِ) قِيلَ: يُشْكِلُ هَذَا بِالْعَبْدِ، فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ أَيْضًا وَمَعَ ذَلِكَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ:

وَهَذَا لِأَنَّ فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارُ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ وَهُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّبْذِيرِ فَلَا يُتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْحَجْرِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُتَطَبِّبِ الْجَاهِلِ وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ جَازَ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ، إذْ هُوَ دَفْعُ ضَرَرِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْحَجْرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْعُقُوبَةِ، وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا قَادِرٌ عَلَيْهِ نَظَرَ لَهُ الشَّرْعُ مَرَّةً بِإِعْطَاءِ آلَةِ الْقُدْرَةِ وَالْجَرْيُ عَلَى خِلَافِهِ لِسُوءِ اخْتِيَارِهِ، وَمَنْعُ الْمَالِ مُفِيدٌ لِأَنَّ غَالِبَ السَّفَهِ فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ. قَالَ (وَإِذَا حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَ حَجْرَهُ وَأَطْلَقَ عَنْهُ جَازَ) لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْهُ فَتْوَى وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ، حَتَّى لَوْ رُفِعَ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى الْقَاضِي الْحَاجِرِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَقَضَى بِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَفَذَ إبْطَالُهُ لِاتِّصَالِ الْإِمْضَاءِ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ النَّقْضُ بَعْدَ ذَلِكَ (ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذَكَرَ الْمُخَاطَبَ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ كَامِلٍ لِسُقُوطِ الْخِطَابَاتِ الْمَالِيَّةِ عَنْهُ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْكَفَّارَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَسُقُوطُ بَعْضِ الْخِطَابَاتِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالْحَجِّ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالشَّهَادَاتِ وَشَطْرِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهِمَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُخَاطَبِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ مُخَاطَبٌ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِالتَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فَحِينَئِذٍ لَا يَتَنَاوَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ مُخَاطَبٌ الْعَبْدَ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ فَلَا تَصَرُّفَ لَهُ فِي الْمَالِ وَلَا خِطَابَ فِيهِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: بَقِيَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ عَاقِلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَكُونُ إلَّا عَاقِلًا، فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِعَاقِلٍ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ

تَصَرُّفُهُ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ. وَقَالَا: لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ السَّفَهُ فَيَبْقَى مَا بَقِيَ الْعِلَّةُ وَصَارَ كَالصِّبَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ، وَلَا يَتَأَدَّبُ بَعْدَ هَذَا ظَاهِرًا وَغَالِبًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَنْعِ فَلَزِمَ الدَّفْعُ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ بِمُخَاطَبٍ لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدُهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَسَامُحُ عِبَارَتِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَبَدِ وَحَتَّى ظَاهِرٌ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ عِبَارَتِهِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْأَبَدُ عَلَى الزَّمَانِ الطَّوِيلِ الْمُمْتَدِّ، كَمَا حَمَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْخُلُودَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] عَلَى الْمُكْثِ الطَّوِيلِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَدَافُعَ بَيْنَ الْأَبَدِ وَحَتَّى كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَلَا يَتَأَدَّبُ بَعْدَ هَذَا ظَاهِرًا وَغَالِبًا، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَنْعِ فَلَزِمَ الدَّفْعُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَهَذَا الدَّلِيلُ يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا أَنْ عِلَّةَ الْمَنْعِ السَّفَهُ، لَكِنَّ الْمَعْلُولَ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ حَيْثُ التَّأْدِيبُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلتَّأْدِيبِ وَلَا تَأْدِيبَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا، لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَصِيرُ جَدًّا بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْبُلُوغِ فِي الْإِنْزَالِ وَهُوَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلتَّأْدِيبِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَنْعِ فَلَزِمَ الدَّفْعُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُجْعَلَ مُعَارَضَةً فَيُقَالُ: مَا ذَكَرْتُمْ وَإِنْ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْمَدْلُولِ لَكِنْ عِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ إلَخْ اهـ كَلَامُهُ، وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرَاهُ خَلَلٌ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ كَوْنِ عِلَّةِ الْمَنْعِ السَّفَهَ وَادَّعَاهُ أَنَّ الْمَعْلُولَ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ حَيْثُ التَّأْدِيبُ دُونَ الْمَنْعِ الْمُطْلَقِ يَلْزَمُ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْمَعْلُولُ عَنْ الْعِلَّةِ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَنْعِ مِنْ حَيْثُ التَّأْدِيبُ بَعْدَهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا لِلتَّأْدِيبِ مَعَ تَحَقُّقِ السَّفَهِ بَعْدَهَا أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَخَلُّفَ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ: فَيَبْقَى مَا بَقِيَ الْعِلَّةُ، فَاعْتِبَارُ التَّأْدِيبِ مَعَ الْمَنْعِ فِي جَانِبِ الْمَعْلُولِ بَاطِلٌ أَيْضًا لِاسْتِلْزَامِهِ ذَلِكَ الْبَاطِلَ الْمُحَالَ. وَالصَّوَابُ عِنْدِي فِي تَقْرِيرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ لَيْسَ هُوَ السَّفَهُ وَحْدَهُ بَلْ هُوَ مَعَ قَصْدِ التَّأْدِيبِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ الْمَحِلُّ قَابِلًا لِلتَّأْدِيبِ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يُقْصَدْ التَّأْدِيبُ بَعْدَهَا فَانْتَفَتْ الْعِلَّةُ بِانْتِفَاءِ أَحَدِ جُزْأَيْهَا وَهُوَ قَصْدُ التَّأْدِيبِ فَلَزِمَ انْتِفَاءُ الْمَعْلُولِ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ أَيْضًا بَعْدَهَا فَوَجَبَ الدَّفْعُ، فَصَارَ حَاصِلُ هَذَا الدَّلِيلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الْمَنْعُ لَا التَّسْلِيمُ كَمَا تُوُهِّمَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ

بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا وَهُوَ فِي أَوَائِلِ الْبُلُوغِ وَيَتَقَطَّعُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ فَلَا يَبْقَى الْمَنْعُ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا، ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ. فَعِنْدَهُمَا لَمَّا صَحَّ الْحَجْرُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ إذَا بَاعَ تَوْفِيرًا لِفَائِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ وَالتَّوَقُّفُ لِلنَّظَرِ لَهُ وَقَدْ نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَاظِرًا لَهُ فَيَتَحَرَّى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، كَمَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَقْصِدُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا وَهُوَ فِي أَوَائِلِ الْبُلُوغِ، وَيَنْقَطِعُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ فَلَا يَبْقَى الْمَنْعُ) فَإِنْ قِيلَ: الدَّفْعُ مُعَلَّقٌ بِإِينَاسِ الرُّشْدِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ. سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّهُ مُنْكَرٌ يُرَادُ بِهِ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ الْإِنْسَانُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لِصَيْرُورَةِ فُرُوعِهِ أَصْلًا فَكَانَ مُتَنَاهِيًا فِي الْأَصَالَةِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَهُ مُتَنَاهِيًا فِي الْأَصَالَةِ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يَقْتَضِي رُشْدَهُ لِحُصُولِ ذَلِكَ فِي الْمَجْنُونِ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ تَصَوَّرْ الرُّشْدِ فِيهِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ لَا يُطَابِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالرُّشْدِ هُنَاكَ الرُّشْدُ الْكَامِلُ، لَكِنْ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ وَيَأْبَاهُ دَلِيلُهُ، تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ وَالتَّوَقُّفُ لِلنَّظَرِ لَهُ وَقَدْ نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَاظِرًا لَهُ فَيَتَحَرَّى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: اسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْجَوَازَ. وَرُدَّ بِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ إذَا وُجِدَ مِنْ أَهْلِهِ يُوجِبُ ذَلِكَ وَالسَّفِيهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ وَالسَّفَهُ لَا يَنْفِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَامَ التَّوَقُّفُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لِلنَّظَرِ لَهُ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ نَصَّبَ نَاظِرًا فَيَتَحَرَّى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ كَمَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَقْصِدُهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ، وَرَدَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ وُجِدَ حَيْثُ قَالَ: هَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَقَطْ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ إلَخْ: أَيْ اسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى التَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ وَالتَّوَقُّفُ لِلنَّظَرِ إلَخْ، فَحَصَلَ

وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْحَجْرَ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّظَرِ وَالْحَجْرُ لِنَظَرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْقَاضِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَبْلُغُ مَحْجُورًا عِنْدَهُ، إذْ الْعِلَّةُ هِيَ السَّفَهُ بِمَنْزِلَةِ الصِّبَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ. وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَخْ وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْهَازِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْهَازِلَ يُخْرِجُ كَلَامَهُ لَا عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ، فَكَذَلِكَ السَّفِيهُ وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَجْمُوعِ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ مَعًا وَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِهِ هُوَ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْجَوَازِ فَقَطْ. وَلَمَّا اتَّجَهَ عَلَى أَوَّلِ اسْتِدْلَالِهِ سُؤَالٌ ظَاهِرُ الْوُرُودِ تَصَدَّى الشَّارِحُ لِذِكْرِهِ مَعَ جَوَابِهِ فَوَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ دَلِيلِ الْجَوَازِ وَدَلِيلِ التَّوَقُّفِ فِي الْبَيَانِ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ وَمَا لَا فَلَا، إلَى قَوْلِهِ: وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ السَّفِيهَ لَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَأَعْتَقَ رَقَبَةً لَمْ يُنْفِذْهُ الْقَاضِي، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ بِهَدْيٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُنْفِذْهُ. فَهَذَا مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ» وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ الْحَجْرُ بِالسَّفَهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْهَازِلَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَتَقَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ وَالْمَحْجُورُ بِالسَّفَهِ إذَا أَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، فَالْهَزْلُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي وُجُوبِ السِّعَايَةِ وَالْحَجْرُ أَثَّرَ فِيهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ السَّفِيهِ لَا فِي حَقِّ الْهَازِلِ. وَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لِقَصْدِهِ اللَّعِبَ بِهِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْعَقْلِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَنْفِيذِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ، لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِمَا إضَاعَةَ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَجْرِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ مَالِهِ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ وَالنَّذْرِ. وَعَنْ الثَّانِي مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ قَصْدَ اللَّعِبِ بِالْكَلَامِ وَتَرْكَ مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ مُكَابَرَةِ الْعَقْلِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ وَعَنْ الثَّانِي عَلَى

وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ إلَّا الطَّلَاقَ كَالْمَرْقُوقِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ (وَ) إذَا صَحَّ عِنْدَهُمَا (كَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي رَدِّ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ إنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِمُعْتِقِهِ وَالسِّعَايَةُ مَا عُهِدَ وُجُوبُهَا فِي الشَّرْعِ إلَّا لِحَقِّ غَيْرِ الْمُعْتِقِ (وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ جَازَ) لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ فَيُعْتَبَرُ بِحَقِيقَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَحْثٌ أَيْضًا. أَمَّا فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ الْجَوَابِ بَيَانُ وَجْهِ عَدَمِ تَنْفِيذِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ الْوَاقِعَةِ مِنْ السَّفِيهِ، وَهَذَا لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِ الْبَحْثِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ الْبَحْثِ كَمَا تَرَى نَقَضَ كُلِّيَّةَ قَوْلِهِمَا إنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ، وَمَا لَا فَلَا، بِعَدَمِ تَنْفِيذِ الْقَاضِي تَصَرُّفَ السَّفِيهِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ مَعَ عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ يُقَوِّي الْبَحْثَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدْفَعَهُ. وَأَمَّا فِي الْجَوَابِ عَنْ الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ، وَذَلِكَ فِي رَدِّ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ هَذَا أَيْضًا لَا يَدْفَعُ نَقْضَ الْكُلِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي أَصْلِهِمَا كَمَا هُوَ حَاصِلُ الْبَحْثِ الثَّانِي أَيْضًا، بَلْ يُقَوِّيهِ كَمَا عَرَفْت آنِفًا. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي الْبَحْثِ الثَّالِثِ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لِقَصْدِهِ اللَّعِبَ بِهِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ، إذْ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي السَّفِيهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اهـ. أَقُولُ: كَأَنَّهُ غَلِطَ فِي الِاسْتِخْرَاجِ فَتَوَهَّمَ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ فِي قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى التَّعْلِيلِ. فَاعْتَرَضَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيلِ هَاهُنَا مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَعْنِي قَصْدَ اللَّعِبِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا يُوجَدُ فِي السَّفِيهِ، كَمَا أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ

وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ (وَلَوْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ فَأُلْحِقَ بِالْمُصْلِحِ فِي حَقِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، وَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ إذْ لَيْسَ لَهُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَلَدَ شَاهِدٌ لَهَا. وَنَظِيرُهُ الْمَرِيضُ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهَا) لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ (وَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ النِّكَاحِ (وَبَطَلَ الْفَضْلُ) لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، وَهَذَا الْتِزَامٌ بِالتَّسْمِيَةِ وَلَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ فَلَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ وَصَارَ كَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً) لِمَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ لَا يُوجَدُ فِي الْهَازِلِ عَلَى زَعْمِ صَاحِبِ الْبَحْثِ الثَّالِثِ، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَزْبُورَ رَاجِعٌ إلَى حَقِّ

قَالَ (وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ (وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ) لِأَنَّ إحْيَاءَ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِقَرَابَتِهِ، وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَيْهِ لِيَصْرِفَهَا إلَى مَصْرِفِهَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً، لَكِنْ يَبْعَثُ أَمِينًا مَعَهُ كَيْ لَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ. وَفِي النَّفَقَةِ يَدْفَعُ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَوْ ظَاهَرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ بَلْ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ بِفِعْلِهِ، فَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ يُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَا كَذَلِكَ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ. قَالَ (فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ (وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ) كَيْ لَا يُتْلِفُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ (وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا) اسْتِحْسَانًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا، بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَجِّ (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسُوقَ بَدَنَةً) تَحَرُّزًا عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ، إذْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا وَهِيَ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ. قَالَ (فَإِنْ مَرِضَ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ) لِأَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ إذْ هِيَ حَالَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهَازِلِ فِي قَوْلِهِ لَا فِي حَقِّ الْهَازِلِ. فَالْمَعْنَى وَاَلَّذِي يَصِحُّ فِي حَقِّ الْهَازِلِ أَنْ يُقَالَ لِقَصْدِهِ اللَّعِبَ بِهِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا مَا ذُكِرَ

انْقِطَاعِهِ عَنْ أَمْوَالِهِ وَالْوَصِيَّةُ تَخْلُفُ ثَنَاءً أَوْ ثَوَابًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْرِيعَاتِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. قَالَ (وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ عِنْدَنَا وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحْجَرُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي السَّفِيهِ وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلْ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ. وَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ نَوْعُ رُشْدٍ فَتَتَنَاوَلُهُ النَّكِرَةُ الْمُطْلَقَةُ، وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عِنْدَنَا لِإِسْلَامِهِ فَيَكُونُ وَالِيًا لِلتَّصَرُّفِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ السَّفِيهِ فَقَطْ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِبَحْثِ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَجْهٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ وَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ نَوْعُ رُشْدٍ فَتَتَنَاوَلُهُ النَّكِرَةُ الْمُطْلَقَةُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى رُشْدًا مُنْكَرٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، وَالنَّكِرَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ وَلَا تَعُمُّ، فَإِذَا أُوجِدَ رُشْدٌ مَا فُقِدَ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَجِبُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: تَقْرِيرُ دَلِيلِ أَئِمَّتِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: يَنْتَقِضُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي السَّفِيهِ الْمُصْلِحِ فِي دِينِهِ دُونَ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ أُونِسَ مِنْهُ نَوْعُ رُشْدٍ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي دِينِهِ، فَتَتَنَاوَلُهُ النَّكِرَةُ الْمُطْلَقَةُ فَيَجِبُ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ أَيْضًا مَالُهُ. وَالْأَظْهَرُ فِي تَقْرِيرِ اسْتِدْلَالِ أَئِمَّتِنَا بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَشَرْحُهُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الرُّشْدَ فِي الْمَالِ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ الرُّشْدُ فِي الدِّينِ مُرَادًا كَيْ لَا تَعُمَّ النَّكِرَةُ الْمُطْلَقَةُ، أَوْ لِأَنَّ الدَّفْعَ مُعَلَّقٌ بِإِينَاسِ رُشْدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، فَلَا يَكُونُ الرُّشْدُ فِي الدِّينِ مُرَادًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِرُشْدَيْنِ انْتَهَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عِنْدَنَا لِإِسْلَامِهِ فَيَكُونُ وَالِيًا لِلتَّصَرُّفِ) أَقُولُ: يَرِدُ النَّقْضُ بِالسَّفِيهِ الْمُصْلِحِ فِي دِينِهِ دُونَ مَالِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِيهِ أَيْضًا مُتَحَقِّقٌ بَلْ فِيهِ أَقْوَى، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَالِيًا لِلتَّصَرُّفِ أَيْضًا غَيْرَ

[فصل في حد البلوغ]

وَيَحْجُرُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ وَهُوَ أَنْ يُغْبَنَ فِي التِّجَارَاتِ وَلَا يَصْبِرُ عَنْهَا لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ لِمَا فِي الْحَجْرِ مِنْ النَّظَرِ لَهُ. (فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَيَحْجُرُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا أَيْضًا؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ، وَهُوَ أَنْ يُغْبَنَ فِي التِّجَارَاتِ إلَخْ) . وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ مَا حَجَرَ عَلَى حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَكَانَ يُغْبَنُ فِي التِّجَارَاتِ، بَلْ قَالَ لَهُ «قُلْ لَا خِلَابَةَ لِي الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» فَأَثْبَتَ لَهُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَمَا حَجَرَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُغَفَّلِ ثَبَتَ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] لِمَا أَنَّهُ يُتْلِفُ الْأَمْوَالَ كَالسَّفِيهِ فَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ، كَذَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابِ. وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَنْعَ الْمَالُ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحَجْرِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُفْهَمُ مِنْهُ الْحَجْرُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْمَنْعَ كَمَا سَبَقَ مِنْ دَلِيلِهِمَا اهـ. أَقُولُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ الْحَجْرَ أَبْلَغُ مِنْ مَنْعِ الْمَالِ فِي الْعُقُوبَةِ كَمَا مَرَّ فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ، فَأَنَّى يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ الْمَالِ الْحَجْرُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ مُفِيدٌ لِأَنَّ غَالِبَ السَّفَهِ فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ كَمَا مَرَّ هَذَا أَيْضًا فِي دَلِيلِهِ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمَا الْمَنْعُ لَا يُفِيدُ بِدُونِ الْحَجْرِ فَيَسْقُطُ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ هَاهُنَا وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْمَنْعَ كَمَا سَبَقَ مِنْ دَلِيلِهِمَا. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ نَوْعَ حَجْرٍ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَطْلَقَ لَهُ الْبُيُوعَ كُلَّهَا بِالْخِيَارِ فَصَارَ كَالْمَحْجُورِ فِي الْبُيُوعِ الْمُطْلَقَةِ فَافْهَمْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِشَيْءٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا حَجْرَ فِي الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ عَلَى حِبَّانَ فِي شَيْءٍ، بَلْ فِيهِ إرْشَادُهُ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ مِنْ شَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْمَذْكُورُ فَصَارَ كَالْمَحْجُورِ فِي الْبُيُوعِ الْمُطْلَقَةِ يُشْعِرُ بِاعْتِرَافِهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَقِيقَةً فِي شَيْءٍ فَلَا يُجْدِي مَا قَالَهُ شَيْئًا هَاهُنَا، وَلَوْ سُلِّمَ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى كَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي الْبُيُوعِ الْمُطْلَقَةِ: أَيْ فِي الْبُيُوعِ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْخِيَارُ فَلَا نَفْعَ لَهَا فِي دَفْعِ مَادَّةِ الِاعْتِرَاضِ هَاهُنَا فَإِنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَى الْمُغَفَّلِ فِي بُيُوعِهِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ شَرَطَ فِيهَا الْخِيَارَ أَمْ لَا، فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُغَفَّلِ فِي بُيُوعِهِ الَّتِي شُرِطَ فِيهَا الْخِيَارُ خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ. [فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ] الْبُلُوغُ فِي اللُّغَةِ الْوُصُولُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: انْتِهَاءُ الصِّغَرِ. وَلَمَّا كَانَ الصِّغَرُ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحَجْرِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَيَانِ

قَالَ (بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ إذَا وَطِئَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إذَا تَمَّ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَعَنْهُ فِي الْغُلَامِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنْ يَطْعَنَ فِي التَّاسِعِ عَشْرَةَ سَنَةً وَيَتِمُّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَا اخْتِلَافَ. وَقِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَّا الْعَلَامَةُ فَلِأَنَّ الْبُلُوغَ بِالْإِنْزَالِ حَقِيقَةً وَالْحَبَلُ وَالْإِحْبَالُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ، وَكَذَا الْحَيْضُ فِي أَوَانِ الْحَبَلِ، فَجُعِلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ، وَأَدْنَى الْمُدَّةِ لِذَلِكَ فِي حَقِّ الْغُلَامِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي حَقِّ الْجَارِيَةِ تِسْعُ سِنِينَ. وَأَمَّا السِّنُّ فَلَهُمْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَّةُ أَنَّ الْبُلُوغَ لَا يَتَأَخَّرُ فِيهِمَا عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] وَأَشُدُّ الصَّبِيِّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَتَابَعَهُ الْقُتَيْبِيُّ، وَهَذَا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِنَاثَ نُشُوءُهُنَّ وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ فَنَقَصْنَا فِي حَقِّهِنَّ سَنَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يُوَافِقُ وَاحِدٌ مِنْهَا الْمِزَاجَ لَا مَحَالَةَ. قَالَ (وَإِذَا رَاهَقَ الْغُلَامُ أَوْ الْجَارِيَةُ الْحُلُمَ وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْبُلُوغِ فَقَالَ قَدْ بَلَغْتُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ) لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا ظَاهِرًا، فَإِذَا أَخْبَرَا بِهِ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمَا الظَّاهِرُ قُبِلَ قَوْلُهُمَا فِيهِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتِهَائِهِ، وَهَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَهَذَا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ، فَيَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ اعْتِرَاضٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ فِي بُلُوغِ الصَّبِيِّ رُشْدَهُ إنَّمَا هُوَ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي أَشُدِّهِ مِنْ الْمَدَدِ دُونَ أَقَلِّ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا فَقَدْ بَلَغَ الْأَقَلَّ مِنْهَا دُونَ الْعَكْسِ. نَعَمْ وُجُودُ الْأَقَلِّ فِي نَفْسِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْأَكْثَرِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، لَكِنْ لَيْسَ الْكَلَامُ هَاهُنَا فِي وُجُودِ مُدَّةٍ فِي نَفْسِهَا بَلْ فِي كَوْنِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَشُدَّ الصَّبِيِّ، وَالْمُتَيَقَّنُ بِهِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي أَشُدِّهِ بِلَا رَيْبٍ، ثُمَّ إنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الشُّرَّاحِ حَامَ حَوْلَ هَذَا الْإِشْكَالِ سِوَى تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبِ الْكِفَايَةِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، إذْ الْأَدْنَى يَكُونُ فِي الْأَكْثَرِ دُونَ الْعَكْسِ. قُلْنَا: أَوَّلُ الْآيَةِ {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} [الأنعام: 152] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] وَاَللَّهُ تَعَالَى مَدَّ الْحُكْمَ إلَى غَايَةِ الْأَشُدِّ، وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ، إذْ لَوْ مَدَّ إلَى أَقْصَاهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمُدَّ إلَى ثَمَانِيَ عَشَرَةَ، وَلَوْ مَدَّ إلَيْهَا لَا يَكُونُ مُمْتَدًّا إلَى أَقْصَاهُ فَكَانَتْ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ مُتَيَقَّنًا فِي كَوْنِ الْحُكْمِ

[باب الحجر بسبب الدين]

[بَابُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ] ِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَحْجُرُ فِي الدَّيْنِ، وَإِذَا وَجَبَتْ دُيُونٌ عَلَى رَجُلٍ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُمْتَدًّا إلَيْهَا فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْأَشُدَّ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ مُنْتَهَى الْحُكْمِ السَّابِقِ، وَغَايَتُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] فَمُجَرَّدُ دُخُولِ مَدِّ الْحُكْمِ السَّابِقِ إلَى ثَمَانِيَ عَشَرَةَ فِي مَدِّهِ إلَى أَقْصَى مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْأَشُدِّ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ مُنْتَهَى الْحُكْمِ السَّابِقِ وَغَايَتَهُ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُهَا أَشُدَّهُ فِيمَا إذَا مَدَّ الْحُكْمَ إلَى أَقْصَاهُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ وُجُودُهَا فِي نَفْسِهَا فِي ضِمْنِ وُجُودِ مُدَّةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا بِهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا الْأَشُدَّ بَلْ مِنْ حَيْثُ وُجُودُهَا فِي نَفْسِهَا، وَالْمَطْلُوبُ هَاهُنَا هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَالْحَقُّ فِي أَصْلِ التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: وَهَذَا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ، فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ قَوْلِهِ لِلِاحْتِيَاطِ: وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَأَمَّا فِي التَّبْيِينِ فَقَدْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ لِلِاحْتِيَاطِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ. (بَابُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ) تَلْقِيبُ هَذَا الْبَابِ بِالْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَمَا قَبْلَهُ بِالْحَجْرِ لِلْفَسَادِ إمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَطْ كَمَا قَالُوا فِي فَصْلِ تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِي بَابِ مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ مِنْ عِلْمِ الْفَرَائِضِ. لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَرَى شَيْئًا مِنْهَا، وَإِمَّا عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ نَظَرِ كُلِّهِمْ بِذَلِكَ إثْبَاتًا مِنْهُمَا وَنَفْيًا مِنْهُ. ثُمَّ إنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ لَمَّا كَانَ مَشْرُوطًا بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ كَانَ فِيهِ وَصْفٌ زَائِدٌ، فَصَارَ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ فَلَا جَرْمَ آثَرَ تَأْخِيرَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أَحْجُرُ فِي الدَّيْنِ، وَإِذَا وَجَبَ دُيُونٌ عَلَى رَجُلٍ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُهُ لِأَنَّ فِيهِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْمَالِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا يُتْرَكُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَلْ يُنَافِيهِ فِي الظَّاهِرِ، فَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: فَلَا يُتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ فَلَا يُرْتَكَبُ، وَقَوْلُهُ فَلَا يُتْرَكُ

(فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْحَاكِمُ) لِأَنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ، وَلِأَنَّهُ تِجَارَةٌ لَا عَنْ تَرَاضٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا بِالنَّصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ انْتَهَى. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ مَا عَلَيْهِ النُّسَخُ الْآنَ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُرَادُ بِالْأَعْلَى فِي قَوْلِهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى عَلَى أَهْلِيَّةِ الْمَدْيُونِ لَا إهْدَارِ أَهْلِيَّتِهِ، وَبِالْأَدْنَى عَلَى الْمَالِ نَفْسِهِ لَا عَلَى ضَرَرِهِ، يُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لِلْأَدْنَى وَلَمْ يَقُلْ لِدَفْعِ الْأَدْنَى كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ إهْدَارِ أَهْلِيَّتِهِ ضَرَرًا فَوْقَ ضَرَرِ الْمَالِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ كَوْنِ أَهْلِيَّتِهِ أَعْلَى: أَيْ أَشْرَفَ، وَكَوْنِ الْمَالِ أَدْنَى: أَيْ أَخَسَّ، فَإِنَّ ضَرَرَ فَوْتِ الْأَشْرَفِ فَوْقَ ضَرَرِ فَوْتِ الْأَخَسِّ لَا مَحَالَةَ. فَإِنْ قُلْت: الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ فِي السُّؤَالِ الْآتِي وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَوَّلُ أَعْلَى أَنْ لَوْ كَانَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَعْلَى إهْدَارَ الْأَهْلِيَّةِ وَبِالْأَدْنَى ضَرَرًا يُقَابِلُهُ. قُلْت: تَطْبِيقُ مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي حَيِّزِ الْمُرَادِ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنَّ عُلُوَّ نَفْسِ الْأَهْلِيَّةِ شَرَفًا وَعُلُوَّ إهْدَارِهَا ضَرَرًا مُتَلَازِمَانِ، وَكَذَا دَنَاءَةُ نَفْسِ الْمَالِ وَدَنَاءَةُ ضَرَرِهِ، فَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِالْأَعْلَى وَالْأَدْنَى فِي مَوْضِعٍ نَفْسُ الْأَهْلِيَّةِ وَنَفْسُ الْمَالِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ ضَرَرُهُمَا، وَيَحْصُلُ بِهَذَا الْقَدْرِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ. وَالثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ التَّرْكُ الْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِهِ فَلَا يُتْرَكُ عَلَى مَعْنَى الْإِبْقَاءِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى فَلَا يُبْقَى الضَّرَرُ الْأَعْلَى لِأَجْلِ الضَّرَرِ الْأَدْنَى: أَيْ لِأَجْلِ دَفْعِهِ، وَمَجِيءُ التَّرْكِ بِمَعْنَى الْإِبْقَاءِ وَاقِعٌ فِي التَّنْزِيلِ كَقَوْلِهِ جَلَّ اسْمُهُ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] أَيْ أَبْقَيْنَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَامُوسِ وَشَائِعٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ حَيْثُ يَقُولُونَ: تُرِكَ عَلَى حَالِهِ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتُ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي. فَإِنْ قُلْت: مَعْنَى الْإِبْقَاءِ لَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَحَلَّ، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ نَفْيِ إبْقَاءِ إهْدَارِ الْأَهْلِيَّةِ تَحَقُّقُ إهْدَارِهَا أَوَّلًا، إذْ الْبَقَاءُ فَرْعُ التَّحَقُّقِ. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَجُوزَ إهْدَارُ أَهْلِيَّةِ الْإِنْسَانِ رَأْسًا لِأَنَّ فِيهِ إلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ. قُلْت: لَا نُسَلِّمُ تَبَادُرَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ النَّفْيِ، وَكَوْنُ الْبَقَاءِ فَرْعَ التَّحَقُّقِ إنَّمَا هُوَ فِي الثُّبُوتِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْحَمْلَ عَلَى خِلَافِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ. وَالثَّالِثُ أَنْ تُحْمَلَ كَلِمَةُ لَا فِي قَوْلِهِ فَلَا يُتْرَكُ عَلَى الزَّائِدَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29] وَفِي قَوْله تَعَالَى {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1] وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْثِلَةِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ عُيِّنَتْ مَوَاقِعُ زِيَادَةِ لَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِ النَّحْوِ: أَحَدُهُمَا مَعَ الْوَاوِ بَعْدَ النَّفْيِ. وَثَانِيهِمَا بَعْدَ " أَنْ " الْمَصْدَرِيَّةِ. وَثَالِثُهَا قَبْلَ الْقَسَمِ عَلَى قِلَّةٍ. وَرَابِعُهَا مَعَ الْمُضَافِ عَلَى الشُّذُوذِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهَا فِي شَيْءٍ. قُلْت: ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ وُقُوعَ لَا الزَّائِدَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ التَّنْزِيلِ، وَعَدَّ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 109] فِيمَنْ فَتَحَ الْهَمْزَةَ. وَقَالَ: فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ الْخَلِيلُ وَالْفَارِسِيُّ لَا زَائِدَةٌ، وَإِلَّا لَكَانَ عُذْرًا لِلْكُفَّارِ، وَعَدَّ مِنْهَا أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] وَقَالَ فَقِيلَ لَا زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى مُمْتَنِعٌ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ قَدَّرْنَا إهْلَاكَهُمْ لِكُفْرِهِمْ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنْ الْكُفْرِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَيْسَا مِنْ الْمَوَاقِعِ الْأَرْبَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَمُوَافِقَيْنِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ، فَكَفَى بِهِمَا حُجَّةً لِهَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّوْجِيهِ. فَإِنْ قُلْت: لَا يَنْتَظِمُ حِينَئِذٍ آخِرُ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلْأَدْنَى، إذْ لَا مَعْنَى لَأَنْ يُقَالَ: يُتْرَكُ الضَّرَرُ الْأَعْلَى لِلضَّرَرِ الْأَدْنَى، فَإِنَّ تَرْكَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى لَيْسَ لِلضَّرَرِ الْأَدْنَى بَلْ لِكَوْنِهِ أَشَدَّ وَأَقْبَحَ مِنْهُ. ثُمَّ إنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِلْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ ذَاكَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَفَسَادُ الْمَعْنَى أَظْهَرُ، إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى إذْ ذَاكَ فَيُتْرَكُ الضَّرَرُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَدْنَى فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُتَحَمَّلَ شَيْءٌ مِنْ الضَّرَرَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا. قُلْت: يُمْكِنُ نَظْمُ ذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِلْأَدْنَى عَلَى مَعْنَى عِنْدَ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ فَيُتْرَكُ الضَّرَرُ الْأَعْلَى عِنْدَ تَيَسُّرِ الضَّرَرِ الْأَدْنَى لِوُجُوبِ اخْتِيَارِ أَهْوَنِ الشَّرَّيْنِ، وَهَذَا مَعْنًى مُسْتَقِيمٌ كَمَا تَرَى، وَمَجِيءُ اللَّامِ بِمَعْنَى عِنْدَ قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِمْ كَتَبْتُهُ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ، وَقَالَ: وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ جِنِّي قِرَاءَةَ قَوْله تَعَالَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} [ق: 5] بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ اهـ. وَالْإِنْصَافُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِتَوْجِيهِ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا لَكِنَّ مَقْصُودَنَا بَيَانُ جُمْلَةِ مَا لُوحِظَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إهْدَارُ الْأَهْلِيَّةِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الْمَدْيُونَ وَتَرْكُ الْحَجْرِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الدَّائِنَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَوَّلُ أَعْلَى لَوْ كَانَ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ضَرَرَ الدَّائِنِ يَنْدَفِعُ بِالْحَبْسِ لَا مَحَالَةَ، وَالْحَبْسُ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الْمَدْيُونَ مُجَازَاةً شَرْعًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَى مَا انْدَفَعَ بِهِ ضَرَرُ الدَّائِنِ وَإِهْدَارُ الْأَهْلِيَّةِ أَعْلَى مِنْ الْحَبْسِ فَيَكُونُ أَعْلَى مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: حَاصِلُ السُّؤَالِ مَنْعُ كَوْنِ إهْدَارِ أَهْلِيَّةِ الْمَدْيُونِ أَعْلَى ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ مُسْتَنِدًا بِكَوْنِهِمَا فِي شَخْصَيْنِ دُونَ شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ إثْبَاتُ الْمُقَدِّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ بِطَرِيقِ قِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ مِنْهُ بُطْلَانُ السَّنَدِ أَيْضًا. تَقْرِيرُهُ أَنَّ إهْدَارَ الْأَهْلِيَّةِ أَعْلَى ضَرَرًا مِنْ الْحَبْسِ، وَالْحَبْسُ أَعْلَى ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ يَنْتِجُ أَنَّ إهْدَارَ الْأَهْلِيَّةِ أَعْلَى ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ بِمُلَاحَظَةِ مُقَدِّمَةٍ مُقَرَّرَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْأَعْلَى مِنْ الْأَعْلَى مِنْ الشَّيْءِ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ يَقْتَضِي كَوْنَ إهْدَارِ الْأَهْلِيَّةِ أَعْلَى ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ وَإِنْ كَانَ فِي شَخْصَيْنِ فَسَقَطَ الْمَنْعُ وَبَطَلَ السَّنَدُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْقِيَاسِ الْمَزْبُورِ وَهِيَ قَوْلُنَا وَالْحَبْسُ أَعْلَى ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ نَوْعُ خَفَاءٍ بَيَّنَهَا الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ ضَرَرَ الدَّائِنِ يَنْدَفِعُ بِالْحَبْسِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَبْسُ أَعْلَى ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ لَمَّا انْدَفَعَ هَذَا بِذَاكَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى وَالنَّتِيجَةَ لِظُهُورِهِمَا بِلَا بَيَانٍ. ثُمَّ أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ ضَرَرَ الدَّائِنِ يَنْدَفِعُ بِالْحَبْسِ لَا مَحَالَةَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْتَارَ الْمَدْيُونُ الْحَبْسَ أَبَدًا وَلَا يُوفِي حَقَّ الدَّائِنِ فَلَا يَنْدَفِعُ حِينَئِذٍ ضَرَرُ الدَّائِنِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْحَبْسَ لَوْ كَانَ أَعْلَى ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ لَمَّا جَازَ الْحَبْسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ لَا يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَدْنَى كَمَا هُوَ الْأَسَاسُ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، مَعَ أَنَّ الْحَبْسَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمُتَعَيِّنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمَدْيُونِ الْحَبْسَ الْأَبَدِيَّ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ بَعِيدٌ جِدًّا غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْعَادَةِ إلَّا بِغَايَةِ النُّدْرَةِ، وَمَبْنَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْغَالِبِ الْأَكْثَرِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَبْسَ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ دَفْعِ ضَرَرِ الْمَالِ عَنْ الدَّائِنِ، بَلْ هُوَ مَعَ ذَلِكَ جَزَاءٌ لِظُلْمِ الْمَدْيُونِ الدَّائِنَ بِالْمُمَاطَلَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْحَبْسِ مِنْ قَضَاءِ الْقَضَاءِ بِكَوْنِ الْحَبْسِ مِنْ جَزَاءِ الْمُمَاطَلَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَبْسَ غَرِيمِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ فِي أَثْنَاءِ الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ بِقَوْلِهِ: وَالْحَبْسُ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الْمَدْيُونَ مُجَازَاةً شَرْعًا، وَلَعَلَّ قَصْدَهُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ كَانَ بَاعِثًا عَلَى ذِكْرِهِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ أَثْنَاءَ الْجَوَابِ، وَإِلَّا فَلَا مَدْخَلَ لَهُ أَصْلًا فِي إثْبَاتِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ فِي السُّؤَالِ كَمَا ظَهَرَ مِنْ تَقْرِيرِنَا السَّابِقِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاخْتِيَارُ الْحَبْسِ لِلْمُجَازَاةِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ انْدِفَاعِ ضَرَرِ الْمَالِ عَنْ الدَّائِنِ بِهِ أَيْضًا لَا لِمُجَرَّدِ دَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ الَّذِي هُوَ أَدْنَى مِنْ ضَرَرِ الْحَبْسِ حَتَّى يَنْتَقِضَ بِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى. فَإِنْ قُلْت: هَبْ أَنَّ الْحَبْسَ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ دَفْعِ ضَرَرِ الْمَالِ عَنْ الدَّائِنِ بَلْ لَهُ وَلِجَزَاءِ ظُلْمِ الْمُمَاطَلَةِ مَعًا لَكِنْ يَنْدَفِعُ بِهِ ظُلْمُ الْمُمَاطَلَةِ أَيْضًا كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ إيفَاءً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَدَفْعًا لِظُلْمِهِ اهـ. فَبِقِيَاسِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْجَوَابِ الْقَائِلَةِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَى مَا انْدَفَعَ بِهِ ضَرَرُ الدَّائِنِ، يُقَالُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَبْسُ أَعْلَى مِنْ ظُلْمِ الْمُمَاطَلَةِ لَمَا انْدَفَعَ بِهِ ذَلِكَ الظُّلْمُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ أَعْلَى مِنْ ظُلْمِ الْمُمَاطَلَةِ أَيْضًا فَيَعُودُ انْتِقَاضُ قَوْلِهِ لَا يُتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى بِالْحَبْسِ. قُلْت: الْمُنْدَفِعُ بِالْحَبْسِ ظُلْمُهُ الْآتِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ دَفْعًا لِظُلْمِهِ لَا ظُلْمُهُ الْمَاضِي، إذْ لَا مَجَالَ لِدَفْعِ مَا تَحَقَّقَ فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُمَاطَلَةِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى، وَاَلَّذِي جُعِلَ الْحَبْسُ جَزَاءً لَهُ إنَّمَا هُوَ ظُلْمُهُ الْمَاضِي وَاخْتِيَارُ الْحَبْسِ لِمُجَازَاةِ ظُلْمِهِ الْمَاضِي مَعَ دَفْعِ ظُلْمِهِ الْآتِي وَدَفْعِ ضَرَرِ الْمَالِ عَنْ الدَّائِنِ أَيْضًا فَلَا يَتَمَشَّى النَّقْضُ بِالنَّظَرِ إلَى مُجَازَاةِ ظُلْمِهِ الْمَاضِي كَمَا لَا يَخْفَى. وَلَئِنْ سُلِّمَ

(وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ) إيفَاءً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَدَفْعًا لِظُلْمِهِ (وَقَالَا: إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُ الْحَبْسِ أَعْلَى مِنْ ظُلْمِهِ مُطْلَقًا وَمِنْ ضَرَرِ الدَّائِنِ فَنَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ لَا يُتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى قَوْلٌ عَلَى مُوجَبِ الْقِيَاسِ، وَالْحَبْسُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي فَصْلِهِ وَفَصَّلُوهُ فَيُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ، بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ فَيَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ وَيَسْقُطُ النَّقْضُ بِالْحَبْسِ قَطْعًا. لَا يُقَالُ: الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ أَيْضًا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ مُعَاذًا رَكِبَتْهُ دُيُونٌ فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَهُ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ» كَمَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّبْيِينِ وَبَعْضِ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: أَجَابُوا عَنْهُ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ أَيْضًا عَنْ قِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ بَيْعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَ مُعَاذٍ كَانَ بِإِذْنِهِ، اسْتَعَانَ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ بَيْعَ مَالِهِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَأْمُرَهُ وَيَأْبَى، وَلَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: مَعَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ طَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ لِيَنَالَ بَرَكَتَهُ فَيَصِيرَ دَيْنُهُ مَقْضِيًّا بِبَرَكَتِهِ» اهـ. فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا نَصَّ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ هُوَ الْقِيَاسُ. وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ مِنْ الْأَسْرَارِ الَّتِي وُفِّقْت لَهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ إنَّ مِنْ الْعَجَائِبِ هَاهُنَا أَنِّي قَدْ اُبْتُلِيت فِي زَمَانٍ مِنْ الْأَزْمَانِ بِأَنْ أُمْتَحَنَ مَعَ بَعْضِ مَنْ عُدَّ مِنْ الْأَهَالِي وَالْأَعْيَانِ لِأَجْلِ بَعْضٍ مِنْ الْمَدَارِسِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كُتُبٍ ثَلَاثَةٍ: الْهِدَايَةُ، وَشَرْحُ الْمَوَاقِفِ، وَشَرْحُ الْمِفْتَاحِ، فَاتَّفَقَ أَنْ يَقَعَ الْبَحْثُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ، فَكَانَ اسْتِخْرَاجُ بَعْضٍ مِنْ أَصْحَابِ الِامْتِحَانِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ لَوْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي الْجَوَابِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَى مَا انْدَفَعَ بِهِ ضَرَرُ الدَّائِنِ وَصْلِيَّةً، فَجَعَلَ كَلِمَةَ أَعْلَى مُضَافَةً إلَى كَلِمَةِ مَا، وَجَعَلَ كَلِمَةَ مَا مَوْصُولَةً، فَبَنَى عَلَى هَذَا الِاسْتِخْرَاجِ خُرَافَاتٍ مِنْ الْأَوْهَامِ، فَلَمَّا عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى الصَّدْرَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا حَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ الِامْتِحَانِ بَيَّنَّا بُطْلَانَهُ وَشَنَّعَا عَلَيْهِ جِدًّا، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رَأْيِهِ الْبَاطِلِ بَلْ أَصَرَّ عَلَيْهِ، وَرَاجَعَ بَعْضَ الْوُزَرَاءِ وَاسْتَعَانَ بِشَهَادَةِ بَعْضٍ مِنْ جَهَلَةِ الْمُدَرِّسِينَ بِالْمَدَارِسِ الْعَالِيَةِ فَوَقَعَ النِّزَاعُ وَشَاعَ الْأَمْرُ حَتَّى كَادَ تَقَعُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلِلَّهِ دَرُّ مَنْ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَرَفَ قَدْرَهُ فَلَمْ يَتَعَدَّ طَوْرَهُ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى نَظِيرِهَا فِي أَوَائِلِ بَابِ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ بِأَنْ قَالَ: تَسَامُحُ عِبَارَتِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَبَدِ وَحَتَّى ظَاهِرٌ. وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ عِبَارَتِهِ هَاهُنَا أَيْضًا بِمَا وَجَّهْنَا بِهِ عِبَارَتَهُ هُنَاكَ مِنْ حَمْلِ الْأَبَدِ عَلَى الزَّمَانِ الطَّوِيلِ الْمُمْتَدِّ. وَيُمْكِنُ هَاهُنَا تَوْجِيهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ حَتَّى هَاهُنَا بِمَعْنَى كَيْ دُونَ إلَى، فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا لِيَكُونَ سَبَبًا لِبَيْعِهِ، فَلَا مُسَامَحَةَ فِي الْجَمْعِ أَصْلًا إذْ الْمُسَامَحَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَبَدِ وَحَتَّى بِمَعْنَى الِانْتِهَاءِ دُونَ السَّبَبِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ لَا يُقْصَدُ بِالْأَبَدِ مَعْنَى الدَّوَامِ أَلْبَتَّةَ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ الْمُسَامَحَةِ فِي الْجَمْعِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَقَالَا: إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا، بَلْ يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَى الْغَنِيِّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا نَظَرًا لِغُرَمَائِهِ ، بَلْ الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ إنَّمَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ دُونَ الْمُفْلِسِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ، فَذِكْرُ الْمُفْلِسِ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ يُخِلُّ بِحَقٍّ. لَا يُقَالُ: قَدْ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ حَتَّى لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ لَا يَصِحُّ حَجْرُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَالْإِفْلَاسُ عِنْدَهُمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَيُمْكِنُ لِلْقَاضِي الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ وَبِالْحَجْرِ بِنَاءً عَلَيْهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِفْلَاسُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا يَتَحَقَّقُ، فَلَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ أَوَّلًا وَبِالْحَجْرِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَانِعُ مِنْ الْحَجْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَوْنُ الْحَجْرِ مُتَضَمِّنًا إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمَحْجُورِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْقَضَاءِ

وَمَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفِ وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يُضِرَّ بِالْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ إنَّمَا جَوَّزَاهُ نَظَرًا لَهُ، وَفِي هَذَا الْحَجْرِ نَظَرٌ لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَسَاهُ يُلْجِئُ مَالَهُ فَيَفُوتُ حَقُّهُمْ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمَا وَمَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَمَّا الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْمَنْعُ لِحَقِّهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. قَالَ (وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ الْمُفْلِسُ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ الْبَيْعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ حَتَّى يُحْبَسَ لِأَجْلِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. قُلْنَا: التَّلْجِئَةُ مَوْهُومَةٌ، وَالْمُسْتَحَقُّ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُتَعَيِّنٍ لِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْحَبْسُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِمَا يَخْتَارُهُ مِنْ الطَّرِيقِ، كَيْفَ وَلَوْ صَحَّ الْبَيْعُ كَانَ الْحَبْسُ إضْرَارًا بِهِمَا بِتَأْخِيرِ حَقِّ الدَّائِنِ وَتَعْذِيبِ الْمَدْيُونِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا. قَالَ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَرَاهِمُ قَضَى الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ لِلدَّائِنِ حَقَّ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ بَاعَهَا الْقَاضِي فِي دَيْنِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِفْلَاسِ اهـ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْمُفْلِسِ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكِتَابِ بِنَاءٌ عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ. لِأَنَّا نَقُولُ: مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فِي تَضَاعِيفِ بَيَانِ الْمَذْهَبَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَقْرِيرِ دَلِيلِهِمَا كَقَوْلِهِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ، وَقَوْلُهُ فِي مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّهُ عَسَاهُ يُلْجِئُ مَالَهُ فَيَفُوتُ حَقُّهُمْ، وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا: وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ الْمُفْلِسُ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنْ لَيْسَ مَدَارُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ، إذْ الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ مَالُهُ، وَتِلْكَ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ صَرِيحَةٌ فِي ظُهُورِ مَالِهِ، بَلْ مَدَارُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ فِي قَوْلِهِ إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَمَّا مَنْ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ فَيَتَنَاوَلُ الْغَنِيَّ أَيْضًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَدْيُونَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي دَيْنَهُ يَدَّعِي الْإِفْلَاسَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ حَالُهُ حَالُ الْمُفْلِسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَنِيَّ الَّذِي لَا يُؤَدِّي دَيْنَهُ حَالُهُ فِي عَدَمِ أَدَاءِ الدَّيْنِ حَالُ الْمُفْلِسِ فَلَا يَلْزَمُ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا هُوَ مُفْلِسٌ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفِ وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يُضِرَّ بِالْغُرَمَاءِ) أَقُولُ: وَجْهُ ذِكْرِ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ التَّصَرُّفِ أَيْضًا غَيْرُ وَاضِحٍ، وَالْعُهْدَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقُدُورِيِّ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَالْمُصَنِّفُ مُعَبِّرٌ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَوْ أَصْلَحَهَا

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ جَبْرًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ فِي الثَّمَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ مُخْتَلِفَانِ فِي الصُّورَةِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الِاخْتِلَافِ يُسْلَبُ عَنْ الدَّائِنِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِصُوَرِهَا وَأَعْيَانِهَا، أَمَّا النُّقُوذُ فَوَسَائِلُ فَافْتَرَقَا (وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ النُّقُودُ ثُمَّ الْعُرُوض ثُمَّ الْعَقَارُ يُبْدَأُ بِالْأَيْسَرِ فَالْأَيْسَرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمَدْيُونِ (وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتُ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي) لِأَنَّ بِهِ كِفَايَةً وَقِيلَ دَسْتَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ، لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَلْبَسٍ. قَالَ (فَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ الْحَجْرِ بِإِقْرَارٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ) ، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ حَقُّ الْأَوَّلِينَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا مَرَدَّ لَهُ (وَلَوْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ) لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِعَدَمِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ. قَالَ (وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ مِمَّنْ يَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ حَاجَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِغَيْرِهِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَصَرُّفٍ لَكَانَ أَصْلَحَ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا) قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا خَصَّ أَبَا حَنِيفَةَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُجَوِّزُ بَيْعَ الْقَاضِي عَلَى الْمَدْيُونِ فِي الْعُرُوضِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ فِي النَّقْدَيْنِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ بَيْعُ الصَّرْفِ اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرُوهُ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِدُونِ ذِكْرِ قَوْلِهِ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا عِنْدَ ذِكْرِ قَيْدِ الِاسْتِحْسَانِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ كَوْنَ جَوَازِ بَيْعِ النَّقْدَيْنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ دُونَ الْقِيَاسِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُ النَّقْدَيْنِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى الِاعْتِذَارِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: قَوْلُهُ بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ قَبْلَ قَضَاءِ الدُّيُونِ فَكَانَ التَّلَفُ عَلَيْهِ أُسْوَةً لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِهِمْ نَوْعُ خَلَلٍ، إذْ فِي صُورَةِ اسْتِهْلَاكِ مَالِ الْغَيْرِ لَيْسَتْ الْمُؤَاخَذَةُ بِضَمَانِهِ مُتَقَدِّمَةً عَلَى قَضَاءِ الدُّيُونِ كَمَا يُوهِمُهُ قَوْلُهُمْ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ قَبْلَ قَضَاءِ الدُّيُونِ، بَلْ الْمُؤَاخَذَةُ بِذَلِكَ مَعَ قَضَاءِ الدُّيُونِ بِمَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ. نَعَمْ قَوْلُهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ عَلَيْهِ أُسْوَةً لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ الْمَجْمُوعِ بِمَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي اسْتِدْرَاكِ أَوَّلِ كَلَامِهِمْ بَلْ اخْتِلَالِهِ، فَالْأَظْهَرُ الْأَخْصَرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ حَيْثُ يَصِيرُ الْمُتْلَفُ عَلَيْهِ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ بِلَا خِلَافٍ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ: حَيْثُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ فِي الْحَالِ وَيَكُونُ الْمُتْلَفُ عَلَيْهِ أُسْوَةً لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ) أَقُولُ: لَيْسَ الْمُفْلِسُ هَاهُنَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ، بَلْ عَدَمُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ هَاهُنَا أَظْهَرُ

يُبْطِلُهُ الْحَجْرُ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً كَانَتْ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالَ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ بِوُجُوهِهِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا نُعِيدُهَا. إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ: يَعْنِي خَلَّى سَبِيلَهُ لِوُجُوبِ النَّظِرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلَوْ مَرِضَ فِي الْحَبْسِ يَبْقَى فِيهِ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَقُومُ بِمُعَالَجَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ تَحَرُّزًا عَنْ هَلَاكِهِ، وَالْمُحْتَرِفُ فِيهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ فَيَنْبَعِثَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ وَفِيهِ مَوْضِعٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ وَطْؤُهَا لَا يُمْنَعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَضَاءُ إحْدَى الشَّهْوَتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِقَضَاءِ الْأُخْرَى. قَالَ (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ يُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ» أَرَادَ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةَ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِيَ. قَالَ (وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ (وَقَالَا: إذَا فَلَّسَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ مَالِهِ يَأْبَى إرَادَتَهَا قَطْعًا، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ بَدَلُ الْمُفْلِسِ الْمَدْيُونُ، فَالْمُرَادُ بِلَفْظِ الْمُفْلِسِ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ عَلَى أَحَدِ التَّوَجُّهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا فِيمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَتَذَكَّرْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالَ لِي (قَوْلُهُ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالَ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) أَقُولُ: كَانَ لَفْظُ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالْبِدَايَةِ هَاهُنَا هَكَذَا: وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالَ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ وَفِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ اهـ. وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّقْلِ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْنِ كَمَا تَرَى، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهٌ لِذَلِكَ سِوَى الْحَمْلِ عَلَى النِّسْيَانِ مِنْ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ كَتْبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْهِدَايَةِ لِأَمْرٍ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ عَلَى مُقْتَضَى الْبَشَرِيَّةِ (قَوْلُهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ) قَوْلُهُ إلَى أَنْ قَالَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَالَ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ: يَعْنِي قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ، إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ. وَقَوْلُهُ يَعْنِي خَلَّى سَبِيلَهُ تَفْسِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ لِمُرَادِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ. وَقَوْلُهُ لِوُجُوبِ النَّظِرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ تَعْلِيلٌ لِذَلِكَ. وَأَقُولُ: كَانَ الْأَوْلَى وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ إلَى أَنْ قَالَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ بِوُجُوهِهِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي لِئَلَّا يَعْتَرِضَ كَلَامُ نَفْسِهِ أَثْنَاءَ نَقْلِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ فَيُوَرِّثُ التَّشْوِيشَ لِلنَّاظِرِ فِي تَعَلُّقِ قَوْلِهِ إلَى أَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ أَوْ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ إلَى أَنْ قَالَ وَيَقُولُ قَالَ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا كَنَظَائِرِهِ وَلَا يَكُونُ قَلِقًا كَمَا ذَكَرَهُ تَبَصَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا

الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَبَيْنَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ فَتَثْبُتُ الْعُسْرَةُ وَيَسْتَحِقُّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَحَقَّقُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ، لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ تَعَالَى غَادٍ وَرَائِحٌ، وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا ظَاهِرًا فَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْمُلَازَمَةِ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا، إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْعُسْرَةُ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُلَازَمَةِ لَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ وَلَا يُجْلِسُهُ فِي مَوْضِعٍ لِأَنَّهُ حَبْسٌ (وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَتِهِ لَا يَتْبَعُهُ بَلْ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ، وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ عَلَيْهِ، إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِهِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا يُلَازِمُهَا) لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تُلَازِمُهَا. قَالَ (وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْجُرُ الْقَاضِي عَلَى الْمُشْتَرِي بِطَلَبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيلُ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمُدَّعَى، لِأَنَّ اسْتِوَاءَ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ جَوَازِ تَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ فَيَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ وَلَا يُفِيدُ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ: أَيْ بِقَدْرِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الدَّيْنِ، بَلْ يُوهِمُ لُزُومَ

ثُمَّ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فَيُوجِبُ ذَلِكَ حَقَّ الْفَسْخِ كَعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَهَذَا لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الْمُسَاوَاةُ وَصَارَ كَالسَّلَمِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِفْلَاسَ يُوجِبُ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَقُّ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ: أَعْنِي الدَّيْنَ، وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ تَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ، هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا، إلَّا فِي مَوْضِعِ التَّعَذُّرِ كَالسَّلَمِ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ مُمْتَنِعٌ فَأَعْطَى لِلْعَيْنِ حُكْمَ الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِوَاءِ فِيمَا أَخَذُوهُ، وَتَمَامُ الْمُدَّعَى هَاهُنَا وُجُوبُ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ لَا مُجَرَّدُ وُجُوبِ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فَيُوجِبُ ذَلِكَ حَقَّ الْفَسْخِ كَعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الْمُسَاوَاةُ)

[كتاب المأذون]

كِتَابُ الْمَأْذُونِ الْإِذْنُ: الْإِعْلَامُ لُغَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ: لِأَنَّهُ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ، وَالْعَجْزُ عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ يُوجِبُ حَقَّ الْفَسْخِ قِيَاسًا عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إيفَاءِ الْمَبِيعِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الْمُسَاوَاةُ اهـ. وَرَدَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ: وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، بَلْ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ هِيَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. . . إلَخْ لِبَيَانِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ، فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً جَامِعَةً فِي صِحَّةِ جَامِعَةً فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ هَا هُنَا بِدُونِ مُلَاحَظَةِ كَوْنِ الْعَقْدِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُوجِبَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ حَقَّ الْفَسْخِ فِي غَيْرِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَيْضَا، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، فَالْمَدَارُ فِي تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ هَا هُنَا كَوْنُ الْبَيْعِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِبَيَانِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةَ الْقِيَاسِ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ: وَهَذَا لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الْمُسَاوَاةُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الْمُسَاوَاة لَيْسَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، بَلْ أَطْبَقَتْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ كَلِمَةُ الثِّقَاتِ هَا هُنَا كَصَاحِبِ الْكَافِي وَصَاحِبِ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالْإِمَامِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمَأْذُونِ] إيرَادُ كِتَابِ الْمَأْذُونِ بَعْدَ كِتَابِ الْحَجْرِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، إذْ الْإِذْنُ يَقْتَضِي سَبْقَ الْحَجْرِ، فَلَمَّا تَرَتَّبَا وُجُودًا تَرَتَّبَا أَيْضًا ذِكْرًا وَمَا لِلتَّنَاسُبِ (قَوْلُهُ الْإِذْنُ الْإِعْلَامُ لُغَةً) أَقُولُ: لَمْ أَرَ قَطُّ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ الثِّقَاتِ مَجِيءَ الْإِذْنِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِيهَا كَوْنُ الْأَذَانِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، فَقَوْلُهُ الْإِذْنُ الْإِعْلَامُ لُغَةً مَحَلُّ نَظَرٍ يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ يُرَاجِعُ كُتُبَ اللُّغَةِ. نَعَمْ قَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ تَفْسِيرُ مَعْنَى الْإِذْنِ لُغَةً بِالْإِعْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَعَلَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي التَّفْسِيرِ فَعَبَّرُوا عَنْ مَعْنَى الْإِذْنِ مِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ إذْنًا: أَيْ أَبَاحَهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَامُوسُ بِمَا يُلَازِمُهُ عَادَةً مِنْ الْإِعْلَامِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ الْإِيمَاءِ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ هَاهُنَا: يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْإِذْنِ لُغَةً وَشَرْعًا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا لُغَةً فَالْإِذْنُ فِي الشَّيْءِ رَفْعُ الْمَانِعِ لِمَنْ هُوَ مَحْجُورٌ عَنْهُ وَإِعْلَامٌ بِإِطْلَاقِهِ فِيمَا حُجِرَ عَنْهُ مِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ إذْنًا اهـ. ثُمَّ إنَّ مِنْ الْمُسْتَبْعَدِ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَالْإِذْنُ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ، وَمِنْهُ الْأَذَانُ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ اهـ. وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ فِي فَصْلِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ مِنْ كِتَابِ الْمَأْذُونِ: لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِعْلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ إعْلَامٌ اهـ. فَإِنَّ مَدَارَ مَا ذَكَرَهُ اتِّحَادُ الْإِذْنِ وَالْأَذَانِ حَيْثُ اسْتَشْهَدَا بِمَعْنَى أَحَدِهِمَا عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، وَالْأَظْهَرُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْإِذْنِ لُغَةً مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهُ فِي مَبْسُوطِهِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا الْإِذْنُ فَهُوَ الْإِطْلَاقُ

وَفِي الشَّرْعِ: فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عِنْدَنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلُغَةً؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ فَكَانَ إطْلَاقًا عَنْ شَيْءٍ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الشَّرْعِ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عِنْدنَا) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ اهـ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ إذْنُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إسْقَاطٌ لِحَقِّ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ لِأَجَلِهِ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَوْلَى قَبْلَ إذْنِهِ، وَبِالْإِذْنِ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ عِنْدَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ لِأَجَلِهِ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَوْلَى قَبْلَ إذْنِهِ اهـ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَقَبْلَ الْإِذْنِ لَا تَتَعَلَّقُ الدُّيُونُ بِرَقَبَتِهِ وَلَا بِكَسْبِهِ، وَبَعْدَ الْإِذْنِ يَسْقُطُ هَذَا الْحَقُّ وَتَتَعَلَّقُ الدُّيُونُ بِهَا اهـ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَفِي الشَّرْعِ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى مَالِيَّةَ الْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَا صَوْنًا لِحَقِّ الْمَوْلَى، وَإِنَّهُ بِالْإِذْنِ أَسْقَطَ حَقَّهُ اهـ. فَتَلَخَّصَ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ هَاهُنَا حَقُّ الْمَوْلَى، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَانْحِجَارُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا عَهِدَ تَصَرُّفَهُ إلَّا مُوجِبًا تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَبِكَسْبِهِ وَذَلِكَ مَالٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هَاهُنَا حَقُّ الْمَنْعِ لَا حَقُّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِإِذْنِ الْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ بِالْإِذْنِ وَلِذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْ كَسْبِهِ جَبْرًا عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَالْمُسْقِطُ هُوَ الْمَوْلَى إنْ كَانَ الْمَأْذُونُ رَقِيقًا وَالْوَلِيُّ إنْ كَانَ صَبِيًّا اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْحَقِّ هَاهُنَا حَقُّ الْمَنْعِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَقُّ الْمَوْلَى، بَلْ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَنْعِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَبْدِ هُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا حَقُّ غَيْرِهِ: فَإِنَّ مَعْنَى حَقِّ الْمَنْعِ حَقٌّ هُوَ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً، وَمَعْنَى حَقُّ الْمَوْلَى حَقٌّ هُوَ لِلْمَوْلَى، عَلَى أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي هُوَ مَنْعُ الْعَبْدِ عَنْ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى لَا لِغَيْرِهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ قَطْعًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ بِالْإِذْنِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ أَصْلًا فَمَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ تَعَلَّقَتْ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ جَمِيعًا فَيُبَاعُ كُلُّ ذَلِكَ لِلْغُرَمَاءِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ جَمِيعًا لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا لَمْ تُحِطْ بِهِمَا دُيُونٌ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي نَفْعًا إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فِي مَعْنَى الْإِذْنِ شَرْعًا إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إسْقَاطُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بَلْ فِي صُورَةِ عَدَمِ إحَاطَتِهِ أَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ السَّاقِطِ بِمِقْدَارِ الدَّيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، أَمَّا اخْتِصَاصُ حَقِّ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْعَبْدِ فَلَا يَضُرُّ إذْ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ بَيَانُ إذْنِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَبِينُ فِيهِ إذْنُ الصَّبِيِّ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ مَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْإِذْنِ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَالَ: وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمَا هُوَ التَّفْسِيرُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ بِالرِّقِّ شَرْعًا عَمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ لَا الْإِنَابَةِ وَالتَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ، وَالثَّابِتُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْ التِّجَارَةِ. وَقَالَ: هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهَا اهـ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَحُكْمُهُ هُوَ التَّفْسِيرُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ فَكِّ الْحَجْرِ اهـ. أَقُولُ: كَوْنُ حُكْمِ الْإِذْنِ مَا هُوَ تَفْسِيرُهُ الشَّرْعِيُّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ أَثَرُهُ الثَّابِتُ بِهِ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّيْءِ وَيَصِيرُ أَثَرًا مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ مَحْمُولًا عَلَيْهِ بِالْمُوَاطَأَةِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَيْسَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ حُكْمَهُ مَا هُوَ تَفْسِيرُهُ الشَّرْعِيُّ، بَلْ الْمَذْكُورُ فِيهَا هَكَذَا، وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِهِ فَنَقُولُ: حُكْمُهُ شَرْعًا عِنْدَنَا فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ بِالرِّقِّ شَرْعًا عَمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ لَا الْإِنَابَةُ وَلَا التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ

وَالْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرِّقِّ بَقِيَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بِلِسَانِهِ النَّاطِقِ وَعَقْلِهِ الْمُمَيِّزِ وَانْحِجَارُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا عَهِدَ تَصَرُّفَهُ إلَّا مُوجِبًا تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَبِكَسْبِهِ، وَذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْءُ مَا يَثْبُتُ بِهِ، وَالثَّابِتُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْ التِّجَارَةِ اهـ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِفَكِّ الْحَجَرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا مَا هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ فَيَئُولُ إلَى مَعْنَى انْفِكَاكِ الْحَجْرِ وَيَصِيرُ صِفَةً لِلْحَجْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَكِّ الْحَجْرِ الْمَذْكُورِ فِي تَفْسِيرِ الْإِذْنِ شَرْعًا مَا هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَصِفَةٌ لِلْإِذْنِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ حُكْمًا لِلْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ، إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ الِانْفِكَاكَ أَثَرٌ ثَابِتٌ بِالْفَكِّ كَالِانْكِسَارِ مَعَ الْكَسْرِ. ثُمَّ إنَّ الْأَظْهَرَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِذْنِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَعَزَاهُ إلَى التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمِلْكُ الْمَأْذُونِ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ التِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا وَضَرُورَاتِهَا، وَعَدَمُ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، إلَى هَذَا أَشَارَ فِي التُّحْفَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِالشَّيْءِ، وَالثَّابِتُ بِالْإِذْنِ مَا قُلْنَا فَكَانَ حُكْمًا لَهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرِّقِّ بَقِيَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بِلِسَانِهِ النَّاطِقِ وَعَقْلِهِ الْمُمَيِّزِ) فَإِنْ قِيلَ: الْمَأْذُونُ عَدِيمُ الْأَهْلِيَّةِ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَهْلًا لِنَفْسِ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ إنَّمَا تُرَادُ لِحُكْمِهَا وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِسَبَبِهِ. أُجِيبُ بِأَنْ حُكْمَ التَّصَرُّفِ مِلْكُ الْيَدِ وَالرَّقِيقُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، أَلَا يَرَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ مِلْكِ الْيَدِ يَثْبُتُ لَلْمُكَاتَبِ مَعَ قِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مَعَ الرِّقِّ أَهْلٌ لِلْحَاجَةِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِقَضَائِهَا وَأَدْنَى طَرِيقِ قَضَائِهَا مِلْكُ الْيَدِ فَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِلتَّصَرُّفِ، وَمِلْكُ الْعَيْنِ شُرِعَ لِلتَّوَصُّلِ إلَيْهِ فَمَا هُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِيهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ مَاتَ، فَمَتَى اخْتَارَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ يَثْبُتُ مِلْكُ الْعَيْنِ لِلْوَارِثِ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمُوَرِّثِ بِتَصَرُّفٍ بَاشَرَهُ الْمُوَرِّثُ بِنَفْسِهِ، كَذَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي عَامَّةِ كُتُبِ الْأُصُولِ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا أَنَّ الرَّقِيقَ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ بِأَهْلِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ الذَّاتِيَّةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ يَشْكُلُ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ رَقَبَةً لَا يَدًا، وَالْمُدَبَّرُ مَمْلُوكٌ لَهُ يَدًا لَا رَقَبَةً، وَالْقِنُّ مَمْلُوكٌ لَهُ يَدًا وَرَقَبَةً، فَإِنَّ الرَّقِيقَ إذَا كَانَ مَالِكًا يَدَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَوْلَاهُ يَدًا فِي صُورَةٍ إنْ كَانَ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ بِأَهْلِيَّتِهِ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ مَوْلَاهُ بِالْإِذْنِ أَوْ الْكِتَابَةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَصْلَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ لَهُ بِلِسَانِهِ النَّاطِقِ وَعَقْلِهِ الْمُمَيِّزِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى)

وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ، حَتَّى لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا كَانَ مَأْذُونًا أَبَدًا حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ ثُمَّ الْإِذْنُ كَمَا يَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ، كَمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ حَتَّى يَبِيعَ، وَالْعَبْدُ فِي الشِّرَاءِ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي ذِمَّتِهِ بِإِيجَابِ الثَّمَنِ فِيهَا، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ حَالَ الطَّلَبِ حُبِسَ وَذِمَّتُهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقِصَاصِ صَحَّ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَكَانَ الشِّرَاءُ حَقًّا لَهُ. وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي نَفَاذَ تَصَرُّفَاتِهِ قَبْلَ الْإِذْنِ أَيْضًا، لَكِنْ شَرَطْنَا إذْنُ الْمَوْلَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ اهـ. وَهَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ حَتَّى يَبِيعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ يَبِيعُهُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ تَصَرُّفِهِ الشِّرَاءُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ تَصَرُّفِهِ أَخْذُ الْمُضَارَبَةِ أَوْ إيجَارُ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِك التَّصَرُّفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَلَا يَقْتَضِي شَيْءٌ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ بِنَاءُ قَوْلِهِ الْمَزْبُورِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي التِّجَارَةِ وَمَا هُوَ الْغَالِبُ وُقُوعًا فِيهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي التِّجَارَةِ هُوَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَأَنَّهُمَا هُمَا الْغَالِبُ وُقُوعًا فِي بَابِ التِّجَارَةِ، فَعَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْبِنَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي أَوَّلِ تَصَرُّفِهِ مَالٌ يَبِيعُهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ الشِّرَاءُ ثَمَّةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الشِّرَاءُ بَلْ أَوَّلُ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عِنْدَ الْخَصْمِ فَإِنَّ مُؤَاجَرَةَ نَفْسِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ عِنْدَهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. اهـ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ إيرَادِهِ وَجَوَابِهِ سَقَامَةٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ قَالَ: بَلْ أَوَّلُ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْجَزْمِ، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُؤَاجَرَةُ نَفْسِهِ خَطَأٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَسَاسِ وَالْمُغْرِبِ، وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: بَدَلَ ذَلِكَ إيجَارُ نَفْسِهِ كَمَا قُلْت فِيمَا مَرَّ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّا بِصَدَدِ إثْبَاتِ مَا قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْإِذْنِ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ لَا بِصَدَدِ الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ الْخَصْمُ، بَلْ لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ مِنْ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِمَا قَالَهُ الْخَصْمُ أَصْلًا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تُحْمَلَ الْمُقَدِّمَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ دُونَ مَذْهَبِنَا، عَلَى أَنَّهَا لَوْ حُمِلَتْ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ لَمْ نَسْلَمْ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ تَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ أَخْذُ الْمُضَارَبَةِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَالْخَصْمُ لَا يُنْكِرُ جَوَازَ ذَلِكَ فَلَمْ يُفِدْ الْحَمْلُ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَاَلَّذِي يُمْكِنُ فِي الْجَوَابِ مَا قَدَّمْنَا لَا غَيْرَ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ إسْقَاطًا عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ مَذْكُورٌ فِي حَيِّزِ التَّعْرِيفِ فَكَيْفَ

وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ يَصِيرُ مَأْذُونًا عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِدْلَالٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيحُ النَّقْلِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَنَا مُعَرَّفٌ بِذَلِكَ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهُ الشَّرْعِيَّ هُوَ تَعْرِيفُهُ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ حُكْمًا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ تَعْرِيفًا اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ الْجَوَابِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ تَصْحِيحَ النَّقْلِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَنَا مُعَرَّفٌ بِذَلِكَ عَيْنُ الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الدَّلِيلُ، وَتَصْحِيحُ النَّقْلِ بِهِ هُوَ الِاسْتِدْلَال، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِدْلَالٍ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ هُوَ تَعْرِيفُهُ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ مُبَايِنٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَثَرًا مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ، وَتَعْرِيفُ الشَّيْءِ مَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِالْمُوَاطَأَةِ مُتَّحِدٍ بِهِ فِي الذَّاتِ فَأَنَّى يَكُونُ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرُ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ. وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ عَلَى نَفْسِ التَّعْرِيفِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَقْبَلُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَوُّرٌ، وَالتَّصَوُّرُ لَا يُكْتَسَبُ مِنْ التَّصْدِيقِ بَلْ عَلَى الْحُكْمِ الضِّمْنِيِّ، كَأَنْ يُقَالَ: هَذَا التَّعْرِيفُ صَحِيحٌ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ مُطَابِقٌ لِأُصُولِنَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ تَصْدِيقَاتٌ تَقْبَلُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَنَظِيرُ هَذَا مَا حَقَّقُوا فِي قِنِّهِ مِنْ أَنَّ الْمَنْعَ وَالنَّقْضَ وَالْمُعَارَضَةَ فِي التَّعْرِيفِ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ إلَى الْأَحْكَامِ الضِّمْنِيَّةِ لَا إلَى نَفْسِ التَّعْرِيفَاتِ، تَدَبَّرْ تَرْشُدْ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهُ يَظُنُّهُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا فَيُعَاقِدُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِهِ لَمَنَعَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ. . قَالَ (وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذْنًا عَامًّا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي سَائِرِ التِّجَارَاتِ) وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ وَلَا يُقَيِّدُهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ التِّجَارَةَ اسْمٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجِنْسَ فَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي مَا بَدَا لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ التِّجَارَةِ. (وَلَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ) لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (وَكَذَا بِالْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا) هُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْبَيْعَ بِالْفَاحِشِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ، حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَلَا يَنْتَظِمُهُ الْإِذْنُ كَالْهِبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا) قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَ أَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا: هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا. وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلَ الرَّهْنُ اهـ. أَقُولُ: كَأَنَّهُ فَهِمَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا فَهِمَهُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ أَنَّ سُكُوتَ الْمَالِكِ فِيمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لَا يَصِيرُ إذْنًا فِي حَقِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ لَا فِي حَقِّ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ذَلِكَ الْعَبْدُ فِي بَابِ التِّجَارَةِ مُطْلَقًا. وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعَ الرَّهْنَ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ بِلَا رَيْبٍ، وَلَا دَلَالَةَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ عَلَى كَوْنِ السُّكُوتِ إذْنًا فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ فِيمَا إذَا بَاعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى بِغَيْرِ رِضَاهُ، بَلْ خِلَافُهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ وَعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا الْإِذْنُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَنَحْوُ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَلَا يَنْهَاهُ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ عِنْدَنَا إلَّا فِي الْبَيْعِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ. وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا اهـ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: إذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى عَبْدِهِ وَهُوَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ يَصِيرُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَسَكَتَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَالَ الْمَوْلَى. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَأَى الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَشْتَرِي شَيْئًا بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَسَكَتَ يَصِيرُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ هَذَا الشِّرَاءُ كَذَا هَاهُنَا اهـ. فَكَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ عَلَى خِلَافِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا رَأَى عَبْدًا يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَسَكَتَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَالَ الْمَوْلَى كَمَا بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهُ يَظُنُّهُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا فَيُعَاقِدُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِهِ لَمَنَعَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ) قَالَ صَاحِبُ

وَلَهُ أَنَّهُ تِجَارَةٌ وَالْعَبْدُ مُتَصَرِّفٌ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْحُرِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ. (وَلَوْ حَابَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَارْدُدْ الْبَيْعَ كَمَا فِي الْحُرِّ. (وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَيَقْبَلَ السَّلَمَ) ؛ لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ. (وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ بِنَفْسِهِ . قَالَ (وَيَرْهَنُ وَيُرْتَهَنُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ. (وَيَمْلِكُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَيَسْتَأْجِرَ الْأُجَرَاءَ وَالْبُيُوتَ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ (وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ (وَيَشْتَرِي طَعَامًا فَيَزْرَعُهُ فِي أَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الرِّبْحَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ» . (وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَان وَيَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَأْخُذُهَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ (وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ يَقُولُ: لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَا عَلَى مَنَافِعِهَا؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا. وَلَنَا أَنَّ نَفْسَهُ رَأْسُ مَالِهِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِنَايَةِ فِي تَفْصِيلِ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَقُلْنَا جَعَلَ سُكُوتَهُ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ بَيَانِ، إذْ النَّاسُ يُعَامَلُونَ الْعَبْدَ حِينَ عِلْمِهِمْ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى وَمُعَامَلَتُهُمْ قَدْ تُفْضِي إلَى لُحُوقِ دُيُونٍ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَقَدْ يُعْتَقُ وَقَدْ لَا يُعْتَقُ وَفِي ذَلِكَ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ بِإِتْوَاءِ حَقِّهِمْ، وَلَا إضْرَارَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى فِيهِ ضَرَرٌ مُتَحَقِّقٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ،

إلَّا إذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ الْإِذْنِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِهِ، وَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمَوْلَى. أَمَّا الْإِجَارَةُ فَلَا يَنْحَجِرُ بِهِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ فَيَمْلِكُهُ. . قَالَ (فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ مَوْضِعَ بَيَانِ أَنَّهُ رَاضٍ بِهِ أَوَّلًا، وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ جَانِبِ الْخَصْمِ عَلَى قَوْلِهِ وَالنَّاسُ يُعَامِلُونَ الْعَبْدَ حِينَ عِلْمِهِمْ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى حَيْثُ قَالَ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا ذَلِكَ لِحَمَاقَةِ الْمُعَامِلِ حَيْثُ اغْتَرَّ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ وَلَمْ يَسْأَلْ مِنْ الْمَوْلَى وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَامِلَ لَا يَغْتَرُّ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ يَعْتَمِدُ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْعُرْفُ مِنْ أَنْ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُؤَدِّبُهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالُوا: وَلَنَا أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ يَنْهَاهُ عَنْهُ وَيُؤَدِّبُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَنْهَ عُلِمَ أَنَّهُ رَاضٍ فَجُعِلَ سُكُوتَهُ إذْنًا دَلَالَةً دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ إطْلَاقًا مِنْهُ فَيُبَايِعُونَهُ حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ، كَمَا فِي سُكُوتِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ عَنْ التَّغْيِيرِ. وَسُكُوتِ الْبِكْرِ وَسُكُوتِ الشَّفِيعِ اهـ. فَبَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ يَحْتَاجُ الْمُعَامِلُ إلَى السُّؤَالِ مِنْ الْمَوْلَى، وَكَيْفَ يَحْمِلُ الْعَاقِلُ عَدَمَ سُؤَالِهِ عَلَى حَمَاقَتِهِ، وَهَلَّا تَكُونُ النَّظَائِرُ لِمَا عَامَلَهُ دُونَ خِلَافِهِ؟ ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ ضَرَرَ الْمَوْلَى غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَحَقِّقٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ، وَجَعَلَ ضَرَرَ الْمُسْلِمِينَ مُعْتَبَرًا مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدُّيُونَ قَدْ تَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا تَلْحَقُهُ. فَمَا الْفَرْقُ وَالرُّجْحَانُ؟ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: عَيْنُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي رَآهُ مِنْ الْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ غَيْرُهُ، وَكَذَا إذَا رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مِنْ مَالِهِ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَالْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَإِذَا رَأَى رَقِيقَهُ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، فَمَا الْفَرْقُ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الضَّرَرَ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي رَآهُ مُتَحَقِّقٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَمَّا يَبِيعُهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ، وَلَيْسَ فِي ثُبُوتِ الْإِذْنِ فِي غَيْرِهِ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السُّكُوتِ إذْنًا بِالنَّظَرِ إلَى ضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ كَوْنُهُ إذْنًا بِالنَّظَرِ إلَى مُتَحَقِّقٍ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ بَيْعِ الْأَجْنَبِيِّ مَالَهُ، وَفِي الرَّهْنِ لَمْ يَصِرْ سُكُوتُهُ إذْنًا؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ إذْنًا يُبْطِلُ مِلْكَ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الْيَدِ، وَقَدْ لَا يَصِلُ إلَى يَدِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مُتَحَقِّقٌ. لَا يُقَالُ: الرَّاهِنُ أَيْضًا يَتَضَرَّرُ بِبُطْلَانِ مِلْكِهِ عَنْ الثَّمَنِ، فَتَرْجِيحُ ضَرَرِ الْمُرْتَهِنِ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ مِلْكِهِ عَنْ الثَّمَنِ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ مَوْقُوفٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَبُطْلَانُ مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الْيَدِ بَاتٌّ فَكَانَ أَقْوَى. وَأَمَّا الرَّقِيقُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً إذَا زَوَّجَ نَفْسَهُ فَإِنَّمَا لَمْ يَصِرْ السُّكُوتُ فِيهِ إذْنًا. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَصِيرُ إذْنًا وَإِجَازَةً دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكُ الْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ مِلْكِهِ، وَمَنَافِعُ بُضْعِ الْمَمْلُوكَةِ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إبْطَالُ مِلْكِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ مَوْقُوفًا، وَأَمْكَنَ فَسْخُهُ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ أَحَدٌ. وَقِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ نِكَاحَ الرَّقِيقِ مَوْقُوفٌ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى وَإِجَازَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ سُكُوتَهُ إجَازَةٌ أَوْ لَا، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا مُحَقَّقًا لِلْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ السُّكُوتُ إذْنًا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَعِنْدِي أَنَّ النَّظَرَ غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ السُّكُوتِ إذْنًا كَانَ لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ فَحَيْثُ لَا ضَرَرَ يَبْقَى عَلَى الْقِيَاسِ وَلَا يُجْعَلُ إذْنًا اهـ. أَقُولُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَ مَنْ أَوْرَدَ النَّظَرَ، إذْ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ كَوْنَ السُّكُوتِ إذْنًا كَانَ لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ نِكَاحَ الرَّقِيقِ هَلْ فِيهِ ضَرَرٌ أَمْ لَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ إذْنًا تَحَقَّقَ الضَّرَرُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا

مَأْذُونٌ فِي جَمِيعِهَا) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ مَأْذُونًا إلَّا فِي ذَلِكَ النَّوْعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَوْعٍ آخَرَ. لَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَهُ دُونَ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ فَيَتَخَصَّصُ بِمَا خَصَّهُ بِهِ كَالْمُضَارِبِ. وَلَنَا أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ عَلَى مَا بَيِّنَاهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَظْهَرُ مَالِكِيَّةُ الْعَبْدِ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ مِنْ جِهَتِهِ، وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَاقِعٌ لِلْعَبْدِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَحَيْثُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ إذْنًا فِي صُورَةِ تَزْوِيجِ الرَّقِيقِ نَفْسَهُ لَمْ يُفِدْ كَوْنَ نِكَاحِهِ مَوْقُوفًا عَلَى إذْنِهِ عَدَمُ ثُبُوتِ الضَّرَرِ فِيهَا وَإِنْ بَنَى عَدَمَ ثُبُوتِ الضَّرَرِ فِيهَا عَلَى عَدَمِ كَوْنِ سُكُوتِهِ فِيهَا إذْنًا لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ، إذْ هُوَ أَوَّلُ الْكَلَامِ الَّذِي طُولِبَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي أَصْلِ السُّؤَالِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي النَّظَرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ سُكُوتَهُ إجَازَةٌ أَوْ لَا، تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَوْعٍ آخَرَ) يَعْنِي إذَا نَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ التِّجَارَةِ بَعْدَ أَنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْهَا فَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِيمَا إذَا سَكَتَ عَنْ النَّهْيِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ سَوَاءٌ نَهَى عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ، خِلَافًا لَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَنُقِلَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ إذْنًا عَامًا ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ نَوْعٍ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ، إذْ الْمُرَادُ بِهِ مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظٌ آخَرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا نَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَوْعٍ آخَرَ، وَيَأْبَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَطْعًا، كَيْفَ وَمَسْأَلَةُ الْإِذْنِ الْعَامِّ قَدْ مَرَّتْ مَعَ مُتَفَرِّعَاتِهَا فِي الصَّحِيفَةِ الْأُولَى، وَنَحْنُ الْآنَ بِصَدَدِ بَيَانِ مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ فَلَا مَعْنَى لِخَلْطِهِ حَدِيثَ الْإِذْنِ الْعَامِّ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ إسْقَاطٌ وَفَكُّ الْحَجْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَظْهَرُ مَالِكِيَّةُ الْعَبْدِ فَلَا يُتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ

وَالنَّفَقَةِ، وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ يَخْلُفُهُ الْمَالِكُ فِيهِ. قَالَ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ لِلْكِسْوَةِ أَوْ طَعَامٍ رِزْقًا لِأَهْلِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مَأْذُونًا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَدِّ إلَيَّ الْغَلَّةَ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا، أَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الْمَالَ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْكَسْبِ، أَوْ قَالَ لَهُ اُقْعُدْ صَبَّاغًا أَوْ قَصَّارًا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ بِشِرَاءِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَهُوَ نَوْعٌ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ. . قَالَ (وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ جَائِزٌ وَكَذَا بِالْوَدَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ أُرِيدَ أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ بِجُمْلَتِهِ وَفَكُّ الْحَجْرِ بِذِمَّتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ. كَيْفَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَحَّ هِبَتُهُ وَإِقْرَاضُهُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمُدَّعَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إسْقَاطُهُ وَفَكُّهُ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِهَا كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى. فَإِذَا قُلْت: الْمُرَادُ أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ جِنْسُ التِّجَارَةِ وَالْمُدَّعَى كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ هَذَا الْجِنْسِ لَا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ أَجْنَاسِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يُرَدُّ النَّقْضُ بِالتَّبَرُّعَاتِ وَلَا عَدَمُ ثُبُوتِ الْمُدَّعَى. قُلْت: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ بِذَلِكَ إذَا أَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِنَوْعٍ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي طَائِلًا؛ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ صُورَةُ التَّقْيِيدِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَإِنْ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَهَلَّا يَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ إذْنًا فِي جَمِيعِهَا فَيُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ. فَإِنْ قُلْت: عَلَّلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِ التَّخْصِيصِ إذْ ذَاكَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ اهـ فَلَا مُصَادَرَةَ عَلَى الْمَطْلُوبِ. قُلْت: ذَاكَ التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِتَامٍّ، إذْ لِقَائِلٍ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يَكُونُ التَّخْصِيصُ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَنْ لَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ أَوَّلًا فَيَتَحَقَّقُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَظَهَرَ مَالِكِيَّةُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَاتِ مُطْلَقًا ثُمَّ خَصَّصَهُ بِنَوْعٍ مِنْهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ. إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا قَيَّدَهُ أَوَّلًا فَقَالَ أَذِنْت لَك فِي هَذَا النَّوْعِ فَقَطْ،

إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَاجْتَنَبَ النَّاسُ مُبَايَعَتَهُ وَمُعَامَلَتَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِهِ يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْحُرِّ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ لَا بِسَبَبِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَحْجُورِ فِي حَقِّهِ. . قَالَ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ. قَالَ (وَلَا يُزَوِّجُ مَمَالِيكَهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُزَوِّجُ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِمَنَافِعِهَا فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ التِّجَارَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ. . قَالَ (وَلَا يُكَاتِبُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْبَدَلُ فِيهِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فَلَمْ يَكُنْ تِجَارَةً (إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ مَلَكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ كَلَامُ وَاحِدٍ لَيْسَ لِأَوَّلِهِ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ وَلِآخِرِهِ الَّذِي هُوَ قَيْدُهُ حُكْمٌ آخَرُ، بَلْ لِلْمَجْمُوعِ حُكْمٌ وَاحِدٌ يَتِمُّ أَوَّلُهُ بِآخِرِهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؟ تَأَمَّلْ جِدًّا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَنُوقِضَ بِالْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ، وَإِذَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فُلَانَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالرِّقُّ أَخْرَجَ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْمَوْلَى، وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَيْهِ فَكَانَ الْعَبْدُ كَالْوَكِيلِ وَالنَّائِبِ عَنْ مَوْلَاهُ فَيَتَخَصَّصُ بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ.

وَيَصِيرُ الْعَبْدُ نَائِبًا عَنْهُ وَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْكِتَابَةِ سَفِيرٌ. . قَالَ (وَلَا يُعْتِقُ عَلَى مَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ فَالْإِعْتَاقُ أَوْلَى (وَلَا يُقْرِضُ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ كَالْهِبَةِ (وَلَا يَهَبُ بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَذَا لَا يَتَصَدَّقُ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ بِصَرِيحِهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُهْدِيَ الْيَسِيرَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يُضَيِّفَ مَنْ يُطْعِمُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ اسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ الْمُجَاهِزِينَ، بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ أَصْلًا فَكَيْفَ يَثْبُتُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَعْطَاهُ الْمَوْلَى قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ قُوتَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَكَلُوهُ قَبْلَ الشَّهْرِ يَتَضَرَّرُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بِالْمَوْلَى يَمْنَعُ الْإِذْنَ وَقَدْ يَتَضَرَّرُ الْمَوْلَى بِغَيْرِ مَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَالِمًا بِالتِّجَارَةِ فِي الْبَزِّ دُونَ الْخَزِّ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ ضَرَرٌ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، وَلَئِنْ كَانَ فَلَهُ مَدْفَعٌ وَهُوَ التَّوْكِيلُ بِهِ عَلَى أَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَدْفَعُ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ إذَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ فَلَيْسَ السُّؤَالُ وَارِدًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَبِالْجُمْلَةِ إلَخْ لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ حَاصِلَ السُّؤَالِ أَنَّهُ قَدْ يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِالْمَوْلَى عِنْدَ تَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ مَا خَصَّهُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ثُبُوتَ كَوْنِ الْعَبْدِ مُتَصَرِّفًا بِأَهْلِيَّتِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ لَا يَدْفَعُ وُرُودَ ذَلِكَ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ بِأَهْلِيَّتِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ لَا يَمْلِكُ الْإِضْرَارَ بِالْغَيْرِ، إذْ لَا إضْرَارَ فِي الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَرُدُّ السُّؤَالَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ لَا مَحَالَةَ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَنْسَدَّ بَابُ الْمُعَارَضَةِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ الدَّلِيلَ مَعَ أَنَّهَا طَرِيقٌ مَقْبُولٌ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَزْبُورَ مُعَارَضَةٌ، فَالْوَجْهُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ جَوَابِهِ دُونَ

الْمَوْلَى. قَالُوا: وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ. . قَالَ (وَلَهُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ بِالْعَيْبِ مِثْلَ مَا يَحُطُّ التُّجَّارُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الْحَطُّ أَنْظَرُ لَهُ مِنْ قَبُولِ الْمَعِيبِ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا حَطَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ فِي دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ. . قَالَ (وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُبَاعُ وَيُبَاعُ كَسْبُهُ فِي دَيْنِهِ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِذْنِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَا تَفْوِيتُ مَالٍ قَدْ كَانَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ هَذَا . (قَوْلُهُ وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ يَبِيعُهُ الْقَاضِي لِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَبَيْعُ الْقَاضِي الْعَبْدَ بِغَيْرِ رِضَا مَوْلَاهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ. أُجِيبُ بِأَنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَجْرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَحْجُورًا عَنْ بَيْعِهِ، إذْ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ بِغَيْرِ رِضَا الْغُرَمَاءِ وَحَجْرُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَكَانَ كَالتَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدَّيْنِ فِي جَوَازِ أَنْ يَبِيعَهَا الْقَاضِي عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ امْتَنَعُوا عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ حَجْرًا لِكَوْنِهِمْ مَحْجُورِينَ عَنْ بَيْعِهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَا الْغُرَمَاءِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الذَّخِيرَةِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْسِمُ مَادَّةَ الْإِشْكَالِ، إذْ لِسَائِلٍ أَنْ يُعِيدَ الْكَلَامَ إلَى كَوْنِهِ مَحْجُورًا عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَيَشْكُلُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. ثُمَّ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدِّينِ ظَاهِرٌ، إذْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ، وَلِهَذَا إذَا أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدَّيْنِ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُمْ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ بَاقٍ وَلِهَذَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ إيَّاهُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ، فَسَبَبُ كَوْنِ الْوَرَثَةِ مَحْجُورِينَ عَنْ بَيْعِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدِّينِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لَهُمْ فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَرَى الْحَجْرَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمَوْلَى مَحْجُورًا عَنْ بَيْعِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَلَا سَبَبَ لَهُ سِوَى الدَّيْنِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُنْتَقَضَ بِهِ أَصْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْ الْغَائِبِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى إنَّمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْفِدَاءِ كَمَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْ الْغَائِبِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَأَمَّا أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا فَلَا إشَارَةَ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ مِنْ الْمَوْلَى إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْلَى أَوْ نَائِبِهِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْفِدَاءِ مِنْهُ فَكَمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْلَى أَوْ نَائِبِهِ كَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ عِنْدَ غَيْبَتِهِمَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقَعْ الْفِدَاءُ مِنْ الْمَوْلَى كَمَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ الثِّنْيَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَمَّا تَصَوَّرَ عَدَمَ الْفِدَاءِ فِي كُلٍّ مِنْ صُورَتَيْ الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ احْتَمَلَ جَوَازَ الْبَيْعِ فِي كُلٍّ مِنْ تَيْنِكَ الصُّورَتَيْنِ أَيْضًا فَمِنْ أَيْنَ حَصَلَتْ الْإِشَارَةُ إلَى انْحِصَارِ جَوَازِهِ فِي صُورَةِ حُضُورِ الْمَوْلَى؟ نَعَمْ الْبَيْعُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّرُوحِ وَعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَيْثُ قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا. فَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا

وَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِ، حَتَّى إذَا فَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ الدَّيْنِ يَحْصُلُ لَهُ لَا بِالرَّقَبَةِ، بِخِلَافِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ جِنَايَةٍ، وَاسْتِهْلَاكُ الرَّقَبَةِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِذْنِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءً كَدِينِ الِاسْتِهْلَاكِ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ التِّجَارَةُ وَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِذْنِ، وَتَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءٌ حَامِلٌ عَلَى الْمُعَامَلَةِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَلُحَ غَرَضًا لِلْمَوْلَى، وَيَنْعَدِمُ الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ بِدُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ الْعَبْدَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَوْلَى، فَإِنَّ الْخَصْمَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ هُوَ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ، بِخِلَافِ الْكَسْبِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِيهِ هُوَ الْعَبْدُ اهـ. لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي حُصُولِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى كَمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ التِّجَارَةُ وَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِذْنِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ وَبَيَانُهُ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الدَّيْنِ التِّجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ وَالتِّجَارَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِذْنِ بِلَا خِلَافٍ فَسَبَبُهَا دَاخِلٌ تَحْتَهُ، وَإِذَا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَهُ كَانَ مُلْتَزَمًا، فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءً كَانَ إضْرَارًا؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ قَدْ لَا يُوجَدُ وَالْعِتْقُ كَذَلِكَ فَتُتْوَى حُقُوقُ النَّاسِ. وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ الْأَوْجَهَ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا إلَخْ وَإِنْ كَانَ أُسْلُوبُ تَحْرِيرِهِ يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَ سَبَبِ

وَتَعَلُّقُهُ بِالْكَسْبِ لَا يُنَافِي تَعَلُّقَهُ بِالرَّقَبَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْكَسْبِ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِبْقَاءً لِمَقْصُودِ الْمَوْلَى، وَعِنْدَ انْعِدَامِهِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ دُيُونُهُ الْمُرَادُ مِنْهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِالتِّجَارَةِ أَوْ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَضَمَانِ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالْأَمَانَاتِ إذَا جَحَدَهَا، وَمَا يَجِبُ مِنْ الْعُقْرِ بِوَطْءِ الْمُشْتَرَاةِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى الشِّرَاءِ فَيَلْحَقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنِ التِّجَارَةُ وَكَوْنَ التِّجَارَةِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِذْنِ لَا مَدْخَلَ لِخُصُوصِيَّةِ شَيْءٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ تَضَرُّرِ النَّاسِ. فَإِنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِتَوَى حَقِّهِمْ سَوَاءٌ كَانَ سَبَبَ الدَّيْنِ التِّجَارَةُ أَوْ غَيْرُهَا كَصَدَاقِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَسَوَاءً كَانَتْ التِّجَارَةُ تِجَارَةً دَاخِلَةً تَحْتَ الْإِذْنِ أَوْ تِجَارَةً غَيْرَ دَاخِلَةٍ تَحْتَهُ، كَمَا إذَا لَحِقَ بِالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ دَيْنٌ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ ظُهُورِ وُجُوبِ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلِخُصُوصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدْخَلٌ لَا مَحَالَةَ، فَبِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا يُتِمَّ الْفَائِدَةَ وَالتَّقْرِيبَ. وَأَمَّا بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَيُتِمُّ كُلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ كَانَ لُزُومُ إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِذَا ظَهَرَ وُجُوبُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِدُخُولِ سَبَبِهِ تَحْتَ إذْنِ الْمَوْلَى زَالَ ذَلِكَ الْمَانِعُ قَطْعًا فَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ. وَمِمَّا يُقَرِّرُ الْمَعْنَى الثَّانِي تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي دَلِيلَنَا هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ هَذَا دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَإِذْنُهُ قَدْ ظَهَرَ فِي حَقِّ التِّجَارَةِ فَتُبَاعُ رَقَبَةُ الْعَبْدِ فِيهِ كَدِينِ الِاسْتِهْلَاكِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ، وَكَذَا تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْغَايَةِ إيَّاهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّهُ دَيْنٌ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ قِيَاسًا عَلَى دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ. أَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْعَبْدِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا ظُهُورُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلِأَنَّ سَبَبَ الدَّيْنِ هُوَ التِّجَارَةُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَكَانَ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ اسْتِيفَاءً كَمَا فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ الْمَحْجُورُ حَيْثُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِعَدَمِ إذْنِهِ اهـ كَلَامَهُ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ: هَاهُنَا: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ اهـ. وَكَأَنَّهُ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَهَذَا: أَيْ كَوْنُ دَيْنِ تِجَارَتِهِ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ سَبَبَهُ التِّجَارَةُ، وَهِيَ أَيْ التِّجَارَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِذْنِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الِاحْتِمَالُ هَاهُنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ أَصْلُ الْمُدَّعَى الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، وَلَوْ كَفَى فِي إثْبَاتِ

قَالَ (وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالرَّقَبَةِ فَصَارَ كَتَعَلُّقِهَا بِالتَّرِكَةِ (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ بِهِ (وَلَا يُبَاعُ ثَانِيًا) كَيْ لَا يَمْتَنِعَ الْبَيْعُ أَوْ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي (وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ بِكَسْبِهِ سَوَاءً حَصَلَ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَتَعَلَّقُ بِمَا يَقْبَلُ مِنْ الْهِبَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ بَعْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَفْرُغْ (وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الدَّيْنِ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْخُلُوصِ لَهُ (وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ غَلَّةَ مِثْلِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ يَحْجُرُ عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ الْكَسْبُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ التِّجَارَةُ وَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِذْنِ لَكَانَ بَاقِي الْمُقَدِّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي دَلِيلِنَا الْمَزْبُورِ مُسْتَدْرِكَةً. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعُمْدَةَ فِي إثْبَاتِ مَطْلُوبِنَا هَذَا إنَّمَا هِيَ قَوْلُهُ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ، وَتَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ نَتِيجَةٌ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، فَالْوَجْهُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى ظُهُورِ وُجُوبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لَا غَيْرَ، وَهَذَا كُلُّهُ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ (قَوْلُهُ وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالرَّقَبَةِ فَصَارَ كَتَعَلُّقِهَا بِالتَّرِكَةِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ بِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: إذَا بَاعَ الْقَاضِي الْعَبْدَ يُقَسِّمُ ثَمَنَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالرَّقَبَةِ فَصَارَ كَتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالتَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ يَضْرِبُ كُلُّ غَرِيمٍ فِي الثَّمَنِ بِقَدْرِ حَقِّهِ، كَالتَّرِكَةِ إذَا ضَاقَتْ عَنْ إيفَاءِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ: أَيْ دُيُونِ الْعَبْدِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ بِهِ اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ خَلَلٌ، فَإِنَّ ذِكْرَ قَوْلِهِ فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ بِطَرِيقِ الشَّرْطِيَّةِ سِيَّمَا مَعَ أَدَاةِ التَّفْرِيعِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ يَتَعَيَّنُ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ دُيُونِهِ عَلَيْهِ فَمَا مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ، وَكَانَ حَقُّ التَّحْرِيرِ أَنْ يَقُولَ: فَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ فِي مَوْقِعِهِ إذْ لَمْ يُعَيِّنْ فِيمَا قَبْلَهُ عَدَمَ وَفَاءِ الثَّمَنِ بِالدُّيُونِ، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ مُجَرَّدَ تَقْسِيمِ ثَمَنِهِ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ فَحَسُنَتْ الشَّرْطِيَّةُ وَأَدَاةُ التَّفْرِيعِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ بَعْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَفْرُغْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَفْرُغْ: فَكَانَ كَكَسْبٍ غَيْرِ مُنْتَزَعٍ اهـ. أَقُولُ: قَدْ أَخَلَّ بِحَقِّ الْمَقَامِ بِمَا زَادَهُ، فَإِنَّ

غَلَّةِ الْمِثْلِ يَرُدُّهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِيهَا وَتَقَدُّمِ حَقِّهِمْ. . قَالَ (فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْحَجِرْ حَتَّى يَظْهَرَ حَجْرُهُ بَيْنَ أَهْلِ سُوقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْحَجَرَ لَتَضَرَّرَ النَّاسُ بِهِ لِتَأَخُّرِ حَقِّهِمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَقَدْ بَايَعُوهُ عَلَى رَجَاءِ ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ، حَتَّى لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَمْ يَنْحَجِرْ، وَلَوْ بَايَعُوهُ جَازَ، وَإِنْ بَايَعَهُ الَّذِي عَلِمَ بِحَجْرِهِ وَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ يَنْحَجِرُ، وَالْمُعْتَبَرُ شُيُوعُ الْحَجْرِ وَاشْتِهَارُهُ فَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ الظُّهُورِ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ مِنْ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَيَبْقَى الْعَبْدُ مَأْذُونًا إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْحَجْرِ كَالْوَكِيلِ إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَزْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَمَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الشُّيُوعُ فِي الْحَجْرِ إذَا كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا الْعَبْدُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ بِعِلْمٍ مِنْهُ يَنْحَجِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ. . قَالَ (وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ جُنَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا صَارَ الْمَأْذُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَمَا لَا يَكُونُ لَازِمًا مِنْ التَّصَرُّفِ يُعْطَى لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ أَهْلِيَّةِ الْإِذْنِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَهِيَ تَنْعَدِمُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ، وَكَذَا بِاللُّحُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّشْبِيهَ بِكَسْبٍ غَيْرِ مُنْتَزَعٍ يُشْعِرُ بِكَوْنِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مُخْتَصًّا بِمَا يَقْبَلُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْهِبَةِ، مَعَ أَنَّهُ يَعُمُّ تَعَلُّقَ دَيْنِهِ بِكَسْبِهِ وَتَعَلُّقَهُ بِمَا يَقْبَلُهُ مِنْ الْهِبَةِ لِجَرَيَانِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا بِلَا تَفَاوُتٍ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مَخْصُوصًا بِصُورَةِ قَبُولِ الْهِبَةِ لَبَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا حَتَّى يُقَسَّمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. . قَالَ (وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَبْقَى مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ، فَكَذَا لَا يُنَافِي الْبَقَاءَ وَصَارَ كَالْغَصْبِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِبَاقَ حَجْرُ دَلَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْضَى بِكَوْنِهِ مَأْذُونًا عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَقْضِيَةِ دَيْنِهِ بِكَسْبِهِ، بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا، وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الِانْتِزَاعَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ مُتَيَسِّرٌ. . قَالَ (وَإِذَا) (وَلَدَتْ الْمَأْذُونُ لَهَا مِنْ مَوْلَاهَا) فَذَلِكَ حَجْرٌ عَلَيْهَا خِلَافًا لَزُفَرَ، وَهُوَ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الْبَقَاءِ بِالِابْتِدَاءِ. وَلَنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُحْصِنُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَيَكُونُ دَلَالَةَ الْحَجْرِ عَادَةً، بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ قَاضٍ عَلَى الدَّلَالَةِ. (وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا إنْ) (رَكِبَتْهَا دُيُونٌ) لِإِتْلَافِهِ مَحِلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ، إذْ بِهِ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ وَبِهِ يُقْضَى حَقُّهُمْ. . قَالَ (وَإِذَا اسْتَدَانَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَدَبَّرَهَا الْمَوْلَى فَهِيَ مَأْذُونٌ لَهَا عَلَى حَالِهَا) لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ الْحَجْرِ، إذْ الْعَادَةُ مَا جَرَتْ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ حُكْمَيْهَا أَيْضًا، وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا لِمَا قَرَّرْنَاهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ. . قَالَ (وَإِذَا حُجِرَ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ تَعَلُّقُ دَيْنِهِ بِكَسْبِهِ بِلَا ذِكْرِ دَلِيلٍ عَلَيْهَا مَعَ كَوْنِهَا الْعُمْدَةُ فِي الْمَقَامِ، وَلَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَطُّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّلَالَةِ اعْتِبَارٌ عِنْدَ وُجُودِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ الْآبِقُ مَحْجُورًا فِي الْبَقَاءِ أَيْضًا، إذْ قَدْ وُجِدَ التَّصْرِيحُ بِالْإِذْنِ مِنْ الْمَوْلَى فِي الِابْتِدَاءِ فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْإِبَاقِ عَلَى الْحَجْرِ فِي الْبَقَاءِ مُخَالِفَةً لِذَاكَ التَّصْرِيحِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُعْتَبَرَ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ وُجُودَ التَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَهُ إلَى حَالِ الْإِبَاءِ، فَالْمَعْلُومُ قَطْعًا إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَأَمَّا وُجُودُهُ فِي الْبَقَاءِ فَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلِذَلِكَ تَكُونُ دَافِعَةً لَا مُثْبِتَةً، فَيَجُوزُ أَنْ تُرَجَّحُ الدَّلَالَةُ عَلَيْهَا، وَعَنْ هَذَا اُعْتُبِرَتْ

وَمَعْنَاهُ أَنْ يُقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَمَانَةٌ لِغَيْرِهِ أَوْ غَصْبٌ مِنْهُ أَوْ يُقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَيُقْضَى مِمَّا فِي يَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ. لَهُمَا أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ الْإِذْنَ فَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْيَدَ فَالْحَجْرُ أَبْطَلَهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى كَسْبَهُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ حَجْرُهُ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الرَّقَبَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ، وَلَهُ أَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ الْيَدُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً، وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُهَا عَنْ حَاجَتِهِ، وَإِقْرَارُهُ دَلِيلُ تَحَقُّقِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا تَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا مِلْكُهُ ثَابِتٌ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ تَبَدَّلَ بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَقَاءِ دُونَ الِابْتِدَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلَهُ لَهُمَا أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ الْإِذْنُ فَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْيَدُ فَالْحَجْرُ أَبْطَلَهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: يَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي وَدِيعَةِ الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ عَبْدٌ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً ثُمَّ غَابَ لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ تَاجِرًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِيَدِ الْمَحْجُورِ اعْتِبَارٌ لَمَا اشْتَرَطَ حَضْرَتَهُ بَلْ جَعَلَ مَا أَوْدَعَهُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ فَائِدَةُ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْيَدِ هِيَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِمَنْزِلَةٍ وَلَمْ تُجْعَلْ كَذَلِكَ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ لِيَدِهِ اعْتِبَارًا وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَام الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي وَدِيعَةِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لِأَنَّ الْعَبْدَ آدَمِيٌّ لَهُ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فَلَا يَكُونُ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُودَعِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَبْدُ. قُلْت: تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ مُؤَوَّلَةٌ ذُكِرَ تَأْوِيلُهَا فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ عَشَرَ مِنْ وَدِيعَةِ الذَّخِيرَةِ فَقَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ كَسْبُ الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَسْبُهُ فَلِلْمَوْلَى حَقُّ الْأَخْذِ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَسْبُ الْعَبْدِ وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَالُ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي ذِكْرِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ لَكِنْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَخْصَرَ مِنْ الْأُولَى. أَقُولُ: ذَلِكَ الْجَوَابُ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، فَإِنَّ تَأْوِيلَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذُكِرَ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَأْبَاهُ قَطْعًا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي وَدِيعَةِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ فِي تَعْلِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا مَرَّ فِي آخَرِ السُّؤَالِ

عَلَى مَا عُرِفَ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيمَا بَاشَرَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ. . قَالَ (وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُجْدِي نَفْعًا فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ النَّاشِئِ مِنْ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّأْوِيلِ أَنَّ فِي صُورَةِ أَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُودَعُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أَوْدَعَهَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ كَسْبُ ذَلِكَ الْعَبْدِ أَوْ مَالُ مَوْلَاهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهَا، بَلْ إنَّمَا يَأْخُذُهَا ذَلِكَ الْعَبْدُ، فَقَدْ تَحَقَّقَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَحْجُورِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ كُلِّيَّةً، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كُلِّيَّةً لَا يَثْبُتُ مُدَّعَى الْإِمَامَيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمَا فِي التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَنَّ يَدَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْكُلِّيَّةِ يَكْفِي فِي إثْبَاتِ مُدَّعَاهُمَا هَاهُنَا. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْكُلِّيَّةِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الصُّوَرِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ إقْرَارُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لِغَيْرِهِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ كَسْبُهُ أَوْ مَالُ مَوْلَاهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ إذْ ذَاكَ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى مُقْتَضَى مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَبْسُوطِ وَتَقَرَّرَ بَعْدَ تَأْوِيلِهَا، وَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ أَيْضًا إقْرَارُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ غَصْبٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَسْبُهُ أَوْ مَالُ مَوْلَاهُ تَكُونُ يَدُهُ مُعْتَبَرَةً عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ مُتَغَيِّرًا بِفِعْلِهِ بِأَنْ لَمْ يَزُلْ اسْمُهُ وَعِظَمُ مَنَافِعِهِ، إذْ لَا يَزُولُ عَنْهُ حِينَئِذٍ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَسْبِ ذِي الْيَدِ، تَدَبَّرْ تَفْهَمْ. (قَوْلَهُ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَعْنِي بِهِ الْإِذْنَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ بِحُكْمِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ اهـ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى اسْتِخْرَاجُ سَائِرُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا هَذَا الْمَحَلَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمْ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَيْ لَا يَبْقَى لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بَعْدَ بَيْعِهِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْإِذْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ بِحُكْمِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا جَرَمَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِعَدَمِ بَقَاءِ الْإِذْنِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ بَقَاءِ الْإِذْنِ مُقَرَّرٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا إذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ بِدُونِ أَنْ يَبِيعَهُ، وَالْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِصَدَدِ الْفَرْقِ مِنْ قَبْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِمَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي قَوْلِهِ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ هُوَ الْإِذْنُ لِمَا كَانَ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَائِدَةٌ أَصْلًا هَاهُنَا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ عَدَمِ بَقَاءِ الْإِذْنِ بِمَا إذَا بَاعَهُ دُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِمِثْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِمَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي قَوْلِهِ الْمَزْبُورِ يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُهَا عَنْ حَاجَتِهِ. وَلَمَّا كَانَ تَبَدُّلُ الْمِلْكِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الذَّاتِ لَمْ يَبْقَ مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ مِنْ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْبَدَنِيَّةَ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا مَا لَمْ يُفَرِّعْ عَنْ حَاجَتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَاتِيك الْمُقَدِّمَةِ جِدًّا، فَتَأَمَّلْ وَكُنْ الْحَاكِمَ الْفَيْصَلَ . (قَوْلَهُ وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُحِيطَ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ، أَوْ لَا تُحِيطَ بِشَيْءٍ مِنْ

وَلَوْ أَعْتَقَ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيَعْتِقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ مِلْكُ رَقَبَتِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهَا، وَوَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا، وَهَذَا آيَةُ كَمَالِهِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ نَظَرًا لِلْمُوَرِّثِ وَالنَّظَرُ فِي ضِدِّهِ عِنْدَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِتَرِكَتِهِ. أَمَّا مِلْكُ الْمَوْلَى فَمَا ثَبَتَ نَظَرًا لِلْعَبْدِ. وَلَهُ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافُهُ عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ، وَإِذَا عُرِفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَعَدَمُهُ فَالْعِتْقُ فُرَيْعَتُهُ، وَإِذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ جَازَ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ قَلِيلِهِ، فَلَوْ جُعِلَ مَانِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ، أَوْ أَحَاطَتْ بِمَالِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ. فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَالْمَأْذُونُ أَيْضًا يُسَاوِي أَلْفًا وَعَلَيْهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ اهـ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْقِسْمَةُ لَيْسَتْ بِحَاصِرَةٍ، إذْ هُنَا احْتِمَالُ قِسْمٍ رَابِعٍ وَهُوَ أَنْ تُحِيطَ بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَالِهِ عَلَى عَكْسِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَعِنْدَ انْعِدَامِ كَسْبِهِ يُسْتَوْفَى مِنْ رَقَبَتِهِ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنْ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ فِي الشَّرْعِ أَنْ تُحِيطَ دُيُونُهُ بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَالِهِ الَّذِي هُوَ كَسْبُهُ، فَكَانَتْ الْأَقْسَامُ الَّتِي يُمْكِنُ تَحَقُّقُهَا فِي الشَّرْعِ مُنْحَصِرَةً فِي الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قِسْمٍ آخَرَ هُوَ احْتِمَالٌ عَقْلِيٌّ مَحْضٌ لَا تَحَقُّقَ لَهُ فِي الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ جَازَ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ جَازَ عِتْقُهُ

لَانْسَدَّ بَابُ الِانْتِفَاعِ بِكَسْبِهِ فَيَخْتَلُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ وَالْمُسْتَغْرَقُ يَمْنَعُهُ. . قَالَ (وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ (وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ، إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ قَوْلِهِ بِمَالِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَرَقَبَتَهُ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ تَعَلُّقَ الدُّيُونِ بِكَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ، وَإِذَا لَمْ تُحِطْ الدُّيُونُ بِمَالِهِ يَتَعَيَّنُ عَدَمُ إحَاطَتِهَا بِرَقَبَتِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوَّلِ، وَمَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَمِنْ قَبِيلِ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاطِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا هُوَ حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَارِّ ذِكْرُهَا فِي التَّقْسِيمِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ فِيمَا قَبْلُ، وَحُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَبْلُ بِقَوْلِهِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيَعْتِقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. وَأَمَّا حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْهَا فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ قَطُّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَنَقَلَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَنْ بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ جَائِزٌ اهـ. وَأَرَادَ بِبَعْضِ الشَّارِحِينَ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفًا وَعَلَى الْأَوَّلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى فَعِتْقُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِثْلُ قِيمَتِهِمَا لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عِتْقُهُ جَائِزٌ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا اهـ. أَقُولُ: فِي جَوَازِ عِتْقِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَارِّ ذِكْرُهَا إشْكَالٌ عَلَى مُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ فِي الْقِسْمِ الْخِلَافِيِّ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثَانِيًا، فَإِنَّ حَاصِلَ ذَاكَ الدَّلِيلِ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافُهُ عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَالْمَالُ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْمِلْكُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْمِلْكُ لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ مُقَدِّمَاتِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا فِيمَا إذَا أَحَاطَتْ الدُّيُونُ بِكَسْبِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إعْتَاقُهُ فِيهِ أَيْضًا . (قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَدَمُ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ إذَا بَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا اهـ. وَكَوْنُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا قَالَا: الْمَوْلَى يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَلَوْ أَحَاطَتْ دُيُونُهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ مِنْ كَسْبِهِ عَبْدًا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى أَصْلِهِمَا حَتَّى يَتَمَشَّى التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ. (قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْخِلَافُ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَبِخِلَافِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ.

لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمْ الِاسْتِخْلَاصُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ. أَمَّا حَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا غَيْرَ فَافْتَرَقَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ أَزَالَ الْمُحَابَاةَ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْيَسِيرُ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَالْفَاحِشُ سَوَاءٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُمْ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ بِلَا مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ، بَلْ الْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ عَدَمُ الْوَاوِ اهـ. أَقُولُ: بَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ بِلَا مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ لَيْسَ بِصَحِيحِ، فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ حِينَئِذٍ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ: أَعْنِي قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ مُلَابَسَتَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، لَكِنْ عَلَى التَّوْزِيعِ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْغَيْرِ الْمُتَرَتِّبِ: أَيْ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مُلَابِسَةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مُلَابِسَةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ

بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ حَيْثُ يَجُوزُ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ، وَالْمَوْلَى يُؤْمَرُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْيَسِيرِ مِنْهُمَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالْبَيْعِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاعْتَبَرْنَاهُ تَبَرُّعًا فِي الْبَيْعِ مَعَ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ غَيْرَ تَبَرُّعٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِانْعِدَامِهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا، وَمِنْ الْمَوْلَى يَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تَجُوزُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عَلَى أَصْلِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَلَا إذْنَ فِي الْبَيْعِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ إذْنٌ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْمُحَابَاةِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَانِ الْفَرْقَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا. قَالَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ الْبَيْعُ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّهُ مُفِيدٌ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَيَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ أَخْذِ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا التَّمَكُّنُ وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ تَتْبَعُ الْفَائِدَةَ (فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ الثَّمَنُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْحَبْسُ، فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ سُقُوطِهِ يَبْقَى فِي الدَّيْنِ وَلَا يَسْتَوْجِبُهُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ وَجَازَ أَنْ يَبْقَى حَقُّهُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ. قَالَ (وَإِنْ أَمْسَكَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِي الْمَبِيعِ وَلِهَذَا كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي الدَّيْنِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، لَا أَنَّ كِلْتَا الْمَسْأَلَتَانِ مُلَابَسَتَانِ بِكِلَا الْخِلَافَيْنِ، فَإِذَنْ يَتَحَقَّقُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ الْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ فِي تَصْحِيحِ الْعَطْفِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوَاوِ تَوْجِيهًا آخَرَ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَمَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَإِنْ بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى بِمِثْلِ قِيمَتِهِ

كَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ (وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ أَوْ بِنَقْضِ الْبَيْعِ) كَمَا بَيَّنَّا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ. . قَالَ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لَقِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ بَيْعًا وَاسْتِيفَاءً مِنْ ثَمَنِهِ (وَمَا بَقِيَ مِنْ الدُّيُونِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَزِمَ الْمَوْلَى إلَّا بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ ضَمَانًا فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ (فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ الدَّيْنَ لَا غَيْرَ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا وَقَدْ رَكِبَتْهُمَا دُيُونٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالنُّقْصَانِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ، هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَبِخِلَافِ اهـ. وَالْعَجَبُ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ التَّوْجِيهِ الْوَجِيهِ، إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَدْ رَأَى تَوْجِيهَ صَاحِبِ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ جَزَمَ بِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ بِلَا مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ بِدُونِ أَنْ يُبَيِّنَ الْفَسَادَ فِي تَوْجِيهِ صَاحِبِ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. نَعَمْ فِي تَوْجِيهِهِ تَمَحُّلٌ لَا يَخْفَى، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَبْعَدَ وَأَقْبَحَ مِمَّا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَفْسُهُ حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوَاوِ بِجَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي كَلَامِهِ تَعْقِيدٌ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُهُ وَبَيَانُ حَالِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِدُونِ الْوَاوِ فَيَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ قَوْلِهِ الْمُتَّصِل بِهِ. وَهُوَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ: أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ حَالٍ: أَعْنِي إذَا كَانَتْ الْمُحَابَاةُ يَسِيرَةً أَوْ فَاحِشَةً أَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَبَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَكِنَّ النُّسْخَةَ بِالْوَاوِ تَأْبَاهُ، اهـ كَلَامَهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَلَامَهُ هَذَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ أَيْضًا عَنْهُ: قُلْت ذَلِكَ أَوْجَهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ بِالْقُرْبِ دُونَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ جَوَازُ الْمُحَابَاةِ مَعَهُ مُطْلَقًا، وَلَا يُرَدُّ بَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إشْكَالًا عَلَيْهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ جَوَازُ الْمُحَابَاةِ مَعَهُ مُطْلَقًا، كَذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَازُ بَيْعِهِ مِنْهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ مَفْهُومٌ بِالْعِبَارَةِ وَالثَّانِي مَفْهُومٌ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَتْ الْمُحَابَاةُ مَعَهُ فَلَأَنْ جَازَ الْبَيْعُ مِنْهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ: أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ حَالٍ: أَعْنِي إذَا كَانَتْ الْمُحَابَاةُ يَسِيرَةً أَوْ فَاحِشَةً أَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَإِذْن اتَّجَهْت الْمُطَالَبَةُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَبَيْنَ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ الْوَارِثِ حَيْثُ جَازَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْمَبِيعِ فَاحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ:

لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُتْلِفًا حَقَّهُمْ فَلَمْ يَتَضَمَّنْ شَيْئًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ بِالْمُحَابَاةِ، وَقَدْ سَلَكَ هَاهُنَا أَيْضًا مَسْلَكَ الدَّلَالَةِ فَلَا مَحْذُورَ فِي تَرْكِ الْوَاوِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ مُتَعَلِّقًا بِحُكْمِ قَوْلِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَسْأَلَةِ بِلَا وَاوٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مُورِدَةٍ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دُونَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ؛ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْوَاوَ فِيهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ نَقْضٌ عَلَى بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمُحَابَاةِ فَأَدْخَلَ الْوَاوَ لِدَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مُورِدَةٍ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دُونَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ؛ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ هَاهُنَا اثْنَتَانِ: أُولَاهُمَا قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ، وَأُخْرَاهُمَا قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ، فَكَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ انْتِقَاضِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِمَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، كَذَلِكَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ انْتِقَاضِ الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى بِمَسْأَلَةِ الْمُحَابَاةِ الْمَأْذُونِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِنُقْصَانٍ وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِنُقْصَانٍ كَذَلِكَ قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ الْمَرِيضُ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ. فَإِنْ أَرَادَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْأُولَى مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَزْبُورَتَيْنِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ: أَيْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ دُونَ الْأُخْرَى مِنْهُمَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ كِلْتَاهُمَا مَسْأَلَتَانِ مَذْكُورَتَانِ مَعًا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَتَا مَعًا مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ إلَخْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الِانْتِقَاضِ دُونَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ فَإِنَّهُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ دَفْعَ تَوَهُّمِ الِانْتِقَاضِ إنَّمَا يَكُونُ بِبَيَانِ الْفَرْقِ، فَقَصْدُ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ قَصْدَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي إثْبَاتِ الْمَسْأَلَةِ بِلَا وَاوٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ فَلَا يَثْبُتُ مُدَّعَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مُتَعَلِّقٌ بِأُولَى مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ مُتَعَلِّقٌ بِأُخْرَاهُمَا فَلَا مَعْنَى لِلْوَاوِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُولَى؟ قُلْنَا: قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا، فَمَدْخُولُهَا لَا يَقْتَضِي التَّأَخُّرَ لَا فِي الْوُقُوعِ وَلَا فِي التَّعَلُّقِ، فَلَا مَحْذُورَ فِي إتْيَانِ الْوَاوِ هَاهُنَا أَصْلًا. وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْوَاوَ فِيهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ نَقْضٌ عَلَى بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمُحَابَاةِ فَأَدْخَلَ الْوَاوَ لِدَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاوُ فِيهِ لِلْعَطْفِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ. فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ صَالِحًا لِلْعَطْفِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَسْأَلَةِ بِلَا وَاوٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مُورِدَةٍ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ إدْخَالُ وَاوِ الْعَطْفِ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِلْعَطْفِ لِمُجَرَّدِ دَفْعِ تَوَهُّمِ شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ فَمِنْ أَيْنَ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ التَّوَهُّمُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوَاوِ بِجَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي كَلَامِهِ تَعْقِيدٌ، وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ هَكَذَا: وَإِنْ بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ: أَيْ عَيْنِ مَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمْ الِاسْتِخْلَاصُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ. أَمَّا حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ لَا غَيْرَ فَافْتَرَقَا: أَيْ الْمَوْلَى وَالْمَرِيضُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ دُونَ الْوَارِثِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَذْكُرُ قَوْلَهُ وَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ. . . إلَخْ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ جَعْلَ الظَّاهِرِ هَاهُنَا عَدَمَ الْوَاوِ وَبِنَاءَهُ عَلَى حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّعْقِيدِ الْقَبِيحِ عُدُولٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ وَخُرُوجٌ عَنْ دَائِرَةِ الْإِنْصَافِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَقْبَحُ الِاحْتِمَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ. ثُمَّ إنَّ فِي تَقْرِيرِهِ خَلَلًا آخَرَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَافْتَرَقَا:

قَالَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَغَيَّبَهُ، فَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ، إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ وَالْبَائِعُ مُتْلِفٌ حَقَّهُمْ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالتَّغْيِيبِ فَيُخَيَّرُونَ فِي التَّضْمِينِ (وَإِنْ شَاءُوا أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ كَمَا فِي الْمَرْهُونِ (فَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمَوْلَى بِعَيْبٍ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ وَيَكُونَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ زَالَ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ، وَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمَالِكِ وَيَسْتَرِدَّ الْقِيمَةَ كَذَا هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْمَوْلَى وَالْمَرِيضُ، وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ الْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ دُونَ الْوَارِثِ فَيَئُولُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا، إلَى أَنْ يُقَالَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَوْلَى مِنْ الْمَوْلَى دُونَ جَوَازِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ الْوَارِثِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى وَعَلَيْهِ دُيُونٌ تُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَغَيَّبَهُ، فَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ) قَالَ الشُّرَّاحُ: إنَّمَا قَيَّدَ سَبَبَ ضَمَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّغْيِيبِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ بِمُجَرَّدِهِمَا بَلْ بِتَغْيِيبِ مَا فِيهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَسْعَوْنَهُ أَوْ يَبِيعُونَهُ كَمَا يُرِيدُونَ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَفُوتُ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّغْيِيبِ لَا بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اهـ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَإِذَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ فَإِنَّ تَغْيِيبَ الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا وَقَعَ مِنْهُ دُونَ الْبَائِعِ وَلَوْلَا التَّغْيِيبُ لَأَمْكَنَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ فَيَسْتَسْعَوْنَ الْعَبْدِ أَوْ يَبِيعُونَهُ فَلَا ضَمَانَ حِينَئِذٍ عَلَى أَحَدٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. فَإِنْ قُلْت: تَغْيِيبُ ذَاكَ الْعَبْدِ وَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَائِعِ أَيْضًا سَبَبِيَّةٌ لَهُ إذْ لَوْلَا بَيْعُهُ وَتَسْلِيمُهُ لَمَا غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي. قُلْت: نَعَمْ، إلَّا أَنَّ سَبَبِيَّةَ ذَلِكَ بَعِيدَةٌ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ وَمَرَّ مِرَارًا أَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَسْبَابِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ

قَالَ (وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ وَأَعْلَمَهُ بِالدَّيْنِ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ، فَالْأَوَّلُ تَامٌّ مُؤَخَّرٌ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ، وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيرَةُ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ. قَالُوا: تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ، فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: وَلَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى قَدْ رَفَعَ عَنْهُمْ الْمُؤْنَةَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَالْوَصِيِّ إذَا بَاعَ التَّرِكَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ حَقَّهُمْ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْبَيْعِ بَلْ لَهُمْ الِاسْتِسْعَاءُ وَقَدْ فَاتَ بِالْبَيْعِ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ مُنْحَصِرٌ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ فَافْتَرَقَا اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يَتَّجِهُ السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا فِيمَا إذَا كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ثَمَنُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهَا فَلَا يَثْبُتُ لِلْغُرَمَاءِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. بَلْ يَتَعَيَّنُ لَهُمْ إذْ ذَاكَ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّضْمِينِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ مِنْهُمْ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْخِيَارُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ. أَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا فَلَا خِيَارَ لَهُمْ اهـ. وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ تَمَامِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا إذَا بَاعَهُ بِأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَقَبَضَ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّضْمِينِ وَلَكِنْ يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَيْهِمْ اهـ. فَإِذَا كَانَتْ مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ فِيمَا إذَا كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ الْمَوْلَى بِهِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يَتَّجِهْ أَنْ يُقَالَ إنَّ حَقَّهُمْ كَانَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى قَدْ رَفَعَ عَنْهُمْ الْمُؤْنَةَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ وَالْمَوْلَى قَدْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَقَدْ قَصَّرَ وَتَعَدَّى فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ قَطْعًا. ثُمَّ أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى تَفْوِيتُهُ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ الْغُرَمَاءَ بِبَيْعِهِ الْعَبْدَ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمَوْلَى ضَمَانُ الدُّيُونِ بِالتَّمَامِ دُونَ ضَمَانِ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَسْعُوا الْعَبْدَ فِي جَمِيعِ دُيُونِهِ لَهُمْ لَا فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ فَقَطْ، وَقَدْ فَاتَ بِالْبَيْعِ وَالتَّغْيِيبِ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعَ مَا فَوَّتَاهُ وَهُوَ جَمِيعُ مَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالِاسْتِسْعَاءِ مِنْ الدُّيُونِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي قَالُوا بِهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ مِقْدَارِ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا غَيْرَ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلَهُ قَالُوا تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ، فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ) قَالَ صَاحِبُ

قَالَ (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي) مَعْنَاهُ إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمُشْتَرِي خَصْمُهُمْ وَيَقْضِي لَهُمْ بِدَيْنِهِمْ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَوَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا وَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. وَعَنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا لِكُلِّ مَنْ يُنَازِعُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَقَدْ قَامَ بِهِمَا فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّهَايَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَوْعُ نَظَرٍ، إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ: وَتَأْوِيلُهُ إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ لَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي بَابِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمَأْذُونَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَالذَّخِيرَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ وَلَكِنَّ الثَّمَنَ كَانَ لَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ لِفَوَاتِ حَقِّهِمْ فِي الِاسْتِسْعَاءِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ دُيُونِهِمْ عَلَى الْعَبْدِ، وَبِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ انْسِدَادُ بَابِ الرَّدِّ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَفِي الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ فَتَبْقَى لَهُمْ وِلَايَةُ الرَّدِّ لِاسْتِسْعَاءِ بَاقِي الدُّيُونِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ رِضَا الْغُرَمَاءِ بِأَخْذِهِمْ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَخَذُوا الثَّمَنَ كَانُوا رَاضِينَ بِالْبَيْعِ فَيَنْسَدُّ حِينَئِذٍ بَابُ الرَّدِّ، وَلَكِنَّ احْتِمَالَ إرَادَةِ إحْضَارِ الثَّمَنِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الثَّمَنِ بِلَفْظِ الْوُصُولِ بَاقٍ فَلَا يَنْتَهِضُ ذَلِكَ اللَّفْظُ حِينَئِذٍ بَيَانًا لِانْسِدَادِ بَابِ الرَّدِّ لَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَكَانَ الْمَعْقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ بِقَوْلِهِ: وَتَأْوِيلُهُ إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ لَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانَ لَهُمْ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ دُيُونُهُمْ، وَبَعْدَ الْبَيْعِ لَا يُمْكِنُهُمْ الِاسْتِسْعَاءُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ بِدُيُونِهِمْ لَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ نَقْضِ الْبَيْعِ. إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِعَيْنِ عِبَارَتِهِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَنَقَلَهُ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَأَوْرَدَ النَّظَرَ عَلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ فِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ وُصُولَ الثَّمَنِ إلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِ الْمُحَابَاةِ فِي الْبَيْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرَّدِّ لِجَوَازِ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَكِنَّ لَا يَفِي الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ فَيَبْقَى لَهُمْ وِلَايَةُ الرَّدِّ وَالِاسْتِسْعَاءِ فِي الدُّيُونِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُمْ قَدْ رَضُوا بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ حَيْثُ قَبَضُوا الثَّمَنَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ وِلَايَةُ الرَّدِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِفَائِدَةِ قَوْلِهِ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَبَضُوا الثَّمَنَ وَرَضُوا بِهِ سَقَطَ حَقُّهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: أَوَّلًا فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ مَا ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْجَوَابِ لِمَا تَمَّ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ بِدُيُونِهِمْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ حَقُّهُمْ بِالتَّمَامِ، وَوُصُولُ بَعْضِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا فِي نَفْيِ رَدِّهِمْ الْبَيْعَ كَمَا بَيَّنَ فِي السُّؤَالِ، بَلْ كَانَ حَقُّ التَّعْلِيلِ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ لِرِضَاهُمْ بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ. وَأَقُولُ ثَانِيًا: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ النَّظَرِ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّ فَائِدَةَ قَوْلِهِ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ حِينَئِذٍ هِيَ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِي صُورَةِ الْمُحَابَاةِ إنَّمَا قَبَضْنَا الثَّمَنَ عَلَى اعْتِقَادِ أَنْ

قَالَ (وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ فَالْإِخْبَارُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فَتَصَرُّفُهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَحْجُورَ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ حَجْرِهِ وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَيْ لَا يَضِيقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا عَلِمْنَا الْمُحَابَاةَ فِيهِ لَا نَرْضَى بِهَا، بَلْ نَرُدُّ الْبَيْعَ فَنَتْبَعُ الْعَبْدَ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ ذَلِكَ الْعُذْرُ فَافْتَرَقَا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّمَنَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ نَاقِصًا إذَا لَمْ يَفِ بِالدُّيُونِ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الثَّمَنَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ لَذَهَبَتْ فَائِدَةُ قَوْلِهِ فَإِنْ وَصَلَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ، وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ فِي قَوْلِهِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الْبَيْعَ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يَصِلَ، إذْ لَا يَبْقَى لَهُمْ حِينَئِذٍ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ بَلْ يَتَعَيَّنُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ فَائِدَةٌ فِي الرَّدِّ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَرَةُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَعْنَى انْتِفَاءِ الْمُحَابَاةِ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ عَيْنَ مَعْنَى وَفَاءِ الثَّمَنِ بِدُيُونِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ أَصْلًا لِجَوَازِ أَنْ تَنْتَفِي الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَفِي الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ، وَجَوَازُ أَنَّهُ يَفِي الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ وَلَا تَنْتَفِي الْمُحَابَاةُ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الثَّمَنَ يَفِي بِدُيُونِهِمْ لَا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا بِحَسَبِ التَّجَوُّزِ أَوْ الْكِنَايَةِ لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ، إنْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ فَالْإِخْبَارُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ فَتَصَرُّفُهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ فَتَصَرُّفُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَقَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَأَمَّا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَأَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَالثَّانِي أَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. وَأَمَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ إثْرَ ذَلِكَ. أَقُولُ: تَحْرِيرُ هَذَا الْمَحِلِّ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ لَا يَخْلُو عَنْ الِاخْتِلَالِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمَا فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ الْقِيَاسِ وَالثَّانِي أَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ مُتَمَشٍّ فِي أَحَدِ شِقَّيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُخْبِرْ بِالْإِذْنِ، إذْ لَا إخْبَارَ مِنْ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا إقْرَارَ عَلَى الْمَوْلَى فِيهَا. وَأَمَّا جَعْلُ الْإِخْبَارِ فِي قَوْلِهِمَا وَالثَّانِي أَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ أَعَمُّ مِنْ الْإِخْبَارِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ، وَادِّعَاءُ أَنَّ فِي ذَلِكَ الشِّقِّ إخْبَارًا حُكْمِيًّا عَنْ كَوْنِهِ مَأْذُونًا وَهُوَ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الْمَأْذُونِ فَتَمَحُّلٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى. فَالْأَوْلَى هَاهُنَا تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي، فَإِنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهَ قِيَاسٍ. وَوَجْهَ اسْتِحْسَانٍ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فَيُصَدَّقُ اسْتِحْسَانًا عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى مِنْهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا ذَلِكَ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ يُخَصُّ بِهَا الْأَثَرُ وَيُتْرَكُ بِهَا الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَبَلْوَى فَإِنَّ الْإِذْنَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عِنْدَ كُلِّ عَقْدٍ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ، وَمَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ سَقَطَتْ قَضِيَّتُهُ. وَثَانِيهِمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَلَا يُخْبِرَ بِشَيْءٍ، وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ.

[فصل إذا أذن ولي الصبي للصبي في التجارة]

(إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهَا خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (فَإِنْ حَضَرَ فَقَالَ هُوَ مَأْذُونٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (وَإِنْ قَالَ هُوَ مَحْجُورٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ. . فَصْلٌ (وَإِذَا أَذِنَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ حَجْرَهُ لِصِبَاهُ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ، وَلِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ حَتَّى يَمْلِكَ الْوَلِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يَثْبُتُ الْجَوَازُ إلَّا بِالْإِذْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ دَفْعًا لِلشَّرَرِ عَنْ النَّاسِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ خَبَرُ الْعَدْلِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُشْتَرَطُ لِلضَّرُورَةِ أَوْ الْبَلْوَى، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ لِأَنَّهَا خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ وَلَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ لِاسْتِيفَاءِ دُيُونِهِمْ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ الْمَوْلَى دُيُونَهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهِ التَّعْلِيلُ حِينَئِذٍ عَلَى أَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ثُبُوتِ الْإِذْنِ لَهُ وَلُزُومِ كُلِّ شَيْءٍ فِي التِّجَارَةِ لِئَلَّا يَضِيقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَالْأَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ: أَيْ فِي حَقِّ بَيْعِ الرَّقَبَةِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ بَيْعَ الرَّقَبَةِ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَذِنَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَلَحِقَهُمَا الدَّيْنُ لَا يُبَاعَانِ وَهُمَا مَأْذُونٌ لَهُمَا كَمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. [فَصْلٌ إذَا أَذِنَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ إذْنِ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ إذْنِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَذِنَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ)

التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ وَيَمْلِكَ حَجْرَهُ فَلَا يَكُونُ وَالِيًا لِلْمُنَافَاةِ وَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَامُ بِالْوَلِيِّ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِ فَتَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ إلَى تَنْفِيذِهِ مِنْهُ. أَمَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَتَوَلَّاهُ الْوَلِيُّ فَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا. وَلَنَا أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَشْرُوعَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ عَلَى مَا عُرِفَ تَقْرِيرُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ. وَالصِّبَا سَبَبُ الْحَجْرِ لِعَدَمِ الْهِدَايَةِ لَا لِذَاتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ نَظَرًا إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ: فَهُوَ فِي التِّجَارَةِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لِيُطَابِقَ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التِّجَارَةِ، وَلِيَعُمَّ غَيْرَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ سَائِرِ أَسْبَابِ التِّجَارَاتِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي سَائِرِهَا أَيْضًا عِنْدَنَا، وَكَأَنَّهُ قَصَدَ الِاكْتِفَاءَ بِذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ أُصُولِ أَسْبَابِ التِّجَارَاتِ، إلَّا أَنَّهُ آثَرَ اللَّفْظَ الْكَثِيرَ عَلَى اللَّفْظِ الْقَلِيلِ مَعَ كَوْنِ الثَّانِي أَعَمَّ وَأَظْهَرَ فِي إفَادَةِ تَمَامِ الْمُرَادِ. وَهَذَا مَا فِي عِبَارَةِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى حَيْثُ قَصَرَ فِي الْبِدَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَكَانَ عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا مَعَ ظُهُورِ مَزِيَّةِ مَا فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ تَعَقُّلَهُ الْبَيْعَ فَقَطْ غَيْرُ كَافٍ فِي كَوْنِهِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ نَافِذَ التَّصَرُّفِ فِي بَابِ التِّجَارَةِ مُطْلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ الشِّرَاءَ أَيْضًا بِأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ لَهُ، وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (قَوْلُهُ وَالصِّبَا سَبَبُ الْحَجْرِ لِعَدَمِ الْهِدَايَةِ لَا لِذَاتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ نَظَرًا إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ حَجْرَهُ لِصَبَاهُ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الصِّبَا سَبَبُ الْحَجْرِ لِعَدَمِ هِدَايَةِ الصَّبِيِّ فِي أُمُورِ التِّجَارَةِ لَا لِذَاتِهِ فَصَارَ هُوَ كَالْعَبْدِ فِي كَوْنِ حَجْرِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ زَالَ ذَلِكَ الْغَيْرُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ثُبُوتِ هِدَايَتِهِ فِي أُمُورِ التِّجَارَةِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ هَادِيًا فِيهَا لَمَا أَذِنَ لَهُ

وَبَقَاءُ وِلَايَتِهِ لِنَظَرِ الصَّبِيِّ لِاسْتِيفَاءِ الْمَصْلَحَةِ بِطَرِيقَيْنِ وَاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ الْحَالِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ ضَارٌّ مَحْضٌ فَلَمْ يُؤَهَّلْ لَهُ. وَالنَّافِعُ الْمَحْضُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يُؤَهَّلُ لَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَيُجْعَلُ أَهْلًا لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ لَا قَبْلَهُ، لَكِنْ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مَوْقُوفًا مِنْهُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ نَظَرًا، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ، وَذِكْرُ الْوَلِيِّ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْوَصِيَّ وَالْقَاضِي وَالْوَالِي، بِخِلَافِ صَاحِبِ الشُّرَطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقُضَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلِيُّ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ أَذِنَ الْمَوْلَى لِلْعَبْدِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَنَفَذَ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ إذَا عَلِمَ هِدَايَتَهُ فِي أُمُورِ التِّجَارَةِ بِدَلِيلٍ مِنْ الدَّلَائِلِ، غَيْرَ إذْنِ الْوَلِيِّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ إذْ ذَاكَ أَيْضًا بِزَوَالِ ذَلِكَ الْغَيْرِ الَّذِي حُجِرَ الصَّبِيُّ بِسَبَبِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْهِدَايَةِ، مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْكُتُبِ عَدَمُ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ أَصْلًا فِيمَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلَهُ وَبَقَاءُ وِلَايَتِهِ لِنَظَرِ الصَّبِيِّ لِاسْتِيفَاءِ الْمَصْلَحَةِ بِطَرِيقِينَ وَاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ الْحَالِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ وَبَقَاءُ وِلَايَتِهِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ ثَبَتَ لَهُ الْهِدَايَةُ بِالْإِذْنِ لَمْ يَبْقَ الْوَلِيُّ وَلِيًّا. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ بَقَاءَ وِلَايَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ لِلنَّظَرِ لَهُ، فَإِنَّ الصِّبَا مِنْ أَسْبَابِ الْمَرْحَمَةِ بِالْحَدِيثِ، وَفِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ فِي التَّصَرُّفِ نَفْعٌ مَحْضٌ لِاسْتِيفَاءِ الْمَصْلَحَةِ بِطَرِيقَيْنِ: أَيْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ لَهُ، وَبِمُبَاشَرَةِ نَفْسِهِ، فَكَانَ مَرْحَمَةً فِي حَقِّهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَلِاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ الْحَالِ فَإِنَّ حَالَ الصَّبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَبَدَّلَ مِنْ الْهِدَايَةِ إلَى غَيْرِهَا فَأَبْقَيْنَا وِلَايَةَ الْوَلِيِّ لِيَتَدَارَكَ ذَلِكَ اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ شَيْءٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَفِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ فِي التَّصَرُّفِ نَفْعٌ مَحْضٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّصَرُّفِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ الَّذِي هُوَ نَافِعٌ مَحْضٌ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَنْفُذُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ أَيْضًا. وَتَصَرُّفُهُ الَّذِي هُوَ ضَارٌّ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَنْفُذُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ عِنْدَنَا تَصَرُّفُهُ الدَّائِرُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَكَيْفَ يَكُونُ فِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ نَفْعٌ مَحْضٌ؟ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ وَفِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ فِي التَّصَرُّفِ

وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْقِلَ كَوْنَ الْبَيْعِ سَالِبًا لِلْمِلْكِ جَالِبًا لِلرِّبْحِ، وَالتَّشْبِيهُ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا يَثْبُتُ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ وَالْمَأْذُونُ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ عَبْدًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا، فَلَا يَتَقَيَّدُ تَصَرُّفُهُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ. وَيَصِيرُ مَأْذُونًا بِالسُّكُوتِ كَمَا فِي الْعَبْدِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظَرٌ لَهُ. وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ مُقْتَضَى تَقْرِيرِهِ الْمَزْبُورِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَاحْتِمَالُ تَبَدُّلِ الْحَالِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لِنَظَرِ الصَّبِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي مُقَدِّمَاتِ تَقْرِيرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَصْلَحَةِ بِطَرِيقَيْنِ، وَدَاخِلٌ مَعَهُ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ لِنَظَرِ الصَّبِيِّ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ تَدَارُكَ احْتِمَالِ تَبَدُّلِ الْحَالِ أَيْضًا نَظَرٌ لِلصَّبِيِّ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ مُقَابِلًا لَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبَقَاءُ وِلَايَتِهِ إلَخْ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ إلَخْ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَوْ صَارَ الصَّبِيُّ وَلِيًّا لِلتَّصَرُّفِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْقَى وَلِيُّهُ وَلِيًّا فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، فَصَاحِبُ النِّهَايَةِ ذَكَرَ كِلَا الْوَجْهَيْنِ، وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ اخْتَارَ الثَّانِي كَمَا تَرَى، وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ اخْتَارُوا الْأَوَّلَ فَعَلَيْك بِالِاخْتِيَارِ ثُمَّ الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ وَالتَّشْبِيهُ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَشْبِيهُ الصَّبِيِّ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إنَّمَا يُفِيدُ ثُبُوتَ أَحْكَامِ الْعَبْدِ عَامَّةً فِي حَقِّهِ إنْ كَانَ التَّشْبِيهُ عَلَى الْعُمُومِ، أَوْ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ مَا فِيهِ الْمُشَابَهَةُ كَمَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، فَإِفَادَةُ الْمَأْذُونِ التَّعْمِيمَ مَمْنُوعَةٌ جِدًّا فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ تَعْمِيمُ قَوْلِهِ إنَّ مَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ مَعَ التَّخَلُّفِ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ أَنَّ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَالْوَلِيُّ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَالرِّوَايَةُ عَنْ الْمَبْسُوطِ. قُلْت: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا ذَكَرْته مِنْ الْحَجَرِ وَعَدَمِهِ فَهُوَ فِي انْحِجَارِ الْمَوْلَى وَعَدَمِ انْحِجَارِ الْوَلِيِّ فِي الْمَالِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ التَّعْمِيمِ فِي تَصَرُّفِ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ وَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ فَلَا يَرُدُّ نَقْضًا لِاخْتِلَافِ التَّصَرُّفَيْنِ. وَالثَّانِي هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ سَوَاءً كَانَ عَلَى الصَّبِيِّ دَيْنٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْحُرِّ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَالِهِ، بِخِلَافِ دَيْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ وَيَصِيرُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا اهـ كَلَامَهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي ذِكْرِ ذَاكَ السُّؤَالِ وَوَجْهَيْ الْجَوَابِ وَلَكِنْ سَلَكَ مَسْلَكَ الْإِجْمَالِ. أَقُولُ: الْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُصْلَحُ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْوَجْهِ بَيَانُ عِلَّةِ انْحِجَارِ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَعَدَمُ انْحِجَارِ الْوَلِيِّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ، وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ اسْتِقَامَةَ التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّ مَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ بَلْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ اسْتِقَامَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَمَدَارُ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى التَّعْمِيمِ

وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَكَذَا بِمَوْرُوثِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَمَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ. وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتِهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ يَصِيرُ مَأْذُونًا بِإِذْنِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَفَادِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا غَيْرَ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَعَلَّ خُلَاصَةَ الْجَوَابِ الثَّانِي مَنْعُ دَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْعُمُومِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ دَلَالَةَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ مَا يَثْبُتُ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْعُمُومِ ظَاهِرَةٌ لَا تَقْبَلُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مَا " مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَقَدْ تَأَكَّدَ بَيَانُهَا بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ أَيْضًا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ كَمَا تَقَرَّرَ هَذَا أَيْضًا فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي أَصْلًا عَلَى مَنْعِ دَلَالَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا تَعَرُّضَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا مَضْمُونُهُ مُجَرَّدُ بَيَانِ الْعِلَّةِ فِي انْحِجَارِ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَعَدَمِ انْحِجَارِ الْوَلِيِّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَحَمْلُ ذَلِكَ الْجَوَابِ عَلَى مَنْعِ دَلَالَةِ الْكَلَامِ مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ) أُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ، وَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؟ أُجِيبُ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَا يَثْبُتُ عَلَى الْغَيْرِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ شَهَادَةٌ، وَإِقْرَارُ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ قَوْلٌ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ شَهَادَةً وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا تَكُونُ حُجَّةً. وَأَمَّا قَوْلُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَمِمَّا لَا تَتِمُّ التِّجَارَةُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ يَتَحَرَّزُونَ عَنْ مُعَامَلَتِهِ، فَإِنَّ مَنْ يُعَامِلُهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدِينَ فَلِهَذَا جَازَ إقْرَارُهُ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَا يَدْفَعَ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيَانُ عِلِّيَّةِ عَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ وَصِحَّةِ إقْرَارِ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ كَمَا تَرَى فِي انْدِفَاعِ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ، وَهَاهُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْوِلَايَةُ الْقَائِمَةُ فَكَيْفَ تَتَحَقَّقُ الْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ؟ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ تَنَبَّهَ لِمَا فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ بَلْ قَالَ بَدَلَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَفَادَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ وَالْوَلِيُّ يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا فَيَمْلِكُ أَيْضًا نَفْسَ التِّجَارَةِ وَتَوَابِعَهَا الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا إقْرَارُهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَمَمْنُوعٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ إقْرَارَ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ بَلْ لَيْسَ مِمَّا يَصِحُّ أَصْلًا فَأَنَّى يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا الَّتِي مِنْ

[كتاب الغصب]

[كِتَابُ الْغَصْبِ] ِ الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجُمْلَتِهَا إقْرَارُ الصَّبِيِّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يُجْدِي هَذَا شَيْئًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ مِنْهُ أَنْ يُمَلِّكَ الْوَلِيُّ الْإِذْنَ لِلصَّبِيِّ بِالْإِقْرَارِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ تَمَلُّكَ الصَّبِيِّ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ مِنْ الْوَلِيِّ إلَى الصَّبِيِّ، وَالْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ فَرْعُ الْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ وَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ نَفْسَ الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ قَائِمَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِ الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّبِيِّ فَكَيْفَ تَتَعَدَّى مِنْهُ الْوِلَايَةُ إلَى الصَّبِيِّ فِي حَقِّ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ أَنْ يَمْلِكَ الْوَلِيُّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا فِي أَثْنَاءِ الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ يَصِيرُ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الصَّوَابَ فِي الْجَوَابِ مَنْعُ كَوْنِ وِلَايَةِ الصَّبِيِّ وِلَايَةً مُتَعَدِّيَةً، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الصَّبِيَّ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَالصِّبَا لَيْسَ سَبَبَ الْحَجْرِ لِذَاتِهِ بَلْ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِ، وَإِذْنُ الْوَلِيِّ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ الْمَانِعِ كَمَا كَانَ الْبُلُوغُ دَلِيلًا عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَكْتَسِبُ الْوِلَايَةَ مِنْ إذْنِهِ، إلَّا أَنَّ الصِّبَا لَمَّا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَرْحَمَةِ بِالْحَدِيثِ لَمْ يُؤَهَّلْ الصَّبِيُّ أَصْلًا لِمَا هُوَ ضَارٌّ مَحْضٌ وَأُهِّلَ لِمَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبَعْدَهُ، وَأُهِّلَ لِمَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ بَعْدَ الْإِذْنِ فَقَطْ، وَالْإِقْرَارُ لَمَّا كَانَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ دَارَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ، إذْ مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ يَحْتَرِزُ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَأُهِّلَ الصَّبِيُّ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ عَلَيْهِ ذَاتِيَّةً لَا مُتَعَدِّيَةً مِنْ الْوَلِيِّ، فَتَبَصَّرْ فَإِنَّ هَذَا تَوْجِيهٌ حَسَنٌ وَجَوَابٌ شَافٍ تَنْحَسِمُ بِهِ مَادَّةُ الْإِشْكَالِ بِالْكُلِّيَّةِ. (كِتَابُ الْغَصْبِ) إيرَادُ الْغَصْبِ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَآلًا حَتَّى أَنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ لَمَّا صَحَّ بِدُيُونِ التِّجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا صَحَّ بِدَيْنِ الْغَصْبِ، وَلَمْ يَصِحَّ بِدِينِ الْمَهْرِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ مِنْ التِّجَارَةِ دُونَ الثَّانِي فَكَانَ ذِكْرُ النَّوْعِ بَعْدَ

وَفِي الشَّرِيعَةِ: أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذِكْرِ الْجِنْسِ مُنَاسِبًا. وَالثَّانِي أَنَّ الْمَغْصُوبَ مَا دَامَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا يَكُونُ الْغَاصِبُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِرَقَبَةِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، فَذَكَر أَحَدَ الْمُتَجَانِسَيْنِ مُتَّصِلًا بِالْآخَرِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كَوْنَ الْغَصْبِ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَآلًا إنَّمَا يُفِيدُ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْغَصْبِ وَبَيْنَ جِنْسِ التِّجَارَةِ لَا بَيْنَ الْغَصْبِ وَبَيْنَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ نَفْسَهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ قَطُّ بَلْ هُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ، وَالْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ مَسَائِلُ نَفْسِ الْإِذْنِ لَا مَسَائِلُ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَالثَّانِي أَنَّ مُنَاسَبَةَ ذِكْرِ النَّوْعِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ مُتَحَقِّقَةً فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ أَيْضًا فَيَنْتَقِضُ ذَاكَ الْوَجْهُ بِهَا طَرْدًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَوْعِ عِنَايَةٍ: أَمَّا عَنْ الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يُقَالُ: إنَّ الْإِذْنَ نَفْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِجِنْسِ التِّجَارَةِ وَمَخْصُوصٌ بِهِ فَكَانَ لِلْغَصْبِ مُنَاسَبَةٌ لِلْإِذْنِ نَفْسِهِ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِهِ بِجِنْسِ التِّجَارَةِ. وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَبِأَنْ يَدَّعِيَ عَدَمَ لُزُومِ الِاطِّرَادِ فِي وُجُوهِ الْمُنَاسِبَاتِ بَيْنَ كُتُبِ هَذَا الْفَنِّ. وَيُقَالُ: إنَّ هَاتِيك الْوُجُوهِ مُصَحِّحَاتٌ لَا مُرَجِّحَاتٌ أَلْبَتَّةَ فَلَا ضَيْرَ فِي تَحَقُّقِهَا فِي غَيْرِ مَا سَبَقَتْ لَهُ أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ الْأَظْهَرَ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ عِنْدِي أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَالْغَاصِبَ يَتَصَرَّفُ لَا بِإِذْنٍ شَرْعِيٍّ فَكَانَ بَيْنُهُمَا مُنَاسَبَةُ الْمُقَابَلَةِ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ كِتَابَ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَاسِنَ الْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ الْأَحْكَامِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِقْدَامِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ بَيَانِ كِتَابِ الْغَصْبِ هُوَ بَيَانُ حُكْمِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَصْبِ شَيْءٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ فَضْلًا عَنْ الْحُسْنِ وَالطَّاعَةِ بَلْ هُوَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ وَظُلْمٌ صِرْفٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَفِي الشَّرِيعَةِ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ) أَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُزَادَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ قَيْدَانِ: أَحَدُهُمَا قَيْدُ أَوْ يُقْصِرَ يَدَهُ بِأَنْ يُقَالَ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ أَوْ يُقْصِرَ يَدَهُ لِئَلَّا يَخْرُجُ عَلَى تَعْرِيفِ الْغَصْبِ فِي الشَّرْعِ مَا أَخَذَهُ الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ، كَمَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْغَصْبِ وَإِزَالَةِ فَرْعِ تَحَقُّقِهَا إلَّا أَنَّهُ قَصَّرَ يَدَهُ عَنْ مَالِهِ فِي هَاتِيك الصُّوَرِ أَيْضًا. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: الْغَصْبُ شَرْعًا أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ، أَوْ يُقْصِرُ يَدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ اهـ. وَهَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي أَيْضًا، وَثَانِيهِمَا قَيْدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ شَرِيعَةُ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ الِامْتِيَازَ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ كَانَ الْغَصْبُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى سَبِيلِ الْجِهَارِ وَالسَّرِقَةُ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ لِتَعْرِيفِ الْغَصْبِ شَرِيعَةً فِي الْكِتَابِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ قَدْ تَنَبَّهَ لِلُّزُومِ زِيَادَةِ الْقَيْدِ الثَّانِي عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ لَتَخْرُجَ السَّرِقَةُ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: أَلَيْسَ يَصْدُقُ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ عَلَى السَّرِقَةِ؟ قُلْت: نَعَمْ، إلَّا أَنَّ فِي السَّرِقَةِ خُصُوصِيَّةً بِهَا كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ الْحَدِّ فَدَخَلَ مَسَائِلَهَا بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ فِي الْحُدُودِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي دُخُولَهَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِهَا فِي الْغَصْبِ كَالشِّرَاءِ مِنْ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ غَصْبٌ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْفُضُولِيِّ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ بِهَا صَارَتْ مِنْ مَسَائِلِهَا، وَمَنْ ذَهَبَ عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّقِيقَةُ تَصَدَّى لِإِخْرَاجِهَا عَلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْهُ بَعْضُ أَفْرَادِ الْغَصْبِ كَأَخْذِ مَالٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ السَّرِقَةَ بِخُصُوصِيَّتِهَا الَّتِي كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ الْحَدِّ دَاخِلَةٌ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ، إذْ لَا مَنْعَ لِشَيْءٍ مِنْ خُصُوصِيَّتِهَا عَنْ صِدْقِ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ، وَإِنَّمَا تَكُونُ خُصُوصِيَّتُهَا مَانِعَةً عِنْدَ صِدْقِ تَعْرِيفِ الْغَصْبِ عَلَيْهَا لَوْ زِيدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ قَيْدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ أَوْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ، فَإِنَّ مِنْ خُصُوصِيَّتِهَا أَنْ تَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَيْدَ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ أَوْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ يُنَافِي الصِّدْقَ عَلَى مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ، فَإِذَا كَانَتْ السَّرِقَةُ بِخُصُوصِيَّتِهَا الَّتِي كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ الْحَدِّ دَاخِلَةً فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ التَّعْرِيفُ صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْغَصْبِ فِي الشَّرْعِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ بِخُصُوصِيَّتِهَا غَصْبًا شَرْعِيًّا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ لِلْقَطْعِ بِتَخَالُفِ حُكْمَيْ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ فِي الشَّرْعِ فَلَغَا قَوْلُهُ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي دُخُولَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِمَا بِالْغَصْبِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ كَالشِّرَاءِ مِنْ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ غَصْبٌ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْفُضُولِيِّ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الشِّرَاءِ مِنْ الْفُضُولِيِّ لَيْسَ بِغَصْبٍ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الَّذِي يَصِيرُ غَصْبًا أَخْذُ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ الْفُضُولِيِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَهُوَ لَيْسَ بِبَيْعٍ جَزْمًا وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِيهِ نَفْسُ الشِّرَاءِ مِنْ الْفُضُولِيِّ فَلَا صِحَّةَ فِي التَّمْثِيلِ وَلَا فِي التَّعْلِيلِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ كَأَخْذِ مَالٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخْرِجُ عَنْهُ بَعْضَ أَفْرَادِ الْغَصْبِ كَأَخْذِ مَالٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ غَيْرَ مُحَرَّزً كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَخْذُهُ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ، فَإِنَّ عَدَمَ الْإِحْرَازِ يُنَافِي الِاخْتِفَاءَ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ الْحِرْزِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ مِنْ كِتَابِ السَّرِقَةِ: الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ اهـ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ غَيَّرَ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ: بِلَا إذْنِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ مِلْكًا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعِبَادِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ فَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَكُونُ الْمَوْقُوفُ مَمْلُوكًا فَكَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُهُ إنَّ الْمَوْقُوفَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا، وَلَئِنْ سَلِمَ تَمَامُ ذَلِكَ فَكَوْنُ الْمَوْقُوفِ مَضْمُونًا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مَغْصُوبًا شَرْعِيًّا، فَإِنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ لَيْسَ بِحُكْمٍ مَخْصُوصٍ بِالْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ، بَلْ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا بِنَوْعٍ مِنْ التَّعَدِّي وَالْجِنَايَةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ، وَثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ لَيْسَ بِمَغْصُوبَةٍ عِنْدَنَا شَرْعًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ يَدَ الْمَالِكِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَيْهَا حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ، بَلْ هِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إنْ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَنَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ، مَعَ

حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَحَمْلُ الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَالضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ. . قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ إذَا تَعَدَّى فِيهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً أَيْضًا وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدَ رَجُلٍ خَطَأً فِي يَدِ مَالِكِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغَصْبٍ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ أَحَدٍ. وَبِالْجُمْلَةِ فَرْقٌ بَيْنَ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَضَمَانِ الْإِتْلَافِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ، فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ تَحَقُّقُ حَقِيقَةِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ فِي إتْلَافِ الْمَوْقُوفِ حَتَّى يُرَدَّ بِهِ النَّقْضُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ثِقَاتُ الْمَشَايِخِ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ فَيُحْتَاجُ إلَى تَغْيِيرِهِ؟ (قَوْلُهُ حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَحَمْلُ الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالْحَمْلِ أَثْبَتَ يَدَ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ، وَمِنْ ضَرُورَاتِهِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ. بِخِلَافِ الْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ؛ لِأَنَّ الْبَسْطَ فِعْلُ الْمَالِكِ وَقَدْ بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَمَا بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ تَبْقَى يَدُهُ، فَلَمْ يُوجَدَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْغَصْبُ، كَذَا قَالُوا. قَالَ ابْنُ الْعِزِّ: وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا مُؤَاخَذَةٌ لَفْظِيَّةٌ، وَهِيَ فِي قَوْلِهِ وَحَمْلِ الدَّابَّةِ: يَعْنِي وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَتَحْمِيلُ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ حَمَلَ لَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إلَى اثْنَيْنِ وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إلَى وَاحِدٍ وَإِلَى آخَرَ بِحَرْفِ الْجَرِّ، تَقُولُ حَمَلَتْ الْمَتَاعَ عَلَى الدَّابَّةِ فَيَصِحُّ إضَافَةُ الْمَصْدَرِ مِنْهُ إلَى الْمَتَاعِ لَا إلَى الدَّابَّةِ فَتَقُولُ: حَمْلُ الْمَتَاعِ وَلَا تَقُولُ حَمْلُ الدَّابَّةِ، إلَّا أَنْ يُضَعَّفَ الْفِعْلُ فَيَتَعَدَّى إلَى اثْنَيْنِ بِنَفْسِهِ فَتَقُولُ: حَمَّلْت الدَّابَّةَ الْمَتَاعَ، فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ إضَافَةُ مَصْدَرِهِ إلَى الدَّابَّةِ فَتَقُولُ تَحْمِيلُ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ مَصْدَرُ حَمَّلَ الْمُضَعَّفُ لِلتَّعْدِيَةِ اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي عَنْ هَذَا غَيَّرَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا فَقَالَ: حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ عَبْدِ الْغَيْرِ وَالْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ غَصْبًا، وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِمَا وَجَّهَ بِهِ الْفَاضِلُ الشَّرِيفُ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ قَوْلَ الْعَلَّامَةِ الْكَاكِيِّ افْتِخَارًا بِمُوَاظَبَتِهَا حَيْثُ قَالَ: وَالْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا: أَيْ عَلَى الْعِبَادَةِ، إلَّا أَنَّهُ نَزَعَ الْخَافِضَ وَعَدَّى الْمَصْدَرَ بِالْإِيصَالِ اهـ. وَقَصَدَ بِهِ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ هُنَاكَ، وَفِي تَعْدِيَةِ الْمُوَاظَبَةِ بِنَفْسِهَا نَظَرٌ، وَالصَّوَابُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَالضَّمَانُ) أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ فَحُكْمُهُ رَدُّ الْعَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ بِهَذَا الْمَقَامِ بَيَانُ حُكْمِهِ الْكُلِّيِّ دُونَ حُكْمِهِ الْخَاصِّ بِصُورَةِ الْهَلَاكِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَبْنِيَ كَلَامَهُ هُنَا عَلَى مَا قِيلَ إنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ لِلْغَصْبِ مُطْلَقًا هُوَ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ كَمَا سَيَجِيءُ ذِكْرُهُ، وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ وَصَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّرُوحِ ثُمَّ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِمِثْلِ الْمُصَنِّفِ بِنَاءُ

وَلِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ فَكَانَ أَدْفَعَ لِلضَّرَرِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ) وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَوْمَ الْغَصْبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَوْمَ الِانْقِطَاعِ) لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِهِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مِثْلًا مِثْلُ الْحِنْطَةِ جِنْسًا، وَمَالِيَّةُ الْحِنْطَةِ الْمُؤَدَّاةِ مِثْلُ مَالِيَّةِ الْحِنْطَةِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعَرُّضِ هَاهُنَا لِبَيَانِ كَوْنِ الْجُودَةِ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ دَفْعُ وُرُودِ سُؤَالٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي إيجَابِ الْمِثْلِ مُرَاعَاةُ الْمَالِيَّةِ بِظُهُورِ تَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَلَكِنَّ انْدِفَاعَهُ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاضِحٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِكَوْنِ الْجُودَةِ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَفَاوَتَ بَيْنَ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا فِي الْمَالِيَّةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ التَّفَاضُلُ فِي الْقِيمَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُتَعَارَفِ ظَاهِرٌ جِدًّا. وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فِي وَصْفِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، لَكِنْ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ السُّؤَالُ الْمُتَّجِهُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ بِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَالِيَّةِ فِي إيجَابِ الْمِثْلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَالِيَّةِ، بَلْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ لِتَفَاوُتِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فِي وَصْفِ الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ يُؤَيِّدُ وَرَوَّدَ ذَلِكَ السُّؤَالَ هَاهُنَا، إذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ اعْتِبَارٌ لِتَفَاوُتِهَا فِي ذَلِكَ لَمَا تَصَوَّرَ التَّفَاوُتَ فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَ مُرَاعَاةِ التَّسَاوِي فِي الْوَصْفِ أَيْضًا تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ يَوْمِ انْعِقَادِ السَّبَبُ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: لِمَ قَدَّمَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعْلِيلِ وَلَمْ يُوَسِّطْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ؟ قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ إذْ فِيهِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِحَسَبِ ثُبُوتِ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ. وَالثَّانِي لِإِثْبَاتِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ بِحَسَبِ تَرْتِيبِ الزَّمَانِ عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْأَوْقَاتِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ يَوْمُ الْغَصْبِ، ثُمَّ يَوْمُ الِانْقِطَاعِ، ثُمَّ يَوْمُ الْخُصُومَةِ. فَإِيرَادُ الْأَقْوَالِ عَلَى تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ لَمْ يَتَأَتَّ إلَّا بِتَقْدِيمِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اهـ كَلَامَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْوَجْهَ الثَّانِي فَقَطْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا، وَكَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْوَجْهَ فَقَطْ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِطَرِيقِ النَّقْلِ بِقِيلَ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ مَنْظُورٌ فِيهِ. أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ الْمِثْلِيَّ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ وَقْتَ الْغَصْبِ بِضَمَانِ الْمِثْلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ دَلِيلِ مُحَمَّدٍ، فَمِنْ أَيْنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ دُونَ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ حَتَّى يَلْزَمَ قُوَّةُ دَلِيلِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ قُوَّةَ دَلِيلِهِ فَهِيَ

وَإِنَّمَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّقْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ، وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ جِنْسُهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقِيمَةِ بِأَصْلِ السَّبَبِ كَمَا وُجِدَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ. . قَالَ (وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ) مَعْنَاهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْتَضِي تَأْخِيرَ دَلِيلِهِ إذْ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ الْمُسْتَمِرَّةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَوِيَّ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ لِيَقَعَ الْمُؤَخَّرُ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ عَنْ الْمُقَدَّمِ، وَإِنْ كَانَ يُقَدِّمُ الْقَوِيَّ فِي الْأَكْثَرِ عِنْدَ نَقْلِ أَصْلِ الْأَقْوَالِ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ عِنْدَ مَنْ لَهُ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي مَعْرِفَةِ أَسَالِيبِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَلِأَنَّ إثْبَاتَ تِلْكَ الْأَقْوَالِ بِحَسَبِ التَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَظَرٌ فِقْهِيٌّ أَصْلًا، فَتَغْيِيرُ الْمُصَنِّفِ أُسْلُوبَهُ الْمُقَرَّرَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْوَهْمِيِّ مِمَّا لَا يُنَاسِبُ بِشَأْنِهِ الرَّفِيعِ، فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى عَادَتِهِ الْمُقَرَّرَةِ مِنْ تَأْخِيرِ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى عِنْدَ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ لِيَحْصُلَ الْجَوَابُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُتَقَدِّمِ كَمَا حَصَلَ هَاهُنَا أَيْضًا ذَلِكَ عَلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ التَّأَمُّلُ الصَّادِقُ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: أَقُولُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ نَوْعِهِ فِي يَوْمِ الْخُصُومَةِ، وَالْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ بِكَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ وَقِلَّتِهَا، وَفِي الْمَعْدُومِ هَذَا مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، وَيَوْمَ الِانْقِطَاعِ لَا ضَبْطَ لَهُ. وَأَيْضًا لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْقِيمَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَالِكِ طَلَبٌ، وَأَيْضًا عِنْدَ وُجُودِ الْمِثْلِ لَمْ يَنْتَقِلْ وَعِنْدَ عَدَمِهِ لَا قِيمَةَ لَهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الثَّلْجِيُّ، وَهُوَ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ، وَعَلَى هَذَا انْقِطَاعُ الدَّرَاهِمِ اهـ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ رَدُّ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِالْمَعْدُومِ مَا هُوَ مَعْدُومٌ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ لَا الْمَعْدُومَ فِي الْخَارِجِ مُطْلَقًا، وَكَأَنَّهُ لِهَذَا قَالَ: وَفِي الْمَعْدُومِ هَذَا مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ: يَعْنِي أَنَّهُ بَعْدَمَا عَدِمَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْبُيُوتِ أَيْضًا يَتَعَذَّرُ التَّقْوِيمُ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهَا يَتَعَسَّرُ التَّقْوِيمُ؛ لِأَنَّ مِعْيَارَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ هُوَ السُّوقُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْأَشْيَاءُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ لَا يَتَيَسَّرُ التَّقْوِيمُ الْعَادِلُ، وَكَذَا مُرَادُهُ بِعَدَمِ بَقَاءِ شَيْءٍ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ نَوْعِهِ فِي يَوْمِ الْخُصُومَةِ عَدَمُ بَقَائِهِ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الثَّلْجِيُّ فِي حَدِّ الِانْقِطَاعِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقِيمَةِ بِأَصْلِ السَّبَبِ كَمَا وُجِدَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ عَنْ قَرِيبٍ مِنْ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْغَصْبِ عَلَى مَا قَالُوا هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا رَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلْفًا، إذْ الْمُطَالِبُ بِأَصْلِ السَّبَبِ حِينَئِذٍ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ أَيْضًا إنَّمَا هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ وَقْتَ هَلَاكِ عَيْنِهِ لَا وَقْتَ وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَصْبُ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ هُوَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ عِنْدَهُ، وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ عِنْدَهُ وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمَا. وَبِالْجُمْلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَبَيْنَ مَا لَهُ مِثْلٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ فِي الْأَوَّلِ عِنْدَ وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ، وَفِي الثَّانِي عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ غَيْرُ وَاضِحٍ عَلَى مَا قَالُوا: إنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْغَصْبِ مُطْلَقًا هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا رَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلْفًا كَمَا سَيَجِيءُ: وَأَمَّا عَلَى مَا قِيلَ:

لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ مُرَاعَاةُ الْحَقِّ فِي الْجِنْسِ فَيُرَاعَى فِي الْمَالِيَّةِ وَحْدَهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. أَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ فَهُوَ كَالْمَكِيلِ حَتَّى يَجِبَ مِثْلُهُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ. وَفِي الْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ. . قَالَ (وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ) مَعْنَاهُ مَا دَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ كَمَا سَيَجِيءُ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا دَلِيلُ مُحَمَّدٍ رَأْسًا، إذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْغَصْبِ غَيْرُ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَلُ إلَيْهَا بِأَمْرٍ عَارِضٍ، فَالْمَقَامُ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِشْكَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (قَوْله وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ، مَعْنَاهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ) يَعْنِي مَعْنَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ مِثْلُ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الَّذِي عَدَّهُ تَحْقِيقًا مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، بَلْ لَا حَاصِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَا يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ مَا لَا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ فَيُنَافِيهِ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَيْضًا بِالْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ أَصْلًا. وَقَدْ قَالَ فِي التَّعْلِيلِ: إنَّ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فِي قَوْلِهِ وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَكِنْ لَا يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بَلْ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِهِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فِي قَوْلِهِ وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَلْزَم الِاخْتِلَالُ فِي وَضَعَ الْمَسْأَلَةِ، إذْ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَمَا لَا يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بَلْ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. أَيْ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ فَيُشْبِهُ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ بِلَغْوٍ مِنْ الْكَلَامِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا بِصَدْرِ الْمَسْأَلَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ تَفْسِيرُ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَا يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَكَذَا تَفْسِيرُ مَا لَهُ مِثْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِمَا يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ فِطْرَةٌ سَلِيمَةٌ لِاسْتِلْزَامِهِ اعْتِبَارَ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ وَاللَّاغِيَةِ. فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَهُ مِثْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَا لَهُ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ الْمِثْلُ الْكَامِلُ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْمِثْلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَبِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فِي صُورَةٍ وَمَعْنًى، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ مَعْنًى فَقَطْ وَهُوَ الْقِيمَةُ الَّتِي هِيَ الْمِثْلُ الْقَاصِرُ. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ نَوْعَيْ الْمِثْلِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ مِنْ قَبْلُ: إنَّ الْمِثْلَ نَوْعَانِ: كَامِلٌ وَهُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ الْأَصْلُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ حَتَّى صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ، وَقَاصِرٌ وَهُوَ الْمِثْلُ مَعْنًى وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَالْقَاصِرُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا مَعَ احْتِمَالِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْمِثْلِ الْكَامِلِ اهـ. فَيَصِيرُ مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَمَا لَا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ كَامِلٌ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ الْقَاصِرُ وَهُوَ الْقِيمَةُ فَيَنْتَظِمُ الْمَقَامَ بِلَا كُلْفَةٍ، قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَضْمَنُ مِثْلَهُ صُورَةً مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ لِمَا تَلَوْنَا. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ: " مَنْ كَسَرَ عَصَا فَهِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا " وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ اهـ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ هِيَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] لَمَا تَمَّ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ النَّصّ الشَّرِيفِ عَلَى وُجُوبِ ضَمَانِ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى عَلَى مَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ، وَقَدْ مَرَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ لِمَا تَلَوْنَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلَهُ أَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ فَهُوَ كَالْمَكِيلِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَكِيلِ وَلَمْ يَقُلْ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ مَا لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ وَهُوَ الْمَوْزُونُ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْمَصُوغِ مِنْ الْقُمْقُمِ وَالطَّشْتِ اهـ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمَكِيلِ لِذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ

قَائِمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، فَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ فَيَجِبُ إعَادَتُهَا بِالرَّدِّ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا، وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلَفًا؛ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ، إذْ الْكَمَالُ فِي رَدِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ. وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ فَلَيْسَ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقَلَ مَا فِي النِّهَايَةِ بِقِيلَ: وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَكِيلِ مَا هُوَ كَذَلِكَ كَالْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَفِيهِ الْقِيمَةُ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَكِيلِ

(وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ) لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ (فَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لَأَظْهَرَهَا ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْهَلَاكُ بِعَارِضٍ، فَهُوَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِفْلَاسَ وَعَلَيْهِ ثَمَنُ مَتَاعٍ فَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يُعْلَمَ مَا يَدَّعِيهِ، فَإِذَا عَلِمَ الْهَلَاكَ سَقَطَ عَنْهُ رَدُّهُ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ بَدَلِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ. . قَالَ (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ بِالنَّقْلِ. (وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِ أَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ فَهُوَ كَالْمَكِيلِ حَتَّى يَجِبَ مِثْلُهُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ هُوَ الْمَكِيلُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَفِي الْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، وَبِقَرِينَةِ شُهْرَةِ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ مَعَ الْمَكِيلِ فِي تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَيْلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ الْبُيُوعِ (قَوْله وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) أَيْ الْغَصْبُ يَتَقَرَّرُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ وَيَتَحَقَّق فِيهِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ إنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ دُونَ غَيْرِهِ لَا بَيَانُ مُجَرَّدِ تَحَقُّقِهِ فِي الْمَنْقُولِ، إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا اشْتِبَاهَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ وَالِاشْتِبَاهُ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ بِالْبَيَانِ هَاهُنَا فَالْقَصْرُ مُعْتَبَرٌ فِي التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: أَيْ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِي الْمَنْقُولِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: أَيْ تَحَقُّقُ الْغَصْبِ فِي الْمَنْقُولِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: الْغَصْبُ كَائِنٌ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَا فِي الْعَقَارِ، بَلْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ. قُلْت: بَقِيَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ أَدَاةَ الْقَصْرِ فِي التَّرْكِيبِ الْمَزْبُورِ مَاذَا؟ فَلَعَلَّهَا هِيَ تَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ، وَمَثَّلُوهُ بِنَحْوِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالْكَرَمِ فِي الْعَرَبِ وَالْإِمَامِ مِنْ قُرَيْشٍ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ بِالنَّقْلِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الدَّلِيلِ بِدُونِ التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي دَلِيلِ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ لَا يُفِيدُ الْمُدَّعِي هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِحَقِيقَةِ الْمَقَامِ خُبْرًا، وَبِذِكْرِ التَّفْصِيلِ الْآتِي هُنَاكَ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الدَّلِيلِ هَاهُنَا. فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُكْتَفَى بِمَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ مَسْأَلَةِ غَصْبِ الْعَقَارِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا كَمَا اُكْتُفِيَ بِبَيَانِ الْخِلَافِ هُنَاكَ عَنْ بَيَانِهِ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ مُتَحَقِّقٌ هَاهُنَا أَيْضًا لَا مَحَالَة (قَوْله وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ)

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِتَحَقُّقِ إثْبَاتِ الْيَدِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَحَقَّقُ الْوَصْفَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَصَارَ كَالْمَنْقُولِ وَجُحُودِ الْوَدِيعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: كَانَ اللَّائِقُ بِالْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْفَاءَ بَدَلَ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْأَصْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَ عَلَامَةَ التَّفْرِيعِ فِي اللَّفْظِ كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ، فَذُكِرَتْ كَلِمَةُ الْفَاءِ فِي عَامَّتِهَا وَكَلِمَةُ حَتَّى فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَشَرْطُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَوْنُ الْمَأْخُوذِ مَنْقُولًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ، حَتَّى أَنَّ غَصْبَ الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرَ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ اهـ. وَالْعَجَبُ أَنَّ كَلِمَةَ الْفَاءِ كَانَتْ مَذْكُورَةً فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فَبَدَّلَهَا الْمُصَنِّفُ بِالْوَاوِ فِي الْبِدَايَةِ وَالْهِدَايَةِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْغَصْبِ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا هُوَ الْغَصْبُ اللُّغَوِيُّ دُونَ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ حُكْمَ الْغَصْبِ مُطْلَقًا عِنْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ هُوَ الضَّمَانُ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْحُكْمُ هَاهُنَا بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا هُوَ حُكْمُ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ، وَالْمُتَحَقِّقُ هَاهُنَا هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا مُنَافَاةَ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إطْلَاقُ لَفْظِ الْغَصْبِ هُنَا مَجَازٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ اهـ. أَقُولُ فِيهِ: إنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ، وَهُنَا الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مُتَيَسِّرَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَجَازِ الْمَجَازَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ دُونَ الْمَجَازِ الْمُطْلَقِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَقِيقَةً بِالنَّظَرِ إلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَلَكِنْ حَقُّ الْأَدَاءِ مَا قَدَّمْنَاهُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي غَصْبِ الدُّورِ وَالْعَقَارِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْغَصْبُ وَلَكِنْ لَا عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِلَيْهِ مَال الْقُدُورِيُّ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْغَصْبِ وَنَفَى الضَّمَانَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَحَقَّقُ أَصْلًا، وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ الشَّرْعِيُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْغَصْبَ الشَّرْعِيَّ يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُمَا فِيهَا، كَيْفَ وَلَوْ قَالَهُ لَمَا صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَا عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ، فَإِنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عِنْدَ هَلَاكِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حُكْمٌ مُقَرَّرٌ لِمُطْلَقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ عِنْدَ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْغَصْبِ فِي عِبَارَةِ مَنْ أَثْبَتَ الْغَصْبَ وَنَفَى الضَّمَانَ هُوَ الْغَصْبُ اللُّغَوِيُّ دُونَ الشَّرْعِيِّ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْغَصْبُ اللُّغَوِيُّ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْغَصْبُ اللُّغَوِيُّ أَيْضًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ إنَّ الْغَصْبَ اللُّغَوِيَّ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ اللُّغَوِيَّ عَلَى مَا مَرَّ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْعَقَارِ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ إزَالَةِ

وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا، وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَعُدَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَوَاشِي. وَفِي الْمَنْقُولِ: النَّقْلُ فِعْلٌ فِيهِ وَهُوَ الْغَصْبُ. وَمَسْأَلَةُ الْجُحُودِ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالضَّمَانُ هُنَاكَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ وَبِالْجُحُودِ تَارِكٌ لِذَلِكَ. قَالَ (وَمَا نَقَصَهُ مِنْهُ بِفِعْلِهِ أَوْ سُكْنَاهُ ضَمِنَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِهِ كَمَا إذَا نَقَلَ تُرَابَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْعَيْنِ وَيَدْخُلُ فِيمَا قَالَهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ، فَلَوْ غَصَبَ دَارًا وَبَاعَهَا وَسَلَّمَهَا وَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ غَصْبَ الْبَائِعِ وَلَا بَيِّنَةَ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْغَصْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدِهِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ كَمَا هُوَ الْمَانِعُ عَنْ تَحَقُّقِ الْأَصْلِ الشَّرْعِيِّ عِنْدَهُمَا فِي الْعَقَارِ عَلَى مَا سَتَعْرِفُهُ فَلَا يَصْدُرُ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ إنْكَارُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ اللُّغَوِيِّ فِي الْعَقَارِ فَضْلًا عَنْ مِثْلِ مَشَايِخِنَا هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلَّ هَذَا الْمَحَلِّ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ: أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ، أَيْ بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ عَنْهَا: أَيْ عَنْ الْعَقَارِ بِمَعْنَى الضَّيْعَةِ أَوْ الدَّارِ، وَهُوَ أَيْ الْإِخْرَاجُ فِعْلٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ فَانْتَفَى إزَالَةُ الْيَدِ وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ اهـ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ قُصُورٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْبَاءَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ إذْ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ السَّبَبِيَّةِ بَيْنَ إثْبَاتِ يَدِ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ كَانَ السَّبَبُ هُوَ إثْبَاتُ يَدِ الْغَاصِبِ دُونَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ وُجُودِيًّا وَأَصْلًا صَادِرًا مِنْ الْغَاصِبِ. وَالثَّانِي أَمْرًا عَدَمِيًّا مُتَفَرِّعًا عَلَى الْأَوَّلِ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْبَاءُ الْمَزْبُورَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ كَانَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُسَبَّبِ عَنْ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْغَصْبِ عِنْدَهُمَا مَجْمُوعُ إثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ وَإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ

هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ (وَإِذَا انْتَقَصَ بِالزِّرَاعَةِ يَغْرَمُ النُّقْصَانَ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْبَعْضَ فَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ. قَالَ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ) وَسَنَذْكُرُ الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. . قَالَ (وَإِذَا هَلَكَ النَّقْلِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ضَمِنَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْبَاءُ ثَمَّةَ لِلْمُصَاحِبَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ مَعَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ الْمَعْنَى وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ فَانْتَفَى إزَالَةُ الْيَدِ بِدُونِ التَّقْيِيدِ أَنْ لَا تَتَحَقَّقُ إزَالَةُ الْيَدِ أَصْلًا فِي غَصْبِ الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ مَرَّ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْيَدِ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا هَاهُنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، وَلَيْسَتْ بِقَابِلَةٍ لِلنَّفْيِ وَالْمَنْعِ لِتَقَرُّرِهَا وَبَدَاهَتِهَا فَلَا جَرَمَ كَانَتْ مُسَلَّمَةً عِنْدَهُمَا أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ تَقْرِيرُ دَلِيلِهِمَا بِوَجْهِ يُشْعِرُ بِانْتِفَاءِ إزَالَةِ الْيَدِ أَصْلًا فِي غَصْبِ الْعَقَارِ؟ فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِهِمَا وَحَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ مَعَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ لَا مَعَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءً كَانَتْ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ أَوْ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِكِ، وَمَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْيَدِ إنَّمَا هُوَ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ مُطْلَقًا لَا زَوَالُهَا بِوَجْهٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا يَعْنِي مَجْمُوعَ مَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِيقَةِ الْغَصْبِ مِنْ إزَالَةِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ مَعَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ فِي الْعَقَارِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ عَنْهَا: أَيْ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَهُوَ أَيْ ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ فِعْلٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ فَلَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ عِنْدَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْآخِذِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُثْبِتُ مُدَّعَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ الثَّانِي، وَيَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي دَلِيلِ إمَامِنَا الثَّالِثِ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا التَّعْلِيلَ حَيْثُ قَالَ: لَيْتَ شِعْرِي بِأَيِّ دَلِيلٍ ثَبَتَ كَوْنُ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ وَمَتَى ثَبَتَ، بَلْ مَفْهُومُ إزَالَةِ الْيَدِ تَحَقُّقُهُ فِي إخْرَاجِ الْمَالِكِ أَظْهَرُ اهـ. أَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فَمَرَّا عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْعَقَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا شَرْطُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ الِاسْتِدْلَال بِضَمَانِ الْغَصْبِ، فَإِنَّ أَخْذَ الضَّمَانِ مِنْ الْغَاصِبِ تَفْوِيتُ يَدِهِ عَنْهُ بِفِعْلٍ فِي الضَّمَانِ فَيُسْتَدْعَى وُجُودَ مِثْلِهِ مِنْهُ فِي الْمَغْصُوبِ لِيَكُونَ اعْتِدَاءً بِالْمِثْلِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ أَوْرَدَ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ

وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ: وَإِذَا هَلَكَ الْغَصْبُ وَالْمَنْقُولُ هُوَ الْمُرَادُ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْغَصْبَ فِيمَا يُنْقَلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ السَّابِقِ إذْ هُوَ السَّبَبُ. وَعِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ رَدِّهِ يَجِبُ رَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ يَتَقَرَّرُ بِذَلِكَ السَّبَبُ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ. (وَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ، فَمَا تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعَقَارِ بِأَنْ قَالَ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِيهِ لِانْتِفَاءِ إثْبَاتِ الْيَدِ فَتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إذْ لَيْسَ فِي الْخُصُومِ مَنْ يُنْكِرُ تَحَقُّقَ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهِ، وَلَا مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِيهِ كَمَا عَرَفْته آنِفًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِيهِ لِانْتِفَاءِ إثْبَاتِ الْيَدِ (قَوْلُهُ وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ: وَإِذَا هَلَكَ الْغَصْبُ وَالْمَنْقُولُ هُوَ الْمُرَادُ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْغَصْبَ فِيمَا يُنْقَلُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ الْغَصْبَ الشَّرْعِيَّ فِيمَا يُنْقَلُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْلَمُ بِهِ كَوْنُ الْمَنْقُولِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْغَصْبِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْغَصْبُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ يَعُمُّ الْمَنْقُولَ وَغَيْرَهُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ الْغَصْبَ فِيمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَأَرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْغَصْبَ مُطْلَقًا فِيمَا يُنْقَلُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَا يُرَدُّ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْغَصْبِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ الْغَصْبُ اللُّغَوِيُّ دُونَ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ فِي الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مَعْنَى مَجَازِيٌّ بِالنَّظَرِ إلَى وَضْعِ أَهْلِ الشَّرْعِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، بَلْ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ أَيْضًا، فَلَا بُدَّ فِي إرَادَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ بِالْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي تَخَاطُبِ أَهْلِ الشَّرْعِ مِنْ قَرِينَةٍ وَهَاهُنَا الْقَرِينَةُ مُنْتَفِيَةٌ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ قُبَيْلَ ذَلِكَ وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْغَصْبِ فِي قَوْلِهِ غَصَبَ عَقَارًا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ دُونَ الشَّرْعِيِّ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ تَعُمُّ الْمِثْلِيَّ وَغَيْرَ الْمِثْلِيِّ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ لِعُمُومِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي جَوَابِهَا كُلًّا مِنْهُمَا، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ لَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةِ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَاتِيك الصُّورَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّقْرِيبُ لِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اتِّفَاقِيَّةً (قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ، فَمَا تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ قُصُورٌ، إذْ قَدْ صَرَّحَ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ بِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ تَعُمُّ مَا كَانَ النُّقْصَانُ فِي بَدَنِ الْمَغْصُوبِ مِثْلَ أَنْ كَانَ جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ أَوْ نَاهِدَةَ الثَّدْيَيْنِ فَانْكَسَرَ ثَدْيُهَا، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِ بَدَنِهِ مِثْلَ أَنْ كَانَ عَبْدًا مُحْتَرِفًا فَنَسِيَ الْحِرْفَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَمَشَّى فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ

بِخِلَافِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا رَدَّ فِي مَكَان الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ الرَّغَبَاتِ دُونَ فَوْتِ الْجُزْءِ، وَبِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عَقْدٍ. أَمَّا الْغَصْبُ فَقَبْضٌ وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمُرَادُهُ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ، أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّات لَا يُمْكِنُهُ تَضْمِينُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. . قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ فَنَقَصَتْهُ الْغَلَّةُ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا (وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا مِنْ حَيْثُ الْأَوْصَافُ دُونَ الْأَجْزَاءِ. فَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ يَدْخُلُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ وَأَوْصَافِهِ فِي ضَمَانه بِالْغَصْبِ فَإِنَّهُ أَوْفَى بِالصُّورَتَيْنِ مَعًا وَأَوْفَقُ لِقَوْلِهِ الْآتِي: وَبِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عَقْدٍ، أَمَّا الْغَصْبُ فَقَبْضٌ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلَهُ وَمُرَادُهُ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ، أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّاتِ لَا يُمْكِنُهُ تَضْمِينُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا) يَعْنِي أَنَّ مُرَادَ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ غَيْرَ الرِّبَوِيِّ، وَأَمَّا فِي الرِّبَوِيَّاتِ: أَيْ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا فَلَا يُمْكِنُ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ النُّقْصَانِ فِي الْوَصْفِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، هَذَا فَحْوَى كَلَامِهِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَدَمُ إمْكَانِ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا كَانَ نُقْصَانُ الرِّبَوِيَّاتِ فِي الْأَوْصَافِ كَمَا إذَا غَصَبَ حِنْطَةً تَعَفَّنَتْ فِي يَدِهِ، إذْ لَا اعْتِبَارَ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْوَصْفِ عِنْدَنَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَيُؤَدِّي تَضْمِينُ النُّقْصَانِ فِي الْوَصْفِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ إلَى الرِّبَا لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا فِيمَا إذَا كَانَ نُقْصَانُهَا فِي الْأَجْزَاءِ كَمَا إذَا غَصَبَ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا فَتَلِفَ بَعْضُ أَجْزَائِهِ فَنَقَصَ قَدْرُهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَيُمْكِنُ لِصَاحِبِ الْمَالِ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْبَاقِي مِنْ الْأَصْلِ بِلَا تَأَدٍّ إلَى الرِّبَا أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى، فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ مُرَادِ الْقُدُورِيِّ بِغَيْرِ الرِّبَوِيِّ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ إمْكَانِ تَضْمِينِ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمُرَادُهُ أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ غَيْرَ الرِّبَوِيِّ، أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّاتِ كَمَا إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ أَوْ إنَاءَ فِضَّةٍ فَانْهَشَمَ فِي يَدِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، لَكِنَّ صَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ مِثْلَهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا لِمَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ إلَّا أَنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ فِيمَا مَرَّ حَتَّى الْعِنَايَةِ نَفْسِهَا

وَعِنْدَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَجَّرَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ. أَمَّا الضَّمَانُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا عِنْدَنَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَمَا هَذَا حَالُهُ فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ، إذْ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ وَالْمِلْكُ الْمُسْتَنِدُ نَاقِصٌ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْخَبَثُ. (فَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَتَّى ضَمِنَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ) ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لِأَجَلِ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى إلَيْهِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخَبَثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّ وَغَرِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَيْضًا بِأَنَّ الْوَزْنِيَّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ كَالْمَصُوغِ مِنْ الْقُمْقُمِ وَالطَّسْتِ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إنَاءَ فِضَّةٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَكَيْفَ يَتِمُّ تَمْثِيلُ الرِّبَوِيَّاتِ هَاهُنَا بِإِنَاءِ فِضَّةٍ انْهَشَمَ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ مِثْلَهُ، وَتَضْمِينُ الْمِثْلِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ دُونَ ذَوَاتِ الْقِيَمِ الَّتِي مِنْهَا إنَاءُ فِضَّةٍ عَلَى مُقْتَضَى مَا صَرَّحُوا بِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَلَعَلَّ الْحَقَّ فِي حُكْمِ غَصْبِ إنَاءِ فِضَّةٍ إذَا نَقَصَ فِي يَدِهِ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَنْ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّ صَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، وَعِبَارَةُ الْكَرْخِيِّ هَكَذَا: وَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ فِضَّةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ ذَهَبٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ مِنْ الْفِضَّةِ انْتَهَتْ. وَنَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِطَرِيقِ التَّفْصِيلِ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِيهِ قَلْبُ فِضَّةٍ بَدَلَ إنَاءِ فِضَّةٍ حَيْثُ قَالَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ اسْتَهْلَكَ قَلْبَ فِضَّةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ لِلْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَالصَّنْعَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ قِيمَةٌ، وَعِنْدَنَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، فَلَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ قِيمَتِهَا مِنْ جِنْسِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا، أَوْ لَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ وَزْنِهَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ الْجُودَةِ وَالصَّنْعَةِ، فَلِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا قُلْنَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا اهـ (قَوْلُهُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ. أَمَّا الضَّمَانُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا عِنْدَنَا) أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ الْبَعْضُ الْفَائِتُ مِنْ الْمَغْصُوبِ دُونَ

لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ مَا كَانَ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ، فَلَوْ أَصَابَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا. . قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْغَاصِبَ أَوْ الْمُودَعَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ مَرَّتْ الدَّلَائِلُ وَجَوَابُهُمَا فِي الْوَدِيعَةِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَى مَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ، أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالثَّمَنَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْمُوعِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا نَقَصَتْهُ الْقِلَّةُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَلَّةَ: أَيْ الْأُجْرَةَ بِمُقَابَلَةِ مَنَافِعِ مَجْمُوعِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ الْمُسْتَغَلِّ لَا بِمُقَابِلَةِ مَنْفَعَةِ وَصْفِهِ الْفَائِتِ فَقَطْ، فَمَا وَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ أَصْلًا فَتَفَكَّرْ (قَوْلَهُ فَلَوْ أَصَابَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا) فَسَّرَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ بِوَقْتِ اسْتِهْلَاكِ الثَّمَنِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِعِبَارَةٍ صَرِيحَةٍ فِيهَا فَسَّرُوا بِهِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَإِذَا أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ غَنِيٌّ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا يَوْمَ اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا وَقْتَ اسْتِهْلَاكِ الثَّمَنِ وَيَصِيرُ فَقِيرًا وَقْتَ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَيْفَ يُؤَثِّرُ الْغِنَى السَّابِقُ الثَّابِتُ وَقْتَ اسْتِهْلَاكِ الثَّمَنِ فِي حَقِّ الْغَلَّةِ الْمَصْرُوفَةِ إلَى حَاجَتِهِ فِي حَالِ فَقْرِهِ اللَّاحِقِ حَتَّى يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِمِثْلِهَا عِنْدَ إصَابَتِهِ مَالًا، أَوَ لَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَفَهَا إلَى حَاجَةِ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّصَدُّقُ بِمِثْلِهَا مِنْ بَعْدُ أَصْلًا؛ فَفِيمَا إذَا صَرَفَهَا إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ حَالَ فَقْرِهِ كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا قَبْلُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ تَأْثِيرِ الْغِنَى السَّابِقِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ هُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْ الثَّمَنَ حَالَ غِنَاهُ بِلَا ضَرُورَةٍ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الثَّمَنُ إلَى وَقْتِ لُزُومِ أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَلَّةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ أَمْرٌ مَوْهُومٌ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَدَارًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَتَدَبَّرْ. وَفَسَّرَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِوَقْتِ الصَّرْفِ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَكِنْ فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ إنَّمَا يَجُوزُ رَأْسًا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَ تِلْكَ الْغَلَّةِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ فَقِيرًا أَلْبَتَّةَ فَلَمْ يَكُنْ وَجْهٌ لِتَرْدِيدِ الْمُصَنِّفِ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ فَلَوْ أَصَابَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إذْ مَعْنَاهُ فَبَعْدَ أَنْ صَرَفَهَا إلَى حَاجَةِ

فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ اشْتَرَى بِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا اشْتَرَى بِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا الثَّمَنَ. أَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ نَقَدَ مِنْهَا وَأَشَارَ إلَى غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ إطْلَاقًا وَنَقَدَ مِنْهَا بِطِيبٍ لَهُ، وَهَكَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إذَا كَانَتْ لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ لِيَتَحَقَّقَ الْخَبَثُ. وَقَالَ مَشَايِخُنَا: لَا يَطِيبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ، وَكَذَا بَعْدَ الضَّمَانِ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ وَالْمُضَارَبَةِ. . قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَوَهَبَهَا أَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ) ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ لَوْ أَصَابَ مَالًا إلَخْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا وَلَا يَجِدُ غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ ابْنَ السَّبِيلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلَهُ فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ اشْتَرَى بِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا اشْتَرَى بِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا يَئُولُ إلَى أَنْ يُقَالَ فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ اشْتَرَى بِهَا إشَارَةً إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَى بِهَا فِي قَوْلِهِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا اشْتَرَى بِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا نَفْسَ مَا فِي الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ وَنَقَدَ مِنْهَا أَمْرٌ مُغَايِرٌ لَهُ، وَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّ فِي الشَّيْءِ إشَارَةً إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ اشْتَرَى بِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْهَا إذْ حِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ، وَتَظْهَرُ الْمُقَابَلَةُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ نَقَدَ مِنْهَا وَأَشَارَ إلَى غَيْرِهَا كَمَا لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ. ثُمَّ إنَّ مَأْخَذَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ وَالْمُضَارَبَةُ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَفْظُهُ: إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْهَا بَدَلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا اشْتَرَى بِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ. فَأَمَّا فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إذَا اشْتَرَى بِهَا يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْهَا. وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ إنَّ ذَلِكَ عَلَى أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا وَيَنْقُدَ مِنْهَا، وَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا وَيَنْقُدَ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِمَّا أَنْ يُطْلِقَ إطْلَاقًا وَيَنْقُدَ مِنْهَا أَوْ يُشِيرَ إلَى غَيْرِهَا وَيَنْقُدَ مِنْهَا. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَطِيبُ إلَّا أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا وَيَنْقُدَ مِنْهَا فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهَا لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا

[فصل فيما يتغير بعمل الغاصب]

[فَصْلٌ فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِعَمَلِ الْغَاصِبِ] ِ قَالَ (وَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعِظَمُ مَنَافِعُهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا، كَمَنْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَدَمُهَا إلَّا أَنْ يَتَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ مِنْهَا. قَالَ مَشَايِخُنَا: بَلْ لَا يَطِيبُ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ، وَبَعْدَ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ هَاهُنَا وَالْمُضَارَبَةُ وَالْجَامِعُ الْكَبِيرُ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، إلَى هُنَا لَفْظُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ مَشَايِخُنَا: الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا تَقَرَّرَ: أَيْ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. (فَصْلٌ فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِعَمَلِ الْغَاصِبِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَقِيقَةِ الْغَصْبِ وَحُكْمِهِ مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ أَعْقَبَهُ بِذِكْرِ مَا يَزُولُ بِهِ مِلْكُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَحَقُّهُ الْفَصْلُ عَمَّا قَبْلَهُ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا يَزُولُ بِهِ مِلْكُ الْمَالِكِ وَإِنْ كَانَ عَارِضًا لِأَصِلْ الْغَصْبِ إلَّا أَنَّ رَدَّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى تَحَقُّقِ هَذَا الْعَارِضِ، فَإِنَّ مُوجِبَ أَصْلِ الْغَصْبِ إنَّمَا هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ، وَلَا يُصَارُ إلَى رَدِّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ إلَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ، فَلَمْ يَكُنْ رَدُّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ إلَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ حُكْمُ الْغَصْبِ إلَّا بَعْدَ حُدُوثِ ذَلِكَ الْعَارِضِ، فَكَانَ بِالتَّأْخِيرِ أَحْرَى مِنْهُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ مَا يَزُولُ بِهِ مِلْكُ الْمَالِكِ عَارِضًا إنَّمَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَهُ لِلتَّأْخِيرِ لَا لِفَصْلِهِ عَمَّا قَبْلَهُ بِأَنْ يُورِدَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَمْ يَتَّمَ قَوْلُهُ وَحَقُّهُ الْفَصْلُ عَمَّا قَبْلَهُ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ تَدَارَكَهُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ عَارِضٌ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهِ تَمَامَ التَّقْرِيبِ إذْ الْمَقْصُودُ بَيَانُ وَجْهِ ذِكْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْعَارِضِ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لَا بَيَانُ وَجْهِ مُجَرَّدِ ذِكْرِهِ مُتَأَخِّرًا عَمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعِظَمُ مَنَافِعِهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، مِثْلَ أَنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا بِنَفْسِهِ أَوْ خَلًّا

أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ حَدِيدًا فَاِتَّخَذَهُ سَيْفًا أَوْ صُفْرًا فَعَمِلَهُ آنِيَةٌ) وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمَالِكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الدَّقِيقِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُضَمِّنُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ لَكِنَّهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ. لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا، فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ. وَقَوْلُهُ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَزُلْ بِالذَّبْحِ مِلْكُ مَالِكِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ اسْمُهَا. يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَشَاةٌ حَيَّةٌ. وَقَوْلُهُ وَعِظَمُ مَنَافِعِهَا يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ إذَا غَصَبَهَا وَطَحَنَهَا، فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ الْحِنْطَةِ كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَكِشْكًا وَنَشَاءً وَبَدْرًا وَغَيْرَهَا تَزُولُ بِالطَّحْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَالَ اسْمُهَا يَتَنَاوَلُهُ، فَإِنَّهَا إذَا طُحِنَتْ صَارَتْ تُسَمَّى دَقِيقًا لَا حِنْطَةً. إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كَوْنَ قَيْدِ وَعِظَمِ مَنَافِعِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ مَعَ وُقُوعِهِ فِي عِبَارَاتٍ عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ عَلَى الِاطِّرَادِ بَعِيدٌ جِدًّا لَا تَقْبَلُهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ، فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَرَّبَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِالذَّبْحِ وَالتَّأْرِيبِ مِلْكُ مَالِكِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ زَالَ اسْمُهَا بَعْدَ التَّأْرِيبِ وَلَكِنْ لَمْ يَزُلْ عِظَمُ مَنَافِعِهَا وَهُوَ اللَّحْمِيَّةُ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى الْعِنَايَةِ نَفْسِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا تَدَبَّرْ (قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الدَّقِيقِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ. أَقُولُ: ظُهُورُهُ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي: وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ تَزْدَادُ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا، وَكَذَا قِيمَةُ الشَّاةِ تَزْدَادُ بِطَبْخِهَا، فَإِذَا ازْدَادَ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ نُقْصَانُ الْوَصْفِ كَمَا إذَا عَفِنَتْ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الدَّقِيقَ عَيْنُ الْحِنْطَةِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ كَمَا قَبْلَ الطَّحْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ جِنْسِ الْحِنْطَةِ فِيهِ جَرَيَانُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجْرِي الرِّبَا إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُجَانَسَةِ. وَقَالَ: فَلَمَّا ثَبَتَتْ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا كَانَ أَخْذُ الدَّقِيقِ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ عَيْنِ الْحِنْطَةِ، وَلَوْ أَخَذَ عَيْنَ الْحِنْطَةِ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهَا شَيْئًا آخَرَ لِنُقْصَانِ صِفَتِهَا بِسَبَبِ الْعُفُونَةِ لِأَدَائِهِ إلَى الرِّبَا عَلَى مَا مَرَّ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَيْضًا بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ نُقْصَانُهَا بِسَبَبِ فَوَاتِ الْوَصْفِ لَا نُقْصَانَهَا بِمُجَرَّدِ الطَّحْنِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانِ الْوَصْفِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ فِي مِثْلِهِ إضَافَةُ النُّقْصَانِ إلَى الْوَصْفِ لَا إلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ

وَتَتْبَعُهُ الصَّنْعَةُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي الْحِنْطَةِ وَأَلْقَتْهَا فِي طَاحُونَةٍ فَطُحِنَتْ. وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَصَارَ كَمَا إذَا انْعَدَمَ الْفِعْلُ أَصْلًا وَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ وَسَلَخَهَا وَأَرَّبَهَا. وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ مُعْظَمُ الْمَقَاصِدِ وَحَقُّهُ فِي الصَّنْعَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فَائِتٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا نَجْعَلُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحْظُورٌ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إحْدَاثُ الصَّنْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلشَّافِعِيِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ الْوَاوَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ هَاهُنَا فِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَصْلًا، وَلَوْ سُلِّمَ وُجُودُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلِابْتِدَاءِ، إذْ لَوْ كَانَتْ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا لَزِمَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُهُ، وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَخْ. وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ رَكَاكَةُ ذَلِكَ جِدًّا وَكَوْنُهُ بِمَعْزِلٍ عَنْ شَأْنِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ جَوَازِ ضَمَانِهِ النُّقْصَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا خَلَفٌ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ أَنَّ لَهُ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبِهِ كَذَا، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ وَلِلشَّافِعِيِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، إلَّا أَنَّ لَهُ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ جَوَازِ ضَمَانِ النُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، كَيْفَ وَلَوْ لَزِمَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ الْمَحْذُورِ هَاهُنَا لَلَزِمَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعِ الْخِلَافِ يُقَالُ فِيهِ عِنْدَ إقَامَةِ أَدِلَّةِ الْمَذَاهِبِ لَهُ كَذَا وَلَهُ كَذَا وَلَنَا كَذَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَذْكُورَ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ بِالْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ، مَعَ أَنَّ مُدَّعَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُخَالِفُ الْآخَرَ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ قَطْعًا عَلَى قَوْلِهِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيلٍ لِمَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ بِلَا رَيْبٍ. فَالْوَجْهُ فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ كُلِّهَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَهُ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبِهِ كَذَا وَلَنَا

بِخِلَافِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا بَاقٍ بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَشْمَلُ الْفُصُولَ الْمَذْكُورَةَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَاحْفَظْهُ. وَقَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَزُفَرَ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رَوَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَوَجْهُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ جَازَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ الْمَصْلِيَّةِ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهَا أَطْعِمُوهَا الْأَسَارَى» أَفَادَ الْأَمْرُ بِالتَّصَدُّقِ زَوَالَ مِلْكِ الْمَالِكِ وَحُرْمَةَ الِانْتِفَاعِ لِلْغَاصِبِ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي إثْبَاتِ مَذْهَبِنَا كَذَا، وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ أَصْلًا فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ يَنْفَعُكَ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا بَاقٍ بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ وَسَلَخَهَا وَأَرَّبَهَا، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ حُدُوثُ الْفِعْلِ مِنْ الْغَاصِبِ وَعَلَى وَجْهٍ يَتَبَدَّلُ الِاسْمُ، وَاسْمُ الشَّاةِ بَعْدَ الذَّبْحِ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يُقَال شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ مَسْلُوخَةٌ كَمَا يُقَالُ شَاةٌ حَيَّةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَلَامُ فِيهَا بَعْدَ التَّأْرِيبِ، وَلَا يُقَالُ شَاةٌ مَأْرُوبَةٌ بَلْ يُقَالُ لَحْمٌ مَأْرُوبٌ فَقَدْ حَصَلَ الْفِعْلُ وَتَبَدَّلَ الِاسْمُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ذَبَحَهَا فَقَدْ أَبْقَى اسْمَ الشَّاةِ فِيهَا مَعَ تَرْجِيحِ جَانِبِ اللَّحْمِيَّةِ فِيهَا إذْ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهَا اللَّحْمُ ثُمَّ السَّلْخُ وَالتَّأْرِيبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّبْحِ بَلْ يُحَقِّقُهُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْوَارِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِيمَا ذَكَرَهُ جَوَابًا عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَسْأَلَةِ ذَبْحِ الشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ وَسَلْخِهَا وَتَأْرِيبِهَا، فَإِنَّهُ عَلَّلَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ بِبَقَاءِ اسْمِ الشَّاةِ فِيهَا بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ قَطْعًا أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي الشَّاةِ الَّتِي ذُبِحَتْ ثُمَّ أُرِّبَتْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْمَ الشَّاةِ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ التَّأْرِيبِ فَلَمْ تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ تَبَدُّلُ الِاسْمِ وَعَدَمِ تَبَدُّلِهِ، فَلَمْ يَصْلُحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ جَوَابًا عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ. نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ بِمَا قُرِّرَ فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، لَكِنَّهُ لَا يَدْفَعُ قُصُورَ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ، وَمَدَارُ السُّؤَالِ الْمَزْبُورِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ

وَلِأَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فَتْحُ بَابِ الْغَصْبِ فَيَحْرُمُ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَنَفَاذِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ مَعَ الْحُرْمَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْفَاسِدِ. وَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ صَارَ مُوَفًّى بِالْبَدَلِ فَحَصَلَتْ مُبَادَلَةٌ بِالتَّرَاضِي، وَكَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَدَّى بِالْقَضَاءِ أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِطَلَبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا أَوْ نَوَاةً فَغَرَسَهَا غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ فِيهِمَا قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِقِيَامِ الْعَيْنِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ. وَفِي الْحِنْطَةِ يَزْرَعُهَا لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَصْلُهُ مَا تَقَدَّمَ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَدَّى بِالْقَضَاءِ أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِطَلَبِهِ) فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ وَمِنْ قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ نَوْعُ اشْتِبَاهٍ، وَعَنْ هَذَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِهِمَا، فَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَنْ كَانَ الْقَاضِي وَلِيًّا لَهُ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ قَضَى بِالضَّمَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِطَلَبِهِ اهـ. وَاخْتَارَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ بِأَنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مَالَ الْيَتِيمِ أَوْ الْغَائِبِ، وَكَذَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: يَعْنِي إذَا كَانَ مَالَ الْيَتِيمِ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِطَلَبِهِ غَيْرُ مُسَاعِدٍ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ الْقَاضِي وَلِيًّا لَهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الطَّلَبُ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِحَقِّهِ، بَلْ قَدْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الطَّلَبُ كَمَا إذَا كَانَ الْيَتِيمُ صَغِيرًا جِدًّا وَكَمَا إذَا كَانَ الْغَائِبُ بَعِيدًا غَيْرَ عَالِمٍ بِالْقَضِيَّةِ أَصْلًا. وَيَرُدُّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ هَذَا وَكَذَا إذَا أَدَّى بِالْقَضَاءِ يَأْبَى ذَلِكَ، إذْ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنْ طَلَبَ الْقَاضِي فِي حُكْمِ طَلَبِ مَنْ كَانَ الْقَاضِي وَلِيًّا لَهُ لِكَوْنِهِ نَائِبًا مَنَابَهُ، فَكَانَ الْقَضَاءُ هُنَاكَ أَيْضًا بِطَلَبِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حُكْمًا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَهُ الْحَاكِمُ قَضَى بِالضَّمَانِ مُجَرَّدُ الْقَضَاءِ بِالضَّمَانِ بِدُونِ وُقُوعِ أَدَاءِ الْبَدَلِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قُبَيْلَ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا أَدَّى بِالْقَضَاءِ أَدَاءَ الْبَدَلِ بِالْقَضَاءِ فَافْتَرَقَا وَلَا تَكْرَارَ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ أَخَذَ الضَّمَانَ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الضَّمَانِ اهـ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ يُبَاحُ: يَعْنِي عَنْ هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْغَاصِبِ الْبَدَلَ يَسْتَلْزِمُ أَخْذَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الضَّمَانَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ مُسْتَدْرِكًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَضْمِينِ الْمَالِكِ أَخْذُهُ الضَّمَانَ بِغَيْرِ رِضَا الْغَاصِبِ وَبِغَيْرِ الْقَضَاءِ دُونَ مُطْلَقِ أَخْذِ الضَّمَانِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ وَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ أَدَاؤُهُ بِرِضَاهُ دُونَ مُطْلَقِ الْأَدَاءِ وَإِلَّا يَلْزَمُ اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا أَدَّى بِالْقَضَاءِ، وَأَدَاؤُهُ بِرِضَاهُ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ أَخْذَ الضَّمَانِ بِرِضَاهُ دُونَ أَخْذِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَلَا اسْتِدْرَاكَ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِدْرَاكَ، إذْ التَّرَاضِي قَدْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ يُبَاحُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ صَارَ مُوَفًّى بِالْبَدَلِ فَحَصَلَتْ مُبَادَلَةٌ بِالتَّرَاضِي. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا التَّرَاضِي عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الضَّمَانِ: أَيْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ فِيمَا تَقَدَّمَ التَّرَاضِي عَلَى أَدَاءِ كُلِّ الضَّمَانِ فَحَصَلَ التَّغَايُرُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ

قَالَ (وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَأْخُذُهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ، وَقَالَا: يَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَسَرَهُ وَفَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ وَالتِّبْرُ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمَضْرُوبُ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. وَلَهُ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَمَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ الثَّمَنِيَّةُ وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا وَأَنَّهُ بَاقٍ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ لِرَأْسِ الْمَالِ مِنْ أَحْكَامِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَكَذَا الصَّنْعَةُ فِيهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا. . قَالَ (وَمِنْ غَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدَّمْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْدَفَعَ الِاسْتِدْرَاكُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ حَمْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ عَلَى التَّرَاضِي عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الضَّمَانِ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ جِدًّا، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ أَصْلًا. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ: أَيْ طَلَبَ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ الضَّمَانَ بِحِلِّ الِانْتِفَاعِ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ اهـ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا بُعْدٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَنْ غَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَزُلْ

وَوَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ أَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إضْرَارًا بِالْغَاصِبِ بِنَقْضِ بِنَائِهِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ، وَضَرَرُ الْمَالِكِ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ جَارِيَتِهِ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ أَدْخَلَ اللَّوْحَ الْمَغْصُوبَ فِي سَفِينَتِهِ. ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرَ: إنَّمَا لَا يُنْقَضُ إذَا بَنَى فِي حَوَالِي السَّاجَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِلْكُ مَالِكِهَا اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ: وَسَيَظْهَرُ لَك وَجْهُ ذَلِكَ إنْ تَأَمَّلْت فِي قَوْلِهِ وَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ اهـ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى مَنْ لَهُ ذَوْقٌ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فِي قَوْلِهِ وَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ ضَرَرَ الْغَاصِبِ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ضَرَرٌ مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ، وَضَرَرُ الْمَالِكِ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ ضَرَرٌ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَجْبُورَ دُونَ الضَّرَرِ الْمَحْضِ فَلَا يَرْتَكِبُ الضَّرَرَ الْأَعْلَى عِنْدَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِالضَّرَرِ الْأَدْنَى. وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ وَبَيْنَ الْعَكْسِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَحْضَ أَشَدُّ وَأَثْقَلُ مِنْ الضَّرَرِ الْمَجْبُورِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُتَحَمَّلَ الثَّانِي لِدَفْعِ الْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَمَلًا بِاخْتِيَارِ أَهْوَنِ الشَّرَّيْنِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ وَجْهُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كِلَا الضَّرَرَيْنِ مَجْبُورَيْنِ بِالْقِيمَةِ، فَإِنَّمَا هُوَ أَقَلُّ قِيمَةً حِينَئِذٍ يَكُونُ أَخَفَّ وَأَيْسَرَ تَحَمُّلًا وَلَيْسَ فَلَيْسَ. ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فِي قَوْلِهِ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ مَا قَدَّمَهُ مِنْ جَانِبِنَا هُوَ قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ قِيمَةَ الْبِنَاءِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ كَانَ الْبِنَاءُ غَالِبًا عَلَى السَّاجَةِ فَيَصِحُّ إذْ ذَاكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْغَاصِبَ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ إحْدَاثُهَا حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ لِظُهُورِ صِحَّةِ تَصْيِيرِ الْغَالِبِ الْمَغْلُوبِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَإِنَّمَا تَكُونُ السَّاجَةُ غَالِبَةً عَلَى الْبِنَاءِ فَيَشْكُلُ هُنَاكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ، إذْ تَصْيِيرُ الْمَغْلُوبِ الْغَالِبَ هَالِكًا غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلَهُ وَوَجْهٌ آخَرُ لَنَا فِيهِ أَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إضْرَارًا بِالْغَاصِبِ بِنَقْضِ بِنَائِهِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ وَضَرَرُ الْمَالِكِ فِيمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَجْبُورٌ بِالْقِيمَةِ) بَيَانُهُ أَنَّ فِيمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إضْرَارًا بِالْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ، وَفِيمَا قُلْنَا إضْرَارٌ بِالْمَالِكِ، وَلَكِنَّ ضَرَرَ الْمَالِكِ مَجْبُورٌ بِالْعِوَضِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، فَكَانَ فَوَاتُ حَقِّهِ كَلَا فَوَاتٍ، وَضَرَرُ الْغَاصِبِ لَيْسَ بِمَجْبُورٍ بِشَيْءٍ فَيَفُوتُ حَقُّهُ لَا إلَى خَلَفٍ، فَكَانَ قَطْعُ حَقِّ الْمَالِكِ أَوْلَى مِنْ قَطْعِ حَقِّ الْغَاصِبِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا إذَا غَصَبَ سَاحَةً بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَبَنَى عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مَعَ جَرَيَانِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِعَيْنِهِ هُنَاكَ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. نَعَمْ يُوجَدُ هُنَاكَ وَجْهٌ آخَرُ فَارَقَ بَيْنَهُمَا، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي انْتِقَاضِ هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلَهُ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ جَارِيَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ أَدْخَلَ اللَّوْحَ الْمَغْصُوبَ فِي سَفِينَتِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ جَوَازِ نَزْعِ الْخَيْطِ وَاللَّوْحِ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَلَفُ النَّاسِ لَا؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ

مَا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِ السَّاجَةِ يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ. وَجَوَابُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. . قَالَ (وَمِنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَّهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، وَكَذَا الْجَزُورُ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا) هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَجْهُهُ أَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَلَكَ ذَلِكَ بِمَا صَنَعَ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِشْهَادِ لِاخْتِلَافِ الْمُنَاطِ. قُلْنَا: ثَبَتَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْمَالِكِ وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَ حَقَّ غَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بِإِبْطَالِهِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضَرَرِ الْمَالِكِ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنْ قَالَ: كَيْفَ يُقَاسُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالسَّاجَةُ كِلَاهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ يُبَاحُ لَهُ نَقْضُ بِنَائِهِ وَإِخْرَاجُ السَّاجَةِ مِنْ تَحْتِهِ، بِخِلَافِ اللَّوْحِ وَالسَّفِينَةِ وَالْخَيْطِ وَالْجَارِيَةِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ لَا يُبَاحُ لَهُ نَزْعُ الْخَيْطِ وَاللَّوْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يَجِبُ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ اشْتَرَاك الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، بَلْ يَكْفِي اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لُحُوقُ زِيَادَةِ ضَرَرٍ بِغَيْرِ الْمَالِكِ عَلَى تَقْدِيرِ إبْطَالِ حَقِّهِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَقِيسِ أَيْضًا بِلَا رَيْبٍ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالسَّاجَةُ كِلَاهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ صَارَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ هُنَاكَ، وَلَا يَكُونُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ حِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيمَا وَقَعَ مَقِيسًا هَاهُنَا، وَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعِلَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهِيَ لُحُوقُ زِيَادَةِ ضَرَرٍ بِغَيْرِ الْمَالِكِ عَلَى تَقْدِيرِ إبْطَالِ حَقِّهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَا بِالْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ فِيهِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ وَجَوَابُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَنَا فِي قَوْلِهِ وَجَوَابُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ: أَيْ جَوَابُ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ يَرُدُّ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقُدُورِيَّ يَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، فَكَيْفَ يَرُدُّ مُجَرَّدُ جَوَابِ الْقُدُورِيِّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ وَسَنَدُ رِوَايَتِهِ إلَيْهِ. نَعَمْ يَجُوزُ رُجْحَانِ قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ، أَمَّا بِمُجَرَّدِ الرِّوَايَةِ فَلَا اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ اسْتِنَادَ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ مُخْتَصَرِهِ أَوْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا إلَى الْكَرْخِيِّ فَهُوَ مَمْنُوع، كَيْف وَقَدْ صَرَّحَ هَذَا الشَّارِحُ نَفْسُهُ بِأَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّهُ بَنَى عَلَى حَوَالَيْ السَّاجَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يُنْقَضُ. وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِ السَّاجَةِ يُنْقَضُ بِنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِيهِ. وَكَانَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَخْتَارُ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِيمَنْ غَصَبَ دِرْهَمًا فَجَعَلَهُ عُرْوَةَ مُزَادَةً سَقَطَ حَقُّ مَالِكِهِ، وَالْفِضَّةُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مَالِكِهَا فِيهَا بِالصِّيَاغَةِ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَهُ بِكَوْنِهَا تَابِعَةً لِلْمَزَادَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِعَمَلٍ يُوقِعُهُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَالِكِ فِي السَّاجَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ: إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُدُورِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقُدُورِيَّ لَا يَقْبَلُ رِوَايَةَ الْكَرْخِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ بِأَنْ بَنَى عَلَى حَوَالَيْ السَّاجَةِ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى إطْلَاقِهَا بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الصَّرْفِ كَمَا تَرَى، فَتَعَيَّنَ أَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنْ قَالَ فَبَنَى عَلَيْهَا لَا يَسْتَنِدُ إلَى الْكَرْخِيِّ، بَلْ هُوَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَهُ وَمُتَمَسِّكٌ بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ اسْتِنَادَ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ إلَى الْكَرْخِيِّ بِالطَّرِيقِ الْمَزْبُورِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي ذَلِكَ هَاهُنَا شَيْئًا فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ وَهُوَ فِي رِوَايَتِهَا يُخَالِفُ الْكَرْخِيَّ كَمَا عَرَفَتْ. (قَوْلُهُ وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرَهُ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، وَكَذَا الْجَزُورُ) وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ مِنْ الْإِبِلِ، مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ

فَوْتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَبَقَاءِ بَعْضِهَا وَهُوَ اللَّحْمُ فَصَارَ كَالْخَرْقِ الْفَاحِشِ فِي الثَّوْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَطْعُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهِيَ تُؤَنَّثُ، كَذَا قَالُوا: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْجَزُورَ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْحُكْمَ فِي الشَّاةِ مِنْ الْخِيَارِ بَيْنَ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ وَتَضْمِينِ النُّقْصَانِ لِدَفْعِ شُبْهَةٍ تَرِدُ عَلَى اخْتِيَارِ تَضْمِينِ النُّقْصَانِ بِأَنْ يُقَالَ: النُّقْصَانُ بِالذَّبْحِ فِي الشَّاةِ إنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ تَفْوِيتِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالْجَزُورُ هِيَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلذَّبْحِ فَلَمْ يَكُنْ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ مَطْلُوبَيْنِ هَاهُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ بَلْ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ مِنْ جِزَارَتِهِ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ حَقَّقَ مَقْصُودَهُ فِيهَا فَكَانَ زِيَادَةً لَا نُقْصَانًا، كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ حَيْثُ يَضْمَنُ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ مَا زَادَ الصِّبْغُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ لِكَوْنِ صَبْغِ الْحُمْرَةِ زِيَادَةٌ فَدَفَعَ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الْجَزُورُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ إزَالَةِ الْحَيَاةِ عَنْ الْحَيَوَانِ نُقْصَانٌ فَكَانَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ مَقْصُودٌ فِيهَا سِوَى الدَّرِّ وَالنَّسْلِ مِنْ الِاسْمَانِ وَتَبْقِيَتِهَا إلَى زَمَانٍ لِيُحَصِّلَ مَقَاصِدَهُ مِنْهَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَأَفَادَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ خُلَاصَةَ هَذَا الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ أُخْرَى حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّهُ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ غَاصِبَهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ لِجِزَارَتِهِ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ حَقَّقَ مَقْصُودَهُ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِيهِ لَا نُقْصَانًا حَيْثُ أُعِدَّ لِلْجَزْرِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ إزَالَةِ الْحَيَاةِ عَنْ الْحَيَوَانِ نُقْصَانٌ فَكَانَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ مَقْصُودٌ سِوَاهُمَا مِنْ زِيَادَةِ الِاسْمَانِ وَالتَّأْخِيرِ إلَى وَقْتٍ آخَرَ لِمَصْلَحَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ كَلَامَهُ. . وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا خَصَّهُ لِدَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ غَاصِبَهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ حَيْثُ قَالَ: لَا مَجَالَ لِهَذَا التَّوَهُّمِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ غَصْبًا فَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ. وَقَالَ: فَالْأَوْلَى طَيُّ قَضِيَّةِ اسْتِحْقَاقِ أَجْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْبَيْنِ وَيَقُولُ بَدَلَهُ إنَّ ذَابِحَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ غَاصِبًا اهـ. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ لَا مَجَالَ لِهَذَا التَّوَهُّمِ أَصْلًا تَحَكُّمٌ. وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ غَصْبًا فَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ غَيْرَ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا لِمَا زَادَهُ الصَّبْغُ فِيمَا

وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ يَأْخُذُهُ مَعَ أَرْشِ الْمَقْطُوعِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ. . قَالَ (وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا يَسِيرًا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ وَالثَّوْبُ لِمَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَضْمَنُهُ (وَإِنْ خَرَقَ خَرْقًا كَبِيرًا يُبْطِلَ عَامَّةَ مَنَافِعِهِ فَلِمَالِكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَأَنَّهُ أَحْرَقَهُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ يَتْرُكُ الثَّوْبَ عَلَيْهِ: وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ، وَكَذَا بَعْضُ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ، ثُمَّ إشَارَةُ الْكِتَابِ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أَخَذَ ثَوْبَ غَيْرِهِ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ، بَلْ ضَمِنَهُ لِلْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا لِمَا زَادَهُ الذَّبْحُ فِيمَا إذَا ذَبَحَ جَزُورَ غَيْرِهِ، بَلْ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقَّقَ مَقْصُودَ الْمَالِكِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْقِيَاسِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنَاطًا لِلِاجْتِهَادِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْشَأً لِلتَّوَهُّمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ؟ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الْجَزُورُ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفهَا لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ لَيْسَ لِتَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ حُكْمَ مَأْكُولِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ: هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ فِيهِمَا: يَعْنِي فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ إذَا قَطَعَ طَرَفَهُ فَكَانَ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ رَدُّ ذَلِكَ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَفَى أَنْ يَقُولَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ. وَالثَّانِي أَنَّ التَّعْلِيلَ يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ قَطْعِ طَرَفِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: إنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي الثَّانِي: لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ اهـ. أَقُولُ: الْقَائِلُ بِعَدَمِ فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ إنَّمَا هُوَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ مِعْرَاجِ الدَّارِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُرَادُ بِمَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الشَّارِحِينَ بِمَا يُشْبِهُ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ سِوَى صَاحِبِ الْغَايَةِ، إلَّا أَنَّ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَيْسَ عَيْنَ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ عَيْنَ عِبَارَتِهِ هَكَذَا: هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِيهَا بِلَا خِيَارٍ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ هَذَا اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى هَاتِيك الْعِبَارَةِ شَيْءٌ مِنْ وَجْهَيْ نَظَرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ وُرُودِهِمَا عَلَى حَمْلِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَسْوِيَةِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ فِي الْحُكْمِ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الْغَايَةِ تُنَادِي عَلَى حَمْلِ مُرَادِهِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ: هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبَصَّرْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَفْيَ خِيَارِ الْمَالِكِ بَيْنَ

أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَامَّةُ الْمَنَافِعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ فِي الْأَصْلِ قَطْعَ الثَّوْبِ نُقْصَانًا فَاحِشًا وَالْفَائِتُ بِهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ. . قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى قِيلَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَضْمِينِ قِيمَتِهَا وَبَيْنَ إمْسَاكِ الْجُثَّةِ وَتَضْمِينِ نُقْصَانِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الْكُتُبِ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي فَقَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى: هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ حِمَارٍ أَوْ رِجْلَهُ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ قِيمَةٌ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ مُخَالَفَةَ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ لِنَقْلِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ مَا رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ جَوَازِ اخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ وَأَخْذِ النُّقْصَانِ فِيمَا إذَا قَطَعَ طَرَفًا مِنْ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ كَانَ لِمَا بَقِيَ قِيمَةٌ كَمَا تَرَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَا بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ قِيمَةٌ، بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ الِاسْتِهْلَاكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِيمَا إذَا كَانَ لِمَا بَقِيَ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ قِيمَةٌ، بَلْ يَبْقَى فِيهِ مَنْفَعَةُ الْقِيمَةِ فَيَصِيرُ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكِفَايَةِ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا: أَيْ الْوَاجِبُ هُنَا جَمِيعُ الْقِيمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّابَّةِ مَنْفَعَةٌ بَعْدَ قَطْعِ طَرَفِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَمَّا إذَا كَانَ لِمَا بَقِيَ قِيمَةٌ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ، وَنَقَلَ مَا فِي

اقْلَعْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَرُدَّهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَلِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا، وَلَا بُدَّ لِلْمِلْكِ مِنْ سَبَبٍ فَيُؤْمَرُ الشَّاغِلُ بِتَفْرِيغِهَا، كَمَا إذَا شَغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ (فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ ذَلِكَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا وَدُفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُمَا. وَقَوْلُهُ قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا مَعْنَاهُ قِيمَةُ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ، إذْ لَا قَرَارَ لَهُ فِيهِ فَتَقُومُ الْأَرْضُ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَتَقُومُ وَبِهَا شَجَرٌ أَوْ بِنَاءٌ، لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا. . قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ وَسَلَّمَهُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ فِيهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الثَّوْبِ: لِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْسِكَهُ وَيَأْمُرَ الْغَاصِبَ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ اعْتِبَارًا بِفَصْلِ السَّاحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنْتَقَى مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ) صَحَّحَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِتَنْوِينِ عَرَقٍ حَيْثُ قَالَ: أَيْ لِذِي عَرَقٍ ظَالِمٍ، وَهُوَ الَّذِي يَغْرِسُ فِي الْأَرْضِ غَرْسًا عَلَى وَجْهِ الِاغْتِصَابِ لِيَسْتَوْجِبَهَا وُصِفَ الْعَرَقُ بِالظُّلْمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ صَاحِبِهِ مَجَازًا، وَقَدْ رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ لَيْسَ لِعِرْقِ غَاصِبٍ ثُبُوتٌ بَلْ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدَّرَ الْمُضَافَ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ: أَيْ لِذِي عَرَقٍ ظَالِمٍ، وَجَعَلَ وَصْفَ الْعَرَقِ بِالظُّلْمِ تَجَوُّزًا ثَانِيًا، وَبَيْنَهُمَا تَنَافُرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّرَ الْمُضَافَ يَصِيرُ ظَالِمُ صِفَةً لَهُ لَا لِعَرَقٍ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» أَنَّ قَوْلَهُ مَحْرَمٌ صِفَةُ ذَا وَجَرَّهُ لِلْجِوَارِ فَيَتِمُّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْمَصِيرِ إلَى التَّجَوُّزِ وَجْهٌ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ مَا ذَكَرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ خَلَا الْقَوْلِ بِوَصْفِ الْعَرَقِ بِالظُّلْمِ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ بِقَوْلِهِ أَيْ لِذِي عَرَقٍ ظَالِمٍ مُجَرَّدُ تَصْوِيرِ الْمَعْنَى، لَا أَنَّ هُنَاكَ مُضَافًا مَحْذُوفًا مُقَدَّرًا. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَا مَجَالَ لِكَوْنِ ظَالِمٍ نَعْتًا لِذِي؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَمْرٌ عَجِيبٌ، فَإِنَّ ذَا الَّذِي بِمَعْنَى صَاحِبِ لَا يَكُونُ إلَّا مُضَافًا، وَيَكُونُ نَكِرَةً إنْ أُضِيفَ إلَى نَكِرَةٍ، وَمَعْرِفَةً إنْ أُضِيفَ إلَى مَعْرِفَةٍ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: وَأَمَّا ذُو الَّذِي بِمَعْنَى صَاحِبِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُضَافًا، فَإِنْ وَصَفْت بِهِ نَكِرَةً أَضَفْتَهُ إلَى نَكِرَةٍ، وَإِنْ وَصَفْت بِهِ مَعْرِفَةً أَضَفْتَهُ إلَى الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُضِيفَهُ إلَى مُضْمَرٍ وَلَا إلَى زَيْدٍ وَمَا أَشْبَهَهُ اهـ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ الَّذِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ عَرَقٌ نَكِرَةٌ فَيَكُونُ الْمُضَافُ أَيْضًا نَكِرَةً، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَلَا مَجَالَ لِكَوْنِ ظَالِمٍ نَعْتًا لِذِي؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَكَأَنَّ وَهْمَهُ ذَهَبَ إلَى ذِي الَّتِي هِيَ مُؤَنَّثُ ذَا مِنْ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ. وَنِعْمَ مَا قَالُوا: لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ، وَلِكُلِّ صَارِمٍ نَبْوَةٌ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا إلَخْ) أَقُولُ: لِمُتَوَهِّمٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي التَّعْلِيلِ وَالْغَصْبِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا يُنَافِي وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْغَصْبِ بِأَنْ قَالَ: وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَصْبِ الْمَذْكُورِ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَبِالْغَصْبِ الْمَنْفِيِّ تَحَقُّقُهُ فِي الْأَرْضِ فِي أَثْنَاءِ

بَنَى فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُمْكِنٌ، بِخِلَافِ السَّمْنِ فِي السَّوِيقِ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُتَعَذِّرٌ. وَلَنَا مَا بَيَّنَّا أَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْجَانِبَيْنِ وَالْخِيَرَةُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَصْلِ، بِخِلَافِ السَّاحَةِ بَنَى فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّقْضَ لَهُ بَعْدَ النَّقْضِ؛ أَمَّا الصِّبْغُ فَيَتَلَاشَى، وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْصَبَغَ بِهُبُوبِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ لِيَضْمَنَ الثَّوْبَ فَيَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الْأَصْلِ الصِّبْغَ. قَالَ أَبُو عِصْمَةَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَهُ وَيَضْرِبُ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ وَصَاحِبُ الصَّبْغِ بِمَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ الصَّبْغَ بِالْقِيمَةِ، وَعِنْدَ امْتِنَاعِهِ تَعَيَّنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَيَتَأَتَّى، هَذَا فِيمَا إذَا انْصَبَغَ الثَّوْبُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا لِوَجْهٍ فِي السَّوِيقِ، غَيْرَ أَنَّ السَّوِيقَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ وَالثَّوْبُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ. وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّوِيقِ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ يَتَفَاوَتُ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمِثْلُ سَمَّاهُ بِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَالصُّفْرَةُ كَالْحُمْرَةِ. وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَهُوَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ. وَقِيلَ إنْ كَانَ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ السَّوَادُ فَهُوَ نُقْصَانٌ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا يُزِيدُ فِيهِ السَّوَادُ فَهُوَ كَالْحُمْرَةِ وَقَدْ عُرِفَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا تُنْقِصُهُ الْحُمْرَةُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَتَرَاجَعَتْ بِالصَّبْغِ إلَى عِشْرِينَ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى ثَوْبٍ تُزِيدُ فِيهِ الْحُمْرَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْخَمْسَتَيْنِ جُبِرَتْ بِالصَّبْغِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيلِ هُوَ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ عَلَى أَصْلِ أَئِمَّتِنَا فَلَا مُنَافَاةَ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَدْ مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ أَنَّ عِبَارَاتِ مَشَايِخِنَا اخْتَلَفَتْ فِي غَصْبِ الدُّورِ وَالْعَقَارِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْغَصْبُ، وَلَكِنْ لَا عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْقُدُورِيُّ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ السُّؤَالُ عَلَى قَوْلِهِ وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَحَقَّقُ فَيُجَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا تَصَوَّرَ بِصُورَةِ الْغَصْبِ سَمَّاهُ غَصْبًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا إِبْلِيسَ} [البقرة: 34] ؛ لِأَنَّهُ تَصَوَّرَ بِصُورَةِ الْمَلَائِكَةِ اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: قَدْ مَرَّ مِنَّا أَيْضًا هُنَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ مَشَايِخِنَا: إنَّ الْغَصْبَ الشَّرْعِيَّ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي الْعَقَارِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ

[فصل غصب عينا فغيبها]

[فَصْلٌ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا] (فَصْلٌ) وَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مَلَكَهَا وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الْغَصْبَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبَدَلَ بِكَمَالِهِ، وَالْمُبَدَّلُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَمْلِكُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَا صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَا عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ، فَإِنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عِنْدَ هَلَاكِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حُكْمٌ مُقَرَّرٌ لِمُطْلَقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ عِنْدَ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا اغْتَرَّ صَاحِبُ الْغَايَةِ بِاسْتِعْمَالِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَفْظَ الْغَصْبِ فِي الْعَقَارِ. وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ عَلَى طَرَفِ التَّمَامِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا، فَلَا وَجْهَ لِبِنَاءِ عَدَمِ وُرُودِ السُّؤَالِ عَلَى قَوْلِهِ وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ فِي الْعَقَارِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَنَى عَلَيْهِ لَوَرَدَ السُّؤَالُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ، وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُطَابِقَ التَّعْلِيلُ الْمُعَلِّلَ. وَأَمَّا الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْقَوْلِ بِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِي الْعَقَارِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي صُورَةِ الْغَصْبِ سَمَّاهُ غَصْبًا فَلَهُ وَجْهٌ؛ وَلَكِنْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مَنْدُوحَةٌ عَنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى. (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ كَيْفِيَّةِ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ بِالضَّمَانِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُصَنِّفِينَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا بِعِبَارَةٍ أَقْصَرَ. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ وَعَمَلِهِ لَا بِالضَّمَانِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ هُنَاكَ عِنْوَانُ الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ: فَصْلٌ فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِعَمَلِ الْغَاصِبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ: وَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعَظُمَ مَنَافِعُهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ، وَلَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ مَا ذَكَرَ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مَلَكَهَا فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ بِالضَّمَانِ صَرِيحًا (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبَدَلَ بِكَمَالِهِ، وَالْمُبْدَلُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَمْلِكُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَكَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُوَ الْغَصْبُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ

نَعَمْ قَدْ يُفْسَخُ التَّدْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَكِنَّ الْبَيْعَ بَعْدَهُ يُصَادِفُ الْقِنَّ. قَالَ (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِالْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ مُنَاسِبًا اهـ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ عَدَمَ مُنَاسَبَتِهِ لَا يُهِمُّنَا، غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا آخَرَ لَنَا فِي الْجَوَابِ اهـ. أَقُولُ: كَيْفَ لَا يُهِمُّنَا عَدَمُ مُنَاسَبَةِ تَعْلِيلِهِ وَهُوَ خَصْمُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَزْيِيفُ دَلِيلِ خَصْمِنَا مِمَّا يُهِمُّنَا لَا مَحَالَةَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُ الْمِلْكِ هُوَ الْغَصْبُ عِنْدَنَا لَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى الْمُصَنِّفِ بَيَانُ عَدَمِ مُنَاسَبَةِ تَعْلِيلِهِ لِمَا قُلْنَا لِيَتَزَيَّفَ بِهِ دَلِيلُهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ تَزْيِيفِ دَلِيلِهِ بِهَذَا الْوَجْهِ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبَدَلَ بِكَمَالِهِ إلَخْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِقَوْلِهِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا آخَرَ لَنَا فِي الْجَوَابِ. قُلْنَا: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبَدَلَ إلَخْ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا آخَرَ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ إشْكَالُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي تَعْلِيلِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُ الْمِلْكِ عِنْدَنَا هُوَ الْغَصْبُ لَمَا تَرَكَ مَنْعَ كَوْنِ الْغَصْبِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عِنْدَنَا فِي الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ الْخَصْمُ، فَهَلْ يَسْتَغْنِي الْعَاقِلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْجَلِيِّ الْقَاطِعِ عِنْدَ إمْكَانِ التَّشَبُّثِ بِهِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ خَفِيُّ الدَّلَالَةَ عَلَى دَفْعِ مَا قَالَهُ الْخَصْمُ كَمَا تَرَى، فَصَحَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ سَوْقَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ عِنْدَنَا هُوَ الْغَصْبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْغَصْبُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِالضَّمَانِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) فَإِنْ عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْغَاصِبِ وَلِلْغَاصِبِ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ

قَالَ (فَإِنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ وَقَدْ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ وَهُوَ الْغَاصِبُ) ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ لَهُ الْمِلْكُ بِسَبَبٍ اتَّصَلَ بِهِ رِضَا الْمَالِكِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْمِقْدَارَ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ ضَمِنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ حَيْثُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَأَخَذَهُ دُونَهَا لِعَدَمِ الْحُجَّةِ. وَلَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا مِثْلَ مَا ضَمَّنَهُ أَوْ دُونَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَخِيرِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُعْطِ لَهُ مَا يَدَّعِيهِ وَالْخِيَارُ لِفَوَاتِ الرِّضَا. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الثَّابِتَ فِيهِ نَاقِصٌ لِثُبُوتِهِ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةً، وَلِهَذَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ دُونَ الْأَوْلَادِ، وَالنَّاقِصُ يَكْفِي لِنُقُودِ الْبَيْعِ دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ، بَلْ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَنْفِي الزِّيَادَةَ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ، وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ، وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَسْقَطْتَهَا وَارْتَفَعْتَ الْخُصُومَةُ. وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَعَلَيْهِ هَاهُنَا الْيَمِينُ وَالْقِيمَةُ، وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا الْيَمِينُ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُودِعِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهِ الْفَرْقِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَا يَكُونَ الْغَاصِبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْمُودِعِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ حَيْثُ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ الْيَمِينُ وَالْقِيمَةُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُودَعِ إلَّا الْيَمِينُ

الْعِتْقِ كَمِلْكِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ (وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَنَمَاؤُهَا، وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إنْ هَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُتَعَدَّى فِيهَا أَوْ يَطْلُبَهَا مَالِكُهَا فَيَمْنَعُهَا إيَّاهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً لِوُجُودِ الْغَصْبِ، وَهُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، كَمَا فِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ إذَا وَلَدَتْ فِي يَدِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَدُ الْمَالِكِ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا لَا يُنَافِي صِحَّةَ قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الِاتِّحَادَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْجِهَةِ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ، وَلَا يَضُرُّهَا وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَقَلِّ الَّذِي كَانَ مُعْتَرِفًا بِهِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ إسْقَاطِ الْيَمِينِ عَلَى الزِّيَادَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِذَا حَصَلَ لَهُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ صَارَ فِي مَعْنَى الْمُودِعِ مِنْ جِهَةِ اتِّحَادِ فَائِدَةِ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَدُ الْمَالِكِ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَلَدَ إذَا غَصَبَ الْجَارِيَةَ حَامِلًا؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا غَصَبَهَا غَيْرَ حَامِلٍ فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَوَلَدَتْ، وَالرِّوَايَةُ فِي الْأَسْرَارِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ بِمَالٍ، بَلْ يُعَدُّ عَيْبًا فِي الْأَمَةِ فَلَمْ يُصَدَّقُ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالًا لَمَا صَحَّ إعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ لَا يَكُونُ إلَّا مَالًا مَمْلُوكًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّهُ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَالًا. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ مَحَلَّ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَالًا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ مِلْكًا، وَأَنَّ الْمِلْكَ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فِي غَيْرِ الْمَالِ أَيْضًا. فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ لَا يُصْلِحُ عِبَارَةَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُ أَنَّ وَجْهَ عَدَمِ ضَمَانِ الْوَلَدِ فِيمَا إذَا غَصَبَ الْجَارِيَةَ حَامِلًا هُوَ عَدَمُ كَوْنِ الْحَمْلِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مَالًا، لَا أَنَّ يَدَ الْمَالِكِ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَيَدُ الْمَالِكِ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا تَتَنَاوَلُ مَا إذَا غَصَبَ الْجَارِيَةَ حَامِلًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ فِي هَاتِيكَ الصُّورَةِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ، فَلَمْ يَنْدَفِعْ وُرُودُ

وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْوَلَدِ لَا يُزِيلُهَا، إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ، حَتَّى لَوْ مَنَعَ الْوَلَدَ بَعْدَ طَلَبِهِ يَضْمَنُهُ، وَكَذَا إذَا تَعَدَّى فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَذَلِكَ بِأَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ، وَفِي الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ لَا يَضْمَنُ وَلَدَهَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِرْسَالِ لِعَدَمِ الْمَنْعِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا هَلَكَ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّرْعُ، عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا. وَلَوْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فَهُوَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ عَلَى عِبَارَةِ الْكِتَابِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْوَلَدِ لَا يُزِيلُهَا إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ) أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا غَصَبَ الْجَارِيَةَ غَيْرَ حَامِلٍ فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. وَأَمَّا فِيمَا إذَا غَصَبَهَا حَامِلًا فَلَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَ جُزْءًا مِنْ أُمِّهِ حِينَ الْغَصْبِ فَكَانَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ أُمِّهِ مُسْتَلْزِمًا لِإِزَالَتِهَا عَنْهُ أَيْضًا ضَرُورَةَ اسْتِلْزَامِ إزَالَةِ الْيَدِ عَنْ الْكُلِّ إزَالَتَهَا عَنْ أَجْزَائِهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إذْ ذَاكَ أَنْ يُقَالَ: وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْوَلَدِ لَا يُزِيلُهَا، وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِأَنْ يُقَالَ: إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْكُلِّ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ مَنْعٌ لِجُزْئِهِ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا غَصَبَهَا حَامِلًا وَبَيْنَ مَا إذَا غَصَبَهَا غَيْرَ حَامِلٍ فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فِي كَوْنِ الْوَلَدِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عِنْدَنَا، فَكَانَ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ بِأَنَّ الْأُمَّ مَضْمُونَةٌ أَلْبَتَّةَ، وَالْأَوْصَافُ الْقَارَّةُ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمِلْكِ فِي الشِّرَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ بِصِفَةٍ قَارَّةٍ فِي الْأُمِّ بَلْ هُوَ لُزُومُ حَقٍّ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ فَإِنْ وَصَفَ بِهِ الْمَالَ كَانَ مَجَازًا اهـ كَلَامُهُ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذِكْرِ مَضْمُونِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَصْدَرٌ لِلْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي، يُقَالُ: ضَمِنَهُ ضَمَانًا، وَلِمِثْلِ هَذَا الْمَصْدَرِ تَعَلُّقٌ بِالْفَاعِلِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَصِيرُ وَصْفًا لَهُ

وَلِهَذَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا، وَيَجِبُ بِالْإِعَانَةِ وَالْإِشَارَةِ، فَلَأَنْ يَجِبَ بِمَا هُوَ فَوْقَهَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَمْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى. قَالَ (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءً بِهِ انْجَبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَعَلُّقٌ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَصِيرُ وَصْفًا لَهُ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ فِي فَصْلِ أَلْفَاظِ الْعَامِّ وَحَقَّقَهُ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ مُحْتَاجٌ إلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فِي التَّعَقُّلِ وَالْوُجُودِ جَمِيعًا، وَإِلَى الْمَفْعُولِ فِيهِ فِي الْوُجُودِ فَقَطْ. وَقَالَ: وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْفَاعِلِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ وَصْفٌ لَهُ، وَتَعَلُّقٌ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ وَصْفٌ لَهُ. وَقَالَ: وَلَا امْتِنَاعَ فِي قِيَامِ الْإِضَافِيَّاتِ بِالْمُضَافِينَ، وَرَدَّ بِهِ قَوْلَ صَاحِبِ الْكَشْفِ إنَّ الضَّرْبَ قَائِمٌ بِالضَّارِبِ فَلَا يَقُومُ بِالْمَضْرُوبِ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ بِشَخْصَيْنِ، فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ الضَّمَانَ كَمَا يُوصَفُ بِهِ الْغَاصِبُ حَقِيقَةً فَيُقَالُ هُوَ ضَامِنٌ يُوصَفُ بِهِ الْمَالُ أَيْضًا حَقِيقَةً فَيُقَالُ هُوَ مَضْمُونٌ، فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ فَإِنْ وُصِفَ بِهِ الْمَالُ كَانَ مَجَازًا مَمْنُوعٌ جِدًّا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وُجِدَ الضَّمَانُ فِي مَوَاضِعَ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا فَكَانَ أَمَارَةَ زَيْفِهَا، وَذَلِكَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ يَدَ الْمَالِكِ بَلْ أَزَالَ يَدَ الْغَاصِبِ، وَكَالْمُلْتَقِطِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِشْهَادِ وَلَمْ يُزِلْ يَدًا، وَالْمَغْرُورُ إذَا مَنَعَ الْوَلَدَ يَضْمَنُ بِهِ الْوَلَدَ وَلَمْ يُزِلْ يَدًا فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَيَضْمَنُ الْأَمْوَالَ بِالْإِتْلَافِ تَسَبُّبًا كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ إزَالَةُ يَدِ أَحَدٍ وَلَا إثْبَاتُهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا قُلْنَا إنَّ الْغَصْبَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ يُوجِبُ الضَّمَانَ مُطَّرِدٌ لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَانَ غَصْبًا فَلَمْ يُلْتَزَمْ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ حُكْمًا نَوْعِيًّا يَثْبُتُ كُلُّ شَخْصٍ مِنْهُ بِشَخْصٍ مِنْ الْعِلَّةِ مِمَّا يَكُونُ تَعَدِّيًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالسُّؤَالِ الْمَذْكُورِ أَنَّ قَوْلَك الْغَصْبُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ يُوجِبُ الضَّمَانَ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لَتَحَقَّقَ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ بِدُونِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ تَعْلِيلَ مَسْأَلَتِنَا بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ مُنْتَقَضٌ بِالصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ تَفْسِيرَ الْغَصْبِ بِمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ فِيهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ التَّفْسِيرَ غَيْرُ مُتَحَقَّقٍ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ أَيْضًا مَعَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِيهَا فَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ السُّؤَالَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. فَالْأَوْلَى فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَا فُصِّلَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَإِنْ شِئْت فَرَاجِعْهُمَا. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: أَيْ يَتَكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَدَّى الضَّمَانَ بِسَبَبِ إخْرَاجِ الصَّيْدِ عَنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ أَخْرَجَ ذَلِكَ الصَّيْدَ مِنْ الْحَرَمِ يَجِبُ ضَمَانٌ آخَرُ، كَذَا وَجَدْتُ بِخَطِّ شَيْخِي، وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الْإِرْسَالِ بِتَكَرُّرِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الَّتِي هِيَ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحَرَمِ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فِي الْمَنَاسِكِ حَيْثُ جَعَلَ هُنَاكَ إيصَالَ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَى الْحَرَمِ بِمَنْزِلَةِ إيصَالُ

النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ وَسَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَنْجَبِرُ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا لِمِلْكِهِ كَمَا فِي وَلَدِ الظَّبْيَةِ، وَكَمَا إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَبِالْوَلَدِ وَفَاءٌ، وَصَارَ كَمَا إذَا جَزَّ صُوفَ شَاةِ غَيْرِهِ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ خَصَى عَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ عَلَّمَهُ الْحِرْفَةَ فَأَضْنَاهُ التَّعْلِيمُ. وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ أَوْ الْعُلُوقُ عَلَى مَا عُرِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَغْصُوبِ إلَى يَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَفِي الْغَصْبِ إذَا وَصَلَ الْمَغْصُوبُ إلَى الْمَالِكِ كَمَا غُصِبَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ بِتَكَرُّرِ الْغَصْبِ فَكَذَا هُنَا، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ فِي تَجْوِيزِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَاهُنَا، وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ سِوَاهُ بِتَرْجِيحِ الْمَعْنَى الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَلِهَذَا يَتَكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ لَوْ أَدَّى الضَّمَانَ بِسَبَبِ إخْرَاجِ الصَّيْدِ عَنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَ ذَلِكَ الصَّيْدَ مِنْ الْحَرَمِ وَجَبَ جَزَاءٌ آخَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الْإِرْسَالِ بِتَكَرُّرِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الَّتِي هِيَ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحَرَمِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا جَوَازَ عِنْدِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي هَاهُنَا أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَوْلَى كَمَا زَعَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ كَمَا تَرَى، وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّفَرُّعُ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِ قَوْلِهِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ تَكَرُّرَ وُجُوبِ الْإِرْسَالِ بِتَكَرُّرِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَكُونُ أَمَارَةً عَلَى كَوْنِ ضَمَانِ وَلَدِ الظَّبْيَةِ ضَمَانَ جِنَايَتِهِ لَا ضَمَانَ غَصْبٍ فَإِنَّ تَكَرُّرَ وُجُوبِ الْإِرْسَالِ بِتَكَرُّرِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ يَنْتَظِمُ كَوْنَ ضَمَانِ وَلَدِ الظَّبْيَةِ ضَمَانَ جِنَايَةٍ وَكَوْنَهُ ضَمَانَ غَصْبٍ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى، بَلْ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ فِي الْمَنَاسِكِ أَوْفَقُ لِكَوْنِهِ ضَمَانَ غَصْبٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: جَعَلَ هُنَاكَ إيصَالَ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَى الْحَرَمِ بِمَنْزِلَةِ إيصَالِ الْمَغْصُوبِ إلَى يَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَفِي الْغَصْبِ إذَا وَصَلَ الْمَغْصُوبُ إلَى الْمَالِكِ كَمَا غُصِبَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ شَيْءٍ. وَلَكِنْ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ بِتَكَرُّرِ الْغَصْبِ فَكَذَا هُنَا اهـ تَدَبَّرْ تَقِفُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوِلَادَةُ أَوْ الْعُلُوقُ عَلَى مَا عُرِفَ) ذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْكِفَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا عُرِفَ إشَارَةٌ إلَى مَا يَجِيءُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذُكِرَ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ الثَّانِي، وَذَكَرَ الْأَوَّلَ أَيْضًا بِطَرِيقِ النَّقْلِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا عَلَى مَا يَجِيءُ اهـ. أَقُولُ: لَا مَجَالَ عِنْدِي لِلْحَمْلِ عَلَى الْأَوَّلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ هَاهُنَا سَبَبُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَبِمَا يَجِيءُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا

وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا، وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهَا ثُمَّ نَبَتَتْ أَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهَا وَأَدَّاهُ مَعَ الْعَبْدِ يُحْتَسَبُ عَنْ نُقْصَانِ الْقَطْعِ، وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ. وَتَخْرِيجُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ، إذْ الْوِلَادَةُ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ أَصْلِهِ لِلْبَرَاءَةِ، فَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ خَلَفِهِ، وَالْخِصَاءُ لَا يُعَدُّ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ غَرَضُ بَعْضِ الْفَسَقَةِ، وَلَا اتِّحَادَ فِي السَّبَبِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ الْقَطْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبُ الْمَوْتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا هُوَ سَبَبٌ لِأَحَدِهِمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْآخَرِ أَيْضًا أَلْبَتَّةَ، حَتَّى يَصِحَّ حَوَالَةُ مَعْرِفَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْآخَرِ، أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي وَتَخْرِيجُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ إذْ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا اهـ. فَإِنَّ ذَاكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَكُون سَبَبًا لِمَوْتِ الْأُمِّ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ دَلَالَةً أَنَّ الْعُلُوقَ أَيْضًا لَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ؛ لِأَنَّ إفْضَاءَهُ إلَى الْمَوْتِ أَبْعَدُ مِنْ إفْضَاءِ الْوِلَادَةِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، مَعَ أَنَّهُ حَكَمَ هَاهُنَا بِأَنَّ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ هُوَ الْوِلَادَةُ وَالْعُلُوقُ. ثُمَّ إنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ أَنْ يُقَالَ عَلَى مَا يَجِيءُ أَوْ عَلَى مَا سَيُعْرَفُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَمْ يُعْرَفْ قَطُّ، فَالْوَجْهُ هُوَ الْحَمْلُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ لَا غَيْرَ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَمَّا أَثَّرَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ، كَالْبَيْعِ لَمَّا أَزَالَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دَخَلَ الثَّمَنُ فِي مِلْكِهِ فَكَانَ الثَّمَنُ خَلَفًا عَنْ مَالِيَّةِ الْمَبِيعِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ، حَتَّى إنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ جَوَابٌ لِلْخَصْمِ عَنْ أَصْلِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَابِرًا لِنُقْصَانٍ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ بَلْ هُوَ عَلَى حَالِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُعَدَّ نُقْصَانًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَابِرٍ، فَإِطْلَاقُ الْجَابِرِ عَلَيْهِ تَوَسُّعٌ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. أَقُولُ: الْجَوَابُ مَنْظُورٌ فِيهِ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِ وُقُوعِهِ، إذْ وَضْعُ مَسْأَلَتِنَا فِيمَا إذَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ، وَلَا يُرَى وَجْهٌ لَأَنْ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ النُّقْصَانُ الْمُحَقَّقُ نُقْصَانًا سِوَى انْجِبَارِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ الْوَلَدُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشُّرَّاحِ قَاطِبَةً فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ نُقْصَانًا كَمَا مَرَّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءً بِهِ جُبِرَ النُّقْصَانِ بِالْوَلَدِ وَسَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ) ، وَلَوْ كَانَ إطْلَاقُ الْجَابِرِ عَلَيْهِ تَوَسُّعًا وَلَمْ يُوجَدْ الْجَبْرُ حَقِيقَةً لَمْ يَظْهَرْ وَجْهٌ لَأَنْ يُعَدَّ نُقْصَانُ الْمَغْصُوبِ الْوَاقِعِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ نُقْصَانًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَأَنْ لَا يُعَدَّ نُقْصَانُهُ الْوَاقِعُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نُقْصَانًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَنَا بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَحَكُّمًا بَحْتًا، وَحَاشَا لِأَئِمَّتِنَا مِنْ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهَا ثُمَّ نَبَتَتْ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا اتِّحَادَ

وَالْجَزُّ، وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ النُّمُوُّ، وَسَبَبَ النُّقْصَانِ التَّعْلِيمُ، وَالزِّيَادَةُ سَبَبَهَا الْفَهْمُ. . قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا فَحَبِلَتْ ثُمَّ رَدَّهَا وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ عَلِقَتْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحُرَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا) لَهُمَا أَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ، وَالْهَلَاكُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي السَّبَبِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ وَهُوَ الْهُزَالُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَسُقُوطُ الثَّنِيَّةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يُغَايِرُ سَبَبَ الزِّيَادَةِ وَهِيَ السِّمَنُ فِي الْأُولَى وَنَبْتُ الثَّنِيَّةِ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَدْ رَدَّ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ قِيَاسَ الْخَصْمِ عَلَى نَحْوِ جَزِّ صُوفِ شَاةٍ وَقَطْعِ قَوَائِمِ الشَّجَرِ بِعَدَمِ الِاتِّحَادِ فِي السَّبَبِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَشَبَّثَ هَاهُنَا بِالْقِيَاسِ عَلَى تَيْنِكَ الصُّورَتَيْنِ مَعَ عَدَمِ الِاتِّحَادِ فِي السَّبَبِ فِيهَا أَيْضًا. ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ: إنَّ الْفَرْقَ بِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَعَدَمِ اتِّحَادِهِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي قَدْحِ الْقِيَاسِ فِي عَدَمِ سُقُوطِ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ مُدَّعَى الْخَصْمِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِهِ عِنْدَ عَدَمِ اتِّحَادِ السَّبَبِ عَدَمُ سُقُوطِهِ عِنْدَ اتِّحَادِهِ، إذْ يُمْكِنُ عِنْدَ اتِّحَادِهِ أَنْ لَا يُعَدَّ النُّقْصَانُ نُقْصَانًا كَمَا ذَكَرُوهُ، بِخِلَافِ عَدَمِ اتِّحَادِهِ، إذْ لَا وَجْهَ عِنْدَهُ أَصْلًا لِئَلَّا يُعَدَّ النُّقْصَانُ نُقْصَانًا، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ الْفَرْقُ فِي الْقِيَاسِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ مُدَّعَانَا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الضَّمَانُ عِنْدَ عَدَمِ اتِّحَادِ السَّبَبِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ أَنْ لَا يُعَدُّ النُّقْصَانُ هُنَاكَ نُقْصَانًا فَلَأَنْ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عِنْدَ اتِّحَادِ السَّبَبِ مَعَ جَوَازِ أَنْ لَا يُعَدَّ النُّقْصَانُ هُنَا نُقْصَانًا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ، فَإِنَّهُ وَجْهٌ لَطِيفٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ وَلَمْ أُسْبَقْ إلَى كَشْفِهِ وَبَيَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّنِيَّةَ لَا قِيمَةَ لَهَا بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ وَالصُّوفِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الثَّنِيَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إلَّا أَنَّ سُقُوطَهَا يُورِثُ نُقْصَانًا لِلْجَارِيَةِ بِلَا رَيْبٍ، وَالْكَلَامُ فِي نُقْصَانِ الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْفَرْقُ شَيْئًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْهَلَاكُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ)

فَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ. كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا فَهَلَكَتْ. أَوْ زَنَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا فَجُلِدَتْ فَهَلَكَتْ مِنْهُ، وَكَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ حَبِلَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. وَلَهُ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَمَا انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرُدَّتْ وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ، وَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَةً فَقُتِلَتْ بِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ، أَوْ دُفِعَتْ بِهَا بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً يُرْجَعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِكُلِّ الْقِيمَةِ. كَذَا هَذَا. بِخِلَافِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِيَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ بَعْدَ فَسَادِ الرَّدِّ. وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءِ التَّسْلِيمِ. مَا ذَكَرْنَا شَرْطُ صِحَّةِ الرَّدِّ وَالزِّنَا سَبَبٌ لِجَلْدٍ مُؤْلِمٍ لَا جَارِحٍ وَلَا مُتْلِفٍ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. . قَالَ (وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ جَعَلَ الْوِلَادَةَ هَاهُنَا سَبَبًا لِلْهَلَاكِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلْمَوْتِ حَيْثُ قَالَ: وَتَخْرِيجُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُهَا، فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَذْهَبَيْنِ بَيْنَ مَا إذَا عَطَّلَهَا أَوْ سَكَنَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَطَّلَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. لَهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ حَتَّى تُضْمَنَ بِالْعُقُودِ فَكَذَا بِالْغُصُوبِ. وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِحُدُوثِهَا فِي إمْكَانِهِ إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ، كَيْفَ وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةِ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ، إذَا لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا فَكَانَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَدَافُعٌ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ لِحُدُوثِهَا فِي إمْكَانِهِ، إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِحَاجَتِهِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ الْمَنَافِعُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْأَرَاضِيِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ فِي ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَامَ حَوْلَ جَوَابِ هَذَا الْإِشْكَالِ مَعَ ظُهُورِ وُرُودِهِ إلَّا صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْإِيجَابِ. قُلْنَا: لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ عِنْدَنَا بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ بَلْ بِمُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إلَّا بِتَمَكُّنِهِ كَانَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فَأَعْطَى لِمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَنْفَعَةِ حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَلِّصًا هَاهُنَا إلَّا أَنَّهُ يَسْتَدْعِي تَرْكَ ظَاهِرِ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، كَقَوْلِهِمْ الْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ النَّافِعِ بِعِوَضٍ، وَقَوْلِهِمْ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ، وَقَوْلُهُمْ وَتَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسْبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِي، وَالْمِلْكَ فِي الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ يَقَعُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسْبِ حُدُوثِهَا فَكَذَا فِي بَدَلِهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ، وَقَوْلُهُمْ وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ ثُمَّ عَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُوبِ الْمَنْفَعَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ الْأُجْرَةِ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ، وَلَعَلَّ تَأْوِيلَ كُلِّهَا مُتَعَسِّرٌ بَلْ مُتَعَذِّرٌ تَأَمَّلَ تَقِفُ. ثُمَّ أَقُولُ: الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: اقْتِضَاءُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ الْمَنَافِعُ فِي يَدِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا، إلَّا أَنَّهَا جُوِّزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ اسْتِحْسَانًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، وَأَنَّ جَوَازَهَا عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَالدَّارِ مَثَلًا مَقَامَ

غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْأَعْيَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَيَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ تَجِبَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ الَّتِي حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ بِحُدُوثِهَا فِي يَدِهِ إذَا وَقَعَ التَّرَاضِي عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ وَسَبَبٌ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مُوجِبِ الِاسْتِحْسَانِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فَلَا يُرْتَكَبُ فِيهِ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْأَعْيَانِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الدَّلِيلُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ لَا تُضْمَنُ بِالْأَعْيَانِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَا تُضْمَنُ بِالْمَنَافِعِ الْمُمَاثِلَةِ لَهَا وَالْمُدَّعَى عَدَمُ مَضْمُونِيَّتِهَا أَصْلًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مَبْنَى تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هَذَا الدَّلِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَزْبُورِ تَقَرُّرُ عَدَمِ مَضْمُونِيَّتِهَا بِالْمَنَافِعِ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِظُهُورِهِ، يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَذَا الدَّلِيلَ حَيْثُ قَالَ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تَصَوُّرَ غَصْبِهَا فَلَا يُمْكِنُ تَضَمُّنُهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ فَإِمَّا أَنْ تُضْمَنَ بِالْمَنَافِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، أَوْ بِالْأَعْيَانِ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالْعَيْنُ تَبْقَى أَوْقَاتًا. وَبَيْنَ مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ، وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَيْضًا تَقْرِيرُ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ ذَلِكَ الدَّلِيلَ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِأَمْثَالِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ، أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِالْأَمْثَالِ وَهِيَ الْمَنَافِعُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِالْأَعْيَانِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا أَتْلَفَ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي تَبْقَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ حَيْثُ الْفَنَاءُ وَالْبَقَاءُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَبِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ إلَى مَالِ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ مَا تَكُونُ بَيْنَ بَاقٍ وَبَاقٍ لَا بَيْنَ بَاقٍ وَأَبْقَى فَكَانَ السُّؤَالُ غَيْرَ وَارِدٍ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَنَّهَا تُعْتَبَرُ بَيْنَ جَوْهَرَيْنِ لَا بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، أَلَا يَرَى أَنَّ بَيْعَ الثِّيَابِ بِالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَبْلَى دُونَ الْآخَرِ، وَعَنْ الثَّانِي بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شِرَاءَ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ جَائِزٌ لِلْوَصِيِّ مَعَ وُجُودِ التَّفَاوُتِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْبَانَ بِالْأَحْسَنِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ هُوَ مَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي التَّصَرُّفَاتِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ شَيْءٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّ تَنْوِيرَهُ بِقَوْلِهِ أَلَا يَرَى أَنَّ بَيْعَ الثِّيَابِ بِالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَبْلَى دُونَ الْآخَرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ جَوَازَ نَوْعٍ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي الْبَيْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّ لِلْعَقْدِ وَالرِّضَا تَأْثِيرًا فِي تَجْوِيزِ كَثِيرٍ مِنْ التَّفَاوُتِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأُلُوفٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ التَّفَاوُتُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ قَطْعًا، أَلَا يَرَى أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ يَجُوزُ أَيْضًا بِالْعَقْدِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْفَعَةَ دَارٍ مَثَلًا بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مَعَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ لَا تُتَصَوَّرُ بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ كَمَا صَرَّحَا بِهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ جَوَازَ شِرَاءِ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ لِلْوَصِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِدَرَاهِمِهِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ جَوْهَرٍ وَجَوْهَرٍ وَهُوَ تَفَاوُتٌ غَيْرُ فَاحِشٍ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الثَّانِي بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَهُوَ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ جَوَازَ تَصَرُّفِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ بِالتَّفَاوُتِ الْغَيْرِ الْفَاحِشِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِهِ بِالتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ، أَلَا يَرَى أَنَّ التَّفَاوُتَ الْفَاحِشَ الَّذِي بَيْنَ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ دُونَ التَّفَاوُتِ الْغَيْرِ الْفَاحِشِ الَّذِي بَيْنَ جَوْهَرٍ وَجَوْهَرٍ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي تَصَرُّفِ

وَقَدْ عَرَفْت هَذِهِ الْمَآخِذَ فِي الْمُخْتَلِفِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا، بَلْ تُقَوَّمُ ضَرُورَةً عِنْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ، إلَّا أَنَّ مَا اُنْتُقِصَ بِاسْتِعْمَالِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ أَيْضًا كَذَلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَتْ دَلَالَةُ جَوَازِ شِرَاءِ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ لِلْوَصِيِّ عَلَى أَنَّ الْقُرْبَانَ بِالْأَحْسَنِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ هُوَ مُجَرَّدُ مَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي التَّصَرُّفَاتِ. نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقُرْبَانِ الْأَحْسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] ذَلِكَ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ إنَّمَا يُعْرَفُ بِدَلِيلٍ آخَرَ لَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ جَوَازِ شِرَاءِ الثِّيَابِ بِدَرَاهِمِ الْيَتِيمِ لِلْوَصِيِّ. (قَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفْت هَذِهِ الْمَآخِذَ فِي الْمُخْتَلِفِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْمَآخِذِ: أَيْ الْعِلَلِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ، مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ، وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ إنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا، وَثَالِثًا بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ إلَخْ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ خَلَلٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَوْ مَا ذَكَرَهُ، بِكَلِمَةِ أَوْ وَهِيَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي كَانَتْ مَنَاطَ الْحُكْمِ هَاهُنَا وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَآخِذِ هِيَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا بِأَقْوَالِهِ الْمَزْبُورَةِ لَا أَمْرٌ آخَرُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْعَطْفُ بِكَلِمَةِ أَوْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ هَاهُنَا: أَرَادَ بِالْمَآخِذِ الْعِلَلَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ، وَأَرَادَ بِالْمَآخِذِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ إنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ وَثَانِيًا إنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ غَصْبُهَا وَإِتْلَافُهَا وَثَالِثًا إنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْأَعْيَانَ، وَالشَّرْطُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ الْمُمَاثَلَةُ بِالنَّصِّ اهـ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ هَاهُنَا هِيَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا بِعَيْنِهِ كَمَا عَرَفْتَهُ آنِفًا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِ هَذَا الشَّارِحِ أَرَادَ بِالْمَآخِذِ هَذَا وَأَرَادَ بِهَا ذَاكَ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ، لَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ بِقَوْلِهِ أَرَادَ بِالْمَآخِذِ الْعِلَلَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ تَفْسِيرَ مَعْنَى الْمَآخِذِ هَاهُنَا، وَبِقَوْلِهِ وَأَرَادَ بِالْمَآخِذِ مَا ذَكَرَهُ إلَخْ تَفْسِيرَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَآخِذُ هَاهُنَا وَتَعَيُّنَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَرَادَ بِمَعْنَى الْمَآخِذِ هَاهُنَا هَذَا وَأَرَادَ بِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَآخِذُ هَاهُنَا ذَاكَ، وَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فَيَصِحُّ الْعَطْفُ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الثَّانِي وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْمَآخِذِ مَا ذَكَرَهُ إلَخْ لَكَانَ أَحْسَنَ لِكَوْنِهِ أَدَلَّ عَلَى إرَادَةِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَآخِذُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَحْثٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى بِأَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَمَا كَانَ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّ الْعِلَلَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ بِعَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْغَصْبِ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا فِي تِلْكَ الصُّوَرِ أَيْضًا. فَإِنْ قُلْت: الْعِلَلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْقَوْلُ بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ مُوجِبُ الِاسْتِحْسَانِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِالِاسْتِحْسَانِ. قُلْت: ذَلِكَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ وَيُمْكِنُ، وَتِلْكَ الْعِلَلُ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَصْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي الْمَنَافِعِ، وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ تَضْمِينِ الْمَنَافِعِ بِالْأَعْيَانِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا، وَبِنَاءُ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِجْرَاءُ الِاسْتِحْسَانِ فِي خِلَافِ ذَلِكَ مُشْكِلٌ جِدًّا.

[فصل في غصب ما لا يتقوم]

(فَصْلٌ فِي غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ) قَالَ (وَإِذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا، فَإِنْ أَتْلَفَهُمَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَضْمَنْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُهَا لِلذِّمِّيِّ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتْلَفَهُمَا ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ بَاعَهُمَا الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ. لَهُ أَنَّهُ سَقَطَ تَقَوُّمُهُمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَذَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَنَا فِي الْأَحْكَامِ فَلَا يَجِبُ بِإِتْلَافِهِمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَهُوَ الضَّمَانُ. وَلَنَا أَنَّ التَّقْوِيمَ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ، إذْ الْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ لَهُمْ كَالشَّاةِ لَنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ] قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ غَصْبِ مَا يُتَقَوَّمُ وَهُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَدِّهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ شَرْعًا فِي بَيَانِ أَحْكَامِ غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ بِاعْتِبَارِ عَرَضِيَّةٍ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا، إمَّا بِاعْتِبَارِ دِيَانَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ أَوْ بِتَغَيُّرِهِ فِي نَفْسِهِ إلَى التَّقْوِيمِ اهـ كَلَامُهُ. وَقَدْ اقْتَفِي أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى الْمَصِيرِ إلَى اعْتِبَارِ عَرَضِيَّةٍ أَنْ يَصِيرَ مَا لَا يُتَقَوَّمُ مُتَقَوِّمًا بِأَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ النَّظَرِ الدَّقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُبَيَّنَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ضَمَانُ مَا لَا يُتَقَوَّمُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَعَدَمُ ضَمَانِهِ فِي بَعْضِهَا، فَفِي مَا لَا ضَمَانَ فِيهِ كَإِتْلَافِ خَمْرِ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرِهِ لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ عَرَضِيَّةٍ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا بِاعْتِبَارٍ مَا أَصْلًا. فَإِنَّ اعْتِبَارَ عَرَضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا مِمَّا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حُكْمِ عَدَمِ الضَّمَانِ قَطْعًا بَلْ لَهُ نَوْعُ إبَاءٍ عَنْهُ، وَلَعَلَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ تَنَبَّهَ لِهَذَا فَتَرَكَ حَدِيثَ اعْتِبَارِ عَرَضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ مُتَقَوِّمًا مِنْهُمْ الشَّارِحُ الْكَاكِيُّ حَيْثُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ غَصْبِ مَا يُتَقَوَّمُ إذْ هُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ اهـ. وَمِنْهُمْ الشَّارِحُ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ غَصْبِ مَا يُتَقَوَّمُ وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ غَصْبِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ هَلْ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ أَمْ لَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّقَوُّمَ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ، إذَا الْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ لَهُمْ كَالشَّاةِ لَنَا) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَصْمَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: إنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَنَا فِي الْأَحْكَامِ، وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَبِلُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. فَكَيْفَ يَتِمُّ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ التَّقَوُّمَ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الدَّالِ عَلَى كَوْنِهِمْ أَتْبَاعًا لَنَا فِي الْأَحْكَامِ، وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. فَإِنْ قُلْت: نَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ كَمَا ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيلِ مَنْ قَبْلَنَا، فَيَدُلُّ النَّصُّ الْمُتَضَمِّنُ لِهَذَا الْأَمْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُتْرُكْهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» عَلَى مُدَّعَانَا هَاهُنَا. قُلْت: لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: الْمُرَادُ بِمَا يَدِينُونَ: الدِّيَانَاتُ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ؛ وَلَئِنْ سُلِّمَ الْعُمُومَ لِلْمُعَامَلَاتِ أَيْضًا فَيَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ بَيْنَ النَّصَّيْنِ فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ الرُّجْحَانُ؟ . وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَبِالْعِبَادَاتِ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الدُّنْيَا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا مُخَاطَبِينَ بِالْخِطَابِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ تَقَوُّمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ أَيْضًا. ثُمَّ أَقُولُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَمَّا عَنْ الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يُقَالَ: مَا نَحْنُ فِيهِ مُخَصَّصٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ عُمُومِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِهِمْ أَتْبَاعًا لَنَا فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سَأَلَ عُمَّالَهُ مَاذَا تَصْنَعُونَ بِمَا يَمُرُّ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْخُمُورِ؟ فَقَالُوا نُعَشِّرُهَا قَالَ لَا تَفْعَلُوا. وَلَوْ هُمْ بَاعُوهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، فَقَدْ جَعَلَهَا مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّهِمْ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَهَا وَأَمَرَ بِأَخْذِ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَبِأَنْ يُقَالَ: كَوْنُ الْكُفَّارِ مُخَاطَبِينَ بِالْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا فِيمَا يَتَحَمَّلُ الْخِطَابُ التَّعْمِيمَ لَهُمْ أَيْضًا، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَتَحَمَّلُهُ فَلَا يَكُونُونَ مُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ قَطْعًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا وَفِي صَدْرِ شَرِيعَتِنَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا ثَبَتَ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُزِيلُ، وَالْمُزِيلُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] وُجِدَ فِي حَقِّنَا بِدَلِيلِ السِّبَاقِ وَالسِّيَاقِ، فَبَقِيَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ هَذَا الْخِطَابِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَبْلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ، فَلَمْ يَبْقَ مَجَالٌ لِلتَّعْمِيمِ لِلْكُفَّارِ أَيْضًا. وَكَذَا الْحَالُ فِي الْخِنْزِيرِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: تَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ كَانَا حَلَالَيْنِ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَكَذَا فِي حَقِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ وَرَدَ الْخِطَابُ بِالْحُرْمَةِ خَاصًّا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَا حَرَامًا عَلَيْهِمْ وَبَقِيَا حَلَالًا عَلَى الْكُفَّارِ كَنِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ كَانَ حَلَالًا فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً ثُمَّ وَرَدَ التَّحْرِيمُ خَاصًّا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَبَقِيَ حَلَالًا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ فَكَذَا هَاهُنَا أَلَا يَرَى إلَى خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] وَالْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي يُفْلِحُ إذَا اجْتَنَبَ الْخَمْرَ، وَقَالَ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] إلَى هُنَا لَفْظُ غَايَةِ الْبَيَانِ. ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: الْخَمْرُ مُبَاحٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَكَذَا الْخِنْزِيرُ، فَالْخَمْرُ فِي حَقِّهِمْ كَالْخَلِّ فِي حَقِّنَا وَالْخِنْزِيرُ فِي حَقِّهِمْ كَالشَّاةِ فِي حَقِّنَا فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ شَرْعًا، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّهِمْ. وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفِعٌ بِهِ حَقِيقَةً صَالِحٌ لِإِقَامَةِ مَصْلَحَةِ الْبَقَاءِ، وَالْأَصْلُ فِي أَسْبَابِ الْبَقَاءِ هُوَ الْإِطْلَاقُ، إلَّا أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ثَبَتَتْ نَصًّا غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، أَوْ مَعْقُولَ الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هَاهُنَا أَوْ يُوجَدُ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي الْحِلَّ لَا الْحُرْمَةَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} [المائدة: 91] ؛ لِأَنَّ الصَّدَّ لَا يُوجَدُ فِي الْكَفَرَةِ، وَالْعَدَاوَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَاجِبُ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُنَازَعَةُ سَبَبُ الْهَلَاكِ، وَهَذَا يُوجِبُ الْحِلَّ لَا الْحُرْمَةَ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِمْ. وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِمْ كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ حُرُمَاتٌ عِنْدَنَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَعَلَى هَذَا طَرِيقُ الضَّمَانِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَمْرَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الْحَالِ فَهِيَ بِعَرَضٍ أَنْ تَصِيرَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الثَّانِي بِالتَّخَلُّلِ وَالتَّخْلِيلِ، وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ يَعْتَمِدُ كَوْنَ الْمَحَلِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُتْلَفِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي الْجُمْلَةِ وَلَا يَقِفُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُهْرَ وَالْجَحْشَ وَمَا

وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ فَيَتَعَذَّرُ الْإِلْزَامُ، وَإِذَا بَقِيَ التَّقَوُّمُ فَقَدْ وُجِدَ إتْلَافُ مَالٍ مَمْلُوكٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَضْمَنُهُ. بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَدِينُ تَمَوُّلَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ لِكَوْنِهِ إعْزَازًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَتْ الْمُبَايَعَةُ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْحَالِ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ. وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَنَا عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِالْمَنْعِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ حِسًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَمِثْلُهُ لَا يَكْذِبُ وَقَدْ دَانُوا شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ الْخِنْزِيرِ فَلَزِمَنَا تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَنَفْيُ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ يُفْضِي إلَى التَّعَرُّضِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ أَوْ أَتْلَفَ لَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ يَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ مَنْعُهُمْ وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فَلِمَ لَا نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَإِحْدَاثِ الْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَكَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ السَّيْرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ أَمْثَالَهَا مُسْتَثْنًى مِمَّا يَدِينُونَ بِدَلَائِلَ ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِهَا، كَمَا أَنَّ الرِّبَا مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ عَنْ قَرِيبٍ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا مَاتَ الْمَجُوسِيُّ عَنْ ابْنَتَيْنِ إحْدَاهُمَا امْرَأَتُهُ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ بِالزَّوْجِيَّةِ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ صِحَّةَ ذَلِكَ النِّكَاحِ، وَصِحَّةُ النِّكَاحِ تُوجِبُ تَوْرِيثَ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي دِيَانَتِهِمْ ثُمَّ لَمْ نَتْرُكْهُمْ وَمَا يَدِينُونَ. وَأُجِيبُ بِأَنْ لَا نُسَلِّمَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّوْرِيثَ بِأَنْكِحَةِ الْمَحَارِمِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانٍ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إنَّ مُرَادَ النَّاقِضِ أَنَّا إذَا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ عَلَى شَرْعِ الْإِسْلَامِ بِطَلَبِهِمْ ذَلِكَ لَا نُوَرِّثُهَا اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ كَبِيرُ حَاصِلٍ، إذْ مُرَادُ الْمُجِيبِ أَيْضًا أَنَّ عَدَمَ تَوْرِيثِنَا إيَّاهَا إذَا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ عَلَى شَرْعِ الْإِسْلَامِ بِطَلَبِهِمْ ذَلِكَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ اعْتِقَادِهِمْ التَّوْرِيثَ بِأَنْكِحَةِ الْمَحَارِمِ. نَعَمْ يَعْتَقِدُ الْمَجُوسِيُّ صِحَّةَ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اعْتِقَادِ صِحَّةِ النِّكَاحِ اعْتِقَادُ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمِيرَاثَ يَمْتَنِعُ بِالرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ مَعَ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي النِّهَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْقَائِلُ أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَقَدُوا التَّوْرِيثَ بِأَنْكِحَةِ الْمَحَارِمِ وَطَلَبُوا ذَلِكَ لَمْ نَحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى شَرْعِ الْإِسْلَامِ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا يَضُرُّنَا إنَّمَا هُوَ النَّقْضُ بِمَا هُوَ أَمْرٌ وَاقِعٌ لَا بِمَا هُوَ فَرْضٌ مَحْضٌ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ لِلسَّائِلِ أَنْ يُورِدَ النَّقْضَ حِينَئِذٍ بِمُسْلِمٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ كَافِرَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَنَا لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، مَعَ أَنَّ وُجُوبَ تَوْرِيثِ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا مُقَرَّرٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَانِعٌ، وَالظَّاهِرُ

وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، وَبِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا إذَا كَانَ لِمَنْ يُبِيحُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْكُفْرَ لَيْسَ بِمَانِعٍ عَنْ الْإِرْثِ فِي اعْتِقَادِ الْكُفْرِ وَلَمْ نَتْرُكْهُمْ وَمَا يَدِينُونَ هُنَاكَ، فَتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا، كَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ نَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ، وَمَا يَدِينُونَ إلَخْ لِاتِّسَاقِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْعَطْفِ حِينَئِذٍ اهـ أَقُولُ: تَعَلُّقُهُ بِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ غَيْرُ ظَاهِرِ السَّدَادِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ هَذَا مَعَ كَوْنِهَا مِمَّا يَأْبَى ذَلِكَ جِدًّا لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ الرِّبَا مِنْ خِلَافِ قَوْلِهِ نَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَمَّا كَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ فِسْقًا مِنْهُمْ لَا تَدَيُّنًا لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي دِينِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، حَتَّى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ مَنْعُنَا إيَّاهُمْ عَنْ الرِّبَا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ نَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا) مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ (نَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ) يَصِيرُ الْمَعْنَى: وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ مُلْتَبِسٌ بِخِلَافِ الرِّبَا، وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى بِسَدِيدٍ لِعَدَمِ مُلَابَسَةِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيَّنَّا آنِفًا. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا) مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ؛ (لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ) فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَهَذَا أَيْ عَدَمُ كَوْنِ الذِّمِّيِّ مَمْنُوعًا عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا مُلْتَبِسٌ بِخِلَافِ الرِّبَا لِكَوْنِهِمْ مَمْنُوعِينَ عَنْ الرِّبَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى سَدِيدٌ وَأَنَّ كَلِمَةَ هَذَا الَّتِي يُشَارُ بِهَا إلَى الْقَرِيبِ فِي مَحَلِّهَا حِينَئِذٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: فَيَضْمَنُهُ، وَالْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ اهـ أَقُولُ هَذَا أَقْبَحُ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ بِهَذَا إلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِتَأْوِيلِ مَا ذَكَرَ كَمَا زَعَمَهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى: وَهَذَا أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مُلْتَبِسٌ بِخِلَافِ الرِّبَا فَلَا يَبْقَى لِتَعَلُّقِ قَوْلِهِ (وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا) بِقَوْلِهِ (فَيَضْمَنُهُ) مَعْنًى وَإِنْ صِيرَ إلَى التَّقْدِيرِ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ: وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّبَا فِي الضَّمَانِ فَيَحْصُلُ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِقَوْلِهِ فَيَضْمَنُهُ فَلَا يَكُونُ سَدِيدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْإِتْلَافِ، وَمَسْأَلَةُ الرِّبَا مِمَّا لَا مِسَاسَ لَهُ بِذَلِكَ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ لِمَنْ يُبِيحُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَعْنِي لَمَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مِنْ الْبَاطِلِ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَتْرُكَ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ

قَالَ (فَإِنْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَلِصَاحِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ) ، وَالْمُرَادُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا خَلَّلَهَا بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَمِنْهُ إلَى الشَّمْسِ، وَبِالْفَصْلِ الثَّانِي إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْقَرَظِ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا التَّخْلِيلَ تَطْهِيرٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا تَثْبُتُ الْمَالِيَّةُ بِهِ وَبِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ، وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَقِّ الْحَبْسِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَمْ يَضْمَنْ الْجِلْدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مَعَ احْتِمَالِ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ نَقُولَ بِمُوجِبِ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي اعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ مَا قَالَهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ، وَالدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حُرْمَتِهِ قَائِمٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ اعْتِقَادُهُمْ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ هَذَا مَا قَالُوهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَاجَّةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَالٌّ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ الْمُجْتَهِدِينَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» وَكَانَ ذَلِكَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآخَرِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَفِّذُ مَا حَكَمَ بِهِ قَاضٍ آخَرُ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ اهـ أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا. أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُنَفِّذُ مَا حَكَمَ بِهِ قَاضٍ آخَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا حَكَمَ بِهِ مِمَّا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَالْإِجْمَاعَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا حَكَمَ بِهِ مِمَّا يُخَالِفُ شَيْئًا مِنْ هَاتِيك الثَّلَاثَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُنَفِّذَهُ الْقَاضِي أَصْلًا كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَمَثَّلُوا مَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ بِالْحُكْمِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّنْفِيذُ. وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ حَاصِلَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أَنَّ عِلَّةَ الْأَمْرِ بِالتَّرْكِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» هِيَ عَقْدُ الذِّمَّةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلْحَاقُ الْمُجْتَهِدِينَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي تَرْكِ الْمُحَاجَّةِ لَا دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَدْفَعُ السُّؤَالُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَاجَّةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَالٌّ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ الْمُجْتَهِدِينَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَأَنَّ حَدِيثَ تَنْفِيذِ الْقَاضِي مَا حَكَمَ بِهِ قَاضٍ آخَرُ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ

وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا الْخَلُّ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ، يَجِبُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَهُمَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ وَيَضْمَنُهُ وَيُعْطِيه الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ، فَإِذَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ خَلَّفَهُ قِيمَتَهُ كَمَا فِي الْمُسْتَعَارِ. وَبِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَقْدَحُ فِي دَفْعِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَالسُّؤَالِ الْمَزْبُورِ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مَعْلُومٌ وَجْهُهُ فِي مَحِلِّهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ الْإِجْمَاعُ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ اهـ أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ يَكْفِي دَلِيلًا عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْإِجْمَاعِ هَاهُنَا هُوَ إجْمَاعُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَعْظَمِهِمْ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ فِيمَا ذُكِرَ آنِفًا مِنْ مَسْأَلَةِ الِاسْتِهْلَاكِ، لَا إجْمَاعَ الْأُمَّةِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ هَاهُنَا: وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ: يَعْنِي مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ لَوْ تَخَلَّلَتْ الْخَمْرَةُ بِنَفْسِهَا وَهَلَكَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ، وَأَمَّا إذَا تَخَلَّلَتْ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ لَا يَضْمَنُ. وَفِي الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ عَلَى قَوْلٍ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَلَا يَضْمَنُ، وَفِي قَوْلٍ وَجَبَ رَدُّهُ وَيَضْمَنُ اهـ. فَظَهَرَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَئِمَّتِنَا فِي بَعْضِ صُوَرِ الْهَلَاكِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّ مَالِكًا مِنْ مُعَاصِرِي أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ مِنْ مُعَاصِرِي مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فِي زَمَنِهِمْ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ فِي بَعْضِ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَطْعًا، وَلَمْ يُنْقَلْ إجْمَاعُ أُمَّةٍ أُخْرَى مِنْ قَبْلُ، فَلَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ عَلَى إجْمَاعِ الْأُمَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَاهُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ لِقَوْلِهِ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ يَوْمَ الْهَلَاكِ، وَلَا وَجْهَ لِضَمَانِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْرِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قِيمَةٌ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَلَا وَجْهَ لِضَمَانِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْهَلَاكِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ فِي هَلَاكِهِ، وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ إلَّا بِفِعْلٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّعَدِّي اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: ظُهُورُ هَذَا الدَّلِيلِ الْمُفَصَّلِ الدَّائِرِ عَلَى التَّرْدِيدِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَكَوْنُهُ أَظْهَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا لِسَائِرِ الْمَسَائِلِ سِيَّمَا دَلِيلُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي اسْتِهْلَاكِ الْخَلِّ مَمْنُوعٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِ تَرْكُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ بِالْكُلِّيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَسَائِلِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَاهُنَا انْفِهَامُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي دَلِيلِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِهْلَاكِ يُرْشِدُك إلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ وَبِهَذَا فَارَقَ الْهَلَاكُ بِنَفْسِهِ، تَبَصَّرْ تُرْشَدْ. (قَوْلُهُ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ وَيَضْمَنُهُ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْغَصْبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ بِخِلَافِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذَا لَا نُسَلِّمُ أَوَّلًا أَنَّ نَفْسَ الْغَصْبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَإِنَّ نَفْسَ الْغَصْبِ إنَّمَا يُوجِبُ رَدَّ الْعَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْغَصْبِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ بِالْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَكَوْنُ نَفْسِ الْغَصْبِ

فَارَقَ الْهَلَاكُ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُمَا يُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ. أَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِهِ فَيَطْرَحُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَلَهُ أَنَّ التَّقَوُّمَ حَصَلَ بِصُنْعِ الْغَاصِبِ وَصَنْعَتُهُ مُتَقَوِّمَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لَهُ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ، ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّابِعُ، كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ، بِخِلَافِ وُجُوبِ الرَّدِّ حَالَ قِيَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمِلْكَ، وَالْجِلْدُ غَيْرُ تَابِعٍ لِلصَّنْعَةِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا، بِخِلَافِ الذَّكِيِّ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ فِيهِمَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الدَّبْغِ وَالصَّبْغِ فَلَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلصَّنْعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبًا لِلضَّمَانِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْتِهْلَاكِ أَيْضًا سَبَبًا لَهُ، وَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ قِيَاسُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ فِي كَوْنِ التَّعَدِّي بِالِاسْتِهْلَاكِ سَبَبًا لِضَمَانِ الْمُتَعَدِّي مَا اسْتَهْلَكَهُ وَإِعْطَاءِ الْمَالِكِ مَا زَادَهُ الصَّنْعَةُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَّحِدٌ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِي جَانِبِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ سَبَبًا آخَرَ لِلضَّمَانِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي السَّبَبِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي حِلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: إنَّ الِاسْتِهْلَاكَ جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ فِي مَحَلٍّ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ لَمَّا بَقِيَ الْجِلْدُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ بَعْدَمَا صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَمَا فِي الثَّوْبِ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ أَيْضًا، فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِأَيِّ السَّبَبَيْنِ شَاءَ، هَاهُنَا السَّبَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْغَصْبُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ فَتَعَيَّنَ التَّضْمِينُ بِالسَّبَبِ الثَّانِي فَكَانَ هُوَ فِي السَّبَبِ كَغَيْرِهِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ وَيُعْطِي الْغَاصِبَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّابِعُ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ: فَإِنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَكَذَلِكَ الْجِلْدُ، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ اهـ كَلَامُهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الصَّنْعَةَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَكَذَلِكَ الْجِلْدُ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِينَ الْمَزْبُورِينَ، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّعَدِّي هُنَاكَ كَتَحَقُّقِهِ فِي صُورَةِ الِاسْتِهْلَاكِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا فِي تَعْلِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا مَرَّ وَكَوْنُ الْغَصْبِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي كُلٍّ مِنْ صُورَتَيْ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَحْقِيقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ مَالًا مُتَقَوِّمًا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِيقَةِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا غَصَبَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ فَدَبَغَهُ فَحِينَ الْأَخْذِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْغَصْبُ الشَّرْعِيُّ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا إنَّ الْخَمْرَ الْمُتَخَلِّلَةَ بِنَفْسِهَا أَيْضًا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ فِيهَا صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ يَتْبَعُهَا تَقَوُّمُهَا، فَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْغَصْبِ وَهُوَ الْأَخْذُ جَبْرًا بِدُونِ

وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً. وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ عَجَزَ الْغَاصِبُ عَنْ رَدِّهِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحَقُّقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، أَوْ كَانَ مُجَرَّدُ حُصُولِ التَّقَوُّمِ لِلْمَأْخُوذِ بَعْدَ الْأَخْذِ كَافِيًا فِي تَحَقُّقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ لَوَجَبَ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ هَلَاكِ الْخَمْرِ الْمُتَخَلَّلَةِ بِنَفْسِهَا فِي يَدِ الْآخِذِ جَبْرًا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. ثُمَّ أَقُولُ: لَمَّا ظَهَرَ بِمَا بَيَّنَّاهُ أَنَّ كَوْنَ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ مِمَّا يَلِيق بِقَدْرِهِ الْجَلِيلِ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ لَفْظِهِ مُسَاعِدَةٌ لِذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِلَ كَلَامَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَنَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ هُوَ التَّشْبِيهُ وَالتَّنْظِيرُ فِي مُجَرَّدِ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مُخْتَلِفًا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ فِي خُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُوَ كَوْنُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَكَذَا التَّابِعُ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّبَبُ سَبَبًا أَيْضًا فِي صُورَةِ هَلَاكِ الْمَدْبُوغِ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا مِنْ حَيْثُ وُجُوبِ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّبَبُ هُوَ السَّبَبُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ كَمَا يَقْتَضِيه قَوْلُهُمَا، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّبَبُ هُوَ السَّبَبُ لِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ تَحَقُّقِ فِعْلٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّعَدِّي كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ هُنَاكَ بِانْتِفَاءِ هَذَا السَّبَبِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ الْمُسْتَقِلَّيْنِ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمُسَبِّبِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُمَا، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ. قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً) قَالَ الشُّرَّاحُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ: أَيْ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ، وَيَقْتَضِي هَذَا التَّفْسِيرُ مُقَابَلَةَ قَوْلِهِ: وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى أَقُولُ: تَعْلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ الِاتِّفَاقِيِّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً مُشْكِلٌ عِنْدِي، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى أَصْلِ الْإِمَامَيْنِ، إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّ الْجِلْدَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُهُ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا تَرَى. لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ هَاهُنَا أَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَقْتَ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ لَهُ قِيمَةً وَقْتَئِذٍ، وَالْمُرَادُ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْجِلْدَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَصَارَ كَالثَّوْبِ بَعْدَهُ فَلَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَلَا وَجْهَ لِتَعْلِيلِ مَا قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ بِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَقْتَ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ عَدَمَ تَقَوُّمِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَقْتَ الْغَصْبِ لَا يُنَافِي عِنْدَهُمَا كَوْنَهُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ، وَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ كَمَا مَرَّ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَاهُنَا أَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَقْتَ الْغَصْبِ لَقَالَ الْمُصَنِّفُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ دُونَ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ فِي الثَّوْبِ بِإِزَاءِ الدِّبَاغِ فِي الْجِلْدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ عَجَزَ الْغَاصِبُ عَنْ رَدِّهِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لِأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ

ثُمَّ قِيلَ: يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ. وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدِ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، وَلَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ. وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا. وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الدِّبَاغَةِ هُوَ الَّذِي حَصَّلَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ صِفَةَ الدِّبَاغَةِ تَابِعَةٌ لِلْجِلْدِ فَلَا تُفْرَدُ عَنْهُ، وَإِذَا صَارَ الْأَصْلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَذَا صِفَتُهُ، وَلَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ قَالُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَهُمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَأَعْطَى مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَبْغِ الْجِلْدِ، وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَرْكَهُ عَلَيْهِ وَتَضْمِينَهُ فَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ. وَقِيلَ فِي دَبْغِ الْجِلْدِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ، وَلَوْ خَلَّلَهَا بِإِلْقَاءِ الْخَلِّ فِيهَا، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ صَارَ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَإِنْ لَمْ تَصِرْ خَلًّا إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ بِأَنْ كَانَ الْمُلْقَى فِيهِ خَلًّا قَلِيلًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ خَلْطَ الْخَلِّ بِالْخَلِّ فِي التَّقْدِيرِ وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَاصِبِ وَفِيمَا تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّضْمِينِ فِي صُورَةٍ تَعَدَّى فِيهَا الْغَاصِبُ جَوَازَهُ فِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا النَّظَرِ بِأَنَّ الْعَجْزَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لَمَّا كَانَ لِأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ لِذَلِكَ الْعَجْزِ فِيمَا تَرَكَهُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ كَانَ الْأَمْرُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ الْمَالِكَ إنَّمَا تَرَكَهُ عَامَّةً وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَاصِبَ زَادَ عَلَيْهِ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَوَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ عَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِ إعْطَاءُ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ الزَّائِدَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إعْطَائِهِ وَلَا يُهِمُّهُ ذَلِكَ فَكَانَ السَّبَبُ الْأَصْلِيُّ لِعَجْزِ الْغَاصِبِ عَنْ رَدِّهِ فِعْلَ نَفْسِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَكَانَ هُوَ لِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ كَمَا سَيَجِيءُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ تَرْكُهُ عَلَيْهِ وَتَضَمُّنُهُ الْقِيمَةَ عِنْدَ أَحَدٍ أَصْلًا. (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ. وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ) يَعْنِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّضْمِينِ عَلَى قَوْلِهِمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ ذَكِيٍّ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي صُوَرِ الِاسْتِهْلَاكِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لِلْغَاصِبِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخَلْطِ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ، وَلَا ضَمَانَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ نَفْسِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا. وَيَضْمَنُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ. وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ أَجْرَوْا جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُلْقَى فِيهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي الْخَمْرِ فَلَمْ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا. وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ وَقَدْ أَثْبَتْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. . قَالَ (وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ دُفًّا أَوْ أَرَاقَ لَهُ سَكَرًا أَوْ مُنَصَّفًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ الَّذِي يُضْرَبُ لِلَّهْوِ. فَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَقِيلَ الْفَتْوَى فِي الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَالسَّكَرُ اسْمٌ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ. وَالْمُنَصَّفُ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ. وَفِي الْمَطْبُوخِ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَهُوَ الْبَاذَقُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي التَّضْمِينِ وَالْبَيْعِ. لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا إذَا فَعَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَمْوَالٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَإِنْ صَلُحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ فَصَارَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَالتَّضْمِينِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ إلَى الْأُمَرَاءِ لِقُدْرَتِهِمْ وَبِاللِّسَانِ إلَى غَيْرِهِمْ، وَتَجِبُ قِيمَتُهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلَّهْوِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ تَجِبْ الْقِيمَةُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأُمُورِ، كَذَا هَذَا، وَفِي السَّكَرِ وَالْمُنَصَّفِ تَجِبُ قِيمَتُهُمَا، وَلَا يَجِبُ الْمِثْلُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ جَازَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ صَلِيبًا حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَدْبُوغٍ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: ثَمَرَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عِنْدِي فَإِنَّ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بَعْدَ أَنْ يُطْرَحَ عَنْهَا قَدْرُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ هِيَ قِيمَةُ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ بِعَيْنِهَا، إذَا قَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ فِي بَيَانِ أَخْذِ الْجِلْدِ وَإِعْطَاءِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ مَا بَيْنَهُمَا، وَذَاكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بَعْدَ إعْطَاءِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ هُوَ قِيمَةُ جِلْدٍ ذَكِيٍّ بِعَيْنِهَا، فَمَا فَائِدَةُ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[كتاب الشفعة]

يَضْمَنُ قِيمَتَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ مُقَرٌّ عَلَى ذَلِكَ. . قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمُدَبَّرَةِ مُتَقَوِّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ، وَالدَّلَائِلُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الشُّفْعَةِ) وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الشُّفْعَةِ بِالْغَصْبِ تَمَلُّكُ إنْسَانٍ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا رِضَاهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. وَالْحَقُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً دُونَهُ، لَكِنَّ تَوَافُرَ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ مَعَ كَثْرَتِهِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُزَارَعَاتِ أَوْجَبَ تَقْدِيمَهَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الْوُجُوهَ الْمُوجِبَةَ لِتَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ عَلَى النَّمَطِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا قَدْ سَاقَتْ ذِكْرَ كِتَابِ الشُّفْعَةِ إلَى هُنَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقْدِيمِ الْغَصْبِ عَلَى الشُّفْعَةِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ تَوَفُّرَ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَخْ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَالْحَقُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ إلَخْ عِنْدَ مُلَاحَظَةِ تِلْكَ الْوُجُوهِ الْمُوجِبَةِ لِتَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ عَلَى النَّمَطِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ أَنْ تَنَبَّهَ لِبَعْضِ مَا قُلْنَاهُ: ثُمَّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ التَّقْدِيمِ إنَّ الْغَصْبَ يَعُمُّ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، وَالْأَعَمُّ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ الْغَصْبُ لَا يَعُمُّ الْعَقَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حِينَئِذٍ، بَلْ الْغَصْبُ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ دُونَ الْعَقَارِ كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْغَصْبِ مُفَصَّلًا وَمَشْرُوحًا، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى عُمُومُ الْغَصْبِ لِلْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا مَرَّ أَيْضًا ثَمَّةَ، وَلَا وَجْهَ لِبِنَاءِ وَجْهِ التَّقْدِيمِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُنَا الْأَعْظَمُ وَإِمَامُنَا الثَّانِي، إذْ لَوْ كَفَى مُجَرَّدُ كَوْنِ الْعُمُومِ مَحَلَّ اجْتِهَادِ مُجْتَهِدٍ لَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ أَيْضًا تَعُمُّ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي السُّفُنِ أَيْضًا عِنْدَهُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. ثُمَّ إنَّ مِنْ مَحَاسِنِ الشُّفْعَةِ دَفْعَ ضَرَرِ الْجِوَارِ وَهُوَ مَادَّةُ الْمَضَارِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا إضْرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلَا شَكَّ لِأَحَدٍ فِي حُسْنِ دَفْعِ ضَرَرِ التَّأَذِّي بِسَبَبِ سُوءِ

الشُّفْعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ، سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ الْمُشْتَرَاةِ إلَى عَقَارِ الشَّفِيعِ. . قَالَ (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ ثُمَّ لِلْجَارِ) أَفَادَ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَدْ جَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} [النمل: 21] أَيْ لَأُلْزِمَنَّهُ صُحْبَةَ الْأَضْدَادِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ إنَّ الشُّفْعَةَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ، سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ الْمُشْتَرَاةِ إلَى مِلْكِ الشَّفِيعِ، وَمِنْهُ شَفَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُذْنِبِينَ؛ لِأَنَّهُ يَضُمُّهُمْ بِهَا إلَى الطَّاهِرِينَ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: هِيَ تَمَلُّكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ وَالْمُتُونِ، إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا تَمَلُّكُ الْعَقَارِ بَدَلَ تَمَلُّكِ الْبُقْعَةِ، وَصَرَّحَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ فِي آخِرِ التَّعْرِيفِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِشَرِكَةٍ أَوْ جِوَارٍ وَتُرِكَ ذِكْرُهُ فِي الْأَكْثَرِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ. أَقُولُ: فِي الْكُلِّ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ هِيَ التَّمَلُّكُ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ: أَيْ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ وَتُمَلَّكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَحْقِيقَ التَّمَلُّكِ فِي الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَخْذِ الْبُقْعَةِ الْمَشْفُوعَةِ بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ نَفْسَ ذَلِكَ التَّمَلُّكِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَوْلِهِمْ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ صِحَّةً، إذَا الثُّبُوتُ وَالِاسْتِقْرَارُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ التَّحَقُّقِ وَحِينَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ لَمْ يُوجَدْ الْأَخْذُ بِالتَّرَاضِي وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يُوجَدْ التَّمَلُّكُ أَيْضًا، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ نَفْسَ ذَلِكَ التَّمَلُّكِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَاسْتِقْرَارُهَا بِالْإِشْهَادِ. وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حُكْمَ الشُّفْعَةِ جَوَازُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، فَلَوْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ نَفْسَ التَّمَلُّكِ لَمَا صَلُحَ شَيْءٌ مِنْ جَوَازِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ لَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلشُّفْعَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ إنَّمَا هُوَ الْوُصُولُ إلَى تَمَلُّكِ الْبُقْعَةِ الْمَشْفُوعَةِ، وَعِنْدَ حُصُولِ تَمَلُّكِهَا الَّذِي هُوَ الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ لَا يَبْقَى مُحَالُ جَوَازِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ ضَرُورَةَ بُطْلَانِ طَلَبِ الْحَاصِلِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ يُقَارِنُ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَوْ يُعْقِبُهُ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصْلُحْ جَوَازُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ لَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلشُّفْعَةِ عَلَى التَّقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ نَفْسَ التَّمَلُّكِ. وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ هُوَ عَيْنُ التَّمَلُّكِ فِي الْمَعْنَى، وَحُكْمُ الشَّيْءِ مَا يُغَايِرُهُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصْلُحْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ أَيْضًا لَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الشُّفْعَةِ نَفْسَ التَّمَلُّكِ. فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي تَعْرِيفِ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ الشُّفْعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ التَّمَلُّكِ فِي الْعَقَارِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ اهـ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ حَقِيقَةُ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ دُونَ حَقِيقَةِ التَّمَلُّكِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِحَذَافِيرِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ، وَلَعَلَّ مُرَادَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا ذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي الْعِبَارَةِ. ثُمَّ إنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْ الْأَصِيلِ وَهُوَ ضَرَرُ سُوءِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الضَّرَرُ عِنْدَ اتِّصَالِ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِالْمَبِيعِ. وَكَانَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الشُّفْعَةُ تَجِبُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ تَجِبُ بِالطَّلَبِ، فَهُوَ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّ

وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَفَادَ التَّرْتِيبَ، أَمَّا الثُّبُوتُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQكِلَيْهِمَا سَبَبٌ عَلَى التَّعَاقُبِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إذَا وَجَبَبْت بِالْبَيْعِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهَا ثَانِيًا بِالطَّلَبِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّرِكَةَ مَعَ الْبَيْعِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الشِّرَاءَ شَرْطٌ وَالشَّرِكَةَ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ سَلَّمَ بَعْدَ الْبَيْعِ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ الشَّرِكَةَ وَحْدَهَا لَصَحَّ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزٌ، وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ عَرَفْنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ وَحْدَهَا لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ بِالشَّرِكَةِ وَالْبَيْعِ وَتَأَكُّدَهَا بِالطَّلَبِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَشْفُوعَةِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْخَصَّافِ بِقَوْلِهِ الشُّفْعَةَ تَجِبُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ تَجِبُ بِالطَّلَبِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ يَتَأَكَّدُ وُجُوبُهَا وَيَسْتَقِرُّ بِالطَّلَبِ فَيَئُولُ إلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ. وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ تَجِبُ بِالطَّلَبِ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ ثَبِّتْنَا عَلَى هَدْيِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِكَوْنِ نَفْسِ الْهَدْيِ مُتَحَقِّقَةً قَبْلَ الطَّلَبِ، وَلَعَلَّ نَظَائِرَ هَذَا فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى. وَالْعَجَبُ أَنَّ عَامَّةَ ثِقَاتِ الْمَشَايِخِ حَمَلُوا كَلَامَ ذَلِكَ الْهُمَامِ الَّذِي لَهُ يَدٌ طُولَى فِي الْفِقْهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ بَيِّنُ الْبُطْلَانِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ أَحَدٌ عَلَى الْمَعْنَى الصَّحِيحِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى طَرَفِ الثُّمَامِ (قَوْلُهُ أَمَّا الثُّبُوتُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ» ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى وَهُوَ ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ إلَّا أَنَّهُ يَنْفِي بَعْضَهُ الْآخَرَ وَهُوَ ثُبُوتُهُ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ أَيْضًا كَالْجَارِ الْمُلَاصِقِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الشُّفْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ، وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ، وَمَثَّلَ بِنَحْوِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» سِيَّمَا وَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى الْمُسْنَدِ هَاهُنَا لَامَ الِاخْتِصَاصِ كَمَا تَرَى فَكَانَ عَرِيقًا فِي إفَادَة الْقَصْرِ كَمَا فِي {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] عَلَى مَا قَالُوا، فَانْتَفَى اقْتِضَاءُ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ: أَيْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَمَّا إذَا بَاعَ بَعْدَهَا فَلَمْ يَبْقَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ حَقٌّ لَا فِي الدَّاخِلِ وَلَا فِي نَفْسِ الدَّارِ فَحِينَئِذٍ لَا شُفْعَةَ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا إذَا بَاعَ بَعْدَهَا إلَخْ ثُمَّ وَجَّهَهُ حَيْثُ قَالَ: هَذَا قَوْلٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّخْصِيصُ بِدَلَالَةِ اللَّامِ الِاخْتِصَاصِيَّةِ اهـ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ اعْتِرَاضِهِ وَتَوْجِيهِهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: وَأَمَّا إذَا بَاعَ إلَخْ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ حَتَّى يَتَّجِهَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ هَذَا قَوْلٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ، بَلْ هُوَ كَلَامُ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ اللَّامُ الِاخْتِصَاصِيَّةُ مَدَارًا لِلتَّخْصِيصِ بِمَعْنَى الْقَصْرِ لَزِمَ أَنْ يَدُلَّ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ شَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَيْنَا لَا لَنَا (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

«جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ، يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سَقَبُهُ؟ قَالَ شُفْعَتُهُ» وَيُرْوَى «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمُ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطَّرِيقُ فَلَا شُفْعَةَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» ) أَيْ جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَجَارُ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِالْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ " يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا ": أَيْ الشَّفِيعُ يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ إنْ غَابَ، إذَا لَا تَأْثِيرَ لِلْغَيْبَةِ فِي إبْطَالِ حَقٍّ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، كَذَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: يَعْنِي يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ، إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْغَيْبَةِ فِي إبْطَالِ حَقٍّ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ اهـ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْرَارِ يَنْتَظِرُ بِهَا إذَا كَانَ غَائِبًا، ثُمَّ قَالَ فِي الْأَسْرَارِ: فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَحَقُّ بِهَا عَرْضًا عَلَيْهِ لِلْبَيْعِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ فَسَّرَ الْحَقَّ بِالِانْتِظَارِ إذَا كَانَ غَائِبًا. قُلْنَا: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ أَحَقَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (يَنْتَظِرُ) تَفْسِيرٌ لِبَعْضِ مَا شَمَلَهُ كَلِمَةُ أَحَقَّ؛ وَلِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَرْضٍ بِيعَتْ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا نَصِيبٌ فَقَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ» فَهَذَا يُبْطِلُ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ اهـ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا مُقْتَضَى كَلِمَةِ إنْ الْوَصْلِيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَائِبًا يَنْتَظِرُ لَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، فَفِي كَلَامِهِ بَحْثٌ تَأَمَّلْهُ اهـ. أَقُولُ: الْمَذْكُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ إنْ كَانَ غَائِبًا بِدُونِ الْوَاوِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَ فِي حَاشِيَةِ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَيْضًا تِلْكَ النُّسْخَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ كَلِمَةِ إنْ وَصْلِيَّةً، بَلْ الْمُتَبَادَرُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْأَسْرَارِ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا إذَا كَانَ غَائِبًا، فَعَلَى ذَلِكَ لَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إذَا لَمْ يَكُنْ غَائِبًا يَنْتَظِرُ لَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ بِالْوَاوِ وَهِيَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا فِي الشُّرُوحِ فَلَا مَحْذُورَ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى مَا بَيَّنُوا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنْ غَابَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ فَلَأَنْ يَكُونَ عَلَى شُفْعَتِهِ حَالَ حُضُورِهِ أَوْلَى بِالطَّرِيقِ، وَإِنْ تَرَكَ الِانْتِظَارَ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ التَّوَقُّفُ فِي مُهْلَةٍ وَكَانَ الْمَعْنَى يَنْتَظِرُ لَهُ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَيَفْرُغَ مِنْ شُفْعَتِهِ تَحَقَّقَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الِانْتِظَارُ لَهُ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَيَفْرُغَ مِنْ شُفْعَتِهِ مَعَ بُعْدِ زَمَانِ الِانْتِظَارِ فَلَأَنْ يَجِبَ الِانْتِظَارُ لَهُ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ شُفْعَتِهِ عِنْدَ حُضُورِهِ أَوْلَى لِحُصُولِ الِانْفِصَالِ بَيْنَهُمَا فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ' «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» فَتَنْحَصِرُ الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ: يَعْنِي إذَا كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَقْسُومِ وَالشَّرِيكُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَالْجَارُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْسُومٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ اهـ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ نَوْعُ خَلَلٍ

وَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمَلُّكِ الْمَالِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ قَوْلَهُ وَالشَّرِيكُ فِي الْحَقِّ الْمَبِيعِ وَالْجَارُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْسُومٌ يُنَاقِضُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ، فَإِنَّ مَعْنَى الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ مَنْ لَمْ يَكُنْ حَقُّهُ مَقْسُومًا بَلْ كَانَ حَقُّ الْمَبِيعِ مُشَاعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ، وَقَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِكَوْنِ حَقِّهِ مَقْسُومًا وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ لَا يَخْفَى، وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ حَقِّ الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ مَقْسُومًا؟ . قُلْنَا: مُرَادُهُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمِلْكِ اهـ. أَقُولُ فَحِينَئِذٍ يَخْتَلُّ تَفْرِيغُ قَوْلِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ وَالشَّرِيكُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَالْجَارُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْسُومٌ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمِلْكِ فَقَطْ مَقْسُومًا أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهِ شُفْعَةٌ عَلَى مُقْتَضَى دَلَالَةِ قَوْلِهِ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَقْسُومِ مِنْ جِهَتَيْنِ مَعًا: أَيْ مِنْ جِهَةِ نَفْسِ الْمِلْكِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ " وَمِنْ جِهَةِ حَقِّ الْمَبِيعِ وَهُوَ الطَّرِيقُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ ". وَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: وَأَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَقْسُومِ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ الْحُدُودِ وَمِنْ جِهَةِ صَرْفِ الطُّرُقِ، وَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ حَقُّهُ مَقْسُومٌ مِنْ تِينِك الْجِهَتَيْنِ مَعًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، إذْ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَقَعُ الِاخْتِلَالُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُطَابِقُ الشَّرْحُ الْمَشْرُوحَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ دَلِيلًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِ الْجِوَارِ. نَعَمْ طَعَنَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْجِوَارِ بِالذِّكْرِ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ لِتَخْصِيصِ هَذَا زِيَادَةُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ كَمَا لَا يَقُولُ بِالشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ فَكَذَلِكَ لَا يَقُولُ بِالشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي الْحُقُوقِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَا يَقُولُ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْبِئْرِ وَالنَّهْرِ اهـ. وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ تَخْصِيصِهِ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ عَدَمُ مُسَاعَدَةِ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ إلَّا فِي حَقِّ الْجَارِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ) فَسَّرَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِهَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ بِالْجَارِ حَيْثُ قَالُوا وَهَذَا: أَيْ الْجَارُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَحْدَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: أَيْ الْجَارِ: يَعْنِي شُفْعَةَ الْجَارِ، وَسَكَتَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا هُنَا، وَفَسَّرَ عَامَّتُهُمْ الْفَرْعَ فِي قَوْلِهِ دُونَ الْفَرْعِ بِالْجَارِ أَيْضًا، وَفَسَّرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِالْمَقْسُومِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَفْسِيرِ الْأَصْلِ بِمَا لَمْ يُقْسَمْ. أَقُولُ: الْحَقُّ الْوَاضِحُ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا وَالْفَرْعِ كِلَيْهِمَا هُوَ الْمَقْسُومُ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاصِلَ لَأَنْ يُقَالَ: الْجَارُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا لَمْ يُقْسَمْ إذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْجَارَ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُقْسَمْ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَقْسُومَ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُقْسَمْ إذَا وُجِدَ الِاتِّصَالُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا صِحَّةَ لَأَنْ يُقَالَ الْجَارُ فَرْعٌ لِمَا لَمْ يُقْسَمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُقْسَمْ إنَّمَا هُوَ

وَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَاوَضَةِ بِالْمَالِ اعْتِبَارًا بِمَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاتِّصَالَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إنَّمَا انْتَصَبَ سَبَبًا فِيهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ، إذْ هُوَ مَادَّةُ الْمَضَارِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَقَطْعُ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِتَمَلُّكِ الْأَصْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّةِ آبَائِهِ أَقْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْسُومُ لَا الْجَارُ نَفْسُهُ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ. فَعَامَّةُ الشُّرَّاحِ خَرَجُوا فِي تَفْسِيرِ كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَقَدْ أَصَابَ فِي تَفْسِيرِ الْفَرْعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَهُوَ الْمَقْسُومُ، وَلَمْ يُصِبْ فِي تَفْسِيرِ هَذَا حَيْثُ قَالَ فِيهِ: أَيْ الْجَارُ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ذَاقَ بَشَاعَةَ هَذَا التَّفْسِيرِ قَالَ بَعْدَهُ: يَعْنِي شُفْعَةَ الْجَارِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَيْضًا بِأَنَّ شُفْعَةَ الْجَارِ فِي مَعْنَى نَفْسِ مَا لَمْ يُقْسَمْ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ آخَرُ فِي قَوْلِهِ مَعْنَاهُ أَيْضًا فَيَصِيرُ الْمَعْنَى لَيْسَ فِي مَعْنَى شُفْعَتِهِ: أَيْ شُفْعَةِ مَا لَمْ يُقْسَمْ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ تَمَحُّلٌ بَعْدَ تَمَحُّلٍ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا فَالْحَقُّ مَا قُلْته لِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: ذِكْرُ التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَنْقُولِ وَالسُّكْنَى بِالْعَارِيَّةِ، وَذِكْرُ الْقَرَارِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، فَإِنَّهُ لَا قَرَارَ لَهُ إذْ النَّقْضُ وَاجِبٌ دَفْعًا لِلْفَسَادِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. وَرَدَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ وَالسُّكْنَى بِالْعَارِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ مِلْكٌ حَتَّى يُحْتَرَزَ عَنْهُ اهـ. أَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ مِنْ حَيْثُ الرُّقْبَةُ فَلَهُ مِلْكٌ مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِلَا عِوَضٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الدَّخِيلِ مُتَنَاوِلًا الدَّارَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَارِيَّةِ أَيْضًا فَحَصَلَ بِقَوْلِهِ اتِّصَالُ تَأْبِيدٍ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارَضَةِ بِالْمَالِ اعْتِبَارًا بِمَوْرِدِ الشَّرْعِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: قَوْلُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارَضَةِ بِالْمَالِ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ وَالْمَجْعُولَةِ رَهْنًا اهـ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْمَرْهُونَةِ وَالْمَجْعُولَةِ مَهْرًا اهـ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ فَتَحَقَّقَ لَهُ فِيهَا نَوْعُ مِلْكٍ كَمَا فِي الْمُسْتَعِيرِ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا، إلَّا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ خَرَجَا بِقَوْلِهِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ فِيمَا قَبْلُ فَمَا مَعْنَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِجَارَةِ مَرَّةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ هَاهُنَا عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارَضَةِ بِالْمَالِ: وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الرَّقَبَةُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ، فَقَدْ خَرَجَ بِالْمِلْكِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَبْلُ قَطْعًا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَيْدِ التَّأْبِيدِ فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا أَصْلًا. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مِثْلِ الدَّارِ الْمَوْرُوثَةِ وَالْمَوْهُوبَةِ وَالْمُوصَى بِهَا وَالْمَجْعُولَةِ مَهْرًا، فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ وَالتَّأْبِيدُ وَالْقَرَارُ، لَكِنْ لَا شُفْعَةَ فِيهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ الْمَالِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّةِ آبَائِهِ أَقْوَى) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى، فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي خُطَّةِ آبَائِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ

وَضَرَرُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِتَحْقِيقِ ضَرَرِ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكًا بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ اهـ. أَقُولُ: الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُتَقَرِّرَةِ أَقْوَى فَيَعُمُّ مَا كَانَ مِلْكًا لَهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ أَصَالَةِ خُطَّتِهِ وَتَقَرُّرِهَا بِإِضَافَتِهَا إلَى آبَائِهِ مُبَالَغَةً فِي بَيَانِ أَصَالَتِهَا وَتَقَرُّرِهَا، وَبِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا فِي الْعَادَةِ، فَأَخَصِّيَّةُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ بِالنَّظَرِ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَضَرَرُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِتَحْقِيقِ ضَرَرِ غَيْرِهِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الضَّرَرِ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ: يَعْنِي أَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِتَحْقِيقِ ضَرَرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ وَهُوَ تَمَلُّكُ مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ رِضَاهُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ بَيَانِ ذَلِكَ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا عُذْرٌ بَارِدٌ بَلْ كَاسِدٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ فِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ لَا يُسَوِّغُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ ذِكْرِ الْجَوَابِ، فَإِنَّ حُكْمَ التَّعَارُضِ هُوَ التَّسَاقُطُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ الرُّجْحَانُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَلَمْ يَتَيَسَّرْ الْمُخَلِّصُ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الطَّلَبِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسَاقُطِ هَاهُنَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ مُدَّعَانَا كَمَا لَا يَثْبُتُ مُدَّعَاهُ، وَذَلِكَ يُخِلُّ بِمَطْلُوبِنَا هَاهُنَا لَا مَحَالَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَوَابِ. إمَّا بِبَيَانِ الرُّجْحَانِ فِيمَا رَوَيْنَاهُ أَوْ بِبَيَانِ الْمُخَلِّصِ عَلَى وَفْقِ قَاعِدَةِ الْأُصُولِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَكْفِينَا دَلِيلُنَا الْعَقْلِيُّ عِنْدَ تَحَقُّقِ حُكْمِ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ» مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّقَ عَدَمَ الشُّفْعَةِ بِالْأَمْرَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَلَمْ تُصْرَفْ الطُّرُقُ بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا تَجِبُ الشُّفْعَةُ اهـ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ؛ فَلِأَنَّ مَدَارَ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» لَيْسَ عَلَى مُجَرَّدِ تَخْصِيصِ كَوْنِ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بِالذِّكْرِ حَتَّى يَتِمَّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، بَلْ مَدَارُ اسْتِدْلَالِهِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الشُّفْعَةِ لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْمَعْهُودِ فَيَقْتَضِي قَصْرَ الشُّفْعَةِ عَلَى مَا لَمْ يُقْسَمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ وَجْهِ اسْتِدْلَالِهِ بِذَلِكَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَدَاةَ الْقَصْرِ تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْمَذْكُورِ، فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ كَمَا تَدْخُلَانِ فِي الِاسْمِ لِلِاسْتِغْرَاقِ تَدْخُلَانِ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، كَمَا يُقَالُ الْعَالِمُ فِي الْبَلَدِ فُلَانٌ وَإِنْ كَانَ

وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ» فَالشَّرِيكُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَالْخَلِيطُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَالشَّفِيعُ هُوَ الْجَارُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ عُلَمَاءٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِمَا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ أَقْوَى وَلِهَذَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ حُصُولَ الْإِلْزَامِ لِلشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطَّرِيقُ " عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَإِنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إلَّا أَنَّ لَهُ شَرَائِطَ عِنْدَهُ: مِنْهَا أَنْ لَا يَخْرُجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْعَادَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّ قَوْلَهُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ بِكَوْنِ صَرْفِ الطُّرُقِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ غَالِبُ الْوُقُوعِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا تَجِبُ الشُّفْعَةُ، وَلَئِنْ سُلِّمَ حُصُولُ الْإِلْزَامِ لَهُ بِذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِرَافًا بِكَوْنِهِ مُلْزِمًا إيَّانَا أَيْضًا، وَلَوْ كُنَّا مُلْزَمِينَ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ لَنَا فِي كَوْنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مُلْزَمًا بِهِ، وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ فِي غَيْرِ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ. فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْ آخِرِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ. وَهُوَ قَوْلُهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِلْخَصْمِ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ مَعَ مَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ. وَلَئِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ فَالْمُرَادُ نَفْيُ الشُّفْعَةِ الثَّابِتَةِ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ عَمَلًا بِمَا رَوَيْنَاهُ: أَيْ جَمْعًا بَيْنَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا رَوَيْنَاهُ أَوْ مَعْنَاهُ فَلَا شُفْعَةَ بِسَبَبِ الْقِسْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِوُقُوعِ الْحُدُودِ وَصَرْفِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَانَتْ مَوْضِعَ أَنْ يُتَوَهَّمَ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِهَا كَالْبَيْعِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَمَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بِهَا إزَالَةً لِذَلِكَ الْوَهْمِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْنَا مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي رِوَايَةٍ «إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» وَإِنَّمَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ مَا عَدَاهُ. وَأُجِيبُ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. قَالَ فِي الْكَافِي وَالْكَافِيَةِ: وَإِنَّمَا قَدْ تَقْتَضِي تَأْكِيدَ الْمَذْكُورِ لَا نَفْيَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] اهـ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكَلِمَةُ إنَّمَا قَدْ تَجِيءُ لِلْإِثْبَاتِ بِطَرِيقِ الْكَمَالِ، كَمَا يُقَالُ إنَّمَا الْعَالِمُ فِي الْبَلَدِ زَيْدٌ: أَيْ الْكَامِلُ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ بِهِ زَيْدٌ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ نَفْيَ الْعِلْمِ عَنْ غَيْرِهِ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ هُوَ الشَّرِيكُ فِي الْبُقْعَةِ وَهُوَ كَامِلٌ فِي سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ حَتَّى لَا يُزَاحِمَهُ غَيْرُهُ فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى إثْبَاتِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الْكَمَالِ دُونَ نَفْيِ غَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِي صَدْرِهِ نَفْيُ الشُّفْعَةِ عَنْ الْمَقْسُومِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لَا تَقْتَضِي نَفْيَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110] وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشَرًا مِثْلَهُمْ اهـ. أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ خَلَلٌ بَيِّنٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ فِي " إنَّمَا " وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَالْمَقْصُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110] مَدْلُولٌ أَنَا وَالْمَقْصُورُ عَلَيْهِ هُوَ الْبَشَرِيَّةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّمَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ إذْ بِإِثْبَاتِ ذَلِكَ وَنَفْيِ غَيْرِهِ يَحْصُلُ مَعْنَى الْقَصْرِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَقَوْلُهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَشَرًا مِثْلَهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تَقْتَضِيَ كَلِمَةُ إنَّمَا نَفْيَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110] إنَّمَا هُوَ الْبَشَرِيَّةُ لَا غَيْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِقَصْرِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ دُونَ الْعَكْسِ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَشَرًا مِثْلَهُمْ يَبْتَنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْعَكْسُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ» ، فَالشَّرِيكُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَالْخَلِيطُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَالشَّفِيعُ هُوَ الْجَارُ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: فَسَّرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الشَّرِيكَ بِمَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَالْخَلِيطَ بِمَنْ كَانَ

وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِالشَّرِكَةِ فِي الْمَبِيعِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ، وَبَعْدَهُ الِاتِّصَالُ فِي الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةٌ فِي مَرَافِقِ الْمِلْكِ، وَالتَّرْجِيحُ يَتَحَقَّقُ بِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَلِأَنَّ ضَرَرَ الْقِسْمَةِ إنْ لَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً صَلَحَ مُرَجِّحًا. . قَالَ (وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ وَالْجَارِ شُفْعَةٌ مَعَ الْخَلِيطِ فِي الرَّقَبَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ. قَالَ (فَإِنْ سُلِّمَ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ سُلِّمَ أَخَذَهَا الْجَارُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّرْتِيبِ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْجَارُ الْمُلَاصِقُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَعَ وُجُودِ الشَّرِيكِ فِي الرَّقَبَةِ لَا شُفْعَةَ لِغَيْرِهِ سَلَّمَ أَوْ اسْتَوْفَى؛ لِأَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْكُلِّ، إلَّا أَنَّ لِلشَّرِيكِ حَقُّ التَّقَدُّمِ، فَإِذَا سَلَّمَ كَانَ لِمَنْ يَلِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرِيكًا فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَهُمَا فِي اللُّغَةِ سَوَاءٌ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: إنْ كَانَ مُرَادُهُمَا مُؤَاخَذَةَ الْمُصَنِّفِ بِتَفْسِيرِهِ الْمَزْبُورِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِمَا فَالْجَوَابُ هَيِّنٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ» عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرِيكِ هُنَاكَ غَيْرُ الْخَلِيطِ، إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الشَّيْءِ أَحَقَّ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى نَوْعٍ مِمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ وَالْآخَرُ عَلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ. ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ مَزِيَّةُ الشَّرِكَةِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ عَلَى الشَّرِيكِ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ أَظْهَرَ وَأَجْلَى فَسَّرَ الْمُفَضَّلَ بِالْأَوَّلِ وَالْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالثَّانِي وَلَمْ يَعْكِسْ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ قَالَ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ وَالْجَارِ شُفْعَةٌ مَعَ الْخَلِيطِ فِي الرَّقَبَةِ) أَقُولُ: لَا يُرَى لِقَوْلِهِ هَذَا فَائِدَةٌ سِوَى الْإِيضَاحِ وَالتَّأْكِيدِ بَعْدَ أَنْ قَالَ قُبَيْلَهُ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ ثُمَّ لِلْجَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَفَادَ التَّرْتِيبَ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. كَيْفَ لَا وَكَلِمَةُ ثُمَّ صَرِيحَةٌ فِي إفَادَةِ التَّأْخِيرِ، وَلَيْسَ لِلْمُتَأَخِّرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ حَقٌّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ سُلِّمَ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ سُلِّمَ أَخَذَهَا الْجَارُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّرْتِيبِ) أَقُولُ: تَعْلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّرْتِيبِ غَيْرُ تَامٍّ،؛ لِأَنَّ مَا بَيَّنَّهُ مِنْ التَّرْتِيبِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمُتَأَخِّرُ عِنْدَ وُجُوبِ الْمُتَقَدِّمِ وَتَسْلِيمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ مَحْجُوبًا بِالتَّقَدُّمِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ عَلَى مَا قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ ظَاهِرَةِ الرِّوَايَةِ، إذْ حِينَئِذٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُتَأَخِّرُ شَيْئًا عِنْدَ وُجُودِ الْمُتَقَدِّمِ سَلَّمَ أَوْ اسْتَوْفَى مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ عَلَى حَالِهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ تَامًّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ هَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْخَلِيطُ فِي الرَّقَبَةِ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ الشُّرْبِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ هَذَا أَيْضًا أَخَذَهَا الْجَارُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى لَا مَحَالَةَ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَتْرُكَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ هَاهُنَا أَوْ يَكْتَفِي بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَخْ

بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْمَبِيعِ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا كَمَا فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ أَوْ جِدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ فِي مَنْزِلٍ، وَكَذَا عَلَى الْجَارِ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهُ أَقْوَى وَالْبُقْعَةَ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ أَوْ الشِّرْبُ خَاصًّا حَتَّى تَسْتَحِقَّ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ فَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ أَنْ لَا يَكُونَ نَافِذًا، وَالشِّرْبُ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ وَمَا تَجْرِي فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخَاصَّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ، وَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرَ نَافِذَةٍ يَتَشَعَّبُ مِنْهَا سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ وَهِيَ مُسْتَطِيلَةٌ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السُّفْلَى فَلِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ خَاصَّةً دُونَ أَهْلِ الْعُلْيَا، وَإِنْ بِيعَتْ لِلْعُلْيَا فَلِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي. وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ صَغِيرٌ يَأْخُذُ مِنْهُ نَهْرٌ أَصْغَرُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقِ فِيمَا بَيَّنَّاهُ. . قَالَ (وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ بِالْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ شَفِيعَ شَرِكَةٍ وَلَكِنَّهُ شَفِيعُ جِوَارٍ) ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَقَارِ وَبِوَضْعِ الْجُذُوعِ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الدَّارِ إلَّا أَنَّهُ جَارٌ مُلَازِقٌ. قَالَ (وَالشَّرِيكُ فِي الْخَشَبَةِ تَكُونُ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ جَارٌ) لِمَا بَيَّنَّا. . قَالَ (وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْأَمْلَاكِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالشَّرِيكُ فِي الْمَبِيعِ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا كَمَا فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ بُيُوتٌ وَفِي بَيْتٍ مِنْهَا شَرِكَةٌ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ دُونَ الْجَارِ اهـ. أَقُولُ: فِي هَذَا التَّمْثِيلِ قُصُورٌ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ دُونَ الدَّارِ وَفَوْقَ الْبَيْتِ، وَأَقَلُّهُ بَيْتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُغْرِبِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ فِيمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحُقُوقِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فَتَمْثِيلُ الشَّرِكَةِ فِي الْمَنْزِلِ بِشَرِكَةٍ فِي بَيْتٍ يُخَالِفُ اصْطِلَاحَ هَذَا الْفَنِّ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا وَجْهَ لِارْتِكَابِهِ (قَوْلُهُ وَالْبُقْعَةُ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي بُقْعَةَ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا صَارَ الشَّفِيعُ أَحَقُّ بِبَعْضِهَا كَمَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا أَوْ جِدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا صَارَ أَحَقَّ بِجَمِيعِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْبُقْعَةُ وَاحِدَةٌ: أَرَادَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعِ

مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهَا لِتَكْمِيلِ مَنْفَعَتِهِ فَأَشْبَهَ الرِّبْحَ وَالْغَلَّةَ وَالْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ. وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَال فَيَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الشُّفْعَةِ. وَهَذَا آيَةُ كَمَالِ السَّبَبِ وَكَثْرَةُ الِاتِّصَالِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ هَاهُنَا لِظُهُورِ الْأُخْرَى بِمُقَابِلَتِهِ وَتَمَلُّكُ مِلْكِ غَيْرِهِ لَا يُجْعَلُ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَأَشْبَاهِهَا، وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ فَهِيَ لِلْبَاقِينَ فِي الْكُلِّ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَاصَ لِلْمُزَاحَمَةِ مَعَ كَمَالِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ انْقَطَعَتْ. وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غُيَّبًا يَقْضِي بِهَا بَيْنَ الْحُضُورِ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَعَلَّهُ لَا يَطْلُبُ، وَإِنْ قَضَى لِحَاضِرٍ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ يَقْضِي لَهُ بِالنِّصْفِ، وَلَوْ حَضَرَ ثَالِثٌ فَبِثُلُثِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ، فَلَوْ سَلَّمَ الْحَاضِرَ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ بِالْجَمِيعِ لَا يَأْخُذُ الْقَادِمُ إلَّا النِّصْفَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْكُلِّ لِلْحَاضِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا صَارَ أَحَقَّ بِالْبَعْضِ كَانَ أَحَقَّ بِالْجَمِيعِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعِ فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ مَنْزِلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الدَّارِ أَوْ جِدَارٌ مُعَيَّنٌ مِنْهَا، وَوَحْدَةُ ذَلِكَ لَا تُؤَثِّرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ جَمِيعَ الدَّارِ. وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ فِيهِ وَحْدَةُ مَجْمُوعِ الدَّارِ وَهِيَ لَا تَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ فَإِذَا صَارَ أَحَقَّ بِالْبَعْضِ كَانَ أَحَقَّ بِالْجَمِيعِ إنَّمَا يُطَابِقُ وَحْدَةَ مَجْمُوعِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ لَا وَحْدَةَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعِ، فَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ

يَقْطَعُ حَقَّ الْغَائِبِ عَنْ النِّصْفِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ. . قَالَ (وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ) وَمَعْنَاهُ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَآخِرَهُ تَنَافُرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَمَعْنَاهُ بَعْدَهُ) أَقُولُ كَوْنُ مَعْنَاهُ بَعْدَهُ مَحَلَّ كَلَامٍ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ، فَإِنَّ مَجِيءَ الْبَاءِ بِمَعْنَى بَعْدُ لَمْ يُذْكَرْ فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ بِمَعْنَى مَعَ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالْمُقَارَنَةِ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ شَائِعٌ مَذْكُورٌ فِي عَامَّةِ مُعْتَبَرَاتِ كُتُبِ الْأَدَبِ، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ هَاهُنَا يَحْصُلُ بِهِ أَيْضًا بِلَا كُلْفَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ الْمُتَأَمِّلِ، فَلَا مُقْتَضَى لِلْعُدُولِ عَنْهُ (قَوْلُهُ لَا أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، أَوْ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إنَّمَا انْتَصَبَ سَبَبًا فِيهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِفَايَةِ، قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْ الْأَصِيلِ بِسُوءِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ. وَالضَّرَرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاتِّصَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الشَّفِيعِ. وَلِهَذَا قُلْنَا بِثُبُوتِهَا لِلشَّرِيكِ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَلِلْجَارِ لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِمْ وَالضَّرَرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاتِّصَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الشَّفِيعِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ اتِّصَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الشَّفِيعِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَتَحَقَّقَ الضَّرَرُ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ الْبَائِعُ مِلْكَهُ لِتَحْقِيقِ اتِّصَالِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ تَجِبَ الشُّفْعَةُ قَبْلَهُ أَيْضًا لِدَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا. وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَدْخَلِيَّةِ اتِّصَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الشَّفِيعِ فَهَذَا لَا يُنَافِي مَدْخَلِيَّةَ الْبَيْعِ أَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا هُوَ الِاتِّصَالَ كَمَا ادَّعَوْا فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاتِّصَالُ هُوَ السَّبَبُ لَجَازَ تَسْلِيمُهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لِوُجُودِهِ بَعْدَ السَّبَبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ صَحِيحٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ شَرْطٌ وَلَا وُجُودَ لِلْمُشْتَرَطِ قَبْلَهُ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فِي حَقِّ صِحَّةِ التَّسْلِيمِ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَإِسْقَاطِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي شَرْطِ الْجَوَازِ وَامْتِنَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى أَحَدٍ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: امْتِنَاعُ تَحَقُّقِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ ضَرُورِيٌّ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْرُوطُ هُوَ الْجَوَازُ أَوْ الْوُجُوبُ، فَإِذَا كَانَ عَدَمُ تَحَقُّقِ شَرْطِ الْجَوَازِ مَانِعًا عَنْ اتِّصَالِ السَّبَبِ بِالْمَحَلِّ كَمَا قَالُوا لَزِمَ

وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا رَغِبَ الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِ الدَّارِ، وَالْبَيْعُ يُعَرِّفُهَا وَلِهَذَا يُكْتَفَى بِثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ. . قَالَ (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ رَغْبَتُهُ فِيهِ دُونَ إعْرَاضِهِ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَحَقُّقِ شَرْطِ الْوُجُوبِ أَيْضًا مَانِعًا عَنْ ذَلِكَ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَاجِبُ مُتَأَدِّيًا بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ شَرْطِ الْوُجُوبِ قَبْلَهُ، وَكَذَا الْحَالُ فِي إسْقَاطِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ خِلَافُ ذَلِكَ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ شَرْطُ الْوُجُوبِ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ دُونَ نَفْسِ الْوُجُوبِ، فَإِنَّ نَفْسَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ يَتَحَقَّقُ بِمِلْكِ النِّصَابِ النَّامِي، وَحَوَلَانُ الْحَوْلِ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَكَذَا حُلُولُ الْأَجَلِ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهَا لَا شَرْطُ نَفْسِ وُجُوبِهَا، وَاللَّازِمُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ مُتَأَدِّيًا بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ حُلُولِ الْحَوْلِ وَبِأَدَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ إنَّمَا هُوَ تَأَدِّي الْوَاجِبِ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ لَا غَيْرَ. (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا رَغِبَ الْبَائِعُ مِنْ مِلْكِ الدَّارِ وَالْبَيْعِ يُعَرِّفُهَا) أَيْ يُعَرِّفُ رَغْبَةَ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِ الدَّارِ، وَفَسَّرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ضَمِيرَ فِيهِ فِي قَوْلِهِ وَالْوَجْهُ فِيهِ بِهَذَا التَّأْوِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِيهِ: أَيْ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ فِي جَرَيَانِ هَذَا الْوَجْهِ، إذْ هُوَ جَارٍ بِعَيْنِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَلَامِ الْقُدُورِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ هُوَ السَّبَبُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى بِنَاءِ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ بِإِرْجَاعِ ضَمِيرِ فِيهِ إلَيْهِ، بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّلَ تَأْوِيلَهُ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَمَا مَعْنَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِيهِ تَعْلِيلًا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْوَجْهُ فِيهِ إلَخْ مُتَّصِلٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، وَمِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي عِبَارَةِ الْمَسْأَلَةِ عُقْدَةٌ يَحِلُّهَا ثُمَّ يَذْكُرُ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ وَهَاهُنَا أَيْضًا فَعَلَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَكْفِي بِثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ) أَقُولُ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ عِنْدَنَا، إنَّمَا هِيَ دَفْعُ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْ الْأَصِيلِ بِسُوءِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ الضَّرَرَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّخِيلُ لَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ مَعَ تَكْذِيبِهِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَصِيلٌ كَالشَّفِيعِ، فَمِنْ أَيْنَ يَتَحَقَّقُ ضَرَرُ الدَّخِيلِ عِنْدَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَثْبُتَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ تَفَكَّرْ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَنُوقِضَ بِمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الرَّغْبَةَ عَنْهُ قَدْ عُرِفَتْ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدًا لِبَقَاءِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ انْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَعُومِلَ بِهِ كَمَا

وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ. . قَالَ (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا فِي الرُّجُوعِ وَالْهِبَةِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ وَبَاعَ دَارِهِ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا الشُّفْعَةُ أَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمُخَاصِمِ لَا تُوَرَّثُ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الثَّالِثَةِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لَهُ. ثُمَّ قَوْلُهُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQزَعَمَهُ، وَالْهِبَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْوَاهِبِ الْمُكَافَأَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّقْضِ بِصُورَةِ الْهِبَةِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدَارُ ذَلِكَ عَلَى مُجَرَّدِ كَوْنِ غَرَضِ الْوَاهِبِ الْمُكَافَأَةُ لَا يَسْتَقِيمُ أَصْلًا، فَإِنَّ كَوْنَ غَرَضِهِ الْمُكَافَأَةُ لَا يُنَافِي رَغْبَتَهُ عَنْ مِلْكِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ غَرَضَ الْبَائِعِ أَيْضًا الْمُكَافَأَةُ بِالثَّمَنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي رَغْبَتَهُ عَنْ الْمَبِيعِ بَلْ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرُوا وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ وَعَدَمِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ عَنْ الْمَوْهُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يَدْفَعُ النَّقْضَ بِالْهِبَةِ الَّتِي لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا. كَمَا إذَا وَهَبَ لِقَرِيبِهِ الْمَحْرَمِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ وَأَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ، إذْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمَانِعُ عَنْ الرُّجُوعِ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُ الْوَاهِبِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْ الْمَوْهُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا فَبَقِيَ النَّقْضُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي طَلَبَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُنْكِرْهُ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى ذَلِكَ، فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْكِرْ الْخَصْمُ طَلَبَهُ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلِمَاتِهِمْ بُطْلَانُهَا بِتَرْكِ ذَلِكَ مُطْلَقًا. فَإِنْ قُلْتَ: وَقْتُ الْإِشْهَادِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِ الْخُصُومَةِ، فَفِي وَقْتِ الْإِشْهَادِ إنْكَارُ الْخَصْمِ طَلَبَهُ وَعَدَمُ إنْكَارِهِ إيَّاهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُعْلِمْ رَغْبَتَهُ فِيهِ، بَلْ يُحْتَمَلُ إعْرَاضُهُ عَنْهُ فَلِهَذَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ مُطْلَقًا. قُلْتُ: هَذَا مُشِيرٌ إلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ التَّعْلِيلَ الثَّانِيَ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا هَاهُنَا كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَاهُنَا قُصُورٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ عَطْفٌ عَلَى (سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي) وَقَدْ وَقَعَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فِي حَيِّزِ الْأَخْذِ فَكَانَ الْأَخْذُ مُعْتَبَرًا فِي التَّسْلِيمِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ أَيْضًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَطْفِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّ الْمَعْطُوفَ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَجِبُ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ قَبْلَ أَخْذِهِ الدَّارَ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ: فَإِنَّهُ يَثْبُتَ الْمِلْكُ بِحُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الدَّارَ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ: أَيْ تُمْلَكُ الدَّارُ الْمَشْفُوعَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ. أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي قَوْلُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَطْفٌ عَلَى الْأَخْذِ لَا عَلَى التَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ أَخْذِهِ انْتَهَى. وَكَانَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ غَافِلٌ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَيْ التَّمَلُّكُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَخْذِ، إمَّا بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ

[باب طلب الشفعة والخصومة فيها]

بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا قَالَ (وَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا عَلِمَ، حَتَّى لَوْ بَلَغَ الشَّفِيعُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَطْلُبْ شُفْعَةً بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» وَلَوْ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ مَجْلِسَ الْعِلْمِ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي النَّوَادِرِ. وَبِالثَّانِيَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّمَلُّكِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ زَمَانِ التَّأَمُّلِ كَمَا فِي الْمُخَيَّرَةِ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَمَا بَلَغَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْأَخْذِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا. وَثَانِيهمَا أَنَّ تَسْلِيمَ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ لَيْسَ بِوَظِيفَةِ الْمُشْتَرِي دَائِمًا، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا بِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّمَا يُسَلِّمُهَا الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَكَانَ الْأَحَقُّ بِالْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ إذَا سَلَّمَهَا الْخَصْمُ بَدَلَ قَوْلِهِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي لِيَشْمَلَ تَسْلِيمَ الْمُشْتَرِي وَتَسْلِيمَ الْبَائِعِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمُخَاصِمِ تَبَصَّرْ. [بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا] لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ بِدُونِ الطَّلَبِ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَتَقْسِيمِهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: هَذَا بَيَانٌ مِنْ الشُّرَّاحِ لِوَجْهِ ذِكْرِ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَطْرَيْ عِنْوَانِ الْبَابِ وَهُوَ طَلَبُ الشُّفْعَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِوَجْهِ ذِكْرِ الشَّطْرِ الثَّانِي مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْخُصُومَةُ فِيهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْخُصُومَةِ فِي الشُّفْعَةِ شَأْنٌ مَخْصُوصٌ وَتَفَاصِيلٌ زَائِدَةٌ عَلَى سَائِرِ الْخُصُومَاتِ كَمَا سَتَظْهَرُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا أَيْضًا أَصَالَةً (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا عَلِمَ، حَتَّى لَوْ بَلَغَهُ الْبَيْعُ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ قَبْلَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ رَغْبَتُهُ فِيهِ دُونَ إعْرَاضٍ عَنْهُ. أَقُولُ: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى لُزُومِ الْإِشْهَادِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ: فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ مِنْهُ بِأَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ هُوَ الَّذِي فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ دُونَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِشْهَادِ عَلَى الطَّلَبِ فِي قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ الْإِشْهَادُ وَالطَّلَبُ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِشْهَادِ هُنَاكَ هُوَ الْإِشْهَادَ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَكَانَ ذِكْرُ الطَّلَبِ بَعْدَهُ لَغْوًا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِدُونِ تَحَقُّقِ نَفْسِ ذَلِكَ الطَّلَبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قُبَيْلَ ذَلِكَ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ إذْ الشُّفْعَةُ لَا تَسْتَقِرُّ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ عَلَى مُقْتَضَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» ) أَقُولُ: فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَوْعُ إشْكَالٍ،

الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " أَوْ قَالَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ جِوَارِهِ وَالثَّانِيَ تَعَجُّبٌ مِنْهُ لِقَصْدِ إضْرَارِهِ، وَالثَّالِثَ لِافْتِتَاحِ كَلَامِهِ فَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ ابْتَاعَهَا وَبِكَمْ بِيعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهَا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنٍ وَيَرْغَبُ عَنْ مُجَاوَرَةِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدُ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَجْلِسِ إشَارَةً إلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ. وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَبْت الشُّفْعَةَ أَوْ أَطْلُبُهَا أَوْ أَنَا طَالِبُهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى، وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعُ بَيْعَ الدَّارِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى نَفْيِ الشُّفْعَةِ عَمَّنْ لَمْ يُوَاثِبْهَا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً لَنَا؟ وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى أَنَّ لَامَ الْجِنْسِ فِي الشُّفْعَةِ وَلَامَ الِاخْتِصَاصِ فِي «لِمَنْ وَاثَبَهَا» تَدُلَّانِ عَلَى اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِمَنْ وَاثَبَهَا، كَمَا قَالُوا فِي {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] أَنَّ لَامَيْ الْجِنْسِ وَالِاخْتِصَاصِ دَلَّتَا عَلَى الْحَمْدِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا النَّقْضَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ» كَمَا ذَكَرَ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَدُلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى نَفْيِ الشُّفْعَةِ عَمَّنْ لَيْسَ بِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ ثَابِتَةٌ عِنْدَنَا لِغَيْرِ الشَّرِيكِ أَيْضًا كَالْجَارِ الْمُلَاصِقِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ، طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا شَرْطُ هَذَا الطَّلَبِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ وَغَيْرُ رَاضٍ بِجِوَارِ هَذَا الدَّخِيلِ وَالْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَعَدَّهُ تَحْقِيقًا حَيْثُ قَالَ: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا شَرْطٌ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ وَالْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: طَلَبُ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ أَيْضًا لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ بَلْ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ طَلَبُ الْخُصُومَةِ مَعَ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ لَازِمٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ فِيمَا بَعْدُ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَجْهُ الَّذِي عَدَّهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَحْقِيقًا مَنْقُوضًا بِلُزُومِ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَمَا تَرَى. فَإِنْ قُلْتَ لُزُومُ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلَ الْبَابِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ مَرَّةً أُخْرَى فِي بَيَانِ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ فِي هَذَا الْبَابِ. قُلْتُ: ذَاكَ إنَّمَا يَكُونُ وَجْهًا لِلُزُومِ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ، وَهُوَ لَا يَدْفَعُ انْتِقَاضَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِلُزُومِهِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَكَلَامُنَا فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَيْضًا كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي كَأَنْ اعْتَرَفَ بِهِ الْخَصْمُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ عِنْدَ التَّجَاحُدِ فَكَذَا الْحَالُ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَيْضًا، ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَ لُزُومَ الْإِشْهَادِ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الثَّانِي طَلَبَ الْإِشْهَادِ لَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ بَلْ لِيُمْكِنَهُ إثْبَاتُ الطَّلَبِ عِنْدَ جُحُودِ الْخَصْمِ اهـ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي طَلَبِ التَّقْرِيرِ أَيْضًا لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ كَمَا فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، وَبِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ

يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا كَانَ أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا. وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ وَأَخَوَاتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا أَخْبَرَتْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ حُكْمٍ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ وَالْعَدَالَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْخُصُومِ. وَالثَّانِي طَلَبُ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ ظَاهِرًا عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى فَوْرِ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى طَلَبِ الْإِشْهَادِ وَالتَّقْرِيرِ وَبَيَانُهُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (ثُمَّ يَنْهَضُ مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ الْمَجْلِسِ (وَيَشْهَدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) مَعْنَاهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَى الْمُشْتَرِي (أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ) وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ لِلْأَوَّلِ الْيَدَ وَلِلثَّانِي الْمِلْكَ، وَكَذَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا، إذْ لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى ظَاهِرِ الطَّلَبِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَوَثُّقِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْكَارِ كَمَا فِي الطَّلَبِ الْأَوَّلِ اهـ. فَحِينَئِذٍ كَانَ الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ سَالِمًا مِنْ الِانْتِقَاضِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا) أَقُولُ: فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا ضَرْبُ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ بَيْعُ الدَّارِ بِالْإِخْبَارِ، وَفِي ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْخَبَرِ حَقًّا لِسَبَبِ الْوُثُوقِ بِإِخْبَارِ مُخْبِرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَدَارَ الْوُثُوقِ بِإِخْبَارِ مُخْبِرِهِ فِيمَا إذَا كَانَ طَرِيقُ الْعِلْمِ مُنْحَصِرًا فِي الْإِخْبَارِ هُوَ حَالُ الْمُخْبِرِ كَعَدَالَتِهِ وَتَعَدُّدِهِ مِمَّا يُورِثُ الْوُثُوقَ بِإِخْبَارِهِ، وَلِهَذَا اعْتَبَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ شَرْطًا عِنْدَهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بَلْ كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا كَافِيًا فَمَا مَعْنَى تَعْلِيقِ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَى الشَّفِيعِ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ مُطْلَقًا بِكَوْنِ الْخَبَرِ حَقًّا وَلَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِكَوْنِهِ حَقًّا فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِوَى إخْبَارِ الْوَاحِدِ. فَإِنْ أَفَادَ مِثْلُ ذَلِكَ الْإِخْبَارِ الْعِلْمَ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ حَقًّا، وَإِنْ لَمْ يُفِدْهُ فَلَا مَجَالَ لِلْعِلْمِ بِكَوْنِهِ حَقًّا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُرَى لِلتَّعْلِيقِ بِكَوْنِهِ حَقًّا وَجْهٌ ظَاهِرٌ فَتَفَكَّرْ

فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَعْلُومٍ. وَالثَّالِثُ طَلَبُ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ، وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّتَهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . قَالَ (وَلَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ تَرَكَهَا شَهْرًا بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، مَعْنَاهُ: إذَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِهِ وَلَمْ يُخَاصِمْ فِيهِ اخْتِيَارًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إعْرَاضِهِ وَتَسْلِيمِهِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِتَأْخِيرِ الْخُصُومَةِ مِنْهُ أَبَدًا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ حَذَارِ نَقْضِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ فَقَدَّرْنَاهُ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ آجِلٌ وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّ الْحَقَّ مَتَى ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِلِسَانِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ يَشْكُلُ بِمَا إذَا كَانَ غَائِبًا، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَكَانَ عُذْرًا. . قَالَ (وَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ إلَى الْقَاضِي فَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِمِلْكِهِ الَّذِي يُشْفَعُ بِهِ وَإِلَّا كَلَّفَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ مُحْتَمِلٌ فَلَا تَكْفِي لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا فِيهَا فَصَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشْهَادِ هَاهُنَا نَفْسُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَا الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ الطَّلَبِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَاهُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَيْثُ قَالَ: هَذَا لَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَوَّلِ الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ، وَمِنْ الثَّانِي طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ اهـ. وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا فِي الْكِتَابِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ هُنَاكَ وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ حَمَلَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ الْإِشْهَادَ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ عَلَى نَفْسِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِئَلَّا يُخَالِفَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَبْلُ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ (قَوْلُهُ وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ أَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّصْوِيرِ نَوْعُ تَقْصِيرٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا كَانَ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الدَّارِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ بِهَذِهِ الدَّارِ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا قَبْلُ مَجْمُوعُ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لِلْإِشْهَادِ: أَعْنِي الْإِشْهَادَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ التَّمْثِيلِ دُونَ إحَاطَةِ الْأَقْسَامِ، لَكِنَّهُ لَا يَدْفَعُ التَّقْصِيرَ حَقِيقَةً، فَالْأَوْلَى الْجَامِعُ لِلْأَقْسَامِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَحْضُرَ الشَّفِيعُ عِنْدَ الدَّارِ وَيَقُولُ: إنَّ

كَمَا إذَا ادَّعَى رَقَبَتَهَا، وَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ يَسْأَلُهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا، فَإِنْ قَالَ: أَنَا شَفِيعُهَا بِدَارٍ لِي تُلَاصِقُهَا الْآنَ تَمَّ دَعْوَاهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ. وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى تَحْدِيدَ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا أَيْضًا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكِتَابِ الْمَوْسُومِ بِالتَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ. قَالَ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يُشْفَعُ بِهِ) مَعْنَاهُ بِطَلَبِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، ثُمَّ هُوَ اسْتِحْلَافٌ عَلَى مَا فِي يَدِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ (فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ ثَبَتَ مِلْكُهُ فِي الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا وَثَبَتَ الْجِوَارُ فَبَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ الْقَاضِي) يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا، فَإِنْ أَنْكَرَ الِابْتِيَاعَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ وَثُبُوتُهُ بِالْحُجَّةِ. قَالَ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا ابْتَاعَ أَوْ بِاَللَّهِ مَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ) فَهَذَا عَلَى الْحَاصِلِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارٍ حُدُودُهَا كَذَا، وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهَا الْآنَ أَيْضًا فَاشْهَدُوا بِذَلِكَ، أَوْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَيَقُولُ: هَذَا مُشْتَرٍ مِنْ فُلَانٍ دَارًا الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا. أَوْ يَحْضُرَ الْبَائِعُ وَيَقُولُ: هَذَا بَاعَ مِنْ فُلَانٍ دَارًا الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ يَسْأَلُهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا، فَإِنْ قَالَ أَنَا شَفِيعُهَا بِدَارٍ لِي تُلَاصِقُهَا تَمَّ دَعْوَاهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَهُ وَيَقُولُ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَى الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَحْضُرْ الْبَائِعُ، ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْ السَّبَبِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَتَى أُخْبِرْت بِالشِّرَاءِ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُدَّةَ طَالَتْ أَوْ لَا، فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا تَطَاوَلَتْ، فَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَاهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُ الْمُصَنِّفَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِالتَّأْخِيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ، فَإِذَا قَالَ طَلَبْتُ حِينَ عَلِمْتُ إذْ أُخْبِرْتُ عَنْ غَيْرِ لُبْثٍ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الِاسْتِقْرَارِ

فِي الدَّعْوَى، وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافُ فِعْلِ نَفْسِهِ وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ أَصَالَةً، وَفِي مِثْلِهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. . قَالَ (وَتَجُوزُ الْمُنَازَعَةُ فِي الشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ) وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقْضِي حَتَّى يُحْضِرَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَسَاهُ يَكُونُ مُفْلِسًا فَيَتَوَقَّفُ الْقَضَاءُ عَلَى إحْضَارِهِ حَتَّى لَا يَتْوِيَ مَالُ الْمُشْتَرِي. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهُ، فَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهُ (وَإِذَا قَضَى لَهُ بِالدَّارِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَيُحْبَسُ فِيهِ، فَلَوْ أَخَّرَ أَدَاءَ الثَّمَنِ بَعْدَ مَا قَالَ لَهُ ادْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَأَكَّدَتْ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي. قَالَ (وَإِنْ أَحْضَرَ الشَّفِيعُ الْبَائِعَ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَهِيَ يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ) وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ وَيَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قَالَ طَلَبْته مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ سَأَلَهُ عَنْ الْمَطْلُوبِ بِحَضْرَتِهِ هَلْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَقَدْ صَحَّحَ دَعْوَاهُ اهـ. أَقُولُ: الْقَائِلُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَخْذًا مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَتَبِعَهُ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَقَدْ غَيَّرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عِبَارَتَهُمْ فِي النَّقْلِ وَأَفْسَدَ. فَإِنَّ عِبَارَتَهُمْ كَانَتْ هَكَذَا: ثُمَّ إذَا سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ فَقَالَ طَلَبْتُ حِينَ عَلِمْتُ أَوْ قَالَ حِينَ أُخْبِرْتُ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ هَلْ طَلَبَ الْإِشْهَادَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَتَقْصِيرٍ، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ سَأَلَهُ إنَّ الَّذِي طَلَبْت بِحَضْرَتِهِ هَلْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِشْهَادَ قَدْ صَحَّ، ثُمَّ إذَا تَبَيَّنَ مَا يَصِحُّ عِنْدَهُ الطَّلَبُ فَقَدْ صَحَّحَ دَعْوَاهُ، إلَى هُنَا عِبَارَتُهُمْ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ الْمُطَابِقَةُ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ دُونَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي نَقْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِطَلَبِ الْإِشْهَادِ حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الِاسْتِقْرَارِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ إطْلَاقَ طَلَبِ الْإِشْهَادِ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ يُخَالِفُ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ جِدًّا، يَظْهَرُ ذَلِكَ مِمَّا أَحَطْت بِهِ خَيْرًا فِي أَقْسَامِ الطَّلَبِ. وَأَيْضًا قَدْ قِيلَ فِيمَا قَبْلُ سَأَلَهُ مَتَى أُخْبِرْتَ

عَلَى الْبَائِعِ وَيَجْعَلَ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدَ لِلْبَائِعِ، وَالْقَاضِي يَقْضِي بِهِمَا لِلشَّفِيعِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ قَدْ قُبِضَتْ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ حُضُورُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا إذْ لَا يَبْقَى لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ. وَقَوْلُهُ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْبَيْعَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ يَنْفَسِخُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ لِيَقْضِيَ بِالْفَسْخِ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَجْهُ هَذَا الْفَسْخِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَنْفَسِخَ فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ لِامْتِنَاعِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ يُوجِبُ الْفَسْخَ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى أَصْلُ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ انْفِسَاخِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ بِنَاءٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشِّرَاءِ وَكَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ أُخْبِرْتَ بِالشِّرَاءِ، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا فِيمَا قَبْلُ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ وَمُرَادُهُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ يَصِيرُ الْمَعْنَى: ثُمَّ بَعْدَ السُّؤَالِ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّ سُؤَالَهُ قَبْلَهُ بِكَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ أُخْبِرْتَ سُؤَالٌ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَا مَحَالَةَ فَيَلْزَمُ تَكْرَارُ السُّؤَالِ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ ثُمَّ إذَا سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، أَمَّا عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ لِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِ تَكْرَارِ السُّؤَالِ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ فَإِنَّ الْكَلَامَ إذْ ذَاكَ مُلْقًى

حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ. وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ امْتَنَعَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ، وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. . قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ فَيَكُونُ الْخَصْمُ هُوَ الْمُوَكِّلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا عُرِفَ فَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ كَتَسْلِيمِ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَتَصِيرُ الْخُصُومَةُ مَعَهُ، إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَيَكْتَفِي بِحُضُورِهِ فِي الْخُصُومَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلَ الْغَائِبِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيًّا لِمَيِّتٍ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا. . قَالَ (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالدَّارِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ كَمَا فِي الشِّرَاءِ، وَلَا يَسْقُطُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا بِرُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي صُورَةِ الشَّرْطِيَّةِ فَقَدَّمَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُمْ إذَا سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرُوا فِيمَا قَبْلَ السُّؤَالِ بِكَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ أُخْبِرْتَ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ جَدِيدٌ حَتَّى يَلْزَمَ التَّكْرَارُ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ الْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ) أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِيمَا إذَا سَلَّمَهَا الْمُوَكِّلُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ هُنَاكَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ قَيْدٌ فَارِقٌ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَلَهُ يَدٌ فِي الدَّارِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَ ذَلِكَ الْقَيْدِ اعْتِمَادًا عَلَى انْفِهَامِهِ مِنْ تَعْلِيلِ صُورَةِ التَّسْلِيمِ.

[فصل في الاختلاف]

[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ] ِ قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ عَلَيْهِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنْ كَانَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ فَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا لِتَخَيُّرِهِ بَيْنَ التَّرْكِ وَالْأَخْذِ وَلَا نَصَّ هَاهُنَا، فَلَا يَتَحَالَفَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ) لَمَّا ذَكَرَ مَسَائِلَ الِاتِّفَاقِ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي شَرَعَ فِي مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الِاتِّفَاقُ (قَوْلُهُ وَلَا نَصَّ هَاهُنَا فَلَا يَتَحَالَفَانِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمُقَامِ: إنَّمَا النَّصُّ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعَ وُجُودِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ هُنَاكَ فَوَجَبَ الْيَمِينُ لِذَلِكَ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِنْكَارُ هُنَا فِي طَرَفِ الشَّفِيعِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ التَّحَالُفُ هُنَا اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ، وَتَحْرِيرُ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا يُشْعِرُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ بَعْدَمَا بَيَّنَ عَدَمَ وُجُوبِ التَّحَالُفِ هُنَا عَلَى نَهْجِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَبْلُ قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمَا فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ قَوْلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» فَلَا جَرَمَ لَمْ يَجِبْ التَّحَالُفُ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَعْنَى الْإِنْكَارِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَمَعْنَى الْإِنْكَارِ هُنَاكَ أَيْضًا إنَّمَا يُوجَدُ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُشْتَرِي، فَكَانَ التَّحَالُفُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ، وَلَكِنَّا عَرَّفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ كُلُّهُ مُسْتَوْفِيًا فِي بَابِ التَّحَالُفِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى، فَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ فِي عَدَمِ كَوْنِ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ أَنْ لَا يُوجَدَ مَعْنَى الْإِنْكَارِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَانْتَقَضَ ذَلِكَ قَطْعًا بِصُورَةِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ وَجْهَ عَدَمِ كَوْنِ مَا نَحْنُ فِيهِ مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ هُوَ أَنَّ الشَّفِيعَ مَعَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْبَيْعِ وَهُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا فِي حُكْمِ التَّحَالُفِ. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ بِالتَّحَالُفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ وَإِنْ وُجِدَ لَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى فَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ الرِّضَا لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ اهـ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْكَنْزِ: وَلَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ، الْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ الشَّفِيعُ مُنْكِرًا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ النَّصُّ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ اهـ. أَقُولُ: الْخَلَلُ فِي كَلَامِهِ أَشَدُّ وَأَظْهَرُ. فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالنَّصِّ أَيْضًا فِيمَا لَا إنْكَارَ

قَالَ (وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا) فَصَارَ كَبَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَوْجُودَ بَيْعَانِ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى بَيْنَهُمَا عَقْدَانِ إلَّا بِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ وَهَاهُنَا الْفَسْخُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَهُوَ التَّخْرِيجُ لِبَيِّنَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلِ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ، كَيْفَ وَأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا دَعْوَى إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً حَتَّى نَفْسَهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، بَلْ الَّذِي عُرِفَ بِالنَّصِّ هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثَابِتٌ بِالْقِيَاسِ بِدُونِ ذَلِكَ النَّصِّ. وَقَالَ آخِرًا فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ امْتِنَاعَ الْقِيَاسِ لَا يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْإِلْحَاقِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُورِ لَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ وَيَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَبِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ هَاهُنَا لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ، فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ لِيَعُمَّ الْقِيَاسَ وَالدَّلَالَةَ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا وَلِهَذَا لَا يَتَحَالَفَانِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَلَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ تُرَجَّحَ عَلَى بَيِّنَةِ الشَّفِيعِ كَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ لَا مُدَّعِيًا فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّهُ مُدَّعٍ صُورَةً حَيْثُ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ، وَمَنْ كَانَ مُدَّعِيًا صُورَةً تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إذَا أَقَامَهَا، كَمَا فِي الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحِلِّهِ. وَأَمَّا الْحَلِفُ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ صُورَةً؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَلِفُ عَلَى الْمُودَعِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرَ الضَّمَانِ حَقِيقَةً، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُودِعِ مَعَ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَجَالُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى خَصْمِهِ الْحَلِفُ أَصْلًا فَرَجَّحَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَتَهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي هَذَا الْمُقَامِ وَحُجَّتُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مُؤَيِّدًا بِهِ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ. وَعَنْ هَذَا لَمْ يُحْكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ مَعَ ظُهُورِهِ جِدًّا، وَإِنَّمَا حُكِيَ عَنْهُ الطَّرِيقَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي إلَخْ، وَبِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ إلَخْ، حَكَى أُولَاهُمَا مُحَمَّدٌ وَأَخَذَ بِهَا، وَحَكَى ثَانِيَتَهُمَا أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا كَمَا ذَكَرُوا فِي الشُّرُوحِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ التَّخْرِيجُ لِبَيِّنَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أُرِيدَ أَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلَ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِظُهُورِ الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْوَكِيلَ

وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَقُلْنَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ. فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ (وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ: لَا يَصِحُّ الثَّانِي هُنَالِكَ إلَّا بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ) ، وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ وَبَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُلْزِمَةٍ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِلْزَامِ. . قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَهُ الْبَائِعُ وَكَانَ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي) ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ الْبَائِعُ فَقَدْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ حَطَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَهَذَا الْحَطُّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِأَنَّ التَّمَلُّكَ عَلَى الْبَائِعِ بِإِيجَابِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ مَا بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَوْلِهِ. قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْأَكْثَرَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ حَلَفَا يَفْسَخُ الْقَاضِي الْبَيْعَ عَلَى مَا عُرِفَ وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُوَكِّلَ كَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ وَالْمُشْتَرِيَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ: لَا يَصِحُّ الثَّانِي هُنَالِكَ إلَّا بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ) أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ هُنَا أَيْضًا، وَلَا يُفْسَخُ الْأَوَّلُ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَصَوُّرِ بَيْعِ شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ إلَّا بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، وَيَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْفَسْخِ هُنَا أَيْضًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَهَاهُنَا الْفَسْخُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ حَيْثُ نَفَى ظُهُورَ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْفَسْخِ فِي نَفْسِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْفَسْخِ فِي قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الثَّانِي هُنَالِكَ إلَّا بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، أَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ هُوَ الْفَسْخُ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ هُنَالِكَ وَالشَّفِيعُ هُنَا لَا الْفَسْخُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَاَلَّذِي لَزِمَ تَحَقُّقُهُ ضَرُورَةً فِي الْفَصْلَيْنِ مَعًا هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا

[فصل فيما يؤخذ به المشفوع]

اسْتَوْفَى الثَّمَنَ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ، وَخَرَجَ هُوَ مِنْ الْبَيِّنِ وَصَارَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ كَانَ نَقْدُ الثَّمَنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ وَقَبَضْت الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ، فَبِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبَضْتُ الثَّمَنَ يُرِيدُ إسْقَاطَ حَقِّ الشَّفِيعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ الْبَيِّنِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ [فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ] ُ قَالَ (وَإِذَا حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الشَّفِيعِ، وَإِنْ حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الشَّفِيعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْفَسْخَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الثَّانِي هُنَالِكَ كَمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَمَّا هُنَا فَبِخِلَافِهِ: أَيْ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الثَّالِثِ. وَثَمَرَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الثَّالِثَ هُنَالِكَ وَهُوَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الْمَأْسُورَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ بِالثَّمَنِ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّالِثُ هُنَا وَهُوَ الشَّفِيعُ فَيَأْخُذُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَيِّ الثَّمَنَيْنِ شَاءَ. فَإِنْ قُلْتَ: نَعَمْ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ قَطْعًا، وَلَكِنْ مَا وَجْهُ ظُهُورِ الْفَسْخِ هُنَالِكَ فِي حَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ هُنَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْتُ: حَقُّ الشَّفِيعِ تَعَلَّقَ بِالدَّارِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا حَقُّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ الْمَأْسُورِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِخْرَاجُ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْبَيْعِ الثَّانِي فَافْتَرَقَا، وَحَلُّ هَذَا الْمَقَامُ بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يُهِمُّ، وَقَدْ أَهْمَلَهُ الشُّرَّاحُ مَعَ الْتِزَامِهِمْ بَيَانَ الظَّوَاهِرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ. (فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمَشْفُوعِ وَهُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ وَهُوَ الَّذِي

لِأَنَّ حَطَّ الْبَعْضِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا بَقِيَ، وَكَذَا إذَا حَطَّ بَعْدَمَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ يَحُطُّ عَنْ الشَّفِيعِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بِحَالٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ. (وَإِنْ زَادَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَمْ تَلْزَمْ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ) ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ ضَرَرًا بِالشَّفِيعِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَخْذَ بِمَا دُونَهَا. بِخِلَافِ الْحَطِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لَهُ، وَنَظِيرُ الزِّيَادَةِ إذَا جَدَّدَ الْعَقْدَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَلْزَمْ الشَّفِيعَ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا كَذَا هَذَا. . قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ (وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَخَذَهَا بِمِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ لِلشَّفِيعِ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَهُ فَيُرَاعَى بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ كَمَا فِي الْإِتْلَافِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. (وَإِنْ بَاعَ عَقَارًا بِعَقَارٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِثَمَنِ حَالٍّ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ ثُمَّ يَأْخُذُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَدِّيهِ الشَّفِيعُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ وَالثَّمَنُ تَابِعٌ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ لِلشَّفِيعِ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُهُ) أَقُولُ: كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَتَمَلَّكُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا بِمِثْلِ الْبَيْعِ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ لَا بِقِيمَةِ الدَّارِ الَّتِي هِيَ الْبَيْعُ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْكَافِي: الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْبَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا هَاهُنَا، لَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمِثْلِ مَا يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمُشْتَرِي وَالْمِثْلُ نَوْعَانِ: كَامِلٌ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَقَاصِرٌ

وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُؤَجَّلًا وَصْفٌ فِي الثَّمَنِ كَالزِّيَافَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِهِ فَيَأْخُذُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ كَمَا فِي الزُّيُوفِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، وَلَا شَرْطَ فِيمَا بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْبَائِعِ أَوْ الْمُبْتَاعِ، وَلَيْسَ الرِّضَا بِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي رِضًا بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمَلَاءَةِ، وَلَيْسَ الْأَجَلُ وَصْفَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُشْتَرِي؛ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لَهُ لَتَبِعَهُ فَيَكُونُ حَقًّا لِلْبَائِعِ كَالثَّمَنِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ وَلَّاهُ غَيْرَهُ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ إلَّا بِالذِّكْرِ كَذَا هَذَا، ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ مِنْ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ فَبَقِيَ مُوجِبُهُ فَصَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْمِثْلُ مَعْنًى اهـ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ الرِّضَا بِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي رِضًا بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمَلَاءَةِ) . قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ تَقْدِيرُهُ لَا بُدَّ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ الرِّضَا لِكَوْنِهَا مُبَادَلَةً، وَلَا رِضَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِرِضًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمَلَاءَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ مَصْدَرُ مَلُؤَ الرَّجُلُ. وَقَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَمَّا كَانَ الرِّضَا شَرْطًا وَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِانْتِفَائِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا، وَحَيْثُ ثَبَتَ بِدُونِهِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْأَجَلُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَهُ بِدُونِهِ ضَرُورِيٌّ. وَلَا ضَرُورَةَ فِي ثُبُوتِ الْأَجَلِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، بَلْ إنَّمَا هُوَ تَتِمَّةُ الدَّلِيلِ السَّابِقِ ذُكِرَ لِدَفْعِ مَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنْ يُقَالَ شَرْطُ الْأَجَلِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعِ صَرِيحًا لَكِنْ تَحَقَّقَ بَيْنَهُمَا ضِمْنًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الرِّضَا بِالْأَجَلِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي رِضًا بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمَلَاءَةِ فَلَا احْتِيَاجَ أَصْلًا إلَى مَا ارْتَكَبَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ مِنْ تَقْرِيرِ مُقَدَّمَاتٍ لِجَعْلِ ذَلِكَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا، وَإِيرَادُ سُؤَالٍ وَالْتِزَامُ جَوَابٍ بَعِيدٌ عَنْهُ، بَلْ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ الرِّضَا عِنْدَ مَنْ أَحَاطَ بِمَسَائِلِ الشُّفْعَةِ خُبْرًا، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، سِيَّمَا عِنْدَ قَوْلِهِمْ وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الدَّارَ إمَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَيْثُ جَعَلُوا قَضَاءَ الْقَاضِي مُقَابِلًا لِلتَّرَاضِي، وَاعْتَبَرُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا لِلْمِلْكِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ مِنْ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا كَانَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي

كَمَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَقَدْ اشْتَرَاهُ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ زِيَادَةَ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ النَّقْدِيَّةُ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ مُرَادُهُ الصَّبْرُ عَنْ الْأَخْذِ، أَمَّا الطَّلَبُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ عَنْهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ، وَالْأَخْذُ يَتَرَاخَى عَنْ الطَّلَبِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا فَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَخْ يُوهِمُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ بِبَيْعٍ جَدِيدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ بِطَرِيقِ تَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ، لَكِنْ يَتَحَوَّلُ مَا كَانَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَالْأَجَلُ مُقْتَضَى الشَّرْطِ فَبَقِيَ مَعَ مَنْ ثَبَتَ الشَّرْطُ فِي حَقِّهِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ فَاحِشٌ مِنْهُمَا، مَدَارُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ يَدِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي، وَإِذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الدَّارَ الْمَشْفُوعَةَ هَلْ تَنْتَقِلُ إلَى الشَّفِيعِ بِطَرِيقِ تَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ أَمْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا فِيمَا إذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ انْتِقَالَهَا إلَى الشَّفِيعِ هُنَاكَ بِطَرِيقِ تَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ وَلَا مَجَالَ لَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ عَقْدٍ جَدِيدٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَقَدْ نَادَى إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ. وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ امْتَنَعَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ اهـ. فَالصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ مِنْ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي إشَارَةً إلَى صُورَةِ أَخْذِهَا مِنْ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَتَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا كَانَ إشَارَةً إلَى صُورَةِ أَخْذِهَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ فَبَقِيَ مُوجِبُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ مُؤَجَّلًا، إشَارَةً إلَى أَنَّ تَمَلُّكَ الشَّفِيعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الْمَزْبُورِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ اهـ. فَكَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُنَا مُطَابِقًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَابِ الْمَزْبُورِ فَلَا غُبَارَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا أَصْلًا (قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا فَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ

قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ دَارًا وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ أَخَذَهَا بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَقْضِيٌّ بِالصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ، وَالْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ كَالشَّاةِ، فَيَأْخُذُ فِي الْأَوَّلِ بِالْمِثْلِ وَالثَّانِي بِالْقِيمَةِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْخَمْرُ لِامْتِنَاعِ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَالْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالذِّمِّيُّ نِصْفَهَا بِنِصْفِ مِثْلِ الْخَمْرِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، فَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَخَذَهَا بِنِصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ. وَتَقْرِيرُهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْأَخْذُ، وَلَئِنْ كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَكِّنٍ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بَلْ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيمَا قَبْلُ لِدَلِيلِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ كَمَا تَرَى، فَالتَّصَدِّي لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِمَنْعِ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ بَعِيدٌ جِدًّا، بَلْ هُوَ خَارِجٌ عَمَّا عَلَيْهِ دَأْبُ الْمُصَنِّفِ فِي نَظَائِرِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ مَنْعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ الْأَخْذَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي أَوَّلِ التَّقْرِيرِ مِمَّا لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الدَّلَالَاتِ فَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ (وَلَئِنْ كَانَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَكِّنٍ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بَلْ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا) مِمَّا لَا يَكَادُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ دَلِيلِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ حَتَّى الْعِنَايَةَ نَفْسَهَا أَنَّ الطَّلَبَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِعَيْنِهِ بَلْ لِلْأَخْذِ، وَهُوَ فِي الْحَالِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَطْلُبُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ فِي الْحَالِ، فَسُكُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ فَائِدَةً لَا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْأَخْذِ انْتَهَى. وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مَنْعَ عَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا لَا يُجْدِي طَائِلًا فِي دَفْعِ مَا ذَكَرَ فِي دَلِيلِهِ مِنْ أَنَّهُ فِي الْحَالِّ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَطْلُبُهُ، فَإِنَّ أَدَاءَ الثَّمَنِ حَالًّا لَيْسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَطْلُبُهُ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ أَلْبَتَّةَ، وَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْتَرْ الشَّفِيعُ أَخْذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ بَلْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ حَالًّا جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنَّفِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ إلَخْ عَلَى تَتْمِيمِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِأَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا بِحَسْبِ الْمَعْنَى عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَهُ بِالْبَيْعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ أَخْذًا مِنْ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالُوا بَعْدَ ذِكْرِ وَجْهِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخِرِ: وَجْهٌ ظَاهِرٌ

[فصل بنى المشتري فيها أو غرس ثم قضي للشفيع بالشفعة]

قِيمَةِ الْخَمْرِ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَبِالْإِسْلَامِ يَتَأَكَّدُ حَقُّهُ لَا أَنْ يَبْطُلَ، فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا بِكُرٍّ مِنْ رُطَبٍ فَحَضَرَ الشَّفِيعُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الرُّطَبِ كَذَا هَذَا. [فَصْلٌ بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ] فَصْلٌ قَالَ (وَإِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ كَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ قَلْعَهُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَهُ لَهُ أَنْ يُقْلِعَ وَيُعْطِي قِيمَةَ الْبِنَاءِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ، وَالتَّكْلِيفُ بِالْقَلْعِ مِنْ أَحْكَامِ الْعُدْوَانِ وَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، وَكَمَا إذَا زَرَعَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ دَفْعَ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِتَحَمُّلِ الْأَدْنَى فَيُصَارَ إلَيْهِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحِلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَةِ أَنَّ حَقَّهُ فِي الشُّفْعَةِ قَدْ ثَبَتَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِثَمَنٍ حَالٍّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ مُبْطِلٌ شُفْعَتَهُ. انْتَهَى تَبَصَّرْ. (فَصْلٌ) مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَغَيُّرِ الْمَشْفُوعِ إمَّا بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِالنُّقْصَانِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْغَيْرِ، فَلَمَّا كَانَ الْمُتَغَيِّرُ فَرْعًا عَلَى غَيْرِ الْمُتَغَيِّرِ كَانَ جَدِيرًا بِالتَّأْخِيرِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ دَفْعَ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِتَحَمُّلِ الْأَدْنَى فَيُصَارَ إلَيْهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا: أَيْ وَهَذَا الْمُدَّعِي الَّذِي قُلْنَا وَهُوَ أَنْ لَا يُكَلَّفَ الْمُشْتَرِي بِقَلْعِ

مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيُنْقَضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهَذَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَغَيْرَهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِنَاءِ انْتَهَى وَبِذَلِكَ الْمَعْنَى فَسَّرَهُ سَائِرُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِعِبَارَاتٍ شَتَّى فَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: أَيْ مَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُكَلَّفُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: أَيْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي قَلْعَ الْبِنَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: أَيْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ إيجَابِ الْقَلْعِ وَوُجُوبِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: أَيْ مَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ إيجَابِ الْقَلْعِ وَوُجُوبِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ تَلَخَّصَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: أَيْ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِكَلِمَةِ هَذَا فِي قَوْلِهِ (وَهَذَا لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ إلَخْ) أَصْلُ مُدَّعَى أَبِي يُوسُفَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ إلَخْ) دَلِيلًا عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِيَ أَنْ يَقُولَ: وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ إلَخْ عَلَى مَا هُوَ الطَّرِيقُ الْمَعْهُودَةُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْأَدِلَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِهِ هَذَا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لَمِّيَّةَ مَسْأَلَةٍ بَعْدَ بَيَانِ إنِّيَّتِهَا سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ إيمَاءً إلَى أَنَّ مُفَادَ الدَّلِيلَيْنِ مُخْتَلِفٌ مِنْ حَيْثُ الْإِنِّيَّةُ وَاللَّمِّيَّةُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمُدَّعَى وَاحِدًا وَكَأَنَّهُمَا صَارَا دَلِيلَيْنِ عَلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلِيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي مَوَارِدِهَا وَقَدْ كُنْت نَبَّهْت عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ أَيْضًا فَلَا تَغْفُلْ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ) أَقُولُ: هُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ قَبْلَ بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ تَمَلَّكَ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهِمَا حَاكِمٌ، لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي قَدْ يَنْتَقِلُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَبَيَّنَ ذَاكَ وَمَا قَالَ هُنَا تَدَافَعَ، فَإِنَّ الْمُتَفَهَّمَ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ تَقَدُّمُ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ أَوَّلًا لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَثْبُتُ مِنْهُ إلَى الشَّفِيعِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي تَقَدُّمِ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَمَا التَّوْفِيقُ؟ . وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا تَقَدُّمُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَبِمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ تَقَدُّمُ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ فِي الْمِلْكِ، وَالتَّمَلُّكُ مُغَايِرٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمُؤَخَّرٌ عَنْهُ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا قَبْلَ بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ أَنَّ لِلشُّفْعَةِ أَحْوَالًا ثَلَاثَةً: الِاسْتِحْقَاقُ، وَالِاسْتِقْرَارُ، وَالتَّمَلُّكُ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ يَثْبُتُ بِاتِّصَالِ الْمِلْكِ لِشَرْطِ الْبَيْعِ، وَالثَّانِيَ بِالْإِشْهَادِ، وَالثَّالِثَ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَلَا تَدَافُعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ إذْ كَوْنُ الشَّفِيعِ أَقْدَمَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْمُشْتَرِي أَقْدَمَ فِي التَّمَلُّكِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَبِخِلَافِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، فَإِنَّ فِيهَا تَسْلِيطًا مِنْ جِهَتِهِ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّلَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ مُتَّصِلًا بِمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ لَمَا صَحَّ تَعْلِيلُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِالْوَجْهِ الثَّانِي لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ عِلَّةُ كَوْنِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا ضَعِيفًا وَكَوْنِ التَّسْلِيطِ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِهِ وَجْهًا آخَرَ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِلَّةُ ذَلِكَ كَوْنَ التَّسْلِيطِ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِلْخِلَافِ الْمُتَّصِلِ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ إلَخْ مُتَّصِلٌ بِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ وَجْهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْمَعْنَى أَنَّ مَضْمُونَ هَذَا الْوَجْهِ مُلَابِسٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَبِخِلَافِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ نَاظِرًا إلَى قَوْلِهِ فِي وَجْهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَيَكُونُ

حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَهَذَا الْحَقُّ يَبْقَى فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالزَّرْعُ يُقْلَعُ قِيَاسًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ نَاظِرًا إلَى قَوْلِهِ فِيهِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي فَيَتِمُّ التَّعْلِيلَانِ مَعًا بِلَا غُبَارٍ وَقَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الِاسْتِرْدَادِ وَالْبَائِعِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَالشَّفِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا جَازَ عِنْدَهُمَا الِاسْتِرْدَادُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ قِيَاسُ أَبِي يُوسُفَ فِي دَلِيلِهِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِقَوْلِهِ وَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، فَإِنَّ جَوَازَ الِاسْتِرْدَادِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يُنَافِي قِيَاسَ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ هُنَا فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي دَلِيلِهِ الْمَذْكُورِ مُجَرَّدُ الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِمَذْهَبِهِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا: هَذَا احْتِجَاجٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْت: ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ جِدًّا لِأَنَّ قِيَاسَهُ الْمَزْبُورُ لَمْ يُذْكَرْ بِصَدَدِ الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ صَاحِبَاهُ، بَلْ ذُكِرَ بِصَدَدِ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْخَصْمِ سِيَّمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ ثُمَّ أَقُولُ: الْأَوْجَهُ فِي التَّوْجِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْبِنَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هُنَاكَ عَنْ الْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ آخِرًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَكَذَا لِأَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعُ إلَخْ، وَهَذَا مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَثَانِيهِمَا مِثْلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ بِأَنْ قَالَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ كَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ قَلْعَهُ، وَهَذَا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ وَبِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْهُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَإِذَا قَدْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسُ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا، وَيَكُونَ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَحَدِ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَمَا عَرَفْت فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ وَهَذَا الْحَقُّ يَبْقَى) قَالَ صَاحِبُ

وَإِنَّمَا لَا يُقْلَعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَيَبْقَى بِالْأَجْرِ وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ، وَإِنْ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ (وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْفَرْقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا غُرُورَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَايَةِ الْبَيَانِ: هَذَا إيضَاحٌ لِضَعْفِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَلَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ إنَّمَا لَا يَبْقَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مَذْهَبُك لَا مَذْهَبِي، وَعِنْدِي حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ الْبِنَاءِ بَاقٍ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ اهـ. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا، لِأَنَّ هَذَا الْإِيضَاحَ مِنْ مُتَفَرِّعَاتِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَبِخِلَافِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ذَلِكَ النَّاظِرُ وَغَيْرُهُ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ بَقَاءِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقِيَاسِهِ الْمَذْكُورِ إثْبَاتَ مُدَّعَاهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ كَانَ قِيَاسُهُ الْمَذْكُورُ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِرْدَادِ وَهُوَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا مَذْهَبُك لَا مَذْهَبِي، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقِيَاسِهِ الْمَذْكُورِ مُجَرَّدَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ النَّاظِرُ فِي شَرْحِ ذَاكَ الْمَقَامِ، فَلَا شَكَّ فِي انْدِفَاعِ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ وَالْإِيضَاحِ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ ذَلِكَ النَّاظِرِ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَنْ النَّظَرِ الْمَزْبُورِ بِوَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ لَا يَصِحُّ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ لَمْ يُعْتَبَرْ بِخِلَافِهِمَا اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ الْجَوَابِ نَظَرٌ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بِصَدَدِ بَيَانِ وَجْهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا تَرَى فَلَا مَجَالَ لِحَمْلِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ الصَّدَدِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الدَّلِيلَ الظَّاهِرَ الَّذِي كَانَ عَدَمُ بَقَاءِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ ثَابِتًا بِهِ إنَّمَا هُوَ حُصُولُ ذَلِكَ الشِّرَاءِ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْبَائِعُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ الْمَذْكُورُ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَدْ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا دَلِيلًا أَوَّلًا فَكَيْفَ يَبْتَنِي عَلَيْهِ تَمَامُ الدَّلِيلِ الثَّانِي الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ، تَبَصَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ، وَلَا تَسْلِيطَ وَلَا غُرُورَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ) أَقُولُ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَلَا غُرُورَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا مِنْ الْمُشْتَرِي.

قَالَ (وَإِذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ أَوْ احْتَرَقَ بِنَاؤُهَا أَوْ جَفَّ شَجَرُ الْبُسْتَانِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ تَابِعٌ حَتَّى دَخَلَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَرِقَ نِصْفُ الْأَرْضِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ لِأَنَّ الْفَائِتَ بَعْضُ الْأَصْلِ قَالَ. (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَمَلُّكِ الدَّارِ بِمَالِهِ قَالَ (وَإِنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنْ شِئْت فَخُذْ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ) لِأَنَّهُ صَارَ مَفْصُولًا فَلَمْ يَبْقَ تَبَعًا قَالَ (وَمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا وَعَلَى نَخْلِهَا ثَمَرٌ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِثَمَرِهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا ذُكِرَ الثَّمَرُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَأْخُذُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُتْبَعُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ صَارَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ، وَمَا كَانَ مُرَكَّبًا فِيهِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ ابْتَاعَهَا وَلَيْسَ فِي النَّخِيلِ ثَمَرٌ فَأَثْمَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ تَبَعًا لِأَنَّ الْبَيْعَ سَرَى إلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي وَلَدِ الْمَبِيعِ قَالَ (فَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ لَا يَأْخُذُ الثَّمَرَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَقْتَ الْأَخْذِ حَيْثُ صَارَ مَفْصُولًا عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِيَعُمَّ مَا أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُطَابِقُ قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَ مِنْهُ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَ مِنْهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا غُرُورَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ عَنْ صَاحِبِ الْيَدِ جَبْرًا بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَلَا غُرُورَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ وَلَا مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ عَنْ صَاحِبِ الْيَدِ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ فَلَا يَرْجِعُ اهـ. وَرَدَّ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ التَّعْلِيلَ بِالْأَخْذِ جَبْرًا حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى أَحَدٍ، لَا لِأَنَّهُ أُخِذَ جَبْرًا لِأَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِيمَا أُخِذَ بِالتَّرَاضِي، بَلْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَغْرُورٍ،، وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ قَيْدَ الْجَبْرِ مَأْخُوذٌ فِي تَعْرِيفِ الشُّفْعَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، حَتَّى أَنَّ ذَلِكَ الرَّادَّ نَفْسَهُ أَيْضًا أَخَذَ ذَاكَ الْقَيْدَ فِي تَعْرِيفِهَا حَيْثُ قَالَ فِي مَتْنِهِ: الشُّفْعَةُ تَمَلُّكُ مَبِيعِ عَقَارٍ جَبْرًا بِمِثْلِ ثَمَنِهِ، وَفَسَّرَ فِي شَرْحِهِ قُيِّدَ جَبْرًا بِمَعْنَى يَعُمُّ صُورَةَ الْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي لَا يُعْتَبَرُ اخْتِيَارُهُ لَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَمُ اخْتِيَارِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَوْجِيهَهُ هُنَاكَ هُوَ التَّوْجِيهُ هَاهُنَا، وَلَا يُخِلُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ الشَّفِيعِ مَعَ خَصْمِهِ لِتَمَامِ ذَلِكَ الْفَرْقِ بِاعْتِبَارِ الِاخْتِيَارِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي الثَّانِي، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِبَارِ الِاخْتِيَارِ فِي الْأَوَّلِ وَاعْتِبَارِ عَدَمِهِ فِي الثَّانِي

[باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب]

قَالَ فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ جَدّه الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَهَذَا جَوَابُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَأْخُذُ مَا سِوَى الثَّمَرِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ قَالَ (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ دَفْعًا لِمُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَقَارٌ أَوْ رَبْعٌ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ سَبَبُهَا الِاتِّصَالُ فِي الْمِلْكِ وَالْحِكْمَةَ دَفْعُ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأَمَّلْ تَقِفْ. بَقِيَ شَيْءٌ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ وَهُوَ أَنَّهُ نَفَى كَوْنَ مَدَارِ الْفَرْقِ الْجَبْرَ وَالِاخْتِيَارَ وَحَكَمَ بِأَنَّ مَدَارَهُ الْغُرُورُ وَعَدَمُ الْغُرُورِ، فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ سَبَبُ الْغُرُورِ فِي الْمُشْتَرِي وَعَدَمُ الْغُرُورِ فِي الشَّفِيعِ كَوْنَ الْبَائِعِ مُخْتَارًا وَخَصْمِ الشَّفِيعِ مَجْبُورًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَى مَا نَفَاهُ. وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُمَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ وَاضِحٍ سِيَّمَا بَيْنَ الشَّفِيعِ الْآخِذِ بِرِضَا خَصْمِهِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ: سَبَبُ غُرُورِ الْمُشْتَرِي الْتِزَامُ الْبَائِعِ لَهُ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ لِدَفْعِ الْغُرُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَ لِلْمُشْتَرِي السَّلَامَةَ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَصْمَ الشَّفِيعِ وَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ لَكِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ السَّلَامَةَ فَافْتَرَقَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ [بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ] (بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ) ذَكَرَ تَفْصِيلَ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ بَعْدَ ذِكْرِ نَفْسِ الْوُجُوبِ مُجْمَلًا، لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: الْعَقَارُ كُلُّ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ أَوْ ضَيْعَةٍ أَقُولُ: تَفْسِيرُهُمْ الْعَقَارَ بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يَأْبَاهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَقَارٌ أَوْ رَبْعٌ» لِأَنَّ الرَّبْعَ هُوَ الدَّارُ بِعَيْنِهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ هَاهُنَا، وَقَدْ عَطَفَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْعَقَارِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فَكَيْفَ يَتَيَسَّرُ إدْرَاجُ الدَّارِ فِي مَعْنَى الْعَقَارِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] لَكِنَّ النُّكْتَةَ فِيهِ غَيْرُ وَاضِحَةٍ،

مَا مَرَّ، وَأَنَّهُ يَنْتَظِمُ الْقِسْمَيْنِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَهُوَ الْحَمَّامُ وَالرَّحَى وَالْبِئْرُ وَالطَّرِيقُ. قَالَ (وَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُرُوضِ وَالسُّفُنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي إيجَابِهَا فِي السُّفُنِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى الدَّوَامِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَدُومُ حَسَبَ دَوَامِهِ فِي الْعَقَارِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ إذَا بِيعَتْ دُونَ الْعَرْصَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ لَا قَرَارَ لَهُ فَكَانَ نَقْلِيًّا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعُلُوِّ حَيْثُ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَيُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعُلُوِّ فِيهِ، لِأَنَّهُ بِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ قَالَ (وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ) لِلْعُمُومَاتِ وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي السَّبَبِ وَالْحِكْمَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْبَاغِي وَالْعَادِلُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِكَلِمَةٍ أَوْ مِمَّا لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ ثُمَّ أَقُولُ: قَالَ الْإِمَامُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ: وَالْعَقَارُ الضَّيْعَةُ، وَقِيلَ كُلُّ مَالٍ لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ أَوْ ضَيْعَةٍ اهـ فَلَعَلَّ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَارِدٌ عَلَى أَوَّلِ التَّفْسِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمُغْرِبِ لِلْعَقَارِ وَهُوَ التَّفْسِيرُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَحْرِيرُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا مُطَابِقٌ لِلتَّفْسِيرِ الثَّانِي مِنْهُمَا، فَكَأَنَّهُمْ اخْتَارُوهُ هَاهُنَا لِكَوْنِهِ الْمُنَاسِبَ لِلْمَقَامِ مِنْ الشُّفْعَةِ كَمَا تَثْبُتُ فِي الضَّيْعَةِ تَثْبُتُ فِي الدَّارِ وَنَحْوِهَا أَيْضًا عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْعَيْنِ مِنْ بَابِ الرَّاءِ: وَالْعَقَارُ بِالْفَتْحِ الْأَرْضُ وَالضِّيَاعُ وَالنَّخْلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لَهُ دَارٌ وَلَا عَقَارٌ اهـ وَقَالَ فِي فَصْلِ الضَّادِ مِنْ بَابِ الْعَيْنِ مِنْ الصِّحَاحِ: وَالضَّيْعَةُ الْعَقَارُ وَالْجَمْعُ ضِيَاعٌ اهـ أَقُولُ: فِي كَلَامِهِ اخْتِلَالٌ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْعَقَارَ أَوَّلًا بِمَا يَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ وَهِيَ الْأَرْضُ وَالضِّيَاعُ وَالنَّخْلُ، ثُمَّ فَسَّرَ الضَّيْعَةَ الَّتِي هِيَ مُفْرَدُ الضِّيَاعِ بِالْعَقَارِ فَلَزِمَ تَفْسِيرُ الْأَخَصِّ بِالْأَعَمِّ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُرُوضِ وَالسُّفُنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ هُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَصْرُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الرَّبْعِ وَالْحَائِطِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِي غَيْرِهِمَا وَمِنْ غَيْرِهِمَا الْعُرُوض وَالسُّفُنُ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْحَصْرِ أَنْ لَا تَثْبُتَ الشُّفْعَةُ فِي عَقَارٍ غَيْرِ رَبْعٍ وَحَائِطٍ أَيْضًا كَضَيْعَةٍ خَالِيَةٍ مَثَلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا فَكَيْفَ يَتِمُّ التَّمَسُّكُ بِهِ؟ فَإِنْ قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ الْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ قَصْرَ ثُبُوتِهَا عَلَى رَبْعٍ وَحَائِطٍ بِالْإِضَافَةِ لِلْعُرُوضِ وَالسُّفُنِ لَا قَصْرَهُ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ مَا عَدَاهُمَا فَلَا يُرَدُّ الْمَحْذُورُ الْمَزْبُورُ قُلْت: مِنْ أَيْنَ تَفْهَمُ أَنَّ إضَافَةَ ذَلِكَ الْقَصْرِ إلَى الْعُرُوضِ وَالسُّفُنِ لَا إلَى الْعُرُوضِ فَقَطْ دُونَ السُّفُنِ، وَلَا إلَى مَا يَعُمُّ شَيْئًا مِمَّا سِوَى الْعُرُوضِ وَالسُّفُنِ وَمَا الْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَتِمَّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَيَصِيرَ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي إيجَابِهَا فِي السُّفُنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَتَأَمَّلْ

قَالَ (وَإِذَا مَلَكَ الْعَقَارَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً أَوْ قِيمَةً عَلَى مَا مَرَّ قَالَ (وَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا أَوْ يُخَالِعُ الْمَرْأَةَ بِهَا أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهَا دَارًا أَوْ غَيْرَهَا أَوْ يُصَالِحُ بِهَا عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ يَعْتِقُ عَلَيْهَا عَبْدًا) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ عِنْدَنَا إنَّمَا تَجِبُ فِي مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذِهِ الْأَعْوَاضُ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ، فَإِيجَابُ الشُّفْعَةِ فِيهَا خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَقَلْبُ الْمَوْضُوعِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ الْأَخْذُ بِقِيمَتِهَا إنْ تَعَذَّرَ بِمِثْلِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالْعَرْضِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا رَأْسًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِذَا مَلَكَ الْعَقَارَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً أَوْ قِيمَةً عَلَى مَا مَرَّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْعَقَارِ، وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَتَمَلَّكَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ شَرْطِ الشَّرْعِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمِثْلِ مَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي صُورَةً فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ قِيمَةً فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ إنَّمَا تُمْكِنُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَالًا، فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدَّمَ الشَّفِيعَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ لَا بِإِنْشَاءِ سَبَبٍ آخَرَ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ فِي الْمَوْهُوبِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِعِوَضٍ فَكَانَ سَبَبًا غَيْرَ السَّبَبِ الَّذِي تَمَلَّكَ بِهِ الْمُتَمَلِّكُ اهـ أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِلَا عِوَضٍ بِالسَّبَبِ الَّذِي تَمَلَّكَ بِهِ الْمُتَمَلِّكُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِلَا عِوَضٍ لَا يُقَالُ: لَا يُتَصَوَّرُ الْهِبَةُ بِدُونِ رِضَا الْوَاهِبِ وَالْمُتَمَلِّكُ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ الْمَوْهُوبِ مِنْ يَدِهِ بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ بِلَا عِوَضٍ لِأَنَّا نَقُولُ: مَدَارُ الشُّفْعَةِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ رِضَا الْمُتَمَلِّكِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَعْدُولٌ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمَلُّكِ الْمَالِ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَمَا مَرَّ فِي صَدْرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، فَلَا تَأْثِيرَ لِحَدِيثِ عَدَمِ رِضَا الْمُتَمَلِّكِ بِخُرُوجِ الْمَوْهُوبِ مِنْ يَدِهِ بِلَا عِوَضٍ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِي الْمَوْهُوبِ، فَالْوَجْهُ التَّامُّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِي الْمَوْهُوبِ وَالْمَوْرُوثِ وَأَمْثَالِهِمَا مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ الشُّفْعَةَ عِنْدَنَا تَخْتَصُّ بِمُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْآثَارِ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ الْأَخْذُ بِقِيمَتِهَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهِيَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَأَجْرُ الْمِثْلِ فِي التَّزْوِيجِ وَالْخُلْعِ وَالْإِجَارَةِ وَقِيمَةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ فِي الصُّلْحِ وَالْإِعْتَاقِ اهـ أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ

وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا جَعَلَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ مَهْرًا أَوْ مَا يُضَاهِيهِ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا فِيهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَكَذَا الدَّمُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَا يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَطْلُوبِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا الدَّارَ مَهْرًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ فِي كَوْنِهِ مُقَابِلًا بِالْبُضْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِالْمُسَمَّى لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ. وَهُوَ يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيمَةُ الدَّارِ نَظَرٌ، إذْ الْكَلَامُ فِي قِيمَةِ الْأَعْوَاضِ الَّتِي جُعِلَتْ بَدَلًا لِلدَّارِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لَا فِي قِيمَةِ نَفْسِ الدَّارِ، وَالْعِوَضُ فِي صُورَةِ الصُّلْحِ هُوَ دَمُ الْعَمْدِ، فَالْوَاجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قِيمَةُ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى زَعْمِهِ لَا قِيمَةُ الدَّارِ لَا يُقَالُ: لَمَّا جُعِلَ دَمُ الْعَمْدِ عِوَضًا مِنْ الدَّارِ صَارَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ الدَّارِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ اقْتَضَى هَذَا الْقَدْرُ أَنْ تَصِيرَ قِيمَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ قِيمَةً لِلْآخَرِ لَكَانَ قِيمَةُ الْأَعْوَاضِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ كُلِّهَا قِيمَةَ الدَّارِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِوَضًا مِنْ الدَّارِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، بَلْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ فِي نَفْسِ الْعِنَايَةِ أَيْضًا، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ لَمَّا تَنَبَّهَ لِإِجْمَالِ مَا قُلْنَا قَالَ: كَأَنَّ الْكَلَامَ فِي قِيمَةِ الْأَعْوَاضِ لَا فِي قِيمَةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ فَتَأَمَّلْ. اهـ أَقُولُ: لَمْ يُصِبْ فِي زِيَادَتِهِ الْعَبْدَ وَإِلْحَاقِهِ بِالدَّارِ فِي الْمُؤَاخَذَةِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَأْخُوذٌ فِي جَانِبِ الْأَعْوَاضِ الْمُقَابِلَةِ لِلدَّارِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ عِبَارَةُ الْكِتَابِ، فَكَوْنُ الْكَلَامِ فِي قِيمَةِ الْأَعْوَاضِ لَا يُنَافِي اعْتِبَارَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فِي صُورَةِ الْإِعْتَاقِ. نَعَمْ الْعِوَضُ إعْتَاقُ الْعَبْدِ لَا نَفْسُ الْعَبْدِ، لَكِنْ مَنْ يَجْعَلُ الْإِعْتَاقَ مُتَقَوِّمًا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ فِي تَقْوِيمِهِ، وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى أَصْلِهِ، وَأَمَّا التَّحْقِيقُ مِنْ قِبَلِنَا فَسَيَجِيءُ مِنْ بَعْدُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الدَّمُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ:

حَتَّى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا رِبْحٌ لَا يَسْتَحِقُّ رَبُّ الْمَالِ الشُّفْعَةَ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا فِيهِ قَالَ (أَوْ يُصَالِحُ عَلَيْهَا بِإِنْكَارٍ، فَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارٍ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ، وَالصَّحِيحُ أَوْ يُصَالِحُ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ مَكَانَ قَوْلِهِ أَوْ يُصَالِحُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ بَقِيَ الدَّارُ فِي يَدِهِ فَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِسُكُوتٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَذَلَ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَقَطْعًا لِشَغَبِ خَصْمِهِ، كَمَا إذَا أَنْكَرَ صَرِيحًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهُ بِالصُّلْحِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مَالِيَّةً. أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ فَيُعَامَلَ بِزَعْمِهِ قَالَ (وَلَا شُفْعَةَ فِي هِبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ انْتِهَاءً، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْهُوبُ وَلَا عِوَضُهُ شَائِعًا لِأَنَّهُ هِبَةٌ ابْتِدَاءً وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هِبَةٌ مُطْلَقَةٌ، إلَّا أَنَّهُ أُثِيبَ مِنْهَا فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَالَ (وَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ (فَإِنْ أُسْقِطَ الْخِيَارُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ عَنْ الزَّوَالِ وَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِيرُ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عِنْدَ ذَلِكَ. (وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالشُّفْعَةُ تُبْتَنَى عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا أَخَذَهَا فِي الثُّلُثِ وَجَبَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ، وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا أَفْرَدَهُمَا لِأَنَّ تَقَوُّمَهُمَا أَبْعَدُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالَيْنِ فَضْلًا عَنْ التَّقَوُّمِ اهـ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ تَمَامَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ سَائِرِ

وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ أَمَّا لِلْبَائِعِ فَظَاهِرٌ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَفِيهِ إشْكَالٌ أَوْضَحْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَإِذَا أَخَذَهَا كَانَ إجَازَةً مِنْهُ لِلْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَرَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِأَخْذِ مَا بِيعَ بِجَنْبِهَا بِالشُّفْعَةِ، لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَكَيْفَ بِدَلَالَتِهِ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الدَّارِ الْأُولَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا دُونَ الثَّانِيَةِ لِانْعِدَامِ مِلْكِهِ فِي الْأُولَى حِينَ بِيعَتْ الثَّانِيَةُ قَالَ (وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا) أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ لِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَعْوَاضِ الْمَذْكُورَةِ مَالًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا أَيْضًا لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ عِنْدَنَا، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَهَذِهِ الْأَعْوَاضُ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ، وَقَوْلُهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ عَلَى أَصْلِنَا وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي تَعْلِيلِ أَنَّ تَقَوُّمَهُمَا أَبْعَدُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَقَوِّمَيْنِ أَصْلًا: أَيْ لَا بِالتَّقَوُّمِ الضَّرُورِيِّ وَلَا بِغَيْرِ الضَّرُورِيِّ كَمَا مَرَّ آنِفًا (قَوْلُهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ أَوْضَحْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ فَلَا نُعِيدُهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ الْحَوَالَةُ فِي حَقِّ الْإِشْكَالِ غَيْرُ رَائِجَةٍ، بَلْ فِيهِ جَوَابُ الْإِشْكَالِ لَا الْإِشْكَالُ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا إلَخْ) وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ فِي حَقِّ جَوَابِ الْإِشْكَالِ رَائِجَةً كَانَتْ فِي حَقِّ الْإِشْكَالِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْجَوَابَ يَتَضَمَّنُ السُّؤَالَ، وَقِيلَ لَمْ يَقُلْ فِي بُيُوعِ هَذَا الْكِتَابِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْضَحَهُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا نُعِيدُهُ يَأْبَى عَنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ أَوْضَحْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ إيضَاحَهُ فِي بُيُوعِ كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، لِأَنَّ ذِكْرَ شَيْءٍ فِي كِتَابِهِ هَذَا بَعْد أَنْ ذَكَرَهُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى لَا يُعَدُّ إعَادَةً، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ بَلْ جَمِيعُهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِعَادَةِ لِكَوْنِهَا مَذْكُورَةً فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى (قَوْلُهُ وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِي قَوْلِهِ وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا تَلْوِيحٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الشُّفْعَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَ فَاسِدًا ابْتِدَاءً، لِأَنَّ الْفَسَادَ إذَا كَانَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا فَحَقُّ الشُّفْعَةِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ اهـ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي بَيَانِ وَجْهِ التَّلْوِيحِ حَيْثُ أَتَى بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحُدُوثِ لَا الِاسْتِمْرَارِ اهـ أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ

وَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ صَارَ أَخَصَّ بِهِ تَصَرُّفًا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ قَالَ (فَإِنْ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَجِيبٌ، لِأَنَّ حُدُوثَ الْفَسَادِ كَمَا يُوجَدُ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ يُوجَدُ أَيْضًا فِيمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا، بَلْ الْحُدُوثُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَظْهَرُ وَأَجْلَى لِأَنَّ الْفَسَادَ يَحْصُلُ فِيهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَهُوَ حَاصِلٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَفِيهَا اسْتِمْرَارُ الْفَسَادِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَمُجَرَّدُ الْإِتْيَانِ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُلَوِّحًا إلَى الثَّانِيَةِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُلَوِّحًا إلَى الْأُولَى وَالصَّوَابُ أَنَّ وَجْهَ التَّلْوِيحِ إلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ شِرَاءً فَاسِدًا قَيْدًا لِلِابْتِيَاعِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْعَقْدِ، فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْفَسَادُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا الْفَسَادُ الطَّارِئُ وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ (قَوْلُهُ وَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ) وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْمُفْسِدُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ

وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ شَفِيعُهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ) ثُمَّ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا إذَا بَاعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ بَعْدَهُ لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ فِي الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَبَقِيَتْ الْمَأْخُوذَةُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ بَطَلَتْ لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بَقِيَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى مِلْكِهِ لِمَا بَيَّنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَيَسْتَحِقَّهَا بِدُونِ شَرْطِ الْخِيَارِ كَمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فِي قَوْلِهِ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِوَضِ، إمَّا بِالشَّرْطِ فِي حَقِّهِ أَوْ لِفَسَادٍ فِي نَفْسِهِ كَجَعْلِ الْخَمْرِ ثَمَنًا، فَلَوْ أَسْقَطْنَا الْعِوَضَ لِفَسَادٍ فِيهِ بَقِيَ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا فَلَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُ الْبَيْعِ عَنْ مُفْسِدٍ فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ هُنَاكَ وَأَمَّا الْخِيَارُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ الْعِوَضَيْنِ، إذْ هُوَ لِلتَّأَمُّلِ وَالتَّرَوِّي، فَبِإِسْقَاطِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا يَلْزَمُ الْفَسَادُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ يُمْكِنُ وُجُودُهُ بِلَا شَرْطِ خِيَارٍ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ فَلَوْ أَسْقَطْنَا الْعِوَضَ لِفَسَادٍ فِيهِ بَقِيَ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى إسْقَاطِ الْعِوَضِ، بَلْ يَكْفِي إسْقَاطُ الشَّرْطِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَاعْتِبَارِ قِيمَةِ مِثْلِ الْخَمْرِ فَتَدَبَّرْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ إسْقَاطِ الشَّرْطِ وَاعْتِبَارِ قِيمَةِ مِثْلِ الْخَمْرِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِدُونِ إسْقَاطِ نَفْسِ الْعِوَضِ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ إسْقَاطَ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ الرَّاجِعِ إلَى الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَسْتَدْعِي إسْقَاطَ نَفْسِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَأَمَّا إمْكَانُ عَدَمِ إسْقَاطِ مَا يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ فَغَيْرُ مُفِيدٍ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الْمَشْفُوعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا بِمُطْلَقِ جِنْسِ الثَّمَنِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ اعْتِبَارَ قِيمَةِ مِثْلِ الْخَمْرِ فِي الْبَيْعِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لِأَنَّ مِثْلَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ لِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْكُفَّارِ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ لَهُ لِكَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا عِنْدَ هُمْ، لَكِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ بَيْعٌ صَحِيحٌ وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمَشْفُوعُ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا مَعْنَى

قَالَ (وَإِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الْعَقَارَ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ؛ وَالشُّفْعَةُ مَا شُرِعَتْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَالشُّفْعَةُ فِي إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ (وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا لِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَقَدْ قَصَدَا الْفَسْخَ وَهُوَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ لِوُجُودِ حَدِّ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَالشَّفِيعُ ثَالِثٌ، وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ قَبْلَهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَإِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الْعَقَارَ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ؛ وَالشُّفْعَةُ مَا شُرِعَتْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ لِلْمُقَاسِمِ لِكَوْنِهِ جَارًا بَعْدَ الْإِفْرَازِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ اهـ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمُقَاسِمِ جَارًا بَعْدَ الْإِفْرَازِ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَهُ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّمًا عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْمَالِكِ عَنْ الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهِ مَعَهُ وَقَدْ تَأَخَّرَ عَنْهُ هُنَا حَيْثُ حَصَلَ الْجِوَارُ بَعْدَ الْإِفْرَازِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَسِمِينَ عَنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لِلْمُقَاسِمِ لِأَجَلِ مَانِعٍ يَمْنَعُ عَنْهُ وَهُوَ التَّعَذُّرُ الْمَذْكُورُ عَدَمُ وُجُوبِهَا لِلْجَارِ الْآخَرِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ الْمَانِعُ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ؛ وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ وَجَبَتْ لِلْمُقَاسِمِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَالشَّرِيكُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّمَ الْجَارُ عَلَى الشَّرِيكِ اهـ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُقَاسِمَ إنَّمَا كَانَ شَرِيكًا قَبْلَ الِاقْتِسَامِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ صَارَ جَارًا فَلَا يَلْزَمُ تَقَدُّمُ الْجَارِ عَلَى الشَّرِيكِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَقَدُّمَ الْجَارِ عَلَى الشَّرِيكِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ وَيَبْطُلُ لَوْ ثَبَتَ لِذَلِكَ الشَّرِيكِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّهَا لِمَانِعٍ كَمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَقَدُّمُ الْجَارِ عَلَى الشَّرِيكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فَضْلًا عَنْ بُطْلَانِ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّرِيكَ الشُّفْعَةَ فِيهَا أَخَذَهَا الْجَارُ لِسُقُوطِ حَقِّ الشَّرِيكِ كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يُقَدَّمَ الْجَارُ عَلَى الشَّرِيكِ فَمَا ظَنُّك فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ

كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عَلَى مَا عُرِفَ؛ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ: لَا شُفْعَةَ بِسَبَبِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِالْفَتْحِ عَطْفًا عَلَى الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ لُزُومُهُ بِالرِّضَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: قَالَ الشَّارِحُونَ قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ: أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ هُنَاكَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ اهـ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ كَوْنُ التَّقْيِيدِ بِالْقَضَاءِ لَغْوًا فِي صُورَةِ عَدَمِ الْقَبْضِ لَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ حَتَّى يُنَاقِضَ مَا سَبَقَ فَيَتِمَّ كَلَامُ الشَّارِحِينَ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُهُ يَعْنِي يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِنْ جَانِبِ هَؤُلَاءِ الشَّارِحِينَ إنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِحَمْلِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، صِيَانَةُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ عَنْ اللَّغْوِ، فَإِنَّ الرَّدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ أَصْلًا سَوَاءً كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ هُوَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَكَانَ التَّقْيِيدُ بِالْقَضَاءِ لَغْوًا فِي صُورَةِ عَدَمِ الْقَبْضِ، وَلَيْسَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ فِي الْحُكْمِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِالْقَضَاءِ حَتَّى يُنَاقِضَ قَوْلَهُ هُنَا فِيمَا سَبَقَ. أَقُولُ: الْحَقُّ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ الشَّارِحُونَ لَمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِيمَا بَعْدَ بَيَانِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إلَخْ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ قَبْلَهُ أَثْنَاءَ بَيَانِ قَوْلِهِ ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ كَلَامِ الثِّقَاتِ سِيَّمَا الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ عَدَمَ ظُهُورِهِ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالْقَضَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى صُورَةِ عَدَمِ الْقَبْضِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ التَّقْيِيدِ بِالْقَضَاءِ لَغْوًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ عَامًّا شَامِلًا لِصُورَتَيْ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، لِأَنَّ ظُهُورَ فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِالنَّظَرِ إلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْكَلَامِ الْعَامِّ كَافٍ فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْكَلَامِ الْمُقَيَّدِ بِذَلِكَ الْقَيْدِ مَصُونًا عَنْ اللَّغْوِ وَغَيْرَ مُخِلٍّ بِعُمُومِهِ فَرْدًا آخَرَ أَيْضًا، إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَيْدُ مُنَافِيًا لِعُمُومِ ذَلِكَ الْفَرْدِ الْآخَرِ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْقَضَاءَ كَمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْقَبْضِ يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ تَأْثِيرَ الْقَضَاءِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ تَأَمَّلْ تَقِفْ

[باب ما يبطل به الشفعة]

بَابُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ قَالَ (وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ (وَكَذَلِكَ إنْ أَشْهَدَ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى أَحَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ] لَمَّا كَانَ بُطْلَانُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَابِقَةَ ثُبُوتِهِ ذَكَرَ مَا يَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ الْبَيْعَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ) فَإِنْ قِيلَ: جَعَلَ تَرْكَ الْإِشْهَادِ هَاهُنَا مُبْطِلًا لِلشُّفْعَةِ وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا فِي بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْإِشْهَادَ عِنْدَ هَذَا الطَّلَبِ فِي الْكُتُبِ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي هَذَا الطَّلَبَ يَتَمَكَّنُ الشَّفِيعُ مِنْ إثْبَاتِهِ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَازِمٌ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْإِشْهَادُ شَرْطًا لَازِمًا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ مُبْطِلًا لِلشُّفْعَةِ فَمَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْإِشْهَادِ نَفْسَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِشْهَادِ فِي حَقِّ عِلْمِ الْقَاضِي سَمَّى هَذَا الطَّلَبَ إشْهَادًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي حَقِّ تَرْكِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ هَاهُنَا. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَاكْتَفَى تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ بِتَفْسِيرِ الْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا بِطَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ حَيْثُ قَالَا: وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ: أَيْ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ وَاسْتَغْنَوْا بِهَذَا التَّفْسِيرِ عَنْ التَّعَرُّضِ لِتَفْصِيلِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفَسَّرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا بِمَا فَسَّرَاهُ بِهِ وَلَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ: وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا يُرَدَّ مَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّ تَرْكَ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ لَا يُبْطِلُهُ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَبْلُ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ. وَقَوْله هَاهُنَا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ جَعْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ عَاضِدًا: أَيْ مُعِينًا لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ هَاهُنَا نَفْسَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، صَحِيحٌ، إذْ لَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ هَاهُنَا عَلَى مَعْنَاهُ الظَّاهِرِيِّ لَقَالَ فِي تَعْلِيلِ بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ بِتَرْكِهِ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْإِشْهَادِ دُونَ أَنْ يُقَالَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقَوْلِهِمَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي حَقِّ تَرْكِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ

الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَا عِنْدَ الْعَقَارِ) وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ (وَإِنْ صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَرَدَّ الْعِوَضَ) لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحِلِّ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى فَيَبْطُلَ الشَّرْطُ وَيَصِحَّ الْإِسْقَاطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ هَاهُنَا اهـ. وَأَمَّا جَعْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَبْلُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ عَاضِدًا أَيْضًا لِذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ لَا طَلَب التَّقْرِيرِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدَ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مَعْنَى مَا فِي الْكِتَابِ طَلَبَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ وَفَسَادُهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى غَيْرُ خَافٍ عَلَى أَحَدٍ، وَالْمُفَسَّرُ هَاهُنَا بِطَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ نَفْسُ الْإِشْهَادِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَاضِدًا لِلْآخَرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَرَدَّ الْعِوَضَ، لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحِلِّ بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى فَيَبْطُلَ الشَّرْطُ وَيَصِحَّ الْإِسْقَاطُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْح هَذَا الْمَقَامِ: وَإِنْ صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَرَدَّ الْعِوَضَ أَمَّا بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ فَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ، وَمَا لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحِلِّ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَأَمَّا رَدُّ الْعِوَضِ فَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ: يَعْنِي الشَّرْطَ الْمُلَائِمَ، وَهُوَ أَنْ يُعَلَّقَ إسْقَاطُهُ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَالِ، مِثْلُ قَوْلِ الشَّفِيعِ لِلْمُشْتَرِي سَلَّمْتُك شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ أَجَرْتَنِيهَا أَوْ أَعَرْتَنِيهَا، فَبِالْفَاسِدِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِيهِ الْمَالُ أَوْلَى اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ سَقِيمٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ، لِأَنَّهُ وَزَّعَ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَحِلِّ إلَخْ إلَى قَوْلِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَإِلَى قَوْلِهِ وَرَدَّ الْعِوَضَ، فَجَعَلَ قَوْلَهُ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ إلَخْ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَرَدَّ الْعِوَضَ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ مُتَأَمِّلٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنَّ حَقَّ التَّوْزِيعِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا مَعْنَى الْمَقَامِ يُرْشِدُ إلَيْهِ جِدًّا التَّفْرِيعَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي ذَيْلِ الدَّلِيلَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ مِنْ التَّوْزِيعِ: أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْإِسْقَاطُ فِي الثَّانِي تَبَصَّرْ وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ إسْقَاطَ حَقِّ الشُّفْعَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ، أَلَا يَرَى إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْتُ شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْتَ اشْتَرَيْتَهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ، أَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ سَلَّمْتهَا لَك إنَّ كُنْتَ بِعْتَهَا لِنَفْسِك وَقَدْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَلَّقَ التَّسْلِيمَ بِشَرْطٍ، وَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَمَا كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا يُتْرَكُ إلَّا بَعْد وُجُودِ الشَّرْط فَلَا يُتْرَكُ التَّسْلِيمُ اهـ. قَالَ الشَّارِح الْعَيْنِيّ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا النَّظَرِ عَنْ صَاحِب الْغَايَة: قُلْت: اسْتِخْرَاج هَذَا النَّظَرِ الْغَيْر الْوَارِد مِنْ قَوْل الشَّيْخِ أَبِي الْمُعَيَّنِ النَّسَفِيِّ فِي شَرْحِ الْجَامِع الْكَبِير حَيْثُ قَالَ فِيهِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَجِب الْعِوَض يَجِب أَنْ لَا تُبْطَلَ الشُّفْعَةُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْطَلَ حَقّه بِشَرْطِ سَلَامَة الْعِوَض، فَإِذَا لَمْ يُسْلَم وَجَبَ أَنْ لَا تُبْطَل كَمَا فِي الْكَفَالَة إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى مَال حَتَّى يُبَرِّئهُ مِنْ الْكَفَالَة لِمَا لَمْ يَجِب الْعِوَض لَمْ تَثْبُت الْبَرَاءَة. قِيلَ لَهُ بِأَنَّ الْمَال لَا يَصْلُح عِوَضًا عَنْ الشُّفْعَة فَصَارَ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِير فِي بَاب الْخُلْع وَالصُّلْح عَنْ دَم الْعَمْد وَثَمَّةَ يَقَع الطَّلَاق وَيَسْقُط الْقِصَاص إذَا وَجَدَ الْقَبُول مِنْ الْمَرْأَة وَالْقَاتِل وَلَمْ يَجِب شَيْء، كَذَا هُنَا وَأَمَّا الصُّلْح عَنْ الْكَفَالَة بِالنَّفْسِ فَكَذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَر مُحَمَّد فِي كِتَاب الشُّفْعَة مِنْ الْمَبْسُوط، وَكِتَاب الْكَفَالَة وَالْحَوَالَة مِنْ الْمَبْسُوط فِي رِوَايَة أَبِي حَفْص، وَعَلَى مَا ذَكَر فِي كِتَاب الْحَوَالَة وَالْكَفَالَة مِنْ الْمَبْسُوط فِي رِوَايَة أَبِي سَلِيمَانِ لَا يَبْرَأ، وَيَحْتَاج إلَى الْفَرْقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الشَّفِيع قَدْ سَقَطَ بِعِوَضٍ مَعْنًى فَإِنَّ الثَّمَن سَلَّمَ لَهُ، فَإِنَّهُ مَتَى أَخَذَ الدَّار بِالشُّفْعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَمَتَى سَلَّمَ لَهُ الثَّمَن فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ نَوْعَ عِوَضٍ بِإِزَاءِ التَّسْلِيم فَلَا بُدّ مِنْ الْقَوْل بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الشُّفْعَة فَأَمَّا الْمَكْفُول لَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الْكَفِيل بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِوَضٌ أَصْلًا فَلَا يَسْقُط حَقّه فِي الْكَفَالَة اهـ. وَمِنْ هَذَا الْجَوَاب يُحَصَّل الْجَوَابُ عَنْ النَّظَر الْمَذْكُور؛ إلَى هُنَا لَفْظ شَرْحِ الْعَيْنِيّ أَقُول: لَا يَذْهَب عَلَيْك أَنَّهُ لَا يُحَصَّل مِنْ الْجَوَابُ الْمَذْكُور فِي كَلَام الشَّيْخ أَبِي الْمُعَيَّن الْجَوَابُ عَنْ النَّظَر الْمَذْكُورِ، بَلْ لَا مِسَاس لَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ السُّؤَال وَالْجَوَاب فِي كَلَام الشَّيْخ أَبِي الْمُعَيَّن مُتَعَلِّق بِأَصْلِ الْمَسْأَلَة، وَالنَّظَر الْمَذْكُورُ مُتَعَلِّق بِمُقَدَّمَةِ الدَّلِيل وَهِيَ قَوْله وَلَا يَتَعَلَّق إسْقَاطه بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْط فَأَحَدهمَا بِمَعْزِلِ عَنْ الْآخِر، كَيْف لَا وَقَدْ ذَكَر صَاحِب الْغَايَة أَوَّلًا كَلَام الشَّيْخ أَبِي الْمُعَيَّن بِتَمَامِهِ نَقْلًا عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: وَأُورِدَ الشَّيْخ أَبُو الْمُعَيَّنِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِع سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي هَذَا الْمَوْضِع قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَجِب الْعِوَض يَجِب أَنْ لَا تُجِبْ شُفْعَته أَيْضًا إلَى آخِر كَلَامه، ثُمَّ أُورِد نَظَرُهُ الْمَذْكُور فِي حَاشِيَة أُخْرَى، وَلَمْ يَجِب عَنْهُ؛ فَبَيْنهمَا بَوْن لَا يَخْفَى ثُمَّ قَالَ صَاحِب الْعِنَايَة: وَقَوْله عَلَى عِوَضٍ إشَارَة إلَى أَنَّ الصُّلْح إذَا كَانَ عَلَى بَعْض الدَّار صَحَّ وَلَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَة لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا أَنْ يُصَالِحهُ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الدَّار بِنِصْفِ الثَّمَن، وَفِيهِ الصُّلْح جَائِز لِفَقْدِ الْإِعْرَاض. وَالثَّانِي أَنْ يُصَالِحهُ عَلَى أَخَذَ بَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الدَّار بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَن، وَالصُّلْح فِيهِ لَا يَجُوز لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَجْهُولَةٌ وَلَهُ الشُّفْعَة لِفَقْدِ الْإِعْرَاض اهـ. أَقُول: فِيهِ بَحْثُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّم أَنَّ فِي قَوْله عَلَى عِوَضٍ إشَارَة إلَى أَنَّ الصُّلْح إذَا كَانَ عَلَى بَعْض الدَّار صَحَّ وَلَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَة، إذْ لَا يُتَصَوَّر إشَارَةُ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَة، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَفْهُوم قَوْله عَلَى عِوَضٍ بِطَرِيقِ الْمُخَالَفَة هُوَ مَعْنَى بِلَا عِوَضٍ، وَهُوَ يَعُمّ بَعْض الدَّار وَكُلّ الدَّار وَمَا لَيْسَ بِدَارِ وَلَا عِوَضَ أَصْلًا، إذْ لَا يُصْلَح شَيْء مِنْهُمَا لَأَنْ يَكُون عِوَضًا فَيَصِير الصُّلْح

وَكَذَا لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ، وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مِلْكٍ فِي الْمَحِلِّ وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى: لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَقِيلَ هَذِهِ رِوَايَةٌ فِي الشُّفْعَةِ، وَقِيلَ هِيَ فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةً وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُورَثُ عَنْهُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا إذَا مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بِلَا عِوَضٍ، وَأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَرَدَّ الْعِوَضَ يَعُمُّ أَيْضًا مَا صَحَّ الشَّرْطُ وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَمَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَلَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ وَمَا صَحَّ الشَّرْطُ وَالشُّفْعَةُ أَيْضًا، فَمِنْ بَيْنِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ كَيْفَ يَحْصُلُ الْإِشَارَةُ إلَى خُصُوصِ أَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الدَّارِ صَحَّ وَلَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ كَمَا فِي الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا. نَعَمْ الْحُكْمُ فِي الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا قَالَهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي عَدَمِ تَمَامِ إشَارَةِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ إلَيْهِ كَمَا ادَّعَاهَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَعْلِيلَ جَوَازِ الصُّلْحِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا بِفَقْدِ الْإِعْرَاضِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَتِمُّ، لِأَنَّ فَقْدَ الْإِعْرَاضِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْهُمَا أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الصُّلْحِ فِيهِ لِجَهَالَةِ الْحِصَّةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الصُّلْحِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ، فَالْوَجْهُ فِي تَعْلِيلِ جَوَازِ الصُّلْحِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ لِكَوْنِ الْحِصَّةِ مَعْلُومَةً تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا)

بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبَضَهُ فَالْبَيْع لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، وَلِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ دَارِهِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقِيَامُهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ لِلشَّفِيعِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ شَرْطًا فَلَا يَسْتَوْجِبُ الشُّفْعَةَ بِدُونِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَبْطُلْ) لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سَبَبُ حَقِّهِ، وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِوَصِيَّةٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَأْخُذَ الدَّارَ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ فِي حَيَاتِهِ قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مَا يُشْفَعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِزَوَالِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِمِلْكِهِ وَلِهَذَا يَزُولُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ كَمَا إذَا سَلَّمَ صَرِيحًا أَوْ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الزَّوَالَ فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ قَالَ (وَوَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ فَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحِلِّ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا بَيَّنَهُ لَا يَفِي بِتَمَامِ الْمُدَّعَى هُنَا، إذْ لَا إسْقَاطَ فِي الْبَيْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ مُقَدِّمَةٍ أُخْرَى اهـ. أَقُولُ: نَعَمْ لَا إسْقَاطَ فِي الْبَيْعِ الْحَقِيقِيِّ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ بَيْعُ الشُّفْعَةِ بِمَالٍ فَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً يُعْرَفُ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَهُ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ، إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ

الشُّفْعَةُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَمَنْ اشْتَرَى أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِأَخْذِ الْمَشْفُوعَةِ يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَالْمُشْتَرِي لَا يُنْقَضُ شِرَاؤُهُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ مِثْلُ الشِّرَاءِ (وَكَذَلِكَ لَوْ ضَمِنَ الدَّرْكَ عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَأَمْضَى الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِإِمْضَائِهِ، بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي قَالَ (وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ فِي الْأَوَّلِ وَلِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ الَّذِي بَلَغَهُ وَتَيَسُّرِ مَا بِيعَ بِهِ فِي الثَّانِي إذْ الْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرَضٍ، قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ الشُّفْعَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَنَا أَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فِي حَقِّ الثَّمَنِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْعًا حَقِيقِيًّا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا شَيْئًا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ أَصْلًا فَلَا جَرَمَ كَانَ إسْقَاطًا فَتَمَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ هُنَا، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ كَانَ تَسْلِيمًا، لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ فَيَصِيرَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ الْإِسْقَاطِ مَجَازًا كَبَيْعِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مِنْ نَفْسِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ تَسْلِيمُهُ بَاطِلًا أَيْضًا، لِأَنَّ إطْلَاقَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَلِكَ لَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَنَّ قِيمَةَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِهِ أَوْ أَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ تَعْلِيلُهُ دَالٌّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّعْلِيلِ دَالٌّ عَلَيْهِ. وَهَكَذَا أَيْضًا اسْتَدَلَّ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ: فَلَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ شَيْءٌ

قَالَ (وَإِذَا قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِتَفَاوُتِ الْجِوَارِ (وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ غَيْرِهِ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ (وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ النِّصْفِ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ شِرَاءُ الْجَمِيعِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ، وَفِي عَكْسِهِ لَا شُفْعَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي أَبْعَاضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَهُوَ عَلَى الشُّفْعَةِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ تَسْلِيمُهُ بَاطِلًا أَيْضًا وَتَكَلَّفَ لِذَلِكَ كَثِيرًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ، فَإِنَّ التَّسْلِيمَ إذَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى فَلَأَنْ لَا يَصِحَّ إذَا ظَهَرَ أَقَلَّ أَوْلَى اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَا يَدْفَعُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ كَوْنِ التَّقْيِيدِ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ مُخْتَلَفٍ فِيمَا إذَا كَانَ قِيمَتُهَا أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ كَانَ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهَا أَلْفًا، أَوْ أَكْثَرَ غَيْرَ مُفِيدٍ قَطْعًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخِلًّا بِنَاءً عَلَى إيهَامِهِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ أَيْضًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَدْرِكًا، وَإِنْ عَدَّ السُّلُوكَ مَسْلَكَ الدَّلَالَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ مَعَ كَوْنِهَا أَمْرًا مُبْهَمًا فِي هَذَا الْمَقَامِ كَفَى أَنْ يُقَالَ قِيمَتُهَا أَكْثَرُ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ إذَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى فَلَأَنْ لَا يَصِحَّ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْلَى فَلَا مُخَلِّصَ مِنْ اسْتِدْرَاكِ أَحَدِ الْقَيْدَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِذَا قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِتَفَاوُتِ الْجِوَارِ) يَعْنِي لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْجِوَارِ، فَالرِّضَا بِجِوَارِ هَذَا لَا يَكُونُ رِضًا بِجِوَارِ ذَاكَ كَذَا فِي الْكَافِي قَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْت شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْتَ اشْتَرَيْتَهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَلَّقَ التَّسْلِيمَ بِشَرْطٍ، وَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا يُتْرَكُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا بَعْدَ نَقْلِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ: وَهَذَا كَمَا تَرَى يُنَاقِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هُنَا خُلَاصَةُ النَّظَرِ الَّذِي أَوْرَدَهُ

[فصل باع دارا إلا مقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع]

فَصْلٌ قَالَ (وَإِذَا بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا، قَالَ (وَإِذَا ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٍ فِيهِمَا، إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّانِي شَرِيكٌ فَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحُ الْأَتْقَانِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَقَلْنَاهُ عَنْهُ، وَذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْكَلِمَاتِ هُنَالِكَ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ فَرَّقَ مَا بَيْنَ شَرْطٍ وَشَرْطٍ، فَمَا سَبَقَ كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الشُّفْعَةِ وَالرِّضَا بِالْجِوَارِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ هُنَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لِلشَّفِيعِ أَدَاءُ مَا اشْتَرَى بِهِ الدَّارَ لَمْ يَدُلَّ تَسْلِيمُهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ، إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى أَخْذِهِ، وَكَذَا تَسْلِيمُهُ لِزَيْدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِجِوَارِ عَمْرٍو فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُهُ أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ حَمْلُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ عَلَى الشَّرْطِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَحَمْلُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَخْصُوصِ الْآخَرِ وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ كَلَامَيْهِمَا لَا يُسَاعِدُ ذَلِكَ أَصْلًا، أَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَلِأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَوْلَوِيَّةَ عَدَمِ تَعَلُّقِ إسْقَاطِهِ بِالْفَاسِدِ مِنْ عَدَمِ تَعَلُّقِ إسْقَاطِهِ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ الْجَائِزِ جِنْسَ الشَّرْطِ الْجَائِزِ لَا الشَّرْطَ الْجَائِزَ الْمَخْصُوصَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِخُصُوصِهِ حَالَةٌ مَانِعَةٌ عَنْ التَّعْلِيقِ لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ فِي الْفَاسِدِ، وَأَمَّا كَلَامُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ إسْقَاطًا مَحْضًا إنَّمَا هُوَ صِحَّةُ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا لَا صِحَّةُ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ مُعَيَّنٍ، سِيَّمَا الشَّرْطَ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ إسْقَاطًا يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ دُونَ عَدَمِ الْإِعْرَاضِ، تَأَمَّلْ تَقِفْ [فَصْلٌ بَاعَ دَارًا إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَتْ الشُّفْعَةُ تَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عُلِمَ تِلْكَ الْأَحْوَالُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ فَاسِقًا يُتَأَذَّى بِهِ، وَفِي اسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ يَحْصُلُ الْخَلَاصُ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْجَارِ فَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَمَّا كَانَ يَتَّجِهُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّ الْبَائِعَ يُخْرِجُ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ وَمِلْكِهِ بِالْبَيْعِ فَيَحْصُلُ بِهِ الْخَلَاصُ لَهُ مِنْ أَذِيَّةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْجَارِ الْفَاسِقِ فَمَا الِاحْتِيَاجُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ شُفْعَتِهِ؟ تَدَارَكَ دَفْعَ ذَلِكَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ يُتَأَذَّى بِهِ فِي قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ فَاسِقًا يُتَأَذَّى بِهِ بِأَنْ قَالَ فِي اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ دَارٌ أُخْرَى وَرَاءَ دَارِهِ الْمَبِيعَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ أَقُولُ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ مِنْ إسْقَاطِ شُفْعَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْجَارِ الْفَاسِقِ الَّذِي يُتَأَذَّى بِهِ دَفْعُ تَأَذِّي الْجِيرَانِ الْمُلَاصِقِينَ بِالدَّارِ الْمَبِيعَةِ دُونَ دَارِ ذَلِكَ الْجَارِ الْفَاسِقِ، لَا دَفْعُ مُجَرَّدِ تَأَذِّي نَفْسِ الْبَائِعِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذِهِ

فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ ابْتَاعَ السَّهْمَ بِالثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا مَثَلًا وَالْبَاقِي بِالْبَاقِي، وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا عِوَضًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ دُونَ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ آخَرُ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْعِوَضُ عَنْ الدَّارِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ حِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ فَيُبَاعَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطَى بِهَا ثَوْبٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّتْ الْمَشْفُوعَةُ يَبْقَى كُلُّ الثَّمَنِ عَلَى مُشْتَرِي الثَّوْبِ لِقِيَامِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَيَتَضَرَّرَ بِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُبَاعَ بِالدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ حَتَّى إذَا اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ فَيَجِبَ رَدُّ الدِّينَارُ لَا غَيْرُ قَالَ (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَائِدَةَ مِمَّا تَتَحَقَّقُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُبَاعَ بِالدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ حَتَّى إذَا اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ فَيَجِبَ رَدُّ الدِّينَارِ لَا غَيْرُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي شُفْعَةِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَقَالَ: وَمِنْ الْحِيلَةِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ يَبِيعُهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا ثُمَّ يَقْبِضُ تِسْعَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ وَيَقْبِضُ بِالْبَاقِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا يَأْخُذُهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَلَا يَرْغَبُ فِي الشُّفْعَةِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الدَّارَ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِعِشْرِينَ أَلْفًا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الدَّارَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَمَنُ الدَّارِ فَيَبْطُلَ الصَّرْفُ كَمَا لَوْ بَاعَ الدِّينَارَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ اهـ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِيهَا بَلْ جَعَلَهُ شَرْحًا مَحْضًا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ تَقْرِيرُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْنَةٍ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا لَيْسَ عَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الشَّرْحَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ: فَإِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنْ يُبَاعَ بِكُلِّ الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ دِينَارٌ، وَمَعْنَى مَا ذُكِرَ فِيهَا أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَ ثَمَنِهَا وَيُبَاعَ بِالْبَاقِي دَنَانِيرَ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعُ فَيَجِبَ رَدُّ الدِّينَارِ لَا غَيْرُ، وَقَالُوا ثَمَّةَ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِعِشْرِينَ أَلْفًا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا أَعْطَاهُ نَعَمْ كِلَا الْعَيْنَيْنِ مُشْتَرَكَانِ فِي أَنْ يَعُمَّا الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ وَأَنْ لَا يَتَضَرَّرَ بَائِعُ الدَّارِ فِيهَا لِعَدَمِ لُزُومِ رُجُوعِ مُشْتَرِي الدَّارِ عَلَيْهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ عِنْدَ ظُهُورِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّارَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا فَصَارَ أَحَدُهُمَا نَظِيرَ الْآخَرِ فِي الْحِيلَةِ لَا عَيْنَهُ، فَلَا يَصْلُحُ أَحَدُهُمَا لَأَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَشَرْحًا لِلْآخَرِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ

فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَلَوْ أَبَحْنَا الْحِيلَةَ مَا دَفَعْنَاهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَنَعَ عَنْ إثْبَاتِ الْحَقِّ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى خَمْسَةُ نَفَرٍ دَارًا مِنْ رَجُلٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ خَمْسَةٍ أَخَذَهَا كُلَّهَا أَوْ تَرَكَهَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَخْذِ الْبَعْضِ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرَ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقُومُ الشَّفِيعُ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ مَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْقُدْ الْآخَرُ حِصَّتَهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ يَدُ الْبَائِعِ، وَسَوَاءً سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ كَانَ الثَّمَنُ جُمْلَةً، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا لِلثَّمَنِ، وَهَاهُنَا تَفْرِيعَاتٌ ذَكَرْنَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْحِيلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلرَّفْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ لِدَفْعِهِ؛ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أَنَا أُولِيهَا لَك فَلَا حَاجَةَ لَك فِي الْأَخْذِ فَيَقُولَ نَعَمْ تَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَهَذَا الْقَائِلُ قَاسَ فَصْلَ الشُّفْعَةِ عَلَى فَصْلِ الزَّكَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي هَذَا التَّقْرِيرِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ

فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارِ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَهُ الْبَائِعُ أَخَذَ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ وَلِهَذَا يَتِمُّ الْقَبْضُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْهِبَةِ، وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَفْعٌ فِيهِ بِعَوْدِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ، فَكَذَا لَا يُنْقَضُ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرِكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِيَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَقَعَ مَعَ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضَهُ الشَّفِيعُ كَمَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ، ثُمَّ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يُشْفَعُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ. قَالَ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَائِعُ فَلِمَوْلَاهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ بِالثَّمَنِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشِّرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِمَوْلَاهُ، وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ يَبِيعُ لَهُ قَالَ (وَتَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الشُّفْعَةَ عَلَى الصَّغِيرِ جَائِزٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِهِ (وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ) إجْمَاعُ الْمُجْتَهِدِينَ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ إجْمَاعُ الْمَشَايِخِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الرِّوَايَةِ. وَأَيًّا مَّا كَانَ لَا يَخْلُو التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ عَنْ اضْطِرَابٍ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْقَطْعَ بِكَوْنِ الثَّانِي مُخْتَلَفًا فِيهِ لَا يَكُونُ تَامًّا حِينَئِذٍ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاجْتِهَادِ فِي الثَّانِي إنَّمَا كَانَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ الرُّوَاةِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الْحِيلَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ إلَخْ، فَلِأَنَّ الْقَطْعَ بِكَوْنِ الْأَوَّلِ مَكْرُوهًا لَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ رَوَى عَدَمَ كَرَاهَةِ الِاحْتِيَالِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ بِالْعُرُوضِ مِنْ الْمَبْسُوطِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ وُجُوهَ الْحِيَلِ وَالِاسْتِعْمَالِ بِهَذِهِ الْحِيَلِ لِإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ: لَا بَأْسَ بِهِ، أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ) قَالُوا: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَهُمَا شِرَاءُ دَارٍ بِجِوَارِ دَارِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَطْلُبَا الشُّفْعَةَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ كَدِيَتِهِ وَقَوْدِهِ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ إبْطَالُهُ إضْرَارًا بِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ فَيَمْلِكَانِ تَرْكَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ بَيْعًا لِلصَّبِيِّ صَحَّ رَدُّهُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَلِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي تَرْكِهِ لِيَبْقَى الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِهِ وَالْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ فَيَمْلِكَانِهِ وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، فَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَظَرًا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا مُحَابَاةً كَثِيرَةً، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ مِنْهُمَا أَيْضًا وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُ الْمُشْتَرِي الْإِضْرَارَ بِهِ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ الدَّفْعُ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ وَلِلْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ انْتَهَى قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ: الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ قَالُوا: عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تُكْرَهُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْحِيلَةِ لِمَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَمَنْعِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِإِبْطَالِ حَقٍّ وَاجِبٍ، وَقَبْلَ الْوُجُوبِ إنْ كَانَ الْجَارُ فَاسِقًا يُتَأَذَّى مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ

[كتاب القسمة]

[كِتَابُ الْقِسْمَةِ] ِ الْقِسْمَةُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ مَشْرُوعَةٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاشَرَهَا فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ، وَجَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا شَكَّ؛ كَمَا لَوْ تَرَكَ اكْتِسَابَ الْمَالِ لِمَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَبَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَا يُكْرَهُ الِاحْتِيَالُ أَيْضًا لِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِإِضْرَارٍ بِالْغَيْرِ، فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا، إلَى هُنَا لَفْظُ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] (كِتَابُ الْقِسْمَةِ) مُنَاسَبَةُ الْقِسْمَةِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ نَتَائِجِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ لِمَا أَنَّ أَقْوَى أَسْبَابِ الشُّفْعَةِ الشَّرِكَةُ، فَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ الِافْتِرَاقَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَمَعَ عَدَمِ بَقَائِهِ بَاعَ فَوَجَبَ عِنْدَهُ الشُّفْعَةُ؛ هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: أَوْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ نَافِيَةٌ لِلشُّفْعَةِ قَاطِعَةٌ لِوُجُوبِهَا رُجُوعًا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَالنَّفْيُ يَقْتَضِي سَبْقَ الثُّبُوتِ فَكَانَتْ بَيْنَ الشُّفْعَةِ وَالْقِسْمَةِ مُنَاسَبَةُ الْمُضَادَّةِ، وَالْمُتَضَادَّانِ يَفْتَرِقَانِ أَبَدًا مَعَ تَقَدُّمِ الْمُثْبَتِ عَلَى الْمَنْفِيِّ كَمَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ كَوْنَ الْقِسْمَةِ نَافِيَةً لِلشُّفْعَةِ قَاطِعَةً لِوُجُوبِهَا رُجُوعًا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَئِمَّتِنَا فَلَا، لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ أَيْضًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ أُخَرَ وَأَجَابُوا عَنْ اسْتِدْلَالِهِ

التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، ثُمَّ هِيَ لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، لِأَنَّ مَا يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا بَعْضُهُ كَانَ لَهُ وَبَعْضُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً وَإِفْرَازًا، وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ. وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَئِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ نَفْيُ الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ الْقِسْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِوُقُوعِ الْحُدُودِ وَصَرْفِ الطُّرُقِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ أَنْ يُشْكِلَ أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّفْعَةُ كَالْبَيْعِ؟ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَدَمَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بِهَا، وَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَمَا مَعْنَى بِنَاءِ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ هَاهُنَا عَلَى مَا هُوَ الْمُزَيَّفُ هُنَاكَ ثُمَّ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّفْيَ يَقْتَضِي سَبْقَ الثُّبُوتِ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي الْمَعْقُولَاتِ مِنْ أَنَّ السَّلْبَ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُتَضَادَّيْنِ يَفْتَرِقَانِ أَبَدًا مَعَ تَقَدُّمِ الْمُثْبَتِ عَلَى الْمَنْفِيِّ مَمْنُوعٌ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] وقَوْله تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَنَحْوَ ذَلِكَ كَيْفَ تَقَدَّمَ الْمَنْفِيُّ هُنَاكَ عَلَى الْمُثْبَتِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَدَّمَ الشُّفْعَةَ لِأَنَّ بَقَاءَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَصْلٌ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ فِي الشُّفْعَةِ بَقَاءَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَيْثُ يَبْقَى فِيهَا الشُّيُوعُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ زَالَ مِلْكُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَيْثُ يَبْقَى فِيهَا مِلْكُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَعْضِ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ زَالَ الشُّيُوعُ، بَلْ هَذَا الْبَقَاءُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ مُنَاسَبَةِ الْقِسْمَةِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ الِافْتِرَاقَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَمَعَ عَدَمِ بَقَائِهِ بَاعَ فَوَجَبَ عِنْدَهُ الشُّفْعَةُ، فَكَوْنُ بَقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَصْلًا لَا يُرَجِّحُ تَقْدِيمَ الشُّفْعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ إنَّ الْقِسْمَةَ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْوَةِ لِلِاقْتِدَاءِ وَالْأُسْوَةِ لِلِائْتِسَاءِ وَفِي الشَّرِيعَةِ: جَمْعُ النَّصِيبِ الشَّائِعِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ وَسَبَبُهَا طَلَبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الِانْتِفَاعَ بِنَصِيبِهِ عَلَى الْخُلُوصِ وَرُكْنُهَا الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَالْعَدِّ فِي الْمَعْدُودَاتِ وَشَرْطُهَا أَنْ لَا تَفُوتَ الْمَنْفَعَةُ بِالْقِسْمَةِ وَلِهَذَا لَا يُقْسَمُ الْحَائِطُ وَالْحَمَّامُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لِلتَّفَاوُتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرِ. وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ) وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمِثْلٍ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا، كَذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: هُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ آنِفًا فِي الْكِتَابِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، سَوَاءً كَانَتْ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَمَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُهُ كَانَ مِلْكَهُ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَصَارَ لَهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، فَكَانَ الْقِسْمَةُ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي كَانَ مِلْكَهُ إفْرَازًا وَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ مُبَادَلَةً، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَوْنُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ غَيْرُ وَاضِحٍ، إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَيْسَ بِمِثْلٍ بِيَقِينٍ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقِّهِ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَلَمْ يَكُنْ أَخْذُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ عَيْنِ حَقِّهِ حُكْمًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْإِفْرَازُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ حَقِّهِ فِي الْحَقِيقَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَهُ هَذَا الْبَعْضَ إفْرَازٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مُبَادَلَةٌ، فَقَدْ تَحَقَّقَ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ إفْرَازٌ بِدُونِ الْمُبَادَلَةِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى مَا يَأْخُذُهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مُبَادَلَةٌ بِدُونِ الْإِفْرَازِ فَكَانَ مَعْنَيَا الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ فِيهِ مُتَسَاوِيَيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ ظُهُورُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ كَمَا ادَّعَوْهُ قَاطِبَةً، بِخِلَافِ مَا قَالُوا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مِنْ ظُهُورِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهَا فَإِنَّهُ وَاضِحٌ، لِأَنَّ أَخْذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا مَا هُوَ عَيْنُ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِهِ إفْرَازٌ بِلَا شُبْهَةٍ، وَأَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا مَا هُوَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ عَيْنِ حَقِّهِ لِكَوْنِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فِيهَا مِثْلُ حَقِّهِ بِيَقِينٍ. وَأَخْذُ الْمِثْلِ بِيَقِينٍ يُجْعَلُ كَأَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا كَمَا فِي الْقَرْضِ فَتَحَقَّقَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ أَيْضًا فَكَانَ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: مَعْنَى الْإِفْرَازِ ظَاهِرٌ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَغَيْرُ ظَاهِرٍ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بَلْ مَعْنَيَا الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ سِيَّانِ فِيهِ لَكَانَ الْأَمْرُ هَيِّنًا، وَلَمَّا قَالُوا: مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَشْكَلَ ذَلِكَ كَمَا تَرَى وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَجْهًا أَبْسَطَ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ لِظُهُورِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ نَاقِلًا عَنْ الْمُغْنِي حَيْثُ قَالَ: وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كُلِّهَا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَشَبَهُ الْمُبَادَلَةِ فِيهَا رَاجِحٌ لِأَنَّهَا إفْرَازٌ حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ، وَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ هِيَ مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ نِصْفَ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلٌ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. وَأَخْذُ الْمِثْلِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا فَكَانَ إفْرَازًا، إلَّا أَنَّ مَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمِثْلٍ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّ الْمَقْسُومَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَفِيمَا لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَا تَثْبُتُ الْمُعَادَلَةُ بِيَقِينٍ، فَالْإِفْرَازُ مَعَ الْمُبَادَلَةِ اسْتَوَيَا فِي الْحُكْمِ ثُمَّ تَرَجَّحَتْ الْمُبَادَلَةُ بِالْحَقِيقَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الْإِشْكَالَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَّجِهُ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ رُجْحَانِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيمَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ لَا عَلَى تَحَقُّقِ رُجْحَانِ ذَلِكَ فِي الْمَقْسُومِ كُلِّهِ، كَيْفَ وَمَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ لَا يُوجَدُ فِيهِ إلَّا إفْرَازٌ مَحْضٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ أَنْ يَقْبِضَ عَيْنَ حَقِّهِ وَأَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ نَفْسِهِ قَبْضٌ لِعَيْنِ حَقِّهِ لَا غَيْرُ وَالْمُدَّعِي رُجْحَانَ الْمُبَادَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى رُجْحَانِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ إفْرَازٌ مَحْضٌ، وَإِذَا كَانَ أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ أَخْذًا لِمِثْلِ مَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَكَانَ أَخْذُ ذَلِكَ

إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَحَدَهُمْ بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعَ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، فَيَجِبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ قَاسِمًا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ أَجْرٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْعَامَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِثْلِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا فَكَانَ إفْرَازًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَانَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِي ذَلِكَ ظَاهِرًا رَاجِحًا لِتَحَقُّقِهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ وَتَحَقُّقُ الْمُبَادَلَةِ فِي بَعْضِهَا كَمَا تَحَقَّقْته (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ بِأَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ لَمَا أُجْبِرَ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَقُولُ: هَاهُنَا أَيْضًا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِيبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لِعَيْنِ حَقِّهِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ، إذْ يَبْقَى الْكَلَامُ حِينَئِذٍ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى أَخْذِ النَّصِيبِ الْآخَرِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَيَظْهَرُ عَلَى مَا قَالُوا، وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِيبِ الَّذِي كَانَ لِصَاحِبِهِ وَيَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِهِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ فَذَلِكَ يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، إذْ لَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِيبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لِعَيْنِ حَقِّهِ وَإِذَا تَحَقَّقَ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِيبِ الْآخَرِ أَيْضًا كَانَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ ظَاهِرًا جِدًّا، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ أَقُولُ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ فِيهِ إمْكَانَ الْمُعَادَلَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لَكَانَ سَالِمًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَكَانَ مُنَاسِبًا لَا مَحَالَةَ لِقَوْلِهِ لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كَمَا سَيَأْتِي تَبَصَّرْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْمُبَادَلَةِ لِأَنَّهَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنَّ الْمَدْيُونَ يُجْبَرُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَا عُرِفَ، فَصَارَ مَا يُؤَدِّي الْمَدْيُونُ بَدَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: جَرَيَان الْجَبْرِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِكَوْنِ مَا أَخَذَهُ الدَّائِنُ مِنْ الْبَدَلِ مِثْلَ مَا ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ بِيَقِينٍ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ أَخْذَ مِثْلِ الْحَقِّ بِيَقِينٍ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ، وَعَنْ هَذَا جَعَلُوا أَخْذَ الْمِثْلِ فِي الْقَرْضِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ فَجَعَلُوا الْقَرْضَ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِيهِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ لَيْسَ مِثْلَ مَا تَرَكَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ عَيْنِ الْحَقِّ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ هُوَ الظَّاهِرُ، فَمِنْ ذَلِكَ نَشَأَ السُّؤَالُ الْمُقَدَّرُ وَاحْتِيجَ إلَى الْجَوَابِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ قِيَاسُ جَرَيَانِ الْجَبْرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى جَرَيَانِهِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ تَحَقُّقِ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ جَازَ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ مُبَادَلَةٌ كَالتِّجَارَةِ، وَالتَّرَاضِي فِي التِّجَارَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ، وَلَيْسَ بِتَامٍّ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ مُبَادَلَةٌ مَحْضَةٌ كَالتِّجَارَةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الْقِسْمَةَ مُطْلَقًا لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ، إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ فِي قِسْمَةِ مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ هِيَ الظَّاهِرَةُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي قِسْمَةِ غَيْرِ مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَعَ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا، عَلَى أَنَّ كَوْنَ التَّرَاضِي شَرْطًا فِي التِّجَارَةِ بِالنَّصِّ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ شَرْطًا فِي قِسْمَةِ مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ أَيْضًا لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى

فَتَكُونَ كِفَايَتُهُ فِي مَالِهِمْ غُرْمًا بِالْغُنْمِ قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ) مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ، لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ، وَبِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ. (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ وَهِيَ بِالْعِلْمِ، وَمِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ بِالْأَمَانَةِ (وَلَا يُجْبِرُ الْقَاضِي النَّاسَ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ لِأَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى الْعُقُودِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ (وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ فَيَحْتَاجُ إلَى أَمْرِ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ (وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ) كَيْ لَا تَصِيرَ الْأُجْرَةُ غَالِيَةً بِتَوَاكُلِهِمْ، وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَيْهِ خِيفَةَ الْفَوْتِ فَيُرَخِّصُ الْأَجْرَ قَالَ (وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ، وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتِّجَارَةِ فِي كُلِّ الْوُجُوهِ، إذْ الْقِسْمَةُ مُطْلَقًا لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ أَلْبَتَّةَ، بِخِلَافِ التِّجَارَةِ، فَكَيْفَ تَلْحَقُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا هُوَ أَنَّهُمْ لَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ، لِأَنَّهُ الْحَقُّ لِهَؤُلَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَعَدَمُ الْجَبْرِ عَلَى قِسْمَةِ مُخْتَلِفِ الْأَجْنَاسِ لِخَوْفِ أَنْ يَبْقَى حَقُّ أَحَدِهِمْ عَلَى الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَإِذَا تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَسْقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ الْبَاقِيَ عَلَى الْآخَرِ فَصَحَّتْ الْقِسْمَةُ بِلَا رَيْبٍ، اُنْظُرْ إلَى هَذَا الْمَعْنَى الْوَجِيهِ الْوَاضِحِ هَلْ يُشْبِهُ بِمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ) أَقُولُ: قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ يُنَافِي بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْعَامَّةَ فَتَكُونَ كِفَايَتُهُ فِي مَالِهِمْ غُرْمًا بِالْغُنْمِ فَتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: ذِكْرُ الْأَمَانَةِ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ ثُمَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَرَدَّ هَذَا التَّوْجِيهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْوِقَايَةِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْوِقَايَةِ لَمَّا اكْتَفَى بِقَوْلِهِ وَيَجِبُ كَوْنُهُ عَدْلًا عَالِمًا بِهَا قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ لَمْ يَقُلْ عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا

بِأَصْلِ التَّمْيِيز، بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ، وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ وَهُوَ الْعُذْرُ لَوْ أُطْلِقَ وَلَا يُفَصَّلُ وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ قَالَ. (وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ، وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَا سِوَى الْعَقَارِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) لَهُمَا أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارَ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا يُفِيدُ، إلَّا أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الْأَمَانَةَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَدَالَةِ وَقَالَ: وَالتَّوْجِيهُ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ ظُهُورَ الْعَدَالَةِ يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَهَا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ، أَقُولُ: الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ نَفْسُ الْعَدَالَةِ لَا ظُهُورُهَا، فَاسْتِلْزَامُ ظُهُورِهَا ظُهُورَ الْأَمَانَةِ لَا يَقْتَضِي اسْتِدْرَاكَ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ الْمُرَادِ بِهَا ظُهُورُهَا فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَدَالَةِ ظُهُورُهَا كَمَا أُرِيدَ فِي الْأَمَانَةِ حَتَّى يُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ بِالْكُلِّيَّةِ قُلْت: إرَادَةُ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ مِنْ لَفْظِ الْعَدَالَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَا تُفْهَمُ مِنْ لَفْظِهَا وَحْدَهُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ، وَأَمَّا إرَادَةُ ظُهُورِ الْأَمَانَةِ مِنْ لَفْظِ الْأَمَانَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْكِتَابِ فَبِقَرِينَةِ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْعَدَالَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِنَفْسِ الْأَمَانَةِ نَعَمْ لَوْ قَالَ فِي الْكِتَابِ ابْتِدَاءً ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ عَدْلًا لَحَصَلَ الْغِنَى عَنْ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ، لَكِنَّ مُرَادَ

الزِّيَادَةُ قَبْلَهَا تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَتْ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ مُفِيدٌ، لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمُورِثِ. وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُقِرِّ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ نَظَرًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْحِفْظِ أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ عِنْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ تَوْجِيهُ الْعِبَارَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْكِتَابِ لَا نَفْيُ مَجَالِ إفَادَةِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ هَاهُنَا بِعِبَارَةٍ أَخَصْرَ مِمَّا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُفِيدٌ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمُورِثِ وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُقِرِّ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا وَالْآخَرُ بِكَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ، بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لِتَعَيُّنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ لَا أَقْسِمُ حَتَّى تُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ هُمْ يَجْعَلُونَ أَحَدَهُمْ مُدَّعِيًا لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمْ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا اسْتِشْكَالَهُ شَيْءٌ وَلَا جَوَابَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّعْيِينِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِمْ فَتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِتَعْيِينِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فَالْقَاضِي يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ وَيَقْسِمُ الدَّارَ وَيَجْعَلُ أَحَدَ الْحَاضِرَيْنِ مُدَّعِيًا وَالْآخَرَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ الْحَاضِرِينَ صُلُوحًا لَأَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا فِي دَعْوَى حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى الْآخَرِ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْآخَرِ حَقَّهُ عَلَيْهِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَصِيرُ مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ مِنْ حَيْثِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَلَا تُتَوَهَّمُ الْجَهَالَةُ حِينَئِذٍ أَصْلًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ اسْتِمَاعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَقِسْمَةُ الدَّرَاهِمِ بَيْنَهُمْ عَلَى جَعْلِهِمْ أَحَدَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ مُدَّعِيًا وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ وَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ، فَإِنَّهُمْ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَعْنَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْلَمُوا مِثْلَ هَذِهِ الدَّقِيقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ انْتِصَابِ الْوَرَثَةِ خُصَمَاءَ عَنْ الْمُورِثِ يَقْسِمُ الْقَاضِي الدَّارَ بَيْنَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ أَنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِ الْمُورِثِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ

وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرَى لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَقْسِمْ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ قَالَ (وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِنَّهُمْ مَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ. (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ بِأَسْرِهَا (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: أَعَادَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِلْكًا لِغَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَذْكُرَا السَّبَبَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا فَيَكُونَ مِلْكًا لِلْغَيْرِ، وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرًى فَيَكُونَ مِلْكًا لَهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مَالِكِهَا فَلَا يَقْسِمُ احْتِيَاطًا انْتَهَى أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مَالِكِهَا غَيْرَ مُفِيدٍ هَاهُنَا، بَلْ هُوَ مُخِلٌّ بِالْمَقَامِ لِأَنَّ ذَاكَ الْأَصْلَ: أَعْنِي كَوْنَ الْأَمْلَاكِ فِي يَدِ مَالِكِهَا يُرَجِّحُ كَوْنَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِلْكًا لَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْسِمَ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، مَعَ أَنَّ جَوَابَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنْ لَا يَقْسِمَ بِدُونِهَا كَمَا تَرَى، فَالصَّوَابُ أَنْ يَتْرُكَ تِلْكَ الْمُقَدَّمَةَ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي بَيَانِ وَجْهِ رِوَايَةِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ كَمَا مَرَّتْ مِنْ قَبْلُ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَذْكُرَا السَّبَبَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا إلَى آخِرِهِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، بَلْ الْمُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لَهُمَا لَا إرْثًا وَلَا شِرَاءً، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مِلْكًا لَهُمَا لَتَعَرَّضَا لَهُ، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّ فِي الْأُولَى ادَّعَوْا الْمِلْكَ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُحْتَمَلَ هُنَا أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لَهُمَا أَصْلًا لَا غَيْرُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُ كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مِلْكًا لَهُمَا لَتَعَرَّضَا لَهُ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لِشَيْءٍ لَا يُنَافِي احْتِمَالَهُ فِي الْوَاقِعِ، وَإِنَّمَا يُنَافِي تَقَرُّرَهُ وَتَعَيُّنَهُ كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمِلْكِ لَهُمَا احْتِمَالٌ أَصْلًا لَمَا جَازَ اسْتِمَاعُ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ هُنَا فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرًى يَكْفِي فِي أَنْ لَا يَقْسِمَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ احْتِيَاطًا ثُمَّ إنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِدْرَاكِ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مَالِكِهَا لِإِخْلَالِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ فِي تَعْلِيلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَيَسْقُطَ جِدًّا مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ مِنْ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لَهُمَا أَصْلًا لِدَلَالَةِ ثُبُوتِ أَيْدِيهِمَا عَلَى أَنَّ مَا فِيهَا مِلْكٌ لَهُمَا، وَيَكُونُ سَبَبُ عَدَمِ تَعَرُّضِهِمَا لِكَوْنِهِ مِلْكًا لَهُمَا هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى دَلَالَةِ ذَلِكَ

وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِهِ وَلَا مِلْكَ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَيُنَصِّبُ وَكِيلًا يَقْبِضُ نَصِيبَ الْغَائِبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يَقْسِمُ وَيُنَصِّبُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يَقْسِمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ) وَالْفَرْقُ أَنْ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُورِثُ أَوْ بَاعَ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورِثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ. أَمَّا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالشِّرَاءِ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَقِسْمَةَ الْمَلِكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِهِ وَلَا مِلْكَ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ) يَعْنِي أَنَّ الْقِسْمَةَ نَوْعَانِ: قِسْمَةٌ لِحَقِّ الْمِلْكِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَقِسْمَةٌ لِحَقِّ الْيَدِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ، وَالثَّانِي فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ قِسْمَةُ الْمِلْكِ وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْقِسْمَةُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ فِيمَا إذَا ادَّعَوْا الشِّرَاءَ أَيْضًا فِي الْعَقَارِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِيهِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ بِالِاتِّفَاقِ. وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنْ لَا تَجُوزَ الْقِسْمَةُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا فِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْإِرْثَ فِي الْعَقَارِ وَمَعَ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَيْضًا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِجَوَازِهَا فِيهِ بِمُجَرَّدِ اعْتِرَافِهِمْ ثُمَّ أَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَلَا مِلْكَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا مِلْكَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ لِانْتِقَاضِهِ بِصُورَةِ ادِّعَائِهِمْ الشِّرَاءَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، وَبِصُورَةِ ادِّعَائِهِمْ الْإِرْثَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ فِي دَعْوَاهُمَا: أَيْ لَمْ يَدَّعِيَا الْمِلْكَ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ أَصْلًا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، بَلْ إنَّمَا ادَّعَيَا أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ رِوَايَةِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا هُنَاكَ صَرِيحَ الْمِلْكِ فَافْتَرَقَتَا فَحِينَئِذٍ لَا انْتِقَاضَ بِالصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ ادَّعَوْا فِيهِمَا سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ الْإِرْثِ أَوْ الشِّرَاءِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ فَمَوْضُوعُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْمِلْكَ ابْتِدَاءً وَمَوْضُوعُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْيَدَ ابْتِدَاءً،

فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ (وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يُقْسَمْ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودِعِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِاسْتِحْقَاقِ يَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا، وَأَمِينُ الْخَصْمِ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِ الْخَصْمِ لَا يَجُوزُ. وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ قَالَ (وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يَقْسِمْ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا، وَكَذَا مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَلَوْ كَانَ الْحَاضِرُ كَبِيرًا وَصَغِيرًا نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِيهَا وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ يَقْسِمُهُ) لِاجْتِمَاعِ الْخَصْمَيْنِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمُوصَى لَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ كَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيَانُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا ادَّعَيَا الْمِلْكَ ابْتِدَاءً وَالْيَدُ ثَابِتَةٌ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ غَيْرُهُ، إذْ الْأَصْلُ أَنَّ الْأَمْلَاكَ فِي يَدِ الْمُلَّاكِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا الظَّاهِرُ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِلْكَ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ احْتِمَالٌ بِلَا دَلِيلٍ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، أَمَّا إذَا ادَّعَيَا الْيَدَ وَأَعْرَضَا عَنْ ذِكْرِ الْمِلْكِ مَعَ حَاجَتِهِمَا إلَى بَيَانِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُمَا طَلَبَا الْقِسْمَةَ مِنْ الْقَاضِي وَالْقِسْمَةُ فِي الْعَقَارِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ، فَلَمَّا سَكَتُوا عَنْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ لَهُمَا فَتَأَكَّدَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ السَّابِقُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَزُولَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِاسْتِحْقَاقِ يَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا) يَعْنِي أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الصَّغِيرِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا، كَذَا التَّقْرِيرُ فِي الْكَافِي وَالْمَبْسُوطِ أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الْعَقَارُ كُلُّهُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ الصَّغِيرِ، أَوْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ زَائِدٌ قَدْرُهُ عَلَى حِصَّةِ الْغَائِبِ أَوْ الصَّغِيرِ مِنْ الْمِيرَاثِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْعَقَارِ شَيْءٌ يُسَاوِي قَدْرُهُ حِصَّةَ ذَلِكَ مِنْ الْمِيرَاثِ أَوْ يَصِيرُ أَقَلَّ مِنْهَا فَلَا يَتَمَشَّى فِيهَا ذَلِكَ التَّعْلِيلُ، إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الصَّغِيرِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ يَدِهِ بَلْ يَلْزَمُ إبْقَاءُ مَا كَانَ فِي يَدِهِ عَلَى يَدِهِ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي وَزِيَادَةُ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِ الْحَاضِرِينَ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي عَدَمِ وُقُوعِ ذِكْرٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، فَإِنَّ هَذَا الْقَيْدَ فِي وَضْعِهَا مِنْ زِيَادَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَتَأَمَّلْ

[فصل فيما يقسم وما لا يقسم]

فَصْلٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ قَالَ (وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ قَسَمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقٌّ لَازِمٌ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ أَحَدُهُمْ وَيَسْتَضِرُّ بِهِ الْآخَرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ، فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَسَمَ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيُعْتَبَرَ طَلَبُهُ، وَالثَّانِي مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى قَلْبِ هَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُرِيدُ الْإِضْرَارَ بِغَيْرِهِ وَالْآخَرُ يَرْضَى بِضَرَرِ نَفْسِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ أَيَّهمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي، وَالْوَجْهُ انْدَرَجَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَصَحُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَضِرُّ لِصِغَرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ] لَمَّا تَنَوَّعَتْ مَسَائِلُ الْقِسْمَةِ إلَى مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ شَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ رِضَا صَاحِبِ الْقَلِيلِ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ لَا يُلْزِمُ الْقَاضِيَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْمُلْزَمُ طَلَبُ الْإِنْصَافِ مِنْ الْقَاضِي وَإِيصَالُهُ إلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ عِنْدَ طَلَبِهِ الْقَلِيلَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَزَادَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ أَنْ يُقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَطَلَبَا جَمِيعًا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الطَّالِبُ مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ انْتَهَى أَقُولُ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ تُخَالِفُ مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَضِرُّ لِصِغَرِهِ لَمْ يَقْسِمْهَا إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُهَا عِنْدَ تَرَاضِي الشَّرِيكَيْنِ وَطَلَبِهِمَا الْقِسْمَةَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ: وَيَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَهُمَا أَعْرَفُ بِشَأْنِهِمَا، أَمَّا الْقَاضِي يَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ انْتَهَى ثُمَّ إنَّك لَوْ تَأَمَّلْت حَقَّ التَّأَمُّلِ وَجَدْت نَوْعًا مِنْ التَّدَافُعِ بَيْنَ أَصْلِ مَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ أَصَحِّيَّةِ

لَمْ يَقْسِمْهَا إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا) لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا، وَتَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَهُمَا أَعْرَفُ بِشَأْنِهِمَا. أَمَّا الْقَاضِي فَيَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ قَالَ (وَيُقْسَمُ الْعُرُوض إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ يَتَّحِدُ الْمَقْصُودُ فَيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّكْمِيلُ فِي الْمَنْفَعَةِ (وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَيْنِ بَعْضَهُمَا فِي بَعْضٍ) لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً، وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي (وَيَقْسِمُ كُلَّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ وَتِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالْإِبِلِ بِانْفِرَادِهَا وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَا يَقْسِمُ شَاةً وَبَعِيرًا وَبِرْذَوْنًا وَحِمَارًا وَلَا يَقْسِمُ الْأَوَانِيَ) لِأَنَّهَا بِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ (وَيَقْسِمُ الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ) لِاتِّحَادِ الصِّنْفِ (وَلَا يَقْسِمُ ثَوْبًا وَاحِدًا) لِاشْتِمَالِ الْقِسْمَةِ عَلَى الضَّرَرِ إذْ هِيَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَطْعِ (وَلَا ثَوْبَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا) لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إذَا جُعِلَ ثَوْبٌ بِثَوْبَيْنِ أَوْ ثَوْبٌ وَرُبْعُ ثَوْبٍ بِثَوْبٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ قِسْمَةُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ. (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ وَالْجَوَاهِرَ) لِتَفَاوُتِهِمَا (وَقَالَا: يَقْسِمُ الرَّقِيقَ) لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ وَلَهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَصَارَ كَالْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَبَيْنَ ذَاكَ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا إلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْقَاضِي يَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ فَتَأَمَّلْ

وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْمَغَانِمِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا وَهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا فَافْتَرَقَا وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَقَدْ قِيلَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَا يَقْسِمُ كَاللَّآلِئِ وَالْيَوَاقِيتِ وَقِيلَ لَا يَقْسِمُ الْكِبَارَ مِنْهَا لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ، وَيَقْسِمُ الصِّغَارَ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ. وَقِيلَ يَجْرِي الْجَوَابُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجَوَاهِرِ أَفْحَشُ مِنْ جَهَالَةِ الرَّقِيقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى لُؤْلُؤَةٍ أَوْ يَاقُوتَةٍ أَوْ خَالَعَ عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقِسْمَةِ. قَالَ (وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ، وَلَا رَحًى إلَّا بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ، وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ) لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الضَّرَرِ فِي الطَّرَفَيْنِ، إذْ لَا يَبْقَى كُلُّ نَصِيبٍ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا فَلَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بِخِلَافِ التَّرَاضِي لِمَا بَيَّنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا رَحًى إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْجَبْرَ فِي الْقِسْمَةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا بِأَنْ يَبْقَى نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعَ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَفِي قِسْمَةِ الْحَمَّامِ وَالْبِئْرِ وَالرَّحَى ضَرَرٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَلَا يُقْسَمُ إلَّا بِالتَّرَاضِي انْتَهَى أَقُولُ: تَقْرِيرُ الْأَصْلِ بِهَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ وَالْآخَرُ يَسْتَضِرُّ بِنَصِيبِهِ لِقِلَّتِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ فَقَطْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، وَبِطَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ فَقَطْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَلَى الْجَصَّاصُ، وَبِطَلَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ يُنْتَقَضُ ذَلِكَ التَّقْرِيرُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ فَالصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الضَّرَرِ فِي الطَّرَفَيْنِ إلَخْ أَنْ يُقْتَصَرَ فِي بَيَانِ أَصْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى لُزُومِ الضَّرَرِ لِكُلِّ

قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ دُورٌ مُشْتَرَكَةً فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَسَمَ كُلَّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَسَمَهَا) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْأَقْرِحَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ الْمُشْتَرِكَةُ لَهُمَا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ اسْمًا وَصُورَةً، وَنَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ مَعْنًى نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَوُجُوهِ السُّكْنَى فَيُفَوَّضُ التَّرْجِيحُ إلَى الْقَاضِي وَلَهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَاءِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ دَارٍ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى دَارٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الثَّوْبِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ بُيُوتُهَا، لِأَنَّ فِي قِسْمَةِ كُلِّ بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ ضَرَرًا فَقُسِمَتْ الدَّارُ قِسْمَةً وَاحِدَةً قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَقْيِيدُ الْوَضْعِ فِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّارَيْنِ إذَا كَانَتَا فِي مِصْرَيْنِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةُ هِلَالٍ عَنْهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْسَمُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَالْبُيُوتُ فِي مُحَلَّةٍ أَوْ مَحَالٍ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيمَا بَيْنَهَا يَسِيرٌ، وَالْمَنَازِلُ الْمُتَلَازِقَةُ كَالْبُيُوتِ وَالْمُتَبَايِنَةُ كَالدُّورِ لِأَنَّهُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَأَخَذَ شَبِيهًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ. قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ) لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جَعَلَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ جِنْسَيْنِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَقَالَ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ: إنَّ إجَارَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ بِالْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيُجْعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ، وَيُجْعَلَ ذَلِكَ مَدَارًا لِعَدَمِ الْجَبْرِ فِي الْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: جَعَلَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ جِنْسَيْنِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ. وَقَالَ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ: إنَّ إجَارَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ بِالْحَانُوتِ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيُجْعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ. وَاسْتَشْكَلَ التَّوْجِيهَ الثَّانِيَ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ هُمَا مُخْتَلِفَانِ جِنْسًا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَالْفَسَادُ ثَمَّةَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ مَنْفَعَتِهِمَا وَهُوَ السُّكْنَى، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلَةِ عَنْهَا. وَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ يَكُونَ مِنْ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْكَافِي وَأَوْضَحَ إشْكَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: وَاسْتَشْكَلَ كَلَامُهُ هَذَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ إذَا اتَّحَدَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً، وَبِالْجِنْسِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الرِّبَا، فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ شُبْهَةُ الْجِنْسِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا

[فصل في كيفية القسمة]

فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ يَكُونَ مِنْ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْكِتَابِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا إشْكَالَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ بِهَا لِأَنَّهُ قَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَقُولُ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ خَلَلٌ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ الشُّبْهَةَ الثَّابِتَةَ بِنَفْسِ الْمُجَانَسَةِ لَمَا تَمَّ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ إجَارَاتِ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ، إذْ يَصِيرُ مَدَارُ مَسْأَلَةِ إجَارَاتِ الْأَصْلِ حِينَئِذٍ عَلَى اتِّحَادِ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ فِي الْجِنْسِ وَمَدَارُ مَسْأَلَتِنَا عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْجِنْسِ قَطْعًا، فَتَتَنَاقَضَانِ، وَالْمُصَنِّفُ قَصَدَ التَّوْفِيقَ بِذَلِكَ فَنَشَأَ مِنْهُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَقُولُ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ بِأَنْ قَالَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ وَقَعَ كَانَ الْمُرَادُ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ بِحَذْفِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى؛ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِشُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ بِهَا: يَعْنِي أَنَّهُمَا مُتَّحِدَا الْجِنْسِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى فَتُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا عَلَيْهِ وَمُخْتَلِفَاهُ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَقِيمٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَفَادٍ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَصْلًا لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ هَاهُنَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ، إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَهُمَا فِي الْجِنْسِ غَيْرُ مُقَرَّرٍ، بَلْ هُنَاكَ شَبَّهَا الِاتِّحَادَ وَالِاخْتِلَافَ فِي الْجِنْسِ مِنْ جِهَتَيْنِ فَكَانَ فِي الْجِنْسِيَّةِ شُبْهَةٌ فَيَئُولَ بِنَاءُ حُرْمَةِ الرِّبَا عَلَى ذَلِكَ إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ كَمَا عَرَفْت فِيمَا مَرَّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اتِّحَادِ الْجِنْسِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى وَاخْتِلَافِهِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ مُتَحَقِّقٌ فِي الدُّورِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَيْضًا، فَبِنَاءً عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ هُنَاكَ فَقَالَا: إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَسَمَهَا الْقَاضِي كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا ذُكِرَ لَمَا وَافَقَ الْإِمَامَانِ أَبَا حَنِيفَةَ هَاهُنَا فِي وُجُوبِ قِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَاتِّفَاقُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُتَفَهِّمًا مِنْ عَدَمِ بَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا فِي الْكِتَابِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: أَمَّا دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ فَلَا يُجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ انْتَهَى [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فِيمَا يُقْسَمُ، لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ صِفَةٌ فَتَتْبَعْ جَوَازَ أَصْلِ الْقِسْمَةِ

قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ) لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ (وَيَعْدِلَهُ) يَعْنِي يُسَوِّيَهُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى يَعْزِلَهُ: أَيْ يَقْطَعَهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ (وَيَذْرَعَهُ) لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ (وَيُقَوِّمَ الْبِنَاءَ) لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ (وَيَفْرِزَ كُلَّ نَصِيبٍ عَنْ الْبَاقِي بِطَرِيقِهِ وَشُرْبِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ الْآخَرِ تَعَلُّقٌ) فَتَنْقَطِعَ الْمُنَازَعَةُ وَيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ عَلَى التَّمَامِ (ثُمَّ يُلَقِّبَ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ، وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى هَذَا ثُمَّ يُخْرِجَ الْقُرْعَةَ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي) وَالْأَصْلُ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ، حَتَّى إذَا كَانَ الْأَقَلُّ ثُلُثًا جَعَلَهَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ كَانَ سُدُسًا جَعَلَهَا أَسْدَاسًا لِتَمَكُّنِ الْقِسْمَةِ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ مُشَبَّعًا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَيَفْرِزَ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشُرْبِهِ بَيَانُ الْأَفْضَلِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بِتَفْصِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ وَإِزَاحَةِ تُهْمَةِ الْمِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي هُوَ الْمَوْصُوفُ (قَوْلُهُ وَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ وَإِزَاحَةِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: هَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهَا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ وَالْقِمَارُ حَرَامٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزْ عُلَمَاؤُنَا اسْتِعْمَالَهَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ وَتَعْيِينِ الْعِتْقِ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ هَاهُنَا بِالسُّنَّةِ وَالتَّعَامُلِ الظَّاهِرِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ، وَلَيْسَ هَذَا فِي مَعْنَى الْقِمَارِ، لِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْقِمَارِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَتَعَلَّقُ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ، لِأَنَّ الْقَاسِمَ لَوْ قَالَ أَنَا عَدَلْت فِي الْقِسْمَةِ فَخُذْ أَنْتَ هَذَا الْجَانِبَ وَأَنْتَ ذَاكَ الْجَانِبَ، كَانَ مُسْتَقِيمًا إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَعْمِلَ الْقُرْعَةَ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الشُّرَكَاءِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ

حَتَّى لَوْ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكَ الْإِلْزَامَ. قَالَ (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالْقِسْمَةُ مِنْ حُقُوقِ الِاشْتِرَاكِ) ، وَلِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْعَقَارِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَعَلَّهَا لَا تُسَلَّمُ لَهُ (وَإِذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْسِمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْأَرْضَ بِالْمَسَّاحَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ، ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فَتَدْخُلَ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ، ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ التَّزْوِيجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ، وَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ التَّسْوِيَةِ بِأَنْ كَانَ لَا تَفِي الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ لِلْفَضْلِ دَرَاهِمُ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ إلَّا بِهَا. وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ قَالَ (فَإِنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ أَوْ طَرِيقٌ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقِسْمَةِ) ، فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ جَائِزٌ، أَلَا يَرَى أَنَّ يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مِثْلِ هَذَا اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ مَعَ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَكِنْ لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ رُبَّمَا نُسِبَ إلَى مَا لَا يَلِيقُ بِالْأَنْبِيَاءِ فَاسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ مَعَ الْأَحْبَارِ فِي ضَمِّ مَرْيَمَ إلَى نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ لِكَوْنِ خَالَتِهَا عِنْدَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرِعُ بَيْنَ نِسَائِهِ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ» ، انْتَهَى كَلَامُهُمْ وَعَزَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ هَذَا التَّفْصِيلَ إلَى الْمَبْسُوطِ

(وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَّةٌ لِبَقَاءِ الِاخْتِلَاطِ فَتُسْتَأْنَفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ، وَأَنَّهُ يُجَامَعُ تَعَذُّرُ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ، أَمَّا الْقِسْمَةُ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ الْجَوَابُ، لِأَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ، وَتَمَامُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِصَرْفِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَيُصَارَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ الْحُقُوقُ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا التَّعَلُّقِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَدْخُلُ فِيهَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فَيَدْخُلَ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِهِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ التَّنْصِيصِ، لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ الِانْتِفَاعُ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِدْخَالِ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فَيَدْخُلَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ (وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الطَّرِيقِ بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ، إنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ طَرِيقٌ يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ لِجَمَاعَتِهِمْ) لِتَحَقُّقِ الْإِفْرَازِ بِالْكُلِّيَّةِ دُونَهُ. (وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ) لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ (وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ جُعِلَ عَلَى عَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَطُولِهِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ (وَالطَّرِيقُ عَلَى سِهَامِهِمْ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ لَا فِيهِ (وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِمْ هَذَا وَآخِرِهِ تَدَافُعٌ، لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَوَّلًا بِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ هَاهُنَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ. وَقَالُوا آخِرًا إنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ، وَبَيَّنُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِمَارِ، وَذَكَرُوا وُرُودَ

بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا جَازَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدَّارِ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاضُلِ جَائِزَةٌ بِالتَّرَاضِي. قَالَ (وَإِذَا كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ عَلَيْهِ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظَائِرَ لَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَأْبَاهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا بَلْ هُوَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَيْضًا فَتَدَافَعَا (قَوْلَهُ وَإِذَا كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ لَهُ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ عُلُوٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَسُفْلُهُ لِآخَرَ وَسُفْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ وَبَيْتٌ كَامِلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالْكُلُّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي دَارَيْنِ لَكِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا يُقَالَ تَقْسِيمُ الْعُلُوِّ مَعَ السُّفْلِ قِسْمَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ الْبُيُوتُ مُتَفَرِّقَةً لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ مِمَّا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بِأَنْ يُقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقْسَمُ الْعُلُوُّ مَعَ السُّفْلِ قِسْمَةً وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْبُيُوتَ الْمُتَفَرِّقَةَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إذَا لَمْ تَكُنْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ؟ قُلْنَا: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، وَالْبَيْتَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ، وَلَئِنْ كَانَا فِي دَارَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلَكِنْ طَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي الْمُعَادَلَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَالَةَ الرِّضَا انْتَهَى وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، فَهِيَ الْمَأْخَذُ الْأَصْلِيُّ أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَالدِّرَايَةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَاتِ عَامَّةِ الْكُتُبِ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ: وَالْبُيُوتُ فِي مَحِلٍّ أَوْ مَحَالَّ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَسِيرٌ انْتَهَى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَحَلَّةَ فَوْقَ الدَّارِ، فَإِذَا قُسِمَتْ الْبُيُوتُ فِي مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِالْإِجْمَاعِ، فَلَأَنْ قُسِمَتْ فِي دُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِالْإِجْمَاعِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الدُّورُ، وَالْبُيُوتُ، وَالْمَنَازِلُ فَالدُّورُ لَا تُقْسَمُ عِنْدَهُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ سَوَاءً كَانَتْ مُتَبَايِنَةً أَوْ مُتَلَازِقَةً، وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً سَوَاءً كَانَتْ مُتَبَايِنَةً أَوْ مُتَلَازِقَةً، لِأَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى وَلِهَذَا تُؤَجَّرُ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ مَحِلَّةٍ، وَالْمَنَازِلُ الْمُتَلَازِقَةُ كَالْبُيُوتِ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، وَالْمُتَبَايِنَةُ كَالدُّورِ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْمَنْزِلَ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ، فَأُلْحِقَتْ الْمَنَازِلُ بِالْبُيُوتِ إذَا كَانَتْ مُتَلَازِقَةً، وَبِالدُّورِ إذَا كَانَتْ مُتَبَايِنَةً. وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا: يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى أَعْدَلِ الْوُجُوهِ لِيُمْضِيَ الْقِسْمَةَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هُنَاكَ: وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ مُطْلَقًا لِتَقَارُبِهَا فِي مَعْنَى السُّكْنَى وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ بَيْتَانِ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلَيْنِ كَانَا أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنْزِلَانِ إنْ كَانَ مُنْفَصِلَيْنِ فَهُمَا كَالدَّارَيْنِ لَا يُجْمَعُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُ يُقْسَمُ كُلُّ مَنْزِلٍ قِسْمَةً عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ كَانَا مُتَّصِلَيْنِ فَهُمَا كَالْبَيْتَيْنِ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الدَّارُ وَالْبَيْتُ سَوَاءٌ وَالرَّأْيُ فِيهِ لِلْقَاضِي انْتَهَى

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ؛ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ سِرْدَابًا أَوْ إصْطَبْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ هِيَ الْأَصْلُ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمَذْرُوعِ لَا فِي الْقِيمَةِ فَيُصَارَ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَ، وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ قِيلَ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِهِ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَاسْتِوَائِهِمَا وَتَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى. وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ مَعْنًى وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْفَعَةَ السُّفْلِ تَرْبُو عَلَى مَنْفَعَةِ الْعُلُوِّ بِضَعْفِهِ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْبَيْتَانِ فَيُقْسَمَانِ قِسْمَةَ جَمْعٍ بِالْإِجْمَاعِ مُتَّصِلَيْنِ كَانَا أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ. اهـ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ أَنَّ مَدْلُولَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسَمَ الْبَيْتَانِ أَوْ الْبُيُوتُ عِنْدَهُ قِسْمَةً وَاحِدَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالتَّرَاضِي فِي قَوْلِهِ أَوْ فِي دَارَيْنِ لَكِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ تَرَاضِيَهُمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا عَلَى قِسْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَسْتَقِيمَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُفَصَّلِ فِي الْكِتَابِ، إذْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ حِينَئِذٍ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقِسْمَةُ عَلَى وَفْقِ تَرَاضِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَيْفَمَا كَانَ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الدُّورَ مُطْلَقًا لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ تَرَاضِي الشُّرَكَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْقِسْمَةِ تُقْسَمُ بِهَا عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، وَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّرَاضِي الْمَذْكُورِ تَرَاضِيهِمَا عَلَى مُجَرَّدِ الْقِسْمَةِ بِدُونِ تَعْيِينِ شَيْءٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ: وَلَئِنْ كَانَا فِي دَارَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَرَاضَوْا عَلَى الْقِسْمَةِ وَلَكِنْ طَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي الْمُعَادَلَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَمْ يُفِدْ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا إنَّمَا تَرَاضَيَا حِينَئِذٍ عَلَى الْقِسْمَةِ الْعَادِلَةِ، فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبُيُوتَ الْمُتَفَرِّقَةَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَهُ عَدَمُ إمْكَانِ التَّعْدِيلِ فِي قِسْمَتِهَا قِسْمَةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَ فِي الدُّورِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِيهَا فَكَيْفَ تَجُوزُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمَا عَلَى الْقِسْمَةِ مَعَ طَلَبِ الْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُرَى مَعْنًى فِقْهِيٌّ فَارَقَ بَيْنَ صُدُورِ التَّصْرِيحِ بِالتَّرَاضِي عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا وَعَدَمِ صُدُورِهِ، فَمَا مَعْنَى اخْتِلَافِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلَهُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ سِرْدَابًا أَوْ إصْطَبْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ) أَقُولُ: كَانَ الظَّاهِرُ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ قِبَلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُزَادَ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ، وَإِنَّ الْعُلُوَّ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ السُّفْلُ كَدَفْعِ ضَرَرِ النَّدَى فِي مَوْضِعٍ يَكْثُرُ فِيهِ النَّدَى وَاسْتِنْشَاقُ الْهَوَاءِ الْمُلَائِمِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ صَلَاحِيَّةِ السُّفْلِ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ بِدُونِ الْعَكْسِ تَقْتَضِي تَفْضِيلَ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلَا يُنَافِي تَقْسِيمُ ذِرَاعٍ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ، بِخِلَافِ تَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَتَفْضِيلِ الْعُلُوِّ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُنَافِي الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ أَصْلًا وَيَقْتَضِي الْمَصِيرَ إلَى الْقِسْمَةِ بِالْقِيمَةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّعْدِيلُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِيمَا سَيَأْتِي: وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا، فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَقَالَ: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ قِيلَ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِهِ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَاسْتِوَائِهِمَا وَتَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ مَعْنًى) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ

الْعُلُوِّ، وَمَنْفَعَةُ الْعُلُوِّ لَا تَبْقَى بَعْدَ فِنَاءِ السُّفْلِ، وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَفِي الْعُلُوِّ السُّكْنَى لَا غَيْرُ إذْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَبْنَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ عَادَةِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَالْبُلْدَانِ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ أَوْ الْعَكْسُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اسْتِوَاؤُهُمَا، أَوْ هُوَ مَعْنًى فِقْهِيٌّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجَابَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ. وَأَبُو يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى. وَمُحَمَّدٌ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَادَاتِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ تَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى انْتَهَى أَقُولُ: فِي أَوَائِلِ تَحْرِيرِهِ خَلَلٌ حَيْثُ قَالَ أَوْ الْعَكْسُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَكْسَ تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ تَفْضِيلُ الْعُلُوِّ عَلَى السُّفْلِ مُطْلَقًا، وَهُوَ لَيْسَ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ فِي الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ فِيهِ تَفْضِيلُ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَاسْتِوَاؤُهُمَا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ، وَتَفْضِيلُ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى كَمَا قَالَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَلَيْسَ الثَّالِثُ بِعَكْسِ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِلَّهِ دَرُّ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي حُسْنِ تَحْرِيرِهِ وَإِصَابَتِهِ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْضِيلِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَاسْتِوَائِهِمَا وَتَفْضِيلِ السُّفْلِ مَرَّةً وَالْعُلُوِّ أُخْرَى: فَأَصَابَ الْمُحَزَّ فِي إفَادَةِ عَيْنِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى وَفِي الْعُلُوِّ السُّكْنَى لَا غَيْرُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا الْمَرَافِقُ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ اهـ أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي نَفْسِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ، إذْ الِاتِّحَادُ فِي الْجِنْسِ يَحْصُلُ بِالِاتِّحَادِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى بِدُونِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِاتِّحَادِ فِي الْمَرَافِقِ، فَيُصَارَ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي الْجِنْسِ مِنْ قِسْمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْقِيمَةِ، وَمُرَادُهُ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى وَفِي الْعُلُوِّ السُّكْنَى لَا غَيْرُ بَيَانُ مُرَاعَاةِ مَنْفَعَةِ غَيْرِ السُّكْنَى أَيْضًا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ، وَلَا يُعَدُّ فِي أَنْ يُرَاعَى فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ مَا لَا يُرَاعَى فِي نَفْسِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ، فَإِنَّ نَفْسَ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ قَدْ تَتَحَقَّقُ مُنْفَكَّةً عَنْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ كَمَا فِي قِسْمَةِ الْبَيْتِ السُّفْلِيِّ فَقَطْ أَوْ الْعُلْوِيِّ فَقَطْ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَاعَى التَّسْوِيَةُ فِي السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا السُّفْلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى إلَى آخِرِهِ إنَّمَا هُوَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ،

لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَى عُلُوِّهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ، فَيُعْتَبَرَ ذِرَاعَانِ مِنْهُ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَصْلُ السُّكْنَى وَهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، وَالْمَنْفَعَتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ عَلَى أَصْلِهِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّفْسِيرِ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ الْعُلُوَّ مِثْلُ نِصْفِ السُّفْلِ فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ السُّفْلِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ وَمَعَهُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ فَبَلَغَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ تُسَاوِي مِائَةً مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ، لِأَنَّ عُلُوَّهُ مِثْلُ نِصْفِ سُفْلِهِ فَبَلَغَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالسُّفْلُ الْمُجَرَّدُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ لِأَنَّهُ ضَعْفُ الْعُلُوِّ فَيُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُجْعَلَ بِإِزَاءِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ مِائَةُ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ، وَمِائَةُ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ، لِأَنَّ السُّفْلَ وَالْعُلُوَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، فَخَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ خَمْسُونَ مِنْهَا سُفْلٌ وَخَمْسُونَ مِنْهَا عُلُوٌّ قَالَ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ وَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا وَقَاسَمَا الْقَاضِيَ وَغَيْرَهُمَا سَوَاءٌ، لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ، كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْقَبْضُ لَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا، لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ لِمَا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الْغَيْرِ فَتُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ إلَّا أَنَّا نَقُولُ: هُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَيْنِك الْقَوْلَيْنِ مَعًا فَلَا تَأْثِيرَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي دَفْعِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا ادَّعَاهَا، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا شَكَّ فِي ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَصْلُ السُّكْنَى) أَقُولُ: حَقُّ التَّحْرِيرِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَصْلَ الْمَقْصُودِ هُوَ السُّكْنَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَلْفَطِنِ الْمُتَدَبِّرِ فِي الْمَقَامِ (قَوْلُهُ وَالسُّفْلُ الْمُجَرَّدُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ لِأَنَّهُ ضَعْفُ الْعُلُوِّ فَيُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ وَالسُّفْلُ الْمُجَرَّدُ إلَى آخِرِهِ مُسْتَدْرَكٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى أَقُولُ: دَعْوَى اسْتِدْرَاكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ خُرُوجٌ عَنْ دَائِرَةِ الْإِنْصَافِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ لِأَنَّ الْعُلُوَّ مِثْلُ نِصْفِ السُّفْل لَيْسَ بِبَيَانٍ كَامِلٍ لِقَوْلِهِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ، وَإِنَّمَا يَكْمُلُ الْبَيَانُ بِقَوْلِهِ وَالسُّفْلُ الْمُجَرَّدُ: أَيْ سُفْلُ الْبَيْتِ الْكَامِلِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ لِأَنَّهُ

[باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها]

لِاتِّفَاقِ الْخُصُومِ عَلَى إيفَائِهِمَا الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ (وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَاب دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا قَالَ (وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ وَزَعَمَ أَنَّ مِمَّا أَصَابَهُ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ جُمِعَ بَيْنَ نَصِيبِ النَّاكِلِ وَالْمُدَّعِي فَيُقْسَمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا) ، لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQضِعْفُ الْعُلُوِّ فَيُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ: أَيْ بِمُقَابِلَةِ مِثْلِهِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَا عُلُوَّ عَلَيْهِ أَصْلًا نَعَمْ حَقُّ الْبَيَانِ أَنْ يُؤَخَّرَ قَوْلُهُ فَبَلَغَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى قَوْلِهِ فَيُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ تَبَصَّرْ تَفْهَمْ [بَاب دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا] (بَابُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا) لَمَّا كَانَ دَعْوَى الْغَلَطِ وَالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي عَسَى أَنْ تَقَعَ وَأَنْ لَا تَقَعَ أُخَرُ ذَكَرَهَا؛ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ بِالْقِسْمَةِ أَوْ فِي أَمْرٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَعْوَاهُ مُتَنَاقِضًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَحُكْمُهُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا فِي التَّقْوِيمِ وَالْقِسْمَةِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْغَبْنُ يَسِيرٌ لَا تَحَالُفَ فِيهِ وَلَا بَيِّنَةَ وَلَا يَمِينَ كَمَا يَجِيءُ انْتَهَى أَقُولُ: ذَلِكَ مُنْدَفِعٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُقْسِمَ فِي الْأَصْلِ الْمَزْبُورِ هُوَ الِاخْتِلَافُ الْمُلْتَفَتُ إلَيْهِ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ، وَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الصُّورَتَيْنِ وَهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي التَّقْوِيمِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَكِنَّ الْغَبْنَ يَسِيرٌ خَارِجٌ عَنْ الْمُقْسِمِ الْمَذْكُورِ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ كَمَا سَيَجِيءُ، فَلَا يُرَدُّ بِهِ النَّقْضُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْأَصْلِ الْمَزْبُورِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ) لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا لَزِمَهُمْ، فَإِذَا أَنْكَرُوا اُسْتُحْلِفُوا لِرَجَاءِ النُّكُولِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ

فَيُعَامَلَانِ عَلَى زَعْمِهِمَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَنْ بَعْدُ (وَإِنْ قَالَ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ حَقِّي وَأَخَذْتُ بَعْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَإِنْ قَالَ أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَحْلِيفِ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِوَارِدٍ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ بِلَا تَصْدِيقٍ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ إلَّا فِي نَسَبِ الْوِلَادِ وَنَحْوِهِ، وَلَكِنْ يُرَدُّ الْإِقْرَارُ بِرَدِّ الْمُقِرِّ لَهُ، إلَّا بَعْدَ تَصْدِيقِهِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ حِينَئِذٍ أَصْلًا فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَادَّعَاهُ الْمُقِرُّ أَنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ إيَّاهُ فِي إقْرَارِهِ لَا يَدُلُّ مَا ذَكَرُوا هَاهُنَا عَلَى وُجُوبِ تَحْلِيفِ الْمُقَرِّ لَهُ هُنَاكَ إذْ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ أَنْ يُقَالَ لَوْ أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِكَذِبِ الْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ فِي إقْرَارِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَمَّا لَمْ يُرَدَّ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُقَرَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ بِإِقْرَارِهِ بِكَذِبِ الْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُرَدَّ الْإِقْرَارُ الْأَوَّلُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الِادِّعَاءُ قَبْلَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي إقْرَارِهِ فَلَا يَدُلُّ مَا ذَكَرُوا هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتَمَشَّى فِيهِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِكَذِبِ الْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَلَكِنْ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ أَنْ يُقَالَ فَإِذَا أَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ كَمَا قَالُوا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ كَانَ مُصَدِّقًا لَهُ فِي إقْرَارِهِ، لِأَنَّ إنْكَارَ كَذِبِهِ فِي إقْرَارِهِ يَقْتَضِي تَصْدِيقَهُ فِي إقْرَارِهِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الْإِقْرَارُ الرَّدَّ فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِحْلَافِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ هُنَاكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، تَأَمَّلْ فِيمَا قُلْنَا فَلَعَلَّ فِيهِ دِقَّةً. ثُمَّ أَقُولُ: لَكِنْ بَقِيَ فِيمَا ذَكَرُوا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِرَجَاءِ النُّكُولِ فِي قَوْلِهِمْ فَإِذَا أَنْكَرُوا اُسْتُحْلِفُوا لِرَجَاءِ النُّكُولِ إنَّمَا يَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ بَذْلٌ لَا إقْرَارَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مُفَصَّلًا فَلَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِ إقْرَارِهِمْ لَوْ أَقَرُّوا وُجُوبَ اسْتِحْلَافِهِمْ إذَا أَنْكَرُوا لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَلَا يَرْتَبِطُ آخِرُ كَلَامِهِمْ بِأَوَّلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ (قَوْلُهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الْهِدَايَةِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا، وَقَالَ: وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى فِعْلِ الْقَاسِمِ فِي إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَائِهِ حَقَّهُ، ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي فِعْلِهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِقْرَارِ إنْ كَانَ مَانِعًا عَنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ لِابْتِنَائِهِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَالَفَا. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ عَنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَالَفَا بِنَاءً عَلَى مَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا دَعْوَى الْغَلَطِ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِالْقِسْمَةِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَنَوْعٌ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ. وَاَلَّذِي يُوجِبُ التَّحَالُفَ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ غَلَطًا فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِالْقِسْمَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُدَّعِيًا

لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ التَّحَالُفِ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي، إلَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْغَبْنُ فَاحِشٌ (لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَصْبَ بِدَعْوَى الْغَلَطِ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ أَنْ يَدَّعِيَ الْغَلَطَ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِالْقِسْمَةِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مُدَّعِيًا الْغَصْبَ بِدَعْوَى الْغَلَطِ وَقَالَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ: وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّحَالُفُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَفِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَتَحَالَفَانِ إذَا كَانَ قَائِمًا هَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ وَقَالَ: هَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُمَا إقْرَارٌ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَأَمَّا إذَا سَبَقَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْغَلَطِ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْغَصْبُ وَقَالَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي: إذَا كَانَ يَجِبُ التَّحَالُفُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِالْقِسْمَةِ كَمَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَبِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْغَصْبِ لَا يَجِبُ التَّحَالُفُ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَالتَّحَالُفُ أَمْرٌ عُرِفَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِذَا وَجَبَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَا يَجِبُ انْتَهَى فَتَلَخَّصَ مِنْهُ وَجْهُ عَدَمِ وُجُوبِ التَّحَالُفِ فِيمَا إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مَعَ اسْتِمَاعِ دَعْوَاهُ كَمَا وَقَعَ فِي مَتْنِ الْكِتَابِ فَحَصَلَ بِهِ الْجَوَابُ عَنْ بَحْثِ ذَلِكَ الْقَائِلِ قَطْعًا، بَلْ حَصَلَ بِهِ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّكَلُّفِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ دَعْوَى الْغَلَطِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْغَصْبِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يُنَاقِضُ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ قَبْلُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ التَّحَالُفِ فِيمَا تَقَدَّمَ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّحَالُفِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى هُوَ أَنَّ التَّحَالُفَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالْآخَرَ يُنْكِرُهَا، وَإِنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ بِمَا قَالَهُ وَأَحَدَهُمَا يُنْكِرُهُ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرًا فَيَحْلِفَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْهُمَا لَا يَدَّعِي شَيْئًا حَتَّى يُنْكِرَهُ الْآخَرُ فَيَحْلِفَ عَلَيْهِ، لَكِنَّا عَرَفْنَا التَّحَالُفَ فِيهِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَابِضٌ نَصِيبَهُ فَإِنَّهُ ذُو الْيَدِ وَلَا يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْآخَرُ عَلَيْهِ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ فَكَانَ التَّحَالُفُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ، وَلَا مَجَالَ لِإِجْرَاءِ النَّصِّ الْمَزْبُورِ هُنَا لَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ ذَلِكَ النَّصَّ كَانَ وَارِدًا فِي الْبَيْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَا يَرِدُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَخْتَصُّ بِمَوْرِدِهِ وَلَا بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ مَعًا كَمَا مَرَّ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَالْبَيْعُ مُبَادَلَةٌ مَحْضَةٌ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، وَلَا بُدَّ فِي الْإِلْحَاقِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ أَوْ التَّسَاوِي عَلَى مَا عُرِفَ

[فصل استحق بعض نصيب أحدهما بعينه]

(وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمْ بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ) لِمَا قُلْنَا (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ خَارِجٌ، وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ (وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَبْضِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا) كَمَا فِي الْبَيْعِ. فَصْلٌ قَالَ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُفْسَخْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَعَ بِحِصَّةِ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَوْضِعِهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا هُنَا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِمَا قُلْنَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا انْتَهَى. وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: فَسْخُ الْقِسْمَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى شَيْءٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْبَيْتُ، فَإِذَا نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ يُحْكَمُ بِالْبَيْتِ لِلْمُدَّعِي انْتَهَى أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَسْخِ الْقِسْمَةِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فَسْخُ الْقِسْمَةِ الْمُعَايِنَةِ حَالَ الْخُصُومَةِ الدَّالَّةِ فِي الظَّاهِرِ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْبَيْتِ فِي نَصِيبِ ذِي الْيَدِ لَا فَسْخُ الْقِسْمَةِ عَنْ أَصْلُهَا وَالِاسْتِئْنَافُ بِقِسْمَةٍ أُخْرَى حَتَّى يُنَافِيَ مَا سَيَجِيءُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ مُعَيَّنٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصَّحِيحِ وَتَحَقَّقَ فَسْخُ الْقِسْمَةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى [فَصْلٌ اسْتَحَقَّ بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ] (فَصْلٌ)

صَاحِبِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ بِعَيْنِهِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، فَأَمَّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبُو حَفْصٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْغَلَطِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الِاسْتِحْقَاقِ (قَوْلُهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ بِعَيْنِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ) أَيْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَهَكَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَسْرَارِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَصِفَةُ الْحَوَالَةِ هَذِهِ إلَى الْأَسْرَارِ وَقَعَتْ سَهْوًا، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَسْرَارِ فِي الشَّائِعِ وَضْعًا وَتَعْلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَتَكْرَارًا بِلَفْظِ الشَّائِعِ غَيْرَ مَرَّةٍ انْتَهَى. أَقُولُ: وَتَعْدِيَةُ الْحَوَالَةِ بِكَلِمَةِ إلَى فِي قَوْلِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَصِفَةُ الْحَوَالَةِ هَذِهِ إلَى الْأَسْرَارِ وَقَعَتْ سَهْوًا أَيْضًا، وَالْمُطَابِقُ لِلُّغَةِ تَعْدِيَتُهَا بِكَلِمَةِ عَلَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِعَيْنِ عِبَارَتِهِ: وَأَقُولُ: وَفِي قَوْلِهِ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ بِعَيْنِهِ أَيْضًا نَظَرٌ. فَإِنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِعَيْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا لَا بِبَعْضٍ فَيَكُونُ تَقْرِيرُ كَلَامِهِ؛ وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي الشَّائِعِ

لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ لَهُمَا، وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ، كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ يَنْعَدِمُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ شَائِعًا، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ. وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُقَدَّمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثَالِثٍ وَالنِّصْفُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَهُمَا لَا شَرِكَةَ لِغَيْرِهِمَا فِيهِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَرُبُعِ الْمُؤَخَّرِ يَجُوزُ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الشَّائِعِ فِي النَّصِيبَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْقِسْمَةُ لَتَضَرَّرَ الثَّالِثُ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا فِي الْمُعَيَّنِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ فُحُولِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعَيْنِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِبَعْضٍ كَانَ الْبَعْضُ الْمَذْكُورُ فِي هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ مُبْهَمًا فَلَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَعْضُ الْمُعَيَّنُ أَوْ الشَّائِعُ فَيَخْتَلُّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ قَوْلُهُ بِعَيْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ بَلْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِبَعْضٍ يَكُونُ تَأْسِيسًا مُفِيدًا لِلْمُرَادِ مُزِيلًا لِلْإِبْهَامِ فَأَنَّى هَذَا مِنْ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَمْثَالِ هَذَا التَّرْكِيبِ تَعَلُّقُ الْقَيْدِ بِالْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ ظَاهِرٌ فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الظَّاهِرَ يُوجِبُ الْحُكْمَ قَطْعًا كَالنَّصِّ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ دَلِيلٍ، إلَّا أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا: أَيْ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُقَدَّمُ النَّصُّ عَلَى الظَّاهِرِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُعَارِضْ الظَّاهِرَ هُنَا نَصٌّ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ (قَوْلُهُ لِأَبِي يُوسُفَ إنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ لَهُمَا وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي انْتَهَى. وَمَأْخَذُ تَعْلِيلِهِ هَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْإِمَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ وَالْقِسْمَةُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا عَنْ تَرَاضٍ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى

فِي النَّصِيبَيْنِ، أَمَّا هَاهُنَا لَا ضَرَرَ بِالْمُسْتَحِقِّ فَافْتَرَقَا، وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ الْمُقَدَّمَ مِنْ الدَّارِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمُؤَخَّرِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُقَدَّمِ، فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ دَفْعًا لِعَيْبِ التَّشْقِيصِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمُؤَخَّرِ، لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ رَجَعَ بِنِصْفِ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ نِصْفَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ الْبَاقِي شَائِعًا رَجَعَ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِبَيْعِ الْبَعْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نِصْفِ مَا بَاعَ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ فَنَفَذَ الْبَيْعُ فِيهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ حَيْثُ قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى الْقَوْلِ بِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِي صُورَةِ التَّرَاضِي، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَبْطُلُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْغَائِبُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا تَبْطُلُ بِعَدَمِ رِضَا الْغَائِبِ، أَلَا يَرَى إلَى مَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَيُنَصِّبُ لِلْغَائِبِ وَكِيلًا بِقَبْضِ نَصِيبِهِ انْتَهَى. وَلَوْ بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ بِعَدَمِ رِضَا الْغَائِبِ لَمَا سَاغَ لِلْقَاضِي الْقِسْمَةُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْحَاضِرِينَ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ لَيْسَ بِحَوَالَةٍ رَابِحَةٍ إذْ لَا شَيْءَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ مَا يُوهِمُ بُطْلَانَهَا سِوَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ وَارِثٌ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَقْضِي حَقَّهُمَا فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ إنْ لَمْ يَرْضَ الْوَارِثُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي عَيْنُ التَّرِكَةِ فَلَا يُنْقَلُ إلَى مَالٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُمَا انْتَهَى لَكِنَّ الْمُرَادَ بِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ فِي صُورَةِ ظُهُورِ الْوَارِثِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ انْتِقَاضُهَا فِي قَدْرِ حَقِّهِمَا مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ لَا انْتِقَاضَهَا فِي مَجْمُوعِ التَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِئْنَافِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، أَوْ الْمُرَادُ انْتِقَاضُهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَيْضًا لَكِنْ فِي صُورَةِ الْقِسْمَةِ بِالتَّرَاضِي دُونَ الْقِسْمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، إذْ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ وَارِثٌ أَوْ الْمُوصَى لَهُ إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: مُوجِبُ نَقْضِ الْقِسْمَةِ بَعْدَ وُجُودِهَا أَنْوَاعٌ: مِنْهَا ظُهُورُ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا طَلَبَ الْغُرَمَاءُ دُيُونَهُمْ وَلَا مَالَ لِلْمَيِّتِ سِوَاهُ وَلَا قَضَاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهَا ظُهُورُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِنْ التَّرِكَةِ شَيْءٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَهَلَكَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ جَمِيعًا وَالْبَاقِي عَلَى الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ وَلَوْ اقْتَسَمُوا وَثَمَّةَ وَارِثٌ غَائِبٌ تُنْقَضُ فَكَذَا هَذَا. وَقَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي، فَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا تُنْقَضُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ كَانَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ

قَالَ (وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُحِيطٌ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحِيطٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ، إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ وَرَاءَ مَا قَسَمَ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ فِي إيفَاءِ حَقِّهِمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ أَدَّاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ وَالدَّيْنُ مُحِيطٌ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ. وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ، إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ، وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَمْ يُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ بِكَوْنِ الْمَقْسُومِ مُشْتَرَكًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا قَسَمَ عِنْدَ غَيْبَةِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ لَا تُنْقَضُ قِسْمَتُهُ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي إذَا صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ يَنْفُذُ وَلَا يُنْقَضُ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهَا ظُهُورُ الْوَارِثِ، حَتَّى لَوْ اقْتَسَمُوا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ ثَمَّةَ وَارِثًا آخَرَ نُقِضَتْ قِسْمَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا تُنْقَضُ لِمَا ذَكَرْنَا، إلَى هُنَا لَفْظُهُ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ أَوْرَدَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا بَلْ اعْتِبَارُهَا فِيهِ آكَدُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ تُفْسَخُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الدَّرْسِ السَّابِقِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْقِيمَةِ لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا إلَّا عَنْ تَرَاضٍ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِصَدَدِ بَيَانِ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ظَاهِرٌ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْكِتَابِ، فَاعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ كَمَا يَقْتَضِيه تَصْوِيرُهَا الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ حَتَّى فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَضْعَهَا فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ لَا فِيمَا إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي؛ فَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا إنْ أَرَادَ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صُورَةِ الْقَضَاءِ أَيْضًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي صُورَةِ الْقَضَاءِ أَيْضًا عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا، فَإِنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَافٍ فِي تَمَامِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةُ. وَقَوْلُهُ بَلْ اعْتِبَارُهَا فِيهَا آكَدُ فِي عَدَمِ الْإِصَابَةِ، لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ لَا يَنْحَصِرُ فِي أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْآخَرِ، بَلْ قَدْ يَتَحَقَّقُ الْغَبْنُ بِكَوْنِ عَيْنِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ عَيْنِ الْآخَرِ مِنْ جِهَةِ الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الذَّرْعِ أَوْ الْعَدَدِ مِمَّا يَلِيقُ بِجِنْسِ الْمَقْسُومِ؛ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ فِي غَبْنِ الْقِسْمَةِ بِالْقَضَاءِ التَّفَاوُتَ فِي الْعَيْنِ بِإِحْدَى الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ التَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَمَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ مِنْ مَسْأَلَةِ فَسْخِ الْقِيمَةِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْغَبْنِ مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ قَدْ ذُكِرَ هُنَاكَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لِلْغَبْنِ مِثَالٌ هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ وَإِنْ اقْتَسَمَا مِائَةَ شَاةٍ فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا خَمْسٌ وَخَمْسُونَ شَاةً وَأَصَابَ الْآخَرَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ شَاةً فَادَّعَى صَاحِبُ الْأَكْثَرِ الْغَبْنَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ، لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ، إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بَاطِلَةً لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ فَلْتَكُنْ بَاطِلَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا إذَا صَحَّتْ كَانَ

[فصل في المهايأة]

فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ الْمُهَايَأَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَأَشْبَهَ الْقِسْمَةَ. وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ، وَذَلِكَ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ تَامَّةً فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ تَامَّةً مِنْ حَيْثُ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَقَدْ كَانَتْ تَامَّةً مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ رَضِيَ بِهَا أَوَّلًا فَلَزِمَ السَّعْيُ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَمَدَارُ السُّؤَالِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ السَّعْيَ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّرْعِ كَمَا عُرِفَ فِي نَظَائِرِهِ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَبَيُّنِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا عَلَى الْعَكْسِ، وَهَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِاسْتِلْزَامِهَا السَّعْيَ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَكَيْفَ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ اسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ الْجَوَازَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ يُؤَدِّيَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى كَلَامُهُ أَقُولُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَوْنَ اسْتِمَاعِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَبَيُّنِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا عَلَى الْعَكْسِ غَيْرُ مُفِيدٍ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْمُجِيبَ لَا يَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّتَهَا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَلْ يَقُولُ: إنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَقَرُّرِ تَمَامِ الْقِسْمَةِ، بَلْ احْتِمَالُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ بِالْبَيِّنَةِ، فَمَآلُ جَوَابِه مَنْعُ اسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، فَالْقَاطِعُ لِعِرْقِ ذَلِكَ الْجَوَابِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ لُزُومَ السَّعْيِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ لَا مَرَدَّ لَهُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَلْزَمُ تَمَامُ الْقِسْمَةِ مِنْ حَيْثُ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَزْبُورَ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْبَعْضِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ اسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ يُؤَدِّيَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِمْ، فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ الْعَاقِلُ فَضْلًا عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْقَائِلِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ آخَرُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ سَائِرُ الْوَرَثَةِ إذْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ أَوْ أَدَّاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ قَدْ مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مُفَصَّلًا، [فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ] (فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ قِسْمَةِ الْأَعْرَاضِ الَّتِي هِيَ الْمَنَافِعُ، وَأَخَّرَهَا عَنْ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ لِكَوْنِ الْأَعْيَانِ أَصْلًا وَالْمَنَافِعِ فَرْعًا عَلَيْهَا. ثُمَّ إنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ، وَإِبْدَالُ الْهَمْزَةِ أَلِفًا لُغَةٌ فِيهَا، وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا. يُقَالُ هَايَأَ فُلَانٌ فُلَانًا وَتَهَايَأَ الْقَوْمُ. وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ الْمُهَايَأَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا، لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ

جَبْرُ الْقَاضِي كَمَا يَجْرِي فِي الْقِسْمَةِ، إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ. وَلَوْ وَقَعَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَلَا يَبْطُلُ التَّهَايُؤُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَ لَاسْتَأْنَفَهُ الْحَاكِمُ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْضِ ثُمَّ الِاسْتِئْنَافِ (وَلَوْ تَهَايَأَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا طَائِفَةٌ وَهَذَا طَائِفَةٌ أَوْ هَذَا عُلُوَّهَا وَهَذَا سُفْلَهَا جَازَ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ، وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ وَلِهَذِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرِيكَيْنِ يَنْتَفِعُ فِي نَوْبَتِهِ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْ انْتِفَاعِ شَرِيكِهِ بِمِلْكِهِ فِي نَوْبَتِهِ اهـ أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرُوا فِي وَجْهِ إبَاءِ الْقِيَاسِ جَوَازَهَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي صُورَةِ التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنٍ وَاحِدٍ مُدَّةً وَيَنْتَفِعَ الْآخَرُ بِهِ مُدَّةً أُخْرَى، لَا فِي صُورَةِ التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ كَمَا إذَا تَهَايَأَ فِي دَارٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا نَاحِيَةً وَالْآخَرُ نَاحِيَةً أُخْرَى مِنْهَا، فَإِنَّ التَّهَايُؤَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ عَنْ قَرِيبٍ. وَالظَّاهِرُ مِنْ تَقْرِيرَاتِهِمْ كَوْنُ جَوَازِ التَّهَايُؤِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْرًا اسْتِحْسَانِيًّا مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ، وَمَا ذَكَرُوا فِي بَيَانِهِ لَا يَفِي بِذَلِكَ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ، لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ) أَقُولُ: فِي كُلِّيَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ التَّهَايُؤَ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ، وَسَيَأْتِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَيْضًا، وَالْجَمْعُ عَلَى التَّعَاقُبِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ، وَأَمَّا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ فَيَتَحَقَّقُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ. نَعَمْ إنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْأَعْيَانِ أَقْوَى بِلَا رَيْبٍ مِنْ مُطْلَقِ التَّهَايُؤِ الَّذِي هُوَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ لِحُصُولِ التَّمَلُّكِ فِي الْأُولَى مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَفِي الثَّانِي مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةِ فَحَسْبَ (قَوْلُهُ وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ)

بِالْمُهَايَأَةِ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ) لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا جَازَ) ، وَكَذَا هَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ (لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ، هَذَا إيضَاحٌ أَنَّهُ إفْرَازٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً كَانَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِالْعِوَضِ فَيَلْحَقُ بِالْإِجَارَةِ حِينَئِذٍ فَيُشْتَرَطُ التَّأْقِيتُ، كَذَا فِي الشَّرْحِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ مُلْحَقًا بِالْإِجَارَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كَوْنِهِ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَوْنُهُ إفْرَازًا مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَثْبُتَ كَوْنُهُ إفْرَازًا لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إفْرَازًا مِنْ وَجْهٍ وَمُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ بِأَنْ يَكُونَ إفْرَازًا لِنَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي يَسْكُنُ هُوَ فِيهَا وَمُبَادَلَةً لِنَصِيبِهِ مِنْهَا فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى بِنَصِيبِ الْآخَرِ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي يَسْكُنُ هُوَ فِيهَا، كَمَا قَالُوا فِي قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهَا لَا تُعَرَّى عَنْ الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ لِأَنَّ مَا يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا، بَعْضُهُ كَانَ لَهُ وَبَعْضُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً وَإِفْرَازًا، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً وَلَوْ بِوَجْهٍ كَانَ مُلْحَقًا بِالْإِجَارَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِالْعِوَضِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّأْقِيتِ فِيهَا اشْتِرَاطُهُ فِيمَا هُوَ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُ جَمِيعَ مَنَافِعِ أَحَدِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ شَائِعَةً فِي الْبَيْتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْآخَرِ انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ، أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَنَافِعِ الشَّائِعَةِ فِي الْبَيْتَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُحَالٌ لِعَدَمِ جَوَازِ انْتِقَالِ الْعِوَضِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ فَكَيْفَ يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ جَمْعِهَا. فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُهَا حَقِيقَةً حَتَّى يَتَوَجَّهَ مَا ذَكَرَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُ جَمْعَهَا لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ التَّهَايُؤُ مُبَادَلَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ. قُلْت: اشْتِرَاطُ التَّأْقِيتِ فِيهِ لَيْسَ بِأَصْعَبَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُحَالِ مُتَحَقِّقًا حَتَّى يَرْتَكِبَ الثَّانِيَ لِأَجْلِ دَفْعِ الْأَوَّلِ، وَأَيْضًا اعْتِبَارُ الْمُحَالِ مُتَحَقِّقًا لَيْسَ بِأَوْلَى وَأَسْهَلَ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ شَرْطِ الْإِجَارَةِ هَاهُنَا لِلضِّرْوَةِ حَتَّى يَرْتَكِبَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي وَتَرْكُ كَثِيرٍ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ شَائِعٌ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ: أَلَا يَرَى إلَى مَا ذَكَرُوا فِيمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ التَّهَايُؤِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا وَهِيَ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِيهِ لِضَرُورَةِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، عَلَى أَنَّ لُزُومَ اشْتِرَاطِ التَّأْقِيتِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ اعْتِبَارِ جَمْعِ الْأَنْصِبَاءِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ التَّهَايُؤُ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ إفْرَازًا مِنْ وَجْهٍ وَمُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّأْقِيتِ فِيمَا هُوَ مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةُ: فَإِنْ قُلْت: الْمَنَافِعُ فِي الْعَارِيَّةِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ وَمَعَ هَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِجَازَةَ قُلْت لِجَوَازِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ الْمُعِيرُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا فَائِدَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَازُ الِاسْتِرْدَادِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ هَاهُنَا أَيْضًا مُتَحَقِّقٌ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ الْمُهَايَأَةُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يُقْسَمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ لِكَوْنِ الْقِسْمَةِ أَبْلَغَ، فَمَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَطْلُبَ الْآخَرُ الْقِسْمَةَ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ كَيْفَ يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ بِنَاءً عَلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِغْلَالِ عَلَى تَقْدِيرِ طَلَبِ الْآخَرِ الْقِسْمَةَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ كَمَا فِي صُورَةِ الِاسْتِعَارَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَهَايَأَ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا جَازَ وَكَذَا هَذَا فِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ

وَقَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ) وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ هَاهُنَا (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي بِأَنْ يَتَّفِقَا) لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلُ، فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ (فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ) نَفْيًا لِلتُّهَمَةِ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا هَذَا الْعَبْدُ وَالْآخَرَ الْآخَرُ جَازَ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا جَبْرًا مِنْ الْقَاضِي وَبِالتَّرَاضِي فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ. وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عِنْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ. وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ هَاهُنَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ هَذَا إفْرَازٌ أَوْ مُبَادَلَةٌ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى صُورَةِ الْإِفْرَازِ فَكَانَ مَعْلُومًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى صُورَةِ الْإِفْرَازِ أَنَّهُ أَيْضًا إفْرَازٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَطْفِ لَا يَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَبَايِنَةِ فِي الْأَحْكَامِ يُعْطَفُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، عَلَى أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَفِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ تَهَايُؤٌ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ، وَلَا مَجَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَأَنْ يَكُونَ إفْرَازًا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ أَدِلَّةِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ سِيَّمَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّهَايُؤِ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالتَّهَايُؤِ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى صُورَةِ الْإِفْرَازِ أَنَّهُ لَيْسَ إفْرَازًا بِنَاءً عَلَى لُزُومِ التَّغَايُرِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا، إذْ يَكْفِي فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا بِحَسْبِ الذَّاتِ، وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ وَالْأَحْكَامِ حَتَّى يَتِمَّ مَا ذَكَرُوهُ. وَبِالْجُمْلَةِ لَا دَلَالَةَ لِلْعَطْفِ هَاهُنَا عَلَى كَوْنِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ مِنْ قَبِيلِ الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ، فَالتَّشَبُّثُ بِحَدِيثِ الْعَطْفِ هَاهُنَا مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْمَنْفَعَةُ مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا يَسِيرًا كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالْأَرَاضِيِ تُعْتَبَرُ إفْرَازًا

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْقَاضِي عِنْدَهُ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، بِخِلَافِ أَعْيَانِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ تَهَايَئَا فِيهِمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ) اسْتِحْسَانًا لِلْمُسَامَحَةِ فِي إطْعَامِ الْمَمَالِيكِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْكِسْوَةِ لَا يُسَامَحُ فِيهَا (وَلَوْ تَهَايَئَا فِي دَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا جَازَ وَيُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الدَّارَيْنِ عِنْدَهُمَا كَدَارٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ قِيلَ لَا يُجْبِرُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِمَا أَصْلًا بِالْجَبْرِ لِمَا قُلْنَا، وَبِالتَّرَاضِي لِأَنَّهُ بَيْعُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى، بِخِلَافِ قِسْمَةِ رَقَبَتِهِمَا لِأَنَّ بَيْعَ بَعْضُ أَحَدِهِمَا بِبَعْضِ الْآخَرِ جَائِزٌ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّفَاوُتَ يَقِلُّ فِي الْمَنَافِعِ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي وَيَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا أَمَّا يَكْثُرُ التَّفَاوُتُ فِي أَعْيَانِهِمَا فَاعْتُبِرَ مُبَادَلَةً (وَفِي الدَّابَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ عَلَى الرُّكُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ. وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَإِنَّهُمْ بَيْنَ حَاذِقٍ وَأَخْرَقَ. وَالتَّهَايُؤُ فِي الرُّكُوبِ فِي دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِمَا قُلْنَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ زِيَادَةً عَلَى طَاقَتِهِ وَالدَّابَّةُ تَحْمِلُهَا. وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الِاسْتِغْلَالِ يَجُوزُ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ وَجْهٍ، مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِهَذِهِ الْمُهَايَأَةِ، وَإِذَا طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَطْلُبْ الْآخَرُ قِسْمَةَ الْأَصْلِ أُجْبِرَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ تُعْتَبَرُ إفْرَازًا مِنْ وَجْهٍ، عَارِيَّةً مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَتْ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُبَادَلَةَ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا وَأَنَّهُ يُحَرِّمُ رِبَا النَّسَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَ فِيهَا عِوَضٌ وَهَذَا بِعِوَضٍ وَرِبَا النَّسَاءِ ثَابِتٌ عِنْدَ أَحَدِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيمَا هُوَ مُبَادَلَةٌ فِي الْأَعْيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا بِنَوْعِ تَفْصِيلٍ وَلَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ إجَارَةَ الْمَنَافِعِ بِجِنْسِهَا كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَاللُّبْسِ بِاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عِنْدَنَا. وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: إنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا فَصَارَ كَبَيْعِ الْقُوهِيُّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَوْ كَانَ رِبَا النَّسَاءِ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ مُخْتَصًّا بِمَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ الْبَيْعُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ إلَى غَيْرِهِ لَمَا تَمَّ. اسْتَدَلَّ أَئِمَّتُنَا فِي الْإِجَارَاتِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمَنَافِعِ بِجِنْسِهَا بِرِبَا النَّسَاءِ. نَعَمْ لَنَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ هُنَاكَ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي ارْتَضَاهُ فُحُولُ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً حَتَّى أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَإِنْ كَانَتْ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ تُعْتَبَرُ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَجُوزَ بِدُونِ رِضَاهُمَا، لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ وَقِسْمَةُ الْمَنَافِعِ مُعْتَبَرَةٌ بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَقِسْمَةُ الْأَعْيَانِ اُعْتُبِرَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ، فَكَذَا قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ انْتَهَى، أَقُولُ: وَهَذَا أَيْضًا مَأْخُوذٌ مِنْ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَلَكِنَّهُ مَحَلُّ بَحْثٍ أَيْضًا. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِ أَنَّ التَّهَايُؤَ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةً، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِأَنْ انْتَفَعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِأَحَدِ الْأَجْنَاسِ وَالْآخَرُ بِالْآخَرِ كَمَا فِي الدُّورِ وَالْعَبِيدَ فَيَصِيرُ مِنْ قَبِيلِ التَّهَايُؤِ

وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَجُوزُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ، يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاعْتِدَالُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ. وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي الْعَقَارِ وَتَغَيُّرُهُ فِي الْحَيَوَانِ لِتَوَالِي أَسْبَابِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ. وَلَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهَا فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّعْدِيلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ عَلَى الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً، لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهَايُؤُ حَاصِلٌ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا تَضُرُّهُ زِيَادَةُ الِاسْتِغْلَالِ مِنْ بَعْدُ (وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ جَائِزٌ) أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ فَضَلَ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ، وَالْإِفْرَازُ رَاجِحٌ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ قَرْضًا وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَوْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ فَلِهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْفَضْلِ، وَكَذَا يَجُوزُ فِي الْعَبْدَيْنِ عِنْدَهُمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ الْجَوَازُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ تُعْتَبَرُ مُبَادَلَةً. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الدُّورِ كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَفِي الْعَبِيدِ كَإِجَارَةِ الْخِدْمَةِ بِالْخِدْمَةِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْإِجَارَاتِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ مِثَالًا وَاحِدًا، فَالْمُرَادُ مِثْلُ أَنْ يَتَهَايَأَ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا الدُّورَ وَيَسْتَخْدِمَ الْآخَرُ الْعَبِيدَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا سِيَّمَا فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالْأَرَاضِي. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَقِسْمَةُ الْأَعْيَانِ اُعْتُبِرَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ قِسْمَةَ الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا لَا تُعَرَّى عَنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ قِسْمَةَ الْأَعْيَانِ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ اُعْتُبِرَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، لَكِنَّ فِيهِ مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَالِاعْتِدَالُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي الْعَقَارِ وَتَغَيُّرُهُ فِي الْحَيَوَانِ لِتَوَالِي أَسْبَابِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَمَلَهُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةَ مُتَنَاهِيَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُقْتَضَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّهَايُؤُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى نَفْسِ الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَنَافِعَهُ الَّتِي هِيَ أَعْمَالُهُ لَا تَكُونُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي كَمَا كَانَتْ فِي الْأَوَّلِ لِتَنَاهِي الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ، مَعَ أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى مَنَافِعِهِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالتَّهَايُؤِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتُ الصَّغِيرِ كَمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فِي الْكِتَابِ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْعَبْدِ عَلَى الْخِدْمَةِ إنَّمَا جُوِّزَ ضَرُورَةً أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ الْقِسْمَةُ عَلَيْهَا فَافْتَرَقَا، وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ عَيْنُ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْغَلَّةِ فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ الْجَوَازُ) وَعُورِضَ بِأَنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزُ رَاجِعٌ فِي غَلَّةِ الْعَبْدَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا عَيْنًا، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَتَقَاسَمَانِ (وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الرُّكُوبِ (وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ أَوْ شَجَرٌ أَوْ غَنَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَئَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً يَسْتَثْمِرُهَا أَوْ يَرْعَاهَا وَيَشْرَبُ أَلْبَانَهَا لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةٌ أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا، وَهَذِهِ أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهَا فِيهِ صَاحِبُهُ فَكَانَ كَالْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ. وَأَجَبْت بِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَمْنَعُ مِنْ رُجْحَانِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَمِنْ وَجْهِ الْأَصَحِّ أَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ. إذْ قَدْ مَرَّ فِي بَيَانِ فَوْتِ الْمُعَادَلَةِ فِي التَّهَايُؤِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ أَنَّ الِاسْتِغْلَالَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَسْبِ الِاسْتِعْمَالِ. فَلَمَّا قَلَّ التَّفَاوُتُ فِي الْمَنَافِعِ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ لَزِمَ أَنْ يَقِلَّ التَّفَاوُتُ فِي الْغَلَّةُ أَيْضًا بِالضَّرُورَةِ. فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الشُّرُوحِ ذَكَرُوا مَضْمُونَ الْمُعَارَضَةِ الْمَزْبُورَةِ بِطَرِيقِ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامَيْنِ وَعَزَوْهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْجَوَابِ عَنْهُ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا عَيْنًا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ، وَبَيَانُ الضَّرُورَةِ مَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَلَّلَ التَّهَايُؤَ فِي الْمَنَافِعِ مِنْ قَبْلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، وَعَلَّلَهُ هَاهُنَا بِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ، وَفِي ذَلِكَ تَوَارُدُ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ قِبَلِ تَتِمَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْجَوَازِ تَعَذُّرُ الْقِسْمَةِ وَقِلَّةُ التَّفَاوُتِ جَمِيعًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْبَاطِلَ إنَّمَا هُوَ تَوَارُدُ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ لَا تَوَارُدُهُمَا عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، وَاللَّازِمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلُ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إيرَادِ الْعِلَلِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا

[كتاب المزارعة]

كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لُغَةً: مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: هِيَ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصْلُحُ لِإِفَادَةِ الْمُدَّعِي بِالِاسْتِقْلَالِ بَدَلًا عَنْ الْأُخْرَى، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ بَيَانُ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ مُوَصِّلَةٍ إلَى الْمَطْلُوبِ لِيَسْلُكَ الطَّالِبُ أَيَّ طَرِيقٍ شَاءَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِإِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَفَرِّقَيْنِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُفِيدَ شَيْءٌ مِنْهَا الْمُدَّعِيَ فِي مَقَامِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ بِجُزْءِ الْعِلَّةِ، عَلَى أَنَّ اسْتِقْلَالَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي الْإِفَادَةِ بَيِّنٌ، أَمَّا قِلَّةُ التَّفَاوُتِ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي عَامَّةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَأَمَّا ضَرُورَةُ تَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ فَلِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَصْنَعُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ: وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ إلَى آخِرِهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ وَجْهٌ آخَرُ لِإِبْطَالِ الْقِيَاسِ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَهَلْ يُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءَ الْعِلَّةِ لَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ] (كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةُ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِيبَ الْقِسْمَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لِيُبَيِّنَ مَحَلَّ النِّزَاعِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ أَصْلًا أَوْ عَيَّنَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً كَانَتْ فَاسِدَةً بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ بِالنِّصْفِ وَبِالْخُمُسِ وَبِغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُسُورِ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَتَبَيَّنُ بِالتَّقْيِيدِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مَحَلُّ النِّزَاعِ؟ فَالْوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي سَائِرِ الشُّرُوحُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عِنْدَهُ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَقِيلَ: وَمَا الْمُخَابَرَةُ؟ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ» وَإِنَّمَا خَصَّ فِي الْحَدِيثِ بِذَلِكَ لِمَكَانِ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِذَلِكَ التَّقْدِيرِ انْتَهَى، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ مَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ مُقَابَلَةَ التَّقْيِيدِ بِالْإِطْلَاقِ لَا مُقَابَلَةَ التَّقْيِيدِ بِالتَّقْيِيدِ: يَعْنِي أَنَّهُ قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَلَمْ يُطْلِقْ عَنْ الْقَيْدِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا أَنَّهُ قَيَّدَ بِهَذَا الْقَيْدِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِقَيْدٍ آخَرَ

وَلِأَنَّهُ عَقْدُ شَرِكَةٍ بَيْنَ الْمَالِ وَالْعَمَلِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ ذَا الْمَالِ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى الْعَمَلِ وَالْقَوِيُّ عَلَيْهِ لَا يَجِدُ الْمَالَ، فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودَ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ هُنَاكَ لِلْعَمَلِ فِي تَحْصِيلِهَا فَلَمْ تَتَحَقَّقْ شَرِكَةٌ. وَلَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْدُومٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ (وَإِذَا فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَإِنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ. وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَعَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالنِّصْفِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ فِيهِ مَا فِيهِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ شَرِكَةٍ بَيْنَ الْمَالِ وَالْعَمَلِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: قُلْت الرِّبْحُ فِي الْمُضَارَبَةِ يَحْصُلُ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَبِعَمَلٍ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَتَنْعَقِدُ شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ وَهُنَا كَذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَمْ يَجُزْ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ وَالْعَمَلُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَلِهَذَا قَالُوا هُنَاكَ: وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَهُنَا جَازَ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَذْرَ مَالٌ بَلْ الْبَقَرُ أَيْضًا مَالٌ وَقَدْ اجْتَمَعَا مَعَ الْعَمَلِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَكَيْفَ يَتِمُّ اعْتِبَارُ الْمُزَارَعَةِ مُطْلَقًا بِالْمُضَارَبَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ هُنَاكَ لِلْعَمَلِ فِي تَحْصِيلِهَا) قَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: لِأَنَّهُ أَيْ الزَّوَائِدَ عَلَى تَأْوِيلِ الزَّائِدِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا تَعَسُّفٌ قَبِيحٌ لَا يَقْبَلُهُ ذُو فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ عِنْدَ مُسَاغٍ أَنْ يَحْمِلَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ عَلَى الشَّأْنِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا أَسْلَفَهُ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّ أَرْضَ الْعَرَبِ كُلَّهَا أَرْضُ عُشْرٍ. فَإِنَّ خَيْبَرَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ اهـ. أَقُولُ: كَوْنُ خَيْبَرَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا أَنَّ أَرْضَ الْعَرَبُ لَا يُقِرُّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا عَلَى الْكُفْرِ، فَإِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ، وَقَدْ «أَقَرَّ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ» ، وَذَكَرُوا حَدَّ أَرْضِ الْعَرَبِ طُولًا وَعَرْضًا فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ، فَمَنْ أَتْقَنَ ذَاكَ فِي مَوْضِعِهِ لَعَلَّهُ يَحْكُمُ بِأَنَّ خَيْبَرَ لَيْسَتْ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ

أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَلِلْآخَرِ الْأَجْرُ كَمَا فَصَّلْنَا، إلَّا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِظُهُورِ تَعَامُلِ الْأُمَّةِ بِهَا. وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ (ثُمَّ الْمُزَارَعَةُ لِصِحَّتِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا كَوْنُ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ (وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ) لِأَنَّهُ عَقَدَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ (وَالثَّالِثُ بَيَانُ الْمُدَّةِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْ مَنَافِعِ الْعَامِلِ وَالْمُدَّةُ هِيَ الْمِعْيَارُ لَهَا لِيَعْلَمَ بِهَا (وَالرَّابِعُ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَإِعْلَامًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنَافِعُ الْأَرْضِ أَوْ مَنَافِعُ الْعَامِلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْخَارِجُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ) قِيلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ مَنْقُوضٌ بِمَنْ غَصَبَ بَذْرًا فَزَرَعَهُ فَإِنَّ الزَّرْعَ لَهُ وَإِنْ كَانَ نَمَاءُ مِلْكِ صَاحِبِ الْبَذْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغَاصِبَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَتَحْصِيلِهِ فَكَانَ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى عَمَلِهِ أَوْلَى، وَالْمُزَارِعُ عَامِلٌ بِأَمْرِ غَيْرِهِ فَجَعَلَ الْعَمَلَ مُضَافًا إلَى الْآمِرِ. كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: النَّقْضُ غَيْرُ وَارِدٍ أَصْلًا، وَالْجَوَابُ غَيْرُ دَافِعٍ لِمَا ذَكَرَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الزَّرْعَ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِنَمَاءِ مِلْكِ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَإِنَّمَا هُوَ نَمَاءُ مِلْكِ الْغَاصِبِ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي فَصْلِ مَا يَتَغَيَّرُ بِعَمَلِ الْغَاصِبِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعَظُمَ مَنَافِعُهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا عِنْدَنَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ بِأَمْثِلَةٍ: مِنْهَا مَا إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا، فَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْهُ أَنَّ الْبَذْرَ بِالْغَصْبِ وَالزَّرْعِ يَصِيرُ مِلْكَ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ الزَّرْعُ نَمَاءَ مِلْكِهِ قَطْعًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَحَلَّ النَّقْضِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَوَابِ لَا يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُزَارِعِ مِنْ جِهَةِ مَوْرِدِ النَّقْضِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَالْآخَرِ عَامِلًا بِأَمْرِ غَيْرِهِ، وَالْكَلَامُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِظُهُورِ تَعَامُلِ الْأُمَّةِ بِهَا، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ إنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ، وَلَكِنَّ النَّصَّ لَا يُتْرَكُ بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّعَامُلَ إجْمَاعٌ عَمَلِيٌّ، وَالْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ بِهِ الْكِتَابُ وَلَا السُّنَّةُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمُ الْأُصُولِ. فَبَقِيَ تَمَسُّكُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالسُّنَّةِ، وَهِيَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ سَالِمًا عَمَّا يَدْفَعُهُ» فَمَا وَجْهُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا أَنْ يَدْفَعَا ذَلِكَ

(وَالْخَامِسُ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِوَضًا بِالشَّرْطِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَمَا لَا يُعْلَمُ لَا يَسْتَحِقُّ شَرْطًا بِالْعَقْدِ. (وَالسَّادِسُ أَنْ يُخَلِّيَ رَبُّ الْأَرْضِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَامِلِ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْأَرْضِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ) لِفَوَاتِ التَّخْلِيَةِ (وَالسَّابِعُ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ بَعْدَ حُصُولِهِ) لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ، فَمَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ كَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ (وَالثَّامِنُ بَيَانُ جِنْسِ الْبَذْرِ) لِيَصِيرَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا. قَالَ (وَهِيَ عِنْدَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ) لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةُ الْعَمَلِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَمْلِ الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا إذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ شَرْطٌ مُفْسِدٌ، إذْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِيهِ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْخَارِجِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُفْسِدٌ عِنْدَهُمَا. وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: التَّعَامُلُ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ بَاطِلٌ. قُلْنَا: النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ صُوَرُ النُّصُوصِ، وَإِلَّا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْخِلَافُ فِيهَا أَوْ تَحَمُّلُهَا عَلَى مَا إذَا شَرَطَ شَرْطًا مُفْسِدًا، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِيهَا شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْخَارِجِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُفْسِدٌ عِنْدَهُمَا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ (قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِوَضًا بِالشَّرْطِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) أَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ بَيَانَ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ، فَعَدَّ بَيَانَ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ الشَّرَائِطِ دُونَ بَيَانِ نَصِيبِ الْآخَرِ مِمَّا لَا يُجْدِي كَبِيرَ طَائِلٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالسَّابِعُ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ بَعْدَ حُصُولِهِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ فَمَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ كَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ) قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِيهَا مَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ تَبْقَى إجَارَةً مَحْضَةً، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ كَمَا يَأْبَى جَوَازَ قِيَاسِ الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ يَأْبَى جَوَازَهَا بِأَجْرٍ مَوْجُودٍ أَيْضًا، إذَا قَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا لِكَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَةُ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ، لَكِنَّا جَوَّزْنَاهَا اسْتِحْسَانًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ أَنْ يَأْبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهَا عَلَى فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ بَقَائِهَا إجَارَةً مَحْضَةً، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ بَدَلَ قَوْلُهُمْ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ وَالْإِجَارَةُ الْمَحْضَةُ بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ فَاسِدَةٌ قَطْعًا. ثُمَّ أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ، فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا كَوْنَ مَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ بِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِيهَا مَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ تَبْقَى إجَارَةً مَحْضَةً، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ، وَالْمُصَنِّفُ فَرَّعَ كَوْنَ مَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ عَلَى مَا قَبْلَهُ حَيْثُ قَالَ فَمَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ كَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فَقَدْ جَعَلَ عِلَّةَ ذَلِكَ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ فَمُرَادُهُ أَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ شَرِكَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ وَإِنْ كَانَ إجَارَةً فِي الِابْتِدَاءِ فَكَانَ مَعْنَى الشَّرِكَةِ مُعْتَبَرًا فِي انْعِقَادِ الْمُزَارَعَةِ، فَمَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ يَنْفِي الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرَ فِي انْعِقَادِهَا فَيُفْسِدُ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ لَا مَحَالَةَ. (قَوْلُهُ وَهِيَ عِنْدَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ)

(وَإِنْ كَانَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ) لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ جَازَتْ) لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِإِبْرَتِهِ أَوْ طَيَّانًا لِيُطَيِّنَ بِمَرِّهِ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِآخَرَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْعَقِدُ إجَارَةً وَتَتِمُّ شَرِكَةً، وَانْعِقَادُهَا إجَارَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ دُونَ مَنْفَعَةِ غَيْرِهِمَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْبَقَرِ وَالْبَذْرِ لِأَنَّهَا اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَهُوَ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا لَكِنَّا جَوَّزْنَاهُ فِي الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ فِيهِمَا. أَمَّا فِي الْأَرْضِ فَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَعَامُلُ النَّاسِ. وَأَمَّا فِي الْعَامِلِ فَعَمَلُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ. وَالتَّعَامُلُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ فِي الْبَذْرِ وَالْبَقَرُ فَأَخَذْنَا فِيهِمَا بِالْقِيَاسِ. فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ صُوَرِ الْجَوَازِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ أَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَنْظُورَ فِيهِ هُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ لِكَوْنِهِ مَوْرِدَ الْأَثَرِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ صُوَرِ عَدَمِ الْجَوَازِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْآخَرِينَ، أَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ غَيْرَ مُتَجَانِسَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ وَلَكِنَّ الْمَنْظُورَ فِيهِ هُوَ اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ فِي غَيْرِهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْمُزَارَعَةِ. كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْأَصْلَ الْمَزْبُورَ قَالَ: فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا عَلَيْنَا فِي تَطْبِيقِ الْوُجُوهِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مِمَّا كَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْئَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مِنْ جِنْسٍ وَالْعَمَلَ وَالْبَقَرَ مِنْ جِنْسٍ وَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ الِاسْتِئْجَارُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَامِلَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ أَوْ رَبُّ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِمَّا فِيهِ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ شَيْئَانِ غَيْرُ مُتَجَانِسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ الْمُتَجَانِسَيْنِ فَإِنَّ الْأَشْرَفَ أَوْ الْأَصْلَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَتْبِعَ الْأَخَسَّ وَالْفَرْعَ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّهُ جَوَّزَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَامِلَ مُسْتَأْجِرًا الْأَرْضَ وَأَنْ يَجْعَلَ رَبَّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا الْعَامِلَ وَلَا مَجَالَ فِيهِ لِلْأَوَّلِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ هُوَ رَبُّ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْبَذْرَ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ الْعَامِلِ فَكَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ رَبَّ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْتَأْجِرًا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ، إذْ يَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَنَافِعَ الْأَرْضِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةُ الْعَمَلِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ هُوَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْعَامِلَ هُوَ الْأَجِيرُ كَالْخَيَّاطِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرَةُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ، فَإِنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مِنْ الْخَارِجِ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ كَمَا مَرَّ فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ اسْتِئْجَارًا بِبَعْضٍ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْبَذْرَ وَالْبَقَرَ عَلَيْهِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا شُرِطَ وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَامِلِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ. لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْلُومٍ لَكَانَتْ الْمُزَارَعَةُ جَائِزَةً عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَيْضًا. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ مُطْلَقًا لِكَوْنِهَا اسْتِئْجَارًا بِبَعْضِ الْخَارِجِ. وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَكِنَّا جَوَّزْنَاهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ اسْتِئْجَارَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ اسْتِحْسَانًا بِالنَّصِّ وَالتَّعَامُلِ وَلَمْ نُجَوِّزْهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ عَمَلًا بِالْقِيَاسِ لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ فِيهِ. فَالْحَقُّ فِي تَعْلِيلِ جَوَازِ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالنَّصِّ وَتَعَامُلِ الْأُمَّةِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا. لِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ عَلَيْهِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا شُرِطَ وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَامِلِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَوَجْهُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَوْ شُرِطَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ، فَكَذَا إذَا شُرِطَ الْبَقَرُ وَحْدَهُ وَصَارَ كَجَانِبِ الْعَامِلُ إذَا شُرِطَ الْبَقَرُ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَذْرَ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأَرْضِ اسْتَتْبَعَتْهُ لِلتَّجَانُسِ وَضَعْفِ جِهَةِ الْبَقَرِ مَعَهُمَا فَكَانَ اسْتِئْجَارًا لِلْعَامِلِ، وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ فَلَمْ تَسْتَتْبِعْهُ، وَكَذَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَكَانَ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُعَارَضَةٌ بَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ وَغَيْرِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ بَاطِلًا اهـ أَقُولُ: فِي هَذَا الْجَوَابِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْبَذْرَ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأَرْضِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا وَالْعَامِلُ أَجِيرًا فَلَا يَبْقَى لِحَدِيثِ اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ الْبَذْرَ مَحَلٌّ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ لُزُومُ اسْتِئْجَارِ الْبَذْرِ أَصَالَةً، وَإِذَا تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ دُونَ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَمْ يَبْقَ احْتِمَالُ لُزُومِ اسْتِئْجَارِ الْبَذْرِ، سَوَاءٌ اسْتَتْبَعَتْهُ الْأَرْضُ أَمْ لَا فَلَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِتْبَاعِ تَأْثِيرٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَطُّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَكَانَ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُعَارَضَةٌ

وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ صَلَاحِيَةٌ يُقَامُ بِهَا الْعَمَلُ كُلُّ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَتَجَانَسَا فَتَعَذَّرَ أَنْ تُجْعَلَ تَابِعَةً لَهَا، بِخِلَافِ جَانِبِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ تَجَانَسَتْ الْمَنْفَعَتَانِ فَجُعِلَتْ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ. وَهَاهُنَا وَجْهَانِ آخَرَانِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْأَرْضُ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ لِآخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَتِمُّ شَرِكَةً بَيْنَ الْبَذْرِ وَالْعَمَلِ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ. وَالثَّانِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَالْخَارِجُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي رِوَايَةٍ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمُزَارَعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْبَذْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ وَغَيْرِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ. وَغَيْرُهُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ اعْتِبَارِ اسْتِئْجَارِ كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَدْ مَرَّ مِرَارًا أَنَّ الْبَذْرَ يُعِينُ الْجَانِبَ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ لَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِلْآخَرِ. فَالْوَجْهُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إذَا شَرَطَ الْبَذْرَ وَالْبَقَرَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَانَ اسْتِئْجَارًا لِلْعَامِلِ لَا لِغَيْرِهِ أَصْلًا فَكَانَ صَحِيحًا قَطْعًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْبَذْرَ عَلَيْهِ بَلْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْبَقَرَ وَحْدَهُ كَانَ اسْتِئْجَارًا لِلْأَرْضِ وَغَيْرِهَا الَّذِي هُوَ الْبَقَرُ. وَلَيْسَ الثَّانِي تَابِعًا لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ التَّجَانُسِ كَمَا بَيَّنَ فِي وَجْهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ لِاسْتِئْجَارِ الْبَقَرِ أَصَالَةً بِبَعْضٍ مِنْ الْخَارِجِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَهَاهُنَا وَجْهَانِ آخَرَانِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَثَمَّةَ وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرَاهُ جَمِيعًا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ

قَابِضًا لَهُ لِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) لِمَا بَيَّنَّا (وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ شَائِعًا بَيْنَهُمَا) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الشَّرِكَةِ (فَإِنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ بِهِ تَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الْأَرْضَ عَسَاهَا لَا تُخْرِجُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ، فَصَارَ كَاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ لِأَحَدِهِمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَا أَنْ يَرْفَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ بَذْرَهُ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي جَمِيعِهِ بِأَنْ لَمْ يُخْرِجْ إلَّا قَدْرَ الْبَذْرِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَرَطَا رَفْعَ الْخَرَاجِ، وَالْأَرْضُ خَرَاجِيَّةٌ وَأَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عُشْرَ الْخَارِجُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآخَرِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ مُشَاعٌ فَلَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ، كَمَا إذَا شَرَطَا رَفْعَ الْعُشْرِ، وَقِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَالْأَرْضُ عُشْرِيَّةٌ. قَالَ (وَكَذَا إذَا) (شَرَطَا مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَّاقِي) مَعْنَاهُ لِأَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا زَرْعَ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ، لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ وَالْبَقَرُ مِنْ آخَرَ وَالْأَرْضُ مِنْ آخَرَ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَقْدِ الْجَارِي بَيْنَ الِاثْنَيْنِ، وَإِلَّا فَثَمَّةَ وُجُوهٌ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرَاهَا وَلَا أَحَدَ غَيْرُهُمَا، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ ثَلَاثَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ وَالْبَاقِيَانِ مِنْ آخَرَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَقَرُ مِنْ آخَرَ وَالْبَاقِيَانِ مِنْ آخَرَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْأَرْضُ مِنْ آخَرَ وَالْبَاقِيَانِ مِنْ آخَرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الْمُمْكِنَةِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَكَانَ التَّعَرُّضُ هَاهُنَا لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ خُرُوجًا عَنْ الصَّدَدِ، وَعَنْ هَذَا تَرَى عَامَّةَ الشُّرَّاحِ لَمْ يَتَعَرَّضُوهُ أَصْلًا. وَالْأَوْلَى هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: وَثَمَّةُ وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرَاهُ جَمِيعًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَوَاقِي الثَّلَاثَةُ لِلْآخَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عِنْدَ بَيَانِ وَجْهِ ضَبْطِ الْأَوْجُهِ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانِ انْحِصَارِهَا عَقْلًا فِي سَبْعَةٍ. وَقَالَ: إنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ وَهُوَ الْفَسَادُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ السَّابِقِ: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ «وَقَعَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَلْغَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاحِبَ الْأَرْضِ وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ أَجْرًا مُسَمًّى وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ دِرْهَمًا لِكُلِّ يَوْمٍ وَأَلْحَقَ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ» . ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَلْغَى صَاحِبَ الْأَرْضِ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ لَا أَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَأَعْطَى لِصَاحِبِ الْعَمَلِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَجْرَ الْفَدَّانِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: تَوْجِيهُهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا ذَكَرَهُ مَحَلُّ كَلَامٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَلْغَى صَاحِبَ الْأَرْضِ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ مِمَّا يَأْبَاهُ مُقَابَلَةُ قَوْلِهِ وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ أَجْرًا مُسَمًّى وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ دِرْهَمًا لِكُلِّ يَوْمٍ، إذْ لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ وَلِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَيْضًا شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ بَلْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّاوِي، فَكَيْفَ يَحْسُنُ مُقَابَلَتُهُمَا بِإِلْغَاءِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِالْمَعْنَى الَّذِي

مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، عَلَى هَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِآخَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى (وَكَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ) لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ يُصِيبَهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا التِّبْنُ (وَكَذَا إذَا شَرَطَا التِّبْنَ نِصْفَيْنِ وَالْحَبُّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ (وَلَوْ شَرَطَ الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ صَحَّتْ) لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، (ثُمَّ التِّبْنُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَفِي حَقِّهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ. وَالْمُفْسِدُ هُوَ الشَّرْطُ، وَهَذَا سُكُوتٌ عَنْهُ. وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: التِّبْنُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ، وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ وَالتَّبَعُ يَقُومُ بِشَرْطِ الْأَصْلِ. (وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ صَحَّتْ) لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعَقْدِ (وَإِنْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْآخَرِ فَسَدَتْ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ وَاسْتِحْقَاقُ غَيْرِ صَاحِبِ الْبَذْرِ بِالشَّرْطِ. قَالَ (وَإِذَا صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ (وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ شَرِكَةً، وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَكِنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ وَصَارَتْ قَرِينَةً عَلَيْهِ، إذْ لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي كَوْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ مُتَبَرِّعًا، فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ اسْتَوْجَبَ أَجْرَ مِثْلَ أَرْضِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجْرَ الْفَدَّانِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ مَنْظُورٌ فِيهِ، إذَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّوَافُقُ بَيْنَ أَجْرِ الْفَدَّانِ وَأَجْرِ الْعَامِلِ، بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَجْرُ أَحَدِهِمَا نِصْفَ أَجْرِ الْآخَرِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَعْلَمُ أَجْرَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُعَيَّنُ مُؤَخَّرًا عَنْ الْمُبْهَمِ فِي الذِّكْرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ الْعُرْفُ جَارِيًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى اعْتِبَارِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْأَجْرِ فَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ أَجْرَ أَحَدِهِمَا مِنْ أَجْرِ الْآخَرِ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَدَمُ ذِكْرِ أَجْرِ الْفَدَّانِ عَلَى التَّعْيِينِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَزْمِ الرَّاوِي بِعَيْنِ الْأَجْرِ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ فَقَالَ: وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ أَجْرًا مُسَمًّى: يَعْنِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْرًا سَمَّاهُ، وَلَكِنْ لَا أَجْزِمُ بِخُصُوصِهِ كَمَا أَجْزِمُ بِخُصُوصِ مَا جَعَلَهُ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ لِأَنَّهُ عَسَى تُصِيبُهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا التِّبْنُ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ قُصُورٌ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ انْعِقَادِ الْحَبِّ أَيْضًا يُفْسِدُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ لِكَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ، وَالشَّرِكَةُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ لَوَازِمِ صِحَّةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُقَرَّرُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ كَمَا تَرَى، فَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ كَمَا قَالَهُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهَا. وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لِمَا قُلْنَا حَيْثُ تَرَكَ التَّعْلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُنَا، وَجَمَعَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي تَعْلِيلٍ وَاحِدٍ فَقَالَ: وَكَذَا لَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ، أَوْ شَرَطَ التِّبْنَ نِصْفَيْنِ وَالْحَبَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الْحَبِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِذَا صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْكِتَابِ هَاهُنَا قَاصِرَةٌ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمُرَادِ، لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ الصَّحِيحَةَ كَمَا

شَرِكَةَ فِي غَيْرِ الْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَالْأَجْرُ مُسَمًّى فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَتْ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا تَفُوتُ الذِّمَّةُ بِعَدَمِ الْخَارِجِ قَالَ (وَإِذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ فَبَقِيَ النَّمَاءُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ. قَالَ (وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى مِقْدَارِ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبَى يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذْ لَا مِثْلَ لَهَا) وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِجَارَاتِ (وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ رَدُّهَا وَقَدْ تَعَذَّرَ. وَلَا مِثْلَ لَهَا فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا. وَهَلْ يُزَادُ عَلَى مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ؟ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ حَتَّى فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونُ اسْتِئْجَارًا لِلْعَامِلِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ كَذَلِكَ تَكُونُ اسْتِئْجَارًا لِلْأَرْضِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ يُفِيدُ حُكْمَ الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى خِلَافِ الْحُكْمِ فِي الْأُولَى بِمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. لَا يُقَالُ: عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ شَرِكَةً وَلَا شَرِكَةَ فِي غَيْرِ الْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَالْأَجْرُ مُسَمًّى فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ. وَلَمَّا جَرَى هَذَا التَّعْلِيلُ فِي صُورَةِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ أَيْضًا فُهِمَ مِنْهُ حُكْمُ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا فَاكْتَفَى بِذِكْرِهِ.

مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ) هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي الْإِجَارَةِ وَهِيَ إجَارَةٌ مَعْنًى (وَإِذَا اسْتَحَقَّ رَبُّ الْأَرْضِ الْخَارِجَ لِبَذْرِهِ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ طَابَ لَهُ جَمِيعُهُ) لِأَنَّ النَّمَاءَ حَصَلَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّهُ الْعَامِلُ أَخَذَ قَدْرَ بَذْرِهِ وَقَدْرَ أَجْرِ الْأَرْضِ وَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ) لِأَنَّ النَّمَاءَ يَحْصُلُ مِنْ الْبَذْرِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ، وَفَسَادُ الْمِلْكِ فِي مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْجَبَ خُبْثًا فِيهِ. فَمَا سُلِّمَ لَهُ بِعِوَضٍ طَابَ لَهُ وَمَا لَا عِوَضَ لَهُ تَصَدَّقَ بِهِ قَالَ (وَإِذَا عُقِدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ مِنْ الْعَمَلُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ. فَصَارَ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّا نَقُولُ: عِبَارَةُ الْمَسْأَلَةِ عِبَارَةُ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَالْمُؤَاخَذَةُ بِقُصُورِهَا فِي إفَادَةِ تَمَامِ الْمُرَادِ إنَّمَا تُرَدُّ عَلَى الْقُدُورِيِّ، فَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ كَيْفَ يَدْفَعُ عَنْهُ التَّقْصِيرَ السَّابِقَ. وَلَئِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ جَرَيَانَ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَتَمَامُهُ فِي صُورَةِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ أَيْضًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ عَامَّةَ الشُّرَّاحِ ذَكَرُوا أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَالْأَجْرُ مُسَمًّى فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ يُشْكِلُ بِمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا بِعَيْنٍ فَعَمِلَ الْأَجِيرُ وَهَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ الْمِثْلِ فَلْيَكُنْ هَذَا مِثْلَهُ، لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ صَحَّتْ وَالْأَجْرُ مُسَمًّى وَهَلَكَ الْأَجْرُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْأَجْرَ هَاهُنَا هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ قَبَضَ الْبَذْرَ الَّذِي يَتَفَرَّعُ مِنْهُ الْخَارِجُ وَقَبْضُ الْأَصْلِ قَبْضٌ لِفَرْعِهِ، وَالْأُجْرَةُ الْعَيْنُ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْأَجِيرِ لَا يَجِبُ لِلْأَجِيرِ شَيْءٌ آخَرُ فَكَذَا هَاهُنَا انْتَهَى. وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا يَقْبِضُ الْبَذْرَ الَّذِي يَتَفَرَّعُ

إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ (وَإِنْ امْتَنَعَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ ضَرَرٌ وَالْعَقْدُ لَازِمٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ، إلَّا إذَا كَانَ عُذْرٌ يَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ فَيَفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةَ. قَالَ (وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلُ الْكِرَابِ) قِيلَ هَذَا فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَلْزَمُهُ اسْتِرْضَاءُ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ) اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الْإِجَارَاتِ، فَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَسْتَحْصِدْ الزَّرْعَ حَتَّى مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرَكَ الْأَرْضَ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ وَيَقْسِمَ عَلَى الشَّرْطِ، وَتَنْتَقِضُ الْمُزَارَعَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ السَّنَتَيْنِ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ الْخَارِجُ حَتَّى يَكُونَ قَبْضُهُ قَبْضًا لِفَرْعِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي حَقِّ هَاتِيك الصُّورَةِ فَتَعَيَّنَ الْقُصُورُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ) لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مُجَرَّدُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ قَوَّمَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَقَدْ فَاتَ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلِأَنَّ الْمُزَارِعَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ لِيُقِيمَ الْعَمَلَ فِيهَا لِنَفْسِهِ، وَالْعَامِلُ لِنَفْسِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذَا قَدْ مَرَّ مِرَارًا وَتَقَرَّرَ أَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ رَبَّ الْأَرْضِ، وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُزَارِعَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ لِيُقِيمَ الْعَمَلَ فِيهَا لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ) هَذَا جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْسَانِ فَيَبْقَى عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعِنَايَةِ:

بِخِلَافِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْعَامِلِ فَيُحَافِظُ فِيهِمَا عَلَى الْقِيَاسِ (وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مَالٍ عَلَى الْمُزَارِعِ (وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مَا عَمِلَ) لِمَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَإِذَا فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ بِدَيْنٍ فَادِحٍ لَحِقَ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَاحْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا جَازَ) كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاعْلَمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الزَّرْعِ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَهُ مَذْكُورٌ فِيمَا يَلِيه، وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا نَبَتَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ. وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ جَوَابَ النَّابِتِ فِي قَوْلِهِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ مَا لَمْ يَنْبُتْ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى دُخُولِهِ فِي إطْلَاقِ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا نَبَتَ الزَّرْعُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمَا لَمْ يَنْبُتْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ جَوَابَ النَّابِتِ فِي قَوْلِهِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ: فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ مَا لَمْ يَنْبُتْ عِنْدَ مَوْتِهِ إنَّمَا هُوَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى دُخُولِهِ فِي أَوَّلِ إطْلَاقِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ دُخُولَهُ فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهُ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَيْضًا، وَعَنْ هَذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ النَّبَاتِ هَلْ تَبْقَى الْمُزَارَعَةُ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَإِذَا فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ بِدَيْنٍ فَادِحٍ لِحَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَاحْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا جَازَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ هَلْ يُحْتَاجُ فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ إلَى الرِّضَا؟ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فَقَالَ: لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا إلَى الرِّضَا، بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ، وَبَعْضُهُمْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالتَّشْبِيهُ بِالْإِجَارَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ اخْتَارَ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّهُ عَلَيْهَا لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْإِجَارَةِ إنَّمَا يَصْلُحُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ اخْتَارَ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ أَنْ لَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْإِجَارَةِ مَقْصُورَةً عَلَى افْتِقَارِ الْفَسْخِ فِيهَا إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، أَوْ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ اخْتَارَ هُنَاكَ صَرِيحًا رِوَايَةَ افْتِقَارِ الْفَسْخِ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُنَاكَ: ثُمَّ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فَسْخُ الْقَاضِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي النَّقْضِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي عُذْرِ الدَّيْنِ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَالْإِجَارَةُ فِيهِ تَنْتَقِضُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي انْتَهَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْفَسْخُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ وَعَمَلِ الْعَامِلِ يُتَصَوَّرُ فِي صُوَرٍ ثَلَاثٍ، ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ صُورَتَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا مَا إذَا فُسِخَ بَعْدَ مَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ، وَمَا إذَا فُسِخَ بَعْدَ نَبَاتِ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا فُسِخَ بَعْدَ مَا زَرَعَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ إلَّا

لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ إنَّمَا قُوِّمَ بِالْخَارِجِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ لَمْ تُبَعْ الْأَرْضُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ) لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ، وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ (وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ بَيْعَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ هُوَ ظَالِمًا وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ حَتَّى لَحِقَ رَبَّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ؟ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْعَتَّابِيُّ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ، لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِهْلَاكٌ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَسْخَ الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِهْلَاكِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَالِ، وَحُصُولُهُ فِي الثَّانِي غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا قَبْلَ التَّبْذِيرِ. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الْحَافِظُ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِنْمَاءُ مَالٍ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ زِرَاعَةَ أَرْضِ الصَّبِيِّ وَلَا يَمْلِكَانِ اسْتِهْلَاكَ مَالِ الصَّبِيِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لِلْمُزَارِعِ فِي الْأَرْضِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ، وَهِيَ مَا إذَا فُسِخَ بَعْدَ مَا زَرَعَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْبُتْ حَتَّى لَحِقَ رَبَّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ عَيْنٌ قَائِمٌ، لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِهْلَاكٌ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا قَبْلَ التَّبْذِيرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ اسْتِنْمَاءٌ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ زِرَاعَةَ أَرْضِ الصَّبِيِّ وَلَا يَمْلِكَانِ اسْتِهْلَاكَ مَالِهِ فَكَانَ لِلْمُزَارِعِ فِي الْأَرْضِ عَيْنٌ قَائِمٌ، وَلَعَلَّ هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَالُ الْغَيْرِ حَتَّى يَكُونَ مَانِعًا عَنْ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ فَقَدْ دَخَلَتْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ فَقَدْ دَخَلَتْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِدُخُولِهَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ دُخُولَهَا فِي نَفْسِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ جِدًّا، إذْ قَدْ اعْتَبَرَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ نَبَاتَ الزَّرْعِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ عَدَمَ نَبَاتِهِ، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ دُخُولُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ دُخُولَهَا فِي حُكْمِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، لَكِنْ لَا يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ وَجْهًا لِعَدَمِ ذِكْرِ تِلْكَ

قَالَ (وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرَكْ كَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا عَلَى مِقْدَارِ حُقُوقِهِمَا) مَعْنَاهُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ، لِأَنَّ فِي تَبْقِيَةِ الزَّرْعِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ تَعْدِيلَ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَهَذَا عَمَلٌ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ حَيْثُ يَكُونُ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ، لِأَنَّ هُنَاكَ أَبْقَيْنَا الْعَقْدَ فِي مُدَّتِهِ وَالْعَقْدُ يَسْتَدْعِي الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ، أَمَّا هَاهُنَا الْعَقْدُ قَدْ انْتَهَى فَلَمْ يَكُنْ هَذَا إبْقَاءَ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَخْتَصَّ الْعَامِلُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَأَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ (وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بَقْلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمُزَارِعِ، (وَلَوْ) (أَرَادَ الْمُزَارِعُ) أَنْ يَأْخُذَهُ بَقْلًا قِيلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ اقْلَعْ الزَّرْعَ فَيَكُونُ بَيْنَكُمَا أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ أَوْ أَنْفِقْ أَنْتَ عَلَى الزَّرْعُ وَارْجِعْ بِمَا تُنْفِقُهُ فِي حِصَّتِهِ، لِأَنَّ الْمُزَارِعَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَنْهِيِّ نَظَرٌ لَهُ وَقَدْ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ. وَرَبُّ الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّورَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّ دُخُولَهَا فِي حُكْمِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِبَيَانِ حُكْمِهَا مِنْ قَبْلُ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ تِلْكَ الصُّورَةَ قَطُّ فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّ حُكْمَهَا كَحُكْمِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، أَوْ كَحُكْمِ الصُّورَةِ الْأُولَى كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ الْآخَرُ وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ تِلْكَ الصُّورَةَ تَأَسِّيًا بِالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي كِتَابِهِ كَمَا بَيَّنَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ قَدْ زَرَعَ الْأَرْضَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ حَتَّى لَحِقَ رَبَّ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ؟ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَنْهِيِّ نَظَرٌ لَهُ وَقَدْ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ) فَإِنْ قِيلَ: تَرْكُ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ

لِأَنَّ بِكُلِّ ذَلِكَ يُسْتَدْفَعُ الضَّرَرُ (وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ بَعْدَ نَبَاتِ الزَّرْعِ فَقَالَتْ وَرَثَتُهُ نَحْنُ نَعْمَلُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ وَأَبَى رَبُّ الْأَرْضِ فَلَهُمْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (وَلَا أَجْرَ لَهُمْ بِمَا عَمِلُوا) لِأَنَّا أَبْقَيْنَا الْعَقْدَ نَظَرًا لَهُمْ، فَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمَالِكُ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ. فَإِنْ شَرَطَاهُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الصُّورَةِ وَهُوَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرَكْ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُزَارَعَاتِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاهَى بِتَنَاهِي الزَّرْعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَيَبْقَى مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَا عَقْدَ فَيَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمَا. وَإِذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَضِيهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْحَمْلِ أَوْ الضِّمْنِ عَلَى الْعَامِلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِلتَّعَامُلِ اعْتِبَارًا بِالِاسْتِصْنَاعِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَأَشْبَاهِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَمَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ غَيْرُهُ وَهَاهُنَا يَتَضَرَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ وَاسْتِدْفَاعُ الضَّرَرِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِيمَا ذَكَرَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَنْعِ عَنْ الْقَلْعِ كَرْبُ الْأَرْضِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الْقَلْعِ لِانْتِفَاعِهِ بِنَصِيبِهِ وَبِأَجْرِ الْمِثْلِ فَرُدَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُزَارِعِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَلْعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَرُبَّمَا يَخَافُ أَنْ يُصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ مَا لَا يَفِي بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَيْضًا لَيْسَ بِمُتَعَنِّتٍ فِي طَلَبِ الْقَلْعِ، بَلْ هُوَ يَرُدُّ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَلْعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِبْقَاءِ، فَرُبَّمَا يَخَافُ أَنْ يُصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ مَا لَا يَفِي بِنَفَقَةِ حِصَّتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ

[كتاب المساقاة]

بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا. وَالْمُعَامَلَةُ عَلَى قِيَاسُ هَذَا مَا كَانَ قَبْلَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ مِنْ السَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ كَالْجَدَادِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا؛ وَلَوْ شَرَطَ الْجَدَادَ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ. وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ وَلَا عَقْدَ، وَلَوْ شَرَطَ الْحَصَادَ فِي الزَّرْعِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ، وَلَوْ أَرَادَا فَصْلَ الْقَصِيلِ أَوْ جَدَّ التَّمْرِ بُسْرًا أَوْ الْتِقَاطَ الرُّطَبِ فَذَلِكَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَنْهَيَا الْعَقْدَ لَمَّا عَزَمَا عَلَى الْفَصْلِ وَالْجَدَادِ بُسْرًا فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُسَاقَاةُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ بَاطِلَةٌ، وَقَالَا: جَائِزَةٌ إذَا ذَكَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَسَمَّى جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ مُشَاعًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: كَانَ مِنْ حَقِّ الْوَضْعِ أَنْ يُقَدِّمَ كِتَابَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ. لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَلِهَذَا قَدَّمَ الطَّحَاوِيُّ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الْمُزَارَعَةُ فِي مُخْتَصَرِهِ. إلَّا أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَمَّا كَانَتْ كَثِيرَةَ الْوُقُوعِ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ وَكَانَ الْحَاجَةُ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَاقَاةِ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمُسَاقَاةِ. وَلِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَمَّا وَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى عِلْمِهَا أَمَسَّ فَقُدِّمَتْ. وَلِأَنَّ تَفْرِيعَاتِهَا أَكْثَرُ مِنْ تَفْرِيعَاتِ الْمُسَاقَاةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ نَوْعُ خَلَلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَائِلِ كَلَامِهِ: لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِ الْخِلَافِ أَصْلًا فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يُجَوِّزْهَا كَمَا ذَكَرَ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُسَاقَاةُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ بَاطِلَةٌ. وَكَذَا زُفَرُ لَمْ يُجَوِّزْهَا كَمَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُسَاقَاةِ أَنْ تُقَدَّمَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهَا، وَلِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ فِي مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ خَيْبَرَ، إلَّا أَنَّ اعْتِرَاضَ مُوجِبَيْنِ صَوَّبَ إيرَادَ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ: أَحَدُهُمَا شِدَّةُ الِاحْتِيَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا، وَالثَّانِي كَثْرَةُ تَفْرِيعِ مَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَاقَاةِ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَلِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ فِي مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ خَيْبَرَ مَحَلُّ نَظَرٍ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ كَمَا وَرَدَتْ فِي حَقِّ الْمُسَاقَاةِ وَرَدَتْ فِي حَقِّ الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، سِيَّمَا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِطُرُقٍ شَتَّى فِي قِصَّةِ

وَالْمُسَاقَاةُ: هِيَ الْمُعَامَلَةُ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُعَامَلَةُ جَائِزَةٌ، وَلَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ إلَّا تَبَعًا لِلْمُعَامَلَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْمُضَارَبَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ أَشْبَهُ بِهَا لِأَنَّ فِيهِ شَرِكَةً فِي الزِّيَادَةِ دُونَ الْأَصْلِ. وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَوْ شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ دُونَ الْبَذْرِ بِأَنْ شَرَطَا رَفْعَهُ مِنْ رَأْسِ الْخَارِجِ تَفْسُدُ، فَجَعَلْنَا الْمُعَامَلَةَ أَصْلًا، وَجَوَّزْنَا الْمُزَارَعَةَ تَبَعًا لَهَا كَالشُّرْبِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَالْمَنْقُولِ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ، وَشَرْطُ الْمُدَّةِ قِيَاسٌ فِيهَا لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَعْنًى كَمَا فِي الْمُزَارَعَةُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ يَجُوزُ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ، لِأَنَّ الثَّمَرَ لِإِدْرَاكِهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ وَيَدْخُلُ فِيمَا مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ، لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا خَرِيفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ خَيْبَرَ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ: وَهِيَ يَعْنِي الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: جَائِزَةٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» انْتَهَى وَكَأَنَّ كُلًّا مِنْ فَرِيقَيْ الشُّرَّاحِ اطَّلَعَ عَلَى مَا فِي كَلَامِ الْآخَرِ مِنْ الْخَلَلِ حَيْثُ تَرَكَ مَا أَخَلَّ بِهِ الْآخَرُ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَالْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ هُوَ الشَّرْعِيُّ، وَهِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ إلَى مَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِنْ ثَمَرِهَا انْتَهَى، وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَامَلَةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَفِي الشَّرْعِ عَقْدٌ عَلَى دَفْعِ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرِهِ، وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: فَمَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ أَعَمُّ مِنْ الشَّرْعِيِّ لَا عَيْنَهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِوَارِدٍ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعَامَلَةِ فِي قَوْلِهِ الْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ الْمَعْهُودَةُ بَيْنَ النَّاسِ الْمُسَمَّاةُ بِالْمُسَاقَاةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعُ الْأَشْجَارُ وَالْكُرُومِ إلَى مَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِنْ ثَمَرِهَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مُطْلَقَ الْمُعَامَلَةِ الشَّامِلَةِ لِمِثْلِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ حَتَّى يَكُونَ مَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ أَعَمَّ مِنْ مَفْهُومِهَا الشَّرْعِيِّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُ الْمُسَاقَاةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى كُلِّ مُعَامَلَةٍ، بَلْ إنَّمَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى مُعَامَلَةٍ مَخْصُوصَةٍ مَعْهُودَةٍ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ اعْتَرَفَ ذَلِكَ الرَّادُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَامَلَةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ أَعَمَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَعْنِي شَرَائِطَهَا هِيَ الشَّرَائِطُ الَّتِي ذُكِرْت لِلْمُزَارَعَةِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي هَذَا التَّفْسِيرِ خَلَلٌ، لِأَنَّ الشَّرَائِطَ الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْمُزَارَعَةِ لَيْسَ كُلُّهَا شَرْطًا لِلْمُسَاقَاةِ، فَإِنَّ شَرَائِطَ الْمُسَاقَاةِ أَرْبَعَةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ

وَصَيْفًا وَرَبِيعًا، وَالِانْتِهَاءُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ غَرْسًا قَدْ عُلِّقَ وَلَمْ يَبْلُغْ الثَّمَرُ مُعَامَلَةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرَاضِيِ وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخِيلًا أَوْ أُصُولَ رُطَبَةٍ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا أَوْ أَطْلَقَ فِي الرُّطَبَةِ تَفْسُدُ الْمُعَامَلَةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ، لِأَنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ فَجُهِلَتْ الْمُدَّةُ (وَيُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْجُزْءِ مُشَاعًا) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُزَارَعَةِ إذْ شَرْطُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ (فَإِنْ سَمَّيَا فِي الْمُعَامَلَةِ وَقْتًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ (وَلَوْ سَمَّيَا مُدَّةً قَدْ يَبْلُغُ الثَّمَرُ فِيهَا وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا جَازَتْ) لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ لَوْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادَ الْمُدَّةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ، لِأَنَّ جَوَازَهَا بِالْأَثَرِ وَقَدْ خَصَّهُمَا وَهُوَ حَدِيثُ خَيْبَرَ. وَلَنَا أَنَّ الْجَوَازَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ عَمَّتْ، وَأَثَرُ خَيْبَرَ لَا يَخُصُّهُمَا لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامُ قَاضِي خَانٍ فِي فَتَاوَاهُ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا. وَشَرَائِطُ الْمُزَارَعَةِ ثَمَانِيَةٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ فِي أَوَائِلِ الْمُزَارَعَةِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ شَرَائِطَ الْمُسَاقَاةِ هِيَ الشَّرَائِطُ الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْمُزَارَعَةِ، وَقَدْ سَبَقَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ إلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَلَكِنْ قَيَّدَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ فِي الْجُمْلَةِ حَيْثُ قَالَ: أَيْ وَشَرَائِطُهَا هِيَ الشَّرَائِطُ الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْمُزَارَعَةِ مِمَّا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْمُسَاقَاةِ انْتَهَى. ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِهَا أَوْ عَدَمِ جَوَازِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُعَامَلَةُ جَائِزَةٌ، وَلَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ إلَّا تَبَعًا إلَخْ، فَإِنَّهُ بَيَانُ قَوْلٍ ثَالِثٍ فَارِقٍ بَيْنَ كَوْنِ الْمُزَارَعَةِ أَصْلًا وَكَوْنِهَا تَبَعًا، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ بَيَانَ شُرُوطِ الْمُسَاقَاةِ كَانَ ذِكْرُهُ بَيْنَ بَيَانِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ أَجْنَبِيًّا كَمَا لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فَطَانَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ فَجُهِلَتْ الْمُدَّةُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضُ دَلِيلُ الرَّطْبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَ النَّخِيلِ وَالرَّطْبَةِ إذَا شَرَطَ الْقِيَامَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَذْهَبَ أُصُولُهُمَا لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ فَكَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ. وَفِي نُسْخَةٍ فَكَانَ مَعْلُومًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ دَلِيلُ الرَّطْبَةِ وَحْدَهَا مَمْنُوعٌ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ

وَالرِّطَابِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ فَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُولَةً سِيَّمَا عَلَى أَصْلِهِ (وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ أَنْ يُخْرِجَ الْعَامِلَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ (وَكَذَا لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ تَمْرٌ مُسَاقَاةً وَالتَّمْرُ يَزِيدُ بِالْعَمَلِ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَهَتْ لَمْ يَجُزْ) وَكَذَا عَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ جَازَ، وَلَوْ اُسْتُحْصِدَ وَأُدْرِكَ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ، وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي وَالْإِدْرَاكِ، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لَكَانَ اسْتِحْقَاقًا بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الْعَمَلِ. قَالَ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَصَارَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ. قَالَ (وَتَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيهَا، فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرَ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَرَثَةُ رَبِّ الْأَرْضُ اسْتِحْسَانًا فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْآخَرِ (وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ يُتَخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُسْرِ وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَرْجِعُوا بِذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ) ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ (وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَ رَبُّ الْأَرْضِ) لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (فَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَصْرِمُوهُ بُسْرًا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثَةِ) الَّتِي بَيَّنَّاهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلًا عَلَى الْمَجْمُوعِ لِجَرَيَانِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، كَيْفَ لَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّلِيلَ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ يَعُمُّ الْمَجْمُوعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَيْضًا الْمَجْمُوعَ عِنْدَ إمْكَانُ ذَلِكَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعُذْرِ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلَ النَّخِيلِ وَالرَّطْبَةِ إذَا شَرَطَا الْقِيَامَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَذْهَبَ أُصُولُهُمَا لَيْسَ بِتَامٍّ. أَمَّا عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى الَّتِي مَعْنَاهَا لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ: أَيْ لِزَمَانِ ذَهَابِ أُصُولِهِمَا، فَكَانَ أَيْ الْمُدَّةُ بِتَأْوِيلِ الْوَقْتِ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَلِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ تَحَقُّقَ تِينِك الصُّورَتَيْنِ أَيْضًا، وَلَا يَتِمُّ عُذْرًا لِعَدَمِ ذِكْرِ دَلِيلِهِمَا كَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ. وَأَمَّا عَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي مَعْنَاهَا لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ فَكَانَ مَعْلُومًا: أَيْ كَانَ دَلِيلُ تِينك الصُّورَتَيْنِ مَعْلُومًا لِظُهُورِ إفْسَادِ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ الْعَقْدَ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ، فَلِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَضِيَ أَنْ لَا يَذْكُرَ دَلِيلَ الرَّطْبَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَيْضًا جَهَالَةُ الْمُدَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَ ذَلِكَ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ يَتَخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُسْرِ، وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَرْجِعُوا بِذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ) قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَفِي رُجُوعِهِمْ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ إشْكَالٌ.

(وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ، وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ فِي الْخِيَارِ (فَإِنْ أَبَى وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضُ) عَلَى مَا وَصْفنَا. قَالَ (وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يُدْرِكَ لَكِنْ بِغَيْرِ أَجْرٍ) لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ هَاهُنَا وَفِي الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهَاهُنَا لَا أَجْرَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعَمَلَ كَمَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ انْتِهَائِهَا. قَالَ (وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْإِجَارَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ الْعُذْرِ فِيهَا. وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا يَخَافُ عَلَيْهِ سَرِقَةَ السَّعَفِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ لِأَنَّهُ يُلْزِمُ صَاحِبَ الْأَرْضِ ضَرَرًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَتُفْسَخُ بِهِ. وَمِنْهَا مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ، لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ اسْتِئْجَارَ الْأُجَرَاءِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ عُذْرًا، وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ ذَلِكَ الْعَمَلِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَكَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ أَوْ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ كَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ. فَلَوْ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ بِلَا عَمَلٍ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ، وَكَذَا هَذَا الْإِشْكَالُ وَارِدٌ فِي الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت: لَا إشْكَالَ، إذْ مَعْنَى الْكَلَامِ يَرْجِعُونَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقُوا لَا بِحِصَّتِهِ كَمَا فَهِمَهُ هَذَا الْعَلَّامَةُ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْمَعْنَى خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي لِلْعَلَّامَةِ النَّسَفِيِّ وَعِبَارَةَ شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَعِبَارَةَ غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرَهَا هَكَذَا، وَإِنْ شَاءُوا أَنْفَقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَرْجِعُوا بِنِصْفِ نَفَقَتِهِمْ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُزَارَعَةِ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ نِصْفُ نَفَقَتِهِمْ لَا جَمِيعَهَا فَأَنَّى يَتَيَسَّرُ الْحَمْلُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ ذَلِكَ الْعَمَلِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَعْنِي فِي كَوْنِ تَرْكِ الْعَمَلِ عُذْرًا رِوَايَتَانِ: فِي إحْدَاهُمَا لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَيُجْبَرُ عَلَى

وَتَأْوِيلُ إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ بِيَدِهِ فَيَكُونَ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ (وَمَنْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً يَغْرِسُ فِيهَا شَجَرًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ) لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ (وَجَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْغَارِسِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ: إذْ هُوَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبُسْتَانُ فَيَفْسُدُ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْغِرَاسِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ فَيَجِبُ قِيمَتُهَا وَأَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قِيمَةِ الْغِرَاسِ لِتَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ لَا يُفْسَخُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ مَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْأُخْرَى عُذْرٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ خَلَلٌ، إذْ يَصِيرُ حَاصِلُ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ فِي كَوْنِ تَرْكِ الْعَمَلِ عُذْرًا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا كَوْنُهُ عُذْرًا وَالْأُخْرَى عَدَمُ كَوْنِهِ عُذْرًا فَيُؤَدِّي إلَى كَوْنِ الشَّيْءِ ظَرْفًا لِنَفْسِهِ وَلِنَقِيضِهِ وَلَا يَخْفَى بُطْلَانُ ذَلِكَ، وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا بِالْإِيجَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا، وَالْأُخْرَى بِالسَّلْبِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عُذْرًا فَحِينَئِذٍ لَا غُبَارَ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْرِطَ الْعَمَلَ بِيَدِهِ فَيَكُونَ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ) أَقُولُ: فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ أَنْ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ الْعَمَلَ اضْطِرَارًا بِسَبَبِ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَهُ بِالِاخْتِيَارِ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ كَوْنِهِ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي التَّرْكِ الِاخْتِيَارِيِّ، لِأَنَّ التَّرْكَ الِاضْطِرَارِيَّ إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ عُذْرٍ مُقَرَّرٍ. وَقَدْ مَرَّ مَسْأَلَةُ جَوَازِ الْفَسْخِ بِالْأَعْذَارِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَذِكْرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بَعْدَهَا وَبَيَانُ وُقُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْعَمَلِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ ذَلِكَ الْعَمَلِ هُوَ التَّرْكُ الِاخْتِيَارِيُّ لَا غَيْرُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْغِرَاسِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: يَعْنِي لَوْ وَقَعَ الْغِرَاسُ وَسَلَّمَهَا لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِشَجَرِ الْغِرَاسِ، بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمًا لِقِطْعَةِ خَشَبَةٍ، وَهُوَ مَا شَرَطَ ذَلِكَ، بَلْ شَرَطَ تَسْلِيمَ الشَّجَرِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ، فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهَا وَهِيَ نَابِتَةٌ وَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهَا انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي شَرْحُ هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ لَوْ قَلَعَ الْغِرَاسَ وَسَلَّمَهَا لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِلشَّجَرِ بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمًا لِقِطْعَةِ خَشَبَةٍ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِلشَّجَرِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَنْعُ ذَلِكَ مُكَابَرَةٌ، لِأَنَّ الشَّجَرَ عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ مَا كَانَ عَلَى سَاقٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَلَعَ الْغِرَاسَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّجَرِ فَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُ الْمَقْلُوعِ تَسْلِيمًا لِلشَّجَرِ لَا مَحَالَةَ بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمًا لِقِطْعَةِ خَشَبَةٍ كَمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ، نَعَمْ إنَّ قَوْلَهُمْ كَانَ الْمَشْرُوطُ تَسْلِيمَ الشَّجَرِ لَا تَسْلِيمَ قِطْعَةِ خَشَبَةٍ مُسْتَدْرَكٌ لَا يُجْدِي طَائِلًا هَاهُنَا، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْغَارِسِ لِلشَّجَرِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ بَلْ يَكُونُ

[كتاب الذبائح]

وَفِي تَخْرِيجِهَا طَرِيقٌ آخَرُ بَيَّنَّاهُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَهَذَا أَصَحُّهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الذَّبَائِحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّجَرُ مِلْكًا لَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ رَدُّ قِيمَةِ تَمَامِ الْغِرَاسِ مَعَ كَوْنِ الْمَشْرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ تَدَبَّرْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ وَفِي تَخْرِيجِهَا طَرِيقٌ آخَرُ بَيَّنَّاهُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى) يَعْنِي وَفِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ: أَيْ دَلِيلٌ آخَرُ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ بَيَّنَّاهُ: أَيْ بَيَّنَّا ذَلِكَ الطَّرِيقَ الْآخَرَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ: وَهُوَ شِرَاءُ رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَ الْغِرَاسِ مِنْ الْعَامِلِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ، أَوْ شِرَاؤُهُ جَمِيعَ الْغِرَاسِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ وَنِصْفِ الْخَارِجِ، فَكَانَ عَدَمُ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ لِجَهَالَةِ الْغِرَاسِ نِصْفَهَا أَوْ جَمِيعَهَا لَا لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الِاسْتِئْجَارِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ انْتَهَى، أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِمَّا ذَكَرُوهُ وَهِيَ قَوْلُهُمْ أَوْ شِرَاؤُهُ جَمِيعَ الْغِرَاسِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ وَنِصْفِ الْخَارِجِ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَأَنْ تَكُونَ طَرِيقَ تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغَارِسِ نِصْفَيْنِ. وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَكُونُ جَمِيعُ الْغِرَاسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْمُنَاصَفَةُ فِي الشَّجَرِ. [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] (كِتَابُ الذَّبَائِحِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالذَّبَائِحِ كَوْنُهُمَا إتْلَافًا فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ فِي الْمَآلِ، فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِإِتْلَافِ الْحَبِّ فِي الْأَرْضِ لِلِانْتِفَاعِ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا، وَالذَّبْحُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ بِإِزْهَاقِ رُوحِهِ فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: يُتَّجَهُ عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي تَعْقِيبَ الْمُزَارَعَةِ بِالذَّبَائِحِ دُونَ تَعْقِيبِ الْمُسَاقَاةِ بِالذَّبَائِحِ، إذْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا إتْلَافَ فِي الْمُسَاقَاةِ. وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي تَرْتِيبِ الْكِتَابِ تَعْقِيبُ الْمُسَاقَاةِ بِالذَّبَائِحِ لَا تَعْقِيبُ الْمُزَارَعَةِ بِهَا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: جَعَلُوا الْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِهِمَا فِي أَكْثَرِ الشَّرَائِطِ وَالْأَحْكَامِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَبَاحِثِهِمَا، فَكَانَتْ الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالذَّبَائِحِ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ وَالذَّبَائِحِ فَاكْتَفَوْا بِذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا تَرَى كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى كَالذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانٍ وَغَيْرِهَا اكْتَفَوْا بِذِكْرِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَجَعَلُوا الْمُسَاقَاةَ بَابًا مِنْهَا وَعَنْوَنَوهَا بِالْمُعَامَلَةِ، وَذِكْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ فِي الْكِتَابِ بِكِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْدَادِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِذَاتِهَا وَاخْتِصَاصِهَا بِأَحْكَامِهَا، بَلْ يَكْفِي جِهَةُ التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا فِي الْجُمْلَةِ. أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا الصَّرْفَ بِكِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ عَقِيبَ ذِكْرِهِمْ كِتَابَ الْبُيُوعِ مَعَ أَنَّهُ أَنْوَاعُ الْبُيُوعِ قَطْعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، ثُمَّ إنَّ الذَّبَائِحَ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهِيَ اسْمُ مَا يُذْبَحُ كَالذَّبْحِ وَالذَّبْحُ مَصْدَرُ ذَبَحَ إذَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَشَايِخِنَا ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الذَّبْحَ مَحْظُورٌ عَقْلًا لِمَا فِيهِ مِنْ إيلَامِ الْحَيَوَانِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَحَلَّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِمْ: وَهَذَا عِنْدِي بَاطِلٌ، لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ» وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ بِأَسْمَاءِ الْأَصْنَامِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ وَيَصْطَادُ بِنَفْسِهِ، وَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَقْلًا كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالسَّفَهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ: أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الذَّبْحُ كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ. لِأَنَّ الْمَحْظُورَ الْعَقْلِيَّ ضَرْبَانِ: مَا يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ فَلَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَمَا فِيهِ نَوْعُ تَجْوِيزٍ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرِ مَنْفَعَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ وَيُقَدَّمَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى نَفْعِهِ كَالْحِجَامَةِ لِلْأَطْفَالِ وَتَدَاوِيهِمْ بِمَا فِيهِ أَلَمٌ لَهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ مَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْعِنَايَةِ: قُلْت كُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ الذَّبِيحَةِ إلَّا بَعْدَ الْبَعْثَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ كَوْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَمْرٌ مُتَوَاتِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يُظَنَّ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ الْمُشْرِكِينَ كَمَا ذَكَرَهُ، وَالْمُجِيبُ يَمْنَعُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ أَنَّهُ كَانَ كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ.

قَالَ (الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلِأَنَّ بِهَا يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمُ الطَّاهِرُ. وَكَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحِلُّ يَثْبُتُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّهَا تُنْبِئُ عَنْهَا. وَمِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ كَالْجُرْحِ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَهِيَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنُ. وَالثَّانِي كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ. وَهَذَا آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْمَلُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ وَالثَّانِيَ أَقْصَرُ فِيهِ، فَاكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ، إذْ التَّكْلِيفُ بِحَسْبِ الْوُسْعِ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَلْزَمُهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَانِعًا لَا مُسْتَدِلًّا فَلَا مَحَلَّ لِنَظَرِهِ أَصْلًا (قَوْلُهُ قَالَ الذَّكَاةُ شَرْطُ حِلِّ الذَّبِيحَةِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ وَضْعِ الْكِتَابِ. لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ قَالَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَهُنَا لَمْ تَقَعْ الْإِشَارَةُ إلَى أَحَدِهِمَا، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبِدَايَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُورِدَ لَفْظَ قَالَ أَوْ يَقُولُ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مُشِيرًا بِهِ إلَى نَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت هَذَا تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ لَفْظَةَ قَالَ بِإِضْمَارِ الْفَاعِلِ وَأَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ، فَهَذَا أَيْضًا مِثْلُهُ، وَلَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ الْفَاعِلِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ عِنْدَ إسْنَادُ الْقَوْلِ إلَى الْقُدُورِيِّ أَوْ مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَاعِلِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ إسْنَادِهِ إلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَخْفَى هَذَا إلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ مَسَائِلَ الْقُدُورِيِّ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْخَوْضَ فِي الْهِدَايَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: الْحَقُّ مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَوْلِ الْعَيْنِيِّ ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ لَفْظَةَ قَالَ بِإِضْمَارِ الْفَاعِلِ وَأَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ، إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ مُشِيرًا بِهَا إلَى نَفْسِهِ فَهُوَ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ، فَإِنَّهُ إذَا ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ يُشِيرُ بِهَا إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ عَلَى الِاطِّرَادِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي غَيْرِ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ مُشِيرًا بِهَا إلَى نَفْسِهِ فَهُوَ وَاقِعٌ، وَلَكِنْ إذَا ذَكَرَهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ كَأَنْ يَقُولَ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ أَوْ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْجَدِيدَةِ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذِكْرُ لَفْظَةِ قَالَ وَحْدَهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ قَطُّ، وَهَذَا غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ لَهُ دَارِيَةٌ بِأَسَالِيبِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ مُكَابِرٌ فِيمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَإِنَّ حُكْمَ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَهُ

خَارِجَ الْحَرَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ) لِمَا تَلَوْنَا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَيَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضْبِطُ وَلَا يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ لَا تَحِلُّ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] إلَى آخِرِهِ. فَاسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ الْمُذَكَّى فَيَكُونُ حَلَالًا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْمُرَتَّبُ عَلَى الْمُشْتَقِّ مَعْلُولٌ لِلصِّفَةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحِلُّ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ جُعِلَتْ شَرْطًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحِلِّ بِالشَّرْعِ مِمَّا لَا يُنَافِي كَوْنَ الصِّفَةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا الَّتِي هِيَ الذَّكَاةُ عِلَّةَ الْحُكْمِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ. (قَوْلُهُ وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ) لِمَا تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] عَنَى بِقَوْلِهِ لِمَا تَلَوْنَا قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَهُوَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وقَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فِي حَقِّ الْكِتَابِيِّ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ، كَذَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ الْأَحْسَنُ عِنْدِي أَيْضًا فِي بَيَانِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ لِمَا تَلَوْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلَمَا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِخُرُوجِ الْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمَجُوسِيِّ فَلَا يَكُونُ قَاطِعًا فِي الْإِفَادَةِ، ضَمَّ إلَيْهِ قَوْلَهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] عَامٌّ لِلْكُفَّارِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمُؤْمِنِينَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَالسِّيَاقُ فِي النَّظْمِ الشَّرِيفِ، أَلَا يَرَى أَنَّ مَا قَبْلَهُ أَوَّلَ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخِطَابَاتِ الْوَاقِعَةَ هُنَا لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً

بِالْقَصْدِ. وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا. وَالْأَقْلَفُ وَالْمَخْتُونُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِيِّ يَنْتَظِمُ الْكِتَابِيَّ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ وَالْعَرَبِيَّ وَالتَّغْلِبِيَّ، لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمِلَّةِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَلِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي التَّوْحِيدَ فَانْعَدَمَتْ الْمِلَّةُ اعْتِقَادًا وَدَعْوَى. قَالَ (وَالْمُرْتَدِّ) لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ. فَإِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَحَوَّلَ إلَى غَيْرِ دِينِهِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ لَا مَا قَبْلَهُ. قَالَ (وَالْوَثَنِيِّ) لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْمِلَّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَقَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَخْ بَيَانٌ لِمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، فَلَا جَرَمَ وَيَكُونُ الْخِطَابُ فِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ} [المائدة: 3] وَ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً أَيْضًا فَلَا يَكُونُ مِمَّا يَعُمُّ الْوَثَنِيَّ وَنَحْوَهُ، وَلَئِنْ سُلِّمَ عُمُومُهُ لِلْوَثَنِيِّ وَنَحْوِهِ أَيْضًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خَصَّ مِنْهُ الْبَعْضَ، بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي نُسِخَ بَعْضُهُ بِإِخْرَاجِ الْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مِنْ حُكْمِهِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّخْصِيصَ عِنْدَنَا إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى قَصْرِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ مَوْصُولٌ بِالْعَامِّ، وَأَنَّ قَصْرَهُ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِهِ هُوَ النَّسْخُ لَا التَّخْصِيصَ، وَأَنَّ الَّذِي لَا يَكُونُ قَطْعِيًّا إنَّمَا هُوَ الْعَامُّ الَّذِي خَصَّ مِنْهُ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ دُونَ الْعَامِّ الَّذِي نَسَخَ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي بِلَا رَيْبٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الَّذِي يُخْرِجُ الْوَثَنِيَّ وَنَحْوَهُ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَكَانَ قَطْعِيًّا فِي الْإِفَادَةِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ كَوْنُهُ ظَنِّيًّا غَيْرَ قَاطِعٍ فِي الْإِفَادَةِ فَهُوَ كَافٍ فِي إفَادَةِ الْمَطْلُوبِ هُنَا بِلَا حَاجَةٍ إلَى ضَمِّ شَيْءٍ آخَرَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّ الدَّلِيلَ الظَّنِّيَّ يُفِيدُ وُجُوبَ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ وُجُوبَ الِاعْتِقَادِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] يُتَّجَهُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] بِأَنْ يُقَالَ أَيْضًا: إنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِخُرُوجِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَيْضًا دَلِيلٌ آخَرُ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الضَّمَّ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يُفِيدُ فِي حَقِّ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ دُونَ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ لِاخْتِصَاصِ الدَّلِيلِ الْمَضْمُومِ بِالْكِتَابِيِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَبْقَى الدَّلِيلُ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ حِلِّ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَبْنَى زَعْمِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الدَّلِيلَ الثَّانِيَ إذَا أَفَادَ حِلَّ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ أَفَادَ حِلَّ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ أَيْضًا دَلَالَةً. ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] ذَبَائِحُهُمْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ. وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكَافِي وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ، إذْ يَسْتَوِي الْكِتَابِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَا سِوَى الذَّبَائِحِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ، فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا اصْطَادَ سَمَكَةً حَلَّ أَكْلُهَا. وَرَدَّ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ اسْتِدْلَالِهِمْ الْمَذْكُورِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمِ الْعَلَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَمَّا سِوَاهُ اهـ أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّهُ لَيْسَ مَدَارُ اسْتِدْلَالِهِمْ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمِ الْعَلَمِ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَمَّا سِوَاهُ، بَلْ مُرَادُهُمْ كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَخَلَا تَخْصِيصُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ فِي كَلَامِ رَبِّ الْعِزَّةُ عَنْ الْفَائِدَةِ تَعَالَى عَنْهُ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ مُتَمَشٍّ عَلَى أَصْلِ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا، إذْ لَا يَرْضَى أَحَدٌ بِخُلُوِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْفَائِدَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَقْلَفُ وَالْمَخْتُونُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا) اخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي تَعْيِينِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ

قَالَ (وَالْمُحَرَّمُ) يَعْنِي مِنْ الصَّيْدِ (وَكَذَا لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ) وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُحَرَّمِ يَنْتَظِمُ الْحِلَّ وَالْحَرَمَ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ، وَهَذَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ وَهَذَا الصَّنِيعُ مُحَرَّمٌ فَلَمْ تَكُنْ ذَكَاةً، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ غَيْرَ الصَّيْدِ أَوْ ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ غَيْرَ الصَّيْدِ صَحَّ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، إذْ الْحَرَمُ لَا يُؤَمِّنُ الشَّاةَ، وَكَذَا لَا يَحْرُمُ ذَبْحُهُ عَلَى الْمُحْرِمُ. قَالَ (وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أُكِلَ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِي تَرْكُ التَّسْمِيَةُ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي وَالْكَلْبِ، وَعِنْدَ الرَّمْيِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الشَّافِعِيِّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي حُرْمَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا. فَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ يَحِلُّ، بِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَايَةُ الْبَيَانِ أَرَادَ بِهِ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَهُمَا قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ، وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ عَادَتَهُ فِي مِثْلِهِ لِمَا تَلَوْنَا. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ. وَرَدَّهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ أَيْضًا: وَهَذَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِنْ جَانِبِ تَاجَ الشَّرِيعَةِ إنَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي الْكِتَابِ صَرَاحَةً إلَّا أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِيهِ ضِمْنًا حَيْثُ قَالَ فِيمَا مَرَّ: وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ إشَارَةً إلَى الْآيَةِ وَإِلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ وَعَادَتُهُ فِي مِثْلِهِ ذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الذَّكَاةِ شَرْطَ حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الذَّبْحِ مَنْ هُوَ كَيْفَ وَتَمَيُّزُ الدَّمِ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ يَحْصُلُ بِذَبْحِ الْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ أَيْضًا مَعَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلذَّبْحِ قَطْعًا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَا ذَكَرْنَا تَعْلِيلٌ لِاسْتِوَاءِ الْأَقْلَفِ وَالْمَخْتُونِ فِي الْأَهْلِيَّةِ لِلذَّبْحِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يُجْعَلَ إشَارَةً إلَى مَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ الدَّمُ النَّجِسُ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ. ثُمَّ أَقُولُ: هُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ أَقْرَبُ مِمَّا ذَكَرُوا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَيَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَدَارَ حِلِّ الذَّبِيحَةِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ مِمَّنْ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَقْلَفَ وَالْمَخْتُونَ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي ذَلِكَ فَكَانَا سَوَاءً فِي حُكْمِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِمَا تَدَبَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ إنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الذَّبْحِ اخْتِيَارِيًّا كَانَ أَوْ اضْطِرَارِيًّا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِشُمُولِ الْجَوَازِ، وَمَالِكٌ بِشُمُولِ الْعَدَمِ وَعُلَمَاؤُنَا فَصَّلُوا، إنْ تَرَكَهَا عَامِدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَ انْتَهَى. أَقُولُ: كَأَنَّهُ حَسِبَ أَنَّهُ أَتَى فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ بِكَلَامٍ مُجْمَلٍ جَامِعٍ لِأَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِحَقِّ الْمَقَامِ فِي تَحْرِيرِهِ هَذَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ الذَّبْحِ يُنَافِي تَعْمِيمَ الذَّبْحِ لِلِاخْتِيَارِيِّ وَالِاضْطِرَارِيِّ كَمَا يَقْتَضِيه قَوْلُهُ اخْتِيَارِيًّا كَانَ أَوْ اضْطِرَارِيًّا لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ كَوْنَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الِاضْطِرَارِيَّةِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ لَا غَيْرُ، وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ

عَامِدًا لَا يَسَعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَمَا سَقَطَتْ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ كَالطَّاهِرَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا فَالْمِلَّةُ أُقِيمَتْ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي، وَلَنَا الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] الْآيَةَ، نَهْيٌ وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ أَيْضًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحُ الْمَزْبُورِ أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي وَالْكَلْبِ وَعِنْدَ الرَّمْيِ يُنَافِي تَعْمِيمَ الذَّبْحِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لِلِاخْتِيَارِيِّ وَالِاضْطِرَارِيِّ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِ الْمَقِيسِ فِي جَانِبِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» ) أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ دَلِيلَهُ هَذَا قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ مُدَّعَاهُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالْكِتَابِيَّ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ سَوَاءٌ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَنَا الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] نَهْيٌ وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ حَالَ الذَّبْحِ لَا غَيْرُ، وَصِلَةُ عَلَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ، يُقَالُ ذَكَرَ عَلَيْهِ إذَا ذَكَرَ بِاللِّسَانِ، وَذَكَرَهُ إذَا ذَكَرَ.

وَالْإِجْمَاعُ وَهُوَ مَا بَيَّنَّا. وَالسُّنَّةُ وَهُوَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي آخِرِهِ «فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» عَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ. وَمَالِكٌ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا، إذْ لَا فَصْلَ فِيهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ النِّسْيَانِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ وَالسَّمْعُ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ لَجَرَتْ الْمُحَاجَّةُ وَظَهَرَ الِانْقِيَادُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلُ. وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ النَّاسِي وَهُوَ مَعْذُورٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِي حَقِّ الْعَامِدِ وَلَا عُذْرَ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهِيَ عَلَى الْمَذْبُوحِ. وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ، لِأَنَّ الْمَقْدُورَ لَهُ فِي الْأَوَّلِ الذَّبْحُ وَفِي الثَّانِي الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ دُونَ الْإِصَابَةِ فَتُشْتَرَطُ عِنْدَ فِعْلٍ يَقْدِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَلْبِ وَقَوْلُهُ {وَلا تَأْكُلُوا} [الأنعام: 121] عَامٌّ مُؤَكَّدٌ بِمَنْ الِاسْتِغْرَاقِيَّة الَّتِي تُفِيدُ التَّأْكِيدَ، وَتَأْكِيدُ الْعَامِّ بِنَفْيِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلتَّخْصِيصِ فَيَعُمُّ كُلَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَالَ الذَّبْحِ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّاسِيَ ذَاكِرًا لِعُذْرٍ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ النِّسْيَانُ فَإِنَّهُ مِنْ الشَّرْعِ بِإِقَامَةِ الْمِلَّةِ مَقَامَ الذِّكْرِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَمَا أَقَامَ الْأَكْلَ نَاسِيًا مَقَامَ الْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ لِذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ حَالَ الذَّبْحِ لَا غَيْرُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] دَالًّا عَلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ الْمَذْبُوحُ بِالذَّبْحِ الِاضْطِرَارِيِّ أَصْلًا، لِأَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ حَالَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ لَا حَالَ الذَّبْحِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ، فَكَانَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَالَ الذَّبْحِ فَلَزِمَ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ النَّهْيِ عَنْ الْأَكْلِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، مَعَ أَنَّ حِلَّ أَكْلِ الْمَذْبُوحِ بِالذَّبْحِ الِاضْطِرَارِيِّ إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَالَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّاسِيَ ذَاكِرًا لِعُذْرٍ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ النِّسْيَانُ يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلتَّخْصِيصِ فَيَعُمُّ كُلَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَالَ الذَّبْحِ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا، لِأَنَّ جَعْلَ الشَّرْعِ النَّاسِي، ذَاكِرًا لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ تَخْصِيصِ النَّاسِي مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] لَمَّا كَانَ عَامِدًا وَنَاسِيًا وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلتَّخْصِيصِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ أَيْضًا فَتَحَقَّقَ التَّنَافِي بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَمَالِكٌ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا إذْ لَا فَصْلَ فِيهِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: أَيْ لَا فَصْلَ فِي ظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] يَشْمَلُ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ جَمِيعًا لِعَدَمِ الْقَيْدِ بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: اسْتَدَلَّ مَالِكٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَإِنَّ فِيهِ.

عَلَيْهِ، حَتَّى إذَا أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَجُوزُ. وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ، وَكَذَا فِي الْإِرْسَالِ، وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ رَمَى بِالشَّفْرَةِ وَذَبَحَ بِالْأُخْرَى أُكِلَ، وَلَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بِغَيْرِهِ صَيْدًا لَا يُؤْكَلُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا غَيْرَهُ. وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) وَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنْ يَذْكُرَ مَوْصُولًا لَا مَعْطُوفًا فَيُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا قَالَ. وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ فَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا لَهُ. إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْقُرْآنِ صُورَةً فَيُتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْمُحَرَّمِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَذْكُرَ مَوْصُولًا عَلَى وَجْهِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ بِأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ، أَوْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ. أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَقَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الذَّبِيحَةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذِهِ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ» وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ الْمُجَرَّدُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ، وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ التَّسْمِيَةَ حَلَّ، وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْحَمْدَ عَلَى نِعَمِهِ دُونَ التَّسْمِيَةِ. وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قَالَ (وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّهْيَ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ وَهُوَ تَأْكِيدُهُ بِمِنْ الِاسْتِغْرَاقِيَّة عَنْ أَكْلِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِمَّا ذَكَر فِي هَذَيْنِ الشَّرْحَيْنِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ، وَمَالِكٌ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا هُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ عَادَتَهُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَقُولَ مَا تَلَوْنَا فَمَا مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ لَهَا هُنَا، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ هَذَا مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي الصَّفْحَةِ الْأُولَى، فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ وَمَالِكٌ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا مَجْمُوعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا الْكِتَابَ وَحْدَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ عَادَتُهُ، لِأَنَّ عَادَتَهُ أَنْ يَقُولَ لِمَا تَلَوْنَا فِيمَا

وَاللَّحْيَيْنِ» ، وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَجْرَى وَالْعُرُوقِ فَيَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فِيهِ إنْهَارُ الدَّمِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ فَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ سَوَاءً. قَالَ (وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ: الْحُلْقُومُ، وَالْمَرِيءُ، وَالْوَدَجَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أَرَادَ الْكِتَابَ وَحْدَهُ، وَأَنْ يَقُولَ لِمَا رَوَيْنَا فِيمَا إذَا أَرَادَ السُّنَّةَ وَحْدَهَا، فَلَمَّا أَرَادَ مَجْمُوعَهُمَا هَاهُنَا أَتَى بِكَلِمَةٍ جَامِعَةٍ فَقَالَ: وَمَالِكٌ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ إذْ لَا فَصْلَ فِي ظَاهِرِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تَرَى. (كَيْفِيَّته) (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: الْفَرْيُ: الْقَطْعُ لِلْإِصْلَاحِ وَالْإِفْرَاءُ: الْقَطْعُ لِلْإِفْسَادِ، فَيَكُونُ كَسْرُ الْهَمْزَةِ هُنَا أَلْيَقَ انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَالْعِنَايَةِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْكِفَايَةِ أَتَى بِعَيْنِ لَفْظِهِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَذَكَرَ لَفْظَ أَنْسَبَ بَدَلَ لَفْظِ أَلْيَقَ وَقَالَ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا الْوُرُودِ الْأَمْرُ بِفَرْيِهِ أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ نَظَرٌ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ عَمَّمَ الْفَرْيَ وَالْإِفْرَاءَ لِلْإِصْلَاحِ وَالْإِفْسَادِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ: فَرَاهُ يَفْرِيه: شَقَّهُ فَاسِدًا أَوْ صَالِحًا كَفَرَاهُ وَأَفْرَاهُ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ مَا ذَكَرُوهُ أَصْلًا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْمُغْرِبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الذَّبْحَ مِنْ قَبِيلِ الْإِفْرَاءِ دُونَ الْفَرْيِ حَيْثُ قَالَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِفْرَاءِ وَالْفَرْيِ أَنَّهُ قَطْعٌ لِلْإِفْسَادِ وَشَقٌّ كَمَا يَفْرِي الذَّابِحُ السَّبُعَ، وَالْفَرْيُ قَطْعٌ لِلْإِصْلَاحِ كَمَا يَفْرِي الْخَرَّازُ الْأَدِيمَ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَا يَتِمُّ قَوْلُهُمْ فَيَكُونُ كَسْرُ الْهَمْزَةِ هُنَا أَلْيَقَ، إذَا لَا شَكَّ أَنَّ الذَّبْحَ إذَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْإِفْرَاءِ دُونَ الْفَرْيِ كَانَ فَتْحُ الْهَمْزَةِ هُنَا هُوَ الْأَلْيَقَ وَالْأَنْسَبَ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْمُغْرِبِ قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فَرَى بِمَعْنَى أَفْرَى أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ بِهِ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَا مَجَالَ لِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَسْمُوعٍ فِيهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَلْيَقَ وَأَنْسَبَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ فِي أَثْنَاءِ

وَهِيَ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ الثَّلَاثُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ فَيَثْبُتُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِاقْتِضَائِهِ، وَبِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا يَحْتَجُّ مَالِكٌ وَلَا يُجَوِّزُ الْأَكْثَرَ مِنْهَا بَلْ يَشْتَرِطُ قَطْعَ جَمِيعِهَا (وَعِنْدَنَا إنْ قَطَعَهَا حَلَّ الْأَكْلُ، وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنْ قَطَعَ نِصْفَ الْحُلْقُومِ وَنِصْفَ الْأَوْدَاجِ لَمْ يُؤْكَلْ. وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أُكِلَ. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ فَلَعَلَّهُ جَرَى مِنْهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ فَرَى بِمَعْنَى أَفْرَى أَيْضًا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ، وَلَا يُنَافِيه عَدَمُ السَّمَاعِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ لَفْظُ نَفْسِهِ لَا لَفْظُ الْحَدِيثِ. أَوْ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْيِ وَالْإِفْرَاءِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ، فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَقَامُ (قَوْلُهُ وَهِيَ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ الثَّلَاثُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ جَمْعُ الْأَوْدَاجِ وَمَا ثَمَّةَ إلَّا الْوَدَجَانِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ زُهُوقُ الرُّوحِ وَهُوَ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَعِيشُ بَعْدَ قَطْعِهِمَا أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا الِاحْتِجَاجِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدَ مَا يَحْصُلُ بِهِ زُهُوقُ الرُّوحِ لَكَفَى قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، إذْ الْحَيَوَانُ لَا يَعِيشُ بَعْدَ قَطْعِ أَحَدِهِمَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ مَجْرَى النَّفْسِ أَوْ الطَّعَامِ، وَمَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقُلْ بِكِفَايَةِ قَطْعِ أَحَدِهِمَا بَلْ شَرَطَ قَطْعَهُمَا مَعًا، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاحْتِجَاجِ الْمَزْبُورِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، أَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّ الْأَوْدَاجَ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَصْلًا، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إسَالَةُ الدَّمِ النَّجِسِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ مَجْرَاهُ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ ضَعْفِهِ لَفْظًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ قَدْ ذَكَرَ فِي الِاحْتِجَاجِ الْمَزْبُورِ وَجْهَ دَلَالَةِ الْأَوْدَاجِ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ بِأَنَّهُ جَمْعُ الْأَوْدَاجِ، وَمَا ثَمَّةَ إلَّا الْوَدَجَانِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ زُهُوقُ الرُّوحِ وَهُوَ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَلَا مَعْنَى بَعْدَ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ نَفْيِ دَلَالَتِهِمَا عَلَيْهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَحْذُورٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ فَيَثْبُتُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِاقْتِضَائِهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ فِي تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَمْلُ الْأَوْدَاجِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ حَيْثُ بَنَى تَعْلِيلَهُ عَلَى قِيَامِ الْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَا بِاقْتِضَائِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَا سَيَجِيءُ مِنْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ اقْتَضَى حَمْلَ الْأَوْدَاجِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِغْرَاقُ مِنْ جِهَةٍ

الثَّلَاثَ: أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَ يَحِلُّ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ كُلِّ فَرْدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ فَيُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، إذْ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَجْرَى الدَّمِ. أَمَّا الْحُلْقُومُ فَيُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّهُ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى النَّفَسِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأَيَّ ثَلَاثٍ قَطَعَهَا فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِهَا هُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَالتَّوْحِيَةُ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ مَجْرَى النَّفَسِ أَوْ الطَّعَامِ، وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِهِ تَحَرُّزًا عَنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ النِّصْفَ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ بَاقٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا احْتِيَاطًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَالْقَرْنِ إذَا كَانَ مَنْزُوعًا حَتَّى لَا يَكُونَ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ هَذَا الذَّبْحُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٍ كَدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ عِبَارَةً، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الِاسْتِغْرَاقُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى قَطْعِ الثَّلَاثَةِ عِبَارَةً، وَعَلَى قَطْعِ الرَّابِعِ أَيْضًا اقْتِضَاءً كَمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ الْمَجْمُوعِ اسْتِغْرَاقُ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتَيْ الدَّلَالَةِ: أَعْنِي الْعِبَارَةَ وَالِاقْتِضَاءَ فَلَا تَدَافُعَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَوَهَّمَ (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِهِ تَحَرُّزًا عَنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ فِي قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ مَعًا زِيَادَةُ التَّعْذِيبِ وَكَانَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِ أَحَدِهِمَا تَحَرُّزٌ عَنْهَا لَمَا كَانَ قَطْعُ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ جَمِيعًا فِي الذَّكَاةِ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاكْتِفَاءُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ أَوْلَى فَإِنَّ تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ مِمَّا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ، مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الشُّرُوحِ وَغَيْرِهَا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذْبُوحُ مَيْتَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفْرِ وَالسِّنِّ فَإِنَّهُمَا مُدَى الْحَبَشَةِ» وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَمَا إذَا ذُبِحَ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ آلَةٌ جَارِحَةٌ فَيَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ وَصَارَ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالثِّقْلِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُنْخَنِقَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالَ جُزْءِ الْآدَمِيِّ وَلِأَنَّ فِيهِ إعْسَارًا عَلَى الْحَيَوَانِ وَقَدْ أُمِرْنَا فِيهِ بِالْإِحْسَانِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِاللِّيطَةِ وَالْمَرْوَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا السِّنَّ الْقَائِمَ وَالظُّفْرَ الْقَائِمَ) فَإِنَّ الْمَذْبُوحَ بِهِمَا مَيْتَةٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّهَا مَيْتَةٌ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ نَصًّا. وَمَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا يَحْتَاطُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ فِي الْحِلِّ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الْحُرْمَةِ يَقُولُ يُكْرَهُ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحِدَّ الذَّابِحُ شَفْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ، هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» قَالَ (وَمَنْ بَلَغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ أَوْ قَطَعَ الرَّأْسَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ قَطْعَ الْجَمِيعِ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ الْأَوْدَاجُ جَمْعٌ دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ لَيْسَ أَفْرَادَهُ حَقِيقَةً، وَالِانْصِرَافُ إلَى الْجِنْسِ فِيمَا يَكُونُ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ لِهَذَا الْإِيرَادِ مِسَاسٌ بِالْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْعِنَايَةِ، إذْ لَمْ يَقُلْ فِيهَا إنَّ الْجَمْعَ حُمِلَ هَاهُنَا عَلَى الْجِنْسِ حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ عِنْدَ أَرْبَابُ عِلْمِ الْأُصُولِ إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ قَالَ فِيهَا: إنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ أَفْرَادَهُ حَقِيقَةً، لِأَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَدَجَيْنِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ وَالِانْصِرَاف إلَى الْجِنْسِ فِيمَا يَكُونُ كَذَلِكَ: أَيْ فِيمَا يَكُونُ مَا تَحْتَهُ مِنْ أَفْرَادِهِ حَقِيقَةً فَصَارَ حَاصِلُهُ نَفْيَ جَوَازِ الْحَمْلِ عَلَى الْجِنْسِ هَاهُنَا فَلَا يُتَّجَهُ عَلَيْهِ الْإِيرَادُ الْمَذْكُورُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذْبُوحُ مَيْتَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفْرِ وَالسِّنُّ فَإِنَّهُمَا مُدَى الْحَبَشَةِ» ) أَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَمَامِ مُدَّعَى الشَّافِعِيِّ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مُدَّعَاهُ فِي الْبَعْضِ، فَإِنَّ الْقَرْنَ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي الْمُدَّعَى مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ أَكْلِ الْمَذْبُوحِ بِذَلِكَ بَلْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ حَيْثُ اسْتَثْنَى الظُّفْرَ وَالسِّنَّ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُمَا فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا بَلْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَكَاةً حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ أَيْضًا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ

وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَطَعَ مَكَانَ بَلَغَ. وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ إذَا ذُبِحَتْ» وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهُ، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةَ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ زِيَادَةَ إيلَامٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ مَكْرُوهٌ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ بِرِجْلِهِ إلَى الْمَذْبَحِ، وَأَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ: يَعْنِي تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَبَعْدَهُ لَا أَلَمَ فَلَا يُكْرَهُ النَّخْعُ وَالسَّلْخُ، إلَّا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ فَلِهَذَا قَالَ: تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. قَالَ (فَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا فَبَقِيَتْ حَيَّةٌ حَتَّى قَطَعَ الْعُرُوقَ حَلَّ) لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ، وَيُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهَا ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ فِيهَا. قَالَ (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ الذَّبْحُ، وَمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجُرْحُ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْعَجْزُ مُتَحَقِّقٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ (وَكَذَا مَا تَرَدَّى مِنْ النَّعَمِ فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ) لِمَا بَيَّنَّا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ. وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فَيُصَارُ إلَى الْبَدَلِ، كَيْفَ وَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ النُّدْرَةَ بَلْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَنَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَاةٌ يَجُوزُ أَكْلُ الْمَذْبُوحِ بِهِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ هَذَا الذَّبْحُ فَلَمْ يَخْلُ هَذَا التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ) . قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: النُّخَاعُ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ يَمْتَدُّ إلَى الصُّلْبِ، وَالْفَتْحُ وَالضَّمُّ لُغَةٌ فِي الْكَسْرِ، وَمَنْ قَالَ هُوَ عِرْقٌ فَقَدْ سَهَا، إنَّمَا ذَلِكَ الْبِخَاعُ بِالْبَاءِ يَكُونُ فِي الْقَفَا، وَمِنْهُ بَخَعَ الشَّاةَ إذَا بَلَغَ بِالذَّبْحِ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَالْبَخْعُ أَبْلَغُ مِنْ النَّخْعِ انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَا فِي الْمُغْرِبِ بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى الْمُغْرِبِ فَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَأَنَّهُ حَسِبَ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ: فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ، وَنَسَبَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ: هُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ يَمْتَدُّ إلَى الصُّلْبِ. وَرُدَّ بِأَنَّ بَدَنَ الْحَيَوَانِ مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ وَأَعْصَابٍ وَعُرُوقٍ هِيَ شَرَايِينُ وَأَوْتَارٌ وَمَا ثَمَّةَ شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ أَصْلًا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: الرَّدُّ الْمَذْكُورُ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِظَامِ وَالْأَعْصَابِ وَالْعُرُوقِ إنَّمَا هُوَ أَعْضَاءٌ مُفْرَدَةٌ لِبَدَنِ الْحَيَوَانِ، وَلَهُ أَعْضَاءٌ أُخَرُ مُفْرَدَةٌ كَالْغُضْرُوفِ وَالرِّبَاطِ وَالْغِشَاءِ وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمُرَكَّبَةٌ تَرْكِيبًا أَوَّلِيًّا كَالْعَضَلِ، أَوْ ثَانِيًا كَالْعَيْنِ، أَوْ ثَالِثًا كَالْوَجْهِ، ثُمَّ الرَّأْسُ مَثَلًا عَلَى مَا بُيِّنَ كُلُّهُ فِي كُتُبِ الطِّبِّ.

غَالِبٌ. وَفِي الْكِتَابِ أَطْلَقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرُ فَلَا عَجْزَ، وَالْمِصْرُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي الْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِمَا، وَإِنْ نَدَّا فِي الْمِصْرِ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ، وَالصِّيَالُ كَالنَّدِّ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ. قَالَ (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ، فَإِنْ ذَبَحَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ. وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ فَإِنْ نَحَرَهُمَا جَازَ وَيُكْرَهُ) أَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ وَلِاجْتِمَاعِ الْعُرُوقِ فِيهَا فِي الْمَنْحَرِ وَفِيهِمَا فِي الْمَذْبَحِ، وَالْكَرَاهَةُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَهِيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَلَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالْحِلَّ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ إنَّهُ لَا يَحِلُّ. قَالَ (وَمَنْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا حَتَّى يُفْصَلَ بِالْمِقْرَاضِ وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَتَنَفَّسُ بِتَنَفُّسِهَا، وَكَذَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ الْوَارِدِ عَلَى الْأُمِّ وَيُعْتَقَ بِإِعْتَاقِهَا. وَإِذَا كَانَ جُزْءًا مِنْهَا فَالْجُرْحُ فِي الْأُمِّ ذَكَاةٌ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاتِهِ كَمَا فِي الصَّيْدِ. وَلَهُ أَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ حَتَّى تُتَصَوَّرَ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَعِنْدَ ذَلِكَ يُفْرَدُ بِالذَّكَاةِ، وَلِهَذَا يُفْرَدُ بِإِيجَابِ الْغُرَّةِ وَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقٍ مُضَافٍ إلَيْهِ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَبِهِ، وَهُوَ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ، وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الذَّكَاةِ وَهُوَ الْمَيْزُ بَيْنَ الدَّمِ وَاللَّحْمِ لَا يَتَحَصَّلُ بِجُرْحِ الْأُمِّ، إذْ هُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِخُرُوجِ الدَّمِ عَنْهُ فَلَا يُجْعَلُ تَبَعًا فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْجُرْحِ فِي الصَّيْدِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِخُرُوجِهِ نَاقِصًا فَيُقَامُ مَقَامَ الْكَامِلِ فِيهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ. وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَحَرِّيًا لِجَوَازِهِ كَيْ لَا يَفْسُدَ بِاسْتِثْنَائِهِ، وَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهَا كَيْ لَا يَنْفَصِلَ مِنْ الْحُرَّةِ وَلَدَ رَقِيقٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَمَا ثَمَّةَ شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ أَنَّهُ مَا فِي الْأَعْضَاءِ الْمُفْرَدَةِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي شَيْئًا إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ النُّخَاعَ مِنْ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَةِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ أَنْ لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ بِالْخَيْطِ أَنْ لَا يَكُونَ النُّخَاعُ خَيْطًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مَا فِي أَعْضَاءِ بَدَنِ الْحَيَوَانِ وَأَجْزَائِهِ مُطْلَقًا شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، كَيْفَ وَلَا شَكَّ أَنَّ النُّخَاعَ مِنْ أَجْزَائِهِ وَكُتُبُ اللُّغَةِ مَشْحُونَةٌ بِتَفْسِيرِهِ بِالْخَيْطِ: مِنْهَا الْمُغْرِبُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ، وَمِنْهَا صِحَاحُ الْجَوْهَرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَهُوَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي جَوْفِ الْفَقَارِ، وَمِنْهَا الْقَامُوسُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَالنُّخَاعُ مُثَلَّثَةٌ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ فِي جَوْفِ الْفَقَارِ يَنْحَدِرُ مِنْ الدِّمَاغِ وَيَتَشَعَّبُ مِنْهُ شُعَبٌ فِي الْجِسْمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُعْتَبَرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ.

[فصل فيما يحل أكله وما لا يحل]

[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ] ُّ قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» . وَقَوْلُهُ مِنْ السِّبَاعِ ذُكِرَ عَقِيبَ النَّوْعَيْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَتَنَاوَلُ سِبَاعَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ لِأَكْلِ مَا لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ. وَالسَّبُعُ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً. وَمَعْنَى التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَرَامَةُ بَنِي آدَمَ كَيْ لَا يَعْدُوَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ إلَيْهِمْ بِالْأَكْلِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إبَاحَتِهِمَا، وَالْفِيلُ ذُو نَابٍ فَيُكْرَهُ، وَالْيَرْبُوعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الذَّبَائِحِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ، إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِيَّةِ الذَّبْحِ، التَّوَصُّلُ إلَى الْأَكْلِ. وَقَدَّمَ الذَّبْحَ لِأَنَّ وَسِيلَةَ الشَّيْءِ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ السِّبَاعِ ذُكِرَ عَقِيبَ النَّوْعَيْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ سِبَاعَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ لَا كُلِّ مَا لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَكَذَا قَرَّرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَنَا فِي هَذَا التَّقْرِيرِ نَظَرٌ لِأَنَّ الثِّقَاتِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ رَوَوْا الْحَدِيثَ بِأَجْمَعِهِمْ بِتَقْدِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ عَلَى كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا يَتَمَشَّى هَذَا التَّقْرِيرُ، وَلَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ فَنَمْنَعُ انْصِرَافَ قَوْلِهِ مِنْ السِّبَاعِ إلَى النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلِّ ذِي نَابٍ أَوْلَى بِالِانْصِرَافِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ انْتَهَى. أَقُولُ: قَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلِّ ذِي نَابٍ أَوْلَى بِالِانْصِرَافِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ كَوْنَهُ أَقْرَبَ إنَّمَا يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ انْصِرَافِهِ إلَيْهِ مِنْ انْصِرَافِهِ إلَى أَوَّلِ النَّوْعَيْنِ لَا إلَى النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، وَمُدَّعَى الشَّيْخَيْنِ انْصِرَافُهُ إلَيْهِمَا مَعًا فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: بَيَّنَ النَّوْعَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ مِنْ الطُّيُورِ وَهُوَ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ فِي ذَيْلِ النَّوْعِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ السِّبَاعِ مَصْرُوفًا إلَى النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، إذْ الْمُتَبَادَرُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْبَيَانَيْنِ قَيْدًا لِمَا قُرِنَ بِهِ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مَذْكُورًا بِإِزَاءِ الْآخَرِ فَكَيْفَ يُبْنَى الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عَلَى مَا هُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ الْكَلَامِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالسَّبُعُ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً) قَالَ الشُّرَّاحُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ أَنَّ الِاخْتِطَافَ

وَابْنُ عِرْسٍ مِنْ السِّبَاعِ الْهَوَامِّ. وَكَرِهُوا أَكْلَ الرَّخَمِ وَالْبُعَاثِ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِغُرَابِ الزَّرْعِ) لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ. قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ، وَكَذَا الْغُدَافُ) (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَقْعَقِ) لِأَنَّهُ يُخَلَّطُ فَأَشْبَهَ الدَّجَاجَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ غَالِبَ أَكْلِهِ الْجِيَفُ قَالَ (وَيُكْرَهُ أَكْلُ الضَّبُعِ وَالضَّبِّ وَالسُّلَحْفَاةِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا) أَمَّا الضَّبُعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا الضَّبُّ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ أَكْلِهِ. وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ، وَالزُّنْبُورُ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ. وَالسُّلَحْفَاةُ مِنْ خَبَائِثِ الْحَشَرَاتِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْحَشَرَاتُ كُلُّهَا اسْتِدْلَالًا بِالضَّبِّ لِأَنَّهُ مِنْهَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْبِغَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ فِعْلِ الطُّيُورِ وَالِانْتِهَابَ مِنْ فِعْلِ السِّبَاعِ الْبَهَائِمِ انْتَهَى. أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَالسَّبُعُ كُلُّ مُخْتَطِفٍ أَوْ مُنْتَهِبٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَالسَّبُعُ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ يُشْعِرُ بِاجْتِمَاعِ الِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ فِي كُلِّ سَبُعٍ وَذَا لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَكَرِهُوا أَكْلَ الرَّخَمِ وَالْبُغَاثِ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ) الرَّخَمُ جَمْعُ رَخَمَةٍ. وَهُوَ طَائِرٌ أَبْقَعُ يُشْبِهُ النَّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ يُقَالُ لَهُ الْأَنُوقُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ. وَالْبُغَاثُ طَائِرٌ أَبْغَثُ إلَى الْغُبْرَةِ دُوَيْنَ الرَّخَمَةِ، بَطِيءُ الطَّيَرَانِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ أَيْضًا مَعْزِيًّا إلَى ابْنِ السِّكِّيتِ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبُغَاثُ مُثَلَّثَةَ الْأَوَّلِ: طَائِرٌ أَغْبَرُ انْتَهَى. قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ هُنَا الْبُغَاثُ مَا لَا يَصِيدُ مِنْ صِغَارِ الطَّيْرِ وَضِعَافِهِ وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ: كَالْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا أَقُولُ: هَذَا التَّفْسِيرُ مِنْهُمْ لَا يُنَاسِبُ مَا فِي الْكِتَابِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَيْضًا كَالْعَصَافِيرِ فَإِنَّهَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا لَا يَصِيدُ مِنْ صِغَارِ الطَّيْرِ وَضِعَافِهِ لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ بَلْ يَأْكُلُ الْحَبَّ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْبُغَاثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَا فَسَّرُوهُ بِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَتِمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ. نَعَمْ وَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ تَفْسِيرُ الْبُغَاثِ بِمَا فَسَّرَهُ الشُّرَّاحُ بِهِ هَاهُنَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ: الْبُغَاثُ مَا لَا يَصِيدُ مِنْ الطَّيْرِ، وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْبُغَاثُ مَا لَا يَصِيدُ مِنْ صِغَارِ الطَّيْرِ كَالْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: قَالَ الْفَرَّاءُ: بُغَاثُ الطَّيْرِ شِرَارُهَا وَمَا لَا يَصِيدُ مِنْهَا. انْتَهَى، إلَّا أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُجْعَلَ تَفْسِيرًا لِمَا فِي الْكِتَابِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنَّمَا التَّفْسِيرُ الْمُنَاسِبُ لِمَا فِي الْكِتَابِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ أَوَّلًا مَعْزِيًّا إلَى ابْنِ السِّكِّيتِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا تَبَصَّرْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْحَشَرَاتُ كُلُّهَا اسْتِدْلَالًا بِالضَّبِّ لِأَنَّهُ مِنْهَا) قَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: أَيْ لِأَنَّ الضَّبَّ مِنْ الْحَشَرَاتِ، فَإِذَا رُتِّبَ الْحُكْمُ عَلَى الْجِنْسِ يَنْسَحِبُ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَمَا إذَا قَالَ طَبِيبٌ لِمَرِيضٍ لَا تَأْكُلْ لَحْمَ الْبَعِيرِ يَتَنَاوَلُ نَهْيُهُ كُلَّ أَفْرَادِهِ

لِمَا رَوَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْدَرَ الْمُتْعَةَ وَحَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» قَالَ (وَيُكْرَهُ لَحْمُ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] خَرَجَ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ وَالْأَكْلُ مِنْ أَعْلَى مَنَافِعِهَا، وَالْحَكَمُ لَا يَتْرُكُ الِامْتِنَانَ بِأَعْلَى النِّعَمِ وَيَمْتَنُّ بِأَدْنَاهَا، وَلِأَنَّهُ آلَةُ إرْهَابِ الْعَدُوِّ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ احْتِرَامًا لَهُ وَلِهَذَا يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمٍ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلِأَنَّ فِي إبَاحَتِهِ تَقْلِيلَ آلَةِ الْجِهَادِ، وَحَدِيثُ. جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى كَرَاهَةِ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا بِكَرَاهَةِ الضَّبِّ لِكَوْنِهِ مِنْ تِلْكَ الْحَشَرَاتِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ أَنْ يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ فَيَنْسَحِبَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى سَائِرِ أَفْرَادِ ذَاكَ الْجِنْسِ أَيْضًا لَا مِنْ قَبِيلِ أَنْ يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى الْجِنْسِ فَيَنْسَحِبَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَاكَ الْجِنْسِ أَيْضًا كَمَا تَوَهَّمَهُ ذَانِكَ الشَّارِحَانِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هُوَ أَنَّهُ إنَّمَا تُكْرَهُ الْحَشَرَاتُ كُلُّهَا لِأَنَّ الضَّبَّ مِنْهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي كَرَاهَةِ أَكْلِهِ النَّصُّ فَيُسْتَدَلُّ بِكَرَاهَةِ أَكْلِهِ عَلَى كَرَاهَةِ أَكْلِ سَائِرِ الْحَشَرَاتِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لِاشْتِرَاكِ كُلِّهَا فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي لِمَ وَقَعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمَضِيقِ وَلَمْ يَتَشَبَّثْ فِي إثْبَاتِ كَرَاهَةِ أَكْلِ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَالظَّاهِرُ أَنَّ

مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرِّمِ. ثُمَّ قِيلَ: الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَأَمَّا لَبَنُهُ فَقَدْ قِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْأَرْنَبِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَكَلَ مِنْهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِالْأَكْلِ مِنْهُ» ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكَلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَ الظَّبْيَ قَالَ (وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ) فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا، أَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِحُرْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَالْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الدِّبَاغِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الذَّكَاةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَةِ اللَّحْمِ أَصْلًا. وَفِي طَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ الْجِلْدِ تَبَعًا وَلَا تَبَعَ بِدُونِ الْأَصْلِ وَصَارَ كَذَبْحِ الْمَجُوسِيِّ. وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ وَالدِّمَاءِ السَّيَّالَةِ وَهِيَ النَّجِسَةُ دُونَ ذَاتِ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَإِذَا زَالَتْ طَهُرَ كَمَا فِي الدِّبَاغِ. وَهَذَا الْحُكْمُ مَقْصُودٌ فِي الْجِلْدِ كَالتَّنَاوُلِ فِي اللَّحْمِ وَفِعْلُ الْمَجُوسِيِّ إمَاتَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ، وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ خِلَافًا لَهُ. وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ؟ قِيلَ: لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْأَكْلِ. وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ. وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ) وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِطْلَاقِ جَمِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ. وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْخِنْزِيرَ وَالْكَلْبَ وَالْإِنْسَانَ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَاكَ كُلَّهُ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاحِدٌ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَشَرَاتِ كُلَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ فَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِكَرَاهَةِ الضَّبِّ عَلَى كَرَاهَةِ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ (مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلّ) (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ كَوْنِ الْأَوَّلِ أَصَحَّ: لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قُلْتَ فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ التَّحْرِيمُ انْتَهَى. أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْأَوَّلِ أَصَحَّ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَرْوِيُّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ مُنْحَصِرًا فِي لَفْظِ أَكْرَهُهُ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَبَعْضَهُمْ حَمَلَهُ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ فِيهَا لَفْظَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَثَانِيهِمَا أَكْرَهُهُ وَبِهِ أَخَذَ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، فَمَبْنَى اخْتِلَافِ الْفَرِيقَيْنِ اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ الْمَرْوِيَّيْنِ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً حَتَّى شَارِحَ الْمَزْبُورِ نَفْسِهِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ مُتَّصِلًا بِتَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ: وَمَبْنَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ: رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ فَأَمَّا أَنَا فَلَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ وَهَذَا يُلَوِّحُ إلَى التَّنْزِيهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ تَأَمَّلْ

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ فَأَشْبَهَ السَّمَكَ. قُلْنَا: قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ. «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ دَوَاءٍ يُتَّخَذُ فِيهِ الضُّفْدَعُ» ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ وَالصَّيْدُ الْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ، وَالْمَيْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا رَوَى مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَكِ وَهُوَ حَلَالٌ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» قَالَ (وَيُكْرَهُ أَكْلُ الطَّافِي مِنْهُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ بِالْحَدِيثِ. وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ. النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا، وَمَا لَفَظَهُ الْمَاءُ فَكُلُوا، وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوا» وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَمَيْتَةُ الْبَحْرِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ لِيَكُونَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَى الْبَحْرِ لَا مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِي وَأَنْوَاعِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ بِلَا ذَكَاةٍ) وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ الْجَرَادُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الْآخِذُ رَأْسَهُ أَوْ يَشْوِيَهُ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْبَرِّ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ جَزَاءٌ يَلِيقُ بِهِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْقَتْلِ كَمَا فِي سَائِرِهِ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وَسُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ: كُلْهُ كُلَّهُ. وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ، وَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، بِخِلَافِ السَّمَكِ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لِأَنَّا خَصَّصْنَاهُ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي الطَّافِي، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي السَّمَكِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ، وَإِذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي، وَتَنْسَحِبُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يَقِفُ الْمُبَرِّزُ عَلَيْهَا: مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا فَمَاتَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا أُبِينَ وَمَا بَقِيَ. لِأَنَّ مَوْتَهُ بِآفَةٍ وَمَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ. وَفِي الْمَوْتِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ رِوَايَتَانِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ لَهُمْ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا بَعْدُ سِوَى دَلِيلِ أَئِمَّتِنَا، مَعَ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِاسْتِثْنَاءِ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَالْإِنْسَانِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ أَيْضًا، إذْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ يَلْزَمُ الْفَصْلُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ لِلْحَدِيثِ) أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ لَا يُفِيدُ مُدَّعَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِدُونِ الْمَصِيرِ إلَى إطْلَاقِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَيْضًا لِلسَّمَكِ الطَّافِي وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ جَعْلِهِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِطْلَاقِ حَدِيثِ حِلِّ مَيْتَةِ الْبَحْرِ.

[كتاب الأضحية]

[كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ) أَوْرَدَ الْأُضْحِيَّةَ عَقِيبَ الذَّبَائِحِ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ذَبِيحَةٌ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ، كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ هِيَ أَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا أَنَّ الْخَاصَّ يَكُونُ بَعْدَ الْعَامِّ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْعَامِّ إلَّا فِي ضِمْنِ الْخَاصِّ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْخَاصَّ يَكُونُ بَعْدَ الْعَامِّ فِي التَّعَقُّلِ فَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْعَامُّ ذَاتِيًّا لِلْخَاصِّ وَكَانَ الْخَاصُّ مَعْقُولًا بِالْكُنْهِ كَمَا عُرِفَ، وَكَوْنُ الْأَمْرِ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَمْنُوعٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَمْيِيزُ الذَّاتِيِّ مِنْ الْعَرَضِيِّ إنَّمَا يَتَعَسَّرُ فِي حَقَائِقِ النَّفْسِ الْأَمْرِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ وَالِاعْتِبَارِيَّة كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَكُلُّ مَا اُعْتُبِرَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ شَيْءٍ يَصِيرُ ذَاتِيًّا لِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَيَكُونُ تَصَوُّرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِالْأُمُورِ الدَّاخِلَةِ فِي مَفْهُومِهِ تَصَوُّرًا لَهُ بِالْكُنْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى الذَّبْحِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ لُغَةً وَشَرِيعَةً فَيَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهَا عَلَى تَعَقُّلِ مَعْنَى الذَّبْحِ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ عَلَى اخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي تَأَمَّلْ تَقِفْ. ثُمَّ إنَّ بَيَانَ مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ لُغَةً وَشَرِيعَةً قَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ عِبَارَاتُ الشُّرَّاحِ، فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَمَّا لُغَةً فَالْأُضْحِيَّةُ اسْمُ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا تُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِمَا ذُكِرَ فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ اللُّغَةِ مِنْ الْقَامُوسِ وَالصِّحَاحِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ شَاةٌ تُذْبَحُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَمْ يُذْكَرْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا عُمُومُ الْأُضْحِيَّةِ لِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الشَّاةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ وَنَحْوِهَا فِي عِبَارَةِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الْأُضْحِيَّةُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ سَمَاحَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى مِنْ مِثْلِ الدَّجَاجَةِ وَالْحَمَامَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْأُضْحِيَّةِ لَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ وَلَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَقَالَ صَاحِبَا الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ: هِيَ مَا يُضَحَّى بِهَا: أَيْ يُذْبَحُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هَذَا مَعْنَى الذَّبِيحَةِ مُطْلَقًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَخَصُّ مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا شَرْعًا فَالْأُضْحِيَّةُ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعَزُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ يُذْبَحُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا وَسَبَبِهَا انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى انْتَهَى. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا يُذْبَحُ مِنْ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لَا عَنْ ذَبْحِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنَّ هَذَا مَعْنَى التَّضْحِيَةِ لَا مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ، وَقَدْ لَوَّحَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: هِيَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ. وَقَالَ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ: وَمَنْ قَالَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالتَّضْحِيَةِ وَانْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِحَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَبْحِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمَذْبُوحُ نَفْسُهُ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ بِحُصُولِ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ

قَالَ (الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ) أَمَّا الْوُجُوبُ فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، ذَكَرَهُ فِي الْجَوَامِعِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الِاخْتِلَافَ. وَجْهُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَرَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ هُوَ الصُّورَةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْعَقْلِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ تَصَانِيفِهِ. وَطَعَنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي التَّعْرِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ لِئَلَّا يَنْتَقِضَ التَّعْرِيفُ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْلَهُ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَخْصُوصِ مَا يَعُمُّ الْمَخْصُوصَ النَّوْعِيَّ وَهُوَ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعَزُ، وَالْمَخْصُوصُ السِّنِّيُّ أَيْضًا وَهُوَ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَحْدَهُ، فَلَا يَنْتَقِضُ التَّعْرِيفُ بِشَيْءٍ. نَعَمْ لَوْ فَصَلَهُ كَمَا وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكَانَ أَظْهَرَ، لَكِنَّهُ سَلَكَ مَسْلَكَ الْإِجْمَالِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي تَضَاعِيفِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَنَوْعَانِ: شَرَائِطُ الْوُجُوبِ، وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ. أَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ فَالْيَسَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْإِسْلَامُ وَالْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ، حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ لِأَجْلِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا شَرَائِطُ الْأَدَاءِ فَالْوَقْتُ، وَلَوْ ذَهَبَ الْوَقْتُ تَسْقُطُ الْأُضْحِيَّةُ، إلَّا أَنَّ فِي حَقِّ الْمُقِيمِينَ بِالْأَمْصَارِ يُشْتَرَطُ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا سَبَبُهَا فَهُوَ الْمُبْهَمُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ وَوَصْفَ الْقُدْرَةِ فِيهَا بِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ أَوْ مُيَسَّرَةٌ لَمْ يُذْكَرْ لَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَا فِي فُرُوعِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ الْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَالْغِنَى شَرْطُ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِ، إذْ الْأَصْلُ فِي إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا بِهِ سَبَبًا، وَكَذَا إذَا لَازَمَهُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ كَمَا عُرِفَ ثُمَّ هَاهُنَا تَكَرُّرُ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الْإِضَافَةُ فَإِنَّهُ يُقَالُ يَوْمُ الْأَضْحَى كَمَا يُقَالُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَكِنْ قَدْ يُضَافُ السَّبَبُ إلَى حُكْمِهِ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَالِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ أُضْحِيَّةُ الْمَالِ وَلَا مَالُ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَكُونُ الْمَالُ سَبَبَهَا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْوَقْتَ لَمَّا كَانَ شَرْطَ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا وَسَبَبًا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ آخَرَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الشَّرْطَ وَالسَّبَبَ قِسْمَانِ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُنَافِي الْآخَرَ، فَإِنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُوصِلًا إلَى الْمُسَبِّبِ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مُوصِلًا إلَى الْمَشْرُوطِ أَصْلًا بَلْ كَانَ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ، وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُوصِلًا إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ آخَرَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُوصِلًا إلَيْهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِاقْتِضَائِهِ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الصَّلَاةِ إنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا وَشَرْطٌ لِأَدَائِهَا فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا وَشَرْطًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فِي أَوَّلِ

أَنْ يُضَحِّيَ مِنْكُمْ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا» وَالتَّعْلِيقُ بِالْإِرَادَةِ يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ افْتَقَرَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ، فَلَوْ كَانَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لَكَانَ دَوَامُهَا شَرْطًا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ حَيْثُ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَالْخَارِجِ وَاصْطِلَامِ الزَّرْعِ آفَةً لَا يُقَالُ أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ إقَامَتِهَا تَمَلُّكُ قِيمَةِ مَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَلَمْ تَجِبْ إلَّا بِمِلْكِ النِّصَابِ. فَدَلَّ أَنَّ وُجُوبَهَا بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النِّصَابِ لَا يُنَافِي وُجُوبَهَا بِالْمُمَكِّنَةِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا لِأَنَّهَا وَظِيفَةٌ مَالِيَّةٌ نَظَرًا إلَى شَرْطِهَا وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْغِنَى كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ التَّمْلِيكُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ قَدْ تَحْصُلُ بِالْإِتْلَافِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْمُضَحِّي إنْ تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ فَقَدْ حَصَلَ النَّوْعَانِ: أَعْنِي التَّمْلِيكَ وَالْإِتْلَافَ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ حَصَلَ الْأَخِيرُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فِي أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ إلَخْ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ فَقِيرًا حِينَ اشْتَرَاهَا لَهَا وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ فَكَذَا الْحُكْمُ. فَفِي دَلَالَةِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَطْلُوبِهِ بَحْثٌ، إذْ لَيْسَ فِي الْفَقِيرِ قُدْرَةٌ لَا مُمَكِّنَةٌ وَلَا مُيَسِّرَةٌ، فَذَلِكَ لِلِاشْتِرَاءِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ لَا لِلْقُدْرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إذْ لَا نِزَاعَ لِأَحَدٍ فِي أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الْمُوسِرِ هِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى النِّصَابِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هُنَا فِي أَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْمُوسِرِ هَلْ هِيَ الْقُدْرَةُ الْمُمَكِّنَةُ أَمْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ، فَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْقُدْرَةُ الْمُمَكِّنَةُ بِمَسْأَلَةٍ ذُكِرَتْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهِيَ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ افْتَقَرَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَلَا شَكَّ فِي اسْتِقَامَةِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، إذْ لَوْ كَانَ وُجُوبُهَا بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لَكَانَ دَوَامُهَا شَرْطًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلَا يَضُرُّهُ اشْتِرَاكُ الْمُعْسِرِ مَعَ الْمُوسِرِ فِي حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا، لِأَنَّ عِلَّةَ الْوُجُوبِ فِي الْمُعْسِرِ هِيَ الِاشْتِرَاءُ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَا الْقُدْرَةُ، وَعِلَّتُهُ فِي الْمُوسِرِ هِيَ الْقُدْرَةُ لَا الِاشْتِرَاءُ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا، فَبَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَّتَهُ فِي الْمُوسِرِ هِيَ الْقُدْرَةُ لَا غَيْرُ. تَكُونُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى تَعْيِينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ هِيَ الْمُمَكِّنَةُ لَا الْمُيَسِّرَةُ، عَلَى أَنَّ اشْتِرَاكَ الْمُعْسِرِ مَعَ الْمُوسِرِ فِي حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَمْنُوعٌ إذَا الْوَاجِبُ فِي صُورَةٍ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا هُوَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهَا حَيَّةً لَا غَيْرُ، بِخِلَافِ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ مُفَصَّلًا. وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا لَيْسَ بِالْقُدْرَةِ الْمُمَكِّنَةِ، وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ شَاةً فِي يَوْمِ النَّحْرِ اهـ. أَقُولُ: وَلَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ فَوَاتُ أَدَاءِ الضَّحِيَّةِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَا سُقُوطُهَا بِالْكُلِّيَّةِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْأَدَاءَ وَهُوَ تَسْلِيمُ عَيْنِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ لِأَدَائِهَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ وَهُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ بِمُضِيِّهِ شَرْطُ الْوَقْتِ لَا غَيْرُ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ يَكُونُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ كَالصَّلَاةِ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ كَالْفِدْيَةِ لِلصَّوْمِ وَثَوَابِ النَّفَقَةِ لِلْحَجِّ، وَعَدُّوا الْأُضْحِيَّةَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَقَالُوا: إنَّ أَدَاءَهَا فِي وَقْتِهَا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَقَضَاءَهَا بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا بِالتَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا، فَقَوْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا لَيْسَ بِالْقُدْرَةِ الْمُمَكِّنَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ شَاةً فِي يَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِصِحَّةِ أَدَاءِ الْمُؤَقَّتَاتِ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ شَاةً فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّ التَّضْحِيَةَ إرَاقَةُ الدَّمِ، وَهِيَ إنَّمَا تُقْبَلُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُ بَعْدَهُ قَضَاؤُهَا وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا لَا بِغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ إنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ

عَلَى الْمُقِيمِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ. وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا وَقْتُهَا. يُقَالُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالْوُجُودِ، وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى الْجِنْسِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ اسْتِحْضَارُهَا وَيَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ فِيمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ مَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ انْتَهَى. وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا هُوَ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: وَهَذَا أَيْضًا سَاقِطٌ جِدًّا، لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ إنَّمَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا بِهَلَاكِهِ بَعْدَ مُضِيِّهَا، حَتَّى لَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ مُضِيِّهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ فِي الْمُؤَقَّتَاتِ الَّتِي يَفْضُلُ الْوَقْتُ عَنْ أَدَائِهَا كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا يَثْبُتُ آخِرَ الْوَقْتِ، إذْ هُنَا يَتَوَجَّهُ الْخِطَابُ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْآنَ يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ لَا قَبْلَهُ، حَتَّى إذَا مَاتَ فِي الْوَقْتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ هَاتِيكَ الْمُؤَقَّتَاتِ فَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِهَا، وَلَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا لِتَقَرُّرِ سَبَبِ وُجُوبِ أَدَائِهَا إذْ ذَاكَ، بَلْ يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا بِالتَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُطْلَقَةِ دُونَ الْمُؤَقَّتَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ مُطْلَقًا: أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ لِاعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ فِيهَا، وَمِنْ شَرْطِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ بَقَاؤُهَا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ إلَى الْعُسْرِ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَيْضًا هُوَ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ لَزِمَ أَنْ تَسْقُطَ الْأُضْحِيَّةُ أَدَاءً وَقَضَاءً بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَيْضًا لِكَوْنِ دَوَامِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ شَرْطًا لَا مَحَالَةَ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَزْبُورِ بَيَانُ مُشَابَهَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِالزَّكَاةِ فِي مُجَرَّدِ سُقُوطِهَا بِهَلَاكِ الْمَالِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَا فِي السُّقُوطِ بِهَلَاكِهِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَمِنْ الْبَيِّنِ فِيهِ قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ حَيْثُ قَيَّدَ هَلَاكَ الْمَالِ بِكَوْنِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ فِي سُقُوطِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَطْلَقَ هَلَاكَ النِّصَابِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَعَ وُضُوحِهِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ حَتَّى جَعَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافِهِ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَارِدِ) اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ

مَا هُوَ ضِدُّ السَّهْوِ لَا التَّخْيِيرُ. وَالْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ شَاةٌ تُقَامُ فِي رَجَبٍ عَلَى مَا قِيلَ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهَا وَظِيفَةٌ مَالِيَّةٌ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ، وَالْمَالِكُ هُوَ الْحُرُّ؛ وَبِالْإِسْلَامِ لِكَوْنِهَا قُرْبَةً، وَبِالْإِقَامَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْيَسَارِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ السَّعَةِ؛ وَمِقْدَارُهُ مَا يَجِبُ بِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّوْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْكِ اعْتِقَادًا أَوْ التَّرْكِ أَصْلًا، فَإِنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَصْلًا حَرَامٌ قَدْ تَجِبُ الْمُقَاتَلَةُ بِهِ، لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْأَذَانِ وَلَا مُقَاتَلَةَ فِي غَيْرِ الْحَرَامِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ذَاكَ التَّأْوِيلُ مُحْتَمَلٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْحَدِيثِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَلَمْ يُضَحِّ " هُوَ تَرْكُ التَّضْحِيَةِ اعْتِقَادًا أَوْ تَرْكُهَا أَصْلًا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُتِبَتْ عَلَيَّ الْأُضْحِيَّةُ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَحُّوا فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ» وَبِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَةَ الْفَرْضُ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِأَنَّهَا غَيْرُ فَرْضٍ وَإِنَّمَا هِيَ وَاجِبَةٌ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ مُشْتَرِكُ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ " ضَحُّوا " أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ " أَيْ طَرِيقَتُهُ، فَالسُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ فِي حَالَةٍ الْإِعْسَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَاهَا النَّاسُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُعْسِرِينَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ الْجَوَابَ عَنْ الثَّانِي خَلَلٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُشْتَرِكُ الْإِلْزَامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ ضَحُّوا أَمْرًا وَكَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَجَازَ أَنْ تُحْمَلَ السُّنَّةُ فِي قَوْلِهِ " فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ " عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَسْلُوكَةِ فِي الدِّينِ وَهِيَ تَعُمُّ الْوَاجِبَ أَيْضًا تَعَيَّنَ جَانِبُنَا وَلَمْ نَشْتَرِكْ فِي الْإِلْزَامِ قَطُّ، فَالصَّوَابُ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ عَنْ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ ضَحُّوا دَلِيلُنَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الدِّينِ وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ» الْحَدِيثَ انْتَهَى. أَقُولُ: الْمَقْصُودُ مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ دَفْعُ مُعَارَضَةِ الْخَصْمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُتِبَتْ عَلَيَّ الْأُضْحِيَّةُ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» وَلَا شَكَّ فِي انْدِفَاعِ تِلْكَ الْمُعَارَضَةِ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، وَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ لَا يَقْدَحُ فِي تَمَامِ ذَلِكَ الْجَوَابِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مُعَارَضَةً أُخْرَى لِأَصْلِ الْمُدَّعَى، وَلَعَلَّ جُمْهُورَ الشُّرَّاحِ إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْجَوَابِ عَنْهُ أَصَالَةً لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا غَيْرَ صَالِحٍ لِلْمُعَارَضَةِ لِمَا رَوَيْنَا، لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ أَخْرَجَهُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ

وَبِالْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَسَنُبَيِّنُ مِقْدَارَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَجِبُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَنْ وَلَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي الصَّغِيرِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَنْهُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يُضَحِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَقِيلَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّ هَذِهِ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّهُ. وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ وَيَبْتَاعَ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ. قَالَ (وَيَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً أَوْ يَذْبَحُ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقُرْبَةُ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» . وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. وَتَجُوزُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَبِالْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ) أَقُولُ: هُنَا شَائِبَةُ مُصَادَرَةٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِالْوَقْتِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْحُرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: وَإِنَّمَا اخْتَصَّ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى لِأَنَّهَا: أَيْ الْأُضْحِيَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ: أَيْ بِذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَئُولُ إلَى تَعْلِيلِ الِاخْتِصَاصِ بِالِاخْتِصَاصِ كَمَا تَرَى. لَا يُقَالُ: الْمَذْكُورُ فِي الْعِلَّةِ اخْتِصَاصُ الْأُضْحِيَّةِ نَفْسِهَا بِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُدَّعَى اخْتِصَاصُ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ فَاللَّازِمُ هُنَا تَعْلِيلُ اخْتِصَاصِ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ بِاخْتِصَاصِ نَفْسِ الْأُضْحِيَّةِ بِهِ وَلَا مُصَادَرَةَ فِيهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا مَعْنَى لِاخْتِصَاصِ الْأُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ سِوَى اخْتِصَاصِ وُجُوبِهَا بِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي إمْكَانِ عَمَلِ التَّضْحِيَةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَنَّ وُجُوبَهَا مُخْتَصٌّ بِهِ فَيَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ غَيَّرَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ فَقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْحُرِّيَّةِ إلَخْ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ مُفْتَقِرَةٌ إلَى الْمِلْكِ وَالْحُرُّ هُوَ الْمَالِكُ ثُمَّ قَالَ: وَالْوَقْتِ لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ فَاللَّازِمُ حِينَئِذٍ تَعْلِيلُ التَّقْيِيدِ بِالْوَقْتِ بِاخْتِصَاصِ الْأُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا مُصَادَرَةَ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْوُجُوبَ بِالْحُرِّيَّةِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِالْحُرِّيَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كَلِمَةُ (اخْتَصَّ) مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ (وَالْوُجُوبَ) مَفْعُولَهُ وَيَكُونُ مُرَادُهُ هُنَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ، فَاللَّازِمُ تَعْلِيلُ تَخْصِيصِ الْقُدُورِيِّ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةِ بِالْوَقْتِ بِاخْتِصَاصِ الْأُضْحِيَّةِ فِي الشَّرْعِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا مُصَادَرَةَ فِيهِ. قُلْت: فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الِاخْتِصَاصِ الشَّرْعِيِّ، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصِ كَمَا فَعَلَهُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَبِالْإِسْلَامِ وَبِالْإِقَامَةِ وَبِالْيَسَارِ. وَعَلَى الْمَعْنَى

سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَنْ السَّبْعَةِ فَعَمَّنْ دُونَهُمْ أَوْلَى، وَلَا تَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ أَخْذًا بِالْقِيَاسِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السُّبُعِ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ، وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَيِّمُ أَهْلِ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْيَسَارَ لَهُ يُؤَيِّدُهُ مَا يُرْوَى «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» وَلَوْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ نِصْفَيْنِ تَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ ثَلَاثَةُ الْأَسْبَاعِ جَازَ نِصْفُ السُّبُعِ تَبَعًا، وَإِذَا جَازَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَقِسْمَةُ اللَّحْمِ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ، وَلَوْ اقْتَسَمُوا جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ. قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَكَ فِيهَا سِتَّةٌ مَعَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَيُمْنَعُ عَنْ بَيْعِهَا تَمَوُّلًا وَالِاشْتِرَاكُ هَذِهِ صِفَتُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً يَشْتَرِيهَا وَلَا يَظْفَرُ بِالشُّرَكَاءِ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُمْ بَعْدَهُ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مَاسَّةً فَجَوَّزْنَاهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ لِلتَّضْحِيَةِ لَا يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاشْتِرَاكُ بَعْدَ الشِّرَاءِ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَلَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ) لِمَا بَيَّنَّا. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ إذَا كَانَا مُسَافِرَيْنِ، وَعَنْ عَلِيٍّ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ قَالَ (وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الذَّبْحُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْعِيدَ، فَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَيَّنُ وَالْمُعَلَّلُ هُنَا مُجَرَّدَ تَخْصِيصِ الْقُدُورِيِّ وُجُوبَهَا بِالْوَقْتِ بِدُونِ أَنْ يُبَيِّنَ وَيُعْلِمَ اخْتِصَاصَهُ الشَّرْعِيَّ بِذَلِكَ الْوَقْتِ بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الذَّبْحُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْعِيدَ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْمِصْرِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ لَا لِعَدَمِ الْوَقْتِ. أَقُولُ: فِي هَذَا إشْكَالٌ، لِأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ وَجَعَلَهُمَا الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَانِ وَقْتِ جَوَازِ التَّضْحِيَةِ لَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى دُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، بَلْ يَدُلُّ ظَاهِرُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَمِنْ أَيْنَ أَخَذَ دُخُولَهَا وَقْتَهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَيْضًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمَأْخَذُ لِذَلِكَ فَالْإِشْكَالُ

«مَنْ ذَبَحَ شَاةً قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ» غَيْرُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ الْمِصْرِيُّ دُونَ أَهْلِ السَّوَادِ، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِاحْتِمَالِ التَّشَاغُلِ بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ فِي حَقِّ الْقَرَوِيِّ وَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي نَفْيِهِمَا الْجَوَازَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ كَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّيَ بِهَا كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الصَّرْفِ مَكَانُ الْمَحَلِّ لَا مَكَانُ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ، حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ. وَقِيلَ هُوَ جَائِزٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاقٍ، لِأَنَّهُ إذْ لَمْ تَتَأَدَّ الْأُضْحِيَّةُ بِالذَّبْحِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ بَلْ لَمْ يُمْكِنْ أَدَاؤُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِمْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَمَا مَعْنَى جَعْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَقْتًا لِلْأُضْحِيَّةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَيْضًا، وَمَا ثَمَرَةُ ذَلِكَ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَةَ كَوْنِ وَقْتٍ مَا وَقْتَ الْوَاجِبِ صِحَّةُ أَدَاءِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا أَقَلَّ مِنْ إمْكَانِ أَدَائِهِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْوِقَايَةِ قَالَ فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إنْ ذَبَحَ فِي مِصْرٍ، وَبَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ، وَآخِرُهُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ فِي مَتْنِهِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهَا بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُهُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَشَرَطَ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا إنْ ذَبَحَ فِي مِصْرٍ، وَإِنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَا. وَقَالَ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ: هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَكَانِ الْفِعْلِ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا خَطَأَ فِي كَلَامِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ أَصْلًا، فَإِنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا أَوَّلُ وَقْتِ أَدَائِهَا لَا أَوَّلُ وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ شَرْطًا فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ كَانَ أَوَّلُ وَقْتِ أَدَائِهَا فِي حَقِّهِمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ وَقْتِ وُجُوبِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَيُؤَيِّدُهُ جِدًّا عِبَارَةُ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: وَوَقْتُ الْأَدَاءِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ) قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قِيَاسًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ أَهْلِ الْجَبَّانَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَاعْتِبَارَ جَانِبِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ يُجَوِّزُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ فَوَقَعَ الشَّكُّ، وَفِي الْعِبَادَاتِ يُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى. أَقُولُ: هُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ لَا يَدْفَعُ وَجْهَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرُوهُ، لِأَنَّ كَوْنَ صَلَاةِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ صَلَاةً مُعْتَبَرَةً لَا يُنَافِي كَوْنَ صَلَاةِ أَهْلِ الْجَبَّانَةِ أَيْضًا صَلَاةً مُعْتَبَرَةً، كَيْفَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ

قَالَ (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَقَدْ قَالُوهُ سَمَاعًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْمَقَادِيرِ، وَفِي الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ الْأَقَلُّ، وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا كَمَا قَالُوا وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إلَى أَدَاءِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ إلَّا لِمُعَارِضٍ. وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ، وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ، وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً، وَالتَّصَدُّقُ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَتَفْضُلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا، وَالصَّدَقَةُ يُؤْتَى بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ (وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ إنْ كَانَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاةَ أَهْلِ الْجَبَّانَةِ أَيْضًا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْعَكْسُ، فَإِذَا كَانَتْ كِلْتَا الصَّلَاتَيْنِ مُعْتَبَرَةً وَقَعَ الشَّكُّ فِي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بَعْدَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ الْأُخْرَى وَاقْتَضَى الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ عَدَمَ جَوَازِهَا، فَلَمْ يَتِمَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فِي مُقَابَلَةِ وَجْهِ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرُوهُ فَكَيْفَ يَتْرُكُ بِهِ الْقِيَاسَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى جَوَابِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ قَوْلَهُ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَيَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا كَانَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَقَدْ قَالَ فِيمَا بَعْدُ أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يَوْمُ النَّحْرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ الْمَحْضِ، وَالْيَوْمَانِ اللَّذَانِ بَعْدَهُ لَيْسَا بِنَحْرٍ مَحْضٍ وَإِنَّمَا هُمَا نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْإِفْرَادِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَلَمِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَأَمَّا أَيَّامُ النَّحْرِ بِالْجَمْعِ فَيَتَنَاوَلُ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ عَلَى السَّوِيَّةِ، فَلَا تَدَافُعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ تَبَصَّرْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، إنْ كَانَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَيْدُ الْإِيجَابِ

شَاةٍ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ. وَتَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ عِنْدَنَا، فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ، كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا، وَالصَّوْمِ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً قَالَ: (وَلَا يُضَحِّي بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسِكِ وَلَا الْعَجْفَاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعَةٌ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرْجُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» قَالَ (وَلَا تُجْزِئُ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ) . أَمَّا الْأُذُنُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ» أَيْ اُطْلُبُوا سَلَامَتَهُمَا. وَأَمَّا الذَّنَبُ فَلِأَنَّهُ عُضْوٌ كَامِلٌ مَقْصُودٌ فَصَارَ كَالْأُذُنِ. قَالَ (وَلَا الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا وَذَنَبِهَا، وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ جَازَ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا وَلِأَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَجُعِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا بِدُونِ الْإِيجَابِ عَلَى نَفْسِهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا هُوَ التَّصَدُّقُ بِهَا حَيَّةً، وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَ وَاجِبًا بِدُونِ الْإِيجَابِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ هُوَ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا لَا التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهَا حَيَّةً كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ شَاةٍ أَوْ لَمْ يَشْتَرِ) (قَوْلُهُ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ، كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا، وَالصَّوْمِ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: فَإِذَا فَاتَ وَقْتُ التَّقَرُّبِ بِالْإِرَاقَةِ وَالْحَقُّ مُسْتَحَقٌّ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا، وَالصَّوْمِ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْأَدَاءِ بِجِنْسٍ خِلَافِ جِنْسِ الْأَدَاءِ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ لَا يُلَائِمُ الِاعْتِبَارَ بِالْجُمُعَةِ وَالصَّوْمِ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ لِلْغَنِيِّ الْغَيْرِ الْمُوجِبِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. أَقُولُ: ذَاكَ سَاقِطٌ إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ الِاعْتِبَارَ بِالْجُمُعَةِ وَالصَّوْمِ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِهِمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَضَاءَ بِغَيْرِ الْمِثْلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْأَدَاءِ بِجِنْسٍ خِلَافِ جِنْسِ الْأَدَاءِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْنَةٍ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي التَّصَدُّقِ بِالْعَيْنِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْأَدَاءِ إرَاقَةُ الدَّمِ، وَالتَّصَدُّقُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْإِرَاقَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْعَيْنِ، ثُمَّ إنَّ كَوْنَ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِالتَّصَدُّقِ فِي قَوْلِهِ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ هُوَ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ لِلْغَنِيِّ الْغَيْرِ الْمُوجِبِ وَحْدَهُ كَمَا زَعَمَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِمَّا لَا يُنَاسِبُ شَأْنَ الْمُصَنِّفِ جِدًّا، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتْرُكَ بَيَانَ وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَقْصِيرًا مِنْهُ فِي إفَادَةِ حَقِّ الْمَقَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَحَاشَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ. فَالْحَقُّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّصَدُّقِ الْمَذْكُورِ مَا يَعُمُّ التَّصَدُّقَ بِالْعَيْنِ وَبِالْقِيمَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُضَحِّي بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَإِلَخْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ مَا يَجُوزُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا لَا يَجُوزُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ انْتَهَى.

عَفْوًا، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ الْأَكْثَرِ. فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْهُ: وَإِنْ قُطِعَ مِنْ الذَّنَبِ أَوْ الْأُذُنِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْأَلْيَةِ الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الثُّلُثَ تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ فَاعْتُبِرَ قَلِيلًا، وَفِيمَا زَادَ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَاعْتُبِرَ كَثِيرًا، وَيُرْوَى عَنْهُ الرُّبُعُ لِأَنَّهُ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ، وَيُرْوَى الثُّلُثُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا بَقِيَ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَخْبَرْت بِقَوْلِي أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ قَوْلِي هُوَ قَوْلُك. قِيلَ هُوَ رُجُوعٌ مِنْهُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَوْلِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِك. وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا كَمَا فِي انْكِشَافِ الْعُضْوِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ مُتَيَسَّرٌ، وَفِي الْعَيْنِ قَالُوا: تُشَدُّ الْعَيْنُ الْمَعِيبَةُ بَعْدَ أَنْ لَا تَعْتَلِفَ الشَّاةُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُقَرَّبُ الْعَلَفُ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا، فَإِذَا رَأَتْهُ مِنْ مَوْضِعٍ أُعْلِمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ تُشَدُّ عَيْنُهَا الصَّحِيحَةُ وَقُرِّبَ إلَيْهَا الْعَلَفُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان أُعْلِمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَالذَّاهِبُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ نِصْفًا فَالنِّصْفُ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ) (يُضَحِّيَ بِالْجَمَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ، وَكَذَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ لِمَا قُلْنَا (وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» (وَالثَّوْلَاءِ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ تَعْتَلِفُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعْتَلِفُ فَلَا تُجْزِئُهُ. وَالْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَازَ لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي الْجِلْدِ وَلَا نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مَهْزُولَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي اللَّحْمِ فَانْتَقَصَ. وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَسْنَانِ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ، وَعَنْهُ إنْ بَقِيَ مَا يُمْكِنُهُ الِاعْتِلَافُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَالسَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا قَبْلُ مَا يَجُوزُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِالْجَمَّاءِ وَالْخَصِيِّ وَالثَّوْلَاءِ إلَى آخِرِهِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلُ إنَّمَا هُوَ صِفَةُ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ السُّنِّيَّةِ وَشَرَائِطُهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ وَعَدَدِ مَنْ يُذْبَحُ عَنْهُ كُلٌّ مِنْ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْبَدَنَةِ وَأَوَّلِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَعَدَدِ أَيَّامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَاتِيكَ الْأُمُورِ مِنْ الْفُرُوعِ وَالْأَحْكَامِ كَمَا حَقَّقَهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ تَدَارَكَهُ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: هَذَا بَيَانُ مَا لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ مَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ الْأَكْثَرِ إلَخْ) أَقُولُ تَطْبِيقُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَارَةِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ عِبَارَتَهَا أَكْثَرُ أُذُنِهَا وَذَنَبِهَا بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ إلَى الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ، وَهِيَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْبَاقِي مِنْهَا أَقَلَّ، وَهَذَا

لَا تَجُوزُ، لِأَنَّ مَقْطُوعَ أَكْثَرِ الْأُذُنِ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فَعَدِيمُ الْأُذُنِ أَوْلَى (وَهَذَا) الَّذِي ذَكَرْنَا (إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ قَائِمَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَإِنْ فَقِيرًا تُجْزِئُهُ هَذِهِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ بِهِ، وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِهِ كَمَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ هَذَا الْأَصْلِ قَالُوا: إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ؛ عَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَلَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى الْمُوسِرِ ذَبْحُ إحْدَاهُمَا وَعَلَى الْفَقِيرِ ذَبْحُهُمَا (وَلَوْ أَضْجَعَهَا فَاضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَذَبَحَهَا أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ حَالَةَ الذَّبْحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ مُلْحَقَةٌ بِالذَّبْحِ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ اعْتِبَارًا وَحُكْمًا (وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَانْفَلَتَتْ ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْ فَوْرِهِ، وَكَذَا بَعْدَ فَوْرِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ. قَالَ (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. أَمَّا فِي رِوَايَةِ الرُّبُعِ وَرِوَايَةِ الثُّلُثِ فَظَاهِرٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الرُّبُعَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ وَلَا الثُّلُثَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مِنْ الثُّلُثِ فَلِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إذْ لَمْ يُجَاوِزْ النِّصْفَ لَمْ يَصِرْ أَكْثَرَ الْكُلِّ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مِنْ الثُّلُثِ عَنْهُ لَمْ يَشْتَرِطْ تَجَاوُزَ النِّصْفِ وَلَا الْوُصُولَ إلَى النِّصْفِ، بَلْ اعْتَبَرَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا ذَهَابُ أَكْثَرِ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ، فَكَيْفَ يَرْبُطُ قَوْلَهُ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ الْأَكْثَرِ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ فِي عِبَارَةِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مَعْنَى التَّفْضِيلِ، بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْكَثِيرِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ وَجْهِ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِيمَا زَادَ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَاعْتُبِرَ كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ فِي بَيَانِ وَجْهِ رِوَايَةِ الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ أَيْضًا الْكَثِيرَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الْبَاقِي وَإِلَّا يَعُودُ الْمَحْذُورُ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْكَثِيرُ فِي نَفْسِهِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ لِمُجَرَّدِ بَيَانِ مَحَلِّ

لِأَنَّهَا عُرِفَتْ شَرْعًا وَلَمْ تُنْقَلْ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ (وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا. إلَّا الضَّأْنَ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَحُّوا بِالثَّنَايَا إلَّا أَنْ يُعْسِرَ عَلَى أَحَدِكُمْ فَلْيَذْبَحْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَتْ بِالثُّنْيَانِ يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ. وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ. وَالثَّنِيُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَعَزِ سَنَةٌ، وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَيَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ الْجَامُوسُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ يَتْبَعُ الْأُمَّ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ، حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ. قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى سَبْعَةٌ بَقَرَةً لِيُضَحُّوا بِهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ النَّحْرِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ اذْبَحُوهَا عَنْهُ وَعَنْكُمْ أَجْزَأَهُمْ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ رَجُلًا يُرِيدُ اللَّحْمَ لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَلَكِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُهَا كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ عِنْدَنَا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ عَنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحَّى عَنْ أَمَتِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ يُنَافِيهَا. وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ قُرْبَةً وَالْإِرَاقَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الْقُرْبَةِ لَمْ يَقَعْ الْكُلُّ أَيْضًا فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ، لَكِنَّا نَقُولُ: الْقُرْبَةُ قَدْ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ (فَلَوْ ذَبَحُوهَا عَنْ صَغِيرٍ فِي الْوَرَثَةِ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ جَازَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ قُرْبَةٌ (وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَذَبَحَهَا الْبَاقُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ لَا تُجْزِيهِمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْضُهَا قُرْبَةً، وَفِيمَا تَقَدَّمَ وُجِدَ الْإِذْنُ مِنْ الْوَرَثَةِ فَكَانَ قُرْبَةً. قَالَ (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْعِمُ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ وَيَدَّخِرُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَكُلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَثْرَةِ، فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ تَطْبِيقُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى عِبَارَةِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، قُلْت: شَرْطُ اسْتِعْمَالِ صِيغَةِ التَّفْضِيلِ مُجَرَّدَةً عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ أَنْ تَكُونَ عَارِيَّةً عَنْ اللَّامِ وَالْإِضَافَةِ وَمِنْ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي عِبَارَةِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَقَعَتْ مُضَافَةً فَلَا يَصِحُّ تَجْرِيدُهَا عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ عَلَى قَاعِدَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَئِنْ أَغْمَضْنَا عَنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ الْأَكْثَرُ عَلَى الْكَثِيرِ الْمُطْلَقِ، إذْ لَوْ كَانَ لِلْكَثِيرِ مُطْلَقًا حُكْمُ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا لَزِمَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْأُذُنُ وَالذَّنَبُ بَاقِيًا وَذَاهِبًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِي وَالذَّاهِبِ مِنْهُمَا كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ،

مِنْهَا وَادَّخِرُوا» وَمَتَى جَازَ أَكْلُهُ وَهُوَ غَنِيٌّ جَازَ أَنْ يُؤَكِّلَهُ غَنِيًّا قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ عَنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالْإِطْعَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فَانْقَسَمَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا. قَالَ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا (أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ) كَالنِّطْعِ وَالْجِرَابِ وَالْغِرْبَالِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ) اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ، (وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ كَالْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ) اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ بَاعَ الْجِلْدَ أَوْ اللَّحْمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهَةَ الْبَيْعِ، الْبَيْعُ جَائِزٌ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. قَالَ (وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَ أُضْحِيَّتِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ أُقِيمَتْ الْقُرْبَةُ بِهَا كَمَا فِي الْهَدْيِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَحْلُبَ لَبَنَهَا فَيَنْتَفِعَ بِهِ كَمَا فِي الصُّوفِ. قَالَ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ» قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا إذَا ذَهَبَ رُبُعُهُمَا أَوْ ثُلُثُهُمَا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَيَلْزَمُ جَمْعُ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ عَنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالْإِطْعَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] انْقَسَمَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] وُجُوبُ الْإِطْعَامِ، وَالْمُدَّعَى اسْتِحْبَابُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ بَيْعَ الْجِلْدِ بِمَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ أَيْضًا، وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ كَالْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ غَيْرُ وَاضِحٍ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ مِمَّا لَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهَا أَصْلًا، أَيْ لَا مَعَ بَقَائِهَا

يَذْبَحَهَا الْكِتَابِيُّ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَالْقُرْبَةُ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَجُوسِيَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ إفْسَادًا قَالَ (وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ الْآخَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ، كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَعَسَاهُ يَعْجَزُ عَنْ إقَامَتِهَا بِعَوَارِضَ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا، فَإِنْ قِيلَ: يَفُوتُهُ أَمْرٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْهَدَ الذَّبْحَ فَلَا يَرْضَى بِهِ. قُلْنَا: يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مُسْتَحَبَّانِ آخَرَانِ، صَيْرُورَتُهُ مُضَحِّيًا لِمَا عَيَّنَهُ، وَكَوْنُهُ مُعَجِّلًا بِهِ فَيَرْتَضِيهِ، وَلِعُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ طَبَخَ لَحْمَ غَيْرِهِ أَوْ طَحَنَ حِنْطَتَهُ أَوْ رَفَعَ جَرَّتَهُ فَانْكَسَرَتْ أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَعَطِبَتْ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَالِكِ يَكُونُ ضَامِنًا، وَلَوْ وَضَعَ الْمَالِكُ اللَّحْمَ فِي الْقِدْرِ وَالْقِدْرَ عَلَى الْكَانُونِ وَالْحَطَبَ تَحْتَهُ، أَوْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ فِي الدَّوْرَقِ وَرَبَطَ الدَّابَّةَ عَلَيْهِ، أَوْ رَفَعَ الْجَرَّةَ وَأَمَالَهَا إلَى نَفْسِهِ أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ، فَأَوْقَدَ هُوَ النَّارَ فِيهِ وَطَبَخَهُ، أَوْ سَاقَ الدَّابَّةَ فَطَحَنَهَا، أَوْ أَعَانَهُ عَلَى رَفْعِ الْجَرَّةِ فَانْكَسَرَتْ فِيمَا بَيْنَهُمَا، أَوْ حَمَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ مَا سَقَطَ فَعَطِبَتْ لَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَرِيحًا فَهِيَ خِلَافِيَّةُ زُفَرَ بِعَيْنِهَا وَيَتَأَتَّى فِيهَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا ذَكَرْنَا، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ وَسِيلَةٌ مَحْضَةٌ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّمَوُّلُ لَا غَيْرُ، بِخِلَافِ مِثْلِ الْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ فَإِنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِانْتِفَاعَ دُونَ التَّمَوُّلِ، وَالِانْتِفَاعُ بِنَفْسِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَكَذَا بِبَدَلِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ إنَّمَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِمَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ بِأَنَّهُ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْجِلْدِ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْبَدَلِ، لِأَنَّ الْبَدَلَ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ. قَالَ: فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الْجِلْدِ بِالدَّرَاهِمِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا» فَإِذَا أَعْطَى أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا يَصِيرُ بَائِعَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ بِالدَّرَاهِمِ وَقَدْ ثَبَتَ الْمَنْعُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَتِمُّ قِيَاسُ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْجِلْدِ بِمِثْلِ الْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَتْرُكَ الْقِيَاسَ عَلَى الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيُقَالُ فِي تَعْلِيلِهَا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ عَيْنِ الْجِلْدِ قَائِمًا مَقَامَهُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ كَالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ الْجِلْدِ فَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ كَحُكْمِ عَيْنِ الْجِلْدِ بِخِلَافِ مَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ

مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يُضَمِّنُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِيمَا فَعَلَ دَلَالَةً، فَإِذَا كَانَا قَدْ أَكَلَا ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِيهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ فِي الِانْتِهَاءِ وَإِنْ، تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَمَنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَالْجِرَابِ وَالْمُنْخُلِ، لِأَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، فَكَانَ الْمُبْدَلُ قَائِمًا مَعْنًى وَكَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ الْجِلْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْجِلْدِ فَلَا يَكُونُ الْجِلْدُ قَائِمًا مَعْنًى انْتَهَى (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا غَيْرَهَا، فَلَوْ كَانَ غَيْرُهَا أَنْقَضَ مِنْ الْأُولَى تَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا كُلِّهِ انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ تَكَلَّمُوا فِي بَيَانِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ جِدًّا حَيْثُ جَعَلُوهُ صُورَتَيْنِ، فَزَادُوا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى اشْتَرَى غَيْرَهَا بِثَمَنِهَا، وَاعْتَبَرُوا التَّصَدُّقَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فِي بَعْضِ الثَّمَنِ دُونِ كُلِّهِ، وَزَادُوا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مَضَى أَيَّامُ النَّحْرِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي الْمَقَامِ مَا يَقْتَضِي شَيْئًا مِنْهَا كَمَا لَا يَخْفَى، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى طَرَفِ التَّمَامِ بِحَمْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ لَحْمَ أُضْحِيَّتِهِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ بَاعَ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ. وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ تَشَاحَّا: يَعْنِي إنْ تَشَاحَّا عَنْ التَّحْلِيلِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلِفًا لَحْمَ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ، وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ انْتَهَى، أَقُولُ لَيْسَ هَذَا التَّوْجِيهُ بِوَجِيهٍ. فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ مَسْأَلَةٌ تَامَّةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ مُغَايِرٍ لَهَا، وَفِي التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ قَدْ أَخَذَ مُقَدَّمَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَّا وَضُمَّ إلَيْهِ تَالٍ مُغَايِرٌ لِتَالِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ أَصْلًا، فَصَارَ إنْ تَشَاحَّا عَنْ التَّحْلِيلِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلِفًا لَحْمَ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ صُغْرَى الدَّلِيلِ وَجَعَلَ كُبْرَاهُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْمُقَدِّمَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ. فَمَا قَبْلَهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّغْرَى وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكُبْرَى، وَمَجْمُوعُهُمَا دَلِيلٌ تَامٌّ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ فَمَعْنَى الدَّلِيلِ أَنَّ تَضْحِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا وَقَعَتْ مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ الَّذِي أَتْلَفَهُ بِالْأَكْلِ لِصَاحِبِهِ لَا لِنَفْسِهِ. وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَضْمِينِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ

بِخِلَافِ مَا لَوْ أُودِعَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا لِأَنَّهُ يُضَمِّنُهُ بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَةَ لَحْمِهِ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَنَّ صَاحِبَ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ مَاذَا يَصْنَعُ فِي حَقِّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ مِنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ فَهَلْ يَجْعَلُهُ وَحْدَهُ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَمْ يَجْعَلُهُ مُتَّصِلًا بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَانْظُرْ وَتَبَصَّرْ هَلْ يَتَيَسَّرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟

[كتاب الكراهية]

[كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ) أَوْرَدَ الْكَرَاهِيَةَ بَعْد الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ مَسَائِلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ تَرِدُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مَكْرُوهَةٌ، وَكَذَا التَّصَرُّفُ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِجَزِّ صُوفِهَا وَحَلْبِ لَبَنِهَا وَإِبْدَالِ غَيْرِهَا مَكَانَهَا، وَكَذَلِكَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ كَذَلِكَ كَذَا فِي الشُّرُوحِ. ثُمَّ إنَّ عِبَارَاتِ الْكُتُبِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ، فَقَدْ سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِاسْمِ الْكَرَاهِيَةِ، وَعَلَيْهِ وَضَعَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَسَمَّاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَعَلَيْهِ كُتُبُ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا كَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهَا، وَسَمَّاهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي التُّحْفَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْإِيضَاحِ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا. أَمَّا وَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِالْكَرَاهِيَةِ فَلِأَنَّ بَيَانَ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. وَأَمَّا وَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِالِاسْتِحْسَانِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَمَا قَبَّحَهُ وَلَفْظُ الِاسْتِحْسَانِ أَحْسَنُ فَلُقِّبَ بِهِ، أَوْ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَسَائِلِهِ اسْتِحْسَانٌ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا، وَأَمَّا وَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَلِأَنَّ الْحَظْرَ الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةَ الْإِطْلَاقُ، وَفِيهِ مَا مَنَعَ عَنْهُ الشَّرْعُ وَمَا أَبَاحَهُ. كَذَا ذَكَرَ وَجْهَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحُ الْمُخْتَارِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ: ثُمَّ إنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ

[فصل في الأكل والشرب]

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ مِنْهَا: فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ لُحُومُ الْأُتُنِ وَأَلْبَانُهَا وَأَبْوَالُ الْإِبِلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرِهَ الشَّيْءَ كَرْهًا وَكَرَاهَةً وَكَرَاهِيَةً، قَالَ فِي الْمِيزَانِ: هِيَ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216] فَالْمَكْرُوهُ خِلَافُ الْمَنْدُوبِ وَالْمَحْبُوبِ لُغَةً، وَالْكَرَاهَةُ لَيْسَتْ بِضِدٍّ لِلْإِرَادَةِ عِنْدَنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَارِهٌ لِلْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي: أَيْ لَيْسَ بِرَاضٍ بِهِمَا وَلَا مُحِبٍّ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ هِيَ ضِدُّ الْإِرَادَةِ أَيْضًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْكَلَامِ، وَأَمَّا مَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ) يَعْنِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّرْعِ فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ، فَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ فَكَانَ نِسْبَةُ الْمَكْرُوهِ إلَى الْحَرَامِ عِنْدَهُ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَالثَّانِيَ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ. ثُمَّ إنَّ هَذَا حَدُّ الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرُوا فِي الْكُتُبِ، وَلِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا كَلِمَاتٌ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ لَا حَاصِلَ لَهَا تَرَكْنَا التَّعَرُّضَ لَهَا لِمَا فِي تَضَاعِيفِهَا مِنْ الِاخْتِلَالِ كَرَاهَةَ الْإِطْنَابِ [فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ] (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ لُحُومُ الْأُتُنِ وَأَلْبَانُهَا وَأَبْوَالُ الْإِبِلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: خَصَّ الْأُتُنَ مَعَ كَرَاهَةِ لَحْمِ سَائِرِ الْحُمُرِ لِيَسْتَقِيمَ عَطْفُ الْأَلْبَانِ عَلَيْهِ، إذْ اللَّبَنُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْأَتَانِ انْتَهَى. يَعْنُونَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ تُكْرَهُ لُحُومُ الْحُمُرِ وَأَلْبَانُهَا لَرَجَعَ الضَّمِيرُ فِي أَلْبَانِهَا إلَى الْحُمُرِ الْمَذْكُورِ فِيمَا قِيلَ، وَذَلِكَ يَعُمُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، فَلَا يَسْتَقِيمُ عَطْفُ الْأَلْبَانِ مُضَافَةً إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى مُطْلَقِ الْجَرِّ عَلَى مَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْأَلْبَانَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي ذُكُورِ الْحُمُرِ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي إنَاثِهَا الَّتِي هِيَ الْأُتُنُ. نَعَمْ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ ذَلِكَ أَيْضًا بِتَقْدِيرٍ وَتَأْوِيلٍ، لَكِنَّ مُرَادَهُمْ عَدَمُ اسْتِقَامَةِ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ فَسَقَطَتْ عَنْ كَلَامِهِمْ مُؤَاخَذَةُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: وَإِنَّمَا خَصَّ كَرَاهَةَ لَحْمِ الْأُتُنِ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهَةَ لَحْمِ غَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ، لِأَنَّهُ لَمَّا عَنْوَنَ الْفَصْلَ بِأَنَّهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّبَائِحِ جَمِيعَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَوْ أَعَادَ كُلَّهَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فَذَكَرَ بَعْضًا مِنْهَا تَذْكِيرًا لِلْبَوَاقِي انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عِنْوَانِ الْفَصْلِ بِأَنَّهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَصْلًا، فَإِنَّ

وَتَأْوِيلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا لِلتَّدَاوِي، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَالذَّبَائِحِ فَلَا نُعِيدُهَا، وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ ، قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ «إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» «وَأُتِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَرَابٍ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي هَذَا الْفَصْلِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ مَسَائِلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَيْضًا، فَيَصِحُّ عِنْوَانُ الْفَصْلِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، سَوَاءٌ لَمْ تُذْكَرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهِ أَصْلًا أَوْ ذَكَرَ مَعَهَا غَيْرَهَا أَيْضًا مِمَّا سَبَقَ فِي الذَّبَائِحِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ذِكْرِ بَعْضٍ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ فِي الذَّبَائِحِ تَذْكِيرًا لِلْبَوَاقِي فَغَيْرُ تَامٍّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ مَا ذَكَرَ مَرَّ وَبُيِّنَ مُسْتَوْفًى تَذْكِيرًا لِبَوَاقِي الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ وَلَا مِمَّا يَهُمُّ أَصْلًا، ثُمَّ أَقُولُ: الْأَوْجُهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا خَصَّ الْأُتُنَ بِالذِّكْرِ مَعَ كَرَاهَةِ لُحُومِ غَيْرِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الذَّبَائِحِ مُسْتَوْفًى، وَكَرَاهَةُ لُحُومِ الْأُتُنِ إنَّمَا ذُكِرْت هَاهُنَا تَوْطِئَةً لِكَرَاهَةِ أَلْبَانِهَا الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِيمَا مَرَّ قَطُّ، وَلَا مَدْخَلَ لِكَرَاهَةِ لُحُومِ غَيْرِهَا فِي التَّوْطِئَةِ لِذَلِكَ فَلَا جَرَمَ خَصَّ الْأُتُنَ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: وَأَمَّا حُكْمُ أَبْوَالِ الْإِبِلِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ، وَذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ هَاهُنَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَلَيْسَ فِيهِ التَّكْرَارُ حَتَّى يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الِاعْتِذَارِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِكَلَامٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَيْضًا ذَكَرَهُ هَاهُنَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْبِدَايَةِ فَلَزِمَهُ التَّكْرَارُ قَطْعًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ التَّكْرَارُ لَوْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا. وَأَمَّا كَوْنُ مَأْخَذِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَيْسَ فِي حَيِّزِ الِاجْتِهَادِ، فَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ مُجْتَهِدٍ، فَإِذَا ذَكَرَ مَسْأَلَةً مَرَّتَيْنِ لَزِمَ التَّكْرَارُ لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ لِلتَّدَاوِي) إنَّمَا احْتَاجَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَاتِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ حَرَامًا. وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ هَاهُنَا: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ حِلُّ شُرْبِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا. فَأَوَّلَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورَ هَاهُنَا بِنَفْيِ الْبَأْسِ عَنْ شُرْبِهَا لِلتَّدَاوِي، وَشُرْبُهَا لِلتَّدَاوِي لَيْسَ بِحَرَامٍ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَجِسًا تَمَسُّكًا بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَاتِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَمُنْصَرِفٌ إلَى لَحْمِ الْفَرَسِ خَاصَّةً، لِأَنَّ بَوْلَ الْإِبِلِ نَجِسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُ أَطْلَقَ شُرْبَهُ لِلتَّدَاوِي، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَاتِ فِي فَصْلِ الْبِئْرِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: أَكْرَهُ شُرْبَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَكْلَ لُحُومِ الْفَرَسِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ حَيْثُ ذَكَرَ لَفْظَهُ هَكَذَا بِعَيْنِهِ: وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ عِبَارَةَ كُلِّهِ فِي قَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ كُلِّهِ تَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُنْصَرِفًا إلَى لَحْمِ الْفَرَسِ خَاصَّةً، بَلْ يَقْتَضِي شُمُولَهُ لِأَبْوَالِ الْإِبِلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَالذَّبَائِحِ فَلَا نُعِيدُهَا) أَقُولُ: فِي رَوَاجِ هَذِهِ الْحَوَالَةِ بَحْثٌ، فَإِنَّ أَلْبَانَ الْأُتُنِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ

نَهَانَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الشُّرْبِ فَكَذَا فِي الِادِّهَانِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِزِيِّ الْمُشْرِكِينَ وَتَنَعُّمٌ بِنِعَمِ الْمُتْرَفِينَ وَالْمُسْرِفِينَ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يُكْرَهُ وَمُرَادُهُ التَّحْرِيمُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ آنِيَةٍ الرَّصَاصِ وَالزُّجَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ تُبَيِّنْ فِيمَا تَقَدَّمَ قَطُّ، وَكَذَا أَبْوَالُ الْإِبِلِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَلَمْ تُبَيِّنْ فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابَيْ الصَّلَاةِ وَالذَّبَائِحِ، وَإِنَّمَا بُيِّنَتْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَاتِ فِي فَصْلِ الْبِئْرِ فِي ضِمْنِ بَيَانِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مُطْلَقًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالذَّبَائِحِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَمَحَّلَ فِي تَوْجِيهِ كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا فِي تَوْجِيهِ الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا فَبِأَنْ يُحْمَلَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي قَوْلِهِ قَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى مَا عَدَا الْأَلْبَانِ بِقَرِينَةِ بَيَانِ كَرَاهَةِ اللَّبَنِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلَا نُعِيدُهَا بِقَوْلِهِ وَاللَّبَنُ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. وَأَمَّا فِي تَوْجِيهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا فَبِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَبَادِيهَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ كِتَابِ الطَّهَارَاتِ بِكِتَابِ الصَّلَاةِ مُسَامَحَةً. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَإِنَّمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ الْبَيَانَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَلْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي فَصْلِ الْبِئْرِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ الطَّهَارَةِ فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ كِتَابِ الصَّلَاةِ كَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَأَنْ لَا يُتَرْجَمَ لَهَا كِتَابٌ عَلَى حِدَةٍ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَآلَهُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِتَعْبِيرِهِ الْمَذْكُورِ الْإِشَارَةَ إلَى تَقْبِيحِ نَفْسِهِ فِيمَا فَعَلَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ مِنْ تَرْجَمَةِ الطَّهَارَاتِ بِكِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ دُونَ فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَهَلْ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِشَارَةَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّ الشُّرَّاحَ ذَكَرُوا قَاطِبَةً فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَجْهًا وَجِيهًا لِإِيرَادِ الطَّهَارَةِ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ، فَكَوْنُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ الطَّهَارَةِ فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ، وَعَنْ هَذَا تَرَى أَكْثَرَ ثِقَاتِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ذَكَرُوا مَسَائِلَ الطَّهَارَةِ فِي كِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ شُرْبَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ حَرَامٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا، وَحَلَالٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا، وَلِلتَّدَاوِي فَقَطْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَذَكَرَ أَدِلَّتَهُمْ هُنَاكَ، لَكِنْ بُنِيَ دَلِيلُ مُحَمَّدٍ عَلَى طَهَارَتِهِ، مَعَ أَنَّ اسْتِلْزَامَ طَهَارَتِهِ حِلُّ شُرْبِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَأَنَّ طَهَارَتَهُ لَمْ تَلْزَمْ عِنْدَهُ إلَّا مِنْ حِلِّهِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا وُضِعَ شِفَاؤُكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» كَمَا سَبَقَ، فَبِنَاءُ حِلِّهِ عَلَى طَهَارَتِهِ دَوْرٌ ظَاهِرٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: حَدِيثُ الدَّوْرِ سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ حِلَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِلَّةً لِطَهَارَتِهِ فِي الْعَقْلِ بِأَنْ يَصِيرَ دَلِيلًا عَلَيْهَا. وَأَمَّا طَهَارَتُهُ فَإِنَّمَا تَكُونُ عِلَّةً لِحِلِّهِ فِي الْخَارِجِ فَاخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوا فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْحُمَّى عِلَّةٌ لِلْعُفُونَةِ فِي الذِّهْنِ وَالْعُفُونَةُ عِلَّةٌ لِلْحُمَّى فِي الْخَارِجِ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحُمَّى عَلَى الْعُفُونَةِ بُرْهَانٌ إنِّيٌّ وَبِعَكْسِهِ بُرْهَانٌ لَمِّيٌّ وَلَا دَوْرَ أَصْلًا، وَهَكَذَا الْحَالُ بَيْنَ كُلِّ مُؤَثِّرٍ وَأَثَرِهِ. فَإِنَّ الْأَوَّلَ عِلَّةٌ لِلثَّانِي فِي الْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي عِلَّةً لِلْأَوَّلِ فِي الْعَقْلِ: أَيْ دَلِيلًا عَلَيْهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اسْتِدْلَالُنَا بِوُجُودِ الْعَالَمِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الشُّرْبِ فَكَذَا فِي الِادِّهَانِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ)

وَالْبَلُّورِ وَالْعَقِيقِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي التَّفَاخُرِ بِهِ. قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ التَّفَاخُرُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ الشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرُّكُوبُ عَلَى السَّرْجِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ الْمُفَضَّضِ وَالسَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ إذَا كَانَ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) وَمَعْنَاهُ: يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفَمِ، وَقِيلَ هَذَا وَمَوْضِعُ الْيَدِ فِي الْأَخْذِ وَفِي السَّرِيرِ وَالسَّرْجِ مَوْضِعُ الْجُلُوسِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا، وَكَذَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّيْفِ وَالْمِشْحَذِ وَحَلْقَةِ الْمَرْأَةِ، أَوْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ مُذَهَّبًا أَوْ مُفَضَّضًا، وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي اللِّجَامِ وَالرِّكَابِ وَالثَّفْرِ إذَا كَانَ مُفَضَّضًا، وَكَذَا الثَّوْبُ فِيهِ كِتَابَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى هَذَا، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخْلُصُ، فَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لِأَنَّ الِادِّهَانَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَنَحْوِهِ فِي مَعْنَى الشُّرْبِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ لَهَا، وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ بِأَيْ وَجْهٍ كَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّجَبُّرِ وَالْإِسْرَافِ فَيَشْمَلُ الِادِّهَانَ وَالتَّطَيُّبَ أَيْضًا. وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ: صُورَةُ الِادِّهَانِ الْمُحَرَّمِ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ. أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ، ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ لَا يُكْرَهُ. كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَرَأَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُكْحُلَةِ فَإِنَّ الْكُحْلَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا حِينَ الِاكْتِحَالِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَقَطْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَآلَاتِهَا هُوَ اسْتِعْمَالُهَا، وَاسْتِعْمَالُ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ عِنْدَ إرَادَةِ الِادِّهَانِ مِنْهَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ بِأَخْذِ آنِيَتِهِمَا وَصَبِّ الدُّهْنِ مِنْهَا عَلَى الْبَدَنِ لَا بِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهَا وَأَخْذِ الدُّهْنِ، ثُمَّ صَبِّهِ عَلَى الْبَدَنِ. وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ مُكْحُلَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَادَةً بِإِدْخَالِ الْمِيلِ فِيهَا ثُمَّ الِاكْتِحَالُ بِهِ فَانْفِصَالُ الْكُحْلِ عَنْهَا حِينَ الِاكْتِحَالِ لَا يَقْدَحُ فِي تَحَقُّقِ اسْتِعْمَالِهَا فَافْتَرَقَا. وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ عَلَى مَا قِيلَ فِي صُورَةِ الِادِّهَانِ الْمُحَرَّمِ بِوَجْهٍ آخَرَ. وَهُوَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكْرَهَ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا، وَكَذَا إذَا أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا. وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِمَا يَقْرَبُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي دَفْعِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي الْمُكْحُلَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ أَقُولُ: مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مَعْنَى عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِمْ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْأَدَوَاتِ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسَبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الْكَبِيرَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَجْلِ أَكْلِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوْ الْمِلْعَقَةِ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِأَجْلِ ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوْ الْمِلْعَقَةِ فِي الْعُرْفِ. وَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهَا وَوَضَعَ عَلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا، وَكَذَا الْأَوَانِي الصَّغِيرَةُ الْمَصْنُوعَةُ لِأَجْلِ الِادِّهَانِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُخِذَتْ وَصُبَّ مِنْهَا الدُّهْنُ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ عَلَى الْيَدِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صُنِعَتْ لِأَجْلِ الِادِّهَانِ مِنْهَا بِذَلِكَ الْوَجْهِ. وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ وَصَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا، فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ بَلْ اخْتِلَالٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مَعْنَى الْمَشَايِخِ ثُمَّ بَيَانُهُ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ " مِنْ " فِي قَوْلِهِمْ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ ابْتِدَائِيَّةٌ أَمْرٌ زَائِدٌ بَلْ مُخْتَلٌّ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي عِبَارَةِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِكَلِمَةِ فِي بِدَلَ كَلِمَةِ مِنْ، وَعَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكِتَابِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ كَلِمَةُ مِنْ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلِابْتِدَاءِ فِي تَمْشِيَةِ الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا، إذْ يَكْفِي فِيهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ وَغَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ فِي الِانْتِهَاءِ، يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَالذَّوْقِ السَّلِيمِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ، وَطَعَنَ فِي بَعْضِ عِبَارَاتِهِ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ صُوَرِ الِادِّهَانِ

لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ مُسْتَعْمِلَ جُزْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ مُسْتَعْمِلَ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُكْرَهُ، كَمَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّوَابِعِ فَلَا يُكْرَهُ. كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَمِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي الْفَصِّ. قَالَ (وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا أَوْ خَادِمًا فَاشْتَرَى لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يُعْتَقَدُ فِيهِ حُرْمَةُ الْكَذِبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ (وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ. بَلْ بِوُجُودِ مُمَاسَّةِ الْيَدِ بِالْإِنَاءِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعَدَمِهَا فِي الثَّالِثَةِ، فَإِنَّ لِلْمُمَاسَّةِ تَأْثِيرًا فِي الْحُرْمَةِ كَمَا سَيَجِيءُ مِنْ وُجُوبِ الِاتِّقَاءِ عَنْ مَوْضِعِ الْفِضَّةِ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ أَوْ الْمُضَبَّبِ وَقْتَ الشُّرْبِ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ الَّذِي زَعَمَهُ حَقًّا النَّقْضُ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ، فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مُمَاسَّةُ الْيَدِ بِالْآنِيَةِ مَعَ أَنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا شَكٍّ، فَالْمُخْلَصُ الْكُلِّيُّ هُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمَصِيرِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ وَغَيْرِهِ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِنَاءُ الْمُفَضَّضُ أَوْ الْمُضَبَّبُ فَبِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَالِصِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ لَوْحٍ وَفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ مِنْهُ مُمَاسَّةَ الْعُضْوِ بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ وَلَمْ يَعْتَبِرْهَا صَاحِبَاهُ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَصْلٌ يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ مُسْتَعْمِلَ جُزْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ مُسْتَعْمِلُ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُكْرَهُ) جَمْعُهَا فِي التَّعْلِيلِ جَرْيًا عَلَى رِوَايَةِ كَوْنِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ أَفْرَدَ أَبَا يُوسُفَ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ فِيمَا قَبْلُ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْكَافِي فَأَفْرَدَهُ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِعُمُومِ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْكَافِي: قُلْت وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا سَبَقَ، وَصِدْقُهُ عَلَى الْمُفَضَّضِ وَالْمُضَبَّبِ مَمْنُوعٌ. وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ رَدًّا لِمَا فِي الْكَافِي مِنْ احْتِجَاجِ أَبِي يُوسُفَ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ لَمْ يَعُمَّ الْمُفَضَّضَ وَالْمُضَبَّبَ عِبَارَةُ يَعُمُّهُمَا دَلَالَةً كَعُمُومِهِ لِلِادِّهَانِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، وَكَعُمُومِهِ لِلْأَكْلِ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالِ بِمِيلِ الذَّهَبِ، وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الْمَدَارَ فِي كُلِّهَا تَنَاوُلُ النَّهْيِ الْوَارِدِ الْمَذْكُورِ لِكُلٍّ مِنْهَا دَلَالَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ حُجَّتُهُمَا الْعُمُومَاتُ الْوَارِدَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَمَنْ اسْتَعْمَلَ إنَاءً كَانَ مُسْتَعْمِلًا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ فَكُرِهَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْإِنَاءِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا كَانَتْ لِلتَّشَبُّهِ بِالْأَكَاسِرَةِ وَالْجَبَابِرَةِ. فَكُلُّ مَا كَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُكْرَهُ، بِخِلَافِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ وَالْمِنْطَقَةِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ نَصًّا، أَمَّا هَاهُنَا بِخِلَافِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: لِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا ذَلِكَ الْبَعْضُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت لَوْ ثَبَتَ هَذَا كَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَكِنْ لَمْ نَجِدْهُ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا خَالِيًا عَنْ زِيَادَةِ " أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ " وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: رُدَّ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ احْتِجَاجِ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى. أَقُولُ: عَدَمُ وِجْدَانِهِ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِيمَا رَآهُ مِنْ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَمْ يَرَ مَحَلَّهَا، وَقَدْ بَيَّنَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ طَرِيقَ إخْرَاجِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُجَرَّدَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ رَدًّا لَهُ

غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ) مَعْنَاهُ: إذَا كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ قَوْلَهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يَقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ، وَكَذَا لَا يُمْكِنُهُمْ اسْتِصْحَابُ الشُّهُودِ عَلَى الْإِذْنِ عِنْدَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْمُبَايَعَةِ فِي السُّوقِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهُ لِمَا قُلْنَا (قَالَ وَيُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ إلَّا قَوْلُ الْعَدْلِ) ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِيمَا بَيْنَ أَجْنَاسِ النَّاسِ، فَلَوْ شَرَطْنَا شَرْطًا زَائِدًا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهَا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ لَيْسَ مِنْ فُرْسَانِ مَيْدَانِ عِلْمِ الْحَدِيثِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ) أَقُولُ: كَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ قَوْلُهُ غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ هُنَا كَوْنُ قَوْلِ الْكَافِرِ مَقْبُولًا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُعَامَلَاتِ سَوَاءٌ تَضَمَّنَ الْحِلَّ أَوْ الْحُرْمَةَ، لَا كَوْنُ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ مِمَّا يُؤْكَلُ دُونَ ذَبِيحَةِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَقَدْ مَرَّ مُسْتَوْفًى، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَصَالَةَ الثَّانِي كَمَا تَرَى. ثُمَّ إنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ بَدَلِ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ لَكَانَ أَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ، وَكَانَ أَوْفَقُ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ لَفْظَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَبَرُّكًا بِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ: يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَسِعَهُ أَكْلُهُ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحِلَّ لَا مَحَالَةَ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُرَجَّحَةٌ عَلَى الْحِلِّ دَائِمًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحِلِّ بِقَوْلِهِ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَسِعَهُ أَكْلُهُ رَكَاكَةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَسِعَهُ أَكْلُهُ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ فِي الْحِلِّ فِي قَوْلِهِ وَسِعَهُ أَكْلُهُ يَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِهِ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ. وَلَا حَاصِلَ لَهُ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ مِنْ الْكَلَامِ. وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ: أَيْ فِيمَا يَتَضَمَّنُ الْحِلَّ وَهُوَ قَوْلُهُ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حِلِّ أَكْلِ مَا اشْتَرَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْحُرْمَةِ: أَيْ فِيمَا يَتَضَمَّنُ الْحُرْمَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ اشْتَرَيْته مِنْ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حُرْمَةِ مَا اشْتَرَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهَا لِمَا قُلْنَا) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ انْتَهَى. أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ نَفْسَ الْجَوَارِي وَالْعَبِيدِ تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ، بِخِلَافِ إهْدَاءِ غَيْرِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْهَدَايَا فَإِنَّهَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِيهِمْ بِلَا مَجَالِ النَّكِيرِ مِنْ أَحَدٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمْ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ، وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: وَلِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهِمْ فِي إهْدَاءِ مَوَالِيهِمْ أَنْفُسَهُمْ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ لِإِمْكَانِ إهْدَائِهِمْ عَلَى أَيْدِي غَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي أَوْ الصِّبْيَانِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَصْلًا نَادِرٌ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ مُؤَدِّيًا إلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ إهْدَاءِ الْهَدَايَا مُطْلَقًا عَلَى أَيْدِي غَيْرِ جِنْسِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي وَالصِّبْيَانِ فَإِنَّ فِيهِ حَرَجًا بَيِّنًا سِيَّمَا فِي إهْدَاءِ الْأُمُورِ الْخَسِيسَةِ (قَوْلُهُ وَيَقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلَ الْفَاسِقِ وَلَا يَقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ إلَّا قَوْلَ الْعَدْلِ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: قِيلَ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ إخْبَارَ الْمُمَيِّزِ الْغَيْرِ الْعَدْلِ يُقْبَلُ فِي مِثْلِ الْوَكَالَةِ وَالْهَدَايَا

كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا عَبْدًا أَوْ حُرًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ. أَمَّا الدِّيَانَاتُ فَلَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا حَسَبِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهَا زِيَادَةَ شَرْطٍ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا قَوْلُ الْمُسْلِمِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مُتَّهَمٌ وَالْكَافِرَ لَا يَلْتَزِمُ الْحُكْمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْلِمَ، بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمْكِنُهُ الْمَقَامُ فِي دِيَارِنَا إلَّا بِالْمُعَامَلَةِ. وَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْمُعَامَلَةُ إلَّا بَعْدَ قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهَا فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةً، وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَسْتُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ وَالْفَاسِقُ فِيهِ سَوَاءٌ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِمَا أَكْبَرُ الرَّأْيِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ التَّحَرِّي، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّحَرِّي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ. وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْقَيْدَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ تَفْسِيرًا لِهَذَا فَيُشْتَرَطُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُشْتَرَطُ رُخْصَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَى التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ أَيْضًا بِشَرْطِ التَّحَرِّي كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا يَشْكُلُ ذَلِكَ عَلَى التَّوْجِيهِ الثَّالِثِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ رِوَايَةُ الِاشْتِرَاطِ، فَالظَّاهِرُ الْمُنَاسِبُ عِنْدِي هُوَ التَّوْجِيهُ الثَّانِي. فَإِنَّ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ يَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ، إذْ لَا رُخْصَةَ لِقَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ بِدُونِ التَّحَرِّي (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَسْتُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ لِيَكُونَ الْخَبَرُ مُلْزِمًا، وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فَبَقِيَ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ يَقْتَصِرَ الْحَاكِمُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ إذَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِيمَا عَدَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، فَكَانَ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَسْتُورَ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» فَفِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا لَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ اعْتِبَارِ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَدُلَّ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى أَصَحِّيَّةِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ بَيَانَ أَصَحِّيَّةِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ فَسَادُ الزَّمَانِ مِنْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِرِوَايَةِ الْمَسْتُورِ مَا لَمْ تَتَبَيَّنْ عَدَالَتُهُ، كَمَا لَمْ تُعْتَبَرْ شَهَادَتُهُ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَا لَمْ يُظْهِرُ عَدَالَتَهُ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّوْجِيهَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي أُصُولِهِ: وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدْلِ فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ لِثُبُوتِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " وَلِهَذَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الْمَسْتُورِ فِيمَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ إذَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ أَصَحُّ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْفِسْقَ غَالِبٌ فِي أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ مَا لَمْ تَتَبَيَّنْ عَدَالَتُهُ، كَمَا لَا تُعْتَبَرُ شَهَادَتُهُ فِي الْقَضَاءِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ عَدَالَتُهُ انْتَهَى. وَبِمَا ذَكَرْنَا تَبَيَّنَ اخْتِلَالُ تَحْرِيرِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَسْتُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: أَيْ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدِّيَانَاتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثُمَّ قَالَ: وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ لِيَكُونَ الْخَبَرُ مُلْزِمًا، وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فَبَقِيَ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ انْتَهَى. فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا ذَكَرُوهُ وَجْهًا لِأَصَحِّيَّةِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجْهًا لِنَفْسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَطْعًا أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَدَالَةِ لَيْسَتْ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ عِنْدَهُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَسْتُورِ فَمَا مَعْنَى اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْعَدَالَةِ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الدِّيَانَاتِ فِي ظَاهِرِ

قَالَ (وَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالْأَمَةِ إذَا كَانُوا عُدُولًا) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْعَدَالَةِ الصِّدْقُ رَاجِحٌ وَالْقَبُولُ لِرُجْحَانِهِ. فَمِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِنْهَا التَّوْكِيلُ. وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْإِخْبَارُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ مَرْضِيٌّ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ، وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا تَحَرَّى، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ أَرَاقَ الْمَاءَ ثُمَّ تَيَمَّمَ كَانَ أَحْوَطَ، وَمَعَ الْعَدَالَةِ يَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ، أَمَّا التَّحَرِّي فَمُجَرَّدُ ظَنٍّ. وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْكَذِبِ بِالتَّحَرِّي، وَهَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ. فَأَمَّا فِي الِاحْتِيَاطِ فَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِمَا قُلْنَا. وَمِنْهَا الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَوَالُ الْمِلْكِ، وَفِيهَا تَفَاصِيلُ وَتَفْرِيعَاتٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَةِ عَنْهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالْأَمَةِ إذَا كَانُوا عُدُولًا) أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ ذِكْرَ الْحُرِّ هَاهُنَا خَالٍ عَنْ الْفَائِدَةِ، إذْ لَا يُشْتَبَهُ عَلَى أَحَدٍ قَبُولُ قَوْلِ الْحُرِّ فِي كُلِّ أَمْرٍ خَطِيرٍ إذَا كَانَ عَدْلًا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكَافِي ذَاقَ بَشَاعَةَ ذِكْرِ الْحُرِّ هَاهُنَا فَقَالَ: وَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ بِدُونِ ذِكْرِ الْحُرِّ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَقَوْلُهُ وَيُقْبَلُ فِيهَا: أَيْ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّ خَبَرَ هَؤُلَاءِ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَخَبَرِ الْحُرِّ إذَا كَانُوا عُدُولًا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ زَادَ هَذَا الشَّارِحُ فِي الطُّنْبُورِ نَغَمَةً حَيْثُ أَتَى بِمَحْذُورٍ آخَرَ فِي كَلَامِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ خَبَرَ هَؤُلَاءِ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَخَبَرِ الْحُرِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلِمَةَ هَؤُلَاءِ مِنْ جُمُوعِ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ فَتَكُونُ هَاهُنَا إشَارَةً إلَى الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ وَالْأَمَةُ، فَيَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ: لِأَنَّ خَبَرَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالْأَمَةِ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَخَبَرِ الْحُرِّ إذَا كَانُوا عُدُولًا فَيَدْخُلُ الْمُشَبَّهُ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَيُقْبَلُ فِيهَا: أَيْ فِي الدَّيَّانَاتِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ فِي أُمُورِ الدِّينِ خَبَرَ الْعَبْدِ كَخَبَرِ الْحُرِّ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ. أَقُولُ فِي كَلَامِهِمَا أَيْضًا نَوْعٌ مَحْذُورٌ، لِأَنَّهُمَا جَعَلَا الْحُرَّ مَقِيسًا عَلَيْهِ أَوْ مُشَبَّهًا بِهِ، وَهُوَ دَاخِلٌ أَيْضًا فِي الْمُدَّعَى هَاهُنَا فَكَانَ يَلْزَمُ إثْبَاتُهُ أَيْضًا هُنَا، فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يَجْعَلَ مَقِيسًا عَلَيْهِ أَوْ مُشَبَّهًا بِهِ لِأَحَدِ قَرِينَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالَ نَفْسِهِ، فَالتَّعْلِيلُ التَّامُّ الشَّامِلُ لِلْكُلِّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْعَدَالَةِ الصِّدْقُ رَاجِحٌ وَالْقَبُولُ لِرُجْحَانِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَاقَ الْمَاءَ ثُمَّ تَيَمَّمَ كَانَ أَحْوَطَ) أَقُولُ: هَذَا مُشْكِلٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ كَانَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ رَاجِحَةً عِنْدَهُ، فَإِذَا أَرَاقَ هَذَا الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَانَ الرَّاجِحُ أَنْ تَتَنَجَّسَ تِلْكَ الْأَعْضَاءُ، وَإِذَا تَنَجَّسَتْ أَعْضَاؤُهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ تَطْهُرْ. وَالْمَفْرُوضُ انْتِفَاءُ مَاءٍ آخَرَ مُطَهَّرٍ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاحْتِيَاطُ إذْ ذَاكَ فِي تَرْكِ الْإِرَاقَةِ لِتَأَدِّيهَا إلَى مَحْذُورٍ شَدِيدٍ، بِخِلَافِ الِاحْتِيَاطِ بِالتَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فِيمَا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ بَعْدُ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ هُنَاكَ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ فَلَا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ أَصْلًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَعَ الْعَدَالَةِ يَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ

قَالَ (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ فَوَجَدَ ثَمَّةَ لَعِبًا أَوْ غِنَاءً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً فَصَبَرْت. وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ وَلَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شِينُ الدِّينِ وَفَتْحُ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQسُقُوطَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ مَعَ مُجَرَّدِ الْعَدَالَةِ بِدُونِ أَنْ يَصِلَ حَدُّ التَّوَاتُرِ. كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي عِلْمِ الْأُصُولِ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ صَحَابِيًّا لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ، بَلْ احْتِمَالُ الْكَذِبِ قَائِمٌ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا، وَإِلَّا لَزِمَ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ عِنْدَ إخْبَارِ الْعَدْلَيْنِ بِهِمَا وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا غَلَبَةَ الظَّنِّ دُونَ الْيَقِينِ، وَيُوَافِقُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْعَدَالَةِ الصِّدْقُ رَاجِحٌ وَالْقَبُولُ لِرُجْحَانِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِ وَمَعَ الْعَدَالَةِ يَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ هُوَ الِاحْتِمَالُ الظَّاهِرُ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا دُونَ مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَمَعَ الْعَدَالَةِ سَقَطَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الِانْزِجَارِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْكَذِبِ مِنْهَا فَكَانَ مُنْزَجِرًا عَنْهُ انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت: إذَا بَقِيَ احْتِمَالُ مَا لِلْكَذِبِ فِي الْعَدَالَةِ فَمَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ. قُلْت: مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ فِي صُورَةِ الْعَدَالَةِ احْتِيَاطًا بِهَا مِثْلَ الِاحْتِيَاطِ بِهَا فِي صُورَةِ التَّحَرِّي فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ أَوْ الْمَسْتُورِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ مُفَادُ خَبَرِ الْعُدُولِ هُوَ الظَّنُّ دُونَ الْيَقِينِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّحَرِّي فَمُجَرَّدُ ظَنٍّ؟ قُلْت: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ تَخْمِينٍ وَظَنٍّ لَا غَلَبَةِ ظَنٍّ، بِخِلَافِ عَدَالَةِ الْمُخْبِرِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ هُنَاكَ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ فَافْتَرَقَا (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَى سُنَّةٌ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ) قِيلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيَاسُ السُّنَّةِ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ تَحَمُّلُهُ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ عَلَى تَارِكِهَا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. أَقُولُ: الْجَوَابُ مَنْظُورٌ فِيهِ، لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ إنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ أَنَّهَا مِثْلُ الْوَاجِبِ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى وِفَاقِ مَا يَثْبُتُ فِي الْوَاجِبِ، فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ عِلْمِ الْأُصُولِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيهِ كَوْنُ السُّنَّةِ قَسِيمًا لِلْوَاجِبِ وَمُغَايِرَةً لَهُ فِي الْأَحْكَامِ حَيْثُ صَرَّحُوا فِيهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مِمَّا كَانَ فِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مَعَ مَنْعِ تَرْكِهِ، وَالسُّنَّةَ مِمَّا كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ بِلَا مَنْعِ تَرْكِهِ، وَأَنَّ تَارِكَ الْوَاجِبِ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالنَّارِ وَتَارِكَ السُّنَّةِ لَا يَسْتَحِقُّهَا بَلْ يَسْتَحِقُّ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ إنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ مُجَرَّدَ بَيَانِ تَأَكُّدِ سُنِّيَّتِهَا فَهُوَ لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ. إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ تَحَمُّلُهُ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً تَأَكُّدًا تَامًّا لِظُهُورِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضٌ لَا وَاجِبٌ مَحْضٌ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ بَلْ نَفْسُ الْوَاجِبِ لَا يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ أَيْضًا، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ تَحَمُّلُهُ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ لِثُبُوتِ الْفَرْضِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ دُونَ الْوَاجِبِ، وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَلَا وَجْهَ لِلْقِيَاسِ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَجْهُ التَّشْبِيهِ اقْتِرَانُ الْعِبَادَةِ بِالْبِدْعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صِفَةِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَ إجَابَةِ الدَّعْوَى بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي مُجَرَّدِ الِاقْتِرَانِ بِالْبِدْعَةِ مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا فِقْهِيًّا، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةَ الْإِقَامَةِ وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ كَلَامًا زَائِدًا خَارِجًا عَنْ صَنْعَةِ الْفِقْهِ وَحَاشَى لَهُ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً عِنْدَنَا ابْتِدَاءً إلَّا أَنَّهَا تَنْقَلِبُ إلَى الْوَاجِبِ بَقَاءً: أَيْ بَعْدَ الْحُضُورِ إلَى مَحَلٍّ حَيْثُ يَلْزَمُهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ بِالْتِزَامِهِ إجَابَتَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ، فَيَصِيرُ هَذَا نَظِيرَ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ إلَى الْوَاجِبِ بَلْ إلَى الْفَرْضِ بِالْتِزَامِ إقَامَتِهَا بِالشُّرُوعِ فِيهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ عَلِمَ الْمَدْعُوُّ الْبِدْعَةَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَزِمَهُ تَرْكُ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ كَمَا سَيَجِيءُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةَ الْإِقَامَةِ وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ قِيَاسُ الْوَاجِبِ عَلَى الْوَاجِبِ فِي الْمَآلِ فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ رَدَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ فَلَا تُتْرَكُ بِسَبَبِ بِدْعَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَحْضُرُهَا النِّيَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ مُطْلَقَ الدَّعْوَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إجَابَتَهَا سُنَّةٌ، وَإِنْ أَرَادَ الدَّعْوَةَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، بَلْ لِأَنَّ حَقَّ الدَّعْوَةِ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُضُورِ لَا قَبْلَهُ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْإِجَابَةِ الْمَسْنُونَةِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ مَا يَعْلَمُ الْإِجَابَةَ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالْإِجَابَةُ انْتِهَاءً فَقَطْ حَتَّى يَتِمَّ تَقْرِيبُ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي دَعْوَةٍ اقْتَرَنَتْ بِلَهْوٍ، وَفِيهَا لَا تُسَنُّ الْإِجَابَةُ ابْتِدَاءً كَمَا سَيَجِيءُ، فَإِذَا عَرَفَ الْمَدْعُوُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجَابَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ أَصْلًا. وَأَمَّا إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَوَجَدَ ثَمَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ وَالصَّبْرُ وَالْأَكْلُ، وَهَذَا إجَابَةُ انْتِهَاءٍ، فَبِهَذَا يَنْطَبِقُ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قِيلَ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ أَنَّ إجَابَةَ مُطْلَقِ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِمَا سَيَجِيءُ أَنَّ الدَّعْوَةَ إذَا قَارَنَتْ شَيْئًا مِنْ اللَّهْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ كَذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَلْزَمُهُ انْتِهَاءً إذَا هَجَمَ فَتَأَمَّلْ إلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الْبَعْضِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فَطَانَةٍ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. أَمَّا خُلُوُّهُ عَنْ التَّحْصِيلِ ابْتِدَاءً فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ انْتِهَاءً فَقَطْ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَحَقُّقُ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ انْتِهَاءً بِدُونِ تَحَقُّقِهَا ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ مِنْ الْمَدْعُوِّ ابْتِدَاءً إنَّمَا يُصَوَّرُ بِعَدَمِ مَجِيئِهِ إلَى مَحَلِّ الدَّعْوَةِ أَصْلًا لِأَجْلِ تِلْكَ الدَّعْوَةِ، فَإِذَنْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إجَابَةُ تِلْكَ الدَّعْوَةِ انْتِهَاءً؟ وَإِجَابَتُهَا انْتِهَاءً فَرْعُ مَجِيئِهِ إلَى مَحَلِّ الدَّعْوَةِ أَوَّلًا وَلَيْسَ فَلَيْسَتْ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ عَكْسُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْإِجَابَةُ ابْتِدَاءً فَقَطْ، كَمَا إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأَجَابَ وَذَهَبَ إلَى مَحَلِّ الدَّعْوَةِ فَوَجَدَ ثَمَّةَ لَعِبًا أَوْ غِنَاءً فَلَمْ يَقْعُدْ وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِنَّهُ يُوجَدُ هُنَاكَ الْإِجَابَةُ ابْتِدَاءً لَا انْتِهَاءً كَمَا لَا يَخْفَى، وَصُورَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَدْعُوُّ مُقْتَدًى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ وَالْعَجَبُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ ذَكَرَ الْإِجَابَةَ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالْإِجَابَةَ انْتِهَاءً فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِجَابَةَ ابْتِدَاءً فَقَطْ، وَكَتَبَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْإِجَابَةَ انْتِهَاءً فَقَطْ، أَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ هَاهُنَا فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ اهـ. فَزَعَمَ مَا هُوَ مُتَصَوَّرُ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَحْضُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُقُوعِ غَيْرَ مُتَصَوَّرِ الْوُقُوعِ وَبِالْعَكْسِ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ تَحَقُّقَ انْتِهَاءِ الشَّيْءِ فِي الْخَارِجِ يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ ابْتِدَائِهِ فِيهِ دُونَ الْعَكْسِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا خُلُوُّ كَلَامِهِ عَنْ التَّحْصِيلِ انْتِهَاءً فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَلْزَمُهُ انْتِهَاءً إذَا هَجَمَ أَنَّهُ اخْتَارَ كَوْنَ الْمُرَادِ أَنَّ إجَابَةَ مُطْلَقِ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ، لِأَنَّ عَدَمَ لُزُومِ حَقِّ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَلْزَمُهُ انْتِهَاءً كَانَ مِنْ مُتَفَرِّعَاتِ مَنْعِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ الِانْدِفَاعِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ أَنَّ الدَّعْوَةَ قَارَنَتْ شَيْئًا مِنْ الْبِدْعَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ أَصْلًا كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ، وَذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ، وَيَكْفِي لِسَنَدِ مَنْعٍ أَنَّ إجَابَةَ مُطْلَقِ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ هَذِهِ الصُّورَةُ فَقَطْ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَلْزَمُهُ انْتِهَاءً إذَا هَجَمَ؛ لِأَنَّ لُزُومَ حَقِّ الدَّعْوَةِ لِلْمَدْعُوِّ انْتِهَاءً إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ عَلِمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَهُوَ صُورَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الصُّورَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ السَّنَدُ لِلْمَنْعِ الْمَذْكُورِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً، فَكَيْفَ يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ وَجْهًا لِلِانْدِفَاعِ. وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ اخْتِيَارُ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ تَرْدِيدِهِ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ فَتَكُونُ الْإِجَابَةُ سُنَّةً وَبَيَانُ تَمَامِ تَقْرِيبِ الدَّلِيلِ بِأَنَّ الدَّعْوَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ إنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٍ مِنْ الْبِدَعِ أَصْلًا. وَالثَّانِي إنْ دُعِيَ إلَى ذَلِكَ وَيَذْكُرُ حِينَ الدَّعْوَةِ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مِنْ الْبِدَعِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ وَلَكِنْ هَجَمَ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثِ إنْ دُعِيَ إلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مِنْ الْبِدَعِ فَعَلِمَهُ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ. فَفِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَانَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ الْإِجَابَةُ سُنَّةً. وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَلَا تَكُونُ الْإِجَابَةُ لَازِمَةً لِلْمَدْعُوِّ أَصْلًا، وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ فَيَتَمَشَّى فِيهَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَحْضُرُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَعُمُّ مَا بَعْدَ الْحُضُورِ وَمَا قَبْلَهُ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَهُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَالدَّعْوَةُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» مُعَرَّفَةٌ بِاللَّامِ، وَلَمْ يَظْهَرْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ خَارِجِيٌّ فَهِيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَتَعُمُّ كُلَّ دَعْوَةٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَامًّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْ اقْتِرَابِ تِلْكَ الْبِدَعِ بِلَا ضَرُورَةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ النُّصُوصِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَقَدْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى الصَّبْرِ فِيمَا إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْحُضُورِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ إذْ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ هُنَاكَ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ فَافْتَرَقَا. (قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ) ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ بِقَوْلِهِ فَوَجَدَ ثَمَّةَ اللَّعِبَ وَالْغِنَاءَ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّعْلِيلِ كَافٍ فِي بَيَانِ دَلَالَةِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدِي، وَقَدْ زَادَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا آخَرَ حَيْثُ قَالُوا: فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّصِّ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: تَأْدِيبِهِ فَرَسَهُ وَفِي رِوَايَةٍ مُلَاعَبَتِهِ بِفَرَسِهِ، وَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتِهِ مَعَ أَهْلِهِ» وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ فَكَانَ بَاطِلًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ زِيَادَةَ قَوْلِهِمْ بِالنَّصِّ فِي قَوْلِهِمْ فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى حُرْمَةِ اللَّهْوِ هُوَ النَّصُّ، وَالْكَلَامُ فِي دَلَالَةِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤْتَ بِتِلْكَ الزِّيَادَةُ إذْ يَكُونُ قَوْلُهُمْ فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ إذْ ذَاكَ مُتَفَرِّعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ إطْلَاقُ مُحَمَّدٍ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ بِقَوْلِهِ فَوَجَدَ ثَمَّةَ اللَّعِبَ وَالْغِنَاءَ، فَيَصِيرُ حَاصِلُ التَّعْلِيلِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمَّا أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِنَوْعٍ عُلِمَ أَنَّ اللَّعِبَ الَّذِي هُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ جَيِّدٌ مُفِيدٌ لِلْمُدَّعِي. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ فَكَانَ بَاطِلًا يُنَافِي قَوْلَهُمْ فِي أَوَّلِ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ اسْمُ اللَّعِبِ فِيهَا مُطْلَقًا، بَلْ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثِ. لَا يُقَالُ: مُرَادُهُمْ بِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ اسْمَ اللَّعِبِ إطْلَاقُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ لَعِبٍ فَلَا تَنَافِي. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يُسَاعِدُهُ لَفْظُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوا إطْلَاقَ اسْمِ اللَّعِبِ مِنْ قَوْلِهِ فَوَجَدَ ثَمَّةَ اللَّعِبَ وَالْغِنَاءَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِنْسِ اللَّعِبِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ مِنْهُ وَهُوَ مَا عَدَا الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي أَصْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ أَنْ لَوْ اُعْتُبِرَتْ دَلَالَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ وَجَازَ الْعَمَلُ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا وَلَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: تِلْكَ الثَّلَاثُ مُسْتَثْنَاةٌ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ تَقْدِيرًا بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا مُسْتَثْنَاةً فِي الْحَدِيثِ صَرِيحًا، وَيَجْعَلُ شُهْرَةَ الْحَدِيثِ قَرِينَةً عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ: لَا يُقَالُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد: 20] وَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ بَعْضُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: تَأْدِيبِهِ فَرَسَهُ، وَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتِهِ مَعَ أَهْلِهِ» انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: أَرَادَ بِالْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ بَعْضُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لَيْسَ بِحَرَامٍ الْقِيَاسَ الْمَنْطِقِيَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَلَى الشَّكْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْكَالِ الْأَرْبَعَةِ بِقِسْمَةِ الِاقْتِرَانِيِّ وَبِالْحَاصِلِ مِنْهُ نَتِيجَةً، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْضُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ إلَى جُزْئِيَّةِ تِلْكَ النَّتِيجَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّكْلَ الثَّالِثَ لَا يُنْتِجُ إلَّا جُزْئِيَّةً كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَبَطَلَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ هُنَا: لَكِنَّ الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي الْكُلِّيَّةَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ كَوْنِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ عَلَى الشَّكْلِ الثَّالِثِ أَوْ عَنْ كَوْنِ نَتِيجَةِ الشَّكْلِ الثَّالِثِ جُزْئِيَّةً لَا غَيْرُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا: إنَّ شَرْطَ إنْتَاجِ الشَّكْلِ الثَّالِثِ كُلِّيَّةً إحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ وَهِيَ هَاهُنَا مُنْتَفِيَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِصَحِيحٍ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ كِلْتَا مُقَدِّمَتَيْ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ كُلِّيَّتَانِ صُغْرَاهُمَا مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ وَكُبْرَاهُمَا سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ، وَإِنْ حَمَلَ السَّلْبَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى رَفْعِ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ دُونَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ فَكُلِّيَّةُ الْأُولَى مُقَرَّرَةٌ، وَأَدَاةُ صُوَرِ الْكُلِّيَّةِ هِيَ اللَّامُ الاستغراقية الدَّاخِلَةُ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَيْسَتْ أَدَاةُ صُوَرِهَا بِمُنْحَصِرَةٍ فِي لَفْظَةِ كُلٍّ، بَلْ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكُلِّيَّةِ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَهُوَ أَدَاةُ صُوَرِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. ثُمَّ أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ بَعْضُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لَيْسَ بِحَرَامٍ جَيِّدٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يُنْتِجُ أَنَّ بَعْضَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَهُوَ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ حَدًّا أَوْسَطَ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ هُوَ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، فَهِيَ الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ فِي النَّتِيجَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا إذَا قُلْنَا كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ، فَإِنَّهُ يَنْتُجُ أَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ الْإِنْسَانُ لَيْسَ بِفَرَسٍ لَا أَنَّ بَعْضَهُ أَيْ بَعْضَهُ كَانَ لَيْسَ بِفَرَسٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِّ الْأَوْسَطِ تَأْثِيرٌ، وَدَخَلَ فِي النَّتِيجَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا؛ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِعِلْمِ الْمِيزَانِ.

وَكَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اُبْتُلِيت، لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِالْمُحَرَّمِ يَكُونُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا كَانَتْ النَّتِيجَةُ فِي الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ أَنَّ بَعْضَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ الَّذِي هُوَ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِالصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَحْرُمُ مِنْ أُمُورِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَثِيرٌ لَا يُحْصَى فَمَا الْوَجْهُ لِلتَّخْصِيصِ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ لَا يَحْسِمُ مَادَّةَ السُّؤَالِ لِإِمْكَانِ أَنْ يُورَدَ السُّؤَالُ بِصُورَةِ الْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ. وَيُقَالُ: لَوْ كَانَتْ الْمَلَاهِي كُلُّهَا حَرَامًا لَكَانَتْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا أَيْضًا حَرَامًا لِأَنَّهَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد: 20] وَلَكِنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، يَنْتُجُ أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَمَشَّى حِينَئِذٍ. فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد: 20] أَنَّهَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ حَقِيقَةً بَلْ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا كَلَعِبٍ وَلَهْوٍ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ: يَعْنِي أَنَّهَا كَاللَّعِبِ وَاللَّهْوِ فِي سُرْعَةِ فَنَائِهَا وَانْقِضَائِهَا، صَرَّحَ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حُرْمَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَدَمُ حُرْمَةِ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَكَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اُبْتُلِيت؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِالْمُحَرَّمِ يَكُونُ) يَعْنِي وَدَلَّ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اُبْتُلِيت عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمُحَرَّمِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْقَصْرِ بِتَقْدِيمِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ بِالْمُحَرَّمِ يَكُونُ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: دَلَالَةُ قَوْلِهِ اُبْتُلِيت عَلَى حُرْمَةِ مَا وَجَدَهُ ثَمَّةَ مُسَلَّمَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمُحَرَّمِ. وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى فَمَمْنُوعَةٌ، كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ مَرَّةً لَا يَكُونُ كُلَّ الْمَلَاهِي، بَلْ إنَّمَا يَكُونُ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. قَالُوا قَوْلُهُ اُبْتُلِيت يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْحَرَامِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ، وَالصَّبْرُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ جَازَ أَنْ يَكُونَ جَالِسًا مُعْرِضًا عَنْ ذَلِكَ اللَّهْوِ مُنْكِرًا لَهُ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ وَلَا مُتَلَذِّذٍ بِهِ اهـ. أَقُولُ: ذَلِكَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً ابْتِدَاءً إلَّا أَنَّهَا تَصِيرُ وَاجِبَةً بَقَاءً حَيْثُ يَلْزَمُهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ بَعْدَ الْحُضُورِ لِالْتِزَامِهِ الْإِجَابَةَ بِالْحُضُورِ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي سَائِرِ النَّوَافِلِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ فِيهَا فَكَانَ الصَّبْرُ عَلَى الْحَرَامِ فِيمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا حَضَرَتْهَا النِّيَاحَةُ، وَقَدْ مَرَّ مِنَّا مِثْلُ هَذَا الْجَوَابِ فِيمَا قَبْلُ فَتَذَكَّرْ. ثُمَّ إنَّ جَوَازَ كَوْنِ أَبِي حَنِيفَةَ جَالِسًا مُعْرِضًا عَنْ ذَلِكَ اللَّهْوِ مُنْكِرًا لَهُ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ وَلَا مُتَلَذِّذٍ بِهِ لَا يَدْفَعُ حُرْمَةَ ذَلِكَ اللَّهْوِ وَلَا حُرْمَةَ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ، إذْ قَدْ ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ رَوَى فِي كَرَاهِيَةِ الْوَاقِعَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ، وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ، وَالتَّلَذُّذُ بِهَا مِنْ الْكُفْرِ» وَمَدْلُولُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْجُلُوسِ عَلَى فِسْقِ اللَّهْوِ فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ اخْتِيَارُ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَوْ لَمْ يُعَارِضْ وُجُوبَ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ بَعْدَ الْحُضُورِ شَرٌّ مِنْ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ مَا أَوْرَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَعَ زِيَادَةِ بَعْضٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ سِيَّمَا فِي أَوَّلِ إيرَادِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ، وَدَلَّ قَوْلُهُ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِالْمُحَرَّمِ يَكُونُ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ مَحْظُورُ الْعَوَاقِبِ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ» الْحَدِيثَ. ثُمَّ إنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْحَرَامِ رِعَايَةً لِحَقِّ الدَّعْوَةِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ السُّنَّةَ تُتْرَكُ حَذَرًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَلَسَ مُعْرِضًا عَنْ ذَلِكَ اللَّهْوِ مُنْكِرًا لَهُ غَيْرَ مُسْتَمِعٍ لَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الْجُلُوسُ عَلَى اللَّهْوِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُبْتَلًى بِحَرَامٍ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِتَقْصِيرٍ وَتَحْرِيفٍ وَعَزَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ إلَى صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ، ثُمَّ قَصَدَ رَدَّهُ فَأَتَى بِكَلَامٍ مُفَصَّلٍ مُشَوَّشٍ قَابِلٍ لِلدَّخْلِ وَالْخَرْجِ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ وَبَيَانَ مَا فِيهِ تَحَاشِيًا عَنْ الْإِطْنَابِ الْمُمِلِّ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُرَاجِعْ كِتَابَهُ.

[فصل في اللبس]

فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ قَالَ (لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ) «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَقَالَ: إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَإِنَّمَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ وَبِإِحْدَى يَدَيْهِ حَرِيرٌ وَبِالْأُخْرَى ذَهَبٌ وَقَالَ: هَذَانِ مُحَرَّمَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ» وَيُرْوَى «حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ] (فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الْكَرَاهِيَةِ ذَكَرَ مَا يَتَوَارَدُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِالْفُصُولِ فَقَدَّمَ اللُّبْسَ عَلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى اللُّبْسِ أَشَدُّ مِنْهُ إلَى الْوَطْءِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَكِنْ بِعِبَارَةٍ أَقْصَرَ. أَقُولُ: صُدُورُ هَذَا التَّوْجِيهِ مِنْهُمَا فِي غَايَةِ الِاسْتِبْعَادِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْغَفْلَةُ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمَعْقُودِ لِبَيَانِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ مِنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَقْصُودَةٍ بِالذَّاتِ غَيْرِ صَالِحَةٍ لَأَنْ تَكُونَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الْكَرَاهِيَةِ كَمَا تَرَى. وَالصَّوَابُ فِي وَجْهِ التَّرْتِيبِ أَنْ يُقَالَ: قَدَّمَ فَصْلَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَ الْإِنْسَانِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَشَدُّ، وَعَقَّبَهُ بِفَصْلِ اللُّبْسِ فَقَدَّمَهُ عَلَى فَصْلِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَ الْإِنْسَانِ إلَى اللُّبْسِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِيَاجِهِ إلَى الْوَطْءِ لِتَحَقُّقِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الثَّانِي، وَقَدْ أُشِيرَ إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى آخِرِهِ) لَمَّا ذَكَرَ حُرْمَةَ لُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَحِلَّهُ لِلنِّسَاءِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِمَا يَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّمَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُحَرَّمُ وَالْمُبِيحُ إذَا اجْتَمَعَا يُجْعَلُ الْمُحَرَّمُ مُتَأَخِّرًا كَيْ لَا يَلْزَمُ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ، وَهُنَا لَوْ تَأَخَّرَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَانِ حَرَامَانِ الْحَدِيثَ، يَلْزَمُ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ فِي حَقِّ الْإِنَاثِ فَيَجْعَلُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» مُقَدَّمًا. قُلْنَا: قَوْلُهُ «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ «حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» ؛ لِأَنَّ هَذَا وَعِيدٌ لَا بَيَانُ حُكْمٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ " هَذَانِ حَرَامَانِ " الْحَدِيثُ نَصٌّ لِبَيَانِ التَّفْرِقَةِ فِي

(إلَّا أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعَةٍ كَالْأَعْلَامِ وَالْمَكْفُوفِ بِالْحَرِيرِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ» أَرَادَ الْأَعْلَامَ. وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ جُبَّةً مَكْفُوفَةً بِالْحَرِيرِ» . قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُكْرَهُ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. وَقَوْلُهُ «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» لِبَيَانِ الْوَعِيدِ فِي حَقِّ مَنْ لَبِسَ الْحَرَامَ فَكَانَا كَالظَّاهِرِ وَالنَّصِّ، وَالنَّصُّ رَاجِحٌ عَلَى الظَّاهِرِ. أَوْ نَقُولُ: الدَّلِيلُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْحِلِّ لِلْإِنَاثِ مُتَأَخِّرٌ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاثِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهَذَا آيَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ، كَذَا ذُكِرَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَالْكِفَايَةِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ: وَالْجَوَابُ هُنَا. فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى حِلِّهِ لَهُنَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْأَوَّلِ فَيُنْسَخُ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَتَعَارَضَانِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ كَالْخَاصِّ فِي إفَادَةِ الْقَطْعِ عِنْدَنَا أَوْ لَا يُعْلَمُ التَّارِيخُ فَيُجْعَلُ الْمُحَرَّمَ مُتَأَخِّرًا لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِهِنَّ إيَّاهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَذَلِكَ آيَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ فَيُنْسَخُ بِهِ الْمُحَرَّمُ، وَتَكْرَارُ النَّسْخِ بِالدَّلِيلِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: تَقْرِيرُ السُّؤَالِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ التَّرْدِيدَ الْمُثَلَّثَ الْمَذْكُورَ فِيهِ قَبِيحٌ جِدًّا بَلْ مُخْتَلُّ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي فَيَتَعَارَضَانِ أَنَّهُمَا حِينَئِذٍ يَتَعَارَضَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ الْمُؤَخَّرُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُقَدَّمِ أَلْبَتَّةَ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّسَاوِي فِي الْقُوَّةِ، وَإِنَّمَا التَّسَاقُطُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الْمُخَلِّصِ كَمَا تَقَرَّرَ كُلُّ ذَلِكَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ وَيَكُونُ الْمُؤَخَّرُ نَاسِخًا لِلْمُقَدَّمِ فَهُوَ يَدْفَعُ السُّؤَالَ عَنْ الْمَقَامِ فَلَا وَجْهَ لِدَرْجِهِ فِي جَانِبِ السُّؤَالِ. وَأَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَيْضًا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لُبْسُ الْحَرِيرِ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا لِعُمُومِ النَّهْيِ. وَلِمَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو ذُبْيَانَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْحَرِيرَ فَإِنِّي سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ سِيَّمَا ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْكَرُوا اسْتِعْمَالَ النِّسَاءِ الْحَرِيرِ فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ إنَّهُ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِهِنَّ إيَّاهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " هَذَانِ حَرَامَانِ " إشَارَةٌ إلَى جُزْئِيَّيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ الْعُمُومُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، وَلَئِنْ كَانَ شَخْصًا فَغَيْرُهُ مُلْحَقٌ بِهِ بِالدَّلَالَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ تُرَجَّحُ عَلَى إشَارَتِهِ وَإِشَارَتُهُ تُرَجَّحُ عَلَى دَلَالَتِهِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الشَّخْصِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " هَذَانِ حَرَامَانِ " الْحَدِيثَ مُلْحَقًا بِهِ بِالدَّلَالَةِ يَلْزَمُ أَنْ يُرَجَّحَ الْحَدِيثُ الدَّالُّ عِبَارَةً أَوْ إشَارَةً عَلَى حُرْمَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ مُطْلَقًا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ مَا أَفَادَهُ دَلَالَةً، وَهُوَ حِلُّ لُبْسِ الْحَرِيرِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الشَّخْصِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلنِّسَاءِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْتَهِضَ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةً لِحِلِّ لُبْسِ الْحَرِيرِ الْغَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ لِلنِّسَاءِ فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ الْعُمُومُ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُكْرَهُ) قَالَ الشُّرَّاحُ: يَعْنِي لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا بِخِلَافِ اللُّبْسِ، وَمَأْخَذُهُمْ الْخُلَاصَةُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، بِخِلَافِ اللُّبْسِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. أَقُولُ: تَعْمِيمُ قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ هُنَا لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا

وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي سِتْرِ الْحَرِيرِ وَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَبْوَابِ. لَهُمَا الْعُمُومَاتُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْأَكَاسِرَةِ وَالْجَبَابِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ. وَلَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ» ، وَقَدْ كَانَ عَلَى بِسَاطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِرْفَقَةُ حَرِيرٍ، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ مُبَاحٌ كَالْأَعْلَامِ فَكَذَا الْقَلِيلَ مِنْ اللُّبْسِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ نَمُوذَجًا عَلَى مَا عُرِفَ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَهُمَا) لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ (وَيُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ، وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ وَهُوَ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَّاهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُشْكِلٌ، فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ " لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِاللُّبْسِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُمُّ التَّوَسُّدَ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهُمَا مَعَ كَوْنِهِمَا مُسْتَدِلِّينَ عَلَى مُدَّعَاهُمَا هَاهُنَا بِالْعُمُومَاتِ كَيْفَ يَتْرُكَانِ الْعَمَلَ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي رَوَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (قَوْلُهُ لَهُمَا الْعُمُومَاتُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ» وَقَوْلِهِ «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ اسْتَقْبَلَ جَيْشًا مِنْ الْغُزَاةِ رَجَعُوا بِغَنَائِمَ وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِمْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ، فَقَالُوا: لِمَ أَعْرَضَتْ عَنَّا؟ قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْت عَلَيْكُمْ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ الْعُمُومَاتِ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، أَقُولُ: حَمْلُ الْعُمُومَاتِ عَلَى هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا يَكَادُ يَتِمُّ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إنَّمَا هُوَ حُرْمَةُ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي تَوَسُّدِهِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِلُبْسٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَسَّدَ شَيْئًا أَوْ نَامَ عَلَيْهِ إنَّهُ لَبِسَهُ لَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الْعُرْفِ فَأَنَّى يُوجَدُ الْعُمُومُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّوَسُّدُ وَالِافْتِرَاشُ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا لُبْسًا فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ اللُّبْسِ فِي تَحَقُّقِ الِاسْتِعْمَالِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِمَا فَصَارَ مُلْحَقَيْنِ بِاللُّبْسِ عِنْدَهُمَا، وَكَانَ مُرَادُهُمَا بِالْعُمُومِ هُوَ الْعُمُومُ دَلَالَةً لَا عِبَارَةً لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي بَيَانِ الْعُمُومَاتِ. هِيَ " وَهَذَانِ حَرَامَانِ " الْحَدِيثَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرَةِ الْغَضَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَتَى بِدَابَّةٍ عَلَى سَرْجِهَا حَرِيرٌ فَقَالَ: هَذَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي هَذَا الْبَيَانِ. أَقُولُ: هَذَا أَشْبَهُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ، فَإِنَّ الْعُمُومَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ الْحُرْمَةَ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ اللُّبْسِ وَالتَّوَسُّدِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَيْنِ فَلَا، لِأَنَّ الثَّانِيَ مَخْصُوصٌ بِالِاتِّكَاءِ وَالثَّالِثَ مَخْصُوصٌ بِمَا يَفْعَلُ فِي السَّرْجِ مِنْ الْقُعُودِ وَالِافْتِرَاشِ فَلَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا الْعُمُومُ إلَّا أَنْ يَنْظُرَ فِي الثَّالِثِ إلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِ هَذَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَبْلَهُ فَحِينَئِذٍ يَتَحَمَّلُ الْعُمُومَ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ يُوهِمُ أَنَّهُ مَا لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَّاهُ غَيْرُهُ مُبَاحٌ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أَيْضًا. فَحَقَّ التَّعْبِيرُ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِإِبَاحَةِ الْأَدْنَى فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْأَعْلَى، وَلَوْ حَمَلْنَا الْمَعْنَى عَلَى الْمَحْظُورِ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِذَا أَمْكَنَ انْدِفَاعُهَا بِالْأَدْنَى مِنْهُ لَا يُصَارُ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْأَعْلَى

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَخْلُوطِ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ مَا سُدَاه حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ كَالْقُطْنِ وَالْخَزِّ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ، وَالْخَزُّ مُسْدًى بِالْحَرِيرِ، وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ السَّدَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الْفَرْوِ وَالظِّهَارَةِ، وَلَا أَرَى بِحَشْوِ الْقَزِّ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَلْبُوسٌ وَالْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ. قَالَ (وَمَا كَانَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسَدَاهُ غَيْرَ حَرِيرٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَرْبِ) لِلضَّرُورَةِ (وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ) لِانْعِدَامِهَا، وَالِاعْتِبَارُ لِلُّحْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْكَلَامُ مِنْ قَبِيلِ الْإِيجَازِ الْمُخِلِّ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ جَمِيعَ مُقَدِّمَاتِهِ مَجْرُوحٌ. أَمَّا قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ يُوهِمُ أَنَّ مَا لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَّاهُ غَيْرُ مُبَاحٍ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أَيْضًا، فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْإِيهَامَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَوْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أَيْضًا وَلَيْسَ فَلَيْسَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فَحَقَّ التَّعْبِيرُ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِإِبَاحَةِ الْأَدْنَى فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْأَعْلَى فَلِأَنَّ حَقَّ التَّعْبِيرِ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِبَاحَةُ الْأَعْلَى لِلتَّوْسِعَةِ بِهَا لَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فَلَا بُدَّ فِي دَفْعِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَوْ حَمَلْنَا الْمَعْنَى إلَى قَوْلِهِ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ قَبِيلِ الْإِيجَازِ الْمُخِلِّ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ قَبِيلِ الْإِيجَازِ الْمُخِلِّ أَنْ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ فَإِذَا أَمْكَنَ انْدِفَاعُهَا بِالْأَدْنَى مِنْهُ لَا يُصَارُ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْأَعْلَى مُقَدَّرًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَضْمُونُ ذَلِكَ الْقَوْلِ مَفْهُومًا مِنْ الْمُقَدِّمَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ الْحَالِ فَلَا يُوجَدُ الْإِيجَازُ الْمُخِلُّ فِي الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا لَا يَخْفَى؛ وَكَأَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ لَمْ يُلَاحِظْ ارْتِبَاطَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ. أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِالْمُقَدِّمَةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ شُرُوعٌ فِي الْجَوَابِ عَنْ دَلِيلِهِمَا الْعَقْلِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً إلَخْ، وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ فِي شَرْحِهِ الْمُقَامِ. ثُمَّ لَا يَذْهَبُ عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ بِمُقَدِّمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَحْظُورَ الشَّرْعِيَّ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَالضَّرُورَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَدْ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَّاهُ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا مَجَالَ لِاسْتِبَاحَةِ الْخَالِصِ مِنْهُ، فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مُقَدِّمَةٌ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَهَا فِي الذِّكْرِ لِكَوْنِ مِسَاسِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى بِدَلِيلِهَا الْعَقْلِيِّ أَكْثَرَ، وَتَأْثِيرِهَا فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَظْهَرَ، فَلَا غُبَارَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَصْلًا تَأَمَّلْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَخْلُوطِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا رَوَاهُ تَرْخِيصُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَخْلُوطِ إنْ صَحَّ فِي الْحَرِيرِ لَا يَصِحُّ فِي الدِّيبَاجِ؛ لِأَنَّ الدِّيبَاجَ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ مَا كَانَ كُلُّهُ حَرِيرًا. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الدِّيبَاجُ الَّذِي سَدَّاهُ وَلُحْمَتُهُ إبْرَيْسَمُ. وَقَالَ الشُّرَّاحُ: جُمْلَةُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ كُلُّهُ حَرِيرًا وَهُوَ الدِّيبَاجُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا فِي الْحَرْبِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ. وَالثَّانِي مَا يَكُونُ سَدَّاهُ حَرِيرًا وَلُحْمَتُهُ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّالِثُ عَكْسُ الثَّانِي وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الْحَرْبِ دُونَ غَيْرِهِ، فَقَدْ صَرَّحُوا فِي كَلَامِهِمْ هَذَا بِأَنَّ الدِّيبَاجَ مَا كَانَ كُلُّهُ حَرِيرًا فَلَا مَجَالَ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَخْلُوطِ فِي حَقِّهِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ السَّدَى) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي تَعْلِيلِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا بِالْفِضَّةِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ (إلَّا بِالْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ، وَالْفِضَّةُ أَغْنَتْ عَنْ الذَّهَبِ إذْ هُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، كَيْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَلَّقَ بَعْلَةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى آخِرِهِمَا، وَاللُّحْمَةُ آخِرُهُمَا انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَدْ يُقَالُ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَكُونُ ثَوْبًا إلَّا بِهِمَا، وَالشَّيْءُ إذَا تَعَلَّقَ وُجُودُهُ بِشَيْئَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي التَّعْلِيلِ كَوْنَ اللُّحْمَةِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ الثَّوْبِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فِيهِ إلَى الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ: إذَا تَعَلَّقَ وُجُودُ شَيْءٍ بِشَيْئَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا، فَيَكُونُ كُلٌّ مِمَّا مَا ذَكَرَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا مُنْقَطِعًا عَلَى الْآخِرِ يُرْشِدُك إلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَصِيرُ ثَوْبًا إلَّا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ. أَوْ نَقُولُ: الثَّوْبُ لَا يَكُونُ ثَوْبًا إلَّا بِهِمَا فَتَكُونُ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهُمَا وَهُوَ اللُّحْمَةُ انْتَهَى. لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّسْجَ يَكُونُ بِاللُّحْمَةِ وَهْمٌ بَلْ هُوَ بِاللُّحْمَةِ وَالسَّدَى مَعًا فَالتَّعْوِيلُ عَلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي، وَلِهَذَا عَدَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَالَ: وَلِأَنَّهُ بِالنَّسْجِ يَصِيرُ ثَوْبًا وَهُوَ بِاللُّحْمَةِ وَالسَّدَى فَيُضَافُ كَوْنُهُ ثَوْبًا إلَى آخِرِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ اللُّحْمَةُ، وَجُعِلَتْ حُكْمًا فِي الْإِبَاحَةِ. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيْنَ مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا خُفِيَ عَلَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ عَلَّلَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي، إلَى هُنَا لَفْظُ ذَلِكَ الْبَعْضِ. أَقُولُ: لَمْ يُصِبْ ذَلِكَ فِي رَأْيِهِ هَاهُنَا، بَلْ خَرَجَ عَنْ سُنَنِ السَّدَادِ، إذْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُفِيدُ الْمُدَّعِيَ بِدُونِ الْمَصِيرِ إلَى الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّ الْحُكْمَ إذَا تَعَلَّقَ بِشَيْئَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّسْجَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِاللُّحْمَةِ وَالسَّدَى مَعًا لَا بِاللُّحْمَةِ وَحْدَهَا إذْ النَّسْجُ إنَّمَا هُوَ تَرْكِيبُ اللُّحْمَةِ بِالسَّدَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُ الِاعْتِبَارِ بِاللُّحْمَةِ دُونَ السَّدَى إلَّا بِمُلَاحَظَةِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، فَإِذَا لَمْ يُفِدْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الْمُدَّعِيَ بِدُونِ الْمَصِيرِ إلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ لَمْ يَبْقَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ هَذَا دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا وَتِلْكَ الْمُقَدَّمَةُ دَلِيلًا آخَرَ، فَلَا جَرَمَ نَبَّهَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ عَلَى كَوْنِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ مُعْتَبَرَةً فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِضَمِّهِمْ إيَّاهَا إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ السَّدَى وَأَصَابُوا فِيمَا فَعَلُوا حَيْثُ حَمَلُوا الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَعْنَى الصَّحِيحِ التَّامِّ مَعَ تَحَمُّلِ كَلَامِهِ إيَّاهُ، فَإِنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ فِي التَّعْلِيلِ كَوْنَ اللُّحْمَةِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ الثَّوْبِ لَيْسَ اعْتِبَارًا لِعَدَمِهِ، وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ فِيهِ إلَى التَّصْرِيحِ بِتِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ اعْتِبَارِهَا فِيهِ وَاعْتِمَادًا عَلَى تَقَرُّرِهِ فِي كَلِمَاتِ الْمَشَايِخِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَمْنَعُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ بِدُونِ الْقَصْرِ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَتَمَامُ النَّسْجِ أَوْ آخِرُ النَّسْجِ بِاللُّحْمَةِ. وَالْعَجَبُ مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ أَنَّهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدُونِ اعْتِبَارِ حَدِيثِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى آخِرِ الْجُزْأَيْنِ حَيْثُ قَالَ: لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّسْجَ يَكُونُ بِاللُّحْمَةِ وَهْمٌ، بَلْ هُوَ بِاللُّحْمَةِ وَالسَّدَى مَعًا جَعَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا بِدُونِ الْمَصِيرِ إلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ فَاخْتَارَ بُطْلَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْلِيلِ حِينَئِذٍ، وَشَنَّعَ عَلَى الشُّرَّاحِ الْمُصْلِحِينَ كَلَامَهُ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَمَا غَرَّهُ إلَّا عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ، وَلَمْ يَنْظُرْ أَوْ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ فُحُولِ الْمَشَايِخِ مِنْ جَعْلِ الْمَجْمُوعِ دَلِيلًا وَاحِدًا مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إنَّ الثَّوْبَ يَصِيرُ ثَوْبًا بِاللُّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ، وَالنَّسْجُ تَرْكِيبُ اللُّحْمَةِ بِالسَّدَى فَكَانَتْ اللُّحْمَةُ كَالْوَصْفِ الْأَخِيرِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فَإِنَّهُ أَيْضًا قَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ: لِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ، وَالنَّسْجُ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِاللُّحْمَةِ آخِرُهُمَا فَيُضَافُ صَيْرُورَتُهُ ثَوْبًا عَلَى اللُّحْمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ اللُّحْمَةُ مِنْ الْحَرِيرِ كَانَ الْكُلُّ حَرِيرًا حُكْمًا انْتَهَى. وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَافِي فَإِنَّهُ أَيْضًا جَمَعَ كَمَا نَقَلَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ، ثُمَّ إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ أَوْ نَقُولُ إلَخْ تَقْرِيرُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَيْدِ النَّسْجِ لَا ذِكْرُ دَلِيلٍ آخَرَ مُسْتَقِلٍّ مُغَايِرٍ لِلْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى وَالْمَآلِ، يُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ فِي الْمَنْظَرِ فَتَكُونُ الْعِبْرَةُ بِمَا يَظْهَرُ دُونَ مَا يَخْفَى انْتَهَى حَيْثُ أَعَادَ حَرْفَ التَّعْلِيلِ وَهِيَ اللَّامُ فِي هَذَا الدَّلِيلِ إشَارَةً إلَى اسْتِقْلَالِهِ. فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ نَقُولُ إلَخْ إيرَادَ دَلِيلٍ آخَرَ مُسْتَقِلٍّ لَأَعَادَ اللَّامَ فِيهِ أَيْضًا تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّيَ بِالذَّهَبِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا بِالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ) أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَهُ

وَقَدْ جَاءَ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ آثَارٌ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا يَتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ. «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ فَقَالَ: مَالِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ. وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ: مَالِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ الْحَجَرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ (وَالتَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ حَرَامٌ) لِمَا رَوَيْنَا. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَالْإِبَاحَةُ ضَرُورَةُ الْخَتْمِ أَوْ النَّمُوذَجِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْأَدْنَى وَهُوَ الْفِضَّةُ، وَالْحَلْقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَصِّ حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَعْنَاهُ، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا بَعْدُ بِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْهُ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَالْإِبَاحَةُ ضَرُورَةُ التَّخَتُّمِ أَوْ النَّمُوذَجُ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْأَدْنَى وَهُوَ الْفِضَّةُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَدْنَى لَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْأَعْلَى. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ إثْبَاتُ عَدَمِ جَوَازِ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ الْوَارِدِ فِي حُرْمَةِ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ شَرْطَ دَلَالَةِ النَّصِّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ الْمَنْطُوقِ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَدْنَى مِنْهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْفِضَّةِ كَذَلِكَ لِمَا عَرَفْت (قَوْلُهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ فِي الْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ) أَقُولُ: الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ حُرْمَةِ التَّخَتُّمِ بِالْيَشْبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ مِمَّا لَا حَاصِلَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِحَجَرٍ قَدْ يَكُونُ مِمَّا يَحْرُمُ التَّخَتُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي حُرْمَةِ التَّخَتُّمِ بِالْحَجَرِ كَوُرُودِهِ فِي الذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَتَّى يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ حَجَرًا هُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْرِدَ نَصِّ الْحُرْمَةِ، بَلْ وَرَدَ النَّصُّ فِي جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِبَعْضِ الْأَحْجَارِ كَالْعَقِيقِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ» وَقَالَ «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ» كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. فَكَانَ التَّشَبُّثُ بِكَوْنِهِ حَجَرًا أَظْهَرَ نَفْعًا فِي إثْبَاتِ مُدَّعِي مَنْ قَالَ بِعَدَمِ حُرْمَةِ التَّخَتُّمِ بِهِ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ حَجَرًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي فَتَاوَاهُ: ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ التَّخَتُّمِ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَهَبٍ وَلَا حَدِيدٍ وَلَا صُفْرٍ، بَلْ هُوَ حَجَرٌ، وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ» ، انْتَهَى كَلَامُهُ (قَوْلُهُ وَالتَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ حَرَامٌ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا بِالْخَاتَمِ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا فَصَّلَهُ مِنْ دَلَائِلِهِ انْتَهَى.

حَجَرٍ وَيَجْعَلَ الْفَصَّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ النِّسْوَانِ؛ لِأَنَّهُ تَزَيُّنٌ فِي حَقِّهِنَّ، وَإِنَّمَا يَتَخَتَّمُ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْخَتْمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتْرُكَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ . قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ) أَيْ فِي ثُقْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ. قَالَ (وَلَا تُشَدُّ الْأَسْنَانُ بِالذَّهَبِ وَتُشَدُّ بِالْفِضَّةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِالذَّهَبِ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا. لَهُمَا «أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ الْكِنَانِيَّ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ. فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ لِلضَّرُورَةِ ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْفِضَّةِ وَهِيَ الْأَدْنَى فَبَقِيَ الذَّهَبُ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَالضَّرُورَةُ فِيمَا رُوِيَ لَمْ تَنْدَفِعْ فِي الْأَنْفِ دُونَهُ حَيْثُ أَنْتَنَ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الذُّكُورُ مِنْ الصِّبْيَانِ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ) ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا. قَالَ (وَتُكْرَهُ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُحْمَلُ فَيُمْسَحُ بِهَا الْعَرَقُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ وَتَكَبُّرٍ (وَكَذَا الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا الْوُضُوءَ أَوْ يُمْتَخَطُ بِهَا) وَقِيلَ إذَا كَانَ عَنْ حَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَنْ تَكَبُّرٍ وَتَجَبُّرٍ وَصَارَ كَالتَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْبِطَ الرَّجُلُ فِي أُصْبُعِهِ أَوْ خَاتَمِهِ الْخَيْطَ لِلْحَاجَةِ) وَيُسَمَّى ذَلِكَ الرَّتَمُ وَالرَّتِيمَةُ. وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ. قَالَ قَائِلُهُمْ: لَا يَنْفَعَنَّكَ الْيَوْمَ إنْ هَمَّتْ بِهِمْ كَثْرَةُ مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا بِالْخَاتَمِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّيَ بِالْخَاتَمِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّحَلِّيَ بِالذَّهَبِ وَلَا بِالْفِضَّةِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ بِلَا رَيْبٍ، وَمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا حُرْمَةُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا تَصْرِيحًا بِمَا عَلِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا بِالْخَاتَمِ. وَالتَّخَالُفُ بَيْنَ نَفْيِ جَوَازِ الشَّيْءِ وَإِثْبَاتِهِ ضَرُورِيٌّ. وَلَوْ قَالَ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْفِضَّةِ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِالْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ بِالِاتِّفَاقِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ تَأَمَّلْ.

[فصل في الوطء والنظر واللمس]

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ وَهُوَ التَّذَكُّرُ عَنْدَ النِّسْيَانِ. [فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ] ِ قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضِعُهَا، وَلِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى قَدِمَهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ) لَا يَذْهَبُ عَلَى النَّاظِرِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالْوَطْءِ إنَّمَا هِيَ مَسْأَلَةُ جَوَازِ الْعَزْلِ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَعَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَأَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بَيَانَ مَحَلِّ جَوَازِ الْعَزْلِ وَغَيْرِ مَحَلِّهِ لَا بَيَانَ حَالِ الْوَطْءِ نَفْسِهِ، قَدْ ذُكِرَتْ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ الْوَطْءِ فِي عِنْوَانِ الْفَصْلِ أَيْضًا فَيُقَالُ: فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَاللَّمْسِ وَالْوَطْءِ عَلَى تَرْتِيبِ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكَافِي. وَالْأَنْسَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُبَدِّلَ الْوَطْءَ بِالْعَزْلِ فِي التَّعْبِيرِ بَعْدَ التَّأْخِيرِ لِيَحْصُلَ تَمَامُ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ عِنْوَانِ الْفَصْلِ وَمَسَائِلِهِ. ثُمَّ إنَّ مَسَائِلَ النَّظَرِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ: وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا: نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الْحُرَّةِ، وَنَظَرِهِ إلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَنَظَرِهِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَنَظَرِهِ إلَى أَمَةِ الْغَيْرِ. فَبَدَأَ فِي الْكِتَابِ بِأَوَّلِ الْأَقْسَامِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَقْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا

يُبَاحُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الضَّرُورَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً قَالَ (فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِذَا خَافَ الشَّهْوَةَ لَمْ يَنْظُرْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ. وَقَوْلُهُ لَا يَأْمَنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إذَا شَكَّ فِي الِاشْتِهَاءِ كَمَا إذَا عَلِمَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ) لِقِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى، بِخِلَافِ النَّظَرِ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى. وَالْمُحَرَّمُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُدْخِلُ بَعْضَ الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهِمْ وَكَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ، وَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِمَا فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] فَإِنَّ فِي تَفْسِيرِهِ أَقْوَالًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْهَا سِوَى قَوْلِهِمَا، لَكِنَّ دَلَالَةَ قَوْلِهِمَا عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاضِحٍ أَيْضًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَوْضِعَ الْكُحْلِ هُوَ الْعَيْنُ لَا الْوَجْهُ كُلُّهُ، وَكَذَا مَوْضِعُ الْخَاتَمِ هُوَ الْأُصْبُعُ لَا الْكَفُّ كُلُّهُ، وَالْمُدَّعَى جَوَازُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلِّهِ وَإِلَى كَفَّيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الْمَصِيرُ إلَى مَا جَاءَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي الرُّخْصَةِ فِي النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا: مِنْهَا مَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَظَرَ إلَى وَجْهِهَا وَلَمْ يَرَ فِيهَا رَغْبَةً» . وَمِنْهَا مَا رُوِيَ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» وَمِنْهَا مَا رُوِيَ " أَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا نَاوَلَتْ أَحَدَ ابْنَيْهَا بِلَالًا أَوْ أَنَسًا قَالَ: رَأَيْت كَفَّهَا كَأَنَّهَا فَلْقَةُ قَمَرٍ ": أَيْ قِطْعَتُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفِّهَا (الْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ) (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يُرِيدُ أَنَّ حُرْمَةَ مَسِّ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ تَخْتَصُّ بِمَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمَسِّهِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ، إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عَدَمُ الْبَأْسِ بِمَسِّ وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ هُنَا وَفِي سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ الْبَأْسِ بِمَسِّ كَفِّهَا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ فِي الْبَيْعَةِ وَلَا يُصَافِحُ الشَّوَابَّ» كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. نَعَمْ ظَاهِرُ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ لَا يَأْبَى عَنْ التَّعْمِيمِ، لَكِنْ لَا مَجَالَ لِاخْتِرَاعِ مَسْأَلَةٍ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بِدُونِ أَنْ تُذْكَرَ فِي الْكُتُبِ نَقْلًا عَنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ الْمَشَايِخِ. ثُمَّ إنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قُلْت: الْمُرَادُ امْرَأَةٌ تَدْعُو النَّفْسُ إلَى مَسِّهَا، أَمَّا إذَا تَهَرَّبَتْ الْعَيْنُ مِنْ رُؤْيَتِهَا وَانْزَوَى الْخَاطِرُ مِنْ لِقَائِهَا فَلَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ. أَقُولُ: يُرَدُّ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ، وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا. فَإِنَّ قَوْلَهُ لِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَلَا يَتَمَشَّى الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ

وَتُفَلِّي رَأْسَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا لَا تَحِلُّ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ. وَالصَّغِيرَةُ إذَا كَانَتْ لَا تُشْتَهَى يُبَاحُ مَسُّهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا لِعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا وَلِلشَّاهِدِ إذَا أَرَادَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) لِلْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِهِ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمَ عَلَيْهَا لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَمَّا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَهُوَ قَصْدُ الْقَبِيحِ. وَأَمَّا النَّظَرُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إذَا اشْتَهَى قِيلَ يُبَاحُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي فَلَا ضَرُورَةَ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْأَدَاءِ. (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَهِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «أَبْصِرْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ. (وَيَجُوزُ لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ مِنْهَا) لِلضَّرُورَةِ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً مُدَاوَاتَهَا) لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَسْهَلُ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا يَسْتُرُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ) ثُمَّ يَنْظُرُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَصَارَ كَنَظَرِ الْخَافِضَةِ وَالْخَتَّانِ. (وَكَذَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ الِاحْتِقَانِ مِنْ الرَّجُلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ الظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَطْفُهَا عَلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّابَّةَ الْمُشْتَهَاةَ مِمَّنْ تَدْعُو النَّفْسُ إلَى مَسِّهَا فَكَانَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ النَّصِّ الْمَذْكُورِ فَلَا مَحَالَةَ يَكُونُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا تَعْلِيلًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. فَإِنْ قُلْت: تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَلَا تَتَحَقَّقُ دَعْوَتُهَا النَّفْسَ إلَى مَسِّهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. قُلْت: إنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ دَعْوَتُهَا النَّفْسَ إلَى مَسِّهَا بِالْفِعْلِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فَمِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ هِيَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ لَأَنْ تَدْعُوَ النَّفْسَ إلَى مَسِّهَا لَا الَّتِي تَحَقَّقَتْ فِيهَا دَعْوَتُهَا إلَيْهِ بِالْفِعْلِ. وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُرْمَةُ مَسِّ الرَّجُلِ الشَّابِّ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ الشَّابَّةَ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: اشْتِرَاطُ أَمْنِهِ عَلَيْهَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ لِعَدَمِ كَوْنِ ذَلِكَ فِي وُسْعِهِ لِعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِالْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ أَوْ بِالتَّجْرِبَةِ فِي نَظَائِرِهَا، فَجَازَ اشْتِرَاطُ أَمْنِهِ عَلَيْهَا أَيْضًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا لَا تَحِلُّ مُصَافَحَتُهَا) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: تَخْصِيصُ عَدَمِ أَمْنِهِ بِكَوْنِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْضًا، فَإِنْ جَعَلْنَا الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهَا لِلنَّفْسِ يَلْزَمُ التَّخْصِيصُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ انْتَهَى. أَقُولُ: الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهَا لِلْمَرْأَةِ، وَوَجْهُ تَخْصِيصِ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا بِالذِّكْرِ ظَاهِرٌ وَهُوَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِحُكْمِ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَى نَفْسِهِ دَلَالَةً مِنْ بَيَانِ حُكْمِ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا عِبَارَةً، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ تَحِلَّ مُصَافَحَتُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْغَيْرِ لِلْفِتْنَةِ فَلَأَنْ لَا تَحِلَّ مُصَافَحَتُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلْفِتْنَةِ بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا، وَلِلشَّاهِدِ إذَا أَرَادَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ لِلْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَدْ يُنَوَّرُ ذَلِكَ بِإِبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ

لِأَنَّهُ مُدَاوَاةٌ وَيَجُوزُ لِلْمَرَضِ وَكَذَا لِلْهُزَالِ الْفَاحِشِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْمَرَضِ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ» وَيُرْوَى «مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَيْهِ» وَبِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ أَبُو عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ، وَمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَمَارِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّنَا لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: خَطَرَ بِبَالِي هَاهُنَا إشْكَالٌ. وَهُوَ أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا كَمَا صَرَّحُوا فِي الْكُتُبِ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ: إقَامَةِ الْحَدِّ، وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الْهَتْكِ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ: «لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَلَيْسَ فِي الْحُدُودِ حُقُوقُ النَّاسِ إلَّا فِي السَّرِقَةِ، وَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ فَيَقُولُ أَخَذَ إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا يَقُولُ سَرَقَ مُحَافَظَةً عَلَى السَّتْرِ، فَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّنْوِيرِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا لِانْعِدَامِ الْحَاجَةِ وَانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا. ثُمَّ دَفَعْته بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ أَنَّ هَذَا: يَعْنِي كَوْنَ السَّتْرِ أَفْضَلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدَّ الزِّنَا وَلَمْ يَهْتِكْ بِهِ، وَأَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْفَوَاحِشِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ وَبِالزَّجْرِ. فَإِذَا ظَهَرَ الشَّرَهُ فِي الزِّنَا مَثَلًا وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِهِ بِإِشَاعَتِهِ. فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظُهُورُ عَدَمِهَا. فَيَجِبُ تَحْقِيقُ السَّبَبِ الْآخَرِ لِلْإِخْلَاءِ وَهُوَ الْحَدُّ بِخِلَافِ مَنْ زَلَّ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا مُتَنَدِّمًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الشَّاهِدِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ الَّذِي خَطَرَ بِبَالِ ذَلِكَ الْقَائِلِ إلَّا فِي مَادَّةٍ جُزْئِيَّةٍ، وَهِيَ مَا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَالتَّهَتُّكِ بِهَا لَا فِيمَا سِوَاهَا، فَإِنَّ السَّتْرَ فِيهِ أَفْضَلُ بِلَا شُبْهَةٍ. مَعَ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ الزِّنَا لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مُبَاحٌ هُنَاكَ أَيْضًا فَكَفَى بِذَلِكَ إشْكَالًا. فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ ثُمَّ دَفَعْته بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. ثُمَّ أَقُولُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ بِالْكُلِّيَّةِ: إنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ الزِّنَا وَالضَّرُورَةِ مُتَحَقَّقَانِ فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا مُطْلَقًا فِي تَحْصِيلِ إحْدَى الْحِسْبَتَيْنِ وَهِيَ إقَامَةُ الْحَدِّ بِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا، إذْ لَا يَتَيَسَّرُ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِدُونِ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ الزِّنَا، وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَا الضَّرُورَةُ فِي تَحْصِيلِ الْحِسْبَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ التَّحَرُّزُ عَنْ التَّهَتُّكِ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَالَ الْحِسْبَةَ الْأُولَى يَحْتَاجُ وَيَضْطَرُّ إلَى النَّظَرِ إلَيْهَا فَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا إذْ ذَاكَ، إذْ يَكْفِي فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَالضَّرُورَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَحْصِيلِ خُصُوصِ الْحِسْبَةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ إبَاحَتُهُ عَلَى الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالضَّرُورَةِ الْمُطْلَقَتَيْنِ: أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ فَوْقَ تِلْكَ الْحِسْبَةِ حِسْبَةٌ أُخْرَى أَفْضَلُ مِنْهَا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ لَهُ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَهِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّظَرِ إلَيْهَا وَالضَّرُورَةَ إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ فِي إقَامَةِ تِلْكَ السُّنَّةِ لَا مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ تَرْكِ تَزَوُّجِهَا الدَّاعِي إلَى النَّظَرِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ فَوْقَ تِلْكَ السُّنَّةِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ بَلْ مِنْ بَعْضِ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَاتِ فَقَدْ انْدَفَعَ ذَلِكَ الْإِشْكَالُ بِحَذَافِيرِهِ. (قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْهُ كَمَا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ نَظَرَ إلَى تَقْسِيمِهِ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَصْلِ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ أَبُو عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَأَبُو عِصْمَةَ هُوَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّ السُّرَّةَ

مُعْتَمِدًا فِيهِ الْعَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَأَبْدَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُرَّتَهُ فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُ حَدَّيْ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالرُّكْبَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ بِالْعَطْفِ عَلَى أَبِي عِصْمَةَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ السُّرَّةَ عَوْرَةٌ عِنْدَهُمَا كَأَنَّهُ وَقَعَ سَهْوًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعْلِيلِ أَبِي عِصْمَةَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ السُّرَّةَ عَوْرَةٌ بِقَوْلِهِ إنَّهَا أَحَدُ حَدَّيْ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ عَوْرَةً كَالرُّكْبَةِ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ لِمَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الرُّكْبَةَ عَوْرَةٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَقُولُ بِكَوْنِ الرُّكْبَةِ عَوْرَةً. وَالثَّانِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّلَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ الرُّكْبَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا حَدٌّ لِلْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالسُّرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ عَطْفُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَبِي عِصْمَةَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ، وَهَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُعَلِّلْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَذْهَبَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُمَا وَاحِدًا وَالْمَأْخَذُ مُتَعَدِّدًا، فَالْمَذْكُورُ يَكُونُ تَعْلِيلًا لِأَبِي عِصْمَةَ، وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ السُّرَّةَ مَحَلُّ الِاشْتِهَاءِ انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْعَطْفِ الْمَزْبُورِ وَجْهَيْنِ، وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَحَدَ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ وَأَجَابَ عَنْهُ كَمَا تَرَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْوَجْهِ الْآخَرِ أَصْلًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ بِالْجَوَابِ عَنْهُ فَبَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي الْعَطْفِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِ. فَأَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الْقَاطِعِ لِعِرْقِ الْإِشْكَالِ: إنَّ فِي السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ: إحْدَاهَا أَنَّ السُّرَّةَ عَوْرَةٌ وَالرُّكْبَةَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَيْضًا. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي وَجِيزِ الشَّافِعِيَّةِ. وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْغَايَةِ هَاتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَقَالَ: لِلْأُولَى مِنْهُمَا. وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ هَذَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ فِي إثْبَاتِ أَنَّ الرُّكْبَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا حَدٌّ لِلْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالسُّرَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي اشْتِرَاكَهُ مَعَ أَبِي عِصْمَةَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ الْوَاقِعِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عَنْهُ، بَلْ لَا يُنَافِي أَيْضًا اشْتِرَاكَهُ مَعَهُ فِي تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا أَحَدُ حَدَّيْ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ عَوْرَةً كَالرُّكْبَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ فَلَا مَحْذُورَ فِي الْعَطْفِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ وَأَبْدَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سُرَّتَهُ فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْت أَمْشِي مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ: اكْشِفْ لِي عَنْ بَطْنِك جُعِلْت فِدَاءَك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُهُ، قَالَ: فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ. وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ لَمَا كَشَفَهَا. قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ بَيَانِ هَذَا الْمَحَلِّ بِهَذَا الْمِنْوَالِ: وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ خِلَافُ هَذَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَقِيَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ ثَوْبَك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ، فَرَفَعَ عَنْ

وَقَالَ لِجَرْهَدٍ: «وَارِ فَخِذَك، أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ؟» وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ فَاجْتَمَعَ الْمُحَرَّمُ وَالْمُبِيحُ وَفِي مِثْلِهِ يَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ، وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ، وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ، حَتَّى أَنَّ كَاشِفَ الرُّكْبَةِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَكَاشِفَ الْفَخِذِ يُعَنَّفُ عَلَيْهِ وَكَاشِفَ السَّوْءَةِ يُؤَدَّبُ إنْ لَجَّ (وَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ لِلرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ يُبَاحُ الْمَسُّ) لِأَنَّهُمَا فِيمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ) لِاسْتِوَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّظَرِ إلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ. وَفِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَصْلِ: أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا، وَلَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الرَّجُلُ إلَيْهَا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَنْظُرْ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ اعْتِبَارًا، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً فِي الْجَانِبَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا اشْتَهَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارًا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَحَقِّقِ فِي جَانِبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَطْنِهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سُرَّتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَمَا نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ: قُلْت لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ. وَلَوْ سَلَّمَ فَذَلِكَ لَا يَضُرُّنَا بَلْ يُثْبِتُ مُدَّعَانَا بِالْأَوْلَوِيَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: كَأَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ خَبْطٌ فِي اسْتِخْرَاجِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَيْثُ حَسِبَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سُرَّتِهِ وَوَضَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَدَهُ عَلَى سُرَّةِ الْحَسَنِ فَبَنَى عَلَيْهِ عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ: يَعْنِي أَنَّ وَضْعَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدَهُ عَلَى سُرَّةِ الْحَسَنِ مَسٌّ لَهَا، وَهُوَ لَا يُنَافِي تَقْبِيلَهُ إيَّاهَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ أَيْضًا كَلَامَهُ التَّسْلِيمِيِّ: يَعْنِي لَوْ سَلَّمَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ لَا يَضُرُّنَا، بَلْ يُثْبِتُ مُدَّعَانَا هَاهُنَا وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ السُّرَّةُ مِنْ الْعَوْرَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ، فَإِنَّ عَدَمَ جَوَازِ مَسِّ الْعَوْرَةِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَقْبِيلِهَا، فَإِذَا وَضَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَدَهُ عَلَى سُرَّةِ الْحَسَنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْحَسَنُ ثَبَتَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سُرَّتِهِ وَضَعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَدَهُ عَلَى سُرَّةِ نَفْسِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ: وَوَضَعَ يَدَهُ، بِالْوَاوِ دُونَ فَوَضَعَ يَدَهُ بِالْفَاءِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ، وَالْأُسْلُوبُ الْمُقَرَّرُ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ الِاثْنَيْنِ إدْخَالُ الْفَاءِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى حِكَايَةِ قَوْلِ الْآخَرِ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِ الْعَاطِفِ وَالسُّلُوكُ مَسْلَكُ الِاسْتِئْنَافِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ} [هود: 69] وَإِذْ قَدْ كَانَ مَعْنَى رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَوَضَعَ الْحَسَنُ يَدَهُ عَلَى سُرَّتِهِ كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةً لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى لِعَدَمِ تَيَسُّرِ تَقْبِيلِ سُرَّةِ الْحَسَنِ عِنْدَ وَضْعِهِ يَدَهُ عَلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ إنَّهُ إنْ كَانَ مَقْصُودُ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى سُرَّتِهِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ التَّحَرُّزَ عَنْ انْكِشَافِ نَفْسِ السُّرَّةِ عِنْدَ رَفْعِ ثَوْبِهِ عَنْ بَطْنِهِ يُشْعِرُ فِعْلُهُ الْمَذْكُورُ بِكَوْنِ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ مِنْهُ التَّحَرُّزَ عَنْ انْكِشَافِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ لَا يَدُلُّ فِعْلُهُ الْمَذْكُورُ عَلَى كَوْنِ نَفْسِ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ جَزْمٌ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ. (قَوْلُهُ وَمَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ يُبَاحُ الْمَسُّ؛ لِأَنَّهُمَا فِيمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ

وَاحِدٍ. قَالَ (وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ) لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ، وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَكَذَا الضَّرُورَةُ قَدْ تَحَقَّقَتْ إلَى الِانْكِشَافِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ، بِخِلَافِ نَظَرِهَا إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّ أَنَّ وَجْهَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِمَا إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمَسَّهُمَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ فَلَمْ يَسْتَوِ النَّظَرُ وَالْمَسُّ فِيهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ مَا لَمْ يَرِدْ النَّصُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَارَّةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا مِنْ حَدِيثِ الِاسْتِوَاءِ مُقْتَضًى الْقِيَاسَ، وَمَا مَرَّ مُوجِبٌ النَّصَّ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ عَكْسُ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ. إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ قُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ فَإِنَّهُ الصَّالِحُ لَأَنْ يُعْنَوْنَ بِمَا نَحْنُ فِيهِ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ هُنَا لَيْسَ بِعَكْسِ ذَاكَ. وَإِنَّمَا هَذَا عَكْسُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَسْتَوْفِ بَعْدُ أَقْسَامَ ذَلِكَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَلْ أَدْخَلَ فِي خِلَالِهَا الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ الْأُخَرَ مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ كَمَا سَتُحِيطُ بِهِ خَبَرًا لَمْ يَكُنْ فَارِغًا عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ الْقِسْمِ بِالْكُلِّيَّةِ. بَلْ كَانَ فِي عُهْدَتِهِ الْآنَ بَيَانُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ جَازَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ بِالْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَبْعَدًا عِنْدَ مَنْ لَهُ سَلَامَةُ الْفِطْرَةِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ طَعَنَ فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ نَكَرَ الرَّجُلُ الثَّانِي كَانَ أَوْلَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ حَالِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا لَا بَيَانُ بَعْضٍ مَنْ أَفْرَادِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَرَّفَ الرَّجُلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَعًا تَعْرِيفَ الْجِنْسِ لَا أَنْ يُنَكَّرَ الثَّانِي وَلَا الْأَوَّلُ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَصْلِ التَّقْسِيمِ. أَقُولُ: بَلْ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْهُ كَمَا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُولِي النُّهَى، وَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَدْ اُبْتُلِيَ بِمِثْلَيْهِ فِيمَا مَرَّ كَمَا عَرَفْته وَأَصَرَّ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ زَلَّتِهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَالتَّسَامُحُ فِي رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فَصَدَرَ مِنْ نَفْسِهِ مَا هُوَ أَشَدُّ قُبْحًا مِنْهُ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ) يَعْنِي لَا تَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْكَافِي: حَتَّى لَا يُبَاحَ لَهَا النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: يَعْنِي لَا تَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخِذِهَا كَمَا سَيَأْتِي انْتَهَى. أَقُولُ: ذِكْرُ الْفَخِذِ هَاهُنَا مُسْتَدْرَكٌ

يَحْتَاجُونَ إلَى زِيَادَةِ الِانْكِشَافِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَزَوْجَتِهِ إلَى فَرْجِهَا) وَهَذَا إطْلَاقٌ فِي النَّظَرِ إلَى سَائِرِ بَدَنِهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَغَيْرِ شَهْوَةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ أَمَتِك وَامْرَأَتِك» وَلِأَنَّ مَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسِّ وَالْغَشَيَانِ مُبَاحٌ فَالنَّظَرُ أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ النِّسْيَانَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ. وَلَا يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخِذِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ مُخِلٍّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى فَخِذِ الْمَرْأَةِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ. وَاَلَّذِي لَا بُدَّ لَهُ هُنَا مِنْهُ بَيَانُ مَا يَمْتَازُ بِهِ الْقَوْلُ الثَّانِي عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ أَنْ لَا تَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا أَيْضًا، وَذِكْرُ الْفَخِذِ فِي هَذَا. الْأَثْنَاءِ يُوهِمُ جَوَازَ النَّظَرِ إلَيْهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ أَمَتِك وَامْرَأَتِك» ) قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكُنْت أَقُولُ بَقِّ لِي بَقِّ لِي. وَهُوَ يَقُولُ بَقِّ لِي بَقِّ لِي» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ مُبَاحًا لَمَا تَجَرَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهِ انْتَهَى. وَقَصَدَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ تَزْيِيفَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمُدَّعَى هَاهُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ: قُلْت: لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اغْتِسَالُهُمَا مَعًا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَاقِبَيْنِ وَلَكِنْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يَنْظُرُ إلَى فَرْجِ الْآخَرِ. كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرَ مِنِّي وَلَمْ أَرَ مِنْهُ» انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ الْمَنْفِيِّ وَالتَّسْلِيمِيِّ بِصَحِيحٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَكُنْت أَقُولُ بَقِّ لِي بَقِّ لِي وَهُوَ يَقُولُ لِي بَقِّ لِي يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنْ يَكُونَ اغْتِسَالُهُمَا مَعًا. إذْ لَوْ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ لَمَا صَحَّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا طَلَبُ تَبْقِيَةِ الْمَاءِ مِنْ الْآخَرِ، إذْ الْمُبَاشِرُ أَوَّلًا هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فَالتَّبْقِيَةُ وَظِيفَتُهُ لَا وَظِيفَةُ الْآخَرِ، فَلَا مَعْنَى لِطَلَبِهَا مِنْ الْآخَرِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى هَاهُنَا مُجَرَّدُ جَوَازِ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ لَا لُزُومُ وُقُوعِهِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَجَرُّدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فَإِنَّ التَّجَرُّدَ سَبَبٌ لِرُؤْيَةِ الْعَوْرَةِ عَادَةً، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ إلَيْهَا مُبَاحًا لِلزَّوْجِ لَمَا وَقَعَ التَّجَرُّدُ مِنْهُمَا لِلْقَطْعِ بِتَحَرُّزِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَظَانِّ الْحُرْمَةِ. ثُمَّ إنَّ مُجَرَّدَ جَوَازِ النَّظَرِ إلَى فَرْجِ الزَّوْجِ لَا يُنَافِي عَدَمَ وُقُوعِهِ مِنْهُمَا تَأَدُّبًا عَلَى مُقْتَضَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. فَلَا تَدَافُعَ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ. وَلَا يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخِذِهَا) أَقُولُ: كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْفَخِذَ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ لَمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ عَدَمُ جَوَازِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ مُطْلَقًا: أَيْ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتِهَا بِالْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ، وَعَنْ هَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِذَكَرِ شَيْءٍ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى بَطْنِهَا وَلَا إلَى ظَهْرِهَا وَلَا إلَى جَنْبِهَا، وَلَا يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَظَهَرَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ ذِكْرَ الْجَنْبِ أَحَقُّ مِنْ ذِكْرِ الْفَخِذِ هَاهُنَا. فَإِنْ قُلْت: الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْفَخِذِ فِي الْكِتَابِ بَيَانُ الْوَاقِعِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا مِمَّا تَقَدَّمَ. قُلْت: فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ: بَدَلُ وَفَخِذِهَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتِهَا كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَإِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْهَا وَمَسُّهَا انْتَهَى، فَإِنَّ فِيهِ عُمُومَ الْإِفَادَةِ. فَإِنْ قُلْت: الْمَقْصُودُ بِالِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْفَخِذِ هُوَ السُّلُوكُ مَسْلَكَ الدَّلَالَةِ فِي إفَادَةِ حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَى مَا عَدَاهُ أَيْضًا مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ. قُلْت: فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَحَقُّ الِاكْتِفَاءَ بِذِكْرِ الرُّكْبَةِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ، وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْءَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ، فَبِذِكْرِ الْفَخِذِ لَا يُعْلَمُ حُكْمُ الرُّكْبَةِ دَلَالَةً لِكَوْنِهَا أَخَفَّ مِنْهُ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ. وَأَمَّا بِذِكْرِ الرُّكْبَةِ فَيُعْلَمُ حُكْمُ الْفَخِذِ والسَّوْءَةِ أَيْضًا دَلَالَةً بِالْأَوْلَوِيَّةِ لِكَوْنِهِمَا أَقْوَى مِنْهَا فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَصَدَ حِلَّ بَعْضِ عِبَارَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ ذَوَاتُ الرَّحِمِ الْمَحَارِمِ عَلَى أَنَّ الْمَحَارِمَ صِفَةُ الذَّوَاتِ، وَقَدْ يُحْذَفُ الرَّحِمُ فَيُقَالُ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ بِطَرِيقِ الْمُسَامَحَةِ، وَالنُّكْتَةُ فِيهِ شُمُولُ الْمَسْأَلَةِ لِلْمَحْرَمِ بِسَبَبٍ كَمَا سَيَجِيءُ، وَجَعْلُ الْمَحْرَمَ هَاهُنَا مَصْدَرًا مِيمِيًّا بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لَا يُلَائِمُهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا سَيَجِيءُ فَتَأَمَّلْ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلُ التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ ذَوَاتَ الرَّحِمِ الْمَحَارِمِ عَلَى أَنَّ الْمَحَارِمَ صِفَةُ الذَّوَاتِ فَحُذِفَ الرَّحِمُ وَأُضِيفَتْ الذَّوَاتُ إلَى الْمَحَارِمِ بِطَرِيقِ الْمُسَامَحَةِ كَانَ مَدْلُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخْتَصًّا بِالْمَحْرَمِ بِنَسَبٍ، إذْ الرَّحِمُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ النَّسَبِ فَلَا مَجَالَ؛ لَأَنْ تَكُونَ النُّكْتَةُ فِي حَذْفِ الرَّحِمِ وَإِضَافَةِ الذَّوَاتِ إلَى الْمَحَارِمِ شُمُولَ الْمَسْأَلَةِ لِلْمَحْرَمِ بِسَبَبٍ؛ لِأَنَّ النُّكْتَةَ فِي الْعِبَارَةِ لَا تَصْلُحُ أَنَّ تُغَيِّرَ الْمَعْنَى بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى تَنْقُلَهُ مِنْ الْخُصُوصِ إلَى الْعُمُومِ. وَبِالْجُمْلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحَارِمِ، وَبَيْنَ أَنْ تَشْمَلَ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ الْمَحْرَمَ بِسَبَبِ تَنَافٍ لَا يَخْفَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَجَعْلُ الْمَحْرَمِ هَاهُنَا مَصْدَرًا مِيمِيًّا بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لَا يُلَائِمُهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا سَيَجِيءُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلِهِ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ وَمِنْ قَوْلِهِ لَا يُلَائِمُهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا سَيَجِيءُ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالْمَحْرَمُ الْحَرَامُ وَالْحُرْمَةُ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: النِّسَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ. نَوْعٌ مِنْهُنَّ الْمَنْكُوحَاتُ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ الْمَمْلُوكَاتُ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ ذَوَاتُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ ذَوَاتُ الْمَحْرَمِ بِلَا رَحِمٍ وَهُنَّ الْمَحَارِمُ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ مَمْلُوكَاتُ الْأَغْيَارِ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ مَنْ لَا رَحِمَ لَهُنَّ وَلَا مَحْرَمَ وَهُنَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ الْحَرَائِرُ، وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الْمَحْرَمَ الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ إنَّمَا يَصْلُحُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْحَرَامِ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ ذَوَاتَ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَالْبَاقِي مِنْهُ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ ذَوَاتَ الْمَحْرَمِ بِلَا رَحِمٍ، وَقَوْلِهِ مَنْ لَا رَحِمَ لَهُنَّ وَلَا مَحْرَمَ، وَقَوْلِهِ ذَوَاتُ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ يَظْهَرُ كُلُّ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَالذَّوْقِ الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَلَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ الْبَالِغَةِ وَكُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَالْجَدَّاتِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ إلَى شَعْرِهَا وَرَأْسِهَا وَصَدْرِهَا وَبَدَنِهَا وَعُنُقِهَا وَعَضُدِهَا وَسَاقِهَا، وَلَا يَنْظُرْ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَلَا إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى أَنْ تُجَاوِزَ الرُّكْبَةَ، وَكَذَا إلَى كُلِّ ذَاتِ مَحْرَمٍ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ كَزَوْجَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَزَوْجَةِ الِابْنِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَابْنَةِ الْمَرْأَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ انْتَهَى.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ وَهِيَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّاعِدُ وَالْأُذُنُ وَالْعُنُقُ وَالْقَدَمُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ، بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ، وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَاحْتِشَامٍ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً، فَلَوْ حَرُمَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ، وَكَذَا الرَّغْبَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَيْضًا أَنَّ الْمَحْرَمَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا إلَى كُلِّ ذَاتِ مَحْرَمٍ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ دُونَ الْحَرَامِ، إذْ لَا مَعْنَى لَأَنْ يُقَالَ: كُلُّ ذَاتِ حَرَامٍ: أَيْ صَاحِبَةِ حَرَامٍ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ هِيَ صَاحِبَةُ الْحُرْمَةِ نَفْسِهَا فَلَا مَعْنَى لِإِضَافَةِ الذَّاتِ إلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُلَائِمُهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا سَيَجِيءُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِمَا سَيَجِيءُ تَفْسِيرَ الْمَحْرَمِ الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ الْمَحَارِمِ فِي قَوْلِهِ وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ تَفْسِيرَ الْمَحْرَمِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لَا مِنْ قَوْلِهِ مَحَارِمِهِ فَقَطْ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْمُلَاءَمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هُوَ الثَّانِي. وَيُعَضِّدُهُ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ فَنَقُولُ: يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ زِينَتِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُنَّ بِالنَّسَبِ نَحْوَ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ، أَوْ بِالسَّبَبِ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ انْتَهَى. فَإِنَّهُ فَسَّرَ ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْمَحْرَمَ نَفْسَهُ. ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ فِي مَعْنَى التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ ذَوَاتُ مَحَارِمِهِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُنَّ بِالنَّسَبِ وَحْدَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحَارِمِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَحَارِمُ صِفَةَ الذَّوَاتِ وَتَكُونَ جَمْعَ مَحْرَمٍ بِمَعْنَى حَرَامٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذَوَاتِ الْحُرُمَاتِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَحَارِمُ جَمْعَ مَحْرَمٍ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ. وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُنَّ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَلَا مَجَالَ لِتَقْدِيرِ الرَّحِمِ لِكَوْنِهِ مُنَافِيًا لِلتَّعْمِيمِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الثَّانِي. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ: أَيْ فِي جَوَازِ مَا جَازَ وَعَدَمِ جَوَازِ مَا لَمْ يَجُزْ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مَا جَازَ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ. وَلَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ مَا لَمْ يَجُزْ. وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَلَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْهَا وَمَسُّهَا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَحَارِمِ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ، فَبَقِيَ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا وَرَاءَهَا مَأْمُورًا بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ النَّظَرُ فَالْمَسُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى انْتَهَى، أَوْ آيَةُ الظِّهَارِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى بَطْنِهَا وَلَا إلَى ظَهْرِهَا وَلَا إلَى جَنْبِهَا وَلَا يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الظِّهَارَ فِي كِتَابِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا. وَصُورَةُ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي، وَلَوْلَا أَنَّ ظَهْرَهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ نَظَرًا وَمَسًّا لَمَا سَمَّى الظِّهَارَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الظَّهْرِ ثَبَتَ فِي الْبَطْنِ وَالْجَنْبَيْنِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَاحْتِشَامٍ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً، فَلَوْ حَرُمَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَتَقْرِيرُ هَذَا الدَّلِيلِ وَاضِحٌ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ يُشْكِلُ بِمَا ذَكَرَهُ

تَقِلُّ لِلْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ فَقَلَّمَا تُشْتَهَى، بِخِلَافِ مَا وَرَاءَهَا، لِأَنَّهَا لَا تَنْكَشِفُ عَادَةً. وَالْمَحْرَمُ مِنْ لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ كَانَ أَوْ بِسَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ مَا جَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْهَا) لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافَرَةِ وَقِلَّةِ الشَّهْوَةِ لِلْمَحْرَمِيَّةِ، بِخِلَافِ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا حَيْثُ لَا يُبَاحُ الْمَسُّ وَإِنْ أُبِيحَ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مُتَكَامِلَةٌ (إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ) فَحِينَئِذٍ لَا يَنْظُرُ وَلَا يَمَسُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ» ، وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَغْلَظُ فَيُجْتَنَبُ. (وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ بِهِنَّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْبَدَائِعِ فِي مَسَائِلِ الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الْغَيْرِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ مَحَارِمِهِ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، فَرُبَّمَا كَانَتْ مَكْشُوفَةَ الْعَوْرَةِ فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهَا فَيَكْرَهَانِ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِآثَارٍ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى دُخُولِ بَعْضِ الْمَحَارِمِ عَلَى بَعْضِهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، لَا أَنَّهُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ فِي الشَّرْعِ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حُكْمُ الشَّرْعِ فِي أَمْرِ الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ قَالَ. وَأَمَّا حُكْمُ الدُّخُولِ: فِي بَيْتِ الْغَيْرِ فَالدَّاخِلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا أَوْ مِنْ مَحَارِمِهِ، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِنْ مَحَارِمِهِ فَلَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْمَحَارِمِ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مُطْلَقُ النَّظَرِ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنْهَا شَرْعًا انْتَهَى. فَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْهُ أَنَّ الدُّخُولَ فِي بَيْتِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ حَرَامٌ، وَالدُّخُولَ فِي بَيْتِ مَحَارِمِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَكْرُوهٌ، وَيَكْفِي فِي التَّأَدِّي إلَى الْحَرَجِ جَرَيَانُ الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ بِدُخُولِ بَعْضِ الْمَحَارِمِ عَلَى بَعْضِهِمْ بِلَا اسْتِئْذَانٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْدَحُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ كَانَ أَوْ سَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ) يَعْنِي بِالْمَعْنَيَيْنِ الضَّرُورَةَ وَقِلَّةَ الرَّغْبَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ: يَعْنِي الْحَرَجَ وَقِلَّةَ الرَّغْبَةِ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ إذَا سَرَقَ الْمَرْءُ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِجَوَازِ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ احْتِشَامٍ وَاسْتِئْذَانٍ فَوَقَعَ نُقْصَانٌ فِي الْحِرْزِ. قُلْت: لَا يُقْطَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَأَمَّا جَوَازُ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَمَمْنُوعٌ، ذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْمَحَارِمَ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ لَا يَكُونُ لَهُمْ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ وَاسْتِئْذَانٍ وَلِهَذَا يُقْطَعُونَ بِسَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي ذِكْرِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بِعَيْنِهِمَا. أَقُولُ: لَيْسَ الْجَوَابُ بِتَامٍّ، أَمَّا قَوْلُهُ قُلْت لَا يُقْطَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ فَلِأَنَّ عَدَمَ الْقَطْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَيَأْخُذَ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا دُونَ مَا تَحْتَهُمَا إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ، فَإِنْ خَافَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا تَيَقُّنًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ بِجَهْدِهِ، ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهَا الرُّكُوبَ بِنَفْسِهَا يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا يَتَكَلَّفُ بِالثِّيَابِ كَيْ لَا تُصِيبَهُ حَرَارَةُ عُضْوِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الثِّيَابَ يَدْفَعُ الشَّهْوَةَ عَنْ قَلْبِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. قَالَ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ مَمْلُوكَةِ غَيْرِهِ إلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ) لِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا وَتَخْدُمُ أَضْيَافَهُ وَهِيَ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا، فَصَارَ حَالُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ دَاخِلَهُ فِي حَقِّ مَحَارِمِهِ الْأَقَارِبِ. وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى جَارِيَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدُّرَّةِ، وَقَالَ: أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ؟ وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُبَاحُ إلَّا إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، بَلْ أَوْلَى لِقِلَّةِ الشَّهْوَةِ فِيهِنَّ وَكَمَالِهَا فِي الْإِمَاءِ. وَلَفْظَةُ الْمَمْلُوكَةِ تَنْتَظِمُ الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ، وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ، وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ مَعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَحْرَمِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ فِي حُكْمِ الْمَحْرَمِ بِالنَّسَبِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ وُجُودَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ الْمَذْكُورُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَلَا يَدْفَعُهُ عَدَمُ الْقَطْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَمَّا جَوَازُ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَمَمْنُوعٌ، وَتَأْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحَارِمِ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ وَاسْتِئْذَانٍ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ، فَإِنَّ وُجُودَ أَحَدِ ذَيْنِك الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ وَاسْتِئْذَانٍ كَمَا تَحَقَّقْته، وَمَبْنَى السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ الْفَاءُ فِي قَوْلِ السَّائِلِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ إذَا سَرَقَ الْمَرْءُ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ، فَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْمَحْرَمِ بِسَبَبٍ فِي حُكْمِ الْمَحْرَمِ بِنَسَبٍ أَنْ يُصَارَ إلَى الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا النَّوْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ ذَوَاتُ الْمَحْرَمِ بِلَا رَحِمٍ فَحُكْمُهُنَّ حُكْمُ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَرُوِيَ «أَنَّ أَفْلَحَ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لِيَلِجَ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمُّك أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِيهِ» انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ حُكْمَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِالنَّسَبِ وَالْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ الْمُحَرَّمَةُ بِالْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] . (ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ) (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَوْنُ الْمُرَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لَيْسَ بِأَجْلَى مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجًا، فَبِهَذَا الِاحْتِمَالِ كَيْفَ

فَقَدْ قِيلَ يُبَاحُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، وَقَدْ قِيلَ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِيهِنَّ، وَفِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الضَّرُورَةَ فِيهِنَّ وَفِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ. قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الشِّرَاءِ يُبَاحُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ بِشَرْطِ عَدَمِ الشَّهْوَةِ. قَالَ (وَإِذَا حَاضَتْ الْأَمَةُ لَمْ تَعْرِضْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) وَمَعْنَاهُ بَلَغَتْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ مِنْهَا عَوْرَةٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُشْتَهَى وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تَعْرِضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ. قَالَ (وَالْخَصِيُّ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الْخِصَاءُ مِثْلُهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامِعُ. وَكَذَا الْمَجْبُوبُ؛ لِأَنَّهُ يَسْحَقُ وَيُنْزِلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيَثْبُتُ الْمُدَّعَى، وَلَئِنْ سَلَّمَ كَوْنَ الْمُرَادِ ذَلِكَ فَجَوَازُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا. (قَوْلُهُ وَالْخَصِيُّ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الْخِصَاءُ مِثْلُهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ) قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: هَا هُنَا إيرَادَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنِّفِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَضْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خِصَاءُ الْبَهَائِمِ مِثْلُهُ، ثُمَّ تَلَا {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْخِصَاءُ مِثْلُهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاكُمْ، فَإِنَّ كَوْنَ الْخِصَاءِ مِثْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْخَصِيِّ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ، إلَى هَاهُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ إيرَادَيْهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حَاصِلَهُ عَدَمُ ثُبُوتِ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ بِطَرِيقِ الْإِسْنَادِ أَوْ بِطَرِيقِ الْإِرْسَالِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا بِطَرِيقِ الْإِرْسَالِ، وَتَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمُرْسَلَ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِدُونِ أَنْ يَثْبُتَ اتِّصَالُهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ كَمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إلَّا أَنَّهُ يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، حَتَّى قَالُوا إنَّهُ فَوْقَ الْمُسْنَدِ، وَمُرْسَلُ مَنْ دُونَ هَؤُلَاءِ يُقْبَلُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَيُرَدُّ عِنْدَ الْبَعْضِ، فَهَذَا الْقَوْلُ الْمُرْسَلُ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ الْقَرْنِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مَقْبُولًا عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ مَنْ دُونَ الْقَرْنِ الثَّالِثِ فَهُوَ أَيْضًا مَقْبُولٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرَاتُ الثِّقَاتِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، فَدَلَالَةُ أَثَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى الْمُدَّعَى أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى. ثُمَّ أَقُولُ: وَلَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ اتِّفَاقُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَلَا اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ إنَّمَا يُوجِبُ التَّقْلِيدَ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا السَّمَاعُ أَوْ الْكَذِبُ، وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لَا فِيمَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ مَشْهُورٌ وَالْمُجْتَهِدُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي مَرْجِعُهُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ حَيْثُ قَالُوا: وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامِعُ، وَلَمْ يُعْلَمْ اتِّفَاقُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى قَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُوجِبَ التَّقْلِيدَ فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَجْبُوبُ لِأَنَّهُ يَسْحَقُ وَيُنْزِلُ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ:

وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ فَحْلٌ فَاسِقٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ فِيهِ، وَالطِّفْلُ الصَّغِيرُ مُسْتَثْنًى بِالنَّصِّ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا) . وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَالْمَحْرَمِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مُتَحَقِّقَةٌ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ. وَلَنَا أَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ، وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْحَاجَةُ قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَسْحَقُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُنْزِلُ بِضَمِّهَا: أَيْ يَفْعَلُ الْإِنْزَالَ. وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ كَمَا فَعَلَهُ الْعَيْنِيُّ حَيْثُ قَالَ الْمَنِيَّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيُنْزِلُ انْتَهَى. أَقُولُ: الصَّوَابُ مَا فَعَلَهُ الْعَيْنِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى يُنْزِلُ هُنَا يَفْعَلُ الْإِنْزَالَ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِلْقَصْدِ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ كَمَا فِي نَحْوِ قَوْلِك فُلَانٌ يُعْطِي: أَيْ يَفْعَلُ الْإِعْطَاءَ. وَيُوجَدُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِصَحِيحٍ هُنَا، إذْ لَا يَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْمَجْبُوبِ فَاعِلَ حَقِيقَةِ الْإِنْزَالِ. فَإِنَّ هَذَا يَتَحَقَّقُ بِإِنْزَالِهِ الْبَوْلَ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ لَهَا شَهْوَةُ الْمَنِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَفْعُولِ يُنْزِلُ هُنَا بِالْمَنِيِّ حَتَّى يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلِ فِيهِ) أَيْ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، كَذَا فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَيْ فِي الْمُخَنَّثِ الَّذِي فِي أَعْضَائِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ انْتَهَى. أَقُولُ: الْحَقُّ مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ: أَعْنِي الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ وَالْمُخَنَّثَ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا رَيْبٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ، فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالثَّالِثِ وَحْدِهِ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ جَمِيعًا، وَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا بَيَانُ دَلِيلٍ آخَرَ أَقْوَى مِمَّا ذَكَرَهُ. أَوَّلًا جَامِعٍ لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ مَعًا كَمَا تَرَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَلِمَةَ الْحَاصِلِ تَقْتَضِي فِي الِاسْتِعْمَالِ تَفْصِيلًا سَابِقًا يَكُونُ مَا ذُكِرَ فِي حَيِّزِهَا تَلْخِيصًا لِذَلِكَ التَّفْصِيلِ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ هُنَا إذَا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا نَاظِرًا إلَى مَجْمُوعِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَارَّةِ لَا إلَى الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ وَحْدَهَا، سِيَّمَا لَوْ أُرِيدَ بِالضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ يُؤْخَذُ فِيهِ الْمُخَنَّثُ بِالْمَعْنَى الْغَيْرِ الْمَذْكُورِ فِيمَا مَرَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ كَمَا زَعَمَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ لِلْكَلِمَةِ الْحَاصِلِ مِسَاسٌ بِمَا قَبْلَهَا أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْإِمَاءُ، قَالَ سَعِيدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا: لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ قَالَ (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْمُرَاد بِالنَّصِّ الْإِمَاء قَالَ سَعِيدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَطْلَقَ اسْمَ سَعِيدٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالنِّسْبَةِ لِيَصِحَّ تَنَاوُلُهُ لِلسَّعِيدَيْنِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي هَذَا التَّوْجِيهِ. وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: أَرَادَ بِهِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْكَشَّافِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ: إنَّمَا أَطْلَقَ السَّعِيدَ لِيَتَنَاوَلَ السَّعِيدَيْنِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرَكِ عُمُومٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ وَهُوَ فَاسِدٌ انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ بِالتَّنَاوُلِ فِي قَوْلِهِمْ لِيَتَنَاوَلَ السَّعِيدَيْنِ هُوَ التَّنَاوُلُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا التَّنَاوُلُ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ وَالْعُمُومِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَتَنَاوَلُ مَعَانِيَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَلَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ: وَالْمُشْتَرَكُ مُسْتَغْرِقٌ لِمَعَانِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَاَلَّذِي لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا دُونَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ لِمُعَايَنَةٍ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ عِبَارَةِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ: وَنَظَرَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِيهِ. قُلْت: نَظَرُهُ وَارِدٌ وَلَكِنَّ تَعْلِيلَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، أَمَّا وُرُودُهُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ لَفْظَ سَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ، وَأَرَادَ بِهِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَوْ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ. وَأَمَّا أَنَّ تَعْلِيلَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهِ لُزُومَ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ الِاشْتِرَاكِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مَا وُضِعَ لَمَعَانٍ انْتَهَى. أَقُولُ: كِلَا دَخْلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ لَفْظُ سَعِيدٍ لَا مَجْمُوعُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَعَدَمُ اسْتِعْمَالِ السَّلَفِ لَفْظَ سَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ فِي سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَيْسَ لِعَدَمِ صِحَّةِ إطْلَاقِ لَفْظِ سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا، وَإِلَّا لَمَا كَانَ عَلَمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ لِقَصْدِهِمْ زِيَادَةَ إظْهَارِ الْمُرَادِ وَتَعْيِينِهِ، وَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ تَنَاوُلَ لَفْظِ سَعِيدٍ هَاهُنَا لِلسَّعِيدَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ لَزِمَهُ تَرْكُ النِّسْبَةِ وَصَحَّ الْإِطْلَاقُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ لَفْظَ سَعِيدٍ عَلَمٌ مُشْتَرَكٌ، وَالْأَعْلَامُ الْمُشْتَرَكَةُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَمَرَهُ فِي عِلْمِ النَّحْوِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ ثُبُوتُ الِاشْتِرَاكِ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مَا وُضِعَ لَمَعَانٍ لَا يُجْدِي شَيْئًا، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمَعَانِي مَا يُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ فَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْعَلَمِ الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا بِلَا رَيْبٍ. وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الصُّوَرَ الْعَقْلِيَّةَ الْمُقَابِلَةَ لِلْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ بِمُعْتَبَرَةٍ فِي مَعْنَى الْمُشْتَرَكِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ مَا وُضِعَ لِمُتَعَدِّدٍ بِوَضْعِ مُتَعَدِّدٍ: أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الْمُتَعَدِّدُ الْمَوْضُوعُ لَهُ، وَالْأَمْرُ فِي الْعَلَمِ الْمُشْتَرَكِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مُسَمَّيَاتِهِ بِوَضْعٍ وَاحِدٍ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَضْعٌ مُسْتَقِلٌّ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ عَلَّلَ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالنَّصِّ الْإِمَاءَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الذُّكُورَ مُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] فَلَوْ دَخَلُوا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] لَزِمَ التَّعَارُضُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِصَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ

الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت» ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّ الْحُرَّةِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ وَتَحْصِيلًا لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا تُخَيِّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِي الْوَطْءِ فَلِهَذَا لَا يُنْقَصُ حَقُّ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةَ غَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِطَابِ الْإِنَاثِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَنْ لَا تَدْخُلَ الْإِمَاءُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] بِنَاءً عَلَى لُزُومِ التَّعَارُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] مَعَ أَنَّ دُخُولَ الْإِمَاءِ فِيهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ اللَّازِمَ مِنْ كَوْنِ الذُّكُورِ مِنْ الْمَمَالِيكِ مُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] دُخُولُهُمْ فِي جَانِبِ الْغَاضِّينَ مِنْ أَبْصَارِهِمْ لَا فِي جَانِبِ مَنْ يَجِبُ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي مُنِعَ النَّظَرُ إلَيْهِ، فَإِنَّ كَلِمَةَ مِنْ فِي قَوْله تَعَالَى مِنْ أَبْصَارِهِمْ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُفَسِّرُونَ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى يَغُضُّوا بَعْضًا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَةُ مُجْمَلَةً فِي حَقِّ مَنْ مُنِعَ النَّظَرُ إلَيْهِ، فَلَوْ دَخَلَ الذُّكُورُ مِنْ الْمَمَالِيكِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] لَمْ يَلْزَمْ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إحْدَى الْآيَتَيْنِ مُبَيِّنَةً لِمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مِنْ الْإِجْمَالِ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ حَسَنٌ مُقَرَّرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ ذُكُورُ الْمَمَالِيكِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا، وَكَذَا نَظَائِرُهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] إلَى آخِرِ الْآيَةِ كُلِّهَا مُبَيِّنَةً لِلْإِجْمَالِ الْوَاقِعِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ دَقَّقَ النَّظَرَ وَحَقَّقَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ إلَيْهَا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ لَهَا حَقًّا فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَالْعَزْلُ يُوجِبُ النَّقْصَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ الْبَخْسُ بِحَقِّ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِي الْحُرَّةِ لِمَكَانِ خَوْفِ فَوْتِ الْوَلَدِ الَّذِي لَهَا فِيهِ حَقٌّ. وَالْحَقُّ هَاهُنَا فِي الْوَلَدِ لِلْمَوْلَى دُونَ الْأَمَةِ، وَقَوْلُهُمَا فِيهِ نُقْصَانُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ. قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنَّ حَقَّهَا فِي أَصْلِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَا فِي وَصْفِ الْكَمَالِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ لَا مَاءَ لَهُ وَهُوَ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ وَلَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الْخُصُومَةِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ حَقَّهَا فِي أَصْلِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَا فِي وَصْفِ الْكَمَالِ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ: إنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْخُصُومَةِ لِعَدَمِ صُنْعِ الزَّوْجِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْعَزْلِ فَإِنَّهُ بِصُنْعِهِ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَاهَا، فِي الْعَزْلِ لَا فِيهِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صُنْعِ الزَّوْجِ فِيهِ لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حَقُّ الْخُصُومَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ حَقَّهَا لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ صُنْعِ الزَّوْجِ فِيمَا يُبْطِلُ حَقَّهَا؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لِلزَّوْجَةِ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بِصُنْعِ الزَّوْجِ، فَتَعَيَّنَّ أَنَّ الْوَجْهَ فِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حَقُّ الْخُصُومَةِ فِيمَنْ لَا مَاءَ لَهُ وَهُوَ يُجَامِعُهَا مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ كَوْنُ حَقِّهَا فِي أَصْلِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَا فِي وَصْفِ الْكَمَالِ، فَكَذَا فِي الْعَزْلِ تَدَبَّرْ.

[فصل في الاستبراء وغيره]

فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا وَلَا يَلْمِسُهَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ] قَالَ الشُّرَّاحُ: أَخَّرَ الِاسْتِبْرَاءَ؛ لِأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ وَطْءٍ مُقَيَّدٍ، وَالْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْمُطْلَقِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَإِنْ قُلْتَ: أَيْنَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ فِيمَا سَبَقَ؟ قُلْتُ: فُهِمَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ اللَّمْسَ، فَالنَّهْيُ عَنْ الْمَسِّ نَهْيٌ عَنْهُ فَلِهَذَا عَنْوَنَهُ بِالْوَطْءِ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُمْ مَا قَالُوا: لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ السُّؤَالُ بِأَيْنَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ فِيمَا سَبَقَ، بَلْ مُرَادُهُمْ أَنَّ الْوَطْءَ الْمُقَيَّدَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ نَفْسِهِ، فَأَخَّرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الْمُطْلَقِ، وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ، وَانْتِفَاءُ الْمُقَيَّدِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمُطْلَقِ كَمَا لَا يَخْفَى فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ. وَأَمَّا تَحَقُّقُ الْمُقَيَّدِ فَيَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ الْمُطْلَقِ فِي ضِمْنِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْوَطْءُ الْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَكَّبَ بَعْدَ الْمُفْرَدِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُطْلَقِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ، وَأَيْضًا لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَلِهَذَا عَنْوَنَهُ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمَسِّ إذَا كَانَ نَهْيًا عَنْ الْوَطْءِ كَانَ الْعُنْوَانُ بِالْمَسِّ عُنْوَانًا بِالْوَطْءِ أَيْضًا، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَنْوِنَ الْفَصْلَ السَّابِقَ بِالْوَطْءِ اسْتِقْلَالًا، كَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ الْوَطْءِ اسْتِقْلَالًا. ثُمَّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَطْءِ الْمُطْلَقِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَزْلِ الْمَذْكُورَةِ قُبَيْلَ فَصْلِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنَّ الْعَزْلَ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ فَإِذَا قَرُبَ الْإِنْزَالُ أَخْرَجَ فَيُنْزِلُ خَارِجَ الْفَرْجِ، وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ هَاهُنَا مَا قُيِّدَ بِزَمَانٍ، فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ مُقَيَّدٌ بِالزَّمَانِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَفِي الْعَزْلِ مُطْلَقٌ عَنْهُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَطْءِ الْمَذْكُورِ فِي عُنْوَانِ الْفَصْلِ السَّابِقِ أَيْضًا مَا فِي ضِمْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي صَدْرِ ذَلِكَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا وَلَا يَلْمِسُهَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) أَقُولُ: فِي إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً كَانَتْ تَحْتَ نِكَاحِهِ أَوْ كَانَتْ تَحْتَ نِكَاحِ غَيْرِهِ وَلَكِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ فَانْقَضَتْ

حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» أَفَادَ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى، وَدَلَّ عَلَى السَّبَبِ فِي الْمَسْبِيَّةِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعِدَّتُهَا بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَسَيَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرُوا فِي حِيلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْكِ الصُّوَرِ دَاخِلَةٌ فِي إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَرَى. فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْيِيدَهَا بِمَا يُخْرِجُ تِلْكَ الصُّوَرَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِي الْحَصْرِ كَلَامٌ، فَإِنَّ السَّبْيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا وُجِدَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُمَلَّكَ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ يُسْتَبْرَأُ صِيَانَةً لِمَائِهِ ثُمَّ يُبَاشِرُ السَّبَبَ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبْرَاءَ الْمُمَلَّكِ حِينَئِذٍ انْتَهَى. أَقُولُ: كَلَامُهُ سَاقِطٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ حَصْرُ مَا يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ فِي اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، فَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ أَيْ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ هُوَ الْمَوْجُودُ الصَّالِحُ لِلسَّبَبِيَّةِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحِكْمَةِ فِيهِ وَالْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ إنَّمَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِيهِ هُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلٍ فِيهِ لِلسَّبْيِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِيهِ وَبَيَانِ عِلَّتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ قَدْ تَكَفَّلَ بِبَيَانِ عَدَمِ مَدْخَلِيَّةِ السَّبْيِ فِي السَّبَبِيَّةِ بِأَوْضَحِ وَجْهٍ حَيْثُ قَالَ لَا يُقَالُ الْمُوجِبُ كَوْنُهَا مَسْبِيَّةً لِأَنَّ كَوْنَهَا مَسْبِيَّةٍ إضَافَةٌ وَالْإِضَافَاتُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ انْسَدَّ بَابُ الْقِيَاسِ وَأَنَّهُ مَفْتُوحٌ بِالنُّصُوصِ، فَلَمْ يَبْقَ هَاهُنَا إلَّا كَوْنُهَا مَمْلُوكَةٍ رَقَبَةً وَيَدًا وَهُوَ الْمُؤْثَرُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْقَائِلِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُمَلَّكَ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ يَسْتَبْرِئُ صِيَانَةً لِمَائِهِ ثُمَّ يُبَاشِرُ السَّبَبَ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبْرَاءِ الْمُمَلَّكِ حِينَئِذٍ مَمْنُوعٌ أَيْضًا، فَإِنَّ عِلَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ هِيَ إرَادَةُ الْوَطْءِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ دُونَ الْبَائِعِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. فَمِنْ أَيْنَ كَانَ اسْتِبْرَاءُ الْمُمَلَّكِ قَبْلَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ ظَاهِرًا. وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهُ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُسْلِمِ مِنْ صِيَانَةِ مَائِهِ، فَذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُمَلَّكِ. بِنَاءً عَلَى تَوَهُّمِ شَغْلِ الرَّحِمِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ فَإِنَّ مُجَرَّدَ تَوَهُّمِهِ كَافٍ فِي وُجُوبِهِ كَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ الْبَيَانِ الْآتِي فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ انْعِلَاقَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ مِنْ مَاءَيْنِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَكَيْفَ بَنَوْا هَاهُنَا حِكْمَةَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى جَوَازِهِ انْتَهَى؟ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِلَاطِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِمْ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ الْحَقِيقِيِّ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الِاخْتِلَاطُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ

وَذَلِكَ عِنْدَ حَقِيقَةِ الشُّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِ الشُّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ إرَادَةُ الْوَطْءِ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ دُونَ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيِّ مَاءٍ انْعَلَقَ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ، وَيُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ الِاخْتِلَاطِ إذْ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَعَرَّفَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يُنْكِرُونَهُ إنَّمَا هُوَ اخْتِلَاطُ الْمَاءَيْنِ اخْتِلَاطًا حَقِيقِيًّا، فَلَا تَدَافُعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ عِنْدَ حَقِيقَةِ الشَّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ) لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ فِي مَرْجِعِ ضَمِيرِ هُوَ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ نَوْعُ اشْتِبَاهٍ، وَعَنْ هَذَا قَدْ افْتَرَقَتْ آرَاءُ النَّاظِرِينَ فِيهِ فَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ: أَيْ الْمُرَادُ مِنْ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ إثْبَاتُ نَسَبِهِ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، فَإِنَّ تَفْسِيرَهُ الْمَذْكُورَ يُشْعِرُ بِإِرْجَاعِهِ ضَمِيرَ هُوَ إلَى تَوَهُّمِ الشَّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ، وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي حَقِيقَةِ الشَّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ أَيْضًا كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ بِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يُصَحِّحُ حَمْلَ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ بِالْمُوَاطَأَةِ عَلَى ضَمِيرِ هُوَ الرَّاجِعِ إلَى تَوَهُّمِ الشَّغْلِ عَلَى مُقْتَضَى تَقْرِيرِهِ، وَلَا يَتِمُّ الْمَعْنَى بِدُونِ ذَلِكَ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ تَوَهُّمَ الشَّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ لَيْسَ نَفْسُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ حَتَّى يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ بِالْمُوَاطَأَةِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ: أَيْ الِاسْتِبْرَاءُ لَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ، وَحَذْفُ الْجَارِّ مَعَ أَنَّ وَأَنْ قِيَاسٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مَعَ كَوْنِهِ بَعِيدًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى عَنْ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعًا لِضَمِيرِ هُوَ هَاهُنَا لَيْسَ هُوَ لَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ بَلْ لِإِرَادَةِ الْوَطْءِ نَظَرًا إلَى عِلَّتِهِ وَلِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ نَظَرًا إلَى حِكْمَتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكِتَابِ فِيمَا قَبْلُ وَمَا بَعْدُ، كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْمُشْتَرِي نَسَبَ الْوَلَدِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْمُشْتَرَاةُ بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ ذَلِكَ الْوَلَدِ مِنْهُ لِكَوْنِ فِرَاشِ الْأَمَةِ ضَعِيفًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ، فَمَا مَعْنَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ فَتَأَمَّلْ. وَأَقُولُ: فِي حِلِّ الْمَقَامِ: إنَّ ضَمِيرَ هُوَ هَاهُنَا رَاجِعٌ إلَى مَاءٍ مُحْتَرَمٍ مَذْكُورٍ قُبَيْلَهُ. فَالْمَعْنَى، وَهُوَ أَيْ الْمَاءُ الْمُحْتَرَمُ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ عَلَى حَذْفِ الْجَارِ مِنْ كَلِمَةِ إنْ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَكَوْنُ الْوَلَدِ ثَابِتَ النَّسَبِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ مِنْ قَبْلُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ نِكَاحًا أَوْ يَمِينًا فَتَدَبَّرْ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْجَارِيَةَ إذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ أَوْضَاعِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا فِي الْحَلَالِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي خُلَاصَةِ هَذَا التَّوْجِيهِ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ مَاءٍ مُحْتَرَمٍ: بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَغْيٍ، وَقَالَ: وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَمْلًا لِلْحَالِ عَلَى الصَّلَاحِ انْتَهَى. وَسَلَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَوْجِيهِ التَّقْيِيدِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ مَسْلَكًا آخَرَ، وَقَصَدَ رَدَّ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَكُونُ مِنْ بَغْيٍ لِمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ نِكَاحَ الْمُزَنِيَّةِ وَوَطْأَهَا جَائِزٌ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ، فَإِذَا جَازَ وَطْؤُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا فَجَوَازُهُ مَعَ احْتِمَالِهِ أَوْلَى، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِالْجَارِيَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَغْلٌ مُحَقَّقٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ وَطْئِهَا لِذَلِكَ عَدَمُ حِلِّهِ لِشَغْلٍ مُحْتَمَلٍ، عَلَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ وَطْئِهَا لَيْسَ لِاحْتِرَامِ الْمَاءِ بَلْ لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ لِمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ نِكَاحَ الْمُزَنِيَّةِ وَوَطْأَهَا جَائِزٌ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ لَيْسَ بِتَعْلِيلٍ صَحِيحٍ لِلْمُدَّعَى هَاهُنَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْمُزَنِيَّةِ وَجَوَازَ وَطْئِهَا لِلزَّوْجِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُزَنِيَّةِ لِلْمُتَمَلِّكِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ. كَيْفَ وَاَلَّذِي سَبَقَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ هُوَ أَنَّهُ إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشَّغْلُ بِمَاءِ الْغَيْرِ فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الشَّغْلِ. فَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الشِّرَاءِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ فِي نِكَاحِ الْمُزَنِيَّةِ، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ التَّمَلُّكَاتِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ أَصْلًا.

غَيْرَ أَنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ فَانْتَصَبَ سَبَبًا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ تَيْسِيرًا، فَكَانَ السَّبَبُ اسْتِحْدَاثَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ وَتَعَدِّي الْحُكْمِ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا جَازَ وَطْؤُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ صَحَّ مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا فَجَوَازُهُ مَعَ احْتِمَالِهِ أَوْلَى لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ الزِّنَا لَوْ كَانَ مُجَوِّزًا لِلْوَطْءِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ لَارْتَفَعَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ فِي بَابِ تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ احْتِمَالُ الزِّنَا غَيْرُ مُنْتَفٍ فِي كُلِّ جَارِيَةٍ مَمْلُوكَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا جَازَ وَطْؤُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي صُورَةِ النِّكَاحِ مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا فَجَوَازُهُ مَعَ احْتِمَالِهِ أَوْلَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي دَفْعِ النَّقْضِ بِالْجَارِيَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِشَغْلٍ مُحَقَّقٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ وَطْئِهَا لِذَلِكَ عَدَمُ حِلِّهِ لِشَغْلٍ مُحْتَمَلٍ. إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ الِاحْتِرَامُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ قَيْدًا لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ فَقَطْ لَا لِمَجْمُوعِ حَقِيقَةِ الشَّغْلِ وَتَوَهُّمِ الشَّغْلِ مَعًا. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا لِلْمَجْمُوعِ. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ قَبْلُ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ: وَهُوَ أَيْ احْتِرَامُ الْمَاءِ سَوَاءٌ اشْتَغَلَ بِهِ الرَّحِمُ حَقِيقَةً أَوْ تَوَهُّمًا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْهُ ثَابِتَ النَّسَبِ انْتَهَى. فَإِذَا كَانَ قَيْدًا لِلْمَجْمُوعِ يَرِدُ النَّقْضُ بِالْجَارِيَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ رَحِمَهَا مُشْتَغِلٌ حَقِيقَةً بِمَاءٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ مَعَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فِيهَا أَيْضًا. وَالرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ وَطْئِهَا لَيْسَ لِاحْتِرَامِ الْمَاءِ بَلْ لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِمَّا لَا حَاصِلَ لَهُ هَاهُنَا، فَإِنَّ مَدَارَ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ عَلَى عَدَمِ احْتِرَامِ الْمَاءِ فِي الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا أَيْضًا مَعَ عَدَمِ احْتِرَامِ الْمَاءِ فِيهَا فَانْتَقَضَ بِهَا التَّقْيِيدُ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ عَكْسًا. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ وَطْئِهَا لَيْسَ لِاحْتِرَامِ الْمَاءِ فِيهَا لَا يَدْفَعُ النَّقْضَ بَلْ يُؤَيِّدُهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ هَذَا: فَإِنَّ صَحِيحَ الْمِزَاجِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ أَرَادَهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ غَيْرَ صَحِيحِ الْمِزَاجِ مَمْنُوعٌ أَيْضًا عَنْ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ. وَقَالَ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُتَمَكِّنَ مِنْهُ يُرِيدُهُ. وَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَثْبُتُ إلَخْ، وَالْمُرَادُ مِنْ التَّمَكُّنِ هُوَ التَّمَكُّنُ الشَّرْعِيُّ انْتَهَى. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ إيرَادِهِ وَمَا اخْتَارَهُ لَيْسَ بِتَامٍّ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ غَيْرِ صَحِيحِ الْمِزَاجِ مَمْنُوعًا أَيْضًا عَنْ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ غَيْرَ صَحِيحِ الْمِزَاجِ عَاجِزٌ عَنْ الْوَطْءِ، وَالْمَنْعُ عَنْ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَأَنْ يُقَالَ الْأَعْمَى مَمْنُوعٌ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي بَيَانِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَهَى عَنْ الْوَطْءِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عِنْدَ تَمَكُّنِ الْوَطْءِ وَالتَّمَكُّنُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَمَلِّكُ لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُعْرِضٌ انْتَهَى. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ التَّمَكُّنِ هَاهُنَا هُوَ التَّمَكُّنُ

سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ لِبُطُونِهَا فَيُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشُّغْلِ. وَكَذَا لَا يُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا بِالْوِلَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ السَّبَبَ، وَكَذَا لَا يُجْتَزَأُ بِالْحَاصِلِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا لِمَا قُلْنَا. (وَيَجِبُ فِي جَارِيَةٍ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا شِقْصٌ فَاشْتَرَى الْبَاقِيَ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ الْآنَ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ، وَيُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ إذْ هُوَ مُقْتَضٍ لِلْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِمَانِعٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ (وَلَا يَجِبُ) (الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ الْمُؤَاجَرَةُ) أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ وَهُوَ سَبَبٌ مُتَعَيَّنٌ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ كَتَبْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى. وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي لِإِفْضَائِهَا إلَيْهِ. أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى اعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ. بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الْوُقُوعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْعِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّمَكُّنَ الشَّرْعِيَّ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَالْوَطْءَ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ مُحَرَّمٌ قَطْعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُهَا أَيْضًا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ، وَالْمَفْرُوضُ أَنَّهُ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ التَّمَكُّنِ هُوَ التَّمَكُّنُ الشَّرْعِيُّ دُونَ التَّمَكُّنِ الطَّبَعِيِّ لَزِمَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الشَّرْعِيِّ تَمَكُّنًا شَرْعِيًّا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَحْذُورِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ لِخَفَائِهَا) وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إنَّ الْحِكْمَةَ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحِكْمَةَ لَا تُرَاعَى فِي كُلِّ فَرْدٍ وَلَكِنْ تُرَاعَى فِي الْأَنْوَاعِ الْمَضْبُوطَةِ، فَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ بِكْرًا أَوْ مُشْتَرَاةً مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الشَّغْلِ بِالْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ مُتَيَقِّنٌ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» فَإِنَّ السَّبَايَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا بِكْرٌ أَوْ مَسْبِيَّةٌ مِنْ امْرَأَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمًا عَامًّا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْحِكْمَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي السَّبْيِ عَلَى الْعُمُومِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَذَلِكَ قِيَاسًا، فَإِنَّ الْعِلَّةَ مَعْلُومَةٌ، ثُمَّ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: إنَّ تَوَهُّمَ الشَّغْلِ ثَابِتٌ فِي الْبِكْرِ وَفِي الْمُشْرَبَةِ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ احْتِمَالَ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الرَّحِمِ

فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّهُ زَمَانُ نَفْرَةٍ فَالْإِطْلَاقُ فِي الدَّوَاعِي لَا يُفْضِي إلَى الْوَطْءِ وَالرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَصْدَقُ الرَّغَبَاتِ فَتُفْضِي إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاعِيَ فِي الْمَسْبِيَّةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا لَا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَائِمٌ بِدُونِ زَوَالِ الْعَذْرَةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِمَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّوَهُّمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. وَرُدَّ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: بِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى يَنْدَفِعَ بِبَيَانِ وَجْهِ ثُبُوتِهِ عَامًّا. بَلْ عَلَى الْحِكْمَةِ بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ حِكْمَةً لِعَدَمِ اطِّرَادِهَا بِحَسَبِ الْأَنْوَاعِ الْمَضْبُوطَةِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ الرَّدِّ هَذَا الرَّدُّ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ رِعَايَةِ الْحِكْمَةِ فِي الْأَنْوَاعِ لِيَعُمَّ الْحُكْمُ تِلْكَ الْأَنْوَاعَ لَا لِتَكُونَ الْحِكْمَةُ حِكْمَةً. فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ لِتِلْكَ الْأَنْوَاعِ هَاهُنَا بِالْحَدِيثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ثُبُوتِ الْحِكْمَةِ فِيهَا اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ شَرْعَ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحِكْمَةِ وَالْفَائِدَةِ، فَمِنْهَا مَا لَا يَتَيَسَّرُ وُقُوفُ الْبَشَرِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا يَتَيَسَّرُ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً لِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِيهِ فَقَالُوا إنَّهَا تُعَرِّفُ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ حَقِيقَةِ الشَّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ عُمُومِ الْحُكْمِ بِدَلِيلٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ فِي كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ الْحِكْمَةِ فِيهِ، وَلَا يَدْفَعُ الْحَاجَةَ إلَى ثُبُوتِ الْحِكْمَةِ فِيهِ؛ فَقَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ لِتِلْكَ الْأَنْوَاعِ هَاهُنَا بِالْحَدِيثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ثُبُوتِ الْحِكْمَةِ فِيهَا خُرُوجٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ جِدًّا، فَإِنَّ مَآلَهُ الِاعْتِرَافُ بِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ مَا عَدَّهُ أَسَاطِينُ الْفُقَهَاءِ حِكْمَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَأَنْ يَكُونَ حِكْمَةً فِيهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ الْمُتَشَرِّعُ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ فِي جَوَابِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي السَّبْيِ عَلَى الْعُمُومِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَذَلِكَ قِيَاسًا لَيْسَ بِتَامٍّ، فَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْمَسْبِيَّةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِتَحَقُّقِ الْمُطْلَقِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمَا وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَشَرْطُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَأَنَّى يَتَيَسَّرُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ دَلَالَةً بَدَلَ قَوْلِهِ قِيَاسًا. فَإِنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ فِي الدَّلَالَةِ فَيَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى تَبَصَّرْ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ الْمُؤَاجَرَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاعِيَ فِي الْمَسْبِيَّةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ حَيْثُ تَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْ الْأَصْلِ وَهِيَ الْمَسْبِيَّةُ إلَى الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُهَا بِتَغْيِيرٍ حَيْثُ حُرِّمَتْ الدَّوَاعِي فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ دُونَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّعَدِّيَ إنْ كَانَ بِالْقِيَاسِ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ دَافِعٍ،؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّغْيِيرِ شَرْطُ الْقِيَاسِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الدَّوَاعِي فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ أَمْرَانِ: الْإِفْضَاءُ، وَالْوُقُوعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، فَإِنْ لَمْ تُحَرَّمْ بِالثَّانِي فَلْتُحَرَّمْ بِالْأَوَّلِ. إذَا الْحُرْمَةُ تُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّعْدِيَةَ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِلَّاحِقِ دَلَالَةُ حُكْمِ الدَّلِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْحَقِ بِهِ لِعَدَمِهِ، وَالدَّلِيلُ هُنَا أَنَّ حُرْمَةَ الدَّوَاعِي فِي هَذَا الْبَابِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. فَلَمَّا كَانَ عِلَّتُهَا فِي الْمَسْبِيَّةِ أَمْرًا وَاحِدًا لَمْ تُعْتَبَرْ، وَلَمَّا كَانَ فِي غَيْرِهَا أَمْرَانِ تَعَاضَدَا

لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْحَرْبِيِّ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَفِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِالشَّهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْحَيْضِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ، وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ. فَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا تَرَكَهَا، حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِشَهْرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاُعْتُبِرَتْ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ فَلَمَّا كَانَ عِلَّتُهَا فِي الْمَسْبِيَّةِ أَمْرًا وَاحِدًا لَمْ تُعْتَبَرْ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ عِلَّةً صَحِيحَةً تَامَّةً فَوَحْدَتُهَا لَا تُنَافِي اعْتِبَارَهَا. وَلَا تَضُرُّ بِالْعَمَلِ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مِمَّا وَقَعَ الِاجْتِهَادُ فِي خِلَافِهِ، كَيْفَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّ الْعِلَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ، بَلْ نَرَى كَثِيرًا مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ قَدْ اكْتَفَوْا فِيهَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْحُرْمَةُ مِمَّا يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ فَكَانَ الِاكْتِفَاءُ فِيهَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْلَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِفْضَاءَ إلَى الْحَرَامِ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ. وَلِهَذَا قَالُوا فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الدَّوَاعِي قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْوَطْءِ الْحَرَامِ أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ تَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ، وَاكْتَفَوْا فِي تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الدَّوَاعِي فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى كَمَا فِي الظِّهَارِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ، وَفِي الْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّعْدِيَةَ هُنَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِلَّاحِقِ دَلَالَةُ حُكْمِ الدَّلِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْحَقِ بِهِ لِعَدَمِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ دُونَ الْقِيَاسِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِمُسْتَقِيمٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمَنْعَ وَظِيفَةُ الْمُجِيبِ. فَإِنَّ حَاصِلَ جَوَابِهِ مَنْعُ كَوْنِ التَّعْدِيَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ حَتَّى يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ فِي النَّظَرِ وَهُوَ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِتَغْيِيرٍ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَالِاسْتِنَادُ بِأَنَّهَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ لِلتَّغْيِيرِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ، فَمُقَابَلَةُ مَنْعِهِ بِمَنْعِ كَوْنِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ دُونَ الْقِيَاسِ خُرُوجٌ عَنْ قَوَاعِدِ آدَابِ الْمُنَاظَرَةِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَنْعَ كَوْنِ التَّعْدِيَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ دُونَ الْقِيَاسِ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ. وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِيمَا مَرَّ أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِبْرَاءِ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِتَحَقُّقِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلِاسْتِمْتَاعِ فَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَتَيَسَّرُ الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ لِذَلِكَ الْبَعْضِ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى وَاهِيَةٌ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكَلَامُ بِلَا طَائِلٍ فَصَفَحْنَا عَنْ التَّعَرُّضِ لَهَا دَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ أَصْدَقُ الرَّغَبَاتِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ ظَاهِرٌ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْبِيَّةِ وَالْمُشْتَرَاةِ فِي كَوْنِ الرَّغْبَةِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَصْدَقُ الرَّغَبَاتِ. فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُشِيرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا إلَى مَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى اعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْبِيَّةِ وَالْمُشْتَرَاةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ وُقُوعَهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْحَرْبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِمَا رَوَيْنَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ سَهَا الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ حَيْثُ قَالَ «وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» مَعَ أَنَّ لَفْظَهُ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ» وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا كَانَ أَظْهَرَ مِنْ أَنْ يَخْفَى فَكَأَنَّ السَّهْوَ وَقَعَ مِنْ

أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَعَنْهُ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ. وَعَنْ زُفَرَ سَنَتَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ. وَالْمَأْخُوذُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا قَرِبَهَا. وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا. وَلَوْ كَانَتْ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا وَيَقْبِضَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. وَإِنَّ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ. قَالَ (وَلَا يَقْرَبُ الْمَظَاهِرُ وَلَا يَلْمِسُ وَلَا يُقَبِّلُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يُكَفِّرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ الْوَطْءُ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ حَرُمَ الدَّوَاعِي لِلْإِفْضَاءِ إلَيْهِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ سَبَبَ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQطُغْيَانِ الْقَلَمِ فَاَللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا. (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِكَوْنِ الْقَبْضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَا يَعُدُّهُ مَعَ وُجُوبِ هَذَا التَّقْيِيدِ. قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ يَتَزَوَّجُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ، ثُمَّ يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ الْمَوْلَى ثُمَّ يَشْتَرِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا شَرَطَ تَسْلِيمَ الْجَارِيَةِ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ. يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ سَبَبُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ. وَهُوَ حُدُوثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ وَقْتَ عَدَمِ كَوْنِ فَرْجِهَا حَلَالًا لَهُ. بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ بِحُكْمِ التَّزَوُّجِ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ كَوْنُهُ قَبْضًا بِحُكْمِ الشِّرَاءِ. إلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الْبَعْضِ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَزَمَ بِوُجُوبِ تَقْيِيدِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِكَوْنِ الْقَبْضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَا بَعْدَهُ. وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَلَيْسَ بِتَامٍّ. فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمُخْتَارُ نَفْسِهِ. وَأَمَّا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَوْنَ الْقَبْضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ فَلِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ حِيلَةٌ أُخْرَى. وَهِيَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا وَيَقْبِضَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُثْبِتُ لَهُ عَلَيْهَا الْفِرَاشَ، فَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ وَهِيَ فِي فِرَاشِهِ. وَقِيَامُ الْفِرَاشِ لَهُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى فَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ قَدْ

الْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْتَدُّ شَطْرَ عُمْرِهَا وَالصَّوْمَ يَمْتَدُّ شَهْرًا فَرْضًا وَأَكْثَرُ الْعُمْرِ نَفْلًا، فَفِي الْمَنْعِ عَنْهَا بَعْضُ الْحَرَجِ، وَلَا كَذَلِكَ مَا عَدَدْنَاهَا لِقُصُورِهَا مُدَدِهَا. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُضَاجِعُ نِسَاءَهُ وَهُنَّ حُيَّضٌ» قَالَ (وَمَنْ لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَقَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَمْلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَارَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِكَوْنِ الْقَبْضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ سَبَبُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ حُدُوثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ وَقْتَ عَدَمِ كَوْنِ فَرْجِهَا حَلَالًا لَهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ وَقْتَ عَدَمِ كَوْنِ فَرْجِهَا حَلَالًا لَهُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ بَلْ يَقْتَضِي سُقُوطَ الِاسْتِبْرَاءِ؛ أَلَا يُرَى إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ حُدُوثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ بِفَسَادِ النِّكَاحِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ تَقِفْ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي سَلَكَ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى هَذَا الشَّرْطِ، إلَّا أَنَّهُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِصُورَةِ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ تَنْصِيصًا عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ بِهِ، وَعَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا فَقَالَ: وَالْحِيلَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا فَيَقْبِضَهَا فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِبْرَاءُ، لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا الْفِرَاشُ. وَإِنَّمَا اشْتَرَاهَا وَهِيَ فِرَاشُهُ. وَقِيَامُ الْفِرَاشِ لَهُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى تَبَيُّنِ فَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ، ثُمَّ الْحِلُّ لَهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَجَدُّدِ الْحِلِّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالنِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِهِ بِالشِّرَاءِ، فَزَمَانُ الشِّرَاءِ خَالٍ عَنْ الْحِلِّ. أَمَّا عَنْ الْحِلِّ الْحَاصِلِ بِالنِّكَاحِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ زَوَالِهِ. وَأَمَّا عَنْ الْحِلِّ الْحَاصِلِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُهُ الشِّرَاءُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا لَمْ يَفْرُغْ عَنْ التَّلَفُّظِ بِلَفْظِ اشْتَرَيْت بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْحِلُّ. قُلْت: هَذِهِ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ يُقَارِنُ وُجُودَ الْمَعْلُولِ لَا يَسْتَعْقِبُهُ، فَزَمَانُ التَّلَفُّظِ بِالْحَرْفِ الْأَخِيرِ فِي اشْتَرَيْت هُوَ زَمَانُ وُجُودِ الشِّرَاءِ وَالْحِلِّ وَزَوَالِ النِّكَاحِ. لَا يُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ نَوْعَ الْحِلِّ مُسْتَمِرٌّ وَلَا يُوجَدُ زَمَانٌ خَالٍ عَنْ الْحِلِّ وَلَمْ يَحْدُثْ نَوْعُ الْحِلِّ، إلَّا أَنَّهُ حَدَثَ حِلٌّ هُوَ أَثَرُ مِلْكِ الْيَمِينِ. وَذَلِكَ كَافٍ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ، بَلْ الْوَاجِبُ حُصُولُ الْحِلِّ بِمِلْكِ الْعَيْنِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ حَلَالًا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، هَذَا غَايَةُ تَوْجِيهِ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ يُعَدُّ مَحَلَّ نَظَرٍ. إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الشِّرَاءُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَحِلُّ الْوَطْءِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَتَعَقَّبُهُ، فَزَمَانُ وُجُودِ الْمِلْكِ خَالٍ عَنْ الْحِلِّ مُطْلَقًا فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ تَقَدَّمَ التَّسْلِيمُ أَوْ لَا، فَلَمْ يَصْلُحْ مَا ذَكَرَهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِهِ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْمَطَارِحِ، إلَى هُنَا لَفْظُ ذَلِكَ الْبَعْضِ. أَقُولُ: مَا أَوْرَدَهُ فِي خَاتِمَةِ كَلَامِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَتَعَقَّبُهُ أَنَّهُ يَتَعَقَّبُهُ زَمَانًا أَلْبَتَّةَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَتَعَقَّبُهُ ذَاتًا: أَيْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ. وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ وُجُودِ الْمِلْكِ خَالِيًا عَنْ الْحِلِّ مُطْلَقًا. وَبِالْجُمْلَةِ لُزُومُ تَأَخُّرِ حُكْمِ الشَّيْءِ عَنْ الشَّيْءِ زَمَانًا مَمْنُوعٌ، وَلُزُومُ تَأَخُّرِهِ عَنْهُ ذَاتًا مُسَلَّمٌ ضَرُورَةَ كَوْنِ حُكْمِ الشَّيْءِ مُتَفَرِّعًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ خُلُوُّ زَمَانٍ مَا عَنْ الْحِلِّ مُطْلَقًا فِيمَنْ نَحْنُ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ الِاسْتِبْرَاءُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْتَدُّ شَطْرَ عُمْرِهَا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ يَقْرُبُ مِنْ شَطْرِ عُمْرِهَا وَهُوَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ

فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ يُعْتِقُهَا) ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَا يَجُوزُ وَطْئًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمُحَرَّمِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَى الْوَطْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، فَإِذَا قَبَّلَهُمَا فَكَأَنَّهُ وَطِئَهُمَا، وَلَوْ وَطِئَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ إحْدَاهُمَا وَلَا أَنْ يَأْتِيَ بِالدَّوَاعِي فِيهِمَا، فَكَذَا إذَا قَبَّلَهُمَا وَكَذَا إذَا مَسَّهُمَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهِمَا بِشَهْوَةٍ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنْ يَمْلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ قَرِيبًا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهِيَ نِصْفُ الشَّهْرِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: أَيْ قَرِيبُ شَطْرِ عُمْرِهَا وَهُوَ الثُّلُثُ. أَوْ الْمُرَادُ الْبَعْضُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الشَّطْرَ هُوَ النِّصْفُ، وَيَتَقَوَّى بِذَلِكَ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ عَلَيْنَا بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَيْنَا هُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي نُقْصَانِ دِينِ الْمَرْأَةِ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» وَوَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زَمَانُ الْحَيْضِ، وَالشَّطْرُ هُوَ النِّصْفُ فَكَانَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشْرَةَ يَوْمًا. وَقَالَ الشُّرَّاحُ هُنَاكَ حَتَّى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَفْسُهُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ فِي الْحَدِيثِ حَقِيقَتَهُ؛ لِأَنَّ فِي عُمْرِهَا زَمَانُ الصِّغَرِ وَمُدَّةُ الْحَبَلِ وَزَمَانُ الْإِيَاسِ وَلَا تَحِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ، وَإِذَا قَدَّرْنَا الْعَشَرَةَ بِهَذِهِ الْآثَارِ كَانَ مُقَارِبًا لِلشَّطْرِ وَحَصَلَ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّطْرُ هُوَ النِّصْفُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَالْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ لَا يَتَقَوَّى اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ عَلَيْنَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، بَلْ لَا يَتَمَشَّى اسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَيْنَا أَصْلًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَجَالٌ لِكَوْنِ الشَّطْرِ هُنَاكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ عُمْرِ الْمَرْأَةِ لَهَا كَمَا بَيَّنُوا، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَجَازِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ كَمَا ذَكَرُوا قَاطِبَةً هُنَاكَ. وَعَلَيْهِ جَرَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُنَا أَيْضًا، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ نَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَشَطْرُ الشَّيْءِ نِصْفُهُ وَبَعْضُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَلِهَذَا أَوَّلَهُ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ شَطْرِهِ وَقَالَ: فَإِنَّهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَةَ يَوْمًا وَهِيَ نِصْفُ الشَّهْرِ فَكَأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الشَّطْرَ لَا يَجِيءُ إلَّا بِمَعْنَى النِّصْفِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُول: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الشَّطْرِ بِمَعْنَى الْبَعْضِ إنَّمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ: الشَّطْرُ نِصْفُ الشَّيْءِ وَجُزْؤُهُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ " فَوَضَعَ شَطْرَهَا " أَيْ بَعْضَهَا انْتَهَى. وَلَكِنَّ ذَاكَ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فِي أَنْ يَكُونَ الشَّطْرُ حَقِيقَةً فِي مَعْنَى الْبَعْضِ أَيْضًا، فَإِنَّ أَكْثَرَ كُتُبِ اللُّغَةِ غَيْرُ مُتَكَفِّلٍ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَئِنْ سَلِمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى الْبَعْضِ أَيْضًا فَلَيْسَ مَعْنَى الْبَعْضِ بِمُنَاسِبٍ لِلْمَقَامِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَحَقُّقِ الْحَيْضِ فِي بَعْضِ عُمْرِهَا لَا يَقْتَضِي الْحَرَجَ فِي الْمَنْعِ عَنْ الدَّوَاعِي أَيْضًا حَالَةَ الْحَيْضِ. وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِي الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ تَحَقُّقُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ عُمْرِهَا أَوْ فِي قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ عُمْرِهَا لِطُولِ مُدَّةِ الْحَيْضِ إذْ ذَاكَ، وَهُوَ الْمُفْضِي إلَى الْحَرَجِ. فَلِذَلِكَ حَمَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الشَّطْرَ الْوَاقِعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى النِّصْفِ، وَأَوَّلَهُ بِالْقَرِيبِ مِنْ النِّصْفِ لِيُوَافِقَ مَذْهَبَنَا فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ. (قَوْلُهُ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَا يَجُوزُ وَطْئًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمَحْرَمِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: الْأَصْلُ فِي الدَّلَائِلِ الْجَمْعُ وَأَمْكَنَ هُنَا بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] عَلَى النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ

فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ يُعْتِقَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُهَا لَمْ يَبْقَ جَامِعًا. وَقَوْلُهُ بِمِلْكٍ أَرَادَ بِهِ مِلْكَ يَمِينٍ فَيَنْتَظِمُ التَّمْلِيكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِهِ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُ، وَتَمْلِيكُ الشِّقْصِ فِيهِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَحْرُمُ بِهِ، وَكَذَا إعْتَاقُ الْبَعْضِ مِنْ إحْدَاهُمَا كَإِعْتَاقِ كُلِّهَا، وَكَذَا الْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ فِي هَذَا لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْوَطْءِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ. قُلْت: الْمَعْنَى الَّذِي يُحَرِّمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وُجِدَ هُنَا وَهُوَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ هُنَا أَيْضًا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] مَخْصُوصٌ إجْمَاعًا، فَإِنَّ أُمَّهُ وَأُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَالْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ حَرَامٌ فَلَا يُعَارِضُ مَا لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ وَهُوَ الْمُحَرِّمُ لِلْجَمْعِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ الْجَوَابِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] عَلَى النِّكَاحِ يَثْبُتُ حُكْمُ حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْضًا دَلَالَةً لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمِ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَامٍّ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ وَإِشَارَتَهُ تُرَجَّحَانِ عَلَى دَلَالَةِ النَّصِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إفَادَةَ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] حِلُّ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ وَطْئًا بِالْعِبَارَةِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْإِشَارَةِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يُتْرَكَ بِهَا دَلَالَةُ الْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَطْئًا عَلَى مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الْأُصُولِ. وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَلِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ فَصَارَ ظَنِّيًّا لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُعَارِضَ مَا هُوَ لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ وَهُوَ الْمُحَرِّمُ لِلْجَمْعِ لِكَوْنِهِ قَطْعِيًّا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ إنَّمَا يَكُونُ ظَنِّيًّا إذَا كَانَ الْمُخَصَّصُ مَوْصُولًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَفْصُولًا مُتَأَخِّرًا فَالْخَاصُّ إذْ ذَاكَ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْعَامِّ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْخَاصُّ، وَيَكُونُ الْعَامُّ فِي الْبَاقِي قَطْعِيًّا بِلَا شُبْهَةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُخَصِّصَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] لَيْسَ بِمَوْصُولٍ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي بَلْ كَانَ قَطْعِيًّا كَالْمُحَرِّمِ لِلْجَمْعِ فَلَمْ يَظْهَرْ الرُّجْحَانُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ حَتَّى لَا يَصْلُحَ لِلْمُعَارَضَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ بِمِلْكٍ أَرَادَ بِهِ مِلْكَ يَمِينٍ فَيَنْتَظِمُ التَّمْلِيكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِهِ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ فَيَنْتَظِمُ التَّمْلِيكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِهِ: أَيْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ كَالشِّرَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي بَعْضِ تَمْثِيلَاتِهِ خَطَأٌ، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ وَالْكِتَابَةُ. أَمَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ فَلِأَنَّ تَمْلِيكَ الْغَيْرِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْمُورِثِ فَكَيْفَ يَدْخُلُ ذَلِكَ تَحْتَ قَوْلِهِ بِمِلْكٍ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ، فَإِنَّ شَيْئًا مِنْ الْمُجَامَعَةِ وَالْمَسِّ وَالنَّظَرِ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْمَمَاتِ، عَلَى أَنَّ نَفْسَ التَّمْلِيكِ أَيْضًا عَلَى حَقِيقَتِهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْإِرْثِ. وَأَمَّا فِي الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْإِعْتَاقِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ فِي هَذَا فَكَانَتْ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ أَوْ يُعْتِقُهَا غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ، إذَا الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ هُنَا مِلْكُ الْيَمِينِ بِدَلَالَةِ عَطْفِ قَوْلِهِ أَوْ نِكَاحٍ عَلَيْهِ. وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمْلِيكُ الْفَرْجِ غَيْرَهُ مِلْكَ يَمِينٍ بِالْكِتَابَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عَرَفَ مَعْنَى الْكِتَابَةِ شَرْعًا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ فِي هَذَا لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْوَطْءِ بِذَلِكَ كُلِّهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: كَلِمَةُ كَذَا فِي قَوْلِهِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ زَائِدَةٌ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت زِيَادَةُ كَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ. إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ كَلِمَةَ كَذَا هَاهُنَا زَائِدَةٌ: أَيْ مُسْتَدْرَكَةٌ لَا أَنَّهَا زَائِدَةٌ كَزِيَادَةِ بَعْضِ الْحُرُوفِ لِتَحْسِينِ اللَّفْظِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْعَيْنِيُّ حَتَّى يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ قَوْلُهُ زِيَادَةٌ كَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ غَيْرَ مَشْهُورَةٍ. وَبِالْجُمْلَةِ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ الدَّخْلُ لَا التَّوْجِيهُ. فَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ لَغْوٌ مَحْضٌ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِمَا يَنْدَفِعُ بِهِ الِاسْتِدْرَاكُ فِي كَلِمَةِ كَذَا، وَهُوَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا: أَيْ وَكَكَوْنِ إعْتَاقِ الْبَعْضِ مِنْ إحْدَاهُمَا كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ الْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ: أَيْ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ. فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْمَقْصُودُ مِنْ كَلِمَةِ كَذَا

وَبِرَهْنِ إحْدَاهُمَا وَإِجَارَتِهَا وَتَدْبِيرِهَا لَا تَحِلُّ الْأُخْرَى؛ أَلَا يَرَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ نِكَاحٍ أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ. أَمَّا إذَا زَوَّجَ إحْدَاهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا يُبَاحُ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الزَّوْجُ بِهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا، وَالْعِدَّةُ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي التَّحْرِيمِ. وَلَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْمَوْطُوءَةِ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بِوَطْءِ الْأُخْرَى لَا بِوَطْءِ الْمَوْطُوءَةِ. وَكُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتَيْنِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ) وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَانَقَ جَعْفَرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَلَهُمَا مَا رُوِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَاهُنَا هُوَ التَّشْبِيهُ بِمَا قَبْلَهُ كَمَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ كَلِمَةِ كَذَا فِي قَوْلِهِ وَكَذَا إعْتَاقُ الْبَعْضِ مِنْ إحْدَاهُمَا كَإِعْتَاقِ كُلِّهَا هُوَ التَّشْبِيهُ أَيْضًا بِمَا قَبْلَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَأَيْضًا الْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ فِي هَذَا، وَالْغَرَضُ مِنْ التَّشْبِيهِ التَّشْرِيكُ فِي تَعْلِيلِ وَاحِدٍ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْوَطْءِ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَبِرَهْنِ إحْدَاهُمَا وَإِجَارَتِهَا وَتَدْبِيرِهَا لَا تَحِلُّ الْأُخْرَى؛ أَلَا يُرَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ) أَقُولُ: كَانَ الظَّاهِرُ فِي التَّعْلِيلِ هُنَا أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ بِهَا حُرْمَةُ الْوَطْءِ. فَإِنَّ مُجَرَّدَ عَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى؛ أَلَا يُرَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْكِتَابَةِ أَيْضًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ، وَصَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ أَيْضًا هُنَا فِيمَا قَبْلُ، مَعَ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَ إحْدَاهُمَا تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَحَمْلُ الْمِلْكِ فِي قَوْلِهِ لَا تَخْرُجُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِ الْوَطْءِ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَعَسُّفٌ لَا يَخْفَى. إذْ الْمُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ حِلُّ الْوَطْءِ لَا مِلْكُ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ مِلْكُ الْيَمِينِ أَوْ مِلْكُ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ وَهِيَ الْمُعَانَقَةُ، وَعَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَهِيَ التَّقْبِيلُ» ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَتَفْسِيرُ الْمُكَامَعَةِ بِالْمُعَانَقَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ: كَامَعَ امْرَأَتَهُ: ضَاجَعَهَا، وَكَاعَمَ الْمَرْأَةَ: قَبَّلَهَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُكَامَعَةِ وَالْمُكَاعَمَةِ» : أَيْ عَنْ مُلَاثَمَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلِ وَمُضَاجَعَتِهِ إيَّاهُ لَا سَتْرَ بَيْنَهُمَا إلَى هُنَا لَفْظُ غَايَةِ الْبَيَانِ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَاجِعَ هُوَ الْمُعَانِقُ غَالِبًا، وَلَا يُضَاجِعُ أَحَدٌ غَيْرَهُ إلَّا وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يُعَانِقُهُ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمُضَاجِعِ هُوَ الْمُعَانِقُ غَالِبًا مَمْنُوعٌ، وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الْمُكَامَعَةُ هِيَ

«أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ وَهِيَ الْمُعَانَقَةُ، وَعَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَهِيَ التَّقْبِيلُ» . وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ. قَالُوا: الْخِلَافُ فِي الْمُعَانَقَةِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَارَثُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» . فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ السِّرْقِينِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَشَابَهُ الْعَذِرَةَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ. وَلَنَا أَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُلْقَى فِي الْأَرَاضِيِ لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ فَكَانَ مَالًا، وَالْمَالُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ. بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا مَخْلُوطًا. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَخْلُوطِ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَكَذَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ، وَالْمَخْلُوطُ بِمَنْزِلَةِ زَيْتٍ خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَانَقَةُ فِي الْغَالِبِ. وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُلَازِمَ الْمُكَامَعَةَ وَالْمُعَانَقَةَ فِي الْغَالِب. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَلَازِمَيْنِ لَا يَكُونُ عَيْنَ الْآخَرِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَفْسِيرُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى. وَلَوْ سَلِمَ صِحَّةُ التَّفْسِيرِ بِاللَّازِمِ بِنَاءً عَلَى الْمُسَامَحَةِ لَمْ يُفِدْ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُضَاجَعَةَ لَمَّا وُجِدَتْ بِدُونِ الْمُعَانَقَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْغَالِبِ كَانَتْ الْمُعَانَقَةُ أَخَصَّ مِنْ الْمُضَاجَعَةِ. فَلَمْ يَصِحَّ تَفْسِيرُ الْمُكَامَعَةِ الَّتِي هِيَ الْمُضَاجَعَةُ بِالْمُعَانَقَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِالْأَخَصِّ، وَنَظَرُ صَاحِبِ الْغَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِي تَفْسِيرِ الْمُكَامَعَةِ بِالْمُعَانَقَةِ لَا غَيْرُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَفَسَّرَهَا الْمُصَنِّفُ بِالْمُعَانَقَةِ مَعَ أَنَّ الْمُكَامَعَةَ هِيَ الْمُضَاجَعَةُ. فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ: كَامَعَ امْرَأَتَهُ ضَاجَعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُعَانَقَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نُهِيَ مِنْ الْمُضَاجَعَةِ هُوَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَانَقَةِ لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِي إبَاحَةِ الْمُضَاجَعَةِ لَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، عَلَى أَنَّ الْمُكَامَعَةَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ هِيَ الْمُضَاجَعَةُ الْمَخْصُوصَةُ لَا مُطْلَقُ الْمُضَاجَعَةِ. فِي الْقَامُوسِ: كَامَعَهُ: ضَاجَعَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، إلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الْبَعْضِ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الْغَايَةِ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ مُقَدِّمَاتِ كَلَامِهِ مَجْرُوحٌ. أَمَّا قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُعَانَقَةِ تَعْلِيلًا لِتَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ الْمُكَامَعَةَ بِالْمُعَانَقَةِ فَظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، لِأَنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ فِي الْمُعَانَقَةِ كَيْفَ يُسَوِّغُ تَفْسِيرَ الْمُكَامَعَةِ بِغَيْرِ مَعْنَاهَا، وَهَلْ يَقُولُ الْعَاقِلُ بِتَغْيِيرِ مَعْنَى لَفْظِ الْحَدِيثِ لِيَكُونَ مُطَابِقًا لِمُدَّعَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نُهِيَ مِنْ الْمُضَاجَعَةِ هُوَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَانَقَةِ فَمَمْنُوعٌ، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الثِّقَاتِ بِهَذَا التَّخْصِيصِ عِنْدَ بَيَانِ الْمُرَادِ بِالْمُكَامَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ. بَلْ أَطْلَقُوهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُ فِي الْفَائِقِ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَالْمُكَامَعَةِ» : أَيْ عَنْ مُلَاثَمَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَمُضَاجَعَتِهِ إيَّاهُ لَا سُتْرَةَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: وَكَامَعَهُ مِثْلَ ضَاجَعَهُ، وَالْمُكَامَعَةُ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لَا سُتْرَةَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ: نَهَى عَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَالْمُكَامَعَةِ: أَيْ عَنْ مُلَاثَمَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ لَا سُتْرَةَ بَيْنَهُمَا وَمُضَاجَعَتِهِ إيَّاهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا سُتْرَةَ بَيْنَهُمَا. هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَابْنِ دُرَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا. وَهَكَذَا حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِي إبَاحَةِ الْمُضَاجَعَةِ لَا عَلَى ذَاكَ الْوَجْهِ فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ شَنَاعَةَ مُضَاجَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا سُتْرَةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِأَقَلِّ مِنْ شَنَاعَةِ مُجَرَّدِ الْمُعَانَقَةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ دَاخِلِ الثَّوْبِ، فَكَيْفَ يَقُولُ بِإِبَاحَةِ الْأُولَى مَنْ لَا يَقُولُ بِإِبَاحَةِ الثَّانِيَةِ سِيَّمَا عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْحَدِيثِ بَلْ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي نَفْسِ الْمُضَاجَعَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُكَامَعَةَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ هِيَ الْمُضَاجَعَةُ الْمَخْصُوصَةُ لَا مُطْلَقُ الْمُضَاجَعَةِ، وَاسْتِشْهَادُهُ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْقَامُوسِ فَلَيْسَ بِمُقَيَّدٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُضَاجَعَةُ الْمَخْصُوصَةُ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهَا لَيْسَ عَيْنَ مَعْنَى الْمُعَانَقَةِ وَلَا مُسَاوِيًا لَهُ فِي التَّحَقُّقِ لِانْفِكَاكِ تَحَقُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا عَرَفْته مِنْ قَبْلُ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَفْسِيرُ الْمُكَامَعَةِ بِالْمُعَانَقَةِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ نَظَرِ صَاحِبِ الْغَايَةِ، فَمِنْ أَيْنَ يَحْصُلُ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، وَلَعَمْرِي إنَّ مَفَاسِدَ قِلَّةِ التَّأَمُّلِ مِمَّا يَضِيقُ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِهِ نِطَاقُ الْبَيَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُسْتَعَانُ.

[فصل في البيع]

قَالَ (وَمَنْ عَلِمَ بِجَارِيَةٍ أَنَّهَا لِرَجُلٍ فَرَأَى آخَرَ يَبِيعُهَا وَقَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا بِبَيْعِهَا فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنَّهُ يَبْتَاعُهَا وَيَطَؤُهَا) ؛ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ. وَكَذَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهَا لِي أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ لِمَا قُلْنَا. وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ] (فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: أَخَّرَ فَصْلَ الْبَيْعِ عَنْ فَصْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللَّمْسِ وَالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ مُتَّصِلٌ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَهَذَا لَا، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ اتِّصَالًا كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ انْتَهَى. أَقُولُ: كَانَ الْمُنَاسِبُ بِسِيَاقِ كَلَامِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: وَمَا كَانَ مُتَّصِلًا كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ. إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: وَمَا كَانَ أَكْثَرَ اتِّصَالًا كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ إفَادَةٌ فِي ضِمْنِ بَيَانِ وَجْهِ تَأْخِيرِ هَذَا الْفَصْلِ وَجْهُ تَأْخِيرِ الْفُصُولِ السَّابِقَةِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهَا أَكْثَرُ اتِّصَالًا بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ مِمَّا هُوَ الْمُتَأَخِّرُ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً يُنَاقِضُ قَوْلَهُ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ثِقَةٌ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكْذِبَ الْفَاسِقُ لِمُرُوءَتِهِ وَلِوَجَاهَتِهِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْعَيْنِيُّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ سَبَقَهُمَا إلَى مَأْخَذِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ: يَعْنِي أَنَّهُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُون فَاسِقٌ صَادِقَ الْقَوْلِ لَا يَكْذِبُ لِمُرُوءَتِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً، بَلْ قَالَ بَعْدَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ. وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلُ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ. نَعَمْ قَدْ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ بَعْضِ جُزْئِيَّاتِ غَيْرِ الثِّقَةِ فِي الْحُكْمِ السَّابِقِ، وَلَا ضَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ عُمُومُ الْأَوْصَافِ لَا عُمُومُ الْجُزْئِيَّاتِ، وَكَلَامُهُ هَاهُنَا تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَهُ فِيمَا قَبْلُ. وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُفِيدَ التَّفْصِيلُ مَا لَا يُفِيدُهُ الْإِجْمَالُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثِقَةً فِي قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ دُونَ مَعْنَى الْعَدَالَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَمَا تَمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، إذْ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مَعْنَى قَوْلِهِ غَيْرَ ثِقَةٍ مَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ، وَفِي شَأْنِ مَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَمَا تَمَّ تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ غَيْرُ لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ لُزُومِ عَدَالَةِ الْمُخْبِرِ لَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الِاعْتِمَادِ عَلَى كَلَامِهِ، إذَا الْمَفْرُوضُ مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ جَوَازُ كَوْنِ الْفَاسِقِ أَيْضًا مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ فَكَانَ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ أَعَمَّ مِنْ الْعَدْلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ لُزُومِ الْأَخَصِّ لِشَيْءٍ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ لُزُومِ الْأَعَمِّ لَهُ. فَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ ثِقَةً إذَا كَانَ عَدْلًا، وَبِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ. وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ. وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ أَصْلًا كَمَا تَحَقَّقْته آنِفًا، وَمِمَّا يُفْصِحُ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالثِّقَةِ وَبِغَيْرِ الثِّقَةِ هَاهُنَا مَا ذَكَرْنَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: هَذَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ كَانَ لَا يُدْرَى أَنَّهُ ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُخْبِرَ إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَدْلًا مَوْضِعَ ثِقَةٍ وَفَسَّرَ غَيْرَ ثِقَةٍ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ بِالْفَاسِقِ، وَمَنْ لَا يُدْرَى أَنَّهُ ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ بِالْمَسْتُورِ حَيْثُ قَالَ: يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُخْبِرَ إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا. وَمَنْ تَتَبَّعَ كَلِمَاتِ ثِقَاتِ الْمَشَايِخِ فِي بَابِ مَسَائِلِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي كُتُبِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّقَةِ هُوَ الْعَدْلُ، وَبِغَيْرِ الثِّقَةِ غَيْرُ الْعَدْلِ، فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ لَفْظَيْ الْعَدْلِ وَالثِّقَةِ مَوْضِعَ الْآخَرِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي غَيْرِ الثِّقَةِ وَغَيْرِ الْعَدْلِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ: قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ: يَعْنِي عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ ثِقَةً يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لِجَوَازِ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمِيلُ إلَى حُطَامِ الدُّنْيَا لِوَجَاهَتِهِ وَلَا يَكْذِبُ لِمُرُوءَتِهِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ. وَلَوْ سَلِمَ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِلَفْظِ هَذَا إلَى كَوْنِهِ فِي سِعَةٍ مِنْ ابْتِيَاعِهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا بِبَيْعِهَا، لَا إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، إلَّا أَنَّ قَبُولَهُ يَكُونُ مَعَ ضَمِيمَةِ التَّحَرِّي الْمُوَافِقِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ، أَقُولُ: فِيهِ فَسَادٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ ثِقَةً يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ شَرْحُ كَلَامِهِ بِمَا يُنَافِيهِ صَرِيحُ عِبَارَتِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً إنَّمَا يَكُونُ تَصْرِيحًا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً: أَنْ لَوْ اقْتَصَرَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَلَمَّا قَالَ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ كَانَ كَلَامُهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً كَمَا لَا يَخْفَى. وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ سَلِمَ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا كَلَامٌ فَاسِدُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَوْ سَلِمَ

وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنَافَاةُ بَيْنَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ ثِقَةً فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَسْلِيمَ الْمُنَافَاةِ يُنَاقِضُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ. فَكَانَ مَضْمُونُ كَلَامِهِ الْمَزْبُورِ جَمْعًا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَوْ سَلِمَ نَاظِرًا إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لَا إلَى قَوْلِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ إلَخْ؛ فَالْمَعْنَى وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ عُمُومِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا. وَالرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِلَفْظِ هَذَا إلَى كَوْنِهِ فِي سَعَةٍ مِنْ ابْتِيَاعِهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا لَا إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ ظَاهِرَ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ وَغَيْرَهُ عَلَّلُوا كَوْنَهُ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَبْتَاعَهَا وَيَطَأَهَا بِكَوْنِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولًا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ، فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ ثِقَةً دُونَ الثَّانِي لَمَا صَحَّ تَعْلِيلُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي ضَرُورَةَ عَدَمِ اسْتِلْزَامِ تَحَقُّقِ الْعَامِّ تَحَقُّقَ الْخَاصِّ. وَالْخَامِسُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مُدَّعَاهُ مِنْ كَوْنِ الْإِشَارَةِ بِلَفْظِ هَذَا إلَى كَوْنِهِ فِي سَعَةٍ مِنْ ابْتِيَاعِهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا لَا إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِلَفْظِ هَذَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ صَرِيحُ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً، وَقَبُولُ قَوْلِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ ثِقَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ لَفْظُ هَذَا إشَارَةً إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ادَّعَاهُ. وَالسَّادِسُ أَنَّ اعْتِرَافَهُ هُنَا بِكَوْنِ قَوْلِ الْوَاحِدِ مَقْبُولًا فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَيْضًا، وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ ثِقَةً يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِرُمَّتِهِ خَارِجٌ عَنْ نَهْجِ الصَّوَابِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ) قُلْت: تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى كَوْنِ مُرَادِهِ بِغَيْرِ الثِّقَةِ غَيْرَ الْعَدْلِ وَبِالثِّقَةِ الْعَدْلَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِالثِّقَةِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَبِغَيْرِ الثِّقَةِ مَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى مَا مَرَّ لَمَا صَحَّ تَعْلِيلُ قَبُولِ قَوْلِ غَيْرِ الثِّقَةِ إذَا كَانَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ أَنَّهُ صَادِقٌ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ عَدَالَتِهِ عَدَمُ لُزُومِ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ كَمَا لَا يَخْفَى. بَقِيَ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ هَاهُنَا هُوَ أَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ مُطْلَقًا وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَلَا الْمَسْتُورِ إلَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا مُخَالِفًا لِمَا مَرَّ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ مَا اُعْتُبِرَ هُنَاكَ فِي الدِّيَانَاتِ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ قَدْ اُعْتُبِرَ هَاهُنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ أَيْضًا، وَقَدْ تَنَبَّهْ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِوُرُودِ هَذَا الْإِشْكَالِ فَذَكَرَ إجْمَالَ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَبُولُ خَبَرِهِ مُتَوَقِّفًا عَلَى حُصُولِ أَكْبَرِ الرَّأْيِ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ، فَإِنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ أَيْضًا بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عَلَى مَا مَرَّ. وَجَوَابُهُ أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ إذَا حَصَلَ بَعْدَ التَّحَرِّي، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ التَّحَرِّي فَتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِدُونِ التَّحَرِّي، إذْ التَّحَرِّي طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ فِي غَالِبِ الظَّنِّ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ، فَمَا لَمْ يُطْلَبْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُتَوَجَّهْ إلَيْهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ حُصُولُ أَكْبَرِ الرَّأْيِ فَلَا مَعْنًى لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّحَرِّي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ اشْتِرَاطِ أَكْبَرِ الرَّأْيِ فِيهِ، وَإِنَّمَا اعْتِبَارُ أَكْبَرِ الرَّأْيِ فِيهِ اعْتِبَارُ التَّحَرِّي بِعَيْنِهِ، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ بِلَفْظِ التَّحَرِّي بَدَلَ أَكْبَرِ الرَّأْيِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْجَارِيَةُ فَاسِقًا لَا تَثْبُتُ إبَاحَةُ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ بِنَفْسِ الْخَبَرِ بَلْ يُتَحَرَّى فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ حَلَّ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ، وَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ

وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَسَعْ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يُقَامُ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، وَلَكِنْ أَخْبَرَهُ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، وَأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ صَاحِبُ الْيَدِ بِشَيْءٍ. فَإِنْ كَانَ عَرَّفَهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَعْلَمَ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ دَلِيلُ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْفَاسِقِ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الْفَاسِقِ وَالْعَدْلِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا يُرْجَى أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا مِلْكَ لَهُ فَيَعْلَمُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ يَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ كَمَا فِي الدِّيَانَاتِ انْتَهَى. ثُمَّ أَقُولُ: الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْكِتَابِ بَلْ يَتَّجِهُ إلَى غَيْرِهِ أَيْضًا. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ: ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ إخْبَارَ غَيْرِ الْعَدْلِ يُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ التَّحَرِّي وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّحَرِّي وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْقَيْدَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي التَّوْجِيهِ: فَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ تَفْسِيرًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَيُشْتَرَطُ التَّحَرِّي، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُشْتَرَطُ رُخْصَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرْت فِيمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ عَنْ التَّلْوِيحِ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدِي مِنْ بَيْنِهَا هُوَ التَّوْجِيهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاسِمُ لِمَادَّةِ الْإِشْكَالِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ، إذًا لَا رُخْصَةَ فِي الدِّيَانَاتِ بِدُونِ التَّحَرِّي، وَالْآنَ أَيْضًا أَقُولُ كَذَلِكَ، فَيَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يُقَامُ مَقَامَ الْيَقِينِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يَعْنِي فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا كَالْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ إنْسَانٌ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا إذَا كَانَ ثِقَةً عِنْدَهُ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ لَيْلًا شَاهِرًا سَيْفَهُ فَلِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَنْ يَقْتُلَهُ إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لِصٌّ قَصَدَ قَتْلَهُ وَأَخْذَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ لِصٍّ لَمْ يُعَجِّلْ بِقَتْلِهِ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يُقَامُ مَقَامَ الْيَقِينِ: أَيْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى يَجِبَ بِهِ شَيْءٌ كَالتَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، وَيَحْرُمَ بِهِ شَيْءٌ كَالصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَخْبَرَ بِنَجَاسَتِهِ غَيْرُ ثِقَةٍ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَيُجْعَلُ أَكْبَرُ الرَّأْيِ دَلِيلًا شَرْعِيًّا أَيْضًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَلْ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ كَالْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ. وَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: مَنْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ يُقَامُ مَقَامَ الْيَقِينِ: يَعْنِي فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ كَالْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ فَقَدْ سَهَا انْتَهَى. أَقُولُ: نِسْبَةُ السَّهْوِ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَذْكُورِ سَهْوٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّهُ سَلَكَ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَذْكُورِ مَسْلَكَ الدَّلَالَةِ وَإِثْبَاتِ

أَذِنَ لَهُ وَهُوَ ثِقَةٌ قُبِلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْحَاجِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ. قَالَ (وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ عَنْهَا، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا. إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ) يَعْنِي بَعْدَ التَّحَرِّي (فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ) ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ وَلَا مُنَازِعَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثَ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت بِزَوْجٍ آخَرَ، وَدَخَلَ بِي ثُمَّ طَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ جَارِيَةٌ كُنْت أَمَةَ فُلَانٍ فَأَعْتَقَنِي؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ. وَلَوْ أَخْبَرَهَا مُخْبِرٌ أَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ حِينَ تَزَوَّجَهَا مُرْتَدًّا أَوْ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّك تَزَوَّجْتهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِأُخْتِهَا أَوْ أَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَدْلَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادٍ مُقَارَنٍ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِنْكَارِ فَسَادِهِ فَثَبَتَ الْمُنَازَعُ بِالظَّاهِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ صَغِيرَةً فَأَخْبَرَ الزَّوْجُ أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ، وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ يَدُورُ الْفَرْقُ. وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَلَمَّا كَبُرَتْ لَقِيَهَا رَجُلٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِتَحَقُّقِ الْمُنَازِعِ وَهُوَ ذُو الْيَدِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ نَصْرَانِيًّا فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ الضَّرْبِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ ذَلِكَ الْقَائِلُ فِي شَأْنِ الْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ أَيْضًا قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَأَكْبَرُ الرَّأْيِ مُجَوِّزٌ لِلْعَمَلِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا كَالْفُرُوجِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ إنْسَانٌ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ إلَخْ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَيْضًا مِثْلُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي كَوْنِهِ مِنْ تِلْكَ الدَّلَالَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ، بَلْ ذَلِكَ مَأْخَذُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ: فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ الْأُمُورِ وَهُوَ الدِّمَاءُ وَالْفُرُوجُ جَازَ الْعَمَلُ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. مَعَ أَنَّ الْغَلَطَ إذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ أَوْلَى انْتَهَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ) اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ قَبِلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي إفْسَادِ النِّكَاحِ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَوَجْهٌ آخَرُ فِيهِ يُوجِبُ عَدَمَ الْقَبُولِ، وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلزَّوْجِ فِيهَا ثَابِتٌ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْغَيْرِ لَا يَبْطُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ

وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ فَمَلَكَهُ الْبَائِعُ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ الِاحْتِكَارُ بِأَهْلِهِ وَكَذَلِكَ التَّلَقِّي. فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَتَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ فَيُكْرَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَنْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ مِلْكَهُ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ التَّلَقِّي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَعَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ» . قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُلَبِّسْ الْمُتَلَقِّي عَلَى التُّجَّارِ سِعْرَ الْبَلْدَةِ. فَإِنْ لَبَّسَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَادِرٌ بِهِمْ. وَتَخْصِيصُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ وَالْقَتِّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا احْتِكَارَ فِي الثِّيَابِ؛ فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الضَّرَرِ إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ الضَّرَرَ الْمَعْهُودَ الْمُتَعَارَفَ. ثُمَّ الْمُدَّةُ إذَا قَصُرَتْ لَا يَكُونُ احْتِكَارًا لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِذَا طَالَتْ يَكُونُ احْتِكَارًا مَكْرُوهًا لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ. ثُمَّ قِيلَ: هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» وَقِيلَ بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ، وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْثَمِ بَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْعِزَّةَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْقَحْطَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَقِيلَ الْمُدَّةُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا إمَّا يَأْثَمُ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ. قَالَ (وَمَنْ احْتَكَرَ غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ أَوْ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِمُحْتَكَرٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جُمِعَ فِي الْمِصْرِ وَجُلِبَ إلَى فِنَائِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ وَمِلْكُ الزَّوْجِ فِيهَا فِي الْحَالِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ بَلْ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ: وَالْجَوَابُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ فِي فَصْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ الْحُرْمَةُ زَوَالَ الْمِلْكِ، كَمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ عَدْلٌ بِحِلِّ طَعَامٍ فَيُؤْكَلُ أَوْ حُرْمَتِهِ فَلَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تُنَافِي الْمِلْكَ. وَأَمَّا إذَا تَضَمَّنَتْ زَوَالَ الْمِلْكِ فَلَا يُقْبَلُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، كَمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ لِلزَّوْجَيْنِ أَنَّهُمَا ارْتَضَعَا مِنْ فُلَانَةَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ لَا تُتَصَوَّرُ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ فَاضْمَحَلَّ الْجَوَابُ وَبَقِيَ الْإِشْكَالُ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: بَحْثُهُ سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي فَصْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ هُوَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ يُقْبَلُ فِي بَابِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ زَوَالَ الْمِلْكِ. وَأَمَّا إذَا تَضَمَّنَ زَوَالَهُ فَلَا يُقْبَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ كَلَامٌ مُجْمَلٌ لَمْ يُفَصِّلْ فِيهِ أَنَّهُ إذَا تَضَمَّنَ زَوَالَ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لَمْ يُقْبَلْ، وَأَمَّا إذَا تَضَمَّنَ زَوَالَ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَيُقْبَلُ. فَنَشَأَ الِاعْتِرَاضُ هَاهُنَا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إجْمَالِ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ زَوَالِ الْمِلْكِ هُنَاكَ زَوَالُ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لَا زَوَالُهُ وَلَوْ كَانَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ لِكَوْنِ الِاسْتِصْحَابِ حُجَّةً دَافِعَةً لَا مُثَبِّتَةً أَصْلًا، بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَانَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا تَفْصِيلًا لِلْإِجْمَاعِ الْوَاقِعِ هُنَاكَ فِي الظَّاهِرِ

مَا يُجْلَبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءِ الْمِصْرِ يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ. قَالَ (وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَإِلَيْهِ تَقْدِيرُهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ. وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي هَذَا الْأَمْرُ يَأْمُرُ الْمُحْتَكِرَ بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ فِي ذَلِكَ وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ، فَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ عَلَى مَا يَرَى زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ يَتَحَكَّمُونَ وَيَتَعَدَّوْنَ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا، وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ بِمَشُورَةٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْبَصِيرَةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَتَعَدَّى رَجُلٌ عَنْ ذَلِكَ وَبَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ. وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ، هَلْ يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَى الْمُحْتَكِرِ طَعَامَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ. قِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي عُرِفَ فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ يَبِيعُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى الْحَجْرَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ، وَهَذَا كَذَلِكَ. قَالَ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ) مَعْنَاهُ مِمَّنْ يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ إلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السِّيَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْفِتْنَةِ فَلَا يُكْرَهُ بِالشَّكِّ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُقَامُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغْيِيرِهِ، بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَجَّرَ بَيْتًا لِيُتَّخَذَ فِيهِ بَيْتُ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةٌ أَوْ بِيعَةٌ أَوْ يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ بِالسَّوَادِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرِيَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ فَقَطَعَ نِسْبَتَهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالسَّوَادِ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ اتِّخَاذِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَإِظْهَارِ بَيْعِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ جَوَابًا شَافِيًا قَدْ اضْمَحَلَّ بِهِ الْإِشْكَالُ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْفِتْنَةِ فَلَا يُكْرَهُ بِالشَّكِّ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْفِتْنَةِ وَلَوْ احْتِمَالًا ضَعِيفًا فَلَا يُكْرَهُ بِالشَّكِّ لِوُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَلَيْسَ الشَّكُّ عَلَى مَعْنَاهُ الْمُصْطَلَحِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْفِتْنَةِ ضَعِيفًا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَأُمُورُ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ وَالِاسْتِقَامَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ احْتِمَالُ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْفِتْنَةِ أَقْوَى وَأَرْجَحَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِاحْتِمَالِ خِلَافِهِ، فَالشَّكُّ عَلَى مَعْنَاهُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَلَوْ كَانَ احْتِمَالُ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْفِتْنَةِ ضَعِيفًا مَرْجُوحًا كَانَ احْتِمَالُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْفِتْنَةِ قَوِيًّا رَاجِحًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السِّلَاحُ مِنْ مِثْلِهِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ مَكْرُوهًا. وَجَوَابُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى خِلَافِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ لَا وَجْهَ لِلشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ فَقَطَعَ نِسْبَتَهُ عَنْهُ) أَقُولُ: يُنْتَقَضُ هَذَا التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانَ وَسَائِرِ

فِي الْأَمْصَارِ لِظُهُورِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِيهَا. بِخِلَافِ السَّوَادِ. قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي سَوَادِ الْكُوفَةِ، لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ. فَأَمَّا فِي سَوَادِنَا فَأَعْلَامُ الْإِسْلَامِ فِيهَا ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهَا أَيْضًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ (وَمَنْ حَمَلَ لِذِمِّيٍّ خَمْرًا فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ صَحَّ " أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشْرًا حَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَ إلَيْهِ " لَهُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي شُرْبِهَا وَهُوَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشِّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَيُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِهَا) وَهَذَا عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ خِلَافٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا. مِنْهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ الذِّمِّيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ بِيعَةً لِيُصَلِّيَ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ. لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِيُصَلِّيَ فِيهَا، وَصَلَاةُ الذِّمِّيِّ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَطَاعَةٌ فِي زَعْمِهِ، وَأَيُّ ذَلِكَ اعْتَبَرْنَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَا هُوَ طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ لَا تَجُوزُ انْتَهَى. وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِ بَيْتًا لِيَجْعَلَهُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ أَوْ النَّافِلَةَ. فَإِنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجُوزُ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَهَذَا لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى مَا هُوَ طَاعَةٌ، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الدَّارِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا طَاعَةٌ، وَمِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَا هُوَ طَاعَةٌ لَا تَجُوزُ وَعِنْدَهُ تَجُوزُ، وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِلْأَذَانِ أَوْ الْإِمَامَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ فَكَذَلِكَ هَذَا انْتَهَى. وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ بَيْتًا يُصَلِّي فِيهِ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ طَاعَةٌ عِنْدَهُمْ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا، وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ انْتَهَى. إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الْإِجَارَةُ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا تَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَمَنْفَعَةُ الْبَيْتِ لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ. فَقَطَعَ نِسْبَةَ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَنْ الْمُؤَجِّرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ فِيهَا أَيْضًا عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَرَفْت. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْإِجَارَةَ وَإِنْ وَرَدَتْ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ إلَّا أَنَّ لِجَعْلِ مَنْفَعَتِهِ حِينَ الْعَقْدِ لِأَجْلِ الطَّاعَةِ أَوْ الْمَعْصِيَةِ تَأْثِيرًا فِي بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ. قُلْت: فَلْيَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ مُشْكِلٌ جِدًّا فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ: إذَا اسْتَأْجَرَ الذِّمِّيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى أَمْرٍ مُبَاحٍ فَجَازَتْ. وَإِنْ شَرِبَ فِيهَا الْخَمْرَ أَوْ عَبَدَ فِيهَا الصَّلِيبَ أَوْ أَدْخَلَ فِيهَا الْخَنَازِيرَ لَمْ يَلْحَقْ الْمُسْلِمَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يُؤَاجِرْهَا لَهَا إنَّمَا أَجَّرَ لِلسُّكْنَى فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَّرَ دَارًا مِنْ فَاسِقٍ كَانَ مُبَاحًا وَإِنْ كَانَ قَدْ يَعْصِي فِيهَا، وَلَوْ اتَّخَذَ فِيهَا بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي السَّوَادِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَأَرَادَ بِهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا الذِّمِّيُّ لِيَسْكُنَهَا، ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَّخِذَ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً فِيهَا، فَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا فِي الِابْتِدَاءِ لِيَتَّخِذَهَا بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لَا يَجُوزُ إلَى هُنَا لَفْظُ الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ. قَالَ: بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: وَلَا خَفَاءَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّنَافِي. أَقُولُ: إنَّ التَّنَافِيَ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعٌ. إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءُ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا فِي الِابْتِدَاءِ لِيَتَّخِذَهَا بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لِكَوْنِ مُخْتَارِ نَفْسِهِ قَوْلَهُمَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا. أَنْ لَوْ قَالَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ قَالَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَلَيْسَ فَلَيْسَ. وَذِكْرُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ بِدُونِ بَيَانِ الْخِلَافِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلَامِ الثِّقَاتِ. وَعَنْ هَذَا نَرَى كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ يَذْكُرُونَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ بِدُونِ بَيَانِ الْخِلَافِ. ثُمَّ الشُّرَّاحُ يُبَيِّنُونَ الْخِلَافَ الْوَاقِعَ فِي ذَلِكَ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُرَادُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ الْمَزْبُورَ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ تُؤَاجِرَ بَيْتَك لِيُتَّخَذَ فِيهِ بَيْتُ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةٌ أَوْ بِيعَةٌ أَوْ يُبَاعُ الْخَمْرُ فِيهِ بِالسَّوَادِ. وَهَلْ يَلِيقُ بِمِثْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: ثُمَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ إجَارَةَ الْبَيْتِ لِيُبَاعَ فِيهِ الْخَمْرُ مَعَ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً إنَّمَا صَحَّتْ

أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَرْضِهَا أَيْضًا. وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ لِظُهُورِ الِاخْتِصَاصِ الشَّرْعِيِّ بِهَا فَصَارَ كَالْبِنَاءِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُورَثُ» وَلِأَنَّهَا حُرَّةٌ مُحْتَرَمَةٌ لِأَنَّهَا فِنَاءُ الْكَعْبَةِ. وَقَدْ ظَهَرَ آيَةُ أَثَرِ التَّعْظِيمِ فِيهَا حَتَّى لَا يُنَفَّرَ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا، فَكَذَا فِي حَقِّ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ مِلْكِ الْبَانِي. وَيُكْرَهُ إجَارَتُهَا أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ آجَرَ أَرْضَ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا» وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ مَكَّةَ تُسَمَّى السَّوَائِبَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا سَكَنَهَا وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا أُسْكِنَ غَيْرَهُ (وَمَنْ وَضَعَ دِرْهَمًا عِنْدَ بَقَّالٍ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ قَرْضًا جَرَّ بِهِ نَفْعًا، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ حَالًّا فَحَالًّا. «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوْدِعَهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ جُزْءًا فَجُزْءًا؛ لِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ وَلَيْسَ بِقَرْضٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا شَيْءَ عَلَى الْآخِذِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ. وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ صِحَّتَهَا لِعَدَمِ كَوْنِ بَيْعِ الْخَمْرِ مَعْصِيَةً لِلذِّمِّيِّ كَشُرْبِهِ، لِأَنَّ خِطَابَ التَّحْرِيمِ غَيْرُ نَازِلٍ فِي حَقِّهِ، وَلَا خَفَاءَ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا مِنْ التَّنَافِي انْتَهَى. أَقُولُ: كَوْنُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرَهُ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ خَارِجًا مَخْرَجَ التَّغْلِيبِ. فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ صُوَرًا: إيجَارُ الْبَيْتِ لَأَنْ يُتَّخَذَ فِيهِ بَيْتُ نَارٍ وَإِيجَارُهُ لَأَنْ يُتَّخَذَ فِيهِ كَنِيسَةٌ، وَإِيجَارُهُ لَأَنْ يُتَّخَذَ فِيهِ بِيعَةٌ. وَإِيجَارُهُ لَأَنْ يُبَاعَ فِيهِ الْخَمْرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اتِّخَاذَ بَيْتِ النَّارِ وَاِتِّخَاذَ الْكَنِيسَةِ وَاِتِّخَاذَ الْبِيعَةِ مَعْصِيَةٌ لِلذِّمِّيِّ أَيْضًا لِكَوْنِ الْكُفَّارِ مُخَاطَبِينَ بِالْإِيمَانِ بِلَا خِلَافٍ. وَاِتِّخَاذُ تِلْكَ الْأُمُورِ يُنَافِي الْإِيمَانَ فَكَانَتْ مَعْصِيَةً قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْعُ الْخَمْرِ مَعْصِيَةً لِلْكَافِرِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ خِطَابَ التَّحْرِيمِ غَيْرُ نَازِلٍ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ الْأُولَى مُغَلَّبَةً عَلَى صُورَةِ بَيْعِ الْخَمْرِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ قَطْعًا فَقَطَعَ نِسْبَتَهُ عَنْهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ فِي صُورَةِ اتِّخَاذِ الْمَعْصِيَةِ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ فَقَطَعَ نِسْبَةَ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَنْ الْمُؤَجِّرِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِ صُورَةِ اتِّخَاذِ الْمَعْصِيَةِ وَهِيَ صُورَةُ بَيْعِ الذِّمِّيِّ الْخَمْرَ فَالْأَمْرُ بَيِّنٌ، فَحِينَئِذٍ لَا يَتَحَقَّقُ التَّنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ كَمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ إنَّهُ لَوْ سَلِمَ دَلَالَةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى كَوْنِ بَيْعِ الْخَمْرِ أَيْضًا مَعْصِيَةً لِلذِّمِّيِّ فَلَا ضَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي نُزُولِ خِطَابِ التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ قَوْلَيْنِ مِنْ مَشَايِخِنَا، فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ غَيْرُ نَازِلٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ نَازِلٌ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِي فَصْلِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمَبْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، وَلِكُلٍّ وَجِهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَرْضِهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ لِظُهُورِ الِاخْتِصَاصِ الشَّرْعِيِّ بِهَا فَصَارَ كَالْبِنَاءِ) قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَقَارَ مَكَّةَ عُرْضَةٌ لِلتَّمْلِيكِ انْتَهَى. وَأَصْلُ هَذَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِإِسْنَادِهِ إلَى «أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْزِلْ فِي دَارِك بِمَكَّةَ؟ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنَ الْكَافِرُ. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَرْضَ مَكَّةَ تُمْلَكُ وَتُورَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِيهَا مِيرَاثَ عَقِيلٍ وَطَالِبٍ مِمَّا تَرَكَ أَبُو طَالِبٍ فِيهَا مِنْ رِبَاعٍ وَدُورٍ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا فِي الْكَافِي وَأَصْلِهِ الْمَزْبُورِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى مِيرَاثِ الْأَرْضِ قَطْعًا لِاحْتِمَالِ

[مسائل متفرقة]

[مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] (مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ) قَالَ (وَيُكْرَهُ التَّعْشِيرُ وَالنَّقْطُ فِي الْمُصْحَفِ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ. وَيُرْوَى: جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ. وَفِي التَّعْشِيرِ وَالنَّقْطِ تَرْكُ التَّجْرِيدِ. وَلِأَنَّ التَّعْشِيرَ يُخِلُّ بِحِفْظِ الْآيِ وَالنَّقْطُ بِحِفْظِ الْإِعْرَابِ اتِّكَالًا عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ. قَالُوا: فِي زَمَانِنَا لَا بُدَّ لِلْعَجَمِ مِنْ دَلَالَةٍ. فَتَرْكُ ذَلِكَ إخْلَالٌ بِالْحِفْظِ وَهِجْرَانٌ لِلْقُرْآنِ فَيَكُونُ حَسَنًا قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ. وَصَارَ كَنَقْشِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ ذَلِكَ: وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرَيَانِ الْإِرْثِ عَلَى الْأَبْنِيَةِ دُونَ الْأَرَاضِيِ؛ أَلَّا يَرَى إلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا لَوْ كَانَتْ الْأَرَاضِي مَوْقُوفَةً وَالْأَبْنِيَةُ عَلَيْهَا مَمْلُوكَةً اهـ. أَقُولُ: بَلْ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ عَلَى مِيرَاثِ الْأَرْضِ أَيْضًا قَطْعًا. إذْ قَدْ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» وَالرِّبَاعُ جَمْعُ رَبْعٍ وَهُوَ الدَّارُ بِعَيْنِهَا حَيْثُ كَانَتْ وَالْمَحَلَّةُ وَالْمَنْزِلُ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةِ وَالْمَنْزِلِ اسْمٌ لِمَا يَشْمَلُ الْبِنَاءَ وَالْعَرْصَةَ الَّتِي هِيَ الْأَرْضُ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ» وَإِذَا كَانَ وَجْهُ عَدَمِ تَرْكِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتِيلَاءٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ بِالْإِرْثِ مِنْ أَبِي طَالِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ دَلَّ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قَطْعًا عَلَى مِيرَاثِ الْأَرْضِ أَيْضًا، إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ بُيُوتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَرَى، بَلْ لَا مَجَالَ أَصْلًا لَأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، إذَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَمَّ جَوَابًا عَنْ «قَوْلِ أُسَامَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْزِلْ فِي دَارِك بِمَكَّةَ» ، فَإِنَّ عَدَمَ تَرْكِ عَقِيلٍ بَيْتًا بِاسْتِيلَائِهِ عَلَى الْأَبْنِيَةِ وَحْدَهَا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَرْكِهِ أَرْضًا أَيْضًا حَتَّى لَا يُمْكِنَ النُّزُولُ فِي عَرْصَةِ دَارِهِ أَيْضًا، وَهَذَا مَعَ وُضُوحِهِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضُ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: الرِّبَاعُ جَمْعُ رَبْعٍ وَهُوَ الدَّارُ بِعَيْنِهَا وَالْمَحَلَّةُ وَالْمَنْزِلُ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَصْلِ كِتَابِهِ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى مِيرَاثِ الْأَرْضِ قَطْعًا لِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ الْإِرْثِ عَلَى الْأَبْنِيَةِ دُونَ الْأَرَاضِيِ، وَلَمْ يُلَاحِظْ أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ كَيْفَ يَتِمُّ جَوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. (مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ) (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةٍ الْمُصْحَفِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ، وَصَارَ كَنَقْشِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ بِمَاءِ الذَّهَبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يَعْنِي فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي التَّفْسِيرِ بِهَذَا الْوَجْهِ. أَقُولُ: هَذَا سَهْوٌ مِنْ الشَّارِحَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا صَرِيحًا وَلَا الْتِزَامًا، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلٍ أَوَّلُهُ: وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى مَحَلِّهِ

مَالِكٌ: يُكْرَهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. لِلشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ جَنَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ اغْتِسَالًا يُخْرِجُهُ عَنْهَا، وَالْجُنُبُ يَجْنَبُ الْمَسْجِدَ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ مَالِكٌ، وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ عَامٌّ فَيَنْتَظِمُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي مَسْجِدِهِ وَهُمْ كُفَّارٌ» وَلِأَنَّ الْخُبْثَ فِي اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ. وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحُضُورِ اسْتِيلَاءً وَاسْتِعْلَاءً أَوْ طَائِفِينَ عُرَاةً كَمَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي اسْتِخْدَامِهِمْ حَثُّ النَّاسِ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ وَهُوَ مُثْلَةٌ مُحَرَّمَةٌ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ الْبَهَائِمِ وَإِنْزَاءِ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَهِيمَةِ وَالنَّاسِ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ الْبَغْلَةَ» فَلَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا لَمَا رَكِبَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابِهِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِعِيَادَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ بِرٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي حِلِّ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مُدَّعَى الشَّافِعِيِّ: خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِالذِّكْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الدُّخُولِ خَاصٌّ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ " إنَّمَا " لِحَصْرِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ أَوْ لِحَصْرِ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا إنَّمَا الطَّبِيبُ زَيْدٌ، وَإِنَّمَا زَيْدٌ طَبِيبٌ اهـ. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ إنَّمَا لِحَصْرِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ أَوْ لِحَصْرِ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ لَيْسَ بِكَلَامٍ مُفِيدٍ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَمْ لَا، لَا فِي أَنَّهُمْ نَجَسٌ أَمْ لَا، وَكَلِمَةُ إنَّمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] ، لَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ، فَتَأْثِيرُ الْحَصْرِ الَّذِي تُفِيدُهُ كَلِمَةُ إنَّمَا هُوَ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَلِمَةُ إنَّمَا لَا فِي الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ جَنَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ اغْتِسَالًا يُخْرِجُهُ عَنْهَا، وَالْجُنُبُ يَجْنَبُ الْمَسْجِدَ) أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَوْ تَمَّ لَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْكَافِرُ شَيْئًا مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْكَافِرِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ دُونَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّلِيلُ مُلَائِمًا لِمَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُنَاسِبًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْخُبْثَ فِي اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ وَلَا وَجْهَ لَهُ، فَحَقُّ التَّعْبِيرِ حَذْفُ حَرْفِ التَّعْلِيلِ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى دَفْعِ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ أَنْزَلَهُمْ فِي مَسْجِدِهِ، وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِمْ أَنْجَاسًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا دَلِيلًا آخَرَ عَقْلِيًّا لَنَا. فَإِنَّ الْخُبْثَ إذَا كَانَ فِي اعْتِقَادِهِمْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ فَلَا يَكُونُ فِي دُخُولِهِمْ الْمَسْجِدَ بَأْسٌ لَا مَحَالَةَ، فَقَوْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَلَا وَجْهَ لَهُ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَوْنُهُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى أُصُولِ الْمُدَّعَى لَا يُنَافِي أَنْ يَتَضَمَّنَ الْجَوَابَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ أَنْزَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي مَسْجِدِهِ، وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِمْ نَجَسًا. كَمَا حَكَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَنْزَلَهُمْ فِي مَسْجِدِهِ وَضَرَبَ لَهُمْ خَيْمَةً، قَالَتْ الصَّحَابَةُ: قَوْمٌ أَنْجَاسٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَنْجَاسِهِمْ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا أَنْجَاسُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ» وَمِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجْعَلُ كَثِيرًا مَا عِلَّةَ النَّصِّ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَقْلِيًّا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إفَادَةً لِلْفَائِدَتَيْنِ مَعًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ. نَعَمْ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحُضُورِ اسْتِيلَاءً إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَالْخُصْيَانُ بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ خَصِيٍّ كَالثُّنْيَانِ جَمْعُ ثَنِيٍّ، وَتَبِعَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَقُولُ: مَا ذَكَرَاهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ

فِي حَقِّهِمْ، وَمَا نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ يَهُودِيًّا مَرِضَ بِجِوَارِهِ» . قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي دُعَائِهِ: أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) وَلِلْمَسْأَلَةِ عِبَارَتَانِ: هَذِهِ، وَمَقْعَدُ الْعِزِّ، وَلَا رَيْبَ فِي كَرَاهَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُعُودِ، وَكَذَا الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَهُوَ مُحْدَثٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك؛ وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك، وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» وَلَكِنَّا نَقُولُ: هَذَا خَبَرُ وَاحِدٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِامْتِنَاعِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي دُعَائِهِ بِحَقِّ فُلَانٍ أَوْ بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ. قَالَ (وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَكُلِّ لَهْوٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَامَرَ بِهَا فَالْمَيْسِرُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ قِمَارٍ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ فَهُوَ عَبَثٌ وَلَهْوٌ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا الثَّلَاثَ: تَأْدِيبُهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتُهُ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتُهُ مَعَ أَهْلِهِ» وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُبَاحُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْمَضْبُوطَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ جَمْعَ خَصِيٍّ هُوَ خُصْيَانٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَخُصْيَةٌ. قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: وَالرَّجُلُ خَصِيٌّ وَالْجَمْعُ خُصْيَانٌ بِالْكَسْرِ وَخُصْيَةٌ انْتَهَى. وَأَمَّا كَوْنُ الْخُصْيَانِ بِالضَّمِّ جَمْعُ خَصِيٍّ فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ قَطُّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَهُوَ مُحْدَثٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ حُدُوثَ تَعَلُّقِ صِفَتِهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ حَادِثٍ لَا يُوجِبُ حُدُوثَ تِلْكَ الصِّفَةِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى ذَلِكَ التَّعَلُّقِ، فَإِنَّ صِفَةَ الْعِزِّ الثَّابِتَةِ لَهُ تَعَالَى أَزَلًا وَأَبَدًا، وَعَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْعَرْشِ الْحَادِثِ مَثَلًا قَبْلَ خَلْقِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ عِزِّهِ وَلَا نُقْصَانًا فِيهِ، كَمَا أَنَّ عَدَمَ تَعَلُّقِ كَمَالِ قُدْرَتِهِ بِهَذَا الْعَالَمِ الْعَجِيبِ الصُّنْعِ قَبْلَ خَلْقِهِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ قُدْرَتِهِ أَوْ نَقْصًا فِيهِ. وَبِالْجُمْلَةِ التَّعَلُّقَاتُ الْحَادِثَةُ مَظَاهِرُ لِلصِّفَاتِ لَا مُبَادَ لَهَا، فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَأَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ، وَالْعِزُّ صِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ حَيْثُ جَعَلَ لُزُومَ كَوْنِ عِزِّهِ حَادِثًا دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الْإِيهَامِ فَتَأَمَّلْ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي وَإِنْ جَعَلَ لُزُومَ كَوْنِ عِزِّهِ حَادِثًا دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الْإِيهَامِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَ إيهَامَ أَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ بِتَعَلُّقِهِ بِالْمُحْدَثِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ، وَأَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُحْدَثِ، وَالْعِزُّ صِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهِ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهِ انْتَهَى. فَكَانَ مَدَارُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي أَيْضًا لُزُومُ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْمُحْدَثِ فَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي وُرُودِ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، فَلَا مَعْنًى لِقَوْلِهِ فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَإِنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ الْقَائِلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْكَافِي لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُحْدَثِ فَكَوْنُ عِلَّةِ قَوْلِهِ: وَإِنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ تَعَلُّقَهُ بِالْمُحْدَثِ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، إذْ لَا شَيْءَ يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لَهُ سِوَاهُ، وَعَنْ هَذَا تَرَى كُلَّ مَنْ بَيَّنَ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ فِي الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَشَايِخِنَا جَعَلَ الْمَدَارَ لُزُومَ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْحَادِثِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَأَمَّا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ، وَأَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ إذْ تَعَلَّقَ بِالْمُحْدَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنْ صِفَةِ الْحُدُوثِ انْتَهَى. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ، وَأَنَّ عِزَّهُ حَادِثٌ إذْ تَعَلَّقَ بِالْمُحْدَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَزِيزٌ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهِ وَلَا يُزَالُ مَوْصُوفًا بِهِ انْتَهَى. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ الْعِظَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا أَوْرَدَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا هَرَبُوا عَنْهُ هَاهُنَا لَيْسَ إيهَامُ مُطْلَقِ تَعَلُّقِ عِزِّهِ تَعَالَى بِالْمُحْدَثِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ ظُهُورَ الْمُحْدَثَاتِ كُلِّهَا وَبُرُوزِهَا مِنْ كَتْمِ الْعَدَمِ إلَى دَائِرَةِ الْوُجُودِ

لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْحِيذِ الْخَوَاطِرِ وَتَذْكِيَةِ الْأَفْهَامِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي دَمِ الْخِنْزِيرِ» وَلِأَنَّهُ نَوْعُ لَعِبٍ يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ فَيَكُونُ حَرَامًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَلْهَاك عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ مَيْسِرٌ» ثُمَّ إنْ قَامَرَ بِهِ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ فِيهِ. وَكَرِهَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِمْ تَحْذِيرًا لَهُمْ، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهِ بَأْسًا لِيَشْغَلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ. وَتُكْرَهُ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ وَهَدِيَّتُهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبِلَ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ كَانَ عَبْدًا، وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً» وَأَجَابَ رَهْطٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دَعْوَةَ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدَ وَكَانَ عَبْدًا، وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرُورَةً لَا يَجِدُ التَّاجِرُ بُدًّا مِنْهَا، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا يَمْلِكُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكِسْوَةِ وَإِهْدَاءِ الدَّرَاهِمِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَقِيطٌ لَا أَبَ لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْضُهُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَهُ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الصِّغَارِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ هُوَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ هُوَ وَلِيٌّ كَالْإِنْكَاحِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ لِأَمْوَالِ الْقُنْيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ، وَنَوْعٌ آخَرُ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ حَالِ الصِّغَارِ وَهُوَ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ وَإِجَارَةُ الْأَظْآرِ. وَذَلِكَ جَائِزٌ مِمَّنْ يَعُولُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِمْ. وَإِذَا مَلَكَ هَؤُلَاءِ هَذَا النَّوْعَ فَالْوَلِيُّ أَوْلَى بِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ، وَنَوْعٌ ثَالِثٌ مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقَبْضِ، فَهَذَا يَمْلِكُهُ الْمُلْتَقِطُ وَالْأَخُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَسَبِ تَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ بِذَلِكَ. وَالْحُدُوثُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَلُّقَاتِ دُونَ أَصْلِ الصِّفَاتِ، وَلَا نُقْصَانَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ هُوَ كَمَالٌ مَحْضٌ لَا يَخْفَى، فَكَذَا الْحَالُ فِي صِفَةِ عِزِّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِمَا هَرَبُوا عَنْهُ إيهَامُ تَعَلُّقِ عِزِّهِ تَعَالَى بِالْمُحْدَثِ تَعَلُّقًا خَاصًّا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُحْدَثُ مَبْدَأً وَمَنْشَأً لِعِزِّهِ تَعَالَى كَمَا يُوهِمُهُ كَلِمَةُ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ " بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ " إذْ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنْ تَكُونَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ جَمِيعَ مَعَانِي مِنْ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْمُحْدَثِ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي عِزِّهِ تَعَالَى وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى أَصْلًا، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُرَادُهُمْ هَذَا وَلَا مَحَالَةَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى عَلَى أَسَاطِينِ الْفُقَهَاءِ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ جَوَازِ تَعَلُّقِ صِفَاتِ اللَّهِ بِالْمُحْدَثَاتِ تَعَلُّقَ إفَاضَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْدَثَاتِ كُلَّهَا مَظَاهِرُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا الْمُحَالُ تَعَلُّقُ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُحْدَثِ تَعَلُّقَ اسْتِفَاضَةٍ مِنْهُ فَهُوَ الْمَهْرُوبُ عَنْ إيهَامِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ (قَوْلُهُ قَالَ وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَقِيطٌ لَا أَبَ لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْضُهُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: اعْلَمْ

وَالْعَمُّ وَالصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ، لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْحِكْمَةِ فَتْحُ بَابِ مِثْلِهِ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ فَيَمْلِكُ بِالْعَقْلِ وَالْوِلَايَةِ وَالْحِجْرِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْفَاقِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ، وَيَجُوزُ لِلْأُمِّ أَنْ تُؤَاجِرَ ابْنَهَا إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْعَمِّ) ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِاسْتِخْدَامٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ وَالْعَمُّ (وَلَوْ أَجَّرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ (إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَمَحَّضَ نَفْعًا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ الرَّايَةَ) وَيَرْوُونَ الدَّايَةَ، وَهُوَ طَوْقُ الْحَدِيدِ الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ، وَهُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ الظَّلَمَةِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ أَهْلِ النَّارِ فَيُكْرَهُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ (وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَيِّدَهُ) لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي السُّفَهَاءِ وَأَهْلِ الدَّعَارَةِ فَلَا يُكْرَهُ فِي الْعَبْدِ تَحَرُّزًا عَنْ إبَاقِهِ وَصِيَانَةً لِمَالِهِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْحُقْنَةِ يُرِيدُ بِهِ التَّدَاوِيَ) لِأَنَّ التَّدَاوِيَ مُبَاحٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ وَرَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَبَ لَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي صَغِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ هِيَ عِنْدَهُ يَعُولُهَا وَلَهَا أَبٌ فَوَهَبَ لَهَا أَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْ أَوْ قَبَضَ لَهَا أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَلَمْ يَمْتَنِعْ صِحَّةُ قَبْضِ الزَّوْجِ لَهَا بِقِيَامِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ نَفْعًا مَحْضًا كَانَ تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ فِي فَتْحِ بَابِ الْإِصَابَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: مِنْ وَجْهِ الْوِلَايَةِ وَمِنْ وَجْهِ الْعَوْلِ وَالنَّفَقَةِ وَمِنْ وَجْهِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ، فَثَبَتَ أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وَقَدْ أُطْبِقَتْ كَلِمَةُ سَائِرِ الشُّرَّاحِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ كُلُّهُمْ بِمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَوْ كَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا يَعُولُهَا وَلَهَا أَبٌ فَقَبَضَ زَوْجُهَا الْهِبَةَ لَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ نَفْعًا مَحْضًا فَجَازَ قَبْضُ الْهِبَةِ لَهَا مَعَ قِيَامِ الْأَبِ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَيْ الْكِفَايَةِ وَالْعِنَايَةِ ذَكَرَاهُ بِطَرِيقِ النَّقْلِ عَنْ النِّهَايَةِ وَمَنْ عَدَاهُمَا ذَكَرُوهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ. أَقُولُ: قَوْلُ الْكُلِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي، إذْ الثَّابِتُ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي جَوَازِ قَبْضِ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ الْهِبَةَ لَهَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ يَعُولُهَا، لَا أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِيمَا نَحْنُ

بِإِبَاحَتِهِ الْحَدِيثَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْمُحَرَّمُ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِرِزْقِ الْقَاضِي) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى مَكَّةَ وَفَرَضَ لَهُ، وَبَعَثَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ وَفَرَضَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِمْ وَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ وَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا فِيمَا يَكُونُ كِفَايَةً، فَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الطَّاعَةِ، إذْ الْقَضَاءُ طَاعَةٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُهَا، ثُمَّ الْقَاضِي إذَا كَانَ فَقِيرًا: فَالْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ فَرْضِ الْقَضَاءِ إلَّا بِهِ، إذْ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يُقْعِدُهُ عَنْ إقَامَتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ عَلَى مَا قِيلَ رِفْقًا بِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ الْأَخْذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْهَوَانِ وَنَظَرًا لِمَنْ يُوَلَّى بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ زَمَانًا يَتَعَذَّرُ إعَادَتُهُ ثُمَّ تَسْمِيَتُهُ رِزْقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ بِإِعْطَائِهِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَهُوَ يُعْطَى مِنْهُ، وَفِي زَمَانِنَا الْخَرَاجُ يُؤْخَذُ فِي آخَرِ السَّنَةِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْخَرَاجِ خَرَاجُ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ اسْتَوْفَى رِزْقَ سَنَةٍ وَعُزِلَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا، قِيلَ هُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ مَعْرُوفٍ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ، وَهُوَ جَوَازُ قَبْضِ الْمُلْتَقِطِ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ لِلَّقِيطِ الَّذِي فِي يَدِهِ لِتَحَقُّقِ الْفَرْقِ بَيْنَ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ وَسَائِرِ مَنْ يَعُولُهَا فِي جَوَازِ قَبْضِ الْهِبَةِ لَهَا عِنْدَ وُجُودِ الْأَبِ كَمَا مَرَّ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مُتَّصِلًا بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدُوا بِهَا حَيْثُ قَالَ: وَفِيمَا وُهِبَ لِلصَّغِيرَةِ يَجُوزُ قَبْضُ زَوْجِهَا لَهَا بَعْدَ الزِّفَافِ لِتَفْوِيضِ الْأَبِ أُمُورَهَا إلَيْهِ دَلَالَةً. بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزِّفَافِ وَيَمْلِكُ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرُهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ وَمَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ لَا ضَرُورَةَ انْتَهَى تَأَمَّلْ تُرْشَدْ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَوْلُهُ لَا أَبَ لَهُ: أَيْ لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ لَا أَنْ لَا يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا، وَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ فَإِنَّ اللَّقِيطَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الشَّرْعِ مَوْلُودٌ طَرَحَهُ أَهْلُهُ فِي الطَّرِيقِ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ التُّهْمَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ، فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَبَ لَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي صَغِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ هِيَ عِنْدَهُ يَعُولُهَا، وَلَهَا أَبٌ فَوَهَبَ لَهَا أَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْ أَوْ قَبَضَ لَهَا أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ صِحَّةُ قَبْضِ الزَّوْجِ لَهَا بِقِيَامِ الْأَبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي اللَّقِيطِ لَا فِي الصِّغَارِ مُطْلَقًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ مَدَارَهُ الْغُفُولُ عَمَّا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَجَازَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ أَبٌ بَعْدَ الِالْتِقَاطِ فَيَصِيرُ كَسَائِرِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَهُمْ أَبٌ فَيَتَمَشَّى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ جَوَازِ قَبْضِ الزَّوْجِ لَهُ بِقِيَامِ الْأَبِ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً مُزَوَّجَةً، وَكَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا يَعُولُهَا، فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ وَجْهِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ

مَاتَتْ فِي السَّنَةِ بَعْدَ اسْتِعْجَالِ نَفَقَةِ السَّنَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُسَافِرَ الْأَمَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَانِبَ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهَا وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّهَايَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي اللَّقِيطِ لَا فِي الصِّغَارِ مُطْلَقًا. وَلَا مَعْنًى لِحَمْلِ قَوْلِهِ لَا أَبَ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى بَيَانِ الْوَاقِعِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ لَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَبٌ فِي الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ حِينَ الِالْتِقَاطِ فَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ بَعِيدًا مِنْ اللَّفْظِ جِدًّا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّقْيِيدِ مَرَّتَيْنِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ مِنْ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَلِيقُ بِشَأْنِ الْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ مُحَمَّدٍ ذَلِكَ الْهُمَامُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ لَا مَعْرُوفٌ أَصْلًا: أَيْ لَا حِينَ الِالْتِقَاطِ وَلَا بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ، إذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّقِيطُ إلَّا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ بَعْدَ الِالْتِقَاطِ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَشَاعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَقْبُولٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا مَرَّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ يَحْتَاجُ ثُبُوتُ نَسَبِهِمْ إلَى دَعْوَةِ الْأَبِ كَمَا فِي الْمَوْلُودِ مِنْ أَمَتِهِ. فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَبَ لَهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ مِنْ اللَّقِيطِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَبٌ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مِمَّنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِثْلُ ذَلِكَ اللَّقِيطِ أَنْ يَقْبِضَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ لَهُ عَلَى مُوجِبِ مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ أَنَّ زَوْجَ الصَّغِيرَةِ يَمْلِكُ قَبْضَ الْهِبَةِ لَهَا بَعْدَ الزِّفَافِ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ لِتَفْوِيضِ الْأَبِ أُمُورَهَا إلَيْهِ دَلَالَةً. بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرُهَا حَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ. وَمَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ لَا ضَرُورَةَ انْتَهَى. إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ دَاخِلٌ فِي كُلِّيَّةِ قَوْلِهِ وَكُلُّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرُهَا، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ قَبْضَ الْهِبَةِ لِلصَّغِيرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِهِ وَعَوْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَبَصَّرْ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ مَا يُكْرَهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ كِتَابٌ مِنْ الْكُتُبِ يَخْلُو عَمَّا يُكْرَهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: بَلْ مَا ذَكَرَهُ نَفْسَهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرُوا فِي تَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ مِنْ الْمُنَاسَبَاتِ مَلْحُوظَةٌ فِيمَا ذَكَرُوا هَاهُنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ هَذَا الْكِتَابِ وَكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ هَاهُنَا مَعَ مُلَاحَظَةِ تِلْكَ الْمُنَاسَبَاتِ تَقْتَضِي ذِكْرَ هَذَا الْكِتَابِ عَقِيبَ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ دُونَ غَيْرِهِ، إذْ لَوْ غُيِّرَ ذَلِكَ لَفَاتَ بَعْضٌ مِنْ الْمُنَاسَبَاتِ السَّابِقَةِ

[كتاب إحياء الموات]

[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] (كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) قَالَ (الْمَوَاتُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرَاضِيِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الزِّرَاعَةَ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. قَالَ (فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًّا لَا مَالِكَ لَهُ أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ مِنْ أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ لَا يُسْمَعُ الصَّوْتُ فِيهِ فَهُوَ مَوَاتٌ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَمَعْنَى الْعَادِيِّ مَا قَدُمَ خَرَابُهُ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مَعَ انْقِطَاعِ الِارْتِفَاقِ بِهَا لِيَكُونَ مَيْتَةً مُطْلَقًا، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا تَكُونُ مَوَاتًا، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالِكٌ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الزَّارِعُ نُقْصَانَهَا، وَالْبُعْدُ عَنْ الْقَرْيَةِ عَلَى مَا قَالَ شَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ ارْتِفَاقُ أَهْلِهَا عَنْهُ فَيُدَارِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ انْقِطَاعَ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَنْهَا حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ اللَّاحِقَةِ، وَلْيَكُنْ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي مَوَاضِعَ شَتَّى (قَوْلُهُ الْمَوَاتُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرَاضِيِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ، أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الزِّرَاعَةَ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ لِصِدْقِهِ عَلَى مَا لَهُ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ، لَكِنْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَك أَنْ تَقُولَ: هَذَا تَفْسِيرُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ انْتَهَى. أَقُولُ: تَوْجِيهُهُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ بِتَامٍّ. فَإِنَّ قَيْدَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالِكٌ مُعْتَبَرٌ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ أَيْضًا. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْمَوَاتُ بِالْفَتْحِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، وَالْمَوَاتُ أَيْضًا الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْمُوَاتُ كَغُرَابٍ الْمَوْتُ وَكَسَحَابٍ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، وَأَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا انْتَهَى. فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَكُونُ تَفْسِيرًا بِالْأَعَمِّ أَيْضًا. لَا يُقَالُ: أَصْلُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِلْمَوَاتِ مَا لَا رَوْحَ فِيهِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ ثَانِيًا هُوَ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيُّ أَوْ الشَّرْعِيُّ فَلَمْ يَكُنْ قَيْدُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالِكٌ مُعْتَبَرًا فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ. لِأَنَّا نَقُولُ: الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ مَعْنَى اللَّفْظِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ بِلَا إضَافَةٍ إلَى الْعُرْفِ أَوْ الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، سِيَّمَا مِنْ قَيْدٍ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ فِي الصِّحَاحِ: وَالْمَوَاتُ أَيْضًا الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَلْ كَانَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ أَوَّلًا. فَلَا شَكَّ أَنَّ مَا لَا رَوْحَ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَمَدَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَمْلِكُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي الْحَطَبِ وَالصَّيْدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ نَفْسُ إمَامِهِ بِهِ» وَمَا رَوَيَاهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذْنٌ لِقَوْمٍ لَا نَصْبٌ لِشَرْعٍ، وَلِأَنَّهُ مَغْنُومٌ لِوُصُولِهِ إلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَمَا فِي سَائِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ أَعَمُّ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بَلْ مِنْ مُطْلَقِ الْأَرْضِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى تَعْرِيفِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَكُونُ تَعْرِيفًا بِالْأَخَصِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَقَلَّ قُبْحًا مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ، وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يُشْكِلُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَا: قَوْلُهُ الْمَوَاتُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ تَحْدِيدٌ لُغَوِيٌّ، وَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ أَشْيَاءُ أُخَرُ بَيَانُهَا فِي قَوْلِهِ فَمَا كَانَ عَادِيًا لَا مَالِكَ لَهُ أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَرْيَةِ، بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ فَهُوَ مَوَاتٌ انْتَهَى. تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ نَفْسُ إمَامِهِ بِهِ» ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ اُعْتُبِرَ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الْأَمْلَاكِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ مَعَ ظُهُورِ خِلَافِهِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَسْتَبِدُّ فِي التَّمْلِيكِ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ عُمُومُهُ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا. فَإِنْ قُلْت: عُمُومُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ. وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ. بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. قُلْت: كَوْنُ التَّمْلِيكِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ فَيَلْزَمُ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَيَاهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذْنٌ لِقَوْمٍ لَا نَصْبٌ لِشَرْعٍ) تَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَصْبُ الشَّرْعِ، وَالْآخَرُ إذْنٌ بِالشَّرْعِ. فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ» وَالْآخَرُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلْبُهُ» أَيْ لِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ أَنْ يَأْذَنَ لِلْغَازِي بِهَذَا الْقَوْلِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْنًا لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَتَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ لَا نَصْبَ شَرْعٍ، فَكَذَلِكَ فِي يَوْمِنَا هَذَا مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَا يَكُونُ سَلْبُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ بِهِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ. وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُفَسَّرٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَكَانَ رَاجِحًا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: مَا رَوَاهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ. وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يُخَصَّ فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. قُلْت: مَا ذُكِرَ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا الِافْتِيَاتُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْحَطَبُ وَالْحَشِيشُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا عُمُومُ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَصِرْ مَخْصُوصًا، وَالْأَرْضُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْغَنَائِمِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَإِيضَاعِ الرِّكَابِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ مَا قُلْنَا أَوْلَى انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَالْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ كَوْنَ مَا رَوَاهُ عَامًّا خَصَّ مِنْهُ الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ إنَّمَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْعَمَلِ بِمَا رَوَيَاهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مِمَّا لَمْ يَخُصَّ أَنْ لَوْ خَصَّ الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ مِمَّا رَوَاهُ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ بِهِ، إذْ يَصِيرُ الْعَامُّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ حِينَئِذٍ ظَنِّيًّا كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَأَمَّا إذَا خُصَّ الْحَطَبُ

الْغَنَائِمِ. وَيَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إبْقَاءُ الْخَرَاجِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَاءِ. فَلَوْ أَحْيَاهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا فَزَرَعَهَا غَيْرُهُ فَقَدْ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا لَا رَقَبَتَهَا، فَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ يَنْزِعُهَا مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، إذْ الْإِضَافَةُ فِيهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَمِلْكُهُ لَا يَزُولُ بِالتَّرْكِ. وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً ثُمَّ أَحَاطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ طَرِيقَ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ لِتَعَيُّنِهَا لِتَطَرُّقِهِ وَقَصَدَ الرَّابِعُ إبْطَالَ حَقِّهِ. قَالَ (وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبُ الْمِلْكِ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذْنُ الْإِمَامِ مِنْ شَرْطِهِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ حَتَّى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَصْلِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَشِيشُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ مَفْصُولٌ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ أَوْلَوِيَّةُ الْعَمَلِ بِمَا رَوَيَاهُ، إذْ يَصِيرُ الْعَامُّ حِينَئِذٍ مَنْسُوخًا فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْخَاصُّ وَيَصِيرُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي كَسَائِرِ الْقَطْعِيَّاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَخْصِيصَ الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ مِمَّا رَوَاهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ بِهِ، بَلْ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ آخَرُ مَفْصُولٌ عَنْهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ مُطْلَقًا مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ الْإِمَامَانِ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ، فَبِنَاءُ الْجَوَابِ عَلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ لَوْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْغَنَائِمِ إلَخْ. قُلْنَا: كَوْنُهَا مِنْ الْغَنَائِمِ دَلِيلٌ آخَرُ عَقْلِيٌّ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ بَعْدَهُ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي تَمْشِيَةِ الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ، فَبِالْمَصِيرِ إلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ هُنَا يَلْزَمُ خَلْطُ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مُسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ دُونَ الذِّمِّيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ يَنْزِعُهَا مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، إذْ الْإِضَافَةُ فِيهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَمِلْكُهُ لَا يَزُولُ بِالتَّرْكِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَذْهَبِهِمَا صَحِيحٌ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى كَوْنِهِ إذْنًا لَا شَرْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إذْنًا لَكِنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ كَانَ شَرْعًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلْبُهُ مَلَكَ سَلْبَ مَنْ قَتَلَهُ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ التَّمْلِيكِ فِي لَفْظِ الْإِمَامِ هُنَا، بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ انْتَهَى. أَقُولُ: الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ لَامَ التَّمْلِيكِ مَذْكُورَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ، فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحْمُولًا عَلَى الْإِذْنِ فَجَعْلُ وُجُودِ لَفْظِ التَّمْلِيكِ

قَالَ (وَمَنْ حَجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَعْمُرْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ لِيَعْمُرَهَا فَتَحْصُلُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ. فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ يَدْفَعُ إلَى غَيْرِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ، وَلِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ لِيَمْلِكَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إنَّمَا هُوَ الْعِمَارَةُ وَالتَّحْجِيرُ الْإِعْلَامُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّمُونَهُ بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ حَوْلَهُ أَوْ يُعَلِّمُونَهُ لِحَجْرِ غَيْرِهِمْ عَنْ إحْيَائِهِ فَبَقِيَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَمَا كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ. وَإِنَّمَا شَرَطَ تَرْكَ ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ. وَلِأَنَّهُ إذَا أَعْلَمَهُ لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى وَطَنِهِ وَزَمَانٍ يُهَيِّئُ أُمُورَهُ فِيهِ، ثُمَّ زَمَانٍ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَا يَحْجُرُهُ فَقَدَّرْنَاهُ بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا مِنْ السَّاعَاتِ وَالْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ لَا يَفِي بِذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَرَكَهَا. قَالُوا: هَذَا كُلُّهُ دِيَانَةً، فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ الْإِحْيَاءِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَصَارَ كَالِاسْتِيَامِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَلَوْ فُعِلَ يَجُوزُ الْعَقْدُ. ثُمَّ التَّحْجِيرُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَجَرِ بِأَنْ غَرَزَ حَوْلَهَا أَغْصَانًا يَابِسَةً أَوْ نَقَّى الْأَرْضَ وَأَحْرَقَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ أَوْ خَضَدَ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ أَوْ الشَّوْكِ، وَجَعَلَهَا حَوْلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطًا فِي إذْنِ الْإِمَامِ فِي أَحَدِ الْمَقَامَيْنِ دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَعْمُرْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ التَّحْجِيرِ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُفِيدُ مِلْكًا مُؤَقَّتًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُفِيدُ. وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ. قِيلَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَاءَ إنْسَانٌ آخَرُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَحْيَاهُ، فَإِنَّهُ مَلَكَهُ عَلَى الثَّانِي وَلَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ حَقٌّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ. نَفْيُ الْحَقِّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَيَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْحَقُّ الْكَامِلُ هُوَ الْمِلْكُ، وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ عَلَى التَّرْكِ سِنِينَ بِهَذَا الطَّرِيقِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ لَيْسَ بِالْحَدِيثِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِالْحَدِيثِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ لَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا شَرَطَ تَرْكَ ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ، فَإِنَّ حَاصِلَهُ الِاسْتِدْلَال بِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الْمُتَحَجِّرِ قَبْلَ ثَلَاثِ سِنِينَ، إذْ هُوَ الْمُقْتَضِي اشْتِرَاطَ تَرْكِ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَمَدَارُ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِتَامٍّ لِعَدَمِ كَوْنِ الْمَفْهُومِ حُجَّةً عِنْدَنَا فَلَا يَدْفَعُهُ الْجَوَابُ الْمَزْبُورُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ لِيَعْمُرَهَا فَتَحْصُلُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَدِيثِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ، فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ يَدْفَعُهُ إلَى غَيْرِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ تَمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ لَاقْتَضَى أَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ وَيَدْفَعَهَا إلَى الْغَيْرِ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَزْرَعْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ تَحْصِيلًا لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ وَتَخْلِيصًا لَهَا عَنْ التَّعْطِيلِ. فَإِنْ قُلْت: يَمْلِكُهَا الْإِنْسَانُ بِالْإِحْيَاءِ وَلَا يَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ التَّحْجِيرِ بَلْ يَصِيرُ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا مِنْ الْغَيْرِ، وَالْإِمَامُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ مَمْلُوكَ أَحَدٍ إلَى غَيْرِهِ لِانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَ مَمْلُوكِ الْيَدِ لِذَلِكَ. قُلْت: فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ

وَجَعَلَ التُّرَابَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّ الْمُسَنَّاةَ لِيَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ، أَوْ حَفَرَ مِنْ بِئْرٍ ذِرَاعًا أَوْ ذِرَاعَيْنِ، وَفِي الْأَخِيرِ وَرَدَ الْخَبَرُ. وَلَوْ كَرَبَهَا وَسَقَاهَا فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إحْيَاءٌ، وَلَوْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَحْجِيرًا، وَلَوْ حَفَرَ أَنْهَارَهَا وَلَمْ يَسْقِهَا يَكُونُ تَحْجِيرًا، وَإِنْ سَقَاهَا مَعَ حَفْرِ الْأَنْهَارِ كَانَ إحْيَاءً لِوُجُودِ الْفِعْلَيْنِ، وَلَوْ حَوَّطَهَا أَوْ سَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَعْصِمُ الْمَاءَ يَكُونُ إحْيَاءً؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا إذَا بَذَرَهَا. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَيُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ. عَلَى هَذَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَا لَا غِنًى بِالْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يَسْتَقِي النَّاسُ مِنْهَا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي بَرِّيَّةٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا حَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَهُ أَوْ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ. قَالَ (فَإِنْ كَانَتْ لِلْعَطَنِ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ» ثُمَّ قِيلَ: الْأَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ فِي الْأَرَاضِيِ رَخْوَةً وَيَتَحَوَّلُ الْمَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِحْيَاءٍ لِيَمْلِكَهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ مُفِيدًا لِلْمُدَّعِي بِدُونِ الثَّانِي مَعَ أَنَّ أُسْلُوبَ تَحْرِيرِهِ يَأْبَى ذَلِكَ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ فِي حَلِّ هَذَا التَّعْلِيلِ: لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا حَقِيقَةً: أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَوْ دَلَالَةً: أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَوْلَهُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ انْقِطَاعَ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَنْهَا حَقِيقَةً إلَخْ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ، أَقُولُ: لَمْ يُصِبْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي حَمْلِهِمْ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَزْبُورِ مَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: وَالْبُعْدُ عَنْ الْقَرْيَةِ عَلَى مَا قَالَ شَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ ارْتِفَاقُ أَهْلِهَا عَنْهُ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ انْقِطَاعَ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَنْهَا حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ انْتَهَى. إذْ يَصِيرُ قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ حِينَئِذٍ نَاظِرًا إلَى مَجْمُوعِ قَوْلِهِ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً فَيَحْسُنُ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ الْمَزْبُورُ نَاظِرًا إلَى قَوْلِهِ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا حَقِيقَةً فَقَطْ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الرَّكَاكَةِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي إذْ ذَاكَ أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ دَلَالَةً كَمَا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقْصِرَ حَوَالَةَ الْبَيَانِ عَلَى صُورَةِ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا مَعَ مُرُورِ بَيَانِ صُورَةِ دَلَالَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَيْضًا، وَذَلِكَ مِمَّا لَا ضَرُورَةَ فِيهِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْأَرَاضِيِ رَخْوَةً وَيَتَحَوَّلُ الْمَاءُ

إلَى مَا حُفِرَ دُونَهَا (وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَنْ يُسَيِّرَ دَابَّتَهُ لِلِاسْتِقَاءِ، وَقَدْ يَطُولُ الرِّشَاءُ وَبِئْرُ الْعَطَنِ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْهُ بِيَدِهِ فَقَلَّتْ الْحَاجَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَاوُتِ. وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَالْعَامُّ الْمُتَّفَقُ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَا حُفِرَ دُونَهَا) أَقُولُ: كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: فَيَتَحَوَّلُ الْمَاءُ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تَحَوُّلِ الْمَاءِ إلَى مَا حُفِرَ دُونَهَا إنَّمَا هُوَ رَخْوَةُ الْأَرَاضِيِ لَا غَيْرُ، إذْ لَوْ كَانَتْ فِيهَا صَلَابَةٌ لَمْ يَتَحَوَّلْ الْمَاءُ إلَى مَا حُفِرَ دُونَهَا قَطْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَدَاةِ التَّفْرِيعِ. ثُمَّ أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّعْلِيلَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى كَوْنِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَرِيمِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْبِئْرِ، وَالضَّرَرُ لَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِعَشْرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لَزِمَهُ الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ، فَكَانَ مَآلُ هَذَا التَّعْلِيلِ هُوَ الِاسْتِدْلَال بِالنَّصِّ الدَّالِّ عَلَى دَفْعِ الْحَرَجِ، وَقَدْ اكْتَفَى فِيهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الضَّرَرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ، وَيُرْشِدُك إلَيْهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْبِئْرِ الْأَوَّلِ لِكَيْ لَا يَحْفِرَ أَحَدٌ فِي حَرِيمِهِ بِئْرًا أُخْرَى فَيَتَحَوَّلَ إلَيْهَا مَاءُ بِئْرِهِ، وَهَذَا الضَّرَرُ لَا يَنْدَفِعُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَإِنَّ الْأَرَاضِيَ تَخْتَلِفُ صَلَابَةً وَرَخَاوَةً، فَرُبَّمَا يَحْفِرُ بِحَرِيمِهِ أَحَدٌ بِئْرًا أُخْرَى فَيَتَحَوَّلُ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى إلَيْهِ فَيَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ بِئْرِهِ، وَفِي مِقْدَارِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ يَنْدَفِعُ هَذَا الضَّرَرُ بِيَقِينٍ انْتَهَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَالْعَامُّ الْمُتَّفَقُ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ) يُرِيدُ بِقَوْلِهِ مَا رَوَيْنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» وَبِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ: أَيْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعَطَنِ وَالنَّاضِحِ، وَيُرِيدُ بِالْعَامِّ الْمُتَّفَقَ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» وَبِقَوْلِهِ أَوْلَى عِنْدَهُ، أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيُرِيدُ بِالْخَاصِّ الْمُخْتَلَفَ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: هَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ عَيْنًا، فَإِنَّ حَرِيمَهَا خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّ مَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» لَا يُفَصِّلُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنَّ كَوْنَ الْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَرِيمُهَا أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا عِنْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْفَرْقِ،

أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْحَفْرِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِهِ، فَفِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ تَرَكْنَاهُ وَفِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ حَفِظْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَقَى مِنْ الْعَطَنِ بِالنَّاضِحِ وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ بِالْيَدِ فَاسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْبِرَ الْبَعِيرَ حَوْلَ الْبِئْرِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ مَسَافَةٍ: قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَحَرِيمُهَا خَمْسمِائَةِ ذِرَاعٍ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ مَسَافَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ. وَمِنْ مَوْضِعٍ يُجْرَى فِيهِ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَلِهَذَا يُقَدَّرُ بِالزِّيَادَةِ، وَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسِمِائَةٍ بِالتَّوْقِيفِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَطَنِ، وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْحَفْرِ وَالِاسْتِحْقَاقُ بِهِ فَفِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ تَرَكْنَاهُ، وَفِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ حَفِظْنَاهُ) يَعْنِي أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ اتَّفَقَا فِي الْأَرْبَعِينَ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَفِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ تَعَارَضَا، لِأَنَّ الْعَامَّ يَنْفِيهِ، وَالْخَاصَّ يُثْبِتُهُ فَتَسَاقَطَا فَعَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ، كَذَا فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُتَعَارِضَيْنِ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ إنَّمَا يَتَسَاقَطَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا رُجْحَانٌ عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا رُجْحَانٌ عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَتَرْكُ الْآخَرِ، وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إنَّمَا يَنْفِي مَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا، وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَنْفِي ذَلِكَ بِمَنْطُوقِهِ فَإِنَّمَا يَنْفِيهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ، وَالْخَاصُّ يُثْبِتُهُ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ تُرَجَّحُ عَلَى إشَارَتِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَسْقُطَ الْخَاصُّ بَلْ وَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ، وَيُتْرَكَ الْقِيَاسُ لِظُهُورِ أَنْ يُتْرَكَ الْقِيَاسُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَتَعَارَضَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَبُولَ فِي أَحَدِهِمَا وَالِاخْتِلَافَ فِي الْآخَرِ؟ قُلْت: يَعْنِي بِهِ صُورَةَ الْمُعَارَضَةِ، كَمَا يُقَالُ إذَا تَعَارَضَ الْمَشْهُورُ مَعَ خَبَرِ الْوَاحِدِ تَرَجَّحَ الْمَشْهُورُ وَعَدَمُ التَّعَارُضِ مَعْلُومٌ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: الْجَوَابُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِتَعَارُضِهِمَا هَاهُنَا صُورَةَ التَّعَارُضِ الَّتِي لَا تُنَافِي رُجْحَانَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَمَا تَمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ حَفِظْنَاهُ. وَلَمَّا صَحَّ قَوْلُهُمْ فِي شَرْحِ ذَلِكَ وَفِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ تَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا فَعَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ، إذْ التَّسَاقُطُ وَالْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِيقَةِ التَّعَارُضِ بِأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُخَلِّصُ. وَأَمَّا فِي صُورَةِ التَّعَارُضِ مَعَ رُجْحَانِ أَحَدِهَا عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَتَرْكُ الْآخَرِ وَالْقِيَاسِ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. ثُمَّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: مَدَارُ هَذَا الدَّلِيلِ عَلَى التَّنْزِيلِ عَمَّا ذُكِرَ فِي الدَّلِيلِ السَّابِقِ مِنْ كَوْنِ الْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَى قَبُولِهِ أَوْلَى مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ: يَعْنِي لَوْ سُلِّمَ عَدَمُ رُجْحَانِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَتَسَاقُطُهُمَا فِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ، وَهُوَ مَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ حَفِظْنَا الْقِيَاسَ فِيهِ وَهُوَ يَكْفِينَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَأَمَّلْ تُرْشَدْ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَقِي مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ بِالنَّاضِحِ وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ بِالْيَدِ فَاسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا)

وَقِيلَ إنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْعَيْنِ وَالْبِئْرِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَرَاضِيهِمْ لِصَلَابَةٍ بِهَا وَفِي أَرَاضِيِنَا رَخَاوَةٌ فَيُزَادُ كَيْ لَا يَتَحَوَّلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِي فَيَتَعَطَّلَ الْأَوَّلُ. قَالَ (فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ مِنْهُ) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ حَقِّهِ وَالْإِخْلَالِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ مَلَكَ الْحَرِيمَ ضَرُورَةً تُمَكِّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ؛ فَإِنْ احْتَفَرَ آخَرُ بِئْرًا فِي حَرِيمِ الْأَوَّلِ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُصْلِحَهُ وَيَكْبِسَهُ تَبَرُّعًا، وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ الثَّانِي فِيهِ قِيلَ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَكْبِسَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ جِنَايَةِ حَفْرِهِ بِهِ كَمَا فِي الْكُنَاسَةِ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا، وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ ثُمَّ يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ. وَذَكَرَ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ، وَمَا عَطِبَ فِي الْأَوَّلِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا. وَالْعُذْرُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَعَلَ فِي الْحَفْرِ تَحْجِيرًا وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِهِ، وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ حَيْثُ حَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِنْ حَفَرَ الثَّانِي بِئْرًا وَرَاءِ حَرِيمِ الْأَوَّلِ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهَا، وَلِلثَّانِي الْحَرِيمُ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْجَانِبِ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ (وَالْقَنَاةُ لَهَا حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهَا) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ. وَقِيلَ هُوَ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ لَا حَرِيمَ لَهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَهْرٌ فِي التَّحْقِيقِ فَيُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ الظَّاهِرِ. قَالُوا: وَعِنْدَ ظُهُورِ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ فَوَّارَةٍ فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهُ بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ (وَالشَّجَرَةُ تُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَهَا حَرِيمٌ أَيْضًا حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي حَرِيمِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى حَرِيمٍ لَهُ يَجِدُ فِيهِ ثَمَرَهُ وَيَضَعُهُ فِيهِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، بِهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ. قَالَ (وَمَا تَرَكَ الْفُرَاتُ أَوْ الدِّجْلَةُ وَعَدَلَ عَنْهُ الْمَاءُ وَيَجُوزُ عَوْدُهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ) لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى كَوْنِهِ نَهْرًا (وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ، لِأَنَّ قَهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ مَا يُسْتَقَى مِنْهُ بِالْيَدِ، وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ مَا يُسْتَقَى مِنْهُ بِالْبَعِيرِ فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يُقَالَ: قَدْ يُسْتَقَى مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ بِالنَّاضِحِ وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ بِالْيَدِ، وَلَئِنْ سَلِمَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى النُّدْرَةِ فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يُقَالَ: فَاسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَرَاضِيهِمْ لِصَلَابَةٍ بِهَا وَفِي أَرَاضِيِنَا رَخَاوَةٌ فَيُزَادُ كَيْ لَا يَتَحَوَّلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِي فَيَتَعَطَّلَ الْأَوَّلُ) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ، إذْ الْمَقَادِيرُ مِمَّا لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلرَّأْيِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا مَدَارُهَا النَّصُّ مِنْ الشَّارِعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَاَلَّذِي ثَبَتَ بِالنَّصِّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَا ذُكِرَ فِيمَا قَبْلُ لَا غَيْرُ، فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالرَّأْيِ فِيمَا هُوَ مِنْ الْمَقَادِيرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ حَيْثُ حَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ) أَقُولُ: فِي التَّعْلِيلِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا حَفَرَ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْحَفْرَ هُنَاكَ تَحْجِيرًا كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَبِمُجَرَّدِ التَّحْجِيرِ لَا تَصِيرُ الْبِئْرُ الْأُولَى وَلَا حَرِيمُهَا مِلْكًا لِلْمُحَجِّرِ فَلَا يَصْدُقُ هُنَاكَ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الثَّانِيَ حَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ حَيْثُ حَفَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِالتَّحْجِيرِ كَمَا يَثْبُتُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَقْدِرُ

الْمَاءِ يَدْفَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ وَهُوَ الْيَوْمَ فِي يَدِ الْإِمَامِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَا: لَهُ مُسْنَاةُ النَّهْرِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ) قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ نَهْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْحَرِيمِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمَشْيِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَادَةً فِي بَطْنِ النَّهْرِ وَإِلَى إلْقَاءِ الطِّينِ، وَلَا يُمْكِنُهُ النَّقْلُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ إلَّا بِحَرَجٍ فَيَكُونُ لَهُ الْحَرِيمُ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ. وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَفِي الْبِئْرِ عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْحَرِيمِ فِيهِ فَوْقَهَا إلَيْهِ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَاءِ فِي النَّهْرِ مُمْكِنٌ بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ فِي الْبِئْرِ إلَّا بِالِاسْتِقَاءِ وَلَا اسْتِقَاءَ إلَّا بِالْحَرِيمِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا تَبَعًا لِلنَّهْرِ، وَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَبِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ تَنْعَدِمُ الْيَدُ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً فَلَهُمَا أَنَّ الْحَرِيمَ فِي يَدِ صَاحِبِ النَّهْرِ بِاسْتِمْسَاكِهِ الْمَاءَ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْأَرْضِ نَقْضَهُ. وَلَهُ أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأَرْضِ صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَلِاسْتِوَائِهِمَا، وَمَعْنًى مِنْ حَيْثُ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْغَرْسِ وَالزِّرَاعَةِ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ مَا هُوَ أَشْبَهُ بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ الْمُحَجِّرِ وَيَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا حَجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَعْمُرْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ كَمَا مَرَّ فَيَتَمَشَّى التَّعْلِيلُ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا عَلَى أَصْلِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ جَمِيعًا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأَرْضِ صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَلِاسْتِوَائِهِمَا، وَمَعْنًى مِنْ حَيْثُ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْغَرْسِ وَالزِّرَاعَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسَنَّاةُ مُرْتَفِعَةً عَنْ الْأَرْضِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُسَنَّاةُ أَرْفَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَهِيَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ارْتِفَاعَهُ لِإِلْقَاءِ طِينِهِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ

كَاثْنَيْنِ تَنَازَعَا فِي مِصْرَاعِ بَابٍ لَيْسَ فِي يَدِهِمَا، وَالْمِصْرَاعُ الْآخَرُ مُعَلَّقٌ عَلَى بَابِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى لِلَّذِي فِي يَدِهِ مَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَالْقَضَاءُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ قَضَاءُ تَرْكٍ، وَلَا نِزَاعَ فِيمَا بِهِ اسْتِمْسَاكُ الْمَاءِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا وَرَاءَهُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْغَرْسِ، عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَمْسِكًا بِهِ مَاءُ نَهْرِهِ فَالْآخَرُ دَافِعٌ بِهِ الْمَاءَ عَنْ أَرْضِهِ، وَالْمَانِعُ مِنْ نَقْضِهِ تَعَلُّقُ حَقِّ صَاحِبِ النَّهْرِ لَا مِلْكُهُ. كَالْحَائِطِ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِهِ وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَهْرٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ وَلِآخَرَ خَلْفَ الْمُسَنَّاةِ أَرْضٌ تَلْزَقُهَا، وَلَيْسَتْ الْمُسَنَّاةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) . وَقَالَا: هِيَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمًا لِمُلْقَى طِينِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَلَيْسَتْ الْمُسَنَّاةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَعْنَاهُ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ غَرْسٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى فَيَنْكَشِفُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَصَاحِبُ الشُّغْلِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَرْسٌ لَا يُدْرَى مَنْ غَرَسَهُ فَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ أَيْضًا. وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ وِلَايَةَ الْغَرْسِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَأَمَّا إلْقَاءُ الطِّينِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ إنَّ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْحِشْ. وَأَمَّا الْمُرُورُ فَقَدْ قِيلَ يُمْنَعُ صَاحِبُ النَّهْرِ عِنْدَهُ، وَقِيلَ لَا يُمْنَعُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: آخُذُ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ. ثُمَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَرِيمَهُ مِقْدَارُ نِصْفِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِقْدَارُ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ سَدِيدٍ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي قَوْلِهِ صُورَةً لِاسْتِوَائِهِمَا اسْتِوَاءَهُمَا فِي الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ: أَيْ الِاسْتِوَاءَ الْمَكَانِيَّ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ الْأَرْضِيَّةِ. كَيْفَ لَا وَالِاسْتِوَاءُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَدْ يَتَحَقَّقُ بَيْنَ النَّهْرِ وَالْحَرِيمِ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَيْك، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَاخْتَلَّ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ تَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ وِلَايَةَ الْغَرْسِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ. إذْ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ مَا ذَكَرَهُ ثَمَرَةً لِمَا تَقَدَّمَهُ، بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَدَّعِيَ الْعَكْسَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا وَجْهَ لِكَلَامِهِ هَذَا أَصْلًا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمٌ عِنْدَهُ بَلْ كَانَ طَرَفَا النَّهْرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَكَانَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمٌ عِنْدَهُمَا ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْغَرْسِ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ الْحَرِيمِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَلِصَاحِبِ النَّهْرِ عِنْدَهُمَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ وِلَايَةَ الْغَرْسِ فِي مَوْضِعٍ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ، فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْقَائِلِ.

[فصول في مسائل الشرب]

فُصُولٌ فِي مَسَائِلِ الشِّرْبِ فَصْلٌ فِي الْمِيَاهِ (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ نَهْرٌ أَوْ بِئْرٌ أَوْ قَنَاةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّفَةِ، وَالشَّفَةُ الشِّرْبُ لِبَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمِيَاهَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَاءُ الْبِحَارِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فِيهَا حَقُّ الشَّفَةِ وَسَقْيِ الْأَرَاضِيِ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْرِيَ نَهْرًا مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَالِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبَحْرِ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْهَوَاءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ، وَالثَّانِي مَاءُ الْأَوْدِيَةِ الْعِظَامِ كَجَيْحُونَ وَسَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ لِلنَّاسِ فِيهِ حَقُّ الشَّفَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَقُّ سَقْيِ الْأَرَاضِيِ، فَإِنْ أَحْيَا وَاحِدٌ أَرْضًا مَيْتَةً وَكَرَى مِنْهُ نَهْرًا لِيَسْقِيَهَا. إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ وَلَا يَكُونُ النَّهْرُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ إذْ قَهْرُ الْمَاءِ يَدْفَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَاجِبٌ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يَمِيلَ الْمَاءُ إلَى هَذَا الْجَانِبِ إذَا انْكَسَرَتْ ضِفَّتُهُ فَيُغْرِقَ الْقُرَى وَالْأَرَاضِي، وَعَلَى هَذَا نَصْبُ الرَّحَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ شَقَّ النَّهْرِ لِلرَّحَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فُصُولٌ فِي مَسَائِلِ الشِّرْبِ] [فَصْلٌ فِي الْمِيَاهِ] (فُصُولٌ فِي مَسَائِلِ الشُّرْبِ) (فَصْلٌ فِي الْمِيَاهِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَسَائِلِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَقَدَّمَ فَصْلَ الْمِيَاهِ عَلَى فَصْلِ الْكَرْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَاءُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ الشُّرْبُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ كَانَ اللَّائِقُ تَقْدِيمَ مَسَائِلِ الشُّرْبِ عَلَى مَسَائِلِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ عَلَى عَكْسِ مَا فِي الْكِتَابِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ لِأَصَالَتِهِ وَكَثْرَةِ فُرُوعِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَرْجَمَةُ الْكِتَابِ بِهِ فِي الْعِنْوَانِ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا بَيَانُ مُجَرَّدِ وَجْهِ تَذْيِيلِهِ بِمَسَائِلِ الشُّرْبِ لِتَحَقُّقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالتَّعَلُّقِ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دُونَ بَيَانِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا، فَيَتِمُّ الْمَطْلُوبُ بِمَا ذَكَرُوهُ

كَشَقِّهِ لِلسَّقْيِ بِهِ. وَالثَّالِثُ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْمَقَاسِمِ فَحَقُّ الشَّفَةِ ثَابِتٌ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ» وَأَنَّهُ يَنْتَظِمُ الشِّرْبَ، وَالشِّرْبُ خُصَّ مِنْهُ الْأَوَّلُ وَبَقِيَ الثَّانِي وَهُوَ الشَّفَةُ، وَلِأَنَّ الْبِئْرَ وَنَحْوَهَا مَا وُضِعَ لِلْإِحْرَازِ. وَلَا يُمْلَكُ الْمُبَاحُ بِدُونِهِ كَالظَّبْيِ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِهِ، وَلِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الشَّفَةِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِصْحَابُ الْمَاءِ إلَى كُلِّ مَكَان وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَظَهْرِهِ؛ فَلَوْ مُنِعَ عَنْهُ أَفْضَى إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَسْقِيَ بِذَلِكَ أَرْضًا أَحْيَاهَا كَانَ لِأَهْلِ النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعُوهُ عَنْهُ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ خَاصٌّ لَهُمْ وَلَا ضَرُورَةَ. وَلِأَنَّا لَوْ أَبَحْنَا ذَلِكَ لَانْقَطَعَتْ مَنْفَعَةُ الشِّرْبِ. وَالرَّابِعُ: الْمَاءُ الْمُحَرَّزُ فِي الْأَوَانِي وَأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ بِالْإِحْرَازِ، وَانْقَطَعَ حَقُّ غَيْرِهِ عَنْهُ كَمَا فِي الصَّيْدِ الْمَأْخُوذِ، إلَّا أَنَّهُ بَقِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ مَا رَوَيْنَا، حَتَّى لَوْ سَرَقَهُ إنْسَانٌ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ. وَلَوْ كَانَ الْبِئْرُ أَوْ الْعَيْنُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً آخَرَ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فِي غَيْرِ مِلْكِ أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ يُقَالُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ: إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الشَّفَةَ أَوْ تَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ ضِفَّتَهُ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَقِيلَ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ. أَمَّا إذَا احْتَفَرَهَا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْحَفْرُ لِإِحْيَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَقْطَعُ الشِّرْكَةَ فِي الشَّفَةِ، وَلَوْ مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ الْعَطَشَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِ حَقِّهِ وَهُوَ الشَّفَةُ، وَالْمَاءُ فِي الْبِئْرِ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمُحَرَّزِ فِي الْإِنَاءِ حَيْثُ يُقَاتِلُهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ، وَكَذَا الطَّعَامُ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَخْمَصَةِ، وَقِيلَ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا الْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ بِعَصًا؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ التَّعْزِيرِ لَهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الشِّرْكَةِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ، وَهُوَ مَا رَوَيْنَا، حَتَّى لَوْ سَرَقَهُ إنْسَانٌ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ) وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] يُورِثُ الشُّبْهَةَ بِهَذَا الطَّرِيقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ يُوَافِقُ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَلَا يَلْزَمُ بِالْعَمَلِ بِهِ إبْطَالُ الْكِتَابِ، بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ يُبْطِلُ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] ، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخُصُوصَاتُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ بِالْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إبْطَالُ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ آخَرَ، فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزَ فِي الْأَوَانِي يَصِيرُ مَمْلُوكًا بِالْإِحْرَازِ، وَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْغَيْرِ عَنْهُ، هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لَا مَحَالَةَ، فَلَوْ عَمِلْنَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَزِمَ إبْطَالُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزَ فِي الْأَوَانِي مِلْكٌ خَاصٌّ لِمَنْ أَحْرَزَهُ لَا شِرْكَةَ فِيهِ لِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ خُصُوصُ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ

[فصل في كري الأنهار]

وَالشَّفَةُ إذَا كَانَ يَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا. وَفِيمَا يَرِدُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْمَوَاشِي كَثْرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ بِشُرْبِهَا قِيلَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ لَا تَرِدُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَصَارَ كَالْمُيَاوَمَةِ وَهُوَ سَبِيلٌ فِي قِسْمَةِ الشِّرْبِ. وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ اعْتِبَارًا: بِسَقْيِ الْمَزَارِعِ وَالْمَشَاجِرِ وَالْجَامِعُ تَفْوِيتُ حَقِّهِ، وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَاءَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ فِي الصَّحِيحِ،؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِيهِ كَمَا قِيلَ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ شَجَرًا أَوْ خَضِرًا فِي دَارِهِ حَمْلًا بِجِرَارِهِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ وَيَعُدُّونَ الْمَنْعَ مِنْ الدَّنَاءَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ وَنَخْلَهُ وَشَجَرَهُ مِنْ نَهْرِ هَذَا الرَّجُلِ وَبِئْرِهِ وَقَنَاتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَتَى دَخَلَ فِي الْمَقَاسِمِ انْقَطَعَتْ شِرْكَةُ الشِّرْبِ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَائِهِ قَطْعَ شِرْبَ صَاحِبِهِ، وَلِأَنَّ الْمَسِيلَ حَقُّ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَالضِّفَّةِ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّهُ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْيِيلُ فِيهِ وَلَا شَقُّ الضِّفَّةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَعَارَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَتُجْرَى فِيهِ الْإِبَاحَةُ كَالْمَاءِ الْمُحَرَّزِ فِي إنَائِهِ. فَصْلٌ فِي كَرْيِ الْأَنْهَارِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَنْهَارُ ثَلَاثَةٌ: نَهْرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَدْخُلْ مَاؤُهُ فِي الْمَقَاسِمِ بَعْدُ كَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحْرَزَ فِي الْأَوَانِي مِلْكٌ مَخْصُوصٌ لِمُحْرِزِهِ كَمَا قِيلَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُورِثَ شُبْهَةً فِيمَا لَوْ سَرَقَ إنْسَانٌ مَاءً مُحْرَزًا فِي الْأَوَّلِ كَمَا لَا تُورِثُهَا الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. فَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ السَّارِقُ نَظَرًا إلَى قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] قُلْت: مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلَا يَجُوزُ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِ، فَكَذَا مَعْنَى الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خَلَقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَا كُلَّ الْأَشْيَاءِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَثْبَتَ الْحَدِيثُ الشِّرْكَةَ لِلنَّاسِ عَامًّا اهـ. [فَصْلٌ فِي كَرْيِ الْأَنْهَارِ] (فَصْلٌ فِي كَرْيِ الْأَنْهَارِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَسَائِلِ الشُّرْبِ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ مُؤْنَةِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ الَّتِي كَانَ الشُّرْبُ مِنْهَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى النَّهْرِ إذْ النَّهْرُ يُوجَدُ بِدُونِ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ كَالنَّهْرِ الْعَامِّ أَخَّرَ ذِكْرَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ.

وَنَهْرٌ مَمْلُوكٌ دَخَلَ مَاؤُهُ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّهُ عَامٌّ. وَنَهْرٌ مَمْلُوكٌ دَخَلَ مَاؤُهُ فِي الْقِسْمَةِ وَهُوَ خَاصٌّ. وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا اسْتِحْقَاقُ الشَّفَةِ بِهِ وَعَدَمُهُ. فَالْأَوَّلُ كَرْيُهُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لَهُمْ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَيُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ الْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَوَّلَ لِلنَّوَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَالْإِمَامُ يُجْبِرُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ إحْيَاءً لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ إذْ هُمْ لَا يُقِيمُونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَفِي مِثْلِهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ، إلَّا أَنَّهُ يُخْرِجُ لَهُ مَنْ كَانَ يُطِيقُهُ وَيُجْعَلُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْمَنْفَعَةَ تَعُودُ إلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْخُلُوصِ، وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ يُجْبَرُ عَلَى كَرْيِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ وَهُوَ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ وَضَرَرُ الْآبِي خَاصٌّ وَيُقَابِلُهُ عِوَضٌ فَلَا يُعَارَضُ بِهِ؛ وَلَوْ أَرَادُوا أَنْ يُحَصِّنُوهُ خِيفَةَ الِانْبِثَاقِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ كَغَرَقِ الْأَرَاضِيِ وَفَسَادِ الطُّرُقِ يُجْبَرُ الْآبِي، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ بِخِلَافِ الْكَرْيِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الْخَاصُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ قِيلَ يُجْبَرُ الْآبِي كَمَا فِي الثَّانِي. وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الضَّرَرَيْنِ خَاصٌّ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ عَنْهُمْ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْآبِي بِمَا أَنْفَقُوا فِيهِ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَاسْتَوَتْ الْجِهَتَانِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يُجْبَرُ لِحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ ذِكْرِ مَسَائِلِ الشُّرْبِ، بَلْ هُوَ فِي أَثْنَاءِ ذِكْرِ مَسَائِلِهَا بَعْدُ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِيمَا قَبْلُ فُصُولٌ فِي مَسَائِلِ الشُّرْبِ، وَهُوَ الْآنَ شَرَعَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْفُصُولِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ النَّهْرَ الْعَامَّ أَيْضًا لَا يُوجَدُ بِدُونِ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ، بَلْ لَهُ مُؤْنَةٌ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: فَالْأَوَّلُ كَرْيُهُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لَهُمْ فَيَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ. لَا يُقَالُ: مُرَادُهُمْ أَنَّ النَّهْرَ الْعَامَّ يُوجَدُ بِدُونِ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ عَلَى أَهْلِهِ لَا أَنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهَا مُطْلَقًا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ: وَأَمَّا الثَّانِي فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهِ لَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَضُرُّهُمْ وُجُوبُ مُؤْنَةِ النَّهْرِ الْعَامِّ عَلَى السُّلْطَانِ لِأَنَّا نَقُولُ: مُؤْنَةُ النَّهْرِ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى السُّلْطَانِ فِي الظَّاهِرِ حَيْثُ كَانَ صَرْفُهَا مِنْ يَدِهِ إلَّا أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى أَهْلِهَا أَيْضًا، وَهُمْ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ، يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لَهُمْ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ فَالْأَوَّلُ كَرْيُهُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ: وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ مُؤْنَةَ النَّهْرِ الْعَامِّ عَلَى السُّلْطَانِ نَفْسِهِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا أَيْضًا، إذْ لَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يُوجَدَ النَّهْرُ بِدُونِ مُؤْنَةِ

الشَّفَةِ كَمَا إذَا امْتَنَعُوا جَمِيعًا وَمُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَاهُ، فَإِذَا جَاوَزَ أَرْضَ رَجُلٍ رُفِعَ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَا: هِيَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ بِحِصَصِ الشِّرْبِ وَالْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى حَقًّا فِي الْأَسْفَلِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَسْيِيلِ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الْكَرْيِ الِانْتِفَاعُ بِالسَّقْيِ، وَقَدْ حَصَلَ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ إنْفَاعُ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ السَّيْلِ عِمَارَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مَسِيلٌ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ، كَيْفَ وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ دَفْعَ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ بِسَدِّهِ مِنْ أَعْلَاهُ، ثُمَّ إنَّمَا يُرْفَعُ عَنْهُ إذَا جَاوَزَ أَرْضَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ إذَا جَاوَزَ فُوَّهَةَ نَهْرِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ لَهُ رَأْيًا فِي اتِّخَاذِ الْفُوَّهَةِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، فَإِذَا جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَهُ حَتَّى سَقَطَتْ عَنْهُ مُؤْنَتُهُ قِيلَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْمَاءُ لِيَسْقِيَ أَرْضَهُ لِانْتِهَاءِ الْكَرْيِ فِي حَقِّهِ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْرُغْ شُرَكَاؤُهُ نَفْيًا لِاخْتِصَاصِهِ، وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ مِنْ الْكَرْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَلِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَرْيِ مُطْلَقًا فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى النَّهْرِ، فَلَا يَتِمُّ وَجْهُ التَّأْخِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ هَاهُنَا. ثُمَّ أَقُولُ: مَا ذَكَرُوهُ هَاهُنَا مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ تَامٍّ فِي نَفْسِهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ قَبْلُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فُصُولٌ فِي مَسَائِلِ الشُّرْبِ: فَصْلٌ فِي الْمِيَاهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا هُنَاكَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَسَائِلِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَقَدَّمَ فَصْلَ الْمِيَاهِ عَلَى فَصْلِ الْكَرْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَاءُ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الْكَرْيِ الِانْتِفَاعُ بِالسَّقْيِ، وَقَدْ حَصَلَ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ إنْفَاعُ غَيْرِهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَالصَّوَابُ نَفْعُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاعَ فِي مَعْنَى النَّفْعِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ، كَذَا وُجِدَتْ بِخَطِّ الْإِمَامِ تَاجِ الدِّينِ الزَّرْنُوجِيِّ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ وَلَمْ يَزِيدُوا عَنْ ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: اُسْتُعْمِلَ الْإِنْفَاعُ فِي مَعْنَى النَّفْعِ وَهُوَ ضِدُّ الضَّرَرِ، وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ فِي قَوَانِينِ اللُّغَةِ وَجَاءَ أَرْجَعْته فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ بِمَعْنَى رَجَعْته، وَيَجُوزُ عَلَى قِيَاسِهِ أَنَفَعْته بِمَعْنَى نَفَعْته. وَلَكِنَّ اللُّغَةَ لَا تَصِحُّ بِالْقِيَاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَهْوًا مِنْ الْكِتَابِ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ انْتِفَاعُ غَيْرِهِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ اهـ كَلَامُهُ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ: قُلْت: لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ هُنَا لِلتَّعْدِيَةِ لِكَوْنِ النَّفْعِ مُتَعَدِّيًا بِدُونِ الْهَمْزَةِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْرِيضِ مِنْ بَابِ أَبِعْته فَإِنَّ بَاعَ مُتَعَدٍّ، وَلَمَّا قَصَدُوا مِنْهُ التَّعْرِيضَ أَدْخَلُوا الْهَمْزَةَ عَلَيْهِ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ مُعَرِّضًا لِأَصْلِ الْفِعْلِ، فَإِنَّ مَعْنَى أَبِعْته عَرَضْته لِلْبَيْعِ وَجَعَلْته مُنْتَسِبًا إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَكُونُ الْمَعْنَى فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مُعَرِّضًا لِلنَّفْعِ وَلَا مُنْتَسِبًا إلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ. لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إذْ مَآلُهُ أَيْضًا إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ قِيَاسُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى أَرْجَعَهُ بِمَعْنَى رَجَعَهُ أَوْلَى وَأَحْسَنُ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى أَبَاعَهُ بِمَعْنَى عَرَضَهُ لِلْبَيْعِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ.

[فصل في الدعوى والاختلاف والتصرف فيه]

فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ قَالَ (وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ اسْتِحْسَانًا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْلَكُ بِدُونِ الْأَرْضِ إرْثًا، وَقَدْ يَبِيعُ الْأَرْضَ وَيَبْقَى الشِّرْبُ لَهُ وَهُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيَصِحُّ فِيهِ الدَّعْوَى (وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ يَجْرِي فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ لَا يُجْرَى النَّهْرُ فِي أَرْضِهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ. فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ يَكُونُ الْقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ] (فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ) لَمَّا قَرُبَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ مَسَائِلِ الشُّرْبِ خَتَمَهُ بِفَصْلٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ مَسَائِلِ الشُّرْبِ (وَقَوْلُهُ وَتَصِحُّ دَعْوَى الشُّرْبِ بِغَيْرِ الْأَرْضِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْلَكُ بِدُونِ الْأَرْضِ إرْثًا وَقَدْ تُبَاعُ الْأَرْضُ وَيَبْقَى الشُّرْبُ لَهُ، وَهُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيَصِحُّ فِيهِ دَعْوَى الْبَيْعِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إعْلَامُ الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ وَالشُّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ لِلْقِيَاسِ فِي الْمَبْسُوطِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْرُوطَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ، فَإِذَا انْتَفَى الْإِعْلَامُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى فِي دَعْوَى الشُّرْبِ لِجَهَالَتِهِ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ انْتَفَى صِحَّةُ دَعْوَى الشُّرْبِ قَطْعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ صِحَّةُ دَعْوَاهُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا بِدُونِ الْأَرْضِ إرْثًا وَبَاقِيًا بَعْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ وَمَرْغُوبًا فِيهِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمَشْرُوطُ بِدُونِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِلْقِيَاسِ فِي الْمَبْسُوطِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ لَوْ كَانَ مُصَحِّحًا لِدَعْوَى الشُّرْبِ مَعَ جَهَالَتِهِ لَكَانَ مُصَحِّحًا لِدَعْوَى غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَجْهُولَةِ مَعَ كَوْنِهَا بَاطِلَةً قَطْعًا. نَعَمْ يَصْلُحُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ وَجْهٍ آخَرَ لِلْقِيَاسِ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَنْقُولٌ عَنْهُ أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِيمَا يَدَّعِيهِ إذَا ثَبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَالشُّرْبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ أَرْضٍ فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي فِيهِ الدَّعْوَى كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ يَدْفَعُ هَذَا الْوَجْهَ، وَيَصِيرُ جَوَابًا عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ. ثُمَّ أَقُولُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ لِلْقِيَاسِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ بِطَرِيقِ النَّقْلِ عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي بَعْضِهَا، وَبِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَعْضِ إلَّا أَنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَالشُّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ أَنَّ الشُّرْبَ مُطْلَقًا مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى شُرْبَ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ مَثَلًا يَصِيرُ الشُّرْبُ هُنَاكَ مَعْلُومًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ فِي الشُّرْبِ مِنْ الْأَصْلِ: وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ فِي أَرْضِهِ فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهِ شُرْبَ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى شُرْبٍ مَعْلُومٍ مِنْ

قَوْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَجْرَاهُ لَهُ فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ لِيَسْقِيَهَا فَيَقْضِي لَهُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكًا لَهُ أَوْ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَصَبُّ فِي نَهْرٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ الْمِيزَابُ أَوْ الْمَمْشَى فِي دَارِ غَيْرِهِ، فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا نَظِيرُهُ فِي الشِّرْبِ (وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَاخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ كَانَ الشِّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِفَاعُ بِسَقْيِهَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطَرُّقُ وَهُوَ فِي الدَّارِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى مِنْهُمْ لَا يَشْرَبُ حَتَّى يَسْكُرَ النَّهْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَلَكِنَّهُ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ، فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الْأَعْلَى النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِلَوْحٍ لَا يَسْكُرُ بِمَا يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ لِكَوْنِهِ إضْرَارًا بِهِمْ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَكْرِيَ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصُبَ عَلَيْهِ رَحَى مَاءٍ إلَّا بِرِضَا أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ ضِفَّةِ النَّهْرِ وَشَغْلَ مَوْضِعٍ مُشْتَرَكٍ بِالْبِنَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَحًى لَا يَضُرُّ بِالنَّهْرِ وَلَا بِالْمَاءِ، وَيَكُونُ مَوْضِعُهَا فِي أَرْضِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ أَرْضٍ. وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ أَرْضٍ مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ الشُّرْبُ مَعْلُومًا، وَالشُّرْبُ مَعْلُومٌ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا لَهُ بِشُرْبِ يَوْمٍ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهُوَ مَعْلُومٌ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الشُّرْبَ قَدْ يَكُونُ مَجْهُولًا فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يُجْدَى شَيْئًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِصِحَّةِ دَعْوَى الشُّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ اسْتِحْسَانًا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ صِحَّةُ دَعْوَى الشُّرْبِ الْمَعْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَى الشُّرْبِ الْمَجْهُولِ وَالشَّهَادَةَ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ أَصْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ لَهُ شُرْبَ يَوْمٍ، وَلَمْ يُسَمُّوا عَدَدَ الْأَيَّامِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِشُرْبٍ مَجْهُولٍ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَنَّ لَهُ شُرْبَ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ السَّنَةِ أَوْ مِنْ الْأُسْبُوعِ، وَجَهَالَةُ الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ: يَعْنِي بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ أَشْجَارُهُ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ خَلَلٌ، إذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهِ يَلْزَمُ أَنْ يَلْغُوا قَوْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا، إذْ يَكُونُ عَدَمُ الْجَرَيَانِ حِينَئِذٍ مُنْدَرِجًا فِي مَضْمُونِ قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا مُسْتَدْرَكًا مَحْضًا، فَالْوَجْهُ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ إنْ لَمْ تَكُنْ أَشْجَارُهُ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ، فَإِنَّ كَوْنَ أَشْجَارِهِ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ عَلَامَةَ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْرُ لَهُ، وَجَرَيَانُ مَائِهِ فِيهِ عَلَامَةُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ إشَارَةٌ إلَى انْتِفَاءِ الْعَلَامَةِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا إشَارَةٌ إلَى انْتِفَاءِ الْعَلَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَصِيرُ مَعْنَى مَجْمُوعِ كَلَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الْعَلَامَتَيْنِ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ فَيَنْتَظِمُ السِّيَاقُ وَاللِّحَاقُ كَمَا تَرَى. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ

وَمَعْنَى الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ كَسْرِ ضِفَّتِهِ، وَبِالْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ سُنَنِهِ الَّذِي كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ، وَالدَّالِيَةُ وَالسَّانِيَةُ نَظِيرُ الرَّحَى، وَلَا يَتَّخِذَ عَلَيْهِ جِسْرًا وَلَا قَنْطَرَةً بِمَنْزِلَةِ طَرِيقٍ خَاصٍّ بَيْنَ قَوْمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ نَهْرٌ خَاصٌّ يَأْخُذُ مِنْ نَهْرٍ خَاصٍّ بَيْنَ قَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يُقَنْطِرَ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْثِقَ مِنْهُ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ مُقَنْطِرًا مُسْتَوْثِقًا فَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ وَلَا يَزِيدَ ذَلِكَ فِي أَخْذِ الْمَاءِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَضْعًا وَرَفْعًا. وَلَا ضَرَرَ بِالشُّرَكَاءِ بِأَخْذِ زِيَادَةِ الْمَاءِ، وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَكْسِرُ ضِفَّةَ النَّهْرِ، وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنْ فَمِ النَّهْرِ فَيَجْعَلَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ لِاحْتِبَاسِ الْمَاءِ فِيهِ فَيَزْدَادُ دُخُولُ الْمَاءِ فِيهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْفِلَ كُوَاهُ أَوْ يَرْفَعَهَا حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَاءِ فِي الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ سَعَةِ الْكُوَّةِ وَضِيقِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّسَفُّلِ وَالتَّرَفُّعِ وَهُوَ الْعَادَةُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغْيِيرُ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ وَقَعَتْ بِالْكُوَى فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُقَسِّمَ بِالْأَيَّامِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ يَتْرُكُ عَلَى قَدَمِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كُوًى مُسَمَّاةٌ فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لَيْسَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَزِيدَ كُوَّةً وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ خَاصَّةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْكُوَى فِي النَّهْرِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَشُقَّ نَهْرًا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْكُوَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ شِرْبٌ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ (وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبَيْ الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ تَفْسِيرَ مَجْمُوعِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا عَلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِيهِ نَاظِرًا إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا أَوْ لَمْ تَكُنْ أَشْجَارُهُ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ نَاظِرًا إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ عَلَى طَرِيقَةِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْغَيْرِ مُرَتَّبٍ. لِأَنَّا نَقُولُ: مَعَ كَوْنِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْغَيْرِ مُرَتَّبِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ قَبِيلِ الْأَلْغَازِ فِي الْكَلَامِ لَا يَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ كَلِمَةُ أَوْ فِي قَوْلِهِمَا أَوْ لَمْ تَكُنْ أَشْجَارُهُ فِي طَرَفَيْ النَّهْرِ فَإِنَّهَا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ انْتَفَتْ إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إذَا انْتَفَتْ إحْدَاهُمَا وَوُجِدَتْ أُخْرَاهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَلِهَذَا قَالَ

فِي أَرْضِهِ الْأُولَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ، إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تُنَشِّفُ بَعْضَ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ تُسْقَى الْأَرْضُ الْأُخْرَى، وَهُوَ نَظِيرُ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا إلَى دَارٍ أُخْرَى سَاكِنُهَا غَيْرُ سَاكِنِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي يَفْتَحُهَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَعْلَى مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ وَفِيهِ كُوًى بَيْنَهُمَا أَنْ يَسُدَّ بَعْضَهَا دَفْعًا لِفَيْضِ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ كَيْ لَا تَنِزَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْآخَرِ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَ الشِّرْبَ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْكُوَى تَقَدَّمَتْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَبَعْضُ التَّرَاضِي لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ. وَكَذَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةُ الشِّرْبِ، فَإِنَّ مُبَادَلَةَ الشِّرْبِ بِالشِّرْبِ بَاطِلَةٌ، وَالشِّرْبُ مِمَّا يُورَثُ وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْعُقُودُ إمَّا لِلْجَهَالَةِ أَوْ لِلْغَرَرِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْعُقُودُ فَالْوَصِيَّةُ بِالْبَاطِلِ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ حَتَّى يَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا فِي الْخُلْعِ حَتَّى يَجِبَ رَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفُ: وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا بِكَلِمَةِ الْوَاوِ إشَارَةً إلَى انْتِفَائِهِمَا مَعًا (قَوْلُهُ وَالشِّرْبُ مِمَّا يُورَثُ وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْعُقُودُ إمَّا لِلْجَهَالَةِ أَوْ لِلْغَرَرِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ الشِّرْبَ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ؛ لِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ انْتَهَى. فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ هَاهُنَا حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ هُنَاكَ، وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ مُنَاقَضَةً ظَاهِرَةً. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ كَلَامِهِ فِي الْمَقَامَيْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ مُخْتَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ لَهُ نَوْبَةُ مَاءٍ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأُسْبُوعِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَقَى أَرْضَهُ فِي نَوْبَتِهِ، ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ غَاصِبَ الْمَاءِ يَكُونُ ضَامِنًا، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ

مَا قَبَضَتْ مِنْ الصَّدَاقِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ. وَلَا يَصْلُحُ بَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ. وَلَا يُبَاعُ الشِّرْبُ فِي دَيْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدُونِ أَرْضٍ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَكَيْفَ يَصْنَعُ الْإِمَامُ؟ الْأَصَحُّ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى أَرْضٍ لَا شِرْبَ لَهَا فَيَبِيعَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مَعَ الشِّرْبِ وَبِدُونِهِ فَيَصْرِفُ التَّفَاوُتَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ اشْتَرَى عَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَرْضًا بِغَيْرِ شِرْبٍ، ثُمَّ ضَمَّ الشِّرْبَ إلَيْهَا وَبَاعَهُمَا فَيَصْرِفُ مِنْ الثَّمَنِ إلَى ثَمَنِ الْأَرْضِ وَيَصْرِفُ الْفَاضِلَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ (وَإِذَا) (سَقَى الرَّجُلُ أَرْضَهُ أَوْ مَخَرَهَا مَاءً) أَيْ مَلَأَهَا (فَسَالَ مِنْ مَائِهَا فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَغَرَّقَهَا أَوْ نَزَّتْ أَرْضُ جَارِهِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ) (لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا. ثُمَّ قَالَ: وَفِي فَتَاوَى الصُّغْرَى: رَجُلٌ أَتْلَفَ شِرْبَ رَجُلٍ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ، قَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ: ضَمِنَ، وَقَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ: لَا يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى. وَأَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي أَيْضًا هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ شِرْبَ إنْسَانٍ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَإِنْ اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَضْمَنُ انْتَهَى. قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: ذَكَرَ الْأَشْرِبَةَ بَعْدَ الشُّرْبِ لِأَنَّهُمَا شُعْبَتَا عِرْقٍ وَاحِد لَفْظًا وَمَعْنَى، وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَلَّ مُرَادِهِمْ

سُمِّيَ بِهَا وَهِيَ جَمْعُ شَرَابٍ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِهَا قَالَ (الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ: الْخَمْرُ وَهِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، وَالْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) وَهُوَ الطِّلَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السَّكَرُ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى) أَمَّا الْخَمْرُ فَالْكَلَامُ فِيهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعِرْقٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى فَقَالَ: الْعِرْقُ اللَّفْظِيُّ ظَاهِرٌ وَهُوَ الشُّرْبُ مَصْدَرُ شَرِبَ، وَالْعِرْقُ الْمَعْنَوِيُّ لَعَلَّهُ الْأَرْضُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَخْرُجُ مِنْهُ إمَّا بِالْوَاسِطَةِ أَوْ بِدُونِهَا انْتَهَى. أَقُولُ: حُمِلَ مُرَادُهُمْ بِالْعِرْقِ الْمَعْنَوِيِّ هَاهُنَا عَلَى الْأَرْضِ بِنَاءً عَلَى خُرُوجِ الشُّرْبِ مِنْهَا بِالذَّاتِ، وَخُرُوجُ الْأَشْرِبَةِ مِنْهَا بِالْوَاسِطَةِ تَعَسُّفٌ جِدًّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ. وَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْعِرْقِ الْمَعْنَوِيِّ هَاهُنَا هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الشُّرْبِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ شَرِبَ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ، وَلَا بُدَّ فِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْمُشْتَقِّ وَالْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى؛ وَهَاهُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِمَا شُعْبَتَيْ عِرْقٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: ذَكَرَ كِتَابَ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ الشُّرْبِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ اشْتِرَاكُ اللَّفْظَيْنِ فِي الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَالْحُرُوفِ وَالْأُصُولِ اهـ. ثُمَّ إنَّ مِنْ مَحَاسِنِ ذِكْرِ الْأَشْرِبَةِ بَيَانَ حُرْمَتِهَا؛ إذْ لَا شُبْهَةَ فِي حُسْنِ تَحْرِيمِ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مَلَاكُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرِ إنْعَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُهُ حَلَّ لِلْأُمَمِ السَّابِقَةِ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ أَيْضًا إلَى الْعَقْلِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، وَحُرِّمَ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْ الْخَمْرِ عَلَيْنَا كَرَامَةً لَنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا نَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ بِأَنْ يَدْعُوَ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْهَا إلَى شُرْبِ الْكَثِيرِ وَنَحْنُ مَشْهُودٌ لَنَا بِالْخَيْرِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا ابْتِدَاءً، وَالدَّاعِي الْمَذْكُورُ مَوْجُودٌ؟ أُجِيبَ إمَّا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْخَيْرِيَّةِ لَمْ تَكُنْ إذْ ذَاكَ، وَإِمَّا لِتَدْرِيجِ الضَّارِي لِئَلَّا يَنْفِرَ مِنْ الْإِسْلَامِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ الْجَوَابِ الثَّانِي نَظَرٌ. أَمَّا فِي وَجْهِهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْخَيْرِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّ نَفْسَ خَيْرِيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي الْكَرَامَةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَأَمَّا فِي وَجْهِهِ الثَّانِي فَلِأَنَّ نُفْرَةَ الضَّارِي بِالْخَمْرِ: أَيْ الْمُعْتَادِ بِهَا مِنْ الْإِسْلَامِ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ يُوجَدُ بِتَحْرِيمِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تُحَرَّمْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ كَانَ الضَّارِي بِهَا عَلَى حَالِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا، فَإِذَا حَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَنْفِرَ عَنْهُ عَلَى مُقْتَضَى صُعُوبَةِ تَرْكِ الْمُعْتَادِ، وَأَيْضًا احْتِمَالُ كَوْنِ الِاعْتِيَادِ بِخَبِيثٍ بَاعِثًا عَلَى التَّنْفِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَ النَّهْيِ عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ الْخَبِيثِ مُتَحَقِّقٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ ظُهُورِ شَرَفِ الْإِسْلَامِ فَهَاهُنَا أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، فَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ؟ قُلْنَا: أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ لِيُعَايَنَ الْفَسَادُ فِي الْخَمْرِ، حَتَّى إذَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ عَرَفُوا مِنَّة الْحَقَّ لَدَيْهِمْ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهَا وَهِيَ جَمْعُ شَرَابٍ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِهَا) يَعْنِي سُمِّيَ

أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَائِيَّتِهَا وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا وَهَذَا عِنْدَنَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» : وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ، وَلِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ وَلَنَا أَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ بِإِطْبَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِهَذَا اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ غَيْرُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْكِتَابُ بِالْأَشْرِبَةِ: أَيْ أُضِيفَ إلَيْهَا، وَالْحَالُ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ جَمْعُ شَرَابٍ، وَهُوَ اسْمٌ فِي اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يُشْرَبُ مِنْ الْمَائِعَاتِ سَوَاءٌ كَانَ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا، وَفِي اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا هُوَ حَرَامٌ مِنْهُ وَكَانَ مُسْكِرًا لِمَا فِيهِ: أَيْ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِهَا: أَيْ حُكْمِ الْأَشْرِبَةِ كَمَا سُمِّيَ كِتَابَ الْحُدُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْحُدُودِ، وَكَمَا سُمِّيَ كِتَابُ الْبُيُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْبُيُوعِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا ذُكِرَ هَا هُنَا فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ وَالْكَافِي مَعَ نَوْعِ زِيَادَةٍ فِي حَلِّ الْأَلْفَاظِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِهَا: أَيْ بَيَانِ حُكْمِ أَنْوَاعِهَا، وَقَالَ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ تَمْهِيدُ الْعُذْرِ لِعِنْوَانِهِ الْكِتَابَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ: يَعْنِي إنَّمَا عَنْوَنَ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ أَحْكَامِ أَنْوَاعِهَا كَمَا فِي الْبُيُوعِ، أَوْ لِإِضَافَةِ الْكِتَابِ إلَى الْأَعْيَانِ، وَالْفِقْهُ يَبْحَثُ عَنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، فَوَجْهُهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْحُرْمَةُ هَا هُنَا وَصْفٌ لِلْأَعْيَانِ لَا لِلْأَفْعَالِ فَلِذَلِكَ عَنْوَنَ بِالْأَعْيَانِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالُ الْأَفْعَالِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ خُصُوصًا التَّلْوِيحَ فِي أَوَائِلِ الْقِسْمِ الثَّانِي، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ لِتَوْجِيهِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِإِضَافَةِ الْكِتَابِ إلَى الْأَعْيَانِ مَعْنًى مُحَصَّلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْحُرْمَةُ هَا هُنَا وَصْفٌ لِلْأَعْيَانِ حَقِيقَةً لَا لِلْأَفْعَالِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ سِيَّمَا فِي التَّلْوِيحِ فِي أَوَائِلِ الْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ إضَافَةَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إلَى الْأَعْيَانِ كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْأُمَّهَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَجَازٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ، أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ: أَيْ حَرُمَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَنِكَاحُ الْأُمَّهَاتِ لِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى الْحَذْفِ، وَالْمَقْصُودُ الْأَظْهَرُ عَلَى تَعْيِينِ الْمَحْذُوفِ، وَأَمَّا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ إضَافَةُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إلَى الْأَعْيَانِ حَقِيقَةً لِوَجْهَيْنِ مُفَصَّلَيْنِ فِي مَحَلِّهِ، إلَّا أَنَّ كَوْنَ إضَافَتِهِمَا إلَى الْأَفْعَالِ حَقِيقَةً مِمَّا لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ قَطُّ، بَلْ مَنْ يَقُولُ بِكَوْنِ إضَافَتِهِمَا إلَى الْأَعْيَانِ حَقِيقَةً إنَّمَا يَقِيسُ إضَافَتَهُمَا إلَى الْأَعْيَانِ عَلَى إضَافَتِهِمَا إلَى الْأَفْعَالِ فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً، وَيَسْتَمِدُّ بِذَلِكَ فِي تَوْجِيهِ مَذْهَبِهِ، فَلَا مَجَالَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَصْفٌ لِلْأَعْيَانِ حَقِيقَةً لَا لِلْأَفْعَالِ عَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُرْمَةَ هَا هُنَا وَصْفٌ لِلْأَعْيَانِ مَجَازًا لَا لِلْأَفْعَالِ لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ فَلِذَلِكَ عَنْوَنَ بِالْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُرْمَةِ وَصْفًا لِلْأَعْيَانِ مَجَازًا لَا يَقْتَضِي أَنْ يُعَنْوِنَ الْكِتَابَ بِالْأَعْيَانِ، بَلْ رِعَايَةُ جَانِبِ الْحَقِيقَةِ فِي الْعِنْوَانِ أَوْلَى وَأَحْسَنُ بِلَا رَيْبٍ، فَكَانَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَنْوَنَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يُقَالَ كِتَابُ شُرْبِ الْأَشْرِبَةِ حَتَّى يُرَاعَى كَوْنُ الْفِقْهِ بَاحِثًا عَنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِلَا كُلْفَةٍ أَنْ يُقَالَ وَيُعْلَمَ مِنْهُ حَالُ الْأَفْعَالِ. وَبِالْجُمْلَةِ تَوْجِيهُهُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِتَامٍّ عَلَى كُلِّ حَالٍ (قَوْلُهُ أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِهَا) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَائِيَّتِهَا بَدَلَ مَاهِيَّتِهَا. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: الْمَائِيَّةُ بِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ، وَهِيَ مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ كَمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ وَهِيَ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ انْتَهَى. قُلْت: وَفِي نُسْخَةٍ مَائِيَّتِهَا هَا هُنَا إيهَامٌ لَطِيفٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ تَبَصَّرْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ بِإِطْبَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ) أَقُولُ لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ إطْبَاقَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي قَامُوسِ اللُّغَةِ: الْخَمْرُ مَا أَسْكَرَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ عَامٍّ. وَقَالَ: وَالْعُمُومُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ وَمَا بِالْمَدِينَةِ خَمْرُ عِنَبٍ. وَمَا كَانَ شَرَابُهُمْ إلَّا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ انْتَهَى وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ يَعُمُّ

وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَهِيَ فِي غَيْرِهَا ظَنِّيَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاءَ الْعِنَبِ وَغَيْرَهُ، وَأَنَّ الْعُمُومَ أَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَهِيَ فِي غَيْرِهَا ظَنِّيَّةٌ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: بَيَانُهُ أَنَّ النِّيءَ الْمُسْكِرَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرٌ قَطْعًا وَيَقِينًا لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُرْمَةُ الْقَطْعِيَّةُ، فَأَمَّا سَائِرُ الْأَشْرِبَةِ فَفِي تَسْمِيَتِهَا خَمْرًا شُبْهَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الِاخْتِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ فَكَيْفَ تَتَرَتَّبُ الْحُرْمَةُ الثَّابِتَةُ قَطْعًا عَلَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ؛ لِأَنَّ بِالشُّبْهَةِ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَالْيَقِينُ انْتَهَى أَقُولُ: فِي هَذَا الْبَيَانِ خَلَلٌ، فَإِنَّهُ جَعَلَ فِيهِ مَدَارَ كَوْنِ الْحُرْمَةِ فِي غَيْرِ النِّيءِ الْمُسْكِرِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ ظَنِّيَّةً اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي تَسْمِيَةِ ذَلِكَ خَمْرًا وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ إذْ الْمُصَنِّفُ بِصَدَدِ بَيَانِ بُطْلَانِ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ وَإِثْبَاتِ أَنَّ غَيْرَ النِّيءِ الْمُسْكِرِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا يُسَمَّى خَمْرًا فَلَوْ كَانَ مَدَارُ ظَنِّيَّةِ حُرْمَةِ غَيْرِ ذَلِكَ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَسْمِيَتِهِ خَمْرًا لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْخَمْرُ هِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا، وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِخَمْرٍ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَحُرْمَةَ غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّا خَالَفْنَا فِي كَوْنِ غَيْرِ ذَلِكَ خَمْرًا وَقُلْنَا: إنَّ اسْمَ الْخَمْرِ مَخْصُوصٌ بِالنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَوْرَثَ خِلَافُنَا فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي كَوْنِهِ خَمْرًا فَلَمْ تَكُنْ حُرْمَتُهُ قَطْعِيَّةً وَفِي هَذَا مُصَادَرَةٌ كَمَا تَرَى وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ هَذَا الْمَقَامِ: يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَتَكُونُ قَطْعِيَّةً، وَمَا هُوَ قَطْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ، وَكَوْنُ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرًا قَطْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ فَيَثْبُتُ بِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الِاخْتِلَافِ إيرَاثُ الشُّبْهَةِ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ قَطْعِيَّةً وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنِّيٌّ انْتَهَى أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ اسْتِلْزَامِهِ الْمُصَادَرَةَ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: وَكَوْنُ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرًا قَطْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ اخْتِلَافَهُمْ فِي كَوْنِهِ خَمْرًا فَيَئُولُ إلَى مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ قَطْعِيَّةً وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنِّيٌّ كَلَامٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا ارْتِبَاطَ بِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ غَيْرَ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ مِمَّا وَقَعَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي حَقِّهِ، فَاللَّازِم مِنْهُ أَنْ تَكُونَ حُرْمَتُهُ ظَنِّيَّةً، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ قَطْعِيَّةً فَتَكُونُ حُرْمَةُ غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ قَطْعِيَّةً لَمْ يَكُنْ التَّفْرِيعُ صَحِيحًا قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ فَتَكُونُ حُرْمَةُ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةً لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا ظَنِّيٌّ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ دَلِيلَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ قَطْعِيٌّ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي صَدْرِ بَيَانِهِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَتَكُونُ قَطْعِيَّةً، وَمَا هُوَ قَطْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ فَالْحَقُّ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: يَعْنِي فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصْرَفَ تَحْرِيمُهَا إلَّا إلَى عَيْنٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ قَطْعًا، وَغَيْرُ النِّيءِ لَيْسَ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ لِمَكَانِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ انْتَهَى فَإِنَّهُمَا لَمْ يُرِيدَا بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ الِاجْتِهَادَ فِي تَسْمِيَتِهِ خَمْرًا حَتَّى يَلْزَمَ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، بَلْ أَرَادَا بِهِ الِاجْتِهَادَ فِي عَدَمِ حُرْمَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ فِي الْعَصِيرِ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ بَعْدَ بَيَانِ أَنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّهُ مُبَاحٌ، وَقَالَ فِي نَقِيعِ التَّمْرِ بَعْدَ بَيَانٍ: إنَّهُ حَرَامٌ وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إنَّهُ مُبَاحٌ، وَقَالَ فِي نَقِيعِ الزَّبِيبِ بَعْدَ بَيَانٍ: إنَّهُ حَرَامٌ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى، وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الْأَوْزَاعِيِّ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ طَعَنَ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ

وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ لَا لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْمِ خَاصًّا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قَبْلِنَا حَيْثُ قَالَ: لَا يَقُولُ الْخَصْمُ بِقَطْعِيَّةِ حُرْمَةِ غَيْرِ النِّيءِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ مُسْتَحِلَّهُ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ الْإِلْزَامُ، هَذَا كَالرِّبَا فَإِنَّ حُرْمَتَهُ قَطْعِيَّةٌ، وَحُرْمَةُ بَيْعِ الْحَفْنِ بِالْحَفْنِ مُتَفَاضِلًا مَثَلًا لَيْسَتْ بِقَطْعِيَّةٍ انْتَهَى، أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَوْلِ الْخَصْمِ بِقَطْعِيَّةِ حُرْمَةِ غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا يُنَافِي تَوَجُّهَ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِمْ، بَلْ بِذَلِكَ يَتَوَجَّهُ الْإِلْزَامُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ بِلَا رَيْبٍ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّى الْخَمْرَ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ رِجْسًا وَالرِّجْسُ مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ الْخَمْرَ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَمَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ قَطْعِيٌّ جَزْمًا، فَإِذَا لَمْ يَقُلْ الْخَصْمُ بِقَطْعِيَّةِ حُرْمَةِ غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ تَعَيَّنَ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ النِّيءِ خَمْرًا؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَطْعِيَّةَ الْحُرْمَةِ وَعَدَمَ قَطْعِيَّتِهَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَقَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ الْإِلْزَامُ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَتَنْظِيرُهُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ، وَهَذَا كَالرِّبَا إلَى آخِرِهِ لَا يُجْدِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا عِنْدَنَا الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ، أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطَّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ، فَفِي بَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَةِ مُتَفَاضِلًا لَا يُوجَدُ الرِّبَا عِنْدَنَا لِعَدَمِ وُجُودِ عِلَّتِهِ فَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيُوجَدُ فِيهِ الرِّبَا لِوُجُودِ عِلَّتِهِ فَيَحْرُمُ فَكَوْنُ حُرْمَةِ الرِّبَا قَطْعِيَّةً يَصِيرُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ هُنَاكَ أَيْضًا لِمِثْلِ مَا قُلْنَا هَا هُنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّنْظِيرِ أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ لَا لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَك أَنْ تَقُولَ هَذَا مَنْعٌ لَا يَضُرُّ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا مَنْعٌ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضَةً: يَعْنِي إنَّمَا سُمِّيَ خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ: أَيْ لِتَشَدُّدِهِ وَقُوَّتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ فَلَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ خَمْرًا، وَيُشِيرُ إلَيْهِ تَفْسِيرُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبِ الْكِفَايَةِ هَا هُنَا حَيْثُ قَالَا: أَيْ لِتَشَدُّدِهِ وَقُوَّتِهِ فَإِنَّ لَهَا شِدَّةً وَقُوَّةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا حَتَّى سُمِّيَتْ أُمَّ الْخَبَائِثِ انْتَهَى وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ ذَاكَ مَنْعٌ لَا مُعَارِضَةً فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ لَا يَضُرُّ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْخَصْمِ عَلَى كَوْنِ الْخَمْرِ اسْمًا لِكُلِّ مُسْكِرٍ بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ، فَإِنَّهُ إذَا مُنِعَ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ تَسْقُطُ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَتِمُّ دَلِيلُ الْخَصْمِ عَلَيْنَا وَهُوَ عَيْنُ الضَّرَرِ لَهُ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: هَذَا وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَعْنِي غَيْرَ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ: أَيْ لِصَيْرُورَتِهِ مُرًّا كَالْخَمْرِ لَا لِمُخَامَرَتِهِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ سُمِّيَ خَمْرًا لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ فَاسِدٌ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ أَصْلًا؛ إذْ حِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ وَلَا يَرْتَبِطُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْمِ خَاصًّا فِيهِ، وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الشَّرْحَ عَجِيبٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الشَّارِحِ، وَكَانَ لَنَا أَنْ نَحْمِلَ كَلِمَةَ: غَيْرَ فِي قَوْلِهِ: يَعْنِي غَيْرَ النِّيءِ عَلَى السَّهْوِ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ لَوْلَا قَوْلُهُ كَالْخَمْرِ فِي قَوْلِهِ أَيْ لِصَيْرُورَتِهِ مُرًّا كَالْخَمْرِ، فَإِنَّ التَّشْبِيهَ بِالْخَمْرِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ غَيْرَ الْخَمْرِ وَهُوَ غَيْرُ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَالصَّوَابُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي إنَّمَا سَمَّى النِّيءَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ: أَيْ لِتَغَيُّرِهِ وَاشْتِدَادِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ خَمْرًا لَا لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ: أَيْ لَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ: أَيْ سِتْرِهِ الْعَقْلَ حَتَّى يُوجَدَ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ فِي غَيْرِ النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ أَيْضًا فَيَكُونُ خَمْرًا فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ الِارْتِبَاطُ بِالسَّبَّاقِ وَاللَّحَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِتَخَمُّرِهِ: أَيْ لِصَيْرُورَتِهِ خَمْرًا أَقُولُ: هَذَا تَفْسِيرٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ مُؤَدٍّ إلَى

فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ النُّجُومِ وَهُوَ الظُّهُورُ، ثُمَّ هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ لَا لِكُلِّ مَا ظَهَرَ وَهَذَا كَثِيرُ النَّظِيرِ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالثَّانِي أُرِيدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ؛ إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ وَالثَّانِي فِي حَقِّ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ خَمْرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِهِ، وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ التَّأَمُّلُ الصَّادِقُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ النُّجُومِ وَهُوَ الظُّهُورُ، ثُمَّ هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ لَا لِكُلِّ مَا ظَهَرَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ نَجَمَ إذَا ظَهَرَ ثُمَّ هُوَ خَاصٌّ بِالثُّرَيَّا انْتَهَى، وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ؛ لِأَنَّ النَّجْمَ إنَّمَا كَانَ اسْمًا خَاصًّا لِجِنْسِ الْكَوْكَبِ مَوْضُوعًا لَهُ لِظُهُورِهِ، ثُمَّ صَارَ عَلَمًا لِلثُّرَيَّا بِلَا وَضْعِ وَاضِعٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ لِأَجْلِ الْغَلَبَةِ وَكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِهِ كَمَا هُوَ حَالُ سَائِرِ الْأَعْلَامِ الْغَالِبَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لِلظَّاهِرِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ جِنْسُ الْكَوْكَبِ لَا أَنَّهُ عَلَمٌ خَاصٌّ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِ الْكَوْكَبِ وَهُوَ الثُّرَيَّا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الظُّهُورِ إنَّمَا لُوحِظَ فِي مَرْتَبَةِ كَوْنِ النَّجْمِ اسْمًا مَوْضُوعًا لِجِنْسِ الْكَوْكَبِ لَا فِي مَرْتَبَةِ كَوْنِهِ عَلَمًا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَهُوَ الثُّرَيَّا، فَإِنَّ كَوْنَهُ عَلَمًا لَهُ إنَّمَا كَانَ بِمُجَرَّدِ الْغَلَبَةِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ لَا لِمُلَاحَظَةِ مَعْنًى فِيهِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْأَعْلَامِ الْغَالِبَةِ أَعْلَامٌ اتِّفَاقِيَّةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ عِنْدَ مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ إنَّمَا اغْتَرَّ بِلَفْظِ الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْمٌ خَاصٌّ لِلنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ، إلَّا أَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ الْجِنْسُ الْمَخْصُوصُ الْمَعْرُوفُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ النَّجْمِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِ مَا يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الظُّهُورِ مُطْلَقًا وَهُوَ جِنْسُ الْكَوْكَبِ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي أُرِيدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ: يَعْنِي إذَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ كَانَ حُكْمُهُ فِي الْإِسْكَارِ حُكْمَ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ وَثُبُوتِ الْحَدِّ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَفْسِيرُ الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ وَالثَّانِي أُرِيدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ بِالْحُرْمَةِ وَثُبُوتِ الْحَدِّ عِنْدَ إسْكَارِ كَثِيرِهِ وَلَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» يُفِيدُ الْحَصْرَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيَانَ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي ذَيْنِك الشَّرْحَيْنِ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْحَصْرُ وَالتَّخْصِيصُ بِهَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ فِيهِمَا وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَثُبُوتُ الْحَدِّ عِنْدَ إسْكَارِ الْكَثِيرِ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ تَيْنِكِ الشَّجَرَتَيْنِ أَيْضًا، فَإِنَّ نَبِيذَ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَبِيذَ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَصِلْ مَرْتَبَةَ الْإِسْكَارِ وَكَانَ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ صَارَ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، وَيَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الَّذِي أُرِيدَ بَيَانُهُ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي هُوَ حُرْمَةُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ تَيْنِكِ الشَّجَرَتَيْنِ فَيَصِحُّ الْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ بِلَا غُبَارٍ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي تَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ هَا هُنَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فِي حُرْمَةِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مَعًا، إلَّا أَنَّهَا بِإِجْمَالِهَا لَا تُنَافِيهَا بَلْ تُسَاعِدُهَا حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي بَيَانُ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ لَا بَيَانَ الْحَقِيقَةِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِهِ، وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ بِالِاشْتِدَادِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ

بِالِاشْتِدَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ، وَكَمَالُهَا بِقَذْفٍ بِالزَّبَدِ وَسُكُونِهِ؛ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الصَّافِي مِنْ الْكَدِرِ، وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ قَطْعِيَّةٌ فَتُنَاطُ بِالنِّهَايَةِ كَالْحَدِّ وَإِكْفَارِ الْمُسْتَحِلِّ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ وَقِيلَ يُؤْخَذُ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ احْتِيَاطًا وَالثَّالِثُ أَنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ حُرْمَةَ عَيْنِهَا، وَقَالَ: إنَّ السُّكْرَ مِنْهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْفَسَادُ وَهُوَ الصَّدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَهَذَا كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ جُحُودُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ رِجْسًا وَالرِّجْسُ مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ: لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِهِ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُمَا ثُبُوتُ هَذَا الِاسْمِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ بِدُونِ اشْتِرَاطِ الْقَذْفِ بِالزَّبَدِ وَلَا يُسَلِّمُهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ يَقُولُ بِاشْتِرَاطِ الْقَذْفِ بِالزَّبَدِ فَتَعْلِيلُ مُدَّعَاهُمَا بِثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ بِالِاشْتِدَادِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ بِالِاشْتِدَادِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ حُرْمَةِ الْخَمْرِ مَعْلُولَةً، وَهَذَا يُنَافِي مَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ أَنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَقَدْ شَرَحَ الشَّارِحُ الْكَاكِيُّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا بِمَا هُوَ أَظْهَرُ فِي الْمُنَافَاةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْإِسْكَارُ يَحْصُلُ بِالِاشْتِدَادِ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْفَسَادِ: أَيْ الْإِسْكَارُ مُؤَثِّرٌ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُلَائِمُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهَا مَعْلُولَةٌ بِالسُّكْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ حُرْمَةَ عَيْنِهَا، وَقَالَ: السُّكْرُ مِنْهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْفَسَادُ وَهُوَ الصَّدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ وَكَمَالُهَا بِقَذْفِ الزَّبَدِ وَسُكُونِهِ؛ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الصَّافِي مِنْ الْكَدِرِ وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ قَطْعِيَّةٌ فَتُنَاطُ بِالنِّهَايَةِ كَالْحَدِّ وَإِكْفَارِ الْمُسْتَحِلِّ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي حَدِّ ثُبُوتِ اسْمِ الْخَمْرِ لَا فِي حَدِّ تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ اسْمُ الْخَمْرِ فِي بِدَايَةِ الشِّدَّةِ وَيُشْتَرَطُ تَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهَا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ هَا هُنَا فِي حَدِّ ثُبُوتِ اسْمِ الْخَمْرِ فِي الشَّرْعِ لَا فِي حَدِّ ثُبُوتِهِ فِي اللُّغَةِ فَقَطْ، فَإِذَا ثَبَتَ اسْمُهَا الشَّرْعِيُّ يَلْزَمُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ بِلَا تَرَاخٍ فِيهِ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ أَنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَرْقٌ مَا بَيْنَ السُّكْرِ وَالْإِسْكَارِ فَلَا يُخَالَفُ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ لَازِمُ الْإِسْكَارِ وَمُطَاوِعُهُ فَلَا يَفْتَرِقَانِ فِي التَّحْقِيقِ، فَالتَّعْلِيلُ بِأَحَدِهِمَا يُؤَدِّي إلَى التَّعْلِيلِ بِالْآخَرِ، وَمُجَرَّدُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَفْهُومِ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِقْهِيًّا هَا هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى، كَيْفَ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ كَوْنِ حُرْمَتِهَا لِعَيْنِهَا غَيْرَ مَعْلُولَةٍ بِشَيْءٍ مَا أَصْلًا لَا أَنَّهَا غَيْرُ مَعْلُولَةٍ بِالسُّكْرِ وَلَكِنَّهَا مَعْلُولَةٌ بِشَيْءٍ آخَرَ كَالْإِسْكَارِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ لُزُومِ الْكُفْرِ وَجُحُودِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ادِّعَاءِ كَوْنِهَا مَعْلُولَةً بِمَا يُنَافِي كَوْنَهَا مُحَرَّمَةَ الْعَيْنِ مُطْلَقًا لَا عَلَى ادِّعَاءِ كَوْنِهَا مَعْلُولَةً بِالسُّكْرِ فَقَطْ وَإِنَّمَا قَالَ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ لِكَوْنِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ

حَرَّمَ الْخَمْرَ؛ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ، وَلِهَذَا تَزْدَادُ لِشَارِبِهِ اللَّذَّةُ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مَعْلُولٍ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى سَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ، وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَدِّيهِ إلَيْهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَتَعْلِيلُهُ لِتَعَدِّيهِ الِاسْمَ، وَالتَّعْلِيلُ فِي الْأَحْكَامِ لَا فِي الْأَسْمَاءِ وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً كَالْبَوْلِ لِثُبُوتِهَا بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْخَامِسُ أَنَّهُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ. وَالسَّادِسُ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنْكِرِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَبَصَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ يُعَدِّيهِ إلَيْهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَهِيَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» وَقَالُوا: وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَتُهَا لِعَيْنِهَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ انْتَهَى أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ تَعْلِيلُهَا وَتَعْدِيَتُهَا إلَى غَيْرِهَا مُنَافِيًا لِحُرْمَةِ عَيْنِهَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْلِيلِهَا وَتَعْدِيَتِهَا إلَى سَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ الْمُخَالَفَةُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا فَإِنَّهُ سَمَّاهُ رِجْسًا، وَالرِّجْسُ مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى جُحُودِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَحَاشَى لِلشَّافِعِيِّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيلُهَا وَتَعْدِيَتُهَا إلَى غَيْرِهَا مُنَافِيًا لِحُرْمَةِ عَيْنِهَا بَلْ كَانَتْ حُرْمَةُ عَيْنِهَا ثَابِتَةً بِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَحُرْمَةُ عَيْنِ غَيْرِهَا ثَابِتَةً بِتَعَدِّيهِ حُرْمَةَ عَيْنِهَا إلَى حُرْمَةِ عَيْنِ غَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لَمْ يَتِمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ إنَّمَا هُوَ حُرْمَةُ عَيْنِ الْخَمْرِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ تَعْدِيَتَهَا إلَى غَيْرِهَا لَا يُنَافِي حُرْمَةَ عَيْنِهَا ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي هَا هُنَا تَعْلِيلُهَا بِالْإِسْكَارِ يُنَافِي حُرْمَةَ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّ قَلِيلَهَا لَيْسَ بِمُسْكِرٍ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ قَلِيلُهَا حَرَامًا عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالْإِسْكَارِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَيْنُهَا حَرَامًا، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقُلْ بِتَعْلِيلِهَا بِالْإِسْكَارِ، وَأَمَّا تَعْلِيلُهَا بِمَا هُوَ غَيْرُ مُنْفَكٍّ عَنْ عَيْنِهَا بَلْ هُوَ لَازِمٌ لَهَا كَالْمُخَامَرَةِ وَنَحْوِهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُنَافِي حُرْمَةَ عَيْنِهَا، وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَالَ بِتَعْلِيلِهَا بِالْمُخَامَرَةِ فَعَدَّى حُكْمَهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ حَتَّى أَوْجَبَ الْحَدَّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْبَاذَقِ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُهُ الْمُخَالِفَةُ لِلسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً كَالْبَوْلِ لِثُبُوتِهَا بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا مَرَّ آنِفًا إنَّمَا هُوَ حُرْمَتُهَا، فَإِنْ اسْتَلْزَمَتْ حُرْمَتُهَا الْقَطْعِيَّةُ كَوْنُهَا نَجِسَةً نَجَاسَةً غَلِيظَةً فَمَا مَعْنَى جَعْلِ كَوْنِهَا نَجِسَةً نَجَاسَةً غَلِيظَةً مَوْضِعًا رَابِعًا مَبْحُوثًا عَنْهُ بِالْأَصَالَةِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَلْزِمْهُ فَمَا مَعْنَى الْحَوَالَةِ عَلَى تِلْكَ الدَّلَائِلِ الْمَارَّةِ نَعَمْ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الدَّلَائِلِ وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى كَوْنِهَا نَجِسَةً، فَإِنَّهُ سَمَّاهَا رِجْسًا، وَالرِّجْسُ هُوَ الْقَذَرُ عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ لِثُبُوتِهَا بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَالْأَوْلَى هَا هُنَا تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَهِيَ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّهَا سُمِّيَتْ رِجْسًا بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَالسَّادِسُ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا)

«إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَالٌ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهَا وَتَضِنُّ بِهَا وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنٌ فَأَوْفَاهُ ثَمَنَ خَمْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَلَا لِلْمَدْيُونِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ بَيْعٍ بَاطِلٍ وَهُوَ غَصْبٌ فِي يَدِهِ أَوْ أَمَانَةٌ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ، وَالْمُسْلِمُ الطَّالِبُ يَسْتَوْفِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ جَائِزٌ. وَالسَّابِعُ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَسِ حَرَامٌ، وَلِأَنَّهُ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ اقْتِرَابٌ. وَالثَّامِنُ أَنْ يُحَدَّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْقَتْلِ قَدْ انْتَسَخَ فَبَقِيَ الْجَلْدُ مَشْرُوعًا، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَتَقْدِيرُهُ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحُدُودِ. وَالتَّاسِعُ أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لِلْمَنْعِ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ بِالْقَلِيلِ فِي النِّيءِ خَاصَّةً، لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا قَدْ طُبِخَ. وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَخْلِيلِهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ. وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَيُسَمَّى الْبَاذَقَ وَالْمُنَصَّفَ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ أَوْ إذَا اشْتَدَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَنْتَقِضُ بِالسِّرْقِينِ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ السِّرْقِينِ وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَشَابَهَ الْعَذِرَةَ، وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَلَنَا أَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْقَى فِي الْأَرَاضِيِ لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ فَكَانَ مَالًا وَالْمَالُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالسَّابِعُ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَسِ حَرَامٌ) أَقُولُ: انْتِقَاضُ هَذَا التَّعْلِيلِ بِالسِّرْقِينِ أَظْهَرُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَيُسَمَّى الْبَاذَقَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَاذَقُ بِكَسْرِ الذَّالِ وَفَتْحِهَا: مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَصَارَ شَدِيدًا وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْبَاذَقُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ: مَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَصَارَ شَدِيدًا، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: هُوَ تَعْرِيبٌ بَاذَّهُ وَهُوَ الْخَمْرُ وَنَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَا فِي الْمُغْرِبِ وَمَا فِي الْفَائِقِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَ فِي الْفَائِقِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عَلَى مَا مَرَّ هِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا، وَالْمَطْبُوخُ لَيْسَ بِنِيءٍ قَطْعًا، وَالْبَاذِقُ اسْمٌ لِمَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَلَيْسَ بِخَمْرٍ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ وَأَمَّا الْخَمْرُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْبَاذَقُ تَعْرِيبَ بَاذَّهُ بِمَعْنَى الْخَمْرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ فِي الْفَائِقِ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ لَا عَلَى مَا هُوَ الْمُحَقَّقُ عِنْدَنَا مِنْ كَوْنِهَا اسْمًا خَاصًّا لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ (قَوْلُهُ وَالْمُصَنِّفَ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: قَوْلُهُ: وَالْمُنَصَّفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: الْبَاذَقَ: أَيْ يُسَمَّى الْعَصِيرُ الذَّاهِبُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَيِّبٌ وَلَيْسَ بِخَمْرٍ وَلَنَا أَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ وَلِهَذَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ فَيَحْرُمُ شُرْبُهُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السُّكْرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ: أَيْ الرَّطْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاذَقَ وَيُسَمَّى الْمُنَصَّفَ أَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ أَبَا اللَّيْثِ فَسَّرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الذَّاهِبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ بِالْمُنَصَّفِ وَأَيْضًا أَنَّهُ قَدْ حَصَرَ الْأَشْرِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَهِيَ الْخَمْرُ وَالْعَصِيرُ الذَّاهِبُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ فَلَوْ كَانَ الْمُنَصَّفُ غَيْرَ الْبَاذَقِ الَّذِي هُوَ الْمَطْبُوخُ الذَّاهِبُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ لَكَانَتْ الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ خَمْسَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُنَصَّفُ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الذَّاهِبِ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنَصَّفًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلِهَذَا جَعَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْبَاذَقَ قِسْمًا وَالْمُنَصَّفَ قِسْمًا انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَضْمُونِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ مَعْنًى وَهَذَا أَوْجَهُ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا انْتَهَى أَقُولُ: لَعَلَّ الْأَوَّلَ لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَوْجَهَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ تَقْدِيرَ الْعَصِيرِ الَّذِي طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ يُسَمَّى بِاسْمَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا الْبَاذَقُ وَالْآخَرُ الْمُنَصَّفُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْبَاذَقُ وَالْمُنَصَّفُ مُتَّحِدِينَ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْعَصِيرُ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ، مَعَ أَنَّ تَحْرِيرَ الْمُنَصَّفِ يُنَافِي ذَلِكَ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ فَسَّرَ الْمُنَصَّفَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْ الْعَصِيرِ الْمَطْبُوخِ أَدْنَى طَبْخَةٍ لِتَنَاوُلِ ذَلِكَ مَا ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ بِالطَّبْخِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاتِّحَادُ فِي الْمَعْنَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَالَ: فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا بِحَسَبِ الِاسْمِ فَقَطْ، فَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَرْفُوعٌ لَا غَيْرُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَطْبُوخِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْعَصِيرَ الْمَطْبُوخَ الذَّاهِبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ الْمُسَمَّى الْبَاذَقُ، وَالْآخَرُ الْمُنَصَّفُ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَامٌ عِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ أَوْ إذَا اشْتَدَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَّ الْمُنَصَّفَ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْبَاذَقِ لَكَانَتْ الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ خَمْسَةً وَقَدْ حَصَرُوهَا فِي الْأَرْبَعَةِ فَعَلَى طَرَفِ الثُّمَامِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي حَصَرُوا الْأَشْرِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِيهَا إنَّمَا هِيَ أُصُولُ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَأَقْسَامُهَا الْأَوَّلِيَّةُ، وَالْبَاذِقُ وَالْمُنَصَّفُ لَيْسَا كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا هُمَا قِسْمَانِ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأُصُولِ وَالْأَقْسَامُ الْأَوَّلِيَّةُ وَهُوَ الطِّلَاءُ الْعَامُّ لِلْبَاذِقِ وَالْمُنَصَّفِ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْمُسَمَّى بِالْبَاذِقِ غَيْرُ الْمُسَمَّى بِالْمُنَصَّفِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَقَامُ مَقَامَ قَوْلِهِ وَأَيْضًا انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُسَمَّى بِالْبَاذِقِ غَيْرُ الْمُسَمَّى بِالْمُنَصَّفِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالْمُنَصَّفُ مَرْفُوعًا، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا كَمَا هُوَ مَحَلُّ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَلَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى بِأَحَدِهِمَا غَيْرُ الْمُسَمَّى بِالْآخَرِ، بَلْ مُقْتَضَى مَعْنَى التَّرْكِيبِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ إنَّمَا هُوَ تَعَدُّدُ الِاسْمِ دُونَ الْمُسَمَّى كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُنَاقَشَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُنَصَّفَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا مَعْطُوفًا عَلَى: " الْبَاذَقَ " تُغْنِي غِنَاءَ كَلِمَةٍ أَيْضًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السُّكْرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ: أَيْ الرُّطَبُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَفْسِيرُهُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ التَّمْرَ بِالرُّطَبِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إذَا نُقِعَ فِي الْمَاءِ يُسَمَّى نَقِيعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى

فَهُوَ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إنَّهُ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] اُمْتُنَّ عَلَيْنَا بِهِ، وَهُوَ بِالْمُحَرَّمِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ إذْ كَانَتْ الْأَشْرِبَةُ مُبَاحَةً كُلُّهَا، وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ التَّوْبِيخَ، مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَتَدَّعُونَ رِزْقًا حَسَنًا وَأَمَّا نَقِيعُ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ فَهُوَ حَرَامٌ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى مِنْ قَبْلُ، إلَى أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا اجْتِهَادِيَّةٌ، وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُنْقَعَ الرُّطَبُ لَا مَحَالَةَ حَتَّى يُسَمَّى نَقِيعًا، وَقِيَاسُ كَلَامِهِ هُنَا أَنْ يَقُولَ فِي نَقِيعِ الزَّبِيبِ: أَيْ نَقِيعِ الْعِنَبِ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ انْتَهَى وَقَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ دَفْعًا لِذَلِكَ النَّظَرِ: وَإِنَّمَا فَسَّرَ التَّمْرَ بِالرُّطَبِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ التَّمْرِ اسْمُهُ نَبِيذُ التَّمْرِ لَا السَّكَرُ، وَهُوَ حَلَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَا سَيَجِيءُ انْتَهَى أَقُولُ: فِيمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ اسْمُهُ نَبِيذَ التَّمْرِ وَكَانَ حَلَالًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنَّمَا هُوَ مَا اُتُّخِذَ مِنْ التَّمْرِ وَطُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شُرِبَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ حَرَامٌ انْتَهَى وَاَلَّذِي ذَكَرَ هَا هُنَا إنَّمَا هُوَ نَقِيعُ التَّمْرِ إذَا لَمْ يُطْبَخْ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالسَّكَرِ لَا غَيْرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَصْلًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْسِيرِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ (قَوْلُهُ فَهُوَ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ) قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ: أَرْدَفَ الْحَرَامَ بِالْكَرَاهَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ حُرْمَتَهُ لَيْسَتْ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِلَّ الْخَمْرِ يَكْفُرُ وَمُسْتَحِلَّ غَيْرِهَا لَا يَكْفُرُ اهـ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ بِإِرْدَافِ الْحَرَامِ بِالْمَكْرُوهِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذَكَرُوهُ لَأَرْدَفَهُ بِذَلِكَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ الْخَمْرِ؛ إذْ لَيْسَتْ حُرْمَةُ شَيْءٍ مِنْهَا كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِإِرْدَافِهِ بِذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَقْسَامِ لَكَانَ الْقِسْمُ الْمَذْكُورُ عَقِيبَ الْخَمْرِ أَحَقَّ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيُصَرِّحُ بِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا وَيَكْفُرَ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ هَا هُنَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ التَّوْبِيخَ مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَتَدَّعُونَ رِزْقًا حَسَنًا) قَالَ الشُّرَّاحُ: أَيْ أَنْتُمْ لِسَفَاهَتِكُمْ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا حَرَامًا وَتَتْرُكُونَ رِزْقًا حَسَنًا أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَتَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا حَرَامًا، وَالْخَمْرُ وَقْتَئِذٍ مِمَّا لَمْ يُوصَفْ بِالْحُرْمَةِ فَأَيْنَ السَّكَرُ الْحَرَامُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا وَيَكْفُرَ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا اجْتِهَادِيَّةٌ، وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السَّكَرُ، وَقَدْ قَالَ فِي إثْبَاتِ حُرْمَتِهِ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ سِيَّمَا إجْمَاعُ

وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِهَا حَتَّى يَسْكَرَ، وَيَجِبُ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ، وَنَجَاسَتُهَا خَفِيفَةٌ فِي رِوَايَةٍ وَغَلِيظَةٌ فِي أُخْرَى، وَنَجَاسَةُ الْخَمْرِ غَلِيظَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا، وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَمَا شَهِدْت دَلَالَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِسُقُوطِ تَقَوُّمِهَا، بِخِلَافِ الْخَمْرِ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُ يَجِبُ قِيمَتُهَا لَا مِثْلُهَا عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ بِالطَّبْخِ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ دُونَ الثُّلُثَيْنِ (وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالُوا: هَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ وَالْبَيَانِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالذُّرَةِ حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ عِنْدَهُ وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَمَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ وَيَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا سَكِرَ مِنْهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحَابَةِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ هَا هُنَا بِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا لِكَوْنِ حُرْمَتِهَا اجْتِهَادِيَّةً لَا قَطْعِيَّةً؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ قَدْ لَا يَكُونُ بِالتَّوَاتُرِ، فَلَا يُفِيدُ مِثْلُ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعَ لِعَدَمِ الْقَطْعِ فِي طَرِيقِ نَقْلِهِ إلَيْنَا كَمَا تَقَرَّرَ هَذَا أَيْضًا فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ الْمَنْقُولُ فِي حَقِّ حُرْمَةِ السَّكَرِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ وَيَكُونَ هَذَا بَاعِثًا عَلَى وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ فِي خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَمَا شَهِدَتْ دَلَالَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِسُقُوطِ تَقَوُّمِهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَعْنَى تَقَوُّمِ الْمَالِ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا وَسَيَجِيءُ التَّصْرِيحُ عَنْ قَرِيبٍ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّقَوُّمُ فِيهَا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْقَطْعِيَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ دُونَ وُجُوبِ الْعَمَلِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مِنْ السُّنَّةِ يُوجِبُ الْعَمَلَ، وَلَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ بَلْ يُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ غَلَبَةِ الظَّنِّ، كَيْفَ لَا، وَقَدْ اكْتَفَى بِهِ فِي الْحُكْمِ بِحُرْمَةِ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ إذْ هِيَ أَيْضًا اجْتِهَادِيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ آنِفًا (قَوْلُهُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ) أَقُولُ: فِي التَّعْلِيلِ بَحْثٌ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ تَنَاوُلِ الشَّيْءِ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ السِّرْقِينَ نَجَسُ الْعَيْنِ مُحَرَّمُ التَّنَاوُلِ قَطْعًا مَعَ أَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ حَيْثُ يُلْقَى فِي الْأَرَاضِيِ لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ، وَكَذَا الدُّهْنُ النَّجَسُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَقَدْ مَرَّ هُنَا غَيْرَ مَرَّةٍ نَظِيرُ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ بِالطَّبْخِ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ دُونَ الثُّلُثَيْنِ) أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ حَقَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ تُذْكَرَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شُعَبِ جَوَازِ بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَى آخِرِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ دَخَلَتْ

(وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ يَبْقَى بَعْدَ مَا يَبْلُغُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَفْسُدُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يَبْلُغُ: يَغْلِي وَيَشْتَدُّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَفْسُدُ: لَا يُحَمَّضُ وَوَجْهُهُ أَنَّ بَقَاءَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَمَّضَ دَلَالَةُ قُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ فَكَانَ آيَةَ حُرْمَتِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ الشِّدَّةِ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا يَحْرُمُ أَصْلُ شُرْبِهِ وَفِيمَا يَحْرُمُ السُّكْرُ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبُو يُوسُفَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يُحَرِّمْ كُلَّ مُسْكِرٍ، وَرَجَعَ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا (وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شُرِبَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرِبٍ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ حَرَامٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْمُثَلَّثِ الْعِنَبِيِّ وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ: سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَرْبَةً مَا كِدْت أَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِي فَغَدَوْت إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ: مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ وَكَانَ مَطْبُوخًا؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ حُرْمَةُ نَقِيعِ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْهُ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالزَّبِيبِ وَالرُّطَبِ، وَالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ» مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الشِّدَّةِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ. قَالَ (وَنَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ، وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ» خَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِمَا وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ الطَّبْخُ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَيْنِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ: سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ شَرْبَةً مَا كِدْت أَهْتَدِي إلَى أَهْلِي، فَغَدَوْت إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ وَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ: مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ) وَابْنُ عُمَرَ كَانَ مَعْرُوفًا بِالزُّهْدِ وَالْفِقْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَسْقِي غَيْرَهُ مَا لَا يَشْرَبُهُ أَوْ يَشْرَبُ مَا كَانَ حَرَامًا، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ أَقُولُ: هَا هُنَا كَلَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ اتِّفَاقُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافُهُمْ فِيهِ، وَلَمْ تَكُنْ الْحَادِثَةُ مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ أَوْ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَزْبُورَةِ دَلِيلًا عَلَى حِلِّ الْخَلِيطَيْنِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ زِيَادٍ مَا كِدْت أَهْتَدِي إلَى أَهْلِي يُشْعِرُ بِإِسْكَارِ الشَّرْبَةِ الَّتِي سَقَاهُ ابْنُ عُمَرَ إيَّاهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى الْحِلِّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الثَّانِي بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا أَشَارَ إلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا قَالَ: مَا كِدْت أَهْتَدِي إلَى أَهْلِي عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ التَّأْثِيرِ فِيهِ لَا حَقِيقَةِ السُّكْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ انْتَهَى وَثَانِيهِمَا: أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ مُجَرَّدُ أَنْ يَسْقِيَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ زِيَادٍ تِلْكَ الشَّرْبَةَ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَرَامًا لَمَا أَقْدَمَ ابْنُ عُمَرَ مَعَ كَمَالِ زُهْدِهِ وَفِقْهِهِ عَلَى أَنْ يَسْقِيَهُ إيَّاهَا، وَأَمَّا تَأْثِيرُهَا فِي الشَّارِبِ بَعْدَ أَنْ شَرِبَهَا بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى مَرْتَبَةِ الْإِسْكَارِ فَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ؛ إذْ هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعِ وَالْأَوْقَاتِ، وَلِلشَّارِبِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُ مَهْمَا أَمْكَنَ، فَإِنْ وَصَلَ إلَى تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْغَفْلَةِ، وَالْعُهْدَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّارِبِ لَا السَّاقِي تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ

فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَهَلْ يُحَدُّ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ؟ قِيلَ لَا يُحَدُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ، بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ إذَا اشْتَدَّ فَهُوَ عَلَى هَذَا وَقِيلَ: إنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ لَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِلَحْمِهِ؛ إذْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ لِمَا فِي إبَاحَتِهِ مِنْ قَطْعِ مَادَّةِ الْجِهَادِ أَوْ لِاحْتِرَامِهِ فَلَا يُتَعَدَّى إلَى لَبَنِهِ قَالَ (وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ حَلَالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ) أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ مَنْظُورٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَنْ لَا يَدْعُوَ قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الطَّبْخُ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مِمَّا يُشْتَرَطُ الطَّبْخُ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ بِلَا اخْتِلَافٍ، مَعَ أَنَّ قَلِيلَ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ، فَإِنَّ دُعَاءَ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ وَالْأَظْهَرُ فِي التَّعْلِيلِ هَا هُنَا مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ حَالَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَإِنَّ نَقِيعَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ اُتُّخِذَ مِمَّا هُوَ أَصْلٌ لِلْخَمْرِ شَرْعًا، فَإِنَّ أَصْلَ الْخَمْرِ شَرْعًا التَّمْرُ وَالْعِنَبُ عَلَى مَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» وَقَدْ شَرَطَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فِي نَقِيعِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ لِيَظْهَرَ نُقْصَانُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ عَنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهَلْ يُحَدُّ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ؟ قِيلَ: لَا يُحَدُّ) أَقُولُ: قَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً أَثْنَاءَ بَيَانِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالذُّرَةِ حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ سَكِرَ فَالتَّعَرُّضُ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى يُشْبِهُ التَّكْرَارَ فَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ هَا هُنَا ذِكْرُ قَوْلِهِ قَالُوا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَمَا قَبْلَهُ تَوْطِئَةً لَهُ نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ ذَكَرَ أَيْضًا هُنَاكَ قَوْلَهُ قَالُوا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ لَاسْتَغْنَى عَنْ الْإِعَادَةِ هَا هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ لَيْسَتْ بِمُتَّخَذَةٍ مِمَّا هُوَ أَصْلُ الْخَمْرِ فَلَا جَرَمَ لَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ مِنْهَا انْتَهَى، وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَ أَنَّ السَّكْرَانَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ، وَمَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ اهـ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ أَوَّلًا وَنَقَلَ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا بِقِيلَ، ثُمَّ نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ أَقُولُ يُرَدُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَدَمَ دُعَاءِ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ جَازَ فِيمَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، فَإِنَّ دُعَاءَ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ انْتَهَى مَعَ أَنَّهُ إذَا سَكِرَ مِمَّا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ يُحَدُّ بِلَا خِلَافٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِعَدَمِ دُعَاءِ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ السَّكْرَانِ، وَيُرَدُّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» لَقَالَ لِمَا رَوَيْنَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ الْمُسْتَمِرَّةُ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ إنَّ فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُسْتَفَادًا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ خَفَاءً جِدًّا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا هُنَاكَ، فَأَنَّى يَتَيَسَّرُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ قَبْلُ، فَالْأَوْجَهُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي الذِّكْرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ فِي سِيَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَرَاجَعَ كَلِمَاتِ السَّلَفِ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ) أَقُولُ: تَحْرِيرُ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا لَا يَخْلُو عَنْ رَكَاكَةٍ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ يُحَدُّ فِي الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا

وَإِنْ اشْتَدَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: حَرَامٌ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي، أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّلَهِّيَ لَا يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِهِمَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ لَهُمْ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَيُرْوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَسْكَرَ الْجَرَّةُ مِنْهُ فَالْجَرْعَةُ مِنْهُ حَرَامٌ» وَلِأَنَّ الْمُسْكِرَ يُفْسِدُ الْعَقْلَ فَيَكُونُ حَرَامًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْخَمْرِ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQسَكِرَ أَنَّهُ هَلْ يُحَدُّ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيمَا قَبْلُ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْمُصَنِّفُ الْآنَ بِصَدَدِ التَّفْرِيعِ عَلَى ذَلِكَ وَتَكْمِيلِهِ فَيَسْتَدْعِي هَذَا أَنْ يَكُونَ مَدَارُ قَوْلِهِ قِيلَ لَا يُحَدُّ وَقَوْلُهُ قَالُوا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ عَلَى قَوْلِهِمَا، فَلَا يُنَاسَبُ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ أَنْ يُقَالَ: فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُخَالِفُهُمَا فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا يَقُولُ بِحِلِّ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ إذَا سَكِرَ مِنْهُ، وَأَمَّا هُمَا فَيَقُولَانِ بِحِلِّ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فَلَا يَكُونُ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ حُجَّةً فِي حَقِّهِمَا وَعَنْ هَذَا تَرَكَ صَاحِبُ الْكَافِيَةِ هَذَا التَّعْلِيلَ، وَاكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ إلَخْ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ فِي زَمَانِنَا عَلَى شُرْبِهِ كَمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ) أَقُولُ: فِيهِ ضَرْبُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُ هُنَا وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ صَرَّحَ فِيمَا قَبْلُ بِأَنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ بَيْنَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِحُرْمَتِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِكَرَاهَتِهِ، فَيُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي أَوَائِلِ الْكَرَاهِيَةِ فَإِنْ قُلْت: نَعَمْ إنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَكِنْ بِحُرْمَةٍ ظَنِّيَّةٍ لَا بِحُرْمَةٍ قَطْعِيَّةٍ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا قَاطِعًا فِي حُرْمَةِ شَيْءٍ لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ بَلْ يُطْلِقُ عَلَيْهِ لَفْظَ الْمَكْرُوهِ كَمَا تَقَرَّرَ أَيْضًا هُنَاكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ رِوَايَةِ الْحُرْمَةِ وَرِوَايَةِ الْكَرَاهَةِ عَنْهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى قَطْعِيَّةِ الْحُرْمَةِ فِي إحْدَاهُمَا وَظَنِّيَّتِهَا فِي الْأُخْرَى فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ قُلْت: لَا مَجَالَ لِلْقَوْلِ بِقَطْعِيَّةِ حُرْمَةِ الْمُثَلَّثِ الْعِنَبِيِّ عِنْدَ كَوْنِ اجْتِهَادِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي حِلِّهِ؛ لِأَنَّ قَطْعِيَّةَ حُرْمَةِ الشَّيْءِ تَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ اجْتِهَادٌ مَا فَضْلًا عَمَّا وَقَعَ فِيهِ اجْتِهَادٌ مِثْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِيمَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْمُحَرَّمَةِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَجْمَعَ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ مُسْتَحِلُّهَا، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا اجْتِهَادِيَّةٌ وَحُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ كَمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فِي الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّ اجْتِهَادَ الْإِبَاحَةِ فِيهَا إنَّمَا وَقَعَ مِنْ نَحْوِ الْأَوْزَاعِيِّ وَشَرِيكٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ، فَتَحَقَّقَ أَنَّ الْحُرْمَةَ الْمَرْوِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي حَقِّ الْمُثَلَّثِ الْعِنَبِيِّ إنَّمَا هِيَ الْحُرْمَةُ الِاجْتِهَادِيَّةُ الَّتِي مَدَارُهَا الظَّنُّ لَا الْحُرْمَةُ الْقَطْعِيَّةُ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: إنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، لَكِنْ لَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ بَلْ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لَيْسَ بِحَرَامٍ أَصْلًا عِنْدَهُمَا بَلْ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ عِنْدَ أَحَدٍ، وَهَذَا كُلُّهُ يَظْهَرُ بِمُرَاجَعَةِ كُتُبِ الْأُصُولِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ هُوَ الْكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِيَّةُ وَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْحُرْمَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ فَيَنْدَفِعُ التَّنَافِي بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ تَأَمَّلْ قَوْلُهُ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا»

وَيُرْوَى «بِعَيْنِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» خَصَّ السُّكْرَ بِالتَّحْرِيمِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ؛ إذْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ، وَلِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُوَ الْقَدَحُ الْمُسْكِرُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُرْوَى «بِعَيْنِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلَهُمَا أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الْحِكْمَةَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهِيَ الصَّدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيرَاثُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي لَا تَحْصُلُ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ، وَلَوْ خُلِّينَا وَظَاهِرَ الْآيَةِ لَقُلْنَا لَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْ الْخَمْرِ أَيْضًا، وَلَكِنْ تَرَكْنَا قَضِيَّةَ ظَاهِرِ الْآيَةِ فِي قَلِيلِ الْخَمْرِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا إجْمَاعَ فِيمَا عَدَاهُ فَبَقِيَ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ انْتَهَى أَقُولُ: يَنْتَقِضُ هَذَا الِاسْتِدْلَال بِمَا عَدَا الْخَمْرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّ قَلِيلَهَا أَيْضًا حَرَامٌ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، مَعَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ الْمَزْبُورَةِ لَا تَحْصُلُ بِشُرْبِ قَلِيلِهَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ خَصَّ السَّكَرَ بِالتَّحْرِيمِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ إذْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايِرَةِ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ خَصَّ السَّكَرَ بِالتَّحْرِيمِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ قَصْرُ التَّحْرِيمِ عَلَى السَّكَرِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ دَاخِلَةً عَلَى الْمَقْصُورِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ خَصَصْت فُلَانًا بِالذِّكْرِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ؛ إذْ هُوَ الْمُفِيدُ لِمُدَّعَاهُمَا هَا هُنَا دُونَ الْعَكْسِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مَسْكَةٍ، لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مُدَّعَاهُمَا فِي هَذَا الْوَجْهِ كَمَا يَقْتَضِي حِلَّ الْمُثَلَّثِ يَقْتَضِي أَيْضًا حِلَّ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ الثَّلَاثَةِ غَيْرِ الْخَمْرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لُزُومًا وَبُطْلَانًا، عَلَى أَنَّ اسْتِفَادَةَ قَصْرِ التَّحْرِيمِ عَلَى السَّكَرِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ مَنْطُوقِ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مُشْكِلٌ، وَاسْتِفَادَتُهُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُوَ الْقَدَحُ الْمُسْكِرُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا) فَإِنْ قِيلَ: الْقَدَحُ الْأَخِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْكِرًا بِمَا تَقَدَّمَهُ لَا بِانْفِرَادِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا قُلْنَا: لَمَّا وُجِدَ السُّكْرُ بِشُرْبِ الْقَدَحِ الْأَخِيرِ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ عِلَّةً مَعْنًى وَحُكْمًا، كَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا أَوْلَى، وَالْمَجْمُوعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ اهـ أَقُولُ: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْمَجْمُوعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَجْمُوعِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ شَيْئًا مِمَّا قَبْلَ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ اسْمًا وَلَا مَعْنًى وَلَا حُكْمًا؛ إذْ الْعِلَّةُ اسْمًا مَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ، وَالْعِلَّةُ مَعْنًى مَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ، وَالْعِلَّةُ حُكْمًا مَا يَتَّصِلُ بِهِ الْحُكْمُ، وَلَا يَتَرَاخَى عَنْهُ كَمَا عُرِفَ كُلُّهُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا قَبْلَ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ لَيْسَ بِصِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ لَا يَقْدَحُ فِي مَطْلُوبِنَا هُنَا، إذْ لَا نُنْكِرُ حُرْمَةَ مَجْمُوعِ الْأَقْدَاحِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ عِنْدَ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْقَدَحِ الْمُسْكِرِ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ حُرْمَةَ مَا قَبْلَ الْقَدَحِ الْمُسْكِرِ بِانْفِرَادِهِ نَعَمْ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ أَوْلَى أَمْ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَحْدَهُ؟ وَالظَّاهِرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ وَحْدَهُ عِلَّةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ اسْمًا، لَكِنَّ الْفَاضِلَ التَّفْتَازَانِيَّ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ فِي مَبَاحِثِ الْعِلَّةِ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ: ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَيَصِيرُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ كَالْمَنِّ الْأَخِيرِ فِي أَثْقَالِ السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ فِي السُّكْرِ انْتَهَى وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا: أَيْ كَمَا أَنَّهُ عِلَّةٌ مَعْنًى وَحُكْمًا فَيَنْتَظِمُ أَمْرُ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ إلَى الْكَثِيرِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ، وَالْمُثَلَّثُ لِغِلَظِهِ لَا يَدْعُو وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غِذَاءٌ فَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ: وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ إذْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحْدَهُ بِلَا غُبَارٍ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْحَرَامُ هُوَ الْمُسْكِرُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَجَازٌ، وَعَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ مُرَادٌ فَلَا يَكُونُ الْمَجَازُ مُرَادًا انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى؛ إذْ لَيْسَ الْكَلَامُ هَا هُنَا فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْمُسْكِرِ عَلَى شَيْءٍ وَعَدَمِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يُفِيدَ التَّشْبِيثَ بِرُجْحَانِ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ شَيْئًا بَلْ إنَّمَا الْكَلَامُ هُنَا فِي أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْلِ هُوَ الْقَدَحُ الْمُسْكِرُ: أَيْ الْمُزِيلُ لِلْعَقْلِ سَوَاءٌ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمُسْكِرِ حَقِيقَةً أَمْ لَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْدَاحِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَكَانَ الْحَرَامُ هُوَ الْقَدَحَ الْمُزِيلَ لِلْعَقْلِ لَا غَيْرَ وَبِالْجُمْلَةِ مَدَارُ الِاسْتِدْلَالِ هَا هُنَا عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ إزَالَةُ الْعَقْلِ دُونَ اللَّفْظِ، فَلَمَّا وَرَدَ السُّؤَالُ بِأَنَّ الْقَدَحَ الْأَخِيرَ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ بِانْفِرَادِهِ بَلْ بِمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْدَاحِ مَدْخَلٌ أَيْضًا فِي إزَالَةِ الْعَقْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ أَيْضًا لَمْ يُفِدْ أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَفْظَ الْمُسْكِرِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَجَازًا وَعَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ حَقِيقَةً شَيْئًا فِي دَفْعِ ذَلِكَ السُّؤَالِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْخَصْمِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» وَمَحَلُّهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ؛ إذْ هُوَ الْمُسْكِرُ حَقِيقَةً وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: إطْلَاقُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ وَمَا تَقَدَّمَهُ مَجَازٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَأَمَّا إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ الْقَدَحِ الْأَخِيرِ حَقِيقَةً وَهُوَ مُرَادٌ فَلَا يَكُونُ الْمَجَازُ مُرَادًا انْتَهَى أَقُولُ: وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ إذَا كَانَ مَجَازًا بِلَا شُبْهَةٍ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْمَجْمُوعَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِمَّا هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَمِمَّا هُوَ مَجَازٌ فِيهِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ، وَالْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِمَّا وُضِعَتْ لَهُ وَمِمَّا لَمْ تُوضَعْ لَهُ لَيْسَ مِمَّا وُضِعَتْ لَهُ قَطْعًا وَلَوْ سُلِّمَ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ حَقِيقَةً فَلَا يَضُرُّنَا؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ مُسْكِرًا كَوْنُ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ أَيْضًا مُسْكِرًا حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ حَرَامًا أَيْضًا تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ إلَى الْكَثِيرِ فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ يَقْتَضِي كَوْنَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ مُعَلَّلَةً، وَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ الْخَمْرَ عَيْنُهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ عِنْدَنَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» فَكَانَ الَّذِي يَنْبَغِي هَا هُنَا أَنْ يُقَالَ: وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْ الْخَمْرِ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا» الْحَدِيثَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا عَلَى التَّنَزُّلِ وَإِلْزَامِ الْخَصْمِ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ، وَلِأَنَّ الْمُسْكِرَ يُفْسِدُ الْعَقْلَ فَيَكُونُ حَرَامًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْحَدِيثَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَاهُمَا وَلَمْ يَفْعَلْ كَأَنَّهُ اكْتَفَى بِمُعَارَضَةِ مَا رَوَاهُ لَهُمَا انْتَهَى أَقُولُ: تَوْجِيهُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَدِيثَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَاهُمَا الْخَصْمُ

الْمُسْكِرُ حَقِيقَةً وَاَلَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يُطْبَخُ طَبْخَةً حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ؛ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا ضَعْفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ، أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ وَلَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ يُعْصَرُ يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ قَائِمٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْعَصْرِ. وَلَوْ جُمِعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى حُرْمَةِ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ إنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ، وَدَلَالَةُ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى حِلِّ قَلِيلِ ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ أَوْ الِاقْتِضَاءِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ تُرَجَّحُ عَلَى إشَارَةِ النَّصِّ وَاقْتِضَائِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْقَائِلُ بِمُعَارَضَةِ مَا رَوَاهُ لَهُمَا الْمُعَارَضَةَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّسَاقُطِ، وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ بِدُونِ الرُّجْحَانِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْمُعَارَضَةَ مَعَ الرُّجْحَانِ فِي جَانِبِ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَاهُمَا الْخَصْمُ فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ بَلْ مُخِلٍّ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: أَيْ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ أَيْ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ انْتَهَى أَقُولُ: مَدَارُ هَذَا الْبَحْثِ عَلَى عَدَمِ فَهْمِ مُرَادِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ: أَيْ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ تَقْيِيدُ الْمَنْفِيِّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا تَقْيِيدَ النَّفْيِ فَالْمَعْنَى أَنَّ ذَهَابَ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ لَا يَكُونُ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ لَا يَكُونُ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَهَابَهُمَا الْقَطْعِيَّ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ذَهَابِهِمَا قَطْعِيٌّ، فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ ذَهَابُهُمَا عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتَاتِ بَلْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ أَقَلَّ مِنْهُمَا بِأَنْ يَذْهَبَ الْمَاءُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ قُلْنَا بِحُرْمَةِ شُرْبِ ذَلِكَ الْعَصِيرِ احْتِيَاطًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا مَحَلَّ لِلْبَحْثِ الْمَذْكُورِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَعَلُّقِ الْقَيْدِ بِالنَّفْيِ وَبَيْنَ تَعَلُّقِهِ بِالْمَنْفِيِّ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ أَصْلٌ كَبِيرٌ قَدْ نُبِّهَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ عِلْمِ الْبَلَاغَةِ فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْقَائِلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ جُمِعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَنَا فِي قَوْلِهِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَاءَ الزَّبِيبِ كَمَاءِ التَّمْرِ يُكْتَفَى فِيهِمَا

لِأَنَّ التَّمْرَ إنْ كَانَ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا إذَا جُمِعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا. وَلَوْ طُبِخَ نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ ثُمَّ أُنْقِعَ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ، إنْ كَانَ مَا أَنْقَعَ فِيهِ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا إذَا صُبَّ فِي الْمَطْبُوخِ قَدَحٌ مِنْ النَّقِيعِ وَالْمَعْنَى تَغْلِيبُ جِهَةِ الْحُرْمَةِ، وَلَا حَدَّ فِي شُرْبِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاحْتِيَاطِ وَهُوَ لِلْحَدِّ فِي دَرْئِهِ. وَلَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ فَلَا تَرْتَفِعُ بِالطَّبْخِ. قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ «فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ، فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَلَا تَشْرَبُوا الْمُسْكِرَ» وَقَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَ عَنْ النَّهْيِ عَنْهُ فَكَانَ نَاسِخًا لَهُ، وَإِنَّمَا يُنْتَبَذُ فِيهِ بَعْدَ تَطْهِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتَشَرُّبِ الْخَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ، وَقِيلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُمْلَأُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ. قَالَ (وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ حَلَّتْ سَوَاءٌ صَارَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَدْنَى طَبْخَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُدُورِيُّ قَبْلَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهُ: وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ انْتَهَى أَقُولُ: وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ بَعْدَهُ: وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ أَظْهَرُ فِي تَرْوِيجِ نَظَرِ صَاحِبِ الْغَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ؛ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الِاجْتِمَاعِ مَا لَا يَكُونُ فِي الِانْفِرَادِ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْحِلَّ فِي الثَّانِي الْحِلُّ فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ تَشَبَّثَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي تَرْوِيجِ نَظَرِهِ بِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِقَوْلِهِ الثَّانِي، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي فَهِمَ رَكَاكَةً فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا حَيْثُ غَيَّرَ عِبَارَتَهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ: وَلَوْ جُمِعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ بِالطَّبْخِ مِنْهُ ثُلُثَاهُ انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ لَفْظُ التَّمْرِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بَدَلَ لَفْظِ الْعِنَبِ سَهْوًا مِنْ نَفْسِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى نَوْعُ قُصُورٍ فِي التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ هَا هُنَا عَنْ إفَادَةِ الْمُدَّعَى فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إذْ لَمْ يَتَعَرَّضْ بِالزَّبِيبِ فِي التَّعْلِيلِ قَطُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ وَجَّهَ مَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ هَا هُنَا حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ عَلَى مَا قَالَ

خَلًّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِشَيْءٍ يُطْرَحُ فِيهَا، وَلَا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ التَّخْلِيلُ وَلَا يَحِلُّ الْخَلُّ الْحَاصِلُ بِهِ إنْ كَانَ التَّخْلِيلُ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ فَلَهُ فِي الْخَلِّ الْحَاصِلِ بِهِ قَوْلَانِ لَهُ أَنَّ فِي التَّخْلِيلِ اقْتِرَابًا مِنْ الْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ، وَالْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ يُنَافِيه وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ» وَلِأَنَّ بِالتَّخْلِيلِ يَزُولُ الْوَصْفُ الْمُفْسِدُ وَتَثْبُتُ صِفَةُ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ تَسْكِينُ الصَّفْرَاءِ وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ، وَالتَّغَذِّي بِهِ وَالْإِصْلَاحُ مُبَاحٌ، وَكَذَا الصَّالِحُ لِلْمَصَالِحِ اعْتِبَارًا بِالْمُتَخَلِّلِ بِنَفْسِهِ وَبِالدِّبَاغِ وَالِاقْتِرَابِ لِإِعْدَامِ الْفَسَادِ فَأَشْبَهَ الْإِرَاقَةَ، وَالتَّخْلِيلُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ مَالٍ يَصِيرُ حَلَالًا فِي الثَّانِي فَيَخْتَارُهُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَإِذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ، فَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي نَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ خَمْرٌ يَابِسٌ إلَّا إذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ فَيَتَخَلَّلُ مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ، وَكَذَا إذَا صُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ ثُمَّ مُلِئَ خَلًّا يَطْهُرُ فِي الْحَالِ عَلَى مَا قَالُوا. قَالَ (وَيُكْرَهُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمِ حَرَامٌ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهِ جُرْحًا أَوْ دَبْرَةَ دَابَّةٍ وَلَا أَنْ يَسْقِيَ ذِمِّيًّا وَلَا أَنْ يَسْقِيَ صَبِيًّا لِلتَّدَاوِي، وَالْوَبَالُ عَلَى مَنْ سَقَاهُ، وَكَذَا لَا يَسْقِيهَا الدَّوَابَّ وَقِيلَ: لَا تُحْمَلُ الْخَمْرُ إلَيْهَا، أَمَّا إذَا قُيِّدَتْ إلَى الْخَمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالْمَيْتَةِ وَلَوْ أُلْقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُخْتَصَرِ إنَّهُ يَكْتَفِي فِيهِمَا بِأَدْنَى طَبْخَةٍ قُلْت: إنَّ هَذَا عَلَى مَا رَوَى هِشَامٌ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْعَيْنِيُّ قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا طُبِخَ الزَّبِيبُ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَهُوَ النَّبِيذُ، وَيَحِلُّ شُرْبُهُ مَا دَامَ حُلْوًا، وَأَمَّا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَحِلُّ الشُّرْبُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَحِلُّ وَرَوَى هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَذْهَبْ الثُّلُثَانِ بِالطَّبْخِ لَا يَحِلُّ انْتَهَى، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

[فصل في طبخ العصير]

الدُّرْدِيُّ فِي الْخَلِّ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا لَكِنْ يُبَاحُ حَمْلُ الْخَلِّ إلَيْهِ لَا عَكْسُهُ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ) أَيْ شَارِبُ الدُّرْدِيِّ (إنْ لَمْ يَسْكَرْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ جُزْءًا مِنْ الْخَمْرِ وَلَنَا أَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ النَّبْوَةِ عَنْهُ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا بِالسُّكْرِ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الثُّفْلُ فَصَارَ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِالِامْتِزَاجِ (وَيُكْرَهُ الِاحْتِقَانُ بِالْخَمْرِ وَإِقْطَارُهَا فِي الْإِحْلِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْمُحَرَّمِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الشُّرْبِ وَهُوَ السَّبَبُ، وَلَوْ جُعِلَ الْخَمْرُ فِي مَرَقَةٍ لَا تُؤْكَلُ لِتَنَجُّسِهَا بِهَا وَلَا حَدَّ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ الطَّبْخُ وَيُكْرَهُ أَكْلُ خُبْزٍ عُجِنَ عَجِينُهُ بِالْخَمْرِ لِقِيَامِ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ فِيهِ. [فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ] ِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا ذَهَبَ بِغَلَيَانِهِ بِالنَّارِ وَقَذَفَهُ بِالزَّبَدِ يُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَيُعْتَبَرُ ذَهَابُ ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ لِيَحِلَّ الثُّلُثُ الْبَاقِي، بَيَانُهُ عَشَرَةُ دَوَارِقَ مِنْ عَصِيرٍ طُبِخَ فَذَهَبَ دَوْرَقٌ بِالزَّبَدِ يُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ سِتَّةُ دَوَارِقَ وَيَبْقَى الثُّلُثُ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَذْهَبُ زَبَدًا هُوَ الْعَصِيرُ أَوْ مَا يُمَازِجُهُ، وَأَيًّا مَا كَانَ جُعِلَ كَأَنَّ الْعَصِيرَ تِسْعَةُ دَوَارِقَ فَيَكُونُ ثُلُثُهَا ثَلَاثَةً وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الْعَصِيرَ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ قَبْلَ الطَّبْخِ ثُمَّ طُبِخَ بِمَائِهِ، إنْ كَانَ الْمَاءُ أَسْرَعَ ذَهَابًا لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ يُطْبَخُ الْبَاقِي بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِقْدَارُ مَا صُبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَاءُ وَالثَّانِي الْعَصِيرُ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْ الْعَصِيرِ، وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ مَعًا تُغْلَى الْجُمْلَةُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى ثُلُثُهُ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ مَاءً وَعَصِيرًا وَالثُّلُثُ الْبَاقِي مَاءٌ وَعَصِيرٌ فَصَارَ كَمَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِنْ الْعَصِيرِ بِالْغَلْيِ ثُلُثَاهُ بَيَانُهُ عَشَرَةُ دَوَارِقَ مِنْ عَصِيرٍ وَعِشْرُونَ دَوْرَقًا مِنْ مَاءٍ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: لَمَّا كَانَ طَبْخُ الْعَصِيرِ مِنْ أَسْبَابِ مَنْعِهِ عَنْ التَّخَمُّرِ أَلْحَقَهُ بِالْأَشْرِبَةِ تَعْلِيمًا لِإِبْقَاءِ مَا هُوَ حَلَالٌ عَلَى حِلِّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَصِيرَ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ شَرَعَ يُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ طَبْخِ الْعَصِيرِ إلَى أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الَّذِي يَذْهَبُ زَبَدًا هُوَ الْعَصِيرُ أَوْ مَا يُمَازِجُهُ، وَأَيًّا مَا كَانَ جُعِلَ كَأَنَّ الْعَصِيرَ تِسْعَةٌ فَيَكُونُ ثُلُثُهَا ثَلَاثَةً) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ

يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى تُسْعُ الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْعَصِيرِ؛ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْجُمْلَةِ لِمَا قُلْنَا، وَالْغَلْيُ بِدَفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ سَوَاءٌ إذَا حَصَلَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُحَرَّمًا وَلَوْ قُطِعَ عَنْهُ النَّارُ فَغَلَى حَتَّى ذَهَبَ الثُّلُثَانِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ النَّارِ وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الْعَصِيرَ إذَا طُبِخَ فَذَهَبَ بَعْضُهُ ثُمَّ أُهْرِيقَ بَعْضُهُ كَمْ تُطْبَخُ الْبَقِيَّةُ حَتَّى يَذْهَبَ الثُّلُثَانِ فَالسَّبِيلُ فِيهِ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَتَضْرِبَهُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ الْمُنْصَبِّ ثُمَّ تَقْسِمَهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَا يَخْرُجُ بِالْقِسْمَةِ فَهُوَ حَلَالٌ بَيَانُهُ عَشَرَةُ أَرْطَالِ عَصِيرٍ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ رِطْلٌ ثُمَّ أُهْرِيقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَصِيرِ كُلَّهُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَتَضْرِبُهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الْمُنْصَبِّ هُوَ سِتَّةٌ فَيَكُونُ عِشْرِينَ ثُمَّ تَقْسِمُ الْعِشْرِينَ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ، فَيَخْرُجُ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ اثْنَانِ وَتُسْعَانِ، فَعَرَفْت أَنَّ الْحَلَالَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ رِطْلَانِ وَتُسْعَانِ، وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ وَلَهَا طَرِيقٌ آخَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ وَجْهَ جَعْلِ الْعَصِيرِ تِسْعَةَ دَوَارِقَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ زَبَدًا هُوَ الْعَصِيرُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ إذْ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فَرْقٌ بَيْنَ الذَّاهِبِ زَبَدًا مِنْ عَشَرَةِ دَوَارِقَ وَبَيْنَ الْبَاقِي مِنْهَا فِي كَوْنِهَا عَصِيرًا، فَإِذَا جَازَ اعْتِبَارُ بَعْضٍ مِنْهَا وَهُوَ الذَّاهِبُ زَبَدًا فِي حُكْمِ الْعَدَمِ بِلَا أَمْرٍ يُوجِبُهُ فَلِمَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ بَعْضٍ مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْهَا أَيْضًا فِي حُكْمِ الْعَدَمِ عِنْدَ ذَهَابِهِ بِالطَّبْخِ وَالْأَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الَّذِي يَذْهَبُ زَبَدًا جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الزَّبَدَ لَيْسَ بِعَصِيرٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ صُبَّ فِيهِ دَوْرَقٌ مِنْ مَاءٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ الْمَاءُ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَيُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةُ نَقْلًا عَنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: فِي الْأَصْلِ عَشَرَةُ دَوَارِقَ عَصِيرٍ تُصَبُّ فِي قِدْرٍ فَتُطْبَخُ فَتَغْلِي وَيَقْذِفُ بِالزَّبَدِ، فَجَعَلَ يَأْخُذُ ذَلِكَ الزَّبَدَ حَتَّى جَمَعَ مِنْ ذَلِكَ الزَّبَدِ قَدْرَ دَوْرَقٍ، ثُمَّ يُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَبْقَى ثَلَاثَةُ دَوَارِقَ وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ الدَّوْرَقِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ الدَّوْرَقِ زَبَدٌ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الزَّبَدَ لَيْسَ بِعَصِيرٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الزَّبَدُ عَصِيرًا يُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ كَانَ صُبَّ فِيهِ دَوْرَقٌ مِنْ مَاءٍ، وَلَوْ

[كتاب الصيد]

وَفِيمَا اكْتَفَيْنَا بِهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ إلَى تَخْرِيجِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ. كِتَابُ الصَّيْدِ قَالَ: الصَّيْدُ الِاصْطِيَادُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُصَادُ، وَالْفِعْلُ مُبَاحٌ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ كَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ الْمَاءُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعَصِيرُ وَهِيَ تِسْعَةُ دَوَارِقَ، فَكَذَلِكَ هَذَا، إلَى هُنَا لَفْظُهُ (قَوْلُهُ وَفِيمَا اكْتَفَيْنَا بِهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ إلَى تَخْرِيجِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ) قُلْت: فِيهِ إيهَامٌ لَطِيفٌ لِكِتَابَيْهِ الْمُسَمَّى أَحَدُهُمَا بِكِفَايَةِ الْمُنْتَهَى وَالْآخَرُ بِالْهِدَايَةِ [كِتَابُ الصَّيْدِ] (كِتَابُ الصَّيْدِ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: مُنَاسَبَةُ كِتَابِ الصَّيْدِ بِكِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالصَّيْدِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي تُورِثُ السُّرُورَ وَالنَّشَاطَ فِي الْآدَمِيِّ، إلَّا أَنَّ السُّرُورَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرٍ يَدْخُلُ فِي الْبَاطِنِ، وَالسُّرُورُ فِي الصَّيْدِ بِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَقْوَى، وَصَارَ بِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وَضْعَ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ لِبَيَانِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ دُونَ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ، وَإِلَّا لَذُكِرَ فِيهِ كُلُّ أَشْرِبَةٍ مُبَاحَةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ إلَّا نَبْذٌ قَلِيلٌ لَهُ مُنَاسَبَةٌ مَعَ بَعْضِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ فِي وَجْهٍ مَا حَتَّى وَقَعَ لِأَجْلِهِ الْخِلَافُ مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّهِ عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ بِأَنَّ الْأَشْرِبَةَ جَمْعُ شَرَابٍ وَالشَّرَابُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا هُوَ حَرَامٌ مِنْ الْمَائِعَاتِ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالصَّيْدِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي تُورِثُ السُّرُورَ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَا هُنَا لَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: ذَكَرَ كِتَابَ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ الشُّرْبِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الِاشْتِقَاقِ، وَلَكِنْ قَدَّمَ الشُّرْبَ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ وَالْأَشْرِبَةُ فِيهَا الْحَرَامُ كَالْخَمْرِ انْتَهَى فَقَدْ جَعَلَ هُنَاكَ وَجْهَ تَأْخِيرِ الْأَشْرِبَةِ عَنْ الشُّرْبِ حُرْمَتَهَا، وَجَعَلَ هَا هُنَا وَجْهَ مُنَاسَبَتِهَا بِالصَّيْدِ إبَاحَتَهَا مَعَ إيرَاثِ السُّرُورِ، فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَقَامَيْنِ تَنَافُرٌ لَا يَخْفَى فَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِي مُنَاسَبَتِهِ كِتَابَ الصَّيْدِ لِكِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَفِي تَقْدِيمِ الْأَشْرِبَةِ عَلَى الصَّيْدِ مَا ذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ الْأُخَرِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ الصَّيْدُ هُوَ الِاصْطِيَادُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُصَادُ)

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي أَنَّ الصَّيْدَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ أَخْذُ الصَّيْدِ، كَالِاحْتِطَابِ وَهُوَ أَخْذُ الْحَطَبِ، ثُمَّ يُرَادُ بِهِ مَا يُصَادُ مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ عَنْ الْآدَمِيِّ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنَّمَا يَحِلُّ الصَّيْدُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا خَمْسَةٌ فِي الصَّيَّادِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْإِرْسَالُ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْسَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ؛ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا، وَأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ وَخَمْسَةٌ فِي الْكَلْبِ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَأَنْ يَذْهَبَ عَلَى سَنَنِ الْإِرْسَالِ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْأَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ يَقْتُلَهُ جُرْحًا، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ وَخَمْسَةٌ فِي الصَّيْدِ: مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّيًا بِأَنْيَابِهِ أَوْ مِخْلَبِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَشَرَاتِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَنَاتِ الْمَاءِ سِوَى السَّمَكِ، وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ بِجَنَاحَيْهِ أَوْ قَوَائِمِهِ، وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَى ذَبْحِهِ انْتَهَى، وَذُكِرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا، وَقَالَ: كَذَا فِي النِّهَايَةِ مَنْسُوبًا إلَى الْخُلَاصَةِ وَقَدَحَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَاتِيكَ الشُّرُوطِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ: وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَى ذَبْحِهِ مُسْتَدْرَكٌ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنْ يَقْتُلَهُ جُرْحًا انْتَهَى أَقُولُ: لَا اسْتِدْرَاكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَأَنْ يَقْتُلَهُ جُرْحًا لَيْسَ مُجَرَّدَ قَتْلِهِ بَلْ قَتْلُهُ جُرْحًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ قَتْلِهِ خَنْقًا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ حِينَئِذٍ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الشَّرْطُ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَى ذَبْحِهِ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَوْتِهِ بَلْ مَوْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَى ذَبْحِهِ؛ إذْ لَوْ مَاتَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَصِلَ الْمُرْسِلُ إلَى ذَبْحِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إنْ لَمْ يَذْبَحْهُ الْمُرْسِلُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْكَلْبُ جُرْحًا لَا يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ أَنْ يَمُوتَ الصَّيْدُ بِجُرْحِ الْكَلْبِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْمُرْسِلُ إلَى ذَبْحِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَقْتُلَهُ الْكَلْبُ جُرْحًا بَعْدَ أَنْ يَصِلَ الْمُرْسِلُ إلَى ذَبْحِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الشَّرْطِ الْآخَرِ أَيْضًا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ وَطَعَنَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي جُمْلَةِ مَا نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِاصْطِيَادِ لِلْأَكْلِ بِالْكَلْبِ لَا غَيْرَ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى بَعْضُهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لَكِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا فَذَبَحَهُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ بِهَذَا لَكِنَّهُ ذَبَحَهُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ، وَهُوَ حَلَالٌ انْتَهَى أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَذِرَ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي عِلَاوَتِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شَرَائِطِ

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَارَكَ كَلْبَك كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» وَعَلَى إبَاحَتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ، وَفِيهِ اسْتِبْقَاءُ الْمُكَلَّفِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ فَكَانَ مُبَاحًا بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِطَابِ ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَحْوِيهِ الْكِتَابُ فَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ وَالثَّانِي فِي الِاصْطِيَادِ بِالرَّمْيِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحِلِّ الصَّيْدِ الْمَحْضِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْهُ الصَّيَّادُ حَيًّا بَلْ مَاتَ بِجُرْحِ آلَةِ الصَّيْدِ كَالْكَلْبِ وَالْبَازِي وَالرَّمْي وَصَارَ مَذْبُوحًا بِالذَّبْحِ الِاضْطِرَارِيِّ، وَمَا أَدْرَكَهُ حَيًّا فَذَبَحَهُ لَا يَكُونُ صَيْدًا مَحْضًا بَلْ يَصِيرُ مُلْحَقًا بِسَائِرِ مَا يَذْبَحُ الِاخْتِيَارِيَّ فَيَكُونُ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ الِاشْتِرَاطِ وَطَعَنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِيهِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِاصْطِيَادِ لِلْأَكْلِ بِالْكَلْبِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ تَسَامُحٌ بَلْ شَرْطُ حِلِّ الصَّيْدِ، أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِالِاصْطِيَادِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِاصْطِيَادِ لِلْأَكْلِ هُوَ الِاصْطِيَادُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مَا كَانَ حَلَالًا، فَيَئُولُ مَعْنَى قَوْلِ شَرْطِ الِاصْطِيَادِ إلَى شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ، فَإِنْ عَدَّ هَذَا تَسَامُحًا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّسَامُحِ فِي التَّعْبِيرِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ، وَلَا يُبَالَى بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ التَّسَامُحِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ، فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَعْنَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ ثُمَّ قَصَدَ ذَلِكَ الْبَعْضُ دَفْعَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي عِلَاوَتِهِ حَيْثُ قَالَ: مُرَادُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بَيَانُ شَرَائِطِ حِلِّ صَيْدٍ قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ آلَةٌ غَيْرُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ مَعَ عَدَمِ مُسَاعَدَتِهِ لِهَذَا التَّقْيِيدِ وَعَدَمِ قِيَامِ قَرِينَةٍ عَلَيْهِ لَا يَدْفَعُ كَوْنَ مُرَادِهِ هَذَا الْمَعْنَى التَّسَامُحَ الَّذِي حَاصِلُهُ التَّقْصِيرُ فِي الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِبَيَانِ شَرَائِطِ حِلِّ نَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّيْدِ وَتَرْكِ بَيَانِ شَرَائِطِ سَائِرِ أَنْوَاعِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] مَدَّ التَّحْرِيمَ إلَى غَايَةٍ فَاقْتَضَى الْإِبَاحَةَ فِيمَا وَرَاءَ تِلْكَ الْغَايَةِ، كَذَا قَالُوا وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ اهـ أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ بِصَدَدِ بَيَانِ الْمُخَلِّصِ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ وَقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]

[فصل الجوارح]

فَصْلُ الْجَوَارِحِ قَالَ (وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلُ الْجَوَارِحِ] (فَصْلٌ فِي الْجَوَارِحِ) قَدَّمَ فَصْلَ الْجَوَارِحِ عَلَى فَصْلِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ آلَةَ الصَّيْدِ هُنَا حَيَوَانٌ وَفِي الرَّمْيِ جَمَادٌ، وَلِلْحَيَوَانِ فَضْلٌ عَلَى الْجَمَادِ، وَالْفَاضِلُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْضُولِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: إنَّمَا أَوْرَدَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ: وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ: أَيْ فِيمَا سِوَى الْمُعَلَّمَةِ مِنْ ذِي النَّابِ وَالْمِخْلَبِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرَ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ جَمِيعًا انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ؛ إذْ قَدْ صَرَّحُوا فِي شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَرِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ جَوَازِ الِاصْطِيَادِ بِمَا ذَكَرَ، وَنَفْيِ جَوَازِهِ بِمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ: إنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ تَدُلُّ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرَ، وَإِنْ دَلَّتْ بِمَفْهُومِهَا عَلَى النَّفْيِ أَيْضًا وَأَمَّا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَتَدُلُّ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ مَعًا لَكِنْ لَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ فِي إيرَادِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَبِيرُ نَفْعٍ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ مَعَ ثُبُوتِ إبَاحَةِ الِاصْطِيَادِ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] قَدْ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ وَهُوَ الْخِنْزِيرُ وَالْأَسَدُ وَالدُّبُّ، وَالنَّصُّ إذَا خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ يَصِيرُ ظَنِّيًّا فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ الشُّبْهَةُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مَخْصُوصٌ مِنْ النَّصِّ الْمَذْكُورِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ، وَالْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَسِ، وَقَدْ عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَقْلِ لَا يَصِيرُ ظَنِّيًّا بَلْ يَكُونُ قَطْعِيًّا لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ: وَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَأَمَّا الْأَسَدُ وَالدُّبُّ فَلَيْسَا بِدَاخِلَيْنِ رَأْسًا فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ لَا يَصْلُحَانِ لِلتَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْغَيْرِ فَلَمْ يَدْخُلَا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ فَرْعُ دُخُولِهِ فِيهِ أَوَّلًا، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلَا فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُونَا مَخْصُوصَيْنِ مِنْهُ وَلَئِنْ سُلِّمَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ مَخْصُوصًا مِنْ النَّصِّ الْمَذْكُورِ، وَكَوْنُ تَخْصِيصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْهُ بِالْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ دُونَ الْعَقْلِ فَلَا نُسَلِّمُ كَوْنَ ذَلِكَ النَّصِّ بَعْدَهُ ظَنِّيًّا؛ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ الْبَعْضُ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ إنَّمَا يَصِيرُ ظَنِّيًّا إذَا كَانَ الْمُخْرِجُ مَوْصُولًا بِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْصُولًا بِهِ فَيَكُونُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي وَيُطْلَقُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْإِخْرَاجِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْأُصُولِ النُّسَخُ دُونَ التَّخْصِيصِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُخْرِجَ تِلْكَ الْجَوَارِحِ الثَّلَاثَةِ مِنْ النَّصِّ الْمَزْبُورِ لَيْسَ بِمَوْصُولٍ بِذَلِكَ النَّصِّ فَلَا يَصِيرُ ظَنِّيًّا لَا مَحَالَةَ تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى: الطَّيِّبَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدُلَّ إلَّا دَلِيلٌ عَلَى الْقِرَانِ وَهَاهُنَا قَدْ دَلَّ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] جَوَابٌ عَنْ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مُقَارِنًا لَهُ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي انْتَهَى أَقُولُ: نَظَرُهُ فَاسِدٌ، وَجَوَابُهُ كَاسِدٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اشْتِرَاكَ الْمَعْطُوفِ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ السَّابِقِ وَاجِبٌ لَا مَحَالَةَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ بِلَا ارْتِيَابٍ، فَيَلْزَمُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ الِاشْتِرَاكُ فِي حُكْمِ الْإِحْلَالِ ضَرُورَةً، وَقَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ: الْقِرَانُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ لَيْسَ بِإِنْكَارٍ لِمِثْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْمُقَارَنَةِ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْمُقَارَنَةَ فِي الْحُكْمِ بِدُونِ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَمْرٌ مُقْتَضًى لِلْمُقَارَنَةِ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعَطْفِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مُقَارِنًا لِ: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَنْ لَا يَكُونَ ذِكْرُهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي لَوْ كَانَ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] دَاخِلًا تَحْتَ جَوَابِ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] وَمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ كَيْفَ يُسَلِّمُ ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ ذَلِكَ {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] فَقَطْ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا مَسُوقًا لِبَيَانِ حُكْمٍ جَدِيدٍ وَلِإِفَادَةِ فَائِدَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4]

وَالْجَوَارِحُ: الْكَوَاسِبُ قَالَ فِي تَأْوِيلِ الْمُكَلِّبِينَ: الْمُسَلَّطِينَ، فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِعُمُومِهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْمُ الْكَلْبِ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْأَسَدُ وَالدُّبُّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ لِخَسَاسَتِهَا، وَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّ مَا تَلَوْنَا مِنْ النَّصِّ يَنْطِقُ بِاشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ وَالْحَدِيثِ بِهِ وَبِالْإِرْسَالِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ آلَةً بِالتَّعْلِيمِ لِيَكُونَ عَامِلًا لَهُ فَيَتَرَسَّلُ بِإِرْسَالِهِ وَيُمْسِكُهُ عَلَيْهِ. قَالَ (تَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ وَيُجِيبَ دَعْوَتَهُ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّ بَدَنَ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ، وَبَدَنُ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُهُ فَيُضْرَبُ لِيَتْرُكَهُ، وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعْلِيمِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً، وَالْبَازِي مُتَوَحِّشٌ مُتَنَفِّرٌ فَكَانَتْ الْإِجَابَةُ آيَةَ تَعْلِيمِهِ وَأَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ مَأْلُوفٌ يَعْتَادُ الِانْتِهَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطِيَّةً، وَجَوَابُهُ {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَهُوَ سَالِمٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى انْتَهَى أَقُولُ: فِي تَفْرِيعِ قَوْلِهِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى خَلَلٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ الْمَذْكُورَ لَا يَرِدُ عَلَى مَعْنَى الْآيَةِ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، بَلْ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعَيُّنَ مَعْنَى الْآيَةِ أَوْ رُجْحَانَ أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَامِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا، بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَمَا مَعْنَى تَفْرِيعِ قَوْلِهِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى عَلَى قَوْلِهِ، وَهُوَ سَالِمٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ، قَالَ فِي تَأْوِيلِ: وَالْمُكَلِّبِينَ الْمُسَلَّطِينَ، فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِعُمُومِهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى صِحَّةِ التَّأْوِيلِ بِعُمُومِ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَقُولُ: لَا صِحَّةَ لِهَذَا الْكَلَامِ؛ إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مَسْكَةٍ أَنْ لَيْسَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ بَيَانَ صِحَّةِ تَأْوِيلٍ دُونَ صِحَّةِ تَأْوِيلٍ آخَرَ؛ إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ، وَأَيْضًا عُمُومُ حَدِيثِ عَدِيٍّ لَا يُنَافِي التَّأْوِيلَ الْآخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْجَوَارِحُ هِيَ الَّتِي تَجْرَحُ مِنْ الْجِرَاحَةِ بَلْ يُوَافِقُهُ أَيْضًا، فَمَا مَعْنَى الِاسْتِدْلَالِ بِعُمُومِهِ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلٍ دُونَ آخَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ إنَّمَا هُوَ الِاسْتِدْلَال عَلَى تَنَاوُلِ مَا فِي الْآيَةِ الْكُلَّ بِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، فَالْمَعْنَى دَلَّ عَلَى تَنَاوُلِ الْكُلِّ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: وَاسْمُ الْكَلْبِ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعَى جَوَازُ الِاصْطِيَادِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، فَالْمُرَادُ بِالتَّنَاوُلِ فِي قَوْلِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِعُمُومِهِ إنَّمَا هُوَ التَّنَاوُلُ لِكُلِّ مَا فِي الْمُدَّعَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ عَدِيٍّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ جَوَارِحَ الطُّيُورِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ جَوَارِحَ السِّبَاعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالْكَلْبِ الْمَذْكُورِ فِيهِ كُلُّ ذِي سَبُعٍ دُونَ النَّوْعِ الْمُعَيَّنِ الْمَعْرُوفِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا تَلَوْنَا مِنْ النَّصِّ يَنْطِقُ بِاشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ وَالْحَدِيثُ بِهِ وَبِالْإِرْسَالِ) أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ مَا تَلَاهُ مِنْ الْآيَةِ نَاطِقًا بِالتَّعْلِيمِ، وَمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ نَاطِقًا بِالتَّعْلِيمِ وَبِالْإِرْسَالِ مِمَّا لَا كَلَامَ فِيهِ وَأَمَّا كَوْنُ مَا تَلَاهُ مِنْ الْآيَةِ نَاطِقًا بِاشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ، وَكَوْنُ مَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ نَاطِقًا بِاشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى هَا هُنَا وَبِاشْتِرَاطِ الْإِرْسَالِ أَيْضًا فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا يَدُلَّانِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا عُرِفَ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعْلِيمِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً وَالْبَازِي مُتَوَحِّشٌ مُتَنَفِّرٌ فَكَانَتْ الْإِجَابَةُ آيَةَ تَعْلِيمِهِ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ أَلُوفٌ عَادَةً يَعْتَادُ الِانْتِهَابَ

فَكَانَ آيَةُ تَعْلِيمِهِ تَرْكَ مَأْلُوفِهِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالِاسْتِلَابُ ثُمَّ شُرِطَ تَرْكُ الْأَكْلِ ثَلَاثًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَهُ مَزِيدَ الِاحْتِمَالِ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ شِبَعًا، فَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَادَةً لَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ وَإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَفِي بَعْضِ قَصَصِ الْأَخْيَارِ: وَلِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ أَمَارَةً عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْقَلِيلِ، وَالْجَمْعُ هُوَ الْكَثِيرُ وَأَدْنَاهُ الثَّلَاثُ فَقُدِّرَ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ: لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، وَلَا يُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ اجْتِهَادًا بَلْ نَصًّا وَسَمَاعًا وَلَا سَمْعَ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي جِنْسِهَا وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ وَقَبْلَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، فَكَانَ الثَّالِثُ صَيْدَ كَلْبٍ جَاهِلٍ وَصَارَ كَالتَّصَرُّفِ الْمُبَاشِرِ فِي سُكُوتِ الْمَوْلَى وَلَهُ أَنَّهُ آيَةُ تَعْلِيمِهِ عِنْدَهُ فَكَانَ هَذَا صَيْدَ جَارِحَةٍ مُعَلَّمَةٍ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إعْلَامٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَ عِلْمِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ. قَالَ (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازِيَهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهِ فَأَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ آيَةُ تَعْلِيمِهِ تَرْكَ مَأْلُوفِهِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالِاسْتِلَابُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَلَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ مُتَوَحِّشٌ كَالْبَازِي، ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ، وَفِي الْكَلْبِ سَوَاءٌ، فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَزَعَمَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِدٍ حَيْثُ قَالَ قَبْلُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ مُتَوَحِّشٌ كَالْبَازِي، ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْكَلْبِ سَوَاءٌ، فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فَرْقًا بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْبَازِي لَا غَيْرَ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِذَا أُرِيدَ الْفَرْقُ عُمُومًا فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ أَقُولُ: مَا قَالَهُ عُذْرٌ بَارِدٌ وَتَوْجِيهٌ كَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلْبِ فِي الْمُدَّعَى هَا هُنَا هُوَ الْمَعْنَى الْعَامُّ لِكُلِّ سَبُعٍ لَا الْكَلْبَ الْمَخْصُوصَ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يُتْرَكَ بَيَانُ حَالِ تَعْلِيمِ سَائِرِ السِّبَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ فَالْمُرَادُ فِي التَّعْلِيلِ أَيْضًا هُوَ الْفَرْقُ عُمُومًا، وَاَلَّذِي يُفِيدُ الْفَرْقَ عُمُومًا هُوَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى الْمَبْسُوطِ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ أَنْ تَنَبَّهَ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ الرَّكَاكَةِ قَالَ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ ذَوَاتُ النَّابِ كُلُّهَا

الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِي آلَةٌ، وَالذَّبْحُ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْآلَةِ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ وَذَلِكَ فِيهِمَا بِالْإِرْسَالِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الرَّمْيِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ وَلَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا حَلَّ أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَحُرْمَةُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي الذَّبَائِحِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِيَتَحَقَّقَ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيُّ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فِي الْبَدَنِ بِانْتِسَابِ مَا وُجِدَ مِنْ الْآلَةِ إلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مَا يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْجُرْحِ بِمَعْنَى الْجِرَاحَةِ فِي تَأْوِيلٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبُ بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ وَلَا تَنَافِيَ، وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجِنْسًا وَاحِدًا وَكَانَ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا فِي الصَّيْدِ أَلُوفًا مَعَ أَنَّ فِي طَبْعِ غَيْرِهِ الْإِلْفَ أَيْضًا عَلَى مَا تَرَاهُ فِي الذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَغَيْرِهِمَا إذَا رُبِّيَ مِنْ صِغَرِهِ فِي الْبَيْتِ، بِخِلَافِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ جُعِلَ الْكُلُّ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي التَّعْلِيمِ: يَعْنِي أُدِيرَ حُكْمُ التَّعْلِيمِ عَلَى جِنْسِ الْكَلْبِ تَيْسِيرًا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِسَدِيدٍ؛ إذْ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَهْدَ وَالنَّمِرَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْإِلْفُ بَلْ هُمَا مُتَوَحِّشَانِ كَالْبَازِي لَا يَكُونُ جَعْلُ أَنْوَاعِ الْكَلْبِ كُلِّهَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَإِدَارَةُ حُكْمِ التَّعْلِيلِ عَلَى جِنْسِ الْكَلْبِ مِنْ بَابِ التَّيْسِيرِ بَلْ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعْسِيرِ وَالتَّشْدِيدِ، بَلْ يَلْزَمُ إذْ ذَاكَ أَنْ يُحْمَلَ الْمُتَوَحِّشُ عَلَى الْأَلُوفِ، وَهُوَ غَيْرُ مُيَسَّرٍ لَا مَحَالَةَ ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ قَالَ نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ: لِلْفَهْدِ خِصَالٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَدَّ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ، وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ تَحَمُّلَ بَدَنِ الْفَهْدِ لِلضَّرْبِ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي حَقِّ تَعْلِيمِهِ، وَقَدْ كَانَ مَدَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَازِي وَالْكَلْبِ فِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ هُوَ أَنَّ بَدَنَ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ وَبَدَنَ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُهُ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ بَدَنِ الْكَلْبِ الضَّرْبَ لَا يُفِيدُ الْمُدَّعَى فِي حَقِّ الْفَهْدِ؛ إذْ هُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي حَقِّ تَعْلِيمِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مَا يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْجُرْحِ بِمَعْنَى الْجِرَاحَةِ فِي تَأْوِيلٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبِ بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ وَلَا تَنَافِي وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إذَا وَرَدَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَعَانِي، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ يُثْبِتُ أَحَدَهُمَا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ رُجُوعًا إلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. قَالَ (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ) وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي دَلَالَةِ التَّعْلِيمِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ فِي إبَاحَةِ مَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ (وَلَوْ أَنَّهُ صَادَ صُيُودًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَرْجِيحَهُ لَا الْجَمِيعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ يُثْبِتُ الْجَمِيعَ أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] قِيلَ أُرِيدَ بِهِ الْحَبَلُ، وَقِيلَ الْحَيْضُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا مُرَادَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَكَذَا هَا هُنَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَسْبِ وَالْجِرَاحَةِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: فَأَقُولُ عَلَى مَا قَالُوا يَلْزَمُهُ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ وَهُوَ فَاسِدٌ انْتَهَى اهـ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى وَجْهِ الْبَسْطِ وَالتَّوْسِيعِ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْكَسْبِ وَالْجُرْحِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجِرَاحَةُ أَوْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، وَالْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] فَإِنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ بِالتَّوَاطُؤِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ: يُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبِ بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ أَنَّهُ يُجْمَعُ فِي الِاعْتِبَارِ وَالْعَمَلِ بَيْنَ كِلَا مُحْتَمَلَيْ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْمُتَيَقَّنِ إذْ يُوجَدُ فِي الْمَجْمُوعِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَأَيٌّ مِنْهُمَا يُرَادُ فِي النَّظْمِ الشَّرِيفِ كَانَ مَأْخُوذًا فِي الِاعْتِبَارِ وَالْعَمَلِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ يُرَادَانِ مَعًا بِلَفْظِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ حَتَّى يَلْزَمَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ مُرَادَهُمْ هُوَ الثَّانِي قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبِ: يَعْنِي يُجْمَعُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ، وَكَانَ حَقُّ التَّفْسِيرِ أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي يُجْمَعُ فِي الِاعْتِبَارِ وَالْعَمَلِ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ هَا هُنَا: فَإِنْ قِيلَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْجَوَارِحَ إمَّا أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْكَوَاسِبِ أَوْ مَجَازًا قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ، بَلْ الْجَوَارِحُ أَخَصُّ مِنْ الْكَوَاسِبِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَوَاسِبِ الْجَوَارِحَ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْجَوَارِحِ أَخَصَّ مِنْ الْكَوَاسِبِ لَا يَدْفَعُ لُزُومَ الْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَفْهُومَ الْأَخَصِّ يُغَايِرُ مَفْهُومَ الْأَعَمِّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ أَخَصَّ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ أَمْ لَا إلَّا بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أَوْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْمَحْذُورَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ قَطْعًا عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَتِهِمَا مَعًا مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ) أَقُولُ: فِي كَلَامِهِ هَذَا رَكَاكَةٌ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ هُوَ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ إنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْفَرْقِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أُسْلُوبِ تَحْرِيرِهِ، يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حَدِيثَ عَدِيٍّ لَا يُفِيدُ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ أَصْلًا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُؤْكَلَ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي، وَإِفَادَةُ الْفَرْقِ إنَّمَا تَكُونُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِمَا مَعًا وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ يُؤْكَلْ كَانَ حَقُّ قَوْلِهِ: وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ أَنْ يَذْكُرَ عَقِيبَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَلَمَّا وَسَّطَ بَيْنَهُمَا قَوْلَهُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ وَقَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي دَلَالَةِ التَّعْلِيمِ كَانَ الْكَلَامُ قَلِقًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ فِي إبَاحَةِ مَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ) فَإِنْ قِيلَ: رَوَى أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ: كُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» وَذَلِكَ دَلِيلٌ

ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ هَذَا الصَّيْدُ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ، وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهَا لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بِأَنْ لَمْ يَظْفَرْ صَاحِبُهُ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا هُوَ مُحْرَزٌ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا هُمَا يَقُولَانِ: إنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاضِحٌ لَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُعَارِضُ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ، وَحِينَ أَكَلَ مِنْهُ دَلَّ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ «فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ مَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ الْكَلْبُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إبَاحَةِ أَكْلِ مَا أَكَلَ مِنْهُ إلَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا كَالْعُرْفِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّعَارُضُ بَيْنَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يُتْرَكَ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ لَا يُقَالُ: يَحْصُلُ بِهَذَا الْجَوَابِ إلْزَامُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ حُجَّةٌ عِنْدَهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَحْصُلُ إلْزَامُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ يَكُونُ الْمَفْهُومُ حُجَّةً لَا يُنْكِرُ أَنَّ الْمَنْطُوقَ أَقْوَى مِنْهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُكْمُ التَّعَارُضِ عِنْدَهُ أَيْضًا وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ: حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ عَدِيٍّ، وَحَدِيثُ عَدِيٍّ مُرَجَّحٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ؛ لِأَنَّ حَدِيثَهُ يُحِلُّ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، وَحَدِيثُ عَدِيٍّ يُحَرِّمُهُ، وَقَدْ عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُحَرَّمَ يُرَجَّحُ عَلَى الْمُحَلَّلِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُجْعَل نَاسِخًا لَهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ عَدِيٍّ دُونَ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ (قَوْلُهُ وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: أَرَادَ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَهُ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا إلَخْ أَقُولُ: تَفْسِيرُ مُرَادِ الْمُصَنِّف بِمَا ذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: يَحِلُّ عِنْدَهُ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا إلَخْ رِوَايَتَيْنِ لَا غَيْرَ: رِوَايَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ حِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ عَدَمُ حِلِّ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ؟ فَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ هَا هُنَا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ ثُمَّ شَرَطَ تَرْكَ الْأَكْلِ ثَلَاثًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَحِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ الرِّوَايَاتُ وَتَنْتَظِمُ صِيغَةُ الْجَمْعِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ هُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ

قَدْ تُنْسَى، وَلِأَنَّ فِيمَا أَحْرَزَهُ قَدْ أَمْضَى الْحُكْمَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْرَزِ؛ لِأَنَّهُ مَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَائِهِ صَيْدًا مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَحَرَّمْنَاهُ احْتِيَاطًا وَلَهُ أَنَّهُ آيَةُ جَهْلِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَا يُنْسَى أَصْلُهَا، فَإِذَا أَكَلَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ تَرَكَ الْأَكْلَ لِلشِّبَعِ لَا لِلْعِلْمِ، وَتَبَدَّلَ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَكْلِ فَصَارَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ (وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ صَادَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا فَيُحْكَمُ بِجَهْلِهِ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ (وَلَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أُكِلَ) ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِلصَّيْدِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ (وَلَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ مِنْ الْمُعَلَّمِ ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ مَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا غَيْرَهُ، وَكَذَا إذَا وَثَبَ الْكَلْبُ فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَأَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ، وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاتَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَتْ فِيهِ جِهَةُ الصَّيْدِيَّةِ (وَلَوْ نَهَسَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بِضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدَ (وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَسَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ وَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ مَرَّ بِتِلْكَ الْبِضْعَةِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَضُرَّهُ، فَإِذَا أَكَلَ مَا بَانَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَكَانَ جَاهِلًا مُمْسِكًا لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ نَهْسَ الْبِضْعَةِ قَدْ يَكُونُ لِيَأْكُلَهَا وَقَدْ يَكُونُ حِيلَةً فِي الِاصْطِيَادِ لِيَضْعُفَ بِقَطْعِ الْقِطْعَةِ مِنْهُ فَيُدْرِكَهُ، فَالْأَكْلُ قَبْلَ الْأَخْذِ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَبَعْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَلَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تُنْسَى) أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ فِيمَا أَحْرَزَهُ إلَخْ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ هَا هُنَا دَلِيلًا تَامًّا لَهُمَا، فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَمَّ لَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُمَا فِيمَا كَانَ غَيْرَ مُحْرَزٍ فِي الْمَفَازَةِ أَيْضًا لِجَرَيَانِ هَذَا الدَّلِيلِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَبْلُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا وَثَبَ الْكَلْبُ فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَأَكَلَ مِنْهُ مَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ، وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاتَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا وَثَبَ فَأَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ وَأَكَلَ وَبَيْنَ مَا أَكَلَ بَعْدَمَا قَتَلَ، فَإِنَّ الصَّيْدَ كَمَا خَرَجَ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ بِأَخْذِ صَاحِبِهِ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ أَيْضًا بِقَتْلِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ بِالْأَكْلِ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ دَلَّ أَنَّهُ كَانَ مُمْسِكًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَانْتِهَاسُهُ مِنْهُ وَمِنْ لَحْمٍ آخَرَ فِي مِخْلَاةِ صَاحِبِهِ سَوَاءٌ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ قَبْلَ الْأَخْذِ كَانَ مُمْسِكًا عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَا يَدْفَعُ الْمُطَالَبَةَ الْمَذْكُورَةَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا نَقْضُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْوَثْبَةِ مِنْ أَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ بِمَا إذَا أَكَلَ بَعْدَمَا قَتَلَ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ مُتَمَشٍّ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ أَيْضًا؛ إذْ الصَّيْدُ كَمَا يَخْرُجُ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ بِأَخْذِ صَاحِبِهِ يَخْرُجُ أَيْضًا بِقَتْلِهِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَكْلُ مِنْ الصَّيْدِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا مَعَ أَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ فِي الْحُكْمِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ بَيَانُ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْلِيلِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ

قَالَ (وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ، وَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ، وَكَذَا الْبَازِي وَالسَّهْمُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْإِبَاحَةُ وَلَمْ تَثْبُتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ، وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَدَرَ اعْتِبَارًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَّتَ يَدَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَهُوَ قَائِمٌ مَكَانَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُدَّةٍ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مِثْلُ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمُذْبَحٍ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِيهَا تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِضِيقِ الْوَقْتِ لَمْ يُؤْكَلْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَبَطَلَ حُكْمُ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ لَا يَدْفَعُ وُرُودَ الْمُطَالَبَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْلِيلِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَا هُنَا فِي التَّقْرِيرِ حَيْثُ قَالَ: فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الصَّائِدُ حَيْثُ لَا يُؤْكَلُ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا أَكَلَ مِنْهُ بِالْوَثْبَةِ بَعْدَ أَخْذِ الصَّائِدِ يُؤْكَلُ، وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ شَامِلٌ لِلصُّورَتَيْنِ وَمَعَ ذَلِكَ افْتَرَقَتَا فِي الْحُكْمِ وَالْأَوْجُهُ فِيهِ هُوَ أَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا يَنْشَأُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْإِمْسَاكِ لِصَاحِبِهِ وَعَدَمُ الْإِمْسَاكِ لَهُ، فَهَاهُنَا أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَثْبَةِ لَمَّا لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ إلَى أَنْ أَخَذَهُ صَاحِبُهُ قَدْ تَمَّ إمْسَاكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهُنَاكَ لَمَّا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ بَعْدَ قَتْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهِ فَخَرَجَ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا انْتَهَى فَإِنَّهُ طَعَنَ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ بِشُمُولِهِ لِلصُّورَتَيْنِ مَعَ افْتِرَاقِهِمَا فِي الْحُكْمِ، وَبَيَّنَ وَجْهًا آخَرَ فَارِقًا بَيْنَهُمَا وَعَدَّهُ أَوْجَهَ لِكَوْنِهِ سَالِمًا عَنْ وُرُودِ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ تَيْنِكِ الْمَسْأَلَتَيْنِ سَاقِطَةٌ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَدَارَكَ دَفْعَهَا بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَتْ فِيهِ جِهَةُ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ هُوَ أَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِمُتَوَحِّشٍ غَيْرِ مُحْرَزٍ فَقَدْ زَالَ التَّوَحُّشُ بِالْقَتْلِ وَبَقِيَ عَدَمُ الْإِحْرَازِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ الْمَالِكُ، فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ الصَّيْدِ وَلَوَازِمِهِ يَبْقَى حُكْمُ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَثْبَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلَهُ بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ الصَّائِدُ، تَأَمَّلْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ، وَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ، وَكَذَا الْبَازِي وَالسَّهْمُ) اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا الْبَازِي

وَهَذَا إذَا كَانَ يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ، أَمَّا إذَا شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حَلَّ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا إذَا وَقَعَتْ شَاةٌ فِي الْمَاءِ بَعْدَمَا ذُبِحَتْ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُؤْكَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ رُدَّ إلَى الْمُتَرَدِّيَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا تَرَكَ التَّذْكِيَةَ، فَلَوْ أَنَّهُ ذَكَّاهُ حَلَّ أَكْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ، وَاَلَّذِي يَبْقُرُ الذِّئْبُ بَطْنَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ خَفِيَّةٌ أَوْ بَيِّنَةٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتَثْنَاهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ بِالذَّبْحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ يَحِلُّ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسَّهْمُ زِيَادَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَأَقُولُ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا أَمْرٌ زَائِدٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ جِدًّا عِنْدِي أَمَّا قَوْلُهُ وَكَذَا الْبَازِي فَظَاهِرٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا يَتَنَاوَلُ صَيْدَ الْكَلْبِ وَصَيْدَ الْبَازِي، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ قَوْلِهِ وَكَذَا الْبَازِي بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالسَّهْمُ فَلِأَنَّ حُكْمَ مَسْأَلَةِ السَّهْمِ سَيَجِيءُ فِي بَابِ الرَّمْيِ مُفَصَّلًا؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ هُنَاكَ: وَإِذَا سَمَّى الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّمْيِ أَكَلَ مَا أَصَابَ إذَا خَرَجَ السَّهْمُ فَمَاتَ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ انْتَهَى، فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهِ هَا هُنَا (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ يَحِلُّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَا قَرَّرْنَاهُ قَوْلَهُ: لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا أَقُولُ: الْحَقُّ مَا قَالَهُ الشَّارِحَانِ الْأَخِيرَانِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَعْلِيلٌ لِحُكْمِ أَكْلِ مَا شُقَّ بَطْنُهُ وَأُخْرِجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بَيْنَ مَا يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ

(وَلَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَوْ أَخَذَهُ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَبْحُهُ أُكِلَ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ أَدْرَكَهُ فَذَكَّاهُ حَلَّ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَالذَّكَاةُ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَاتُهُ الذَّبْحُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ وُجِدَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى الذَّبْحِ (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ وَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ) وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ؛ إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الصَّيْدِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ يَأْخُذُ مَا عَيَّنَهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ (وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ كَثِيرٍ وَسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً حَالَةَ الْإِرْسَالِ، فَلَوْ قَتَلَ الْكُلَّ يَحِلُّ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ الْوَاحِدَةِ) ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ فَيَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ ذَبْحِ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَصِيرُ مَذْبُوحَةً بِفِعْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى، حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى، وَذَبَحَهُمَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ تَحِلَّانِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ (وَمَنْ أَرْسَلَ فَهْدًا فَكَمَنَ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ ثُمَّ أَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ) ؛ لِأَنَّ مُكْثَهُ ذَلِكَ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَقْطَعُ الْإِرْسَالَ (وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ عَادَتَهُ) (وَلَوْ أَخَذَ الْكَلْبُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَقَتَلَهُ وَقَدْ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ أُكِلَا جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَأَصَابَ آخَرَ (وَلَوْ قَتَلَ الْأَوَّلَ فَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا مِنْ النَّهَارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي) لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِرَاحَةً، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَقَعَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اتَّبَعَ الصَّيْدَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ زَمَانًا طَوِيلًا لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَإِنَّمَا مَكَثَ سَاعَةً لِلتَّمْكِينِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكَلْبِ (وَلَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يُدْرَى أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ أَمْ لَا لَا يُؤْكَلُ) لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ، وَلَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ بِدُونِهِ. قَالَ (وَإِنْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ شَرْطُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ الظَّاهِرَةِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جُرْحٌ يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِنْهَارِ الدَّمِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ فَأَشْبَهَ التَّخْنِيقَ قَالَ (وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُرِيدُ بِهِ عَمْدًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحْرِمُ فَيَغْلِبُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ نَصًّا أَوْ احْتِيَاطًا (وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْبُوحُ وَبَيْنَ مَا لَا يَعِيشُ فَوْقَ ذَلِكَ، بَلْ جَعَلُوا كَلْبَهُمَا مِمَّا بَقِيَ فِيهِ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ تَعْلِيلٌ لِحُكْمِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ، فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فِي ذَيْلِ هَذَا التَّعْلِيلِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مَا يَعُمُّهُمَا مَعًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِحِلِّ أَكْلِ مَا بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مِثْلَ مَا بَقِيَ فِي الْمَذْبُوحِ

الثَّانِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ مَعَهُ وَمَاتَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْأَخْذِ وَفَقْدِهَا فِي الْجُرْحِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ الْمَجُوسِيُّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ وَتَتَحَقَّقُ بَيْنَ فِعْلَيْ الْكَلْبَيْنِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ (وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ أَشَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى الصَّيْدِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَرٌ فِي الْكَلْبِ الْمُرْسَلِ دُونَ الصَّيْدِ حَيْثُ ازْدَادَ بِهِ طَلَبًا فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْأَخْذُ إلَى التَّبَعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا. قَالَ (وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ، وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ يُرْفَعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ كَمَا فِي نَسْخِ الْآيِ، وَالزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ قَالَ (وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ وَلِهَذَا لَمْ تَثْبُتْ بِهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْحِلُّ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا فَوْقَ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ وَمَا لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ مِمَّا لَا يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَتَنْتَظِمُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ يُرْفَعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ كَمَا فِي نَسْخِ الْآيِ وَالزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَك أَنْ تَقُولَ: لَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الرَّفْعِ بَلْ تَكْفِي الْمُشَارَكَةُ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ أَوْ شَبَهِهَا انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ أَصْلٌ وَالزَّجْرَ تَبَعٌ، وَالتَّبَعُ لَا يُعَدُّ مُشَارِكًا لِلْأَصْلِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْمُرْسَلِ دُونَ الصَّيْدِ حَيْثُ ازْدَادَ بِهِ طَلَبًا فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْأَخْذُ إلَى التَّبَعِ انْتَهَى وَلَئِنْ سُلِّمَ مُشَارَكَةُ الزَّجْرِ لِلْإِرْسَالِ فَلَا نُسَلِّمُ كِفَايَةَ مُجَرَّدِ الْمُشَارَكَةِ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ أَوْ شَبَهِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ اللَّاحِقُ وَهُوَ الزَّجْرُ هَا هُنَا أَقْوَى مِنْ السَّابِقِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ حَتَّى يُرْفَعَ بِهِ السَّابِقُ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَدْنَى مِنْهُ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ اللَّاحِقَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ وَلِهَذَا لَمْ تَثْبُتْ بِهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْحِلُّ انْتَهَى قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَنُوقِضَ بِالْمُحْرِمِ إذَا زَجَرَ كَلْبًا حَلَالًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَزَاءَ فِي الْمُحْرِمِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ بِمَا هُوَ دُونَهُ وَهُوَ الدَّلَالَةُ فَوَجَبَ بِالزَّجْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى انْتَهَى أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْجَوَابُ لَا يَدْفَعُ النَّقْضَ الْمَذْكُورَ بَلْ يُقَوِّيهِ، فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا زَجَرَ كَلْبًا حَلَالًا عِنْدَ إرْسَالِهِ تَقَرَّرَ أَنْ يُنْتَقَضَ بِهِ الْأَصْلُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الزَّجْرِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِ الزَّجْرِ دُونَ الْإِرْسَالِ

[فصل في الرمي]

ذَكَاتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ (وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ دُونَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَصَلَحَ نَاسِخًا (وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَدْرَكَهُ فَضَرَبَهُ وَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ، وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَوَقَذَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّعْلِيمِ فَجُعِلَ عَفْوًا (وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبًا فَوَقَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ) لِمَا بَيَّنَّا (وَالْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخْرَجَهُ عَنْ حَدِّ الصَّيْدِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْإِرْسَالَ حَصَلَ مِنْ الصَّيْدِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْحُرْمَةِ حَالَةُ الْإِرْسَالِ فَلَمْ يَحْرُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِرْسَالُ مِنْ الثَّانِي بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ بِجُرْحِ الْكَلْبِ الْأَوَّلِ. فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ (وَمَنْ سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ فَرَمَاهُ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ بَازِيًا عَلَيْهِ فَأَصَابَ صَيْدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي ذَكَرُوهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ، وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا ثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِالنَّصِّ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي كُلِّيَّةِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ تَفَكَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ وَأَخَذَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي حِلِّ الصَّيْدِ، بِخِلَافِ الْإِرْسَالِ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الشَّرْحُ بِسَدِيدٍ عِنْدِي؛ إذْ لَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ فِيمَا سَبَقَ فِي كَوْنِ فِعْلِ الْغَيْرِ الْمَشْرُوطِ فِي حِلِّ الصَّيْدِ مَرْفُوعًا بِمَا هُوَ مَشْرُوطٌ فِي حِلِّهِ أَوْ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ، بَلْ كَانَ الْكَلَامُ فِي كَوْنِ الْفِعْلِ مَرْفُوعًا بِمَا هُوَ فَوْقَهُ فِي الْقُوَّةِ أَوْ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ فِيهَا كَمَا فِي نَسْخِ الْآيِ، فَالْوَجْهُ هَا هُنَا أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي أَنَّ الزَّجْرَ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ دُونَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَصَلَحَ نَاسِخًا بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ فِيمَا قُلْنَاهُ تَبَصَّرْ [فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ] (فَصْلٌ فِي الرَّمْيِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْآلَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْآلَةِ الْجَمَادِيَّةِ، وَقَدْ مَرَّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ،

ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ حَلَّ الْمُصَابُ) أَيَّ صَيْدٍ كَانَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الْخِنْزِيرَ لِتَغْلِيظِ التَّحْرِيمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ السِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْثَرُ فِي جِلْدِهَا وَزُفَرُ خَصَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ فِيهِ لَيْسَ لِلْإِبَاحَةِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الِاصْطِيَادِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ فَوَقَعَ الْفِعْلُ اصْطِيَادًا وَهُوَ فِعْلٌ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ تَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَتَثْبُتُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهُ لَحْمًا وَجِلْدًا، وَقَدْ لَا تَثْبُتُ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ، وَإِذَا وَقَعَ اصْطِيَادًا صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ (وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ (وَالطَّيْرُ الدَّاجِنُ الَّذِي يَأْوِي الْبُيُوتَ أَهْلِيٌّ وَالظَّبْيُ الْمُوَثَّقُ بِمَنْزِلَتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (لَوْ رَمَى إلَى طَائِرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَمَرَّ الطَّائِرُ وَلَا يَدْرِي وَحْشِيٌّ هُوَ أَوْ غَيْرُ وَحْشِيٍّ حَلَّ الصَّيْدُ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ (وَلَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَا يَدْرِي نَادٌّ هُوَ أَمَّ لَا لَا يَحِلُّ الصَّيْدُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِاسْتِئْنَاسُ (وَلَوْ رَمَى إلَى سَمَكَةٍ أَوْ جَرَادَةٍ فَأَصَابَ صَيْدًا يَحِلُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ، وَفِي أُخْرَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِمَا (وَلَوْ رَمَى فَأَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ (فَإِذَا سَمَّى الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّمْيِ أُكِلَ مَا أَصَابَ إذَا جَرَحَهُ السَّهْمُ فَمَاتَ) ؛ لِأَنَّهُ ذَابِحٌ بِالرَّمْيِ لِكَوْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالظَّبْيُ الْمُوَثَّقُ بِمَنْزِلَتِهِ) قَالَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْآدَمِيِّ أَقُولُ: هَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الظَّبْيَ الْمُوَثَّقَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ دُونَ الْآدَمِيِّ؛ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانَيْنِ فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ بِكَوْنِ الظَّبْيِ الْمُوَثَّقِ بِمَنْزِلَةِ الْآدَمِيِّ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ غَيْرَ صَيْدٍ كَالْآدَمِيِّ لَا الِاشْتِرَاكُ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ فَلَا مَحْذُورَ فِي جَعْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْآدَمِيِّ قُلْت: لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْمَعْنَى لَقَالَ: وَالطَّيْرُ الدَّاجِنُ الَّذِي يَأْوِي الْبُيُوتَ وَالظَّبْيُ الْمُوَثَّقُ بِمَنْزِلَتِهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي مُجَرَّدِ كَوْنِهِمَا غَيْرَ صَيْدٍ وَلَمَّا فَصَلَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَالطَّيْرُ الدَّاجِنُ الَّذِي يَأْوِي الْبُيُوتَ أَهْلِيٌّ، وَالظَّبْيُ الْمُوَثَّقُ بِمَنْزِلَتِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ مُجَرَّدَ أَنْ لَا يَكُونَ صَيْدًا بَلْ الِاشْتِرَاكُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَيْضًا فَالْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالظَّبْيُ الْمُوَثَّقُ بِمَنْزِلَتِهِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ

السَّهْمِ آلَةً لَهُ فَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ مَحَلٌّ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الذَّكَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ (وَإِذَا أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهَا بِوُجُوهِهَا، وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ (وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ) ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَائِمٌ فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي هَذَا كَالْمُتَحَقِّقِ لِمَا رَوَيْنَا، إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: أَيْ الظَّبْيُ الْمُقَيَّدُ بِمَنْزِلَةِ الطَّيْرِ الدَّاجِنِ الَّذِي يَأْوِي الْبُيُوتَ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ، وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَجَعَلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ

عَنْهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارٍ يَكُونُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ، وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَبِتْ يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَمْ يَحِلَّ (وَلَوْ وُجِدَ بِهِ جِرَاحَةٌ سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُحَرَّمًا، بِخِلَافِ وَهْمِ الْهَوَامِّ وَالْجَوَابُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ فِي هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ فَقَالَ: لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كُلْ مَا أَصَمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت، وَالْإِصْمَاءُ: مَا رَأَيْته، وَالْإِنْمَاءُ: مَا تَوَارَى عَنْك وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ الزَّيْلَعِيُّ، فَإِنَّ الْإِمَامَ قَاضِي خَانْ لَمْ يَجْعَلْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ عَدَمَ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ بِخُصُوصِهِ، بَلْ جَعَلَ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: عَدَمُ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ، وَعَدَمُ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالسَّابِعُ يَعْنِي الشَّرْطَ السَّابِعَ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ أَوْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونَ فِي طَلَبِهِ، وَلَا يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كُلْ مَا أَصَمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت وَالْإِصْمَاءُ: مَا رَأَيْته، وَالْإِنْمَاءُ: مَا تَوَارَى عَنْك انْتَهَى وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالسَّابِعُ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ أَوْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ لَا يَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ،

كَالْجَوَابِ فِي الرَّمْيِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ أَوْ وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَرَدِّيَةُ وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْمَوْتَ بِغَيْرِ الرَّمْيِ؛ إذْ الْمَاءُ مُهْلِكٌ وَكَذَا السُّقُوطُ مِنْ عَالٍ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَإِنْ وَقَعَتْ رَمِيَّتُك فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك» (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ وَالْحِلِّ إذَا اجْتَمَعَا وَأَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَمَّا هُوَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ تُرَجَّحُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ جَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ، فَمِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ، وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ حَتَّى تَرَدَّى إلَى الْأَرْضِ، أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ عَلَى قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَدَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ، وَمِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ عَلَى مَا هُوَ مَعْنَاهُ كَجَبَلٍ أَوْ ظَهْرِ بَيْتٍ أَوْ لَبِنَةٍ مَوْضُوعَةٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَفَى: لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَحُمِلَ مُطْلَقُ الْمَرْوِيِّ فِي الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِانْشِقَاقِ، وَحَمَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ بِذَلِكَ، وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجُرَّةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ إنَّمَا يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ وَالْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ مَعًا وَأَمَّا قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيُعْذَرُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارِي الصَّيْدِ عَنْ بَصَرِ الرَّامِي، فَكَانَ فِي اعْتِبَارِ عَدَمِ التَّوَارِي مُطْلَقًا حَرَجٌ عَظِيمٌ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةُ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ عَنْهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارٍ يَكُونُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ وَالْكَافِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ عَلَى حِمَارِ وَحْشٍ عَقِيرٍ فَتَبَادَرَ أَصْحَابُهُ إلَيْهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ فَسَيَأْتِي صَاحِبُهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذِهِ رَمْيَتِي، وَأَنَا فِي طَلَبِهَا وَقَدْ جَعَلْتهَا لَك، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الرِّفَاقِ» انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ مَا يَقْتُلُهُ كَحَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا التَّقْيِيدُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ هَا هُنَا؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى نَحْوِ حَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ لَيْسَ بِوُقُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ قَسِيمًا لِلثَّانِي فِيمَا سَيَجِيءُ، وَعَدَّ الْأَوَّلَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَالثَّانِيَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ قَوْلُهُ هَا هُنَا وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً مَا وَقَعَ عَلَى نَحْوِ حَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ مَا يَقْتُلُهُ كَحَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ

عَفْوٌ وَهَذَا أَصَحُّ وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ مَائِيًّا، فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ لَا تَنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ، وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا يُؤْكَلُ كَمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ قَالَ (وَمَا أَصَابَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ جَرَحَهُ يُؤْكَلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَصَابَتْهُ الْبُنْدُقَةُ فَمَاتَ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَدُقُّ وَتَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ فَصَارَ كَالْمِعْرَاضِ إذَا لَمْ يَخْزِقُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ، وَكَذَا إنْ جَرَحَهُ قَالُوا: تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ ثَقِيلًا وَبِهِ حِدَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَةٌ يَحِلُّ لِتَعَيُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ، وَلَوْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا، وَجَعَلَهُ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَبِهِ حِدَةٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِجُرْحِهِ، وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةِ حَدِيدَةٍ وَلَمْ تُبْضِعْ بِضْعًا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَكَذَا إذَا رَمَاهُ بِهَا فَأَبَانَ رَأْسَهُ أَوْ قَطَعَ أَوْدَاجَهُ؛ لِأَنَّ الْعُرُوقَ تَنْقَطِعُ بِثِقَلِ الْحَجَرِ كَمَا تَنْقَطِعُ بِالْقَطْعِ فَوْقَ الشَّكِّ أَوْ لَعَلَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ، وَلَوْ رَمَاهُ بِعَصًا أَوْ بِعُودٍ حَتَّى قَتَلَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ ثِقَلًا لَا جُرْحًا، اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حِدَةٌ يُبْضِعُ بِضْعًا فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْجُرْحِ بِيَقِينٍ كَانَ الصَّيْدُ حَلَالًا، وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الثِّقَلِ بِيَقِينٍ كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ وَلَا يَدْرِي مَاتَ بِالْجُرْحِ أَوْ بِالثِّقَلِ كَانَ حَرَامًا احْتِيَاطًا، وَإِنْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ بِسِكِّينٍ فَأَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَجَرَحَهُ حَلَّ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِقَفَا السِّكِّينِ أَوْ بِمِقْبَضِ السَّيْفِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَوْ رَمَاهُ فَجَرَحَهُ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ، إنْ كَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَحْتَبِسُ بِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ» شَرَطَ الْإِنْهَارَ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَحْتَبِسُ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّبْحِ هُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ النَّجِسِ، وَأَنَّ الْجُرْحَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ ذَبْحٌ اضْطِرَارِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الذَّبْحِ الِاخْتِيَارِيِّ وَهُوَ الْجُرْحُ فِيمَا بَيْنَ اللِّبَةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الذَّبْحَيْنِ إخْرَاجَ الدَّمِ إلَّا أَنَّ الِاخْتِيَارِيَّ أَعْمَلُ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَارِيِّ فَكَوْنُ الدَّمِ مُحْتَبِسًا لِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ لَا يَقْتَضِي حِلَّ أَكْلِ الْمَجْرُوحِ بِالرَّمْيِ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ، بَلْ يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالذَّبْحِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الدَّمَ قَدْ يَحْتَبِسُ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فَفِي اعْتِبَارِ الْإِدْمَاءِ حَرَجٌ، فَاكْتَفَى بِمَا هُوَ سَبَبُهُ فِي الْغَالِبِ وَهُوَ الْجُرْحُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ» شَرَطَ الْإِنْهَارَ) أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ دَلَالَةَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى شَرْطِ الْإِنْهَارِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ

حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ، وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً وَلَمْ يَسِلْ مِنْهُ الدَّمُ قِيلَ لَا تَحِلُّ وَقِيلَ تَحِلُّ وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ، فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أُكِلَ إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَيَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ كَمَا إذَا أُبِينَ الرَّأْسُ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» ذِكْرُ الْحَيِّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ تُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَلِهَذَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ حَيًّا، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ أُبِينَ بِالذَّكَاةِ قُلْنَا حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ يَقَعْ ذَكَاةً لِبَقَاءِ الرُّوحِ فِي الْبَاقِي، وَعِنْدَ زَوَالِهِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَلَا تَبَعِيَّةَ لِزَوَالِهَا بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ هَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْأَصْلَ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَحِلُّ، وَالْمُبَانُ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا يَحِلُّ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمُبَانِ مِنْهُ حَيَاةٌ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُخَالِفَةِ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ وَطَعَنَ فِيهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ كَمَا شَرَطَ الْإِنْهَارَ شَرَطَ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ أَيْضًا وَفِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ لَا يُشْتَرَطُ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ، فَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِنْهَارُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَلُزُومِ الْحَرَجِ فِي اشْتِرَاطِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٌ فِي الْإِنْهَارِ؛ إذْ لَا عَجْزَ عَنْ الْجُرْحِ بِلَا رَيْبٍ، ثُمَّ إنَّ الْجُرْحَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِنْهَارِ فِي الْغَالِبِ فَلَا حَرَجَ فِي اشْتِرَاطِ الْإِنْهَارِ عَلَى رَأْيِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَافْتَرَقَا (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: يَعْنِي أَنَّهُ ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْكَامِلُ هُوَ الْحَيُّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْعُضْوُ

فِي الْمَذْبُوحِ فَإِنَّهُ حَيَاةٌ صُورَةً لَا حُكْمًا، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَبِهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَا يَحْرُمُ فَتُخَرَّجُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ، فَنَقُولُ: إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ يَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي (وَلَوْ قَدَّهُ بِنِصْفَيْنِ أَوْ قَطَّعَهُ أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أَوْ قَطَعَ نِصْفَ رَأْسِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ يَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا؛ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا الْجُرْحِ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ تَنَاوَلَ السَّمَكَ وَمَا أُبِينَ مِنْهُ فَهُوَ مَيِّتٌ، إلَّا أَنَّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ (وَلَوْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا يَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ) وَيُكْرَهُ هَذَا الصَّنِيعُ لِإِبْلَاغِهِ النُّخَاعَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا، إنْ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ حَتَّى قَطَعَ الْأَوْدَاجَ حَلَّ (وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَلَمْ يُبِنْهُ؛ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الِالْتِئَامُ وَالِانْدِمَالُ فَإِذَا مَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ مَا سِوَاهُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي. قَالَ (وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الذَّبَائِحِ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي إبَاحَةِ الصَّيْدِ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ اخْتِيَارًا فَكَذَا اضْطِرَارًا. قَالَ (وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَلَمْ يُثْخِنْهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَيُؤْكَلُ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَ» (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَثْخَنَهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُؤْكَلْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ: أَيْ أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَقُولُ: الْمُقَدَّمَةُ الْقَائِلَةُ: إنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ شَائِعَةٌ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَكُتُبِ أَصْحَابِنَا لَكِنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي الظَّاهِرِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْمُطْلَقِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُقَيَّدَ يَجْرِي

لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالثَّانِي، وَهُوَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ، كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ الصَّيْدُ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الذَّبْحِ بِأَنْ كَانَ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ دُونَهُ؛ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا عِبْرَةَ بِهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَصَارَ الْجَوَابُ فِيهِ وَالْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ سَوَاءً فَلَا يَحِلُّ قَالَ (وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالرَّمْيِ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالرَّمْيِ الْمُثْخِنِ وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِجِرَاحَتِهِ، وَقِيمَةُ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَأْوِيلُهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْلَمَ الصَّيْدُ مِنْهُ وَالثَّانِي بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ الصَّيْدُ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَتْلُ كُلُّهُ مُضَافًا إلَى الثَّانِيَ وَقَدْ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَامِلًا، كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَقْيِيدِهِ فَتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَأْوِيلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْلَمَ الصَّيْدُ مِنْهُ إلَخْ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ هَا هُنَا بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ أَوَّلَهَا مَرَّةً فِيمَا قَبْلُ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ يُرَى مُسْتَدْرِكًا؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ التَّأْوِيلَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَثْخَنَهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ انْتَهَى فَلَمَّا أَوَّلَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ بِمَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا قَوْلُهُ: وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ فَرْعُ قَوْلِهِ لَمْ يُؤْكَلْ، فَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ شَرْطٌ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ كَانَ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالرَّمْيِ الثَّانِي فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ: إنَّ كَوْنَ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْصُلَ الْقَتْلُ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَحْصُلَ الْقَتْلُ بِالرَّمْيِ الثَّانِي وَحْدَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ اجْتِمَاعِ الرَّمْيَيْنِ؛ إذْ قَدْ يَكُونُ فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ

وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يُضَمِّنُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ أَوَّلًا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِهِ، وَالثَّانِيَةُ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي، فَهَذَا بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ مَرَّةً فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ رَمَاهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا فَالْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّامِي غَيْرَهُ، وَيَصِيرُ كَمَا إذَا رَمَى صَيْدًا عَلَى قِمَّةِ جَبَلٍ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَأَنْزَلَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُحَرَّمٌ، كَذَا هَذَا. قَالَ (وَيَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلُونَا وَالصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ قَالَ قَائِلُهُمْ: صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِب وَثَعَالِب ... وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ وَلِأَنَّ صَيْدَهُ سَبَبٌ لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشَةِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالتَّأْوِيلِ الثَّانِي التَّقْيِيدُ بِمَا عُلِمَ كَوْنُ الْقَتْلِ حَاصِلًا بِالرَّمْيِ الثَّانِي وَحْدَهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي، وَلَا يُفِيدُ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ هَذَا التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا أَعَمُّ تَحَقُّقًا مِنْ الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ ثَانِيًا لِتَنَاوُلِهِ صُورَةَ أَنْ يَحْصُلَ الْقَتْلُ مِنْ مَجْمُوعِ الرَّمْيَيْنِ كَمَا يَتَنَاوَلُ صُورَةَ أَنْ يَحْصُلَ بِالرَّمْيِ الثَّانِي وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ الِاحْتِرَازُ عَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ، وَعَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ الصَّيْدُ إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الذَّبْحِ كَمَا فَصَّلَهُ مِنْ قَبْلُ، فَلَا اسْتِدْرَاكَ أَصْلًا بَلْ أَصَابَ كُلٌّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ مَجْرَاهُ

[كتاب الرهن]

[كِتَابُ الرَّهْنِ] ِ الرَّهْنُ لُغَةً: حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَفِي الشَّرِيعَةِ: جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ» وَقَدْ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الرَّهْنِ) مُنَاسَبَةُ كِتَابِ الرَّهْنِ لِكِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالِاصْطِيَادِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمَذْكُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ فَلَا تَكُونُ مُرَجِّحَةً لِإِيرَادِ كِتَابِ الرَّهْنِ عَقِيبَ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُنَاسَبَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ تَقْتَضِي إيرَادَ كِتَابِ الرَّهْنِ عَقِيبَ كِتَابِ الصَّيْدِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَفْوِيتُ تِلْكَ الْمُنَاسِبَاتِ فَتَكُونُ مُرَجَّحَةً مَعَ تِلْكَ الْمُلَاحَظَةِ، وَقَدْ نَبَّهْت عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي نَظَائِرِ هَذَا الْمَقَامِ فَلَا تَغْفُلْ ثُمَّ مِنْ مَحَاسِنِ الرَّهْنِ حُصُولُ النَّظَرِ لِكُلٍّ مِنْ جَانِبَيْ الدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ كَمَا فَصَّلَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَسَبَبُهُ مَا ذُكِرَ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ تَعَلُّقِ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بِتَعَاطِيهِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً وَشَرِيعَةً وَرُكْنُهُ وَشَرْطُ جَوَازِهِ وَشَرْطُ لُزُومِهِ وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ وَحُكْمُهُ فَيَجِيءُ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ شَيْئًا فَشَيْئًا صَرَاحَةً أَوْ إشَارَةً فَتَنَبَّهْ لَهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَفِي الشَّرِيعَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا تَعْرِيفُ الرَّهْنِ التَّامِّ أَوْ اللَّازِمِ، وَإِلَّا فَفِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الْحَبْسُ بَلْ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِانْعِقَادِ الرَّهْنِ مَعْنَى جَعْلِ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ، إلَّا أَنَّ لِلْعَاقِدِ الرُّجُوعَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَقَبْلَ الْقَبْضِ يُوجَدُ مَعْنَى الْحَبْسِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لِلرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ نَفْسُ الْحَبْسِ لَا لُزُومُهُ، فَيَصْدُقُ هَذَا

بِالْوَثِيقَةِ فِي طَرَفِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ قَالَ (الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) قَالُوا: الرُّكْنُ الْإِيجَابُ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْرِيفُ عَلَى الرَّهْنِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَلُزُومِهِ أَيْضًا بِلَا رَيْبٍ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ النَّسَفِيَّ لَمَّا قَالَ فِي الْكَنْزِ: هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِهِ: هَذَا حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَالدَّيْنِ أَنْ يَجُوزَ الرَّهْنُ بِغَيْرِ الدَّيْنِ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ الرَّهْنِ بِغَيْرِ الدَّيْنِ أَيْضًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى انْحِصَارِ مَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ فِي الدَّيْنِ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ قَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: رُكْنُ الرَّهْنِ الْإِيجَابُ وَهُوَ قَوْلُ الرَّاهِنِ رَهَنْتُك هَذَا الْمَالَ بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالْقَبُولُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ قَبِلْت؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَعَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ انْتَهَى وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِأَنْ قَالَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِعَقْدِ التَّبَرُّعَاتِ، وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَخُصَّ الْعَقْدَ فِي الصُّغْرَى بِمَا سِوَى التَّبَرُّعِ أَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ إيرَادِهِ وَتَوْجِيهِهِ بِمُسْتَقِيمٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ انْعِقَادَ الرَّهْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يَقُولُ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ عَقْدِ التَّبَرُّعَاتِ أَيْضًا، وَاخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ هَلْ هُوَ رُكْنٌ كَالْإِيجَابِ أَمْ لَا؟ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِعَقْدِ الرَّهْنِ بَلْ يَعُمُّ سَائِرَ التَّبَرُّعَاتِ أَيْضًا مِنْ الْعُقُودِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْهِبَةِ، فَلَا انْتِقَاضَ بِشَيْءٍ عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ فِي كُلِّ عَقْدٍ، وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ: الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَتَعْلِيلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ وَأَمَّا قَوْلُ سَائِرِ الْمَشَايِخِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَالُوا: الرُّكْنُ الْإِيجَابُ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ، وَأَوْضَحَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ خَصَّ الْعَقْدَ فِي الصُّغْرَى بِمَا سِوَى التَّبَرُّعِ صَارَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ أَيْ الرَّهْنَ عَقْدٌ غَيْرُ تَبَرُّعٍ، وَكُلُّ عَقْدٍ غَيْرِ تَبَرُّعٍ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الصُّغْرَى تَصِيرُ حِينَئِذٍ كَاذِبَةً؛ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَيْسَ بِعَقْدِ تَبَرُّعٍ، بَلْ أَطْبَقَتْ كَلِمَاتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا صِحَّةَ لِلتَّخْصِيصِ بِمَا سِوَى التَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ قَالُوا: الرُّكْنُ الْإِيجَابُ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حِلِّ هَذَا التَّعْلِيلِ: لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ، فَالرَّهْنُ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ، أَمَّا أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِإِزَاءِ مَا أَثْبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْيَدِ شَيْئًا

وَالْقَبْضُ شَرْطُ اللُّزُومِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَأَشْبَهَ الْكَفَالَةَ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا، وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ، وَلَا نَعْنِي بِالتَّبَرُّعِ إلَّا ذَلِكَ وَأَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَتِمُّ بِالْمُتَبَرَّعِ فَكَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ صَيْرُورَتَهُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِيجَابِ مَا يَكُونُ ابْتِدَاءً، وَالرَّهْنُ لَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إنْ لَمْ يَسْتَوْجِبْ شَيْئًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ابْتِدَاءً فَقَدْ اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ شَيْئًا فِي الْبَقَاءِ، وَهُوَ صَيْرُورَةُ الْمُرْتَهِنِ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ، فَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ عَقْدَ تَبَرُّعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتِمَّ بِإِيجَابِ الرَّاهِنِ وَحْدَهُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا حَتَّى يَتِمَّ جَعْلُنَا إيَّاهُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا عِنْدَ الْهَلَاكِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ شَرْطُ اللُّزُومِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزًا، وَبِهِ يَلْزَمُ، وَهُوَ أَيْضًا اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ عَامَّةِ الْكُتُبِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضًا مُفَرَّغًا مَحُوزًا وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَ مُخَالَفَةِ مَا فِي الْكِتَابِ لِرِوَايَةِ عَامَّةِ الْكُتُبِ فَقَالَ: سَبَقَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْجَوَازِ فِي الْهِبَةِ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ إذْ قَدْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ هُنَاكَ إلَى صَرْفِ نَفْيِ الْجَوَازِ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ إذْ الْجَوَازُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَابِتٌ هُنَاكَ بِالْإِجْمَاعِ، فَحَمَلْنَا نَفْيَ الْجَوَازِ بِدُونِ الْقَبْضِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» عَلَى نَفْيِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَمَّا هُنَا فَلَا ضَرُورَةَ وَلَا مَجَالَ لِلْحَمْلِ عَلَى نَفْيِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُرْتَهِنِ بِدُونِ الْقَبْضِ وَثُبُوتِهِ لَهُ بِالْقَبْضِ كَمَا هُوَ مُوجِبُ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ؛ إذْ لَيْسَ حُكْمُ الرَّهْنِ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُرْتَهِنِ بِحَالٍ أَصْلًا فَبَقِيَ نَفْيُ الْجَوَازِ هَا هُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ قَوْلُهُ (وَلَنَا مَا تَلَوْنَا، وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ) نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] أَيْ فَاضْرِبُوهَا وقَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] أَيْ فَلْيُحَرِّرْهَا

وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْضَائِهِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوقَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] بِتَقْدِيرِ فَصَوْمُ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ: أَيْ فَلْيَصُمْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، فَكَانَ الْمَصْدَرُ فِيمَا تَلَوْنَا هَا هُنَا أَيْضًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] بِمَعْنَى الْأَمْرِ: أَيْ فَارْهَنُوا وَارْتَهِنُوا ثُمَّ لَمَّا كَانَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَلَمْ يُعْمَلْ بِمُوجِبِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَاللُّزُومُ فِي حَقِّ نَفْسِ الرَّهْنِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الرَّهْنُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِالْإِجْمَاعِ وَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي شَرْطِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» بِالنَّصْبِ: أَيْ بِيعُوا، فَلَمْ يَعْمَلْ الْأَمْرُ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَاحٌ غَيْرُ وَاجِبٍ فَصُرِفَ إلَى شَرْطِهِ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا، فَكَذَا هُنَا، هَذَا زُبْدَةُ مَا ذُكِرَ فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ اسْتَشْكَلُوا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا، فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فِي تَسْمِيَةِ الرِّهَانِ بِالْمَصْدَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّهَانَ جَمْعُ رَهْنٍ كَالنَّعْلِ وَالنِّعَالِ وَالْحَبْلِ وَالْحِبَالِ، كَذَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُوضَةٌ بِالتَّأْنِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَلَوْ تَمَحَّلَ مُتَمَحِّلٌ بِتَصْحِيحِ مَا فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَقْدِيرُهُ فَرَهْنُ رِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ فَكَانَ الْمَصْدَرُ مَحْذُوفًا فَجَعَلَ الْمَحْذُوفَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ فَقَالَ وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ، وَالرِّهَانُ لَمَّا كَانَ مَصْدَرًا عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْكِتَابِ كَانَ إرَادَةُ الْمَرْهُونِ بِهِ جَائِزَةً كَالرَّهْنِ يُرَادُ بِهِ الْمَرْهُونُ، ثُمَّ أُنِّثَ الْمَرْهُونُ بِتَأْوِيلِ السِّلْعَةِ أَوْ الْعَيْنِ فَقِيلَ مَقْبُوضَةٌ بِالتَّأْنِيثِ كَمَا يُؤَنَّثُ الصَّوْتُ بِتَأْوِيلِ الصَّيْحَةِ لَكَانَ وَجْهًا بَعِيدًا؛ إذْ فِي الْأَوَّلِ وُرُودُ الْإِلْبَاسِ وَفِي الثَّانِي لَا يَبْقَى الْمَصْدَرُ بِحَقِيقَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَدْ سَمَّى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الرِّهَانَ مَصْدَرًا كَمَا تَرَى، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا ثَبَتَ فِي قَوَانِينِ اللُّغَةِ كَالْجَمْهَرَةِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الرِّهَانُ جَمْعُ رَهْنٍ، وَجَمْعُ الرَّهْنِ رُهُونٌ وَرِهَانٌ وَرُهُنٌ بِضَمَّتَيْنِ، وَالرَّهِينَةُ بِمَعْنَى الرَّهْنِ أَيْضًا وَجَمْعُهَا رَهَائِنُ نَعَمْ الرِّهَانُ يَجِيءُ مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِهِمْ رَاهَنَهُ عَلَى كَذَا: أَيْ خَاطَرَهُ مُرَاهَنَةً وَرِهَانًا مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَصْدَرُ هُوَ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ لَمْ يَحْتَجْ فِي صِفَةِ الرِّهَانِ إلَى تَاءِ التَّأْنِيثِ فَافْهَمْ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: فِي تَسْمِيَتِهِ الرِّهَانَ بِالْمَصْدَرِ نَظَرٌ

فِي الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ، ثُمَّ يَكْتَفِي فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الرِّهَانَ جَمْعُ رَهْنٍ كَالنَّعْلِ وَالنِّعَالِ وَالْحَبْلِ وَالْحِبَالِ، وَقَوْلُهُ مَقْبُوضَةٌ بِالتَّأْنِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَرَهْنُ رِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَفِي النِّهَايَةِ: فِي تَسْمِيَتِهِ الرِّهَانَ بِالْمَصْدَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّهَانَ جَمْعُ رَهْنٍ كَالنَّعْلِ وَالنِّعَالِ وَهَكَذَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ {مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] بِالتَّأْنِيثِ فَدَلَّ أَنَّهُ جَمْعٌ لَا مَصْدَرٌ وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ الشَّاهِيَةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّهَانُ مَصْدَرًا مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ كَالْقِتَالِ وَالضِّرَابِ، وَمَقْبُوضَةٌ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ فَرِهَانٌ مَرْهُونَةٌ مَقْبُوضَةٌ، وَأَنَّثَ الْمَرْهُونَ بِتَأْوِيلِ السِّلْعَةِ أَوْ الْعَيْنِ كَمَا يُؤَنَّثُ الصَّوْتُ بِتَأْوِيلِ الصَّيْحَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّهَانُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَأَنَّثَ الْمَرْهُونَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّهَانُ قَائِمًا مَقَامَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ فَرَهْنُ رِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ فَيَكُونُ مَصْدَرًا تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَعَدَّ مَا اسْتَشْكَلُوهُ أَمْرًا هَيِّنًا وَتَعَجَّبَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ إنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الرِّهَانَ مَصْدَرًا وَهُوَ جَمْعُ رَهْنٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّا يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ رَهْنٍ وَالرَّهْنُ مَصْدَرٌ فَجَمْعُهُ كَذَلِكَ، وَإِسْنَادُ مَقْبُوضَةٍ إلَى ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ كَمَا فِي: سَيْلٍ مُفْعَمٍ انْتَهَى أَقُولُ: مَنْشَأُ مُجَازَفَتِهِ هَذِهِ الْغُفُولَ عَمَّا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الرِّهَانِ جَمْعَ رَهْنٍ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ، وَأَمَّا كَوْنُهُ جَمْعَ رَهْنٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَكَلَّا بَلْ هُوَ جَمْعُ رَهْنٍ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالرَّهْنُ الْمَرْهُونُ وَالْجَمْعُ رُهُونٌ وَرِهَانٌ وَرُهُنٌ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرَّهْنُ مَا وُضِعَ عِنْدَك لِيَنُوبَ مَنَابَ مَا أُخِذَ مِنْك وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ بِضَمَّتَيْنِ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرَّهْنُ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ رِهَانٌ مِثْلُ حَبْلٍ وَحِبَالٍ وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي: رِهَانٌ وَرُهُنٌ كِلَاهُمَا جَمْعُ رَهْنٍ بِمَعْنَى مَرْهُونٍ، وَكَذَا فِي سَائِرِ التَّفَاسِيرِ ثُمَّ إنَّ كَوْنَ إسْنَادِ {مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] إلَى ضَمِيرِ رِهَانٍ مَجَازًا عَقْلِيًّا خِلَافُ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْآيَةِ الْمَزْبُورَةِ، إذْ يَصِحُّ الْمَعْنَى وَيَحْسُنُ جِدًّا بِحَمْلِ الرِّهَانِ عَلَى جَمْعِ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَيَكُونُ الْإِسْنَادُ إذْ ذَاكَ حَقِيقِيًّا، فَمَا مَعْنَى الْعُدُولِ عَنْهُ، وَبِنَاءُ اسْتِدْلَالِنَا بِتِلْكَ الْآيَةِ عَلَى مَا هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ فَحَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ ثُمَّ إنَّ تَمْثِيلَهُ الْمَجَازَ الْعَقْلِيَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ هَا هُنَا بِسَيْلٍ مُفْعَمٍ قَبِيحٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْمُفْعَمَ اسْمُ مَفْعُولٍ أُسْنِدَ إلَى الْفَاعِلِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ مِمَّا أُسْنِدَ إلَى الْمَصْدَرِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ، فَالْمُنَاسِبُ فِي التَّمْثِيلِ هَا هُنَا أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي شِعْرِ شَاعِرٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ عِلْمِ الْبَلَاغَةِ ثُمَّ أَقُولُ: التَّوْجِيهَاتُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ لِتَصْحِيحِ مَا فِي الْكِتَابِ كُلُّهَا أَيْضًا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ، فَالْإِنْصَافُ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِمِثْلِهَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ وَلَا الْإِلْزَامَ عَلَى الْخَصْمِ، وَلَكِنَّ الْأَقْرَبَ وَالْأَشْبَهَ مِنْ بَيْنِهَا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَرَهْنُ رِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِالْفَاءِ مَحْذُوفًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَإِنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِ: فَصَوْمُ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِصُورَةِ الصَّرْفِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبْضِ بِالْبَرَاجِمِ وَلَا يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ جَرَيَانِ الدَّلِيلِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ رِوَايَةُ كِفَايَةِ التَّخْلِيَةِ فِيهِ وَكَوْنُهَا مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ انْتَهَى أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ بِمُوجِبٍ ابْتِدَاءً وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ (وَإِذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُتَمَيِّزًا تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ) لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِكَمَالِهِ فَلَزِمَ الْعَقْدُ (وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَهُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللُّزُومَ بِالْقَبْضِ إذْ الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ. قَالَ (وَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَقَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا النَّقْضِ هَيِّنٌ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ، وَلُزُومُ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدًا بِيَدٍ» كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالنَّصِّ عَلَى مَا عُرِفَ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ يَقْتَضِي حَقِيقَةَ الْقَبْضِ وَعَدَمَ كِفَايَةِ التَّخْلِيَةِ فَعَمِلْنَا فِيهِ بِمُوجِبِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِعَقْدِ التَّبَرُّعِ لَمْ يُعْهَدْ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَبَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَيَنْتَفِي التَّبَرُّعُ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ التَّبَرُّعِ فِي الرَّهْنِ غَيْرُ جِهَةِ الضَّمَانِ فِيهِ، فَإِنَّ جِهَةَ التَّبَرُّعِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُجْعَلُ مَحْبُوسًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا اسْتِيجَابِ شَيْءٍ عَلَيْهِ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ، وَجِهَةُ الضَّمَانِ فِيهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَى بَيَانِهِ، وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالضَّمَانِ إنَّمَا تَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ فَلَيْسَ وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ ظُهُورِهِ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مِنْ تَفْصِيلِ دَلِيلِنَا الْعَقْلِيِّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ إلَى الْمُرْتَهِنِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ (قَوْلُهُ فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ:

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ، قَالَهَا ثَلَاثَةً، لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَبِهَلَاكِهِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ اعْتِبَارًا بِهَلَاكِ الصَّكِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْوَثِيقَةِ يَزْدَادُ مَعْنَى الصِّيَانَةِ، وَالسُّقُوطُ بِالْهَلَاكِ يُضَادُّ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ إذَا لَحِقَ بِهِ يَصِيرُ بِعَرْضِ الْهَلَاكِ وَهُوَ ضِدُّ الصِّيَانَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ مَا نَفَقَ فَرَسُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ «ذَهَبَ حَقُّك» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا غَمَّى الرَّهْنَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ: عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا هَلَكَ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ، وَالْقَوْلُ بِالْأَمَانَةِ خَرْقٌ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ وَالتَّمَكُّنُ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ السَّلَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ مُعْتَنًى بِشَأْنِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْكَامِلَ فِي الْقَبْضِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُتَمَيِّزًا فَيَجِبُ ذَلِكَ انْتَهَى أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْبَسْطُ وَالتَّقْرِيرُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الْقَبْضُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَضَعَ الْمُرْتَهِنُ يَدَهُ حَقِيقَةً عَلَى الْمَرْهُونِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْكَامِلَ فِي الْقَبْضِ هُوَ الثَّانِي، وَهَذَا

وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وَقَالَ قَائِلُهُمْ: وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلِقَا وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَنْعَطِفُ عَلَى الْأَلْفَاظِ عَلَى وَفْقِ الْأَنْبَاءِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُوصِلَةً إلَيْهِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ لَهُ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ، وَلِيَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافُ مَا تَقَرَّرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِخِلَافِ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّهْنَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وَقَالَ قَائِلُهُمْ: وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غُلِقَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قِيلَ الدَّوَامُ إنَّمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا فِكَاكَ لَهُ لَا مِنْ لَفْظِ الرَّهْنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا دَامَ وَتَأَبَّدَ بِنَفْيِ انْفِكَاكٍ دَلَّ أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الدَّوَامِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِذَلِكَ لَمَا دَامَ بِنَفْيِ مَا يَعْتَرِضُهُ، بَلْ كَانَ الدَّوَامُ يَثْبُتُ بِإِثْبَاتِ مَا يُوجِبُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ اللُّغَةَ تَدُلُّ عَلَى إنْبَاءِ الرَّهْنِ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ انْتَهَى أَقُولُ: السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فِي الْأَصْلِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ، لَكِنَّ الْجَوَابَ لَيْسَ بِتَامٍّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِذَلِكَ لَمَا دَامَ بِنَفْيِ مَا يَعْتَرِضُهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَا يَعْتَرِضُهُ إذَا كَانَ مُنَاقِضًا لِدَوَامِهِ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ دَوَامُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَا يُوجِبُ دَوَامَهُ نَفْسَهُ أَوْ أَمْرًا خَارِجًا عَنْهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ مَعًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فِكَاكَ الرَّهْنِ يُنَافِي وَيُنَاقِضُ دَوَامَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَحَقُّقُ دَوَامِهِ وَإِنْ كَانَ دَوَامُهُ مِمَّا لَمْ يُوجِبْهُ نَفْسُهُ بَلْ كَانَ بِسَبَبٍ خَارِجٍ، فَلَمْ يَثْبُتْ

عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِضَجَرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ، فَلَوْ اسْتَوْفَاهُ ثَانِيًا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، بِخِلَافِ حَالَةِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ هَذَا الِاسْتِيفَاءَ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ، وَلَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ أَمَّا الْعَيْنُ فَأَمَانَةٌ حَتَّى كَانَتْ نَفَقَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَكَذَا قَبْضُ الرَّهْنِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فَلَا تَنُوبُ عَنْ قَبْضِ ضَمَانٍ، وَمُوجِبُ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا يُحَقِّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَيْتِ الْمَزْبُورِ إنْبَاءُ لَفْظِ الرَّهْنِ نَفْسِهِ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ، بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ انْفِهَامُ ذَلِكَ مِنْ نَفْيِ فِكَاكِهِ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ فَلَوْ اسْتَوْفَاهُ ثَانِيًا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّهْنَ يَدُلُّ عَلَى الْيَدِ وَالْحَبْسِ ثَبَتَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ وَالرَّقَبَةِ وَقَدْ حَصَلَ بَعْضُهُ، وَتَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ النَّقْصِ، فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ وَاسْتَوْفَاهُ ثَانِيًا أَدَّى إلَى تَكْرَارِ الْأَدَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْيَدِ وَهُوَ رِبًا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ لَوْ اسْتَوْفَاهُ ثَانِيًا أَدَّى إلَى الرِّبَا وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَسْتَوْفِهِ ثَانِيًا أَصْلًا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ بَعْضِ حَقِّهِ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الرَّقَبَةِ وَالتَّأَدِّي إلَى ضَيَاعِ حَقِّ الْمُسْلِمِ مَحْذُورٌ شَرْعِيٌّ أَيْضًا فَمَا الْوَجْهُ فِي تَرْجِيحِ اخْتِيَارِ هَذَا الْمَحْذُورِ عَلَى اخْتِيَارِ مَحْذُورِ الرِّبَا فَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ

الصِّيَانَةَ، وَإِنْ كَانَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَنَا حُكْمَ الرَّهْنِ صَيْرُورَةُ الرَّهْنِ مُحْتَبِسًا بِدَيْنِهِ بِإِثْبَاتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ اسْتِيفَاءً مِنْهُ عَيْنًا بِالْبَيْعِ، فَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَدَدْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى جُمْلَةً: مِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ عَنْ الِاسْتِرْدَادِ لِلِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ مُوجَبُهُ وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ عَلَى الدَّوَامِ، وَعِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي مُوجِبَهُ وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ وَسَيَأْتِيك الْبَوَاقِي فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا وَلَا دَيْنَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا هُوَ الْقِيمَةُ وَرَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا وَلَا دَيْنَ) يَعْنِي: يَرِدُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ: أَيْ عَلَى لَفْظِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونِ الرَّهْنِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا: أَيْ الْإِشْكَالُ بِصِحَّةِ الرَّهْنِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا، وَهِيَ مَا يَجِبُ مِثْلُهُ عِنْدَ هَلَاكِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ وَلَا دَيْنَ فِيهَا وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِقَوْلِهِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إلَى آخِرِهِ، كَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ وَافَقَ سَائِرَ الشُّرَّاحِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ قَالَ: قُلْت لَا يَرِدُ عَلَى الْقُدُورِيِّ الِاعْتِرَاضُ رَأْسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي صِحَّةَ الرَّهْنِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا بَلْ صَرَّحَ بِصِحَّتِهِ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ هَا هُنَا عَلَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ بِالدَّيْنِ، وَاكْتَفَى بِهِ هَا هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ أَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَضْلًا عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَنْفِ فِي مُخْتَصَرِهِ صِحَّةَ الرَّهْنِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا بَعْدَ أَنْ رَأَى مَا فِي لَفْظِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ مِنْ أَدَاةِ قَصْرِ الصِّحَّةِ عَلَى الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَهِيَ النَّفْيُ وَالِاسْتِثْنَاءُ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ أَنْ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ، وَلَمَّا كَانَ لَفْظُهُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِالدَّيْنِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَجَالٌ وَقَوْلُهُ بَلْ صَرَّحَ بِصِحَّتِهِ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى لَفْظِهِ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَدْ تَدَارَكَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ وَأَمَّا حَمْلُ الْقَصْرِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ عَلَى الْقَصْرِ الِادِّعَائِيِّ فَبِمَعْزِلِ عَنْ مُسَاعَدَةِ هَذَا الْفَنِّ إيَّاهُ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ

الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَهُوَ دَيْنٌ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَلَئِنْ كَانَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ وَلَكِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِهِ بِهَلَاكِهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، قَالَ (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الرِّوَايَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي هَذَا الْفَنِّ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَمَا ظَنُّك بِدَلَالَةِ أَدَاةِ الْقَصْرِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِهَا لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الرَّهْنِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ سَيَجِبُ كَمَا لَوْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ دُونَ الرَّهْنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا ذَابَ لَك إضَافَةٌ لِلْكَفَالَةِ لَا كَفَالَةٌ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُك دُونَ الرَّهْنِ تُرِيدُ بِهِ دَيْنًا مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ أَوْ دَيْنًا انْعَقَدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ عَيْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ انْتَهَى أَقُولُ: الِاعْتِرَاضُ وَالْجَوَابُ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ، وَلَهُمَا وَجْهُ صِحَّةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إلَى آخِرِهِ فَمِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ نَفْسِهِ يُرِيدُ بِهِ الْجَوَابَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَلَيْسَ لَهُ وَجْهُ صِحَّةٍ؛ إذْ الْمُرَادُ هُوَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ فَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِ كَلَامِنَا فِيهِ لَا يَضُرُّ بِغَرَضِ السَّائِلِ بَلْ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الْقَدْحُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا بِأَنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ بِدَيْنٍ سَيَجِبُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ وُجُوبِهِ، وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ فَيَجُوزُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونِ بِنَفْسِهِ أَيْضًا الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ فَلَمْ يَتِمَّ الِاسْتِدْلَال بِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ كَوْنِ كَلَامِنَا فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ وُجُوبِهِ لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ بِهَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ مِنْ مَنْعِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ سَيَجِبُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ وُجُوبِهِ. وَإِنَّمَا قَوْلُهُ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ إضَافَةُ الْكَفَالَةِ إلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ لَا عَقْدُ كَفَالَةٍ بِهِ مُنْجَزَةٍ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْكَفَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ هِيَ الْكَفَالَةُ الْمُنْجَزَةُ فَتَمَّ الِاسْتِدْلَال (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ) أَقُولُ: هَذَا التَّنْوِيرُ لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْغَصْبِ، مَعَ أَنَّ صِحَّةَ الرَّهْنِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا عَلَى قَوْلِ أَئِمَّتِنَا جَمِيعًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْتَ شِعْرِي لِمَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَقَعَ فِي بَعْضِ

قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَاكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ (وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَقَالَ زُفَرُ: الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ، وَقِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفٌ وَخَمْسمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ لَهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ " يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فِي الرَّهْنِ " وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ مَرْهُونَةٌ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِهِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً اعْتِبَارًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا تُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُسْتَوْفِي كَمَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالزِّيَادَةُ مَرْهُونَةٌ بِهِ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ حَبْسِ الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَادِّ فِيمَا يُرْوَى حَالَةَ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ. قَالَ (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQنُسَخِ الْقُدُورِيِّ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَرَّفِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَمَعْنَى الْمُنَكَّرِ ثَالِثٌ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِقَوْلِ الرَّجُلِ مَرَرْت بِأَعْلَمَ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ الْأَعْلَمُ غَيْرَهُمَا، وَلَوْ قَالَ مَرَرْت بِالْأَعْلَمِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ الْأَعْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ هَا هُنَا وَاحِدٌ مِنْ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنِ وَهُوَ أَقَلُّهُمَا لَا أَمْرٌ ثَالِثٌ ثُمَّ إنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ مِنْ الشُّرَّاحِ بَيَّنَ وَجْهَ اخْتِلَافِ الْمَعْنَى بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ مِنْهُمَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْأَقَلُّ يَصْلُحُ بَعْضًا؛ إذْ الْأَقَلُّ مَعَ مِنْهُمَا مَعْرِفَتَانِ، بِخِلَافِ: أَقَلُّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ نَكِرَةٌ وَهُمَا مَعْرِفَةٌ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَتَنَاوَلُ النَّكِرَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَتَنَاوَلُ النَّكِرَةَ تَنَاوُلَ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضًى مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ، نَعَمْ إنَّ الْمَعْرِفَةَ وَالنَّكِرَةَ لَا يَتَّحِدَانِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْمَعْرِفَةِ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ وَمَدْلُولَ النَّكِرَةِ شَيْءٌ لَا بِعَيْنِهِ، وَهُمَا مُتَضَادَّانِ فَلَا يَتَّحِدَانِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمُبْهَمِ بَعْضًا مِنْ الْمُعَيَّنِ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ شَائِعٌ مُسْتَعْمَلٌ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ جُزْءٌ مِنْهُمَا أَوْ بَعْضٌ مِنْهُمَا يَكُونُ كَذَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ وَشَائِعٌ مُسْتَعْمَلٌ، مَعَ أَنَّ كَلِمَةَ وَاحِدٍ وَجُزْءٍ وَبَعْضٍ نَكِرَةٌ، وَكَلِمَةُ هُمَا فِي مِنْهُمَا مَعْرِفَةٌ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ، عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ التَّفْضِيلِ مُعَرَّفًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنَكَّرًا إنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا كَانَ مَدْخُولُ كَلِمَةِ " مِنْ " مَعْرِفَةً وَلَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا كَانَ مَدْخُولُهَا نَكِرَةً، إذْ لَا يَلْزَمُ إذْ ذَاكَ تَنَاوُلُ الْمَعْرِفَةِ لِلنَّكِرَةِ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةٍ وَدَيْنٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ

لِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ فَلَا تَمْتَنِعُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مَالَهُ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ (وَإِذَا أُحْضِرَ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ أَوَّلًا) لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضَرُ الْمَبِيعُ ثُمَّ يُسَلَّمُ أَوَّلًا (وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ، إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَيْسَ لَهُ حَمْلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ، لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ. (وَلَوْ سَلَّطَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ عَلَى بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبَاعَهُ بِنَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ جَازَ) لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ (فَلَوْ طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِحْضَارِ (وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْبَيْعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ، فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ (وَلَوْ قَبَضَهُ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ هُوَ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْرِيفِ الْأَقَلِّ وَتَنْكِيرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَجْهًا آخَرَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ حَيْثُ قَالَ: إذْ تَكُونُ مِنْ فِي الْمُنَكَّرِ تَفْضِيلِيَّةً لِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْأَفْعَلِ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَتَكُونُ فِي الْمُعَرَّفِ لِلْبَيَانِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ مِنْ وَحَرْفِ التَّعْرِيفِ وَمَوْضِعُهُ كُتُبُ النَّحْوِ ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ بَحْثٌ، إذْ قَدْ تُحْذَفُ " مِنْ " مِنْ اللَّفْظِ وَهَا هُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى الْحَذْفِ شُهْرَةُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى أَقُولُ: الْحَقُّ فِي الْفَرْقِ مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَبَحْثُهُ سَاقِطٌ؛ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ اسْمِ التَّفْضِيلِ بِدُونِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُنَكَّرَ اسْمُ التَّفْضِيلِ، وَلَمْ يَجْعَلْ كَلِمَةَ مِنْ تَفْضِيلِيَّةً وَادِّعَاءُ كَوْنِهِ مَعْلُومًا بِقَرِينَةِ شُهْرَةِ الْمَذْهَبِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ بِصَدَدِ بَيَانِ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِنْ قَبْلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَمِنْ أَيْنَ حَصَلَتْ الشُّهْرَةُ، كَيْفَ وَلَوْ تَحَقَّقَتْ الشُّهْرَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِحَيْثُ جَازَ بِهَا تَرْكُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي اسْتِعْمَالِ صِيغَةِ التَّفْضِيلِ لَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهَا وَبَيَانِهَا هَا هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْبَيْعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ) قَالَ بَعْضُ

وَكَمَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ الرَّهْنَ خَطَأً حَتَّى قَضَى بِهِ بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَمْ يُجْبَرْ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى يُحْضِرَ كُلَّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ خَلَفٌ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ كُلِّهَا كَمَا لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ كُلِّ عَيْنِ الرَّهْنِ وَمَا صَارَتْ قِيمَةً بِفِعْلِهِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ صَارَ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا (وَلَوْ وَضَعَ الرَّهْنَ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ وَأُمِرَ أَنْ يُودِعَهُ غَيْرَهُ فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ يَطْلُبُ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ (وَلَوْ وَضَعَهُ الْعَدْلُ فِي يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَغَابَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ يَقُولُ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ إحْضَارَ الرَّهْنِ لَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا. (وَكَذَلِكَ إذَا غَابَ الْعَدْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ هُوَ رَهْنُ الدَّيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ قِيَاسًا عَلَيْهِ انْتَهَى أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِتَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى رَهْنِ الدَّيْنِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ، بَلْ مُرَادُهُ بِهِ بَيَانُ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ يَبْقَى فِي الدَّيْنِ الَّذِي صَارَ خَلَفًا عَنْ الْعَيْنِ الْمَبِيعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ رَهْنًا فَكَذَا خَلْفُهُ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الدَّيْنُ لِلرَّهْنِيَّةِ أَصَالَةً فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَلَا يَثْبُتُ أَصَالَةً وَقَصْدًا، فَقَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ إشَارَةً إلَى مَعْنَى الْخَلَفِيَّةِ لَا إلَى الْقِيَاسِ وَهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ مُتْقِنٍ قَدْ صَرَّحَ بِهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ رَهَنَ الدَّائِنُ ابْتِدَاءً لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ يَبْقَى حُكْمُ الرَّهْنِ

بِالرَّهْنِ وَلَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ) لِمَا قُلْنَا (وَلَوْ أَنَّ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْعَدْلُ جَحَدَ الرَّهْنَ وَقَالَ هُوَ مَالِيٌّ لَمْ يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَثْبُتَ كَوْنُهُ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ الرَّهْنَ فَقَدْ تَوَى الْمَالُ وَالْتَوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ قَالَ (وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ) اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ (فَإِذَا قَضَاهُ الدَّيْنَ قِيلَ لَهُ سَلِّمْ الرَّهْنَ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ (وَكَذَلِكَ لَوْ تَفَاسَخَا الرَّهْنَ لَهُ حَبْسُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدَّيْنَ أَوْ يُبْرِئْهُ، وَلَا يَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الدَّيْنِ لِكَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ الْمَقْبُوضِ، وَهُوَ قَدْ كَانَ صَالِحًا لِذَلِكَ فَيَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ فِي خَلْفِهِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً فَيَجِبُ رَدُّهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا ارْتَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ ثُمَّ وَهَبَ الْمُرْتَهِنُ الْمَالَ لِلرَّاهِنِ أَوْ أَبْرَأَهُ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ ثَبَتَتْ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ بِقَبْضِهِ السَّابِقِ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ، فَصَيْرُورَتُهُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَائِهِ حَقِيقَةً، وَفِي الِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً بَعْدَ الْإِبْرَاءِ يَرُدُّ الْمُسْتَوْفِي فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَا هُنَا كَذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ بِالْيَدِ وَالْحَبْسِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ، فَالْقَضَاءُ بَعْدَ الْهَلَاكِ اسْتِيفَاءٌ بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ الرَّدُّ، وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ فَلَيْسَ فِيهِ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ لِيَجِبَ رَدُّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطٌ، وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ بِمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ لَغْوٌ انْتَهَى أَقُولُ: فِي خَاتِمَةِ هَذَا الْجَوَابِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فِي مَادَّةِ النَّقْضِ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّاهِنَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَكَانَ الْإِبْرَاءُ فِيهَا مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلَمْ يَكُنْ لَغْوًا بَلْ كَانَ إسْقَاطًا صَحِيحًا فَلَا مِسَاسَ لِقَوْلِهِ: وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ لَغْوٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنْ قُلْت: مُرَادُهُ أَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ لَمَّا ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَتَقَرُّرِهِ بِالْهَلَاكِ مُسْنَدًا إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ بِالْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ فَصَارَ الِاسْتِيفَاءُ مُقَدَّمًا عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي الْحُكْمِ فَلَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ مَدْيُونًا وَقْتَ الْإِبْرَاءِ لِسُقُوطِ دَيْنِهِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِبْرَاءُ، فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إسْقَاطُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَلِهَذَا قَالَ: وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ لَغْوٌ قُلْت: لَوْ كَانَ لِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ اعْتِبَارٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَادَّةِ النَّقْضِ، وَكَانَ الْإِبْرَاءُ فِيهِ لَغْوًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَوَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِثُبُوتِ الِاسْتِيفَاءِ لَهُ بِيَدِهِ بِقَبْضِهِ السَّابِقِ وَتَقَرُّرِهِ بِالْهَلَاكِ، وَكَوْنُ الْإِبْرَاءِ لَغْوًا عَلَى الْفَرْضِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِيهِ وَهُوَ مَدَارُ النَّقْضِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ

الرَّهْنُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى وَجْهِ الْفَسْخِ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ (وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ) لِبَقَاءِ الرَّهْنِ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ لَا بِاسْتِخْدَامٍ، وَلَا بِسُكْنَى وَلَا لُبْسٍ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَالِكُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ دُونَ الِانْتِفَاعِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ وَيُعِيرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيطَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي. قَالَ (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فِي عِيَالِهِ أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ (وَإِنْ حَفِظَهُ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَوْدَعَهُ ضَمِنَ) وَهَلْ يَضْمَنُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي الْوَدِيعَةِ (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي (وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصِرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ بِالْحِفْظِ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ (وَلَوْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا بِمَا فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ، وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابِ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ فَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: قُلْت إنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ، وَبِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ انْعَدَمَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ الدَّيْنُ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ إحْدَاهُمَا، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الرَّهْنَ سَقَطَ الضَّمَانُ لِانْعِدَامِ الْقَبْضِ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ، فَكَذَا إذَا أَبْرَأَ عَنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِانْعِدَامِ الدَّيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْقَبْضِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ بِالِاسْتِيفَاءِ بَلْ يَتَقَرَّرُ، فَإِنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَحُصُولُ الْمَقْصُودِ بِالشَّيْءِ يُقَرِّرُهُ وَيُهَيِّئُهُ،

وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَضْمَنْ (وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَتَقَلَّدَهَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الثَّلَاثَةِ وَضَمِنَ فِي السَّيْفَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقَلُّدِ السَّيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ وَلَمْ تَجْرِ بِتَقَلُّدِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ، إنْ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَمَّلُ بِذَلِكَ فَهُوَ حَافِظٌ فَلَا يَضْمَنُ قَالَ (وَأُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَافِظِ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ وَتَبْقِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَكُونُ إصْلَاحُهُ وَتَبْقِيَتُهُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ، وَأُجْرَةُ الرَّاعِي فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَفُ الْحَيَوَانِ، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ كِسْوَةُ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ، وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ، وَكَرْيُ النَّهْرِ وَتَلْقِيحُ نَخِيلِهِ وَجُذَاذُهُ، وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ أُجْرَةِ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بَدَلُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ الرَّهْنُ فِيهِ، وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ كِرَاءَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جُعْلُ الْآبِقِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ لِيَرُدَّهُ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَالرَّدُّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ، وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودِعِ فِيهَا فَلِهَذَا يَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحَبْسِ، وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ لَهُ فَأَمَّا الْجُعْلُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَمُدَاوَاةُ الْجِرَاحَةِ وَالْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ تَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ، وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ، وَالْعُشْرُ فِيمَا يَخْرُجُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا بَقِيَ الدَّيْنُ حُكْمًا بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ، وَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مَرَّتَيْنِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ فَيُسْقِطُ الدَّيْنَ فَلَا يَبْقَى الضَّمَانُ بَعْدَ انْعِدَامِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ وَسَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي آخَرِ كِتَابِ الرَّهْنِ مَا يُطَابِقُ ذَلِكَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَيْنِكِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَبَصَّرْ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْقَى الرَّهْنُ مَضْمُونًا بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ لَمْ يَبْقَ قُلْت: بَقِيَ احْتِمَالُ اسْتِحْقَاقِ الْحَبْسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمُؤَدِّي وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ فَكَانَ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ انْتَهَى وَرَدَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَذَا الْجَوَابَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ لَا يُوجِبُ التَّحْقِيقَ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ انْتَهَى أَقُولُ: الْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ أَصْلِ السُّؤَال أَنْ

[باب ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز]

وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ عَلَيْهِ كَأَنَّ صَاحِبَهُ أَمَرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي عَامَّةٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ] ُ قَالَ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالَ: الدَّيْنُ لَا يَسْقُطُ بِالْقَضَاءِ كَمَا يَسْقُطُ بِالْإِبْرَاءِ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الذِّمَّةُ، بَلْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ، وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُ بِهِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّهْنِ أَثْنَاءَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ إبْرَاءِ الْمُرْتَهِنِ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ وَمَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ، فَإِذَا بَقِيَ الدَّيْنُ بَعْدَ قَضَاءِ مِثْلِهِ يَبْقَى حُكْمُ الرَّهْنِ أَيْضًا مَا لَمْ يُسَلَّمْ إلَى الرَّاهِنِ فَيَبْقَى مَضْمُونًا بِالْهَلَاكِ إلَى أَنْ يُسَلَّمَ إلَى الرَّاهِنِ، تَأَمَّلْ تَقِفْ انْتَهَى، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ) لَمَّا ذَكَرَ مُقَدَّمَاتِ مَسَائِلِ الرَّهْنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ تَفْصِيلَ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ؛ إذْ التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ (وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: رَهْنُ الْمُشَاعِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ وَغَيْرِهِ فَاسِدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ إذَا قُبِضَ،

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ، وَلَنَا فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَبْتَنِي عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ وَهُوَ الْمُشَاعُ وَعِنْدَهُ الْمُشَاعُ يَقْبَلُ مَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْهُ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ حَشْوٌ مُفْسِدٌ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ رَهْنُ الْمُشَاعِ لَيْسَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا وَلَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا، فَإِنَّ الشُّيُوعَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ قَطْعًا حَتَّى يَكُونَ رَهْنُ الْمُشَاعِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا، وَكَذَا الشُّيُوعُ فِي الرَّهْنِ لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا بَلْ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا بِنَاءَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِ الْقَبْضِ شَرْطَ تَمَامِ عَقْدِ الرَّهْنِ لَا شَرْطَ جَوَازِهِ، بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ سَوَاءٌ كَانَ الْقَبْضُ شَرْطَ تَمَامِ عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ شَرْطَ جَوَازِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مَسْكَةٍ، فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ قَوْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَزَعَمَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْهُ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ: يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الْبَاطِلِ مُنْحَصِرًا فِيمَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ شَرْطَ الْجَوَازِ لَمْ يَصِحَّ الْحَصْرُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ مِمَّا يَأْبَى جِدًّا كَوْنَ قَوْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ إلَى آخِرِهِ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ بِنَاءً أَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الْبَاطِلِ مِنْ الرَّهْنِ مُنْحَصِرًا فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّورَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ شَرْطَ الْجَوَازِ لَمْ يَصِحَّ الْحَصْرُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ انْتِفَاءِ شَرْطِ الْجَوَازِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ بَلْ يُتَصَوَّرُ انْتِفَاءُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِصِفَةِ الْفَسَادِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ انْتِفَاءُ شَرْطِ الِانْعِقَادِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَالًا، وَأَنْ يَكُونَ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا لَا غَيْرَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَنُقِلَ عَنْهُمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ أَنَّ الْبَاطِلَ مِنْ الرَّهْنِ مَا لَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا أَصْلًا كَالْبَاطِلِ مِنْ الْبُيُوعِ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ كَالْفَاسِدِ مِنْ الْبُيُوعِ، وَشَرْطُ انْعِقَادِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَالًا وَالْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَالْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا، إلَّا أَنَّهُ بِفَقْدِ بَعْضِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ لِوُجُودِ شَرْطِ الِانْعِقَادِ لَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ لِانْعِدَامِ بَعْضِ شَرْطِ

وَالثَّانِي أَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ، أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّوَامِ، وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ إلَّا اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ فِي الْمُشَاعِ يَفُوتُ الدَّوَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا قَالَ رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا، بِخِلَافِ الْهِبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي الْهِبَةِ غَرَامَةُ الْقِسْمَةِ وَهُوَ فِيمَا يُقَسَّمُ، أَمَّا حُكْمُ الْهِبَةِ الْمِلْكُ وَالْمُشَاعُ يَقْبَلُهُ، وَهَا هُنَا الْحُكْمُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُشَاعُ لَا يَقْبَلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَسْكُنُ يَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَيَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ يَقْبَلُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ، وَاعْتِبَارُ الْقَبْضِ فِي الِابْتِدَاءِ لِنَفْيِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَوَازِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابَلُ بِهِ مَضْمُونًا لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا انْتَهَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا مَقْبُوضًا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ مُنَاقِضًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي صَدْرِ كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ لُزُومِ الرَّهْنِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا مَقْبُوضًا لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ؛ إذْ الْمُدَّعَى هَا هُنَا عَدَمُ جَوَازِ رَهْنِ الْمُشَاعِ لَا عَدَمُ لُزُومِهِ فَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِضَجَرِهِ انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِضَجَرِهِ أَقُولُ: عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ كَوْنَ الرَّهْنِ وَثِيقَةً لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ بِعِلَّتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ، وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ فَيَتَسَارَعُ الدَّائِنُ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِضَجَرِهِ انْتَهَى فَلَيْتَ شَعْرِي مَا حَمَلَ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحَ عَلَى حَمْلِهِمْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ دُونَ مَجْمُوعِ الْعِلَّتَيْنِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى لِتَقَدُّمِهَا

فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ، وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ الرَّهْنِ قَالَ (وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ دُونَ النَّخِيلِ، وَلَا زَرْعُ الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ، وَلَا رَهْنُ النَّخِيلِ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ (وَكَذَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ النَّخِيلِ أَوْ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ النَّخِيلِ دُونَ الثَّمَرِ) ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنَى فَيَصِيرُ رَاهِنًا جَمِيعَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ (وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوِرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ (وَلَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النَّخِيلِ بِدُونِ الثَّمَرِ جَائِزٌ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ، وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ مَا، وَكَذَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرَّطْبَةُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَرَةِ (وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْقَرْيَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ رَهَنَ الدَّارَ بِمَا فِيهَا جَازَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَقِيَ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ وَإِلَّا بَطَلَ كُلُّهُ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَا وَرَدَ إلَّا عَلَى الْبَاقِي، وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ، وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ، وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ فِي وِعَاءٍ دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. قَالَ (وَلَا يَصِحُّ) (الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ) كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْمُضَارَبَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الذِّكْرِ هُنَاكَ وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّوَامِ: أَيْ كُلُّ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّوَامِ، وَقَالَ: أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالدَّوَامِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ فَظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ رُبَّمَا جَحَدَ الرَّهْنَ وَالدَّيْنَ جَمِيعًا فَيَفُوتُ الِاسْتِيثَاقُ انْتَهَى فَقَدْ جَعَلَ مَدَارَ الِاسْتِيثَاقِ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْعِلَّةَ الْأُولَى عَلَى

(وَمَالُ الشِّرْكَةِ) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ الرَّهْنِ قَبْضٌ مَضْمُونٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانٍ ثَابِتٍ لِيَقَعَ الْقَبْضُ مَضْمُونًا وَيَتَحَقَّقَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ (وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ الْعَيْنُ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ شَيْئًا لَكِنَّهُ يَسْقُطُ الثَّمَنُ وَهُوَ حَقُّ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِعَيْنِهَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ هَلَاكِهِ مِثْلَ الْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُتَقَرِّرٌ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا تَجِبُ قِيمَتُهُ فَكَانَ رَهْنًا بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ فَيَصِحُّ. قَالَ (وَالرَّهْنُ بِالدَّرَكِ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّرَكِ جَائِزَةٌ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيفَاءِ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَجُوزُ أَمَّا الْكَفَالَةُ فَلِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْتِزَامُ الْأَفْعَالِ يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمَآلِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ، فَلَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا، بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا لِتُقْرِضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافِ مَا فُسِّرَ بِهِ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا لِتُقْرِضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَرْضِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ أَخَذَ الرَّهْنَ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ الْفَرْضِ انْتَهَى وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ: هَذَا إذَا سَاوَى الرَّهْنُ الدَّيْنَ قِيمَةً، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنْ يُسَاوِيَ الرَّهْنُ الدَّيْنَ انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ كَمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا سَاوَى قِيمَةُ الرَّهْنِ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ وَهُوَ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَرْضِ يَتَمَشَّى أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ

وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَضْمَنُهُ. قَالَ (وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبِثَمَنِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الِاسْتِيفَاءُ، وَهَذَا اسْتِبْدَالٌ لِعَدَمِ الْمُجَانِسَةِ، وَبَابُ الِاسْتِبْدَالِ فِيهَا مَسْدُودٌ وَلَنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ ثَابِتَةٌ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ وَهُوَ الْمَضْمُونُ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ (وَالرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ بَاطِلٌ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ (فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ لِلْبَاطِلِ فَبَقِيَ قَبْضًا بِإِذْنِهِ (وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِثَمَنِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ تَمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا) لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ حُكْمًا (وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ بَطَلَا) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا (وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ بَطَلَ السَّلَمُ بِهَلَاكِهِ) وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ السَّلَمُ (وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَحْبِسَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِصُورَةِ الْمُسَاوَاةِ فَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ فِي الْبَيَانِ: هَذَا إذَا سَاوَى قِيمَةُ الرَّهْنِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَرْضِ أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَهْلَكُ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ؛ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ هَا هُنَا قَوْلَهُ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَرْضِ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْغَالِبُ مِنْ كَوْنِ

فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ وَبِهِ رَهْنٌ يَكُونُ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ (وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلَهُ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِمَا بَيَّنَّا؛ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا وَأَدَّى ثَمَنَهُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، ثُمَّ لَوْ هَلَكَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا قَالَ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْحُرِّ وَقِيَامِ الْمَانِعِ فِي الْبَاقِينَ، (وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَكَذَا بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَةِ الرَّهْنِ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِمَا بَيَّنَّا) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلَهُ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَفْسِيرٍ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الثَّمَنِ بَدَلَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَلَاكُ الْمَرْهُونِ بِالثَّمَنِ دُونَ الْمَبِيعِ؛

لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ (وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالشُّفْعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَلَا بِالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَلَا بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ، حَتَّى لَوْ ضَاعَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْهَنَ خَمْرًا أَوْ يَرْتَهِنَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِتَعَذُّرِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الرَّاهِنُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَالْخَمْرُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِلذِّمِّيِّ كَمَا إذَا غَصَبَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَى ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ فِي حَقِّهِمْ، أَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَهُمْ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا وَارْتِهَانُهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، كَمَا لَا يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِثَمَنِهِ عَبْدًا أَوْ خَلًّا أَوْ شَاةً مَذْبُوحَةً ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ الْخَلُّ خَمَرًا أَوْ الشَّاةُ مَيْتَةً فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا (وَكَذَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا وَرَهَنَ بِقِيمَتِهِ رَهْنًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ) وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى إنْكَارٍ وَرَهَنَ بِمَا صَالَحَ عَلَيْهِ رَهْنًا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُهُ، وَكَذَا قِيَاسُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ، وَهَذَا أَنْظَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ خِيفَةَ الْغَرَامَةِ (وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا، الْوَدِيعَةُ تَهْلِكُ أَمَانَةً وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ) فِي هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا يُرَى أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَانَ بَدَلَ الطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَعَ أَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ بَعْدَ التَّفَاسُخِ هُنَاكَ كَانَ بِالْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا إنَّمَا هُوَ الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ: يَعْنِي أَنَّ هَلَاكَ الْمَرْهُونِ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ حِينَ انْعِقَادِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مَحْبُوسًا قَبْلَ الْهَلَاكِ بِغَيْرِهِ أَيْضًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَبِهَذَا يَتِمُّ كَوْنُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ

الْبَابِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ، وَفِي هَذَا نَصْبٌ حَافِظٌ لِمَالِهِ نَاجِزًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ (وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَيَصِيرُ الْأَبُ) أَوْ الْوَصِيُّ (مُوفِيًا لَهُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِهِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالْبَيْعِ وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ قَالُوا: أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَيْعُ، فَإِنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّبِيِّ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ جَازَ وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَكَذَا وَكِيلُ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ، وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ نَظَرًا إلَى عَاقِبَتِهِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الضَّمَانِ (وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ أَوْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ أُنْزِلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ فَتَوَلَّى طَرَفِي الْعَقْدِ (وَلَوْ ارْتَهَنَهُ الْوَصِيُّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ أَوْ رَهْنًا عَيْنًا لَهُ مِنْ الْيَتِيمِ بِحَقٍّ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ، وَالْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا لَا يَتَوَلَّاهُمَا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَبِ، وَالرَّهْنِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظِيرًا لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ؛ أَيْ كَمَا أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَضْمَنَانِ لِلصَّبِيِّ إذَا هَلَكَ عَبْدُهُ الَّذِي رَهْنَاهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَلِكَ يَضْمَنَانِ إذَا سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ فَبَاعَهُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ، إذْ يَأْبَى عَنْهُ جِدًّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالْبَيْعِ وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا هُوَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ كَمَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَرْهَنَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا عَبْدًا لِلصَّغِيرِ كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يُسَلِّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ الْعَبْدِ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ وَيَظْهَرُ وَجْهُ تَرْكِ الْمُصَنِّفِ قَيْدَ فَبَاعَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَا زَعَمَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ لَكَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ الْقَيْدِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ الْقَيْدِ شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ لِنَفْسِهِ بَدَلَ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، إذْ لَوْ جَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا مَوْضِعَ عَيْنِهِ وَلَمْ يُتْلِفْهُ لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا لِلصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ رَهْنَ مَالِ الصَّبِيِّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا وَيَمْلِكَانِ التَّوْكِيلَ بِبَيْعِ مَالِهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُهُمَا الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيطِهِمَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ، وَبَيْعُ الْمُرْتَهِنِ إيَّاهُ إذَا لَمْ يُتْلِفْ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهُ بَلْ حَفِظَهُ بَدَلَ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَبِ) قُلْت: قَوْلُهُ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَبِ

وَعَبْدِهِ التَّاجِرِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا. (وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ فَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ جَائِزَةٌ لِلْحَاجَةِ وَالرَّهْنُ يَقَعُ إيفَاءً لِلْحَقِّ فَيَجُوزُ (وَكَذَلِكَ لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَارْتَهَنَ أَوْ رَهَنَ) ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ (وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ فَأَدْرَكَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ لَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ) لِوُقُوعِهِ لَازِمًا مِنْ جَانِبِهِ؛ إذْ تَصَرُّفُ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَلَوْ كَانَ الْأَبُ رَهَنَهُ لِنَفْسِهِ فَقَضَاهُ الِابْنُ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَى إحْيَاءِ مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ (وَكَذَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ (وَلَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ (فَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْأَبُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ) لِإِيفَائِهِ دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبُ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ (وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَهَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَادَ لِلْمَنْفِيِّ دُونَ النَّفْيِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يُرِيدُ بِهِ رَهْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ لِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ، وَرَهْنَهُمَا ذَلِكَ لِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى رَأْيُ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ هَا هُنَا أَقُولُ: فِيهِ بُعْدٌ عَمَّا يَتَحَمَّلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلُ إنَّمَا هُوَ رَهْنُ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ لِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ دُونَ رَهْنِ الْوَصِيِّ إيَّاهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ رَاجِعٌ إلَى الْأَبِ فَقَطْ، فَدَرْجُ رَهْنِ الْوَصِيِّ أَيْضًا فِي بَيَانِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا لَا يُنَاسَبُ سِيَاقَ كَلَامِهِ وَأَيْضًا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ: وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبٌ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْعَطْفَ وَالتَّشْبِيهَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ مَخْصُوصًا بِالْأَبِ، فَدَرْجُ الْوَصِيِّ فِي مَضْمُونِهِ لَا يُنَاسِبُ لَحَاقَ كَلَامِهِ فَالْحَقُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: أَرَادَ بِهِمَا رَهْنَ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ وَجْهِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ مَلَكَ بِدِينِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكُلِّ دُونَ الْعَكْسِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ إنْسَانًا أَوْ فَرَسًا يُطِيقُ تَحَمُّلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأَحْجَارِ وَالْأَشْجَارِ مَثَلًا وَلَا يُطِيقُ تَحَمُّلَ الْكُلِّ قَطْعًا، وَأَنَّ رَجُلًا شُجَاعًا يُطِيقُ مُقَابَلَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْعَسْكَرِ عَلَى الِانْفِرَادِ

كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ وَالْحُكْمُ فِيهِ هَذَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَى الْوَصِيِّ) مَعْنَاهُ هُوَ الْمُطَالَبُ بِهِ (ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ؛ إذْ هِيَ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ (وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ لِلصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ (وَلَوْ غَصَبَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، فَيُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ (فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْيَتِيمِ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْيَتِيمِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ) مِنْ الدَّيْنِ (أَدَّى قَدْرَ الْقِيمَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَدَّى الزِّيَادَةَ مِنْ مَال الْيَتِيمِ) ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ قَدْرُ الْقِيمَةِ لَا غَيْرَ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَدَّى قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْفَضْلُ لِلْيَتِيمِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمُرْتَهِنِ بِتَفْوِيتِ حَقِّهِ الْمُحْتَرَمِ فَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، ثُمَّ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي فَصَّلْنَاهُ (وَلَوْ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يَضْمَنُهُ لِحَقِّ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ، وَكَذَا الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: إذَا أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِغَصْبِ مَالِ الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ لِمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُطِيقُ مُقَابَلَةَ مَجْمُوعِ الْعَسْكَرِ مَعًا، وَهَذَا فِي الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يُجَامِعَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْتَيْنِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأُخْرَى بِمِلْكِ نِكَاحٍ أَوْ بِمُلْكِ يَمِينٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَعًا فِي الْجِمَاعِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَيْنِك السَّبَبَيْنِ، وَلَعَلَّ سَائِرَ الشُّرَّاحِ وَصَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهُوا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكُلِّيَّةِ فَقَالُوا فِي الْبَيَانِ وَالتَّعْلِيلِ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَلِكَ بِدَيْنِهِمَا وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ شَيْئًا لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ الْمَذْكُورَ بِدُونِ تِلْكَ الْكُلِّيَّةِ لَا يُفِيدُ الشِّفَاءَ فِي إثْبَاتِ الْمُدَّعَى هُنَا ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ لَمَّا تَنَبَّهَ لِاخْتِلَالِ الْكُلِّيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ قَصَدَ الْإِصْلَاحَ حَيْثُ قَيَّدَ قَوْلَهُ: لِأَنَّ كُلَّ مَا أَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكُلِّ بِأَنْ قَالَ: إذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَسَائِرِ مَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَقُولُ: هَذَا التَّقْيِيدُ يُخِلُّ بِالْمَقَامِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَتِمُّ إثْبَاتًا لِلْمُدَّعَى حِينَئِذٍ، فَإِنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةَ؛ إذْ لَوْ كَانَ بَيِّنًا فِي نَفْسِهِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ جَوَازِ رَهْنِ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِيمَا قَبْلُ جَوَازَ رَهْنِهِ إيَّاهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْكُلِّ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْجُزْءِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ مَانِعٌ سِيَّمَا فِي الْأُمُورِ الْهَيِّنَةِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: إذَا أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِغَصْبِ مَالِ الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ لِمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ) وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: لِمَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَتِهِ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ

يَأْخُذُهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ بَلْ هُوَ عَامِلٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَأْخُذُ دَيْنَهُ مِنْهُ وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ (وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ فَكَانَ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا فَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَإِنْ رَهَنَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ هَذَا الْجَوَابُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فَيَصِيرُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مُسْتَوْفِيًا (فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ) الْمَذْكُورِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الِاسْتِيفَاءِ بِالْوَزْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُرْتَهِنِ، وَلَا إلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ لِيَنْتَقِضَ الْقَبْضُ وَيُجْعَلَ مَكَانَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكَهُ وَلَهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، وَاسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ جَائِزٌ كَمَا إذَا تَجَوَّزَ بِهِ وَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْإِجْمَاعِ وَلِهَذَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِهَذَا يَضْمَنُهُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي حَقِيقَةِ الْغَصْبِ وَلَا أَمْرٍ لَازِمٍ لَهُ؛ إذْ الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ وَفِي الشَّرِيعَةِ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْغَصْبِ، وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ دُخُولِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعْنَى الْغَصْبِ وَلَا فِي عَدَمِ لُزُومِهِ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ إقْرَارًا بِالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَتِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: فَإِنْ رَهَنَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَأَتَى بِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى تَفْصِيلِ

الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ مِنْ مُطَالِبٍ وَمُطَالَبٍ، وَكَذَا الْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ وَبِتَعَذُّرِ التَّضْمِينِ يَتَعَذَّرُ النَّقْضُ، وَقِيلَ: هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ فَهَلَكَتْ ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ يُمْنَعُ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، غَيْرَ أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَصِحُّ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي هَذَا مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَبَضَ الزُّيُوفَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ عَيْنِهَا، وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، وَقَدْ تَمَّ بِالْهَلَاكِ وَقَبْضِ الرَّهْنِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ، وَقَدْ أَمْكَنَ عِنْدَهُ بِالتَّضْمِينِ، وَلَوْ انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذَكَرَهُ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ طَعْنًا فِيهِ: لَا يَخْفَى أَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا مُحْتَاجَةٌ إلَى التَّفْصِيلِ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ لَغْوٌ؛ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ لَيْسَتْ مُحْتَاجَةً إلَى تَفْصِيلٍ كَثِيرٍ مِثْلَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَيْسَ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحْتَاجَةٌ إلَى تَفْصِيلٍ مَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا مُحْتَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحْتَاجَةٌ إلَى تَفْصِيلٍ كَثِيرٍ زَائِدٍ عَلَى مَا احْتَاجَ إلَيْهِ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ كَمَا أَتَمَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِقْدَارِ تَمَامِ جَانِبَيْ الْوَرَقَةِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ: إلَى تَفْصِيلِ ذِكْرِهِ فَلَغَا مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ

قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِالْجَوْدَةِ عَلَى الِانْفِرَاد، وَلَا إلَى أَنْ يَفْتَكَّهُ مَعَ النُّقْصَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ فَخَيَّرْنَاهُ، إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِمَا فِيهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَالْمَكْسُورُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْفِكَاكُ مَجَّانًا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ، وَفِي الْهَلَاكِ الْحَقِيقِيِّ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ قُلْنَا: الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْمَالِيَّةِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَفِي جَعْلِهِ بِالدَّيْنِ إغْلَاقُ الرَّهْنِ وَهُوَ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ فَكَانَ التَّضْمِينُ بِالْقِيمَةِ أَوْلَى وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً يَضْمَنُ قِيمَتَهُ جَيِّدًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ رَدِيئًا مِنْ جِنْسِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: لَمْ أَدْرِ كَيْفَ ذَهَبُوا إلَى هَذَا الشَّرْحِ مَعَ ظُهُورِ بُطْلَانِهِ؛ إذْ قَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ بِنَاءَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَا يَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الشُّرَّاحُ أَنَّ بِنَاءَ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَا رَوَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْقَ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ دُونَ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ فِيهَا، فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَاحِدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى رِوَايَتِهِ، فَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ يُنَافِي الْبِنَاءَ قَطْعًا وَالصَّوَابُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ أَنْ يُقَالَ: أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ

أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَالْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِالْقِيمَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اثْنَيْ عَشَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ لَا لِلْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ كُلِّهِ مَضْمُونًا يُجْعَلُ كُلُّهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَابِعَةٌ لِلذَّاتِ، وَمَتَى صَارَ الْأَصْلُ مَضْمُونًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ التَّابِعُ أَمَانَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ، وَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْإِبْرِيقِ لَهُ بِالضَّمَانِ وَسُدُسُهُ يُفْرَزُ حَتَّى لَا يَبْقَى الرَّهْنُ شَائِعًا، وَيَكُونُ مَعَ قِيمَتِهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمَكْسُورِ رَهْنًا؛ فَعِنْدَهُ تُعْتَبَرُ الْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ، وَتُجْعَلُ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ كَزِيَادَةِ الْوَزْنِ كَأَنَّ وَزْنَهُ اثْنَا عَشَرَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ فِي ذَاتِهَا حَتَّى تُعْتَبَرَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ، بِخِلَافِ جِنْسِهَا، وَفِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا سَمْعًا فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا، وَفِي بَيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهَا، بَلْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَنَقَلَ عَنْهُ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ هَا هُنَا وَيُفْصِحُ عَمَّا ذَكَرْنَا تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَهَلَكَتْ الزُّيُوفُ عِنْدَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ فَإِنَّهُ سَقَطَ دَيْنُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ مِثْلَ مَا قَبَضَ وَيَأْخُذُ مِثْلَ حَقِّهِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخِرًا كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا ذَكَرَهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُبْتَدَأَةٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَشْهُورِ

قَوْلِ مُحَمَّدٍ نَوْعُ طُولٍ يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالزِّيَادَاتِ مَعَ جَمِيعِ شُعَبِهَا قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِعَيْنِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا مُعَيَّنًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقُبِلَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا، وَمِثْلُهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَأَنَّهُ يُلَائِمُ الْوُجُوبَ، فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَالرَّهْنُ مُعَيَّنًا اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمَعْنَى وَهُوَ مُلَائِمٌ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ (وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ) وَقَالَ زُفَرُ: يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الرَّهْنِ فَيَلْزَمُهُ بِلُزُومِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: الرَّهْنُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا جَبْرَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ (وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَمَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ (إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَبَضَ الزُّيُوفَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا بِالْمَجْلِسِ وَالرَّهْنُ مُعَيَّنًا اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمَعْنَى) قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: أَيْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْمُلَاءَمَةُ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ؛ إذْ لَا يُسَاعِدُهُ تَحْرِيرُ الْمُصَنِّفِ قَطْعًا، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمَعْنَى وَهُوَ مُلَائِمٌ فَيَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَيْ مَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْمُلَاءَمَةُ مُلَائِمٌ وَلَا حَاصِلَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَالْحَقُّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمَعْنَى: أَيْ مَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِيثَاقُ، وَهُوَ أَيْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الِاسْتِيثَاقُ مُلَائِمٌ: أَيْ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مُؤَكِّدًا مُوجِبَ الْعَقْدِ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَأَنَّهُ مُلَائِمٌ لِلْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِقَوْلِهِ لِلْجَهَالَةِ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمُدَّعَى فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ مُعَيَّنًا لَا فِيمَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا؛ إذْ الْغَيْبَةُ لَا تَقْتَضِي الْجَهَالَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُعَيَّنًا وَلَا يَكُونُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ، بَلْ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَيْثُ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِكَوْنِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْجَهَالَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي التَّعْلِيلِ تَعُمُّ الْجَهَالَةَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْجَهَالَةَ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ، وَإِنَّ الْجَهَالَةَ الثَّانِيَةَ تَتَحَقَّقُ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: يَعْنِي أَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ إلَى مَعْنَاهُ، وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالْكَفِيلُ غَائِبًا فَاتَ مَعْنَاهُ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رُبَّمَا يَأْتِي بِشَيْءٍ يُسَاوِي عُشْرَ حَقِّهِ أَوْ يُعْطِي كَفِيلًا غَيْرَ مَلِيءٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوَثُّقِ شَيْءٌ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِعَيْنِ الشَّرْطِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ انْتَهَى أَقُولُ: وَفِيهِ قُصُورٌ أَمَّا أَوَّلًا

[فصل ومن رهن عبدين بألف فقضى حصة أحدهما]

تَثْبُتُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فَقَالَ لِلْبَائِعِ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ فَالثَّوْبُ رَهْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى وَقْتِ الْإِعْطَاءِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً، وَالْحَوَالَةُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ كَفَالَةٌ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَكُونُ رَهْنًا، وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ، وَالثَّانِي أَقَلُّهُمَا فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك أَوْ بِمَالِك؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا: لَمَّا مَدَّهُ إلَى الْإِعْطَاءِ عَلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ. [فَصْلٌ وَمَنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَضَى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا] لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِيَ الدَّيْنِ) وَحِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ إذَا قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَصَارَ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِأَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ كَوْنِ الْكَفِيلِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي تَصْوِيرِ الْمُدَّعَى حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالْكَفِيلُ غَائِبًا فَاتَ مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّ كَوْنَ الْكَفِيلِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ دَاخِلٌ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي التَّعْلِيلِ أَوْ يُعْطِي كَفِيلًا غَيْرَ مَلِيءٍ لَا يُفِيدُ مَا سَبَقَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَّعِي وَالْكَفِيلِ غَائِبًا لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ غَيْبَةَ الْكَفِيلِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا تَقْتَضِي عَدَمَ تَعَيُّنِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُشْتَرِي لِلْكَفَالَةِ رَجُلًا مَلِيئًا غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ كَفِيلًا غَيْرَ مَلِيءٍ بَعْدَ أَنْ عَيَّنَ الْمَلِيءَ لِلْكَفَالَةِ وَالْحَقُّ فِي تَعْلِيلِ فَوَاتِ الْمَعْنَى عِنْدَ كَوْنِ الْكَفِيلِ غَائِبًا أَنْ يُقَالَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْكَفَالَةَ عِنْدَ حُضُورِهِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ تَعْلِيلَ هَذِهِ الصُّورَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ أَوْ انْفِهَامِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ تَدَبَّرْ (فَصْلٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: وَجْهُ الْفَصْلِ كَوْنُ الرَّهْنِ مُتَعَدِّدًا، وَلَا خَفَاءَ فِي تَأَخُّرِ التَّعَدُّدِ عَنْ الْإِفْرَادِ انْتَهَى أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ إنَّمَا يَتِمُّ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْفَصْلِ دُونَ الْمَسَائِلِ الْبَاقِيَةِ مِنْهُ، إذْ لَا تَعَدُّدَ فِي الرَّهْنِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي الْمُرْتَهِنِ فِي بَعْضٍ مِنْهَا وَفِي الرَّاهِنِ فِي بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ الْفَصْلِ كَوْنُ الرَّهْنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ

الْمَالِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ، فَكَذَا الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ: وَفِي الزِّيَادَاتِ: لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا أَدَّى مَا سَمَّى لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ التَّسْمِيَةَ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الرَّاهِنِ مُتَعَدِّدًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ وَجْهُ الْفَصْلِ جَمِيعَ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ، فَكَأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ عَبْدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَرَّقُ فِيهِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ، وَالْهَلَاكُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُهُ فَبَعْدَمَا نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَدَّى إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِأَنْ يَهْلِكَ مَا بَقِيَ فَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ فِيهِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ بِالْهَلَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، كَمَا أَنَّ بِالِافْتِكَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ، فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْبَعْضِ عِنْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يَهْلِكَ مَا بَقِيَ فَيَنْتَهِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِمَا الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ، وَلَا تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الْبَيْعِ بِذَلِكَ بِدَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا إنِّيٌّ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ فَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ جَازَ، وَإِنْ بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ وَثَانِيهِمَا لَمِّيٌّ وَهُوَ مَا ذَكَرَاهُ بِقَوْلِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ إلَخْ، وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا سَالِمٌ وَالثَّانِي مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَحْذُورَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ دُونَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي الْأَصْلِ، وَأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي إثْبَاتِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَلَا تَتَفَرَّقُ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ، فَالتَّأَدِّي إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَمَا نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ إنَّمَا يَكُونُ مَحْذُورًا عِنْدَ ثُبُوتِ عَدَمِ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ، بَلْ هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَصَدَ إثْبَاتَهُ هَا هُنَا بِقَوْلِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ إلَخْ فَابْتِنَاءُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِي لَمِّيَّةِ الْفَرْقِ بَيْنَ بَابَيْ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ فِي تَفَرُّقِ أَحَدِهِمَا بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ دُونَ الْآخَرِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا افْتَرَقَا؛ لِأَنَّ ضَمَّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ مُتَعَارَفٌ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فِي الرَّهْنِ، فَلَوْ تَفَرَّقَ الْبَيْعُ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ فِي أَحَدِهِمَا فَيَقْبَلَ الْجَيِّدَ فَيَتَضَرَّرَ بِهِ الْبَائِعُ، وَلَوْ تَفَرَّقَ الرَّهْنُ بِتَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الرَّاهِنُ، وَلِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا لَوْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ تَصِيرُ الثَّانِيَةُ شَرْطًا فِي الْأُولَى وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ، أَمَّا الرَّهْنُ فَلَا

قَالَ (فَإِنْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ، وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ، وَمُوجِبُهُ صَيْرُورَتُهُ مُحْتَبِسًا بِالدَّيْنِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّيِ فَصَارَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ مَوْجُودٌ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ حِصَّةَ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الدَّيْنِ فِيهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِيَقِينٍ، وَرُبَّمَا كَانَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِثْلَ أَنْ يُسَاوِيَ أَحَدُهُمَا أَلْفًا، وَالْآخَرُ أَلْفَيْنِ وَرَهَنَهُمَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا مِنْ ذَاكَ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ فِكَاكَ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَأَدَّى أَلْفًا، وَهُوَ يَقُولُ هَذَا الَّذِي رَهَنَهُ بِأَلْفٍ وَالْمُرْتَهِنُ يَقُولُ بَلْ هُوَ رُهِنَ بِأَلْفَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ التَّفْصِيلِ فَحِصَّةُ كُلِّ عَبْدٍ مَعْلُومَةٌ بِالتَّسْمِيَةِ لَا جَهَالَةَ هُنَاكَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلِهَذَا يُمْكِنُ فِكَاكُ الْبَعْضِ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجْعَلُ قِيمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ فَيْصَلًا فِي قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي صَدْرِ مَسْأَلَةِ الْإِجْمَالِ: وَحِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ إذَا قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَائِدَةٌ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ لَا يُوجَدُ هُنَاكَ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ مَعَ أَنَّ جَوَابَ مَسْأَلَةِ الْإِجْمَالِ تَعُمُّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَيْضًا فَالْأَوْلَى: فِي دَفْعِ النَّقْضِ بِحَالَةِ الْإِجْمَالِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ أَيُّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي كَلَامِ الْعَاقِدِ مَا يَتَحَمَّلُهُ كَمَا فِي حَالَةِ التَّفْصِيلِ فَإِنَّ تَفَرُّقَ التَّسْمِيَةِ فِيهَا تَتَحَمَّلُ تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْإِجْمَالِ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ يَتَحَمَّلُهُ، فَإِذَا تَعَيَّنَ الْحَمْلُ فِيهَا عَلَى تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ التَّأَدِّي إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا فِي بَابِ الرَّهْنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْإِجْمَالِ أَيْضًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ، وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: قِيلَ هُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا بَاعَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ وَهَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ الشُّيُوعُ حَتَّى كَانَ الْمَبِيعُ وَالْمَوْهُوبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى اثْنَيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِيمَا يَكُونُ الْعَقْدُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِشَخْصَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فَتُجْعَلُ شَائِعَةً فَتُقْسَمُ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فَإِنْ تَهَايَآ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ) قَالَ (وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ؛ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ قَالَ (فَإِنْ أَعْطَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِمَا لِلْجَوَازِ، وَالرَّهْنُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ الِاحْتِبَاسَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ مُحْتَبَسَةً لِحَقَّيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فَيُمْنَعُ الشُّيُوعُ فِيهِ تَحْرِيمًا لِلْجَوَازِ لِكَوْنِ الْقَبْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الرَّهْنِ، وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ عَنْهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ عَلَى التَّقْرِيرِ الْمَذْكُورِ لَيْسَا بِصَحِيحَيْنِ فِي حَقِّ الْهِبَةِ؛ إذْ لَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِ الشُّيُوعِ فِي شَيْءٍ مِنْ صُورَتَيْ رَهْنِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ رَجُلَيْنِ وَهِبَتِهِمَا مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَلَا يَرَى إلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وُهِبَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ دَارًا جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا سُلِّمَاهَا جُمْلَةً، وَهُوَ قَدْ قَبَضَهَا جُمْلَةً فَلَا شُيُوعَ، وَإِنْ وُهِبَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَشْبَهَتْ الْجُمْلَةَ مِنْهُمَا؛ إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ كَمَا لَوْ رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلَهُ أَنَّ هَذَا هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا، وَلِهَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ انْتَهَى فَلَا مَعْنَى لِنَقْضِ مَا نَحْنُ فِيهِ بِالْهِبَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَصْلًا، وَلَا لِلْجَوَابِ عَنْهُ عَلَى قَوْلِهِمَا بِمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْفَرْقِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْطَى أَحَدَهُمَا دَيْنَهُ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الَّذِي اسْتَوْفَى حَقَّهُ انْتَهَى مَقْصُودُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نِيَابَةٍ عَنْ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَرِدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لَكِنْ يَسْتَرِدُّهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ نِصْفِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ فَإِنَّ فِيهِ وَفَاءً بِدَيْنِهِمَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ ثَانِيًا انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ شَافٍ فِي دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ بَسَطَ مُقَدَّمَةً، وَهِيَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ الَّذِي اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الرَّهْنِ انْتَهَى مَقْصُودُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ فَفَرَّعَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ

وَعَلَى هَذَا حَبْسُ الْمَبِيعِ إذَا أَدَّى أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ (وَإِنْ رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ (فَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ، وَلَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ رَهْنًا لِذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا إلَى الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَا إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا لَهُمَا كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا إذَا جُهِلَ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا، وَجُعِلَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ هَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا عَمَلٌ عَلَى خِلَافِ مَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ حَبْسًا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مِثْلِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَبِهَذَا الْقَضَاءِ يَثْبُتُ حَبْسٌ يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى شَطْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدَّمَةَ صَادِقَةٌ، وَأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ ارْتِهَانُ الَّذِي اسْتَوْفَى حَقَّهُ بَاقِيًا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الرَّهْنِ قَدْ انْتَهَى بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، فَمَا وَجْهُ بَقَاءِ ارْتِهَانِهِ بَعْدَهُ وَبِالْجُمْلَةِ بَقَاءُ ارْتِهَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عِنْدَ السَّائِلِ، بَلْ هُوَ يَقُولُ: لَا مَعْنَى لِبَقَاءِ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ أَحَدِهِمَا حَقَّهُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْآخَرِ، وَيَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمُقَدَّمَةِ الَّتِي بَسَطَهَا فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فَلَا يَشْفِيهِ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجُمْلَتُهَا أَنَّ الْعَبْدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوَّلًا فِي يَدِ وَاحِدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ

[باب الرهن يوضع على يد العدل]

فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا لَكِنَّ مُحَمَّدًا أَخَذَ بِهِ لِقُوَّتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ قَالَ (وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا يَبِيعُهُ بِحَقِّهِ اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي الْقِيَاسِ: هَذَا بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلِاسْتِيفَاءِ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءً بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ لِلشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشُّيُوعُ يَضُرُّهُ، وَبَعْدَ الْمَمَاتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ وَالشُّيُوعُ لَا يَضُرُّهُ، وَصَارَ كَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ تَهَاتَرَتْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَيُقْضَى بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ (قَالَ وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ) ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلٌ سَبَقَ عَقْدَهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي السَّبَقِ وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَبِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ، وَوَجْهُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ الْمَذْكُورِ نَوْعُ اخْتِلَالٍ وَاضْطِرَابٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ فِي الشِّقِّ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا إلَخْ، وَتَرَكَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الشِّقِّ الثَّانِي، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَعَ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ذَاكَ الشِّقِّ أَيْضًا، وَأَيْضًا إنْ أَرَادَ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ يَلْزَمُ التَّنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَإِنْ أَرَادَ بِهَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ بَعْدَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَبِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا يَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَانَ حَقُّ قَوْلِهِ: الْمَزْبُورِ أَنْ يُذْكَرَ مُتَّصِلًا بِبَيَانِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا لَا يَخْفَى [بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحْكَامَ الرَّاجِعَةَ إلَى نَائِبِهِمَا وَهُوَ الْعَدْلُ لِمَا أَنَّ

يَدَ الْعَدْلِ يَدُ الْمَالِكِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَانْعَدَمَ الْقَبْضُ وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ عَلَى الصُّورَةِ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ؛ إذْ الْعَيْنُ أَمَانَةٌ، وَفِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الشَّخْصَيْنِ تَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَاهُ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ (فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَهِيَ الْمَضْمُونَةُ (وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ (وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، لَكِنْ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَاهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَاهَا رَهْنًا عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمَ النَّائِبِ يَقْفُو حُكْمَ الْأَصْلِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ هَا هُنَا مَنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَيْدًا آخَرَ حَيْثُ قَالَا: وَرَضِيَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَقُولُ: لَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَإِلَّا فَرِضَاهُمَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ فِي مَعْنَى الْعَدْلِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: لَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فَحَسْبُ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يُشِيرُ إلَى دَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ كَمَا أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ فَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَلِمَ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ يَضْمَنُ لِلْمُسْتَحِقِّ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَالِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَيْسَ بِقَائِلٍ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ أَقُولُ: هَذِهِ الْعِلَاوَةُ الَّتِي زَادَهَا الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ عَدَمَ قَوْلِ الْخَصْمِ بِذَلِكَ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ السُّؤَالِ الْمُتَّجَهِ عَلَى أَصْلِنَا؛ إذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَوَجَّهَ السُّؤَالُ مِنْ قِبَلِ الْخَصْمِ، وَعَنْ هَذَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: لَيْسَ لِلسَّائِلِ مَذْهَبٌ، وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَلِلْخَصْمِ أَنْ يُورِدَ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ عَلَيْنَا بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ بِمَا هُوَ مُسَلَّمٌ عِنْدَنَا لَا بِطَرِيقِ

أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَوْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ كَذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ وَقَدْ ضَمِنَ الْعَدْلُ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لَهُ لِوُصُولِ الْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ وَوُصُولِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِهِ يَأْخُذُهَا إذَا أَدَّى الدَّيْنَ، فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مَا قَامَ مَقَامَهَا، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ قَالَ (وَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ مَالِهِ (وَإِنْ شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ، وَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْعَزْلِ إتْوَاءً حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ، فَكَذَا بِوَصْفِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ غَيْرُهُ (وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَنْعَزِلْ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ إنَّمَا يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ قَالَ (وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْوَرَثَةِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْقِيقِ بِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَهُ فَالْجَوَابُ الْحَقُّ عَنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: أَيْ جَعَلَ الْقِيمَةَ فِي يَدِ الْعَدْلِ هُنَا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، بَلْ الْمُرَادُ إذَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا أَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي عِنْدَ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الزَّيْلَعِيُّ انْتَهَى أَقُولُ: إنْ كَانَ وَجْهُ بَحْثِهِ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْعُمُومِ فِيمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ لَمَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا: أَيْ بِرَأْيِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَتَحَقَّقُ الْعُمُومُ

بِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَبْقَى بِحُقُوقِهِ وَأَوْصَافِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ، وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ فَيَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ، كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ بَعْدَمَا صَارَ رَأْسُ الْمَالِ أَعْيَانًا يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا لِمَا أَنَّهُ لَازِمٌ بَعْدَ مَا صَارَ أَعْيَانًا قُلْنَا: التَّوْكِيلُ حَقٌّ لَازِمٌ لَكِنْ عَلَيْهِ، وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِيمَا لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْمُضَارِبِ (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا بِرِضَا الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَمَا رَضِيَ بِبَيْعِهِ (وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يَقْدِرُ الرَّاهِنُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْبَيْعِ قَالَ (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَبَى الْوَكِيلُ الَّذِي فِي يَدِهِ الرَّهْنُ أَنْ يَبِيعَهُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي لُزُومِهِ (وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِالْخُصُومَةِ وَغَابَ الْمُوَكِّلُ فَأَبَى أَنْ يُخَاصِمَ أُجْبِرَ عَلَى الْخُصُومَةِ) لِلْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ فِيهِ إتْوَاءَ الْحَقِّ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتْوِي حَقَّهُ، أَمَّا الْمُدَّعِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا شُرِطَ بَعْدَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ يُجْبَرُ رُجُوعًا إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ، وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ (وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَالثَّمَنُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَكَانَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا، وَإِذَا تَوَى كَانَ مَالَ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ، وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فَبَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ فَدُفِعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا قَالَ (وَإِنْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَأَوْفَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِذَلِكَ بَلْ يَخْتَصُّ بِمَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِ الْقَاضِي لَوْ كَانَ لَفْظُ جَعَلَ فِي عِبَارَةِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَلَفْظُ فَعَلَ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ مُبَيِّنًا لِلْفَاعِلِ، وَكَانَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ رَاجِعًا إلَى الْقَاضِي، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَكَانَ لَفْظُ الْقِيمَةِ فِي عِبَارَةِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَائِمًا مَقَامَ

الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ فَضَمِنَهُ الْعَدْلُ كَانَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ الَّذِي أَعْطَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ غَيْرَهُ) وَكَشْفُ هَذَا أَنَّ الْمَرْهُونَ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَالِكًا أَوْ قَائِمًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَدْلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِذَا ضَمَّنَ الْعَدْلَ فَالْعَدْلُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَبْدَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَنَفَذَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ الثَّمَنُ لَهُ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ الْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ سُلِّمَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ بَطَلَ الثَّمَنُ وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَانْتُقِضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ عَامَلَ الرَّاهِنَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبَضَ الثَّمَنَ الْمُرْتَهِنُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا رُجُوعَ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الرَّهْنِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُقْتَضَى، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاعِلِ فَيَتَحَمَّلُ الْعُمُومَ لِلصُّورَتَيْنِ مَعًا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ، وَإِنْ كَانَ وَجْهُ بَحْثِهِ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْعُمُومِ فِيمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ لَمَا

يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ قَالَ (وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَلَهُ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ (فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ فَقَدْ مَاتَ بِالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ) أَمَّا بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِرُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً قُلْنَا: هَذَا طَعْنُ أَبِي حَازِمٍ الْقَاضِي وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَالْمِلْكُ بِكُلِّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَضْمَنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى ـــــــــــــــــــــــــــــQجُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا فِي يَدِ غَيْرِ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ فَأَمْرُهُ هَيِّنٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَدَمُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَنْ جُعِلَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ الضَّمَانِ رَهْنًا فِي يَدِ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ أَنْ جُعِلَتْ رَهْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ ظَاهِرًا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَوَّلِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ

[باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره]

[بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ] ِ قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ (فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ (وَإِنْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ وَالْمُقْتَضِي مَوْجُودٌ وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ (وَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ، وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْمَأْذُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ) لَمَّا كَانَ التَّصَرُّفُ فِي الرَّهْنِ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ مُتَأَخِّرًا طَبْعًا عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا أَخَّرَهُ وَضْعًا لِيُوَافِقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ (قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ) اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ مُحَمَّدٍ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ قَالَ: بَيْعُ الْمَرْهُونِ فَاسِدٌ، وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ: جَائِزٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ مَوْقُوفٌ وَقَوْلُهُ فَاسِدٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَجُزْ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفْسِدُهُ إذَا خُوصِمَ إلَيْهِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي التَّسْلِيمَ وَقَوْلُهُ جَائِزٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَهُ وَسَلَّمَهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوحِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ فَاسِدٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ، فَإِنَّهُ كَالْفَاسِدِ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ فِي الْفِعْلِ، أَوْ أَنَّهُ مَجَازٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَفَةِ فَإِنَّهُ عَلَى شَرَفِ أَنْ يَفْسُدَ إذَا لَمْ يُجِزْهُ انْتَهَى أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لَيْسَا بِتَأْوِيلٍ فِقْهِيٍّ بَلْ هُمَا مِنْ قَبِيلِ التَّأْوِيلِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي فِيهِ نَوْعُ إلْغَازٍ وَتَعْمِيَةٍ فَلَا يُنَاسِبُ أَصْحَابَ هَذَا الْفَنِّ سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الْكَشْفِ وَالْبَيَانِ (قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ) أَقُولُ: فِي تَمَامِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعْلِيلِ نَظَرٌ،

(وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةٍ، حَتَّى لَوْ افْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ (وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ لَهُ إنَّمَا يُثْبِتُ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ حَقِّهِ، وَحَقُّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِانْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا، فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ؛ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَيْهِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ هَذَا (وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي، فَلَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي. (وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَّرَ أَوْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ذُو حَظٍّ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ بِهِ، أَمَّا لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ، وَاَلَّذِي فِي الْإِجَارَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلُ الْعَيْنِ، وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ قَالَ (وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ) وَفِي بَعْضِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَيْثُ يَنْفُذُ عَلَى بَعْضِ أَقْوَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مَعْنًى بِالتَّضْمِينِ، وَبِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْقَى مُدَّتُهَا؛ إذْ الْحُرُّ يَقْبَلُهَا، أَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مَعَ جَرَيَانِ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا فَالْوَجْهُ فِي التَّعْلِيلِ هَا هُنَا أَنْ يُقَالَ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا فَصَلَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ بِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: مَسْأَلَةُ الْإِعْتَاقِ مِنْ قِبَلِ

الرَّهْنَ فَلَا يَبْقَى وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْغُو بِصَرْفِهِ بِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَعْتَقَ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ، وَلَا خَفَاءَ فِي قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي، وَعَارِضُ الرَّهْنِ لَا يُنْبِئُ عَنْ زَوَالِهِ ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ، فَلَمَّا لَمْ يُمْنَعْ الْأَعْلَى لَا يُمْنَعُ الْأَدْنَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَإِعْتَاقُ الْوَارِثِ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَلْغُو بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا نَفَذَ الْإِعْتَاقُ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مُتَحَقِّقٌ، وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَرَدَّ الْفَضْلَ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ إلَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقِ يَرْجِعُ إلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِعِتْقِهِ وَهُوَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى مَوْلَاهُ إذَا أَيْسَرَ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْحَابِنَا، وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ مَانِعَةٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالْبَيْعِ كَمَا يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ يَفْتَقِرُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْآبِقِ وَالْمُسْتَأْجِرِ،

فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِتَكْمِيلِهِ، وَهُنَا يَسْعَى فِي ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ إعْتَاقِهِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ فِي الْمُسْتَسْعَى الْمُشْتَرَكِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَفِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ شَرَطَ الْإِعْسَارَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ حَقِيقَتِهِ الثَّابِتَةِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ فَوَجَبَ السِّعَايَةُ هُنَا فِي حَالَةِ وَاحِدَةٍ إظْهَارُ النُّقْصَانِ رُتْبَتَهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْهُونُ يَسْعَى؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ عَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الرَّاهِنِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الِاسْتِرْدَادُ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا السِّعَايَةَ فِيهِمَا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَلَوْ) (أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ) بِأَنْ قَالَ (لَهُ رَهَنْتُك عِنْدَ فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ) (تَجِبُ السِّعَايَةُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ يُعْتَبَرُ، بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَنَحْنُ نَقُولُ أَقَرَّ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي حَالٍ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ قَالَ (وَلَوْ دَبَّرَهُ الرَّاهِنُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ) أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِهِ (وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ الِاسْتِيلَادُ بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِأَدْنَى الْحَقَّيْنِ وَهُوَ مَا لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَصِحُّ بِالْأَعْلَى (وَإِذَا صَحَّا خَرَجَا مِنْ الرَّهْنِ) لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ؛ إذْ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا (فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا) عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْمُرْتَهِنُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ حَيْثُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّهُ، وَالْمُحْتَبَسُ عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا يُؤَدِّيَانِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى، وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِلْكَهُ عَنْهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ عَلَى مَا مَرَّ وَقِيلَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الرَّهْنِ حَتَّى تُحْبَسَ مَكَانَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعِوَضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ، وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمُدَبَّرَ وَقَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ لَمْ يَقْضِ لَمْ يَسْعَ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُ، وَمَا أَدَّاهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِعْتَاقُ لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا بِدَلِيلِ نَفَاذِ إعْتَاقِ الْآبِقِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يَفْسُدَ بَيْعُ الرَّهْنِ وَلَا يُتَوَقَّفُ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ؛ إذْ الْفَاسِدُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ دُونَ الْمَوْقُوفِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَا فَاسِدٌ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ ظَاهِرُ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَفْسُدَ بَيْعُ الرَّهْنِ وَلَا يُتَوَقَّفُ أَنْ لَوْ انْتَفَى الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْمُنْتَفَى فِي بَيْعِ الرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءُ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ لَا الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَصْلًا فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ؛ إذْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا

لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى قَالَ (وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ، وَالضَّمَانُ رَهْنٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ (فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ فَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ رَهَنَ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ فَصَارَ الْحُكْمُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الزِّيَادَةَ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ اسْتِيفَاءً، إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ (وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ غَرِمَ الْقِيمَةَ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ (وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ (وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَهُوَ عَلَى صِفَةِ الْقِيمَةِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ (ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَقَدْ فَرَغَ عَنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ (وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْصُلُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفُضُولِيِّ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: شَرْحُ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْوَجْهِ خُرُوجٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا لَيْسَ بِلَفْظِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْبِدَايَةِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْهِدَايَةِ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ إلَى هُنَا فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُ لَفْظِ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ فِي أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ مَعْطُوفًا عَلَى لَفْظِ شَيْخٍ آخَرَ فِي كِتَابٍ آخَرَ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ عَطْفُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَهُوَ الْبِدَايَةُ عَلَى عِبَارَةِ الشَّرْحِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ مَعَ تَقَدُّمِ تَحَقُّقِ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى تَحَقُّقِ عِبَارَةِ الشَّرْحِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَذْكُورٌ فِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا فَيَتِمُّ، وَيَحْسُنُ عَطْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَتَرْتِيبُ عِبَارَةِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالْبِدَايَةِ هَكَذَا فَإِنْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَقَضَى الدَّيْنَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ تَكُنْ الْحَاكِمَ الْفَيْصَلَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ

وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أُتْلِفَ قَالَ (وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ لِيَخْدُمَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا فَقَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي الْحَالِّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثَابِتٌ فِي وَلَدِ الرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا بَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ الْقَبْضُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَيَعُودُ بِصِفَتِهِ (وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ الضَّمَانِ) لِمَا قُلْنَا (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا مُحْتَرَمًا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ، وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أُتْلِفَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ سِوَى مَا ضَمِنَ بِالْإِتْلَافِ، وَكَيْفَ يَكُونُ مَا انْتَقَصَ بِهِ كَالْهَالِكِ حَتَّى يَسْقُطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَهُوَ مَا لَمْ يُنْتَقَصْ إلَّا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ اسْتِشْكَالُهُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَضْمَحِلُّ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا ثُمَّ انْتَقَصَتْ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ سَقَطَ عَنْ الدَّيْنِ لَا مَحَالَةَ مِقْدَارُ تَمَامِ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهُ بِالْإِتْلَافِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهُ بِقَبْضِهِ السَّابِقِ حَيْثُ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا تَامًّا، وَلَا تَأْثِيرَ فِي سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ أَصْلًا وَهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا كَيْفَ خَفِيَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْفَاضِلِ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ الضَّمَانِ لِمَا قُلْنَا) يُشِيرُ بِقَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا إلَى قَوْلِهِ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ: إنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ مَعَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ أَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِعَارَةِ وَبَيْنَ الْوَضْعِ فِي يَدِ الْعَدْلِ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ، وَفِي الْكِفَايَةِ مُفَصَّلًا مُسْتَوْفًى فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمَا فَمَنْ شَاءَ فَلْيُرَاجِعْهُمَا

وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَإٍ (وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ، أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا (وَإِذَا اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ لِيَعْمَلَ بِهِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ) لِبَقَاءِ يَدِ الرَّهْنِ (وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ) لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ (وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ) لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّاهِنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ (وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَمَنْ اسْتَعَارَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ زَوَالًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَالْإِطْلَاقُ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَإٍ) قَالَ الشُّرَّاحُ: وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ، وَحُكْمُ الرَّهْنِ كَحُكْمِ الْإِجَارَةِ انْتَهَى وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ: وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ بِأَنْ قَالَ: إذَا كَانَ الْإِيدَاعُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَنْ رَضِيَا بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ ابْتِدَاءً، وَكَلَامُ الشُّرَّاحِ هُنَا فِيمَا إذَا أَوْدَعَ أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ بِإِذْنِ الْآخَرِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ

لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ، وَهُوَ يَنْفِي الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ، وَيَنْفِي النُّقْصَانَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ (وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَبِالْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ الْبَعْضِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ (فَإِذَا خَالَفَ كَانَ ضَامِنًا، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ (وَإِنْ وَافَقَ) بِأَنْ رَهَنَهُ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِهِ (إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَبْطُلُ الْمَالُ عَنْ الرَّاهِنِ) لِتَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ (وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلرُّجُوعِ دُونَ الْقَبْضِ بِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرِضَاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ذَهَبَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بَقِيَّةُ دَيْنِهِ لِلْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ وَعَلَى الرَّاهِنِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ مَا صَارَ بِهِ مُوفِيًا لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ حَيْثُ يُخَلِّصُ مِلْكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَفْسِهِ ثُمَّ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِيدَاعِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ بِنَفْسِهِ يُنْتَقَضُ قَبْضُهُ السَّابِقُ بِالْإِيدَاعِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ يَدِ الْوَدِيعَةِ وَيَدِ الرَّهْنِ لِكَوْنِ إحْدَاهُمَا مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ دُونَ الْأُخْرَى كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُنَافَاةِ بَيْنَ يَدَيْ الْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْوَضْعِ فِي يَدِ الْعَدْلِ ابْتِدَاءً فَيَقُومُ يَدُ الْعَدْلِ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ مَقَامَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ فَيَصِيرُ الرَّهْنُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَمَا تَبَيَّنَ فِي بَابِهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ آخَرُ يَقْتَضِي انْتِقَاضَ هَذَا الْقَبْضِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى حَالِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ) اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مُغْلَقَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَكَانَ لَفْظُ مُحَمَّدٍ بَدَلَ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَ أَعْسَرَ الرَّاهِنُ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ تَصْحِيفٌ وَقَعَ مِنْ

وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى الْمُعِيرُ فَأُجْبِرَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الدَّفْعِ (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَضَى الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ؛ إذْ هُوَ لَا يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ (وَلَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ الْعَارِيَّةُ عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ بَعْدَ مَا افْتَكَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِهَذَا، وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا بَيَّنَّا (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِدَعْوَاهُ الْهَلَاكَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ. (كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَاتِبِ أَوْ الْقَارِئِ وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ: بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَيُوَافِقُهُ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا بِغَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ إذَا قَضَى دَيْنَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ: أَرَادَ أَنْ يَفْتَكَّهُ نِيَابَةً عَنْ الرَّاهِنِ جَبْرًا عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ افْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ قِيلَ مَعْنَاهُ: مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَقِيلَ نِيَابَةً وَلَعَلَّهُ مِنْ الْجُبْرَانِ: يَعْنِي جُبْرَانًا لِمَا فَاتَ عَنْ الرَّاهِنِ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا اخْتَارَهُ مِنْ الْمَعْنَى لَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ دَيْنِ الرَّاهِنِ؛ إذْ لَمْ يَفُتْ عَنْ الرَّاهِنِ إذْ ذَاكَ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ مَجِيءِ أَوَانِهِ حَتَّى يَكُونَ افْتِكَاكُ الْمُعِيرِ الرَّهْنَ هُنَاكَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الرَّاهِنِ جُبْرَانًا لِمَا فَاتَ عَنْهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ، مَعَ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ أَيْضًا دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فِي الْعَرَبِيَّةِ جَبَرَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ أَوْ مِنْ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْجُبْرَانِ، وَمَحَلُّ الْإِغْلَاقِ فِي تَرْكِيبِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ كَلِمَةٌ عَنْ الدَّاخِلَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا كَوْنُ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ؛ إذْ هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَعَلَى الْمَعْنَى الَّذِي اخْتَارَهُ لَا يَظْهَرُ لِكَلِمَةِ: (عَنْ) مُتَعَلَّقٌ إلَّا أَنْ يُصَارَ إلَى تَقْدِيرٍ لِمَا فَاتَ جُمْلَةً، وَجَعْلِ كَلِمَةِ: (عَنْ) مُتَعَلِّقَةً بِلَفْظِ فَاتَ الْمُنْدَرِجِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ جِدًّا فَكَيْفَ يُرْتَكَبُ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ مُتَعَلَّقِ كَلِمَةِ: عَنْ لَفْظَ نِيَابَةٍ وَحْدَهُ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُرْجَعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَا هُنَا قَيْدٌ لَازِمٌ ذَكَرَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ يُرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى إذَا كَانَ مَا أَدَّاهُ بِقَدْرِ

فِي إنْكَارِ أَصْلِهِ فَكَذَا فِي إنْكَارِ وَصْفِهِ (وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ وَهُوَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ لِيُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ وَالْمُسَمَّى وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَوْعُودِ الْمُسَمَّى) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَسَلَامَتِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُعِيرُ جَازَ) لِقِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ (وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعِيرُ قِيمَتَهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ بِرِضَاهُ وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ (وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ فَيَرُدَّهَا إلَى الْمُعِيرِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ (وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ثُمَّ رَهَنَهُمَا بِمَالٍ مِثْلِ قِيمَتِهِمَا ثُمَّ قَضَى الْمَالَ فَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى هَلَكَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ حِينَ رَهَنَهُمَا، فَإِنَّهُ كَانَ أَمِينًا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ (وَكَذَا إذَا افْتَكَّ الرَّهْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنِ لَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ: فَإِنْ عَجَزَ الرَّاهِنُ عَنْ الِافْتِكَاكِ فَافْتَكَّهُ الْمَالِكُ يَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا يَهْلَكُ الدَّيْنُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَلْفًا فَرَهَنَهُ بِأَلْفَيْنِ فَأَفْتَكّهُ الْمَالِكُ بِأَلْفَيْنِ رَجَعَ بِقَدْرِ مَا يَهْلِكُ الدَّيْنُ بِهِ وَهُوَ الْأَلْفُ وَلَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ لَمْ يَضْمَنْ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إذَا افْتَكَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالزِّيَادَةِ انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ: وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا نَفْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ لَا يَجِبُ أَنْ تُوَافِقَ الْمُدَّعِيَ فِي الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَلَا فِي التَّقْيِيدِ وَالْإِطْلَاقِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ كُلِّيَّةَ الْكُبْرَى شَرْطٌ فِي أَشْهَرْ الْأَقْيِسَةِ وَأَقْوَاهَا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي جُزْئِيًّا فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ مِنْ تَقْيِيدِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ تَقْيِيدُ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهَا أَيْضًا حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ تَقْيِيدِ هَاتِيك الْمُقَدِّمَةِ بِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إذَا افْتَكَّهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ بِهِ أَكْثَرَ لَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى قِيمَتِهِ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الرَّهْنِ لَا يَحْصُلُ بِإِيفَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ فَكَانَ مُضْطَرًّا، وَبِاعْتِبَارِ الِاضْطِرَارِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ مَعَ بَقَاءِ الِاضْطِرَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ تَخْلِيصُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَدَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ؛ إذْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي كَلَامِهِ هَذَا نَوْعُ غَرَابَةٍ،؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَدْ ذَكَرَ حَاصِلَ اسْتِشْكَالِهِ بِطَرِيقِ السُّؤَالِ وَأَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: هُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ مِلْكِهِ إلَّا بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا قُلْنَا: الضَّمَانُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِاعْتِبَارِ إيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِهِ فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِيفَاءُ انْتَهَى وَقَدْ تَبِعَهُ فِي ذِكْرِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ صَاحِبَا الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ مَرْضِيًّا عِنْدَ الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِاسْتِشْكَالِهِ كَلَامَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بَعْدَ أَنْ رَأَى السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ مَسْطُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الِاتِّصَالِ بِمَا اسْتَشْكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ مَحَلَّ فَسَادِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعُدَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ فِيهَا إشْكَالًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعِيرُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ بِرِضَاهُ وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ)

ثَمَّ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ فَلَمْ يَعْطَبْ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفِكَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْفِكَاكِ وَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ، أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الرَّهْنِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَتَحَقُّقِ الِاسْتِيفَاءِ قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَازِمٍ مُحْتَرَمٍ، وَتَعَلُّقُ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ يَمْنَعُ نَفَاذَ تَبَرُّعِهِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَ (وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُ الْمَالِكِ، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَيَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ قَالَ (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى مَالِهِمَا هَدْرٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ، أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ مُسْتَنِدًا حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ جِنَايَةً عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَاعْتُبِرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: كَانَ الْحَقُّ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ، وَقَدْ أَتْلَفَهَا بِالْإِعْتَاقِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ الْمَذْكُورِ فِي التَّعْلِيلِ إنَّمَا هُوَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ دُونَ رَقَبَتِهِ كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: أَيْ أَمَّا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اتَّفَقُوا فِي حُكْمِهَا وَهِيَ أَنَّ جِنَايَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ هَدْرٌ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: لَا وَجْهَ عِنْدِي لِإِقْحَامِ لَفْظِ الْوَجْهِ فِي تَفْسِيرِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ؛ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَمَّا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ الْوِفَاقِيَّةِ: أَيْ عِلَّتُهَا فَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ أَدْخَلَ اللَّامَ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا تَرَى فَيَئُولُ الْمَعْنَى إلَى أَنَّ عِلَّةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ عِلَّةَ الْعِلَّةِ لَا عِلَّةَ نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ قَطْعًا

وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ وَفِي الِاعْتِبَارِ فَائِدَةٌ وَهُوَ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرُ ثُمَّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ لَهُ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ الْمُرْتَهِنِ لَا تُعْتَبَرُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْعَبْدَ وَهُوَ الْفَائِدَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ فِيهِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَالْمَضْمُونِ، وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ حَقِيقَةٌ مُتَبَايِنَةٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ قَالَ (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَنَقَصَ فِي السِّعْرِ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ) وَأَصْلُهُ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِهِ الْخِيَارُ وَلَا فِي الْغَصْبِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهُ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهِ؛ إذْ الْيَدُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَدَفَعَاهُ فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى نَفْسِهِ وَمُخَلِّصُهُ الْمُشَاكَلَةُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا ذِكْرَهُ بِلَفْظِ الدَّافِعِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ أَوْ التَّغْلِيبِ

لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ بَقِيَ مَرْهُونًا بِكُلِّ الدَّيْنِ، فَإِذَا قَتَلَهُ حُرٌّ غَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً؛ لِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْجَابِرَ بِقَدْرِ الْفَائِتِ، وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ، ثُمَّ لَا يُرْجَعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ، وَقِيمَتُهُ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ أَلْفًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقُولُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا الْأَلْفَ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْمِائَةَ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا تِسْعَمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْكُلَّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا قَالَ (وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ وَقَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ فَيَرْجِعُ بِتِسْعِمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَكَذَا هَذَا قَالَ (وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ مَكَانَهُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَالِهِ وَقَالَ زُفَرُ: يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ لَهُ أَنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ، إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعُشْرِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَلِأَصْحَابِنَا عَلَى زُفَرَ أَنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَانْتُقِضَ السِّعْرُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا، فَكَذَلِكَ إذَا قَامَ الْمَدْفُوعُ مَكَانَهُ وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْخِيَارِ أَنَّ الْمَرْهُونَ تَغَيَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَمَّاهُ دَافِعًا وَثَنَّاهُ انْتَهَى أَقُولُ: لَا صِحَّةَ لِتَوْجِيهِ الْمُشَاكَلَةِ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاكَلَةَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ ذِكْرُ لَفْظٍ وَأُرِيدَ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَصْلُ مَعْنَاهُ وَفِي الْأُخْرَى غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ

فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَالْمَبِيعِ إذَا قُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ زُفَرَ، وَعَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ، وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِيهِ حُكْمُهُ الْفَسْخُ وَهُوَ مَشْرُوعٌ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَشْرُوعٌ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ (وَلَوْ فُدِيَ طَهُرَ الْمَحَلُّ فَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ إصْلَاحُهَا (وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الرَّقَبَةِ قَائِمٌ لَهُ، وَإِنَّمَا إلَى الْمُرْتَهِنِ الْفِدَاءُ لِقِيَامِ حَقِّهِ (فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ الْفِدَاءِ يُطَالَبُ الرَّاهِنُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ وَمِنْ حُكْمِهَا التَّخْيِيرُ) بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ (فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ سَقَطَ الدَّيْنُ) ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ لِمَعْنًى فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذِكْرُ لَفْظٍ بَلْ وَقَعَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ فَسَبِيلُهُ التَّغْلِيبُ لَا غَيْرُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذَا تَكْرَارٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ الرَّهْنِ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: وَهَذَا تَكْرَارٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ: يَعْنِي مَا عَبَّرْنَا عَنْهُ هَا هُنَا بِالصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ الرَّهْنِ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ، فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ جَعَلَ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ السِّعْرُ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُقُوعِ التَّكْرَارِ وَهُوَ لَازِمٌ أَيْضًا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ سُوءُ ظَنٍّ بِمِثْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الَّذِي حَازَ قَصَبَاتِ السَّبْقِ فِي مِضْمَارِ التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ فِي غَيْرِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صُورَةِ التَّرَاجُعِ وَلَا تَكْرَارَ ثَمَّةَ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: مَا مَرَّ فِي بَيَانِ صُوَرِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إنَّمَا هُوَ عِبَارَةُ الْبِدَايَةِ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِنْصَافُ أَنَّهَا لَا تُسَاعِدُ جَعْلَ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فِي غَيْرِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا تُسَاعِدُ جَعْلَهَا فِي تَرَاجُعِ السِّعْرِ أَيْضًا كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْغَايَةِ، أَوْ جَعْلَهَا فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ تَرَاجُعِ السِّعْرِ وَمِنْ عَدَمِ تَرَاجُعِهِ فَإِنَّ نَصَّ عِبَارَةِ الْبِدَايَةِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا

(وَكَذَلِكَ إنْ فَدَى) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ الْفِدَاءُ، بِخِلَافِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا حَيْثُ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ فَدَى فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا (وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ، فَإِنْ أَدَّى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي لَزِمَ الْعَبْدَ فَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ، فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ) كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ (وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دَيْنَهُ) ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَنَقَصَ فِي السِّعْرِ وَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ الرَّاهِنُ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ قَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ وَرَجَعَ بِتِسْعِمِائَةٍ، فَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ إلَيْهِ مَكَانَهُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ ضَمِيرَ قَتَلَهُ فِي الْمَعْطُوفِ رَاجِعٌ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ قَتَلَهُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ رَاجِعٌ إلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الَّذِي نَقَصَ فِي السِّعْرِ، فَكَذَا الضَّمِيرُ الَّذِي فِي الْمَعْطُوفِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَإِنْ أَخْرَجَ الضَّمِيرَ فِي الْمَعْطُوفِ عَمَّا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ إرْجَاعِهِ إلَى مُطْلَقِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمَذْكُورِ فِي ضِمْنِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمُقَيَّدِ بِنُقْصَانِ سِعْرِهِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْلُو مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ تَرَاجُعُ سِعْرِهِ إلَخْ عَنْ شَائِبَةِ التَّكْرَارِ، وَأَمَّا إرْجَاعُ الضَّمِيرِ فِي الْمَعْطُوفِ إلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمُقَيَّدِ بِعَدَمِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ فَمِمَّا لَا تُسَاعِدُهُ الْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ قَطْعًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ فَلَا وَجْهَ لِلْمَصِيرِ إلَيْهِ تَبَصَّرْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ:

(فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وَدَيْنُ غَرِيمِ الْعَبْدِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اُسْتُحِقَّتْ لِمَعْنًى هُوَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْهَلَاكَ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْعَبْدِ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ دَيْنِ الْعَبْدِ وَمَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ، ثُمَّ إنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ قَدْ حَلَّ أَخَذَهُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِمَا بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يُعْتَقَ الْعَبْدُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ (ثُمَّ إذَا أَدَّى بَعْدَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ يُقَالُ لَهُمَا افْدِيَاهُ) ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مَضْمُونٌ، وَالنِّصْفُ أَمَانَةٌ، وَالْفِدَاءُ فِي الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَفِي الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنْ أَجْمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَالدَّفْعُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا مِنْهُ الرِّضَا بِهِ (فَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي رَاهِنًا كَانَ أَوْ مُرْتَهِنًا) أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفِدَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ، وَفِي الدَّفْعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّاهِنُ إبْطَالُ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا فِي جِنَايَةِ الرَّهْنِ إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَنَا أَفْدِي لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْجَرِّ: أَيْ: دَيْنُ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَمُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا، حَتَّى إنَّهُ لَوْ جَنَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ فِي الدِّيَاتِ وَقَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى: أَيْ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْمَالِيَّةِ، وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي مِلْكِ الْعَيْنِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا الْبَيَانِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُهُ وَحَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالنَّصْبِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ: دَيْنَ الْعَبْدِ أَوْ مَحَلِّهِ، مَعْنَاهُ أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ أَقْوَى، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ تَصْرِيحُ الْقُدُورِيِّ بِذَلِكَ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ مَرَّ آنِفًا تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَوَّلًا، وَتَقَدُّمَهُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ ذَكَرَ دَيْنَ الْعَبْدِ ثَانِيًا وَتَقَدُّمَهُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ: قَوْلُهُ: وَحَقِّ وَلِيِّ بِالْجَرِّ: أَيْ دَيْنُ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَمُقَدَّمٌ أَيْضًا عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، حَتَّى لَوْ جَنَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ، فَأَقُولُ: هَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا تَدْفَعُ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: دَيْنُ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَدَّمَ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَأَنَّهُ مُنَاقَضَةٌ لَا مَحَالَةَ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْغَايَةِ أَقُولُ: لَا تَدَافُعَ بَيْنَ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدُوا بِهَا؛ إذْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى الْفَطِنِ تَحَقُّقُ تَقْدِيمِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ حَقِيقَةً عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ دَفَعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ أَوَّلًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ بَلْ بِيعَ وَدُفِعَ ثَمَنُهُ إلَى الْغُرَمَاءِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ وَإِنْ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَوَّلًا، لَكِنْ إذَا بِيعَ لَمْ يَبْقَ لِلدَّفْعِ أَثَرٌ فَعُلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُقَدَّمًا حَقِيقَةً انْتَهَى (قَوْلُهُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أُسْلُوبِ تَحْرِيرِ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ إلَخْ مِنْ مُتَفَرِّعَاتِ

ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَخْتَارُ الدَّفْعَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ وَلَهُ فِي الْفِدَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الرَّاهِنِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ، وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ الدَّفْعِ لِمَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَخْتَارُهُ (وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا فِي حِصَّةِ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَخْتَارَهُ فَيُخَاطَبُ الرَّاهِنُ، فَلَمَّا الْتَزَمَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا، وَهَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ الْحُضُورِ، وَسَنُبَيِّنُ الْقَوْلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ وَفَدَاهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ نِصْفَ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ فَدَى أَوْ دَفَعَ فَلَمْ يُجْعَلْ الرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نِصْفُ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نِصْفِ الْفِدَاءِ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ فِي نِصْفٍ كَانَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَدَّاهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَوْفَى نِصْفَهُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ (وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ فَدَى، وَالرَّاهِنُ حَاضِرٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ وَزُفَرُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ وَلَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَمْكَنَهُ مُخَاطَبَتُهُ، فَإِذَا فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَقَدْ تَبَرَّعَ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا تَعَذَّرَ مُخَاطَبَتُهُ، وَالْمُرْتَهِنُ يَحْتَاجُ إلَى إصْلَاحِ الْمَضْمُونِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِصْلَاحِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلَوْ تَوَلَّى الْمُوصَى حَيًّا بِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَالنَّظَرُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِيَ مَالَهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ) ؛ لِأَنَّهُ آثَرَ بَعْضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مَسْكَةٍ أَنَّ الْمَالَ الْمُسْتَهْلَكَ إذَا اسْتَغْرَقَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَفْضُلَ عَلَى دَيْنِ الْغَرِيمِ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي بِيعَ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْتَظِمَ الْمَعْنَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ إلَخْ مَسْأَلَةً مُبَايِنَةً لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُقَابِلَةً لَهَا لَا مُتَفَرِّعَةً عَلَيْهَا، وَيَكُونَ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ فَضَلَ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ كَمَا تُسْتَعْمَلُ الْفَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ تَأَمَّلْ

[فصل ومن رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر]

الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَ الْإِيثَارَ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ (فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ) اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ (وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَكَذَا بَعْدَهُ (وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِي رَهْنِ الْوَصِيِّ تَفْصِيلَاتٌ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [فَصْلٌ وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا بِعَشَرَةٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَتَخَمَّرَ] فَصْلٌ قَالَ (وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا بِعَشَرَةٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ صَارَ خَلًّا يُسَاوِي عَشَرَةً فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ، إذْ الْمَحَلِّيَّةُ بِالْمَالِيَّةِ فِيهِمَا، وَالْخَمْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً حَتَّى إنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ لِتَغَيُّرِ وَصْفِ الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَاخِرِ الْكُتُبِ، فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَ فِيمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ؛ إذْ الْمَحَلِّيَّةُ بِالْمَالِيَّةِ فِيهِمَا، وَالْخَمْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ

تَعَيَّبَا (وَلَوْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا فَصَارَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ، فَإِذَا حَيِيَ بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ حُكْمُهُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمُنْتَقَضُ لَا يَعُودُ، أَمَّا الرَّهْنُ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَمْنَعُ مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ وَيَقُولُ: يَعُودُ الْبَيْعُ قَالَ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَالرَّهْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَيْهِ (فَإِنْ هَلَكَ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا؛ إذْ اللَّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُهَا (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ، وَالزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ إذَا بَقِيَ إلَى وَقْتِهِ، وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا صَارَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ، فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ كَانَ مَدَارُ مَسْأَلَتِنَا الْمَذْكُورَةِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعْلِيلِ لَمَا ظَهَرَ فَائِدَةُ قَوْلِهِ ثُمَّ صَارَ خَلًّا فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ كَانَ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ: وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا بِعَشَرَةٍ فَتَخَمَّرَ فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ لِكِفَايَةِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ بِعَيْنِهِ فِي إثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى الْعَامِّ فَتَأَمَّلْ

وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لِمَا ذَكَرْنَا وَصُوَرُ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى، وَتَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ (وَلَوْ رَهَنَ شَاةً بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: احْلِبْ الشَّاةَ فَمَا حَلَبَتْ فَهُوَ لَك حَلَالٌ فَحَلَبَ وَشَرِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَمَّا الْإِبَاحَةُ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرِ؛ لِأَنَّهَا إطْلَاقٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَتَصِحُّ مَعَ الْخَطَرِ (وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ (فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الشَّاةَ حَتَّى مَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَ وَعَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، فَمَا أَصَابَ الشَّاةَ سَقَطَ، وَمَا أَصَابَ اللَّبَنَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ وَالْفِعْلُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَخَذَهُ وَأَتْلَفَهُ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ فَبَقِيَ بِحِصَّتِهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَمَا بَالُ هَذَا تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ؟ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الْمَحَلُّ بَاقِيًا، وَهَاهُنَا يَتَبَدَّلُ الْمَحَلُّ حُكْمًا بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ فَلِذَلِكَ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَعُودَ وَيَقُولَ: لَوْ كَانَ يَتَبَدَّلُ الْمَحَلُّ هَا هُنَا بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ إذْ عَلَى تَقْدِيرِ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ هَالِكًا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي هَاتِيك الصُّورَةِ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ: إنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّ الْمُنْتَقَضَ لَا يَعُودُ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّبَدُّلُ لَيْسَ بِتَبَدُّلٍ حَقِيقِيٍّ بَلْ هُوَ تَبَدُّلٌ حُكْمِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَاَلَّذِي يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْبَيْعِ هَالِكًا إنَّمَا هُوَ التَّبَدُّلُ الْحَقِيقِيُّ دُونَ الْحُكْمِيِّ قُلْنَا: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا بَالُ هَذَا التَّبَدُّلِ الْحُكْمِيِّ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُقَرَّرِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي كَوْنِ الْمَبِيعِ هَالِكًا، وَمَا الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا وَبِالْجُمْلَةِ لِلْكَلَامِ مَجَالٌ فِي كُلِّ حَالٍ وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَآلَ مَا ذَكَرَهُ أَنْ يَكُونَ السَّالِبُ لِقَابِلِيَّةِ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ تَبَدُّلُ وَصْفِ الْعَصِيرِيَّةِ إلَى الْخَمْرِيَّةِ مُصَحِّحًا لَهَا وَقَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْخَمْرَ قَابِلٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، كَمَا إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَالْعُقُودُ شُرِعَتْ لِأَحْكَامِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ ابْتِدَاءً لِلنَّهْيِ عَنْ الِاقْتِرَابِ وَالِاغْتِرَارِ،

الشَّاةِ إذَا أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي أَكْلِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ النَّمَاءِ الَّذِي يَحْدُثُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَالَ (وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي الدَّيْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ فِيهِمَا، وَالْخِلَافُ مَعَهُمَا فِي الرَّهْنِ، وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَالْمَهْرُ وَالْمَنْكُوحَةُ سَوَاءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُخْرَى أَنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَالرَّهْنُ كَالْمُثَمَّنِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَالْإِمْكَانِ وَلَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِنْدَنَا، وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الدَّيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الدَّيْنِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْبَقَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: جَوَابُهُ الَّذِي عَدَّهُ أَوْلَى لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلَخْ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ، وَالْخَمْرُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً حَيْثُ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَمَا مَعْنَى كَوْنِ الْخَمْرِ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فِي الْبَقَاءِ دُونَ الِابْتِدَاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخَمْرَ قَابِلٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَزْبُورَ الْمُورَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ: إنَّ الْخَمْرَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً، بَلْ يَكُونُ مَآلُهُ تَغْيِيرَ تَعْلِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ، إلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا يَكُونُ حُكْمًا لِلْبَيْعِ يَكُونُ حُكْمًا لِلرَّهْنِ، وَالْخَمْرُ قَابِلٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَكَذَا فِي الرَّهْنِ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ عُدُولًا عَنْ تَعْلِيلِهِمْ الْمَرَضِيِّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ؛ إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ مَا يَكُونُ حُكْمًا لِلْبَيْعِ، وَهُوَ مِلْكُ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ حُكْمًا لِلرَّهْنِ فَإِنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْحَبْسِ لِلْمُرْتَهِنِ لَا غَيْرُ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ إلَخْ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي أَثْنَاءِ ذِكْرِ دَلِيلِهِمَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَالرَّهْنُ كَالْمُثَمَّنِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَالْإِمْكَانِ، وَعَنْ هَذَا تَرَكَ صَاحِبُ الْكَافِي الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ أَعْنِي قَوْلَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ دَلِيلِهِمَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ الِاحْتِرَازَ عَنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلَافِيَّةُ الْأُخْرَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ هُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ أَصْلِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ، فَإِنَّ أَصْلَهُمْ فِيهَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْبَاعِثُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا بِهَذَا الِاحْتِرَازِ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ دَلِيلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُخْرَى هُوَ الْقِيَاسَ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ تَقْرِيرُهُ

الدَّيْنُ أَلْفًا وَهَذَا شُيُوعٌ فِي الدَّيْنِ، وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي طَرَفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَلَا مَعْقُودٍ بِهِ بَلْ وُجُوبُهُ سَابِقٌ عَلَى الرَّهْنِ، وَكَذَا يَبْقَى بَعْدَ انْفِسَاخِهِ، وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي بَدَلَيْ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلٌ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَتُسَمَّى هَذِهِ زِيَادَةً قَصْدِيَّةً يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ، وَقِيمَةُ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفًا يُقَسَّمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا، فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ، وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَا الدَّيْنِ اعْتِبَارًا بِقِيمَتِهِمَا فِي وَقْتَيْ الِاعْتِبَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الْقَبْضِ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ زَادَ مَعَ الْوَلَدِ عَبْدًا، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِد أَلْفٌ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ مَعَ الْوَلَدِ خَاصَّةً يُقَسَّمُ مَا فِي الْوَلَدِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعَبْدِ الزِّيَادَةُ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ زِيَادَةً مَعَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ (وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأُمِّ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِّمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ دَخَلَتْ عَلَى الْأُمِّ قَالَ (فَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ عَبْدًا آخَرَ قِيمَتَهُ أَلْفٌ رَهْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ دَلِيلَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِكَوْنِهِمَا فِي خِلَافِيَّةٍ هَا هُنَا، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُمَا أَيْضًا هُوَ الْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا الِاسْتِحْسَانُ أَصْلُهُمْ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي طَرَفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَلَا مَعْقُودٍ بِهِ، بَلْ وُجُوبُهُ سَابِقٌ عَلَى الرَّهْنِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَبْقُ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّهْنِ أَلْبَتَّةَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي زِيدَ دَيْنًا جَدِيدًا حَادِثًا بِمُوجِبٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ مِنْ الِاسْتِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، فَالدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ أَصْلِ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ تَسْمِيَةً جَدِيدَةً فَتَصِيرُ كَالرَّهْنِ

مَكَانَ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ مَا دَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا، وَإِذَا بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا فَإِذَا رُدَّ الْأَوَّلُ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ ثُمَّ قِيلَ: يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ الرَّهْنِ بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ، كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ جِيَادٌ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا ظَنَّهَا جِيَادًا ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ وَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدَ الْقَبْضَ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ، وَالْقَبْضُ يُرَدُّ عَلَى الْعَيْنِ فَيَنُوبُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ عَنْ قَبْضِ الْعَيْنِ (وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ اسْتِحْسَانًا) خِلَافًا لِزُفَرَ،؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَلَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ وَلَا جِهَتِهِ لِسُقُوطِهِ، إلَّا إذَا أَحْدَثَ مَنْعًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا إذَا لَمْ تَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ (وَكَذَا إذَا ارْتَهَنَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِالصَّدَاقِ فَأَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى صَدَاقِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَمْ تَضْمَنْ شَيْئًا لِسُقُوطِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ، وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى إلَى مَا اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ أَوْ الْمُتَطَوِّعُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ أَصْلًا كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ، فَأَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ فَقَائِمٌ، فَإِذَا هَلَكَ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِابْتِدَائِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ زَمَانَ وُجُوبِ الدَّيْنِ الْجَدِيدِ مُقَدَّمٌ عَلَى زَمَانِ الْتِحَاقِهِ بِالْأَصْلِ، فَإِنَّ الِالْتِحَاقَ فَرْعُ التَّحَقُّقِ فَلِهَذَا حُكِمَ بِسَبْقِ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّهْنِ أَلْبَتَّةَ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ أَصْلًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ، فَإِذَا هَلَكَ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي) الْمُرَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ هُوَ الِاسْتِيفَاءُ الْحُكْمِيُّ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ الثَّانِي هُوَ الِاسْتِيفَاءُ الْحَقِيقِيُّ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَقُولُ:

(وَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ عَنْهُ عَلَى عَيْنٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ (وَكَذَلِكَ إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَيَهْلَكُ بِالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَرَاءَةِ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُحِيلِ مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، أَوْ مَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ (وَكَذَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ) لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالتَّصَادُقِ عَلَى قِيَامِهِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَا هُنَا نَوْعُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ الْحُكْمِيَّ الَّذِي ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِقَبْضِ الرَّهْنِ إمَّا أَنْ يُنْتَقَضَ بِاسْتِيفَائِهِ الدَّيْنَ حَقِيقَةً بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ، أَوْ لَمْ يُنْتَقَضْ بَلْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ انْتَقَضَ لَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ، فَإِذَا هَلَكَ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ؛ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُنْتَقَضَ لَا يَعُودُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يُنْتَقَضْ بَلْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ يَلْزَمُ أَنْ يَتَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ اسْتِيفَائِهِ الدَّيْنَ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ، وَتَكَرُّرُهُ مُؤَدٍّ إلَى الرِّبَا، فَاسِدٌ كَمَا مَرَّ أَيْضًا غَيْرَ مَرَّةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَقَضٍ بَلْ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَلَكِنَّهُ فِي قُوَّةِ الزَّوَالِ وَالِانْتِقَاضُ بِرَدِّ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ عَلَى الرَّاهِنِ سِيَّمَا إذَا وَجَبَ الرَّدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَكَأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ يَتَكَرَّرْ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ مَا لَمْ يَتَقَرَّرْ الِاسْتِيفَاءُ الْحُكْمِيُّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَمْ يُجْعَلْ فَاسِدًا، هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي التَّقَصِّي عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تَكَلُّفٍ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَوْفَى، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَّةَ هُنَا نُقَوِّضُ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ فِي صُورَةٍ فِي الْإِبْرَاءِ وَقَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرْجَعَ إلَى قَوْلِهِ: فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً انْتَهَى أَقُولُ: لَا مَسَاغَ عِنْدِي لَأَنْ يَكُونَ

[كتاب الجنايات]

كِتَابُ الْجِنَايَاتِ قَالَ (الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَا هُنَا بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَوْفَى؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الْمُرْتَهِنِ الدَّيْنَ فِيمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مُسْتَوْفًى، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ هَا هُنَا بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ اسْتَوْفَى لَتَكَرَّرَ الْحَشْوُ فِي كَلَامِهِ، وَحَاشَا لَهُ عَنْ ارْتِكَابِ مِثْلِ ذَلِكَ [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] أَوْرَدَ الْجِنَايَاتِ عَقِيبَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْوِقَايَةِ وَالصِّيَانَةِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِصِيَانَةِ الْمَالِ، وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ وَسِيلَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ قُدِّمَ الرَّهْنُ عَلَى الْجِنَايَاتِ بِنَاءً عَلَى تَقَدُّمِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ دُونَ أَنْفُسِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا مَشْرُوعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ثُمَّ إنَّ الْجِنَايَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ تَكْسِبُهُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا جِنَايَةً، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَقْبُحُ وَيَسُوءُ، إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصَّ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَلَّ بِالنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَالثَّانِي يُسَمَّى قَطْعًا وَجُرْحًا، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالشُّرُوحِ (قَوْلُهُ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَجْهُ الِانْحِصَارِ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ هُوَ أَنَّ الْقَتْلَ إذَا صَدَرَ عَنْ إنْسَانٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، فَإِنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ قَصْدُ الْقَتْلِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ عَمْدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ خَطَأٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَصْدُ التَّأْدِيبِ وَالضَّرْبِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ هُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ، وَبِهَذَا

وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْحِصَارِ يُعْرَفُ أَيْضًا تَفْسِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَتْلَ الْخَطَأَ مَخْصُوصًا بِمَا حَصَلَ بِسِلَاحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ كَمَا يَكُونُ بِسِلَاحٍ يَكُونُ أَيْضًا بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ كَالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ كَانَ هُوَ هُوَ يُشْبِهُ تَفْسِيرَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلَ بِسَبَبٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلَ بِخَطَأٍ مَحْضٍ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الْحَصْرُ فِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ وَلَمَّا تَنَبَّهْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِمَا فِي وَجْهِ الْحَصْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ الْقُصُورِ قَالَ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ اسْتَقْرَيْنَا فَوَجَدْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ، وَنَقَلَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ وَجْهِ الْحَصْرِ فَقَالَ: وَضَعْفُهُ وَرَكَاكَتُهُ ظَاهِرَانِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبَيَانٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَتْلٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى ضَمَانِ الْقَتْلِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ: كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَالْقَتْلِ قِصَاصًا، وَالْقَتْلِ رَجْمًا، وَالْقَتْلِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ جِنْسَ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ: يَمِينُ اللَّهِ، وَيَمِينٌ بِالطَّلَاقِ، وَيَمِينٌ بِالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى أَقُولُ: فِيمَا قَالُوا نَظَرٌ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ، بَلْ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ يَكُونُ قَتْلَ عَمْدٍ إنْ تَعَمَّدَ الْقَاتِلُ ضَرْبَ الْمَقْتُولِ بِسِلَاحٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ، وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ إنْ تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ، وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ، وَيَكُونُ خَطَأً إنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ التَّعَمُّدِ بَلْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخَطَإِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْقَتْلِ خَارِجَةً مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِهَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ لَا مِنْ نَفْسِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ خُرُوجُ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ لِلْقَتْلِ لَا مِنْ نَفْسِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ؟ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ مَشْرُوطًا بِشُرُوطٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا وُجُوبَ الْقَوَدِ مِنْ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ مَعَ أَنَّ لَهُ شَرَائِطَ كَثِيرَةً: مِنْهَا كَوْنُ الْقَاتِلِ عَاقِلًا بَالِغًا إذْ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ أَصْلًا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ عَمْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ الْأُمُّ وَلَدَهَا وَكَذَا الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِلْكَ الْقَاتِلِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَقْتُولِ مَعْصُومَ الدَّمِ مُطْلَقًا فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ، وَلَا بِالْمُرْتَدِّ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ أَصْلًا، وَلَا بِالْمُسْتَأْمَنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ مَا ثَبَتَتْ مُطْلَقَةً بَلْ مُؤَقَّتَةً إلَى غَايَةِ مُقَامِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، فَكَذَا كَوْنُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ شَرْطًا لِتَرَتُّبِ كُلٍّ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرُوا مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمُبَاحَةِ لِلْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ بَلْ كُلُّهَا بِحَقٍّ، فَدُخُولُهَا فِي نَفْسِ أَوْجُهِ الْقَتْلِ دُونَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لَهَا بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ شَرْطِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَهُوَ كَوْنُ الْقَتِيلِ مَعْصُومَ الدَّمِ، وَكَوْنُ الْقَتْلِ

قَالَ (فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْخَشَبِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ الْمُحَدَّدَةِ وَالنَّارِ) ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فَكَانَ مُتَعَمِّدًا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ (وَمُوجِبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الْآيَةَ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السُّنَّةِ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْدَحُ فِي شَيْءٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَامُ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْوَالُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ إذْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْجِنَايَاتِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا دُونَ أَحْوَالِ مُطْلَقِ الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجُهُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ضَرَبَهُ: أَيْ ضَرَبَ الْمَقْتُولَ، وَقَالَ: فَيَخْرُجُ الْعَمْدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ انْتَهَى أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِمَسْأَلَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى، وَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدْ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأَبَانَ رَأْسَهُ وَقَتَلَهُ فَهُوَ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ أَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ وَجْهُ الْوُرُودِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ضَرْبَ الْمَقْتُولِ بَلْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ يَدِهِ، مَعَ أَنَّهُ جَعَلَ ضَرْبَهُ الْقَتْلَ الْعَمْدَ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حَكَمُ قَتْلِ النَّفْسِ، وَهُوَ الْقَوَدُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فَكَانَ مُتَعَمَّدًا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّعْلِيلِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا اسْتَعْمَلَ الْآلَةَ الْقَاتِلَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ؛ كَمَا إذَا رَمَى شَخْصًا بِسَهْمٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ، أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، وَهَذَا مِنْ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ، وَكَمَا إذَا رَمَى غَرَضًا بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَهَذَا مِنْ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ الَّذِي جُعِلَ دَلِيلًا عَلَى الْقَصْدِ قَدْ تَحَقَّقَ هُنَاكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ قَاطِبَةً فَإِنْ قُلْتَ: الْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ لَا اسْتِعْمَالُهَا مُطْلَقًا فَفِيمَا إذَا رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْآدَمِيِّ بَلْ كَانَ لِغَرَضٍ آخَرَ قُلْتُ: هَذَا التَّأْوِيلُ إنَّمَا يُفِيدُ فِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ دُونَ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِيهِ أَيْضًا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ لَكِنَّ الْخَطَأَ فِي وَصْفِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ قُلْتَ: الْمُرَادُ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ مِنْ حَيْثُ هُوَ آدَمِيٌّ لَا اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِهِ مُطْلَقًا، وَفِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ قُلْتُ: كَوْنُ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَمْرٌ مُضْمَرٌ رَاجِعٌ إلَى النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ فَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَمْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ خَارِجِيٍّ لَمْ يُذْكَرْ فِي التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ كَانَ مَدَارُ كَوْنِ الْقَتْلِ عَمْدًا مُجَرَّدَ اسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ: الْقَتْلُ الْعَمْدُ ضَرْبُهُ قَصْدًا بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ كَسِلَاحٍ وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ لِيطَةٍ أَوْ نَارٍ وَجْهٌ؛ إذْ يَلْزَمُ إذْ ذَاكَ أَنْ يَكُونَ قَيَّدَ قَصْدًا زَائِدًا بَلْ لَغْوًا لِعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ بِالْغَرَضِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ وَهُوَ ضَرْبُهُ مِمَّا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ فَيَكْفِي ذِكْرُهُ، بَلْ لَمَّا كَانَ لِقَيْدِ تَعَمَّدَ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ وَجْهٌ، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَالْعَمْدُ مَا ضَرَبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَمُوجِبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] الْآيَةَ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الدَّلِيلُ خَاصٌّ وَالْمُدَّعِي عَامٌّ،

قَالَ (وَالْقَوَدُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إلَّا أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ، وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ إيجَابَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمَأْثَمُ، وَالْقَوَدُ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقَادُ بِالذِّمِّيِّ عِنْدَنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ لُزُومِ الْمَأْثَمِ، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ مَخْصُوصَةٌ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ أَفَادَتْ الْمَأْثَمَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا فَقَطْ بِعِبَارَتِهَا إلَّا أَنَّهَا تُفِيدُ الْمَأْثَمَ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ عَمْدًا أَيْضًا بِدَلَالَتِهَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فَإِنْ قِيلَ: بَقِيَ خُصُوصُ الدَّلِيلِ مَعَ عُمُومِ الْمُدَّعِي مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، وَإِنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَلَمْ يَتُبْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ يَقْتُلُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ بِدَلَالَةِ خَالِدًا فِيهَا فَكَانَ الْقَتْلُ بِدُونِ الِاسْتِحْلَالِ خَارِجًا عَنْ مَدْلُولِ الْآيَةِ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِمَنْ يَقْتُلُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمَذْكُورِ فِيهَا هُوَ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ كَمَا ذُكِرَ فِي التَّفَاسِيرِ، فَلَا يُنَافِي التَّعْمِيمُ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَلَئِنْ سُلِّمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ وَفِي التَّفَاسِيرِ أَيْضًا فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى عِظَمِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ، وَتَحَقُّقِ الْإِثْمِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا بِدُونِ الِاسْتِحْلَالِ أَيْضًا، وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ مِنْ اسْتِحْلَالِهِ الْخُلُودُ فِي النَّارِ (قَوْلُهُ وَالْقَوَدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إلَّا أَنَّهُ تَقَيُّدٌ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ) يَعْنِي أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يُوجِبُ الْقَوَدَ بِالْقِصَاصِ أَيْنَمَا يُوجَدُ الْقَتْلُ، وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ إلَّا أَنَّهُ تَقَيُّدٌ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ قَوَدٌ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» لَا يُوجِبُ التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ لَمْ يُوجِبْ هَذَا الْخَبَرُ تَقْيِيدَ الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ الْقَوَدُ مُوجِبَ الْعَمْدِ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ لِذِكْرِ لَفْظِ الْعَمْدِ فَائِدَةٌ انْتَهَى أَقُولُ: سُؤَالُهُ ظَاهِرُ الْوُرُودِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِ كُلِّ ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا سِوَاهُ حَامَ حَوْلَ ذِكْرِهِ وَأَمَّا جَوَابُهُ فَمَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُئِلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ حُكْمِ الْعَمْدِ فَقَطْ بِأَنْ كَانَتْ الْحَادِثَةُ قَتْلَ الْعَمْدِ فَصَارَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِمْ، فَفَائِدَةُ ذِكْرِ لَفْظِ الْعَمْدِ حِينَئِذٍ تَطْبِيقُ الْجَوَابِ لِلسُّؤَالِ، وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ كَيْفَ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ تَفَكَّرْ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ) أَقُولُ: جَعَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَوْلَهُ: وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ حُجَّةً تَامَّةً وَجَعَلَ قَوْلَهُ: وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ حُجَّةً أُخْرَى فَقَالَ فِي تَقْرِيرِ الْأُولَى: وَتَقْرِيرِ

قَالَ (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ أَوْ يُصَالِحُوا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ فَيَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهُ، وَفِي قَوْلِ الْوَاجِبِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَابِرًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ نَوْعُ جَبْرٍ فَيَتَخَيَّرُ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَرَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلتَّمَاثُلِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ الْأَحْيَاءِ زَجْرًا وَجَبْرًا فَيَتَعَيَّنُ، وَفِي الْخَطَإِ وُجُوبُ الْمَالِ ضَرُورَةَ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحُجَّتِهِ أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ تَتَكَامَلُ بِهَا الْجِنَايَةُ، وَكُلُّ مَا كَانَ يَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ كَانَتْ حِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا أَكْمَلَ، وَقَالَ فِي تَقْرِيرِ الْأُخْرَى وَتَقْرِيرُهَا الْقَوَدَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ، وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى كَوْنِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُقَيَّدَةً بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى إطْلَاقِهَا لَتَنَاوَلَتْ الْعَمْدَ وَشِبْهَهُ وَالْخَطَأَ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ عُقُوبَةٌ كَامِلَةٌ مَشْرُوعًا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ أَيْضًا بِمُقْتَضَى إطْلَاقِهَا، وَكَوْنُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُقَيَّدَة بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ هُوَ الْمُدَّعَى هَا هُنَا، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ حُجَّةً أُخْرَى يَلْزَمُ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُفِيدَ الْمُدَّعِي مَا جَعَلَهُ حُجَّةً أُولَى؛ لِأَنَّ نَتِيجَتَهَا عَلَى مُقْتَضَى تَقْرِيرِهِ أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ كَانَتْ حِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا أَكْمَلَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ لَا تَتَحَقَّقَ حِكْمَةُ الزَّجْرِ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ أَصْلًا فَيَجُوزُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ أَيْضًا زَجْرًا عَنْهُ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ فَالصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ وَالْمَجْمُوعُ حُجَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ لَفْظَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى تَكَامُلِ الْجِنَايَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ أَوْ إلَى تَوَفُّرِ حِكْمَةِ الزَّجْرِ كَمَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَقْرَبُ لَا إلَى الْعَمْدِيَّةِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَيُفِيدُ مَجْمُوعُ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الْقَوَدَ الَّذِي هُوَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مَسْكَةٍ ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ فِي كَلَامِ

وَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ هَا هُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ مَرْجِعَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ بِأَسْرِهَا إلَى الْقِيَاسِ، وَبِهَذَا صَحَّحُوا انْحِصَارَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي أَرْبَعَةٍ، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَالْقِيَاسُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى الْقِيَاسِ، وَتَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ نَسْخٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ) يَعْنِي لَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ لِقَتْلِ الْقَاتِلِ بَعْدَ مَا أَخَذَ الدِّيَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَأْخُذَهَا الْوَلِيُّ مِنْ الْقَاتِلِ بِدُونِ رِضَاهَا ثُمَّ يَقْتُلَهُ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَقُولُ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ شَرْعًا، فَإِنَّ الْقَاتِلَ يَصِيرُ مَحْقُونَ الدَّمِ بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْوَلِيُّ بَعْدَهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَكَوْنُهُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ شَرْعًا يَكْفِي لِأَخْذِ الدِّيَةِ مِنْ الْقَاتِلِ بِدُونِ رِضَاهُ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَخْتَارُ الْهَلَاكَ الْمُقَرَّرَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْخَلَاصِ عَنْهُ شَرْعًا بِأَدَاءِ الْمَالِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْهَلَاكِ عَقْلًا بَعْدَ أَدَاءِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَلَوْ اخْتَارَهُ الْقَاتِلُ وَامْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ يُعَدُّ ذَلِكَ سَفَهًا وَإِلْقَاءً لِنَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: قِيلَ هَذَا الْوَهْمُ مَوْجُودٌ فِيمَا أَخَذَ الْمَالَ صُلْحًا وَقَدْ جَازَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي الصُّلْحِ الْمُرَاضَاةَ، وَالْقَتْلُ بَعْدَهُ ظَاهِرُ الْعَدَمِ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ رِضَا الْقَاتِلِ لَا يُفِيدُ وَرِضَا الْوَلِيِّ مَوْجُودٌ

وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَنَا: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّكْفِيرِ فِي الْعَمْدِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَيْهِ فِي الْخَطَأِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا وَلَنَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلَا تُنَاطُ بِمِثْلِهَا، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمَقَادِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكْتَفِيَ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ: إنَّ فِي الصُّلْحِ الْمُرَاضَاةَ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الْأَخْذِ فِيهِ بَعْدَ مَا وُجِدَ رِضَا الْقَاتِلِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ انْتَهَى أَقُولُ: بَحْثُهُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ رِضَا الْقَاتِلِ لَا يُفِيدُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ رِضَاهُ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ رِضَا الْوَلِيِّ يُفِيدُ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى رِضَا الْوَلِيِّ وَحْدَهُ، فَإِنَّ التَّصَالُحَ وَالتَّوَافُقَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقْطَعُ مَادَّةَ الْعَدَاوَةِ وَالْبُغْضِ عَادَةً، وَعَنْ هَذَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] بِخِلَافِ رِضَا الْوَلِيِّ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرًا مَا يَنْدَمُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَحْدَهُ فَيَرْجِعُ عَنْهُ فَتَمَّ قَوْلُ الْمُجِيبِ وَالْقَتْلُ بَعْدَهُ ظَاهِرُ الْعَدَمِ، وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَشَارَ إلَى مَا قُلْنَا حَيْثُ قَالَ فِي بَسْطِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ: قُلْتُ لَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَصَالَحَا بِرِضَاهُمَا عَلَى الْمَالِ كَانَ وَهُوَ قَصْدُ الْقَتْلِ مُنْدَفِعًا؛ لِأَنَّ لِلتَّرَاضِي وَالتَّصَالُحِ تَأْثِيرًا فِي دَفْعِ الشَّرِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَلَمَّا وَرَدَ الْخَيْرُ انْتَفَى الشَّرُّ لَا مَحَالَةَ لِلتَّضَادِّ بَيْنَهُمَا انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إنْ أَحَبُّو قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّو أَخَذُوا الدِّيَةَ» وَبِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ لِمَعْنَى الِانْتِقَامِ وَتَشَفِّي صُدُورِ الْأَوْلِيَاءِ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تُقْتَلُ بِوَاحِدٍ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ، فَكَانَ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْوَلِيِّ وَذَلِكَ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يُعَارِضُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّ الْقِصَاصَ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْوَلِيِّ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَهُوَ الِانْتِقَامُ وَتَشَفِّي الصُّدُورِ، فَإِنَّهُ شُرِعَ زَجْرًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ إفْنَاءِ قَبِيلَةٍ بِوَاحِدٍ، لَا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً عِنْدَ قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بَلْ الْقَاتِلُ وَأَهْلُهُ لَوْ بَذَلُوا مَا مَلَكُوهُ وَأَمْثَالَهُ مَا رَضِيَ بِهِ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، فَكَانَ إيجَابُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ تَضْيِيعَ حِكْمَةِ الْقِصَاصِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يَكُونُ إيجَابُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ تَضْيِيعًا لِحِكْمَةِ الْقِصَاصِ أَنْ لَوْ كَانَ إيجَابُهُ فِي مُقَابَلَتِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ بَلْ عَلَى وَجْهِ تَخْيِيرِ الْوَلِيِّ بَيْنَ أَخْذِ الْمَالِ وَبَيْنَ الْقِصَاصِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْخَصْمِ فَلَا تَضْيِيعَ لِحِكْمَةِ الْقِصَاصِ؛ إذْ لِلْوَلِيِّ حِينَئِذٍ الْقُدْرَةُ عَلَى الِانْتِقَامِ وَتَشَفِّي الصُّدُورِ بِاخْتِيَارِ الْقِصَاصِ، فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْهُ بَلْ اخْتَارَ الْمَالَ كَانَ تَارِكًا لِلِانْتِقَامِ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ كَمَا إذَا عَفَا أَوْ صَالَحَ فِي إسْقَاطِ مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلَا تُنَاطُ بِمِثْلِهَا) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْتَ: يُشْكِلُ بِكَفَّارَةِ قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَمَعَ هَذَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ قُلْتُ: هُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَحَلِّ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ يَلْزَمُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ كَانَ جِنَايَةَ الْفِعْلِ لَوَجَبَ جَزَاءَانِ، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ انْتَهَى أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ مَضْمُونُ الدَّلِيلِ الْمَزْبُورِ، وَهُوَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُنَاطُ بِمَا هُوَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا أَصْلُ الْمُدَّعِي، وَهُوَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، فَإِذَا سُلِّمَ كَوْنُ قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ كَبِيرَةً مَحْضَةً يَلْزَمُ أَنْ يُشْكِلَ الدَّلِيلُ الْمَزْبُورُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ جِنَايَةَ الْفِعْلِ أَوْ جِنَايَةَ الْمَحَلِّ، وَكَوْنُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ إنَّمَا يُفِيدُ لَوْ أَوْرَدَ السُّؤَالَ عَلَى أَصْلِ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ فِي جِنَايَةِ الْفِعْلِ دُونَ جِنَايَةِ الْمَحَلِّ، وَقَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ جَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لَا جَزَاءُ الْمَحَلِّ أَصْلًا، فَلَوْ كَانَ قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ جِنَايَةً عَلَى الْمَحَلِّ لَا جِنَايَةَ الْفِعْلِ لَزِمَ أَنْ لَا تَصْلُحَ الْكَفَّارَةُ لِكَوْنِ الْكَفَّارَةِ جَزَاءَ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لَا جَزَاءَ الْمَحَلِّ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمَقَادِيرِ

وَتَعَيُّنُهَا فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يُعَيِّنُهَا لِدَفْعِ الْأَعْلَى وَمِنْ حُكْمِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ» قَالَ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إذَا ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يَتَقَاصَرُ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يُقْتَلُ بِهَا غَالِبًا لِمَا أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهَا غَيْرَهُ كَالتَّأْدِيبِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَلَا يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ إلَّا الْقَتْلَ كَالسَّيْفِ فَكَانَ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقَوَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَعَيُّنَهَا فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِهَا لِدَفْعِ الْأَعْلَى) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ يَعْنِي أَنَّ تَعَيُّنَ الْكَفَّارَةِ فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى، وَهُوَ الْخَطَأُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِهَا لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَمْدُ، فَإِنَّ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَتَحَمَّلُ الْأَدْنَى لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِلْعَجْزِ عَنْهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ «وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يَعْتِقْ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَإِيجَابُ النَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْجَبَهَا بِشِبْهِ الْعَمْدِ كَالْقَتْلِ بِالْحَجَرِ أَوْ الْعَصَا الْكَبِيرَيْنِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ لَا يُعَارِضُ إشَارَةَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] فَإِنَّ الْفَاءَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ كُلَّ الْجَزَاءِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ لَكَانَ الْمَذْكُورُ بَعْضَهُ وَهُوَ خَلَفٌ انْتَهَى أَقُولُ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ إذْ الْقِصَاصُ وَاجِبٌ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَوْ اقْتَضَتْ الْفَاءُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ بَعْدَهَا كُلَّ الْجَزَاءِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ أَيْضًا مَذْكُورًا فِي الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَإِنْ حُمِلَ الْجَزَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْجَزَاءِ الْأُخْرَوِيِّ فَقَطْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ النَّظْمِ الشَّرِيفِ وَقِيلَ الْقِصَاصُ جَزَاءٌ دُنْيَوِيٌّ فَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ الْفَاءِ فَلْيَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي شَأْنِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عُرِفَ بِآيَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] فَإِنْ دَلَّتْ إشَارَةُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ مِنْ جَزَاءِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ كَالْكَفَّارَةِ بِمُقْتَضَى كَوْنِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ الْفَاءِ كُلَّ الْجَزَاءِ فَقَدْ دَلَّتْ عِبَارَةُ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ

وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَقْصُودِ قَتْلُهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْقَتْلُ غَالِبًا فَقُصِرَتْ الْعَمْدِيَّةُ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ، فَكَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ كَالْقَتْلِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ تُرَجَّحُ عَلَى إشَارَةِ النَّصِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَعَمِلْنَا بِعِبَارَةِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ مِنْ وَجْهٍ وَجَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا بَيَّنَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَجَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ مِنْ الْجَزَاءِ الْمُضَافِ إلَى الْفَاعِلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] هُوَ جَزَاءُ فِعْلِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ مَذْكُورًا فِيهِ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لَوْ أَوْجَبْنَاهَا وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ هَا هُنَا نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ: وَلَا وَجْهَ لِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ جَزَاءُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ كَانَ الْمَذْكُورُ جَزَاءَ الرِّدَّةِ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الِاسْتِحْلَالِ زِيَادَةٌ عَلَى الشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ فَيَكُونُ نَسْخًا وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْخُلُودِ فَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ عَامَلَهُ بِعَدْلِهِ أَوْ عَلَى مَعْنَى تَطْوِيلِ الْمُدَّةِ مَجَازًا يُقَالُ خَلَدَ فُلَانٌ فِي السِّجْنِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَيْنِك الدَّلِيلَيْنِ الْمَسُوقَيْنِ لِعَدَمِ وَجْهِ حَمْلِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِمُسْتَقِيمٍ أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمَذْكُورِ فِي هَاتِيك الْآيَةِ جَزَاءَ قَتْلِ الْعَمْدِ مِمَّا لَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ جَزَاءَ الرِّدَّةِ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهَا عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، إذْ يَصِيرُ الْمَذْكُورُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ جَزَاءَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ الْقَتْلُ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْلَالِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مُسْتَلْزِمٌ لِلرِّدَّةِ، فَفِي الْآيَةِ؛ إذْ ذَاكَ بَيَانُ جَزَاءِ الرِّدَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْقَتْلُ الْمَخْصُوصُ، وَفِي التَّعْبِيرِ فِي الشَّرْطِ بِمَنْ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] دُونَ مَنْ يَرْتَدُّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَائِدَةُ التَّنْبِيهِ عَلَى سَبَبِيَّةِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْلَالِ لِلِارْتِدَادِ الَّذِي جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ عَلَى الْخُلُودِ، وَهَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ لَا يَخْفَى وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ الْآيَةِ الْمَزْبُورَةِ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ زِيَادَةُ الِاسْتِحْلَالِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ، بَلْ يَكُونُ الِاسْتِحْلَالُ حِينَئِذٍ مَدْلُولَ نَفْسِ الشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ {مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] مَعْنَى مُسْتَحِلًّا مَجَازًا بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْخُلُودِ، فِي الْجَزَاءِ، كَمَا أَنَّ أَئِمَّتَنَا حَمَلُوا مُتَعَمِّدًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ» وَبِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مَنْ يَقْتُلُهُ لِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْعَقَائِدِ، فَيَكُونُ مَدَارُهُ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ يَقْتَضِي عَلَيْهِ الْمَأْخَذَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ لِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا يَقْتَضِي اسْتِحْلَالَ قَتْلِهِ فَيَحْصُلُ الدَّلَالَةُ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ مِنْ نَظْمِ النَّصِّ الْمَزْبُورِ فَلَا يَلْزَمُ النَّسْخُ أَصْلًا، وَالْعَجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ وَهُوَ أَصْحَابُ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَالنِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرْنَا قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَهُوَ عِنْدَنَا إمَّا مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَحِلِّ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ «أَنَّهُ نَزَلَ فِي مِقْيَسِ بْنِ حُبَابَةَ وَجَدَ أَخَاهُ هِشَامًا قَتِيلًا فِي بَنِي النَّجَّارِ وَلَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ دِيَتَهُ فَدَفَعُوا، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ مُرْتَدًّا» أَوْ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ، فَإِنَّ الدَّلَائِلَ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ عُصَاة الْمُؤْمِنِينَ

قَالَ (وَمُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِثْمُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِشَبَهِهِ بِالْخَطَأِ (وَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بُعْدٍ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ، وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَتَجِبُ مُغَلَّظَةً، وَسَنُبَيِّنُ صِفَةَ التَّغْلِيظِ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْقَتْلِ، وَالشُّبْهَةُ تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ دُونَ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَمُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِثْمُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ، وَالْكَفَّارَةُ لِشَبَهِهِ بِالْخَطَإِ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِشَبَهِهِ بِالْخَطَإِ قِيَاسُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ أَوْ إلْحَاقُ وُجُوبِهَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ دَلَالَةً بِوُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ، وَأَيًّا مَا كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَعَيُّنَهَا لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى فِي الشَّرْعِ لَا يُعَيِّنُهَا لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَعْلَى كَمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَيْضًا أَعْلَى ذَنْبًا مِنْ الْخَطَإِ الْمَحْضِ، فَإِنَّ الْجَانِيَ فِي الْأَوَّلِ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الْأَوَّلِ: وَمُوجِبُهُ الْمَأْثَمُ وَفِي الثَّانِي وَلَا إثْمَ فِيهِ فَالْأَوْلَى فِي بَيَانِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ، فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَإِ) أَقُولُ: مَدْلُولُ قَوْلِهِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَإِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ هُوَ الْخَطَأُ، وَأَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَطَإِ، وَلَيْسَ ذَاكَ بِوَاضِحٍ؛ إذْ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ: وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ «حَمَلِ بْنِ مَالِكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْأَوْلِيَاءِ قُومُوا فَدُوهُ» انْتَهَى وَقَدْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ شِبْهَ عَمْدٍ لَا خَطَأً فَإِنَّ تَفْصِيلَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً فِي فَصْلِ الْجَنِينِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ «حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ أَوْ بِمُسَطَّحِ خَيْمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَاخْتَصَمَ أَوْلِيَاؤُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ: دُوهُ، فَقَالَ أَخُوهَا: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ، وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ، وَدَمُ مِثْلِهِ يُطَلَّ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَعْنِي وَأَرَاجِيزَ الْعَرَبِ قُومُوا فَدُوهُ» وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا كَانَ بِجِنَايَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَإِ، فَكَانَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ دُونَ الْقِيَاسِ، وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا

وَمَالِكٌ وَإِنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ قَالَ (وَالْخَطَأُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ، أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا، وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] الْآيَةَ، وَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمِ هُوَ شِبْهَ الْعَمْدِ لَا الْخَطَأَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا» وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَلَكِنْ الْمَعْهُودُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَيْنَاهُ، وَقَالَ: وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا قَالَ أَسْلَفْنَاهُ نَظَرًا إلَى الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ حَاصِلَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِيمَا قَبْلُ قِيَاسُ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ عَلَى الْعَصَا الصَّغِيرَةِ فِي كَوْنِهِمَا غَيْرَ مَوْضُوعَتَيْنِ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَتَيْنِ لَهُ، وَمَالِكٌ مُنْكِرٌ كَوْنَ الْقَتْلِ بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ أَيْضًا شِبْهَ عَمْدٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا الْقَتْلُ نَوْعَانِ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ؛ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ فَكَذَا فِي هَذَا الْفِعْلِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ الْمَذْكُورُ حُجَّةً عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْخَطَأُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ، أَوْ يَظُنَّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَا هُنَا تَسَامُحٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ: وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا إلَخْ وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ: وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ نَوْعَيْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ بِمَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ، بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْهُ جِدًّا فَلَمْ يَصْلُحْ لَأَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لَهُ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ نَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ هُوَ كَأَنْ يَرْمِيَ إشَارَةً إلَى الْعُمُومِ، كَمَا تَدَارَكَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْخَطَإِ قَصْدًا كَرَمْيِهِ مُسْلِمًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا وَفِعْلًا كَرَمْيِهِ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا انْتَهَى ثُمَّ إنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: الْخَطَأُ ضَرْبَانِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ، وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ فَالْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلًا فَصَدَرَ مِنْهُ فِعْلٌ آخَرُ، كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ غَيْرَهُ وَالْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخَطَأُ فِي قَصْدِهِ، فَإِنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا الْفِعْلِ حَرْبِيًّا لَكِنْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ الْقَصْدِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَا قَصَدَهُ انْتَهَى وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ قَالَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ يَصْدُرُ فِعْلٌ آخَرُ فَكَأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ يَصْدُرُ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ إلَى مَا وَرَاءَهُ فَأَصَابَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ، وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مَفْقُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّهُ أَخْطَأَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْقَصْدَ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنَّهُ إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَلَا قَصْدَ فِيهِ انْتَهَى أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ وَجْهَيْ رَدِّهِ سَاقِطٌ جِدًّا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ، بَلْ قَالَ: فَالْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلًا فَصَدَرَ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ كَمَا صَدَرَ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ، وَمِنْ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ مِثَالُ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ الرَّادُّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ، وَمِثَالُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ كَمَا

لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَا إثْمَ فِيهِ) يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ قَالُوا: الْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ، فَأَمَّا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْإِثْمِ مِنْ حَيْثُ تَرْكُ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّثَبُّتِ فِي حَالِ الرَّمْيِ، إذْ شَرْعُ الْكَفَّارَةِ يُؤْذِنُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى (وَيُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْمًا فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْحِرْمَانِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ وُجِدَ بِالْقَصْدِ إلَى بَعْضِ بَدَنِهِ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ كَالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ قَالَ (وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فِي الشَّرْعِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَمُوجِبُهُ إذَا تَلِفَ فِيهِ آدَمِيٌّ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَأُنْزِلَ مَوْقِعًا دَافِعًا فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُلْحَقُ بِالْخَطَإِ فِي أَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَنْزَلَهُ قَاتِلًا وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ مَعْدُومٌ مِنْهُ حَقِيقَةً فَأُلْحِقَ بِهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ إنْ كَانَ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا قَالُوا، وَهَذِهِ كَفَّارَةُ ذَنْبِ الْقَتْلِ وَكَذَا الْحِرْمَانُ بِسَبَبِهِ (وَمَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، وَمَا دُونَهَا لَا يَخْتَصُّ إتْلَافُهُ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ عَامًّا كَصُورَتَيْ صُدُورِ مَا قَصَدَهُ أَيْضًا وَعَدَمِ صُدُورِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَطَانَةٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ تَحَقُّقَ الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ فِي صُورَةِ إنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا مَمْنُوعٌ، بَلْ الْمُتَحَقَّقُ هُنَاكَ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ لَا نَفْسُ الْخَطَأِ؛ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صُدُورِ فِعْلٍ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَفِي صُورَةِ إنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ فَقَتَلَ رَجُلًا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ فِعْلٌ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ وَقَعَ السُّقُوطُ بِفِعْلِهِ لَا بِاخْتِيَارٍ فَصَارَ لَا مَحَالَةَ مِنْ قَبِيلِ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي نَفْسِ الْخَطَإِ لَا فِيمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ فَإِنَّهُ قِسْمٌ آخَرُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ لِلْجِنَايَةِ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ مُسْتَقِلًّا فِيمَا بَعْدُ (قَوْلُهُ وَلَا إثْمَ فِيهِ: يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ) أَقُولُ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: يَعْنِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ؛ إذْ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ إصْلَاحُ إفْرَادِ الضَّمِيرِ أَيْضًا

[باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه]

[بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ] ُ قَالَ (الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ إذَا قَتَلَ عَمْدًا) أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا حَقْنُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَتَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ قَالَ (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ) لِلْعُمُومَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مِنْ الْقَتْلِ وَمَا لَا يُوجِبُهُ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ) مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَمِنْ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] عَلَى مَا مَرَّ فِي وَجْهِ كَوْنِ مُوجِبِ الْقَتْلِ الْقَوَدَ عَيْنًا اهـ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ وَأَمَّا كَوْنُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ خَاصَّةً فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَحْدَهَا لِإِطْلَاقِهَا، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ

الْحُرِّ بِطَرَفِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ حَيْثُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ وَلَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ بِالدِّينِ وَبِالدَّارِ وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِمَا، وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَالدَّلِيلُ الْمَعْقُولُ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: وَالْقَوَدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَقَالَ: إلَّا أَنَّهُ تَقَيُّدٌ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ إلَخْ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْدَرِجَ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} [البقرة: 178] إلَخْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: فَإِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: جَازَ أَنْ تَكُونَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ مَانِعَةً، وَهِيَ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَحَقِيقَةُ الْكُفْرِ تَمْنَعُ مِنْهُ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا أَثَرُهُ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ وَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ مَانِعًا؛ إذْ لَوْ صَحَّ لَمَا جَرَى بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ مَنْعُ مَانِعِيَّةِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ عَنْ الْقِصَاصِ وَحَاصِلُ الْمَشْرُوحِ مَنْعُ ثُبُوتِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي الْعَبْدِ، وَمِنْ النَّصِّ فِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فَالصَّوَابُ فِي الشَّرْحِ أَنْ يُقَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي الْعَبْدِ وَإِلَّا لَمَا جَرَى بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ (قَوْلُهُ: وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْحُرِّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِالْعَبْدِ فِي الْآيَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي أَنْ يُقْتَلَ الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ وَلَا الْعَكْسُ بِالْإِجْمَاعِ وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَتْلَ غَيْرِ الْقَاتِلِ بِالْمَقْتُولِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَبِيلَتَيْنِ مِنْ الْعَرَبِ اقْتَتَلَتَا وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا تَدَّعِي الْفَضْلَ عَلَى الْأُخْرَى فَقَالَتْ: لَا نَرْضَى إلَّا بِقَتْلِ الذَّكَرِ مِنْهُمْ بِالْأُنْثَى مِنَّا وَالْحُرِّ مِنْهُمْ بِالْعَبْدِ مِنَّا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّخْصِيصَ بِالذَّكَرِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ إلَّا أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُفِيدُ الْقَصْرَ نَحْوَ: الْكَرَمُ التَّقْوَى: أَيْ لَا غَيْرُهَا، وَالْأَمِيرُ الشُّجَاعُ؟ أَيْ لَا الْجَبَانُ، وَنَحْوَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَ «الْإِمَامُ مِنْ قُرَيْشٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ كَمَا عُرِفَ

قَالَ (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ، وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ وَالدَّارِ وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسَالِمِ، وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مُوجَبَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا لَا وَاحِدٌ مِنْ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ لَا بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَقَالُوا: وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ الْعَمْدُ لِلْجِنْسِ فَتُفِيدُ الْقَصْرَ عَلَى الْقَوَدِ فَلْيَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّامَ إنَّمَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْجِنْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَعِلْمِ الْأُصُولِ أَيْضًا، وَفِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ تَحَقُّقُ الْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَتُحْمَلُ اللَّامُ عَلَيْهِ دُونَ الْجِنْسِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فَائِدَةِ الْمُقَابَلَةِ بِبَيَانِ سَبَبِ النُّزُولِ فَكَانَ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: إنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِدَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أَيْ فِتْنَةُ الْكُفْرِ فَيُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ اهـ أَقُولُ: قَدْ حَمَلَ الشُّبْهَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ هُنَا عَلَى شُبْهَةِ الْمُسَاوَاةِ وَهُوَ خَبْطٌ ظَاهِرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ صَرَّحَ قُبَيْلَ هَذَا بِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْجَزْمِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ: كَوْنُ الْكُفْرِ مُبِيحًا يُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَيَجْعَلُهَا اسْتِدْلَالًا آخَرَ فَهَلَّا يَكُونُ هَذَا مُنَافِيًا لِمَا سَبَقَ أَوْ مُسْتَدْرِكًا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ سَيَقُولُ فِي الْجَوَابِ مِنْ قَبْلِنَا عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ: وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسْلِمِ، وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَذَلِكَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ، عَلَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الذِّمِّيِّ بِمِثْلِهِ لَا يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَإِنَّمَا يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْإِبَاحَةِ فِي دَمِ الذِّمِّيِّ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشُّبْهَةِ هُوَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَفْرِيعِ قَوْلِهِ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ عَلَى قَوْلِهِ، وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ السِّبَاقُ وَاللِّحَاقُ بِلَا غُبَارٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى

الشُّبْهَةِ، وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى الْحَرْبِيَّ لِسِيَاقِهِ «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّكْلِيفِ: يَعْنِي عِنْدَهُ، أَوْ الدَّارِ: يَعْنِي عِنْدَنَا اهـ أَقُولُ: وَزَّعَ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ إلَى الْمَذْهَبَيْنِ كَمَا تَرَى، فَحَمَلَ قَوْلَهُ إلَى التَّكْلِيفِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلَهُ أَوْ الدَّارِ عَلَى مَذْهَبِنَا، لَكِنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا قَالَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَلَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ بِالدِّينِ أَوْ بِالدَّارِ قَالَ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا هُنَاكَ، وَهِيَ أَيْ الْعِصْمَةُ بِالدِّينِ: يَعْنِي عِنْدَهُ، أَوْ بِالدَّارِ: يَعْنِي عِنْدَنَا، فَقَدْ حَمَلُوا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِالدِّينِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْعِصْمَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ الدِّينُ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ هُنَا بِثُبُوتِهَا عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ التَّكْلِيفِ بِدُونِ تَحَقُّقِ دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَقْتَضِيهِ شَرْحُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ كَلِمَةَ أَوْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ، أَوْ الدَّارِ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: سِيَّانِ كَسْرُ رَغِيفِهِ أَوْ كَسْرُ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ عَلَى مَذْهَبِنَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ كَلِمَةِ الْوَاوِ بَدَلَ كَلِمَةِ أَوْ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِمَا فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ نَظَرًا إلَى الدَّارِ وَإِلَى التَّكْلِيفِ اهـ فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَمْ تَحْمِلْ الْمَجْمُوعَ عَلَى مَذْهَبِنَا مَعَ إبْقَاءِ كَلِمَةِ أَوْ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهَا؟ قُلْتُ: لِأَنَّ التَّكْلِيفَ وَحْدَهُ لَا يَقْتَضِي الْعِصْمَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْقِصَاصِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا قُتِلَ مُكَلَّفٌ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى الْحَرْبِيُّ لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ

قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَكَذَلِكَ كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكَافِرِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» هُوَ الْحَرْبِيُّ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى: مُؤْمِنٌ، فَالْمَعْنَى: وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ بِكَافِرٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَا الْعَهْدِ وَهُوَ الذِّمِّيُّ إنَّمَا لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ دُونَ الذِّمِّيِّ، فَإِنَّ جَرَيَانَ الْقِصَاصِ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذِي الْعَهْدِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْمُسْلِمَ دُونَ الذِّمِّيِّ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، فَلَا جَرَمَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِذِي الْعَهْدِ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمُؤْمِنِ غَيْرَ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ فَإِنْ قِيلَ: وَلَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَا ذُو عَهْدِ فِي عَهْدِهِ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ: أَوْ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدِ فِي مُدَّةِ عَهْدِهِ قُلْنَا: لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ حَقِيقَةً خُصُوصًا فِيمَا لَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ نَفْيُ الْقَتْلِ قِصَاصًا لَا نَفْيُ مُطْلَقِ الْقَتْلِ، فَكَذَا فِي الثَّانِي تَحْقِيقًا لِمُقْتَضَى الْعَطْفِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، هَذَا جُمْلَةُ مَا فِي الْكَافِي وَأَكْثَرِ الشُّرُوحِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَخْذًا مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: إنَّ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ مُفْرَدًا، وَلَوْ كَانَ مُفْرَدًا لَاحْتَمَلَ مَا قَالُوا وَلَكِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ هَذَا عَلَى الْأَوَّلِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ فَيَكُونُ كَلَامًا تَامًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَدَائِهِ إلَّا أَنْ لَا يُقْتَلَ ذُو عَهْدٍ مُدَّةَ عَهْدِهِ وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُقَدَّرُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285] ثُمَّ الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ ذُو عَهْدٍ هُوَ الْحَرْبِيُّ بِالْإِجْمَاعِ فَيُقَدَّرُ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، وَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَرْبِيٍّ يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ أَعَمَّ، وَالْأَعَمُّ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْأَخَصِّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَمَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لَا يَكُونُ دَلِيلًا هَذَا خُلْفٌ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ مِنْ الْوُجُوهِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَعَمَّ إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِيَّةُ الْأَخَصِّ: أَيْ لَا يَدُلُّ الْأَعَمُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ الْأَخَصَّ وَحْدَهُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا يُقَالُ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ: لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بِإِحْدَى الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ انْدِرَاجُ الْأَخَصِّ تَحْتَ ذَلِكَ الْأَعَمِّ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا بِوَاسِطَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِذَلِكَ الْأَخَصِّ وَلِغَيْرِهِ أَيْضًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّا إذَا قُلْنَا كُلُّ حَيَوَانٍ مُتَحَرِّكٍ بِالْإِرَادَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْإِنْسَانِ مُتَحَرِّكًا بِالْإِرَادَةِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِانْدِرَاجِهِ تَحْتَ الْحَيَوَانِ، وَكَذَا حَالُ سَائِرِ الْكُلِّيَّاتِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا تَحْتَهَا مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا سُتْرَةَ بِهِ، فَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ حَرْبِيٌّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَكَانَ كَافِرٌ أَعَمَّ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ لَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكَافِرِ وَحَصَلَ مَطْلُوبُ الشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ عَلَى مُدَّعَاهُ كَمَا زَعَمَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ وَالثَّانِي أَنَّ عَدَمَ كَوْنِ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيرَ شَيْءٍ فِي الْحَدِيثِ؛ إذْ لَا يَتْبَعُ تَعَيُّنُ مَعْنَى الْحَدِيثِ جَعْلَ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ دَلِيلًا عَلَى مُدَّعَاهُ، بَلْ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ تَعَيُّنِ مَعْنَاهُ، فَمَا مَعْنَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ عُمُومِ الْكَافِرِ فِي الْحَدِيثِ بِلُزُومِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ عُمُومِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَقْرِيرِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ وَالثَّالِثُ أَنَّ مَا عَدَّهُ مَحْذُورًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ لَازِمٌ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُقَدَّرَ حَرْبِيٌّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ مُبَايِنٌ لِلذِّمِّيِّ لَا مَحَالَةَ، وَعَدَمُ دَلَالَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَظْهَرُ مِنْ عَدَمِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ، فَإِنْ لَزِمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرٌ فِي الْحَدِيثِ أَعَمَّ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ فَلَأَنْ لَزِمَ مِنْ أَنْ يُقَيَّدَ كَافِرٌ فِي الْحَدِيثِ بِحَرْبِيٍّ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ

لِأَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ (وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ (وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنُ وَبِنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِيمَا وَرَاءَ الْعِصْمَةِ امْتِنَاعَ الْقِصَاصِ وَظُهُورَ التَّقَاتُلِ وَالتَّفَانِي قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَلِيلًا لَهُ أَوْلَى، فَكَيْفَ يَثْبُتُ تَقْدِيرُ حَرْبِيٍّ عَلَى رَأْيِهِ وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ خَرَجَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي تَوْجِيهِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ بِالْكُلِّيَّةِ فَضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْطِفْ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَلَا ذُو عَهْدٍ " عَلَى كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَفَ عَلَيْهِ لَقِيلَ بِالْجَرِّ بَلْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى مُؤْمِنٍ، وَلَكِنْ نَقُولُ: إنَّ الذِّمِّيَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِالِاتِّفَاقِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكَافِرِ الْحَرْبِيُّ اهـ أَقُولُ: نَظَرُهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ لَيْسَ لِبَيَانِ مُغَايَرَةِ: ذُو عَهْدٍ فِي الْحَدِيثِ لِكَافِرٍ حَتَّى يَتَّجِهَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَلَا ذُو عَهْدٍ " لَمْ يُعْطَفْ عَلَى كَافِرٍ بَلْ لِبَيَانِ مُغَايَرَتِهِ لِمُؤْمِنٍ دَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذُو عَهْدٍ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْمُؤْمِنُ أَيْضًا؛ إذْ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِكَافِرٍ هُوَ الْحَرْبِيَّ؛ إذْ الْمُؤْمِنُ لَا يُقْتَلُ بِذِمِّيٍّ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَسْلَمُ التَّقْيِيدُ بِحَرْبِيٍّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذُو عَهْدٍ مُغَايِرًا لِمُؤْمِنٍ فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الذِّمِّيَّ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَافِرٍ هُوَ الْحَرْبِيَّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الذِّمِّيُّ أَيْضًا مَعَ أَنَّ خِلَافَهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّ كَوْنَ مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ وُضُوحِهِ فِي نَفْسِهِ يُرْشِدُ إلَيْهِ جِدًّا تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي وَبَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَكَيْفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِمَا بَيَّنَّا) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَمْ يَقْبَلْ رَأْيَ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَقِيلَ: هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْهُ فِي مِثْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّا قَدَّرْنَا ذَلِكَ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، إلَّا إذَا أُرِيدَ هُنَاكَ بِالْحَرْبِيِّ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُحَارَبًا وَهُوَ الْحَقُّ، وَيُغْنِينَا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْحَرْبِيِّ وَالْجَوَابِ عَنْهُ وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: لِمَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ فَلَمْ يَقُلْ لِمَا رَوَيْنَا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ وَيُغْنِينَا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْحَرْبِيِّ وَالْجَوَابِ عَنْهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ هُنَاكَ بِالْحَرْبِيِّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُحَارِبِ يَرِدُ السُّؤَالُ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْمُحَارِبِ، فَإِنَّ قَتْلَ الْمُحَارِبِ وَاجِبٌ فَمَا مَعْنَى نَفْيِهِ فِي الْحَدِيثِ، فَيُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْغِنَى عَنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَرْبِيِّ هُنَاكَ هُوَ الْمُسْتَأْمَنَ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْأَحْسَنُ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ مِنْ الْكَافِرِ الْمُسْتَأْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» عَطَفَ قَوْلَهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَكَانَ مَعْنَاهُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِهِ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: قُلْت: خَصَّ بِهِ عُمُومَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ

حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ يُقَادُ إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ لَهُ إفْنَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ، وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ قَالَ (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَلَا مُدَبَّرِهِ وَلَا مُكَاتَبِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْقِصَاصَ وَلَا وَلَدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُصُوصُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يُقْتَصُّ بِعَبْدِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَصَلُحَ مُخَصِّصًا أَوْ نَاسِخًا حُكْمَ الْكِتَابِ اهـ أَقُولُ: الْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ لَا مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَا قَالَهُ أَنَّ الْكِتَابَ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ صَارَ مِمَّا خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ بِعَدَمِ اقْتِصَاصِ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ فَصَارَ ظَنِّيًّا فَجَازَ تَخْصِيصُ قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ مِنْ عُمُومِ الْكِتَابِ الدَّالِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلَى بِالسُّنَّةِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ؛ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ إنَّمَا يَصِيرُ ظَنِّيًّا إذَا كَانَ تَخْصِيصُهُ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَعْضُ مِنْ الْعَامِّ مُخْرَجًا بِدَلِيلٍ مَفْصُولٍ عَنْهُ فَيَكُونُ عُمُومُهُ مَنْسُوخًا لَا مَخْصُوصًا وَيَصِيرُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يُخْرِجُ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ وَلَدِهِ عَنْ آيَةِ الْقِصَاصِ لَيْسَ كَلَامًا مَوْصُولًا بِهَا فَلَا يُنَافِي قَطْعِيَّتَهَا، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ عَنْهَا بِخَبَرٍ وَاحِدٍ، بَلْ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ حَدِيثًا مَشْهُورًا كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ هُنَا إلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ) قَالَ الشُّرَّاحُ: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَارِثُ يَسْتَحِقُّ إفْنَاءَهُ لَا الْوَلَدُ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ قَالَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِفِنَائِهِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ اهـ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ إذْ لَا يَرَى جِهَةَ سَبَبِيَّةِ الْمَقْتُولِ لِفَنَاءِ الْقَاتِلِ سِوَى اسْتِحْقَاقِهِ الْقِصَاصَ، فَلَوْ قَالَ: فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِفِنَائِهِ، فَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِتَسَبُّبِهِ لِفَنَائِهِ اسْتِحْقَاقَهُ الْقِصَاصَ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ السُّؤَالُ الْمَزْبُورُ وَيُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِهَا شَيْئًا سِوَى اسْتِحْقَاقِهِ الْقِصَاصَ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَيْفَ يَتِمُّ بِنَاءُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا) أَقُولُ: مِنْ الْعَجَائِبِ هُنَا أَنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ

قَالَ (وَمَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ) لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ قَالَ (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا تُحَزَّ رَقَبَتُهُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ، وَلِأَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الزِّيَادَةِ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ فَيُحَزُّ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَمَا فِي كَسْرِ الْعَظْمِ قَالَ (وَإِذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى وَتَرَكَ وَفَاءً فَلَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَرَى فِي هَذَا قِصَاصًا) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ سَبَبُ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ الْوَلَاءُ إنْ مَاتَ حُرًّا وَالْمِلْكُ إنْ مَاتَ عَبْدًا، وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا، وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتُهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى بِيَقِينٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ، وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ حُكْمٍ فَلَا يُبَالَى بِهِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُغَايِرُ حُكْمَ النِّكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: قُلْتُ: ذَكَرَ الْجَدَّةَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَلَمْ يُطْلِقْهَا، وَذَكَرَ فِيهَا الْأَجْدَادَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالْأُمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَصْلًا فَوَقَعَتْ لِي شُبْهَةٌ فِي الْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَقَدْ زَالَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا ذَكَرَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ قَالَ: وَلَا يُقْتَلُ أُصُولُ الْمَقْتُولِ بِهِ وَإِنْ عَلَوْا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيمَا إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا اهـ وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مَذْكُورَةٌ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا صَرَاحَةً فَكَيْفَ خَفِيَتْ عَلَيْهِ حَتَّى وَقَعَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فِي أَمْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَهُوَ نَصٌّ عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا كَانَ سِلَاحًا أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَصًّا عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ

(وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا مَعَ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْلَى إنْ مَاتَ عَبْدًا، وَالْوَارِثُ إنْ مَاتَ حُرًّا إذْ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي مَوْتِهِ عَلَى نَعْتِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ، بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَعَيَّنٌ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوَدِ بِغَيْرِ السَّيْفِ فَكَيْفَ يَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً مَا كَانَ سِلَاحًا مِنْ غَيْرِ السَّيْفِ، وَهُوَ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَدُلَّ كَلَامٌ وَاحِدٌ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَإِثْبَاتِهِ مَعًا وَالْحَقُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّيْفِ فِي الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ وَالسِّلَاحِ مُطْلَقًا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» أَيْ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ، هَكَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا قَوَدَ إلَّا بِسِلَاحٍ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِالسَّيْفِ عَنْ السِّلَاحِ اهـ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا قَوَدَ يَجِبُ إلَّا بِالسَّيْفِ لَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ قُلْنَا: الْقَوَدُ اسْمٌ لِفِعْلٍ هُوَ جَزَاءُ الْقَتْلِ دُونَ مَا يَجِبُ شَرْعًا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ كَانَ مَجَازًا، وَلِأَنَّ الْقُودَ قَدْ يَجِبُ بِغَيْرِ السَّيْفِ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ وَالْإِبْرَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ وُجُوبِ الْقَوَدِ بِدُونِ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، وَإِنَّمَا السَّيْفُ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِيفَاءِ اهـ وَذَكَرَ هَذَا السُّؤَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا، وَلَكِنْ قَصَرَ الْجَوَابَ عَنْهُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ أَقُولُ: فِي ذَاكَ الْوَجْهِ مِنْ الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ مَدَارُ السُّؤَالِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ الْقَوَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ مَا يَجِبُ شَرْعًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَدَارُهُ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْحَدِيثِ لَفْظُ يَجِبُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا قَوَدَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ السُّؤَالِ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ؛ إذْ لَا مَجَازَ حِينَئِذٍ فِي لَفْظِ الْقَوَدِ فَإِنْ قُلْتَ: الْمَصِيرُ إلَى التَّقْدِيرِ لَيْسَ بِأَسْهَلَ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى التَّجَوُّزِ فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ لُزُومُ الْعُدُولِ إلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ مِنْ عِبَارَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ قُلْتُ: لَا مَحِيصَ عَنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلُوهُ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى ذَاكَ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَعْنَى الِاسْتِيفَاءِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ) أَقُولُ: أَطْلَقَ الْوَارِثَ هُنَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحُرِّ وَقَيَّدَهُ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعْكَسَ الْأَمْرُ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ هُنَا رَقِيقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ لِكَوْنِ حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ حِينَئِذٍ لِلْمَوْلَى خَاصَّةً؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْأَرِقَّاءِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَطُّ فَلَمْ يَشْتَبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ هُنَاكَ فَإِنَّهُ الْمَوْلَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا فَبِالْمِلْكِ وَإِنْ مَاتَ حُرًّا فَبِالْوَلَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَرِقَّاءَ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَحْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا

(وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا بِلَا رَيْبٍ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ (وَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِيهِ، وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَل حَقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِلَا رَيْبٍ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَحْرَارِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْأَرِقَّاءِ خِلَافَ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ حُرٌّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ وَقَالَ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ أَوْ لَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى عِنْدَهُمْ فَإِنْ قُلْتَ: الرَّقِيقُ لَا يَكُونُ وَارِثًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَحَدُ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَمْنَعُ عَنْ الْإِرْثِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْيِيدِ الْوَارِثِ بِالْحُرِّ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ لِإِشْعَارِهِ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ أَيْضًا وَارِثًا قُلْتُ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَا مَنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَرِثَ، وَالرَّقِيقُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ عِنْدَ زَوَالِ الرِّقِّ عَنْهُ لَا مَنْ يَرِثُ بِالْفِعْلِ فَيَتَحَمَّلُ التَّقْيِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ تَقْيِيدُ الْوَرَثَةِ بِالْأَحْرَارِ فِي الصُّورَةِ الْأَتِيَّةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا قُيِّدَتْ بِهَا فِي الْكِتَابِ بَلْ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ لَهُ وَرَثَةٌ أَرِقَّاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ اهـ أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ حُكْمِهِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ بَلْ يَكُونُ بَيَانَ كَوْنِ حُكْمِهِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ عَيْنَ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَبْوَابِ هَذَا الْكِتَابِ وَفُصُولِهِ مُتَّحِدَةُ الْأَحْكَامِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَجَالَ لَأَنْ يُسْتَغْنَى بِذِكْرِ بَعْضِهَا عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ، عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ بِالذِّكْرِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ خِلَافَ حُكْمِ الْمَذْكُورِ عَلَى قَاعِدَةِ كَوْنِ الْمَفْهُومِ مُعْتَبَرًا فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شَيْءٍ يُفِيدُ كَوْنَ الْحُكْمِ فِي الْمَتْرُوكِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ فَالْوَجْهُ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَرْكِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ حُكْمَ الْمَتْرُوكِ هَا هُنَا مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ دَلَالَةِ النَّصِّ، فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ فَلَأَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَرِقَّاءُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ إذَا مَاتَ عَاجِزًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّ عَجْزَ الْمُكَاتَبِ يَنْفَسِخُ بِهِ الْكِتَابَةُ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ، وَمَوْتُ الْمُعْتَقِ لَمْ يَنْفَسِخْ بِهِ عِتْقُهُ فَالْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي بَعْضِهِ بِالْوَلَاءِ، وَفِي بَعْضِهِ بِالْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اهـ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، قَدْ مَرَّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ الَّذِي لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ لَا يُبَالَى بِهِ، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى وَتَرَكَ وَفَاءً فَكَيْفَ يَتِمُّ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ عَاجِزًا بِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي بَعْضِهِ بِالْوَلَاءِ وَفِي بَعْضِهِ بِالْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ إذْ لَا إفْضَاءَ إلَى الْمُنَازَعَةِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَمِنْ أَيْنَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِ السَّبَبِ؟ ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مُعْتَقِ

الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ قَالَ (وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً مَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى، يَرْشُدُ إلَيْهِ ذِكْرُ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ إلَخْ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ تَتْمِيمُ مَا أَجْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ بِأَنْ يُقَالَ: فَالْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي الْبَعْضِ الْمَمْلُوكِ بِالْمِلْكِ، وَالْوَارِثُ يَسْتَحِقُّهُ فِي الْبَعْضِ الْمُعْتَقِ بِالْإِرْثِ فَيَكُونُ السَّبَبَانِ رَاجِعَيْنِ إلَى الشَّخْصَيْنِ فَيُبَالَى بِاخْتِلَافِهِمَا لِلْإِفْضَاءِ إلَى الْمُنَازَعَةِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ) يَعْنِي إذَا قُتِلَ قَرِيبُ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ أَنْ يَقْتُلَ: أَيْ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ يَعْنِي ابْنَهُ فَلِأَبِيهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ الِاسْتِيفَاءُ أَقُولُ: هَذَا تَقْصِيرٌ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ الْقِصَاصُ لَهُ حَقُّ الْمَعْتُوهِ دُونَ أَبِيهِ غَيْرَ مُنْحَصِرٍ فِي ابْنِ الْمَعْتُوهِ بَلْ يَعُمُّ ابْنَهُ وَغَيْرَهُ كَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ لِأُمٍّ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَكَأُمِّهِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَتَحَمَّلُ التَّعْمِيمَ، فَإِنَّ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ بِمَعْنَى قَرِيبِهِ يَعُمُّ الْكُلَّ فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عُمُومِ جَوَابِهَا وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ أَصَابَ فِي تَفْسِيرِ وَلِيِّ الْمَعْتُوهِ، وَلَكِنْ أَفْسَدَ بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ وَلِيٌّ الْمَعْتُوهَ أَيْ قَرِيبُهُ وَهُوَ ابْنُهُ: يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ ابْنٌ فَقُتِلَ ابْنُهُ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ اهـ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَالْحَقُّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّعْمِيمِ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِهِمْ أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى التَّمْثِيلِ دُونَ التَّخْصِيصِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَأَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ، وَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْغَايَةِ أَقُولُ: مَا نَسَبَهُ إلَى بَعْضِ الشَّارِحِينَ قَوْلُ كُلِّ الشَّارِحِينَ سِوَاهُ، وَرَدُّهُ عَلَيْهِمْ مَرْدُودٌ، فَإِنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَى الْمَقَامِ وَمُرَادِ الشُّرَّاحِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَقَامِ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ الْقِصَاصُ لَهُ حَقُّ الْمَعْتُوهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ كَانَ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ نِيَابَةً عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا لَهُ وِلَايَةُ إنْكَاحِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ، وَمُرَادُ الشُّرَّاحِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ إنْكَاحَ الْغَيْرِ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ قِبَلِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْأَخَ مَثَلًا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ قِبَلِهِمَا، بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُمَا مَعًا وَبَيَّنُوا وَجْهَ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَلِلْأَبِ شَفَقَةٌ كَامِلَةٌ، يُعَدُّ ضَرَرُ الْوَلَدِ ضَرَرَ نَفْسِهِ فَجُعِلَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّشَفِّي كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ، بِخِلَافِ الْأَخِ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ: لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهُ بِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا مِسَاسَ لَهُ بِالْمَقَامِ وَلَا بِمَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ هَا هُنَا فِي وِلَايَةِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ نِيَابَةً بِدُونِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْقِصَاصَ بِنَفْسِهِ أَصَالَةً، وَهُوَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ جِدًّا عِبَارَةُ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِصَغِيرٍ أَوْ مَعْتُوهٍ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَبٌ وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِي هَذَا الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ ذَلِكَ نِيَابَةً عَنْ الْغَيْرِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِنَفْسِهِ أَصَالَةً فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَيْهِ وَقَالَ بِهِ وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَبِ

(وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ (وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا) لِمَا ذَكَرْنَا (وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَتْلُ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيفَاءِ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هَا هُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِهِ هُنَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: هَذَا فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ اهـ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ: هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى مِثْلِ الدِّيَةِ، أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقٌ حَيْثُ جَوَّزَ صُلْحَ أَبِي الْمَعْتُوهِ عَنْ دَمِ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِقَدْرِ الدِّيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ، فَإِذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَالصُّلْحُ أَوْلَى، وَالنَّفْعُ يَحْصُلُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا كَانَ ذَلِكَ دُونَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَكْثَرَ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، فَإِنَّ لِأَصْحَابِ التَّخْرِيجِ مِنْ الْمَشَايِخِ صَرْفَ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِ إلَى التَّقْيِيدِ إذَا اقْتَضَاهُ الْفِقْهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هَا هُنَا كَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشُّرَّاحَ أَخَذُوا التَّقْيِيدَ هُنَا مِنْ كَلَامِ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ التَّخْرِيجِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَصِلَ بَعْضٌ مَنْ أَنْفَسِ الشُّرَّاحِ أَيْضًا إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ، فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا قَالُوا إطْلَاقُ ظَاهِرِ لَفْظِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ مُسَلَّمٌ وَقَوْلُهُ: وَالنَّفْعُ يَحْصُلُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ فِي الْقِصَاصِ تَشَفِّيَ الصَّدْرِ وَمَا دُونَ الدِّيَةِ فِي مُقَابَلَةِ تَشَفِّي الصَّدْرِ لَا يُعَدُّ نَفْعًا عُرْفًا، وَوِلَايَةُ الْأَبِ لِلْمَعْتُوهِ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ قَبِيلِ مَا يُعَدُّ نَفْعًا عُرْفًا وَعَادَةً وَأَمَّا تَنْوِيرُهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ جِدًّا، فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مَا إذَا كَانَ الْمُصَالِحُ صَاحِبَ حَقِّ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ، وَصُلْحُ صَاحِبِ الْحَقِّ عَنْ حَقِّهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ وَقَلِيلِهِ جَائِزٌ بِلَا رَيْبٍ؛ إذْ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِلَا أَخْذِ عِوَضٍ عَنْهُ أَصْلًا فَتَرْكُهُ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ وَإِنْ قَلَّ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمُصَالِحَ هُنَا وَلِيُّ صَاحِبِ حَقِّ الْقِصَاصِ، وَهُوَ أَبُوهُ لَا نَفْسُ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ فَلَا بُدَّ فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ

أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَمَا يَجِبُ بِعَقْدِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ فَهُوَ أَوْلَى وَقَالُوا الْقِيَاسُ أَلَّا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَالصَّبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ فِي هَذَا، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي الصَّحِيحِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِهِ السُّلْطَانُ، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ قَالَ (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ الصِّغَارُ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّظَرِ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ لِكَوْنِ وِلَايَتِهِ نَظَرِيَّةً وَبِالْجُمْلَةِ مَدَارُ كَلَامِهِ هَذَا أَيْضًا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ أَصَالَةً وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ نِيَابَةً ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي أَصْلِ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَالٍ إذَا كَانَ أَنْظَرَ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْأَبُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ قِبَلِ الْمَعْتُوهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْمُصَالَحَةِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ عَلَى الْمَعْتُوهِ لَمَّا كَانَتْ نَظَرِيَّةً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ مَا هُوَ الْأَنْظَرُ لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ كَوْنَ الْوِلَايَةِ نَظَرِيَّةً لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْعَمَلِ بِمَا هُوَ الْأَنْظَرُ؛ لِأَنَّ فِي خِلَافِهِ أَيْضًا حُصُولَ أَصْلِ النَّظَرِ، بَلْ إنَّمَا يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْفِ أَحَدٌ أَوْلَوِيَّةَ الْمُصَالَحَةِ عَلَى الْمَالِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْمُصَالَحَةِ أَنْظَرَ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ مَمْنُوعٌ، وَدَلَالَةُ عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ أَيْضًا مَمْنُوعَةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُصَالَحَةُ أَنْظَرَ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ حُصُولُ مَنْفَعَةِ الْمَالِ لَهُ، وَيَكُونُ الْقِصَاصُ أَنْظَرَ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ دَفْعُ سَبَبِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِصَاصِ تَشَفِّي الصَّدْرِ أَوْ دَفْعُ سَبَبِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَوْلَوِيَّةُ الْعَمَلِ بِالْمُصَالَحَةِ رَأْسًا فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ) قَالَ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ بِأَنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ وَالْآخَرُ كَبِيرٌ أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ لَا يُطَابِقُ عِبَارَةَ الْمَشْرُوحِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْمَشْرُوحِ صِيغَةُ الْجَمْعِ، وَكَذَا لَفْظُ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَصْوِيرُ مَعْنَى الْمَشْرُوحِ بِأَنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا وَالْآخَرُ كَبِيرًا وَلَا يُسَاعِدُهُ لَفْظُ الْأَوْلِيَاءِ فَضْلًا عَنْ لَفْظَيْ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَالظَّاهِرُ فِي التَّصْوِيرِ أَنْ يُقَالَ بِأَنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ إخْوَةٌ بَعْضُهُمْ صِغَارٌ وَبَعْضُهُمْ كِبَارٌ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ ذَيْنِك الشَّارِحَيْنِ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ مَقْصُودُهُمَا

الْبَعْضِ لِعَدَمِ التَّجَزِّي، وَفِي اسْتِيفَائِهِمْ الْكُلَّ إبْطَالُ حَقِّ الصِّغَارِ فَيُؤَخَّرُ إلَى إدْرَاكِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ، وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ وَمَسْأَلَةُ الْمَوْلَيَيْنِ مَمْنُوعَةٌ قَالَ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ، فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْحَدِيدِ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْحَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى وَفْقِ عَيْنِ عِبَارَتِهِ، بَلْ مَقْصُودُهُمَا مُجَرَّدُ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ الْإِشَارَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا احْتِيَاجَ فِي تَحَقُّقِ مَادَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى تَحَقُّقِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ لَا فِي جَانِبِ الصَّغِيرِ وَلَا فِي جَانِبِ الْكَبِيرِ بَلْ وَلَا فِي مَجْمُوعِ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ، وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ: أَيْ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَحَالِّ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ عِنْدِي؛ إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ ذِكْرُ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ مُسْتَدْرَكًا مَحْضًا إذْ يَتَنَاوَلُهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَيَسْتَغْنِي عَنْ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَمَا قَدَّمَ قَوْلَهُ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ: وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ عَنْ ذَلِكَ لِيَتَعَلَّقَ بِمَجْمُوعِ الْقَوْلَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْدِيرِ فِي الثَّانِي، وَالصَّوَابُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ أَنْ يُقَالَ: أَيْ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ قَوْلَيْهِ الْمَزْبُورَيْنِ إشَارَةً إلَى مَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مُغَايِرَةٍ لِلْأُخْرَى، وَيُوَافِقُهُ صَرِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالدَّمِ مِنْ الدِّيَاتِ: صُورَةٌ مَسْأَلَةُ الْمَوْلَيَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَقُتِلَ الْعَبْدُ لَيْسَ لِلْكَبِيرِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الصَّغِيرُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ) أَقُولُ: فِي تَمَامِ الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ تَجَزُّؤِ سَبَبِ الْقِصَاصِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ عَلَى عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْقِصَاصِ نَفْسِهِ خَفَاءٌ، فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَجِدُ مَحْذُورًا فِي كَوْنِ السَّبَبِ بَسِيطًا وَالْمُسَبَّبِ مُرَكَّبًا، كَيْفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ كَمَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ كَذَلِكَ هِيَ سَبَبٌ أَيْضًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الدِّيَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ، مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ وَالْمَالُ مُنَجَّزٌ بِلَا رَيْبٍ فَالْأَظْهَرُ فِي بَيَانِ كَوْنِ الْقِصَاصِ حَقًّا لَا يَتَجَزَّأُ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَثْنَاءَ تَقْرِيرِ دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُنَجَّزٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الرُّوحِ وَذَا لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ طَعَنَ فِي قَوْلِهِمْ هُنَا إنَّ سَبَبَ الْقِصَاصِ هُوَ الْقَرَابَةُ حَيْثُ قَالَ: كَيْفَ يَكُونُ سَبَبُهُ الْقَرَابَةَ وَهُوَ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ اهـ أَقُولُ: نَعَمْ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بَلْ لِلْمُعْتَقِ وَالْمُعْتَقَةِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ السَّبَبَ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ هُوَ الزَّوْجِيَّةُ، وَفِي الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتَقَةِ هُوَ الْوَلَاءُ دُونَ الْقَرَابَةِ، إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هَا هُنَا وَهُوَ الْقَرَابَةُ إمَّا بِنَاءً عَلَى التَّغْلِيبِ لِكَوْنِ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فِي الْأَكْثَرِ قَرَائِبَهُ، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْقَرَابَةِ هُنَا الِاتِّصَالَ الْمُوجِبَ لِلْإِرْثِ دُونَ حَقِيقَةِ الْقَرَابَةِ فَيَعُمُّ الْكُلَّ (قَوْلُهُ: وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: وَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الْغُيَّبِ مِنْ حَيْثُ

بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ لِوُجُودِ الْجُرْحِ فَكَمُلَ السَّبَبُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِ الْحَدِيدِ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا مِنْهُ لِلْآلَةِ، وَهُوَ الْحَدِيدُ وَعَنْهُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا جَرَحَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا الضَّرْبُ بِسِنْجَاتِ الْمِيزَانِ؛ وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ بِالْعُودِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُهْدَرَ الدَّمُ، ثُمَّ قِيلَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ فَيَكُونُ قَتْلًا بِالْمُثْقَلِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَقِيلَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّوْطِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُوَالَاةِ لَهُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الضَّرَبَاتِ إلَى أَنْ مَاتَ دَلِيلُ الْعَمْدِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الْمُوجِبُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ» وَيُرْوَى " شِبْهِ الْعَمْدِ " الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لَعَلَّهُ اعْتَرَاهُ الْقَصْدُ فِي خِلَالِ الضَّرَبَاتِ فَيَعْرَى أَوَّلُ الْفِعْلِ عَنْهُ وَعَسَاهُ أَصَابَ الْمَقْتَلَ، وَالشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ فَوَجَبَ الدِّيَةُ قَالَ (وَمَنْ غَرَّقَ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا فِي الْبَحْرِ فَلَا قِصَاصَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى حَزًّا وَعِنْدَهُ يُغَرَّقُ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ فَاسْتِعْمَالُهَا أَمَارَةُ الْعَمْدِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِمَالُ الْعَفْوِ فِي الْحَالِ وَعَدَمُهُ، فَإِنَّ الْعَفْوَ فِي الْغَائِبِ مَوْهُومٌ حَالَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ عَفَا، وَالْحَاضِرُ لَا يَشْعُرُ بِهِ فَلَوْ اسْتَوْفَى كَانَ اسْتِيفَاءً مَعَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا الْعَفْوُ فِي الصَّغِيرِ فَمَأْيُوسٌ حَالَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ، وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ الْعَفْوُ مِنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَالِ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْدَمَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى قَتْلِهِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ شُعُورٌ أَصْلًا بِكَوْنِ قَرِيبِهِ مَقْتُولًا بِأَنْ كَانَ فِي مَسِيرَةِ سَنَةٍ مَثَلًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَتْلِ فَأَنَّى يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الْعَفْوُ فِي الْحَالِ؛ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّيْءِ فَرْعُ الشُّعُورِ بِهِ، فَحَيْثُ لَا شُعُورَ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَمَسْأَلَةُ الْغَائِبِ تَعُمُّ مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ فِيهَا مَا ذَكَرُوا مِنْ التَّفْرِقَةِ ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْغَائِبُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ قَبْلَهَا كُلُّ حَقٍّ يَثْبُتُ لِي عَلَى الْغَيْرِ فَإِنِّي عَفَوْتُهُ وَبَرِئْت مِنْهُ، فَيَنْدَرِجُ فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ عَفَوْهُ عَنْ قَتْلِ قَرِيبِهِ أَيْضًا، وَلَا يَلْزَمُ الشُّعُورُ بِخُصُوصِهِ فَهَذَا الِاحْتِمَالُ فِي صُورَةِ أَنْ كَانَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْحَالِ فَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَعَلَّ حَلَّ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَدْ أَهْمَلَهُ الْجُمْهُورُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ فَيَكُونُ قَتْلًا بِالْمُثْقَلِ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ) أَقُولُ: كَانَ حَقُّ التَّحْرِيرِ هُنَا أَنْ يَقُولَ: وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِيمَا سَبَقَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِالْعُودِ لَا وُجُوبُ الْقَوَدِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَخِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ لَا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا فِيهِ عَيْنُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقُصُورُ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا جِدًّا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَدْحِ وَلَا مِنْ جِهَةِ التَّوْجِيهِ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَنَبَّهُوا لَهُ (قَوْلُهُ لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَقَوْلُهُ لَهُمْ: أَيْ لِلشَّافِعِيِّ وَلَهُمَا لَكِنْ لِلشَّافِعِيِّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ وَلَهُمَا الِاسْتِدْلَال بِالْمَعْقُولِ اهـ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ لَهُمْ: أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ، لَكِنْ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ وَاسْتِدْلَالُهُمَا بِالْمَعْقُولِ اهـ أَقُولُ: لَا مُسَاعَدَةَ فِي عِبَارَةِ الْمَشْرُوحِ

وَلَا مِرَاءَ فِي الْعِصْمَةِ وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا» وَفِيهِ «وَفِي كُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ» ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْلِ، وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: اقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَمِنْهُ الْقُصَّةُ لِلْجَلَمَيْنِ، وَلَا تَمَاثُلَ بَيْنَ الْجَرْحِ وَالدَّقِّ لِقُصُورِ الثَّانِي عَنْ تَخْرِيبِ الظَّاهِرِ، وَكَذَا لَا يَتَمَاثَلَانِ فِي حِكْمَةِ الزَّجْرِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّلَاحِ غَالِبٌ وَبِالْمُثْقَلِ نَادِرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَ لَامَ التَّعْلِيلِ فِي الْمَعْقُولِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» فَلَمْ يَبْقَ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ لَهُمْ إلَّا الْحَدِيثُ فَلَا مَجَالَ لِلتَّوْزِيعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى لَهُمْ الْحَدِيثُ وَالْمَعْقُولُ، وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَهُمْ الْحَدِيثُ، وَلَهُمْ الْمَعْقُولُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمُشَارَكَةِ مَجْمُوعِهِمْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ تَأَمَّلْ تَقِفْ وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إذْ لِلشَّافِعِيِّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَفِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَهُمَا الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَعْمَلَا فِي الِاسْتِيفَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» اهـ أَقُولُ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَكَيْفِيَّةَ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا يُسْتَفَادَانِ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ غَرَّقْنَاهُ، فَالْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ فِي نَفْسِهِ لَا مُوجِبَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» أَنْ لَوْ ثَبَتَ تَأَخُّرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» عَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» أَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ أَقْوَى مِنْهُ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يَثْبُتْ لَا يُقَالُ: يَكْفِي التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا إذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» عَلَى أَنْ لَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَصْلُحُ لَأَنْ يُتَمَسَّكَ بِهِ مَعَ أَنَّ أَئِمَّتَنَا تَمَسَّكُوا بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَطْلَبِ وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ ثُمَّ أَقُولُ: الْأَوْلَى عِنْدِي فِي تَوْجِيهِ الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ كُلِّهِمْ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُبْقِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَحْمِلُ التَّغْرِيقَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا الْإِمَامَانِ فَيَحْمِلَانِهِ عَلَى الْكِنَايَةِ عَنْ الْإِهْلَاكِ لِكَوْنِ الْإِهْلَاكِ لَازِمَ التَّغْرِيقِ فَيَصِيرُ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " غَرَّقْنَاهُ " أَهْلَكْنَاهُ، وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِغَرَّقْنَاهُ لِمُشَاكَلَةِ قَوْلِهِ " مَنْ غَرَّقَ " وَإِنَّمَا يَحْمِلَانِهِ عَلَى ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ ظَاهِرُ النَّصَّيْنِ يُطْلَبُ الْمُخَلِّصُ مَهْمَا أَمْكَنَ فِي التَّوْفِيقِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَاهُنَا الْمُخَلِّصُ عِنْدَهُمَا يَتَيَسَّرُ بِحَمْلِ التَّغْرِيقِ عَلَى الْإِهْلَاكِ وَالْقَتْلِ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا» وَفِيهِ «وَفِي كُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ» ) أَقُولُ فِي دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُدَّعَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ التَّغْرِيقِ خَفَاءٌ كَمَا تَرَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ لِبَيَانِ وَجْهِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ،

وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ، وَقَدْ أَوْمَتْ إلَيْهِ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ فِيهِ وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ. قَالَ (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ قَالَ (وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَإِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَكَذَا الدِّيَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ نَصُّ الْكِتَابِ «وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالدِّيَةِ» قَالُوا: إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا تَجِبُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» قَالَ (وَمَنْ شَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ وَأَصَابَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ عَلَيْهِ وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا مُطْلَقًا وَكَانَ جِنْسًا آخَرَ، وَفِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِنْصَافُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً إقْنَاعِيَّةً وَإِنْ أَمْكَنَ التَّوْجِيهُ بِبَعْضِ مِنْ التَّمَحُّلَاتِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَرَكَ

[فصل ومن شهر على المسلمين سيفا]

[فَصْلٌ وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا] فَصْلٌ قَالَ (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَطَلَّ دَمَهُ» وَلِأَنَّهُ بَاغٍ فَتَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِبَغْيِهِ، وَلِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الْقَتْلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَهُ قَتْلُهُ وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِمْ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ، وَالْمَعْنَى وُجُوبُ دَفْعِ الضَّرَرِ وَفِي سَرِقَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي طَرِيقٍ فِي غَيْرِ مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَثُ وَلَكِنْ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ، وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَإِذَا قَتَلَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا قَالُوا: فَإِنْ كَانَ عَصًا لَا تَلْبَثُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا قَالَ (وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الدَّابَّةِ وَلَا يَجِبُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَتَلَهُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ بِالْبَالِغِ الشَّاهِرِ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى قَتْلِهِ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّمَسُّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ هَا هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ وَاكْتَفَى بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ مَعَ كَوْنِ عَادَتِهِ أَنْ يَقْتَفِيَ أَثَرَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي وَضْعِ الْمَسَائِلِ وَبَسْطِ الدَّلَائِلِ

[باب القصاص فيما دون النفس]

أَمَّا فِعْلُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ حَقَّقْنَاهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ، وَكَذَا عِصْمَتُهُمَا لِحَقِّهِمَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ مَالِكِهَا فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِلْعِصْمَةِ دُونَ فِعْلِ الدَّابَّةِ، وَلَنَا أَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ وَفِعْلُ الدَّابَّةِ لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا وَكَذَا فِعْلُهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ عِصْمَتُهُمَا حَقَّهُمَا لِعَدَمِ اخْتِيَارٍ صَحِيحٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةُ قَالَ (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فِي الْمِصْرِ فَضَرَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ) مَعْنَاهُ: إذَا ضَرَبَهُ فَانْصَرَفَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا بِالِانْصِرَافِ فَعَادَتْ عِصْمَتُهُ قَالَ (وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا وَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَاتَّبَعَهُ وَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ دَفْعًا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا اسْتِرْدَادًا فِي الِانْتِهَاءِ، وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إلَّا بِالْقَتْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] ِ قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ عَمْدًا مِنْ الْمِفْصَلِ قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَهُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَتُهَا فِيهِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي الْقَطْعِ مِنْ الْمِفْصَلِ فَاعْتُبِرَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْيَدِ وَصِغَرِهَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، إذْ الْجُزْءُ يَتْبَعُ الْكُلَّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] أَيْ ذَاتُ قِصَاصٍ، كَذَا فِي التَّفَاسِيرِ وَالشُّرُوحِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: أَيْ ذُو قِصَاصٍ

الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنُ لِإِمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ. . قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ فَقَلَعَهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِامْتِنَاعِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَذَهَبَ ضَوْءُهَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: تُحْمَى لَهُ الْمِرْآةُ وَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ عَيْنُهُ بِالْمِرْآةِ فَيَذْهَبُ ضَوْءُهَا، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. . قَالَ: (وَفِي السِّنِّ الْقِصَاصُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] (وَإِنْ كَانَ سِنُّ مَنْ يُقْتَصُّ مِنْهُ أَكْبَرَ مِنْ سِنِّ الْآخَرِ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السِّنِّ لَا تَتَفَاوَتُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ. قَالَ: (وَفِي كُلِّ شَجَّةٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ الْقِصَاصُ) لِمَا تَلَوْنَا. قَالَ (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ) وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» وَالْمُرَادُ غَيْرُ السِّنِّ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ فِي غَيْرِ السِّنِّ مُتَعَذِّرٌ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، بِخِلَافِ السِّنِّ لِأَنَّهُ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ، وَلَوْ قَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ يُقْلَعُ الثَّانِي فَيَتَمَاثَلَانِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: لَا وَجْهَ لِتَذْكِيرِ ذُو هُنَا إلَّا بِتَمَحُّلٍ رَكِيكٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْتَكَبَ بِلَا ضَرُورَةٍ سِيَّمَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ يَقْلَعُ الثَّانِي فَيَتَمَاثَلَانِ) قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَعَامَّةُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَلَوْ قَلَعَ السِّنَّ مِنْ أَصْلِهِ لَا يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا لَتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ بِهِ لِثَاتُهُ، وَلَكِنْ يُبْرِدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ، وَعَزَاهُ الشُّرَّاحُ إلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: أُسْلُوبُ تَحْرِيرِهِمْ هَاهُنَا مَحَلُّ تَعَجُّبٍ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لَا بِالرَّدِّ وَلَا بِالْقَبُولِ، بَلْ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَكَانَ مِنْ دَأْبِ الشُّرَّاحِ التَّعَرُّضُ لِمَا فِي الْكِتَابِ إمَّا بِالْقَبُولِ وَإِمَّا بِالرَّدِّ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ أَصْلًا. نَعَمْ الْقَوْلُ الَّذِي نَقَلْتُهُ هُنَا عَنْ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَكِنَّهُ وَاقِعٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ لَيْسَ بِمَثَابَةِ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ. كَيْفَ وَقَدْ أَخَذَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ فَذَكَرَهُ فِي مَتْنِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا قَوْدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنِّ فَتُقْلَعُ إنْ قُلِعَتْ وَتُبْرَدُ إنْ كُسِرَتْ،

قَالَ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ) لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ يَعُودُ إلَى الْآلَةِ، وَالْقَتْلُ هُوَ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا دُونَ مَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ إتْلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ. (وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ. وَيُعْتَبَرُ الْأَطْرَافُ بِالْأَنْفُسِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَأَنَّ مَأْخَذَ مَتْنِ الْوِقَايَةِ هُوَ الْهِدَايَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُهُ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ. ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ هَاهُنَا هُوَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ هَلْ يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا أَمْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِكَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ يُؤْخَذُ مِنْ سِنِّ الْكَاسِرِ بِالْمِبْرَدِ مِقْدَارُ مَا كَسَرَ مِنْ سِنِّ الْآخَرِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِقَلْعِ سِنٍّ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ وَلَكِنْ يُبْرَدُ سِنُّ الْقَالِعِ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ ذَكَرَ بِلَفْظِ النَّزْعِ، وَالنَّزْعُ وَالْقَلْعُ وَاحِدٌ. وَفِي الزِّيَادَاتِ نَصَّ عَلَى الْقَلْعِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَدْ ذَكَرَهُ مَرَّةً لَكِنَّهُ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّهُ عَمْدٌ وَهَاهُنَا أَنَّهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا تَمَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ بِأَنْ قَالَ: يَعْنِي لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّرْحُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامَيْنِ فَرْقٌ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ أَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ عِبَارَةُ نَفْسِهِ، وَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ مَعْنًى مُغَايِرٌ لِمَعْنَى الْأُخْرَى، فَإِنَّ مَا سَبَقَ هَكَذَا: وَمَا يَكُونُ شِبْهُ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا ` سِوَاهَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ وَهُوَ تَعَمُّدُ الضَّرْبِ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى.

وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ. بِخِلَافِ التَّفَاوُتِ فِي الْبَطْشِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فَاعْتُبِرَ أَصْلُهُ، وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَلَا تَفَاوَتَ فِيهِ. (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْشِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسِّلَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا سِوَى النَّفْسِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ بِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ لِمَانِعٍ يَمْنَعُ عَنْهُ، فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاص لِمَانِعٍ يَقَعُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ، كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا وَكَمَا إذَا وَرِثَ الِابْنُ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ، فَلَأَنْ يَقَعَ فِي الْعَمْدِ فِي الْأَطْرَافِ أَوْلَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ أَنَّ الَّذِي كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ لَا أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، فَإِنَّ ضَمِيرَ هُوَ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ رَاجِعٌ إلَى مَا كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا إلَى شِبْهِ عَمْدٍ، إذْ لَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ شِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأً لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِي الْأَطْرَافِ، لِأَنَّ تَعَمُّدَ الضَّرْبِ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَيَا الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَوْجِيهِ مَا سَبَقَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ، بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا تَحَقَّقْتُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ النِّزَاعِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ. قُلْنَا: قَدْ خُصُّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ، وَالنَّصُّ الْعَامُّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَخَصَّصْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ «قَطَعَ عَبْدٌ لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ أُذُنَ عَبْدٍ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْضِ بِالْقِصَاصِ» انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مِنْهُ الْبَعْضُ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا إذَا أُخْرِجَ مِنْ النَّصِّ الْعَامِّ شَيْءٌ بِمَا هُوَ مَفْصُولٌ عَنْهُ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالَتِهِ

قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ أَوْ جَرَحَهُ جَائِفَةٌ فَبَرَأَ مِنْهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ، إذْ الْأَوَّلُ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا ضَابِطَ فِيهِ، وَكَذَا الْبُرْءُ نَادِرٌ فَيُفْضِي الثَّانِي إلَى الْهَلَاكِ ظَاهِرًا. قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ فَالْمَقْطُوعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ الْيَدَ الْمَعِيبَةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ كَامِلًا) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ كَامِلًا مُتَعَذَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى الْعِوَضِ كَالْمِثْلِيِّ إذَا انْصَرَمَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَعْدَ الْإِتْلَافِ ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَاهَا نَاقِصًا فَقَدْ رَضِيَ بِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ كَمَا إذَا رَضِيَ بِالرَّدِيءِ مَكَانَ الْجَيِّدِ (وَلَوْ سَقَطَتْ الْمُؤْنَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ قُطِعَتْ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ لَهُ) عِنْدَنَا لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَخْرَجَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ مِنْ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ بِهَا فَتَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى قَطْعِيَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ نَظِيرَ هَذَا النَّظَرِ فِي مَحَالِّهِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، وَلَا يُفِيدُ عَدَمَ جَرَيَانِهِ فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، فَبَقِيَ الِاعْتِرَاضُ بِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ. وَالصَّوَابُ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ آيَةُ الْقِصَاصِ وَالْقِصَاصُ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، فَالْمُرَادُ بِمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ لَا غَيْرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ هَاتِيَكَ الْآيَةِ مِنْ التَّنْزِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَمَعْنَاهُ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَتُعْرَفُ الْمُسَاوَاةُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَتُهَا فِيهِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا، وَأَشَارَ إلَيْهِ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ بِالْقِيمَةِ فَلَمْ تَكُنْ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ مُجْرَاةً عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهَا حَتَّى يَكُونَ إطْلَاقُهَا حُجَّةً عَلَيْنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَكَيْف يُتَصَوَّرُ إجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهَا، وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَيْنِ إذَا قَلَعَهَا بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَلْعِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي قَطْعِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ مِنْ غَيْرِ الْمِفْصَلِ، وَكَذَا فِيمَا إذَا قَطَعَ الْحُرُّ طَرْفَ الْعَبْدِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَدَارَ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ إمْكَانُ الْمُمَاثَلَةِ وَأَنَّ مَعْنَى النَّظْمِ الشَّرِيفِ مَصْرُوفٌ إلَى ذَلِكَ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ النَّاشِئُ مِنْ تَوَهُّمِ الْإِطْلَاقِ. ثُمَّ إنَّهُ بَقِيَ فِي هَذَا الْمَقَامِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا وُجُودَ التَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، لَكِنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ أَنْ يَمْنَعَ اسْتِيفَاءَ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ وَأَنْتُمْ لَا تَقْطَعُونَ يَدَ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ أَيْضًا، وَالشُّرَّاحُ كَانُوا فِي طَرِيقِ دَفْعِهِ طَرَائِقَ قِدَدًا، فَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَالْجَوَابُ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ مَانِعًا مُطْلَقًا وَالشَّلَلُ لَيْسَ مِنْهُ فَيُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْمَنْفَعَةِ

سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فَصَارَتْ سَالِمَةً لَهُ مَعْنًى. . قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَاسْتَوْعَبَتْ الشَّجَّةُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَالْمَشْجُوجُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ اقْتَصَّ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ يَبْتَدِئُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ) لِأَنَّ الشَّجَّةَ مُوجِبَةٌ لِكَوْنِهَا مَشِينَةٌ فَقَطْ فَيَزْدَادُ الشَّيْنُ بِزِيَادَتِهَا، وَفِي اسْتِيفَائِهِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ، وَلَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ بِاسْتِيفَائِهِ قَدْرَ حَقِّهِ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيَنْتَقِصُ فَيُخَيَّرُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ وَالصَّحِيحَةِ، وَفِي عَكْسِهِ يُخَيَّرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَامِلًا لِلتَّعَدِّي إلَى غَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْتَفِي بِهِ الْمُمَاثَلَةُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ، فَقُلْنَا: يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَطْرَافِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ دُونَ الْبَذْلِ بِالْأَطْرَافِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّفَاوُتَ الْمَالِيَّ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَانِعًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَا لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا بَلْ مُوجِبًا لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ كَالشَّلَلِ فَيُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي أَقَامَهَا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ وَهِيَ أَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ فِي الْأَطْرَافِ دُونَ الْبَذْلِ مُتَمَشِّيَةٌ بِعَيْنِهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ الْمَالِيِّ أَيْضًا بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ أَيْضًا مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الشَّلَلِ مِمَّا لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ الْمَالِيَّ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقِيمَةُ الْيَدِ تَتَفَاوَتُ بِالصِّحَّةِ وَالشَّلَلِ قَطْعًا، فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ أَرْشَ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ وَجَعَلَ أَرْشَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ حُكُومَةَ عَدْلٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الدِّيَاتِ وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، وَلِأَنَّ أَرْشَ الْأَطْرَافِ مُخْتَلِفٌ فَصَارَتْ كَالصَّحِيحِ وَالْأَشَلِّ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ قُلْنَا: نَعَمْ إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بِسَبَبٍ حِسِّيٍّ كَالشَّلَلِ وَفَوَاتِ بَعْضِ الْأَصَابِعِ فَهُوَ كَمَا قُلْت: يَعْنِي يُمْنَعُ اسْتِيفَاءُ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ اسْتِيفَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ كَالْيَمِينِ مَعَ الْيَسَارِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ التَّفَاوُتَ إذَا كَانَ لِمَعْنَى حِسِّيٍّ فَمَنْ لَهُ الْحَقُّ إذَا رَضِيَ بِالِاسْتِيفَاءِ يُجْعَلُ مُبْرِئًا لِبَعْضِ حَقِّهِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا بَقِيَ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلِهَذَا لَا يُسْتَوْفَى الْأَكْمَلُ بِالْأَنْقَصِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْقَاطِعُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرِّضَا بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ، وَلَا يَحِلُّ اسْتِيفَاءُ الطَّرَفِ بِالْبَذْلِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ فَلَا وَجْهَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا بِطَرِيقِ إسْقَاطِ الْبَعْضِ وَلَا بِطَرِيقِ الْبَذْلِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ، إذْ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّفَاوُتِ الْحِسِّيِّ وَبَيْنَ التَّفَاوُتِ الْحُكْمِيِّ فِي اسْتِيفَاءِ الْأَنْقَصِ بِالْأَكْمَلِ تَحَكُّمٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُ إذَا تَقَرَّرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ فَصَاحِبُ الْأَكْمَلِ إنْ رَضِيَ بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي الْأَنْقَصِ مِنْ صَاحِبِ الْأَنْقَصِ بِمُقَابِلَةِ الْأَكْمَلِ يَصِيرُ مُسْقِطًا لِبَعْضِ حَقِّهِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا بَقِيَ بِالضَّرُورَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ التَّفَاوُتُ أَمْرًا حِسِّيًّا أَوْ أَمْرًا حُكْمِيًّا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْأَنْقَصِ، فَإِنْ رَضِيَ بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ صَاحِبُ الْأَنْقَصِ الْأَكْمَلَ بِمُقَابَلَةَ الْأَنْقَصِ يَصِيرُ بَاذِلًا لِزِيَادَةِ حَقِّهِ بِالضَّرُورَةِ أَيْضًا بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَ كَوْنِ سَبَبِ التَّفَاوُتِ حِسِّيًّا أَوْ حُكْمِيًّا، وَالْبَذْلُ فِي الْأَطْرَافِ غَيْرُ جَائِزٍ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا إسْقَاطُ الْحَقِّ بِالرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ فَجَائِزٌ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَلَا مَجَالَ لِلْفَرْقِ الْمَزْبُورِ. فَإِنْ قُلْتَ: السَّبَبُ الْحُكْمِيُّ لَا يُفِيدُ التَّفَاوُتَ الْحَقِيقِيَّ، وَإِسْقَاطُ الْبَعْضِ وَبَذْلُ الزِّيَادَةِ فَرْعُ التَّفَاوُتِ الْحَقِيقِيِّ فَهَذَا مَدَارُ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ. قُلْتُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إسْقَاطَ بَعْضِ الْحَقِّ وَبَذْلِ زِيَادَتِهِ فَرْعُ التَّفَاوُتِ الْحِسِّيِّ الْحَقِيقِيِّ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ الْغَيْرِ الْحِسِّيَّةِ يَجْرِي فِيهَا الْكَمَالُ وَالنُّقْصَانُ، فَلَا جَرَمَ يَكُونُ الرِّضَا بِالنَّاقِصِ مِنْهَا عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ الْكَامِلَ إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ، وَيَكُونُ إيفَاءُ الْكَامِلِ مِنْهَا

[فصل وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال]

حَقِّهِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي طُولِ الرَّأْسِ وَهِيَ تَأْخُذُ مِنْ جَبْهَتِهِ إلَى قَفَاهُ وَلَا تَبْلُغُ إلَى قَفَا الشَّاجِّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ. . قَالَ: (وَلَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ وَلَا فِي الذَّكَرِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ يَجِبُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ (إلَّا أَنْ تُقْطَعَ الْحَشَفَةُ) لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ كَالْمَفْصِلِ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الذَّكَرِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ، بِخِلَافِ الْأُذُنِ إذَا قُطِعَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ وَلَهُ حَدٌّ يُعْرَفُ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ، وَالشَّفَةُ إذَا اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ بَعْضُهَا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهَا. . [فَصْلٌ وَإِذَا اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى مَالٍ] فَصْلٌ قَالَ: (وَإِذَا اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةُ عَلَى مَا قِيلَ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَلَ النَّاقِصِ بَذْلًا لِلزِّيَادَةِ، كَيْفَ وَلَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا يَتِمَّ أَصْلُ دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، فَإِنَّ مَدَارَ ذَلِكَ عَلَى انْعِدَامِ التَّمَاثُلِ فِي الْأَطْرَافِ بِتَحَقُّقِ التَّفَاوُتِ الْحُكْمِيِّ بَيْنَهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ قُلْنَا: شَرْعُ الْقِصَاصِ فِي الْأَصْلِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ ثَابِتًا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ كَنُقْصَانِ طَرَفِ الْأُنْثَى وَالْعَبْدِ مِنْ طَرَفِ الذَّكَرِ وَالْحُرِّ مُنِعَ شَرْعُ الْقِصَاصِ لِانْتِفَاءِ مَحَلِّهِ، وَإِنْ كَانَ التَّسَاوِي فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا وَالتَّفَاوُتُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ عَارِضٍ كَانَ الْقِصَاصُ مَشْرُوعًا فَيُمْنَعُ اسْتِيفَاءُ الْكَامِلِ بِالنَّاقِصِ دُونَ عَكْسِهِ إذَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ انْتَهَى. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا رَأْيُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ شَرْعَ الْقِصَاصِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلتَّفَاوُتِ بِحَسْبِ أَمْرٍ عَارِضٍ يَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ اسْتِيفَاءُ الْكَامِلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِالنَّاقِصِ وَهُوَ الْأَشَلُّ، كَمَا يَجُوزُ عَكْسُهُ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ بِحَسَبِ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهَا بِحَسَبِ أَمْرٍ عَارِضٍ وَهُوَ الشَّلَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْكَامِلِ بِالنَّاقِصِ بِلَا رَيْبٍ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ شَرْعَ الْقِصَاصِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لَكِنْ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ إذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِهِ لِرِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ لَا لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي شَرْعِ الْقِصَاصِ فَمَعَ إبَاءِ عِبَارَةِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَنْهُ جِدًّا يَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ اسْتِيفَاءُ طَرَفِ الْمَرْأَةِ بِطَرَفِ الرَّجُلِ أَيْضًا إذَا رَضِيَ الرَّجُلُ بِهِ لِوُجُودِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ فِي هَاتِيَكَ الصُّورَةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَصْلًا فَتَأَمَّلْ حَقَّ التَّأَمُّلِ، فَلَعَلَّ حَلَّ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَفِعُ بِهِ الْإِشْكَالُ عَنْهُ بِالْمَرَّةِ مِمَّا تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ. (فَصْلٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمَّا كَانَ تَصَوُّرُ الصُّلْحِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْجِنَايَةِ وَمُوجِبِهَا أَتْبَعَهُ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ

«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ» الْحَدِيثُ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْأَخْذُ بِالرِّضَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَهُوَ الصُّلْحُ بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ يَجْرِي فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَفْوًا فَكَذَا تَعْوِيضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إحْسَانِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي. وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مُقَدَّرٌ فَيُفَوَّضُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا كَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَهُوَ حَالٌّ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ نَحْوُ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا مَا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ. . قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَوْلَى نِصْفَانِ) لِأَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ أُضِيفَ إلَيْهِمَا. (وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ عَنْ الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نُصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْقِصَاصِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ، وَبَيَانُ وَجْهِ اتِّبَاعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَحْدَهَا لَا يَكْفِي فِي اتِّبَاعِ جَمِيعِ مَا شَمِلَهُ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا تَرَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ تَصَوُّرِ الصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْجِنَايَةِ وَمُوجِبِهَا إنَّمَا يَقْتَضِي مُجَرَّدَ اتِّبَاعِهِ ذَلِكَ وَتَأْخِيرِهِ عَنْهُ لَا ذِكْرُهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي تَالِي الشَّرْطِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَتْبَعَهُ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ يَجْرِي فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَفْوًا فَكَذَلِكَ تَعْوِيضًا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْإِسْقَاطِ عَفْوًا فِي شَيْءٍ جَرَيَانُهُ تَعْوِيضًا أَيْضًا فِيهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لِلشَّفِيعِ إسْقَاطَ حَقِّ شُفْعَتِهِ بِلَا عِوَضٍ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ حَقِّ شُفْعَتِهِ عَلَى مَالٍ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ مِنْ الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَاهُنَا فُتُورٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ كَلِمَةَ عَفَا تُعَدَّى بِعَنْ وَقَدْ عَدَّاهَا فِي الْكِتَابِ بِمِنْ حَيْثُ قَالَ: مِنْ الدَّمِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يُقَالُ صَالَحَ عَنْ كَذَا عَلَى عِوَضٍ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَلِمَةَ مِنْ مَوْضِعَ كَلِمَةِ عَنْ حَيْثُ قَالَ: أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ وَالثَّالِثُ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِيبِ فِي قَوْلِهِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ تُوهِمُ تَجَزُّؤَ الْقِصَاصِ لِأَنَّ النَّصِيبَ هُوَ الْحِصَّةُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مُتَجَزِّئ فَيَثْبُتُ كَامِلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ، فَالْأَظْهَرُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنْ الدَّمِ أَوْ صَالَحَ عَنْ حَقِّهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ فِي الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالنَّصِيبِ إنَّمَا أَصَابَ الْمُجَزَّءَ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّ الدِّيَةَ مُتَجَزِّئَةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ قَبِيلِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبٌ مِنْهَا بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الْإِرْثِ. وَأَمَّا حَقُّ التَّعْبِيرِ فِي شَأْنِ الْقِصَاصِ فَأَنْ يَذْكُرَ لَفْظَ الْحَقِّ بَدَلَ لَفْظِ النَّصِيبِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ تَقْرِيرِ دَلِيلِنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقِصَاصِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ.

وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَكَذَا الدِّيَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الزَّوْجَيْنِ. لَهُمَا أَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ، وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الدِّيَةُ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الزَّوْجَيْنِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا اللَّفْظُ كَمَا تَرَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَيْنِ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا عِنْدَهُمَا، وَنُقِلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِلَافَ مَالِكٍ فِي الزَّوْجَيْنِ فِي الدِّيَةِ خَاصَّةً. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقِصَاصِ فَفِيهِ خِلَافُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي الزَّوْجَيْنِ، وَنُقِلَ عَنْ الْأَسْرَارِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لَا حَظَّ لِلنِّسَاءِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلَهُنَّ حَقُّ الْعَفْوِ. ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَظَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْأَسْرَارِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ تِلْكَ الْكُتُبِ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الزَّوْجَيْنِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَكَذَا الدِّيَةُ وَحْدَهُ لَا بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الدِّيَةُ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ إرْشَادٍ إلَيْهِ فَصَّلَ قَوْلَهُ وَكَذَا الدِّيَةُ بِذِكْرِ لَفْظَةِ كَذَا، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ فِي بَيَانِ الْخِلَافِ أَيْضًا لَقَالَ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الزَّوْجَيْنِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الزَّوْجَيْنِ: فَعِنْدَهُمَا لَا يَرِثُ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا لِأَنَّ وُجُوبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجِيَّةُ تَنْقَطِعُ بِهِ انْتَهَى. حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ فِي شَرْحِ ذَلِكَ، وَيُوَافِقُهُ تَحْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الدِّيَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَرِثُ الزَّوْجَانِ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ مُؤَاخَذَةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُخَالِفَةِ لَهَا عَدَمُ صِحَّةِ مَا نَقَلَهُ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا مَا نَقَلَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: بَلْ مَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ لَمْ يَدَعْ عَدَمَ صِحَّةِ مَا فِي الْكِتَابِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ أَرَادَ بَيَانَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمَقْبُولَةِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لَا سِيَّمَا الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ فَإِنَّ صَاحِبَيْهِمَا مِنْ أَسَاطِينِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنْ لَيْسَ لِلزَّوْجَيْنِ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا، بَلْ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا مَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، فَالْأَوْجَهُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِيهَا وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا

وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، حَتَّى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَابْنِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ، وَإِذَا ثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَالْإِسْقَاطِ عَفْوًا وَصُلْحًا وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقِصَاصِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ رَجُلَيْنِ وَعَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ قِصَاصَانِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ وَهَاهُنَا وَاحِدٌ لِاتِّحَادِهِمَا، وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا لِأَنَّهُ امْتَنَعَ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْقَاتِلِ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ، ثُمَّ يَجِبُ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ فِي سَنَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَعَفَا أَحَدُهُمَا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ خَطَأً. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّلِيلَ لَا يُفِيدُ تَمَامَ الْمُدَّعِي هَاهُنَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالزَّوْجِيَّةِ فِي حَقِّ الدِّيَةِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ، وَالْعُمْدَةِ هَاهُنَا هُوَ الثَّانِي، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآخِرَ اسْتِطْرَادًا كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، حَتَّى أَنْ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَابْنِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ) أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ وَإِنْ كَانَ يَتَمَشَّى فِي الْقِصَاصِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى فِيهِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ عِنْدَهُمَا كَالدَّيْنِ وَالدِّيَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَطَرِيقُهُ طَرِيقُ الْخِلَافَةِ دُونَ الْوِرَاثَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِهِ إنَّهُ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ مَعَ أَنَّ الْمُدَّعِي هَاهُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الدِّيَةُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا قَاطِبَةً فَكَيْفَ يَتِمُّ تَعْلِيلُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِالْمُخْتَلِفِ فِيهِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَتِمَّتِهِ: حَتَّى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَابْنِ الِابْنِ لَا يُجْدِي نَفْعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِ الْإِرْثِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْمَقْتُولِ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ هُنَاكَ يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِلْمُوَرِّثِ الْغَيْرِ الْمَقْتُولِ قَبْلَ مَوْتِهِ وِرَاثَةً مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَهُمَا وَخِلَافَةً عَنْهُ لَا وِرَاثَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ لَا يَثْبُتُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ عِنْدَهُ، بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ ابْتِدَاءً لِتَشَفِّي الصُّدُورِ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَى تَفْصِيلِهِ فِي بَابِهِ، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي وَرَثَةِ نَفْسِ الْمَقْتُولِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ عَلَى أَصْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُمَا مَوْرُوثَانِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَا فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ كَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا أَوَّلًا لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ وَلَا يَقَعُ لِلْمَيِّتِ إلَّا بِأَنْ يُسْنِدَ الْوُجُوبَ إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ، فَكَانَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فِي ثُبُوتِهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ انْتَهَى، أَقُولُ: قَدْ زَادَ هَذَا

وَلَنَا أَنَّ هَذَا بَعْضُ بَدَلِ الدَّمِ وَكُلَّهُ مُؤَجَّلٌ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ بَعْضُهُ، وَالْوَاجِبُ فِي الْيَدِ كُلُّ بَدَلِ الطَّرَفِ وَهُوَ فِي سَنَتَيْنِ فِي الشَّرْعِ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ. . قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحُ هَاهُنَا نَغْمَةً فِي الطُّنْبُورِ حَيْثُ زَادَ فَسَادًا عَلَى فَسَادٍ، لِأَنَّهُ مَعَ إتْيَانِهِ فِي تَضَاعِيفِ شَرْحِهِ بِمَا يُقَرِّرُ أَنْ لَا يَتِمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا أَوَّلًا لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ صَرَّحَ بِأَنَّهُمَا يَعْنِي الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ مَوْرُوثَانِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَوْرُوثٍ مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَالتَّصْرِيحُ بِالِاتِّفَاقِ فَسَادٌ فَوْقَ فَسَادٍ، وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ لِقَوْلِ عُمَرَ فِيهِ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الظُّلْمِ عَلَى الْمُعْتَدِي وَفِي النُّقْصَانِ مِنْ الْبَخْسِ بِحَقِّ الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْوَاحِدِ هَذَا شَيْءٌ يُعْلَمُ بِبَدَاهَةِ الْعَقْلِ، فَالْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَشَرَةُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ. وَأَيَّدَ هَذَا الْقِيَاسَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَذَلِكَ يَنْفِي مُقَابَلَةَ النُّفُوسِ بِنَفْسٍ، وَلَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا فَقَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَقَالَ فِي بَيَانِهِ: وَذَلِكَ يَنْفِي مُقَابَلَةَ النُّفُوسِ بِنَفْسٍ، فَعَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ هَذَا الْقِيَاسِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَدْلُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي قَضَائِهِ وَقَوْلِهِ الْمَزْبُورَيْنِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ قَوْلَ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ وَفِعْلَهُ لَا يَصْلُحَانِ لِلْمُعَارَضَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ الرُّجْحَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حَيْثُ كَانُوا مُتَوَافِرَيْنِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَحَلَّ مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ

وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ، وَالْقِصَاصُ مَزْجَرَةٌ لِلسُّفَهَاءِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِحِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ. (وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَحَضَرَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ قُتِلَ لِجَمَاعَتِهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قُتِلَ لَهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ وَيَجِبُ لِلْبَاقِينَ الْمَالُ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا وَلَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ قُتِلَ لَهُمْ وَقُسِمَتْ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَيُقْتَلُ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ. لَهُ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْوَاحِدِ قِتْلَاتٌ وَاَلَّذِي تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ قَتْلُ وَاحِدٍ فَلَا تَمَاثُلَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ عُرِفَ بِالشَّرْعِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَجَاءَ التَّمَاثُلُ أَصْلُهُ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQنَاسِخًا لِلْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ كَمَا لَا يَكُونُ الْقِيَاسُ نَاسِخًا لِشَيْءٍ مِنْهُمَا، فَالْحَقُّ فِي أُسْلُوبِ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِحَدِيثِ كَوْنِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُؤَيَّدَةً لِمَا فِي مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَدْلُولِ تِلْكَ الْآيَةِ وَبَيْنَ جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ هَاهُنَا، وَسَيَجِيءُ مِنَّا الْكَلَامُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ وَالْقِصَاصُ مَزْجَرَةٌ لِلسُّفَهَاءِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِحِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمَعْقُولِ إنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسًا عَلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ فَلَا يَرْبُو عَلَى الْقِيَاسِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِهِ الْمُؤَيِّدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى سَائِرِ أَبْوَابِ الْعُقُوبَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْفَسَادَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَيَرْبُو عَلَى ذَلِكَ بِقُوَّةِ أَثَرِهِ الْبَاطِنِ وَهُوَ إحْيَاءُ حِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ، وقَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّهُمْ فِي إزْهَاقِ الرُّوحِ الْغَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ جَعْلَ الْأَشْخَاصِ الْمُتَعَدِّدَةِ الذَّوَاتِ فِي الْحَقِيقَةِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ إزْهَاقِ الرُّوحِ الْغَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ عَنْ مَجْمُوعِهِمْ وَجَعَلَهُمْ مُسَاوِينَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ يَتَحَقَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ مُمَاثَلَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْقِصَاصِ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ مُسَاعِدَةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، وَأَيْضًا يُنَافِي هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَكَانَ الصَّادِرُ مِنْهُمْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَتْلَاتٍ مُتَعَدِّدَةً عَلَى عَدَدِ رُءُوسهمْ فَحَصَلَتْ الْمُمَاثَلَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقِصَاصِ. وَالْحَقُّ عِنْدِي هُنَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يُنَافِي مَا قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوِحْدَةِ فِي النَّفْسِ، بَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ مُقَابِلَةِ جِنْسِ النَّفْسِ بِجِنْسِ النَّفْسِ كَمَا تَرَى، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ أَنْ يُقْتَصَّ النَّفْسُ بِغَيْرِ النَّفْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: 45] وَنَحْوَهُمَا وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَ تَعَدُّدِ النَّفْسِ فِي جَانِبِ الْقَاتِلِ أَوْ الْمَقْتُولِ فَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْعَيْنَ الْيُمْنَى لَا تُقْتَصُّ بِالْعَيْنِ الْيُسْرَى وَكَذَا الْعَكْسُ، مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] . لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهِ، بَلْ إنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَكَذَا هُنَا تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَجَاءَ التَّمَاثُلُ أَصْلُهُ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ)

وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ صَالِحٌ لِلْإِزْهَاقِ فَيُضَافُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتَلَا بِوَصْفِ الْكَمَالِ أَمْرٌ مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِلْزَامِهِ تَوَارُدَ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ مُحَالٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ شُرَّاحَ الْكِتَابِ وَغَيْرَهُمْ صَرَّحُوا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ قَطْعًا بَلْ بَدِيهَةً، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى قَتْلِ جَمَاعَةٍ بِوَاحِدٍ، فَالْقَوْلُ هَاهُنَا بِتَحَقُّقِ التَّمَاثُلِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا يُنَافِي ذَلِكَ، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ جَوَابَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَعًا. فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ حَقِيقَةً، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْقِصَاصِ فَيَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ وَجْهَيْ الْإِشْكَالِ مَعًا. قُلْت: تَوَارُدُ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ مُمْتَنِعٌ عَقْلِيٌّ، وَاعْتِبَارُ الشَّرْعِ مَا هُوَ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ وَاقِعًا مِمَّا لَا وُقُوعَ لَهُ فِي شَيْءٍ، وَلَوْ فَرَضْنَا وُقُوعَهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْعَ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الظُّلْمُ عَلَى الْمُعْتَدِي عَلَى تَقْدِيرِ الزِّيَادَةِ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْبَخْسُ لِحَقِّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ النُّقْصَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الظُّلْمَ وَالْبَخْسَ إنَّمَا يَنْدَفِعَانِ بِتَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَأَمَّا فِي مُجَرَّدِ اعْتِبَارِ غَيْرِ الْمُمَاثِلِ مُمَاثِلًا فَلَا يَخْلُو الْأَمْرُ عَنْ الظُّلْمِ أَوْ الْبَخْسِ حَقِيقَةً، وَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ بَلْ غَيْرُ جَائِزٍ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ صَالِحٌ لِلْإِزْهَاقِ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ هَذَا الدَّلِيلِ بَيَانُ وَجْهِ قَوْلِهِ فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا مَعْطُوفًا عَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي شَرْعِ هَذَا الدَّلِيلِ: يَعْنِي أَنَّ الْقَتْلَ جُرْحٌ صَالِحٌ لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ عَنْ الْبَاقِينَ كَانَ قَاتِلًا بِصِفَةِ الْكَمَالِ. وَالْحُكْمُ إذَا حَصَلَ عَقِيبَ عِلَلٍ لَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، فَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهَا تَوْزِيعًا أَوْ كَامِلًا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّجَزِّي فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلَ فُلَانًا فَاجْتُمِعُوا عَلَى قَتْلِهِ حَنِثُوا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ لَا يَجُوزَ إضَافَةُ الْقَتْلِ إلَى تِلْكَ الْعِلَلِ تَوْزِيعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَجَزَّأُ تَعَيَّنَ أَنْ يُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَامِلًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ كَامِلًا إلَى مَجْمُوعِ تِلْكَ الْعِلَلِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَجْمُوعٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَوَارُدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ فَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِأَنَّ مَدَارَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ وَوُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ صَالِحٌ لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلًا مُضَافًا إلَى مَجْمُوعِهِمْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بِنَاءَ حِنْثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى الْعُرْفِ. وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ لَا غَيْرُ. ثُمَّ أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِكَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا يَتَمَشَّيَانِ فِيمَا إذَا حَضَرَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولَيْنِ وَقَتَلُوا الْقَاتِلَ جُمْلَةً، وَأَمَّا فِيمَا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَقَتَلَ الْقَاتِلَ وَحْدَهُ فَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ كَمَا ذُكِرَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ فَلَا تَمْشِيَةَ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ مِنْ الْبَاقِينَ الْغَيْرِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يُبَاشِرُوا الْقَتْلَ أَصْلًا إنَّهُ قَاتِلٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ، وَكَذَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ جُرْحٌ صَالِحٌ لِلْإِزْهَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لِلْبَاقِينَ الْمَالُ

وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي لِتَحْقِيقِ الْإِحْيَاءِ وَقَدْ حَصَلَ بِقَتْلِهِ فَاكْتَفَى بِهِ. . قَالَ: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِفَوَاتِ مَحِلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَأَشْبَهَ مَوْتَ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ إذْ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ. . قَالَ (وَإِذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْطَعُ يَدَاهُمَا، وَالْمُفْرِضُ إذَا أَخَذَ سِكِّينًا وَأَمَرَّهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْقَطَعَتْ لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالْأَنْفُسِ، وَالْأَيْدِي تَابِعَةٌ لَهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِجَامِعِ الزَّجْرِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ بَعْضَ الْيَدِ، لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ حَصَلَ بِاعْتِمَادِيِّهِمَا وَالْمَحَلُّ مُتَجَزِّئٌ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَعْضُ فَلَا مُمَاثَلَةَ، بِخِلَافِ النَّفْسِ لِأَنَّ الِانْزِهَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ غَالِبٌ حَذَارِ الْغَوْثِ، وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ فِي حَيِّزِ النُّدْرَةِ لِافْتِقَارِهِ إلَى مُقَدَّمَاتٍ بَطِيئَةٍ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ. قَالَ (وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ دِيَةُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَهُمَا قَطَعَاهَا. (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَحَضَرَا فَلَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا يَدَهُ وَيَأْخُذَا مِنْهُ نِصْفَ الدِّيَةِ يَقْسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ بِالْأَوَّلِ، وَفِي الْقِرَانِ يُقْرَعُ لِأَنَّ الْيَدَ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا لِلثَّانِي كَالرَّهْنِ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَفِي الْقِرَانِ الْيَدُ الْوَاحِدَةُ لَا تَفِي بِالْحَقَّيْنِ فَتُرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ. وَلَنَا أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِهِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَالْقِصَاصُ مِلْكُ الْفِعْلِ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي لِتَحْقِيقِ الْإِحْيَاءِ وَقَدْ حَصَلَ بِقَتْلِهِ فَاكْتَفَى بِهِ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ تَحْقِيقَ الْإِحْيَاءِ حِكْمَةُ الْقِصَاصِ، وَبِمُجَرَّدِ حُصُولِ حِكْمَتِهِ لَا يَتِمُّ أَمْرُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ شَرَائِطِهِ أَيْضًا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْمُمَاثَلَةُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ، وَكَذَا لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ بِوَلَدِهِ وَلَا بِوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَا بِعَبْدِهِ وَلَا بِمُدَبَّرِهِ وَلَا بِمُكَاتَبِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ حُصُولَ تَحْقِيقِ الْإِحْيَاءِ مُتَصَوَّرٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ شَرَائِطِهِ أَوْ لِتَحَقُّقِ بَعْضِ مَوَانِعِهِ. وَعِنْدَ أَنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ: إنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْوَاحِدِ قَتْلَاتٌ وَاَلَّذِي تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ قَتْلٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يُوجَدْ التَّمَاثُلُ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْقِصَاصِ، كَيْف يَتِمُّ أَنْ يُقَالَ فِي مُقَابَلَتِهِ قَدْ حَصَلَ تَحْقِيقُ الْإِحْيَاءِ بِقَتْلِهِ فَاكْتَفَى بِهِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ

أَمَّا الْمَحِلُّ فَخُلُوٌّ عَنْهُ فَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الثَّانِي، بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ. فَصَارَ كَمَا إذَا قَطَعَ الْعَبْدُ يَمِينَيْهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَتُسْتَحَقُّ رَقَبَتُهُ لَهُمَا، وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَقَطَعَ يَدَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَتَرَدُّدِ حَقِّ الْغَائِبِ، وَإِذَا اسْتَوْفَى لَمْ يَبْقَ مَحِلُّ الِاسْتِيفَاءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ الْآخَرِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا. . قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ يُلَاقِي حَقَّ الْمَوْلَى بِالْإِبْطَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ. وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِهِ فَيُقْبَلُ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَبُطْلَانُ حَقِّ الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الضِّمْنِ فَلَا يُبَالَى بِهِ. (وَمَنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ السَّهْمُ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَمَاتَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِلْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمْدٌ وَالثَّانِي أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ، كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَالْفِعْلُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَثَرِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَافِي فَهِمَ ضَعْفَ هَذَا التَّعْلِيلِ حَيْثُ تَرَكَ ذِكْرَهُ مَعَ كَوْنِ عَادَتِهِ أَنْ يَقْتَفِي أَثَرَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمْدٌ وَالثَّانِي أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَإِ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَهُوَ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ. أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ ظَاهِرٌ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْخَطَأَ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِي شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِي غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ فِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا (قَوْلُهُ وَالْفِعْلُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَثَرِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ فَإِنَّ الرَّمْيَ إذَا أَصَابَ حَيَوَانًا وَمَزَّقَ جِلْدَهُ سُمِّيَ جُرْحًا، وَإِنْ

[فصل قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده]

فَصْل قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَتَلَهُ سُمِّيَ قَتْلًا، وَإِنْ أَصَابَ الْكُوزَ وَكَسَرَهُ سُمِّيَ كَسْرًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَلٍّ عَمْدًا وَبِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ خَطَأً، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِأَسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحَالِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فَيَصِيرُ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ تَسْمِيَةُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِحَيْثِيَّاتِ انْضِمَامِ قُيُودٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَوْصَافٍ مُتَضَادَّةٍ إلَيْهِ بِأَسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا تَسْمِيَةَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ بِتِلْكَ الْأَسَامِي الْمُخْتَلِفَةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الرَّمْيَ مِنْ حَيْثُ أَصَابَ الْكُوزَ لَا يُسَمَّى جُرْحًا وَلَا قَتْلًا بَلْ يُسَمَّى كَسْرًا، وَكَذَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَصَابَ حَيَوَانًا وَمَزَّقَ جِلْدَهُ أَوْ قَتَلَهُ لَا يُسَمَّى كَسْرًا بَلْ يُسَمَّى جُرْحًا أَوْ قَتْلًا. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ تِلْكَ الْأَسَامِي بِاخْتِلَافِ الْأَوْصَافِ الْمُنْضَمَّةِ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ تَقَرَّرَ اخْتِلَافُ مُسَمَّيَاتِ تِلْكَ الِأَسَامِي أَيْضًا فَكَانَ مُنَاسِبًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ مُفِيدًا لَهُ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فَيَصِيرُ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ بِحَسَبِ الذَّاتِ بِحَيْثُ يَصِيرُ فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ بَلْ لَا نُسَلِّمُ إمْكَانَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنْ يَتَعَدَّدَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْصَافِ الْمُتَضَادَّةِ الْمُنْضَمَّةِ إلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ هَذَا التَّعَدُّدَ يَحْصُلُ قَطْعًا بِتَعَدُّدِ الْأَسَامِي تَعَدُّدًا نَاشِئًا مِنْ تَعَدُّدِ الْمُسَمَّيَاتِ بِالْحَيْثِيَّاتِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ، وَمُرَادُ ذَلِكَ الْقَائِلِ كَمَا عَرَفْت آنِفًا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْخَطَأُ يَسْتَلْزِمُ إبَاحَةً لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا أَمْرًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَطَأَ هُوَ تَحَقُّقُ الْجِنَايَةِ فِي إنْسَانٍ مُخَالِفٍ لِظَنِّ الْجَانِي كَمَنْ رَمَى إلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ إنْسَانٌ، أَوْ لِقَصْدِهِ مُطْلَقًا كَمَنْ رَمَى إلَى هَدَفٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا وَكَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَالرَّمْيُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَالِفِ لَهُمَا كَالرَّمْيِ لَا إلَى مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ جَوَابِهِ نَوْعُ خَلَلٍ، فَإِنَّ تَمْثِيلَ قَوْلِهِ أَوْ لِقَصْدِهِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ كَمَنْ رَمَى إلَى هَدَفٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا، وَكَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ يُشْعِرُ بِأَنْ تَكُونَ الْإِصَابَةُ لِإِنْسَانٍ عِنْدَ الرَّمْيِ إلَى هَدَفٍ وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. [فَصْل قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ] (فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَ الْفِعْلَيْنِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ إلَخْ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْفِعْلَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا

فَبَرَأَتْ يَدُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْأَعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ لِلْجَمْعِ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ، وَفِي الْآخَرَيْنِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ تَجَانَسَا بِأَنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يَجْمَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ وَاكْتَفَى بِدِيَّةٍ وَاحِدَةٍ (وَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ: اقْطَعُوهُ ثُمَّ اُقْتُلُوهُ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ: اُقْتُلُوهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُقْتَلُ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ، إمَّا لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ هَذَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، أَوْ لِأَنَّ الْحَزَّ يَقْطَعُ إضَافَةَ السِّرَايَةِ إلَى الْقَطْعِ، حَتَّى لَوْ صَدَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ يَجِبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْآخَرُ خَطَأً يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ سَوَاءٌ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا الْبُرْءُ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ كَمَا سَيَنْكَشِفُ فِي الْأَصْلِ الْآتِي ذِكْرُهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَدْرَكًا لِتَمَامِ جَوَابِهَا، وَهُوَ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا بِدُونِ ذِكْرِ ذَلِكَ الْقَيْدِ، بَلْ يُوهِمُ ذِكْرُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ فِيمَا بَعْدَ أَنْ تَبْرَأَ يَدُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً بِدُونِ ذِكْرِ ذَلِكَ الْقَيْدِ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: فَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى التَّنْبِيهُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ تَخَلُّلَ الْبُرْءِ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْفِعْلَانِ فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَ نَفْسِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ الْبُرْءُ فَفِيمَا إذَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ أَوْلَى، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إيهَامُ أَنْ لَا يَكُونَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَخَلَّلَ الْبُرْءُ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ، فَإِنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ إنَّمَا يَدُلُّ فِي الرِّوَايَاتِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ إنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا عَدَاهُ أَوْلَى بِثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ فَيَدُلُّ عَلَى اشْتَرَاكِ مَا عَدَاهُ مَعَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ بِلَا رَيْبٍ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا حَصَلَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَصَلَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اخْتِلَافِ الْفِعْلَيْنِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْقَيْدَ فِيهَا. ثُمَّ لَمَّا جَاءَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ.

الْقَوَدُ عَلَى الْحَازِّ فَصَارَ كَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ وَسَرَى لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الدِّيَةُ وَهِيَ بَدَلُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ، وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِالْحَزِّ الْقَاطِعِ لِلسِّرَايَةِ فَيَجْتَمِعُ ضَمَانُ الْكُلِّ وَضَمَانُ الْجُزْءِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجْتَمِعَانِ. أَمَّا الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ قِصَاصًا يَجْتَمِعَانِ. . قَالَ (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرِأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَرَأَ مِنْهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَرْشِ وَإِنْ بَقِيَتْ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْعَشَرَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَيَّدَهُمَا بِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ عَمْدًا وَخَطَأً فِيهِمَا فَلَا بُدَّ فِي الْأَخْذِ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مِنْ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فِي الْبَيْنِ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا خَطَأً. أَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ مَنْقُوضًا بِذَلِكَ وَقَدْ تَدَارَكَهُ الْمُصَنِّفُ صَرَاحَةً فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ، وَعَلَّلَهُ بِتَعْلِيلَيْنِ بِإِزَاءِ تَعْلِيلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ، وَتَعْلِيلُهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ إلَخْ دَافِعٌ قَطْعًا لِتَوَهُّمِ انْتِقَاضِ قَوْلِهِ فَصَارَ كَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ بِمَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ. وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْإِمَامِ خِيَارٌ كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ. قُلْنَا: الْمَسْأَلَةُ مُجْتَهَدٌ فِيهَا، فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَى مَا وَافَقَ رَأْيَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ بَيَانِ خِيَارِ الْإِمَامِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَأْبَى هَذَا الْجَوَابَ جِدًّا فَإِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا عَلَى مَا وَافَقَ رَأْيَهُ لَيْسَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ بَلْ صَاحِبَاهُ أَيْضًا يَقُولَانِ بِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَنَقَلَ عَنْهُ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ الْخِيَارَ، فَلَا تَمْشِيَةَ رَأْسًا لِلسُّؤَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. نَعَمْ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ لِلْوَلِيِّ الْخِيَارَ مَعَ الْجَزْمِ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ بِأَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا،

جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ (وَإِنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ وَجَرَحَتْهُ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ) لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَالْأَرْشِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ. . قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَعَفَا الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ، ثُمَّ إنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، لَهُمَا أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجِبِهِ، وَمُوجِبُهُ الْقَطْعُ لَوْ اقْتَصَرَ أَوْ الْقَتْلُ إذَا سَرَى، فَكَانَ الْعَفْوُ عَنْهُ عَفْوًا عَنْ أَحَدِ مُوجِبَيْهِ أَيُّهُمَا كَانَ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصَرَ فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَنْ قَطْعٍ عَفْوًا عَنْ نَوْعَيْهِ وَصَارَ كَمَا إذَا عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجِنَايَةَ السَّارِيَةَ وَالْمُقْتَصِرَةَ. كَذَا هَذَا. وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَتْلُ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ وَالْعَفْوُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِصَرِيحِهِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ، وَبِالسِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاقِعَ قَتْلٌ وَحَقُّهُ فِيهِ وَنَحْنُ نُوجِبُ ضَمَانَهُ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَمْدِ، إلَّا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِلَّةُ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ بِلَا تَفَاوُتٍ كَمَا تَبَيَّنَ فِي الْكِتَابِ؟ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ يَتَنَاوَلُ السَّارِي وَالْمُقْتَصِرَ فَكَانَ الْعَفْوُ عَنْهُ عَفْوًا عَنْ نَوْعَيْهِ) أَقُولُ: أُسْلُوبُ التَّحْرِيرِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا سَبَقَ دَلِيلًا تَامًّا لَهُمَا وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلًا آخَرَ مُسْتَقِلًّا لَهُمَا، لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ مَا سَبَقَ لَا يَتِمُّ دَلِيلًا لَهُمَا بِدُونِ انْضِمَامِ هَذَا إلَيْهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَرَّرْ أَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ يَتَنَاوَلُ السَّارِي وَالْمُقْتَصَرَ لَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُ الْقَتْلِ أَحَدَ مُوجِبِي الْقَطْعِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ اسْمَ الْقَطْعِ السَّارِي أَيْضًا لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْقَتْلِ أَحَدَ مُوجِبِي الْقَطْعِ، إذْ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ الْمُقْتَصَرُ مُوجِبًا لِلْقَتْلِ أَيْضًا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقِيَاسُ) قُلْت: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ بَدَلَ قَوْلِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي هُوَ مُوجِبُ الِاسْتِحْسَانِ

فِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِيَ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ، وَأَنَّ السِّرَايَةَ صِفَةٌ لَهُ، بَلْ السَّارِي قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا لَا مُوجِبَ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قَطْعًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَفْوُ، بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وَبِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ السِّرَايَةِ وَالْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ مُوجِبِ الْقِيَاسِ، إلَّا أَنَّ مُوجِبَ الْقِيَاسِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْوُجُوهِ: وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هِيَ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ مُطْلَقًا، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجْرَى الْقَطْعَ خَطَأً مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَطُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي الضَّرْبِ وَالشَّجَّةِ وَالْجِرَاحَةِ فِي الْيَدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْهِدَايَةِ دُونَ الْبِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ ثُمَّ سَرَّى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا بِصَدَدِ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ دَرْجُ الْعَفْوِ عَنْ الشَّجَّةِ فِي مَضْمُونِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ فَسَرُّوا هَذِهِ الْوُجُوهَ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ بِمَا يَشْمَلُ الْعَفْوَ عَنْ الشَّجَّةِ أَيْضًا، فَالْوَجْهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ هِيَ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ، وَهِيَ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ مُطْلَقًا، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ،

آذَنَ بِذَلِكَ إطْلَاقَهُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِإِعَارَةِ أَرْضِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَأَمَّا الْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ اسْتِطْرَادًا وَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ آذَنَ بِذَلِكَ إطْلَاقُهُ) أَيْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَعَفَا الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَمْدِ وَلَا لِلْخَطَإِ فَكَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُمَا، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ الْمَقَامَ كَذَلِكَ: هَذَا تَقْرِيرُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَيَّدَهُ بِالْعَمْدِ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا ذَكَرْنَا رِوَايَتَهُ، وَكَذَلِكَ قَيَّدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُمْ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْعَمْدِ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ دَعْوَى الْإِطْلَاقِ اهـ. وَأَمَّا مَا عَدَا صَاحِبَ الْغَايَةِ مِنْ الشُّرَّاحِ فَسَأَلُوا هَاهُنَا وَأَجَابُوا حَيْثُ قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِالْقَطْعِ الْعَمْدِ بِدَلِيلِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ مُرَادَهُ الْعَمْدُ، لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ: قُلْنَا: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ بِلَا شَكٍّ إذْ الْقَيْدُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ، لَكِنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا هُوَ لِأَحَدِ نَوْعَيْ الْقَطْعِ فَتَقْدِيرُهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا، انْتَهَى كَلَامُهُمْ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ جَوَابَهُمْ هَذَا لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ هُنَا بَيَانُ إجْرَاءِ مُحَمَّدٍ الْقَطْعَ خَطَأً مَجْرَى الْعَمْدِ فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِهَا، وَإِذَا كَانَ الْجَوَابُ فِي لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَخْصُوصًا بِصُورَةِ الْعَمْدِ فَكَيْفَ يُؤْذَنُ مُجَرَّدُ إطْلَاقِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ بِاشْتِرَاكِ نَوْعَيْ الْقَطْعِ فِي الْحُكْمِ، إذْ لَوْ آذَنَ ذَلِكَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ لَآذَنَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْجَوَابِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا لَهُ مَانِعٌ عَنْ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَلَا مُؤْذِنَ لِلِاشْتِرَاكِ قَطُّ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ آذَنَ بِذَلِكَ إطْلَاقَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَيْفَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَفَى تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِهِ لَا كَوْنُهُ مَوْرُوثًا، وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ، وَحُكْمُ الْخَلْفِ لَا يَثْبُتُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْمَالِ أَيْضًا أَلَّا يَثْبُتَ فِيهِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ، لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ شَرْعًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» وَتَرْكُهُمْ أَغْنِيَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْغِنَى وَهُوَ الْمَالُ، فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ لَتَرَكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَكِنَّهُ مَوْرُوثٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ خَلَلٌ فَاحِشٌ، وَفِي تَحْرِيرِ الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ الْتِزَامُ ذَلِكَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ سَيَجِيءُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَثْبُتُ لِلْقَتِيلِ ابْتِدَاءً، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ مِنْهُ كَالدَّيْنِ وَالدِّيَةِ، فَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

أَمَّا الْخَطَأُ فَمُوجِبُهُ الْمَالُ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. . قَالَ: (وَإِذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِي مَالِهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَالتَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ. ثُمَّ الْقَطْعُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ بِالِاتِّفَاقِ كَذِبٌ صَرِيحٌ. وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ هَذَا مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ وَبَيَّنْتُ بُطْلَانَهُ هُنَاكَ أَيْضًا فَتَذَكَّرْ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ فِيهِ لِكَوْنِ الْقِصَاصِ غَيْرُ مَوْرُوثٍ مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بَلْ سِيقَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ مَوْرُوثًا بِالِاتِّفَاقِ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي خَاتِمَتِهِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَكِنَّهُ مَوْرُوثٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْخَطَأُ فَمُوجِبُهُ الْمَالُ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: فَإِنْ قِيلَ: الْقَاتِلُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَكَيْفَ جَوَّزَ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ هَاهُنَا حَتَّى صَحَّ فِي نَصِيبِ الْقَاتِلِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِلْقَاتِلِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَ لَمْ يَقُلْ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا عَفَا عَنْهُ الْمَالَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَ تَبَرُّعًا مُبْتَدَأً وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْقَاتِلِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا وَسَلَّمَ جَازَ انْتَهَى كَلَامُهُمْ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا وَسَلَّمَ جَازَ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: إنْ أَرَادَ أَنَّ الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ مُنَجَّزٌ وَالْوَصِيَّةُ فِي الْمَرَضِ عَقْدٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ كَكَوْنِهَا مُعْتَبِرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَصِحَّ هِبَةُ الْمَجْرُوحِ لِلْقَاتِلِ كَعَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ لَهُ فَلَا يُجْدِي قَدْحًا فِيمَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فِي تَنْوِيرِ جَوَابِهِمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَطْعُ إنْ كَانَ عَمْدًا يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: فَإِنْ قِيلَ؛ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ

لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْأَطْرَافِ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ. قُلْنَا: الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ قَضِيَّةً لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَهُوَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ طَرَفَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ انْتَهَى. أَقُولُ فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، لِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] لِمِثْلِ مَا نَحْنُ فِيهِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَعَنْ هَذَا إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ الْمِفْصَلِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ إمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، وَقَدْ حَقَّقَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِصَدَدِ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي قَطْعِ يَدِ غَيْرِهِ عَمْدًا مِنْ الْمِفْصَلِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْأَطْرَافِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَلَئِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَنْتَقِضَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ بِمَا إذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ فَاقْتَصَرَ الْقَطْعُ فَإِنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِيهِ، وَيَصِيرُ أَرْشُ الْيَدِ وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مَهْرًا لَهَا بِالْإِجْمَاعِ، صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إلَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانَ وَالْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ، وَقَالُوا: أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ مَاتَ، وَلَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ الْوَاقِعِ بَيْنَ أَطْرَافِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَيْضًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ التَّزَوُّجُ فِي صُورَةِ الِاقْتِصَارِ أَيْضًا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ، فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتِمَّ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلُزُومِ الْأَرْشِ مَهْرًا لَهَا بِالْإِجْمَاعِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الْوَاجِبُ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ هُوَ الْأَرْشُ وَأَرْشُ الْيَدِ مَعْلُومٌ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَهْرُ؟ قُلْنَا: أَرْشُ الْيَدِ لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ مَجْهُولًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ أَيْضًا نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ أَيْضًا قَطْعًا بِالتَّزَوُّجِ عَلَى يَدِهِ فِي صُورَةِ الِاقْتِصَارِ، فَإِنَّ أَرْشَ الْيَدِ يَصِيرُ مَهْرًا لَهَا هُنَاكَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْجَهَالَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ عَدَمِ تَعَيُّنِ أَرْشِ الْيَدِ هُنَاكَ أَيْضًا. ثُمَّ أَقُولُ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ صُورَةِ الْعَمْدِ أَيْضًا مِنْ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مِثْلَ مَا قَالَهُ فِي صُورَةِ الْخَطَإِ مِنْهَا مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَنَا، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَصَحَّ وَكَانَ سَالِمًا عَنْ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ السُّؤَالَانِ الْمَذْكُورَانِ وَلَمْ

وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَإِذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ إنْ كَانَا عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي الدِّيَةِ فَضْلٌ تَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَهْرِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي الْيَدِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا. وَلَا يَتَقَاصَّانِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ وَالْمَهْرُ لَهَا. . قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَالْقَطْعُ عَمْدٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ بِجِهَةِ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْقِصَاصَ بِشَرْطِ أَنْ يَصِيرَ مَالًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ أَصْلًا (وَإِنْ كَانَ خَطَأً يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَجْ إلَى جَوَابَيْهِمَا الْمَذْكُورَيْنِ فِي الشُّرُوحِ الْمُخْتَلَّيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَيَجِبُ الدِّيَةُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ هَاهُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ مَعَ أَنَّ الْقَطْعَ كَانَ عَمْدًا وَهُوَ قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ، فَإِنَّهُ لَمَّا مَاتَ ظَهَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ وَهُوَ لَمْ يَجْعَلْ الْقِصَاصَ مَهْرًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْمَهْرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَالًا، وَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ الْقِصَاصُ مَهْرًا صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَفِيهِ الْقِصَاصُ فَكَذَا هُنَا. قُلْت: نَعَمْ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا جَعَلَ وِلَايَةَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلْمَرْأَةِ، وَلَوْ اسْتَوْفَتْ الْمَرْأَةُ الْقِصَاصَ إنَّمَا تَسْتَوْفِي عَنْ نَفْسِهَا لِنَفْسِهَا، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ عَنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُطَالِبًا لِلْقِصَاصِ وَمُطَالَبًا بِهِ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِاسْتِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ بَقِيَ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ابْتِدَاءً انْتَهَى. أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ وَجْهَ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ هَاهُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَإِنَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ هَاهُنَا دُونَ الْقِصَاصِ عَلَى مُوجِبِ الِاسْتِحْسَانِ، فَإِنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلٌّ لِلسُّؤَالِ عَنْ لَمِّيِّةِ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ هَاهُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ الَّذِي جُعِلَ مَهْرًا وَجُعِلَ وِلَايَةَ اسْتِيفَائِهِ لِلْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ قِصَاصُ الْيَدِ دُونَ قِصَاصِ النَّفْسِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ يَكُونُ هَذَا تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، وَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ وِلَايَةُ الْمَرْأَةِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي عَدَمِ تَنَاوُلِهِ الْعَفْوَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ التَّزَوُّجُ، فَبَقِيَ السُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ عَدَمِ وُجُوبِ قِصَاصِ النَّفْسِ عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَطْعَهَا صَارَ قَتْلَ النَّفْسِ وَلَغَا مَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ، إذْ لَمْ يَجْعَلْ حَدَّ وِلَايَةِ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ النَّفْسِ لِلْمَرْأَةِ قَطُّ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ وُجُوبِ قِصَاصِ النَّفْسِ عَلَيْهَا اسْتِيفَاؤُهَا الْقِصَاصَ عَنْ نَفْسِهَا لِنَفْسِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُمْ

ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ وَالتَّزَوُّجُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُحَابَاةٌ فَيَكُونُ وَصِيَّةً فَيُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِمُوجِبِ جِنَايَتِهَا، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَصِيَّةٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لِمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَتَلَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ تَسْقُطُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ يَسْقُطُ ثُلُثُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: قَوْلُهُ وَيُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا: أَيْ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَقَوْلُهُ وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً: أَيْ وَلِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يَكُونُ وَصِيَّةً انْتَهَى. أَقُولُ: فِي التَّفْسِيرِ الثَّانِي خَلَلٌ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فَصَّلَ فِيمَا بَعْدَ حَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَجَعَلَهَا صُورَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ تَسْقُطُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ يَسْقُطُ ثُلُثُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا الصُّورَةَ الْأُولَى مِنْ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِيمَا بَعْدُ، فَإِنَّ مَا يَكُونُ وَصِيَّةً لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا جَمِيعُ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَا إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ ثُلُثُهُ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُهُ يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا: أَيْ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَقَوْلُهُ وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً لَهُمْ: أَيْ لِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ الدِّيَةِ وَصِيَّةً انْتَهَى. أَقُولُ: مَآلُ هَذَا أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ مُغَايِرَةً فِي التَّفْسِيرِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي قَوْلِهِ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ بِقَوْلِهِ مِنْ الدِّيَةِ تَعَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا يُرَدُّ عَلَى مَا ذَكَرَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ كُلَّ الدِّيَةِ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَزْبُورِ. ثُمَّ أَقُولُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَلِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ جَمِيعِ مَا لَهُ وَصِيَّةٌ لَهُمْ فَيَتَنَاوَلُ الصُّورَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ فِي التَّفْصِيلِ مَعًا، لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ يَشْمَلُ الدِّيَةَ وَغَيْرَهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الدِّيَةَ كُلَّهَا مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ مَا لَهُ، لَكِنْ يُتَّجَهُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ الدِّيَةِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ، فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ وَصِيَّةً لِأَنَّ مَا يَكُونُ وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ إنَّمَا هُوَ مِقْدَارُ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ الدِّيَةِ لَا غَيْرُ. وَبِالْجُمْلَةِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا لَيْسَتْ بِخَالِيَةٍ عَنْ الْقُصُورِ فِي إفَادَةِ تَمَامِ الْمُرَادِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الرَّشَادِ، فَالْأَوْلَى فِي تَحْرِيرِ الْمَقَامِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْخَطَإِ رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي وَصِيَّةً لَهُمْ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ وَإِلَّا سَقَطَ ثُلُثُ الْمَالِ انْتَهَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ، وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ، كَذَا قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَزَادَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فِي شَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي فِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ إذَا كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً، وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ الْقَطْعِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِالْخَطَأِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا وَمِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَقَدْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، وَكَذَا مِمَّا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فِي الْفَصْلَيْنِ سَوَاءٌ، وَلَقَدْ صَرَّحَ بِهِ هَاهُنَا صَاحِبُ الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَذَا فِي شُرُوحِ

قَالَ: (وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْيَدِ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلَ عَمْدٍ وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ لَهُ الْقَوَدُ، وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ كَمَنْ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ إذَا اسْتَوْفَى طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَمَّا وَرَاءَهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبْرِئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ. قَالَ: (وَمَنْ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا فَقَطَعَ يَدَ قَاتِلِهِ ثُمَّ عَفَا وَقَدْ قَضَى لَهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يَقْضِ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ دِيَةُ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَ النَّفْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْفُ لَا يَضْمَنُهُ، وَكَذَا إذَا سَرَى وَمَا بَرَأَ أَوْ مَا عَفَا وَمَا سَرَى، أَوْ قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الطَّرَفِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا لَا يَضْمَنُ الْأَصَابِعَ. وَلَهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ. وَهَذَا قَطْعٌ وَإِبَانَةٌ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُتْلِفَهُ تَبَعًا، وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ الْمَالُ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْيَدِ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ الْقَطْعِ. وَحُكْمُهُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ. لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ هُنَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ مِنْهُ مُؤَاخَذَةَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ تِلْكَ الصُّورَةِ مَعَ كَوْنِ ذِكْرِهَا أَيْضًا مِمَّا يُهِمُّ فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ قَدْ ذَكَرَهَا أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ مِنْهُ مُؤَاخَذَةَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تِلْكَ الصُّورَةَ هُنَا مَعَ كَوْنِ حَقِّهَا أَنْ تُذْكَرَ هُنَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِيفَاءِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ فِيمَا بَعْدُ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ اسْتِيفَاءِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ اسْتِيفَاءِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَيْضًا كَمَا تَرَى ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَقِيبَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَأَخَّرَ تِلْكَ الصُّورَةَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ مِنْهُ مُجَرَّدَ بَيَانِ حُكْمِ تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا دُونَ مُؤَاخَذَةِ الْمُصَنِّفِ بِشَيْءٍ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، إذْ قَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهَا فِيمَا سَيَجِيءُ مُفَصَّلًا وَمُدَلَّلًا فَيَلْغُو بَيَانُ ذَلِكَ الشَّارِحِ إيَّاهُ هَاهُنَا (قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ: وَفِيهِ إشْكَالٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ تَكْفِي فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ لِأَنَّهَا تُورِثُ شُبْهَةً وَبِذَلِكَ تَمَسَّكُوا فِي سُقُوطِهِ فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا ثَمَّةَ إلَى الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّهُ لَا يَكُونُ مُبْرِئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، فَفِيمَ نَحْنُ فِيهِ يَكُونُ الْإِبْرَاءُ عَنْ النَّفْسِ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْقَطْعِ لَا يَقْتَضِيَ الْفَرَاغَ مِمَّا وَرَاءَهُ رَأْسًا لِجَوَازِ أَنْ يُسْتَوْفَى الْقَتْلُ أَيْضًا بَعْدَ الْقَطْعِ كَمَنْ لَهُ الْقَوَدُ يَسْتَوْفِي طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ فَتَحَقَّقَتْ شُبْهَةٌ، ثُمَّ إنَّ الْفَرَاغَ مِمَّا وَرَاءَ الْقَطْعِ لَا يَقْتَضِي الْإِبْرَاءَ عَنْهُ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ ظَنًّا أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ لَا إبْرَاءً عَمَّا وَرَاءَهُ فَتَحَقَّقَتْ شُبْهَةٌ بَعْدَ شُبْهَةٍ فَصَارَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ هُنَا مُقَرَّرٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَإِنَّمَا بَقِيَتْ شُبْهَةُ أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوًا عَنْ الْقَتْلِ فَاعْتُبِرَتْ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ بِهَا لِكَوْنِ الشُّبْهَةِ دَارِئَةً لَهُ فَافْتَرَقَا تَأَمَّلْ، فَإِنَّ هَذَا مَعْنًى

وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، وَمِلْكُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْعَفْوِ أَوْ الِاعْتِيَاضِ لِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَى لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ وَمَا سَرَى، قُلْنَا: إنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ قَطْعًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْبُرْءِ حَتَّى لَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرَأَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَإِذَا قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ وَلَوْ حَزَّ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْأَصَابِعُ وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً قِيَامًا بِالْكَفِّ فَالْكَفُّ تَابِعَةٌ لَهَا غَرَضًا، بِخِلَافِ الطَّرَفِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. . قَالَ: (وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ وَالْبَزَّاغِ وَالْحَجَّامِ وَالْمَأْمُورِ بِقَطْعِ الْيَدِ. وَلَهُ أَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَهَذَا وَقَعَ قَتْلًا وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ ظُلْمًا كَانَ قَتْلًا. وَلِأَنَّهُ جُرْحٌ أَفْضَى إلَى فَوَاتِ الْحَيَاةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ وَهُوَ مُسَمَّى الْقَتْلِ، إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَ الْمَالُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ إلَّا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِيهَا بِالْفِعْلِ، إمَّا تَقَلُّدًا كَالْإِمَامِ أَوْ عَقْدًا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمِيقٌ وَفَرْقٌ دَقِيقٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهِدَا بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِيهَا بِالْفِعْلِ، إمَّا تَقَلُّدًا كَالْإِمَامِ، أَوْ عَقْدًا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْهَا) أَقُولُ: فِيهِ تَسَاهُلٌ، لِأَنَّ مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ مَا لَا يَجِبُ فِعْلُهُ لَا تَقَلُّدًا وَلَا عَقْدًا وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِقَطْعِ الْيَدِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا إذَا

[باب الشهادة في القتل]

وَالْوَاجِبَاتُ لَا تَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْحَرْبِيِّ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا الْتِزَامَ وَلَا وُجُوبَ، إذْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ فَأَشْبَهَ الِاصْطِيَادَ. بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ قَالَ: (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْبَيِّنَةَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: اقْطَعْ يَدِي فَفَعَلَ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ فَمَاتَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ فَلَمْ يَتِمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ عَقْدًا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْبَزَّاغِ وَالْحَجَّامِ مِنْهَا دُونَ الْمَأْمُورِ بِالْقَطْعِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَيْضًا، وَلَا يُجْدِي التَّشَبُّثُ بِالتَّغْلِيبِ نَفْعًا هُنَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ وَالْوَاجِبَاتُ لَا تَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لَا يَتَمَشَّى فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِالْقَطْعِ الْقَطْعُ بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ الْفَرْقِ فِي حَقِّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَرَى. نَعَمْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ فِي حَقِّهَا أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ لَمَّا فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِالْقَطْعِ بِإِذْنِ الْآمِرِ انْتَقَلَ حُكْمُ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ وَفِي ذَلِكَ لَا ضَمَانَ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي قُصُورِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمَرَامِ وَهَذَا مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ. [بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ] (بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ) لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْقَتْلِ أَمْرًا مُتَعَلِّقًا بِالْقَتْلِ أَوْرَدَهَا بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْقَتْلِ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ كَانَ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَقَالَا: لَا يُعِيدُ (وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَمْ يُعِدْهَا بِالْإِجْمَاعِ) وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ يَكُونُ لِأَبِيهِمَا عَلَى آخَرَ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ كَالدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْمُعَوَّضِ كَمَا فِي الدِّيَةِ، وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا يَكُونُ لِلْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ. وَلَهُ أَنَّ الْقِصَاصَ طَرِيقُهُ الْخِلَافَةُ دُونَ الْوِرَاثَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَا يُعِيدُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَارِثِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمُوَرِّثِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ: وَلَيْسَ لِأَبِي حَنِيفَةَ تَمَسُّكٌ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ مِنْ الْوَارِثِ حَالَ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ اسْتِحْسَانًا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ مِنْ الْمُوَرَّثِ الْمَجْرُوحِ اسْتِحْسَانًا لِلتَّدَافُعِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ مَا تَمَسَّكَا بِهِ لَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا تَمَسَّك بِهِ يَنْتَهِضُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ التَّدَافُعُ بَيْنَ ذَيْنِكَ التَّمَسُّكَيْنِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلْوَارِثِ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ هَذَا الْحَقُّ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي، وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ لَكِنَّهُ حَقٌّ لِلْمُوَرِّثِ أَيْضًا عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ انْعِقَادِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الْجِنَايَةُ فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي كَثِيرِ مِنْ الشُّرُوحِ. فَأَبُو حَنِيفَةَ رَاعَى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ جِهَةَ كَوْنِ الْقِصَاصِ حَقًّا لِلْوَارِثِ فَقَالَ بِاشْتِرَاطِ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَرَاعَى فِي مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ مِنْ الْمُوَرِّثِ الْمَجْرُوحِ جِهَةَ كَوْنِهِ حَقًّا لِلْمُوَرِّثِ فَقَالَ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ مِنْهُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ أَيْضًا. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْقِصَاصُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْمُوَرِّثِ ابْتِدَاءً مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ،

الْقِصَاصِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فِي الْأَمْوَالِ، كَمَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِثْبَاتَ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فَيُعِيدُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ حُضُورِهِ (فَإِنْ كَانَ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ إلَى مَالٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ (وَكَذَلِكَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قُتِلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ غَائِبٌ فَهُوَ عَلَى هَذَا) لِمَا بَيَّنَّاهُ. . قَالَ: (فَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ أَثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ بِشَهَادَتِهِمَا إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا) مَعْنَاهُ: إذَا صَدَّقَهُمَا وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُمَا فَقَدْ أَقَرَّ بِثُلْثَيْ الدِّيَةِ لَهُمَا فَصَحَّ إقْرَارُهُ، إلَّا أَنَّهُ يَدَّعِي سُقُوطَ حَقِّ الشُّهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُصَدَّقُ وَيَغْرَمُ نَصِيبَهُ (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) وَمَعْنَاهُ: إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَقِبَلَ وَادَّعَيَا انْقِلَابَ نَصِيبِهِمَا مَالًا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَيَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَالًا لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُتَّجَهُ عَلَيْهِمَا الْمُؤَاخَذَةُ لِصِحَّةِ الْعَفْوِ مِنْ الْوَارِثِ حَالَ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ اسْتِحْسَانًا بِالْإِجْمَاعِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ أَيْ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، مَعْنَاهُ: إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَا لِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ عَنْ تَكْذِيبِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعْنَاهُ: إذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا: أَيْ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ انْتَهَى. وَعَلَى طَرْزِهِ شَرْحُ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ النُّسْخَةَ الثَّانِيَةَ أَصْلًا عَلَى عَكْسِ مَا فِي النِّهَايَةِ،

الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ غَرِمَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِذَلِكَ. . قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إذَا كَانَ عَمْدًا) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالشَّهَادَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ تَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا صَارَ بِالضَّرْبِ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. أَقُولُ: مَدَارُ مَا ذَكَرَا فِي شَرْحِ الْمَقَامِ عَلَى أَنَّهُمَا فَهِمَا أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا وَكَذَا بِقَوْلِهِ فِي النُّسْخَةِ الْأُخْرَى مَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا بَيَانُ الْكَلَامِ الْمُقَدَّرِ فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، فَإِنَّهُمَا جَعَلَا فَاعِلَ كَذَّبَهُمَا فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَلَى نُسْخَةٍ مَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا، وَضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى الْقَاتِلِ عَلَى نُسْخَةِ مَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فِي النُّسْخَةِ الْأُولَى أَنَّ جُمْلَةَ إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا مُقَدَّرَةٌ فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَتَقْدِيرُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا، وَفِي النُّسْخَةِ الْأُخْرَى أَنَّ جُمْلَةَ إذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا مُقَدَّرَةٌ فِيهَا فَتَقْدِيرُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا إذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا، لَكِنْ لَيْسَ مَا ذَهَبَا إلَيْهِ بِسَدِيدٍ، إذْ يَأْبَاهُ قَطْعًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ لَا يَكُونُ مَعْنَى الْمَذْكُورِ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ اعْتِبَارِ مُجَرَّدِ قَيْدٍ أَيْضًا فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُنَا كَمَا أَنَّهُ بَيَّنَ قَبِيلَهُ اعْتِبَارَ قَيْدٍ وَحْدَهُ فِي عِبَارَتِهِ حَيْثُ قَالَ: مَعْنَاهُ إذَا صَدَّقَهُمَا وَحْدَهُ، فَمُرَادُهُ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا إذَا كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ، أَيْضًا: أَيْ مَعَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ إذَا صَدَّقَهُمَا وَحْدَهُ: أَيْ بِدُونِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْقَيْدَانِ مَنْوِيَّانِ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ، وَمُرَادُهُ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُخْرَى مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا إذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا: أَيْ مَعَ الْقَاتِلِ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ وَيَتَّضِحُ الْمَرَامُ (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنَّمَا أَوَّلَ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ: مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ

قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي الْأَيَّامِ أَوْ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْلُ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُعَادُ وَلَا يُكَرَّرُ، وَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ، وَالْقَتْلُ بِالْعَصَا غَيْرُ الْقَتْلِ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ الثَّانِيَ عَمْدٌ وَالْأَوَّلَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَيَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةٌ فَرُدَّ (وَكَذَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ. . قَالَ: (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَا: لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجُهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سِتْرًا عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ قَوْلُهُمَا فَهُوَ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْكُلِّ فَتَأْوِيلُهُ أَنْ تَكُونَ الْآلَةُ جَارِحَةً انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: فَإِنْ قِيلَ: الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى الضَّرْبِ بِشَيْءٍ جَارِحٍ وَلَكِنَّ الضَّرْبَ بِهِ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْقَوَدُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ مُتَعَمِّدًا؟ قُلْنَا: لَمَّا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسِلَاحٍ فَقَدْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَصَدَ ضَرْبَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَصَدَ ضَرْبَ غَيْرِهِ فَأَصَابَهُ. وَقَالُوا: كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. وَأَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ عَمْدًا نَعَمْ يُرَدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا احْتَرَزَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى. وَأَنَا أَقُولُ: نَعَمْ لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ السُّؤَالُ بَعْدَمَا قَيَّدَ مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ عَمْدًا، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لِهَذَا التَّقْيِيدِ هَاهُنَا وَجْهٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَا إذَا صَرَّحَ الشُّهُودُ بِكَوْنِ ضَرَبَهُ عَمْدًا لَا فِيمَا إذَا أَطْلَقُوا ضَرْبَهُ وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِكَوْنِهِ عَمْدًا فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَنَقَلَ عَنْهُ شُرَّاحُ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَصْرِيحَ الشُّهُودِ بِذِكْرِ الْعَمْدِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ بَلْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ الْمَزْبُورِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْقَتْلُ بِالْعَصَا غَيْرُ الْقَتْلِ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ الثَّانِيَ عَمْدٌ وَالْأَوَّلَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَيَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا) أَقُولُ: لَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ وَالْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرُ الْقَتْلِ بِآلَةٍ كَمَا قَالَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَكَانَ أَجْمَلَ وَأَشْمَلَ. أَمَّا كَوْنُهُ أَجْمَلَ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا كَوْنُهُ أَشْمَلَ فَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْلُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الِاخْتِلَافِ فِيمَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَحْكَامِ كَالْعَصَا وَالسِّلَاحِ، بَلْ يَعُمُّ الِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمْدٌ يُوجِبُ الْقَوَدَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ: قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ بِرُمْحٍ كَانَتْ شَهَادَتُهَا أَيْضًا بَاطِلَةً، نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْقَتْلِ أَوْ وَقْتِهِ أَوْ مَوَاضِعِ الْجِرَاحَةِ مِنْ بَدَنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سِتْرًا عَلَيْهِ) فِيهِ صَنْعَةُ التَّجْنِيسِ التَّامِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] فَالْإِجْمَالُ الْأَوَّلُ هَاهُنَا

وَأَوَّلُوا كَذِبَهُمْ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ بِظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى الْإِبْهَامِ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى الصَّنِيعِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ. ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ قَالُوا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ. وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الشُّهُودُ فِي قَوْلِهِمْ لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ إمَّا صَادِقُونَ أَوْ كَاذِبُونَ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ، لِأَنَّهُمْ إنْ صَدَقُوا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِاخْتِلَافِ مُوجِبِ السَّيْفِ وَالْعَصَا. وَإِنْ كَذَبُوا صَارُوا فَسَقَةً وَشَهَادَةُ الْفَاسِقِ لَا تُقْبَلُ. فَقَالَ فِي جَوَابِهِ: إنَّهُمْ جُعِلُوا عَالَمَيْنِ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ. لَكِنَّهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا نَدْرِي اخْتَارُوا حِسْبَةَ السِّتْرِ عَلَى الْقَاتِلِ وَأَحْسَنُوا إلَيْهِ بِالْإِحْيَاءِ وَجُعِلَ كَذِبُهُمْ هَذَا مَعْفُوًّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ يُصْلِحُ بَيْنَ اثْنَيْنِ» فَبِتَأْوِيلِهِمْ كَذِبَهُمْ بِهَذَا لَمْ يَكُونُوا فَسَقَةً فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوَّلُوا كَذِبَهُمْ بِظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ: أَيْ بِظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِتَجْوِيزِ الْكَذِبِ انْتَهَى كَلَامُهُمْ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا وُرُودَ لِمَا ذَكَرُوهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَصْلًا حَتَّى يَرْتَكِبَ الْمُصَنِّفُ لِدَفْعِهِ هَذَا الْمَضِيقَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَحْذُورِ فِي صُورَةِ إنْ صَدَقَ الشُّهُودُ هُوَ بِعَيْنِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلِ. تَوْضِيحُهُ هُوَ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ بِآلَةٍ وَشَهَادَةُ الْآخَرِ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى حَتَّى يَتَحَقَّقَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْفِعْلِ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، بَلْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ، فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ فَيَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَلَا يُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ صَدَقَ الشُّهُودُ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، وَأَيْضًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي ذَيْلِ هَذَا الْكَلَامِ: فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ بِالشَّكِّ يَأْبَى كَوْنُ مُرَادِهِ بِكَلَامِهِ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ، إذْ يَكُونُ حَاصِلُ الْجَوَابِ حِينَئِذٍ اخْتِيَارَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ وَمَنْعَ فِسْقِهِمْ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلِهِمْ كَذِبَهُمْ بِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَلَا يَبْقَى الِاحْتِيَاجُ إذْ ذَاكَ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ بِالشَّكِّ، بَلْ لَا يَكُونُ لَهُ مِسَاسٌ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ إلَخْ وَجْهٌ آخَرُ لِلِاسْتِحْسَانِ يَظْهَرُ تَقْرِيرُهُ وَتَطْبِيقُهُ لِلْمَقَامِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ صَادِقٍ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ وَجْهٍ آخَرَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ غَفْلَةٌ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَيْ سَتْرُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِجَامِعِ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ هَاهُنَا كَمَا أَنَّ الْإِصْلَاحَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ هُنَاكَ فَكَانَ وُرُودُ الْحَدِيثِ هُنَاكَ وُرُودًا هَاهُنَا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ فِي بَابِ الْقَتْلِ إنَّمَا هُوَ عَفْوُ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ دُونَ عَفْوِ الشُّهُودِ. كَيْفَ وَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ حَقَّ الشُّهُودِ لَكَانَ الْأَفْضَلُ لَهُمْ أَنْ لَا يَشْهَدُوا رَأْسًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ كَمَا فِي الْحُدُودِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ الْبَاعِثُ عَلَى ارْتِكَابِهِمْ الْكَذِبَ فِي شَهَادَتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ هَاهُنَا، بِخِلَافِ إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَوَقَّف عَلَى ارْتِكَابِ الْكَذِبِ فَيُرَخَّصُ الْكَذِبُ هُنَاكَ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَوْجِيهَ كَلَامِهِمْ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَفْوِ دَرْءَ الْقِصَاصِ. وَإِلَّا فَهُوَ تِلْوُ الْوُجُوبِ، فَحَيْثُ لَا وُجُوبَ لِلْقِصَاصِ لَا عَفْوَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ بِجَامِعِ أَنَّ السِّتْرَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى تَوْجِيهِهِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ دَرْءُ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَكَانَ

فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ بِالشَّكِّ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفِعْلِ الْعَمْدُ فَلَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةُ. . قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَقَالَ الْوَلِيُّ: قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا وَشَهِدَ آخَرُونَ عَلَى آخَرَ بِقَتْلِهِ وَقَالَ الْوَلِيُّ: قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ وَالشَّهَادَةَ يَتَنَاوَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُودَ كُلِّ الْقَتْلِ وَوُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَقَدْ حَصَلَ التَّكْذِيبُ فِي الْأُولَى مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ تَكْذِيبَ الْمُقِرِّ لَهُ الْمُقِرُّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي، وَتَكْذِيبُ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ أَصْلًا، لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ، أَمَّا فِسْقُ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَرْؤُهُ جَائِزًا لِلشُّهُودِ بَعْدَ أَنْ عَايَنُوا الْقَتْلَ بِجَارِحٍ عَمْدًا لَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَشْهَدُوا بِالْقَتْلِ أَصْلًا، فَلَا يُوجَدُ مَا يُسَوِّغُ ارْتِكَابَهُمْ الْكَذِبَ فِي طَرِيقِ شَهَادَتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ هُنَا، ثُمَّ إنَّ وُرُودَ هَذَا عَلَى مَا عَدَّهُ أَظْهَرُ هَاهُنَا أَظْهَرُ، إذْ لَوْ كَانَ سِتْرُ الْقِصَاصِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ لَكَانَ الْأَفْضَلُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَسْتُرُوهُ طُرًّا بِأَنْ لَا يَشْهَدُوا بِالْقَتْلِ أَصْلًا كَمَا فِي الْحُدُودِ فَلَا وَجْهَ لِارْتِكَابِهِمْ الْكَذِبَ قَطُّ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ (قَوْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ بِالشَّكِّ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَعْنِي إذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ وَأَجْمَلُوا وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونُوا كَذَلِكَ وَقَعَ الشَّكُّ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ انْتَهَى. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَمَا لَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ بِالشَّكِّ لَا يَثْبُتُ الِاتِّفَاقُ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَمِنْ شَرَائِطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاتِّفَاقُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْقَبُولُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ تَكْذِيبَ الْمُقِرِّ لَهُ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي، وَتَكْذِيبَ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ أَصْلًا) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقَتْلِ فَقَدْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْإِتْلَافِ لِجَمِيعِ النَّفْسِ وَقَدْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِتْلَافِ بَعْضِ النَّفْسِ، وَالْقِصَاصُ يَجِبُ بِإِتْلَافِ الْبَعْضِ كَمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ الْكُلِّ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا. وَأَمَّا فِي الشَّهَادَةِ فَلَمَّا كَذَّبَ كُلُّ فَرِيقٍ فِي بَعْضِ الشَّهَادَةِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْكُلِّ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي بَيَانِ صُورَةِ الْإِقْرَارِ: لَمَّا أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقَتْلِ صَدَّقَ الْوَلِيُّ بِقَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْقَتْلِ وَكَذَّبَهُ فِي النِّصْفِ، وَالتَّكْذِيبُ فِي نِصْفِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ، أَمَّا التَّكْذِيبُ فِي كُلِّ مَا أَقَرَّ بِهِ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ رَدًّا لِإِقْرَارِهِ. وَالْإِقْرَارُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ وَالْبَيَانُ مِنْ ذَيْنِكَ الشَّارِحَيْنِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ لِمَا مَرَّ غَيْرُ مَرَّةٍ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ إتْلَافُ بَعْضِ النِّصْفِ وَنِصْفُ الْقَتْلِ كَمَا زَعَمَاهُ وَبَنَيَا عَلَيْهِ مَعْنَى الْمَقَامِ، وَأَيْضًا قَدْ مَرَّ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا فِيمَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَحْصُلُ التَّمَاثُلُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَمِيعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِإِتْلَافِ بَعْضِ النَّفْسِ وَنِصْفُ الْقَتْلِ كَمَا هُوَ اللَّازِمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى تَقْرِيرِهِمَا. وَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْمَقَامِ هُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ بِانْفِرَادِهِ، وَقَدْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ الْقَتْلُ، وَكَذَّبَهُ فِي بَعْضِهِ الْآخَرَ وَهُوَ انْفِرَادُهُ، فَعَلَى مُقْتَضَى أَنَّ تَكْذِيبَ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي يُؤَاخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ رَدَّ انْفِرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقَتْلِ وَيَصِيرُ كَمَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا حَيْثُ يُقْتَصُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ إجْمَاعًا، بِخِلَافِ صُورَةِ الشَّهَادَةِ كَمَا بُيِّنَ فِي الْكِتَابِ.

[باب في اعتبار حالة القتل]

بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ قَالَ: (وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَعَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَلَهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ بَعْدُ فَتُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ وَالْمَرْمِيِّ إلَيْهِ فِيهَا مُتَقَوِّمٌ. وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْي فِي حَقِّ الْحِلِّ حَتَّى لَا يَحْرُمَ بِرِدَّةِ الرَّامِي بَعْدَ الرَّمْي، وَكَذَا فِي حَقِّ التَّكْفِيرِ حَتَّى جَازَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ] (بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ) لَمَّا كَانَتْ الْأَحْوَالُ صِفَاتٍ لِذَوِيهَا ذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ نَفْسِ الْقَتْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُمَا بِأَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ صَارَ مُبْرِئًا عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ فِي اعْتِقَادِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ التَّقَوُّمَ فَكَيْفَ يَصِيرُ مُبْرِئًا عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ انْتَهَى. أَقُولُ: لَهُمَا أَنْ يَقُولَا فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: إنَّا لَا نُرِيدُ

الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَالْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ. (وَلَوْ رَمَى إلَيْهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَا إذَا رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ) لِأَنَّ الرَّمْيَ مَا انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحِلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: (وَإِنْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. لَهُ أَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ، وَإِذَا انْقَطَعَتْ بَقِيَ مُجَرَّدُ الرَّمْيِ وَهُوَ جِنَايَةٌ يَنْتَقِصُ بِهَا قِيمَةُ الْمَرْمِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِبْرَاءِ فِي قَوْلِنَا إنَّهُ بِالِارْتِدَادِ صَارَ مُبْرِئًا حَقِيقَةَ الْإِبْرَاءِ، بَلْ نُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِبْرَاءِ الْحُكْمِيِّ لِأَنَّهُ بِارْتِدَادِهِ لَمَّا أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسَهُ شَرْعًا أَسْقَطَ حَقَّهُ مَعْنًى، لِأَنَّ مَا لَا تَقَوُّمَ لَهُ لَا ضَمَانَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَصَارَ فِعْلُهُ فِي حُكْمِ الْإِبْرَاءِ شَرْعًا سَوَاءٌ طَابَقَ اعْتِقَادَهُ أَوْ لَمْ يُطَابِقْ، وَلَعَلَّ تَفْرِيعَ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ فَيَكُونُ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ يُومِي إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ . (قَوْلُهُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) قُلْت: لَعَلَّ وَجْهَ عُدُولِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا عَنْ التَّحْرِيرِ الْمَأْلُوفِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فِيمَا قَبْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي نَظَائِرِهِ، بَلْ قَالَ بَعْدَ بَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ أَنَّ كَوْنَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ، لِأَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا اللَّيْثِ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا بَيَّنَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَفُهِمَ مِنْهُ اتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ عَلَيْهِ بِنَاءً

إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ ذَلِكَ. وَلَهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ لِأَنَّ فِعْلَهُ الرَّمْيَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجُرْحِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضِ الْمَحِلِّ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْمَوْلَى، وَبَعْدَ السِّرَايَةِ لَوْ وَجَبَ شَيْءٌ لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ فَتَصِيرُ النِّهَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ. أَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ. وَإِنَّمَا قَلَّتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ ضَمَانٌ فَلَا تَتَخَالَفُ النِّهَايَةُ وَالْبِدَايَةُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا هُوَ الْمَأْلُوفُ فِي نَظَائِرِهِ فَغَيَّرَ الْأُسْلُوبَ إشَارَةً إلَى أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَهُ كَوْنُ قَوْلِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ لِأَنَّ فِعْلَهُ الرَّمْيُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ) قَالَ الشُّرَّاحُ: مَرَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَصْلِهِ، وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ خَرَجَ بِالِارْتِدَادِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا فَصَارَ مُبْرَأً عَنْ الْجِنَايَةِ، إذْ الضَّمَانُ يَعْتَمِدُ الْعِصْمَةَ وَالرِّدَّةُ تُنَافِيهَا. وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْعِصْمَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْمَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِي وَجْهِ الْفَرْقِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْعِصْمَةَ إلَّا أَنَّهُ يُنَافِي كَوْنَ الْمَحِلِّ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ الْمَوْلَى أَيْضًا مُبَرَّأً عَنْ ضَمَانِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، لِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَلَمَّا أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي قِيمَتِهِ؛ أَلَّا يَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ صَارَ مُبْرِئًا لِلْغَاصِبِ عَنْ الضَّمَانِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؟ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفَرْقَ الْمَزْبُورَ مِنْ قِبَلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الرَّمْيِ إلَّا فِي صُورَةِ الِارْتِدَادِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرَ الْفَسَادِ إذْ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو يُوسُفَ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي صُورَةِ الِارْتِدَادِ لَمَا صَحَّ مِنْهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ صَارَ بِالِارْتِدَادِ مُبْرَأً عَنْ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ كِبَارُ الْمَشَايِخِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُمَا يَقُولَانِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَلِهَذَا وَافَقَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: يَعْنِي الْمَسَائِلَ الْآتِيَةَ فِي الْكِتَابِ وَنَظَائِرَهَا، إلَّا أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا ارْتَدَّ صَارَ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ الدِّيَةِ بِإِخْرَاجِهِ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ، كَمَا إذَا أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِإِعْتَاقِ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُمَا إنَّهُ بِالِارْتِدَادِ صَارَ مُبْرَأً عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ فِي اعْتِقَادِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ التَّقَوُّمَ فَكَيْفَ يَصِيرُ مُبْرَأً عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانَ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَأَصْحَابُنَا اعْتَبَرُوا حَالَةَ الرَّمْيِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الرَّجْمِ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّمْيِ ثُمَّ تَمَجَّسَ، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، إلَّا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ فِي مَسْأَلَةِ إنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ أَنَّهُ بِالِارْتِدَادِ يَصِيرُ مُبْرِئًا لِلرَّامِي عَنْ الضَّمَانِ، وَلِهَذَا قَالَا: يَصِيرُ بِالِارْتِدَادِ مُبْرَأً، وَالْإِبْرَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِالِارْتِدَادِ لَا يَصِيرُ مُبْرَأً، لِأَنَّ فِي اعْتِقَادِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ التَّقَوُّمَ فَكَيْفَ يَصِيرُ مُبْرَأً عَنْ الضَّمَانِ، كَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانَ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ) أَقُولُ: لِمُتَوَهِّمٍ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ

[كتاب الديات]

وَزُفَرُ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ نَظَرًا إلَى حَالَةِ الْإِصَابَةِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا حَقَقْنَاهُ. . قَالَ: (وَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ الْحَجَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا. (وَإِذَا رَمَى الْمَجُوسِيُّ صَيْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ بِالصَّيْدِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ تَمَجَّسَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أُكِلَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إذْ الرَّمْيُ هُوَ الذَّكَاةُ فَتُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَانْسِلَابُهَا عِنْدَهُ. . (وَلَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ حَلَّ فَوَقَعَتْ الرَّمْيَةُ بِالصَّيْدِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ رَمَى حَلَالٌ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ رَمْيُهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ، وَفِي الْأَوَّلِ هُوَ مُحْرِمٌ وَقْتَ الرَّمْيِ وَفِي الثَّانِي حَلَالٌ فَلِهَذَا افْتَرَقَا. . [كِتَابُ الدِّيَاتِ] ِ قَالَ (وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَفَّارَةٌ عَلَى الْقَاتِلِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُنَافِي مَا قَالَهُ فِي صَدْرِ دَلِيلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ إتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ الْمَقْتُولِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى مَا قَالَهُ فِي صَدْرِ دَلِيلِهِمَا هُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاتِلِ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ مِنْ جِهَةِ اسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَى وَقْتِ الرَّمْي عِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ هُنَا: وَإِنَّمَا انْقَلَبَ الرَّمْيُ عِلَّةً لِلْإِتْلَافِ عِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحِلِّ بِطَرِيقِ اسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَى وَقْتِ الرَّمْيِ فَكَأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتَهَى (كِتَابُ الدِّيَاتِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: ذِكْرُ الدِّيَاتِ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، لِمَا أَنَّ الدِّيَةَ إحْدَى مُوجَبَيْ الْجِنَايَةِ فِي الْآدَمِيِّ الْمَشْرُوعَيْنِ صِيَانَةً، لَكِنَّ الْقِصَاصَ أَشَدُّ صِيَانَةً فَقُدِّمَ انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرَ الدِّيَاتِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ كَالْقِصَاصِ بِأَنْ يُوضَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابٌ مُسْتَقِلٌّ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُوجِبَ الْجِنَايَاتِ، لَا أَنْ يَجْعَلَ الدِّيَاتِ كِتَابًا عَلَى حِدَةٍ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْكِتَابِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ هُنَا بَيَانُ وَجْهِ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الدِّيَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنَايَاتِ، وَهَذَا

قَالَ: (وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةُ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) بِهَذَا النَّصِّ (وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْمَقَادِيرُ تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرُوهُ قَطْعًا. وَأَمَّا جَعْلُ الدِّيَاتِ كِتَابًا عَلَى حِدَةٍ دُونَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجِنَايَاتِ فَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرُوهُ أَصَالَةً، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَتْ مَسَائِلُ الدِّيَاتِ وَمَبَاحِثُهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُجْعَلَ كِتَابًا عَلَى حِدَةٍ كَكِتَابِ الطِّهَارَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَكِتَابِ الصَّرْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ وَضْعُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَأَمَّا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فَقَدَّمَ فِي مُخْتَصَرِهِ كِتَابَ الدِّيَاتِ عَلَى كِتَابِ الْجِنَايَاتِ، وَالشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرَ الطَّحَاوِيُّ قَدَّمَ الْقِصَاصَ عَلَى الدِّيَاتِ، وَلَكِنْ جَعَلَهُمَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ وَتَرْجَمَ الْكِتَابَ بِكِتَابِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ، وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَحْكَامَ الْجِنَايَاتِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَمْ يُسَمِّ كِتَابَ الْجِنَايَاتِ أَصْلًا، لِأَنَّ عَامَّةَ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ هِيَ الدِّيَاتُ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَالدِّيَةُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَفِي الْخَطَإِ وَفِي شَبَهِ الْخَطَإِ، وَفِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ، وَفِي الْعَمْدِ أَيْضًا إذَا تَمَكَّنَ فِيهِ الشُّبْهَةُ فَرَجَّحَ جَانِبَ الدِّيَةِ فِي نِسْبَةِ الْكِتَابِ إلَيْهَا. ثُمَّ إنَّ الدِّيَةَ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ، ثُمَّ قِيلَ لِذَلِكَ الْمَالِ الدِّيَةُ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ، كَذَا ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدِّيَةُ بِالْكَسْرِ: حَقُّ الْقَتِيلِ جَمْعُهَا دِيَاتٌ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَدَيْت الْقَتِيلَ أَدِيهِ دِيَةً: إذَا أَعْطَيْت دِيَتَهُ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: الدِّيَةُ الْمَالُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ، وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مُخْتَصَّةً بِمَا هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ، وَيُنَافِيهِ مَا سَيَجِيءُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ أَنَّ فِي الْمَارِنِ الدِّيَةَ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةَ وَفِي اللِّحْيَةِ الدِّيَةَ وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةَ وَفِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةَ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي أُطْلِقَتْ الدِّيَةُ فِيهَا عَلَى مَا هُوَ بَدَلُ مَا دُونَ النَّفْسِ، وَكَذَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَهَكَذَا هُوَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا سَيَأْتِي. فَالْأَظْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الدِّيَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ آخِرًا، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ قَالَ: وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِضَمَانٍ يَجِبُ بِمُقَابِلَةِ الْآدَمِيِّ أَوْ طَرَفٍ مِنْهُ، سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّهَا تُودَى عَادَةً، لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ لِعِظَمِ حُرْمَةِ الْآدَمِيِّ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةُ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] بِهَذَا النَّصِّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] الْآيَةُ، وَهُوَ نَصٌّ فِي كَوْنِهَا بِالتَّحْرِيرِ أَوْ الصَّوْمِ فَقَطْ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَالْمَقَادِيرُ تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ انْتَهَى. أَقُولُ: أَخَلَّ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ بِحَقِّ الْمَقَامِ فِي تَحْرِيرِهِ هَذَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ خَصَّ بِالذَّكَرِ فِي بَيَانِ كَفَّارَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَجَعَلَ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] دَلِيلًا عَلَيْهِ، فَقَدْ قَصَّرَ فِي الْبَيَانِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ كَوْنَ كَفَّارَتِهِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَلَمْ يُصِبْ فِي سَوْقِ الدَّلِيلِ حَيْثُ جَعَلَ الدَّلِيلَ عَلَى كَوْنِ كَفَّارَتِهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ مَجْمُوعُ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] دَلِيلٌ عَلَى الْقِسْمِ الْآخَرِ مِنْ كَفَّارَتِهِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَّعِي، بِخِلَافِ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ بَيَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ قِسْمَيْ كَفَّارَتِهِ عَلَى تَرْتِيبِهِمَا حَيْثُ قَالَ: وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ

وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَذْكُورَ كُلَّ الْوَاجِبِ بِحَرْفِ الْفَاءِ، أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا عُرِفَ (وَيُجْزِئُهُ رَضِيعُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِهِ وَالظَّاهِرُ بِسَلَامَةِ أَطْرَافِهِ (وَلَا يُجْزِئُ مَا فِي الْبَطْنِ) لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ. . قَالَ (وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) لِمَا تَلَوْنَاهُ (وَدِيَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ أَثْلَاثًا: ثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً، كُلُّهَا خَلْفَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَتَابِعَيْنِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَلَمْ يَذْكُرْ آخِرَ الْآيَةِ. وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الثَّانِي بِهَذَا النَّصِّ: أَيْ بِآخِرِ هَذَا النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] . وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ نَصٌّ فِي كَوْنِهَا بِالتَّحْرِيرِ أَوْ الصَّوْمِ فَقَطْ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ، فَإِنْ كَانَ مَدَارَ قَيْدٍ فَقَطْ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ نَصٌّ فِي كَوْنِهَا بِالتَّحْرِيرِ أَوْ الصَّوْمِ فَقَطْ وَكَذَا مَدَارُ التَّفْرِيعِ فِي قَوْلِهِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ، عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ التَّحْرِيرِ وَالصَّوْمِ بِالذَّكَرِ فِي الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى نَفْي مَا عَدَاهُمَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الْإِطْعَامِ بِوَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَذْكُورَ كُلَّ الْوَاجِبِ بِحَرْفِ الْفَاءِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِكَوْنِهِ كُلُّ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا عُرِفَ كَانَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ إلَخْ بَعْدَ تَفْرِيعِ عَدَمِ إجْزَاءِ الْإِطْعَامِ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَلَامًا مُخْتَلًّا، إذْ يَكُونُ الْمُفَرَّعُ عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ دَلِيلًا عَلَى الْمُفَرَّعِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ مِنْ قَبِيلِ تَفْرِيعِ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّلِيلِ فَلَا جَرَمَ يَصِيرُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ إلَخْ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمُدَّعِي فَيَجِبُ فِيهِ زِيَادَةُ وَاوِ الْعَطْفِ بِأَنْ يُقَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ، بِخِلَافِ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْإِطْعَامُ كَلَامًا مُبْتَدَأً مَطْلُوبًا بِالْبَيَانِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا تَرَى فَلَا غُبَارَ فِي أُسْلُوبِ تَحْرِيرِهِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَذْكُورَ كُلَّ الْوَاجِبِ بِحَرْفِ الْفَاءِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: يَعْنِي أَنَّ الْوَاقِعَ بَعْدَ فَاءِ الْجَزَاءِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلَّ الْجَزَاءِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَالْتَبَسَ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الْجَزَاءُ أَوْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وَمِثْلُهُ مُخِلٌّ انْتَهَى. أَقُولُ: يَشْكُلُ هَذَا بِالْحِرْمَانِ عَنْ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْقَتْلِ أَيْضًا فِي الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ وَالْخَطَأِ وَشِبْهِهِ كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْوَاقِعِ بَعْدَ فَاءِ الْجَزَاءِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا عُرِفَ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْغَيْرُ مُرَادًا لَذَكَرَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعَ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا. وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ بِالتَّغْلِيظِ أَرْبَاعًا كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ فَيُعَارَضُ بِهِ. قَالَ (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) لِأَنَّ التَّوْقِيفَ فِيهِ، فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَحَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ دَلَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْبَيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ كُلِّهَا. قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا يُقَالُ: إنَّ السُّكُوتَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ كُلُّ الْوَاجِبِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ قُلْتُمْ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ثَمَّةَ وُجِدَ بَيَانٌ بِنَصٍّ آخَرَ؛ أَوْ نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ، فَإِنَّهُ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: وَجَدْت رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ جَوَابَيْهِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ التَّشَبُّثَ بِوُجُودِ نَصٍّ آخَرَ فِي مَادَّةِ النَّقْضِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُصَيِّرٌ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْوَجْهُ الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ السُّؤَالِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا، بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَدْرَكًا. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ اللَّازِمَ لِلْمُجِيبِ دَفْعُ النَّقْضِ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوَرِّدُ لِلسُّؤَالِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ فَبِمَعْزِلٍ عَنْهُ فَلَا وَجْهَ لِلْمُصَيَّرِ إلَيْهِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ: أَيْ لِكَوْنِ الصِّيَامِ كُلَّ الْمَذْكُورِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا الصِّيَامُ وَحْدَهُ. وَأَمَّا إطْلَاقُ الْكُلِّ عَلَى الصِّيَامِ لِكَوْنِهِ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ الْكُلُّ فَأَمْرٌ قَبِيحٌ لَا يُنَاسِبُ شَرْحَ الْكِتَابِ. فَالْحَقُّ فِي التَّفْسِيرِ أَنْ يُقَالَ: أَيْ وَلِكَوْنِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْرِيرِ وَالصِّيَامِ كُلَّ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً، لِأَنَّ التَّوْقِيفَ فِيهِ، فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ

لَمْ تَتَغَلَّظْ لِمَا قُلْنَا. قَالَ (وَقَتْلُ الْخَطَأِ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. قَالَ: (وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَخَذْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ لِرِوَايَتِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي قَتِيلٍ قُتِلَ خَطَأً أَخْمَاسًا» عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ، وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ فَكَانَ أَلْيَقَ بِحَالَةِ الْخَطَإِ لِأَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْضِي بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَتَغَلَّظَ لِمَا قُلْنَا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ يَثْبُتْ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْقَضَاءُ بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ أَصْلًا فِي جِنَايَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ، إذْ قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَمَرَّ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ مُوجِبَ شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَفَّارَةٌ عَلَى الْقَاتِلِ، فَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ التَّغْلِيظُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ يَصْلُحْ غَيْرُهَا أَنْ يَكُونَ دِيَةً فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لِانْتِفَاءِ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَتِهِ وَهُوَ التَّغْلِيظُ، فَكَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنْ يَصِحَّ الْقَضَاءُ بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ بِأَنْ يُزَادَ فِي الدَّرَاهِمِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَفِي الدَّنَانِيرِ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ كَمَا فَصَّلُوا فِي الشُّرُوحِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَخَذْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ لِرِوَايَتِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي قَتِيلٍ قُتِلَ خَطَأً أَخْمَاسًا» عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَإِنْ رَوَى قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ إلَّا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ: الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ، ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ. وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوحِ، وَالْمَقَادِيرِ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا فَكَانَ كَالْمَرْفُوعِ. فَصَارَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مُعَارِضًا بِهِ فَكَيْفَ يَتِمُّ جَعْلُ الْمُصَنِّفِ مُجَرَّدَ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَلِيلًا عَلَى مَا أَخَذْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ بِدُونِ بَيَانِ الرُّجْحَانِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. نَعَمْ كَوْنُ مَا رَوَاهُ أَلْيَقُ بِحَالَةِ الْخَطَأِ لِكَوْنِهِ أَخَفَّ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا لِمَا رَوَاهُ. وَعَنْ هَذَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بَعْدَ بَيَانِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ: وَنَحْنُ رَجَّحْنَا رِوَايَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِمَوْضُوعِ دِيَةِ الْخَطَإِ وَهُوَ التَّخْفِيفُ، إلَّا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ فَكَانَ أَلْيَقَ بِحَالَةِ الْخَطَإِ لِأَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ وَمَا قَبْلَهُ أَيْضًا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ، وَهَذَا يُنَافِي ضَمَّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ لِيَحْصُلَ بِهِ الرُّجْحَانُ، وَبِالْجُمْلَةِ فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا نَوْعُ رَكَاكَةٍ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ تَنَبَّهَ لَهُ حَيْثُ غَيَّرَ أُسْلُوبَ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ بَعْدَ بَيَانِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَكِنَّ مَا قُلْنَا أَخَفُّ فَكَانَ أَوْلَى بِحَالِ الْخَطَإِ لِأَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ انْتَهَى تَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْضِي بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ) أَقُولُ: هُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ

قَالَ (وَمِنْ الْعَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِذَلِكَ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» . وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَضَى مِنْ دَرَاهِمَ كَانَ وَزْنُهَا وَزْنَ سِتَّةٍ وَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ. قَالَ (وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأَخَذْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَالْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ فِي الْمَأْخَذِ، لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَأَخَذْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَكُونُ الْمَأْخَذُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ هُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَبَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْضِي بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ، وَالْقَضَاءُ بِابْنِ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ يُنَافِي الْأَخْذَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّ ابْنَ مَخَاضٍ مُتَعَيَّنٍ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ مَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً كَمَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: فَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا صَالَحَ الْقَاتِلُ مَعَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا

لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا جَعَلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِنْهَا. وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانٌ، وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَعَدِمْنَاهَا فِي غَيْرِهَا. وَذُكِرَ فِي الْمُعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقْدِيرِ بِذَلِكَ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ: يَجُوزُ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ فَرَسٍ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي مَا بَالُهُمْ صَوَّرُوا ظُهُورَ فَائِدَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْمَضِيقِ وَحَصَرُوا فِيهِ بِكَلِمَةٍ إنَّمَا مَعَ كَوْنِ ظُهُورِ فَائِدَتِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَظْهَرُ وَأَجْلَى، فَإِنَّ لِلْقَاتِلِ الْخِيَارُ فِي أَدَاءِ الدِّيَةِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الدِّيَةِ لَا مِنْ غَيْرِ أَنْوَاعِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَتَمَكَّنُ الْقَاتِلُ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ نَوْعِ الْبَقَرِ أَوْ نَوْعِ الْغَنَمِ أَوْ نَوْعِ الْحُلَلِ كَمَا يُتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْعَيْنُ وَالْوَرِقُ، وَعَلَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهَا إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقْدِيرِ بِذَلِكَ، ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُمَا) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَوْرَدَ قَوْلَهُ وَذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ: أَيْ فِي مَعَاقِلِ الْمَبْسُوطِ شُبْهَةٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ. وَوَجْهُ وُرُودِهَا أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْوَلِيُّ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ شَاةٍ أَوْ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ مِنْ مِائَتَيْ حُلَّةٍ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِيهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ أَيْضًا مِنْ الْأُصُولِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الدِّيَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْجَوَابُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُصَحِّحُ الشُّبْهَةَ وَيَرْفَعُ الْخِلَافَ. وَثَانِيهمَا يَرْفَعُ الشُّبْهَةَ بِحَمْلِ رِوَايَةِ الْمَعَاقِلِ عَلَى أَنَّهَا قَوْلُهُمَا، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ رَدَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا حَيْثُ قَالَ: وَلَا أَرَى صِحَّتَهُ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ رِوَايَةَ كِتَابِ الدِّيَاتِ كَمَا مَرَّ آنِفًا انْتَهَى. أَقُولُ:

قَالَ: (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ) وَقَدْ وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يُتَنَصَّفُ، وَإِمَامُهُ فِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ بِعُمُومِهِ، وَلِأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ وَمَنْفَعَتُهَا أَقَلُّ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ بِالتَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا اعْتِبَارًا بِهَا وَبِالثُّلُثِ وَمَا فَوْقَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَدَارَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ صِحَّةِ رِوَايَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَعَدَمِ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ، وَكَوْنُهُ مُنَاقِضًا لِرِوَايَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ إنَّمَا يُنَافِي صِحَّتَهُ لَوْ تَحَقَّقَتْ صِحَّةُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَهِيَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ عِنْدَ قَائِلِ ذَلِكَ الْوَجْهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا عِبَارَةُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فَقَالَ فِي جَوَابِهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَحَّحَ الشُّبْهَةَ فَقَالَ: نَعَمْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ أَعْنِي رِوَايَةَ الْخِلَافِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ الصَّحِيحُ رِوَايَةُ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ. وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ غَيْرُ ثَابِتٍ، بَلْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ: أَعْنِي الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحُلَلَ فِي الدِّيَةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُقَدَّرَةِ انْتَهَى. وَتَصْحِيحُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَمَنْعُ الْأُخْرَى لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلِمَاتِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ مَرَّ لَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِدَفْعِ رَدِّ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ يَرْتَفِعُ التَّنَاقُضُ بِالْحَمْلِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِهِمَا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا لَا يَصْلُحُ لِدَفْعِ رَدِّهِ الْوَجْهَ الْمَزْبُورَ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ جَوَابًا آخَرَ عَنْ أَصْلِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَى أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَيَكُونُ الْمَرْوِيُّ فِي إحْدَاهُمَا قَوْلَهُ الْأَوَّلُ وَفِي الْأُخْرَى قَوْلَهُ الْآخَرُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ بَيَانِ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ وَرَدَّ أَحَدَهُمَا حَيْثُ قَالَ: وَحَمَلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ انْتَهَى. وَمَدَارُ رَدِّهِ أَحَدُ ذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَقْرِيرَ الشُّبْهَةِ وَرَفْعَ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ. وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِأَنْ يَنْحَصِرَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ، وَإِلَّا لَا تَتَقَرَّرُ الشُّبْهَةُ بَلْ تَرْتَفِعُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مِنْهُ تَفَكَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ وَمَنْفَعَتَهَا أَقَلُّ) وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ النُّقْصَانِ بِالتَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا

قَالَ: (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ» وَالْكُلُّ عِنْدَهُ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا. وَلِلشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَكَذَلِكَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعْرَفْ رَاوِيهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ أَشْهُرُ مِمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. . ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتِبَارًا بِهَا وَبِالثُّلُثِ وَمَا فَوْقَهُ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ هَذَا التَّعْلِيلِ الْقِيَاسُ، وَلَا مَجَالَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الدِّيَةَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي الْمَقَادِيرِ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ: فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا اعْتِبَارًا بِهَا وَبِالثُّلُثِ وَمَا فَوْقَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ مُخَالَفَةُ التَّبَعِ لِلْأَصْلِ، وَتَبَعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ بُطْلَانَ اللَّازِمِ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي مُخَالَفَةِ التَّبَعِ الَّذِي هُوَ الْأَطْرَافُ لِلْأَصْلِ الَّذِي هُوَ النَّفْسُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الدِّيَةِ أَيْضًا.

[فصل فيما دون النفس]

[فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] ِ قَالَ: (وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَهَكَذَا هُوَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْأَصْلُ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِإِتْلَافِهِ النَّفْسَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ. أَصْلُهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ، وَعَلَى هَذَا تَنْسَحِبُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فَنَقُولُ: فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْمَارِنَ أَوْ الْأَرْنَبَةَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا اللِّسَانُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلُ الدِّيَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الدِّيَةِ فِي النَّفْسِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ فَأَتْبَعَ ذِكْرُ حُكْمِهَا أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ أَصْلُهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَغَايَةِ الْبَيَانِ: فَقِسْنَا عَلَيْهِ غَيْرَهُ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الدِّيَةَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقِيَاسُ لَا يَجْرِي فِيهَا عَلَى مَا عُرِفَ

النُّطْقُ، وَكَذَا فِي قَطْعِ بَعْضِهِ إذَا مَنَعَ الْكَلَامَ لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ قَائِمَةً، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ قِيلَ: تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ: عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ؛ فَبِقَدْرِ مَا لَا يَقْدِرُ تَجِبُ، وَقِيلَ: إنْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْكَلَامِ، وَكَذَا الذَّكَر لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِهِ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْي بِهِ وَدَفْقِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْإِعْلَاقِ عَادَةً، وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، لِأَنَّ الْحَشَفَةَ أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ. . قَالَ: (وَفِي الْعَقْلِ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ الدِّيَةُ) لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ إذْ بِهِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ (وَكَذَا إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالصَّوَابُ عِنْدِي هُنَا أَنْ يُقَالَ: فَأَلْحَقْنَا بِهِ غَيْرَهُ دَلَالَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ قِيلَ تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَبِقَدْرِ مَا لَا يُقَدَّرُ تَجِبُ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: وَالْحُرُوفُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ هِيَ الْأَلْفُ وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ النِّهَايَةِ: وَفِي كَوْنِ الْأَلْفِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ عَلَى مَا عُرِفَ انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ وَالثَّاءِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرُوا هُوَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُتَهَجَّى بِهَا لَا الْحُرُوفُ الْمَبْسُوطَةُ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْكَلِمُ، وَاَلَّذِي مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ إنَّمَا هُوَ الْحَرْفُ الَّذِي يَقَعُ جُزْءُ الْكَلِمِ كَمَا فِي أَوَّلِ أَخَذَ وَأَوْسَطِ سَأَلَ وَآخِرَ قَرَأَ؛ لَا الْحَرْفُ الَّذِي يُتَهَجَّى بِهِ وَهُوَ لَفْظُ أَلْفٍ إذْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ مُتَعَلِّقٌ بِاللِّسَانِ بِوَاسِطَةِ جُزْئِهِ الْأَوْسَطِ الَّذِي هُوَ اللَّامُ، فَمَنْشَأُ نَظَرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَدَمُ وُقُوفِهِ عَلَى مُرَادِهِمْ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ مَا تَوَهَّمَهُ لَذَكَرُوا الْهَمْزَةَ بَدَلَ الْأَلْفِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُتَهَجَّى بِهَا أَسْمَاءُ مُسَمَّيَاتِهَا الْحُرُوفُ الْمَبْسُوطَةُ الَّتِي رُكِّبَتْ مِنْهَا الْكَلِمُ كَمَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَجُمْهُورُ الشُّرَّاحِ إنَّمَا عَدُوًّا الْأَلْفَ وَنَظَائِرَهُ مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ

لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ. . قَالَ: (وَفِي اللِّحْيَةِ إذَا حُلِقَتْ فَلَمْ تَنْبُتُ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ يُفَوِّتَ بِهِ مَنْفَعَةَ الْجَمَالِ. قَالَ (وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ) لِمَا قُلْنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِيهِمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْآدَمِيِّ، وَلِهَذَا يُحْلَقُ شَعْرُ الرَّأْسِ كُلُّهُ، وَاللِّحْيَةُ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَصَارَ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَلِهَذَا يَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ. وَلَنَا أَنَّ اللِّحْيَةَ فِي وَقْتِهَا جَمَالٌ وَفِي حَلْقِهَا تَفْوِيتُهُ عَلَى الْكَمَالِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ، وَكَذَا شَعْرُ الرَّأْسِ جَمَالٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَدِمَهُ خِلْقَةً يَتَكَلَّفُ فِي سَتْرِهِ، بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ جَمَالٌ. وَأَمَّا لِحْيَةُ الْعَبْدِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الْقِيمَةِ، وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَبْدِ الْمَنْفَعَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْجَمَالِ بِخِلَافِ الْحُرِّ. . قَالَ: (وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ هُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا. (وَلِحْيَةُ الْكَوْسَجِ إنْ كَانَ عَلَى ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَا شَيْءَ فِي حَلْقِهِ) لِأَنَّ وُجُودَهُ يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ (وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَالِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَ الْمَنْبَتُ، فَإِنْ نَبَتَتْ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ، وَإِنْ نَبَتَتْ بَيْضَاءَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهُ يَزِيدُ جَمَالًا، وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ قِيمَتُهُ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ،. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُتَهَجَّى بِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ؟ قُلْت: قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ إطْلَاقُ الْحُرُوفِ عَلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مُسَامَحَةً اسْتِعْمَالًا لِلْحَرْفِ فِي مَعْنَى الْكَلِمَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا صَاحِبُ الْكَشَّافِ هُنَاكَ وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا، بَلْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا جَارٍ عَلَى ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ الشَّائِعِ فِيمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ لَهَا حُرُوفُ التَّهَجِّي. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يُرِيدُوا بِالْحُرُوفِ هَاهُنَا الْحُرُوفَ الْمَبْسُوطَةَ الَّتِي يَتَرَكَّبُ مِنْهَا الْكَلِمُ وَلَمْ يُخْرِجُوا الْأَلِفَ مِنْ عِدَادِ الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ؟ قُلْت: لَعَلَّ سِرَّ ذَلِكَ أَنَّ الْفَائِتَ مِنْ الْحُرُوفِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالِامْتِحَانِ، وَالِامْتِحَانُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَادَةِ بِحُرُوفِ التَّهَجِّي كَمَا وَقَعَ بِهَا فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهِيَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِ رَجُلٍ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ أب ت ث فَكُلَّمَا قَرَأَ حَرْفًا أَسْقَطَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَمَا لَمْ يَقْرَأْ أَوْجَبَ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشُّرُوحِ وَغَيْرِهَا، فَجَرُوا هَاهُنَا فِي الْعِبَارَةِ وَالْإِرَادَةِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ تَقِفْ . (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَالِ) أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يُنَافِي سِيَاقَ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ قَسَمَ لِحْيَةَ الْكَوْسَجِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَجَعَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُتَّصِلًا؛ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ

وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ عَلَى هَذَا الْجُمْهُورِ. (وَفِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي اللِّحْيَةِ. . قَالَ (وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ) كَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ: (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ) وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ، وَفِي تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ. . قَالَ: (وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ (وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ) لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حَيْثُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ. (وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) لِفَوَاتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ (وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا) لِمَا بَيَّنَّاهُ. . قَالَ (وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهَا رُبْعُ الدِّيَةِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَهْدَابُ مَجَازًا كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ لِلْمُجَاوِرَةِ كَالرَّاوِيَةِ لِلْقِرْبَةِ وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَعِيرِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَجِنْسَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَنْفَعَةُ دَفْعِ الْأَذَى وَالْقَذَى عَنْ الْعَيْنِ إذْ هُوَ يَنْدَفِعُ بِالْهُدْبِ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْكُلِّ كُلَّ الدِّيَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَانَ فِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَنْبَتَ الشَّعْرِ وَالْحُكْمُ فِيهِ هَكَذَا. (وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَصَارَ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ. . قَالَ (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرٌ فَتَنْقَسِمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا. قَالَ (وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهَا سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ فِيهِ كَالْيَمِينِ مَعَ الشِّمَالِ، وَكَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِقَطْعِ كُلِّهَا مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، ثُمَّ فِيهِمَا عَشَرُ أَصَابِعَ فَتَنْقَسِمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا أَعْشَارًا. قَالَ (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ؛ فَفِي أَحَدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ بِكَوْسَجٍ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ يُنَافِي ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْكَوْسَجِ، وَاَلَّذِي قَسَمَ لِحْيَتَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فِي سِيَاقِ كَلَامِهِ أَعَمُّ مِنْ الْكَوْسَجِ الْحَقِيقِيِّ.

ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ) وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ. . قَالَ: (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ كُلَّهَا فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ، وَهَذَا إذَا كَانَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ. . قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ عُضْوًا فَأَذْهَب مَنْفَعَتَهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَالْيَدِ إذَا شُلَّتْ وَالْعَيْنِ إذَا ذَهَبَ ضَوْءُهَا) لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا فَوَاتُ الصُّورَةِ. (وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ غَيْرِهِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ) لِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ (وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الْقَامَةِ (فَلَوْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصُّورِيِّ فَلَا مُنَافَاةَ (قَوْلُهُ وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قَالُوا فِيهِ نَظَرٌ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، أَوْ يُقَالَ: وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ السِّنَّ اسْمُ جِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ: أَرْبَعٌ مِنْهَا ثَنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ، اثْنَتَانِ فَوْقَ وَاثْنَتَانِ أَسْفَلَ، وَمِثْلُهَا رَبَاعِيَاتٌ وَهِيَ مَا يَلِي الثَّنَايَا، وَمِثْلُهَا أَنْيَابٌ تَلِي الرَّبَاعِيَاتِ، وَمِثْلُهَا.

[فصل في الشجاج]

[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ] ِ قَالَ (الشِّجَاجُ عَشْرَةٌ: الْحَارِصَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ: أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ (وَالدَّامِعَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQضَوَاحِكُ تَلِي الْأَنْيَابَ، وَاثْنَتَا عَشَرَةَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقَ وَثَلَاثٌ أَسْفَلَ، وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ تُسَمَّى ضِرْسُ الْحِلْمِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ لِعَوْدِهِ، إلَى مَعْنَى أَنْ يُقَالَ: الْأَسْنَانُ وَبَعْضُهَا سَوَاءٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي هَذَا النَّظَرِ مُبَالَغَةٌ مَرْدُودَةٌ حَيْثُ قِيلَ فِي أَوَّلِهِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ خَطَأٌ، وَقِيلَ فِي آخِرِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ أَنَّ تَصْحِيحَهُ عَلَى طَرَفِ التَّمَامِ فَإِنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَدْ ذُكِرَتْ مِزْيَتُهُ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي التَّنْزِيلِ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ، وَيَعُودُ حَاصِلُ مَعْنَاهُ إلَى أَنْ يُقَالَ: الْأَضْرَاسُ وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْأَسْنَانِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ إذَا عَطَفَ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ يُرَادُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَا عَدَا الْمَعْطُوفِ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُقَالَ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ مُعَارَضٌ بِمِثْلِ مَا أَوْرَدَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْأَضْرَاسَ تَعُمُّ الْأَنْيَابَ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْمَغْرِبِ حَيْثُ قَالَ: الْأَضْرَاسُ مَا سِوَى الثَّنَايَا مِنْ الْأَسْنَانِ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَيَعُودُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ إلَى أَنْ يُقَالَ: وَبَعْضُ الْأَضْرَاسِ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِمِثْلِ مَا ذُكِرَ فِي الْإِيرَادِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، فَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَكُونَ ذَاكَ صَوَابًا دُونَ مَا فِي الْكِتَابِ. نَعَمْ الْأَظْهَرُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ، أَوْ أَنْ يُقَالَ: وَالْأَضْرَاسُ وَالثَّنَايَا كُلُّهَا سَوَاءٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ. (فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ) . لَمَّا كَانَ الشِّجَاجُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَتَكَاثَرَتْ مَسَائِلُهُ اسْمًا وَحُكْمًا ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قُلْت: لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الْبَابِ بَدَلَ لَفْظِ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثُمَّ ذَكَرَ الشِّجَاجَ الَّتِي هِيَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي فَصْلٍ وَذَكَرَ سَائِرَ أَنْوَاعِهِ الَّتِي سَتَجِيءُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِي فَصْلٍ آخَرَ أَيْضًا لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَوْفَقَ لِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي نَظَائِرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالدَّامِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسِيلُهُ كَالدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تَسِيلُ الدَّمَ) أَقُولُ: تَفْسِيرُ الدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ مِنْ الشِّجَاجِ بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْفِقْهِ كَالْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ وَاقْتِضَاءِ تَرْتِيبِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَدَّمَ الدَّامِعَةَ عَلَى الدَّامِيَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، إلَّا أَنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الدَّامِعَةُ مِنْ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ، وَقَبْلَهَا الدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالدَّامِعَةُ مِنْ

وَلَا تُسِيلُهُ كَالدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ (وَالدَّامِيَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ (وَالْبَاضِعَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَبْضَعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ (وَالْمُتَلَاحِمَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ (وَالسِّمْحَاقُ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى السِّمْحَاقِ وَهِيَ جَلْدَةٌ رَقِيقَةٌ بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ (وَالْمُوضِحَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ (وَالْهَاشِمَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ: أَيْ تَكْسِرُهُ (وَالْمُنَقِّلَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُنَقِّلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ: أَيْ تُحَوِّلُهُ (وَالْآمَّةُ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الدِّمَاغُ. قَالَ: (فَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَسَاوَيَانِ فَيَتَحَقَّقُ الْقِصَاصُ. قَالَ: (وَلَا قِصَاصَ فِي بَقِيَّةِ الشِّجَاجِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا حَدَّ يَنْتَهِي السِّكِّينُ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِيمَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ كَسْرَ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا خَوْفُ هَلَاكٍ غَالِبٍ فَيُسْبَرُ غَوْرُهَا بِمِسْبَارٍ ثُمَّ تُتَّخَذُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيُقْطَعُ بِهَا مِقْدَارُ مَا قَطَعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ. قَالَ (وَفِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِحُكْمِ الْعَدْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشِّجَاجِ بَعْدَ الدَّامِيَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الدَّامِيَةُ هِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ، فَإِذَا سَالَ مِنْهَا الدَّمُ فَهِيَ الدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالدَّامِعَةُ مِنْ الشِّجَاجِ بَعْدَ الدَّامِيَةِ اهـ. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُعْتَبَرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ، وَسَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشِّجَاجِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ فَلَا مَجَالَ لِلْحَمْلِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْمَحْضِ. ثُمَّ أَقُولُ: الصَّحِيحُ الْمُطَابِقُ لِلُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الدَّامِيَةِ وَالدَّامِعَةِ مِنْ الشِّجَاجِ وَتَرْتِيبِهِمَا مَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ الشِّجَاجِ الْحَارِصَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ فِي الدَّقِّ وَلَا تُدْمِيهِ، ثُمَّ الدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تَخْدِشُ الْجِلْدَ وَتُدْمِيهِ وَلَا تُسِيلُ الدَّمَ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هِيَ الَّتِي تُقَشِّرُ الْجِلْدَ وَتُدْمِيهِ سَوَاءٌ كَانَ سَائِلًا أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ، ثُمَّ الدَّامِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي وَتُسِيلُ الدَّمَ، هَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ فِي الدَّامِيَةِ مِنْ السَّيَلَانِ مَأْخُوذٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ، فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ الْأَلَمَ يَصِلُ إلَى صَاحِبِهَا فَتَدْمَعُ عَيْنَاهُ بِسَبَبِ مَا يَجِدُ مِنْ الْأَلَمِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تَبْضَعُ الْجِلْدَ: أَيْ تَقْطَعُهُ) أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فُتُورٌ، وَإِنْ تَابَعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَكَثِيرٌ مِنْ

وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ النَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ (وَفِي الْمُوضِحَةِ إنْ كَانَتْ خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فَإِنْ نَفَذَتْ فَهُمَا جَائِفَتَانِ فَفِيهِمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ) لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي الْآمَّةِ» وَيُرْوَى «الْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ الدِّيَةِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ جَائِفَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ جَانِبِ الْبَطْنِ وَالْأُخْرَى مِنْ جَانِبِ الظَّهْرِ وَفِي كُلِّ جَائِفَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَلِهَذَا وَجَبَ فِي النَّافِذَةِ ثُلُثَا الدِّيَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ وَقَالَ: هِيَ الَّتِي يَتَلَاحَمُ فِيهَا الدَّمُ وَيَسْوَدُّ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ بَدْءًا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ لَا يَعُودُ إلَى مَعْنًى وَحُكْمٍ. . وَبَعْدَ هَذَا شَجَّةٌ أُخْرَى تُسَمَّى الدَّامِغَةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ، لِأَنَّ قَطْعَ الْجِلْدِ مُتَحَقِّقٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَيْضًا سِيَّمَا فِي الدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ إظْهَارِ الدَّمِ وَإِسَالَتِهِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ قَطْعِ الْجِلْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ بِتَحَقُّقِ قَطْعِ الْجِلْدِ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْعَشَرَةِ لِلشَّجَّةِ فَكَانَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ شَامِلًا لِلْكُلِّ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِالْبَاضِعَةِ، فَالظَّاهِرُ فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تَبْضَعُ اللَّحْمَ: أَيْ تَقْطَعُهُ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَالْبَاضِعَةُ هِيَ الَّتِي تَبْضَعُ اللَّحْمَ: أَيْ تَقْطَعُهُ انْتَهَى. وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُعْتَبَرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَفِي الشِّجَاجِ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي جَرَحَتْ الْجِلْدَ وَشَقَّتْ اللَّحْمَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْبَاضِعَةُ: الشَّجَّةُ الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَتَشُقُّ اللَّحْمَ وَتُدْمِي إلَّا أَنَّهُ لَا يَسِيلُ الدَّمُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْبَاضِعَةُ: الشَّجَّةُ الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَتَشُقُّ اللَّحْمَ شَقًّا خَفِيفًا وَتُدْمِي إلَّا أَنَّهَا تُسِيلُ انْتَهَى. لَا يُقَالُ: فَعَلَى هَذَا تَشْتَبِهُ الْبَاضِعَةُ بِالْمُتَلَاحِمَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ، وَهَذَا فِي الْمَآلِ عَيْنُ مَا نَقَلْتُهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: مَنْ فَسَّرَ الْبَاضِعَةَ بِمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ لَا يَقُولُ بِتَفْسِيرِ الْمُتَلَاحِمَةِ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ حَتَّى يَلْزَمَ الِاشْتِبَاهُ بَلْ يَزِيدُ عَلَيْهِ قَيْدًا. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تَبْضَعُ اللَّحْمَ: أَيْ تَقْطَعُهُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَلَا تَنْزِعُ شَيْئًا مِنْ اللَّحْمِ. ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعُ اللَّحْمَ وَتَنْزِعُ شَيْئًا مِنْ اللَّحْمِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَالْبَاضِعَةُ هِيَ الَّتِي تَبْضَعُ اللَّحْمَ: أَيْ تَقْطَعُهُ، وَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَذْهَبُ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرَ مِمَّا تَذْهَبُ الْبَاضِعَةُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالْمُتَلَاحِمَةُ مِنْ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي تَشُقُّ فِي اللَّحْمِ دُونَ الْعَظْمِ ثُمَّ تَتَلَاحَمُ بَعْدَ شَقِّهَا: أَيْ تَتَلَاءَمُ وَتَتَلَاصَقُ اهـ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْمُتَلَاحِمَةُ: الشَّجَّةُ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ وَلَمْ تَبْلُغْ السِّمْحَاقَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَشَجَّةٌ مُتَلَاحِمَةٌ أَخَذَتْ فِيهِ وَلَمْ تَبْلُغْ السِّمْحَاقَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: الْجَائِفَةُ مَا تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْجَنْبَيْنِ وَالِاسْمُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَمَا وَصَلَ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي إذَا وَصَلَ إلَيْهِ الشَّرَابُ كَانَ مُفْطِرًا، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِجَائِفَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: فَعَلَى هَذَا ذِكْرُ الْجَائِفَةِ هُنَا فِي مَسَائِلِ الشِّجَاجِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا

وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا لِأَنَّهَا تَقَعُ قَتْلًا فِي الْغَالِبِ لَا جِنَايَةً مُقْتَصِرَةً مُنْفَرِدَةً بِحُكْمٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لُغَةً، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ يُسَمَّى جِرَاحَةً، وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ فِي غَيْرِهِمَا نَحْوُ السَّاقِ وَالْيَدِ لَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمَا، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهَا لِمَعْنَى الشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِبَقَاءِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ، وَالشَّيْنُ يَخْتَصُّ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْغَالِبِ وَهُوَ الْعُضْوَانِ هَذَانِ لَا سِوَاهُمَا. وَأَمَّا اللَّحْيَانِ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِيهِمَا مَا فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَا يَجِبُ الْمُقَدَّرُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْوَجْهَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجِهَةِ، وَلَا مُوَاجِهَةَ لِلنَّاظِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْمُوَاجِهَةِ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: نَعَمْ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَدَارَكَهُ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَقَالُوا الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ: يَعْنِي أَنَّهَا لَمَّا تَنَاوَلَتْ مَا فِي جَوْفِ الرَّأْسِ أَيْضًا كَانَتْ مِنْ الشِّجَاجِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ فِي الرَّأْسِ فَتَدْخُلُ فِي مَسَائِلِ الشِّجَاجِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُهَا فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ مِمَّا وَقَعَ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لُغَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَكَذَلِكَ تَخْتَصُّ بِالْجَبْهَةِ وَالْوَجْنَتَيْنِ وَالذَّقَنِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْإِيضَاحِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ لِهَذَا الْكَلَامِ وَجْهٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجَبْهَةِ وَالْوَجْنَتَيْنِ وَالذَّقَنُ دَاخِلٌ فِي الْوَجْهِ، لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّ حَدَّ الْوَجْهِ مِنْ قُصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ، لِأَنَّ الْمُوَاجِهَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْفَصْلِ حَتَّى صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنْفُسُهُمَا أَيْضًا بِأَنَّ الذَّقَنَ مِنْ الْوَجْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْعَظْمُ الَّذِي تَحْتَ الذَّقَنِ وَهُوَ اللَّحْيَانِ مِنْ الْوَجْهِ أَيْضًا عِنْدَنَا خِلَافًا لَمَالِكٍ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ يَشْمَلُ الْكُلَّ، فَبَعْدَ ذَلِكَ مَا مَعْنَى أَنْ يُقَالَ: وَكَذَلِكَ تَخْتَصُّ بِالْجَبْهَةِ وَالْوَجْنَتَيْنِ وَالذَّقَنِ أَيْضًا، وَكُلٌّ مِنْ الْعَطْفِ وَأَدَاةِ التَّشْبِيهِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهَا لِمَعْنَى الشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِبَقَاءِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إلْحَاقِ الْجِرَاحَةِ بِهَا دَلَالَةً، فَفِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَسَامُحٌ انْتَهَى. وَأَقُولُ: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَصَالَةً فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ دَلِيلٌ أَصَالَةً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ أَرْشٍ مُقَدَّرٍ فِي الْجِرَاحَةِ الَّتِي فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُ الدَّلَالَةَ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إلْحَاقِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ بِالشِّجَاجِ دَلَالَةً فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فَفِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَسَامُحٌ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ أَرْشٍ مُقَدَّرٍ فِي الْجِرَاحَةِ الْكَائِنَةِ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهَا إلَخْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَصَالَةً كَانَ حَقُّ الْأَدَاءِ أَنْ يُقَالَ: وَلِأَنَّهُ بِلَا تَسَامُحٍ أَصْلًا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ إنَّمَا غَرَّهُ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَا هُنَا حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْأَثَرَ بِالتَّقْدِيرِ جَاءَ فِي الشِّجَاجِ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا حَتَّى يَلْحَقَ بِهِمَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ فِيهِمَا لِمَعْنَى الشَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُهُمَا بِبَقَاءِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ، وَالشَّيْنُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ الْبَدَنِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ انْتَهَى. وَلَكِنْ لِتَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ شَأْنٌ آخَرُ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْمُوَاجِهَةِ أَيْضًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: وَيَجِبُ أَنْ يُفْتَرَضَ غَسْلُ اللَّحْيَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هَا هُنَا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَسْلُهُمَا فَرْضًا فِي الطَّهَارَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا تَرَكْنَا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هَا هُنَا

وَقَالُوا: الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ: جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ، وَتَفْسِيرُ حُكُومَةِ الْعَدْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يُقَوَّمَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ وَيُقَوَّمُ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ فَرُبْعُ عُشْرٍ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. . فَصْلٌ قَالَ (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا، فَكَانَ فِي الْخَمْسِ نِصْفُ الدِّيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ إشْكَالٌ عِنْدِي لِأَنَّ اللَّحْيَيْنِ إذَا كَانَا مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَانَا دَاخِلَيْنِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] فَيَكُونُ تَرْكُ وُجُوبِ غَسْلِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ نَسْخًا لِلْكِتَابِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْسَخُ الْكِتَابَ وَلَا السُّنَّةَ (قَوْلُهُ وَقَالُوا: الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْجَائِفَةَ إنْ تَنَاوَلَتْ مَا فِي جَوْفِ الرَّأْسِ أَيْضًا فَاَلَّتِي فِي جَوْفِ الرَّأْسِ مِنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الْعَشَرَةِ لِلشِّجَاجِ فَمَا مَعْنَى ذِكْرِهَا وَبَيَانُ حُكْمِهَا بَعْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ بِأَسْرِهَا وَبَيَانُ حُكْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ بَلْ كَانَتْ مُغَايِرَةً لَهَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ الشِّجَاجُ عَشْرَةٌ، إذْ تَكُونُ الشِّجَاجُ حِينَئِذٍ إحْدَى عَشْرَةَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هِيَ إحْدَى تِلْكَ الْأَنْوَاعِ وَهُوَ الْآمَّةُ بِدَلَالَةِ كَوْنِ حُكْمِهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَذَكَرَهَا مَعَ حُكْمِهَا بَعْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مَعَ أَحْكَامِهَا لِبَيَانِ حَالِ قِسْمِهَا الَّذِي فِي جَوْفِ الْبَطْنِ لَا لِبَيَانِ حَالِ قِسْمِهَا الَّذِي فِي جَوْفِ الرَّأْسِ لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ لَا يَخْفَى. (فَصْلٌ فِي الْأَطْرَافِ دُونَ الرَّأْسِ) لَمَّا كَانَتْ الْأَطْرَافُ دُونَ الرَّأْسِ وَلَهَا حُكْمٌ عَلَى حِدَةٍ ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى النَّاظِرِ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي الْأَطْرَافِ، بَلْ بَعْضُهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَطْرَافِ وَبَعْضُهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالشِّجَاجِ، وَبَعْضُهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَتْلِ، فَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضٍ مِنْهَا دُونَ الْكُلِّ، فَالْأَوْجَهُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَتْ مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً وَلِهَذَا كَانَتْ كُلُّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ كَمَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهَا عَنْ الْفَصْلَيْنِ الْمَارَّيْنِ جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ جَمْعِ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَتَأْخِيرِهَا عَنْ سَائِرِ الْفُصُولِ تَلَافِيًا لِمَا فَاتَ فِيهَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهَا مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ أَيْضًا اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ النَّاظِرِينَ (قَوْلُهُ وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، إذْ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا مَرَّ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ

وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتَ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ (فَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ فَفِيهِ أَيْضًا نِصْفُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا (وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الزِّيَادَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْهُ: أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَهُوَ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ وَإِلَى الْفَخِذِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ فِي الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ فَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْبَطْشُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ دُونَ الذِّرَاعِ فَلَمْ يُجْعَلْ الذِّرَاعُ تَبَعًا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ. وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُضْوًا كَامِلًا، وَلَا إلَى أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَقُولَ: لِمَا ذُكِرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ فِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ كَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَا هُنَا مُسْتَدْرِكًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ خَمْسَةَ أَعْشَارِ الدِّيَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَعُلِمَ قَطْعًا مِمَّا مَرَّ أَنَّ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ خُمْسُ أَصَابِعِ نِصْفِ الدِّيَةِ،. وَلَوْ لَمْ يَكْفِ الِاسْتِلْزَامُ وَالِاقْتِضَاءُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِمَسْأَلَةٍ بَلْ كَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَا لَلَزِمَ أَنْ يَذْكُرَ أَيْضًا أَنَّ فِي الْإِصْبَعَيْنِ عُشْرَيْ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثِ أَصَابِعَ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَفِي أَرْبَعِ أَصَابِعَ أَرْبَعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَتْرُوكِ ذِكْرُهَا صَرَاحَةً فِي الْكِتَابِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا لَيْسَ لِبَيَانِ نَفْسِهَا أَصَالَةً حَتَّى يُتَوَهَّمَ الِاسْتِدْرَاكُ، بَلْ لِيَكُونَ ذِكْرُهَا تَوْطِئَةً لِلْمَسْأَلَةِ الْمُعَاقِبَةِ إيَّاهَا وَهِيَ قَوْلُهُ فَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ فَفِيهِ أَيْضًا نِصْفُ الدِّيَةِ، فَالْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ هُنَا أَنَّ قَطْعَ الْأَصَابِعِ وَحْدَهَا وَقَطْعَهَا مَعَ الْكَفِّ سِيَّانِ فِي الْحُكْمِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَفِي أَصَابِعِ يَدٍ بِلَا كَفٍّ وَمَعَهَا نِصْفُ الدِّيَةِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتُ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ) . يَعْنِي أَنَّ قَطْعَ كُلِّهَا تَفْوِيتُ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ يُوجِبُ الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ عَلَى مَا مَرَّ، فَفِي تَفْوِيتِ نِصْفِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ اللَّازِمِ مِنْ قَطْعِ أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ لَا مَحَالَةَ. ثُمَّ إنَّ جُمْهُورَ الشُّرَّاحِ قَالُوا: قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشْرَةٌ فَتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا مَرَّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لَا بِمَا قَبْلَهُ، وَإِلَّا لَكَانَ حَقُّ قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لَمْ يَتِمَّ أَنْ يُشَارَ بِهِ إلَى مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ، إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَعَرُّضٌ لِمَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلدِّيَةِ حَتَّى يُشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ هُنَا: قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ: أَيْ الْمُوجِبُ لِلدِّيَةِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتُ صُورَةِ الْآلَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا أَبْعَدُ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ. لِأَنَّ بَيَانَ كَوْنِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتَ صُورَةِ الْآلَةِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ لَهُ أَصْلًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ فِيهِ قَطْعُ أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتُ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ دُونَ مُجَرَّدِ إزَالَةِ مَنْفَعَتِهَا بِدُونِ الْقَطْعِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ كَوْنُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا عَلَى مَا مَرَّ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قُبَيْلَ فَصْلِ الشِّجَاجِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتُ الصُّورَةِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ، فَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فِيمَنْ ضَرَبَ عُضْوًا فَأَذْهَبَ مَنْفَعَتَهُ بِدُونِ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَلِبَيَانِ كَوْنِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتَ الصُّورَةِ تَأْثِيرٌ تَامٌّ وَفَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ هُنَاكَ. ثُمَّ أَقُولُ: الْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَا مَرَّ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِإِتْلَافِهِ النَّفْسَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ. اهـ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي الْأَطْرَافِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ إزَالَةُ الْجَمَالِ الْمَقْصُودِ فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ فَيُنَاسِبُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْبَطْشَ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَالْأَصَابِعَ دُونَ الذِّرَاعِ) . أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ

يَكُونَ تَبَعًا لِلْكَفِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ. قَالَ: (وَإِنْ قَطَعَ الْكَفَّ مِنْ الْمِفْصَلِ وَفِيهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَفِيهِ عُشْرُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ أُصْبُعَيْنِ فَالْخُمُسُ، وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْكَفِّ وَالْأُصْبُعِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَرْشَيْنِ لِأَنَّ الْكُلَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَا إلَى إهْدَارِ أَحَدِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ. وَلَهُ أَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ وَالْكَفُّ تَابِعٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقُومُ بِهَا، وَأَوْجَبَ الشَّرْعُ فِي أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالْحُكْمُ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ مِنْ حَيْثُ مِقْدَارُ الْوَاجِبِ (وَلَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ يَجِبُ أَرْشُ الْأَصَابِعِ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أُصُولٌ فِي التَّقَوُّمِ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَاسْتَتْبَعَتْ الْكَفَّ، كَمَا إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ قَائِمَةً بِأَسْرِهَا. قَالَ (وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ يَدِهِ، وَلَكِنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا زِينَةَ (وَكَذَلِكَ السِّنُّ الشَّاغِيَةُ) لِمَا قُلْنَا. (وَفِي عَيْنِ الصَّبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ مَدْخَلٌ فِي الْبَطْشِ، وَمَدْلُولُ قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ وَلِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَنْ يَكُونَ الْبَاطِشُ هُوَ الْأَصَابِعُ لَا غَيْرُ، فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَقَامَيْنِ نَوْعُ تَدَافُعٍ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَفَطَّنَ لَهُ حَيْثُ غَيَّرَ تَحْرِيرَ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَقَالَ: لَهُمَا أَنَّ أَرْشَ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آلَةٌ بَاطِشَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَطْشِ الْأَصَابِعُ وَالْكَفُّ تَبَعٌ لَهَا، أَمَّا السَّاعِدُ فَلَا يَتْبَعُهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهَا فَلَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لَهَا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ انْتَهَى. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا بِنَوْعِ عِنَايَةٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّرَ

وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَأَشْبَهَ قَطْعَ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْكَامِلُ بِالشَّكِّ، وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حَجَّةً لِلْإِلْزَامِ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْجَمَالُ وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ (وَكَذَا لَوْ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى النَّظَرِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمَ الْبَالِغِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ. قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ، حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ، وَالدِّيَةُ بِفَوَاتِ كُلِّ الشَّعْرِ وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُضَافُ فِي قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا: أَيْ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَطْشِ بِهَا كَمَا قَالَ فِي الْكَافِي هُنَاكَ، لِأَنَّ قِوَامَ الْبَطْشِ بِهَا فَلَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ بِالْكَفِّ أَيْضًا بَطْشٌ فِي الْجُمْلَةِ بِالتَّبَعِيَّةِ فَيَرْتَفِعُ التَّدَافُعُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَوْ كَانَ فَوَاتُ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَكَانَ هَذَا مَدَارَ دُخُولِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ لَمَّا تَمَّ مَا سَبَقَ فِي فَصْلٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ الشَّجَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ صَحَّ كَوْنُ فَوَاتِ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ لَمَا لَزِمَ فِي ضَرْبَةٍ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ وَالْتَأَمَتْ الشَّجَّةُ فَصَارَ كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ وُجُوبَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِسَبَبِ فَوَاتِ الشَّعْرِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ لِبَيَانِ الْجُزْئِيَّةِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَعْنِي الشَّعْرَ يَسْقُطُ: يَعْنِي أَرْشَ الْمُوضِحَةِ لِبَيَانِ أَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِالْفَوَاتِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَيْسَ بِمُفْتَقِرٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا اهـ أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَلَيْسَ بِمُفْتَقِرٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ كَوْنَ وُجُوبِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ

وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ. وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ الدِّيَةِ) قَالُوا: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْمَنْفَعَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ، بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَائِدَةٌ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّعْرِ لَا بِمُجَرَّدِ تَفْرِيقِ الِاتِّصَالِ، وَالْإِيلَامُ الشَّدِيدُ أَمْرٌ خَفِيٌّ جِدًّا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِدُونِ الْبَيَانِ وَالْإِعْلَامِ، إذْ كَانَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِمَّا ذَكَرُوا فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي وُجُوبِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ لَا يَنْبُتَ بَعْدُ أَصْلًا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْمُوضِحَةُ مِنْ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ: أَيْ تُبَيِّنُهُ ثُمَّ بَيَّنُوا حُكْمَهَا بِأَنَّهُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا، وَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إنْ كَانَتْ خَطَأً، وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْمَ الْمُوضِحَةِ وَحَدَّهَا الْمَذْكُورَ يَتَحَقَّقَانِ فِيمَا نَبَتَ فِيهِ الشَّعْرُ أَيْضًا، فَكَانَ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَنْبُتَ الشَّعْرُ بَعْدَ الْبُرْءِ أَصْلًا فِي وُجُوبِ أَرْشِهَا أَمْرًا خَفِيًّا مُحْتَاجًا إلَى الْبَيَانِ بَلْ إلَى الْبُرْهَانِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَوُجُوبُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِاعْتِبَارِ ذَهَابِ الشَّعْرِ، وَلِهَذَا لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَاسْتَوَى لَا يَجِبُ شَيْءٌ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وُجُوبُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِاعْتِبَارِ ذَهَابِ الشَّعْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَاسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبَيَانَاتِ الْوَاقِعَةِ مِنْ الثِّقَاتِ (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قِيلَ يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَشْمَلُ مِنْ الْأَوَّلِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَشْمَلُ بَحْثٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ إنَّمَا هُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ كَمَا يَرْشُدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فَدَخَلَ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ إنَّمَا تُوجَدُ فِي صُورَةِ فَوَاتِ شَعْرِ رَأْسِهِ بِالشَّجَّةِ لَا فِي صُورَةِ ذَهَابِ عَقْلِهِ بِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ حَتَّى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَفْسُهُ بِكَوْنِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ هُنَاكَ فَوَاتُ الشَّعْرِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ وَقَدْ تَعَلَّقَا: يَعْنِي أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ، لَكِنَّ سَبَبَ الْمُوضِحَةِ الْبَعْضُ وَسَبَبُ الدِّيَةِ الْكُلُّ فَدَخَلَ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَخْتَصُّ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ صُورَةُ ذَهَابِ شَعْرِ رَأْسِهِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مُخْتَصٌّ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ صُورَةُ ذَهَابِ عَقْلِهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي أَشْمَلُ مِنْ الْأَوَّلِ؟ وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَجْمُوعَ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَحِينَئِذٍ يُوجَدُ الشُّمُولُ بِلَا غُبَارٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْمَنْفَعَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ، بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَائِدَةٌ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: كُنَّا نُفَرِّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ حَتَّى رَأَيْت مَا يَنْقُضُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ دِيَةَ الْعَقْلِ وَأَرْشَ الْيَدِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، فَلَوْ كَانَ زَوَالُ الْعَقْلِ كَزَوَالِ الرُّوحِ لَمَا وَجَبَ أَرْشُ الْيَدِ كَمَا لَوْ مَاتَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فِي الْعَقْلِ، وَوَقَعَتْ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ عَلَى عُضْوَيْنِ فَلَا يَدْخُلُ انْتَهَى. أَقُولُ: كَمَا يُنْتَقَضُ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ

وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ مُبْطَنٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْعَقْلِ، وَالْبَصَرُ ظَاهِرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قَالَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِيهِمَا (وَقَالَا: فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ) قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ. . قَالَ (وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُصْبُعِ أَوْ الْيَدِ كُلِّهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى وَفِيمَا بَقِيَ حُكُومَةُ عَدْلٍ (وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ) وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي السِّنِّ كُلِّهِ (وَلَوْ قَالَ: اقْطَعْ الْمِفْصَلَ وَاتْرُكْ مَا يَبِسَ أَوْ اكْسِرْ الْقِدْرَ الْمَكْسُورَ وَاتْرُكْ الْبَاقِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ مَا وَقَعَ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَجَّهُ مُنَقِّلَةً فَقَالَ: أَشُجُّهُ مُوضِحَةً أَتْرُكُ الزِّيَادَةَ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي مَحَلَّيْنِ فَيَكُونُ جِنَايَتَيْنِ مُبْتَدَأَتَيْنِ فَالشُّبْهَةُ فِي إحْدَاهُمَا لَا تَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى، كَمَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ عَمْدًا فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ فِي الثَّانِي. وَلَهُ أَنَّ الْجِرَاحَةَ الْأُولَى سَارِيَةٌ وَالْجَزَاءُ بِالْمِثْلِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ السَّارِي فَيَجِبُ الْمَالُ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ حَقِيقَةً وَهُوَ الْحَرَكَةُ الْقَائِمَةُ، وَكَذَا الْمَحَلُّ مُتَّحِدٌ مِنْ وَجْهِ لِاتِّصَالٍ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ فَأَوْرَثَتْ نِهَايَتُهُ شُبْهَةَ الْخَطَأِ فِي الْبِدَايَةِ، بِخِلَافِ النَّفْسَيْنِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مِنْ سِرَايَةِ صَاحِبِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى الْأُصْبُعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْهِنْدُوَانِيُّ كَذَلِكَ يُنْتَقَضُ مَا عَدَّهُ صَحِيحًا مِنْ الْفَرْقِ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ فِيهَا أَيْضًا عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْيَدُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ أَرْشُ الْيَدِ فِي الدِّيَةِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ الْعَقْلُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عُضْوًا مُغَايِرًا لِعُضْوِ الْيَدِ فَتَكُونُ الْجِنَايَةُ فِيهَا وَاقِعَةً عَلَى الْعُضْوَيْنِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، فَلِمَ لَمْ يُعْتَبَرْ الْعَقْلُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّجَّةِ أَيْضًا عُضْوًا مُغَايِرًا لِمَحَلِّ الشَّجَّةِ حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ مِنْ قَبِيلِ مَا وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى عُضْوَيْنِ فَلَا يَدْخُلُ الْأَرْشُ فِي الدِّيَةِ كَمَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ. وَبِالْجُمْلَةِ مَا عَدَّهُ الْهِنْدُوَانِيُّ صَحِيحًا مِنْ الْفَرْقِ هُنَا لَا يَخْلُو عَنْ الِانْتِقَاضِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ مُبْطَنٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ يُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ بِحَيْثُ لَا تَرْتَسِمُ فِيهَا الْمَعَانِي وَلَا يَقْدِرُ عَلَى نَظْمِ التَّكَلُّمِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَهَابِ الْعَقْلِ عَسِرًا جِدًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكَلُّمُ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فَفِي جَعْلِهِ مُبْطَنًا نَظَرٌ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ الثَّانِي، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ مُبْطَنًا كَوْنُ مَحِلِّهِمَا مَسْتُورًا غَائِبًا عَنْ الْحِسِّ، بِخِلَافِ الْبَصَرِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ ظَاهِرٌ مُشَاهَدٌ فَيَنْدَفِعُ النَّظَرُ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى وَفِيمَا بَقِيَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا يُخَالِفُ وَيُنَافِي مَا ذَكَرَهُ

لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا مَقْصُودًا. قَالَ: (وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ إلَى جَنْبِهَا أُخْرَى فَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا هُمَا وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ: يُقْتَصُّ مِنْ الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْشُهَا. وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا شُجَّ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بَصَرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالسَّرَايَةِ مُبَاشَرَةً كَمَا فِي النَّفْسِ وَالْبَصَرُ يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ الْخِلَافِيَّةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ الشَّلَلَ لَا قِصَاصَ فِيهِ، فَصَارَ الْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ سِرَايَةَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ إلَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ يُوجِبُ الِاقْتِصَاصَ كَمَا لَوْ آلَتْ إلَى النَّفْسِ وَقَدْ وَقَعَ الْأَوَّلُ ظُلْمًا. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الشَّجَّةَ بَقِيَتْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا وَلَا قَوَدَ فِي التَّسْبِيبِ، بِخِلَافِ السِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا تَبْقَى الْأُولَى فَانْقَلَبَتْ الثَّانِيَةُ مُبَاشَرَةً. . قَالَ: (وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَتْ فَلَا قِصَاصَ) إلَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ (وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ فَتَآكَلَتَا فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هَاتَيْنِ) . قَالَ: (وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْحَادِثُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ انْعَدَمَتْ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا إذَا قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ فَنَبَتَتْ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْتِ عَلَيْهِ مَنْفَعَةً وَلَا زِينَةً (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِمَكَانِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ (وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا فِي مَكَانِهَا وَنَبَتَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ الْأَرْشُ بِكَمَالِهِ) لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ (وَكَذَا إذَا قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ) لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. (وَمَنْ نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَنْزُوعَةُ سِنُّهُ سِنَّ النَّازِعِ فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لِصَاحِبِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ، كَمَا إذَا قُطِعَ أُصْبُعُ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا أَسْلَفَهُ أَنْ يَجِبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِنَاءُ اخْتِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَقَامَيْنِ

لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ، وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْتَظَرَ الْيَأْسُ فِي ذَلِكَ لِلْقِصَاصِ، إلَّا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ تَضْيِيعَ الْحُقُوقِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْحَوْلِ لِأَنَّهُ تَنْبُتُ فِيهِ ظَاهِرًا، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ وَلَمْ تَنْبُتْ قَضَيْنَا بِالْقِصَاصِ، وَإِذَا نَبَتَتْ تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِيهِ وَالِاسْتِيفَاءُ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ. قَالَ: (وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْنَى حَوْلًا) لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ (فَلَوْ أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً ثُمَّ جَاءَ الْمَضْرُوبُ وَقَدْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَاخْتَلَفَا قَبْلَ السَّنَةِ فِيمَا سَقَطَ بِضَرْبِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ) لِيَكُونَ التَّأْجِيلُ مُفِيدًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَجَاءَ وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً فَاخْتَلَفَا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الضَّارِبِ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ، أَمَّا التَّحْرِيكُ فَيُؤَثِّرُ فِي السُّقُوطِ فَافْتَرَقَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَمِمَّا يُعَضِّدُهُ كَلَامُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ هُنَا حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَفْصِلًا مِنْ أُصْبُعٍ فَشُلَّ الْبَاقِي فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْكُلِّ الْأَرْشُ وَيُجْعَلُ كُلُّهُ جِنَايَةً وَاحِدَةً انْتَهَى تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ يُؤَجَّلُ سَنَةً بِالْإِجْمَاعِ. وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ سِنَّ الْبَالِغِ إذَا سَقَطَ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَبْرَأَ مَوْضِعُ السِّنِّ لَا الْحَوْلَ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ نَبَاتَ سِنِّ الْبَالِغِ نَادِرٌ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ، إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْبُرْءِ لَا يُقْتَصُّ وَلَا يُؤْخَذُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي عَاقِبَتَهُ انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ إجْمَالًا: وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، لِأَنَّ الْحَوْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ، فَلَعَلَّ فَصْلًا مِنْهَا يُوَافِقُ مِزَاجَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيُؤَثِّرُ فِي إنْبَاتِهِ. وَقَالَ: وَلَكِنَّ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: الِاسْتِينَاءُ حَوْلًا فِي فَصْلِ الْقَلْعِ فِي الْبَالِغِ وَالصَّغِيرِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجِرَاحَاتِ كُلِّهَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا» وَهُوَ كَمَا تَرَى يُنَافِي الْإِجْمَاعَ انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، لِأَنَّ الَّذِي يُنَافِي الْإِجْمَاعَ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ إنَّمَا هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ، لَكِنَّ مَفْهُومَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ إجْمَاعِ الْمَشَايِخِ لَا عَدَمُ إجْمَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِجْمَاعِ فِي قَوْلِهِ وَلِهَذَا يُسْتَأْتَى حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ الْمُجْتَهِدِينَ دُونَ إجْمَاعِ الْمَشَايِخِ، وَانْتِفَاءُ أَحَدِ الْإِجْمَاعَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْآخَرِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَشَايِخَ كَثِيرًا مَا يَخْتَلِفُونَ فِي رِوَايَةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ، فَبَعْضُهُمْ يَرْوِي اجْتِمَاعَ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ مَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَنَقَلَ النَّاطِفِيِّ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: رَجُلٌ قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ لَا أَنْتَظِرُ بِهَا حَوْلًا، وَإِنَّمَا أَنْتَظِرُ بِسِنِّ الصَّبِيِّ وَأَقْضِي عَلَيْهِ بِأَرْشِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَبَاتَ السِّنِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَادِرٌ، وَإِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِثْلُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ النَّاطِفِيُّ أَيْضًا. قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: لَوْ نَزَعَ سِنَّ صَبِيٍّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ ضَمِينًا مِنْ النَّازِعِ لِلْمَنْزُوعِ سِنُّهُ وَيُؤَجِّلَهُ سَنَةً مُنْذُ يَوْمِ

(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ بَعْدَ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ لِلضَّارِبِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ أَثَرَ فِعْلِهِ وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي وَقَّتَهُ الْقَاضِي لِظُهُورِ الْأَثَرِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ الْأَلَمِ، وَسَنُبَيِّنُ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ وَلَكِنَّهَا اسْوَدَّتْ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا تَسْوَدُّ مِنْهُ (وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَعْضَهُ وَاسْوَدَّ الْبَاقِي) لَا قِصَاصَ لِمَا ذَكَرْنَا (وَكَذَا لَوْ احْمَرَّ أَوْ اخْضَرَّ) وَلَوْ اصْفَرَّ فِيهِ رِوَايَتَانِ. . قَالَ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَنَبَتَ الشَّعْرُ سَقَطَ الْأَرْشُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِزَوَالِ الشَّيْنِ الْمُوجِبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ، لِأَنَّ الشَّيْنَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ مَا زَالَ فَيَجِبُ تَقْوِيمُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ الطَّبِيبُ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّ الْمَنَافِعَ عَلَى أَصْلِنَا لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQنُزِعَ سِنُّهُ، فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ وَلَمْ تَنْبُتْ اقْتَصَّ لَهُ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُفَرِّقْ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا بَيْنَ سِنِّ الْبَالِغِ وَالصَّغِيرِ بَلْ قَالُوا بِالِاسْتِينَاءِ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْغَايَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَيْضًا ذَهَبَ إلَيْهِ فَقَالَ: وَلِهَذَا يَسْتَأْنِي حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ، وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ أَخْذًا بِمَا ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ بِدُونِ رِوَايَةِ خِلَافِ أَحَدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ جَعَلَ مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مُنَافِيًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَا ذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ مُنَافِيًا لَهُ حَيْثُ لَمْ يُورِدْ النَّظَرَ بِهِ مَعَ كَوْنِ مُنَافَاتِهِ إيَّاهُ أَظْهَرُ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى إجْمَاعِ الْمَشَايِخِ كَمَا هُوَ مَدَارُ نَظَرِهِ الْمَذْكُورِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَصَاحِبَا الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَسْتَأْنِي حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ يُخَالِفُ رِوَايَةَ التَّتِمَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ وَلَكِنَّهَا اسْوَدَّتْ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ: أَوْجَبَ مُحَمَّدٌ كَمَالَ

قَالَ: (وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَجَرَحَهُ فَبَرَأَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ الضَّرْبِ) مَعْنَاهُ: إذَا بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ أَثَرُهُ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ قَدْ مَضَى فِي الشَّجَّةِ الْمُلْتَحِمَةِ. . قَالَ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً قَبْلَ الْبُرْءِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَسَقَطَ عَنْهُ أَرْشُ الْيَدِ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْمُوجَبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الدِّيَةُ وَإِنَّهَا بَدَلُ النَّفْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي النَّفْسِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً. . قَالَ: (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُعَطَّلُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُسْتَأْنَى فِي الْجِرَاحَاتِ سَنَةً» وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لَا حَالُهَا لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي الْحَالِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَعَلَّهَا تَسْرِي إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَتَلَ وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ الْأَمْرُ بِالْبُرْءِ. . قَالَ: (وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ فِيهِ بِشُبْهَةٍ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَكُلُّ أَرْشٍ وَجَبَ بِالصُّلْحِ فَهُوَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا» الْحَدِيثُ. وَهَذَا عَمْدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْشِ بِاسْوِدَادِ السِّنِّ، وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السِّنُّ مِنْ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى أَوْ مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى. قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ السِّنُّ مِنْ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى، إنْ فَاتَتْ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ بِالِاسْوِدَادِ يَجِبُ الْأَرْشُ كَامِلًا، وَإِلَّا يَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَ السِّنُّ مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى وَتَظْهَرُ يَجِبُ كَمَالُ الْأَرْشِ بِالِاسْوِدَادِ، وَإِنْ لَمْ تَفُتْ مَنْفَعَتُهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ انْتَهَى. وَهَذَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هُنَا وَعَزَاهُ أَكْثَرُهُمْ إلَى الذَّخِيرَةِ فَقَطْ، وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى جَوَابِ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الشِّجَاجِ مِنْ أَنَّ الْجَمَالَ تَابِعٌ فِي الْعُضْوِ الَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْأَسْنَانِ الَّتِي تُرَى لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ مِنْهَا بِالذَّاتِ وَإِنْ حَصَلَتْ فِيهَا أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا بِالذَّاتِ الْجَمَالُ وَالزِّينَةُ لِلْإِنْسَانِ، وَمَا ذَكَرُوا قُبَيْلَ فَصْلِ الشِّجَاجِ مِنْ كَوْنِ الْجَمَالِ تَابِعًا إنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي يُقْصَدُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ أَصَالَةً كَالْيَدِ وَنَحْوِهَا فَلَا مُخَالَفَةَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا» الْحَدِيثُ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَدْ مَرَّ آنِفًا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا رُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ، رُوِيَ أَيْضًا مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ هُنَا صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» انْتَهَى. وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ بِهَذَا الْمِنْوَالِ، فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رُوِيَ مَرْفُوعًا إلَيْهِ بِلَا رَيْبٍ، وَهَذَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ عَلَى مَا رُوِيَ مَوْقُوفًا أَيْضًا يُحْمَلُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْلَمُ بِالرَّأْيِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّمَاعِ، وَمِثْلُ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ صِيَانَةً لِلصَّحَابِيِّ عَنْ الْكَذِبِ وَالْجُزَافِ وَيَصِيرُ الْمَوْقُوفُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَمَرَّ فِي الْكِتَابِ مِرَارًا، فَصَحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي حَقِّ هَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً فَأَشْبَهَ شِبْهَ الْعَمْدِ. وَالثَّانِي يَجِبُ حَالًّا لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ. قَالَ: (وَإِنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ حَالَّةً لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ يَجِبُ حَالًّا، وَالتَّأْجِيلُ لِلتَّخْفِيفِ فِي الْخَاطِئِ وَهَذَا عَامِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَ جَبْرًا لِحَقِّهِ، وَحَقُّهُ فِي نَفْسِهِ حَالٌّ فَلَا يَنْجَبِرُ بِالْمُؤَجَّلِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَدِيَةِ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَقَوُّمَ الْآدَمِيِّ بِالْمَالِ لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ، وَالتَّقْوِيمُ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ مُؤَجَّلًا لَا مُعَجَّلًا فَلَا يَعْدُلُ عَنْهُ لَا سِيَّمَا إلَى زِيَادَةٍ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّغْلِيطُ بِاعْتِبَارِ الْعَمْدِيَّةِ قَدْرًا لَا يَجُوزُ وَصْفًا (وَكُلُّ جِنَايَةٍ اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي فَهِيَ فِي مَالِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتَعَدَّى الْمُقِرَّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ. . قَالَ: (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ) عَلَى الْعَاقِلَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى كُلِّ حَالٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ مَرَّ آنِفًا، وَاَلَّذِي مَرَّ مِنْهُ آنِفًا يَصِيرُ جَوَابًا عَنْ نَظَرِهِ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ وَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ " لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ " وَهَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ التَّوْقِيفِ، فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصِيَانَتِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَالْجُزَافِ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ عَنْ نَظَرِهِ هَا هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً فَأَشْبَهَ شِبْهَ الْعَمْدِ) أَقُولُ: إنَّ قَيْدَ ابْتِدَاءً فِي قَوْلِهِ وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً مُسْتَدْرَكٌ بَلْ مُفْسِدٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَثْنَاءَ بَيَانِ أَنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ شِبْهِ الْعَمْدِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ هَا هُنَا مَا لَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَوَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ آنِفًا. فَالْوَجْهُ أَنْ يُتْرَكَ قَيْدُ ابْتِدَاءً هَا هُنَا فَيُقَالُ: لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْقَتْلِ احْتِرَازًا بِهِ عَمَّا وَجَبَ بِالْعَمْدِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا، وَلَقَدْ أَصَابَ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَدِيَةِ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: كَأَنَّ حُكْمَهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ الضَّابِطَةِ الْكُلِّيَّةِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى. أَقُولُ: اعْتِذَارُهُ هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ ذِكْرَ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الضَّابِطَةِ الْكُلِّيَّةِ قَدْ وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالْبِدَايَةِ أَيْضًا بِدُونِ بَيَانِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ أَصْلًا، فَكَيْفَ يَصْلُحُ بَيَانُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ لَأَنْ يَكُونَ عُذْرًا مِنْ ذِكْرِهِ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَتْنِهِ قَبْلَ مُدَّةٍ مِنْ ذِكْرِ الْقُدُورِيِّ إيَّاهُ

[فصل في الجنين]

وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنَايَةٍ مُوجَبُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَصَاعِدًا وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَمْدُهُ عَمْدٌ حَتَّى تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ حَالَّةً) لِأَنَّهُ عَمْدٌ حَقِيقَةً، إذْ الْعَمْدُ هُوَ الْقَصْدُ غَيْرَ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْهُ أَحَدُ حُكْمَيْهِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَيَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي مَالِهِ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِ، وَيَحْرُمُ عَنْ الْمِيرَاثِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْقَتْلِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَعَلَ عَقْلَ الْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ، وَالْعَاقِلُ الْخَاطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالصَّبِيُّ وَهُوَ أَعْذَرُ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ. وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ، وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالصَّبِيُّ قَاصِرُ الْعَقْلِ فَأَنَّى يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الْقَصْدُ وَصَارَ كَالنَّائِمِ. وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ، وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْكَفَّارَةُ كَاسْمِهَا سَتَّارَةٌ: وَلَا ذَنْبَ تَسْتُرُهُ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَا الْقَلَمِ. . [فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ] قَالَ: (وَإِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُخْتَصَرِهِ قَبْلَ سِنِينَ مُتَكَاثِرَةٍ، وَهَلْ يَتَفَوَّهُ الْعَاقِلُ بِمِثْلِ ذَاكَ الِاعْتِذَارِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُنْفَرِدَةِ بِالذِّكْرِ، بَلْ خِلَافُهُ مُتَحَقِّقٌ فِي حُكْمِ تِلْكَ الضَّابِطَةِ الْكُلِّيَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِالتَّأْجِيلِ فِي الْعَمْدِ أَصْلًا بَلْ يُخَصِّصُهُ بِالْخَطَإِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ تَعْلِيلُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ، وَتِلْكَ الضَّابِطَةُ الْكُلِّيَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْعَمْدِ، وَحُكْمُهَا التَّأْجِيلُ مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَقَصْدُ بَيَانِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ لَا يَقْتَضِي إفْرَادَ حُكْمِ هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الضَّابِطَةِ الْكُلِّيَّةِ فَلَا تَمْشِيَةَ لِلِاعْتِذَارِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا. (فَصْلٌ الْجِنَايَةُ فِي الْجَنِينِ) . لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْجِنَايَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْجَنِينُ. بَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ أَنَّ الْجَنِينَ مَا دَامَ مُجْتَنًّا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ لَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْآدَمِيِّ لَكِنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالْحَيَاةِ مُعَدٌّ لَأَنْ يَكُونَ نَفْسًا لَهُ ذِمَّةٌ، فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، فَأَمَّا بَعْدَمَا يُولَدُ فَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ

مَعْنَاهُ دِيَةُ الرَّجُلِ، وَهَذَا فِي الذَّكَرِ، وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ، وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ» وَيُرْوَى " أَوْ خَمْسُمِائَةٍ " فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْأَثَرِ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ امْرَأَتِهِ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي الذَّكَرِ وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا فِي الذَّكَرِ وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ اسْتِدْرَاكٌ بَعْدَ أَنْ قَالَ قَبْلَهُ مَعْنَاهُ دِيَةُ الرَّجُلِ، لِأَنَّ عُشْرَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي الْمِقْدَارِ بِلَا رَيْبٍ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَعُشْرُ دِيَتِهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَا فَائِدَةُ هَذَا التَّفْصِيلِ الْفَارِقِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي مُجَرَّدِ الْعِبَارَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ فَائِدَتُهُ أَنْ لَوْ لَمْ يُفَسِّرْ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ دِيَةُ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ كَانَ يَحْتَمِلُ حِينَئِذٍ نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَنِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَيُفِيدُ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ، وَعَنْ هَذَا فَصَّلَ صَاحِبُ الْكَافِي كَمَا فَصَّلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ قَبْلَهُ لِتَقْيِيدِ عُشْرِ الدِّيَةِ بِعُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ تَتْمِيمًا لِمَا فِي الْكِتَابِ: وَفِعْلُ الْقَتْلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي مَحِلٍّ هُوَ حَيٌّ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُ الْغُرَّةِ جَزَاءَ فِعْلِ الْقَتْلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ جَزَاءَ إتْلَافِ عُضْوٍ مِنْ الْآدَمِيِّ صَالِحٍ لِلْحَيَاةِ كَمَا يَجِبُ فِي إتْلَافِ سَائِرِ أَعْضَائِهِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ. وَالْأَظْهَرُ فِي الْبَيَانِ هُنَا مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْأَعْضَاءِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ أَرْشُهُ وَالْأَعْضَاءُ لَوْ انْفَصَلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَتَقَوَّمُ انْتَهَى تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مُعَدٌّ لِلْحَيَاةِ. قُلْنَا: الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ تَمَكَّنَ اهـ. وَرَدَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ أَوْ مُعَدٌّ لِلْحَيَاةِ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ حَيْثُ قَالَ: كَوْنُهُ مُعَدًّا لِلْحَيَاةِ مُتَيَقَّنٌ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الظَّاهِرِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ تَيَقُّنَ كَوْنِهِ مُعَدًّا لِلْحَيَاةِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَفْسُدَ الْمَاءُ فِي الرَّحِمِ فَحِينَئِذٍ يَنْتَفِي اسْتِعْدَادُهُ لِلْحَيَاةِ، وَلَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ: ثُمَّ الْمَاءُ فِي الرَّحِمِ مَا لَمْ يَفْسُدْ فَهُوَ مُعَدٌّ لِلْحَيَاةِ فَيُجْعَلُ كَالْحَيِّ فِي إيجَابِ ذَلِكَ

حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَدَّرَهَا بِسِتِّمِائَةٍ نَحْوُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّمَانِ بِإِتْلَافِهِ كَمَا يُجْعَلُ بِيضُ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ كَالصَّيْدِ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ بِكَسْرِهِ انْتَهَى تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ) اعْلَمْ أَنَّ النَّاظِرِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ تَحَيَّرُوا فِي تَوْجِيهِ هَذَا الْقَيْدِ: أَعْنِي قَوْلَهُ إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: قَيَّدَ بِهَذَا احْتِرَازًا عَنْ جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ لَا تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ كَذَا وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي، لَكِنْ هَذَا لَا يَتَّضِحُ لِي لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ هُوَ فِي مَالِ الضَّارِبِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْبُلُوغِ إلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا يَجِيءُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا ذَكَرُوا التَّوْجِيهَ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ خَطِّ شَيْخِهِ، وَرَدُّوهُ بِمَا رَدَّهُ بِهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَقَوْلُهُ إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ كَأَنَّهُ سَهْوُ الْقَلَمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذْ بِسُكُونِ الذَّالِ بِلَا أَلِفٍ بَعْدَهَا: يَعْنِي أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهَا مَقْدِرَةٌ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَالْعَاقِلَةُ تَعْقِلُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَا تَعْقِلُ مَا دُونَهَا انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَذَا التَّوْجِيهَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِرَدٍّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ التَّوْجِيهَ الْأَوَّلَ مَعَ رَدِّهِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ لَا تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةٍ. وَرُدَّ بِأَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ هُوَ فِي مَالِ الضَّارِبِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِالْبُلُوغِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا يَجِيءُ. وَقِيلَ لَعَلَّهُ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ وَكَانَ فِي الْأَصْلِ إذْ كَانَ خَمْسَمِائَةٍ تَعْلِيلًا لِكَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ ارْتَضَى التَّوْجِيهَ الثَّانِي. أَقُولُ: التَّوْجِيهُ الثَّانِي أَيْضًا مَرْدُودٌ عِنْدِي، إذْ لَا مَعْنَى لِتَعْلِيلِ كَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِكَوْنِهَا خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا بَلَغَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ عَلَى الضَّارِبِ كَمَا دُونَهُ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ آنِفًا حَيْثُ قَالُوا: إنَّ مَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ فَهُوَ فِي مَالِ الضَّارِبِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْبُلُوغِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ مَعَ جَرَيَانِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَيُنْتَقَضُ بِكُلِّ عَمْدٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ فِيهِ بِشُبْهَةٍ وَوَجَبَ دِيَةٌ بَالِغَةٌ إلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَيْضًا فِيمَا فَوْقَهَا، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ مَعَ جَرَيَانِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ أَيْضًا. ثُمَّ أَقُولُ: هُنَا تَوْجِيهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ الشُّرَّاحُ وَهُوَ،

وَقَالَ مَالِكٌ: فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ. وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» ، وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دِيَةً حَيْثُ قَالَ " دُوهُ " وَقَالُوا: «أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ» الْحَدِيثُ، إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةٍ. (وَتَجِبُ فِي سَنَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ وَلِهَذَا يَكُونُ مَوْرُوثًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: " بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ " ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ جَنِينِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى الْبَتَاتِ بِتَقْدِيرِ الشَّرْعِ ذَلِكَ الْقَدْرَ الْمُعَيَّنَ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَعُشْرُ قِيمَتِهِ حَيًّا إنْ كَانَ أُنْثَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْعَدَدِ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَمِائَةٍ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الْمَرَامُ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ: لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ) أَقُولُ: فِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ بَدَلَ الْجُزْءِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ فِي مَالِ الْجَانِي، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْبَدَلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَمَامُ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ مَرَّ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَا كُلُّ جِنَايَةٍ مُوجِبُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَصَاعِدًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنْ لَا يَجِبَ بَدَلُ الْجُزْءِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ هَذَا التَّعْلِيلُ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلِفِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دِيَةً حَيْثُ قَالَ " دُوهُ ") أَقُولُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ بِتَسْمِيَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دِيَةً بَحْثٌ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمَّى كَثِيرًا مِنْ بَدَلِ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ دِيَةً؛ أَلَّا يَرَى إلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَهَكَذَا كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَتَبَ لَهُ أَيْضًا " وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ " إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةٍ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْغُرَّةُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ. وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ لَا وُجُوبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَصْلًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عَلَى الضَّارِبِ مُطْلَقًا انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةٍ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَعْقِلُ خَمْسَمِائَةٍ فَصَاعِدًا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا اعْتِبَارَهُ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الرِّوَايَاتِ فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا تَعْقِلُ خَمْسَمِائَةٍ فَصَاعِدًا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهَا تَعْقِلُهَا فِي كُلِّ مَادَّةٍ حَتَّى يَرِدَ النَّقْضُ بِالْوَاجِبِ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا بَلَغَ خَمْسَمِائَةٍ حَيْثُ يَكُونُ عَلَى الضَّارِبِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةٍ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً، وَأَنْتُمْ قَيَّدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ إذَا كَانَتْ

وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ، وَبِالثَّانِي فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ إلَى سَنَةٍ، لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ يَجِبُ فِي سَنَةٍ، بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدِّيَةِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا عَلَى مَنْ وَجَبَ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَمِائَةٍ وَقَدْ عَلِمْت مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ النَّظَرِ انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ النَّظَرِ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: وَرُدَّ بِأَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ هُوَ فِي مَالِ الضَّارِبِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْبُلُوغِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ، إلَّا أَنَّك عَلِمْت سُقُوطَهُ أَيْضًا بِمَا بَيَّنَّاهُ فِي سُقُوطِ نَظَرِ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ آنِفًا. ثُمَّ أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ هُنَا خَلَلٌ، إذْ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ السُّؤَالُ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَدْلُولَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ «قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِيَةِ جَنِينِ الْحُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» وَدِيَتُهُ تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَمِنْ أَيْنَ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً بِحَيْثُ لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ تَكُونُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُنَافِي تَقْيِيدَكُمْ بِقَوْلِكُمْ إذَا كَانَتْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ لَوْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمَا صَلَحَ مُجَرَّدُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةٍ لَأَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا بِهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ دُونَ بَيَانِ نَصٍّ يَشْهَدُ بِذَلِكَ حَتَّى يَصْلُحَ لِلْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ كَمَا قَرَّرَهُ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ وَبِالثَّانِي فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ إلَى سَنَةٍ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَمْ يَعْكِسْ الْأَمْرَ: أَيْ لَمْ يَعْمَلْ فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ بِالشَّبَهِ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ التَّوْرِيثِ بِالشَّبَهِ الثَّانِي، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا. وَالْأَظْهَرُ فِي تَقْرِيرِ التَّعْلِيلِ هَاهُنَا مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَخْذًا مِنْ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ مُودَعَةٌ فِي الْأُمِّ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْهَا حَيَّةً فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ تُعْتَبَرُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ فَلَا يَثْبُتُ مِنْ التَّأْجِيلِ إلَّا قَدْرُ الْمُتَيَقَّنِ انْتَهَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ) يَجِبُ فِي سَنَةٍ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ أَكْثَرَ بِدُونِ الْوَاوِ بَدَلٌ مِنْ أَقَلَّ: أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَقَلُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي بَعْضِهَا وَأَكْثَرَ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَدَلًا حِينَئِذٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي بَعْضِهَا وَأَكْثَرَ قَالَ الشَّارِحُونَ: وَكِلَاهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ صِفَةً لِأَقَلَّ أَوْ بَدَلًا مِنْهُ، وَلَعَلَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يُفِيدُ ذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ بَيْنَ قَوْلِهِ وَلَعَلَّ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ النُّسَخِ بِقَصْرِ الصِّحَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ تَدَافُعًا لَا يَخْفَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ قَصْرَ الصِّحَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ الرِّوَايَةِ لَا مِنْ حَيْثُ سَدَادُ الْمَعْنَى فَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ التَّدَافُعُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَقَوْلُهُ أَكْثَرَ بِدُونِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ أَقَلَّ: أَيْ إذَا كَانَ بَدَلُ الْعُضْوِ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ،

(وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ فِي الْجَنِينِ إنَّمَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ لِتَفَاوُتِ مَعَانِي الْآدَمِيَّةِ وَلَا تَفَاوُتَ فِي الْجَنِينِ فَيُقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ. (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَيًّا بِالضَّرْبِ السَّابِقِ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ بِقَتْلِ الْأُمِّ وَغُرَّةٌ بِإِلْقَائِهَا) وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي هَذَا بِالدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ» (وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ مِنْ الضَّرْبَةِ ثُمَّ خَرَجَ الْجَنِينُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فِي الْأُمِّ وَدِيَةٌ فِي الْجَنِينِ) لِأَنَّهُ قَاتِلُ شَخْصَيْنِ (وَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ أَلْقَتْ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فِي الْأُمِّ وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِالضَّرْبِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ. وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ أَحَدُ سَبَبَيْ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَخْتَنِقُ بِمَوْتِهَا إذْ تَنَفُّسُهُ بِتَنَفُّسِهَا فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ. قَالَ (وَمَا يَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَ ذَلِكَ الْأَقَلُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنْ لَنَا فِي التَّقْيِيدِ بِالْأَكْثَرِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ بَلْ كَانَ قَدْرَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ إلَى ثُلُثِهَا يَجِبُ فِي سَنَةٍ انْتَهَى. وَنَقَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مَضْمُونَ نَظَرِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجَوَابِ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُفِيدٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نِصْفَ الْعُشْرِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ انْتَهَى فَكَأَنَّهُ ارْتَضَاهُ. وَأَشَارَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَصْحِيحِ النُّسْخَةِ الْأُولَى: لَكِنَّ التَّقْرِيبَ إنَّمَا يَتَأَتَّى أَنْ لَوْ كَانَ نِصْفُ الْعُشْرِ وَاجِبًا فِي سَنَةٍ، لِأَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ الْعُشْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ مُؤَجَّلًا بِسَنَةٍ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْعُشْرِ مُؤَجَّلًا بِهَا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ مُؤَجَّلًا بِسَنَةٍ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْعُشْرِ أَيْضًا مُؤَجَّلًا بِسَنَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْعُشْرِ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ أَصْلًا كَأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا بِأَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ وَبِذَلِكَ لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ أَحَدُ سَبَبَيْ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَخْتَنِقُ بِمَوْتِهَا إذْ تَنَفُّسُهُ بِتَنَفُّسِهَا فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الشَّكَّ ثَابِتٌ فِيمَا إذَا أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ بِالضَّرْبِ

فِي الْجَنِينِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ فَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ (وَلَا يَرِثُهُ الضَّارِبُ، حَتَّى لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ ابْنَهُ مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ غُرَّةٌ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا) لِأَنَّهُ قَاتِلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ مُبَاشَرَةً وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ. قَالَ: (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ، وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ لِأَنَّ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ، وَلَا مُعْتَبَرَ فِي ضَمَانِ الْجَنِينِ فَكَانَ بَدَلَ نَفْسِهِ فَيُقَدَّرُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ لَوْ انْتَقَصَتْ الْأُمُّ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْبَهَائِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَصَحَّ الِاعْتِبَارُ عَلَى أَصْلِهِ. قَالَ (فَإِنْ ضُرِبَتْ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ وَقَدْ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ فَلِهَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ، وَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا لِأَنَّهُ بِالضَّرْبِ صَارَ قَاتِلًا إيَّاهُ وَهُوَ حَيٌّ فَنَظَرْنَا إلَى حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، وَمَعَ ذَلِكَ وَجَبَ الضَّمَانُ وَهُوَ أَوَّلُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغُرَّةَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ فِيهِ الِاحْتِمَالَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ وَهِيَ احْتِمَالُ عَدَمِ نَفْخِ الرُّوحِ وَالْمَوْتِ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ الْغِذَاءِ بِسَبَبِ مَوْتِ الْأُمِّ وَبِسَبَبِ تَخْنِيقِ الرَّحِمِ وَغَمِّ الْبَطْنِ، فَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ قِيَاسًا وَلَا دَلَالَةً فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: النَّصُّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ» يَشْمَلُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِلْحَاقِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ، فَإِنَّ مَضْمُونَ إيرَادِهِ مَعَ جَوَابِهِ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ كَانَ جَوَابُهُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ مَقْبُولًا عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ فَمَا مَعْنَى ذِكْرِ السُّؤَالِ وَتَرْكِ الْجَوَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْجَوَابُ مَقْبُولًا عِنْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ بَيَانُ فَسَادِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَا فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ هُنَا وَلَمْ يَظْفَرْ بِجَوَابِ إيرَادِهِ أَصْلًا، وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ هُنَا هَكَذَا. فَإِنْ قُلْت: عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ، عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» يَتَنَاوَلُ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ. قُلْت: لَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ فِي إتْلَافِ الْجَنِينِ غُرَّةٌ، وَالشَّكُّ وَاقِعٌ فِي ذَلِكَ انْتَهَى، تَأَمَّلْ فِي تَفْصِيلِ جَوَابِهِ لَعَلَّهُ سَمْتٌ صَالِحٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ لِأَنَّ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي ضَمَانِ الْجَنِينِ فَكَانَ بَدَلَ نَفْسِهِ فَيُقَدَّرُ بِهَا)

وَقِيلَ: هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ احْتِيَاطًا. وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَقَدْ عُرِفَتْ فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهَا وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ كُلُّ الْبَدَلِ. قَالُوا: إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، فَإِذَا تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَلَ لَهُ وَيَسْتَغْفِرُ مِمَّا صَنَعَ (وَالْجَنِينُ الَّذِي قَدْ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَنِينِ التَّامِّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، وَلِأَنَّ بِهَذَا الْقَدْرِ يَتَمَيَّزُ مِنْ الْعَلَقَةِ وَالدَّمِ فَكَانَ نَفْسَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . . قَالَ (وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا أَوْ بَنَى دُكَّانًا فَلِرَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ تَعْلِيلِهِ يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مُنَاقِضًا لِمَا قَالَهُ فِيمَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكُونُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى مُدَّعَانَا دَافِعًا لَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. . (بَابُ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ) . لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ تَسْبِيبًا، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلِكَوْنِهِ

يَنْزِعَهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَاحِبُ حَقٍّ بِالْمُرُورِ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ، كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَقُّ النَّقْضِ لَوْ أَحْدَثَ غَيْرُهُمْ فِيهِ شَيْئًا فَكَذَا فِي الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ. قَالَ: (وَيَسَعُ لِلَّذِي عَمِلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَلْيُلْحَقْ مَا فِي مَعْنَاهُ بِهِ، إذْ الْمَانِعُ مُتَعَنَّتٌ، فَإِذَا أَضَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ أَنْ يَشْرَعَ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَفِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا إذَا أَضَرَّ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ، فَجُعِلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ حُكْمًا كَيْ لَا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ طَرِيقُ الِانْتِفَاعِ، وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَبَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. . قَالَ: (وَإِذَا أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ نَحْوَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَلَفِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْثَرَ وُقُوعًا فَكَانَتْ أَمَسُّ حَاجَةٍ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ (قَوْلُهُ وَيَسَعُ لِلَّذِي عَمِلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَلْيُلْحَقْ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ إذْ الْمَانِعُ مُتَعَنَّتٌ) أَقُولُ: هَذَا الْمَقَامُ مَحَلُّ الْكَلَامِ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى هُنَا وَهُوَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا لِلَّذِي عَمِلَهَا مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ مَسْأَلَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَدَلِيلُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لَا يَتَمَشَّى إلَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَلْيُلْحَقْ بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ بِتَامٍّ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، إذْ قَدْ صُرِّحَ فِي الشُّرُوحِ وَعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَنْ يَمْنَعَ الْعَامِلَ مِنْ الْوَضْعِ سَوَاءٌ كَانَ

مُتَعَدٍّ بِشَغْلِهِ هَوَاءَ الطَّرِيقِ، وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَكَذَا إذَا تَعَثَّرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ أَوْ عَطِبَتْ بِهِ دَابَّةٌ، وَإِنْ عَثَرَ بِذَلِكَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فِيهِمَا) لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالدَّافِعِ إيَّاهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ بِطَرَفَانِ أَصَابَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْحَائِطِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِمَا أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْحَائِطِ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ) لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِيهِ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرَكِّبَهُ فِي الْحَائِطِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً (وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهُدِرَ النِّصْفُ كَمَا إذَا جَرَحَهُ سَبُعٌ وَإِنْسَانٌ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّ طَرَفٍ أَصَابَهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ) اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ (وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا أَرَادَ الْوَضْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ فِيهِ الِافْتِيَاتَ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِيمَا إلَيْهِ تَدْبِيرُهُ، فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ؛ فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ عَمَلَ ذَلِكَ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرٍ مُنْكَرٍ عَلَى أَصْلِهِمَا وَهُوَ الِافْتِيَاتُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِيمَا إلَيْهِ تَدْبِيرُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يُتَصَوَّرْ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمُرُورِ الَّذِي لَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرٍ مُنْكَرٍ أَصْلًا حَتَّى يَصِحَّ إلْحَاقُ ذَلِكَ بِهِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ إذْ الْمَانِعُ مُتَعَنَّتٌ لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا عَلَى أَصْلِهِمَا قَطْعًا، إذْ لَوْ صَحَّ عِنْدَهُمَا كَوْنُ الْمَانِعِ مُتَعَنَّتًا لَمَا ذَهَبَ إلَى جَوَازِ مَنْعِهِ شَرْعًا وَقَدْ عَرَفْت كَوْنَ مَذْهَبِهِمَا ذَلِكَ وَدَلِيلَهُمَا الَّذِي أَقَامَا عَلَيْهِ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: يَعْنِي الْكَنِيفَ وَالْمِيزَابَ وَالْجُرْصُنَ. أَقُولُ: لَعَلَّ قَوْلَ الْمُصَنَّفِ هَذَا مُسْتَدْرَكٌ، لِأَنَّ مَا مَرَّ آنِفًا مِنْ لَفْظِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ نَحْوَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. أَمَّا لِلْمِيزَابِ فَصَرَاحَةً كَمَا تَرَى. وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَبِعُمُومِ قَوْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَلْ لَا وَجْهَ لِلَّفْظِ، وَكَذَلِكَ سِيَّمَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمِيزَابِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا تَعَثَّرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ أَوْ عَطِبَتْ بِهِ دَابَّةٌ)

ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهَا فَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّ فِعْلَهُ وَهُوَ الْوَضْعُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ (وَلَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ (وَلَوْ حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ أَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُهُ) لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ وَقَدْ أَفْضَى إلَيْهَا فَجُعِلَ كَمُبَاشَرَتِهِ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ فَقَتَلَ إنْسَانًا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ (وَمَا لَمْ يَفْرُغُوا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ) وَهَذَا لِأَنَّهُ انْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ، وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَتَسَلَّمْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ فَالضَّمَانُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ اسْتِحْسَانًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ تَسَاهُلٍ، لِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِيمَا إذَا عَطِبَتْ بِهِ دَابَّةٌ يَجِبُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَكَلِمَةُ كَذَا تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الْجَوَابِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي قَوْلِهِ أَوْ عَطِبَتْ بِهِ دَابَّةٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلِمَةِ كَذَا هُنَا هُوَ التَّشْبِيهُ وَالتَّشْرِيكُ فِي مُجَرَّدِ وُجُوبِ الضَّمَانِ لَا فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ الْمَذْكُورِ فِيمَا سَبَقَ، فَيَعُمُّ قَوْلَهُ إذَا تَعَثَّرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ. وَقَوْلَهُ أَوْ عَطِبَتْ بِهِ دَابَّةٌ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ الْعِبَارَةِ فَهُوَ عَيْنُ التَّسَاهُلِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ فَقَتَلَ إنْسَانًا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هُوَ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ قَالَ مُخْرِجُ الْجَنَاحِ لِلْأُجَرَاءِ: ابْنُوا جَنَاحًا لِي عَلَى فِنَاءِ دَارِي فَإِنَّهُ مِلْكِي أَوْ لِي حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ إلَيْهِ مِنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَمَلَةُ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ فَفَعَلُوا ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ، وَيَرْجِعُونَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ، لِمَا أَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعَ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَلِأَنَّهُ غَرَّهُ كَذَا هَذَا. وَإِنْ قَالَ

لِأَنَّهُ صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ حَتَّى اسْتَحَقُّوا الْأَجْرَ وَوَقَعَ فِعْلُهُمْ عِمَارَةً وَإِصْلَاحًا فَانْتَقَلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا يَضْمَنُهُ (وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ، وَكَذَا إذَا رَشَّ الْمَاءَ أَوْ تَوَضَّأَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِيهَا لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ. قَالُوا: هَذَا إذَا رَشَّ مَاءً كَثِيرًا بِحَيْثُ يُزْلَقُ بِهِ عَادَةً، أَمَّا إذَا رَشَّ مَاءً قَلِيلًا كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُزْلَقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَأْجِرُ لِلْأُجَرَاءِ: اشْرَعُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى بَنَوْا جَنَاحًا بِأَمْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا، إنْ سَقَطَ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَلَمْ يَرْجِعُوا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ فَكَذَلِكَ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِمَا لَمْ يَمْلِكْ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ فَذَبَحَ ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمْ لِيَبْنُوا بَيْتًا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِنَاءَ دَارِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَاسِدٌ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ عَمَلًا بِهِمَا. وَإِظْهَارُ شِبْهِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا صَحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْمَنْفَعَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، كَذَا ذَكَرَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ هُنَا. أَقُولُ: هَذِهِ الْوُجُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَالْبَيَانِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَارْتِضَاءُ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عِنْدِي مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا أَخْبَرَهُمْ بِأَنْ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي ذَلِكَ لَا فِيمَا إذَا لَمْ يُخْبِرْهُمْ بِذَلِكَ، إذْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِفَسَادِ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَدْ سَوَّوْهُمَا فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ حَيْثُ قَالُوا: وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ مِنْ الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بَيَانِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَنَّ أَمْرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِنَاءَ دَارِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، وَجَعَلُوا الضَّمَانَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، مَعَ أَنَّ مَدْخَلِيَّةَ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فِي فَسَادِ أَمْرِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى يَفْسُدَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْفَعَلَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، بَلْ أَمَرَهُمْ بِالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ بِإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ إلَيْهِ وَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَكَيْفَ يَفْسُدُ أَمْرُهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ الْأَمْرِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالُوا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ

عَادَةً لَا يَضْمَنُ (وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ فَسَقَطَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ) لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ. وَقِيلَ: هَذَا إذَا رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ يَجِدُ مَوْضِعًا لِلْمُرُورِ لَا أَثَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ، فَإِذَا تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَى مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّاشِّ شَيْءٌ، وَإِنْ رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْمُرُورِ؛ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الطَّرِيقِ فِي أَخْذِهَا جَمِيعَهُ أَوْ بَعْضَهُ (وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَضَمَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْآمِرِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْآمِرِ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ الْفِقْهَ يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ كَوْنِ الضَّمَانِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا كَانَ السُّقُوطُ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْآمِرِ ابْتِدَاءً، لِأَنَّ الْفَعَلَةَ كَانُوا فِيهِ مَغْرُورِينَ بِقَوْلِ الْآمِرِ: إنَّهُ مِلْكِي أَوْ لِي حَقُّ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ الْقَدِيمِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الْغُرُورِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ كَمَا تَرَى. ثُمَّ أَقُولُ: تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَتَعْلِيلُهَا لَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هُنَا مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَنْقُولِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، بَلْ يَأْبَاهُ جِدًّا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا السُّقُوطُ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ، وَالْآخَرُ السُّقُوطُ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْهُ، وَجَعَلَ حُكْمَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْآخَرِ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ: إنَّ التَّلَفَ كَانَ بِفِعْلِهِمْ، وَإِنَّ فِعْلَهُمْ انْقَلَبَ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ، وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يُتَسَلَّمْ فِعْلُهُمْ إلَى رَبِّ الدَّارِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ مُطْلَقًا: أَيْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشُّرَّاحُ نَقْلًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا إذَا أَخْبَرَهُمْ الْآمِرُ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَمَّا انْقَلَبَ قَتْلًا وَصَارَ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي عَقْدِ الْآمِرِ وَلَمْ يَتَسَلَّمْ إلَيْهِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ كَانَ إخْبَارُهُ لَهُمْ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي ذَلِكَ، وَعَدَمُ إخْبَارِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ سَيَتَبَيَّنُ قَطْعًا، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَتِمَّ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لِرُجُوعِهِمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ فِعْلَهُمْ لَمَّا انْقَلَبَ قَتْلًا فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ صَارَ مُخَالِفًا لِأَمْرِ الْآمِرِ خَارِجًا عَنْ عَقْدِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ الْآمِرِ، فَمَا كَانَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ بِأَمْرِهِ بَلْ كَانَ بِفِعْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنْ لَا يَتِمُّ تَنْظِيرُهُمْ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ لِيَذْبَحَ شَاةً لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعُ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، فَإِنْ فَعَلَ الذَّابِحُ هُنَاكَ لَمْ يَنْقَلِبْ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْدِ بَلْ وَقَعَ عَلَى مَا هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْعَقْدِ، فَإِذَا ضَمِنَ الذَّابِحُ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ بِحُكْمِ التَّغْرِيرِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا عَرَفْت آنِفًا. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ هُنَا: لَا يُقَالُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا الْمَنْقُولِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مَحْمَلُهُ الْمُبَاشَرَةُ وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِ الْعَمَلَةِ وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِفَسَادِ الْأَمْرِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَلَا تُتَصَوَّرُ الْمُبَاشَرَةُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ بِالتَّسْبِيبِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إشْرَاعُ الْجَنَاحِ مُطْلَقًا مُبَاشَرَةٌ فَلِهَذَا شُبِّهَ بِذَبْحِ الشَّاةِ، وَسَيَجِيءُ مِنْ الشَّارِحِ أَيْضًا: يَعْنِي صَاحِبَ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ مُبَاشَرَةٌ لِلْقَتْلِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مُبَاشَرَةً لَهُ بَعْدَهُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاشَرَةً مِنْ الْفَعَلَةِ أَوْ مِنْ الْآمِرِ، فَلَوْ كَانَ مُبَاشَرَةً مِنْ الْفَعَلَةِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ وَالْكَفَّارَةُ قَطْعًا كَمَا فِي السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بَلْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ رَبُّ الدَّارِ اسْتِحْسَانًا كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَ مُبَاشَرَةً مِنْ الْآمِرِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا مَحَالَةَ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَالتَّشْبِيهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ إنَّمَا وَقَعَ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ قَبْلَ الْفَرَاغِ لَا فِي صُورَةِ السُّقُوطِ بَعْدَهُ، وَاَلَّذِي سَيَجِيءُ مِنْ الشَّارِحِ أَيْضًا لَا بُدَّ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَوْنِ إشْرَاعِ الْجَنَاح مُبَاشَرَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. وَأَمَّا كَوْنُ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ مُبَاشَرَةً مُطْلَقًا لِفِعْلٍ مَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاشَرَةً لِلْقَتْلِ فِي صُورَةِ السُّقُوطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَبِمَعْزِلٍ عَمَّا فِيهِ الْكَلَامُ وَغَيْرِ مُفِيدٍ فِي دَفْعِ السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ فَسَقَطَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ)

مَا عَطِبَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا. وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَاتَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ) لِفَسَادِ الْأَمْرِ. قَالَ: (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِذَلِكَ إنْسَانٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِهِ بَهِيمَةٌ فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَيَضْمَنُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ النَّفْسَ دُونَ الْمَالِ فَكَانَ ضَمَانُ الْبَهِيمَةِ فِي مَالِهِ وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فَإِنَّهُ مَا أَحْدَثَ شَيْئًا فِيهِ إنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، حَتَّى لَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ وَتَعَقَّلَ بِهَا إنْسَانٌ كَانَ ضَامِنًا لِتَعَدِّيهِ بِشَغْلِهِ (وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ) لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ قَدْ انْتَسَخَ لِفَرَاغِ مَا شَغَلَهُ، وَإِنَّمَا اُشْتُغِلَ بِالْفِعْلِ الثَّانِي مَوْضِعٌ آخَرُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْبَالُوعَةِ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ حَيْثُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حُقُوقِ الْعَامَّةِ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ) إمَّا بِالتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ بِالِافْتِيَاتِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَوْ هُوَ مُبَاحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، وَكَذَا إذَا رَشَّ الْمَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ أَنَّ مَسْأَلَةَ رَشِّ الْمَاءِ تَغَايُرُ مَسْأَلَةَ صَبِّ الْمَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا الصَّبَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ صَبِّ الْمَاءِ وَذَكَرَ الرَّشَّ فِي جَوَابِهَا حَيْثُ قَالَ: لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ فَلَمْ يُطَابِقْ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ هَكَذَا إيمَاءً إلَى اتِّحَادِ مَسْأَلَتَيْ الصَّبِّ وَالرَّشِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ مَعَ الِاعْتِمَادِ إلَى الْعِلْمِ بِمُغَايِرَتِهِمَا مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلُ (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَاتَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ الْأَجِيرُ أَنَّ الْفِنَاءَ لِغَيْرِ الْآمِرِ أَوْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ يَحْسِبُ أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي الْفِنَاءِ فَحَفَرَ وَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ وَالْفِنَاءُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَجِيرُ عَالِمًا بِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَجِيرُ أَنَّ الْفِنَاءَ لِلْغَيْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَمْ يَعْلَمْ بِفَسَادِ الْأَمْرِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي جَامِعِهِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ يَحْسِبُ أَنَّ الْفِنَاءَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَّا أَنَّهُ يَدُلُّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ فِي مَوْتِ إنْسَانٍ فِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَجِيرِ مِنْ الْعَمَلِ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ مَوْتِهِ بَعْدَ تَعَقُّلِهِ بِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَجِيرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْبَالُوعَةِ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ)

مُقَيِّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جَمِيعِ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ (وَكَذَا إنْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَمْرُ مِنْ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ؛ فَقَوْلُهُ أَوْ أَجْبَرَهُ كَالْعِطْفِ التَّفْسِيرِيِّ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ كَوْنَ مُجَرَّدِ الْأَمْرِ مِنْ السُّلْطَانِ إكْرَاهًا لَيْسَ بِقَوْلٍ مُخْتَارٍ سِيَّمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ الْإِمَامِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ. فَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ، وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ كَوْنَهُ إكْرَاهًا قَوْلٌ مُخْتَارٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ الْإِذْنِ لِاسْتِلْزَامِ الْأَمْرِ الْإِذْنَ، وَعَطْفُ أَجْبَرَ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً فَلَا يَضْمَنُ مَا فَعَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى بَيَانِ إذْنِ الْإِمَامِ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ مُجَرَّدَ إذْنِ السُّلْطَانِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَدْفَعُ الضَّمَانَ عَنْ الْفَاعِلِ، صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةً أُخْرَى لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا كَوْنُ قَوْلِهِ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ عَطْفًا تَفْسِيرِيًّا فَمِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ الْعَطْفَ التَّفْسِيرِيَّ لَمْ يُسْمَعْ فِي كَلِمَةِ أَوْ وَمَعْنَاهَا أَيْضًا لَا يُسَاعِدُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا شَاعَ ذَلِكَ فِي كَلِمَةِ الْوَاوِ لِمُسَاعَدَةِ مَعْنَاهَا إيَّاهُ، وَلَكِنْ بَقِيَ لَنَا شَيْءٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عَدَمَ ضَمَانِ الْفَاعِلِ فِيمَا إذَا أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِمَا فَعَلَهُ يَعْلَمُ عَدَمَ ضَمَانِهِ قَطْعًا فِيمَا إذَا أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ قَوْلِهِ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: فَإِنْ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَمَرَهُ بِهِ لَكَانَ لَهُ حُسْنٌ لِكَوْنِ الثَّانِي مِنْ قَبِيلِ التَّرَقِّي تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جَمِيعِ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ) قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحُ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا مِنْ إخْرَاجِ الْكَنِيفِ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْجُرْصُنِ إلَى الطَّرِيقِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فِيهِ وَإِشْرَاعِ الرَّوْشَنِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ، وَزَادَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَوَضْعِ الْحَجَرِ. وَقَالُوا: أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَبِنَاءِ الظُّلَّةِ وَغَرْسِ الشَّجَرِ وَرَمْيِ الثَّلْجِ وَالْجُلُوسِ لِلْبَيْعِ. أَقُولُ: مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا صَبُّ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ وَكَذَا رَشُّ الْمَاءِ أَوْ التَّوَضُّؤُ فِيهِ وَكَذَا وَضْعُ الْخَشَبَةِ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْتِزَامِهِمْ الْبَيَانَ وَالتَّفْصِيلَ حَتَّى ذَكَرُوا جَمِيعَ مَا وَقَعَ فِي الْبَابِ قَبْلَ مَا تَرَكُوهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْجَوَابَ فِيمَا تَرَكُوهُ خِلَافُ الْجَوَابِ فِيمَا ذَكَرُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الْبَيَانُ وَالنَّقْلُ. ثُمَّ إنَّهُمْ جَعَلُوا بِنَاءَ الظُّلَّةِ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ وَقَتَلَ إنْسَانًا إلَخْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَذَرَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا فَعَلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ حَمَلَ الشُّرَّاحُ مَسْأَلَةَ اسْتِئْجَارِ الْفَعَلَةِ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ فِيمَا مَرَّ عَلَى مَا فُعِلَ فِي فِنَاءِ الدَّارِ لَا فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَلَمْ يَجْعَلُوهَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ هُنَا، وَأَرَادُوا بِبِنَاءِ الظُّلَّةِ الَّذِي عَدُوّهُ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بِنَاءَهَا فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ، أَوْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْمُرَادَ بِمَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فِي قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ دُونَ مَا اسْتَأْجَرَ الْغَيْرَ لِفِعْلِهِ فَلَمْ يَعُدُّوا مَا اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الظُّلَّةِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ هُنَا، وَأَرَادُوا بِبِنَاءِ الظُّلَّةِ الَّذِي عَدُّوهُ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بِنَاءَهُ بِنَفْسِهِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ضَمِنَ مُتَمَشٍّ فِيمَا فُعِلَ فِي فِنَاءِ الدَّارِ أَيْضًا، وَفِيمَا فُعِلَ بِاسْتِئْجَارِ الْغَيْرِ لِفِعْلِهِ أَيْضًا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ تَفَكَّرْ.

(وَكَذَا إذَا حَفَرَهُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ) لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ. وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ وَهَذَا صَحِيحٌ. (وَلَوْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ وَمَاتَ الْوَاقِعُ فِيهِ جُوعًا أَوْ غَمًّا لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ مَاتَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى الْحَفْرِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ مَاتَ جُوعًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ غَمًّا فَالْحَافِرُ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ، أَمَّا الْجُوعُ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِئْرِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَدَثَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ، إذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ الطَّعَامُ قَرِيبًا مِنْهُ. . قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَحَفَرُوهَا لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ صَحَّتْ ظَاهِرًا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَغْرُورِينَ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ آخَرَ بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا حَفَرَهُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مِلْكَهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُنَافِي مَا ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُقَرَّرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَاتَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدِ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ. أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ تَفْسِيرِهِمْ خَلَلٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا إلَخْ يَأْبَاهُ جِدًّا، فَإِنَّ عَدَمَ الضَّرَرِ لِأَحَدٍ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ كَوْنِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا أَيْضًا، وَقَدْ جُعِلَ الْحُكْمُ فِيهَا خِلَافَ مَا إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ أَيْضًا فَلَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ بَيَانِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَلِكَ إذَا حَفَرَهُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ هُوَ أَنَّ الْحَافِرَ لَا يَضْمَنُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ أَيْضًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ الشُّرَّاحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ: يَعْنِي كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ فَحَفَرَهُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَلِكَ إنْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ، فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ مَا قِيلَ

هُنَاكَ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الذَّابِحَ مُبَاشِرٌ وَالْآمِرُ مُسَبِّبٌ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ، وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُ (وَإِنْ عَلِمُوا ذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَلَا غُرُورَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ (وَإِنْ قَالَ لَهُمْ: هَذَا فِنَائِي وَلَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ فَحَفَرُوا وَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ) فَالضَّمَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَسْأَلَةِ الْحَفْرِ فِي فِنَاءِ دَارِهِ الَّتِي جَوَابُهَا عَدَمُ الضَّمَانِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ أَيْضًا عَلَى التَّقْيِيدِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَقِيلَ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِي فِنَاءِ دَارِهِ إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ، أَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْحَقْ الضَّرَرُ بِغَيْرِهِ يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِعَدَمِ التَّعَدِّي. أَمَّا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا إذَا كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَجِبُ الضَّمَانُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي انْتَهَى. أَقُولُ: قَدْ زَادَ ذَلِكَ الشَّارِحُ نَغْمَةً فِي الطُّنْبُورِ مِنْ جِهَةِ الْفَسَادِ حَيْثُ شَرَحَ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ بِأَنْ قَالَ: أَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِغَيْرِهِ، فَاشْتَرَكَ مَعَ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ فِي أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْ تَفْسِيرِهِمْ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْحَقْ الضَّرَرُ بِالْغَيْرِ يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ عِنْدَ الْهَلَاكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ، وَجَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الضَّمَانِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ أَقُولُ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ إنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْحَفْرِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِالِانْتِفَاعِ فِيهِ أَوْ كَانَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ لِلِانْتِفَاعِ فِيهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ السِّبَاقُ وَاللِّحَاقُ بِلَا غُبَارٍ كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَلَا غُرُورَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَمْرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا تَحْتَاجُ إلَى كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ، بَلْ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ ظَاهِرًا حَيْثُ عَلِمُوا اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ مَدَارَ زَعْمِهِ التَّسَامُحَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْغَفْلَةِ عَنْ دُخُولِ قَوْلِهِ وَلَا غُرُورَ فِي تَمَامِ التَّعْلِيلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ، فَقَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ إشَارَةٌ إلَى انْتِفَاءِ صِحَّةِ أَمْرِهِ حَقِيقَةً. وَقَوْلُهُ وَلَا غُرُورَ إشَارَةٌ إلَى انْتِفَاءِ صِحَّتِهِ ظَاهِرًا، وَالْمَعْنَى لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ حَقِيقَةً لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَا ظَاهِرًا لِعَدَمِ الْغُرُورِ حَيْثُ عَلِمُوا، فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَعْلِيلٌ مُفِيدٌ وَاسِعٌ لَيْسَ بِمَثَابَةِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ ظَاهِرًا حَيْثُ عَلِمُوا كَمَا تَرَى، فَلَمْ يَتِمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ

عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا (لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَمَا غَرَّهُمْ) وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَفَى ذَلِكَ لِنَقْلِ الْفِعْلِ إلَيْهِ. قَالَ) : وَمَنْ جَعَلَ قَنْطَرَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَمِلَ الْقَنْطَرَةَ، وَكَذَلِكَ (إذَا وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعَدٍّ هُوَ تَسْبِيبٌ، وَالثَّانِي تَعَدٍّ هُوَ مُبَاشَرَةٌ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ تَخَلُّلَ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ كَمَا فِي الْحَافِرِ مَعَ الْمُلْقِي. . قَالَ (وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَا إذَا سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ وَإِنْ كَانَ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَنْهُ فَعَطِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَخْ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ يُخَالِفُ هَذَا الظَّاهِرَ وَهُوَ صَرِيحٌ فَلَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ بِمُقَابَلَتِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَيْسَ لِي ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ، وَهَكَذَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ، فَيَكُونُ الصَّرِيحُ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ فَلَا يُعَارِضُ الدَّلَالَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّ كَلِمَةَ لَيْسَ لِنَفْيِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ حَالًا عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحَاةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ غَيْرَ نَفْيِ حَقِّ الْحَفْرِ عَنْهُ حَالًا. وَأَمَّا عِنْدَ بَعْضِ النُّحَاةِ فَكَلِمَةُ لَيْسَ وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّفْيِ مُطْلَقًا، إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ إذَا قُيِّدَ بِزَمَانٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُيِّدَ بِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِزَمَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالِ كَمَا يُحْمَلُ الْإِيجَابُ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ: زَيْدٌ قَائِمٌ كَذَا حَقَّقَهُ الْأَنْدَلُسِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّضِيُّ، وَفِيمَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَيَّدْ بِزَمَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالِ كَمَا يُحْمَلُ الْإِيجَابُ عَلَيْهِ قَطْعًا فَلَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكَ الدَّلَالَةِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ كَوْنِ الضَّمَانِ عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَمَا غَرَّهُمْ، إذْ الْعِلْمُ بِفَسَادِ الْأَمْرِ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ اشْتِرَاكِ دَلَالَةِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي لَفْظِ الْمَبْسُوطِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لَيْسَ لِي ذَلِكَ مِنْ الْقَدِيمِ لَكِنَّهُ لِي فِي الْحَالِ وَإِلَّا لَمَا تَمَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ لَيْسَ لِي عَلَى الِاخْتِصَاصِ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ اللَّامُ فِي لِي لِلِاخْتِصَاصِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِنَاءُ دَارِهِ حَقَّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَتْ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ كَمَا مَرَّ مِثْلُهُ فَلَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ مِنْ انْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، إذْ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَلَا يُنَافِي أَيْضًا قَوْلَ الْمُصَنَّفِ فِي تَعْلِيلِ وَجْهِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَمَا غَرَّهُمْ؟ لِأَنَّ فَسَادَ الْأَمْرِ مُقَرَّرٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ. أَمَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ أَصْلًا: أَيْ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَلَا عَلَى الِاشْتِرَاكِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَيْسَ لِي فِيهِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ حَقُّ الْحَفْرِ فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَفْرِ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ أَوْ فِي الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ بِدُونِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ، وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ

بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا اللَّفْظُ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ قَاصِدٌ حِفْظَهُ فَلَا حَرَجَ فِي التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ، وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِمَا ذَكَرْنَا فَجَعَلْنَاهُ مُبَاحًا مُطْلَقًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ مَا لَا يَلْبَسُهُ عَادَةً فَهُوَ كَالْحَامِلِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى لُبْسِهِ. . قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَأَرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ تَلَفَ الْإِنْسَانِ بِوُقُوعِ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ وَتَلَفَهُ بِالتَّعَثُّرِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ. أَقُولُ: مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا تَلَفُ الْإِنْسَانِ بِسُقُوطِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ وَتَلَفُهُ بِتَعَثُّرِهِ بِهِ بَعْدَ سُقُوطِ ذَلِكَ لَكَانَ قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ مُسْتَدْرَكًا مَحْضًا. وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ لَذَكَرَ قَوْلَهُ وَهَذَا اللَّفْظُ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ قَبْلَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ رِدَاءٌ قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، إذْ لَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِ بَيَانِ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَنْ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا أَمْرٍ دَاعٍ إلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ الْمَقَامَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَطِبَ بِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ وَذَلِكَ لَا يَشْمَلُ التَّعَثُّرَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ إلَى الْمَعْطُوفِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ إلَى الْمَعْطُوفِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ جَوَابُ مَجْمُوعِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ صِحَّةُ الْمَعْنَى مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ كَيْفَ حَمَلُوا مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ الْمُتْقِنِ التَّحْرِيرَ عَلَى مَا يَأْبَاهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى دُرْبَةً بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ. وَجَعَلَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَهُوَ الْحَقُّ الصَّرِيحُ عِنْدِي أَيْضًا فَإِنَّهُ مَصُونٌ عَنْ الْمَحْذُورَاتِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا. وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ جَعَلَ قَوْلَهُ وَهَذَا اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّدَاءِ فَاسِدٌ، لِأَنَّ مَوْتَ الْإِنْسَانِ بِسُقُوطِ الرِّدَاءِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ انْتَهَى. أَقُولُ: رَدُّهُ مَرْدُودٌ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْقُطَ الرِّدَاءُ عَلَى فَمِ الصَّغِيرِ بَلْ عَلَى فَمِ الْكَبِيرِ أَيْضًا فِي حَالَةِ النَّوْمِ بَلْ فِي حَالَةِ الْيَقِظَةِ أَيْضًا فَيَخْتَنِقَ بِذَلِكَ فَيَمُوتَ. نَعَمْ تَحَقُّقُ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ نَادِرٌ، لَكِنْ إمْكَانُ وُقُوعِهِ كَافٍ فِي تَعْمِيمِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَصَدَ الْجَوَابَ عَنْ رَدِّ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: قَوْلُهُ فَسَقَطَ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ: يَعْنِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ فَمُرَادُهُ

لِلْعَشِيرَةِ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ ضَمِنَ) قَالُوا: هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْقُرَبِ وَكُلُّ أَحَدٍ مَأْذُونٌ فِي إقَامَتِهَا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، كَمَا إذَا فَعَلَهُ بِإِذْنِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَفَتْحِ بَابِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ إذَا سَبَقَهُمْ بِهَا غَيْرُ أَهْلِهِ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ تَعَدِّيًا أَوْ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَقَصْدُ الْقُرْبَةِ لَا يُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا تَفَرَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالطَّرِيقُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ: (وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضَمِنَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ نَفْسِهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْغَيْرِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُرَادُ بِالرِّدَاءِ مُطْلَقُ اللِّبَاسِ مَجَازًا لَا خُصُوصُهُ؛ أَلَا يَرَى إلَى دَلِيلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ مُقَدِّمَاتِ كَلَامِهِ كَاسِدٌ. أَمَّا قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَشْمَلُ الْوَجْهَيْنِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَمُرَادُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ نَفْسِهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْغَيْرِ، فَلِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ نَفْسِهِمَا بِدُونِ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ الْفِقْهِ بَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ مِنْ الْكَلَامِ هَاهُنَا، وَمِثْلُهُ لَا يَلِيقُ بِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَضْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ عَلَمٌ فِي التَّحْقِيقِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُرَادُ بِالرِّدَاءِ مُطْلَقُ اللِّبَاسِ مَجَازًا لَا خُصُوصُهُ، فَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَرِينَةٍ وَلَا قَرِينَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَلَا يَرَى إلَى دَلِيلِهِ فَلِأَنَّ عُمُومَ الدَّلِيلِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ الْمَسْأَلَةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ كُلِّيَّةَ الْكُبْرَى شَرْطٌ فِي إنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ مَعَ كَوْنِ النَّتِيجَةِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا) أَيْ فِيمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْعَشِيرَةِ، وَفِيمَا إذَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ. قَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا إذْنُ الْإِمَامِ أَوْ الْعَشِيرَةِ أَوْ عَدَمُ إذْنِهِمَا، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: تَفْسِيرُ الْوَجْهَيْنِ هُنَا بِمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الشَّارِحَانِ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ كَمَا

وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ: أَيْ تَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَوْ الْحَدِيثِ أَوْ لِلصَّلَاةِ: يَعْنِي مُنْتَظِرًا لَهَا أَوْ نَامَ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ: لَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ، بَلْ لَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ خَلَلٌ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ قَوْلَ الْبَعْضِ الْآخَرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَعَدَ لِلْعِبَادَةِ بِأَنْ كَانَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ أَوْ قَعَدَ لِلتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَوْ الِاعْتِكَافِ أَوْ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ أَوْ يُسَبِّحُهُ أَوْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ، وَأَمَّا فِيمَا إذَا قَعَدَ لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ فِيهِ أَوْ أَقَامَ فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا بُيِّنَ، وَفَصَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيُّ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ الصُّوَرِ فَقَالَ: فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ يَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ فَكَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ تَكْرَارٌ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضَمِنَ وَغَيْرُ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ هَذَا الْمَذْكُورَ كُلَّهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضَمِنَ لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ بَيَانٌ لِذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ سَقَامَةٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إنَّمَا كَانَ فِي الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ فَكَيْفَ يَشْمَلُ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضَمِنَ هَذَا الْمَذْكُورَ كُلَّهُ، وَمِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْجُلُوسِ كَالنَّوْمِ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالْمُرُورِ فِيهِ مَارًّا. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُخْتَصٌّ بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلْجُلُوسِ وَغَيْرِهِ كَمَا عَرَفْت آنِفًا فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِذَاكَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا

بِالِاتِّفَاقِ. لَهُمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مُبَاحًا لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا بِالْحَدِيثِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُلْحَقَةٌ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فَجَعَلْنَا الْجُلُوسَ لِلْأَصْلِ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَالْجُلُوسَ لِمَا يُلْحَقُ بِهِ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْكَافِرِ أَوْ إلَى الصَّيْدِ وَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَشْيِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا وَطِئَ غَيْرَهُ وَالنَّوْمِ فِيهِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ (وَإِنْ جَلَسَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ فِيهِ لِلصَّلَاةِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَأَمْرُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إنْ كَانَ مُفَوَّضًا إلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَحْدَهُ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاخْتِلَافِ يُفِيدُ اتِّفَاقَ الْمَشَايِخِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَمَا رَأَيْت. أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُفِيدُ اتِّفَاقَ الْمَشَايِخِ عَلَى ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا مَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، فَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ الْآخَرَ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلِمَاتِ الْمَشَايِخِ. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَ فِي الِاعْتِكَافِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَعَلَّ سِرَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا هُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّوَرِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَةِ أَيْضًا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا قَبْلُ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ مَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَقَّ الْكَلَامِ لَاخْتَلَّ كَلَامُهُ كَاخْتِلَالِ كَلَامِ ذَلِكَ الشَّارِحِ فِي شَرْحِهِ كَمَا مَرَّ حَيْثُ يَلْزَمُ أَنْ يُدْرِجَ فِي اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ مَحَلَّ الْوِفَاقِ أَيْضًا فَقَالَ: وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بِالْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْعِبَادَةِ وَاخْتِيَارًا لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَةِ تَأَمَّلْ، فَإِنَّ هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ وَتَوْجِيهٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ مُبَاحًا إلَخْ) . أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ مُدَّعَاهُمَا فِي بَعْضٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كَالنَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُرُورِ فِيهِ وَالْقُعُودِ فِيهِ لِحَدِيثٍ: فَإِنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ الذِّكْرِ وَلَا مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ الِانْتِظَارِ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. .

[فصل في أحكام الحائط المائل]

(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ) قَالَ: (وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، وَالْمُبَاشَرَةُ شَرْطٌ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ، لِأَنَّ أَصْلَ الْبِنَاءِ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَيَلَانُ وَشَغْلُ الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَصَارَ كَمَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَقَدْ اشْتَمَلَ هَوَاءَ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِمِلْكِهِ وَرَفْعُهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي حِجْرِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا طُولِبَ بِهِ كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّفْرِيغِ فَيَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَائِطِ فَيَتَعَيَّنُ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ، وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يُتَحَمَّلُ لِدَفْعِ الْعَامِّ مِنْهُ، ثُمَّ فِيمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً دُونَ الْخَطَأِ فَيُسْتَحَقُّ فِيهِ التَّخْفِيفُ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَالْإِجْحَافِ بِهِ، وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ كَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ يَجِبُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ، لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَالشَّرْطُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ وَطَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَ الْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ إنْكَارِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ. وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ] (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْإِنْسَانِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْجَمَادِ وَهُوَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْ مَسَائِلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ تَقْدِيمًا لِلْحَيَوَانِ عَلَى الْجَمَادِ، إلَّا أَنَّ الْحَائِطَ الْمَائِلَ لَمَّا نَاسَبَ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَالْجَنَاحَ وَالْكَنِيفَ وَغَيْرَهَا أَلْحَقَ مَسَائِلَهُ بِهَا وَلِهَذَا أَتَى بِلَفْظِ الْفَصْلِ لَا بِلَفْظِ الْبَابِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا

اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ الْحَائِطُ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي. . قَالَ: (وَلَوْ بَنَى الْحَائِطَ مَائِلًا فِي الِابْتِدَاءِ قَالُوا: يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ تَعَدٍّ ابْتِدَاءً كَمَا فِي إشْرَاعِ الْجَنَاحِ. قَالَ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى التَّقَدُّمِ) لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْقَتْلِ، وَشَرْطُ التَّرْكِ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ النَّقْضِ لِيَصِيرَ بِتَرْكِهِ جَانِيًا، وَيَسْتَوِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ مُكَاتَبًا، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةٌ بِالتَّفْرِيغِ فَيَتَفَرَّدُ كُلُّ صَاحِبِ حَقٍّ بِهِ. . قَالَ: (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالْمُطَالَبَةُ إلَى مَالِكِ الدَّارِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ لِأَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا، وَلَوْ أَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاكِنُوهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ بِالْحَائِطِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَقَّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ إلَيْهِمَا إبْطَالُ حَقِّهِمْ. . وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بَعْدَمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِتَرْكِ الْهَدْمِ مَعَ تَمَكُّنِهِ وَقَدْ زَالَ تَمَكُّنُهُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْبَيْعِ فَلَا يَبْرَأُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِتَرْكِهِ التَّفْرِيغَ مَعَ تَمَكُّنِهِ بَعْدَ مَا طُولِبَ بِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى كُلِّ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَتَفْرِيغِ الْهَوَاءِ، وَمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودَعِ وَسَاكِنِ الدَّارِ، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الرَّاهِنِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْفِكَاكِ وَإِلَى الْوَصِيِّ وَإِلَى أَبِي الْيَتِيمِ أَوْ أُمِّهِ فِي حَائِطِ الصَّبِيِّ لِقِيَامِ الْوِلَايَةِ، وَذَكَرَ الْأُمَّ فِي الزِّيَادَاتِ وَالضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ كَفِعْلِهِ، وَإِلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى كُلِّ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَتَفْرِيغِ الْهَوَاءِ وَمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَنْتَقِضُ هَذَا الْأَصْلُ بِمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَحْدَهُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَصْلُ عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ وَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَوَجْهُهُ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ. وَأَمَّا جَوَابُ الْقِيَاسِ فِيهِ فَهُوَ أَنْ لَا يَضْمَنَ أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ شَيْئًا، أَمَّا الَّذِي تَقَدَّمَ إلَيْهِ فَلِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّقْضِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ فَلِعَدَمِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِمْ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ أَيْضًا فِيمَا سَيَجِيءُ. وَثَانِيهمَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا بِمَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ، وَبِمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ أَصْلًا، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَحْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَعَ مُشَارَكَةِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَلَا انْتِقَاضَ (قَوْلُهُ وَالضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ) أَقُولُ: فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ نَوْعُ قُصُورٍ،

دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ وِلَايَةَ النَّقْضِ لَهُ، ثُمَّ التَّلَفُ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَا لَا فَهُوَ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْمَوْلَى وَضَمَانُ الْمَالِ أَلْيَقُ بِالْعَبْدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بِالْمَوْلَى، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَحْدَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إصْلَاحِ نَصِيبِهِ بِطَرِيقِهِ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْقَاضِي. (وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَقَتَلَهُ فَتَعَثَّرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَعَطِبَ لَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيغَ عَنْهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لَا إلَيْهِ (وَإِنْ عَطِبَ بِالنَّقْضِ ضَمِنَهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَيْهِ إذْ النَّقْضُ مِلْكُهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ امْتِنَاعُ الشَّغْلِ (وَلَوْ عَطِبَ بِجَرَّةِ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ مِلْكُهُ ضَمِنَهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ مِلْكَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ مَا تَلِفَ بِالْحَائِطِ الْمَائِلِ إنْ كَانَ مِنْ النُّفُوسِ يَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ لَا فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ كَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ يَجِبُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ، وَقَدْ مَرَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ، فَكَوْنُ الضَّمَانِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي تَلَفِ الْأَمْوَالِ

(وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ خَمْسَةِ رِجَالٍ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَ إنْسَانًا ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَحَفَرَ أَحَدُهُمْ فِيهَا بِئْرًا وَالْحَفْرُ كَانَ بِغَيْرِ رِضَا الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرِينَ أَوْ بَنَى حَائِطًا فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ) لَهُمَا أَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ، وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ، فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ نِصْفَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي عَقْرِ الْأَسَدِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَجَرْحِ الرَّجُلِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ، لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ حَتَّى يُعْتَبَرُ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ تُقْسَمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ فَإِنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ لِلتَّلَفِ بِنَفْسِهَا صَغُرَتْ أَوْ كَبِرَتْ عَلَى مَا عُرِفَ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْمُزَاحِمَةِ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا فِي تَلَفِ النُّفُوسِ فَمَا مَعْنَى الْحُكْمِ هُنَا بِكَوْنِ الضَّمَانِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ نِصْفَيْنِ كَمَا فِي عَقْرِ الْأَسَدِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَجَرْحِ الرَّجُلِ) أَقُولُ: كَانَ مُدَّعَاهُمَا عَامًّا لِلْفَصْلَيْنِ أَيْ فَصْلِ حَائِطٍ بَيْنِ خَمْسَةٍ وَفَصْلِ دَارٍ بَيْنِ ثَلَاثَةٍ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَالَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ قَبْلَهُمَا خَاصٌّ لِلْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَكَانَ قَاصِرًا فِي الظَّاهِرِ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمُدَّعَى، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَبْلِهِمَا، وَفِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ تَلِفَتْ النَّفْسُ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ وَفِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَانْقَسَمَ نِصْفَيْنِ اهـ. وَالْجَوَابُ مِنْ جَانِبِ الْمُصَنِّفِ هُنَا هُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ يَخُصُّ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ بِعِبَارَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَعُمُّ الْفَصْلَ الثَّانِيَ أَيْضًا بِدَلَالَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَطَانَةٍ، فَاكْتَفَى بِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَدَارُ الْكَلَامِ هُنَا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِانْفِهَامِ تَمَامِ الْمُرَادِ لَكَانَ مَا زَادَهُ صَاحِبُ الْكَافِي أَيْضًا قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمُدَّعَى هُنَا، لِأَنَّ الْفَصْلَ الثَّانِيَ لَيْسَ مَسْأَلَةَ حَفْرِ الْبِئْرِ وَحْدَهَا بَلْ هُوَ مَسْأَلَةُ حَفْرِ الْبِئْرِ وَبِنَاءِ الْحَائِطِ جَمِيعًا، وَقَدْ تَعَرَّضَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي التَّعْلِيلِ لِحَفْرِ الْبِئْرِ دُونَ بِنَاءِ الْحَائِطِ كَمَا تَرَى.

[باب جناية البهيمة والجناية عليها]

(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا) قَالَ (الرَّاكِبُ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا] ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا شَكَّ فِي تَقَدُّمِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْبَهِيمَةِ رُتْبَةً، فَكَذَا ذِكْرًا، كَذَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْرَغْ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهَا أَحْكَامُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَمْلُوكَ مِنْ الْإِنْسَانِ أَيْضًا مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ رُتْبَةً فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهَا أَيْضًا ذِكْرًا، فَلَمْ يَكُنْ الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ مِنْ التَّوْجِيهِ كَافِيًا فِي إفَادَةِ حَقِّ الْمَقَامِ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ لِفَضِيلَةِ النُّطْقِ فِي الْمَمْلُوكِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ مُلْحَقَةً بِالْجَمَادَاتِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الْعَقْلِ وَالنُّطْقِ أُلْحِقَ هَذَا الْبَابُ بِبَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْجُرْصُنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْبَابُ مُلْحَقًا بِبَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَمَا ذُكِرَتْ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ بَلْ كَانَ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي فَصْلٍ كَمَا قَالُوا

إذَا صَدَمَتْ وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ يُتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِمَا ذَكَرْنَا لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ إنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِهَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفِ وَسَدِّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيطَاءِ وَمَا يُضَاهِيهِ مُمْكِنٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ التَّيْسِيرِ فَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهُ، وَالنَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ لَيْسَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مَعَ السَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ (فَإِنْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ بِهِ فَيَضْمَنُهُ. قَالَ (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا حَصَاةٌ أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ حَجَرًا كَبِيرًا ضَمِنَ) لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، إذْ سَيْرُ الدَّوَابِّ لَا يَعْرَى عَنْهُ، وَفِي الثَّانِي مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْ السَّيْرِ عَادَةً، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِتَعْنِيفِ الرَّاكِبِ، وَالْمُرْتَدِفُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالرَّاكِبِ لِأَنَّ الْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي فَصْلِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا) قَالَ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً: يُقَالُ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ شَيْئًا إذَا ضَرَبَتْهُ بِحَدِّ حَافِرِهَا. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبَا الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: كَوْنُ الْمَذْكُورِ فِي الْمُغْرِبِ كَذَلِكَ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: نَفَحَتْهُ الدَّابَّةُ ضَرَبَتْهُ بِحَدِّ حَافِرِهَا، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَذْكُورِ فِي الصِّحَاحِ كَذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ، إذْ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ كَوْنِ الضَّرْبِ بِحَدِّ الْحَافِرِ بَلْ قَالَ فِيهِ: وَنَفَحَتْ النَّاقَةُ ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِمَّا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَمِمَّا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هُنَا أَنْ لَا تَكُونَ النَّفْحَةُ إلَّا بِالرِّجْلِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُ أَوْ ذَنَبِهَا فِي قَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ النَّفْحَةُ بِالذَّنَبِ أَيْضًا بَلْ يَلْزَمُ أَيْضًا اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ بِرِجْلِهَا لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالرِّجْلِ كَانَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ النَّفْحَةِ. لَا يُقَالُ: ذِكْرُ الرِّجْلِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَذِكْرُ الذَّنَبِ عَلَى التَّجْرِيدِ. لِأَنَّا نَقُولُ: اعْتِبَارُ التَّأْكِيدِ وَالتَّجْرِيدِ مَعًا بِالنَّظَرِ إلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مُتَعَذِّرٍ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ، بَلْ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ أَنْ تُحْمَلَ النَّفْحَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ عَلَى مُطْلَقِ الضَّرْبِ بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ، فَيَصِحُّ ذِكْرُ الرِّجْلِ وَالذَّنَبِ

لَا يَخْتَلِفُ. قَالَ (فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ تَسِيرُ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ) لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِيقَافِ، وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَعَطِبَ إنْسَانٌ بِرَوْثِهَا أَوْ بَوْلِهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْإِيقَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ، ثُمَّ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْمَارَّةِ مِنْ السَّيْرِ لِمَا أَنَّهُ أَدْوَمُ مِنْهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ (وَالسَّائِقُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا دُونَ رِجْلِهَا) وَالْمُرَادُ النَّفْحَةُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّفْحَةَ بِمَرْأَى عَيْنِ السَّائِقِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَغَائِبٌ عَنْ بَصَرِ الْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: إنَّ السَّائِقَ لَا يَضْمَنُ النَّفْحَةَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرَاهَا، إذْ لَيْسَ عَلَى رِجْلِهَا مَا يَمْنَعُهَا بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكِلَيْهِمَا بِلَا إشْكَالٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالسَّائِقُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا دُونَ رِجْلِهَا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمُرَادُ النَّفْحَةُ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِهِ: أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا، وَقَالَ: إنَّمَا فُسِّرَ بِهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا الْوَطْءُ، وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّهُ يُضَمَّنُ فِيهِ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ مِنْ غَيْرِ خِلَافِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي النَّفْحَةِ، وَلَمْ لَوْ يُفَسَّرْ بِهَذَا لَكَانَ لِلْمُؤَوِّلِ أَنْ يُؤَوِّلَ ذَلِكَ بِالْوَطْءِ وَيَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ وَلَيْسَتْ الرِّوَايَةُ كَذَلِكَ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِصَابَةِ بِيَدِهَا وَبِالْإِصَابَةِ بِرِجْلِهَا كِلَيْهِمَا هُوَ النَّفْحَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْإِصَابَةِ بِالْيَدِ النَّفْحَةُ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْخَطُّ إذَا ضَرَبَتْ بِالْيَدِ، وَلَوْ سَلِمَ إطْلَاقُ النَّفْحَةِ عَلَيْهَا أَيْضًا بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ فَلَا يُجْدِي هُنَا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَطْءِ بِالْيَدِ وَالْخَبْطِ الَّذِي هُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِهِمَا عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ بِلَا خِلَافِ أَحَدٍ، فَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ السَّائِقِ أَصْلًا حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا هُوَ الْوَطْءُ إثْبَاتُ الِاخْتِلَافِ فِي الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا الَّذِي بَيَّنَ الْخِلَافَ فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا هُوَ الْمُصَنِّفُ وَذَا فَرْعُ تَفْسِيرِهِ مُرَادَ الْقُدُورِيِّ بِالنَّفْحَةِ لَا مَنْشَأُ هَذَا التَّفْسِيرِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُمْ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُرَادُ النَّفْحَةُ هُوَ أَنَّ مُرَادَ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِرِجْلِهَا فِي مَسْأَلَةِ السَّائِقِ وَبِقَوْلِهِ دُونَ رِجْلِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَائِدِ هُوَ النَّفْحَةُ، وَأَنَّهُ إنَّمَا فَسَّرَ بِذَلِكَ لِيَتِمَّ قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَائِدِ دُونَ رِجْلِهَا، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَطْءُ لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ فَإِنَّ وَطْءَ الدَّابَّةِ بِرِجْلِهَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْقَائِدِ أَيْضًا بِلَا خِلَافِ أَحَدٍ. (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّفْحَةَ بِمَرْأَى عَيْنِ السَّائِقِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَغَائِبٌ عَنْ بَصَرِ الْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ يَدَ الدَّابَّةِ أَيْضًا غَائِبٌ عَنْ بَصَرِ الْقَائِدِ إذْ الْقَوَدْ لَا يَتَيَسَّرُ إلَّا بِالنَّظَرِ وَالِالْتِفَاتِ إلَى الْقُدَّامِ فَيَغِيبُ مَا فِي الْخَلْفِ عَنْ الْبَصَرِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَمَّا أَصَابَتْهُ بِيَدِهَا أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ ذَلِكَ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: إنَّ السَّائِقَ لَا يَضْمَنُ النَّفْحَةَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرَاهَا، إذْ لَيْسَ عَلَى رِجْلِهَا مَا يَمْنَعُهَا بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ) أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ عَلَى يَدِهَا أَيْضًا مَا يَمْنَعُهَا بِهِ كَمَا كَانَ فِي فَمِهَا

بِخِلَافِ الْكَدْمِ لِإِمْكَانِهِ كَبْحَهَا بِلِجَامِهَا. وَبِهَذَا يَنْطِقُ أَكْثَرُ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُونَ النَّفْحَةَ كُلُّهُمْ لِأَنَّ فِعْلَهَا مُضَافٌ إلَيْهِمْ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ، وَانْتِقَالُ الْفِعْلِ بِتَخْوِيفِ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْمُكْرَهِ وَهَذَا تَخْوِيفٌ بِالضَّرْبِ. قَالَ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ شَيْءٍ ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ) لِأَنَّهُمَا مُسَبِّبَانِ بِمُبَاشَرَتِهِمَا شَرْطَ التَّلَفِ وَهُوَ تَقْرِيبُ الدَّابَّةِ إلَى مَكَانِ الْجِنَايَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالرَّاكِبِ (إلَّا أَنَّ عَلَى الرَّاكِبِ الْكَفَّارَةَ) فِيمَا أَوْطَأَتْهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا) وَلَا عَلَى الرَّاكِبِ فِيمَا وَرَاءَ الْإِبْطَاءِ، لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ، لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَهُمَا مُسَبَّبَانِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا إلَى الْمَحَلِّ شَيْءٌ، وَكَذَا الرَّاكِبُ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ، وَالْكَفَّارَةُ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ لَا حُكْمُ التَّسَبُّبِ، وَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيطَاءِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ دُونَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَلَوْ كَانَ رَاكِبٌ وَسَائِقٌ قِيلَ: لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ) لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالسَّائِقُ مُسَبِّبٌ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى. وَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ (وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ لِمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّهُ بِصَدْمَتِهِ آلَمَ نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ فَيُهْدَرُ نِصْفُهُ وَيُعْتَبَرُ نِصْفُهُ، كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا، أَوْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ جِرَاحَةً أَوْ حَفَرَا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِئْرًا فَانْهَارَ عَلَيْهِمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَكَذَا هَذَا. وَلَنَا أَنَّ الْمَوْتَ يُضَافُ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا لِلْإِضَافَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، كَالْمَاشِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ وَوَقَعَ فِيهَا لَا يُهْدَرُ شَيْءٌ مِنْ دَمِهِ، وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا، لَكِنَّ الْفِعْلَ الْمُبَاحَ فِي غَيْرِهِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَالنَّائِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ الدِّيَةِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَفِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ اللِّجَامِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَمَّا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَهُ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي تَقْيِيدِ الْفَارِسَيْنِ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ لَيْسَتْ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي اصْطِدَامِ الْمَاشِيَيْنِ وَمَوْتِهِمَا بِذَلِكَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، سِوَى أَنَّ مَوْتَ الْمُصْطَدِمَيْنِ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَارِسَيْنِ اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: حُكْمُ الْمَاشِيَيْنِ حُكْمُ الْفَارِسَيْنِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَوْتُ الْمُصْطَدِمَيْنِ غَالِبًا فِي الْفَارِسَيْنِ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ اهـ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اصْطَدَمَ الْمَاشِيَانِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَارِسَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ أَوْ بِحَسَبِ الْغَالِبِ اهـ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: عَجِيبٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ مِثْلُ هَذِهِ التَّعَسُّفَاتِ مَعَ كَوْنِ وَجْهِ التَّقْيِيدِ بِالْفَارِسَيْنِ نَيِّرًا، فَإِنَّ الْبَابَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةَ عَلَيْهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ اصْطِدَامَ الْمَاشِيَيْنِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ فَكَانَ خَارِجًا مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ الدِّيَةِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ: فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَصْمَ أَيْضًا تَرَجَّحَ

الْفِعْلَانِ مَحْظُورَانِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ يَهْدُرُ الدَّمُ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا وَفِدَاءً، وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خُلْفٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْمَوْلَى فَهُدِرَ ضَرُورَةً، وَكَذَا فِي الْعَمْدِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بَعْدَمَا جَنَى وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا فَفِي الْخَطَإِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الْحُرِّ، وَيَبْطُلُ حَقُّ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ فِي الدِّيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ فَقَدْ أَخْلَفَ بَدَلًا بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَأْخُذُهُ وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخُلْفِ، وَفِي الْعَمْدِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ النِّصْفُ فِي الْعَمْدِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَأْخُذُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، وَمَا عَلَى الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ إلَّا قَدْرَ مَا أَخْلَفَ مِنْ الْبَدَلِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ. قَالَ (وَمَنْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ، وَكَذَا عَلَى هَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِهِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ، لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ أَوْ الْإِحْكَامِ فِيهِ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُشَدُّ فِي الْعَادَةِ، وَلِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِحِفْظِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا فِي الْمَحْمُولِ عَلَى عَاتِقِهِ دُونَ اللِّبَاسِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَيُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. قَالَ (وَمَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَ) ، فَإِنْ وَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ بِهِ الْقَائِدُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَقَدْ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ، وَالتَّسَبُّبِ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ، إلَّا أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيهِ وَضَمَانُ الْمَالِ فِي مَالِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQجَانِبُهُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى. وَالثَّانِي أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ يَصْلُحُ حُجَّةً وَمَا صَلُحَ حُجَّةً لَمْ يَصْلُحْ مُرَجِّحًا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَنْقُوضٌ بِالْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ بِمَشْيِهِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً اهـ. أَقُولُ: إنَّ الْجَوَابَ مِنْ الثَّانِي بِمَا ذَكَرَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ النَّصُّ مَتْرُوكَ الْعَمَلِ بِهِ بِأَنْ عَارَضَهُ نَصٌّ آخَرُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَتْرُوكَ الْعَمَلِ بِهِ بِأَنْ عَارَضَهُ نَصٌّ آخَرُ وَتَسَاقَطَا كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالْقِيَاسُ يَصْلُحُ حُجَّةً فِي مُقَابَلَتِهِ قَطْعًا؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الدَّلِيلَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَتَسَاقَطَا يُصَارُ مِنْ الْكِتَابِ إلَى السُّنَّةِ وَمِنْ السُّنَّةِ إلَى الْقِيَاسِ، وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ لَا يَصْلُحُ فِيهِ حُجَّةٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الَّذِي تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ لَمَا صَحَّ الْمَصِيرُ

لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدٌ لِلْكُلِّ، وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَمَّا إذَا كَانَ تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامٍ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ، وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ، وَالسَّائِقُ يَسُوقُ مَا يَكُونُ قُدَّامَهُ. قَالَ (وَإِنْ رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا إلَى الْقِطَارِ وَالْقَائِدُ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صِيَانَةُ الْقِطَارِ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ، فَإِذَا تَرَكَ الصِّيَانَةَ صَارَ مُتَعَدِّيًا، وَفِي التَّسْبِيبِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ (ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ لِأَنَّ الرَّبْطَ مِنْ الْقَوْدِ بِمَنْزِلَةِ التَّسَيُّبِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِالْقَوْدِ دُونَ الرَّبْطِ. قَالُوا: هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْقَوْدِ دَلَالَةً، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّابِطِ، أَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ قِيَامٌ ثُمَّ قَادَهَا ضَمِنَهَا الْقَائِدُ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ لَهَا سَائِقًا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ الْفِعْلَ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ السَّوْقِ. قَالَ (وَلَوْ أَرْسَلَ طَيْرًا وَسَاقَهُ فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَنَ الْبَهِيمَةِ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ وَالطَّيْرُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَائِقًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ السُّنَّةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّسَاقُطِ إلَى الْقِيَاسِ إذْ يَكُونُ الْقِيَاسُ إذْ ذَاكَ فِي مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ لَا مَحَالَةَ. وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّا رَجَّحْنَا قَوْلَنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَعْقُولِ الَّذِي مَآلُهُ الْقِيَاسُ بَعْدَ أَنْ تَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ، لَا أَنَّا رَجَّحْنَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ حَتَّى يُتَّجَهَ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَصْلُحُ حُجَّةً لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا. بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا قُلْنَاهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَسَاقَطَتَا فَكَانَ مَصِيرُنَا فِي إثْبَاتِ قَوْلِنَا إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَعْقُولِ الَّذِي مَآلُهُ الْقِيَاسُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا قُلْنَاهُ جَوَابَ الْقِيَاسِ أَيْضًا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ لَا يَنْحَصِرُ فِي النَّصِّ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بِالنَّصِّ كَمَا فِي السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَبَقَاءِ الصَّوْمِ فِي النِّسْيَانِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالضَّرُورَةِ كَمَا فِي طَهَارَةِ الْحِيَضِ وَالْآبَارِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ وَهُوَ الْأَكْثَرُ كَمَا صُرِّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، فَالْمُرَادُ

أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَائِقًا فَأَخَذَ الصَّيْدَ وَقَتَلَهُ حَلَّ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَهِيمَةَ مُخْتَارَةٌ فِي فِعْلِهَا وَلَا تَصْلُحُ نَائِبَةً عَنْ الْمُرْسِلِ فَلَا يُضَافُ فِعْلُهَا إلَى غَيْرِهَا، هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ، إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ فِي الِاصْطِيَادِ فَأُضِيفَ إلَى الْمُرْسِلِ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ مَشْرُوعٌ وَلَا طَرِيقَ لَهُ سِوَاهُ وَلَا حَاجَةَ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الضَّمَانَ فِي هَذَا كُلِّهِ احْتِيَاطًا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سَنَنِهَا، وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ ثُمَّ سَارَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَتْ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ ثُمَّ سَارَتْ فَأَخَذَتْ الصَّيْدَ، لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تَحَقُّقُ مَقْصُودِ الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّيْدِ، وَهَذِهِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ وَهُوَ السَّيْرُ فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِي فَوْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَفِي الْإِرْسَالِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُهُ لِأَنَّ شَغْلَ الطَّرِيقِ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، أَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي. قَالَ (وَلَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً فَأَفْسَدَتْ زَرْعًا عَلَى فَوْرِهِ ضَمِنَ الْمُرْسِلُ، وَإِنْ مَالَتْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا) وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لَا يَضْمَنُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ الْمُنْفَلِتَةُ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاسْتِحْسَانِ فِي قَوْلِهِمْ هُنَا وَمَا قُلْنَاهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ الْمُقَابِلُ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ أَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ لَا يَكُنْ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ اهـ. أَقُولُ: جَوَابُهُ يَظْهَرُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي، فَإِنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ الْمُبَاحِ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ التَّعَدِّي كَمَا فِي الْمُرُورِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ يُوجَدُ فِيهِ شَغْلُ الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْعَامَّةِ. وَأَمَّا فِيمَا لَا يُوجَدُ فِيهِ التَّعَدِّي كَمَا فِي الْإِرْسَالِ لِلِاصْطِيَادِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِالتَّسْبِيبِ وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي، وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي لَمْ يُتَصَوَّرْ التَّسْبِيبُ فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا. وَقَدْ أَوْضَحَ الْفَرْقَ بَيْنَ إرْسَالِ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ وَبَيْنَ إرْسَالِ الْكَلْبِ أَوْ الْبَازِي لِلِاصْطِيَادِ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ إرْسَالَ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يُتْبَعْ مَعَ الدَّابَّةِ وَأَمْكَنَهُ الِاتِّبَاعُ تَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِهِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ. وَأَمَّا إرْسَالُ الْكَلْبِ أَوْ الْبَازِي مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ مَعَهُ فَلَيْسَ بِتَعَدٍّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاتِّبَاعُ، وَالْمُتَسَبِّبُ فِي الْإِتْلَافِ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا. اهـ تَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهِ) وَهِيَ السَّوْقُ وَالْقَوْدُ وَالرُّكُوبُ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ بَيَانِهَا عَلَى النَّمَطِ الْمَزْبُورِ كَانَ مِنْ حَقِّ

مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهِ. قَالَ (شَاةٌ لِقَصَّابٍ فُقِئَتْ عَيْنُهَا فَفِيهَا مَا نَقَصَهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا النُّقْصَانُ (وَفِي عَيْنِ بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ، وَكَذَا فِي عَيْنِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ النُّقْصَانُ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالشَّاةِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالْحَمْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّفْظِ أَنْ يَقُولَ: مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَمْثَالِهِ، أَوْ يَقُولَ: مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهَا بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ، إذْ السَّوْقُ أَوْ الْقَوْدُ لَمَّا كَانَ أُخْتًا لَا أَخًا لِلْإِرْسَالِ كَانَ الْإِرْسَالُ أُخْتًا أَيْضًا، وَإِلَّا يَلْزَمُ جَعْلُ بَعْضِ أَسْبَابِ التَّعَدِّي أَخًا وَبَعْضُهَا أُخْتًا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ النِّهَايَةِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا مُؤَنَّثٌ مَعْنَوِيٌّ خُولِفَ فِيمَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى يُنَاقَشَ عَلَى ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِدَافِعٍ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَانَ مِنْ حَقِّ اللَّفْظِ أَنْ يُؤْتَى بِأَدَاءِ التَّأْنِيثِ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يُقَالَ: لَيْسَ هُنَا مُؤَنَّثٌ مَعْنَوِيٌّ يَقْتَضِي الْإِتْيَانَ بِأَدَاةِ التَّأْنِيثِ، بَلْ قَالَ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجْعَلَ أَسْبَابَ التَّعَدِّي فِي قَرْنٍ وَاحِدٍ مِنْ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ بِأَنْ يُقَالَ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَمْثَالِهِ، أَوْ يُقَالَ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهَا، وَإِلَّا يَلْزَمُ جَعْلُ بَعْضِهَا مُذَكَّرًا وَبَعْضِهَا مُؤَنَّثًا مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ يَدْعُو إلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. ثُمَّ أَقُولُ: الْوَجْهُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا جَازَ تَذْكِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ظَاهِرِ لَفْظِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي مَعْنَاهُ مِنْ التَّذْكِيرِ وَجَازَ تَأْنِيثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِتَأْوِيلِ لَفْظِهِ بِالْكَلِمَةِ أَوْ تَأْوِيلِ مَعْنَاهُ بِالْفَعْلَةِ صَحَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْوَجْهَانِ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا قَصَدَ رِعَايَةَ صَنْعَةِ الْمُطَابَقَةِ وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] عَلَى مَا عُرِفَ ذَكَّرَ بَعْضَ تِلْكَ الْأَسْبَابِ وَأَنَّثَ بَعْضَهَا فَقَالَ مِنْ الْإِرْسَالِ وَأَخَوَاتِهِ، تَدَبَّرْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ وَالْعَمَلِ مَوْجُودٌ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَيَلْحَقُ بِهِ اهـ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، إذْ لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ تِلْكَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ وَحْدَهَا لِجَوَازِ كَوْنِ أَنْ لَا يُقْصَدَ مِنْهُ اللَّحْمُ أَصْلًا كَمَا يُقْصَدُ ذَلِكَ مِنْ الشَّاةِ دَاخِلًا فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْضًا وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ، إذْ قَدْ يُقْصَدُ مِنْهُ اللَّحْمُ كَمَا تُقْصَدُ تِلْكَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الْإِلْحَاقُ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدُ سِوَى اللَّحْمِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ

وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْآدَمِيَّ وَقَدْ تُمْسَكُ لِلْأَكْلِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ فَكَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعَةٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ إحْدَاهَا. قَالَ (وَمَنْ سَارَ عَلَى دَابَّةٍ فِي الطَّرِيقِ فَضَرَبَهَا رَجُلٌ أَوْ نَخَسَهَا فَنَفَحَتْ رَجُلًا أَوْ ضَرَبَتْهُ بِيَدِهَا أَوْ نَفَرَتْ فَصَدَمَتْهُ فَقَتَلَتْهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ وَالْمَرْكَبَ مَدْفُوعَانِ بِدَفْعِ النَّاخِسِ فَأُضِيفَ فِعْلُ الدَّابَّةِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِيَدِهِ، وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ وَالرَّاكِبُ فِي فِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي، حَتَّى لَوْ كَانَ وَاقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الدَّلِيلَ لَا يَتَمَشَّى فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ، بَلْ هُوَ بِحُكْمِ انْعِكَاسِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ غَيْرَ الْجَوَابِ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِمَا مُتَّحِدٌ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلًا فِي الْمُدَّعَى هُنَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ: يَعْنِي عَمَلُنَا بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، لِأَنَّ شَبَهَ الْآدَمِيِّ لَا يَقْتَضِي إيجَابَ الرُّبْعِ بَلْ يَقْتَضِي إيجَابَ النِّصْفِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْآدَمِيِّ فِي الْجِنَايَةِ الْمَزْبُورَةِ هُوَ النِّصْفُ، وَإِنَّمَا الْمُقْتَضِي لِإِيجَابِ الرُّبْعِ مَجْمُوعُ الشَّبَهَيْنِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَضِي لِإِيجَابِ الرُّبْعِ شَبَهَ الْآدَمِيِّ فَقَطْ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْعَمَلِ بِالشَّبَهِ الْآخَرِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَالظَّاهِرُ فِي الْأَدَاءِ أَنْ يُقَالَ: فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الْمُقَدَّرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ النُّقْصَانِ، وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ الْوَاجِبِ فِي عَيْنِ الْآدَمِيِّ فَوَجَبَ الرُّبْعُ عَمَلًا بِهِمَا. وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: فَأَشْبَهَ الْإِنْسَانَ مِنْ وَجْهٍ وَالشَّاةَ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ تَنْصِيفُ التَّقْدِيرِ الْوَاجِبِ فِي الْإِنْسَانِ عَمَلًا بِهِمَا اهـ. نَعَمْ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا هَذَا الْمَعْنَى لَكِنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُسَاعِدُهُ كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ وَالْمَرْكَبَ مَدْفُوعَانِ بِدَفْعِ النَّاخِسِ فَأُضِيفَ فِعْلُ الدَّابَّةِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِيَدِهِ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ

وَالنَّاخِسِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ أَيْضًا. قَالَ (وَإِنْ نَفَحَتْ النَّاخِسَ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ أَلْقَتْ الرَّاكِبَ فَقَتَلَتْهُ كَانَ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ (وَلَوْ وَثَبَتْ بِنَخْسِهِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ وَطِئَتْهُ فَقَتَلَتْهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْوَاقِفُ فِي مِلْكِهِ وَاَلَّذِي يَسِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ وَالرَّاكِبِ نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِثِقَلِ الرَّاكِبِ وَوَطْءِ الدَّابَّةِ، وَالثَّانِي مُضَافٌ إلَى النَّاخِسِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ نَخَسَهَا بِإِذْنِ الرَّاكِبِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ الرَّاكِبِ لَوْ نَخَسَهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَفْحَتِهَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا يَمْلِكُهُ، إذْ النَّخْسُ فِي مَعْنَى السَّوْقِ فَصَحَّ أَمْرُهُ بِهِ، وَانْتَقَلَ إلَيْهِ لِمَعْنَى الْأَمْرِ. قَالَ (وَلَوْ وَطِئَتْ رَجُلًا فِي سَيْرِهَا وَقَدْ نَخَسَهَا النَّاخِسُ بِإِذْنِ الرَّاكِبِ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ جَوَابًا عَنْ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ وَانْتِقَالُ الْفِعْلِ بِتَخْوِيفِ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْمُكْرَهِ، وَهَذَا تَخْوِيفٌ بِالضَّرْبِ. وَجْهُ الْوُرُودِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْفَطِنِ النَّاظِرِ فِي الْمَقَامَيْنِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ وَالرَّاكِبَ فِي فِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرَّاكِبَ إنْ كَانَ فِعْلُهُ مُعْتَبَرًا فَهُوَ مُبَاشِرٌ، وَالتَّعَدِّي لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا لِكَوْنِهِ مَدْفُوعًا فَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ بِذِكْرِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيمَا إذَا تَلِفَ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ التَّلَفُ بِالثِّقَلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي النَّفْحِ بِالرِّجْلِ وَالضَّرْبِ بِالْيَدِ وَالصَّدْمَةِ فَكَانَا مُتَسَبِّبَيْنِ وَتَرَجَّحَ النَّاخِسُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ اخْتِيَارُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْدِيدِ وَمَنْعُ كَوْنِ الرَّاكِبِ مُبَاشِرًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَدَارُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الرَّاكِبِ مُعْتَبَرًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونُ هَذَا الدَّلِيلِ مُنَافِيًا لِمَضْمُونِ الدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَدَارُهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِعْلُ الرَّاكِبِ مُعْتَبَرًا لِكَوْنِهِ مَدْفُوعًا بِدَفْعِ النَّاخِسِ فَيَتَدَافَعَانِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْفَرْضِ وَالْآخَرُ عَلَى التَّحْقِيقِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَخَسَهَا بِإِذْنِ الرَّاكِبِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ الرَّاكِبِ لَوْ نَخَسَهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَفْحَتِهَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا يَمْلِكُهُ، إذْ النَّخْسُ فِي مَعْنَى السَّوْقِ فَيَصِحُّ أَمْرُهُ بِهِ وَانْتَقَلَ إلَيْهِ لِمَعْنَى الْأَمْرِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنَّ النَّخْسَ فِي مَعْنَى السَّوْقِ وَأَنَّ الرَّاكِبَ كَانَ يَمْلِكُهُ فَأَمَرَ النَّاخِسُ بِهِ، لَكِنَّ الْأَمْرَ بِهِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَوْقٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ كَمَا سَيَجِيءُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى النَّاخِسِ وَلَا يَنْتَقِلَ إلَى الرَّاكِبِ فَيَجِبُ عَلَى النَّاخِسِ الضَّمَانُ لِتَعَدِّيهِ فِي الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَتَفَكَّرْ فِي الْفَرْقِ وَلَعَلَّهُ تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَطِئَتْ رَجُلًا فِي سَيْرِهَا وَقَدْ نَخَسَهَا النَّاخِسُ بِإِذْنِ الرَّاكِبِ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا

إذَا كَانَتْ فِي فَوْرِهَا الَّذِي نَخَسَهَا) لِأَنَّ سَيْرَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا، وَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَهُ مِنْ حَيْثُ السَّوْقُ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَالرُّكُوبُ وَإِنْ كَانَ عِلَّةً لِلْوَطْءِ فَالنَّخْسُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ أَوْ عِلَّةٌ لِلسَّيْرِ وَالسَّيْرُ عِلَّةٌ لِلْوَطْءِ وَبِهَذَا لَا يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْعِلَّةِ، كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا لِمَا أَنَّ الْحَفْرَ شَرْطُ عِلَّةٍ أُخْرَى دُونَ عِلَّةِ الْجُرْحِ كَذَا هَذَا. ثُمَّ قِيلَ: يَرْجِعُ النَّاخِسُ عَلَى الرَّاكِبِ بِمَا ضَمِنَ فِي الْإِيطَاءِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيمَا أَرَاهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِيطَاءِ وَالنَّخْسُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ صَبِيًّا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ بِتَسْيِيرِهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا وَمَاتَ حَتَّى ضَمَّنَ عَاقِلَةَ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّسْيِيرِ وَالْإِيطَاءُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا نَاوَلَهُ سِلَاحًا فَقَتَلَ بِهِ آخَرَ حَتَّى ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ، ثُمَّ النَّاخِسُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْإِيطَاءُ فِي فَوْرِ النَّخْسِ حَتَّى يَكُونَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَوْرِ ذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النَّخْسِ فَبَقِيَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَى الرَّاكِبِ عَلَى الْكَمَالِ. (وَمَنْ قَادَ دَابَّةً فَنَخَسَهَا رَجُلٌ فَانْفَلَتَتْ مِنْ يَدِ الْقَائِدِ فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَهُوَ عَلَى النَّاخِسِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهَا سَائِقٌ فَنَخَسَهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَالنَّاخِسُ إذَا كَانَ عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَفِي مَالِهِ لِأَنَّهُمَا مُؤَاخَذَانِ بِأَفْعَالِهِمَا) وَلَوْ نَخَسَهَا شَيْءٌ مَنْصُوبٌ فِي الطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَتْ فِي فَوْرِهَا الَّذِي نَخَسَهَا، لِأَنَّ سَيْرَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا) أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الرَّاكِبُ مُبَاشِرٌ فِيمَا أَتْلَفَ بِالْوَطْءِ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ الدَّابَّةِ جَمِيعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالنَّاخِسُ مُسَبِّبٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُسَبِّبُ فَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ سِيَّمَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ، فَمَا بَالُهُمْ جَزَمُوا هُنَا بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الرَّاكِبِ وَالنَّاخِسِ مَعًا وَحَكَمُوا بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَهُ مِنْ حَيْثُ السَّوْقِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ يَقْتَصِرُ الضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ، إذْ مُقْتَضَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ حَيْثِيَّةُ كَوْنِ فِعْلِ النَّاخِسِ إتْلَافًا أَنْ يَكُونَ النَّاخِسُ مُتَعَدِّيًا بِكَوْنِهِ مُسَبِّبًا لِجِنَايَةِ الدَّابَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يُوجَدَ هُنَاكَ مُسَبِّبٌ آخَرُ أَوْ مُبَاشِرٌ حَتَّى يَلْزَمَ اقْتِصَارُ الضَّمَانِ عَلَى النَّاخِسِ وَقَدْ وُجِدَ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الرَّاكِبَ فِيهَا مُبَاشِرٌ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مُسَبِّبًا فَلَا يَقْتَصِرُ الضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاكِبِ جَمِيعًا كَمَا هُوَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ. فَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ: أَيْ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقْتَصِرُ فِعْلُ النَّاخِسِ وَهُوَ النَّخْسُ عَلَى النَّاخِسِ: أَيْ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ وَهُوَ الرَّاكِبُ، كَمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ حَيْثِيَّةُ كَوْنِهِ سَوْقًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ وَيَتِمُّ الْمَرَامُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَفْهَامِ. (قَوْلُهُ وَالنَّاخِسُ إذَا كَانَ عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَالنَّاخِسُ

[باب جناية المملوك والجناية عليه]

فَنَفَحَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ نَصَبَ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِشَغْلِ الطَّرِيقِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ نَخَسَهَا بِفِعْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ) قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَإٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ عَبْدًا: يَعْنِي وَنَخَسَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ يُدْفَعُ بِهَا أَوْ يَفْدِي اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَ التَّلَفُ بِالْوَطْءِ فِي فَوْرِ النَّخْسَةِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي عُنُقِ الْعَبْدِ نِصْفُ الدِّيَةِ يَدْفَعُ مَوْلَاهُ أَوْ يَفْدِيهِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ إذَا كَانَ النَّخْسُ بِإِذْنِ الرَّاكِبِ اهـ. أَقُولُ: بَحْثُهُ سَاقِطٌ، فَإِنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا نَخَسَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الضَّمَانِ فِي رَقَبَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ إلَّا إذَا كَانَ نَخَسَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ، لَا أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ حَتَّى يُتَّجَهَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي صُورَةِ التَّلَفِ بِالْوَطْءِ فِي فَوْرِ النَّخْسِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ نِصْفُهَا إذَا كَانَ النَّخْسُ بِإِذْنِ الرَّاكِبِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَيُرْشِدُ إلَى كَوْنِ مُرَادِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ وَغَيْرَهُ قَالُوا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالنَّاخِسُ إذَا كَانَ عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ، هَذَا إذَا نَخَسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ، وَأَمَّا إذَا نَخَسَهُ بِإِذْنِ الرَّاكِبِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ مِنْ الدَّابَّةِ نَفْحَةٌ أَوْ وَطْءٌ فَقَدْ ذُكِرَ حُكْمُهَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ يَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ فَأَمَرَ عَبْدَ الْغَيْرِ فَنَخَسَ دَابَّتَهُ فَنَفَحَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِ الْآمِرِ عَبْدًا كَانَ الْمَأْمُورُ أَوْ حُرًّا، وَإِنْ وَطِئَتْ فِي فَوْرِهَا ذَلِكَ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي عُنُقِ الْعَبْدِ نِصْفُ الدِّيَةِ يَدْفَعُهُ مَوْلَاهُ أَوْ يَفْدِيهِ بِمَنْزِلَةِ السَّائِقِ مَعَ الرَّاكِبِ، إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ بِاسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ فِي نَخْسِ الدَّابَّةِ، فَإِذَا لَحِقَهُ ضَمَانٌ بِذَلِكَ السَّبَبِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ لَهُ. اهـ تَأَمَّلَ. [بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْعَبْدُ، وَأَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْحُرِّ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَكَذَا مَا وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ

قِيلَ لِمَوْلَاهُ: إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِهَا أَوْ تَفْدِيهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي اتِّبَاعِ الْجَانِي بَعْدَ الْعِتْقِ. وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُتْلِفِ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي، إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ، وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِنْدِي بِالْقَرَابَةِ وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَوْلَاهُ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ. وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ، وَهُوَ أَيْضًا إنَّمَا يَتَبَيَّنُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ فِيهِ تَعَلُّقٌ بِالْمَمْلُوكِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جَانِبٍ أَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْمَمْلُوكِ عَنْ الْمَالِكِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ: الْعَبْدُ لَا يَكُونُ أَدْنَى مَنْزِلَةً مِنْ الْبَهِيمَةِ فَكَيْفَ أَخَّرَ بَابَ جِنَايَتِهِ عَنْ بَابِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ، لِأَنَّ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ وَهُوَ مَالِكٌ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ، إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ أَلْبَتَّةَ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ جِنَايَتَهَا بِطَرِيقِ النَّفْحَةِ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا وَهِيَ تَسِيرُ لَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا. وَكَذَا الْحَالُ فِيمَا إذَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبَهُ. وَكَذَا إذَا انْفَلَتَتْ فَأَصَابَ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَمَا عُرِفَ كُلُّ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ جِنَايَتَهَا قَدْ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهِ تَمَامُ التَّقْرِيبِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الصُّوَرُ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ ضَمَانٌ عَلَى أَحَدٍ بَلْ يَكُونُ فِعْلُهَا هَدَرًا مِمَّا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ فِي الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي بَابِهَا اسْتِطْرَادًا. وَبِنَاءُ الْكَلَامِ هُنَا عَلَى مَالَهُ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّاحِبَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ: فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُ مَذْهَبِهِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا. وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا، فَإِنَّهُمَا قَالَا: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ، وَجِنَايَتُهُمْ فِي قِيمَتِهِمْ: أَيْ أَثْمَانِهِمْ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: رَوَى أَصْحَابُنَا كَالْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَنَى الْعَبْدُ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ، وَجِنَايَتُهُمْ فِي قِيمَتِهِمْ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ جَزَاءُ جِنَايَتِهِمْ فِي رِقَابِ النَّاسِ كَمَذْهَبِنَا، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِيَ

عَلَى الْمَالِ. وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ حَالَةَ الْخَطَإِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي تَحَرُّزًا عَنْ اسْتِئْصَالِهِ وَالْإِجْحَافِ بِهِ، إذْ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْجِنَايَةَ، وَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي إذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ جَزَاءَ جِنَايَتِهِمْ فِي قِيمَتِهِمْ: أَيْ فِي أَثْمَانِهِمْ، لِأَنَّ الثَّمَنَ قِيمَةُ الْعَبْدِ اهـ. أَقُولُ: قَدْ اضْطَرَبَتْ كَلِمَاتُهُمْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَبَعْضُهُمْ نَقَلَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ مِثْلَ مَذْهَبِ الْخَصْمِ وَبَعْضُهُمْ نَقَلَهَا عَنْهُ مِثْلَ مَذْهَبِنَا كَمَا تَرَى. ثُمَّ أَقُولُ: قَدْ خَالَفَ الْكُلَّ هُنَا صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ مَذْهَبِنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَ الْعَامَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ فِي حَالَةِ الْخَطَإِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ حُكْمَهَا عِنْدَنَا الْوُجُوبُ عَلَى الْمَوْلَى وَعِنْدَهُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ بَنَاهُ عَلَى أَصْلٍ وَنَحْنُ عَلَى أَصْلٍ فَمِنْ أَيْنَ يَقُومُ لِأَحَدِنَا حُجَّةٌ عَلَى الْآخَرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَ وُجُوبَ مُوجِبِ جِنَايَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَوُجُوبِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَكَوُجُوبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ، فَنَحْنُ إذْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بَقِيَ أَصْلُهُ بِلَا أَصْلٍ فَبَطَلَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ. وَقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا أَصْلُنَا فَهُوَ ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ مُسْتَنِدًا إلَى النَّصِّ الَّذِي لَا يُعْقَلُ إبْطَالُهُ لَيْسَ بِمَقِيسٍ عَلَى مَا يَبْطُلُ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ، إلَى هُنَا كَلَامًا. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِتَامٍّ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ مَدَارَ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ عَلَى قِيَاسِ وُجُوبِ مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَوُجُوبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَلْزَمُ مِنْ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَنْ يَبْقَى مَذْهَبُهُ بِلَا أَصْلٍ، بَلْ مَدَارُ دَلِيلِهِ عَلَى أَنْ لَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُ بِالْقَرَابَةِ لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ وُجُوبَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَوُجُوبَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ فِي ذَيْلِ دَلِيلِهِ لِمُجَرَّدِ التَّنْظِيرِ كَمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ التَّنْظِيرِ بَقَاءُ أَصْلِهِ بِلَا أَصْلٍ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَ: أَصْلُنَا مُسْتَنِدٌ إلَى النَّصِّ كَمَا أَنَّ أَصْلَكُمْ مُسْتَنِدٌ إلَى النَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ بِمَقِيسٍ عَلَى مَا يَبْطُلُ بِإِبْدَاءِ الْفَرْقِ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَبِيلِ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ مَنْ هِيَ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَهْلُ الْعَشِيرَةِ، وَقُلْنَا: هِيَ أَهْلُ النُّصْرَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ مُدَلَّلًا

وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا النُّصْرَةُ حَتَّى تَجِبَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ. بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا عَاقِلَةَ فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ، وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ، إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَفِي إثْبَاتِ الْخِيرَةِ نَوْعُ تَخْفِيفٍ فِي حَقِّهِ كَيْ لَا يُسْتَأْصَلَ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ، بِخِلَافِ مَوْتِ الْجَانِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّ اسْتِيفَاءً فَصَارَ كَالْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. قَالَ (فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُ حَالًّا) أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَعِنْدَ اخْتِيَارِهِ الْوَاجِبَ عُيِّنَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُفَصَّلًا، وَقَدْ قَامَتْ لَنَا حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ هُنَاكَ فَاكْتَفَيْنَا هُنَا بِجَعْلِ ذَلِكَ الْمُخْتَلِفِ أَصْلًا لِهَذَا الْمُخْتَلِفِ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَيْسَ يُخَالِفُ هَذَا حَدِيثَ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى عَلَى الْحُرِّ لَا يَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ عِنْدَهُ فَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى مَذْهَبِهِ اهـ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِلْوِقَايَةِ أَخْذًا مِنْ التَّسْهِيلِ كَمَا هُوَ حَالُهُ فِي أَكْثَرِ إيرَادَاتِهِ فِي تِلْكَ الْحَاشِيَةِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ كُلُّهُمْ هُنَا أَنَّ لَفْظَةَ الْعَاقِلَةِ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَا عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ وَكَلِمَاتُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا: الْعَاقِلَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ: أَيْ يُؤَدُّونَ الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْعَاقِلَةُ هِيَ الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَغْرَمُ الدِّيَةَ، وَهُمْ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ أَوْ أَهْلُ دِيوَانِهِ: أَيْ الَّذِينَ يَرْتَزِقُونَ مِنْ دِيوَانٍ عَلَى حِدَةٍ اهـ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَعَاقِلَةُ الرَّجُلِ عُصْبَتُهُ، وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ الَّذِينَ يُعْطُونَ دِيَةَ مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً. وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: هُمْ أَصْحَابُ الدَّوَاوِينِ اهـ. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَوَاقِلَ

وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِالْمُتْلَفِ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَلِهَذَا وَجَبَ حَالًّا كَالْمُبْدَلِ (وَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ وَفَعَلَهُ لَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرَهُ) أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَإِذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّقَبَةِ سَقَطَ. وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ، فَإِذَا أَوْفَاهُ حَقَّهُ سَلَّمَ الْعَبْدَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي هِيَ الْجَمَاعَاتُ لَا تَعْقِلُ عَبْدًا كَمَا تَعْقِلُ حُرًّا، وَأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى عَلَى الْحُرِّ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ: أَيْ الْجَمَاعَةُ بَلْ يَغْرَمُ مَوْلَاهُ جِنَايَتَهُ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ هُنَا وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ. وَمَعْنَاهُ وَالْمَوْلَى كَعَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ كَمَا يَسْتَنْصِرُ الْحُرُّ بِعَاقِلَتِهِ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى حُرٍّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِلَةِ وَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْعَاقِلَةِ عَوَاقِلَهُمْ فَكَذَا لَا يَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَاقِلَةُ مَوْلَاهُ اهـ. فَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوا هُنَا حَدِيثَ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى عَلَى الْحُرِّ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ جُعِلَ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِالْمُتْلَفِ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَلِهَذَا وَجَبَ حَالًّا كَالْمُبْدَلِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قِيلَ: كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَالَ قَدْ يَقَعُ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَتَّحِدْ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ وَإِذَا صَارَ مَالًا تَعَلَّقَ بِهِ، وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ دُونَ الْأَصْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَأُجِيبَ أَنَّ الْفِدَاءَ لَمَّا وَجَبَ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ أَشْبَهَ الدِّيَةَ وَالْأَرْشَ وَهُمَا يَثْبُتَانِ مُؤَجَّلًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَ الْفِدَاءِ كَذَلِكَ، وَلَمَّا اخْتَارَهُ الْمَوْلَى كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ كَذَلِكَ، أَيْ كَسَائِرِ الدُّيُونِ حَالًّا، لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٍ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَتَعَارَضَ جَانِبُ الْحُلُولِ وَالْأَجَلَ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْحُلُولِ بِكَوْنِهِ فَرْعَ أَصْلٍ حَالٍّ مُوَافَقَةً بَيْنَ الْأَصْلِ وَفَرْعِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشْعِرُ بِهِ اهـ. أَقُولُ: بَلْ هُوَ كَلَامٌ قَبِيحٌ، لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَفَرْعِهِ إنْ كَانَتْ أَمْرًا لَازِمًا أَوْ رَاجِحًا يَرْتَفِعُ السُّؤَالُ عَنْ أَصْلِهِ، وَيَكْفِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ، وَيَصِيرُ بَاقِي الْمُقَدِّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ مُسْتَدْرَكًا جِدًّا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَمْرًا لَازِمًا وَلَا رَاجِحًا فَكَيْفَ يَتِمُّ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْحُلُولِ بِكَوْنِهِ فَرْعَ أَصْلٍ حَالٍّ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ تَغَيَّرَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ صَالِحٍ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِهِ، وَالتُّرَابُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ بِطَبْعِهِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إلْحَاقِ النِّيَّةِ بِهِ لِيَكُونَ مُطَهِّرًا شَرْعًا، بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ يَمْنَعُهُ عَنْ الْحُلُولِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ أَصْلِهِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ كَانَ حَاصِلُ السُّؤَالِ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُفَارِقَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ فِي الْحُكْمِ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْأَصْلِ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ هُوَ كَوْنُهُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةً عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ نَفْسُهَا إلَّا بِالضَّرُورَةِ، لَا كَوْنُهُ عِبَارَةً عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا بَعْدَ أَنْ تَغَيَّرَتْ نَفْسُهَا إلَّا بِالضَّرُورَةِ، وَالْمَطْلُوبُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فَتَأَمَّلْ تَفْهَمْ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ سِيَّمَا فِي الْحَصْرِ،

فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى. قَالَ (فَإِنْ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ كَحُكْمِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) مَعْنَاهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، وَهَذَا ابْتِدَاءُ جِنَايَةٍ. قَالَ (وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ قِيلَ لِلْمَوْلَى إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَفْدِيهِ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمْ يَمْنَعْ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ فَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا عَلَى قَدْرِ أَرْشِ جِنَايَتِهِمَا (وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً يَقْتَسِمُونَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدًا وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ) يَقْتَسِمَانِهِ أَثْلَاثًا (لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَرْشِ النَّفْسِ) ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الشَّجَّاتِ (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَدْفَعَ إلَى بَعْضِهِمْ مِقْدَارَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ الْعَبْدِ) لِأَنَّ الْحُقُوقَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا وَهِيَ الْجِنَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ، بِخِلَافِ مَقْتُولِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ لَهُ وَلِيَّانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَدْفَعَ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَّحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ وَهِيَ الْجِنَايَةُ الْمُتَّحِدَةُ، وَالْحَقُّ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ ثُمَّ لِلْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْهُ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا قَبْلُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْلَى حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ، فَإِذَنْ كَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُنْحَصِرًا فِي الدَّفْعِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيهِ فَمَا مَعْنَى حَصْرِهِ فِي الْأَرْشِ بِقَوْلِهِ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ، وَهَذَا يَكُونُ مُنَاقِضًا

يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ فِي مُوجَبِهَا. قَالَ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ) لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ فَوْتُ حَقِّهِ فَيَضْمَنُهُ وَحَقُّهُ فِي أَقَلِّهِمَا، وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ بِدُونِ الْعِلْمِ، وَفِي الثَّانِي صَارَ مُخْتَارًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّفْعِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْآخَرِ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الدَّفْعَ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ. وَلَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ الْمُقِرُّ وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ بِالْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الظَّاهِرِ فَيَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِإِقْرَارِهِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِمُ النَّفْسَ وَمَا دُونَهَا، وَكَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ يَنْتَظِمُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَنَقْضِهِ، وَبِخِلَافِ الْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا زَالَ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا حَتَّى يُسَلِّمَهُ لِأَنَّ الزَّوَالَ بِهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ مُوجَبَهُ يَثْبُتُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلِ فَيَصِيرُ بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا، وَلَوْ بَاعَهُ مَوْلَاهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ، وَإِعْتَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَهُ بِقَوْلِهِ أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِمُ النَّفْسَ وَمَا دُونَهَا) يُرِيدُ قَوْلَهُ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا، وَقِيلَ: يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَإٍ فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ النَّفْسَ وَمَا دُونَهَا، كَذَا

الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ فَنَقَصَهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا مِنْهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَوَطِئَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ، وَبِخِلَافِ وَطْءِ الثَّيِّبِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ غَيْرِ إعْلَاقٍ، وَبِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فِي الْأَظْهَرِ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَكَذَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ، لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ، إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَزِمَ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّهُ لَا سَدَادَ لِمَا ذَكَرَ ثَانِيًا، لِأَنَّ تَأْخِيرَ التَّعَرُّضِ لِإِطْلَاقِ مَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا مَعَ كَوْنِهِ بَعِيدًا عَنْ نَهْجِ السَّدَادِ فِي نَفْسِهِ يَمْنَعُ عَنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ، لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ هُنَاكَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا فِي الْجَوَابِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ فَالْمُرَادُ هُوَ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ. (قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ، لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ) أَقُولُ: فِي التَّعْلِيلِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ لَا يَفُوتُ الدَّفْعُ

لِعَبْدِهِ إنْ قَتَلْت فُلَانًا أَوْ رَمَيْته أَوْ شَجَجْته فَأَنْتَ حُرٌّ) فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ وَقْتَ تَكَلُّمِهِ لَا جِنَايَةَ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِوُجُودِهِ، وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا) ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ أَوْ لَا يُعْتِقَ وُجِدَ الشَّرْطُ وَثَبَتَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ تِلْكَ، كَذَا هَذَا. وَلَنَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ بِالْجِنَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يُنَزَّلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك يَصِيرُ ابْتِدَاءُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إذَا مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَرِضَ حَتَّى طَلُقَتْ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ يَصِيرُ فَارًّا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَلِّقًا بَعْدَ وُجُودِ الْمَرَضِ، بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَ لِأَنَّ غَرَضَهُ طَلَاقٌ أَوْ عِتْقٌ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، إذْ الْيَمِينُ لِلْمَنْعِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ حَرَّضَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ بِتَعْلِيقِ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، فَهَذَا دَلَالَةُ الِاخْتِيَارِ. قَالَ (وَإِذَا قَطَعَ الْعَبْدُ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَدُفِعَ إلَيْهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ عَلَى الْمَوْلَى وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ اُقْتُلُوهُ أَوْ اُعْفُوا عَنْهُ) وَوَجْهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ رِضَا وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ مُتَّصِلًا بِهِ إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ يَفُوتُ الدَّفْعُ بِغَيْرِ رِضَاهُ قَطْعًا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ الدَّفْعُ بِرِضَا وَلَيِّ الْجِنَايَةِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يُنْتَقَضَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِمَا لَوْ ضَرَبَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِيَ فَنَقَصَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ هُنَاكَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، مَعَ أَنَّهُ يَجْرِي أَنْ يُقَالَ هُنَاكَ أَيْضًا: إنَّ الضَّرْبَ وَإِذَا نَقَصَهُ لَا يَفُوتُ الدَّفْعُ بِرِضَا وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ إذَا رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى جَازَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَنْقُصُ الرَّقَبَةَ مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيلِ، فَفِي صُورَةِ مَا إذَا ضَرَبَهُ فَنَقَصَهُ إنْ لَمْ يَفُتْ الدَّفْعُ بِرِضَا وَلِيِّ الْجِنَايَةِ نَقَصَتْ الرَّقَبَةُ، فَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ هُنَا لَمْ يَجُزْ بِتَمَامِهِ هُنَاكَ فَلَمْ يُنْتَقَضْ بِذَلِكَ. نَعَمْ فِي تَمَامِ قَوْلِهِ وَلَا يَنْقُصُ الرَّقَبَةَ فِيمَا إذَا رَكِبَهُ دَيْنُ كَلَامٍ، لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ نُقْصَانٌ لَهُ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ يَتْبَعُونَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ إذَا دَفَعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ فَيَتْبَعُونَهُ بِدُيُونِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى. وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَلَكِنَّ الرَّقَبَةَ قَدْ اُنْتُقِصَتْ عِنْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَهُوَ الْإِذْنُ فَكَانَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ نَاقِصًا فَيَلْزَمُ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ اهـ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَاطِلًا)

عَنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الْعَبْدِ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَطْرَافِ الْحُرِّ فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَالَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ الْقَوَدُ فَكَانَ الصُّلْحُ وَاقِعًا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَبَطَلَ وَالْبَاطِلُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ، كَمَا إذَا وَطِئَ الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ فِي عِدَّتِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ تَصْحِيحَ الصُّلْحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى تَصَرُّفٍ يَقْصِدُ تَصْحِيحَهُ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا وَأَنْ يُجْعَلَ صُلْحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ الْمَوْلَى بِهِ يَصِحُّ وَقَدْ رَضِيَ الْمَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِوَضًا عَنْ الْقَلِيلِ يَكُونُ أَرْضَى بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْ الْكَثِيرِ فَإِذَا أُعْتِقَ يَصِحُّ الصُّلْحُ فِي ضِمْنِ الْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً وَإِذَا لَمْ يُعْتِقْ لَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ ابْتِدَاءً وَالصُّلْحُ الْأَوَّلُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْلَى وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى خِيرَتِهِمْ فِي الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْقَاطِعُ الْمَقْطُوعَةَ يَدَهُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: يُرِيدُ بَيَانَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا أَعْتَقَ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُعْتِقْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ: أَيْ الدَّفْعَ وَقَعَ بَاطِلًا وَسَمَّاهُ صُلْحًا بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ فَكَانَ الدَّفْعُ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ لِسُقُوطِ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ بِهِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ وَقَالَ: وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجَبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ فَكَيْفَ يَتِمُّ تَسْمِيَةُ الدَّفْعِ هُنَا صُلْحًا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى خِلَافِ مَا اخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ نَفْسُهُ فِيمَا قَبْلُ، وَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا، حَتَّى أَنَّ صَاحِبَ الْأَسْرَارِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْأَرْشُ قَالَ: وَالرِّوَايَةُ بِخِلَافِ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْعَبْدُ انْتَهَى. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ تَسْمِيَةُ الدَّفْعِ هُنَا صُلْحًا عَلَى الْمُشَاكَلَةِ بِأَنْ عَبَّرَ عَنْ الدَّفْعِ بِالصُّلْحِ لِوُقُوعِ ذِكْرِهِ فِي صُحْبَةِ مَا هُوَ صُلْحٌ وَمَا هُوَ إذَا أَعْتَقَهُ تَدَبَّرْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ وَالْبَاطِلُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَمَا إذَا وَطِئَ الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ فِي عِدَّتِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِيمَا إذَا عَلِمَ بُطْلَانَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي تَنْظِيرِهِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي نَفْعًا هُنَا لِأَنَّ الدَّافِعَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْقَطْعَ يَسْرِي فَيَكُونُ مُوجَبَهُ الْقَوَدُ، بَلْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَسْرِي وَكَانَ مُوجَبَهُ الْمَالُ، وَإِنْ أَرَادَ الْبَاطِلَ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بُطْلَانَهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا وَطِئَ الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ فِي عِدَّتِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَلْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ فَإِنَّهُ

فَأَعْتَقَهُ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَةِ. وَهَذَا الْوَضْعُ يَرِدُ إشْكَالًا فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَالِكَ، وَهَاهُنَا قَالَ يَجِبُ. قِيلَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْوَضْعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ. وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ صَحَّ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ فِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ ظَاهِرًا، فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَطَلَ حُكْمًا يَبْقَى مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَكَفَى ذَلِكَ لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ. أَمَّا هَاهُنَا الصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِذَا لَمْ يُبْطِلْ الْجِنَايَةَ لَمْ تَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ، أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَالتَّخْرِيجُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ جِنَايَةً وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ: قِيمَةٌ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، وَقِيمَةٌ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ: الدَّفْعُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَالْبَيْعُ لِلْغُرَمَاءِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُورِثُ الشُّبْهَةَ فَيَدْرَأُ الْحَدَّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَفُهِمَ أَيْضًا هَاهُنَا مِنْ قَوْلِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَمَّا هَاهُنَا الصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ، فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الْجِنَايَةُ لَمْ تَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِمْ الصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا أَنَّ الصُّلْحَ لَا يُسْقِطُ مُوجَبَ الْجِنَايَةِ بَلْ يُبْقِيهِ عَلَى حَالِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي صَدْرِ

يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعَ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهُمَا بِالْإِتْلَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْلَى وَيَدْفَعُهَا الْمَوْلَى إلَى الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إنَّمَا يَضْمَنُ لِلْمَوْلَى بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَلَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ الْحَقُّ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَهَاهُنَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِتْلَافِ الْحَقِّ فَلَا تَرْجِيحَ فَيَظْهَرَانِ فَيَضْمَنُهُمَا. قَالَ (وَإِذَا اسْتَدَانَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنَّهُ يُبَاعُ الْوَلَدُ مَعَهَا فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ جَنَتْ جِنَايَةً لَمْ يُدْفَعْ الْوَلَدُ مَعَهَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فِيهَا وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا اسْتِيفَاءً فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّتِهَا، وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ وَالسِّرَايَةُ فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الْأَوْصَافِ الْحَقِيقِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابِ الْجِنَايَاتِ بِأَنَّ مُوجَبَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ أَوْ يُصَالِحُوا، فَقَدْ جَعَلُوا الصُّلْحَ كَالْعَفْوِ فِي إسْقَاطِ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الصُّلْحَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يُقَرِّرُ ذَلِكَ حَيْثُ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ، وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الصُّلْحِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُمْ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الْجِنَايَةُ لَمْ تَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ الْجِنَايَةِ

قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ زَعَمَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ وَلِيًّا لِذَلِكَ الرَّجُلِ الزَّاعِمِ خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ ادَّعَى الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَبْرَأَ الْعَبْدَ وَالْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ. قَالَ (وَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَقَالَ لِرَجُلٍ قَتَلْتُ أَخَاك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلْته وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لَمَّا أَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُرِفَ رِقُّهُ، وَالْوُجُوبُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ بِعْت دَارِي وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ بِعْت دَارِي وَأَنَا مَجْنُونٌ وَقَدْ كَانَ جُنُونُهُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْهَا إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ اسْتِحْسَانًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى ثُبُوتِهَا فِي الْأَصْلِ عَدَمُ امْتِنَاعِ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الصُّلْحِ عَنْهَا كَمَا هُوَ الْحَالُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، بَلْ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ رَأْسًا بَيْنَ صُورَتَيْ الْعَفْوِ وَالصُّلْحِ، إذْ الْعَفْوُ أَيْضًا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ الْعَفْوِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدِك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ بَلْ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مَبْنَاهَا عَلَى إسْنَادِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي جَوَابُهَا كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلُهَا لَيْسَ عَلَى

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ إلَّا شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ. وَفِي الشَّيْءِ الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ فَقَأْت عَيْنَكَ الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ وَقَالَ الْمُقِرُّ لَهُ: لَا بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا لَوْ قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ، وَكَذَا يَضْمَنُ مَالَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَا أَخْذُهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإسْنَادِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، بَلْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا مَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. نَعَمْ مَبْنَاهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إسْنَادُ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِجَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ هُنَا بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ لَا الْأَصَالَةِ فَمَا مَعْنَى بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي كَانَ جَوَابُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ عَلَى أَصْلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَكَذَا يَضْمَنُ مَالَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ بَيَانًا لِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى. صُورَتُهَا: مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ ثُمَّ خَرَجَا إلَيْنَا فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ: أَخَذْتُ مِنْك مَالًا وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فَقَالَ بَلْ أَخَذْتَ مِنِّي وَأَنَا مُسْلِمٌ فَإِنَّهَا عَلَى خِلَافٍ، كَذَا قِيلَ. فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ قَدْ يُضْمَنُ إذَا أَخَذَهُ دَيْنًا فَكَانَ قَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يُسْمَعُ إلَّا بِحُجَّةٍ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نُبَذٌ مِنْ الِاخْتِلَالِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهُ نَظِيرٌ لَهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِلَّةِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إسْنَادُ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ عِنْدَهُمَا: وَكَوْنُهُ نَظِيرًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ تَعَلُّقٌ مَحْضٌ بِهِ، فَإِنَّ التَّنْظِيرَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي اسْتِدْلَالَاتهمْ شَائِعٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ. فَصَارَ قَوْلُهُ هُنَا وَكَذَا يَضْمَنُ مَالَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ فَقَأْتُ عَيْنَك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ إلَخْ. وَأَمَّا ثَانِيًا

غَلَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَحَصَلَ الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ. قَالَ (وَإِذَا أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ صَبِيًّا حُرًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ حَقِيقَةً، وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ) وَكَذَا إذَا كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِأَقْوَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ وَمَا اُعْتُبِرَ قَوْلُهُمَا، وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ أَبَدًا، وَيَرْجِعُونَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ لَا لِنُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ قَاصِرُ الْأَهْلِيَّةِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَ عَبْدًا) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَبْدًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا (يُخَاطَبُ مَوْلَى الْقَاتِلِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ) وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ، وَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَقَلَّ مِنْ الْفِدَاءِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، وَكَذَا إذَا كَانَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ، أَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِجَرَيَانِهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. قَالَ (وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ يَفْدِيهِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَانْقَلَبَ مَالًا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَجَبَ الْمَالُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الرَّقَبَةِ أَوْ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا وَقَدْ سَقَطَ نَصِيبُ الْعَافِيَيْنِ وَهُوَ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ (فَإِنْ كَانَ قَتَلَ أَحَدَهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرَ خَطَأً فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَإِنْ فَدَاهُ الْمَوْلَى فَدَاهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا خَمْسَةُ آلَافٍ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّي الْعَمْدِ وَعَشَرَةُ آلَافٍ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ) لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَلَبَ الْعَمْدُ مَالًا كَانَ حَقُّ وَلِيَّيْ الْخَطَإِ فِي كُلِّ الدِّيَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَحَقُّ أَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فِي نِصْفِهَا خَمْسَةَ آلَافٍ، وَلَا تَضَايُقَ فِي الْفِدَاءِ فَيَجِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا (وَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِوَلِيَّيْ الْخَطَإِ، وَثُلُثُهُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَدْفَعُهُ أَرْبَاعًا: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَإِ، وَرُبْعُهُ لِوَلِيِّ الْعَمْدِ) فَالْقِسْمَةُ عِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ قَدْ يُضْمَنُ إذَا أَخَذَهُ دَيْنًا لَيْسَ بِشَرْحٍ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ، وَإِنَّمَا الْمُطَابِقُ لَهُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ قَدْ يُضْمَنُ إذَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِوَلِيَّيْ الْخَطَإِ، وَثُلُثُهُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَدْفَعُهُ أَرْبَاعًا إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَأَصْلُ هَذَا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ

فَيُسَلِّمُ النِّصْفَ لِوَلِيَّيْ الْخَطَإِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ، فَلِهَذَا يُقَسَّمُ أَرْبَاعًا. وَعِنْدَهُ يُقَسَّمُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ أَثْلَاثًا، لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ أَصْلُهُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالدُّيُونِ فَيَضْرِبُ هَذَا بِالْكُلِّ وَذَلِكَ بِالنِّصْفِ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادٌ ذَكَرْنَاهَا فِي الزِّيَادَاتِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ) (عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ مَوْلًى لَهُمَا) أَيْ قَرِيبًا لَهُمَا (فَعَفَا أَحَدُهُمَا) (بَطَلَ الْجَمِيعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَدْفَعُ الَّذِي عَفَا نِصْفَ نَصِيبِهِ إلَى الْآخَرِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ) وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَتَلَ وَلِيًّا لَهُمَا، وَالْمُرَادُ الْقَرِيبُ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ: عَبْدٌ قَتَلَ مَوْلَاهُ وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ إذَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، لِأَنَّهُ لَا تَضَايُقَ فِي الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَيَضْرِبُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ. أَمَّا إذَا وَجَبَتْ قِسْمَةُ الْعَيْنِ ابْتِدَاءً لَا بِسَبَبِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَهِيَ أَنَّ فُضُولِيًّا لَوْ بَاعَ عَبْدَ إنْسَانٍ كُلِّهِ وَفُضُولِيًّا آخَرَ بَاعَ نِصْفَهُ وَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَرْبَاعًا وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ فِي الْعَيْنِ ابْتِدَاءً لَا يَثْبُتُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ، لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ تَضِيقُ عَنْ الْحَقَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. وَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ:

وَلَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ. لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ عَلَى سَبِيلِ الشُّيُوعِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ لَهُ فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا، غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ فَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَالنِّصْفُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، فَمَا يَكُونُ فِي نَصِيبِهِ سَقَطَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا، وَمَا كَانَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بَقِيَ وَنِصْفُ النِّصْفِ هُوَ الرُّبْعُ فَلِهَذَا يُقَالُ: ادْفَعْ نِصْفَ نَصِيبِك أَوْ افْتَدَاهُ بِرُبْعِ الدِّيَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حَقَّ الْمَقْتُولِ لِأَنَّهُ بَدَلُ دَمِهِ، وَلِهَذَا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ بِهِ وَصَايَاهُ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَلَا تَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ لِوَلِيِّ الْخَطَإِ. وَرُبْعُهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ. لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْعَمْدِ كَانَ فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَفَرَغَ النِّصْفُ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ وَلِيِّ الْخَطَإِ بِهَذَا النِّصْفِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، بَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ وَلِيِّ الْخَطَإِ وَالسَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ فِي هَذَا النِّصْفِ فَصَارَ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْفُضُولِيَّيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَصْلَ حَقِّهِمَا لَيْسَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ بَلْ فِي الْأَرْشِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْمُتْلَفِ، وَالْقِسْمَةُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ تَكُونُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْخَطَإِ فِي عَشْرَةٍ وَحَقَّ شَرِيكِ الْعَافِي فِي خَمْسَةٍ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّةٍ، كَرَجُلٍ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَلْفٌ لِرَجُلٍ وَأَلْفَانِ لِآخَرَ مَاتَ الْمَدْيُونُ وَتَرَكَ أَلْفًا كَانَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ صَاحِبَيْ الدَّيْنِ أَثْلَاثًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ ثُلُثَاهَا لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ وَثُلُثُهَا لِصَاحِبِ الْأَلْفِ، فَكَذَا هَاهُنَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، لِأَنَّ

[فصل قتل عبدا خطأ]

[فَصْلٌ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً] (فَصْلٌ) . (وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا تُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ قَضَى لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً، وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَلْفًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا وَصَارَ كَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَكَالْغَصْبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ ابْتِدَاءً، إلَى هُنَا أَشَارَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ وَالْبَيَانِ صَاحِبَا الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ هُوَ الدَّفْعُ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجِبَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ فَمَا مَعْنَى بِنَاءِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ أَصْلَ حَقِّهِمَا لَيْسَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ بَلْ فِي الْأَرْشِ، وَهَلَّا يَقْتَضِي هَذَا أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ هُوَ الْفِدَاءُ دُونَ دَفْعِ عَيْنِ الْعَبْدِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ طَرِيقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَاهُنَا لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ يَنْبُو عَمَّا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ. . لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ، وَقَدَّمَ الْأَوْلَى تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْفَاعِلِيَّةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ حَقُّ الْأَدَاءِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ: إنَّمَا قَدَّمَ جِنَايَةَ الْعَبِيدِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْفَاعِلَ قَبْلَ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَكَذَا تَرْتِيبًا، أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ ذَاتَ الْفَاعِلِ قَبْلَ ذَاتِ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ ذَاتِ الْمَفْعُولِ قَبْلَ وُجُودِ ذَاتِ الْفَاعِلِ مُدَّةً طَوِيلَةً، مَثَلًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمْرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ وَعُمْرُ الْجَانِي عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ فَاعِلِيَّةَ الْفَاعِلِ قَبْلَ مَفْعُولِيَّةِ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَهُوَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمَفْعُولِيَّةَ وَالْفَاعِلِيَّةَ تُوجَدَانِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ آنُ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِالْمَفْعُولِ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِ، إذْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَّصِفُ الْفَاعِلُ بِالْفَاعِلِيَّةِ وَلَا الْمَفْعُولُ بِالْمَفْعُولِيَّةِ، وَكُلُّ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا، وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، إذْ الْغَصْبُ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى الْمَالِ، وَبَقَاءُ الْعَقْدِ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ حَتَّى يَبْقَى بَعْدَ قَتْلِهِ عَمْدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ أَمْرُ الدِّيَةِ، وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا، بِخِلَافِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحُرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْفَطِنِ الْعَارِفِ بِالْقَوَاعِدِ. (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا وَهِيَ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ مُطْلَقًا فِيمَنْ قَتَلَ خَطَأً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِيمَنْ قَتَلَ الْعَبْدَ أَيْضًا خَطَأً هُوَ الدِّيَةُ الَّتِي تَكُونُ وَاجِبَةً بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَفَاوَتَ دِيَاتُ الْعَبِيدِ فِي الْمِقْدَارِ لِتَسَاوِيهِمْ فِي الْآدَمِيَّةِ، كَمَا لَا تَتَفَاوَتُ دِيَاتُ الْأَحْرَارِ فِي الْقِيمَةِ لِتَسَاوِيهِمْ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ بِوُجُوهٍ شَتَّى، مَعَ أَنَّ دِيَاتِ الْعَبِيدِ تَتَفَاوَتُ فِي الْمِقْدَارِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ قِيمَتِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا بِلَا خِلَافٍ، وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ حَتَّى وَرَدَ عَلَيْهِ الْمِلْكُ بِلَا خِلَافٍ وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا لَا مَحَالَةَ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إذْ الْعَكْسُ يُفْضِي إلَى إهْدَارِهِمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ أَصْلٌ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ بِهَا، وَفِي إهْدَارِ الْأَصْلِ إهْدَارُ التَّابِعِ، وَإِهْدَارُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِمَا انْتَهَى، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِصُورَةِ الْغَصْبِ فَإِنَّ فِيهَا إهْدَارَ الْأَصْلِ دُونَ التَّابِعِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِوَارِدٍ، فَإِنَّ إهْدَارَ أَحَدِهِمَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا وُجِدَ إتْلَافُهُمَا مَعًا فَاعْتُبِرَ أَحَدُهُمَا وَأُهْدِرَ الْآخَرُ بِأَنْ يُعْطَى لِإِتْلَافِ أَحَدِهِمَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ دُونَ إتْلَافِ الْآخَرِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ إتْلَافَ آدَمِيَّةٍ وَمَالِيَّةٍ مَعًا، بِخِلَافِ الْغَصْبِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إتْلَافُ الْآدَمِيَّةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْحَاصِلُ بِهِ إتْلَافُ الْمَالِيَّةِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ عَنْهُ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِيهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ، إذْ الْغَصْبُ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى الْمَالِ، فَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ إتْلَافُ الْآدَمِيَّةِ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ إهْدَارُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْآدَمِيَّةُ، فَإِنَّ مَعْنَى إهْدَارِهِ أَنْ لَا يُعْطَى لِإِتْلَافِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إتْلَافُهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ إهْدَارُهُ تَفَكَّرْ. (قَوْلُهُ وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَشَاعَ فِي عِلْمِ الْفُرُوعِ أَيْضًا

مُقَدَّرَةٌ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَقَصْنَا مِنْهَا فِي الْعَبْدِ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ، وَتَعْيِينُ الْعَشَرَةِ بِأَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَالَ (وَفِي يَدِ الْعَبْدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً) لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَتُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ، وَيَنْقُصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ، وَكُلُّ مَا يُقَدَّرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ إذْ هُوَ بَدَلُ الدَّمِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنْ غَصَبَ أَمَةً قِيمَتُهَا عِشْرُونَ أَلْفًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ تَمَامُ قِيمَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْمَالِيَّةِ. قَالَ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْيَدِ، وَمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَعْتِقَهُ وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الرَّأْيَ وَالْقِيَاسَ لَا يَجْرِيَانِ فِي الْمَقَادِيرِ، بَلْ إنَّمَا تُعْرَفُ الْمَقَادِيرُ بِالسَّمْعِ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّقْدِيرُ بِالْقِيمَةِ هُنَا بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ سَمْعٍ؟ وَأَيْضًا أَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي نَفْسِ الْآدَمِيَّةِ لَا مَحَالَةَ، وَعَنْ هَذَا لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةُ، كَالتَّكْلِيفِ بِالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ شَرَائِعِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ تَقْدِيرُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِقِيمَتِهِمْ وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْقِيَمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ غَصَبَ أَمَةً قِيمَتُهَا عِشْرُونَ أَلْفًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ تَمَامُ قِيمَتِهَا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَرَّةً فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَلْفًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَمَا وَجْهُ الْإِعَادَةِ هُنَا، وَتَكْرَارُ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ كَمَا لَا يَخْفَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَ هُنَا فَإِنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبِدَايَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَ فِيمَا قَبْلُ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ فَرْقًا بَيْنَ مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْعَبْدِ خَطَأً وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ غَصْبِهِ فِي الْحُكْمِ، حَيْثُ يَجِبُ فِي الْأُولَى أَقَلُّ مِنْ عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ، وَيَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ وَجَمْعًا لِدَلِيلَيْ تَيْنِكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْبَيَانِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ،

لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى وَفِيهِ الْكَلَامُ، وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ لِأَنَّ الْمُلْكَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ إذَا قُتِلَ، لِأَنَّ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْحَقِّ ثَابِتٌ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا زَالَ الِاشْتِبَاهُ. وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْخِلَافِيَّةِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ سِوَى الْمَوْلَى أَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّهُ الْمِلْكُ عَلَى اعْتِبَارِ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَالْوِرَاثَةُ بِالْوَلَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأُخْرَى، فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ إلَخْ) وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ مَا مَعْنَى هَذَا التَّرَدُّدِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِيمَا لَوْ ضَرَبَ الْأَمَةَ الْحَامِلَةَ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْأَمَةَ ثُمَّ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ الْوَلَدُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الضَّرْبِ حَتَّى تَجِبَ الْقِيمَةُ لَا الدِّيَةُ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا فِي بَيَانِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّا اعْتَبَرْنَا حَالَتَيْ الضَّرْبِ وَالتَّلَفِ مَعًا، فَأَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الضَّرْبِ، وَأَوْجَبْنَا قِيمَتَهُ حَيًّا اعْتِبَارًا لِحَالَةِ التَّلَفِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ مُفَصَّلًا فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ الْجَنِينِ فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ حَفِظَ بَعْضَ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ وَنَسِيَ بَعْضَهُ فَزَعَمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ حَالَةُ الضَّرْبِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ الْكَلَامُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: أَيْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ سِوَى الْمَوْلَى. وَقَالَ: وَوَصَلَ شَيْخِي بِخَطِّهِ الضَّمِيرَ فِي وَفِيهِ إلَى وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ لَكِنْ مَآلُ ذَلِكَ إلَى مَا قُلْنَا اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَوْلُهُ وَفِيهِ الْكَلَامُ: أَيْ فِي وُجُوبِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى، وَلَا كَلَامَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِإِفَادَةِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِذَا فَاتَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: قَوْلُهُ وَفِيهِ الْكَلَامُ: أَيْ كَلَامُنَا فِي تَحَقُّقِ اشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ: يَعْنِي أَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِتَحَقُّقِ اشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَقَدْ تَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ اهـ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ وَفِيهِ الْكَلَامُ: أَيْ وَفِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى، وَنَقَلَ سَائِرَ الْأَقْوَالِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ وَقِيلَ وَقِيلَ. أَقُولُ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدِي، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَعْدَ أَنْ قَالَ فِيمَا قَبْلُ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَرِيدًا بِهِ مَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً كَيْفَ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى أَنْ يَقُولَ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى، وَهَلَّا يَكُونُ هَذَا لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شَيْخُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَلَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الرَّكَاكَةِ، بَلْ عَنْ اللُّغَوِيَّةِ أَيْضًا كَمَا يُدْرِكُهُ الذَّوْقُ الصَّحِيحُ. وَإِنَّمَا الْحَقُّ الصَّرِيحُ هُنَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ، إذْ يَنْتَظِمُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ جِدًّا وَيَتَعَلَّقُ الْكَلَامُ بِقَرِيبِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي تَفْسِيرِ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ: أَيْ الَّذِي

كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا فَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ، وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجُرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ. وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَالُوا: فَإِنَّهُ يُحْتَرَزُ بِهَذَا عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ قَرْضٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْمَالِ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْوَالُ مِمَّا يَقَعُ فِيهَا الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الشُّرُوحِ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ بِاَلَّذِي لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ إنَّمَا يَكُونُ عَمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْأَمْوَالُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْوَالَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ أَنَّ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَتُقْبَلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ مَالًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَالٍ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ بِالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ، فَإِنَّهُ اسْتَشْهَدَ بَعْدَهُ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا اسْتَشْهَدَ بَعْدَهُ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدَ بِعَدَمِ حِلِّهِ كَمَا تَرَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ لَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ قَطْعًا. نَعَمْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ أَوْ بِشُبْهَةِ الْمَحَلِّ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. فَإِنَّ وَجْهَ الْخَلَلِ الْأَوَّلِ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ بِعَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ يَبْقَى الْخَلَلُ الثَّانِي بِلَا تَحَمُّلِ تَوْجِيهٍ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ فِي نَقْلِ عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ بَدَلٌ وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَالَ لَفْظَةُ " مَا " نَافِيَةٌ. أَقُولُ: نُسَخُ الْعِنَايَةِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا لَا تُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّةِ ذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هُنَا، لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ بِالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ لَزِمَ أَنْ يَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ الْأَمْوَالِ بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الدِّمَاءِ وَلَا مِنْ الْفُرُوجِ، فَإِنْ كَانَ عِبَارَةُ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ اسْتَشْهَدَ بَعْدَهُ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَهُوَ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَكَانَ لَفْظَةُ مَا نَافِيَةً لَزِمَ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ مِثْلُ النَّظَرِ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّرُوحِ بِأَنْ يُقَالَ: الْأَمْوَالُ أَيْضًا لَا تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ عَلَى زَعْمِك فَصَارَتْ كَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، فَمَا مَعْنَى الِاحْتِرَازِ عَنْهَا بِتَفْسِيرِ مَا يُحْتَاطُ فِيهِ بِالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا عَدَّهُ أَوْلَى مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ، وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجُرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ) هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يُصَيِّرُ النِّهَايَةَ

وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ هَاهُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُغَايِرُ مِلْكَ النِّكَاحِ حُكْمًا، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِذَاتِهِ بَلْ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَذَلِكَ فِي الْخَطَإِ دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ يَكُونُ لِلْمَيِّتِ لِحُرِّيَّتِهِ فَيُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَيُنَفَّذُ وَصَايَاهُ فَجَاءَ الِاشْتِبَاهُ. أَمَّا الْعَمْدُ فَمُوجِبُهُ الْقِصَاصُ وَالْعَبْدُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لَهُ فَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ إذْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي الْفَصْلَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ أَرْشُ الْيَدِ، وَمَا نَقَصَهُ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ، وَعِنْدَهُمَا الْجَوَابُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ جَرَحَ عَبْدَ إنْسَانٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَا الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ؛ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَبِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ الدَّلِيلَ وَهُوَ مُخَالَفَةُ النِّهَايَةِ لِلْبِدَايَةِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَبِانْقِطَاعِهِمَا يَبْقَى الْجُرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ كَأَنَّهُ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهِ جُرْحًا بِلَا سِرَايَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ نَظَرًا إلَى حَقِيقَةِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْقَتْلُ، لِأَنَّهُ إذَا سَرَى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ لَا قَطْعٌ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي السُّؤَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: أَرْشُ الْيَدِ دُونَ أَنْ يَقُولَ أَرْشُ الْجُرْحِ فَلَا وُرُودَ لِلسُّؤَالِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا، إذْ يَجِبُ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ، فَلَا مَجَالَ لِلسُّؤَالِ عَلَى دَلِيلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى مُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا هَاهُنَا عَلَى سَبِيلِ التَّنْوِيرِ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ جَرَحَ عَبْدَ إنْسَانٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَلِلسُّؤَالِ الْمَذْكُورِ وُرُودٌ، وَلَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ مَنْقُوضٌ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهَا أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ الْيَدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا تَحَقَّقْتُهُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي الْخَطَإِ دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ يَكُونُ لِلْمَيِّتِ لِحُرِّيَّتِهِ فَجَاءَ الِاشْتِبَاهُ) أَقُولُ: فِي هَذَا الْمَقَامِ ضَرْبٌ مِنْ الْإِشْكَالِ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى بِالْوِرَاثَةِ،

كَالْجَوَابِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ شُجَّا فَأَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَرْشُهُمَا لِلْمَوْلَى) لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمُعَيَّنِ وَالشَّجَّةُ تُصَادِفُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ (وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ، وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحِلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّهِمَا، وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحِلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتَبَرْنَاهُ إظْهَارًا مَحْضًا، وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ فَتَجِبُ قِيمَةُ عَبْدٍ وَدِيَةُ حُرٍّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكِينَ، لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِقَتْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْمَالِ عَلَى كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ هُوَ الْمَوْلَى فَلَا اشْتِبَاهَ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِلْعَبْدِ فَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ، إذْ لَا وَارِثَ سِوَاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ اخْتِلَافَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً كَافٍ فِي تَحَقُّقِ الِاشْتِبَاهِ الْمُقْتَضِي لِقَطْعِ الْإِعْتَاقِ السِّرَايَةِ وَاتِّحَادِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الِانْتِهَاءِ، وَالْمَالُ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي دَفْعِ ذَلِكَ يَتَّجِهُ الْإِشْكَالُ عَلَى صُورَةِ الْعَمْدِ، فَإِنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ فِي هَاتِيكَ الصُّورَةِ لِلْعَبْدِ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِلْمَوْلَى عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ حَقَّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثَابِتٌ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ كَمَا فِي الدِّيَةِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْقِصَاصِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْفِعْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فِي الْأَمْوَالِ، كَمَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً وَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدًا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ كُلُّهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فَيَلْزَمُ اشْتِبَاهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً فِي صُورَةِ الْعَمْدِ أَيْضًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ صُورَتَيْ الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ عَلَى قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءٌ فِي حَقِّهِمَا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ الْمُطَابِقُ لِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: فَاعْتُبِرَ إنْشَاءُ فِي حَقِّ مَنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُهُمَا الْمُتَعَيَّنُ بِالْبَيَانِ

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرًّا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً، وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَثْبَتْنَا لَهُ وِلَايَةَ النَّقْلِ مِنْ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِي النَّفْسِ دُونَ الْأَطْرَافِ فَبَقِيَ مَمْلُوكًا فِي حَقِّهَا. قَالَ (وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ، فَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى دَفَعَ عَبْدَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ النُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُضَمِّنُهُ كُلَّ الْقِيمَةِ وَيُمْسِكُ الْجُثَّةَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الضَّمَانَ مُقَابِلًا بِالْفَائِتِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ، كَمَا إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ فَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَالِيَّةَ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا فِي حَقِّ الذَّاتِ قَصْرًا عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ (قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَالِيَّةَ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارَهَا فِي حَقِّ الذَّاتِ قَصْرًا عَلَيْهِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ فِي حِلِّ هَذَا الْمَقَامِ: يَعْنِي أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ كَمَا أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الذَّاتِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّاتِ قَصْرًا عَلَيْهِ: أَيْ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّاتِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ سَاقِطٌ بِالْإِجْمَاعِ: يَعْنِي لَمْ يَقْتَصِرْ اعْتِبَارُ الْمَالِيَّةِ عَلَى الذَّاتِ فَحَسْبُ، بَلْ اُعْتُبِرَتْ فِي حَقِّ الذَّاتِ وَالْأَطْرَافِ جَمِيعًا، هَذَا زُبْدَةُ مَا قَالُوا. أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مُنَافِيًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَصْلِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ فِيهِ: أَيْ فِي الْعَبْدِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ حَتَّى كَانَ مُكَلَّفًا وَفِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَالْآدَمِيَّةُ أَعْلَاهُمَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا اهـ. فَإِنَّ مَدْلُولَ مَا قَالَهُ هُنَاكَ أَنَّ الْمَالِيَّةَ الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْآدَمِيَّةِ مُهْدَرَةٌ فِي حَقِّ ذَاتِ الْعَبْدِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآدَمِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرَةُ فِيهِ هِيَ الْآدَمِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَمَدْلُولُ كَلَامِهِ هُنَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ ذَاتِ الْعَبْدِ وَأَطْرَافِهِ جَمِيعًا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا فَبَيْنَهُمَا تَدَافُعٌ لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الْجُمْهُورِ قَالَ فِي تَقْرِيرِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَالِيَّةَ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا

وَقَدْ وُجِدَ إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَرِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَقَأَ عَيْنَيْ حُرٍّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، وَبِخِلَافِ عَيْنَيْ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَفِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَفَقْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَمَّا كَانَ مُعْتَبَرًا وَجَبَ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا فَاحِشًا إنْ شَاءَ الْمَالِكُ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ. وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ آخَرَ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ أَنْ تُبَاعَ رَقَبَتُهُ فِيهَا ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْأُولَى أَنْ لَا يَنْقَسِمَ عَلَى الْأَجْزَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ الذَّاتِ: أَيْ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَحْدِهِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ سَاقِطٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَوْجَبَ كَمَالَ الدِّيَةِ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِتَفْوِيتِ الْأَطْرَافِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ زَائِدٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ فَسَّرَ الذَّاتَ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ مِنْ الْأَطْرَافِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: بَدَنُ الْإِنْسَانِ جَسَدُهُ وقَوْله تَعَالَى {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس: 92] قَالُوا: بِجَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ اهـ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالذَّاتِ مَا يُقَابِلُ الْأَطْرَافَ وَهُوَ النَّفْسُ وَإِتْلَافُهَا بِإِزَالَةِ الرُّوحِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ عَلَّلَ سُقُوطَ اقْتِصَارِ اعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ عَلَى الذَّاتِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَوْجَبَ كَمَالَ الدِّيَةِ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِتَفْوِيتِ الْأَطْرَافِ، وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّ إيجَابَ الشَّرْعِ كَمَالِ الدِّيَةِ بِتَفْوِيتِ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إيجَابُهُ إيَّاهُ لِلْآدَمِيَّةِ كَمَا فِي الْحُرِّ تَدَبَّرْ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي حَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: يَعْنِي أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَطْرَافِ لَا فِي الذَّاتِ لِأَنَّهَا تَسْلُكُ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا لَا يَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَفَسَّرَ الذَّاتَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمَالِيَّةُ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ بِالْعَبْدِ حَيْثُ قَالَ: أَيْ فِي الْعَبْدِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا فِي حَقِّ الذَّاتِ قَصْرًا عَلَيْهِ: يَعْنِي أَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ مُقْتَصَرًا فِي النَّفْسِ لَا فِي الْأَطْرَافِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بَدَلُ الْآدَمِيَّةِ لَا بَدَلَ الْمَالِيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يُجَاوِزُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ بَلْ يَنْقُصُ عَشَرَةً فَتَكُونُ الْمَالِيَّةُ فِي الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ الْأَطْرَافِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُطَابِقُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِي اسْتِفَادَتِهِ مَنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا تَمَحُّلٌ كَثِيرٌ كَمَا تَرَى، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مِنْ قِبَلِ أَبِي يُوسُفَ، وَكَلَامُهُ هُنَا مَسُوقٌ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ أَئِمَّتِنَا جَمِيعًا وَلِهَذَا قَالَ: وَنَحْنُ نَقُولُ: فَلَا بُدَّ أَنْ يُطَابِقَ لِأَصْلِهِمْ جَمِيعًا وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا لَيْسَ بِخَالٍ عَنْ الِاضْطِرَابِ كَمَا لَا يَذْهَبُ عَلَى الْفَطِنِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَفَطَّنَ لَهُ حَيْثُ تَرَكَ أُسْلُوبَ تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَسَلَكَ مَسْلَكًا آخَرَ فِي التَّقْرِيرِ وَالْبَيَانِ مَعَ كَوْنِ عَادَتِهِ أَنْ يَقْتَفِيَ أَثَرَ الْمُصَنِّفِ فِي وَضْعِ الْمَسَائِلِ وَتَقْرِيرِ الدَّلَائِلِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا)

[فصل في جناية المدبر وأم الولد]

وَلَا يَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ، وَمِنْ أَحْكَامِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَنْقَسِمَ وَيَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ. (فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَلِأَنَّهُ صَارَ مَانِعًا عَنْ تَسْلِيمِهِ فِي الْجِنَايَةِ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَالْآدَمِيَّةَ مُعْتَبَرَتَانِ مَعًا فِي ذَاتِ الْعَبْدِ: أَيْ نَفْسِهِ وَأَطْرَافِهِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ مَرَّ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَاتِ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هِيَ الْآدَمِيَّةُ دُونَ الْمَالِيَّةِ، فَإِنَّهَا مُهْدَرَةٌ فِي ذَاتِهِ عِنْدَهُمَا فِي فَصْلِ الْجِنَايَةِ، وَلِهَذَا لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يَنْقُصُ عَنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ هُمَا فَكَانَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَقَامَيْنِ تَدَافُعٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ هُنَا إنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ عَلَى مُجَرَّدِ الْفَرْضِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ فُرِضَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ لَكِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ. (فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) [فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ] لَمَّا ذَكَرَ بَابَ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةَ عَلَيْهِ قَدَّمَ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ فِي اسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ الْعَبْدُ، ثُمَّ ذَكَرَ فَصْلَ مَنْ هُوَ أَحَطُّ رُتْبَةً فِي اسْمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ أَنَّ الْمِلْكَ كَامِلٌ فِي الْمُدَبَّرِ

غَيْرِ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ فَصَارَ كَمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ، وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلَا تَخْيِيرَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لِاخْتِيَارِهِ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ، بِخِلَافِ الْقِنِّ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ صَادِقَةٌ فِي الْأَعْيَانِ فَيُفِيدُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ (وَجِنَايَاتُ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ تَوَالَتْ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةٍ) لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إلَّا فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ كَدَفْعِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ فَهَذَا كَذَلِكَ، وَيَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِيهَا، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَتَحَقَّقُ. قَالَ (فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَقَدْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى بِقَضَاءٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ الْقِيمَةَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً فَقَدْ دَفَعَ كُلَّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ بِالْقَضَاءِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى جَانٍ بِدَفْعِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ طَوْعًا، وَوَلِيُّ الْأُولَى ضَامِنٌ بِقَبْضِ حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُمِّ الْوَلَدِ دُونَ الرِّقِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ عَلَى الْعَكْسِ اهـ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَنْهُ مِنْ طَرَفِ الشُّرَّاحِ أَنَّ كَمَالَ الْمِلْكِ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَمْلِكُهُمَا الْمَوْلَى يَدًا وَرَقَبَةً، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ مَوْلَاهُ يَمْلِكُهُ رَقَبَةً لَا يَدًا كَمَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ لَا يُنَافِي أَكْمَلِيَّةَ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ، فَإِنَّ مَوْلَاهُ كَمَا يَمْلِكُهُ يَدًا وَرَقَبَةً يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَاتِ عَامَّةِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ مَوْلَاهُمَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَأَشْبَاهِهَا لِأَنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ ذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ أَيْضًا فِي مَحَلِّهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَكْمَلِيَّةَ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ كَافِيَةٌ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي الذِّكْرِ فِي بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَفْصَحَ

[باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك]

ظُلْمًا فَيَتَخَيَّرُ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشَارِكُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَمُتَأَخِّرَةٌ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا فَجُعِلَتْ كَالْمُقَارِنَةِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ لِإِبْطَالِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ فَصَارَ وُجُودُ الْإِعْتَاقِ مِنْ بَعْدُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ (وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مَانِعٌ مِنْ الدَّفْعِ كَالتَّدْبِيرِ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ عَتَقَ أَوْ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْخَطَإِ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِقْرَارَهُ بِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَى السَّيِّدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ عِبَارَةُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالُوا: قَدَّمَ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ فِي اسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ الْعَبْدُ تَبَصَّرْ. [بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ] (بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: يَعْنِي لَمَّا عَمِلْنَا بِشَبَهِ التَّأَخُّرِ فِي ضَمَانِ الْجِنَايَةِ حَتَّى اعْتَبَرْنَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا وَجَبَ أَنْ نَعْمَلَ بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ فِي حَقِّ تَضْمِينِ نِصْفِ الْمَدْفُوعِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: قَدْ تَحَقَّقَ الْعَمَلُ بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ فِي حَقِّ تَشْرِيكِ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، إذْ لَوْلَا الْعَمَلُ بِذَلِكَ لَكَانَ الْمَدْفُوعُ كُلُّهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، خَاصَّةً لِتَقَدُّمِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْمَدْفُوعِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَكِنْ لَمَّا جَعَلْنَاهُ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةً لِلْأُولَى حُكْمًا عَمِلْنَا بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ فَشَرَكْنَا وَلِيَّ الثَّانِيَةِ لِوَلِيِّ الْأُولَى كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةً حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشَارِكُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، فَإِذَا وَقَعَ الْعَمَلُ بِشَبَهِ الْمُقَارَنَةِ مَرَّةً فَقَدْ وُجِدَ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْعَمَلِ بِشَبَهِهِمَا مَرَّةً أُخْرَى بِتَضْمِينِ بَعْضِ الْمَدْفُوعِ لِلْمَوْلَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمَقَامِ: جُعِلَتْ الثَّانِيَةُ كَالْمُقَارِنَةِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الثَّانِي، وَلَمْ تُجْعَلْ كَالْمُقَارِنَةِ إذَا وَقَعَ بِقَضَاءٍ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ بِالدَّفْعِ عَمَلًا بِشَبَهَيْ الْمُقَارَنَةِ وَالتَّأَخُّرِ اهـ. وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقِيلَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِشَيْءٍ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّبَهَيْنِ أَمْرٌ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. فَلَمَّا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ مَا إذَا وَقَعَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ لَمْ يَصِحَّ الْمَصِيرُ فِي اعْتِبَارِ الْعَمَلِ بِهِمَا إلَى التَّوْزِيعِ عَلَى مَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا فَعَلَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَصِحُّ ذَاكَ لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْعَمَلُ بِهِمَا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. بَلْ كَانَ اعْتِبَارُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ. ثُمَّ إنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: يَتَحَقَّقُ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ بِأَنْ تُجْعَلَ الثَّانِيَةُ كَالْمُقَارَنَةِ لِلْأُولَى فِي حَقِّ تَشْرِيكِ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ لِوَلِيِّ الْأُولَى، وَأَنْ تُجْعَلَ مُتَأَخِّرَةً عَنْهَا مِنْ حَيْثُ إنْ يَعْتَبِرَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَقْتَضِ الْعَمَلَ بِهِمَا مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى.

[باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك]

(بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) قَالَ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ وَمَاتَ فِي يَدِهِ مِنْ الْقَطْعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَطَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ، وَلَمْ يُوجَدْ الْقَاطِعُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَكَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ] (بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَا يُرَدُّ مِنْهُ وَذَكَرَ حُكْمَ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ وَفُتُورٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وَجْهَ ذِكْرِ غَصْبِ الْعَبْدِ فِي هَذَا الْبَابِ كَانَ ضَائِعًا عَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى الْمُدَبَّرِ وَيُرَدُّ مِنْهُ مِنْ قَبِيلِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ الْجِنَايَةِ مِنْهُ فَكَانَ مِنْ حُكْمِ الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ. فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَا يُرَدُّ مِنْهُ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ بِمُلْحَقٍ بِالْمُدَبَّرِ فِي حُكْمِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ الْمُتَأَمِّلِ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ. نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّ مُلْحَقًا بِالْمُدَبَّرِ بَلْ بِالْعَبْدِ فِي كَوْنِهِ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذِكْرَ حُكْمِهِ فِي هَذَا الْبَابِ دُونَ الْبَابِ السَّابِقِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فِي قَوْلِهِ وَذِكْرِ حُكْمِ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا وَمَا يُرَدُّ مِنْهُمَا وَذَكَرَ حُكْمَ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمَا اهـ. أَقُولُ: وَقَعَ فِيهِ تَدَارُكُ دَفْعِ الْمَحْذُورِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَحْذُورَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى تَقْرِيرِ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَلَكِنْ بَقِيَ الْمَحْذُورَانِ الْأَخِيرَانِ مِنْهَا وَارِدَيْنِ عَلَيْهِ أَيْضًا كَمَا تَرَى. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لَمَّا ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ جِنَايَتَهُمَا مَعَ غَصْبِهِمَا لِأَنَّ الْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ ثُمَّ جَرَّ كَلَامُهُ إلَى بَيَانِ حُكْمِ غَصْبِ الصَّبِيِّ اهـ. وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: هَذَا أَشْبَهُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ التَّقْرِيرُ بِأَحْسَنَ مِنْهُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ إلَخْ) وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، ثُمَّ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: إلَّا أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَذْهَبَنَا، فَإِنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا، لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَقْطَعُ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ بِهِ إذَا مَلَكَ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي آخِرِ رَهْنِ الْجَامِعِ وَالْبَابِ الثَّانِي مِنْ جِنَايَاتِهِ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ هُنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ أَقْطَعَ لِأَنَّ السِّرَايَةَ وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ فَالْغَصْبُ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَانْعَقَدَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْهُ الْغَاصِبُ إلَّا إذَا ارْتَفَعَ الْغَصْبُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَرْتَفِعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ، وَيَدُ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَغْصُوبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَيَدُ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ السِّرَايَةِ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً لِأَنَّ بَعْدَ الْغَصْبِ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَالثَّابِتُ حُكْمًا دُونَ الثَّابِتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْغَصْبُ بِاتِّصَالِ السِّرَايَةِ إلَى فِعْلِ الْمَوْلَى فَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَنَى

السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا، كَيْفَ وَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِرْدَادٌ فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ. قَالَ (وَإِذَا غَصَبَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ) لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فَيَصِيرُ مُبْطِلًا حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ إذْ حَقُّهُمْ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى قِيمَتِهَا، وَيَكُونُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُوجَبِ. قَالَ (وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْبَدَلِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعَبْدِ بِهَذَا السَّبَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ بَعْدَ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْغَصْبَ يَرْتَفِعُ بِهَا، إلَى هُنَا كَلَامُ قَاضِي خَانْ. وَقَدْ نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَبَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ أَوْرَدَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ نَظَرًا حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ حُكْمًا، فَإِنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَدَانِ حُكْمِيَّتَانِ بِكَمَالِهِمَا وَالْيَدُ الْحَقِيقِيَّةُ وَاجِبَةُ الرَّفْعِ لِكَوْنِهَا عُدْوَانًا لَا تَصْلُحُ مُعَارِضًا وَلَا مُرَجِّحًا انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، إذْ لَا وَجْهَ لِمَنْعِ ثُبُوتِ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ حُكْمًا، فَإِنَّ مَعْنَى ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ حُكْمًا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الْيَدِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ

قَالَ (وَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيُسَلِّمُ لَهُ) لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَكِيلَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ. وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا يَأْخُذُهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِمَا أَخَذَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا سَنَدُ مَنْعِهِ فَلَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَدَانِ حُكْمِيَّتَانِ بِكَمَالِهِمَا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ ثُبُوتَ يَدِ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ سِرَايَةِ الْقَطْعِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ فِي يَدِهِ، وَثُبُوتُ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَاخْتَلَفَتْ الْجِهَتَانِ (بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيُسَلِّمُ لَهُ، لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ جَوَابًا عَنْهُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامَيْنِ: وَهُمَا يَقُولَانِ لَيْسَ هَذَا عِوَضَ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، بَلْ هُوَ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ كَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضَ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَقَعَتْ عِنْدَ الْمَوْلَى لَا عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَأَنَّى يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضًا عَمَّا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ مُدَبَّرِهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ، وَالْعُهْدَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى ذِي الْيَدِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا لَا رَيْبَ فِيهِ. وَعَنْ هَذَا فَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ الَّتِي هِيَ عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ وَافَقَ الْإِمَامَيْنِ هُنَاكَ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْغَاصِبِ وَدَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ اهـ. أَقُولُ: هَذَا قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، إلَّا أَنَّ فِي تَقْرِيرِهِ مَسَاغَ التَّخَلُّصِ عَمَّا أَوْرَدْنَاهُ عَلَى تَقْرِيرِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ اعْتَبَرَ التَّعَارُضَ فِي جَانِبِ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لَا فِي جَانِبِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ. ثُمَّ إنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ إلَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ: وَجَوَابُهُ مَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ أَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى مِنْ الْعَبْدِ فِيمَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْغَاصِبِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يُعْتَبَرُ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ بَلْ يُعْتَبَرُ بَدَلًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بَدَلًا عَنْ عَيْنٍ فِي حَقِّ إنْسَانٍ، وَيَكُونُ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا بَاعَ الْخَمْرَ وَقَضَى مِنْهُ دَيْنَ الْمُسْلِمِ يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ بَدَلَ الْخَمْرِ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بَدَلَ دَيْنِهِ كَذَا هَاهُنَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةً لِلْأُولَى حُكْمًا فَكَيْفَ يَكُونُ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ

عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، غَيْرَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ حَصَلَ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ إذْ كَانَتْ هِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ فَقَالَ (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ فَجَنَى جِنَايَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيُسَلِّمُ لَهُ) ، وَإِنْ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ فَجَنَى فِي يَدِهِ دَفَعَهُ الْمَوْلَى نِصْفَيْنِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ (وَالْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ كَالْجَوَابِ فِي الْمُدَبَّرِ) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ يَدْفَعُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ وَفِي الْأَوَّلِ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ ثُمَّ جَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ مَنَعَ رَقَبَةً وَاحِدَةً بِالتَّدْبِيرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ (ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ (فَيَدْفَعُ نِصْفَهَا إلَى الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ، لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِحُكْمِ الْمُزَاحِمَةِ مِنْ بُعْدٍ. قَالَ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ وَيُسَلِّمُ لَهُ، وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَلَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ وَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ. ثُمَّ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَالْأُولَى، وَقِيلَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقَارَنَةَ جُعِلَتْ حُكْمًا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ لَا غَيْرُ، وَالْأُولَى مُتَقَدِّمَةٌ حَقِيقَةً وَقَدْ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِكُلِّ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ مُزَاحِمٍ وَأَمْكَنَ تَوْفِيرُ مُوجَبِهَا فَلَا يَمْتَنِعُ بِلَا مَانِعٍ اهـ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ جُعِلَتْ حُكْمًا فِي التَّضْمِينِ لَا غَيْرُ بَلْ جُعِلَتْ حُكْمًا أَيْضًا فِي حَقِّ مُشَارَكَةِ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشَارِكُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ الْأُولَى اهـ. فَإِذَا جُعِلَتْ الْمُقَارَنَةُ حُكْمًا فِي حَقِّ مُشَارَكَةِ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا كَانَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ مُزَاحِمًا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِي اسْتِحْقَاقِهِ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، فَكَيْفَ يَأْخُذُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَحْدَهُ كُلَّ الْقِيمَةِ مَعَ مُزَاحَمَةِ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ الِاعْتِبَارُ لِتَقَدُّمِ الْأُولَى حَقِيقَةً دُونَ الْمُقَارَنَةِ الْحُكْمِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ وَلِيُّ الثَّانِيَةِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ الشَّافِي. (بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) (قَوْلُهُ وَلَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ يَتَعَلَّقُ رَأْسًا بِنِصْفِ

الِاتِّفَاقِ. وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ فِي الْأُولَى الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ عِوَضٌ عَمَّا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ صَاعِقَةٍ أَوْ نَهْسَةِ حَيَّةٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا صَغِيرًا لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا، فَإِذَا كَانَ الصَّغِيرُ حُرًّا رَقَبَةً وَيَدًا أَوْلَى. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَكِنْ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَهَذَا إتْلَافٌ تَسْبِيبًا لِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّوَاعِقَ وَالْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان، فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيمَةِ لَا بِكُلِّهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى الْمَوْلَى بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَثُلُثُهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى قَدْ تَعَلَّقَ بِكُلِّ الْقِيمَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ يَكُونُ حَقُّهُ فِي الْقِيمَةِ نِصْفَ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَضَارَبَا فِي الْقِيمَةِ بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا فِيهَا، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ إذَا تَوَالَتْ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَوْلِيَاءُ الْجِنَايَاتِ يَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِكُلِّ الْقِيمَةِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ نِصْفُهَا بِالتَّزَاحُمِ فَيَكُونُ حَقُّهُ الْبَاقِي لَهُ نِصْفُهَا، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ الْمَوْلَى مَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي كُلِّ الْقِيمَةِ كَوْنُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ نِصْفُهَا بِالتَّزَاحُمِ، فَلَمَّا انْدَفَعَ التَّزَاحُمُ بِوُصُولِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى إلَيْهِ بِتَمَامِهِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي النِّصْفِ السَّاقِطِ بِالتَّزَاحُمِ إلَيْهِ كَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنْ يَخْتَارَ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَيُقَالُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ: إنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ الْقِيمَةِ ثُمَّ يُنْتَقَصُ نِصْفُهَا بِتَزَاحُمِ الثَّانِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ بِالْكُلِّيَّةِ وَحَقُّ الثَّانِي أَيْضًا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّهَا وَلَكِنْ يَسْقُطُ نِصْفُهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِتَزَاحُمِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِ الْأَوَّلِ عِنْدَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، فَانْعَقَدَتْ سَبَبًا مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ الْقِيمَةِ، وَانْتِقَاصُ حَقِّهِ إنَّمَا كَانَ يُعَارِضُ حُدُوثَ الْمُزَاحَمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا وُجِدَتْ وَالْمُزَاحِمُ مُقَارِنٌ فَلَمْ تَنْعَقِدْ سَبَبًا مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ فَسَقَطَ مَا وَرَاءَ النِّصْفِ وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ فَلَا يَعُودُ كَمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَمَرَّ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ الْكِتَابِ، هَذَا غَايَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْكَلَامِ فِي تَوْجِيهِ الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ

أَزَالَ حِفْظَ الْوَلِيِّ فَيُضَافُ إلَيْهِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا كَالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ، بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ نَقُولُ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسْبِيبًا. قَالَ (وَإِذَا أُودِعَ صَبِيٌّ عَبْدًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَعَلَى هَذَا إذَا أُودِعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ وَالْإِعَارَةُ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: صَبِيٌّ قَدْ عَقَلَ، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي صَبِيٍّ ابْنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ لَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا حَقًّا لِمَالِكِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا وَكَمَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ الْمُودَعِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَ الْمَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةَ وَإِنْ حَصَلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَكِنْ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْهُ حَقَّهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَبْقَ لِوَلِيِّهَا اسْتِحْقَاقٌ حَتَّى يَجْعَلَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْغَاصِبِ ثَانِيًا فِي مُقَابَلَةِ مَا أَخَذَهُ اهـ. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ نَاشِئٌ مِنْ غَلَطٍ فِي اسْتِخْرَاجِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ الشَّارِحَ الْمَذْكُورَ زَعَمَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِمَا يُجْعَلُ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا فَبَنَى نَظَرَهُ الْمَزْبُورَ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ النِّصْفُ الَّذِي كَانَ حَقًّا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَرَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي ضِمْنِ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ فَلَا اتِّجَاهَ أَصْلًا لِمَا قَالَ، وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ.

[باب القسامة]

فِي يَدٍ مَانِعَةٍ فَلَا يَبْقَى مُسْتَحِقًّا لِلنَّظَرِ إلَّا إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ، وَلَا إقَامَةَ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّبِيِّ الَّذِي وَضَعَ فِي يَدِهِ الْمَالَ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَ مَالًا ضَمِنَ) يُرِيدُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيدَاعٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ، وَصِحَّةُ الْقَصْدِ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْقَسَامَةِ] قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَاتِلَهُ ذَكَرَهَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فِي آخِرِ الدِّيَاتِ. ثُمَّ إنَّ الْقَسَامَةَ فِي اللُّغَةِ:

يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَقْضِي لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَوْتُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْإِقْسَامِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنْ الْمُغْرِبِ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الْقَسَامَةُ لُغَةً مَصْدَرُ أَقْسَمَ قَسَامَةً أَوْ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْإِقْسَامِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يُرَى وَجْهُ صِحَّةٍ لِكَوْنِ الْقَسَامَةِ مَصْدَرَ أَقْسَمَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِعِلْمِ الْأَدَبِ وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَهِيَ أَيْمَانٌ يُقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ بِهِ أَثَرُ جِرَاحَةٍ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ وَمَا عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا إذَا وَجَدَ الْقَتِيلَ لَا فِي مَحَلَّةٍ وَلَا فِي دَارٍ بَلْ فِي مَوْضِعٍ خَارِجٍ مِنْ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ قَرِيبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا قَسَامَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ بَنَى الْكَلَامَ عَلَى مَا هُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا، لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَعْرِيفٍ لِمَعْنَى الْقَسَامَةِ فِي الشَّرِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا وَمَانِعًا كَمَا لَا يَخْفَى. فَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ قُيُودٌ وَيُقَالُ: هِيَ فِي الشَّرِيعَةِ أَيْمَانٌ يُقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ مَوْضِعٍ خَارِجٍ مِنْ مِصْرَ أَوْ قَرْيَةٍ قَرِيبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ إذَا وُجِدَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَتِيلٌ بِهِ أَثَرٌ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ وَلَا عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ دَارِ رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ إنْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ يُقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ وَلَا عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ سَمَاجَةٌ لَا تَخْفَى، فَإِنَّ مَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ الْقَسَامَةِ لَا تَفْسِيرُ الْقَسَامَةِ شَرْعًا، فَإِنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ، وَمَا ذُكِرَ فِيهَا تَصْدِيقٌ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِيَّاتِ كَمَا تَرَى، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ تَفْسِيرُ الْقَسَامَةِ شَرْعًا بِتَدْقِيقِ النَّظَرِ، لَكِنَّهُ فِي مَوْضِعِ بَيَانِ مَعْنَى الْقَسَامَةِ شَرْعًا فِي أَوَّلِ الْبَابِ تَعَسُّفٌ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ. ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا شَرْطُهَا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمُ رَجُلًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَسَامَةِ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَيِّتِ الْمَوْجُودِ أَثَرُ الْقَتْلِ، وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ. وَمِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا تَكْمِيلُ الْيَمِينِ بِالْخَمْسِينَ انْتَهَى. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ شُرُوطَهَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ بِمَا ذَكَرَ، فَإِنَّ مِنْهَا أَيْضًا أَنْ لَا يُعْلَمَ قَاتِلُهُ، فَإِنْ عُلِمَ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَكِنْ يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَا قَسَامَةَ فِي بَهِيمَةٍ وُجِدَتْ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَلَا غُرْمَ فِيهَا. وَمِنْهَا الدَّعْوَى مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ لَا تَجِبُ بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى. وَمِنْهَا إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَظِيفَةُ الْمُنْكِرِ، وَمِنْهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْقَسَامَةِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي وَحَقُّ الْإِنْسَانِ يُوفَى عِنْدَ طَلَبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيْمَانِ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ مِلْكًا لِأَحَدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا فِي يَدِ أَحَدٍ أَصْلًا فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْقَتِيلُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْمِلْكِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَمَذْهَبُهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُ الْيَمِينَ بَلْ يَرُدُّهَا عَلَى الْوَلِيِّ، فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبَدَاءِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَوْلِيَاءِ «فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ» وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ وَرَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَصْلٌ لَهُ كَمَا فِي النُّكُولِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ لَا يُجَامِعُهَا وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَهَا فَلِهَذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَدَأَ بِالْيَهُودِ بِالْقَسَامَةِ وَجَعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مَأْذُونٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ. نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى هَاتِيك الشُّرُوطِ كُلِّهَا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ تَفْصِيلٍ. فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَتَرْكِ أَكْثَرِهَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ مُكَاتَبٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ، وَإِذَا حَلَفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ، فَمَا مَعْنَى جَعْلِ كَوْنِ الْمُقْسِمِ حُرًّا مِنْ شُرُوطِهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُكَاتَبُ حُرٌّ يَدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا رَقَبَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَوُجِدَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْقَسَامَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَشَرْطُهَا بُلُوغُ الْمُقْسِمِ وَعَقْلُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَوُجُودُ أَثَرِ الْقَتْلِ فِي الْمَيِّتِ وَتَكْمِيلُ الْيَمِينِ خَمْسِينَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِخْلَالِ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِاشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي الْمُقْسِمِ مَعَ كَوْنِهَا شَرْطًا أَيْضًا. ثُمَّ أَقُولُ: فِي إمْكَانِ تَوْجِيهِ ذَلِكَ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اكْتَفَى فِي إفَادَةِ ذَلِكَ الشَّرْطِ أَيْضًا بِتَذْكِيرِ لَفْظِ الْمُقْسِمِ فِي قَوْلِهِ: بُلُوغُ الْمُقْسِمِ، وَبِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ وَعَقْلُهُ وَحُرِّيَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ شَائِعًا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي مَسْأَلَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهِيَ مَا سَيَجِيءُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَسَامَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أَهْلًا لِلْقَسَامَةِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَمَذْهَبُهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا) أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قُصُورٌ بَلْ اخْتِلَالٌ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَذْهَبَ الْخَصْمِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوْثٌ: أَيْ قَرِينَةٌ حَالَ تَوَقُّعٍ فِي الْقَلْبِ صَدَقَ الْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللَّوْثُ مِنْ قِبَلِ عَلَامَةِ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَالدَّمِ، أَمْ مِنْ قِبَلِ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي كَعَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِالثَّانِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ بَعْدَ عَطْفِ قَوْلِهِ أَوْ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي فِيمَا قُبِلَ عَلَى قَوْلِهِ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوْثٌ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إيرَادَ الضَّمِيرِ الْمُفْرَدِ فِي قَوْلِهِ فَمَذْهَبُهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِيمَا قَبْلُ مَذْهَبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَإِنْ قَالَ: اللَّوْثُ عِنْدَهُمَا إلَخْ مِنْ قَبِيلِ الْإِغْلَاقِ حَيْثُ لَا يُفْهَمُ أَنَّ مَرْجِعَهُ أَيٌّ مِنْهُمَا، وَعَنْ هَذَا حَمَلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُهُمْ عَلَى مَالِكٍ فَحَقُّ الْمَقَامِ الْإِظْهَارُ دُونَ الْإِضْمَارِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» إنْ أَفَادَ قَصْرَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ مِنْ أَنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ

الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ» وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَاجَةُ الْوَلِيِّ إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمَالَ الْمُبْتَذَلَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ بِهِ النَّفْسَ الْمُحْتَرَمَةَ. وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ إشَارَةً إلَى أَنَّ خِيَارَ تَعْيِينِ الْخَمْسِينَ إلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مِنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ يَخْتَارُ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ التَّحَرُّزِ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ، وَفَائِدَةُ الْيَمِينِ النُّكُولُ، فَإِنْ كَانُوا لَا يُبَاشِرُونَ وَيَعْلَمُونَ يُفِيدُ يَمِينَ الصَّالِحِ عَلَى الْعِلْمِ بِأَبْلَغَ مِمَّا يُفِيدُ يَمِينُ الطَّالِحِ، وَلَوْ اخْتَارُوا أَعْمَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ. قَالَ (وَإِذَا حَلَفُوا قَضَى عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالدِّيَةِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْوَلِيُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا» وَلِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنْسِ إذَا جُعِلَ مُبْتَدَأً فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْخَبَرِ نَحْوُ " الْكَرَمُ التَّقْوَى وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ " وَ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْيَمِينِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى حَيْثُ اسْتَدَلَّ فِيهِ عَلَى أَنْ لَا يُرَدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَقَالَ: فِي وَجْهِهِ جَعْلُ جِنْسِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكَرِينَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ انْتَهَى. لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ تَحْلِيفُ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ مَعَ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَجِيءُ، وَجَعَلَ إطْلَاقَ جَوَابِ الْكِتَابِ دَلِيلًا عَلَيْهِ وَقَالَ: وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» قَصْرَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُثْبِتُ الْمُدَّعَى هَاهُنَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ بِهِ الْمُدَّعَى هُنَا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ قَوْلَهُ الْمَزْبُورَ بِطَرِيقِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ أَيْضًا فِي بَابِ الْيَمِينِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى حَيْثُ قَالَ: وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَسْمٌ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ، وَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُنَافَاةَ الْقِسْمَةِ الشَّرِكَةَ إنَّمَا تَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُدَّعِي لَا أَنْ لَا يَحْلِفَ غَيْرُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي صُورَةِ إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. نَعَمْ يَلْزَمُ أَنْ يُنْتَقَضَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْيَمِينِ وَجُعِلَ جِنْسُ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ الْيَمِينِ النُّكُولُ، فَإِذَا كَانُوا لَا يُبَاشِرُونَ وَيَعْلَمُونَ يُفِيدُ يَمِينَ الصَّالِحِ عَلَى الْعِلْمِ بِأَبْلَغَ مِمَّا يُفِيدُ يَمِينُ الطَّالِحِ) أَقُولُ: لَا فَائِدَةَ هُنَا لِذِكْرِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ وَفَائِدَةُ الْيَمِينِ النُّكُولُ، بَلْ فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّ مُوجَبَ النُّكُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَبْسُ النَّاكِلِ حَتَّى يَحْلِفَ لَا الْقَضَاءُ بِمَا ادَّعَاهُ الْوَلِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَائِدَةُ الْيَمِينِ عَلَى الصَّالِحِ فِي إظْهَارِهِ الْقَاتِلَ تَحَرُّزًا عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبِ لَا فِي مُجَرَّدِ نُكُولِهِ حَتَّى يَلْزَمَ الْمَصِيرُ إلَى ذِكْرِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَزْبُورَةِ، ثُمَّ إنَّ كَوْنَ فَائِدَةِ الْيَمِينِ النُّكُولُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْوَالِ لَا فِي بَابِ الْقَسَامَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ مُسْتَحَقَّةٌ لِذَاتِهَا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدِّيَةِ، بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ، فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ هَاهُنَا، وَلَقَدْ أَصْلَحَ صَاحِبُ الْكَافِي تَقْرِيرَ هَذَا الْمَحَلِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُ أَنَّ مُخْتَارَ الْمَشَايِخِ وَالصُّلَحَاءِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَتَحَرَّزُونَ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَحَرَّزُ الْفَسَقَةُ، فَإِذَا عَلِمُوا الْقَاتِلَ فِيهِمْ أَظْهَرُوهُ وَلَمْ يَحْلِفُوا انْتَهَى، بَقِيَ فِي هَذَا الْمَقَامِ إشْكَالٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بَعْضٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاتِلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ أَوْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ لِكَوْنِهِمْ مُتَّهَمِينَ بِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ

الْيَمِينَ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ وَفِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَذَا جَمَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَهُمَا عَلَى وَادِعَةَ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ» مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْحَبْسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ تَفْصِيلُهُ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ عَلَى الْعِلْمِ رَأْسًا، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الثِّقَاتِ حَامَ حَوْلَ حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ سِوَى صَاحِبِ الْبَدَائِعِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: أَيَّةُ فَائِدَةٍ فِي الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْعِلْمِ وَهُمْ لَوْ عَلِمُوا الْقَاتِلَ فَأَخْبَرُوا بِهِ لَكَانَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمْ يُسْقِطُونَ بِهِ الضَّمَانَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَكَانُوا مُتَّهَمِينَ دَافِعِينَ الْغُرْمَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِجَارِّ الْمَغْنَمِ وَلَا لِدَافِعِ الْمَغْرَمِ» قِيلَ: إنَّمَا اُسْتُحْلِفُوا عَلَى الْعِلْمِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ هَكَذَا وَرَدَتْ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ فَاتُّبِعْتِ السُّنَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْقَلَ فِيهِ الْمَعْنَى. ثُمَّ فِيهِ فَائِدَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ عَبْدًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُقِرُّ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ، لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ بِالْقَتْلِ الْخَطَإِ صَحِيحٌ فَيُقَالُ لَهُ: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ وَيَسْقُطُ الْحُكْمُ عَنْ غَيْرِهِ فَكَانَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْعِلْمِ مُفِيدًا، وَجَائِزٌ أَنْ يُقِرَّ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَصَدَّقَهُ مَوْلَاهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَيَسْقُطُ الْحُكْمُ عَنْ غَيْرِهِ فَكَانَ مُفِيدًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْعِلْمِ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ بَقِيَ هَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْحَالِفِينَ عَبْدٌ كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَمَلَ فِي الطَّوَافِ إظْهَارًا لِلْجَلَادَةِ وَالْقُوَّةِ لِلْكَفَرَةِ وَيَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَظْهَرَ الْيَوْمَ الْجَلَادَةَ مِنْ نَفْسِهِ» ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَبَقِيَ الرَّمَلُ فِي الطَّوَافِ كَذَا هَذَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَمَرَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا بِالْقَتْلِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا وَهُوَ الصَّبِيُّ الَّذِي أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ لَكَانَ حَاصِلُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ الْحُكْمُ عَنْ غَيْرِهِ فَكَانَ مُفِيدًا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْبَدَائِعِ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُجْرِ الْقَسَامَةَ بَيْنَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، «وَإِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهُ الشُّرَّاحُ هُنَا انْتَهَى. أَقُولُ: أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَى الْيَهُودِ بِقَوْلِهِ «تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا» وَإِنَّمَا لَمْ يُجْرِ الْقَسَامَةَ بَيْنَهُمْ لِعَدَمِ طَلَبِ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ إيَّاهَا حَيْثُ قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ لَا يُبَالُونَ مَا حَلَفُوا عَلَيْهِ، وَمُطَالَبَةُ وَلِيِّ الْقَتِيلِ بِالْقَسَامَةِ شَرْطٌ لِإِجْرَائِهَا عَلَى الْخُصُومِ كَمَا عَرَفْته فِيمَا مَرَّ أَثْنَاءَ أَنْ ذَكَرْنَا شُرُوطَ الْقَسَامَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ عَلَى سَبِيلِ الْحَمَالَةِ عَنْهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ إلَيْهِمْ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ هُنَا حَيْثُ قَالَا بَعْدَ نَقْلِ الْحَدِيثِ: إنَّمَا وَدَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ تَجُوزُ الْحَمَالَةُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِرٌّ لَهُ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ إلَيْهِمْ حَتَّى جَازَ عِنْدَنَا صَرْفُ الْكَفَّارَاتِ إلَيْهِمْ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَاضِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّوْجِيهِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حُثْمَةَ كَمَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ كَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ قَصْرًا عَلَى الزُّهْرِيِّ وَأَخْرَجَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ فِي مُصَنَّفِهِ، وَمِنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ أَيْضًا فِي مُصَنَّفِهِ،

وَكَذَا الْيَمِينُ مُبَرِّئَةٌ عَمَّا وَجَبَ لَهُ الْيَمِينُ وَالْقَسَامَةُ مَا شُرِعَتْ لِتَجِبَ الدِّيَةُ إذَا نَكَلُوا، بَلْ شُرِعَتْ لِيَظْهَرَ الْقِصَاصُ بِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيُقِرُّوا بِالْقَتْلِ، فَإِذَا حَلَفُوا حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقِصَاصِ. ثُمَّ الدِّيَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَا بِنُكُولِهِمْ، أَوْ وَجَبَتْ بِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْمُحَافَظَةِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ (وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) لِأَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ مُسْتَحَقَّةٌ لِذَاتِهَا تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهُمْ الْوَاقِدِيُّ رَوَاهُ فِي مَغَازِيهِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ. فَإِيجَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ صَرِيحٌ بَيِّنٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إجْمَالًا مِنْ قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: وَرَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَدَأَ بِالْيَهُودِ فِي الْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ» وَفَصَّلَهُ الشُّرَّاحُ حَيْثُ قَالُوا: رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتِيلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وُجِدَ فِي جُبِّ الْيَهُودِ بِخَيْبَرَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ «فَأَلْزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ الدِّيَةَ وَالْقَسَامَةَ» انْتَهَى. وَكَذَا أَمْرُ إيجَابِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ مَعًا عَلَى الْيَهُودِ ظَاهِرٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ: إنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَمَا الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْكُمْ؟ فَكَتَبُوا لَهُ إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَعَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْرًا، فَإِنْ كُنْت نَبِيًّا فَاسْأَلْ اللَّهَ تَعَالَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَانِي أَنْ أَخْتَارَ مِنْكُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ تَغْرَمُونَ الدِّيَةَ، قَالُوا: لَقَدْ قَضَيْت فِينَا بِالنَّامُوسِ: أَيْ بِالْوَحْيِ» كَذَا ذُكِرَ الْحَدِيثُ فِي الْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا، فَظَهَرَ أَنَّ مَنْشَأَ الْبَحْثِ الْمَزْبُورِ عَدَمُ الْإِحَاطَةِ بِجَوَانِبِ الْمَقَامِ خَبَرًا. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْيَمِينُ تُبَرِّئُ عَمَّا وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ وَالْقَسَامَةُ مَا شُرِعَتْ لِتَجِبَ الدِّيَةُ إذَا نَكَلُوا بَلْ شُرِعَتْ لِيَظْهَرَ الْقِصَاصُ بِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيُقِرُّوا بِالْقَتْلِ، فَإِذَا حَلَفُوا حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقِصَاصِ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْجَوَابِ هُوَ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَتْلَ الْعَمْدَ، فَإِنَّ الْمُوجَبَ حِينَئِذٍ هُوَ الْقِصَاصُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ، فَإِنْ حَلَفُوا حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ خَطَأً فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُوجَبَ حِينَئِذٍ هُوَ الدِّيَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُقِرُّوا بِهِ، فَإِذَا حَلَفُوا لَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ عَنْهَا بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا عِنْدَنَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وَلِيُّ الْقَتِيلِ وَإِنْ ادَّعَى الْقَتْلَ الْخَطَأَ يَحْلِفُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ بِأَنَّا مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا بِإِطْلَاقِ الْقَتْلِ عَنْ قَيْدِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فَيَجُوزُ إنْ وَقَعَ الْقَتْلُ مِنْهُمْ عَمْدًا وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْوَلِيُّ بَلْ ظَنَّ أَنَّهُمْ قَتَلُوا قَرِيبَهُ خَطَأً. فَلَوْ أَقَرُّوا فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ بِنَاءً عَلَى إطْلَاقِ الْقَتْلِ فِي تَحْلِيفِهِمْ لَظَهَرَ الْقِصَاصُ، فَإِذَا حَلَفُوا حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْهُ قَطْعًا. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْوَلِيِّ مَخْصُوصَةً بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ كَيْفَ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَتْلِ عِنْدَ التَّحْلِيفِ وَهَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ؟ قُلْت: لَا غَرْوَ فِي ذَلِكَ، وَلَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ قَتْلَ قَرِيبِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا كَمَا اُسْتُحْلِفَ كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ فَتَأَمَّلْ، فَإِنْ حَلَّ هَذَا الْمَحَلُّ بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَإِنْ كَانَ يَرَى تَعَسُّفًا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الدِّيَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَا بِنُكُولِهِمْ) أَقُولُ: لَا وَجْهَ لِذِكْرِ قَوْلِهِ لَا بِنُكُولِهِمْ هُنَا، بَلْ الْحَقُّ أَنْ يَذْكُرَ بَدَلَهُ لَا بِأَيْمَانِهِمْ لِأَنَّا الْآنَ بِصَدَدِ بَيَانِ مُوجَبِ أَيْمَانِهِمْ، وَأَمَّا مُوجَبُ نُكُولِهِمْ فَإِنَّمَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ فَلَا ارْتِبَاطَ لِقَوْلِهِ لَا بِنُكُولِهِمْ بِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ الدِّيَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا إلَخْ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى: يَعْنِي مَا عُهِدَ الْيَمِينُ فِي الشَّرْعِ مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، فَالدَّافِعُ لَهُ أَنْ يُقَالَ: الدِّيَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا لَا بِأَيْمَانِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ الْيَمِينُ مُلْزِمًا هُنَا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، فَقَوْلُهُ لَا بِنُكُولِهِمْ حَشْوٌ مَحْضٌ فِي دَفْعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ أَنْ يُقَالَ بَدَلَهُ لَا بِأَيْمَانِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: هَذَا إذَا ادَّعَى

بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الْمُدَّعِي وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الدِّيَةِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ وَالدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَإِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِي، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ فِي الْقِيَاسِ تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مَكَان يُنْسَبُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْقَتْلَ عَلَيْهِمْ، وَفِيمَا وَرَاءَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَمْدًا، أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ خَطَأً فَنَكَلَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا يُحْبَسُونَ لِيَحْلِفُوا انْتَهَى. وَأَمَّا سَائِرُ الشُّرَّاحِ فَلَمْ يُقَيِّدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَاهُنَا مِثْلَ مَا قَيَّدَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَالَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ: حُكْمُ الْقَسَامَةِ الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ إنْ حَلَفُوا، وَالْحَبْسُ حَتَّى يَحْلِفُوا إنْ أَبَوْا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ، وَلَوْ ادَّعَى الْخَطَأَ فَالْقَضَاءُ بِالدِّيَةِ عِنْدَ النُّكُولِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَاهُ هُنَاكَ يُطَابِقُ مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ هُنَا. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إطْلَاقِ جَوَابِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ هُنَا وَمِنْ اقْتِضَاءِ دَلِيلِهَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْ دَلَالَةِ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ، وَالدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يَحْلِفَ النَّاكِلُ مُوجَبَ النُّكُولِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ صُورَتَيْ دَعْوَى الْعَمْدِ وَدَعْوَى الْخَطَإِ، وَعَنْ هَذَا تَرَى أَصْحَابَ الْمُتُونِ قَاطِبَةً أَطْلَقُوا جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَا أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ امْتَنَعُوا عَنْ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا انْتَهَى. وَكَذَا حَالُ سَائِرِ ثِقَاتِ الْأَئِمَّةِ فِي تَصَانِيفِهِمْ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ قَالَ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ: حُكْمُ الْقَسَامَةِ الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا حَلَفُوا بَرِئُوا، وَأَمَّا إذَا أَبَوْا الْقَسَامَةَ فَيُحْبَسُونَ حَتَّى يَحْلِفُوا أَوْ يُقِرُّوا انْتَهَى فَإِنَّهُ جَرَى فِي بَيَانِ حُكْمِهَا أَيْضًا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا تَرَى. ثُمَّ أَقُولُ: التَّحْقِيقُ هَاهُنَا هُوَ أَنَّ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ إنْ نَكَلُوا حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُمْ إنْ نَكَلُوا لَا يُحْبَسُونَ بَلْ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِلَا تَقْيِيدٍ بِدَعْوَى الْخَطَإِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَحَلَّفَ الْقَاضِي خَمْسِينَ رَجُلًا فَنَكَلُوا عَنْ الْحَلِفِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُحْبَسُونَ، وَلَكِنْ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَالِكٍ: هَذَا قَوْلُهُ الْآخَرُ، وَكَانَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْيَمِينِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَ اُسْتُحْلِفَ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ الْأَرْشُ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا انْتَهَى، فَمُقْتَضَى إطْلَاقِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ النُّكُولِ فِي الْقَسَامَةِ أَيْضًا هُوَ الْقَضَاءُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْحَبْسِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقِصَاصَ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ النُّكُولِ فِي الْقَسَامَةِ هُوَ الْحَبْسُ إلَى الْحَلِفِ بِلَا خِلَافٍ فِيهِ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، نَعَمْ قَدْ ذُكِرَ أَيْضًا فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي إطْلَاقِ النُّصُوصِ بَيْنَ دَعْوًى وَدَعْوًى فَنُوجِبُهُ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، ثُمَّ حُكْمُ ذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَ مَا ادَّعَاهُ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اسْتَحْلَفَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ لِانْعِدَامِ النَّصِّ وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ. ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ وَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ ثَبَتَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ مَضَى فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتِمَّ خَمْسِينَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَضَى فِي الْقَسَامَةِ وَافَى إلَيْهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمَّتْ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ، وَلَا يُطْلَبُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ لِثُبُوتِهَا بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ فِيهِ اسْتِعْظَامُ أَمْرِ الدَّمِ، فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةُ الْإِكْمَالِ. قَالَ (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ صَحِيحٌ. قَالَ (وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا عَبْدٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ، إذْ الْقَتِيلُ فِي الْعُرْفِ مَنْ فَاتَتْ حَيَاتُهُ بِسَبَبٍ يُبَاشِرُهُ حَيٌّ وَهَذَا مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَالْغَرَامَةُ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ وَالْقَسَامَةُ تَتْبَعُ احْتِمَالَ الْقَتْلِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَسَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِهِ أَثَرٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ قَتِيلًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِفِعْلٍ مِنْ جِهَةِ الْحَيِّ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَخَارِجِ عَادَةً بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّهِيدِ. (وَلَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْبَدَنِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي الْقَسَامَةِ أَيْضًا عِنْدَ النُّكُولِ، لَكِنْ يَبْقَى إشْكَالُ التَّنَافِي بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَقَامَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ. (قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي إطْلَاقِ النُّصُوصِ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَنُوجِبُهُ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ إطْلَاقَهَا بِحَسَبِ لَفْظِهَا فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي هُنَا نَفْعًا، إذْ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَهُمْ أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَخْتَصُّ بِمَوْرِدِهِ، وَالنُّصُوصُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَارِدَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مَخْصُوصَةً بِمَوْرِدِهَا، وَهُوَ مَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَكَان يُنْسَبُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْقَتْلَ عَلَيْهِمْ كَمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ أَرَادَ بِإِطْلَاقِهَا إطْلَاقَهَا بِحَسَبِ الْمَوْرِدِ أَيْضًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ لَمْ يُسْمَعْ فِي حَقِّ الْقَسَامَةِ نَصٌّ وَرَدَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى بَعْضٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي هَذَا الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا عَبْدٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا) أَقُولُ: يُشْكِلُ إطْلَاقُ هَذَا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةٍ تَجِيءُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ يُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالْقَسَامَةُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ انْتَهَتْ، وَسَيَجِيءُ

بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ وُجِدَ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ رَأْسُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ، إلَّا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ، بِخِلَافِ الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَنٍ وَلَا مُلْحَقٍ بِهِ فَلَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ تَتَكَرَّرُ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ بِمُقَابَلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تَتَوَالَيَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مِنْ الْجَوَابِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخَلَلِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ إلَّا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ، بِخِلَافِ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَنٍ وَلَا مُلْحَقَ بِهِ فَلَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ) يَعْنِي أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَوُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي كُلِّ الْبَدَنِ وَأَكْثَرُ الْبَدَنِ كُلٌّ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلًّا حَقِيقَةً، فَأُلْحِقَ أَكْثَرُ الْبَدَنِ بِالْبَدَنِ فِي وُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بِكُلٍّ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْبَدَنِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ. وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يُفِيدُ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِيمَا إذَا وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْبَدَنِ فِي هَاتِيكَ الْمَحَلَّةِ لَا فِيمَا إذَا وُجِدَ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِيهَا، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِيهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ كُلُّ الْبَدَنِ وَلَا أَكْثَرُهُ، فَلَمْ يَكُنْ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَلَا مُلْحَقًا بِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّقْرِيبُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: النِّصْفُ إذَا كَانَ مَعَهُ الرَّأْسُ يَصِيرُ فِي حُكْمِ أَكْثَرِ الْبَدَنِ بِنَاءً عَلَى شَرَفِ الرَّأْسِ وَكَوْنِهِ أَصْلًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَيَصِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إلَّا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ شَامِلًا لِمَا هُوَ الْأَكْثَرُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ. ثُمَّ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَنٍ وَلَا مُلْحَقٍ بِهِ فَلَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْمَقْصُودِ، إذْ قَدْ ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ وُجِدَ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ رَأْسُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ إلَخْ لَا يَشْمَلُ مَا وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ فَلَا يَحْصُلُ تَمَامُ التَّقْرِيبِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: بِخِلَافِ الْأَقَلِّ وَالنِّصْفِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ الرَّأْسُ إلَخْ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ ذَاقَ هَذِهِ الْبَشَاعَةَ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ بَدَلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ إلَخْ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بِكُلٍّ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ اهـ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ هَذَا قِيَاسٌ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِوَارِدٍ، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ بَلْ هُوَ إلْحَاقٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَا مُلْحَقٍ بِهِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَنٍ وَلَا مُلْحَقٍ بِهِ، وَاَلَّذِي لَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ الْقِيَاسُ لَا دَلَالَةُ النَّصِّ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ تَتَكَرَّرُ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ بِمُقَابَلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تَتَوَالَيَانِ) يَعْنِي لَوْ وَجَبَتْ بِالْأَقَلِّ لَوَجَبَتْ بِالْأَكْثَرِ أَيْضًا إذَا وُجِدَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَتْ بِالنِّصْفِ لَوَجَبَتْ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ أَيْضًا إذَا وُجِدَ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَتَكَرَّرَ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ فِي مُقَابَلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إذْ لَمْ تُشْرَعَا مُكَرَّرَتَيْنِ قَطُّ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: يَتَكَرَّرُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ وَلَا يَذْكُرُهُمَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْقَسَامَتَيْنِ وَالدِّيَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَصَدَ

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ، وَالْمَعْنَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي هَذَا تَنْسَحِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ. (وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سِقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرُ حَالًّا (وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا (وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا لَا حَيًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَوْجِيهَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْقَسَامَتَانِ وَالدِّيَتَانِ عَلَى الْقِطْعَتَيْنِ يَتَكَرَّرَانِ فِي خَمْسِينَ نَفْسًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ أَيْمَانٍ يَقْسِمُ بِهَا خَمْسُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَكَذَا الدِّيَةُ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ مَا وَجَبَ مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ دَمِ إنْسَانٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَحَقَّقَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خَمْسِينَ نَفْسًا حَتَّى يَصِحَّ تَوْجِيهُ تَكَرُّرِ الْقَسَامَتَيْنِ وَالدِّيَتَيْنِ عَلَى الْقِطْعَتَيْنِ بِتَكَرُّرِهِمَا فِي خَمْسِينَ نَفْسًا، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ فِي آحَادِ خَمْسِينَ نَفْسًا بَعْضُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ لِأَنْفُسِهِمَا، وَالْكَلَامُ فِي إسْنَادِ التَّكَرُّرِ إلَى نَفْسِ الْقَسَامَتَيْنِ وَالدِّيَتَيْنِ فَلَا مَسَاغَ لِذَلِكَ التَّوْجِيهِ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي نِصْفَ الْقَتِيلِ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ مَثَلًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ، إذْ قَدْ صَرَّحَ فِيمَا قَبْلُ بِأَنَّهُ إنْ وَجَدَ نِصْفَهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْجُودِ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِيمَا قَبْلُ فَانْتَقَضَ بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وَجَدَ الْبَاقِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سَقْطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذَا الْأَدَاءِ فُتُورٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْجَنِينَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِمْ جَنِينٌ وَحْدَهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؟ أَمَّا وُجُودُهُ مَعَ أُمِّهِ فَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ هُنَاكَ لِلْأُمِّ دُونَ الْجَنِينِ. وَالثَّانِي أَنَّ ذِكْرَ الْجَنِينِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ السِّقْطِ، لِأَنَّ السِّقْطَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْوَلَدُ الَّذِي سَقَطَ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَالْجَنِينُ يَعُمُّ تَامَّ الْخَلْقِ وَغَيْرَ تَامِّهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ غَيْرُ كَافٍ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَالْخَنْقِ أَيْضًا كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا سَبَقَ. فَالِاقْتِصَارُ هُنَا عَلَى نَفْيِ أَثَرِ الضَّرْبِ تَقْصِيرٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ وَلَدٌ صَغِيرٌ سَاقِطٌ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا) فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةٌ عَدْلٌ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ سَلَامَتُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ صِحَّتَهَا مَا يَجِبُ فِي السَّلِيمِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ لَهَا تَعْظِيمٌ كَتَعْظِيمِ النُّفُوسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ، بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ، فَإِذَا انْفَصَلَ تَامَّ الْخَلْقِ وَبِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَ فِيهِ

قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا (فَإِنْ اجْتَمَعُوا فَعَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ. قَالَ (وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ وَعَلَيْهَا قَتِيلٌ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِقَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ أَنْ يُذْرَعَ» . وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا كُتِبَ إلَيْهِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بَيْنَ وَدَاعَةَ وَأَرْحَبَ كَتَبَ بِأَنْ يَقِيسَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَوُجِدَ الْقَتِيلُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ. قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْلُغُ أَهْلَهُ الصَّوْتُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَتُمْكِنُهُمْ النُّصْرَةُ وَقَدْ قَصَّرُوا. قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ نُصْرَتَهُ مِنْهُمْ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ تَعْظِيمًا لِلنُّفُوسِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْقَتِيلِ وَهُوَ الْأَثَرُ، إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ تَامِّ الْخَلْقِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ لَا تَفُوقُ حَالَ الْكَبِيرِ، وَإِذَا وُجِدَ الْكَبِيرُ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا، كَذَا قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ. وَرَدَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ جَوَابَهُمْ الْمَزْبُورَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابُ: وَهَذَا كَمَا

قَالَ (وَلَا تَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ وَإِنْ كَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ» . وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ دُونَ السُّكَّانِ لِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارَهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ. وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ. قَالَ (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يُجْعَلُ جَانِبًا مُقَصِّرًا، وَالْوِلَايَةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَلِأَنَّهُ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ، وَقِيلَ: أَبُو حَنِيفَةَ بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا شَاهَدَ بِالْكُوفَةِ. قَالَ (وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ) يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ أَوْ خَلَصَتْ لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَرَى مَعَ تَطْوِيلِهِ لَمْ يَرُدَّ السُّؤَالَ وَرُبَّمَا قَوَّاهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُهَا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا أَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ، فَإِنَّ حَاصِلَ جَوَابِهِمْ مَنْعُ عَدَمِ كَوْنِ الظَّاهِرِ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ النُّفُوسِ وَصِيَانَةً لَهَا عَنْ الْإِهْدَارِ. وَعَنْ هَذَا قَالُوا: يَجِبُ الدِّيَةُ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُهَا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا أَوْلَى مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَا لَزِمَ مِنْ عَدَمِ كَوْنِ الظَّاهِرِ حُجَّةً فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُهَا إهْدَارُ أَمْرٍ حَقِيرٍ، وَمَا لَزِمَ مِنْ عَدَمِ كَوْنِهِ حُجَّةً فِي النُّفُوسِ إهْدَارُ أَمْرٍ خَطِيرٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إهْدَارَ الْحَقِيرِ أَهْوَنُ وَأَوْلَى مِنْ إهْدَارِ الْخَطِيرِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ هُنَا اُعْتُبِرَ دَافِعًا لِمَا عَسَى يَدَّعِي الْقَاتِلُ عَدَمَ حَيَاتِهِ. وَأَمَّا دَلِيلُ الِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ حَدِيثُ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ، قُومُوا فَدُوهُ» انْتَهَى. أَقُولُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حَدِيثَ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ وَرَدَ فِي جَنِينٍ انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَمُوجَبُهُ الْغُرَّةُ وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ

لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ أَوْ يُزَاحِمُهُمْ. (وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ وَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ يُكَرِّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا عَوَاقِلُهُمْ. وَلَهُمَا أَنَّ الْحُضُورَ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا تَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ وَعُشْرُهَا لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ فَهُوَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ. قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةً حَيْثُ قَالَ فَدُوهُ لِكَوْنِهَا بَدَلَ النَّفْسِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْجَنِينِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي جَنِينٍ انْفَصَلَ حَيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا وَالْمُوجَبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ذَكَرَ حَدِيثَ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فِي بَابِ الْجَنِينِ عَلَى التَّفْصِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ، قَالَ «كُنْت بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا بَطْنَ صَاحِبَتِهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ أَوْ بِمِسْطَحِ خَيْمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَاخْتَصَمَ أَوْلِيَاؤُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ: دُوهُ، فَقَالَ أَخُوهَا: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَمِثْلُ دَمِهِ يَطِلْ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَعْنِي وَأَرَاجِيزِ الْعَرَبِ، قُومُوا فَدُوهُ» الْحَدِيثُ انْتَهَى فَكَأَنَّهُ نَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ وَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إذَا كَانُوا حُضُورًا، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: يَعْنِي إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِهَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. وَفِي الْقَسَامَةِ رِوَايَتَانِ: فَفِي إحْدَاهُمَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَفِي الْأُخْرَى عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُرَى مِنْ التَّدَافُعِ

وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي تَصِيرُ لَهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْزَلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ، وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ، وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ، وَفِي الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَلَهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْتَدِرُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ، وَفِي الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ يُحْمَلُ ذَاكَ عَلَى رِوَايَةٍ وَهَذَا عَلَى أُخْرَى انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَإِنْ وُجِدَ الْقَتْلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ هَاهُنَا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأُخْرَى مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ فِيهَا عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ لَا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ جَمِيعًا، وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ جَمِيعًا فَتَغَايَرَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ صَرِيحٌ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا قَبْلُ، حَيْثُ كَانَ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ فِيمَا إذَا كَانَ قَوْمُهُ حُضُورًا وَوُجُوبُهَا عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَحْدِهِ فِيمَا إذَا كَانُوا غُيَّبًا، وَالْمَصِيرُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ خِلَافُ مَدْلُولِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَرَاحَةً فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ شَرْحًا لِمُرَادِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْزَلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ، وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ) أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مُشْكِلٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ الْحَصْرَ بِمَعْنَى أَنَّ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ لَا بِغَيْرِهِ، وَيُنْتَقَضُ ذَلِكَ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ السُّكَّانَ يَدْخُلُونَ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ مَعْنَى الْحَصْرِ لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فِي إثْبَاتِ مُدَّعَاهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْتَدِرُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ) أَقُولُ: هَذَا التَّنْوِيرُ غَيْرُ وَاضِحٍ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْيَدِ الْيَدَ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ يَدَ أَصَالَةٍ أَوْ يَدَ نِيَابَةٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْمُودِعِ وَنَحْوِهِ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِ يَدِهِ يَدَ نِيَابَةٍ لَا يَدَ أَصَالَةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، فَلَوْ أَمْكَنَ الِاقْتِدَارُ عَلَى الْحِفْظِ بِيَدِ النِّيَابَةِ أَيْضًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَدَ الْأَصَالَةِ فَقَطْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَالْخَصْمُ وَهُوَ صَاحِبَاهُ لَا يُسَلِّمُ أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِيَدِ الْأَصَالَةِ فَقَطْ بِدُونِ الْمِلْكِ، وَلَا أَنَّهُ لَا يَقْتَدِرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ بِدُونِ تِلْكَ الْيَدِ، بَلْ يَقُولُ: وِلَايَةُ الْحِفْظِ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا الْمُتَنَازَعِ فِيهَا. وَبِالْجُمْلَةِ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا التَّنْوِيرِ لَيْسَ بِأَجْلَى مِنْ

قَالَ (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ دَارٌ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ تَعْقِلْهُ الْعَاقِلَةُ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِلَّذِي فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى تَعْقِلَ الْعَوَاقِلُ عَنْهُ، وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ لَكِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي سَفِينَةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَاللَّفْظُ يَشْمَلُ أَرْبَابَهَا حَتَّى تَجِبُ عَلَى الْأَرْبَابِ الَّذِينَ فِيهَا وَعَلَى السُّكَّانِ، وَكَذَا عَلَى مَنْ يُمِدُّهَا وَالْمَالِكُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ، وَكَذَا الْعَجَلَةُ، وَهَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ السَّفِينَةَ تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ، بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ لِأَنَّهَا لَا تُنْقَلُ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهَا) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيهِ إلَيْهِمْ (وَإِنْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ دَارٌ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ تَعْقِلْهُ الْعَاقِلَةُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِلَّذِي فِي يَدِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَا يَخْتَلِجَنَّ فِي وَهْمِك صُورَةٌ تُنَاقِضُ فِي عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْيَدِ، لِأَنَّ الْيَدَ الْمُعْتَبَرَةَ عِنْدَهُ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ بِالْأَصَالَةِ وَالْعَاقِلَةُ تُنْكِرُ ذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنَّ الْيَدَ الْمُعْتَبَرَةَ عِنْدَهُ هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِالْأَصَالَةِ لَكِنْ كَيْفَ يَتِمُّ عَلَى أَصْلِهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى تَعْقِلَ الْعَوَاقِلُ عَنْهُ، وَهَلَّا يُنَاقِضُ هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا، فَإِنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ لِلْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَهُ لِعَاقِلَةِ الْبَائِعِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْيَدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ هُنَا: وَلَا يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْيَدَ فِي اسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ حَتَّى قَالَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُوجَدُ فِيهَا قَتِيلٌ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ يَدَ الْمِلْكِ لَا مُجَرَّدَ الْيَدِ فَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا يَدُ الْمِلْكِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَامِعِ الْكَرَابِيسِيِّ اعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ يَدَ الْمِلْكِ لَا مُجَرَّدَ الْيَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُنَا لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَيْهِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا التَّوْجِيهُ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لَا مَحَالَةَ، وَعَنْ هَذَا نَشَأَ النِّزَاعُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، إذْ لَوْ كَانَ الْمِلْكُ أَيْضًا لِلْبَائِعِ لَمَا صَارَ مَحَلَّ الْخِلَافِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ، فَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ هُنَاكَ لِلْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ لِلْبَائِعِ إذْ ذَاكَ يَدُ الْمِلْكِ، إذْ ثُبُوتُ يَدِ الْمِلْكِ لَهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ نَفْسِ الْمِلْكِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِلْكَانِ وَهُمَا مِلْكُ الْبَائِعِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِيَدِ الْمِلْكِ غَيْرُ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ: أَيْ الْيَدِ الَّتِي كَانَ لِصَاحِبِهَا مِلْكٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ بِالْبَيْعِ فَمَا مَعْنَى اعْتِبَارِ مِثْلِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الزَّائِلِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ،

الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مَالُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَلَوْ وُجِدَ فِي السُّوقِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمَالِكِ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ الَّتِي بُنِيَتْ فِيهَا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَلَوْ وُجِدَ فِي السَّجْنِ فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السَّجْنِ) لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ أَهْلَ السَّجْنِ مَقْهُورُونَ فَلَا يَتَنَاصَرُونَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يَجِبُ لِأَجْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا كَانَ غُنْمُهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ فَغُرْمُهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ الْمَالِكِ وَالسَّاكِنِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِيَّةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عِمَارَةٌ فَهُوَ هَدَرٌ) وَتَفْسِيرُ الْقُرْبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِمَاعِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُوصَفُ أَحَدٌ بِالتَّقْصِيرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ. أَمَّا إذَا كَانَتْ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ كَانَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. (وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ كَانَ مُحْتَبَسًا بِالشَّاطِئِ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ) عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِنُصْرَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ كَالْمَوْضُوعِ عَلَى الشَّطِّ وَالشَّطُّ فِي يَدِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ الْمَاءَ وَيُورِدُونَ بَهَائِمَهُمْ فِيهَا، بِخِلَافِ النَّهْرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ لِاخْتِصَاصِ أَهْلِهَا بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرْنَا فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَتَعْيِينُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْقَاتِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَلْ يَلِيقُ أَنْ يَعُدَّ ذَلِكَ أَصْلًا لِإِمَامِنَا الْأَعْظَمِ فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ انْتَهَى، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا لَأَوْجَبْنَاهَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا دُونَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أُرِيدَ أَنَّ وُجُوبَ

لَيْسَ مِنْهُمْ، وَهُمْ إنَّمَا يَغْرَمُونَ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ قَتَلَةً تَقْدِيرًا حَيْثُ لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ لَا يَقُومُونَ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَّا بِدَعْوَى الْوَلِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ امْتَنَعَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ وَسَقَطَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ. قَالَ (وَإِذَا الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظُ عَلَيْهِمْ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ شَيْءٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى تَضَمَّنَتْ بَرَاءَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَنْ الْقَسَامَةِ. قَالَ (وَلَا عَلَى أُولَئِكَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، أَمَّا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ بِدُونِ أَنْ يَتَعَيَّنَ خُصُوصُهُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعْيِينَهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ حِينَئِذٍ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ إذْ ذَاكَ كَوْنُ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ بِدُونِ أَنْ يَتَعَيَّنَ خُصُوصُهُ، وَبِتَعْيِينِهِ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَلْزَمُ أَنْ يَتَعَيَّنَ خُصُوصُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَيُّنَ خُصُوصِ الْقَاتِلِ يُنَافِي عَدَمَ تَعَيُّنِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ تَعَيَّنَ خُصُوصُهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ سَوَاءٌ تَعَيَّنَ خُصُوصُهُ أَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَهُوَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ، إذْ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ كَوْنِ الْجِنَايَةِ الصَّادِرَةِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ تَعَيُّنِ خُصُوصِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْغُرْمِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ بِقَتْلِ الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى غَيْرُهُ أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ وُجُوبِ الْغُرْمِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا عِنْدَ تَعَيُّنِ خُصُوصِ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ كَوْنُهُمْ قَتَلَةً أَيْضًا تَقْدِيرًا بِتَرْكِهِمْ النُّصْرَةَ لِعَدَمِ أَخْذِهِمْ عَلَى يَدِ ذَلِكَ الْقَاتِلِ الظَّالِمِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ: وَهُمْ إنَّمَا يَغْرَمُونَ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ قَتَلَةً تَقْدِيرًا حَيْثُ لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ. قُلْنَا: ذَلِكَ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا عَلِمُوا قَتْلَ ذَاكَ الظَّالِمِ فَتَرَكُوا النُّصْرَةَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ قَتْلُهُ خُفْيَةً فَلَا. وَلَئِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ احْتِيَاطِهِمْ فِي حِفْظِ الْمَحَلَّةِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ بِالْقَتْلِ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ شَيْءٌ هُنَاكَ مَعَ تَحَقُّقِ ذَلِكَ السَّبَبِ فِيهِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ. وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، لِأَنَّ دَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ تَكُونُ إبْرَاءً لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَنْ الْقَسَامَةِ، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، فَإِذَا زَعَمَ الْوَلِيُّ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُمْ عَنْ الْقَسَامَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ انْتَهَى. قُلْت: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَظْهَرُ عِنْدِي دِرَايَةً، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ لَا يَغْرَمُونَ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَّا بِدَعْوَى الْوَلِيِّ فَإِذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ امْتَنَعَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ وَسَقَطَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ) أَقُولُ: يُشْكِلُ هَذَا التَّعْلِيلُ بِمَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُمْ إذَا لَمْ يَغْرَمُوا بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَّا بِدَعْوَى الْوَلِيِّ فَإِذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَزِمَ أَنْ تَسْقُطَ الْغَرَامَةُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ لِفَقْدِ شَرْطِ الْغَرَامَةِ وَهُوَ دَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَيْهِمْ فَتَفَكَّرْ فِي الْفَرْقِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ بِدُونِ التَّعَسُّفِ. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَجْهُ الْفَرْقِ إلَى قَوْلِهِ قَالَ وَإِذَا الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ لَمْ يُوجَدْ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَلِهَذَا لَمْ يَشْرَحْهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ انْتَهَى. قُلْت: وَعَنْ هَذَا تَرَى مَا فِيهِ مِنْ الْوَهَنِ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِذَا الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ) أَيْ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ: أَيْ بَيْنَهُمْ. وَالظُّهْرُ وَالْأَظْهُرُ يَجِيئَانِ مُقْحَمَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أَيْ صَادِرَةٍ عَنْ غِنًى فَالظَّهْرُ فِيهِ مُقْحَمٌ كَمَا فِي ظَهْرِ الْقَلْبِ وَظَهْرِ الْغَيْبِ، وَكَذَا فِي الْأَظْهُرِ، يُقَالُ: أَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ: أَيْ بَيْنَهُمْ،

(وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مُعَسْكَرٍ أَقَامُوهُ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا، فَإِنْ وُجِدَ فِي خِبَاءٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَعَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْفُسْطَاطِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبِيَةِ) اعْتِبَارًا لِلْيَدِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْمِلْكِ (وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَقُوا قِتَالًا وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا، وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا فَعَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَإِنْ كَانَ لِلْأَرْضِ مَالِكٌ فَالْعَسْكَرُ كَالسُّكَّانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَإِذَا قَالَ الْمُسْتَحْلَفُ قَتَلَهُ فُلَانٌ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا فِي الشُّرُوحِ. فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَاتِلَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَأَنَّهُ مِنْ خُصَمَائِهِ. قُلْنَا: قَدْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى قَاتِلِهِ حَقِيقَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ وَهُوَ وُجُودُهُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: مَا بَالُكُمْ تَجْعَلُونَ هَذَا الظَّاهِرَ وَهُوَ وُجُودُهُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَا تَجْعَلُونَ ذَاكَ الظَّاهِرَ وَهُوَ كَوْنُ قَاتِلِهِ خَصْمًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ دَافِعًا لِلْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الشَّائِعَ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ. فَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا، فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْإِشْكَالِ، فَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، وَسَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا عَنْ قَرِيبٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَقُوا قِتَالًا وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا)

غَيْرَ فُلَانٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ فَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ لَمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَتْ الْعَرَضِيَّةُ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ. وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الْخُصُومِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشُّهُودَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا يُحْوِجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً فِي مَحَلَّةٍ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَقَالُوا فِي الْفَرْقِ: إنَّ الْقِتَالَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي مَكَان فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَدْرِي أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْ أَيِّهِمَا يُرَجَّحُ احْتِمَالُ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْكَافِرِينَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ وَيَقْتُلُونَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَيْسَ ثَمَّةُ جِهَةُ الْحَمْلِ عَلَى الصَّلَاحِ حَيْثُ كَانَ الْفَرِيقَانِ مُسْلِمَيْنِ فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْإِشْكَالِ، وَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ أَوْلَى عِنْدَ الِاحْتِمَالِ مِنْ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ طَعْنًا فِي الْمَصِيرِ إلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ: الْفَرْقُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَصْلُحُ حُجَّةً، وَثَمَّةَ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَكَانَ

يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا يَزْدَادُونَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ عَرَفُوا الْقَاتِلَ. قَالَ (وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي الْقَبِيلَةِ وَالْمَحَلَّةِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ. وَلَهُ أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ حَمَلَهُ إنْسَانٌ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَمَلَهُ إلَى أَهْلِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ) لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَيْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَبِيلَةِ. (وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا شَيْءَ فِيهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وُجِدَ الْجَرِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِلنَّصِّ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْفَرْقُ بِتَامٍّ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ ظَاهِرًا، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّاهِرَ ثَمَّةَ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِدَفْعِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَدَرًا فَلَا بُدَّ فِي تَمَامِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ الْبَيَانِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَمَا تَحَقَّقْته (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَالَ فِي دَلِيلِهِ وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَفِيهِ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَمُخَالَفَةٌ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ. وَدَفْعُ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: عَاقِلَةُ الْمَيِّتِ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةَ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرَهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَيِّتِ وَهُمْ عَاقِلَةُ الْوَرَثَةِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُمْكِنًا أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَى

فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا. وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي فِي دَلِيلِهَا. وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُضَافٌ: أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الدَّفْعِ كَلَامٌ مُشَوَّشٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ سِيَّمَا قَوْلُهُ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُضَافٌ: أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ قَطْعًا: أَيْ صُورَةَ إنْ كَانَ عَاقِلَةُ الْمَيِّتِ عَاقِلَةَ الْوَرَثَةِ. وَصُورَةَ إنْ كَانَ عَاقِلَةُ الْمَيِّتِ غَيْرَ عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ، فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ حُكْمِهَا بِالصُّورَةِ الْأُولَى بِمُجَرَّدِ الْإِشَارَةِ إلَى إمْكَانِهَا؟ ثُمَّ إنَّ تَقْدِيرَ الْمُضَافِ وَعَدَمَ تَقْدِيرِهِ مُتَنَاقِضَانِ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى يُقَدَّرَ الْمُضَافُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي وَلَمْ يُقَدَّرْ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُضَافٌ: أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ، فَالْوَجْهُ فِي الدَّفْعِ أَنْ يُقَالَ: الْمُضَافُ مُقَدَّرٌ أَلْبَتَّةَ فِي قَوْلِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ: أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ فَيُوَافِقُ الدَّلِيلَ وَيَتَنَاوَلُ الصُّورَتَيْنِ مَعًا. أَمَّا تَنَاوُلُهُ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ إنْ كَانَ عَاقِلَةُ الْمَيِّتِ غَيْرَ عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا تَنَاوُلُهُ الصُّورَةَ الْأُولَى وَهِيَ إنْ كَانَ عَاقِلَةُ الْمَيِّتِ عَيْنَ عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَلِأَنَّ عَاقِلَتَهُ وَعَاقِلَتَهُمْ إذَا اتَّحَدَتَا يَصِحُّ نِسْبَتُهُمْ إلَى الْوَرَثَةِ كَمَا يَصِحُّ نِسْبَتُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ، بَلْ تَكُونُ نِسْبَتُهُمْ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْلَى هَاهُنَا لِأَنَّ الدَّارَ لَمَّا كَانَتْ حَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ لِلْوَرَثَةِ لَا لِلْمَيِّتِ وَكَانَ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّلِيلِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ لَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمَيِّتِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ: أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ قَتِيلًا فِي الدَّارِ الْمَمْلُوكَةِ لِوَرَثَتِهِ لَا لَهُ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَلِكِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا قَالَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ أَنَّ عَاقِلَةَ الْوَارِثِ وَالْمُوَرِّثِ مُتَّحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَخْتَلِفُ الْعَاقِلَةُ يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّارَ مَمْلُوكَةٌ لِلْوَرَثَةِ لَا لِلْمَيِّتِ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ وَهِيَ الْأَصَحُّ، وَعَلَى قِيَاسِ طَرِيقَةِ أَنَّ غَيْرَهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلًا فِيهَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَتِيلِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، إلَّا أَنَّ فِي تَقْرِيرِهِ أَيْضًا شَيْئًا مِنْ الرَّكَاكَةِ، فَالْأَرْجَحُ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الدِّيَةَ إذَا وَجَبَتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْوَرَثَةِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُمْ لَهُمْ،

فِي دَارِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حَالَ ظُهُورِ قَتْلِهِ بَقِيَتْ الدَّارُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيُهْدَرُ دَمُهُ. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَكَانَ التَّوَهُّمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِالشَّكِّ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَكَانَ التَّوَهُّمُ سَاقِطًا كَمَا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ. (وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا فِي النَّسَبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ. وَلَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَتُهْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُتَحَقِّقَةٌ. قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّا أَنْزَلْنَاهَا قَاتِلَةً وَالْقَاتِلُ يُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ. (وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي أَرْضٍ رَجُلٍ إلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: هُوَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ) لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِنُصْرَةِ أَرْضِهِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَقْتُولِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ إذَا قَتَلَ أَبَاهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَكُونُ مِيرَاثًا لَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ يُنَافِي مَا ذُكِرَ فِي وَضْعِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُقْتَضَى جَوَابِ الِاعْتِرَاضِ أَنْ تَكُونَ دِيَتُهُ لَهُ لَا لِوَرَثَتِهِ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَذْكُورِ فِي وَضْعِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ دِيَةَ الْمَقْتُولِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ: أَيْ تَصِيرُ لَهُمْ بِالْخِلَافَةِ عَنْ الْمَقْتُولِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ لَهُ أَوَّلًا، وَمِثْلُ هَذَا التَّسَامُحِ فِي الْعِبَارَةِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلِمَاتِ الثِّقَاتِ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هُنَا إشْكَالٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ دَعْوَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ وَوَلِيُّ الْقَتِيلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الْوَرَثَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَاهُمْ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لَهُمْ حَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ أَيْضًا بِتَمَحُّلٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَنْ أَصْلِ الِاعْتِرَاضِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: قُلْت الْعَاقِلَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ، فَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُمْ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الدِّيَةَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الْمَالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أَوَّلِ الدِّيَاتِ، وَبَعْضُ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى دِيَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَلَوْ كَانَ مَا يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ مَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْوَرَثَةِ مِنْهُمْ فَقَطْ لَمَا تَمَّ جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ،

[كتاب المعاقل]

[كِتَابُ الْمَعَاقِلِ] (كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ، وَهِيَ الدِّيَةُ، وَتُسَمَّى الدِّيَةُ عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ: أَيْ تُمْسِكُ. قَالَ (وَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَكُلُّ دِيَةٍ تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ) يَعْنِي يُؤَدُّونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ دِيَةَ الْمَقْتُولِ مَجْمُوعُ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كُلِّهِمْ لَا مَا يَجِبُ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَحْذُورَ الْمَذْكُورَ فِي الِاعْتِرَاضِ الْمَزْبُورِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ عَقَلُوا عَنْهُمْ هُمْ الَّذِينَ عَقَلُوا لَهُمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُمْ لَهُمْ، لَا أَنْ يَكُونَ مَنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ عَيْنَ مَنْ وَجَبَتْ لَهُمْ حَتَّى يُقَالَ إنَّ مَنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ غَيْرُ الْوَرَثَةِ وَمَنْ وَجَبَتْ لَهُمْ هُمْ الْوَرَثَةُ فَلَا اتِّحَادَ. عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ إذَا كَانَتْ أَعَمَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ذَلِكَ الْمُجِيبُ تَكُونُ الْوَرَثَةُ أَيْضًا مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ، لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كُلِّهِمْ لَا عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ فَيَلْزَمُ اتِّحَادُ مَنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ. وَمَنْ وَجَبَتْ لَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَرَثَةِ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ الْمَزْبُورُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا لَا يَخْفَى. (كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) أَقُولُ: هَكَذَا وَقَعَ الْعُنْوَانُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْعَوَاقِلَ بَدَلَ الْمَعَاقِلِ، لِأَنَّ الْمَعَاقِلَ جَمْعُ الْمِعْقَلَةِ وَهِيَ الدِّيَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى كِتَابَ الدِّيَاتِ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى تَكْرَارٍ لَيْسَ بِتَامٍّ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّ بَيَانَ أَقْسَامِ الدِّيَاتِ وَأَحْكَامِهَا قَدْ مَرَّ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ هَاهُنَا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ بِتَفَاصِيلِ أَنْوَاعِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ، فَالْمُنَاسِبُ فِي الْعُنْوَانِ ذِكْرُ الْعَوَاقِلِ لِأَنَّهَا جَمْعُ الْعَاقِلَةِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا كَانَ مُوجِبُ الْقَتْلِ الْخَطَإِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا فَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ مَدَارَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَعْرِفَةَ الدِّيَاتِ نَفْسِهَا وَمَعْرِفَةَ أَحْكَامِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَحَلَّهَا كِتَابُ الدِّيَاتِ وَاسْتُوْفِيَتْ هُنَاكَ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ هُنَا مَعْرِفَةُ الْعَوَاقِلِ وَأَحْكَامِهَا وَذِكْرُ الدِّيَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا ذَكَرَ الْكِتَابَ هُنَا بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْبَابَ أَوْ الْفَصْلَ لِكَوْنِ الْمَذْكُورِ هُنَا إذْ ذَاكَ شُعْبَةً مِنْ الدِّيَاتِ، بِخِلَافِ الْعَوَاقِلِ فَإِنَّهَا أَمْرٌ مُغَايِرٌ لِلدِّيَاتِ ذَاتًا وَحُكْمًا فَكَانَتْ مَحَلًّا لِذِكْرِ الْكِتَابِ، وَكَأَنَّ ذَيْنِك الشَّارِحَيْنِ إنَّمَا اغْتَرَّا بِذِكْرِ الْمَعَاقِلِ فِي عُنْوَانِ هَذَا الْكِتَابِ بَدَلَ الْعَوَاقِلِ كَمَا فَصَّلْنَاهُ آنِفًا. وَالْوَجْهُ السَّدِيدُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ: لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الْخَطَإِ وَتَوَابِعَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: قَوْلُهُ وَكُلُّ دِيَةٍ مُبْتَدَأٌ

الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الدِّيَاتِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْأَوْلِيَاءِ «قُومُوا فَدُوهُ» وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ لَا وَجْهَ إلَى الْإِهْدَارِ وَالْخَاطِئُ مَعْذُورٌ، وَكَذَا الَّذِي تَوَلَّى شِبْهَ الْعَمْدِ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، وَفِي إيجَابِ مَالِ عَظِيمٍ إجْحَافُهُ وَاسْتِئْصَالُهُ فَيَصِيرُ عُقُوبَةً فَضَمَّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةَ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ. وَإِنَّمَا خُصُّوا بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَرَ لِقُوَّةٍ فِيهِ وَتِلْكَ بِأَنْصَارِهِ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَكَانُوا هُمْ الْمُقَصِّرِينَ فِي تَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتِهِ فَخُصُّوا بِهِ. قَالَ (وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ يُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسَامِيهمْ فِي الدِّيوَانِ وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ صِلَةٌ وَالْأَوْلَى بِهَا الْأَقَارِبُ. وَلَنَا قَضِيَّةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنًى لِأَنَّ الْعَقْلَ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ: بِالْقَرَابَةِ وَالْحِلْفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَدِّ. وَفِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ صَارَتْ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِهِ اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ تَنَاصُرُهُمْ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ إيجَابَهُمْ فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى مِنْهُ فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ خَبَرُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوهُ لَكَانَ قَوْلُهُ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مُسْتَقِلًّا وَكَانَ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ كَلَامًا تَامًّا مُسْتَقِلًّا أَيْضًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ مُبْتَدَأً، وَقَوْلُهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ خَبَرُهُ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَالدِّيَةُ كَائِنَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَهَذَا مَعَ اسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ مُسْتَدْرَكًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ هَاهُنَا، إذْ كَوْنُ الدِّيَةِ وَاجِبَةً فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَقَدْ ذُكِرَ مُفَصَّلًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَكِتَابِ الدِّيَاتِ، وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِكِتَابِ الْمَعَاقِلِ يَفُوتُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ هَاهُنَا وَهُوَ بَيَانُ كَوْنِ الدِّيَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، إذْ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ تَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ. وَالْحَقُّ الصَّرِيحُ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ وَالدِّيَةُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلَهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ صِفَتُهُ: أَيْ الدِّيَةُ الْكَائِنَةُ أَوْ الْوَاجِبَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَقَوْلُهُ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَيَصِيرُ الْحُكْمُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ مُنْسَحِبًا

وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ خَرَجَ لِلْقَاتِلِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا كَانَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْهَا فِي سَنَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ جَمِيعًا فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ أَصْلًا وَيَحْصُلُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ هُنَا بِلَا رَيْبٍ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ، وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً) أَقُولُ: فِي تَمَامِ هَذَا التَّعْلِيلِ كَلَامٌ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَطَاءُ الْخَارِجُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي سَنَتَيْنِ وَافِيًا بِتَمَامِ الدِّيَةِ لِكَثْرَةِ آحَادِ الْعَاقِلَةِ، فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا بِالتَّمَامِ مِنْ الْعَطَاءِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، فَلَا يُفِيدُ هَذَا التَّعْلِيلُ الْمَزْبُورُ الْمُدَّعَى وَهُوَ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ. وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ لَا تَكُونَ الْعَطَايَا الْخَارِجَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَافِيَةً بِتَمَامِ الدِّيَةِ لِقِلَّةِ آحَادِ الْعَاقِلَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ تُؤْخَذَ إذْ ذَاكَ مِنْ الْعَطَايَا الْخَارِجَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَا يُفِيدُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُدَّعَى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَيْضًا كَمَا تَرَى. نَعَمْ يُفِيدُ التَّأْجِيلُ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْمُدَّعَى هُنَا هُوَ التَّأْجِيلُ بِثَلَاثِ سِنِينَ لَا التَّأْجِيلُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ كَانَ يَأْبَى إيجَابُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِإِيجَابِهِ مُؤَجَّلًا بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ التَّأْجِيلُ بِثَلَاثِ سِنِينَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّرْعَ الْوَارِدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ بِهِ، وَسَيَجِيءُ نَظِيرُ هَذَا فِي الْكِتَابِ فِي تَعْلِيلِ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا لَيْسَ بِحَالٍّ عِنْدَنَا بَلْ مُؤَجَّلٌ بِثَلَاثِ سِنِينَ فَتَأَمَّلْ هَلْ يُمْكِنُ دَفْعُهُ؟ (قَوْلُهُ وَلَوْ خَرَجَ لِلْقَاتِلِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ) قَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ: وَلَوْ خَرَجَ لِلْقَابِلِ: أَيْ لِلْعَامِ الْقَابِلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ ذَاكَ هُوَ الْأَصَحُّ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَغْوًا مَحْضًا، لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ لِلْعَامِ الْقَابِلِ: أَيْ الْمُقْبِلِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَطْعًا، فَمَا مَعْنَى تَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ خُرُوجٍ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَبَيْنَ خُرُوجٍ لِلْعَامِ الْقَابِلِ وَيَدَّعِي إمْكَانَ كَوْنِ الْخُرُوجِ لِلْعَامِ الْقَابِلِ فِي الْمَاضِي بِأَنْ خَرَجَ الْعَطَاءُ فِي الْمَاضِي لِلْعَامِ الْقَابِلِ: أَيْ لِأَجْلِ الْعَامِ الْقَابِلِ بِطَرِيقِ تَعْجِيلِ إعْطَاءِ عَطِيَّةِ الْعَامِ الْآتِي أَيْضًا لِمَصْلَحَةٍ لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ لَا يَخْفَى. نَعَمْ فِي النُّسْخَةِ الْأُولَى أَيْضًا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ الدِّيَةِ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَايَا الَّتِي خَرَجَتْ لِلْعَاقِلَةِ أَجْمَعِهِمْ لَا مِمَّا خَرَجَتْ لِلْقَاتِلِ فَقَطْ، إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ الْمُضَافُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ خَرَجَ لِلْقَاتِلِ: أَيْ لَوْ خَرَجَ لِعَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ طَرِيقَةٌ مَعْهُودَةٌ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ.

وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْلِ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَهُوَ فِي مَالِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ فَهُوَ حَالٌّ، لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّخْفِيفِ لِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ. وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ وَالشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ مُؤَجَّلًا فَلَا يَتَعَدَّاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: أَرَاهُمْ خَرَجُوا هُنَا عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ فَحِينَئِذٍ لَا مَجَالَ لِكَوْنِ قَوْلِهِ الْمَزْبُورِ إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ، إذْ لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْوُجُوبِ بِالْقَضَاءِ فِي أَنْ يُؤْخَذَ كُلُّ الدِّيَةِ مِنْ الْعَطَايَا الْخَارِجَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، بَلْ إنَّمَا يَكُونُ قَوْلُهُ الْمَزْبُورُ حِينَئِذٍ إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ. نَعَمْ لَوْ جُعِلَ قَوْلُهُ الْمَزْبُورُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ مَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَصَحَّ جَعْلُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ لَكِنَّ جَعْلَهُ دَلِيلًا عَلَى مَا وَقَعَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمُصَنِّفِ اسْتِطْرَادًا وَبِالتَّبَعِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَتَرَكَ مَا هُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَمَقْصُودٌ بِالذَّاتِ هُنَا خَالِيًا عَنْ الدَّلِيلِ بِالْكُلِّيَّةِ مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ لَمَا أَخَّرَ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. (قَوْلُهُ وَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَهُوَ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) أَقُولُ: هَذَا التَّحْرِيرُ مُخْتَلٌّ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ خَبَرَ " مَا " فِي قَوْلِهِ وَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ فَهُوَ فِي مَالِهِ، إذْ لَوْ كَانَ خَبَرُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ فِي مَالِهِ مَعْنًى، بَلْ لَمْ يَظْهَرْ لِضَمِيرِ هُوَ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ فِي مَالِهِ ارْتِبَاطٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ عِنْدَ مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ وَالْقَوَاعِدِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ خَبَرُ " مَا " قَوْلَهُ فَهُوَ فِي مَالِهِ لَمْ يَصِحَّ مَعْنَى الْكَلَامِ فِي الْمَقَامِ، فَإِنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ لَيْسَ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ بِلَا رَيْبٍ. فَالْحَقُّ فِي تَحْرِيرِ الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: وَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ بِأَنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَهُوَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ، وَالشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ مُؤَجَّلًا فَلَا يَتَعَدَّاهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ إنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ: أَيْ الْقِيَاسُ يَأْبَى إيجَابَ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ: يَعْنِي لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ وَهِيَ لَا تَتَنَاقَضُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ هُوَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ لَمَا أَثْبَتَ دَلِيلُنَا الْمَذْكُورُ هَاهُنَا مُدَّعَانَا، فَإِنَّ إيجَابَ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ، لِأَنَّ عَدَمَ اقْتِضَاءِ الْقِيَاسِ إيَّاهُ لَيْسَ بِاقْتِضَاءٍ لِعَدَمِهِ، وَالْمُخَالَفَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُرُودِ الشَّرْعِ بِإِيجَابِ الْمَالِ فِي الْخَطَإِ مُؤَجَّلًا أَنْ لَا يَتَعَدَّى غَيْرُهُ، لِأَنَّ الَّذِي لَا يَتَعَدَّى مَوْرِدُهُ إنَّمَا هُوَ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " وَهِيَ ": أَيْ حُجَجُ الشَّرْعِ لَا تَتَنَاقَضُ أَنَّ حُجَجَهُ الْمَعْمُولَ بِهَا لَا تَتَنَاقَضُ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ الْقِيَاسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ بِمَعْمُولٍ بِهِ بَلْ هُوَ مَتْرُوكٌ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ بِإِيجَابِ الْمَالِ فَلَا مَحْذُورَ فِي اقْتِضَائِهِ عَدَمَ إيجَابِ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ حُجَجَ الشَّرْعِ لَا تَتَنَاقَضُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مَعْمُولًا بِهَا أَوْ لَا فَمَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ وَضَعُوا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ بَابًا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالتَّرْجِيحِ، وَبَيَّنُوا أَحْكَامَ ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ. وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ أَنَّهُ رَفَضَ هُنَا عِدَّةً مِنْ الْقَوَاعِدِ

وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ إذْ هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مُدَّةُ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ الْمِثْلُ وَالتَّحَوُّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِهِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ. قَالَ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ) لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي التَّعَاقُلِ. قَالَ (وَتُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيُنْتَقَصُ مِنْهَا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَتَّسِعُ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ) مَعْنَاهُ: نَسَبًا كُلُّ ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّخْفِيفِ وَيُضَمُّ الْأَقْرَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِقْهِيَّةِ بِلَا ضَرُورَةٍ أَصْلًا. ثُمَّ قَالَ ذَاكَ الشَّارِحُ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخَطَإِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قُلْنَا: هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَالًا وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً. أَقُولُ: إنَّ قَيْدَ الِابْتِدَاءِ فِي قَوْلِهِ وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْكِتَابِ هُنَاكَ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، قَالَ ذَلِكَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ: يَعْنِي ابْتِدَاءً، وَقَالُوا: يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ دِيَةٍ تَجِبُ بِسَبَبِ الصُّلْحِ أَوْ الْأُبُوَّةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، فَإِنَّهَا فِي مَالِ الْقَاتِلِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ انْتَهَى. وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ) أَقُولُ: قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَقَالُوا فِي بَيَانِ وَجْهِهِ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتَلَ بِوَصْفِ الْكَمَالِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَجَزَّأُ فَجَاءَ التَّمَاثُلُ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هُنَا: فَلِمَ لَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْقَاتِلِينَ وَاحِدًا خَطَأً دِيَةٌ كَامِلَةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتَلَ بِوَصْفِ الْكَمَالِ كَمَا فِي الْعَمْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْفَرْقِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ الْمِثْلُ وَالتَّحَوُّلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِهِ) قَالَ الشُّرَّاحُ فِي بَيَانِهِ

فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ: الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ. وَأَمَّا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَقِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ لِأَنَّ الضَّمَّ لِنَفْيِ الْحَرَجِ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَالْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَا يَكْثُرُونَ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الرَّايَاتِ إذَا لَمْ يَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَهْلُ رَايَةٍ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الرَّايَاتِ: يَعْنِي أَقْرَبَهُمْ نُصْرَةً إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرُ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، وَيُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَيُسَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَيُعْتَبَرُ بِالزَّكَاةِ وَأَدْنَاهَا ذَلِكَ إذْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَهُمْ نِصْفُ دِينَارٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: هِيَ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَيُنْتَقَصُ مِنْهَا تَحْقِيقًا لِزِيَادَةِ التَّخْفِيفِ. (وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ) لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَاءِ قَائِمٌ مُقَامَهُ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا صِلَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَكَمَا يَخْرُجُ رِزْقٌ يُؤْخَذُ الثُّلُثُ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَاءِ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَخَرَجَ بَعْدَ الْقَضَاءِ يُؤْخَذُ مِنْهُ سُدُسُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ رِزْقٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْتَوْفِي فِي كُلِّ سَنَةٍ مِقْدَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمِثْلِ بِالنَّصِّ، وَمِثْلُ النَّفْسِ النَّفْسُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَتَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَنْ الْخَاطِئِ تَحَوَّلَ الْحَقُّ بِالْقَضَاءِ إلَى الْمَالِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ مُطْلَقًا حَتَّى النَّفْسُ الْمُتْلَفَةُ بِالْقَتْلِ خَطَأً إنَّمَا يَكُونُ بِالْمِثْلِ بِالنَّصِّ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] الْآيَةَ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ جَزَاءِ الْقَتْلِ خَطَأً تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةً مُسْلِمَةً إلَى أَهْلِهِ لَا قَتْلَ الْقَاتِلِ بِمُقَابَلَةِ ذَاكَ، نَعَمْ إنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] كَانَ يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ فِي النَّفْسِ الْمُتْلَفَةِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَيْضًا بِالْمِثْلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْقَتْلِ خَطَأً مُخَصَّصًا مِنْهُ بِنَصٍّ آخَرَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَلَمَّا خُصَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ جَوَابُ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ خَطَأً مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْعِزَّةِ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بَلْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الْقَاضِي، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ مَا عَدَا النَّفْسِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمِثْلِ بِالنَّصِّ فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَكِنْ لَا يُجْدِي شَيْئًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ لِأَنَّ الضَّمَّ لِنَفْيِ الْحَرَجِ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ، وَالْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَا يَكْثُرُونَ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ كَثْرَةِ الْآبَاءِ مُسَلَّمٌ، وَأَمَّا عَدَمُ كَثْرَةِ الْأَبْنَاءِ كَكَثْرَةِ الْإِخْوَةِ فَمَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَأَخَوَاتُهُ أَبْنَاءُ أَبِيهِ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يُكْثِرَ أَبْنَاءَ أَبِيهِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْثِرَ أَبْنَاءَ نَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ، لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَاءِ قَائِمٌ مُقَامَهُ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا صِلَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: الْفَرْقُ

الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ أُخِذَ مِنْ رِزْقِ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِحِصَّةِ الشَّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، إمَّا لِأَنَّ الْأَعْطِيَةَ أَكْثَرُ، أَوْ لِأَنَّ الرِّزْقَ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ فَيَتَعَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ وَالْأَعْطِيَاتُ لِيَكُونُوا فِي الدِّيوَانِ قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ فَيَتَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ. قَالَ (وَأُدْخِلَ الْقَاتِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ) لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فِي النَّفْيِ عَنْهُ وَالْجَامِعُ كَوْنُهُ مَعْذُورًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ لِلْإِنْسَانِ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ يُفْرَضُ لَهُ مَا يَكْفِيهِ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ، وَالْعَطَاءُ مَا يُفْرَضُ كُلَّ سَنَةٍ لَا بِالْحَاجَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: تَفْسِيرُ الْعَطَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ لَا يُلَائِمُ مَسْأَلَةً مَرَّتْ فِيمَا قَبْلُ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ خَرَجَ لِلْقَاتِلِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا جَوَازُ أَنْ يُفْرَضَ لِرَجُلٍ عَطَاءٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَتَخْرُجُ لَهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ عَطَايَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ التَّفْسِيرِ الْمَزْبُورِ أَنْ يَكُونَ الْعَطَاءُ مَا يُفْرَضُ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً. نَعَمْ يُلَائِمُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قَبِيلُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَاَلَّذِي يُمْكِنُ فِي التَّوْفِيقِ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ لِلْعَطَاءِ عَلَى مَا هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ وُقُوعًا، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي الْمُتَعَارَفِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطِيَّةِ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ، وَالْعَطِيَّةُ مَا يُفْرَضُ لِيَكُونُوا قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ: الْعَطِيَّةُ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: إذَا كَانَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ وَأَعْطِيَاتٌ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ دُونَ أَرْزَاقِهِمْ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الرِّزْقَ يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ أَيْضًا انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ صَاحِبَ الْمُغْرِبِ قَدْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ الْمُغْرِبِ: أَحَدُهُمَا مَوْضِعُ بَيَانِ الرِّزْقِ، وَالثَّانِي مَوْضِعُ بَيَانِ الْعَطَاءِ، فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ: الرِّزْقُ مَا يُخْرَجُ لِلْجُنْدِيِّ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ، وَقِيلَ يَوْمًا بِيَوْمٍ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: الْعَطَاءُ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَالرِّزْقُ لِلْفُقَرَاءِ. وَقَالَ فِي الثَّانِي: الْعَطَاءُ اسْمُ مَا يُعْطَى وَالْجَمْعُ أَعْطِيَةٌ وَأَعْطِيَاتٌ، وَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَطَاءِ وَالرِّزْقِ فَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَطَاءَ مَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السُّنَّةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ كُلَّ شَهْرٍ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ فِي الْعَاقِلَةِ. الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ عَطَاءٍ وَكَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ جُعِلَتْ الدِّيَةُ فِي أَرْزَاقِهِمْ. وَقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَطِيَّةَ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً انْتَهَى. فَنَظَرُ صَاحِبِ الْغَايَةِ لَا يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ قَطُّ، وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي أَوَّلًا بِقَوْلِهِ فَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَطَاءَ مَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ كُلَّ شَهْرٍ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَا نَقَلَهُ مَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَطِيَّةَ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَالرِّزْقَ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً، وَهُوَ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ، فَنِسْبَةُ ذَلِكَ الْقَوْلِ إلَى صَاحِبِ الْمُغْرِبِ نَفْسِهِ وَإِيرَادُ النَّظَرِ عَلَيْهِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، وَالْعَجَبُ هَاهُنَا مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ خَصَّ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ مَا ذَكَرُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَطِيَّةِ وَالرِّزْقِ ذَلِكَ الْقَوْلَ الَّذِي رَدَّهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا يَدْفَعُهُ مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْآتِيَةَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ يَأْبَى ذَلِكَ الْقَوْلَ جِدًّا. (قَوْلُهُ وَأُدْخِلَ الْقَاتِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْقَاتِلَ إنَّمَا يَكُونُ كَأَحَدِ الْعَوَاقِلِ فِي أَدَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ فِي الدِّيوَانِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ عِنْدَنَا أَيْضًا لِأَنَّ الدِّيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَعْطِيَاتِ وَقَالَ وَهُوَ هَكَذَا مَنْصُوصٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي تَقْيِيدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْوَجْهِ الْمَزْبُورِ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: هَذَا مُشْكِلٌ عِنْدِي، إذْ قَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ

قُلْنَا: إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ إيجَابُ الْجُزْءِ، وَلَوْ كَانَ الْخَاطِئُ مَعْذُورًا فَالْبَرِيءُ مِنْهُ أَوْلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ، وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِيهِمَا، وَالْفَرْضُ لَهُمَا مِنْ الْعَطَاءِ لِلْمَعُونَةِ لَا لِلنُّصْرَةِ كَفَرْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ. (وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ عَنْ مِصْرٍ آخَرَ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي التَّعَاقُلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَبِيلَةَ مَنْ لَا يَكُون مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ فِي الدِّيوَانِ قَدْ لَا تَكُونُ هِيَ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ فِي الدِّيوَانِ وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ تُنَاصِرُهُمْ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ وَإِنْ كَانَ بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ وَعَلَى مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَعْطِيَاتِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ عِنْدَنَا أَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ وَلَا عَاقِلَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ الْأَعْطِيَاتِ هُنَاكَ لَا فِي حَقِّ الْقَاتِلِ وَلَا فِي حَقِّ عَاقِلَتِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ أَلْبَتَّةَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الْقَاتِلِ أَيْضًا شَيْءٌ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ أَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الْفَاعِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا)

لِأَهْلِ كُلِّ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِالدِّيوَانِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ فِي السُّكْنَى فَأَهْلُ مِصْرِهِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ (وَيَعْقِلُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ مِنْ أَهْلِ سَوَادِهِمْ) لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْمِصْرِ، فَإِنَّهُمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ اسْتَنْصَرُوا بِهِمْ فَيَعْقِلُهُمْ أَهْلُ الْمِصْرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقُرْبِ فِي النُّصْرَةِ (وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُهُ بِالْكُوفَةِ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ) لِأَنَّهُ يَسْتَنْصِرُ بِأَهْلِ دِيوَانِهِ لَا بِجِيرَانِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِالدِّيوَانِ أَظْهَرُ فَلَا يَظْهَرُ مَعَهُ حُكْمُ النُّصْرَةِ بِالْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَقُرْبِ السُّكْنَى وَغَيْرِهِ وَبَعْدَ الدِّيوَانِ النُّصْرَةُ بِالنَّسَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ كَثِيرٌ مِنْ صُوَرِ مَسَائِلِ الْمَعَاقِلِ (وَمَنْ جَنَى جِنَايَةً مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الدِّيوَانِ عَطَاءٌ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ وَمَسْكَنُهُ الْمِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ) وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَرَابَةٌ، قِيلَ هُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَيُقَدَّمُونَ بِنُصْرَتِهِمْ وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَا يَخُصُّونَ بِهِ أَهْلَ الْعَطَاءِ. وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُمْ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ وَأَهْلُ الْمِصْرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ مَكَانًا فَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى النُّصْرَةِ لَهُمْ وَصَارَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ (وَلَوْ كَانَ الْبَدْوِيُّ نَازِلًا فِي الْمِصْرِ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ لَا يَعْقِلُهُ أَهْلُ الْمِصْرِ) لِأَنَّ أَهْلَ الْعَطَاءِ لَا يَنْصُرُونَ مَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَا تَعْقِلُ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ النَّازِلِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ (وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَوَاقِلُ مَعْرُوفَةٌ يَتَعَاقَلُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّ قَوْلَهُ هُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْقَاتِلَةَ يُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا قُبَيْلَ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ امْرَأَةٍ حَيْثُ أَدْخَلَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ هُنَاكَ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ مَعَ الْعَاقِلَةِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ بِقِيلِ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً حَقِيقَةً وَهُنَاكَ تُقَدَّرُ قَاتِلَةً بِسَبَبِ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ لَا يُقَالُ: إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَهِيَ قَاتِلَةٌ حَقِيقَةً فَلَأَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهَا وَهِيَ قَاتِلَةٌ تَقْدِيرًا أَوْلَى، لِأَنَّا نَقُولُ: الْقَسَامَةُ تَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْمُقْسِمِ إمَّا بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا بِالِاسْتِقْرَاءِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ فَيَتَحَقَّقُ اللَّازِمُ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُ الدِّيَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ اسْتِلْزَامَ الْقَسَامَةِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْمُقْسِمِ عِنْدَنَا إمَّا بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْعَاقِلَةِ بِالِاسْتِقْرَاءِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَرْيَةِ امْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ كَمَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ إيَّاهَا بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّا أَنْزَلْنَاهَا قَاتِلَةً وَالْقَاتِلَةُ تُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ يَأْبَى الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاتِلَةِ حَقِيقَةً وَالْمُقَدَّرَةِ قَاتِلَةً، بَلْ يَقْتَضِي قِيَاسَ الْمُنَزَّلَةِ قَاتِلَةً عَلَى الْقَاتِلَةِ حَقِيقَةً وَإِلَّا لَا يَتِمُّ تَعْلِيلُهُمْ الْمَذْكُورُ لَا عَلَى قَاعِدَةِ الْفِقْهِ وَلَا عَلَى قَاعِدَةِ الْمِيزَانِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ، فَالْحَقُّ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ مَا ذَكَرَهُ سَائِرُ الشُّرَّاحِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: هَذَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ قُبَيْلَ الْمَعَاقِلِ مِنْ

بِهَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمْ قَتِيلًا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَعَانِي الْعَاصِمَةِ عَنْ الْإِضْرَارِ، وَمَعْنَى التَّنَاصُرِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِمْ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ عَاقِلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ) كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْعَاقِلَةِ أَنْ لَوْ وُجِدَتْ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ تَاجِرَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ أَهْلَ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَتَمَكُّنُهُ مِنْ هَذَا الْقَتْلِ لَيْسَ بِنُصْرَتِهِمْ. (وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ) لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ مَعَ الْعَاقِلَةِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَصْلِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَا ذُكِرَ هُنَا هُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ أَصْلُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا مَرَّ قُبَيْلَ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ امْرَأَةٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَوَاقِلِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: فَإِنْ قُلْت: قَدْ مَرَّ قُبَيْلَ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي قَرْيَةِ امْرَأَةٍ تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَذَهَبَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ إلَى أَنَّهَا تُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ فِي الدِّيَةِ فَكَيْفَ لَمْ تُشَارِكْهُمْ هُنَا. قُلْت: ثَمَّةَ لَا تُشَارِكُهُمْ فِي الدِّيَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَنْصُوصُ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ يَبْتَنِي عَلَى إيجَابِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهَا وَفِي ذَلِكَ تَنَاقُضٌ، لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا عَبْدٍ، وَقَالَ هَاهُنَا: لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا تُكَرِّرُ الْأَيْمَانَ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ أَلْبَتَّةَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمُحَلَّةِ خَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ، فَمَعْنَاهُ لَا يُكْمِلُ أَهْلُ الْمُحَلَّةِ خَمْسِينَ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَمَّا هُنَا فَالْقَتِيلُ وُجِدَ فِي قَرْيَتِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهَا نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْقَتْلِ فَإِنَّهَا تَتَحَقَّقُ مِنْهَا، وَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَسَامَةَ إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْجَمَاعَةِ تُعَلَّلُ بِالنُّصْرَةِ، فَمَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا يَدْخُلُ وَمَنْ لَا فَلَا، فَلَا يَدْخُلُ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى وَاحِدٍ تُعَلَّلُ بِتُهْمَةِ الْقَتْلِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا فَتَدْخُلُ الْمَرْأَةُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمُحَلَّةِ خَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ مَمْنُوعٌ، بَلْ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مَقْصُودَةٌ بِالْبَيَانِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، إذْ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ لَا يُكْمِلُ أَهْلُ الْمُحَلَّةِ خَمْسِينَ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا نَفْيُ صَلَاحِيَتِهِمْ لِلْقَسَامَةِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا مُنْضَمِّينَ إلَى الْغَيْرِ لِتَكْمِيلِ الْخَمْسِينَ أَوْ كَانُوا مُنْفَرِدِينَ وَحْدَهُمْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ حَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ فِي أَمْرِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ كَوْنِهِمْ مُنْفَرِدِينَ غَيْرَ مُنْضَمِّينَ إلَى الْغَيْرِ مَتْرُوكًا بِالْكُلِّيَّةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّ عَدَمَ الصَّلَاحِيَّةِ لِلْقَسَامَةِ حَالَ الِانْضِمَامِ إلَى الْغَيْرِ لِتَكْمِيلِ الْخَمْسِينَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الصَّلَاحِيَّةِ لَهَا حَالَ الِانْفِرَادِ إذْ هُوَ حَاصِلُ الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَمَا تَرَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْقَسَامَةِ إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْجَمَاعَةِ تُعَلَّلُ بِالنُّصْرَةِ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْوَاحِدِ تُعَلَّلُ بِتُهْمَةِ الْقَتْلِ مِنْ عِنْدِيَاتِهِ لَا يُسَاعِدُهُ الْعَقْلُ وَلَا النَّقْلُ، أَمَّا عَدَمُ مُسَاعَدَةِ الْعَقْلِ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ تَرْكِ النُّصْرَةِ وَاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مُتَحَقِّقٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ صُورَتَيْ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَوُجُوبِهَا عَلَى الْوَاحِدِ، فَتَعْلِيلُ إحْدَاهُمَا بِالْأَوَّلِ وَالْأُخْرَى بِالثَّانِي دُونَ الْعَكْسِ أَوْ الْجَمْعِ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ. وَأَمَّا عَدَمُ مُسَاعِدَةِ النَّقْلِ فَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّلُونَ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ مُطْلَقًا بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يُرَاجِعُ الْمُعْتَبَرَاتِ وَقَدْ مَرَّتْ

وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُعَادَاةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ ظَاهِرَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَاقَلُونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَهُ بِهَا عَطَاءٌ فَحَوَّلَ دِيوَانَهُ إلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: يُقْضَى عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْجِنَايَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَعَاقِلَتُهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا حُوِّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْقَضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ وَبِالْقَضَاءِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ، وَكَذَا الْوُجُوبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ مَنْ يَكُونُ عَاقِلَتَهُ عِنْدَ الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنَّ حِصَّةَ الْقَاتِلِ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَائِهِ بِالْبَصْرَةِ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَاءِ وَعَطَاؤُهُ بِالْبَصْرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ نَفْسِ الْكِتَابِ فَتَذَكَّرْ. (قَوْلُهُ وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ انْتَهَى. أَقُولُ: يَأْبَى هَذَا الْجَوَابَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ فَلَا عَاقِلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّهُمْ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ تُفِيدُ الْعُمُومَ عَلَى مَا عُرِفَ. فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ هُنَاكَ نَفْيُ الْوُقُوعِ: أَيْ لَمْ يَقَعْ التَّعَاقُلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ الْجَوَازِ: أَيْ وَقَعَ التَّعَاقُلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ جَازَ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ مِلَلِهِمْ تَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَهُ بِهَا عَطَاءٌ فَحَوَّلَ دِيوَانَهُ إلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ إنَّمَا خُصُّوا بِالضَّمِّ إلَى الْقَاتِلِ فِي أَدَاءِ الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ إنَّمَا قَصَّرَ لِقُوَّةٍ فِيهِ، وَتِلْكَ الْقُوَّةُ بِأَنْصَارِهِ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَكَانُوا هُمْ الْمُقَصِّرِينَ فِي تَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ فَخُصُّوا بِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ بِالدِّيَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ زُفَرُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا صَدَرَتْ عَنْهُ حَالَ كَوْنِ عَاقِلَتِهِ أَهْلَ الْكُوفَةِ فَالْقُوَّةُ فِيهِ وَقْتَ صُدُورِهَا عَنْهُ إنَّمَا كَانَتْ بِأَنْصَارِهِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَالتَّقْصِيرُ فِي مُرَاقَبَتِهِ وَقْتَئِذٍ إنَّمَا وَقَعَ مِنْهُمْ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عُهْدَةَ الْمُرَاقَبَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ عَلَيْهِمْ لَا عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لَا عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ حِكْمَةٌ أَنْ خُصَّتْ الْعَاقِلَةُ بِالضَّمِّ إلَى الْقَاتِلِ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ لَا عِلَّتُهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحِكْمَةَ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ، كَمَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْبِكْرِ فَلَا يَقْدَحُ عَدَمُ تَمْشِيَةِ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، فَإِنْ مِلَاكَ الْأَمْرِ فِي تَمَامِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الدَّلِيلُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْقَضَاءِ إلَخْ، وَلَا مَحَالَةَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ لَمَّا كَانَ عِنْدَ الْقَضَاءِ لَا قَبْلَهُ وَكَانَ دِيوَانُ الْقَاتِلِ مُتَحَوِّلًا إلَى الْبَصْرَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ أَنْ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَاقِلَةَ الْقَاتِلِ وَقْتَ الْقَضَاءِ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ حَالَ كَوْنِهِمْ عَاقِلَتَهُ لِعَدَمِ سَبْقِ وُجُوبِهَا الْقَضَاءَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُقْضَى بِهَا عَلَى مَنْ هُوَ عَاقِلَتُهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ عَنْ

بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ، لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مَسْكَنُهُ بِالْكُوفَةِ وَلَيْسَ لَهُ عَطَاءٌ فَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَوْطَنَ الْبَصْرَةَ قُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَلَوْ كَانَ قَضَى بِهَا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُمْ، وَكَذَا الْبَدْوِيُّ إذَا أُلْحِقَ بِالدِّيوَانِ بَعْدَ الْقَتْلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَادِيَةِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ جَعَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْعَطَاءِ حَيْثُ تَصِيرُ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ قَضَى بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْضُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَضَى بِهَا فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَعْطِيَاتُهُمْ أَمْوَالُهُمْ، غَيْرَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ أَدَاءً، وَالْأَدَاءُ مِنْ الْعَطَاءِ أَيْسَرُ إذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُ الْعَطَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْإِبِلِ وَالْعَطَاءُ دَرَاهِمَ فَحِينَئِذٍ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى الدَّرَاهِمِ أَبَدًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ يُقْضَى ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. قَالَ (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِمْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . قَالَ (وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) لِأَنَّهُ وَلَاءٌ يُتَنَاصَرُ بِهِ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ. قَالَ (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاتِلِ الْمَعْذُورِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ إلَخْ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَمَعْنَاهُ لَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إذَا كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِدِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بِمَوْتِ بَعْضِهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ فِيهِ أَيْضًا نَقْلَ الدِّيَةِ مِنْ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْقَضَاءِ إلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ حُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: مُقَدِّمَتُهُمْ الْقَائِلَةُ مَعَ أَنَّ فِيهِ أَيْضًا نَقْلَ الدِّيَةِ مِنْ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْقَضَاءِ إلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَدْرَكَةً فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمَقَامِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِهَا، إذْ لَيْسَ فِيمَا إذَا قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ نَقْلُ الدِّيَةِ مِنْ أَحَدٍ إلَى أَحَدٍ قَطُّ، بَلْ إنَّمَا فِيهِ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّكْثِيرَ يُغَايِرُ النَّقْلَ بَلْ يُنَافِيهِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ: إنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ حُكْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الضَّمِّ تَقْرِيرُ حُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُقَدِّمَةُ الْكَاذِبَةُ مُعْتَبَرَةً فِي مَعْنَى الْمَقَامِ لَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ إنَّ أَمْرَ النَّقْلِ فِي صُورَةِ الْقِلَّةِ كَذَا وَفِي صُورَةِ التَّحَوُّلِ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَذَا تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ قَالَ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ

نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ النَّفْسِ، وَلِأَنَّ التَّحَمُّلَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِجْحَافِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْكَثِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ الْفَاصِلُ عُرِفَ بِالسَّمْعِ. قَالَ (وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي) وَالْقِيَاسُ فِيهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَجِبُ الْكُلُّ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، أَوْ التَّسْوِيَةُ فِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا، وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ أَرْشَ الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ الرَّجُلِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الدِّيَاتِ، فَمَا دُونَهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّحْكِيمِ كَمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ بِالتَّقْوِيمِ فَلِهَذَا كَانَ فِي مَالِ الْجَانِي أَخْذًا بِالْقِيَاسِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQنِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةَ فَصَاعِدًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَحَمَّلُ مَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي عَمْدِهِ وَلَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهُ فَصَارَ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ لِكُلِّ مِفْصَلٍ مِنْ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ، فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ فَكَانَ لِكُلِّ مِفْصَلٍ مِنْ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ هُوَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي عَمْدِهِ لَا مَحَالَةَ لِإِمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي هِيَ مَبْنَى الْقِصَاصِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ، فَانْتَقَضَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي عَمْدِهِ وَمِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهُ كَمَا تَرَى، نَعَمْ قَدْ تَدَارَكَ صَاحِبُ الْغَايَةِ إصْلَاحَ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهُ حَيْثُ قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: أَرْشُ الْأُنْمُلَةِ مُقَدَّرٌ وَهُوَ ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَحَمَّلَهُ الْعَاقِلَةُ، قِيلَ لَهُ لَيْسَ أَرْشُهَا مُقَدَّرًا بِنَفْسِهَا بَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِغَيْرِهَا وَهُوَ الْأُصْبُعُ، وَنَحْنُ إنَّمَا شَبَّهْنَا مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِالْأَمْوَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ بِنَفْسِهِ انْتَهَى. لَكِنْ بَقِيَتْ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ إنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي عَمْدِهِ مَجْرُوحَةٌ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» )

قَالَ (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَلَا مَا لَزِمَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ لَا تَنَاصُرَ بِالْعَبْدِ وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ عَنْهُمْ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَلَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَإٍ وَلَمْ يَرْفَعُوا إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سِنِينَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى) لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى (وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْكُوفَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَّبَهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا لَيْسَ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِمْ (وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ الدِّيَةَ بِتَصَادُقِهِمَا تَقَرَّرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدُ حُرًّا فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ شَيْءٌ مِنْ جِنَايَةِ عَبْدِهِ، إنَّمَا جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ يَفْدِيَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ يَقْتُلُهُ حُرٌّ أَوْ يَجْرَحُهُ فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي شَيْءٌ إنَّمَا ثَمَنُهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَذَاكَرْت الْأَصْمَعِيَّ فِي ذَلِكَ فَإِذَا هُوَ يَرَى الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يَرَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ جَائِزًا، يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَ لَكَانَ الْكَلَامُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ عَبْدٍ وَلَمْ يَكُنْ وَلَا تَعْقِلُ عَبْدًا. وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ عَقَلْت الْقَتِيلَ إذَا أَعْطَيْت دِيَتَهُ وَعَقَلْت عَنْ فُلَانٍ إذَا لَزِمَتْهُ دِيَةٌ فَأَعْطَيْتهَا عَنْهُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَلَّمْت أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ فِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَقَلْته وَعَقَلْت عَنْهُ حَتَّى فَهَّمْته. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَقَلْته يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى عَقَلْت عَنْهُ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا» وَسِيَاقُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَنْ عَمْدٍ وَعَنْ صُلْحٍ وَعَنْ اعْتِرَافٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: الْجَوَابُ مَحِلُّ الْكَلَامِ، إذْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ مَعْنَاهُ مَا ذُكِرَ وَيَقُولَ: بَلْ مَعْنَاهُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَمَنْ صُولِحَ عَنْ دَمِهِ وَمَنْ اُعْتُرِفَ بِقَتْلِهِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْضًا فَيَئُولُ الْمَعْنَى فِي الْكُلِّ إلَى مَعْنَى عَقَلْت الْقَتِيلَ لَا إلَى مَعْنَى عَقَلْت عَنْ فُلَانٍ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ إلْزَامًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: يُرِيدُ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَفِي الْقَتْلِ مُعَايَنَةً الدِّيَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهَذَا أَوْلَى انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الدِّيَةِ بَلْ فِي التَّأْجِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَالَ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ الْخَطَأُ بِالْبَيِّنَةِ يَلْزَمُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَعَ هَذَا يُؤَجَّلُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ، فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى يُؤَجَّلُ

عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَطَاءٌ مَعَهُمْ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) لِأَنَّهُ فِي حَقِّ حِصَّتِهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ مُقِرٌّ عَلَيْهِمْ. قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا. وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا يُوجِبُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُقِرِّ وَحْدَهُ دُونَ الْعَاقِلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِسَدِيدٍ، إذْ لَيْسَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَصَالَةً فِي الدِّيَةِ وَلَا فِي التَّأْجِيلِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ بِطَرِيقِ التَّأْجِيلِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ، إذْ قَدْ عُلِمَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَفِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَفِيمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَاهُنَا أَصَالَةٌ فِي كَوْنِ التَّأْجِيلِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ دُونَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلِهَذَا قَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْبَيَانَ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِقَوْلِهِ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إلَخْ إنَّمَا يُفِيدُ كَوْنَ الدِّيَةِ مُؤَجَّلَةً إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَا كَوْنَ التَّأْجِيلِ فِيهَا مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ دُونَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ هُنَا هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَيُفِيدُ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي الْقَتْلِ مُعَايَبَةً إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهَذَا أَوْلَى، وَهَذَا يُثْبِتُ كَوْنَ التَّأْجِيلِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ دُونَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ إذَا كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا جَرَمَ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُوبُهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَتَأْجِيلُ الدِّيَةِ فَرْعُ وُجُوبِهَا لَا مَحَالَةَ، إنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّأْجِيلُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ لَا قَبْلَهُ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَقَلَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ. وَالتَّأْجِيلُ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَفِي الْقَتْلِ الْمُعَايَنِ الدِّيَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهُنَا أَوْلَى انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فِي تَعْلِيلِ أَنْ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ هُنَا: لَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ بَيْنَ طَرَفِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَطَرَفِ الْبَهِيمَةِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى مَا عُرِفَ انْتَهَى. يُنْتَقَضُ حِينَئِذٍ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْحُرِّ إلَى مَا دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ هُنَا يَجْرِي هُنَاكَ أَيْضًا مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ بَعْدَ بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ هِيَ الْمَالِيَّةُ دُونَ الْآدَمِيَّةِ، بِخِلَافِ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إتْلَافِهَا هِيَ الْآدَمِيَّةُ دُونَ الْمَالِيَّةِ عِنْدَنَا جَازَ أَنْ

وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ الْعَاقِلَةُ تَتَحَمَّلُهُ كَمَا فِي الْحُرِّ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَخَصُّ مِنْ بَعْضٍ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مُتْلِفٌ وَالْإِتْلَافُ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُهَا تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ عَلَى مَا مَرَّ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ. (وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ تَعْقِلُهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ) لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ مِنْهَا دُونَ الْأَبِ (فَإِنْ عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ عِنْدَ الْإِكْذَابِ ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَزَلْ كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْأَبِ حَيْثُ بَطَلَ اللِّعَانُ بِالْإِكْذَابِ، وَمَتَى ظَهَرَ مِنْ الْأَصْلِ فَقَوْمُ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَلَدٌ حُرٌّ فَلَمْ يُؤَدِّ كِتَابَتَهُ حَتَّى جَنَى ابْنُهُ وَعَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ أُمِّهِ ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ يَتَحَوَّلُ وَلَاؤُهُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ مِنْ وَقْتِ حُرِّيَّةِ الْأَبِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ عَقَلُوا عَنْهُمْ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي مَالِ الْآمِرِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي عَلَى الْآمِرِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الدِّيَاتِ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً بِطَرِيقِ التَّيْسِيرِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَاهُنَا عِدَّةُ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ مُتَفَرِّقَةً، وَالْأَصْلُ الَّذِي يُخَرَّجُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: حَالُ الْقَاتِلِ إذَا تَبَدَّلَ حُكْمًا فَانْتَقَلَ وَلَاؤُهُ إلَى وَلَاءٍ بِسَبَبِ أَمْرٍ حَادِثٍ لَمْ تَنْتَقِلْ جِنَايَتُهُ عَنْ الْأَوَّلِ قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ حَالَةٌ خَفِيَّةٌ مِثْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُنْتَقَضُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا بِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْحُرِّ إلَى مَا دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، إذْ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ فِي أَطْرَافِ الْحُرِّ بِالْكُلِّيَّةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ هُنَا حِينَئِذٍ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمَالِيَّةَ وَالْآدَمِيَّةَ مَعًا فِي أَطْرَافِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ الْآدَمِيَّةَ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْفَصْلِ الْمَزْبُورِ فِي بَيَانِ مَسْأَلَةِ مَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ إنْسَانٍ، وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ أَئِمَّتِنَا فَلَا مَعْنَى لَأَنْ يُبْنَى دَلِيلُهَا عَلَى أَصْلِ بَعْضٍ مِنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَخْلُو الْمَقَامُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَنْ نَوْعٍ مِنْ الِاضْطِرَابِ كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ تَتَحَمَّلُهُ كَمَا فِي الْحُرِّ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: أَيْ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ بَعْدَ بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ صَاحِبُ

[كتاب الوصايا]

دَعْوَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ حُوِّلَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْأُخْرَى وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُ الْجَانِي وَلَكِنَّ الْعَاقِلَةَ تَبَدَّلَتْ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدَةً فَلَحِقَهَا زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ اشْتَرَكُوا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ إلَّا فِيمَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ فَمَنْ أَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلَ مُتَأَمِّلًا يُمْكِنُهُ التَّخْرِيجُ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَضْدَادِ. [كِتَابُ الْوَصَايَا] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِنَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَفْسِيرِ ذَلِكَ أَصْلًا سَائِرُ الشُّرَّاحِ. أَقُولُ: لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ الثَّلَاثَةُ كَانَتْ حَوَالَتُهُ هُنَا غَيْرَ رَائِجَةٍ قَطْعًا، إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْفَصْلِ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا تَحَمُّلَهَا دِيَةَ النَّفْسِ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا عِنْدَنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ مَسَائِلَ ذَلِكَ الْفَصْلِ بِرُمَّتِهَا. (كِتَابُ الْوَصَايَا) قَالَ الشُّرَّاحُ: إيرَادُ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا لَيْسَ بِمُورَدٍ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا الْمُورَدُ فِي آخِرِهِ كِتَابُ الْخُنْثَى كَمَا تَرَى. نَعَمْ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ التَّصَانِيفِ أَوْرَدُوهُ فِي آخِرِ كُتُبِهِمْ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ الشُّرَّاحِ بِحَمْلِ الْآخِرِ فِي قَوْلِهِمْ فِي آخِرِ الْكِتَابِ عَلَى الْإِضَافِيِّ، فَإِنَّ آخِرَهُ الْحَقِيقِيَّ وَإِنْ كَانَ كِتَابَ الْخُنْثَى إلَّا أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا أَيْضًا آخِرُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ حَيْثُ كَانَ فِي قُرْبِ آخِرِهِ الْحَقِيقِيِّ، وَعَنْ هَذَا تَرَى الْقَوْمَ يَقُولُونَ وَقَعَ هَذَا فِي أَوَائِلِ كَذَا وَأَوَاخِرِهِ، فَإِنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ لَا تَتَمَشَّى فِي الْأَوَّلِ الْحَقِيقِيِّ وَالْآخِرِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِنَّمَا الْمُخَلِّصُ مِنْ ذَلِكَ تَعْمِيمُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ لِلْحَقِيقِيِّ وَالْإِضَافِيِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا: لَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى نَادِرًا مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ وَمِنْ حَيْثُ الْمَسَائِلُ أَيْضًا جَعَلُوهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَاعْتَبَرُوا كِتَابَ الْوَصَايَا آخِرَ الْكِتَابِ. ثُمَّ إنَّ الْوَصِيَّةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ هُوَ التَّوْصِيَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: 106] ثُمَّ سَمَّى الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا} [النساء: 12] وَفِي الشَّرِيعَةِ: تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ فِي الْمَنَافِعِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ثُمَّ الْوَصِيَّةُ وَالتَّوْصِيَةُ وَكَذَا الْإِيصَاءُ فِي اللُّغَةِ: طَلَبُ فِعْلٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي غَيْبَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً، هَذَا هُوَ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى هِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَعْضُ الْمَسَائِلِ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ. وَالْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَصِيِّ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا بِطَرِيقِ التَّطَفُّلِ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كَمَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مَوْضُوعَةٌ فِيهِ أَيْضًا لِطَلَبِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ فَقَطْ، نُقِلَ هَذَا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْإِيصَاءِ بِاللَّامِ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَبِإِلَى فِي الْمَعْنَى الثَّانِي، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذِكْرُ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوعِ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا عَلَى سَبِيلِ التَّطَفُّلِ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ. أَقُولُ: مَا عَدَّهُ تَحْقِيقًا لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الَّتِي تَكُونُ مِنْ فُرُوعِ الْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هِيَ الْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَصِيِّ دُونَ مَسَائِلِ الْوَصِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْإِيصَاءِ فِيهَا بِاللَّامِ لَا بِإِلَى، يُقَالُ أَوْصَى لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلَا يُقَالُ أَوْصَى إلَيْهَا كَمَا لَا يَخْفَى، فَبَقِيَ أَمْرُ التَّطَفُّلِ فِي حَقِّ تِلْكَ الْمَسَائِلِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ قَبْلُ إذْ لَمْ يَشْمَلْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَطُّ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَسَائِلَ التَّبَرُّعَاتِ الْوَاقِعَةَ مِنْ الْإِنْسَانِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِطَرِيقِ التَّنْجِيزِ مَذْكُورَةٌ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، وَمِنْهَا بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ، وَلَا رَيْبَ فِي عَدَمِ شُمُولِ شَيْءٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ، فَبَقِيَ أَمْرُ التَّطَفُّلِ فِي حَقِّ تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَيْنِك الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا، فَمِنْ أَيْنَ كَانَ ارْتِكَابُ جَمْعِهِمَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ مَعَ عَدَمِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَنَا حَقِيقِيًّا بِأَنْ يُعَدَّ تَحْقِيقًا كَمَا زَعَمَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ. ثُمَّ أَقُولُ: الْوَجْهُ فِي التَّفَصِّي عَنْ أَمْرِ التَّطَفُّلِ فِي حَقِّ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا ذَلِكَ الْقَائِلُ حَمْلُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ شَرِيعَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا بَيَانُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ اسْمٌ لِمَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي فِي مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: هِيَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُمَا يَشْمَلَانِ تِلْكَ الْمَسَائِلَ جُمْلَةً كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَالْوَجْهُ فِي التَّفَصِّي عَنْ أَمْرِ التَّطَفُّلِ فِي حَقِّ مَسَائِلِ كِتَابِ الْوَصَايَا كُلِّهَا مِنْ الْمُعَلَّقَاتِ وَالْمُنَجَّزَاتِ حَمْلُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ شَرِيعَةً عَلَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ: ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ: الْوَصِيَّةُ مَا أَوْجَبَهَا الْمُوصِي فِي مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ انْتَهَى. فَإِنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ. ثُمَّ إنَّ سَبَبَ الْوَصِيَّةِ سَبَبُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، وَهُوَ إرَادَةُ تَحْصِيلِ ذِكْرِ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَوُصُولِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فِي الْعُقْبَى. وَشَرَائِطُهَا: كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَدْيُونًا، وَكَوْنُ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا، حَتَّى إذَا أَوْصَى لِلْجَنِينِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا حَيًّا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ يَصِحُّ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ حَيَاتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِأَنْ وُلِدَ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَيًّا، وَكَوْنُهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى إنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا وَكَوْنُ الْمُوصَى بِهِ شَيْئًا قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ أَوْ مَعْدُومًا، وَأَنْ يَكُونَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ حَتَّى إنَّهَا لَا تَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ. أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ، بَلْ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ مِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُوصِي مَدْيُونًا بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِتَرِكَتِهِ، وَالشَّرْطُ عَدَمُ هَذَا الدَّيْنِ الْمُقَيَّدِ دُونَ عَدَمِ الدَّيْنِ الْمُطْلَقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ مِنْ شَرَائِطِهَا كَوْنَ الْمُوصِي حَيًّا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَالشَّرْطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَا كَوْنُهُ حَيًّا فِيهِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا الدَّلِيلَ عَلَيْهِ الْوِلَادَةَ قَبْلَ سِتَّةِ

بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهُرٍ حَيًّا، وَتِلْكَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْجَنِينِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَا عَلَى حَيَاتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِأَحْوَالِ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ وَبِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَعَنْ هَذَا كَانَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ عِنْدَ بَيَانِ هَذَا الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ بِدُونِ ذِكْرِ قَيْدِ الْحَيَاةِ أَصْلًا، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ مِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مِقْدَارَ الثُّلُثِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِسَدِيدٍ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الْمُوصِي إذَا تَرَكَ وَرَثَةً فَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ أَجَازُوهُ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى بِجَمِيعِ مَالِهِ عِنْدَنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِأَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ، وَأُخْرَى بِأَنْ لَا يُجِيزَهُ الْوَارِثُ. (بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَجَبُّ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي حَلِّ هَذَا التَّرْكِيبِ: أَيْ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ، وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا لَا يُسْتَحَبُّ. وَقَالَ: ثُمَّ ظَاهِرُ الْإِبْدَالِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَيَانِ صِفَةِ الْوَصِيَّةِ بَيَانُ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، فَالْأَوْلَى إيرَادُهُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ فَاحِشٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ سَلَكَ مَسْلَكَ التَّقْدِيرِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: أَيْ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا لَا يُسْتَحَبُّ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ ذَاكَ التَّقْدِيرَ إنْ صَحَّ فِي قَوْلِهِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ فِي جِنْسِ الْوَصِيَّةِ مَا يَخْلُو عَنْ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ لِكَوْنِهِمَا نَقِيضِينَ لَا يَرْتَفِعَانِ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ جِنْسِ الْوَصِيَّةِ شَيْءٌ يُغَايِرُ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَصْلُحَ ذَلِكَ لَأَنْ يُذْكَرَ بَعْدَهُمَا، فَإِنْ قُيِّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ يُخْرِجُ مِنْهُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ لَا يَبْقَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يُغَايِرُ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ حَتَّى يَنْدَرِجَ فِيمَا لَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ فَيَصِحُّ تَقْدِيرُهُ. لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ وَبِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ صِحَّةِ طَرَفِ الْفِعْلِ أَصْلًا لَا مُجَرَّدُ رَفْعِ التَّسَاوِي حَتَّى يَكُونَا مِنْ قَبِيلِ النَّقِيضَيْنِ فَيَبْقَى الِاسْتِحْبَابُ

قَالَ (الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ، وَلَوْ أُضِيفَ إلَى حَالِ قِيَامِهَا بِأَنْ قِيلَ مَلَّكْتُك غَدًا كَانَ بَاطِلًا فَهَذَا أَوْلَى، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ مُقَصِّرٌ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ الْمَرَضُ وَخَافَ الْبَيَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَلَافِي بَعْضِ مَا فَرَّطَ مِنْهُ مِنْ التَّفْرِيطِ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ مَضَى فِيهِ يَتَحَقَّقُ مَقْصِدُهُ الْمَآلِيُّ، وَلَوْ أَنْهَضَهُ الْبُرْءُ يَصْرِفُهُ إلَى مَطْلَبِهِ الْحَالِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوُجُوبُ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا لَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ مَا هُوَ الْوَاجِبُ مِنْهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ يَعُمُّ الْجَوَازَ وَالْوُجُوبَ وَعَدَمَ صِحَّةِ طَرَفِ الْفِعْلِ أَصْلًا، فَمِنْ أَيْنَ يَدُلُّ مَا لَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ مِنْهُ فَقَطْ حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَلِكَ. وَلَئِنْ سَلِمَ جَوَازُ إرَادَةِ ذَلِكَ بِهِ يَفْسُدُ مَعْنَى الْمَقَامِ إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يُدْرِجَ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَيُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ. وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يُوجَدْ لِمَا ارْتَكَبَهُ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ قَطُّ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا تَقْدِيرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا، فَإِنَّ صِفَاتِ الْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ هِيَ الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْبَابُ وَالرُّجُوعُ عَنْهَا: أَيْ كَوْنُهَا مَرْجُوعًا عَنْهَا، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا حَاصِلَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ صَرَاحَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ أَصْلًا حَتَّى عَدَمُ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ صِفَةٌ لِلْوَصِيَّةِ الْغَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعُنْوَانُ الْبَابِ إنَّمَا كَانَ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ. نَعَمْ قَدْ يَذْكُرُ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الْبَابِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْوَصَايَا، لَكِنْ لِأَجْلِ إزَالَةِ أَنْ يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ مِنْ الْوَصَايَا الْجَائِزَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْبَيَانِ بِالذَّاتِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي مَسَائِلِ سَائِرِ الْكُتُبِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّاهِرَ ذَلِكَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَحَدًا سِوَاهُ صَرَّحَ بِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ صِفَةَ الْوَصِيَّةِ فِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، لَا أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالصِّفَةِ فِي قَوْلِهِ بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا مَا صَرَّحُوا بِهِ عِنْد بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ الْوَصِيَّةِ مِنْ سَبَبِهَا وَشَرَائِطِهَا وَرُكْنِهَا وَحُكْمِهَا وَصِفَتِهَا لَا عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ إلَخْ وَكَمْ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ؟ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَالْأَوْلَى إيرَادُهُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ لَا يَكَادُ يَصِحُّ إذْ لَوْ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ عَلَى فَرْضِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ فِي قَوْلِهِ " بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ " مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا زَعَمَهُ الْقَائِلُ لَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ " بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ " أَيْ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا وَفِيمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ، فَيَصِيرُ قَوْلُهُ " وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ " لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ لِكَوْنِهِ تَكْرَارًا مَحْضًا فَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ نَسِيَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ عِنْدَ كَتْبِ قَوْلِهِ فَالْأَوْلَى إيرَادُهُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَلَعَمْرِي أَنَّهُ عَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) أَقُولُ: الْحُكْمُ بِالِاسْتِحْبَابِ عَلَى الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا لَا يُنَاسِبُ مَا مَرَّ آنِفًا فِي عُنْوَانِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ، وَلَا مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ جَائِرَةٌ وَبِدُونِ الثُّلُثِ مُسْتَحَبَّةٌ إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ جَائِزَةٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُوَجَّهَ قَوْلُهُ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ غَايَةَ أَمْرِهَا الِاسْتِحْبَابُ دُونَ الْوُجُوبِ لَا أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ بَلْ قُصَارَى أَمْرِهَا الِاسْتِحْبَابُ، لَكِنْ يُرَدُّ

وَفِي شَرْعِ الْوَصِيَّةِ ذَلِكَ فَشَرَعْنَاهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِجَارَةِ بَيَّنَّاهُ، وَقَدْ تَبْقَى الْمَالِكِيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ كَمَا فِي قَدْرِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَالسُّنَّةُ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ النَّقْضُ بِالْوَصِيَّةِ لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ، قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: قَوْلُهُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرِثُونَ فَرْضٌ، وَلِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ ثَرْوَةٌ وَيَسَارٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالْمَكْتُوبُ عَلَيْنَا فَرْضٌ، وَلَمَّا لَمْ يُفْهَمْ الِاسْتِحْبَابُ مِنْ نَفْيِ الْوُجُوبِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ قَالَ: وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرِثُونَ فَرْضٌ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْفَرْضَ غَيْرُ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا، إذْ الْفَرْضُ مَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ كَوْنُهَا غَيْرَ فَرْضٍ فَكَيْفَ يَحْصُلُ الرَّدُّ بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا فَرْضٌ فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّدَّ لِقَوْلِ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ. ثُمَّ إنَّ فِي أُسْلُوبِ تَحْرِيرِهِ سَمَاجَةً ظَاهِرَةً إذْ الظَّاهِرُ مِنْ تَأْخِيرِ قَوْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 180] إلَخْ عَنْ مَجْمُوعِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ دَلِيلًا عَلَيْهِمَا، بَلْ الْمُتَبَادَرُ أَنْ تَكُونَ دَلِيلًا عَلَى قُرْبَتِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَأَنْ تَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ وَإِنْ شَارَكَهُ فِي تَأْخِيرِ ذِكْرِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَنْ مَجْمُوعِ الْقَوْلَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ بَعْدَهُ مِنْ السُّنَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يُرِيدُ الْوَصِيَّةَ فِيهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» انْتَهَى. فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ دَلِيلًا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَالدَّلِيلُ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِطَرِيقِ التَّوْزِيعِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْغَايَةِ فَقَدْ قَصَرَ الذِّكْرَ عَلَى دَلِيلٍ وَاحِدٍ فَقَصَرَ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ دَلِيلَيْ الْخَصْمَيْنِ مُسْتَقْصًى وَمُسْتَوْفًى فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا عَلَيْنَا أَنْ لَا نَذْكُرَهُ هَاهُنَا. (قَوْلُهُ وَقَدْ تَبْقَى الْمَالِكِيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ كَمَا فِي قَدْرِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَقَدْ تَبْقَى الْمَالِكِيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ جَوَابٌ عَنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَا يَصْلُحُ الْجَوَابُ عَنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِمُجَرَّدِ بَقَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ: وَلَوْ أُضِيفَ إلَى حَالِ قِيَامِهَا بِأَنْ قَالَ مَلَّكْتُك غَدًا كَانَ بَاطِلًا فَهَذَا أَوْلَى، فَاللَّازِمُ مِنْ بَقَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ انْتِفَاءُ أَوْلَوِيَّةِ الْبُطْلَانِ لَا انْتِفَاءُ نَفْسِ الْبُطْلَانِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُتَمَحَّلَ بِأَنْ يُقَالَ: مَعْنَى كَوْنِهِ جَوَابًا عَنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ مُجَرَّدُ تَضَمُّنِهِ قَدْحَ مُقَدِّمَةٍ مَذْكُورَةٍ فِيهِ وَهِيَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ لَا كَوْنُهُ جَوَابًا قَاطِعًا لَهُ عَنْ عِرْقِهِ. وَالْأَوْجُهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ مُجَرَّدَ تَتْمِيمٍ لِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي تَجْوِيزِ تَمْلِيكٍ مُضَافٍ إلَى حَالِ زَوَالِ الْمَالِكِيَّةِ نَوْعُ اسْتِبْعَادٍ لِكَوْنِ التَّمْلِيكِ فَرْعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ تَدَارَكَ دَفْعَهُ بِأَنْ قَالَ: إنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا تَزُولُ عَنْ الْإِنْسَانِ بِالْكُلِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بَلْ تَبْقَى مَالِكِيَّتُهُ بَعْدَهُ فِي حَقِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا فِي قَدْرِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ وَمِنْهُ الْوَصِيَّةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. (قَوْلُهُ وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَلَى نَسْخِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ

تَضَعُونَهَا حَيْثُ شِئْتُمْ» أَوْ قَالَ «حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ. ثُمَّ تَصِحُّ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا رَوَيْنَا، وَسَنُبَيِّنُ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ) (بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» بَعْدَ مَا نَفَى وَصِيَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْمَوَارِيثَ عَلَى وَصِيَّةٍ نَكِرَةٍ، وَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى كَانَتْ مَعْهُودَةً فَإِنَّهَا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ بَاقِيَةً مَعَ الْمِيرَاثِ لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهَا وَبَيَّنَ بِأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ بَعْدَ الْمِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ، لِأَنَّ الْمَحِلَّ مَحِلُّ بَيَانِ مَا فُرِضَ لِلْوَالِدَيْنِ، وَحَيْثُ رَتَّبَهَا عَلَى وَصِيَّةٍ مُنَكَّرَةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمَفْرُوضَةَ لَمْ تَبْقَ لَازِمَةً بَلْ بَعْدَ أَيِّ وَصِيَّةٍ كَانَتْ نَصِيبُهُمَا ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَإِذَا اُنْتُسِخَ الْوُجُوبُ اُنْتُسِخَ الْجَوَازُ عِنْدَنَا انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى لَمْ تَبْقَ لَازِمَةً، فَإِنَّ الْمَوَارِيثَ وَإِنْ لَمْ تُرَتَّبْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى الْمَعْهُودَةُ لَكِنَّهَا رُتِّبَتْ عَلَى وَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ حَيْثُ قِيلَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا} [النساء: 12] فَدَخَلَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى أَيْضًا تَحْتَ إطْلَاقِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْمُنَكَّرَةِ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ انْتِفَاءُ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى حَتَّى يَلْزَمَ انْتِسَاخُ الْآيَةِ الْأُولَى بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَفَائِدَةُ تَرْتِيبِ الْمَوَارِيثِ عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى الْمَعْهُودَةِ فَقَطْ إفَادَةُ تَأَخُّرِ الْمَوَارِيثِ عَنْ الْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَعَنْ هَذَا أَوْرَدَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْأُولَى عَلَى مَنْ قَالَ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لَا تُعَارِضُهُ بَلْ تُؤَكِّدُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا انْتَهَى. ثُمَّ إنْ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ رَدَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ " لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهَا " فِي قَوْلِهِ فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ بَاقِيَةً مَعَ الْمِيرَاثِ لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: وَلَعَلَّ هُنَا سَهْوًا، وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ لِرُتْبَةٍ عَلَيْهَا انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّمَا السَّاهِي نَفْسُهُ، لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ لَرَتَّبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ هُوَ الْمِيرَاثُ، وَمُرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ هُنَا وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لَا وَصِيَّةُ الْعِبَادِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْوَصِيَّةِ تَأَسِّيًا بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ يَأْمُرُكُمْ وَيَعْهَدُ إلَيْكُمْ فِي شَأْنِ مِيرَاثِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ تِلْكَ الْآيَةِ {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12] فَلَمْ يَكُنْ فِي الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ سَهْوٌ بَلْ كَانَ فِيهَا لَطَافَةٌ وَحُسْنٌ. (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» بَعْدَمَا نَفَى وَصِيَّتَهُ بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَرَاحَةً، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» إلَخْ وَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ مَا فَوْقَهُ

بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ فَأَوْجَبَ تَعَلُّقَ حَقِّهِمْ بِهِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُظْهِرْهُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ مَصِيرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَظْهَرَهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَمَّا يَتَّفِقُ مِنْ الْإِيثَارِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْأَصْلِ لَكِنْ لَا بِطَرِيقِ الصَّرَاحَةِ وَلِهَذَا اُسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِهَذَا دُونَ ذَاكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» إلَخْ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَا صَرَاحَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا دَلَالَةً لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا كَمَا عُرِفَ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ. فَجَوَازُ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَعَدَمُ جَوَازِهَا مَسْكُوتٌ عَنْهُمَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» إلَخْ وَإِنَّ دَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلَا وَجْهَ لِتَعْلِيلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ مَا فَوْقَهُ عَلَى الْأَصْلِ، فَإِنَّ بَقَاءَ مَا فَوْقَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لَيْسَ بِمَدْلُولِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَلَا مَجَالَ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: إلَّا أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نَفْيُ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ وَإِثْبَاتُ جَوَازِهَا بِالثُّلُثِ لَا يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى نَفْيِ جَوَازِهَا بِمَا بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ، فَالرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ضَرُورِيٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ سَعْدٍ أَيْضًا انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ نَفْيَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ وَإِثْبَاتَ جَوَازِهَا بِالثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ جَوَازِهَا بِمَا بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثُّلُثُ كَثِيرٌ» : بَعْدَ إثْبَاتِ جَوَازِهَا بِالثُّلُثِ بِقَوْلِهِ الثُّلُثَ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْطِ الثُّلُثَ أَوْ أَوْصِ الثُّلُثَ، أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ: أَيْ الثُّلُثُ كَافٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مَحْذُوفُ الْفِعْلِ: أَيْ يَكْفِيك الثُّلُثُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الثُّلُثَ كَثِيرٌ لَا يَجُوزُ التَّجَاوُزُ عَنْهُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ قَوْلِهِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ بَعْدَ قَوْلِهِ الثُّلُثُ سِوَى نَفْيِ جَوَازِ التَّجَاوُزِ عَنْ الثُّلُثِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْرِيرِهِ حَيْثُ قَالَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» بَعْدَ نَفْيِ وَصِيَّتِهِ بِالْكُلِّ وَالنِّصْفِ، وَلَمْ يَقُلْ لِحَدِيثِ سَعْدٍ، فَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ فَالرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ضَرُورِيٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ سَعْدٍ أَيْضًا مَمْنُوعٌ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ فَأَوْجَبَ تَعَلُّقَ حَقِّهِمْ بِهِ) وَأَوْضَحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي بِأَنْ قَالَ: وَلِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ زَوَالِ أَمْلَاكِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ الْمَوْتِ وَبِالْمَوْتِ يَزُولُ مِلْكُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، وَلَوْ تَحَقَّقَ السَّبَبُ لَزَالَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا انْعَقَدَتْ ثَبَتَ ضَرْبُ حَقِّ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ قُصُورٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا وَقَعَتْ وَصِيَّتُهُ حَالَ مَرَضِهِ لَا فِيمَا إذَا وَقَعَتْ حَالَ صِحَّتِهِ، إذْ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبُ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ لِعَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ مَالِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، فَلَا تُوجِبُ وَصِيَّتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ تَعَلُّقَ حَقِّهِمْ بِهِ، فَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ إيجَابُ

«الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ. قَالَ (إلَّا أَنَّ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ وَهُمْ أَسْقَطُوهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَتِهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ) لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ، لِأَنَّ السَّاقِطَ مُتَلَاشٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ حَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ إلَّا فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، فَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إجَازَتِهِمْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى زَمَانِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْمَوْتِ لَا وَقْتُ وُجُودِ الْكَلَامِ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ: أَرَادَ لَا تَجُوزُ فِي حَقِّ الْفَضْلِ عَلَى الثُّلُثِ بَلْ فِي حَقِّ الثُّلُثِ فَقَطْ، لَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ أَصْلًا. وَقَالَ هُنَا: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَجُوزُ إعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي بَعْضِ مَدْلُولِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَبِأَيِّ تَوْجِيهٍ أَمْكَنَ ذَلِكَ حَتَّى جَازَتْ فِي الثُّلُثِ وَبَطَلَتْ فِي الْفَضْلِ إنْ رَدُّوا؟ قُلْت: يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ وَصَايَا مُتَعَدِّدَةٍ بِأَنْ يُجْعَلَ مَثَلًا قَوْلُهُ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثَيْ مَالِي فِي قُوَّةٍ أَوْصَيْت لَهُ بِثُلُثِهِ وَثُلُثُهُ الْآخَرُ، وَيُجْعَلَ قَوْلُهُ أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَدْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِثَمَانِيَةِ آلَافٍ وَبِأَلْفَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ إلْغَائِهِ مَا أَمْكَنَ، وَحَذَرًا عَنْ إبْطَالِ حَقٍّ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِعَقْدٍ صَدَرَ عَنْ عَاقِلٍ بِلَفْظٍ يَجُوزُ تَصْحِيحُهُ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ فَتَدَبَّرْ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُهِمُّ فَهْمُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: حَسِبَ أَنَّهُ أَتَى بِأَمْرٍ مُهِمٍّ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ مَعْنَى الْمَقَامِ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ إنَّمَا ارْتَكَبَ شَطَطًا، فَإِنَّ صِحَّةَ بَعْضِ أَجْزَاءِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَفَسَادَ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ لَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ لَا بِحَسَبِ الْعَقْلِ وَلَا بِحَسَبِ الْفِقْهِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا جُمِعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ فِي بَيْعٍ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ جُمِعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ فِيهِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَفَسَدَ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ مِنْ الْمُدَبَّرِ أَوْ الْمُكَاتَبِ أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ، وَكَذَا الْحَالُ فِيمَا إذَا جُمِعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهَا فِي النِّكَاحِ، وَالْمَحْذُورُ بِحَسَبِ الْعَقْلِ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ مَحِلُّ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَاحِدًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا بِأَنْ كَانَ مَحِلُّ الصِّحَّةِ بَعْضًا مِنْ شَيْءٍ ذِي أَجْزَاءٍ وَمَحِلُّ الْفَسَادِ بَعْضًا آخَرَ مِنْهُ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ عَقْلًا أَصْلًا، فَلَا وَلِجَعْلِ وَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي حُكْمِ وَصَايَا مُتَعَدِّدَةٍ بِلَا أَمْرٍ دَاعٍ إلَيْهِ، وَصِيَانَةُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَالْحَذَرُ عَنْ إبْطَالِ حَقٍّ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِعَقْدٍ صَدَرَ عَنْ عَاقِلٍ مِمَّا لَا يَدْعُو إلَيْهِ أَصْلًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ إلْغَاءَ الْوَصِيَّةِ فِيمَا فَضَلَ عَنْ الثُّلُثِ إذَا رَدَّهُ الْوَرَثَةُ، وَإِثْبَاتُهَا فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ ضَرُورِيٌّ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرَهِ سَوَاءٌ جُعِلَتْ وَصِيَّةً بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ وَصَايَا مُتَعَدِّدَةٍ أَوْ أُبْقِيَتْ عَلَى حَالِهَا الظَّاهِرَةِ مِنْ كَلَامِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ هُنَا أَمْرٌ وَهْمِيٌّ لَا أَصْلَ لَهُ كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّاقِطَ مُتَلَاشٍ) قَالَ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَتَقْرِيرُهُ لِأَنَّ إجَازَتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ سَاقِطَةً لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهَا مَحِلَّهَا وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ فَإِجَازَتُهُمْ مُتَلَاشِيَةٌ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا بَعْدَ الْمَوْتِ مَا أَجَازُوهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يُقَالَ: إنَّ إجَازَتَهُمْ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ سَاقِطَةٌ، لِأَنَّ إجَازَتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا قَبْلُ وَبَيَّنَهُ، وَالسُّقُوطُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَهُ ثُبُوتٌ وَاعْتِبَارٌ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ زَالَ ذَلِكَ لِدَاعٍ؛ أَلَّا يُرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ سَقَطَ حَقُّ غَيْرِ الْوَارِثِ عَنْ مَالِ الْمُورِثِ بَلْ يُقَالُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّهُ أَصْلًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَدَلِيلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ تَعْلِيلًا لِمَا ذَكَرُوهُ بِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى مَعَ دَلِيلِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ، وَلَا يَخْفَى عَنْهُ رَكَاكَتُهُ وَبُعْدُهُ عَنْ شَأْنِ الْمُصَنِّفِ، وَالْحَقُّ عِنْدِي

غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُسْتَنَد عِنْدَ الْإِجَازَةِ، لَكِنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَهَذَا قَدْ مَضَى وَتَلَاشَى، وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ يَثْبُتُ مُجَرَّدُ الْحَقِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ قُبَيْلَهُ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ: يَعْنِي أَنَّ إجَازَتَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِمْ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ لَا يَعُودُ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَسْتَنِدُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ) وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ (لَكِنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَهَذَا قَدْ مَضَى وَتَلَاشَى) هَذَا جَوَابٌ عَنْ شُبْهَةٍ تَرِدُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ، وَهِيَ أَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ، فَبِالْمَوْتِ يَظْهَرُ أَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إجَازَتُهُمْ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ بِمَنْزِلَةِ إجَازَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَبَبِ الِاسْتِنَادِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الِاسْتِنَادَ. إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ كَمَا فِي الْعُقُودِ الْمَوْقُوفَةِ إذَا لَحِقَتْهَا الْإِجَازَةُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمًا، وَكَثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَغْصُوبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَهَذَا أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِجَازَةِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ قَدْ مَضَى وَتَلَاشَى لِكَوْنِهِ لَغْوًا وَقْتَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ قَائِمًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِنَادِ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَإِلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ كَمَا فَصَّلَ فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ هُنَا: فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ مُصَادَفَةِ الْمَحِلِّ فَإِنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ فِي مَالِ الْمُوَرِّثِ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ حَتَّى مُنِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثَيْنِ، فَلَمَّا مَاتَ ظَهَرَ أَنَّهَا صَادَفَتْ مَحِلَّهَا فَصَارَتْ كَإِجَازَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بِسَبَبِ الِاسْتِنَادِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ: يَعْنِي أَنَّ حَقَّهُمْ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ لَكِنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ يَعْنِي كَمَا فِي الْعُقُودِ الْمَوْقُوفَةِ إذَا لَحِقَتْهَا الْإِجَازَةُ، وَكَثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْغَصْبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِمَا مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ، وَهَذَا يَعْنِي مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِجَازَةِ قَدْ مَضَى وَتَلَاشَى حِينَ وَقَعَ إذْ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ فَلَا يَلْحَقُهَا الِاسْتِنَادُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ تَقْرِيرِ السُّؤَالِ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ مُصَادَفَةِ الْمَحِلِّ وَاسْتَنَدَ إلَى مَنْعِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ فِي مَالِ الْمُوَرِّثِ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ حَتَّى مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثَيْنِ. وَقَالَ فِي آخِرِ تَقْرِيرِ الْجَوَابِ تَعْلِيلًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَهَذَا قَدْ مَضَى وَتَلَاشَى إذْ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ، وَعَدَمُ مُصَادِفَتِهِ الْمَحِلَّ هُوَ الَّذِي قَدْ كَانَ مُنِعَ فِي أَوَّلِ السُّؤَالِ فَخَتْمُ الْجَوَابِ بِهِ مُصَادَرَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ يَثْبُتُ مُجَرَّدُ الْحَقِّ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ، إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. أَقُولُ: مَنْشَأُ تَوَهُّمِ الْمُخَالَفَةِ الْغُفُولُ عَنْ قَيْدِ مُجَرَّدٍ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَبْلَهُ يَثْبُتُ مُجَرَّدُ الْحَقِّ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُجَامِعُ الْحَقِيقَةَ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمُوَرِّثِ فِي الثُّلُثَيْنِ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ قَبْلُ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ إلَى آخِرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ فِي قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ آنِفًا، إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ هُوَ الْحَقُّ الْمَجَامِعُ لِلْحَقِيقَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ أَصْلًا. وَأَمَّا الْحَقُّ الثَّابِتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ لِكَوْنِ الِاسْتِنَادِ فَرْعَ تَحَقُّقِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ الَّتِي تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى

فَلَوْ اسْتَنَدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَنْقَلِبُ حَقِيقَةً قَبْلَهُ، وَالرِّضَا بِبُطْلَانِ الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ الْحَقِيقَةِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَأَجَازَهُ الْبَقِيَّةُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَبْلَهُ يَثْبُتُ مُجَرَّدُ الْحَقِّ، بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ بِالنَّظَرِ إلَى رَبْطِ مَا بَعْدَهُ بِهِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ اسْتَنَدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَانْقَلَبَ حَقِيقَةً قَبْلَهُ) يَعْنِي لَوْ اسْتَنَدَ مِلْكُ الْوَرَثَةِ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً قَبْلَ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِاسْتِلْزَامِهِ وُقُوعَ الْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ دَفْعًا لِوَهْمِ مَنْ يَقُولُ: حَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ حَتَّى مَنَعَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ تَصَرُّفَ الْمُوَرِّثِ فِي الثُّلُثَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ إسْقَاطِهِمْ بِالْإِجَازَةِ أَيْضًا. وَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ انْتَهَى. أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ اسْتِلْزَامَ أَنْ يُظْهِرَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ إسْقَاطِهِمْ بِالْإِجَازَةِ أَيْضًا انْقِلَابَ الْحَقِّ حَقِيقَةً أَصْلًا فَضْلًا عَنْ اسْتِلْزَامِهِ انْقِلَابَهُ إيَّاهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِجَوَازِ أَنْ يُظْهِرَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ مُجَرَّدَ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَعًا بِدُونِ أَنْ يَنْقَلِبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً أَصْلًا، إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ لُزُومَ ذَلِكَ الِانْقِلَابِ لَيْسَ بِبَدِيهِيٍّ وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ، وَلِهَذَا وَقَعَ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَتِهِمْ قَبْلَ الْمَوْتِ أَيْضًا اجْتِهَادُ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمْ كَمَا ذَكَرُوا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الْوَارِثُ إذَا عَفَا عَنْ جَارِحِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ الِاسْتِنَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَلْبُ الْحَقِّ حَقِيقَةً، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْقَلْبُ مَانِعًا. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْقَلْبَ مَانِعٌ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّبَبُ وَالْجُرْحُ سَبَبُ الْمَوْتِ وَقَدْ تَحَقَّقَ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ، فَإِنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ ثَمَّةَ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ

وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي) عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْوَارِثِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنْ الْمُوصِي، وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ فَصَارَ كَالْمُرْتَهَنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّاهِنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، فَقَبْلَ الِاتِّصَالِ لَوْ انْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً وَقَعَ الْحُكْمُ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ نُبْطِلَ الْعَفْوَ عَنْ الْجَارِحِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا أَنْ نُجِيزَ الْإِجَازَةَ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ، وَفِي ذَلِكَ إبْطَالٌ لِأَحَدِهِمَا، فَقُلْنَا: لَا تَجُوزُ الْإِجَازَةُ نَظَرًا إلَى انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ وَجَازَ الْعَفْوُ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ، وَلَمْ يُعْكَسْ لِكَوْنِ الْعَفْوِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَخْ مُفَرَّعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِمَّا أَنْ نُجِيزَ الْإِجَازَةَ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ مِمَّا لَا مَجَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ فِيمَا قَبْلُ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ انْقِلَابَ الْحَقِّ حَقِيقَةً، وَأَنَّ انْقِلَابَ الْحَقِّ حَقِيقَةً مَانِعٌ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّبَبُ لِاسْتِلْزَامِهِ وُقُوعَ الْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ، وَإِنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي صُورَةِ الْإِجَازَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يُعْكَسْ لِكَوْنِ الْعَفْوِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ غَيْرَ تَامٍّ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ الْعَكْسِ لَوْلَا كَوْنُ الْعَفْوِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ، مَعَ أَنَّ مَا قَرَّرَهُ فِيمَا قَبْلُ وَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَمْنَعَانِ جَوَازَ ذَلِكَ أَصْلًا. وَبِالْجُمْلَةِ لَا مَجَالَ لِرَبْطِ قَوْلِهِ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَخْ بِمَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ فِيمَا قَبْلَهُ بَلْ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا، فَالْوَجْهُ تَرْكُ ذَلِكَ وَالِاكْتِفَاءُ فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّقْضِ بِصِحَّةِ عَفْوِ الْوَارِثِ عَنْ جَارِحِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ بِأَنْ قَالَ: وَكَذَا السَّبَبُ الْجُرْحُ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَلَا فَرْقَ. وَقَالَ: وَلِذَلِكَ قَالَ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَخْ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامَيْهِ بِمُسْتَقِيمٍ. أَمَّا نَقْضُهُ بِالْجُرْحِ فَلِأَنَّ الْجُرْحَ فِعْلٌ وَاحِدٌ صَادِرٌ عَنْ الْجَارِحِ لَا تَكَرُّرَ فِيهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُرْحُ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، بَلْ إنَّمَا السَّبَبُ هُوَ الْجُرْحُ الْوَاحِدُ الصَّادِرُ عَنْ الْجَارِحِ، إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وَغَيْرَ قَاتِلٍ، وَبِالْمَوْتِ يَظْهَرُ أَنَّهُ قَاتِلٌ، بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ حَالَةٌ انْفِعَالِيَّةٌ تَتَكَرَّرُ وَتَتَجَدَّدُ إلَى الْمَوْتِ، فَالْقَاتِلُ مِنْهَا هِيَ الَّتِي تَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَهِيَ السَّبَبُ لِلْمَوْتِ فَافْتَرَقَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَخْ فَلِأَنَّ فَاءَ التَّفْرِيعِ تُنَافِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْوَارِثِ)

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاتِلِ عَامِدًا كَانَ أَوْ خَاطِئًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُبَاشِرًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ كَمَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ بِنَفْسِ الْمَوْتِ صَارَ قَدْرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمَالِ مَمْلُوكًا لِلْوَارِثِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، فَإِجَازَتُهُ تَكُونُ إخْرَاجًا عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَذَلِكَ هِبَةٌ لَا تَتِمُّ بِالْقَبْضِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَيْضًا. أَقُولُ: قَدْ قَصَّرُوا فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ حَيْثُ قَيَّدُوا الْمَالَ الَّذِي صَارَ مَمْلُوكًا لِلْوَارِثِ بِنَفْسِ الْمَوْتِ بِقَدْرِ الثُّلُثَيْنِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا كَانَ مَا أَجَازَهُ الْوَارِثُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الثُّلُثِ أَوْ كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ كَمَا فِي صُورَةِ إجَازَتِهِ الْوَصِيَّةَ لِوَارِثٍ أَوْ قَاتِلٍ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِالثُّلُثِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي كُلِّيَّةِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَعَ عَدَمِ جَرَيَانِ مَا ذَكَرُوا مِنْ الدَّلِيلِ لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا كَمَا تَرَى. فَالْأَوْلَى فِي بَيَانِ وَجْهِ الشَّافِعِيِّ هُنَا مَا ذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّ الشَّارِعَ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْوَارِثِ وَلِلْقَاتِلِ وَالْإِجَازَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْبَاطِلِ فَتَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ اهـ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْكُلَّ ثُمَّ إنَّ الصَّحِيحَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُنَا لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ لِلْقَاتِلِ عَامِدًا كَانَ أَوْ خَاطِئًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُبَاشِرًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا يُعَارِضُهُ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَعُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ تَضَعُونَهَا حَيْثُ شِئْتُمْ» أَوْ قَالَ «حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ» كَمَا مَرَّ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ قَطُّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَإِنْ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدَ ثُبُوتِ تَأَخُّرِ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ وُرُودِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَهُوَ لَيْسَ بِثَابِتٍ قَطُّ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَارَنَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَعَارَضَا وَيَتَسَاقَطَا فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الْأُصُولِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحِلِّهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: قَالَ مَالِكٌ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ، وَاحْتَجَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ» وَهَذَا نَصٌّ، وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» ذِكْرُ شَيْءٍ نَكِرَةً فِي مَحِلِّ النَّفْيِ فَيَعُمُّ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ جَمِيعًا، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَاتِلَ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومَاتِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَاتِلَ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومَاتِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ، وَمِنْ شَرْطِ التَّخْصِيصِ أَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَامِّ فِي الْوُرُودِ وَهُوَ لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ، وَلَوْ ثَبَتَ تَأَخُّرُ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ، وَمِنْ الدَّلَائِلِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَغَيْرِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا عَرَفْته فَكَيْفَ يَكُونُ الْقَاتِلُ مَخْصُوصًا مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيُحَرِّمُ الْوَصِيَّةَ كَمَا يُحَرِّمُ الْمِيرَاثَ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَرُدَّ بِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حِرْمَانَ الْقَاتِلِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِسَبَبِ مُغَايَظَةِ الْوَرَثَةِ مُقَاسَمَةَ قَاتِلِ أَبِيهِمْ فِي تَرِكَتِهِ وَالْمُوصَى لَهُ

تَجُوزُ لِلْقَاتِلِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ إنَّهُ قَتَلَ الْمُوصِيَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا تَبْطُلُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشَارِكُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَجَازَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَالْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ غَيْرُ مُلْتَزَمٌ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا الرَّدُّ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى قِيَاسِ الْحِرْمَانِ مِنْ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا عَلَى الْحِرْمَانِ مِنْ الْمِيرَاثِ حَتَّى يُرَدَّ بِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَزْبُورَتَيْنِ، بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى قِيَاسِ حِرْمَانِ الْقَاتِلِ مِنْ الْوَصِيَّةِ عَلَى حِرْمَانِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ لِعِلَّةِ الِاسْتِعْجَالِ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ وَهُوَ الْقَتْلُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ فِي صُورَتَيْ الرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ فَلَا يَجْرِي هَذَا الْقِيَاسُ فِيهِمَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ حِرْمَانِ الْقَاتِلِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِسَبَبِ مُغَايَظَةِ الْوَرَثَةِ مُقَاسَمَةَ قَاتِلِ مُوَرِّثِهِمْ فِي تَرِكَتِهِ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَرِثَ الْقَاتِلُ عِنْدَ إجَازَةِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ إيَّاهُ وَتَرْكِهِمْ الْمُغَايَظَةَ، كَمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا يُحْرَمَ الْقَاتِلُ عَنْ الْمِيرَاثِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَارِثٌ غَيْرُ الْقَاتِلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا. وَالْحَقُّ أَنَّ سَبَبَ حِرْمَانِ الْقَاتِلِ عَنْ الْمِيرَاثِ صُدُورُ جِنَايَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْهُ وَهِيَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي الْعُقُوبَةَ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ جَعَلَهَا الشَّرْعُ حِرْمَانَهُ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَالْقَاتِلُ الْمُوصَى لَهُ يُشَارِكُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَجَازَ قِيَاسُ حِرْمَانِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ عَلَى حِرْمَانِهِ عَنْ الْمِيرَاثِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَعْنِي اسْتَعْجَلَهُ بِارْتِكَابِ جِنَايَةٍ عَظِيمَةٍ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَمَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَيَسْتَدْعِي الزَّجْرَ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ. وَحِرْمَانُ الْوَصِيَّةِ يَصْلُحُ زَاجِرًا كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ فَيَثْبُتُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ التَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ كَوْنِهِ قِيَاسًا عَلَى طَرِيقَتِنَا عَسِرٌ جِدًّا وَسُلُوكُ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَسْهَلُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهِ فِي الْمَنْطُوقِ مُتَحَقِّقًا فِي الْمُلْحَقِ بِالدَّلَالَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَوْ التَّسَاوِي، وَتَحَقُّقُ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْمَذْكُورِ مَمْنُوعٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَضَى لِحِرْمَانِ الْقَاتِلِ عَنْ الْمِيرَاثِ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَكَسَّرُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ سَوَاءٌ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ لَمْ تُجِزْهُ بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضَى لِحِرْمَانِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ وَيَتَكَسَّرُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ عِنْدَهُمَا إذَا أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ عَنْ قَرِيبٍ فَكَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ أَقْوَى مِنْهُ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ عِنْدَهُمَا فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ فِي شَأْنِ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَصْلِهِمَا ثُمَّ أَقُولُ: هَاهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ " كَمَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ " الْقِيَاسَ الْفِقْهِيَّ وَلَا الْإِلْحَاقَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بَلْ كَانَ مُرَادُهُ بِهِ مُجَرَّدَ التَّنْظِيرِ وَالتَّشْبِيهِ،

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ) لِأَنَّ جِنَايَتَهُ بَاقِيَةٌ وَالِامْتِنَاعُ لِأَجْلِهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَهَا لِلْقَاتِلِ كَمَا لَا يَرْضَوْنَهَا لِأَحَدِهِمْ. قَالَ (وَلَا تَجُوزُ لِوَارِثِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَلِأَنَّهُ يَتَأَذَّى الْبَعْضُ بِإِيثَارِ الْبَعْضِ فَفِي تَجْوِيزِهِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحُكْمُهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ كَمَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لَتَمَّ دَلِيلُهُ الْعَقْلِيُّ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّ اسْتِعْجَالَ الْقَاتِلِ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى جُرْمٌ عَظِيمٌ يَسْتَدْعِي حِرْمَانَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اسْتِدْعَائِهِ حِرْمَانَهُ عَنْ الْمِيرَاثِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَوَهَّمُ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ أَصْلًا وَتَسْقُطُ الْكَلِمَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ بِحَذَافِيرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُود إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ) أَقُولُ: أَرَى دَلِيلَهُمَا هَذَا ضَعِيفًا جِدًّا، فَإِنَّ قَوْلَهُ إنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْ تَعَلُّقَ حَقِّهِمْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَلِهَذَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَذَا الْقَدْرِ لِلْأَجَانِبِ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ تُجَزْ الْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ لِلْقَاتِلِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ أَيْضًا لِحَقِّهِمْ. ثُمَّ إنَّ تَعْلِيلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ عَوْدِ نَفْعِ بُطْلَانِهَا إلَيْهِمْ لَوْ اقْتَضَى كَوْنَ الِامْتِنَاعِ فِي الْوَصِيَّةِ لِحَقِّهِمْ لَاقْتَضَى كَوْنَهُ فِي الْإِرْثِ أَيْضًا لِحَقِّهِمْ، فَلَزِمَ أَنْ يَجُوزَ إرْثُ الْقَاتِلِ أَيْضًا بِإِجَازَتِهِمْ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمِيرَاثِ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ حَيْثُ صَحَّتْ فِي الْوَصِيَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْعَبْدِ فَتُعْمَلُ فِيمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَالْوَصِيَّةُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَتُعْمَلُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهِ فَلَا يُعْمَلُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا لَيْسَ فِي نَفْسِ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ حَتَّى يَتِمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَالْآخَرَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، بَلْ إنَّمَا الْكَلَامُ هُنَا فِي أَنَّ حِرْمَانَ الْقَاتِلِ عَنْ الْوَصِيَّةِ كَحِرْمَانِهِ عَنْ الْمِيرَاثِ أَوْ لَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حِرْمَانِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَحِرْمَانِهِ عَنْ الْمِيرَاثِ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهِمَا، وَفِي كَوْنِهَا مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ نَظَرًا إلَى صُدُورِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الْقَتْلُ عَنْ الْعَبْدِ، فَمَا مَعْنَى أَنْ تُعْمَلَ الْإِجَازَةُ الَّتِي هِيَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْعَبْدِ فِي ارْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إنَّ الْمِيرَاثَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِدُونِ صُنْعِ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ حِرْمَانَ الْقَاتِلِ عَنْهُ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ حَيْثُ بَاشَرَ الْقَتْلَ، فَكَانَ فِعْلُهُ هَذَا مَانِعًا عَنْ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَقْتُولِ فَلِمَ لَا تَجُوزُ أَنْ تُعْمَلَ الْإِجَازَةُ فِي رَفْعِ هَذَا الْمَانِعِ الَّذِي كَانَ مِنْ جِهَتِهِ وَبِصُنْعِهِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ إشَارَةٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِيمَنْ خَصَّصَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا خَبْطٌ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ ذِكْرُ حَدِيثٍ فِي حَقِّ مَنْ خَصَّصَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ، بَلْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ ثَمَّةَ ذِكْرُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَطُّ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِهَا هَاهُنَا. وَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هُنَا بِقَوْلِهِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ هُوَ الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِيمَا مَضَى عَنْ قَرِيبٍ بِقَوْلِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ

وَالْهِبَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ فِي هَذَا نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى تَنْفُذَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الثُّلُثِ وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: أَيْ عَلَى عَكْسِ الْوَصِيَّةِ بِتَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: أَيْ عَلَى عَكْسِ الْوَصِيَّةِ بِتَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ أَوْ الْمَذْكُورِ. وَرَدَّ عَلَيْهِ التَّأْوِيلَ الثَّانِيَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنْ قَالَ: الْوَصِيَّةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ بِالْهَاءِ لَا الْمَذْكُورُ فَالْأَوْلَى أَوْ مَا ذَكَرَ انْتَهَى. أَقُولُ: رَدُّهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ هِيَ الْمَذْكُورَةَ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ لَا الْمَذْكُورَ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اسْمِ الْمَفْعُولِ حَرْفَ تَعْرِيفٍ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ عِنْدَ غَيْرِ الْمَازِنِيِّ مِنْ عَامَّةِ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ اسْمٌ مَوْصُولٌ لَا حَرْفُ تَعْرِيفٍ وَصِلَتُهُ اسْمُ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ لَفْظُ الْمَذْكُورِ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرَ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إلَى الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَلَا يَلْزَمُ إلْحَاقُ تَاءِ التَّأْنِيثِ بِصِلَتِهِ لِعَدَمِ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ فِي لَفْظِ ذَلِكَ الْمَوْصُولِ، فَإِنَّهُ فِي اللَّفْظِ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ صَالِحٌ لِلْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ وَالْمُؤَنَّثِ أَيْضًا كَكَلِمَةِ " مَا " وَكَلِمَةِ " مَنْ " كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. نَعَمْ يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِذَلِكَ هُنَا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، لَكِنَّ الْأَمْرَ فِي كَلِمَةِ مَا أَيْضًا كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَذْكُورِ وَمَا ذُكِرَ فِي جَوَازِ تَذْكِيرِ الصِّلَةِ نَظَرًا إلَى لَفْظِ الْمَوْصُولِ وَجَوَازِ تَأْنِيثِهَا نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِالْمَوْصُولِ. وَعَنْ هَذَا تَرَى ثِقَاتِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُؤَوِّلُونَ الْمُؤَنَّثَ الَّذِي عُبِّرَ عَنْهُ بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ أَوْ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُذَكَّرِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ كُتُبِ عِلْمِ الْبَلَاغَةِ بَلْ فِي التَّفَاسِيرِ أَيْضًا بِالْمَذْكُورِ كَمَا يُؤَوِّلُونَهَا بِمَا ذُكِرَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ

قَالَ (إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ) وَيُرْوَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ فَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ بِتَأَوُّلِ الشَّيْءِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنْ يُقَدَّرَ الْمَوْصُوفُ الْمُذَكَّرُ كَانَ الْأَمْرُ أَسْهَلَ وَيَرْتَفِعُ الِاشْتِبَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ. ثُمَّ إنَّ الشُّرَّاحَ قَاطِبَةً قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ: أَيْ يُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَقْتُ الْإِقْرَارِ لَا وَقْتُ الْمَوْتِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ اعْتِبَارَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ دُونَ وَقْتِ الْمَوْتِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ ذَلِكَ إذَا كَانَ كَوْنُهُ وَارِثًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَوْنُهُ وَارِثًا بِسَبَبٍ كَانَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ أَيْضًا، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَرِيضٍ أَقَرَّ لِابْنِهِ الْعَبْدِ فَأُعْتِقَ فَمَاتَ الْأَبُ حَيْثُ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّ وِرَاثَتَهُ تَثْبُتُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَقَبْلَهُ كَانَ عَبْدًا وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، فَهَذَا الْإِقْرَارُ فِي الْمَعْنَى حَصَلَ لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يَبْطُلُ بِصَيْرُورَةِ الِابْنِ وَارِثًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ. وَلَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَهُ حَتَّى صَارَ الْأَخُ وَارِثًا بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَارِثًا بِسَبَبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ تَبَيَّنَ أَنَّ إقْرَارَهُ حَصَلَ لِوَارِثِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَزْبُورِ: وَأَرَى أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ التَّطْوِيلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: يُعْتَبَرُ فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِوَارِثٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لِكَوْنِهِ مَحْرُومًا فَلَا يَكُونُ إقْرَارٌ لِلْوَارِثِ وَكَلَامُنَا فِيهِ وَالْأَخُ لَيْسَ بِمَحْرُومٍ فَيَكُونُ وَارِثًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُوبًا وَالْإِقْرَارُ لِلْوَارِثِ بَاطِلٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَدَارَ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَارِثِ مَا يَعُمُّ الْمَحْجُوبَ وَيُقَابِلُ الْمَحْرُومَ، وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْوَارِثِ هُنَا ذَلِكَ لَكَانَ مُرَادُهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ، فَإِنَّ أَمْرَ الِانْعِكَاسِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمُرَادِ بِالْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَاكَ أَيْضًا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْمَعْنَى، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إذَا كَانَ مَحْجُوبًا عَنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ، وَنَقَلَهُ الشُّرَّاحُ بِأَسْرِهِمْ عَنْهُ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَتِهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ وَلَهُ ابْنٌ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَثْلَاثًا لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الِابْنِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ مَكَانَ الِابْنِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِأَبٍ وَالْأَخِ لِأُمٍّ، وَبَطَلَتْ لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّهُ يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلَا بِنْتٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِأَبٍ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ، وَبَطَلَتْ لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلِلْأَخِ لِأُمٍّ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ انْتَهَى. فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَارِثِ هُنَا مَا ثَبَتَ لَهُ الْإِرْثُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَحْرُومًا وَلَا مَحْجُوبًا فَاحْتِيجَ إلَى التَّقْيِيدِ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ بِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ رَدَّ عَلَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ هُنَا بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَذُكِرَ فِي وَصَايَا الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ أَقَرَّ لِابْنِهِ بِدَيْنٍ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَبْدٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ كَانَ سَبَبُ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا قَائِمًا وَهُوَ الْقَرَابَةُ الَّتِي صَارَ بِهَا وَارِثًا فِي ثَانِي الْحَالِ. ثُمَّ قَالَ: فَعَنْ هَذَا عَرَفْت أَنَّ مَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ سَهْوٌ مِنْهُ لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: أَقَرَّ لِابْنِهِ بِدَيْنِ عَبْدٍ ثُمَّ أُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَهُوَ مِنْ وَرَثَتِهِ فَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، فَهَذَا الْإِقْرَارُ حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ فِي الْمَعْنَى لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ اهـ. أَقُولُ: السَّاهِي هُنَا صَاحِبُ الْغَايَةِ نَفْسُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ الَّذِي نَسَبَ السَّهْوَ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي فَصْلِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَاعْتَرَفَ صَاحِبُ الْغَايَةِ أَيْضًا ثَمَّةَ بِأَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ نَقْلًا عَنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، فَمَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ لَا يَصِحُّ لَعَلَّهُ غُفُولٌ عَنْ ذَلِكَ وَسَهْوٌ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ هُنَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ وَصَايَا الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ السَّهْوُ، فَإِنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ هُنَا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلِمَاتِ الثِّقَاتِ. ثُمَّ إنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ

وَلَوْ أَجَازَ بَعْضٌ وَرَدَّ بَعْضٌ تَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَبَطَلَ فِي حَقِّ الرَّادِّ. قَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ) فَالْأُولَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ. وَالثَّانِي لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ سَاوَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا جَازَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ " بِقَوْلِهِ: أَيْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا وَغَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَا زَمَانَ الْمَوْتِ، قَالَ: فَلَوْ كَانَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَارِثًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا زَمَانَ الْمَوْتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَارِثًا صَحَّ الْإِقْرَارُ وَإِنْ صَارَ وَارِثًا زَمَانَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إيجَابٌ فِي الْحَالِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْحَالِ وَيَصِحُّ رَدُّهُ فِي الْحَالِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فَلَوْ كَانَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَارِثًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا زَمَانَ الْمَوْتِ مِمَّا يُنَافِيهِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي فَصْلِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِأَنْ أَقَرَّ الْأَخُ لَهُ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ صَحَّ إقْرَارُهُ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا كَلِمَاتٌ مُفَصَّلَةٌ غَيْرُ خَالِيَةٍ عَنْ الِاخْتِلَالِ فِي بَعْضِ مَوَاضِعِهَا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا وَبَيَانَ اخْتِلَالِهَا مَخَافَةً مِنْ الْإِطْنَابِ الْمُمِلِّ. (قَوْلُهُ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَرَادَ بِهِ الذِّمِّيَّ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَالتَّعْلِيلُ وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّمَا هُمَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ الْقُدُورِيِّ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ دُونَ مُطْلَقِ الْكَافِرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْحَرْبِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُوَ الْحَرْبِيُّ الْغَيْرُ الْمُسْتَأْمَنِ، لِأَنَّ لَفْظَ الْجَامِعِ هَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِحَرْبِيٍّ هُوَ فِي دَارِهِمْ بَاطِلَةٌ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَبَقِيَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ خَارِجًا عَنْ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَكَيْفَ تَكُونُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْكَافِرِ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ هُوَ الذِّمِّيُّ دُونَ مَا يَعُمُّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ لِلذِّمِّيِّ. نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَاصُ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّمِّيِّ دَلِيلًا عَلَى حَمْلِ الْمُصَنِّفِ مُرَادَ الْقُدُورِيِّ بِالْكَافِرِ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ بِذَلِكَ فِي نَفْسِهِ هُوَ الذِّمِّيُّ. وَأَمَّا ذِكْرُ الْمُصَنِّفِ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْحَرْبِيِّ الْغَيْرِ الْمُسْتَأْمَنِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى حَمْلِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا إيَّاهُ عَلَى الذِّمِّيِّ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ) قَالَ شُرَّاحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ، فَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، وَإِنْ فُعِلَ جَازَ وَثَبَتَ الْمِلْكُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ انْتَهَى.

قَالَ (وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ رَدَّهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْعَقْدِ. قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الثُّلُثِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ، لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِ مَا لَهُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ اسْتِكْمَالِ الثُّلُثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ صَاحِبُ الْكَافِي وَشُرَّاحُ هَذَا الْكِتَابِ. أَقُولُ: وَالْإِنْصَافُ أَنَّ لَفْظَةَ بَاطِلَةٍ فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِمَّا يَأْبَى التَّوْفِيقُ الْمَذْكُورُ جِدًّا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْبَاطِلَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْفَاسِدِ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقَبْضِ، فَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ لَفْظَةَ فَاسِدَةٍ بَدَلَ لَفْظَةِ بَاطِلَةٍ لَكَانَ لِذَلِكَ التَّوْفِيقِ وَجْهٌ وَلَيْسَ فَلَيْسَ. ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الْحَقَّ هُنَا رَأْيُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ، بَلْ نَقَلَ مَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالُوا: وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ: مِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوصِيَ لِلْحَرْبِيِّ كَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ جَازَتْ وَثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، هَكَذَا قَالُوا. وَالْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبِيِّ بَاطِلَةٌ، وَالصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ ثَمَّةَ لَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجُوزُ فَإِنْ خَرَجَ الْحَرْبِيُّ الْمُوصَى لَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَأَرَادَ أَخْذَ وَصِيَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ فَلَا تُعْمَلُ إجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِيهَا، فَقَدْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَنَصَّ عَلَى الْبُطْلَانِ فِي الْفَرْعِ وَأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِهَا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّوْفِيقَ الْمَارَّ الذِّكْرِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَعَزَاهُ إلَى الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ قَالَ: أَقُولُ لَا يَخْفَى بَعْدَهُ، بَلْ وَجْهُ التَّوْفِيقِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ فِي دَارِهِمْ فَإِنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ حَرْبِيٍّ لَيْسَ فِي دَارِهِمْ وَهُوَ الْمُسْتَأْمَنُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِمَّنْ يُقَاتِلُنَا بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِمَّا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ، فَإِنَّ لَفْظَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: لَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ انْتَهَى، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْمَنُ هُوَ الْمُرَادَ مِمَّا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ رَدَّهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يَخْفَى أَنَّ بَيَانَ وَقْتِ الْقَبُولِ حَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى بَيَانِ وُجُوبِ الْقَبُولِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ قَوْلُهُ فَالْوَصِيُّ بِهِ يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا مَسْأَلَةُ اسْتِحْبَابِ الْوَصِيَّةِ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ اهـ. أَقُولُ: خَبَطَ ذَلِكَ الْقَائِلُ فِي تَحْرِيرِهِ هَذَا خَبْطَ عَشْوَاءَ، لِأَنَّ بَيَانَ وَقْتِ الْقَبُولِ إنْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى بَيَانِ وُجُوبِ الْقَبُولِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ فَالْمُوصَى بِهِ يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ مَا حَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ وَهُوَ بَيَانُ وَقْتِ الْقَبُولِ عَلَى مُقْتَضَى صَرِيحِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَنْبَغِي عَكْسَ مَا ذَكَرَهُ وَذَلِكَ عَيْنُ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: لَا يَخْفَى أَنَّ بَيَانَ وُجُوبِ الْقَبُولِ حَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ الْقَبُولِ فَخَبَطَ فِي تَحْرِيرِهِ حَيْثُ عَكَسَ الْأَمْرَ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ، لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِ مَالِهِ عَلَيْهِمْ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَمَا أَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ كَذَلِكَ فِي التَّكْمِيلِ

لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ تَمَامِ حَقِّهِ فَلَا صِلَةَ وَلَا مِنَّةَ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى أَمْ تَرْكُهَا؟ قَالُوا: إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَالْقَرَابَةِ جَمِيعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدَقَةٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ كَانَتْ الصِّلَةُ لَهُمْ هِبَةً مِنْهُمْ، فَالصَّدَقَةُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ كَمَا سَيَجِيءُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي تَعْلِيلِ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ بِدُونِ الثُّلُثِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّكْمِيلُ أَيْضًا أَوْلَى مِنْ التَّنْقِيصِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ فَمَا وَجْهُ التَّعْمِيمِ هُنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي التَّنْقِيصِ أَصْلَ صِلَةِ الْقَرِيبِ لَا زِيَادَتَهَا، وَفِي التَّكْمِيلِ زِيَادَةُ الصَّدَقَةِ لَا أَصْلُهَا لِتَحَقُّقِ أَصْلِهَا بِمَا دُونَ الثُّلُثِ بِدُونِ التَّكْمِيلِ، فَفِي اخْتِيَارِ التَّكْمِيلِ تَفْوِيتُ صِلَةِ الْقَرِيبِ عَنْ أَصْلِهَا: أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَيْسَ فِي التَّنْقِيصِ تَفْوِيتُ الصَّدَقَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ فِيهِ تَفْوِيتُ بَعْضِهَا، فَكَانَ فِي اخْتِيَارِ التَّنْقِيصِ الْعَمَلُ بِالْفَضِيلَتَيْنِ مَعًا فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ وَفَضِيلَةِ صِلَةِ الْقَرِيبِ، وَفِي اخْتِيَارِ التَّكْمِيلِ الْعَمَلُ بِفَضِيلَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَهِيَ فَضِيلَةُ الصَّدَقَةِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مَعًا أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى أَمْ تَرْكُهَا) أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ حُكِمَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِدُونِ الثُّلُثِ مُسْتَحَبَّةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ الَّذِي كَانَ فِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ فَمَا مَعْنَى التَّرْدِيدِ هُنَا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى أَمْ تَرْكُهَا وَالتَّفْصِيلُ بِقَوْلِهِ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ إلَخْ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ فِي قَوْلِهِ سَابِقًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الثُّلُثِ لَيْسَ بِنَاظِرٍ إلَى قَوْلِهِ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ بَلْ إلَى قَوْلِهِ بِدُونِ الثُّلُثِ: أَيْ مَصَبُّ الْإِفَادَةِ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ قَيْدُهُ لَا نَفْسُهُ، فَمَآلُ مَعْنَاهُ إلَى أَنَّ التَّنْقِيصَ عَنْ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَهَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّنْقِيصُ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ أَوْلَى مِنْ التَّكْمِيلِ مُطْلَقًا وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِ مَالِهِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْلَى مِنْ التَّنْقِيصِ عَنْ الثُّلُثِ أَيْضًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِمَا قَالُوا: إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فَتَرْكُهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، فَلَمْ يَكُنْ تَرْدِيدُهُ وَتَفْصِيلُهُ هَاهُنَا مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ آنِفًا، بَلْ كَانَ بِمُلَاحَظَةِ ذَلِكَ وَرِعَايَتِهِ عَلَى حَالِهِ، هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَقَامُ. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» ) وَالْكَاشِحُ: الْعَدُوُّ الَّذِي أَبْدَى كَشْحَهُ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إلَى الضِّلْعِ. وَقِيلَ الْكَاشِحُ: هُوَ الَّذِي أَضْمَرَ الْعَدَاوَةَ فِي كَشْحِهِ. وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذَا التَّصَدُّقَ أَفْضَلَ لِأَنَّ فِي التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ وَقَهْرَهَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ لَا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَقَدْ تَنَبَّهَ لَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَفِي بِتَمَامِ الْمُدَّعَى وَلِذَلِكَ لَمْ يُصَدِّرْهُ بِأَدَاةِ التَّعْلِيلِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُصَدِّرْهُ بِأَدَاةِ التَّعْلِيلِ لَا يُجْدِي نَفْعًا، لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ هُنَا سَوَاءٌ صَدَّرَهُ بِأَدَاةِ التَّعْلِيلِ أَوْ لَمْ يُصَدِّرهُ بِهَا، وَلِهَذَا صَدَّرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي بِاللَّامِ حَيْثُ قَالَ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَأَنَّهُ قَصَدَ دَفْعَ ذَلِكَ الْقُصُورِ وَإِصْلَاحَ الْمَقَامِ فَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ: هَذَا قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ كُبْرَاهُ مَطْوِيَّةٌ وَهِيَ وَكُلُّ صَدَقَةٍ عَلَى الْقَرِيبِ أَوْلَى مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِهِ أُقِيمَ دَلِيلُهَا مَقَامَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ»

وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَالتَّرْكُ هِبَةٌ مِنْ الْقَرِيبِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يُخَيَّرُ لِاشْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى فَضِيلَةٍ وَهُوَ الصَّدَقَةُ وَالصِّلَةُ فَيُخَيِّرُ بَيْنَ الْخَيْرَيْنِ. قَالَ (وَالْمُوصَى بِهِ يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ) خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ: الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافَةٌ لِمَا أَنَّهُ انْتِقَالٌ، ثُمَّ الْإِرْثُ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ. وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ، وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ إلَّا بِقَبُولِهِ، أَمَّا الْوِرَاثَةُ فَخِلَافَةٌ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهَا هَذِهِ الْأَحْكَامُ فَيَثْبُتُ جَبْرًا مِنْ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ. قَالَ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي ثُمَّ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَدْخُلُ الْمُوصَى بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَتِهِ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبُولِهِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي قَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَتْ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ بِصَرِيحِهِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي رَحِمٍ كَاشِحٍ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي رَحِمٍ غَيْرِ كَاشِحٍ. وَتَخْصِيصُ الْكَاشِحِ بِذِي الرَّحِمِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ أَيْضًا بِتَامٍّ فَإِنَّا إنْ أَغْمَضْنَا عَنْ مَنْعِ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ بِصَرِيحِهِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ كَاشِحٍ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي رَحِمٍ غَيْرِ كَاشِحٍ نَمْنَعُ جِدًّا قَوْلَهُ وَتَخْصِيصُ الْكَاشِحِ بِذِي الرَّحِمِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ عَلَى غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ، فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْكَاشِحِ بِذِي الرَّحِمِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلتَّصَدُّقِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ تَأْثِيرٌ فِي أَفْضَلِيَّةِ الصَّدَقَةِ، كَمَا أَنَّ لِكَوْنِهِ كَاشِحًا تَأْثِيرًا فِيهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَدُّقُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْغَيْرِ الْكَاشِحِ أَفْضَلَ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ، لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا انْتِفَاءَ أَحَدِ سَبَبَيْ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُسْتَفَادَيْنِ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَفْضَلِيَّةُ أَحَدِهِمَا تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَالتَّرْكُ هِبَةٌ مِنْ الْقَرِيبِ وَالْأُولَى أَوْلَى) أَقُولُ: لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ الْوَصِيَّةِ صَدَقَةً عَلَى الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا، إذْ الْأَجْنَبِيُّ الْمُوصَى لَهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا أَيْضًا فَلَمْ يَثْبُت أَوْلَوِيَّةُ الْوَصِيَّةِ مِنْ تَرْكِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: صُورَةُ الْأَوَّلِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَرِيضُ شَيْئًا وَيُوصِيَ بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ يَجِدُهُ مَعِيبًا فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ. وَصُورَةُ الثَّانِي أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَصْوِيرِ الثَّانِي بِمَا ذَكَرَ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْمُوصَى بِهِ يَصِيرُ رَاجِعًا عَنْ وَصِيَّتِهِ كَمَا سَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ عَنْ قَرِيبٍ،

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ الْحَاجَتَيْنِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ، وَأَبَدًا يُبْدَأْ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ. (إلَّا أَنْ يُبَرِّئَهُ الْغُرَمَاءُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَصِحُّ إذَا كَانَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَازَ وَصِيَّةَ يَفَاعٍ أَوْ يَافَاعٍ وَهُوَ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ، وَلِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُ بِصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ فِي نَيْلِ الزُّلْفَى، وَلَوْ لَمْ تَنْفُذْ يَبْقَى عَلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَلْزُومٍ وَفِي تَصْحِيحِ وَصِيَّتِهِ قَوْلٌ بِإِلْزَامِ قَوْلِهِ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْحُلُمِ مَجَازًا أَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَكُونُ عَدَمُ ثُبُوتِ وِلَايَةِ رَدِّ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُوصِي عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ لِرُجُوعِ الْمُوصِي عَنْ وَصِيَّةِ مَا بَاعَهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِبَيْعِهِ وَعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ لَا لِكَوْنِ الْوَصِيَّةِ إثْبَاتَ مِلْكٍ جَدِيدٍ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ الْحَاجَتَيْنِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ) أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ مَنْقُوضٌ بِالْوَصِيَّةِ بِنَحْوِ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ. فَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ الْبَسْطُ بِأَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَأَدَاؤُهُ فَرْضٌ، وَالْوَصِيَّةُ تَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فِي الْغَالِبِ وَقَدْ تَكُونُ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِأَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْفَائِتَةِ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَيًّا مَا كَانَ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَيْهَا. أَمَّا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا فِي الشِّقِّ الثَّانِي فَلِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اجْتَمَعَا لِاحْتِيَاجِ الْعَبْدِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا عُرِفَ فِي مَحِلِّهِ. (قَوْلُهُ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْحُلُمِ مَجَازًا) يَعْنِي كَانَ بَالِغًا لَمْ يَمْضِ عَلَى بُلُوغِهِ زَمَانٌ كَثِيرٌ، وَمِثْلُهُ يُسَمَّى يَافِعًا مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (أَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي، لِأَنَّهُ صَرَّحَ الرَّاوِي بِأَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ فَكَيْفَ يُسَمَّى ذَلِكَ وَصِيَّةً بِتَجْهِيزِ نَفْسِهِ، وَكَيْفَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ كَانَ أَدْرَكَ لَكِنْ سُمِّيَ غُلَامًا مَجَازًا لِأَنَّهُ صَحَّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ انْتَهَى. وَرَدَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَاصِلَ نَظَرِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: وَرُدَّ بِأَنَّهُ صَحَّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ وَأَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّأْوِيلُ بِكَوْنِهِ يَافِعًا مَجَازًا أَوْ يَكُونُ الْوَصِيَّةُ فِي التَّجْهِيزِ وَأَمْرِ الدَّفْنِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ مَعْنَى الْيَافِعِ حَقِيقَةً فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ الْجَوَابُ

وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ بِالتَّرْكِ عَلَى وَرَثَتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا إلَى مَا يَتَّفِقُ بِحُكْمِ الْحَالِ اعْتَبَرَهُ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا وَصِيَّهُ وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ نَافِعًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَدِيدٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَفْظُ الْيَافِعِ فِي الْأَثَرِ الْمَزْبُورِ مَجَازًا عَمَّنْ كَانَ بَالِغًا لَمْ يَمْضِ عَلَى بُلُوغِهِ زَمَانٌ كَثِيرٌ كَانَ مَعْنَى الْيَافِعِ حَقِيقَةً غَيْرَ مُرَادٍ فِي ذَلِكَ الْأَثَرِ بَلْ غَيْرَ وَاقِعٍ فِي أَصْلِ الْقِصَّةِ، فَلَوْ كَانَ الرَّاوِي نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَزِمَ أَنْ يَكْذِبَ فِي نَقْلِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَوْلُهُ " إنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ " مَمْنُوعٌ جِدًّا، فَإِنَّ مَعْنَى أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ لَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَرْوِيُّ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى ابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِكَلِمَةِ " إلَى " بَدَلَ كَلِمَةِ " اللَّامِ " لَمْ يَلْزَمْ التَّنَافِي، لِأَنَّ مَعْنَى أَوْصَى إلَيْهِ جَعَلَهُ وَصِيًّا فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ابْنَةُ عَمِّهِ وَصِيَّتَهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ لَمْ يَبْقَ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ مَجَالٌ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ بِالتَّرْكِ عَلَى وَرَثَتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ يُحْرِزُ الثَّوَابَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُ بِصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ فِي نَيْلِ الزُّلْفَى، وَقَوْلُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَنْ الْقَرِيبِ إلَخْ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ إمَّا أَفْضَلِيَّةَ التَّرْكِ فِي الثَّوَابِ أَوْ تُسَاوِيهِمَا فِيهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ إلَى آخِرِهِ: أَيْ إلَى آخِرِ تَعْلِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا يَنْتَهِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةِ إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ فَلَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُ بِصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ فِي نَيْلِ الزُّلْفَى فِي صُورَةٍ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ إمَّا أَفْضَلِيَّةَ التَّرْكِ فِي الثَّوَابِ أَوْ تُسَاوِيَهُمَا فِيهِ إذْ الْأَفْضَلِيَّةُ مُتَعَيِّنَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِلتَّرْدِيدِ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إلَخْ، قَوْلُهُ وَالْمُوصَى بِهِ يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ لِتَنَاوُلِهِ صُورَةَ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجْرِيَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَلَامُ الشَّارِحِ أَيْضًا فِي صُورَةِ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْمَذْكُورِ

بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا مُسْتَتِمَّةٌ وَالْمَانِعُ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ سُقُوطِهِ. قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً) لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ رَدًّا لَهَا إلَى مُكَاتَبٍ يَقُولُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَمَلَكَ، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ صَلَحَ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إذْ هِيَ أُخْتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQهُنَاكَ بِقِيلَ وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَتَرْكِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ أَوَّلًا وَهُوَ كَوْنُ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا. وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَخْلُو الْمَقَامُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَنْ نَوْعٍ مِنْ الِاخْتِلَالِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ أَنَّ التَّسَاوِيَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ كَمَا سَبَقَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْمَقْصُودِ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْمَقْصُودِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا أَفْضَلِيَّةَ لِلتَّرْكِ فِي صُورَةِ إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ، بَلْ الْأَفْضَلِيَّةُ فِيهَا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ أَوْ الْوَصِيَّةُ وَتَرْكُهَا سِيَّانِ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا سَبَقَ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُ بِصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ فِي نَيْلِ الزُّلْفَى، وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ بِالتَّرْكِ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي صُورَةِ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ بِالتَّشَبُّثِ إلَّا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ تُسَاوِي الْوَصِيَّةِ وَتَرْكِهَا إذْ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِيهَا تَكُونُ الْوَصِيَّةُ أَفْضَلَ فَلَا يَتَيَسَّرُ إحْرَازُ الثَّوَابِ بِتَرْكِهَا فَتَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِ التَّسَاوِي لِيَتِمَّ الْجَوَابُ بِالنَّظَرِ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا. وَعَنْ هَذَا أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ مَا أَوْرَدَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقَدِّمَةَ الْقَائِلَةَ، لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْمَقْصُودِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ التَّسَاوِيَ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَلِذَلِكَ الْبَعْضِ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ) أَيْ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ وَبِالْحَمْلِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَهُ أَوْ بِهِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ

إلَّا أَنْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ، لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيُمَلِّكَهُ شَيْئًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، أَوْ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي بَابِ الْوَصَايَا وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةُ الْبَيَانِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ الْمَقَامَ بِهَذَا الْمِنْوَالِ: أَقُولُ: لَيْسَ مَبْنَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وُجُودُ الْمُوصَى لَهُ وَبِهِ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ وُجُودِهِمَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِاتِّفَاقِ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ لِصِحَّتِهَا وُجُودُهُمَا وَقْتَ الْمَوْتِ فَقَطْ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِمَا إذْ ذَاكَ دُونَ وَقْتِ الْإِيجَابِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ، وَسَيَجِيءُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا تَرَكَ، وَبِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَنِي فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ بَنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ الْمُوصِي كَانَ الثُّلُثُ لِلَّذِينَ حَدَثُوا مِنْ بَنِيهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْشَأَ الِاخْتِلَافِ لَيْسَ بِذَاكَ بَلْ خُصُوصِيَّةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ اعْتَبَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا غَيْرُهُ، وَهِيَ أَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا وَلُغَةً إذَا قِيلَ أَوْصَيْت لِمَا فِي بَطْنِهَا بِكَذَا كَوْنُهُ مَوْجُودًا فِي بَطْنِهَا وَقْتَئِذٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِمَا ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ فِي بَطْنِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، إلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الْبَعْضِ. أَقُولُ: فِيهِ اخْتِلَافٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لِاتِّفَاقِ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ لِصِحَّتِهَا وُجُودُهُمَا وَقْتَ الْمَوْتِ فَقَطْ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ وُضِعَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ فَصْلٌ عَلَى حِدَةٍ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ فِي الْوَصَايَا وُجُودُ الْمُوصَى بِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ وُجُودُهُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ وُجُودُهُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ لَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ، وَإِذَا كَانَ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِهِ فِي مِلْكِ الْمُوصِي يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ ذَلِكَ الْعَيْنُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَمَتَى كَانَ الْمُوصَى بِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي بَعْضِ التَّرِكَةِ فَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ وُجُودُ الْمُوصَى بِهِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَتَتَعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِهِ، فَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ غَنَمِي أَوْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ غَنَمٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ، حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ لِلْمُوصِي أَغْنَامٌ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ لَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ الْأَغْنَامِ الْحَادِثَةِ شَيْءٌ، وَمَتَى كَانَ الْمُوصَى بِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ وُجُودُ الْمُوصَى بِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ وَاكْتَسَبَ مَالًا غَيْرَهُ فَإِنَّ ثُلُثَ مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ لِلْمُوصَى لَهُ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ الْمَوْجُودِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ بِهَلَاكِهِ اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ لَك بِذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ فِي أَكْثَرِ أَقْسَامِ الْوَصَايَا وُجُودُ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَا وَقْتَ الْمَوْتِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ بِاتِّفَاقِ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ لِصِحَّتِهَا وُجُودُهُمَا: أَيْ وُجُودُ الْمُوصَى لَهُ وَبِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَقَطْ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِمَا إذْ ذَاكَ دُونَ وَقْتِ الْإِيجَابِ لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْوَصِيَّةُ فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ وُجُودُهُمَا وَقْتَ وُجُودِ ذَلِكَ السَّبَبِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ وُجُودُهُمَا وَقْتَ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَمِنْ هَذَا مَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَقَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ، وَسَيَجِيءُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا تَرَكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ وَقْتَ الْمَوْتِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي قَوْلِهِ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ لَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ مُعَيَّنًا كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي سَتَجِيءُ

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِعَرْضِ الْوُجُودِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ: هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ غَيْرَ مُعَيِّنٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ كَمَا فِي اسْمِ الْمَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا فِي نَوْعٍ مِنْ الْمَالِ فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، وَنَقَلُوا عَنْ الذَّخِيرَةِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا. وَقَوْلُهُ وَبِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَنِي فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ بَنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ الْمُوصِي كَانَ الثُّلُثُ لِلَّذِينَ حَدَثُوا مِنْ بَنِيهِ لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هُنَاكَ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ سِيَّمَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ، فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ الِاتِّفَاقُ بِذَلِكَ وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: ثُمَّ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ الْوَصِيَّةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْشَأَ الِاخْتِلَافِ لَيْسَ بِذَاكَ بَلْ خُصُوصِيَّةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا غَيْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا وَلُغَةً إذَا قِيلَ أَوْصَيْت لِمَا فِي بَطْنهَا بِكَذَا كَوْنُهُ مَوْجُودًا فِي بَطْنِهَا وَقْتَئِذٍ لَا يَكَادُ يَصِحُّ، إذْ لَا نُسَلِّمُ جِدًّا أَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا وَلُغَةً إذَا قِيلَ أَوْصَيْت لِمَا فِي بَطْنِهَا بِكَذَا كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَقْتَئِذٍ، بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لِثُبُوتِ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ أَسَاطِينِ الْفُقَهَاءِ سِيَّمَا أَصْحَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ لَا يَنْتَبِهُوا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ عُرْفًا وَلُغَةً، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ فَضْلًا عَنْ الْغَفْلَةِ عَنْهُمَا مَعًا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِمَا ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ فِي بَطْنِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ، بَلْ الْمَعْنَى لِمَا ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ فِي بَطْنِهَا. وَأَمَّا كَوْنُ ثُبُوتِهِ فِي وَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ فِي وَقْتِ الْمَوْتِ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ نَفْسِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا الْمُعَيَّنُ لَهُ شَيْءٌ آخَرُ هُوَ مَحِلُّ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ بِأَنْ قَالَ: وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْوَصِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ وُجُودِهِ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وَقْتَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ وَاعْتِبَارِهَا فِي الْحُكْمِ وَقْتُ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي هُنَا اضْطِرَابًا لِأَنَّهُ دَلَّ أَوَّلُهُ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ فِيهِمَا: أَيْ فِي الْمُوصَى لَهُ وَبِهِ، وَآخِرُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي. قَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ: وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ تَجْرِي فِيهِ الْوِرَاثَةُ فَتَجْرِي فِيهِ الْوِصَايَةُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ مَتَى جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ انْتَهَى. فَيَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ مُقَدَّرًا فِي قَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَ الْمَعْنَى مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ هُوَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوصِي فَيُوَافِقُ أَوَّلُ كَلَامِهِ آخِرَهُ، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى تَأْوِيلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْوَجْهِ لِيُوَافِقَ كَلَامُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَثَانِيهُمَا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِإِيرَادِ آخِرِ كَلَامِهِ مُخَالِفًا لِأَوَّلِهِ هُوَ الْإِشَارَةُ إلَى وُقُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ الْمُدَّةِ الَّتِي يُعْلَمُ فِيهَا وُجُودُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ كُلٌّ مِنْ ذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ. ثُمَّ إنَّهُ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ وَآخِرُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي آخِرِهِ إنَّمَا هُوَ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ لَا الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَأَمَّا الثَّانِي وَلَا رَيْبَ أَنَّ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ هُوَ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ. ثُمَّ إنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَذَكَرَ فِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ أَيْضًا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ هَكَذَا: وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَوْلِهِ بِالْحَمْلِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِنْهُ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ، فَمِنْ أَيْنَ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ الِاعْتِبَارِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ بِمَا إذَا أَوْصَى لَهُ. نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فِي آخِرِ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الِاعْتِبَارِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِالْحَمْلِ، وَبِهَذَا تُرَدُّ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ وَالْمَخْلَصُ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِعَرْضِ الْوُجُودِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ فَلِأَنَّهُ

وَبَابُهَا أَوْسَعُ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ وَعَجْزِهِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَوْجُودِ كَالثَّمَرَةِ فَلَأَنْ تَصِحَّ فِي الْمَوْجُودِ أَوْلَى. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ) لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْحَمْلَ بِعَرْضِيَّةِ الْوُجُودِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ زِيَادَةَ قَوْلِهِ أَوْ الْمَوْتِ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ مَعَ كَوْنِهَا غَيْرَ مُطَابِقَةٍ لِلْمَشْرُوحِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَا مَحَالَةَ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ أَصْلًا فِيمَا إذَا مَضَتْ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ مُدَّةٌ يَصِيرُ بِهَا زَمَانُ وَضْعِ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا، فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يُنْتَقَضُ بِصُورَةِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ مَعَ إمْكَانِ جَرَيَانِ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا. لَا يُقَالُ: إنَّمَا فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِعَقْدٍ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَالْحَمْلُ مِمَّا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، بِخِلَافِ الْأَمْرِ فِي الْوَصِيَّةِ: فَإِنَّ إفْرَادَ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ يَصِحُّ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ الْفَرْقُ مُوجِبُ التَّعْلِيلِ الْآتِي وَكَلَامُنَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فَلَا مَعْنَى لِلْخَلْطِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ أَوَّلِ هَذَا التَّعْلِيلِ: لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ

بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا، فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَجَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَمَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَالْهِبَةِ وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَوْتِ وَالْإِيجَابُ يَصِحُّ إبْطَالُهُ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِذَا صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ أَوْ فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ كَانَ رُجُوعًا) أَمَّا الصَّرِيحُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الدَّلَالَةُ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ فَقَامَ مَقَامَ قَوْلِهِ قَدْ أُبْطِلَتْ، وَصَارَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ فِيهِ بِالدَّلَالَةِ، ثُمَّ كُلُّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ، فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُوصِي كَانَ رُجُوعًا، وَقَدْ عَدَدْنَا هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ. وَكُلُّ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ إلَّا بِهَا فَهُوَ رُجُوعٌ إذَا فَعَلَهُ، مِثْلُ السَّوِيقِ يَلُتُّهُ بِالسَّمْنِ وَالدَّارِ يَبْنِي فِيهِ الْمُوصِي وَالْقُطْنِ يَحْشُو بِهِ وَالْبِطَانَةِ يُبَطِّنُ بِهَا وَالظِّهَارَةِ يُظَهِّرُ بِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهَا لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ جِهَتِهِ، بِخِلَافِ تَخْصِيصِ الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا وَهَدْمِ بِنَائِهَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّابِعِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي فَهُوَ رُجُوعٌ، كَمَا إذَا بَاعَ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَهَبَهُ تَمَّ رَجَعَ فِيهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ إلَّا فِي مِلْكِهِ، فَإِذَا أَزَالَهُ كَانَ رُجُوعًا. وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا رُجُوعٌ لِأَنَّهُ لِلصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ عَادَةً، فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى أَصْلًا أَيْضًا، وَغَسْلُ الثَّوْبِ الْمُوصَى بِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلُهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا. قَالَ (وَإِنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا) كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ وَلَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَوْضُوعِ، وَمَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْجَارِيَةِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْجَارِيَةِ كَقَمِيصِهَا وَسَرَاوِيلِهَا مِمَّا يَلْتَبِسُ بِهَا انْتَهَى. أَقُولُ: مُقْتَضَى تَقْرِيرِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا صُغْرَى لِقِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ كُبْرَاهُ مَطْوِيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ وَمَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْجَارِيَةِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْجَارِيَةِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ وَحْدَهُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ تَنَاوُلِ اسْمِ الْجَارِيَةِ لِلْحَمْلِ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ مِنْهَا، وَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ هُوَ الْإِخْرَاجُ عَمَّا يَتَنَاوَلُهُ صَدْرُ الْكَلَامِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ أَوْ الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابِ الْإِقْرَارِ: الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّعْبِيرَاتِ فَتَنَاوُلُ صَدْرِ الْكَلَامِ لِلْمُسْتَثْنَى مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ الْمُتَّصِلُ. وَأَمَّا الْمُنْقَطِعُ فَصِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مَجَازٌ فِيهِ كَمَا عُرِفَ فِي مَحِلِّهِ سِيَّمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ صِيغَةَ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ مَجَازًا فِي الْمُنْقَطِعِ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ فِي الْقِسْمَيْنِ مَعًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَ صَدْرِ الْكَلَامِ لِلْمُسْتَثْنَى بَلْ يُنَافِي ذَلِكَ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا يُقَالُ الْحَمْلُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ الْحَمْلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا حَيْثُ قَالَ: إنْ أَرَادَ مَقْصُودًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ تَبَعًا فَالْحَمْلُ كَذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اسْمَهَا يَتَنَاوَلُهُمَا مَقْصُودًا، وَقَوْلُهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ فِيمَا إذَا أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا الْحَقِيقِيَّةِ مَقْصُودًا، إذْ لَا مَعْنَى لِإِيصَاءِ الْجَارِيَةِ بِدُونِ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِدُونِ أَجْزَائِهَا الْحَقِيقِيَّةِ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهَا عَنْهَا بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهَا حَقِيقَةً قَبْلَ الِانْفِصَالِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ مِنْهَا عِنْدَ اتِّصَالِهِ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُيُوعِ وَيُمْكِنُ انْفِكَاكُهَا عَنْهُ بِوَضْعِهَا إيَّاهُ فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ مَقْصُودًا عِنْدَ إيصَائِهَا كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ لَا يَرِدُ عَلَى مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ صِحَّتَهُ بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِ مِلْكِ الْمُوصَى فِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا فَرَسًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ فِي الْأَلْفِ صَحِيحَةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا صَحِيحٌ فِي تَقْرِيرِ مِلْكِهِ فِي الْفَرَسِ لَا بِاعْتِبَارِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ مَقْصُودًا بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ، وَلَوْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِ الْمِلْكِ لَصَحَّ فِي الْإِقْرَارِ أَيْضًا اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ وَالْفَصِّ مِنْ الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةِ مِنْ الْبُسْتَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْفَرْقِ انْتَهَى. وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَابَ عَنْهُ فَقَالَ: فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ حِينَئِذٍ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي وَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْخَطُّ وَالْبِنَاءُ يَدْخُلُ تَبَعًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْكَلَامُ نَصًّا لَا تَبَعًا فَلِمَ حَكَمُوا بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَاكَ وَلَمْ يُصَحِّحُوهُ بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِ الْمِلْكِ كَمَا صَحَّحُوا بِهِ هُنَا؟ قُلْت: إنَّمَا لَمْ يُصَحِّحُوا ذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِهِ إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ غَايَتُهُ أَنْ يُحْمَلَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا فِي حَقِّ التَّابِعِ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ. فَإِنَّ إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا وَلَا يُجْعَلُ الْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُ إبْطَالُ ذَلِكَ أَصْلًا، إذْ يَصِيرُ الْإِقْرَارُ حِينَئِذٍ مَخْصُوصًا بِمَا عَدَا الْبِنَاءَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ حُكْمَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى تَمَامِ الْكَلَامِ بِذِكْرِ الْمُسْتَثْنَى فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى فَيَصِيرُ مَعْنَى قَوْلِهِ مَثَلًا هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرَ بِنَاءِ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ الْمُتَوَهَّمُ بَيْنَ أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ فِي أَمْثِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ قَطُّ، ثُمَّ إنَّ الْمَصِيرَ إلَى حَمْلِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ رُجُوعًا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQالرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ فِي حَقِّ التَّابِعِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ أَيْضًا، إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ لِمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْتِزَامِ مَا لَا يَلْزَمُ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ سَتَجِيءُ بِتَفَاصِيلِهَا وَتَفَارِيعِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ رُجُوعًا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ، وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قُلْت هَذَا كَلَامٌ ظَاهِرِيٌّ، وَإِلَّا فَالنَّفْي فِي الرُّجُوعِ عَنْهَا بِمَعْنَى فَسْخِهَا وَرَفْعِهَا وَفِي الْجُحُودِ بِمَعْنَى سَلْبِهَا وَنَفْيِ وُقُوعِهَا وَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ " إنَّ جُحُودَ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهَا " أَنَّ الْجُحُودَ وَالرُّجُوعَ مُتَّحِدَانِ مَعْنًى، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا وَهُوَ إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ فِي تَرِكَةِ الْمُوصِي فَكَوْنُ النَّفْيِ فِي الرُّجُوعِ بِمَعْنَى الْفَسْخِ وَفِي الْجُحُودِ بِمَعْنَى سَلْبِ الْوُقُوعِ إنَّمَا يُنَافِي الِاتِّحَادَ فِي الْمَعْنَى لَا الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ، وَمَبْنَى اسْتِدْلَالِهِ الْمَذْكُورِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا مَحْذُورَ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ عَلَى تَقْدِيرِ وُرُودِهِ إنَّمَا يَئُولُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فَلَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ قُلْت (قَوْلُهُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءَ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَمْ أُوصِ لِفُلَانٍ أَوْ مَا أَوْصَيْت لَهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ، وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ لِاسْتِمْرَارِ ذَلِكَ إنْ ثَبَتَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِذَا كَانَ الْكَذِبُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لِكَوْنِهِ كَاذِبًا فِي جُحُودِهِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَوْصَى ثُمَّ جَحَدَ كَانَ النَّفْيُ فِي الْمَاضِي بَاطِلًا فَيَبْطُلُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ فَكَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ اسْمَ كَانَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ الْكَذِبَ، وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْكَذِبَ مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى وَلَا حُكْمًا، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْمُ كَانَ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى الْكَذِبِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَالِ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ مُسْتَدْرَكًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْكَذِبِ فِي الْجُحُودِ يَقْتَضِي كَوْنَ الْجُحُودِ لَغْوًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمَانِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى ذَلِكَ لَمَا تَحَقَّقَ الْفَائِدَةُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْكَذِبُ فِي جُحُودِهِ ثَابِتًا بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْفَرْضِ أَنَّهُ أَوْصَى ثُمَّ جَحَدَ كَانَ جُحُودُهُ لَغْوًا بَاطِلًا لَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَتِهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِي بَعْضِ

أَوْ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالشُّرُوحِ جَعَلَ اسْمَ كَانَ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ الْوَصِيَّةَ وَفِي بَعْضِهَا الْحَقَّ وَكِلَاهُمَا مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُصَادَرَةَ عَلَى الْمَطْلُوبِ إنَّمَا تَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا كَانَ الْوَصِيَّةُ أَوْ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لِعَدَمِ كَوْنِ الْجُحُودِ رُجُوعًا كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ ذَاكَ بَلْ مَعْنَاهُ: وَإِذَا كَانَ الْإِيصَاءُ أَوْ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لِكَوْنِهِ كَاذِبًا فِي جُحُودِهِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَوْصَى فِيمَا مَضَى ثُمَّ جَحَدَ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا حَيْثُ كَانَ النَّفْيُ فِي الْمَاضِي بَاطِلًا لِظُهُورِ الْكَذِبِ فَبَطَلَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ، وَلَا مُصَادَرَةَ فِي هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ. (قَوْلُهُ أَوْ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً.) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ: إنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَهُنَا قَالَ: وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كَوْنِ الْجُحُودِ رُجُوعًا حَقِيقَةً عَدَمُ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ مَجَازًا صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ مَعْنَاهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَضْعًا وَحَقِيقَةً وَفِي الْحَالِ ضَرُورَةً لَا وَضْعًا وَهُوَ الْأَوَّلُ فَلَا تَنَافِي. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الرُّجُوعَ وَالْجُحُودَ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَاضِي مُتَضَادَّانِ وَالتَّضَادُّ لَيْسَ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْمَجَازِ فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى جَوَابِهِ عَنْ النَّظَرِ الثَّانِي أَنَّ جَوَازَ اسْتِعْمَالِ الْجُحُودِ فِي الرُّجُوعِ مَجَازًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِبَارِ عَلَاقَةِ الْمَجَازِ التَّضَادَّ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ كَوْنِ التَّضَادِّ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْمَجَازِ فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِعْمَالُ الْجُحُودِ فِي الرُّجُوعِ مَجَازًا أَصْلًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكَهُمَا فِي مَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ كَوْنُهُمَا نَافِيَيْنِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْجُحُودُ نَافِيًا فِي الْمَاضِي أَيْضًا كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ: وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجُحُودَ كَذِبٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مَجَازًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْفَسْخُ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَازَةِ إذَا جَحَدَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ هُنَاكَ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هُنَاكَ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ حَتَّى لَوْ تَجَاحَدَا نَقُولُ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ جَحَدَ الزَّوْجُ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك لِأَنَّ هُنَاكَ أَيْضًا

[باب الوصية بثلث المال]

وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَرِبَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ الْأَصْلِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُ الذَّاهِبُ الْمُتَلَاشِي (وَلَوْ قَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ لِلسُّقُوطِ كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَرَكْت) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ (وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ) لِأَنَّ الْمَحِلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظَ صَالِحٌ لَهَا (وَكَذَا إذَا قَالَ فَهُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِي يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ) لِمَا بَيَّنَّا وَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى إنَّمَا تَبْطُلُ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا لِلثَّانِي وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فَبَقِيَ لِلْأَوَّلِ (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ حِينَ قَالَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ لِلْوَرَثَةِ) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ الْأُولَى بِالرُّجُوعِ وَالثَّانِيَةِ بِالْمَوْتِ. (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ) قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ يَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحِلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقَّيْهِمَا فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ فَيُجْعَلُ الْأَقَلُّ سَهْمًا وَالْأَكْثَرُ سَهْمَيْنِ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْفَسْخِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ، إذْ لَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الْجُحُودَ يَنْفِي الْعَقْدَ وَالطَّلَاقَ يَقْطَعُ الْعَقْدَ وَلَا يَنْفِيهِ انْتَهَى، تَبَصَّرْ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ] لَمَّا كَانَ أَقْصَى مَا يَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْوَصَايَا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ثُلُثَ الْمَالِ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ

وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ) لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْمُوصِي قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ وَالتَّفْضِيلَ، وَامْتَنَعَ الِاسْتِحْقَاقُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْضِيلِ فَيَثْبُتُ كَمَا فِي الْمُحَابَاةِ وَأُخْتَيْهَا. وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ، إذْ لَا نَفَاذَ لَهَا بِحَالٍ فَيَبْطُلُ أَصْلًا، وَالتَّفْضِيلُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَبَطَلَ بِبُطْلَانِهِ كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ لَهَا نَفَاذًا فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ فَتُعْتَبَرُ فِي التَّفَاضُلِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ وَقِيمَتُهُ تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنِ تَرِكَتِهِ وَقِيمَتُهُ تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ بِالثُّلُثِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ) أَشَارَ بِهَذَا الْكَلَامِ إلَى صُورَةِ نَقْضٍ تَرِدُ عَلَى وَجْهِ الْفَرْقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ الْخِلَافِيَّةِ، وَهِيَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِإِنْسَانٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَبِعَبْدٍ آخَرَ بِعَيْنِهِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا فَإِنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ ثَابِتٌ فِيهِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ مَا سَمَّاهُ لَهُ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَزِيدَ مَالُ الْمَيِّتِ فَيَخْرُجَ الْعَبْدَانِ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَصْوِيرِ صُورَةِ النَّقْضِ هُنَا بِأَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ وَلَا

لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقُّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ وَاسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَفِي الْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ لَوْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ تَنْفُذُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ. قَالَ (وَإِذَا أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ، لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالثَّانِيَ وَصِيَّةٌ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّرُ بِهِ فَيَجُوزُ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا فَيُنْظَرُ إلَى الْحَالِ وَالْكُلُّ مَالُهُ فِيهِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالَ سِوَى الْعَبْدِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكْتَسِبَ هَذَا الْعَبْدُ مَالًا فَتَصِيرُ رَقَبَتُهُ مُسَاوِيَةً لِثُلُثِ الْمَالِ أَوْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْعَبْدُ ثُلُثَ الْمَالِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ يَصِيرُ إذْ ذَاكَ هُوَ الْعَبْدُ وَثُلُثُ الْمَالِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُ فِي جَمِيعِ مَا سَمَّاهُ لَهُ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ زَادَ مَالُ الْمَيِّتِ جِدًّا، لِأَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يَصِحُّ تَنْفِيذُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَتَكُونُ تِلْكَ الصُّورَةُ مُخَالِفَةً لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا حَيْثُ أَمْكَنَ فِي هَاتِيك الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي جَمِيعِ مَا سَمَّاهُ لَهُمَا فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الصُّورَةِ فَلَا تَصْلُحُ لَأَنْ تَكُونَ صُورَةَ نَقْضٍ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا بَلْ إنَّمَا تَكُونُ نَظِيرَ الْخِلَافِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَبْلُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ وَاسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَفِي الْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ لَوْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ تَنْفُذُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ) هَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ النَّقِيضِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ آنِفًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فِي التَّبْيِينِ بَعْدَمَا نَقَلَ مَا فِي الْهِدَايَةِ هُنَا: وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِالْمُحَابَاةِ فَإِنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ مِثْلَهُ وَمَعَ هَذَا يُضْرَبُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا النَّقْضُ بِوَارِدٍ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالثَّمَنِ لَا بِالْعَيْنِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَالْوَصِيَّةُ بِالسِّعَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ، وَكَذَا بِالْمُحَابَاةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِالثَّمَنِ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْمُرْسَلِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَحِلَّ مِنْ مَدَاحِضِ هَذَا الْكِتَابِ وَلِهَذَا

وَقَالَا: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ أَحَدَ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لَا سِيَّمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَلَهُ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا يُرْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحَيَّرَ الشُّرَّاحُ فِي حَلِّهِ؛ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: مَعْنَاهُ فَلَهُ السُّدُسُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا الْمَعْنَى لَمَا كَانَ لِأَدَائِهِ بِمِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ الْمُعْضِلِ الْمُشَوِّشِ وَجْهٌ، وَهَلْ يَلِيقُ هَذَا بِمَنْصِبِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ أَنْقَصَ مِنْ السُّدُسِ لِيُوَافِقَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا فِي الْكِتَابِ سَاكِتًا عَنْ بَيَانِ الْحُكْمِ إذَا كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ أَزْيَدَ مِنْ السُّدُسِ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَهُ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا لِلْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُ هُوَ السُّدُسُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ هُوَ السُّدُسُ أَوْ نَاقِصًا عَنْهُ أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ، فَلَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ مَا فِي الْكِتَابِ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى السُّدُسِ دُونَ النُّقْصَانِ عَنْهُ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يُنَافِي ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: أَخَسُّ الْأَنْصِبَاءِ أَقَلُّهُ وَالثُّمُنُ أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ بِمَعْنَى السُّدُسِ؟ قُلْت: جَعَلَهُ بِمَعْنَاهُ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْأَثَرِ وَاللُّغَةِ اهـ. أَقُولُ: الْجَوَابُ مَنْظُورٌ فِيهِ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا يَسْتَدْعِي جَعْلَ السَّهْمِ بِمَعْنَى السُّدُسِ لَا جَعْلَ أَخَسِّ الْأَنْصِبَاءِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّهُمَا بِمَعْنَى السُّدُسِ، وَكَلَامُ الْمَسَائِلِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا تَرَى. وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ مَا يُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ أَنَّ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاءِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ إنَّمَا هُوَ السُّدُسُ، وَأَمَّا الثُّمُنُ فَإِنَّمَا هُوَ أَقَلُّهَا بِاعْتِبَارِ الْعَارِضِ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ، وَمَا يَكُونُ عَارِضًا فِي مُزَاحَمَةِ مَا هُوَ أَصْلٌ كَالْمَعْدُومِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ السِّهَامِ بِالْقَرَابَةِ وَهُوَ السُّدُسُ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَشَايِخِ وَالشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتَلَفَتْ اخْتِلَافًا لَا يَكَادُ يُعْلَمُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَسَبَبُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، قَالَ فِي الْكَافِي: فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ، وَرِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ تُخَالِفُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمُّ لَهُ السُّدُسُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِمَّا أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا، وَإِمَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَوَّزَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَجَوَّزَ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مَا فِي الْكَافِي عَلَى وَجْهِ الِارْتِضَاءِ. وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُجَوِّزْ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ وَلَا الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، فَلَا جَرَمَ تَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُنَافِيَةً لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ رِوَايَتَيْ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَتَحَمَّلُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَإِمَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ: لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الزِّيَادَةِ عَلَى السُّدُسِ إذَا نَقَصَ أَخَسُّ السِّهَامِ عَنْ السُّدُسِ لَا مُطْلَقًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَا فِي الْكِتَابِ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.

وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ، فَإِنَّ إيَاسًا قَالَ: السَّهْمُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَيُعْطَى مَا ذَكَرْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِمُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَلَهُ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ إلَخْ يَقْتَضِي لَا مَحَالَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْكِتَابِ نَفْيَ الزِّيَادَةِ عَلَى السُّدُسِ مُطْلَقًا كَمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيَ النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ مُطْلَقًا، فَلَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، كَمَا لَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ رِوَايَةَ الْأَصْلِ وَقَدْ كُنْت نَبَّهْت عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ إلَخْ مُشْكِلٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فَيُعْطَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي بَعْضِهَا فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا. وَفَسَّرَ الْأُولَى بَعْضُ الشَّارِحِينَ فَقَالَ: يَعْنِي إنْ كَانَ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ أَقَلَّ مِنْ السُّدُسِ يُعْطَى السُّدُسَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ، وَإِنْ كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ أَكْثَرَ يُعْطَى ذَلِكَ، لِأَنَّ السَّهْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَخَسُّ السِّهَامِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ لِمَا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّ فِيهِ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ السُّدُسَ فَمَا ثَمَّةَ عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا، بَلْ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ أَخَسِّ السِّهَامِ نَاقِصًا عَنْ السُّدُسِ فَيَصْلُحُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِمَا فِي الْكِتَابِ اهـ. أَقُولُ: قَدْ مَرَّ مِنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ وَلَهُ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقْتَضِي كَوْنَ الْمُرَادِ مِنْ

قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا السَّهْمُ كَالْجُزْءِ. قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مُقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ نَفْيَ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا فَلَا يَصْلُحُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ دَلِيلًا عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا فَتُؤَدِّي إلَى النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ وَفِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ مَا ذَكَرْنَا إنْ أَرَادَ بِهِ السُّدُسَ فَلَا تَعَلُّقَ لِقَوْلِهِ وَقَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِقَوْلِ إيَاسٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَقَلَّ مِنْهُمَا عَادَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْأَدَاءُ إلَى النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ اهـ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ مَا ذَكَرْنَا إلَخْ حَيْثُ قَالَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ السَّهْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَيُعْطَى السُّدُسَ لِتَعَيُّنِهِ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ أَثَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ، فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الدَّلِيلِ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ كَانَ مَدَارُ هَذَا الدَّلِيلِ أَيْضًا أَثَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَالِاسْتِدْرَاكُ كَمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَأَرَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا لِيَكُونَ مَعْنَى النُّسْخَتَيْنِ وَاحِدًا، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ النُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ عَلَى السُّدُسِ تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لَيْسَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ رِوَايَتَيْنِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ سَقِيمٌ جِدًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرِيدَهُ الْعَاقِلُ فَضْلًا عَنْ مِثْلِ الْمُصَنِّفِ الْفَطِنِ الْكَامِلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَيُعْطَى مَا ذَكَرْنَا مَذْكُورٌ بِصَدَدِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ الْمُخَالِفَةِ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هَذَا الشَّارِحُ فِيمَا قَبْلُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِشَارَةُ فِي الدَّلِيلِ إلَى مَا يُخَالِفُ الْمُدَّعَى وَيُنَافِيهِ. ثُمَّ إنَّ كَوْنَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مُرَكَّبًا مِنْ رِوَايَتَيْ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِمَّا لَا مَجَالَ لَهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ قَبْلُ فَلَا وَجْهَ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ رِوَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مُقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ) قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: أَقُولُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ كَقَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ فَمَاتَ مُجَهِّلًا يُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْبَيَانِ، وَكَذَا لَوْ أُقِيمَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِمَجْهُولٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ، وَيُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْبَيَانِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت: مَا ذَكَرَهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَلَوْ بِمَجْهُولٍ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْغَيْرِ بِهِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَيُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى بَيَانِهِ بِطَلَبِ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِذَا فَاتَ الْجَبْرُ فِي حَيَاتِهِ بِوَفَاتِهِ سَقَطَ سِيَّمَا إذَا كَانَ

قَالَ (وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَيَدْخُلُ السُّدُسُ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ فَلَهُ سُدُسٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ، وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ يُرَادُ بِالثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ هُوَ الْمَعْهُودُ فِي اللُّغَةِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يُتْوَى مَا تُوِيَ مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَيْهَا وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً. وَلَنَا أَنَّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ جَمِيعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَفِيهِ جَمْعٌ وَالْوَصِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ وَرَثَتُهُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَجْهُولٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَيْرِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَقَبْلَ مَوْتِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى بَيَانِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِتَرِكَتِهِ وَلَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ فَيُجْبَرُ مَنْ يَقُومُ مُقَامَهُ إحْيَاءً لِحَقٍّ ثَابِتٍ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْمَقِيسُ فِي مَعْنَى الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، بَلْ يَكْفِي الِاشْتِرَاكُ فِي عِلَّةٍ هِيَ مَدَارُ الْحُكْمِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، فَمُجَرَّدُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ فِي كَوْنِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ فِي الْإِقْرَارِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَفِي الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَضُرُّ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ الْمُنْفَهِمِ مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ بِهَا الْفَرْقُ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَدَارُ الْحُكْمِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ هُنَا، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَدَارُ ثُبُوتِ الْجَبْرِ بِالْبَيَانِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي الَّذِينَ يَقُومُونَ مُقَامَ الْمُوصِي إحْيَاءَ حَقٍّ ثَابِتٍ بِالْوَصِيَّةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْجَبْرُ بِالْبَيَانِ لِوَرَثَةِ الْمُقِرِّ بِالْمَجْهُولِ أَيْضًا إذَا مَاتَ مُجَهِّلًا إحْيَاءً لِحَقٍّ ثَابِتٍ بِالْإِقْرَارِ، فَقَوْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَإِذَا فَاتَ الْجَبْرُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ بِوَفَاتِهِ سَقَطَ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الْحَقُّ أَصْلًا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ حُقُوقُ الْعِبَادِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الْجَبْرُ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَإِنْ كَانَ بَقِيَ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ قَوْلَهُ فَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ وَرَثَتُهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَقِيَ حَقُّ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَجْهُولًا مُحْتَاجًا إلَى الْبَيَانِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ وَكَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ عَاجِزًا عَنْ الْبَيَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ وَرَثَتُهُ فِي الْبَيَانِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَجْهُولِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَيَدْخُلُ السُّدُسُ فِيهِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ،

مُقَدَّمَةٌ فَجَمَعْنَاهَا فِي الْوَاحِدِ الْبَاقِي وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ كَالدِّرْهَمِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا جَبْرًا فَكَذَا تَقْدِيمًا. قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثِيَابِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَاهَا وَبَقِيَ ثُلُثُهَا وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ، قَالُوا: هَذَا) إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَلِكَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ بِمَنْزِلَتِهَا لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْجَمْعُ جَبْرًا بِالْقِسْمَةِ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ مِنْ رَقِيقَةِ فَمَاتَ اثْنَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَكَذَا الدُّورُ الْمُخْتَلِفَةُ) وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهَا. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَجْمَعَ وَبِدُونِ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِلْفِقْهِ الْمَذْكُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَجْمُوعُ نِصْفًا وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ فَيُجْعَلُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ: هَكَذَا قَالُوا، وَهَذَا كَمَا تَرَى حَمْلٌ لِلْكَلَامِ عَلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمَلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ وَكَانَ الْقَدْرُ الثَّابِتُ بِهِ بِيَقِينٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الثُّلُثَ. قُلْنَا: مَا ثَبَتَ بِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ هُوَ الثُّلُثُ لَكِنْ لَا بِطَرِيقِ حَمْلِهِ عَلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ بَدَأَ ثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةً لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ ثُبُوتُ الثُّلُثِ بِمَجْمُوعِ الِاحْتِمَالَيْنِ لَا بِأَوَّلِهِمَا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَيَقَّنَ ثُبُوتُ الثُّلُثِ بِأَوَّلِ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَإِنَّ زِيَادَةَ الثُّلُثِ عَلَى السُّدُسِ كَمَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الثُّلُثِ بِلَا رَيْبٍ، وَانْضِمَامَ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي إلَيْهِ إنَّمَا يُفِيدُ جَوَازَ إرَادَةِ النِّصْفِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي ثُبُوتِ الثُّلُثِ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ ذَلِكَ. فَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ لَا مَا زَادَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَائِدَةٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ مَالٌ عَيْنٌ وَدَيْنٌ، فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَى الْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إيفَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ دُفِعَ إلَيْهِ ثُلُثُ الْعَيْنِ، وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ أَخَذَ ثُلُثَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْعَيْنَ فَضْلًا عَنْ الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي مُطْلَقِ الْحَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّمَا يَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا عَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQإيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ فَيَجْعَلُ السُّدُسَ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ اهـ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ بَحْثٌ، لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ إنَّمَا يَكُونُ هُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. وَأَمَّا إذَا أَجَازَتْ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ هُنَا فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَيْضًا، وَيَتَمَلَّكُهُ الْمَجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا يَتِمُّ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إيفَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ) أَقُولُ: فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَظْهَر أَنْ لَوْ كَانَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي الْعَيْنِ خَاصَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَائِعٌ فِي الْعَيْن وَالدَّيْنِ مَعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَقَالُوا: الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمُرْسَلَةَ تَكُونُ شَائِعَةً فِي كُلِّ الْمَالِ لِكَوْنِ الْمُوصَى لَهُ إذْ ذَاكَ شَرِيكَ الْوَرَثَةِ، وَعَنْ هَذَا لَا يَأْخُذُ الْأَلْفَ كَمَلًا فِي صُورَةِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ، وَإِذَا كَانَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ شَائِعًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ كَشُيُوعِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فِيهِ كَانَ تَخْصِيصُ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ فِي صُورَةِ إنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ بَخْسًا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَ الْمُوصَى لَهُ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْ الْعَيْنِ الَّذِي لَهُ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ وَيَأْخُذَ الْوَرَثَةُ بَعْضَ حَقِّهِمْ مِنْ الْعَيْنِ وَبَعْضَ حَقِّهِمْ مِنْ الدَّيْنِ. وَهَذَا بَخْسٌ فِي حَقِّهِمْ لَا مَحَالَةَ مُنَافٍ لِمَا يَقْتَضِيهِ حَقُّ الشَّرِكَةِ مِنْ تَعْدِيلِ النَّظَرِ لِلْجَانِبَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ وَلَعَلَّهُ تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا عَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ:

أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِعَمْرٍو فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا نِصْفَ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَيِّتِ لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ، وَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَزَيْدٌ مَيِّتٌ كَانَ لِعَمْرٍو نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ قَضِيَّةَ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ كُلُّ الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ وَاكْتَسَبَ مَالًا اسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدُ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا لِمَا بَيَّنَّا. . وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ، وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ وُجُودَهُ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْدَفَعَ بِقَوْلِهِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ مَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُمَا بِالْحَيَاةِ فَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ لِلْبَاقِي نِصْفَ الثُّلُثِ لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ بَيْنَهُمَا حَالَ الْمِلْكِ، ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَمَوْتِ أَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ اهـ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ هُنَا قُصُورٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ أَضَافَ انْدِفَاعَ الْإِشْكَالِ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا إلَى قَوْلِهِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ مَعَ أَنَّ انْدِفَاعَهُ بِمَجْمُوعِ التَّعْلِيلِ بَلْ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ مُتَفَرِّعٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَة بَيْنَهُمَا حَالَ الْمِلْكِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُزَاحَمَةِ الْمَنْفِيَّةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ هُوَ الْمُزَاحَمَةُ حَالَ الْمِلْكِ وَهِيَ حَالَ مَوْتِ الْمُوصِي وَذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ تَامٍّ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُمَا بِالْحَيَاةِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ لَا كُلُّهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ هُنَاكَ أَيْضًا التَّزَاحُمُ، وَإِنَّ التَّزَاحُمَ فِيهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَالِ إيجَابِ الْمُوصِي لَا فِي حَالِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا فِي حَالِ الْمِلْكِ وَلَا تَزَاحُمَ لِلْمَيِّتِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ عِلْمِ الْمُوصِي بِحَيَاتِهِ وَعَدَمِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَيِّ مِنْهُمَا لِجَمِيعِ الثُّلُثِ بِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ إيجَابِ الْمُوصِي، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ اهـ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ انْدِفَاعِ الْإِشْكَالِ بِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى أَيْضًا بِعِبَارَةِ الْكِتَابِ، وَهِيَ أَيْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ مَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُمَا بِالْحَيَاةِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنَّ لِلْبَاقِي نِصْفَ الثُّلُثِ هُنَاكَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ يُفِيدُ انْدِفَاعَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَالتَّقْرِيرُ الظَّاهِرُ الْوَاسِعُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مَا أَفَادَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا لَوْ أَوْرَدُوا شُبْهَةً عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ قَالُوا مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُمَا بِالْحَيَاةِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْبَاقِي نِصْفُ الثُّلُثِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لِلْبَاقِي نِصْفُ الثُّلُثِ، وَلَكِنْ هُنَا كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمُوصِي

الْمَوْتِ فَضْلٌ وَالْمُعْتَبَرُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطِي قِيمَةَ شَاةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحّ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَالِ وَبِدُونِهَا تُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَمَعْنَاهَا، وَقِيلَ تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكَهُ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ؛ وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّة بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهُ إلَى الْمَالِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَدْ تَمَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا بِمَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَمَوْتِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَمَّا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ حِصَّتُهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَعْنَى عَقْدٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ حَيْثُ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَبْطُلُ نَصِيبُهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَلِلْآخَرِ نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الِانْقِسَامَ قَدْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْإِيجَابِ لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلًا لِإِيجَابِ الْوَصِيَّةِ لَهُ فَبِبُطْلَانِ حَقِّ أَحَدِهِمَا لَا يَزْدَادُ نَصِيبُ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ كَانَ لِلْآخَرِ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَهَذَا عَلَى خِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ فِيهَا لِلْحَيِّ كُلَّ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، فَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ حَقُّهُ بِإِثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْمُزَاحَمَةُ حَيْثُ كَانَ الْآخَرُ مَيِّتًا فَبَقِيَ الثُّلُثُ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِلْمَوْلَى فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلَانٍ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْغَنَمِ أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ) اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ وَلَا شَاةَ لَهُ مَوْضِعَ وَلَا غَنَمَ لَهُ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِهِ لِلْوِقَايَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا غَنَمَ لَهُ وَقَالَ فِي الْمَتْنِ وَلَا شَاةَ لَهُ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ الشَّاةَ فَرْدٌ مِنْ الْغَنَمِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاةٌ لَا يَكُونُ لَهُ غَنَمٌ، لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَاةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَاحِدٌ لَا كَثِيرٌ، فَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ تَنَاوَلَتْ صُورَتَيْنِ: مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاةٌ أَصْلًا، وَمَا يَكُونُ لَهُ شَاةٌ لَا غَنَمَ لَهُ، فَفِي الصُّورَتَيْنِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الصُّورَةَ الْأُولَى وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهَا الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَشْمَلُ لَكِنَّ هَذِهِ أَحْوَطُ اهـ كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: إنَّمَا قَالَ وَلَا شَاةَ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا غَنَمَ لَهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الشَّاةَ فَرْدٌ مِنْ الْغَنَمِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاةٌ لَا يَكُونُ لَهُ غَنَمٌ بِدُونِ الْعَكْسِ، وَالشَّرْطُ عَدَمُ الْجِنْسِ لَا عَدَمُ الْجَمْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْفَرْدُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي: وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي أَوْ قَفِيزٌ مِنْ حِنْطَتِي فَإِنَّ الْحِنْطَةَ اسْمُ جِنْسٍ لَا اسْمُ جَمْعٍ اهـ. وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: أَخْطَأَ هُنَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِي الصُّورَتَيْنِ اهـ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ هِيَ الصَّوَابُ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي وُجُودِ الْفَرْدِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الْجِنْسِ لَا عَدَمُ الْجَمْعِ. قُلْت: بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْغَنَمَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ لَا اسْمُ جِنْسٍ أَنَّ نَفْيَ الْغَنَمِ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ هُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِوُجُودِ شَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الْجَمْعِ لَا عَدَمُ الْجِنْسِ كَمَا زَعَمَهُ الْمُعْتَرِضُ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ

وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لَهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ سَهْمَانِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ جَائِزَةٌ وَالْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ جِنْسَانِ، وَفَسَّرْنَاهُمَا فِي الزَّكَاةِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَذْكُورَ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ نَجِد ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ مِنْ كُلِّ فَرِيقِ اثْنَانِ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثٌ فَلِهَذَا يُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةٍ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ فَرْدٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَاةٌ مِنْ غَنَمِهِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَعْمِيمِ الْغَنَمِ دُونَ الشَّاةِ إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِوُجُودِ شَاةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الشَّاةُ يَصِيرُ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ فَتَصِيرُ الْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ مَوْجُودٍ لَا مَعْدُومٍ، وَلَا مَانِعَ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ هُنَا سِوَى كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ مَعْدُومًا، فَإِذَا وُجِدَتْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ انْتَفَى الْمَانِعُ. نَعَمْ لَا يُوجَدُ حِينَئِذٍ مَا أُضِيفَتْ الشَّاةُ إلَيْهِ مِنْ الْغَنَمِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْغَنَمُ اسْمَ جَمْعٍ لَا اسْمَ جِنْسٍ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْغَنَمِ تَعْيِينُ أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ لَا مَالِيَّتُهَا، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَلَا يَقْتَضِي وُجُودَهَا أَلْبَتَّةَ كَوُجُودِ الشَّاةِ الَّتِي هِيَ الْمُوصَى بِهِ، وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى كَوْنِ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَوْ تُوجَدُ شَاةٌ أَصْلًا أَنَّهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي أَوْ قَفِيزٌ مِنْ حِنْطَتِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ وَلَا حِنْطَةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنِ الشَّاةِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ. وَأَنَّهُ يَصْلُحُ جُزْءًا لِلْغَنَمِ بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ مَعْدُومٍ وَلَا وُجُودَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا فَلَا تَصِحُّ اهـ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ جَائِزَةٌ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ

الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، وَأَنَّهُ بِتَنَاوُلِ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ فَيُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَالثَّلَاثَةُ لِلثَّلَاثِ. قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ فَنِصْفُهُ لِفُلَانِ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَانِ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يُصْرَفُ إلَّا إلَى مِسْكِينَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً، وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهِيَ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا، وَبَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا فَالْعِتْقُ يَحُلُّهَا وَهِيَ أَمَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ لِأَمَتِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ رَقَبَتِهَا بَاطِلَةٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا إلَى حَالِ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ بِإِيصَائِهِ وَصِيَّةً صَحِيحَةً لَا بَاطِلَةً، وَالصَّحِيحَةُ هِيَ الْمُضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ إلَى الذَّخِيرَةِ. أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ وَبَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا مَمْنُوعٌ، بَلْ حَالُ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا إنَّمَا هِيَ حَالَ مَوْتِ مَوْلَاهَا لَا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ حِينَ مَوْتِ مَوْلَاهَا وَلَا يُنْتَظَرُ عِتْقُهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَهِيَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا حُرَّةٌ فَلَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ الْوَلَدِ وَصِيَّةً لِلْأَمَةِ فِي شَيْءٍ، فَلَمْ يَتِمَّ وَجْهُ الْقِيَاسِ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَى مَا تَكَلَّفُوهُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلَعَلَّ الْإِمَامَ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامَ الْمَحْبُوبِيَّ عَنْ هَذَا قَالَا: أَمَّا جَوَازُ الْوَصِيَّةِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَلِأَنَّ أَوْ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَصِيَّةِ وَعَمَلِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُنَّ حَرَائِرُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُنَّ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْهُمَا. ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ لِعَبْدِهِ جَائِزَةٌ وَلَمْ يَعْتِقْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ لَيْسَتْ أَقَلَّ حَالًا مِنْهُ فَكَيْفَ لَمْ تَصِحَّ لَهَا الْوَصِيَّةُ قِيَاسًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ لِلْعَبْدِ إنَّمَا جَازَتْ لِتَنَاوُلِهِ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ فَكَانَتْ وَصِيَّةً بِرَقَبَتِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ إعْتَاقٌ وَهُوَ يَصِحُّ مُنَجَّزًا أَوْ مُضَافًا بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ إعْتَاقًا لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيَّةٌ أَصْلًا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ أَمَّا إنْ صَادَفَتْهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْعَبْدِ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، فَلَوْ كَانَ بِالْوَصِيَّةِ أَيْضًا تَوَارَدَ عِلَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ ثُلُثُ رَقَبَتِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ السُّؤَالَ الثَّانِيَ وَجَوَابَهُ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا قَبْلَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرَهُ، لِأَنَّ التَّرْدِيدَ الْوَاقِعَ فِي هَذَا السُّؤَالِ إنْ كَانَ عَلَى مُوجِبِ الِاسْتِحْسَانِ دُونَ الْقِيَاسِ فَالشِّقُّ الْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَالشِّقُّ الثَّانِي مُخْتَارٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ قَدْ عُلِمَ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ قَطْعًا فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ (وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ

بَيْنَ الْكُلِّ بِمَا قُلْنَاهُ لِاتِّحَادِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَا مِائَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ كَانَ الْإِشْرَاكُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاتِهِ كُلَّ وَاحِدٍ بِتَنْصِيفِ نَصِيبِهِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ) مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ صَدَرَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا فَلَا يُعْتَبَرُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مِنْ قَصْدِهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ قَصْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ سَعْيًا مِنْهُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَيَجْعَلُهَا وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ، وَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ عَلَى الثُّلُثِ دُونَ الزِّيَادَةِ. قَالَ (وَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا غَيْرِ ذَلِكَ يُعْزَلُ الثُّلُثُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَعْلُومٌ. وَكَذَا الْوَصَايَا مَعْلُومَةٌ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ، وَفِي الْإِفْرَازِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْلَمَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ، وَالْآخَرُ أَلَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِشْرَاكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَقَدْ أَشْرَكَ الثَّالِثَ فِيمَا يُوصِي بِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِائَةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْمُسَاوَاةُ إذَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ، أَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمِائَةِ حَصَلَ لَهُ مِائَةٌ فَلَا يَثْبُتُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ أَشْرَكَهُ مَعَهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا يُعْتَبَرُ بِإِشْرَاكِهِ إيَّاهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَفَرِّقًا انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَيَقْتَضِي لَفْظُ الْإِشْرَاكِ التَّسْوِيَةَ بِلَا رَيْبٍ، فَإِنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُوصِي لِلثَّالِثِ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا إشْرَاكَهُ مَعَهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً أَيْ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ لَا إشْرَاكَهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا: أَيْ تَسْوِيَتَهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ نَصِيبِهِ بِعَيْنِهِ فَلَا مَعْنَى لِوَجْهِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ هُوَ الثَّانِيَ فَلَا مَعْنَى لِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ الْمَذْكُورِ. وَبِالْجُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ مِنْ وَجْهَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَعْنَيَانِ مُتَضَادَّانِ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُوصِي لُغَةً وَعُرْفًا أَحَدُهُمَا لَا غَيْرُ فَلَمْ يَصْلُحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِلْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ عَلَى مَا ذَكَرَاهُ، وَعَنْ هَذَا لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِوَى ذَيْنِك الشَّارِحَيْنِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُوَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ هُوَ الْمَعْنَى فِيمَا أَمْكَنَ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ، وَإِلَّا يُحْمَلُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ نَصِيبِهِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَبِهَذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَرَى وَلَا غُبَارَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصْدُقُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ) يَعْنِي لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا إذَا قُرِنَ بِبَيَانٍ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ الْوَرَثَةُ فِي الْبَيَانِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَجْهُولِ، مِثْلُ إنْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ هُنَاكَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوا مَا شِئْتُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ كَمَا مَرَّ

خِصَامًا، وَعَسَاهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَبَعْدَ الْإِفْرَازِ يَصِحُّ إقْرَارُ كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ (وَإِذَا عَزَلَ يُقَالُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ) لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَصِيَّةً فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ، فَإِذَا أَقَرَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِشَيْءٍ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي النَّصِيبَيْنِ (فَيُؤْخَذُ أَصْحَابُ الثُّلُثِ بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا وَالْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا) تَنْفِيذًا لِإِقْرَارِ كُلِّ فَرِيقٍ فِي قَدْرِ حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكِتَابِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا عَزَلَ يُقَالُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَقِّ وَصِيَّةً فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ لَفْظًا وَيُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ تَنْفِيذًا، فَبِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْوَصِيَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْإِقْرَارِ يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْأَثْلَاثِ، وَلَا يُخَصَّصُ بِالثُّلُثِ الَّذِي لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ اهـ. وَقَدْ سَبَقَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ إلَى بَيَانِ حَاصِلِ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْوَجْهِ. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَجْمُوعِ الشَّبَهَيْنِ إنْ كَانَ أَمْرًا وَاجِبًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَعْرُوفُ فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِشَبَهِ الْإِقْرَارِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ إذَا لَمْ يُوصِ بِوَصَايَا غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ جَعَلُوهُ وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي وَلَمْ يَعْتَبِرُوا شَبَهَ الْإِقْرَارِ قَطُّ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ حُكْمًا أَصْلًا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمْرًا وَاجِبًا فَكَيْفَ يَصْلُحُ ذَلِكَ تَعْلِيلًا لِجَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا فِي الثُّلُثِ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْهُ، بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْوَرَثَةِ وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا فَتَأَمَّلْ اهـ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ فَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ قُلْت بَعْدَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ إنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لَا يُوجِبُ التَّصْدِيقَ فِي الثُّلُثِ، فَالْمَعْنَى لَا يُصَدَّقُ فِي صُورَةِ دَعْوَى الزِّيَادَةِ بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمْ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهِ فَتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِمُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ مُرَادَ ذَلِكَ الْمُعْتَرِضِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا فِي الثُّلُثِ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْهُ كَمَا لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْوَرَثَةِ وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا بَالِغًا مَا بَلَغَ. فَمِنْ أَيْنَ يَظْهَرُ اعْتِبَارُ شَبَهِ الْوَصِيَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَبِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْوَصِيَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُصَدَّقَ فِي الثُّلُثِ وَمَا دُونَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى يَتِمَّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ لَك الْمُجِيبُ تَأَمَّلْ تَقِفْ، ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْمَحِلَّ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهَاهُنَا لَزِمَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ انْتَهَى. أَقُولُ: الْإِشْكَالُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ إلَى الثُّلُثِ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ لَهُمْ وَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِيمَا شَاءُوا، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلْزَامُ الْوَرَثَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ كُلَّهُ لَا يَأْخُذُونَ الثُّلُثَ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ التَّامِّ، بَلْ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ بِطَرِيقِ الْعَزْلِ وَالْإِفْرَازِ، فَكَانَ ذَلِكَ الثُّلُثُ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِيهِ

وَعَلَى كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. . قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثِهِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ) لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِهِ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِي الْأَوَّلِ وَبَطَلَ فِي الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ وَالْوَارِثُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَالشَّرِكَةَ تُثْبِتُ حُكْمًا لَهُ فَتَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِوَصْفِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَاضِي، وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَا إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْوَارِثُ فِيهِ شَرِيكًا وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُشَارِكَهُ فَيَبْطُلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَقْبِضُ وَيُشَارِكُهُ الْوَارِثُ حَتَّى يَبْطُلَ الْكُلُّ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَفِي الْإِنْشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَصْدِيقِهِمْ الْمُدَّعِي فِيمَا شَاءَ، وَلَا يَضُرُّ بِذَلِكَ عَدَمُ بَقَاءِ ذَلِكَ الثُّلُثِ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ جِهَةِ الْعَزْلِ وَالْإِفْرَازِ، وَلَئِنْ سَلِمَ عَدَمُ بَقَاءِ ذَلِكَ الثُّلُثِ الْمَخْصُوصِ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ حَتَّى مِنْ جِهَةِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ بِتَصْدِيقِهِمْ الْمُدَّعِي أَيْضًا فَيَكْفِي جَوَازُ التَّصَرُّفِ لَهُمْ فِي مُطْلَقِ الثُّلُثِ الشَّائِعِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ وَالْوَصِيَّةَ، فَبِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْوَصِيَّةِ لَا يَصْدُقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْإِقْرَارِ يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْأَثْلَاثِ وَلَا يُخَصُّ بِالثُّلُثِ الَّذِي لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ. (قَوْلُهُ وَعَلَى كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ الْوَرَثَةُ إذَا بَلَغَ مَا أُخِذَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ثُلُثَ الْمَالِ إنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ زَائِدًا عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا لِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الثُّلُثِ فِي أَيْدِيهِمْ فَتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِكَلَامٍ صَحِيحٍ. أَمَّا قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ الْوَرَثَةُ إذَا بَلَغَ مَا أُخِذَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ثُلُثَ الْمَالِ إنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ زَائِدًا عَلَيْهِ فَلِأَنَّ تَحْلِيفَ الْوَرَثَةِ فِيمَا إذَا كَانَ مَا ادَّعَاهُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ لَيْسَ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ لِكَوْنِ الْمُدَّعِي هُنَاكَ مِمَّنْ يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ ادِّعَاءَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى فَلَا جَرَمَ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ إذَا أَنْكَرُوا. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا لِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الثُّلُثِ فِي أَيْدِيهِمْ فَلِأَنَّ دَعْوَى الدَّيْنِ لَا تَخْتَصُّ بِالثُّلُثِ الَّذِي فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْوَصَايَا، بَلْ يَخْتَصُّ بِثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا وَالْمُدَّعِي فِيمَا إذَا ادَّعَى زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا يَدَّعِي الدَّيْنَ فِي حَقِّ

حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مُمْتَازَةٌ عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ بَقَاءً وَبُطْلَانًا. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ فَأَوْصَى بِكُلِّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا هُوَ وَالْوَرَثَةُ تَجْحَدُ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) وَمَعْنَى جُحُودَهُمْ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ الْمَقْصُودِ فَبَطَلَ. قَالَ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، فَإِنْ سَلَّمُوا زَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ الْجُحُودُ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْأَجْوَدِ، وَلِصَاحِبِ الْأَوْسَطِ ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثِ الْأَدْوَنِ فَثَبَتَ الْأَدْوَنُ، وَلِصَاحِبِ الْأَدْوَنِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْأَدْوَنِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، وَصَاحِبَ الرَّدِيءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ الْبَاقِي بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّدِيءُ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ فَيُعْطَى مِنْ مَحِلِّ الِاحْتِمَالِ، وَإِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الْأَدْوَنِ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثُ الرَّدِيءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِيهِ بِعَيْنِهِ ضَرُورَةً. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدَهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لَا الْوَصِيَّةِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْوَصِيَّةَ فِيهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ رَأْسًا فَضْلًا عَنْ التَّحْلِيفِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى جُحُودِهِمْ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ) أَقُولُ: فِي ظَاهِرِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا فَسَادٌ لِأَنَّ هَلَاكَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا ضَاعَ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ مَعًا، وَالْمَفْرُوضُ فِي مَوْضِعِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَضِيعَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ مَعْلُومِ الْخُصُوصِيَّةِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ فَإِنَّهُ كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ أَصْلًا،

لِلْمُوصَى لَهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ دِرْعِ الْبَيْتِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ لَهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ وَبِمِلْكِ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الدَّارَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مُشْتَرَكَةٌ فَيَنْفُذُ الْأَوَّلُ وَيُوقَفُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ الَّتِي هِيَ مُبَادَلَةٌ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ السَّالِفَةُ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، ثُمَّ إذَا اقْتَسَمُوهَا وَوَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبَيْتِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ تَنْفِيذًا لِلْوَصِيَّةِ فِي بَدَلِ الْمُوصَى بِهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ، كَالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا إذَا قُتِلَتْ خَطَأً تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي بَدَلِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا تَتَعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بِقَصْدِ الْإِيصَاءِ بِمِلْكٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعٌ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْإِفْرَازِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْبَيْتَ مِلْكُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بَلْ قَوْلُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ بِكَوْنِ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لِصَاحِبَيْهِ، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ مَا ذَكَرَهُ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سِيَّمَا الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِجُحُودِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَقُولُوا: حَقٌّ وَاحِدٌ مِنْكُمْ بَطَلَ وَلَا نَدْرِي مَنْ بَطَلَ حَقُّهُ وَمَنْ بَقِيَ حَقُّهُ، فَلَا نُسَلِّمُ إلَيْكُمْ شَيْئًا. وَاَلَّذِي فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَعْنَى جُحُودِهِمْ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ: الثَّوْبُ الَّذِي قَدْ هَلَكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّك فَكَأَنَّهُ تَسَامَحَ فِي الْعِبَارَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ، وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فِي هَاتِيك الْعِبَارَةِ مَعَ ظُهُورِ رَكَاكَتِهَا (قَوْلُهُ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعٌ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعَرُوضِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعَرُوضِ فَكَيْفَ كَانَتْ الْمُبَادَلَةُ فِيهِ تَابِعَةً؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْعَرُوضِ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَكَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعًا كَمَا ذَكَرَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْجَبْرَ لَا يَجْرِي فِي الْمُبَادَلَةِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَاكَ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعَرُوضِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ اهـ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى أَصْلِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: قَدْ خَبَطَ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ جِدًّا حَيْثُ قَصَدَا التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامَيْنِ، وَلَكِنْ خَالَفَا صَرِيحَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَمَا أَطْبَقَا عَلَيْهِ مَعَ سَائِرِ الشُّرَّاحِ فِي بَيَانِ مُرَادِهِ هُنَاكَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُنَاكَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعَرُوضِ: إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ. وَقَالَ: مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ

وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَنْفُذُ فِي قَدْرِ ذُرْعَانِ جَمِيعِهِ مِمَّا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ، إمَّا لِأَنَّهُ عِوَضُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُوصِي مِنْ ذِكْرِ الْبَيْتِ التَّقْدِيرُ بِهِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ مَا أَمْكَنَ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْتُ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ التَّقْدِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ عَمِلْنَا بِالتَّقْدِيرِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّقْدِيرَ عَلَى اعْتِبَارِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالتَّمْلِيكَ بِعَيْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْآخَرِ، كَمَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَ الْوَلَدِ وَطَلَاقَ الْمَرْأَةِ بِأَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ أَمَتُهُ، فَالْمُرَادُ فِي جَزَاءِ الطَّلَاقِ مُطْلَقُ الْوَلَدِ وَفِي الْعِتْقِ وَلَدٌ حَيٌّ ثُمَّ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ غَيْرِ الْمُوصِي وَالدَّارُ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَالْبَيْتُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ يُقْسَمُ نَصِيبُهُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ: تِسْعَةٌ مِنْهَا لِلْوَرَثَةِ وَسَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ نِصْفِ الْبَيْتِ وَهُمْ بِنِصْفِ الدَّارِ سِوَى الْبَيْتِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ، وَقَالَ ذَلِكَ الشَّارِحَانِ وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ فِي شَرْحِ ذَلِكَ الْمَقَامِ لَمَّا وَرَدَ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعَرُوضِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعَرُوضِ لَمَا أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي ذَلِكَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَفَاوُتِ الْمَقَاصِدِ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْمُبَادَلَةِ، فَإِنَّ الْمُبَادَلَةَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغَيْرِ، كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْمَدْيُونَ يُجْبَرُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَصَارَ مَا يُؤَدِّي بَدَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ اهـ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مَضْمُونَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ هُنَا مِمَّا يُنَافِي ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ فِي حَلِّ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ هُنَا وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعٌ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ السُّؤَالُ الَّذِي تَمَحَّلَ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ لِدَفْعِهِ مَا تَمَحَّلَاهُ أَنْ يُقَالَ: يَعْنِي أَنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا أَنَّهُ يُجْعَلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعًا وَيُجْعَلُ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهَا مَقْصُودًا تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُوصِي وَقَصْدِهِ الَّذِي هُوَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّ مَبْنَى الْوَصِيَّةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَسُرْعَةِ الثُّبُوتِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُمَا أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَإِنْ كَانَتْ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقِسْمَةِ، وَلَوْ اشْتَرَيَا دَارًا وَاقْتَسَمَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَى فَهِيَ إفْرَازٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ؛ أَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا. وَلَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِنَاءً ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ لَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ فِي الْقِسْمَةِ، وَالْمُشْتَرِي لَوْ قَاسَمَ الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَتْ الْأَحْكَامُ عَلَى عَكْسِهَا فَثَبَتَ أَنَّهَا إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ مُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَتُجْعَلُ إفْرَازًا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ تَصْحِيحًا لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَسُرْعَةِ الثُّبُوتِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَالثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ، وَإِذَا جُعِلَتْ الْقِسْمَةُ إفْرَازًا ظَهَرَ أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُهُ اهـ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَنْفُذُ فِي قَدْرِ ذُرْعَانِ جَمِيعِهِ مِمَّا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ، إمَّا لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي فِي الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ قَدْرُ ذُرْعَانِ جَمِيعِهِ مِمَّا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ عَوَّضَهُ: أَيْ عَوَّضَ جَمِيعَ ذَلِكَ الْبَيْتِ الْوَاقِعِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، بَلْ قَدْرَ ذُرْعَانِ نِصْفِهِ مِمَّا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ عَوَّضَ نِصْفَهُ، وَلَا مُعَاوَضَةَ فِي نِصْفِ الْآخَرِ لِأَنَّ الدَّارَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُوصِي وَصَاحِبِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْتُ وَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالْمُعَاوَضَةُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ بَيْنَ نِصْفِ ذَلِكَ الْبَيْتِ الْوَاقِعِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَبَيْنَ قَدْرِ ذُرْعَانِ نِصْفِهِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي، وَأَمَّا نِصْفُهُ الْآخَرُ وَقَدْرُ ذُرْعَانِ نِصْفِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَبَاقِيَانِ عَلَى حَالَتِهِمَا الْأَصْلِيَّةِ فِي مِلْكِ الْمُوصِي وَصَاحِبِهِ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ إمَّا لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا فِي إفَادَةِ الْمَطْلُوبِ هَاهُنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْرُ ذُرْعَانِ جَمِيعِ الْبَيْتِ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا لِلْمُوصَى لَهُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ بِدُونِ مُلَاحَظَةِ أَحَدِ الدَّلِيلِينَ الْآتِيَيْنِ وَتَحْرِيرُ

فَيُجْعَلُ كُلُّ خَمْسَةٍ سَهْمًا فَيَصِيرُ عَشَرَةً، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِالْعَشَرَةِ وَهُمْ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَتَصِيرُ السِّهَامُ أَحَدَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ وَلَهُمْ تِسْعَةٌ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَصِيَّةِ إقْرَارٌ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِيهِ لِمُحَمَّدٍ. وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَصِحُّ، حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَا تَنْفُذُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِأَلْفٍ بِعَيْنِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنْ دَفَعَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ) لِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِذَا أَجَازَ يَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ أَيْضًا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادِفَتِهَا مِلْكَ نَفْسِهِ وَالِامْتِنَاعِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَنَفَذَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي. قَالَ (وَإِذَا اقْتَسَمَ الِابْنَانِ تَرِكَةَ الْأَبِ أَلْفًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالثُّلُثِ لَهُ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ، وَالتَّسْوِيَةُ فِي إعْطَاءِ النِّصْفِ لِيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي التَّرِكَةِ وَهِيَ فِي أَيْدِيهمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهُ فِيهَا كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةِ إنْ وَقَعَ الْبَيْتُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي، وَأَمَّا فِي صُورَةِ إنْ وَقَعَ بَعْدَهَا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلَا، لِأَنَّ الْمُوصِيَ حِينَئِذٍ كَانَ مُقِرًّا بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَصِرْ مَالِكًا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤْمَرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَمَسْأَلَتُنَا تَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي التَّرِكَةِ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ) قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: أَقُولُ مَضَى فِي فَصْلِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ

لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقْدِيمِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، أَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَرُبَّمَا يُقِرُّ الِابْنُ الْآخَرُ بِهِ أَيْضًا فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ نِصْفَ التَّرِكَةِ فَيُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدُ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأُمِّ، فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ قَبْلَهَا مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصِي لَهُ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ بِالثُّلُثِ وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَيَّنَ صُورَةً وَقَالَ: رَجُلٌ لَهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَةٌ تُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى بِالْجَارِيَةِ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الْأُمُّ وَثُلُثُ الْوَلَدِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. لَهُمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا حَالَةَ الِاتِّصَالِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا بِالِانْفِصَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ الْأُمِّ. وَلَهُ أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدُ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ، فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ ابْنَهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ فَجَحَدَهُ أَخُوهُ الْآخَرُ دَفَعَ إلَيْهِ الْمُقِرُّ نِصْفَ نَصِيبِهِ كَمَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمُسَاوَاةِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ يَدْفَعُ إلَيْهِ ثُلُثَ نَصِيبِهِ كَمَا قُلْنَا هُنَا نَحْنُ وَالْحَاصِلُ أَنَّنَا عَمِلْنَا هُنَا بِأَصْلِ مَالِكٍ ثَمَّةَ وَعَمِلَ زُفَرُ هُنَا بِأَصْلِنَا ثَمَّةَ، فَلَا بُدَّ لِلْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ أَوْ الِاتِّحَادِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، إلَى هُنَا لَفْظُ التَّسْهِيلِ، وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ. قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بَيِّنٌ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ مِنْ اللَّوَازِمِ الْبَيِّنَةِ لِلْإِخْوَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا بَيِّنَةً، فَالْإِقْرَارُ بِالْأَخِ يَتَضَمَّنُ الْقَرَارَ بِالْمُسَاوَاةِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِهَا اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الَّذِي مِنْ لَوَازِمِ الْإِخْوَةِ إنَّمَا هُوَ الْمُسَاوَاةُ فِي جُمْلَةِ التَّرِكَةِ لَا الْمُسَاوَاةُ فِيمَا فِي يَد أَحَد الْأَخَوَيْنِ فَقَطْ كَنِصْفِ التَّرِكَةِ مَثَلًا، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حِصَّةُ أَحَدِ الْإِخْوَةِ النِّصْفَ وَحِصَّةُ مَجْمُوعِ الْأَخَوَيْنِ النِّصْفَ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَالْمُسَاوَاةُ فِي جُمْلَةِ التَّرِكَةِ إنَّمَا تَقْتَضِي كَوْنَ حِصَّةِ الْأَخِ الْمُقَرِّ لَهُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ لَا نِصْفَهُ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِوَصِيَّةِ ثُلُثِ الْمَالِ فَوَرَدَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ مِنْ مُطَالَبَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْبَعْضِ دُونَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا بَيِّنَةً لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ إنَّمَا لَا تَكُونُ مِنْ لَوَازِمِ مُطْلَقِ الْوَصِيَّةِ مَعَ مُطْلَقِ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالْمُسَاوَاةُ لَازِمَةٌ قَطْعًا لِانْحِصَارِ الْوَارِثِ فِي الِابْنَيْنِ، وَكَوْنِ إقْرَارِ أَحَدِهِمَا بِوَصِيَّةِ الْمُوَرِّثِ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسَالَتَيْنِ بِوَجْهٍ آخَرَ كَمَا لَا يَخْفَى.

[فصل في اعتبار حالة الوصية]

فِيهِمَا جَمِيعًا تَنْتَقِضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِهِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ضَرُورَةَ مُقَابِلَتِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَلَكِنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا (هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ خَالِصِ مِلْكِهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. [فَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ] قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عِنْدَ صُدُورِهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يُؤَخَّرُ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ) لَمَّا ذَكَرَ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْوَالِ الْمُتَغَيِّرَةِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ لِمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَارِضِ وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِثُلُثِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْأُصُولِ، وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَارِضِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَفَسَادِهَا كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا وَغَيْرَ وَارِثٍ

بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ، وَالْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ أَلَّا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَعِنْدَ عَدَمِ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِابْنِهِ بِدَيْنٍ وَابْنُهُ نَصْرَانِيٌّ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ فَأَسْلَمَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ) . أَمَّا الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ فَلِمَا قُلْنَا إنَّهُ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُمَا إيجَابَانِ عِنْدَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْإِقْرَارُ وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُعْتَبَرُ فِي إيرَاثِ تُهْمَةِ الْإِيثَارِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الزَّوْجِيَّةُ وَهِيَ طَارِئَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَأُعْتِقَ لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لَهُ وَهُوَ ابْنُهُ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا وَقْتُ الْمَوْتِ. وَأَمَّا الْهِبَةُ فَيُرْوَى أَنَّهَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ رَقِيقٌ، وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تَصِحُّ. قَالَ (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي فَسَادِ الْإِقْرَارِ وَجَوَازِهِ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا لِلْحَالِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ، فَمَتَى كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا يَوْمَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ مَرِيضًا اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي عِبَارَتِهِمَا خَلَلٌ حَيْثُ قَالَا: لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ، مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ هُوَ إظْهَارٌ لَلْمُقَرِّ بِهِ، وَقَالُوا: وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِالْمَالِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً: مِنْهَا أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمْ يَنْفُذْ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَتِهِمْ، فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَصَايَا فَتَذَكَّرْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَأُعْتِقَ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: أَيْ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ ثُمَّ أُعْتِقَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يَصِحُّ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِمَّا يَأْبَاهُ سَدَادُ الْمَعْنَى وَانْتِظَامُ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُمَا حَمَلَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ عُمُومُ عَدَمِ الصِّحَّةِ لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا قَبْلُ جَمِيعًا وَهِيَ الْإِقْرَارُ وَالْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ، لِأَنَّهُ كَانَ عَامًّا لَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، فَانْتِظَامُ إطْلَاقِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا يَقْتَضِي الْعُمُومَ لَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا سِيَّمَا مَعَ انْضِمَامِ قَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَيْهَا، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ الدَّلِيلِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ جَمِيعًا بِلَا رَيْبٍ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُمَا أَمَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ ثُمَّ أُعْتِقَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا، إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ صُورَةَ الْإِقْرَارِ لَمْ تُذْكَرْ هُنَا بِعَيْنِهَا صَرَاحَةً فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ صُورَتَا الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ أَيْضًا لَمْ تُذْكَرَا هُنَا بِعَيْنِهِمَا صَرَاحَةً بَلْ انْدَرَجَتَا فِي إشَارَةِ

[باب العتق في مرض الموت]

وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَفْ مِنْهُ الْمَوْتُ فَهِبَتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ وَلِهَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِالتَّدَاوِي، وَلَوْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ (وَإِنْ وَهَبَ عِنْدَ مَا أَصَابَهُ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ أَيَّامِهِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ) لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ) الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ قَالَ: وَمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا أَوْ بَاعَ وَحَابَى أَوْ وَهَبَ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ، وَيُضْرَبُ بِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَأُعْتِقَ فَمَا مَعْنَى جَعْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَامِلَةً لِصُورَتَيْ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ دُونَ صُورَةِ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ صُورَةَ الْإِقْرَارِ لَمْ تُذْكَرْ هُنَا أَصْلًا لَا صَرَاحَةً بِعَيْنِهَا وَلَا انْدِرَاجًا فِي إطْلَاقِ إشَارَةِ شَيْءٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُنَا عَلَى مَا نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَكَذَا: وَقَالَ فِي الْمَرِيضِ أَقَرَّ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ بِدَيْنٍ أَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً فَقَبَضَهَا أَوْ أَوْصَى لَهُ وَصِيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَ الِابْنُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ فِي هَذَا اهـ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ صُورَةَ الْإِقْرَارِ وَصُورَتَيْ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ سِيَّانِ فِي الِانْدِرَاجِ تَحْتَ إطْلَاقِ إشَارَةِ قَوْلِهِ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ فِي هَذَا. فَالْحَقُّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَأُعْتِقَ لِمَا ذَكَرْنَا هُوَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ وَالْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا لِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ إلَى قَوْلِهِ قَالَ وَالْمُقَعَّدُ بَيَانُ أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ رِوَايَةً لِلصِّحَّةِ أَيْضًا، وَكَذَا فِي صُورَةِ الْهِبَةِ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا رِوَايَةَ لِلصِّحَّةِ أَصْلًا تَبَصَّرْ تَرْشُدْ. [بَابُ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ] (بَابُ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخَّرَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ الْأَصْلُ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ فُتُورٌ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الْمَرَضِ لَيْسَ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُغَايِرٌ لِلْوَصِيَّةِ حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَيْفَ

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مَكَانَ قَوْلِهِ جَائِزٌ، وَالْمُرَادُ الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ وَالضَّرْبُ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ، وَاعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ مَا ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ إيجَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِضَافَةِ دُونَ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَمِنْ الثُّلُثِ، وَكُلُّ مَرَضٍ صَحَّ مِنْهُ فَهُوَ كَحَالِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ بِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي مَالِهِ. قَالَ (وَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا) فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ، (وَقَالَا: الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلٌّ مِنْ أَصْحَابِهَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْمُوقَعُ فِي الْمَرَضِ، وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ وَالْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ، وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي نَفْسِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْعِتْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ؟ نَعَمْ إنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ إذَا وُجِدَ فِي مَرَضٍ حَيْثُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا فِي الْكِتَابِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ أَمْرًا يُغَايِرُ حَقِيقَةَ الْوَصِيَّةِ وَلَكِنْ كَانَ فِي حُكْمِهَا أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ عَنْ حَقِيقَةِ الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا هِيَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مَكَانَ قَوْلِهِ جَائِزٌ) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا تَسَامُحٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ جَائِزٌ فِي النُّسْخَةِ الْأُولَى مَحْمُولٌ فِي الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ وَصِيَّةٌ فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ مَوْضُوعٌ وَمَحْمُولٌ فَكَيْفَ يَكُونُ الثَّانِي مَكَانَ الْأَوَّلِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ مَكَانَ قَوْلِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْعِتْقَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ

آنِفًا لِأَنَّهُ أَقْوَى فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ. وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَإِذَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ سِوَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا، وَلَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَقْدِيمِ الذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقَدُّمَ فِي الثُّبُوتِ. وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى، ـــــــــــــــــــــــــــــQآنِفًا لِأَنَّهُ أَقْوَى، فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّحْرِيرِ قُصُورٌ بَلْ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَيْدٌ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي فِي قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي حَشْوٌ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الرِّوَايَاتِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ عَلَى أَنْ يَلْحَقَهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُوصِي كَمَا فِي الْمُحَابَاةِ مَعَ أَنَّ الْفَسْخَ لَا يَلْحَقُ الْعِتْقَ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ أَصْلًا وَإِنْ لَحِقَ الْمُحَابَاةَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُوصِي وَهُوَ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ " وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ " يُوهِمُ بِإِطْلَاقِهِ أَنْ يَلْحَقَ الْفَسْخُ الْمُحَابَاةَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي مَعَ أَنَّهُ قَالَ وَكَذَا الْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي. فَالْحَقُّ فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ أَصْلًا وَالْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَغَيْرِ الْمُوصِي أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا " وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ " أَيْ غَيْرُ الْعِتْقِ الْمُوقَعِ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ الْعِتْقِ الْمُوقَعِ وَلِهَذَا عَطَفَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ أَيْضًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ عِنْدَنَا. فَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ: أَيْ غَيْرُ الْعِتْقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُوقَعُ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِ الْمُوصِي فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى، وَاللَّفْظُ أَيْضًا يُسَاعِدُهُ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ الْعِتْقَ الَّذِي يَعُمُّ الْعِتْقَ الْمُوقَعَ وَالْمُعَلَّقَ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَإِذَا قَدَّمَ ذَلِكَ فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ سِوَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ سِوَاهُمَا: أَيْ سِوَى الْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ سَمَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّ كَلِمَةَ " مَنْ " فِي قَوْلِهِ " مَنْ سِوَاهُمَا " تَأْبَى هَذَا التَّفْسِيرَ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا بَعْدَ قَوْلِهِ مَنْ سِوَاهُمَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا تَرَى. فَالْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: أَيْ سِوَى الْمُعْتَقِ وَاَلَّذِي حُوبِيَ لَهُ أَوْ سِوَى أَهْلِ الْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ. نَعَمْ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْمُضَافِ فِي تَفْسِيرِ الشَّارِحِينَ الْمَزْبُورِينَ وَهُوَ لَفْظُ الْأَهْلِ أَوْ لَفْظُ الصَّاحِبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي مَقَامِ التَّفْسِيرِ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّفْسِيرِ الْكَشْفُ وَالْبَيَانُ لَا الْإِخْفَاءُ وَالتَّعْمِيَةُ، فَبَقِيَتْ السَّمَاجَةُ فِي تَفْسِيرِهَا الْمَذْكُورِ لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ الْخِلَافِيَّةِ: وَهِيَ الَّتِي قُدِّمَ فِيهَا الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَهُمَا الَّتِي قُدِّمَ فِيهَا الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ وَاَلَّتِي قُدِّمَ فِيهَا الْعِتْقُ عَلَى الْمُحَابَاةِ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ قِبَلِهِمَا، وَكَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ قِبَلِهِ يَتَمَشَّيَانِ فِي تَيْنِك الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا بِلَا كُلْفَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ، فَلَا وَجْهَ لِتَفْسِيرِ الْخِلَافِيَّةِ هُنَا بِمَا يَخُصُّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْهُمَا، وَالصَّوَابُ فِي بَيَانِهَا أَنْ يُقَالَ: وَهِيَ الَّتِي اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِتْقُ وَالْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ قُدِّمَ الْعِتْقُ عَلَى الْمُحَابَاةِ أَوْ قُدِّمَتْ الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ (قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الثُّبُوتِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ:

لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَانَ تَبَرُّعًا بِمَعْنَاهُ لَا بِصِيغَتِهِ، وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنًى، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دُفِعَ الْأَضْعَفُ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْمُزَاحَمَةُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَابَاةِ نِصْفَيْنِ، وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى بِكُلِّ حَالٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا يُرَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ كَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَصَلَ أَوْ فَصَلَ وَلَا عِبْرَةَ لِلْبُدَاءَةِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا اهـ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَسْرَارِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حُكْمُ الْإِيصَاءِ فِي صُورَةِ التَّنْوِيرِ نَازِلٌ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَالْحُكْمُ فِي التَّعْلِيقَاتِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَزَمَانِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي صُورَةِ التَّنْوِيرِ زَمَانٌ وَاحِدٌ فَلِهَذَا كَانَ الثُّلُثُ الْمُوصَى بِهِ لَهُمْ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ وَالْمُنَجَّزُ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي الْحَالِ لَا مَحَالَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الذِّكْرِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمُؤَخَّرِ فَافْتَرَقَتْ الصُّورَتَانِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمُحَابَاةُ الْأُولَى مُسَاوِيَةٌ لِلْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ وَالْمُحَابَاةُ الثَّانِيَةُ مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهَا، فَالْمُحَابَاةُ

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ لَمْ يُعْتَقْ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِحَجَّةٍ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ مِنْهَا وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْحَجَّةِ يُرَدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ. وَقَالَا: يُعْتَقُ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ اعْتِبَارًا بِالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ. وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمِائَةٍ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُسْتَحَقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ الْبَاقِيَ إلَيْهِ، وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحَقُّ، وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، فَاخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ وَهَذَا أَشْبَهُ. قَالَ (وَمَنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَقَدْ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَأَجَازَ الْوَارِثَانِ ذَلِكَ لَمْ يَسْعَ فِي شَيْءٍ) لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهَا وَهُوَ يُنَاقِضُ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ جَانِبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَأَيْضًا لَوْ حَابَى ثُمَّ حَابَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ تَحَاصَّا، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيمَ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ يَسْتَدْعِي أَنْ يَنْفُذَ الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ شَرْطَ الْإِنْتَاجِ أَنْ يَلْزَمَ النَّتِيجَةَ الْقِيَاسُ لِذَاتِهِ، وَقِيَاسُ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ كَذَلِكَ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا تَحَاصَّا لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ مِنْ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ يَنْفُذُ ثُمَّ يُنْقَضُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نَفَّذْنَاهُ جَمِيعًا ثُمَّ نَقَضْنَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَثَبَتَ لَهُمَا بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَهُمَا نَافِذَتَانِ فَاسْتَوَيَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ السُّؤَالَ الثَّانِيَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَصْلًا، إذْ لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ قَطُّ أَنَّ التَّقْدِيمَ مُطْلَقًا يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ، بَلْ إنَّمَا قَالَ إنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْوَى يَقْتَضِيَ التَّرْجِيحَ كَمَا فِي تَقْدِيمِ الْمُحَابَاةِ عَلَى الْإِعْتَاقِ لِكَوْنِ الْمُقَدَّمِ إذَا ذَاكَ دَافِعًا لِلْأَضْعَفِ الْمُؤَخَّرِ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَقْوَى فَلَا يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ دَفْعَ الْمُؤَخَّرِ الْأَقْوَى كَمَا فِي تَقْدِيمِ الْعِتْقِ عَلَى الْمُحَابَاةِ، وَلَا دَفْعَ الْمُؤَخَّرِ الْمُسَاوِي كَمَا فِي تَقْدِيمِ إحْدَى الْمُحَابَاتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ الثَّانِي فَلَا اتِّجَاهَ لَهُ أَصْلًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِي أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ لُزُومَ النَّتِيجَةِ الْقِيَاسُ لِذَاتِهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ الْإِنْتَاجِ مُطْلَقًا لَا شَرْطُ الْإِنْتَاجِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ بِأَنَّ قِيَاسَ الْمُسَاوَاةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ النَّتِيجَةَ لِذَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهَا بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ غَرِيبَةٍ إذَا صَدَقَتْ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ كَمَا فِي قَوْلِنَا امساولب وب مساولج فَإِنَّهُ يُنْتِجُ، وَيَسْتَلْزِمُ امساولج بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ غَرِيبَةٍ صَادِقَةٍ وَهِيَ أَنَّ

وَقَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنَّهَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَحِقَهُمْ وَقَدْ أَسْقَطُوهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَجَنَى جِنَايَةً وَدَفَعَ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ لِمَا أَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي، فَكَذَلِكَ عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ، وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالدَّفْعِ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمُوصِي أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ فَدَاهُ الْوَرَثَةُ كَانَ الْفِدَاءُ فِي مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ، وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ فَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَقَالَ الْوَارِثُ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أَوْ تَقُومَ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَلِهَذَا يَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ فَكَانَ مُنْكِرًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّيَقُّنِ بِهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَارِثِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ، إلَّا أَنْ يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ أَوْ تَقُومَ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَهُوَ خَصْمٌ فِي إقَامَتِهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ. قَالَ (وَمَنْ تَرَكَ عَبْدًا فَقَالَ لِلْوَارِثِ أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي الصِّحَّةِ وَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى أَبِيك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ صَدَقْتُمَا فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ، وَقَالَا: يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَا كَأَنَّهُمَا كَانَا مَعًا، وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلَّ مُسَاوِي الْمُسَاوَى مُسَاوٍ، وَالسُّؤَالُ الْأَوَّلُ بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَدْفَعُهُ عَدَمُ اسْتِلْزَامِهِ النَّتِيجَةَ لِذَاتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي مِمَّا لَا حَاصِلَ لَهُ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ بِتَنْفِيذِ الْمُحَابَاتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ بِنَقْضِهِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَرْتَفِعُ تَقَدُّمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُسَاعِدُهُ الْعَقْلُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ بَيْنَهُمَا بَاقِيَانِ وَلَكِنْ لَا تَأْثِيرَ لَهُمَا فِي تَرْجِيحِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْمُؤَخَّرِ فِي هَاتِيك الصُّورَةِ فَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ السُّؤَالَ الْمَبْنِيَّ عَلَى كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّقْدِيمَ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ مُطْلَقًا. فَالصَّوَابُ فِي رَدِّ السُّؤَالِ الثَّانِي مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا مِنْ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْوَى يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ، لَا أَنَّ التَّقْدِيمَ

وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى، فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ فَيَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّة، وَلَا يُمْكِنُ إسْنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ لِي عِنْدَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ. (فَصْلٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا اتِّجَاهَ لِذَلِكَ السُّؤَالِ. وَفِي دَفْعِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الْحُمَيْدِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْكُلِّ أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ الثَّانِيَةَ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُولَى وَالْعِتْقَ مُسَاوٍ لِلْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْأُولَى لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ لِلْمُسَاوَى مُسَاوٍ. قُلْنَا: الْعِتْقُ مُسَاوٍ لِلثَّانِيَةِ بِمَعْنًى يَخُصُّهُ وَهُوَ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهَا فَلَا يُسَاوِي الْأُولَى، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ إشْكَالٍ آخَرَ. وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمُحَابَاةُ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ عَلَى الْعِتْقِ وَالثَّانِيَةُ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُولَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَرَجَّحَ عَلَى الْعِتْقِ كَالْأُولَى لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ لِلرَّاجِحِ رَاجِحٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّ رُجْحَانَ الْأُولَى بِمَعْنًى يَخُصُّهَا وَهُوَ تَقَدُّمُهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ وَالْعِتْقُ مَرْجُوحٌ وَالْمُسَاوِي لِلْمَرْجُوحِ مَرْجُوحٌ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الْحُمَيْدِيَّةِ اهـ فَتَأَمَّلْ. (فَصْلٌ) تَرْجَمَ هَذَا الْفَصْلَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ بِبَابِ الْوَصَايَا إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ بَابَ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِخِلَافِ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا مِثْلَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ) لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ (فَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالزَّكَاةِ وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْحَجَّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا) أَقُولُ: يُشْكِلُ إطْلَاقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْعِتْقِ الْمُوقَعِ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ الْمُوصِي عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَإِنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ وَمَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفَرَائِضِ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ نَفْسُهُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ) أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يُنَافِي قَوْلَهُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا إذْ عَلَى تَقْدِيرِ إنْ أَخَّرَ الْفَرَائِضَ تَكُونُ بُدَاءَتُهُ بِالنَّافِلَةِ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ هُنَاكَ بِالْأَهَمِّ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَهَمَّ هُوَ الْفَرَائِضُ فَكَيْفَ يَتَمَشَّى هُنَاكَ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُدَاءَةِ فِي قَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ هُوَ الْبُدَاءَةُ فِي الْإِعْطَاءِ وَالتَّمْلِيكِ لَا الْبُدَاءَةُ فِي الذِّكْرِ وَالتَّلَفُّظِ؛ فَالْمَعْنَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي الْبُدَاءَةُ فِي الْإِعْطَاءِ وَالتَّمْلِيكِ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ أَخَّرَهُ فِي الذِّكْرِ وَالتَّلَفُّظِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبُدَاءَةِ الْمَذْكُورَةِ بُدَاءَةَ مَنْ يُنَفِّذُ وَصَايَاهُ وَيُؤَدِّيهَا إلَى مَحَلِّهَا مِنْ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا لَا بُدَاءَةَ نَفْسِهِ. فَالْمَعْنَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي أَنْ يَقْصِدَ بُدَاءَةَ مَنْ يُنَفِّذُ وَصَايَاهُ وَيَصْرِفُهَا إلَى مَحَلِّهَا بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ فِي الشَّرْعِ مِنْ بَيْنِ مَا ذَكَرَهُ نَفْسَهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ) يَعْنِي إنْ تَسَاوَتْ الْوَصَايَا الَّتِي مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُوَّةِ بِأَنْ كَانَ كُلُّهَا فَرَائِضَ أَوْ وَاجِبَاتٍ أَوْ نَوَافِلَ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ

وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُمَا وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْفَرِيضَةِ فَالزَّكَاةُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعِبَادِ فَكَانَ أَوْلَى. وَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّ الْحَجَّ يُقَامُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ قَصْرًا عَلَيْهِ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى، ثُمَّ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ لِمَزِيَّتِهِمَا عَلَيْهَا فِي الْقُوَّةِ، إذْ قَدْ جَاءَ فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِنْسَانِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأَهَمِّ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي تَمَامِ التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَهَمَّ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ الْأَقْوَى مِنْهَا، وَالْمَفْرُوضُ فِي وَضْعِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ تَسَاوِي تِلْكَ الْحُقُوقِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَهَمِّيَّةُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ وُجِدَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهَا فِي الْقُوَّةِ مِنْ جِهَةِ بُعْدِ تَسَاوِيهَا فِي الْقُوَّةِ مِنْ جِهَةِ الْفَرِيضَةِ أَوْ الْوُجُوبِ أَوْ التَّنَفُّلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَهَمُّهَا مَا هُوَ أَقْوَاهَا فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمُوصِي، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَهَمِّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ مَا هُوَ الْأَهَمُّ: أَيْ الْأَقْوَى فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَبْتَدِئَ بِهِ، إذْ لَا يَهْتَدِي كُلُّ أَحَدٍ إلَى مَعْرِفَةِ مَا هُوَ الْأَقْوَى فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ مِنْ بَيْنِ الْفَرَائِضِ أَوْ الْوَاجِبَاتِ أَوْ النَّوَافِلِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ ابْتِدَاؤُهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَهَمِّ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الْمُبْتَدِئِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ فَيَكُونُ الظَّاهِرُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِهِ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ كَوْنَ مِثْلِ هَذَا الظَّاهِرِ مُوجِبًا لِلْبُدَاءَةِ فِي التَّنْفِيذِ وَالْأَدَاءِ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِ مَا أَخَّرَهُ أَهَمَّ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ غَيْرُ وَاضِحٍ، فَإِنَّ كَوْنَ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُنَا أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ هُنَاكَ بَلْ عَمِلَ هُنَاكَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الشَّرْعِ حَيْثُ قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ سَوَاءٌ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا فَلْيَتَدَبَّرْ فِي الدَّفْعِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَصَدَ تَفْصِيلَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَقَامِ وَضَبَطَهَا فَقَالَ: ثُمَّ الْوَصَايَا إمَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ كُلُّهَا لِلْعِبَادِ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَا لِلْعِبَادِ خَاصَّةً تُقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَمَا لِلَّهِ تَعَالَى إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فَرَائِضَ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، أَوْ وَاجِبَاتٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، أَوْ كُلُّهُ تَطَوُّعًا كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَمَا أَشْبَهَهَا، أَوْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْوَصَايَا كُلِّهَا، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ ذَلِكَ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ كُلُّهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا فَإِنْ كَانَ كُلُّهَا لِلَّهِ وَهِيَ فَرَائِضُ كُلُّهَا أَوْ وَاجِبَاتٌ كُلُّهَا أَوْ تَطَوُّعٌ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ يَبْدَأُ بِالْفَرَائِضِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا، مِثْلُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ ضَمِيرَ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا إمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْوَصَايَا الْجَامِعَةِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالنَّوَافِلِ، أَوْ يَرْجِعَ إلَى مُطْلَقِ الْوَصَايَا جَامِعَةً كَانَتْ بَيْنَهَا أَوْ غَيْرَ جَامِعَةٍ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْأُولَى كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا فَسَاقَ كَلَامَهُ إلَخْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ كُلُّهَا لِلَّهِ وَهِيَ فَرَائِضُ أَوْ وَاجِبَاتٌ كُلُّهَا أَوْ تَطَوُّعٌ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ، لِأَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي كُلُّهَا فَرَائِضُ وَاَلَّتِي كُلُّهَا وَاجِبَاتٌ وَاَلَّتِي كُلُّهَا تَطَوُّعٌ قَسِيمَاتٌ لِلْوَصَايَا الْجَامِعَةِ بَيْنَهَا كَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلُ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَجْعَلَ هُنَا قِسْمًا مِنْهَا، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الثَّانِيَةِ فَمَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَأْبَاهُ سِيَاقُ كَلَامِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَقْسَامِ مَعَ أَحْكَامِهَا مُهْمَلًا مَتْرُوكًا فِي مَقَامِ التَّفْصِيلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا كُلُّهَا فَرَائِضَ أَوْ وَاجِبَاتٍ أَوْ نَوَافِلَ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُ الْكُلَّ أَوْ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ. وَلَكِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا قَدْ خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا بَعْدُ أَصْلًا فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَسْطِ وَالْبَيَانِ وَهُوَ الضَّبْطُ وَالْجَمْعُ، ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْوَصَايَا كُلِّهَا، وَلَوْ سَلَكَ فِي التَّقْرِيرِ مَسْلَكَ غَيْرِهِ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْوَصَايَا كُلِّهَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَسَاقَ كَلَامَهُ إلَخْ لَسَلِمَ عَنْ

صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ عُرِفَ وُجُوبُهَا دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهَا بِالْقُرْآنِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْأُضْحِيَّةَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْبَعْضِ. قَالَ (وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي) لِمَا بَيَّنَّا وَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ. قَالُوا: إنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ، فَمَا أَصَابَ الْقُرَبَ صُرِفَ إلَيْهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرَبِ وَلَا يُجْعَلُ الْجَمِيعُ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا رِضًا لِلَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي نَفْسِهَا مَقْصُودٌ فَتَنْفَرِدُ كَمَا تَنْفَرِدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَلَدِهِ وَالْوَصِيَّةُ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ رَاكِبًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْوَصِيَّةُ النَّفَقَةَ أَحَجُّوا عَنْهُ حَيْثُ تَبْلُغُ) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحُجُّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْحَجَّةِ عَلَى صِفَةٍ عَدِمْنَاهَا فِيهِ، غَيْرَ أَنَّا جَوَّزْنَاهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَالْمُمْكِنُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهَا رَأْسًا، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِنْ قَبْلُ. قَالَ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ الْخَلَلِ تَأَمَّلْ تَقِفْ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْبَعْضِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَدَّمَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى النُّذُورِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَكَوْنِ النُّذُورِ وَاجِبَةً بِإِيجَابِ الْعَبْدِ اهـ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يُعَارِضَ وَيَقُولَ عُرِفَ وُجُوبُ النُّذُورِ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَعُرِفَ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِالسُّنَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ النُّذُورُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ كَمَا قُدِّمَ الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ عَلَيْهَا لِذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ قَالُوا: إنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ إلَخْ) وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي:

فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ. لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَيَبْتَدِئُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، بِخِلَافِ سَفَرِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ. وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِإِنْسَانٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَالْحَجُّ فَرِيضَةٌ. قُلْنَا: هَذَا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحَقُّ، فَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ فَلَا تُعْتَبَرُ قُوَّةُ الْوَصِيَّةِ اهـ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْعِتْقِ الْمُوقَعِ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقِ بِمَوْتِ الْمُوصِي وَبِالْمُحَابَاةِ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ سَائِرِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ أَصْلًا، وَقُوَّةُ الْمُحَابَاةِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، وَلَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ قُوَّةُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ لَمَا قُدِّمَتْ الْمُحَابَاةُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا مَعَ وَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ فِي الْمُحَابَاةِ هُوَ الْعَبْدُ، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ، وَكَذَا الْحَالُ فِي الْعِتْقِ الْمُوقَعِ فِي الْمَرَضِ أَوْ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ حُقُوقِ الْعِبَادِ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ تَدَبَّرْ

[باب الوصية للأقارب وغيرهم]

(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ الْمُلَاصِقُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُمْ الْمُلَاصِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَقَوْلُهُ قِيَاسٌ لِأَنَّ الْجَارَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ حَقِيقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً إلَخْ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةٌ» فَإِنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُكَفِّرَ إذَا أَطْعَمَ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ فَمَاتَ وَأَوْصَى بِهِ وَجَبَ الْإِكْمَالُ بِمَا بَقِيَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ مَا أَطْعَمَهُ بِالْمَوْتِ، ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ، فَمَا هُوَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ الْحَجِّ. وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الْآمِرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ بَدَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ أَنْ لَا يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بَعْدَمَا مَشَى بَعْضَ الطَّرِيقِ وَفَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى غَيْرِهِ بِرِضَا الْوَصِيِّ لَمْ يَجُزْ وَلَزِمَهُ رَدُّ مَا أَنْفَقَهُ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّجَزِّي حَتَّى إنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِطْعَامِ إذَا أَطْعَمَ الْبَعْضَ ثُمَّ تَرَكَ الْبَعْضَ وَأَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَافِعٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُتَجَزِّئِ وَغَيْرِهِ فِي الِانْقِطَاعِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّجَزِّي فِي الْإِطْعَامِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْكِتَابِ فَإِنَّهُ أَقْوَى وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً فَعُمِلَ بِهِ، وَالْحَجُّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ فَعُمِلَ بِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا بِقَوْلِهِ وَرُدَّ وَأُجِيبَ مَذْكُورَانِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَتَصَرُّفُ هَذَا الشَّارِحِ نَفْسُهُ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِدَافِعٍ إلَخْ سَاقِطٌ، إذْ لَيْسَ مَدَارُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْمُتَجَزِّئَ لَا يَنْقَطِعُ وَغَيْرَ الْمُتَجَزِّئِ يَنْقَطِعُ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُتَجَزِّئِ وَغَيْرِهِ، بَلْ مَدَارُهُ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ لَا يَضُرُّ فِي الْمُتَجَزِّئِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ فِي غَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ، فَإِنَّ كُلَّ عَمَلٍ غَيْرِ مُتَجَزٍّ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ التَّمَامِ يَبْطُلُ مِنْ الْأَصْلِ بِالضَّرُورَةِ وَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَالْحَجُّ غَيْرُ مُتَجَزٍّ؛ فَإِذَا انْقَطَعَ بِمَوْتِ الْحَاجِّ فِي الطَّرِيقِ وَجَبَ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي أَدَاءً لِلْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعَمَلِ الْمُتَجَزِّئِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ أَنْ يَبْطُلَ مِنْ الْأَصْلِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُتَمِّمَ الْآخَرَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، كَمَا إذَا أَطْعَمَ الْمَأْمُورُ بِالْإِطْعَامِ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ ثُمَّ تَرَكَ الْبَعْضَ وَأَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَسْرَارِ. وَعَلَى هَذَا كَانَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ دَافِعًا لِلسُّؤَالِ قَطْعًا، وَلِعَدَمِ فَرْقِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ بَيْنَ الْمَدَارَيْنِ قَالَ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ: وَلَمْ يَنْقَطِعْ مَا أَطْعَمَهُ بِالْمَوْتِ وَالْوَاقِعُ فِي النِّهَايَةِ بَدَلُ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْطُلْ هُنَاكَ مَا أَطْعَمَهُ بِالْمَوْتِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَدَلُهُ، وَلَمْ يَجِبْ الِاسْتِئْنَافُ هُنَاكَ بَلْ وَجَبَ الْإِكْمَالُ بِمَا بَقِيَ بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ إنَّ مَدَارَ التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّجَزِّي فِي الْإِطْعَامِ مُسْتَنَدٌ إلَى الْكِتَابِ إلَخْ، عَلَى أَنَّ التَّجَزِّيَ يُنَافِي الِانْقِطَاعَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْكِتَابِ الدَّالِ عَلَى تَجَزِّي الْإِطْعَامِ تَعَارُضٌ أَصْلًا حَتَّى يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ الْإِطْعَامِ وَيَعْمَلَ بِالْكِتَابِ فِيهِ لِقُوَّتِهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ التَّجَزِّيَ لَا يُنَافِي الِانْقِطَاعَ بَلْ يَتَحَقَّقُ الِانْقِطَاعُ فِي الْمُتَجَزِّئِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ الْإِكْمَالَ بِمَا بَقِيَ مُتَصَوَّرٌ فِي الْمُتَجَزِّئِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَقْتَضِي الْعَمَلُ بِالْكِتَابِ فِي حَقِّ الْإِطْعَامِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَمَا ارْتَكَبَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ هُنَا مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ كَمَا تَرَى. [بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامَ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَهُ أَحْكَامَ الْوَصَايَا عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصُ أَبَدًا يَتْلُو الْعُمُومَ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ الْمُلَاصِقُونَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ:

وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَذَا الْجِوَارِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَرَفَهُ إلَى الْجَمِيعِ يُصْرَفُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُسَمُّونَ جِيرَانًا عُرْفًا، وَقَدْ تَأَيَّدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَفَسَّرَهُ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ بِرُّ الْجِيرَانِ وَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقَ وَغَيْرَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجِوَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا بَعِيدٌ، وَمَا يُرْوَى فِيهِ ضَعِيفٌ. قَالُوا: وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِ يَتَنَاوَلُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّرَ وَصِيَّةَ الْأَقَارِبِ نَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْوَاوُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَنْ يُقَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ اهْتِمَامًا بِأَمْرِ الْجَارِ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تَوْجِيهِهِ كَاسِدٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَاوَ إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ الْخَارِجِيِّ: أَيْ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ مَدْخُولِهِ فِي الْخَارِجِ بَعْدَ وُقُوعِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا تَأَخَّرَ مَدْخُولُهُ فِي الذِّكْرِ عَنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَأَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَدَارَ قَوْلِهِ كَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ وَصِيَّةَ الْأَقَارِبِ نَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ عَلَى الثَّانِي: يَعْنِي لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ كَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَلِكَ فِي بَسْطِ الْمَسَائِلِ أَيْضًا لِيَحْصُلَ التَّنَاسُبُ بَيْنَ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، وَعَدَمُ دَلَالَةِ الْوَاوِ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْوُقُوعِ الْخَارِجِيِّ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِأَمْرِ الْجَارِ لَوْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحْسَنًا لَفَعَلَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ بِأَنْ قَالَ بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْجِيرَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ هُنَاكَ عُلِمَ أَنَّ اهْتِمَامَهُ كَانَ بِأَمْرِ الْأَقَارِبِ، فَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ هُنَا أَنْ يُسَاقَ عَلَى مِنْوَالِهِ رِعَايَةً لِلتَّنَاسُبِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ يُصْرَفُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ إلَخْ) أَوْضَحَهُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ جَارُ الْمَحَلَّةِ وَجَارُ الْأَرْضِ وَجَارُ الْقَرْيَةِ صُرِفَ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ اهـ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ: يَعْنِي لِعَدَمِ دُخُولِ جَارِ الْمَحَلَّةِ وَجَارِ الْقَرْيَةِ وَجَارِ الْأَرْضِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَدَمُ دُخُولِ جَارِ الْمَحَلَّةِ وَجَارِ الْقَرْيَةِ وَجَارِ الْأَرْضِ فِي الْوَصِيَّةِ لِجِيرَانِ الْمُوصِي لِعَدَمِ انْطِلَاقِ لَفْظِ الْجِيرَانِ الْمُضَافِ إلَى الْمُوصِي نَفْسِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا حَقِيقَةً وَلَا عُرْفًا بِخِلَافِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ مَحَلَّتِهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُسَمُّونَ جِيرَانَ الْمُوصِي عُرْفًا كَمَا سَيَأْتِي فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْجَمِيعِ تَعَذُّرُ صَرْفِهِ إلَى أَهْلِ مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامَانِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ بِرُّ الْجِيرَانِ فَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقَ وَغَيْرَهُ) أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ إنَّ مَقْصُودَ الْمُوصِي مِنْ إيصَائِهِ لِجِيرَانِهِ بِرُّ الْجِيرَانِ لَكِنَّ الْجِيرَانَ هُمْ الْمُلَاصِقُونَ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْجَارَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ فَكَيْفَ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقَ وَغَيْرَهُ، وَإِنْ صُيِّرَ إلَى كَوْنِ غَيْرِ الْمُلَاصِقِ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ جِيرَانًا عُرْفًا يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَكُونُ لِجَعْلِ هَذَا التَّعْلِيلِ دَلِيلًا ثَانِيًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّحْرِيرِ وَجْهٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ قَالُوا وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِ يَتَنَاوَلُهُمْ) أَقُولُ: التَّعْمِيمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ يُنَافِي تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ

وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ لِإِطْلَاقِهِ، وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ. . قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» وَكَانُوا يُسَمُّونَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ. وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا نَقَلَهُ هَاهُنَا عَنْ الْمَشَايِخِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَكِنَّ أُسْلُوبَ تَحْرِيرِهِ يَأْبَى ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي إلَخْ اشْتِرَاكُ السُّكْنَى فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُمَا مُلَّاكًا أَوْ غَيْرَهُمْ. وَمِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الْمَشَايِخِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا إنْ كَانُوا مُلَّاكًا بِدَلِيلِ تَخْصِيصِ خِلَافِهِمَا بِالْعَبْدِ السَّاكِنِ فَتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَامٍّ لِأَنَّ تَخْصِيصَ خِلَافِهِمَا بِالْعَبْدِ السَّاكِنِ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْخِلَافِ فِي الْحُرِّ السَّاكِنِ، لَا عَلَى عَدَمِ الْخِلَافِ فِي الْحُرِّ الْغَيْرِ السَّاكِنِ إذَا كَانُوا مُلَّاكًا حَتَّى يُفْهَمَ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا إنْ كَانُوا مُلَّاكًا، ثُمَّ إنَّ تَعْلِيلَ قَوْلِهِمَا فِي الْعَبْدِ السَّاكِنِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ فِي اشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِهِمَا الْوَصِيَّةَ وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا وَمُلَّاكًا فَإِنَّهُ قَالَ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ وَلَمْ يَقُلْ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلدَّارِ، فَدَلَّ قَطْعًا عَلَى أَنَّ عَدَمَ دُخُولِ الْعَبْدِ السَّاكِنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سُكْنَى مَوْلَاهُ الَّذِي هُوَ الْمُوصَى لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِاشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ الْوَصِيَّةَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِنْبَاطِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ السُّكْنَى عِنْدَهُمَا إنْ كَانُوا مُلَّاكًا مِنْ الْخِلَافِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فَعَلَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِدُخُولِهِ كَوْنَ نَفْسِهِ مُوصًى لَهُ وَمُسْتَحِقًّا لِلْوَصِيَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ عَبْدًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، إذْ الْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْمَوْتِ فَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَأَيْضًا الْوَصِيَّةُ بَدْءًا لِلْعَبْدِ ثُمَّ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا يَمْلِكُهُ لِمَوْلَاهُ فَسُكْنَاهُ كَافٍ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْوَصِيَّةَ فَتَأَمَّلْ إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ شِقَّيْ كَلَامِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ إذَا كَانَتْ لِوَقْتِ الْمَوْتِ دُونَ وَقْتِ إيجَابِ الْوَصِيَّةِ كَانَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُمَا فِيمَنْ كَانَ عَبْدًا وَقْتَ الْمَوْتِ وَكَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ حَقِيقِيًّا لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا الَّذِي كَانَ عَبْدًا وَقْتَ الْإِيجَابِ ثُمَّ أُعْتِقَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَصَارَ حُرًّا وَقْتَ الْمَوْتِ فَخَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ قَطْعًا، لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ حُرًّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَهُ الْعِبْرَةُ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ عَامَّةً وَهُوَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مِنْ قَبِيلِ سَائِرِ الْأَحْرَارِ بِلَا تَفَاوُتٍ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ أَنْ يُمَلَّكَ شَيْءٌ لِلْعَبْدِ تَمْلِيكًا مُضَافًا إلَى الْمَوْتِ فَيَمْلِكُهُ الْعَبْدُ ابْتِدَاءً عِنْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ إلَى مَوْلَاهُ ثَانِيًا، بَلْ مَعْنَاهَا تَمْلِيكُ شَيْءٍ لِمَوْلَى الْعَبْدِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ لِنَفْسِهِ ابْتِدَاءً وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، فَإِذَنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ وَصِيَّةً لِمَوْلَاهُ وَكَانَ التَّمْلِيكُ تَمْلِيكًا لِمَوْلَاهُ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَسُكْنَاهُ كَافٍ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْوَصِيَّةَ تَأَمَّلْ تَرْشُدْ الْوَصِيَّةَ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ:

أَوْ فِي عِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَالصِّهْرُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِأَنَّ بَقَاءَ الصِّهْرِيَّةِ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْمَوْتِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَخْتَانِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِزَوْجِ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَكَذَا مَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ) لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا. قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ. وَفِي عُرْفِنَا لَا يَتَنَاوَلُ الْأَزْوَاجُ الْمَحَارِمَ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ. لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) وَهُوَ أَوَّلُ أَبٍ أَسْلَمَ أَوْ أَوَّلُ أَبٍ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ. وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُسْلِمْ. لَهُمَا أَنَّ الْقَرِيبَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ اسْمًا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ فَيَنْتَظِمُ بِحَقِيقَةِ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ. وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اثْنَانِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَلَاقِي مَا فَرَطَ فِي إقَامَةِ وَاجِبِ الصِّلَةِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ أَقْرِبَاءَ، وَمَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ مِنْهُ عُقُوقًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَرِيبَ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ بِوَسِيلَةِ غَيْرِهِ، وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لِأَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ. وَفِي الصِّحَاحِ: الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِمَا فِي الصِّحَاحِ صَاحِبَا الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: تَفْسِيرُ الْأَصْهَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ أَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ مَعَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِيصَاءِ بِالْأَصْهَارِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ كُلِّهِمْ أَصْهَارًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُفَسِّرَ الْأَصْهَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَقْرِبَاءِ امْرَأَتِهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الْأَصْهَارِ أَعَمَّ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ. عَنْ الْخَلِيلِ قَالَ: وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ الصِّهْرَ مِنْ الْأَحْمَاءِ وَالْأُخْتَانِ جَمِيعًا اهـ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصِّهْرُ بِالْكَسْرِ الْقَرَابَةُ وَحُرْمَةُ الْخُتُونَةِ جَمْعُهُ أَصْهَارٌ. ثُمَّ قَالَ: وَزَوْجُ بِنْتِ الرَّجُلِ وَزَوْجُ أُخْتِهِ وَالْأُخْتَانِ أَصْهَارٌ أَيْضًا اهـ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اثْنَانِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ) أَقُولُ: فِيهِ

لَا بِغَيْرِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ، فَعِنْدَهُ يُقَيَّدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعِنْدَهُمَا بِأَقْصَى الْأَبِ فِي الْإِسْلَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالْأَبِ الْأَدْنَى. قَالَ (وَإِذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ) عِنْدَهُ اعْتِبَارٌ لِلْأَقْرَبِ كَمَا فِي الْإِرْثِ، وَعِنْدَهُمَا بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا إذْ هُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ (وَلَوْ تَرَكَ عَمًّا وَخَالَيْنِ فَلِلْعَمِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَالنِّصْفُ لِلْخَالَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمِيعِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْعَمِّ كُلُّ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَرْدِ فَيُحْرِزُ الْوَاحِدُ كُلَّهَا إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ الثُّلُثُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ تَرَكَ عَمًّا وَعَمَّةً وَخَالًا وَخَالَةً فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا وَهِيَ أَقْوَى، وَالْعَمَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَكَذَا قَدْ مَرَّ فِيهِ أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ إيَّاهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَلَا يَجُوزُ الْمِيرَاثُ لِلْقَاتِلِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلَوْ أَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَكَذَا مَرَّ فِيهِ آنِفًا فِي مَسْأَلَةِ الْإِيصَاءِ لِأُخْتِهِ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ، وَلَا مِيرَاثَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا، وَلَا يَسْتَوِي فِي الْمِيرَاثِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ، إذْ الْخَصْمُ لَا يُسَلِّمُ كَوْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ بَلْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ. ثُمَّ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَعْتَبِرْ الْأُخُوَّةَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَيْضًا مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ حَيْثُ قَالَ فِيهَا بِاسْتِوَاءِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، كَمَا قَالَ بِهِ صَاحِبَاهُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ حَيْثُ قَالَ: وَيَسْتَوِي الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ اهـ. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَيْضًا. وَلَا مِيرَاثَ لِلْعَبْدِ وَالْكَافِرِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ

الْقَرِيبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَقْرِبَائِهِ أَوْ لِأَنْسِبَائِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَفْظُ جَمْعٍ، وَلَوْ انْعَدَمَ الْمَحْرَمُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِهَذَا الْوَصْفِ. قَالَ: وَمَنْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ فَهِيَ عَلَى زَوْجَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] وَلَهُ أَنَّ اسْمَ الْأَهْلِ حَقِيقَةٌ فِي الزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ. قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى لِآلِ فُلَانٍ فَهُوَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِ أَبُوهُ وَجَدُّهُ لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ الْبَيْتِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ نَسَبِهِ أَوْ لِجِنْسِهِ فَالنَّسَبُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَالنَّسَبُ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ، وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ، بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ تَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ وَالْأَبِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَيْتَامِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ لِعُمْيَانِهِمْ أَوْ لِزَمْنَاهُمْ أَوْ لِأَرَامِلِهِمْ إنْ كَانُوا قَوْمًا يُحْصَوْنَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فُقَرَاؤُهُمْ وَأَغْنِيَاؤُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّسَاوِي مَعَ الْحُرِّ وَالْمُسْلِمِ. وَأَمَّا الْأُنْثَى فَإِنَّهَا وَإِنْ وَرِثَتْ إلَّا أَنَّهَا لَا تَسْتَوِي مَعَ الذَّكَرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَلْبَتَّةَ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْأُخُوَّةُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ فِي هَاتِيك الْأُمُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَيْضًا، فَكَيْفَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى مُدَّعِي أَبِي حَنِيفَةَ هَاهُنَا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ تَفَطَّنَ لَهُ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِحَدِيثِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، بَلْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ آخَرَ ذَكَرَهُ وَفَصَّلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي كِتَابِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ اسْمَ الْأَهْلِ حَقِيقَةٌ فِي الزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ) أَقُولُ: فِي الِاسْتِشْهَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْأَهْلِ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَلَا

ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ التَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِمْ وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ. وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَالْوَصِيَّةُ فِي الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ وَهِيَ فِي سَدِّ الْخَلَّةِ وَرَدِّ الْجَوْعَةِ. وَهَذِهِ الْأَسَامِي تُشْعِرُ بِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَجَازَ حَمْلُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ أَوْ لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لِلْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ وَتَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ يَجِبُ الصَّرْفُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا لِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فِي الْوَصَايَا عَلَى مَا مَرَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهَا أَيْضًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظٍ فِي مَوْضِعَ فَرْدٌ مَخْصُوصٌ مِنْ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَجُوزَ إطْلَاقُ ذَلِكَ اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ عَلَى فَرْدٍ آخَرَ مِنْ أَفْرَادِ ذَاكَ الْمَعْنَى؛ أَلَا يُرَى أَنَّك إذَا قُلْت رَأَيْت إنْسَانًا يَفْعَلُ كَذَا وَأَرَدْت بِالْإِنْسَانِ هُنَاكَ فَرْدًا مَخْصُوصًا مِنْ أَفْرَادِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يُطْلَقَ لَفْظُ الْإِنْسَانِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ عَلَى فَرْدٍ آخَرَ مِنْ أَفْرَادِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِذَنْ لَا يَثْبُتُ بِتِلْكَ الْآيَةِ مَطْلُوبُ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا وَهُوَ اخْتِصَاصُ الْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ فُلَانٍ بِزَوْجَتِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَتَنَاوَلَ غَيْرَهَا أَيْضًا كَمَا قَالَ صَاحِبَاهُ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ

وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِمْ الْإِنَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلُ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْمِ لِلذُّكُورِ وَانْتِظَامُهُ لِلْإِنَاثِ تَجَوُّزٌ وَالْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَنُو فُلَانٍ اسْمَ قَبِيلَةٍ أَوْ فَخِذٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُرَادُ بِهَا أَعْيَانُهُمْ إذْ هُوَ مُجَرَّدُ الِانْتِسَابِ كَبَنِي آدَمَ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَالْمُوَالَاةُ وَحُلَفَاؤُهُمْ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ انْتِظَامًا وَاحِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الِاحْتِجَاجِ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْآيَةِ الزَّوْجَةُ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا} [القصص: 29] أَلَا يَرَى أَنَّهُ خَاطَبَهُمْ بِخِطَابِ الْجَمْعِ اهـ. وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ أَقَارِبِهَا مِمَّنْ ضَمَّتْهُمْ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ الْأَرِقَّاءُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَحَدٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ فِي دَفْعِ نَظَرِ صَاحِبِ الْغَايَةِ، فَإِنَّ حَاصِلَ نَظَرِهِ الْقَدَحُ فِي الِاحْتِجَاجِ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي سِيَاقِهِ مِنْ خِطَابِ الْأَهْلِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَأْبَى كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْأَهْلِ هُنَاكَ الزَّوْجَةَ خَاصَّةً لَا الِاسْتِدْلَالَ عَلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ بِتِلْكَ الْآيَةِ حَتَّى يَتِمَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ جَوَابًا عَنْهُ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ. فَالْأَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ

(وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى لَفْظِ الْوَرَثَةِ آذَنَ ذَلِكَ بِأَنَّ قَصْدَهُ التَّفْضِيلَ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ. وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالٍ أَعْتَقُوهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: إنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ جَمِيعًا، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُوقَفُ حَتَّى يُصَالِحُوا. لَهُ أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُسَمَّى مَوْلًى فَصَارَ كَالْإِخْوَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُسَمَّى مَوْلَى النِّعْمَةِ وَالْآخَرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ وَلَا تَنَافِي فِيهِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَنْ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَلَا يَدْخُلُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ لِأَنَّ عِتْقَ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ تُضَافُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الِاسْمِ قَبْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَهْلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ الزَّوْجَةُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ، يُقَالُ فُلَانٌ مُتَأَهِّلٌ وَفُلَانٌ لَمْ يَتَأَهَّلْ وَفُلَانٌ لَهُ أَهْلٌ وَفُلَانٌ لَيْسَ لَهُ أَهْلٌ، وَيُرَادُ بِهِ الزَّوْجَةُ فَتُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ اهـ تَبَصَّرْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، لِأَنَّ عِتْقَ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ تُضَافُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الِاسْمِ قَبْلَهُ) أَقُولُ: لَهُ فِي التَّعْلِيلِ كَلَامٌ، لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ لِأَنَّ عِتْقَ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ تُضَافُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَصْلًا، إذْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونُوا أَرِقَّاءَ فِي حَالَةٍ تُضَافُ الْوَصِيَّةُ إلَيْهَا وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَفْرُوضَ كَوْنُ ثُبُوتِ عِتْقِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَوْنُ إضَافَةِ الْوَصِيَّةِ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ لِلرَّقِيقِ بِشَيْءٍ غَيْرِ رَقَبَتُهَا لَا تَجُوزُ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِثُلُثِ مَالِهِ جَائِزَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَعَلَّقَ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ إعْتَاقٌ وَالْوَصِيَّةَ لَهَا لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إعْتَاقًا لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ مَوْلَاهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيَّةٌ أَصْلًا كَمَا حَقَّقَهُ الشُّرَّاحُ هُنَاكَ، فَكَانَ بَيْنَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ هَذَا التَّعْلِيلِ تَدَافُعٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: جَوَابُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مُوجِبِ الِاسْتِحْسَانِ كَمَا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَازِمٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ عَبْدٌ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ إنْ لَمْ أَضْرِبْك فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ عِنْدَ تَحَقُّقِ عَجْزِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ وَأَوْلَادُهُ مَوَالٍ وَمَوَالِي مُوَالَاةٍ يَدْخُلُ فِيهَا مُعْتَقُوهُ وَأَوْلَادُهُمْ دُونَ مَوَالِي الْمُوَالَاةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ أَيْضًا وَالْكُلُّ شُرَكَاءُ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْجِهَةُ مُخْتَلِفَةٌ، فِي الْمُعْتَقِ الْإِنْعَامُ، وَفِي الْمَوَالِي عَقْدُ الِالْتِزَامِ وَالْإِعْتَاقُ لَازِمٌ فَكَانَ الِاسْمُ لَهُ أَحَقَّ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَوَالِي الْمَوَالِي لِأَنَّهُمْ مَوَالِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ مَوَالِيهِ وَأَوْلَادِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِإِعْتَاقٍ وُجِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي ذَكَرُوا هُنَاكَ غَيْرُ مُتَمَشٍّ هَاهُنَا كَمَا يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ هَاهُنَا. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ أَيْضًا وَالْكُلُّ شُرَكَاءُ، لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّ تَنَاوُلَ الِاسْمِ لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ كَوْنِ هَذَا التَّنَاوُلِ كَذَلِكَ، فَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَوَّزَ هَذَا دُونَ ذَاكَ اهـ. أَقُولُ: إنَّ أَبَا يُوسُفَ جَوَّزَ ذَاكَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَصِيَّةُ لَهُمْ جَمِيعًا، وَهُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ اهـ. وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةً أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا قَوْلُهُ مُطْلَقًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ " عَنْ " وَلَمْ يَقُلْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِيهَا، بَلْ ذَكَرَ فِيهَا الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، فَقَالَ فِي الْقِيَاسِ يَدْخُلُونَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَدْخُلُونَ، كَمَا ذَكَرَ تَفْصِيلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَالْعَجَبُ مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى رِوَايَةِ تَجْوِيزِ أَبِي يُوسُفَ تَنَاوُلَ الِاسْمِ لِلْكُلِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا مَعَ كَوْنِهَا مَذْكُورَةً فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَدَاوِلَةِ، فَتَعْجَبُ أَنَّهُ جَوَّزَ التَّنَاوُلَ لِلْكُلِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ الْأُولَى وَمَفَاسِدُ قِلَّةِ التَّدْبِيرِ وَالتَّتَبُّعِ مِمَّا يَضِيقُ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِهِ

مِنْهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ وَلَا أَوْلَادُ الْمَوَالِي لِأَنَّ اللَّفْظَ لَهُمْ مَجَازٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ مُعْتَقٌ وَاحِدٌ وَمَوَالِي الْمَوَالِي فَالنِّصْفُ لِمُعْتَقٍ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوَالِيهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَإِنَّمَا يُحْرِزُ مِيرَاثُهُمْ بِالْعُصُوبَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQنِطَاقُ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ وَلَا أَوْلَادُ الْمَوَالِي، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَهُمْ مَجَازٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ: أَيْ مَوَالِي الْعَتَاقَةِ وَلَا أَوْلَادِ الْمَوَالِي: أَيْ وَلَا أَوْلَادُ مَوَالِي الْعَتَاقَةِ يَعْنِي حِينَئِذٍ الثُّلُثُ لِمَوَالِي الْمُوَالَاةِ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَوَالِي الْمُوَالَاةِ كَانَ الثُّلُثُ لَهُمْ لِأَنَّ الْأَحَقَّ إذَا لَمْ يُوجَدْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا دُونَهُ انْتَهَى، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ لَمَا صَحَّ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَهُمْ مَجَازٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُعْتَقِ وَبَيْنَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ آنِفًا، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْجِهَةُ مُخْتَلِفَةٌ، فِي الْمُعْتَقِ الْإِنْعَامُ وَفِي الْمَوْلَى عَقْدُ الِالْتِزَامِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً بِاشْتِرَاكِهِ بَيْنَهُمَا وَبَيَّنُوا مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ عَلَى وَفْقِ ذَاكَ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ فِي التَّعْلِيلِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَهُمْ مَجَازًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا هُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ وَلَا أَوْلَادُ الْمَوَالِي فَالثُّلُثُ لِمَوَالِي الْمَوَالِي فَحِينَئِذٍ يَرْتَبِطُ قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ وَلَا أَوْلَادُ الْمَوَالِي بِمَا قَبْلَهُ أَشَدُّ ارْتِبَاطٍ، وَيَنْتَظِمُ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَهُمْ مَجَازٌ إلَخْ انْتِظَامًا تَامًّا كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِعَيْنِ مَا قُلْنَا عِنْدَ تَقْرِيرِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا عِنْدَ شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَأَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ إنَّمَا اغْتَرَّ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ مَوَالِي الْمُوَالَاةِ دُونَ مَوَالِي الْمَوَالِي، لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَحَقَّ إذَا لَمْ يُوجِبْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا دُونَهُ مُطَابِقٌ لِلْمَسْأَلَةِ غَيْرَ آبٍ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الِاشْتِرَاكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ أَحَقُّ بِالْإِرَادَةِ مِنْ الْآخَرِ لِأَمْرٍ مُرَجَّحٍ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ وَالْإِعْتَاقُ لَازِمٌ فَكَانَ الِاسْمُ لَهُ أَحَقَّ، بِخِلَافِ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالْمَسْأَلَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ كَمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يُطَابِقُ الْمَسْأَلَةَ حِينَئِذٍ بَلْ يَأْبَاهُ جِدًّا كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مُعْتَقٌ وَاحِدٌ وَمَوَالِي الْمَوَالِي فَالنِّصْفُ لِمُعْتَقِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يُصَارُ هَاهُنَا إلَى عُمُومِ الْمَجَازِ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْقَاءِ فِي حَقِّ النِّصْفِ، وَالْمَصِيرُ إلَى عُمُومِ الْمَجَازِ مُخَلِّصٌ مَعْرُوفٌ فِي دَفْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. وَطَرِيقُهُ هَاهُنَا أَنْ يُحْمَلَ الْمَوَالِي عَلَى مَنْ كَانَ لِلْمُوصِي مَدْخَلٌ فِي عِتْقِهِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا فِي مُعْتِقِ نَفْسِهِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ كَمَا فِي مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ فَلْيَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة]

بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ وَالثَّمَرَةِ) قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ سِنِينَ مَعْلُومَةً وَتَجُوزُ بِذَلِكَ أَبَدًا) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ وَغَيْرِ بَدَلٍ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِحَاجَتِهِ كَمَا فِي الْأَعْيَانِ، وَيَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى مِلْكِهِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَتَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى أَصْلِنَا، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ خِلَافُهُ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ الْمُوَرِّثُ وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ وَالثَّمَرَةِ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ، وَأَخَّرَ هَذَا الْبَابَ لِمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ الْأَعْيَانِ وُجُودًا فَأَخَّرَهَا عَنْهَا وَضْعًا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى وَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ بِالثَّمَرَةِ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْيَانِ. وَالْبَابُ يَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ كُلَّهَا عُنْوَانًا وَأَحْكَامًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ،

فِي عَيْنٍ تَبْقَى وَالْمَنْفَعَةُ عَرْضٌ لَا يَبْقَى، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَ حُكْمَهَا وَالْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا. قَالَ (فَإِنْ خَرَجَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ مِنْ الثُّلُثِ يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ (وَإِنْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ فِي الْعَيْنِ وَلَا تُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ إيفَاءً لِلْحَقَّيْنِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ تُقَسَّمُ عَيْنُ الدَّارِ ثَلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا، وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا. وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ تَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْأَعْدَلُ أَوْلَى، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَالِصُ مِلْكِهِمْ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ بِأَنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَتَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ إذَا خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ صُيِّرَ إلَى التَّوْجِيهِ بِبِنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى الْأَكْثَرِ يَبْقَى تَأْخِيرُ الْوَصِيَّةِ بِالثَّمَرَةِ خَالِيًا عَنْ بَيَانِ النُّكْتَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْأَعْدَلُ أَوْلَى) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: فِيهِ أَنَّ الْمَفْرُوضَ كَوْنُ الْمُهَايَأَةِ بِاخْتِيَارِهِمْ، فَالْمُتَأَخِّرُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَلَا تَبْقَى الْأَوْلَوِيَّةُ إلَّا بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ حَتَّى يَكُونَ أَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ. لِأَنَّ إسْقَاطَ الْمُتَأَخِّرِ حَقَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِطِيبِ خَاطِرِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَمْرٍ يَدْعُو إلَيْهِ، فَكَيْفَ يُسَاوِي هَذَا اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ كَامِلًا كَمَا فِي الْأَوَّلِ. ثُمَّ إنْ سَلِمَ كَوْنُ إسْقَاطِ حَقِّهِ عَلَى طِيبِ خَاطِرِهِ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي إلَّا انْتِفَاءَ الظُّلْمِ لَهُ وَتَحَقُّقَ الْعَدْلِ فِي الْجُمْلَةِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْأَوَّلِ أَعْدَلَ مِنْهُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ ذَاتًا وَزَمَانًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَعْدَلَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ بِأَنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَتَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ الثُّلُثِ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَيْنِ دَارِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا فَاقْتَسَمَهَا الْمُوصَى لَهُ مَعَ الْوَرَثَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَإِنَّ لِلْوَرَثَةِ هُنَاكَ أَنْ يَبِيعُوا مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ثُلُثَيْ تِلْكَ الدَّارِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ جَرَيَانِ هَذَا الدَّلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا؛ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي عَيْنِ جَمِيعِ الدَّارِ بِأَنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَتَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ الثُّلُثِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتًا فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ ظُهُورِ مَالٍ آخَرَ لِلْمَيِّتِ وَخُرُوجِ الدَّارِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْوَرَثَةِ أَيْضًا ثَابِتًا فِي سُكْنَى جَمِيعِ تِلْكَ الدَّارِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ

وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ ذَلِكَ فَمَنَعُوا عَنْهُ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ مَرْضَاتِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) لِأَنَّ إيجَابَهَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ فَاسْتَخْدَمَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ سَكَنَهَا بِنَفْسِهِ قِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَنَافِعِ كَعَيْنِهَا فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا، وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَمُتَفَاوِتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ مِنْ الْغَلَّةِ بِالِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ الْمَنَافِعِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى أَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالْوَصِيَّةِ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِبَدَلٍ أَوْ غَيْرِ بَدَلٍ لِأَنَّهَا كَالْأَعْيَانِ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ عَلَى أَصْلِهِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ بِبَدَلٍ اعْتِبَارًا بِالْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى أَصْلِنَا، وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِبَدَلٍ، كَذَا هَذَا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ لَازِمٌ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ غَيْرُ لَازِمٍ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَالْأَكْثَرَ بِالْأَقَلِّ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ غَيْرُ لَازِمٍ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِغَيْرِهِ وَالْمُتَبَرِّعُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَلِهَذَا انْقَطَعَ، أَمَّا هُوَ فِي وَضْعِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا وَفِي تَمْلِيكِهَا بِالْمَالِ إحْدَاثُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِيهَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاحِدَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حُقُوقُ أَشْخَاصٍ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَسْكُنَ أَشْخَاصٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى حِدَةٍ فِي جَمِيعِ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ لِاسْتِلْزَامِهِ تَدَاخُلَ الْأَجْسَامِ وَظُهُورَ بُطْلَانِ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِأَمْرٍ مُحَالٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَلْزَمُ أَنْ لَا يُقْسَمَ عَيْنُ الدَّارِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ، وَأَنْ لَا يُقْسَمَ الدَّارُ بَيْنَهُمْ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ أَثْلَاثًا لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ فِي سُكْنَى جَمِيعِ

فَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَمْلِكُهَا تَبَعًا لَمِلْكِ الرَّقَبَةِ، أَوْ لِمَنْ يَمْلِكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا، أَمَّا إذَا تَمَلَّكَهَا مَقْصُودَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ مَلَكَهَا بِعِوَضٍ كَانَ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا تَمَلَّكَهُ مَعْنًى وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجُهُ إلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ هُنَالِكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي، فَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ فِيهِ بِدُونِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ، وَإِذَا كَانُوا فِي غَيْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدَ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ. وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ بِغَلَّةِ دَارِهِ يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَ حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِهِ، كَيْفَ وَأَنَّهُ عَيْنٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَكَانَ بِالْجَوَازِ أَوْلَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ، فَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ ثُلُثَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ وَلِلشَّرِيكِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ تُبْتَنَى عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُوصَى لَهُ فِيمَا يُلَاقِيهِ الْقِسْمَةُ إذْ هُوَ الْمُطَالِبُ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِقِسْمَةِ الدَّارِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالرَّقَبَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةُ عَلَيْهَا لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا عَطْفًا مِنْهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْحَالَةُ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارِ وَعَدَمِ ثُبُوتِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْفَرْضِ. مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ آنِفًا فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ تَمَلَّكَهَا تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْ تَمَلَّكَهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِإِجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ تَبَعًا لِمِلْكِ رَقَبَتِهِ وَلَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِبَدَلٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَصِيَّةِ فَمُرَادُهُ بِالْمَنْفَعَةِ مَنْفَعَةٌ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهَا وَمَنْفَعَةُ الْحُرِّ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: الْجَوَابُ مَنْظُورٌ فِيهِ، لِأَنَّ كَوْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَصِيَّةِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ مُرَادِهِ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ مَنْفَعَةٌ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهَا،

ثُمَّ لَمَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، فَلَوْ لَمْ يُوصِ فِي الرَّقَبَةِ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ مَعَ كَوْنِ الْخِدْمَةِ لِلْمُوصَى لَهُ، فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ، إذْ الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَهَا نَظَائِرُ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِأَمَةٍ لِرَجُلٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَاتَمٍ وَلِآخَرَ بِفَصِّهِ، أَوْ قَالَ هَذِهِ الْقَوْصَرَةِ لِفُلَانٍ وَمَا فِيهَا مِنْ التَّمْرِ لِفُلَانٍ كَانَ كَمَا أَوْصَى، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الظَّرْفِ فِي الْمَظْرُوفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، أَمَّا إذَا فَصَلَ أَحَدُ الْإِيجَابَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فِيهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَمَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا وَالْوَلَدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهَا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِإِيجَابِهِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي تَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ إيجَابُ الْأَمَةِ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا دُونَ الْوَلَدِ، وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْهُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُلْزِمُ شَيْئًا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي فَكَانَ الْبَيَانُ الْمَفْصُولُ فِيهِ وَالْمَوْصُولُ سَوَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لِلْمُدَّعَى، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى إذَا كَانَ إنْتَاجُ الدَّلِيلِ بِطَرِيقِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ. إذْ حَاصِلُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ الْخِدْمَةَ وَالسُّكْنَى مِنْ قَبِيلِ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا، وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي تَمْلِيكِهِ بِالْمَالِ إحْدَاثُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَمَا فِي تَمْلِيكِهِ إحْدَاثُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا لِمَنْ تَمَلَّكَهُ تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْ تَمَلَّكَهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا وَلَا يَكُونُ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا تَمَلَّكَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْعًا، وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مَا عَدَا الصُّغْرَى مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ اقْتِضَاءِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كُلِّيَّةً كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهَا لَا مَجَالَ لِتَقْيِيدِ شَيْءٍ مِنْهَا بِمَا يَخْرُجُ بِهِ مَنْفَعَةُ الْحُرِّ لِوُقُوعِهَا فِي مَحَلِّ الْكُبْرَى مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَمَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ لَمَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ كَالْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ: يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ مُنْفَرِدَةً كَانَتْ الرَّقَبَةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ وَالْخِدْمَةُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ تَكُونُ الرَّقَبَةُ لَهُ وَالْخِدْمَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا، إذْ الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ كَالْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: كَالْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ لَمَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ إلَخْ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ إلَخْ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ بَيَانَ اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ لَا بَيَانِ حَالَةِ

كَمَا فِي وَصِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةِ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُ الْحَلْقَةَ وَالْفَصَّ. وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا. وَاسْمُ الْقَوْصَرَةِ كَذَلِكَ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي مُوجِبُهُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى سَبِيلِ الْإِحَاطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْفَصِّ وَصِيَّتَانِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيَّةٌ بِإِيجَابٍ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْعَلُ الْفَصُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا يَكُونُ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ لِلثَّانِي رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِلثَّانِي بِالْخَاتَمِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ مَعَ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ وَإِنَّمَا يَسْتَخْدِمُهُ الْمُوصَى لَهُ بِحُكْمِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ لِغَيْرِهِ لَا يَبْقَى لِلْمُوصَى لَهُ فِيهِ حَقٌّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مَوْصُولًا لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِصَاحِبِ الْخَاتَمِ الْحَلْقَةَ خَاصَّةً دُونَ الْفَصِّ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ مَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَلَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا، وَإِنْ قَالَ لَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي أَبَدًا فَلَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مَا عَاشَ، وَإِنْ أَوْصَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْفِرَادِ وَحْدَهَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ. (قَوْلُهُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُ الْحَلْقَةَ وَالْفَصَّ، وَكَذَا اسْمُ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا) قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ بِتَنَاوُلِ اسْمِ الْخَاتَمِ لِلْفَصِّ وَبِتَنَاوُلِ اسْمِ الْجَارِيَةِ لِمَا فِي بَطْنِهَا تَنَاوُلَهُمَا لَهُمَا لَفْظًا وَأَصَالَةً، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يُخَالِفَ هَذَا مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا مِنْ أَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا، فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا، وَيَلْزَمُ أَنْ يُخَالِفَ أَيْضًا مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّ الْفَصَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْخَاتَمِ لَفْظًا بَلْ تَبَعًا، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِخَاتَمٍ لِرَجُلٍ وَاسْتَثْنَى فَصَّهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ جَمِيعًا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَلْفُوظِ. بَلْ إنَّمَا الْمُرَادُ هَاهُنَا بِتَنَاوُلِ اسْمِ الْخَاتَمِ لِلْفَصِّ وَاسْمِ الْجَارِيَةِ لِمَا فِي بَطْنِهَا تَنَاوُلُهُمَا لَهُمَا تَبَعًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَتَرْتَفِعُ الْمُخَالَفَةُ كَمَا تَوَهَّمَهَا الْبَعْضُ (قَوْلُهُ وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي مُوجِبُهُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى سَبِيلِ الْإِحَاطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ) أَقُولُ: لَا مَجَالَ لِلْعُمُومِ فِي الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَاتِيك الْمَسَائِلِ، لِأَنَّ الْحَلْقَةَ وَالْفَصَّ بِالنَّظَرِ إلَى اسْمِ الْخَاتَمِ، وَكَذَا الْجَارِيَةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا بِالنَّظَرِ إلَى اسْمِ الْجَارِيَةِ، وَكَذَا الْقَوْصَرَةُ وَمَا فِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى اسْمِ الْقَوْصَرَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْزَاءِ لِمَدْلُولَاتِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَا جُزْئِيَّاتِ مَعَانِيهَا، إذْ لَا يَصْدُقُ مَعْنَى الْخَاتَمِ عَلَى الْفَصِّ وَحْدَهُ، وَلَا مَعْنَى الْجَارِيَةِ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا وَحْدَهُ، وَلَا مَعْنَى الْقَوْصَرَةِ عَلَى مَا فِي الْقَوْصَرَةِ مِنْ مِثْلِ الثَّمَرِ وَحْدَهُ، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَصِيَّةِ خَاتَمٍ بِعَيْنِهِ وَجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا وَقَوْصَرَةٍ بِعَيْنِهَا وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ جُزْئِيٌّ خَاصٌّ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْعُمُومُ، فَقَوْلُهُ وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَامَّ بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مَوْصُولًا) لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِصَاحِبِ الْخَاتَمِ الْحَلْقَةَ خَاصَّةً دُونَ الْفَصِّ. أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ

لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ، مِثْلُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومُ مَذْكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، أَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرَضِ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا، يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ، فَإِذَا أُطْلِقَتْ يَتَنَاوَلُهُمَا عُرْفًا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى. أَمَّا الثَّمَرَةُ إذَا أُطْلِقَتْ لَا يُرَادُ بِهَا إلَّا الْمَوْجُودُ فَلِهَذَا يَفْتَقِرُ الِانْصِرَافُ إلَى دَلِيلٍ زَائِدٍ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَبَدًا أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا ثُمَّ مَاتَ فَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ) لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَئِذٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ، إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ. أَمَّا الْوَلَدُ الْمَعْدُومُ وَأُخْتَاهُ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَصْلًا، وَلَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَا، فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ تَبَعًا وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا، فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْفَصِّ مِنْ الْخَاتَمِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ تَصَرُّفًا لَفْظِيًّا غَيْرَ عَامِلٍ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لَفْظًا كَالْفَصِّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةِ فِي الْبُسْتَانِ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَبَدًا أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا ثُمَّ مَاتَ فَلَهُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ) أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذَا الْوَجْهِ سَمَاجَةٌ، فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي ذَيْلِهَا سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ لَا يُنَاسِبُ تَقْيِيدَ صَدْرِهَا بِقَوْلِهِ أَبَدًا حَيْثُ قَالَ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَبَدًا، فَالْأَوْلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي حَيْثُ تَرَكَ فِيهِ قَيْدَ أَبَدًا فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ مَا ذُكِرَ فِي الْبِدَايَةِ حَيْثُ تَرَكَ فِيهَا قَوْلَهُ فِي ذَيْلِهَا سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ الْأَشْيَاءِ يَوْمَئِذٍ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُنْتَقَضُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ، فَإِنَّ الْإِيصَاءَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي كُلِّ الصُّوَرِ مَعَ أَنَّهُ يَقَعُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْقَائِمِ يَوْمَئِذٍ وَعَلَى الْحَادِثِ بَعْدَهُ أَيْضًا بِذِكْرِ قَيْدِ الْأَبَدِ فِي الثَّمَرَةِ وَبِدُونِ ذِكْرِهِ أَيْضًا فِي الْغَلَّةِ، نَعَمْ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ تَدَارُكَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ هَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ إلَخْ إلَّا أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ هَاهُنَا بَقِيَ خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ وَجْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقِ الْآتِي. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ وَالْإِجَارَةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِطَرِيقِ الْأَوْلَى) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ لَنَا أَصْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ مَقْصُورٌ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَكَيْفَ أَلْحَقْت بِهِ اهـ. أَقُولُ: لَا وُرُودَ لِمَا تَوَهَّمَهُ بَلْ هُوَ سَاقِطٌ جِدًّا، فَإِنَّ مَبْنَاهُ أَنْ يَكُونَ إلْحَاقُ الْوَصِيَّةِ بِالثَّمَرَةِ

[باب وصية الذمي]

(بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ) قَالَ (وَإِذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ) لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ فَكَذَا هَذَا. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ هَذِهِ مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ عِنْدَهُمَا. قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِقَوْمٍ مُسَمِّينَ فَهُوَ الثُّلُثُ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْصَى أَنْ تُبْنَى دَارُهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْغَلَّةِ بِالْمُعَامَلَةِ وَالْإِجَارَةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَيْهِ، يُرْشِدُ إلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَفِي قَوْلِهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي الدَّلَالَةِ دُونَ الْقِيَاسِ، وَكَوْنُ الشَّيْءِ ثَابِتًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ إنَّمَا يُنَافِي الْقِيَاسَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَعْدُولًا عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ دُونَ الْإِلْحَاقِ بِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَقَدْ مَرَّ مِرَارًا نَظَائِرَ هَذَا فِي الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ لَنَا شَيْءٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ أَنَّ عَقْدَ الْمُعَامَلَةِ بَاطِلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، فَقَوْلُهُ هَاهُنَا جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ، فَإِنَّ عَقْدَ الْمُعَامَلَةِ مَشْرُوعٌ عِنْدَهُمَا، وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مِمَّا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُبْنَى دَلِيلُهَا عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَتَأَمَّلْ. [بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ] (بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ) ذَكَرَ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ بَعْدَ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، فَذَكَرَ التَّابِعَ بَعْدَ الْمَتْبُوعِ كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: أَكْثَرُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَامَلَاتِ كَمَا تَرَى، فَتَغْلِيبُ الْأَقَلِّ عَلَى الْأَكْثَرِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ لِبَعْضِ وَصَايَا الْكُفَّارِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ ذَكَرَ وَصِيَّتَهُمْ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ لِخَسَاسَتِهِمْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ، لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ فَكَذَا هَذَا. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ هَذِهِ مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ عِنْدَهُمَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: إذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ بِيعَةً أَوْ نَصْرَانِيٌّ كَنِيسَةً فِي حِصَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِنَا عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ، أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَإِنَّ وَقْفَ الْمُسْلِمِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَوْرُوثٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ فَهَذَا أَوْلَى، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ صَرَفَ الْبِيعَةَ إلَى الْيَهُودِيِّ وَالْكَنِيسَةَ إلَى النَّصْرَانِيِّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ أَنَّ الْكَنِيسَةَ اسْمٌ لِمَعْبَدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ اسْمٌ لِمَعْبَدِهِمْ مُطْلَقًا فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْكَنِيسَةِ لِمَعْبَدِ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةِ

لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ. قَالَ (وَإِنْ أَوْصَى بِدَارِهِ كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمِّينَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ هَذِهِ مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ لِمَا فِي تَنْفِيذِهَا مِنْ تَقْرِيرِ الْمَعْصِيَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَتَجُوزُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً مَعْصِيَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَعْبَدِ النَّصَارَى. وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ هُنَا تَحْتَمِلُ صَرْفَ الْبِيعَةِ إلَى النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةِ إلَى الْيَهُودِ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْغَيْرِ الْمُرَتَّبِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا عِنْدَهُ وَقَالَ بَعْدَهُ فَلِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَضْمَرَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوَّلًا وَأَظْهَرَهُ ثَانِيًا، وَكَانَ الْأَوَّلُ مَقَامَ الْإِظْهَارِ وَالثَّانِي مَقَامَ الْإِضْمَارِ، بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ السَّدِيدِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ فَأَظْهَرَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوَّلًا وَأَضْمَرَهُ ثَانِيًا. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ خَصَّ كَوْنَ الْوَقْفِ مَوْرُوثًا عِنْدَهُ بِالْمُسْلِمِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّ وَقْفَ الْمُسْلِمِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَوْرُوثٌ وَبَعْدَ مَوْتِهِ مَعَ أَنَّ وَقْفَ الْكَافِرِ أَيْضًا مَوْرُوثٌ عِنْدَهُ بِلَا تَفَاوُتٍ، بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهَا مُطْلَقَةٌ حَيْثُ قَالَ: وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ مَوْرُوثٌ بِلَا تَخْصِيصٍ بِالْمُسْلِمِ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ قَالَ: فَلِأَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ مَعْصِيَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا صُنْعُ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِدُونِ إضَافَةِ شَيْءٍ إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ هَذِهِ مَعْصِيَةٌ، إذْ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِهَذِهِ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ هِيَ الصَّنِيعَةُ دُونَ الْوَصِيَّةِ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ: وَإِذَا صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ صَنَعُوا مَا شَاءُوا اهـ. أَقُولُ: هَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي مُعْتَقِدِهِمْ قُرْبَةً كَمَا سَيَجِيءُ، فَإِذَا بَطَلَتْ حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِكَوْنِ بِنَاءِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةً حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِ الْكُفَّارِ لَزِمَهُمَا الْمَصِيرُ إلَى مَا فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْلِيكِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ مَهْمَا أَمْكَنَ. وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمُوصَى بِهِ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِ الْمُوصِي كَافٍ عِنْدَهُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ كَمَا سَيَجِيءُ أَيْضًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَهُ هُنَا كَمَا تَصِحُّ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ مَا سَيَأْتِي بِدُونِ الْمَصِيرِ إلَى اعْتِبَارِ مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْلِيكِ فِي تَصْحِيحِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَوَابُهَا عَلَى الِاتِّفَاقِ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَأُسْلُوبُ تَحْرِيرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ يُشْعِرُ بِاتِّفَاقِهِمْ فِي التَّخْرِيجِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ

ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ بِنَاءِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِهِ أَنَّ الْبِنَاءَ نَفْسُهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَانِي. وَإِنَّمَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِأَنْ يَصِيرَ مُحَرَّرًا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكَنِيسَةُ لَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً لِلَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً فَتَبْقَى مِلْكًا لِلِبَانِي فَتُورَثُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ فِيهَا الْحُجُرَاتِ وَيَسْكُنُونَهَا فَلَمْ يَتَحَرَّرْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِبَادِ بِهِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُورَثُ الْمَسْجِدُ أَيْضًا لِعَدَمِ تَحَرُّرِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ ثُبُوتُ مُقْتَضَاهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَبَقِيَ فِيمَا هُوَ قُرْبَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا يُورَثُ. ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا أَنْ تَكُونَ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَلَا تَكُونَ قُرْبَةً فِي حَقِّنَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا إذَا أَوْصَى الذِّمِّيُّ بِأَنْ تُذْبَحَ خَنَازِيرُهُ وَتُطْعَمَ الْمُشْرِكِينَ، وَهَذِهِ عَلَى الْخِلَافِ إذَا كَانَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمِّينَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ. وَمِنْهَا إذَا أَوْصَى بِمَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي حَقِّنَا وَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ أَوْ بِأَنْ يُبْنَى مَسْجِدٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِأَنْ يُسْرَجَ فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ، إلَّا إذَا كَانَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لِوُقُوعِهِ تَمْلِيكًا لِأَنَّهُمْ مَعْلُومُونَ وَالْجِهَةُ مَشُورَةٌ. وَمِنْهَا إذَا أَوْصَى بِمَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ يُغْزَى التَّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ، وَهَذَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَتْ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً وَفِي مُعْتَقَدِهِمْ أَيْضًا. وَمِنْهَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَا يَكُونُ قُرْبَةً لَا فِي حَقِّنَا وَلَا فِي حَقِّهِمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ، فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَيَصِحُّ تَمْلِيكًا وَاسْتِخْلَافًا، وَصَاحِبُ الْهَوَى إنْ كَانَ لَا يَكْفُرُ فَهُوَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. إلَى قَوْلِهِ: وَالْكَنِيسَةُ لَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً لِلَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَلْ تَحَرَّرَ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ كَافٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ، فَالِاعْتِبَارُ عِنْدَهُ لِاعْتِقَادِهِمْ دُونَ الْحَقِيقَةِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَلِمَ لَمْ يَعْتَبِرْ هُنَا كَوْنَ الْكَنِيسَةِ أَوْ الْبِيعَةِ مُحَرَّرَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ حَتَّى يَزُولَ مِلْكُ الْبَانِي عَنْهَا. فَإِنْ قُلْتَ: إنَّهُمْ يَبْنُونَ فِيهَا الْحُجُرَاتِ وَيَسْكُنُونَ فَلَمْ تُحَرَّرْ لِلَّهِ تَعَالَى لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِبَادِ بِهَا. قُلْتُ: هَذَا مَصِيرٌ إلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ فِيهَا الْحُجُرَاتِ إلَى آخِرِهِ، وَالْكَلَامُ فِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فَلَا مَعْنَى لِلْخَطِّ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ فِيهَا الْحُجُرَاتِ وَيَسْكُنُونَهَا فَلَمْ يَتَحَرَّرْ لِلَّهِ تَعَالَى لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِبَادِ بِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ فِيهَا الْحُجُرَاتِ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ التَّحَرُّرِ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ كَوْنَ هَذَا دَلِيلًا آخَرَ عَلَى عَدَمِ

عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ. وَفِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصَايَاهَا لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ. قَالَ (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَأَوْصَى لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا تَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِمْ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ هُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ، وَالْأَمَانُ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أُخِذَتْ الْوَصِيَّةُ وَيُرَدُّ الْبَاقِي عَلَى وَرَثَتِهِ وَذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ، وَلِهَذَا تَصِحُّ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَيَصِحُّ تَبَرُّعُهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُسْتَأْمَنٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذْ هُوَ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ وَيُمَكَّنُ مِنْهُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُقَامِ عَلَى السَّنَةِ إلَّا بِالْجِزْيَةِ. وَلَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ. وَلَوْ أَوْصَى لِخِلَافِ مِلَّتِهِ جَازَ اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحَرُّرِ لِلَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي سَبْقَ دَلِيلٍ أَوَّلَ عَلَيْهِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَى النَّاظِرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَبْلَ هَذَا مَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ قَبْلُ وَالْكَنِيسَةُ لَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً لِلَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً، وَهَذَا دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ فِيهَا الْحُجُرَاتِ إلَخْ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْفَرْقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ بِنَاءِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ عُطِفَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الْبِنَاءَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَانِي إلَخْ، كَأَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْبِنَاءَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَانِي، وَلِأَنَّهُمْ يَبْنُونَ فِيهَا الْحُجُرَاتِ وَيَسْكُنُونَهَا إلَخْ تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصَايَاهَا لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَا تَصِحَّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ

[باب الوصي وما يملكه]

وَاحِدَةٌ، وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ. فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنَعٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ) قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْوَصِيُّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي وَرَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ النِّهَايَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ الصَّحِيحُ وَهُنَا الْأَصَحُّ وَهُمَا يَصْدُقَانِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَوْفِيقٍ صَحِيحٍ، إذَا لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ هُوَ الصَّحِيحُ يَرْجِعُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا بَيَانَ مُجَرَّدِ صِحَّتِهِ مَعَ رُجْحَانِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ هُوَ الْأَصَحُّ تَرْجِيحُهُ عَلَى الْآخَرِ بَلْ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ دَلَّ عَلَى التَّرْجِيحِ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يُنَافِي تَرْجِيحَ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُقَا مَعًا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنِعٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُهُ) أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي حَاصِلُهُ قِيَاسُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِرْثِ مَنْقُوضٌ بِمَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ مَرَّتْ فِي الْكِتَابِ آنِفًا: مِنْهَا مَا إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَأَوْصَى لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، مَعَ أَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنَعٌ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ. وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَلِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حُكْمًا. وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى ذِمِّيٌّ لِحَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ بِوَصِيَّةٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حُكْمًا. وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى مُسْلِمٌ لِمُسْتَأْمَنٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ أَصْلًا لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَلِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْكَافِرُ حَرْبِيًّا وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا. [بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ] (بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ، وَقَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَثْرَةِ

مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَرَدٌّ رَدَّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ (فَإِنْ رَدَّهَا فِي وَجْهِهِ فَهُوَ رَدٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُقُوعِهَا فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لَا يَصِحُّ. حَتَّى لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَمَوْضِعُهُ فِي الذَّخِيرَةِ الْفَصْلُ الثَّانِي مِنْ وَكَالَتِهَا، وَالْفَصْلُ الْعَاشِرُ مِنْ التَّتِمَّةِ، وَالْبَابُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ مِنْ آدَابِ الْقَاضِي، وَبَابِ بَيْعِ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وَصَايَا الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، إلَى هُنَا لَفْظُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَهَذَا الْقَيْدُ وَهُوَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ ثَمَّةَ أَيْضًا بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ حَيْثُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بَيَّنَهُ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْمُوَكِّلِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ: أَيْ لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، فَعَنْ هَذَا عَرَفْت أَنَّ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ كَالتَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ نَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَمُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هُنَا مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَتَوَافَقَتْ الرِّوَايَاتُ جَمِيعًا وَلَمْ تَخْتَلِفْ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْغَايَةِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْرِيرِهِ فِي شَرْحِهِ. أَقُولُ: بَلْ لَيْسَ هَذَا التَّوْفِيقُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُمْ عَقَدُوا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لِعَزْلِ الْوَكِيلِ فَصْلًا عَلَى حِدَةٍ أَوْ بَابًا عَلَى حِدَةٍ وَبَيَّنُوا فِيهِ عَدَمَ صِحَّةِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْوَكِيلِ، وَكَذَا عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ، فَهَلْ يُجَوِّزُ الْعَقْلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ عَقْدُ الْفَصْلِ أَوْ الْبَابِ لِبَيَانِ حُكْمِ الْعَزْلِ فِي مَسْأَلَةٍ بِعَيْنِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْوَكَالَاتِ بِعِبَارَةٍ مُطْلَقَةٍ، وَيَكُونُ حُكْمُ الْعَزْلِ فِي سَائِرِهَا مَتْرُوكُ الذِّكْرِ بِالْكُلِّيَّةِ فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ، وَلِعَمْرِي إنْ حَمْلَ كَلَامُ الثِّقَاتِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ سَفْسَطَةٌ لَا تَخْفَى. وَلْنَذْكُرْ مِنْ بَيْنِهَا عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ لَعَلَّك تَأْخُذُ مِنْهَا حِصَّةً قَالَ فِيهَا: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَدِّ الْوَكَالَةِ مِنْ الْوَكِيلِ وَفِي عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَقَالَ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا رَدَّ الْوَكَالَةَ تَرْتَدُّ، وَلَكِنْ هَذَا إذَا عَلِمَ الْمُوَكِّلُ بِالرَّدِّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا تَرْتَدُّ حَتَّى إنَّ مَنْ وَكَّلَ غَائِبًا فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَرَدَّ الْوَكَالَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُوَكِّلُ بِهِ ثُمَّ قَبِلَ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ صَحَّ قَبُولُهُ وَصَارَ وَكِيلًا. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ عَزْلُ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْوَكِيلِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ عِنْدَنَا الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ. ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ انْتَهَى. اُنْظُرْ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ هَلْ فِيهِ مَا يُسَاعِدُ التَّقْيِيدَ بِمَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، عَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي هَاهُنَا يَدُلُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ إلَخْ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِعِلْمِ الْمُوَكِّلِ دَفْعًا لِلْغَرَرِ وَالضَّرَرِ الْمَنْهِيَّيْنِ، فَإِنْ يَجِبَ نَفْيُ الْغَرَرِ وَالضَّرَرِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ أَحَقُّ بِالنَّظَرِ أَوْلَى انْتَهَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا

لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنِيبَ غَيْرَهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا، فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَالْقَبُولُ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوِصَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةً لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ. أَمَّا التَّوْكِيلُ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُنِيبِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَشَرْطَ الْإِخْبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيلُ يُنْتَقَضُ بِصُورَةِ رَدِّ الْوَصِيِّ الْوَصِيَّةَ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْمُوصِي فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّ الْمُوصِيَ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّ الْوَصِيِّ الْوَصِيَّةَ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْمُوصِي بَعْدَ أَنْ قَبِلَهَا فِي وَجْهِهِ لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَمَاتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْإِيصَاءِ إلَى أَحَدٍ اسْتِخْلَافُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، فَالتَّصَرُّفُ الَّذِي يَرْفَعُهُ الْمُوصِي إلَى الْوَصِيِّ إنَّمَا هُوَ التَّصَرُّفُ الْكَائِنُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِرٍ فِي حَيَاتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ الْحَاصِلِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَيْهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا انْتِقَاضَ. نَعَمْ إنَّهُ يَقْدِرُ فِي حَيَاتِهِ عَلَى الْإِيصَاءِ إلَى الْآخَرِ بَدَلَ الْأَوَّلِ إذَا عَلِمَ رَدَّ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي عَدَمِ صِحَّةِ رَدِّ الْوَصِيِّ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِوَجْهِهِ بِعِلْمِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةً لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِخِلَافَةٍ ضَرُورِيَّةٍ كَالْوِرَاثَةِ بَلْ هِيَ خِلَافَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصِي إلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ آنِفًا، فَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةً يَتَوَقَّفَ ثُبُوتُهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْمُوصِي إلَيْهِ إيَّاهَا فَعَدَمُ تَوَقُّفِ ثُبُوتِهَا عَلَى عِلْمِ الْمُوصِي إلَيْهِ بِهَا مُشْكِلٌ جِدًّا، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ اخْتِيَارَ شَيْءٍ وَقَبُولَهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ مُتَعَسِّرٌ بَلْ مُتَعَذِّرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَشَرْطَ الْإِخْبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: وَمِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ وَمَنْ أَعْلَمَهُ النَّاسُ بِالْوَكَالَةِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ، وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ

(وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ، لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ، وَدَفْعُ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْلَى أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، إذْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَرُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوِصَايَةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ وَيُنَصِّبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِهَذَا يَنْفُذُ إخْرَاجُهُ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ أَقْبَلُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَ بُطْلَانِ الْوِصَايَةِ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُمْ) وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَهَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. قِيلَ مَعْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ: أَيْ الْوَاحِدُ فِيهِمَا يَكْفِي انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ " مَا " عِبَارَةٌ عَنْ الْكُتُبِ، وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ: أَيْ بَيَّنَّاهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَرَادَ كِتَابَ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ مَا عِبَارَةً عَنْ الْكُتُبِ، وَمِنْ لِلتَّبْيِينِ كَمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، إذْ لَيْسَ لِمَا ذَكَرَهُ أَثَرٌ فِي غَيْرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَصْلًا انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ مَا قَالَهُ هَذَا الْبَعْضُ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَفِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةَ فِي الْمُخْبِرِ فَلَا نُعِيدُهُ. وَقَالَ فِي بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ: وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعُ بَيْعَ الدَّارِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ وَأَخَوَاتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ ذَلِكَ الْقَائِلُ أَنَّهُ كَيْفَ اجْتَرَأَ عَلَى الْحُكْمِ بِأَنْ لَيْسَ لِمَا ذَكَرَهُ أَثَرٌ فِي غَيْرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَصْلًا بِدُونِ التَّتَبُّعِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ يَصِحُّ ذَلِكَ) قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ: قَوْلُهُ " إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ " اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ اقْبَلْ

سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي الْعَبْدِ بَاطِلٌ حَقِيقَةً لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَاسْتِبْدَادِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ أَنَّ الْأَصْلَ النَّظَرُ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَوِلَايَةُ الْفَاسِقِ عَلَى أَصْلِنَا وَوِلَايَةُ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا وَالْمُعَادَاةِ الدِّينِيَّةِ الْبَاعِثَةِ لِلْكَافِرِ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مُقَامَهُ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ. وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا عَلَيْهِ فِي الْمَالِ، وَهَذَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَفِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجِزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْوِصَايَةِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا كُلُّهُمْ فَالْوَصِيَّةُ إلَيْهِ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، يَرْوِي مَرَّةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَارَةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَهُ ذَلِكَ: يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْهَا حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ قَوْلَهُ فَلَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ، وَذَلِكَ الْقَيْدُ يُفِيدُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ: أَيْ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ، وَالْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ احْتِيَاجُ إلَى اسْتِثْنَاءِ مَا إذَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوَصَايَا مِنْ قَوْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ هُنَا إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ يَلْزَمُ الِاسْتِدْرَاكُ فِي الْكَلَامِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هُنَا إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ فِي قُرْبِهِ وَدَفْعُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَعْلَى أَوْلَى، فَيَكُونُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَيَكُونُ نَاظِرًا إلَى مَفْهُومِ قَيْدِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ، كَمَا أَنَّ مَا قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَانَ نَاظِرًا إلَى مَنْطُوقِ أَصْلِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي الْبِدَايَةِ أَصْلًا مَعَ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورَةً هُنَاكَ أَيْضًا بِحَالِهَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يَرْوِي مَرَّةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَرَّةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَنَا فِي هَذَا الْقِيلِ نَظَرٌ، لِأَنَّ كِبَارَ الثِّقَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى صَاحِبِ

الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ تَجْزِئَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ وَهَذَا نَقْضُ الْمَوْضُوعِ. وَلَهُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَلَا مُنَافَاةَ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ نَقُولُ: يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ، وَتَغْيِيرِ الْوَصْفِ لِتَصْحِيحِ الْأَصْلِ أَوْلَى. قَالَ (وَمَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ ضَمَّ إلَيْهِ الْقَاضِي غَيْرَهُ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِضَمِّ الْآخَرِ إلَيْهِ لِصِيَانَتِهِ وَنَقْصِ كِفَايَتِهِ فَيَتِمُّ النَّظَرُ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً، لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِدَايَةِ كُلُّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ بِلَا اضْطِرَابٍ، كَالطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَبِي اللَّيْثِ فِي نُكَتِ الْوَصَايَا وَالْقُدُورِيِّ فِي التَّقْرِيبِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ فِيهَا وَفِي شَرْحِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا اهـ. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي كُتُبِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ عَدَّهُمْ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُ مُضْطَرِبًا فِي نَقْلِ أَحَدٍ أَصْلًا، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا كُلُّهُمْ فَإِنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي قُلْنَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي بَعْضِهَا مَعَ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى. نَعَمْ الَّذِي وَقَعَ فِي كُتُبِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَوْنُ قَوْلِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ ذَكَرَ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَأَشَارَ إلَى وُقُوعِ رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فَلَا غُبَارَ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْمَنْعِ فَلَا مُنَافَاةَ) قِيلَ: عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ، فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيَتَحَقَّقَ الْمَنْعُ وَالْمُنَافَاةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْبَيْعِ، كَذَا

اسْتَبْدَلَ بِهِ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ أَمِينًا فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ لِمَا أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارَ الْمَيِّتِ وَمَرْضِيَّهُ فَإِبْقَاؤُهُ أَوْلَى وَلِهَذَا قُدِّمَ عَلَى أَبِي الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَالْمَيِّتُ إنَّمَا نَصَّبَهُ وَصِيًّا لِأَمَانَتِهِ وَقَدْ فَاتَتْ، وَلَوْ كَانَ فِي الْأَحْيَاءِ لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا، فَعِنْدَ عَجْزِهِ يَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَأَنَّهُ لَا وَصِيَّ لَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ دُونَ صَاحِبِهِ) إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا تَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَامِلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ إذَا انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي وَقَدْ كَانَ بِوَصْفِ الْكَمَالِ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْأَبِ إيَّاهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ فَيَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ قَرَابَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ إذْ هُوَ شَرْطٌ مُقَيَّدٌ، وَمَا رَضِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُمَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَسْرَارِ. أَقُولُ: فِي هَذَا الْجَوَابِ بَحْثٌ، لِأَنَّ عَدَمَ بَقَاءِ وِلَايَةِ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي مَوْقُوفٌ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ شَرْعًا، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَالْمَقَامُ مَقَامُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَلَوْ بَنَى تَمَامَ هَذَا الدَّلِيلِ عَلَيْهِ لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَا مَحَالَةَ، فَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَوْرَدَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانُوا صِغَارًا فَالْقَاضِي يَلِي عَلَى بَيْعِهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ. قِيلَ وِلَايَةُ الْقَاضِي عَلَى الْوَصِيِّ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهُ يَلِي عَلَى الْأَحْرَارِ مَعَ

الْمُوصِي إلَّا بِالْمُثَنَّى وَلَيْسَ الْوَاحِدُ كَالْمُثَنَّى، بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَالِكَ الْقَرَابَةُ وَقَدْ قَامَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ، حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفُؤٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يَبْقَى مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ، فَفِي الْأَوَّلِ أَوْفَى حَقًّا عَلَى صَاحِبِهِ فَصَحَّ، وَفِي الثَّانِي اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَصِحُّ أَصْلُهُ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا، بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ أَبَدًا، وَهِيَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتِهَا. فَقَالَ (إلَّا فِي شِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَطَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ) لِأَنَّهُ يَخَافُ مَوْتَهُمْ جُوعًا وَعُرْيًا (وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمَالِكُ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُودِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمْ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهِيَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتُهَا) يَعْنِي وَهِيَ: أَيْ الْأَشْيَاءُ الْمَعْدُودَةُ مَا اسْتَثْنَاهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي شِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ، وَطَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ، وَرَدِّ وَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا، وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا، وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَالْخُصُومَةِ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ انْتَهَى. وَهَذِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ كَمَا تَرَى قَصَرَ الْقُدُورِيُّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَيْهَا فِي مُخْتَصَرِهِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبِدَايَةِ، وَقَوْلُهُ هُنَا وَأَخَوَاتُهَا بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَا " فِي قَوْلِهِ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ: أَيْ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي هِيَ أَخَوَاتُ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ مَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ، ثُمَّ بِقَوْلِهِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفَ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، وَهَذِهِ الَّتِي زَادَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ، فَيَصِيرُ مَجْمُوعُ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: قَوْلُهُ وَهِيَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ: أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ كَمَا سَبَقَ، وَقَوْلُهُ وَأَخَوَاتُهَا بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَا " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ أُخَرُ وَهِيَ مَا ذَكَرْته فِيمَا سَبَقَ: يَعْنِي قَوْلَهُ وَزَادَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ رَدَّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ. وَقَالَ: ثُمَّ إنْ جَعَلْنَا شِرَاءَ الْكَفَنِ وَالتَّجْهِيزَ وَاحِدًا كَمَا جُعِلَ فِي الْأَسْرَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ دَاخِلٌ فِي الثَّانِي، وَكَذَا رَدُّ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا يَكُونُ الْمُسْتَثْنَى فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَحَدَ عَشَرَ، وَمَا زَادَهُ ثَلَاثَةٌ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْأَخَوَاتِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَعَ كَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ الْغَفْلَةِ عَمَّا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْآخَرِ مِنْ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةٍ: وَهِيَ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَبَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفُ، وَجَمْعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ مُخْتَلٌّ فِي ذَاتِهِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَحَدَ عَشَرَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَا زَادَهُ اثْنَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَا زَادَهُ ثَلَاثَةً، لِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ بِزِيَادَةِ الِاثْنَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ وَبِزِيَادَةِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِزِيَادَةِ الثَّلَاثَةِ اثْنَيْ عَشَرَ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَطَعَامُ الصِّغَارِ وَكِسْوَتُهُمْ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَطَعَامُ الصِّغَارِ وَكِسْوَتُهُمْ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا، وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَحِفْظُ الْأَمْوَالِ، وَقَضَاءُ الدُّيُونِ، كُلُّ ذَلِكَ بِالْجَرِّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا، وَعِتْقُ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَالْخُصُومَةُ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ، وَبَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى، وَجَمْعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، كُلُّ ذَلِكَ بِالْجَرِّ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا يُسَاعِدُهُ تَحْرِيرُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِعْرَابِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ الْمَزْبُورِ، لَكِنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ فِي كِتَابِهِ هَذَا وَاقِعٌ فِي حَيِّزِ قَالَ فِي قَوْلِهِ فَقَالَ فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ: وَلَا رَيْبَ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي قَوْلِهِ فَقَالَ رَاجِعٌ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيمَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْقُدُورِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ مُخْتَصَرُهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأُمُورِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَى شِرَاءِ الْكَفَنِ بِالْجَرِّ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ مَقُولِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا كَمَا عَرَفْته مِمَّا بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فَقَالَ إلَّا

وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَالْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ (وَقَبُولِ الْهِبَةِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ الْأُمَّ وَاَلَّذِي فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ (وَبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفَ) لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لَا تُخْفَى (وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ كُلَّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَتَقَاضَى، وَالْمُرَادُ بِالتَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ، كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ قِيلَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ فَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِ الْوَاحِدِ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شِرَاءِ الْكَفَنِ إلَخْ عَلَى تَغْلِيبِ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَوْلُهُ وَحِفْظُ الْمَالِ بِالرَّفْعِ هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ يَمْلِكُ قَضَاءَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَّا حِفْظُ الْمَالِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَكُلُّ مَنْ يَقَعُ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَهُوَ يَمْلِكُ حَقَّهُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَهَبَا إلَيْهِ تَكَلُّفٌ بَارِدٌ، بَلْ تَعَسُّفٌ فَاسِدٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فِي قَوْلِهِ وَقَضَاءُ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحِفْظِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ قَبِيلَهُ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ حِينَئِذٍ تَوْجِيهُ التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ مَسُوقٌ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ وَحِفْظُ الْأَمْوَالِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالتَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ يُوهِمُ أَنْ لَا يَكُونَ الِاقْتِضَاءُ الَّذِي هُوَ الْقَبْضُ مَعْنَى التَّقَاضِي فِي الْوَضْعِ وَاللُّغَةِ، بَلْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ قَالَ: الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا، إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ انْتَهَى. وَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِ مَعْنَاهُ ذَلِكَ فِي الْوَضْعِ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَقَاضَاهُ الدَّيْنَ: قَبَضَهُ مِنْهُ. وَقَالَ فِي الْأَسَاسِ: تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاقْتَضَيْته دَيْنِي وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي: أَيْ أَخَذْته انْتَهَى. ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ: لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ نَفْيَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي اللُّغَةِ وَالْوَضْعِ، بَلْ بَيَانُ أَنَّ عُرْفَهُمْ يُطَابِقُ اللُّغَةَ وَالْوَضْعَ. وَفَائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنْ يُقَالَ كَوْنُ مَعْنَى التَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ فِي الْوَضْعِ غَيْرُ كَافٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ: أَيْ رَاجِحٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قُلْت: بَقِيَ الْمُخَالَفَةُ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَبَيْنَ كَلَامِهِ هُنَاكَ إلَّا أَنَّ الْعَارِفَ بِخِلَافِهِ. قُلْت: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كَانَ كَذَا فِي عُرْفِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَمُرَادُهُ هُنَاكَ أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ فِي زَمَانِنَا أَوْ فِي دِيَارِنَا، وَلَا غَرْوَ فِي اخْتِلَافِ الْعُرْفَيْنِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانَيْنِ أَوْ الْمَكَانَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ: الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّقَاضِي فِي عُرْفِ دِيَارِنَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ كَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي دِيَارِنَا، وَجَعَلَ التَّقَاضِي مُسْتَعْمَلًا فِي الْمُطَالَبَةِ مَجَازًا لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاقْتِضَاءِ وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً انْتَهَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ الِاقْتِضَاءُ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَانَ

وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَتَعَاقَبُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِيَ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ عَاجِزٌ عَنْ التَّفَرُّدِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِهِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ مُتَصَرِّفًا فِي حُقُوقِهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحَقُّقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْمَيِّتِ. وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ فَلِلْحَيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ. وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى كَمَا رَضِيَهُ الْمُتَوَفَّى. وَإِذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيُّهُ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ اعْتِبَارًا بِالتَّوْكِيلِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ وَإِلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ الْجَدُّ قَائِمٌ مُقَامَ الْأَبِ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ فَكَذَا الْوَصِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مُقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَتُهُ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيَنْزِلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِيهِمَا. وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ تَلَافِي مَا فَرَّطَ مِنْهُ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَرْضَى بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ وَالْإِيصَاءُ إلَيْهِ. قَالَ (وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ وَمُقَاسَمَتُهُ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ بَاطِلَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَضَاءُ أَيْضًا فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُقْتَضِيًا كَانَ الْآخَرُ قَاضِيًا أَلْبَتَّةَ فَيَلْزَمُ

لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُورِثِ وَالْوَصِيُّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَيْضًا فَيَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ، أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ الْوَصِيُّ خَلِيفَةً عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا أَفْرَزَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ. قَالَ (فَإِنْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) لِمَا بَيَّنَّا. . قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ فِي الْوَرَثَةِ فَهَلَكَ مَا فِي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَدِهِ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فِيمَا قَبْلُ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَا أَفْرَزَهُ لِلْوَرَثَةِ فِي يَدِهِ، لِأَنَّ الْحِفْظَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَابِضَ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الدَّافِعَ بِالدَّفْعِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ فِيهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ مُقْتَضَى تَحْرِيرِهِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُوصِي لَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَضْمِينِ الْقَابِضِ وَتَضْمِينِ الدَّافِعِ فِيمَا إذَا سَلَّمَ الْوَصِيُّ مَا أَفْرَزَهُ لِلْوَرَثَةِ إلَيْهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ بَاقِيًا فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ هَالِكًا، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ كَذَلِكَ لَا فِي النِّهَايَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ إنْ كَانَ مَا أَعْطَاهُ الْوَصِيُّ لِلْوَرَثَةِ بَاقِيًا فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَهُوَ ثُلُثُ مَا أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ الْحِصَّةِ الَّتِي دَفَعَهَا الْوَصِيُّ إلَى الْوَرَثَةِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَابِضَ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الدَّافِعَ بِالدَّفْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ حِصَّةَ الْوَرَثَةِ إلَيْهِمْ حَتَّى هَلَكَ الْكُلُّ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَصِيَّ شَيْئًا لِبَقَاءِ حُكْمِ الْأَمَانَةِ فِي الْمَالِ فَكَذَا فِي هَلَاكِ قَدْرِ نَصِيبِهِ، إلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: فَإِنْ هَلَكَ حِصَّةُ الْمُوصَى لَهُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْوَرَثَةِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ هَلَكَ حِصَّةُ الْوَرَثَةِ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ وَهَلَكَ حِصَّةُ الْمُوصَى لَهُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ أَيْضًا فَمَا هَلَكَ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ مِنْ حِصَّةِ الْمُوصَى لَهُ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَصِيَّ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَارِثَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ الْوَرَثَةُ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ

عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِلَّا يَرْجِعُ بِتَمَامِ الثُّلُثِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقُّ الْمُوصِي، وَلَوْ أَفْرَزَ الْمُوصِي بِنَفْسِهِ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَهَلَكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، فَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ وَصِيُّهُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا بَقِيَ مَحَلُّهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَطَلَتْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُرَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَقْصُودِهَا وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ فَلَمْ تُعْتَبَرْ دُونَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَحُجُّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَلِأَنَّ تَمَامَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْجِهَةِ الْمُسَمَّاةِ، إذْ لَا قَابِضَ لَهَا، فَإِذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ كَهَلَاكِهِ قَبْلَهَا. . قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَقَسَمَهَا وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ فَقِسْمَتُهُ جَائِزَةٌ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَالْقَاضِي نَصَّبَ نَاظِرًا لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمَوْتَى وَالْغُيَّبِ، وَمِنْ النَّظَرِ إفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضِهِ فَنَفَذَ ذَلِكَ وَصَحَّ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ. قَالَ (وَإِذَا بَاعَ الْوَصِيُّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مُقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْمَحَلِّ: وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ الْوَرَثَةَ: أَيْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ: أَيْ مَا فِي يَدِ الْحَاجِّ فَالْوَصِيُّ وَالْحَاجُّ مَدْلُولٌ عَلَيْهِمَا غَيْرُ مَذْكُورٍ بِهِمَا. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الشَّرْحُ بِصَحِيحٍ، إذْ لَوْ رَجَعَ ضَمِيرُ مَا فِي يَدِهِ إلَى الْحَاجِّ فَصَارَ الْمَعْنَى فَهَلَكَ مَا فِي يَدِ الْحَاجِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحَانِ الْمَذْكُورَانِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَضَاعَ مِنْ يَدِهِ مُسْتَدْرِكًا مَحْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَالصَّوَابُ أَنَّ ضَمِيرَ مَا فِي يَدِهِ فِي قَوْلِهِ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ رَاجِعٌ إلَى الْوَصِيِّ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ الْمَعْنَى وَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِدْرَاكُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي كَمَا تَرَى. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقُّ الْمُوصِي، وَلَوْ أَفْرَزَ الْمُوصِي بِنَفْسِهِ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَهَلَكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَفْرَزَهُ وَصِيُّهُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قُلْت هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ غَيْرُ مُلْزَمٍ بِشَيْءٍ إذْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ رَأْسًا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ شَيْءٍ لِهَذَا عَدَمُ لُزُومِهِ لِذَاكَ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الْمُوصِيَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلْزَمًا بِشَيْءٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ تَلْزَمُ وَصِيَّتُهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ فَتَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ أَلْبَتَّةَ، وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ فِي دَلِيلِ مُحَمَّدٍ هُوَ أَنَّ الْمُوصِيَ لَوْ أَفْرَزَ بِنَفْسِهِ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ لَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ بَلْ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ أَصْلًا. وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَقْرِيرِهِ: وَأَمَّا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّ دَفْعَ الْوَصِيِّ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ هُوَ الَّذِي دَفَعَ

الْمُوصِي، وَلَوْ تَوَلَّى حَيًّا بِنَفْسِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَكَذَا إذَا تَوَلَّاهُ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الثَّمَنُ. بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَبِخِلَافِهِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَهُ الْوَصِيُّ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ ضَمِنَ الْوَصِيُّ) لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ مَا رَضِيَ بِبَذْلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْوَصِيُّ الْبَائِعُ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ. قَالَ (وَيَرْجِعُ فِيمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِقَبْضِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَأَخَذَ حُكْمَهَا، وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ حَيْثُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْقَاضِيَ تَعْطِيلُ الْقَضَاءِ، إذْ يَتَحَامَى عَنْ تَقَلُّدِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ حَذَرًا عَنْ لُزُومِ الْغَرَامَةِ فَتَتَعَطَّلُ مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ وَأَمِينُهُ سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ آخَرُ. قَالَ (وَإِنْ قَسَمَ الْوَصِيُّ الْمِيرَاثَ فَأَصَابَ صَغِيرًا مِنْ الْوَرَثَةِ عَبْدٌ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ رَجَعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ، وَيَرْجِعُ الصَّغِيرُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ. قَالَ (وَإِذَا احْتَالَ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ جَازَ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَمْلَأَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ مَوْتِهِ إلَى رَجُلٍ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَسَرَقَ الْمَالَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى، كَذَلِكَ هَذَا انْتَهَى. فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ فَهِمَ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِ مُحَمَّدٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نَفْسِ الْمُوصِي شَيْءٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَوَقَعَ

إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَلَا شِرَاؤُهُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادِ بَابِهِ. وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْفَاحِشِ مِنْهُ تَبَرُّعٌ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ (وَإِذَا كَتَبَ كِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى وَصِيٍّ كَتَبَ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ عَلَى حِدَةٍ وَكِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى حِدَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ، وَلَوْ كَتَبَ جُمْلَةً عَسَى أَنْ يَكْتُبَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ فِي آخِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْكَذِبِ. ثُمَّ قِيلَ: يَكْتُبُ اشْتَرَى مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا يَكْتُبُ مِنْ فُلَانٍ وَصِيِّ فُلَانٍ لِمَا بَيَّنَّا. وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ تُعْلَمُ ظَاهِرًا. قَالَ (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا وَقَعَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا التَّعْلِيلِ: لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ: أَيْ يَتَصَرَّفُونَ بِأَهْلِيَّتِهِمْ لَا بِأَمْرِ الْمَوْلَى، لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ، فَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُمْ نِيَابَةً عَنْ أَحَدٍ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ كَانَ عَامًّا لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِوَارِدٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ كَانَ عَامًّا لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا فِي حَقِّهِمَا أَيْضًا. أَمَّا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي حَقِّهِ فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ لَهُ بِسَبَبِ صِبَاهُ، كَمَا أَنَّ الْإِذْنَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ لَهُ بِسَبَبِ رِقِّهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا صَرَاحَةً إلَّا أَنْ صَارَ مَأْذُونًا فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ أَدَاءَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِدُونِ ثُبُوتِ الْإِذْنِ لَهُ فِي الْكَسْبِ مُحَالٌ، وَالْإِذْنُ فِي الشَّرْعِ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ لَا غَيْرُ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ فَلَا غُبَارَ فِي التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ

لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَلَا يَلِيهِ، فَكَذَا وَصِيُّهُ فِيهِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ عَلَى الْكَبِيرِ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَاهُ لِمَا أَنَّهُ حُفِظَ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ، وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ، أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ. قَالَ (وَلَا يَتْجُرُ فِي الْمَالِ) لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَصِيُّ الْأَخِ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ، وَكَذَا وَصِيُّ الْأُمِّ وَوَصِيُّ الْعَمِّ. وَهَذَا الْجَوَابُ فِي تَرِكَةِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ وَصِيَّهُمْ قَائِمٌ مُقَامَهُمْ وَهُمْ يَمْلِكُونَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَكَذَا وَصِيُّهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْأَبُ عَلَى الْكَبِيرِ) قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي صُورَةِ التَّنَاقُضِ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَيَتَقَصَّى عَنْهُ بِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ بِالْوِلَايَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَيَمْلِكُهُ بِجِهَةِ الْحِفْظِ وَالنَّظَرِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ التَّقَصِّي عَنْ التَّنَاقُضِ لَيْسَ بِتَامٍّ، لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَيْضًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَ الْعِقَابِ عَلَى الْكَبِيرِ بِالْوِلَايَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إنَّمَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ بِجِهَةِ الْحِفْظِ وَالنَّظَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ، فَإِنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ الْوَصِيُّ بِجِهَةِ الْحِفْظِ وَالنَّظَرِ أَيْضًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ السِّيَاقِ وَالسِّيَاقُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ عَلَى الْكَبِيرِ: أَيْ لَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ بِجِهَةِ الْحِفْظِ وَالنَّظَرِ أَيْضًا، وَهَذَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي وَجْهِ التَّقَصِّي عَنْ التَّنَاقُضِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ الْوَصِيُّ بِالْوِلَايَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ مَتْرُوكًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُتْرَكْ قَطُّ، إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْوَصِيَّ يَمْلِكُهُ

[فصل في الشهادة]

قَالَ (وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ الْجَدِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَدُّ أَحَقُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مُقَامَ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ فَيُقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ. وَلَنَا أَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ الْوَصِيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِقِيَامِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْظَرُ لِبَنِيهِ مِنْ تَصَرُّفِ أَبِيهِ (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْلِكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ وَصِيٍّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَصِيُّ الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ لِمَا بَيَّنَّاهُ. [فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ] (فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ مَعَهُمَا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهَا لِإِثْبَاتِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْكَبِيرِ بِالْوِلَايَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. فَالْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَكَذَا وَصِيُّهُ. وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا فِي الْكِفَايَةِ رَدَّهُ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُوَافِقُهُ قَوْلُهُ وَلَا يَلِيهِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَلَا يَلِيهِ لَا يُوَافِقُ مَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ التَّوْجِيهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ وَلَا يَلِي الْأَبُ الْعَقَارَ كَمَا يَلِي غَيْرُهُ إذْ فِي غَيْرِهِ حِفْظُ مَالِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَلِيهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا فِي الْكِفَايَةِ بَلْ يُوَافِقُهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ. (فَصْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْوَصِيَّةِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالْوَصِيَّةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا لِعَدَمِ عِلَاقَتِهَا فِيهَا انْتَهَى. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْهُ. أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِالْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ فَمُخْتَصَّةٌ بِهَا قَطْعًا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالْوَصِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَالظَّاهِرُ فِي وَجْهِ التَّأْخِيرِ مَا ذَكَرَهُ

مُعَيَّنًا لِأَنْفُسِهِمَا. قَالَ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ كَالْأَوَّلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التُّهْمَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ ضَمَّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ بِدُونِ شَهَادَتِهِمَا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ، أَمَّا الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا أَخَّرَ ذِكْرَ الشَّهَادَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا عَارِضَةً غَيْرَ أَصْلِيَّةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَارِضِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ بِدُونِ شَهَادَتِهِمَا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ، أَمَّا الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنَصِّبَ عَنْ الْمَيِّتِ وَصِيًّا آخَرَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إذَا تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ. قُلْنَا: الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْوَصِيِّ لَكِنَّ الْمُوصَى إلَيْهِمَا مَتَى شَهِدَا بِذَلِكَ كَانَ مِنْ زَعْمِهِمَا أَنَّهُ لَا تَدْبِيرَ لَنَا فِي هَذَا الْمَالِ إلَّا بِالثَّالِثِ. فَأَشْبَهَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيٌّ وَهُنَاكَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فَكَذَلِكَ هُنَا. كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ مِنْ قَضَاءِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَاقْتَفَى أَثَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي. أَمَّا السُّؤَالُ فَلَا اتِّجَاهَ لَهُ أَصْلًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ نَصَّبَهُمَا الْمَيِّتُ إذَا كَانَا عَاجِزَيْنِ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا وَصِيًّا آخَرَ بِلَا رَيْبٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا عَاجِزَيْنِ عَنْهُ وَلَكِنْ سَأَلَا الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا الْآخَرَ وَرَضِيَ بِهِ الْآخَرُ فَلَهُ أَيْضًا أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا الْآخَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِقَوْلِهِ أَوْ ضَمَّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي لَوْ سَأَلَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الرَّجُلَ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِرِضَاهُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُمَا فِي ذَلِكَ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ هَذَا حَالَ الضَّمِّ إلَى الْوَصِيَّيْنِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ الثَّالِثَ إلَيْهِمَا أَلْبَتَّةَ وَإِنْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، مِنْهَا التَّبْيِينُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: فَإِذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا، لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارٌ مِنْهُمَا بِوَصِيٍّ آخَرَ مَعَهُمَا لِلْمَيِّتِ، وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِهِ فَصَارَ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثَةِ. ثُمَّ قَالَ فِي بَيَانِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فِي صُورَةِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ انْتَهَى. وَمِنْهَا الْمُحِيطُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَدْخَلْت مَعَهُمَا رَجُلًا آخَرَ سِوَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُمَا ثَالِثًا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمَا ثَالِثًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا، بَلْ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَقَالَ لَا أَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ قَالَ أَدْخَلْت مَعَهُمَا ثَالِثًا. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبِلَ ثُمَّ أَبَى فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ رَدُّهُ وَإِبَاؤُهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّ قِيَاسَ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيٌّ بِقَوْلِهِ وَهُنَاكَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فَكَذَلِكَ هُنَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ إذْ لَا تُهْمَةَ هُنَاكَ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ تُهْمَةٌ كَمَا بَيَّنُوا، وَأَيْضًا الْقَاضِي يَحْتَاجُ هُنَاكَ إلَى نَصْبِ الْوَصِيِّ وَهُنَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي زَعْمِ الْمُجِيبِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ، وَمُجَرَّدُ الْمُشَابَهَةِ فِي جِهَةٍ لَا يُصَحِّحُ الْقِيَاسَ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْمَقَامَ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهِ: إنَّ وُجُوبَ كَوْنِ الْمَضْمُونِ هَذَا الْمُدَّعَى أَثَرُ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ مَعَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ فَكَيْفَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرٌ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُتَّهَمِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَإِيجَابِهِ، لَا فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ كَمُؤْنَةِ التَّعْيِينِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُسْقِطُ عَنْ الْقَاضِي مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْوِصَايَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ

قَالَ (وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ) مَعْنَاهُ إذَا شَهِدَ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُنْكِرُ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ (وَلَوْ شَهِدَا) يَعْنِي الْوَصِيَّيْنِ (لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ) (فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُمَا يُظْهِرَانِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. قَالَ (وَإِنْ شَهِدَ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَالِ الْمَيِّتِ جَازَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: إنْ شَهِدَا لِوَارِثٍ كَبِيرٍ تَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ، لَأَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَةِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَعَرِيَتْ عَنْ التُّهْمَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمَا وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَوِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهَا فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ وَصِيِّ الْأَبِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا. . قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَتَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ. أَمَّا الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ حُجَّةً فِي الدَّفْعِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْإِثْبَاتِ كَالِاسْتِصْحَابِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرُ الدَّفْعِ، وَلَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ هُنَا حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَاضِيَ مَلَكَ نَصْبَ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ طَالِبًا وَالْمَوْتُ مَعْرُوفًا فَلَا يُثْبِتُ الْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وِلَايَةً لَمْ تَكُنْ، وَإِنَّمَا أُسْقِطَتْ عَنْهُ مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ. وَمِثَالُهُ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي تَعْيِينِ الْأَنْصِبَاءِ لِدَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْ الْقَاضِي فَصَلَحَتْ دَافِعَةً لَا مُوجِبَةً، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ تَدْفَعُ عَنْهُ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ اهـ. أَقُولُ: تَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ إذَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُنْكِرُ يَقْتَضِي أَيْضًا بِظَاهِرِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي صُورَةِ الْإِنْكَارِ بُطْلَانُ الشَّهَادَةِ لَا غَيْرُ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي مَا دَعَاهُمْ إلَى جَعْلِ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَقَطْ دُونَ مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَى فِي الثَّانِي أَيْضًا وَزِيَادَةُ الْإِفَادَةِ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى إذْ ذَاكَ وَكَذَلِكَ حُكْمُ شَهَادَةِ الِابْنَيْنِ فِي صُورَةِ أَنْ يُنْكِرَ الْمَشْهُودُ لَهُ مَا شَهِدَا بِهِ، وَفِي صُورَةِ أَنْ يَدَّعِيَهُ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تَبْطُلُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَتُقْبَلُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ اسْتِحْسَانًا وَهَذَا جَيِّدٌ جِدًّا فَإِنَّ جَوَابَ مَسْأَلَةِ الِابْنَيْنِ كَجَوَابِ مَسْأَلَةِ شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَأَمَّا إذَا جَعَلَ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَقَطْ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ إحْدَى صُورَتَيْ مَسْأَلَةِ شَهَادَةِ الِابْنَيْنِ مَتْرُوكَةَ الْبَيَانِ فِي الْكِتَابِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ وَصِيِّ الْأَبِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمَا لِوَارِثٍ صَغِيرٍ أَيْضًا فِي غَيْرِ تَرِكَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَرَيَانِهِ بِعَيْنِهِ هُنَاكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ شَهَادَتِهِمَا لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَغَيْرُهَا مُتَّفِقٌ فِي الْكِتَابِ آنِفًا فَلْيَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: جِنْسُ

أَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ لِلْآخَرِ بِوَصِيَّةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ تَجُزْ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا. وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الْقَبُولِ أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ، وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ. وَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُثْبِتَةً حَقَّ الشَّرِكَةِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ، بِخِلَافِ حَالِ حَيَاةِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ لِبَقَائِهَا لَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ. قَالَ (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِجَارِيَتِهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِعَبْدِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ) لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْأَوَّلَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِعَبْدٍ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلْأَوَّلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ. وَالثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ التَّرِكَةِ كَالشَّهَادَةِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ. وَالثَّالِثُ مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَا لِرَجُلَيْنِ بِجَارِيَةٍ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ. وَالرَّابِعُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا هُوَ أَنْ يَشْهَدَا لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَمَبْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى تُهْمَةِ الشَّرِكَةِ، فَمَا ثَبَتَ فِيهِ التُّهْمَةُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ وَهُوَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ التُّهْمَةُ قُبِلَتْ كَمَا فِي الثَّالِثِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا انْتَهَى. أَقُولُ: تَقْسِيمُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَتَقْرِيرُهُ هُنَا مُخْتَلٌّ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْأَوْجُهِ الْأَقْسَامَ الْكُلِّيَّةَ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ لَا غَيْرُ: أَحَدُهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ. وَثَانِيهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ. وَثَالِثُهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَمَا عَدَّهُ وَجْهًا رَابِعًا دَاخِلٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي لَا مَحَالَةَ. وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْأَمْثِلَةَ فَهِيَ خَمْسَةٌ لَا أَرْبَعَةٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكِتَابِ، فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ الِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَجْهًا وَاحِدًا، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَالثَّالِثُ مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ لَا يُسَاعِدُ كَوْنَ مُرَادِهِ بِالْأَوْجُهِ هُوَ الْأَمْثِلَةُ، بَلْ يَقْتَضِي كَوْنَ مُرَادِهِ بِهَا هُوَ الْأَقْسَامُ الْكُلِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَإِنْ ذَهَبَا أَيْضًا إلَى كَوْنِ الْأَوْجُهِ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ، إلَّا أَنَّ تَقْرِيرَهُمَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْأَوْجُهِ هُوَ الْأَمْثِلَةُ وَالْمَسَائِلُ دُونَ الْأَقْسَامِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأُصُولِ كَمَا يُنَافِيهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيهِ: وَجِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِوَصِيَّةِ عَيْنٍ لِرَجُلَيْنِ كَالْعَبْدِ وَيَشْهَدَ الْمُوصَى لَهُمَا لِهَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةِ عَيْنٍ أُخْرَى كَالْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لِلْمَشْهُودِ فِيهِ فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، هُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِالْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَيْضًا. وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا. وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِعَيْنٍ كَالْعَبْدِ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ

[كتاب الخنثى]

[كِتَابُ الْخُنْثَى] ـــــــــــــــــــــــــــــQمُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ. وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ انْتَهَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ. ثُمَّ إنَّ الْحَقَّ أَنْ تُثَلَّثَ الْقِسْمَةُ هُنَا كَمَا فَعَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ شَهِدَ هَذَانِ لِهَذَيْنِ وَهَذَانِ لِهَذَيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ لَا تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ، ثُمَّ فَصَّلَ كُلَّ وَجْهٍ بِأَمْثِلَتِهِ وَدَلِيلِهِ. وَكَمَا فَصَّلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ حَيْثُ قَالَ: وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: أَحَدُهَا مَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّانِي مَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّالِثُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَأَمَّلْ (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْمَبَالِ مِنْ آلَتَيْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ فِيهِ، وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْأَوَّلِ لِمَا أَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَعَمُّ وَالْأَغْلَبُ وَهَذَا كَالنَّادِرِ فِيهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِمَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ، بَلْ يَعُمُّ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَنْ لَهُ آلَتَانِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَارَّةَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مَثَلًا جَارِيَةٌ بِأَسْرِهَا فِي حَقِّ الْخُنْثَى أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي أَحْكَامِ سَائِرِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ لَيْسَ بِتَامٍّ، إذْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ لِكِتَابِ الْخُنْثَى فَصْلَيْنِ، وَوَضَعَ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ لِبَيَانِهِ وَالْفَصْلَ الثَّانِيَ لِأَحْكَامِهِ حَيْثُ قَالَ: فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ. ثُمَّ قَالَ: فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ، فَهُوَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنَّمَا شَرَعَ حَقِيقَةً فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ لَا فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَحْكَامَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ بَيَانَ نَفْسِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ شَرَعَ فِي أَحْكَامِهِ أَيْضًا بِتَأْوِيلٍ مَا فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ الشُّرُوعِ بِالثَّانِي فِي قَوْلِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ، وَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِعِنَايَةٍ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ غَلَبَ وُجُودُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ هُوَ نَادِرُ الْوُجُودِ اهـ. أَقُولُ: يَتَّجِهُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ الْبَحْثِ الْأَوَّلِ بَلْ بَعْضُ الْبَحْثِ الثَّانِي أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: أَخَّرَ كِتَابَ الْخُنْثَى لِوُقُوعِهِ نَادِرًا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ آلَةٌ وَاحِدَةٌ، إمَّا آلَةُ الرَّجُلِ، وَإِمَّا آلَةُ الْأُنْثَى، وَاجْتِمَاعُ الْآلَتَيْنِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، وَلَكِنْ قَدْ يَقَعُ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ حُكْمِهِ، فَلِأَجْلِ هَذَا ذَكَرَهُ وَأَخَّرَهُ عَنْ سَائِرِ الْكُتُبِ لِنُدْرَتِهِ وَقِلَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ بَيَانُهُ اهـ. أَقُولُ: هَذَا جَيِّدٌ إلَّا قَوْلُهُ وَقِلَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى بَيَانِهِ، فَإِنَّ مَا يَكُونُ نَادِرَ الْوُقُوعِ وَخِلَافَ الْمُعْتَادِ يَكُونُ أَحْوَجَ إلَى الْبَيَانِ لِكَوْنِهِ بَعِيدًا عَنْ الْأَذْهَانِ مَوْقُوفًا حَالُهُ عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمِنْ مَحَاسِنِ أَحْكَامِ الْخُنْثَى تَرْكُ الْإِهْمَالِ فِي الْبَيَانِ وَإِنْ نَدَرَ وُجُودُهُ فِي الْأَزْمَانِ.

(فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ) قَالَ (وَإِذَا كَانَ لِلْمَوْلُودِ فَرْجٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ خُنْثَى، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الذَّكَرِ فَهُوَ غُلَامٌ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ أُنْثَى) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْهُ كَيْفَ يُورَثُ؟ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ. وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ (وَإِنْ بَال مِنْهُمَا فَالْحُكْمِ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةً أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ (وَإِنْ كَانَا فِي السَّبْقِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا) لِأَنَّهُ عَلَامَةُ قُوَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ الْفَصْلُ إنَّمَا يَذْكُرُ لِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ نَوْعِ مُغَايِرَةٍ بَيْنَهُمَا، وَهَاهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْفَصْلِ. قُلْت: كَلَامُهُ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْكِتَابُ فِيهِ فَصْلَانِ: فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْخُنْثَى وَفَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ، وَمَا ذَكَرْت فَإِنَّمَا هُوَ فِي وُقُوعِهِ فِي التَّفْصِيلِ لَا فِي الْإِجْمَالِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ: وَلَك أَنْ تَقُولَ انْفِصَالُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَنْ أُخْرَى مِنْهَا يَسْتَلْزِمُ انْفِصَالَ الْأُخْرَى عَنْ الْأُولَى، فَإِذَا عُنْوِنَتْ الثَّانِيَةُ بِالْفَصْلِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ كَانَ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ تَعْنُونِ الْأُولَى بِهِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَادَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا إشَارَةً فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ إلَى أَنَّ هُنَا فَصْلًا آخَرَ يُذْكَرُ بُعَيْدَهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ السَّدَادِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْفَصْلَ إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لِقَطْعِهِ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ مُطْلَقًا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْفَصْلِ؟ فَاسْتِلْزَامُ انْفِصَالِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَنْ أُخْرَى مِنْهَا انْفِصَالُ الْأُخْرَى عَنْ الْأُولَى إنَّمَا يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَعْنَى الِانْفِصَالِ مُطْلَقًا فِي الْأُولَى لَا تَحَقُّقَ الِانْفِصَالِ عَمَّا تَقَدَّمَ فِي الْأُولَى أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْفَصْلُ إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ كَيْفَ يَحْصُلُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْفَصْلِ هُنَا الْإِشَارَةُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ إلَى هُنَا فَصْلًا آخَرَ يُذْكَرُ بُعَيْدَهُ وَذِكْرُ فَصْلٍ لَا يَقْتَضِي ذِكْرَ فَصْلٍ آخَرَ لَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الْعُرْفِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَقْتَضِيَ ذِكْرُ فَصْلٍ فِي أَحْكَامِهِ ذِكْرَ فَصْلٍ آخَرَ أَيْضًا بُعَيْدَهُ وَلَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهُ فَصْلٌ آخَرُ قَطْعًا، وَعَنْ هَذَا تَرَاهُمْ يَذْكُرُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَصْلًا وَاحِدًا وَلَا يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ فَصْلًا آخَرَ أَصْلًا.

[فصل في أحكامه]

ذَلِكَ الْعُضْوِ وَكَوْنُهُ عُضْوًا أَصْلِيًّا، وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ. وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ الْخُرُوجِ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِاتِّسَاعٍ فِي أَحَدِهِمَا وَضِيقٍ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ. قَالَ (وَإِذَا بَلَغَ الْخُنْثَى وَخَرَجَتْ لَهُ اللِّحْيَةُ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَهُوَ رَجُلٌ) وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ كَمَا يَحْتَلِمُ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ لَهُ ثَدْيٌ مُسْتَوٍ، لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الذُّكْرَانِ (وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فِي ثَدْيِهِ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ أَوْ أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ امْرَأَةٌ) لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ إحْدَى هَذِهِ الْعَلَامَاتِ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ) وَكَذَا إذَا تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْمَعَالِمُ. (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَصْلُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ وَالْأَوْثَقِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَأَنْ لَا يَحْكُمَ بِثُبُوتِ حُكْمٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ. قَالَ (وَإِذَا وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ كَيْ لَا يُفْسِدَ صَلَاتَهُمْ وَلَا النِّسَاءَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ. (فَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ (وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ] أَيْ فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ إحْدَى الْعَلَامَاتِ، وَتَعَارَضَتْ اللَّامَّاتُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُشْكِلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ فِيمَا مَضَى مِنْ الْكُتُبِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ كَيْ لَا يُفْسِدَ صَلَاتَهُمْ، وَلَا النِّسَاءَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ) أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ هَذَا التَّعْلِيلِ نَوْعُ خَلَلٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا النِّسَاءَ عَطْفٌ عَلَى الرِّجَالِ فِي قَوْلِهِ فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ. وَقَوْلُهُ فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَا النِّسَاءَ مُتَفَرِّعًا أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَهُ، فَيَصِيرُ الْحَاصِلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَفَرُّعِ عَدَمِ تَخَلُّلِهِ النِّسَاءَ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، إذْ لَا تَأْثِيرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فِي عَدَمِ تَخَلُّلِهِ النِّسَاءَ، بَلْ مُجَرَّدُ احْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ مِمَّا يُجَوِّزُ تَخَلُّلَهُ النِّسَاءَ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ فِي عَدَمِ تَخَلُّلِهِ النِّسَاءَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي ذَاقَ هَذِهِ الْبَشَاعَةَ فَغَيَّرَ تَحْرِيرَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْلِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ حَتَّى لَا يُفْسِدَ صَلَاتَهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَلَا يَتَخَلَّلُ النِّسَاءَ حَتَّى تَفْسُدَ صَلَاتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ) هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ

يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ صَلَاتَهُمْ احْتِيَاطًا) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ. قَالَ (وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ امْرَأَةٌ (وَيَجْلِسَ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ السِّتْرَ عَلَى النِّسَاءِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ (وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعٍ أَمَرْته أَنْ يُعِيدَ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَهُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ (وَتَبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ لِأَنَّهُ عَسَاهُ أُنْثَى أَوْ تَخْتِنُهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ رَجُلٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا قُلْنَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ابْتَاعَ لَهُ الْإِمَامُ أَمَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِنَوَائِب الْمُسْلِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا قَالَ بِاسْتِحْبَابِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ الْمُسْقِطَ وَهُوَ الْأَدَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْمُفْسِدَ وَهُوَ مُحَاذَاةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْهُومٌ، فَلِلتَّوَهُّمِ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فَطَانَةٍ أَنَّ كَوْنَ الْمُفْسِدِ مَوْهُومًا لَا يَرْفَعُ وُجُوبَ إعَادَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَقَرُّرِ كَوْنِ الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ وَاجِبًا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ يَقْتَضِي الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَوْهُومِ أَيْضًا، فَالظَّاهِرُ عِنْدِي مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَهُ الشُّرَّاحُ هُنَا عَنْهَا، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ مُرَاهِقًا، فَإِنَّ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي حَقِّهِ تَخَلُّقًا وَاعْتِيَادًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ بَالِغًا فَالْإِعَادَةُ وَاجِبَةٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ احْتِيَاطًا عَلَى مَا هُوَ الْحُكْمُ فِي بَابِ الْعِبَادَةِ. (قَوْلُهُ وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَى النِّسَاءِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ بِلَا عُذْرٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ بِعُذْرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْعُذْرِ، وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ الْعُذْرِ هُنَا حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ يَجْلِسُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْعُذْرِ وَاشْتِبَاهُ الْحَالِ مِنْ أَبْيَنِ الْأَعْذَارِ اهـ. فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ يُرَدُّ حِينَئِذٍ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا أَنْ يُقَالَ: ارْتِكَابُ الْمَكْرُوهِ أَيْضًا جَائِزٌ عِنْدَ الْعُذْرِ، وَاشْتِبَاهُ الْحَالِ مِنْ أَبْيَنِ الْأَعْذَارِ فَمَا الرُّجْحَانُ فِي جُلُوسِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ فَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ. (قَوْلُهُ وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا التَّعْلِيلُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلَكِنْ هُوَ فَاسِدٌ

(فَإِذَا خَتَنَتْهُ بَاعَهَا وَرَدَّ ثَمَنَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا (وَيُكْرَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لُبْسُ الْحُلِيِّ وَالْحَرِيرِ، وَأَنْ يَتَكَشَّفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا يُبَاحُ لَهَا النَّظَرُ إلَى مَوَاضِعِ الْعَوْرَةِ مِنْ سَيِّدَتِهَا مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ لِلْأَمَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَوْلَاتِهَا كَمَا لِلْأَجْنَبِيَّاتِ، فَعَلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْمِلْكِ فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى سَيِّدَتِهَا. وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ هُنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ فَقَالَ: لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَرَى الْوَلِيُّ جَارِيَةً لِلْخُنْثَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا الْخُنْثَى، ثُمَّ إنْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَهَذَا نَظَرُ الْمَمْلُوكَةِ إلَى مَالِكِهَا، وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى فَإِنَّهُ نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ وَإِنَّهُ مُبَاحٌ حَالَةَ الْعُذْرِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ شِرَاءَ الْجَارِيَةِ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْخُنْثَى أُنْثَى، بِاعْتِبَارِ أَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ مِنْ نَظَرِهِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، لَا أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ تَأْثِيرًا فِي إبَاحَةِ نَظَرِ الْمَمْلُوكَةِ إلَى سَيِّدَتِهَا، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ اعْتِرَاضَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عَلَى تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ لَا فِي حَالَةِ الْعُذْرِ، وَلِهَذَا لَوْ أَصَابَ الْمَرْأَةَ قُرْحٌ أَوْ جُرْحٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ تُدَاوِيهِ الْمَرْأَةُ، وَكَذَا نَظَرُ الْقَابِلَةِ إلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ يَحِلُّ، فَإِذَا جَازَ النَّظَرُ بِالْعُذْرِ فَإِقَامَة السُّنَّةُ أَيْضًا عُذْرٌ جَازَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا انْتَهَى. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، إذْ يَشْتَرِكُ فِي جَوَازِ النَّظَرِ بِالْعُذْرِ إلَى مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ مِنْ الْأَمَةِ الْمَرْأَةُ وَالْحُرَّةُ وَالْمَمْلُوكَةُ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ فِي إبَاحَةِ نَظَرِ الْمَمْلُوكَةِ إلَى سَيِّدَتِهَا أَصْلًا. وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً يُشْعِرُ لَا مَحَالَةَ بِتَأْثِيرِ الْمِلْكِ فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى سَيِّدَتِهَا كَتَأْثِيرِهِ فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى سَيِّدِهَا، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ فَاسِدٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَعَنْ هَذَا أَمْضَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي التَّعْلِيلِ: لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَى ذَكَرِهِ إنْ كَانَ رَجُلًا (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لُبْسُ الْحُلِيِّ وَالْحَرِيرِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَلَيْسَ فِي قَيْدِ قَوْلِهِ فِي حَيَاتِهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ، لِأَنَّ الْحَيَاةَ تُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِ اللُّبْسِ وَمِنْ ذِكْرِ اخْتِصَاصِ الْكَرَاهَةِ لِمَا أَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ لَوْ وُجِدَ ذَاكَ اللِّبَاسُ لَا لَبِسَ، وَالْكَرَاهَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْمُلْبِسِ لَا لِلْمَيِّتِ، وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبَا الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَصَدَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ رَدَّ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ وَهُوَ مُنَاقَشَةٌ سَهْلَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يُذْكَرُ فِي التَّرَاكِيبِ يَكُونُ قَيْدًا لِلْإِخْرَاجِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا بَيَانًا لِلْوَاقِعِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ حَاصِلَ دَخَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَيَاتِهِ قَيْدٌ مُسْتَدْرَكٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ هُنَا لَا نَفْهَمُ مَعْنَاهُ مِمَّا ذُكِرَ فِيمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ كَوْنَهُ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ لَا يَدْفَعُ اسْتِدْرَاكَهُ وَعَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ مُبَيَّنًا بِدُونِهِ، فَالْوَجْهُ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ ذِكْرِهِ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحُ أَنْفُسُهُمْ حَيْثُ قَالُوا: إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ فِي ذَلِكَ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي لَفْظِ الْمَبْسُوطِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ ذِكْرِ تَكْفِينِ الْخُنْثَى إذَا مَاتَ فَكَانَ ذِكْرُ الْحَيَاةِ هُنَاكَ لِتَبْيِينِ الْمُقَابَلَةِ لَا لِلْقَيْدِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَأَنْ يَتَكَشَّفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى

وَأَنْ يَخْلُوَ بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَأَنْ يُسَافِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ) تَوَقِّيًا عَنْ احْتِمَالِ الْمَحْرَمِ (وَإِنْ أَحْرَمَ وَقَدْ رَاهَقَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا عِلْمَ لِي فِي لِبَاسِهِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمِخْيَطِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّ تَرْكَ لُبْسِ الْمِخْيَطِ وَهُوَ امْرَأَةٌ أَفْحَشُ مِنْ لُبْسِهِ وَهُوَ رَجُلٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ (وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُ الْخُنْثَى) لِأَنَّ الْخَنَثَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ (وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ وَلَهُ مَمْلُوكٌ خُنْثَى لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ) لِمَا قُلْنَا (وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عَتَقَ) لِلتَّيَقُّنِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُهْمَلٍ (وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ أَوْ أَنَا امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا) لِأَنَّهُ دَعْوَى يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الدَّلِيلِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لَمْ يُغَسِّلْهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ) لِأَنَّ حَلَّ الْغُسْلِ غَيْرُ ثَابِتٍ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (فَيَتَوَقَّى لِاحْتِمَالِ الْحُرْمَةِ وَيُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ (وَلَا يَحْضُرُ إنْ كَانَ مُرَاهِقًا غُسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى (وَإِنْ سَجَّى قَبْرَهُ فَهُوَ أَحَبُّ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى يُقِيمُ وَاجِبًا، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَالتَّسْجِيَةُ لَا تَضُرُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجُلِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ لَجَازَ لِلْخُنْثَى التَّكَشُّفُ لِلنِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّكَشُّفِ إبْدَاءَ مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الْخُنْثَى أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَامٍّ عِنْدِي إذْ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ يَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِعَدَمِ جَوَازِ أَنْ يَتَكَشَّفَ لِلنِّسَاءِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ كَوْنِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ نَقْلًا عَنْ كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَصْلِ، إذْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكَشُّفُ لِلنِّسَاءِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكَشُّفُ لِلرِّجَالِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ امْرَأَةً، فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَبْنَاهَا كَوْنُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لَا كَوْنُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ كَمَا زَعَمُوا تَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ مُشْكِلًا إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ إحْدَى الْعَلَامَاتِ، فَعِنْدَ ظُهُورِهَا

(وَإِذَا مَاتَ فَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَعَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى فَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ (وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ (وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ عُذْرٍ جُعِلَ الْخُنْثَى خَلْفَ الرَّجُلِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ (وَيُجْعَلُ بَيْنهمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ الْخُنْثَى) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ (وَإِنْ جُعِلَ عَلَى السَّرِيرِ نَعْشُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، (وَيُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْجَارِيَةُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ) يَعْنِي يُكَفَّنُ فِي خَمْسِ أَثْوَابٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أُنْثَى فَقَدْ أُقِيمَتْ سُنَّةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ زَادُوا عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. (وَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَخَلَفَ ابْنًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَثْلَاثًا لِلِابْنِ سَهْمَانِ، وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ وَهُوَ أُنْثَى عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ) وَقَالَا: لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. وَاخْتَلَفَا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِلِابْنِ سَبْعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحْكَمُ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى. أَقُولُ: مَدَارُ هَذَا النَّظَرِ عَلَى عَدَمِ فَهْمِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُشْكِلٌ لَا عِلْمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا: إذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ نَقْلًا عَنْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَعْوَى تُخَالِفُ قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ، فَإِنَّ مُخَالَفَةَ دَعْوَاهُ قَضِيَّةَ الدَّلِيلِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا، إذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُشْكِلٌ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُقَابِلُ لِمَا قَبْلَهُ فَيَسْقُطُ النَّظَرُ قَطْعًا، إذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ حَتَّى يَحْكُمَ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى بِلَا

وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، لِأَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَالْخُنْثَى ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ، فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا هَذَا يَضْرِبُ بِثَلَاثَةٍ وَذَلِكَ يَضْرِبُ بِأَرْبَعَةٍ فَيَكُونُ سَبْعَةً. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْخُنْثَى لَوْ كَانَ ذَكَرًا يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا احْتَجْنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ سِتَّةٌ، فَفِي حَالٍ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ، وَفِي حَالٍ يَكُونُ أَثْلَاثًا لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ، فَسَهْمَانِ لِلْخُنْثَى ثَابِتَانِ بِيَقِينٍ. وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّهْمِ الزَّائِدِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ فَانْكَسَرَ فَيُضَعَّفُ لِيَزُولَ الْكَسْرُ فَصَارَ الْحِسَابُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاجَةَ هَاهُنَا إلَى إثْبَاتِ الْمَالِ ابْتِدَاءً، وَالْأَقَلُّ وَهُوَ مِيرَاثُ الْأُنْثَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ شَكٌّ، فَأَثْبَتْنَا الْمُتَيَقَّنَ قَصْرًا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَصَارَ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاجَةٍ إلَى قَوْلِ نَفْسِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ أَمْ لَا بِأَنْ لَا يَعْلَمَ ظُهُورَ إحْدَى الْعَلَامَاتِ وَلَا عَدَمَ ظُهُورِهَا، فَحِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ إلَى قَوْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ هُنَا، وَمَحَلُّ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا غُبَارَ فِيهِ. وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ حَسِبَ مَعْنَى الْمَقَامِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ نَظَرُهُ كَيْفَ أَوْرَدَ النَّظَرَ عَلَى التَّعْلِيلِ دُونَ نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ أَحَقُّ بِوُرُودِهِ عَلَيْهَا عَلَى مَدَارِ فَهْمِهِ مَعْنَى الْمَقَامِ بِأَنْ يُقَالَ لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ مُشْكِلًا إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ إحْدَى الْعَلَامَاتِ، فَبَعْدَ ظُهُورِهَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ

إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الْمَالِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالْمُتَيَقَّنِ، كَذَا هَذَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ الْأَقَلَّ لَوْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا فَحِينَئِذٍ يُعْطَى نَصِيبَ الِابْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ زَوْجًا، وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى أَوْ امْرَأَةً وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى. فَعِنْدَنَا فِي الْأُولَى لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى، وَفِي الثَّانِيَةِ لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ الْأَقَلَّ لَوْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مِيرَاثُ الْأُنْثَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ: يَعْنِي أَوْجَبْنَا لِلْخُنْثَى مِيرَاثَ الْأُنْثَى لِلتَّيَقُّنِ، وَمَا تَجَاوَزْنَا عَنْهُ إلَى نَصِيبِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الْمَالَ ابْتِدَاءً لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، إلَّا أَنْ يُصِيبَ الْخُنْثَى أَقَلُّ مِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى إنْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا فَحِينَئِذٍ يُعْطَى نَصِيبَ الِابْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقِّنًا بِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ اخْتِلَالٍ. لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي أَوْجَبْنَا لِلْخُنْثَى مِيرَاثَ الْأُنْثَى لِلتَّيَقُّنِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ الْأَقَلُّ لَوْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ فَأَوْجَبْنَا الْمُتَيَقَّنَ بِهِ قَصْرًا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، فَيُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مِيرَاثُ الْأُنْثَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ تَدَبَّرْ. .

[مسائل شتى]

(مَسَائِلُ شَتَّى) قَالَ (وَإِذَا قُرِئَ عَلَى الْأَخْرَسِ كِتَابُ وَصِيَّتِهِ فَقِيلَ لَهُ أَنَشْهَدُ عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ: أَيْ نَعَمْ أَوْ كَتَبَ، فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يُعْتَقَلُ لِسَانُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ وَقَدْ شَمِلَ الْفَصْلَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ كَالْوَحْشِيِّ وَالْمُتَوَحِّشِ مِنْ الْأَهْلِيِّ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ، وَالْفَرْقُ لِأَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً مَعْلُومَةً وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ. حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ وَصَارَتْ لَهُ إشَارَاتٌ مَعْلُومَةٌ قَالُوا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ، وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْعَارِضِيَّ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ دُونَ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَنْقَاسَانِ، وَفِي الْآبِدَةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَسَائِلُ شَتَّى] قَدْ كَانَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَذْكُرُوا فِي آخِرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ ذِكْرُهُ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ اسْتِدْرَاكًا لِلْفَائِتِ، وَيُتَرْجِمُونَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ بِمَسَائِلَ شَتَّى أَوْ بِمَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ، فَعَمِلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قُرِئَ عَلَى الْأَخْرَسِ كِتَابُ وَصِيَّتِهِ فَقِيلَ لَهُ نَشْهَدُ عَلَيْك بِمَا فِي الْكِتَابِ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ: أَيْ نَعَمْ أَوْ كَتَبَ، فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَهُوَ جَائِزٌ) قَالَ الشُّرَّاحُ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِأَنَّ مَا يَجِيءُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةً لِإِنْكَارٍ، مِثْلُ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ عَرْضًا. وَالثَّانِي مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ طُولًا إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْهُودًا مِنْهُ فِي نَعَمْ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فِي تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: أَيْ نَعَمْ تَعَيَّنَ أَنَّ وَضْعَهَا فِيمَا جَاءَ مِنْهُ دَلَالَةُ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ فِي تَقْرِيرِ جَوَابِهَا إلَى قَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ، بَلْ كَانَ يَكْفِي قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ) أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ إشَارَةُ الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ، وَلَوْ امْتَدَّ اعْتِقَالُهُ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْوَصِيَّةِ قَدْ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ هُنَاكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ فِي الْحُكْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا

قَالَ (وَإِذَا كَانَ الْأَخْرَسُ يَكْتُبُ كِتَابًا أَوْ يُومِئُ إيمَاءً يُعْرَفُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَيُقْتَصُّ لَهُ وَمِنْهُ، وَلَا يُحَدُّ وَلَا يُحَدُّ لَهُ) أَمَّا الْكِتَابَةُ فَلِأَنَّهَا مِمَّنْ نَأَى بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِمَّنْ دَنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدَّى وَاجِبَ التَّبْلِيغِ مَرَّةً بِالْعِبَارَةِ وَتَارَةً بِالْكِتَابَةِ إلَى الْغُيَّبِ، وَالْمُجَوِّزُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ الْعَجْزُ وَهُوَ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ أَظْهَرُ وَأَلْزَمُ. ثُمَّ الْكِتَابُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّطْقِ فِي الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ عَلَى مَا قَالُوا. وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجِدَارِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ، وَيَنْوِي فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَرِيحِ الْكِتَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ. وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَجُعِلَتْ حُجَّةً فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلَا تَخْتَصُّ بِلَفْظٍ دُونَ لَفْظٍ، وَقَدْ تَثْبُتُ بِدُونِ اللَّفْظِ. وَالْقِصَاصُ حَقُّ الْعَبْدِ أَيْضًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحُدُودَ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْقَاذِفِ فَلَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ آنِفًا، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَفَطَّنَ لَهُ حَيْثُ طَرَحَ هَذَا التَّعْلِيلَ مِنْ الْبَيِّنِ (قَوْلُهُ أَمَّا الْكِتَابَةُ فَلِأَنَّهَا مِمَّنْ نَأَى بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابُ مِمَّنْ دَنَا إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ. وَهُوَ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعِي وَلَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِهِ الْآخَرِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ أَنَّ كِتَابَةَ الْأَخْرَسِ حُجَّةٌ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي الْحُدُودِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا حُجَّةً فِي الْحُدُودِ، إذْ لَا فَارِقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُدُودِ وَمَا سِوَاهَا، بَلْ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا حُجَّةً فِي الْحُدُودِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ مُسْتَبِينَةً مَرْسُومَةً بِاقْتِضَاءِ قَوْلِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّطْقِ فِي الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ عَلَى مَا قَالُوا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ النُّطْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً ضَرُورِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ أَيْضًا كَمَا كَانَ النُّطْقُ حُجَّةً فِيهَا أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْمُخْلَصِ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَجُعِلَتْ حُجَّةً فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الطَّلَاقُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ. كَمَا لَمْ تُشْتَرَطْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً وَمَرَّ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِي بَابِ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مِنْ كِتَابِ الْعَتَاقِ. فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ الطَّلَاقُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّرْفَةِ، بَلْ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ أَيْضًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ عَلَى ذَلِكَ. قُلْت: مُجَرَّدُ تَحَقُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي شَيْءٍ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ حُجَّةً فِيهِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ إشَارَتَهُ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ حَدِّ الْقَذْفِ مَعَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ. كَمَا أَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ لَا بُدَّ فِي كَوْنِ إشَارَتِهِ حُجَّةً مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَقَطْ أَوْ مِمَّا غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقِصَاصِ، لَا مِمَّا غَلَبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ كَحَدِّ الْقَذْفِ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَائِنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَوْنُ الطَّلَاقِ مِمَّا غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَمْنُوعٌ. كَيْفَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى، فَإِنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، حَتَّى أَنَّ مُطَالَبَةَ

وَلَا يُحَدُّ أَيْضًا بِالْإِشَارَةِ فِي الْقَذْفِ لِانْعِدَامِ الْقَذْفِ صَرِيحًا وَهُوَ الشَّرْطُ. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ أَوْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ التَّعَمُّدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ. أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ زَوَاجِرَ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي قِصَاصٍ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ هُنَا كَذَلِكَ فَيَكُونُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُفَارِقًا لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى نُطْقِ الْغَائِبِ فِي الْجُمْلَةِ لِقِيَامِ أَهْلِيَّةِ النُّطْقِ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَخْرَسُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى النُّطْقِ لِلْآفَةِ الْمَانِعَةِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْذُوفِ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْقَذْفِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاصُ عَنْهُ وَلَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ، فَمَا ظَنُّك بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي ثُبُوتِ الطَّلَاقِ لَوْ كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ غَالِبًا عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تَفَكَّرْ. (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ، أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ زَوَاجِرَ، وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ) أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ جَوَازِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ مَعَ الشُّبْهَةِ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ فِي عِدَّةِ مَوَاقِعَ: مِنْهَا كِتَابُ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ مَبْنَى الْكُلِّ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ. وَمِنْهَا كِتَابُ الشَّهَادَاتِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَلَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، لِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. ثُمَّ قَالَ فِيهِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمِنْهَا كِتَابُ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَكَذَا بِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِاسْتِيفَائِهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَتِهِ. وَمِنْهَا كِتَابُ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ: وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَ اُسْتُحْلِفَ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا، لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ بِهِ الْمَالُ. وَمِنْهَا كِتَابُ الْجِنَايَاتِ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهُ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِالشُّبْهَةِ بَلْ جَعَلَهَا أَصْلًا مُؤَثِّرًا فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِتَحَقُّقِ نَوْعٍ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي تَمَامِ ذَلِكَ الْكِتَابِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَيْدَ الْخَالِصَةِ فِي قَوْلِهِ أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ زَوَاجِرَ مُسْتَدْرَكٌ بَلْ مُخِلٌّ هُنَا، فَإِنَّ حَدَّ الْقَذْفِ غَيْرُ خَالِصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، بَلْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا زَاجِرٌ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَا تَكُونُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ حُجَّةً فِيهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيهِ مَرَّ آنِفًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ عَلَى التَّقْيِيدِ الْمَزْبُورِ. (قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ.

لِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ جَمَعَ هَاهُنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَشَارَ أَوْ كَتَبَ، وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَفِي الْكِتَابَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْإِشَارَةِ، وَفِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةُ أَثَرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكِتَابِ لَمَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى النُّطْقِ مِنْ آثَارِ الْأَقْلَامِ فَاسْتَوَيَا (وَكَذَلِكَ الَّذِي صَمَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لِعَارِضٍ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ أَنَّ آلَةَ النُّطْقِ قَائِمَةٌ، وَقِيلَ هَذَا تَفْسِيرٌ لِمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً وَفِيهَا مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى فِيهَا وَأَكَلَ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَأْكُلْ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ. أَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَاَلَّتِي تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ذَكِيَّةً أَوْلَى، غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ جَمَعَ هَاهُنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَشَارَ أَوْ كَتَبَ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَلَنَا فِي دَعْوَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَظَرٌ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِذَا كَانَ الْأَخْرَسُ يَكْتُبُ أَوْ يُومِئُ وَكَلِمَةٌ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ لَا لِلْجَمْعِ، عَلَى أَنْ نَقُولَ: قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ كَانَ الْأَخْرَسُ لَا يَكْتُبُ وَكَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، فَيُعْلَمُ مِنْ إشَارَةِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ بَيَّنَ حُكْمَ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ بِشَرْطِ أَنْ يَكْتُبَ، فَافْهَمْ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا، إذْ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ مَادَّةٍ مِنْ مَوَادِّ إعْلَامِ الْأَخْرَسِ، بَلْ مُرَادُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي جَوَازِ إعْلَامِ الْأَخْرَسِ مُرَادُهُ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا شَكَّ فِي دَلَالَةِ كَلِمَةٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِلَا تَعْيِينٍ، فَإِذَا أَتَى الْأَخْرَسُ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ يَتَحَقَّقُ الْإِتْيَانُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الشَّرْعِ، أَيْ يُقْبَلُ وَيَعْمَلُ بِهِ بِمُوجَبِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَأَمَّا عِلَاوَتُهُ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إلَخْ فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ أَيْضًا، لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ دَلَالَةُ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى اسْتِوَاءِ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ جَمَعَ هَاهُنَا بَيْنَهُمَا أَنَّهُ جَمَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ جَمَعَ هُنَا بَيْنَهُمَا: أَيْ جَمَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي إشَارَةَ مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ إلَى أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. فَإِنْ قُلْت: فَعَلَى هَذَا كَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مَبْنِيًّا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، فَمَا مَعْنَى نِسْبَةِ التَّوَهُّمِ إلَيْهِمْ؟ قُلْت: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ أَصْلًا: أَيْ فِي رِوَايَةٍ مَا. وَلَك أَنْ تَقُولَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ التَّوَهُّمِ إلَيْهِمْ بِالنَّظَرِ إلَى الدِّرَايَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً وَفِيهَا مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى فِيهَا وَأَكَلَ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَأْكُلْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ

[خاتمة الكتاب]

يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ دَلِيلٌ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ الْحَالَةَ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ. وَلَنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ فِي إفَادَةِ الْإِبَاحَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَسْوَاقَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمُحَرَّمِ الْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ وَمَعَ ذَلِكَ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ اعْتِمَادًا عَلَى الْغَالِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَقَلِيلِ الِانْكِشَافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا نِصْفَيْنِ أَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَغْلَبَ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا وَبَيْنَ الثِّيَابِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا نَجَسٌ وَالْآخَرُ طَاهِرٌ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ مَعَهُ ثَوْبٌ غَيْرَهُمَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي فِي الَّذِي يَقَعُ تَحَرِّيهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ، فَقَدْ جَوَّزَ التَّحَرِّيَ هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ النَّجَسُ وَالطَّاهِرُ نِصْفَيْنِ وَفِي الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ لَمْ يُجَوِّزْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا، لِأَنَّ الثِّيَابَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ لَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغَنَمِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ نَجَسٌ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نَجَسًا وَرُبْعُهُ طَاهِرٌ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا بِالْإِجْمَاعِ، فَلَمَّا جَازَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ وَهُوَ نَجَسٌ بِيَقِينٍ فَلَأَنْ تَجُوزَ بِالتَّحَرِّي حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ أَوْلَى انْتَهَى. أَقُولُ: لَا الشُّبْهَةُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ عِنْدِي. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَجْوِيزَ التَّحَرِّي فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ النَّجَسُ وَالطَّاهِرُ نِصْفَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ ثَوْبٌ غَيْرُهُمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَعَدَمُ تَجْوِيزِهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَيْتَةُ وَالذَّكِيَّةُ نِصْفَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِقَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَلَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ رَأْسًا لِظُهُورِ اخْتِلَافِ حُكْمَيْ حَالَتَيْ الِاخْتِيَارِ وَالِاضْطِرَارِ قَطْعًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ حُكْمِ الثِّيَابِ أَخَفَّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهَا. لِأَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الثِّيَابِ عِنْدَ كَوْنِ كُلِّهَا نَجِسَةً وَعَدَمَ لُزُومِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ إذْ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُجِيبُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا، وَكَوْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغَنَمِ بِخِلَافِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا تَحَقَّقْته، فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ كَوْنُ حُكْمِ الثِّيَابِ أَخَفَّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهَا مُطْلَقًا حَتَّى يَصْلُحَ أَنْ يُجْعَلُ مَدَارَ الْفَرْقِ بَيْنَ تَيْنِك الْمَسْأَلَتَيْنِ. [خَاتِمَة الْكتاب] قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ لَنَا مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِتَوْفِيقٍ مِنْ اللَّهِ وَهِدَايَةٍ، أَلَّفْتُهُ مَعَ تَوَزُّعِ الْخَاطِرِ وَتَشَتُّتِ الْبَالِ مِنْ تَرَاكُمِ الْهُمُومِ وَكَثْرَةِ الْبَلْبَالِ، وَسَمَّيْتُهُ: (نَتَائِجُ الْأَفْكَارِ فِي كَشْفِ الرُّمُوزِ وَالْأَسْرَارِ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْنِي إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الثِّقَاتِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةِ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالْأَنْصَارِ تَمَّ.

§1/1